سرشناسه:مرعشی، شهاب الدین، 1276 - 1369.
عنوان و نام پديدآور:موسوعه الامامه فی نصوص اهل السنه/ شهاب الدین المرعشی النجفی؛ باهتمام محمود المرعشی النجفی، محمد اسفندیاری.
مشخصات نشر:قم: صحیفه خرد: مکتبه آیه الله العظمی المرعشی النجفی الکبری قدس سره، 13-
مشخصات ظاهری:20 ج.
شابک:دوره : 964-8635-17-X ؛ ج. 1 964-8635-18-8 : ؛ ج. 2، چاپ دوم : 964-8635-19-6 ؛ ج. 3، چاپ دوم : 964-8635-20-X ؛ ج. 4 964-8635-21-8 : ؛ ج.5 964-8635-22-6 : ؛ ج.6: 978-964-8635-71-3 ؛ ج.7: 978-964-8635-72-0 ؛ ج.8 978-964-8635-73-7 : ؛ ج.9 978-964-8635-74-4 : ؛ ج.10 978-964-8635-75-1 : ؛ ج.11: 978-964-8635-76-8 ؛ ج.12 978-964-8635-77-5 : ؛ ج.13: 978-964-8635-78-2 ؛ ج.14: 978-964-8635-79-9 ؛ ج.15: 978-964-8635-80-5 ؛ ج.16: 978-964-8635-81-2 ؛ ج. 17 978-964-8635-82-9 : ؛ ج.18: 978-964-8635-83-6 ؛ ج.19: 978-964-8635-84-3 ؛ ج.20: 978-964-8635-85-0 ؛ ج.26 978-600-161-175-9 : ؛ ج.27 978-600-161-176-6 : ؛ ج.28 978-600-161-177-3 : ؛ ج.29 978-600-161-178-0 : ؛ ج.30 978-600-161-179-7 :
يادداشت:عربی.
يادداشت:فهرستنوسی بر اساس جلد هفدهم، 1430ق.= 2009 م.= 1388.
يادداشت:ج. 1 تا 5 (چاپ اول: 1426 ق. = 2005 م. = 1384).
يادداشت:ج. 1 - 4 (چاپ دوم: 1427ق.= 2006م. = 1385).
يادداشت:ج.6 - 20 (چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388).
يادداشت:ج. 6- 10، 12- 20 (چاپ دوم: 1432 ق.= 2011 م.= 1390).
يادداشت:ج. 26 - 30 (چاپ اول: 1440 ق. = 2018 م. = 1397).
يادداشت:ناشر جلدهای 26 - 30 مکتبه آیةالله العظمی المرعشی النجفی است.
یادداشت:کتابنامه.
مندرجات:.- ج. 1 و 2. اهل البیت علیهم السلام فی القرآن.- ج. 3 ، 4 و 5 . اهل البیت علیهم السلام فی النصوص و الاثار.- ج.6 و 7. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام حیاته علیه السلام الشخصیة.- ج. 8. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام مع النبی صلی الله علیه و آله و سلم.-ج.9. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام مع النبی صلی الله علیه و آله سلم والخلفاء.ج.10، 11 و 12. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام امامته و ولایته و خلافته علیه السلام.- ج. 13و 14. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام اعماله و سیرته علیه السلام.- ج. 15. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام اعماله و سیرته علیه السلام.- ج. 16، 17، 18، 19 و 20. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام فضائله و مناقبه علیه السلام.- ج.29. ترجمه سید شباب اهل الجنة الحسن بن علی بم ابی طالب علیهماالسلام
موضوع:امامت -- احادیث اهل سنت
شناسه افزوده:مرعشی،سید محمود، 1320 -، گردآورنده
شناسه افزوده:اسفندیاری، محمد، 1343 - ، گردآورنده
شناسه افزوده:کتابخانه بزرگ حضرت آیت الله العظمی مرعشی نجفی
رده بندی کنگره:BP117/25 /الف8 م4 1300ی
رده بندی دیویی:297/211
شماره کتابشناسی ملی:1041251
ص :1
سماحة آية الله العظمي السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي
موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة
باهتمام
السيّد محمود المرعشي النجفي
(المشرف علي الموسوعة)
و
محمّد اسفندياري
(مدير الموسوعة)
بالتعاون مع
محمّد مرادي المعاون العلمي
محمّدكاظم عبداللهي محقّق ومستشار
محمّدجواد محمودي محقّق ومنقّح
حسين تقي زاده محقّق ومنقّح
محمّدرضا جديدي نژاد محقّق
محمّد صحّتي سردرودي محقّق
مصطفي فضلي زاده محقّق
ص:2
المجلّد السادس عشر
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام
فضائله ومناقبه عليه السلام
ص:3
سماحة آية الله العظمي السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي
موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة
الطبعة الاُولي: إيران - قم، 1430ق/1388ه/2009م صحيفة خرد بمساعدة مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي هاتف: 09128512201 و 7832198-0251 ،عدد المطبوع: 2000 نسخة تنضيد الحروف: محمّدرضا فضلي، الإخراج الفنّي: محمّد قاسم أحمدي، مقابلة النصّ : سيّد علي اكبر حسيني و وحيد روح الله پور الرقم الدولي للكتاب: 2 - 81 - 8635 - 964 - 978 الرقم الدولي للدورة: 1 - 17 - 8635 - 964 - 978
المرعشي النجفي، السيّد شهاب الدين، 1276 - 1369
موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة / المؤلّف السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي؛ باهتمام السيّد محمود المرعشي النجفي و محمّد اسفندياري بالتعاون مع عدّة من المحقّقين . - قم: صحيفة خرد و مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي، 1388 - .
(دورة) 1 - 17 - 8635 - 964 - 978 : ISBN
المصادر بالهامش.
1. الإمامة - أحاديث. 2. الأئمّة الاثنا عشر. 3. الأئمّة الاثنا عشر - الفضائل. 4. أحاديث أهل السنّة - القرن 14 . ألف. المرعشي النجفي، السيّد محمود، 1320 - . ب . اسفندياري، محمّد، 1338 - . ج . العنوان.
4 1384م 8 ألف/141/5 BP
ص:4
ص:5
ص:6
الفصل السادس: فضائله ومناقبه عليه السلام
وفيه أبواب:
تنبيه: 13
الباب الأوّل: كثرة فضائله ومناقبه عليه السلام , وفيه فروع: 15
الأوّل: في عدد من فضائله عليه السلام وما جاء في كثرتها 15
الثاني: له عليه السلام فضيلة لم يعطها الله أحداً قبله ولا بعده 34
الثالث: تفضيله عليه السلام وأنّه أعظم الناس منزلة وأفضلهم بعد النبي صلى الله عليه و آله و سلم 34
الرابع : نعوته عليه السلام في الكتاب السماويّة السابقة 156
الباب الثاني: علمه عليه السلام , و فيه فروع : 158
الأوّل : أنّه عليه السلام عالم هذه الامّة 158
الثاني: لم يسبقه عليه السلام الأوّلون بعلم و لا يدركه الآخرون 162
الثالث: أنّه عليه السلام عيبة علم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم 165
الرابع : أنّه عليه السلام و ارث علم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم 171
الخامس : أنّه عليه السلام ذو اللسان السؤل و القلب العقول 177
السادس : أن ّ اذنه عليه السلام واعية و النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم مأمور بتعليمه 179
السابع : شدّة اهتمام النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم بتعليمه عليه السلام 195
الثامن : تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إيّاه عليه السلام كلمات الفرج 209
ص:7
التاسع : تعليم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إيّاه عليه السلام دعاء لأداء الدين 221
العاشر: أنّه عليه السلام كان يكتب إملا النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم 222
الحادي عشر: أنّه عليه السلام شرب العلم و ملئ منه ، و دعاء النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لا زدياد علمه 223
الثاني عشر: أنّه عليه السلام يتفجّر العلم من جوانبه و تنطق الحكمة من نواحيه 232
الثالث عشر: أنّه عليه السلام أكثر الامّة علما و أعلمهم 235
الرابع عشر: أنّه عليه السلام لعالم الأرض و أعلم أهل المدينة 253
الخامس عشر: أنّه عليه السلام لعالم بالكتب السماواّة 255
السادس عشر: أنّه عليه السلام أعلم الصحابة 255
السابع عشر: له عليه السلام أربعة أخماس العلم و الحكمة و للناس جزء واحد و شاركهم فيه 262
الثامن عشر: له عليه السلام خمسة أسداس العلم و للناس جزء واحد و شاركهم فيه 262
التاسع عشر: له عليه السلام تسعة أعشار العلم و الحكمة و للناس جزء واحد و شاركهم فيه 263
العشرون : أن ّ الله تعالي أعطي عليّا عليه السلام علمه و حلمه و خصّه بعلمه 266
الحادي و العشرون : أن ّ رسول الله صلى الله عليه و آله علّم عليّا عليه السلام علمه و حكمته و أسرّ إليه ألف باب من العلم يفتح منه ألف باب 267
الثاني و العشرون : أنّه عليه السلام باب علم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم و حكمته 274
الثالث و العشرون : كتابة العلم عنه عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم 301
الرابع و العشرون : أنّه عليه السلام أعلم الناس بالسنّة 301
الخامس و العشرون : أنّه عليه السلام أعلم الناس بالفرائض 305
السادس و العشرون : أنّه عليه السلام فقيه الصحابة ، و باب فقه النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، و أفقه الناس 307
السابع و العشرون : علمه عليه السلام بالقرآن و أنّه أعلم الناس به 314
الثامن و العشرون : أنّه عليه السلام أعلم الناس بالله 314
التاسع و العشرون : أنّه عليه السلام أعلم الناس بأيّام الله 316
الثلاثون : شباهته عليه السلام بآدم و نوح و موسي و خضر في الفهم و العلم و الفقه و الحكمة 317
الحادي و الثلاثون : ما ورد عنه عليه السلام بلفظ «سلوني» 323
الثاني و الثلاثون : أنّه عليه السلام يبيّن للناس ما يختلفون فيه و يعلّمهم 335
ص:8
الثالث و الثلاثون : أنّه عليه السلام كفّتا ميزان العلم 341
الرابع و الثلاثون : درايته عليه السلام كدرآية النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم 341
الخامس و الثلاثون : إخباره عليه السلام بالمغيبات , و هو علي أنحاء: 342
1. إخباره عليه السلام عن قتل طلحة و الزبير، و عن عدد الجيش الّذي يأتي من الكوفة إلي البصرة 342
2. إخباره عليه السلام عن قتل شاب ّ أخذ المصحف و تكلّم مع أصحاب الجمل ، و عن كيفيّة قتله 345
3. إخباره عليه السلام عن مجيء اويس القرني في حرب صفّين 348
4. إخباره عليه السلام عمّا يقع في حرب النهروان 349
5. إخباره عليه السلام عن مستقبل أصحابه و أهل العراق و تسلّط معاوية عليهم و عن ملكه و ملك بني اميّة 363
6. إخباره عليه السلام عن ملك مروان و بنيه 377
7. إخباره عليه السلام بأنّه يؤمر بسبّه و لعنه و البراءة منه 379
8. إخباره عليه السلام عن الحجّاج بن يوسف 383
9. إخباره عليه السلام عن دعاة الدولة العبّاسيّة و دولتهم 389
10. إخباره عليه السلام عن شهادة سبعة من خيار شيعته منهم : حجر بن عدي 391
11. إخباره عليه السلام عن شهادة مزرع و صلبه بين شرفتين من شرف المسجد 391
12. إخباره عليه السلام عن شهادة ميثم التمّار 392
13. إخباره عليه السلام عن شهادة رشيد الهجري و إنّه يقطع لسانه و يصلب 396
14. إخباره عليه السلام عن شهادة جويرية و كيفيّتها 397
15. إخباره عليه السلام عن شهادة عمرو بن الحمق 398
16. إخباره عليه السلام عن شهادة كميل بن زياد 399
17. إخباره عليه السلام عن خراب البصرة و غرقها 399
18. إخباره عليه السلام عن قتله و عن قاتله 403
19. إخباره عليه السلام عن شهادة الحسين عليه السلام و أصحابه و تعيين محلّها 403
20. إخباره عليه السلام عن مستقبل عمر بن سعد وأنّه يختار النار 416
21. إخباره عليه السلام عن هدم الكعبة 417
ص:9
22. إخباره عليه السلام عن حقيقة حال امرأتين تكتمانها 420
23. باب جامع في إخباره عليه السلام بالمغيبات 424
السادس والثلاثون: في أنواع علومه عليه السلام , وهو علي أنحاء: 447
1. رفعة كلامه عليه السلام 447
2. فصاحته عليه السلام وبلاغته 452
3. معرفته عليه السلام بالشعر 462
4. إنّه عليه السلام أشعر الثلاثة 464
5. علمه عليه السلام بالقضاء 466
6. علمه عليه السلام بالحساب 466
7. علمه عليه السلام بتعبير الرؤيا 466
8. تأسيسه عليه السلام لعلم النحو 467
السابع والثلاثون: رجوع الصحابة وإرجاعهم الناس إليه عليه السلام وما قالوا في علمه 478
1. أبوبكر بن أبي قحافة 479
2. زيد بن ثابت 484
3. سلمان الفارسي 485
4. عائشة 485
5. عبدالله بن عبّاس 498
6. عثمان بن عفّان 499
7. عمر بن الخطّاب 506
8. معاوية بن أبي سفيان 542
ص:10
ص:11
ص:12
ما تضمّن عليه هذا الفصل من موسوعتنا هو فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ، ونحن معترفون بالعجز عن أداء تمام حقّ الإمام عليه السلام ، ونرجو من الله تعالي أن يكون وافياً ببعض حقّه عليه السلام ، وقد ذكرنا قُبيل هذا قسماً كبيراً من فضائله في سائر الفصول ظنّاً بأنّها أنسب بتلك الفصول.
ونشير هنا إجمالاً علي مواضعها لئلّا يتحيّر القرّاء الكرام عند الفحص عنها، فنقول: كلّ ما يرتبط بحياته الشخصيّة من ابتداء خلقته إلي مقتله عليه السلام , مثل خلقته وخلقة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من نور واحد، وأنّه عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خلقا من طينة واحدة، ونسبه، وأساميه وكناه وألقابه، ومعاشه وأزواجه وأولاده وإسكانه في المسجد وإخراج غيره وسدّ الأبواب إلّا باب بيته، وأنّه عليه السلام ما ترك ذهباً ولا فضّة ... فقد ذكرناها في الفصل الأوّل في عنوان: «حياته الشخصيّة».
وكلّ ما يرتبط بحضوره عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وشدّة اتّصاله به؛ من أنّه أحقّ الناس برسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، وأنّه تربّي مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، ومبيته علي فراش رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عند الهجرة، وأنّ بيته عند بيت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وأنّه حضر في غزوات النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، وما قاله النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم في شأنه حين حضوره في تلكم الغزوات، إلي غير ذلك من شؤونه في هذا المضمار، فقد ذكرناها في الفصل الثاني من ترجمته عليه السلام في عنوان: «مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ».
وكلّ ما يرتبط بإمامته عليه السلام ووراثته ووزارته؛ من أنّه عليه السلام إمام الناس، وإمام المتّقين،
ص:13
وخاتم الأوصياء، ووارث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ... فقد ذكرناها في الفصل الرابع من ترجمته عليه السلام في عنوان: «خلافته وولايته».
وكلّ ما يرتبط بأعماله العباديّة والاجتماعيّة والاقتصاديّه والثقافيّة والسياسيّة والأمنيّة والحربيّة وسيرته فيها وأحكامه القضائيّة وسيرته فيها، فقد ذكرناها في الفصل الخامس من ترجمته ذيل عنوان: «سيرته عليه السلام وأعماله»، مثل: كثرة عبادته وإخلاصه فيها، وعدله وقسمته بالسويّة، وسيرته في تقسيم بيت المال، وأرجعنا في فروع هذا الفصل إلي العناوين الّتي نظنّ بأنّها لا يخطر بذهن الباحث الكريم، وقسّمنا الفصل علي أبواب كما تلي:
ص:14
برواية:
1. الحسن البصري- 8. عكرمة
2. سفيان الثوري - 9. علي بن أبي طالب عليه السلام
3. سليمان بن طرخان - 10. عمر بن الخطّاب
4. سليمان بن مهران الأعمش- 11. أبي ليلي
5. أبي الطفيل عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم- 12. مجاهد
6. أبي عبدالرحمان- 13. المنصور العبّاسي
7. عبدالله بن عبّاس - 14. المراسيل والأقوال
17579. ابن سلّام : عن عمرو بن عبيد، قال:
كنّا جلوساً عند الحسن بن أبي الحسن [البصري] إذ أتاه رجل، فوقف علي رأسه فقال له: يا أباسعيد، إنّك سُئلت عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقلت له: لو كان في المدينة يأكل من حشَفها (1)
ص:15
وتمرها, كان خيراً ممّا صنع!
فرفع رأسه إليه فقال: يا ابن أخي، كلمة باطل حقنت بها دمي، أما والله لقد فقدتموه سهماً من سهام الله صائباً لعدوّ الله، ليس بالسروقة مال الله، ولا بالنُوَمَة (1) عن أمر الله، ربّاني هذه الاُمّة في علمها وفضلها وقدمها، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، حرّم حرامه، وأحلّ حلاله، حتّي أورده ذلك علي رياض مونقة، وحدائق مغدقة، ذاك علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا لُكَع (2). (3)
17580. الأنباري : عن العبّاس بن ميمون، عن [عبيدالله بن محمّد] ابن عائشة، عن أبيه، عن عوف، عن الحسن [البصري] - والألفاظ مختلفة والمعاني متقاربة - (4):
أنّ رجلاً قال له: إنّ إخوتك الشيعة ينسبونك إلي تنقّص علي ويقولون: قال: لو كان علي بالمدينة يأكل حشفها كان خيراً له ممّا صنع!
فبكي الحسن وقال: وأنا أقول هذا؟!
أما والله لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهماً صائباً من مرامي الله - عزّ وجلّ - ، ربّاني هذه الاُمّة بعد نبيّها صلى الله عليه و آله ، وصاحب شرفها وفضلها، وذا القرابة القريبة من رسول الله صلى الله عليه و آله ، غير سؤوم لأمر الله، ولا سروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، فأورده رياضاً مونقة، وحدائق مغدقة، ذاك علي بن أبي طالب يا لُكَع. (5)
ص:16
17581. ابن عبد ربّه : ذكروا أنّ رجلاً أتي الحسن [البصري] فقال: أباسعيد، إنّهم يزعمون أنّك تُبغض عليّاً! فبكي حتّي اخضلّت لحيته، ثمّ قال:
كان علي بن أبي طالب سهماً صائباً من مرامي الله علي عدوّه، وربّاني هذه الاُمّة، وذا سابقتها، وذا فضلها، وذا قرابة قريبة من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لم يكن بالنُوَمَة عن أمر الله، ولا بالملولة في حقّ الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، وأعلام بيّنة، ذاك علي بن أبي طالب يا لُكَع. (1)
17582. ابن عبدالبرّ : سئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال:
كان علي - والله - سهماً صائباً من مرامي الله علي عدوّه، وربّاني هذه الاُمّة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه يا لُكَع. (2)
17583. القلعي : عن الحسن بن أبي الحسن، وقد سئل عن علي، قال:
كان - والله - سهماً صائباً من مرامي الله - عزّ وجلّ - علي عدوّه، وربّاني هذه الاُمّة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله - عزّ وجلّ - ، أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذاك علي بن أبي طالب رضي الله عنه . (3)
17584. الطبراني : حدّثنا محمّد بن علي الأحمر، حدّثنا محمّد بن فراس أبوهريرة،
ص:17
حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، قال:
سمعت سفيان الثوري يقول: منعتنا الشيعة أن نذكر فضائل علي. (1)
17585. الذهبي : مؤمّل بن إسماعيل، عن سفيان، قال:
تركتني الروافض، وأنا أبغض أن أذكر فضائل علي. (2)
17586. الذهبي : وعنه [أي سفيان الثوري] قال:
امتنعنا من الشيعة أن نذكر فضائل علي رضي الله عنه . (3)
17587. معتمر بن سليمان : عن أبيه, قال:
كان لعلي بن أبي طالب عشرون ومئة منقبة لم يشترك [معه] فيها أحد من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله و سلم ، وقد اشترك في مناقب الناس. (4)
17590. ابن أبي شيبة : حدّثنا علي بن مسهر، عن فطر، عن أبي الطفيل، عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم ، قال:
لقد جاء في علي من المناقب ما لو أنّ منقباً منهم قسم بين الناس لأوسعهم خيراً. (1)
17591. الحسكاني : أخبرنا محمّد بن علي بن محمّد المقرئ - بقراءتي عليه من أصل سماعه - ، قال: أخبرنا محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدّثنا الحسين بن حريث أبوعمّار، قال: حدّثنا الفضل بن موسي، عن فطر، عن أبي الطفيل، عن بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، قال:
لقد سبق لعلي بن أبي طالب عليه السلام من المناقب ما لو أنّ واحدة منها قسمت بين الخلق وسعتهم خيراً. (2)
17592. ابن البختري: حدّثنا محمّد بن عبدالملك الدقيقي، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا فطر، قال: سمعت أباالطفيل يقول: قال بعض أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم :
لقد كان لعلي بن أبي طالب من السوابق ما لو أنّ سابقة منها بين الخلائق لوسعتهم خيراً. (3)
17593. الدولابي ومطيّن وابن السكن : عن علي بن هاشم، عن عبدالملك بن أبي عبدالله - قاضي الري - ، عن عبّاد، عن أبي عبدالرحمان - حاضن عائشة - ، قال:
قلنا له: أ لا تذكر لنا من فضائل علي بن أبي طالب ؟ قال: هي أكثر من أن تُحْصَر. قلنا: فاذكر لنا بعضها. قال: أفعل، استأذن علي علي النبيّ صلى الله عليه و سلم وأنا في البيت، فسمعته
ص:19
يقول: إنّك لأوّل من ينفض التراب عن رأسه يوم القيامة. (1)
17594. الحسن بن سفيان : حدّثنا عمّار بن خالد، قال: حدّثنا إسحاق [بن يوسف] عن عبدالملك بن أبي سليمان، قال: حدّثني شريك كان لأبي يقال له يحيي، عن عبدالله بن عبدالرحمان - قاضي الري - ، قال:
قلت لأبي عبدالرحمان - مكاتب كان لعائشة - : حدّثنا بمناقب علي. قال: ما احدّثك وهي أكثر من أن تحصي! (2)
17595. الحسكاني: أخبرنا أبوجعفر الحلبي، قال: أخبرنا أبوالحسن بن الطيوري الحلبي، قال: حدّثنا أبوالقاسم عبدالرحمان بن منصور بن سهل، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا علي بن رجاء الخلّال - بقادسيّة الكوفة - ، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا إسرائيل، عن حكيم، عن مجاهد وعبدالله بن شدّاد بن الهاد، عن ابن عبّاس، قال:
لقد كان لعلي ثمانية عشرة منقبة، لو كانت واحدة منها لرجل من هذه الاُمّة لنجا بها، ولقد كانت له اثنا عشر منقبة ما كانت لأحد من هذه الاُمّة. (3)
17596. الحسكاني : حدّثني أبوزكريّا ابن أبي إسحاق المزكّي، قال: أخبرنا عبدالله بن إسحاق الخراساني - ببغداد - ، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي العوّام، قال: حدّثنا عبدالعزيز بن أبان، قال: حدّثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن مجاهد وعبدالله بن شدّاد، قالا:
ص:20
ذكر علي عند ابن عبّاس فقال: لقد كانت لعلي ثمانية عشر منقبة، [و] إنّ خمساً منها لو لم يكن له إلّا واحدة منها كان نجا بها، وإنّ ثلاثة عشر منها ما كانت لأحد في هذه الاُمّة. (1)
17597. الحسكاني : أخبرنا جدّي الشيخ أبونصر أحمد بن محمّد بن أحمد بن حسكان - بقراءتي عليه من أصل سماعه - ، قال: أخبرنا أبومنصور بن الحسين بن محمّد بن أحمد بن القاسم المفسّر، قال: حدّثنا أبوبكر عبدالرحمان بن محمّد المذكّر، قال: حدّثنا أبولبيد محمّد بن إبراهيم، قال: حدّثنا سلمة بن شبيب، قال: حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا إسرائيل.
وأخبرنا أبوالقاسم عبدالرحمان بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم المقرئ, قال: أخبرنا أبومحمّد عبدالله بن محمّد بن عبدالرحمان الرازي، قال: أخبرنا الحسن بن علوية القطّان، قال: حدّثنا علي بن سيابة، قال: حدّثنا الوضّاح بن حسّان، قال: حدّثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال:
لقد كانت لعلي بن أبي طالب عليه السلام ثمانية عشر منقبة، لو لم يكن له إلّا واحدة منهنّ لنجا بها.
وقال جدّي رحمه الله [في روايته عن ابن عبّاس]: لقد كان لعلي بن أبي طالب عليه السلام ثمانية عشر منقبة، لو لم يكن إلّا واحدة لنجا بها، ولقد كانت له ثلاثة عشر منقبة لم تكن لأحد من هذه الاُمّة. (2)
17598. الطبراني : حدّثنا موسي بن أبي حصين، قال: حدّثنا جعفر بن مروان السمري، قال: حدّثنا جعفر بن راشد الحميري، عن إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال:
ص:21
كانت لعلي بن أبي طالب ثمانية عشر منقبة، لو لم يكن له إلّا واحدة منها لنجا بها، ولقد كانت له ثلاث عشرة منقبة ما كانت لأحد من هذه الاُمّة. (1)
17599. الحسكاني : ... حدّثنا الوضّاح بن حسّان، قال: حدّثنا إسرائيل ... . (2)
تقدّمت روايته آنفاً مع رواية أحمد بن يونس عن إسرائيل.
17600. المعافي : عن محمّد بن أحمد بن أبي الثلج، عن الحسن بن محمّد بن بهرام، عن يوسف بن موسي القطّان، عن جرير، عن الليث، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
لو أنّ الغياض أقلام، والبحر مداد، والجنّ حسّاب، والإنس كتّاب، ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب. (3)
17601. أبونعيم : حدّثني أحمد بن يعقوب بن المهرجان، حدّثني علي بن محمّد النخعي القاضي، قال: حدّثني الحسين بن الحكم [الحبري]، حدّثني الحسن بن الحسين، عن عيسي بن عبدالله [بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب]، عن أبيه، عن جدّه، قال:
قال رجل لابن عبّاس: سبحان الله! ما أكثر مناقب علي وفضائله! إنّي لأحسبها ثلاثة آلاف. فقال ابن عبّاس: أو لا تقول: إنّها إلي ثلاثين ألفاً أقرب ؟! (4)
ص:22
17602. الحسكاني : حدّثني علي بن موسي بن إسحاق، عن محمّد بن مسعود بن محمّد المفسّر، قال: حدّثنا نصر بن أحمد، قال: حدّثنا عيسي بن مهران، قال: حدّثنا علي بن خلف العطّار، قال: حدّثنا يحيي بن يعلي، عن هارون بن الحكم، عن علي بن بذيمة، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال:
ما في القرآن آية: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إلّا وعلي أميرها وشريفها، وما من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله و سلم رجل إلّا وقد عاتبه الله، وما ذكر عليّاً إلّا بخير.
[ثمّ ] قال عكرمة: إنّي لأعلم أنّ لعلي منقبة لو حدّثت بها لنفدت أقطار السماوات والأرض - أو قال: الأرض - . (1)
17603. المخلدي : عن الحسين بن إسحاق، عن محمّد بن زكريّا، عن جعفر بن محمّد بن عمّار، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
إنّ الله تعالي جعل لأخي علي فضائل لا تحصي كثرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه، ومن كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم، ومن استمع إلي فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب الّتي اكتسبها بالاستماع، ومن نظر إلي كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب الّتي اكتسبها بالنظر.
ثم قال: النظر إلي علي عبادة، وذكره عبادة، ولا يقبل الله إيمان عبد إلّا بولايته
ص:23
والبراءة من أعدائه. (1)
17604. الذارع : حدّثنا صدقة بن موسي بن تميم بن ربيعة أبوالعبّاس، حدّثنا أبي، حدّثنا الرضا، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه علي عليه السلام ، قال:
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و آله ذات يوم نمشي في طرقات المدينة، إذ مررنا بنخل من نخلها فصاحت نخلة باُخري: هذا النبيّ المصطفي وعلي المرتضي. ثمّ جزناها فصاحت ثانية بثالثة: هذا موسي وأخوه هارون. ثمّ جزناها فصاحت ثالثة برابعة: هذا نوح وإبراهيم. فجزناها فصاحت رابعة بخامسة: هذا محمّد سيّد النبيّين، وهذا علي سيّد الوصيّين. فتبسّم النبيّ صلى الله عليه و آله ثمّ قال: يا علي، إنّما سمّي نخل المدينة صيحانيّاً لأنّه صاح بفضلي وفضلك. (2)
17605. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : أخبرنا جندل بن والق، أخبرنا محمّد بن عمر المازني، عن عبّاد الكلبي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جابر، قال: قال عمر:
ص:24
كانت لأصحاب محمّد صلى الله عليه و آله و سلم ثماني عشرة سابقة، فخصّ علي منها بثلاث عشرة وشركنا في خمس. (1)
17606. ابن عساكر : أخبرنا أبوالعزّ أحمد بن عبيدالله السلمي، أخبرنا أبومحمّد الحسن بن علي [الجوهري]، أخبرنا أبوالحسن علي بن محمّد بن أحمد بن نصير، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الصلحي، حدّثنا أبوسعيد عمرو بن عثمان بن راشد السوّاق، حدّثنا عبدالله بن مسعود الشامي، حدّثنا ياسين بن محمّد بن أيمن، عن أبي حازم مولي ابن عبّاس، عن ابن عبّاس، قال: قال عمر بن الخطّاب:
كفّوا عن علي، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه خصالاً لو أنّ خصلة منها في جميع آل الخطّاب كان أحب إلي ممّا طلعت عليه الشمس، إنّي كنت ذات يوم وأبوبكر وعبدالرحمان وعثمان بن عفّان وأبوعبيدة بن الجرّاح في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فانتهينا إلي باب امّ سلمة، إذا نحن بعلي متّكئ علي نجف الباب، فقلنا: أردنا رسول الله، فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن.
قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم فثرنا حوله، فاتّكأ علي علي، ثمّ ضرب يده علي منكبه وقال: اكْسَ (2)ابن أبي طالب، فإنّك مخاصم بسبع خصال ليس لأحد بعدهنّ إلّا فضلك: إنّك أوّل المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعيّة، وأقسمهم بالسويّة، وأعظمهم عند الله مزيّة. (3)
17607. الحفّار : حدّثني أبوبكر محمّد بن عمرو الحافظ ، حدّثني أبوالحسن علي بن
ص:25
موسي الخزّاز - من كتابه - ، حدّثني الحسن بن علي الهاشمي، حدّثني إسماعيل بن أبان، حدّثني أبومريم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، قال: قال أبي:
دفع النبيّ صلى الله عليه و آله الراية يوم خيبر إلي علي بن أبي طالب عليه السلام ففتح الله تعالي علي يده، وأوقفه يوم غدير خمّ فأعلم الناس أنّه مولي كلّ مؤمن ومؤمنة ... وقال له: إنّ الله تعالي أوحي إلي بأن أقوم بفضلك، فقمت به في الناس وبلّغتهم ما أمرني الله بتبليغه، وقال له: اتّق الضغائن الّتي لك في صدور من لا يظهرها إلّا بعد موتي، اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
ثمّ بكي صلى الله عليه و آله فقيل: ممّ بكاؤك يا رسول الله ؟ فقال: أخبرني جبرئيل عليه السلام أنّهم يظلمونه، ويمنعونه حقّه، ويقاتلونه ويقتلون ولده، ويظلمونهم بعده. (1)
17608. ابن منجويه : أخبرنا أبوأحمد محمّد بن محمّد بن الحسن القاضي - ببخاري - ، قال: أخبرنا عبدالله بن محمود المروزي، قال: حدّثنا إسحاق بن منصور، قال: حدّثنا أبونعيم، قال: حدّثنا كامل أبوالعلاء، قال: قال مجاهد:
إنّ لعلي عليه السلام سبعين منقبة ما كانت لأحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم مثلها، وما من شيء من مناقبهم إلّا وقد شركهم فيها. (2)
17609. ابن عدي : أخبرنا أبوعلي الحسين بن عفير بن حمّاد بن زياد العطّار - بمصر - ، حدّثنا أبويعقوب يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل الكوفي التيمي، حدّثنا جرير بن عبدالحميد الضبّي، حدّثني سليمان بن مهران الأعمش، قال:
بينا أنا نائم في الليل إذ انتبهت بالجرس علي بابي، فناديت الغلام فقلت: من هذا؟
ص:26
قال: رسول أبي جعفر أميرالمؤمنين - وكان إذ ذاك خليفة - . قال: فنهضت من نومي فزعاً مرعوباً، فقلت للرسول: ما وراءك ؟ هل علمت لِمَ بعث إلي أميرالمؤمنين في هذا الوقت ؟ قال: لا علم لي. فقمت متفكّراً لا أدري علي ماذا أنزل الأمر، افكّر فيما بيني وبين نفسي إلي ماذا أصير إليه وأقول: لم بعث إلي في هذا الوقت وقد نامت العيون وغارت النجوم ؟ ففكّرت ساعة، ثمّ ساعة، فقلت: إنّما بعث إلي في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإن أنا أخبرته فيه بالحقّ أمر بقتلي وصلبي، فأيست والله من نفسي وكتبت وصيّتي، والرسل يزعجونني، ولبست كفني، وتحنّطت بحنوطي، وودّعت أهلي وصبيتي، فنهضت إليه وما أعقل.
فلمّا دخلت عليه سلّمت عليه السلام سلام خائف وجل وما أعقل، فأومأ إلي أن اجلس. فلمّا جلست رعباً فإذا عنده عمرو بن عبيد ووزيره وكاتبه، فحمدت الله - عزّ وجلّ - إذ رأيت من رأيت عنده، فرجع إلي ذهني وأنا قائم، فسلّمت سلاماً ثانياً فقلت: السلام عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ جلست، فعلم أنّي دهشت ورعبت منه، فلم يقل لي شيئاً، فكان أوّل كلمة قالها أن قال لي: يا سليمان. قلت: لبّيك يا أميرالمؤمنين. قال: يا ابن مهران، ادن منّي. فدنوت منه، فشمّ منّي رائحة الحنوط ، فقال: يا أعمش، والله لتصدقني أمرك وإلّا صلبتك حيّاً. فقلت: سلني يا أميرالمؤمنين عن حاجتك وما بدا لك أصدقك ولا أكذبك، فوالله لئن كان الكذب ينجيني فإنّ الصدق أنجي لي منه.
[فقال لي:] ويحك يا سليمان! إنّي أجد منك رائحة الحنوط ، فأخبرني عمّا حدّثتك به نفسك ولم فعلت ذاك ؟ فقلت: أنا اخبرك يا أميرالمؤمنين وأصدقك، أتاني رسلك في بعض الليل، فقالوا لي: أجب أميرالمؤمنين، فقمت وأنا متفكّر خائف وجل مرعوب، فقلت بيني وبين نفسي: ما بعث إلي أميرالمؤمنين في هذه الساعة وقد غارت النجوم ونامت العيون إلّا ليسألني عن فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإن أنا أخبرته بالحقّ أمر بصلبي حيّاً، فصلّيت ركعتين، وكتبت وصيّتي والرسل يزعجونني ولبست كفني، وتحنّطت بحنوطي، وودّعت أهلي وصبيتي، وجئتك يا أميرالمؤمنين سامعاً مطيعاً آيساً من الحياة
ص:27
خائفاً راجياً أن يسعني عفوك.
قال: فلمّا سمع مقالتي علم أنّي صادق وكان متّكئاً، فاستوي جالساً ثمّ قال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم! فلمّا سمعته قالها سكن قلبي, وذهب عنّي بعض ما كنت أجد من رعبي، وما كنت أخاف من سطوته علي.
فقال الثانية: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم، أسألك بالله يا سليمان إلّا أخبرتني كم من حديث ترويه في فضائل علي بن أبي طالب ابن عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله وصهره وأخيه وزوج حبيبته ؟ قلت: يسيراً يا أميرالمؤمنين.
قال: كم ؟ قلت: يسيراً يا أميرالمؤمنين.
قال: كم ؟ ويحك يا سليمان! قلت: عشرة آلاف حديث أو ألف حديث. فلمّا قلت: أو ألف؛ استقلّها، فقال: ويحك يا سليمان! بل هي عشرة آلاف حديث كما زعمت أوّلاً وما زاد ... . (1)
17610. ابن المغازلي : أخبرنا أبوطالب محمّد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصيرفي البغدادي رحمه الله - قدم علينا واسطاً - ، حدّثنا أبوبكر محمّد بن الحسن بن سليمان، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله العكبري، حدّثنا أبوالقاسم عبدالله بن عتّاب العبدي، حدّثنا عمر بن شبّة بن عبيدة النميري، قال: حدّثني المدائني، قال: وجّه المنصور إلي الأعمش يدعوه.
قال [أبوطالب]: وحدّثنا محمّد بن الحسن، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله العكبري، حدّثنا عبدالله بن عتّاب بن محمّد، حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا أبومعاوية [محمّد بن خازم]، قال: حدّثنا الأعمش، قال: أرسل إلي المنصور.
[قال أبوطالب:] وحدّثنا محمّد بن الحسن، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله [العكبري، حدّثنا عبدالله] بن عتاب العبدي، حدّثنا أحمد بن علي العمّي، حدّثنا إبراهيم بن الحكم، قال: حدّثني سليمان بن سالم، حدّثني الأعمش، قال: بعث إلي أبوجعفر
ص:28
المنصور، وقد دخل حديث بعضهم في بعض، واللفظ لعمر بن شبّة، قال:
وجّه إلي المنصور فقلت للرسول: لما يريدني أميرالمؤمنين ؟ قال: لا أعلم. فقلت: أبلغه أنّي آتيه، ثمّ تفكّرت في نفسي فقلت: ما دعاني في هذا الوقت لخير، ولكن عسي أن يسألني عن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإن أخبرته قتلني.
قال: فتطهّرت ولبست أكفاني وتحنّطت ثمّ كتبت وصيّتي، ثمّ صرت إليه، فوجدت عنده عمرو بن عبيد، فحمدت الله تعالي علي ذلك وقلت: وجدت عنده عون صدق من أهل البصرة، فقال لي: ادن يا سليمان. فدنوت، فلمّا قربت منه أقبلت علي عمرو بن عبيد اسائله، وفاح منّي ريح الحنوط ، فقال: يا سليمان، ما هذه الرائحة ؟ والله لتصدقني وإلّا قتلتك. فقلت: يا أميرالمؤمنين، أتاني رسولك في جوف الليل فقلت في نفسي: ما بعث إلي أميرالمؤمنين في هذه الساعة إلّا ليسألني عن فضائل علي، فإن أخبرته قتلني، فكتبت وصيّتي، ولبست كفني وتحنّطت.
فاستوي جالساً وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم! ثمّ قال: أ تدري يا سليمان ما اسمي ؟ قلت: نعم يا أميرالمؤمنين.
قال: ما اسمي ؟ قلت: عبدالله الطويل ابن محمّد بن علي بن عبدالله بن عبّاس بن عبدالمطّلب.
قال: صدقت، فأخبرني بالله وبقرابتي من رسول الله صلى الله عليه و آله كم رُويت في علي من فضيلة من جميع الفقهاء وكم يكون ؟ قلت: يسير يا أميرالمؤمنين. قال: علي ذاك. قلت: عشرة آلاف حديث وما زاد ... . (1)
17611. أحمد : ما روي لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من الفضائل الصحاح ما روي لعلي بن أبي طالب. (2)
ص:29
17612. أحمد : ما لأحد من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعلي. (1)
17613. أحمد : ما روي لأحد من الفضائل أكثر ممّا روي لعلي بن أبي طالب. (2)
17614. أحمد : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله من الفضائل أكثر ممّا جاء لعلي بن أبي طالب. (3)
17615. أحمد : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب عليه السلام . (4)
17616. أحمد : ما روي في فضائل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بالأسانيد الصحاح ما روي عن علي بن أبي طالب. (5)
17617. البيهقي : هو [ عليه السلام ] أهل كلّ فضيلة ومنقبة، ومستحقّ لكلّ سابقة ومرتبة، ولم يكن أحد في وقته أحقّ بالخلافة منه، وكان في قعوده عن الطلب قبله محقّاً، وفي طلبه في وقته مستحقّاً (6)، وهو كما قال أبوعبدالله أحمد بن حنبل رحمه الله ، فيما أخبرنا أبوعبدالله
ص:30
الحافظ في التاريخ، حدّثنا علي بن عيسي - وهو من ثقات شيوخ شيخنا - ، حدّثنا أحمد بن سلمة، قال: سمعت أحمد بن سعيد الرباطي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: لم يزل علي بن أبي طالب مع الحقّ والحقّ معه حيث كان. (1)
17618. الحكيم الترمذي : قد فضّل الله عليّاً رضي الله عنه بأشياء كثيرة وفضائل جمّه. (2)
17619. أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي : لم يُرو في فضائل أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان ما روي في فضائل علي بن أبي طالب. (3)
17620. أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبوعلي النيسابوري : لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ممّا جاء في علي. (4)
17621. الحمّويي : هذه فرائد أحاديث من بحر الفضائل مستخرجة، وفي سلك
ص:31
الإخلاص منظومة، وأزهار أخبار تزهي بها رياض المزايا والمفاخر الّتي هي بسحب الولاية مرهومة.
دراري صدق ضمنها درر العلي وليس بمول مثلها يد مسند
بصائر انس في حظائر قدّست بذكر ولاة الأمر من بعد أحمد
فصوص نصوص في ذوي الفضل والتقي شموس علي ذرّت لأشرف محتد
لهم في سماء المجد أشرف مصعد وهم في عراص الدين أكرم مرصد
ينبئ بعضها عن نبذ ممّا خصّ الله تعالي به - من الفضائل المتلألئة الأنوار، والمناقب العليّة المنار، والمآثر الكريمة الآثار، والمكارم الغائضة التيار، والمنائح الفاتحة الأزهار، والمقامات الطاهرة الأقدار، والكرامات الوسيعة الأقطار، والمراتب الرفيعة الأخطار - جناب ولاية المولي أمير المؤمنين وسيّد الوصيّين، ورأس الأولياء والصدّيقين، وإمام البررة المتّقين، يعسوب الدين، ومبيّن مناهج الصدق واليقين، وأخي رسول ربّ العالمين.
محمّد العالي سرادق مجده علي قمّة المجد الرفيع تعاليا
علي علا فوق السماوات قدره ومن فضله نال المعالي الأمانيا
فأسّس بنيان الولاية متقناً وحاز ذوو التحقيق منه المعانيا
الليث الهصور, والسيّد الوقور، والبطل المنصور، والبحر المسجور، والعلم المنشور، والسيف البتور، والعباب الزاخر الخضم، والطود الشاهق الأشمّ ، وساقي المؤمنين من الأكواب بالأوفي والأتمّ ، الهصير الهصار، أسد الله الكرّار، أبي الأئمّة الأطهار، معدن السكينة والوقار، وقائد الغرّ المحجّلين الأبرار، المشرّف بمزيّة «من كنت مولاه فعلي مولاه»، والمؤيّد بدعوة «اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه»، كاسر الأصنام، وهازم الأحزاب، المتصدّق بخاتمه في المحراب، صمد مفاحم الجدال، والمبير إذا دعت [الدعاة إلي] نزال، فارس ميدان الطعان والضراب، هزبر كلّ عرين، وضرغام كلّ غاب، الّذي كلّ
ص:32
لسان كلّ مغتاب ومعتاب، وبيان كلّ ذامّ ومرتاب عن قدح في قدح معاليه، لنقاب حبابه عن كلّ ذامّ وعاب، المخصوص من حضرة النبوّة بكرامة الاُخوّة والانتخاب، المنصوص عليه بأنّه لدار الحكمة ومدينة العلم باب، المكنّي بأبي الريحانتين وأبي الحسن وأبي تراب.
هو النبأ العظيم وفلك نوح وباب الله وانقطع الخطاب
ذي البراهين القاطعة، والآيات الدامغة، وصاحب الكرامات الظاهرة، والحجج البالغة، ينبوع الخير ومعدن البركات، ومنجي غرقي بحار المعاصي من المخازي والمهاوي والدركات، مبدع جسيمات المكارم، ومفيض عميمات المنن، الإمام الّذي حبّه وحبّ أولاده في المواطن السبعة الشديدة المكاره العظيمة الأهوال من أوفي العدّة وأوقي الجنن.
أخو أحمد المختار صفوة هاشم أبوالسادة الغرّ الميامين مؤتمن
وصي إمام المرسلين محمّد علي أمير المؤمنين أبوالحسن
هما ظهرا شخصين والروح واحد بنصّ حديث النفس والنور فاعلمن
هو الوزر المأمول في كلّ خطّة وإن تنجي الهلكي ولايته قمن (1)
عليهم صلاة الله ما لاح كوكب وما هبّ ممراض النسيم علي فنن
وهي قطرة من بحار فضائله الزاخرة العباب، وندي رشحة من سحائب مناقبه الدائمة التسكاب، ولمحة من زواخر مفاخره الّتي فاتت حدّ العدّ والحصر والحساب، ولمعة من شهب مآثره الّتي عجزت عن عدّ جزء من آلافها المؤلّفة وإحصائها وتحريرها أنامل الحسّاب والكتّاب.
ومن ذا الّذي يحصي الكواكب والقطرا؟ (2)
ص:33
برواية: عبدالله بن عبّاس
17622. معمر : عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن ابن عبّاس، قال:
قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبدودّ ودخل علي النبيّ صلى الله عليه و سلم وسيفه يقطر دماً فلمّا رآه النبيّ صلى الله عليه و سلم كبّر وكبّر المسلمون، فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم : اللهمّ أعط علي بن أبي طالب فضيلة لم تعطها أحداً قبله، ولا تعطها أحداً بعده.
فهبط جبريل عليه السلام ومعه أترجة من الجنّة، فقال: إنّ الله - عزّ وجلّ - يقرأ عليك السلام ويقول لك: حي بهذه علي بن أبي طالب.
فدفعها إليه، فانفلقت في يده فلقتين، فإذا فيها حريرة بيضاء مكتوب فيها سطرين بصفراء: تحيّة من الطالب الغالب إلي علي بن أبي طالب. (1)
برواية:
1. أبي بكر- 5. عمر بن عبدالعزيز
2. سلمان الفارسي- 6. كعب بن عجرة
3. عبدالله بن عبّاس- 7. المراسيل والأقوال
4. عبدالله بن مسعود
ص:34
17623. ابن الأعرابي : حدّثنا أحمد بن عبدالحميد الحارثي، حدّثنا علي بن قادم، حدّثنا زافر، عن الصلت بن بهرام، عن الشعبي، قال:
نظر أبوبكر الصدّيق إلي علي بن أبي طالب عليه السلام مقبلاً، فقال: من سرّه أن ينظر إلي أقرب الناس قرابة من نبيّهم صلى الله عليه و آله ، وأجوده [م] منه منزلة، وأعظمهم عند الله غناء، وأعظمهم عليه, فلينظر إلي علي ... . (1)
17624. النجّاد : حدّثنا عمر بن سعيد بن سنان - بمنبج - ، حدّثنا ابن أبي حكيم، حدّثنا علي بن قادم، حدّثنا زافر بن سليمان، عن الصلت بن بهرام، عن الشعبي، قال:
بينا أبوبكر جالس إذ طلع علي بن أبي طالب من بعيد، فلمّا رآه قال أبوبكر: من سرّه أن ينظر إلي أعظم الناس منزلة، وأقربهم قرابة، وأفضلهم دالّة، وأعظمهم غناء عن رسول الله صلى الله عليه و سلم , فلينظر إلي هذا الطالع. (2)
17625. ابن أبي الدنيا : أخبرنا أبوكريب الهمداني، قال: حدّثنا علي بن قادم، عن زافر بن سليمان، عن الصلت بن بهرام، عن الشعبي، قال:
رأي أبوبكر عليّاً فقال: من سرّه أن ينظر إلي أعظم الناس منزلة من رسول الله صلى الله عليه و سلم , وأقربه قرابة، وأفضله دالّة، وأعظمه غني عن نبيّه، فلينظر إلي هذا ... . (3)
17626. ابن أبي الدنيا : حدّثني المثنّي بن عبدالكريم، قال: حدّثنا زافر بن سليمان،
ص:35
عن الصلت بن بهرام، عن الشعبي، نحوه. (1)
17627. العقيلي : حدّثنا محمّد بن إبراهيم العامري، قال: حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا علي بن هاشم بن البريد، عن الصباح العطّار، عن ثابت بن أبي صخرة، عن المنذر الكندي، عن سلمان، قال:
إنّ أفضل الأنبياء نبيّنا، وإنّ أفضل الأوصياء وصيّنا، وإنّ أفضل الأسباط سبطانا. (2)
17628. العبّاس بن بكّار : عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعبدالرحمان بن عوف: يا عبدالرحمان، أنتم أصحابي وعلي بن أبي طالب منّي وأنا من علي، فمن قاسه بغيره فقد جفاني، ومن جفاني آذاني، ومن آذاني فعليه لعنة ربّي ... . (3)
رجل، قال: أخبرنا زياد بن المنذر، عن أبي عبدالله الجدلي، عن عبدالله بن مسعود، قال:
غدوت إلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخلت المسجد والناس أجفل ما كانوا كأنّ علي رؤوسهم الطير إذ أقبل علي بن أبي طالب حتّي سلّم علي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، فتغامز به بعض من كان عنده، فنظر إليهم النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: أ لا تسألوني عن أفضلكم ؟ قالوا: بلي.
قال: أفضلكم علي بن أبي طالب؛ أقدمكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدّكم لله غضباً، وأشدّكم نكاية في العدوّ، فهو عبد الله وأخو رسوله، فقد علّمته علمي، واستودعته سرّي، وهو أميني علي امّتي.
فقال بعض من حضر: لقد افتتن علي رسول الله حتّي لا يري به شيئاً! فأنزل الله:
فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ 1 . (1)
17631. ابن أبي الحديد : وأنا أذكر هاهنا الخبر المروي المشهور عن عمر [بن عبدالعزيز]، وهو من رواية ابن الكلبي، قال:
بينا عمر بن عبدالعزيز جالساً في مجلسه دخل حاجبه ومعه امرأة أدماء طويلة حسنة الجسم والقامة، ورجلان متعلّقان بها، ومعهم كتاب من ميمون بن مهران إلي عمر، فدفعوا إليه الكتاب، ففضّه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، إلي أميرالمؤمنين عمر بن عبدالعزيز، من ميمون بن مهران، سلام عليك ورحمة الله وبركاته.
أمّا بعد، فإنّه ورد علينا أمر ضاقت به الصدور وعجزت عنه الأوساع، وهربنا بأنفسنا عنه، ووكلناه إلي عالمه، لقول الله عزّ وجلّ : وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى
ص:37
أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ 1 ، وهذه المرأة والرجلان أحدهما زوجها والآخر أبوها، وإنّ أباها - يا أميرالمؤمنين - زعم أنّ زوجها حلف بطلاقها أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام خير هذه الاُمّة وأولاها برسول الله صلى الله عليه و آله , وأنّه يزعم أنّ ابنته طلقت منه، وأنّه لا يجوز له في دينه أن يتّخذه صهراً، وهو يعلم أنّها حرام عليه كاُمّه، وإنّ الزوج يقول له: كذبت وأثمت، لقد برّ قسمي، وصدقت مقالتي وإنّها امرأتي علي رغم أنفك، وغيظ قلبك، فاجتمعوا إلي يختصمون في ذلك، فسألت الرجل عن يمينه، فقال: نعم، قد كان ذلك، وقد حلفت بطلاقها أنّ عليّاً خير هذه الاُمّة وأولاها برسول الله صلى الله عليه و آله ، عرفه من عرفه، وأنكره من أنكره، فليغضب من غضب، وليرض من رضي، وتسامع الناس بذلك، فاجتمعوا له، وإن كانت الألسن مجتمعة فالقلوب شتّي، وقد علمت - يا أميرالمؤمنين - اختلاف الناس في أهوائهم، وتسرّعهم إلي ما فيه الفتنة، فأحجمنا عن الحكم لتحكم بما أراك الله، وإنّهما تعلّقا بها، وأقسم أبوها ألّا يدعها معه، وأقسم زوجها ألّا يفارقها ولو ضربت عنقها إلّا أن يحكم عليه بذلك حاكم لا يستطيع مخالفته والامتناع منه، فرفعناهم إليك يا أميرالمؤمنين، أحسن الله توفيقك وأرشدك.
وكتب في أسفل الكتاب:
إذا ما المشكلات وردن يوماً فحارت في تأمّلها العيون
وضاق القوم ذرعاً عن نباها فأنت لها أباحفص أمين
لأنّك قد حويت العلم طرّاً و أحكمك التجارب والشؤون
وخلّفك الإله علي الرعايا فحظّك فيهم الحظّ الثمين
قال: فجمع عمر بن عبدالعزيز بني هاشم وبني اُميّة وأفخاذ قريش، ثمّ قال لأبي المرأة: ما تقول أيّها الشيخ ؟ قال: يا أميرالمؤمنين، هذا الرجل زوّجته ابنتي، وجهّزتها إليه
ص:38
بأحسن ما يجهّز به مثلها، حتّي إذا أمّلت خيره ورجوت صلاحه حلف بطلاقها كاذباً، ثمّ أراد الإقامة معها.
فقال له عمر: يا شيخ، لعلّه لم يطلّق امرأته، فكيف حلف ؟ قال الشيخ: سبحان الله الّذي حلف عليه لأبين حنثاً وأوضح كذباً من أن يختلج في صدري منه شكّ ، مع سنّي وعلمي؛ لأنّه زعم أنّ عليّاً خير هذه الاُمّة وإلّا فامرأته طالق ثلاثاً.
فقال للزوج: ما تقول ؟ أ هكذا حلفت ؟ قال: نعم. فقيل: إنّه لمّا قال نعم كاد المجلس يرتجّ بأهله، وبنواُميّة ينظرون إليه شزراً، إلّا أنّهم لم ينطقوا بشيء، كلّ ينظر إلي وجه عمر.
فأكبّ عمر مليّاً ينكت الأرض بيده والقوم صامتون ينظرون ما يقوله، ثم رفع رأسه وقال:
إذا ولي الحكومة بين قوم أصاب الحقّ والتمس السدادا
وما خير الإمام إذا تعدّي خلاف الحقّ واجتنب الرشادا
ثمّ قال للقوم: ما تقولون في يمين هذا الرجل ؟ فسكتوا، فقال: سبحان الله! قولوا.
فقال رجل من بني اُميّة: هذا حكم في فرج، ولسنا نجترئ علي القول فيه، وأنت عالم بالقول، مؤتمن لهم وعليهم، قل ما عندك، فإنّ القول ما لم يكن يحقّ باطلاً ويبطل حقّاً جائز علي في مجلسي.
قال: لا أقول شيئاً. فالتفت إلي رجل من بني هاشم من ولد عقيل بن أبي طالب فقال له: ما تقول فيما حلف به هذا الرجل يا عقيلي ؟ فاغتنمها، فقال: يا أميرالمؤمنين، إن جعلت قولي حكماً أو حكمي جائزاً قلت، وإن لم يكن ذلك فالسكوت أوسع لي، وأبقي للمودّة. قال: قل وقولك حكم، وحكمك ماض.
فلمّا سمع ذلك بنواُميّة قالوا: ما أنصفتنا أميرالمؤمنين إذ جعلت الحكم إلي غيرنا، ونحن من لحمتك واُولي رحمك!
فقال عمر: اسكتوا، أعجزاً ولؤماً! عرضت ذلك عليكم آنفاً فما انتدبتم له. قالوا: لأنّك لم تعطنا ما أعطيت العقيلي، ولا حكّمتنا كما حكّمته.
ص:39
فقال عمر: إن كان أصاب وأخطأتم وحزم وعجزتم وأبصر وعميتم فما ذنب عمر؟ لا أباً لكم! أ تدرون ما مثلكم ؟ قالوا: لا ندري. قال: لكن العقيلي يدري.
ثمّ قال: ما تقول يا رجل ؟ قال: نعم يا أميرالمؤمنين، كما قال الأوّل:
دعيتم إلي أمر فلمّا عجزتم تناوله من لا يداخله عجز
فلمّا رأيتم ذاك أبدت نفوسكم نداماً وهل يغني من القدر الحذر
فقال عمر: أحسنت وأصبت، فقل ما سألتك عنه. قال: أميرالمؤمنين، برّ قسمه، ولم تطلّق امرأته.
قال: وأنّي علمت ذاك ؟ قال: نشدتك الله يا أميرالمؤمنين، أ لم تعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال لفاطمة عليها السلام وهو عندها في بيتها عائد لها: يا بنيّة، ما علّتك ؟ قالت: الوعك يا أبتاه - وكان علي غائباً في بعض حوائج النبيّ صلى الله عليه و آله - ، فقال لها: أ تشتهين شيئاً؟ قالت: نعم أشتهي عنباً وأنا أعلم أنّه عزيز، وليس وقت عنب. فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الله قادر علي أن يجيئنا به. ثمّ قال: اللهمّ ائتنا به مع أفضل امّتي عندك منزلة. فطرق علي الباب، ودخل ومعه مكتل قد ألقي عليه طرف ردائه.
فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : ما هذا يا علي ؟ قال: عنب التمسته لفاطمة. فقال: الله أكبر! الله أكبر! اللهمّ كما سررتني بأن خصصت عليّاً بدعوتي فاجعل فيه شفاء بنيّتي. ثمّ قال: كلي علي اسم الله يا بنيّة. فأكلت، وما خرج رسول الله صلى الله عليه و آله حتّي استقلّت وبرأت.
فقال عمر: صدقت وبررت، أشهد لقد سمعته ووعيته، يا رجل، خذ بيد امرأتك فإن عرض لك أبوها فاهشم أنفه.
ثمّ قال: يا بني عبدمناف، والله ما نجهل ما يعلم غيرنا، ولا بنا عمي في ديننا، ولكنّا كما قال الأوّل:
تصيّدت الدنيا رجالاً بفخّها فلم يدركوا خيراً بل استقبحوا الشرّا
وأعماهم حبّ الغني وأصمّهم فلم يدركوا إلّا الخسارة والوزرا
ص:40
قيل: فكأنّما ألقم بني اُميّة حجراً، ومضي الرجل بامرأته.
وكتب عمر إلي ميمون بن مهران: عليك سلام، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّي قد فهمت كتابك، وورد الرجلان والمرأة، وقد صدّق الله يمين الزوج، وأبرّ قسمه، وأثبته علي نكاحه، فاستيقن ذلك، واعمل عليه، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. (1)
17632. الحسكاني : قرأت في التفسير العتيق [قال]: حدّثنا محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عبدالرحمان بن أبي ليلي، [عن أبيه], عن كعب بن عجرة وعبدالله بن مسعود، قالا:
قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وقد سئل عن علي فقال: علي أقدمكم [و] أفضلكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدّكم في الله غضباً، علّمته علمي، واستودعته سرّي، ووكلته بشأني، فهو خليفتي في أهلي، وأميني في امّتي.
فقال بعض قريش: لقد فتن علي رسول الله حتّي ما يري به شيئاً؟ فأنزل الله تعالي: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ 2 . (2)
القائلون بتفضيله عليه السلام كثير (3)، كما ستلاحظ أسماءهم في كلام أبي جعفر الإسكافي وابن
ص:41
أبي الحديد والقاضي عبدالجبّار، ونخصّ بالذكر من بينهم:
1. أحمد- 9. زيد بن علي
2. الإسكافي- 10. سفيان الثوري
3. الأنباري- 11. سليمان بن طرخان
4. بشر بن المعتمر- 12. القاضي عبدالجبّار
5. أباجحيفة- 13. ابن عبدالحكم
6. ابن أبي الحديد- 14. أباعبدالله بن الجهم
7. الحسن البصري- 15. المأمون العبّاسي
8. الرمّاني- 16. الموصلي
17633. عبدالله بن أحمد : حدّث أبي بحديث سفينة فقلت: يا أبه، ما تقول في التفضيل ؟ قال: في الخلافة أبوبكر وعمر وعثمان. فقلت: فعلي بن أبي طالب ؟ قال: يا بني، علي بن أبي طالب من أهل بيت لا يقاس بهم أحد. (1)
17634. الإسكافي : وممّا يدلّك [علي] أنّ العامّة مخدوعة متحيّرة بفقد العلم والمعرفة مغرورة في هذا الباب؛ أنّهم جميعاً يشهدون أنّ أبابكر أفضل من عمر، ويسندون تفضيل أبي بكر علي علي إلي [حديث] عبدالله بن عمر فيقلّدونه الخبر، و قد جاءهم الإسناد في
ص:42
تفضيل علي وتقديمه [علي كافّة الناس] عن محمّد بن أبي بكر وسلمان وعمّار بن ياسر، وما كان من شهرة قيامهم مع علي بن أبي طالب، فلم يلتفتوا إلي ذلك.
فإن كانوا مالوا إلي تصديق عبدالله بن عمر لأنّه أفضل وأعبد وأخير - وإن لم يكن عندنا علي ذلك - فتقليد علي بن أبي طالب ومن ذكرناه أولي؛ لأنّه خير من عبدالله بن عمر وأفضل لا يشكّون في ذلك ولا يمترون.
وإن كانوا مالوا إلي عبدالله بن عمر لأنّ أباه كان إماماً فاضلاً، فالميل إلي محمّد بن أبي بكر أوجب؛ لتقديمهم لأبي بكر علي عمر وتفضيلهم إيّاه [عليه]، ولا أجد لهم في ذلك علّة يوجبها التميّز والنظر غير ما ذكرنا[ه] من الخديعة وتقليد الخبر. (1)
17635. الإسكافي : وبعد، فمن سألنا من أصناف أهل النظر في تقديم علي بن أبي طالب علي جميع البشر بعد النبيّين والمرسلين وقال: قد طعنتم فيما قلنا[ه] فأثبتوا قولكم بحجج لا يمكن دفعها، وأبينوا صاحبكم بفضيلة يكون بها علي غيره مقدّماً.
قلنا: ذلك لكم علينا، ونحن ذاكرون - وبالله نستعين - من اموره اموراً مكشوفة لا تدفع، وحججاً قويّة لا تردّ، وما توفيقنا إلّا بالله، وهو حسبنا، وإيّاه نسأل تأييدنا.
فقد عرفتم أنّ فضل الفاضل ومنزلة المتقدّم إنّما يكون بفضل وتفضّل باجتماع مناقب الخير فيه، واحتوائه علي الفضائل، فيجتمع فيه ما يتفرّق في غيره، فلا يكون له مساو فيما جمع، ولا نظير فيما حوا[ه].
وتفسير المناقب والخصال الّتي بها يجب فضل الفاضل ما لا ينكرونه امور:
أوّلها: العلم بالله وبدينه، والذبّ عن توحيده، والقيام بحجّته علي من عَنَد عنه، وفي تحقيق ذلك يقول الله: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ 2 ، وقال:
أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا
ص:43
اَلْأَلْبابِ 1 ، وقال: إِنَّما يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ 2 .
ثمّ بعده التقدّم في الإسلام، وفي تحقيق ذلك يقول الله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى 3 .
ثمّ جهاد العدوّ، وفيه يقول: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً 4 .
وقال: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 5 .
ثمّ الصبر علي البأساء والضرّاء، وكظم الغيظ ، وفيه يقول الله تبارك وتعالي:
وَ الصّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ 6 .
وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا وَ اتَّقُوا اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 7 .
[وقال:] وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ * اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وَ إِنّا
ص:44
إِلَيْهِ راجِعُونَ * أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ 1 .
[وقال:] فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ 2 .
[وقال:] وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ 3 .
ثمّ العبادة بالزهد والصوم والصلاة والمسارعة في أعمال البرّ.
فهذه مناقب الفضل، ومنازل الخير، فهي مذكورة في القرآن بالجملة والتفسير، فمن حازها وجمعها فهو المتقدّم بها [علي] الناس باجتماعها.
فنبتدئ بذكر تقدّمه في الإسلام فإنّ الناس مختلفون في أبي بكر وعلي، وقد أجمعوا أنّ عليّاً أسلم قبله، إلّا أنّهم زعموا أنّ إسلامه كان وهو طفل، فقد وجب تصديقنا في أنّه أسلم قبله، ودعواهم في أنّه كان طفلاً غير مقبول إلّا بحجّة.
فإن قالوا: وقولكم: إنّه أسلم وهو بالغ، دعوي مردودة.
قلنا: الإسلام قد ثبت له، وحكمه قد وجب بالدعوة والإقرار، ولو كان طفلاً لكان في الحقيقة غير مسلم؛ لأنّ أسماء الإسلام والإيمان وأسماء الكفر والضلال والطاعة والمعصية إنّما يقع علي العقلاء البالغين، دون الأطفال [والمجانين].
وحجّة [اخري] أيضاً إنّ الله لم يرسل رسولاً إلي الأطفال والمجانين، فلمّا رأيناه قد قصد صلى الله عليه و سلم إلي علي بن أبي طالب فدعاه إلي الإسلام، وأمره بالإيمان، وبدأ به قبل الخلق، علمنا أنّه عاقل بالغ، وأنّ الأمر له لازم.
فإن قالوا: وما تنكرون أن يكون ذلك منه بالتأديب كما يكون ذلك منّا إلي أطفالنا علي جهة التعليم.
قلنا: ذلك من قولكم غير جائز، وإنّما ذلك يكون منّا عند تمكّن الإسلام بأهله وعند
ص:45
ظهوره والنشوء والولادة عليه، فأمّا في دار الشرك والحرب فليس يجوز ذلك، فالنبي صلى الله عليه و سلم لم يكن ليدع ما أرسل به ويقصد إلي دعاء الأطفال والدار دار شرك وكفر، فيشتغل بالتطوّع قبل أداء الفرض، [و] ذلك عنه منفّر صلى الله عليه و سلم وما باله لم يدع طفلاً غير علي بن أبي طالب ؟! وليس في السنّة أن يدعي أطفال المشركين إلي الإسلام، ويفرّق بينهم وبين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم.
وحجّة [اخري] أيضاً إنّ منزلة النبيّ صلى الله عليه و سلم كانت في بدء الدعوة منزلة ضيق ووحدة وغربة وشدّة، وهذه منازل لا ينتقل إليها إلّا من قد تمكّن الإسلام عنده بحجّته، ودخل اليقين قلبه بالعلم والمعرفة، وشأن الطفل اتّباع أهله، وتقليد قرابته، والمضي علي منشئه ومولده، وأن لا يدخل فيما تزعجه المعرفة، وتميل إليه النفس باليقين والعلم والعاقبة.
فإن قالوا: إنّ عليّاً قد كان يألف النبيّ صلى الله عليه و سلم فوافقه علي طريق المساعدة.
قلنا لهم: وإن كان يألفه فلم يكن إلفه [به] بأكثر من [إلفه] أبويه وإخوته وعمومته وأهل بيته، ولم يكن الإلف ممّا يخرجه عمّا نشأ عليه وغذّي به، ولم يكن الإسلام ممّا غذّي به، وكثر علي سمعه.
ووجه آخر إنّ الإسلام لا يكون إلّا بخلع الأنداد والأصنام، وكلّ معبود من دون الله، والبراءة ممّن أشرك بالله، وهذا لا يجتمع في اعتقاد طفل، بل قد يشتدّ اجتماع ذلك عند العقلاء البالغين إلّا من آثر الحجّة، ورغّب في العاقبة، وخاف عذاباً لا طاقة له به.
وإن قالوا: فكيف أوجبتم له حكم البلوغ وحكم النبيّ صلى الله عليه و سلم في البلوغ كان في خمس عشرة سنة، ولم تكن هذه سنّ علي بن أبي طالب ؟ وذلك أنّ حكمه كان يوم الخندق في إجازته من أتت عليه خمس عشرة سنة.
قلنا لهم: إنّ آخر حدّ البلوغ هو [إكمال] خمسة عشر سنة، ولآخر حدّ البلوغ آخر وأوسط يعلمه الله ويعلمه النبيّ صلى الله عليه و سلم ، وكان الحكم في خمس عشرة سنة جعله الله حكماً وقف العباد عليه؛ لأنّ أقلّ الخلق عقلاً وأنقصهم طبعاً في القوّة علي المعرفة يتمّ بلوغه في خمس عشرة سنة.
ص:46
وفي الناس تفاضل في سرعة البلوغ وكمال العقول، فأوّل حدّ البلوغ هي منزلة علي بن أبي طالب بعد النبيّ صلى الله عليه و سلم ، وهي ثلاث عشرة سنة، وآخر حدّ البلوغ هي منزلة عبدالله بن عمر، وهو خمس عشرة سنة، وبين ذلك وقت البلوغ علي قدره؛ لتفاضل الناس في العقول، وذلك معروف في التعارف والعادة، وما عليه الصغار والكبار من التفاضل في الحفظ والعلم والفطن والبلوغ من الاحتلام والحيض، وذلك أيضاً معروف في صفة الصبيان في الكتاتيب والصناعات [فإنّهم] مختلفون في حفظهم وقوّتهم علي التعليم، وقد يوظّف المعلّم علي كلّ صبي ما يحتمله حفظه، وتضبطه معرفته.
ولله أحكام كثيرة هي مثال ما قلنا[ه] في البلوغ، في أنّ البلوغ حدّ له أوّل وآخر وواسط ، كما حكم صلى الله عليه و سلم في وقت صلاة الظهر أنّ أوّله أن يكون ظلّ كلّ شيء مثله، وآخره أن يكون ظلّ كلّ شيء مثليه، وقال صلى الله عليه و سلم : ما بين هذين وقت لاُمّتي. وكذلك ما وقّت في صلاة العصر علي هذا المثال.
قلنا: فقد أبان الله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وعن جميع المؤمنين - في عقله فجعله أوّل الناس بلوغاً بعد النبيّ صلى الله عليه و سلم وأقدمهم إسلاماً، وكان في سنّ الأطفال، وعقول البالغين، فبان عقله وتقدّم في إسلامه وتكليفه.
وأنتم قد تعلمون أنّ منزلة النبيّ صلى الله عليه و سلم في البلوغ والعقل ليست كمنزلة الخلق، كذلك كان في صغر سنّه يعرف بالوقار والحلم والوفاء والصدق والرجاحة في علمه.
[وإنّما أطلنا الكلام] ليعلموا أنّ حكم البلوغ يختلف، وأنّ الناس يتفاضلون فيه، فمنزلة النبيّ صلى الله عليه و سلم لم يلحقها أحد، ومنزلة علي دونها لم يلحقها أحد، ليعلموا أنّ اموره عند الفكرة فيها والاستنباط لها منزّلة علي البينونة من الناس والقرب من النبيّ صلى الله عليه و سلم ، لذلك استحقّ أن يكون منه بمنزلة هارون من موسي - صلوات الله علي محمّد وعلي من تقدّمه من الأنبياء - وقد رويتم أنّه اصطفاه لاُخوّته، وقال: علي منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي.
وقد رويتم ما قلنا[ه] في الأثر: ذكروا أنّ عليّاً دخل علي النبيّ صلى الله عليه و سلم فوجد النبيّ صلى الله عليه و سلم
ص:47
وخديجة يصلّيان، فلمّا فرغ قال له علي: ما هذا الّذي رأيتك فعلت ؟ فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم : هذا دين الله - يا علي - الّذي بعثني به، فأدخل فيه. فقال له علي بن أبي طالب: أنظرني حتّي أتفكّر فيه الليلة. فأنظره، ثمّ أصبح مسلماً بعد الرويّة والفكرة.
فليس هذا فعل طفل ولا جوابه، ولا دعاء النبيّ صلى الله عليه و سلم دعاء طفل ... .
وفي مثله وتحقيقه يؤثر عن أسماء بنت عميس، قالت: كنّا مع النبيّ صلى الله عليه و سلم فأسند ظهره إلي قبّة ثمّ قال: لأقولنّ اليوم كما قال أخي موسي صلى الله عليه و سلم : اللهمّ اغفر لي ذنبي، واشرح لي صدري، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبّحك كثيراً، ونذكرك كثيراً، إنّك كنت بنا بصيراً. (1)
فأشهد أنّ الله قد أجابه وشفع مسألته، ثمّ أمره بأن يشهر ذلك لاُمّته في حجّة الوداع تأكيداً وإظهاراً لأمر الله، لتقوم بذلك الحجّة علي الخليقة، وينقطع عذر الناصبة النابتة والمرجئة، فقام خطيباً فقال: أ لست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: اللهمّ نعم. فقال: أ لست أولي بكلّ مؤمنة من نفسها؟ قالوا: اللهمّ نعم. فأخذ بيد علي وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه.
فهذا يصدق ما قلته من الرواية، ويقطع علّة كلّ معتلّ يلتمس إدخال شبهة من أهل الكلام والنابتة والمرجئة؛ لأنّ هذا خبر قد بانت حجّته، وثبتت أسبابه وأركانه، وما قلنا[ه] من طريق النظر فقد تقصّينا بما فيه كفاية ممّا لا يمكن للمخالف أن يدخل في ذلك شبهة، وثبت ذلك بحجّة واضحة بغاية ما يكون للمخالفين من الدخل، فنحمد الله علي ما أعطي وأنعم.
ففضيلة السبق في الإسلام قد ثبتت [لعلي] وصحّت.
وفي الإسلام فضيلة اخري [لعلي] تتلو ما تقدّم، وهو أنّ إسلام أبي بكر كان عن كفر تقدّم، وإسلام علي عن غير خطأ وزلل، فكيف لا تكون هذه فضيلة ثابتة وقد بانت بها
ص:48
الرسل قبله، تكون معها الرسالة ؟ كيف لا تكون لعلي فضيلة؛ لأنّها من معاني الطهارة، وزوال التهم، وازدياد في الحجج ؟
فإن قال قائل: فأنت أفضل من أبي بكر؛ لأنّك أسلمت لا عن كفر، وأسلم أبوبكر عن كفر.
قلنا: ليس ما قلت قياساً [صائباً]؛ لأنّ أبابكر وعليّاً كانا في زمن واحد بين قوم مشركين، أحدهما قد نشأ وعقل فبعد وقصّر وأشرك وكفر، ولله عليه في تلك الحال حجج من قبل الرسل قائمة، وعلي في تلك الحال قد نشأ في دار الشرك والكفر كما نشأ أبوبكر، فلمّا قرعته الحجّة أسلم ولم يجحد، وآمن ولم يكفر، ومنزلتي مخالفة لهذه المنازل؛ لأنّي إنّما نشأت في دار الإسلام والإيمان، وولدت علي ذلك، وتلك منزلة الأب والاُمّ ، [و] ليس بتلك المنزلة علي بن أبي طالب وأبوبكر؛ [لأنّهما] استويا في الولادة في دار الشرك، وفي كفر الأب والاُمّ (1)، ثمّ اختلفا في الإسلام، فخلص له الفضل علي أبي بكر، إذ اتّفقت العلل والأسباب، واختلفا في الكفر والإيمان.
وفرق [آخر] أيضاً فيما سألتم عنّي وعن أبي بكر، وذلك لأنّ أبابكر قد بان منّي باُمور كثيرة لا اقاس أنا به، وأكون بهذه الخصلة مقدّماً عليه، فلو كنت له مساوياً في الاُمور كلّها خلاف هذه الخصلة لكنت منه بايناً.
واُمور علي كلّها تؤكّد تقدّمه عليه وفضيلته في الخصلة الّتي ذكرناها.
فإن قال قائل: قد نجد لأبي بكر فضيلة في السبق ليست لعلي بدلالة الآية: وهي قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى 2 ؛ لأنّه أسلم أبوبكر وهو ذو مال فأنفقه علي النبيّ صلى الله عليه و سلم والمؤمنين حتّي قال: لقد نفعنا مال أبي بكر.
ص:49
قلنا: إنّ الله لم يذكر إنفاق المال مفرداً، وإنّما قرن معها فضيلة بان بها علي علي أبي بكر، وهو سبق علي إلي القتال، فلمّا قرن الله الإنفاق مع القتال وكان لأبي بكر الإنفاق دون القتال حصلت الفضيلة لعلي بن أبي طالب بالقتال.
فإن قال قائل: ولم جعلت فضيلة القتال لعلي إذ تفرّد بها، ولا تجعل فضيلة الإنفاق لأبي بكر إذ تفرّد بها؟
قلنا: لأنّ الله قد ندبهما جميعاً إلي القتال ولم يندبهما إلي الإنفاق، فلا يلزم عليّاً التقصير في الإنفاق؛ لأنّ الله لم يندبه إليه، ووجب علي أبي بكر التقصير في فضيلة القتال؛ لأنّه مندوب إليه، وعلي غير مندوب إلي الإنفاق، ولو كان لهما جميعاً مال قد ندبا إلي الإنفاق منه؛ فأنفق أحدهما ولم ينفق الآخر كان صاحب الإنفاق أفضل، كما أنّهما لمّا اتّفقا في ندبة القتال فقاتل أحدهما ولم يقاتل الآخر كان صاحب القتال أفضل.
فهذا في الحجّة مؤكّد لما تقدّم، وعلي مثال ما قلنا، بل أدلّ وأبين، وقد استوت حاله فيما يمكن به القتال مع وجوب الأمر عليهما، ففضل من أقدم عن منزله من منزلة من أنفق إذ كان معدماً والآخر موجداً فقد استوت حالهما في الأمر في القتال وقد مكّنا، واختلفت حالهما في المال في العدم والوجود، فالّذي قاتل قد فضّل علي من لم يقاتل؛ إذ كانا جميعاً قد ندبا إلي القتال ولم يكونا جميعاً مندوبين إلي الإنفاق، فلم يفضل من أنفق علي من لم ينفق، إذ لم يكن [الإنفاق] مأموراً به ... .
فأسلم أبوبكر غنيّاً شكوراً، وأسلم علي بن أبي طالب رحمه الله فقيراً صبوراً، فأنّي يكون أبوبكر في إنفاقه المال مقدّماً؟!
علي أنّ بينهما فرقاً لطيفاً يوجب للصابر ما للشاكر، ولا يوجب للشاكر ما للصابر؛ لأنّه قد يقال للصابر علي البلاء: احمد الله واشكره علي ما ابتلاك به، ولا يقال لصاحب العافية: احمد الله واصبر علي الغني والعافية.
وبمثل هذا قد يفرّق بين الأنصاري والمهاجري، إنّ معني الأنصاري قد دخل في فعل المهاجري بالنصرة لله والرسول صلى الله عليه و سلم ، فالنصرة لله ورسوله داخل في فعل المهاجري، والهجرة لا
ص:50
تدخل في فعل الأنصاري، [و] لذلك فإنّ المهاجرين أفضل من الأنصار وأرفع منزلة.
ففضل إسلام علي مع فقره علي أبي بكر مع غناه كفضل المهاجرين علي الأنصار؛ لأنّ محنة الفقراء أعظم من محنة الأغنياء، كما أنّ محنة الهجرة أعظم من غيرها، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفقر ممتحناً.
فأسلم علي بن أبي طالب مع فقره، ونابذ قومه مع فاقته، وخلع الدنيا [عن نفسه] مع حداثته وحاجته، وكثرة دواعيه ونوازعه، فقمع الشهوة بصحّة العزيمة، وأزال الوحشة بالانقطاع إلي الله، واعتصم بالتقوي، وتقوّي بالتوكّل، وفارق القرابة، واستبدل بها الاُنس بالله، وكابد المشقّة بحسن الفكرة، واستعمل الصبر بيقين القلب.
قلنا: فالفقر محنة عظيمة قد افتتن بها الخلق عامّة، وهتكت ستر أكثر الخاصّة، وبخاصّة فقر من خرج من السعة إلي الضيق، ومن الجماعة إلي الوحدة، ومن الكفاية إلي من هو في مثل حاله في فقره، وقلّة ذات يده.
نعم ثمّ [ كان] ينتقص بالفقر، ويعيّر به في وقت قد عمّ تمكّن الإسلام واعتدل بأهله، وقوي بظهوره حين خطب النبيّ صلى الله عليه و سلم لعلي فاطمة عليهما السلام ، عيّرته قريش بالفقر، وقلّة المال، وألقوا ذلك إلي فاطمة عليها السلام ، حتّي شكت إلي أبيها، وقالت: زوّجتني أحدثهم سنّاً، وأقلّهم مالاً. فقال لها: إنّ الله زوّجك [منه] من السماء، ولو علم خيراً منه لزوّجك منه.
فهيهات هيهات! من يصبر علي محنة الفقر أيّام حياته، ويقاسي عدم الكفاية أيّام بقائه ؟ إلّا من قلّت الدنيا في عينه، وباشر من حقائق الصبر ما سرّه، وقوي من قمع [هوي] النفس وزمّها، وحسّن تأديبها علي ما قوي عليه - رضي الله عنه وبيّض وجهه- .
فلذلك أجري الله علي لسانه ينابيع الحكمة، وعرّفه داء الدنيا ودواءها، وما يحلّ بأهلها من أجل طلبها، فتدبّروا كلامه، وتفهّموا صفاته لتعلموا أنّ المعرفة الثابتة أدّته إلي هذه المنزلة. (1)
17636. الإسكافي : وله في بدء إسلامه فضيلة شريفة اكتسبها، ومحن عظام اختصّ
ص:51
بها، [وكان] أبوبكر منها بمعزل، فتدبّروا رحمكم الله ما نحن واصفون، وارفضوا الميل والتعصّب، واستعملوا الإنصاف بحسن التفهّم، فقد بان تنقيصكم وتقصيركم فيما يجب من حقّه ومعرفة فضله، وبان ذلك في قولكم إذ دان بعضكم بالوقف في حروبه وإمامته.
وبعضكم زعم أنّ تولية أبي بكر كانت لتفضيل منه عليه، لذلك كان أولي بالإمامة منه.
ثمّ فكّروا فيما امتحن به علي بن أبي طالب من حصار الشعب مع النبيّ صلى الله عليه و سلم وما رأي من الذلّ في نفسه وقرابته، فبان صبره، وخرج حميداً محموداً رضي الله عنه ، وأبوبكر مع أهله في أمن وسعة.
فهذه فضيلة في بدء إسلامهم، ليس لأبي بكر مثلها، وهي من أعظم المصائب كانت علي بني هاشم؛ لأنّ العرب تعاقدت وتحالفت أن لا يبايعوهم، ولا يأمنوا فيهم، حتّي يدفعوا إليهم النبيّ صلى الله عليه و سلم ليقتلوه.
وكان علي رضي الله عنه يحمل إليهم الطعام مسارقة، [ كانوا] يمنعون من المبايعة، فقد بان [فضله] في فضيلة السبق إلي الإسلام علي جميع السابقين.
ونحن ذاكرون بعد السبق إلي الإسلام منازل الجهاد، قلنا: وفضيلة الجهاد تكون بآلات مجتمعة وأسباب معروفة، منها الشدّة في البدن، والشجاعة في النفس، والعلم بالثقافة، والحذر والفروسيّة، فالشرف في منزلة الجهاد يكون باستعمال الآلة، ولقاء الأبطال، وضرب الأقران، والتغرير بالنفس، وإلقائها بين الأسنّة، والأهوال والمخاطرة، وفاء لله بعهده، واستئناساً ببيعته.
فالمذكور من أهل الشجاعة والنجدة علي بن أبي طالب، وحمزة بن عبدالمطّلب، والزبير بن العوّام، وأبودجانة الأنصاري، وخالد بن الوليد، ليس أحد يعدّ أبابكر ولا عمر مع المذكورين بالحرب والشجاعة، والطعن بالأسنّة، فنظرنا في أحواله واُموره في حروبه، فإذاً هو بائن ممّن ذكرنا[ه] جامع لأسباب الجهاد، متقدّم في الآلة والفعل، فاجتمع الفضل فيه علي حسب اجتماع أسبابه وآلاته.
ص:52
وحمزة بن عبدالمطّلب وإن كان رجلاً شجاعاً مقداماً حمولاً، فقد كان للحذر مضيّعاً، ولم يكن بالثقافة موصوفاً.
وكان أبودجانة رجلاً يقاتل بالسيف دون الرمح، ولم يكن بالفروسيّة مذكوراً، وكان الزبير فارساً، ولم يكن كذلك راجلاً.
وكان أبوالحسن لهذه الاُمور جامعاً، وكان بالسيف ضروباً، وبالرمح طعّاناً، وبالفراسة والشجاعة موصوفاً، وبالشدّة معروفاً، وللحذر مستعملاً.
ويدلّك علي ذلك [ما و]صفه [به] وحشي [حيث] إنّه قال: لمّا وقفت نفسي بِعَيْر (1) قريباً من احد أردتُ النبيّ صلى الله عليه و سلم فإذاً هو لا تناله الأيدي.
ثمّ أقبل علي بيده سيف يفري، وخيّل إلي أنّ في كلّ جارحة من جوارحه عيناً تنظر إلي، فلمّا نظرت إلي من هذه حاله قلت: تراكها تراكها، لست من هذا ولا هذا منّي.
ثمّ أقبل حمزة كأنّه فحل يهشّم بليساً يقاتل بسيفين وهو يقول: أنا أسد الله وأسد رسوله. فاهتبلتها فدفعت حربة كانت في يدي فوقعت في ثنّته وقضي، فوالله ما أغسل عنّي عارها.
ثمّ كانت نكايته في أكثر الحروب، وبأسه أشدّ ممّن ذكرنا[ه] من أهل النجدة، فهذا فعله مشهور يوم بدر، كان عدد القتلي [فيه] نيّفاً وأربعين، كان له عشرون [خاصّاً]، وشاركهم في البقيّة.
وهذا يوم الخندق خرج عمرو بن عبدودّ [و] دعا إلي البراز فأحجم الناس عنه، في كلّ ذلك يقوم إليه علي رضي الله عنه فيكفّه النبيّ - صلّي الله عليه - .
وما كان ذلك من النبيّ صلى الله عليه و سلم إلّا دلالة علي علي ليظهر ويكشف فضيلته علي غيره للناس؛ إذ لم يقدم عليه غيره، والدليل علي ذلك كفّه له ثمّ إذنه له بعد أن أحجم الناس.
وممّا يحقّق ذلك أيضاً من فعل الرسول - صلّي الله عليه - قوله يوم بدر: قوموا يا بني هاشم فقاتلوا عن دينكم. وكان يقدّمهم قبل الناس في الحروب.
ص:53
فلمّا كان يوم الخندق فعل بعلي ما رأيتم بكفّه عن المبادرة إلي عمرو، فلمّا بان إمساك الناس عنه، وتخلّفهم عن الإقدام عليه، قام علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه - في المرّة الثالثة، فقال له النبيّ صلى الله عليه و سلم : يا علي، إنّه عمرو بن عبدودّ - تأكيداً لما قلنا[ه] وتنبيهاً لمن كان له قلب أنّه أراد بذلك الدلالة علي تقدّم علي وتفضيله - ، فقال: له علي: وأنا علي بن أبي طالب يا رسول الله.
فعمّمه بيده، وقلّده سيفه ذا الفقار، فخرج إليه والمسلمون مشفقون، قد اقشعرّت جلودهم، وزاغت أبصارهم، وبلغت الحناجر قلوبهم، وظنّ قوم بالله الظنون، والنبي صلى الله عليه و سلم يدعو له بالنصر، ملحّ في ذلك، مستغيث بربّه، ففرج الله به تلك الكرب، وأزال الظنون، وثبت اليقين بعلي بن أبي طالب، وقتل عمرو بن عبدودّ، وقبل ذلك ما زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظنّ بالله الظنون، وزلزل المؤمنون زلزالاً شديداً، وقال المنافقون: ما وعدنا الله ورسوله إلّا غروراً.
وفي ذلك يؤثر عن حذيفة بن اليمان أنّه قال: لقد أيّد الله - تبارك وتعالي - رسوله والمؤمنين بعلي بن أبي طالب في موقفين، لوجمع جميع أعمال المؤمنين لما عدل بهما: يوم بدر ويوم الخندق. ثمّ قصّ قصّته فيهما.
فهذه أحواله مكشوفة، ومناقبة في الحروب معروفة، وفي الآثار مأثورة، وفي السير مذكورة، وفي العامّة ظاهرة مشهورة.
شهد [مع] النبيّ صلى الله عليه و سلم في جميع حروبه ومغازيه، فمرّة يأخذ الراية قدّامه، ومرّة يتمشّي بسيفه بين يديه، ينفّس الكرب عن وجه نبيّه - صلّي الله عليه - وينصر الله في قتل أعدائه.
فكم من مبارز قد قتله [وقد] أعيي المبارزين قتله! وكم من قرن قد أكثر المسلمون مقامه، وضاقت أنفسهم عنده! كفاهم ابن أبي طالب مؤونته، وسقاه الموت بيده.
وتقدّمه علي المذكورين في الجهاد بيّن، وفضله علي المشاركين له في حروب النبيّ صلى الله عليه و سلم قائم.
ص:54
وقال بعض المكابرين مقالة يعجب لها من كانت فيه [أدني] معرفة، زعم أنّ فضيلة أبي بكر في الحروب أكثر، وفعله في الجهاد أعلا وأكبر! قلنا: وما هو؟ قال: تدبيره في الحروب، ووقوفه مع النبيّ صلى الله عليه و سلم .
قلنا: أمّا وقوفه فلم يدفع أن يكون وقوف ناظر.
فإن قلتم: كان وقوفه وقوف محارب مقدّم عند دنوّ المشركين من رسول الله صلى الله عليه و سلم وإحاطتهم به؛ فأرونا فيه أثراً في تلك الحال، يجوز لقائل يقول: قد كان في موضع الكن والحمل، فلذلك اصيب يده، أو شجّ رأسه، أو اصيب بدنه أو جوارحه، أو [هاتوا] رواية في أنّه أصاب أحداً من قرب أو بُعد فيكون علّة للدعوي، وسبباً لمن لم يتحرّ الحقّ يبصره أهل الهدي، هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ادمي ساقه، وكسرت رباعيّته، وطاعن بيده، وكان أبوبكر في هذه الحال معه يصنع ماذا؟ فإن قلتم: [كان] واقفاً يتمنّي بقلبه عزّ الإسلام، ويدعو ربّه بالنصرة، ويفرح بظهور الدين والظفر بالعدوّ، فتلك منزلة لا ندفعها بل نوجبها ونحقّقها لأبي بكر، وهذه منزلة حسّان بن ثابت [المعروف بالجبن] ... .
فإن قالوا: فدلّونا علي فضل علي في الرأي والتدبير كما دللتم علي فضله في الشجاعة والجهاد، وقد تعلمون أنّ قريشاً طعنت عليه في رأيه، وضعّفته في تدبيره!
قلنا لهم: أمّا تضعيف قريش له في تدبيره ورأيه فبالعداوة والعصبيّة، لا بحقّ طعنوا، ولا حجّة [علي دعواهم أقاموا]، وإلّا فليوقفونا من رأيه علي غلط أو خطأ.
والدليل علي فضل رأيه ورجاحة تدبيره أنّه لم يولّ عليه أحد في جيش في حروب النبيّ صلى الله عليه و سلم ، ولو كان من ضعف التدبير علي ما ادّعيتم ومن الشجاعة علي ما أقررتم كان في الرأي وصلاح الحروب أن يكون مأموراً في الحروب ولا يكون أميراً، فما كان من النبيّ صلى الله عليه و سلم في أمره وتوليته دليل واضح علي ما قلنا ونفي ما قلتم.
وقد بلغه ما قالت قريش فكذّبه وتعجّب من قولها، وقال: لله أبوهم، وهل أحد كان أشدّ مراساً لها منّي ؟ والله لقد نهضت فيها وأنا ابن عشرين، وها أنا ذا قد نيّفت علي الستّين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.
ص:55
ولذلك تمثّل عند تركهم لرأيه بقول دريد بن الصمّة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوي فلم يستبينوا الرشد إلّا ضحي الغد
وقد كان - رحمة الله عليه - يترك الشيء من الرأي والتدبير عن معرفة، يمنعه من ذلك الخوف من الله؛ لأنّه محرّم في الدين، ويستعمله من خالفه كالغدر والخديعة والكذب ونقض العهد والغارة والبيات وما أشبه ذلك، فيظنّ الجاهل أنّ ذلك منه قلّة معرفة به، وأنّ من خالفه إنّما صار إلي ذلك بفضل رأيه، وقد ذكر ذلك في بعض كلامه، فمدح الوفاء، وعاب الغدر وانتهاز الفرصة بما لا يحلّ ، فقال - رحمة الله عليه - وذكر الوفاء:
ذاك والله توأم الصدق، وما أعلم جنّة أوقي منها، وما غدر من علم كيف العواقب، وأيم الله لقد أصبحنا في زمن اتّخذه أكثر أهله كيّساً، ونسبهم أهله إلي حسن الحيلة، ما لهم خيّبهم الله قد يري الحوّل القُلّب وجه الحيلة ودونها حاجز من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين وبعد قدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين.
نعم، ويجد علي ذلك أعواناً غير مستبصرين، وما يرتاب في مثل هذا إلّا الجاهلون.
ولعمري أنّ عمرو بن العاص ومعاوية الغادر قد كان [ كلّ واحد منهما] يعمل رأيه، إذا شرعت له الفرصة لا يحجزه عن ذلك خوف من الله وأمره، فيحنث ويكذب ويغير ويغدر.
فارتاب بمثل هذا من فعلهم من لا بصيرة له، وما ظنّك بقوم لمّا انتبهوا عند قتل عمّار بن ياسر لقول النبيّ صلى الله عليه و سلم : يا ابن سميّة، تقتلك الفئة الباغية، قال لهم معاوية: إنّما قتله من أخرجه. فوجد قوماً طغاماً لا علم لهم بكفر من إيمان ولا هدي من ضلال، أصحاب جفاء وجهل وارتياب فجاز عندهم هذا الكلام، وظنّوا أنّه قد خرج من هذا السؤال، وأنّ قاتل عمّار بن ياسر هو علي دون معاوية.
فلمّا بلغ هذا من قوله علي بن أبي طالب قال للجفاة الطغام وأشباه الأنعام: لو كنت أنا قتلت عمّاراً لأنّي أخرجته لكان رسول الله قتل حمزة وجميع من قتل في حربه لأنّه هو المخرج لهم.
فتؤازر معاوية وعمرو واستعانوا علي علي بالمكيدة والغدر، واستعان عليه آخرون
ص:56
بالتمويه والشبه، وكلّهم يعتلّ بطلب الدم، وإن كان بعضهم أجري من بعض، وأقدم علي الجور والإثم.
ولقد ذكر أميرالمؤمنين - بيّض الله وجهه - بعد رجوعه من البصرة من قعد عنه [وأنّبهم]، فقام إليه صاحب شرطته مالك بن حبيب اليربوعي، فقال: إنّ التأنيب والهجر [لهم] لقليل، فمرنا بقتلهم، فوالله لئن أمرتنا لنقتلنّهم. فقال علي: سبحان الله يا مالك! جزت المدي وعدوت الحكم، وأغرقت في النزع. فقال: يا أميرالمؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في امور تنوبك من مداهنة الأعادي.
فقال علي: ليس هذا قضاء الله يا مالك؛ إنّما النفس بالنفس، فما بال ذكرك الغشم وقد قال الله تبارك وتعالي: وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً 1 .
والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهي الله عن ذلك، وذلك هو الغشم الّذي نهي الله عنه.
فتدبّروا سيرته، وتصفّحوا سياسته؛ لتعلموا فضله في رأيه وتدبيره، وفضله في شجاعته وإسلامه، وفضله عند الشدائد في صبره ويقينه. وسنتكلّف لكم جمع ذلك لتخفّ المؤونة عليكم، ونأتي من بيان ذلك بما فيه الشفاء لكم ... .
فهذه الأحوال الّتي يذكرونها في حروب علي عليه السلام قد كانت في حروب النبيّ صلى الله عليه و سلم ، فلم جعلتموها علّة للنقص، والخطأ في الرأي لولا الحيرة ؟!
والنبي صلى الله عليه و سلم [كان] ينزل عليه الوحي، ويعينه الله بالملائكة، [ومع ذلك] فقد زاغت الأبصار من قوم عند محنة كانت وضاقت صدورهم وظنّوا بالله الظنون.
فإن كنتم صادقين - ولا أخاً لكم إلّا متعمّدين - فاذكروا لنا رأياً من رأيه، وغلطة من غلطاته، بها ضعّفتم أميرالمؤمنين رضي الله عنه فيه رأيه لولا المعاندة.
ص:57
[و] قد تعلمون شدّة مقاساته للحروب واضطلاعه بها، وما مُنِي به من تراكم المحن عليه، واجتماع أهل النكث والبغي علي حربه، [و] هو المتولّي للاصطلاء بحرّها والقائم بلمّ شعثها، والداعي إلي الإجماع عليها منفرداً بذلك ليس له نظير يعينه - كما تعرفون لمن كان قبله - يكتّب الكتائب، ويجنّد الجنود، ويبعث البعوث، ويعبّئ العساكر، ويؤمّر الاُمراء، ويقوم بالخطب تحريضاً وبياناً وتأنيباً، ويوضّح السنّة، ويتولّي محاجّة من حاجّه.
فكم من شبهة قد أوضحها، وكربة قد كشفها، وضلالة قد محقها، وضالّ قد هداه، ونفس قد أحياها!
فهل يقوي قلب أحد علي ما ذكرنا[ه] إلّا من نوّر اليقين قلبه، وعرف ما له عند ربّه، وعلم أنّ بمثل ما فعل ينال رضاه، ويباعد من سخطه.
ففضيلته في الجهاد قد بانت أيّام النبيّ صلى الله عليه و سلم علي من كان بحضرته؛ ومن قدّمتموه عليه؛ بدلالة القرآن.
وتقدّمه في الإسلام قد وضح بما خصّ به من المحن الشداد، ومحن الحروب قد خصّته بالمكاره، وما يشيب عند مثلها الذوائب، والعلم بسببها في قتال الكافرين والمحلّين عند احدوثة اقتدي فقهاؤكم، وبالعلم والصبر علي الحرب بمحض اليقين هو البائن عن الخلق، والعفو عند القدرة هو المذكور به عند علماء السيرة، والدعاء بالرفق في كلامه مشهور، والبلاغة في القول ما لا ينكره من عرف كتبه ورسائله، وسأذكر من فضل رأيه في الحرب؛ وحسن سيرته؛ وقوّة تدبيره؛ ووضوح حجّته؛ ما لا يمتنع من قبوله قلب من ألقي السمع وهو شهيد. (1)
17637. الإسكافي : قد قلتم: إنّ من السنّة تفضيل أبي بكر وعمر! فأي سنّة قامت بأنّهما عن علي بن أبي طالب أفضل ؟ والجماعة في هذا مضطربة، فأوقفونا علي شهادة معروفة، وأوضحوا دعوي هذه السنّة الّتي بانت بالبدعة.
ص:58
فإن قلتم: [منها] قول النبيّ صلى الله عليه و سلم : سيّدا كهول [أهل الجنّة]. قلنا: فقد عارض هذا من خبركم ما هو أقوي [منه] في المعني، وأسلم من خطأ التأويل، وهو قوله في الحسن والحسين: [هما] سيّدا شباب أهل الجنّة، وأبوهما خير منهما.
فنظرنا في الحديث الأوّل فوجدنا للشبهة فيه مساغاً، ولخطأ التأويل [فيه] مدخلاً؛ لأنّه ليس في الجنّة كهل.
وهذا لا يدخل فيما قلنا في قوله في الحسن والحسين؛ إذ كان أهل الجنّة [كلّهم] شباباً، فإذا ثبت أنّ أهل الجنّة شباب دون كهول فقد قدّمهما علي [كلّ ] من في الجنّة تقديماً واضحاً.
واستثناؤه أباهما يوجب أنّ الخبر عامّ ولو أراد به الخصوص لم يكن للاستثناء معني.
فإن قلتم: لم يرد بقوله: سيّدا كهول أهل الجنّة، إخباراً بأنّه يكون في الجنّة كهول، ولكن لمّا كانا في وقت القول كهلين جاز أن يقول: سيّدا كهول أهل الجنّة، مجازاً.
قلنا: فهذا خبر يدخل فيه من كان في ذلك الوقت كهلاً، فيكون قد دخل فيه كهول من بالحضرة دون من لم يكن في ذلك الوقت كهلاً، فعلي بن أبي طالب لم يكن في ذلك الوقت كهلاً فيكون في الخبر داخلاً.
هذا قد يجب عليكم متي سلّمنا دعواكم وتركنا الاستقصاء عليكم في خبركم، فنحن إذا نظرنا فيما ذكرتم احتجتم إلي التأويل فيما رويتم في أبي بكر وعمر، فإمّا تأوّلتم فسلّمنا لكم التأويل، أو هدناكم أنّه ليس فيه علي قولكم دليل.
فقد ثبت بما شرحنا ووصفنا أنّ قوله: سيّدا شباب أهل الجنّة؛ أدلّ علي التفضيل وأوفي بالعموم ممّا يدخله الطعن عند القياس، واحتجتم في تصحيحه إلي استعمال التأويل.
ثمّ فكّروا في حديث المؤاخات وما فيه من الدلالة الواضحة، إذ ميّزهم علي قدر منازلهم، ثمّ آخا بينهم علي حسب مفاضلتهم، فلم يكن أحد أقرب من فضل أبي بكر من عمر فلذلك آخا بينهما، وأشبه طلحة الزبير وقربت منازلهما، لذلك فآخا بينهما، وكذلك
ص:59
فعل بعبد الرحمان بن عوف آخا بينه وبين عثمان.
ثمّ قال لعلي: إنّما أخّرتك لنفسي أنت أخي وصاحبي.
فلم يكن فيهم أحد أشبه بالنبي عليه السلام من علي، ولا أولي بمؤاخات النبيّ منه، فاستحقّ بمؤاخات النبيّ عليه السلام لتقدّمه علي القوم، وكانت مؤاخات علي أفضل من مؤاخات غيره لفضله علي غيره.
ثمّ قوله صلى الله عليه و آله و سلم له في غدير خمّ : من كنت مولاه فعلي مولاه؛ [يكون] إبانة له منهم، وتقريباً له من نفسه؛ ليعلموا أنّه لا منزلة أقرب إلي النبيّ - صلّي الله عليه - من منزلته.
فإن قال قائل: إنّما قال ذلك النبيّ عليه السلام في ولاء النعمة، ومعني الحديث في زيد بن حارثة؛ لأنّهما قد كانت بينهما مشاجرة، فادّعي علي بن أبي طالب ولاء زيد بن حارثة، وأنكر ذلك زيد، فبلغ ذلك النبيّ عليه السلام فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه. [فيكون ذلك إذاً] في ولاء العتق.
قلنا: ليس لما ذهبتم إليه معني يصحّ ؛ لأنّ أوّل الحديث وآخره يبطل ما ذكرتم؛ لأنّه ذكر في أوّل الحديث [أنّه صلى الله عليه و آله و سلم خطب الناس] فقال: أ لست أولي بالمؤمنين من أنفسهم ؟ و [من] كلّ مؤمن ومؤمنة ؟ قالوا: اللهمّ بلي. فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
فلا يكون من البيان في نفي ما قلتم أوضح من هذا؛ لأنّه قد نصّ علي المؤمنين جميعاً بقوله، ودلّ علي إبانة علي من الكلّ بمولويّته علي كلّ مؤمن ومؤمنة، ثمّ أقامه في التقديم عليهم مقامه، وأعلمهم أنّ تلك لعلي فضيلة عليهم كما كانت له صلى الله عليه و سلم فضيلة تأكيداً وبياناً لما أراد من قيام الحجّة، ونفي تأويل من تأوّل بغير معرفة، ولو كان ذلك من النبيّ عليه السلام علي طريق الولاء والملك لكان العبّاس بذلك أولي من علي؛ لأنّه أقرب إلي النبيّ صلى الله عليه و سلم منه.
وآخر الحديث [أيضاً] يدلّ علي أنّ ذلك لم يكن لما ذكروه من العلّة، وهو قوله: اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وهذا كلّه يدلّ علي ما قلنا[ه] من تقدّمه في الدين،
ص:60
وتفضيله علي العالمين، و [أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم إنّما] اختاره [لعلمه] بأنّه لا يكون منه تغيير ولا تبديل، وأنّ حاله واحدة، متّصلة عداوته بعداوة الله، وولايته بولايته، كما اتّصل ذلك من النبيّ عليه السلام .
[وقد ذكرنا من مدلول الحديث] لتعلموا أنّ النظر في الحديث يوجب أنّ النبيّ إنّما أراد بهذا الحديث إبانة علي رضي الله عنه من المؤمنين جميعاً، وإعلامهم أنّ منزلته في التفضيل عليهم والتقدّم لهم بمنزلته عليه السلام .
ففكّروا في هذا الحديث، فما أبين دلائله، وأوضح حجّته وتأكيده! وما أعجب قوّته عند النظر فيه من جميع أسبابه ومعانيه!
و [فكّروا أيضاً في] قول عمر - له عند ما سمع [من النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ] هذا الحديث - : بخ بخ [لك] يا ابن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة.
فهذا حديث يؤكّد بعضه بعضاً، ويشهد بشهادة واحدة، وينفي تحريف الشاكّين والمقصّرين، ويوجب قول أهل العلم واليقين ... .
فإن قال قائل: وبما استحقّ علي بن أبي طالب هذه المنزلة ؟
قلنا له: إنّ قولكم: بما استحقّ علي بن أبي طالب هذه المنزلة بعد ما [أ]وقفناكم وعرفتم أنّ النبيّ عليه السلام أنزله هذه المنزلة وأبانه بهذه الفضيلة تهمة وسوء ظنّ بالنبي عليه السلام ؛ لأنّ الّذي فعل النبيّ عليه السلام ، قمن (1) بذلك، لم يفعله إلّا بالاستحقاق، ولأنّ النبيّ عليه السلام لم يكن بالّذي يتقدّم بين يدي الله فيبين علي بن أبي طالب هذه البينونة ويشهره هذه الشهرة إلّا بأمر من الله ... .
علي أنّا قد بيّنا استحقاق علي لهذه المنزلة من النبيّ عليه السلام بما قد ذكرنا من مناقبه وفضائله، فله علي جميع المؤمنين التقدمة في السؤدد، والفضل بما له عليهم من النعمة والمنّة والشرف، وذلك لأنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم مولي المؤمنين جميعاً بالسؤدد؛ لأنّ به تخلّصوا من
ص:61
الضلال ودخلوا في نعمة الإسلام حتّي استنقذهم بدعائه وأمره وقيامه وصبره في ساعات الخوف والضيق من شفا الحفرة ومعاطب الهلكة.
ولعلي الفضل عليهم بذبّه عنهم بسيفه وقيامه بالاصطلاء بحروب عدوّهم منّة ونعمة استحقّ بها عليهم السؤدد والتقدّم؛ لأنّه قوّي بذلك عزائمهم، وأزال الشكوك بفعله عنهم، وثبّت يقينهم، وحاما عن أنفسهم وأموالهم في مواقف مشهورة قد ذكرنا بعضها.
ثمّ حفظه لما جاء به النبيّ عليه السلام من الدين والسبق، وعنايته بذلك ينبّه عاقلهم ويعلّم جاهلهم، ويقيم الحجّة علي معاندهم، وسنذكر فضله عليهم في العلم في موضعه.
ثمّ [فكّروا في] قوله في غزوة تبوك: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي. فمنازل هارون من موسي معروفة، أوّلها أنّه شريكه في النبوّة، والثانية [أنّه] أخوه في النسب، الثالثة أنّه المقدّم عند موسي علي جميع البشر، وهذه هي الّتي وجبت لعلي بن أبي طالب، وهي منزلته من النبيّ عليه السلام .
فإن قال قائل: إنّ النبيّ عليه السلام خلّف عليّاً في بعض غزواته؛ فقال [له]: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي في الخلافة. ولم يرد بهذه التقدمة.
قلنا لهم: لا يكون لهذا الكلام معني إن لم يكن معه التفضيل والتقدمة، ولو أمكن أن يعني بهذا الخلافة الّتي [لا] تدلّ علي التفضيل والتقدمة أمكن أن يعني الولاية والإنسانيّة، فيقول: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي في الولاية؛ أي: إنّك وليّي، وإنّك إنسان مثلي كما كان ذلك في هارون وموسي، وهذا ما لا يحتمل هذا الكلام، ولا يعنيه من له معرفة بما يقول؛ لأنّ قائلاً لو قال لرجل: أنت منّي بمنزلة النبيّ عليه السلام ، يريد في الولاية واسم الإيمان لكان مخطئاً؛ لأنّه أتي بالكلام الدالّ علي الفضل دون الولاية والإيمان، وكذلك لو أنّ رجلاً قال لصاحبه: أنت عندي بمنزلة ولدي، علمنا أنّه يريد في الفضل والمحبّة، ولا يجوز أن يقول: أنت عندي بمنزلة ولدي في أن أدخلك منزلي؛ لأنّه قد يدخل منزله من لا يعرف عبده من أبيه، وهذا الكلام دالّ علي قرب المنزلة والتقدّم في المحبّة.
قلنا: فقد بان خطأ تأويلكم، وممّا يؤكّد خطاؤه، ويوجب ما قلنا[ه] قول النبيّ عليه السلام .
ص:62
وإنّما ذكرنا من الحديث ما لا تدفعونه ولا تنكرونه؛ لأنّه جاء مجيء السنن الّتي لا يمكن دفعها، فقامت حجّته ظاهرة، وبلغت صحّته واستقامته عند النظر في أسبابه [بارزة] وتلك آية الحقّ ، وعلامته أنّه يزداد عند النظر والتفتيش قوّة وبياناً كما يزداد الذهب عند الحمي جودة وحسناً.
فأين هذه الأحاديث الّتي ذكرنا[ها] من الأحاديث الّتي رويتم في أبي بكر وعمر فيما أوجبتم التقدّم لهما علي الصدّيق الأكبر؟!
ورويتم عن النبيّ عليه السلام أنّه قال: وضعت في كفّة، ووضعت امّتي في كفّة فرجحت، ثمّ وضع أبوبكر فرجح، ثمّ وضع عمر فرجح ورجح.
فأوجبتم لعمر بهذا الحديث الرجحان علي أبي بكر ومحمّد - صلّي الله عليه - لأنّه رجح مرّتين! فهذا من الحديث الّذي يعلم باطله عند سماعه.
ورويتم عن النبيّ - صلّي الله عليه - أنّه قال: لو لم ابعث فيكم لبعث عمر. فليس من حكم الله أن يبعث نبيّاً قد أشرك وكفر.
وقلتم: لو نزل فيكم عذاب لم ينج إلّا عمر. فأوجبتم له التقدمة علي علي بأمر قد تقدّم فيه علي أبي بكر والنبي عليه السلام .
وقلتم: إنّ النبيّ عليه السلام قال ذلك تصويباً لرأيه في أسري بدر، وقد رأي عبدالله بن رواحة مثل رأيه.
وقد رويتم في حديث آخر ما ينقض هذا مع ما فيه من وضوح الخطأ.
ورويتم أنّ النبيّ عليه السلام شبّه أبابكر في رأيه بعيسي ابن مريم وإبراهيم عليهما السلام وكيف يأخذ العذاب من أشبه عيسي وإبراهيم عليهما السلام ؟ و [ كيف قلتم وصدّقتم أنّ ] جميع الرأيين صواب ؟
ورويتم عن النبيّ عليه السلام أنّه قال: اللهمّ أعزّ الإسلام بأبي جهل بن هشام، أو بعمر بن الخطّاب. فسبقت الدعوة لعمر!
وهذا غير جائز كالأوّل؛ لأنّه في العقول مستنكر، وفي حكم الله باطل؛ لأنّ من حكم الله أن لا يستنصر كافراً ولا يستغفر لمشرك، لقوله: إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَ الَّذِينَ آمَنُوا فِي
ص:63
اَلْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ 1 ، وقال: ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى 2 .
ولا نعلم أحداً بلغ من عداوة الله ورسوله والكفر بالله ما بلغه أبوجهل، وتلك حاله كانت إلي أن مات، فكيف يدعو له النبيّ عليه السلام بهذه الدعوة، ويبدأ به قبل عمر؟! وهو ممّن استحقّ من الله اللعنة والخذلان ؟!
أم كيف يتقدّم النبيّ عليه السلام فيدعو لمشرك بمثل هذا الدعاء من غير أمر من الله ؟ وإن كان ذلك بأمر[ه] فكيف والله يعلم أنّ أباجهل ممّن يزداد علي طول الأيّام كفراً ولا يراقب الله، ولا يتوب أبداً؟! فكيف يأمره الله بالدعاء له نصّاً؟ ومن حكم الله أن ينصر من نصره، ويعزّ من أطاعه.
فهذا من الحديث الّذي لا شبهة في خطائه، وأنّه تقوّل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم .
فأين هذه الأحاديث من الأحاديث الّتي رويتم في علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه - في الشهرة والدلالة، ومضيّها عند النظر علي الاستقامة والصحّة ؟!
فأين [هذه] ممّا رويتم من قوله عليه السلام : من آذي عليّاً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن فارقني فقد فارق الله، ومن فارق عليّاً فقد فارقني.
وقوله في ذي الثدية: يقتله خير امّتي بعدي.
وحديث الطير: اللهمّ جئني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي. فجاء علي.
ولو آثرنا أن نذكر جميع ما في الآثار من مناقبه وفضائله الدالّة علي تقديمه لطال ذلك وكثر، وإنّما ذكرنا من ذلك جملاً، تنبيهاً لكم علي خطائكم واتّباعكم أهواء كم بغير علم ولا حجّة.
فإن أردتم معرفة الهدي فيما قلنا - دون ما قلتم من الرواية - فالتمسوا ذلك بالتدبّر
ص:64
لما رويتم [في شأن علي]، وإن التمستم معرفة ذلك بالنظر والجواب والمسألة كان في بعض ما ذكرنا[ه] كفاية وحجّة.
ثمّ ارجعوا إلي النظر في الزهد ودرجته، لتعلموا أنّ علي بن أبي طالب قد برز علي الزاهدين بزهده وصبره، وسبق العابدين بعبادته.
فكان ممّن يطعم الطعام علي حبّ الله مسكيناً ويتيماً وأسيراً.
وكان من المؤثرين علي أنفسهم وإن كانت بهم خصاصة.
وكان من الكاظمين الغيظ ، والعافين عن الناس.
وكان من الصابرين علي البأساء والضرّاء.
وكان ممّن قسم بالسويّة، وعدل في الرعيّة، ولم يرزأ شيئاً من مال الله، ولم تدع عليه زلّة، ولا تهمة ولا تكبّر ولا حميّة، وفيه نزلت إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ 1 تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. إذ قرن الله ولايته بولاية رسوله.
وفيه نزلت أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النّارُ 2 .
وكان إذا اجتمع عنده مال من مال المسلمين [أنفقه عليهم ثمّ ] قال:
هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه
وبلغ من كظمه الغيظ ما رأيتم من صبره علي الخليفتين، وما كان من مشاركته لهم في الأمر، ومؤازرتهم علي الرأي [حينما كانا يراجعان إليه عند ضيق خناقهم وعجزهم عن تدبير ما ابتليا به].
ص:65
وقد علمتم أنّهما لم يشاوراه في عقد الخلافة، ولم يقطعاه قطيعة، ولا ولّياه ولاية.
فقد تعلمون ما ظهر من حرص قوم علي الولاية، وما كان [برز لهم] من الرغبة الشاملة، [وإنّما اذكّركم بهذه الحقائق] لتعلموا أنّ علي بن أبي طالب لم يكن غضبه ولا رضاه إلّا لله تعالي، يغضب إذا عصي ربّه، ويرضي إذا اطيع الله، ويسلم ما دامت له الإلفة، ويعين علي اجتماع الكلمة، ويكظم ما سوي ذلك ممّا يناله في نفسه خاصّة، دون الدين.
فقد نازعت زوجته في فدك، وشهد علي دعواها، فلم يفد ذلك، فصبر علي مرّ الحقّ عندما ظهر من الحكم، ثمّ ولي الأمر فأمضي ذلك علي ما لم يزل. (1)
وبلغ من صبره أنّه قعد عن خلافته قوم فلم يحبسهم ولم يكرههم، وتكلّموا فلم يعاقبهم، ولم ينفهم، وولّاهم ما تولّوا، ولم يفعل بهم كما فعل من ذكرتم بسعد بن عبادة، وكما رويتم من نفي عثمان بن عفّان لأبي ذرّ إلي الربذة، وما فعل بعمّار وابن مسعود وغيرهم.
وبلغ من عفوه أنّه يوم الحكمين كان في يده أسري من أهل الشام فخلّي سبيلهم، ومنعوه الماء ولم يمنعهم.
ونادي يوم الجمل عند الطعن أن لا تقحموا منازلهم، ولا تغنموا أموالهم، ولا تتبعوا المولّي منهم.
وبلغ من تفضّله وإيثاره علي نفسه أنّ عمر سأله سهمه من الفيء - وهو سهم ذي القربي - ليعود به علي المسلمين فجاد لهم به تفضّلاً وكرماً ... .
ص:66
وبلغ من صبره ما إن كان الجوع إذا اشتدّ به وأجهده خرج حتّي يؤجّر نفسه في سقي الماء بكفّ تمر لا يسدّ جوعته ولا خلّته، فإذا اعطي اجرته لم يستبدّه به وحده حتّي يأتي به رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وبه من الجوع مثل ما به، فيشتركان جميعاً في أكله.
فأين مثل هذه إلّا له ؟ قيمة قميصه ثلاثة دراهم، ونفقته في كفّه! ولقد أخرج يوماً سيفه فقال: من يشتري هذا منّي ؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته.
فهل ترون أحداً من الصحابة بلغ هذه المنزلة ؟ ... .
ويروي أنّ قوماً تذاكروا أزهد أصحاب النبيّ عليه السلام عند عمر بن عبدالعزيز، فقال قوم: عمر. وقال قوم: أباذرّ. فقال عمر بن عبدالعزيز: علي بن أبي طالب ... . (1)
17638. الإسكافي - بعد ذكر روايات في زهده وعدله عليه السلام - : فهذه منازله في زهده، وسيرته في عدله، وما لم يذكر من اموره أكثر وأشهر.
فهل تذكرون لأحد ممّن قدّمتموه عليه مثل ما ذكرنا[ه] عنه ؟ فعمر وإن كان زاهداً فلم يبلغ هذه الغاية، ولم يصر إلي هذه المنزلة، وقد قسّم علي غير السويّة، وعزم في مرضه علي السويّة، وكان عليه دين فادح.
وأبوبكر فلم يمتحن بكثرة الأموال، ولم يظهر منه هذه السير والأحكام.
فإن قال قائل: إنّما شاع ذلك من فعل علي بن أبي طالب لأنّه عمّر وبقي فظهرت منه هذه السير والمناقب، وأبوبكر لم يعمّر ولم يبق.
قلت: القائل هذا إن كان معتزليّاً عدليّاً [نقول له:] ليس لما قلتم معني يجوز في مقالك، والّذي تعلّقت به فاسد عندك؛ لأنّ من قولك: إنّ الله لا يخترم عبداً يعلم أنّه يزداد عند البقاء خيراً، ولا يقطعه عن أمر يعلم أنّه لو بلغ إليه شرفت حاله وأضعفت طاعته، فما قلت ناقض لقولك.
وإن كان قائل هذا مجبّراً فالحجّة عليه قائمة؛ لأنّه لا يدري أن لو بقي في أي المنزلتين
ص:67
كانت تكون حاله، ولا يدري لعلّه لو بقي لكفر! لأنّه جائز في عدل الله عنده أن يبتديه بالخذلان والشرّ، وينقله أن لو بقي من الإيمان إلي الكفر، علي أنّه لو كان ممّن يزداد علي البقاء طاعة وفضلاً ثمّ لم يبلغه لم تكن منزلته منزلة من بقي حتّي فعله وناله، وليس بجائز أن يكون فاضلاً بما لم يفعله ولم يبق إليه، فلأمر ما دفع الله عن علي بن أبي طالب ووقاه بلطفه من تلك المحن، وصرف عنه تلك المصائب حتّي خلصت له سوابق المهاجرين الأوّلين وآثار السابقين، وأكمل الله له فضائل التابعين، فأعزّ الله به الدين في الأوّل والآخر هادياً مهديّاً طاهراً زكيّاً.
ففي فضل هذا يقصّر؟ ومثل علي بن أبي طالب يؤخّر؟ وعليه يقدّم ؟
فوالله لو ترك الهوي والتعصّب وأعمل الإنصاف والنظر لم يخف علي طالب فضل علي بن أبي طالب علي البشر.
ووالله لو ترك الهوي من لم ينظر، وقلّد الحبر لم يقدّم [أحد] علي علي بن أبي طالب، لكثرة مناقبه المشهورة في الحديث والأثر.
أوَ ليس من العجب أن لا يعلم تقدّمه علي البشر بمؤاخات رسول الله إيّاه دون الناس ؟ أ يظنّون أنّ رسول الله عليه السلام أخّر لنفسه من لا يقرب من منزلته ؟ وقصّر في الاختيار؟! بأي الوجهين كان ؟ إمّا بالبعد وإمّا بالغفلة إذا اصطفي لنفسه من غيره أولي به منه، وأفضل عند الله ممّن اختاره ؟!
وكيف لا يقنع الناظرون بهذه الجملة، ولا إشكال فيها ولا شبهة، ويكلّفوننا تفسير ذلك الجواب والمسألة ليكشف لهم أنّ اخوّة النبيّ عليه السلام لعلي بن أبي طالب كانت لفضله علي غيره، وأنّ منزلته عنده منزلة هارون من موسي ليس علي التقديم له ؟
ما أوضح خطأ من كلّفنا الجواب في هذا والمسألة [واضحة]، قد فرغته الأخبار، و[كشفها من] التمس علم الآثار.
ونحن ذاكرون بعد هذا تقدّمه في العلم وفضله فيه علي الخلق أجمعين بعد النبيّين. وللعلم أصل وفروع، وجملة وتفسير، وفيه تطوّع وفرض، وذلك علي صنوف شتّي،
ص:68
وأبواب كثيرة.
فأصل العلم العلم بالله، وهو أصل الدين والإسلام، فأعلم الخلق بالله أذبّهم عن توحيده، وأحسنهم عبارة عنه، وأوصفهم لحدوده وأحكامه، وأقومهم بمحاجّة من ألحد في الله بالجواب والمسألة، فالتمسوا علم ذلك في خطبه لتعلموا أنّه منقطع القرين في علمه وأنّه نسيج وحده.
وهو القائل في بعض خطبه، وهي خطبته الزهراء ... .
فتفهّموا صفته للتوحيد [فيها]، هل تجدون ما قال [إلّا] أصلاً أخذ المتكلّمون [به وبنوا] عليه، وافتقروا إليه ؟ وهل تجدون أحداً أبلغ من صفة التوحيد ما بلغه ؟ وذكر من عظمة الله وقدرته ما ذكره ؟ وهل تعلمون أحداً احتجّ في إثبات الربوبيّة واستدلّ علي الوحدانيّة إلّا ببعض ما ذكرنا من كلامه ؟
[و] لتعلموا أنّ المتكلّمين عيال عليه في صفة التوحيد والاحتجاج علي الملحدين، وأنّ الخطباء عليه معوّلهم، وبكلامه استعانوا علي خطبهم.
فقد بان [علوّه] في علم التوحيد من الخلق أجمعين، فله فضيلة الاستنباط والرسوخ في علم القرآن، وفضل التعليم واُجور المتعلّمين ... .
فاعتبروا أيّها الواقفون وتدبّروا معاشر المقصّرين ما ذكرنا من سوابق أميرالمؤمنين، وما نحن ذاكرون من فضائله في كلّ مذكور من الخير، فو الله لو لم يكن إلّا ما ذكرنا في كتابنا هذا لكان بائناً من الخلق كلّهم، ولكان مقدّماً علي جميعهم، فكيف وما تركنا أكثر ممّا ذكرنا!
وكيف لا تتخلّفون عن مناقبه وتقفون في أمره وقد ملتم إلي العصبيّة فحفظتم فضائل غيره وأعرضتم عن فضائله ؟ وإذا ذكرت اموره لم تصغوا إليها وتولّيتم عنها ونبزتم ذاكرها بالألقاب.
ولقد فعلت اليهود والنصاري دون هذا فلم يذكروا لمحمّد صلى الله عليه و سلم فضيلة ولا وقفوا من عجائب آياته علي علامة ولا دلالة، لتركهم سبيل الإنصاف وطريق النظر في معرفة محمّد عليه السلام .
ص:69
وأعجب من هذا أنّ عامّة ما ذكرنا من كلامه - وما لم نذكره من خطبه في التوحيد والثناء علي الله وتذكيره ومواعظه - قد تحلّي بها أكثر المتكلّمين، وتزيّن بها الواعظون، وتكسّب بها القصّاص، وتكثّر بها في مجالسهم أهل الذكر، وأوهموكم أنّ ذلك من كلامهم فنسبتم ما سمع من ذلك إليهم، كمنصور بن عمّار ومن أشبهه من القصّاص، قلّة عناية منكم بما صدر عنه، وجهلاً بما يؤدّي إليكم من علمه وخطبه وقلّة تمييز لما يرد عليكم من كلام غيره.
وجميع ما ذكرنا وما لم نذكره من كلامه فهو مشهور مذكور عند أهل الرواية، وبالأسانيد المذكورة عند أهل المعرفة معروف.
فأين التخلّف عن فضله وقد بزغت مناقبه ؟ وما العلّة في تقصير ما يجب من أداء حقّه ؟ بعد الّذي شرحنا من اموره وذكرنا من فضائله، [و] ليس بعد هذا علّة فيدّعيها الواقف، ولا شبهة فيلجأ إليها المقصّر؛ لأنّ كلّ الّذي وصفنا إن لم يكن سبباً إلي الإفراط والغلوّ لم يجد الناظر فيه سبيلاً إلي منزلة التقصير والوقوف.
فانظروا في ذلك نظر من يلتمس الصواب ويقتديه ويكره الخطأ ويزهد فيه.
فأبوبكر وإن كان فاضلاً فقد كان في بدنه ضعيفاً، ولم يكن علي أكناف أهل العداوة في الحروب ثقيلاً، ولا كان في ذلك مقدّماً، ولا لعلي مُدانياً، وإن كان في منزلة السبق سابقاً فلم يكن في شدائد المحن السبق داخلاً، ولا كان بالحصار ممتحناً، وبالفراش مخصوصاً، وعلي في كلّ ذلك عليه مقدّم.
وأبوبكر وإن كان بالله عالماً فلم يبلغ من الرساخة في العلم والذبّ عن الله بالمحاجّة في العلم والدين والردّ علي الملحدين ما يقرب من منزلة علي في علم التوحيد.
وأبوبكر وإن كان خطيباً بليغاً فلم يكن في خطبه متّسعاً، ولا في بلاغته مسحنفراً، ولا للمعاني الدالّة علي لطافة العلم بغائص الفهم ولطافة الفكر مستخرجاً.
وإن كان أبوبكر هذا صبوراً فلم يبلغ من زهده زهد من قاسي الفقر في أوّله؛ وقاسي عدم الكفاية في أيّامه، وسعي في طلب قوته بمؤاجرة نفسه، وعفّ عن مال الله
ص:70
عند إقبال الدنيا عليه وحين أفضت الخلافة إليه.
ولم يمتحن أبوبكر بالاستئثار عليه، ولا امتحن في زمانه بحدوث الفتن المتراكمة والشبهات الحادثة من بغي من بغا عليه، ونكث من نكث عليه، وشبّه الاُمور ولبّس، و[من] تخلّف من تخلّف [عنه] ممّن افتتن الناس بتخلّفه واقتدي الجاهل بقعوده.
وقد امتحن أبوبكر بالردّة في زمانه وكان لعلي في تلك الحال الفضيلة؛ لأنّه هو المشير علي أبي بكر بالقيام بحرب الردّة.
ففي كلّ ما ذكرنا علي بن أبي طالب المخصوص به القائم بحقّ الله فيه الفال لتلك العساكر بحدّه، والمدبّر للاُمور بفضل رأيه، والداعي في ذلك الساعات إلي أوضح المحجّة بأصدق نيّة، وأبلغ مقالة، وأنجح حجّة، وأهدي سبيل، وأحسن هدي، وأبلغ منطق، وأحدّ حدّ، وأشدّ بأس، وأخمد لهب الفتنة، وهتك ستر الشبهة بعمود السنّة، وبقر الباطل فأخرج الحقّ من غضارته، وخلّصه من لبس المعاندين له، مكدوداً دوماً في ذات الله، لا كليل الحدّ، ولا وان الضريبة، لم تصرفه عن طاعة ربّه رغبة، ولم يفتر عند الكريهة والشديدة، مضي علي منهاج صاحبه وأخيه، يقفو أثره، ويسير سيرته في عدوّه ووليّه، فباشر من حقائق الصبر ما لم يباشره أحد، فصبر علي مرّ الحقّ ومحنة الفقر صبراً استلان [له] ما صعب علي المترفين، وأنس بما استوحش منه الجاهلون، وصحب الدنيا بعفاف صادق، وعدل ظاهر، ونزاهة نفس وخطّة فصل ومنطق عدل، ففتح الله به ما أغلق، وأعلن به ما كتم، ودمغ به الباطل في غير نكل في قدم ولا واه في عزم.
اللهمّ فأكرم لديك مثواه ونزله، وتمّم له نوره، واجزه كما حمّل، فاضطلع بأمرك مستوفزاً في مرضاتك، حافظاً لعهدك ماضياً علي نفاذ أمرك.
اللهمّ فاجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة، مرضي المقالة، شريف المنزلة، من فوز ثوابك المحلول، وجزيل عطائل المعلول. (1)
ص:71
17639. ابن أبي الحديد : ينبغي أن نذكر في هذا الموضع ملخّص ما ذكره الشيخ أبوعثمان الجاحظ في كتابه المعروف بكتاب «العثمانيّة» في تفضيل إسلام أبي بكر علي إسلام علي عليه السلام ... .
ثمّ نذكر ما اعترض به شيخنا أبوجعفر الإسكافي علي الجاحظ في كتابه المعروف ب -«نقض العثمانيّة»، ويتشعّب الكلام بينهما حتّي يخرج عن البحث في الإسلامين إلي البحث في أفضليّة الرجلين وخصائصهما، فإنّ ذلك لا يخلو عن فائدة جليلة، ونكتة لطيفة ... .
قال أبوعثمان: قالت العثمانيّة: أفضل الاُمّة وأولاها بالإمامة أبوبكر بن أبي قُحافة؛ لإسلامه علي الوجه الّذي لم يسلم عليه أحد في عصره، وذلك أنّ الناس اختلفوا في أوّل الناس إسلاماً، فقال قوم: أبوبكر. وقال قوم: زيد بن حارثة. وقال قوم: خبّاب بن الأرت.
وإذا تفقدّنا أخبارهم؛ وأحصينا أحاديثهم؛ وعددنا رجالهم؛ ونظرنا في صحّة أسانيدهم؛ كان الخبر في تقدّم إسلام أبي بكر أعمّ ، ورجاله أكثر، وأسانيده أصحّ ، وهو بذاك أشهر، واللفظ فيه أظهر، مع الأشعار الصحيحة، والأخبار المستفيضة في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله وبعد وفاته، وليس بين الأشعار والأخبار فرق؛ إذا امتنع في مجيئها وأصل مخرجها التباعد والاتّفاق والتواطؤ، ولكن ندع هذا المذهب جانباً، ونضرب عنه صفحاً، اقتداراً علي الحجّة، ووثوقاً بالفلج والقوّة، ونقتصر علي أدني نازل في أبي بكر، وننزل علي حكم الخصم، فنقول: إنّا وجدنا من يزعم أنّه أسلم قبل زيد وخبّاب، ووجدنا من يزعم أنّهما أسلما قبله، وأوسط الاُمور أعدلها، وأقربها من محبّة الجميع ورضا المخالف أن نجعل إسلامهم كان معاً، إذ الأخبار متكافئة، والآثار متساوية علي ما تزعمون، وليست إحدي القضيّتين أولي في صحّة العقل من الاُخري، ثمّ نستدلّ علي إمامة أبي بكر بما ورد فيه من الحديث؛ وبما أبانه به الرسول صلى الله عليه و آله من غيره ... .
قال أبوعثمان الجاحظ : قالت العثمانيّة: فإن قال قائل: فما بالكم لم تذكروا علي بن أبي طالب في هذه الطبقة، وقد تعلمون كثرة مقدّميه والرواية فيه ؟!
ص:72
قلنا: قد علمنا الرواية الصحيحة والشهادة القائمة أنّه أسلم وهو حدث غرير، وطفل صغير، فلم نكذّب الناقلين، ولم نستطع أن نلحق إسلامه بإسلام البالغين؛ لأنّ المقلّل زعم أنّه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر زعم أنّه أسلم وهو ابن تسع سنين، فالقياس أن يؤخذ بالأوسط بين الروايتين، وبالأمر بين الأمرين، وإنّما يعرف حقّ ذلك من باطله، بأن نحصي سنيه الّتي ولي فيها الخلافة، وسني عمر، وسني عثمان، وسني أبي بكر، ومقام النبيّ صلى الله عليه و آله بالمدينة، ومقامه بمكّة عند إظهار الدعوة، فإذا فعلنا ذلك صحّ أنّه أسلم وهو ابن سبع سنين، فالتاريخ المجمع عليه أنّه قتل عليه السلام في شهر رمضان سنة أربعين.
قال شيخنا أبوجعفر الإسكافي: لولا ما غلب علي الناس من الجهل وحبّ التقليد لم نحتج إلي نقض ما احتجّت به العثمانيّة، فقد علم الناس كافّة أنّ الدولة والسلطان لأرباب مقالتهم، وعرف كلّ أحد علوّ أقدار شيوخهم وعلمائهم واُمرائهم، وظهور كلمتهم، وقهر سلطانهم وارتفاع التقيّة عنهم والكرامة، والجائزة لمن روي الأخبار والأحاديث في فضل أبي بكر، وما كان من تأكيد بني اُميّة لذلك، وما ولّده المحدّثون من الأحاديث طلباً لما في أيديهم، فكانوا لا يألون جهداً في طول ما ملكوا أن يخملوا ذكر علي عليه السلام وولده، ويطفئوا نورهم، ويكتموا فضائلهم ومناقبهم وسوابقهم، ويحملوا علي شتمهم وسّبهم ولعنهم علي المنابر، فلم يزل السيف يقطر من دمائهم، مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم، فكانوا بين قتيل وأسير، وشريد وهارب، ومستخف ذليل، وخائف مترقّب، حتّي أنّ الفقيه والمحدّث والقاضي والمتكلّم ليتقدّم إليه ويتوعّد بغاية الإيعاد وأشدّ العقوبة ألّا يذكروا شيئاً من فضائلهم، ولا يرخّصوا لأحد أن يطيف بهم، وحتّي بلغ من تقيّة المحدّث أنّه إذا ذكر حديثاً عن علي عليه السلام كني عن ذكره، فقال: قال رجل من قريش، وفعل رجل من قريش، ولا يذكر عليّاً عليه السلام ولا يتفوّه باسمه.
ثمّ رأينا جميع المختلفين قد حاولوا نقض فضائله، ووجّهوا الحيل والتأويلات نحوها، من خارجي مارق، وناصب حنق، وثابت مستبهم، وناشئ معاند، ومنافق مكذّب، وعثماني حسود يعترض فيها ويطعن، ومعتزلي قد نقض في الكلام؛ وأبصر علم
ص:73
الاختلاف؛ وعرف الشبه ومواضع الطعن وضروب التأويل؛ قد التمس الحيل في إبطال مناقبه وتأوّل مشهور فضائله، فمرّة يتأوّلها بما لا يحتمل، ومرّة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقض، ولا يزداد مع ذلك إلّا قوّة ورفعة، ووضوحاً واستنارة، وقد علمت أنّ معاوية ويزيد ومن كان بعدهما من بني مروان أيّام ملكهم - وذلك نحو ثمانين سنة - لم يدعوا جهداً في حمل الناس علي شتمه ولعنه وإخفاء فضائله، وستر مناقبه وسوابقه.
روي خالد بن عبدالله الواسطي، عن حصين بن عبدالرحمان، عن هلال بن يساف، عن عبدالله بن ظالم، قال:
لمّا بويع لمعاوية أقام المغيرة بن شعبة خطباء يلعنون عليّاً عليه السلام ، فقال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: أ لا ترون إلي هذا الرجل الظالم يأمر بلعن رجل من أهل الجنّة ؟
روي سليمان بن داوود، عن شعبة، عن الحرّ بن الصباح، قال: سمعت عبدالرحمان بن الأخنس يقول: شهدت المغيرة بن شعبة خطب فذكر عليّاً عليه السلام فنال منه.
روي أبوكريب، قال: حدّثنا أبواُسامة، قال: حدّثنا صدقة بن المثنّي النخعي عن رياح بن الحارث، قال:
بينما المغيرة بن شعبة بالمسجد الأكبر، وعنده ناس إذ جاءه رجل يقال له قيس بن علقمة، فاستقبل المغيرة، فسبّ عليّاً عليه السلام .
روي محمّد بن سعيد الأصبهاني، عن شريك، عن محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن علي بن الحسين، عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام ، قال:
قال لي مروان: ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم. قلت: فما بالكم تسبّونه علي المنابر؟ قال: إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلّا بذلك.
روي مالك بن إسماعيل أبوغسّان النهدي، عن ابن أبي سيف، قال:
خطب مروان والحسن عليه السلام جالس فنال من علي عليه السلام ، فقال الحسن: ويلك يا مروان! أ هذا الّذي تشتم شرّ الناس ؟! قال: لا، ولكنّه خير الناس.
وروي أبوغسّان أيضاً، قال: قال عمر بن عبدالعزيز:
ص:74
كان أبي يخطب فلا يزال مستمرّاً في خطبته حتّي إذا صار إلي ذكر علي وسبّه تقطّع لسانه، واصفرّ وجهه، وتغيّرت حاله، فقلت له في ذلك، فقال: أو قد فطنت لذلك ؟ إنّ هؤلاء لو يعلمون من علي ما يعلمه أبوك ما تبعنا منهم رجل.
وروي أبوعثمان، قال: حدّثنا أبواليقظان، قال:
قام رجل من ولد عثمان إلي هشام بن عبدالملك يوم عرفة، فقال: إنّ هذا يوم كانت الخلفاء تستحبّ فيه لعن أبي تراب.
وروي عمرو بن القنّاد، عن محمّد بن فضيل، عن أشعث بن سوّار، قال:
سبّ عدي بن أرطاة عليّاً عليه السلام علي المنبر، فبكي الحسن البصري وقال: لقد سبّ هذا اليوم رجل إنّه لأخو رسول الله صلى الله عليه و آله في الدنيا والآخرة.
وروي عدي بن ثابت، عن إسماعيل بن إبراهيم، قال:
كنت أنا وإبراهيم بن يزيد جالسين في الجمعة ممّا يلي أبواب كندة فخرج المغيرة فخطب، فحمد الله، ثمّ ذكر ماشاء أن يذكر، ثمّ وقع في علي عليه السلام ، فضرب إبراهيم علي فخذي أو ركبتي، ثمّ قال: أقبل علي فحدّثني فإنّا لسنا في جمعة، أ لا تسمع ما يقول هذا؟!
وروي عبدالله بن عثمان الثقفي، قال: حدّثنا ابن أبي سيف، قال:
قال ابن لعامر بن عبدالله بن الزبير لولده: لا تذكر يا بني عليّاً إلّا بخير؛ فإنّ بني اُميّة لعنوه علي منابرهم ثمانين سنة، فلم يزده الله بذلك إلّا رفعة، إنّ الدنيا لم تبن شيئاً قطّ إلّا رجعت علي ما بنت فهدمته، وإنّ الدين لم يبن شيئاً قطّ وهدمه.
وروي عثمان بن سعيد، قال: حدّثنا مطّلب بن زياد، عن أبي بكر بن عبدالله الأصبهاني، قال:
كان دعي لبني اُميّة يقال له خالد بن عبدالله، لا يزال يشتم عليّاً عليه السلام ، فلمّا كان يوم جمعة، وهو يخطب الناس، قال: والله إن كان رسول الله ليستعمله، وإنّه ليعلم ما هو! ولكنّه كان ختنه، وقد نعس سعيد بن المسيّب ففتح عينيه، ثمّ قال: ويحكم! ما قال هذا الخبيث! رأيت القبر انصدع ورسول الله صلى الله عليه و آله يقول: كذبت يا عدوّ الله!
ص:75
وروي القنّاد، قال: حدّثنا أسباط بن نصر الهمداني، عن السدّي، قال:
بينما أنا بالمدينة عند أحجار الزيت إذ أقبل راكب علي بعير، فوقف فسبّ عليّاً عليه السلام ، فخفّ به الناس ينظرون إليه، فبينما هو كذلك إذ أقبل سعد بن أبي وقّاص، فقال: اللهمّ إن كان سبّ عبداً لك صالحاً فأر المسلمين خزيه. فما لبث أن نفر به بعيره فسقط ، فاندقّت عنقه.
وروي عثمان بن أبي شيبة، عن عبدالله بن موسي، عن فطر بن خليفة، عن أبي عبدالله الجدلي، قال:
دخلت علي امّ سلمة - رحمها الله - فقالت لي: أ يسبّ رسول الله صلى الله عليه و آله فيكم وأنتم أحياء؟! قلت: وأنّي يكون هذا؟ قالت: أ ليس يسبّ علي عليه السلام ومن يحبّه ؟!
وروي العبّاس بن بكّار الضبّي، قال: حدّثني أبوبكر الهذلي، عن الزهري، قال:
قال ابن عبّاس لمعاوية: أ لا تكفّ عن شتم هذا الرجل ؟ قال: ما كنت لأفعل حتّي يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير. فلمّا ولي عمر بن عبدالعزيز كفّ عن شتمه، فقال الناس: ترك السنّة.
قال: وقد روي عن ابن مسعود إمّا موقوفاً عليه أو مرفوعاً: كيف أنتم إذا شملتكم فتنة يربو عليها الصغير ويهرم فيها الكبير، يجري عليها الناس فيتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شيء قيل: غيّرت السنّة ؟!
قال أبوجعفر: وقد تعلمون أنّ بعض الملوك ربّما أحدثوا قولاً أو ديناً لهوي فيحملون الناس علي ذلك؛ حتّي لا يعرفوا غيره، كنحو ما أخذ الناس الحجّاج بن يوسف بقراءة عثمان، وترك قراءة ابن مسعود واُبي بن كعب، وتوعّد علي ذلك بدون ما صنع هو وجبابرة بني اُميّة وطغاة مروان بولد علي عليه السلام وشيعته، وإنّما كان سلطانه نحو عشرين سنة، فما مات الحجّاج حتّي اجتمع أهل العراق علي قراءة عثمان، ونشأ أبناؤهم ولا يعرفون غيرها؛ لإمساك الآباء عنها، وكفّ المعلّمين عن تعليمها؛ حتّي لو قرأت عليهم قراءة عبدالله واُبي ما عرفوها، ولظنّوا بتأليفها الاستكراه والاستهجان؛ لإلف العادة وطول
ص:76
الجهالة؛ لأنّه إذا استولت علي الرعيّة الغلبة وطالت عليهم أيّام التسلّط وشاعت فيهم المخافة وشملتهم التقيّة؛ اتّفقوا علي التخاذل والتساكت، فلا تزال الأيّام تأخذ من بصائرهم؛ وتنقص من ضمائرهم؛ وتنقض من مرائرهم؛ حتّي تصير البدعة الّتي أحدثوها غامرة للسنّة الّتي كانوا يعرفونها.
ولقد كان الحجّاج ومن ولّاه كعبدالملك والوليد ومن كان قبلهما وبعدهما من فراعنة بني اُميّة علي إخفاء محاسن علي عليه السلام وفضائله وفضائل ولده وشيعته وإسقاط أقدارهم أحرص منهم علي إسقاط قراءة عبدالله واُبي؛ لأنّ تلك القراءات لا تكون سبباً لزوال ملكهم وفساد أمرهم وانكشاف حالهم، وفي اشتهار فضل علي عليه السلام وولده وإظهار محاسنهم بوارهم، وتسليط حكم الكتاب المنبوذ عليهم، فحرصوا واجتهدوا في إخفاء فضائله، وحملوا الناس علي كتمانها وسترها، وأبي الله أن يزيد أمره وأمر ولده إلّا استنارة وإشراقاً، وحبّهم إلّا شغفاً وشدّة، وذكرهم إلّا انتشاراً وكثرة، وحجّتهم إلّا وضوحاً وقوّة، وفضلهم إلّا ظهوراً، وشأنهم إلّا علوّاً، وأقدارهم إلّا إعظاماً، حتّي أصبحوا بإهانتهم إيّاهم أعزّاء، وبإماتتهم ذكرهم أحياء، وما أرادوا به وبهم من الشرّ تحول خيراً، فانتهي إلينا من ذكر فضائله وخصائصه ومزاياه وسوابقه ما لم يتقدّمه السابقون، ولا ساواه فيه القاصدون، ولا يلحقه الطالبون، ولولا أنّها كانت كالقبلة المنصوبة في الشهرة؛ وكالسنن المحفوظة في الكثرة؛ لم يصل إلينا منها في دهرنا حرف واحد، إذا كان الأمر كما وصفناه.
قال: فأمّا ما احتجّ به الجاحظ بإمامة أبي بكر بكونه أوّل الناس إسلاماً، فلو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لاحتجّ به أبوبكر يوم السقيفة، وما رأيناه صنع ذلك؛ لأنّه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجرّاح وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا منهما من شئتم. ولو كان هذا احتجاجاً صحيحاً لما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقي الله شرّها. ولو كان احتجاجاً صحيحاً لادّعي واحد من الناس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلي الإسلام، وما عرفنا أحداً ادّعي له ذلك، علي أنّ جمهور المحدّثين لم يذكروا أنّ أبابكر أسلم إلّا بعد عدّة من الرجال، منهم علي بن
ص:77
أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبوذرّ الغفاري، وعمرو بن عنبسة السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص، وخبّاب بن الأرت، وإذا تأمّلنا الروايات الصحيحة والأسانيد القويّة والوثيقة وجدناها كلّها ناطقة بأنّ عليّاً عليه السلام أوّل من أسلم ... [ثمّ ذكر الروايات والأشعار الدالّة علي أنّ عليّاً عليه السلام أوّل من أسلم، إلي أن قال:]
فأمّا قول الجاحظ : فأوسط الاُمور أن نجعل إسلامهما معاً، فقد أبطل بهذا ما احتجّ به لإمامة أبي بكر، لأنّه احتجّ بالسبق، وقد عدل الآن عنه.
قال أبوجعفر: ويقال لهم: لسنا نحتاج من ذكر سبق علي عليه السلام إلّا مجامعتكم إيّانا علي أنّه أسلم قبل الناس ودعواكم أنّه أسلم وهو طفل دعوي غير مقبولة لا بحجّة.
فإن قلتم: ودعوتكم أنّه أسلم وهو بالغ دعوي غير مقبولة إلّا بحجّة.
قلنا: قد ثبت إسلامه بحكم إقراركم؛ ولو كان طفلاً لكان في الحقيقة غير مسلم؛ لأنّ اسم الإيمان والإسلام والكفر والطاعة والمعصية إنّما يقع علي البالغين دون الأطفال والمجانين، وإذا أطلقتم وأطلقنا اسم الإسلام فالأصل في الإطلاق الحقيقة، كيف وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله : أنت أوّل من آمن بي، وأنت أوّل من صدّقني ؟ وقال لفاطمة: زوّجتك أقدمهم سلماً - أو قال: إسلاماً - .
فإن قالوا: إنّما دعاه النبيّ صلى الله عليه و آله إلي الإسلام علي جهة العرض لا التكليف.
قلنا: قد وافقتمونا علي الدعاء، وحكم الدعاء حكم الأمر والتكليف، ثمّ ادّعيتم أنّ ذلك كان علي وجه العرض، وليس لكم أن تقبلوا معني الدعاء عن وجهه إلّا لحجّة.
فإن قالوا: لعلّه كان علي وجه التأديب والتعليم، كما يعتمد مثل ذلك مع الأطفال.
قلنا: إنّ ذلك إنّما يكون إذا تمكّن الإسلام بأهله، أو عند النشوء عليه والولادة فيه، فأمّا في دار الشرك فلا يقع مثل ذلك، لا سيّما إذا كان الإسلام غير معروف ولا معتاد بينهم، علي أنّه ليس من سنّة النبيّ صلى الله عليه و آله دعاء أطفال المشركين إلي الإسلام والتفريق بينهم وبين آبائهم قبل أن يبلغوا الحلم.
وأيضاً فمن شأن الطفل اتّباع أهله وتقليد أبيه، والمضي علي منشئه ومولده، وقد
ص:78
كانت منزلة النبيّ صلى الله عليه و آله حينئذ منزلة ضيق وشدّة ووحدة، وهذه منازل لا ينتقل إليها إلّا من ثبت الإسلام عنده بحجّة، ودخل اليقين قلبه بعلم ومعرفة.
فإن قالوا: إنّ عليّاً عليه السلام كان يألف النبيّ صلى الله عليه و آله فوافقه علي طريق المساعدة له.
قلنا: إنّه وإن كان يألفه أكثر من أبويه وإخوته وعمومته وأهل بيته، ولم يكن الإلف ليخرجه عمّا نشأ عليه، ولم يكن الإسلام ممّا غذّي به وكرّر علي سمعه؛ لأنّ الإسلام هو خلع الأنداد والبراءة ممّن أشرك بالله، وهذا لا يجتمع في اعتقاد طفل ... .
فأمّا قوله: إنّ المقلّل يزعم أنّه أسلم وهو ابن خمس سنين، والمكثر يزعم أنّه أسلم وهو ابن تسع سنين، فأوّل ما يقال في ذلك: إنّ الأخبار جاءت في سنّه عليه السلام يوم أسلم علي خمسة أقسام فجعلناه في قسمين.
القسم الأوّل: الّذين قالوا: أسلم وهو ابن خمس عشرة سنة ... .
القسم الثاني: الّذين قالوا: إنّه أسلم وهو ابن أربع عشرة سنة ... .
القسم الثالث: الّذين قالوا: أسلم وهو ابن إحدي عشرة سنة ... .
القسم الرابع: الّذين قالوا: إنّه أسلم وهو ابن عشر سنين ... .
القسم الخامس: الّذين قالوا: إنّه أسلم وهو ابن تسع سنين ... .
قال شيخنا أبوجعفر: فهذه الأخبار كما تراها، فإمّا أن يكون الجاحظ جهلها، أو قصد العناد.
فأمّا قوله: فالقياس أن نأخذ بأوسط الأمرين من الروايتين فنقول: إنّه أسلم وهو ابن سبع سنين. فإنّ هذا تحكّم منه، ويلزمه مثله في رجل ادّعي قبل رجل عشرة دراهم، فأنكر ذلك وقال: إنّما يستحقّ قبلي أربعة دراهم، فينبغي أن نأخذ الأمر المتوسّط ويلزمه سبعة دراهم، ويلزمه في أبي بكر حيث قال قوم: كان كافراً؛ وقال قوم: كان إماماً عادلاً؛ أن نقول: أعدل الأقاويل أوسطها، وهو منزلة بين المنزلتين، فنقول: كان فاسقاً ظالماً! وكذلك في جميع الاُمور المختلف فيها.
فأمّا قوله: وإنّما يعرف حقّ ذلك من باطله، بأن نحصي سني ولاية عثمان وعمر
ص:79
وأبي بكر وسني الهجرة، ومقام النبيّ صلى الله عليه و آله بمكّة بعد الرسالة إلي أن هاجر، فيقال له: لو كانت الروايات متّفقة علي هذه التاريخات لكان لهذا القول مساغ، ولكنّ الناس قد اختلفوا في ذلك، فقيل: إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أقام بمكّة بعد الرسالة خمس عشرة سنة، رواه ابن عبّاس، وقيل: ثلاث عشرة سنة، وروي عن ابن عبّاس أيضاً، وأكثر الناس يرونه، وقيل: عشر سنين، رواه عروة بن الزبير، وهو قول الحسن البصري وسعيد بن المسيّب، واختلفوا في سنّ رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقال قوم: كان ابن خمس وستّين، وقيل: كان ابن ثلاث وستّين، وقيل: كان ابن ستّين، واختلفوا في سنّ علي عليه السلام فقيل: كان ابن سبع وستّين، وقيل: كان ابن خمس وستّين، وقيل: ابن ثلاث وستّين، وقيل: ابن ستّين، وقيل: ابن تسع وخمسين.
فكيف يمكن مع هذه الاختلافات تحقيق هذه الحال ؟ وإنّما الواجب أن يرجع إلي إطلاق قولهم: أسلم علي، فإنّ هذا الاسم لا يكون مطلقاً إلّا علي البالغ، كما لا يطلق اسم الكافر إلّا علي البالغ، علي أنّ ابن إحدي عشرة سنة يكون بالغاً، ويولد له الأولاد، فقد روت الرواة أنّ عمرو بن العاص لم يكن أسنّ من ابنه عبدالله إلّا باثنتي عشرة سنة، وهذا يوجب أنّه احتلم وبلغ في أقلّ من إحدي عشرة سنة.
وروي أيضاً أنّ محمّد بن عبدالله بن العبّاس كان أصغر من أبيه علي بن عبدالله بن العبّاس بإحدي عشرة سنة، فيلزم الجاحظ أن يكون عبدالله بن العبّاس حين مات رسول الله صلى الله عليه و آله غير مسلم علي الحقيقة، ولا مثاب ولا مطيع بالإسلام، لأنّه كان يومئذ ابن عشر سنين، رواه هشيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: توفّي رسول الله صلى الله عليه و آله وأنا ابن عشر سنين.
قال الجاحظ : فإن قالوا: فلعلّه وهو ابن سبع سنين أو ثماني سنين قد بلغ من فطنته وذكائه وصحّة لبّه وصدق حدسه وانكشاف العواقب له وإن لم يكن جرّب الاُمور؛ ولا فاتح الرجال؛ ولا نازع الخصوم؛ ما يعرف به جميع ما يجب علي البالغ معرفته والإقرار به.
قيل لهم: إنّما نتكلّم علي ظواهر الأحوال، وما شاهدنا عليه طبائع الأطفال، فإنّا وجدنا حكم ابن سبع سنين أو ثمان - ما لم يعلم باطن أمره وخاصّة طبعه -
ص:80
حكم الأطفال، وليس لنا أن نزيل ظاهر حكمه والّذي نعرف من حال أبناء جنسه بلعلّ وعسي، لأنّا وإن كنّا لا ندري لعلّه قد كان ذا فضيلة في الفطنة فلعلّه قد كان ذا نقص فيها!
هذا علي تجويز أن يكون علي عليه السلام في الغيب قد أسلم وهو ابن سبع أو ثمان إسلام البالغ، غير أنّ الحكم علي مجري أمثاله وأشكاله الّذين أسلموا وهم في مثل سنّه إذ كان إسلام هؤلاء عن تربية الحاضن، وتلقين القيّم، ورياضة السائس.
فأمّا عند التحقيق فإنّه لا تجويز لمثل ذلك؛ لأنّه لو كان أسلم وهو ابن سبع أو ثمان وعرف فضل ما بين الأنبياء والكهنة؛ وفرق ما بين الرسل والسحرة؛ وفرق ما بين خبر النبيّ والمنجّم؛ وحتّي عرف كيد الأريب؛ وموضع الحجّة؛ وبعد غور المتنبّئ؛ كيف يلبّس علي العقلاء وتستمال عقول الدهماء، وعرف الممكن في الطبع من الممتنع، وما يحدث بالاتّفاق ممّا يحدث بالأسباب، وعرف قدر القوي وغاية الحيلة ومنتهي التمويه والخديعة، وما لا يحتمل أن يحدثه إلّا الخالق سبحانه، وما يجوز علي الله في حكمته ممّا لا يجوز؟ وكيف التحفّظ من الهوي والاحتراس من الخداع ؟ لكان كونه علي هذه الحال وهذه مع فرط الصبا والحداثة وقلّة التجارب والممارسة خروجاً من العادة، ومن المعروف ممّا عليه تركيب هذه الخلقة، وليس يصل أحد إلي معرفة نبي وكذب متنبّئ،حتّي يجتمع فيه هذه المعارف الّتي ذكرناها، والأسباب الّتي وصفناها وفصّلناها، ولو كان علي عليه السلام علي هذه الصفة ومعه هذه الخاصيّة لكان حجّة علي العامّة، وآية تدلّ علي النبوّة، ولم يكن الله - عزّ وجلّ - ليخصّه بمثل هذه الاُعجوبة إلّا وهو يريد أن يحتجّ بها، ويجعلها قاطعة لعذر الشاهد وحجّة علي الغائب.
ولولا أنّ الله أخبر عن يحيي بن زكريّا أنّه أتاه الحكم صبيّاً، وأنّه أنطق عيسي في المهد؛ ما كانا في الحكم ولا في المغيّب، إلّا كسائر الرسل، وما عليه جميع البشر، فإذا لم ينطق لعلي عليه السلام بذلك قرآن ولا جاء الخبر به مجيء الحجّة القاطعة والمشاهدة القائمة فالمعلوم عندنا في الحكم أنّ طباعه كطباع عمّيه: حمزة والعبّاس، وهما أمسّ بمعدن جماع الخير منه،
ص:81
أو كطباع جعفر وعقيل من رجال قومه، وسادة رهطه، ولو أنّ إنساناً ادّعي مثل ذلك لأخيه جعفر أو لعمّيه: حمزة والعبّاس ما كان عندنا في أمره إلّا مثل ما عندنا فيه.
أجاب شيخنا أبوجعفر رحمه الله فقال: هذا كلّه مبني علي أنّه أسلم وهو ابن سبع أو ثمان، ونحن قد بيّنا أنّه أسلم بالغاً ابن خمس عشرة سنة أو ابن أربع عشرة سنة، علي أنّا لو نزلنا علي حكم الخصوم وقلنا ما هو الأشهر والأكثر من الرواية؛ وهو أنّه أسلم وهو ابن عشر لم يلزم ما قاله الجاحظ ؛ لأنّ ابن عشر قد يستجمع عقله، ويعلم من مبادئ المعارف ما يستخرج به كثيراً من الاُمور المعقولة، ومتي كان الصبي عاقلاً مميّزاً كان مكلّفاً بالعقليّات؛ وإن كان تكليفه بالشرعيّات موقوفاً علي حدّ آخر وغاية اخري، فليس بمنكر أن يكون علي عليه السلام وهو ابن عشر قد عقل المعجزة، فلزمه الإقرار بالنبوّة، وأسلم إسلام عالم عارف، لا إسلام مقلّد تابع، وإن كان ما نسّقه الجاحظ وعدّده من معرفة السحر والنجوم والفصل بينهما وبين النبوّة ومعرفة ما يجوز في الحكمة ممّا لا يجوز؛ وما لا يحدثه إلّا الخالق؛ والفرق بينه وبين ما يقدر عليه القادرون بالقدرة؛ ومعرفة التمويه والخديعة؛ والتلبيس والمماكرة؛ شرطاً في صحّة الإسلام لما صحّ إسلام أبي بكر ولا عمر ولا غيرهما من العرب، وإنّما التكليف لهؤلاء بالجمل ومبادئ المعارف لا بدقائقها والغامض منها، وليس يفتقر الإسلام إلي أن يكون المسلم قد فاتح الرجال وجرّب الاُمور ونازع الخصوم، وإنّما يفتقر إلي صحّة الغريزة وكمال العقل وسلامة الفطرة، أ لا تري أنّ طفلاً لو نشأ في دار لم يعاشر الناس بها ولا فاتح الرجال ولا نازع الخصوم ثمّ كمل عقله وحصلت العلوم البديهيّة عنده؛ لكان مكلّفاً بالعقليّات ؟
فأمّا توهّمه أنّ عليّاً عليه السلام أسلم عن تربية الحاضن؛ وتلقين القيّم؛ ورياضة السائس؛ فلعمري إنّ محمداً صلى الله عليه و آله كان حاضنه وقيّمه وسائسه، ولكن لم يكن منقطعاً عن أبيه أبي طالب، ولا عن إخوته طالب وعقيل وجعفر، ولا عن عمومته وأهل بيته، وما زال مخالطاً لهم، ممتزجاً بهم، مع خدمته لمحمّد صلى الله عليه و آله ، فما باله لم يمل إلي الشرك وعبادة الأصنام لمخالطته إخوته وأباه وعمومته وأهله، وهم كثير ومحمّد صلى الله عليه و آله واحد؟ وأنت تعلم أنّ الصبي إذا كان له
ص:82
أهل ذوو كثرة وفيهم واحد يذهب إلي رأي مفرد لا يوافقه عليه غيره منهم، فإنّه إلي ذوي الكثرة أميل، وعن ذي الرأي الشاذّ المنفرد أبعد، وعلي أنّ عليّاً عليه السلام لم يولد في دار الإسلام، وإنّما ولد في دار الشرك، وربّي بين المشركين، وشاهد الأصنام، وعاين بعينيه أهله ورهطه يعبدونها، فلو كان في دار الإسلام لكان في القول مجال، ولقيل: إنّه ولد بين المسلمين، فإسلامه عن تلقين الظئر وعن سماع كلمة الإسلام ومشاهدة شعاره؛ لأنّه لم يسمع غيره، ولا خطر بباله سواه، فلمّا لم يكن ولد كذلك ثبت أنّ إسلامه إسلام المميّز العارف بما دخل عليه، ولولا أنّه كذلك لما مدحه رسول الله صلى الله عليه و آله بذلك، ولا أرضي ابنته فاطمة لما وجدت من تزويجه بقوله لها: زوّجتك أقدمهم سلماً. ولا قرن إلي قوله: وأكثرهم علماً وأعظمهم حلماً. والحلم العقل، وهذان الأمران غاية الفضل، فلولا أنّه أسلم إسلام عارف عالم مميّز لما ضمّ إسلامه إلي العلم والحلم اللّذين وصفه بهما.
وكيف يجوز أن يمدحه بأمر لم يكن مثاباً عليه، ولا معاقباً به ولو تركه ؟ ولو كان إسلامه عن تلقين وتربية لما افتخر هو عليه السلام به علي رؤوس الأشهاد، ولا خطب علي المنبر؛ وهو بين عدوّ ومحارب، وخاذل منافق، فقال: أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر والفاروق الأعظم، صلّيت قبل الناس سبع سنين، وأسلمت قبل إسلام أبي بكر، وآمنت قبل إيمانه. فهل بلغكم أنّ أحداً من أهل ذلك العصر أنكر ذلك، أو عابه، أو ادّعاه لغيره، أو قال له: إنّما كنت طفلاً أسلمت علي تربية محمّد صلى الله عليه و آله ذلك، وتلقينه إيّاك ؟ كما يعلّم الطفل الفارسيّة والتركيّة منذ يكون رضيعاً، فلا فخر له في تعلّم ذلك، وخصوصاً في عصر قد حارب فيه أهل البصرة والشام والنهروان، وقد اعتورته الأعداء وهجته الشعراء، فقال فيه النعمان بن بشير:
لقد طلب الخلافة من بعيد وسارع في الضلال أبوتراب
معاوية الإمام وأنت منها علي وتح (1) بمنقطع السراب
ص:83
وقال فيه أيضاً بعض الخوارج:
دسسنا له تحت الظلام ابن ملجم جزاء إذا ما جاء نفساً كتابها
أباحسن خذها علي الرأس ضربة بكفّ كريم بعد موت ثوابها
وقال عمران بن حطّان يمدح قاتله:
يا ضربة من تقي ما أراد بها إلّا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
إنّي لأذكره حيناً فأحسبه أوفي البريّة عند الله ميزانا
فلو وجد هؤلاء سبيلاً إلي دحض حجّة فيما كان يفخر به من تقدّم إسلامه لبدؤوا بذلك، تركوا ما لا معني له.
وقد أوردنا ما مدحه الشعراء به من سبقه إلي الإسلام، فكيف لم يردّ علي هؤلاء الّذين مدحوه بالسبق شاعر واحد من أهل حربه ؟ ولقد قال في امّهات الأولاد قولاً خالف فيه عمر، فذكروه بذلك وعابوه، فكيف تركوا أن يعيبوه بما كان يفتخر به ممّا لا فخر فيه عندهم، وعابوه بقوله في امّهات الأولاد؟
ثمّ يقال له: خبّرنا عن عبدالله بن عمر، وقد أجازه النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الخندق، ولم يجزه يوم احد، هل كان يميّز ما ذكرته ؟ وهل كان يعلم فرق ما بين النبيّ والمتنبّئ، ويفصّل بين السحر والمعجزة، إلي غيره ممّا عدّدت وفصّلت ؟
فإن قال نعم وتجاسر علي ذلك قيل له: فعلي عليه السلام بذلك أولي من ابن عمر؛ لأنّه أذكي وأفطن بلا خلاف بين العقلاء، وأنّي يشكّ في ذلك، وقد رويتم أنّه لم يميّز بين الميزان والعود بعد طول السنّ ؛ وكثرة التجارب، ولم يميّز أيضاً بين إمام الرشد وإمام الغي، فإنّه امتنع من بيعة علي عليه السلام ؛ وطرق علي الحجّاج بابه ليلاً ليبايع لعبدالملك؛ كيلا يبيت تلك الليلة بلا إمام، زعم لأنّه روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: من مات ولا إمام له مات ميتة جاهليّة. وحتّي بلغ من احتقار الحجّاج له واسترذاله حاله أن أخرج رجله من الفراش فقال: أصفق بيدك عليها، فذلك تمييزه بين الميزان والعود، وهذا اختياره في الأئمّة، وحال علي عليه السلام في ذكائه وفطنته وتوقّد حسّه وصدق حدسه معلومة
ص:84
مشهورة، فإذا جاز أن يصحّ إسلام ابن عمر ويقال عنه إنّه عرف تلك الاُمور الّتي سردها الجاحظ ونسّقها وأظهر فصاحته وتشدّقه فيها فعلي بمعرفة ذلك أحقّ ، وبصحّة إسلامه أولي.
وإن قال: لم يكن ابن عمر يعلم ويعرف ذلك، فقد أبطل إسلامه، وطعن في رسول الله صلى الله عليه و آله حيث حكم بصحّة إسلامه وأجازه يوم الخندق؛ لأنّه عليه السلام كان قال: لا اجيز إلّا البالغ العاقل. ولذلك لم يجزه يوم احد.
ثمّ يقال له: إنّ ما نقوله في بلوغ علي عليه السلام الحدّ الّذي يحسن فيه التكليف العقلي بل يجب - وهو ابن عشر سنين - ليس بأعجب من مجيء الولد لستّة أشهر، وقد صحّح ذلك أهل العلم، واستنبطوه من الكتاب، وإن كان خارجاً من التعارف والتجارب والعادة، وكذلك مجيء الولد لسنتين خارج أيضاً عن التعارف والعادة، وقد صحّحه الفقهاء والناس.
ويروي أنّ معاذاً لمّا نهي عمر عن رجم الحامل تركها حتّي ولدت غلاماً قد نبتت ثنيّتاه، فقال أبوه: ابني وربّ الكعبة! فثبت ذلك سنّة يعمل بها الفقهاء.
وقد وجدنا العادة تقضي بأنّ الجارية تحيض لاثنتي عشرة سنة، وأنّه أقلّ سنّ تحيض فيه المرأة، وقد يكون في الأقلّ نساء يحضن لعشر ولتسع، وقد ذكر ذلك الفقهاء.
وقد قال الشافعي في اللعان: لو جاءت المرأة بحمل وزوجها صبي له دون عشر سنين لم يكن ولداً له؛ لأنّ من لم يبلغ عشر سنين من الصبيان لا يولد له، وإن كان له عشر سنين جاز أن يكون الولد له، وكان بينهما لعان إذا لم يقرّ به.
وقال الفقهاء أيضاً: إنّ نساء تهامة يحضن لتسع سنين؛ لشدّة الحرّ ببلادهنّ .
قال الجاحظ : ولو لم يعرف باطل هذه الدعوي من آثر التقوي وتحفّظ من الهوي إلّا بترك علي عليه السلام ذكر ذلك لنفسه والاحتجاج به علي خصمه؛ وقد نازع الرجال وناوي الأكفاء؛ وجامع أهل الشوري؛ لكان كافياً، ومتي لم تصحّ لعلي عليه السلام هذه الدعوي في أيّامه ولم يذكرها أهل عصره فهي عن ولده أعجز، ومنهم أضعف.
ولم ينقل أنّ عليّاً عليه السلام احتجّ بذلك في موقف، ولا ذكره في مجلس، ولا قام به خطيباً،
ص:85
ولا أدلي به واثقاً، لا سيّما وقد رضيه الرسول صلى الله عليه و آله عندكم مفزعاً ومعلّماً، وجعله للناس إماماً، ولا ادّعي له أحد ذلك في عصره، كما لم يدّعه لنفسه؛ حتّي يقول إنسان واحد: الدليل علي إمامته أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله دعاه إلي الإسلام أو كلّفه التصديق قبل بلوغه، ليكون ذلك آية للناس في عصره، وحجّة له ولولده من بعده، فهذا كان أشدّ علي طلحة والزبير وعائشة من كلّ ما ادّعاه من فضائله وسوابقه وذكر قرابته.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : إنّ مثل الجاحظ مع فضله وعلمه لا يخفي عليه كذب هذه الدعوي وفسادها، ولكّنه يقول ما يقوله تعصّباً وعناداً، وقد روي الناس كافّة افتخار علي عليه السلام بالسبق إلي الإسلام، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله استنبئ يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء، وأنّه كان يقول: صلّيت قبل الناس سبع سنين. وأنّه مازال يقول: أنا أوّل من أسلم. ويفتخر بذلك، يفتخر له به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته، والأمر في ذلك أشهر من كلّ شهير، وقد قدّمنا منه طرفاً، وما علمنا أحداً من الناس فيما خلا استخفّ بإسلام علي عليه السلام ، ولا تهاون به، ولا زعم أنّه أسلم إسلام حدث غرير، وطفل صغير ... .
وكيف ينكر الجاحظ والعثمانيّة أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله دعاه إلي الإسلام وكلّفه التصديق ؟ وقد روي في الخبر الصحيح أنّه كلّفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الإسلام وانتشارها بمكّة أن يصنع له طعاماً، وأن يدعو له بني عبدالمطّلب، فصنع له الطعام، ودعاهم له، فخرجوا ذلك اليوم، ولم ينذرهم صلى الله عليه و آله لكلمة قالها عمّه أبولهب، فكلّفه في اليوم الثاني أن يصنع مثل ذلك الطعام، وأن يدعوهم ثانية، فصنعه، ودعاهم فأكلوا، ثمّ كلّمهم صلى الله عليه و آله فدعاهم إلي الدين، ودعاه معهم لأنّه من بني عبدالمطّلب، ثمّ ضمن لمن يوازره منهم وينصره علي قوله أن يجعله أخاه في الدين، ووصيّه بعد موته، وخليفته من بعده، فأمسكوا كلّهم وأجابه هو وحده، وقال: أنا أنصرك علي ما جئت به، واُوازرك واُبايعك. فقال لهم لمّا رأي منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الإباء ومنه الإجابة: هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي. فقاموا يسخرون ويضحكون
ص:86
ويقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمّره عليك.
فهل يكلّف عمل الطعام ودعاء القوم صغير مميّز وغرّ غير عاقل ؟! وهل يؤتمن علي سرّ النبوّة طفل ابن خمس سنين أو ابن سبع ؟! وهل يدعي في جملة الشيوخ والكهول إلّا عاقل لبيب ؟! وهل يضع رسول الله صلى الله عليه و آله يده في يده، ويعطيه صفقة يمينه بالاُخوّة والوصيّة والخلافة إلّاو هو أهل لذلك، بالغ حدّ التكليف، محتمل لولاية الله وعداوة أعدائه ؟! وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه، ولم يلصق بأشكاله، ولم يرمع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه، وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته ؟!
وكيف لم ينزع إليهم في ساعة من ساعاته، فيقال: دعاه داعي الصبا وخاطر من خواطر الدنيا، وحملته الغرّة والحداثة علي حضور لهوهم والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلّا ماضياً علي إسلامه، مصمّماً في أمره، محقّقاً لقوله بفعله، قد صدّق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه و آله من بين جميع من بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوته، وجاذب خواطره، صابراً علي ذلك نفسه؛ لمايرجو من فوز العاقبة وثواب الآخرة.
وقد ذكر هو عليه السلام في كلامه وخطبه بدء حاله، وافتتاح أمره، حيث أسلم لما دعا رسول الله صلى الله عليه و آله الشجرة، فأقبلت تخدّ الأرض؛ فقالت قريش: ساحر خفيف السحر! فقال علي عليه السلام : يا رسول الله، أنا أوّل من يؤمن بك، آمنت بالله ورسوله وصدّقتك فيما جئت به، وأنا أشهد أنّ الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقاً لنبوّتك، وبرهاناً علي صحّة دعوتك. فهل يكون إيمان قطّ أصحّ من هذا الإيمان وأوثق عقدة، وأحكم مرّة ؟ ولكن حنق العثمانيّة وغيظهم وعصبيّة الجاحظ وانحرافه ممّا لا حيلة فيه.
ثمّ لينظر المنصف وليدع الهوي جانباً ليعلم نعمة الله علي علي عليه السلام بالإسلام حيث أسلم علي الوضع الّذي أسلم عليه، فإنّه لولا الألطاف الّتي خصّ بها؛ والهداية الّتي منحها؛ لما كان إلّا كبعض أقارب محمّد - صلّي الله عليه وأهله - فقد كان ممازجاً له كممازجته، ومخالطاً له كمخالطة كثير من أهله ورهطه، ولم يستجب منهم أحد له إلّا
ص:87
بعد حين، ومنهم من لم يستجب له أصلاً، فإنّ جعفراً عليه السلام كان ملتصقاً به، ولم يسلم حينئذ، وكان عتبة بن أبي لهب ابن عمّه وصهره زوج ابنته ولم يصدّقه، بل كان شديداً عليه، وكان لخديجة بنون من غيره، ولم يسلموا حينئذ، وهم ربائبه ومعه في دار واحدة. وكان أبوطالب أباه في الحقيقة وكافله وناصره، والمحامي عنه، ومن لولاه لم تقم له قائمة، ومع ذلك لم يسلم (1) في أغلب الروايات، وكان العبّاس عمّه وصنو أبيه؛ وكالقرين له في الولادة والمنشأ والتربية؛ ولم يستجب له إلّا بعد حين طويل، وكان أبولهب عمّه، وكدمه ولحمه، ولم يسلم، وكان شديداً عليه.
فكيف ينسب إسلام علي عليه السلام إلي الإلف والتربية والقرابة واللحمة والتلقين والحضانة، والدار الجامعة، وطول العشرة والاُنس والخلوة ؟ وقد كان كلّ ذلك حاصلاً لهؤلاء أو لكثير منهم، ولم يهتد أحد منهم إذ ذاك، بل كانوا بين من جحد وكفر ومات علي كفره، ومن أبطأ وتأخّر، وسبق بالإسلام وجاء سُكَيْتا (2) وقد فاز بالمنزلة غيره.
وهل يدلّ تأمّل حال علي عليه السلام مع الإنصاف إلّا علي أنّه أسلم، لأنّه شاهد الأعلام، ورأي المعجزات، وشمّ ريح النبوّة، ورأي نور الرسالة، وثبت اليقين في قلبه بمعرفة وعلم ونظر صحيح، لا بتقليد ولا حميّة، ولا رغبة ولا رهبة، إلّا فيما يتعلّق باُمور الآخرة.
قال الجاحظ : فلو أنّ عليّاً عليه السلام كان بالغاً حيث أسلم لكان إسلام أبي بكر وزيد بن حارثة وخبّاب بن الأرت أفضل من إسلامه؛ لأنّ إسلام المقتضب (3) الّذي لم يعتدّ به ولم يعوّده ولم يمرّن عليه أفضل من إسلام الناشئ الّذي ربّي فيه؛ ونشأ وحبّب إليه، وذلك لأنّ صاحب التربية يبلغ حيث يبلغ وقد أسقط إلفه عنه مؤونة الرويّة والخاطر، وكفاه علاج القلب واضطراب النفس، وزيد وخبّاب وأبوبكر يعانون من كلفة النظر ومؤونة التأمّل ومشقّة الانتقال من الدين الّذي قد طال الفهم له ما هو غير خاف.
ص:88
ولو كان علي حيث أسلم بالغاً مقتضباً كغيره ممّن عدّدنا كان إسلامهم أفضل من إسلامه؛ لأنّ من أسلم وهو يعلم أنّ له ظهراً كأبي طالب، وردء كبني هاشم، وموضعاً في بني عبدالمطّلب، ليس كالحليف والمولي، والتابع والعسيف، وكالرجل من عرض قريش.
أو لست تعلم أنّ قريشاً خاصّة وأهل مكّة عامّة لم يقدروا علي أذي النبيّ صلى الله عليه و آله ما كان أبوطالب حيّاً؟ وأيضاً فإنّ اولئك اجتمع عليهم مع فراق الإلف مشقّة الخواطر، وعلي عليه السلام كان بحضرة الرسول صلى الله عليه و آله ، يشاهد الأعلام في كلّ وقت، ويحضر منزل الوحي، فالبراهين له أشدّ انكشافاً، والخواطر علي قلبه أقلّ اعتلاجاً، وعلي قدر الكلفة والمشقّة يعظم الفضل ويكثر الأجر.
قال أبوجعفر رحمه الله : ينبغي أن ينظر أهل الإنصاف هذا الفصل، ويقفوا علي قول الجاحظ والأصمّ في نصرة العثمانيّة واجتهادهما في القصد إلي فضائل هذا الرجل، وتهجينها، فمرّة يبطلان معناها، ومرّة يتوصّلان إلي حطّ قدرها، فلينظر في كلّ باب اعترضا فيه أين بلغت حيلتهما، وما صنعا في احتيالهما في قصصهما وسجعهما؟!
أ ليس إذا تأمّلتها علمت أنّها ألفاظ ملفقّة بلا معني، وأنّها عليها شجي وبلاء؟ وإلّا فما عسي أن تبلغ حيلة الحاسد ويغني كيد الكائد الشانئ لمن قد جلّ قدره عن النقص، وأضاءت فضائله إضاءة الشمس!
وأين قول الجاحظ من دلائل السماء، وبراهين الأنبياء، وقد علم الصغير والكبير، والعالم والجاهل، ممّن بلغه ذكر علي عليه السلام وعلم مبعث النبيّ صلى الله عليه و آله أنّ عليّاً عليه السلام لم يولد في دار الإسلام، ولاُغذّي في حجر الإيمان، وإنّما استضافه رسول الله صلى الله عليه و آله إلي نفسه سنة القحط والمجاعة، وعمره يومئذ ثماني سنين، فمكث معه سبع سنين حتّي أتاه جبرئيل بالرسالة، فدعاه وهو بالغ كامل العقل إلي الإسلام، فأسلم بعد مشاهدة المعجزة، وبعد إعمال النظر والفكرة، وإن كان قد ورد في كلامه أنّه صلّي سبع سنين قبل الناس كلّهم، فإنّما يعني ما بين الثمان والخمس عشرة، ولم يكن حينئذ دعوة ولا رسالة، ولا ادّعاء نبوّة، وإنّما كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتعبّد علي ملّة إبراهيم ودين الحنيفيّة، ويتحنّث ويجانب الناس، ويعتزل
ص:89
ويطلب الخلوة، وينقطع في جبل حراء، وكان علي عليه السلام معه كالتابع والتلميذ، فلمّا بلغ الحلم وجاءت النبيّ صلى الله عليه و آله الملائكة وبشّرته بالرسالة دعاه فأجابه عن نظر ومعرفة بالأعلام المعجزة، فكيف يقول الجاحظ : إنّ إسلامه لم يكن مقتضباً؟!
وإن كان إسلامه ينقص عن إسلام غيره في الفضيلة لما كان يمرّن عليه من التعبّد مع رسول الله صلى الله عليه و آله قبل الدعوة لتكوننّ طاعة كثير من المكلّفين أفضل من طاعة رسول الله صلى الله عليه و آله وأمثاله من المعصومين، لأنّ العصمة عند أهل العدل لطف يمنع من اختصّ به من ارتكاب القبيح، فمن اختصّ بذلك اللطف كانت الطاعة عليه أسهل، فوجب أن يكون ثوابه أنقص من ثواب من أطاع مع تلك الألطاف!
وكيف يقول الجاحظ : إنّ إسلامه ناقص عن إسلام غيره. وقد جاء في الخبر أنّه أسلم يوم الثلاثاء واستنبئ النبيّ صلى الله عليه و آله يوم الاثنين ؟ فمن هذه حاله لم تكثر حجج الرسالة علي سمعه، ولا تواترت أعلام النبوّة علي مشاهدته، ولا تطاول الوقت عليه لتخفّ محنته، ويسقط ثقل تكليفه، بل بان فضله، وظهر حسن اختياره لنفسه، إذ أسلم في حال بلوغه، وعاني نوازع طبعه، ولم يؤخّر ذلك بعد سماعه.
وقد غمر الجاحظ في كتابه هذا أنّ أبابكر كان قبل إسلامه مذكوراً، ورئيساً معروفاً، يجتمع إليه كثير من أهل مكّة فينشدون الأشعار، ويتذاكرون الأخبار، ويشربون الخمر، وقد كان سمع دلائل النبوّة وحجج الرسل، وسافر إلي البلدان، ووصلت إليه الأخبار، وعرف دعوي الكهنة وحيل السحرة، ومن كان كذلك كان انكشاف الاُمور له أظهر والإسلام عليه أسهل، والخواطر علي قلبه أقلّ اعتلاجاً، وكلّ ذلك عون لأبي بكر علي الإسلام، ومسهّل إليه سبيله، ولذلك لمّا قال النبيّ صلى الله عليه و آله : أتيت بيت المقدس. سأله أبوبكر عن المسجد ومواضعه، فصدّقه وبان له أمره، وخفّت مؤونته لما تقدّم من معرفته بالبيت، فخرج إذاً إسلام أبي بكر علي قول الجاحظ من معني المقتضب.
وفي ذلك رويتم عنه صلى الله عليه و آله أنّه قال: ما دعوت أحداً إلي الإسلام إلّا وكان له تردّد ونبوة إلّا ما كان من أبي بكر، فإنّه لم يتعلثم حتّي هجم به اليقين إلي المعرفة والإسلام.
ص:90
فأين هذا وإسلام من خلّي وعقله، واُلجئ إلي نظره، مع صغر سنّه، واعتلاج الخواطر علي قلبه ونشأته، في ضدّ ما دخل فيه ؟ والغالب علي أمثاله وأقرانه حبّ اللعب واللهو، فلجأ إلي ما ظهر له من دلائل الدعوة، ولم يتأخّر إسلامه فيلزمه التقصير بالمعصية، فقهر شهوته، وغالب خواطره، وخرج من عادته وما كان غذّي به لصحّة نظره، ولطافة فكره وغامض فهمه، فعظم استنباطه، ورجح فضله، وشرف قدر إسلامه، ولم يأخذ من الدنيا بنصيب، ولا تنعّم فيها بنعيم حدثاً ولا كبيراً، وحمي نفسه عن الهوي، وكسر شرّة حداثته بالتقوي، واشتغل بهمّ الدين عن نعيم الدنيا، وأشغل همّ الآخرة قلبه، ووجّه إليه رغبته، فإسلامه هو السبيل الّذي لم يسلم عليه أحد غيره، وما سبيله في ذلك إلّا كسبيل الأنبياء، ليعلم أنّ منزلته من النبيّ صلى الله عليه و آله كمنزلة هارون من موسي، وأنّه وإن لم يكن نبيّاً فقد كان في سبيل الأنبياء سالكاً، لمنهاجهم متّبعاً، وكانت حاله كحال إبراهيم عليه السلام ، فإنّ أهل العلم ذكروا أنّه لمّا كان صغيراً جعلته امّه في سرب لم يطّلع عليه أحد، فلمّا نشأ ودرج وعقل قال لاُمّه: من ربّي ؟ قالت: أبوك. قال: فمن ربّ أبي ؟ فزبرته ونهرته؛ إلي أن طلع من شقّ السرب، فرأي كوكباً، فقال: هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضّالِّينَ * فَلَمّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، (1) وفي ذلك يقول الله جلّ ثناؤه: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ 2 .
وعلي هذا كان إسلام الصدّيق الأكبر عليه السلام ، لسنا نقول إنّه كان مساوياً له في الفضيلة،
ص:91
ولكن كان مقتدياً بطريقه علي ما قال الله تعالي: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ 1 .
وأمّا اعتلال الجاحظ بأنّ له ظهراً كأبي طالب و ردء كبني هاشم، فإنّه يوجب عليه أن تكون محنة أبي بكر وبلال وثوابهما وفضل إسلامهما أعظم ممّا لرسول الله صلى الله عليه و آله ؛ لأنّ أباطالب ظهره، وبني هاشم ردؤه، وحسبك جهلاً من معاند لم يستطع حطّ قدر علي عليه السلام إلّا بحطّه من قدر رسول الله صلى الله عليه و آله ! ولم يكن أحد أشدّ علي رسول الله صلى الله عليه و آله من قراباته الأدني منهم فالأدني، كأبي لهب عمّه وامرأة أبي لهب، وهي امّ جميل بنت حرب بن اميّة وإحدي أولاد عبدمناف، ثمّ ما كان من عقبة بن أبي معيط ، وهو ابن عمّه، وما كان من النضر بن الحارث، وهو من بني عبدالدار بن قصي، وهو ابن عمّه أيضاً، وغير هؤلاء ممّن يطول تعداده، وكلّهم كان يطرح الأذي في طريقه، وينقل أخباره، ويرميه بالحجارة، ويرمي الكرش والفرث عليه، وكانوا يؤذون عليّاً عليه السلام كأذاه، ويجتهدون في غمّه ويستهزئون به، وما كان لأبي بكر قرابة تؤذيه كقرابة علي.
ولمّا كان بين علي وبين النبيّ صلى الله عليه و آله من الاتّحاد والإلف والاتّفاق أحجم المنافقون بالمدينة عن أذي رسول الله صلى الله عليه و آله خوفاً من سيفه، ولأنّه صاحب الدار والجيش، وأمره مطاع، وقوله نافذ، فخافوا علي دمائهم منه، فاتّقوه، وأمسكوا عن إظهار بغضه، وأظهروا بغض علي عليه السلام وشنانه، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله في حقّه في الخبر الّذي روي في جميع الصحاح: لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق.
وقال كثير من أعلام الصحابة - كما روي في الخبر المشهور بين المحدّثين - : ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغض علي بن أبي طالب.
وأين كان ظهر أبي طالب عن جعفر؛ وقد أزعجه الأذي عن وطنه؛ حتّي هاجر إلي بلاد الحبشة وركب البحر؟ أ يتوهّم الجاحظ أنّ أباطالب نصر عليّاً وخذل جعفراً؟
ص:92
قال الجاحظ : ولأبي بكر فضيلة في إسلامه أنّه كان قبل إسلامه كثير الصديق، عريض الجاه، ذا يسار وغني، يعظَّم لماله، ويستفاد من رأيه، فخرج من عزّ الغني وكثرة الصديق إلي ذلّ الفاقة وعجز الوحدة، وهذا غير إسلام من لا حراك به، ولا عزّ له، تابع غير متبوع؛ لأنّ من أشدّ ما يبتلي الكريم به السبّ بعد التحيّة، والضرب بعد الهيبة، والعسر بعد اليسر، ثمّ كان أبوبكر دعية من دعاة الرسول، وكان يتلوه في جميع أحواله، فكان الخوف إليه أشدّ، والمكروه نحوه أسرع، وكان ممّن تحسن مطالبته، ولا يستحيي من إدراك الثأر عنده، لنباهته وبعد ذكره، والحدث الصغير يزدري ويحتقر لصغر سنّه وخمول ذكره.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمّا ما ذكر من كثرة المال والصديق واستفاضة الذكر وبعد الصيت وكبر السنّ ؛ فكلّه عليه لا له، وذلك لأنّه قد علم أنّ من سيرة العرب وأخلاقها حفظ الصديق والوفاء بالذمام والتهيّب لذي الثروة واحترام ذي السنّ العالية، وفي كلّ هذا ظهر شديد، وسند وثقة يعتمد عليها عند المحن، ولذلك كان المرء منهم إذا تمكّن من صديقه أبقي عليه، واستحيا منه، وكان ذلك سبباً لنجاته والعفو عنه، علي أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام إن لم يكن شهره سنّه؛ فقد شهره نسبه وموضعه من بني هاشم، وإن لم يستفض ذكره بلقاء الرجال وكثرة الأسفار؛ استفاض بأبي طالب، فأنتم تعلمون أنّه ليس تيم في بعد الصيت كهاشم، ولا أبوقحافة كأبي طالب، وعلي حسب ذلك يعلو ذكر الفتي علي ذي السنّ ويبعد صيت الحدث علي الشيخ.
ومعلوم أيضاً أنّ عليّاً علي أعناق المشركين أثقل؛ إذ كان هاشميّاً، وإن كان أبوه حامي رسول الله صلى الله عليه و سلم ، والمانع لحوزته، وعلي هو الّذي فتح علي العرب باب الخلاف، واستهان بهم، بما أظهر من الإسلام والصلاة، وخالف رهطه وعشيرته، وأطاع ابن عمّه فيما لم يعرف من قبل، ولا عهد له نظير، كما قال تعالي: لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ 1 .
ص:93
ثمّ كان بعد صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله ، ومشتكي حزنه، وأنيسه في خلوته، وجليسه وأليفه في أيّامه كلّها، وكلّ هذا يوجب التحريض عليه، ومعاداة العرب له، ثمّ أنتم معاشر العثمانيّة تثبتون لأبي بكر فضيلة بصحبة الرسول صلى الله عليه و آله من مكّة إلي يثرب، ودخوله معه في الغار، فقلتم: مرتبة شريفة وحالة جليلة، إذ كان شريكه في الهجرة، وأنيسه في الوحشة، فأين هذه من صحبة علي عليه السلام له في خلوته؛ وحيث لا يجد أنيساً غيره؛ ليله ونهاره ؟ أيّام مقامه بمكّة يعبدالله معه سرّاً، ويتكلّف له الحاجة جهراً، ويخدمه كالعبد يخدم مولاه، ويشفق عليه ويحوطه، وكالولد يبرّ والده، ويعطف عليه، ولمّا سئلت عائشة: من كان أحبّ الناس إلي رسول الله صلى الله عليه و آله ؟ قالت: أمّا من الرجال فعلي، وأمّا من النساء ففاطمة.
قال الجاحظ : وكان أبوبكر من المفتونين المعذّبين بمكّة قبل الهجرة، فضربه نوفل بن خويلد - المعروف بابن العدويّة - مرّتين، حتّي أدماه وشدّه مع طلحة بن عبيدالله في قرن، وجعلهما في الهاجرة عمير بن عثمان بن مرّة بن كعب بن سعد بن تيم بن مرّة، ولذلك كانا يدعيان القرينين، ولو لم يكن له غير ذلك لكان لحاقه عسيراً، وبلوغ منزلته شديداً، ولو كان يوماً واحداً لكان عظيماً، وعلي بن أبي طالب رافه وادع، ليس بمطلوب ولا طالب، وليس أنّه لم يكن في طبعه الشهامة والنجدة، وفي غريزته البسالة في الشجاعة، لكنّه لم يكن قد تمّت أداته، ولا استكملت آلته، ورجال الطلب وأصحاب الثأر يغمصون ذا الحداثة ويزدرون بذي الصبا والغرارة، إلي أن يلحق بالرجال، ويخرج من طبع الأطفال.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمّا القول فممكن والدعوي سهلة؛ سيّما علي مثل الجاحظ ، فإنّه ليس علي لسانه من دينه وعقله رقيب، وهو من دعوي الباطل غير بعيد، فمعناه نزر، وقوله لغو، ومطلبه سجع، وكلامه لعب ولهو، يقول الشيء وخلافه، ويحسن القول وضدّه، ليس له من نفسه واعظ ، ولا لدعواه حدّ قائم، وإلّا فكيف تجاسر علي القول بأنّ عليّاً حينئذ لم يكن مطلوباً ولا طالباً؟ وقد بيّنا بالأخبار الصحيحة والحديث المرفوع
ص:94
المسند أنّه كان يوم أسلم بالغاً كاملاً منابذاً بلسانه وقلبه لمشركي قريش، ثقيلاً علي قلوبهم، وهو المخصوص دون أبي بكر بالحصار في الشعب، وصاحب الخلوات برسول الله صلى الله عليه و سلم في تلك الظلمات، المتجرّع لغصص المرار من أبي لهب وأبي جهل وغيرهما، والمصطلي لكلّ مكروه والشريك لنبيّه في كلّ أذي، قد نهض بالحمل الثقيل، وبان بالأمر الجليل، ومن الّذي كان يخرج ليلاً من الشعب علي هيئة السارق، ويخفي نفسه، ويضائل شخصه؛ حتّي يأتي إلي من يبعثه إليه أبوطالب من كبراء قريش، كمطعم بن عدي وغيره؛ فيحمل لبني هاشم علي ظهره أعدال الدقيق والقمح، وهو علي أشدّ خوف من أعدائهم، كأبي جهل وغيره، لو ظفروا به لأراقوا دمه، أ علي كان يفعل ذلك أيّام الحصار في الشعب، أم أبوبكر؟
وقد ذكر هو عليه السلام حاله يومئذ، فقال في خطبة له مشهورة: فتعاقدوا ألّا يعاملونا ولا يناكحونا، وأوقدت الحرب علينا نيرانها، واضطرّونا إلي جبل وعر، مؤمننا يرجو الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل، ولقد كانت القبائل كلّها اجتمعت عليهم، وقطعوا عنهم المارّة والميرة، فكانوا يتوقّعون الموت جوعاً، صباحاً ومساء، لا يرون وجهاً ولا فرجاً، قد اضمحلّ عزمهم، وانقطع رجاؤهم.
فمن الّذي خلص إليه مكروه تلك المحن بعد محمّد صلى الله عليه و آله إلّا علي عليه السلام وحده ؟ وما عسي أن يقول الواصف والمطنب في هذه الفضيلة، من تقصّي معانيها، وبلوغ غاية كنهها، وفضيلة الصابر عندها، ودامت هذه المحنة عليهم ثلاث سنين، حتّي انفرجت عنهم بقصّة الصحيفة، والقصّة مشهورة.
وكيف يستحسن الجاحظ لنفسه أن يقول في علي عليه السلام : إنّه قبل الهجرة كان وادعاً رافهاً لم يكن مطلوباً ولا طالباً. وهو صاحب الفراش الّذي فدي رسول الله صلى الله عليه و آله بنفسه، ووقاه بمهجته، واحتمل السيوف ورضح الحجارة دونه ؟ وهل ينتهي الواصف وإن أطنب؛ والمادح وإن أسهب؛ إلي الإبانة عن مقدار هذه الفضيلة، والإيضاح بمزيّة هذه الخصيصة ؟
فأمّا قوله: إنّ أبابكر عذّب بمكّة. فإنّا لا نعلم أنّ العذاب كان واقعاً إلّا بعبد أو عسيف، أو لمن لا عشيرة له تمنعه، فأنتم في أبي بكر بين أمرين: تارة تجعلونه دخيلاً
ص:95
ساقطاً، وهجيناً رذيلاً مستضعفاً ذليلاً، وتارة تجعلونه رئيساً متّبعاً، وكبيراً مطاعاً، فاعتمدوا علي أحد القولين لنكلّمكم بحسب ما تختارونه لأنفسكم.
ولو كان الفضل في الفتنة والعذاب؛ لكان عمّار وخبّاب وبلال وكلّ معذّب بمكّة أفضل من أبي بكر؛ لأنّهم كانوا من العذاب في أكثر ممّا كان فيه، ونزل فيهم من القرآن ما لم ينزل فيه، كقوله تعالي: وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا 1 ؛ قالوا: نزلت في خبّاب وبلال. ونزل في عمّار قوله: إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 2 .
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يمرّ علي عمّار وأبيه واُمّه وهم يعذّبون، يعذّبهم بنومخزوم لأنّهم كانوا حلفاءهم، فيقول: صبراً آل ياسر فإنّ موعدكم الجنّة. وكان بلال يقلّب علي الرمضاء، وهو يقول: أحد أحد!
وما سمعنا لأبي بكر في شيء من ذلك ذكراً، ولقد كان لعلي عليه السلام عنده يد غرّاء، إن صحّ ما رويتموه في تعذيبه؛ لأنّه قتل نوفل بن خويلد وعمير بن عثمان يوم بدر، ضرب نوفلاً فقطع ساقة، فقال: اذكّرك الله والرحم! فقال: قد قطع الله كلّ رحم وصهر إلّا من كان تابعاً لمحمّد. ثمّ ضربه اخري ففاضت نفسه، وصمد لعمير بن عثمان التميمي، فوجده يروم الهرب، وقد ارتجّ عليه المسلك، فضربه علي شراسيف صدره، فصار نصفه الأعلي بين رجليه، وليس أنّ أبابكر لم يطلب بثأره منهما، ويجتهد لكّنه لم يقدر علي أن يفعل فعل علي عليه السلام ، فبان علي عليه السلام بفعله دونه.
قال الجاحظ : ولأبي بكر مراتب لا يشركه فيها علي ولا غيره، وذلك قبل الهجرة، فقد علم الناس أنّ عليّاً عليه السلام إنّما ظهر فضله، وانتشر صيته، وامتحن ولقي المشاقّ منذ يوم بدر، وأنّه إنّما قاتل في الزمان الّذي استوفي فيه أهل الإسلام، وأهل الشرك، وطمعوا في أن يكون الحرب بينهم سجالاً، وأعلمهم الله تعالي أنّ العاقبة للمتّقين، وأبوبكر كان قبل
ص:96
الهجرة معذّباً ومطروداً مشرّداً، في الزمان الّذي ليس بالإسلام وأهله نهوض ولا حركة، ولذلك قال أبوبكر في خلافته: طوبي لمن مات في فأفأة الإسلام! يقول: في ضعفه.
قال أبوجعفر رحمه الله : لا أشكّ أنّ الباطل خان أباعثمان، والخطأ أقعده، والخذلان أصاره إلي الحيرة، فما علم وعرف حتّي قال ما قال، فزعم أنّ عليّاً عليه السلام قبل الهجرة لم يمتحن ولم يكابد المشاقّ ؛ وأنّه إنّما قاسي مشاقّ التكليف ومحن الابتلاء منذ يوم بدر، ونسي الحصار في الشعب، وما مني به منه، وأبوبكر وادع رافه، يأكل ما يريد، ويجلس مع من يحبّ ، مخلّي سربه، طيّبة نفسه، ساكناً قلبه، وعلي يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال، ويجوع ويظمأ، ويتوقّع القتل صباحاً ومساء؛ لأنّه كان هو المتوصّل المحتال في إحضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سرّاً، ليقيم به رمق رسول الله صلى الله عليه و آله وبني هاشم، وهم في الحصار، ولا يأمن في كلّ وقت مفاجأة أعداء رسول الله صلى الله عليه و آله له بالقتل، كأبي جهل بن هشام وعقبة بن أبي معيط ، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها، ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله صلى الله عليه و آله زاده، ويظمّئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلّل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبوبكر بنجوة عن ذلك لا يمسّه ممّا يمسّهم ألم، ولم يلحقه ممّا يلحقهم مشقّة، ولا يعلم بشيء من أخبارهم وأحوالهم إلّا علي سبيل الإجمال دون التفصيل ثلاث سنين، محرّمة معاملتهم ومناكحتهم ومجالستهم، محبوسين محصورين ممنوعين من الخروج والتصرّف في أنفسهم، فكيف أهمل الجاحظ هذه الفضيلة، ونسي هذه الخصيصة، ولا نظير لها؟! ولكن لا يبالي الجاحظ بعد أن يسوّغ له لفظه؛ وتنسق له خطابته؛ ما ضيّع من المعني، ورجع عليه من الخطأ!
فأمّا قوله: واعلموا أنّ العاقبة للمتّقين، ففيه إشارة إلي معني غامض قصده الجاحظ - يعني أن لا فضيلة لعلي عليه السلام في الجهاد؛ لأنّ الرسول كان أعلمه أنّه منصور، وأنّ العاقبة له - وهذا من دسائس الجاحظ وهمزاته ولمزاته، وليس بحقّ ما قاله؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أعلم أصحابه جملة أنّ العاقبة لهم؛ ولم يعلم واحداً منهم بعينه أنّه لا يقتل، لا عليّاً ولا غيره، وإن صحّ أنّه كان أعلمه أنّه لا يقتل فلم يعلمه أنّه لا يقطع عضو من أعضائه؛ ولم
ص:97
يعلمه أنّه لا يمسّه ألم الجراح في جسده؛ ولم يعلمه أنّه لايناله الضرب الشديد.
وعلي أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قد أعلم أصحابه قبل يوم بدر - وهو يومئذ بمكّة - أنّ العاقبة لهم، كما أعلم أصحابه بعد الهجرة ذلك، فإن لم يكن لعلي والمجاهدين فضيلة في الجهاد بعد الهجرة لإعلامه إيّاهم ذلك؛ فلا فضيلة لأبي بكر وغيره في احتمال المشاقّ قبل الهجرة لإعلامه إيّاهم بذلك، فقد جاء في الخبر أنّه وعد أبابكر قبل الهجرة بالنصر، وأنّه قال له: ارسلت إلي هؤلاء بالذبح، وإنّ الله تعالي سيغنّمنا أموالهم، ويملّكنا ديارهم فالقول في الموضعين متساو ومتّفق.
قال الجاحظ : وإنّ بين المحنة في الدهر الّذي صار فيه أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله مقرّنين لأهل مكّة ومشركي قريش؛ ومعهم أهل يثرب أصحاب النخيل والآطام والشجاعة والصبر والمواساة؛ والإيثار والمحاماة والعدد الدثر؛ والفعل الجزل؛ وبين الدهر الّذي كانوا فيه بمكّة يفتنون ويشتمون؛ ويضربون ويشرّدون؛ ويجوعون ويعطشون؛ مقهورين لا حراك بهم؛ وأذّلاء لا عزّ لهم؛ وفقراء لا مال عندهم؛ ومستخفين لا يمكنهم إظهار دعوتهم؛ لفرقاً واضحاً، ولقد كانوا في حال أحوجت لوطاً وهو نبي إلي أن قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ 1 ، وقال النبيّ صلى الله عليه و آله : عجبت من أخي لوط ، كيف قال: أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ ، وهو يأوي إلي الله تعالي ؟ ثمّ لم يكن ذلك يوماً ولا يومين ولا شهراً ولا شهرين، ولا عاماً ولا عامين، ولكنّ السنين بعد السنين، وكان أغلظ القوم وأشدّهم محنة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله أبوبكر؛ لأنّه أقام بمكّة ما أقام رسول الله صلى الله عليه و آله ثلاث عشرة سنة، وهو أوسط ما قالوا في مقام النبيّ صلى الله عليه و آله .
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : ما نري الجاحظ احتجّ لكون أبي بكر أغلظهم وأشدّهم محنة إلّا بقوله: لأنّه أقام بمكّة مدّة مقام الرسول صلى الله عليه و آله بها، وهذه الحجّة لا تخصّ أبابكر وحده؛ لأنّ عليّاً عليه السلام أقام معه هذه المدّة، وكذلك طلحة وزيد وعبدالرحمان وبلال وخبّاب وغيرهم، وقد كان الواجب عليه أن يخصّ أبابكر وحده بحجّة تدلّ علي أنّه كان أغلظ
ص:98
الجماعة، وأشدّهم محنة بعد رسول الله صلى الله عليه و آله ، فالاحتجاج في نفسه فاسد.
ثمّ يقال له: ما بالك أهملت أمر مبيت علي عليه السلام علي الفراش بمكّة ليلة الهجرة! هل نسيته أم تناسيته ؟! فإنّها المحنة العظيمة والفضيلة الشريفة الّتي متي امتحنها الناظر وأجال فكره فيها رأي تحتها فضائل متفرّقة ومناقب متغايرة، وذلك أنّه لمّا استقرّ الخبر عند المشركين أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله مجمع علي الخروج من بينهم للهجرة إلي غيرهم قصدوا إلي معاجلته، وتعاقدوا علي أن يبّيتوه في فراشه، وأن يضربوه بأسياف كثيرة، بيد كلّ صاحب قبيلة من قريش سيف منها، ليضيع دمه بين الشعوب، ويتفرّق بين القبائل، ولا يطلب بنوهاشم بدمه قبيلة واحدة بعينها من بطون قريش، وتحالفوا علي تلك الليلة، واجتمعوا عليها، فلمّا علم رسول الله صلى الله عليه و آله ذلك من أمرهم دعا أوثق الناس عنده، وأمثلهم في نفسه، وأبذلهم في ذات الإله لمهجته، وأسرعهم إجابة إلي طاعته، فقال له: إنّ قريشاً قد تحالفت علي أن تبيّتني هذه الليلة، فامض إلي فراشي، ونم في مضجعي، والتفّ في بردي الحضرمي ليروا أنّي لم أخرج، وإنّي خارج إن شاء الله.
فمنعه أوّلاً من التحرّز وإعمال الحيلة، وصدّه عن الاستظهار لنفسه بنوع من أنواع المكايد والجهات الّتي يحتاط بها الناس لنفسوهم، وألجأه إلي أن يعرّض نفسه لظبات السيوف الشحيذة من أيدي أرباب الحنق والغيظة، فأجاب إلي ذلك سامعاً مطيعاً طيّبة بها نفسه، ونام علي فراشه صابراً محتسباً، واقياً له بمهجته، ينتظر القتل، ولا نعلم فوق بذل النفس درجة يلتمسها صابر، ولا يبلغها طالب، والجود بالنفس أقصي غاية الجود، ولولا أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله علم أنّه أهل لذلك لما أهّله، ولو كان عنده نقص في صبره أو في شجاعته أو في مناصحته لابن عمّه واختير لذلك لكان من اختاره صلى الله عليه و آله منقوضاً في رأيه، مضرّاً في اختياره، ولا يجوز أن يقول هذا أحد من أهل الإسلام، وكلّهم مجمعون علي أنّ الرسول صلى الله عليه و آله عمل الصواب، وأحسن في الاختيار.
ثمّ في ذلك - إذا تأمّله المتأمّل - وجوه من الفضل:
منها أنّه وإن كان عنده في موضع الثقة؛ فإنّه غير مأمون عليه ألّا يضبط السرّ فيفسد
ص:99
التدبير بإفشائه تلك الليلة إلي من يلقيه إلي الأعداء.
ومنها أنّه وإن كان ضابطاً للسرّ وثقة عند من اختاره؛ فغير مأمون عليه الجبن عند مفاجأة المكروه، ومباشرة الأهوال، فيفرّ من الفراش، فيفطن لموضع الحيلة، ويطلب رسول الله صلى الله عليه و آله فيظفر به.
ومنها أنّه وإن كان ثقة ضابطاً للسرّ؛ شجاعاً نجداً؛ فلعلّه غير محتمل للمبيت علي الفراش؛ لأنّ هذا أمر خارج عن الشجاعة إن كان قد قامه مقام المكتوف الممنوع؛ بل هو أشدّ مشقّة من المكتوف الممنوع؛ لأنّ المكتوف الممنوع يعلم من نفسه أنّه لا سبيل له إلي الهرب، وهذا يجد السبيل إلي الهرب وإلي الدفع عن نفسه، ولا يهرب ولا يدافع.
ومنها أنّه وإن كان ثقة عنده، ضابطاً للسرّ؛ شجاعاً محتملاً للمبيت علي الفراش؛ فإنّه غير مأمون أن يذهب صبره عند العقوبة الواقعة، والعذاب النازل بساحته، حتّي يبوح بما عنده؛ ويصير إلي الإقرار بما يعلمه، وهو أنّه أخذ طريق كذا فيطلب فيؤخذ، فلهذا قال علماء المسلمين: إنّ فضيلة علي عليه السلام تلك الليلة لا نعلم أحداً من البشر نال مثلها، إلّا ما كان من إسحاق وإبراهيم عند استسلامه للذبح، ولولا أنّ الأنبياء لا يفضلهم غيرهم لقلنا: إنّ محنة علي أعظم؛ لأنّه قد روي أنّ إسحاق تلكّأ لما أمره أن يضطجع، وبكي علي نفسه، وقد كان أبوه يعلم أنّ عنده في ذلك وقفة، ولذلك قال له: عليه السلام صلى الله عليه و آله و سلم عليه السلام (1)، وحال علي عليه السلام بخلاف ذلك؛ لأنّه ما تلكّأ ولا تتعتع، ولا تغيّر لونه ولا اضطربت أعضاؤه.
ولقد كان أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله يشيرون عليه بالرأي المخالف لما كان أمر به، وتقدّم فيه، فيتركه ويعمل بما أشاروا به، كما جري يوم الخندق في مصانعته الأحزاب بثلث تمر المدينة، فإنّهم أشاروا عليه بترك ذلك فتركه، وهذه كانت قاعدته معهم، وعادته بينهم، وقد كان لعلي عليه السلام أن يعتلّ بعلّة، وأن يقف ويقول: يا رسول الله، أكون معك أحميك من العدوّ، وأذبّ بسيفي عنك، فلست مستغنياً في خروجك عن مثلي، ونجعل عبداً من
ص:100
عبيدنا في فراشك، قائماً مقامك، يتوهّم القوم - برؤيته نائماً في بردك - أنّك لم تخرج، ولم تفارق مركزك. فلم يقل ذلك، ولا تحبّس ولا توقّف، ولا تلعثم، وذلك لعلم كلّ واحد منهما صلى الله عليه و آله أنّ أحداً لا يصبر علي ثقل هذه المحنة، ولا يتورّط هذه الهلكة، إلّا من خصّه الله تعالي بالصبر علي مشقّتها، والفوز بفضيلتها.
وله من جنس ذلك أفعال كثيرة، كيوم دعا عمرو بن عبدودّ المسلمين إلي المبارزة، فأحجم الناس كلّهم عنه، لما علموا من بأسه وشدّته، ثمّ كرّر النداء، فقام علي عليه السلام فقال: أنا أبرز إليه. فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله : إنّه عمرو! قال: نعم، وأنا علي! فأمره بالخروج إليه، فلمّا خرج قال صلى الله عليه و آله : برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه. وكيوم احد حيث حمي رسول الله صلى الله عليه و آله من أبطال قريش وهم يقصدون قتله، فقتلهم دونه، حتّي قال جبريل عليه السلام : يا محمّد، إنّ هذه هي المواساة. فقال: إنّه منّي وأنا منه. فقال جبريل: وأنا منكما. ولو عددنا أيّامه ومقاماته الّتي شري فيها نفسه لله تعالي لأطلنا وأسهبنا.
قال الجاحظ : فإن احتجّ محتجّ لعلي عليه السلام بالمبيت علي الفراش؛ فبين الغار والفراش فرق واضح؛ لأنّ الغار وصحبة أبي بكر للنبيّ صلى الله عليه و آله قد نطق به القرآن، فصار كالصلاة والزكاة وغيرهما ممّا نطق به الكتاب، وأمر علي عليه السلام ونومه علي الفراش وإن كان ثابتاً صحيحاً إلّا أنّه لم يذكر في القرآن، وإنّما جاء مجيء الروايات والسير، وهذا لا يوازن هذا ولا يكايله.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : هذا فرق غير مؤثّر؛ لأنّه قد ثبت بالتواتر حديث الفراش، فلا فرق بينه وبين ما ذكر في نصّ الكتاب، ولا يجحده إلّا مجنون أو غير مخالط لأهل الملّة، أرأيت كون الصلوات خمساً، وكون زكاة الذهب ربع العشر، وكون خروج الريح ناقضاً للطهارة، وأمثال ذلك ممّا هو معلوم بالتواتر حكمه، هل هو مخالف لما نصّ في الكتاب عليه من الأحكام ؟ هذا ممّا لا يقوله رشيد ولا عاقل، علي أنّ الله تعالي لم يذكر اسم أبي بكر في الكتاب، وإنّما قال: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ 1 ، وإنّما علمنا أنّه أبوبكر
ص:101
بالخبر وما ورد في السيرة، وقد قال أهل التفسير: إنّ قوله تعالي: وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ كناية عن علي عليه السلام ؛ لأنّه مكر بهم، وأوّل الآية: وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ 1 ، انزلت في ليلة الهجرة، ومكرهم كان توزيع السيوف علي بطون قريش، ومكر الله تعالي منام علي عليه السلام علي الفراش، فلا فرق بين الموضعين في أنّهما مذكوران كناية لا تصريحاً.
وقد روي المفسّرون كلّهم أنّ قول الله تعالي: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ 2 انزلت في علي عليه السلام ليلة المبيت علي الفراش، فهذه مثل قوله تعالي: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ ، لا فرق بينهما.
قال الجاحظ : وفرق آخر، وهو أنّه لو كان مبيت علي عليه السلام علي الفراش جاء مجيء كون أبي بكر في الغار؛ لم يكن له في ذلك كبير طاعة؛ لأنّ الناقلين نقلوا أنّه صلى الله عليه و آله قال له: نم فلن يخلص إليك شيء تكرهه. ولم ينقل ناقل أنّه قال لأبي بكر في صحبته إيّاه وكونه معه في الغار مثل ذلك، ولا قال له: أنفق وأعتق، فإنّك لن تفتقر، ولن يصل إليك مكروه.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : هذا هو الكذب الصراح، والتحريف والإدخال في الرواية ما ليس منها، والمعروف المنقول أنّه صلى الله عليه و آله قال له: اذهب فاضطجع في مضجعي، وتغشّ ببردي الحضرمي، فإنّ القوم سيفقدونني، ولا يشهدون مضجعي، فلعلّهم إذا رأوك يسكنهم ذلك حتّي يصبحوا، فإذا أصبحت فاغد في أداء أمانتي. ولم ينقل ما ذكره الجاحظ ، وإنّما ولّده أبوبكر الأصمّ وأخذه الجاحظ ، ولا أصل له، ولو كان هذا صحيحاً لم يصل إليه منهم مكروه، وقد وقع الاتّفاق علي أنّه ضرب ورمي بالحجارة قبل أن يعلموا من هو حتّي
ص:102
تضوّر، وأنّهم قالوا له: رأينا تضوّرك، فإنّا كنّا نرمي محمّداً ولا يتضوّر. ولأنّ لفظة المكروه إن كان قالها إنّما يراد بها القتل، فهب أنّه أمن القتل، كيف يأمن من الضرب والهوان، ومن أن ينقطع بعض أعضائه، وبأن سلمت نفسه ؟ أليس الله تعالي قال لنبيّه: بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ 1 ، ومع ذلك فقد كسرت رباعيّته وشجّ وجهه، واُدميت ساقه، وذلك لأنّها عصمة من القتل خاصّة، وكذلك المكروه الّذي اومن علي عليه السلام منه - وإن كان صحّ ذلك في الحديث - إنّما هو مكروه القتل.
ثمّ يقال له: وأبوبكر لا فضيلة له أيضاً في كونه في الغار؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال له:
لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا 2 ، ومن يكن الله معه فهو آمن لا محالة من كلّ سوء، فكيف قلت: ولم ينقل ناقل أنّه قال لأبي بكر في الغار مثل ذلك ؟! فكلّ ما يجيب به عن هذا فهو جوابنا عمّا أورده، فنقول له: هذا ينقلب عليك في النبيّ صلى الله عليه و آله لأنّ الله تعالي وعده بظهور دينه، وعاقبة أمره، فيجب علي قولك ألّا يكون مثاباً عندالله تعالي علي ما يحتمله من المكروه، ولا ما يصيبه من الأذي إذ كان قد أيقن بالسلامة والفتح في عدته.
قال الجاحظ : ومن جحد كون أبي بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه و آله فقد كفر؛ لأنّه جحد نصّ الكتاب، ثمّ انظر إلي قوله تعالي: إِنَّ اللّهَ مَعَنا 3 من الفضيلة لأبي بكر؛ لأنّه شريك رسول الله صلى الله عليه و آله في كون الله تعالي معه وإنزال السكينة، قال كثير من الناس: إنّه في الآية مخصوص بأبي بكر؛ لأنّه كان محتاجاً إلي السكينة لما تداخله من رقّة الطبع البشري، والنبي صلى الله عليه و آله كان غير محتاج إليها؛ لأنّه يعلم أنّه محروس من الله تعالي، فلا معني لنزول السكينة عليه، وهذه فضيلة ثالثة لأبي بكر.
ص:103
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : إنّ أباعثمان يجرّ علي نفسه ما لا طاقة له به من مطاعن الشيعة، ولقد كان في غنية عن التعلّق بما تعلّق به؛ لأنّ الشيعة تزعم أنّ هذه الآية بأن تكون طعناً وعيباً علي أبي بكر أولي من أن تكون فضيلة ومنقبة له، لأنّه لمّا قال له:
لا تَحْزَنْ دلّ علي أنّه قد كان حزن وقنط وأشفق علي نفسه، وليس هذا من صفات المؤمنين الصابرين، ولا يجوز أن يكون حزنه طاعة؛ لأنّ الله تعالي لا ينهي عن الطاعة، فلو لم يكن ذنباً لم ينه عنه، وقوله: إِنَّ اللّهَ مَعَنا أي إنّ الله عالم بحالنا وما نضمره من اليقين أو الشكّ ، كما يقول الرجل لصاحبه: لا تضمرنّ سوء ولا تنوينّ قبيحاً فإنّ الله تعالي يعلم ما نسرّه وما نعلنه، وهذه مثل قوله تعالي: وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْثَرَ إِلاّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا 1 ، أي هو عالم بهم.
وأمّا السكينة؛ فكيف يقول: إنّها ليست راجعة إلي النبيّ صلى الله عليه و آله وبعدها قوله: وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها أ تري المؤيّد بالجنود كان أبابكر أم رسول الله صلى الله عليه و آله ؟
وقوله: إنّه مستغن عنها؛ ليس بصحيح، ولا يستغني أحد عن ألطاف الله وتوفيقه وتأييده وتثبيت قلبه، وقد قال الله تعالي في قصّة حنين: وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ 2 صلى الله عليه و آله .
وأمّا الصحبة فلا تدلّ إلّا علي المرافقة والاصطحاب لا غير، وقد يكون حيث لا إيمان،كما قال تعالي: قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ 3 ، ونحن وإن كنّا نعتقد إخلاص أبي بكر وإيمانه الصحيح السليم وفضيلته التامّة، إلّا أنّا لا نحتجّ له بمثل ما احتجّ به الجاحظ من الحجج الواهية، ولا نتعلّق بما يجرّ علينا دواهي الشيعة ومطاعنها.
ص:104
قال الجاحظ : وإن كان المبيت علي الفراش فضيلة؛ فأين هي من فضائل أبي بكر أيّام مكّة ؟ من عتق المعذّبين وإنفاق المال وكثرة المستجيبين، مع فرق ما بين الطاعتين؛ لأنّ طاعة الشابّ الغرير والحدث الصغير الّذي في عزّ صاحبه عزّه ليست كطاعة الحليم الكبير الّذي لا يرجع تسويد صاحبه إلي رهطه وعشيرته.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمّا كثرة المستجيبين؛ فالفضل فيها راجع إلي المجيب لا إلي المجاب، علي أنّا قد علمنا أنّ من استجاب لموسي عليه السلام أكثر ممّن استجاب لنوح عليه السلام ، وثواب نوح أكثر، لصبره علي الأعداء، ومقاساة خلافهم وعنتهم.
وأمّا إنفاق المال؛ فأين محنة الغني من محنة الفقير؟! وأين يعتدل إسلام من أسلم وهو غني؛ إن جاع أكل، وإن أعيا ركب، وإن عري لبس، قد وثق بيساره واستغني بماله، واستعان علي نوائب الدنيا بثروته، ممّن لا يجد قوت يومه، وإن وجد لم يستأثر به، فكان الفقر شعاره، وفي ذلك قيل: الفقر شعار المؤمن. وقال الله تعالي لموسي: يا موسي إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين. وفي الحديث: إنّ الفقراء يدخلون الجنّة قبل الأغنياء بخمسمئة عام. وكان النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: اللهمّ احشرني في زمرة الفقراء. ولذلك أرسل الله محمّداً صلى الله عليه و آله فقيراً، وكان بالفقر سعيداً، فقاسي محنة الفقر ومكابدة الجوع حتّي شدّ الحجر علي بطنه، وحسبك بالفقر فضيلة في دين الله لمن صبر عليه، فإنّك لا تجد صاحب الدنيا يتمنّاه؛ لأنّه مناف لحال الدنيا وأهلها، وإنّما هو شعار أهل الآخرة.
وأمّا طاعة علي عليه السلام ؛ وكون الجاحظ زعم أنّها كانت لأنّ في عزّ محمّد عزّه وعزّ رهطه، بخلاف طاعة أبي بكر، فهذا يفتح عليه أن يكون جهاد حمزة كذلك، وجهاد عبيدة بن الحارث، وهجرة جعفر إلي الحبشة بل لعلّ محاماة المهاجرين من قريش علي رسول الله صلى الله عليه و آله كانت لأنّ في دولته دولتهم، وفي نصرته استجداد ملك لهم، وهذا يجرّ إلي الإلحاد، ويفتح باب الزندقة، ويفضي إلي الطعن في الإسلام والنبوّة.
قال الجاحظ : وعلي أنّا لو نزلنا إلي ما يريدونه جعلنا الفراش كالغار، وخلصت فضائل أبي بكر في غير ذلك عن معارض.
ص:105
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : قد بيّنا فضيلة المبيت علي الفراش علي فضيلة الصحبة في الغار بما هو واضح لمن أنصف، ونزيد هاهنا تأكيداً بما لم نذكره فيما تقدّم، فنقول: إنّ فضيلة المبيت علي الفراش علي الصحبة في الغار لوجهين:
أحدهما أنّ عليّاً عليه السلام قد كان أنس بالنبي صلى الله عليه و آله وحصل له بمصاحبته قديماً انس عظيم، وإلف شديد، فلمّا فارقه عدم ذلك الاُنس، وحصل به أبوبكر، فكان ما يجده علي عليه السلام من الوحشة وألم الفرقة موجباً زيادة ثوابه؛ لأنّ الثواب علي قدر المشقّة.
وثانيهما أنّ أبابكر كان يؤثر الخروج من مكّة، وقد كان خرج من قبل فرداً، فازداد كراهيّة للمقام، فلمّا خرج مع رسول الله صلى الله عليه و آله وافق ذلك هوي قلبه، ومحبوب نفسه، فلم يكن له من الفضيلة مايوازي فضيلة من احتمل المشقّة العظيمة، وعرّض نفسه لوقع السيوف، ورأسه لرضخ الحجارة؛ لأنّه علي قدر سهولة العبادة يكون نقصان الثواب.
قال الجاحظ : ثمّ الّذي لقي أبوبكر في مسجده الّذي بناه علي بابه في بني جمح، فقد كان بني مسجداً يصلّي فيه، ويدعو الناس إلي الإسلام، وكان له صوت رقيق، ووجه عتيق، وكان إذا قرأ بكي، فيقف عليه المارّة من الرجال والنساء والصبيان والعبيد، فلمّا اوذي في الله ومنع من ذلك المسجد استأذن رسول الله صلى الله عليه و آله في الهجرة، فأذن له، فأقبل يريد المدينة، فتلقّاه الكناني، فعقد له جواراً، وقال: والله لا أدع مثلك يخرج من مكّة. فرجع إليها وعاد لصنيعه في المسجد، فمشت قريش إلي جاره الكناني وأجلبوا عليه، فقال له: دع المسجد وادخل بيتك، واصنع فيه ما بدا لك.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : كيف كانت بنوجمح تؤذي عثمان بن مظعون وتضربه، وهو فيهم ذو سطوة وقدر، وتترك أبابكر يبني مسجداً يفعل فيه ما ذكرتم ؟ وأنتم الّذين رويتم عن ابن مسعود أنّه قال: ما صلّينا ظاهرين حتّي أسلم عمر بن الخطّاب، والّذي تذكرونه من بناء المسجد كان قبل إسلام عمر، فكيف هذا؟!
وأمّا [ما] ذكرتم من رقّة صوته وعتاق وجهه فكيف يكون ذلك ؟ وقد روي الواقدي وغيره أنّ عائشة رأت رجلاً من العرب خفيف العارضين، معروق الخدّين، غائر العينين،
ص:106
أجنأ لا يمسك إزاره، فقالت: ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا؟ فلا نراها دلّت علي شيء من الجمال في صفته!
قال الجاحظ : وحيث ردّ أبوبكر جوار الكناني وقال: لا اريد جاراً سوي الله، لقي من الأذي والذلّ والاستخفاف والضرب ما بلغكم، وهذا موجود في جميع السير، وكان آخر ما لقي هو وأهله في أمر الغار، وقد طلبته قريش وجعلت فيه مئة بعير، كما جعلت في النبيّ صلى الله عليه و آله ، فلقي أبوجهل أسماء بنت بكر فسألها فكتمته، فلطمها حتّي رمت قرطاً كان في اذنها.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : هذا الكلام وهجر السكران سواء في تقارب المخرج واضطراب المعني، وذلك أنّ قريشاً لم تقدر علي أذي النبيّ صلى الله عليه و آله وأبوطالب حي يمنعه، فلمّا مات طلبته لتقتله، فخرج تارة إلي بني عامر، وتارة إلي ثقيف، وتارة إلي بني شيبان، ولم يكن يتجاسر علي المقام بمكّة إلّا مستتراً، حتّي أجاره مطعم بن عدي، ثمّ خرج إلي المدينة، فبذلت فيه مئة بعير لشدّة حنقها عليه حين فاتها، فلم تقدر عليه، فما بالها بذلت في أبي بكر مئة بعير اخري، وقد كان ردّ الجوار، وبقي بينهم فرداً لا ناصر له ولا دافع عنده، يصنعون به ما يريدون! إمّا أن يكونوا أجهل البريّة كلّها أو يكون العثمانيّة أكذب جيل في الأرض وأوقحه وجهاً! فهذا ممّا لم يذكر في سيرة ولا روي في أثر، ولا سمع به بشر، ولا سبق الجاحظ به أحد!
قال الجاحظ : ثمّ الّذي كان من دعائه إلي الإسلام وحسن احتجاجه، حتّي أسلم علي يديه طلحة والزبير وسعد وعثمان وعبدالرحمان؛ لأنّه ساعة أسلم دعا إلي الله وإلي رسوله.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : ما أعجب هذا القول! إذ تدّعي العثمانيّة لأبي بكر الرفق في الدعاء وحسن الاحتجاج، وقد أسلم ومعه في منزله ابنه عبدالرحمان فما قدر أن يدخله في الإسلام طوعاً برفقه ولطف احتجاجه، ولا كرهاً بقطع النفقة عنه وإدخال المكروه عليه، ولا كان لأبي بكر عند ابنه عبدالرحمان من القدر ما يطيعه فيما يأمره به ويدعوه إليه.
كما روي أنّ أباطالب فقد النبيّ صلى الله عليه و آله يوماً، وكان يخاف عليه من قريش أن يغتالوه،
ص:107
فخرج ومعه ابنه جعفر يطلبان النبيّ صلى الله عليه و آله ، فوجده قائماً في بعض شعاب مكّة يصلّي، وعلي عليه السلام معه عن يمينه، فلّما رآهما أبوطالب قال لجعفر: تقدّم وصل جناح ابن عمّك. فقام جعفر عن يسار محمّد صلى الله عليه و آله ، فلمّا صاروا ثلاثة تقدّم رسول الله صلى الله عليه و آله وتأخّر الأخوان، فبكي أبوطالب، وقال:
إنّ عليّاً وجعفراً ثقتي عند ملمّ الخطوب والنوب
لا تخذلا وانصرا ابن عمّكما أخي لاُمّي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبيّ ولا يخذله من بني ذو حسب
فتذكر الرواة أنّ جعفراً أسلم منذ ذلك اليوم؛ لأنّ أباه أمره بذلك وأطاع أمره، وأبوبكر لم يقدر علي إدخال ابنه عبدالرحمان في الإسلام حتّي أقام بمكّة علي كفره ثلاث عشرة سنة، وخرج يوم احد في عسكر المشركين ينادي: أنا عبدالرحمان بن عتيق، هل من مبارز؟ ثمّ مكث بعد ذلك علي كفره، حتّي أسلم عام الفتح، وهو اليوم الّذي دخلت فيه قريش في الإسلام طوعاً وكرهاً، ولم يجد أحد منها إلي ترك ذلك سبيلاً.
وأين كان رفق أبي بكر وحسن احتجاجه عند أبيه أبي قحافة وهما في دار واحدة ؟ هلّا رفق به ودعاه إلي الإسلام فأسلم ؟ وقد علمتم أنّه بقي علي الكفر إلي يوم الفتح، فأحضره ابنه عند النبيّ صلى الله عليه و آله وهو شيخ كبير رأسه كالثغامة، فنفر رسول الله صلى الله عليه و آله منه، وقال: غيّروا هذا، فخضبوه، ثمّ جاؤوا به مرّة اخري فأسلم.
وكان أبوقحافة فقيراً مدقعاً سيّئ الحال، وأبوبكر عندهم كان مثرياً فائض المال، فلم يمكنه استمالته إلي الإسلام بالنفقة والإحسان، وقد كانت امرأة أبي بكر امّ عبدالله ابنه - واسمها نملة بنت عبدالعزّي بن أسعد بن عبد بن ودّ العامريّة - لم تسلم، وأقامت علي شركها بمكّة، وهاجر أبوبكر وهي كافرة، فلمّا نزل قوله تعالي: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ 1 ،
ص:108
فطلّقها أبوبكر، فمن عجز عن ابنه وأبيه وامرأته فهو عن غيرهم من الغرماء أعجز، ومن لم يقبل منه أبوه وابنه وامرأته لا برفق واحتجاج ولا خوفاً من قطع النفقة عنهم وإدخال المكروه عليهم؛ فغيرهم أقلّ قبولاً منه، و أكثر خلافاً عليه.
قال الجاحظ : وقالت أسماء بنت أبي بكر: ما عرفت أبي إلّا وهو يدين بالدين، ولقد رجع إلينا يوم أسلم فدعانا إلي الإسلام، فما رمنا حتّي أسلمنا، وأسلم أكثر جلسائه، ولذلك قالوا: من أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممّن أسلم بالسيف، ولم يذهبوا في ذلك إلي العدد، بل عنوا الكثرة في القدر؛ لأنّه أسلم علي يديه خمسة من أهل الشوري، كلّهم يصلح للخلافة، وهم أكفاء علي عليه السلام ، ومنازعوه الرئاسة والإمامة، فهؤلاء أكثر من جميع الناس.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أخبرونا من هذا الّذي أسلم ذلك اليوم من أهل بيت أبي بكر؟ إذا كانت امرأته لم تسلم وابنه عبدالرحمان لم يسلم، وأبوقحافة لم يسلم، واُخته امّ فروة لم تسلم، وعائشة لم تكن قد ولدت في ذلك الوقت؛ لأنّها ولدت بعد مبعث النبيّ صلى الله عليه و آله بخمس سنين، ومحمّد بن أبي بكر ولد بعد مبعث رسول الله صلى الله عليه و آله بثلاث وعشرين سنة؛ لأنّه ولد في حجّة الوداع، وأسماء بنت أبي بكر الّتي قد روي الجاحظ هذا الخبر عنها كانت يوم بعث رسول الله صلى الله عليه و آله بنت أربع سنين - وفي رواية من يقول: بنت سنتين - فمن الّذي أسلم من أهل بيته يوم أسلم ؟ نعوذ بالله من الجهل والكذب والمكابرة! وكيف أسلم سعد والزبير وعبدالرحمان بدعاء أبي بكر وليسوا من رهطه ولا من أترابه ولا من جلسائه، ولا كانت بينهم قبل ذلك صداقة متقدّمة، ولا انس وكيد!
وكيف ترك أبوبكر عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة؛ لم يدخلهما في الإسلام برفقه وحسن دعائه، وقد زعمتم أنّهما كانا يجلسان إليه لعلمه وطريف حديثه ؟ وما باله لم يدخل جبير بن مطعم في الإسلام؛ وقد ذكرتم أنّه أدّبه وخرّجه، ومنه أخذ جبير العلم بأنساب قريش ومآثرها؟ فكيف عجز عن هؤلاء الّذين عددناهم، وهم منه بالحال الّتي وصفنا، ودعا من لم يكن بينه وبينه انس ولا معرفة، إلّا معرفة عيان ؟ وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطّاب وقد كان شكله؛ وأقرب الناس شبهاً به في أغلب أخلاقه ؟
ص:109
ولئن رجعتم إلي الإنصاف لتعلمنّ أنّ هؤلاء لم يكن إسلامهم إلّا بدعاء الرسول صلى الله عليه و آله لهم، وعلي يديه أسلموا، ولو فكّرتم في حسن التأتّي في الدعاء ليصحّنّ لأبي طالب في ذلك علي شركه أضعاف ما ذكرتموه لأبي بكر، لأنّكم رويتم أنّ أباطالب قال لعلي عليه السلام : يا بني، الزمه، فإنّه لن يدعوك إلّا إلي خير. وقال لجعفر: صل جناح ابن عمّك. فأسلم بقوله، ولأجله أصفق بنو عبدمناف علي نصرة رسول الله صلى الله عليه و آله بمكّة من بني مخزوم وبني سهم وبني جمح، ولأجله صبر بنوهاشم علي الحصار في الشعب، وبدعائه وإقباله علي محمّد صلى الله عليه و آله أسلمت امرأته فاطمة بنت أسد، فهو أحسن رفقاً، وأيمن نقيبة من أبي بكر وغيره، وإنّما منعه عن الإسلام أن ثبت أنّه لم يسلم إلّا تقيّة، وأبوبكر لم يكن له إلّا ابن واحد، وهو عبدالرحمان، فلم يمكنه أن يدخله في الإسلام، ولا أمكنه إذ لم يقبل منه الإسلام أن يجعله كبعض مشركي قريش في قلّة الأذي لرسول الله صلى الله عليه و آله وفيه أنزل:
وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَ هُما يَسْتَغِيثانِ اللّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ 1 .
وإنّما يعرف حسن رفق الرجل وتأتّيه بأن يصلح أوّلاً أمر بيته وأهله، ثمّ يدعو الأقرب فالأقرب، فإنّ رسول الله صلى الله عليه و آله لمّا بعث كان أوّل من دعا زوجته خديجة، ثمّ مكفوله وابن عمّه عليّاً عليه السلام ، ثمّ مولاه زيداً، ثمّ امّ أيمن خادمته، فهل رأيتم أحداً ممّن كان يأوي إلي رسول الله صلى الله عليه و آله لم يسارع ؟ وهل التاث عليه أحد من هؤلاء؟ فهكذا يكون حسن التأتّي والرفق في الدعاء.
هذا ورسول الله مقلّ ، وهو من جملة عيال خديجة حين بعثه الله تعالي، وأبوبكر عندكم كان موسراً، وكان أبوه مقتّراً، وكذلك ابنه وامرأته امّ عبدالله، والموسر في فطرة العقول أولي أن يتبع من المقتّر.
ص:110
وإنّما حسن التأتّي والرفق في الدعاء ما صنعه مصعب بن عمير لسعد بن معاذ لمّا دعاه، وما صنع سعد بن معاذ ببني عبدالأشهل لمّا دعاهم، وما صنع بريدة بن الحصيب بأسلم لمّا دعاهم، قالوا: أسلم بدعائه ثمانون بيتاً من قومه، وأسلم بنوعبدالأشهل بدعاء سعد في يوم واحد، وأمّا من لم يسلم ابنه ولا امرأته ولا أبوه ولا اخته بدعائه فهيهات أن يوصف ويذكر بالرفق في الدعاء وحسن التأتّي والأناة!
قال الجاحظ : ثمّ أعتق أبوبكر بعد ذلك جماعة من المعذّبين في الله، وهم ستّ رقاب، منهم بلال وعامر بن فهيرة وزنّيرة النهدية وابنتها، ومرّ بجارية يعذّبها عمر بن الخطّاب فابتاعها منه وأعتقها، وأعتق أباعيسي، فأنزل الله فيه: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى * وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى 1 ، إلي آخر السورة.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمّا بلال وعامر بن فهيرة فإنّما أعتقهما رسول الله صلى الله عليه و آله ، روي ذلك الواقدي وابن إسحاق وغيرهما، وأمّا باقي مواليهم الأربعة فإن سامحناكم في دعواكم لم يبلغ ثمنهم في تلك الحال لشدّة بغض مواليهم لهم إلّا مئة درهم أو نحوها، فأي فخر في هذا؟
وأمّا الآية فإنّ ابن عبّاس قال في تفسيرها: فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى * وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ، أي لأن يعود.
وقال غيره: نزلت في مصعب بن عمير.
قال الجاحظ : وقد علمتم ما صنع أبوبكر في ماله، وكان ماله أربعين ألف درهم، فأنفقه في نوائب الإسلام وحقوقه، ولم يكن خفيف الظهر، قليل العيال والنسل، فيكون فاقد جميع اليسارين، بل كان ذا بنين وبنات وزوجة وخدم وحشم، ويعول والديه وما ولدا، ولم يكن النبيّ صلى الله عليه و آله قبل ذلك عنده مشهوراً، فيخاف العار في ترك مواساته، فكان إنفاقه علي الوجه الّذي لا نجد في غاية الفضل مثله، ولقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله : ما نفعني مال كما نفعني مال أبي بكر.
ص:111
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أخبرونا علي أي نوائب الإسلام أنفق هذا المال ؟ وفي أي وجه وضعه ؟ فإنّه ليس بجائز أن يخفي ذلك ويدرس حتّي يفوت حفظه، وينسي ذكره، وأنتم فلم تقفوا علي شيء أكثر من عتقه بزعمكم ستّ رقاب لعلّها لا يبلغ ثمنها في ذلك العصر مئة درهم، وكيف يدّعي له الإنفاق الجليل، وقد باع من رسول الله صلى الله عليه و آله بعيرين عند خروجه إلي يثرب، وأخذ منه الثمن في مثل تلك الحال، وروي ذلك جميع المحدّثين.
وقد رويتم أيضاً أنّه كان حيث كان بالمدينة غنيّاً موسراً، ورويتم عن عائشة أنّها قالت: هاجر أبوبكر وعنده عشرة آلاف درهم. وقلتم: إنّ الله تعالي أنزل فيه: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى 1 ، قلتم: هي في أبي بكر ومسطح بن اثاثة، فأين الفقر الّذي زعمتم أنّه أنفق حتّي تخلّل بالعباءة ؟ ورويتم أنّ لله تعالي في سمائه ملائكة قد تخلّلوا بالعباءة، وأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله رآهم ليلة الإسراء، فسأل جبرائيل عنهم فقال: هؤلاء ملائكة تأسّوا بأبي بكر بن أبي قحافة صديقك في الأرض، فإنّه سينفق عليك ماله، حتّي يخلّل عباءه في عنقه.
وأنتم أيضاً رويتم أنّ الله تعالي لمّا أنزل آية النجوي، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ 2 الآيه، لم يعمل بها إلّا علي بن أبي طالب وحده، مع إقراركم بفقره وقلّة ذات يده، وأبوبكر في الحال الّتي ذكرنا من السعة أمسك عن مناجاته، فعاتب الله المؤمنين في ذلك، فقال: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ تابَ اللّهُ عَلَيْكُمْ 3 ، فجعله سبحانه ذنباً يتوب عليهم منه، وهو إمساكهم عن تقديم الصدقة، فكيف سخت نفسه بإنفاق أربعين ألفاً وأمسك عن مناجاة الرسول؛ وإنّما كان يحتاج
ص:112
فيها إلي إخراج درهمين ؟
وأمّا ما ذكر من كثرة عياله ونفقته عليهم فليس في ذلك دليل علي تفضيله؛ لأنّ نفقته علي عياله واجبة، مع أنّ أرباب السيرة ذكروا أنّه لم يكن ينفق علي أبيه شيئاً، وأنّه كان أجيراً لابن جدعان علي مائدته يطرد عنها الذبان.
قال الجاحظ : وقد تعلمون ما كان يلقي أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله ببطن مكّة من المشركين، وحسن صنيع كثير منهم؛ كصنيع حمزة حين ضرب أباجهل بقوسه ففلق هامته، وأبوجهل يومئذ سيّد البطحاء ورئيس الكفر، وأمنع أهل مكّة، وقد عرفتم أنّ الزبير سلّ سيفه، واستقبل به المشركين، لمّا ارجف أنّ محمّداً صلى الله عليه و سلم قد قتل، وأنّ عمر بن الخطّاب قال حين أسلم: لا يعبد الله سرّاً بعد اليوم. وأنّ سعداً ضرب بعض المشركين بلحي جمل، فأراق دمه، فكلّ هذه الفضائل لم يكن لعلي بن أبي طالب فيها ناقة ولاجمل، وقد قال الله تعالي
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا 1 ، فإذا كان الله تعالي قد فضّل من أنفق قبل الفتح؛ لأنّه لا هجرة بعد الفتح، علي من أنفق بعد الفتح، فما ظنّكم بمن أنفق من قبل الهجرة؛ ومن لدن مبعث النبيّ صلى الله عليه و آله إلي الهجرة وإلي بعد الهجرة ؟
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : إنّنا لا ننكر فضل الصحابة وسوابقهم ... ولكنّنا ننكر تفضيل أحد من الصحابة علي علي بن أبي طالب، ولسنا ننكر غير ذلك، وننكر تعصّب الجاحظ للعثمانيّة، وقصده إلي فضائل هذا الرجل ومناقبه بالردّ والإبطال.
وأمّا حمزة فهو عندنا ذو فضل عظيم، ومقام جليل، وهو سيّدالشهداء الّذين استشهدوا علي عهد رسول الله صلى الله عليه و آله ، وأمّا فضل عمر فغير منكر، وكذلك الزبير وسعد، وليس فيما ذكر مايقتضي كون علي عليه السلام مفضولاً لهم أو لغيرهم، إلّا قوله: وكلّ هذه الفضائل لم يكن لعلي عليه السلام فيها ناقة ولا جمل، فإنّ هذا من التعصّب البارد، والحيف
ص:113
الفاحش، وقد قدّمنا من آثار علي عليه السلام قبل الهجرة وماله إذ ذاك من المناقب والخصائص ما هو أفضل وأعظم وأشرف من جميع ما ذكر لهؤلاء، علي أنّ أرباب السيرة يقولون: إنّ الشجّة الّتي شجّها سعد وإنّ السيف الّذي سلّه الزبير هو الّذي جلب الحصار في الشعب علي النبيّ صلى الله عليه و آله وبني هاشم، وهو الّذي سيّر جعفراً وأصحابه إلي الحبشة.
وسلّ السيف في الوقت الّذي لم يؤمر المسلمون فيه بسلّ السيف غير جائز، قال تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ 1 ، فتبيّن أنّ التكليف له أوقات، فمنها وقت لا يصلح فيه سلّ السيف، ومنها وقت يصلح فيه ويجب.
فأمّا قوله تعالي: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ 2 ، فقد ذكرنا ما عندنا من دعواهم لأبي بكر إنفاق المال، وأيضاً فإنّ الله تعالي لم يذكر إنفاق المال مفرداً، وإنّما قرن به القتال، ولم يكن أبوبكر صاحب قتال وحرب، فلا تشمله الآية.
وكان علي عليه السلام صاحب قتال وإنفاق قبل الفتح، أمّا قتاله فمعلوم بالضرورة، وأمّا إنفاقه فقد كان علي حسب حاله وفقره، وهو الّذي أطعم الطعام علي حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، واُنزلت فيه وفي زوجته وابنيه سورة كاملة من القرآن.
وهو الّذي ملك أربعة دراهم فأخرج منها درهماً سرّاً ودرهماً علانية ليلاً، ثمّ أخرج منها في النهار درهماً سرّاً ودرهماً علانية، فاُنزل فيه قوله تعالي: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً 3 .
وهو الّذي قدّم بين يدي نجواه صدقة دون المسلمين كافّة، وهو الّذي تصدّق بخاتمه
ص:114
وهو راكع، فأنزل الله فيه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ 1 .
قال الجاحظ : والحجّة العظمي للقائلين بتفضيل علي عليه السلام قتله الأقران، وخوضه الحرب، وليس له في ذلك كبير فضيلة؛ لأنّ كثرة القتل والمشي بالسيف إلي الأقران لو كان من أشدّ المحن وأعظم الفضائل وكان دليلاً علي الرئاسة والتقدّم؛ لوجب أن يكون للزبير وأبي دجانة ومحمّد بن مسلمة وابن عفراء والبراء بن مالك من الفضل ما ليس لرسول الله صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه لم يقتل بيده إلّا رجلاً واحداً، ولم يحضر الحرب يوم بدر، ولا خالط الصفوف، وإنّما كان معتزلاً عنهم في العريش ومعه أبوبكر، وأنت تري الرجل الشجاع قد يقتل الأقران، ويجندل الأبطال، وفوقه من العسكر من لا يقتل ولا يبارز، وهو الرئيس أو ذو الرأي، والمستشير في الحرب؛ لأنّ للرؤساء من الاكتراث والاهتمام وشغل البال والعناية والتفقّد ما ليس لغيرهم، ولأنّ الرئيس هو المخصوص بالمطالبة، وعليه مدار الاُمور، وبه يستبصر المقاتل، ويستنصر، وباسمه ينهزم العدوّ، ولو لم يكن له إلّا أنّ الجيش لو ثبت وفرّ هو، لم يغن ثبوت الجيش كلّه، وكانت الدبرة عليه، ولو ضيّع القوم جميعاً وحفظ هو لانتصر وكانت الدولة له، ولهذا لا يضاف النصر والهزيمة إلّا إليه، ففضل أبي بكر بمقامه في العريش مع رسول الله يوم بدر أعظم من جهاد علي عليه السلام ذلك اليوم؛ وقتله أبطال قريش.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : لقد اعطي أبوعثمان مقولاً، وحرم معقولاً؛ إن كان يقول هذا علي اعتقاد وجدّ، ولم يذهب به مذهب اللعب والهزل، أو علي طريق التفاصح والتشادق وإظهار القوّة، والسلاطة وذلاقة اللسان وحدّة الخاطر والقوّة علي جدال الخصوم.
أ لم يعلم أبوعثمان أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كان أشجع البشر، وأنّه خاض الحروب، وثبت في المواقف الّتي طاشت فيها الألباب، وبلغت القلوب الحناجر؟ فمنها يوم احد، ووقوفه
ص:115
بعد أن فرّ المسلمون بأجمعهم، ولم يبق معه إلّا أربعة: علي والزبير وطلحة وأبودجانة، فقاتل ورمي بالنبل حتّي فنيت نبله، وانكسرت سيّة قوسه، وانقطع وتره، فأمر عكّاشة بن محصن أن يوترها، فقال: يا رسول الله، لا يبلغ الوتر. فقال: أوتر ما بلغ.
قال عكّاشة: فوالّذي بعثه بالحقّ لقد أوترت حتّي بلغ، وطويت منه شبراً علي سيّة القوس. ثمّ أخذها فما زال يرميهم، حتّي نظرت إلي قوسه قد تحطّمت.
وبارز ابي بن خلف، فقال له أصحابه: إن شئت عطف عليه بعضنا! فأبي، وتناول الحربة من الحارث بن الصمّة ثمّ انتقض بأصحابه كما ينتقض البعير، قالوا: فتطايرنا عنه تطاير الشعارير، فطعنه بالحربة، فجعل يخور كما يخور الثور.
ولو لم يدلّ علي ثباته حين انهزم أصحابه وتركوه إلّا قوله تعالي: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ 1 ، فكونه عليه السلام في اخراهم وهم يصعدون ولا يلوون هاربين دليل علي أنّه ثبت ولم يفرّ.
وثبت يوم حنين في تسعة من أهله ورهطه الأدنين، وقد فرّ المسلمون كلّهم والنفر التسعة محدقون به: العبّاس آخذ بحكمة بغلته، وعلي بين يديه مصلت سيفه، والباقون حول بغلة رسول الله صلى الله عليه و آله يمنة ويسرة، وقد انهزم المهاجرون والأنصار، وكلّما فرّوا أقدم هو صلى الله عليه و آله وصمّم مستقدماً، يلقي السيوف والنبال بنحره وصدره، ثمّ أخذ كفّاً من البطحاء وحصب المشركين، وقال: شاهت الوجوه، والخبر المشهور عن علي عليه السلام ، وهو أشجع البشر: كنّا إذا اشتدّ البأس وحمي الوطيس اتّقينا برسول الله صلى الله عليه و آله ولذنا به. فكيف يقول الجاحظ : إنّه ما خاض الحرب، ولا خالط الصفوف ؟ وأي فرية أعظم من فرية من نسب رسول الله صلى الله عليه و آله إلي الإحجام واعتزال الحرب ؟
ثمّ أي مناسبة بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه و آله في هذا المعني ليقيسه وينسبه إلي رسول الله صلى الله عليه و آله صاحب الجيش والدعوة، ورئيس الإسلام والملّة، والملحوظ بين أصحابه وأعدائه
ص:116
بالسيادة، وإليه الإيماء والإشارة، وهو الّذي أحنق قريشاً والعرب، ووري أكبادهم بالبراءة من آلهتهم، وعيب دينهم وتضليل أسلافهم، ثمّ وترهم فيما بعد بقتل رؤسائهم وأكابرهم ؟ وحقّ لمثله إذا تنحّي عن الحرب واعتزلها أن يتنحّي ويعتزل؛ لأنّ ذلك شأن الملوك والرؤساء، إذا كان الجيش منوطاً بهم وببقائهم، فمتي هلك الملك هلك الجيش، ومتي سلم الملك أمكن أن يبقي عليه ملكه، وإن عطب جيشه فإنّه يستجدّ جيشاً آخر؛ ولذلك نهي الحكماء أن يباشر الملك الحرب بنفسه، وخطّأوا الإسكندر لمّا بارز قوسراً ملك الهند، ونسبوه إلي مجانبة الحكمة ومفارقة الصواب والحزم.
فليقل لنا الجاحظ : أي مدخل لأبي بكر في هذا المعني ؟ ومن الّذي كان يعرفه من أعداء الإسلام ليقصده بالقتل ؟ وهل هو إلّا واحد من عرض المهاجرين، حكمه حكم عبدالرحمان بن عوف وعثمان بن عفّان وغيرهما؟ بل كان عثمان أكثر منه صيتاً، وأشرف منه مركباً، والعيون إليه أطمح، والعدوّ إليه أحنق وأكلب.
ولو قتل أبوبكر في بعض تلك المعارك هل كان يؤثر قتله في الإسلام ضعفاً، أو يحدث فيه وهناً؟ أو يخاف علي الملّة لو قتل أبوبكر في بعض تلك الحروب أن تندرس وتعفّي آثارهم، وينطمس منارها؟ ليقول الجاحظ : إنّ أبابكر كان حكمه حكم رسول الله صلى الله عليه و آله في مجانبة الحروب واعتزالها! نغوذ بالله من الخذلان.
وقد علم العقلاء كلّهم ممّن له بالسير معرفة وبالآثار والأخبار ممارسة حال حروب رسول الله صلى الله عليه و آله كيف كانت، وحاله عليه السلام فيها كيف كان، ووقوفه حيث وقف، وحربه حيث حارب، وجلوسه في العريش يوم جلس، وإنّ وقوفه صلى الله عليه و آله وقوف رئاسة وتدبير، ووقوف ظهر وسند؛ يتعرّف امور أصحابه، ويحرس صغيرهم وكبيرهم بوقوفه من ورائهم، وتخلّفه عن التقدّم في أوائلهم، لأنّهم متي علموا أنّه في اخراهم اطمأنّت قلوبهم، ولم تتعلّق بأمره نفوسهم، فيشتغلوا بالاهتمام به عن عدوّهم، ولا يكون لهم فئة يلجئون إليها، وظهر يرجعون إليه، ويعلمون أنّه متي كان خلفهم تفقّد امورهم، وعلم مواقفهم، وآوي كلّ إنسان مكانه في الحماية والنكاية وعند المنازلة في الكرّ والحملة، فكان وقوفه حيث
ص:117
وقف أصلح لأمرهم، وأحمي وأحرس لبيضتهم؛ ولأنّه المطلوب من بينهم؛ إذ هو مدّبر امورهم، ووالي جماعتهم، ألا ترون أنّ موقف صاحب اللواء موقف شريف، وأنّ صلاح الحرب في وقوفه، وأنّ فضيلته في ترك التقدّم في أكثر حالاته؛ فللرئيس حالات:
الاُولي: حالة يتخلّف ويقف آخراً ليكون سنداً وقوّة، وردء وعدّة، وليتولّي تدبير الحرب، ويعرف مواضع الخلل.
والحالة الثانية: يتقدّم فيها في وسط الصفّ ليقوي الضعيف، ويشجّع الناكص.
وحالة ثالثة: وهي إذا اصطدم الفيلقان وتكافح السيفان اعتمد ما تقتضيه الحال من الوقوف حيث يستصلح، أو من مباشرة الحرب بنفسه، فإنّها آخر المنازل، وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموّه.
فأين مقام الرئاسة العظمي لرسول الله صلى الله عليه و آله ؟ وأين منزلة أبي بكر ليسوّي بين المنزلتين، ويناسب بين الحالتين ؟
ولو كان أبوبكر شريكاً لرسول الله صلى الله عليه و آله في الرسالة؛ وممنوحاً من الله بفضيلة النبوّة، وكانت قريش والعرب تطلبه كما تطلب محمّداً صلى الله عليه و آله ؛ وكان يدبّر من أمر الإسلام وتسريب العساكر وتجهيز السرايا؛ وقتل الأعداء؛ ما يدبّره محمّد صلى الله عليه و آله لكان للجاحظ أن يقول ذلك، فأمّا وحاله حاله، وهو أضعف المسلمين جناناً، وأقلّهم عند العرب ترة، لم يرم قطّ بسهم، ولا سلّ سيفاً، ولا أراق دماً، وهو أحد الأتباع، غير مشهور ولا معروف، ولا طالب ولا مطلوب، فكيف يجوز أن يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله صلى الله عليه و آله ومنزلته ؟! ولقد خرج ابنه عبدالرحمان مع المشركين يوم احد فرآه أبوبكر، فقام مغيظاً عليه، فسلّ من السيف مقدار أصبع، يريد البروز إليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله : يا أبابكر، شم سيفك وأمتعنا بنفسك، ولم يقل له: وأمتعنا بنفسك؛ إلّا لعلمه بأنّه ليس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال، وأنّه لو بارز لقتل.
وكيف يقول الجاحظ : لا فضيلة لمباشرة الحرب، ولقاء الأقران، وقتل أبطال الشرك ؟ وهل قامت عمد الإسلام إلّا علي ذلك ؟ وهل ثبت الدين واستقرّ إلّا بذلك ؟ أ تراه لم
ص:118
يسمع قول الله تعالي: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ 1 ؟ والمحبّة من الله تعالي هي إرادة الثواب، فكلّ من كان أشدّ ثبوتاً في هذا الصفّ وأعظم قتالاً كان أحبّ إلي الله، ومعني الأفضل هو الأكثر ثواباً، فعلي عليه السلام إذاً هو أحبّ المسلمين إلي الله؛ لأنّه أثبتهم قدماً في الصفّ المرصوص، لم يفرّ قطّ بإجماع الاُمّة، ولا بارزه قرن إلّا قتله.
أ تراه لم يسمع قول الله تعالي: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً 2 ، وقوله: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَ يُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ ؟ ثمّ قال سبحانه مؤكّداً لهذا البيع والشراء: وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 3 ، وقال الله تعالي: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ 4 .
فمواقف الناس في الجهاد علي أحوال، وبعضهم في ذلك أفضل من بعض، فمن دلف إلي الأقران واستقبل السيوف والأسنّة كان أثقل علي أكتاف الأعداء لشدّة نكايته فيهم ممّن وقف في المعركة؛ وأعان ولم يقدم، وكذلك من وقف في المعركة وأعان ولم يقدم، إلّا أنّه بحيث تناله السهام والنبل أعظم غناء، وأفضل ممّن وقف حيث لا يناله ذلك، ولو كان الضعيف والجبان يستحقّان الرئاسة بقلّة بسط الكفّ وترك الحرب؛ وأنّ ذلك يشاكل
ص:119
فعل النبيّ صلى الله عليه و آله ؛ لكان أوفر الناس حظّاً في الرئاسة وأشدّهم لها استحقاقاً حسّان بن ثابت، وإن بطل فضل علي عليه السلام في الجهاد؛ لأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان أقلّهم قتالاً، كما زعم الجاحظ ليبطلنّ علي هذا القياس فضل أبي بكر في الإنفاق؛ لأنّ رسول الله صلى الله عليه و آله كان أقلّهم مالاً!
وأنت إذا تأمّلت أمر العرب وقريش؛ ونظرت السير وقرأت الأخبار؛ عرفت أنّها كانت تطلب محمدّاً صلى الله عليه و آله وتقصد قصده، وتروم قتله، فإن أعجزها وفاتها طلبت عليّاً عليه السلام ، وأرادت قتله؛ لأنّه كان أشبههم بالرسول حالاً، وأقربهم منه قرباً، وأشدّهم عنه دفعاً، وأنّهم متي قصدوا عليّاً فقتلوه أضعفوا أمر محمّد صلى الله عليه و آله وكسروا شوكته، إذ كان أعلي من ينصره في البأس والقوّة والشجاعة والنجدة والإقدام والبسالة.
ألا تري إلي قول عتبة بن ربيعة يوم بدر، وقد خرج هو وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، فأخرج إليه الرسول نفراً من الأنصار، فاستنسبوهم، فانتسبوا لهم، فقالوا: ارجعوا إلي قومكم. ثمّ نادوا: يا محمّد، أخرج إلينا أكفانا من قومنا. فقال النبيّ صلى الله عليه و آله لأهله الأدنين: قوموا يا بني هاشم، فانصروا حقّكم الّذي آتاكم الله علي باطل هؤلاء، قم يا علي، قم يا حمزة، قم يا عبيدة.
ألا تري ما جعلت هند بنت عتبة لمن قتله يوم احد؛ لأنّه اشترك هو وحمزة في قتل أبيها يوم بدر، أ لم تسمع قول هند ترثي أهلها:
ما كان عن عتبة لي من صبر أبي وعمّي وشقيق صدري
أخي الّذي كان كضوء البدر بهم كسرت يا علي ظهري
وذلك لأنّه قتل أخاها الوليد بن عتبة، وشرك في قتل أبيها عتبة، وأمّا عمّها شيبة فإنّ حمزة تفرّد بقتله.
وقال جبير بن مطعم لوحشي مولاه يوم احد: إن قتلت محمّداً فأنت حرّ، وإن قتلت عليّاً فأنت حُرّ، وإن قتلت حمزة فأنت حرّ. فقال: أمّا محمّد فسيمنعه أصحابه، وأمّا علي فرجل حذر كثير الالتفات في الحرب، ولكنّي سأقتل حمزة. فقعد له وزرقه بالحربة فقتله.
ولما قلنا من مقاربة حال علي عليه السلام في هذا الباب لحال رسول الله صلى الله عليه و آله ومناسبتها إيّاها ما
ص:120
وجدناه في السير والأخبار، من إشفاق رسول الله صلى الله عليه و آله وحذره عليه، ودعائه له بالحفظ والسلامة، قال صلى الله عليه و آله يوم الخندق، وقد برز علي إلي عمرو، ورفع يديه إلي السماء بمحضر من أصحابه: اللهمّ إنّك أخذت منّي حمزة يوم احد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم علي عليّاً: وَ زَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ 1 .
ولذلك ضنّ به عن مبارزة عمرو حين دعا عمرو الناس إلي نفسه مراراً، في كلّها يحجمون ويقدم علي، فيسأل الإذن له في البراز حتّي قال له رسول الله صلى الله عليه و آله : إنّه عمرو! فقال: وأنا علي. فأدناه وقبّله وعمّمه بعمامته، وخرج معه خطوات كالمودّع له، القلق لحاله، المنتظر لما يكون منه، ثمّ لم يزل صلى الله عليه و آله رافعاً يديه إلي السماء، مستقبلاً لها بوجهه، والمسلمون صموت حوله؛ كأنّما علي رؤوسهم الطير، حتّي ثارت الغبرة، وسمعوا التكبير من تحتها، فعلموا أنّ عليّاً قتل عمراً، فكّبر رسول الله صلى الله عليه و آله وكبّر المسلمون تكبيرة سمعها من وراء الخندق من عساكر المشركين، ولذلك قال حذيفة بن اليمان: لو قسمت فضيلة علي عليه السلام بقتل عمرو يوم الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم. وقال ابن عبّاس في قوله تعالي: وَ كَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ 2 , قال: بعلي بن أبي طالب.
قال الجاحظ : علي أنّ مشي الشجاع بالسيف إلي الأقران ليس علي ما توهّمه من لا يعلم باطن الأمر، لأنّ معه في حال مشيه إلي الأقران بالسيف اموراً اخري لا يبصرها الناس، وإنّما يقضون علي ظاهر ما يرون من إقدامه وشجاعته، فربّما كان سبب ذلك الهوج، وربّما كان الغرارة والحداثة، وربّما كان الإحراج والحميّة، وربّما كان لمحبّة النفخ والاُحدوثة، وربّما كان طباعاً كطباع القاسي والرحيم والسخي والبخيل.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : فيقال للجاحظ : فعلي أيّها كان مشي علي بن أبي طالب إلي الأقران بالسيف ؟ فأيّما قلت من ذلك بانت عداوتك لله تعالي ولرسوله، وإن كان مشيه
ص:121
ليس علي وجه ممّا ذكرت؛ وإنّما كان علي وجه النصرة والقصد إلي المسابقة إلي ثواب الآخرة؛ والجهاد في سبيل الله؛ وإعزاز الدين؛ كنت بجميع ما قلت معانداً، وعن سبيل الإنصاف خارجاً، وفي إمام المسلمين طاعناً، وإن تطرّق مثل هذا الوهم علي علي عليه السلام ليتطرّقنّ مثله علي أعيان المهاجرين والأنصار أرباب الجهاد والقتال، الّذين نصروا رسول الله صلى الله عليه و آله بأنفسهم، ووقوه بمهجهم، وفدوه بأبنائهم وآبائهم، فلعلّ ذلك كان لعلّة من العلل المذكورة، وفي ذلك الطعن في الدين، وفي جماعة المسلمين.
ولو جاز أن يتوهّم هذا في علي عليه السلام وفي غيره لما قال رسول الله صلى الله عليه و آله حكاية عن الله تعالي لأهل بدر: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، ولا قال لعلي عليه السلام : برز الإيمان كلّه إلي الشرك كلّه ... .
وقد علمنا ضرورة من دين الرسول صلى الله عليه و آله تعظيمه لعلي عليه السلام تعظيماً دينيّاً، لأجل جهاده ونصرته، فالطاعن فيه طاعن في رسول الله صلى الله عليه و آله ؛ إذ زعم أنّه قد يمكن أن يكون جهاده لا لوجه الله تعالي؛ بل لأمر آخر من الاُمور الّتي عدّدها، وبعثه علي التفوّه بها إغواء الشيطان وكيده، والإفراط في عداوة من أمر الله بمحبّته، ونهي عن بغضه وعداوته.
أ تري رسول الله صلى الله عليه و آله خفي عليه من أمر علي عليه السلام ما لاح للجاحظ والعثمانيّة فمدحه وهو غير مستحقّ للمدح ؟ ... .
قال الجاحظ : ووجه آخر أنّ عليّاً لو كان كما يزعم شيعته، ما كان له بقتل الأقران كبير فضيلة، ولا عظيم طاعة، لأنّه قد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال له: ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين. فإذا كان قد وعده بالبقاء بعده فقد وثق بالسلامة من الأقران، وعلم أنّه منصور عليهم وقاتلهم، فعلي هذا يكون جهاد طلحة والزبير أعظم طاعة منه.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : هذا راجع علي الجاحظ في النبيّ صلى الله عليه و آله ، لأنّ الله تعالي قال له: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ 1 ، فلم يكن له في جهاده كبير طاعة، وكثير طاعة، وكثير
ص:122
من الناس يروي عنه صلى الله عليه و آله : اقتدوا بالّذين من بعدي أبي بكر وعمر. فوجب أن يبطل جهادهما، وقد قال للزبير: ستقاتل عليّاً، وأنت ظالم له، فأشعره بذلك أنّه لا يموت في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله ، وقال في الكتاب العزيز لطلحة: وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ 1 قالوا: نزلت في طلحة، فأعلمه بذلك أنّه يبقي بعده، فوجب ألّا يكون لهما كبير ثواب في الجهاد، والّذي صحّ عندنا من الخبر وهو قوله: ستقاتل بعدي الناكثين. أنّه قال لمّا وضعت الحرب أوزارها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ووضعت الجزية، ودانت العرب قاطبة.
قال الجاحظ : ثمّ قصد الناصرون لعلي والقائلون بتفضيله إلي الأقران الّذين قتلهم فأطروهم وغلوا فيهم، وليسوا هناك! فمنهم عمرو بن عبدودّ تركتموه أشجع من عامر بن الطفيل وعتبة بن الحارث وبسطام بن قيس، وقد سمعنا بأحاديث حروب الفجار وما كان بين قريش ودوس وحلف الفضول، فما سمعت لعمرو بن عبدودّ ذكراً في ذلك.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمر عمرو بن عبدودّ أشهر وأكثر من أن يحتجّ له، فلنتلمّح كتب المغازي والسير ولينظر ما رثته به شعراء قريش لمّا قتل، فمن ذلك ما ذكره محمّد بن إسحاق في مغازيه، قال: وقال مسافع بن عبدمناف بن زهرة بن حذافة بن جمح يبكي عمرو بن عبدالله بن عبدودّ حين قتله علي بن أبي طالب عليه السلام مبارزة لمّا جزع المذاد، أي قطع الخندق.
عمرو بن عبد كان أوّل فارس جزع المذاد وكان فارس مليل
سمح الخلائق ماجد ذو مرّة يبغي القتال بشكّة لم ينكل
ولقد علمتم حين ولّوا عنكم أنّ ابن عبد منهم لم يعجل
حتّي تكنّفه الكماة وكلّهم يبغي القتال له وليس بمؤتل
ص:123
ولقد تكنّفت الفوارس فارساً بجنوب سلع غير نكس أميل
سال النزال هناك فارس غالب بجنوب سلع ليته لم ينزل
فاذهب علي ما ظفرت بمثلها فخراً ولو لاقيت مثل المعضل
نفسي الفداء لفارس من غالب لاقي حمام الموت لم يتحلحل
أعني الّذي جزع المذاد ولم يكن فشلاً وليس لدي الحروب بزمّل
وقال هبيرة بن أبي وهب المخزومي، يعتذر من فراره عن علي بن أبي طالب، وتركه عمراً يوم الخندق ويبكيه:
لعمرك ما ولّيت ظهري محمّداً وأصحابه جبناً ولا خيفة القتل
ولكنّني قلّبت أمري فلم أجد لسيفي غناء إن وقفت ولا نبلي
وقفت فلمّا لم أجد لي مقدّماً صدرت كضرغام هزبر إلي شبل
ثني عطفه عن قرنه حين لم يجد مجالاً وكان الحزم والرأي من فعلي
فلا تبعدن يا عمرو حيّاً وهالكاً فقد متّ محمود الثنا ماجد الفعل
ولا تبعدن يا عمرو حيّاً وهالكاً فقد كنت في حرب العدا مرهف النصل
فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا وللبذل يوماً عند قرقرة البزل
هنالك لو كان ابن عمرو لزارها وفرّجها عنهم فتي غير ما وغل
كفتك علي لن تري مثل موقف وقفت علي شلو المقدّم كالفحل
فما ظفرت كفّاك يوماً بمثلها أمنت بها ما عشت من زلّة النعل
وقال هبيرة بن أبي وهب أيضاً، يرثي عمراً ويبكيه:
لقد علمت عليا لؤي بن غالب لفارسها عمرو إذا ناب نائب
وفارسها عمرو إذا ما يسوقه علي وإنّ الموت لا شكّ طالب
ص:124
عشيّة يدعوه علي وإنّه لفارسها إذ خام عنه الكتائب
فيا لهف نفسي إنّ عمراً لكائن بيثرب لا زالت هناك المصائب
لقد أحرز العليا علي بقتله وللخير يوماً لا محالة جالب
وقال حسّان بن ثابت الأنصاري يذكر عمراً:
أمسي الفتي عمرو بن عبد ناظراً كيف العبور وليته لم ينظر
ولقد وجدت سيوفنا مشهورة ولقد وجدت جيادنا لم تقصر
ولقد لقيت غداة بدر عصبة ضربوك ضرباً غير ضرب الحسّر
أصبحت لا تدعي ليوم عظيمة يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
وقال حسّان أيضاً:
لقد شقيت بنوجمح بن عمرو ومخزوم وتيم ما نقيل
وعمرو كالحسام فتي قريش كأنّ جبينه سيف صقيل
فتي من نسل عامر أريحي تطاوله الأسنّة والنصول
دعاه الفارس المقدام لمّا تكشّفت المقانب والخيول
أبوحسن فقنّعه حساماً جرازاً لا أفلّ ولا نكول
فغادره مكبّاً مسلحبّاً علي عفراء لا بعد القتيل
فهذه الأشعار فيه بل بعض ما قيل فيه.
وأمّا الآثار والأخبار فموجودة في كتب السير وأيّام الفرسان ووقائعهم، وليس أحد من أرباب هذا العلم يذكر عمراً إلّا قال: كان فارس قريش وشجاعها. وإنّما قال له حسّان:
ولقد لقيت غداة بدر عصبة
ص:125
لأنّه شهد مع المشركين بدراً، وقتل قوماً من المسلمين، ثمّ فرّ مع من فرّ، ولحق بمكّة، وهو الّذي كان قال وعاهد الله عند الكعبة ألّا يدعوه أحد إلي واحدة من ثلاث إلّا أجابه، وآثاره في أيّام الفجار مشهورة تنطق بها كتب الأيّام والوقائع، ولكنّه لم يذكر مع الفرسان الثلاثة وهم: عتبة وبسطام وعامر، لأنّهم كانوا أصحاب غارات ونهب، وأهل بادية، وقريش أهل مدينة وساكنو مدر وحجر، لا يرون الغارات، ولا ينهبون غيرهم من العرب، وهم مقتصرون علي المقام ببلدتهم وحماية حرمهم؛ فلذلك لم يشتهر اسمه كاشتهار هؤلاء.
ويقال له: إذا كان عمرو كما تذكر ليس هناك، فما باله لما جزع الخندق في ستّة فرسان هو أحدهم، فصار مع أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله علي أرض واحدة، وهم ثلاثة آلاف، ودعاهم إلي البراز مراراً لم ينتدب أحد منهم للخروج إليه، ولا سمح منهم أحد بنفسه، حتّي وبخّهم وقرّعهم، وناداهم: أ لستم تزعمون أنّه من قتل منّا فإلي النار، ومن قتل منكم فإلي الجنّة ؟ أ فلا يشتاق أحدكم إلي أن يذهب إلي الجنّة، أو يقدّم عدوّه إلي النار؟ فجبنوا كلّهم ونكلوا، وملكهم الرعب والوهل، فإمّا أن يكون هذا أشجع الناس كما قيل عنه، أو يكون المسلمون كلّهم أجبن العرب وأذلّهم وأفشلهم!
وقد روي الناس كلّهم الشعر الّذي أنشده لمّا نكل القوم بجمعهم عنه، وأنّه جال بفرسه واستدار وذهب يمنة، ثمّ ذهب يسرة، ثمّ وقف تجاه القوم، فقال:
ولقد بححت من الندا ء بجمعهم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المشيّع وقفة القرن المناجز
وكذاك أنّي لم أزل متسرّعاً نحو الهزاهز
إنّ الشجاعة في الفتي والجود من خير الغرائز
فلمّا برز إليه علي أجابه، فقال له:
ص:126
لا تعجلنّ فقد أتا ك مجيب صوتك غير عاجز
ذو نيّة وبصيرة يرجو الغداة نجاة فائز
إنّي لأرجو أن اق - يم عليك نائحة الجنائز
من ضربة تفني ويب - -قي ذكرها عند الهزاهز
ولعمري لقد سبق الجاحظ بما قاله بعض جهّال الأنصاري، لمّا رجع رسول الله من بدر، وقال فتي من الأنصار شهد معه بدراً: إن قتلنا إلّا عجائز صُلعا! فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : لا تقل ذلك يا ابن أخ، اولئك الملأ ... .
قال الجاحظ : وقد ثبت أبوبكر مع النبيّ صلى الله عليه و آله يوم احد، كما ثبت علي، فلا فخر لأحدهما علي صاحبه في ذلك اليوم.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمّا ثباته يوم احد فأكثر المؤرّخين وأرباب السير ينكرونه، وجمهورهم يروي أنّه لم يبق مع النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا علي وطلحة والزبير وأبودجانة، وقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: ولهم خامس، وهو عبدالله بن مسعود، ومنهم من أثبت سادساً، وهو المقداد بن عمرو، وروي يحيي بن سلمة بن كهيل قال: قلت لأبي: كم ثبت مع رسول الله صلى الله عليه و آله يوم احد؟ فقال: اثنان. قلت: من هما؟ قال: علي وأبودجانة.
وهب أنّ أبابكر ثبت يوم احد كما يدّعيه الجاحظ ، أ يجوز له أن يقول: ثبت كما ثبت علي، فلا فخر لأحدهما علي الآخر؟ وهو يعلم آثار علي عليه السلام ذلك اليوم، وأنّه قتل أصحاب الألوية من بني عبدالدار؛ منهم طلحة بن أبي طلحة، الّذي رأي رسول الله صلى الله عليه و آله في منامه أنّه مردف كبشاً، فأوّله وقال: كبش الكتيبة نقتله. فلمّا قتله علي عليه السلام مبارزة - وهو أوّل قتيل قتل من المشركين ذلك اليوم - كبّر رسول الله صلى الله عليه و آله ، وقال: هذا كبش الكتيبة.
وما كان منه من المحاماة عن رسول الله صلى الله عليه و آله ، وقد فرّ الناس وأسلموه، فتصمد له كتيبة من قريش، فيقول: يا علي، اكفني هذه. فيحمل عليها فيهزمها، ويقتل عميدها،
ص:127
حتّي سمع المسلمون والمشركون صوتاً من قبل السماء:
لا سيف إلّا ذوالفقا رِ ولا فتي إلّا علي
وحتّي قال النبيّ صلى الله عليه و آله عن جبرائيل ما قال.
أ تكون هذه آثاره وأفعاله، ثمّ يقول الجاحظ : لا فخر لأحدهما علي صاحبه ؟!
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ 1 .
قال الجاحظ : ولأبي بكر في ذلك اليوم مقام مشهور، خرج ابنه عبدالرحمان فارساً مكفّراً في الحديد، يسأل المبارزة، ويقول: أنا عبدالرحمان بن عتيق! فنهض إليه أبوبكر يسعي بسيفه، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : شم سيفك وارجع إلي مكانك، ومتّعنا بنفسك.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : ما كان أغناك يا أباعثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لأبي بكر، فإنّه لو تسمعه الإماميّة لأضافته إلي ما عندها من المثالب، لأنّ قول النبيّ صلى الله عليه و آله : «ارجع» دليل علي أنّه لا يحتمل مبارزة أحد، لأنّه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه، وأنت تعلم حنّو الابن علي الأب وتبجيله له، وإشفاقه عليه وكفّه عنه، لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي.
وقوله له: «ومتّعنا بنفسك»، إيذان له بأنّه كان يقتل لو خرج، ورسول الله كان أعرف به من الجاحظ ، فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الّذي صلي بالحرب، ومشي إلي السيف بالسيف، فقتل السادة والقادة والفرسان والرجّالة ؟!
قال الجاحظ : علي أنّ أبابكر وإن لم تكن آثاره في الحرب كآثار غيره، فقد بذل الجهد، وفعل ما يستطيعه وتبلغه قوّته، وإذا بذل المجهود فلا حال أشرف من حاله.
قال شيخنا أبوجعفر رحمه الله : أمّا قوله: «إنّه بذل الجهد»، فقد صدق، وأمّا قوله: «لا حال أشرف من حاله»، فخطأ؛ لأنّ حال من بلغت قوّته فأعملها في قتل المشركين أشرف من حال من نقصت قوّته عن بلوغ الغاية، أ لا تري أنّ حال الرجل أشرف في الجهاد من
ص:128
حال المرأة، وحال البالغ الأيّد أشرف من حال الصبي الضعيف ؟ (1)
17640. الأنباري :
إذا ما ذكرنا من علي فضيلة رمونا لها جهلاً بشتم أبي بكر (2)
ستأتي روايته مع رواية أبي عبدالله بن الجهم.
17641. ابن أبي الحديد : كان [أبوسهل] بشر بن المعتمر من قدماء شيوخنا - رحمه الله تعالي - يقول بتفضيل علي عليه السلام ، ويقول: كان أشجعهم وأسخاهم. ومنه سري القول بالتفضيل إلي أصحابنا البغداديّين قاطبة، وفي كثير من البصريّين. (3)
17642. عبدالله بن أحمد : حدّثنا أبوصالح الحكم بن موسي، حدّثنا شهاب بن خراش، حدّثنا الحجّاج بن دينار، عن حصين بن عبدالرحمان، عن أبي جحيفة، قال:
كنت أري أنّ عليّاً أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم . (4)
17643. ابن أبي الحديد : قال البغداديّون قاطبة، قدماؤهم ومتأخّروهم، كأبي سهل
ص:129
بشر بن المعتمر، وأبي موسي عيسي بن صبيح، وأبي عبدالله جعفر بن مبشّر، وأبي جعفر الإسكافي، وأبي الحسين الخيّاط ، وأبي القاسم عبدالله بن محمود البلخي وتلامذته: إنّ عليّاً عليه السلام أفضل من أبي بكر.
وإلي هذا المذهب ذهب من البصريّين أبوعلي محمّد بن عبدالوهّاب الجبائي أخيراً، وكان من قبل من المتوقّفين، كان يميل إلي التفضيل ولا يصرّح به، وإذا صنّف ذهب إلي الوقف في مصنّفاته، وقال في كثير من تصانيفه: إن صحّ خبر الطائر فعلي أفضل.
ثمّ إنّ قاضي القضاة رحمه الله ذكر في شرح المقالات لأبي القاسم البلخي أنّ أباعلي رحمه الله ما مات حتّي قال بتفضيل علي عليه السلام ، وقال: إنّه نقل ذلك عنه سماعاً ولم يوجد في شيء من مصنّفاته.
وقال أيضاً: إنّ أباعلي رحمه الله يوم مات استدني ابنه أباهاشم إليه - وكان قد ضعف عن رفع الصوت - ، فألقي إليه أشياء، من جملتها القول بتفضيل علي عليه السلام .
ومّمن ذهب من البصريّين إلي تفضيله عليه السلام الشيخ أبوعبدالله الحسين بن علي البصري رضي الله عنه ، كان متحقّقاً بتفضيله، ومبالغاً في ذلك، وصنّف فيه كتاباً مفرداً.
وممّن ذهب إلي تفضيله عليه السلام من البصريّين قاضي القضاة أبوالحسن عبدالجبّار بن أحمد رحمه الله ، ذكر ابن متّويه عنه في كتاب الكفاية في علم الكلام أنّه كان من المتوقّفين بين علي عليه السلام وأبي بكر، ثمّ قطع علي تفضيل علي عليه السلام بكامل المنزلة.
ومن البصريّين الذاهبين إلي تفضيله عليه السلام أبومحمّد الحسن بن متّويه صاحب التذكرة، نصّ في كتاب الكفاية علي تفضيله عليه السلام علي أبي بكر واحتجّ لذلك، وأطال في الاحتجاج ... .
وأمّا نحن فنذهب إلي ما يذهب إليه شيوخنا البغداديّون من تفضيله عليه السلام ، وقد ذكرنا في كتبنا الكلاميّة ما معني الأفضل، وهل المراد به الأكثر ثواباً أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة، وبيّنا أنّه عليه السلام أفضل علي التفسيرين معاً، وليس هذا الكتاب موضوعاً لذكر الحجاج في ذلك أو في غيره من المباحث الكلاميّة لنذكره، ولهذا موضع هو أملك به. (1)
17644
ص:130
.ابن أبي الحديد : كان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة؛ لأنّهم سلكوا طريقة مقتصدة، قالوا: هو أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنّة، وأفضل الخلق في الدنيا، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب، وكلّ من عاداه أو حاربه أو أبغضه فإنّه عدوّ لله سبحانه وخالد في النار مع الكفّار والمنافقين، إلّا أن يكون ممّن قد ثبتت توبته، ومات علي تولّيه وحبّه.
فأمّا الأفاضل من المهاجرين والأنصار الّذين ولوا الإمامة قبله فلو أنّه أنكر إمامتهم وغضب عليهم، وسخط فعلهم، فضلاً عن أن يشهر عليهم السيف، أو يدعو إلي نفسه، لقلنا: إنّهم من الهالكين، كما لو غضب عليهم رسول الله صلى الله عليه و آله ، لأنّه قد ثبت أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال له: حربك حربي، وسلمك سلمي. وأنّه قال: اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه. وقال له: لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق. ولكنّا رأيناه رضي إمامتهم وبايعهم وصلّي خلفهم وأنكحهم وأكل من فيئهم، فلم يكن لنا أن نتعدّي فعله، ولا نتجاوز ما اشتهر عنه، ألا تري أنّه لمّا برئ من معاوية برئنا منه، ولمّا لعنه لعنّاه، ولمّا حكم بضلال أهل الشام ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كعمرو بن العاص وعبدالله ابنه وغيرهما حكمنا أيضاً بضلالهم ؟
والحاصل أنّا لم نجعل بينه وبين النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا رتبة النبوّة، وأعطيناه كلّ ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه، ولم نطعن في أكابر الصحابة الّذين لم يصحّ عندنا أنّه طعن فيهم، وعاملناهم بما عاملهم عليه السلام به.
والقول بالتفضيل قول قديم، قد قال به كثير من الصحابة والتابعين، فمن الصحابة عمّار والمقداد وأبوذرّ وسلمان وجابر بن عبدالله واُبي بن كعب وحذيفة وبريدة وأبوأيّوب وسهل بن حنيف وعثمان بن حنيف وأبوالهيثم بن التيّهان وخزيمة بن ثابت وأبوالطفيل عامر بن واثلة والعبّاس بن عبدالمطّلب وبنوه، وبنوهاشم كافّة، وبنوالمطّلب كافّة.
وكان الزبير من القائلين به في بدء الأمر ثمّ رجع، وكان من بني اُميّة قوم يقولون
ص:131
بذلك، منهم خالد بن سعيد بن العاص، ومنهم عمر بن عبدالعزيز ... .
فأمّا من قال بتفضيله علي الناس كافّة من التابعين فخلق كثير؛ كاُويس القرني وزيد بن صوحان، وصعصعة أخيه، وجندب الخير، وعبيدة السلماني وغيرهم ممّن لا يحصي كثرة ... . (1)
17645. ابن أبي الحديد : جري في مجلس بعض الأكابر وأنا حاضر القول في أنّ عليّاً عليه السلام شرف بفاطمة عليها السلام ، فقال إنسان كان حاضر المجلس: بل فاطمة عليها السلام شرفت به. وخاض الحاضرون في ذلك بعد إنكارهم تلك اللفظة، وسألني صاحب المجلس أن أذكر ما عندي في المعني وأن اوضّح أيّهما أفضل ؟ علي أم فاطمة ؟ فقلت: أمّا أيّهما أفضل، فإن اريد بالأفضل الأجمع للمناقب الّتي تتفاضل بها الناس، نحو العلم والشجاعة ونحو ذلك، فعلي أفضل.
وإن اريد بالأفضل الأرفع منزلة عند الله؛ فالّذي استقرّ عليه رأي المتأخّرين من أصحابنا أنّ عليّاً أرفع المسلمين كافّة عند الله تعالي بعد رسول الله صلى الله عليه و آله من الذكور والإناث، وفاطمة امرأة من المسلمين، وإن كانت سيّدة نساء العالمين، ويدلّ علي ذلك أنّه قد ثبت أنّه أحبّ الخلق إلي الله تعالي بحديث الطائر، وفاطمة من الخلق، وأحبّ الخلق إليه سبحانه أعظمهم ثواباً يوم القيامة، علي ما فسّره المحقّقون من أهل الكلام.
وإن اريد بالأفضل الأشرف نسباً، ففاطمة أفضل؛ لأنّ أباها سيّد ولد آدم من الأوّلين والآخرين، فليس في آباء علي عليه السلام مثله ولا مقارنه.
وإن اريد بالأفضل من كان رسول الله صلى الله عليه و آله أشدّ عليه حنوّاً وأمسّ به رحماً، ففاطمة أفضل؛ لأنّها ابنته، وكان شديد الحبّ لها والحنوّ عليها جدّاً، وهي أقرب إليه نسباً من ابن العمّ ، لا شبهة في ذلك.
فأمّا القول في أنّ عليّاً شرف بها أو شرفت به، فإنّ عليّاً عليه السلام كانت أسباب شرفه وتميّزه علي الناس متنوّعة، فمنها ما هو متعلّق بفاطمة عليها السلام ، ومنها ما هو متعلّق بأبيها
ص:132
- صلوات الله عليه - ، ومنها ما هو مستقلّ بنفسه.
فأمّا الّذي هو مستقلّ بنفسه فنحو شجاعته وعفّته وحلمه وقناعته وسجاحة أخلاقه وسماحة نفسه، وأمّا الّذي هو متعلّق برسول الله صلى الله عليه و آله فنحو علمه ودينه وزهده وعبادته وسبقه إلي الإسلام وإخباره بالغيوب ... . (1)
17646. ابن أبي الحديد : روي الواقدي، قال: سئل الحسن عن علي عليه السلام - وكان يظنّ به الانحراف عنه، ولم يكن كما يظنّ - فقال: ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع: ائتمانه علي براءة، وما قال له الرسول في غزاة تبوك، فلو كان غير النبوّة شيء يفوته لاستثناه، وقول النبيّ صلى الله عليه و آله : الثقلان: كتاب الله وعترتي. وإنّه لم يؤمّر عليه أمير قطّ وقد امّرت الاُمراء علي غيره.
وروي أبان بن عيّاش، قال: سألت الحسن البصري عن علي عليه السلام ، فقال: ما أقول فيه! كانت له السابقة والفضل والعلم والحكمة والفقه والرأي والصحبة والنجدة والبلاء والزهد والقضاء والقرابة، إنّ عليّاً كان في أمره عليّاً، رحم الله عليّاً، وصلّي عليه.
فقلت: يا أباسعيد، أ تقول: صلّي عليه لغير النبي ؟! فقال: ترحّم علي المسلمين إذا ذكروا، وصلّ علي النبيّ وآله وعلي خير آله.
فقلت: أ هو خير من حمزة وجعفر؟ قال: نعم.
قلت: وخير من فاطمة وابنيها؟ قال: نعم، والله إنّه خير آل محمّد كلّهم، ومن يشكّ أنّه خير منهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله : وأبوهما خير منهما؟ ولم يجر عليه اسم شرك، ولا شرب خمر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله لفاطمة عليها السلام : زوّجتك خير امّتي. فلو كان في امّته خير منه لاستثناه، ولقد آخي رسول الله صلى الله عليه و آله بين أصحابه، فآخي بين علي ونفسه، فرسول الله صلى الله عليه و آله خير الناس نفساً، وخيرهم أخاً.
ص:133
فقلت: يا أباسعيد، فما هذا الّذي يقال عنك إنّك قلته في علي ؟ فقال: يا ابن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة، ولولا ذلك لشالت بي الخشب. (1)
17647. الرمّاني : إنّ عليّاً رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم . (2)
17648. اب ي النرسي : أخبرنا الشريف أبوعبدالله محمّد بن علي بن الحسن بن عبدالرحمان العلوي، أخبرنا أبوالحسن علي بن عبدالرحمان بن أبي السري البكّائي، حدّثنا الحسن بن الطيّب البلخي، حدّثنا إسماعيل بن موسي الفزاري، أخبرنا عمرو بن عبدالغفّار، عن حسين بن زيد، حدّثني سالم مولي أبي الحسين، قال:
كنت جالساً مع أبي الحسين زيد بن علي ومعه ناس من قريش ومن بني هاشم وبني مخزوم، فتذاكروا أبابكر وعمر، فكأنّ المخزوميّين قدّموا أبابكر وعمر، وزيد ساكت لا يقول لهم شيئاً، ثمّ قاموا فتفرّقوا، فعادوا بالعشي إلي مجلسهم، فقال زيد بن علي: إنّي سمعت مقالتكم وإنّي قلت في ذلك كلمات فاسمعوهنّ . ثمّ أنشد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب:
ومن فضّل الأقوام يوماً برأيهم فإنّ عليّاً فضّلته المناقب
وقول رسول الله والحقّ قوله وإن رغمت فيه الاُنوف الكواذب
بأنّك منّي يا علي مغالباً كهارون من موسي أخ لي وصاحب
ص:134
دعاه ببدر فاستجاب لأمره فبادر في ذات الإله يضارب
فما زال يعلوهم به وكأنّه شهاب تثني بالقوائم ثاقب (1)
17649. عبدالرزّاق : قال معمر مرّة وأنا مستقبله وتبسّم وليس معنا أحد، قلت: ما شأنك ؟ قال: عجبت من أهل الكوفة، كأنّ الكوفة إنّما بنيت علي حبّ علي، ما كلّمت أحداً منهم إلّا وجدت المقتصد منهم الّذي يفضّل عليّاً علي أبي بكر وعمر، منهم سفيان الثوري!
فقلت لمعمر: ورأيته كأنّي أعظمت ذاك! فقال معمر: وما ذاك ؟ لو أنّ رجلاً قال: علي أفضل عندي منهما ما عنّفته إذا ذكر فضلهما، إذا قال: عندي ... .
فذكرت ذلك لوكيع بن الجرّاح ونحن خاليين فاشتلهاها (2) أبوسفيان وضحك وقال: لم يكن سفيان يبلغ بنا هذا الحدّ، ولكنّه أفضي إلي معمر ما لم يفض إلينا.
وكنت أقول لسفيان: يا أباعبدالله، أ رأيت إن فضّلنا عليّاً علي أبي بكر وعمر ما تقول في ذلك ؟ فسكت ساعة ثمّ يقول: أخشي أن يكون ذلك طعناً علي أبي بكر وعمر، ولكنّا نقف. (3)
17650. معتمر بن سليمان : سمعت أبي [سليمان بن طرخان] يقول: فضل علي بن أبي طالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم بمئة منقبة، وشاركهم في مناقبهم ... . (4)
ص:135
17651. القاضي عبدالجبّار : وأمّا تفضيل أميرالمؤمنين عليه السلام فمروي عن الزبير وحذيفة بن اليمان وجابر بن عبدالله وعمّار وسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعن طبقة من التابعين ومن بعدهم كمجاهد وعطاء وسلمة بن كهيل والحكم ... .
قد ثبت في الأبواب المتقدّمة الوجوه الّتي تقع فيها ويستحقّ بها المدح، وبيّنا أنّ من ذلك ما لا يتعلّق بفعله وقدرته كالنسب والغني والعقل وغير ذلك، فلا وجه لتفصيله الآن؛ لأنّ الغرض بيان ما يدور بين من ذكرنا اختلافهم في هذا الباب، والمعلوم أنّهم لا يريدون بالتفضيل ما قدّمناه، وإنّما عنوا في باب الدين الّذي يرجع إلي كثرة الثواب ومزيّته علي ثواب غيره، فإذا قلنا: زيد فاضل، فالمراد به أنّه يستحقّ من الثواب قدراً كثيراً؛ لأنّ من يستحقّ القليل من ذلك بأنّه مؤمن مسلم ولا يقال فاضل ويوصف بأنّه أفضل من غيره إذا تساويا في استحقاق الثواب، ولأحدهما مزيّة في قدر الثواب، وهذا هو المراد بالاختلاف الّذي قدّمناه وهو بمنزلة اختلافهم في أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة، في أنّ المراد هذه الطريقة.
وقد بيّنا في باب الأسماء والأحكام اختلاف الناس في قولنا: فاضل، وهل هو من الأسماء الدينيّة، أو يجري علي حدّ اللغة ؟ وبيّنا الخلاف فيه، فإنّ فيهم من يمنع من إجرائه علي الله سبحانه من جهة اللغة، وفيهم من يمنعه سمعاً، فلا وجه لإعادة ذلك، وإذا قلنا في الفعل: إنّه فاضل علي هذا الحدّ فالمراد به أنّه يستحقّ به ثواب كثير، وإذا قلنا: هو أفضل من غيره، فالمراد أنّ له علي غيره مزيّة في قدر الثواب؛ وذلك تشبيه بما قدّمناه، وقد تصحّ الإشارة إلي مكلّف فيقال: فاضل وأفضل، ولا يصحّ ذلك في الفعل إلّا بمقارنة غيره؛ لأنّه قد ثبت أنّه لا فعل يستحقّ به الثواب إلّا وينضاف إليه ما يمنع من ذلك فيه، وهو بمنزلة وصفنا الفعل بأنّه إيمان، وقد بيّنا ذلك مشروحاً.
ص:136
من قول شيوخنا أنّه لا طريق إلي معرفة ذلك إلّا من جهة السمع، فما لم يرد السمع عن الله تعالي ورسوله لا يعلم ذلك، ويعتمدون في ذلك علي أنّ أحداً من جهة العقل لا يعلم أنّه يستحقّ الثواب علي عمله الظاهر، لنا لاُمور: منها أنّ الوجه الّذي عليه يحسن أو يجب قد يغمض وقد يتغذّر معرفته، ومنها أنّ الوجه الّذي يجب أن يفعله عليه ويستحقّ به الثواب قد يتغذّر معرفته، ومنها أن يخلصه ممّا يحبط ثوابه من قبيح يأتيه في الباطن أو إخلال بواجب يتعذّر علينا معرفته، ومنها أنّ انفراده عن معاص يؤثّر في ثوابه من جهة نقص أو مساواة يتعذّر، وقد بيّنا من قبل أنّ الفعل لا يدلّ علي كون المعصية كفراً، أو كبيراً، أو صغيراً، فإذا لم يعلم ذلك بالفعل اقتضي أن لا يعلم فضل الفاضل قطعاً من جهة العقل، فإذ لم تعلم البواطن جوّزنا في الفاعل أن يكون معتقداً لما يخرجه من أن يكون طاعة، وكذلك القول في تجويز الدواعي والقواصد، وفي تجويز إبطانه ما يحبطه، فالّذي قدّمناه من الوجوه بمجموعها أو بانفراد بعضها يقتضي أن لا يعلم أحداً فاضلاً من جهة العقل، بل يقتضي أن لا يعلمه مستحقّاً للثواب أصلاً.
وقد بيّنا من قبل مفارقته الثواب للعقاب فمن هذا الباب لأنّا إن علمنا بالعقل انفراد ما يستحقّ به العقاب من غيره علمنا أنّه يستحقّه، وذلك يتعذّر في الطاعات، فأمّا بعد ورود السمع ببيان الكفر والكثير قد يعلم المكلّف كافراً وفاسقاً من جهة العقل بأن يعرف وقوع ذلك منه، ولا نعرف مستحقّاً للثواب إلّا بخبر يتناوله بعينه لما قدّمنا ذكره، والخبر الّذي يدلّ علي أنّه فاضل أو أفضل هو الّذي يرد بهذا اللفظ أو بمقتضي معناه.
وعلي هذا الوجه قال شيخنا أبوعلي: إنّ خبر الطير يدلّ علي أنّ أميرالمؤمنين أفضل إن صحّ ؛ لأنّ أحبّ الخلق إلي الله لا يكون إلّا من جهة الدين، وذلك يغني عن كونه أفضل.
وقد قال: لا يمتنع أن يحكم أنّ زيداً فاضلاً أو أفضل من غيره في باب الدين من جهة الظاهر بما يظهر من أفعاله الّتي توجب الحكم له بذلك عند اختيارها وعند اختيار
ص:137
حال غيره؛ لأنّ لذلك طريقاً من جهة الأمارات.
قال: وذلك بمنزلة حكمنا لمن ظهر منه خصال الإيمان أنّه مؤمن، وخصال الصلاح والزهد أنّه صالح زاهد، وإن لم يقطع علي المغيب، ولا فرق بين جواز الحكم بذلك فيمن يشاهده، أو فيمن يتواتر علينا خبره، فلا يخطئ من يقول: إنّ زيداً أفضل من عمرو، مخبراً بذلك عن ظنّه، ولا معتبر في هذا الباب بكثرة رواية الفضل إذا جوّز فيمن لم يفعل فعله أنّ له من الفضائل ما لم يرو لبعض الدواعي، ولا يجب أيضاً ذلك إذا نقل عن بعض فضائلهما مع تجويز فضائل كثيرة لم تنقل، وإنّما يجب الحكم إذا نقل كلّ ذلك حتّي صارت المعرفة بالخبر كالمشاهدة أو مقارناً له.
قال: وقد ورد الخبر بأنّ من أنفق قبل الفتح وقاتل، أفضل ممّن أنفق بعد ذلك وقاتل، وربّما قال: إنّ الآية (1) إنّما تدلّ علي فضل الفعل لا فضل الفاعل.
وقد ذكر شيخنا أبوهاشم مثل ذلك من البغداديّات وبيّن أنّ في جملتهم من قد أحدث ما أحبط ثوابه، فدلّ ذلك علي أنّ الآية دالّة علي فضل العمل، وما لا (2) قد ورد الإجماع في السلف علي أنّ الأئمّة الأربعة أفضل الصحابة، وأنّه ليس في الصحابة أفضل من علي وأبي بكر.
قال أبوعلي: نعلم بالأخبار المسلّمة عن رسول الله - صلّي الله عليه - نحو خبر البشارة وغيره أنّ الأئمّة الأربعة مرتّبون قطعاً.
وقال: إجماعهم علي أنّهم أفضل الاُمّة محمول علي أنّهم كذلك عندهم ولا يدلّ علي القطع.
وأجمعت الصحابة علي أنّ أبابكر أفضل من عمر وعثمان، وأنّ عمر أفضل من عثمان، ومن قولهما: إنّه لا دليل من جهة السمع علي أنّ عليّاً أفضل وأبوبكر (3)،
ص:138
فالواجب التوقّف في ذلك لفقد الدليل ... .
فأمّا أكثر البغداديّين من شيوخنا فإنّهم يفضّلون عليّاً عليه السلام ويسلكون في ذلك طريقان:
أحدهما موازنة الأعمال والفضائل، فيجعلون بإزاء كلّ فضيلة لأبي بكر فضيلة لعلي عليه السلام ، ويبيّنون إنّ لفضائله مزيّة، وهم في بيان المزيّة علي طريقتين: إمّا أن يجعلوا المزيّة بزيادة الفضائل، أو بالوجه الّذي يعظم به.
والثاني الاعتماد في ذلك علي أخبار يروونها في هذا الباب، كخبر الطائر وغيره.
فأمّا شيخنا أبوعبدالله فإنّه يقطع علي أنّ عليّاً عليه السلام أفضل؛ لأخبار يقطع بصحّتها، ثمّ يذكر مع ذلك موازنة الأعمال، ويبيّن أنّ لفضائل أميرالمؤمنين مزيّة علي فضائل أبي بكر بالكثرة وبالوجوه الّتي يعظم عليها.
واعلم أنّه لا وجه لذكر موازنة الأعمال مع ثبوت الخبر الدّال علي فضل أميرالمؤمنين؛ لأنّ موازنة الأعمال هو طريق غالب الظنّ ، وليس بطريق للعلم علي ما قدّمنا ذكره، وإذا حصل طريق العلم لم يكن بذلك معتبر لكنّه لا يمتنع ذكر ذلك بأن نبيّن أنّه لولا طريق العلم لوجب أن يحكم بذلك كما أنّه قد يدلّ علي الحكم بنصّ الكتاب، ونذكر معه طريقة القياس وخبر الواحد علي هذا الوجه ... .
قد استدلّ شيخنا أبوعبدالله علي ذلك باُمور واستدلّ بها الإسكافي لكنّه في نصرته بلغ ما لم يبلغه، فمن ذلك قوله عليه السلام - وقد اهدي إليه طير مشوي - : اللهمّ أدخل إلي أحبّ أهل الأرض إليك ليأكل معي. فدخل علي عليه السلام .
وفي خبر آخر: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك. فإذا علي عليه السلام قد جاء.
وفي بعض الأخبار: اللهمّ إن كان أحبّ خلقك إليك فهو أحبّ خلقك إلي - ثلاثاً - .
قال: روي ذلك أنس وسعد بن أبي وقّاص وأبورافع مولي النبيّ وصفيّة وابن عبّاس، فاستدلّ علي صحّة ذلك بطريقين:
أحدهما أنّ هذه الأخبار كانت مشهورة في الصحابة لم يختلفوا في قبولها مع وقوع الكلام
ص:139
بينهم في التفضيل، ولم يقع من أحدهم الردّة والنكير ولم يجروه مجري أخبار الآحاد.
والثاني أنّ أميرالمؤمنين أنشد ذلك أهل [شو]ري مع سائر الفضائل وقام به خطيباً عليهم ومعرّفاً حالهم فأقرّوا بذلك، فكما ظهر فيهم ظهر في غيرهم، فلم ينكروا كلا الوجهين، فدلّ علي صحّة الخبر. فأمّا دلالة منبه (1) علي أنّه أفضل فهو لأنّ المحبّة إذا اضيفت إلي الله تعالي لم يحتمل إلّا الفضل في باب الدين، فهو مخالف للمحبّة الّتي تضاف إلي من يجوز خلاف ذلك عليه، مثل ما روي عن النبيّ عليه السلام وقد سئل عن أحبّ الناس إليه فقال: عائشة. فقيل له: من الرجال فقال: أبوها.
وفي بعض الأخبار أنّ عائشة سئلت: من كان أحبّ الناس إلي رسول الله ؟ فقالت: فاطمة وزوجها. لأنّ المحبّة إذا اضيفت إلي الرسول وقعت محتملة؛ لأنّه يجوز عليه من المحبّة وجوه لا تجوز علي الله تعالي، فصار إضافتها إليه تعالي في حكم نصّ لا يحتمل، وإضافتها إلي الرسول عليه السلام تقع محتملة، فيجب أن تقع علي ما يقتضيه دليل أو قرينة.
وقد علمنا أنّه تعالي إنّما يحبّ عباده إذا فعلوا ما كلّفهم وقاموا بحقّ عبادته، والأحبّ إليه منهم هو الأفضل، وليس لأحد أن يقول: فيجب أن يكون أفضل من النبيّ والملائكة، وذلك لأنّ هذا الخطاب لا يتناول النبيّ عليه السلام ، فإذا قال: اللهمّ ائتني، كان هو خارجاً منه، والملائكة لا يدخلون فيما يتّصل بأمر الأكل وغيره، فيجب أن يكون محمولاً علي ما قدّمناه، وعلي أنّ ذلك ممّا استثناه الدليل ولم يستثن غيره.
وليس لأحد أن يقول: قد رويت عنه أخبار تدلّ علي أنّ أبابكر هو أفضل، نحو ما روي عن جابر قال: رأي رسول الله صلى الله عليه و سلم أباالدرداء يمشي قدّام أبي بكر فقال له: أ تمشي قدّام رجل لم تطلع الشمس علي أحد منكم أفضل منه ؟ وفي بعض الأخبار: أ تمشي أمام من هو خير منك في الدنيا والآخرة ؟ ما طلعت شمس علي رجل بعد النبيّين والرسل أفضل من أبي بكر!
ص:140
وروي عن علي والزبير عن النبيّ عليه السلام : خير امّتي أبوبكر ثمّ عمر. وروي نفسه روايات مشهورة: إنّ خير الناس بعد رسول الله أبوبكر ثمّ عمر، ولو شئت أن أذكر الثالث لذكرت. فإمّا أن تكون هذه الأخبار معارضة أو مخصّصة.
قيل له: أجاب الشيخ أبوعبدالله بأنّها أخبار آحاد، ولا يجوز أن تكون معترضة فيما ذكرناه من الخبر المشهور، ولا يمكن أن يقال: يجوز أن يخصّ به كما يخصّ القرآن بخبر الواحد؛ لأنّ ذلك ليس من باب العمل، ولأنّه إلي التنافي أقرب.
واعلم أنّ أقوي ما يقال في ذلك أشياء، منها أنّه قد يجوز أن يحبّ غيره إذا أراد به المنافع الكثيرة؛ لأنّ الأفضل في المحبّة هو ذلك، وإنّما يستعمل في الدين تشبيهاً به، فإذا كان تعالي قد أراد في تكليف بعضهم ما تعظم فيه المشقّة فقد أراد من منافعه ما لم يرد من غيره، وإذا كان قد عرض بعضهم لأغراض كثيرة فكمثل، فمن أين أنّ المراد بذلك المحبّة في باب الدين ؟
والجواب عن ذلك أنّ أحداً لم يحمل الخبر علي هذا الوجه، ولأنّ حمله علي هذا الوجه مع علمنا بقيام الدليل علي ما كلّف يقتضي كونه أفضل.
وأحدها أن يقال: إنّما يدلّ علي أنّه أحبّ الخلق إليه في وقت الخبر، فمن أين أنّه بعد الرسول هو الأفضل مع أنّ فضل الفاضل قد يختلف في الأوقات ؟ ويمكن أن يجاب علي ذلك بأن يقال: إنّ أحداً لم يقل إنّه يدلّ علي أنّه أفضل في كلّ حال.
وأحدها ما ذكره شيخنا أبوعبدالله من أنّ لقائل أن يقول: إذا لم ينكروا الخبر لأنّهم لم يعرفوا صحّته لم يعرفوا فساده، فشكّهم فيه ما توقّفوا كما يتوقّف الإنسان فيما يسمعه من الأخبار الجارية هذا المجري، فلا يدلّ ما ذكرناه علي صحّة الخبر. وأجاب عن ذلك بأنّ تركهم النكير لم يكن علي وجه الشكّ ، بل كان علي طريق النقل، وأنّه لوجاز أن يقال ذلك لجاز أن يقال في سائر ما لم ينكر بعضهم علي بعض أنّهم لو توقّفوا لهذا الوجه نحو الكلام في القياس وغيره.
ولقائل أن يقول: إنّ تركهم النكير فيما لابدّ من دخوله تحت التكليف يدلّ علي
ص:141
صحّة الأمر عندهم، فأمّا ما لا يدخل تحت التكليف فلا يجب ذلك فيه ومن الأفضل لم يدخل تحت تكليفهم وعدوّه من باب الأمارات فلذلك لم ينكروه، لكنّ الّذي ذكره أولي من أنّ تركهم النكير كان علي وجه التقبّل والاعتراف به يمنع من هذه الشبهة، وذكر بأنّ هذا الخبر طريق معرفته فيما بينهم يجب أن يكون ضروريّاً؛ لأنّه لا يجوز أن يقع لهم العلم بما جري مجري هذه الطريقة، والمتقدّمون لم يعرفوه بالتواتر.
وسأل نفسه عند ذلك عمّن شكّ في كونه أفضل أنّه يجب أن يكون مخطئاً، فقال: كذلك نقول، لكنّه من باب الاستدلال لا من باب الضرورة؛ لأنّ الاستدلال به علي كونه أفضل ممّا تدخله الشبهة.
وقال: لا يجب في هذا الخطأ أن يكون كبيراً وفضّل بينه وبين من أنكر كون النبيّ أفضل بأن قال: هذا المنكر رادّ للإجماع المصرّح فخطؤه عظيم، وليس كذلك من أنكر فضل أميرالمؤمنين وعدل عن هذا الاستدلال؛ لأنّ التكليف لا يتعلّق به علي وجه يكون نكيره عظيماً.
وألزم شيخنا أباعلي علي قوله: إنّ المروي من خبر الميراث صحيح من حيث رواه أبوبكر بحضرة الجماعة فلم ينكر عليه أن يقول بصحّة هذا الخبر في هذا الوجه أقوي.
ومن ذلك الاستدلال بقوله عليه السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه.
قال: وثبوته مثل ثبوت الخبر المتقدّم، بل أولي.
قال: وقد ثبت أنّه عليه السلام جمع الناس لإظهار هذا الأمر فلابدّ من أن يفيد فائدة تليق بالحال، ولابدّ من أن يعرف بها ما لم يكن معروفاً من قبل.
قال: وقد ثبت أنّه لا يجوز أن يراد به الإمامة علي ما قاله بعضهم، وثبت أنّه لم يرد به استحقاق الولاء علي ما روي من أنّ منافرة وقعت بين زيد بن علي وزيد بن حارثة في ذلك وأنّه قال: أنت مولاي. فقال زيد: أنا مولي النبيّ ولست بمولي لي. فذمّه النبيّ عليه السلام ، فجمع الناس وقال هذا القول، وذلك أنّه لم يكن لأميرالمؤمنين في ذلك من الاختصاص
ص:142
ما لم يكن للعبّاس ولغيره من بني عمومته، فلايجوز حمله علي هذا الوجه فكيف يحمل عليه وقد قال له عمر: أصبحت مولاي ومولي (1) كلّ مؤمن، وفي بعض الأخبار هنالك أصبحت مولي كلّ مؤمن ومؤمنة، حتّي روي عن جماعة من الأنصار كأبي أيّوب (2) وغيرهم أنّهم عند ذلك سلّموا عليه وقالوا له: يا مولانا. وبطل أن يراد بذلك النصّ والموالاة؛ لأنّ ذلك كان معروفاً لأميرالمؤمنين من قبل، فيجب حمله علي أنّ المراد به أنّه يليه في الفضل وأفضلهم عنده؛ لأنّ ذلك ممّا يجوز أن يجمع له الناس لما فيه من التشريف العظيم الّذي يبيّن به من غيره.
وشيخنا أبوعلي يقول: من حمله علي هذا الوجه فقد حمله علي ما لا يدلّ ظاهره عليه البتّة؛ لأنّ الكلام لا يحتمل طريقة الفضل وليس الأمر كذلك، وذلك إذا دلّ علي الموالاة باطناً وظاهراً، وكان للموالاة وقت لم يمتنع أن يدلّ علي أعلي رتبها لوقوعه علي الوجه الّذي ذكرناه.
وأظنّ بعضهم قال: إنّ حمله علي التفضيل هو قول حادث؛ لأنّ من تقدّم إمّا أن يكون حمله علي الإمامة، أو علي الموالاة والنصرة، أو علي طريقة الولاء، وهذا غير معلوم علي ما قد ذكره.
واستدلّ بقوله عليه السلام : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي. إمّا اريد به في باب الإمامة، وقد علمنا خلافه، أو في باب أنّه خلفه علي قومه علي ما روي في غزاة تبوك عند كلام المنافقين فيه، وأنّه أراد أن يزيل الشبهة في أن يبيّن أنّه خلفه علي أمر هو أعظم أثراً من إخراجه معه في الجهاد، أو يراد بذلك في باب المؤازرة والمعاونة علي ما كلّف وحمّل، أو يراد بذلك أن يليه في الفضل، وإذا بطل باب الإمامة وجب فيما عداه أن يكون الكلّ مراداً بالكلام إذا كان يحتمله؛ لأنّ جميع ذلك يدخل تحت المنازل.
ص:143
وشيخنا أبوعلي منع من ذلك بأن قال: إنّ منزلة هارون من موسي في الفضل لا يجوز أن تحصل لأميرالمؤمنين؛ لأنّ فضل الأنبياء لابدّ من أن يزيد علي فضل غيرهم، فلا يجوز أن يكون مراداً بالخبر وحمله علي طريقة الاستخلاف؛ وقد تقدّم القول في ذلك.
ومن أقوي ما استدلّوا به حديث المؤاخاة؛ لأنّه عليه السلام آخي بين أصحابه علي ما روي في الخبر وجمع الناس لذلك وقصد إليه علي وجه مخصوص، فلا يجوز أن يراد بذلك المؤاخاة في الدين؛ لأنّ ذلك كان معروفاً من قبل، ولأنّه لا يقع فيه اختصاص، فلو أراد ذلك لم يكن بأن يؤاخي بين أبي بكر وعمر بأولي من أن يؤاخي بين أحدهما وبين غيره من المؤمنين، فلابدّ من أن يقتضي أمراً زائداً.
واختلفوا في ذلك، فمنهم من قال: دلّ به علي الإمامة، وقد بطل ذلك، ومنهم من نبّه علي ما يجب من معونة البعض للبعض والمؤاساة من حيث كان المهاجرون عند قدومهم المدينة مقلّين محتاجين، وعلي هذا الوجه روي عن بعضهم أنّه قال - وقد آخي بينه وبين غيره - : لي زوجتان أترك لك عن أحدهما واُشاطرك مالي. وذلك باطل؛ لأنّه عليه السلام كما آخي بين المهاجرين والأنصار فقد آخي بين المهاجرين كأبي بكر وعمر، فيجب بطلان ذلك، وليس في القسمة إلّا الدلالة علي أنّه يليه في الفضل.
وشيخنا أبوعلي يقول: إنّه أفاد بذلك زيادة اختصاص علي ما يقتضي المعونة والنصرة، ولم يؤاخ بين مهاجرين إلّا وحالهما فيما يمكن معه المعونة والمؤاساة يتفاضل؛ لأنّ كلّ المهاجرين لم يكونوا مقلّين، والمقلّ فقد تختلف أحواله في التمكّن ممّا يصل به إلي المعونة، وذكر أنّه عليه السلام قد وصف أبابكر بذلك ووصفه في غير خبر فقال: ادعوا لي أخي وصاحبي وليس بأن يقال: إنّ هذه المؤاخاة هي الّتي يوجبها الدين فقط ، وفي تلك زيادة فائدة بأولي من غيره، يبيّن ذلك أنّه لابدّ من أن يكون لأبي (1) في قوله عليه السلام : ادعوا لي أخي؛ مزيّة علي ما
ص:144
لكثير من المؤمنين، كما يجب مثله في حديث المؤاخاة، فإن صحّ حمل ذلك علي الاُخوّة في الدين فكذلك الحديث الآخر، فقد صحّ أنّه آخي بين نفسين متقاربي الفضل.
وقد روي أنّه عليه السلام آخي بين علي عليه السلام وبين سهل بن حنيف مع بُعد ما بينهما، فما الّذي يمنع من أن يؤاخي بينه وبين أميرالمؤمنين وإن لم يله في الفضل ؟ وإذا جاز أن يقول عليه السلام لمن لا يليه في الفضل: إنّه منّي وأنا منه؛ علي ما روي في خبر العبّاس، وذلك أقوي من المؤاخاة، فما الّذي يمنع من مثله في باب المؤاخاة ؟
فهذه الأدلّة أقوي ما استدلّوا بها علي أنّ أميرالمؤمنين أفضل؛ لأنّ ما عداها لم يشتهر كشهرتها، وإن كان فيما عداها ما هو أقوي في الدلالة، لكنّها أخبار آحاد، ويعارضها الأخبار المرويّة في فضل أبي بكر ... .
[ثمّ ذكر الأخبار الدالّة علي فضل أبي بكر ثمّ أجاب عنها وقال:] لكن كلّ ذلك يعترض فيه من تقدّم بأنّه أخبار آحاد، فهي مخالفة لتلك الأخبار الّتي تقدّم ذكرها.
وفي أخبار الآحاد المرويّة في أميرالمؤمنين ما يعارض ذلك، نحو ما روي من قوله عليه السلام في ذي الثدية: يقتله خير الخلق والخليقة. وما روي في بعض الأخبار: يقتله خير هذه الاُمّة.
ونحو ما روي أنّه عليه السلام قال لفاطمة: يا فاطمة، إنّ الله تعالي اطّلع إلي أهل الأرض فاختار منهم أباك فاتّخذه نبيّاً، ثمّ اطّلع ثانياً فاختار منهم بعلك.
وما روي عن عائشة قالت: كنت عند النبيّ عليه السلام إذ أقبل علي فقال: هذا سيّد العرب. قالت: قلت: بأبي واُمّي، أ لست سيّد العرب ؟ فقال: أنا سيّد العالمين وهذا سيّد العرب.
وعن أنس، قال: قال النبيّ - صلّي الله عليه - : إنّ أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي يقضي ديني وينجز موعدي علي بن أبي طالب.
وروي أنّ رجلاً سأل عائشة عن مسيرها، فقالت: كان قدراً من الله. فسألها عن علي، فقالت: لقد سألتني عن أحبّ الناس إلي رسول الله وزوج أحبّ الناس إليه.
وقد روي عن أبي رافع، قال: قال رسول الله لفاطمة: أما ترضين أنّي زوّجتك خير امّتي.
ص:145
وعن سلمان الفارسي أنّه قال - صلّي الله عليه - : خير من أترك بعدي علي بن أبي طالب.
وعن ابن مسعود، قال: قال رسول الله عليه السلام : علي خير البشر فمن أبي فقد كفر.
وعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلّي الله عليه - : أفضل امّتي علي بن أبي طالب.
فلا يمكن من فضّل أبابكر أن يحتجّ بتلك الأخبار، وهذه الأخبار أجمع نعارضها، وإنّما يجب أن نرجع في ذلك إلي ما ثبت في النقل، وليس في جملة ما روي في فضل أبي بكر أشهر في النقل ممّا روي عن أميرالمؤمنين أنّه خطب به؛ لأنّه في الروايات كثيرة، ولأنّه ممّا لم ينكره أحد من رواة الأخبار ووقع علي وجه ظاهر، ولا يمتنع أن يريد به غير نفسه، كما روي عن النبيّ عليه السلام ما يجري هذا المجري، فأراد به غير نفسه، لكن ذلك يضعف من جهة ما روي من قوله: ولو شئت أن أذكر الثالث لذكرته. ومن جهة ما روي عن محمّد بن علي أنّه قال: وكرهت أن أسأله عن الثالث لئلّا يذكر نفسه. لكن هذه الزيادة ليست في الشهرة كالأوّل، علي أنّه قد روي عنه عليه السلام في العبّاس ما شاكل في دلالة الفضل ما قدّمناه ... .
وقد قوّي شيخنا أبوعبدالله الأخبار المرويّة في أميرالمؤمنين بأن قال: قد صحبها ما يضعف نقلها من عداوات بني اُميّة وبلوغهم في كتمان فضائله النهاية، فلولا قوّتها في الأصل لم يبق في نقلها هذه البقيّة.
وقد صحب الأخبار المرويّة ما يقوّي نقلها، فلو كانت في الأصل من باب التواتر لبقيت علي تلك القوّة، وجعل ذلك مقوّياً لما نقل في أميرالمؤمنين من هذا الباب لكن ذلك لا يبلغه مبلغ التواتر ومبلغاً يقطع بصحّته.
وأمّا ما في القولين من فضائل أميرالمؤمنين فليس يدلّ إلّا علي فضله وتقدّمه، نحو قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 1 ، وأنّه عليه السلام عند نزول هذه الآية جمع عليّاً والحسن والحسين وجلّلهم بكساء وقال: اللهمّ
ص:146
هؤلاء أهل بيتي. وآية المباهلة، وقوله: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ 1 ، وقوله: وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ 2 ، إلي غير ذلك فإنّما يدلّ علي تقدّمه في الفضل، ولا يدلّ علي أنّه لا أحد أفضل منه، وذلك ممّا لا خلاف فيه ... .
ونحن نفصّل بعض ذلك فنقول: إنّ أميرالمؤمنين اختصّ في باب العلم بما ليس لأبي بكر، وذلك لأنّه إنّما يعلم فضل العالم بما يظهر منه في الأوقات المختلفة عند الحاجة وفي جواب المسألة وعند التعليم وعلي حدّ الابتداء.
وقد علمنا أنّ الّذي ظهر في ذلك من أميرالمؤمنين أكثر، وذلك ممّا يتبيّنه من نظر في خطبه ومواعظه ومواقفه في الحروب الّتي دفع فيها إلي الموافقة والمناظرة.
وقد بيّنّا من قبل أنّ العلم بهذه الاُمور يدعو إلي إظهاره فإنّه في بابه بمنزلة ما يدعو إلي الخير، ولهذه الجملة نعلم الفضل بين العالم وبين غيره وبين التقدّم في العلم، وإلّا فقد كان يجوز أن يقال: إنّ وكيع بن الجرّاح أفضل في الفقه من أبي حنيفة، وأنّ البزنطي أعلم من الشافعي، وذلك يؤدّي إلي الجهالات، وإن انضاف إلي ذلك أنّ علمه نفعاً لكثرة الاقتداء والأتباع، ولمّا حصل فيه من الكثرة وفضل البيان فهو أولي، وقد صحّت كلّ هذه الخصال في فضل أميرالمؤمنين؛ لأنّ الّذي أخذ عنه من العلم لا يساويه غيره فيه، لأنّ اصول التوحيد والعدل إليه تضاف وعنه اخذ، علي ما ثبت عن واصل بن عطاء، أخذه عن محمّد بن علي وأبي هاشم، ولا يفي بهذا الوجه شيء من علم غيره؛ لأنّ الّذي يروي أنّ أبابكر دعا إلي الدين حتّي أسلم بدعائه الجماعة المذكورة في هذا الباب هو يخصّهم ويخصّ الوقت، وليس كذلك النفع الّذي ذكرناه.
ثمّ قد ثبت عنه عليه السلام من دقيق الكلام في اصول الدين نحو إنكاره الرؤية، ونحو تأديبه علي تجويز الحجاب علي الله تعالي، ونحو نفيه المكان عن الله، ونحو إضافة العدل إليه،
ص:147
ونحو ما روي في المنزلة بين المنزلتين حتّي روي عنه في باب العوض ما يبني عليه ذلك، فقال لرجل قد مسّه المرض: جعل الله ما كان من شكواك حطّاً لسيّئاتك، فإنّ المرض لا أجر فيه، وإنّما الأجر في القول باللسان والعمل باليد والرجل، ولو أردنا ذكر ما روي عنه في ذلك لطال، وفيما ذكرناه وقدّمناه من قبل من موافقته الخوارج يدلّ علي ذلك.
وممّا نبيّنه رجوعهم عند المشكلات إليه، فإنّه لم يحتجّ إلي غيره إلّا علي طريق الرواية؛ لأنّ الرواية لا تدرك بالقياس، فهذا يبيّن صحّة ما قدّمناه.
وأقوي ما يذكره من يفضّل أبابكر أن يقول: إنّه بعد الرسول لم يمتدّ الزمان به، ولا دفع إلّا ما دفع إليه أميرالمؤمنين، وفي القدر الّذي عرض يبيّن عامّة في باب أهل الردّة وغيرهم، لكن ذلك لا يستقيم؛ لأنّ في تلك الأيّام كان يشاور أميرالمؤمنين، هو الّذي أشار عليه في الردّة بما أشار، ولأنّ أبابكر قد ظهر عنه في قدر أيّامه ما يدلّ علي قصوره عن منزلة أميرالمؤمنين، ولو كان لطول المدّة يوجب التوقّف لأدّي إلي أن يجوز في بعض من قصرت مدّته أنّه أعلم ممّن ثبت تقدّمه في زمانه، وبطلان ذلك يبيّن هذه الطريقة مّما يجوز.
وقد بيّنّا أنّها مبنيّة علي غالب الظنّ ، فليس لأحد أن يعترض علي ذلك بطرق العلم ويقول: لم يثبت عندكم أنّ هذه الأقوال الصحيحة والأجوبة المستقيمة وإيراد الأدلّة علي وجهها دالّة علي علم الإنسان، ولأنّ مع الظنّ قد يجوز ذلك فيه؛ لأنّ الّذي بيّنّاه قد أسقط ذلك، فأمّا ما روي عنه عليه السلام ممّا يدلّ علي أنّه أعلمهم فهو قوله عليه السلام لفاطمة عليها السلام : زوّجتك أكثرهم علماً. وفي بعض الأخبار: أعلمهم علماً.
ويبيّن ذلك ما روي عنه من أنّه كان يدّعي أنّ عنده من العلم ما لا يجد له حملة، إلي غير ذلك من الألفاظ المحكيّة في هذا الباب من غير إنكار يجري، بل كانت التجربة تكشف ما يدلّ علي صحّة دعواه حالاً بعد حال.
وقد علمنا سائر ما يحتاج إليه في الدين كان مستمرّاً في اصول الدين واُصول الشرع وفروعه وأنّ غير حدوث الاُمور المشتبهة كان يبيّن فضله وتقدّمه، فما كان بيّنه غيره
ص:148
عليه حتّي كان لا يقف في جواب ذلك.
وقد ثبت أيضاً في سبب ذلك ما يقوّيه، وهو أنّه كان ملازماً لرسول الله - صلّي الله عليه - لا يكاد يفارقه مع ما اختصّ به من فضل الفطنة والمعرفة، فقد كان عليه السلام شديد الإقبال علي تعليمه ... .
ويدخل في هذه الجملة كونه أوّلهم علماً بالله ورسوله وإسلاماً، وقد بيّنّا اختلاف الناس فيه قديماً وحديثاً، فمنهم من يقول: إنّه أقدمهم إسلاماً، ومنهم من يقول ذلك في أبي بكر، ومن يذهب هذا المذهب يقول: إنّ إسلامه عليه السلام وإن تقدّم لم يكن بإسلام صحيح؛ لأنّه كان في حال الصغر، ويقول: إنّ إسلام أبي بكر أشقّ ؛ لأنّه عدول به عن عادة وطريقة وإزالة الشبهة ممكنة، ومن هذا حاله يكون إسلامه أشقّ ، فقد حصل فيه السبق والمشقّة ويقول: حصل استجلاب إسلام جماعة من الأكابر علي ما روي في هذا الباب، ويستدلّ علي ما قاله بأنّه دخل علي النبيّ فوجده وخديجة عليها السلام يصليّان، فقال: ما هذا يا محمّد؟ قال: هذا دين الله. ودعاه إلي الإسلام فاستنظره وقال له: دعني ألقي أباطالب واُشاوره.
قالوا: وذلك يدلّ علي أنّه كان صغيراً؛ لأنّ ذلك ليس بكلام من يعرف أنّ الواجب عليه النظر.
وقال شيخنا أبوعثمان الجاحظ في ذلك: لا فرق بين أن يخبر الراوي بأنّ إسلامه كان إسلام صغير، وبين الخبر بأنّ سنّه في وقت إسلامه ما لم تجر العادة بأنّ الإسلام يصحّ معه، قال: ومتي قيل إنّه يختصّ بكمال العقل مع صغر سنّه، فذلك إمّا نقض عادة كالمعجز، وإمّا أمر نادر وإن لم يبلغ المعجز، وكلا الوجهين كان يجب أن ينقل ويظهر، والّذي قدّمناه يمنع من ذلك، لأنّه إذا ثبت أنّه عليه السلام أنّه قال: علي أوّل من آمن بي؛ وجب حمله علي الإيمان الصحيح، وكذلك إذا قال لفاطمة: زوّجتك أقدمهم إسلاماً. والروايات في ذلك كثيرة.
ولأنّ من حقّ الإسلام أن يحمل علي الصحّة، إلّا بأن يمنع منه مانع، ولا رواية تقوّي
ص:149
قول من يقول: إنّ أوّل من أسلم (1) أبوبكر أو زيد بن حارثة أو خباب بن الأرت مثل ما ذكرناه من الروايات في هذا الباب.
وقد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: أوّل من أسلم من الرجال علي بن أبي طالب، ومن النساء خديجة. ولا يدخل الرسول عليه السلام في ذلك، لأنّ الغرض الإسلام به.
وقد روي عن أميرالمؤمنين في خطبته المشهورة أنّه قال: وها أنا قد نيّفت علي الستّين. وذلك إذا بحث يوجب أنّه قد أسلم وسنّه سنّ من يجوز أن يكون بالغاً، وبعد، فمن زاد في سنّه أولي أن يقبل خبره ممّن نقص، وأزيد ما قيل في ذلك ثلاث عشره سنة، فيجب أن يكون أولي من رواية من ذكر سبعاً وتسعاً وعشراً.
قال شيخنا أبوعبدالله: أقوي ما يعترض به في هذا الباب أن يقال: لا يخلو لمّا دعاه الرسول عليه السلام من وجهين: إمّا أن يكون غير كامل العقل، فهو الّذي قاله المخالف، أو كامل العقل، فليس يخلو من أن يكون قد وجب عليه النظر والمعرفة، ولابدّ من القول بوجوبه، فيجب أن لايجوز للرسول أن يدعوه إلي شهادة أن لا إله إلّا الله ولما تقدّمت المعرفة منه فكذلك القول في الصلاة وغيرها.
قال: وجواب ذلك بيّن؛ لأنّ الأوّل أنّه قد تقدّمت منه المعرفة، فلمّا دعاه أقرّ تلك علي ما يطابق علمه، ويجور أن يكون عليه السلام كان قد نبّهه علي الدليل وإن لم ينقل.
وليس ببعيد أن يقال: إنّ من ذهب إلي أنّ إسلام أبي بكر أقدم كان عرف إسلامه؛ لأنّه كان يدعو إلي الله تعالي ويعرفهم ويرجع إلي رأيه، فظهر من أمره في ذلك ما لم يظهر من أمر أميرالمؤمنين؛ لأنّه أسلم وهو صغير ملازم لرسول الله صلى الله عليه و سلم لم تظهر منه هذه الأحوال لغيره، فيكون أحد النقلين لا يمنع الآخر؛ لأنّ كلّ واحد منهما قد نقل.
وفي بعض الأخبار ما يدلّ علي أنّ أبابكر أوّلهم إسلاماً ... وإن كان الترجيح للوجه الأوّل؛ لما بيّنّاه من الرواية في هذا الباب.
وقال شيخنا أبوعبدالله: إنّ المشقّة علي أميرالمؤمنين في علمه باُصول الدين أعظم؛
ص:150
لأنّه لم يكن تمهّد له طريقة النظر كما تمهّد لغيره، ولا عرف من هذا الباب ما سهل سبيله إليه، وقد كان أبوبكر عرف ذلك وتمهّد بطريقة النظر عنده، وليس لأحد أن يقول: كان ذلك علي أبي بكر أشقّ لانتقاله عن العادة والإلف وإزالة الشبهة؛ لأنّ المشقّة مفارقة الإلف لا ترجع إلي فقد العلم وإنّما ترجع إلي نفس المفارقة حتّي لو فارقه بلا علم لكان كمفارقته بالعلم فلا مدخل في هذا الباب.
فأمّا طريقة الشبهة فقد كان حلّها علي أبي بكر أسهل لتقدّم معرفته بالاُمور، وقد بيّنّا عظم النفع بأميرالمؤمنين، فلا وجه لإعادته، وبيّنّا ما يدلّ علي أنّ علمه أكثر.
فأمّا الهجرة فإنّ أبابكر وإن تقدّم فيها فلأميرالمؤمنين السبق في ذلك؛ لأنّه تأخّر للنيابة عن الرسول عليه السلام في ردّ الودائع وقضاء الديون وغيرها، وكان خائفاً أيّام مقامه، وخائفاً عند خروجه وهجرته منفرداً بالأمر لا أنيس له، وليس كذلك أبوبكر؛ لأنّه كان مع الرسول - صلّي الله عليه - .
فأمّا ما يتّصل بالزهد والورع فيهما وإن كانا قد اشتركا فيه فلأميرالمؤمنين التقدّم والسبق من جهات، منها مع اتّساع الأحوال فيما يخصّ ويعمّ من الأموال كان عليه السلام يلبس أدون الثياب، ويأكل أخشن الطعام، حتّي كان يقطع من أطراف كمّه ما لا تقع الحاجة إليه، ويرقع سراويله، ويتحرّز التحرّز الشديد في هذا الباب.
وروي عن امّ كلثوم بنت علي عليه السلام أنّها قالت - وقد قدّمت طعاماً وعوتبت في ذلك - : كيف لو رأيتم طعام أميرالمؤمنين ؟ فاُتي بأترج فأخذ الحسين أترجة فانتزعها من يده وردّها في القسمة.
وكان القليل والكثير من ذلك يردّه في قسمة المسلمين، وسيرته في ذلك معروفة يطول ذكرها إن شرحناها، وتصدّق مع ذلك بأملاكه أجمع ولم يخلف إلّا ثلاثمئة درهم علي ما يذكر، أو سبعمئة درهم أراد أن يشتري بها مملوكاً ليكفيه بعض المهن.
فأمّا أمر الجهاد فهو كالمنفرد بذلك دون غيره؛ لأنّ مواقفه يوم بدر واُحد وحنين وخيبر وما كان من قتلاه؛ وما كان من اعتماد النبيّ - صلّي الله عليه - حالاً بعد حال؛
ص:151
وما كان من أخذه الراية من أبي بكر وعمر ودفعها إليه يجري مجري الفتح علي يديه يوم خيبر؛ وما كان من اتّكاله عليه في كلّ أمر شديد أظهر من أن يحتاج إلي ذكره في هذا الباب، وقد كان عليه السلام يأمره بأن يتقدّم للمشاورة عند خوف الغير وامتناعه.
وقد حكي من قوّته وقوّة قلبه وشجاعته وإقدامه ما لا يمكن أحد إنكاره.
فأمّا ما قال بعضهم: إنّ قعود أبي بكر في العريش يوم بدر معه عليه السلام يساوي مبارزة أمير المؤمنين، كما أنّ رأي النبيّ وبيانه يفضل قتال أميرالمؤمنين، وهذا إنّما كان يجب لو كان مقوياً للرسول في رأي ومشورة، ولم يكن له إلّا ما يتّصل بالصحبة والاُنس به، وكما أنّ له المزيّه في الجهاد والتفرّد به فله السبق إليه، وله فيه المشقّة العظيمة، ثمّ له عليه السلام من قتال أهل الصلاة ما قدّمنا ذكره حتّي كان يقول: قاتلتهم علي تنزيل القرآن وأنا اقاتل الآن أولادهم علي تأويل القرآن. وكلّ ذلك بيّن.
وأمّا طريقته في الرأي والسياسة فقد بيّنّا من ذلك طرقاً، وهو أنّه عليه السلام لمّا سمعهم يقولون: لا رأي له، أجاب بنهاية ما يجب، لأنّ الرأي يحتاج إلي الآن (1) فإذا لم يتكامل تغيّرت، وإلّا فمن نظر في سيرته ومواقفه يعلم أنّه كان في إقدامه وإحجامه لا ينسي دين الله ويدع الأمر العظيم فيما يوجب الظفر بالعدوّ.
ونبيّن ذلك أنّ المنقول في الأخبار أنّ أبابكر وعمر كانا يرجعان إلي رأيه ومشورته في الحروب وغيرها، وكان الّذي يشير به النهاية في الصواب، وذلك ظاهر فيما أشار به علي أبي بكر في قتال أهل الردّة، وفيما أشار به علي عمر في قتال فارس، وقد عزم علي أن ينهض بنفسه فأشار بالعدول عن ذلك إلي إنفاذ غيره.
فأمّا ما يتعلّقون به في اختصاص أبي بكر بالإنفاق دونه؛ فقد علمنا أنّ المواساة بالنفس تزيد علي المواساة بالمال، ونحن إذا قارنّا بين مواساته عليه السلام بنفسه مع الرسول أولي وأحري رأيناه أرجح من مواساة أبي بكر بنفسه وماله جميعاً.
ص:152
وإنّما كان يوجب ذلك التقدّم لو كان أميرالمؤمنين غنيّاً ولم يواس بماله، والمتعالم من حاله أنّه كان فيما يجده يتقدّم غيره، والّذي نقل عنه في تقديم الصدقة بين يدي مناجاته - صلّي الله عليه - وفي أعماله الجند في كثير من الأوقات في تحصّل ما كان أطعمه - صلّي الله عليه - ، فقد روي عنه أنّه أجّر نفسه من يهودي عند علمه بحاجة الرسول، وقوله عليه السلام : ما نفعنا مال كما نفعنا مال أبي بكر؛ لا يدخل تحته إلّا من كثر إنفاقه علي النبيّ عليه السلام نحو عثمان وغيره، فلا يمنع ذلك من صحّة ما ذكرناه.
وقد اختصّ أميرالمؤمنين بالتصبّر علي الفقر والقلّة والغمّ الّذي ينضاف إلي الحيرة، فأمّا ما كان منه عليه السلام في الحكم فظاهر؛ لأنّه كان لا يقدم مع التمكّن علي العقوبات، وذلك يبيّن سيره في الحروب، وقد روي عنه عليه السلام أنّه قال لفاطمة: زوّجتك أحلمهم حكماً. وأمّا صبره وكظمه الغيظ وعفوه عن الجناة فبيّن في سيره.
وقد بيّنّا بطلان قول من طعن علي رأيه بذكر ما كان منه في التحكيم.
فأمّا قولهم: إنّ أبابكر قد اختصّ بأن سمّي صدّيقاً، وأنّه صدّق الرسول لمّا اسري به، فكان ذلك منزلة عظيمة؛ لأنّه صدّقه فيما كذّبه فيه الناس، وقد جعل بإزائه صبر علي مع النبيّ عليهما السلام في حصار الشعب علي الجوع والخوف، وما كان منه من إلقاء الأصنام الّتي كانت فوق البيت في جوف الليل، وقد أمره عليه السلام أن يقف علي منكبه فنهض به، ونحو ذلك، وما كان منه في هجرة الرسول عليه السلام حين طلبه المشركون وطلبه ليبيت في مضجعه ليظنّ المشركون أنّه عليه السلام لم يخرج، وهذا أعظم من كلّ نفقة.
وأمّا وصفه الصدّيق فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام في كلام له ظاهر في الرواية أنّه قال: أنا الصدّيق الأكبر. وقد علمنا أنّ أبابكر لم يسمّ بذلك لاختصاصه في التصديق بما ليس لغيره، لكن اشتهر به عند أمر حادث، كما وصف إبراهيم بأنّه خليل الله وإن كان الرسول قد شاركه في ذلك.
واعلم أنّ الكلام بعد ذلك إنّما يقع في ذكر فضيلة بإزاء فضيلة، فإن تقصّيناه طال الكلام، وقد نبّهنا علي طريقة القول فيه، وإنّ من نظر علم أنّ أمارات الفضائل في
ص:153
أميرالمؤمنين أكثر وأشهر، وذلك طريق لغالب الظنّ ، ولأنّ الحكم بأنّه أفضل الآن يتبع ذلك إذا أمكن فهو بمنزلة فاضلين، ويعلم من أحدهما مزيّة في الفضل في وجوب ما ذكرناه من الحكم.
وهذه جملة كافية في هذا الباب. (1)
17652. ابن الحدّاد : كنت في مجلس ابن الإخشيد، فلمّا قمنا أمسكني وحدي فقال: أيّما أفضل أبوبكر أو عمر أو علي ؟
فقلت: اثنين حذاء واحد.
قال: فأيّما أفضل أبوبكر أو علي ؟
قلت: إن كان عندك فعلي، وإن كان برّاً (2) فأبوبكر. فضحك وقال: هذا يشبه ما بلغني عن محمّد بن عبدالله بن عبدالحكم أنّه سأله رجل: أيّما أفضل أبوبكر أو علي ؟
فقال: عد إلي بعد ثلاث. فجاءه، فقال: تقدّمني إلي مؤخّر الجامع.
فتقدّمه، فنهض ابن عبدالحكم واستعفاه، فأبي، فقال: أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم علي، وبالله لئن أخبرت بهذا عنّي لأقولنّ للأمير أحمد بن طولون فيضربك بالسياط . (3)
17653. ابن عساكر : أخبرنا أبوالقاسم ابن السمرقندي، أخبرنا أبوالحسين ابن النقّور، أخبرنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن موسي بن القاسم بن الصلت المجبّر، حدّثنا
ص:154
أبوبكر محمّد بن القاسم بن بشّار، أنشدني أبي وأبوعبدالله بن الجهم:
إذا ما ذكرنا من علي فضيلة رمونا لها جهلاً بشتم أبي بكر
يديروننا لا قدّس الله أمرهم علي شتمه تبّاً لذلك من أمر
إذا ما ذكرنا فضله فكأنّما تجرّعهم منه أمر من الصبر
[إلي أن قال:]
فلا تنكروا تفضيل من كان هادياً فإنّ عليّاً خيركم يا بني فهر
ويروي: حبركم، وحرّكم. (1)
17654. الطبري : وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن وتفضيل علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، وذلك في شهر ربيع الأوّل منها. (2)
17655. الذهبي : وفيها أمر المأمون بأن ينادي: برئت الذمّة ممّن ذكر معاوية بخير أو فضّله علي أحد من الصحابة، وإنّ أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه . (3)
17656. الموصلي : وقد تكرّر واشتهر ثناء الصحابة عنهم والاعتراف بفضل الإمام علي عليه السلام في كلّ حال.
وصحّ أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يبالغ في مدح أحد، ولا أثني، ولا أحبّ ، ولا واخي، ولا أسرّ إلي غير علي عليه السلام ، إلي غير ذلك ممّا سارت به الركبان في المشارق والمغارب مدي الأزمان.
ص:155
فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب (1)
برواية: حبّة العرني
17657. ابن ديزيل : عن يحيي بن عبدالله الكرابيسي، عن نصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، حدّثني مسلم الأعور، عن حبّة العرني، قال:
لمّا أتي علي الرقّة نزل بمكان يقال له البليخ، علي جانب الفرات، فنزل إليه راهب من صومعته فقال لعلي: إنّ عندنا كتاباً توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسي ابن مريم عليهما السلام ، أعرضه عليك ؟ فقال علي: نعم.
فقرأ الراهب الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم الّذي قضي فيما قضي وسطر فيما سطر وكتب فيما كتب، أنّه باعث في الاُمّيّين رسولاً منهم يعلّمهم الكتاب والحكمة ويزكّيهم ويدلّهم علي سبيل الله، لا فظّ ولا غليظ ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيّئة السيّئة ولكن يعفو ويصفح، امّته الحمّادون الّذين يحمدون الله علي كلّ شرف، وفي كلّ صعود وهبوط تذلّ ألسنتهم بالتهليل والتكبير، وينصره الله علي كلّ من ناواه، فإذا توفّاه الله اختلفت امّته ثمّ اجتمعت، فلبثت بذلك ما شاء الله ثمّ اختلفت، ثمّ يمرّ رجل من امّته بشاطئ هذا الفرات يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، ويقضي بالحقّ ، ولاينكس الحكم، الدنيا أهون عليه من الرماد - أو قال: التراب - في يوم عصفت فيه الريح، والموت أهون عليه من شرب الماء، يخاف الله في السرّاء، وينصح في العلانية، ولا يخاف في الله لومة لائم، فمن أدرك ذلك النبيّ من أهل البلاد فآمن به كان ثوابه رضواني والجنّة، ومن أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره، فإنّ القتل معه شهادة.
ثمّ قال لعلي: فأنا اصاحبك فلا افارقك حتّي يصيبني ما أصابك.
ص:156
فبكي علي ثمّ قال: الحمد لله الّذي لم يجعلني عنده نسياً منسيّاً، والحمد لله الّذي ذكرني عنده في كتب الأبرار.
فمضي الراهب معه وأسلم، فكان مع علي حتّي اصيب يوم صفّين، فلمّا خرج الناس يطلبون قتلاهم قال علي: اطلبوا الراهب. فوجدوه قتيلاً، فلمّا وجدوه صلّي عليه ودفنه واستغفر له. (1)
ص:157
برواية:
1. أبي ذرّ الغفاري- 3. عبدالله بن عبّاس
2. سلمان الفارسي- 4. مسروق
17658. ابن الأثير : في حديث أبي ذرّ يصف عليّاً: وإنّه لعالم الأرض وزِرّها الّذي تسكن إليه. (1)
17659. الزينبي : عن الإمام محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان (2)، حدّثنا محمّد بن محمّد بن مرّة، عن الحسن بن علي العاصمي، عن محمّد بن عبدالملك بن أبي الشوارب، عن جعفر بن سليمان الضبعي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ، قال:
ص:158
سئل سلمان الفارسي رضي الله عنه عن علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: عليكم بعلي بن أبي طالب عليه السلام فإنّه مولاكم فأحبّوه، وكبيركم فاتّبعوه، وعالمكم فأكرموه، وقائدكم إلي الجنّة [فعزّزوه] ... . (1)
17660. أبوعبيد الهروي : في حديث سلمان: وإنّه لعالم الأرض وزرّها الّذي تسكن إليه - يعني عليّاً عليه السلام - . (2)
17661. إبراهيم البيهقي : أبوعثمان قاضي الري، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، قال:
كان عبدالله بن عبّاس بمكّة يحدّث علي شفير زمزم ونحن عنده، فلمّا قضي حديثه قام إليه رجل فقال: يا ابن عبّاس، إنّي امرؤ من أهل الشام من أهل حمص، إنّهم يتبرّؤون من علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- ويلعنونه!
فقال: بل لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً، أ لبعد قرابته من رسول الله صلى الله عليه و سلم , وأنّه لم يكن أوّل ذكران العالمين إيماناً بالله ورسوله، وأوّل من صلّي وركع وعمل بأعمال البرّ؟
قال الشامي: إنّهم والله ما ينكرون قرابته وسابقته غير أنّهم يزعمون أنّه قتل الناس.
فقال ابن عبّاس: ثكلتهم امّهاتهم! إنّ عليّاً أعرف بالله -عزّ وجلّ - وبرسوله وبحكمهما منهم، فلم يقتل إلّا من استحقّ القتل.
قال: يا ابن عبّاس، إنّ قومي جمعوا لي نفقة وأنا رسولهم إليك وأمينهم ولا يسعك أن تردّني بغير حاجتي، فإنّ القوم هالكون في أمره ففرّج عنهم فرّج الله عنك.
ص:159
فقال ابن عبّاس: يا أخا أهل الشام، إنّما مثل علي في هذه الاُمّة في فضله وعلمه كمثل العبد الصالح الّذي لقيه موسي عليه السلام لمّا انتهي إلي ساحل البحر قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً* قالَ العالم: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً* قالَ موسي: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللّهُ صابِراً وَ لا أَعْصِي لَكَ أَمْراً* قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً* فَانْطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها وكان قد خرقها لله -جلّ وعزّ- رضي ولأهلها صلاحاً، وكان عند موسي عليه السلام سخطاً وفساداً، فلم يصبر موسي وترك ما ضمن له و قالَ أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً* قالَ له العالم: قالَ أَ لَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ موسي: لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَ لا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً فكفّ عنه العالم فَانْطَلَقا حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً فَقَتَلَهُ وكان قتله لله -جلّ وعزّ - رضي ولأبويه صلاحاً، وكان عند موسي عليه السلام ذنباً عظيماً، قال موسي ولم يصبر: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً* قالَ العالم: أَ لَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ ءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً* فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ وكانت إقامته لله -عزّ وجلّ - رضي وللعالمين صلاحاً قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً* قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ 1 ، وكان العالم أعلم بما يأتي موسي عليه السلام وكبر علي موسي الحقّ وعظم إذ لم يكن يعرفه هذا وهو نبي مرسل من اولي العزم ممّن قد أخذ الله -جلّ وعزّ- ميثاقه علي النبوّة.
فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك ؟ إنّ عليّاً رضي الله عنه لم يقتل إلّا من كان يستحلّ قتله،
ص:160
وإنّي اخبرك أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عند امّ سلمة بنت أبي اُميّة إذ أقبل علي عليه السلام يريد الدخول علي النبيّ صلى الله عليه و سلم فنقر نقراً خفيّاً فعرف رسول الله صلى الله عليه و سلم نقره فقال: يا امّ سلمة، قومي فافتحي الباب.
فقالت: يا رسول الله، من هذا الّذي يبلغ خطره أن أستقبله بمحاسني ومعاصمي ؟ فقال: يا امّ سلمة، إنّ طاعتي طاعة الله -جلّ وعزّ - ، قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ 1 ، قومي يا امّ سلمة، فإنّ بالباب رجلاً ليس بالخرق، ولا النزق، ولا بالعجل في أمره، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.
يا امّ سلمة، إنّه إن تفتحي الباب له فلن يدخل حتّي يخفي عليه الوط ء. فلم يدخل حتّي غابت عنه وخفي عليه الوط ء.
فلمّا لم يحسّ لها حركة دفع الباب ودخل، فسلّم علي النبيّ صلى الله عليه و سلم ، فردّ عليه السلام وقال: يا امّ سلمة، هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم، هذا علي بن أبي طالب.
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم هذا علي سيط لحمه بلحمي، ودمه بدمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي.
يا امّ سلمة، هذا علي سيّد مبجّل، مؤمّل المسلمين، وأمير المؤمنين، وموضع سرّي وعلمي، وبابي الّذي اوي إليه، وهو الوصي علي أهل بيتي وعلي الأخيار من امّتي، هو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السنام (1) الأعلي.
اشهدي يا امّ سلمة أنّ عليّاً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ... . (2)
17662. البسوي : حدّثنا عبيدالله بن موسي، قال: أخبرنا جعفر بن زياد، عن منصور، عن مسروق، قال:
ص:161
انتهي العلم إلي ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبدالله بن مسعود، وعالم الشام أبوالدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة، ولم يسألهم. (1)
17663. أبوطاهر المخلّص : حدّثنا أبوبكر يعقوب بن إبراهيم بن عيسي البزّاز، حدّثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي، حدّثنا عبيدالله بن موسي، حدّثنا جعفر الأحمر، عن منصور، قال: قال مسروق:
انتهي العلم إلي ثلاثة: عالم بالشام، وعالم بالمدينة، وعالم بالعراق، فعالم الكوفة ابن مسعود، وعالم الشام أبوالدرداء، وعالم المدينة علي بن أبي طالب، فإذا التقوا سأل عالم الشام عالم العراق، وسأل عالم العراق عالم المدينة، ولم يسألهم. (2)
ولاحظ ما سيأتي في عنوان: «أنّه عليه السلام أكثر الاُمّة علماً وأعلمهم»، وفي الخاتمة: «رجوع الصحابة وإرجاعهم إلي علي عليه السلام » و «ما قالوا في علمه عليه السلام ». (3)
برواية: الحسن بن علي عليهما السلام
17664. ابن أبي شيبة : حدّثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال:
خطب الحسن بن علي حين قتل علي فقال: يا أهل الكوفة -أو يا أهل العراق- ، لقد كان بين أظهركم رجل قتل الليلة - أو اصيب اليوم - لم يسبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون ... . (4)
ص:162
17665. وكيع : عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، قال:
خطبنا الحسن بن علي بعد وفاة علي فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون ... . (1)
17666. وكيع : عن شريك، عن عاصم [بن بهدلة]، عن أبي رزين [مسعود بن مالك]، قال:
خطبنا الحسن بن علي بعد وفاة علي وعليه عمامة سوداء فقال: لقد فارقكم رجل لم يسبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون. (2)
17667. الباغندي : حدّثنا عبيدالله بن موسي، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي اسحاق، عن هبيرة بن يريم:
أنّ الحسن بن علي -رضي الله تعالي عنهما- قام وخطب الناس وقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون، ولا يدركه الآخرون بعلم ... . (3)
17668. الطبراني : حدّثنا محمود بن محمّد الواسطي، حدّثنا وهب بن بقيّة، حدّثنا محمّد بن الحسن المزني، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال:
سمعت الحسن بن علي رضي الله عنه يخطب الناس فقال: يا أيّها الناس، لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون ... . (4)
17669. أبوالقاسم البغوي : حدّثنا عيسي بن سالم، حدّثنا عبيدالله بن عمرو
ص:163
الأسدي الرقّي أبووهب، عن زيد بن أبي اُنيسة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن الحسن بن علي أنّه قال:
قد فاتكم - وفي حديث ابن النقّور: لقد فارقكم -رجل لم يسبقه أحد من الأوّلين بعلم، ولم يدركه أحد من الآخرين ... . (1)
17670. وكيع : عن شريك، عن أبي إسحاق، عن هبيرة:
خطبنا الحسن بن علي رضي الله عنه فقال: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه الآخرون ... . (2)
17671. عبدالرزّاق : حدّثنا يحيي بن العلاء، عن عمّه شعيب بن خالد، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال:
خطبنا الحسن بن علي صبيحة قتل علي فقال: لقد فارقكم منذ الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون، ولم يدركه الآخرون بعلم، ولقد صعد بروحه في الليلة الّتي صعد فيها بروح يحيي بن زكريّا ... . (3)
17672. عبدان الأهوازي : حدّثنا إسماعيل بن زكريّا الكوفي، حدّثنا علي بن عابس، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، قال:
خطب الحسن فقال: لقد فارقكم بالأمس رجل ما سبقه الأوّلون بعلم، ولا يدركه
ص:164
الآخرون ... . (1)
17673. الطبراني : حدّثنا موسي بن هارون ومحمّد بن الفضل السقطي، قالا: حدّثنا عيسي بن سالم الشاشي، حدّثنا عبيدالله بن عمرو، عن يزيد بن أبي اُنيسة، عن أبي إسحاق، عن هبيرة [بن] يريم، عن الحسن بن علي رضي الله عنه , قال:
لقد فارقكم رجل لم يسبقه أحد من الأوّلين بعلم، ولا يدركه أحد من الآخرين ... . (2)
برواية:
1. سعيد بن زيد- 4. عبدالله بن مسعود
2. سلمان الفارسي- 5. ما ورد مرسلاً
3. عبدالله بن عبّاس
17674. ابن ودعان : حدّثنا عمّي أحمد بن عبيدالله، حدّثنا أبوالحسين بن الصواف، حدّثنا عبدالله بن أبي سفيان، حدّثنا محمّد بن الكديمي، حدّثنا زكريّا بن يحيي، حدّثنا إسماعيل بن عبّاد، عن شريك النخعي، عن سعيد بن زيد، قال:
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم من بيت زينب حتّي دخل بيت امّ سلمة - وكان يومها من رسول الله صلى الله عليه و آله - ، فلم يلبث أن جاء علي بن أبي طالب عليه السلام فدقّ الباب دقّاً خفيفاً فاستثبت رسول الله صلى الله عليه و آله الدقّ وقال: يا امّ سلمة، قومي فافتحي، فقلت (3): يا رسول الله، ما الّذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب وألقاه بمعاصمي وقد نزلت في بالأمس
ص:165
آية من كتاب الله تعالي ؟!
فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله كالمغضب: إنّ طاعة رسول الله كطاعة الله، وإنّ بالباب رجلاً ليس بنزق ولا خرق، يحبّ الله ورسوله، لم يكن يدخل حتّي ينقطع الوط ء.
قالت: فقمت ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتّي لم أسمع حسّاً استأذن ودخل، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : يا امّ سلمة، أ تعرفينه ؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب.
قال: صدقت، سجيّته سجيّتي، ودمه دمي، وهو عيبة علمي، فاسمعي واشهدي لو أنّ عبداً من عباد الله -عزّ وجلّ - عبد الله ألف عام وألف عام بعد ألف عام بين الركن والمقام ثمّ لقي الله -عزّ وجلّ - مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله تعالي علي منخره يوم القيامة في نار جهنّم. (1)
17675. البلاذري : حدّثنا الحسين بن علي بن الأسود ومحمّد بن سعد، قالا: حدّثنا عبيدالله بن موسي، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال:
مرّ رجل علي سلمان فقال: أري عليّاً يمرّ بين ظهرانيّكم فلاتقومون فتأخذون بحجزته! فوالّذي نفسي بيده لا يخبركم أحد بسرّ نبيّكم بعده. (2)
17676. إبراهيم البيهقي : روي أبوعثمان قاضي الري، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، قال:
كان عبدالله بن عبّاس بمكّة يحدّث علي شفير زمزم ونحن عنده، فلمّا قضي حديثه قام إليه رجل فقال: يا ابن عبّاس، إنّي امرؤ من أهل الشام من أهل حمص إنّهم
ص:166
يتبرّؤون من علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- ويلعنونه!
فقال: بل لعنهم الله في الدنيا والآخرة ... [إلي أن قال:] فكيف أنت يا أخا أهل الشام وأصحابك ؟ إنّ عليّاً رضي الله عنه لم يقتل إلّا من كان يستحلّ قتله، وإنّي اخبرك أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان عند امّ سلمة بنت أبي اُميّة إذ أقبل علي يريد الدخول علي النبيّ صلى الله عليه و سلم ... [إلي أن قال:] قال: يا امّ سلمة، هل تعرفين هذا؟ قالت: نعم، هذا علي بن أبي طالب.
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : نعم هذا علي سيط لحمه بلحمي، ودمه بدمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبي بعدي.
يا امّ سلمة، هذا علي سيّد مبجّل، مؤمّل المسلمين، وأميرالمؤمنين، وموضع سرّي وعلمي، وبابي الّذي اوي إليه، وهو الوصي علي أهل بيتي وعلي الأخيار من امّتي، هو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السنام الأعلي.
اشهدي يا امّ سلمة أنّ عليّاً يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.
قال ابن عبّاس: وقتلهم لله رضي وللاُمّة صلاح ولأهل الضلالة سخط .
قال الشامي: يا ابن عبّاس، من الناكثون ؟ قال: الّذين بايعوا عليّاً بالمدينة ثمّ نكثوا، فقاتلهم بالبصرة أصحاب الجمل، والقاسطون معاوية وأصحابه، والمارقون أهل النهروان ومن معهم.
فقال الشامي: يا ابن عبّاس، ملأت صدري نوراً وحكمة وفرّجت عنّي فرّج الله عنك، أشهد أنّ عليّاً رضي الله عنه مولاي ومولي كلّ مؤمن ومؤمنة. (1)
17677. البسوي : أنبأنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم الحضرمي، حدّثنا حسن بن حسين العرني، حدّثنا يحيي بن عيسي الرملي، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاُمّ سلمة:
هذا علي بن أبي طالب، لحمه لحمي، ودمه دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي
ص:167
إلّا أنّه لا نبي بعدي.
يا امّ سلمة، هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين وصيّي، ووعاء (1) علمي، وبابي الّذي اوتي منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في السنام الأعلي، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين. (2)
17678. الطبري : حدّثنا عبدالله بن داهر بن يحيي الرازي، حدّثنا أبي داهر بن يحيي المقرئ، حدّثنا الأعمش، عن عباية، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
هذا علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبي بعدي.
وقال: يا امّ سلمة، اشهدي واسمعي هذا علي أميرالمؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الّذي اوتي منه، أخي في الدنيا، وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلي. (3)
17679. ابن عدي : حدّثنا أحمد بن حمدون النيسابوري، حدّثنا ابن بنت أبي اُسامة -هو جعفر بن هذيل - ، حدّثنا ضرار بن صرد، حدّثنا يحيي بن عيسي الرملي، عن الأعمش، عن عباية، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم , قال:
علي عيبة علمي. (4)
ص:168
17680. أحمد بن محمّد الطبري : حدّثنا أبوبكر أحمد بن هشام الطبري - بطبرستان - ، قال: حدّثنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم القرشي، قال: حدّثنا الحسن بن الحسين، عن يحيي بن يعلي، عن الأعمش.
وحدّثني أيضاً جعفر بن محمّد الكوفي، قال: حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي، قال: حدّثني أبي داهر بن يحيي، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن ابن عبّاس [في حديث طويل], قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله لاُمّ سلمة:
يا امّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي أميرالمؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الّذي اوتي منه ... . (1)
17681. أبونعيم : حدّثني حبيب بن الحسن، حدّثني عبدالله بن أيّوب القربي، حدّثنا زكريّا بن يحيي المقرئ، حدّثنا إسماعيل بن عبّاد المدني، عن شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، قال:
خرج النبيّ صلى الله عليه و آله من عند زينب بنت جحش فأتي بيت امّ سلمة -وكان يومها من رسول الله صلى الله عليه و آله - فلم يلبث أن جاء علي، فدقّ الباب دقّاً خفيّاً، فاستثبت رسول الله صلى الله عليه و آله الدقّ وأنكرته امّ سلمة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله : قومي فافتحي له الباب. فقالت: يا رسول الله، من هذا الّذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقّاه بمعاصمي وقد نزلت في آية في كتاب الله بالأمس ؟!
فقال لها كالمغضب: إنّ طاعة الرسول طاعة [الله]، ومن عصي الرسول فقد عصي [الله]، إنّ بالباب رجلاً ليس بالنزق، ولا بالخرق، يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. ففتحت له الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتّي إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة وصرت إلي خدري استأذن، فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : أتعرفينه ؟ قلت: نعم، هذا علي بن أبي طالب.
ص:169
قال: صدقت، سحنته من سحنتي (1)، ولحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة علمي، اسمعي واشهدي، هو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، اسمعي واشهدي، هو والله محيي سنّتي، اسمعي واشهدي، لو أنّ عبداً عبدالله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن والمقام ثمّ لقي الله مبغضاً لعلي لأكبّه الله يوم القيامة علي منخريه في النار. (2)
17682. ابن شجرة : حدّثنا القاسم بن العبّاس المعسري، حدّثنا زكريّا بن يحيي الخزّاز المقرئ، حدّثنا إسماعيل بن عبّاد، حدّثنا شريك، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، قال:
خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من بيت زينب بنت جحش وأتي بيت امّ سلمة، فكان يومها من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلم يلبث أن جاء علي، فدقّ الباب دقّاً خفيفاً، فانتبه النبيّ صلى الله عليه و سلم للدقّ وأنكرته امّ سلمة، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قومي فافتحي له. قالت: يا رسول الله، من هذا الّذي من خطره ما يفتح له الباب، أتلقّاه بمعاصمي وقد نزلت في آية من كتاب الله بالأمس ؟!
فقال لها كهيئة المغضب: إنّ طاعة الرسول طاعة الله، ومن عصي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد عصي الله، إنّ بالباب رجلاً ليس بعرق ولا علق، يحبّ الله ورسوله لم يكن ليدخل حتّي ينقطع الوط ء.
قالت: فقمت وأنا أختال في مشيتي، وأنا أقول: بخ بخ، من ذا الّذي يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله ؟ ففتحت الباب، فأخذ بعضادتي الباب حتّي إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة وصرت في خدري استأذن، فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يا امّ سلمة، أتعرفينه ؟ قالت: نعم يا رسول الله، هذا علي بن أبي طالب.
قال: صدقت، سيّد احبّه، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو عيبة بيتي (3)، اسمعي واشهدي، وهو قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين من بعدي، فاسمعي واشهدي، وهو قاضي عداتي، فاسمعي واشهدي، وهو والله يحيي سنّتي، فاسمعي واشهدي، لو أنّ عبداً
ص:170
عبد الله ألف عام بعد ألف عام وألف عام بين الركن والمقام ثمّ لقي الله مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبّه الله علي منخريه يوم القيامة في نار جهنّم. (1)
17683. ابن أبي الحديد : قوله [ صلى الله عليه و آله و سلم ] فيه: [علي] خازن علمي. (2)
برواية:
1. زيد بن أبي أوفي- 3. قثم بن العبّاس
2. علي بن أبي طالب عليه السلام
17684. أبوالقاسم البغوي : حدّثنا الحسين بن محمّد الذرّاع البصري، قال: حدّثنا عبدالمؤمن بن عبّاد العبدي، حدّثنا يزيد بن معن، عن عبدالله بن شرحبيل، عن زيد بن أبي أوفي.
حيلولة: وحدّثني محمّد بن علي الجوزجاني، حدّثنا نصر بن علي الجهضمي، أخبرنا عبدالمؤمن بن عبّاد [العبدي، حدّثني يزيد بن معن، عن عبدالله بن شرحبيل، عن رجل
ص:171
من قريش، عن زيد بن] أبي أوفي، قال:
دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده [فقال:] أين فلان بن فلان ؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقّدهم ويبعث إليهم حتّي توافوا عنده، فلمّا توافوا عنده [دعا] الله وأثني عليه، ثمّ قال:
إنّي محدّثكم حديثاً (1) فاحفظوه وعُوه وحدّثوا به من بعدكم، إنّ الله اصطفي من خلقه خلقاً، ثمّ تلا: اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ 2 خلقاً يدخلهم الجنّة، وإنّي أصطفي (2) منكم من احبّ أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخي الله تعالي بين ملائكته ... .
فقال علي رضي الله عنه [بعد ما آخي رسول الله صلى الله عليه و آله بين الأصحاب]: لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت؛ غيري، فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبي والكرامة.
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : والّذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلّا لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسي، غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي.
قال: وما أرث منك يا نبي الله ؟ قال: ما ورّثت الأنبياء من قبلي.
قال: وما ورّثت الأنبياء من قبلك ؟ قال: كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنّة، وفاطمة ابنتي (3)، وأنت أخي ورفيقي.
ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم : إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 5 المتحابّين في الله (4) ينظر بعضهم إلي بعض. (5)
ص:172
17685. البزّار : حدّثنا الحسين بن محمّد الذرّاع ... مثله بالإسناد الأوّل، مع مغايرة طفيفة في بعض العبارات. (1)
17686. القطيعي : حدّثنا أحمد بن عبدالجبّار الصوفي، قال: حدّثنا أبوعلي الحسين بن محمّد السعدي البصري - في جمادي الاُولي سنة إحدي وثلاثين ومئتين - ، قال: حدّثنا عبدالمؤمن بن عبّاد العبدي، قال: حدّثنا يزيد بن معن، عن عبدالله بن شرحبيل، عن زيد بن أبي أوفي، قال:
دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجده فقال: أين فلان ؟ أين فلان ؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقّدهم، ويبعث إليهم حتّي توافوا عنده، فحمد الله وأثني عليه، فآخي بينهم، - وذكر حديث المؤاخاة بينهم - فقال علي ... وذكر مثله. (2)
17687. ابن أبي عاصم : حدّثنا نصر بن علي، حدّثنا عبدالمؤمن بن عبّاد العبدي، حدّثنا يزيد بن معن، قال: أخبرني عبدالله بن شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد
ص:173
بن أبي أوفي، قال:
دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم مسجد المدينة، فجعل يقول: أين فلان بن فلان ؟ ويبعث إليهم حتّي اجتمعوا عنده، فقال: إنّي احدّثكم بحديث فاحفظوه ... وذكر مثله مع مغايرة ذكرناها في هامش رواية أبي القاسم البغوي. (1)
17688. الطبراني : حدّثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدّثنا نصر بن علي، حدّثنا عبدالمؤمن بن عبّاد بن عمرو العبدي، حدّثنا يزيد بن معن، حدّثني عبدالله بن شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفي، قال:
دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم في مسجد المدينة فجعل يقول: أين فلان بن فلان ؟ فلم يزل يتفقّدهم ويبعث إليهم حتّي اجتمعوا عنده، فقال: إنّي محدّثكم بحديث فاحفظوه وعُوه وحدّثوا به من بعدكم، إنّ الله اصطفي من خلقه خلقاً، ثمّ تلا هذه الآية: اَللّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النّاسِ 2 خلقاً يدخلهم الجنّة، وإنّي مصطفي منكم من احبّ أن أصطفيه ومؤاخ بينكم كما آخي الله بين الملائكة ... .
فقال علي [بعد ما آخي رسول الله صلى الله عليه و سلم بين بعض الأصحاب] : يا رسول الله، ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت ما فعلت بأصحابك غيري، فإن كان من سخطة علي فلك العتبي والكرامة.
فقال: والّذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلّا لنفسي، فأنت عندي بمنزلة هارون من موسي ووارثي.
فقال: يا رسول الله، ما أرث منك ؟ قال: ما أورثت الأنبياء.
قال: وما أورثت الأنبياء قبلك ؟ قال: كتاب الله وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنّة مع فاطمة ابنتي، ورفيقي.
ص:174
ثمّ تلا رسول الله صلى الله عليه و سلم الآية: إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 1 الأخلّاء في الله ينظر بعضهم إلي بعض. (1)
17689. العاصمي : أخبرنا محمّد بن أبي زكريّا، قال: حدّثنا أبوسعيد محمّد بن إبراهيم - إملاء في شهر ربيع الأوّل سنة ثمانين وثلاثمئة - ، قال: حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن محمّد بن سفيان، قال: حدّثنا محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا نصر بن علي، قال: حدّثنا عبدالمؤمن بن عبّاد، قال: حدّثنا يزيد بن معن، قال: حدّثني عبدالله بن شرحبيل.
[حيلولة:] قال: وحدّثنا أيّوب بن الحسن - الرجل الصالح - ، قال: حدّثنا عبدالرحيم بن واقد الواقدي، قال: حدّثنا شعيب بن يونس، قال: حدّثنا موسي بن صهيب، عن يحيي بن زكريّا، عن عبدالله بن شرحبيل، عن رجل من قريش، عن زيد بن أبي أوفي، قال: [وذكر حديث المؤاخاة إلي أن قال]:
فقال النبي: والّذي بعثني بالكرامة ما أخّرتك إلّا لنفسي، وأنت عندي بمنزلة هارون من موسي, غير أنّه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي.
قال [علي]: يا رسول الله، ما أرث منك ؟ قال: ما [أ]ورثت الأنبياء قبلي.
قال: وما أورثت الأنبياء قبلك ؟ قال: كتاب الله وسنّة نبيّهم، وأنت معي في قصري في الجنّة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي.
ثمّ تلا رسول الله -صلّي الله عليه- : إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ 3 الأخلّاء في
ص:175
الله ينظر بعضهم إلي بعض.
زاد علي بن سلمة (1) عند قوله: مع ابنتي فاطمة: هي زوجتك في الدنيا، وزوجتك في الآخرة. (2)
17690. الحاكم : حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئ، حدّثنا أحمد بن نصر، حدّثنا عمرو بن طلحة القنّاد، حدّثنا أسباط بن نصر، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- , قال:
كان علي يقول في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنّ الله يقول: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ 3 والله لا ننقلب علي أعقابنا بعد إذ هدانا الله، والله لئن مات أو قتل لاُقاتلنّ علي ما قاتل عليه حتّي أموت، والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمّه ووارث علمه، فمن أحقّ به منّي ؟ (3)
17691. الخوارزمي : ثمّ إنّ معاوية أرسل إلي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام اثني عشر رجلاً في طلب الماء، فأتوا عليّاً عليه السلام ، فخرج علي عليه السلام وعليه رداء رسول الله صلى الله عليه و آله ونصب له كرسي، فجلس عليه، ثمّ تكلّم من الشاميّين حوشب، فقال: ملكت فاسجح وعد علينا بالماء واعد عمّا سلف من معاوية. وقال رجل من الشاميّين -اسمه مقاتل بن زيد العكي- : يا أميرالمؤمنين وإمام المسلمين وابن عمّ رسول ربّ العالمين، إنّ معاوية يعتلّ بدم عثمان، والله ما يطلب بذلك إلّا الملك والسلطان، والله يعلم أنّي احبّك وإن كنت من أهل الشام، والله لا أرجع إلي معاوية بل أخدمك وأكون أوّل مبارز، عسي اقتل بين
ص:176
يديك، فإنّ القتل في طاعتك شهادة.
ثمّ حمد الله أميرالمؤمنين عليه السلام وأثني عليه بما هو أهله، وصلّي علي رسوله محمّد وآله الطيّبين، ثمّ قال: معاشر الناس، أنا أخو رسول الله صلى الله عليه و آله ووصيّه ووارث علمه، خصّني وحباني بوصيّته، واختارني من بينهم، وزوّجني ابنته بعد ما خطبها عدّة فلم يزوّجهم، وإنّما زوّجنيها بأمر ربّه تعالي، فوهب لي منها ذرّيّة طيّبة، فمن اعطي مثل ما اعطيت ؟! (1)
17692. الحاكم : أخبرنا أبوالنضر محمّد بن يوسف الفقيه، حدّثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدّثنا النفيلي، حدّثنا زهير، حدّثنا أبوإسحاق.
قال عثمان: وحدّثنا علي بن حكيم الأودي وعمرو بن عون الواسطي، قالا: حدّثنا شريك بن عبدالله، عن أبي إسحاق، قال:
سألت قثم بن العبّاس: كيف ورث علي رسول الله صلى الله عليه و سلم دونكم ؟ قال: لأنّه كان أوّلنا به لحوقاً وأشدّنا به لزوقاً.
سمعت قاضي القضاة أباالحسن محمّد بن صالح الهاشمي يقول: سمعت أباعمر القاضي يقول: سمعت إسماعيل بن إسحاق القاضي يقول - وذكر له قول قثم هذا - فقال: إنّما يرث الوارث بالنسب أو بالولاء، ولا خلاف بين أهل العلم أنّ ابن العمّ لا يرث مع العمّ ، فقد ظهر بهذا الإجماع أنّ عليّاً ورث العلم من النبيّ صلى الله عليه و سلم دونهم. (2)
برواية: علي بن أبي طالب عليه السلام
17693. ابن سعد وعبّاس الدوري ومحمّد بن عثمان بن أبي شيبة وأبوزرعة الرازي :
ص:177
أخبرنا أحمد بن عبدالله بن يونس، أخبرنا أبوبكر بن عيّاش، عن نصير بن أبي الأشعث, عن سليمان الأحمسي، عن أبيه، قال: قال علي:
والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت، وأين نزلت، وعلي من نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً طلقاً. (1)
17694. ابن السمّاك : حدّثنا الحسين بن سالم السواق، قال: أخبرني [أحمد بن عبدالله بن] يونس، قال: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن نصير, عن سليمان الأحمسي (2)، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام , قال:
والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت فيم نزلت، وأين نزلت، وعلي من نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً ناطقاً. (3)
17695. البلاذري : حدّثنا عبدالله بن صالح العجلي، حدثنا أبوبكر بن عيّاش، عن نصير، عن سليمان الأحمسي، عن أبيه، قال: قال علي:
والله ما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت، وأين نزلت، إنّ ربّي وهب لي قلباً عقولاً، ولساناً سؤولاً. (4)
ص:178
17696. مطيّن : أنبأنا طاهر بن أبي أحمد، أنبأنا أبوبكر بن عيّاش، عن ثوير، عن أبيه، عن علي، قال:
كان لي لسان سؤول، وقلب عقول، وما نزلت آية إلّا وقد علمت في ما نزلت، وبما نزلت، وعلي من نزلت، وإنّ الدنيا يعطيها الله من أحبّ ومن أبغض، وإنّ الإيمان لا يعطيه الله إلّا من أحبّ . (1)
برواية:
1. أنس بن مالك- 8. عبدالله بن عبّاس
2. أبي برزة الأسلمي- 9. عبدالله بن عمر
3. بريدة الأسلمي- 10. علي بن أبي طالب عليه السلام
4. جابر بن عبدالله- 11. مكحول
5. أبي رافع- 12. وهيب
6. عبدالله بن جعفر- 13. ما ورد مرسلاً
7. عبدالله بن الحسن
17697. عبدالرزّاق : عن سعيد بن بشير، عن قتادة:
عن أنس في قوله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ 2 , قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : سألت الله أن
ص:179
يجعلها اذنك يا علي. (1)
17698. القرطبي : قال أبوبرزة الأسلمي:
قال النبيّ صلى الله عليه و سلم لعلي: يا علي، إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك، وأن تعي، وحقّ علي الله أن تعي. (2)
17699. مكحول : عن بريدة، قال:
تلا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , فقال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي.
قال علي: فما نسيت شيئاً بعد ذلك.
[هذا] لفظ أحمد [بن علي الأصبهاني]، ونقص محمّد [بن عبدالرحمان لفظة]: يا علي. (3)
17700. الطبري : حدّثني محمّد بن خلف، قال: حدّثنا الحسن بن حمّاد، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم أبويحيي التيمي، عن فضيل بن عبدالله، عن أبي داوود، عن بريدة الأسلمي، قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي: إنّ الله أمرني أن اعلّمك، وأن ادنيك ولا أجفوك ولا اقصيك، ثمّ ذكر مثله. (4)
ص:180
17701. الطرسوسي وعبّاس الدوري : حدّثنا بشر بن آدم، حدّثنا عبدالله بن الزبير، عن صالح بن ميثم، قال: سمعت بريدة الأسلمي قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وحقّ علي الله أن تعي.
قال: ونزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (1)
17702. الخرائطي : حدّثنا إبراهيم بن عبدالله بن الجنيد، حدّثنا بشر بن آدم، حدّثنا [أبو]محمّد [عبدالله] بن الزبير الأسدي، عن صالح بن ميثم، قال: سمعت بريدة الأسلمي يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وإنّ حقّاً علي الله أن تعي. ونزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ .
قال: اذن عقلت عن الله عزّ وجلّ . (2)
17703. ابن أبي حاتم : حدّثنا جعفر بن محمّد بن عامر, حدّثنا بشر بن آدم, حدّثنا عبدالله بن الزبير أبومحمّد -يعني والد أبي أحمد الزبيري- ، حدّثني صالح بن ميثم، سمعت بريدة الأسلمي يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: إنّي اريد أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وحقّ لك أن تعي.
ص:181
قال: فنزلت هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (1)
17704. السبيعي : حدّثنا أبوالعبّاس أحمد بن عبدالله بن نصر بن بحير القاضي، قال: حدّثني أبي، حدّثنا بشر بن آدم ... مثله. (2)
17705. أبوحازم العبدويي : أخبرنا أبوالحسن العبدي، أخبرنا أبونعيم الأسترآبادي، حدّثنا أبوجعفر محمّد بن أحمد العطّار - بحلب - ، حدّثنا بشر بن آدم، به سواء إلّا ما غيّرت. (3)
17706. الصفّار : حدّثنا تمتام [محمّد بن غالب]، قال: حدّثني بشر بن آدم البلخي، حدّثنا عبدالله بن الزبير الأسدي، عن صالح بن ميثم، قال: سمعت بريدة الأسلمي يقول:
قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم لعلي: إنّ الله تعالي أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأقرأ عليك وأن تعي، وحقّاً علي الله أن تعي.
قال: ونزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (4)
17707. أبوسهل القطّان : حدّثنا محمّد بن غالب، حدّثنا بشر بن آدم، حدّثنا عبدالله بن الزبير الأسدي، عن صالح بن ميثم، قال: سمعت بريدة الأسلمي يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وحقّ علي الله أن تعي.
قال: ونزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (5)
ص:182
17708. الثعلبي والحسكاني : أخبرني الحسين بن محمّد بن الثقفي ابن فنجويه، قال: حدّثني الحسين بن محمّد المعروف بابن حبش المقرئ، قال: حدّثنا أبوالقاسم بن الفضل المقرئ، قال: حدّثنا محمّد بن غالب البغدادي، قال: حدّثني بشر بن آدم، قال: حدّثني عبدالله بن الزبير الأسدي، قال: حدّثنا صالح بن ميثم، قال: سمعت بريدة الأسلمي يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: إنّ الله -عزّ وجلّ - أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وحقّ علي الله أن تعي.
قال: ونزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (1)
17709. مطيّن : حدّثنا محمّد بن يحيي بن أبي سمينة، حدّثنا بشر بن آدم, حدّثنا عبدالله بن الزبير، عن صالح بن ميثم، قال: سمعت بريدة الأسلمي يقول:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعيه، وحقّ علي الله أن تعيه.
قال: ونزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (2)
17710. ابن المغازلي : أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب - إجازة - ، أخبرنا عمر بن عبدالله بن شوذب، حدّثنا أبي، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عامر، حدّثنا بشر بن آدم، حدّثنا أبوأحمد الزبيري، حدّثنا صالح بن ميثم، عن [عبدالله] بن بريدة، عن أبيه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي: امرت أن ادنيك ولا اقصيك، وأن تعي، وحقّ لك أن تعي. فاُنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (3)
ص:183
17711. الطبري : حدّثني محمّد بن خلف، قال: حدّثنا بشر بن آدم، قال: حدّثنا عبدالله بن الزبير، قال: حدّثنا عبدالله بن رستم، قال: سمعت بريدة يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي: يا علي، إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وحقّ علي الله أن تعي.
قال: فنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (1)
17712. ابن مردويه والبخاري : عن بريدة، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تعي، وحقّ لك أن تعي. فنزلت هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (2)
17713. ابن مردويه : عن بريدة الأسلمي رضي الله عنه ، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام : [إنّ الله] أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك وأن تسمع وتعي.
قال: فنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ .
قال علي -كرّم الله وجهه- : ما سمعت من نبي الله كلاماً إلّا وعيته وحفظته فلم أنسه. (3)
17714. العبّاس بن بكّار : حدّثنا عبّاد بن كثير، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:
نزلت علي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية:[ وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ]، فسأله أن يجعلها اذن علي، ففعل. (4)
ص:184
17715. البزّار : حدّثنا عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا علي بن هاشم بن البريد، عن محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع، عن عبدالله بن عبدالرحمان، عن جابر.
قال محمّد: وحدّثني أبي وعبدالله - يعني عمّه وعبيدالله - ، عن أبيهما، عن أبي رافع:
أنّ رسول الله قال لعلي بن أبي طالب: إنّ الله أمرني أن اعلّمك ولا أجفوك، وأن ادنيك ولا اقصيك، فحقّ علي أن اعلّمك، وحقّ عليك أن تعي. (1)
17716. البزّار : حدّثنا نجيح بن إبراهيم الكوفي، قال: حدّثنا ضرار بن صرد، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك، قال: حدّثنا عبدالرحمان بن أبي مليكة، عن إسماعيل بن عبدالله بن جعفر، عن أبيه:
أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعلي رضي الله عنه : إنّ الله - تبارك و تعالي - أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك ولا أجفوك. (2)
17717. الثعلبي : أخبرني ابن فنجويه، قال: حدّثنا ابن حيّان، قال: حدّثنا إسحاق بن محمّد، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسي، قال: حدّثنا علي بن علي، قال: حدّثنا أبوحمزة الثمالي، قال: حدّثني عبدالله بن الحسن، قال:
حين نزلت هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي.
ص:185
قال علي: فما نسيت شيئاً بعد، وما كان لي أن أنساه. (1)
17718. البسوي : حدّثنا الفضل بن دكين، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي بن أبي طالب: يا علي، إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن احبّك واُحبّ من يحبّك، وأن اعلّمك وتعي، وحقّ علي الله أن تعي. فأنزل الله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت ربّي أن يجعلها اذنك يا علي.
قال علي: فمنذ نزلت هذه الآية ما سمعت اذناي شيئاً من الخير والعلم والقرآن إلّا وعيته وحفظته. (2)
17719. الحاكم : أخبرنا أبوعلي الحسين بن محمّد الصغاني - بمرو - ، حدّثنا أبورجاء محمّد بن حمدويه السنجي، حدّثنا العلاء بن مسلمة، حدّثني أبوسالم البغدادي، حدّثنا أبوقتادة الحرّاني عبدالله بن واقد، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، قال:
لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله : سألت ربّي أن يجعلها اذن علي.
[و] قال علي: ما سمعت من رسول الله شيئاً إلّا حفظته ووعيته ولم أنسه. (3)
ص:186
17720. العاصمي : روي عن ابن عبّاس [أنّه قال]: الاُذن الواعية [هو] علي. (1)
17721. أبونعيم : عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:
يا علي، إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، واُعلّمك ولا أجفوك. (2)
17722. مكحول : عن علي في قوله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، قال علي: قال النبيّ صلى الله عليه و سلم : دعوت الله أن يجعلها اذنك يا علي. (3)
17723. مكحول : عن علي، قال:
لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله : سألت الله تعالي أن يجعلها اذنك، ففعل. (4)
17724. مكحول : عن علي في قوله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال: قال علي: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله : دعوت الله أن يجعلها اذنك يا علي. (5)
17725. أبونعيم : أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن يعقوب بن عبدالله البغدادي المعروف بالمفيد - سنة ثمان وخمسين [وثلاثمئة] - ، قال: سمعت أباالدنيا المعمّر الأشجّ يقول:
ص:187
... سمعت عليّاً يقول: لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال النبيّ صلى الله عليه و سلم : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي. (1)
17726. الحسكاني : أخبرنا القاضي أبوالفضل أحمد بن محمّد بن عبدالله الرشيدي وأبوسعيد بن أبي رشيد وأبوعثمان بن أبي بكر الزعفراني وأبوعمرو بن أبي زكريّا الشعراني وغيرهم، قالوا: أخبرنا أبوبكر المفيد - بجرجرايا - ... مثله. (2)
17727. ابن عساكر : أخبرنا أبوغالب وأبوعبدالله ابنا البنّاء، قالا: أخبرنا أبوعلي الحسن بن غالب بن علي المقرئ - قراءة عليه، قال يحيي: وأنا حاضر - ، أخبرنا أبوبكر محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد - بجرجرايا إملاء - ، حدّثنا أبوعمرو عثمان بن الخطّاب - يعرف بأبي الدنيا الأشجّ - ، قال:
سمعت علي بن أبي طالب قال: لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال النبيّ صلى الله عليه و سلم : سألت الله - عزّ وجلّ - أن يجعلها اذنك يا علي. (3)
17728. ابن المغازلي : أخبرنا أبوالحسن علي بن عبيدالله بن القصّاب، حدّثنا أبوبكر ... مثله. (4)
17729. العاصمي : أخبرنا محمّد بن أبي زكريّا، قال: حدّثنا أبوبكر محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد الجرجرائي - بها في شهر رمضان سنة سبع وسبعين وثلاثمئة - , قال: حدّثنا أبوالدنيا المعمّر الأشجّ [أبوعمرو البلوي المغربي عثمان بن الخطّاب]، قال:
سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: لمّا نزلت هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال لي رسول الله
ص:188
-صلّي الله عليه - : سألت الله - عزّ وجلّ - أن يجعلها اذنك يا علي. (1)
17730. العاصمي : أخبرنا الشيخ محمّد بن الهيصم، قال: حدّثنا أبوبكر المفيد الجرجرائي - بها - ، قال: حدّثنا أبوالدنيا، وذكر الحديث بتمامه. (2)
17731. الحسكاني : حدّثنا أبوالقاسم الحسن بن محمّد بن حبيب المفسّر والحاكم أبوعبدالله الحافظ وأبوسعيد محمّد بن موسي، جميعاً عن أبي عبدالله محمّد بن عبدالله الصفّار الأصبهاني الزاهد، حدّثنا أبوبكر الفضل [بن] جعفر الصيدلاني الواسطي -بواسط - ، حدّثنا زكريّا بن يحيي زحمويه، حدّثنا سنان بن هارون، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زرّ بن حبيش، عن علي بن أبي طالب، قال:
ضمّني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إليه وقال: أمرني ربّي أن ادنيك ولا اقصيك، وأن تسمع وتعي، وحقّ علي الله أن تعي. فنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (3)
17732. أبوالقاسم بن حبيب : أخبرنا أبوعبدالله محمّد بن عبدالله الصفّار، حدّثنا أبوبكر الفضل بن جعفر الصيدلاني الواسطي - بواسط - ، حدّثنا زكريّا بن يحيي زحمويه، حدّثنا سنان بن هارون، عن الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زرّ بن حبيش، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال:
ضمّني رسول الله صلى الله عليه و آله وقال لي: أمرني ربّي أن ادنيك ولا اقصيك، وأن تسمع وتعي، وحقّ علي الله أن تسمع وتعي. فنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (4)
17733. الدارقطني : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، حدّثنا يحيي بن زكريّا بن
ص:189
شيبان، حدّثنا يعقوب بن معبد، حدّثني مثنّي أبوعبدالله، عن سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة وهبيرة. وعن العلاء بن صالح، عن المنهال بن عمرو، عن عبّاد بن عبدالله الأسدي. وعن عمرو (1) بن واثلة، قالوا:
قال علي بن أبي طالب يوم الشوري: والله لأحتجنّ عليهم بما لا يستطيع قرشيّهم ولا عربيّهم ولا عجميّهم ردّه، ولا يقول خلافه.
ثمّ قال لعثمان بن عفّان ولعبدالرحمان بن عوف والزبير ولطلحة وسعد - وهم أصحاب الشوري وكلّهم من قريش وقد كان قدم طلحة - : ... نشدتكم بالله أ فيكم أحد دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم له في العلم وأن يكون اذنه الواعية مثل ما دعا لي ؟ قالوا: اللهمّ لا. (2)
17734. أبونعيم : حدّثنا محمّد بن عمر بن سلم، حدّثني أبومحمّد القاسم بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدّثني أبي، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمّد بن عبدالله، عن أبيه محمّد، عن أبيه عمر، عن أبيه علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا علي، إنّ الله أمرني أن ادنيك واُعلّمك لتعي، واُنزلت [علي] هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ . (3)
17735. الحسكاني : أخبرنا أبوالحسن الأهوازي، أخبرنا أبوبكر [محمّد بن عمر] البيضاوي، قال: حدّثني أبومحمّد القاسم بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن محمّد بن عبدالله، عن أبيه
ص:190
عبدالله، عن أبيه محمّد، عن أبيه عمر، عن أبيه علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله:
إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، واُعلّمك لتعي، واُنزلت علي هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، فأنت [الاُذن] الواعية لعلمي، يا علي، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا يؤتي المدينة إلّا من بابها. (1)
17736. العاصمي : أخبرنا محمّد بن أبي زكريّا الثقة، قال: حدّثنا أبوالحسن علي بن أحمد بن عبدان [الأهوازي] ... مثله. (2)
17737. ابن شاهين : حدّثنا ابن عقدة، أخبرنا أحمد بن الحسن، حدّثنا أبي، حدّثنا حصين، عن مسكين السمّان، عن [جعفر بن] محمّد بن [علي أبي] عبدالله، عن آبائه، عن علي، قال:
[لمّا نزل قوله تعالي: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ], قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي.
قال علي: فما نسيت شيئاً سمعته بعد. (3)
17738. ابن أبي داوود : حدّثنا أبوعمير [علي بن سهل الرملي] به، كما سوّيت. (4)
17739. ابن مردويه والمقدسي : عن علي في قوله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت الله أن يجعلها اذنك يا علي.
[قال:] فما سمعت من رسول الله شيئاً فنسيته. (5)
ص:191
17740. القضاعي : لمّا ضرب أميرالمؤمنين عليه السلام اجتمع إليه أهل بيته وجماعة من خاصّة أصحابه، فقال: ... لقد خبرني حبيب الله وخيرته من خلقه وهو الصادق المصدوق ... يا علي، إنّ الله - عزّ وجلّ - أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك ولا أهملك، وأن أقربك ولا أجفوك، فهذه وصيّته إلي وعهده لي ... . (1)
17741. الخوارزمي : قال علي عليه السلام :
ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله شيئاً إلّا حفظته ووعيته ولم أنسه. (2)
ولاحظ الروايات التالية عن مكحول.
17742. مكحول : في قوله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , فقال: [قرأها] النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم [فقال:] سألت ربّي فقلت: اللهمّ اجعلها اذن علي.
فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كلاماً إلّا وعيته وحفظته فلم أنسه. (3)
17743. مكحول : لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، قال النبيّ صلى الله عليه و آله : اللهمّ اجعلها اذن علي.
قال علي عليه السلام : فما سمعت باُذني شيئاً فنسيته. (4)
17744. مكحول : لمّا نزل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم : وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت ربّي أن يجعلها اذن علي.
فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئاً قطّ فنسيته. (5)
ص:192
17745. مكحول : قرأ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، فالتفت إلي علي فقال: يا علي، سألت الله أن يجعلها اذنك.
فقال علي: فما نسيت حديثاً - أو شيئاً - سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم . (1)
17746. مكحول : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، ثمّ التفت إلي علي فقال: سألت الله أن يجعلها اذنك.
قال علي رضي الله عنه : فما سمعت شيئاً من رسول الله صلى الله عليه و سلم فنسيته. (2)
17747. مكحول : لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال رسول الله لعلي: يا علي، سألته أن يجعلها اذنك. (3)
17748. مكحول : قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم : وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , فقال: يا علي، سألت الله أن يجعلها اذنك.
قال علي: فما نسيت حديثاً - أو شيئاً - سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم . (4)
17749. مكحول : إنّ رسول الله - صلّي الله عليه- قرأ: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ ، فالتفت إلي علي وقال: يا علي، سألت الله [أن] يجعلها اذنك. (5)
17750. مكحول : في قوله: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : فسألت ربّي: اللهمّ اجعلها اذن علي.
ص:193
فكان [علي] يقول: ما سمعت من نبي الله كلاماً إلّا وعيته وحفظته فلم أنسه. (1)
17751. مكحول : لمّا نزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : سألت ربّي أن يجعلها اذن علي.
فكان علي يقول: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم شيئاً فنسيته. (2)
17752. مكحول : أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال عند نزول هذه الآية: سألت ربّي أن يجعلها اذن علي.
فكان علي رضي الله عنه يقول: ما سمعت من رسول الله شيئاً قطّ نسيته إلّا وحفظته. (3)
17753. محمّد بن فضيل : حدّثنا عمارة بن القعقاع، عن وهيب المكّي، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك ولا أجفوك، فحقّ علي أن اعلّمك، وحقّ عليك علي أن تعي. (4)
17754. الإسكافي : وفي تحقيق ذلك ما تأثرونه من روايتكم عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنّه قال لعلي: إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، وأن اعلّمك ولا أجفوك، فحقيق علي أن اعلّمك، وحقيق عليك أن تعي. (5)
ص:194
17755. ابن أبي الحديد : وجاء في تفسير قوله تعالي: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ : سألت الله أن يجعلها اذنك، ففعل. (1)
برواية:
1. عبدالله بن عبّاس- 3. معاوية بن أبي سفيان
2. علي بن أبي طالب عليه السلام
17756. أحمد بن الفرات : حدّثنا سهل بن عبدربّه، حدّثنا عمرو بن أبي قيس، عن مطرّف بن طريف، عن المنهال بن عمرو، عن [أربدة] التميمي، عن ابن عبّاس، قال:
كنّا نتحدّث أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم عهد إلي علي سبعين عهداً لم يعهدها إلي غيره. (2)
17757. الدارقطني : ... عن داوود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه ... . (3)
ستأتي رواياته مع رواية زاذان، عن علي عليه السلام .
17758. البزّار : حدّثنا إبراهيم بن يوسف، قال: حدّثنا علي بن عابس، قال: حدّثنا إسماعيل، عن قيس وعن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري. وأبومريم، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال: قال علي رضي الله عنه :
ص:195
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني - أو كنت إذا سألت اعطيت - ، وإذا سكتّ ابتديت. (1)
17759. المحاملي : حدّثنا يوسف -هو ابن موسي- ، أخبرنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
قيل لعلي بن أبي طالب: حدّثنا عن نفسك يا أميرالمؤمنين. قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (2)
17760. مطيّن : حدّثنا إبراهيم بن يوسف الصيرفي، حدّثنا علي بن عابس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، [عن أبي البختري] وإسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قالا:
سئل علي ... قالوا: فأخبرنا عن نفسك. قال: إيّاها (3) أردتم ؟ كنت إذا سألت اعطيت، واذا سكتّ ابتديت، وإنّ بين الذقنين (4) لعلماً جمّاً. (5)
17761. الباغندي : نبّأنا إبراهيم بن يوسف الحضرمي، نبّأنا ابن عيّاش، عن الأعمش وأبي تميم، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري وإسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قالا: (6)
سئل علي بن أبي طالب ... قالوا: أخبرنا عن نفسك. قال: إيّاها (7) أردتم ؟ كنت إذا
ص:196
سكتّ ابتديت، إذا سألت اعطيت، وإنّ بين دفّتي علماً جمّاً.
قلت لإسماعيل بن أبي خالد: ما بين الدفّتين ؟ قال: جنبيه. (1)
17762. البسوي : حدّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثني عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
سئل علي عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ... قالوا: حدّثنا عن نفسك. قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (2)
17763. الباغندي : نبّأنا إبراهيم بن يوسف الحضرمي, نبّأنا ابن عيّاش، عن الأعمش.
ستأتي روايته مع رواية قيس بن أبي حازم، عن علي بن أبي طالب عليه السلام . (3)
17764. ابن سعد : أخبرنا أبومعاوية الضرير ومحمّد بن عبيد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
أتينا عليّاً فسألناه عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ... قلنا: فأخبرنا عن نفسك يا أميرالمؤمنين. قال: إيّاها (4) أردتم ؟ كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (5)
17765. المحاملي : حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصبّاح، حدّثنا محمّد بن عبيد، نبّأ الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
أتينا عليّاً فسألناه عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ... قلنا: أخبرنا عن نفسك يا أميرالمؤمنين. قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (6)
ص:197
17766. ابن أبي شيبة : حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، عن علي:
قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (1)
17767. النسائي : أخبرنا محمّد بن المثنّي، قال: حدّثنا أبومعاوية، قال: حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، عن علي، قال:
كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (2)
17768. ابن أبي غرزة : أخبرنا يعلي بن عبيد، حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
قيل لعلي: أخبرنا عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم . فقال: عن أيّهم تسألون ؟ قالوا: ... فأنت يا أميرالمؤمنين ؟ قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (3)
17769. البيهقي : أخبرنا أبوعلي الحسين بن محمّد بن الروذباري، أخبرنا عبدالله بن عمر بن أحمد بن شوذب الواسطي -بها- ، حدّثنا شعيب بن أيّوب، حدّثنا يعلي بن عبيد، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
قيل لعلي: أخبرنا عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ... قال: فسئل عن نفسه. قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (4)
17770. الشاشي : حدّثنا عيسي بن أحمد، حدّثنا يعلي بن عبيد، حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
ص:198
قيل لعلي: أخبرنا عن أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ... قالوا: فأنت يا أميرالمؤمنين ؟ قال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (1)
17771. البيهقي : أخبرنا أبومحمّد الحسن بن علي بن المؤمّل الماسرجسي، حدّثنا أبوعثمان البصري، حدّثنا أبومحمّد بن عبدالوهّاب، أخبرنا يعلي بن عبيد، حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري ... مثله. (2)
17772. البزّار : ... عن قيس، عن عمرو بن مرّة ... . (3)
17773. البزّار : ... عن أبي مريم, عن عمرو بن مرّة ... . (4)
تقدّمت روايتهم مع رواية الأعمش, عن عمرو بن مرّة.
17774. ابن الصوّاف : حدّثنا بشر بن موسي، حدّثنا خلّاد، حدّثنا مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
سئل علي عن نفسه، فقال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (5)
17775. المحاملي : أنبأنا يوسف -هو ابن موسي- ، أنبأنا عبيدالله بن موسي، أنبأنا مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
سألت عليّاً عن نفسه، فذكر مثله. (6)
ص:199
17776. ابن سعد : نبّأنا محمّد بن عبيد الطنافسي، عن مسعر، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري الطائي، قال:
سئل علي بن أبي طالب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ... وسئل عن نفسه، فقال: كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (1)
17777. المروزي والدورقي : عن أبي البختري، قال:
قيل لعلي: حدّثنا عن أصحاب محمّد ... قالوا: أخبرنا عنك. قال: أيّها أردتم ؟ كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (2)
17778. عبّاس الدوري : حدّثنا داوود بن عثمان العبسي، حدّثنا النضر، حدّثنا ابن جريج، حدّثنا داوود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، قال: قال علي:
كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (3)
17779. ابن عساكر : أخبرنا أبوالفرج غيث بن علي، أخبرنا أبوالفتح محمّد بن الحسن بن محمّد الأسدآباذي -بقراءتي عليه بصور- ، حدّثنا أبوعبدالله الحسين بن محمّد بن أحمد الحلبي البزّاز المعدّل -بدمشق- ، حدّثنا أبوعبدالله أحمد بن عطاء الروذباري الصوفي -إملاءبصور - ، حدّثنا أبوبكر محمّد بن الحسين القنطري، حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن علي العلوي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد [بن علي بن الحسين] بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه، [عن] علي بن أبي طالب، قال:
كنت أدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني، وإن سكتّ
ص:200
ابتدأني، وما نزلت عليه آية إلّا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي أن لا أنسي شيئاً علّمني إيّاه، فما نسيته من حرام ولا حلال، وأمر ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده علي صدري وقال: اللهمّ املأ قلبه علماً وفهماً وحكماً ونوراً، ثمّ قال لي: أخبرني ربّي -عزّ وجلّ - أنّه قد استجاب لي فيك. (1)
17780. الدارقطني : وسئل عن حديث زاذان عن علي حين سئل عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم : سلمان وعمّار وحذيفة وعبدالله بن مسعود وعن نفسه، فقال:
كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت.
فقال: هو حديث يرويه حمّاد بن عيسي الجهني، عن ابن جريج، أخبرني داوود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن زاذان.
وأمّا أصحاب ابن جريج فرووه عن ابن جريج، قال: حدّثت به حديثاً عن زاذان أنّه سأل عليّاً بغير إسناد.
فإن كان حمّاد بن عيسي حفظ هذا الإسناد عن ابن جريج فقد أغرب.
حدّثنا به أبوعبدالله بن العلاء الجوزجاني، حدّثنا العبّاس الدوري، حدّثنا حمّاد بن عيسي بذلك.
وحدّثنا محمّد بن محمود الواسطي المعدّل، حدّثنا العبّاس الدوري، حدّثنا حمّاد بن عيسي، حدّثنا ابن جريج، عن داوود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، عن زاذان، عن علي، قال:
كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (2)
17781. أبوالحسن البغوي : حدّثنا أبوغسّان مالك بن إسماعيل، حدّثنا حبّان بن علي العنزي، حدّثنا عبدالملك بن جريج، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه وعن
ص:201
رجل، عن زاذان الكندي، قالا:
كنّا ذات يوم عند علي رضي الله عنه فوافق الناس منه طيب نفس ومزاج، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، حدّثنا عن أصحابك ... قلنا: فحدّثنا عن نفسك. قال: مهلاً، نهي الله عن التزكية.
فقال له رجل: فإنّ الله -عزّ وجلّ - يقول: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 1 ، قال: فإنّي احدّث بنعمة ربّي، كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (1)
17782. ابن منيع : حدّثنا حجّاج بن محمّد، حدّثنا ابن جريج، حدّثنا أبوحرب بن أبي الأسود، عن أبي الأسود -قال ابن جريج: ورجل آخر- ، عن زاذان، قالا:
سئل علي عن نفسه، قال: إنّي احدّث بنعمة ربّي، كنت والله إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت، فبين الجوانح منّي علم جمّ . (2)
17783. ابن منيع : حدّثنا الحجّاج بن محمّد، حدّثنا [عبدالملك] بن جريج، حدّثنا أبوحرب بن أبي الأسود الديلي، عن أبي الأسود وعن ابن جريج ورجل، عن زاذان -كذا قالا - ، قال:
بينا الناس ذات يوم عند علي إذ وافقوا منه نفساً طيّبة فقالوا: حدّثنا عن أصحابك يا أميرالمؤمنين. قال: عن أي أصحابي ؟ قالوا: عن أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم . قال: كلّ أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم أصحابي ... .
قالوا: فحدّثنا عنك يا أميرالمؤمنين، قال: مهلاً، نهي الله عن التزكية.
قال قائل: فإنّ الله -عزّ وجلّ - يقول: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ، قال: فإنّي احدّث بنعمة ربّي كثيراً، إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت ... . (3)
ص:202
17784. النسائي : أخبرنا يوسف بن سعيد، قال: حدّثنا حجّاج [بن محمّد الأعور]، عن [عبدالملك] بن جريج، قال: حدّثنا أبوحرب [بن أبي الأسود]، عن أبي الأسود، و[حدّثنا] رجل آخر عن زاذان، قالا: قال علي:
كنت والله إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (1)
17785. ابن عدي : حدّثنا ابن سعيد، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الصوّاف، حدّثنا محمّد بن جنيد، حدّثنا علي بن هاشم، عن سليم مولي الشعبي، عن الشعبي، عن علي، قال:
كنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت. (2)
17786. ابن أبي شيبة : حدّثنا أبواُسامة، عن عوف، عن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي، عن علي، قال:
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. (3)
17787. ابن أبي شيبة : حدّثنا أبوقتيبة [سلم بن قتيبة الشعيري]، عن عوف [الأعرابي]، عن عبدالله بن عمرو بن الهند الجملي البصري، عن علي، قال:
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. (4)
17788. النسائي وابن خزيمة : أخبرنا محمّد بن بشّار، قال: حدّثني أبوالمساور [الفضل بن مساور]، قال: حدّثنا عوف [بن أبي جميلة]، عن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي، قال: قال علي:
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. (5)
ص:203
17789. الترمذي : حدّثنا خلّاد بن أسلم البغدادي، قال: حدّثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا عوف، عن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي، قال: قال علي:
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. (1)
17790. الحاكم : أخبرني أبوالحسن محمّد بن أحمد بن هانئ العدل، حدّثنا الحسين بن الفضل، حدّثنا هوذة بن خليفة، حدّثنا عوف، عن عبدالله بن عمرو بن هند الجملي قال: سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول:
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. (2)
17791. الحلواني : حدّثنا الهيثم بن الأشعث السلمي، حدّثنا أبوحنيفة اليمامي الأنصاري، عن عمير بن عبدالله، قال:
خطبنا علي بن أبي طالب علي منبر الكوفة، قال: كنت إذا سكتّ عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ابتدأني، وإن سألته عن الخبر أنبأني ... . (3)
17792. ابن مردويه : عن عمير بن عبدالملك، قال:
خطبنا علي بن أبي طالب علي منبر الكوفة، قال: كنت إن لم أسأل النبيّ صلى الله عليه و سلم ابتدأني، وإن سألته عن الخبر أنبأني، وإن حدّثني عن ربّه - عزّ وجلّ - قال: يقول الله - عزّ وجلّ - ... . (4)
ص:204
17793. مطيّن والباغندي : ... إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم ... . (1)
تقدّمت روايته مع رواية الأعمش, عن عمرو بن مرّة.
17794. ابن سعد : أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن أبي فديك المدني، عن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه:
أنّه قيل لعلي: ما لك أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثاً؟! فقال: إنّي كنت إذا سألته أنبأني، وإذا سكتّ ابتدأني. (2)
17795. الضحّاك بن مزاحم : عن النزال بن سبرة الهلالي، قال:
وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس ومزاح، فذكر الحديث، وفيه: قالوا: يا أميرالمؤمنين، حدّثنا عن نفسك. قال: قد نهي الله عن التزكية.
قالوا: يا أميرالمؤمنين، إنّ الله يقول: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 3 ، قال: كنت امرئ أبتدأ فاُعطي، وأسكت فاُبتدأ، ومن تحت الجوارح منّي لعلماً جمّاً، سلوني ... . (3)
17796. الطيالسي : حدّثنا قيس [بن الربيع]، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، قال:
شهدت عليّاً وسئل عن حذيفة، فقال: سأل عن أسماء المنافقين فأخبر بهم. وسئل عن نفسه، فقال: إيّاي عرفت، كنت إذا سألت اجبت، وإذا سكتّ ابتديت. (4)
ص:205
17797. الحاكم : عن هبيرة ... مثله، إلّا أنّه ليس فيه: «إيّاي عرفت». (1)
17798. الإسكافي : قال [ابن الكوّاء]: فحدّثني عن نفسك. قال [ عليه السلام ]: قال الله: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ 2 . قال: وقد قال: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ 3 .
قال: ويحك! كنت أوّل داخل علي [النبي] وآخر خارج [من عنده]، وكنت إذا سألت اعطيت، وإذا سكتّ ابتديت، وكنت أدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم في كلّ يوم دخلة، وفي كلّ ليلة [دخلة]، وربما كان ذلك في بيتي يأتيني رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أكثر من ذلك في منزلي، فإذا دخلت عليه في بعض منازله أخلا بي، وأقام نساءه، فلم يبق [عنده] غيري، وإذا أتاني لم يقم فاطمة ولا أحداً من ولدي، فإذا سألته أجابني، وإذا سكتّ عنه ونفدت مسائلي ابتدأني. (2)
17799. أبونعيم والدورقي والشاشي وسعيد بن منصور : عن علي، قال:
كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم أعطاني، وإذا سكتّ ابتدأني. (3)
17800. القطيعي : حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا وهب (4) بن عمرو بن عثمان النمري البصري، قال: حدّثني أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فهو
ص:206
أعلم. فقال: يا أميرالمؤمنين، جوابك فيها أحبّ إلي من جواب علي!
فقال: بئس ما قلت ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه العلم غرّاً، ولقد قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي غير أنّه لا نبي بعدي.
وكان عمر إذا أشكل عليه شيء يأخذ منه، ولقد شهدت عمر وقد أشكل عليه شيء فقال: ها هنا علي ؟ قم لا أقام الله رجليك. (1)
17801. زاهر بن طاهر : أخبرنا أبوسعد الجنزرودي، أخبرنا السيّد أبوالحسن محمّد بن علي بن الحسين، حدّثنا حمزة بن محمّد الدهقان، حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا وهب بن [عمرو بن] عثمان البصري، [حدّثنا أبي], حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب، فهو أعلم منّي. قال: قولك يا أميرالمؤمنين أحبّ إلي من قول علي!
قال: بئس ما قلت ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبي بعدي.
وكان عمر بن الخطّاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب ؟ ثمّ قال للرجل: قم لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه من الديوان. (2)
17802. الكلاباذي : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن يوسف العمّاني ومحمّد بن محمّد بن الأزهر الشعري، قالا: حدّثنا محمّد الكديمي، قال العمّاني: حدّثنا عمر بن عثمان النمري. وقال الأزهري: حدّثنا وهب بن عمرو بن عثمان - وهو الصواب - ، قال: حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
ص:207
جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب هو أعلم [منّي]. قال: اريد جوابك.
فقال: ويحك! أكرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً؟ ولقد قال [له] رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي.
ولقد كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يسأله ويأخذ عنه، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء قال: أ هاهنا علي ؟ قم لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه من الديوان. (1)
17803. ابن المغازلي : أخبرنا أبوالقاسم عبدالواحد بن علي بن العبّاس البزّار، قال: حدّثنا أبوالقاسم عبيدالله بن أسد البزّار، قال: حدّثنا أبومقاتل محمّد بن العبّاس بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن يونس، قال: حدّثنا وه -[-ي -]-ب بن عمر[و] بن عثمان النمري، قال: حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس [بن أبي حازم]، قال:
سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب فإنّه أعلم. قال له: يا أميرالمؤمنين، قولك فيها أحبّ إلي من قول علي بن أبي طالب!
فقال: بئس ما قلت ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال [له] رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبي بعدي.
ولقد كان عمر بن الخطّاب يسأله فيأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه شيء قال: هاهنا علي ؟ قم لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه من الديوان. (2)
17804. ابن عساكر : أخبرنا أبوالقاسم الخضر بن الحسين بن عبدالله، أخبرنا أبوالقاسم علي بن محمّد الفقيه، أخبرنا أبوزكريّا يحيي بن عمّار بن يحيي بن شدّاد - إمام جامع الجزيرة، بها - ، حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن عبدالله الأنصاري الميمذي، حدّثنا أبوزكريّا يحيي بن محمّد البحيري الخبّاز - إملاء - ، حدّثنا [وهب بن]
ص:208
عمر[و] بن عثمان النمري البصري، حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب، فهو أعلم. فقال: اريد جوابك يا أميرالمؤمنين فيها.
فقال: ويحك! لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي.
ولقد كان عمر بن الخطّاب يسأله فيأخذ عنه، وكان إذا أشكل علي عمر شيء قال: هاهنا علي ؟ قم لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه من الديوان ... . (1)
17805. ابن الأثير : في حديث معاوية:
كان النبيّ صلى الله عليه و سلم يغرّ عليّاً بالعلم. أي يلقمه إيّاه. يقال: غرّ الطائر فرخه؛ إذا زقّه. (2)
برواية: علي بن أبي طالب عليه السلام
17806. النسائي : أخبرنا الحسين بن حريث، قال: أخبرنا الفضل بن موسي، عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: قال النبيّ صلى الله عليه و سلم :
أ لا اعلّمك دعاء إذا دعوت به غفر الله لك ؟ - وإن كنت مغفوراً لك - قلت: بلي.
قال: لا إله إلّا الله العلي العظيم، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله، سبحان الله ربّ العرش العظيم. (3)
17807. الترمذي : حدّثنا علي بن خشرم، قال: أخبرنا الفضل بن موسي، عن
ص:209
الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أ لا اعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر الله لك ؟ - وإن كنت مغفوراً لك - .
قال: قل: لا إله إلّا الله العلي العظيم، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله، سبحان الله ربّ العرش العظيم.
قال علي بن خشرم: وأخبرنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه بمثل ذلك، إلّا أنّه قال في آخرها: الحمد لله ربّ العالمين. (1)
17808. يحيي بن آدم : حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أ لا اعلّمك كلمات إن قلتهنّ غفر لك ؟ - علي أنّه مغفور لك - ، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله العلي العظيم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (2)
17809. يحيي بن آدم : حدّثنا الحسن بن صالح، عن أخيه علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي.
حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أ لا اعلّمك كلمات إن قلتهنّ غفر لك ؟ - علي أنّه مغفور لك - ، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله العلي العظيم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (3)
17810. مطيّن : حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق،
ص:210
عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن علي رضي الله عنه ، قال:
قال لي النبيّ صلى الله عليه و سلم : أ لا اعلّمك كلمات إن قلتهنّ غفر الله - عزّ وجلّ - لك ؟ - علي أنّه مغفور لك - ، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (1)
17811. النسائي : أخبرني علي بن محمّد بن علي، قال: حدّثنا خلف بن تميم، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبوإسحاق، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أ لا اعلّمك كلمات إن أنت قلتهنّ غفر الله لك ؟ - علي أنّه مغفور لك - , لا إله إلّا الله العلي العظيم، لا إله إلّا هو الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (2)
17812. الدارقطني : حدّثنا علي بن محمّد بن عبيد، قال: حدّثنا داوود بن يحيي، حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا قبيصة، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن علي، [قال]: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أ لا اعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر الله لك ؟ لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله العلي العظيم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (3)
17813. الخرائطي : حدّثنا علي بن داوود القنطري، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أخبرني ابن لهيعة، عن محمّد بن مالك الدار، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، أخبرني حسين بن علي؛ أنّ عبدالله بن جعفر علّمه عن تعليم علي بن أبي طالب:
أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم علّمه كلمات يقولها عند السلطان، وعند كلّ شيء هاله، وهي: لا
ص:211
إله إلّا الله الحليم الكريم، وسبحان الله ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين.
ويقول عندهنّ : إنّي أعوذ بك من شرّ عبادك. (1)
17814. ابن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن بشر، حدّثنا مسعر، حدّثني إسحاق بن راشد، عن عبدالله بن الحسن:
أنّ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب دخل علي ابن له مريض يقال له صالح، قال [له]: قل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، اللهمّ ارحمني، اللهمّ تجاوز عنّي، اللهمّ اعف عنّي فإنّك عفوّ غفور.
ثمّ قال: هؤلاء الكلمات علّمنيهنّ عمّي علي أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم علّمهنّ إيّاه. (2)
17815. مطيّن : حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا محمّد بن بشر، عن مسعر، عن إسحاق بن راشد، عن عبدالله بن الحسن:
أنّ عبدالله بن جعفر دخل علي ابن له مريض يقال له صالح، فقال له: قل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين، اللهمّ ارحمني، اللهمّ تجاوز عنّي، فإنّك عفوّ غفور.
ثمّ قال: هؤلاء الكلمات علّمنيهنّ علي، وذكر أنّ النبيّ - صلّي الله عليه وعلي آله وسلّم - علّمهنّ إيّاه. (3)
17816. معتمر بن سليمان : حدّثنا أبي، قال: أخبرنا مسعر، عن أبي بكر بن حفص، عن عبدالله بن حسن، عن عبدالله بن جعفر:
ص:212
قال في شأن هؤلاء الكلمات: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين، اللهمّ اغفر لي، اللهمّ ارحمني، اللهمّ تجاوز عنّي، اللهمّ اعف عنّي.
قال عبدالله بن جعفر: أخبرني عمّي أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم علّمه هؤلاء الكلمات. (1)
17817. ابن إسحاق : حدّثني أبان بن صالح، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي، قال:
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمات أقولهنّ عند الكرب إذا نزل بي، فاحفظها. فحفظتها، قال: قل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، تبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. قال: إذا كربك أمر. (2)
17818. ابن إسحاق : حدّثني أبان بن صالح، عن محمّد بن كعب، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب، قال:
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمات أقولهنّ عند الكرب إذا نزل بي، ما علّمتهنّ حسناً ولا حسيناً، خصصتك بهنّ ، إذا كربك أمر فقل: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحانه، تبارك الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (3)
17819. ابن وهب : حدّثني اسامة بن زيد، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي - رضي الله عنهما - , قال:
ص:213
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فذكر نحوه. (1)
17820. أحمد وابن أبي اُسامة : حدّثنا روح، حدّثنا اسامة بن زيد، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب، قال:
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نزل بي كرب أن أقول: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (2)
17821. الخرائطي : حدّثنا الحسن بن ناصح القطّان - بكرخ سرّ من رأي - ، حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا اسامة بن زيد، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب، قال:
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء الكلمات إذا نزل بي كرب أن أقولهنّ : لا إله إلّا الله الحليم الكريم، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (3)
17822. البزّار : حدّثنا محمّد بن المثنّي، قال: حدّثنا روح بن عبادة، قال:حدّثنا اسامة بن زيد، عن محمّد بن كعب، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم , مثله. (4)
17823. البزّار : حدّثنا أحمد بن أبان، قال: حدّثنا أنس بن عياض، قال: حدّثنا محمّد بن عجلان، عن محمّد بن كعب، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي، قال:
ص:214
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا نزل بي كرب أن أقول: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، وسبحان الله، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (1)
17824. الصفّار : حدّثنا العبّاس بن الفضل، حدّثنا منجاب بن الحارث، حدّثنا حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، قال:
علّمني علي كلمات علّمه رسول الله صلى الله عليه و سلم إيّاهنّ يقولهنّ عند الكرب أو لشيء يصيبه: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله، تبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (2)
17825. النسائي : أخبرني زكريّا بن يحيي، قال: حدّثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، قال: حدّثنا محمّد بن سلمة، عن أبي عبدالرحيم، عن عبدالوهّاب بن بخت، عن محمّد بن عجلان، عن محمّد، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب:
أنّ نبي الله صلى الله عليه و سلم علّمه هؤلاء الكلمات يقولهنّ علي المريض: لا إله إلّا الله الكريم الحليم، سبحان الله، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (3)
17826. الطبراني : حدّثنا بكر بن سهل، حدّثنا شعيب بن يحيي.
حيلولة: وحدّثنا يحيي بن عثمان بن صالح، حدّثنا عبدالله بن صالح، قالا: حدّثنا الليث، حدّثني محمّد بن عجلان، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
لقّاني رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن نزل بي كرب أو شدّة أن أقولهنّ : لا إله
ص:215
إلّا الله الكريم الحليم، وسبحانه، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (1)
17827. ابن حبّان : أخبرنا إسماعيل بن داوود بن وردان - بالفسطاط - ، قال: حدّثنا عيسي بن حمّاد، قال: أخبرنا الليث، عن ابن عجلان، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب أنّه قال:
لقّنني رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن أصابني كرب أو شدّة أقولهنّ : لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحانه، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (2)
17828. سعيد بن منصور : حدّثنا يعقوب بن عبدالرحمان، عن محمّد بن عجلان، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد، عن عبدالله بن جعفر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
لقّاني رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء الكلمات وأمرني إن نزلت بي شدّة أو كرب أن أقولهنّ : لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحانه وتعالي، تبارك الله ربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. (3)
17829. النسائي : أخبرنا قتيبة بن سعيد, قال: حدّثنا يعقوب، عن ابن عجلان, عن محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن [شدّاد بن] الهاد, عن عبدالله بن جعفر, عن علي أنّه قال:
لقّاني رسول الله صلى الله عليه و سلم هؤلاء الكلمات و أمرني إن نزل بي كرب أو شدّة أن أقولها: لا إله إلّا الله الكريم الحليم, سبحانه, تبارك الله ربّ العرش العظيم, الحمدلله ربّ العالمين.
فكان عبدالله بن جعفر يلقّنها الميّت, وينفث بها علي الموعوك, ويعلّمها المغتربة من بناته. (4)
ص:216
17830. ابن إسحاق : عن أبان بن صالح، عن القعقاع بن حكيم، عن علي بن الحسين، قال:
كان ابن جعفر يقول: علّمني أبي - يعني عليّاً، وكانت امّه تحت علي - قال: علّمني كلمات, زعم أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم علّمه إيّاهنّ ، يقولهنّ عند الكرب إذا نزل به، وقال: أي بني، لقد كففتهنّ عن حسن وحسين وخصصتك بهنّ . فكنّا نسأله إيّاهنّ فيكتمناهنّ ويأبي أن يعلّمناهنّ حتّي زوّج ابنته، فخرجنا نشيّعها حتّي إذا كنّا بمخيض وركبت فودّعها، خلابها وهي علي دابّتها، فعرفت أنّه يعلّمها تلك الكلمات الّتي كان يكتمنا، ثمّ انصرف عنها وانصرفنا، حتّي إذا سرنا قريباً من الميل تخلّفت كأنّي اهريق الماء، ثمّ ركضت فقلت: أي بنت عمّ ، إنّي قد عرفت أنّما خلا بك أبوك دوننا؛ ليعلّمك الكلمات الّتي كان يكتمنا. قالت: أجل.
قلت: أخبريني بهنّ . قالت: قد نهاني أن اخبر بهنّ أحداً.
قلت: أسألك بالله إلّا ما أخبرتني؛ فلعلّي لا أراك بعد هذا الموقف أبداً.
قالت: خلا بي ثمّ قال لي: أي بنيّة، إنّ أبي علّمني كلمات علّمه إيّاهنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم يقولهنّ عند الكرب إذا نزل به وقال: لقد خصصتك بهنّ دون حسن وحسين. وإنّك تقدمين أرضاً أنت بها غريبة، فإذا نزل بك كرب أو أصابتك شدّة فقوليهنّ : لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحانك، تبارك الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (1)
17831. ابن إسحاق : حدّثني أبان بن صالح، عن القعقاع بن حكيم، عن علي بن حسين، عن بنت عبدالله بن جعفر الّتي كانت عند عبدالملك بن مروان، عن أبيها عبدالله بن جعفر، قال علي: وكان عبدالله بن جعفر يقول:
ص:217
علّمني أبي علي بن أبي طالب كلمات أقولهنّ عند الكرب إذا كان، ويقول: أي بني، علّمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم أقولهنّ عند الكرب إذا نزل بي، لقد خصصتك بهنّ دون حسن وحسين.
قال: كان ابن جعفر يكتمناهنّ , فلمّا زوّج ابنته تلك عبدالملك؛ وتوجّهت إلي الشام؛ شيّعها وشيّعناها معه، فلمّا استقلّت وأراد أن ينصرف خلا بها، فعرفنا أنّه يعلّمها إيّاهنّ ، فلمّا انصرف تخلّفت، ثمّ أدركتها فسألتها، فقالت - وذكر كلمة معناها - : قال لي: أي بنيّة، إنّك تقدمين أرضاً أنت بها غريبة، فإذا نزل بك كرب أو غمّ فقولي هؤلاء الكلمات: لا إله إلّا الله الكريم الحليم، تبارك الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين.
قال أبان بن صالح: وحدّثني محمّد بن كعب القرظي، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد، عن عبدالله بن جعفر، مثلهنّ . (1)
17832. ابن إسحاق : عن أبان بن صالح، عن القعقاع بن حكيم، عن علي بن حسين، عن بنت عبدالله بن جعفر، عن أبيها، عن علي - رضي الله عنهما - ، قال:
علّمني رسول الله صلى الله عليه و سلم كلمات عند الخوف يصيبني والأمر أتخوّفه أن أقول: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله، وتبارك الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (2)
17833. الطبراني : حدّثنا يحيي بن عثمان بن صالح، حدّثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأ ابن لهيعة، عن مخلد بن مالك الدار، عن محمّد بن عمرو بن علقمة، أخبرني علي بن حسين؛ أنّ عبدالله بن جعفر رضي الله عنه علّمه هذا عن تعليم علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم علّمه أن يقولهنّ عند السلطان وعند كلّ شيء: لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم، والحمد لله ربّ العالمين. ويقول بعدهنّ : اللهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ عبادك. (3)
ص:218
17834. أبويوسف : حدّثنا عبدالله بن علي، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أ لا اعلّمك كلمات إن أنت قلتهنّ وعليك مثل عدد الذرّ خطايا غفر الله لك ؟ فعلّمه رسول الله صلى الله عليه و سلم : لا إله إلّا الله العظيم، لا إله إلّا الله الكريم، سبحان الله، ولا إله إلّا الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (1)
17835. يحيي بن آدم : حدّثنا الحسن بن صالح، عن أخيه [علي بن صالح]، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي، الحديث. (2)
17836. يحيي بن آدم : عن الحسن بن صالح، عن أخيه علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي - كرّم الله وجهه في الجنّة - , قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : أ لا اعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر لك ؟ - علي أنّه مغفور لك- : لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله العلي العظيم، سبحان الله ربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (3)
17837. ابن أبي عاصم : حدّثنا محمّد بن عبدالرحيم، حدّثنا علي بن قادم، حدّثنا علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أ لا اعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفرت ذنوبك ؟ - مع أنّه مغفور لك- : لا إله إلّا الله العلي العظيم، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم، الحمد لله ربّ العالمين. (4)
ص:219
17838. ابن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن عبدالله الأسدي، عن علي بن صالح، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي، قال:
قال لي النبيّ صلى الله عليه و سلم : أ لا اعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفر لك ؟ - مع أنّه مغفور لك - : لا إله إلّا الله الحليم الكريم، لا إله إلّا الله العلي العظيم، سبحان الله ربّ السماوات السبع, وربّ العرش العظيم, والحمد لله ربّ العالمين. (1)
17839. النسائي : أخبرني هارون بن عبدالله، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن الزبير ... مثله, إلّا أنّ في آخره: «الحمد لله» بدون الواو. (2)
17840. ابن أبي عاصم : حدّثنا محمّد بن خالد بن عبدالله، حدّثنا أبوشهاب، عن نصير بن أبي الأشعث، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة،عن علي، قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : أ لا اعلّمك كلمات إذا قلتهنّ غفرت ذنوبك، وإن كانت مثل زبد البحر؟ - مع أنّه مغفور لك - : لا إله إلّا الله العلي العظيم، لا إله إلّا الله الحليم الكريم، سبحان الله ربّ السماوات السبع، وربّ العرش العظيم. (3)
17841. النسائي : أخبرنا أحمد بن عثمان، قال: حدّثنا شريح بن مسلمة، قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن سلمة، عن علي، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم ... نحوه. (4)
ص:220
برواية: أبي وائل
17842. عبدالله بن أحمد : حدّثنا أبوعبدالرحمان عبدالله بن عمر، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن عبدالرحمان بن إسحاق القرشي، عن سيّار أبي الحكم، عن أبي وائل، قال:
أتي عليّاً رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي عجزت عن مكاتبتي فأعنّي. فقال علي: ألا اعلّمك كلمات علّمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كان عليك مثل جبل صَبِر (1) دنانير لأدّاه الله عنك ؟ قلت: بلي.
قال: قل: اللهمّ اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك. (2)
17843. مطيّن : حدّثنا عبدالله بن عمر بن أبان الكوفي، قال: حدّثنا أبومعاوية - وهو الضرير - ... مثله. (3)
17844. الترمذي : حدّثنا عبدالله بن عبدالرحمان، قال: أخبرنا يحيي بن حسّان،
ص:221
قال:حدّثنا أبومعاوية، عن عبدالرحمان بن إسحاق، عن سيّار، عن أبي وائل:
عن علي، أنّ مكاتباً جاءه فقال: إنّي قد عجزت عن مكاتبتي فأعنّي. قال: أ لا اعلّمك كلمات علّمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كان عليك مثل جبل صير ديناً أدّاه الله عنك ؟ قال: قل: اللهمّ اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك. (1)
17845. الحاكم : أخبرنا إبراهيم بن عصمة بن إبراهيم، حدّثنا أبي, حدّثنا يحيي بن يحيي، أنبأ أبومعاوية، حدّثنا عبدالرحمان بن إسحاق القرشي، عن سيّار أبي الحكم، عن أبي وائل، قال:
جاء رجل إلي علي فقال: أعنّي في مكاتبتي. فقال: أ لا اعلّمك كلمات علّمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم لو كان عليك مثل جبل صَبير ديناً لأدّاه الله عنك ؟ قل: اللهمّ اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمّن سواك. (2)
17846. البزّار : حدّثنا يوسف بن موسي، قال: حدّثنا أبومعاوية ... مثله، إلّا أنّ فيه: «جبل صير». (3)
برواية: امّ سلمة
17847. الرامهرمزي : حدّثني أحمد بن محمّد بن سهيل، حدّثنا إبراهيم بن بشير بن أبي جوالق، حدّثنا إسماعيل بن صبيح، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر، قالت امّ سلمة زوج النبيّ صلى الله عليه و سلم :
دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم بأديم (4) وعلي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه و سلم يملي وعلي
ص:222
يكتب حتّي ملأ بطن الأديم وظهره وأكارعه. (1)
17848. إبراهيم الجوهري : حدّثنا حسين بن محمّد [بن بهرام]، عن سليمان بن قَرْم، عن عبدالجبّار بن العبّاس، عن عمّار الدهني، عن عقرب، عن امّ سلمة، قالت:
كان جبريل يملّ علي رسول الله صلى الله عليه و آله ، ورسول الله يملّ علي علي. (2)
برواية:
1. زيد بن أسلم- 4. محمّد بن المنكدر
2. عبدالله بن عبّاس- 5. ما ورد مرسلاً
3. علي بن أبي طالب عليه السلام
17849. ابن أبي اُسامة : حدّثنا عبدالرحيم بن واقد الخراساني، حدّثنا حمّاد بن عمرو، حدّثنا إسماعيل بن رافع، عن زيد بن أسلم - أو محمّد بن المنكدر،الشكّ من حمّاد- ، قال:
قال النبيّ صلى الله عليه و سلم لعلي: يا علي، خذ الباب، فلا يدخلنّ علي أحد، فإنّ عندي زوراً من الملائكة، استأذنوا ربّهم أن يزوروني. فأخذ علي الباب، وجاء عمر فاستأذن، فقال: يا علي، استأذن لي علي رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال: ليس علي رسول الله إذن. فقال: ولم ؟ قال: لأنّ زوراً من الملائكة عنده، واستأذنوا ربّهم أن يزوروه.
قال: وكم هم يا علي ؟ قال: ثلاثمئة وستّون ملكاً.
ص:223
ثمّ أمر النبيّ صلى الله عليه و سلم عليّاً بفتح الباب، فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: يا رسول الله، إنّه أخبرني أنّ زوراً من الملائكة استأذنوا ربّهم -تبارك وتعالي - أن يزوروك، وأخبرني يا رسول الله أنّ عددهم ثلاثمئة وستّين ملكاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي عليه السلام : أنت أخبرت بالزور؟ قال: نعم يا رسول الله.
قال: وأخبرته بعدّتهم ؟ قال: نعم.
قال: فكم يا علي ؟ قال: ثلاثمئة وستّون ملكاً.
قال: وكيف علمت ذلك ؟ قال: سمعت ثلاثمئة وستّين نقلة، فعلمت أنّهم ثلاثمئة وستّون ملكاً.
فضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم علي صدره، ثمّ قال: زادك الله إيماناً وعلماً. (1)
17850. وكيع : عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال:
استقبل النبيّ صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا أباالحسن، ما أوّل نعمة أنعم الله عليك ؟ قال: خلقني ذكراً ولم يخلقني انثي.
قال: فما الثانية ؟ قال: هداني لدينه وعرّفني نفسه.
قال: فما الثالثة ؟ فقال: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها 2 .
فقال النبي: بخ بخ يا أباالحسن، حشيت حكماً وعلماً ... . (2)
17851. السرّاج : حدّثنا محمّد بن أحمد بن أبي خلف، قال: حدّثنا حصين بن عمر، عن مخارق، عن طارق، قال:
جاء ناس إلي ابن عبّاس، فقالوا: جئناك نسألك. فقال: سلوا عمّا شئتم.
ص:224
فقالوا: ... فأي رجل كان علي ؟ قال: كان قد ملئ جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة، مع قرابته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وكان يظنّ ألّا يمدّ يده إلي شيء إلّا ناله، فما مدّ يده إلي شيء فناله. (1)
17852. مطيّن : حدّثنا منجاب بن الحارث، قال: حدّثنا حصين بن عمر بن الفرات الأحمسي، عن مخارق، عن طارق بن شهاب، قال:
كنت عند عبدالله بن عبّاس فجاء اناس من [أبناء] المهاجرين، فقالوا له: يا ابن عبّاس، أي رجل كان علي بن أبي طالب ؟ قال: ملئ جوفه حكماً وعلماً وبأساً ونجدة، وقرابة من رسول الله. (2)
17853. ابن عبدالبرّ : قال طارق:
قيل لابن عبّاس: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ... فعلي ؟ قال: كان والله قد ملئ علماً وحلماً من رجل غرّته سابقته وقرابته، فقلّما أشرف علي شيء من الدنيا إلّا فاته (3).
فقيل: إنّهم يقولون: كان محدوداً. فقال: أنتم تقولون ذلك. (4)
17854. ابن إسحاق : عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عبّاس، قال:
بينا أنا أمشي مع عمر يوماً إذ تنفّس نفساً ظننت أنّه قد قضبت أضلاعه، فقلت: سبحان الله! والله ما أخرج منك هذا يا أميرالمؤمنين إلّا أمر عظيم.
فقال: ويحك يا ابن عبّاس! ما أدري ما أصنع باُمّة محمّد صلى الله عليه و سلم . قلت: ولم وأنت بحمد الله
ص:225
قادر أن تضع ذلك مكان الثقة ؟
قال: إنّي أراك تقول: إنّ صاحبك أولي الناس بها -يعني عليّاً رضي الله عنه - . قلت: أجل، والله إنّي لأقول ذلك في سابقته وعلمه وقرابته وصهره. قال: إنّه كما ذكرت، ولكنّه كثير الدعابة! (1)
17855. الجاحظ : عن عيسي بن طلحة، قال: قلت لابن عبّاس: أخبرني عن ... صاحبكم ؟ قال: كان والله مملوء حلماً وعلماً ... . (2)
17856. ابن عساكر : أخبرنا أبوالفرج غيث بن علي، أخبرنا أبوالفتح محمّد بن الحسن بن محمّد الأسدآباذي - بقراءتي عليه بصور - ، حدّثنا أبوعبدالله الحسين بن محمّد بن أحمد الحلبي البزّاز المعدّل - بدمشق - ، حدّثنا أبوعبدالله أحمد بن عطاء الروذباري الصوفي - إملاء بصور - ، حدّثنا أبوبكر محمّد بن الحسين القنطري، حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد بن علي العلوي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد [بن علي بن الحسين] بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه، [عن] علي بن أبي طالب، قال:
كنت أدخل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلاً ونهاراً، وكنت إذا سألته أجابني، وإن سكتّ ابتدأني، وما نزلت عليه آية إلّا قرأتها، وعلمت تفسيرها وتأويلها، ودعا الله لي أن لا أنسي شيئاً علّمني إيّاه، فما نسيته من حرام ولا حلال، وأمر ونهي، وطاعة ومعصية، ولقد وضع يده علي صدري وقال: اللهمّ املأ قلبه علماً وفهماً، وحكماً ونوراً. ثمّ قال لي: أخبرني ربّي -عزّ وجلّ - أنّه قد استجاب لي فيك. (3)
17857. الطائي : حدّثنا أبي أحمد بن عامر بن سليمان، حدّثنا أبوالحسن علي بن
ص:226
موسي الرضا، حدّثني أبي موسي بن جعفر، حدّثني أبي جعفر بن محمّد، حدّثني أبي محمّد بن علي، حدّثني أبي علي بن الحسين، حدّثني أبي الحسين بن علي، حدّثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام , قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
يا علي، إنّ الله قد غفر لك، ولأهلك ولشيعتك، ومحبّي شيعتك، ومحبّي محبّي شيعتك، وأبشر فإنّك الأنزع البطين، منزوع من الشرك، بطين من العلم. (1)
17858. الغازي : حدّثني علي بن موسي الرضا، قال: حدّثني موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب -كرّم الله وجوههم-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي:
يا علي، إنّ الله -جلّ ثناؤه- قد غفر لك، ولولدك ولأهلك ولشيعتك، ومحبّي شيعتك، ومحبّي محبّي شيعتك، فأبشر فإنّك الأنزع البطين، منزوع من الشرك، بطين من العلم. (2)
17859. عبدالله بن أحمد وأبوالقاسم البغوي : حدّثنا سويد بن سعيد، قال: حدّثنا علي بن مُسهِر، عن الأعمش، عن أبي سعيد التيمي، قال:
كنّا نبيع الثياب علي عواتقنا ونحن غلمان في السوق، فإذا رأينا عليّاً قد أقبل قلنا: بوذا شكنب.
فقال علي: ما يقولون ؟ فقيل له: يقولون: عظيم البطن. قال: أجل، أعلاه علم، وأسفله طعام. (3)
17860. الخلّال : أخبرنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا جعفر بن عون، عن مسعر،
ص:227
عن ابن جحادة، عن أبي سعيد، قال:
كان علي يأتي (1) السوق فيقول: يا أهل السوق، اتّقوا الله، إيّاكم والحلف، فإنّ الحلف ينفق السلعة، ويمحو البركة، وإنّ التاجر فاجر، إلّا من أخذ الحقّ ، وأعطي الحقّ ، والسلام عليكم. ثمّ ينصرف، ثمّ يعود إليهم فيقول لهم مثل مقالته.
قال: فإذا جاء إليهم يقولون: قد جاء البوذ شكم، أيش يعنون بذاك ؟
قال: فجاء إلي سريّته فقال: إنّي إذا جئت أهل السوق يقولون: قد جاء بوذشكم، أيش يعنون بذاك ؟ قالت: يقولون: عظيم البطن.
قال: أسفله طعام، وأعلاه علم. (2)
17861. ابن سعد : أخبرنا عمرو بن عاصم، قال: أخبرنا همّام بن يحيي، عن محمّد بن جحادة، قال: حدّثني أبوسعيد بيّاع الكرابيس:
أنّ عليّاً كان يأتي السوق في الأيّام فيسلّم عليهم، فإذا رأوه قالوا: بوذا شكنب أمذ.
قيل له: إنّهم يقولون: إنّك ضخم البطن. فقال: إنّ أعلاه علم، وأسفله طعام. (3)
17862. البلاذري : حدّثني بكر بن الهيثم، حدّثنا عمرو بن عاصم ... مثله، إلّا أنّ فيه: «بزرك اشكنب آمد. فقيل له ... فيقول: أعلاه ...». (4)
17863. الحسكاني : حدّثنا محمّد بن مسعود بن محمّد [العيّاشي] (5)، قال: حدّثنا محمّد بن نصير، قال: حدّثنا الحسن بن موسي الخشّاب، قال: حدّثنا الحكم بن بهلول الأنصاري، عن إسماعيل بن همّام، عن عمران بن قرّة، عن أبي محمّد المديني، عن ابن اذينة، عن أبان
ص:228
بن أبي عيّاش، قال: حدّثني سليم بن قيس الهلالي (1)، قال: سمعت عليّاً يقول:
ما نزلت علي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم آية من القرآن إلّا أقرأنيها -أو أملاها علي - ، فأكتبها بخطّي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، ودعا الله لي أن يعلّمني فهمها وحفظها، فلم أنس منه حرفاً واحداً. في حديث طويل اختصرته. (2)
17864. ابن البختري : حدّثنا محمّد بن يونس القرشي، قال: سمعت عبدالله بن داوود الخُرَيبي يقول: مُتِّعتُ بك، حسبك بعلي عليه السلام عَلَماً، حدّثني هرمز بن حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : قل: ربّي الله ثمّ استقم.
قال: قلت: ربّي الله، وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكّلت وإليه انيب.
فقال: ليهنك العلم أباحسن، لقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً. (3)
17865. النجّاد : حدّثنا محمّد بن يونس القرشي، حدّثنا عبدالله بن داوود الخريبي، حدّثنا هرمز بن حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح، عن علي، قال:
قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: قل: ربّي الله ثمّ استقم.
قال: قلت: ربّي الله، وما توفيقي إلّا بالله.
قال: هنيئاً لك العلم أباحسن، فقد شربت العلم شرباً، وثاقبته ثقباً. (4)
17866. أبونعيم : حدّثنا أبوبكر بن خلّاد، حدّثنا محمّد بن يونس الكديمي، حدّثنا
ص:229
عبدالله بن داوود الخريبي، حدّثني هرمز بن حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي -رضي الله تعالي عنه- , قال:
قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: قل: ربّي الله ثمّ استقم.
قال: قلت: الله ربّي، وما توفيقي إلّا بالله، عليه توكّلت وإليه انيب.
فقال: ليهنك العلم أباالحسن، لقد شربت العلم شرباً، ونهلته نهلاً. (1)
17867. الكلابي : حدّثنا عثمان بن محمّد بن علّان، قال: حدّثنا الكديمي، قال: حدّثنا عبدالله بن داوود، حدّثنا هرمز بن حوران، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي عليه السلام ، قال:
قلت: يا رسول الله، أوصني. قال: قل: ربّي الله ثمّ استقم.
قال: قلت: ربّي الله، عليه توكّلت وإليه انيب.
قال: ليهنك العلم أباالحسن، لقد شربت العلم شرباً، ونغبته نغباً. (2)
17868. العدني : حدّثنا سفيان، عن مسعر، عن عقبة، قال:
كان علي يأتينا في السوق، فيقولون إذا أطلع: قد جاءكم بوذ شكم. يعنون عظيم البطن، فيقول لهم: إنّ أسفله شحم، وإنّ أعلاه علم. (3)
17869. الرازي : عن علي رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال له: ليهنك العلم أباالحسن، لقد شربت العلم شرباً، ونهلته نهلاً. (4)
ص:230
17870. المبرّد : وأحسن ما روي في جبلّة الإنسان الّتي جبل عليها كلام يروي عن علي -رحمة الله عليه- يشبه بكلام الأنبياء ، يصدق ذلك ما روي عنه أنّه مسح يده علي بطنه وقال:
كنيف ملئ علماً، أما والله لو طرحت لي وسادة لقضيت لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها. (1)
17871. العاصمي : ذكر في الحديث عن المرتضي - رضوان الله عليه - أنّ النبيّ -صلّي الله عليه- كان ذات ليلة في بيت امّ سلمة فبكرت إليه بالغداة فإذا عبدالله بن عبّاس بالباب، فخرج النبيّ -صلّي الله عليه- إلي المسجد، وعلي عن يمينه، وابن عبّاس عن يساره، فقال النبيّ عليه السلام : يا علي، ما أوّل نعم الله عليك ؟ قال: أن خلقني فأحسن خلقي.
قال: ثمّ ماذا؟ قال: أن عرّفني نفسه.
قال: ثمّ ماذا؟ قال: قلت: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها 2 .
قال: فضرب النبيّ -صلّي الله عليه- يده علي كتفي وقال: يا علي، ملئت علماً وحكمة. (2)
17872. ابن أبي اُسامة : حدّثنا عبدالرحيم بن واقد الخراساني ... . (3)
تقدّم حديثه مع حديث زيد بن أسلم.
ص:231
17873. ابن الأثير وابن منظور والزبيدي : في صفة علي رضي الله عنه أنّه كان مزكوتاً، أي مملوء علماً، من قولهم: زكّت الإناء، إذا ملأته، وزكته الحديث زكتاً، إذا أوعاه إيّاه ... . (1)
برواية:
1. ضرار بن ضمرة- 3. عدي بن حاتم
2. عبدالله بن عبّاس-
17874. العبّاس بن بكّار : حدّثنا عبدالواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن محمّد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، قال:
دخل ضرار بن ضمرة الكناني علي معاوية، فقال له: صف لي عليّاً. فقال: أو تعفيني يا أميرالمؤمنين. قال: لا اعفيك.
قال: أمّا إذ لابدّ؛ فإنّه والله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه ... . (2)
17875. المدائني : عن محمّد بن غسّان الكندي، قال:
ص:232
دخل ضرار بن ضمرة النهشلي علي معاوية، فقال له معاوية: صف لي عليّاً يا ضرار. قال: أو تعفيني من ذلك يا أميرالمؤمنين. قال: أقسمت عليك لتفعلنّ .
قال: أمّا إذا أتيت فنعم، كان والله بعيد المدي، شديد القوي، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة علي لسانه ... . (1)
17876. ابن دريد : أخبرنا العكلي، عن الحرمازي، عن رجل من همدان، قال:
قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي عليّاً. قال: اعفني يا أميرالمؤمنين. قال: لتصفنّه.
قال: أمّا إذ لابدّ من وصفه؛ فكان والله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه ... . (2)
17877. عبدالله بن إسماعيل الحلبي : دخل ضرار علي معاوية -وكان ضرار من صحابة علي عليه السلام - فقال له معاوية، يا ضرار، صف لي عليّاً. قال: أو تعفيني. قال: لا اعفيك.
قال: ما أصف منه! كان والله شديد القوي، بعيد المدي، يتفجّر العلم من أنحائه، والحكمة من أرجائه ... . (3)
17878. الدولابي : روي أنّ معاوية قال لضرار الصدي: صف لي عليّاً. فقال: اعفني يا أميرالمؤمنين. قال: لتصفنّه لي.
قال: أمّا إذ لابدّ من وصفه؛ كان والله بعيد المدي ... . (4)
ص:233
17879. ابن أبي الدنيا : حدّثني محمّد بن أبي يحيي أنّ شيخاً من ضبّة يكنّي أباالوليد حدّثهم، قال: حدّثني عبدالواحد بن أبي عمرو الأسدي:
أنّ معاوية قال لرجل من كنانة: صف لي عليّاً. قال اعفني. قال: لا اعفيك.
قال أمّا إذ لابدّ؛ فإنّه كان والله بعيد المدي، شديد القوي، يقول فصلاً، ويحكم عدلاً، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه ... . (1)
17880. الزمخشري : قال معاوية لضرار بن ضمرة الكناني: صف لي عليّاً. فاستعفي، فألحّ عليه، فقال: أمّا إذ لابدّ؛ فإنّه كان والله بعيد المدي، شديد القوي، يتفجّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه ... . (2)
17881. ابن عبدالبرّ : ذكر علي بن أبي طالب عند ابن عبّاس - رضي الله عنهما - , فقال: كان والله يسكته الحلم، وينطقه العلم. (3)
17882. إبراهيم البيهقي : روي أنّ عدي بن حاتم دخل علي معاوية بن أبي سفيان، فقال: يا عدي، أين الطرفات ؟ يعني بنيه طريفاً وطارفاً وطرفة. قال: قتلوا يوم صفّين بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ص:234
فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه! قال: بل ما أنصفت أنا عليّاً إذ قتل وبقيت!
قال: صف لي عليّاً. فقال: إن رأيت أن تعفيني.
قال: لا اعفيك. قال: كان والله بعيد المدي، وشديد القوي، يقول عدلاً، ويحكم فصلاً، تتفجّر الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه ... . (1)
برواية:
1. أبي إسحاق- 11. أبي سعيد الخدري
2.أسماء بنت عميس- 12. سلمان الفارسي
3. أسود بن يزيد- 13. امّ سلمة
4. أنس بن مالك- 14. عامر الشعبي
5. أبي أيّوب الأنصاري- 15. عبدالله بن عبّاس
6. بريدة الأسلمي- 16. عبدالله بن مسعود
7. بكر بن عبدالله- 17. علي بن أبي طالب عليه السلام
8. حسن بن صالح- 18. فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
9. داوود بن المسيّب- 19. كعب بن عجرة
10. سعد بن أبي وقّاص- 20. معقل بن يسار
17883. وكيع : أخبرني شريك، عن أبي إسحاق:
أنّ عليّاً لمّا تزوّج فاطمة قالت للنبيّ صلى الله عليه و سلم : زوّجتنيه اعيمش عظيم البطن!
ص:235
فقال النبيّ صلى الله عليه و سلم : لقد زوّجتكه وإنّه لأوّل أصحابي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً. (1)
17884. وكيع : أنبأنا شريك، عن أبي إسحاق، قال:
قالت فاطمة: يا رسول الله، زوّجتني ضخم البطن، أعمش العين!
قال: أو ما ترضين أن زوّجتك أوّل امّتي إسلاماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟ (2)
17885. ابن أبي شيبة : حدّثنا الفضل بن دكين، عن شريك، عن أبي إسحاق، قال:
قالت فاطمة: يا رسول الله، زوّجتني حمش الساقين، عظيم البطن، أعمش العين!
قال: زوّجتك أقدم امّتي سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً. (3)
17886. ابن عساكر : أخبرنا أبوغالب بن البنّاء، أخبرنا أبومحمّد الجوهري، أخبرنا أبومحمّد عبدالعزيز بن الحسن بن علي بن أبي صابر، حدّثنا أبوحبيب العبّاس بن أحمد بن محمّد البرتي، حدّثنا إسماعيل -يعني ابن موسي - ، [حدّثنا] تليد بن سليمان أبوإدريس، عن أبي الجحّاف، عن رجل، عن أسماء بنت عميس، قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لفاطمة: زوّجتك أقدمهم سلماً، وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً. (4)
17887. العدني : حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، قال:
سمعت الأسود بن يزيد يقول: لم أر بالكوفة من أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم أعلم من علي بن
ص:236
أبي طالب والأشعري. (1)
17888. ابن السمّاك وأبوسهل القطّان : حدّثنا عبدالله بن روح المدائني، حدّثنا سلام بن سليمان المدائني، حدّثنا عمر بن المثنّي، عن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك، قال:
قالت فاطمة: زوّجتني عليّاً حمش الساقين، عظيم البطن، قليل المشي (2)!
فقالت النبيّ صلى الله عليه و سلم : زوّجتك يا بنيّة أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً. (3)
17889. أبوالشيخ : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن سعيد، قال: حدّثنا عبدالله بن روح، قال: حدّثنا سلام بن سليمان المدائني، قال: حدّثنا عمر بن المثنّي، عن أبي إسحاق، عن أنس بن مالك، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم [لفاطمة]: زوّجتك يا بنيّة أعظم الناس حلماً، وأقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً. (4)
17890. ابن القزويني : حدّثنا محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق، عن أبي يسر الغفاري، عن أنس بن مالك، قال:
كنت خادماً لرسول الله صلى الله عليه و آله ، وكانت ليلة امّ حبيبة بنت أبي سفيان، فأتيت رسول الله صلى الله عليه و آله بوضوء، فقال: يا أنس، يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وخير الوصيّين، أقدم
ص:237
الناس سلماً، وأكثر الناس علماً، وأرجح الناس حلماً.
قلت: اللهمّ اجعله رجلاً من قومي، فلم ألبث أن دخل علي بن أبي طالب عليه السلام من الباب ورسول الله صلى الله عليه و آله يتوضّأ ويردّ الماء علي وجه علي عليه السلام حتّي امتلأت عيناه من الماء. (1)
17891. ابن مردويه : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عاصم، حدّثنا عمران بن عبدالرحيم، حدّثنا أبوالصلت الهروي، حدّثنا حسين بن حسن الأشقر، حدّثنا قيس، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيّوب:
أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله مرض مرضة فأتته فاطمة تعوده، فلمّا رأت ما برسول الله صلى الله عليه و آله من الجهد والضعف استعبرت فبكت حتّي سالت الدموع علي خدّيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله : يا فاطمة، إنّ لكرامة الله -عزّ وجلّ - إيّاك زوّجك من أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، إنّ الله تعالي اطّلع اطّلاعة إلي أهل الأرض فاختارني منهم، فبعثني نبيّاً مرسلاً، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منهم بعلك، فأوحي إلي أن ازوّجه إيّاك، وأتّخذه وصيّاً. (2)
17892. مطيّن : حدّثنا محمّد بن مرزوق، حدّثنا حسين الأشقر، عن قيس [بن الربيع]، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن أبي أيّوب الأنصاري:
أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله مرض مرضة فدخلت عليه فاطمة -صلّي الله عليها- تعوده، وهو ناقه (3) من مرضه، فلمّا رأت ما برسول الله من الجهد والضعف خنقتها العبرة حتّي جرت (4) دمعتها.
فقال لها: يا فاطمة، إنّ الله -عزّ وجلّ - اطّلع إلي الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك
ص:238
فبعثه نبيّاً، ثمّ اطّلع إليها ثانية فاختار منها بعلك، فأوحي إلي فأنكحته واتّخذته وصيّاً.
أما علمت يا فاطمة أنّ لكرامة الله إيّاك زوّجك أعظمهم حلماً، وأقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً؟ فسرّت بذلك فاطمة عليها السلام واستبشرت ... . (1)
17893. الدارقطني : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان، حدّثنا محمّد بن الصلت، حدّثنا سداد بن رشيد الجعفي، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال:
قال لي النبيّ صلى الله عليه و سلم : هل لك أن تعود فاطمة ؟ فأتاها، فدخل عليها، فقال: كيف تجدينك ؟ فشكت إليه.
فقال: ما ألوتك -يعني عليّاً رضي الله عنه - أقدمهم سلماً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً. (2)
17894. القطيعي : حدّثنا العبّاس بن إبراهيم القراطيسي، حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا مفضّل بن صالح، حدّثنا جابر الجعفي، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم : قم بنا يا بريدة نعود فاطمة.
قال: فلمّا أن دخلنا عليها أبصرت أباها ودمعت عيناها، قال: ما يبكيك يا بنيّة ؟ قالت: قلّة الطعم، وكثرة الهمّ ، وشدّة السقم.
قال: أما والله لما عند الله خير ممّا ترغبين إليه، يا فاطمة، أما ترضين أنّي زوّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً؟ والله إنّ ابنيك لمن شباب أهل الجنّة. (3)
17895. اب ي النرسي : حدّثنا محمّد بن علي بن عبدالرحمان، حدّثنا محمّد بن الحسين بن
ص:239
النحّاس، حدّثنا عبدالله بن زيدان، حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي ... مثله، إلّا أنّ فيه: «ما يبكيك يا بنتي ... أما والله ما عند الله ... أما ترضين أنّ زوجك خير امّتي أقدمهم سلماً ...». (1)
17896. الدارقطني : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيي بن زكريّا بن شيبان، قال: حدّثنا أحمد بن أسد بن شمر العبدي، قال: حدّثنا الربيع بن المنذر الثوري، عن أبيه، عن عبدالله بن البريدة، عن أبيه، قال:
قال رسول الله -صلّي الله عليه وعلي آله وسلّم- لفاطمة: زوّجتك خير أهلي، أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً -رضي الله تعالي عنه وكرّم وجهه- . (2)
17897. العاصمي : حدّث إبراهيم بن أبي صالح، عن حفص الإمام، عن خالد بن محمّد [أبي]الرحّال، عن بكر بن عبدالله، قال:
قالت فاطمة: يا رسول الله، زوّجتني أحس (3) - أراه قال: - قريش، وأشدّهم حالاً.
فقال [لها النبي]: يا بنيّة، ما أنا زوّجتك، [بل] الله زوّجك أقدمهم سلماً، وأفضلهم -أو قال: أعظمهم- حلماً، وأكثرهم علماً. (4)
17898. الحسكاني : حدّثني أبوالقاسم ابن أبي الحسن الفارسي، قال: أخبرنا أبي، قال: حدّثنا أبوالعبّاس ابن عقدة، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة، قال: حدّثنا عامر بن مفضّل التغلبي، قال:
ص:240
حضرت حسن بن صالح غير مرّة أسأله عن المسألة، فيقول: قال فيه حكيم الحكماء علي بن أبي طالب.
هكذا بخطّ أبي الحسن في أصله، وهو عندي. (1)
17899. الدولابي : حدّثنا محمّد بن معاوية، عن [سعيد بن صالح] وسعيد بن عنبسة، قالا: حدّثنا عبّاد بن العوّام أبوسهل، عن داوود بن المسيّب، قال:
ما كان أحد بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم من علي بن أبي طالب. (2)
17900. الحاكم : فحدّثنا بشرح هذا الحديث الشيخ أبوبكر بن إسحاق، أخبرنا الحسن بن علي بن زياد السري، حدّثنا حامد بن يحيي البلخي - بمكّة - ، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
كنت بالمدينة، فبينا أنا أطوف في السوق إذ بلغت أحجار الزيت، فرأيت قوماً مجتمعين علي فارس قد ركب دابّة، وهو يشتم علي بن أبي طالب والناس وقوف حواليه، إذ أقبل سعد بن أبي وقّاص فوقف عليهم، فقال: ما هذا؟ فقالوا: رجل يشتم علي بن أبي طالب.
فتقدّم سعد، فأفرجوا له حتّي وقف عليه، فقال: يا هذا، علي ما تشتم علي بن أبي طالب ؟ أ لم يكن أوّل من أسلم ؟ أ لم يكن أوّل من صلّي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ أ لم يكن أزهد الناس ؟ أ لم يكن أعلم الناس ؟ وذكر حتّي قال: أ لم يكن ختن رسول الله صلى الله عليه و سلم علي ابنته ؟ أ لم يكن صاحب راية رسول الله صلى الله عليه و سلم في غزواته ؟
ص:241
ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال: اللهمّ إنّ هذا يشتم وليّاً من أوليائك فلا تفرّق هذا الجمع حتّي تريهم قدرتك.
قال قيس: فوالله ما تفرّقنا حتّي ساخت به دابّته فرمته علي هامته في تلك الأحجار، فانفلق دماغه ومات. (1)
17901. الدارقطني : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن إسحاق بن يزيد، حدّثنا سهل بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، قال:
أتيت أباسعيد الخدري، فقلت له: هل شهدت بدراً؟ فقال: نعم. فقلت: أ لا تحدّثني بشيء ممّا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في علي عليه السلام وفضله ؟ فقال: بلي اخبرك أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله مرض مرضة نقه منها فدخلت عليه فاطمة عليها السلام تعوده وأنا جالس عن يمين رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فلمّا رأت ما برسول الله صلى الله عليه و آله من الضعف خنقتها العبرة حتّي بدت دموعها علي خدّها.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله : ما يبكيك يا فاطمة ؟ أما علمت أنّ الله تعالي اطّلع إلي الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيّاً، ثمّ اطّلع ثانية فاختار بعلك، فأوحي إلي فأنكحته واتّخذته وصيّاً؟
أما علمت أنّك بكرامة الله تعالي أباك زوّجك أعلمهم علماً، وأكثرهم حلماً، وأقدمهم سلماً؟ فضحكت واستبشرت ... . (2)
17902. ابن الأعرابي : حدّثنا نجيح بن إبراهيم بن محمّد بن الحسن الزهري القاضي،
ص:242
حدّثنا أبونعيم ضرار بن صرد، حدّثنا علي بن هاشم، حدّثنا محمّد بن عبدالله الهاشمي، عن أبي بكر محمّد بن عمرو بن حزم، عن عبّاد بن عبدالله، عن سلمان رضي الله عنه ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال:
أعلم امّتي من بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام . (1)
ولاحظ الرواية التالية عن امّ سلمة.
17903. أبوبكر ابن شاذان : حدّثنا أبوبكر محمّد بن الحسن بن الحسين بن الخطّاب بن فرات بن حيّان العجلي -قراءة علينا من لفظه ومن كتابه- ، حدّثنا الحسن بن محمّد الصفّار الضرير، حدّثنا عبدالوهّاب بن جابر، حدّثنا محمّد بن عمير، عن أيّوب، عن عاصم الأحول، عن ابن سيرين، عن امّ سلمة وسلمان الفارسي وعلي بن أبي طالب عليه السلام ، قال:
لمّا أدركت فاطمة بنت رسول الله مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل السابقة والفضل في الإسلام والشرف والمال ... وقال: كيف أنت يا بنيّة ؟ وكيف رأيت زوجك ؟ قالت: يا أبه، خير زوج إلّا أنّه دخل علي نساء قريش وقلن لي: زوّجك رسول الله صلى الله عليه و آله من رجل فقير، لا مال له.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله : ما أبوك بفقير، ولا بعلك بفقير، ولقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب والفضّة فاخترت ما عند ربّي -عزّ وجلّ - ، لو تعلمين ما يعلم أبوك لسمجت الدنيا في عينك، والله يا بنيّة، ما آلوتك نصحاً أن زوّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً ... . (2)
ص:243
17904. يحيي بن سليمان : حدّثني ابن إدريس، قال: حدّثنا أبوإسحاق الشيباني، عن عامر الشعبي، قال:
انتهي علم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلي ستّة نفر: عمر، وعلي، وعبدالله، وزيد بن ثابت، وأبي الدرداء، وأبي موسي الأشعري. (1)
17905. أبوخيثمة وأحمد : حدّثنا عبّاد بن العوّام، أنبأنا [أبوإسحاق] الشيباني، عن الشعبي، قال:
كان العلم يؤخذ عن ستّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فكان عمر وعبدالله وزيد يشبه علمهم بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان علي واُبي والأشعري يشبه علمهم بعضهم بعضاً يقتبس بعضهم - يعني من بعض - ... . (2)
17906. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن نمير، حدّثنا عبدالله بن إدريس، حدّثنا الشيباني، عن عامر، قال:
خذ العلم عن ستّة: عمر، وعبدالله، وزيد بن ثابت - فكان هؤلاء يستفتي بعضهم عن بعض - ، وعلي، واُبي، وأبوموسي، فكان هؤلاء يستفتي بعضهم من بعض ... . (3)
17907. ابن سعد : أخبرنا الحسن بن موسي الأشيب، أخبرنا زهير بن معاوية، أخبرنا جابر، عن عامر، قال:
ص:244
كان علماء هذه الاُمّة بعد نبيّها صلى الله عليه و سلم ستّة: عمر، وعبدالله، وزيد بن ثابت - فإذا قال عمر قولاً وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً - ، وعلي، واُبي بن كعب، وأبوموسي الأشعري، فإذا قال علي قولاً وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً. (1)
17908. ابن الصلاح : روينا عن الشعبي، قال:
كان العلم يؤخذ عن ستّة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وكان عمر وعبدالله وزيد يشبه علم بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض، وكان علي والأشعري واُبي يشبه علم بعضهم بعضاً، وكان يقتبس بعضهم من بعض. (2)
17909. ابن المديني : عن الشعبي، قال:
اخذ العلم عن ستّة: عمر، وعبدالله بن مسعود، وزيد بن ثابت، واُبي - وكان هؤلاء يستفتي بعضهم من بعض - ، وعلي، وأبي موسي. (3)
17910. الذهبي : قال الشعبي:
كان العلم يؤخذ عن ستّة: عمر، وعلي، واُبي، وابن مسعود، وزيد، وأبي موسي. (4)
17911. ابن عبدالبرّ : حدّثنا فضيل، عن عبدالوهّاب، قال: حدّثنا شريك، عن ميسرة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
كنّا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به. (5)
ص:245
17912. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : أنبأنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
إنّا إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل به إلي غيره. (1)
17913. ابن عدي : أخبرنا أبوعلي الحسين بن عفير بن حمّاد بن زياد العطّار -بمصر- ، حدّثنا أبويعقوب يوسف بن عدي بن زريق بن إسماعيل الكوفي التيمي، حدّثنا جرير بن عبدالحميد الضبّي، حدّثني سليمان بن مهران الأعمش، [عن أبي جعفر المنصور], حدّثني والدي، عن أبيه، عن جدّه، [عن النبيّ صلى الله عليه و سلم ، قال]:
... فعلي أشجع الناس قلباً، وأعلم الناس علماً، وأحلم الناس حلماً، وأقدم الناس سلماً. (2)
17914. ابن المغازلي : أخبرنا أبوطالب محمّد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصيرفي البغدادي رحمه الله - قدم علينا واسطاً - ، حدّثنا أبوبكر محمّد بن الحسن بن سليمان، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله العكبري، حدّثنا أبوالقاسم عبدالله بن عتّاب العبدي، حدّثنا عمر بن شبّة بن عبيدة النميري، قال: حدّثني المدائني، قال: وجّه المنصور إلي الأعمش يدعوه.
قال [أبوطالب]: وحدّثنا محمّد بن الحسن، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله العكبري، حدّثنا عبدالله بن عتّاب بن محمّد، حدّثنا الحسن بن عرفة، حدّثنا أبومعاوية [محمّد بن خازم]، قال: حدّثنا الأعمش، قال: أرسل إلي المنصور.
[قال أبوطالب:] وحدّثنا محمّد بن الحسن، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله [العكبري، حدّثنا عبدالله] بن عتّاب العبدي، حدّثنا أحمد بن علي العمّي، حدّثنا إبراهيم
ص:246
بن الحكم، قال: حدّثني سليمان بن سالم، حدّثني الأعمش، [عن أبي جعفر المنصور، قال:] أخبرني أبي، عن جدّي، عن أبيه، [عن النبيّ صلى الله عليه و سلم ، قال]:
... فعلي أشجع الناس قلباً، وأعلم الناس علماً، وأحلم الناس حلماً، وأقدم الناس إسلاماً، وأسمحهم كفّاً، وأحسن الناس خلقاً ... . (1)
17915. ابن عبدالبرّ : ذكر علي بن أبي طالب عند ابن عبّاس -رضي الله عنهما- , فقال:
كان والله يسكته الحلم، وينطقه العلم. (2)
17916. القوّاس : عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- وقد سئل عن علي رضي الله عنه , فقال:
رحمة الله علي أبي الحسن، كان والله علم الهدي، وكهف التقي، وطود النهي، ومحلّ الحِجا، وغيث الندي، ومنتهي العلم للوري ... . (3)
17917. الحسكاني : [فرات بن إبراهيم قال:] (4) حدّثني علي بن حمدون، حدّثنا عبّاد، عن رجل، قال: أخبرنا زياد بن المنذر، عن أبي عبدالله الجدلي، عن عبدالله بن مسعود، قال:
غدوت إلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخلت المسجد والناس أجفل ما كانوا كأنّ علي رؤوسهم الطير إذ أقبل علي بن أبي طالب، حتّي سلّم علي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فتغامز به بعض من كان عنده، فنظر إليهم النبيّ صلى الله عليه و آله فقال: أ لا تسألوني عن أفضلكم ؟ قالوا: بلي.
قال: أفضلكم علي بن أبي طالب، [هو] أقدمكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم
ص:247
علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدّكم لله غضباً، وأشدّكم نكاية في العدوّ، فهو عبدالله وأخو رسوله، فقد علّمته علمي، واستودعته سرّي، وهو أميني علي امّتي.
فقال بعض من حضر: لقد افتتن علي رسول الله حتّي لا يري به شيئاً! فأنزل الله: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ 1 . (1)
17918. الحسكاني : قرأت في التفسير العتيق، [قال:] حدّثنا محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عبدالرحمان بن أبي ليلي، [عن أبيه عبدالرحمان بن أبي ليلي]، عن كعب بن عجرة وعبدالله بن مسعود، قالا:
قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وقد سئل عن علي فقال: علي أقدمكم، أفضلكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدّكم في الله غضباً، علّمته علمي، واستودعته سرّي، ووكلته بشأني، فهو خليفتي في أهلي، وأميني في امّتي.
فقال بعض قريش: لقد فتن علي رسول الله حتّي ما يري به شيئاً! فأنزل الله تعالي: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ . (2)
17919. ابن عساكر : أخبرنا أبوالقاسم بن السمرقندي، أخبرنا عاصم بن الحسن بن محمّد بن عاصم، أخبرنا أبوعمر ابن مهدي، أخبرنا أبوالعبّاس ابن عقدة، حدّثنا الفضل بن يوسف الجعفي، حدّثنا محمّد بن عكاشة، حدّثنا أبوالمغراء -وهو حميد بن المثنّي-، عن يحيي بن طلحة النهدي، عن أيّوب بن الحرّ، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث، عن علي، قال:
إنّ فاطمة شكت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: أ لا ترضين أنّي زوّجتك أقدم امّتي سلماً، وأحلمهم حلماً، وأكثرهم علماً؟ أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة إلّا ما
ص:248
جعل الله لمريم ابنة عمران، وأنّ ابنيك سيّدا شباب أهل الجنّة ؟ (1)
17920. الدولابي : حدّثنا أحمد بن يحيي الصوفي، حدّثنا إسماعيل بن أبان، حدّثنا أبومريم، عن أبي اسحاق، عن الحارث، عن علي، قال:
خطب أبوبكر وعمر -رضي الله عنهما- إلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، فأبي رسول الله عليهما، فقال عمر: أنت لها يا علي. فقال: ما لي من شيء إلّا درعي أرهنها. فزوّجه رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة، فلمّا بلغ ذلك فاطمة بكت.
قال: فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: ما لك تبكين يا فاطمة ؟ فوالله لقد أنكحتك أكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً. (2)
17921. ابن أبي الحديد : روي عبدالسلام بن صالح، عن إسحاق الأزرق، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه:
أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله لمّا زوّج فاطمة دخل النساء عليها، فقلن: يا بنت رسول الله، خطبك فلان وفلان، فردّهم عنك، وزوّجك فقيراً لا مال له.
فلمّا دخل عليها أبوها صلى الله عليه و آله رأي ذلك في وجهها، فسألها، فذكرت له ذلك، فقال: يا فاطمة، إنّ الله أمرني فأنكحتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً، وما زوّجتك إلّا بأمر من السماء، أما علمت أنّه أخي في الدنيا والآخرة ؟ (3)
ولاحظ ما تقدّم من روايته عليه السلام مع رواية امّ سلمة.
17922. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن عبيد المحاربي، حدّثنا
ص:249
عبدالكريم بن يعفور (1)، عن جابر [الجعفي]، عن أبي الطفيل، قال: قالت عائشة:
اشتكي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتي، فأتته فاطمة تمشي، والّذي نفس عائشة بيده كأنّ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فسارّها رسول الله صلى الله عليه و سلم فبكت، ثمّ سارّها فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم ضحكاً أقرب من بكاء!
فقلت: يا فاطمة، أخبريني ما قال لك ؟ قالت: ما كنت أفعل وقد رأي رسول الله صلى الله عليه و سلم مكانك.
فلمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه و سلم سألها، فقالت: إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: إنّ جبريل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة، وقد عارضني به العام مرّتين، ولا أراني إلّا مدعوّاً به فاُجيب، فاتّقي الله. قالت: فجزعت، ثمّ سارّني فقال: أما ترضين أنّ زوجك أوّل المسلمين إسلاماً، وأعلمهم علماً؟ فإنّك سيّدة نساء امّتي، كما سادت مريم نساء قومها. (2)
17923. معتمر بن سليمان : [حدّثنا] عبدالكريم بن يعفور الجعفي، حدّثنا جابر، عن أبي الضحي، عن مسروق، عن عائشة، قالت:
حدّثتني فاطمة بنت محمّد صلى الله عليه و سلم أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: زوّجتك أعلم المؤمنين علماً، وأوّلهم سلماً، وأفضلهم حلماً. (3)
17924. ابن عساكر : أخبرنا أبوالقاسم عبدالصمد بن محمّد بن عبدالله، أخبرنا أبوالحسن علي بن محمّد بن أحمد، أخبرنا أحمد بن محمّد بن موسي، قال: [حدّثنا] أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، حدّثنا أحمد بن يحيي وأحمد بن موسي بن إسحاق، قالا: حدّثنا ضرار بن صرد، حدّثنا عبدالكريم بن يعفور، عن جابر، عن أبي الضحي، عن مسروق، عن عائشة، قالت:
ص:250
حدّثتني فاطمة ابنة محمّد أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال لها: زوّجتك أعلم المؤمنين علماً، وأقدمهم سلماً، وأفضلهم حلماً. (1)
17925. الدولابي : حدّثنا أحمد بن يحيي الأودي، حدّثنا أبونعيم ضرار بن صرد، أخبرنا عبدالكريم أبويعفور، حدّثنا جابر، عن أبي الضحي، عن مسروق، عن عائشة، قالت:
حدّثتني فاطمة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : زوجك أعلم الناس علماً، وأوّلهم سلماً، وأفضلهم حلماً. (2)
17926. الحسكاني : قرأت في التفسير العتيق [قال]: حدّثنا محمّد بن شجاع ... . (3)
تقدّمت روايته مع رواية عبدالله بن مسعود.
17927. الإسكافي : روي عبيدالله بن موسي والفضل بن دكين والحسن بن عطيّة، قالوا: حدّثنا خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار، قال:
كنت اوضّئ النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقال لي: هل لك أن نعود فاطمة ؟ قلت: نعم يا رسول الله. فقام يمشي متوكّئاً علي، وقال: أما إنّه سيحمل ثقلها غيرك، ويكون أجرها لك.
قال: فوالله كأنّه لم يكن علي من ثقل النبيّ صلى الله عليه و آله شيء، فدخلنا علي فاطمة عليها السلام ، فقال لها صلى الله عليه و سلم : كيف تجدينك ؟ قالت: لقد طال أسفي، واشتدّ حزني، وقال لي النساء: زوّجك أبوك فقيراً لا مال له.
فقال لها: أما ترضين أنّي زوّجتك أقدم امّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً؟
ص:251
قالت: بلي رضيت يا رسول الله.
وقد روي هذا الخبر يحيي بن عبدالحميد وعبدالسلام بن صالح، عن قيس بن الربيع، عن أبي أيّوب الأنصاري، بألفاظه أو نحوها. (1)
17928. أحمد : حدّثنا أبوأحمد [محمّد بن عبدالله الأسدي]، حدّثنا خالد -يعني ابن طهمان- ، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار، قال:
وضّأت النبيّ صلى الله عليه و سلم ذات يوم، فقال: هل لك في فاطمة تعودها؟ فقلت: نعم. فقام متوكّئاً علي، فقال: أما إنّه سيحمل ثقلها غيرك، ويكون أجرها لك.
قال: فكأنّه لم يكن علي شيء، حتّي دخلنا علي فاطمة، فقال لها: كيف تجدينك ؟ قالت: والله لقد اشتدّ حزني، واشتدّت فاقتي، وطال سقمي.
قال أبوعبدالرحمان: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده في هذا الحديث: قال: أوما ترضين أنّي زوّجتك أقدم امّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟ (2)
17929. عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن عبدالله الأسدي، حدّثنا خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار، قال:
وضّأت رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال لي: هل لك في فاطمة ؟ يعني ابنته، قلت: نعم. فقام متوكّئاً علي، فقال: أما إنّه سيحمل الثقل غيرك ويكون الأجر لك، فكأنّه لم يكن علي شيء، حتّي دخلنا علي فاطمة فقال لها: كيف تجدينك ؟ فقالت: والله لقد اشتدّ حزني، واشتدّت فاقتي، وطال سقمي.
فقال: أما ترضين أن زوّجتك أقدم امّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأحلمهم حلماً؟ (3)
ص:252
17930. النجّاد : حدّثنا إسحاق بن الحسن، حدّثنا أبونعيم، حدّثنا خالد بن طهمان، عن نافع بن أبي نافع الهمداني، عن معقل بن يسار، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل لك أن نعود فاطمة ؟ فقلت: نعم. فمضي ومضيت معه، فدخلنا علي فاطمة، فقال: كيف تجدينك يا فاطمة ؟ فقالت: طال وجعي، واشتدّت فاقتي.
فقال لها: أما ترضين أنّي زوّجتك أقدم المؤمنين سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟ قالت: بلي رضيت يا رسول الله. (1)
برواية:
1. أبي ذرّ الغفاري-3. عبدالله بن عمر
2. سلمان الفارسي-4. عبدالله بن مسعود
17931. ابن الأثير : في حديث أبي ذرّ يصف عليّاً: وإنّه لعالم الأرض وزرّها الّذي تسكن إليه. (2)
17934. يحيي بن آدم : حدّثنا أبوزيد [عبثر]، عن مطرّف، عن أبي إسحاق، مثله. (1)
17935. يحيي بن آدم : حدّثنا مندل العنزي، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن عبدالله (2), قال:
ما تقولون ؟ إنّ أعلم أهل المدينة علي. (3)
17936. يحيي بن آدم : عن أبي بكر، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، قال: قال عبدالله:
علماء الأرض ثلاثة: فرجل بالشام، ورجل بالمدينة، ورجل بالكوفة، فأمّا هذان فيسألان الّذي بالمدينة، والّذي بالمدينة لا يسألهم عن شيء. (4)
17937. ابن عساكر : أخبرنا أبوالقاسم بن الحصين، أخبرنا أبوطالب بن غيلان، أخبرنا أبوإسحاق المزكّي، حدّثنا محمّد بن المسيّب، أخبرنا الحسن بن محمّد بن إبراهيم الجرجاني، حدّثنا إبراهيم - يعني ابن الحكم - ، حدّثنا أبي، عن السدّي، عن مرّة بن شراحيل، قال:
كان عبدالله بن مسعود يقول: علماء الناس ثلاثة: واحد بالعراق، وآخر بالشام - يعني أباالدرداء - ، يحتاج إلي الّذي بالعراق - يعني نفسه - ، والّذي بالشام والعراق يحتاجان إلي الّذي بالمدينة - يعني علي بن أبي طالب - ، ولا يحتاج إلي واحد منهما. (5)
ص:254
وراجع ما سيأتي في عنوان: «أنّه عليه السلام أعلم الصحابة».
برواية: عبدالله بن عبّاس
17938. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا هاشم بن محمّد بن سعيد بن خثيم الهلالي، حدّثنا أبوعامر الأسدي، حدّثنا موسي بن عبدالملك بن عمير، عن أبيه، عن ربعي بن حراش، قال:
استأذن عبدالله بن عبّاس علي معاوية، وقد تحلّقت عنده بطون قريش، وسعيد بن العاص جالس عن يمينه، فلمّا نظر إليه معاوية قال: يا سعيد، والله لاُلقينّ علي ابن عبّاس مسائل يعيي بجوابها. فقال له سعيد: ليس مثل ابن عبّاس يعيي بمسائلك.
فلمّا جلس قال له معاوية: ... فما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال: رحم الله أباالحسن، كان والله علم الهدي، وكهف التقي، ومحلّ الحِجا، وطود النهي، ونور السري في ظلم الدجي، وداعية إلي المحجّة العظمي، عالماً بما في الصحف الاُولي، وقائماً بالتأويل والذكري، متعلّقاً بأسباب الهدي، وتاركاً للجور والأذي، وحائداً عن طرقات الردي، وخير من آمن واتّقي، وسيّد من تقمّص وارتدي، وأفضل من حجّ وسعي، وأسمح من عدل وسوّي، وأخطب أهل الدنيا، إلّا الأنبياء والنبي المصطفي، وصاحب القبلتين، فهل يوازيه موحّد؟ وزوج خير النساء، وأبوالسبطين، لم ترعيني مثله ولا تري حتّي القيامة واللقاء، فمن لعنه فعليه لعنة الله والعباد إلي يوم القيامة ... . (1)
برواية:
1. عبدالله بن عبّاس-4. مسروق
2. عبيدة السلماني-5. المسور بن مخرمة
3. عطاء بن أبي رباح
ص:255
17939. أبوعبيد الهروي : ومنه حديث ابن عبّاس، وذكر عليّاً رضي الله عنه فقال: علمي إلي علمه كالقرارة في المثعنجر. (1)
17940. ابن أبي الحديد : قيل له [أي لابن عبّاس]: أين علمك من علم ابن عمّك ؟ فقال: كنسبة قطرة المطر إلي البحر المحيط . (2)
17941. عبدالله بن أحمد : حدّثني أبوعبدالله الأسدي عبادة بن زياد بن موسي، قال: حدّثنا محمّد بن أبي حفص العطّار، عن عمران بن مسلم، عن أبي إسحاق، عن عبيدة السلماني، قال:
صحبت عبدالله بن مسعود سنة ثمّ صحبت عليّاً، فكان فضل علي علي عبدالله في العلم كفضل المهاجر علي الأعرابي. (3)
17942. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا عون بن سلام، حدّثنا محمّد بن أبي حفص، عن عمران بن سليمان، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبيدة، قال:
صحبت عبدالله سنة ثمّ صحبت عليّاً، فكان فضل ما بينهما في العلم كفضل المهاجر علي الأعرابي. (4)
17943. ابن أبي شيبة : حدّثنا عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن أبي سليمان، قال:
ص:256
قلت لعطاء: كان في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد أعلم من علي ؟ قال: لا والله، ما أعلمه. (1)
17944. ابن معين والقلعي : حدّثنا عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن أبي سليمان، قال:
قلت لعطاء: أ كان في أصحاب محمّد أحد أعلم من علي ؟ قال: لا والله، لا أعلمه. (2)
17945. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا الحسن بن سهل، حدّثنا عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن أبي سليمان، قال:
قلت لعطاء بن أبي رباح: أ كان في أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم أعلم من علي بن أبي طالب ؟ قال: لا والله، ما أعلمه. (3)
17946. الحسكاني : أخبرنا أبومحمّد عبدالرحمان بن أحمد المحفوظي، قال: أخبرنا أبوالعبّاس الصبغي، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن زياد، قال: حدّثنا ضرار بن صرد، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، قال: حدّثنا عبدالملك بن أبي سليمان، قال:
سألت عطاء بن أبي رباح: أ كان في أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم أعلم من علي ؟ قال: لا والله، ما أعلمه. (4)
17947. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا سعيد بن عمرو، أخبرنا سفيان بن
ص:257
عيينة، عن مطرّف، عن الشعبي، عن مسروق، قال:
كان العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في ستّة، نصفهم لأهل الكوفة، أحدهم أبوموسي: عمر، وعلي، وعبدالله، واُبي بن كعب، وأبوموسي، وزيد بن ثابت. (1)
17948. يحيي بن سليمان : حدّثنا زياد البكّائي وجرير الضبّي، عن منصور، عن الشعبي، عن مسروق، قال:
تشاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي هؤلاء الستّة ... قال: ثمّ تشاممت هؤلاء الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي عمر وعلي وعبدالله. (2)
17949. البسوي : حدّثنا قبيصة، حدّثنا سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحارث -أو بعض أصحابه - ، عن مسروق، قال:
وجدت (3)علم أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم انتهي إلي ستّة: عمر، وعلي، وزيد بن ثابت، واُبي، وأبي الدرداء، وعبدالله بن مسعود، ثمّ انتهي علم هؤلاء الستّة إلي اثنين: علي، وعبدالله. (4)
17950. أبوالقاسم البغوي : حدّثنا داوود بن رشيد، حدّثنا [أبو]حفص الأبّار، عن منصور، عن مسلم، عن مسروق، قال:
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي ستّة: إلي علي، وعبدالله، وعمر، وزيد، وأبي الدرداء، واُبي.
ص:258
قال: ثمّ شاممت الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي علي، وعبدالله. (1)
17951. ابن سعد وأبوالحسن البغوي : أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم، عن مسروق، قال:
شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي ستّة: إلي عمر، وعلي، وعبدالله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، فشاممت هؤلاء الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي علي وعبدالله. (2)
17952. أبوحاتم الرازي : أنبأ أبونعيم، أنبأنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم - يعني أباالضحي - ، عن مسروق، قال:
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم ينتهي إلي ستّة: إلي علي، وعمر، وعبدالله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت. (3)
17953. ابن عساكر : أخبرنا أبومحمّد بن الأكفاني، أنبأنا عبدالعزيز بن أحمد، أنبأنا أبومحمّد بن أبي نصر، أنبأنا أبوالميمون، أنبأنا أبوزرعة، أنبأنا أبونعيم.
وأخبرنا أبوالبركات الأنماطي، أنبأنا أبوالفضل أحمد بن الحسن، أنبأنا أبوالقاسم بن بشران، أنبأنا أبوعلي بن الصوّاف، أنبأنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة، أخبرنا المنجاب بن الحارث.
قالا: أنبأنا القاسم بن معن، عن منصور، عن مسلم، عن مسروق، قال:
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي ستّة: عمر، وعلي، وعبدالله، ومعاذ، وأبي الدرداء، وزيد بن ثابت، وشاممت الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي علي وعبدالله. (4)
ص:259
17954. ابن مردويه : حدّثنا علي بن إبراهيم بن حمّاد، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن دينار، حدّثنا أبوغسّان النهدي، حدّثني القاسم بن معن، عن ميمون، عن مسلم بن صبيح (1)، عن مسروق، قال:
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي علي عليه السلام ، وعمر، وعبدالله، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد. (2)
17955. ابن السمّاك : حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثنا محمّد بن سعيد بن الأصبهاني، حدّثنا جرير، عن منصور، قال: قال مسروق:
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي ستّة نفر منهم: عمر، وعلي، وعبدالله، وأبي الدرداء، واُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ثمّ شاممت هؤلاء الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي رجلين: إلي علي، وعبدالله. (3)
17956. البسوي : حدّثنا عبيدالله بن موسي، قال: أخبرنا جعفر بن زياد، عن منصور، عن مسروق، قال:
انتهي العلم إلي ثلاثة: عالم بالمدينة، وعالم بالشام، وعالم بالعراق، فعالم المدينة علي بن أبي طالب، وعالم الكوفة عبدالله بن مسعود، وعالم الشام أبوالدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة، ولم يسألهم. (4)
17957. أبوطاهر المخلّص : حدّثنا أبوبكر يعقوب بن إبراهيم بن عيسي البزّاز،
ص:260
حدّثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي، حدّثنا عبيدالله بن موسي، حدّثنا جعفر الأحمر، عن منصور، قال: قال مسروق:
انتهي العلم إلي ثلاثة: عالم بالشام، وعالم بالمدينة، وعالم بالعراق، فعالم الكوفة ابن مسعود، وعالم الشام أبوالدرداء، وعالم المدينة علي بن أبي طالب، فإذا التقوا سأل عالم الشام عالم العراق، وسأل عالم العراق عالم المدينة، ولم يسألهم. (1)
17958. ابن مردويه : عن مسروق رضي الله عنه ، قال:
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله فوجدت علمهم انتهي إلي عمر، وعلي، وعبدالله بن مسعود، وأبي الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، ثمّ شاممت الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي اثنين: علي وعبدالله، فشاممت فتفرّد به علي. (2)
17959. ابن الصلاح : روينا عن مسروق، قال:
وجدت علم أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم انتهي إلي ستّة: عمر، وعلي، واُبي، وزيد، وأبي الدرداء، وعبدالله بن مسعود، ثمّ انتهي علم هؤلاء الستّة إلي اثنين: علي، وعبدالله. (3)
17960. ابن المديني : قال [مسروق]:
كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يداني بعضهم علي بعض يرقون بالمسألة فيصيبها الرجل منهم، ثمّ يرقون بالمسألة فيصيبها الآخر، وكان الناس يأخذون عن ستّة: عمر، وعلي، وعبدالله، وأبي موسي، وزيد بن ثابت، واُبي بن كعب. (4)
17961. ابن المديني وابن الجوزي : قال مسروق:
ص:261
شاممت أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم فوجدت علمهم انتهي إلي ستّة نفر منهم: عمر، وعلي، وعبدالله، وأبي الدرداء،، واُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ثمّ شاممت هؤلاء الستّة فوجدت علمهم انتهي إلي رجلين منهم: إلي علي، وعبدالله. (1)
17962. الواقدي : أخبرنا عبدالرحمان بن عمران بن أبي أنس، عن أبيه، عن سليمان بن يسار، عن المسور بن مخرمة، قال:
كان علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ينتهي إلي ستّة: إلي عمر، وعثمان، وعلي، ومعاذ بن جبل، واُبي بن كعب، وزيد بن ثابت. (2)
وراجع ما تقدّم في عنوان: «أنّه عليه السلام لعالم الأرض وأعلم أهل المدينة».
برواية: عبدالله بن عبّاس
17963. الضحّاك بن مزاحم : عن ابن عبّاس، قال:
قسّم علم الناس خمسة أجزاء، فكان لعلي منها أربعة أجزاء، ولسائر الناس جزء، وشاركهم علي في الجزء، فكان أعلم به منهم. (3)
برواية: عبدالله بن عبّاس
ص:262
17964. الحسن بن سفيان : حدّثنا حميد بن مسعدة، حدّثنا يونس بن أرقم، عن أبي الجارود، عن عدي بن ثابت الأنصاري، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
العلم ستّة أسداس، لعلي بن أبي طالب عليه السلام خمسة أسداس، وللناس سدس، ولقد شاركنا في السدس حتّي لهو أعلم به منّا. (1)
17965. الخوارزمي : أخبرنا الاُستاذ عين الأئمّة أبوالحسن علي بن أحمد الكرباسي الخوارزمي - بخوارزم - ، حدّثنا القاضي الإمام شمس القضاة أحمد بن عبدالرحمان بن إسحاق، أخبرنا الشيخ الفقيه أبوسهل محمّد بن إبراهيم، أخبرنا أبوالحسن محمّد بن جعفر بن هارون التميمي النحوي الكوفي -المعروف بابن النجّار- ، حدّثنا أبوالقاسم عبدالرحمان بن حامد بن متويه البلخي التميمي، حدّثنا أبوالحسن علي بن محمّد بن عبدالله السمسار التميمي، حدّثني حميد بن مسعدة، حدّثنا يونس بن أرقم، حدّثنا أبوالجارود، عن عدي بن ثابت، [عن سعيد بن جبير]، عن ابن عبّاس، قال:
العلم ستّة أسداس، لعلي بن أبي طالب عليه السلام من ذلك خمسة أسداس، وللناس سدس، ولقد شاركنا في سدسنا حتّي هو أعلم به منّا. (2)
برواية:
1. عبدالله بن عبّاس-2. عبدالله بن مسعود
17966. الضحّاك بن مزاحم : عن عبدالله بن عبّاس، قال:
ص:263
والله لقد اعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر. (1)
17967. الحاكم : حدّثنا أبوبكر بن أبي دارم الحافظ ، قال: حدّثنا أبوعبدالله الحسين بن محمّد البجلي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدّثنا إبراهيم بن هراسة، قال: حدّثنا أبوالعلاء، [عن] خالد [بن] الخفّاف، عن عامر، عن ابن عبّاس، قال:
العلم عشرة أجزاء، اعطي علي بن أبي طالب منها تسعة، والجزء العاشر بين جميع الناس، وهو بذلك الجزء أعلم منهم. (2)
17968. ابن عساكر : أخبرنا أبوغالب بن البنّاء، أخبرنا أبومحمّد الجوهري، أخبرنا أبوعمر بن حيّويه، أخبرنا أبوعبدالله الحسين بن علي الدهّان، حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة الكندي، حدّثنا أبوهاشم محمّد بن علي (3) -يعني الوهبي- ، حدّثنا أحمد بن عمران بن سلمة بن عجلان مولي يحيي بن عبدالله، عن سفيان بن سعيد، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله [بن مسعود]، قال:
كنت عند النبيّ صلى الله عليه و سلم فسئل عن علي، فقال: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي علي تسعة أجزاء، والناس جزء واحداً. (4)
17969. ابن الغطريف : حدّثنا أبوالحسين بن أبي مقاتل، حدّثنا محمّد بن عبيد بن
ص:264
عتبة ... مثله. (1)
17970. ابن المغازلي : أخبرنا محمّد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا محمّد بن العبّاس بن حيّويه ... مثله. (2)
17971. أبومحمّد الخلّال : أخبرنا محمّد بن العبّاس بن حيّويه ... عن عبدالله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قسّمت الحكمة ... . (3)
17972. الحسكاني : أخبرني أبوالقاسم المغربي - بقراءتي عليه من أصله - ، قال: أخبرنا أبوبكر ابن عبدان الحافظ - بالأهواز - ، قال: حدّثني صالح بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن عبيد بن عتبة، قال: حدّثنا محمّد بن علي الوهبي، قال: حدّثنا أحمد بن عمران بن سلمة -وكان عدلاً ثقة مرضيّاً- ، قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله، قال:
كنت عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فسئل عن علي، فقال: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي علي تسعة أجزاء، واُعطي الناس جزء واحداً. (4)
17973. الأزدي وابن النجّار وابن الجوزي والبرديجي : عن ابن مسعود، قال:
كنت عند النبيّ صلى الله عليه و سلم فسئل عن علي، قال: قسّمت الحكمة عشرة أجزاء، فاُعطي علي
ص:265
تسعة أجزاء، والناس جزء واحداً، وعلي أعلم بالواحد منهم. (1)
برواية:
1. علي بن أبي طالب عليه السلام -2. ما ورد مرسلاً
17974. محمّد بن فضيل : حدّثني غالب الجهني، عن أبي جعفر محمّد بن علي، عن أبيه، عن جدّه، قال: قال علي عليه السلام : قال النبيّ صلى الله عليه و سلم :
لمّا اسري بي إلي السماء، ثمّ من السماء إلي السماء، إلي سدرة المنتهي، وقفت بين يدي ربّي -عزّ وجلّ - فقال لي: يا محمّد، قلت: لبّيك وسعديك، قال: قد بلوت خلقي فأيّهم رأيت أطوع لك ؟ قال: قلت: ربّي، عليّاً.
قال: صدقت يا محمّد، فهل اتّخذت لنفسك خليفة يؤدّي عنك، يعلّم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال: قلت: ياربّ ، اختر لي فإنّ خيرتك خيرتي، قال: اخترت لك عليّاً، فاتّخذه خليفة ووصيّاً، ونحلته علمي وحلمي ... . (2)
17975. ابن أبي الحديد : جاء في تفسير قوله تعالي: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ 3 ، أنّها انزلت في علي عليه السلام وما خصّ به من العلم. (3)
ص:266
باب من العلم يفتح منه ألف باب
برواية:
1. البراء بن عازب-8 . عبدالله بن مسعود
2. أبي ذرّ الغفاري-9. علي بن أبي طالب عليه السلام
3. زيد بن أرقم-10. عمّار بن ياسر
4. زيد بن علي بن الحسين-11. كعب بن عجرة
5. سلمان الفارسي-12. محمّد بن علي الباقر عليهما السلام
6. عبدالله بن عبّاس-13. محمّد بن كعب
7. عبدالله بن عمرو بن العاص-14. المقداد بن الأسود
17976. الحمّويي : أنبأني السيّد النسّابة جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي رحمه الله ، قال: أنبأنا والدي السيّد شمس الدين شيخ الشرف فخار الموسوي رحمه الله -إجازة - ، بروايته عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن جعفر بن محمّد الدوريستي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمّي (1)، قال: حدّثنا أبي [و] محمّد بن الحسن -رضي الله عنهما-، قالا: حدّثنا سعد بن عبدالله، قال: حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسي، عن عمر بن اذينة، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي (2)، قال:
رأيت عليّاً عليه السلام في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم في خلافة عثمان رضي الله عنه وجماعة يتحدّثون ويتذاكرون العلم والفقه، فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال فيها رسول الله صلى الله عليه و سلم من الفضل ... فقام زيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وسلمان، وأبوذرّ، والمقداد،
ص:267
وعمّار، فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول النبيّ صلى الله عليه و سلم وهو قائم علي المنبر وأنت [يا علي] إلي جنبه وهو يقول:
... أيّها الناس، قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي، وإمامكم ودليلكم وهاديكم، وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلّدوه دينكم، وأطيعوه في جميع اموركم، فإنّ عنده جميع ما علّمني الله من علمه وحكمته، فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلّموهم، ولا تتقدّموهم، ولا تخلّفوا عنهم، فإنّهم مع الحقّ ، والحقّ معهم، لا يزايلوه ولا يزايلهم. ثمّ جلسوا. (1)
17977. الحمّويي : أنبأني السيّد النسّابة جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي رحمه الله ... . (2)
تقدّمت روايتهما آنفاً مع رواية البراء بن عازب.
17978. ابن حجر : كثير بن يحيي، عن أبي عوانة، عن الأجلح، عن زيد بن علي بن الحسين، قال:
لمّا كان اليوم الّذي توفّي فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم - فذكر قصّة طويلة فيها - فدخل علي، فقامت عائشة، فأكبّ عليه، فأخبره بألف باب ممّا يكون قبل يوم القيامة، يفتح كلّ باب منها ألف باب. (3)
17979. الحمّويي : أنبأني السيّد النسّابة جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن
ص:268
فخار الموسوي رحمه الله ... . (1)
تقدّمت روايته مع رواية البراء بن عازب.
17980. الإسماعيلي : أخبرني الحسين بن شيرويه بن حمّاد بن بحر الفارسي أبوعبدالله -بالكوفة- ، حدّثنا محمّد بن حميد بن عبّاس، أخبرنا عاصم، عن نوح، عن الأجلح، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن ابن عبّاس:
أنّ عليّاً خطب الناس، فقال: يا أيّها الناس، ما هذه المقالة السيّئة الّتي تبلغني عنكم ؟ والله ليقتلنّ طلحة والزبير، ولتفتحنّ البصرة، ولتأتينّكم مادّة من الكوفة ستّة آلاف وخمسمئة وستّون -أو خمسة آلاف وستّمئة وخمسون- .
قال ابن عبّاس: فقلت: والحرب خدعة.
قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس كم أنتم ؟ فقالوا كما قال، فقلت: هذا بما أسرّ إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إنّه علّمه ألف كلمة، كلّ كلمة تفتح ألف كلمة. (2)
وراجع ما يأتي من حديث ابن عبّاس برواية أربد في عنوان: «رجوع الصحابة إليه عليه السلام ».
17981. الذهلي : حدّثنا سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري، قال: حدّثني ابن لهيعة، عن حيي بن عبدالله المعافري، عن أبي عبدالرحمان الحبلي، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، قال:
قال رسول الله -صلّي الله عليه- في مرضه الّذي توّفي فيه: ادعوا إلي أخي. فأرسلوا إلي أبي بكر، [فجاء] ودخل عليه، فسلّم عليه فأجابه، فقال: أرسل إلي رسول الله -صلّي الله عليه- ؟ فلم يردّ إليه الكلام، فرجع أبوبكر.
ص:269
فقال رسول الله -صلّي الله عليه- : أرسلوا إلي أخي. فأرسلوا إلي عمر بن الخطّاب، فجاءه فسلّم عليه فأجابه، فقال: أرسل إلي رسول الله -صلّي الله عليه- ؟ فلم يردّ إليه الكلام.
فقال: أرسلوا إلي أخي. فأرسلوا إلي عثمان، فدخل عليه فسلّم عليه فأجابه، فقال: أرسل إلي نبي الله ؟ فلم يردّ إليه الكلام.
فقال: أرسلوا إلي أخي.
فقالت امّ سلمة: هل تعلمون له أخاً إلّا أباالسبطين ؟ فأرسلوا إليه، [فجاء] علي بن أبي طالب رضي الله عنه فدخل، فسلّم عليه، فقال: أرسل إلي نبي الله ؟ قال: نعم.
قال: فولّيا وجوههما إلي الحائط ، وردّا عليهما ثوباً، فأسرّ إليه والناس محبوسون وراء الباب، فخرج علي، فقال له رجل من الناس: أسرّ إليك نبي الله ؟ قال: نعم، أسرّ إلي ألف باب، في كلّ باب ألف باب.
فقال له رجل: وعقلته يا علي ؟ قال: وعقلته.
قال: فما السواد الّذي في القمر؟ قال: إنّ الله تعالي يقول: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً 1 .
فقال الرجل الّذي سأله: عقلته يا علي. (1)
17982. أبويعلي : حدّثنا كامل بن طلحة، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا حيي بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمان الحبلي، عن عبدالله بن عمرو:
أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال في مرضه: ادعوا إلي أخي. فدعوا له أبابكر، فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا إلي أخي. فدعوا له عمر، فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا إلي أخي. فدعوا له عثمان، فأعرض عنه، ثمّ قال: ادعوا إلي أخي. فدعي له علي بن أبي طالب، فستره بثوب وانكبّ عليه، فلمّا خرج من عنده قيل له: ما قال ؟ قال: علّمني ألف باب، يفتح
ص:270
كلّ باب ألف باب. (1)
17983. الحسكاني : [روي فرات في تفسيره قال:] (2) حدّثني علي بن حمدون، حدّثنا عبّاد، عن رجل، قال: أخبرنا زياد بن المنذر، عن أبي عبدالله الجدلي، عن عبدالله بن مسعود، قال:
غدوت إلي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخلت المسجد والناس أجفل ما كانوا كأنّ علي رؤوسهم الطير، إذ أقبل علي بن أبي طالب حتّي سلّم علي النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، فتغامز به بعض من كان عنده، فنظر إليهم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم فقال: أ لا تسألوني عن أفضلكم ؟ قالوا: بلي.
قال: أفضلكم علي بن أبي طالب، [هو] أقدمكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدّكم لله غضباً، وأشدّكم نكاية في العدوّ، فهو عبد الله وأخو رسوله، فقد علّمته علمي، واستودعته سرّي، وهو أميني علي امّتي.
فقال بعض من حضر: لقد افتتن علي رسول الله حتّي لا يري به شيئاً! فأنزل الله:
فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ 3 . (3)
ص:271
17984. الحسكاني : قرأت في التفسير العتيق [قال]: حدّثنا محمّد بن شجاع، عن محمّد بن عبدالرحمان بن أبي ليلي، [عن أبيه عبدالرحمان بن أبي ليلي]، عن كعب بن عجرة وعبدالله بن مسعود، قالا:
قال النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وقد سئل عن علي، فقال: علي أقدمكم، أفضلكم إسلاماً، وأوفركم إيماناً، وأكثركم علماً، وأرجحكم حلماً، وأشدّكم في الله غضباً، علّمته علمي، واستودعته سرّي، ووكلته بشأني، فهو خليفتي في أهلي، وأميني في امّتي.
فقال بعض قريش: لقد فتن علي رسول الله حتّي ما يري به شيئاً! فأنزل الله تعالي: فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ . (1)
17985. أبونعيم وأبوأحمد الفرضي : أنبأنا أحمد بن محمّد بن إبراهيم العطّار - ببغداد - ، أنبأنا أحمد بن محمّد بن عبدالرحمان، أنبأنا أحمد بن الحسن بن عبدالملك، أنبأنا إسماعيل بن عالية البلخي، أنبأنا عبدالرحمان بن الأسود، عن الأجلح أبي حجيّة، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه الحسين، عن علي بن أبي طالب ، قال:
علّمني رسول الله صلى الله عليه و آله ألف باب، كلّ باب يفتح لي ألف باب. (2)
17986. الغزّالي : قال أميرالمؤمنين عليه السلام :
إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم أدخل لسانه في فمي، فانفتح في قلبي ألف باب من العلم، وفتح لي كلّ باب ألف باب. (3)
ص:272
17987. الحمّويي : أنبأني السيّد النسّابة جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي رحمه الله ... . (1)
تقدّمت روايته مع رواية البراء بن عازب.
17988. الحسكاني : قرأت في التفسير العتيق [قال:] حدّثنا محمّد بن شجاع, عن محمّد بن عبدالرحمان بن أبي ليلي ... . (2)
تقدّمت روايته مع رواية عبدالله بن مسعود.
17989. العاصمي : أخبرني شيخي محمّد بن أحمد، قال: أخبرنا أبوسعيد الرازي، قال: حدّثنا أبوالحسن الشعراني، قال: حدّثنا إبراهيم بن المولد، قال: حدّثنا عبدالله بن [أحمد بن] المستورد، قال: حدّثنا إسماعيل بن صبيح، عن سفيان بن إبراهيم [الحريري]، عن عبدالمؤمن [بن القاسم]، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي جعفر [ عليه السلام ] أنّه سمعه يقول:
علّم رسول الله صلى الله عليه و سلم أميرالمؤمنين عليّاً ألف كلمة، كلّ كلمة يفتح [منها] ألف كلمة. (3)
17990. الأزجي : حدّثنا أبوبكر محمّد بن أحمد المفيد -بجرجرايا-، حدّثنا عبدالرحمان أحمد المهروي، حدّثنا أحمد بن عبدالله بن عبدالرحمان، حدّثنا عمّي، عن عبدالعزيز بن محمّد، عن عمر مولي غفرة، عن محمّد بن كعب، قال:
ص:273
رأي أبوطالب النبيّ صلى الله عليه و آله يتفل في في علي عليه السلام ، فقال: ما هذا يا محمّد؟ قال: إيمان وحكمة.
فقال أبوطالب لعلي: يا بني، انصر ابن عمّك وآزره. (1)
17991. الحمّويي : أنبأني السيّد النسّابة جلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي رحمه الله ... . (2)
تقدّمت روايته مع رواية البراء بن عازب.
الثاني والعشرون: أنّه عليه السلام باب علم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم وحكمته (3)
برواية:
1. أنس بن مالك-5. علي بن أبي طالب عليه السلام
2. جابر بن عبدالله-6. عمرو بن العاص
3. أبي ذرّ الغفاري-7. ما ورد مرسلاً
4. عبدالله بن عبّاس
ص:274
17992. الديلمي : أنس بن مالك [قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ]:
أنا مدينة العلم وعلي بابها ... . (1)
17993. معمر : عن عبدالله بن عثمان، عن عبدالرحمان [بن بهمان]، قال: سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول يوم الحديبيّة وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب عليه السلام : هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. ثمّ مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (2)
17994. عبدالرزّاق : حدّثنا سفيان الثوري، عن عبدالله بن عثمان، عن عبدالرحمان بن بهمان، عن جابر بن عبدالله، قال:
أخذ النبيّ صلى الله عليه و آله بعضد علي، فقال: هذا أمير البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. ثمّ مدّ بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (3)
17995. عبدالرزّاق : عن سفيان، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالرحمان بن بهمان، قال: سمعت جابر يقول:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يوم الحديبيّة وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب، وهو يقول: هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. ثمّ مدّ بها
ص:275
صوته، وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد الدار فليأت الباب. (1)
17996. عبدالرزّاق : أخبرنا سفيان، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالرحمان بن بهمان، قال: سمعت جابر بن عبدالله قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الحديبيّة وهو آخذ بيد علي يقول: هذا أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله -يمدّ بها صوته- ، أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد البيت فليأت الباب. (2)
17997. عبدالرزّاق : حدّثنا سفيان الثوري، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالرحمان بن عثمان التيمي، قال: سمعت جابر بن عبدالله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (3)
17998. محمّد بن فضيل : عن يزيد بن زياد، عن [عمّه] عبيد بن أبي الجعد، عن جابر بن عبدالله، قال: سمعت رسول الله -صلّي الله عليه- يقول:
أنا دار الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب. (4)
17999. الدارقطني : حدّثنا [محمّد بن إبراهيم] بن فيروز، حدّثنا الحسين [بن عبيدالله التميمي]، حدّثنا حبيب -وهو ابن النعمان- ، قال:
أتيت المدينة لاُجاور بها، فسألت عن خير أهلها؟ فأشاروا إلي جعفر [بن محمّد] بن
ص:276
علي بن حسين بن علي بن أبي طالب.
قال: فأتيته فسلّمت عليه، فقال: ... حدّثني أبي، عن أبيه، عن جابر بن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة الحكم -أو الحكمة- وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت بابها. (1)
18000. الديلمي : أخبرنا الميداني، أخبرنا أبومحمّد الحلّاج، أخبرنا أبوالفضل محمّد بن عبدالله، حدّثنا أحمد بن عبيد الثقفي، حدّثنا محمّد بن خلف العطّار، حدّثنا موسي بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، حدّثنا عبدالمهيمن بن العبّاس، عن أبيه، عن جدّه سهل بن سعد، عن أبي ذرّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
علي باب علمي، ومبيّن لاُمّتي ما ارسلت به من بعدي، حبّه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة، ومودّته عبادة. (2)
18001. الخزاعي : حدّثني أبي [علي]، قال: حدّثنا أخي دعبل بن علي، قال: حدّثنا شعبة بن الحجّاج، عن أبي التيّاح، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
أتاني جبريل عليه السلام بدرنوك من [درانيك] الجنّة، فجلست عليه، فلمّا صرت بين يدي ربّي كلّمني وناجاني، فما علّمني [شيئاً] إلّا علّم - [-ت -]-ه عليّ - [-اً]، فهو باب مدينة علمي
ص:277
.
ثمّ دعاه النبيّ صلى الله عليه و آله إليه فقال له: يا علي، سلمك سلمي، وحربك حربي، وأنت العلَم [في] ما بيني وبين امّتي من بعدي. (1)
18002. إبراهيم البيهقي : أبوعثمان قاضي الري، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس [في حديث], قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا امّ سلمة، هذا علي سيّد مبجّل، مؤمّل المسلمين، وأميرالمؤمنين، وموضع سرّي وعلمي، وبابي الّذي اوتي منه (2) ... . (3)
18003. البسوي : أنبأنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم الحضرمي، حدّثنا حسن بن حسين العرني، حدّثنا يحيي بن عيسي الرملي، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاُمّ سلمة: هذا علي بن أبي طالب لحمه لحمي، ودمه دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي.
يا امّ سلمة، هذا علي أميرالمؤمنين وسيّد المسلمين وصيّي، ووعاء علمي (4)، وبابي الّذي اوتي منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في السنام الأعلي، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين. (5)
18004. الحمّويي : أخبرني المشايخ الجلّة من أهل الحلّة السيّدان الإمامان جمال الدين أحمد بن موسي بن طاووس الحسني وجلال الدين عبدالحميد بن فخار بن معد بن فخار الموسوي والإمام العلّامة نجم الدين أبوالقاسم جعفر بن الحسن بن الحسين
ص:278
بن يحيي بن سعيد ، بروايتهم عن السيّد الإمام شمس الملّة والدين شيخ الشرف فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن جعفر بن محمّد الدوريستي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي رحمه الله (1) ، قال: حدّثنا علي بن أحمد بن عبد[الله] بن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن جدّه أحمد بن [أبي] عبدالله، عن أبيه محمّد بن خالد، عن غياث بن إبراهيم، عن ثابت بن دينار، عن سعد بن طريف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا علي، أنا مدينة الحكمة وأنت بابها، ولن تؤتي المدينة إلّا من قبل الباب ... . (2)
18005. ابن الخالة : عن أبي طاهر إبراهيم بن محمّد بن عمر بن يحيي العلوي، حدّثنا محمّد بن عبدالله [بن المطّلب]، حدّثنا عبدالرزّاق بن سليمان بن غالب الأزدي -بأرتاح- ومحمّد بن سعيد بن شرحبيل، [قالا:] حدّثنا أبوعبدالغني الحسن بن علي [بن عبدالغني]، حدّثنا عبدالوهّاب بن همّام، حدّثني أبي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال:
أنا مدينة الجنّة وعلي بابها، فمن أراد الجنّة فليأتها من بابها. (3)
18006. الطبري : حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي، قال: حدّثني أبي داهر بن يحيي الأحمري المقرئ، قال: حدّثنا الأعمش، عن عباية، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي.
وقال: يا امّ سلمة، اشهدي واسمعي، هذا علي أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة
ص:279
علمي، وبابي الّذي اوتي منه، والوصي علي الأموات من أهل بيتي، أخي في الدنيا، وخديني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلي. (1)
18007. العقيلي : علي بن سعيد قال: حدّثني عبدالله بن داهر بن يحيي الرازي، قال: حدّثني أبي، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن ابن عبّاس، قال:
ستكون فتنة، فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتين: كتاب الله، وعلي بن أبي طالب، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وهو آخذ بيدي علي: هذا أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الاُمّة، يفرّق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو بابي الّذي اوتي به، وهو خليفتي من بعدي. (2)
18008. أحمد بن محمّد الطبري : حدّثنا أبوبكر أحمد بن هشام الطبري -بطبرستان-، قال: حدّثنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم القرشي، قال: حدّثنا الحسن بن الحسين، عن يحيي بن يعلي، عن الأعمش.
[حيلولة:] وحدّثني أيضاً جعفر بن محمّد الكوفي، قال: حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي، قال: حدّثني أبي داهر بن يحيي، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، قال: قال ابن عبّاس [في حديث:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لاُمّ سلمة]: يا امّ سلمة، اسمعي واشهدي، هذا علي أميرالمؤمنين، وسيّد المسلمين، وعيبة علمي، وبابي الّذي اوتي منه، والوصي علي الأموات من أهل بيتي، والخليفة علي الأحياء من امّتي، أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة، ومعي في السنام
ص:280
الأعلي، اشهدي يا امّ سلمة، أنّه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. (1)
18009. ابن عدي : حدّثنا أحمد بن حفص، حدّثنا سعيد بن عقبة أبوالفتح الكوفي، حدّثنا سليمان الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (2)
18010. ابن عدي : حدّثنا علي [بن زاطيا]، قال: حدّثنا عثمان بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، قال: حدّثنا عيسي -يعني ابن يونس- ، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة الحكمة وعلي بابها. (3)
18011. ابن بطّة : أخبرنا محمّد بن الحسين، حدّثنا أبوالحسن علي بن إسحاق بن زاطيا، حدّثنا عثمان بن عبدالله العثماني ... مثله. (4)
18012. ابن حبّان : روي [عثمان بن خالد العثماني] عن عيسي بن يونس ... مثله. (5)
18013. أبوعبيد : عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد الدار فليأتها من قبل بابها. (6)
ص:281
18014. الطبري : حدّثني إبراهيم بن موسي الرازي، قال: حدّثنا أبومعاوية، [عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها]. (1)
18015. ابن عدي : حدّثنا عبدالرحمان بن سليمان بن موسي بن عدي الجرجاني -بمكّة- ، حدّثنا أحمد بن سلمة أبوعمرو الجرجاني، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قبل بابها. (2)
18016. مطيّن : حدّثنا جعفر بن محمّد البغدادي أبومحمّد الفقيه -وكان في لسانه شيء- ، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (3)
18017. ابن عدي : حدّثنا [الحسن بن علي] العدوي، حدّثنا الحسن بن علي بن راشد، حدّثنا أبومعاوية، حدّثنا الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها. (4)
ص:282
18018. الخطيب : أخبرني أحمد بن محمّد العتيقي، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالله الشاهد، حدّثنا أبوبكر أحمد بن فاذويه بن عزرة الطحّان، حدّثنا أبوعبدالله أحمد بن محمّد بن يزيد بن سليم، حدّثني رجاء بن سلمة، حدّثنا أبومعاوية الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (1)
18019. الحاكم : حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن عبدالله الصفّار، أنبأنا إبراهيم بن إسحاق السراج النيسابوري -ببغداد-، أنبأنا ابوالصلت عبدالسلام بن صالح بن سليمان بن ميسرة الهروي -بنيسابور-، أنبأنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها. (2)
18020. الخطيب : قرأت علي البرقاني، عن محمّد بن العبّاس، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسعدة، حدّثنا جعفر بن درستويه، حدّثنا أحمد بن محمّد بن القاسم بن محرز، قال: سألت يحيي بن معين عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي، فقال: ليس ممّن يكذب.
فقيل له: في حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس: أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ فقال: هو من حديث أبي معاوية.
أخبرني [عبدالله] بن نمير، قال: حدّث به أبومعاوية قديماً ثمّ كفّ عنه، وكان أبوالصلت رجلاً موسراً، يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ، وكانوا يحدّثونه بها. (3)
ص:283
18021. أبوبكر الشافعي : حدّثنا إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي، حدّثنا عبدالسلام بن صالح -يعني الهروي- ، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها. (1)
18022. الطبراني : حدّثنا [الحسن بن علي] المعمري ومحمّد بن علي الصائغ المكّي، قالا: حدّثنا عبدالسلام بن صالح الهروي، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه. (2)
18023. الحاكم : قال الحسين بن فهم: حدّثنا أبوالصلت الهروي، عن أبي معاوية. (3)
18024. السمرقندي : أنبأنا السيّد أبوطالب حمزة بن محمّد الجعفري، قال: أنبأنا محمّد بن أحمد الحافظ ، قال: أنبأنا أبوصالح الكرابيسي، قال: أنبأنا صالح بن أحمد، قال: أنبأنا أبوالصلت الهروي، قال: أنبأنا أبومعاوية [الضرير محمّد بن خازم]، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ، قال:
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد بابها فليأت عليّاً. (4)
18025. الحاكم : سمعت أبانصر أحمد بن سهل الفقيه القباني -إمام عصره ببخاري-
ص:284
يقول: سمعت صالح بن محمّد بن حبيب الحافظ يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي، فقال:
دخل يحيي بن معين ونحن معه علي أبي الصلت فسلّم عليه، فلمّا خرج تبعته فقلت له: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت ؟ فقال: هو صدوق.
فقلت له: إنّه يروي حديث [أبي معاوية، عن] الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم : أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها؟
فقال: قد روي هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية، عن الأعمش، كما رواه أبوالصلت. (1)
18026. الخطيب : أخبرنا القاضي أبوالعلاء محمّد بن علي الواسطي، أخبرنا أبومسلم بن مهران، أخبرنا عبدالمؤمن بن خلف النسفي، قال:
سألت أباعلي صالح بن محمّد عن أبي الصلت الهروي، فقال: رأيت يحيي بن معين يحسن القول فيه، ورأيت يحيي بن معين عنده وسئل عن هذا الحديث الّذي روي عن أبي معاوية، [عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس] حديث ... أنا مدينة العلم وعلي بابها؟ فقال: رواه أيضاً الفيدي، قلت: ما اسمه ؟ قال محمّد بن جعفر. (2)
18027. العاصمي : أخبرنا محمّد بن أبي زكريّا، قال: فيما أجاز لنا أبوحفص بن عمر، قال: أخبرنا أبوبكر [أحمد] بن إسحاق [بن أيّوب]، قال: أخبرنا العبّاس بن الفضل، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله -صلّي الله عليه- :
أنا مدينة العلم وعلي بابها. (3)
18028. عبّاس الدوري : سألت يحيي بن معين عن أبي الصلت [عبدالسلام بن صالح]
ص:285
الهروي، فقال: ثقة.
فقلت: أ ليس قد حدّث عن أبي معاوية، عن الأعمش، [عن مجاهد، عن ابن عبّاس مرفوعاً]: أنا مدينة العلم [وعلي بابها]؟
فقال: [ما تريدون من هذا المسكين ؟! أ ليس] قد حدّث به محمّد بن جعفر الفيدي، وهو ثقة مأمون ؟ (1)
18029. الخطيب : أخبرنا علي بن الحسين -صاحب العبّاسي- ، أخبرنا عبدالرحمان بن عمر الخلّال، حدّثنا محمّد بن إسماعيل الفارسي، حدّثنا بكر بن سهل، حدّثنا عبدالخالق بن منصور، قال:
وسألت يحيي بن معين عن أبي الصلت، فقال: ما أعرفه. قلت له: إنّه يروي حديث الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس: أنا مدينة العلم وعلي بابها ... . (2)
18030. ابن عدي : حدّثنا علي بن سعيد بن بشير، عن أبي الصلت ... . (3)
18031. الخطيب : أخبرنا محمّد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أبوبكر مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي، حدّثنا القاسم بن عبدالرحمان الأنباري، حدّثنا أبوالصلت الهروي، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش عن مجاهد، عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه. (4)
ص:286
18032. الطبري : حدّثني محمّد بن إسماعيل الضراري، قال: حدّثنا عبدالسلام بن صالح الهروي، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها. (1)
18033. ابن المغازلي : أخبرنا أبومنصور زيد بن طاهر بن سيّار البصري -قدم علينا واسطاً- ، حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن عبدالله بن داسة، حدّثنا أحمد بن عبيدالله، حدّثنا بكر بن أحمد بن مقبل، حدّثنا محمّد بن الحسن بن العبّاس، حدّثنا عبدالسلام بن صالح، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (2)
18034. الحسكاني والبيهقي : أخبرنا السيّد أبوالحسن محمّد بن الحسين [بن داوود] الحسني رحمه الله -قراءة- ، قال: أخبرنا محمّد بن محمّد بن سعد الهروي [الشعراني] -وكتبه له بخطّه- ، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالرحمان الشامي، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي ... مثله. (3)
18035. الكلابي : حدّثنا إبراهيم بن عبدالرحمان، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالرحيم الهروي -بالرملة- ، قال: حدّثنا أبوالصلت الهروي عبدالسلام بن صالح، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه. (4)
ص:287
18036. الحاكم : حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا محمّد بن عبدالرحيم الهروي ... قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب. (1)
18037. ابن المغازلي : أخبرنا أبوالقاسم الفضل بن محمّد بن عبدالله الأصبهاني -قدم علينا واسطاً إملاء في جامعها في شهر رمضان من سنة أربع وثلاثين وأربعمئة- ، أخبرنا أبوسعيد محمّد بن موسي بن الفضل بن شاذان الصيرفي -بنيسابور- ، أخبرنا أبوالعبّاس محمّد بن يعقوب الأصمّ ... مثله، إلّا أنّ فيه: «فمن أراد العلم فليأت الباب». (2)
18038. الطبراني : حدّثنا محمّد بن علي الصائغ المكّي، حدّثنا عبدالسلام بن صالح ... . (3)
تقدّم حديثه آنفاً مع حديث الحسن المعمري عن عبدالسلام.
18039. أبوبكر ابن شاذان : حدّثنا محمّد [بن الحسين] بن حميد اللخمي، أخبرنا أبوجعفر محمّد بن عمّار بن عطيّة، حدّثنا عبدالسلام بن صالح الهروي ... مثله. (4)
18040. ابن حبّان : روي [أبوالصلت] عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت من قبل الباب. (5)
18041. الخطيب : أخبرنا الجوهري، أخبرنا محمّد بن العبّاس، حدّثنا محمّد بن القاسم الكوكبي، حدّثنا إبراهيم بن الجنيد، قال:
سمعت يحيي بن معين -وسئل عن عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد- فقال: ...
ص:288
يحدّث أيضاً بحديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها. (1)
18042. ابن المظفّر : حدّثنا أحمد بن عبيدالله بن سابور، حدّثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، حدّثنا أبومعاوية الضرير، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب. (2)
18043. ابن بطّة : حدّثنا أحمد بن محمّد بن يزيد الزعفراني، حدّثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد بابها فليأت عليّاً. (3)
18044. أبوزرعة الرازي : عن عمر بن إسماعيل. (4)
18045. ابن معين : كتبت عن إسماعيل بن مجالد وليس به بأس، وكنت أري ابنه هذا عمر بن إسماعيل ... حدّثنا أبي معاوية ... عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها. (5)
18046. العقيلي : حدّثنا محمّد بن هشام، قال: حدّثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ص:289
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها. (1)
18047. ابن القزويني : حدّثنا الهيثم بن خلف الدوري، حدّثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد الباب فليأت عليّاً. (2)
18048. ابن الضريس : حدّثنا محمّد بن جعفر الفيدي، حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- ، قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب. (3)
18049. ابن معين : عن محمّد بن جعفر الفيدي ... . (4)
تقدّمت روايته ضمن رواية صالح بن محمّد، عن عبدالسلام بن صالح، عن أبي معاوية.
18050. ابن المغازلي : أخبرنا أبوطالب محمّد بن أحمد بن عثمان البغدادي- قدم علينا واسطاً- ، أخبرنا أبوالحسن علي بن محمّد بن لؤلؤ -إذناً- ، حدّثنا عبدالرحمان بن محمّد بن المغيرة، حدّثنا محمّد بن يحيي، حدّثنا محمّد بن جعفر الكوفي، عن محمّد بن الطفيل، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا دار الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأت الباب. (5)
18051. ابن عدي : حدّثنا الحسن بن عثمان، حدّثنا محمود بن خداش، حدّثنا
ص:290
أبومعاوية، به. (1)
18052. خيثمة : حدّثنا ابن عوف، حدّثنا محفوظ بن بحر الأنطاكي، حدّثنا موسي بن محمّد الأنصاري الكوفي، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- مرفوعاً:
أنا مدينة الحكمة وعلي بابها. (2)
18053. الملّا : عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- , قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته. (3)
18054. ابن القزويني : حدّثنا [أبوالعبّاس] إسحاق بن مروان [القطّان]، حدّثنا أبي، حدّثنا عامر بن كثير السرّاج، عن أبي خالد، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وأنت بابها، يا علي، كذب من زعم أنّه يدخلها من غير بابها. (4)
18055. أبونعيم : رواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي, نحوه. (5)
ص:291
18056. ابن المظفّر : حدّثنا محمّد بن الحسين [بن حفص] الخثعمي، حدّثنا عبّاد بن يعقوب، حدّثنا يحيي بن بشّار الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام .
وعن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
شجرة أنا أصلها وعلي فرعها، والحسن والحسين من ثمرها، والشيعة ورقها، فهل يخرج من الطيّب إلّا الطيّب ؟ وأنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أرادها فليأت الباب. (1)
18057. وكيع : عن سفيان، عن السدّي، عن الحارث، قال:
سألت عليّاً عن هذه الآية: صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم (2)، فقال: والله إنّا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه. (3)
18058. الباغندي : حدّثنا محمّد بن مصفّي، حدّثنا حفص بن عمر العدني، حدّثنا علي بن عمر [بن علي بن الحسين]، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليه السلام , قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، ولا تؤتي البيوت إلّا من أبوابها. (4)
18059. عبدوس : حدّثنا الشيخ أبوطاهر الحسين بن علي بن سلمة، عن مسند زيد بن علي عليه السلام ، حدّثنا الفضل بن الفضل بن العبّاس، حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن سهل، حدّثنا محمّد
ص:292
بن عبدالله البلوي، حدّثني إبراهيم بن عبيدالله بن العلاء، حدّثني أبي، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله يوم فتحت خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من امّتي ما قالت النصاري في عيسي ابن مريم؛ لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمرّ علي ملأ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك، يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك ... وأنت باب علمي، وأنّ ولدك ولدي، ولحمك لحمي، ودمك دمي، وأنّ الحقّ معك، والحقّ علي لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك ... . (1)
18060. الغازي : حدّثنا علي بن موسي الرضا (2)، عن آبائه، عن علي مرفوعاً:
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (3)
18061. ابن الخالة : حدّثنا أبوطاهر إبراهيم [بن محمّد] بن عمر بن يحيي، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المطّلب، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسي -سنة عشر وثلاثمئة- ، حدّثنا محمّد بن عبدالله بن عمرو بن سالم اللاحقي الصفّار -بالبصرة سنة أربع وأربعين ومئتين- ، حدّثنا أبوالحسن علي بن موسي الرضا، قال: حدّثني أبي، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
يا علي، أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذب من زعم أنّه يصل إلي المدينة إلّا من قبل الباب. (4)
18062. ابن مردويه : من طريق الحس - [ي]ن بن علي، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنّه قال:
ص:293
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب. (1)
18063. ابن مردويه : من حديث الحسن بن محمّد، عن جرير، عن محمّد بن قيس، عن الشعبي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا دار الحكمة وعلي بابها. (2)
18064. الباغندي : حدّثنا سويد، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي عليه السلام ، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم ، قال:
أنا دار الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأتها [من بابها]. (3)
18065. ابن عساكر : أخبرنا أبوالمظفّر عبدالمنعم بن عبدالكريم وأبوالقاسم زاهر بن طاهر، قالا: أخبرنا أبوسعد محمّد بن عبدالرحمان، أخبرنا أبوسعيد محمّد بن بشر بن العبّاس، أخبرنا أبولبيد محمّد بن إدريس، حدّثنا سويد بن سعيد، حدّثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت باب المدينة. (4)
18066. الحسن بن سفيان : حدّثنا عبدالحميد بن بحر، قال: حدّثنا شريك، عن سلمة، عن أبي عبدالله الصنابحي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا دار العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها.
قال: وكنت أسمع عليّاً كثيراً ما يقول: إنّ ما بين أضلاعي هذه لعلم كثير. (5)
ص:294
18067. الكجّي : حدّثنا محمّد بن عمر بن عبدالله الرومي، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا دار الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة فليأتها من بابها. (1)
18068. العاصمي : أخبرني شيخي محمّد بن أحمد، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن علي، قال: حدّثنا أبوالحسن أحمد بن محمّد بن عبدوس الطرائفي، قال: حدّثنا حكيم بن الحجّاج الهروي، قال: حدّثنا إسماعيل [بن موسي الفزاري] ابن بنت السدّي، قال: حدّثنا محمّد بن عمر الرومي، عن شريك [بن عبدالله النخعي الكوفي]، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي, قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
أنا دار الحكمة وعلي بابها. (2)
18069. الميانجي : أخبرنا أبومحمّد عبيدالله بن محمّد بن عبيدالله الكوفي، حدّثنا إسماعيل بن موسي الفزاري ... مثله. (3)
18070. الحسكاني : حدّثنا السيّد أبوالحسن الحسني رحمه الله -إملاء سنة ثمان وتسعين وثلاثمئة- ،
ص:295
قال: أخبرنا عبدالله بن محمّد بن الحسن، قال: حدّثنا أبوالأزهر، قال: حدّثنا محمّد، قال: حدّثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا دار العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها. (1)
18071. الحسكاني : أخبرنا أبوسعيد مسعود بن محمّد القاضي، قال: أخبرنا أبوإسحاق إبراهيم بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن سليمان بن فارس، قال: حدّثنا أبوالأزهر، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله الرومي، قال: حدّثنا شريك، عن سلمة, عن الصنابحي، عن علي ... . (2)
18072. الدارقطني : وسئل عن حديث الصنابحي، عن علي، عن النبيّ صلى الله عليه و سلم : أنا مدينة الحكمة وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها؟
فقال: هو حديث يرويه سلمة بن كهيل، واختلف عنه، فرواه شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي.
واختلف عن شريك، فقيل: عنه، عن سلمة، عن رجل، عن الصنابحي.
ورواه يحيي بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، ولم يسنده. (3)
18073. الترمذي والطبري : حدّثنا إسماعيل بن موسي، قال: حدّثنا محمّد بن عمر بن الرومي، حدّثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي رضي الله عنه , قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
أنا دار الحكمة وعلي بابها. (4)
18074. الحسكاني : أخبرنا أبوالحسن [علي بن أحمد بن عبدان] الأهوازي، أخبرنا أبوبكر
ص:296
[محمّد بن عمر الجعابي] البيضاوي، قال: حدّثني أبومحمّد القاسم بن محمّد بن جعفر بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن محمّد بن عبدالله، عن أبيه عبدالله، عن أبيه محمّد، عن أبيه عمر، عن أبيه علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
إنّ الله أمرني أن ادنيك ولا اقصيك، واُعلّمك لتعي، واُنزلت علي هذه الآية: وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ 1 ، فأنت [الاُذن] الواعية لعلمي يا علي، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا يؤتي المدينة إلّا من بابها. (1)
18075. العاصمي : أخبرنا محمّد بن أبي زكريّا الثقة، حدّثنا أبوالحسن علي بن أحمد بن عبدان ... مثله. (2)
18076. المبرّد : وأحسن ما روي في جبلّة الإنسان الّتي جبل عليها كلام يروي عن علي -رحمة الله عليه- يشبه بكلام الأنبياء ، يصدّق ذلك ما روي عنه أنّه مسح يده علي بطنه وقال:
كنيف ملئ علماً، أما والله لو طرحت لي وسادة لقضيت لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم، وكان رسول الله -صلّي الله عليه- يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها. (3)
18077. الخوارزمي : [مرسلاً عن عمرو بن العاص أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:]
أنا مدينة العلم وعلي بابها. (4)
ص:297
18078. ابن عبدالبرّ : روي عن النبيّ صلى الله عليه و سلم أنّه قال:
أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه. (1)
ص:298
ص:299
ص:300
برواية: أنس بن مالك
18079. ابن عدي : حدّثنا أحمد بن حفص بن عمر، حدّثنا أحمد بن أبي روح، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، قال:
قيل: يا رسول الله، عمّن يكتب العلم بعدك ؟ قال: عن علي وسلمان. (1)
برواية:
1. أبي اُمامة-4. محمّد بن علي الباقر عليهما السلام
2. عائشة-5. ما ورد مرسلاً
3. عمر بن الخطّاب
18080. ابن بطّة : حدّثنا أبوطلحة أحمد بن محمّد بن عبدالكريم الفزاري، حدّثنا محمّد بن يحيي الأزدي، حدّثنا داوود بن المحبّر، حدّثنا عبّاس بن الفضل الأنصاري، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي اُمامة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ص:301
أعلم امّتي بالسنّة والقضاء بعدي علي بن أبي طالب عليه السلام . (1)
18081. الترمذي : حدّثنا عيّاش العنبري، حدّثنا الأحوص بن جوّاب، حدّثني سفيان الثوري، عن فليت العامري، عن جسرة، قالت:
قالت عائشة: من أفتاكم بصوم يوم عاشوراء؟ قلنا: علي بن أبي طالب. قالت: هو أعلم الناس بالسنّة. (2)
18082. البلاذري : حدّثني إبراهيم بن محمّد السامي، حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي، عن سفيان، عن فليت الذهلي، عن جسرة بنت دجاجة، قالت:
قلت لعائشة: إنّ عليّاً يأمر بصوم عاشوراء، فقالت: هو أعلم من بقي بالسنّة. (3)
18083. عبّاس الدوري : حدّثنا قبيصة بن عقبة، حدّثنا سفيان، عن فليت، عن جسرة، قالت:
ذكر عند عائشة صوم عاشوراء، فقالت: من يأمركم بصومه ؟ قالوا: علي. قالت: أما إنّه أعلم من بقي بالسنّة. (4)
18084. ابن أبي خيثمة : حدّثنا محمّد بن سعيد الأصبهاني، قال: حدّثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن فليت، عن جسرة، قالت:
قالت عائشة: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي. قالت: أما إنّه لأعلم الناس
ص:302
بالسنّة. (1)
18085. الطبري : عن جسرة بنت دجاجة، قالت:
قيل لعائشة: إنّ عليّاً أمر بصيام يوم عاشوراء، قالت: هو أعلم من بقي بالسنّة. (2)
18086. البخاري : قال زكريّا: حدّثنا الحكم بن المبارك، أخبرنا ابن اليمان، عن سفيان، عن جخدب بن جرعب، عن عطاء، عن عائشة، قالت:
أعلم الناس بالسنّة علي بن أبي طالب. (3)
18087. علي بن حرب : حدّثنا يحيي بن اليمان، عن سفيان، عن جخدب التيمي، قال: سمعت عطاء: قالت عائشة:
علي أعلم الناس بالسنّة. (4)
18088. عبدالله بن أحمد : حدّثنا محمّد بن يزيد، قال: حدّثنا يحيي بن يمان، قال: حدّثنا سفيان، عن جخدب (5).
قال أبوعبدالرحمان: فقال: ابن جرعب (6) عن عطاء، قال: سمعت عائشة -رضي الله عنها- تقول:
علي أعلم الناس بالسنّة. (7)
18089. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن نمير ومحمّد بن يزيد، قالا:
ص:303
حدّثنا يحيي بن يمان، عن سفيان، عن جخدب بن جرعب التيمي، عن عطاء، عن عائشة، قالت:
علي أعلم الناس بالسنّة. (1)
18090. ابن أبي داوود : حدّثنا هشام بن يونس، حدّثنا يحيي بن يمان، عن سفيان، عن جخدب بن جرعب التيمي، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة، قالت:
علي بن أبي طالب أعلمكم بالسنّة. (2)
18091. سعيد بن منصور : حدّثنا عيسي بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، حدّثنا عبدالملك بن أبي سليمان، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الشعبي، قال:
أحرم عقيل بن أبي طالب في موردتين (3), فقال له عمر: خالفت الناس. فقال له علي: دعنا منك! فإنّه ليس لأحد أن يعلّمنا السنّة. فقال له عمر: صدقت. (4)
18092. الشافعي وعبدالرزّاق : أخبرنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمّد بن علي، قال:
أبصر عمر بن الخطّاب علي عبدالله بن جعفر ثوبين مضرّجين وهو محرم، فقال: ما هذه الثياب ؟ فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما أخال أحداً يعلّمنا السنّة. فسكت عمر. (5)
ص:304
18093. أبوالقاسم البغوي : عن أبي جعفر:
أنّ عمر أبصر علي عبدالله بن جعفر ثوبين مصبوغين وهو محرم، فقال: ما هذا؟ فقال علي: ما أخال أحداً يعلّمنا السنّة. فسكت عمر. (1)
18094. السرخسي وعلاءالدين الكاشاني : روي عن عثمان رضي الله عنه أنّه رأي علي عبدالله بن جعفر رضي الله عنه رداء معصفراً في إحرامه، فأنكر عليه ذلك، فقال علي رضي الله عنه : ما أري أحداً يعلّمنا السنّة. (2)
برواية:
1. عامر الشعبي-3. المغيرة بن مقسم
2. عبدالله بن مسعود
18095. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : أنبأنا أحمد بن عبدالله، حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن مغيرة، عن [عامر] الشعبي، قال:
ليس منهم أحد أقوي قولاً في الفرائض من علي بن أبي طالب. (3)
18096. ابن أبي داوود : حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدّثنا سعد بن الصلت، قال:
ص:305
حدّثنا عبدالجبّار الهمداني، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله بن مسعود، قال:
أفرض أهل المدينة وأقرؤها علي بن أبي طالب عليه السلام . (1)
18097. الحلواني : حدّثنا يحيي بن آدم وأبوزبيد، عن مطرّف، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال عبدالله:
أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب. (2)
18098. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا سعيد بن عمرو، أنبأنا [أبوزبيد] عبثر [بن القاسم]، عن مطرّف، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن عبدالله، قال:
يقولون: إنّ أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب. (3)
18099. يحيي بن آدم : حدّثنا مندل، عن مطرّف، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، عن عبدالله [بن مسعود]، قال:
ما تقولون ؟ إنّ أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب. (4)
18100. ابن سعد : حدّثنا أبونعيم، حدّثنا مندل بن علي، عن مطرّف ... مثله. (5)
18101. يحيي بن آدم : حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن مغيرة، قال:
ص:306
ليس أحد منهم أقوي قولاً في الفرائض من علي. (1)
7. عبدالله بن عمر-11. عمر بن الخطّاب
8. عبدالله بن عيّاش -12. مسروق
9. عطاء -13. معاوية بن أبي سفيان
10. علي بن أبي طالب عليه السلام -14. ما ورد مرسلاً
18102. العدني : عن سفيان بن عيينة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت الأسود يقول:
لم أر بالكوفة من أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم أفقه من علي بن أبي طالب والأشعري. (1)
18103. الواقدي : أخبرنا أبوبكر بن عبدالله بن أبي سبرة، عن موسي بن ميسرة، عن محمّد بن سهل بن أبي خيثمة، عن أبيه، قال:
كان الّذين يفتون علي عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاثة نفر من المهاجرين وثلاثة من الأنصار: عمر و عثمان وعلي، واُبي بن كعب و معاذ بن جبل وزيد بن ثابت. (2)
18104. محمّد بن فضيل : سمعت ابن شبرمة يقول:
إذا ثبت لنا الحديث عن علي أخذناه، وتركنا ما سواه. (3)
18105. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا سعيد بن عمرو، أنبأ حاتم بن
ص:308
إسماعيل، عن اسامة بن زيد، عن صفوان بن سليم، قال:
لم يكن يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم غير هؤلاء القوم: عمر، وعلي، ومعاذ، وأبوموسي. (1)
18106. يحيي بن آدم : حدّثنا حسن - يعني ابن صالح - ، عن مطرّف، عن عامر - يعني الشعبي - ، قال:
كان الفقهاء من أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ستّة: عمر, وعلي, وعبدالله, وزيد, وأبوموسي, واُبي بن كعب. (2)
18107. ابن أبي خيثمة : حدّثنا فضيل، عن عبدالوهّاب، قال: حدّثنا شريك، عن ميسرة، عن المنهال، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
كنّا إذا أتانا الثبت عن علي لم نعدل به. (3)
18108. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن ميسرة النهدي، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال:
إنّا إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل به إلي غيره. (4)
18109. ابن أبي غرزة : حدّثنا عمرو بن حمّاد، عن أسباط ، عن سماك بن حرب، عن
ص:309
عكرمة، عن ابن عبّاس أنّه قال:
إذا بلغنا شيء تكلّم به علي رضي الله عنه من فتيا أو قضاء وثبت لم نجاوزه إلي غيره. (1)
18110. وكيع القاضي : حدّثنا أحمد بن ملاعب بن حسّان وأحمد بن موسي الحرامي، قالا: حدّثنا عمرو بن [حمّاد بن] طلحة القنّاد، قال: حدّثنا أسباط بن نصر، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال:
إذا بلغنا شيء تكلّم به علي قضاء أو فتياً لم نجاوزه إلي غيره. (2)
18111. الطيالسي : أخبرنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت عكرمة يحدّث عن ابن عبّاس، قال:
إذا حدّثنا ثقة عن علي بفتيا لا نعدوها. (3)
18112. ابن الأثير : عن ابن عبّاس، قال:
إذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل عنه إلي غيره. (4)
18114. ابن إسحاق : عن عبدالرحمان بن الحارث، عن خالد بن سلمة، عن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، قال:
قلت لعبدالله بن عيّاش بن أبي ربيعة: أ لا تخبرني عن أبي بكر وعلي بن أبي طالب ؟ فإنّ أبابكر رحمه الله كانت له السنّ والسابقة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، توفّي رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ستّين سنة، وعلي ابن أربع وثلاثين سنة، ثمّ إنّ الناس صاغية إلي علي!
قال: أي ابن أخي، كان له والله ما شاء من ضرس قاطع، السطة (1) في النسب، وقرابته من رسول الله ومصاهرته، والمسابقة (2) في الإسلام، والعلم بالقرآن، والفقه في السنّة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون، وكان له والله ما شاء من ضرس قاطع. (3)
18115. وكيع : عن علي بن صالح، عن أبيه، عن سعيد بن عمرو القرشي، قال:
قلت لعبدالله بن عيّاش الزرقي: أخبرني عن هذا الرجل علي بن أبي طالب، فإنّا قوم لنا أخطار ولنا أحساب، ونحن نكره أن نقول كما يقول هؤلاء.
قال: فقال: علي إذا قرع قرع إلي ضرس الحديد.
قلت: وما ضرس الحديد؟ قال: قراءة القرآن، وفقه في الدين، وشجاعة وسماحة. (4)
18116. ابن عبدالبرّ وابن الأثير : قال سعيد بن عمرو [بن سعيد] بن العاص:
ص:311
قلت لعبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة: يا عمّ ، لو كان صغو الناس إلي علي! فقال: يا ابن أخي، إنّ عليّاً عليه السلام كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم، وكان له السطة (1) في العشيرة، والقدم في الإسلام، والصهر لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، والفقه في المسألة، والنجدة في الحرب، والجود في الماعون. (2)
18117. ابن عبدالبرّ : سئل عبدالله بن عيّاش (3) عن علي بن أبي طالب، فقال: ما شئت من ضرس قاطع في العلم بكتاب الله، والفقه في سنّة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وكانت له مصاهرة النبيّ صلى الله عليه و سلم ، والتبطّن في العشيرة، والنجدة في الحرب، والبذل للماعون.
فتي كان يدنيه الغني من صديقه إذا ما هو استغني ويبعده الفقر (4)
18118. ابن أبي الدنيا : حدّثني مهدي بن حفص، حدّثنا عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن أبي سليمان، قال:
قلت لعطاء: أ كان أحد من أصحاب رسول الله -صلّي الله عليه- أفقه من علي عليه السلام ؟ قال: لا والله ما علمته. (5)
18119. ابن الأنباري : حدّثنا عبدالله بن ناجية، قال: حدّثنا [أبو]منصور شجاع بن شجاع، قال: حدّثنا عبدالحميد بن بحر البصري، قال: حدّثنا شريك، قال: حدّثنا سلمة بن كهيل، عن أبي عبدالرحمان، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
ص:312
أنا مدينة الفقه وعلي بابها. (1)
18120. البلاذري : حدّثني الحسين بن علي بن الأسود، حدّثنا عبيدالله بن موسي، أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال:
كنت شاهداً لعمر يوم طُعن، فذكر حديثاً طويلاً ثمّ قال: [قال عمر]: ادعوا لي عليّاً وعثمان وطلحة والزبير وعبدالرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقّاص، فلم يكلّم أحداً منهم غيرعلي وعثمان، فقال: يا علي، لعلّ هؤلاء سيعرفون لك قرابتك من النبيّ صلى الله عليه و سلم وصهرك وما أنالك الله من الفقه والعلم، فإن ولّيت هذا الأمر فاتّق الله ... . (2)
18121. ابن سعد : أخبرنا عبيدالله بن موسي، قال: أخبرنا حسن بن صالح، عن مطرّف، حدّثني عامر، عن مسروق، قال:
كان أصحاب الفتوي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عمر، وعلي، وابن مسعود، وزيد، واُبي بن كعب، وأبوموسي الأشعري. (3)
18122. ابن عبدالبرّ : كان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك، فلمّا بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب!
فقال له أخوه عتبة: لا يسمع هذا منك أهل الشام. فقال له: دعني عنك. (4)
ص:313
وراجع الفرع السابع والثلاثون: «رجوع الصحابة وإرجاعهم الناس إليه عليه السلام ، وما قالوا في علمه».
18123. ابن المديني : وكان الفتيا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم في ستّة: عمر، وعلي، وعبدالله، وزيد، وأبي موسي، واُبي بن كعب. (1)
وردت في ذلك روايات كثيرة ذكرناها في الباب السادس من الفصل الأوّل: «القرآن وأهل البيت» من موسوعتنا، فراجع (2).
برواية:
1. أنس بن مالك-2. علي بن أبي طالب عليه السلام
18124. الحسن بن سفيان : حدّثنا طاهر بن سعيد أبوالقاسم المقرئ النيسابوري، قال: حدّثنا الوليد بن النضر، عن النضر، عن ربيعة بن عبدالرحمان الرأي، عن أنس، قال:
لمّا زوّج النبيّ -صلّي الله عليه- فاطمة من علي قال: يا امّ أيمن، زفّي ابنتي إلي علي ومريه أن لا يعجل عليها حتّي آتيها. فلمّا صلّي العشاء أقبل بركوة فيها ماء فتفل فيها ما شاء الله وقال: اشرب يا علي وتوضّأ، واشربي يا فاطمة وتوضّئي. ثمّ أجاف عليهم
ص:314
الباب، فبكت فاطمة، فقال [لها]: ما يبكيك ؟ فقد زوّجتك أقدمهم إسلاماً، وأعظمهم حلماً، وأحسنهم خلقاً، وأعلمهم بالله علماً. (1)
18125. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا ضرار بن صرد، حدّثنا علي بن هاشم بن البريد، عن محمّد بن عبيدالله بن أبي رافع، عن عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه، [عن جدّه]، عن علي، قال: [قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
علي بن أبي طالب] أنصح الناس وأعلمهم بالله، أشدّ الناس حبّاً وتعظيماً لحرمة أهل لا إله إلّا الله. (2)
18126. ابن مردويه : عن عمر بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جدّه، [عن علي]، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
علي أعلم الناس بالله، وأشدّ الناس حبّاً وتعظيماً لأهل لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله. (3)
18127. أبونعيم : حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسين الجزّار، حدّثنا أبي، حدّثنا الحسن بن أبي جعفر، حدّثنا يحيي بن هاشم، حدّثنا محمّد بن عبدالله بن أبي رافع، عن محمّد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
علي بن أبي طالب أعلم الناس بالله، وأشدّ الناس حبّاً وتعظيماً لأهل لا إله إلّا الله. (4)
ص:315
برواية: عمر بن الخطّاب
18128. ابن عساكر : أخبرنا أبوالعزّ أحمد بن عبيدالله السلمي، أخبرنا أبومحمّد الحسن بن علي [الجوهري]، أخبرنا أبوالحسن علي بن محمّد بن أحمد بن نصير، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الصلحي، حدّثنا أبوسعيد عمرو بن عثمان بن راشد السوّاق، حدّثنا عبدالله بن مسعود الشامي، حدّثنا ياسين بن محمّد بن أيمن، عن أبي حازم مولي ابن عبّاس، عن ابن عبّاس، قال: قال عمر بن الخطّاب:
كفّوا عن علي، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه خصالاً، لو أنّ خصلة منها في جميع آل الخطّاب كان أحبّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس، إنّي كنت ذات يوم وأبوبكر وعبدالرحمان وعثمان بن عفّان وأبوعبيدة بن الجرّاح في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فانتهينا إلي باب امّ سلمة، إذا نحن بعلي متّكئ علي نجف الباب، فقلنا: أردنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن.
قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فثرنا حوله، فاتّكأ علي علي، ثمّ ضرب يده علي منكبه وقال: اكس (1) ابن أبي طالب، فإنّك مخاصم بسبع خصال ليس لأحد بعدهنّ إلّا فضلك: إنّك أوّل المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعيّة، وأقسمهم بالسويّة، وأعظمهم عند الله مزيّة.
وسقطت منه واحدة (2).
18129. إبراهيم الجوهري : حدّثني أميرالمؤمنين المأمون، حدّثني الرشيد، حدّثني المهدي،
ص:316
حدّثني المنصور، حدّثني أبي، حدّثني عبدالله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول:
كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب، فقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه خصالاً، لأن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إلي ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبوبكر وأبوعبيدة في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتهيت إلي باب امّ سلمة، وعلي قائم علي الباب، فقلنا: أردنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال: يخرج إليكم. فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فسرنا إليه، فاتّكأ علي علي بن أبي طالب، ثمّ ضرب بيده منكبه، ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأعلمهم بأيّام الله. (1)
في الفهم والعلم والفقه والحكمة
برواية:
1. أنس بن مالك-4. عبدالله بن عبّاس
2. الحارث الأعور-5. ما ورد مرسلاً
3. أبي الحمراء
18130. ابن المغازلي : أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالوهّاب، حدّثنا الحسين بن محمّد بن الحسين العدل العلوي الواسطي، حدّثنا محمّد بن محمود، حدّثنا إبراهيم بن مهدي الاُبلّي، حدّثنا [إبراهيم بن سليمان بن رشيد، حدّثنا زيد بن عطيّة]، عن أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
من أراد أن ينظر إلي علم آدم وفقه نوح فلينظر إلي علي بن أبي طالب. (2)
ص:317
18131. أبوحاتم الرازي : حدّثنا محمّد بن عبدالله بن المثنّي الأنصاري، قال: حدّثني حميد، عن أنس، قال:
كنّا في بعض حجرات مكّة نتذاكر عليّاً، فدخل علينا رسول الله -صلّي الله عليه- فقال: أيّها الناس، من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه؛ وإلي نوح في فهمه؛ وإلي إبراهيم في حلمه؛ وإلي موسي في شدّته؛ وإلي عيسي في زهادته؛ وإلي محمّد في بهائه؛ وإلي جبرئيل وأمانته؛ وإلي الكوكب الدرّي والشمس الضحي والقمر المضيء؛ فليتطاول ولينظر إلي هذا الرجل. وأشار إلي علي بن أبي طالب ... . (1)
18132. العسّال : حدّثنا الحسين بن علي بن الحسين السلولي، حدّثني سويد بن مسعر بن يحيي بن حجّاج النهدي، حدّثنا أبي، حدّثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور -صاحب راية علي- ، قال:
بلغنا أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان في جمع من أصحابه فقال: اريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته. فلم يكن بأسرع من أن طلع علي.
فقال أبوبكر: يا رسول الله، أ قست رجلاً بثلاثة من الرسل ؟ بخٍ بخٍ لهذا الرجل! من هو يا رسول الله ؟
قال النبيّ صلى الله عليه و آله : أ لا تعرفه يا أبابكر؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أبوالحسن علي بن أبي طالب.
فقال أبوبكر: بخٍ بخٍ لك يا أباالحسن! وأين مثلك يا أباالحسن ؟! (2)
18133. ابن طرخان : حدّثنا محمّد بن مالك بن هانئ المكتب الكندي، قال: حدّثنا
ص:318
أحمد بن أسد، قال: حدّثنا عبيدالله بن موسي، عن أبي عمر الأزدي، عن أبي راشد، عن أبي الحمراء، قال:
كنّا جلوساً مع النبيّ -صلّي الله عليه- فأقبل علي بن أبي طالب، فقال النبيّ -صلّي الله عليه- : من سرّه أن ينظر إلي آدم في علمه؛ [وإلي] نوح في فهمه؛ وإبراهيم في حلمه؛ فلينظر إلي علي بن أبي طالب. (1)
18134. ابن شاذان : أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن جعفر الزعفراني، حدّثنا أبوإسحاق محمّد بن هارون بن عيسي ابن بريه الهاشمي، حدّثني جدّي، حدّثنا عبيدالله بن موسي ... مثله. (2)
18135. الحسكاني : أخبرنا الشيخ جدّي أبونصر -بقراءتي عليه من أصل سماعه غير مرّة- ، حدّثنا أبوعمرو محمّد بن جعفر المزكّي -إملاء- ، قال: حدّثني محمّد بن هارون بن عيسي الهاشمي ... مثله. (3)
18136. الحاكم : حدّثنا أبوجعفر محمّد بن أحمد (بن سعيد) الرازي، قال: حدّثنا محمّد بن مسلم بن وارة، قال: حدّثنا عبيدالله بن موسي، قال: حدّثنا أبوعمر (الأزدي)، عن أبي راشد (الحبراني)، عن أبي الحمراء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
من أراد أن ينظر إلي آدم في علمه؛ وإلي نوح في فهمه؛ وإلي إبراهيم في حلمه؛ وإلي يحيي (بن زكريّا) في زهده؛ وإلي موسي (بن عمران) في بطشه؛ فلينظر إلي علي بن أبي طالب. (4)
ص:319
18137. العاصمي : أخبرنا محمّد بن أبي زكريّا الثقة، قال: أخبرنا أبوالحسين محمّد بن أحمد بن جعفر الجوري، قال: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن أحمد بن سعيد الرازي.
وأخبرني شيخي أحمد بن محمّد، قال: أخبرنا أبوأحمد إبراهيم بن علي الهمداني، قال: حدّثنا أبوجعفر الرازي -وسياق الحديث لأبي الحسين- ، قال: حدّثنا أبوعبدالله محمّد بن مسلم ... مثله. (1)
18138. العاصمي : أخبرني جدّي أحمد بن المهاجر، قال: حدّثنا أبوجعفر الرازي مستملي أبي يحيي البزّاز، قال: حدّثنا [محمّد بن] مسلم ... مثله، وليس فيها الفقرة المرتبطة بيحيي بن زكريّا. (2)
18139. زاهر بن طاهر : قرئ علي سعيد بن محمّد البحيري، أخبرنا أبونصر النعمان بن محمّد الجرجاني، أخبرنا أبوجعفر محمّد بن أحمد بن سعيد ... مثله. (3)
18140. الباغندي : عن مسعر بن يحيي النهدي، حدّثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال:
بينما رسول الله صلى الله عليه و سلم جالس في جماعة من أصحابه أقبل علي، فلمّا بصر به رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: من أراد منكم أن ينظر الي آدم في علمه؛ وإلي نوح في حكمته؛ وإلي إبراهيم في حلمه؛ فلينظر إلي علي بن أبي طالب. (4)
ص:320
18141. الحمّاني : عن أبي مالك الجنبي، عن بلال بن أبي مسلم، عن أبي صالح الحنفي، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
من أراد أن ينظر إلي إبراهيم في حلمه؛ وإلي نوح في حكمته؛ وإلي يوسف في اجتماعه؛ فلينظر إلي علي بن أبي طالب. (1)
18142. أحمد بن محمّد الطبري : حدّثنا أبوبكر أحمد بن هشام الطبري - بطبرستان - ، قال: حدّثنا أبوطاهر محمّد بن تسنيم القرشي، قال: حدّثنا الحسن بن الحسين، عن يحيي بن يعلي، عن الأعمش.
وحدّثني أيضاً جعفر بن محمّد الكوفي، قال: حدّثنا عبدالله بن داهر الرازي، قال: حدّثني أبي داهر بن يحيي، عن الأعمش، عن عباية الأسدي، قال:
بينما ابن عبّاس يحدّث الناس بمكّة علي شفير زمزم، فلمّا قضي حديثه نهض إليه رجل من الملأ، فقال: يا ابن عبّاس، إنّي رجل من أهل الشام. فقال: أعوان كلّ ظالم إلّا من عصمه الله منهم، فسل عمّا بدا لك.
قال: يا ابن عبّاس، إنّما جئتك لأسألك عن علي عليه السلام وقتاله أهل لا إله إلّا الله، لم يكفروا بقبلة ولا قرآن ولا بحجّ ولا بصيام شهر رمضان ؟!
قال ابن عبّاس: ثكلتك امّك! سل عمّا يعنيك، ولا تسأل عمّا لا يعنيك.
فقال: يا ابن عبّاس، ما جئت أضرب إليك من حِمص لحجّ ولا لعمرة، ولكنّي جئتك لأسألك لتشرح لي أمر علي عليه السلام وقتاله أهل لا إله إلّا الله!
ص:321
فقال: ويحك! إنّ علم العالم صعب، ولا يحتمل ولا تقبله القلوب إلّا قلب من عصمه الله، إنّ مثل علي في هذه الاُمّة كمثل موسي والعالم (1)، وذلك إنّ الله - تبارك وتعالي - يقول في كتابه: إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشّاكِرِينَ 2 ، قال: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْ ءٍ 3 .
فكان موسي عليه السلام يري أنّ جميع الأشياء قد أثبتت له كما ترون أنتم أنّ علماءكم أثبتوا لكم جميع الأشياء، فلمّا انتهي موسي إلي ساحل البحر لقي العالم فاستنطقه، فأقرّ له بفضل علمه ولم يحسده كما حسدتم أنتم عليّاً في علمه.
فقال له موسي: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً ، فَعَلِم العالم أنّ موسي لا يطيق صحبته ولا يصبر علي علمه، فقال له العالم: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً* وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ، فعلم أنّ موسي لم يصبر علي علمه، فقال له: فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْ ءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً 4 .
فركبا في السفينة فخرقها العالم، وكان في خرقها لله رضي ولموسي سخطاً، ولقي الغلام فقتله، وكان قتله لله رضي ولموسي سخطاً، ثمّ أقام الحائط ، فكان إقامته لله رضي ولموسي سخطاً.
كذلك علي بن أبي طالب عليه السلام لم يقتل إلّا من كان قتله لله رضي ولأهل الجهالة من الناس سخطاً ... .
فقال الشامي: فرّجت عنّي فرّج الله عنك. (2)
ص:322
18143. معمر : عن الزهري، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه و آله ، قال:
من أراد أن ينظر إلي آدم في حلمه؛ وإلي نوح في فهمه؛ وإلي موسي في مناجاته؛ وإلي عيسي في سمته؛ وإلي محمّد في تمامه وكماله وجماله؛ فلينظر إلي ذا الرجل المقبل.
قال: فتطاول الناس أعناقهم وإذا هم بعلي عليه السلام ، كأنّما ينقب في صبّ وينحطّ من جبل. (1)
18144. ابن أبي الحديد : روي المحدّثون أيضاً عنه عليه السلام أنّه قال:
من أراد أن ينظر إلي نوح في عزمه؛ وموسي في علمه؛ وعيسي في ورعه؛ فلينظر إلي علي بن أبي طالب ... . (2)
18145. أحمد والبيهقي : من أراد أن ينظر إلي نوح في عزمه؛ وإلي آدم في علمه؛ وإلي إبراهيم في حلمه؛ وإلي موسي في فطنته؛ وإلي عيسي في زهده؛ فلينظر إلي علي بن أبي طالب. (3)
برواية:
1. أبي البختري-6. سريّة بنت زيد بن أرقم
2. جارية بن قدامة-7. سعيد بن جبير
3. حصين الحارثي-8 . سعيد بن المسيّب
4. خالد بن عرعرة-9. سفيان
5. زرّ بن حبيش-10. ابن شبرمة
ص:323
11. أبي صالح-17. قيس بن السكن
12. عامر بن واثلة-18. مسلم بن أوس
13. أبي عبدالرحمان السلمي-19. المصفّح العامري
14. علقمة بن قيس-20. النزّال بن سَبرة
15. عمارة بن القعقاع-21. ما ورد مرسلاً
16. عمير بن عبدالله
18146. الصالحاني : عن ابن طاووس رضي الله عنه ، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
رأيت عليّاً رضي الله عنه صعد المنبر بالكوفة، وعليه مدرعة كانت لرسول الله صلى الله عليه و آله ، متقلّداً بسيفه، متعمّماً بعمامته، وفي إصبعه خاتمه، فقال عليه السلام : سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّما بين الجوانح منّي علم جمّ ، هذا سفط العلم.وأشار إلي بطنه وجوانحه ... -مثل الرواية التالية عن الحاكم مع مغايرة طفيفة- . (1)
18147. الحاكم : حدّثنا أبومحمّد أحمد بن عبدالله المزكّي -إملاء- ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن حرب، حدّثنا أبوطاهر أحمد بن عيسي بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدّثنا يحيي بن عبدالله العلوي -خال جعفر بن محمّد- ، حدّثنا نوح بن قيس، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي البختري، قال:
رأيت عليّاً عليه السلام متقلّداً بسيف رسول الله صلى الله عليه و آله ، متعمّماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه و آله ، وفي إصبعه خاتم رسول الله صلى الله عليه و آله ، فقعد علي المنبر وكشف عن بطنه، فقال: سلوني من قبل أن تفقدوني، فإنّما بين الجوانح منّي علم جمّ ، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه و آله ، هذا ما زقّني رسول الله صلى الله عليه و آله زقّاً من غير وحي اوحي إلي، لوثنيت لي وسادة فجلست عليها
ص:324
لأفتيت لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، حتّي ينطق الله التوراة والإنجيل فيقولا: صدق علي، قد أفتاكم بما انزل في؛ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ 1 . (1)
18148. ابن النجّار : عن أبي المعتمر مسلم بن أوس وجارية بن قدامة السعدي أنّهما حضرا علي بن أبي طالب يخطب وهو يقول:
سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّي لا اسأل عن شيء دون العرش إلّا أخبرت عنه. (2)
18149. الحاكم : حدّثني أبوالحسن أحمد بن محمّد بن إسماعيل بن مهران، حدّثني أبي، حدّثنا هارون بن إسحاق الهمداني، حدّثنا عبدة بن سليمان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حصين الحارثي، قال:
جاء علي بن أبي طالب إلي زيد بن أرقم -رضي الله عنهما- يعوده وعنده قوم، فقال علي: أسكنوا -أو اسكتوا- فوالله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم [به] ... . (3)
18150. ابن أبي شيبة : حدّثنا أبوالأحوص، عن سماك، عن خالد [بن عرعرة]، قال:
أتيت الرحبة فإذا بنفر جلوس -قريباً من ثلاثين أو أربعين رجلاً- فقعدت معهم، فخرج علينا علي، فما رأيته أنكر أحداً من القوم غيري، فقال: ألا رجل يسألني فينتفع
ص:325
وينتفع جلساؤه ؟ (1)
18151. ابن عبدالبرّ : حدّثنا سعيد بن نصر، قال: حدّثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الصائغ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة التيمي، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول:
ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلساؤه ؟ (2)
18152. ابن أبي اُسامة : حدّثنا العبّاس بن الفضل العبدي الأزرق - ببغداد إملاء, وهو من أهل البصرة - , حدّثنا حمّاد بن سلمة, حدّثنا سماك بن حرب, عن خالد بن عرعرة [في حديث يذكر فيه عن علي عليه السلام ]:
... فقال: سلوني, ولا تسألوني إلّا عمّا ينفع ويضرّ ... . (3)
18153. ابن راهويه والصابوني والبيهقي : عن خالد بن عرعرة، قال: قال علي:
سلوني عمّا شئتم، ولا تسألوني إلّا عمّا ينفع أو يضرّ ... . (4)
18154. نعيم بن حمّاد : حدّثنا أبوهارون الكوفي، عن عمرو بن قيس الملائي، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش؛ سمع عليّاً رضي الله عنه يقول:
سلوني، فوالله لا تسألوني عن فئة خرجت تقاتل مئة؛ أو تهدي مئة؛ إلّا نبّأتكم بسائقها وقائدها وناعقها ما بينكم وبين قيام الساعة. (5)
ص:326
18155. ابن شبّة : حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن حصين بن الحارث، عن سريّة بنت زيد بن أرقم، قالت:
دخل علي علي زيد بن أرقم يعوده، فخاضوا في الحديث، فقال علي رضي الله عنه : سلوني عمّا شئتم، فلا تسألون عن شيء إلّا أنبأتكم به ... . (1)
18156. العاصمي : روي عن سعيد بن جبير، قال:
خطبنا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- علي منبر الكوفة بعد رجوعه من محاربة الخوارج، وصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: معاشر الناس، سلوني عمّا كان وعمّا يكون. (2)
18157. ابن أبي شيبة وعثمان بن أبي شيبة وابن معين : حدّثنا [سفيان] بن عيينة، عن يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال:
لم يكن أحد من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم يقول: سلوني؛ إلّا علي بن أبي طالب. (3)
ص:327
18158. ابن أبي خيثمة : حدّثنا إبراهيم بن بشّار، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، قال: حدّثنا يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال:
ما كان أحد من الناس يقول: سلوني؛ غير علي بن أبي طالب. (1)
18159. العدني : عن سفيان: ... وأنّ أوّل من قال سلوني بالكوفة علي رضي الله عنه ... . (2)
18160. محمّد بن فضيل : سمعت ابن شبرمة يقول:
ما كان أحد علي المنبر يقول: سلوني عمّا بين اللوحين؛ إلّا علي بن أبي طالب. (3)
18161. ابن الأعرابي : حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني، قال: حدّثنا أبوقطن، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي عون، عن أبي صالح، قال: قال علي رضي الله عنه :
سلوا، ولو إنساناً سأل ... . (4)
18162. ابن أبي شيبة ومسدّد وأبويعلي والطبري والبيهقي : عن أبي صالح، قال: قال علي:
ص:328
سلوني، فإنّكم لا تسألون مثلي ولن تسألوا مثلي ... . (1)
18163. الكلابي : حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن عبادل، قال: حدّثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: حدّثنا عبدالله بن داوود الخريبي، عن بسّام الصيرفي، عن أبي الطفيل [عامر بن واثلة]، قال:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه علي المنبر: سلوني قبل أن لاتسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي ... . (2)
18164. ابن أبي غرزة : حدّثنا أبونعيم [الفضل بن دكين]، حدّثنا بسّام الصيرفي، حدّثنا أبوالطفيل عامر بن واثلة، قال:
سمعت عليّاً رضي الله عنه قام فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تسألوا بعدي مثلي ... . (3)
18165. الطبري : الحسن [بن محمّد الزعفراني] قال: حدّثنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا بسّام الصيرفي، قال: حدّثنا أبوالطفيل عامر بن واثلة:
ذكر أنّ عليّاً قام علي المنبر فقال: سلوني قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي ... . (4)
18166. الحاكم : أخبرنا أبوالحسن علي بن محمّد بن عقبة، حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان، حدّثنا محمّد بن عبيد الطنافسي، حدّثنا بسّام بن عبدالرحمان الصيرفي، حدّثنا أبوالطفيل، قال:
ص:329
رأيت أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قام علي المنبر، فقال: سلوني قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي ... . (1)
18167. الشاشي : حدّثنا عيسي، حدّثنا أبومعاوية، حدّثنا بسّام، حدّثنا أبوالطفيل، قال: قال علي بن أبي طالب:
سلوني فإنّكم لا تسألون بعدي مثلي ... . (2)
18168. ابن عدي : حدّثنا محمّد بن علي بن مهدي، حدّثنا الحسن بن سعيد بن عثمان، أنبأنا أبي، حدّثنا أبومريم - يعني عبدالغفّار بن القاسم - ، عن حمران بن أعين، حدّثنا أبوالطفيل عامر بن واثلة، قال:
خطب علي بن أبي طالب في عامه، فقال: يا أيّها الناس، إنّ العلم ليقبض قبضاً سريعاً وإنّي أوشك أن تفقدوني، فسلوني ... . (3)
18169. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : أنبأنا المنجاب بن الحارث، أنبأنا أبومالك الجنبي، عن الحجّاج، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، قال:
سمعت عليّاً وهو يخطب الناس، فقال: يا أيّها الناس، سلوني، فإنّكم لا تجدون أحداً بعدي هو أعلم بما تسألونه منّي، ولا تجدون أحداً أعلم بما بين اللوحين منّي، فسلوني. (4)
18170. أبوبكر الشافعي : أنبأنا محمّد بن غالب بن حرب الضبّي، أنبأنا أبوسلمة، أنبأنا ربعي بن عبدالله بن الجارود بن أبي سبرة، حدّثني سيف بن وهب، قال:
ص:330
دخلت علي رجل بمكّة يكنّي أباالطفيل، فقال: أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم حتّي صعد المنبر، فحمد الله، وأثني عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفي علي فيما انزلت، ولا أين نزلت، ولا ما عني بها. (1)
18171. أبوسهل القطّان : أنبأنا أبوالحسين علي بن إبراهيم الواسطي - إملاء - ، أنبأنا محمّد بن أبي نعيم، أنبأنا ربعي بن عبدالله بن الجارود، أنبأنا سيف بن وهب مولي لبني تيم، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة [في حديث], قال:
أقبل علي يتخطّي رقاب الناس بالكوفة حتّي صعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: يا أيّها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفي علي فيم انزلت، ولا أين انزلت، ولا ما عني بها، والله لا تلقوا أحداً يحدّثكم ذاكم بعدي حتّي تلقوا نبيّكم صلى الله عليه و سلم (2).
18172. معمر : عن وهب بن عبدالله، عن أبي الطفيل، قال:
شهدت عليّاً وهو يخطب، وهو يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلي يوم القيامة إلّا حدّثتكم به، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلّا وأنا أعلم بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل ... . (3)
ص:331
18173. الرمادي : حدّثنا أحمد بن عبدالله بن يونس، قال: حدّثنا أبوبكر ابن عيّاش، قال: حدّثنا عاصم بن بهدلة، عن أبي عبدالرحمان السلمي، قال:
ما رأيت أحداً أقرأ من علي بن أبي طالب، وكان يقول: سلوني؛ فوالله لا تسألوني عن شيء من كتاب الله إلّا احدّثكم بليل نزلت أم بنهار، أو في سهل، أو في جبل. (1)
18174. أبوعبدالله الترمذي : حدّثنا الحسين بن محمّد، قال: حدّثنا سليمان بن قرم، عن سعيد بن حنظلة، عن علقمة بن قيس، قال: قال علي:
سلوني يا أهل الكوفة قبل أن لا تسألوني، فوالّذي نفسي بيده ما نزلت آية إلّا وأنا أعلم بها أين نزلت، وفيمن نزلت، أ في سهل، أم في جبل، أم في مسير، أم في مقام. (2)
18175. محمّد بن فضيل : نبّأ عمارة بن القعقاع، [قال:
خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: سلوني أيّها الناس قبل أن تفقدوني] -يقولها ثلاث مرّات- ... . (3)
ص:332
18176. الحلواني : أنبأنا الهيثم بن الأشعث السلمي، أنبأنا أبوحنيفة اليمامي الأنصاري، عن عمير بن عبدالله، قال:
خطبنا علي علي منبر الكوفة، فقال: أيّها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فبين الجنبين منّي علم جمّ . (1)
18177. ابن أبي شيبة : حدّثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدّثنا عبدالرحمان بن حميد الرؤاسي، قال: حدّثنا عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، قال عبدالرحمان: أظنّه عن قيس بن السكن، قال:
قال علي علي منبره: إنّي أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفلان وأهل النهر، وأيم الله لولا أن تتّكلوا فتدعوا العمل لحدّثتكم بما سبق لكم علي لسان نبيّكم لمن قاتلهم مبصراً لضلالاتهم عارفاً بالّذي نحن عليه.
ثمّ قال: سلوني (2) فإنّكم لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مئة إلّا حدّثتكم ولا شايعها ... . (3)
18178. ابن النجّار : عن أبي المعتمر مسلم بن أوس ... . (4)
تقدّم حديثه مع حديث جارية بن قدامة.
ص:333
18179. ابن سعد : أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا فضل بن مرزوق، عن جبلة بنت المصفّح، عن أبيها، قال:
قال لي علي: يا أخا بني عامر، سلني عمّا قال الله ورسوله، فإنّا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله. (1)
18180. الضحّاك بن مزاحم : عن النزّال بن سبرة الهلالي، قال:
وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفس ومزاح، فذكر الحديث، وفيه: قالوا: يا أميرالمؤمنين، حدّثنا عن نفسك، قال: قد نهي الله عن التزكية.
قالوا: يا أميرالمؤمنين، إنّ الله يقول: عليه السلام صلى الله عليه و آله و سلم رحمه الله رحمه الله (2)، قال: كنت امرئ أبتدأ فاُعطي، وأسكت فاُبتدأ، ومن تحت الجوارح منّي لعلماً جمّاً، سلوني ... . (3)
18183. الإسكافي : ذكروا أنّ ابن الكوّاء لمّا سمع عليّاً يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإنّ العلم يقبض قبضاً، سلوني فإنّ بين الجوانح [منّي] علماً جمّاً.
فقام إليه ابن الكوّاء فقال: [أنا] أسألك يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: سل تفقّهاً، ولا تسل تعنّتاً، وسل عمّا يعنيك، ودع ما لا يعنيك ... . (1)
18184. الإسكافي : [في حديث:] ثمّ قال [علي عليه السلام ]:
قد أصبحتم في عمياء مظلمة، سوداء مزبدة، تقلّبكم [من] فينة إلي فينة، قد تعلّقت عليكم أبوابها، وذهبت ألبّاؤها، وليس لكم فيها سبيل هدي، ولا تعرفون فيها سبيل نجاة، فأعلام دينكم طامسة، وآثار نبيّكم دارسة، والمنكرات فيكم فاشية، زالت عنكم النعم، بترككم الطاعة، والميل مع أهل الضلالة، والركون إلي العاجلة.
فلو شكرتم الله علي ما استخلفكم عليه من نصر دينه؛ والذبّ عن كتابه؛ لوفّاكم نعيم الدنيا، وثواب الآخرة.
ثمّ قال: سلوني قبل أن تفقدوني.
فقام إليه رجل -وهو صعصعة بن صوحان- ، فقال له: يا صعصعة، اعقد أصابعك إذا أضاع الناس الأمانة، وأكلوا الربا، وشيّدوا البناء، وسفكوا الدماء، واستعملوا السفهاء علي الأحكام، وكان الحليم ضعيفاً، والظالم مقتدراً، والاُمراء فجرة، والقرّاء فسقة، وظهر الجورة، وكثر الطلاق وقول البهتان، وحليت المصاحف وزخرفت ... . (2)
برواية:
1. أنس بن مالك-3. أبي سعيد الخدري
2. أبي ذرّ الغفاري-4. أبي ليلي الأنصاري
ص:335
18185. ابن القزويني : حدّثنا محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق، عن بشير الغفاري (1)، عن أنس بن مالك، قال:
كنت خادماً لرسول الله صلى الله عليه و آله وكانت ليلة امّ حبيبة بنت أبي سفيان، فأتيت رسول الله صلى الله عليه و آله بوضوء، فقال: يا أنس، يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وخير الوصيّين، أقدم الناس سلماً، وأكثر الناس علماً، وأرجح الناس حلماً ... فلم ألبث أن دخل علي بن أبي طالب عليه السلام من الباب ورسول الله صلى الله عليه و آله يتوضّأ ويردّ الماء علي وجه علي عليه السلام حتّي امتلأت عيناه من الماء.
فقال علي عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه و آله : هل حدث في حَدث ؟ قال رسول الله صلى الله عليه و آله : ما حدث فيك يا علي إلّا خير، يا علي، أنا منك وأنت منّي، تؤدّي عنّي، وتفي بذمّتي، وتغسّلني، وتواريني في لحدي، وتسمع الناس عنّي، وتبيّن لهم من بعدي.
فقال له علي عليه السلام : يا رسول الله، أو ما بلّغت ؟ قال: بلي، تبيّن لهم ما يختلفون فيه بعدي. (2)
18186. ابن المظفّر : حدّثنا إسحاق بن محمّد بن مروان، حدّثنا أبي، حدّثنا الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي إسحاق، عن بشير الغفاري، عن أنس بن مالك، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي: أنت تغسّلني، وتواريني في لحدي، وتبيّن لهم بعدي. (3)
18187. معتمر بن سليمان : سمعت أبي يذكر عن الحسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه :
أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال لعلي: أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي. (4)
ص:336
18188. مطيّن : حدّثنا الحسن بن عثمان الصيرفي، حدّثنا محمّد بن سعيد الزجاجي، حدّثنا عبدالكريم بن يعفور الجعفي، عن جابر، عن أبي الطفيل، عن أنس بن مالك، قال:
كنت أخدم النبيّ صلى الله عليه و آله ، فقال لي: يا أنس بن مالك، يدخل علي رجل إمام المؤمنين، وسيّد المسلمين، وخير الوصيّين.
فضرب الباب، فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فدخل يعرق، فجعل النبيّ صلى الله عليه و آله يمسح العرق عن وجهه، ويقول: أنت تؤدّي عنّي - أو تبلّغ عنّي - . فقال: يا رسول الله، أوَ لم تبلّغ رسالات ربّك ؟ قال: بلي، ولكن أنت تعلّم الناس. (1)
18189. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : رواه جابر الجعفي, عن أبي الطفيل, عن أنس, نحوه. (2)
18190. ابن مردويه : أخبرنا محمّد بن الحسن، أخبرنا أحمد بن محمّد بن عبدالرحمان، أخبرنا جعفر بن محمّد بن سعيد، أخبرنا مخول بن إبراهيم، أخبرنا أبوداوود الطبري، أخبرنا عبدالأعلي التغلبي، عن أنس، قال:
اتي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بطائر فوضع بين يديه، فقال: اللهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير. فقرع الباب، فقلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام فقلت: سبحان الله! سأل نبي الله ربّه أن يأتيه بأحبّ خلقه إليه.
ص:337
قال: ففتحت الباب، فلمّا دخل مسح رسول الله وجهه، ثمّ مسحه رسول الله بوجه علي، ثمّ مسح وجه علي فمسحه بوجهه، فعل ذلك ثلاث مرّات، فبكي علي، ثمّ قال: ما هذا يا رسول الله ؟ فقال: ولِمَ لا أفعل بك هذا؟ وأنت تسمع صوتي، وتؤدّي عنّي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي ... . (1)
18191. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمون، حدّثنا علي بن عابس، عن الحارث بن حصيرة، عن القاسم بن جندب، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
يا أنس، اسكب لي وضوء. ثمّ قام فصلّي ركعتين، ثمّ قال: يا أنس، أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيّد المسلمين، وقائد الغرّ المحجّلين، وخاتم الوصيّين.
قال أنس: قلت: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار، وكتمته، إذ جاء علي، فقال: من هذا يا أنس ؟ فقلت: علي، فقام مستبشراً فاعتنقه ثمّ جعل يمسح عرق وجهه بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه.
قال علي: يا رسول الله، لقد رأيتك صنعت شيئاً ما صنعت بي من قبل! قال: وما يمنعني وأنت تؤدّي عنّي، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي. (2)
18192. ابن مردويه : عن أحمد بن محمّد بن عثمان الصيدلاني، قال: حدّثنا المنذر بن محمّد بن المنذر، قال: حدّثنا أحمد بن موسي الخزّاز، قال: حدّثنا تليد بن سليمان أبوإدريس، عن جابر، عن محمّد بن علي، عن أنس بن مالك، قال:
ص:338
بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه و آله إذ قال: الآن يدخل سيّد المسلمين، وأميرالمؤمنين، وخير الوصيّين، وأولي الناس بالنبيّين. إذ طلع علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه و آله يمسح العرق من وجهه ويمسح به وجه علي بن أبي طالب عليه السلام ، ويمسح العرق من وجه علي عليه السلام ويمسح به وجهه.
فقال له علي عليه السلام : يا رسول الله، نزل في شيء؟ قال: أما ترضي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي ؟ أنت أخي ووزيري وخير من أخلف بعدي، تقضي ديني، وتنجز وعدي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلّمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا، وتجاهدهم علي التأويل كما جاهدتهم علي التنزيل. (1)
18193. ابن مردويه : حدّثنا أحمد بن محمّد بن السري، قال: حدّثنا المنذر بن محمّد بن المنذر، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا عمّي الحسين بن سعيد بن أبي الجهم، قال: حدّثني أبان بن تغلب، عن نفيع بن الحارث، عن أنس، قال:
كان رسول الله صلى الله عليه و آله في بيت امّ حبيبة بنت أبي سفيان، فقال: يا امّ حبيبة، اعتزلينا فإنّا علي حاجة. ثمّ دعا بوضوء فأحسن الوضوء، ثمّ قال: أوّل من يدخل عليك من هذا الباب أميرالمؤمنين، وسيّد العرب، وخير الوصيّين، وأولي الناس بالناس.
فقال أنس: فجعلت أقول: اللهمّ اجعله رجلاً من الأنصار.
قال: فدخل علي عليه السلام ، فجاء يمشي حتّي جلس إلي جنب رسول الله صلى الله عليه و آله ، فجعل رسول الله صلى الله عليه و آله يمسح وجهه بيده ثمّ مسح بها وجهه علي بن أبي طالب عليه السلام .
فقال علي عليه السلام : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: إنّك تبلّغ رسالتي من بعدي، وتؤدّي عنّي، وتسمع الناس صوتي، وتعلّم الناس من كتاب الله ما لا يعلمون. (2)
18194. الخوارزمي : عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه و آله :
ص:339
يا علي، أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي، يا علي، أنت تغسّل جثّتي، وتؤدّي ديني، وتواريني في حفرتي، وتفي بذمّتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا وفي الآخرة. (1)
18195. الديلمي : [أخبرنا الميداني، أخبرنا أبومحمّد الحلّاج، أخبرنا أبوالفضل محمّد بن عبدالله، حدّثنا أحمد بن عبيد الثقفي، حدّثنا محمّد بن خلف العطّار، حدّثنا موسي بن جعفر بن إبراهيم بن محمّد بن علي بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، حدّثنا عبدالمهيمن بن العبّاس، عن أبيه، عن جدّه سهل بن سعد، عن] أبي ذرّ [مرفوعاً]:
علي باب علمي، ومبيّن لاُمّتي ما أرسلت به من بعدي، حبّه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة، ومودّته عبادة. (2)
18196. الخوارزمي : عن أبي سعيد الخدري ... . (3)
تقدّم حديثه آنفاً في حديث أنس بن مالك.
18197. الحفّار : حدّثني أبوبكر محمّد بن عمرو الحافظ ، حدّثني أبوالحسن علي بن موسي الخزّاز - من كتابه - ، حدّثني الحسن بن علي الهاشمي، حدّثني إسماعيل بن أبان، حدّثني أبومريم، عن ثوير بن أبي فاختة، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، قال: قال أبي:
دفع النبيّ صلى الله عليه و آله الراية يوم خيبر إلي علي بن أبي طالب عليه السلام ففتح الله تعالي علي يده،
ص:340
وأوقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنّه مولي كلّ مؤمن ومؤمنة، وقال له: أنت منّي وأنا منك. وقال له: تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل. وقال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي. وقال له: أنا سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت. وقال له: أنت العروة الوثقي. وقال له: أنت تبيّن لهم ما اشتبه عليهم بعدي ... . (1)
برواية: عبدالله بن عبّاس
18198. الديلمي : أخبرني أبوخلف عبدالرحيم بن محمّد الفقيه - بالري، وسألني أن لا أبذله - ، حدّثني أبوالفتح عبيد بن مردك الرازي - وسألني أن لا أبذله - ، حدّثني يوسف بن عبدالله - بأردبيل، وسألني أن لا أبذله - ، حدّثني الحسين بن صدقة الشيباني - وسألني أن لا أبذله - ، أخبرني أبي وسليمان بن نصر - وسألاني أن لا أبذله - ، حدّثني إسحاق بن سيّار - واستحلفني أن لا أبذله - ، حدّثني عبيدالله بن موسي - واستحلفني أن لا أبذله - ، حدّثني الأعمش - واستحلفني أن لا أبذله - ، حدّثني مجاهد، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم :
أنا ميزان العلم، وعلي كفّتاه، والحسن والحسين خيوطه، وفاطمة علّاقته، والأئمّة من امّتي عموده، يوزن [فيه] أعمال المحبّين لنا والمبغضين لنا. (2)
برواية: عبدالله بن عبّاس
18199. العبّاس بن بكّار : عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال:
ص:341
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعبدالرحمان بن عوف: يا عبدالرحمان، أنتم أصحابي، وعلي بن أبي طالب منّي وأنا من علي، فمن قاسه بغيره فقد جفاني، ومن جفاني آذاني، ومن آذاني فعليه لعنة ربّي.
يا عبدالرحمان، إنّ الله أنزل علي كتاباً مبيّناً وأمرني أن ابيّن للناس ما نزل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب فإنّه لم يحتجّ إلي بيان؛ لأنّ الله تعالي جعل فصاحته كفصاحتي، ودرايته كدرايتي ... . (1)
برواية:
3. عبدالله بن عبّاس
1. أبي الطفيل عامر بن واثلة2. عبدالرحمان بن يسار
18200. المدائني : حدّثنا أبومخنف، عن جابر، عن الشعبي، عن أبي الطفيل، قال: قال علي:
يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل. فقعدت علي نجفة ذي قار فأحصيتهم، فما زادوا رجلاً، ولا نقصوا رجلاً. (2)
18201. ابن الأثير : وقيل: إنّ عدد من سار من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل،
ص:342
قال أبوالطفيل: سمعت عليّاً يقول ذلك قبل وصولهم، فقعدت فأحصيتهم، فما زادوا رجلاً، ولا نقصوا رجلاً. (1)
18202. ابن أبي الحديد : قال أبومخنف: فحدّث ابن إسحاق عن عمّه عبدالرحمان بن يسار، قال:
نفر إلي علي عليه السلام إلي ذي قار من الكوفة في البحر والبرّ ستّة آلاف وخمسمئة وستّون رجلاً، أقام علي بذي قار خمسة عشر يوماً، حتّي سمع صهيل الخيل وشحيج البغال حوله.
قال: فلمّا سار بهم منقلة قال ابن عبّاس: والله لأعُدنّهم، فإن كانوا كما قال، وإلّا أتممتهم من غيرهم؛ فإنّ الناس قد كانوا سمعوا قوله.
قال: فعرضتهم، فوالله ما وجدتهم يزيدون رجلاً، ولا ينقصون رجلاً، فقلت: الله أكبر! صدق الله ورسوله! ثمّ سرنا. (2)
18203. الطبراني : حدّثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، حدّثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، حدّثنا نوح بن درّاج، عن الأجلح بن عبدالله، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال:
لمّا بلغ أصحاب علي حين ساروا إلي البصرة أنّ أهل البصرة قد اجتمعوا لطلحة والزبير شقّ عليهم ووقع في قلوبهم، فقال علي: والّذي لا إله غيره ليظهرنّ علي أهل البصرة، وليقتلنّ طلحة والزبير، وليخرجنّ إليكم من الكوفة ستّة آلاف وخمسمئة وخمسون رجلاً -أو خمسة آلاف وخمسمئة وخمسون رجلاً، شكّ الأجلح- .
قال ابن عبّاس: فوقع ذلك في نفسي، فلمّا أتي أهل الكوفة خرجت، فقلت: لأنظرنّ ، فإن كان كما تقول فهو أمر سمعه، وإلّا فهي خديعة الحرب، فلقيت رجلاً من الجيش
ص:343
فسألته، فوالله ما عتّم (1) أن قال ما قال علي.
قال ابن عبّاس: وهو ممّا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يخبره. (2)
18204. الإسماعيلي : أخبرني الحسين بن شيرويه بن حمّاد بن بحر الفارسي أبوعبدالله -بالكوفة- ، حدّثنا محمّد بن حميد بن عبّاس، أخبرنا عاصم، عن نوح، عن الأجلح، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن ابن عبّاس:
أنّ عليّاً خطب الناس فقال: يا أيّها الناس، ما هذه المقالة السيّئة الّتي تبلغني عنكم ؟! والله ليقتلنّ طلحة والزبير، ولتفتحنّ البصرة، ولتأتينّكم مادّة من الكوفة ستّة آلاف وخمسمئة وستّون، -أو خمسة آلاف وستّمئة وخمسون- .
قال ابن عبّاس: فقلت: والحرب خدعة.
قال: فخرجت فأقبلت أسأل الناس كم أنتم ؟ فقالوا كما قال، فقلت: هذا بما أسرّ إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إنّه علّمه ألف كلمة، كلّ كلمة تفتح ألف كلمة. (3)
18205. ابن أبي الحديد : روي أبومخنف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن زيد بن علي، عن ابن عبّاس، قال:
لمّا نزلنا مع علي عليه السلام ذاقار قلت: يا أميرالمؤمنين، ما أقلّ من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظنّ ! فقال: والله ليأتينّي منهم ستّة آلاف وخمسمئة وستّون رجلاً، لا يزيدون ولا ينقصون.
قال ابن عبّاس: فدخلني والله من ذلك شكّ شديد في قوله، وقلت في نفسي: والله إن قدموا لأعُدنّهم. (4)
ص:344
وعن كيفيّة قتله
برواية:
1. أبي بشير الشيباني-3. محمّد بن شهاب الزهري
2. عمّار بن معاوية الدهني-4. ما ورد مرسلاً
18206. الحاكم : حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان العامري، حدّثنا عبيدالله بن موسي، أنبأ أبوميمونة، عن أبي بشير الشيباني -في قصّة حرب الجمل- , قال:
فاجتمعوا بالبصرة، فقال علي رضي الله عنه : من يأخذ المصحف ثمّ يقول لهم: ماذا تنقمون تريقون دماءنا ودماءكم ؟ فقال رجل: أنا يا أميرالمؤمنين. فقال: إنّك مقتول. قال: لا ابالي. قال: خذ المصحف.
قال: فذهب إليهم فقتلوه، ثمّ قال من الغد مثل ما قال بالأمس، فقال رجل: أنا. قال: إنّك مقتول كما قتل صاحبك. قال: لا ابالي.
قال: فذهب فقتل، ثمّ قتل آخر كلّ يوم واحد، فقال علي رضي الله عنه : قد حلّ لكم قتالهم الآن.
قال: فبرز هؤلاء وهؤلاء فاقتتلوا قتالاً شديداً -وذكر الحديث- ، قال أبوبشير: فردّ عليهم ما كان في العسكر حتّي القدر. (1)
18207. المدائني : حدّثنا بشير بن عاصم، عن الحجّاج بن أرطاة، عن عمّار بن
ص:345
معاوية الدهني - حي من أحمس بجيلة - , قال:
أخذ علي مصحفاً يوم الجمل، فطاف به في أصحابه وقال: من يأخذ هذا المصحف، يدعوهم إلي ما فيه وهو مقتول ؟ فقام إليه فتي من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشوّ، فقال: أنا. فأعرض عنه، ثمّ قال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلي ما فيه وهو مقتول ؟ فقال الفتي: أنا. فأعرض عنه، ثمّ قال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلي ما فيه وهو مقتول ؟ فقال الفتي: أنا.
فدفعه إليه، فدعاهم، فقطعوا يده اليمني، فأخذه بيده اليسري، فدعاهم، فقطعوا يده اليسري، فأخذه بصدره والدماء تسيل علي قبائه، فقتل رضي الله عنه ، فقال علي: الآن حلّ قتالهم.
فقالت امّ الفتي بعد ذلك فيما ترثي:
لا همّ إنّ مسلماً دعاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم
واُمّهم قائمة تراهم يأتمرون الغي لا تنهاهم
قد خضبت من علق لحاهم (1)
18208. أبوخيثمة : حدّثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي، قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري [في قصّة ذكرها من خبر علي وطلحة والزبير وعائشة]:
فقال علي لأصحابه: أيّكم يعرض عليهم هذا المصحف ومافيه، فإن قطعت يده أخذه بيده الاُخري، وإن قطعت أخذه بأسنانه ؟ قال فتي شابّ : أنا. فطاف علي علي أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلّا ذلك الفتي، فقال له علي: اعرض عليهم هذا وقل: هو بيننا وبينكم من أوّله إلي آخره، والله في دمائنا ودمائكم. فحمل علي الفتي وفي يده المصحف، فقطعت يداه، فأخذه بأسنانه حتّي قتل، فقال علي: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم ... . (2)
ص:346
18209. الخوارزمي : ولمّا تقابل العسكران -عسكر أميرالمؤمنين علي عليه السلام وعسكر أصحاب الجمل- جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتّي عقروا منهم جماعة، فقال الناس: يا أميرالمؤمنين، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم ؟ فقال علي: اللهمّ إنّي اشهدك أنّي قد أعذرت وأنذرت فكن لي عليهم من الشاهدين.
ثمّ دعا علي بالدرع، فأفرغها عليه، وتقلّد بسيفه، واعتجر بعمامته، واستوي علي بغلة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ثمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده وقال: يا أيّها الناس، من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلي ما فيه ؟
قال: فوثب غلام من مجاشع يقال له مسلم، عليه قباء أبيض، فقال له: أنا آخذه يا أميرالمؤمنين. فقال له علي: يا فتي، إنّ يدك اليمني تقطع فتأخذه باليسري فتقطع، ثمّ تضرب عليه بالسيف حتّي تقتل. فقال الفتي: لا صبر لي علي ذلك يا أميرالمؤمنين.
قال: فنادي علي ثانية، والمصحف في يده، فقام إليه ذلك الفتي وقال: أنا آخذه يا أميرالمؤمنين. قال: فأعاد عليه علي مقالته الاُولي، فقال الفتي: لا عليك يا أميرالمؤمنين، فهذا قليل في ذات الله.
ثمّ أخذ الفتي المصحف وانطلق به إليهم، فقال: يا هؤلاء، هذا كتاب الله بيننا وبينكم.
قال: فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمني فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله، فاحتضن المصحف بصدره، فضرب عليه حتّي قتل -رحمة الله عليه- . (1)
18210. ابن أبي الحديد : قال أبومخنف: وطاف علي عليه السلام علي أصحابه، وهو يقرأ: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ
ص:347
أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ 1 .
ثمّ قال: أفرغ الله علينا وعليكم الصبر، وأعزّ لنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم ظهيراً في كلّ أمر. ثمّ رفع مصحفاً بيده، فقال: من يأخذ هذا المصحف، فيدعوهم إلي ما فيه، وله الجنّة ؟ فقام غلام شابّ اسمه مسلم، عليه قباء أبيض، فقال: أنا آخذه. فنظر إليه علي وقال: يا فتي، إن أخذته فإنّ يدك اليمني تقطع، فتأخذه بيدك اليسري فتقطع، ثمّ تضرب بالسيف حتّي تقتل. فقال: لا صبر لي علي ذلك.
فنادي علي ثانية، فقام الغلام، وأعاد عليه القول، وأعاد الغلام القول مراراً؛ حتّي قال الغلام: أنا آخذه؛ وهذا الّذي ذكرت في الله قليل.
فأخذه وانطلق، فلمّا خالطهم ناداهم: هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فضربه رجل فقطع يده اليمني، فتناوله باليسري، فضربه اخري فقطع اليسري، فاحتضنه، فضربوه بأسيافهم حتّي قتل، فقالت امّ ذريح العبديّة في ذلك:
يا ربّ إنّ مسلماً أتاهم بمصحف أرسله مولاهم
للعدل والإيمان قد دعاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم
فخضبوا من دمه ظباهم واُمّهم واقفة تراهم
تأمرهم بالغي لا تنهاهم
قال أبومخنف: فعند ذلك أمر علي عليه السلام ولده محمّداً أن يحمل الراية، فحمل وحمل معه الناس، واستحرّ القتل في الفريقين، وقامت الحرب علي ساق. (1)
برواية: الأصبغ بن نباتة
18211. ابن شجرة : حدّثنا عبدالله بن روح المدائني، حدّثنا عبيدالله بن محمّد العبسي،
ص:348
حدّثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبّان بن علي العنزي، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال:
شهدت عليّاً رضي الله عنه يوم صفّين وهو يقول: من يبايعني علي الموت -أو قال: علي القتال- ؟ فبايعه تسع وتسعون.
قال: فقال: أين التمام ؟ أين الّذي وعدت به ؟
قال: فجاء رجل عليه أطمار صوف محلوق الرأس، فبايعه علي الموت والقتل.
قال: فقيل: هذا اويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتّي قتل رضي الله عنه . (1)
18212. نفطويه : أخبرني محمّد بن عيسي الأنصاري، عن عبيدالله بن محمّد التيمي، عن إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبّان بن علي،عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة:
عن علي بن أبي طالب رحمه الله أنّه قال يوم صفّين: من يبايعني علي الموت ؟ فقام تسعة وتسعون رجلاً فبايعوه، فقال: أين التمام الّذي وعدت ؟ فقام إليه رجل من اخريات الناس محلوق الرأس، عليه أطمار من صوف فبايعه، فإذا هو اويس القرني، فقاتلوا فقتلوا. (2)
برواية:
1. أبي الأحوص-6. قيس بن عبّاد
2. جندب الأزدي-7. أبي مجلز لاحق بن حميد
3. أبي سليمان المرعشي-8. يزيد بن رويم
4. عبدالله بن بشر الخثعمي-9. ما ورد مرسلاً
5. عبيدة السلماني
ص:349
18213. ابن صاعد : أنبأنا أبوخيثمة علي بن عمرو بن خالد الحراني -بمصر- ، قال: حدّثني أبي، قال: أنبأنا الحكم بن عبدة الشيباني البصري - وهو جدّ الجروي لاُمّه - ، عن أيّوب، عن حميد بن هلال، عن أبي الأحوص، قال:
كنّا مع علي يوم النهروان فجاءت الحروريّة فكانت من وراء النهر، قال: والله لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر. ثمّ نزلوا، فقالوا لعلي: قد نزلوا. قال: والله لا يقتل اليوم رجل من وراء النهر. فأعادوا هذه المقالة عليه ثلاثاً، كلّ ذلك يقول لهم علي مثل قوله الأوّل، قال: فقالت الحروريّة بعضهم لبعض: يري علي أنّا نخافه. فأجازوا ... . (1)
18214. الطبراني : حدّثنا علي بن سعيد الرازي، قال: حدّثنا إسحاق بن موسي الأنصاري، قال: حدّثنا سعيد بن خثيم، قال: حدّثنا ابن شبرمة، قال: حدّثنا أبوالخليل، عن السابغة، عن جندب، قال:
لمّا فارقت الخوارج عليّاً خرج في طلبهم، وخرجنا معه، فانتهينا إلي عسكر القوم فإذا لهم دوي كدوي النحل من قراءة القرآن، وفيهم أصحاب الثفنات (2)، وأصحاب البرانس، فلمّا رأيتهم دخلني من ذلك شكّ ، فتنحّيت فركزت رمحي ونزلت عن فرسي، ووضعت ترسي فنثرت عليه درعي، وأخذت بمقود فرسي، فقمت اصلّي إلي رمحي، وأنا أقول في صلاتي: اللهمّ إن كان قتال هؤلاء القوم لك طاعة فائذن فيه، وإن كان معصية فأرني براءتك، فأنا كذلك إذ أقبل علي علي بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلمّا حاذاني قال: تعوّذ
ص:350
بالله يا جندب من الشكّ . فجئت أسعي إليه، ونزل فقام يصلّي إذ أقبل رجل علي برذون يقرب به، فقال: يا أميرالمؤمنين. قال: ما تشاء؟ قال: أ لك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: قد قطعوا النهر فذهبوا. قال: ما قطعوه. قلت: سبحان الله!
ثمّ جاء آخر أرفع منه في الحذر (1)، فقال: يا أميرالمؤمنين، قال: ما تشاء؟ قال: أ لك حاجة في القوم ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: قد قطعوا النهر فذهبوا. قلت: الله أكبر! فقال علي: ما قطعوه.
ثمّ جاء آخر يستحضر بفرسه، فقال: يا أميرالمؤمنين. قال: ما تشاء؟ قال: أ لك حاجة في القوم. قال: وما ذاك ؟ قال: قد قطعوا النهر. فقال علي، ما قطعوه ولا يقطعونه (2)، وليقتلنّ دونه، عهد من الله ورسوله. فقلت: الله أكبر!
ثمّ قمت فأمسكت له بالركاب، فركب فرسه، ثمّ رجعت إلي درعي فلبستها، وإلي فرسي فعلوته، ثمّ وضعت رجلي في الركاب وخرجت اسايره، فقال لي: يا جندب. قلت: لبّيك يا أميرالمؤمنين، قال: أمّا أنا فأبعث إليهم رجلاً يقرأ المصحف يدعو إلي كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، فلا يقبل علينا بوجهه حتّي يرشقوه بالنبل، يا جندب، أما إنّه لا يقتل منّا عشرة، ولا ينجو منهم عشرة.
فانتهيت إلي القوم وهم في معسكرهم الّذي كانوا فيه لم يبرحوا، فنادي علي في أصحابه فصفّهم (3) ثمّ أتي الصفّ من رأسه ذا إلي رأسه ذا مرّتين وهو يقول: من يأخذ هذا المصحف فيمشي به إلي هؤلاء فيدعوهم إلي كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، وهو مقتول، وله الجنّة ؟ فلم يجبه إلّا شابّ من بني عامر بن صعصعة، فلمّا رأي علي حداثة سنّه قال له: ارجع إلي موقفك. ثمّ نادي الثانية، فلم يخرج إليه إلّا ذلك الشابّ ، فقال له علي: خذ. فأخذ المصحف فقال: أما إنّك مقتول، ولست تقبل علينا بوجهك حتّي يرشقوك بالنبل.
فخرج الشابّ يمشي بالمصحف إلي القوم، فلمّا دنا منهم حيث سمعوا قاموا ونشبوا
ص:351
القتال قبل أن يرجع، قال: فرماه إنسان بالنبل، فأقبل علينا بوجهه فقعد، فقال علي: دونكم القوم.
قال جندب: فقتلت بكفّي هذه بعد ما دخلني ما كان دخلني ثمانية قبل أن اصلّي الظهر، وما قتل منّا [عشرة]، ولا نجا منهم عشرة، كما قال. (1)
18215. الآجري : أخبرنا أبومحمّد عبدالله بن صالح البخاري، قال: حدّثنا محمّد بن سليمان لوين، قال: حدّثنا عبدالله بن الزبير، عن عبدالله بن شريك العامري، عن جندب، قال:
لمّا كان يوم قتل علي رضي الله عنه الخوارج نظرت إلي وجوههم وإلي شمائلهم، فشككت في قتالهم، فتنحّيت عن العسكر غير بعيد، فنزلت عن دابّتي، وركزت رمحي، ووضعت درعي تحتي، وعلقت ترسي مستتراً به من الشمس، وأنا معتزل عن العسكر ناحية، إذ طلع أميرالمؤمنين علي رضي الله عنه علي بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقلت في نفسي: ما لي وله ؟! أنا أفرّ منه، وهو يجيء إلي، فقال لي: يا جندب، ما لك في هذا المكان ؟ تنحّيت عن العسكر! قلت: يا أميرالمؤمنين، أصابني وعك فشقّ علي الغبار، فلم أستطع الوقوف، قال: فقال لي: أما بلغك ما للعبد في غبار العسكر من الأجر؟ ثمّ ثني رجله، فنزل، فأخذ برأس دابّته، وقعد فقعدت، فأخذت الترس بيدي فسترته من الشمس.
قال: فوالله إنّي لقاعد إذ جاء فارس يركض، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ القوم قد قطعوا الجسر ذاهبين. فالتفت إلي قال: إنّ مصارعهم دون النهر. قال: وإنّ الرجل الّذي أخبره عنده واقف إذ جاء رجل آخر، فقال: يا أميرالمؤمنين، قد والله عبروا، فما بقي منهم أحد. قال: ويحك! إنّ مصارعهم دون النهر.
قال: فجاء فارس آخر يركض، فقال: يا أميرالمؤمنين، والّذي بعث نبيّه صلى الله عليه و سلم بالحقّ لقد رجعوا. ثمّ جاء الناس، فقالوا: قد رجعوا، حتّي إنّهم ليتساقطون في الماء زحاماً علي العبور.
ص:352
ثمّ إنّ رجلاً جاء، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ القوم قد صفّوا الصفوف، ورموا فينا، وقد جرحوا فلاناً. فقال علي رضي الله عنه : هذا حين طاب القتال.
قال: فوثب فقعد علي بغلته، فقمت إلي سلاحي فلبسته، ثمّ شددته علي، ثمّ قعدت علي فرسي، وأخذت رمحي، ثمّ خرجت، فلا والله يا عبدالله بن شريك ما صلّيت العصر - أو قال: الظهر- حتّي قتلت بيدي سبعين. (1)
18216. ابن شاذان : أخبرنا عبدالصمد بن علي الطستي، حدّثنا جعفر بن محمّد بن شاكر، حدّثنا شهاب بن عبّاد، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن الجعد أبي عثمان، عن أبي سليمان المرعشي، قال:
لمّا سار علي إلي أهل النهر سرت معه، فلمّا نزلنا بحضرتهم أخذني غمّ لقتالهم لا يعلمه إلّا الله تعالي. قال: حتّي سقطت الماء ممّا أخذني من الغمّ . قال: فخرجت من الماء وقد شرح الله صدري لقتالهم.
قال: فقال علي لأصحابه: لا تبدؤوهم. قال: فبدأ الخوارج فرموا، فقيل: يا أميرالمؤمنين، قد رموا. قال: فأذن لهم بالقتال.
قال: فحملت الخوارج علي الناس حملة حتّي بلغوا منهم شدّة، ثمّ حملوا عليهم الثانية فبلغوا من الناس أشدّ من الاُولي، ثمّ حملوا الثالثة حتّي ظنّ الناس أنّها الهزيمة.
قال: فقال علي: والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يقتلون منكم عشرة، ولا يبقي منهم عشرة.
قال: فلمّا سمع الناس ذلك حملوا عليهم فقتلوا.
قال: فقال علي: إنّ فيهم رجلاً مخدج اليد - أو مثدون، أو مودن اليد - . قال: فاُتي به.
قال: فقال علي: من رأي منكم هذا؟ فأسكت القوم، ثمّ قال علي: من رأي منكم
ص:353
هذا؟ فأسكت القوم، ثمّ قال علي: من رأي منكم هذا؟ فقال رجل: يا أميرالمؤمنين، رأيته جاء لكذا وكذا. قال: كذبت ما رأيته، ولكن هذا أمير خارجة خرجت من الجنّ . (1)
18217. ابن المغازلي : أخبرنا أبوالحسن أحمد بن المظفّر العطّار الفقيه الشافعي رحمه الله ، أخبرنا أبومحمّد عبدالله بن محمّد بن عثمان الملقّب بابن السقّاء الحافظ الواسطي رحمه الله إجازة؛ أنّ أباالعبّاس سهل بن أحمد بن عثمان بن مخلد الأسلمي حدّثهم من أصل كتابه، قال: حدّثنا أبوالخطّاب زياد بن يحيي بن كنانة، حدّثنا داوود بن الفضل، حدّثني الأسود بن رزين، حدّثنا عبيدة بن [عبدالله بن] بشر الخثعمي، عن أبيه، قال:
خرج علي بن أبي طالب عليه السلام يريد الخوارج إذ أقبل رجل يركض حتّي انتهي إلي أميرالمؤمنين علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين، البشري! قال: هات ما بشراك ؟ قال: قد عبر القوم النهروان لما بلغهم عنك، وقد منحك الله أكتافهم، فقال: الله لأنت رأيتهم قد عبروا؟ فقال: والله لأنا رأيتهم حين عبروا، فحلّفه ثلاث مرّات في كلّ ذلك يحلف له، فقال له أميرالمؤمنين: كذبت, والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما عبروا النهروان، ولن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوران، حتّي يقتلهم الله علي يدي، لا ينجو منهم تمام عشرة، ولا يقتل منّا عشرة، عهداً معهوداً، وقدراً مقدوراً، وقضاء مقضيّاً، وقد خاب من افتري.
ثمّ أقبل أيضاً آخر حتّي جاءه ثلاثة كلّهم يقولون مقالة الأوّل، ويقول لهم مثل ذلك، ثمّ ركب فأجال في ظهر بغلته ونهض الشابّ وأجال في ظهر فرسه، وهو يقول في نفسه: والله لأنطلقنّ مع علي، فإن كان القوم قد عبروا لأكوننّ من أشدّ الناس علي علي عليه السلام ، فلمّا انتهي إلي النهروان أصابوا القوم قد كسروا جفون سيوفهم، وعرقبوا دوابّهم، وجثوا علي ركبهم، وحكّموا بحكم رجل واحد، واستقبلوا عليّاً بصدور الرماح، فقال علي عليه السلام :
ص:354
حكم الله أنتظر فيكم. فنزل إليه الشابّ فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي قد كنت شككت في قتال القوم فاغفر ذلك لي. فقال علي: بل يغفر الله الذنوب فاستغفره ... . (1)
18218. معمر : عن أيّوب [السختياني، عن محمّد] بن سيرين، عن عبيدة، قال:
سمعت عليّاً حين قتل أهل النهروان يقول: فيهم رجل مثدن - أو مودن اليد، أو مخدج اليد - فالتمسوه. فلمّا وجدوه قال: والله لولا أن تبطروا لأخبرتكم بما سبق من الفضل لمن قتلهم. قلت: أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال: إي وربّ الكعبة، إي وربّ الكعبة - حتّي قالها ثلاثاً - . (2)
18219. أبوعروبة : حدّثنا إسماعيل بن يعقوب، حدّثنا عقبة بن مكرّم، حدّثنا عبدالله بن عيسي، حدّثنا يونس بن عبيد، عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة السلماني:
أنّ عليّاً عليه السلام خطب أهل الكوفة، فقال: يا أهل الكوفة، لولا أن تبطروا لحدّثتكم بما وعدكم الله علي لسان نبيّه صلى الله عليه و آله الّذين تقتلونه، منهم المخدج اليد وهو صاحب الثدية، فوالله لا يقتل منكم عشرة، ولا يفلت منهم عشرة، فاطلبوه. فطلبوه فلم يقدروا عليه، ثمّ قال: اطلبوه، والله ما كذبت ولا كذبت. فطلبوه فوجدوه منكباً علي وجهه في جدول من تلك الجداول، فأخذوا برجله فجرّوه فأتوا به أميرالمؤمنين رضي الله عنه , فكبّر وحمد الله وخرّ ساجداً ومن معه من المسلمين. (3)
18220. مسدّد : حدّثنا يحيي، عن التيمي، عن أبي مجلز، أراه عن قيس بن عبّاد، قال:
كفّ علي عن قتال أهل النهروان حتّي تحدثوا، فانطلقوا فأتوا علي عبدالله بن خبّاب
ص:355
وهو في قرية له، قد تنحّي عن الفتنة، فأخذوه.
قال: فرأوا تمرة وقعت من رأس نخلة، فأخذها رجل منهم، فجعلها في فيه، فقالوا: تمرة من تمر أهل العهد أخذتها بغير ثمن ؟! قال: فلفظها.
قال: وأتوا علي خنزير فبعجه أحدهم بسيفه فقتله، فقالوا: خنزير من خنازير أهل العهد قتلته ؟!
فقال لهم عبدالله بن خبّاب: أ لا انبّئكم -أو اخبركم- بمن هو أعظم عليكم حقّاً من هذه التمرة وهذا الخنزير؟ قالوا: من ؟ قال: أنا. أراه قال: ما تركت صلاة منذ بلغت، ولا صيام رمضان. وعدّد أشياء، فقرّبوه فقتلوه، فبلغ ذلك عليّاً, فأمر أصحابه بالمسير إليهم، وقال: أقيدونا بعبدالله بن خبّاب. قالوا: كيف نقيدك به وكلّنا قتلة ؟!
فقال: الله أكبر! وقال لأصحابه: اسطوا عليهم فوالله لا يقتل منكم عشرة، ولا يفرّ منكم عشرة. فكان ذلك.
فقال علي: اطلبوا رجلاً صفته كذا وكذا. فطلبوه فلم يجدوه، ثمّ طلبوه فوجدوه.
فقال علي: من يعرف هذا؟ فلم يعرف، فقال رجل: أنا رأيت هذا بالنجف. فقال: إنّي اريد هذا المصر، وليس له فيه ذو نسب ولا نعرفه.
فقال علي: صدقت، هو رجل من الجنّ . (1)
18221. ابن زنجويه : أنبأنا مالك بن إسماعيل، أخبرنا جعفر بن زياد الأحمر، قال: أخبرنا سليمان التيمي، أخبرنا لاحق بن حميد أبومجلز، قال:
لمّا كان يوم النهر قال علي: لا تبسطوا عليهم حتّي يبسطوا أو يقتلوا. قال: فقتلوا عبدالله بن خبّاب بن الأرت، فبعث إليهم علي: أقيدونا من صاحبنا. قالوا: ممّن نقيدك وكلّنا قتلة ؟!
ص:356
قال: قال علي: أوَ كلّكم قتلة ؟ قالوا: نعم. قال: انبسطوا عليهم، فوالّذي نفسي بيده لايفرّ منهم عشرة، ولا يقتل منكم عشرة. (1)
18222. ابن أبي شيبة : حدّثنا يزيد بن هارون الواسطي، قال: حدّثنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز، قال:
نهي علي أصحابه أن يسطوا علي الخوارج حتّي يحدثوا حدثاً، فمرّوا بعبدالله بن خبّاب فأخذوه، فمرّ بعضهم علي تمرة ساقطة من نخلة فأخذها فألقاها في فيه، فقال بعضهم: تمرة معاهد، فبم استحللتها؟ فألقاها من فيه، ثمّ مرّوا علي خنزير فنفخه بعضهم بسيفه، فقال بعضهم: خنزير معاهد، فبم استحللته ؟
فقال عبدالله: ألا أدلّكم علي ما هو أعظم عليكم حرمة من هذا؟ قالوا: نعم. قال: أنا. فقدّموه فضربوا عنقه.
فأرسل إليهم علي أن أقيدونا بعبدالله بن خبّاب، فأرسلوا إليه: وكيف نقيدك وكلّنا قتلة ؟! قال: أوَ كلّكم قتلة ؟ قالوا: نعم. فقال: الله أكبر! ثمّ أمر أصحابه أن يسطوا عليهم، قال: والله لا يقتل منكم عشرة، ولا يفلت منهم عشرة.
قال: فقتلوهم، فقال: اطلبوا فيهم ذاالثدية. فطلبوه فاُتي به، فقال: من يعرفه ؟ فلم يجدوا أحداً يعرفه إلّا رجلاً، قال: أنا رأيته [بالنجف]. فقلت له: أين تريد؟ قال: هذه - وأشار إلي الكوفة - وما لي بها معرفة.
قال: فقال علي: صدق، هو من الجانّ . (2)
18223. الدارقطني : حدّثنا ابن مبشّر، حدّثنا محمّد بن عبادة، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا سليمان التيمي، عن أبي مجلز:
أنّ عليّاً رضي الله عنه نهي أصحابه أن يبسطوا علي الخوارج حتّي يحدثوا حدثاً، فمرّوا بعبدالله
ص:357
بن خبّاب فأخذوه، فانطلقوا به، فمرّوا علي تمرة ساقطة من نخلة، فأخذها بعضهم فألقاها في فمه، فقال له بعضهم: تمرة معاهد فبم استحللتها؟ قال عبدالله بن خبّاب: أفلا أدلّكم علي من هو أعظم حرمة عليكم من هذا؟ قالوا: نعم. قال: أنا. فقتلوه.
فبلغ ذلك عليّاً، فأرسل إليهم أن أقيدونا بعبدالله بن خبّاب، قالوا: كيف نقيدك به وكلّنا قتلة ؟! قال: وكلّكم قتلة ؟ قالوا: نعم. قال: الله أكبر! ثمّ أمر أن يسطوا عليهم، وقال: والله لا يقتل منكم عشرة، ولا ينفلت منهم عشرة. قالوا: فقتلوهم. قال: فقال: اطلبوا منهم ذاالثدية. وذكر باقي الحديث. (1)
18224. بحشل : حدّثنا القاسم بن عيسي، حدّثنا أبوسلمة الخوّاص الواسطي عيسي بن ميمون، قال: حدّثنا العوّام بن حوشب [بن يزيد بن رويم]، عن أبيه، عن جدّه، قال:
كنت مع علي بن أبي طالب عليه السلام فأتاه رجل فقال: إنّ الخوارج قتلوا عبدالله بن خبّاب وقد عبروا الجسر. قال: دعوهم فإن عبروا لم يفلت منهم عشرة، ولم يقتل منكم عشرة.
ثمّ جاء آخر فقال: قد عبروا الجسر. فقال لي: يا يزيد، اقطع لي خمسة ألف خشبة -أو قصبة - . ثمّ ركب بغلة النبيّ صلى الله عليه و سلم فأتاهم فقاتلهم وأنا بين يديه، فلمّا فرغ من قتالهم جعل لا يمرّ علي قتيل إلّا قال لي: ضع عليه قصبة - أو خشبة - . ثمّ جعل كأنّه يطلب شيئاً لا يجده، فرأيت وجهه يتربّد ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت. حتّي انتهي إلي موضع دالية فيه ماء مستنقع، فإذا فيه رجل، فأخذ هو برجل وأخذت برجل فأخرجناه، فإذا رجل في عضده شعرات إذا مدّت امتدّت، وإذا تركت قلصت، قال: الله أكبر! الله أكبر! والله ما كذبت ولا كذبت. فرجع وجهه إلي ما كان قبل ذلك. (2)
ص:358
18225. ابن المغازلي : أخبرنا أحمد بن المظفّر بن أحمد، أخبرنا عبدالله بن محمّد بن عثمان الحافظ - إجازة - أنّ أباعبدالله محمود بن محمّد وجعفر بن أحمد بن سنان الواسطيّين حدّثاه، قالا: حدّثنا القاسم بن عيسي الطائي، حدّثنا أبوسلمة عيسي بن ميمون الخوّاص، عن العوّام بن حوشب، عن أبيه، عن جدّه يزيد بن رويم، قال:
كنت عاملاً لعلي بن أبي طالب عليه السلام علي باروسما ونهر الملك، فأتاه من أخبره أنّ الخوارج الّذين قتلوا عبدالله بن الخبّاب قد عبروا النهروان، فقال له علي عليه السلام : لم يعبروا ولن يعبروا وإن عبروا لم ينج منهم عشرة، ولن يقتل منكم عشرة.
قال: ثمّ جاء القوم فبرز إليهم، فقال: يا يزيد بن رويم، اقطع أربعة آلاف خشبة - أو قصبة - . قال: فقطع له ثمّ أوقفهم.
قال: فقاتلهم فلمّا فرغ من قتالهم قال لي: يا يزيد، اطرح علي كلّ قتيل خشبة -أو قصبة- .
قال: فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه و آله واُناس بين يديه ونحن علي ظهر نهر لا يمرّ بقتيل إلّا طرحت عليه خشبة -أو قصبة- ، قال: حتّي بقيت في يدي واحدة، قال: فنظرت إليه فإذا وجهه أربد وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت.
قال: فبينا أنا أمرّ بين يديه إذا خرير ماء عند موضع دالية، فقلت: يا أميرالمؤمنين، هذا خرير ماء. قال: فقال لي: فتّشه. ففتّشته فإذا رِجل قد صارت في يدي، فقلت: هذه رجل، فنزل إلي فأخذ الرجل الاُخري وجرّها وجررت، فإذا رجل، قال: فقال لي: مدّ يده. فمددتها فاستوت، قال: ثمّ قال: خلّها. فخلّيتها، فإذا هي كأنّها الثدي في صدر. (1)
18226. ابن أبي الحديد : روي العوّام بن حوشب، عن أبيه، عن جدّه يزيد بن رويم، قال: قال علي عليه السلام :
يقتل اليوم أربعة آلاف من الخوارج أحدهم ذوالثدية. فلمّا طحن القوم ورام استخراج
ص:359
ذي الثدية فأتبعه أمرني أن أقطع له أربعة آلاف قصبة، وركب بغلة رسول الله صلى الله عليه و آله وقال: اطرح علي كلّ قتيل منهم قصبة. فلم أزل كذلك وأنا بين يديه وهو راكب خلفي والناس يتبعونه حتّي بقيت في يدي واحدة فنظرت إليه وإذا وجهه أربد، وإذا هو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت. فإذا خرير ماء عند موضع دالية، فقال: فتّش هذا. ففتّشته فإذا قتيل قد صار في الماء، وإذا رجله في يدي فجذبتها وقلت: هذه رجل إنسان، فنزل عن البغلة مسرعاً فجذب الرجل الاُخري وجرّرناه حتّي صار علي التراب، فإذا هو المخدج، فكبّر علي عليه السلام بأعلي صوته ثمّ سجد، فكبّر الناس كلّهم. (1)
18227. المدائني : لمّا خرج علي عليه السلام إلي أهل النهر أقبل رجل من أصحابه ممّن كان علي مقدّمته يركض حتّي انتهي إلي علي عليه السلام ، فقال: البشري يا أميرالمؤمنين! قال: ما بشراك ؟ قال: إنّ القوم عبروا النهر لمّا بلغهم وصولك، فابشر فقد منحك الله أكنافهم. فقال له: الله أنت رأيتهم قد عبروا؟ قال: نعم. فأحلفه ثلاث مرّات في كلّها يقول: نعم.
فقال علي عليه السلام : والله ما عبروه ولن يعبروه وأنّ مصارعهم لدون النطفة، والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لن يبلغوا الأثلاث ولا قصر بوران حتّي يقتلهم الله، وقد خاب من افتري.
قال: ثمّ أقبل فارس آخر يركض فقال كقول الأوّل، فلم يكترث علي عليه السلام بقوله، وجاءت الفرسان تركض كلّها تقول مثل ذلك، فقام علي عليه السلام فجال في متن فرسه، قال: فيقول شابّ من الناس: والله لأكوننّ قريباً منه، فإن كانوا عبروا النهر لأجعلنّ سنان هذا الرمح في عينه، أ يدّعي علم الغيب ؟!
فلمّا انتهي عليه السلام إلي النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم، وعرقبوا خيلهم، وجثوا علي ركبهم، وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل، فنزل ذلك الشابّ ، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي كنت شككت فيك آنفاً، وإنّي تائب إلي الله وإليك فاغفر لي. فقال
ص:360
علي عليه السلام : إنّ الله هو الّذي يغفر الذنوب فاستغفره. (1)
18228. المبّرد : ثمّ خرج [علي] إليهم في أصحابه وقد قال لهم: إنّه والله ما يقتل منكم عشرة، ولا يفلت منكم عشرة. فقتل من أصحابه تسعة، وأفلت منهم ثمانية. (2)
18229. ابن قتيبة : فبايعوه علي التسليم والرضا، وشرط عليهم كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه و سلم ، فجاءه رجل من خثعم، فقال له علي: بايع علي كتاب الله وسنّة نبيّه. قال: لا، ولكن ابايعك علي كتاب الله وسنّة نبيّه، وسنّة أبي بكر وعمر.
فقال علي: وما يدخل سنّة أبي بكر وعمر مع كتاب الله وسنّة نبيّه، إنّما كانا عاملين بالحقّ حيث عملا. فأبي الخثعمي إلّا سنّة أبي بكر وعمر، وأبي علي أن يبايعه إلّا علي كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه و سلم ، فقال له حيث ألحّ عليه: تبايع. قال: لا، إلّا علي ما ذكرت لك.
فقال له علي: أما والله لكأنّي بك قد نفرت في هذه الفتنة، وكأنّي بحوافر خيلي قد شدخت وجهك. فلحق بالخوارج، فقتل يوم النهروان.
قال قبيصة: فرأيته يوم النهروان قتيلاً، قد وطأت الخيل وجهه، وشدخت رأسه، ومثلت به، فذكرت قول علي، وقلت: لله درّ أبي الحسن! ما حرّك شفتيه قطّ بشيء إلّا كان كذلك. (3)
18230. الطبري : لمّا خرجت الخوارج من الكوفة أتي عليّاً أصحابه وشيعته فبايعوه، وقالوا: نحن أولياء من واليت، وأعداء من عاديت. فشرط لهم فيه سنّة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فجاءه ربيعة بن أبي شدّاد الخثعمي -وكان شهد معه الجمل وصفّين ومعه راية خثعم- ، فقال له: بايع علي كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال ربيعة: علي سنّة أبي بكر وعمر.
قال له علي: ويلك! لو أنّ أبابكر وعمر عملا بغير كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يكونا علي شيء من الحقّ . فبايعه، فنظر إليه علي وقال: أما والله لكأنّي بك وقد نفرت
ص:361
مع هذه الخوارج فقتلت، وكأنّي بك وقد وطئتك الخيل بحوافرها. فقتل يوم النهر مع خوارج البصرة. (1)
18231. إبراهيم البيهقي : من المعروفين بالصدق ... ومنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال يوم النهروان لأصحابه: شدّوا عليهم، فوالله لا يقتلون عشرة، ولا ينجو منهم عشرة. فشدّوا عليهم، فوالله ما قتل من أصحابه تمام عشرة، ولا نجا منهم تمام عشرة. (2)
18232. ابن الأثير : ثمّ إنّ الخوارج قصدوا جسر النهر وكانوا غربه، فقال لعلي أصحابه: إنّهم قد عبروا النهر. فقال: لن يعبروا. فأرسلوا طليعة، فعاد وأخبرهم أنّهم عبروا النهر، وكان بينهم وبينه عطفة من النهر، فلخوف الطليعة منهم لم يقربهم، فعاد فقال: إنّهم قد عبروا النهر.
فقال علي: والله ما عبروه، وأنّ مصارعهم لدون الجسر، ووالله لايقتل منكم عشرة، ولا يسلم منهم عشرة.
وتقدّم علي إليهم، فرآهم عند الجسر لم يعبروه، وكان الناس قد شكّوا في قوله، وارتاب به بعضهم، فلمّا رأوا الخوارج لم يعبروا كبّروا وأخبروا عليّاً بحالهم، فقال: والله ما كذبت ولا كذبت. (3)
18233. ابن الصبّاغ : ... وقتل من شيعة علي رجلان، ولم يسلم من الخوارج المقتولين غير هذه التسعة المذكورين -خذلهم الله- ، وهذه كرامة من أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فإنّه قال قبل ذلك: نقتلهم، ولا يقتل منّا عشرة، ولا يسلم منهم عشرة. (4)
ص:362
وعن ملكه وملك بني اُميّة
برواية:
1. أبي الأغرّ التميمي-9. أبي الطفيل عامر بن واثلة
2. جندب الأزدي-10. عبيدة السلماني
3. الحسن بن علي عليهما السلام- 11. قيس بن أبي حازم
4. خبّاب بن عبدالله-12. قيس بن السكن
5. زرّ بن حبيش-13. محمّد بن علي
6. زياد المرادي-14. النزال بن سبرة
7. سعيد بن سالم الجيشاني-15. ما ورد مرسلاً
8 . أبي صادق
18234. ابن قتيبة : روي أبوسوقة التميمي، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي الأغرّ التميمي [في حديث طويل يذكر فيه قتال العبّاس بن ربيعة], قال:
فقال علي: والله لودّ معاوية أنّه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلّا طعن في نيطه؛ إطفاء لنور الله، ويأبي الله إلّا أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون، أما والله ليملكنّهم منّا رجال، ورجال يسومونهم الخسف حتّي يحفروا الآبار ويتكفّفوا الناس. (1)
ص:363
18235. البلاذري : حدّثني عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبدالله الأزدي:
أنّ عليّاً خطبهم حين استنفرهم إلي الشام بعد النهروان، فلم ينفروا، فقال: أيّها
ص:364
الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة قلوبهم وأهواؤهم، ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهن الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع (1) فيكم عدوّكم، إذا دعوتكم إلي الجهاد قلتم كيت وكيت، وذيت وذيت، أعاليل بأباطيل، وسألتموني التأخير فعل ذي الدين المطول حيدي حياد، لا يدفع الضيم الذليل، ولا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ والعزم واستشعار الصبر، أي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصركم، ولا اصدّق قولكم، فرّق الله بيني وبينكم، وأبدلني بكم من هو خير لي منكم.
أما إنّكم ستلقون بعدي ذلّا شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وإثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة، فيفرق جماعتكم، ويبكي عيونكم، ويدخل الفقر بيوتكم، وتتمنّون عن قليل أنّكم رأيتموني فنصرتموني، فستعلمون حقّ ما أقول، ولا يبعد الله إلّا من ظلم وأثم. (2)
18236. المدائني : ودخل عليه [ عليه السلام ] سفيان بن أبي ليلي النهدي، فقال له: السلام عليك يا مذلّ المؤمنين! فقال الحسن: اجلس يرحمك الله، إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله رفع له ملك بني اُميّة، فنظر إليهم يعلون منبره واحداً فواحداً، فشقّ ذلك عليه، فأنزل الله تعالي في ذلك قرآناً قال له: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاّ فِتْنَةً لِلنّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ 3 ، وسمعت عليّاً أبي رحمه الله يقول: سيلي أمر هذه الاُمّة رجل واسع البلعوم، كبير البطن، فسألته: من هو؟ فقال: معاوية. وقال لي: إنّ القرآن قد نطق بملك بني اُميّة ومدّتهم، قال تعالي: لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ 4 ، قال أبي: هذه ملك
ص:365
بني اُميّة. (1)
18237. يحيي بن سليمان : حدّثني أبوداوود، حدّثنا أبومعاوية، عن عمر بن حسان البرجمي، عن خبّاب بن عبدالله:
أنّ معاوية بعث خيلاً فأغارت علي هيت والأنبار، فاستنفر علي الناس، فأبطأوا وتثاقلوا، فخطبهم فقال: أيّها الناس، المجتمعة أبدانهم، المتفرّقة أهواؤهم، ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوّكم، فإذا دعوتكم إلي المسير أبطأتم وتثاقلتم، وقلتم كيت وكيت، أعاليل أباطيل، سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، حيدي حياد، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ والصدق، فأي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه، ومن قاربكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحتم والله لا اصدّق قولكم، ولا أطمع في نصركم، فرّق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم، وأعقبكم منّي من هو شرّ لكم منّي.
أما إنّكم ستلقون بعدي ثلاثاً: ذلّا شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة قبيحة يتّخذها فيكم الظالمون سنّة، فتبكي لذلك أعينكم، ويدخل الفقر بيوتكم، وستذكرون عند تلك المواطن، فتودّون أنّكم رأيتموني، وهرقتم دماءكم دوني، ولا يبعد الله إلّا من ظلم، والله لوددت أنّي أقدر أن اصرّفكم صرف الدينار بالدراهم، عشرة منكم برجل من أهل الشام!
فقام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّا وإيّاك كما قال الأعشي:
علّقتها عرضاً وعلّقت رجلاً غيري وعلّق اخري غيرها الرجل
علقنا بحبّك، وعلقت أنت بأهل الشام، وعلق أهل الشام معاوية. (2)
ص:366
18238. نعيم بن حمّاد : حدّثنا أبوهارون، عن عمرو بن قيس الملائي، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش، سمع عليّاً رضي الله عنه يقول:
ألا إنّ أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني اُميّة، ألا إنّها فتنة عمياء مظلمة. (1)
18239. ابن أبي الحديد : روي قيس بن الربيع، عن يحيي بن هانئ المرادي، عن رجل من قومه يقال له زياد ابن فلان، قال:
كنّا في بيت مع علي عليه السلام نحن شيعته وخواصّه، فالتفت فلم ينكر منّا أحداً، فقال: إنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم فيقطعون أيديكم، ويسملون أعينكم. فقال رجل منّا: وأنت حي يا أميرالمؤمنين ؟ قال: أعاذني الله من ذلك. فالتفت فإذا واحد يبكي، فقال له: يا ابن الحمقاء، أ تريد اللذّات في الدنيا والدرجات في الآخرة! إنّما وعد الله الصابرين. (2)
18240. ابن وهب : عن حرملة بن عمران، عن سعيد بن سالم الجيشاني، سمع عليّاً يقول:
الأمر لهم حتّي يقتلوا قتيلهم، ويتنافسوا بينهم، فإذا كان ذلك بعث الله عليهم أقواماً من المشرق فيقتلوهم بدداً، واحصوهم عدداً، والله لا يملكون سنة إلّا ملكنا سنتين، ولا يملكون سنتين إلّا ملكنا أربعاً. (3)
18241. ابن وهب : عن حرملة بن عمران, عن سعيد بن سالم، عن أبي سالم الجيشاني، قال:
ص:367
سمعت عليّاً رضي الله عنه بالكوفة يقول: إنّي اقاتل علي حقّ ليقوم؛ ولن يقوم، والأمر لهم.
قال: فقلت لأصحابي: ما المقام هاهنا، وقد أخبرنا أنّ الأمر ليس لهم ؟! فاستأذنّاه إلي مصر، فأذن لمن شاء منّا، وأعطي كلّ رجل منّا ألف درهم، وأقام معه طائفة منّا. (1)
18242. ابن قتيبة : حديث علي عليه السلام أنّه قال:
إنّ بني اُميّة لا يزالون يطعنون في مسحل ضلالة، ولهم في الأرض أجل ومهابة، حتّي يهريقوا الدم الحرام في الشهر الحرام، والله لكأنّي أنظر إلي غرنوق من قريش يتشحّط في دمه، فإذا فعلوا ذلك لم يبق لهم في الأرض عاذر، ولم يبق لهم ملك علي وجه الأرض بعد خمس عشرة ليلة.
يرويه هارون بن المغيرة، عن عمر بن سعيد، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، عن علي عليه السلام . (2)
18243. نعيم بن حمّاد : حدّثنا سفيان، عن العلاء بن أبي العبّاس، سمع أباالطفيل، سمع
ص:368
عليّاً رضي الله عنه يقول:
لا يزال هذا الأمر في بني اُميّة ما لم يختلفوا بينهم. (1)
18244. معمر : عن أيّوب، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال:
سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول: لا يزال هؤلاء القوم آخذين بثبج هذا الأمر ما لم يختلفوا بينهم، فإذا اختلفوا بينهم خرجت منهم، فلم تعد إليهم إلي يوم القيامة. يعني بني اُميّة. (2)
18245. ابن حجر : محمّد بن خلف، حدّثنا أبوجعفر، حدّثنا جدّي، حدّثنا سفيان بن عيينة، حدّثني إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم:
سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه علي منبر الكوفة يقول: ألا لعن الله الأفجرين من قريش: بني اُميّة وبني المغيرة، أمّا بنوالمغيرة فقد اهلكت ببدر بالسيف، وأمّا بنواُميّة فهيهات هيهات، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو كان الملك من وراء الجبال لبعثوا إليه حتّي يصلوا إليه، والله لا يخشي كافر ولا ولد زنا. (3)
18246. ابن المقرئ : حدّثنا أبوالحسن محمّد بن عون بن الحسن بن عون الوحيدي الدمشقي -سنة عشر وثلاثمئة، وأفادنيه أبوعلي الحافظ - ، حدّثنا عمّي محمّد بن الحسن، حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
سمعت علي بن أبي طالب علي منبر الكوفة وهو يقول: ألا لعن الله الأفجرين من قريش: بني اُميّة وبني مغيرة، فأمّا بنوالمغيرة فقد أهلكهم الله - عزّ وجلّ - بالسيف يوم
ص:369
بدر، وأمّا بني اُميّة فهيهات هيهات، أما والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو كان الملك من وراء الجبال لنقبوا إليه حتّي يصلوا إليه. (1)
18247. ابن أبي شيبة : حدّثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدّثنا عبدالرحمان بن حميد الرؤاسي، قال: حدّثنا عمرو بن قيس، عن المنهال بن عمرو، قال عبدالرحمان: أظنّه عن قيس بن السكن، قال:
قال علي علي منبره: إنّي أنا فقأت عين الفتنة، ولو لم أكن فيكم ما قوتل فلان وفلان وفلان وأهل النهر، وأيم الله لولا أن تتّكلوا فتدعوا العمل لحدّثتكم بما سبق لكم علي لسان نبيّكم، لمن قاتلهم مبصراً [لضلالاتهم] عارفاً بالّذي نحن عليه، ثمّ قال: سلوني، فإنّكم لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ولا عن فئة تهدي مئة وتضلّ مئة إلّا حدّثتكم ولا شايعها.
قال: فقام رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، حدّثنا عن البلاء. فقال أميرالمؤمنين: إذا سأل سائل فليعقل، وإذا سئل مسؤول فليتثبّت، إنّ من ورائكم اموراً جللاً وبلاء مبلحاً مكلحاً، والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لو قد فقدتموني ونزلت جراهنة الاُمور وحقائق البلاء لفشل كثير من السائلين، ولأطرق كثير من المسؤولين، وذلك إذا فصلت حربكم وكشفت عن ساق لها وصارت الدنيا بلاء علي أهلها حتّي يفتح الله لبقيّة الأبرار.
قال: فقام رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، حدّثنا عن الفتنة. فقال: إنّ الفتنة إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت أسفرت، وإنّما الفتن نحوم كنحوم الرياح، يصبن بلداً ويخطئن آخر، فانصروا أقواماً كانوا أصحاب رايات يوم بدر ويوم حنين تنصروا وتؤجروا.
ألا إنّ أخوف الفتنة عندي عليكم فتنة عمياء مظلمة خصت فتنتها، وعمت بليّتها،
ص:370
أصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، يظهر أهل باطلها علي أهل حقّها حتّي تملأ الأرض عدواناً وظلماً، وإنّ أوّل من يكسر عمدها ويضع جبروتها وينزع أوتادها الله ربّ العالمين.
ألا وإنّكم ستجدون أرباب سوء لكم من بعدي كالناب الضروس، تعضّ بفيها، وتركض برجلها، وتخبط بيدها، وتمنع درّها.
ألا إنّه لا يزال بلاؤهم بكم حتّي لا يبقي في مصر لكم إلّا نافع لهم أو غير ضارّ، وحتّي لا يكون نصرة أحدكم منهم إلّا كنصرة العبد من سيّده، وأيم الله لو فرّقوكم تحت كلّ كوكب لجمعكم الله أيسر يوم لهم.
قال: فقام رجل فقال: هل بعد ذلك جماعة يا أميرالمؤمنين ؟ قال: لأنّها جماعة شتّي غير أنّ أعطياتكم وحجّكم وأسفاركم واحد والقلوب مختلفة هكذا. ثمّ شبك بين أصابعه.
قال: ممّ ذاك يا أميرالمؤمنين ؟ قال: يقتل هذا هذا، فتنة فظيعة جاهليّة، ليس فيها إمام هدي إلّا علم نري نحن أهل البيت منها نجاة ولسنا بدعاة.
قال: وما بعد ذلك يا أميرالمؤمنين ؟ قال: يفرّج الله البلاء برجل من أهل البيت تفريج الأديم - بأبي ابن خيرة الإماء - يسومهم الخسف، ويسقيهم بكأس مصبّرة، ودّت قريش بالدنيا وما فيها، لو يقدرون علي مقام جزر وجزور لأقبل منهم بعض الّذي أعرض عليهم اليوم، فيردّونه ويأبي إلّا قتلاً. (1)
18248. ابن المنادي : حدّثني هارون بن علي بن الحكم أبوموسي المقرئ، ثمّ المزوّق، قال: نبّأ حمّاد بن المؤمّل أبوجعفر الضرير، قال: نبّأ كامل بن طلحة، قال: نبّأ ابن لهيعة، قال: حدّثني إسرائيل بن عبّاد، عن أبي الطفيل.
[و] عبدالرحمان بن قيس بن أبي غرزة الغفاري، عن محمّد بن علي:
ص:371
أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قال يوماً في مجلسه: والله لقد علمت لتقتلنّني ولتخلفنّي، ولتكفونّ إكفاء الإناء بما فيه، ما يمنع أشقاكم أن يخضب هذه -يعني لحيته- [بدم] من فود هذه! -يعني هامته- ، فوالله إنّ ذلك لفي عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلي، وليدالنّ عليكم هؤلاء القوم باجتماعهم علي أهل باطلهم، وتفرّقكم علي أهل حقّكم، حتّي يملكوا الزمان الطويل، فيستحلّوا الدم [الحرام]، والفرج الحرام، والخمر الحرام، والمال الحرام، فلا يبقي بيت من بيوت المسلمين إلّا دخلت عليهم مظلمتهم، فيا ويح بني اُميّة من ابن أمتهم! يقتل زنديقهم، ويسيّر خليفتهم، فإذا كان ذلك ضرب الله بعضهم ببعض.
والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يزال ملك بني اُميّة ثابتاً [لهم] حتّي يملك زنديقهم، فإذا قتلوه وملك ابن أمتهم خمسة أشهر ألقي الله بأسهم بينهم، فيخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وتعطّل الثغور، وتهراق الدماء، وتقع الشحناء سبعة أشهر، فإذا قتل زنديقهم فالويل ثمّ الويل [للناس] في ذلك الزمان، يسلّط بعض بني هاشم علي بعض حتّي يغير خمسة نفر علي الملك كما يتغاير الفتيان علي المرأة الحسناء ... . (1)
18249. الضحّاك بن مزاحم : عن النزال بن سبرة، سمع عليّاً رضي الله عنه يقول:
لا يزال بلاء بني اُميّة شديد حتّي يبعث الله العصب مثل قزع الخريف، يأتون من كلّ ، ولا يستأمرون أميراً، ولا مأموراً، فإذا كان ذلك أذهب الله ملك بني اُميّة. (2)
18250. الضحّاك بن مزاحم : قال لي النزال بن سبرة: أ لا احدّثك حديثاً سمعته من أبي حسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟ قال: قلت: بلي. قال: سمعته يقول: لكلّ امّة آفة، وآفة هذه الاُمّة بنواُميّة. (3)
ص:372
18251. ابن الأثير : ومنه حديث علي:
فكأنّي أنظر إلي غرنوق من قريش يتشحّط في دمه. أي شابّ ناعم. (1)
18252. ابن الأثير : ومنه حديث علي:
اقسم لَتَنْخَمَنَّها اميّة من بعدي كما تُلْفَظُ النخامة. (2)
18253. ابن أبي الحديد : ومنها في ذكر بني اُميّة:
يظهر أهل باطلها علي أهل حقّها، حتّي تملأ الأرض عدواناً وظلماً وبدعاً إلي أن يضع الله -عزّ وجلّ - جبروتها، ويكسر عمدها، وينزع أوتادها، ألا وإنّكم مدركوها فانصروا قوماً كانوا أصحاب رايات بدر وحنين؛ تؤجروا، ولا تمالئوا عليهم عدوّهم، فتصرعكم البليّة، وتحلّ بكم النقمة. (3)
18254. ابن أبي الحديد : ومنها قوله عليه السلام :
إنّ بني اُميّة لا يزالون يطعنون في مسحل ضلالة، ولهم في الأرض أجل حتّي يهريقوا الدم الحرام في الشهر الحرام، والله لكأنّي أنظر إلي غرنوق من قريش يتخبّط في دمه، فإذا فعلوا ذلك لم يبق لهم في الأرض عاذر، ولم يبق لهم ملك علي وجه الأرض. (4)
18255. ابن الأثير وابن منظور : في حديث علي:
سيظهر بعدي عليكم رجل مندحق البطن. (5)
ص:373
18256. ابن الأثير وابن منظور : في حديث علي:
لا يذهب أمر هذه الاُمّة إلّا علي رجل واسع السرم، ضخم البلعوم. (1)
18257. أبوالحسن الديلمي : روي أنّه يوم صفّين وقعت صيحة، فخرج علي بن أبي طالب، فقالوا: ما الخبر؟ قالوا: مات معاوية.
قال: إنّ معاوية لا يموت حتّي يلي الاُمور. (2)
18258. السكندري : ذكر الأخباريّون أنّه أرجف بالكوفة إنّ معاوية قد مات، فقال علي رضي الله عنه إذ بلغه: والله ما مات ولن يموت حتّي يملك تحت قدمي هاتين، وإنّما أراد ابن هند أن يشيع ذلك حتّي يستتر علمي فيه، فمن يومئذ كاتب أهل الكوفة معاوية وعلموا أنّ الأمر صائر إليه. (3)
18259. ابن قتيبة : فقام علي علي المنبر، فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال:
أيّها الناس، استعدّوا للمسير إلي عدوّ في جهاده القربة إلي الله، ودرك الوسيلة عنده، فأعدّوا له ما استطعتم من قوّة، ومن رباط الخيل، وتوكّلوا علي الله، وكفي به وكيلاً.
ثمّ تركهم أيّاماً، ودعا رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم، وما الّذي ثبّطهم، فمنهم المعتلّ ، ومنهم المتكرّه، وأقلّهم من نشط ، فقال لهم علي:
عباد الله، ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلي الأض ؟! أ رضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلاً، ورضيتم بالذلّ والهوان من العزّ خلفاً؟ كلّما ناديتكم إلي الجهاد دارت أعينكم، كأنّكم من الموت في سكرة، وكانت قلوبكم قاسية، فأنتم لا
ص:374
تعقلون، وكأنّ أبصاركم كمه، فأنتم لا تبصرون، لله أنتم! ما أنتم إلّا اسود روّاعة، وثعالب روّاغة عند الناس، تكادون ولا تكيدون، وتنتقص أطرافكم فلا تحاشون، وأنتم في غفلة ساهون، إنّ أخا الحرب اليقظان.
أمّا بعد، فإنّ لي عليكم حقّاً، ولكم علي حقّاً، أمّا حقّكم علي فالنصيحة في ذات الله، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا، وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح لي في الإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم، فإن يرد الله بكم خيراً تنزعوا عمّا أكره، وترجعوا إلي ما احبّ ، تنالوا بذلك ما تحبّون، وتدركوا ما تأملون.
أيّها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصمّ ، وفعلكم يطمع فيكم عدوّكم، إذا أمرتكم بالمسير قلتم كيت وكيت، أعاليل بأضاليل، هيهات! لا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ والصبر، أي دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أي إمام بعدي تقاتلون ؟
المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصرتكم، ولا اصدّق قولكم، فرّق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي، وأعقبكم بعدي من هو شرّ لكم منّي.
أما إنّكم ستلقون بعدي ذلّا شاملاً، وسيفاً قاتلاً، وأثرة يتّخذها الظالمون بعدي عليكم سنّة، تفرّق جماعتكم، وتبكي عيونكم، وتدخل الفقر بيوتكم، تمنّون والله عندها أن لو رأيتموني ونصرتموني، وستعرفون ما أقول لكم عمّا قليل، استنفرتكم فلم تنفروا، ونصحت لكم فلم تقبلوا، أسمعتكم فلم تعوا، فأنتم شهود كأغياب، وصمّ ذوو أسماع، أتلو عليكم الحكمة، وأعظكم بالموعظة النافعة، وأحثّكم علي جهاد المحلّين، الظلمة الباغين، فما آتي علي آخر قولي حتّي أراكم متفرّقين، إذا تركتكم عدتم إلي مجالسكم حِلَقاً عِزين، تضربون الأمثال، وتناشدون الأشعار، تربت أيديكم، وقد نسيتم الحرب واستعدادها، وأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها، وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل.
ويحكم! اغزوا عدوّكم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا
ص:375
ذلّوا، وأيم الله ما أظنّكم تفعلون حتّي يفعل بكم! وأيم الله لوددت أنّي قد رأيتهم فلقيت الله علي نيّتي وبصيرتي، فاسترحت من مقاماتكم ومداراتكم.
ويحكم! ما أنتم إلّا كإبل جامحة ضلّ عنها رعاؤها، فكلّما ضمّت من جانب انتشرت من جانب، والله لكأنّي أنظر إليكم وقد حمي الوطيس، لقد انفرجتم عن علي انفراج الرأس، وانفراج المرأة عن قبلها.
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي، فقال: يا أميرالمؤمنين، أفهلا فعلت كما فعل عثمان ؟ قال له علي: ويلك! وكما فعل عثمان رأيتني فعلت عائذاً بالله من شرّ ما تقول، والله إنّ الّذي فعل عثمان لمخزاة علي من لا دين له، ولا حجّة معه، فكيف وأنا علي بيّنة من ربّي، والحقّ معي ؟! والله إنّ امرء أمكن عدوّه من نفسه؛ فنهش عظمه؛ وسفك دمه؛ لعظيم عجزه، وضعيف قلبه، أنت يا ابن قيس فكن ذلك، فأمّا أنا فوالله دون أن اعطي ذلك ضرب بالمشرفي، يطير له فراش الرأس، وتطيح منه الأكفّ والمعاصم، وتجد به الغلاصم، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء، والله يا أهل العراق، ما أظنّ هؤلاء القوم من أهل الشام إلّا ظاهرين عليكم!
فقالوا: أبعلم تقول ذلك يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: نعم، والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة، إنّي أري امورهم قد علت، وأري اموركم قد خبت، وأراهم جادّين في باطلهم، وأراكم وانين في حقّكم، وأراهم مجتمعين، وأراكم متفرّقين، وأراهم لصاحبهم معاوية مطيعين، وأراكم لي عاصين.
أما والله لئن ظهروا عليكم بعدي لتجدنّهم أرباب سوء، كأنّهم والله عن قريب قد شاركوكم في بلادكم، وحملوا إلي بلادهم منكم، وكأنّي أنظر إليكم تكشون كشيش الضباب، لا تأخذون لله حقّاً، ولا تمنعون له حرمة، وكأنّي أنظر إليهم يقتلون صلحاءكم، ويخيفون علماءكم، وكأنّي أنظر إليكم يحرمونكم ويحجبونكم، ويدنون الناس دونكم، فلوقد رأيتم الحرمان؛ ولقيتم الذلّ والهوان؛ ووقع السيف ونزل الخوف؛ لندمتم وتحسّرتم علي تفريطكم في جهاد عدوّكم، وتذكّرتم ما أنتم فيه من الخفض والعافية، حين لا ينفعكم التذكار.
ص:376
فقال الناس: قد علمنا يا أميرالمؤمنين أنّ قولك كلّه وجميع لفظك يكون حقّاً، أ تري معاوية يكون علينا أميراً؟ فقال: لا تكرهون إمرة معاوية، فإنّ إمرته سلم وعافية، فلو قد مات رأيتم الرؤوس تندرّ عن كهولها، كأنّها الحنظل، وعداً كان مفعولاً، فأمّا إمرة معاوية فلست أخاف عليكم شرّها، ما بعدها أدهي وأمرّ. (1)
18260. العسكري : عن علي، قال:
إنّها ستكون بعدي فتنة عمياء مظلمة منكشفة، لا ينجو منها إلّا النومة.
قيل: وما النومة ؟ قال: الّذي لا يدري ما الناس فيه. (2)
برواية:
1. أبي سليمان مولي بني هاشم-3. ما ورد مرسلاً
2. نافع
18261. ابن معين : حدّثنا محمّد بن جعفر غندر، حدّثنا عوف، عن سليمان بن أبي سليمان مولي بني هاشم، عن أبيه أبي سليمان، قال:
بينا علي واضعاً يده علي بعض، يمشي في سكك المدينة، إذ جاء مروان بن الحكم في حلّة فتي شابّ ناصع اللون وقاذ، فقال له: يا كذا وكذا، يا أباالحسن، وجعل علي يخبره.
قال: فلمّا فرغ ولّي من عنده، قال: فنظر في قفاه ثمّ قال: ويل لاُمّتك منك، ومن بنيك إذا شابت ذراعاك! (3)
ص:377
18262. ابن سعد : أخبرني موسي بن إسماعيل، قال: حدّثني جويرية بن أسماء، عن نافع [في خبر طويل يذكر فيه قصّة مروان]:
وقد قال علي بن أبي طالب له يوماً ونظر إليه: ليحملنّ راية ضلالة بعد ما يشيب صدغاه وله إمرة (1) كلحسة الكلب أنفه. (2)
18263. الزمخشري : اسر مروان بن الحكم يوم الجمل، فكلّم فيه الحسن والحسين، فخلّاه علي، فقالا له: يبايعك يا أميرالمؤمنين. فقال: أ لم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته، إنّها كفّ يهوديّة، ولو بايعني بيده لغدر بسيفه، أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبوالأكبش الأربعة، وستلقي الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر. (3)
18264. سبط ابن الجوزي : واُخذ مروان بن الحكم فتشفّع فيه الحسن والحسين عليهما السلام ، فأطلقه علي عليه السلام ، فقالا له: أ لا يبايعك ؟ فقال: أو ليس قد بايعني يوم قتل عثمان ؟! لا حاجة في بيعته، إنّها كفّ يهوديّة، أما والله إنّ له أمارة كَلَعْقَة الكلب أنفه، وستلقي الاُمّة منه ومن ولده يوماً أحمر. (4)
18265. ابن الأثير : ونظر إليه [أي إلي مروان] علي يوماً فقال: ويلك! وويل امّة
ص:378
محمّد منك ومن بنيك! (1)
18266. ابن الأثير وابن منظور : في حديث علي رضي الله عنه :
أما إنّ له إمرة كلعقة الكلب أنفه (2). (3)
برواية:
1. جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام -5. طاووس بن كيسان
2. حجر المدري-6. أبي عياض مولي عياض بن ربيعة
3. شهاب مولي علي عليه السلام- 7. محمّد بن علي الباقر عليهما السلام
4. أبي صادق-8. مخارق بن سليم
18267. ابن أبي الحديد : [روي صاحب كتاب «الغارات» (4) قال:] حدّثني أحمد بن مفضّل، قال: حدّثني الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمّد عليه السلام ، قال: قال علي عليه السلام :
والله لتذبحنّ علي سبّي - وأشار بيده إلي حلقه - . ثمّ قال: فإن أمروكم بسبّي فسبّوني، وإن أمروكم أن تبرّؤوا منّي فإنّي علي دين محمّد صلى الله عليه و آله . ولم ينههم عن إظهار البراءة. (5)
18268. عبدالرزّاق : أخبرنا أبي، عن عبدالملك بن خشك، عن حجر المدري، قال:
ص:379
قال لي علي: كيف بك إذا امرت أن تلعنني ؟ قلت: أو كائن ذلك ؟ قال: نعم. قلت: فكيف أصنع ؟ قال: العن ولا تتبرّأ منّي.
فأقامه محمّد بن يوسف إلي جنب المنبر يوم الجمعة فقال له: العن عليّاً. فقال: إنّ الأمير محمّد بن يوسف أمرني أن ألعن عليّاً، العنوه، لعنه الله.
قال: فلقد تفرّق أهل المسجد وما فهمها إلّا رجل واحد.
رواها خلف بن سالم عن عبدالرزّاق، عن أبيه أنّ حجر المدري، ولم يذكر عبدالملك بن خشك. (1)
18269. ابن حجر : حسين بن الحسن الأشقر الفزاري الكوفي، عن ابن عيينة، عن [عبدالله] بن طاووس، عن أبيه، عن حجر المدري، قال:
قال لي علي: إنّك ستعرض علي سبّي وتعرض علي البراءة منّي فلا تتبرّأ منّي. (2)
18270. ابن أبي الدنيا : حدّثني خلف بن سالم، عن عبدالرحمان [بن مهدي]، عن أبيه، أنّ حجر المدري قال:
قال لي علي: كيف بك إذا امرت أن تلعنني ؟ قلت: وكائن ذلك ؟ قال: نعم.
قلت: فكيف أصنع ؟ قال: العن ولا تتبرّأ منّي.
قال: فأمره محمّد بن يوسف أن يلعن عليّاً فقال: إنّ الأمير أمرني أن ألعن عليّاً محمّد بن يوسف، فالعنوه، لعنه الله.
ص:380
قال: فعماها علي أهل المسجد. قال: فما فطن لها إلّا رجل واحد. (1)
18271. البلاذري : حدّثت عن يونس بن أرقم، عن أبيه، عن شهاب مولي علي عليه السلام ، بمثله وزاد فيه: «وإنّكم ستعرضون علي سبّي والبراءة منّي فسبّوني ولا تبرّؤوا منّي». (2)
18272. الحاكم : أخبرنا الشيخ أبوبكر بن إسحاق، أنبأ محمّد بن أحمد بن النضر الأزدي، حدّثنا معاوية بن عمرو، حدّثنا أبوإسحاق الفزاري، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي صادق، قال: قال علي رضي الله عنه :
إنّكم ستعرضون علي سبّي فسبّوني، فإن عرضت عليكم البراءة منّي فلا تبرّؤوا منّي، فإنّي علي الإسلام، فليمدد أحدكم عنقه ثكلته امّه فإنّه لا دنيا له ولا آخرة بعد الإسلام. ثمّ تلا: إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ 3 . (3)
18273. الحاكم : حدّثنا أبوأحمد بكر بن محمّد بن حمدان الصيرفي -بمرو، من أصل كتابه- ، حدّثنا أبومحمّد عبيد بن قنفذ البزّار، حدّثنا يحيي بن عبدالحميد الحمّاني، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عبدالله بن طاووس، عن أبيه، قال:
كان حجر بن قيس المدري من المختصّين بخدمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقال له علي يوماً: يا حجر، إنّك تقام بعدي فتؤمر بلعني، فالعنّي ولا تبرّأ منّي.
ص:381
قال طاووس: فرأيت حجر المدري وقد أقامه أحمد بن إبراهيم خليفة بني اُميّة في الجامع ووكّل به ليلعن عليّاً أو يقتل، فقال حجر: أما إنّ الأمير أحمد بن إبراهيم أمرني أن ألعن عليّاً، فالعنوه؛ لعنه الله.
فقال طاووس: فلقد أعمي الله قلوبهم حتّي لم يقف أحد منهم علي ما قال. (1)
18274. المحاملي : أنبأنا أحمد بن محمّد، أنبأنا محمّد بن بحر، أنبأنا الفض - [-ي -]-ل، أنبأنا كثير بن قاروندا (2)، قال: سمعت أباعياض مولي عياض بن ربيعة الأسدي قال:
أتيت علي بن أبي طالب -وأنا مملوك- فقلت: يا أميرالمؤمنين، ابسط يدك ابايعك. فرفع رأسه إلي فقال: ما أنت ؟ قلت: مملوك. قال: لا، إذاً. قلت له: يا أميرالمؤمنين، إنّما أقول إنّي إذا شهدتك نصرتك، وإن غبت نصحتك. قال: نعم، إذاً.
قال: فبسط يده فبايعني.
قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول: إنّه سيأتيكم رجل يدعوكم إلي سبّي، وإلي البراءة منّي، فأمّا السبّ فإنّه لكم نجاة، ولي زكاة، وأمّا البراءة فلا تبرّؤوا منّي، فإنّي علي الفطرة. (3)
18275. ابن أبي الحديد : روي صاحب كتاب «الغارات» (4) حديث البراءة علي غير الوجه المذكور في كتاب «نهج البلاغة»، قال: أخبرنا يوسف بن كليب المسعودي، عن يحيي بن سليمان العبدي، عن أبي مريم الأنصاري، عن محمّد بن علي الباقر عليه السلام ، قال:
ص:382
خطب علي عليه السلام علي منبر الكوفة، فقال: سيعرض عليكم سبّي، وستذبحون عليه، فإن عرض عليكم سبّي فسبّوني، وإن عرض عليكم البراءة منّي فإنّي علي دين محمّد صلى الله عليه و سلم . ولم يقل: فلا تبرّؤوا منّي. (1)
18276. ابن أبي شيبة : حدّثنا علي بن مسهر، عن [أبي إسحاق] الشيباني، عن عبدالله بن المخارق بن سليم، عن أبيه، قال: قال علي:
إنّي لا أري هؤلاء القوم إلّا ظاهرين عليكم لتفرّقكم عن حقّكم، واجتماعهم علي باطلهم، وإنّ الإمام ليس يشاق سفره، وإنّه يخطئ ويصيب، فإذا كان عليكم إمام يعدل في الرعيّة ويقسم بالسويّة فاسمعوا له وأطيعوا، وإنّ الناس لا يصلحهم إلّا إمام برّ أو فاجر، فإن كان برّاً فللراعي وللرعيّة، وإن كان فاجراً عبد فيه المؤمن ربّه، وعمل فيه الفاجر إلي أجله، وإنّكم ستعرضون علي سبّي، وعلي البراءة منّي، فمن سبّني فهو في حلّ من سبّي، ولا تبرّؤوا من ديني فإنّي علي الإسلام. (2)
برواية:
1. إسماعيل بن رجاء-5. امّ حكيم
2. بريد بن أصرم-6. مالك بن أوس
3. حبيب بن أبي ثابت-7. موسي بن أبي النعمان
4. الحسن البصري-8 . ما ورد مرسلاً
18277. ابن أبي الحديد : روي عثمان بن سعيد، عن يحيي التيمي، عن إسماعيل بن
ص:383
رجاء، قال:
قام أعشي همدان - وهو غلام يومئذ حدث - إلي علي عليه السلام وهو يخطب ويذكر الملاحم، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما أشبه هذا الحديث بحديث خرافة! فقال: علي عليه السلام إن كنت آثماً فيما قلت يا غلام فرماك الله بغلام ثقيف. ثمّ سكت.
فقام رجال، فقالوا: ومن غلام ثقيف يا أميرالمؤمنين ؟ قال: غلام يملك بلدتكم هذه، لا يترك لله حرمة إلّا انتهكها، يضرب عنق هذا الغلام بسيفه.
فقالوا: كم يملك يا أميرالمؤمنين ؟ قال: عشرين إن بلغها.
قالوا: فيقتل قتلاً، أم يموت موتاً؟ قال: بل يموت حتف أنفه بداء البطن يثقب سريره؛ لكثرة ما يخرج من جوفه.
قال: إسماعيل بن رجاء: فوالله لقد رأيت بعيني أعشي باهلة وقد احضر في جملة الأسري الّذين اسروا من جيش عبدالرحمان بن محمّد بن الأشعث بين يدي الحجّاج، فقرّعه ووبّخه واستنشده شعره الّذي يحرّض فيه عبدالرحمان علي الحرب، ثمّ ضرب عنقه في ذلك المجلس. (1)
18278. الطيالسي : حدّثنا أبوالفضل الباهلي، حدّثني أبوقلابة، عن بريد بن أصرم, [قال]:
سمعت عليّاً يقول: اللهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف، ذيّال ميّال، به عرنة. (2)
18279. الحاكم : أخبرنا أبوالعبّاس محمّد بن أحمد المحبوبي، حدّثنا سعيد بن مسعود، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوّام بن حوشب، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال:
ص:384
قال علي رضي الله عنه لرجل: لا متّ حتّي تدرك فتي ثقيف. قيل له: يا أميرالمؤمنين، ما فتي ثقيف ؟ قال: ليقالنّ له يوم القيامة: اكفنا زاوية من زوايا جهنّم، رجل يملك عشرين أو بضعاً وعشرين سنة، لا يدع لله معصية إلّا ارتكبها، حتّي لو لم تبق إلّا معصية واحدة وكان بينه وبينها باب مغلق لكسره حتّي يرتكبه، يقتل بمن أطاعه من عصاه.
قلت: قدم الحجّاج مكّة سنة إحدي وسبعين وحاصر ابن الزبير، ثمّ قتل ابن الزبير سنة ثلاث وسبعين، وتوفّي سنة خمس وتسعين. (1)
18280. محمّد بن عثمان بن أبي شيبة : نبّأ سعد بن وهب السلمي، نبّأنا جعفر بن سليمان، نبّأنا مالك بن دينار، عن بسطام بن مسلم، عن الحسن:
أنّ عليّاً كان علي المنبر، فقال: اللهمّ إنّي ائتمنتهم فخانوني، ونصحتهم فغشّوني، اللهمّ فسلّط عليهم غلام ثقيف، يحكم في دمائهم وأموالهم، ويحكم فيهم بحكم الجاهليّة. فوصفه وهو يقول: الذيّال (2) مفجّر الأنهار، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها.
قال: فقال الحسن: هذه والله صفة الحجّاج، انتهي. (3)
18281. عبدالرزّاق : أخبرنا جعفر بن سليمان، عن مالك بن دينار، عن الحسن، قال:
قال علي رضي الله عنه لأهل الكوفة: اللهمّ كما ائتمنتهم فخانوني، ونصحت لهم فغشّوني، فسلّط عليهم فتي ثقيف الذيّال (4) الميّال، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها، ويحكم فيها بحكم الجاهليّة. (5)
ص:385
18282. المطرّز : حدّثنا إسماعيل بن موسي السدّي، حدّثنا علي بن مسهر، عن الأجلح، عن الشعبي، عن امّ حكيم بنت عمرو بن سنان الجدليّة، قالت:
استأذن الأشعث بن قيس علي علي رضي الله عنه فردّه قنبر، فأدمي أنفه، فخرج علي، فقال: مالك وماله يا أشعث ؟ أم والله لو بعبد ثقيف تمرّست اقشعرّت شعيرات إستك.
قيل له: يا أميرالمؤمنين، ومن عبد ثقيف ؟ قال: غلام يليهم لا يبقي أهل بيت من العرب إلّا أدخلهم ذلّا.
قيل: كم يملك ؟ قال: عشرين إن بلغ. (1)
18283. معتمر بن سليمان : عن أبي، عن أيّوب، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن علي رضي الله عنه أنّه قال:
الشابّ الذيّال أمير المصرين يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشراف أهلها، يشتدّ منه الفرقّ ، ويكثر منه الأرقّ ، ويسلّطه الله علي شيعته. (2)
ص:386
18284. معتمر بن سليمان : حدّثنا أبي [سليمان بن طرخان أبوالمعتمر]، عن أسلم، عن أبي مراية، عن أيّوب بن عبدالرحمان، عن مالك بن أوس بن حدثان، قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:
الشابّ الذيّال أمير المصرين، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها، ويقتل أشرف أهلها.
قال أبوالمعتمر: أظنّه الحجّاج. (1)
18285. ابن أبي الحديد : قال أبوالفرج (2): وللأشعث بن قيس في انحرافه عن أميرالمؤمنين أخبار يطول شرحها، منها حديث حدّثنيه محمّد بن الحسين الأشنانداني، قال: حدّثني إسماعيل بن موسي، قال: حدّثنا علي بن مسهر، عن الأجلح، عن موسي بن أبي النعمان، قال:
جاء الأشعث إلي علي يستأذن عليه، فردّه قنبر، فأدمي الأشعث أنفه، فخرج علي وهو يقول: ما لي ولك يا أشعث! أما والله لو بعبد ثقيف تمرّست لاقشعرّت شعيراتك!
قيل: يا أميرالمؤمنين، ومن عبد ثقيف ؟ قال: غلام لهم لا يبقي أهل بيت من العرب إلّا أدخلهم ذلّا.
قيل: يا أميرالمؤمنين، كم يلي -أو كم يمكث- ؟ قال: عشرين، إن بلغها. (3)
18286. أبوعبيد الهروي : في دعاء علي رضي الله عنه :
اللهمّ سلّط عليهم فتي ثقيف، يأكل خضرتها، ويلبس فروتها. (4)
ص:387
18287. الأزهري : في حديث علي رضي الله عنه أنّه خطب بالكوفة في آخر عمره فقال:
اللهمّ سلّط عليهم فتي ثقيف الذيّال المنّان، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها. يعني غضّها وناعمها وهنيئها. (1)
18288. الأزهري : روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال علي منبر الكوفة:
اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني، وسئمتهم وسئموني، فسلّط عليهم فتي ثقيف الذيّال المنّان، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها. (2)
18289. الزمخشري وابن منظور وابن الأثير : خطب [علي] -رضي الله تعالي عنه- الناس بالكوفة، فقال:
اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني، وسئمتهم وسئموني، فسلّط عليهم فتي ثقيف، الذيّال المنّان، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها. (3)
18290. الزمخشري : علي -رضي الله تعالي عنه- أمر الناس بشيء وهو علي المنبر، فقام رجال فقالوا: لا نفعله! فقال: اللهمّ مث قلوبهم كما يماث الملح في الماء، اللهمّ سلّط عليهم غلام ثقيف، اعلموا أنّ من فاز بكم فقد فاز بالقدح الأخيب. (4)
18291. ابن الأثير وابن منظور : في حديث علي:
ص:388
اللهمّ سلّط عليهم فتي ثقيف الذيّال (الميّال)، يلبس فروتها، ويأكل خضرتها. (1)
18292. ابن الأثير وابن منظور : في حديث علي رضي الله عنه :
أما والله ليسلّطنّ عليكم غلام ثقيف الذيّال الميّال، إيه أباوذحة. (2)
18293. ابن الجوزي : قال علي عليه السلام :
اللهمّ سلّط عليهم فتي ثقيف يأكل خضرتها. أي غضّها وناعمها. (3)
18294. ابن الجوزي : من دعاء علي عليه السلام :
اللهمّ سلّط عليهم فتي ثقيف يلبس فروتها.
أي: يتمتّع بنعمتها, والمراد الحجّاج، ويقال: إنّه ولد في السنة الّتي دعا فيها علي عليه السلام . (4)
برواية:
1. عبدالله بن زرير-2. عبدالله بن عبّاس
18295. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي زرعة، عن عبدالله بن زرير، عن علي، قال:
هلاكهم من حيث بدأ. (5)
ص:389
18296. نعيم بن حمّاد : حدّثنا رشدين، عن أبي حفص الحجري، عن المقدام الحجري، عن ابن عبّاس، قال:
قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : متي دولتنا يا أباحسن ؟ قال: إذا رأيت فتيان أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها، وأصبنا نحن برّها. (1)
18297. المبرّد : يروي عن علي بن أبي طالب -رحمة الله عليه- أنّه افتقد عبدالله بن العبّاس رحمه الله [في وقت صلاة الظهر]، فقال [لأصحابه]: ما بال أبي العبّاس لم يحضر؟ فقالوا: ولد له مولود، فلمّا صلّي علي رحمه الله قال: امضوا بنا إليه. فأتاه فهنّأه، فقال: شكرت الواهب، وبورك لك في الموهوب، ما سمّيته ؟ قال: أوَ يجوز لي أن اسمّيه حتّي تسمّيه! فأمر به فاُخرج إليه، فأخذه وحنّكه ودعا له، ثمّ ردّه إليه، وقال: خذه إليك أبا الأملاك، قد سمّيته عليّاً، وكنّيته أباالحسن.
فلمّا قام معاوية قال لابن عبّاس: ليس لكم اسمه وكنيته، قد كنّيته أبامحمّد، فَجَرَت عليه. (2)
18298. ابن أبي الحديد : فصل في ذكر امور غيبيّة أخبر بها الإمام [علي عليه السلام ] ثمّ تحقّقت ... وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه علي قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق - بتقديم المهملة - ، وهم آل مصعب الّذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العبّاسيّة ... وكإخباره عليه السلام لعبدالله بن العبّاس -رحمه الله تعالي- عن انتقال الأمر إلي أولاده، فإنّ علي بن عبدالله لمّا ولد أخرجه أبوه عبدالله إلي علي عليه السلام ، فأخذه وتفل في فيه، وحنّكه
ص:390
بتمرة قد لاكها، ودفعه إليه، وقال: خذ إليك أبا الأملاك. (1)
برواية: عبدالله بن أبي رزين
18299. البسوي : حدّثنا ابن بكير، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني الحارث بن يزيد، عن عبدالله بن [أبي]رزين الغافقي، قال:
سمعت علي بن أبي طالب يقول: يا أهل العراق، سيقتل منكم سبعة نفر بعذراء، مثلهم كمثل أصحاب الاُخدود. فقتل حجر بن عدي وأصحابه. (2)
برواية: مزرع صاحب علي عليه السلام
18300. الطيالسي : عن سليمان بن رزيق، عن عبدالعزيز بن صهيب، قال: حدّثني أبوالعالية، قال: حدّثني مزرع صاحب علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال:
ليقبلنّ جيش حتّي إذا كانوا بالبيداء خسف بهم. قال أبوالعالية: فقلت له: إنّك لتحدّثني بالغيب! فقال: احفظ ما أقوله لك، فإنّما حدّثني به الثقة علي بن أبي طالب.
وحدّثني أيضاً شيئاً آخر: ليؤخذنّ رجل فليقتلنّ وليصلبنّ بين شُرفتين من شُرف المسجد. فقلت له: إنّك لتحدّثني بالغيب! فقال: احفظ ما أقول لك.
قال أبوالعالية: فوالله ما أتت علينا جمعة حتّي اخذ مزرع، فقتل وصلب بين شُرفتين من شُرَف المسجد. (3)
ص:391
برواية:
1. أحمد بن الحسن الميثمي-2. ما ورد مرسلاً
18301. ابن أبي الحديد : روي إبراهيم في كتاب «الغارات»، عن أحمد بن الحسن الميثمي، قال:
كان ميثم التمّار مولي علي بن أبي طالب عليه السلام عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه علي عليه السلام منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك ؟ فقال: سالم. فقال: إنّ رسول الله -صلّي الله عليه- أخبرني أنّ اسمك الّذي سمّاك به أبوك في العجم ميثم.
فقال: صدق الله ورسوله، وصدقت يا أميرالمؤمنين، فهو والله اسمي.
قال: فارجع إلي اسمك، ودع سالماً، فنحن نكنّيك به. فكنّاه أباسالم.
قال: وقد كان قد أطلعه علي عليه السلام علي علم كثير، وأسرار خفيّة من أسرار الوصيّة، فكان ميثم يحدّث ببعض ذلك، فيشكّ فيه قوم من أهل الكوفة، وينسبون عليّاً عليه السلام في ذلك إلي المخرقة والإيهام والتدليس، حتّي قال له يوماً بمحضر من خلق كثير من أصحابه، وفيهم الشاكّ والمخلص: يا ميثم، إنّك تؤخذ بعدي وتصلب، فإذا كان اليوم الثاني ابتدر منخراك وفمك دماً حتّي تخضب لحيتك، فإذا كان اليوم الثالث طعنت بحربة يقضي عليك، فانتظر ذلك، والموضع الّذي تصلب فيه علي باب دار عمرو بن حريث، إنّك لعاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة -يعني الأرض- ، ولاُرينّك النخلة الّتي تصلب علي جذعها.
ثمّ أراه إيّاها بعد ذلك بيومين، وكان ميثم يأتيها، فيصلّي عندها، ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت، ولي نبتّ . فلم يزل يتعاهدها بعد قتل علي عليه السلام حتّي قطعت، فكان يرصد جذعها، ويتعاهده ويتردّد إليه، ويبصره، وكان يلقي عمرو بن حريث فيقول له:
ص:392
إنّي مجاورك فأحسن جواري. فلا يعلم عمرو ما يريد، فيقول له: أ تريد أن تشتري دار ابن مسعود؟ أم دار ابن حكيم ؟
قال: وحجّ في السنة الّتي قتل فيها، فدخل علي امّ سلمة -رضي الله عنها- ، فقالت له: من أنت ؟ قال: عراقي. فاستنسبته، فذكر لها أنّه مولي علي بن أبي طالب.
فقالت: أنت هيثم ؟ قال: بل أنا ميثم.
فقالت: سبحان الله! والله لربّما سمعت رسول الله -صلّي الله عليه- يوصي بك عليّاً في جوف الليل. فسألها عن الحسين بن علي، فقالت: هو في حائط له. قال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند ربّ العالمين إن شاء الله، ولا أقدر اليوم علي لقائه، واُريد الرجوع. فدعت بطيب فطيّبت لحيته، فقال لها: أما إنّها ستخضب بدم. فقالت: من أنبأك هذا؟ قال: أنبأني سيّدي. فبكت امّ سلمة، وقالت له: إنّه ليس بسيّدك وحدك، هو سيّدي وسيّد المسلمين. ثمّ ودّعته.
فقدم الكوفة، فاُخذ واُدخل علي عبيدالله بن زياد، وقيل له: هذا كان من آثر الناس عند أبي تراب. قال: ويحكم! هذا الأعجمي! قالوا: نعم. فقال له عبيدالله: أين ربّك ؟ قال: بالمرصاد.
قال: قد بلغني اختصاص أبي تراب لك. قال: قد كان بعض ذلك، فما تريد؟
قال: وإنّه ليقال إنّه قد أخبرك بما سيلقاك. قال: نعم؛ إنّه أخبرني.
قال: ما الّذي أخبرك أنّي صانع بك ؟ قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة.
قال: لاُخالفنّه. قال: ويحك! كيف تخالفه ؟ إنّما أخبر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأخبر رسول الله عن جبرائيل، وأخبر جبرائيل عن الله، فكيف تخالف هؤلاء؟! أما والله لقد عرفت الموضع الّذي اصلب فيه أين هو من الكوفة ؟ وإنّي لأوّل خلق الله الجم في الإسلام بلجام كما يلجم الخيل.
فحبسه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فقال ميثم للمختار -وهما في
ص:393
حبس ابن زياد - : إنّك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام ، فتقتل هذا الجبّار الّذي نحن في سجنه، وتطأ بقدمك هذه علي جبهته وخدّيه.
فلمّا دعا عبيدالله بن زياد بالمختار ليقتله طلع البريد بكتاب يزيد بن معاوية إلي عبيدالله بن زياد، يأمره بتخلية سبيله؛ وذاك أنّ اخته كانت تحت عبدالله بن عمر بن الخطّاب، فسألت بعلها أن يشفع فيه إلي يزيد، فشفع، فأمضي شفاعته، وكتب بتخلية سبيل المختار علي البريد، فوافي البريد، وقد اخرج ليضرب عنقه، فاُطلق.
وأما ميثم؛ فاُخرج بعده ليصلب؛ وقال عبيدالله: لأمضينّ حكم أبي تراب فيه، فلقيه رجل، فقال له: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم ؟ فتبسّم، وقال: لها خُلِقْتُ ، ولي غُذِيَتْ .
فلمّا رفع علي الخشبة اجتمع الناس حوله علي باب عمرو بن حريث، فقال عمرو: لقد كان يقول لي: إنّي مجاورك، فكان يأمر جاريته كلّ عشيّة أن تكنس تحت خشبته وترشّه، وتجمّر بالمجمر تحته.
فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، ومخازي بني اُميّة، وهو مصلوب علي الخشبة، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: ألجموه. فاُلجم، فكان أوّل خلق الله الجم في الإسلام.
فلمّا كان في اليوم الثاني فاضت منخراه وفمه دماً، فلمّا كان في اليوم الثالث طعن بحربة فمات.
وكان قتل ميثم قبل قدوم الحسين عليه السلام العراق بعشرة أيّام. (1)
18302. ابن حجر : ميثم التمّار الأسدي؛ نزل الكوفة وله بها ذرّيّة؛ ذكره المؤيّد بن النعمان الرافضي في «مناقب علي رضي الله عنه »، وقال: كان ميثم التمّار عبداً لامرأة من بني أسد، فاشتراه علي منها، وأعتقه، وقال له: ما اسمك ؟ قال: سالم. قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
ص:394
أنّ اسمك الّذي سمّاك به أبواك في العجم ميثم.
قال: صدق الله ورسوله وأميرالمؤمنين؛ والله إنّه لاسمي.
قال: فارجع إلي اسمك الّذي سمّاك به رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ودع سالماً. فرجع ميثم، واكتني بأبي سالم.
فقال علي ذات يوم: إنّك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفرك دماً، فتخضب لحيتك، وتصلب علي باب عمرو بن حريث عاشر عشرة، وأنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهّرة، وامض حتّي اريك النخلة الّتي تصلب علي جذعها.
فأراه إيّاها، وكان ميثم يأتيها فيصلّي عندها، ويقول: بوركت من نخلة، لك خلقت، ولي غذيت. فلم يزل يتعاهدها حتّي قطعت، ثمّ كان يلقي عمرو بن حريث فيقول له: إنّي مجاورك فأحسن جواري. فيقول له عمرو: أ تريد أن تشتري دار ابن مسعود؟ أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يريد.
ثمّ حجّ في السنة الّتي قتل فيها، فدخل علي امّ سلمة امّ المؤمنين، فقالت له: من أنت ؟ قال: أنا ميثم.
فقالت: والله لربما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يذكرك ويوصي بك عليّاً. فسألها عن الحسين، فقالت: هو في حائط له. فقال: أخبريه أنّي قد أحببت السلام عليه فلم أجده، ونحن ملتقون عند ربّ العرش إن شاء الله تعالي. فدعت امّ سلمة بطيب فطيّب به لحيته، فقالت له: أما إنّها ستخضب بدم.
فقدم الكوفة، فأخذه عبيدالله بن زياد، فاُدخل عليه، فقال له: هذا كان آثر الناس عند علي. قال: ويحكم! هذا الأعجمي! فقيل له: نعم. فقال له: أين ربّك ؟ قال: بالمرصاد للظلمة، وأنت منهم.
قال: إنّك علي أعجميّتك لتبلغ الّذي تريد؛ أخبرني ما الّذي أخبرك صاحبك أنّي فاعل بك. قال: أخبرني أنّك تصلبني عاشر عشرة، وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من
ص:395
المطهّرة. قال: لنخالفنّه. قال: كيف تخالفه ؟ والله ما أخبرني إلّا عن النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ، عن جبرائيل، عن الله، ولقد عرفت الموضع الّذي اصلب فيه، وأنّي أوّل خلق الله الجم في الإسلام.
فحبسه وحبس معه المختار بن عبيد، فقال ميثم للمختار: إنّك ستفلت، وتخرج ثائراً بدم الحسين، فتقتل هذا الّذي يريد أن يقتلك.
فلمّا أراد عبيدالله أن يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله، فخلّاه، وأمر بميثم أن يصلب، فلمّا رفع علي الخشبة عند باب عمرو بن حريث قال عمرو: قد كان والله يقول لي: إنّي مجاورك.
فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد. قال: ألجموه. فكان أوّل من الجم في الإسلام، فلمّا كان اليوم الثالث من صلبه طعن بالحربة فكبّر، ثمّ انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً، وكان ذلك قبل مقدم الحسين العراق بعشرة أيّام. (1)
برواية: زياد بن النضر الحارثي
18303. ابن أبي الحديد : قال إبراهيم [الثقفي]: حدّثني إبراهيم بن العبّاس النهدي، حدّثني مبارك البجلي، عن أبي بكر بن عيّاش، قال: حدّثني المجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النضر الحارثي، قال:
كنت عند زياد، وقد اتي برشيد الهجري -وكان من خواصّ أصحاب علي عليه السلام - فقال له زياد: ما قال خليلك لك إنّا فاعلون بك ؟ قال: تقطعون يدي ورجلي، وتصلبونني. فقال زياد: أما والله لاُ كذّبنّ حديثه؛ خلّوا سبيله. فلمّا أراد أن يخرج قال: ردّوه، لا نجد شيئاً أصلح ممّا قال لك صاحبك؛ إنّك لا تزال تبغي لنا سوء إن بقيت؛ اقطعوا يديه ورجليه. فقطعوا يديه ورجليه، وهو يتكلّم، فقال: اصلبوه خنقاً في عنقه. فقال رشيد: قد بقي لي عندكم شيء ما أراكم فعلتموه، فقال زياد: اقطعوا لسانه.
ص:396
فلمّا أخرجوا لسانه ليقطع قال: نفّسوا عنّي أتكلّم كلمة واحدة. فنفّسوا عنه، فقال: هذا والله تصديق خبر أميرالمؤمنين، أخبرني بقطع لساني. فقطعوا لسانه وصلبوه. (1)
برواية: حبّة العرني
18304. ابن أبي الحديد : روي إبراهيم بن ميمون الأزدي، عن حبّة العرني، قال:
كان جويرية بن مسهر العبدي صالحاً، وكان لعلي بن أبي طالب صديقاً، وكان علي يحبّه، ونظر يوماً إليه وهو يسير، فناداه: يا جويرية، ألحق بي، فإنّي إذا رأيتك هويتك.
قال إسماعيل بن أبان: فحدّثني الصبّاح، عن مسلم، عن حبّة العرني، قال:
سرنا مع علي عليه السلام يوماً فالتفت فإذا جويرية خلفه بعيداً، فناداه: يا جويرية، ألحق بي لا أباً لك، ألا تعلم أنّي أهواك واُحبّك ؟
قال: فركض نحوه، فقال له: إنّي محدّثك باُمور فاحفظها. ثمّ اشتركا في الحديث سرّاً، فقال له جويرية: يا أميرالمؤمنين، إنّي رجل نسي. فقال له: إنّي اعيد عليك الحديث لتحفظه. ثمّ قال له في آخر ماحدّثه إيّاه: يا جويرية، أحبب حبيبنا ما أحبّنا، فإذا أبغضنا فأبغضه، وأبغض بغيضنا ما أبغضنا، فإذا أحبّنا فأحبّه.
قال: فكان ناس ممّن يشكّ في أمر علي عليه السلام يقولون: أ تراه جعل جويرية وصيّة كما يدّعي هو من وصيّة رسول الله -صلّي الله عليه- ؟ قال: يقولون ذلك لشدّة اختصاصه له، حتّي دخل علي علي عليه السلام يوماً وهو مضطجع، وعنده قوم من أصحابه، فناداه جويرية: أيّها النائم، استيقظ ، فلتضربنّ علي رأسك ضربة تخضب منها لحيتك.
قال: فتبسّم أميرالمؤمنين عليه السلام ؛ قال: واُحدّثك يا جويرية بأمرك؛ أما والّذي نفسي بيده لتعتلنّ إلي العُتُلّ الزنيم، فليقطعنّ يدك ورجلك، وليصلبنّك تحت جذع كافر.
قال: فوالله ما مضت إلّا أيّام علي ذلك حتّي أخذ زياد جويرية، فقطع يده ورجله، وصلبه
ص:397
إلي جانب جذع ابن مكعبر، وكان جذعاً طويلاً، فصلبه علي جذع قصير إلي جانبه. (1)
برواية: شمير بن سدير الأزدي
18305. ابن أبي الحديد : روي محمّد بن علي الصوّاف، عن الحسين بن سفيان، عن أبيه، عن شمير بن سدير الأزدي، قال:
قال علي عليه السلام لعمرو بن الحمق الخزاعي: أين نزلت يا عمرو؟ قال: في قومي. قال: لا تنزلنّ فيهم. قال: فأنزل في بني كنانة جيراننا؟ قال: لا. قال: فأنزل في ثقيف ؟ قال: فما تصنع بالمعرّة والمجرة ؟ قال: وما هما؟ قال: عنقان من نار، يخرجان من ظهر الكوفة، يأتي أحدهما علي تميم وبكر بن وائل؛ فقلّما يفلت منه أحد، ويأتي العنق الآخر، فيأخذ علي الجانب الآخر من الكوفة، فقلّ من يصيب منهم، إنّما يدخل الدار فيحرق البيت والبيتين.
قال: فأين أنزل ؟ قال: انزل في بني عمرو بن عامر، من الأزد -قال: فقال قوم حضروا هذا الكلام: ما نراه إلّا كاهناً يتحدّث بحديث الكهنة- فقال: يا عمرو، إنّك المقتول بعدي؛ وإنّ رأسك لمنقول؛ وهو أوّل رأس ينقل في الإسلام؛ والويل لقاتلك! أما إنّك لا تنزل بقوم إلّا أسلموك برمّتك؛ إلّا هذا الحي من بني عمرو بن عامر من الأزد، فإنّهم لن يسلموك ولن يخذلوك.
قال: فوالله ما مضت إلّا أيّام حتّي تنقل عمرو بن الحمق في خلافة معاوية في بعض أحياء العرب خائفاً مذعوراً، حتّي نزل في قومه من بني خزاعة، فأسلموه، فقتل وحمل رأسه من العراق إلي معاوية بالشام، وهو أوّل رأس حمل في الإسلام من بلد إلي بلد. (2)
ص:398
برواية: المغيرة
18306. ابن حجر : قال جرير، عن مغيرة:
طلب الحجّاج كميل بن زياد، فهرب منه، فحرم قومه عطاءهم، فلمّا رأي كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير قد نفد عمري، لا ينبغي أن احرم قومي عطاءهم، فخرج إلي الحجّاج، فلمّا رآه قال له: لقد أحببت أن أجد عليك جميلاً.
فقال له كميل: إنّه ما بقي من عمري إلّا القليل، فاقض ما أنت قاض؛ فإنّ الموعد الله، وقد أخبرني أميرالمؤمنين علي أنّك قاتلي. قال: بلي، قد كنت فيمن قتل عثمان، اضربوا عنقه. فضربت عنقه. (1)
برواية:
1. أبي حبرة-3. قتادة
2. عبدالله بن عبّاس-4. ما ورد مرسلاً
18307. محمّد بن فضيل : عن الأغرّ أبي مالك العجلي، عن شبيل بن عزرة، عن أبي حبرة، قال:
لمّا قدم علي [ عليه السلام ] البصرة خطبهم، فقال: كأنّي ببصرتكم هذه كأنّها جؤجؤ سفينة. ثمّ قال: والله ليظهرنّ عليكم أهل الشام، ثمّ ليعركنّكم كما يعرك الأديم الصرف. (2)
ص:399
18308. الدولابي : حدّثنا أبوكريب، قال: حدّثنا أحمد بن مالك، قال: حدّثنا عنبسة القطّان، عن شيحة [بن عبدالله] أبي حبرة، قال:
رأيت عليّاً علي خشبات الكوفة يقول: يا بصرة، لتحرقنّ ولتغرقنّ حتّي يبقي مسجدك وبيت مالك كأنّه جؤجؤ سفينة. (1)
18309. البكري : قال ابن عبّاس فيما روي عنه:
إنّ عليّاً لمّا فرغ من حرب البصرة خطب الناس، فذكر أحداثاً تكون بالبصرة، ثمّ قال: وتكون هنات وهنات، ثمّ تغرق الغرق المدمّر من عين زغر.
قال: ثمّ نزل، واتّبعه الناس، وبيده قضيب، حتّي انتهي إلي بركة ضيّقة الرأس، فقال -وأومأ بالقضيب إلي فوّهتها- : هذه زغر، هذه زغر.
قال ابن عبّاس: ففاضت، فقال لها أميرالمؤمنين: اسكني زغر، كفّي زغر، ما آن أوانك، ولا حان حينك. قال: فغارت. (2)
18310. معمر : عن قتادة:
أنّ عليّاً قال: تخرب البصرة إمّا بحريق، وإمّا بغرق، كأنّي أنظر إلي مسجدها كأنّه جؤجؤ سفينة. (3)
18311. الدينوري : شخص علي عن البصرة، واستعمل عليها عبدالله بن عبّاس،
ص:400
فلمّا انتهي إلي المربد التفت إلي البصرة، ثمّ قال: الحمد لله الّذي أخرجني من شرّ البقاع تراباً، وأسرعها خراباً، وأقربها من الماء، وأبعدها من السماء!
ثمّ سار، فلمّا أشرف علي الكوفة، قال: ويحك يا كوفان! ما أطيب هواءك، وأغذي تربتك! الخارج منك بذنب، والداخل إليك برحمة، لا تذهب الأيّام والليالي حتّي يجيء إليك كلّ مؤمن، ويبغض المقام بك كلّ فاجر، وتعمرين حتّي أنّ الرجل من أهلك ليبكّر إلي الجمعة فلا يلحقها من بعد المسافة. (1)
18312. المقدسي : روي عن علي عليه السلام أنّه قال:
ليخرب البصرة، وليفرقنّ حتّي يصير المسجد كأنّه جؤجؤ سفينة. (2)
18313. ابن الأثير وابن منظور : في حديث علي:
كأنّي أنظر إلي مسجدها كجؤجؤ سفينة أو نعامة جاثمة، أو كجؤجؤ طائر في لجّة بحر ... . (3)
18314. ياقوت : في رواية أنّ عليّاً رضي الله عنه لمّا فرغ من وقعة الجمل دخل البصرة فأتي مسجدها الجامع، فاجتمع الناس، فصعد المنبر، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي النبيّ صلى الله عليه و سلم ثمّ قال:
أمّا بعد، فإنّ الله ذو رحمة واسعة، فما ظنّكم يا أهل البصرة ؟ يا أهل السبخة، يا أهل المؤتفكة ائتفكت بأهلها ثلاثاً وعلي الله الرابعة، يا جند المرأة ... .
ثمّ قال: انصرفوا إلي منازلكم وأطيعوا الله وسلطانكم. وخرج حتّي صار إلي المربد والتفت وقال: الحمد لله الّذي أخرجني من شرّ البقاع تراباً، وأسرعها خراباً. (4)
18315. ياقوت : وفي رواية اخري أنّه رقي المنبر فقال:
ص:401
يا أهل البصرة، ويا بقايا ثمود، يا أتباع البهيمة، ويا جند المرأة رغا فاتّبعتم، وعقر فانهزمتم، دينكم نفاق، وأحلامكم دقاق، وماؤكم زعاق، يا أهل البصرة والبُصيرة، والسبخة والخُريبة، أرضكم أبعد أرض من السماء، وأقربها من الماء، وأسرعها خراباً وغرقاً، ألا وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: أما علمت أنّ جبريل حمل جميع الأرض علي منكبه الأيمن فأتاني بها؟ ألا وإنّي وجدت البصرة أبعد بلاد الله من السماء، وأقربها من الماء، وأخبثها تراباً، وأسرعها خراباً، ليأتينّ عليها يوم لا يري منها إلّا شرافات جامعها كجؤجؤ السفينة في لجّة البحر.
ثمّ قال: ويحك يا بصرة! ويلك من جيش لا غبار له! فقيل: يا أميرالمؤمنين، ما الويح ؟ وما الويل ؟ فقال: الويح والويل بابان، فالويح رحمة، والويل عذاب. (1)
18316. ابن أبي الحديد : فأمّا إخباره عليه السلام أنّ البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها فقد رأيت من يذكر أنّ كتب الملاحم تدلّ علي أنّ البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها، فتغرق ويبقي مسجدها.
والصحيح أنّ المخبر به قد وقع، فإنّ البصرة غرقت مرّتين؛ مرّة أيام القادر بالله، ومرّة في أيّام القائم بأمرالله، غرقت بأجمعها، ولم يبق منها إلّا مسجدها الجامع بارزاً بعضه كجؤجؤ الطائر، حسب ما أخبر به أميرالمؤمنين عليه السلام ، جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس، ومن جهة الجبل المعروف بجبل السنام، وخربت دورها، وغرق كلّ ما في ضمنها، وهلك كثير من أهلها.
وأخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة، يتناقلها خلفهم عن سلفهم. (2)
18317. ابن أبي الحديد : ... فلمّا وصل كتاب زياد قرأه علي عليه السلام علي الناس، وكان زياد قد أنفذه مع ظبيان بن عمارة، فسرّ علي عليه السلام بذلك وسرّ أصحابه، وأثني علي جارية وعلي الأزد، وذمّ البصرة، فقال: إنّها أوّل القري خراباً؛ إمّا غرقاً، وإمّا حرقاً، حتّي يبقي
ص:402
مسجدها كجؤجؤ سفينة.
ثمّ قال لظبيان: أين منزلك منها؟ فقال: مكان كذا. فقال: عليك بضواحيها. (1)
وردت في ذلك روايات عديدة أوردناها في مقتله عليه السلام ، فراجع هناك.
برواية:
1. الأصبغ بن نباتة-9. كثير بن فائد
2. أبي حبرة-10. كدير الضبّي
3. حسين بن علي عليهما السلام- 11. مالك بن صحار
4. سعد بن وهب-12. مخنف بن سليم
5. سويد بن غفلة-13. نجي الحضرمي
6. شيبان بن مُخَرَّم-14. هانئ بن هانئ
7. عامر الشعبي-15. هرثمة أو أبي هرثمة أو أبي هرثم
8. غرفة الأزدي-16. ما ورد مرسلاً
18318. أبونعيم : حدّثنا محمّد بن عمر بن سلم، حدّثنا علي بن العبّاس، حدّثنا جعفر بن محمّد بن حسين، حدّثنا حسين العرني، عن [مصعب] بن سلّام، عن سعد بن طريف، عن أصبغ بن نباتة، عن علي رضي الله عنه ، قال:
أتينا معه موضع قبر الحسين رضي الله عنه فقال: هاهنا مناخ ركابهم، وموضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فتية من آل محمّد صلى الله عليه و سلم يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض. (2)
ص:403
18319. الملّا : عن الأصبغ، قال:
أتينا مع علي فمررنا بموضع قبر الحسين [بكربلاء] ، فقال علي: هاهنا ... مثله. (1)
18320. مطيّن : حدّثنا سعد بن وهب الواسطي، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن شبيل بن غزرة، عن أبي حبرة، قال:
صحبت عليّاً رضي الله عنه حتّي أتي الكوفة، فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: كيف أنتم إذا نزل بذرّيّة نبيّكم بين ظهرانيّكم ؟ قالوا: إذاً نبلي الله فيهم بلاء حسناً.
فقال: والّذي نفسي بيده لينزلنّ بين ظهرانيّكم ولتخرجنّ إليهم فلتقتلنّهم.
ثمّ أقبل يقول:
هم أوردوهم بالغرور وعرّدوا أحبّوا نجاة لا نجاة ولا عذر (2)
18321. الدينوري : [في خبر طويل] عن حسين بن علي، قال:
ولقد مرّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلي صفّين وأنا معه، فوقف فسأل عنه، فاُخبر باسمه، فقال: هاهنا محطّ ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم. فسئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمّد ينزلون هاهنا. (3)
18322. ابن أبي الحديد : قال نصر (4): وحدّثنا مصعب، قال: حدّثنا الأجلح بن عبدالله
ص:404
الكندي، عن أبي جحيفة، قال:
جاء عروة البارقي إلي سعد بن وهب، فسأله، فقال: حديث حدّثتناه عن علي بن أبي طالب، قال: نعم، بعثني مخنف بن سليم إلي علي عند توجّهه إلي صفّين، فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده، ويقول: هاهنا! هاهنا! فقال له رجل: وما ذاك يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: ثقل لآل محمّد ينزل هاهنا، فويل لهم منكم، وويل لكم منهم!
فقال له الرجل: ما معني هذا الكلام يا أميرالمؤمنين ؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار. (1)
18323. ابن حجر : ذكر ابن المعلّم المعروف بالشيخ المفيد الرافضي في مناقب علي (2) من طريق ثابت الثمالي، عن أبي إسحاق، عن سويد بن غفلة، قال:
جاء رجل إلي علي، فقال: إنّي مررت بوادي القري، فرأيت خالد بن عرفطة بها مات، فاستغفر له. فقال: إنّه لم يمت ولا يموت حتّي يقود جيش ضلالة، ويكون صاحب لوائه حبيب بن حمار.
فقام رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي لك محبّ ، وأنا حبيب بن حمار. فقال: لتحملنّها وتدخل بها من هذا الباب - وأشار إلي باب الفيل (3) - ، فاتّفق أنّ ابن زياد بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن علي، فجعل خالداً علي مقدّمته، وحبيب بن حمار صاحب رايته، فدخل بها المسجد من باب الفيل. (4)
ص:405
18324. ابن أبي الحديد : روي الحسن بن محبوب، عن ثابت الثمالي، عن سويد بن غفلة:
أنّ عليّاً عليه السلام خطب ذات يوم، فقام رجل من تحت منبره، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي مررت بوادي القري، فوجدت خالد بن عرفطة قد مات، فاستغفر له. فقال عليه السلام : والله ما مات ولا يموت حتّي يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن حمار.
فقام رجل آخر من تحت المنبر، فقال: يا أميرالمؤمنين، أنا حبيب بن حمار، وإنّي لك شيعة ومحبّ . فقال: أنت حبيب بن حمار؟ قال: نعم. فقال له ثانية: والله إنّك لحبيب بن حمار؟ فقال: إي والله! قال: أما والله إنّك لحاملها ولتحملنّها، ولتدخلنّ بها من هذا الباب -وأشار إلي باب الفيل بمسجد الكوفة- .
قال ثابت: فوالله ما متّ حتّي رأيت ابن زياد، وقد بعث عمر بن سعد إلي الحسين بن علي عليه السلام ، وجعل خالد بن عرفطة علي مقدّمته وحبيب بن حمار صاحب رايته، فدخل بها من باب الفيل. (1)
18325. ابن سعد : أخبرنا يحيي بن حمّاد، قال: حدّثنا أبوعوانة، عن عطاء بن السائب، عن ميمون، عن شيبان بن مخرّم - قال:وكان عثمانيّاً يبغض عليّاً- قال:
رجع مع علي من صفّين، قال: فانتهينا إلي موضع، قال: فقال: ما يسمّي هذا الموضع ؟ قال: قلنا: كربلاء. قال: كرب وبلاء!
قال: ثمّ قعد علي رابية (2)، وقال: يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء علي وجه الأرض، لا يكون شهداء رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال: قلت: بعض كذباته وربّ الكعبة!
قال: فقلت لغلامي -وثمّة حمار ميّت- : جئني برجل هذا الحمار، فأوتدته في المقعد
ص:406
الّذي كان فيه قاعداً، فلمّا قتل الحسين قلت لأصحابي: انطلقوا ننظر، فانتهينا إلي المكان وإذا جسد الحسين علي رجل الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله. (1)
18326. مطيّن : حدّثنا محمّد بن يحيي بن أبي سمينة، حدّثنا يحيي بن حمّاد، حدّثنا أبوعوانة، عن عطاء بن السائب، عن ميمون بن مهران، عن شيبان بن مخرّم - وكان عثمانيّاً - ، قال:
إنّي لمع علي رضي الله عنه إذ أتي كربلاء، فقال: يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم شهداء إلّا شهداء بدر. فقلت: بعض كذباته! وثَمَّ رِجل حمار ميّت، فقلت لغلامي: خذ رجل هذا الحمار فأوتدها في مقعده وغيّبها، فضرب الدهر ضربة، فلمّا قتل الحسين بن علي -رضي الله عنهما- انطلقت ومعي أصحاب لي، فإذا جثّة الحسين بن علي رضي الله عنه علي رجل ذاك الحمار، وإذا أصحابه ربضة حوله. (2)
18327. المدائني : عن يحيي بن زكريّا، عن رجل، عن عامر الشعبي، قال:
قال علي - وهو علي شاطئ الفرات - : صبراً أباعبدالله. ثمّ قال: دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعيناه تفيضان، فقلت: أ حَدَث حدث ؟ فقال: أخبرني جبريل أنّ حسيناً يقتل بشاطئ الفرات، ثمّ قال: أ تحبّ أن اريك من تربته ؟ قلت: نعم، فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفّي، فما ملكتُ عيني أن فاضتا. (3)
ص:407
18328. ابن الدبّاغ : [عن] غرفة الأزدي ... قال:
دخلني شكّ من شأن علي، فخرجت معه علي شاطئ الفرات فعدل عن الطريق ووقف، ووقفنا حوله، فقال بيده: هذا موضع رواحلهم، ومناخ ركابهم، ومهراق دمائهم، بأبي من لا ناصر له في الأرض ولا في السماء إلّا الله!
فلمّا قتل الحسين خرجت حتّي أتيت المكان الّذي قتلوا فيه فإذا هو كما قال، ما أخطأ شيئاً.
قال: فاستغفرت الله ممّا كان منّي من الشكّ ، وعلمت أنّ عليّاً رضي الله عنه لم يقدم إلّا بما عهد إليه فيه. (1)
18329. ابن أبي الحديد : قال نصر (2): حدّثنا سعيد بن حكيم العبسي، عن الحسن بن كثير، عن أبيه:
أنّ عليّاً عليه السلام أتي كربلاء، فوقف بها، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، هذه كربلاء! فقال: ذات كرب وبلاء! ثمّ أومأ بيده إلي مكان، فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم! ثمّ أومأ بيده إلي مكان آخر، فقال: هاهنا مراق دمائهم! ثمّ مضي إلي ساباط . (3)
18330. ابن الأعرابي : حدّثنا الحسن بن محمّد، حدّثنا منصور بن واقد الطنافسي، حدّثنا عبدالحميد الحمّاني، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن كدير الضبّي، قال:
ص:408
بينا أنا مع علي بكربلاء بين أشجار الحرمل أخذ بعرة، ففركها ثمّ شمّها، ثمّ قال: ليبعثنّ الله من هذا الموضع قوم يدخلون الجنّة بغير حساب. (1)
18331. الطبراني : حدّثنا أحمد [بن محمّد بن صدقة]، قال: حدّثنا محمّد بن بشّار بندار، قال: حدّثنا إبراهيم بن عمر بن أبي الوزير، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمر بن سعيد بن مسروق، عن أبيه، عن عون بن أبي جحيفة، عن مالك بن صحار ومخنف بن سليم، عن علي، قال:
هل بكم ثقل من ثقل النبيّ صلى الله عليه و سلم ؟ فويل لكم منهم، وويل لكم عليهم! (2)
18332. أبوالقاسم البغوي : حدّثني محمّد بن ميمون الخيّاط ، حدّثنا سفيان، عن عبدالجبّار بن العبّاس، [أنّه] سمع عون بن أبي جحيفة قال:
إنّا لجلوس عند دار أبي عبدالله الجدلي فأتانا مالك بن صحار الهمداني، فقال: دلّوني علي منزل فلان. قال: قلنا: ألا ترسل إليه فيجيء؟ إذ جاء، فقال: أتذكر إذ بعثنا أبومخنف إلي أميرالمؤمنين وهو بشاطئ الفرات فقال: ليحلنّ هاهنا ركب من آل رسول الله صلى الله عليه و سلم يمرّ بهذا المكان فيقتلونهم، فويل لكم منهم، وويل لهم منكم ؟! (3)
تقدّمت روايته مع رواية مالك بن صحار آنفاً.
18334. أحمد وأبوخيثمة وابن أبي شيبة : حدّثنا محمّد بن عبيد، حدّثنا شرحبيل بن مدرك، عن عبدالله بن نجي، عن أبيه:
أنّه سار مع علي -وكان صاحب مطهرته- ، فلمّا حاذي نينوي - وهو منطلق إلي صفّين - ، فنادي علي: اصبر أباعبدالله! اصبر أباعبدالله بشطّ الفرات!
قلت: وماذا؟ قال: دخلت علي النبيّ صلى الله عليه و سلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال: بل قام من عندي جبريل قبل فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات.
قال: فقال: هل لك إلي أن اشمّك من تربته ؟ قال: قلت: نعم. فمدّ يده، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا. (1)
18335. البزّار : حدّثنا يوسف بن موسي ومحمّد بن معمر، قالا: حدّثنا محمّد بن عبيد، قال: حدّثنا شرحبيل بن مدرك الجعفي، عن عبدالله بن نجي، عن أبيه:
أنّه سافر مع علي -وكان صاحب مطهرته- فلمّا حاذي بنينوي - وهو منطلق إلي صفّين - ، فنادي علي: صبراً أباعبدالله!
فقلت: وماذا أباعبدالله ؟! قال: إنّي دخلت علي رسول الله ذات يوم وعيناه تفيضان، فقلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال: بلي، قام من عندي
ص:410
جبريل فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات، قال: هل لك أن اشمّك من تربته ؟ قال: قلت: نعم، قال: فمدّ يده فقبض قبضة من تراب، فلم أملك عيني أن فاضتا. (1)
18336. أبوالقاسم البغوي : حدّثني يوسف بن موسي القطّان، حدّثنا محمّد بن عبيد، حدّثنا شرحبيل بن مدرك الجعفي، عن عبدالله بن نجي، عن أبيه:
أنّه سافر مع علي بن أبي طالب -وكان صاحب مطهرته- فلمّا حاذوا نينوي -وهو منطلق إلي صفّين- نادي علي: صبراً أباعبدالله! صبراً أباعبدالله بشطّ الفرات!
قلت: ومن ذا أبوعبدالله ؟ قال: دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم وعيناه تفيضان، فقلت: يا نبي الله، أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال: بل قام من عندي جبريل فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات، وقال: هل لك أن اشمّك من تربته ؟ فقال: قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة فأعطانيها فلم -يعني- أملك عيني أن فاضتا. (2)
18337. سعيد بن منصور : عن نجي أنّه سار مع علي، فلمّا حاذي نينوي - وهو منطلق إلي صفّين - نادي: اصبر أباعبدالله! اصبر أباعبدالله بشطّ الفرات! قلت: وما ذاك ؟ ... وذكر مثل رواية أحمد. (3)
18338. ابن سعد وابن أبي شيبة : أخبرنا عبيدالله بن موسي، قال: أخبرنا إسرائيل،
ص:411
عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي، قال:
ليقتلنّ الحسين بن علي قتلاً، وإنّي لأعرف تربة الأرض الّتي يقتل بها، يقتل بقرية قريب من النهرين. (1)
18339. مطيّن : حدّثنا عبدالله بن الحكم بن أبي زياد وأحمد بن يحيي الصوفي، قالا: حدّثنا عبيدالله بن موسي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي رضي الله عنه ، قال:
ليقتلنّ الحسين قتلاً، وإنّي لأعرف التربة الّتي يقتل فيها قريباً من النهرين. (2)
18340. محمّد بن نوح : حدّثنا علي بن حرب الجنديسابوري، قال: حدّثنا إسحاق بن سليمان، قال: حدّثنا عمرو بن أبي قيس، عن يحيي بن سعيد أبي حيّان، عن قدامة الضبّي، عن جرداء (3) بنت سمير، عن زوجها هرثمة بن سلمي، قال:
خرجنا مع علي في بعض غزوه، فسار حتّي انتهي إلي كربلاء، فنزل إلي شجرة يصلّي إليها، فأخذ تربة من الأرض فشمّها، ثمّ قال: واهاً لك تربة! ليقتلنّ بك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.
قال: فقفلنا من غزاتنا وقتل علي ونسيت الحديث.
قال: فكنت في الجيش الّذين ساروا إلي الحسين، فلمّا انتهيت إليه نظرت إلي الشجرة، فذكرت الحديث، فتقدّمت علي فرس لي، فقلت: ابشّرك ابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وحدّثته الحديث، قال: معنا أو علينا؟ قلت: لا معك ولا عليك، تركت عيالاً وتركت. قال: أمّا لا،
ص:412
فولّ في الأرض، فوالّذي نفس حسين بيده لا يشهد قتلنا اليوم رجل إلّا دخل جهنّم.
قال: فانطلقت هارباً مولّياً في الأرض حتّي خفي علي مقتله. (1)
18341. ابن أبي شيبة : حدّثنا [أبو]معاوية، قال: حدّثنا الأعمش، عن سلام أبي شرحبيل، عن أبي هرثمة، قال:
بعرت شاة له، فقال لجارية له: يا جرداء، لقد أذكرني هذا البعر حديثاً سمعته من أميرالمؤمنين وكنت معه بكربلاء، فمرّ بشجرة تحتها بعر غزلان، فأخذ منه قبضة فشمّها، ثمّ قال: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب. (2)
18342. عثمان بن أبي شيبة : حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن سلام أبي شرحبيل، عن أبي هرثمة، قال:
كنت مع علي رضي الله عنه بنهري كربلاء، فمرّ بشجرة تحتها بعر غزلان، فأخذ منه قبضة فشمّها، ثمّ قال: يحشر من هذا الظهر سبعون ألفاً يدخلون الجنّة بغير حساب. (3)
18343. ابن أبي الحديد : قال نصر (4): حدّثنا منصور بن سلام التميمي، قال: حدّثنا حيّان التيمي, عن أبي عبيدة، عن هرثمة بن سليم، قال:
غزونا مع علي عليه السلام صفّين، فلمّا نزل بكربلاء صلّي بنا، فلمّا سلّم رفع إليه من تربتها فشمّها، ثمّ قال: واهاً لك يا تربة! ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.
قال: فلمّا رجع هرثمة من غزاته إلي امرأته جرداء بنت سمير -وكانت من شيعة
ص:413
علي عليه السلام - حدّثها هرثمة فيما حدّث، فقال لها: ألا اعجّبك من صديقك أبي حسن!
قال: لمّا نزلنا كربلاء وقد أخذ حفنة من تربتها فشمّها، وقال: واهاً لك أيّتها التربة! ليحشرنّ منك قوم يدخلون الجنّة بغير حساب! وما علمه بالغيب ؟
فقالت المرأة له: دعنا منك أيّها الرجل؛ فإنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يقل إلّا حقّاً.
قال: فلمّا بعث عبيدالله بن زياد البعث الّذي بعثه إلي الحسين عليه السلام كنت في الخيل الّتي بعث إليهم، فلمّا انتهيت إلي الحسين عليه السلام وأصحابه، عرفت المنزل الّذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام ، والبقعة الّتي رفع إليه من تربتها والقول الّذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت علي فرسي حتّي وقفت علي الحسين عليه السلام فسلّمت عليه، وحدّثته بالّذي سمعت من أبيه في هذا المنزل، فقال الحسين: أ معنا؟ أم علينا؟ فقلت: يا ابن رسول الله، لامعك ولا عليك، تركت ولدي وعيالي أخاف عليهم من ابن زياد.
فقال الحسين عليه السلام : فولّ هرباً حتّي لا تري مقتلنا، فوالّذي نفس حسين بيده لا يري اليوم مقتلنا أحد ثمّ لا يعيننا إلّا دخل النار.
قال: فأقبلت في الأرض أشتدّ هرباً، حتّي خفي علي مقتلهم. (1)
18344. ابن سعد : أخبرنا يحيي بن حمّاد، قال: حدّثنا أبوعوانة، عن سليمان، قال: حدّثنا أبوعبيد الضبّي، قال:
دخلنا علي أبي هَرثَم (2) الضبّي حين أقبل من صفّين - وهو مع علي - وهو جالس علي دكّان وله امرأة يقال لها جرداء، هي أشدّ حبّاً لعلي، وأشدّ لقوله تصديقاً، فجاءت شاة فبعرت، فقال: لقد ذكّرني بعر هذه الشاة حديثاً لعلي، قالوا: وما علم علي بهذا؟
قال: أقبلنا مرجعنا من صفّين فنزلنا كربلاء، فصلّي بنا علي صلاة الفجر بين شجرات ودوحات حَرمَل، ثمّ أخذ كفّاً من بعر الغزلان فشمّه، ثمّ قال: أوه، أوه، يقتل
ص:414
بهذا الغائط (1) قوم يدخلون الجنّة بغير حساب.
قال: قالت جرداء: وما تنكر من هذا؟ هو أعلم بما قال منك! نادت بذلك وهي في جوف البيت. (2)
18345. ابن أبي الحديد : ومن ذلك [أي من إخبار علي عليه السلام بالاُمور الغيبيّة] قوله عليه السلام للبراء بن عازب يوماً: يا براء، أ يقتل الحسين وأنت حي فلا تنصره ؟! فقال البراء: لا كان ذلك يا أميرالمؤمنين!
فلمّا قتل الحسين عليه السلام كان البراء يذكر ذلك؛ ويقول: أعظم بها حسرة! إذ لم أشهده واُقتل دونه! (3)
18346. ابن أبي الحديد : [وقال عليه السلام ]:
كلّ حقد حقدته قريش علي رسول الله صلى الله عليه و آله أظهرته في، وسَتُظهِره في ولدي من بعدي، مالي ولقريش! إنّما وَتَرْتُهم بأمر الله وأمر رسوله، أ فهذا جزاء من أطاع الله ورسوله إن كانوا مسلمين ؟! (4)
18347. الخوارزمي : ذكر شيخ الإسلام الحاكم الجشمي أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا سار إلي صفّين نزل بكربلاء وقال لابن عبّاس: أتدري ما هذه البقعة ؟ قال: لا. قال: لو
ص:415
عرفتها لبكيت بكائي. ثمّ بكي بكاء شديداً، ثمّ قال: مالي ولآل أبي سفيان ؟! ثمّ التفت إلي الحسين وقال: صبراً يا بُني، فقد لقي أبوك منهم مثل الّذي تلقي بعده. (1)
18348. الميبدي : [قال علي عليه السلام ]:
كأنّي بنفسي وأعقابها وبالكربلاء ومحرابها
فتخضب منّا اللحي بالدماء خضاب العروس بأثوابها
أراها ولم يك رأي العيان واُوتيتُ مفتاح أبوابها
مصائب تأباك من أن تردّ فأعدد لها قبل مُنتابها
سقي الله قائمنا صاحب ال - قيامة والناس في دابها
هو المدرك الثار لي يا حسي ن بل لك فاصبر لأتعابها
لكلّ دم ألف ألف وما يقصّر في قتل أحزابها
هنا لك لا ينفع الظالمي ن قول بعذر وإعتابها
حسين فلا تَضْجُرَنْ للفراق فدنياك أضحت لتَخْرابها
سل الدور تُخْبِر وأفْصِحْ بها بأن لا بقاء لأربابها (2)
18349. ابن عساكر : أنبأنا أبومحمّد بن طاووس، أنبأنا أبوالغنائم بن أبي عثمان، أنبأنا أبوالحسن بن رزقويه، أنبأنا أبوبكر محمّد بن عمر الجعابي، أنبأنا الفضل بن الحباب، أنبأنا أبوبكر، أنبأنا جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن بعض أصحابه، قال:
قال علي لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاماً تخيّر فيه بين الجنّة والنار، فتختار النار؟! (3)
ص:416
برواية:
3. ما ورد مرسلاً
1. الحارث بن سويد2. أبي العالية
18350. الحمّاني : حدّثنا حصين بن عمر، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن حارث بن سويد، عن علي، قال:
حجّوا، فكأنّي أنظر إلي حبشي أصمع بيده معول ينقضها حجراً حجراً!
قلنا لعلي: أ برأيك ؟ قال: لا؛ والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ولكن سمعت نبيّكم صلى الله عليه و سلم . (1)
18351. الحمّاني : حدّثنا حصين بن عمر الأحمسي، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال: سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول:
حجّوا قبل أن لا تحجّوا، فكأنّي أنظر إلي حبشي أصمع أفدع، بيده معول يهدمها حجراً حجراً!
فقلت له: شيء برأيك تقول، أو سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال: لا؛ والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ولكن سمعته من نبيّكم صلى الله عليه و سلم . (2)
ص:417
18352. الحمّاني : حدّثنا حصين بن عمر الأحمسي، قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال: سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول:
حجّوا قبل أن لا تحجّوا، فكأنّي أنظر إلي الحبش فوق الكعبة بأيديهم معاول يهدمونها حجراً حجراً!
قال: قلنا: أ شيء تقوله برأيك ؟ فقال: لا؛ والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما سمعته إلّا من نبيّكم صلى الله عليه و سلم . (1)
18353. ابن عدي : حدّثنا ابن ذريح، حدّثنا جبارة، حدّثنا حصين بن عمر، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، قال:
سمعت عليّاً يقول: حجّوا قبل أن لا تحجّوا، فلكأنّي أنظر إلي حبشي أصمع أقرع علي كعبتكم هذه بيده معول ينقضها حجراً حجراً!
قلت: سمعت من النبيّ صلى الله عليه و سلم أو من رأيك ؟ قال: بل سمعت من نبيّكم صلى الله عليه و سلم . (2)
18354. عبدالرزّاق : أخبرنا هشام بن حسّان، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية أنّ علي بن أبي طالب قال:
استكثروا من هذا الطواف بالبيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فإنّي به أصمع أصعل يعلوها يهدمها بمسحاته. (3)
18355. ابن أبي شيبة : حدّثنا إسحاق الأزرق, عن هشام بن حسّان, عن حفصة, عن أبي العالية, عن علي بن أبي طالب, قال:
ص:418
كأنّي أنظر إلي رجل من الحبش أصلع أصمع حمش الساقين؛ جالس عليها وهو يهدمها. (1)
18356. العدني ونعيم بن حمّاد : حدّثنا سفيان، عن هشام بن حسّان، عن حفصة بنت سيرين، عن أبي العالية، عن علي رضي الله عنه ، قال:
استكثروا من الطواف بهذا البيت ما استطعتم من قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأنّي أنظر إليه أصعل أصمع يهدمها بمسحاته. (2)
18357. أبوعبيد والأزرقي وابن أبي شيبة : عن أبي العالية، قال:
استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل أن يحال بينكم وبينه، فكأنّي برجل من الحبشة أصعل أصمع؛ حمش الساقين؛ قاعد عليها وهي تهدم. (3)
18358. المقدسي : روي عن علي -صلوات الله عليه وسلامه- , قال:
حجّوا قبل أن تحجّوا، فو الّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليرفعنّ هذا البيت من بين أظهركم حتّي لا يدري أحدكم أين كان مكانه بالأمس.
ص:419
وقال: كأنّي أنظر إلي أسود حمش الساقين قد علاها وينقضها طوبة طوبة. (1)
برواية:
1. محمّد بن علي الباقر عليهما السلام -3. ما ورد مرسلاً
2. يزيد الأحمسي
18359. الحسكاني : [أخبرنا] أبوالقاسم عبدالرحمان بن محمّد بن عبدالرحمان الحسني، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم الكوفي (2)، قال: حدّثنا أحمد بن يحيي، قال: حدّثنا محمّد بن عمر، قال: حدّثنا عبدالكريم، عن إبراهيم بن أيّوب، عن جابر، عن أبي جعفر [محمّد بن علي الباقر عليهما السلام ]، قال:
بينما أميرالمؤمنين في مسجد الكوفة إذ أتته امرأة تستعدي علي زوجها، فقضي لزوجها عليها، فغضبت فقالت: والله ما الحقّ فيما قضيت، ولا تقضي بالسويّة، ولا تعدل في الرعيّة، ولا قضيّتك عند الله بالمرضيّة! فنظر إليها مليّاً، ثمّ قال: كذبت يا جريّة، يا بذيّة، يا سلقلقة - أو يا سلقي - . فولّت هاربة، فلحقها عمرو بن حريث فقال: لقد استقبلت عليّاً بكلام ثمّ إنّه نزعك بكلمة فولّيت هاربة!
قالت: إنّ عليّاً والله أخبرني بالحقّ وشيء أكتمه من زوجي منذ ولي عصمتي.
فرجع عمرو إلي أميرالمؤمنين فأخبره بما قالت، وقال: يا أميرالمؤمنين، ما نعرفك بالكهانة.
فقال: ويلك! إنّها ليست بكهانة منّي، ولكنّ الله أنزل قرآناً: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
ص:420
لِلْمُتَوَسِّمِينَ 1 ، فكان رسول الله هو المتوسّم، وأنا من بعده، والأئمّة من ذرّيّتي بعدي هم المتوسّمون، فلمّا تأمّلتها عرفت ما هي بسيماها. (1)
18360. الحسكاني : فرات (2) قال: حدّثني جعفر بن محمّد، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد الجدلي، قال: حدّثنا محمّد بن عمر، قال: حدّثنا عبدالكريم، عن إبراهيم بن أيّوب، عن جابر، عن أبي جعفر، به سواء. (3)
18361. الحسكاني : أبوالنضر [العيّاشي (4) قال: حدّثنا] علي بن أبي علي، قال: حدّثني سلمة بن الخليل، عن محمّد بن إسماعيل القزويني، عن إبراهيم بن أيّوب المديني، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبوجعفر:
بينا أميرالمؤمنين جالس في مسجد الكوفة إذ أتته امرأة مستعدية لزوجها، فقضي للزوج [علي المرأة]، فغضبت.
و[ساقه] به بطوله معني سواء. (5)
18362. ابن أبي الحديد : روي محمّد بن جبلة الخيّاط ، عن عكرمة، عن يزيد الأحمسي:
أنّ عليّاً عليه السلام كان جالساً في مسجد الكوفة، وبين يديه قوم، منهم عمرو بن حريث؛ إذ أقبلت امرأة مختمرة لا تُعرف، فوقفت فقالت لعلي عليه السلام : يا من قتل الرجال، وسفك الدماء،
ص:421
وأيتم الصبيان، وأرمل النساء!
فقال عليه السلام : وإنّها لهي هذه السلقلقة الجلعة المجعة، وإنّها لهي هذه؛ شبيهة الرجال والنساء؛ الّتي ما رأت دماً قطّ !
قال: فولّت هاربة منكّسة رأسها، فتبعها عمرو بن حريث، فلمّا صارت بالرحبة قال لها: والله لقد سررت بما كان منك اليوم إلي هذا الرجل، فادخلي منزلي حتّي أهب لك وأكسوك، فلمّا دخلت منزله أمر جواريه بتفتيشها وكشفها ونزع ثيابها لينظر صدقه فيما قاله عنها، فبكت وسألته ألّا يكشفها؛ وقالت: أنا والله كما قال، لي ركب النساء، واُنثيان كأنثي الرجال؛ وما رأيت دماً قطّ .
فتركها وأخرجها، ثمّ جاء إلي علي عليه السلام فأخبره، فقال: إنّ خليلي رسول الله - صلّي الله عليه - أخبرني بالمتمرّدين علي من الرجال والمتمرّدات من النساء إلي أن تقوم الساعة. (1)
18363. ابن طلحة : روي ابن شهرآشوب في كتابه (2) أنّ عليّاً عليه السلام لمّا قدم الكوفة وفد عليه طوائف من الناس، وكان فيهم فتي، فصار من شيعته يقاتل بين يديه في مواقفه، فخطب امرأة من قوم عرب استوطنوا الكوفة، فأجابوه فتزوّجها، فلمّا صلّي علي عليه السلام يوماً صلاة الصبح قال لبعض من عنده: اذهب إلي محلّة بني فلان تجد فيها مسجداً إلي جانبه بيتاً تسمع فيه صوت رجل وامرأة يتشاجران بأصوات مرتفعة فأحضرهما الساعة، وقل لهما: أميرالمؤمنين يطلبكما.
فمضي ذلك الإنسان فما كان إلّا هنيئة حتّي عاد ومعه ذلك الفتي وامرأته، فقال: لهما علي عليه السلام : فيم طال تشاجركما (3) الليلة ؟
ص:422
فقال الفتي: يا أميرالمؤمنين، إنّ هذه المرأة خطبتها وتزوّجتها، فلمّا خلوت بها هذه الليلة وجدت في نفسي منها نفرة منعتني أن ألمّ بها، ولو استطعت إخراجها ليلاً لأخرجتها عنّي قبل ظهور النهار، فنقمت علي ذلك ونحن في التشاجر إلي أن جاء أمرك فحضرنا بين يديك.
فقال علي عليه السلام لمن حضره: ربّ حديث لا يؤثّر من يخاطب به أن يسمعه غيره.
فقام من كان حاضراً ولم يبق عند علي عليه السلام غير الفتي والمرأة، فقال لها علي عليه السلام : أ تعرفين هذا الفتي ؟ فقالت: لا.
فقال: إذا أنا أخبرتك بحاله تعرفينها فلا تنكريها. قالت: بلي يا أميرالمؤمنين.
قال عليه السلام : أ لست فلانة بنت فلان ؟ قالت: بلي.
قال عليه السلام : أ ليس كان لك ابن عمّ وكلّ واحد منكما راغب في صاحبه ؟ قالت: بلي.
قال عليه السلام : أ ليس إنّ أباك منعك منه ومنعه عنك ولم يزوّجه بك وأخرجه من جواره لذلك ؟ قالت: بلي.
قال عليه السلام : أ ليس خرجت ليلة لقضاء الحاجة فاغتالك وأكرهك ووطئك؛ فحملت فكتمت أمرك عن أبيك؛ وأعلمت امّك؛ فلمّا آن الوضع أخرجتك ليلاً فوضعت ولداً فلفته في خرقة؛ وألقته من خارج الجدران حيث قضاء الحوائج؛ فجاء كلب فشمّه فخشيت أن يأكله فرمته بحجر فوقعت في رأسه فشجته؛ فعدت إليه أنت واُمّك؛ فشدّت امّك رأسه بخرقة من جانب مرطها؛ ثمّ تركتماه ومضيتما ولم تعلما حاله ؟ فسكتت.
فقال لها عليه السلام : تكلّمي بحقّ . فقالت: بلي والله يا أميرالمؤمنين، إنّ هذا الأمر ما علمه منّي غير امّي.
فقال عليه السلام : فقد أطلعني الله عليه، فأصبح وأخذه بنو فلان، فربّي فيهم إلي أن كبر، وقدم معهم الكوفة وخطبك وهو ابنك.
ثمّ قال للفتي: اكشف عن رأسك. فكشف رأسه فوجدت أثر الشجّة فيه.
فقال عليه السلام : هذا ابنك قد عصمه الله ممّا حرّمه عليه، فخذي ولدك وانصرفي فلا نكاح بينكما. (1)
ص:423
برواية:
1. الأصبغ بن نباتة-10. عمارة بن القعقاع
2. أبي أرطاة -11. عمر بن علي
3. خالد بن أبي عمران-12. كعب الأحبار
4. أبي رومان-13. محمّد بن جعفر
5. زرّ بن حبيش-14. محمّد بن علي
6. أبي سالم الجيشاني-15. عيّاش عمّن حدّثه عن علي عليه السلام
7. شيحة بن عبدالله-16. الهيثم عمّن حدّثه عن علي عليه السلام
8. عاصم بن ضمرة-17. ما ورد مرسلاً
9. عبدالله بن زرير
18364. ابن المنادي : بلغني عن إبراهيم بن سليمان بن حيّان بن مسلم بن هلال الدبّاس الكوفي، قال: نبّأ علي بن أسباط المقرئ، قال: نبّأ علي بن الحسين العبدي، عن سعد الإسكافي، عن الأصبغ بن نباتة، قال:
خطب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فحمد الله تعالي وأثني عليه، ثمّ قال:
أيّها الناس، إنّ قريشاً أئمّة العرب، أبرارها لأبرارها، وفجّارها لفجّارها، ألا ولابدّ من رحي تطحن علي ضلال (1) وتدور، فإذا قامت علي قطبها (2) طحنت بحدّتها، ألا وإنّ
ص:424
لطحنها روقاً، وروقها حدّتها، وفلّها علي الله -عزّ وجلّ - .
ألا وإنّي وأبرار عترتي وأهل بيتي أعلم الناس صغاراً، وأحلم الناس كباراً، معنا راية الحقّ ، من تقدّمها مرق، ومن تأخّر عنها محق، ومن لزمها لحق.
وإنّا أهل بيت الرحمة، وبنا فتحت أبواب الحكمة، وبحكم الله حكمنا، وبعلم الله علمنا، ومن صادق سمعنا، فإن تتّبعونا تنجوا، وإن تتولّوا يعذّبكم الله بأيدينا.
بنا فكّ الله ربق الذلّ من أعناقكم، وبنا يختم؛ لا بكم، وبنا يلحق التالي، وإلينا يفيء الغالي، ولولا أن تستعجلوا وتستأخروا القدر لأمر قد سبق في البشر لحدّثتكم بشباب من الموالي، وأبناء العرب، ونبذ من الشيوخ كالملح في الزاد، وأقلّ الزاد الملح، فينا معتبر، ولشيعتنا منتظر، وإنّا وشيعتنا نمضي إلي الله -عزّ وجلّ - بالبطن والحمّي والسيف، وإنّ عدوّنا يهلك بالداء والدبيلة وبما شاء الله من البليّة والنقمة.
وأيم الله [الأعزّ الأكرم] (1) أن لوحدّثتكم بكلّ ما أعلم لقالت طائفة: ما أكذب وأرجم!
ولو انتقيت منكم مئة قلوبهم كالذهب، ثمّ انتقيت (2) من المئة عشرة، ثمّ حدّثتهم فينا أهل البيت حديثاً ليّناً لا أقول فيه إلّا حقّاً؛ ولا أعتمد فيه إلّا صدقاً؛ لخرجوا وهم يقولون: علي من أكذب الناس!
ولو اخترت من غيرهم (3) عشرة؛ فحدّثتهم في عدوّنا؛ وأهل البغي علينا أحاديث كثيرة؛ لخرجوا وهم يقولون: علي من أصدق الناس!
هلك خاطب الخطب، وحاص صاحب العصب، وبقيت القلوب تتقلّب، منها (4) مشغب، ومنها مجدب، ومنها مخصب، ومنها مشتّت. (5)
ص:425
يا بني، ليبرّ صغاركم كباركم، وليرأف كباركم بصغاركم، ولا تكونوا كالغواة الجفاة الّذين لم يتفقّهوا في الدين، ولم يعطوا في الله -عزّ وجلّ - محض اليقين، كبيض في أداحي.
ويح الفراخ! فراخ آل محمّد من خليفة جبّار عتريف مترف، مستخفّ بخلفي، وخلف الخلف، وبالله لقد علمت تأويل الرسالات، وإنجاز العدات، وتمام الكلمات، وليكوننّ من أهل بيتي رجل يأمر بأمر الله قوي، يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مكلح مفضح، يشتدّ فيه البلاء، وينقطع فيه الرجاء، ويقبل فيه الرشاء، فعند ذلك يبعث الله -عزّ وجلّ - رجلاً من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد علي سفك الدماء، قد كان في ستر وغطاء، فيقتل قوماً هو عليهم غضبان، شديد الحقد حرّان في سنّة بخت نصر، يسومهم خسفاً، ويسقيهم كأساً مصبّرة سوط عذاب، وسيف دمّار، ثمّ يكون بعده هنات واُمور مشتبهات.
ألا إنّ من شطّ الفرات إلي النجفات باباً إلي القطقطانيّات في آيات وآفات متواليات يحدثن شكّاً بعد يقين، يقوم بعد حين، تبني المدائن، وتفتح الخزائن، وتجمع الاُمم، ينفذها شخص البصر، وطمح النظر، وعنت الوجوه، وكشف البال حين يري مقبلاً مدبراً.
فيالهفاه علي ما أعلم! رجب شهر ذكر، رمضان تمام السنين، شوّال يشال فيه أمر القوم، ذوالقعدة يقتعدون فيه، ذوالحجّة الفتح من أوّل العشر.
ألا إنّ العجب كلّ العجب بعد جمادي في رجب (1)، جمع أشتات، وبعث أموات، وحديثات هونات، هونات بينهنّ موتات، رافعة ذيلها، داعية عولها، معلنة قولها، بدجلة أو حولها.
ألا إنّ منّا قائماً، عفيفة أحسابه، سادة أصحابه، تنادوا (2) عند اصطلام أعداء الله باسمه واسم أبيه في شهر رمضان ثلاثاً، بعد هرج وقتال، وضنك وخبال، وقيام من البلاء علي ساق.
وإنّي لأعلم إلي من تخرج الأرض ودائعها، وتسلّم إليه خزائنها، ولو شئت أن أضرب برجلي فأقول: أخرجوا (3) من هاهنا بيضاً ودروعاً.
ص:426
كيف أنتم يا بني (1) هنّات، إذا كانت سيوفكم بأيمانكم مصلتات، ثمّ رملتم رملات ليلة البيات ؟! ليستخلفنّ الله خليفة يثبت علي الهدي، ولا يأخذ علي حكمه الرشاء، إذا دعا دعوات بعيدات المدي، دامغات المنافقين، فارجات عن المؤمنين.
ألا إنّ ذلك كائن علي رغم الراغمين، والحمد لله ربّ العالمين. (2)
18365. نعيم بن حمّاد : حدّثنا مروان الفزاري، عن إسماعيل بن سميع، عن بكير الطويل، عن أبي أرطاة:
سمع عليّاً رضي الله عنه يقول: صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم رحمه الله صلى الله عليه و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم صلى الله عليه و آله و سلم (3)، ثمّ قال: الناس منهم براء غير قريش. ثمّ قال: لا تذهب الأيّام والليالي حتّي يؤتي بالرجل من قريش فتنزع عمامته عن رأسه لا يغيّر من شرّ بلائهم. (4)
18366. نعيم بن حمّاد : حدّثنا رشدين، عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، قال: قال علي:
سيليكم أئمّة شرّ أئمّة، فإذا افترقوا علي ثلاث رايات فاعلموا أنّه هلاكهم. (5)
18367. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد بن مسلم ورشدين بن سعد، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
ص:427
إذا خرجت خيل السفياني إلي الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود علي مقدّمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمنّي الناس المهدي ويطلبونه. (1)
18368. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه ، قال:
إذا ظهر أمر السفياني لم ينج من ذلك البلاء إلّا من صبر علي الحصار. (2)
18369. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي، قال:
إذا اختلفت أصحاب الرايات السود يخسف بقرية من قري إرم، ويسقط جانب مسجدها الغربي، ثمّ تخرج بالشام ثلاث رايات: الأصهب، والأبقع، والسفياني، فيخرج السفياني من الشام، والأبقع من مصر، فيظهر السفياني عليهم. (3)
18370. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه ، قال:
يلتقي السفياني والرايات السود فيهم شابّ من بني هاشم في كفّه اليسري خال، وعلي مقدّمته رجل من بني تميم يقال له شعيب بن صالح، بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمّني الناس المهدي ويطلبونه. (4)
ص:428
18371. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه ، قال:
بعد الخسف ينادي مناد من السماء: إنّ الحقّ في آل محمّد، في أوّل النهار، ثمّ ينادي مناد في آخر النهار: إنّ الحقّ في ولد عيسي، وذلك نحوه من الشيطان. (1)
18372. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي، قال:
إذا اختلف أصحاب الرايات السود بينهم كان خسف قرية بإرم، يقال لها: حرستا، وخروج الرايات الثلاث بالشام عندها. (2)
18373. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي، قال:
تخرج بالشام ثلاث رايات: الأصهب، والأبقع، والسفياني، يخرج السفياني من الشام، والأبقع من مصر، فيظهر السفياني عليهم. (3)
18374. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي، قال:
يظهر السفياني علي الشام، ثمّ يكون بينهم وقعة بقرقيسيا، حتّي يشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثمّ يفتق عليهم فتق من خلفهم، فيقبل طائفة منهم يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، فيقتلون شيعة آل محمّد بالكوفة، ثمّ يخرج أهل خراسان في طلب المهدي. (4)
ص:429
18375. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي، قال:
يبعث بجيش إلي المدينة، فيأخذون من قدروا عليه من آل محمّد صلى الله عليه و سلم ، ويقتل من بني هاشم رجال ونساء، فعند ذلك يهرب المهدي والمبيّض من المدينة إلي مكّة، فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه. (1)
18376. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه ، قال:
إذا هزمت الرايات السود خيل السفياني الّتي فيها شعيب بن صالح تمنّي الناس بالمهدي، فيطلبونه فيخرج من مكّة ومعه راية النبيّ صلى الله عليه و سلم فيصلّي ركعتين، بعد أن يئس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلاء، فإذا فرغ من صلاته انصرف، فقال: أيّها الناس، ألجّ البلاء باُمّة محمّد صلى الله عليه و سلم ، وبأهل بيته خاصّة، قهرنا وبغي علينا. (2)
18377. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه ، قال:
إذا نزل جيش في طلب الّذين خرجوا إلي مكّة فنزلوا البيداء خسف بهم، ويباد بهم، وهو قوله -عزّ وجلّ - : وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ 3 من تحت أقدامهم، ويخرج رجل من الجيش في طلب ناقة له، ثمّ يرجع إلي الناس فلا يجد منهم أحداً، ولا يحسّ بهم، وهو الّذي يحدّث الناس بخبرهم. (3)
18378. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن
ص:430
أبي رومان، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
إذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض، فلا تحرّكوا أيديكم ولا أرجلكم، ثمّ يظهر قوم ضعفاء لا يؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلي الحقّ ، وليسوا من أهله، أسماؤهم الكني، ونسبتهم القري، وشعورهم مرخاة كشعور النساء، حتّي يختلفوا فيما بينهم، ثمّ يؤتي الله الحقّ من يشاء. (1)
18379. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي رومان، عن علي رضي الله عنه ، قال:
إذا نادي مناد من السماء: إنّ الحقّ في آل محمّد، فعند ذلك يظهر المهدي علي أفواه الناس ويشربون حبّه، ولا يكون لهم ذكر غيره. (2)
18380. نعيم بن حمّاد : حدّثنا أبوهارون الكوفي، عن عمرو بن قيس الملائي، عن المنهال بن عمرو، عن زرّ بن حبيش:
سمع عليّاً رضي الله عنه يقول: سلوني، فوالله لا تسألوني عن فئة خرجت تقاتل مئة، أو تهدي مئة، إلّا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها؛ ما بينكم وبين قيام الساعة. (3)
18381. ابن وهب : حدّثني حرملة بن عمران، عن سعيد بن سالم، عن أبي سالم الجيشاني، قال:
سمعت عليّاً رضي الله عنه يقول بالكوفة: ما من ثلاثمئة تخرج إلّا ولو شئت سمّيت سائقها
ص:431
وناعقها إلي يوم القيامة. (1)
18382. عبّاس الدوري : نبّأ شبابة بن سوار، قال: نبّأ الحريس بن طلحة أبوقدامة، قال: حدّثني أبوالحيرة شيحة (2) بن عبدالله، قال:
سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: والّذي نفسي بيده؛ لا يذهب الليل والنهار حتّي تجيء الرايات السود من قبل خراسان حتّي يوثقوا خيولهم بنخلات نيسان (3) والفرات. (4)
18383. نعيم بن حمّاد : حدّثنا أبواُسامة، عن الأعمش، قال: حدّثني منذر الثوري، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه ، قال:
في الفتنة الخامسة العمياء الصمّاء المطبقة يصير الناس فيها كالبهائم. (5)
18384. نعيم بن حمّاد : حدّثنا أبواُسامة، حدّثنا الأعمش، حدّثنا منذر الثوري، عن عاصم بن ضمرة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
جعل الله في هذه الاُمّة خمس فتن: فتنة عامّة، ثمّ فتنة خاصّة، ثمّ فتنة عامّة، ثمّ فتنة خاصّة، ثمّ الفتنة السوداء المظلمة الّتي يصير الناس كالبهائم، ثمّ هدنة، ثمّ دعاة إلي الضلالة، فإن بقي لله يومئذ خليفة فالزمه. (6)
ص:432
18385. معمر : عن طارق، عن منذر الثوري، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه ، قال:
جعلت في هذه الاُمّة خمس فتن، فذكر نحوه، إلّا أنّه قال: العمياء الصمّاء المطبقة. (1)
18386. معمر : عن طارق، عن منذر الثوري، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه ، قال:
في الفتنة الخامسة العمياء الصمّاء المطبقه يصير الناس فيها كالبهائم. (2)
18387. ابن وهب : عن ابن لهيعة، عن الحارث بن يزيد، سمع ابن زرير الغافقي، سمع عليّاً يقول:
يخرج في اثني عشر ألفاً؛ إن قلّوا، أو خمسة عشر ألفاً؛ إن كثروا، يسير الرعب بين يديه، لا يلقاه عدوّ إلّا هزمهم بإذن الله، شعارهم: أمت، أمت، لا يبالون في الله لومة لائم، فيخرج إليهم سبع رايات من الشام، فهزمهم، ويملك، فترجع إلي الناس محبّتهم ونعمتهم وفاصتهم وبزارتهم، فلا يكون بعدهم إلّا الدجّال.
قلنا: وما الفاصة والبزارة ؟ قال: يفيض الأمر حتّي يتكلّم الرجال بما شاء، لا يخشي شيئاً. (3)
18388. نعيم بن حمّاد : حدّثنا الوليد ورشدين، عن ابن لهيعة، عن أبي زرعة [عمرو بن جابر]، عن عبدالله بن زرير، عن علي، قال:
يتبع عبدُالله عبدَالله، حتّي تلتقي جنودهما بقرقيسيا علي النهر. (4)
18389. نعيم بن حمّاد : حدّثنا رشدين، عن ابن لهيعة، عن عيّاش بن عبّاس الزرقي، عن ابن زرير، عن علي رضي الله عنه ، قال:
ص:433
يا رسول الله علي (1) أهل الشام من يفرق جماعتهم حتّي لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم وعند ذلك يخرج رجل من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول: خمسة عشر ألفاً، والمقلّل يقول: اثنا عشر ألفاً، أمارتهم: أمت، أمت، علي راية منها رجل يطلب الملك -أو يبتغي له الملك- فيقتلهم الله جميعاً، ويرد الله علي المسلمين الفتهم وفاصتهم وبزارتهم. (2)
18390. محمّد بن فضيل : نبّأ عمارة بن القعقاع، قال:
خطبنا علي بن أبي طالب عليه السلام ، فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال: سلوني أيّها الناس قبل أن تفقدوني -يقولها ثلاث مرّات- .
فقام إليه صعصعة بن صوحان العبدي، فقال: يا أميرالمؤمنين، متي يخرج الدجّال ؟ فقال: مه يا صعصعة! قد علم الله مقامك، وسمع كلامك، ما المسؤول [عنه] بأعلم من السائل، ولكن لخروجه علامات وأسباب، وهيئات، يتلو بعضهنّ بعضاً حذو النعل بالنعل في حال واحد، ثمّ إن شئت أنبأتك بعلامته؛ يا صعصعة.
فقال: عن ذاك سألتك يا أميرالمؤمنين.
قال: فاعقد بيدك، واحفظ ما أقول لك: إذا أمات الناس الصلوات، وأضاعوا الأمانات، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، واُمراؤهم فجرة، ووزراؤهم خونة، وأعوانهم ظلمة، وقرّاؤهم فسقة، وظهر الجور، وفشي الربا، وظهر الزنا، وقطعت الأرحام، واتّخذت القينات، وشربت الخمور، ونقضت العهود، وصنعت العمّات، (3) وتواني الناس في صلاة الجماعات، وزخرفوا المساجد، وطوّلوا المنائر، وحلّوا المصاحف، وأخذوا الرشا،
ص:434
وأكلوا الربا، واستعملوا السفهاء، واستخفّوا بالدماء، وباعوا الدين بالدنيا، واتّجرت المرأة مع زوجها حرصاً علي الدنيا، وركب النساء المنابر، وتشبّهن بالرجال، وتشبّه الرجال بالنساء، وكان الإسلام بينهم علي المعرفة، وشهد شاهدهم من غير أن يستشهد، وحلف من قبل أن يستحلف، ولبسوا جلود الضأن علي قلوب الذئاب، وكانت قلوبهم أمرّ من الصبر، وألسنتهم أحلي من العسل، وسرائرهم أنتن من الجيف، والتمسوا النفقة لغير الدين، واُنكر المعروف، وعرف المنكر، فالنجا النجا، والوحا والوحا.
نعم المسكن حينئذ عَبّادان، النائم فيها كالمجاهد في سبيل الله، وهي أوّل بقعة آمنت بعيسي عليه السلام ، وليأتينّ علي الناس زمان يقول أحدهم: يا ليتني تبنة في لبنة من بيت من بيوت عَبّادان.
قال: فقام إليه الأصبغ بن نباتة، فقال: يا أميرالمؤمنين، ومن الدجّال ؟
فقال: ألا إنّ الدجّال صائد بن صائد، الشقي من صدّقه، والسعيد من كذّبه، ألا إنّ الدجّال يطعم الطعام، ويشرب الشراب، ويمشي في الأسواق، والله -عزّ وجلّ - يتعالي عن ذلك.
ألا إنّ الدجّال طوله أربعون ذراعاً بالذراع الأوّل، تحته حمار أقمر، طول كلّ اذن من اذنيه ثلاثون ذراعاً، ما بين حافر حماره إلي الحافر الآخر مسيرة يوم وليلة، تطوي له الأرض منهلاً منهلاً، يتناول السحاب، ويسبق الشمس إلي مغربها، يخوض البحر إلي كعبيه، أمامه جبل دخان، وخلفه جبل أخضر، ينادي بصوت له، يسمع به ما بين الخافقين: إلي أوليائي، إلي أحبّائي، فأنا الّذي خلق فسوّي، والّذي قدّر فهدي، أنا ربّكم الأعلي!!
كذب عدوّ الله، ليس ربّكم كذلك، فإنّه أعور ممسوح، وإنّ ربّكم ليس بأعور، ألا إنّ الدجّال أكثر أشياعه وأتباعه اليهود، وأولاد الزنا، يقتله الله بالشام علي عقبة يقال لها عقبة أفيق، لثلاث ساعات يمضين من النهار، علي يد عيسي ابن مريم عليه السلام .
وعند ذلك خروج الدابّة من الصفا، معها خاتم سليمان بن داوود، وعصا موسي بن عمران، فينكتب بالخاتم علي جبهة كلّ مؤمن: هذا مؤمن حقّاً حقّاً.
ص:435
ثمّ تنكتب بالعصا علي جبهة كلّ كافر: هذا كافر حقّاً حقّاً.
ألا إنّ المؤمن حينئذ يقول للكافر: ويلك يا كافر! الحمد لله الّذي لم يجعلني مثلك، وحتّي أنّ الكافر ليقول للمؤمن: طوبي لك يا مؤمن! يا ليتني كنت معك فأفوز فوزاً عظيماً.
لا تسألوني عمّا بعد ذلك فإنّ رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عهد إلي أن أكتمه. (1)
18391. معتمر بن سليمان : عن رجل، عن عمّار بن محمّد، عن عمر بن علي:
أنّ عليّاً قال: تكون فتن ثمّ تكون جماعة علي رأس رجل من أهل بيتي، ليس له عند الله خلاق، فيقتل أو يموت، فيقوم المهدي. (2)
18392. الوليد بن مسلم : عن معاوية بن يحيي، عن أرطاة بن المنذر، عن حكيم بن عمير، عن تبيع، عن كعب، قال: قال علي عليه السلام :
علي يدي ذلك اليماني تكون ملحمة عكّا الصغري، وذلك إذا ملك الخامس من أهل هرقل. (3)
18393. نعيم بن حمّاد : حدّثنا عبدالقدّوس وغيره، عن ابن عيّاش، عمّن حدّثه، عن محمّد بن جعفر، عن علي، قال:
السفياني من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة، بوجهه آثار
ص:436
جدري، وبعينه نكتة بياض، يخرج من ناحية مدينة دمشق في واد يقال له وادي اليابس، يخرج في سبعة نفر، مع رجل منهم لواء معقود، يعرفون في لوائه النصر، يسير بين يديه علي ثلاثين ميلاً، لا يري ذلك العلم أحد يريده إلّا انهزم. (1)
18394. نعيم بن حمّاد : قال ابن عيّاش: أخبرني بعض أهل العلم، عن محمّد بن جعفر، قال: قال علي بن أبي طالب:
يخرج رجل من ولد حسين، اسمه اسم نبيّكم، يفرح بخروجه أهل السماء والأرض.
فقال له رجل: يا أميرالمؤمنين، فالسفياني ما اسمه ؟
قال: هو من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان، رجل ضخم الهامة، بوجهه آثار جدري، وبعينه نكتة بياض، خروجه خروج المهدي، ليس بينهما سلطان، هو يدفع الخلافة إلي المهدي، يخرج من الشام، من وادي من أرض دمشق، يقال له وادي اليابس، يخرج في سبعة نفر، مع رجل منهم لواء معقود، يعرفون في لوائه النصر، يسير بين يديه علي ثلاثين ميلاً، لا يري ذلك العلم أحد يريده إلّا انهزم.
يأتي دمشق، فيقعد علي منبرها، ويدني الفقهاء والقرّاء، ويضع السيف في التجّار وأصحاب الأموال، ويستصحب القرّاء ويستعين بهم علي امورهم، لا يمتنع عليه منهم أحد إلّا قتله، ويجهّز الجيش إلي المشرق جيشاً ... (2), وآخر إلي المغرب، وآخر إلي اليمن.
ويولّي جيش العراق رجلاً من بني حارثة، يقال له قمر بن عبّاد، رجل جسيم، له غديرتان، علي مقدّمته رجل من قومه، قصير، أصلع، عريض المنكبين، يقاتله من بالشام من أهل المشرق، وبها يومئذ منهم جند عظيم، يقاتلهم فيما بين دمشق وفي موضع يقال له البنية، وأهل حمص في حرب أهل المشرق وأنصارهم، كلّ ذلك يهزمهم السفياني، ثمّ ينحاز من بدمشق وحمص مع السفياني، ويلتقون وأهل المشرق في موضع من أرض
ص:437
حمص، يقال له البدين، إلي جانب سلمية، يقتل من الناس نيف وستّون ألفاً، ثلاثة أرباعهم من أهل المشرق، ثمّ تكون الدبرة عليهم، وليسير الجيش الّذي يوجّهه إلي المشرق، حتّي ينزل الكوفة، فيكون بينهم قتال شديد، يكثر فيه القتلي، ثمّ تكون الهزيمة علي أهل الكوفة، فكم من دم مهراق، وبطن مبقور، ووليد مقتول، ومال منهوب، وفرج مستحلّ ! وتهرب الناس إلي مكّة.
ويكتب السفياني إلي صاحب ذلك الجيش أن سر إلي الحجاز، فيسير بعد أن يعركها عرك الأديم، فينزل المدينة، فيضع السيف في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربعمئة رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش؛ من بني هاشم، ويصلبهما علي باب المسجد؛ رجل واُخته، يقال لهما محمّد وفاطمة، ويهرب الناس منه إلي مكّة، فيسير بجيشه ذلك إلي مكّة، يريدها، فينزل البيداء، فيأمر الله تعالي جبريل عليه السلام فيصرخ بصوته: يا بيداء، بيدي بهم.
فيبادون من عند آخرهم، ويبقي منهم رجلان، يلقاهما جبريل عليه السلام ، فيجعل وجوههما إلي أدبارهما، فلكأنّي أنظر إليهما، يمشيان القهقري، يخبران الناس مالقوا. (1)
18395. نعيم بن حمّاد : حدّثنا عبدالقدّوس، عن ابن عيّاش، قال: حدّثني بعض أهل العلم، عن محمّد بن جعفر، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
يكتب السفياني إلي الّذي دخل الكوفة بخيله بعد ما يعركها عرك الأديم، يأمره بالسير إلي الحجاز، فيسير إلي المدينة، فيضع السيف في قريش، فيقتل منهم ومن الأنصار أربعمئة رجل، ويبقر البطون، ويقتل الولدان، ويقتل أخوين من قريش، رجل واُخته، يقال لهما محمّد وفاطمة، ويصلبهما علي باب المسجد بالمدينة. (2)
18396. نعيم بن حمّاد : حدّثنا أبوالمغيرة، عن ابن عيّاش، عمّن حدّثه، عن محمّد بن
ص:438
جعفر، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
يبعث السفياني علي جيش العراق رجلاً من بني حارثة، له غديرتان، يقال له نمر -أو قمر- بن عبّاد، رجلاً جسيماً علي مقدّمته رجلاً من قومه، قصير، أصلع، عريض المنكبين، فيقاتله من بالشام من أهل المشرق، وفي موضع يقال له البنية، وأهل حمص في حرب المشرق وأنصارهم، وبها يومئذ منهم جند عظيم، يقاتلهم فيما يلي دمشق، كلّ ذلك يهزمهم، ثمّ ينحاز من دمشق وحمص مع السفياني ويلتقون وأهل المشرق في موضع يقال له اليدين؛ ممّا يلي شرق حمص، فيقتل بها نيف وسبعون ألفاً، ثلاثة أرباعهم من أهل المشرق، ثمّ تكون الدبرة عليهم، ويسير الجيش الّذي بعث إلي المشرق حتّي ينزلوا الكوفة، فكم من دم مهراق، وبطن مبقور، ووليد مقتول، ومال منهوب، ودم مستحلّ !
ثمّ يكتب إليه السفياني أن يسير إلي الحجاز بعد أن يعركها عرك الأديم. (1)
18397. ابن المنادي : حدّثني هارون بن علي بن الحكم أبوموسي المقرئ، ثمّ المزوّق، قال: نبّأ حمّاد بن المؤمّل أبوجعفر الضرير، قال: نبّأ كامل بن طلحة، قال: نبّأ ابن لهيعة، قال: حدّثني إسرائيل بن عبّاد، عن أبي الطفيل عبدالرحمان بن قيس بن أبي عريرة الغفاري، عن محمّد بن علي:
أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قال يوماً في مجلسه: والله لقد علمت لتقتلنّني ولتخلفنّي، ولتكفونّ إكفاء الإناء بما فيه، ما يمنع أشقاكم أن يخضب هذه -يعني لحيته- بدم من فود هذه! -يعني هامته- .
فوالله إنّ ذلك لفي عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلي، وليدالنّ عليكم هؤلاء القوم باجتماعهم علي أهل باطلهم، وتفرّقكم علي أهل حقّكم، حتّي يملكوا الزمان الطويل، فيستحلّوا الدم [الحرام]، والفرج الحرام، والخمر الحرام، والمال الحرام، فلا يبقي بيت من بيوت
ص:439
المسلمين إلّا دخلت عليهم مظلمتهم.
فيا ويح بني اُميّة من ابن أمتهم! يقتل زنديقهم، ويسيّر خليفتهم، فإذا كان ذلك ضرب الله بعضهم ببعض.
والّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لا يزال ملك بني اُميّة ثابتاً [لهم] حتّي يملك زنديقهم، فإذا قتلوه وملك ابن أمتهم خمسة أشهر ألقي الله بأسهم بينهم، فيخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وتعطّل الثغور، وتهراق الدماء، وتقع الشحناء سبعة أشهر، فإذا قتل زنديقهم فالويل ثمّ الويل [للناس] في ذلك الزمان، يسلّط بعض بني هاشم علي بعض حتّي يغير خمسة نفر علي الملك كما يتغاير الفتيان علي المرأة الحسناء.
فمنهم الهارب المشؤوم، ومنهم السناط الخليع يبايعه جلّ أهل الشام، ثمّ يسير إليه حمّاز أهل الجزيرة من مدينة الأوثان، فيقاتله ويهزم الخليع، ويغلب علي الخزائن، فيقاتله من دمشق إلي حرّان، ويعمل بعمل الجبابرة الاُولي، فيغضب الله من السماء لكلّ عمله.
فيبعث الله عليه فتي من المشرق يدعو إلي أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم هم أصحاب الرايات السود المستضعفون، فيعزّهم الله وينزل عليهم النصر، فلا يقاتلهم أحد إلّا هزموه، ويسير الجيش القحطاني حتّي يستخرجوا الخليفة، وهو كاره خائف، فيسير معه تسعة آلاف من الملائكة، معه راية النصر و [فتي] اليمن في نحر حمّاز الجزيرة علي شاطئ نهر، فيلتقي هو وسفّاح بني هاشم، فيهزمون الحمّاز، ويهزمون جيشه، ويغرقونه في النهر.
فيسير الحمّاز حتّي يبلغ حرّان، فيتبعونه فيهرب منهم، فيأخذ علي المدائن الّتي بالشام علي شاطئ البحر حتّي ينتهي إلي البحرين.
ويسير السفّاح وفتي اليمن حتّي ينزلوا دمشق، فيفتحونها أسرع من التماع البرق، ويهدمون سورها، ثمّ تبني وتعمر، يساعدهم عليها رجل من بني هاشم، اسمه اسم نبي، فيفتحونها من الباب الشرقي قبل أن يمضي من اليوم الثاني أربع ساعات، فيدخلها سبعون ألف سيف مسلول بأيدي أصحاب الرايات السود، شعارهم: أمت، أمت، أكثر قتلاها فيما يلي المشرق.
ص:440
والفتي في طلب الحمّاز، فيدركانه فيقتلانه من وراء البحرين من المعرّتين واليمن، ويكمل الله -عزّ وجلّ - للخليفة سلطانه.
ثمّ يثور هاشميّان: أحدهما بالشام، والآخر بمكّة، فيهلك صاحب المسجد الحرام، ويقبل حتّي تلقي جموعه جموع صاحب الشام فيهزمونه. (1)
18398. معمر : عن طارق، عن منذر الثوري -وقال عبدالرزّاق: أراه عن منذر الثوري- , عن محمّد بن علي -قال: وأحسبه ذكر عليّاً رضي الله عنه - أنّه قال:
ويل للعرب بعد الخمس والعشرين والمئة من شرّ قد اقترب! الأجنحة، وما الأجنحة ؟ الويل الطويل (2) في الأجنحة، ريح قفا هبوبها، وريح تهيج هبوبها، وريح تراخي هبوبها، ويل لهم من قتل ذريع، وموت سريع، وجوع فظيع! يصبّ عليها البلاء صبّاً، فيكفر صدورها، ويغيّر سرورها، ويهتك ستورها، ألا وبذنوبها يظهر مراقها، وينزع أوتادها، وتقطع أطنابها.
ويل لقريش من زنديقها! يحدث أحداثاً يكدر دينها، وتنزع منها هيبتها، وتهدم عليها خدورها، ويقلب عليها جنودها، فعند ذلك تقوم النائحات الباكيات، فباكية تبكي علي دنياها، وباكية تبكي علي دينها، وباكية تبكي علي ذلّها بعد عزّها، وباكية تبكي من جوع أولادها، وباكية تبكي من قتل أولادها في بطونها، وباكية تبكي من استذلال أرقابها، وباكية تبكي من استحلال فروجها، وباكية تبكي علي سفك دمائها، وباكيه تبكي من جنودها، وباكية تبكي شوقاً إلي قبورها. (3)
18399. الوليد بن مسلم : عن ليث بن سعد، عن عيّاش بن عبّاس، عمّن حدّثه، عن
ص:441
علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
يهرب ناس من المدينة إلي مكّة حين يبلغهم جيش السفياني، منهم ثلاثة نفر من قريش، منظور إليهم. (1)
18400. الوليد بن مسلم : عن ليث بن سعد، عن عيّاش بن العبّاس القتباني، عمّن حدّثه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
يخرج ثلاثة نفر من قريش إلي مكّة من جيش السفياني منظور إليه، فإذا بلغهم الخسف اجتمعوا بمكّة لاُولئك النفر الثلاثة من البلاد، فيبايع أحدهم كرهاً. (2)
18401. الوليد بن مسلم : عن ليث بن سعد، عن عيّاش بن عبّاس القتباني، عمّن حدّثه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
يسير بهم في اثني عشر ألفاً إن قلّوا، وخمسة عشر ألفاً إن كثروا، شعارهم: أمت، أمت، حتّي يلقاه السفياني فيقول: أخرجوا إلي ابن عمّي حتّي اكلّمه، فيخرج إليه فيكلّمه، فيسلّم له الأمر ويبايعه، فإذا رجع السفياني إلي أصحابه ندّمه كلب، فيرجع ليستقيله، فيقيله، ويقتتل هو وجيش السفياني علي سبع رايات، كلّ صاحب راية منهم يرجو الأمر لنفسه، فيهزمهم المهدي. (3)
18402. نعيم بن حمّاد : حدّثنا عبدالله بن مروان، عن الهيثم بن عبدالرحمان، قال: حدّثني من سمع عليّاً رضي الله عنه يقول:
إذا بعث السفياني إلي المهدي جيشاً؛ فخسف بهم بالبيداء؛ وبلغ ذلك أهل الشام؛ قالوا لخليفتهم: قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته، وإلّا قتلناك. فيرسل إليه
ص:442
بالبيعة، ويسير المهدي حتّي ينزل بيت المقدّس، وتنقل إليه الخزائن، وتدخل العرب [و] العجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال، حتّي تبني المساجد بالقسطنطنيّة وما دونها، ويخرج قبله رجل من أهل بيته بأهل المشرق، يحمل السيف علي عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويُمثّل، ويتوجّه إلي بيت المقدّس، فلا يبلغه حتّي يموت. (1)
18403. نعيم بن حمّاد : حدّثنا عبدالله بن مروان، عن الهيثم بن عبدالرحمان، عمّن حدّثه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال:
يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف علي عاتقه ثمانية أشهر، يقتل ويمثّل ويتوجّه إلي بيت المقدّس، فلا يبلغه حتّي يموت. (2)
18404. ابن أبي الحديد : واعلم أنّه عليه السلام قد أقسم في هذا الفصل بالله الّذي نفسه بيده؛ أنّهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلّا أخبرهم به، وأنّه ما صحّ من طائفة من الناس يهتدي بها مئة وتضلّ بها مئة إلّا وهو مخبر لهم -إن سألوه- برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول ركابها وخيولها، ومن يقتل منها قتلاً، ومن يموت منها موتاً، وهذه الدعوي ليست منه عليه السلام ادّعاء الربوبيّة، ولا ادّعاء النبوّة، ولكنّه كان يقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أخبره بذلك، ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلك علي صدق الدعوي المذكورة.
كإخباره عن الضربة يضرب بها في رأسه فتخضب لحيته، وإخباره عن قتل الحسين ابنه عليهما السلام ، وما قاله في كربلاء حيث مرّ بها، وإخباره بملك معاوية الأمر من بعده، وإخباره عن الحجّاج، وعن يوسف بن عمر، وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدّمه إلي أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم، وصلب من يصلب، وإخباره بقتال الناكثين
ص:443
والقاسطين والمارقين، وإخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لمّا شخص عليه السلام إلي البصرة لحرب أهلها، وإخباره عن عبدالله بن الزبير، وقوله فيه: خبّ ضبّ ، يروم أمراً ولا يدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعد مصلوب قريش.
وكإخباره عن هلاك البصرة بالغرق، وهلاكها تارة اخري بالزنج، وهو الّذي صحفّه قوم فقالوا: بالريح.
وكإخباره عن ظهور الرايات السود من خراسان، وتنصيصه علي قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق -بتقديم المهملة- وهم آل مصعب الّذين منهم طاهر بن الحسين وولده وإسحاق بن إبراهيم، وكانوا هم وسلفهم دعاة الدولة العبّاسيّة.
وكإخباره عن الأئمّة الّذين ظهروا من ولده بطبرستان، كالناصر والداعي وغيرهما، في قوله عليه السلام : وإنّ لآل محمّد بالطالقان لكنزاً سيظهره الله إذا شاء، دعاؤه حقّ يقوم بإذن الله فيدعو إلي دين الله.
وكإخباره عن مقتل النفس الزكيّة بالمدينة، وقوله: إنّه يقتل عند أحجار الزيت.
وكقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة: يقتل بعد أن يظهر، ويقهر بعد أن يقهر. وقوله فيه أيضاً: يأتيه سهم غرب يكون فيه منيته، فيا بؤساً للرامي! شُلّت يده، ووهن عضده.
وكإخباره عن قتلي وجّ ، وقوله فيهم: هم خير أهل الأرض.
وكإخباره عن المملكة العلويّة بالغرب، وتصريحه بذكر كتامة، وهم الّذين نصروا أباعبدالله الداعي المعلّم.
وكقوله وهو يشير إلي أبي عبدالله المهدي: وهو أوّلهم، ثمّ يظهر صاحب القيروان الغضّ البض، ذوالنسب المحض، المنتجب من سلالة ذي البداء، المسجّي بالرداء.
وكان عبيدالله المهدي أبيض مترفاً مشرباً بحمرة، رخص البدن، تارّ الأطراف، وذوالبداء إسماعيل بن جعفر بن محمّد عليهما السلام ، وهو المسجّي بالرداء؛ لأنّ أباه أباعبدالله جعفراً سجّاه بردائه لمّا مات ، وأدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه، ليعلموا موته، وتزول عنهم الشبهة في أمره.
ص:444
وكإخباره عن بني بويه وقوله فيهم: ويخرج من ديلمان بنوالصيّاد. إشارة إليهم، وكان أبوهم صيّاد السمك، يصيد منه بيده ما يتقوّت هو وعياله بثمنه، فأخرج الله تعالي من ولده لصلبه ملوكاً ثلاثة، ونشر ذرّيّتهم حتّي ضربت الأمثال بملكهم.
وكقوله عليه السلام فيهم: ثمّ يستشري أمرهم حتّي يملكوا الزوراء، ويخلعوا الخلفاء. فقال له قائل: فكم مدّتهم يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: مئة أو تزيد قليلاً.
وكقوله فيهم: والمترف ابن الأجذم يقتله ابن عمّه علي دجلة.
وهو إشارة إلي عزّالدولة بختيار بن معزّالدولة أبي الحسين، وكان معزّالدولة أقطع اليد، قطعت يده للنكوص في الحرب، وكان ابنه عزّالدولة بختيار مترفاً، صاحب لهو وشرب، وقتله عضدالدولة فنّاخسرو ابن عمّه بقصر الجصّ علي دجلة في الحرب، وسلبه ملكه.
فأمّا خلعهم للخلفاء؛ فإنّ معزّالدولة خلع المستكفي، ورتّب عوضه المطيع، وبهاءالدولة أبانصر بن عضدالدولة خلع الطائع، ورتّب عوضه القادر، وكانت مدّة ملكهم كما أخبر به عليه السلام .
وكإخباره عليه السلام لعبدالله بن العبّاس -رحمه الله تعالي- عن انتقال الأمر إلي أولاده، فإنّ علي بن عبدالله لمّا ولد أخرجه أبوه عبدالله إلي علي عليه السلام ؛ فأخذه وتفل في فيه؛ وحنّكه بتمرة قد لاكها؛ ودفعه إليه؛ وقال: خذ إليك أبا الأملاك.
هكذا الرواية الصحيحة، وهي الّتي ذكرها أبوالعبّاس المبرّد في كتاب «الكامل» (1)، وليست الرواية الّتي يذكر فيها العدد بصحيحة، ولا منقولة من كتاب معتمد عليه.
وكم له من الإخبار عن الغيوب الجارية هذا المجري ممّا لو أردنا استقصاءه لكرّسنا له كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة. (2)
18405. المدائني : خطب علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النهروان، فذكر طرفاً من الملاحم،
ص:445
قال: إذا كثرت فيكم الأخلاط ؛ واستولت الأنباط ؛ دنا خراب العراق، ذاك إذا بنيت مدينة ذات أثل وأنهار، فإذا غلت فيها الأسعار، وشيّد فيها البنيان، وحكم فيها الفسّاق، واشتدّ البلاء، وتفاخر الغوغاء، دنا خسوف البيداء، وطاب الهرب والجلاء.
وستكون قبل الجلاء امور يشيب منها الصغير، ويعطب الكبير، ويخرس الفصيح، ويبهت اللبيب، يعاجلون بالسيف صلتاً، وقد كانوا قبل ذلك في غضارة من عيشهم يمرحون، فيا لها مصيبة حينئذ! من البلاء العقيم، والبكاء الطويل، والويل والعويل، وشدّة الصريخ، في ذلك أمر الله -وهو كائن وقتاً- مريج (1)، فيا ابن حرّة الإماء، متي تنتظر! أبشر بنصر قريب من ربّ رحيم.
ألا فويل للمتكبّرين، عند حصّاد الحاصدين، وقتل الفاسقين، عصاة ذي العرش العظيم!
فبأبي واُمّي من عدّة قليلة؛ أسماؤهم في الأرض مجهولة قد دنا حينئذ ظهورهم، ولو شئت لأخبرتكم بما يأتي ويكون من حوادث دهركم ونوائب زمانكم، وبلايا أيّامكم، وغمرات ساعاتكم، ولكنّه أفضيه إلي من افضيه إليه، مخافة عليكم، ونظراً لكم، علماً منّي بما هو كائن وما يكون من البلاء الشامل، ذلك عند تمرّد الأشرار، وطاعة اولي الخسار، ذاك أوان الحتف والدمار، ذاك إدبار أمركم، وانقطاع أصلكم، وتشتّت الفتكم.
وإنّما يكون ذلك عند ظهور العصيان، وانتشار الفسوق، حيث يكون الضرب بالسيف أهون علي المؤمنين من اكتساب درهم حلال، حين لا تنال المعيشة إلّا بمعصية الله في سمائه، حين تسكرون من غير شراب، وتحلفون من غير اضطرار، وتظلمون من غير منفعة، وتكذبون من غير إحراج، تتفكّهون بالفسوق، وتبادرون بالمعصية، قولكم البهتان، وحديثكم الزور، وأعمالكم الغرور، فعند ذلك لا تأمنون البيات، فيا له من بيات ما أشدّ ظلمته! ومن صائح ما أفظع صوته! ذلك بيات لا ينمي صاحبه.
فعند ذلك تقتلون، وبأنواع البلاء تضربون، وبالسيف تحصدون، وإلي النار تصيرون،
ص:446
ويعضّكم البلاء كما يعضّ الغارب القتب، يا عجباً كلّ العجب بين جمادي ورجب! من جمع أشتات، وحصد نبات، ومن أصوات بعدها أصوات.
ثمّ قال: سبق القضاء! سبق القضاء!
قال رجل من أهل البصرة لرجل من أهل الكوفة إلي جانبه: أشهد أنّه كاذب علي الله ورسوله! قال الكوفي: وما يدريك ؟
قال: فوالله ما نزل علي من المنبر حتّي فلج الرجل، فحمل إلي منزله في شقّ محمل، فمات من ليلته ... .
خطب علي عليه السلام [أيضاً]، فذكر الملاحم، فقال: سلوني قبل أن تفقدوني، أما والله لتشغرنّ الفتنة الصمّاء برجلها، وتطأ في خطامها، يا لها من فتنة شُبّت نارها بالحطب الجزل، مقبلة من شرق الأرض رافعة ذيلها، داعية ويلها، بدجلة أو حولها، ذاك إذا استدار الفلك، وقلتم: مات أو هلك، بأي واد سلك! (1)
في كلّ ناحية من نواحي النفوس البشريّة ملتقي بسيرة علي بن أبي طالب ... وفي سيرة علي بن أبي طالب ملتقي بالخيال حيث تحلّق الشاعريّة الإنسانيّة في الأجواء أو تغوص في الأغوار، فهو الشجاع الّذي نزعت به الشاعريّة الإنسانيّة منزع الحقيقة ومنزع التخيّل، واشترك في تعظيمه شهود العيان وعشّاق الأعاجيب ... .
وللذوق الأدبي - أو الذوق الفنّي - ملتقي بسيرته كملتقي الفكر والخيال والعاطفة؛ لأنّه كان أديباً بليغاً له نهج من الأدب والبلاغة يقتدي به المقتدون، وقسط من الذوق
ص:447
مطبوع يحمده المتذوّقون، وإن تطاولت بينه وبينهم السنون، فهو الحكيم الأديب، والخطيب المبين، والمنشئ الّذي يتّصل إنشاؤه بالعربيّة ما اتّصلت آيات الناثرين والناظمين، وللنفس الإنسانيّة نواحيها الكثيرة غير نواحي العطف والتخيّل والتفكير وتذوق الحسن الجميل من التعبير. (1)
18406. الباعوني : قال عبدالله بن عبّاس:
وجدنا كلام علي دون كلام الخالق وفوق كلام الخلق ما عدا [ كلام] رسول الله صلى الله عليه و سلم . (2)
18407. ابن أبي الحديد : في كلامه قيل: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين. (3)
18408. الجاحظ : قال علي رحمه الله : قيمة كلّ امرئ ما يحسن.
فلو لم نقف من هذا الكتاب إلّا علي هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية، ومجزئة مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية، وغير مقصّرة عن الغاية، وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكان الله - عزّ وجلّ - قد ألبسه من الجلالة، وغشّاه من نور الحكمة علي حسب نيّة صاحبه وتقوي قائله. (4)
18409. ابن أبي الدنيا : حدّثنا الحسن بن جهور، حدّثنا مصعب بن المقدام، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي بن أبي طالب، قال:
قيمة كلّ امرئ ما يحسن.
قال عمرو بن بحر [الجاحظ ]: لا أعلم في كلام الناس كلمة أحكم من هذه الكلمة. (5)
ص:448
18410. الجاحظ : أجمعوا علي أنّهم لم يجدوا كلمة أقلّ حرفاً؛ ولا أكثر ريعاً؛ ولا أعمّ نفعاً؛ ولا أحثّ علي بيان؛ ولا أدعي إلي تبيّن؛ ولا أهجي لمن ترك التفهّم وقصّر في الإفهام؛ من قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - : قيمة كلّ امرئ ما يحسن. (1)
18411. الجاحظ : تكلّم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتسع كلمات ارتجلهنّ ارتجالاً لم يسبق إليها ولم يلحق فيها، ثلاث في المناجاة، وثلاث في الحكمة، وثلاث في الأدب.
أمّا الّتي في المناجاة فقوله: إلهي كفي بي عزّاً أن أكون لك عبداً، وكفي لي فخراً أنّك تكون لي ربّاً، إلهي أنت كما احبّ ، فاجعلني كما تحبّ .
وأمّا الّتي في الحكمة فقوله: قيمة كلّ امرئ ما يحسنه، وبقيّة عمر الرجل لا قيمة لها، ولن يهلك امرؤ عرف قدره.
وأمّا الّتي في الأدب فقوله: استغن عمّن شئت فأنت نظيره، وتفضّل علي من شئت فأنت أميره، واحتجّ إلي من شئت فأنت أسيره. (2)
18412. ابن أبي الحديد : حدّثني شيخي أبوالخير مصدّق بن شبيب الواسطي - في سنة ثلاث وستّمئة - ، قال:
قرأت علي الشيخ أبي محمّد عبدالله بن أحمد المعروف بابن الخشّاب هذه الخطبة، فلمّا انتهيت إلي هذا الموضع، قال لي: لو سمعت ابن عبّاس يقول هذا لقلت له: وهل بقي في نفس ابن عمّك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسّف ألّا يكون بلغ من كلامه ما أراد! والله ما رجع عن الأوّلين ولا عن الآخرين، ولا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلّا رسول الله صلى الله عليه و آله .
قال مصدّق: وكان ابن الخشّاب صاحب دعابة وهزل.
ص:449
قال: فقلت له: أتقول إنّها منحولة! فقال: لا والله، وإنّي لأعلم أنّها كلامه، كما أعلم أنّك مصدّق.
قال: فقلت له: إنّ كثيراً من الناس يقولون: إنّها من كلام الرضي - رحمه الله تعالي - .
فقال: أنّي للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الاُسلوب! قد وقفنا علي رسائل الرضي، وعرفنا طريقته وفنّه في الكلام المنثور، ومايقع مع هذا الكلام في خلّ ولا خمر ... . (1)
18413. ابن أبي الحديد : هذا موضع المثل: ملعاً يا ظليم وإلّا فالتخوية.
من أراد أن يعظ ويخوّف؛ ويقرع صفاة القلب؛ ويعرّف الناس قدر الدنيا وتصرّفها بأهلها؛ فليأت بمثل هذه الموعظة في مثل هذا الكلام الفصيح (2) وإلّا فليمسك، فإنّ السكوت أستر، والعي خير من منطق يفضح صاحبه، ومن تأمّل هذا الفصل علم صدق معاوية في قوله فيه: والله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره. وينبغي لو اجتمع فصحاء العرب قاطبة في مجلس وتلي عليهم أن يسجدوا له كما سجد الشعراء لقول عدي بن الرقاع:
قلم أصاب من الدواة مدادها
فلمّا قيل لهم في ذلك، قالوا: إنّا نعرف مواضع السجود في الشعر؛ كما تعرفون مواضع السجود في القرآن.
وإنّي لاُطيل التعجّب من رجل يخطب في الحرب بكلام يدلّ علي أن طبعه مناسب لطباع الاُسود والنمور وأمثالها من السباع الضارية، ثمّ يخطب في ذلك الموقف بعينه إذ أراد الموعظة بكلام يدلّ علي أنّ طبعه مشاكل لطباع الرهبان لابسي المسوح الّذين لم يأكلوا لحماً؛ ولم يريقوا دماً، فتارة يكون في صورة بسطام بن قيس الشيباني وعتيبة بن الحارث اليربوعي وعامر بن الطفيل العامري، وتارة يكون في صورة سقراط الحبر اليوناني ويوحنّا المعمدان الإسرائيلي والمسيح ابن مريم الإلهي!
ص:450
واُقسم بمن تقسم الاُمم كلّها به؛ لقد قرأت هذه الخطبة منذ خمسين سنة وإلي الآن أكثر من ألف مرّة، ما قرأتها قطّ إلّا وأحدثت عندي روعة وخوفاً وعظة، وأثرّت في قلبي وجيباً، وفي أعضائي رعدة، ولا تأمّلتها إلّا وذكرت الموتي من أهلي وأقاربي، وأرباب ودّي، وخيّلت في نفسي أنّي أنا ذلك الشخص الّذي وصف عليه السلام حاله.
وكم قد قال الواعظون والخطباء والفصحاء في هذا المعني! وكم وقفت علي ما قالوه وتكرّر وقوفي عليه! فلم أجد لشيء منه مثل تأثير هذا الكلام في نفسي، فإمّا أن يكون ذلك لعقيدتي في قائله، أو كانت نيّة القائل صالحة، ويقينه كان ثابتاً، وإخلاصه كان محضاً خالصاً، فكان تأثير قوله في النفوس أعظم، وسريان موعظته في القلوب أبلغ. (1)
18414. سبط ابن الجوزي : كان علي عليه السلام ينطق بكلام قد حفّ بالعصمة، ويتكلّم بميزان الحكمة، كلام ألقي الله عليه المهابة، فكلّ من طرق سمعه راعه فهابه، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة؛ والطلاوة والفصاحة، لم يسقط منه كلمة، ولا بارت له حجّة، أعجز الناطقين، وحاز قصب السبق في السابقين، ألفاظ يشرق عليها نور النبوّة، ويحيّر الأفهام والألباب. (2)
18415. ابن أبي الحديد : ومن كلام له عليه السلام : ألا وإنّ اللسان بضعة من الإنسان، فلا يسعده القول إذا امتنع، ولا يمهله النطق إذا اتّسع، وإنّا لاُمراء الكلام، وفينا تنشّبت عروقه، وعلينا تهدّلت غصونه ... .
واعلم أنّ هذا الكلام قاله أميرالمؤمنين عليه السلام في واقعة اقتضت أن يقوله، وذلك أنّه أمر ابن اخته جعدة بن هبيرة المخزومي أن يخطب الناس يوماً، فصعد المنبر، فحصر ولم يستطع الكلام، فقام أميرالمؤمنين عليه السلام فتسنّم ذروة المنبر، وخطب خطبة طويلة، ذكر الرضي رحمه الله منها هذه الكلمات. (3)
ص:451
برواية:
1. عبدالله بن عبّاس-3. المراسيل والأقوال
2. معاوية بن أبي سفيان
18416. العبّاس بن بكّار : عن أبي بكر الهذلي، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعبدالرحمان بن عوف: يا عبدالرحمان، أنتم أصحابي وعلي بن أبي طالب منّي وأنا من علي، فمن قاسه بغيره فقد جفاني، ومن جفاني آذاني، ومن آذاني فعليه لعنة ربّي.
يا عبدالرحمان، إنّ الله أنزل علي كتاباً مبيناً وأمرني أن ابيّن للناس ما نزل إليهم ما خلا علي بن أبي طالب، فإنّه لم يحتج إلي بيان؛ لأنّ الله تعالي جعل فصاحته كفصاحتي، ودرايته كدرايتي ... . (1)
18417. إبراهيم الجوهري : حدّثنا عبيد بن حمّاد، حدّثنا عطاء بن مسلم، عن رجل، عن أبي إسحاق، قال:
جاء ابن أحور التميمي إلي معاوية، فقال: يا أميرالمؤمنين، جئتك من عند ألأم الناس؛ وأبخل الناس؛ وأعيا الناس؛ وأجبن الناس.
فقال: ويلك! وأنّي أتاه اللؤم ؟! ولكنّا نتحدّث أن لو كان لعلي بيت من تبن وآخر من تبر لأنفد التبر قبل التبن، وأنّي أتاه العي ؟! وإن كنّا لنتحدّث أنّه ما جرت المواسي علي رأس
ص:452
رجل من قريش أفصح من علي، ويلك! وأنّي أتاه الجبن ؟! وما برز له رجل قطّ إلّا صرعه، والله يا ابن أحور، لولا أنّ الحرب خدعة لضربت عنقك، اخرج فلا تقيمنّ في بلدي.
قال عطاء: وإن كان يقاتله فإنّه كان يعرف فضله! (1)
18418. ابن قتيبة : ذكروا أنّ عبدالله بن أبي محجن الثقفي قدم علي معاوية، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب.
فقال معاوية: لله أنت! أتدري ما قلت ؟ أمّا قولك الغبي؛ فوالله لو أنّ ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي ... . (2)
18419. الجاحظ : وأمّا ما ذكرتم من الخطابة والفصاحة والسؤدد والعلم بالأدب والنسب؛ فقد علم الناس أنّ بني هاشم في الجملة أرقّ ألسنة من بني اُميّة، كان أبوطالب والزبير شاعرين، وكان أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب شاعراً، ولم يكن في أولاد اميّة بن عبد شمس لصلبه شاعر، ولم يكن في أولاد اميّة إلّا أن تعدّوا في الإسلام العرجي من ولد عثمان بن عفّان وعبدالرحمان بن الحكم؛ فنعدّ نحن الفضل بن العبّاس بن عتبة بن أبي لهب وعبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر، وإن عددتم الخطابة والبيان والفصاحة لم تعدّوا كعلي بن أبي طالب ولا كعبد الله بن العبّاس ... . (3)
18420. الجاحظ : إن كان الفخر ... في الحكم والسؤدد وأصالة الرأي والغناء العظيم؛ فمن
ص:453
مثل عبدالمطّلب! وإن كان إلي الفقه والعلم بالتأويل ومعرفة التنزيل وإلي القياس السديد وإلي الألسنة الحداد والخطب الطوال؛ فمن مثل علي بن أبي طالب وعبدالله بن عبّاس! (1)
18421. ابن أبي الحديد : وأمّا الفصاحة فهو عليه السلام إمام الفصحاء، وسيّد البلغاء، وفي كلامه قيل: دون كلام الخالق، وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلّم الناس الخطابة والكتابة.
قال عبدالحميد بن يحيي: حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثمّ فاضت.
وقال ابن نباته: حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلّا سعة وكثرة، حفظت مئة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب.
ولمّا قال محفن بن أبي محفن لمعاوية: جئتك من عند أعيا الناس، قال له: ويحك! كيف يكون أعيا الناس ؟! فوالله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره. ويكفي هذا الكتاب [أي نهج البلاغة] الّذي نحن شارحوه دلالة علي أنّه لا يجاري في الفصاحة؛ ولا يباري في البلاغة، وحسبك أنّه لم يدوّن لأحد من فصحاء الصحابة العُشر ولا نصف العشر ممّا دوّن له. (2)
18422. الجاحظ : حدّثني ثمامة، قال:
سمعت جعفر بن يحيي - وكان من أبلغ الناس وأفصحهم - يقول: الكتابة ضمّ اللفظة إلي اختها، ألم تسمعوا قول شاعر لشاعر؛ وقد تفاخرا: أنا أشعرُ منك؛ لأنّي أقول البيت وأخاه، وأنت تقول البيت وابن عمّه!
ثمّ قال: وناهيك حسناً بقول علي بن أبي طالب عليه السلام : هل من مناص أو خلاص، أو معاذ أو ملاذ، أو فرار أو محار!
ص:454
قال أبوعثمان: وكان جعفر يعجب أيضاً بقول علي عليه السلام : أين من جدّ واجتهد، وجمع واحتشد، وبني فشيّد، وفرش فمهّد، وزخرف فنجّد.
قال: ألا تري أنّ كلّ لفظة منها آخذة بعنق قرينتها، جاذبة إيّاها إلي نفسها، دالّة عليها بذاتها!
قال أبوعثمان: فكان جعفر يسمّيه فصيح قريش.
واعلم أنّنا لا يتخالجنا الشكّ في أنّه عليه السلام أفصح من كلّ ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين، إلّا من كلام الله سبحانه، وكلام رسول الله صلى الله عليه و آله ؛ وذلك لأنّ فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد علي أمرين؛ هما: مفردات الألفاظ ومركّباتها.
أمّا المفردات فأن تكون سهلة سلسلة غير وحشيّة ولا معقّدة، وألفاظه عليه السلام كلّها كذلك، فأمّا المركّبات فحسن المعني وسرعة وصوله إلي الأفهام، واشتماله علي الصفات الّتي باعتبارها فضّل بعض الكلام علي بعض، وتلك الصفات هي الصناعة الّتي سمّاها المتأخّرون البديع، من المقابلة، والمطابقة، وحسن التقسيم، وردّ آخر الكلام علي صدره، والترصيع، والتسهيم، والتوشيح، والمماثلة، والاستعارة، ولطافة استعمال المجاز، والموازنة، والتكافؤ، والتسميط ، والمشاكلة.
ولا شبهة أنّ هذه الصفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه، مبثوتة متفرّقة في فرش كلامه عليه السلام ، وليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره، فإن كان قد تعمّلها وأفكر فيها؛ وأعمل روّيته في رصفها ونثرها؛ فلقد أتي بالعجب العجّاب، ووجب أن يكون إمام الناس كلّهم في ذلك؛ لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله، وإن كان اقتضبها ابتداء؛ وفاضت علي لسانه مرتجلة؛ وجاش بها طبعه بديهة؛ من غير رويّة ولا اعتمال؛ فأعجب وأعجب!
وعلي كلا الأمرين فلقد جاء مجليّاً والفصحاء تنقطع أنفاسهم علي أثره، وبحقّ ما قال معاوية لمحقن الضبّي، لمّا قال له: جئتك من عند أعيا الناس: يا ابن اللخناء، أ لعلي تقول هذا ؟! وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره ؟! (1)
ص:455
18423. ابن أبي الحديد - في شرح خطبته عليه السلام المعروف بالأشباح - : هذا موضع المثل: إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل!
إذا جاء هذا الكلام الرّباني؛ واللفظ القدسي؛ بطلت فصاحة العرب، وكانت نسبة الفصيح من كلامها إليه نسبة التراب إلي النضار الخالص، ولو فرضنا أنّ العرب تقدر علي الألفاظ الفصيحة المناسبة؛ أو المقاربة لهذه الألفاظ ؛ من أين لهم المادّة الّتي عبّرت هذه الألفاظ عنها؟ ومن أين تعرف الجاهليّة بل الصحابة المعاصرون لرسول الله صلى الله عليه و آله هذه المعاني الغامضة السمائيّة؛ ليتهيّأ لها التعبير عنها!
أمّا الجاهليّة فإنّهم إنّما كانت تظهر فصاحتهم في صفة بعير أو فرس أو حمار وحش، أو ثور فلاة، أو صفة جبال أو فلوات؛ ونحو ذلك.
وأمّا الصحابة فالمذكورون منهم بفصاحة إنّما كان منتهي فصاحة أحدهم كلمات لا تتجاوز السطرين أو الثلاثة، إمّا في موعظة تتضمّن ذكر الموت أو ذمّ الدنيا، أو ما يتعلّق بحرب وقتال؛ من ترغيب أو ترهيب؛ فأمّا الكلام في الملائكة وصفاتها؛ وصورها وعباداتها؛ وتسبيحها ومعرفتها بخالقها وحبّها له؛ وولهها إليه؛ وما جري مجري ذلك ممّا تضمّنه هذا الفصل علي طوله؛ فإنّه لم يكن معروفاً عندهم علي هذا التفصيل، نعم ربما علّموه جملة غير مقسّمة هذا التقسيم، ولا مرتّبة هذا الترتيب؛ بما سمعوه من ذكر الملائكة في القرآن العظيم، وأمّا من عنده علم من هذه المادّة كعبدالله بن سلّام واُميّة بن أبي الصلت وغيرهم؛ فلم تكن لهم هذه العبارة، ولا قدروا علي هذه الفصاحة.
فثبت أنّ هذه الاُمور الدقيقة في مثل هذه العبارة الفصيحة لم تحصل إلّا لعلي وحده، واُقسم أنّ هذا الكلام إذا تأمّله اللبيب اقشعرّ جلده، ورجف قلبه، واستشعر عظمة الله العظيم في روعه وخلده، وهام نحوه, وغلب الوجد عليه، وكاد أن يخرج من مسكه شوقاً؛ وأن يفارق هيكله صبابة ووجداً. (1)
ص:456
18424. ابن أبي الحديد : إنّه عليه السلام إمام أرباب صناعة البديع؛ وذلك لأنّ هذا الفنّ لا يوجد منه في كلام غيره ممّن تقدّمه إلّا ألفاظ يسيرة غير مقصودة؛ ولكنّها واقعة بالاتّفاق، كما وقع التجنيس في القرآن العزيز اتّفاقاً غير مقصود ... وهذا الفصل من كلام أميرالمؤمنين عليه السلام قد اشتمل من الاستعارة العجيبة وغيرها من أبواب البديع علي ما لو كان موجوداً في ديوان شاعر مكثر أو مترسّل مكثر لكان مستحقّ التقديم بذلك.
ألا تراه كيف وصف الأمواج بأنّها مستفحلة، وأنّها ترغو رُغاء فحول الإبل، ثمّ جعل الماء جمّاحاً، ثمّ وصفه بالخضوع، وجعل للأرض كلكلاً، وجعلها واطئة للماء به، ووصف الماء بالذلّ والاستخذاء لمّا جعل الأرض متمعّكة عليه كما يتمعّك الحمار أو الفرس، وجعل لها كواهل، وجعل للذلّ حكمة, وجعل الماء في حكمة الذلّ منقاداً أسيراً، وساجياً مقهوراً.
وجعل الماء قد كان ذا نخوة وبأو واعتلاء، فردّته الأرض خاضعاً مسكيناً، وطأطأت من شموخ أنفه، وسموّ غلوائه، وجعلها كاعمة له، وجعل الماء ذا كظّة بامتلائه، كما تعتري الكظّة المستكثر من الأكل، ثمّ جعله هامداً بعد أن كانت له نزقات، ولابداً بعد أن كانت له وثبات، ثمّ جعل للأرض أكتافاً وعرانين، واُنوفاً وخياشيم، ثمّ نفي النوم عن وميض البرق، وجعل الجنوب مارية درر السحاب، ثمّ جعل للسحاب صدراً وبواناً، ثمّ جعل الأرض مبتهجة مسرورة مزدهاة، وجعل لها ريطاً من لباس الزهور، وسموطاً تحلّي بها.
فيالله وللعجب من قوم زعموا أنّ الكلام إنّما يفضل بعضه بعضاً لاشتماله علي أمثال هذه الصنعة، فإذا وجدوا في مئة ورقة كلمتين أو ثلاثاً منها أقاموا القيامة، ونفخوا في الصور، وملأوا الصحف بالاستحسان لذلك والاستظراف، ثمّ يمرّون علي هذا الكلام المشحون كلّه بهذه الصنعة علي ألطف وجه؛ وأرصع وجه؛ وأرشق عبارة؛ وأدقّ معني؛ وأحسن مقصد؛ ثمّ يحملهم الهوي والعصبيّة علي السكوت عن تفضيله إذا أجملوا وأحسنوا، ولم يتعصّبوا لتفضيل غيره عليه! علي أنّه لا عجب، فإنّه كلام علي عليه السلام ، وحظّ الكلام حظّ المتكلّم؛ وأشبه امرء بعض بَزِّه! (1)
ص:457
18425. ابن أبي الحديد - قاله في شرح خطبة له عليه السلام - : هذا موضع المثل: في كلّ شجرة نار، واستمجد المرخ والعفار!
الخطب الوعظيّة الحسان كثيرة؛ ولكن هذا حديث يأكل الأحاديث.
محاسن أصناف المغنّين جمّة وما قصبات السبق إلّا لمعبد
من أراد أن يتعلّم الفصاحة والبلاغة؛ ويعرف فضل الكلام بعضه علي بعض؛ فليتأمّل هذه الخطبة، فإنّ نسبتها إلي كلّ فصيح من الكلام - عدا كلام الله ورسوله - نسبة الكواكب المنيرة الفلكيّة إلي الحجارة المظلمة الأرضيّة، ثمّ لينظر الناظر إلي ما عليها من البهاء، والجلالة والرواء، والديباجة، وما تحدثه من الروعة والرهبة، والمخافة والخشية، حتّي لو تليت علي زنديق ملحد مصمّم علي اعتقاد نفي البعث والنشور لهدّت قواه، وأرعبت قلبه، وأضعفت علي نفسه، وزلزلت اعتقاده، فجزي الله قائلها عن الإسلام أفضل ما جزي به وليّاً من أوليائه، فما أبلغ نصرته له! تارة بيده وسيفه، وتارة بلسانه ونطقه، وتارة بقلبه وفكره!
إن قيل: جهاد وحرب؛ فهو سيّد المجاهدين والمحاربين، وإن قيل: وعظ وتذكير؛ فهو أبلغ الواعظين والمذكّرين، وإن قيل: فقه وتفسير؛ فهو رئيس الفقهاء والمفسّرين، وإن قيل: عدل وتوحيد؛ فهو إمام أهل العدل والموحّدين.
ليس علي الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد (1)
18426. ابن أبي الحديد : انظر إلي الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها، وتملّكه زمامها؟! وأعجب لهذه الألفاظ المنصوبة؛ يتلو بعضها بعضاً كيف تواتيه وتطاوعه! سلسة سهلة، تتدفّق من غير تعسّف ولا تكلّف؛ حتّي انتهي إلي آخر الفصل فقال: يوماً واحداً، ولا ألتقي بهم أبداً. وأنت وغيرك من الفصحاء إذا شرعوا في كتاب أو خطبة؛ جاءت القرائن والفواصل تارة مرفوعة، وتارة مجرورة، وتارة منصوبة، فإن أرادوا قسرها
ص:458
بإعراب واحد ظهر منها في التكلّف أثر بيّن، وعلامة واضحة، وهذا الصنف من البيان أحد أنواع الإعجاز في القرآن، ذكره عبدالقاهر، قال: انظر إلي سورة النساء وبعدها سورة المائدة، الاُولي منصوبة الفواصل، والثانية ليس فيها منصوب أصلاً، ولو مزجت إحدي السورتين بالاُخري لم تمتزجا، وظهر أثر التركيب والتأليف بينهما.
ثمّ إنّ فواصل كلّ واحد منهما تنساق سياقة بمقتضي البيان الطبيعي لا الصناعة التكلّفيّة.
ثمّ انظر إلي الصفات والموصوفات في هذا الفصل، كيف قال: «ولداً ناصحاً»، «وعاملاً وكادحاً»، «وسيفاً قاطعاً»، «وركناً دافعاً»، لو قال: «ولداً كادحاً»، «وعاملاً ناصحاً»، وكذلك ما بعده لما كان صواباً، ولا في الموقع واقعاً، فسبحان من منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة! أن يكون غلام من أبناء عرب مكّة؛ ينشأ بين أهله؛ لم يخالط الحكماء؛ وخرج أعرف بالحكمة ودقائق العلوم الإلهيّة من إفلاطون وأرسطو! ولم يعاشر أرباب الحكم الخلقيّة والآداب النفسانيّة؛ لأنّ قريشاً لم يكن أحد منهم مشهوراً بمثل ذلك، وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط ! ولم يربّ بين الشجعان؛ لأنّ أهل مكّة كانوا ذوي تجارة، ولم يكونوا ذوي حرب، وخرج أشجع من كلّ بشر مشي علي الأرض!
قيل لخلف الأحمر: أيّما أشجع عنبسة وبسطام؛ أم علي بن أبي طالب ؟ فقال: إنّما يذكر عنبسة وبسطام مع البشر والناس، لامع من يرتفع عن هذه الطبقة.
فقيل له: فعلي كلّ حال ؟ قال: والله لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما.
وخرج أفصح من سحبان وقسّ ، ولم تكن قريش بأفصح العرب، كان غيرها أفصح منها؛ قالوا: أفصح العرب جرهم وإن لم تكن لهم نباهة.
وخرج أزهد الناس في الدنيا، وأعفّهم؛ مع أنّ قريشاً ذوو حرص ومحبّة للدنيا، ولا غرو فيمن كان محمّد صلى الله عليه و آله مربّيه ومخرجه، والعناية الإلهيّة تمّده وترفده أن يكون منه ما كان. (1)
ص:459
18427. ابن الجوزي : كان [علي عليه السلام ] يظنّ في الكرم بحراً، ويحسب لفظه للحسن سحراً، إذا أنشأ فصلاً رأيته يقول فصلاً، وإذا أصّل أصلاً لم يستطع أحد مثله أصلاً، كان يقول في صفة نفسه:
إذا المشكلات تصدّين لي كشفت حقائقها بالنظر
وإن رقيت في محلّ الصواب عُمَّياء لا يجليها البصر
مقنّعة بغيوب الاُمور وضعت عليها صحيح الفكر
لسان كشقشقة الأرحبي أو كلسان الحسام الذكر
بادر الفضائل فكان في الأوائل، وخاض بحر الشجاعة فلم يرض بساحل، وحاز العلوم فحار لجوابه السائل، ولازم السهر ليسمع: «هل من سائل ؟» وزهد في الدنيا لأنّها أيّام قلائل.
القائد الخيل ترغبها شكائعها والمطعم البزل بالديمومة القاع
ما بات إلّا علي همّ ولا اغتمضت عيناه إلّا علي عزم وإزماع
خطيب مجمعة تغلي شقاشقه إذ رموه بأبصار وأسماع
يذوق بالعين طعم النوم مضمضة إذا الجبان ملا عيناً بتهجاع
سبحان من جمع له المناقب والفضائل! بحر من البراعة ونجم من الشجاعة ثاقب!
مجلّي الكروب وليث الحروب في الرهج الأسطع الأصهب
وبحر العلوم وغيظ الخصوم متي يصطرع وهم يغلب
يقلّب في فمه مقولاً كشقشقة الجمل المصعب
ص:460
وكان أخاً لنبي الهدي وخصّ بذاك فلا يكذب
وفي ليلة الغار وافي النبي عشاء إلي الفلق الأشهب
وبات دويّنه في الفراش موطّن نفس علي الأصعب
وعمرو بن ودّ وأحزابه سقاهم حسا الموت في يثرب
وسل عنه خيبر ذات الحصون تخبّرك عنه وعن مرحب
وسبطاه جدّهما أحمد فبخٍ بخٍ بجدّهما والأب (1)
18428. ابن طلحة : في فصاحته وجمل من كلامه عليه السلام ، هذا فصل جمع القلم لاجتناء جني فنونه سبحه، وأطلع لاستجلاء غرر عيونه صبحه، وقرع إلي باب الهداية إلي نيل شجونه فمنح فتحه، وأشرح إلي ذي سلمه فنصر شرحه، ونضد طلحه، فإنّه فصل عظيم يشهد لعلي عليه السلام بفضل سابغ الأطراف والأهداب، بالغ إلي الغاية في أصناف الآداب، قد احتوي علي فصاحة ألفاظه وألفاظ فصاحته، وارتوي من بلاغة معانيه ومعاني بلاغته، وتضلّع من براعة حكمه وحكم براعته، وتدرّع بجزالة بيانه وبيان جزالته، وصدع بعظة زواجره وزواجر عظته، فالفصاحة تنسب إليه، والبلاغة تنقل عنه، والبراعة تستفاد منه، وعلم المعاني والبيان غريزة فيه ونحيزة له، فعصابة الفصحاء علي تفاوت طبقاتها دونه، وزمرة البلغاء علي تباين حالاتها عيال عليه، فعيونها من بدائعه منجبسة، وأنوارها من براعته مقتبسة ... فإنّ شعب كلامه كثيرة، ومناهج قوله متعدّدة، وله من الكلمات المستعذبة؛ والألفاظ الراقية؛ والمعاني البديعة؛ والحكم البليغة؛ والنكت اللطيفة؛ والمطالع المستنيرة؛ والمقاصد المتينة؛ والمواعظ النافعة؛ والزواجر الصادعة؛ والحجج القاطعة؛ والخطب الجامعة؛ والأبيات الرائعة؛ ما يعلو رتبة عن أن يشهد له فاضل أو يصفه، بل هو علي الحقيقة شاهد بكمال فضل من عرفه فعرّفه ... . (2)
ص:461
18429. ابن طلحة : فهذه خطبة (1) أسجلها من علم بيانه المؤتلف، وارتجلها لوقته عرية عن الألف، وجعلها عنوان علمه المتنوّع، وفضله المختلف، تشهد أنّ العناية الربّانيّة مرّت له أخلاف العلوم والآداب، واستخرجت بمخضها له من زبد الأوطاب، وأنزلت علي قلبه ولسانه معرفة الحكمة وفصل الخطاب.
وممّا نقل عنه عليه السلام من المنهاج البديع؛ والازدواج الصنيع؛ ما جمع بلاغة التصحيف؛ وبراعة التأليف؛ قوله عليه السلام : غرّك عزّك، فصار قصار ذلك ذُلّك، فاخش فاحش فعلك، فعلّك بهذا تهدي، والسلام.
وممّا نقل عنه عليه السلام في هذا المقام ما هو أفصح وضعاً؛ وأرجح نفعاً؛ وأبلغ الأنواع البلاغة والفصاحة جمعاً قوله [ عليه السلام ]: العالم حديقة، سياجها الشريعة، والشريعة سلطان تجب له الطاعة، والطاعة سياسة يقوم بها الملك، والملك راع يعضده الجيش، والجيش أعوان يكفلهم المال، والمال رزق تجمعه الرعيّة، والرعيّة سواد يستعبدهم العدل، والعدل أساس به قوام العالم. (2)
برواية:
1. ابن عرادة-2. المراسيل والأقوال
18430. ابن دريد : أخبرنا الجرموزي، عن ابن المهلّبي، عن ابن الكلبي، عن شدّاد بن إبراهيم، عن عبيدالله بن الحسن العنبري، عن ابن عرادة، قال:
ص:462
كان علي بن أبي طالب عليه السلام يعشّي الناس في شهر رمضان باللحم ولا يتعشّي معهم، فإذا فرغوا خطبهم ووعظهم، فأفاضوا ليلة في الشعراء وهم علي عشائهم، فلمّا فرغوا خطبهم عليه السلام وقال في خطبته: اعلموا أنّ ملاك أمركم الدين، وعصمتكم التقوي، وزينتكم الأدب، وحصون أعراضكم الحلم.
ثمّ قال: قل يا أباالأسود: فيم كنتم تفيضون فيه ؟ أي الشعراء أشعر؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، الّذي يقول:
ولقد أغتدي يدافع ركني أعوجي ذو مَيعة إضريج
مِخْلَطٌ مِزَيْلٌ مِعَنٌّ مِفَنٌّ منفح مِطرَح سَبُوح خَروج
يعني أبادُؤاد الإيادي، فقال عليه السلام : ليس به.
قالوا: فمن يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: لو رفعت للقوم غاية فجروا إليها معاً علمنا من السابق منهم، ولكن إن يكن فالّذي لم يقل عن رغبة ولا رهبة.
قيل: من هو يا أميرالمؤمنين ؟ قال: هو الملك الضلّيل ذوالقروح.
قيل: امرؤ القيس يا أميرالمؤمنين ؟ قال: هو ... . (1)
18433. القيرواني : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
الشعر ميزان القول. (1)
18434. القيرواني : حكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال:
لو أنّ الشعراء المتقدّمين ضمّهم زمان واحد؛ ونصبت لهم راية؛ فجروا معاً؛ علمنا من السابق منهم، وإن لم يكن فالّذي لم يقل لرغبة ولا لرهبة.
فقيل: ومن هو؟ فقال: الكندي.
قيل: ولم ؟ قال: لأنّي رأيته أحسنهم نادرة وأسبقهم بادرة. (2)
برواية: عامر الشعبي
18435. ابن عساكر : أخبرنا أبوالحسن علي بن المسلّم، حدّثنا عبدالعزيز بن أحمد الكتّاني.
وأخبرنا أبوالحسين بن أبي الحديد، أخبرنا جدّي أبوعبدالله الحسين بن أحمد.
قالا: أخبرنا محمّد بن عوف بن أحمد المزني، حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن موسي بن الحسين السمسار، أخبرنا أبوبكر محمّد بن خُرَيم بن محمّد، حدّثنا أبوالوليد هشام بن عمّار، حدّثنا إبراهيم بن أعين، حدّثنا عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عبدالله بن أبي السفر.
حيلولة: وأخبرنا أبوالقاسم النسيب وأبوالوحش سُبيع بن المسلّم، قالا: أخبرنا رشأ بن نظيف المقرئ، أخبرنا أبومسلم محمّد بن أحمد بن علي الكاتب، أخبرنا أبوبكر محمّد بن القاسم الأنباري، حدّثنا أبوعمران موسي الخيّاط ، حدّثنا أحمد - يعني الدورقي - ، حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي، حدّثنا عمر بن زيد بن عبدالله بن أبي السفر، يحدّث عن الشعبي، قال:
ص:464
كان أبوبكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة. (1)
18436. أبوالشيخ : أخبرنا محمّد بن أحمد بن معدان، حدّثنا علي بن مسلم الطوسي، حدّثنا هشيم، أخبرنا عمر بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال:
كان أبوبكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة. (2)
18437. البلاذري : حدّثنا محمّد بن صباح البزّار، حدّثنا هشيم، قال: أخبرني عمر بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال:
كان أبوبكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة. (3)
18438. ابن كثير : قال هشيم: أخبرنا عمر بن أبي زائدة، عن الشعبي، قال:
كان أبوبكر يقول الشعر، وكان عمر يقول الشعر، وكان علي يقول الشعر، وكان علي أشعر الثلاثة. (4)
18439. أحمد الدورقي : حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي, حدّثنا عمر بن زيد بن عبدالله بن أبي السفر, عن الشعبي, مثله. (5)
تقدّمت روايته مع رواية ابن عساكر عن الشعبي.
18440. ابن عبدالبرّ : قال الشعبي:
كان أبوبكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة. (6)
ص:465
تقدّم في باب قضائه عليه السلام من الفصل الخامس، فراجع.
تقدّم ما يرتبط به في موارد عديدة في باب قضائه عليه السلام من الفصل الخامس، لا سيّما ما ورد في المنازعات الماليّة والميراث، فلاحظ مثلاً عنوان: «رجلين يتغدّيان لأحدهما خمسة أرغفة وللآخر ثلاثة»، وعنوان: «رجل مات وترك امرأة وابنتين وأبوين: (المسألة المنبريّة)»، وعنوان: «رجل مات وخلّف بنتين واُمّاً وزوجة واُختاً واثني عشر أخاً: (المسألة الديناريّة)»، وغيرها.
18441. الصفوري : قال جابر بن عبدالله لعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهم - : رأيت في النوم بقراً كباراً تحلب بقراً صغاراً، ورأيت أصناماً علي منابر يرمين بشرر النار من أفواههم، ورأيت بساتين خضرة علي يابس، ورأيت مرضي يعودون أصحّاء، ورأيت فرساً برأسين تأكل ولا تتغوّط ، ورأيت كرباساً معلّقاً بين السماء والأرض قد تعلّق كلّ واحد بطرف منه، ورأيت طيرين خرجا من وكرهما!
فقال الإمام علي رضي الله عنه : أمّا البقر الكبار الّذين يحلبون الصغار فهم الاُمراء يأكلون أموال الناس، وأمّا الأصنام الّتي علي المنابر فهو من يجلس عليها وليس من أهلها، وأمّا البساتين الخضرة الّتي علي النهر اليابس فهم العلماء ظاهرهم عامر بالعلم وباطنهم يابس من ترك العمل، وأمّا المرضي الّذين يعودون الأصحّاء فهم الفقراء يتردّدون إلي أبواب الأغنياء، وأمّا الفرس الّتي برأسين فهو الغني يأكل ولا يشكر، وأمّا الكرباس المعلّق بين السماء والأرض فهو الإسلام، وأمّا الطيران فهما الوفاء والأمانة يخرجان ثمّ لا يعودان.
ورأيت في كلام ابن الجوزي رضي الله عنه أنّ نصرانياً رأي هذه الرؤيا بزيادة: ورأيت قصوراً تنزل من السماء وحولها قردة وخنازير، ورأيت طيوراً نزلت من السماء إلي الأرض ثمّ عادت بلا رؤوس.
ص:466
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أمّا القصر فسلطان ظالم، والقردة والخنازير أعوانه، وأمّا الطيور فالإسلام، ولا يبقي إلّا اسمه، وترجع الشريعة إلي السماء. (1)
18442. المبرّد : ذكر أنّ السبب الّذي بُني له أبواب النحو وعليه اصّلت اصوله أنّ ابنة أبي الأسود الدؤلي قالت: يا أبت، ما أشدّ الحرّ! قال: الحصباء بالرمضاء. قالت: إنّما تعجّبت من شدّته. قال: أو قد لحن الناس ؟
فأخبر بذلك عليّاً -رحمة الله عليه- فأعطاه اصولاً بني منها، وعمل بعده عليها، فأخذه عن أبي الأسود عنبسة بن معدان المهري الّذي يقال له عنبسة الفيل. (2)
18443. الأصمعي : سمعت أباعمرو بن العلاء يقول:
جاء أعرابي إلي علي عليه السلام فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين، كيف تقرأ هذه الحروف: «لا يأكله إلّا الخاطون»؟ كلّنا والله يخطو.
قال: فتبسّم أميرالمؤمنين عليه السلام وقال: يا أعرابي، لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ 3 . قال: صدقت والله يا أميرالمؤمنين، ما كان الله ليظلم عباده.
ثمّ التفت أميرالمؤمنين عليه السلام إلي أبي الأسود الدؤلي، فقال: إنّ الأعاجم قد دخلت في الدين كافّة، فضع للناس شيئاً يستدلّون به علي صلاح ألسنتهم. ورسم له الرفع والنصب والخفض.
وقد روي في هذه القصّة أخبار غير هذه. (3)
ص:467
18444. الزجّاجي : يقال: إنّه [أي أباالأسود الدؤلي] أوّل من سطّر في كتاب: الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعني. فسئل عن ذلك، فقال: أخذته من أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام . (1)
18445. الزجّاجي : وقد روي لنا أنّ أوّل من قال ذلك أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب -صلوات الله عليه- ، أعني قوله: الكلام اسم وفعل وحرف. (2)
18446. أبوحاتم السجستاني : حدّثني يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدّثنا سعيد بن سلم الباهلي، حدّثنا أبي، عن جدّي، عن أبي الأسود الدؤلي، قال:
دخلت علي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فرأيته مطرقاً متفكّراً، فقلت: فيم تفكّر يا أميرالمؤمنين ؟ قال: إنّي سمعت ببلدكم هذا لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في اصول العربيّة. فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا، وبقيت فينا هذه اللغة.
ثمّ أتيته بعد ثلاث، فألقي إلي صحيفة، فيها: بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كلّه اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمّي، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّي، والحرف ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل.
ثمّ قال: تتّبعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أباالأسود أنّ الأسماء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنّما تتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر.
قال أبوالأسود: فجمعت منه أشياء، وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها «إنّ » و «أنّ » و «ليت» و «لعلّ » و«كأنّ »، ولم أذكر «لكنّ »، فقال لي: لِمَ تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بل هي منها، فزدها فيها. (3)
ص:468
18447. أبوالطيّب الحلبي : ثمّ كان أوّل من رسم للناس النحو أبوالأسود الدؤلي فيما حدّثنا به أبوالفضل جعفر بن محمّد بن بابتويه، قال: حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن حميد، قال: أخبرنا أبوحاتم السجستاني.
وأخبرنا أبوبكر محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا محمّد بن يزيد النحوي، قال: حدّثنا أبوعمر الجرمي، عن الخليل:
قالوا: وكان أبوالأسود أخذ ذلك عن أميرالمؤمنين علي عليه السلام ؛ لأنّه سمع لحناً، فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفاً -وأشار له إلي الرفع والنصب والجرّ- ، فكان أبوالأسود ضنيناً بما أخذه من ذلك عن أميرالمؤمنين عليه السلام . (1)
18448. أبوالطيّب الحلبي : أخبرنا محمّد بن يحيي، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن الجرمي، عن الخليل، قال:
لم يزل أبوالأسود ضنيناً بما أخذه عن علي عليه السلام ، حتّي قال له زياد: قد فسدت ألسنة الناس، وذلك أنّهما سمعا رجلاً يقول: سقطت عصاتي. فدافعه أبوالأسود.
وأخبرنا جعفر بن محمّد، قال: أخبرنا إبراهيم بن حميد، قال: حدّثنا أبوحاتم السجستاني، قال: حدّثنا محمّد بن عبّاد المهلّبي، عن أبيه:
سمع أبوالأسود رجلاً يقرأ: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ 2 بكسر اللام، فقال: لا أظنّ يسعني إلّا أن أصنع شيئاً اصلح به نحو هذا؛ أو كلام هذا معناه، فوضع النحو. (2)
18449. السيرافي : قد اختلف الناس في السبب الّذي دعا أباالأسود إلي ما رسمه من النحو، فقال أبوعبيدة معمر بن المثنّي: أخذ أبوالأسود عن علي بن أبي طالب عليه السلام العربيّة، فكان لا يخرج شيئاً ممّا أخذه عن علي بن أبي طالب عليه السلام إلي أحد، حتّي بعث إليه زياد:
ص:469
اعمل شيئاً تكون فيه إماماً [ينتفع الناس به]، وتعرب به كتاب الله، فاستعفاه من ذلك، حتّي سمع أبوالأسود قارئاً يقرأ: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ [بكسر اللام]، فقال: ما ظننت أنّ أمر الناس صار إلي هذا، فرجع إلي زياد فقال: [أنا] أفعل ما أمر به الأمير، فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول.
فاُتي بكاتب من عبد القيس، فلم يرضه، فاُتي بآخر -قال أبوالعبّاس: أحسبه منهم- ، فقال له أبوالأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه علي أعلاه، فإن ضمّمت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن أتبعت شيئاً من ذلك غنّة، فاجعل مكان النقطة نقطتين. فهذا نقط أبي الأسود. (1)
18450. ابن إسحاق : زعم أكثر العلماء أنّ النحو اخذ عن أبي الأسود الدؤلي، وأنّ أباالأسود أخذ ذلك عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ... . (2)
18451. الطبري : إنّما سمّي النحو نحواً لأنّ أباالأسود الدؤلي قال لعلي عليه السلام وقد ألقي عليه شيئاً من اصول النحو، قال أبوالأسود: واستأذنته أن أصنع نحو ما صنع. فسمّي ذلك نحواً ... . (3)
18452. المبرّد : سئل أبوالأسود الدؤلي عمّن فتح له الطريق إلي الوضع في النحو وأرشده إليه، فقال: تلقّيته من علي بن أبي طالب رحمه الله .
وفي حديث آخر قال: ألقي إلي علي اصولاً احتذيت عليها. (4)
18453. ابن جنّي : روي من حديث علي رضي الله عنه مع الأعرابي الّذي أقرأه المقرئ: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ [بكسر اللام]، حتّي قال الأعرابي: برئت من رسول الله!
ص:470
فأنكر ذلك علي عليه السلام ، ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه ما لا يجهل موضعه. (1)
18454. العسكري : سمعت أبابكر محمّد بن علي بن إسماعيل المبرمان يحكي عن إبراهيم بن السري، قال:
أوّل من تكلّم في النحو أبوالأسود، وزعم أنّ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب أمره بذلك. (2)
18455. السمعاني : «النحوي» هذه النسبة إلي معرفة النحو وعلم الإعراب، وقيل: إنّما سمّي هذا العلم بهذا الاسم لأنّ العرب لمّا اختلطوا بالعجم وولد لهم الأولاد من الأعجميّات فسد لسانهم، وصاروا يلحنون في الكلام، فقال علي رضي الله عنه لأبي الأسود الدؤلي: قد فسد لسان المولدين، فاجمع في علم الإعراب شيئاً.
وكان العرب قبل ذلك لا يحتاجون إلي ذلك بطبعهم وأخذهم الأدب واللسان من معدنه، فلمّا كثر أولاد السبايا احتاجوا إلي تعلّم الإعراب، فجمع أبوالأسود الدؤلي شيئاً في الإعراب، ثمّ قال لطالبها ومتعلّمها: انح نحوه. فسمّي هذا النوع من العلم النحو. (3)
18456. أبوالبركات الأنباري : اعلم - أيّدك الله تعالي بالتوفيق؛ وأرشدك إلي سواء الطريق - أنّ أوّل من وضع علم العربيّة؛ وأسّس قواعده؛ وحدّ حدوده؛ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأخذ عنه أبوالأسود ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي ... .
وسبب وضع علي رضي الله عنه لهذا العلم ما روي أبوالأسود، قال: دخلت علي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فوجدت في يده رقعة، فقلت: ما هذه يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: إنّي تأمّلت كلام الناس فوجدته قد فسد بمخالطة هذه الحمراء -يعني الأعاجم- فأردت أن أضع لهم شيئاً يرجعون إليه، ويعتمدون عليه. ثمّ ألقي إلي الرقعة، وفيها مكتوب: الكلام كلّه اسم، وفعل، وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمّي، والفعل ما انبئ به، والحرف ما جاء
ص:471
لمعني. وقال لي: انح هذا النحو، وأضف إليه ما وقع إليك، واعلم يا أباالأسود أنّ الأسماء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، واسم لا ظاهر ولا مضمر، وإنّما يتفاضل الناس - يا أباالأسود - فيما ليس بظاهر ولا مضمر. وأراد بذلك الاسم المبهم.
قال أبوالأسود: فكان ما وقع إلي «إنّ » وأخواتها ما خلا «لكنّ »، فلمّا عرضتها علي علي رضي الله عنه قال لي: وأين «لكنّ »؟ فقال: ما حسبتها منها. فقال: هي منها فألحقها. ثمّ قال: ما أحسن هذا النحو الّذي نحوت! فلذلك سمّي النحو نحواً. (1)
18457. أبوالبركات الأنباري : لو لم يكن من الدلالة علي صحّته إلّا أنّ واضع قواعد فصوله مرتّبة علي فروعه واُصوله ذلك الحبر العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام لكان ذلك كافياً، فإنّه إذا كان قول واحد من الصحابة حجّة في قول أشرف أئمّة الاُمّة، فما ظنّك بقول ذلك الحبر العظيم علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- والرسول صلى الله عليه و سلم يقول في حقّه: أنا مدينة العلم وعلي بابها. ويقول في حقّه: اللهمّ أدر الحقّ مع علي حيثما دار. (2)
18458. أبوالبركات الأنباري : روي أنّ سبب وضع علي رضي الله عنه لهذا العلم أنّه سمع أعرابيّاً يقرأ: «لا يأكله إلّا الخاطئين» (3)، فوضع النحو ... .
وقال أبوعبيدة معمر بن المثنّي وغيره: أخذ أبوالأسود النحو عن علي بن أبي طالب... .
وحكي أبوحاتم السجستاني، قال: ولد أبوالأسود الدؤلي في الجاهليّة، وأخذ النحو عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ... .
الصحيح أنّ أوّل من وضع النحو علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ لأنّ الروايات كلّها تسند إلي أبي الأسود، وأبوالأسود يسند إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فإنّه روي عن أبي الأسود أنّه
ص:472
سئل فقيل له: من أين لك هذا النحو؟ فقال: لفّقت حدوده من علي بن أبي طالب رضي الله عنه . (1)
18459. الفخر الرازي : رسم علي رضي الله عنه لأبي الأسود باب «إنّ »، وباب الإضافة، وباب الإمالة، ثمّ صنّف أبوالأسود باب العطف، وباب النعت، ثمّ صنّف باب التعجّب، وباب الاستفهام، وتطابقت الروايات علي أنّ أوّل من وضع النحو أبوالأسود، وأنّه أخذه أوّلاً عن علي. (2)
18460. ابن الأثير : أوّل من تكلّم في النحو أبوالأسود الدؤلي، وسبب ذلك أنّه دخل علي ابنة له، فقالت له: يا أبه، ما أشدّ الحرّ! متعجّبة ورفعت «أشدّ»، فظنّها مستفهمة، فقال: شهرنا حرّ. فقالت: يا أبه، إنّما أخبرتك ولم أسألك!
فأتي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا أميرالمؤمنين، ذهبت لغة العرب ويوشك أن تطاول عليها زمان أن تضمحل.
فقال له: وما ذاك ؟ فأخبره خبر ابنته، فقال: هلمّ صحيفة. ثمّ أملي عليه: الكلام لا يخرج عن اسم وفعل وحرف جاء لمعني. ثمّ رسم له رسوماً، فنقلها النحويّون في كتبهم. (3)
18461. القفطي : الجمهور من أهل الرواية علي أنّ أوّل من وضع النحو أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب -كرمّ الله وجهه- ، قال أبوالأسود الدؤلي رحمه الله : دخلت علي أميرالمؤمنين علي عليه السلام فرأيته مطرقاً مفكّراً؛ فقلت: فيم تفكّر يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أصنع كتاباً في اصول العربيّة. فقلت له: إن فعلت هذا أبقيت فينا (4) هذه اللغة العربيّة، ثمّ أتيته بعد أيّام، فألقي إلي صحيفة فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، الكلام كلّه اسم وفعل وحرف؛ فالاسم ما أنبأ عن المسمّي،
ص:473
والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّي، والحرف ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل.
ثمّ قال: تتبّعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم أنّ الأشياء (1) ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر، وإنّما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بمضمر ولا ظاهر.
فجمعت أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها «إنّ » و«أنّ » و«ليت» و«لعلّ » و«كأنّ »، ولم أذكر «لكنّ »، فقال: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. فقال: بلي هي منها، فزدها فيها.
هذا هو الأشهر من أمر ابتداء النحو، وقد تعرّض الزجّاجي أبوالقاسم إلي شرح هذا الفصل من كلام علي -كرّم الله وجهه- .
ورأيت بمصر في زمن الطلب بأيدي الورّاقين جزء فيه أبواب من النحو، يجمعون علي أنّها مقدّمة علي بن أبي طالب الّتي أخذها عنه أبوالأسود الدؤلي.
وروي أيضاً عن أبي الأسود، قال: دخلت علي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرج لي رقعة فيها: الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعني.
قال: فقلت: ما دعاك إلي هذا؟ قال: رأيت فساداً في كلام بعض أهلي، فأحببت أن أرسم رسماً يعرف به الصواب من الخطأ. فأخذ أبوالأسود النحو عن علي عليه السلام ولم يظهره لأحد.
ثمّ إنّ زياداً سمع بشيء ممّا عند أبي الأسود، ورأي اللحن قد فشا؛ فقال لأبي الأسود: أظهر ما عندك ليكون للناس إماماً. فامتنع من ذلك، وسأله الإعفاء، حتّي سمع أبوالأسود قارئاً يقرأ: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ 2 بالكسر، فقال: ما ظننت أمر الناس آل إلي هذا، فرجع إلي زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير؛ فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول. فاُتي بكاتب من عبدالقيس، فلم يرضه، فاُتي بكاتب آخر
ص:474
-قال المبرّد: أحسبه منهم- فقال له أبوالأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه علي أعلاه، وإن ضمّمت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل نقطة من تحت الحرف، وإن مكّنت الكلمة بالتنوين فاجعل أمارة ذلك نقطتين. ففعل ذلك، وكان أوّل ما وضعه لهذا السبب ... .
وأهل مصر قاطبة يرون بعد النقل والتصحيح أنّ أوّل من وضع النحو علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- وأخذ عنه أبوالأسود الدؤلي ... . (1)
18462. ابن أبي الحديد : ومن العلوم علم النحو والعربيّة، وقد علم الناس كافّة أنّه هو الّذي ابتدعه وأنشأه، وأملي علي أبي الأسود الدؤلي جوامعه واُصوله، من جملتها: الكلام كلّه ثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف. ومن جملتها تقسيم الكلمة إلي معرفة ونكرة، وتقسيم وجوه الإعراب إلي الرفع والنصب والجرّ والجزم، وهذا يكاد يلحق بالمعجزات؛ لأنّ القوّة البشريّة لا تفي بهذا الحصر، ولا تنهض بهذا الاستنباط . (2)
18463. الذهبي : قال الواقدي: أسلم [أبوالأسود] في حياة النبيّ صلى الله عليه و سلم ، وقال غيره: قاتل أبوالأسود يوم الجمل مع علي بن أبي طالب، وكان من وجوه الشيعة، ومن أكملهم عقلاً ورأياً، وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع شيء في النحو لمّا سمع اللحن.
قال: فأراه أبوالأسود ما وضع، فقال علي: ما أحسن هذا النحو الّذي نحوت. فمن ثمّ سمّي النحو نحواً. (3)
18464. المبرّد : حدّثنا المازني، قال:
السبب الّذي وضعت له أبواب النحو أنّ ابنة أبي الأسود قالت: ما أشدّ الحرّ؟ قال:
ص:475
الحصباء بالرمضاء. قالت: إنّما تعجّبت من شدّته. فقال: أو قد لحن الناس! فأخبر بذلك عليّاً -عليه الرضوان- فأعطاه اصولاً بني منها، وعمل بعده عليها ... . (1)
18465. الذهبي : قال يعقوب الحضرمي: حدّثنا سعيد بن سلم الباهلي، حدّثنا أبي، عن جدّي، عن أبي الأسود، قال:
دخلت علي علي فرأيته مطرقاً، فقلت: فيم تفكّر يا أميرالمؤمنين ؟ قال: سمعت ببلدكم لحناً، فأردت أن أضع كتاباً في اصول العربيّة. فقلت: إن فعلت هذا أحييتنا. فأتيته بعد أيّام، فألقي إلي صحيفة فيها: الكلام كلّه اسم، وفعل، وحرف، فالاسم ما أنبأ عن المسمّي، والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّي، والحرف ما أنبأ عن معني ليس باسم ولا فعل. ثمّ قال: تتبّعه وزد فيه ما وقع لك. فجمعت أشياء، ثمّ عرضتها عليه. (2)
18466. ياقوت : وكان عليه السلام أوّل من وضع النحو وسنّ العربيّة، وذلك أنّه مرّ برجل يقرأ: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ 3 بكسر اللام في «رسوله»، فوضع النحو وألقاه إلي أبي الأسود الدؤلي. (3)
18467. ابن كثير : أبوالأسود الدؤلي، ويقال له: الديلي، قاضي الكوفة، تابعي جليل ... الّذي نسب إليه علم النحو، ويقال: إنّه أوّل من تكلّم فيه، وإنّما أخذه عن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب ... .
قال ابن خلّكان وغيره: كان أوّل من ألقي إليه علم النحو علي بن أبي طالب، وذكر
ص:476
له أنّ الكلام اسم وفعل وحرف، ثمّ إنّ أباالأسود نحي نحوه؛ وفرع علي قوله؛ وسلك طريقه، فسمّي هذا العلم النحو لذلك. (1)
18468. اليافعي : وقيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم ؟ - يعنون النحو - قال: تلقّنت حدوده من علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقيل: إنّ أباالأسود كان لا يخرج شيئاً أخذه عن علي بن أبي طالب حتّي بعث إليه زياد المذكور أن اعمل شيئاً يكون للناس إماماً، ويعرف به كتاب الله -عزّ وجلّ - ، فاستعفاه أبوالأسود من ذلك حتّي سمع أبوالأسود قارئاً يقرأ: أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ بالكسر، قال: ما ظننت أنّ أمر الناس يؤول إلي هذا. فرجع إلي زياد، فقال: أفعل ما أمر به الأمير، فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول. فاُتي بكاتب من عبدالقيس فلم يرضه، فاُتي بآخر، فقال له أبوالأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحروف فانقط نقطة فوق، وإن ضمّمت فمي فانقط بين يدي الحروف، فإن كسرت فاجعل النقطة من تحت. فقبل ذلك.
وإنّما سمّي النحو نحواً لأنّ أباالأسود المذكور قال: استأذنت علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن أضع نحو ما وضع. فسمّي لذلك نحواً، والله أعلم. (2)
18469. ابن الجزري : ظالم بن عمرو بن سفيان أبوالأسود الدؤلي قاضي البصرة، ثقة جليل، أوّل من وضع مسائل في النحو بإشارة علي رضي الله عنه ، فلمّا عرضها علي علي قال: ما أحسن هذا النحو الّذي نحوت! فمن ثمّ سمّي النحو نحواً. (3)
18470. السيوطي : أوّل من وضع النحو علي بن أبي طالب رضي الله عنه . (4)
18471. المبرّد : [حدّثنا التوزي والمُهري، قالا: حدّثنا كيسان بن المعرّف الهجيمي أبوسليمان، عن أبي سفيان بن العلاء، عن] جعفر بن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، قال:
ص:477
قيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم ؟ -يعنون النحو- قال: أخذت حدوده عن علي بن أبي طالب. (1)
18472. الوطواط الكتبي : فأمّا النحو فإنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الّذي ابتكره واخترعه، وقالوا في أصل وضعه له: إنّ أباالأسود الدؤلي كان ليلة علي سطح بيته وعنده بنت له: فرأت السماء ونجومها وحسن تلألؤ أنوارها مع وجود الظلمة، فقالت: يا أبت، ما أحسنُ السماء! بضمّ النون، فقال: أي بنيّة، نجومها؟ وظنّ أنّها أرادت أي شيء أحسن منها؟ فقالت: يا أبت، إنّما أردت التعجّب من حسنها. فقال: قولي: ما أحسن السماء!
فلمّا أصبح غدا علي علي رضي الله عنه ، وقال: يا أميرالمؤمنين، حدث في أولادنا ما لم نعرفه. وأخبره بالقصّة، فقال: هذا بمخالطة العجم. ثمّ أمره فاشتري صحفاً وأملي عليه بعد أيّام: أقسام الكلام ثلاثة: اسم وفعل وحرف جاء لمعني، وجملة من باب التعجّب، وقال: انح نحو هذا. فكان ذلك أوّل ما ألّف في النحو، ثمّ قال: تتبّعه وزد فيه ما وقع لك، واعلم يا أباالأسود أنّ الأشياء ثلاثة: ظاهر، ومضمر، وشيء ليس بظاهر ولا مضمر.
قال: فجمعت منها أشياء وعرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها «إنّ » و«أنّ » و«ليت» و«لعلّ » و«كأنّ »، ولم أذكر «لكنّ »، فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها. قال: بل هي منها. فزدتها فيها. (2)
لقد كثر رجوع الصحابة إليه عليه السلام ، غالبها يرتبط بالمسائل القضائيّة والمخاصمات، وقد ذكرناها في باب قضائه عليه السلام ، وتقدّم كثير ممّا يرتبط به أيضاً في باب أنّه عليه السلام فقيه الصحابة، وباب فقه النبيّ صلى الله عليه و آله ، وباب أنّه عليه السلام أعلم الناس بالفرائض، وأبواب أنّ له عليه السلام أربعة أخماس
ص:478
العلم والحكمة، وله عليه السلام خمسة أسداس العلم، وله عليه السلام تسعة أعشار العلم والحكمة وللناس جزء واحد وشاركهم فيه، وباب أنّه عليه السلام أعلم الناس بالقرآن، وقد رجع إليه جمع من الصحابة وأرجع إليه بعض آخر، منهم:
برواية:
1. أنس بن مالك-3. عبدالله بن عمر
2. سلمان الفارسي-4. ما ورد مرسلاً
18473. ابن دريد : حدّثنا العكلي، عن ابن عائشة، عن حمّاد، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال:
أقبل يهودي بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم حتّي دخل المسجد، فقال: أين وصي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ؟ فأشار القوم إلي أبي بكر. فوقف عليه فقال: اريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلّا نبي أو وصي نبي. قال أبوبكر: سل عمّا بدا لك.
قال اليهودي: أخبرني عمّا ليس لله، وعمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله. فقال أبوبكر: هذه مسائل الزنادقة يا يهودي. وهمّ أبوبكر والمسلمون باليهودي، فقال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- : ما أنصفتم الرجل.
فقال أبوبكر: أما سمعت ما تكلّم به ؟ فقال ابن عبّاس: إن كان عندكم جوابه، وإلّا فاذهبوا به إلي علي رضي الله عنه يجيبه؛ فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي بن أبي طالب: اللهمّ اهد قلبه، وثبّت لسانه.
قال: فقام أبوبكر ومن حضره حتّي أتوا علي بن أبي طالب، فاستأذنوا عليه، فقال أبوبكر: يا أباالحسن، إنّ هذا اليهودي سألني مسائل الزنادقة!
فقال علي: ما تقول يا يهودي ؟ قال: أسألك عن أشياء لا يعلمها إلّا نبي، أو وصي
ص:479
نبي. فقال له: قل. فردّ اليهودي المسائل.
فقال علي رضي الله عنه : أمّا ما لا يعلمه الله، فذلك قولكم يا معشر اليهود: إنّ العزير ابن الله، والله لا يعلم أنّ له ولداً.
وأمّا قولك: أخبرني بما ليس عند الله؛ فليس عنده ظلم للعباد.
وأمّا قولك: أخبرني بما ليس لله؛ فليس له شريك.
فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّك وصي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم .
فقال أبوبكر والمسلمون لعلي عليه السلام : يا مفرّج الكرب! (1)
18474. العاصمي : روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه , قال:
لمّا قبض النبيّ -صلّي الله عليه- اجتمعت النصاري إلي قيصر ملك الروم فقالوا له: أيّها الملك، إنّا وجدنا في الإنجيل [أنّ ] رسولاً يخرج من بعد عيسي اسمه أحمد، وقد رمقنا خروجه وجاءنا نعته فأشر إلينا فإنّا قد رضيناك لديننا ودنيانا.
قال: فجمع قيصر من نصاري (2) بلاده مئة رجل وأخذ عليهم المواثيق أن لا يغدروا ولا يخفوا عليه من امورهم شيئاً، وقال: انطلقوا إلي هذا الوصي الّذي من بعد نبيّهم فاسألوه عمّا سئل عنه الأنبياء وعمّا أتاهم به من قبل والدلائل الّتي عرفت بها الأنبياء، فإن أخبركم [بها] فآمنوا به وبوصيّه واكتبوا بذلك إلي، وإن لم يخبركم [بها] فاعلموا أنّه رجل مطاع في قومه يأخذ الكلام بمعانيه ويردّه علي تواليه، وتعرّفوا خروج هذا النبي.
قال: فسار القوم حتّي دخلوا بيت المقدس، واجتمعت اليهود إلي رأس جالوت، فقالوا له مثل مقالة النصاري لقيصر، فجمع رأس جالوت من اليهود مئة رجل.
قال سلمان: فاغتنمت صحبة القوم فسرنا حتّي دخلنا المدينة وذلك يوم عروبة
ص:480
وأبوبكر قاعد في المسجد يفتي الناس، فدخلت عليه، فأخبرته بالّذي قدم له النصاري واليهود، فأذن لهم بالدخول عليه، فدخل عليه رأس جالوت، فقال: يا أبابكر، إنّا قوم من النصاري واليهود جئناكم لنسألكم عن فضل دينكم، فإن كان دينكم أفضل من ديننا قبلناه، وإلّا فديننا أفضل الأديان.
قال أبوبكر: سل عمّا تشاء اجبك إن شاء الله.
قال: ما أنا وأنت عند الله ؟ قال أبوبكر: أمّا أنا فقد كنت عند الله مؤمناً وكذلك عند نفسي إلي الساعة ولا أدري ما يكون من بعد.
فقال اليهودي: فصف لي صفة مكانك في الجنّة، وصفة مكاني في النار لأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني.
قال: فأقبل أبوبكر ينظر إلي معاذ مرّة وإلي ابن مسعود مرّة، وأقبل رأس جالوت يقول لأصحابه -تابعه ابنه ؟- : ما كان هذا نبيّاً.
قال سلمان: فلمّا نظر إلي القوم ؟ قلت لهم: أيّها القوم، ابعثوا إلي رجل لو ثنيتم له الوسادة لقضي لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل القرآن بقرآنهم، ويعرف ظاهر الآية من باطنها، وباطنها من ظاهرها.
قال معاذ: فقمت فدعوت علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- وأخبرته بالّذي قدمت له اليهود والنصاري، فأقبل علي حتّي جلس في مسجد رسول الله -صلّي الله عليه- .
قال ابن مسعود: وكان علينا ثوب ذلّ ، فلمّا جاء علي بن أبي طالب كشفه الله عنّا، [ف]قال علي -رضوان الله عليه- [لليهودي]: سلني عمّا تشاء اخبرك إن شاء الله.
قال اليهودي: ما أنا وأنت عند الله ؟ قال: أمّا أنا فقد كنت عند الله وعند نفسي مؤمناً إلي الساعة، فلا أدري ما يكون بعد، وأمّا أنت فقد كنت عند الله وعند نفسي الساعة كافراً، ولا أدري ما يكون بعد.
قال رأس جالوت: فصف لي صفة مكانك في الجنّة وصفة مكاني في النار فأرغب في مكانك وأزهد عن مكاني.
ص:481
قال له علي: يا يهودي، لم أر ثواب الجنّة ولا عذاب النار فأعرف ذلك، ولكن كذلك أعدّ الله للمؤمنين الجنّة وللكافرين النار، فإن شككت في شيء من ذلك فقد خالفت النبيّ عليه السلام ولست في شيء من الإسلام.
قال [رأس جالوت]: صدقت رحمك الله، فإنّ الأنبياء يوقنون علي ما جاؤوا به، فإن صدّقوا آمنوا، وإن خولفوا كفروا.
[ثمّ ] قال [رأس جالوت]: فأخبرني أعرفت الله بمحمّد؛ أم محمّداً بالله ؟
فقال علي: يا يهودي، ما عرفت الله بمحمّد، ولكن عرفت محمّداً بالله؛ لأنّ محمّداً محدود مخلوق، وعبد من عباد الله اصطفاه الله واختاره لخلقه، وألهم الله نبيّه كما ألهم الملائكة الطاعة وعرّفهم نفسه بلا كيف ولا شبه. قال: صدقت.
قال [رأس جالوت]: فأخبرني [عن] الربّ ، [أ هو] في الدنيا؟ أم في الآخرة ؟
فقال علي: إنّ «في» وعاء، فمتي ما كان ب -«في» كان محدوداً، ولكنّه يعلم ما في الدنيا و [ما في] الآخرة، وعرشه في هواء الآخرة، وهو محيط بالدنيا والآخرة بمنزلة القنديل في وسطه إن خلّيته تكسر، وإن أخرجته لم يستقم مكانه هناك، فكذلك الدنيا وسط الآخرة.
قال: صدقت، فأخبرني [عن] الربّ يحمل أو يحمل ؟
قال علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- : يحمل.
قال رأس جالوت: فكيف وإنّا نجد في التوراة مكتوباً: وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ 1 ؟ قال علي: يا يهودي، إنّ الملائكة تحمل العرش، والثري يحمل الهواء، والثري موضوع علي القدرة، وذلك قوله تعالي: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ ما تَحْتَ الثَّرى 2 .
قال اليهودي: صدقت رحمك الله. (1)
ص:482
18475. آدم : حدّثنا ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، قال:
أقبل قوم من اليهود إلي أبي بكر الصدّيق، فقالوا له: يا أبابكر، صف لنا صاحبك. فقال: معاشر يهود، لقد كنت مع النبيّ صلى الله عليه و سلم في الغار كإصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء وإنّ خنصري لفي خنصر النبيّ صلى الله عليه و سلم ، ولكنّ الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و سلم شديد، وهذا علي بن أبي طالب.
فأتوا عليّاً، فقالوا: يا أباالحسن، صف لنا ابن عمّك. فقال علي: لم يكن حبيبي رسول الله صلى الله عليه و سلم بالطويل الذاهب طولاً، ولا بالقصير المتردّد، كان فوق الربعة، أبيض اللون، مشرب الحمرة، جعداً ليس بالقطط ، يفرق شعرته إلي اذنيه.
وكان حبيبي محمّد صلى الله عليه و سلم صلت الجبين، واضع الخدّين، أدعج العين، دقيق المسربة، برّاق الثنايا، أقني الأنف، عنقه إبريق فضّة، كأنّ الذهب يجري في تراقيه.
وكان لحبيبي محمّد صلى الله عليه و سلم شعرات من لبّته إلي سرّته، كأنّهنّ قضيب مسك أسود، ولم يكن في جسده ولا صدره شعرات غيرهنّ ، علي كتفيه كدارة القمر ليلة البدر، مكتوب بالنور سطران، السطر الأعلي: لا إله إلّا الله، وفي السطر الأسفل: محمّد رسول الله.
وكان حبيبي محمّد صلى الله عليه و سلم شثن الكفّ والقدم، إذا مشي كأنّما يتقلّع من صخر، وإذا انحدر كأنّما ينحدر من صبب، وإذا التفت التفت بمجامع بدنه، وإذا قام غمر الناس، وإذا قعد علا علي الناس، وإذا تكلّم نصت له الناس، وإذا خطب بكي الناس.
وكان حبيبي محمّد صلى الله عليه و سلم أرحم الناس بالناس، كان لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج الكريم.
وكان محمّد صلى الله عليه و سلم أشجع الناس قلباً، وأبذله كفّاً، وأصبحه وجهاً، وأطيبه ريحاً، وأكرمه حسباً، لم يكن مثله ولا مثل أهل بيته في الأوّلين والآخرين.
كان لباسه العباء، وطعامه خبز الشعير، ووسادته الأدم محشوّة بليف النخل، سريره امّ غيلان مزمّل بالشريط ، كان لمحمّد صلى الله عليه و سلم عمامتان، إحداهما تدعي السحاب، والاُخري العقاب،
ص:483
وكان سيفه ذوالفقار، ورايته الغبراء، وناقته العضباء، وبغلته دلدل، حماره يعفور، فرسه مرتجز، شاته بركة، قضيبه الممشوق، لواؤه الحمد، إدامه اللبن، قدره الدبّاء، تحيّته الشكر.
يا أهل الكتاب، كان حبيبي محمّد صلى الله عليه و سلم يعقل البعير، ويعلف الناضح، ويحلب الشاة، ويرقع الثوب، ويخصف النعل. (1)
18476. السمّان : عن ابن عمر رضي الله عنه أنّ اليهود جاؤوا إلي أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: صف لنا صاحبك. فقال: معشر اليهود، لقد كنت معه في الغار كإصبعي هاتين، ولقد صعدت معه جبل حراء، وأنّ خنصري لفي خنصره، ولكنّ الحديث عنه صلى الله عليه و سلم شديد، وهذا علي بن أبي طالب.
فأتوا عليّاً، فقالوا: يا أباالحسن، صف ابن عمّك. فوصفه لهم صلى الله عليه و سلم . (2)
18477. السمّان : وعنه [ عليه السلام ] وقد شاوره أبوبكر في قتال أهل الردّة بعد أن شاور الصحابة فاختلفوا عليه، فقال: ما تقول يا أباالحسن ؟ فقال: إن تركت شيئاً ممّا أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم فأنت علي خلاف سنّة رسول الله صلى الله عليه و سلم . فقال: أمّا لئن قلت ذلك لاُقاتلنّهم ولو منعوني عقالاً. (3)
وانظر ما ورد في عنوان: «علي عليه السلام بعد النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم »، في عصر الخلفاء.
18478. العاصمي : ذكر أنّ زيداً وعبدالله بن مسعود اختلفا في فريضة، فرضيا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه [حكماً بينهما]، فرفعاها إليه في كتاب، فقضي فيها، ثمّ كتب في أسفله:
ص:484
إذ المشكلات تصدّين لي كشفت حقائقها بالنظر
وإن برقت في مخيل الصواب عُمَّياء لا تنجلي بالفكر
مغيّبة بغيوب الاُمور بعثت عليها حسام الفطر
لساناً كشقشقة الأرحبي أو كالحسام اليماني الذكر
وقلباً إذا استيقظته العيو ن أتت عليها بواه درر
ولست بإمّعة في الرجال اُسائل هذا وذا ما الخبر
ولكنّني مدره الأصغرين أقيس بما قد مضي ما عبر (1)
برواية: أبي إسحاق
18479. البلاذري : حدّثنا الحسين بن علي بن الأسود ومحمّد بن سعد، قالا: حدّثنا عبيدالله بن موسي، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال:
مرّ رجل علي سلمان، فقال: أري عليّاً يمرّ بين ظهرانيّكم فلا تقومون فتأخذون بحجزته، فوالّذي نفسي بيده لا يخبركم أحد بسرّ نبيّكم بعده. (2)
برواية:
1. جسرة بنت دجاجة-3. مكحول
2. شريح بن هانئ
18480. البلاذري : حدّثني إبراهيم بن محمّد السامي، حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي،
ص:485
عن سفيان، عن فليت الذهلي، عن جسرة بنت دجاجة، قالت:
قلت لعائشة: إنّ عليّاً يأمر بصوم عاشوراء، فقالت: هو أعلم من بقي بالسنّة. (1)
وللحديث أسانيد ومصادر اخري تقدّم في عنوان: «أنّه عليه السلام أعلم الناس بالسنّة»، فراجع.
18481. مقاتل : عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين ؟ فقالت: ايت علي بن أبي طالب، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (2)
18482. أسد السنّة : حدّثنا محمّد بن طلحة، عن زبيد، عن الحكم بن عتيبة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: يا امّ المؤمنين، ما ترين في المسح علي الخفّين ؟ فقالت: ايت عليّاً رضي الله عنه فهو أعلم بذلك منّي، كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (3)
18483. ابن الجعد : أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة فسألتها عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت ابن أبي طالب فاسأله، فإنّه أعلم بوضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إنّه كان يسافر معه.
قال: فلم آته وعدت إليها، فقالت: ألم آمرك أن تسأل ابن أبي طالب ؟! ... . (4)
18484. ابن عساكر : أخبرنا أبوغالب بن البنّاء، أنبأنا أبومحمّد الجوهري، أنبأنا أبوالفضل عبيدالله بن عبدالرحمان بن محمّد الزهري، حدّثنا إبراهيم بن شريك، حدّثنا
ص:486
أحمد بن يونس، حدّثنا زهير بن معاوية، حدّثنا أبوإسحاق السبيعي، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة فسألتها عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت علي بن أبي طالب - أو: ايت عليّاً - فإنّه أعلمهم بوضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، إنّه كان يسافر معه ... . (1)
18485. الطحاوي : حدّثنا فهد، قال: حدّثنا أبوغسّان، قال: حدّثنا زهير، قال: حدّثنا أبوإسحاق، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة - رضي الله عنها - فسألتها عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً رضي الله عنه ، فإنّه أعلمهم بوضوء رسول الله صلى الله عليه و سلم ، كان يسافر معه ... . (2)
18486. ابن الأعرابي : حدّثنا عيسي بن أبي حرب، حدّثنا يحيي بن أبي بكير، حدّثنا زهير، حدّثنا أبوإسحاق، عن القاسم بن المخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة فسألتها عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت ابن أبي طالب، فإنّه أعلمهم بوضوء رسول الله - صلّي الله عليه - ، فلم آته، فعدت إليها، فقالت: أ لم آمرك أن يأتي ابن أبي طالب ؟! ... . (3)
18487. البيهقي : أخبرنا أبوزكريّا بن أبي إسحاق المزكّي، حدّثنا أبوالعبّاس الأصمّ ، حدّثنا أبوغسّان مالك بن يحيي السوسي، حدّثنا أبوبدر شجاع بن الوليد، حدّثنا زياد بن خيثمة، عن أبي إسحاق، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل علي بن أبي طالب ... . (4)
18488. الشيباني : أخبرنا سلّام بن سليم الحنفي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن
ص:487
القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة - رضي الله عنها - فقلت لها: يا امّ المؤمنين، هل سمعت شيئاً من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في المسح علي الخفّين ؟ فقالت لي: اذهب إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنّه كان يصحبه في أسفاره ... . (1)
18489. الرافعي : أحمد بن يعقوب القزويني أبوعمر، سمع ببغداد علي بن محمّد بن أحمد لؤلؤ الورّاق وأباالحسين عبدالله بن إبراهيم وأبايعقوب يوسف بن إبراهيم الجرجاني، وممّا سمعه من ابن لؤلؤ حديثه عن محمّد بن عبدالسلام السلمي، قال: حدّثنا شيبان، حدّثنا أبوسلمة الكندي، عن أبي إسحاق الهمداني، [عن القاسم بن مخيمرة] (2)، عن شريح بن هانئ:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً، فإنّه كان قد يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ... . (3)
18490. الشيباني : أخبرنا محمّد بن أبان بن صالح القرشي، عن الحسن بن الحرّ، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة - رضي الله عنها - فسألتها عن المسح علي الخفّين، فقالت: عليك بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنّه كان يغزو مع النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ... . (4)
18491. أبونعيم : حدّثنا أبوالحسن هيّاج بن محمّد البهري الكوفي، حدّثنا محمّد بن الحسين بن حفص المعمر الخثعمي الشماني، حدّثنا علي بن سعيد، حدّثنا عبدالله بن الأجلح، عن أبيه، عن الحكم، عن القاسم بن [مخيمرة، عن] شريح، نحوه. (5)
ص:488
18492. مطيّن : حدّثنا إبراهيم بن عيسي، حدّثنا أحمد بن بشير، عن الأعمش، عن الحكم، عن القاسم، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة - رضي الله تعالي عنها - عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً -رضي الله تعالي عنه - فسله ... . (1)
18493. أحمد وابن أبي شيبة وأبوخيثمة : حدّثنا أبومعاوية، حدّثنا الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح، فقالت: ايت عليّاً، فهو أعلم بذلك منّي ... . (2)
18494. هنّاد بن السري : عن أبي معاوية ... مثله، إلّا أنّ فيه: «فإنّه أعلم بذلك منّي». (3)
18495. البيهقي : أخبرنا أبوعبدالله الحافظ وأبوسعيد بن أبي عمرو القاضي وأبوالهيثم عتبة بن أبي خيثمة، قالوا: حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبدالجبّار العطاردي، حدّثنا أبومعاوية الضرير، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
ص:489
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً فإنّه أعلم بذلك منّي ... .
وقال زيد بن أبي أنيسة: حدّثنا الحكم بن عتيبة، فذكر هذا الإسناد وقال: فقالت عائشة: مالي بهذا علم، ولكن ايت رجلاً فسله فهو أعلم.
قلت: ومن هو؟ قالت: علي بن أبي طالب ايته فسله ... . (1)
18496. أبونعيم : حدّثنا أبوبكر الطلحي، حدّثنا حبيب بن الحسن، حدّثنا الحسن بن علي المعمري، حدّثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة وأبومعمر وأبوكريب، قالوا: حدّثنا أبومعاوية، حدّثنا الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ الحارثي:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً فإنّه أعلم بذلك، فسله ... . (2)
18497. ابن خزيمة : حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني ويوسف بن موسي، قالا: حدّثنا أبومعاوية، حدّثنا الأعمش، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً، فاسأله، فإنّه أعلم بذلك منّي ... . (3)
18498. ابن الأعرابي : حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني، حدّثنا أبومعاوية الضرير، حدّثنا الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل علي بن أبي طالب، فإنّه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (4)
ص:490
18499. أبوعوانة : حدّثنا أبوعلي الزعفراني، قال: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً، فإنّه أعلم بذلك منّي ... . (1)
18500. البغوي : أخبرنا أبوالقاسم عبدالله بن محمّد الحنيفي، أخبرنا أبوالحارث طاهر بن محمّد الطاهري، أخبرنا أبومحمّد الحسن بن محمّد بن حليم، حدّثنا أبوالموجّه محمّد بن عمرو بن الموجّه، أخبرنا صدقة، أخبرنا أبومعاوية ... مثله، إلّا أنّ فيه: «فإنّه أعلم منّي بذلك». (2)
18501. أحمد : حدّثنا يزيد، عن الحجّاج (بن أرطاة)، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح (علي الخفّين)، فقالت: سل عليّاً، فإنّه أعلم بهذا منّي، (هو) كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (3)
18502. الخطيب : أخبرنا علي بن القاسم بن الحسن البصري، حدّثنا أبوالحسن علي بن إسحاق المادرائي، حدّثنا عبّاس بن محمّد الدوري وعلي بن إبراهيم - يعني الواسطي، واللفظ لعلي بن إبراهيم - ، قال: حدّثنا يزيد - هو ابن هارون - ، عن الحجّاج، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل عليّاً فإنّه أعلم منّي بهذا، وقد كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم . (4)
ص:491
18503. أبويوسف : عن أبي حنيفة، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ أنّه قال:
سألت عائشة - رضي الله عنها - عن المسح، فقالت: سل عليّاً رضي الله عنه فإنّه كان يسافر مع النبيّ صلى الله عليه و سلم ... . (1)
18504. ابن رسته : حدّثنا محمّد بن المغيرة، حدّثنا الحكم بن أيّوب، عن زفر، عن أبي حنيفة، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة -رضي الله عنها- عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل عليّاً، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... .
تابعه علي هذا عن الحكم؛ الأعمش والأجلح وابن أبي غنية وعمرو بن قيس. (2)
18505. ابن راهويه : أخبرنا زكريّا بن عدي، عن عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن الحكم، بهذا الإسناد، مثله. (3)
18506. ابن مخلد : حدّثنا أبويعقوب إسحاق بن إبراهيم الصفّار -بغدادي ثقة- ، قال: حدّثنا زكريّا بن عدي، حدّثنا عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، حدّثنا الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة فقلت: إنّا نغزو في جبلنا، وهو جبل بارد كثير الثلج فنبيت في المنزل، ثمّ يقوم أحدنا فيتوضّأ ويلبس ثيابه وخفيه عند النار، ثمّ يدلج ويصبح، ثمّ ينزل فيتوضّأ أحدنا ويقضي الحاجة، فإن نزعهما شقّ عليه، وإن تركهما لم يدر يجزي ذلك أم لا؟
قال: قالت عائشة: ما لي بهذا من علم، ولكن ايت علي رجل فسله، هو أعلم منّي.
ص:492
قلت: ومن هو؟ قالت: علي بن أبي طالب، ايته فسله ... . (1)
18507. الطيالسي : حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة يحدّث عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، قالت: سل عليّاً رضي الله عنه ، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (2)
18508. أحمد : حدّثنا أبوسعيد مولي بني هاشم، حدّثنا شعبة، عن الحكم وغيره، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل عليّاً ... . (3)
18509. أحمد : حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة يحدّث عن شريح بن هانئ:
أنّه سأل عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل عن ذلك عليّاً، فإنّه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (4)
18510. ابن ماجة : حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا محمّد بن جعفر، حدّثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً فسله، فإنّه أعلم بذلك منّي ... . (5)
ص:493
18511. الخطيب : أخبرني [أبوبكر أحمد بن محمّد بن أحمد] الغزّال، قال: قرأنا علي ابن أبي الفوارس، عن ابن الجعابي أنّ عمر [بن جعفر] روي حديثاً ... وهو أن قال: حدّثنا أبوخليفة، حدّثنا أبوالوليد، حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً ... .
و[أضاف الجعابي]: حدّثنا أبوخليفة، حدّثنا أبوالوليد، حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً فإنّه كان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في أسفاره ... . (1)
18512. القطيعي : حدّثنا الفضل، قال: حدّثنا أبوالوليد هشام بن عبدالملك، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل عليّاً فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (2)
18513. أحمد : حدّثنا يحيي بن سعيد، عن شعبة، قال: حدّثني الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، قالت: سل علي بن أبي طالب، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (3)
18514. مسدّد : حدّثنا يحيي بن سعيد، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن القاسم، عن شريح بن هانئ:
ص:494
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل عليّاً، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (1)
18515. أبويعلي : حدّثنا محمّد بن يحيي بن سعيد القطّان أبوصالح، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني شعبة، قال: حدّثني الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة - رحمة الله عليها - عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل علي بن أبي طالب عليه السلام فإنّه كان يسافر معه ... . (2)
18516. الدارقطني : حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، حدّثنا محمّد بن أحمد بن الحسين القطواني، حدّثنا أبي، حدّثنا الوليد بن العلاء بن سيابة، عن أبيه، عن طلحة بن مصرّف، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ:
أنّه سأل عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت علي بن أبي طالب فإنّه أعلم بذلك منّي، كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم . (3)
18517. عبدالرزّاق والفريابي : عن الثوري، عن عمرو بن قيس، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة أسألها [عن المسح] علي الخفّين، فقالت: عليك بابن أبي طالب فاسأله، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (4)
ص:495
18518. الطبراني : حدّثنا محمّد بن عبدوس بن كامل السرّاج أبوأحمد، قال: حدّثنا عبدالله بن عمر بن أبان، قال: حدّثنا عبيدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن الحكم بن عتيبة، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين ؟ فقالت: ايت عليّاً، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (1)
18519. البيهقي : أخبرنا أبوعلي الروذباري، أنبأ عبدالله بن عمر بن أحمد بن شوذب المقرئ - بواسط - ، حدّثنا شعيب بن أيّوب، حدّثنا حسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن محمّد بن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن الحكم، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة أسألها عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً فإنّه قد كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (2)
18520. معمر : عن يزيد بن أبي زياد، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: سل ابن أبي طالب، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (3)
18521. الحميدي : حدّثنا سفيان، حدّثنا يزيد بن أبي زياد أنّه سمع القاسم بن مخيمرة يحدّث عن شريح بن هانئ، قال:
ص:496
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت علي بن أبي طالب فاسأله، فإنّه كان يغزو مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (1)
18522. القطيعي : حدّثنا هيثم [بن خلف]، قال: حدّثنا داوود بن رشيد، قال: حدّثنا صالح - يعني ابن عمر - ، عن يزيد بن أبي زياد، عن القاسم بن مخيمرة، عن شريح بن هانئ، قال:
أتيت عائشة فسألتها عن المسح [علي الخفّين]، فقالت: ايت عليّاً فسله، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (2)
18523. ابن الجعد: أنبأنا شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً فسله ... . (3)
18524. يحيي بن آدم: حدّثنا شريك, عن المقدام بن شريح, عن أبيه, قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين, فقالت: ايت علي بن أبي طالب, فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (4)
18525. المحاملي: حدّثنا الحسن بن يونس الزيّات، قال: حدّثنا الأسود بن عامر، قال: حدّثنا شريك ... مثله. (5)
18526. أحمد : حدّثنا (أسود و) حجّاج، (قالا): حدّثنا شريك، عن المقدام بن
ص:497
شريح، عن أبيه، قال:
سألت عائشة -رضي الله عنها- فقلت: أخبريني برجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم أسأله عن المسح علي الخفّين. فقالت: ايت عليّاً فسله، فإنّه كان يلزم النبيّ صلى الله عليه و سلم ... . (1)
18527. البيهقي : أخبرنا أبوعلي الروذباري، أخبرنا عبدالله بن عمرو بن أحمد بن شوذب - بواسط - ، حدّثنا شعيب بن أيّوب، حدّثنا عمرو بن عون، عن شريك، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، قال:
سألت عائشة عن المسح علي الخفّين، فقالت: ايت عليّاً، فإنّه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ... . (2)
18528. مكحول : عمّن سأل عائشة؛ في كم تصلّي المرأة من الثياب ؟ فقالت له: سل عليّاً، ثمّ ارجع إلي فأخبرني بالّذي يقول لك.
قال: فأتي عليّاً فسأله، فقال: في الخمار والدرع السابغ. فرجع إلي عائشة فأخبرها، فقالت: صدق. (3)
18529. القوّاس : عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- وقد سئل عن علي رضي الله عنه فقال:
رحمة الله علي أبي الحسن، كان والله علم الهدي، وكهف التقي، وطود النهي، ومحلّ الحجا، وغيث الندي، ومنتهي العلم للوري، ونوراً أسفر في الدجي، وداعياً إلي المحجّة العظمي،
ص:498
مستمسكاً بالعروة الوثقي، أتقي من تقمّص وارتدي، وأكرم من شهد النجوي بعد محمّد المصطفي، وصاحب القبلتين وأبوالسبطين، وزوجته خير النساء، فما يفوقه أحد، لم تر عيناي مثله، ولم أسمع بمثله، فعلي من بغضه لعنة الله ولعنة العباد إلي يوم التناد. (1)
18530. ابن عبدالبرّ : ذكر علي بن أبي طالب عند ابن عبّاس -رضي الله عنهما- فقال: كان والله يسكته الحلم، وينطقه العلم. (2)
ولاحظ ما تقدّم في عنوان: «أنّه عليه السلام عيبة علم النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم ».
برواية:
1. الحارث بن نوفل-4. عبدالله بن الحارث
2. أبي سلمة بن عبدالرحمان-5. ما ورد مرسلاً
3. صبيح بن عبيدالله
18531. أبويعلي وعبدالله بن أحمد : حدّثنا هدبة بن خالد، حدّثنا همّام بن يحيي، حدّثنا علي بن زيد، عن عبدالله بن الحارث [بن نوفل]:
أنّ أباه ولي طعام عثمان، قال أبي: فكأنّي أنظر إلي الحجل حول الجفان، فجاء رجل فقال لعثمان: إنّ عليّاً يكره هذا، فبعث إلي علي فجاء وذراعاه متلطّخان من الخبط ، فقال: إنّك لكثير الخلاف إلينا.
فقال علي: اذكّر الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم اهدي إليه عجز حمار وحش فقال: إنّا محرمون، فأطعموه أهل الحلّ ؟ فقام رجال فشهدوا.
ص:499
فقال علي: اذكّر الله رجلاً شهد النبيّ صلى الله عليه و سلم اهدي خمس بيضات نعام، فقال: إنّا محرمون، فأطعموه أهل الحلّ ؟ فقام رجال فشهدوا.
فقام عثمان فدخل فسطاطه، وظعن الناس وتركوا الطعام لأهل الماء. (1)
18532. الدورقي : حدّثنا هشيم، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث، عن نوفل، عن أبيه، قال:
حجّ عثمان بن عفّان، فحجّ علي معه، قال: فاُتي عثمان بلحم صيد صاده حلال، فأكل منه ولم يأكل علي، فقال عثمان: والله ما صدنا، ولا أمرنا، ولا أشرنا. فقال علي: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً 2 . (2)
18533. ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم وأبوالشيخ : عن الحارث بن نوفل، قال:
حجّ عثمان بن عفّان، فاُتي بلحم صيد صاده حلال، فأكل منه عثمان، ولم يأكل علي، فقال عثمان: والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا. فقال علي: وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً . (3)
18534. الدورقي : حدّثنا هشيم، قال: أخبرنا عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال:
حجّ عثمان بن عفّان، فحجّ معه علي، فاُتي بلحم صيد صاده حلال، فأكل منه، وهو محرم، ولم يأكل منه علي، فقال عثمان: إنّه صيد قبل أن نحرم. فقال له علي: ونحن قد بدا لنا وأهالينا لنا حلال، أ فيحللن لنا اليوم ؟! (4)
ص:500
18535. الطبري : حدّثنا تميم بن المنتصر وعبدالحميد بن بيان القنّاد، قالا: أخبرنا أبوإسحاق الأزرق، عن شريك، عن سماك بن حرب، عن صبيح بن عبيدالله العبسي، قال:
استعمل عثمان بن عفّان أباسفيان بن الحارث علي العروض، ثمّ ذكر نحوه؛ وزاد فيه: قال: فمكث عثمان ما شاء الله أن يمكث، ثمّ أتي فقيل له بمكّة: هل لك في ابن أبي طالب اهدي له صفيف حمار، فهو يأكل منه ؟ فأرسل إليه عثمان وسأله عن أكل الصفيف، فقال: أمّا أنت فتأكل، وأمّا نحن فتنهانا. فقال: إنّه صيد عامّ أوّل، وأنا حلال، فليس علي بأكله بأس، وصيد ذلك - يعني اليعاقيب - وأنا محرم، وذبحن وأنا حرام. (1)
18536. الطبري : حدّثنا [محمّد] بن حميد، قال: حدّثنا هارون بن المغيرة، عن عمرو بن أبي قيس، عن سماك، عن صبيح بن عبيدالله العبسي، قال:
بعث عثمان بن عفّان أباسفيان بن الحارث علي العروض، فنزل قديداً، فمرّ به رجل من أهل الشام معه باز وصقر، فاستعاره منه، فاصطاد به من اليعاقيب، فجعلهنّ في حظيرة، فلمّا مرّ به عثمان طبخهنّ ، ثمّ قدّمهنّ إليه، فقال عثمان: كلوا. فقال بعضهم: حتّي يجيء علي بن أبي طالب.
فلمّا جاء فرأي ما بين أيديهم، قال علي: إنّا لن نأكل منه. فقال عثمان: ما لك لا تأكل ؟ فقال: هو صيد، ولا يحلّ أكله وأنا محرم. فقال عثمان: بيّن لنا. فقال علي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ ، فقال عثمان: أوَ نحن قتلناه ؟ فقرأ عليه: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً 2 . (2)
ص:501
18537. أبوداوود : حدّثنا محمّد بن كثير، حدّثنا سليمان بن كثير، عن حميد [الطويل]، عن إسحاق بن عبدالله بن الحارث، عن أبيه:
وكان الحارث خليفة عثمان علي الطائف، فصنع لعثمان طعاماً فيه (وصنع) من الحجل (1) واليعاقيب (2) ولحم الوحش، قال: فبعث إلي علي، فجاءه الرسول وهو يخبط (3) لأباعر له، فجاءه وهو ينفض الخبط عن يده، فقالوا له: كل. فقال: أطعموه قوماً حلالاً فإنّا (قوم) حرم.
فقال علي رضي الله عنه : أنشد الله من كان هاهنا من أشجع، أتعلمون أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم اهدي إليه رجل حمار وحش وهو محرم فأبي أن يأكله ؟ قالوا: نعم. (4)
18538. أبويعلي : حدّثنا عبيدالله، حدّثنا حمّاد بن زيد، حدّثنا علي بن زيد، عن عبدالله بن الحارث:
أنّ أباه صنع لعثمان بن عفّان نزلاً بقديد، فجيء بثريد عليه ذلك الحجل، فقال للقوم: كلوا فإنّما اصيبت من أجلي. قال: فقال القوم: هذا علي نهانا عن أكله!
فأرسل إلي علي، فجاء وإنّه ليمسح الخبط عن يديه، فقال له عثمان: كله. فقال -يعني علي- : أنشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث جاء الأعرابي برجل حمار وحش فردّه رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال: اذهب إلي أهل الحلّ فإنّا حرم - أو كما قال - ؟ فقام ناس وشهدوا.
ص:502
ثمّ قال: انشد الله -أو قال: اذكّر الله- رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين جاءه الأعرابي ببيضات نعام، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اذهب به إلي أهل الحلّ فإنّا قوم محرمون ؟ فقام قوم شهدوا.
فقلب عثمان وركه فدخل منزله، وقام القوم عن الطعام، فجاء أهل الحلّ فأكلوه. (1)
18539. الطحاوي : حدّثنا ربيع المؤذّن، قال: حدّثنا أسد.
حيلولة: وحدّثنا محمّد بن خزيمة، قال: حدّثنا حجّاج، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل:
أنّ عثمان بن عفّان رضي الله عنه نزل قديد، فاُتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها (2)، فأرسل إلي علي رضي الله عنه فجاءه والخبط يتحاتّ من يديه، فأمسك علي رضي الله عنه ، فأمسك الناس.
فقال علي رضي الله عنه : من هاهنا من أشجع ؟ هل علمتم أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم جاءه أعرابي ببيضات وتتمير -أي بحمير وحش- ، فقال : أطعمهنّ أهلك، فإنّا حُرُم ؟ قالوا: نعم. (3)
18540. أحمد : حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّاد بن سلمة، أخبرنا علي بن زيد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل:
أنّ عثمان بن عفّان نزل قديداً، فاُتي بالحجل في الجفان شائلة بأرجلها، فأرسل إلي علي وهو يضفز بعيراً له، فجاء والخبط يتحاتّ من يديه، فأمسك علي، وأمسك الناس.
فقال علي: من هاهنا من أشجع ؟ هل تعلمون أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم جاءه أعرابي ببيضات نعام وتتمير وحش، فقال: أطعمهنّ أهلك، فإنّا حرم ؟ قالوا: بلي. فتورّك عثمان عن سريره، ونزل، فقال: خبّثت علينا. (4)
18541. البزّار : حدّثنا محمّد بن معمر، قال: حدّثنا أبوعامر [عبدالملك بن عمرو العقدي]،
ص:503
قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن علي بن زيد، عن عبدالله بن الحارث بن نوفل، قال:
كان أبي علي أمر من أمر مكّة في زمن عثمان، فأقبل عثمان إلي مكّة، فاستقبله بقديد، فاصطاد أهل الماء حجلاً، فطبخناه بماء وملح، فجعلناه عراقاً لثريد، فقرب لعثمان وأصحابه، فأمسكوا حين رأوه، فقال عثمان: صيد لهم اصطادوه، ولم نأمرهم بصيده، صاده قوم حلال فأطعمونا، فما بأسه ؟ من يقول هذا؟ فقال بعضهم: علي.
فأرسل إليه، فجاء كأنّي أنظر إليه حين جاء يحتّ عن كفّيه الخبط ، يقول له عثمان: صيد لم نصطده، ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حلال فأطعمونا، ما بأسه ؟
قال علي: انشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اتي بقائمة حمار وحش أو بعجزه، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنّا قوم حرم، فأطعموه أهل الحلّ ؟ فشهد اثنا عشر رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و سلم .
فقال: انشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اتي ببيض النعام، فقال: إنّا حرم، فأطعموه أهل الحلّ ؟ فشهد دونهم من العدّة، فثني عثمان وركه عن الطعام، وأكل أهل الماء ذلك الطعام. (1)
18542. أحمد : حدّثنا هاشم [بن القاسم]، حدّثنا سليمان -يعني ابن المغيرة- ، عن علي بن زيد، حدّثنا عبدالله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، قال:
كان أبي الحارث علي أمر من أمر مكّة في زمن عثمان، فأقبل عثمان إلي مكّة، فقال عبدالله بن الحارث: فاستقبلت عثمان بالنزل بقديد، فاصطاد أهل الماء حجلاً، فطبخناه بماء وملح, فجعلناه عراقاً للثريد، فقدّمناه إلي عثمان وأصحابه، فأمسكوا، فقال عثمان: صيد لم أصطده، ولم نأمره بصيده، اصطاده قوم حلّ فأطعموناه، فما بأس ؟
فقال عثمان: من يقول في هذا؟ فقالوا: علي.
فبعث إلي علي فجاء، قال عبدالله بن الحارث: فكأنّي أنظر إلي علي حين جاء وهو يحتّ الخبط عن كفيّه، فقال له عثمان: صيد لم نصطده ولم نأمر بصيده، اصطاده قوم حلّ ، فأطعموناه، فما بأس ؟
ص:504
قال: فغضب علي وقال: انشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اتي بقائمة حمار وحش، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنّا قوم حرم، فأطعموه أهل الحلّ ؟ قال: فشهد اثنا عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم .
ثمّ قال علي: انشد الله رجلاً شهد رسول الله صلى الله عليه و سلم حين اتي ببيض النعام، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنّا قوم حرم، أطعموه أهل الحلّ ؟ قال: فشهد دونهم من العدّة من الاثني عشر.
قال: فثني عثمان وركه عن الطعام، فدخل رحله، وأكل ذلك الطعام أهل الماء. (1)
18543. الطبري : حدّثنا محمّد بن المثنّي، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالله بن الحارث:
أنّه (2) شهد عثمان وعليّاً اتيا بلحم؛ فأكل عثمان، ولم يأكل علي، فقال عثمان: أ نحن صدنا، أوصيد لنا؟ فقرأ علي هذه الآية: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيّارَةِ وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً 3 . (3)
18544. العاصمي : سمعت الاُستاذ أبابكر محمّد بن إسحاق بن محمشاد - رضي الله عنهم - يرفعه أنّ رجلاً أتي عثمان بن عفّان وهو أميرالمؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميّت، فقال: إنّكم تزعمون أنّ النار تعرض علي هذا وأنّه يعذّب في القبر وأنا قد وضعت عليها يدي فلم أحسّ منها حرارة النار!
فسكت عثمان وأرسل إلي علي بن أبي طالب يستحضره، فلمّا أتاه وهو في ملأ من
ص:505
أصحابه، قال [عثمان] للرجل: أعد المسألة. فأعادها.
ثمّ قال عثمان [لعلي]: أجب الرجل عنها يا أباالحسن.
فقال علي -كرّم الله وجهه- : ائتوني بزند وحجر، والرجل السائل والناس ينظرون إليه، فاُتي بهما، فأخذهما وقدح منهما النار ثمّ قال للرجل: ضع يدك علي الحجر. فوضعها عليه، ثمّ قال: ضع يدك علي الزند. فوضعها عليه، فقال [له علي عليه السلام ]: هل أحسست منهما حرارة النار؟!
فبهت الرجل، فقال عثمان: لولا علي لهلك عثمان. (1)
برواية:
1. اذينة العبدي-13. عبدالله بن بريدة
2. أسلم القرشي-14. عبدالله بن عبّاس
3. جابر بن عبدالله-15. عبدالله بن عمر
4. حارثة بن مضرب-16. علي بن أبي طالب عليه السلام
5. حذيفة بن اليمان-17. امّ كلثوم بنت أبي بكر
6. الحسين بن علي عليهما السلام -18. محمّد بن سيرين
7. رفاعة بن رافع-19. معاوية بن أبي سفيان
8 . سعيد بن المسيّب-20. الهذلي
9. أبي سعيد الخدري-21. يحيي بن الجزّار
10. سماك بن حرب-22. يحيي بن عقيل
11. طلحة بن عبيدالله-23. شيخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
12. عامر بن واثلة-24. ما ورد مرسلاً
ص:506
18545. وكيع : عن سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن ابن اذينة، عن أبيه:
أنّ رجلاً أتي عمر فسأله عن العمرة، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما آتيك حتّي ركبت الإبل والخيل والسفن، فمن أين اهلّ ؟ قال: ايت عليّاً فاسأله.
فأتي عليّاً فسأله، فقال: من حيث أبدأت. فرجع إليه فأخبره، فقال: لم أجد لك إلّا ما قال علي. (1)
18546. ابن حزم : روينا من طريق عبدالرحمان بن اذينة بن مسلمة العبدي، عن أبيه، قال:
قلت لعمر بن الخطّاب: إنّي ركبت السفن، والخيل، والإبل، فمن أين احرم ؟ فقال: ايت عليّاً فَاسْأله ؟
فسأل عليّاً، فقال له: من حيث أبدأت أن تنشئها من بلادك. فرجع إلي عمر فأخبره، فقال له عمر: هو كما قال لك علي. (2)
18547. ابن عبدالبرّ : روي عبدالرحمان بن اذينة الغنوي، عن أبيه اذينة بن مسلمة، قال:
أتيت عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فسألته: من أين أعتمر؟ فقال: ايت عليّاً فَسَلْه. فذكر الحديث، وفيه: قال عمر: ما أجد لك إلّا ما قال علي. (3)
18548. الزمخشري : عن اذينة العبدي:
ص:507
حججت من رأس هرّ وخارك، أو بعض هذه المزالف، فقلت لعمر: من أين أعتمر، فقال: ايت عليّاً فَسَلْه. فسألته، فقال: من حيث ابتدأت. (1)
18549. العاصمي : روي عن عبدالرحمان بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جدّه، قال:
لمّا ولي عمر بن الخطّاب الخلافة كان رجل من أصحابه يقال له: الحارث بن سنان الأسدي، جري بينه وبين رجل من الأنصار كلام ومنازعة، فقام إليه الأنصاري فلطمه علي حرّ وجهه، فقدّمه الحارث بن سنان إلي عمر، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ هذا الأنصاري لطمني علي حرّ وجهي.
فقال [عمر]: يا حارث، تريد قصاص الجاهليّة أم قصاص الإسلام ؟ قال [الحارث]: بل قصاص الجاهليّة!
فقال عمر: نعوذ بالله من الجهل والجاهليّة بعد الإسلام، إنّ الله تعالي محا بمحمّد -صلّي الله عليه- و [ب]القرآن قصاص الجاهليّة -وكان في الجاهليّة من لطم حرّ وجه قطعت يده- ، قال عمر: يا حارث، لا قطع إلّا في السرقة، قم فالطمه كما لطمك، فإنّ الله تعالي يقول: وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ 2 .
فغضب الحارث من ذلك وانطلق، وظنّ عمر والمسلمون أنّه يريد البادية، فمضي إلي قيصر ملك الروم فتنصّر، فأعجب قيصر دخوله في النصرانيّة وتركه دين الحنيفيّة، وكان [الحارث] أوّل من ارتدّ، فأمّا أهل الردّة فكانوا لا يتنصّرون ولا يتهوّدون ولا يتمجّسون، إنّما قالوا: نصلّي ونصوم ولا نؤدّي الزكاة، فأمّا أوّل من تنصّر في الإسلام فإنّه الحارث بن سنان.
ص:508
فجمع قيصر بطارقته وأمرهم بالسجود له، [فسجدوا له]، وأخذ للحارث سريراً مشبّكاً بالذهب، وأجري عليه كلّ شهر ألف دينار، وكان عند قيصر ثلاث مئة رجل من اساري المسلمين، فعرض عليهم الحارث النصرانيّة، ورغّبهم فيها، وزهّدهم في الإسلام، وقال لهم قيصر: من تنصّر منكم فافعل به. (1)
يستعينون الله تعالي فإن استعنتم به علي الخير فما بالكم تسرعون إلي الشرّ وتطلبون الملك وتقاتلون علي الدنيا وتزهدون في الترهّب والتعبّد؟ وإن كنتم تستعينون به علي الشرّ فقد ظفرتم به.
وأخبرونا عن قولكم: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ، [هل] الصراط المستقيم غير الّذي أنتم عليه حتّي تسألوه ؟! أم شككتم في دينكم ؟ أم كذّبتم نبيّكم ؟!
وأخبرونا عن قولكم: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، [هل] أنعم الله علي امّة أفضل ممّا أنعم عليكم ؟ وقد قال في الإنجيل: اتمّم نعمتي عليهم، يعني امّة أحمد الّذي بشّرنا به عيسي.
وأخبرونا عن قولكم: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ ، أ فأنتم المغضوب عليكم ؟ أم تتوقّعون الغضب من الله ؟
وأخبرونا عن قولكم: وَ لاَ الضّالِّينَ ، أ فأنتم الضلّال ؟ أم شككتم فيما جاء به محمّد؟ فهذه كلمات ما قرأناها في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل.
ووجدنا في التوراة: إنّ لله إزاراً ورداء! فأخبرونا ما إزاره وما رداؤه ؟ وعلي ما مقامه ؟
ص:509
وأخبرونا عن ماء ليس من أرض ولا من سماء؟
وأخبرونا عن رسول لا من الجنّ ، ولا من الإنس، ولا من الملائكة ؟
وأخبرونا عن شيء يتنفّس ولا روح فيه ؟
وأخبرونا عمّا أوحي الله إليه؛ لا من الجنّ ، ولا من الإنس، ولا من الملائكة ؟
وأخبرونا عن عصا موسي عليه السلام ما كانت ؟ وما اسمها؟ وكم طولها؟
وأخبرونا عن جارية بكر في الدنيا لأخوين [و] في الآخرة لواحد؛ وفي رقبتها لؤلؤ يقده خلق ؟
وأخبرونا عن قبر سار بصاحبه ؟
وأخبرونا من الواحد إلي العشرين متّصلة، ومن العشرين إلي المئة متفرّقة ؟
ثمّ طوي الكتاب ودفعه إلي بطريق من بطارقته فبعثه [إلي المدينة]، فقدم البطريق المدينة، فقال: أين دار ملككم ؟ فدلّوه علي دار عمر، فإذاً ليس علي داره بوّاب ولا حجب، فتحيّر البطريق، فقيل له: اقرع الباب.
فقرع، فخرجت جارية سوداء، فقالت: ما تريد؟ قال: الملك.
فقالت: الملك هو الّذي في السماء لا إله غيره، فإن عنيت صاحب الدار فهو ليس بملك وإنّما هو أجير المسلمين وأميرالمؤمنين. قال: هو اريد لا غيره.
فقالت: هو في سعي أرملة يقضي لها حوائجها.
فقال: من يدلّني عليه ؟ فقالت: ادخل السوق، فإذا رأيت رجلاً طويلاً نحيفاً عليه رداء غليظ مرقّع برقاع الأديم وبيده درّة يعين الضعيف ويحمل عنه فاعلم أنّه هو.
فرجع البطريق من باب دار عمر وأجفت الجارية الباب وأغلقته، [فسار البطريق] حتّي دخل السوق، فإذاً عمر قد وضع رداءه ويرفع علي حمّال حمله ويقول له: يا مسكين، ما أثقل حملك ؟ ثمّ أخذ درّته وأراد أن يمشي، فعلم البطريق أنّه هو، فدفع إليه الكتاب من غير أن يسلّم عليه.
[ف]قال [له عمر: أنت] بطريق من بطارقة الروم ؟ قال: نعم، [أنا] رسول قيصر -وأفزعه
ص:510
كلام عمر- فأخذ عنه الكتاب وفكّ خاتمه، فلمّا رأي [فيه] أنّ الحارث بن سنان تنصّر اغرورقت عينه، ورجع إلي منزله، وأنزل البطريق منزلاً، وبعث إليه نزلاً، وقرأ الكتاب.
فلمّا كان غداة يومه دخل عليه علي بن أبي طالب وجماعة من أصحاب النبيّ -صلّي الله عليه ورضي عنهم- فقرأ عليهم الكتاب، فبكوا بأجمعهم لحارث بن سنان، ثمّ دفع الكتاب إلي علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فقرأه وضحك، ثمّ قال: مر بدواة وقرطاس وقلم. فأحضروها، فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله عمر أميرالمؤمنين إلي قيصر ملك النصرانيّة، أمّا بعد، فأمّا ما ذكرت من أمر الحارث بن سنان فإنّه من يضلل الله فلا هادي له، وما كان دخوله في الإسلام إلّا طمعاً في الأموال، فلمّا لم ينل ما طمع مال إلي الّذي نال منها ما طمع، قال الله -تبارك وتعالي- : وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ 1 .
وأمّا ما سألت عن قول: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فإنّ اسمه شفاء من كلّ داء، وعون علي كلّ دواء.
وأمّا اَلرَّحْمنِ فهو اسم لم يتسمّ به أحد سوي الرحمان ؟
وأمّا اَلرَّحِيمِ ف [-هو] رحيم لمن عصاه ثمّ تاب وآمن وعمل صالحاً.
وأمّا قولك: اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فثناء أثني الله تعالي علي نفسه بما أنعم علي عباده.
وأمّا قولك: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فإنّه يملك نواصي الخلق يوم القيامة، فكلّ من كان في الدنيا شاكّاً به أو مشركاً أدخله النار، وكلّ من كان في الدنيا موقناً به مطيعاً له أدخله الجنّة برحمته.
وأمّا قولك: إِيّاكَ نَعْبُدُ فنحن نعبده ولا نشرك به شيئاً، وكلّ من كان دوننا إذا عبده يشركون معه شيئاً.
ص:511
وأمّا قوله: وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ فنستعين بالله علي الشيطان أن لا يضلّنا كما أضلّكم وتحسبون أنّكم علي شيء.
وأمّا قوله: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ فذلك الطريق الواضح إلي الجنّة، من عمل في الدنيا عملاً صالحاً فإنّه يسلك هذا الطريق، فنحن نسأله توفيق العمل الصالح، فهو الّذي نسأله سلوك طريق الجنّة.
وأمّا قوله: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ فتلك النعم الّتي أنعم الله علي من كان قبلنا من النبيّين والصدّيقين، فنسأل ربّنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم.
وأمّا قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فاُولئك اليهود بدّلوا نعمة الله كفراً فغضب الله عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير، فنسأل ربّنا أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم.
وأمّا قوله: وَ لاَ الضّالِّينَ فأنتم معشر النصاري، تركتم دين عيسي واتّخذتموه واُمّه إلهين اثنين، فنسأل ربّنا أن لا يضلّنا كما أضلّكم.
وأمّا قولكم في ربّ العالمين: ما إزاره وما رداؤه ؟ فقد ذكره نبيّنا عليه السلام ، فقال: [قال الله] -عزّ وجلّ - : الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فهو كما قال جلّ جلاله.
وما قلت من مقامه، فمقامه علي القدرة.
وأمّا سؤالك عن الماء الّذي ليس من الأرض ولا من السماء، فهو الماء الّذي أخذه سليمان بن داوود عليه السلام من عرق الخيل.
وأمّا سؤالك عن رسول لا [كان] من الجنّ ، ولا من الإنس، ولا من الملائكة، فذلك الغراب الّذي بعثه الله يبحث في الأرض ليواري قابيل سوأة أخيه.
وأمّا سؤالك عن شيء يتنفّس ولا روح فيه، فذلك الصبح، قال الله تعالي: وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ 1 .
وأمّا سؤالك عن شيء أوحي الله إليه لا من الجنّ ، ولا من الإنس، ولا من الملائكة،
ص:512
فذلك النحل، قال الله تعالي: وَ أَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمّا يَعْرِشُونَ 1 .
وأمّا سؤالك عن عصا موسي، ممّ كانت، وما اسمها؟ فاسمها زائدة؛ لأنّها [كانت] إذا دخل فيها الروح زادت، وإذا خرج منها الروح نقصت، وكانت من عوسج، وكانت عشرة أذرع، وكانت من الجنّة، أنزلها جبرئيل علي شعيب -صلوات الله عليهما- .
وأمّا سؤالك عن جارية بكر في الدنيا لأخوين؛ وفي الآخرة لواحد [منهما]؛ وفي رقبتها لؤلؤ فمن سر لم يقده خلق (1)؛ فتلك النخلة في الدنيا لي ولك، [و] في الآخرة للمسلمين.
وأمّا سؤالك عن قبر سار بصاحبه، فذلك يونس بن متّي، سار به الحوت وهو في بطنه.
وأمّا سؤالك عن الواحد إلي العشرين متّصلة، فالواحد هو الله -جلّ جلاله- ، والاثنان آدم وحوّاء.
وأمّا الثلاثة: فجبرئيل وميكائيل وإسرافيل، فهم رؤوس الملائكة.
وأمّا الأربعة: فالتوراة والإنجيل والزبور والفرقان.
وأمّا الخمسة: فخمس صلوات [في كلّ يوم وليلة].
وأمّا الستّة: فتخليق الله السماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام.
وأمّا السبعة: فسبع سماوات.
وأمّا الثمانية: [فهو قوله تعالي:] وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ 3 .
وأمّا التسعة: فتسع آيات موسي، قال الله تعالي: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ 4 .
وأمّا العشرة: ف -[صيام عشرة أيّام علي من تمتّع بالعمرة إلي الحجّ ولم يجد الهدي، قال
ص:513
الله تعالي: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ 1 .
وأمّا الأحد عشر: فقوله [تعالي]: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً 2 .
وأمّا الاثنا عشر: فقوله [تعالي]: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً 3 .
وأمّا الثلاثة عشر: فقول يوسف لأبيه: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ 4 .
وأمّا الأربعة عشر: فأربعة عشر قنديلاً من نور معلّقة بالعرش مكتوبة في التوراة، ليس في القرآن ولا في الزبور ولا في الإنجيل.
وأمّا الخمسة عشر: فأنزل الله تعالي الزبور علي داوود ليلة خمسة عشر من [شهر] رمضان.
وأمّا الستّة عشر: فستّة عشر صفّاً من الملائكة ذكرهم الله تعالي في القرآن مجملاً [في] قوله: اَلَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ 5 ، وذكره في التوراة مفسّراً، وهم ستّة عشر صفّاً.
أمّا سبعة عشر: فسبعة عشر أسماء من الأسماء المكتوبات وضعها الله علي جهنّم، ولولا ذلك لزفرت جهنّم زفرة تحرق ما بين السماء والأرض.
وأمّا ثمانية عشر: فثمانية عشر حجاباً من نور، ولولا ذلك لذاب ما بين السماء والأرض من نور ربّ العزّة.
وأمّا تسعة عشر: فتسعة عشر ملكاً رؤوس الملائكة الزبانية، تحت كلّ واحد منهم ملائكة بعدد رمل عالج، وبعدد قطر المطر، وبعدد ورق الأشجار، وبعدد أيّام الدنيا
ص:514
ملائكة غلاظ شداد، قال الله تعالي: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ 1 .
وأمّا العشرون: فأنزل الله تعالي الإنجيل علي عيسي [ عليه السلام ] بعشرين ليلة مضين من رمضان.
وأمّا الثلاثون: فقوله عزّ وجلّ : وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً 2 .
وأمّا الأربعون: [فقوله تعالي:] فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً . (1)
وأمّا الخمسون: فدية المرأة خمسون من الإبل.
وأمّا الستّون: فإطعام ستّين مسكيناً.
وأمّا السبعون: فقوله تعالي: وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً 4 .
وأمّا الثمانون: فحدّ القاذف.
وأمّا التسعون: فنسوة داوود عليه السلام .
وأمّا المئة: فحدّ الزاني إذا كان بكراً.
ثمّ طوي الكتاب وناوله البطريق ومرّ علي وجهه حتّي قدم علي قيصر ودفع إليه الكتاب، ففكّه وقرأه وعمد إلي الاُساري فأطلقهم وأجارهم، ثمّ قال للحارث بن سنان: إن رجعت عن دينك وإلي بلدك لم أنقص من عطائك شيئاً.
فقال الحارث: لو قتلتني بالسيف وأحرقتني بالنار لم أرجع إلي بلدي ولم افارق النصرانية! (2)
18550. الواقدي : أخبرنا عبدالعزيز بن محمّد، عن حرام بن عثمان، عن أبي حازم، عن جابر بن عبدالله الأنصاري:
ص:515
أنّ كعب الأحبار قام زمن عمر فقال - ونحن جلوس عند عمر أميرالمؤمنين - : ما كان آخر ما تكلّم به رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال عمر: سَلْ عليّاً.
قال: أين هو؟ قال: هو هنا.
فسأله، فقال علي: أسندته إلي صدري، فوضع رأسه علي منكبي، فقال: الصلاة الصلاة!
فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء، وبه امروا، وعليه يبعثون.
قال: فمن غسّله يا أميرالمؤمنين ؟ قال: سَلْ عليّاً.
قال: فسأله، فقال: كنت أنا أغسله، وكان عبّاس جالساً، وكان اسامة وشقران يختلفان إلي بالماء. (1)
18551. معمر : عن أبي إسحاق، [عن حارثة]، قال:
أتي أهل الشام عمر فقالوا: إنّما أموالنا الخيل والرقيق فخذ منّا صدقة. فقال: ما اريد أن آخذ شيئاً لم يكن قبلي. ثمّ استشار الناس، فقال علي: أمّا إذا طابت أنفسهم فحسن، إن لم يكن جزية تؤخذ بها بعدك ... . (2)
18552. يحيي بن آدم : حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب:
أنّ قوماً من أهل مصر أتوا عمر بن الخطّاب، فقالوا: إنّا قد أصبنا كراعاً ورقيقاً، وإنّا نحبّ أن نزكّيه، قال: ما فعله صاحباي قبلي، ولا أفعله حتّي أستشير.
فشاور أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم ، فقالوا: أحسن. وسكت علي، فقال: أ لا تكلّم يا أباالحسن ؟ فقال: قد أشاروا عليك وهو حسن إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك ... . (3)
ص:516
18553. ابن زنجويه : أخبرنا عبيدالله بن موسي، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة:
أنّ قوماً من أهل مصر أتوا عمر فقالوا: إنّا قد أصبنا كراعاً ورقيقاً، وإنّا نحبّ أن نزكّيه. فقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله، حتّي اشاور.
فشاور أصحاب محمّد، فقالوا: حسن. وسكت علي، فقال: أ لا تكلّم يا أباالحسن ؟ قال: قد أشار عليك أصحابك، وهو حسن إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها بعدك ... . (1)
18554. الطحاوي : حدّثنا فهد، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم المعروف بسحيم الحرّاني، قال: حدّثنا زهير بن معاوية، قال: حدّثنا أبوإسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال:
حججت مع عمر بن الخطّاب - رضي الله عنهما - فأتاه أشراف من أشراف أهل الشام، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، إنّا قد أصبنا دوابّاً وأموالاً، فخذ من أموالنا صدقة تطهّرنا بها، وتكون لنا زكاة.
فقال: هذا شيء لم يفعله اللّذان كانا قبلي، ولكن انتظروا حتّي أسأل المسلمين. فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقالوا: حسن. وعلي رضي الله عنه ساكت لم يتكلّم معهم.
فقال: ما لك يا أباالحسن لا تتكلّم ؟ قال: قد أشاروا عليك، ولا بأس بما قالوا، إن لم يكن أمراً واجباً ولا جزية راتبة يؤخذون بها ... . (2)
18555. أحمد : حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة، قال:
جاء ناس من أهل الشام إلي عمر، فقالوا: إنّا قد أصبنا أموالاً وخيلاً ورقيقاً نحبّ أن يكون لنا فيها زكاة وطهور. قال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله.
ص:517
واستشار أصحاب محمّد صلى الله عليه و سلم وفيهم علي، فقال علي: هو حسن، إن لم يكن جزية راتبة يؤخذون بها من بعدك. (1)
18556. الحاكم : أخبرنا محمّد بن موسي الصيدلاني، حدّثنا إبراهيم بن أبي طالب، حدّثنا محمّد بن المثنّي، حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي، حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال:
جاء ناس من أهل الشام إلي عمر رضي الله عنه فقالوا: إنّا قد أصبنا أموالاً خيلاً ورقيقاً نحبّ أن يكون لنا فيها زكاة وطهور. قال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله.
فاستشار عمر عليّاً - رضي الله عنهما - في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علي: هو حسن إن لم يكن جزية يؤخذون بها راتبة. (2)
18557. الكنجي : وبهذا الإسناد (3) عن حذيفة بن اليمان أنّه لقي عمر بن الخطّاب فقال له عمر: كيف أصبحت يا ابن اليمان ؟ فقال: كيف تريدني أصبح ؟ أصبحت والله أكره الحقّ ، واُحبّ الفتنة، وأشهد بما لم أره، وأحفظ غير المخلوق، واُصلّي علي غير وضوء، ولي في الأرض ما ليس لله في السماء!
فغضب عمر لقوله وانصرف من فوره، وقد أعجله أمر وعزم علي أذي حذيفة لقوله ذلك، فبينا هو في الطريق إذ مرّ بعلي بن أبي طالب، فرأي الغضب في وجهه، فقال: ما أغضبك يا عمر؟ فقال: لقيت حذيفة بن اليمان فسألته: كيف أصبحت ؟ فقال: أصبحت أكره الحقّ . فقال: صدق، يكره الموت، وهو حقّ .
ص:518
فقال: يقول: واُحبّ الفتنة. قال: صدق، يحبّ المال والولد، وقد قال الله تعالي: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ 1 .
فقال: يا علي، يقول وأشهد بما لم أره. فقال: صدق، يشهد لله بالوحدانيّة والموت والبعث والقيامة والجنّة والنار والصراط ، ولم ير ذلك كلّه.
فقال: يا علي، وقد قال: إنّني أحفظ غير المخلوق. قال: صدق، يحفظ كتاب الله تعالي القرآن وهو غير مخلوق.
قال: ويقول اصلّي علي غير وضوء. فقال: صدق، يصلّي علي ابن عمّي رسول الله صلى الله عليه و آله علي غير وضوء، والصلاة عليه جائزة.
فقال: يا أباالحسن، قد قال أكبر من ذلك! فقال: وما هو؟ قال: قال: إنّ لي في الأرض ما ليس لله في السماء! قال: صدق، له زوجة، وتعالي الله عن الزوجة والولد.
فقال عمر: كاد يهلك ابن الخطّاب لولا علي بن أبي طالب.
قلت: هذا ثابت عند أهل النقل، ذكره غير واحد من أهل السير، وقال السيّد الحميري في المعني:
سائل قريشاً إن كنت ذا عمه من كان أثبتها في الدين أوتادا
من كان أعلمها علماً وأحكمها حكماً وأصدقها قولاً وميعادا؟
إن يصدقوك فلن يعدوا أباحسن إن أنت لم تلق للأبرار حسّادا (1)
18558. الأزرقي : حدّثني جدّي، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة، عن رجل، عن الحسين بن علي:
أنّ عمر رضي الله عنه قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه : لقد هممت أن اقسّم هذا المال - يعني مال
ص:519
الكعبة- ، فقال له علي: إن استطعت ذلك!
فقال عمر: ومالي لا أستطيع ذلك ؟ أوَ لا تعينني علي ذلك ؟ فقال علي: إن استطعت ذلك! فردّها عمر ثلاثاً، فقال علي رضي الله عنه : ليس ذلك إليك.
فقال عمر: صدقت. (1)
18559. ابن سيّد الكلّ : روي عن عبيد بن رفاعة، عن أبيه، قال:
جلس علي [و] عمر والزبير وسعداً في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قد ذكروا العزل، فقالوا: لا نأمر به. فقال: إنّهم يزعمون أنّها الموؤودة الصغري.
فقال علي عليه السلام : لا تكون موؤودة حتّي تمرّ عليها الشارات السبع، حتّي تكون سلالته من طين، ثمّ تكون نطفة، ثمّ تكون علقة، ثمّ تكون مضغة، ثمّ تكون عظاماً، ثمّ تكون لحماً، ثمّ تكون خلقاً آخر. (2)
قال عمر: صدقت، أطال الله بقاءك. (3)
18560. الواقدي : حدّثني ابن أبي سبرة، عن عثمان بن عبيدالله بن أبي رافع، عن ابن المسيّب، قال:
أوّل من كتب التاريخ عمر، لسنتين ونصف من خلافته، فكتب لستّ عشرة من الهجرة بمشورة علي بن أبي طالب. (4)
18561. نعيم بن حمّاد : حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد، عن عثمان بن عبيدالله بن
ص:520
أبي رافع، قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول:
جمع عمر الناس، فسألهم من أي يوم يكتب التاريخ ؟ فقال علي بن أبي طالب: من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه و سلم وترك أرض الشرك. ففعله عمر رضي الله عنه . (1)
18562. البخاري : حدّثنا عبدالله بن عبدالوهّاب الحجبي، قال: حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد، عن عثمان بن رافع، قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول:
قال عمر رضي الله عنه : متي نكتب التاريخ ؟ وجمع المهاجرين، فقال له علي رضي الله عنه : من يوم هاجر النبيّ صلى الله عليه و سلم إلي المدينة. فكتب التاريخ. (2)
18563. ابن شبّة : حدّثنا هارون بن معروف، قال: حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد، قال: أخبرني عثمان بن عبيدالله، قال: سمعت سعيد بن المسيّب يقول:
جمع عمر رضي الله عنه المهاجرين والأنصار فقال: متي نكتب التاريخ ؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه : منذ خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من أرض الشرك -يعني يوم هاجر- . فكتب ذلك عمر رضي الله عنه . (3)
18564. الحميدي : حدّثنا سفيان، حدّثنا يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر بن الخطّاب:
أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبوحسن علي بن أبي طالب. (4)
18565. عثمان بن أبي شيبة : عن مؤمّل بن إسماعيل، عن سفيان بن عيينة، عن يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال:
ص:521
قال عمر: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبوحسن. (1)
18566. ابن سعد وأبوالقاسم البغوي وابن أبي خيثمة : أخبرنا عبيدالله بن عمر القواريري، أخبرنا مؤمّل بن إسماعيل، أخبرنا سفيان بن عيينة، أخبرنا يحيي بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، قال:
كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس فيها أبوحسن. (2)
18567. السمّان : أخبرنا أبوعبدالله الحسن بن يحيي بن الحسين القاضي -في جامع قزوين بقراءتي عليه- ، حدّثنا أبوبكر محمّد بن عمر بن سلم الجعابي، حدّثني أبويزيد خالد بن النضر القرشي - بالبصرة - ، حدّثنا محمّد بن أبي صفوان الثقفي، حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، عن ابن عيينة، عن يحيي، عن سعيد بن المسيّب، قال:
سمعت عمر يقول: اللهمّ لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيّاً. (3)
18568. المروزي : عن سعيد بن المسيّب، قال:
كان عمر يتعوّذ بالله من معضلة ليس لها أبوحسن. (4)
ص:522
18569. سبط ابن الجوزي -بعد نقل رواية القطيعي (1) بإسناده عن سعيد بن المسيّب- :
قال ابن المسيّب: ولهذا القول سبب، وهو أنّ ملك الروم كتب إلي عمر رضي الله عنه يسأله عن مسائل، فعرضها علي الصحابة فلم يجد عندهم جواباً، فعرضها علي أميرالمؤمنين عليه السلام فأجاب عنها في أسرع وقت بأحسن جواب.
قال ابن المسيّب: كتب ملك الروم إلي عمر رضي الله عنه : من قيصر ملك بني الأصفر إلي عمر خليفة المسلمين، أمّا بعد: فإنّي سائلك عن مسائل فأخبرني عنها:
ما شيء لم يخلقه الله تعالي ؟ وما شيء لا يعلمه الله تعالي ؟ وما شيء ليس عند الله تعالي ؟ وما شيء كلّه فم ؟ وما شيء كلّه رجل ؟ وما شيء كلّه عين ؟ وما شيء كلّه جناح ؟ وعن رجل لا عشيرة له ؟ وعن أربعة لم تحمل بهم رحم ؟ وعن شيء يتنفّس وليس فيه روح ؟ وعن صوت الناقوس ماذا يقول ؟ وعن ظاعن ظعن مرّة واحدة ؟ وعن شجرة يسير الراكب في ظلّها مئة عامّ لا يقطعها؛ ما مثلها في الدنيا؟ وعن مكان لم تطلع فيه الشمس إلّا مرّة واحدة ؟ وعن شجرة نبتت من غير ماء؟ وعن أهل الجنّة؛ فإنّهم يأكلون ويشربون ولا يتغوّطون ولا يبولون؛ ما مثلهم في الدنيا؟ وعن موائد الجنّة؛ فإنّ عليها القصاع في كلّ قصعة ألوان لا يختلط بعضها ببعض؛ ما مثلها في الدنيا؟ وعن جارية تخرج من تفّاحة في الجنّة؛ ولا ينقص منها شيء؟ وعن جارية تكون في الدنيا لرجلين وهي في الآخرة لواحد؟ وعن مفاتيح الجنّة؛ ما هي ؟
فقرأ علي عليه السلام الكتاب وكتب في الحال خلفه: بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فقد وقفت علي كتابك أيّها الملك، وأنا اجيبك بعون الله وقوّته وبركته وبركة نبيّنا محمّد صلى الله عليه و سلم .
أمّا الشيء الّذي لم يخلقه الله تعالي فالقرآن؛ لأنّه كلامه وصفته، وكذا كتب الله المنزلة، والحقّ سبحانه قديم وكذا صفاته.
ص:523
وأمّا الّذي لا يعلمه الله؛ فقولكم: له ولد وصاحبة وشريك، مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ 1 لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ 2 .
وأمّا الّذي ليس عند الله؛ فالظلم، وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ 3 .
وأمّا الّذي كلّه فم؛ فالنار تأكل كلّ ما يلقي فيها.
وأمّا الّذي كلّه رجل؛ فالماء.
وأمّا الّذي كلّه عين؛ فالشمس.
وأمّا الّذي كلّه جناح؛ فالريح.
وأمّا الّذي لا عشيرة له؛ فآدم عليه السلام .
وأمّا الأربعة الّتي لم تحمل بهم رحم؛ فعصا موسي، وكبش إبراهيم، وآدم، وحوّاء.
وأمّا الّذي يتنفّس من غير روح؛ فالصبح، لقوله تعالي: وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ 4 .
وأمّا الناقوس؛ فإنّه يقول [في ضربه]: طقّاً طقّاً، مهلاً مهلاً، عدلاً عدلاً، صدقاً صدقاً، إنّ الدنيا قد غرّتنا واستهوتنا، تمضي الدنيا قرناً قرناً، ما من يوم يمضي عنّا، إلّا أوهي منّا ركناً، إنّ المولي قد أخبرنا أنّا نرحل فاستوطنّا.
وأمّا الظاعن مرّة واحدة؛ فطور سيناء، لمّا عصت بنوإسرائيل وكان بينهم وبين الأرض المقدّسة أيّام، فقلع الله منه قطعة وجعل لها جناحين من نور فنتقه عليهم، فذلك قوله تعالي: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَ ظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ 5 ، وقال لبني إسرائيل: إن لم تؤمنوا وإلّا أوقعته عليكم، فلمّا تابوا ردّه إلي مكانه.
وأمّا المكان الّذي لم تطلع عليه الشمس إلّا مرّة واحدة؛ فأرض البحر لمّا فلقه الله
ص:524
تعالي لموسي عليه السلام وقام الماء أمثال الجبال ويبست الأرض بطلوع الشمس عليها، ثمّ عاد ماء البحر إلي مكانه.
وأمّا الشجرة الّتي يسير الراكب في ظلّها مئة عام؛ فهي شجرة في الجنّة يقال لها: شجرة طوبي، وهي سدرة المنتهي في السماء السابعة، إليها ينتهي أعمال بني آدم، وهي من أشجار الجنّة، ليس في الجنّة قصر ولا بيت إلّا وفيه غصن من أغصانها، ومثلها في الدنيا الشمس، أصلها واحد وضوؤها في كلّ مكان.
وأمّا الشجرة الّتي نبتت من غير ماء؛ فشجرة يونس، وكان ذلك معجزة له، لقوله تعالي: وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ 1 .
وأمّا غذاء أهل الجنّة؛ فمثلهم في الدنيا الجنين في بطن امّه، فإنّه يغتذي من سرّتها ولا يبول ولا يتغوّط .
وأمّا الألوان في القصعة الواحدة؛ فمثلها في الدنيا البيضة، فيها لونان: أبيض وأصفر، ولا يختلطان.
وأمّا الجارية الّتي تخرج من التفّاحة؛ فمثلها في الدنيا الدودة، تخرج من التفّاحة ولا تتغيّر.
وأمّا الجارية الّتي تكون بين اثنين في الدنيا؛ فالنخلة الّتي تكون في الدنيا لمؤمن مثلي ولكافر مثلك، وهي لي في الآخرة دونك؛ لأنّها في الجنّة وأنت لا تدخلها.
وأمّا مفاتيح الجنّة؛ فلا إله إلّا الله، محمّد رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال ابن المسيّب: فلمّا قرأ قيصر الكتاب عجب وقال: ما خرج هذا الكلام إلّا من بيت النبوّة ومعدن الرسالة. ثمّ سأل عن المجيب له، فقيل له: هذا جواب ابن عمّ محمّد صلى الله عليه و سلم . فكتب إليه:
سلام عليك، أمّا بعد: فقد وقفت علي جوابك، وعلمت أنّك من أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، وأنت موصوف بالشجاعة والعلم، فأسألك أن تكشف لي عن مذهبكم والروح الّتي
ص:525
ذكرها الله في كتابكم، في قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 1 ؟
فكتب إليه أميرالمؤمنين عليه السلام : أمّا بعد: فالروح نكتة لطيفة، ولمعة شريفة من صنعة بارئها، وقدرة منشئها، أخرجها من خزائن ملكه، وأسكنها في ملكه، فهي عنده لك سبب، وله عندك وديعة، فإذا اخذت ما لك عنده أخذ ما له عندك، والسلام.
ومن هاهنا أخذ أبوعلي ابن سينا، فقال:
ورقاء ذات تعزّز وترفّعِ (1)
هبطت إليك من المحلّ الأرفعِ
18570. العدني : حدّثنا عبدالعزيز بن عبدالصمد العمّي، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال:
حججنا مع عمر بن الخطّاب، فلمّا دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إنّي أعلم أنّك حجر لا تضرّ ولا تنفع، ولولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم قبّلك ما قبّلتك. ثمّ قبّله.
فقال له علي بن أبي طالب: بلي يا أميرالمؤمنين، إنّه يضرّ وينفع.
قال: بم ؟ قال: بكتاب الله تبارك وتعالي.
قال: وأين ذلك من كتاب الله ؟ قال: قال الله -عزّ وجلّ - : وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى 3 .
خلق الله آدم ومسح علي ظهره فقرّرهم بأنّه الربّ وأنّهم العبيد، وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رقّ ، وكان لهذا الحجر عينان ولسان، فقال له: افتح فاك. قال: ففتح فاه فألقمه ذلك الرقّ وقال: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة. وإنّي أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم : يؤتي يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن
ص:526
يستلمه بالتوحيد. فهو يا أميرالمؤمنين يضرّ وينفع.
فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أباحسن. (1)
18571. ابن بكير : عن عنبسة بن الأزهر، عن سماك بن حرب، قال:
كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام عند ما يسأله من الأمر فيفرّجه عنه: لا أبقاني الله بعدك يا أباالحسن. (2)
18572. ابن سيّد الكلّ : روي عن موسي بن طلحة، عن أبيه، قال:
اتي عمر بمال فقسّمه وفضل فضلة، فاستشار أصحابه، قالوا: خذ لنفسك. ثمّ التفت [إلي] علي فقال: ما تقول يا أباالحسن ؟ فقال: أري أن تقسّمه حتّي لا يبقي منه شيء.
ثمّ التفت إلي علي عليه السلام فقال: ويد لك مع أيادي لم أجزك بها، أما والله لئن بقيت ليأتين الراعي نصيبه من هذا المال باليمن ودمه في وجهه ... .
وروي عن طلحة بن عبيدالله [أيضاً]، قال:
ص:527
اتي عمر رضي الله عنه بمال فقسّمه بين الناس، وفضلت فضلة، فاستشار فيه، فقالوا: لو تركته لحدث أو نائبة إن كانت. وعلي عليه السلام في القوم لا يتكلّم، قال: مالك يا أباالحسن لا تتكلّم ؟ قال: لقد أجزل القوم. قال: لتقولنّ .
قال: إنّ الله فرغ من قسمة هذا المال، وذكره حديث مال البحرين، حيث جيء به إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقسّمه، وحال بينه وبين أن يقسّمه الليل أو صلاة من الصلوات، فَرُئي ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه و سلم حتّي فرغ منه، قال: لا جرم لتقسّمنّه. قال: فقسّمه علي عليه السلام .
قال طلحة: فأصابني من البقيّة ثمانمئة درهم. (1)
18573. الحمّويي : أخبرني الشيخ الإمام العلّامة نجم الدين أبوالقاسم جعفر بن الحسن بن يحيي بن سعيد الحلّي -رحمة الله عليه، كتابة،في شهور سنة إحدي وسبعين وستّمئة- بروايته عن السيّد النسّابة فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن شاذان بن جبرئيل القمّي، عن جعفر بن محمّد الدوريستي، عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين، (2) قال: حدّثني محمّد بن علي ما جيلويه رحمه الله ، قال: حدّثنا محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن خالد، عن أبيه، عن عبدالله بن القاسم، عن حيّان السرّاج، عن داوود بن سليمان الكسائي، عن أبي الطفيل [عامر بن واثلة]، قال:
شهدت جنازة أبي بكر يوم مات وشهدت عمر حين بويع وعلي عليه السلام جالس ناحية إذ أقبل غلام يهودي -عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون- حتّي قام علي رأس عمر فقال: يا أميرالمؤمنين، أنت أعلم هذه الاُمّة بكتابهم وأمر نبيّهم ؟
قال: فطأطأ عمر رأسه، فقال [له الغلام]: إيّاك أعني. وأعاد عليه القول، فقال له عمر: ما ذاك ؟ قال: إنّي جئتك مرتاداً لنفسي شاكّاً في ديني. فقال: دونك هذا الشابّ .
ص:528
قال: ومن هذا الشابّ ؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وهو أبوالحسن والحسين، وزوج فاطمة بنت رسول الله عليهما السلام .
فأقبل اليهودي علي علي بن أبي طالب، فقال: أ كذلك أنت ؟ قال: نعم. قال: فإنّي اريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة.
قال: فتبسّم علي عليه السلام وقال: يا هاروني، ما منعك أن تقول: سبعاً؟ قال: أسألك عن ثلاث فإن علمتهنّ سألت عمّا بعدهنّ ، وإن لم تعلمهنّ علمت أنّه ليس فيكم علم.
قال علي عليه السلام : ألا فإنّي أسألك بالّذي تعبد لئن أنا أجبتك في كلّ ما تريد لتدعنّ دينك ولتدخلنّ في ديني ؟ قال: ما جئت إلّا لذلك. قال: فاسأل.
قال: فأخبرني عن أوّل قطرة [وقعت] علي وجه الأرض، أي قطرة هي ؟ وأوّل عين فاضت علي وجه الأرض، أي عين هي ؟ وأوّل شيء اهتزّ علي وجه الأرض، أي شيء هو؟ فأجابه أميرالمؤمنين عليه السلام .
قال: فأخبرني عن الثلاث الاُخر، أخبرني عن محمّد صلى الله عليه و سلم كم بعده من إمام عدل ؟ وفي أي جنّة يكون ؟ ومن يساكنه معه في جنّته ؟
فقال: يا هاروني، إنّ لمحمّد صلى الله عليه و سلم من الخلفاء اثنا عشر إماماً عادلاً، لا يضرّهم من خذلهم، ولا يستوحشون لخلاف من خالفهم، وإنّهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض، ويسكن محمّد [ صلى الله عليه و آله و سلم ] في جنّته مع اولئك الاثنا عشر إماماً العدل.
قال: صدقت والله الّذي لا إله إلّا هو، إنّي لأجدها في كتب أبي هارون؛ كتبه بيده وإملاء موسي عمّي عليهما السلام .
قال: فأخبرني عن الواحدة، أخبرني عن وصي محمّد، كم يعيش من بعده ؟ وهل يموت أو يقتل ؟ قال: يا هاروني، يعيش بعده ثلاثين سنة، لا يزيد يوماً ولا ينقص يوماً، ثمّ يضرب ضربة هاهنا -يعني قرنه- فتخضب هذه من هذا.
قال: فصاح الهاروني وقطع تسبيحه وهو يقول: أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له. (1)
ص:529
18574. العاصمي : ذكر عن أبي الطفيل عامر بن واثلة [الصحابي]، قال:
شهدت الصلاة علي أبي بكر ثمّ اجتمعنا إلي عمر بن الخطّاب فبايعناه وأقمنا أيّاماً نختلف إلي المسجد إليه حتّي سمّوه أميرالمؤمنين، فبينما نحن عنده جلوس إذ أتاه يهودي من يهود المدينة وهم يزعمون أنّه من ولد هارون أخي موسي بن عمران عليهما السلام ، حتّي وقف علي عمر، فقال له: يا أميرالمؤمنين، أيّكم أعلم بنبيّكم وبكتاب نبيّكم حتّي أسأله عمّا اريد؟
فأشار عمر إلي علي بن أبي طالب، فقال: هذا أعلم بنبيّنا وبكتاب نبيّنا.
[ف -]قال اليهودي: أ كذاك أنت يا علي ؟ قال [علي]: سل عمّا تريد.
قال: إنّي سائلك عن ثلاث وثلاث وواحدة.
قال له علي: ولِمَ لا تقول أوّل: إنّي سائلك عن سبع ؟ قال له اليهودي: إنّي أسألك عن ثلاث، فإن أصبت فيهنّ أسألك عن الواحدة، وإن أخطأت في الثلاث الأوّل لم أسألك عن شيء.
[ف -]قال له علي: وما يدريك إذا سألتني فأجبتك أخطأت أم أصبت ؟ قال: فضرب بيده إلي كمّه فاستخرج كتاباً عتيقاً، فقال: هذا كتاب ورثته عن آبائي وأجدادي بإملاء موسي وخطّ هارون، وفيه هذه الخصال الّتي اريد أن أسألك عنها.
فقال علي: ولله عليك إن أجبتك فيهنّ بالصواب أن تسلم! قال له [اليهودي]: والله لئن أجبتني فيهنّ بالصواب لأسلمنّ الساعة علي يديك. [ف -]قال له علي: سل.
قال: أخبرني عن أوّل حجر وضع علي وجه الأرض ؟ وأخبرني عن أوّل شجرة نبتت علي وجه الأرض ؟ وأخبرني عن أوّل عين نبعت علي وجه الأرض ؟
[ف -]قال له علي: يا يهودي، إنّ أوّل حجر وضع علي وجه الأرض فإنّ اليهود يزعمون أنّها صخرة بيت المقدس وكذبوا، ولكنّه الحجر الأسود، نزل به آدم من الجنّة، فوضعه في ركن البيت، فالناس يمسحون به ويقبّلونه، ويجدّدون العهد والميثاق فيما بينهم وبين الله.
قال اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.
قال له علي: وأمّا أوّل شجرة نبتت علي وجه الأرض؛ فإنّ اليهود يزعمون أنّها الزيتونة
ص:530
وكذبوا، ولكنّها نخلة العجوة، نزل بها معه آدم من الجنّة وبالعجل ؟ فأصل التمر كلّه من العجوة.
قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدق.
قال: وأمّا أوّل عين نبعت علي وجه الأرض؛ فإنّ اليهود يزعمون أنّها العين الّتي تحت صخرة بيت المقدس وكذبوا، ولكنّها عين الحياة الّتي نسي عندها صاحب موسي السمكة المالحة فلمّا أصابها ماء العين عاشت وسرت فأتبعها موسي وصاحبه فأتيا الخضر.
فقال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.
قال له علي: سل. قال: أخبرني عن منزل محمّد؛ أين هو في الجنّة ؟ قال علي: ومنزل محمّد من الجنّة جنّة عدن في وسط الجنّة أقربه من عرش الرحمان -عزّ وجلّ - .
قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت.
قال له علي: سل. قال: أخبرني عن وصي محمّد في أهله كم يعيش بعده ؟ وهل يموت أو يقتل ؟
قال علي: يا يهودي، يعيش بعده ثلاثين سنة ويخضب هذه من هذا - وأشار إلي رأسه - .
قال: فوثب إليه اليهودي وقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله. (1)
18575. ابن سيّد الكلّ : روي عبدالله بن بريدة, قال:
أتي إنسان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: يا أميرالمؤمنين، ما سبحان الله ؟ قال: لا أدري، انطلق إلي هذا فَاسْأله -يعني عليّاً- فإنّه كان بحراً إذا سئل، ويبتدأ إذا سكت.
قال: فأتاه فقال: ما سبحان الله ؟ قال: تعظيم جلال الله. (2)
18576. السمّان : حدّثنا أبوالقاسم علي بن محمّد بن علي الأيادي - ببغداد لفظاً - ،
ص:531
حدّثنا أبوالقاسم حبيب بن الحسن القزّاز، حدّثنا عمر بن حفص السدوسي، حدّثنا أبوبلال الأشعري، حدّثنا عيسي بن مسلم القرشي، عن عبدالله بن عمرو بن نهيك، عن ابن عبّاس، قال:
كنّا في جنازة، فقال علي بن أبي طالب عليه السلام لزوج امّ الغلام: أمسك عن امرأتك. فقال له عمر: ولِمَ يمسك عن امرأته ؟ اخرج ممّا جئت به ؟ فقال: نعم يا أميرالمؤمنين، يريد أن يستبرئ رحمها، لا يلقي فيه شيئاً فيستوجب به الميراث من أخيه، ولا ميراث له.
فقال عمر: أعوذ بالله من معضلة لا علي فيها. (1)
18577. الأزرقي : كان ابن عبّاس يقول:
سمعت عمر رضي الله عنه يقول: إنّ تركي هذا المال في الكعبة لا، آخذه فاُقسّمه في سبيل الله تعالي وفي سبيل الخير. وعلي بن أبي طالب يسمع ما يقول، فقال: ما تقول يا ابن أبي طالب ؟ أحلف بالله لئن شجعتني عليه لأفعلنّ .
قال: فقال له علي: أ تجعله فيئاً؟ وأحري صاحبه رجل يأتي في آخر الزمان ضرب أدم طويل. فمضي عمر. (2)
18578. أبونعيم : حدّثنا أبوبكر الطلحي, قال: حدّثنا محمّد بن علي بن حبيب الرقّي, قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن أبي حمّاد ... مثله. (3)
18579. الطبراني : حدّثنا محمّد بن الفضل السقطي، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالله بن
ص:532
أبي حماد العطّار الطرسوسي، قال: حدّثنا عبدالرحمان بن مغراء، قال: حدّثنا الأزهر بن عبدالله الأودي، قال: حدّثنا محمّد بن عجلان، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، قال:
قال عمر بن الخطّاب لعلي بن أبي طالب: يا أباالحسن، ربّما شهدت وغبنا، وربّما شهدنا وغبت، ثلاث أسألك عنهنّ ، هل عندك منهنّ علم ؟
قال علي: وما هنّ ؟ قال: الرجل يحبّ الرجل ولم ير منه خيراً، والرجل يبغض الرجل ولم ير منه شرّاً!
قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إنّ الأرواح في الهواء جنود مجنّدة، تلتقي فتشاءم فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
قال عمر: واحدة، والرجل يحدّث الحديث إذ نسيه إذ ذكره ؟ (1)
فقال علي: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ما من القلوب قلب إلّا وله سحابة كسحابة القمر بينما القمر مضيء إذ علت عليه سحابة فأظلم، إذ تجلّت عنه فأضاء، وبينا الرجل يحدّث إذ علته سحابة فنسي إذ تجلّت عنه فذكر.
فقال عمر: اثنتان، وقال: الرجل يري الرؤيا فيها ما تصدق وفيها ما تكذب ؟ (2)
قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: ما من عبد ولا أمة ينام فيستثقل نوماً إلّا عرج بروحه إلي العرش، فالّتي لا تستيقظ إلّا عند العرش فتلك الرؤيا الّتي تصدق، والّتي تستيقظ دون العرش فهي الرؤيا الّتي تكذب.
فقال عمر: ثلاث كنت في طلبهنّ ، فالحمد لله الّذي أصبتهنّ قبل الموت. (3)
18580. الطائي : أنبأنا أبي [أحمد بن عامر]، قال: قال علي بن موسي الرضا، عن
ص:533
آبائه، عن علي عليه السلام ، قال:
حمل رجل إلي عمر رضي الله عنه [و] قالوا [له: قد سألناه و] قلنا له: كيف أصبحت ؟ قال: [أصبحت وقد] احبّ الفتنة، وأكره الحقّ ، واُصدّق اليهود والنصاري، وآمن بما لم أره، واُقرّ بما لم يخلق!
فأرسل إلي علي [فأتاه]، فقال: صدق، قال الله تعالي: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ 1 ، ويكره الحقّ يعني الموت، قال الله تعالي: وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ 2 ، ويصدّق اليهود والنصاري، قال الله تعالي: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ ءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْ ءٍ 3 ، ويؤمن بما لم يره يعني الله -عزّ وجلّ - ، ويقرّ بما لم يخلق يعني الساعة.
قال عمر: لولا علي لهلك عمر. (1)
18581. الخرائطي : حدّثنا سعدان بن يزيد, حدّثنا الهيثم بن جميل, حدّثنا حمّاد بن سلمة, عن جبر بن حبيب, عن امّ كلثوم بنت أبي بكر:
أنّ عمر بن الخطّاب - رضي الله عنهم - كان يعسّ بالمدينة ذات ليلة فرأي رجلاً وامرأة علي فاحشة، فلمّا أصبح قال للناس: أ رأيتم أنّ إماماً رأي رجلاً وامرأة علي فاحشة فأقام عليهما الحدّ ما كنتم فاعلين ؟ قالوا: إنّما أنت إمام. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ليس ذلك لك، إذن يقام عليك الحدّ، إنّ الله - تبارك و تعالي - لم يأمن علي هذا الأمر أقلّ من أربعة
ص:534
شهداء، ثمّ تركهم ما شاء الله أن يتركهم، ثمّ سألهم. فقال القوم مثل مقالتهم الاُولي، وقال علي مثل مقالته. (1)
18582. السمّان : أخبرنا أبوالقاسم أحمد بن محمّد بن عثمان العثماني -بمدينة الرسول صلى الله عليه و آله بقراءتي عليه- ، حدّثنا علي بن محمّد بن الزبير الكوفي، حدّثنا الحسن ومحمّد ابنا علي بن عفّان، قالا: حدّثنا الحسن بن عطيّة القرشي، عن الحسن بن صالح بن حي، حدّثنا أبوالمغيرة الثقفي، عن رجل، عن ابن سيرين:
أنّ عمر سأل الناس: كم يتزوّج المملوك ؟ وقال لعلي: إيّاك أعني يا صاحب المعافري -رداء كان عليه- . فقال: ثنتين. (2)
18583. زاهر بن طاهر : أخبرنا أبوسعد الجنزرودي، أخبرنا السيّد أبوالحسن محمّد بن علي بن الحسين، حدّثنا حمزة بن محمّد الدهقان، حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا وهب بن [عمرو بن] عثمان البصري (3)، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن معاوية [في حديث], قال:
وكان عمر بن الخطّاب يسأله [ عليه السلام ] ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب ؟ ... . (4)
ص:535
18584. ابن عساكر : أخبرنا أبوالقاسم الخضر بن الحسين بن عبدالله، أخبرنا أبوالقاسم علي بن محمّد الفقيه، أخبرنا أبوزكريّا يحيي بن عمّار بن يحيي بن شدّاد -إمام جامع الجزيرة، بها- ، حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن عبدالله الأنصاري الميمذي، حدّثنا أبوزكريّا يحيي بن محمّد البحيري الخبّاز - إملاء - ، حدّثنا [وهيب بن] عمرو بن عثمان النمري البصري (1)، حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم, [في حديث] عن معاوية، قال:
ولقد كان عمر بن الخطّاب يسأله [ عليه السلام ] فيأخذ عنه، وكان إذا أشكل علي عمر شيء قال: هاهنا علي ؟ ... . (2)
18585. ابن سيّد الكلّ : روي ابن عيينة عن الهذلي (3) أنّ عمر بن الخطّاب أشار عليه علي بن أبي طالب في أمر سأله عنه، فقال له عمر: أصبت أصاب الله بك -ثلاث مرّات- هذا رأي احبّ أن ابايع عليه. (4)
18586. وكيع : عن شعبة، عن الحكم، عن [يحيي] بن [الجزّار مولي لبجيلة]، قال:
سئل عمر عن العمرة ومن بمكّة من أين يعتمر؟ قال: ايت علي بن أبي طالب فاسأله.
ص:536
قال: فأتيته، فقال: من حين أبدأت. يعني من ميقات أرضه.
قال: فأتي عمر فأخبره، فقال: ما أجد لك إلّا ما قال علي بن أبي طالب. (1)
18587. ابن بكير : عن عنبسة بن الأزهر، عن يحيي بن عقيل، قال:
كان عمر بن الخطّاب يقول لعلي بن أبي طالب عليه السلام فيما كان يسأله عنه فيفرّج عنه: لا أبقاني الله بعدك يا علي. (2)
18588. ابن البختري : حدّثنا علي بن إبراهيم الواسطي، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عبدالملك، قال: حدّثنا محمّد بن الزبير، قال:
دخلت مسجد دمشق فإذا أنا بشيخ قد التقت ترقوتاه من الكبر، فقلت له: يا شيخ، من أدركت ؟ قال: النبيّ صلى الله عليه و سلم .
قلت: فما غزوت ؟ قال: اليرموك.
قلت: حدّثني بشيء سمعته. قال: خرجت مع فتية من عكّ والأشعريّين حجّاجاً، فأصبنا بيض نعام وقد أحرمنا، فلمّا قضينا نسكنا وقع في أنفسنا منه شيء، فذكرنا ذلك لأميرالمؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ، فأدبر وقال: اتّبعوني. حتّي انتهي إلي حجر رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فضرب في حجرة منها، فأجابته امرأة، فقال: أ ثمّ أبوحسن ؟ قالت: لا؛ هو في المقثأة. فأدبر وقال: اتّبعوني. حتّي انتهي إليه، فإذا معه غلامان أسودان، وهو يسوّي التراب بيده، فقال: مرحباً يا أميرالمؤمنين.
ص:537
قال: إنّ هؤلاء فتية من عكّ والأشعريّين أصابوا بيض نعام وهم محرمون، قال: ألا أرسلت إلي ؟ قال: أنّا أحقّ بإتيانك. قال: يضربون الفحل قلائص أبكاراً بعدد البيض، فما نتج منها أهدوه.
قال: عمر رضي الله عنه : فإنّ الإبل تخدج. قال علي - صلوات الله عليه - : والبيض يمرق.
فلمّا أدبر قال عمر رضي الله عنه : اللهمّ لا تنزلنّ بي شديدة إلّا وأبوالحسن إلي جنبي. (1)
18589. العاصمي : ذُكر أنّه قدم اسقف نجران علي عمر بن الخطّاب في صدر خلافته فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ أرضنا باردة شديدة المؤونة لا يحتمل الجيش وأنا ضامن لخراج أرضي أحمله إليك في كلّ عام كملاً.
قال: فضمّنه [عمر] إيّاه، فكان يحمل المال ويقدم به في كلّ سنة ويكتب له عمر البراءة بذلك.
فقدم الاُسقف ذات مرّة ومعه جماعة وكان شيخاً جميلاً مهيباً، فدعاه عمر إلي الله وإلي رسوله وكتابه؛ وذكر له أشياء من فضل الإسلام وما يصير إليه المسلمون من النعيم والكرامة.
فقال له الاُسقف: يا عمر، أنتم تقرؤون في كتابكم: وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ 2 فأين تكون النار؟
فسكت عمر وقال لعلي: أجبه أنت.
ص:538
فقال له علي: أنا اجيبك يا اسقف، أ رأيت إذا جاء الليل أين يكون النهار؟ وإذا جاء النهار أين يكون الليل ؟
فقال الاُسقف: ما كنت أري أنّ أحداً يجيبني عن هذه المسألة، من هذا الفتي يا عمر؟ فقال [عمر: هو] علي بن أبي طالب ختن رسول الله -صلّي الله عليه- وابن عمّه، وهو أبوالحسن والحسين.
فقال الاُسقف: فأخبرني يا عمر عن بقعة من الأرض طلع فيها الشمس مرّة واحدة ثمّ لم تطلع [عليها] قبلها ولا بعدها؟
فقال عمر: سل الفتي. فقال [علي]: أنا اجيبك، هو البحر حيث انفلق لبني إسرائيل ووقعت فيه الشمس مرّة واحدة ولم تقع [عليها] قبلها ولا بعدها.
فقال الاُسقف: أخبرني عن شيء في أيدي الناس شبيه بثمار الجنّة ؟
قال عمر: سل الفتي. فسأله، فقال علي: [أنا] اجيبك، هو القرآن يجتمع عليه أهل الدنيا فيأخذون منه حاجتهم فلا ينقص منه شيء، فكذلك ثمار الجنّة.
فقال الاُسقف: صدقت.
[ثمّ ] قال: أخبرني هل للسماوات من قفل ؟ فقال علي: قفل السماوات الشرك بالله.
فقال الاُسقف: وما مفتاح ذلك القفل ؟ قال [علي]: شهادة أن لا إله إلّا الله لا يحجبها شيء دون العرش.
فقال: صدقت.
فقال: أخبرني عن أوّل دم وقع علي وجه الأرض ؟ فقال علي: أمّا نحن فلا نقول كما تقولون: [إنّه هو] دم الخشاف، ولكن أوّل دم وقع علي وجه الأرض مشيمة حوّاء حيث ولدت هابيل بن آدم.
قال: صدقت، وبقيت مسألة واحدة، أخبرني أين الله ؟
فغضب عمر، فقال علي: اجيبك وسل عمّا شئت، كنّا عند رسول الله -صلّي الله عليه- إذ أتاه ملك فسلّم فقال له رسول الله -صلّي الله عليه- : من أين ارسلت
ص:539
[إلي]؟ فقال: من السماء السابعة من عند ربّي.
ثمّ أتاه آخر فسأله، فقال: ارسلت من الأرض السابعة من عند ربّي.
فجاء[ه] ثالث من المشرق، ورابع من المغرب فسألهما، فأجابا كذلك، فالله -عزّ وجلّ - هاهنا وهاهنا، في السماء إله وفي الأرض إله. (1)
18590. ابن قتيبة : ... وعمر مع هذا يقول في قضيّة نبّهه علي رضي الله عنه عليها: لولا قول علي لهلك عمر.
ويقول: أعوذ بالله من كلّ معضلة ليس لها أبوحسن. (2)
18591. الشهاب الإيجي : قال عمر بن الخطّاب في عدّة وقائع وقعت أيّام خلافته: لولا علي لهلك عمر. لما رأي من تحقيقه وإصابته.
وقال مرّة اخري: [اللهمّ ] لا تنزل بي شديدة إلّا وأبوالحسن إلي جنبي.
وقال مرّة اخري: أعوذ بالله من معضلة لا علي لها.
وقد سأله شيئاً فأجابه في بعض الزمن فقال: أعوذ بالله أن أعيش في يوم لستَ فيه أباالحسن. (3)
18592. الصفوري : دخل أبوموسي الأشعري رضي الله عنه مدينة، فوجد فيها خزانة مختومة بالرصاص، ففتحها، فوجد فيها ميّتاً في كفن منسوج بالذهب، فتعجّب أبوموسي من طوله، حتّي قاس أنفه فزاد علي شبر، فكتب إلي عمر بذلك، فقال علي رضي الله عنه : هو دانيال. فكتب إليه عمر: ادفنه في مكان لا يقدر عليه أهل تلك البلدة بعد أن تصلّي عليه. (4)
18593. ابن سيّد الكلّ : روي أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار الناس فقال: ما
ص:540
تقولون في شيء فضل عندنا من هذا المال ؟ فقالوا: يا أميرالمؤمنين، قد شغلناك عن أهلك وضيعتك وتجارتك فهو لك.
فقال لعلي: ما تقول ؟ قال: قد أشاروا عليك.
قال: قل يا علي. فقال: لم تجعل يقينك ظنّاً وعلمك جهلاً.
قال: لتخرجنّ ممّا قلت. قال: أجل والله لأخرجنّ منه، أما تذكر إذ بعثك رسول الله صلى الله عليه و سلم فنخبره بما صنع العبّاس، فأتيناه فوجدناه خائراً فرجعنا، فأتيناه في اليوم الثاني، فوجدناه طيب النفس، فأخبرناه بالّذي صنع العبّاس، فقال: أما علمتم أنّ الرجل صنو أبيه. فأخبرناه بالّذي رأينا من حبور نفسه في اليوم الأوّل وطيبة نفسه في اليوم الثاني، فقال: إنّكما أتيتما بي في اليوم الأوّل وقد بقي من الصدقة ديناران، فخشيت أن يأتيني الموت قبل أن اوجّههما ثمّ أتيتماني هذا اليوم وقد وجّهتهما بالّذي رأيتما من طيب نفسي لذلك.
فقال عمر: صدقت والله، لأشكرنّ لك الاُولي والآخرة ... .
وممّا ذكره القاضي أبوبكر بن الطيّب من أقوال عمر في فضائل علي بن أبي طالب، فمن ذلك ما روي عن عمر رضي الله عنه قوله المشهور: لولا علي لهلك عمر.
ومنها قوله: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبوحسن.
ومنها قوله: أعوذ بالله أن أعيش في قوم ليس فيهم أبوحسن. (1)
18594. ابن الجوزي : وكان الخلق يحتاجون إلي علم علي، حتّي قال عمر رضي الله عنه : آه من معضلة ليس لها أبوحسن. (2)
18595. ابن الجوزي : كان أبوبكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلي رأيه، وكان كلّ الصحابة مفتقراً إلي علمه، وكان عمر يقول: أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبوالحسن. (3)
ص:541
18596. الزمخشري : قيل لعمر رضي الله عنه : لو أخذت حلي الكعبة فجهزت به جيوش المسلمين، وما تصنع الكعبة بالحلي ؟ فسأل عليّاً رضي الله عنه ، فقال: إنّ القرآن أنزل علي النبيّ صلى الله عليه و سلم والأموال أربعة: أموال المسلمين، فقسّمها بين الورثة في الفرائض، والفيء، فقسّمه علي مستحقّيه، والخمس، فوضعه الله حيث وضعه، والصدقات، فجعلها الله حيث جعلها، وكان حلي الكعبة فيها يومئذ فتركه الله علي حاله، ولم يتركه نسياناً، ولم يخف عليه مكاناً، فأقرّه حيث أقرّه الله ورسوله.
فقال له عمر: لولاك لافتضحنا! وتركه. (1)
وتقدّم كثير ممّا يرتبط بهذا في باب قضائه عليه السلام .
18597. ابن الأثير : وفيها كتب عمر التاريخ بمشورة علي بن أبي طالب. (2)
18598. الواقدي : وفي ربيع الأوّل من هذه السنة -أعني سنة ستّ عشرة- كتب عمر بن الخطّاب التاريخ، وهو أوّل من كتبه ... وأشار علي بن أبي طالب وآخرون أن يؤرّخ من هجرته من مكّة إلي المدينة لظهوره لكلّ أحد، فإنّه أظهر من المولد والمبعث، فاستحسن ذلك عمر والصحابة، فأمر عمر أن يؤرّخ من هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وأرّخوا من أوّل تلك السنة من محرّمها. (3)
برواية:
1. حجّار بن أبجر-4. المغيرة
2. قيس بن أبي حازم-5. ما ورد مرسلاً
3. أبي مطر
ص:542
18599. ابن أبي الدنيا : حدّثنا يوسف بن موسي، حدّثنا عمير بن طلحة القنّاد، حدّثنا أسباط بن نصر، عن سماك، عن حجّار بن أبجر، قال:
جاء رجل إلي معاوية فقال: سرق ثوبي هذا فوجدته مع هذا! فقال [معاوية]: لو كان لهذا علي بن أبي طالب ؟! (1)
18600. القطيعي وابن الأنباري : حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا وهب بن عمرو بن عثمان النمري البصري (2), حدّثني أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب، فهو أعلم.
فقال: يا أميرالمؤمنين، جوابك فيها أحبّ إلي من جواب علي! فقال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنت منّي بمنزلة هارون من موسي، إلّا أنّه لا نبي بعدي.
وكان عمر إذا أشكل عليه شيء يأخذ منه، ولقد سمعت عمر وقد أشكل عليه فقال: هاهنا علي ؟ قم، لا أقام الله رجليك. (3)
18601. زاهر بن طاهر : أخبرنا أبوسعد الجنزرودي، أخبرنا السيّد أبوالحسن محمّد بن علي بن الحسين، حدّثنا حمزة بن محمّد الدهقان، حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا وهب بن [عمرو بن] عثمان البصري، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
ص:543
سأل رجل معاوية عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب، فهو أعلم منّي.
قال: قولك يا أميرالمؤمنين أحبّ إلي من قول علي! قال: بئس ما قلت، ولؤم ما جئت به، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لانبي بعدي.
وكان عمر بن الخطّاب يسأله ويأخذ عنه، ولقد شهدت عمر إذا أشكل عليه أمر قال: هاهنا علي بن أبي طالب ؟
ثمّ قال للرجل: قم، لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه من الديوان. (1)
18602. ابن عساكر : [أخبرنا] أبوالقاسم الخضر بن الحسين بن عبدالله، أخبرنا أبوالقاسم علي بن محمّد الفقيه، أخبرنا أبوزكريّا يحيي بن عمّار بن يحيي بن شدّاد -إمام جامع الجزيرة، بها- ، حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمّد بن عبدالله الأنصاري الميمذي، حدّثنا أبوزكريّا يحيي بن محمّد البحيري الخبّاز -إملاء- ، حدّثنا [وهيب بن] عمرو بن عثمان النمري البصري، حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها علي بن أبي طالب، فهو أعلم.
فقال: اريد جوابك يا أميرالمؤمنين فيها. فقال: ويحك! لقد كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يغرّه بالعلم غرّاً، ولقد قال له: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبي بعدي.
ولقد كان عمر بن الخطّاب يسأله فيأخذ عنه، وكان إذا أشكل علي عمر شيء قال: هاهنا علي ؟ قم، لا أقام الله رجليك. ومحا اسمه من الديوان. (2)
18603. ابن حجر : روينا في القطعيّات من رواية إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال:
ص:544
جاء رجل إلي معاوية فسأله عن مسألة، فقال: سل عنها عليّاً. قال: ولقد شهدت عمر أشكل عليه شيء فقال: هاهنا علي ؟ (1)
18604. المروزي : حدّثنا إدريس بن سليمان الموصلي، حدّثنا داوود بن سليمان، حدّثنا علي بن ثابت، عن المختار بن نافع، عن أبي مطر، قال:
كتب ملك الروم إلي معاوية: أخبرني بخمسة أشياء ولك ملكي ؟ فلم يدر معاوية ما هي، فدسّ إلي علي بن أبي طالب رحمه الله [من يسأله عنها]، فقال [له]: أخبرني كم بين الحقّ والباطل ؟ قال: قدر أربع أصابع، ما سمعته اذناك ورأته عيناك.
قال: أخبرني كم بين المشرق والمغرب ؟ قال: مسيرة يوم طوفاً. يعني سير الملائكة.
قال: أخبرني عن أوّل شيء اهتزّ علي وجه الأرض ؟ قال: النخلة الّتي هبط بها آدم معه من الجنّة.
قال: فأخبرني عن القوس ؟ قال: أمان من الغرق مثل أيّام نوح.
قال: فأخبرني كم بعد ما بين السماء والأرض ؟ قال: دعوة المظلوم ومدّ البصر.
قال: فكتب معاوية بذلك إلي ملك الروم، فلمّا قرئ عليه الكتاب قال: ما خرج هذا إلّا من أهل بيت النبوّة، والله لو يسألني بعده كلّها ما [يتمنّاه] أعطيته. (2)
18605. ابن السمّاك : حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثني جرير، عن المغيرة، قال:
لمّا جاء معاوية وفاة علي وهو قائل مع امرأته بنت قرظة في يوم صائف، قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم والفضل والخير؟!
ص:545
فقالت له امرأته: تسترجع عليه اليوم ؟! قال: ويلك! لا تدرين ماذا ذهب من علمه وفضله وسوابقه! (1)
18606. ابن أبي الدنيا : حدّثنا يوسف بن موسي، حدّثنا جرير، عن مغيرة، قال:
لمّا جيء معاوية بنعي علي بن أبي طالب عليه السلام وهو قائل مع امرأته ابنة قرظة في يوم صائف، فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا فقدوا من العلم والخير والفضل والفقه ؟!
قالت امرأته: بالأمس [ كنت] تطعن في عينيه وتسترجع اليوم عليه! قال: ويلك! لا تدرين ما[ذا] فقدوا من علمه وفضله وسوابقه! (2)
18607. العاصمي : ذُكر أنّ صاحب الروم كتب إلي معاوية بن أبي سفيان -وهو علي الخلافة- فسأله عن عشر خصال، فلم يدر [معاوية] ما هي وارتطم، فبعث راكباً إلي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأتاه وهو في الرحبة، فقال: السلام عليك يا أميرالمؤمنين.
فقال علي: أما إنّك لست من أهل رعيّتي. فقال: أجل، أنا من أهل الشام، بعثني إليك معاوية أسألك عن عشر خصال كتب بها إليه صاحب الروم وقال: إن أخبرتني بها حملت إليك الخراج وإلّا حملت إلي الخراج. فلم يحسن معاوية [جواب ما سأله] فأرسلني إليك أسألك عنها!
فقال علي: ما هي ؟ قال: [سأله] ما أوّل شيء اهتزّ علي الأرض ؟ وما أوّل شيء يصيح علي الأرض ؟ وكم بين الحقّ والباطل ؟ وكم بين السماء والأرض ؟ وأين تأوي
ص:546
أرواح الشهداء؟ وأين تأوي أرواح المشركين ؟ وهذه القوس ما هي ؟ وعن المجرّة ما هي ؟ والخنثي كيف يقسّم ميراثه ؟
فقال المرتضي -رضوان الله عليه- : أمّا أوّل شيء اهتزّ علي الأرض فهو النخلة، ومثلها مثل ابن آدم إذا قطع رأس ابن آدم هلك، وإذا قطع رأس النخلة فإنّما هي جذع ملقاة علي وجه الأرض.
وأمّا ما يصيح علي الأرض فواد باليمن، وهو أوّل واد فار منه التنّور بالماء.
وأمّا بين الحقّ والباطل فأربع أصابع، بين أن يقول الإنسان: رأت عيناي (1) ما لم تر؛ [و] أن يقول: سمعت اذناي ما لم تسمع.
وأمّا [ما] بين السماء والأرض فمدّ البصر ودعوة المظلوم.
وأمّا [ما] بين المشرق والمغرب فمسيرة يوم للشمس.
وأمّا أرواح المسلمين فتأوي إلي عين في الجنّة تسمّي سلمي (2), وتأوي أرواح الكفّار إلي جبّ في النار يسمّي برهوت.
وأمّا هذه القوس فأمان لأهل الأرض كلّهم من الغرق، فإذا رأوا ذلك في السماء فأمنت الأرض كلّها من الغرق.
وأمّا المجرّة فهي أبواب السماء فتحها الله علي قوم ثمّ أغلقها فلم يفتحها بعد.
وأمّا الخنثي فإنّه يبول فإن خرج بوله من ذكره فنسبته نسبة الرجال، وإن خرج بوله من غير ذلك فنسبته نسبة النساء.
قال: فكتب معاوية إلي صاحب الروم بها، فحمل إليه الخراج.
قال: وقال صاحب الروم: ما خرج هذا إلّا من كنز النبوّة، هذا ممّا أنزل الله تعالي في الإنجيل علي عيسي ابن مريم -صلوات الله عليه- . (3)
ص:547
18608. أبوعبيد الهروي : في حديث معاوية: معضلة ولا أباحسن - رضي الله عنهما - . (1)
18609. البرّي : كان معاوية رحمه الله يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب عن ذلك، فلمّا بلغه قتله قال: ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب!
فقال له عتبة أخوه: لا يسمع هذا منك أهل الشام. قال: دعني عنك. (2)
18610. ابن الأثير : في حديث معاوية: كان النبيّ صلى الله عليه و سلم يغرّ عليّاً بالعلم. أي يلقمه إيّاه. يقال: غرّ الطائر فرخه، إذا زقّه. (3)
ص:548