موسوعه الامامه فی نصوص اهل السنه المجلد 14

اشارة

سرشناسه:مرعشی، شهاب الدین، 1276 - 1369.

عنوان و نام پديدآور:موسوعه الامامه فی نصوص اهل السنه/ شهاب الدین المرعشی النجفی؛ باهتمام محمود المرعشی النجفی، محمد اسفندیاری.

مشخصات نشر:قم: صحیفه خرد: مکتبه آیه الله العظمی المرعشی النجفی الکبری قدس سره، 13-

مشخصات ظاهری:20 ج.

شابک:دوره : 964-8635-17-X ؛ ج. 1 964-8635-18-8 : ؛ ج. 2، چاپ دوم : 964-8635-19-6 ؛ ج. 3، چاپ دوم : 964-8635-20-X ؛ ج. 4 964-8635-21-8 : ؛ ج.5 964-8635-22-6 : ؛ ج.6: 978-964-8635-71-3 ؛ ج.7: 978-964-8635-72-0 ؛ ج.8 978-964-8635-73-7 : ؛ ج.9 978-964-8635-74-4 : ؛ ج.10 978-964-8635-75-1 : ؛ ج.11: 978-964-8635-76-8 ؛ ج.12 978-964-8635-77-5 : ؛ ج.13: 978-964-8635-78-2 ؛ ج.14: 978-964-8635-79-9 ؛ ج.15: 978-964-8635-80-5 ؛ ج.16: 978-964-8635-81-2 ؛ ج. 17 978-964-8635-82-9 : ؛ ج.18: 978-964-8635-83-6 ؛ ج.19: 978-964-8635-84-3 ؛ ج.20: 978-964-8635-85-0 ؛ ج.26 978-600-161-175-9 : ؛ ج.27 978-600-161-176-6 : ؛ ج.28 978-600-161-177-3 : ؛ ج.29 978-600-161-178-0 : ؛ ج.30 978-600-161-179-7 :

يادداشت:عربی.

يادداشت:فهرستنوسی بر اساس جلد هفدهم، 1430ق.= 2009 م.= 1388.

يادداشت:ج. 1 تا 5 (چاپ اول: 1426 ق. = 2005 م. = 1384).

يادداشت:ج. 1 - 4 (چاپ دوم: 1427ق.= 2006م. = 1385).

يادداشت:ج.6 - 20 (چاپ اول: 1430 ق.= 2009 م.= 1388).

يادداشت:ج. 6- 10، 12- 20 (چاپ دوم: 1432 ق.= 2011 م.= 1390).

يادداشت:ج. 26 - 30 (چاپ اول: 1440 ق. = 2018 م. = 1397).

يادداشت:ناشر جلدهای 26 - 30 مکتبه آیةالله العظمی المرعشی النجفی است.

یادداشت:کتابنامه.

مندرجات:.- ج. 1 و 2. اهل البیت علیهم السلام فی القرآن.- ج. 3 ، 4 و 5 . اهل البیت علیهم السلام فی النصوص و الاثار.- ج.6 و 7. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام حیاته علیه السلام الشخصیة.- ج. 8. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام مع النبی صلی الله علیه و آله و سلم.-ج.9. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام مع النبی صلی الله علیه و آله سلم والخلفاء.ج.10، 11 و 12. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام امامته و ولایته و خلافته علیه السلام.- ج. 13و 14. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام اعماله و سیرته علیه السلام.- ج. 15. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام اعماله و سیرته علیه السلام.- ج. 16، 17، 18، 19 و 20. ترجمةالامام علی بن ابی طالب علیه السلام فضائله و مناقبه علیه السلام.- ج.29. ترجمه سید شباب اهل الجنة الحسن بن علی بم ابی طالب علیهماالسلام

موضوع:امامت -- احادیث اهل سنت

شناسه افزوده:مرعشی،سید محمود، 1320 -، گردآورنده

شناسه افزوده:اسفندیاری، محمد، 1343 - ، گردآورنده

شناسه افزوده:کتابخانه بزرگ حضرت آیت الله العظمی مرعشی نجفی

رده بندی کنگره:BP117/25 /الف8 م4 1300ی

رده بندی دیویی:297/211

شماره کتابشناسی ملی:1041251

ص :1

اشارة

سماحة آية الله العظمي السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي

موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة

باهتمام

السيّد محمود المرعشي النجفي

(المشرف علي الموسوعة)

و

محمّد اسفندياري

(مدير الموسوعة)

بالتعاون مع

محمّد مرادي المعاون العلمي

محمّدكاظم عبداللهي محقّق ومستشار

محمّدجواد محمودي محقّق ومنقّح

حسين تقي زاده محقّق ومنقّح

محمّدرضا جديدي نژاد محقّق

محمّد صحّتي سردرودي محقّق

مصطفي فضلي زاده محقّق

ص:2

سماحة آية الله العظمي السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي

موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة

المجلّد الرابع عشر

ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام

(أعماله وسيرته عليه السلام)

باهتمام

السيّد محمود المرعشي النجفي

و

محمّد اسفندياري

و عدة مع المحققين

ص:3

سماحة آية الله العظمي السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي

موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة

الطبعة الاُولي: إيران - قم، 1430 ق/ 1388 ه/ 2009 م صحيفة خرد بمساعدة مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي هاتف: 09128512201 و 7832198-0251، عدد المطبوع: 2000 نسخة تنضيد الحروف: محمّدرضا فضلي، الإخراج الفنّي: محمّد قاسم أحمدي، مقابلة النصّ : سيّد علي اكبر حسيني و وحيد روح الله پور الرقم الدولي للكتاب: 9-79-8635-964-978 الرقم الدولي للدورة: 1-17-8635-964-978

المرعشي النجفي، السيّد شهاب الدين، 1276-1369

موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة / المؤلّف السيّد شهاب الدين المرعشي النجفي؛ باهتمام السيّد محمود المرعشي النجفي و محمّد اسفندياري بالتعاون مع عدّة من المحقّقين. - قم: صحيفة خرد و مكتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي، 1388 -.

(دورة) 1-17-8635-964-978: ISBN

المصادر بالهامش.

1. الإمامة - أحاديث. 2. الأئمّة الاثنا عشر. 3. الأئمّة الاثنا عشر - الفضائل. 4. أحاديث أهل السنّة - القرن 14. ألف. المرعشي النجفي، السيّد محمود، 1320 -. ب. اسفندياري، محمّد، 1338 -. ج. العنوان.

4 1384 م 8 ألف/ 141/5 BP

ص:4

بسم اللّه الرحمّن الرّحيم

ص:5

ص:6

الفهرس

الباب الثالث: عمله عليه السلام الاجتماعى وسيرته فيه, وفيه فروع: - 13

الأوّل: حبّه عليه السلام الفقراء والمساكين وعنايته بهم - 13

الثانى: تكريمه عليه السلام الفقراء - 20

الثالث: تقدير نفسه عليه السلام بضعفة الناس - 23

الرابع: عنايته عليه السلام الخاصّة بالأيتام - 29

الخامس: رأفته عليه السلام بالرعيّة - 31

السادس: أنّه عليه السلام أعدل الناس فى الرعيّة وأقسمهم بالسويّة - 34

السابع: رفقه عليه السلام بالناس وعطفه عليهم - 37

الثامن: رقابته عليه السلام علي السوق - 39

التاسع: إعتاقه عليه السلام العبيد - 48

العاشر: وقفه عليه السلام الأموال فى سبيل الله، وما كتبه فى ذلك - 52

الحادى عشر: ولىّ صدقاته ووصيّته فيها له مضافاً علي ما تقدّم فى الفرع السابق - 70

الثانى عشر: كثرة صدقاته وإنفاقاته عليه السلام، واهتمامه بها - 73

الثالث عشر: إطعامه عليه السلام الناس من الفىء - 79

الرابع عشر: تأسيسه عليه السلام صندوق الشكايات والظلامات - 81

الخامس عشر: نهيه عليه السلام عن سدّ الطريق - 82

الباب الرابع: عمله عليه السلام الاقتصادى وسيرته فيه, وفيه فروع: - 83

ص:7

الأوّل: أنّه عليه السلام حفر آباراً وعيوناً، وأحدث ضياعاً ونخلات - 83

الثانى: جباية الخراج والصدقات، وسيرته عليه السلام فيها - 88

الثالث: أنّه عليه السلام لا يقسم الفىء إن لم ير فيه صلاحاً - 104

الرابع: أنّه عليه السلام كان لا يأخذ شيئاً من أموال محاربيه - 105

الخامس: أخذ الأموال العامّة والهدايا وجعلهما فى بيت المال - 107

السادس: تأمين الحاجات الضروريّة للجميع - 109

السابع: سيرته عليه السلام فى بيت المال, وهو علي أنحاء: - 110

1. أنّه عليه السلام أقسمهم بالسويّة - 110

2. التسوية بين العرب والأشراف وغيرهم - 110

3. عدم ترجيح نفسه عليه السلام وذويه علي غيرهم - 119

4. إعطاؤه عليه السلام سهم الصغاركسهم الكبار - 140

5. زهده عليه السلام فى بيت المال - 140

6. عدم تأخيره عليه السلام فى توزيع بيت المال - 149

7. كان عليه السلام يرزق العبيد - 152

8. إطعامه عليه السلام الناس من الفىء - 152

9. إعطاء السهم لتعلّم القرآن - 152

10. إعطاء سهم لأولاد الزنا واللقطاء - 153

11. إعطاء سهم الخوارج مالم يقاتلوا المسلمين - 154

12. تقسيم جميع ما فى بيت المال - 154

13. تقسيم رغيف واحد بسبعة أجزاء - 167

الباب الخامس: عمله عليه السلام السياسى وسيرته فيه, وفيه فروع: - 170

الأوّل: دهاؤه عليه السلام وحسن سياسته وتدبيره - 170

الثانى: صدقه عليه السلام فى السياسة - 188

الثالث: التزامه عليه السلام بالقانون وعدم مداهنته فيه - 188

الرابع: مشورته عليه السلام فى الاُمور - 190

ص:8

الخامس: إقامته عليه السلام العدل - 194

السادس: وفاؤه عليه السلام بمواثيقه - 207

السابع: مراقبته عليه السلام العمّال - 208

الثامن: مصادرته عليه السلام هدايا العمّال ونهى الناس عن إعطاء الهديّة إليهم - 209

التاسع: موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال - 212

1. موقفه مع الأشعث بن قيس - 212

2. موقفه مع زياد بن أبيه - 214

3. موقفه مع شريح بن الحارث القاضى - 215

4. موقفه مع عبدالله بن عبّاس - 218

5. موقفه مع عثمان بن حنيف - 228

6. موقفه مع قدامة بن عجلان - 229

7. موقفه مع مصقلة بن هبيرة - 229

8. موقفه مع المنذر بن الجارود - 236

9. موقفه مع أحد من عمّاله - 237

العاشر: تأسيسه عليه السلام صندوق الشكايات والظلامات - 239

الحادى عشر: رفضه عليه السلام لاتّخاذه المضلّين عضداً - 240

الثانى عشر: استرداد أموال بيت المال - 249

الثالث عشر: عدم عقوبته عليه السلام علي الظنّة والتهمة وقبل الجناية - 249

الرابع عشر: أنّه عليه السلام لا يطلب النصر بالجور - 256

الخامس عشر: أنّه عليه السلام لا يذهب مذهب الملوك فى مصانعة الرؤساء واُمراء القبائل وشراء الضمائر بالمال - 257

السادس عشر: مجانبته عليه السلام عن الفرقة - 259

السابع عشر: رفقه ومداراته عليه السلام مع مخالفيه, وهو علي أنحاء: - 264

1. رفقه عليه السلام مع مقاتليه فى حرب الجمل - 264

2. رفقه عليه السلام مع مقاتليه فى صفّين - 272

ص:9

3. رفقه عليه السلام مع الخوارج - 278

4. رفقه عليه السلام مع قاتله - 291

5. رفقه عليه السلام فى موارد اخري غير ما تقدّم - 296

الثامن عشر: شدّته عليه السلام فى دين الله وصراحة لهجته تجاه التخلّفات والمتخلّفين - 298

1. الأشعث بن قيس - 298

2. أهل الكوفة - 299

3. أهل المدينة من لحق منهم بمعاوية - 319

4. أهل اليمن - 319

5. جرير بن عبدالله البجلى - 321

6. الخرّيت بن راشد - 321

7. الزبير بن العوّام - 322

8. زياد بن أبيه - 327

9. سعيد بن نِمْران - 327

10. أبوسفيان - 327

11. شريح بن الحارث القاضى - 329

12. ضبيعة بن زهير - 329

13. طارق بن عبدالله النهدى - 329

14. طلحة بن عبيدالله - 330

15. عبدالله بن عبّاس - 330

16. عبيدالله بن عبّاس - 330

17. عثمان بن حنيف - 332

18. قدامة بن عجلان - 332

19. كميل بن زياد النخعى - 332

20. أبومسعود الأنصارى - 334

21. المسيّب بن نجبة الفزارى - 335

ص:10

22. مصقلة بن هبيرة - 336

23. معاوية بن أبيسفيان - 336

24. المغيرة بن الأخنس - 364

25. المنذر بن الجارود - 366

26. أبوموسي الأشعرى - 366

27. يزيد بن حُجَيَّة التيمى - 368

خاتمة: ذكر أقوال من طعن فى سياسته عليه السلام والردّ عليها - 372

الباب السادس: سياسته عليه السلام الحربيّة, وفيه فروع: - 397

الأوّل: الاهتمام بالتدريب العسكرى - 397

الثانى: عدم إكراهه عليه السلام الناس علي الحرب - 400

الثالث: التحريض علي القتال والتحذير من الفرار - 403

الرابع: اتّخاذ الشعار - 406

الخامس: الخدعة فى الحرب - 408

السادس: جهوده عليه السلام لإثبات حقّانيّته وانصراف مقاتليه عن القتال وإقامة الحجّة عليهم, وهو علي أنحاء: - 415

1. ما يرتبط بحرب الجمل - 415

2. ما يرتبط بحرب الصفّين - 447

3. ما يرتبط بحرب النهروان - 451

4. ما يرتبط بغير الحروب الثلاثة - 468

5. رفعه عليه السلام راية الأمان - 468

السابع: النهى عن الابتداء بالقتال - 471

الثامن: الدعاء عند القتال - 473

التاسع: حسن المعاملة مع العدوّ وبقاياه - 475

الباب السابع: سياسته عليه السلام الأمنيّة - 499

الأوّل: الاستخبار وبثّ العيون - 499

ص:11

الثانى: بناؤه للسجن، وأنّه أوّل من بناه فى الإسلام - 502

الثالث: إجلاء المتآمرين والمفسدين أو حبسهم - 505

الرابع: تأسيس شرطة الخميس - 506

الخامس: امتناعه عليه السلام من حراسته الحرّاس - 507

ص:12

تتمة ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

بقية الفصل الخامس: أعماله وسيرته عليه السلام وفيه أبواب:

الباب الثالث: عمله عليه السلام الاجتماعي وسيرته فيه وفيه فروع:

الأوّل: حبّه عليه السلام الفقراء والمساكين وعنايته بهم
اشارة

برواية:

1. أبي أيّوب الأنصاري - 4. عدىّ بن حاتم

2. ضرار بن ضمرة - 5. عمّار بن ياسر

3. عبدالرحمان بن زيد الفائشي - 6. ما ورد مرسلاً

1. أبوأيّوب الأنصاري

15074. ابن المغازلي: أخبرنا أبونصر أحمد بن موسي بن عبدالوهّاب الطحّان - إجازة -، عن القاضي أبي الفرج أحمد بن علي، حدّثنا إبراهيم بن أحمد، حدّثنا محمّد بن الفضل، حدّثنا إسحاق بن بشر، حدّثنا مهاجر بن كثير الأسدي أبوعامر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيّوب الأنصاري - واسمه خالد بن زيد -، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لعلي:

إنّ الله جعلك تحبّ المساكين، وترضي بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً، فطوبي لمن تبعك وصدّق فيك، وويل لمن أبغضك وكذّب فيك.(1)

ص:13


1- (1) مناقب أهل البيت ص 192-193(162).
2. ضرار بن ضمرة

15075. العبّاس بن بكّار: حدّثنا عبدالواحد بن أبي عمرو الأسدي، عن محمّد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح، قال:

دخل ضرار بن ضمرة الكناني علي معاوية، فقال له: صف لي عليّاً. فقال: أو تعفيني يا أميرالمؤمنين ؟ قال: لا اعفيك. قال: أمّا إذ لابدّ فإنّه كان والله بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين....(1)

15076. العبّاس بن بكّار: حدّثنا عبدالواحد بن أبي عمرو الأسيدي، عن الكلبي، عن أبي صالح، قال:

قال معاوية بن أبي سفيان لضرار بن ضمرة: صف لي عليّاً. فقال: أو تعفيني. قال: بل تصفه. فقال: أو تعفيني. قال: لا اعفيك. فقال: أمّا أن لابدّ فإنّه كان بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين....(2)

15077. الملّا: عن أبي ضمرة، قال:

دخل ضرار بن ضمرة الكناني علي معاوية، قال صف لي عليّاً. فقال: أو تعفيني يا أميرالمؤمنين. قال: لا اعفيك. قال: فإذا لابدّ كان والله بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين....(3)

15078. ابن أبي الدنيا: حدّثني محمّد بن أبي يحيي أنّ شيخاً من ضبّة يكنّي أباالوليد حدّثهم، قال: حدّثني عبدالواحد بن أبي عمرو الأسدي:

ص:14


1- (1) عنه أبونعيم بإسناده إليه في حلية الأولياء 84/1-85، ترجمة علي بن أبي طالب (4)، وصفه في مجلس معاوية، من طريق الطبراني ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 401/24، ترجمة ضرار بن ضمرة (2933).
2- (2) عنه ابن الجوزي بإسناده إليه في التبصرة 444/1-445، المجلس الحادي والثلاثون، في فضل علي بن أبي طالب, وصفة الصفوة 166/1، ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب، ذكر زهده، وعنه سبطه في تذكرة الخواصّ 481/1-483، الباب الرابع، في ذكر ورعه وزهادته عليه السلام.
3- (3) الوسيلة 6 / القسم 243/2-244.

أنّ معاوية قال لرجل من كنانة(1): صف لي عليّاً. قال: اعفني. قال: لا اعفيك. قال أمّا إذ لابدّ فإنّه كان والله بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، ويحبّ المساكين....(2)

15079. المدائني: عن محمّد بن غسّان الكندي، قال:

دخل ضرار بن ضمرة النهشلي علي معاوية، فقال له معاوية: صف لي عليّاً يا ضرار. قال: أو تعفيني من ذلك يا أميرالمؤمنين. قال: أقسمت عليك لتفعلنّ . قال: أمّا إذا أتيت فنعم، كان والله بعيد المدي... يقدّم أهل الدين، ويفضّل المساكين....(3)

15080. ابن دريد: أخبرنا العكلي، عن الحرمازي، عن رجل من همدان، قال:

قال معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار، صف لي عليّاً. قال: اعفني يا أميرالمؤمنين. قال: لتصفنّه. قال: أمّا إذ لابدّ من وصفه فكان والله بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين....(4)

15081. الدولابي: روي أنّ معاوية قال لضرار الصدي: صف لي عليّاً. فقال: اعفني يا أميرالمؤمنين. قال: لتصفنّه لي. قال: إذ كان لابدّ من وصفه، كان والله بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، ويقرّب المساكين....(5)

3. عبدالرحمان بن زيد الفائشي

15082. ابن زنجويه: أخبرنا أبونعيم، أخبرنا زهير [بن معاوية]، عن أبي إسحاق،

ص:15


1- (1) هو ضرار بن ضمرة كما في سائر الروايات، فإنّ ضراراً من كنانة.
2- (2) مقتل أميرالمؤمنين ص 99-101(93).
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 402/24، ترجمة ضرار بن ضمرة الكتّاني (2933)، من طريق ابن شبّة.
4- (4) عنه القالي في أماليه 143/2-144، وابن عبدالبرّ في الاستيعاب 1107/3-1108، ترجمة علي بن أبي طالب (1855). وأورده أيضاً ابن عبدالبرّ مرسلاً في بهجة المجالس 499/1-500، باب عيون من المدح، والبرّي في الجوهرة ص 75، فضائل علي رضى الله عنه.
5- (5) عنه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 100، باب فضائل علي عليه السلام، ذكر زهده رضى الله عنه.

عن عبدالرحمان بن زيد الفائشي، قال:

أتيت عليّاً وهو يقسم، فقلت له: إنّي أراك تنفح الناس فأعطني. قال: وعلىّ قطعة برود وثياب حسنة. قال: وكان رجلاً كثير الشعر. قال: فصعّد فىّ البصر وصوّبه ثمّ قال: ليس لك فيه خير.

ثمّ قال: أ لست غنيّاً؟ فقلت: بلي والله، إنّي لسيّد قومي وعريفهم، وإنّي لكثير المال.

قال: فدعه لمن هو أحوج إليه منك.(1)

4. عدىّ بن حاتم

15083. إبراهيم البيهقي: روي أنّ عدىّ بن حاتم دخل علي معاوية بن أبي سفيان فقال: يا عدىّ ، أين الطرفات ؟ - يعني بنيه: طريفاً وطارفاً وطرفة -، قال: قتلوا يوم صفّين بين يدي علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

فقال: ما أنصفك ابن أبي طالب إذ قدّم بنيك وأخّر بنيه! قال: بل ما أنصفت أنا عليّاً إذ قتل وبقيت!

قال: صف لي عليّاً. فقال: إن رأيت أن تعفيني. قال: لا اعفيك. قال: كان والله بعيد المدي... يعظّم أهل الدين، يتحبّب إلي المساكين....(2)

5. عمّار بن ياسر

15084. مطيّن: حدّثنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عمرو بن زريع الطيالسي، قال: حدّثنا علي بن حزوّر، عن الأصبغ بن نباتة وأبي مريم أنّهما سمعا عمّار بن ياسر بصفّين يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول لعلي:

إنّ الله زيّنك بزينة لم يتزيّن العباد بزينة هي أحبّ إلي الله منها، وهي زينة الأبرار

ص:16


1- (1) الأموال 1123/3(2084).
2- (2) المحاسن والمساوئ ص 69، محاسن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه -.

عند الله، جعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، وجعلها لا تنال منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين.(1)

15085. الطبراني: حدّثنا أحمد [بن زهير], قال: حدّثنا عثمان بن هشام بن الفضل بن دلهم البصري، قال: حدّثنا محمّد بن كثير الكوفي، قال: حدّثنا علي بن الحزوّر، عن أصبغ بن نباتة، عن عمّار بن ياسر، قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي: إنّ الله - تبارك وتعالي - زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بزينة مثلها، إنّ الله تعالي حبّب إليك المساكين والدنوّ منهم، وجعلك لهم إماماً ترضي بهم، وجعلهم لك أتباعاً يرضون بك....(2)

15086. خيثمة: حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن حزازة النهمي، حدّثنا مخول بن إبراهيم، حدّثنا علي بن الحزوّر، عن الأصبغ بن نباتة وأبي مريم الخولاني، قالا: سمعنا عمّار بن ياسر وهو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:

يا علي، إنّ الله زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بشيء أحبّ إلي الله منها، وهي زينة الأبرار عند الله، الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضي بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً....(3)

15087. الطبري: حدّثنا عبدالأعلي بن واصل، حدّثنا مخول بن إبراهيم، حدّثنا علي بن حزوّر، عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

يا علي، إنّ الله تعالي قد زيّنك بزينة لم تزيّن العباد بزينة أحبّ إلي الله تعالي منها، هي زينة الأبرار عند الله - عزّ وجلّ -، الزهد في الدنيا، فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئاً، ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضي بهم أتباعاً،

ص:17


1- (1) عنه الحسكاني بإسناده إليه في شواهد التنزيل 600/1-601(552).
2- (2) المعجم الأوسط 89/3-90(2178).
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 282/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

ويرضون بك إماماً.(1)

15088. الحسكاني:... عن عمرو بن زريع، عن علي بن الحزوّر، عن أبي مريم....(2)

تقدّمت روايته مع رواية الأصبغ بن نباتة.

15089. الحسكاني: حدّثنا أبومحمّد الأصبهاني - إملاء -، قال: أخبرنا أبوعبدالله جعفر بن محمّد بن الحسين الخزّاز، قال: حدّثنا الحسين بن إبراهيم الحميري، قال: حدّثنا القاسم بن خليفة، قال: حدّثنا حمّاد بن سوار، عن عيسي بن عبدالرحمان، عن علي بن الحزوّر، عن أبي مريم، عن عمّار بن ياسر، قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول لعلي: يا علي، إنّ الله زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بأحسن منها: بغّض إليك الدنيا وزهّدك فيها، وحبّب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعاً، ورضوا بك إماماً، الحديث.(3)

15090. الخوارزمي: أخبرنا الإمام عين الأئمّة أبوالحسن علي بن أحمد الكرباسي الخوارزمي رحمه الله، حدّثنا القاضي الإمام الأجلّ شمس القضاة جمال الدين أحمد بن عبدالرحمان بن إسحاق، حدّثنا الشيخ الفقيه أبوسهل محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، أخبرنا القاضي الإمام أبومحمّد عبدالله بن محمّد بن الحسين الجعفي النهرواني، حدّثنا أبومحمّد الحسن بن إبراهيم بن خالد بن يعقوب الحميري، حدّثنا القاسم بن خليفة بن سوّار، حدّثنا حمّاد بن سوّار، عن عيسي بن عبدالرحمان، عن علي بن حزوّر، عن

ص:18


1- (1) عنه أبونعيم بإسناده إليه في حلية الأولياء 71/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4)، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 166/9-167، شرح الخطبة 154، والمتّقي في كنز العمّال 262/11(33053)، وأبوالخير في الأربعين ص 104 (6), كلّهم عن أبي نعيم. ورواه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 100، باب فضائل علي، ذكر زهده رضى الله عنه، والرياض النضرة 304/2، الباب الرابع، الفصل التاسع، ذكر زهده عليه السلام، عن أبي الخير.
2- (2) شواهد التنزيل 600/1-601(552).
3- (3) شواهد التنزيل 537/1-539(486).

أبي مريم، قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:

يا علي، إنّ الله تعالي زيّنك زينة لم يزيّن العباد بزينة هي أحبّ إليه منها، زهّدك فيها وبغّضها إليك، وحبّب إليك الفقراء، فرضيت بهم أتباعاً، ورضوا بك إماماً....(1)

15091. خيثمة: حدّثنا إبراهيم بن سليمان بن حزازة النهمي، حدّثنا مخول بن إبراهيم، حدّثنا علي بن الحزوّر....(2)

تقدّمت روايته مع رواية الأصبغ بن نباتة.

15092. ابن عساكر: أخبرنا أبوغالب بن البنّاء، أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن حسنون النرسي، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس - إملاء -، حدّثنا أحمد بن علي الرقّي، حدّثنا القاسم بن علي بن أبان الرقّي، حدّثنا سهل بن صقر، حدّثنا يحيي بن هاشم الغسّاني، عن علي بن حزوّر، قال: سمعت أبامريم السلولي يقول: سمعت عمّار بن ياسر يقول:

سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي، إنّ الله قد زيّنك بزينة لم يتزيّن العباد بزينة أحبّ إلي الله منها، الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال من الدنيا شيئاً، ولا تنال الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حبّ المساكين فرضوا بك إماماً، ورضيت بهم أتباعاً....(3)

15093. ابن الأثير: أخبرنا أبوياسر عبدالوهّاب بن هبة الله، أنبأنا أبوغالب بن البنّاء... مثله.(4)

6. ما ورد مرسلاً

15094. ابن أبي الحديد: قال رسول الله صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام:

ص:19


1- (1) المناقب ص 116 (126).
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 282/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) تاريخ مدينة دمشق 281/42-282، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
4- (4) اسد الغابة 23/4، ترجمة علي بن أبي طالب رضى الله عنه، زهده وعدله. ونحوه في نظم درر السمطين ص 102-103، ذكر محبّة الله ورسوله لعلي ومحبّته لهما.

إنّ الله زيّنك بزينة لم يزيّن العباد بأحسن منها، وهب لك حبّ المساكين، فجعلك ترضي بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً.(1)

الثاني: تكريمه عليه السلام الفقراء
اشارة

برواية:

1. أحمد بن أبي المقدام - 4. محمّد ابن الحنفيّة

2. الأصبغ بن نباتة - 5. ما ورد مرسلاً

3. عبدالله بن عبّاس -

1. أحمد بن أبي المقدام

15095. الأنباري: حدّثنا أبوبكر محمّد بن أبي يعقوب الدينوري، قال: حدّثنا أحمد بن المقدام(2) العجلي، قال:

يروي أنّ رجلاً جاء إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا أميرالمؤمنين، إنّ لي إليك حاجة. فقال: اكتبها في الأرض فإنّي أري الضرّ فيك بيّناً.

فكتب في الأرض: أنا فقير محتاج. فقال علي عليه السلام: يا قنبر، اكسه حلّتين.

فأنشأ الرجل يقول:

كسوتني حلّة تبلي محاسنها فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة ولست تبغي بما قد نلته بدلا

إنّ الثناء ليحيي ذكر صاحبه كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لاتزهد الدهر في عرف بدأت به فكلّ عبد سيجزي بالّذي فعلا

فقال عليه السلام: اعطوه مئة دينار.

ص:20


1- (1) شرح نهج البلاغة 232/11، شرح الخطبة 217.
2- (2) هذا هو الظاهر الموافق لترجمة الرجل، وفي الأصل: «أحمد بن أبي المقدام».

فقيل له: يا أميرالمؤمنين، لقد أغنيته! فقال: إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: أنزل الناس منازلهم.

ثمّ قال علي عليه السلام: إنّي لأعجب من أقوام يشترون المماليك بأموالهم ولا يشترون الأحرار بمعروفهم.(1)

2. الأصبغ بن نباتة

15096. ابن عساكر: أخبرنا أبوعبدالله الحسين بن عبدالملك، حدّثنا سعيد بن أحمد بن محمّد، أخبرنا أبوحامد بندار بن محمّد بن أحمد الأستراباذي - بها -، حدّثنا أبوالعبّاس أحمد بن محمّد بن عمران الخفاقي، حدّثنا علي بن محمّد بن حاتم القومسي، حدّثنا أبوزكريّا الرملي، حدّثنا يزيد بن هارون، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب، قال:

جاءه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لي إليك حاجة، فرفعتها إلي الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك.

فقال علي: اكتب [حاجتك] علي الأرض، فإنّي أكره أن أري ذلّ السؤال في وجهك. فكتب: إنّي محتاج.

فقال علي: علىّ بحلّة. فاُتي بها، فأخذها الرجل فلبسها ثمّ أنشأ يقول:

كسوتني حلّة تبلي محاسنها فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة ولست تبغي بما قد قلته بدلا

إنّ الثناء ليحيي ذكر صاحبه كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لاتزهد الدهر في زهو تواقعه فكلّ عبد سيجزي بالّذي عملا

فقال علي: علىّ بالدنانير. فاُتي بمئة دينار فدفعها إليه.

ص:21


1- (1) عنه الشيخ الصدوق بإسناده إليه في الأمالي ص 242-243، المجلس السادس والأربعون, من طريق ابن الأنباري.

فقال الأصبغ: فقلت: يا أميرالمؤمنين، حلّة ومئة دينار؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: أنزلوا الناس منازلهم. وهذه منزلة هذا الرجل عندي.(1)

15097. المديني: عن أصبغ بن نباتة... مثله، إلّا أنّ في روايته: «لا تزهد الدهر في خير توافقه».(2)

3. عبدالله بن عبّاس

15098. الطبراني والمقدسي: عن ابن عبّاس: وكان علي - كرّم الله وجهه - يقول:

من له حاجة فليرفعها في كتاب؛ لأصون وجوهكم عن المسألة.(3)

4. محمّد ابن الحنفيّة

15099. الزمخشري: [قال] محمّد ابن الحنفيّة:

كان أبي يدعو قنبراً بالليل فيحمله دقيقاً وتمراً، فيمضي إلي أبيات قد عرفها ولا يطّلع عليه أحداً، فقلت له: يا أبت، ما يمنعك أن يدفع إليهم نهاراً؟ قال: يا بنىّ ، صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ .(4)

5. ما ورد مرسلاً

15100. ابن عبد ربّه والنويري: قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه لأصحابه:

من كانت له إلىّ منكم حاجة فليرفعها في كتاب؛ لأصون وجوهكم عن المسألة.(5)

ص:22


1- (1) تاريخ مدينة دمشق 522/42-523، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وعنه ابن كثير في البداية والنهاية 9/8، حوادث سنة أربعين، فصل في ذكر شيء من سيرته, والباعوني في جواهر المطالب 129/2، الباب الرابع والستّون، في جوده وكرمه.
2- (2) استدعاء اللباس من كبار الناس، كما عنه المتّقي في كنز العمّال 630/6-631(17146).
3- (3) عنهما المناوي في فيض القدير 430/5(7505)، ونحوه في المستطرف للأبشيهي 355/1، الباب الثالث والثلاثون، في الجود والسخاء.
4- (4) ربيع الأبرار 148/2-149، باب الدين وما يتعلّق به.
5- (5) العقد الفريد 199/1، كتاب الزبرجدة، في الأجواد والأصفاد، العطيّة قبل السؤال؛ نهاية الأرب 219/3،

15101. الصفوري: جاء سائل إلي علي رضى الله عنه فنظر إليه وقد تغيّر وجهه من الحياء، فقال علي رضى الله عنه: اكتب حاجتك علي الأرض حتّي لا أري ذلّ المسألة في وجهك. فكتب:

لم يبق لي شيء يباع بدرهم تغنيك حالة منظري عن مخبري

إلّا بقيّة ماء وجه صنته أن لا يباع ونعم أنت المشتري

فأمر له علي رضى الله عنه بجمل محمل ذهباً وفضّة، ثمّ قال علي رضى الله عنه:

عاجلتنا فأتاك عاجل برّنا فلّا(1) ولو أمهلتنا لم تقتر

فخذ القليل وكن كأنّك لم تبع ما صنته وكأنّنا لم نشتر(2)

الثالث: تقدير نفسه عليه السلام بضعفة الناس
اشارة

برواية:

1. الأحنف بن قيس - 2. المراسيل والأقوال

1. الأحنف بن قيس

15102. وكيع: عن الأحنف بن قيس، قال:

دخلت علي معاوية فقدّم إلىّ من الحلو والحامض ما كثر تعجّبي منه، ثمّ قال: قدّموا ذاك اللون. فقدّموا لوناً ما أدري ما هو، فقلت له: ما هذا؟ فقال: مصارين البطّ ، محشوّة بالمخّ ودهن الفستق، قد ذرّ عليه السكّر.

قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك ؟ فقلت: لله درّ ابن أبي طالب، لقد جاد من نفسه بما لم تسمح به أنت ولا غيرك.

فقال: وكيف ذلك ؟ قلت: دخلت عليه ليلة عند إفطاره، فقال لي: قم فتعشّ مع

ص:23


1- (1) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب: «قلّا». والفلّ : ما ندر عن الشيء كبرادة الحديد وشرار النار.
2- (2) نزهة المجالس 252/1-253، فصل في إكرام الجار، وقد نسب هذا لابنه الحسين عليه السلام في بعض المصادر.

الحسن والحسين. ثمّ قام إلي الصلاة فصلّي ما شاء الله، فلمّا فرغ دعا بجراب مختوم بخاتمه، فأخرج منه شعيراً مطحوناً ثمّ ختمه، فقلت له: يا أميرالمؤمنين، لم أعهدك بخيلاً فكيف ختمت علي هذا الشعير؟ فقال: لم أختمه بخلاً، ولكن خفت أن يبسّه الحسن والحسين بسمن أو إهالة.

فقلت: أ حرام هو؟ قال: لا، ولكن علي أئمّة الحقّ أن يتأسّوا بأضعف رعيّتهم حالاً في الأكل واللباس، ولا يتميّزوا عليهم بشيء لا يقدرون عليه؛ ليراهم الفقير فيرضي عن الله تعالي بما هو فيه، ويراهم الغنىّ فيزداد شكراً وتواضعاً.(1)

15103. سبط ابن الجوزي: قال الأحنف بن قيس:

جاء الربيع بن زياد الحارثي إلي علي عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين، أعد(2) لي علي أخي عاصم بن زياد. فقال: ما باله ؟ فقال: لبس العباء وتنسّك وهجر أهله. فقال: علىّ به.

فجاء وقد ائتزر بعباءة وارتدي باُخري، أشعث أغبر، فقال له: ويحك يا عاصم! أما استحييت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أ لم تسمع إلي قوله تعالي: (وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ )3 ؟ أ تري الله أباحها لك ولأمثالك وهو يكره أن تنال منها؟ أما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: إنّ لنفسك عليك حقّاً؟(3) الحديث.

فقال عاصم: فما بالك يا أميرالمؤمنين في خشونة ملبسك وجشوبة(4) مطعمك، وإنّما تزيّنت بزيّك ؟ فقال: ويحك! إنّ الله فرض علي أئمّة العدل أن يتّصفوا بأوصاف رعيّتهم - أو بأفقر رعيّتهم - لئلّا يزدري الفقير بفقره، وليحمد الله الغنىّ علي غناه.(5)

ص:24


1- (1) عنه سبط ابن الجوزي بإسناده إليه في تذكرة الخواصّ 455/1-457، الباب الرابع، في ذكر ورعه وزهادته عليه السلام.
2- (2) أعدي فلاناً علي فلان: نصره وأعانه وقوّاه. استعدي الرجل: استعان به واستنصره.
3- (4) لكلام رسول الله صلى الله عليه و آله مصادر، منها: سنن أبي داوود 66/2(1369).
4- (5) الجشوبة بضمّ الجيم: الطعام الغليظ ، وقيل: الطعام بلا أدم.
5- (6) تذكرة الخواصّ 457/1-458، الباب الرابع، في ذكر ورعه وزهادته عليه السلام.
2. المراسيل والأقوال

15104. أبوعبيدة: مضي علي بن أبي طالب إلي الربيع بن زياد يعوده، فقال له: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك عاصماً أخي. قال: ما شأنه ؟ قال: ترك الملاذ ولبس العباءة فغمّ أهله، وأحزن ولده. فقال: علىّ عاصماً.

فلمّا حضر بشّ في وجهه وقال: أ تري الله أحلّ لك الدنيا وهو يكره أخذك منها؟ أنت والله أهون علي الله من ذلك، فوالله لابتذالك نعم الله بالفعال أحبّ إليه من ابتذالك بالمقال.

فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي أراك تؤثر لبس الخشن وأكل الشعير! فتنفّس الصعداء، ثمّ قال: ويحك يا عاصم! إنّ الله افترض علي أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بالعوام لئلّا يتبيّغ بالفقير فقره.(1)

15105. العتبي: أصابت الربيع بن زياد نشّابة في جبينه، فكانت تنتقض عليه كلّ عام، فأتاه علي بن أبي طالب عائداً، فقال: كيف تجدك يا أباعبدالرحمان ؟ قال: أجدني لو كان لا يذهب ما بي إلّا بذهاب بصري لتمنّيت ذهابه.

قال: وما قيمة بصرك عندك ؟ قال: لو كانت لي الدنيا فديته بها.

قال: لا جرم يعطيك الله علي قدر الدنيا لو كانت لك لأنفقتها في سبيل الله، إنّ الله يعطي علي قدر الألم والمصيبة، وعنده بعد تضعيف كثير.

وقال له الربيع: يا أميرالمؤمنين، إنّي لأشكو إليك عاصم بن زياد. قال: وما له ؟ قال: لبس العباء، وترك الملاء، وغمّ أهله، وأحزن ولده. قال: علىّ عاصماً.

فلمّا أتاه عبس في وجهه، وقال: ويلك يا عاصم! أ تري الله أباح لك اللذّات وهو يكره منك أخذك منها؟ أنت أهون علي الله من ذلك، أو ما سمعته يقول: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ

ص:25


1- (1) عنه ابن الجوزي بإسناده إليه في تلبيس إبليس ص 200-201، ذكر تلبيس إبليس علي الصوفيّة في لباسهم، فصل في اللباس الّذي يزري بصاحبه، وزاد: قال أبوبكر الأنباري: المعني لئلّا يزيد ويغلو، يقال: تبيّغ به الدم: إذا زاد وجاوز الحدّ.

يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ )1 حتّي قال: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ )2 ؟ وتالله لابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إلىّ من ابتذالها بالمقال، وقد سمعته يقول: (وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )3 ، وقوله: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ )4 .

قال عاصم: فعلام اقتصرت أنت يا أميرالمؤمنين علي لبس الخشن وأكل الحشف(1) ؟

قال: إنّ الله افترض علي أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بالعوام؛ لئلّا يشنع بالفقير فقره.

قال: فما خرج حتّي لبس الملاء وترك العباء.(2)

15106. ابن الخشّاب: إنّ الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشّابة في جبينه، فكانت تنتقض عليه في كلّ عام، فأتاه علي عليه السلام عائداً، فقال: كيف تجدك أباعبدالرحمان ؟ قال: أجدني يا أميرالمؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلّا بذهاب بصري لتمنّيت ذهابه.

قال: وما قيمة بصرك عندك ؟ قال: لو كانت لي الدنيا لفديته بها.

قال: لا جرم ليعطينّك الله علي قدر ذلك، إنّ الله تعالي يعطي علي قدر الألم والمصيبة، وعنده تضعيف كثير.

قال الربيع: يا أميرالمؤمنين، إلّا أشكو إليك عاصم بن زياد أخي ؟ قال: ما له ؟ قال: لبس العباء، وترك الملاء، وغمّ أهله، وحزن ولده.

فقال علي: ادعوا لي عاصماً. فلمّا أتاه عبس في وجهه، وقال: ويحك يا عاصم! أتري الله أباح لك اللذّات وهو يكره ما أخذت منها؟ لأنت أهون علي الله من ذلك، أو ما سمعته

ص:26


1- (5) الحشف: الخبز اليابس، أو أردأ التمر.
2- (6) عنه ابن عبد ربّه في العقد الفريد 213/2-214، كتاب الياقوتة، في العلم والأدب، باب في الغلوّ في الدين.

يقول: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ )1 ، ثمّ يقول: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ )2 ؟ وقال: (وَ مِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَ تَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها)3 ، أما والله إنّ ابتذال نعم الله بالفعال أحبّ إليه من ابتذالها بالمقال، وقد سمعتم الله يقول: (وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ )4 ، وقوله: (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ )5 ، إنّ الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ اشْكُرُوا لِلّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ )6 ، وقال: (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً)7 ، وقال رسول الله صلى الله عليه و آله لبعض نسائه: ما لي أراك شعثاء ومرهاء سلتاء؟

قال عاصم: فَلِمَ اقتصرت يا أميرالمؤمنين علي لبس الخشن وأكل الجشب ؟

قال: إنّ الله تعالي افترض علي أئمّة العدل أن يقدّروا لأنفسهم بالعوام؛ كيلا يتبيّغ بالفقير فقره.

فما قام علي عليه السلام حتّي نزع عاصم العباء، ولبس ملاءة.(1)

15107. الزمخشري: قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي رضى الله عنه: أعدني علي أخي عاصم. قال: ما باله ؟ قال: لبس العباءة يريد النسك.

قال: علىّ به، فأتوا به مؤتزراً بعباءة مرتدياً باُخري، شعث الرأس واللحية، فعبس في وجهه وقال: ويحك! أما استحيت من أهلك ؟ أما رحمت ولدك ؟ أتري أنّ الله أباح لك الطيّبات

ص:27


1- (8) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 35/11-36، شرح الخطبة 202.

وهو يكره أن تنال منها شيئاً؟ بل أنت أهون علي الله، أما سمعت الله يقول في كتابه: (وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ )1 إلي قوله: (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ )2 ؟ أفتري الله أباح هذا لعباده إلّا ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وأنّ ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالمقال.

قال عاصم: فما بالك في خشونة مأكلك وخشونة ملبسك، فإنّما تزيّنت بزينتك ؟ قال: ويحك! إنّ الله فرض علي أئمّة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس.(1)

15108. الزمخشري: قال العلاء بن زياد لعلي عليه السلام: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصماً، لبس العباءة وتخلّي عن الدنيا. قال: علىّ به.

فقال له: يا عدىّ نفسه، لقد استهام بك الخبيث، أما رحمت أهلك وولدك ؟ أ تري الله أحلّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون علي الله من ذلك.

قال: يا أميرالمؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك! قال: ويحك! أنّي لست كأنت، إنّ الله فرض علي أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس كي لا يبيغ بالفقير فقره.(2)

15109. أبوطالب المكّي: وقال علي - كرّم الله وجهه -:

إنّ الله تعالي أخذ علي أئمّة الهدي أن يكونوا في مثل أدني أحوال الناس ليقتدي بهم الغني، ولا يزري بالفقير فقره.(3)

15110. الإسكافي: ذكروا أنّه [عليه السلام] لمّا قدم البصرة دخل علي العلاء بن زياد الحارثي يعوده، فلمّا رأي سعة داره قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا [و] أنت إليها في الآخرة أحوج ؟ وبلي إن شئت بلغت بها الآخرة، تقري فيها الضيف، وتصل فيها

ص:28


1- (3) ربيع الأبرار 85/4-86، باب اللهو واللعب واللذّات.
2- (4) ربيع الأبرار 380/4، باب اليأس والقناعة، والرضا بما رزق الله.
3- (5) قوت القلوب 521/1، ذكر وصف الزاهد وفضل الزهد.

الرحم، وتؤدّي فيها الحقوق، فإذاً أنت قد بلغت بها الآخرة.

قال [العلاء]: يا أميرالمؤمنين، أشكو إليك أخي عاصم بن زياد.

قال: وما له ؟ قال: لبس العباء وتخلّي عن الدنيا.

قال: علىّ به. فاُتي به، فقال [له]: يا عدوّ نفسه، أما رحمت أهلك وولدك ؟ أ تري الله أحلّ لك الطيّبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون علي الله من ذلك.

قال: يا أميرالمؤمنين، هذا أنت في خشونة ملبسك، وجشوبة مأكلك ؟

قال: ويحك! إنّي لست كأنت، إنّ الله فرض علي أئمّة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس؛ كيلا يتبيّغ بالفقير فقره.(1)

15111. ابن أبي الحديد: جاء في الخبر أنّ يوسف عليه السلام كان يجوع في سنىّ الجدب، فقيل له: أ تجوع وأنت علي خزائن مصر؟! فقال: أخاف أن أشبع فأنسي الجياع.

وكذلك قال علي عليه السلام، وقد قيل له: أ هذا لباسك، وهذا مأكولك، وأنت أميرالمؤمنين ؟! فقال: نعم، إنّ الله فرض علي أئمّة العدل أن يقدّروا لأنفسهم كضعفة الناس، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره.(2)

الرابع: عنايته عليه السلام الخاصّة بالأيتام
اشارة

برواية:

1. الحكم الطائي - 3. ما ورد مرسلاً

2. أبي الطفيل -

ص:29


1- (1) المعيار والموازنة ص 243، عيادة الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام بالبصرة العلاء بن زياد، ثمّ قال: فتفهّموا عباد الله وتدبّروا ما ذكرنا [ه] من امور الطاهر الزكىّ ، العدل الرضىّ ، سيّد المؤمنين، وراحم المساكين، وقوّة المستضعفين، وشريك الفقراء، وأمين الضعفاء، وجابر الكسير، ومغني اليتيم، والمساوي بعدله بين القريب والبعيد، [وهو] تعب نصب في جنب الله أيّام حياته، منقطع القرين في زمانه، في كلّ مذكور من فضائله، هو كالأب الرحيم بمن وليه، يغذوهم صغاراً، ويعدل عليهم كباراً، ويوردهم المناهل العذبة، يكلؤهم بعينه، ويقدّمهم علي نفسه في أيّام حياته.
2- (2) شرح نهج البلاغة 236/11-237، شرح الكلام 217.
1. الحكم الطائي

15112. ابن زنجويه: أخبرنا المؤمّل بن إسماعيل، أخبرنا سفيان، أخبرنا سعيد بن عبيد الطائي، عن رجل من قومه يقال له الحكم، قال:

لقد رأيت عليّاً قسّم رمّاناً، فأصاب أهل مسجدنا سبع رمّانات، ولقد رأيت عليّاً جاءه عسل، فدعا اليتامي فقال: ذُبّوا(1) والعقوا.

قال الحكم: حتّي تمنّيت أنّي يتيم، فقسّمه حتّي بقي منه زقّ ، فأمر أن يسقاه أهل المسجد، ثمّ قال: إنّه يأتينا أشياء، إذا رأيناها استكثرناها، فإذا قسّمناها استقللناها، وإنّي قاسم فيكم القليل والكثير.(2)

15113. ابن شبّة: حدّثنا مؤمّل بن إسماعيل، حدّثنا سفيان، عن سعيد بن عبيد(3) ، عن رجل من قومه يقال له الحكم، قال:

شهدت عليّاً واُتي بزقاق من عسل، فدعا اليتامي وقال: دبّوا والعقوا. حتّي تمنّيت أنّي يتيم، فقسّمه بين الناس وبقي منه زقّاً، فأمر أن يسقاه أهل المسجد.

قال: وشهدته وأتاه رمّان، فقسّمه بين الناس، فأصاب مسجدنا عشر رمّانات.(4)

2. أبوالطفيل

15114. الزمخشري: [قال] أبوالطفيل:

ص:30


1- (1) هكذا في الأصل، والذُباب؛ أحد معانيه النحل، كما في لسان العرب 20/5 «ذبب»، وكأنّه عليه السلام أراد بهذا القول - إن صحّ - حثّهم علي اجتماعهم علي زقاق العسل كالنحل، هذا، وفي الحديث التالي: «دبّوا»، والدبيب حركة علي الأرض أخفّ من المشي. معجم مقائيس اللغة 263/3. وفي لسان العرب 276/4 «دبب»: دبَّ القوم إلي العدوّ دَبيباً، إذا مشوا علي هِينَتهم لم يُسرعوا.
2- (2) الأموال 561/2(926).
3- (3) المثبت هو الصحيح الموافق لترجمة الرجل، وفي الأصل: «سعيد عن عبيد».
4- (4) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 373/2، ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام، والمزّي في تهذيب الكمال 549/10، ترجمة سعيد بن عبيد (2323).

رأيت عليّاً - كرّم الله وجهه - يدعو اليتامي فيطعمهم العسل، حتّي قال بعض أصحابه: لوددت أنّي كنت يتيماً.(1)

3. ما ورد مرسلاً

15115. الإسكافي: كان [عليه السلام] يدعو اليتامي، فيطعمهم العسل وما حضر، حتّي قال بعضهم: لوددت أنّني كنت يتيماً.(2)

الخامس: رأفته عليه السلام بالرعيّة
اشارة

برواية:

1. أبي سعيد الخدري - 3. عمر بن الخطّاب

2. علي المكّي الهلالي -

1. أبوسعيد الخدري

15116. ابن المظفّر: حدّثنا عبدالله بن إسحاق، حدّثنا إبراهيم الأنماطي، حدّثنا القاسم بن معاوية الأنصاري، حدّثني عصمة بن محمّد، عن يحيي بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعلي - وضرب بين كتفيه -:

يا علي، لك سبع خصال لا يحاجّك فيهنّ أحد يوم القيامة: أنت أوّل المؤمنين بالله إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأرأفهم بالرعيّة، وأقسمهم بالسويّة، وأعلمهم بالقضيّة، وأعظمهم مزيّة يوم القيامة.(3)

ص:31


1- (1) ربيع الأبرار 148/2، باب الدين وما يتعلّق به.
2- (2) المعيار والموازنة ص 251، دخول أبي صالح بيت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام.
3- (3) عنه أبونعيم في حلية الأولياء 66/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4)، ومن طريقه الديلمي في الفردوس 320/5(8315)، والسيوطي في جامع الأحاديث 703/7(27888)، والمتّقي في كنز العمّال 617/11(32995) كلّهم عن أبي نعيم.
2. علي المكّي الهلالي

15117. الطبراني: حدّثنا محمّد بن رزيق بن جامع المصري، حدّثنا الهيثم بن حبيب، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن علي المكّي الهلالي، عن أبيه، قال:

دخلت علي رسول الله صلى الله عليه و سلم في شكاته الّتي قبض فيها، فإذا فاطمة - رضي الله عنها - عند رأسه. قال: فبكت حتّي ارتفع صوتها، فرفع رسول الله صلى الله عليه و سلم طرفه إليها فقال: حبيبتي فاطمة، ما الّذي يبكيك ؟ فقالت: أخشي الضيعة من بعدك.

فقال: يا حبيبتي، أما علمت أنّ الله - عزّ وجلّ - اطّلع إلي الأرض اطّلاعة فاختار منها أباك فبعث برسالته، ثمّ اطّلع اطّلاعة فاختار منها بعلك وأوحي إلىّ أن انكحك إيّاه ؟....

يا فاطمة، لا تحزني ولا تبكي، فإنّ الله - عزّ وجلّ - أرحم بك وأرأف عليك منّي، وذلك لمكانك منّي وموضعك من قلبي، وزوّجك الله زوجك، وهو أشرف أهل بيتك حسباً، وأكرمهم منصباً، وأرحمهم بالرعيّة، وأعدلهم بالسويّة، وأبصرهم بالقضيّة....(1)

3. عمر بن الخطّاب

15118. ابن عساكر: أخبرنا أبوالعزّ أحمد بن عبيدالله السلمي، أخبرنا أبومحمّد [الجوهري] الحسن بن علي، أخبرنا أبوالحسن علي بن محمّد بن أحمد بن نصير، حدّثنا محمّد بن إبراهيم الصلحي، حدّثنا أبوسعيد عمرو بن عثمان بن راشد السوّاق، حدّثنا عبدالله بن مسعود الشامي، حدّثنا ياسين بن محمّد بن أيمن، عن أبي حازم مولي ابن عبّاس، عن ابن عبّاس، قال: قال عمر بن الخطّاب:

ص:32


1- (1) المعجم الكبير 57/3-58(2675)؛ المعجم الأوسط 276/7-277(6536)، وعنه الحمّويي بإسناده إليه في فرائد السمطين 84/2-86(403)، والهيثمي في مجمع الزوائد 165/9، كتاب المناقب، باب في فضل أهل البيت رضى الله عنهم، وابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 130/42-131، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

كفّوا عن علي، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه خصالاً لو أنّ خصلة منها في جميع آل الخطّاب كان أحبّ إلىّ ممّا طلعت عليه الشمس، إنّي كنت ذات يوم وأبوبكر وعبدالرحمان وعثمان بن عفّان وأبوعبيدة بن الجرّاح في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم، فانتهينا إلي باب امّ سلمة، إذا نحن بعلي متّكئ علي نجف الباب(1) ، فقلنا: أردنا رسول الله صلى الله عليه و سلم. فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن.

قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم، فثرنا حوله، فاتّكأ علي علي، ثمّ ضرب يده علي منكبه وقال: اكس(2) ابن أبي طالب، فإنّك مخاصم بسبع خصال ليس لأحد بعدهنّ إلّا فضلك: إنّك أوّل المؤمنين معي إيماناً، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعيّة، وأقسمهم بالسويّة، وأعظمهم عند الله مزيّة.(3)

15119. إبراهيم الجوهري: حدّثني أميرالمؤمنين المأمون، حدّثني الرشيد، حدّثني المهدي، حدّثني المنصور [عبدالله بن محمّد], حدّثني أبي، حدّثني عبدالله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول:

كفّوا عن ذكر علي بن أبي طالب فقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيه خصالاً لأن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إلىّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبوبكر وأبوعبيدة في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فانتهيت إلي باب امّ سلمة وعلي قائم علي الباب، فقلنا: أردنا رسول الله صلى الله عليه و سلم. فقال: يخرج إليكم.

[قال:] فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فسرنا إليه، فاتّكأ علي علي بن أبي طالب ثمّ ضرب بيده

ص:33


1- (1) نجف الباب: عتبته.
2- (2) اكس، أي افخر، والكساء: المجد والرفعة.
3- (3) تاريخ مدينة دمشق 58/42-59، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وزاد: وسقطت منه واحدة. وأورده ابن سيّد الكلّ في الأنباء المستطابة ص 154-155، ذكر خلافة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه, عن ابن عبّاس عن عمر. وراجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 229/13-230، شرح الخطبة 238، وكنز العمّال للمتّقي 122/13-123(36392).

منكبه ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيماناً، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم رزيّة....(1)

وانظر العنوان التالي ورواياته.

السادس: أنّه عليه السلام أعدل الناس في الرعيّة وأقسمهم بالسويّة
اشارة

مضافاً علي ما تقدّم في الباب السابق

برواية:

1. جابر بن عبدالله - 3. معاذ بن جبل

2. علي بن أبي طالب عليه السلام -

1. جابر بن عبدالله

15120. عبدوس: حدّثنا الشيخ أبوالحسين أحمد بن محمّد بن أحمد البزّاز - ببغداد -، حدّثني القاضي أبوعبدالله الحسين بن هارون بن محمّد الضبّي، حدّثنا أبوالعبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد [بن عقدة] الحافظ أنّ محمّد بن أحمد القطواني حدّثهم، قال: حدّثنا إبراهيم بن أنس الأنصاري، حدّثنا إبراهيم بن جعفر بن عبدالله بن محمّد بن مسلمة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:

كنّا عند النبىّ صلى الله عليه و آله وأقبل علي بن أبي طالب عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: قد أتاكم أخي. ثمّ التفت إلي الكعبة فضربها بيده ثمّ قال: والّذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة.

ثمّ قال: إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله تعالي، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة.

ص:34


1- (1) عنه المتّقي في كنز العمّال 116/13-117(36378), ورواه ابن الجوزي بإسناده إليه في الموضوعات 343/1، باب في فضائل علي عليه السلام، الحديث الثالث، إلّا أنّ فيه: «إنّك مخاصم مخصّم... وأرفقهم بالرعيّة».

قال: ونزلت فيه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ )1 .

قال: فكان أصحاب النبىّ صلى الله عليه و آله إذا أقبل علي عليه السلام قالوا: قد جاء خير البريّة.(1)

15121. ابن عساكر: أخبرنا أبوالقاسم بن السمرقندي، أخبرنا عاصم بن الحسن، أخبرنا أبوعمر بن مهدي، أخبرنا أبوالعبّاس ابن عقدة... مثله، إلّا أنّ فيه: «لهم الفائزون... ونزلت إنّ .... فكان أصحاب محمّد...».(2)

15122. الحسكاني: حدّثني أحمد بن عبيد بن سلام، حدّثنا الحسن بن عبدالواحد، عن سليمان بن أبي فاطمة، حدّثنا جابر بن إسحاق، عن أحمد بن محمّد بن عبدالله بن عجلان مولي علي بن أبي طالب، عن عبدالله بن لهيعة، به لفظاً سواء أنا اختصرته.(3)

15123. الحسكاني: فرات(4) قال: حدّثنا أحمد بن عيسي بن هارون، قال: حدّثني علي بن أحمد بن عيسي بن سويد القرشي الباني، حدّثنا سليمان بن محمّد البصري - ويعرف بابن أبي فاطمة -، حدّثنا جابر بن إسحاق البصري، عن أحمد بن محمّد بن ربيعة - ويعرف بابن عجلان - مولي علي بن أبي طالب عليه السلام، عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال:

كنّا جلوساً عند رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إذ أقبل علي بن أبي طالب، فلمّا نظر إليه النبىّ قال:

ص:35


1- (2) عنه الخوارزمي في المناقب 111-112(120)، ومن طريقه الحمّويي في فرائد السمطين 155/1-156(118), بإسنادهما إليه, من طريق ابن الديلمي.
2- (3) تاريخ مدينة دمشق 371/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وعنه الكنجي بإسناده إليه في كفاية الطالب ص 244-245، الباب الثاني والستّون، في تخصيص علي عليه السلام بمئة منقبة دون سائر الصحابة. ورواه الخطيب والصالحاني أيضاً، كما في توضيح الدلائل للشهاب الإيجي ص 198 (562).
3- (4) شواهد التنزيل 545/2(1150). وقوله: «به لفظاً سواء» إشارة إلي الحديث التالي هنا.
4- (5) تفسير فرات الكوفي ص 585 (754).

قد أتاكم أخي. ثمّ التفت إلي الكعبة فقال: وربّ هذه البنية إنّ هذا وشيعته [هم] الفائزون يوم القيامة.

ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال: أما والله إنّه أوّلكم إيماناً بالله، وأقومكم بأمر الله، وأوفاكم بعهد الله، وأقضاكم بحكم الله، وأقسمكم بالسويّة، وأعدلكم في الرعيّة، وأعظمكم عند الله مزيّة.

قال جابر: فأنزل الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، فكان علي إذا أقبل قال أصحاب محمّد: قد أتاكم خير البريّة بعد رسول الله.(1)

2. علي بن أبي طالب عليه السلام

15124. عبدالله بن أحمد: حدّثني أبوسعيد الأسدي عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا عبدالله بن عبدالقدّوس، عن الأعمش، عن موسي بن طريف، عن عباية، قال: قال علي:

احاجّ الناس يوم القيامة بتسع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعدل في الرعيّة، والقسم بالسويّة، والجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود وأشباهه.(2)

3. معاذ بن جبل

15125. مطيّن: حدّثنا خلف بن خالد العبدي البصري، حدّثنا بشر بن إبراهيم الأنصاري، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل، قال: قال النبىّ صلى الله عليه و سلم:

يا علي، أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع، ولا يحاجّك فيها أحد من قريش: أنت أوّلهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم بالقضيّة، وأعظمهم عند الله مزيّة.(3)

ص:36


1- (1) شواهد التنزيل 543/2-545(1149).
2- (2) فضائل الصحابة لأحمد 538/1(898).
3- (3) عنه أبونعيم بإسناده إليه في حلية الأولياء 65/1-66، ترجمة علي بن أبي طالب (4)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 58/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وابن الجوزي في الموضوعات 342/1-343، باب في فضائل علي عليه السلام، الحديث الثالث، والخوارزمي في المناقب ص 110
السابع: رفقه عليه السلام بالناس وعطفه عليهم
اشارة

برواية:

1. زيد بن علي - 2. ما ورد مرسلاً

1. زيد بن علي

15126. ابن أبي الحديد: روي محمّد بن فرات الجرمي، عن زيد بن علي عليه السلام، قال: قال علي:

... أيّها الناس، إنّي دعوتكم إلي الحقّ فتولّيتم عنّي، وضربتكم بالدرّة فأعييتموني، أما إنّه سيليكم بعدي ولاة لا يرضون عنكم بذلك حتّي يعذّبوكم بالسياط وبالحديد، فأمّا أنا فلا اعذّبكم بهما، إنّه من عذّب الناس في الدنيا عذّبه الله في الآخرة.(1)

2. ما ورد مرسلاً

15127. ابن أبي الحديد: قال إبراهيم [الثقفي](2):

وكان قيس بن سعد بن عبادة من شيعة علي ومناصيحه، فلمّا ولي الخلافة قال له: سر إلي مصر فقد ولّيتكها، واخرج إلي ظاهر المدينة، واجمع ثقاتك ومن أحببت أن يصحبك حتّي تأتي مصر ومعك جند، فإنّ ذلك أرعب لعدوّك، وأعزّ لوليّك، فإذا أنت قدمتها - إن شاء الله - فأحسن إلي المحسن، واشتدّ علي المريب، وارفق بالعامّة والخاصّة، فالرفق يمن.

ص:37


1- (1) شرح نهج البلاغة 306/2، آخر شرح الخطبة 39, و 382/6-383، آخر شرح الخطبة 86، نحوه وباختصار.
2- (2) الغارات ص 127-129، ولاية قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري رحمه الله مصر.

فقال قيس: رحمك الله يا أميرالمؤمنين، قد فهمت ما ذكرت، فأمّا الجند فإنّي أدعه لك، فإذا احتجت إليهم كانوا قريباً منك، وإن أردت بعثهم إلي وجه من وجوهك كان لك عدّة، ولكنّي أسير إلي مصر بنفسي وأهل بيتي، وأمّا ما أوصيتني به من الرفق والإحسان فالله تعالي هو المستعان علي ذلك.

قال: فخرج قيس في سبعة نفر من أهله حتّي دخل مصر، فصعد المنبر، وأمر بكتاب معه يقرأ علي الناس، فيه:

من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي من بلغه كتابي هذا من المسلمين، سلام عليكم، فإنّي أحمد الله إليكم الّذي لا إله إلّا هو.

أمّا بعد... وقد بعثت لكم قيس بن سعد الأنصاري أميراً، فوازروه وأعينوه علي الحقّ ، وقد أمرته بالإحسان إلي محسنكم، والشدّة علي مريبكم، والرفق بعوامّكم وخواصّكم، وهو ممّن أرضي هديه، وأرجو صلاحه ونصحه، نسأل الله لنا ولكم عملاً زاكياً، وثواباً جزيلاً، ورحمة واسعة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1)

15128. الإسكافي: ثمّ كتب [عليه السلام] إلي امراء الجنود واُمراء الخراج: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي [أصحاب] المسالح: أمّا بعد، فإنّه حقّ علي الوالي أن لا يغيّره عن رعيّته فضل ناله، ولا فضل مرتبة خصّ بها، وأن يزيده ما قسم الله له دنوّاً من عباده وعطفاً عليهم.

ألا وإنّ لكم عندي أن لا أحتجز دونكم سرّاً إلّا سرّاً في حرب، ولا أطوي دونكم أمراً إلّا في حكم، ولا اؤخّر النعمة بكم عن محلّه، وأن تكونوا عندي في الحقّ سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة و [لي عليكم] الطاعة، وأن لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلي الحقّ ، فإن أنتم لم تسمعوا لي علي ذلك لم يكن أحد أهون علىّ ممّن فعل ذلك منكم، ثمّ أعظم فيه عقوبته، ولا يجدي عندي فيها رخصة، فخذوا

ص:38


1- (1) شرح نهج البلاغة 57/6-59، شرح الكلام 67.

هذا من امرائكم وأعطوا من أنفسكم هذا يصلح الله لكم أمركم، والسلام.(1)

الثامن: رقابته عليه السلام علي السوق
اشارة

برواية:

1. الأصبغ بن نباتة - 6. أبي الصهباء

2. جرموز - 7. عبدالله بن عبّاس

3. زاذان - 8. أبي مطر

4. أبي سعيد بيّاع الكرابيس - 9. أبي الوضّاح الشيباني عن رجل

5. شريح بن الحارث - 10. ما ورد مرسلاً

1. الأصبغ بن نباتة

15129. أبوعبيد: حدّثنا محمّد بن عبيد، عن محمّد بن أبي موسي، [عن الأصبغ بن نباتة]، قال:

خرج علي إلي السوق فرأي أهله قد حازوا أمكنتهم، فقال: ليس ذلك لهم، إنّ سوق المسلمين كمصلّاهم، من سبق إلي موضع فهو له يومه حتّي يدعه.(2)

15130. ابن زنجويه: أخبرنا محمّد بن عبيد، عن محمّد بن أبي موسي، عن الأصبغ بن نباتة، قال:

خرجت مع علي إلي السوق، فرأي أهل السوق وقد حازوا أمكنتهم، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هذا السوق، وقد حازوا أمكنتهم. فقال: ليس ذلك لهم، سوق المسلمين كمصلّي المسلمين، من سبق إلي شيء فهو له يومه حتّي يدعه.(3)

ص:39


1- (1) المعيار والموازنة ص 103-104، ذكر قبسات من حججه البالغة.
2- (2) عنه البلاذري في فتوح البلدان 366/2(754).
3- (3) الأموال 254/1(356).

15131. ابن المبارك: حدّثني يحيي بن أبي الهيثم، حدّثني الأصبغ بن نباتة المجاشعي:

أنّ عليّاً رضى الله عنه خرج إلي السوق إذا دكاكين قد بنيت بالسوق فأمر بها فخربت فسوّيت.

قال: ومرّ بدور بني البكاء، فقال: هذه من سوق المسلمين. قال: فأمرهم أن يتحوّلوا وهدمها.

قال: وقال علي: من سبق إلي مكان في السوق فهو أحقّ به. قال: فلقد رأيتنا يبايع الرجل اليوم هاهنا وغداً من ناحية اخري.(1)

15132. ابن زنجويه: أخبرنا أبونعيم، أخبرنا يحيي بن أبي الهيثم، حدّثني الأصبغ بن نباتة، قال:

خرج علي - رضوان الله عليه - إلي السوق فإذا دكاكين قد بنيت، فقال: ما هذه ؟ فقالوا: هذه دكاكين رجال صنعوها يبيعون عليها. قال: فأمر بها فخربت، [وقال:] إنّما هذه الأسواق للأسود والأبيض، فمن سبق إلي مكان فهو مكان له إلي الليل. فكنّا نأتي الرجل في المكان قد كنّا نبايعه فيه، ثمّ نأتيه من الغد فنجده في مكان آخر جالساً فيه.(2)

2. جرموز

15133. يحيي بن سليمان الجعفي: حدّثنا خالد بن عبدالله الخراساني أبوالهيثم، قال: حدّثنا الحرّ بن جرموز، عن أبيه، قال:

رأيت علي بن أبي طالب رضى الله عنه يخرج من [قصر] الكوفة وعليه قطريّتان، متّزراً بالواحدة متردّياً بالاُخري، وإزاره إلي نصف الساق، وهو يطوف في الأسواق ومعه درّة، يأمرهم بتقوي الله، وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء بالكيل والميزان.(3)

ص:40


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 150/6-151، كتاب إحياء الموات، باب ما جاء في مقاعد الأسواق وغيرها.
2- (2) الأموال 255/1(357).
3- (3) عنه ابن عبدالبرّ بإسناده إليه في الاستيعاب 1112/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).

15134. ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا الحرّ بن جرموز، عن أبيه، قال:

رأيت عليّاً وهو يخرج من القصر وعليه قطريّتان إزار إلي نصف الساق ورداء مشمّر قريب منه، ومعه درّة له يمشي بها في الأسواق، ويأمرهم بتقوي الله، وحسن البيع, ويقول: أوفوا الكيل والميزان. ويقول: لا تنفخوا اللحم.(1)

15135. البلاذري: حدّثني أبوبكر الأعين، حدّثنا أبونعيم [الفضل بن دكين]، حدّثنا الحرّ بن جرموز، عن أبيه، قال:

رأيت عليّاً وقد خرج من القصر وعليه قطريّتان إلي نصف الساق، ورداء مشمّر، ومعه درّة يمشي في الأسواق، ويأمرهم بتقوي الله, وحسن البيع, ويقول: أوفوا الكيل والوزن، ولا تنفخوا في اللحم.(2)

15136. عبدالله بن أحمد: حدّثنا عبدالله بن عمر، قال: أخبرنا أبونعيم، قال: حدّثنا حرّ بن جرموز المرادي، عن أبيه، قال:

رأيت عليّاً وهو يخرج من القصر وعليه قطريّتان إزاره إلي نصف الساق, ورداؤه مشمّر قريباً منه، ومعه الدرّة يمشي في الأسواق, ويأمرهم بتقوي الله، وحسن البيع، ويقول: أوفوا الكيل والميزان، ولا تنقحوا اللحم.(3)

15137. القلعي: عن الحرّ(4) بن جرموز، عن أبيه، قال:

رأيت علي بن أبي طالب يخرج من مسجد الكوفة وعليه قطريّتان مؤتزراً بواحدة،

ص:41


1- (1) الطبقات الكبري 20/3، ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام (3)، ذكر لباس علي، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 484/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وابن كثير في البداية والنهاية 3/8، حوادث سنة أربعين، فصل في ذكر شيء من سيرته، وابن الجوزي في التبصرة 444/1، المجلس الحادي والثلاثون، في فضل علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) أنساب الأشراف 369/2، ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام.
3- (3) فضائل الصحابة لأحمد 557/2(938).
4- (4) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «عن الحسن».

مرتدياً بالاُخري، وإزاره إلي نصف الساق, وهو يطوف بالأسواق، ومعه درّة، يأمرهم بتقوي الله - عزّ وجلّ - وصدق الحديث، وحسن البيع، والوفاء للكيل والميزان.(1)

3. زاذان

15138. ابن أبي شيبة: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: حدّثنا محمّد بن طلحة، عن محمّد بن جحادة، عن زاذان، قال:

كان علي يأتي السوق فيسلّم، ثمّ يقول: يا معشر التجّار، إيّاكم وكثرة الحلف في البيع؛ فإنّه ينفق السلعة ويمحق البركة.(2)

15139. القطيعي: حدّثنا أبوإسحاق إبراهيم بن عبدالله بن أيّوب المخرمي - إملاء من كتابه -، حدّثنا صالح بن مالك، حدّثنا عبدالغفور، قال: حدّثنا أبوهاشم الرمّاني، عن زاذان، قال:

رأيت علي بن أبي طالب يمسك الشسوع بيده يمرّ في الأسواق فيناول الرجل الشسع، ويرشد الضالّ ، ويعين الحمّال علي الحمولة، وهو يقرأ هذه الآية: (تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )3 ، ثمّ يقول: هذه الآية انزلت في الولاة وذوي القدرة من الناس.(3)

15140. أبوالشيخ: حدّثنا أبوالعبّاس الجمّال، قال: حدّثنا إسماعيل بن يزيد، قال: حدّثنا قتيبة بن مهران، قال: حدّثنا أبوالصبّاح عبدالغفور، عن أبي هاشم، عن زاذان:

ص:42


1- (1) عنه المحبّ الطبري في الرياض النضرة 305/2-306، الباب الرابع، الفصل التاسع، ذكر زهده، وذخائر العقبي ص 101، باب فضائل علي عليه السلام، ذكر زهده، والباعوني في جواهر المطالب 272/1، الباب الثالث والأربعون، في كرمه عليه السلام.
2- (2) المصنّف 471/4(22190).
3- (4) فضائل الصحابة لأحمد 621/2(1064).

عن علي بن أبي طالب أنّه كان يمشي في الأسواق وحده وهو وال يرشد الضالّ ، ويعين الضعيف، ويمرّ بالبقّال والبيّاع، فيفتح عليه القرآن، ويقرأ: (تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً) ، فقال: نزلت هذه الآية في أهل العدل والتواضع من الولاة، وأهل القدرة من سائر الناس.(1)

4. أبوسعيد بيّاع الكرابيس

15141. ابن الصوّاف: حدّثنا محمّد بن محمّد بن يزيد، حدّثنا جعفر بن عون، عن مسعر، عن محمّد بن جحادة، عن أبي سعيد [بيّاع الكرابيس]، قال:

كان علي يأتي السوق فيقول: يا أهل السوق، اتّقوا الله وإيّاكم والحلف، فإنّ الحلف ينفق السلعة ويمحق البركة، وإنّ التاجر فاجر إلّا من أخذ الحقّ وأعطي الحقّ ، والسلام عليكم.

ثمّ يمكث الأيّام ثمّ يأتي السوق، فيقولون: قد جاء البوذ شكنب، فسأل سريّته، فقالت: يقولون: عظيم البطن! فقال: أسفله طعام وأعلاه علم.(2)

5. شريح بن الحارث

15142. وكيع القاضي: حدّثنا علي بن عبدالله بن معاوية بن ميسرة بن شريح، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ميسرة، عن شريح، قال:

مررت مع علي بن أبي طالب عليه السلام في سوق الكوفة وفي يده الدرّة وهو يقول: يا معشر

ص:43


1- (1) طبقات المحدّثين 86/2-87، ترجمة قتيبة بن مهران (105)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 489/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، ومن طريقه المتّقي في كنز العمّال 180/13(36538). ورواه ابن كثير في البداية والنهاية 5/8، حوادث سنة أربعين، فصل في ذكر شيء من سيرته، عن أبي هاشم، والباعوني في جواهر المطالب 275/1، الباب الثالث والأربعون، في كرمه عليه السلام، والسيوطي في الدرّ المنثور 265/5، ذيل الآية 83 من سورة القصص، من طريق ابن مردويه ولم يذكر زاذان.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 409/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

التجّار، خذوا الحقّ وأعطوا الحقّ تسلموا، لا تمنعوا قليل الربح فتحرموا كثيراً. حتّي انتهي إلي قاصّ يقصّ [فقال: تقصّ ] ونحن حديثو عهد برسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ أما إنّي أسألك عن مسألتين إن خرجت منهما، وإلّا أوجعتك ضرباً.

قال: فاسأل يا أميرالمؤمنين. قال: ما ثبات الإيمان وزواله ؟ قال: ثبات الإيمان الورع، وزواله الطمع. قال: قصّ فمثلك يقصّ .(1)

6. أبوالصهباء

15143. عبدالله بن أحمد: حدّثني أبوعامر العدوي - وهو حوثرة بن أشرس -، قال: أخبرني عقبة بن أبي الصهباء أبوخريم الباهلي، عن أبيه، قال:

رأيت علي بن أبي طالب بشطّ الكلّاء(2) يسأل عن الأسعار.(3)

7. عبدالله بن عبّاس

15144. ابن مردويه: عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما - نحوه.(4)

8. أبومطر

15145. أحمد: حدّثنا محمّد بن عبيد، قال: حدّثنا مختار بن نافع، عن أبي مطر، قال:

رأيت عليّاً مؤتزراً بإزار، مرتدياً برداء، معه الدرّة كأنّه أعرابىّ يدور بدوىّ حتّي بلغ

ص:44


1- (1) أخبار القضاة 196/2، ذكر قضاة الكوفة، شريح بن الحارث الكندي، وعنه المتّقي في كنز العمّال 281/10(29451)، وما بين المعقوفين منه.
2- (2) الكلّاء - بالفتح ثمّ التشديد والمدّ -: يروي عن أبي الحسن قال: كلّ مكان ترفأ فيه السفن، وهو ساحل كلّ نهر. والكلّاء اسم محلّة مشهورة وسوق بالبصرة أيضاً سمّيت بذلك. معجم البلدان 536/4(10330).
3- (3) فضائل الصحابة لأحمد 547/1(919). وأورده المحبّ الطبري في الرياض النضرة 316/2، الباب الرابع، الفصل التاسع، ذكر تفقّده أحوالهم، وذخائر العقبي ص 109، باب فضائل علي عليه السلام، ذكر تفقّده أحوالهم، عن أبي الصهباء.
4- (4) عنه السيوطي في الدرّ المنثور 265/5، ذيل الآية 84 من سورة القصص. وقوله: «نحوه» يعني نحو حديث زاذان المتقدّم عن أبي الشيخ، وانظر تعليقته.

أسواق الكرابيس فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في قميص بثلاثة دراهم. فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثمّ أتي آخر، فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتي غلاماً حدثاً فاشتري منه قميصاً بثلاثة دراهم، ثمّ جاء أبوالغلام فأخبره، فأخذ أبوه درهماً ثمّ جاء به، فقال: هذا الدرهم يا أميرالمؤمنين. قال: ما شأن هذا الدرهم ؟ قال: كان قميصاً ثمن درهمين. قال: باعني رضاي وأخذ رضاه.(1)

15146. عبد بن حميد: حدّثنا محمّد بن عبيد، حدّثنا المختار بن نافع، عن أبي مطر، قال:

خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنّه أنقي لثوبك وأتقي لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً. فمشيت خلفه وهو بين يدي مؤتزر بإزار مرتد برداء، ومعه الدرّة كأنّه أعرابىّ بدوىّ ، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد؟ فقلت: أجل، رجل من أهل البصرة، فقال: هذا علي أميرالمؤمنين. [فسار] حتّي انتهي إلي دار بني أبي معيط وهو سوق الإبل، فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإنّ اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة.

ثمّ أتي أصحاب التمر فإذا خادم تبكي، فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم, فردّه موالىّ فأبي أن يقبله. فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهمها؛ فإنّها ليس لها أمر. فدفعه، فقلت: أ تدري من هذا؟ فقال: لا. فقلت: هذا علي أميرالمؤمنين. فصبّ تمره، وأعطاها درهمها. قال: احبّ أن ترضي عنّي يا أميرالمؤمنين. قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم.

ثمّ مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين يزد كسبكم.

ثمّ مرّ مجتازاً ومعه المسلمون حتّي انتهي إلي أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طاف.

ثمّ أتي دار فرات وهي سوق الكرابيس، فأتي شيخاً فقال: يا شيخ، أحسن بيعي في

ص:45


1- (1) فضائل الصحابة 528/1(878).

قميص بثلاثة دراهم. فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، ثمّ أتي آخر فلمّا عرفه لم يشتر منه شيئاً، فأتي غلاماً حدثاً فاشتري منه قميصاً بثلاثة دراهم، فلبسه ما بين الرصغين إلي الكعبين يقول في لبسه: الحمد لله الّذي رزقني من الرياش ما أتجمّل به في الناس واُواري به عورتي.

فقيل له: يا أميرالمؤمنين، هذا شيء ترويه عن نفسك أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ فقال: لا، بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقوله عند الكسوة.

فجاء أب [- و] الغلام صاحب الثوب فقيل له: يا فلان، قد باع ابنك اليوم من أميرالمؤمنين قميصاً بثلاثة دراهم. قال: أفلا أخذت منه درهمين ؟ فأخذ أبوه درهماً ثمّ جاء به أميرالمؤمنين وهو جالس مع المسلمين علي باب الرحبة فقال: أمسك هذا الدرهم. فقال: ما شأن هذا الدرهم ؟ فقال كان قميصنا ثمن الدرهمين. فقال: باعني رضائي وأخذ رضاءه.(1)

15147. عبّاس الدوري: حدّثنا محمّد بن عبيد، حدّثنا المختار - وهو ابن نافع -، عن أبي مطر، قال:

خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك فإنّه أبقي لثوبك وأتقي لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلماً. فمشيت خلفه وهو متّزر بإزار مرتد برداء، معه الدرّة كأنّه أعرابىّ بدوىّ ، فقلت: من هذا؟ فقال لي رجل: أراك غريباً بهذا البلد؟ قلت: أجل، رجل من أهل البصرة. قال: هذا علي أميرالمؤمنين عليه السلام، [فسار] حتّي انتهي إلي دار بني أبي معيط وهو سوق الإبل، فقال: بيعوا ولا تحلفوا، فإنّ اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة.

ثمّ أتي أصحاب التمر، فإذا خادمة تبكي، فقال: ما يبكيك ؟ قالت: باعني هذا الرجل تمراً بدرهم، فردّه مولاي وأبي أن يقبله. فقال له: خذ تمرك وأعطها درهماً فإنّها خادمة

ص:46


1- (1) مسند عبد بن حميد ص 62-63(96)، وعنه ابن كثير في البداية والنهاية 4/8، حوادث سنة أربعين، فصل في ذكر شيء من سيرته العادلة، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 485/42-486، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

ليس لها أمر. فدفعه، فقلت: أ تدري من هذا؟ قال: لا. قلت: هذا علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين. فصبّ تمره وأعطاها درهمها، وقال: يا مولاي، احبّ أن ترضي عنّي. قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيتهم حقوقهم.

ثمّ مرّ مجتازاً بأصحاب التمر، فقال: يا أصحاب التمر، أطعموا المساكين فيربوا كسبكم.

ثمّ مرّ مجتازاً ومعه المسلمون حتّي أتي أصحاب السمك، فقال: لا يباع في سوقنا طافي.(1)

15148. القطيعي: حدّثنا أبوبكر أحمد بن محمّد بن منصور الحاسب - سنة تسع وتسعين ومئتين -، قال: حدّثنا أبوعمران الوركاني، قال: حدّثنا المعافي بن عمران، عن مختار التمّار، عن أبي مطر البصري:

أنّه شهد عليّاً أتي أصحاب التمر وجارية تبكي عند التمّار فقال: ما شأنك ؟ قالت: باعني تمراً بدرهم, فردّه مولاي فأبي أن يقبله. قال: يا صاحب التمر، خذ تمرك وأعطها درهمها؛ فإنّها خادم وليس لها أمر. فدفع عليّاً، فقال له المسلمون: تدري من دفعت ؟ قال: لا. قالوا: أميرالمؤمنين. فصبّ تمرها وأعطاها درهمها، قال: احبّ أن ترضي عنّي. قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم.(2)

9. أبوالوضّاح الشيباني عن رجل

15149. القطيعي: حدّثنا أحمد بن محمّد، قال: حدّثنا الوركاني، قال: حدّثنا المعافي بن عمران، عن يونس بن أبي إسحاق، قال: حدّثني أبوالوضّاح الشيباني، قال: حدّثني رجل، قال:

رأيت عليّاً مرّ بجارية تبتاع من لحّام، فقالت: زدني. فالتفت إليه علي فقال: زدها ويحك؛ فإنّه أعظم لبركة البيع.(3)

ص:47


1- (1) عنه الخوارزمي بإسناده إليه في المناقب ص 121 (136), من طريق البيهقي عن الحاكم والحيري.
2- (2) فضائل الصحابة لأحمد 620/2-621(1062).
3- (3) فضائل الصحابة لأحمد 621/2(1063).
10. ما ورد مرسلاً

15150. الزمخشري: مرّ علي عليه السلام في سوق الكوفة ومعه الدرّة، وهو يقول: يا معشر التجّار، خذوا الحقّ وأعطوا الحقّ تسلموا، ولا تردّوا قليل الحقّ فتحرموا كثيره، ما منع مال من حقّ إلّا ذهبت في باطل أضعافه.(1)

15151. الزمخشري: وقف علي عليه السلام علي تمّار فإذا هو بخادم تبكي عنده، فقال لها: ما يبكيك ؟ قالت: باعني هذا تمراً بدرهم، فردّه علىّ مولاي فأبي أن يأخذه منّي. قال: أعطها درهمها وخذ تمرك؛ فإنّها خادم ليس لها أمر. فدفعه التمّار، فعرف أنّه أميرالمؤمنين، فصبّ التمر وأعطاها الدرهم، وقال: ارض عنّي يا أميرالمؤمنين. قال: أنا راض إن وفيت المسلمين حقوقهم....

كان علي عليه السلام يمرّ في السوق علي الباعة، فيقول لهم: أحسنوا، أرخصوا بيعكم علي المسلمين؛ فإنّه أعظم للبركة.(2)

التاسع: إعتاقه عليه السلام العبيد
اشارة

برواية:

1. جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام - 5. عمرو بن دينار

2. سعيد بن أبي الحكم - 6. ابن النبّاح

3. عبدالله بن الحسن - 7. الوليد بن أبي هشام

4. عمر بن علي بن أبي طالب - 8. ما ورد مرسلاً

1. جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

15152. ابن أبي الحديد: روي زرارة، قال:

ص:48


1- (1) ربيع الأبرار 144/4، باب المال والكسب والتجارة.
2- (2) ربيع الأبرار 153/4-154، باب المال والكسب والتجارة.

قيل لجعفر بن محمّد عليه السلام: إنّ قوماً هاهنا ينتقصون عليّاً عليه السلام. قال: بم ينتقصونه لا أباً لهم ؟ وهل فيه موضع نقيصة ؟ والله ما عرض لعلي أمران قطّ كلاهما لله طاعة إلّا عمل بأشدّهما وأشقّهما عليه، ولقد كان يعمل العمل كأنّه قائم بين الجنّة والنار، ينظر إلي ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر إلي عقاب هؤلاء فيعمل له، وإن كان ليقوم إلي الصلاة، فإذا قال: وجّهت وجهي؛ تغيّر لونه حتّي يعرف ذلك في وجهه، ولقد أعتق ألف عبد من كدّ يده، كلّ منهم يعرق فيه جبينه، وتحفي فيه كفّه....(1)

2. سعيد بن أبي الحكم

15153. ابن شبّة: حدّثنا عارم وموسي، قالا: حدّثنا حمّاد، عن سعيد بن أبي الحكم، قال:

أتيت المدينة فقرأت في وصيّة علي مثل هذا.(2)

3. عبدالله بن الحسن

15154. ابن أبي الحديد: روي عنبسة العابد، عن عبدالله بن الحسن بن الحسن، قال:

أعتق علي عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه و آله ألف مملوك ممّا مجلت(3) يداه، وعرق جبينه، ولقد ولي الخلافة وأتته الأموال، فما كان حلواه إلّا التمر، ولا ثيابه إلّا الكرابيس.(4)

4. عمر بن علي بن أبي طالب

15155. أبويوسف: حدّثنا عبدالرحمان بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، [عن] علي:

ص:49


1- (1) شرح نهج البلاغة 110/4، شرح الخطبة 56.
2- (2) تاريخ المدينة 229/1، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه. وقوله: «مثل هذا»، أي مثل رواية الوليد بن أبي هشام، وستأتي.
3- (3) مجلت يده: عملت.
4- (4) شرح نهج البلاغة 202/2، آخر شرح الخطبة 34.

أنّه تصدّق بينبع [وكتب:] أبتغي بها مرضاة الله ليدخلني الله بها الجنّة، ويصرفني عن النار، ويصرف النار عنّي، في سبيل الله ووجوهه، تنفق في كلّ نفقة في سبيل الله ووجهه في الحرب والسلم والحياة وذوي الرحم والبعيد والقريب، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، كلّ مال لي بينبع غير أنّ رباحاً وأبانيزر وجبيراً إن حدث بي حدث فليس عليهم سبيل، وهم محرّرون، موالىّ يعملون في المال خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم، فذلك الّذي أقضي فيما كان لي بينبع حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك ما كان لي بوادي القري من مال ورقيق حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك الاُذينة وأهلها حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك رعيف وأهلها، وإنّ زريقاً له مثل ما كتبت لأبي نيزر ورباح وجبير.(1)

5. عمرو بن دينار

15156. معمر: عن أيّوب، عن عمرو بن دينار.

وأخبرني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار:

أنّ عليّاً تصدّق ببعض أرضه، جعلها صدقة بعد موته، وأعتق رقيقاً من رقيقه، وشرط عليهم أنّكم تعملون(2) في هذا المال خمس سنين.(3)

15157. عبدالرزّاق: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار... مثله، إلّا أنّ فيه: «تعملون في تلك الأرض خمس سنين».(4)

15158. علي بن حرب: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال:

في صدقة علي بن أبي طالب أنّ جبيراً ورباحاً وأبانيزر موالىّ يعملون في المال خمس

ص:50


1- (1) عنه الخصّاف بإسناده إليه في أحكام الأوقاف ص 10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) هذا هو الظاهر الموافق لسائر الروايات، وفي الأصل: «تقولون».
3- (3) عنه عبدالرزّاق في المصنّف 382/8(15616) و 169/19(16784) بالسند الأوّل, وفيه: «كان علي تصدّق... تعملون فيها خمس سنين».
4- (4) المصنّف 169/6(16785).

حجج، منه نفقاتهم ونفقات أهليهم، ثمّ هم أحرار لوجه الله تعالي.(1)

6. ابن النبّاح

15159. وكيع: عن سفيان، عن أبي جعفر، عن جعفر بن أبي ثروان:

أنّ عليّاً حثّ الناس علي ابن النبّاح، فجمعوا له أكثر من مكاتبته، ففضلت فضلة فجعلها علي في المكاتبين.(2)

15160. ابن سعد: أخبرنا قبيصة بن عقبة، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي جعفر الفرّاء، عن جعفر بن أبي ثروان الحارثي، عن ابن النبّاح، قال:

كاتبت فأتيت عليّاً فقلت: إنّي قد كاتبت. فقال: هل عندك شيء؟ فقلت: لا. فقال: اجمعوا لأخيكم.

قال: فجمعوا لي مكاتبتي، وفضلت فضلة، فأتيت بها عليّاً، فقال: اجعلها في المكاتبين.(3)

7. الوليد بن أبي هشام

15161. ابن شبّة: حدّثنا عارم وموسي بن إسماعيل، قالا: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن يونس بن عبيد، عن الوليد بن أبي هشام:

أنّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه أعتق عبيداً له واشترط عليهم أن يعملوا في أرضه ستّ سنين.(4)

وراجع العنوان التالي.

8. ما ورد مرسلاً

15162. ابن إسحاق: إنّ أبانيزر الّذي تنسب إليه العين هو مولي علي بن أبي طالب رضى الله عنه،

ص:51


1- (1) عنه الخصّاف في أحكام الأوقاف ص 10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه, من طريق الواقدي.
2- (2) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 410/4(21537).
3- (3) الطبقات الكبري 251/6، ترجمة ابن النبّاح (2262). ورواه ابن عبدالبرّ في الاستذكار 381/7، ذيل الحديث 1500، مع مغايرة في بعض العبارات.
4- (4) تاريخ المدينة 229/1، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

كان ابناً للنجاشي ملك الحبشة الّذي هاجر إليه المسلمون لصلبه، وأنّ عليّاً وجده عند تاجر بمكّة فاشتراه منه وأعتقه مكافأة بما صنع أبوه مع المسلمين حين هاجروا إليه.(1)

العاشر: وقفه عليه السلام الأموال في سبيل الله، وما كتبه في ذلك
اشارة

برواية:

1. جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام - 6. عمرو بن دينار

2. حسن بن زيد - 7. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

3. شريك - 8. أبي نيزر

4. عمّار بن ياسر - 9. ما ورد مرسلاً

5. عمر بن علي بن أبي طالب -

1. جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

15163. ابن أبي الحديد: روي زرارة، قال:

قيل لجعفر بن محمّد عليه السلام: إنّ قوماً هاهنا ينتقصون عليّاً عليه السلام، قال: بم ينتقصونه لا أباً لهم ؟ وهل فيه موضع نقيصة ؟... ولقد أعتق ألف عبد من كدّ يده، كلّ منهم يعرق فيه جبينه، وتحفي فيه كفّه، ولقد بشّر بعين نبعت في ماله مثل عنق الجزور، فقال: بشّر الوارث بشرّ. ثمّ جعلها صدقة علي الفقراء والمساكين وابن السبيل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليصرف الله النار عن وجهه، ويصرف وجهه عن النار.(2)

2. حسن بن زيد

15164. ابن شبّة: قال أبوغسّان: هذه نسخة كتاب صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه حرفاً بحرف، نسختها علي نقصان هجائها وصورة كتابها، أخذتها من أبي، أخذها من حسن بن زيد:

ص:52


1- (1) عنه ياقوت في معجم البلدان 198/4، عين أبي نيزر (8699).
2- (2) شرح نهج البلاغة 110/4، شرح الخطبة 56.

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أمر به وقضي به في ماله عبدالله علي أميرالمؤمنين، ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنّة، ويصرفني عن النار، ويصرف النار عنّي يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، أنّ ما كان لي بينبع من ماء يعرف لي فيها وما حوله صدقة ورقيقها غير أنّ رباحاً وأبانيزر وجبير أعتقناهم، ليس لأحد عليهم سبيل، وهم موالىّ يعملون في الماء خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم، ومع ذلك ما كان بوادي القري(1) ثلثه مال ابني قطيعة، ورقيقها صدقة.

وما كان لي [بوادي] ترعة(2) وأهلها صدقة، غير أنّ زريقاً له مثل ما كتبت لأصحابه.

وما كان لي باُذينة(3) وأهلها صدقة، والفقير(4) لي كما قد علمتم صدقة في سبيل الله.

وأنّ الّذي كتبت من أموالي هذه صدقة وجب فعله حيّاً أنا أو ميّتاً ينفق في كلّ نفقة أبتغي به وجه الله من سبيل [الله] ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطّلب، والقريب والبعيد، وأنّه يقوم علي ذلك حسن بن علي، يأكل منه بالمعروف وينفق حيث يريه الله في حلّ محلّل لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يندمل من الصدقة مكان ما فاته يفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع من الماء فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله يسير إلي ملك، وإنّ ولد علي وما لهم إلي حسن بن علي، وإن كان دار حسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فإنّه يبيع إن

ص:53


1- (1) وادي القري: واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القري. معجم البلدان 397/5(12346).
2- (2) ترعة: واد يلقي إضم من القبلة، وفي ترعة يقول بشر السلمي: أري إبلي أمست تحنّ لقاحهابترعة ترجو أن أحلّ بها ابلي وذكر ابن شبّة في صدقات علي - رضي الله تعالي عنه - وادياً يقال له ترعة، بناحية فدك بين لابتي حرّة. وفاء الوفاء 1161/4.
3- (3) اذينة - بضمّ أوّله وفتح ثانية - كأنّه تصغير الاُذن، اسم واد من أودية القبلية. معجم البلدان 162/1(382).
4- (4) الفقير - ضدّ الغنىّ -: اسم موضعين قرب المدينة يقال لهما: الفقيران. وفاء الوفاء 1282/4.

شاء لا حرج عليه فيه، فإن يبع فإنّه يقسم منها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثه في سبيل الله، ويجعل ثلثه في بني هاشم وبني المطّلب، ويجعل ثلثه في آل أبي طالب، وأنّه يضعه منهم حيث يريه الله.

وإن حدث بحسن حدث وحسين حىّ فإنّه إلي حسين بن علي، وأنّ حسين بن علي يفعل فيه مثل الّذي أمرت به حسناً، له منها مثل الّذي كتبت لحسن منها، وعليه فيها مثل الّذي علي حسن، وإنّ لبني فاطمة من صدقة علي مثل الّذي لبني علي، وإنّي إنّما جعلت الّذي جعلت إلي ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة محمّد وتعظيماً وتشريفاً ورجاء بهما.

فإن حدث لحسن أو حسين حدث، فإنّ الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضي بهديه وإسلامه وأمانته فإنّه يجعله إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الّذي يريد، فإنّه يجعله إلي رجل من ولد أبي طالب يرضاه، فإن وجد آل أبي طالب يومئذ قد ذهب كبيرهم وذوو رأيهم وذوو أمرهم فإنّه يجعله إلي رجل يرضاه من بني هاشم، وإنّه يشترط علي الّذي يجعله إليه أن ينزل الماء علي اصوله، ينفق تمره حيث امر به من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطّلب، والقريب والبعيد، لا يُبَع منه شيء ولا يوهب ولا يورث، وإنّ مال محمّد علي ناحية، ومال ابني فاطمة ومال فاطمة إلي ابني فاطمة، وإنّ رقيقي الّذين في صحيفة حمزة [بن حسن] الّذي كتب لي عتقاء.

فهذا ما قضي عبدالله علي أميرالمؤمنين في أمواله هذه الغد من يوم قدم مكر(1) أبتغي وجه الله والدار الآخرة، والله المستعان علي كلّ حال، ولا يحلّ لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شيء قبضته في مال، ولا يخالف فيه عن أمري الّذي أمرت به عن قريب ولا بعيد.

أمّا بعدي، [فإنّ ] ولائدي اللّاتي أطوف عليهنّ السبع عشرة منهنّ امّهات أولاد

ص:54


1- (1) كذا في الأصل، والظاهر وقوع التصحيف في العبارة، ولعلّ الصحيح - كما في بعض الروايات -: «يوم قدم مسكن» أو «يوم قدمت مسكن».

أحياء معهنّ ، ومنهنّ من لا ولد لها، فقضائي فيهنّ إن حدث لي حدث أنّ من كان منهنّ ليس لها ولد وليست بحبلي فهي عتيقة لوجه الله، ليس لأحد عليها سبيل، ومن كان منهنّ ليس لها ولد وهي حبلي فتمسك علي ولدها وهي من حظّه، وأنّ من مات ولدها وهي حيّة فهي عتيقة، ليس لأحد عليها سبيل.

فهذا ما قضي به عبدالله علي أميرالمؤمنين من مال الغد من يوم مكر(1). شهد أبوشمر بن أبرهة، وصعصعة بن صوحان، ويزيد بن قيس، وهياج بن أبي هياج.

وكتب عبدالله علي أميرالمؤمنين بيده لعشرة خلون من جمادي الاُولي سنة تسع وثلاثين.(2)

3. شريك

15165. يحيي بن آدم: عن شريك وغيره، قال:

أوصي علي: هذا ما وقف علي بن أبي طالب، أوصي به أنّه وقف أرضه الّتي بين الجبل والبحر أن ينكح منها الأيّم، ويفكّ الغارم، فلا تباع ولا تشتري ولا توهب حتّي يرثها الله الّذي يرث الأرض ومن عليها، وأوصي إلي الحسن بن علي غير طاعن عليه في بطن ولا فرج.(3)

4. عمّار بن ياسر

15166. ابن شبّة: قال ابن أبي يحيي: عن محمّد بن كعب القرظي، عن عمّار بن ياسر - رضي الله عنهما - في حديث ساقه، قال:

أقطع النبىّ صلى الله عليه و سلم عليّاً رضى الله عنه بذي العشيرة من ينبع، ثمّ أقطعه عمر رضى الله عنه بعد ما استخلف إليها قطيعة، واشتري علي رضى الله عنه إليها قطعة، وحفر بها عيناً، ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين

ص:55


1- (1) انظر الهامش المتقدّم.
2- (2) تاريخ المدينة 225/1-228، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 262/3-263، أمر ابن ملجم....

وابن السبيل، القريب والبعيد، وفي الحياة والسلم والحرب، ثمّ قال: صدقة لا توهب ولا تورث، حتّي يرثها الله الّذي يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين.(1)

5. عمر بن علي بن أبي طالب

15167. أبويوسف: حدّثنا عبدالرحمان بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جدّه، [عن] علي:

أنّه تصدّق بينبع [وكتب:] أبتغي بها مرضاة الله ليدخلني الله بها الجنّة، ويصرفني عن النار، ويصرف النار عنّي، في سبيل الله ووجوهه تنفق في كلّ نفقة في سبيل الله ووجهه في الحرب والسلم والحياة، وذوي الرحم والبعيد والقريب، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، كلّ مال لي بينبع غير أنّ رباحاً وأبانيزر وجبيراً إن حدث بي حدث فليس عليهم سبيل، وهم محرّرون، موالىّ يعملون في المال خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم، فذلك الّذي أقضي فيما كان لي بينبع حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك ما كان لي بوادي القري من مال ورقيق حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك الاُذينة وأهلها حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك رعيف وأهلها، وأنّ زريقاً له مثل ما كتبت لأبي نيزر ورباح وجبير.(2)

15168. أبويوسف: حدّثنا عبيدالله بن محمّد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن جدّه أنّه كتب هذه الوصيّة:

هذا ما أمر به وقضي به في ماله علي بن أبي طالب، تصدّق بينبع، ابتغي بها مرضاة الله ووجهه، ينفق في كلّ نفقة في سبيل الله في الحرب والسلم والجنود وذي الرحم والقريب والبعيد، لا يباع ولا يورث.

[و] كلّ مال [لي] بينبع [صدقة]، غير أنّ رباحاً وأنانيزر وجبيراً إن حدث بي حدث فليس عليهم سبيل وهم محرّرون، موالىّ يعملون في المال خمس حجج، وفيه نفقتهم

ص:56


1- (1) تاريخ المدينة 221/1، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) عنه الخصّاف بإسناده إليه في أحكام الأوقاف ص 9-10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

ورزقهم ورزق أهاليهم، فذلك الّذي أقضي فيما كان لي بينبع، [فهو صدقة] واجبة حيّاً أنا أو ميّتاً.

ومعهما ما كان لي بوادي القري من مال أو رقيق حيّاً أنا أو ميّتاً.

ومع ذلك الاُذينة وأهلها حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك درعة وأهلها.

وإنّ زريقاً له مثل ما كتبت لأبي نيزر ورباح وجبير معاً هو يتقبّلهم وهو يرتهن، فذلك [الّذي] قضيت بيني وبين الله الغد [من] يوم قدمت مسكن حىّ أنا أو ميّت.

وإنّ مالي في وادي القري والاُذينة ودرعة ينفق في كلّ نفقة ابتغاء وجه الله وفي سبيل الله ووجهه يوم تسودّ [فيه] وجوه وتبيضّ [فيه] وجوه، لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن إلّا إلي الله هو يتقبّلهنّ وهو يرثهنّ ، فذلك قضيت بيني وبين الله [الغد من يوم قدمت مسكن حيّاً أنا أو ميّتاً].

هذا ما قضي به علي بن أبي طالب في ماله واجبة بتّة.

[وإنّه] يقوم علي ذلك الحسن بن علي يليها ما دام حيّاً، فإن هلك [فهي] إلي الحسين بن علي يليها ما دام حيّاً، فإن هلك فهي إلي الأولي فالأولي من ذوي السنّ والصلاح [من ولدي] من الّذي يعدل فيها ويطعم ولدي بالمعروف غير المنكر ولا الإسراف يزرع ويغرس ويصلح كإصلاحهم أموالهم.

ولا يباع من أولاد نخل هذه القري الأربع وديّة واحدة حتّي تشكل أرضها غراساً فإنّما عملتها للمؤمنين أوّلهم وآخرهم، فمن وليها من الناس فاُذكّره الله [أن] يجتهد ونصح وحفظ أمانته ووسع.

هذا كتاب علي بن أبي طالب - رحمه الله عليه - بيده إذ قدم مسكن، وقد علمتم أنّ الفقيرين(1) في سبيل الله واجبة بتّة.

ومال محمّد النبىّ - صلّي الله عليه - ينفق في كلّ نفقة في سبيل الله ووجهه وذوي

ص:57


1- (1) هي مثنّي «الفقير»، وهي اسم قطعتين من الأرض وهبهما النبىّ صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام.

الرحم والفقراء والمساكين وابن السبيل، يقوم علي ذلك أكبر بني فاطمة بالأمانة والإصلاح كإصلاحه ماله، يزرع ويغرس وينصح ويجهد.

هذا ما قضي به علي بن أبي طالب رحمه الله في هذه الأموال الّذي كتب في هذه الصحيفة، والله المستعان علي كلّ حال، [و] لا يحلّ لأحد وليها وحكّم فيها أن يعمل فيها بغير عهدي.

أمّا بعد [ي]، فإنّ ولائدي اللّاتي أطوف عليهنّ تسع عشرة، منها امّهات أولاد معهنّ أولادهنّ ، ومنهنّ حبالي، ومنهنّ من لا ولد لها وقضيت - إن حدث بي حدث في هذا الغزو - أنّ من كان منهنّ ليس لها ولد وليست بحبلي [فهي] عتيقة لوجه الله ليس لأحد عليها سبيل، ومن كان منهنّ حبلي أو لها ولد فلتمسك علي ولدها وهي من حظّه، فإن ما [ت] ولدها وهي حيّة فليس لأحد عليها سبيل.

هذا ما قضي به [علي] في ولائده التسع عشرة.

شهد عبيدالله بن أبي رافع وهياج بن أبي هياج، وكتب علي بن أبي طالب امّ الكتاب بيده لعشر خلون من جمادي الاُولي سنة تسع وثلاثين.

قال عبيدالله [بن أبي رافع]: وكان بين مقتله وبين كتابه هذا أربعة أشهر وثلاث عشرة ليلة.(1)

6. عمرو بن دينار

15169. معمر: عن أيّوب أنّه أخذ هذا الكتاب من عمرو بن دينار:

هذا ما أقرّ به وقضي في ماله علي بن أبي طالب، تصدّق بينبع ابتغاء مرضاة الله ليولجني الجنّة، ويصرف النار عنّي، ويصرفني عن النار، فهي في سبيل الله ووجهه، ينفق في كلّ نفقة من سبيل الله ووجهه، في الحرب والسلم، والخير وذوي الرحم، والقريب والبعيد، لا يباع، ولا يوهب، ولا يورث، كلّ مال في ينبع، غير أنّ رباحاً وأبانيزر وجبيراً إن حدث بي حدث ليس عليهم سبيل، وهم محرّرون موال يعملون في المال خمس حجج، وفيه نفقاتهم ورزقهم، ورزق أهليهم.

ص:58


1- (1) عنه ابن أبي الدنيا بإسناده إليه في مقتل أميرالمؤمنين ص 51-55(35).

فذلك الّذي أقضي فيما كان لي في ينبع جانبه حيّاً أنا أو ميّتاً، ومعها ما كان لي بوادي امّ القري من مال ورقيق حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك الاُذينة وأهلها حيّاً أنا أو ميّتاً، ومع ذلك رعد وأهلها، غير أنّ زريقاً مثل ما كتبت لأبي نيزر ورباح وجبير.

وأنّ ينبع وما في وادي القري والاُذينة ورعد ينفق في كلّ نفقة ابتغاء بذلك وجه الله في سبيله يوم تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه، لا يبعن، ولا يوهبن، ولا يورثن إلّا إلي الله، هو يتقبّلهنّ وهو يرثهنّ ، فذلك قضيّة بيني وبين الله الغد من يوم قدمت مسكن حيّاً أنا أو ميّتاً.

فهذا ما قضي علي في ماله واجبة بتلة، ثمّ يقوم علي ذلك بنوعلي بأمانة وإصلاح، كإصلاحهم أموالهم، يزرع ويصلح كإصلاحهم أموالهم.

ولا يباع من أولاد علي من هذه القري الأربع وديّة واحدة، حتّي يسدّ أرضها غراسها، قائمة عمارتها للمؤمنين أوّلهم وآخرهم، فمن وليها من الناس فاُذكّر الله إلّا جهد ونصح، وحفظ أمانته.

هذا كتاب علي بن أبي طالب بيده إذ قدم مسكن، وقد أوصيت... الفقيرين في سبيل الله واجبة بتلة، ومال رسول الله صلى الله عليه و سلم علي ناحيته ينفق في سبيل الله ووجهه، وذي الرحم، والفقراء، والمساكين، وابن السبيل، يأكل منه عمّاله بالمعروف غير المنكر بأمانة وإصلاح، كإصلاحه ماله، يزرع وينصح ويجتهد.

هذا ما قضي علي بن أبي طالب في هذه الأموال الّتي كتب في هذه الصحيفة، والله المستعان علي كلّ حال.(1)

15170. معمر: عن أيّوب، عن عمرو بن دينار.

وأخبرني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار:

أنّ عليّاً تصدّق ببعض أرضه، جعلها صدقة بعد موته، وأعتق رقيقاً من رقيقه،

ص:59


1- (1) عنه عبدالرزّاق في المصنّف 374/10-376(19414).

وشرط عليهم أنّكم تعملون(1) في هذا المال خمس سنين.(2)

15171. عبدالرزّاق: عن [سفيان] بن عيينة، عن عمرو بن دينار:

أنّ عليّاً تصدّق ببعض أرضه، جعلها صدقة بعد موته، وأعتق رقيقاً من رقيقه، وشرط عليهم أنّكم تعملون في تلك الأرض خمسن سنين.(3)

15172. ابن أبي الدنيا: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال:

[كان] في صدقة علي بن أبي طالب [عليه السلام]: هذا ما تصدّق به علي تصدّق بينبع ابتغاء وجه الله، وهي حداد أربعة آلاف وسق سوي حنطتها وشعيرها وسلتها وحنّائها وموزها، [ليوم تبيضّ فيه] وجوه وتسودّ [فيه] وجوه، فهي واجبة في سبيل الله، صدقة واجبة بتلاً، لا تباع، ولا توهب، ولا تورث.

وتصدّق علي بيمينه عشرة عيناً.(4)

15173. ابن أبي الدنيا: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، قال:

[كان] في وصيّة علي: وإنّ رباحاً وجبيراً وأبانيزر يعملون في المال وكلّ مال لي بينبع إنّما عملتها للمؤمنين أوّلهم وآخرهم؛ ليولجني الله به الجنّة، ويصرف به النار عن وجهي، ويصرف بها وجهي عن النار يوم تبيضّ [فيه وجوه وتسودّ فيه وجوه].(5)

ص:60


1- (1) هذا هو الظاهر الموافق لسائر الروايات، وفي الأصل: «تقولون».
2- (2) عنه عبدالرزّاق في المصنّف 382/8(15616) و 169/9(16784), بالسند الأوّل, وفيه: «كان علي تصدّق... تعملون فيها خمس سنين».
3- (3) المصنّف 169/9(16785).
4- (4) مقتل أميرالمؤمنين ص 55 (36).
5- (5) مقتل أميرالمؤمنين ص 55 (37).

15174. ابن شبّة: حدّثنا ابن أبي خداش الموصلي، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، قال:

لم تكن في صدقة علي إلّا شهد أبوهياج وعبيدالله بن أبي رافع، وكتب.(1)

15175. علي بن حرب: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال:

في صدقة علي بن أبي طالب أنّ جبيراً ورباحاً وأبانيزر موالىّ يعملون في المال خمس حجج منه نفقاتهم ونفقات أهليهم ثمّ هم أحرار لوجه الله تعالي.(2)

7. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15176. ابن وهب: عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ علي بن أبي طالب قطع له عمر بن الخطّاب - رضي الله عنهما - ينبع، ثمّ اشتري علي بن أبي طالب رضى الله عنه إلي قطيعة عمر رضى الله عنه أشياء، فحفر فيها عيناً، فبينا هم يعملون فيها إذ تفجّر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فاُتي علي وبشّر بذلك، قال: بشّر الوارث.

ص:61


1- (1) تاريخ المدينة 228/1، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) عنه الخصّاف في أحكام الأوقاف ص 10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه, من طريق الواقدي.

ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وابن السبيل القريب والبعيد، وفي السلم، وفي الحرب، ليوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، ليصرف الله تعالي بها وجهي عن النار، ويصرف النار عن وجهي.(1)

15177. الواقدي: حدّثنا سليمان بن بلال وعبدالعزيز بن [محمّد، عن جعفر بن] محمّد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه:

أنّ عمر بن الخطّاب قطع لعلي ينبع، ثمّ اشتري علي إلي قطيعته الّتي قطع له عمر أشياء، فحفر فيها عيناً، فبينماهم يعملون إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور عن الماء، فأتي عليّاً فبشّره بذلك، فقال علي: بشّر الوارث.

ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين وفي سبيل الله وابن السبيل القريب والبعيد، في السلم والحرب، يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، ليصرف الله النار عن وجهه بها، وبلغ جذاذها في زمن علي ألف وسق.(2)

15178. ابن شبّة: قال أبوغسّان: أخبرني عبدالعزيز بن عمران، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال:

بشّر علي رضى الله عنه بالبغيبغة حين ظهرت، فقال: تسرّ الوارث. ثمّ قال: هي صدقة علي المساكين وابن السبيل وذي الحاجة الأقرب.(3)

15179. ابن شبّة: حدّثنا القعنبي، قال: حدّثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه:

أنّ عمر رضى الله عنه قطع لعلي رضى الله عنه ينبع، ثمّ اشتري علي رضى الله عنه إلي قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فاُتي علي رضى الله عنه فبشّر بذلك، فقال: يسرّ الوارث.

ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين، وفي سبيل الله، وأبناء السبيل القريب والبعيد، في السلم والحرب، ليوم تبيضّ فيه وجوه وتسودّ وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، ويصرف النار عن وجهي.(4)

15180. السمّان: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عمر رضى الله عنه أقطع عليّاً ينبع، ثمّ اشتري عليّاً أرضاً إلي جنب قطعه فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فاُتي علي رضى الله عنه فبشّر بذلك، فقال: بشّروا الوارث.

ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين وابن السبيل، وفي سبيل الله، ليوم تبيضّ فيه

ص:62


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 160/6-161، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرّمات.
2- (2) عنه الخصّاف في أحكام الأوقاف ص 9-10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) تاريخ المدينة 220/1، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
4- (4) تاريخ المدينة 220/1، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

وجوه وتسودّ فيه وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، وليصرف النار عن وجهي.(1)

15181. الخصّاف: روي موسي بن داوود، قال: حدّثنا القاسم بن الفضل، قال: حدّثنا محمّد بن علي:

أنّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه تصدّق بأرض له بتّاً بتلاً، ليقي بها وجهه عن جهنّم....(2)

15182. الطبري: عن أبي جعفر [محمّد بن علي الباقر عليه السلام]:

أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج في جيش فأدركته القائلة، وهو ما يلي الينبع، فاشتدّ عليه حرّ النهار، فانتهوا إلي سمرة فعلقوا أسلحتهم عليها وفتح الله عليهم، فقسّم رسول الله صلى الله عليه و سلم موضع السمرة لعلي في نصيبه.

قال: فاشتري [عليه السلام] إليها بعد ذلك فأمر مملوكيه أن يفجروا لها عيناً، فخرج لها مثل عين الجزور، فجاء البشير يسعي إلي علي يخبره بالّذي كان، فجعلها علي صدقة، فكتبها:

صدقة لله تعالي يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه، ليصرف الله بها وجهي عن النار، صدقة بتّة بتلة في سبيل الله تعالي، للقريب والبعيد، في السلم والحرب، واليتامي والمساكين وفي الرقاب.(3)

8. أبونيزر

15183. المبرّد: حدّثنا أبومحلّم محمّد بن هشام في إسناد ذكره آخره(4) أبونيزر - وكان أبونيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم - قال: وصحّ عندي بعد أنّه من ولد النجاشي - يعني أبانيزر - فرغب في الإسلام صغيراً، فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم، وكان معه في بيوته، فلمّا

ص:63


1- (1) الموافقة, كما عنه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 103، باب فضائل علي عليه السلام، ذكر صدقته، والرياض النضرة 303/2، الباب الرابع، الفصل التاسع، ذكر صدقته.
2- (2) أحكام الأوقاف ص 10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) عنه المتّقي في كنز العمّال 636/16-637(46158).
4- (4) في الأصل: «أخوه», والتصحيح من معجم ما استعجم.

توفّي رسول الله صلى الله عليه و سلم صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام.

قال أبونيزر: جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين: عين أبي نيزر والبغيبغة، فقال لي: هل عندك من طعام ؟ فقلت: طعام لا أرضاه لأميرالمؤمنين، قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة. فقال: علىّ به.

فقام إلي الربيع - وهو جدول - فغسل يده، ثمّ أصاب من ذلك شيئاً، ثمّ رجع إلي الربيع، فغسل يده بالرمل حتّي أنقاهما، ثمّ ضمّ يديه، كلّ واحدة منهما إلي اختها، وشرب بهما حساً من ماء الربيع، ثمّ قال: يا أبانيزر، إنّ الأكفّ أنظف الآنية. ثمّ مسح ندي ذلك الماء علي بطنه، وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.

ثمّ أخذ المعول وانحدر في العين، فجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء، فخرج وقد تفضّج جبينه عرقاً، فانتكف العرق عن جبينه، ثمّ أخذ المعول وعاد إلي العين، فأقبل يضرب فيها، وجعل يهمهم، فانثالت كأنّها عنق جزور، فخرج مسرعاً، فقال: اشهد الله أنّها صدقة، علىّ بدواة وصحيفة.

قال: فعجّلت بهما إليه، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عبدالله علي أميرالمؤمنين، تصدّق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة علي فقراء أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة، لا تباعا ولا توهبا، حتّي يرثهما الله وهو خير الوارثين، إلّا أن يحتاج إليهما الحسن أو الحسين فهما طلق لهما، وليس لأحد غيرهما.

قال [أبومحلّم] محمّد بن هشام: فركب الحسين رضى الله عنه دَين، فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مئتي ألف دينار، فأبي أن يبيع، وقال: إنّما تصدّق بها أبي ليقي الله بها وجهه حرّ النار، ولست بائعها بشيء.(1)

ص:64


1- (1) الكامل 207/3-208، باب من أخبار الخوارج، وقف عين أبي نيزر، وعنه ياقوت في معجم البلدان 198/4(8699) «عين أبي نيزر»، والبكري في معجم ما استعجم 657/2-659 «رضوي». وأورده البرّي في الجوهرة ص 90-91، فضائل علي، من دون ذكر مصدر.

15184. الزمخشري: قال أبونيزر - وهو من أبناء ملوك العجم، رغب في الإسلام وهو صغير، فأتي رسول الله فأسلم، وكان معه، فلمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه و سلم صار مع فاطمة وولدها -:

جاءني علي عليه السلام وأنا أقوم بالضيعتين(1): عين أبي نيزر والبغيبغة، فقال: هل عندك من طعام ؟ قلت: طعام لا أرضاه لك، قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة، فقال: علىّ به.

فقام إلي الربيع فغسل يده، ثمّ أصاب منه شيئاً، ثمّ رجع إلي الربيع فغسل يده بالرمل، ثمّ ضمّ يديه فشرب بهما حساً من الماء وقال: يا [أبا] نيزر، إنّ الأكفّ أنظف من الآنية، ثمّ مسح ندي الماء علي بطنه، ثمّ قال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.

ثمّ أخذ المعول فجعل يضرب بالمعول في العين، فأبطأ عليه الماء، فخرج وجبينه ينضح عرقاً وهو ينشفه بيده، ثمّ عاد فأقبل يضرب فيها وهو يهمهم، فانثالت كأنّها عنق جزور، فخرج مسرعاً وقال: أشهد أنّها صدقة، علىّ بدواة وصحيفة، فكتب:

هذا ما تصدّق به عبدالله علي أميرالمؤمنين، تصدّق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة علي أهل المدينة وابن السبيل، ليقي الله وجهه حرّ النار يوم القيامة، لا تباعان ولا ترهنان حتّي يرثهما الله وهو خير الوارثين، إلّا أن يحتاج الحسن والحسين، فهما طلق لهما، وليسا لأحد غيرهما.

فركب الحسن دين فحمل إليه معاوية بعين [أبي] نيزر مئتي ألف دينار، فقال: إنّما تصدّق بها أبي ليقي الله بها وجهه حرّ النار، ولست بائعها بشيء.(2)

9. ما ورد مرسلاً

15185. المبرّد: رووا أنّ عليّاً عليه السلام لمّا أوصي إلي الحسن في وقف أمواله وأن يجعل فيها ثلاثة من مواليه وقف فيها عين أبي نيزر والبغيبغة، فهذا غلط ؛ لأنّ وقفه هذين

ص:65


1- (1) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «الضيعين».
2- (2) ربيع الأبرار 388/4-389، باب اليأس والقناعة.

الموضعين لسنتين من خلافته.(1)

15186. ابن أبي الحديد: جاء في الأثر أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام جاءه مخبر فأخبره أنّ مالاً له قد انفجرت فيه عين خرّارة، يبشّره بذلك، فقال: بشّر الوارث، بشّر الوارث - يكرّرها -، ثمّ وقف ذلك المال علي الفقراء، وكتب به كتاباً في تلك الساعة.(2)

15187. المبرّد: تحدّث الزبيريّون أنّ معاوية كتب إلي مروان بن الحكم - وهو والي المدينة -: أمّا بعد، فإنّ أميرالمؤمنين أحبّ أن يردّ الاُلفة، ويسلّ السخيمة، ويصل الرحم، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاخطب إلي عبدالله بن جعفر ابنته امّ كلثوم علي يزيد بن أميرالمؤمنين، وارغب له في الصداق.

فوجّه مروان إلي عبدالله بن جعفر، فقرأ عليه كتاب معاوية، وأعلمه بما في ردّ الاُلفة من صلاح ذات البين، واجتماع الدعوة.

فقال عبدالله: إنّ خالها الحسين بينبع، وليس ممّن يفتات عليه بأمر، فأنظرني إلي أن يقدم. وكانت امّها زينب بنت علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه -.

فلمّا قدم الحسين ذكر ذلك له عبدالله بن جعفر، فقام من عنده فدخل إلي الجارية، فقال: يا بنيّة، إنّ ابن عمّك القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب أحقّ بك، ولعلّك ترغبين في كثرة الصداق وقد نحلتك البغيبغات.

فلمّا حضر القوم للإملاك(3) تكلّم مروان بن الحكم، فذكر معاوية وما قصده من صلة

ص:66


1- (1) الكامل 206/3، باب من أخبار الخوارج، ذيل: لأبي الأسود الدؤلي في آل البيت، وعنه ياقوت في معجم البلدان 198/4(8699) «عين أبي نيزر». والظاهر عدم صحّة تاريخ الوقف وكذا ذكره في وصيّته عليه السلام إلي الحسن عليه السلام، إذ رواية المبرّد المتقدّمة ناطقة بأنّه عليه السلام وقف الضيعة بعد حفر العين من غير فصل، ونحن نعلم أنّه عليه السلام خرج من المدينة بعد أشهر قليلة من خلافته عليه السلام ولم يعد إليها حتّي استشهد عليه السلام.
2- (2) شرح نهج البلاغة 290/7، شرح الخطبة 119.
3- (3) الإملاك: عقد النكاح.

الرحم وجمع الكلمة.

فتكلّم الحسين، فزوّجها من القاسم بن محمّد.

فقال له مروان: أ غدراً يا حسين ؟ فقال: أنت بدأت، خطب أبومحمّد الحسن بن علي عليه السلام عائشة بنت عثمان بن عفّان، واجتمعنا لذلك، فتكلّمت أنت فزوّجتها من عبدالله بن الزبير.

فقال مروان: ما كان ذلك. فالتفت الحسين إلي محمّد بن حاطب فقال: أنشدك الله، أ كان ذاك ؟ قال: اللهمّ نعم.

فلم تزل هذه الضيعة في أيدي بني عبدالله بن جعفر من ناحية امّ كلثوم، يتوارثونها، حتّي ملك أميرالمؤمنين المأمون، فذكر ذلك له، فقال: كلّا، هذا وقف علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه -. فانتزعها من أيديهم، وعوّضهم عنها، وردّها إلي ما كانت عليه.(1)

15188. ابن شبّة: كانت أموال علي رضى الله عنه عيوناً متفرّقة بينبع، منها عين يقال لها عين البحير، وعين يقال لها عين أبي نيزر، وعين يقال لها عين نولا، وهي اليوم تدعي العدر، وهي الّتي يقال لها: إنّ عليّاً رضى الله عنه عمل فيها بيده، وفيها مسجد النبىّ صلى الله عليه و سلم متوجّهة إلي ذي العشيرة يتلقّي عير قريش.

وفي هذه العيون أشراب بأيدي أقوام، زعم بعض الناس أنّ ولاة الصدقة أعطوهم إيّاها، وزعم الّذين هي بأيديهم أنّها ملك لهم، إلّا عين نولا، فإنّها خالصة، إلّا نخلات فيها بيد امرأة يقال لها بنت يعلي مولي علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

وعمل علي رضى الله عنه أيضاً بينبع البغيبغات، وهي عيون، منها عين يقال لها خيف الأراك، ومنها عين يقال لها خيف ليلي، ومنها عين يقال لها خيف بسطاس، فيها خليج من النخل مع العين.

وكانت البغيبغات ممّا عمل علي رضى الله عنه وتصدّق به، فلم تزل في صدقاته حتّي أعطاها

ص:67


1- (1) الكامل 208/3-209، باب من أخبار الخوارج، كتاب معاوية إلي مروان بن الحكم، وعنه ياقوت في معجم البلدان 555/1(2029) «بغيبغة»، والبكري في معجم ما استعجم 659/2 «رضوي» مختصراً، وابن حجر في الإصابة 343/7، ترجمة أبي نيزر (10660). وانظر: تاريخ مدينة دمشق 245/57-246، ترجمة مروان بن الحكم (7312).

حسين بن علي عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، يأكل ثمرها، ويستعين بها علي دينه ومؤونته علي إلّا يزوّج ابنته يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فباع عبدالله تلك العيون من معاوية رضى الله عنه، ثمّ قبضت حتّي ملك بنوهاشم الصوافي، فكلّم فيها عبدالله بن حسن بن حسن أباالعبّاس، وهو خليفة، فردّها في صدقة علي رضى الله عنه، فأقامت في صدقته حتّي قبضها أبوجعفر في خلافته، وكلّم فيها الحسن بن زيد المهدي حين استخلف وأخبره خبرها، فكتب إلي زفر بن عاصم الهلالي، وهو والي المدينة، فردّها مع صدقات علي رضى الله عنه.

ولعلي رضى الله عنه أيضاً ساقي علي عين يقال لها عين الحديث بينبع، وأشرك علي عين يقال لها العصيبة، موات بينبع.

وكان له أيضاً صدقات بالمدينة: الفقيرين بالعالية، وبئر الملك بقناة، والأدبيّة بالإضم، فسمعت أنّ حسناً أو حسيناً بن علي باع ذلك كلّه فيما كان من حربهم، فتلك الأموال اليوم متفرّقة في أيدي ناس شتّي.

ولعلي رضى الله عنه في صدقاته عين ناقة بوادي القري، يقال لها عين حسن؛ بالبيرة من العلا، كانت حديثاً من الدهر بيد عبدالرحمان بن يعقوب بن إبراهيم بن محمّد بن طلحة التيمي، فخاصمه فيها حمزة بن حسن بن عبيدالله بن العبّاس بن علي - بولاية أخيه العبّاس بن حسن - الصدقة حتّي قضي لحمزة بها، وصارت في الصدقة.

وله بوادي القري أيضاً عين موات، خاصم فيها أيضاً حمزة بن حسن بولاية أخيه العبّاس رجلين من أهل وادي القري، كانت بأيديهما يقال لهما: مصدر كبير مولي حسن بن حسن، ومروان بن عبدالملك بن خارست، حتّي قضي حمزة بها، فصارت في الصدقة.

ولعلي رضى الله عنه أيضاً حقّ علي عين سكر.

وله أيضاً ساقي علي عين بالبيرة، وهو في الصدقة.

وله بحرّة الرجلاء من ناحية شعب زيد واد يدعي الأحمر، شطره في الصدقة، وشطره بأيدي آل منّاع من بني عدي، منحة من علي، وكان كلّه بأيديهم حتّي خاصمهم فيه حمزة بن حسن، فأخذ منهم نصفه.

ص:68

وله أيضاً بحرّة الرجلاء واد يقال له البيضاء، فيه مزراع وعفا، وهو في صدقته.

وله أيضاً بحرّة الرجلاء أربع آبر، يقال لها ذات كمات، وذوات العشراء، و قعين، و معيد، و رعوان، فهذه الآبر في صدقته.

وله بناحية فدك واد بين لابتي حرّة يدعي رعية، فيه نخل ووشل، من ماء يجري علي سقا بزرنوق، فذلك في صدقته.

وله أيضاً بناحية فدك واد يقال له الأسحن، وبنو فزارة تدّعي فيه ملكاً ومقاماً، وهو اليوم في أيدي ولاة الصدقة في الصدقة.

وله أيضاً ناحية فدك مال بأعلي حرّة الرجلاء يقال له القصيبة، كان عبدالله بن حسن بن حسن عامل عليه بني عمير مولي عبدالله بن جعفر بن أبي طالب علي أنّه إذا بلغ ثمره ثلاثين صاعاً بالصاع الأوّل فالصدقة علي الثلث، فإذا انقرض بنو عمير فمرجعه إلي الصدقة، فذلك اليوم علي هذه الحال بأيدي ولاة الصدقة.(1)

15189. الحميدي: تصدّق علي بن أبي طالب رضى الله عنه بأرضه بينبع فهي إلي اليوم.(2)

15190. ياقوت: سُوَيْقة: وهي مواضع كثيرة في البلاد، وهي تصغير ساق، وهي قارّة مستطيلة تشبّه بساق الإنسان، ففي بلاد العرب سويقة موضع قرب المدينة يسكنه آل علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وكان محمّد بن صالح بن عبدالله بن موسي بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه قد خرج علي المتوكّل فأنفذ إليه أباالساج في جيش ضخم فظفر به وبجماعة من أهله فأخذهم وقيدهم وقتل بعضهم وأخرب سويقة، وهي منزل بني الحسن، وكان من جملة صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وعقربها نخلاً كثيراً، وخرّب منازلهم، وحمل محمّد بن صالح إلي سامرّاء، وما أظنّ سويقة بعد ذلك أفلحت....(3)

ص:69


1- (1) تاريخ المدينة 221/1-225، صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 161/6، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرّمات.
3- (3) معجم البلدان 325/3(6790) «سويقة».
الحادي عشر: ولىّ صدقاته ووصيّته فيها له مضافاً علي ما تقدّم في الفرع السابق
اشارة

برواية:

1. مرداس - 4. يحيي بن شبل

2. مصعب بن عبدالله - 5. ما ورد مرسلاً

3. أبي معشر

1. مرداس

15191. الواقدي: حدّثني عبدالله بن مرداس، عن أبيه، قال:

رأيت علي بن الحسين يأكل ويهدي من صدقة علي رضى الله عنه.(1)

2. مصعب بن عبدالله

15192. الزبيري: كان عمر آخر ولد علي بن أبي طالب، وقدم مع أبان بن عثمان علي الوليد بن عبدالملك يسأله أن يولّيه صدقة أبيه علي بن أبي طالب، وكان يليها يومئذ ابن أخيه الحسن بن الحسن بن علي، فعرض عليه وليد الصلة وقضاء الدين، فقال: لا حاجة لي في ذلك، إنّما جئت لصدقة أبي، أنا أولي بها، فاكتب لي ولايتها.

فكتب له وليد رقعة فيها أبيات ربيع بن أبي الحقيق اليهودي النضري:

إنّا إذا مالت دواعي الهوي وأنصت السامع للقائل

واصطرع القوم بألبابهم تقضي بحكم عادل فاضل

لا نجعل الباطل حقّاً ولا نلطّ دون الحقّ بالباطل

نخاف أن تسفه أحلامنا فنخمل الدهر من الخامل(2)

ص:70


1- (1) عنه الخصّاف في أحكام الأوقاف ص 10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 305/45-306، ترجمة عمر بن علي بن أبي طالب (5254), من طريق ابن بكّار.
3. أبومعشر

15193. أبومعشر: كان علي بن أبي طالب اشترط في صدقته أنّها إلي ذي الدين والفضل من أكابر ولده، قال: فانتهت صدقته في زمن الوليد بن عبدالملك إلي زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب فنازعه فيها أبوهاشم عبدالله بن محمّد، فقال: أنت تعلم أنّي وإيّاك في النسب سواء إلي جدّنا علي، وإن كانت فاطمة لم تلدني وولدتك، فإنّ هذه الصدقة لعلي وليست لفاطمة، وأنا أفقه منك وأعلم بالكتاب والسنّة. حتّي طالت المنازعة بينهما، فخرج زيد من المدينة إلي الوليد بن عبدالملك، وهو بدمشق، فكبر عنده علي أبي هاشم وأعلمه أنّ له شيعة بالعراق يتّخذونه إماماً، وأنّه يدعو إلي نفسه حيث كان.

فوقع ذلك في نفس الوليد، ووقر في صدره، وصدّق زيداً فيما ذكره، وحمله منه علي جهة النصيحة، وتزوّج ابنته نفيسة ابنة زيد بن الحسن، وكتب الوليد إلي عامله بالمدينة في إشخاص أبي هاشم إليه، وأنفد بكتابه رسولاً قاصداً يأتي بأبي هاشم، فلمّا وصل إلي باب الوليد أمر بحبسه في السجن فمكث فيه مدّة.

فوفد في أمره علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقدم علي الوليد، فكان أوّل ما افتتح به كلامه حين دخل عليه أنّه قال: يا أميرالمؤمنين، ما بال آل أبي بكر وآل عمر وآل عثمان يتقرّبون بآبائهم فيكرمون ويحبّون، وآل رسول الله صلى الله عليه و سلم يتقرّبون به فلا ينفعهم ذلك ؟ فيم حبست ابن عمّي عبدالله بن محمّد طول هذه المدّة ؟

قال: بقول ابن عمّكما زيد بن الحسن، فإنّه أخبرني أنّ عبدالله بن محمّد ينتحل اسمي ويدعو إلي نفسه، وأنّ له شيعة بالعراق قد اتّخذوه إماماً.

قال له علي بن الحسين: أو ما يمكن أن يكون بين ابني العمّ منازعة ووحشة كما يكون بين الأقارب، فيكذب أحدهما علي الآخر؟ وهذان كان بينهما كذا وكذا، فأخبره خبر صدقة علي بن أبي طالب وما جري فيها، حتّي زال عن قلب الوليد ما كان قد خامره.

ثمّ قال له: فأنا أسألك بقرابتنا من نبيّك صلى الله عليه و سلم لمّا خلّيت سبيله. فقال: قد فعلت. فخلّي

ص:71

سبيله، وأمره أن يقيم بحضرته.(1)

4. يحيي بن شبل

15194. الواقدي: حدّثني ابن أبي سبرة، عن يحيي بن شبل، قال:

رأيت علي بن الحسين يبيع من رقيق صدقة علي ويبتاع.(2)

5. ما ورد مرسلاً

15195. الشافعي: أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي:

ولي علي صدقته حتّي مات، ووليها بعده الحسن بن علي - رضي الله عنهما -.(3)

15196. ابن بكّار: كان الحسن بن الحسن وصىّ أبيه، وولىّ صدقة علي بن أبي طالب في عصره، وكان حجّاج بن يوسف قال له يوماً وهو يسايره في موكبه بالمدينة - وحجّاج يومئذ أميرالمدينة -: أدخل عمّك عمر بن علي معك في صدقة علي؛ فإنّه عمّك وبقيّة أهلك. قال: لا اغيّر شرط علي، ولا أدخل فيها من لم يدخل....(4)

15197. البلاذري: قالوا: وأوصي أن يقوم في أرضه ثلاثة من مواليه ولهم قوتهم، وإن هلك الحسن قام بأمر وصيّتي الأكبر فالأكبر من ولدي ممّن لا يطعن عليه.(5)

15198. ابن أبي الحديد: قد عاتبت العثمانيّة وقالت: إنّ أبابكر مات ولم يخلّف ديناراً ولا درهماً، وإنّ عليّاً عليه السلام مات وخلّف عقاراً كثيراً - يعنون نخلاً -.

ص:72


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 375/19-376، ترجمة زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (2334).
2- (2) عنه الخصّاف في أحكام الأوقاف ص 10، ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) الاُمّ 70/4، الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات، وعنه البيهقي في السنن الكبري 161/6-162، كتاب الوقف، باب جواز الصدقة المحرّمة وإن لم تقبض.
4- (4) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 65/13، ترجمة الحسن بن الحسن بن علي (1320).
5- (5) أنساب الأشراف 263/3، أمر ابن ملجم....

قيل لهم: قد علم كلّ أحد أنّ عليّاً عليه السلام استخرج عيوناً بكدّ يده بالمدينة وينبع وسويقة(1) ، وأحيا بها مواتاً كثيراً، ثمّ أخرجها عن ملكه، وتصدّق بها علي المسلمين، ولم يمت وشيء منها في ملكه.

أ لا تري إلي ما تتضمّنه كتب السير والأخبار من منازعة زيد بن علي وعبدالله بن الحسن في صدقات علي عليه السلام ؟ ولم يورّث علي عليه السلام بنيه قليلاً من المال ولا كثيراً إلّا عبيده وإماءه وسبعمئة درهم من عطائه، تركها ليشتري بها خادماً لأهله قيمتها ثمانية وعشرون ديناراً، علي حسب المئة أربعة دنانير، وهكذا كانت المعاملة بالدراهم إذ ذاك، وإنّما لم يترك أبوبكر قليلاً ولا كثيراً لأنّه ما عاش، ولو عاش لترك.

أ لا تري أنّ عمر أصدق امّ كلثوم أربعين ألف درهم، ودفعها إليها؟ وذلك لأنّ هؤلاء طالت أعمارهم، فمنهم من درّت عليه أخلاف التجارة، ومنهم من كان يستعمر الأرض ويزرعها، ومنهم من استفضل من رزقه من الفيء.

وفضّلهم أميرالمؤمنين عليه السلام بأنّه كان يعمل بيده، ويحرث الأرض, ويستقي الماء, ويغرس النخل، كلّ ذلك يباشره بنفسه الشريفة، ولم يستبق منه لوقته ولا لعقبه قليلاً ولا كثيراً، وإنّما كان صدقة....(2)

الثاني عشر: كثرة صدقاته وإنفاقاته عليه السلام، واهتمامه بها
اشارة

برواية:

1. أبي أراكة - 5. علي بن أبي طالب عليه السلام

2. الأصبغ بن نباتة - 6. محمّد ابن الحنفيّة

3. زيد بن علي - 7. المراسيل والأقوال

4. عامر الشعبي -

ص:73


1- (1) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «سويعة».
2- (2) شرح نهج البلاغة 146/15-147، شرح الوصيّة 34.
1. أبوأراكة

15199. ابن أبي الدنيا: حدّثنا القاسم بن هاشم، عن عبدالعزيز بن الخطّاب، عن الحسن بن علي النميري، حدّثنا عمرو بن يحيي، عن أبي أراكة، قال:

جاء سائل إلي علي عليه السلام، فقال لبعض ولده: اذهب إلي امّك وقل لها: هات ذاك الدرهم الّذي عندك. فمضي ثمّ عاد وقال: قد قالت: خبّأناه للدقيق. فقال: اذهب وائتني به. فذهب وعاد وهو معه، ودفعه إلي السائل وقال: لا يصدق إيمان عبد حتّي يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يديه. فبينا هو يتحدّث إذ مرّ به رجل يبيع جملاً، فاشتراه منه بمئة درهم ثمّ باعه بمئتين، فدفع المئة إلي ولده وقال: اذهب بها إلي امّك وقل لها: هذا ما وعدنا الله علي لسان نبيّه صلى الله عليه و آله و سلم إخباراً عن ربّه سبحانه: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)1 .(1)

2. الأصبغ بن نباتة

15200. ابن عساكر: أخبرنا أبوعبدالله الحسين بن عبدالملك، حدّثنا سعيد بن أحمد بن محمّد، أخبرنا أبوحامد بندار بن محمّد بن أحمد الأستراباذي - بها -، حدّثنا أبوالعبّاس أحمد بن محمّد بن عمران الخفاقي، حدّثنا علي بن محمّد بن حاتم القومسي، حدّثنا أبوزكريّا الرملي، حدّثنا يزيد بن هارون، عن نوح بن قيس، عن سلامة الكندي، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب، قال:

جاءه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لي إليك حاجة، فرفعتها إلي الله قبل أن أرفعها إليك، فإن أنت قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن أنت لم تقضها حمدت الله وعذرتك.

ص:74


1- (2) عنه سبط ابن الجوزي بإسناده إليه في تذكرة الخواصّ 479/1-480، الباب الرابع، في ذكر ورعه وزهادته عليه السلام.

فقال علي: اكتب [حاجتك] علي الأرض، فإنّي أكره أن أري ذلّ السؤال في وجهك. فكتب: إنّي محتاج.

فقال علي: علىّ بحلّة. فاُتي بها، فأخذها الرجل فلبسها ثمّ أنشأ يقول:

كسوتني حلّة تبلي محاسنها فسوف أكسوك من حسن الثنا حللا

إن نلت حسن ثنائي نلت مكرمة ولست تبغي بما قد قلته بدلا

إنّ الثناء ليحيي ذكر صاحبه كالغيث يحيي نداه السهل والجبلا

لا تزهد الدهر في زهو تواقعه فكلّ عبد سيجزي بالّذي عملا

فقال علي: علىّ بالدنانير. فاُتي بمئة دينار، فدفعها إليه، فقال الأصبغ: فقلت: يا أميرالمؤمنين، حلّة ومئة دينار؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: أنزلوا الناس منازلهم، وهذه منزلة هذا الرجل عندي.(1)

3. زيد بن علي

15201. الشافعي: أخبرني عمّي محمّد بن علي بن شافع، قال: أخبرني عبدالله بن حسن بن حسن، عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال: زيد بن علي:

أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم تصدّقت بمالها علي بني هاشم وبني المطّلب، وأنّ عليّاً تصدّق عليهم فأدخل معهم غيرهم.(2)

4. عامر الشعبي

15202. ابن أبي الحديد: قال الشعبي - وقد ذكره عليه السلام -:

كان أسخي الناس، كان علي الخُلُق الّذي يحبّه الله: السخاء والجود، ما قال «لا» لسائل قطّ .(3)

ص:75


1- (1) تاريخ مدينة دمشق 522/42-523، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) مسند الشافعي ص 309، ومن كتاب الرضاع؛ الاُمّ 67/4، كتاب الشفعة، الخلاف في الصدقات المحرّمات، وعنه البيهقي في السنن الكبري 161/6، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرّمات، و 183/6، كتاب الهبات، باب إباحة صدقة التطوّع لمن لا تحلّ له صدقة الفرض، وفي مختصر المزني ص 133، كتاب العطايا والصدقات.
3- (3) شرح نهج البلاغة 22/1، المقدّمة، القول في نسب أميرالمؤمنين عليه السلام.
5. علي بن أبي طالب عليه السلام

15203. أحمد: حدّثنا أسود، حدّثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمّد بن كعب، عن علي، فذكر الحديث(1) ، وقال فيه:

وإنّ صدقة مالي لتبلغ أربعين ألف دينار.(2)

15204. أحمد: حدّثنا حجّاج، حدّثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمّد بن كعب القرظي، أنّ عليّاً قال:

لقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه و سلم، وإنّي لأربط الحجر علي بطني من الجوع، وإنّ صدقتي اليوم لأربعون ألفاً.(3)

15205. إبراهيم الجوهري: حدّثنا المأمون، حدّثني الرشيد، حدّثني شريك بن عبدالله، عن عاصم بن كليب، عن محمّد بن كعب القرظي، قال: سمعت علي بن أبي طالب يقول:

لقد رأيتني وإنّي لأربط الحجر عن بطني من الجوع، وإنّ صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار.(4)

15206. عبدالله بن أحمد: حدّثني علي بن حكيم، قال: حدّثنا شريك، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن محمّد بن كعب القرظي، قال: سمعت عليّاً قال:

ص:76


1- (1) أي الحديث التالي عن أحمد, عن حجّاج, عن شريك.
2- (2) مسند أحمد 159/1(1368)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 375/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) مسند أحمد 159/1(1367)؛ فضائل الصحابة 550/1(927)؛ الزهد 166، زهد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 375/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
4- (4) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 375/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وابن الأثير في اُسد الغابة 23/4، ترجمة علي بن أبي طالب، زهده وعدله. وأشار ابن الأثير إلي روايتي أحمد المتقدّمتين وأنّ فيهما: «أربعين ألف دينار».

كنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإنّي لأربط علي بطني الحجر من الجوع، وإنّ صدقتي اليوم لأربعون ألفاً.(1)

15207. خيثمة: حدّثنا أحمد بن الهيثم بن خالد - بسامرّاء -، أخبرنا [محمّد بن سعيد] بن الأصبهاني، أخبرنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمّد بن كعب، قال: سمعت عليّاً يقول:

لقد رأيتني أربط الحجر علي بطني من الجوع في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، وإنّ صدقتي اليوم لأربعون ألف دينار.(2)

15208. ابن الصوّاف: حدّثنا بشر بن موسي، حدّثنا محمّد بن سعيد الأصبهاني، حدّثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن محمّد بن كعب، قال: سمعت عليّاً يقول:

لقد رأيتني أربط الحجر علي بطني من شدّة الجوع علي عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم، وإنّ صدقتي اليوم لأربعون ألف دينار.(3)

6. محمّد ابن الحنفيّة

15209. الزمخشري: [قال] محمّد ابن الحنفيّة:

كان أبي يدعو قنبراً بالليل فيحمله دقيقاً وتمراً، فيمضي إلي أبيات قد عرفها ولا يطّلع عليه أحداً، فقلت له: يا أبت، ما يمنعك أن تدفع إليهم نهاراً؟ قال: يا بنىّ ، صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ .(4)

7. المراسيل والأقوال

15210. محمّد بن فضيل: قيل لعلي عليه السلام: كم تتصدّق ؟! كم تخرج مالك ؟! ألا تمسك ؟! قال: إنّي والله لو أعلم أنّ الله تعالي قبل منّي فرضاً واحداً لأمسكت؛ ولكنّي والله ما

ص:77


1- (1) فضائل الصحابة لأحمد 538/1(899).
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 375/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) عنه أبونعيم في حلية الأولياء 85/1-86، ترجمة علي بن أبي طالب (4).
4- (4) ربيع الأبرار 148/2-149، باب الدين وما يتعلّق به.

أدري أ قَبِلَ منّي سبحانه شيئاً أم لا.(1)

15211. الشافعي: اخرج إلي والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وأخبرني أنّه أخذها من آل أبي رافع، وأنّها كانت عندهم، فأمر بها فقرئت علىّ ، فإذا فيها: تصدّق بها علي رضى الله عنه علي بني هاشم وبني المطّلب، وسمّي معهم غيرهم....(2)

15212. المدائني: كانت غلّة علي أربعين ألف دينار فجعلها صدقة وباع سيفه وقال: لو كان عندي عشاء ما بعته....(3)

15213. ابن أبي الحديد: روي عنه [عليه السلام] أنّه كان يسقي بيده لنخل قوم من يهود المدينة حتّي مجلت يده ويتصدّق بالاُجرة ويشدّ علي بطنه حجراً.(4)

15214. الزمخشري: وقف سائل عند علي رضى الله عنه فقال لأحد ولديه: قل لاُمّك: هاتي درهماً من ستّة دراهم. فقالت: هي للدقيق. فقال: لا يصدق إيمان عبد حتّي يكون ما في يدالله أوثق ممّا في يده.

فتصدّق بالستّة، ثمّ مرّ به رجل يبيع جملاً، فاشتراه بمئة وأربعين، وباعه بمئتين، فجاء بالستّين إلي فاطمة، فقالت: ما هذا؟ قال: هذا ما وعدنا الله علي لسان أبيك: (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)5 .(5)

15215. الزمخشري: أتي عليّاً رضى الله عنه أعرابىّ فقال: والله يا أميرالمؤمنين، ما تركت في بيتي لا سبداً ولا لبداً، ولا ثاغية ولا راغية. فقال: والله ما أصبح في بيتي فضل عن قوتي.

ص:78


1- (1) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 202/2، آخر شرح الخطبة 34.
2- (2) الاُمّ 67/4، كتاب الشفعة، الخلاف في الصدقات المحرّمات.
3- (3) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 360/2، ترجمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب.
4- (4) شرح نهج البلاغة 22/1، المقدّمة، القول في نسب أميرالمؤمنين عليه السلام.
5- (6) ربيع الأبرار 601/1، باب الجزاء والمكافاة.

فولّي الأعرابي وهو يقول: والله ليسألنّك الله عن موقفي بين يديك. فبكي بكاء شديداً، وأمر بردّه واستعادة كلامه، ثمّ بكي فقال: يا قنبر، ائتني بدرعي الفلانية. ودفعها إلي(1) الأعرابي وقال: لا تخدعنّ عنها فطالما كشفت بها الكرب عن وجه رسول الله.

ثمّ قال قنبر: كان يجزيه عشرون درهماً.

قال: يا قنبر، والله ما يسرّني أنّ لي زنة الدنيا ذهباً أو فضّة فتصدّقت وقبله الله منّي وأنّه سألني عن موقف هذا بين يدىّ .(2)

وقد تقدّمت الأحاديث الكثيرة بأسانيد عديدة في صدقاته وإنفاقاته عليه السلام في ذيل الآيات النازلة في شأنه عليه السلام، فراجع: «أهل البيت عليهم السلام في القرآن» 117/1(213-214) ذيل الآية 265 من سورة البقرة: (وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ ) ، و 119/1-128(220-244) ذيل الآية 274 من سورة البقرة: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً ) ، و 187/1-216(346-411) ذيل الآيتين 55-56 من سورة المائدة: (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا) ، و 287/2-307(1641-1693) ذيل الآيتين 12-13 من سورة المجادلة: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ ) ، و 309/2-310(1696-1698) ذيل الآية 9 من سورة الحشر: (وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ) ، و 358/2-397(1815-1849) ذيل الآيات 5-22 من سورة الإنسان: (... وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً...) .

الثالث عشر: إطعامه عليه السلام الناس من الفيء

بروآية:

1. أبي خالد - 2. عامر الشعبي

ص:79


1- (1) في الأصل: «لك».
2- (2) ربيع الأبرار 668/2-669، باب الطلب والاستجداء.

3. علي بن ربيعة - 5. ما ورد مرسلاً

4. كعب

1. أبوخالد

15216. ابن زنجويه: أخبرنا محمّد بن عبيد، إسماعيل بن أبي خالد، عن أبيه، قال:

كان علي يرزق الناس الطلي(1) في دنان(2) صغار تأتيه من عانات(3).(4)

2. عامر الشعبي

15217. ابن أبي شيبة: حدّثنا عبدالرحيم بن سليمان، عن مجالد، عن الشعبي، قال:

كان علي يرزق الناس الطلاء في دنان صغار، فسكر منه رجل فجلده علي ثمانين.

قال: فشهدوا عنده أنّه سكر من الّذي رزقهم، قال: ولِمَ شرب منه حتّي سكر؟(5)

15218. ابن المبارك: عن جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال:

كان علي رضى الله عنه يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب فلا يستطيع أن يخرج منه.(6)

3. علي بن ربيعة

15219. ابن زنجويه: أخبرنا قبيصة بن عاقبة، أخبرنا سفيان، عن سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة:

أنّ عليّاً عليه السلام كان يطعم الناس في أجاجين(7) خزف، ثمّ يجيء فيقول: افرجوا افرجوا.

ص:80


1- (1) الطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتّي ذهب ثلثاه، وقد يكنّي به عن الخمر.
2- (2) الدنّ : كهيئة الحبّ إلّا أنّه أطول منه وأوسع رأساً، ويقال له الراقود، والجمع «دنان».
3- (3) عانات: قري بناها كسري بين الرقّة وهيت قريبة من الأنبار.
4- (4) الأموال 560/2(923).
5- (5) المصنّف 499/5(28397).
6- (6) عنه النسائي بإسناده إليه في السنن الكبري 120/5(5209).
7- (7) أجاجين: جمع إجّانة، وهي الّتي تغسل فيها الثياب. لسان العرب 82/1 «أجن».

فيهوي بيده هكذا ولا يأخذ شيئاً.(1)

4. كعب

15220. ابن إسحاق: عن عمر بن كعب، عن أبيه، قال:

رأيت عليّاً يرزق الناس الطلي مع العسل بالعراق.(2)

5. ما ورد مرسلاً

15221. أبونعيم: عن علي أنّه كان ل - ه دنان صغار من الطلاء، وكان يرزقهنّ المسلمين.(3)

الرابع عشر: تأسيسه عليه السلام صندوق الشكايات والظلامات

برواية:

1. محمّد بن سيرين --- 2. ما ورد مرسلاً

1. محمّد بن سيرين

15222. محمّد السمين: عن مسعدة بن اليسع، عن أبي عون، عن محمّد بن سيرين، قال:

اتّخذ علي [عليه السلام] بيتاً يلقي الناس فيه القِصَص(4) ، حتّي كتبوا شتمه فألقوه فيه فتركه.(5)

ص:81


1- (1) الأموال 563/2(931).
2- (2) عنه ابن زنجويه بإسناده إليه في الأموال 560/2(924).
3- (3) عنه المتّقي في كنز العمّال 521/5(13793).
4- (4) القصص - بكسر القاف -: جمع القصّة الّتي تكتب. لسان العرب 190/11: قصص. وهي ترفع إلي ولاة الاُمور بحكاية صورة الحال المتعلّق بتلك الحاجة، وسمّيت قصصاً علي سبيل المجاز، من حيث أنّ القصّة اسم للمحكىّ في الورقة لا لنفس الورقة، وربما سمّيت في الزمن القديم رقاعاً لصغر حجمها، أخذاً من الرقعة في الثوب. صبح الأعشي للقلقشندي 202/6، الضرب الثاني، ما يتعلّق بالكتب في المظالم.
5- (5) عنه أبوهلال في الأوائل 298/1، أوّل من اتّخذ بيتاً يطرح الناس فيه القصص علي عليه السلام, من طريق العسكري, عن إبراهيم الجوهري, عن ابن شبّة.
2. ما ورد مرسلاً

15223. القلقشندي: أوّل من اتّخذ بيتاً ترمي فيه قصص أهل الظلامات أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه، وبقي حتّي كتب ل - ه شتمه في رقعة وطرحت في البيت، فتركه.(1)

15224. ابن أبي الحديد: كان لأميرالمؤمنين عليه السلام بيت سمّاه بيت القصص، يلقي الناس فيه رقاعهم.(2)

15225. ابن عبد ربّه والنويري: قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه لأصحابه:

من كانت ل - ه إلىّ منكم حاجة فليرفعها في كتاب؛ لأصون وجوهكم عن المسألة.(3)

الخامس عشر: نهيه عليه السلام عن سدّ الطريق

برواية: الشعبي

15226. عبدالرزّاق: عن الثوري, عن واصل, عن الشعبي:

أنّ عليّاً كان يأمر بالمثاعب والكُنف(4) تقطع عن طريق المسلمين.(5)

ص:82


1- (1) صبح الأعشي 414/1، الخلافة وما يتعلّق بها.
2- (2) شرح نهج البلاغة 87/17، شرح كتابه عليه السلام لمالك الأشتر رحمه الله 53.
3- (3) العقد الفريد 199/1، كتاب الزبرجدة في الأجواد والأصفاد، العطيّة قبل السؤال؛ نهاية الأرب 219/3، القسم الثالث من الفنّ الثاني، الباب الأوّل في المدح، ذكر ما قيل في الإعطاء قبل السؤال.
4- (4) المثاعب: جمع مثعب بفتح الميم, وهو مسيل الحوض أو السطح. والكنف: جمع الكنيف, وهو السقيفة أو الظلّة فوق باب الدار, أو الخلأ.
5- (5) المصنّف 72/10(18399).

الباب الرابع: عمله عليه السلام الاقتصادي وسيرته فيه وفيه فروع:

الأوّل: أنّه عليه السلام حفر آباراً وعيوناً، وأحدث ضياعاً ونخلات
اشارة

برواية:

1. جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام --- 4. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

2. عمّار بن ياسر --- 5. أبي نيزر

3. كُشْد بن مالك --- 6. ما ورد مرسلاً

1. جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام

15227. ابن أبي الحديد: روي زرارة، قال:

قيل لجعفر بن محمّد عليه السلام: إنّ قوماً هاهنا ينتقصون عليّاً عليه السلام، قال: بم ينتقصونه لا أباً لهم ؟! وهل فيه موضع نقيصة ؟....

ولقد أعتق ألف عبد من كدّ يده؛ كلّ منهم يعرق فيه جبينه، وتحفي فيه كفّه، ولقد بشّر بعين نبعت في مال - ه مثل عنق الجزور، فقال: بشّر الوارث بِشَرّ. ثمّ جعلها صدقة علي الفقراء والمساكين وابن السبيل إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليصرف الله النار عن وجهه، ويصرف وجهه عن النار.(1)

ص:83


1- (1) شرح نهج البلاغة 110/4، شرح الخطبة 56.
2. عمّار بن ياسر

15228. ابن شبّة: قال ابن أبي يحيي، عن محمّد بن كعب القرظي، عن عمّار بن ياسر - رضي الله عنهما -، في حديث ساقه، قال:

أقطع النبىّ صلى الله عليه و سلم عليّاً رضى الله عنه بذي العشيرة من ينبع، ثمّ أقطعه عمر رضى الله عنه بعد ما استخلف إليها قطيعة، واشتري علي رضى الله عنه إليها قطعة، وحفر بها عيناً، ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين وابن السبيل، القريب والبعيد، وفي الحياة والسلم والحرب....(1)

3. كُشْد بن مالك

15229. ابن شبّة: حدّثنا محمّد بن يحيي [بن علي بن عبدالحميد الكناني]، قال: أخبرني عبدالعزيز بن عمران، عن واقد بن عبدالله الجهني، عن عمّه، عن جدّه كشد بن مالك، قال:

نزل طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد - رضي الله عنهما - علىّ بالمنحار - وهو موضع بين حوزة السفلي وبين منحوين، علي طريق التجّار في الشام - حين بعثهما رسول الله صلى الله عليه و سلم يترقّبان ل - ه عن عير أبي سفيان، فنزلا علي كشد فأجارهما، فلمّا أخذ رسول الله ينبع قطعها لكشد، فقال: يا رسول الله، إنّي كبير، ولكن اقطعها لابن أخي. فقطعها ل - ه، فابتاعها منه عبدالرحمان بن سعد بن زرارة الأنصاري بثلاثين ألف درهم.

فخرج عبدالرحمان إليها، فرمي بها وأصابه سافيها وريحها، فقدرها، وأقبل راجعاً، فلحق علي بن أبي طالب رضى الله عنه بمنزل وهي بليّة دون ينبع، فقال: من أين جئت ؟ فقال من ينبع، وقد شنفتها، فهل لك أن تبتاعها؟ قال علي: قد أخذتها بالثمن. قال: هي لك.

فخرج إليها علي رضى الله عنه، فكان أوّل شيء عمله فيها البغيبغة وأنفذها.(2)

4. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15230. ابن وهب: عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

ص:84


1- (1) تاريخ المدينة 221/1, صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) تاريخ المدينة 219/1-220, صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

أنّ علي بن أبي طالب قطع ل - ه عمر بن الخطّاب - رضي الله عنهما - ينبع، ثمّ اشتري علي بن أبي طالب رضى الله عنه إلي قطيعة عمر رضى الله عنه أشياء، فحفر فيها عيناً، فبينا هم يعملون فيها إذ تفجّر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فاُتي علي وبشّر بذلك، قال: بشّر الوارث. ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين....(1)

15231. الواقدي: حدّثنا سليمان بن بلال وعبدالعزيز بن [محمّد، عن جعفر بن] محمّد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه:

أنّ عمر بن الخطّاب قطع لعلي ينبع، ثمّ اشتري علي إلي قطيعته الّتي قطع ل - ه عمر أشياء، فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور عن الماء، فأتي عليّاً فبشّره بذلك، فقال علي: بشّر الوارث. ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين....(2)

15232. ابن شبّة: قال أبوغسّان: أخبرني عبدالعزيز بن عمران، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال:

بشّر علي رضى الله عنه بالبغيبغة حين ظهرت، فقال: تسّر الوارث. ثمّ قال: هي صدقة علي المساكين وابن السبيل وذي الحاجة الأقرب.(3)

15233. ابن شبّة: حدّثنا القعنبي، قال: حدّثنا سليمان بن بلال، عن جعفر، عن أبيه:

أنّ عمر رضى الله عنه قطع لعلي رضى الله عنه ينبع، ثمّ اشتري علي رضى الله عنه إلي قطيعة عمر أشياء فحفر فيها عيناً، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء، فاُتي علي رضى الله عنه فبشّر بذلك، فقال: يسرّ الوارث. ثمّ تصدّق بها علي الفقراء والمساكين....(4)

ص:85


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 160/6-161، كتاب الوقف، باب الصدقات المحرّمات.
2- (2) عنه الخصّاف في أحكام الأوقاف ص 9-10, ما روي في صدقة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) تاريخ المدينة 220/1, صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
4- (4) تاريخ المدينة 220/1, صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه. ونحوه رواه السمّان في الموافقة، عن جعفر، عن أبيه، كما ذكره المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 103, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر صدقته، والرياض النضرة 303/2, الباب الرابع, الفصل التاسع, ذكر صدقته.

15234. الطبري: عن أبي جعفر [محمّد بن علي الباقر عليه السلام]:

أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج في جيش فأدركته القائلة، وهو ما يلي الينبع، فاشتدّ عليه حرّ النهار، فانتهوا إلي سمرة، فعلّقوا أسلحتهم عليها وفتح الله عليهم، فقسّم رسول الله صلى الله عليه و سلم موضع السمرة لعلي في نصيبه.

قال: فاشتري [عليه السلام] إليها بعد ذلك، فأمر مملوكيه أن يفجّروا لها عيناً، فخرج لها مثل عين الجزور، فجاء البشير يسعي إلي علي يخبره بالّذي كان، فجعلها علي صدقة....(1)

5. أبونيزر

15235. المبرّد: حدّثنا أبومحلّم محمّد بن هشام في إسناد ذكره آخره(2) أبونيزر - وكان أبونيزر من أبناء بعض ملوك الأعاجم -, قال: وصحّ عندي بعد أنّه من ولد النجاشي - يعني أبانيزر - فرغب في الإسلام صغيراً، فأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلم، وكان معه في بيوته، فلمّا توفّي رسول الله صار مع فاطمة وولدها عليهم السلام.

قال أبونيزر: جاءني علي بن أبي طالب وأنا أقوم بالضيعتين: عين أبي نيزر والبغيبغة، فقال لي: هل عندك من طعام ؟ فقلت: طعام لا أرضاه لأميرالمؤمنين، قرع من قرع الضيعة صنعته بإهالة سنخة، فقال: علىّ به.

فقام إلي الربيع - وهو جدول - فغسل يده، ثمّ أصاب من ذلك شيئاً، ثمّ رجع إلي الربيع، فغسل يديه بالرمل حتّي أنقاهما، ثمّ ضمّ يديه، كلّ واحدة منهما إلي اختها، وشرب بهما حساً من ماء الربيع، ثمّ قال: يا أبانيزر، إنّ الأكفّ أنظف الآنية. ثمّ مسح ندي ذلك الماء علي بطنه، وقال: من أدخله بطنه النار فأبعده الله.

ثمّ أخذ المعول وانحدر في العين، فجعل يضرب، وأبطأ عليه الماء، فخرج وقد تفضّج جبينه عرقاً، فانتكف العرق عن جبينه، ثمّ أخذ المعول وعاد إلي العين، فأقبل يضرب

ص:86


1- (1) عنه المتّقي في كنز العمّال 636/16-637(46158).
2- (2) في الأصل: «أخوه»، والتصحيح من معجم ما استعجم.

فيها، وجعل يهمهم، فانثالت كأنّها عنق جزور، فخرج مسرعاً، فقال: اشهد الله أنّها صدقة، علىّ بدواة وصحيفة....(1)

6. ما ورد مرسلاً

15236. ابن شبّة: كانت أموال علي رضى الله عنه عيوناً متفرّقة بينبع، منها عين يقال لها عين البحير، وعين يقال لها عين أبي نيزر، وعين يقال لها عين نولا، وهي اليوم تدعي العدر، وهي الّتي يقال لها إنّ عليّاً رضى الله عنه عمل فيها بيده، وفيها مسجد النبىّ صلى الله عليه و سلم متوجّهة إلي ذي العشيرة يتلقّي عير قريش.

وفي هذه العيون أشراب بأيدي أقوام، زعم بعض الناس أنّ ولاة الصدقة أعطوهم إيّاها، وزعم الّذين هي بأيديهم أنّها ملك لهم، إلّا عين نولا، فإنّها خالصة، إلّا نخلات فيها بيد امرأة يقال لها بنت يعلي مولي علي بن أبي طالب رضى الله عنه.

وعمل علي رضى الله عنه أيضاً بينبع البغيبغات، وهي عيون، منها عين يقال لها خيف الأراك، ومنها عين يقال لها خيف ليلي، ومنها عين يقال لها خيف بسطاس، فيها خليج من النخل مع العين، وكانت البغيبغات ممّا عمل علي رضى الله عنه وتصدّق به....(2)

15237. ابن أبي الحديد: جاء في الأثر أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام جاءه مخبر فأخبره أنّ مالاً ل - ه قد انفجرت فيه عين خرّارة، يبشّره بذلك، فقال: بشّر الوارث، بشّر الوارث، يكرّرها، ثمّ وقف ذلك المال علي الفقراء، وكتب به كتاباً في تلك الساعة.(3)

ص:87


1- (1) الكامل 207/3-208, باب من أخبار الخوارج, وقف عين أبي نيزر، وعنه ياقوت في معجم البلدان 198/4(8699) «عين أبي نيزر»، والبكري في معجم ما استعجم 657/2-659 «رضوي». وأورده البرّي في الجوهرة ص 90-91, فضائل علي, من دون ذكر مصدر، وروي نحوه الزمخشري في ربيع الأبرار 388/4. باب اليأس والقناعة, وتقدّمت روايته في عنوان: «وقفه عليه السلام الأموال في سبيل الله».
2- (2) تاريخ المدينة 221/1-222, صدقات علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) شرح نهج البلاغة 290/7، شرح الخطبة 119.

15238. البلاذري: كتب عليه السلام إلي قرظة بن كعب:

أمّا بعد، فإنّ قوماً من أهل عملك أتوني فذكروا أنّ لهم نهراً عفا ودرس، وأنّهم إن حفروه واستخرجوه عمرت بلادهم وقووا علي خراجهم وزاد فيء المسلمين قبلهم, وسألوني الكتاب إليك لتأخذهم بعمله وتجمعهم لحفره والإنفاق عليه، ولست أري أن أجبر أحداً علي عمل يكرهه، فادعهم إليك, فإن كان الأمر في النهر علي ما وصفوا فمن أحبّ أن يعمل فمره بالعمل، والنهر لمن عمله دون من كرهه، ولأن يعمروا ويقووا أحبّ إلىّ من أن يضعفوا، والسلام.(1)

الثاني: جباية الخراج والصدقات، وسيرته عليه السلام فيها
اشارة

برواية:

1. الحارث --- 7. عبيدة

2. الحارث بن أبي الحارث الأسدي -- 8. عطاء

3. الحسن بن صالح --- 9. عنترة الشيباني

4. أبي رافع --- 10. محمّد بن عبيدالله الثقفي

5. رجل من ثقيف --- 11. مسروق

6. عامر الشعبي -- 12. ما ورد مرسلاً

1. الحارث

15239. ابن شبّة: حدّثنا أبوالوليد الطيالسي، حدّثنا يعلي بن الحارث، حدّثنا الربيع بن زياد، عن الحارث، قال:

سمعت عليّاً يقول وهو يخطب: قد أمرنا لنساء المهاجرين بورس وإبر.

قال: فأمّا الإبر فأخذها من ناس من اليهود ممّا عليهم من الجزية.(2)

ص:88


1- (1) أنساب الأشراف 390/2, ترجمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
2- (2) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 374/2, ترجمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
2. الحارث بن أبي الحارث الأسدي

15240. الفريابي: أخبرنا إسرائيل، حدّثنا سماك بن حرب، عن الحارث بن أبي الحارث:

أنّ رجلاً وجد ذهباً، فابتاعه من رجل فأذابه، فأصاب منه ذهباً كثيراً، فاستعدي عليه البائع علي بن أبي طالب.

فقال له علي: أدّ أنت الخمس ممّا أصبت، فليس عليك إلّا ما أصبت.(1)

15241. ابن قتيبة: في حديث علي رضى الله عنه أنّ رجلاً استخرج معدناً فاشتراه منه رجل بمئة شاة متبع، فأتي امّه فأخبرها فقالت: يا بنىّ ، إنّ المئة ثلاثمئة، امّهاتها مئة، وأولادها مئة، وكفأتها مئة. فاستقاله فأبي.

قال: فأخذه، فأذابه فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: لآتينّ عليّاً، فلأثينّ (2) بك.

فأتي عليّاً فأخبره، فقال له علي: ما أري الخمس إلّا عليك. يعني خمس المئة.

يرويه الحجّاج، عن حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن الحارث بن أبي الحارث الأزدي؛ أنّ أباه كان أعلم الناس بمعدن، وأنّه أتي علي رجل قد استخرج معدناً فاشتراه بمئة شاة متبع، وذكر الحديث.(3)

15242. ابن زنجويه: حدّثنا معاذ بن خالد، أخبرنا حمّاد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن الحارث بن أبي الحارث الأسدي:

ص:89


1- (1) عنه ابن زنجويه في الأموال 744/2(1272).
2- (2) هذا هو الموافق لشرح ابن قتيبة في ذيل الحديث، وفي المتن: «فلأشينّ ».
3- (3) غريب الحديث 97/2-98، حديث أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب, وقال: الكفأة: بالضمّ ، وفيها لغة اخري: الكفأة بفتح الكاف، والاُولي أجود، وهي تكون في موضعين، أحدهما أن تدفع إلي رجل إبلك، وتجعل له أوبارها وألبانها، تقول: أكفأته إبلي، وأعطيته كفأة إبلي، إذا فعلت ذلك به، والموضع الآخر أن تجعل إبلك قطعتين، فتنتج كلّ عام نصفاً وتدع نصفاً، كما تصنع بالأرض في الزراعة، وذلك أنّها إذا حالت سنة كان أقوي لها، وأحري أن لا تخلف.... وقوله: «لأثينّ بك»، يريد «لأشينّ بك»، يقال: أثيت بالرجل، إذا سعيت به إلي السلطان، فأنا أثي به، وفيه لغة اخري: أثوت بالواو، ومثله ممّا يقال بالواو والياء، حنوت العود وحنيته، وأتيت الرجل وأتوته.

أنّ أباه كان أعلم الناس بمعدن، فمرّ برجل قد استخرج معدناً فاشتراه منه بمئة شاة متبع، فأتي امّه فأخبرها بذلك، فقالت: أي بنىّ ، إنّ المئة الشاة ثلاثمئة، امّهاتها مئة، وأولادها مئة، وكفاتها مئة، فارجع إلي صاحبك فاستقله.

فرجع إلي صاحبه فقال: أقلني. فأبي. قال: فضع عنّي خمس عشرة شاة. فأبي أن يحطّ عنه، فأخذه فأذابه فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فأتي الرجل فقال: ردّ علىّ البيع. فقال: لا أفعل، استوضعتك خمس عشرة شاة، فلم تضعها عنّي.

فقال: والله لآتينّ عليّاً. فأتي عليّاً، فقال: إنّ أباالحارث أصاب معدناً.

فأتاه علي فقال: أين الركاز الّذي أصبت ؟ فقال: ما أصبت ركازاً، إنّما أصابه هذا، فاشتريته منه بمئة شاة متبع.

فقال علي للرجل: والله ما أري الخمس إلّا عليك، خمس المئة شاة.(1)

3. الحسن بن صالح

15243. يحيي بن آدم: عن الحسن بن صالح، قال:

بلغني أنّ عليّاً رحمه الله ألزم أهل أجمة برس أربعة آلاف درهم، وكتب لهم بذلك كتاباً في قطعة أديم(2).(3)

4. أبورافع

15244. أبويوسف: حدّثنا أشعث بن سوّار، عن حبيب بن أبي ثابت، عن صلت المكّي، عن أبي رافع، قال:

ص:90


1- (1) الأموال 743/2-744(1271).
2- (2) الأديم: الجلد المدبوغ.
3- (3) عنه البلاذري بإسناده إليه في فتوح البلدان 336/2(695)، ومن طريقه ياقوت في معجم البلدان 128/1(247) «أجمة برس»، وقال: أجمة برس - بالفتح والتحريك -، وبرس - بضمّ الباء الموحّدة وسكون الراء والسين مهملة -: ناحية بأرض بابل.

أعطاهم النبىّ صلى الله عليه و سلم أرضاً، فعجزوا عن عمارتها فباعوها في زمن عمر بن الخطّاب رضى الله عنه بثمانية آلاف دينار أو بثمانمئة ألف درهم، فوضعوا أموالهم عند علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فلمّا أخذوها تنقص، فقالوا: هذا ناقص ؟! قال: احسبوا زكاته.

قال: فحسبوه فوجدوه وافياً. فقال: أ حسبتم أنّي امسك مالاً لا ازكّيه ؟(1)

15245. الفريابي: حدّثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن بعض بني أبي رافع:

أنّ عليّاً باع أرضاً لهم بثمانين ألفاً، فلمّا سألوه أن يدفعها إليهم نقصت، فقال: إنّي كنت ازكّيها.(2)

5. رجل من ثقيف

15246. أبويوسف: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر البجلي، عن عبدالملك بن عمير، قال: حدّثني رجل من ثقيف، قال:

استعملني علي بن أبي طالب - رضي الله تعالي عنه - علي عكبرا، فقال لي - وأهل الأرض معي يسمعون -: انظر أن تستوفي ما عليهم من الخراج، وإيّاك أن ترخص لهم في شيء، وإيّاك أن يروا منك ضعفاً.

ثمّ قال: رح إلىّ عند الظهر. فرحت إليه عند الظهر، فقال لي: إنّما أوصيتك بالّذي أوصيتك به قدّام أهل عملك؛ لأنّهم قوم خدع، انظر إذا قدمت عليهم فلا تبيعنّ لهم كسوة شتاء ولا صيفاً، ولا رزقاً يأكلونه، ولا دابّة يعملون عليها، ولا تضربنّ أحداً منهم سوطاً واحداً في درهم، ولا تقمه علي رجله في طلب درهم، ولا تبع لأحد منهم عرضاً في شيء من الخراج، فإنّا إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو، فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك.

قال: قلت: إذن أرجع إليك كما خرجت من عندك! قال: وإن رجعت كما خرجت.

ص:91


1- (1) الخراج ص 61, فصل في ذكر القطائع.
2- (2) عنه ابن زنجويه في الأموال 991/3(1810).

قال: فانطلقت فعملت بالّذي أمرني به، فرجعت ولم أنتقص من الخراج شيئاً.(1)

15247. ابن أبي الدنيا: حدّثنا خلف بن سالم، قال: حدّثنا أبونعيم [الفضل بن دكين]، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبدالملك بن عمير، قال: حدّثني رجل من ثقيف، قال:

استعملني علي علي عكبرا ولم يكن السواد يسكنه المصلّون، فقال لي بين أيديهم: استوف منهم خراجهم، ولا يجدوا فيك ضعفاً ولا رخصة. ثمّ قال: رح إلىّ عند الظهر. فرحت إليه، فلم أجد عنده حاجباً يحجبني دونه، ووجدته جالساً وعنده قدح وكوز من ماء، فدعا بظبية(2) ، فقلت في نفسي: لقد أمنني حين يخرج إلىّ جوهراً، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق! فصبّ في القدح فشرب منه وسقاني، فلم أصبر، فقلت: يا أميرالمؤمنين، تصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك ؟!

قال: إنّما أشتري قدرما يكفيني، وأكره أن يُفني فيصنع فيه من غيره، وإنّي لم أختم عليه بخلاً عليه، وإنّما حفظي لذلك وأنا أكره أن أدخل بطني إلّا طيّباً، إنّي قلت لك بين أيديهم الّذي قلت لك؛ لأنّهم قوم خدع، وأنا آمرك بما آمرك به الآن، فإن أخذتهم به وإلّا أخذك الله دوني، وإن بلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك، لا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضرب رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقمه في طلب درهم، فإنّا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعنّ لهم دابّة يعملون عليها، إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو.

قال: إذاً أجئك كما ذهبت! قال: فإن فعلت.

قال: فذهبت فسعيت بما أمرني به، فرجعت إليه وما بقي علىّ درهم واحد إلّا وفيته.(3)

ص:92


1- (1) الخراج ص 15-16, أحاديث ترغيب وتحضيض.
2- (2) هذا هو الصواب, وفي الأصل: «بطينة», ومثله في الحديث التالي. والظبية: جُرَيِّبٌ من جلد ظبي عليه شعره.
3- (3) الورع ص 42-43(126). وأورده الإسكافي في المعيار والموازنة ص 248-249، لمعات من عدله عليه السلام في أهله ورعيّته.

15248. أبونعيم: حدّثنا الحسن بن علي الورّاق، حدّثنا محمّد بن أحمد بن عيسي، حدّثنا عمرو بن تميم، حدّثنا أبونعيم، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، قال: سمعت عبدالملك بن عمير يقول: حدّثني رجل من ثقيف:

أنّ عليّاً استعمله علي عكبرا، قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلّون، وقال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلىّ . فرحت إليه، فلم أجد عنده حاجباً يحبسني عنه دونه، فوجدته جالساً وعنده قدح وكوز من ماء، فدعا بظبية، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتّي يخرج إلىّ جوهراً - ولا أدري ما فيها - فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها سويق، فأخرج منها فصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر فقلت: يا أميرالمؤمنين، أ تصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك ؟!

قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه, ولكنّي أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفني فيصنع من غيره، وإنّما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلّا طيّباً.(1)

15249. الشاشي: حدّثنا أبوجعفر محمّد بن علي، حدّثنا أبونعيم، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر البجلي، قال: سمعت عبدالملك بن عمير، حدّثني رجل من ثقيف:

أنّ عليّاً استعمله علي عكبرا - قال: ولم يكن السواد يسكنه المصلّون -، فقال لي بين أيديهم: لتستوفي خراجهم ولا يجدون فيك رخصة، ولا يجدون فيك ضعفاً.

ثمّ قال لي: إذا كان عند الظهر فرح إلىّ . فرحت إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، [و] وجدته جالساً وعنده قدح وكوز فيه ماء، فدعا بظبية(2) ، فقلت في نفسي: لقد أمنني حتّي يخرج إلىّ جوهر - إذ لا أدري ما فيها - فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم فإذا فيها سويق، فأخرج منه وصبّ في القدح، فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني، فلم أصبر أن قلت له: يا أميرالمؤمنين, أ تصنع هذا بالعراق ؟ طعام العراق أكثر من ذلك!

ص:93


1- (1) حلية الأولياء 82/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4).
2- (2) في الأصل: «مطيبة»، والمثبت هو الصواب كما تقدّم آنفاً.

قال: أما والله ما أختم عليه بخلاً عليه، ولكنّي أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن نمي فيصنع فيه من غيره، فإنّما حفظي لذلك، وأكره أن أدخل بطني إلّا طيّباً، وإنّي لم أستطع أن أقول لك إلّا الّذي قلت لك بين أيديهم، إنّهم قوم خدع, ولكنّي آمرك الآن بما تأخذهم به، فإن أنت فعلت وإلّا أخذك الله به دوني، فإن يبلغني عنك خلاف ما أمرتك عزلتك، فلا يتبعن(1) لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربنّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقبحه في طلب درهم، فإنّا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعنّ لهم دابّة يعملون عليها، إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو.

قال: قلت: إذاً أجيئك كما ذهبت! قال: وإن فعلت.

قال: فذهبت فتتبّعت ما أمرني, به فرجعت والله ما بقي علىّ درهم واحد إلّا وفيته.(2)

15250. أبوحاتم السجستاني: حدّثونا عن أبي نعيم، عن إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، قال: سمعت عبدالملك بن عمير قال: حدّثني رجل من ثقيف، قال:

استعملني علي بن أبي طالب رضى الله عنه علي عكبرا - ولم يكن السواد يسكنه المصلّون (3)-، فقال لي بين أيديهم: استوف خراجهم منهم، فلا يجدوا فيك ضعفاً ولا رخصة.

ثمّ قال لي: رُح إلىّ عند الظهر. فرحنا إليه، فلم أجد عليه حاجباً يحجبني دونه، ووجدته جالساً، وعنده قدح وكوز من ماء، فدعا بظبية - يعني جراباً صغيراً - فقلت في نفسي: لقد أمنني حين يخرج إلىّ جوهراً، فإذا عليها خاتم، فكسر الخاتم، فإذا فيها، سويق، فصبّه في القدح، فشرب منه، وسقاني، فلم أصبر، فقلت: يا أميرالمؤمنين، أ تصنع هذا بالعراق ؟ طعام العراق أكثر من ذلك!

فقال: إنّما أشتري قدر ما يكفيني، وأكره أن يفني فيضع فيه غيره، فإنّي لم أختم عليه بخلاً عليه، وإنّما حفظي لذاك، وأنا أكره أن أدخل بطني إلّا طيّباً، وإنّي قلت لك

ص:94


1- (1) كذا في الأصل, والأظهر: «فلا تبيعنّ », كما في سائر الروايات.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 487/42-488، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) السواد: الأراضي الزراعيّة بين دجله والفرات. والمصلّون: المسلمون.

بين أيديهم الّذي قلت لك لأنّهم قوم خدع، وأنا آمرك الآن بما تأخذهم به إن أنت فعلت، وإلّا أخذك الله به دوني، وإن بلغني عنك خلاف ما آمرك به عزلتك.

لا تبيعنّ لهم رزقاً يأكلونه، ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا تضربنّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، فإنّا لم نؤمر بذلك، ولا تبيعنّ لهم دابّة يعملون عليها، إنّا امرنا أن نأخذ منهم العفو.

قال: إذن أجيئك كما ذهبت! قال: وإن فعلت.

قال: فذهبت فتتبّعت ما أمرني به, فرجعت ووالله ما بقي درهم واحد إلّا وفيته.(1)

15251. ابن زنجويه: أخبرنا الحسين بن الوليد، عن شيخ له من أهل العلم، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر، عن عبدالملك بن عمير، عن رجل من ثقيف، قال:

استعملني علي بن أبي طالب علي عكبرا، فقال لي وأهل الأرض عندي: إنّ أهل السواد قوم خدع فلا يخدعنّك، فاستوف ما عليهم.

ثمّ قال لي: رح إلىّ . فلمّا رحت إليه قال لي: إنّما قلت لك الّذي قلت لأسمعهم، لا تضربنّ رجلاً منهم سوطاً في طلب درهم، ولا تقمه قائماً، ولا تأخذنّ منهم شاة ولا بقرة، إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو، أتدري ما العفو؟ الطاقة.(2)

15252. يحيي بن آدم: حدّثنا جعفر الأحمر، حدّثنا عبدالملك بن عمير، أخبرني رجل من ثقيف، قال:

استعملني علي بن أبي طالب رضى الله عنه علي بزرج سابور(3) ، فقال: لا تضربنّ رجلاً سوطاً في جباية درهم، ولا تبيعنّ لهم رزقاً, ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابّة يعتملون عليها،

ص:95


1- (1) المعمّرون والوصايا ص 154-155, وصيّة علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
2- (2) الأموال 166/1-167(173).
3- (3) في اُسد الغابة: «مدرج سابور». قال حمزة الأصبهاني: بزرج سابور معرّب عن وزرك شافور, وهي المسمّاة بالسريانيّة عكبرا. معجم البلدان 160/4(8502) «عكبرا».

ولا تقم رجلاً قائماً في طلب درهم.

قال: قلت: يا أميرالمؤمنين إذاً أرجع إليك كما ذهبت من عندك ؟ قال: وإن رجعت كما ذهبت، ويحك! إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو. يعني الفضل.(1)

15253. أحمد: [حدّثني] زيد بن الحباب، أنبأنا عبدالملك بن عمير، عن رجل من ثقيف:

أنّ عليّاً رضى الله عنه استعمله علي عكبرا من سواد الكوفة، قال: ثمّ قال لي: صلّ الظهر عندي. فجئت، فما حجبني عنه أحد، وإذا عنده كوز من ماء وقدح، فدعا ببطية(2) فكسر خاتمها، وشرب من السويق، فقلت: يا أميرالمؤمنين، يفعل هذا بالعراق والعراق أكثر طعاماً من ذلك ؟! فقال: أما والله ما أختم عليه بخلاً منّي علي الطعام، وما أنا لشيء أحفظ منّي لما تري، إنّي أكره أن يجعل فيه ما ليس منه، وأكره أن يدخل بطني إلّا طيّب.(3)

15254. سعيد بن منصور: عن عبدالملك بن عمير, قال: أخبرني رجل من ثقيف، قال: استعملني علي بن أبي طالب علي برج سابور فقال: لا تضربنّ رجلاً سوطاً في جباية درهم، ولا تبيعنّ لهم رزقاً ولا كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابّة يعملون عليها، ولا تقم رجلاً قائماً في طلب درهم!

قلت: يا أميرالمؤمنين، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك! قال: وإن رجعت كما ذهبت، ويحك! إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو. يعني الفضل.(4)

15255. أبوعبيد: حدّثنا مروان بن معاوية الفزاري، عن خلف [بن تميم] مولي آل جعدة، عن رجل من آل أبي مهاجر، قال:

ص:96


1- (1) الخراج ص 81 (234), وعنه البيهقي في السنن الكبري 205/9، كتاب الجزية، باب النهي عن التشديد في جباية الجزية, وابن الأثير في اُسد الغابة 24/4, ترجمة علي بن أبي طالب, زهده وعدله.
2- (2) بطية: إناء من زجاج. ولاحظ ما تقدّم.
3- (3) الورع ص 75-76، باب في الصبر وخراب الدنيا (48).
4- (4) عنه المتّقي في كنز العمّال 501/4(11488).

استعمل علي بن أبي طالب رجلاً علي عكبرا, فقال له علي رؤوس الناس: لا تدعنّ لهم درهماً من الخراج. قال: وشدّد عليه القول، ثمّ قال له: ألقني عند انتصاف النهار.

فأتاه فقال: إنّي كنت قد أمرتك بأمر، وإنّي أتقدّم إليك الآن، فإن عصيتني نزعتك: لا تبيعنّ لهم في خراج حماراً ولا بقرة، ولا كسوة شتاء ولا صيف، وارفق بهم، وافعل بهم، وافعل بهم.(1)

15256. الإسكافي: ذكروا أنّه ولّي رجلاً من ثقيف عكبرا، فقال له بين يدي أهل الأرض الّذين [كان] عليهم [الخراج: لتستوفي خراجهم، ولا يجدون فيك رخصة], ولا يجدون فيك ضعفاً.

ثمّ قال له: عد إلىّ عند الظهر.

قال: فلمّا رحت إليه دخلت عليه وليس بيني وبينه حجاب، وإذا جنبه كوز فيه ماء وقدح.

قال: ودعا بظبية مختومة فاُتي بها، فقلت عند نفسي: كلّ هذا قد نزلت عند أميرالمؤمنين يريني جوهراً، وظننت أنّ فيها جوهراً، فكسر الخاتم ثمّ صبّ الماء في القدح، فإذا سويق فشرب، ثمّ سقاني ولم أصبر أن قلت: يا أميرالمؤمنين، أ بالعراق تصنع هذا؟ العراق أكثر خيراً وأكثر طعاماً؟! فقال لي: إنّي لست لشيء أحفظ منّي لما تري إذا خرج عطائي ابتعت منه ما يكفيني، وأكره أن يفني فيزاد فيه من غيره، وأكره أن أدخل بطني إلّا طيّباً. ثمّ أمر بها فختمت ثمّ رفعت.

ثمّ أقبل علىّ فقال: إنّي لم أقل لك الّذي قلت بين يدي أهل الأرض إلّا أنّهم قوم خدع، فإذا قدمت علي القوم فانظر ما آمرك به، فإن خالفتني وأخذك الله به دوني(2), وإن

ص:97


1- (1) الأموال ص 49 (116)، وعنه ابن قيّم الجوزيّة في أحكام أهل الذمّة 36/1، فصل: ولا يحلّ تكليفهم ما لا يقدرون عليه ولا تعذيبهم علي أدائها ولا حبسهم وضربهم.
2- (2) كذا في الأصل، ولاحظ ما تقدّم.

بلغني خلاف ما آمرك به عزلتك إن شاء الله، إذا قدمت علي القوم فلا تبغينّ فيهم كسوة شتاء ولا صيف، ولا درهماً ولا دابّة، ولا تضربنّ رجلاً سوطاً لمكان درهم، ولا تقمه علي رجليه.

قال: قلت: يا أميرالمؤمنين، إذن أرجع كما ذهبت! قال: وإن رجعت، فإنّا لم نؤمر أن نأخذ منهم إلّا العفو.

قال: فرجعت فما بقي علىّ درهم إلّا أدّيته.(1)

15257. ابن قدامة: واستعمل علي بن أبي طالب رجلاً علي عكبرا, فقال له علي رؤوس الناس: لا تدعنّ لهم درهماً من الخراج. وشدَّد عليه القول، ثمّ قال: ألقني عند انتصاف النهار.

فأتاه فقال: إنّي كنت أمرتك بأمر، وإنّي أتقدّم إليك الآن، فإن عصيتني نزعتك: لا تبيعنّ لهم في خراجهم حماراً ولا بقرة، ولا كسوة شتاء ولا صيف، وارفق بهم، وافعل بهم.(2)

15258. الراغب: ولي أميرالمؤمنين رجلاً فقال: لا تضربنّ أحداً سوطاً, ولا تتبعن(3) له رزقاً ولا كسوة لشتاء أو صيف، ولا دابّة يعملون عليها. فقال: يا أميرالمؤمنين، إذاً أرجع إليك كما ذهبت! فقال: وإن رجعت كما ذهبت؛ إنّما امرنا أن نأخذ منهم العفو.(4)

6. عامر الشعبي

15259. ابن زنجويه: أخبرنا يعلي بن عبيد، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، قال:

جاء رجل إلي علي فقال: إنّي وجدت ألفاً وخمسمئة درهم في خربة. فقال: أما أنّي

ص:98


1- (1) المعيار والموازنة ص 248-249, لمعات من عدله عليه السلام في أهله ورعيّته.
2- (2) المغني 537/8، كتاب الجزية، مسألة قال: ومن هرب من ذمّتنا إلي دار الحرب ناقضا للعهد عاد حرباً.
3- (3) كذا في الأصل, والأظهر: «ولا تبيعنّ », كما في سائر الروايات.
4- (4) محاضرات الاُدباء 166/1، الحدّ الثاني، في السيادة والولاية، السياسة بالملاينة.

سأقضي لك فيها قضاء بيّناً، إن كان هذا المال الّذي وجدت في الخربة يحمل خراجها قرية اخري فهم أحقّ به، وإن كان لا يحمل خراجها أحد فخمسها في بيت المال، وسائرها لك، وسنطيّب لك الخمس فهو لك.(1)

7. عبيدة

15260. ابن المبارك: عن هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة:

عن علي في الّذي يكون له المال غائباً، أو قال: الدين ؟ قال: إن صدق فإذا جاءه فليؤدّ عنه(2).

8. عطاء

15261. ابن المبارك: عن ابن جريج، قال: سمعت عطاء يقول:

جاء رجل عليّاً بزكاة ماله، فقال له علي: أتأخذ من عطائنا شيئاً؟ قال: لا. قال: فاذهب به - أو قال: فتركه - فإنّا لا نأخذ منك شيئاً، لا نجمع عليك أن لا نعطيك، ونأخذ منك.(3)

9. عنترة الشيباني

15262. ابن زنجويه: أخبرنا الفضل بن دكين، عن سعيد بن سنان، عن عنترة، قال:

كان علي يأخذ الجزية من كلّ ذي صنع، من صاحب الإبر إبر، ومن صاحب المسالّ مسالّ (4) ، ومن صاحب الحبال حبال، ثمّ يدعو العرفاء(5) فيعطيهم الذهب والفضّة، فيقسّمونه، ثمّ يقول: خذوا هذا فاقتسموه. فيقولون: لا حاجة لنا فيه، فيقول: أخذتم

ص:99


1- (1) الأموال 749/2(1280).
2- (2) عنه ابن زنجويه في الأموال 954/3(1719).
3- (3) عنه ابن زنجويه في الأموال 1156/3(2154).
4- (4) المِسَلَّة: الإبرة الكبيرة تخاط بها العدول ونحوها.
5- (5) العريف: قائد الجماعة من الناس.

خياره وتركتم علي شراره، لتحملنّ .(1)

15263. أبوعبيد: حدّثنا محمّد بن ربيعة وأبونعيم, عن سعيد بن سنان, عن عنترة:

عن علي أنّه كان يأخذ الجزية من أصحاب الإبر الإبر, و من أصحاب المسالّ المسالّ , ومن أصحاب الحبال الحبال.(2)

15264. وكيع: حدّثنا سفيان بن سنان أبوسنان, عن عنترة أبي وكيع:

أنّ علياً كان يأخذ العروض في الجزية من أهل الإبر الإبر, ومن أهل المسالّ المسالّ , و من أهل الحبال الحبال.(3)

15265. وكيع: حدّثنا أبوسنان، عن عنترة الشيباني، قال:

كان علي يأخذ في الجزية والخراج من أهل كلّ صناعة من صناعته وعمل يده حتّي يأخذ من أهل الإبر [الإبر] والمسالّ والخيوط والحبال، ثمّ يقسّمه بين الناس....(4)

10. محمّد بن عبيدالله الثقفي

15266. ابن أبي شيبة: حدّثنا حفص بن غياث، عن محمّد بن قيس، عن أبي عون محمّد بن عبيدالله الثقفي، عن عمر وعلي، قالا:

إذا أسلم وله أرض وضعنا عنه الجزية وأخذنا خراجها.(5)

15267. وكيع: عن المسعودي، عن أبي عون، قال:

أسلم دهقان من أهل عين التمر، فقال له علي رضى الله عنه: أمّا جزية رأسك فنرفعها، وأمّا

ص:100


1- (1) الأموال 168/1(175)؛ 818/2(1224) باختصار. وأورده المتّقي في كنز العمّال 215/4(11487), عنه وعن أبي عبيد في الأموال.
2- (2) الأموال ص 377 (960).
3- (3) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 432/6(32632).
4- (4) عنه ابن عبدالبرّ بإسناده إليه في الاستيعاب 1113/3-1114، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).
5- (5) المصنّف 467/6(32932) و 409/4(21523).

أرضك فللمسلمين، فإن شئت فرضنا لك, وإن شئت جعلناك قهرماناً لنا، فما أخرج الله منها من شيء أتيتنا به.(1)

15268. ابن زنجويه: أخبرنا أبونعيم, أخبرنا المسعودي، عن أبي عون [محمّد بن عبيدالله الثقفي]، عن رجل، عن علي:

أنّ دهقاناً من أهل عين التمر أسلم، فأتي عليّاً فأخبره بذلك، فقال له علي: أمّا أنت فلا جزية عليك، وأمّا أرضك فللمسلمين، فإن شئت فرضنا لك، وإن شئت جعلناك قهرماناً علي أرضك، فما أخرج الله منها من شيء أتيتنا به.(2)

15269. أبوعبيد: أخبرنا يزيد بن هارون، عن المسعودي، عن محمّد بن عبيدالله الثقفي:

أنّ دهقاناً أسلم، فقال له علي: أمّا أنت فلا جزية عليك، وأمّا أرضك فلنا.(3)

11. مسروق

15270. أبويوسف: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن مسروق، قال:

لمّا بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم معاذاً إلي اليمن أمره أن يأخذ من كلّ ثلاثين من البقر تبيعاً أو تبيعة،(4) ومن كلّ أربعين مسنّة(5) ، وقد بلغنا مثل ذلك عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالي عنه -.(6)

12. ما ورد مرسلاً

15271. أبويوسف: قد بلغنا عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنّه وضع علي أجمة برس

ص:101


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 142/9، كتاب السير، باب الأرض إذا اخذت عنوة.
2- (2) الأموال 241/1(322), وص 257-258(365).
3- (3) الأموال ص 53 (124)، وعنه ابن زنجويه في الأموال 174/1(187).
4- (4) التبيع: ولد البقرة أوّل سنة. النهاية 179/1 «تبع».
5- (5) البقرة والشاة يقع عليها اسم المسنّ إذا أثنيا, وثنيان في السنة الثالثة, وليس معني إسنانها كالرجل المسنّ , ولكن معناه طلوع سنّها في السنة الثالثة. النهاية 412/2 «سنن».
6- (6) الخراج ص 77, فصل في الصدقات.

أربعة آلاف درهم وكتب لهم كتاباً في قطعة أدم، وإنّما دفعها إليهم علي معاملة في قصبها.(1)

15272. أبويوسف: قد كان علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - فيما بلغنا يأخذ منهم [أي من أهل الذمّة] في جزيتهم الإبر والمسالّ ويحسب لهم من خراج رؤوسهم.(2)

15273. أبوعبيد: وإنّما توجّه هذا من علي أنّه إنّما كان يأخذ منهم هذه الأمتعة بقيمتها من الدراهم الّتي عليهم من جزية رؤوسهم، ولا يحملهم علي بيعها ثمّ يأخذ ذلك من الثمن؛ إرادة الرفق بهم والتخفيف عنهم، وهذا مثل حديث معاذ حين قال باليمن: ائتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الصدقة، فإنّه أهون عليكم، وأنفع للمهاجرين بالمدينة.(3)

15274. أبوعبيد: أفلا تري عليّاً قد سمّي المعدن ركازاً، وحكم عليه بحكمه، فأخذ منه الخمس ؟....(4)

15275. أبوعبيد: وروي عن علي وعمر مثله في الجزية، أنّهما كانا يأخذان مكانها غيرها.(5)

15276. الجصّاص: قد روي عن علي رضى الله عنه أنّ دهقاناً أسلم علي عهده، فقال له: إن

ص:102


1- (1) الخراج ص 87-88, فصل في بيع السمك في الآجام.
2- (2) الخراج ص 122, فصل في من تجب عليه الجزية.
3- (3) الأموال 168/1(176).
4- (4) الأموال ص 305, ذيل الحديث 872, وعنه ابن زنجويه في الأموال 745/2(1273), ونحوه في ص 743 (1270).
5- (5) الأموال ص 376, ذيل الحديث 958, و عنه ابن زنجويه في الأموال 818/2(1423). وقوله: «مثله», أي مثل الحديث الّذي روي قبله برقم 1422، وهو: «حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا الحجّاج، عن عمرو بن دينار، عن طاووس: أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث معاذاً إلي اليمن فأخذ الثياب بصدقة الحنطة والشعير».

أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك وأخذناها من أرضك، وإن تحوّلت عنها فنحن أحقّ بها.(1)

15277. الإسكافي: ذكروا أنّ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه كتب إلي أصحاب الخراج:

من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي أصحاب الخراج، سلام عليكم.

أمّا بعد، فإنّه من لم يحذر ما هو صائر إليه لم يقدّم لنفسه ما يحرّرها، ومن اتّبع هواه وانقاد له وآثر ذلك علي ما يعرف أهلك نفسه، وعمّا قليل ليصبحنّ نادمين.

ألا وإنّ أسعد الناس في الدنيا من عدل عمّا يعرف ضرّه، وإنّ أشقاهم من اتّبع هواه، فاعتبروا واعلموا أنّ لكم ما قدّمتم من خير، وما كان ممّا سوي ذلك وددتم لو أنّ بينكم وبينه أمداً بعيداً، ويحذّركم الله نفسه, والله رؤوف بالعباد، واعلموا أنّ عليكم وبال ما فرّطتم فيه، وأنّ الّذي كلّفتم ليسير، وأنّ ثوابه لكبير.

ولو لم يكن فيما نهي الله عنه من البغي والعدوان عقاب يخاف كان ثوابه ما لا عذر لأحد بترك طلبه، فارحموا ترحموا، ولا تعذّبوا خلق الله، ولا تكلّفوهم فوق طاقتهم، وأنصفوا الناس من أنفسكم، واصبروا لحوائجهم فإنّكم خزّان الرعيّة.

ولا تتّخذوا حجّاباً، ولا تحبسوا أحداً عن حاجته، ولا تأخذوا أحداً بأحد إلّا كفيلاً عمّن كفل عنه، واصبروا أنفسكم علي ما فيه اغتباطكم.

وإيّاكم وتأخير العمل بالتواني والعلل, ودفع الخير بالكسل؛ فإنّ في ذلك حرمان الأبد.

وخذوا علي أيدي سفهائكم، واحترسوا أن تعملوا أعمالاً لا يرضي الله بها عنّا فيردّ علينا وعليكم دعاؤنا، ولذلك قال: (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ )2 , وإنّ

ص:103


1- (1) أحكام القرآن 321/5, ومن سورة الحشر, و 297/4, سورة براءة, في خراج الأرض هل هو جزية ؟ نحوه.

الله إذا مقت قوماً أهلكهم، فلا تدخّروا أنفسكم خيراً، ولا الجند حسن سيرة، ولا الرعيّة معونة، ولا دين الله قوّة، وأبلوا قوّتكم في سبيله ما استوجب عليكم, فإنّ الله قد اصطنع عندنا وعندكم، فيحبّ أن نشكره جهدنا وأن ننصره ما بلغت قوّتنا، ولا قوّة إلّا بالله.(1)

الثالث: أنّه عليه السلام لا يقسم الفيء إن لم ير فيه صلاحاً
اشارة

برواية:

1. ثعلبة بن يزيد الحمّاني - 2. ما ورد مرسلاً

1. ثعلبة بن يزيد الحمّاني

15278. الجصّاص: حبيب بن أبي ثابت وغيره قد رووا عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني، قال:

دخلنا علي علي رضى الله عنه بالرحبة، فقال: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم.(2)

15279. البلاذري: حدّثنا أبونصر التمّار، قال: حدّثنا شريك، عن الأجلح، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد، عن علي، قال:

لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم.(3)

15280. يحيي بن آدم: حدّثنا عمرو بن أبي المقدام، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني، عن علي رضى الله عنه, نحوه.(4)

15281. البيهقي: حدّثنا يحيي، حدّثنا قيس بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت، عن

ص:104


1- (1) المعيار والموازنة ص 122-123, كتاب أميرالمؤمنين عليه السلام إلي أصحاب الخراج.
2- (2) أحكام القرآن 321/5, ومن سورة الحشر.
3- (3) فتوح البلدان 327/2(661).
4- (4) عنه البيهقي في السنن الكبري 135/9، كتاب السير، باب السواد. وقوله: «نحوه»، أي نحو حديث يحيي، عن قيس بن الربيع، عن حبيب، وهو الحديث التالي.

ثعلبة الحمّاني، قال:

دخلنا علي علي بن أبي طالب رضى الله عنه بالرحبة فقال: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم.(1)

15282. ابن زنجويه: أخبرنا قبيصة، أخبرنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن ثعلبة بن يزيد الحمّاني، قال:

بلغ عليّاً عن السواد فساد، فقال: من ينتدب ؟ فانتدب له ثلاثمئة, فقال: لولا أن تضرب وجوه قوم عن مالهم لقسمت السواد بينهم.(2)

2. ما ورد مرسلاً

15283. أبويوسف: بلغنا عن علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - أنّه قال: لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم.

وشكا أهل السواد إليه, فبعث مئة فارس، فيهم ثعلبة بن يزيد الحمّاني، فلمّا رجع ثعلبة، قال: لله علىّ أن لا أرجع إلي السواد أبداً. لما رأي فيه من الشرّ.(3)

الرابع: أنّه عليه السلام كان لا يأخذ شيئاً من أموال محاربيه
اشارة

برواية:

1. عبدالواحد الأسدي - 2. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

1. عبدالواحد الأسدي

15284. ابن شاذان: أخبرنا أحمد بن إسحاق بن وهب البندار، حدّثنا موسي بن إسحاق، حدّثنا منجاب بن الحارث، أخبرنا [علي] بن مسهر، عن [أبي إسحاق]

ص:105


1- (1) السنن الكبري 135/9، كتاب السير، باب السواد.
2- (2) الأموال 241/1(323).
3- (3) الخراج ص 36-37, ما عمل به في السواد.

الشيباني، عن عرفجة بن عبدالواحد الأسدي، عن أبيه، قال:

شهدت عليّاً حين ظهر علي أهل النهروان، أمر برثثهم فاُخرجت إلي الرحبة، ثمّ قال للناس: من عرف شيئاً فليأخذ. فجعل الناس يأخذون ما عرفوا حتّي كان آخر ذلك قدر من نحاس، فمكثنا ثلاثة أيّام لا يعرفها أحد، ثمّ فقدتها فلا أدري من أخذها.(1)

15285. يحيي بن آدم: حدّثنا مفضّل [بن مهلهل]، عن أبي إسحاق [الشيباني]، عن عرفجة، عن أبيه، قال:

لمّا جيء علي بما في عسكر أهل النهر قال: من عرف شيئاً فليأخذه. قال: فاُخذت إلّا قدره, قال: ثمّ رأيتها بعد قد اخذت.(2)

2. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15286. عبدالرزّاق: عن ابن جريج، قال: أخبرني جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّه سمعه يقول: قال علي بن أبي طالب:

لا يذفّف علي جريح، ولا يقتل أسير، ولا يتّبع مدبر. وكان لا يأخذ مالاً لمقتول، يقول: من اعترف شيئاً فليأخذه.(3)

15287. ابن أبي شيبة: حدّثنا حفص بن غياث، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال:

أمر علي رضى الله عنه مناديه فنادي يوم البصرة: لا يتّبع مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقي سلاحه فهو آمن. ولم يأخذ من متاعهم شيئاً.(4)

ص:106


1- (1) عنه الخطيب في تاريخ بغداد 3/11، ترجمة عبدالواحد بن عبدالواحد الأسدي (5651).
2- (2) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 563/7(37930).
3- (3) المصنّف 123/10-124(18590)، وعنه ابن حزم في المحلّي 339/11, مسألة 2158.
4- (4) عنه البيهقي في السنن الكبري 181/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم.
الخامس: أخذ الأموال العامّة والهدايا وجعلهما في بيت المال
اشارة

برواية:

1. عبدالله بن أبي سفيان - 3. علي بن ربيعة

2. عبدالله بن عبّاس - 4. ما ورد مرسلاً

1. عبدالله بن أبي سفيان

15288. مسدّد: حدّثنا عبدالله بن داوود، عن ربح، عن أبي موسي، عن عبدالله بن أبي سفيان، قال:

أهدي إلىّ دهقان من دهاقين السواد برداً، وإلي الحسن - أو الحسين - برداً مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة فرآه عليهما(1) ، فبعث إلىّ وإلي الحسين فقال: ما هذان البردان ؟ قال: بعث إلىّ وإلي الحسين دهقان من دهاقين السواد. قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال.(2)

2. عبدالله بن عبّاس

15289. ابن أبي الحديد: ذكر الكلبي مرويّة مرفوعة إلي أبي صالح, عن ابن عبّاس - رضي الله عنهما -:

أنّ عليّاً عليه السلام خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة، فقال: ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان وكلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوّج به النساء وفرّق في البلدان لرددته إلي حاله، فإنّ في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عليه أضيق.(3)

ص:107


1- (1) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «الجمعة عليهما عليهما».
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 478/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933), من طريق ابن مردويه وأبي بكر الشافعي.
3- (3) شرح نهج البلاغة 269/1-271، شرح الخطبة 15.
3. علي بن ربيعة

15290. وكيع القاضي: حدّثنا أبونعيم، قال: حدّثنا سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ربيعة:

أنّ عليّاً استعمل رجلاً من بني أسد يقال له ضبيعة بن زهير، فلمّا قضي عمله أتي عليّاً بجراب فيه مال، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ قوماً كانوا يهدون لي حتّي اجتمع منه مال، فها هوذا، فإن كان لي حلالاً أكلته، وإن كان غير ذاك فقد أتيتك به.

فقال علي: لو أمسكته لكان غلولاً. فقبضه منه وجعله في بيت المال.(1)

4. ما ورد مرسلاً

15291. ابن أبي الحديد: قال الكلبي [بعد نقل الرواية المتقدّمة عن ابن عبّاس]:

ثمّ أمر عليه السلام بكلّ سلاح وجد لعثمان في داره ممّا تقوّي به علي المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة فقبضت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر إلّا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون، وبالكفّ عن جميع أمواله الّتي وجدت في داره وفي غير داره، وأمر أن ترتجع الأموال الّتي أجاز بها عثمان حيث اصيبت أو اصيب أصحابها.

فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بأيلة من أرض الشام, أتاها حيث وثب الناس علي عثمان، فنزلها فكتب إلي معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب من كلّ مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها.

وقال الوليد بن عقبة - وهو أخو عثمان من امّه - يذكر قبض علي عليه السلام نجائب عثمان وسيفه وسلاحه:

بني هاشم ردّوا سلاح ابن اختكم ولا تنهبوه لا تحلّ مناهبه

ص:108


1- (1) أخبار القضاة 59/1-60, ما جاء في الرشوة في الحكم.

بني هاشم كيف الهوادة بيننا وعند علي درعه ونجائبه

بني هاشم كيف التودّد منكم وبزّ ابن أروي فيكم وحرائبه

بني هاشم إلّا تردّوا فإنّنا سواء علينا قاتلاه وسالبه

بني هاشم إنّا وما كان منكم كصدع الصفا لايشعب الصدع شاعبه

قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه كما غدرت يوماً بكسري مرازبه

فأجابه عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب بأبيات طويلة، من جملتها:

فلا تسألونا سيفكم إنّ سيفكم اُضيع وألقاه لدي الروع صاحبه

وشبّهته كسري وقد كان مثله شبيهاً بكسري هديه وضرائبه

أي كان كافراً كما كان كسري كافراً.

وكان المنصور - رحمه الله تعالي - إذا أنشد هذا الشعر يقول: لعن الله الوليد! هو الّذي فرّق بين بني عبدمناف بهذا الشعر!(1)

15292. الإسكافي:... ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فجاء إلي علي عليه السلام فقال: يا أباالحسن، إنّك قد وترتنا جميعاً... ونحن نبايعك اليوم علي أن تصنع عنّا ما أصبناه من المال في أيّام عثمان....

فقال: أمّا ما ذكرتم من وتري إيّاكم فالحقّ وتركم، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حقّ الله عنكم، ولا عن غيركم....(2)

السادس: تأمين الحاجات الضروريّة للجميع

برواية: علي بن أبي طالب عليه السلام

15293. أحمد وابن أبي شيبة: حدّثنا أبومعاوية, قال: حدّثنا ليث، عن مجاهد، عن عبدالله بن سخبرة، عن علي، قال:

ص:109


1- (1) شرح نهج البلاغة 270/1-271، شرح الخطبة 15.
2- (2) نقض العثمانيّة، علي ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 38/7-39، شرح الخطبة 91.

ما أصبح بالكوفة أحد إلّا ناعماً، إنّ أدناهم منزلة ليأكل من البرّ، ويجلس في الظلّ , ويشرب من ماء الفرات.(1)

15294. هنّاد بن السري: عن علي، قال:

ما أصبح بالكوفة أحد إلّا ناعماً، إنّ أدناهم منزلة ليشرب من ماء الفرات، ويجلس في الظلّ .(2)

السابع: سيرته عليه السلام في بيت المال وهو علي أنحاء:
1. أنّه عليه السلام أقسمهم بالسويّة

تقدّمت رواياته في عنوان: «رأفته عليه السلام بالرعيّة»، وأيضاً في عنوان: «أنّه عليه السلام أعدل الناس في الرعيّة وأقسمهم بالسويّة» من الباب الثالث: عمله الاجتماعي وسيرته فيه، فراجع.

2. التسوية بين العرب والأشراف وغيرهم

برواية:

1. أبي إسحاق السبيعي - 4. محمّد بن عمر بن علي

2. الحارث الهمداني - 5. المراسيل والأقوال

3. فضيل بن الجعد -

1. أبوإسحاق السبيعي

15295. ابن أبي الحديد: روي أبوإسحاق [السبيعي] الهمداني:

ص:110


1- (1) فضائل الصحابة 531/1(883), واللفظ له؛ والمصنّف 120/7(34498)، وفيه: «وإنّ أدناهم منزلة من يأكل البرّ». ورواه الطبري في جامع البيان 15 /الجزء 288/30, ذيل الآية 8 من سورة التكاثر, بإسناده عن عبدالله بن سخبرة نفسه، ولم ينسبه إلي علي عليه السلام, مع مغايرة.
2- (2) عنه المتّقي في كنز العمّال 172/14(38276).

أنّ امرأتين أتتا عليّاً عليه السلام: إحداهما من العرب والاُخري من الموالي، فسألتاه، فدفع إليهما دراهم وطعاماً بالسواء، فقالت إحداهما: إنّي امرأة من العرب، وهذه من العجم.

فقال: إنّي والله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفيء فضلاً علي بني إسحاق.(1)

2. الحارث الهمداني

15296. ابن شبّة: حدّثنا عبيد بن جناد، حدّثنا عطاء بن مسلم، عن واصل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، قال:

كنت عند علي فأتته امرأتان فقالتا: يا أميرالمؤمنين، [إنّنا] فقيرتان مسكينتان. فقال: قد وجب حقّكما علينا وعلي كلّ ذي سعة من المسلمين إن كنتما صادقتين.

ثمّ أمر رجلاً فقال: انطلق بهما إلي سوقنا فاشتر لكلّ واحدة منهما كرّاً من طعام وثلاثة أثواب - فذكر رداء أو خماراً وإزاراً -، وأعط كلّ واحدة منهما من عطائي مئة درهم.

فلمّا ولّتا سفرت إحداهما وقالت: يا أميرالمؤمنين، فضّلني بما فضّلك الله به وشرّفك.

قال: وبماذا فضّلني الله وشرّفني ؟ قالت: برسول الله صلى الله عليه و سلم.

قال: صدقت, وما أنت ؟

قالت: [أنا] امرأة من العرب وهذه من موالي.

قال: فتناول شيئاً من الأرض ثمّ قال: قد قرأت ما بين اللوحين فما رأيت لولد إسماعيل علي ولد إسحاق عليه السلام فضلاً ولا جناح بعوضة.(2)

3. فضيل بن الجعد

15297. المدائني: عن فضيل بن الجعد، قال:

آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال، فإنّه لم يكن يفضّل

ص:111


1- (1) شرح نهج البلاغة 200/2-201، شرح الخطبة 34. ورواه أبوإسحاق, عن الحارث, عن علي عليه السلام، كما في الحديث التالي.
2- (2) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 376/2-377, ترجمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

شريفاً علي مشروف، ولا عربيّاً علي عجمي، ولا يصانع الرؤساء واُمراء القبائل كما يصنع الملوك، ولا يستميل أحداً إلي نفسه، وكان معاوية بخلاف ذلك، فترك الناس عليّاً والتحقوا بمعاوية، فشكا علي عليه السلام إلي الأشتر تخاذل أصحابه وفرار بعضهم إلي معاوية.

فقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين، إنّا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة، ورأي الناس واحد، وقد اختلفوا بعد، وتعادوا وضعفت النيّة، وقلّ العدد، وأنت تأخذهم بالعدل، وتعمل فيهم بالحقّ ، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة علي الوضيع، فضجّت طائفة ممّن معك من الحقّ إذ عمّوا به، واغتنموا من العدل إذ صاروا فيه، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف، فتاقت أنفس الناس إلي الدنيا، وقلّ من ليس للدنيا بصاحب، وأكثرهم يجتوي الحقّ ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أميرالمؤمنين تمل إليك أعناق الرجال، وتصف نصيحتهم لك، وتستخلص ودّهم، صنع الله لك يا أميرالمؤمنين, وكبت أعداءك، وفضّ جمعهم، وأوهن كيدهم، وشتّت امورهم، إنّه بما يعملون خبير.

فقال علي عليه السلام: أمّا ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل؛ فإنّ الله - عزّ وجلّ - يقول: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ)1 ، وأنا من أن أكون مقصّراً فيما ذكرت أخوف.

أمّا ما ذكرت من أنّ الحقّ ثقل عليهم ففارقونا لذلك؛ فقد علم الله أنّهم لم يفارقونا من جور، ولا لجئوا إذ فارقونا إلي عدل، ولم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها، وليسألنّ يوم القيامة: أ للدنيا أرادوا أم لله عملوا؟

وأمّا ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال؛ فإنّه لا يسعنا أن نؤتي امرء من الفيء أكثر من حقّه، وقد قال الله سبحانه وتعالي وقوله الحقّ : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ )2 ، وقد بعث الله محمّداً - صلّي الله

ص:112

عليه - وحده، فكثّره بعد القلّة، وأعزّ فئته بعد الذلّة، وإن يرد الله أن يولّينا هذا الأمر يذلّل لنا صعبه، ويسهّل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك ما كان لله - عزّ وجلّ - رضاً، وأنت من آمن الناس عندي، وأنصحهم لي، وأوثقهم في نفسي إن شاء الله.(1)

4. محمّد بن عمر بن علي

15298. الحاكم والحيري: حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا بكر بن سهل الدمياطي، حدّثنا محمّد بن عبدالله الدغشي، حدّثنا موسي بن قرير، حدّثنا عيسي بن عبدالله [بن محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب] الهاشمي، عن أبيه، عن جدّه، قال:

أتت عليّاً امرأتان تسألانه، عربيّة ومولاة لها، فأمر لكلّ واحدة منهما بكرّ من طعام وأربعين درهماً أربعين درهماً، فأخذت المولاة الّذي اعطيت وذهبت، وقالت العربيّة: يا أميرالمؤمنين، تعطيني مثل الّذي أعطيت هذه وأنا عربيّة وهي مولاة ؟

قال لها علي رضى الله عنه: إنّي نظرت في كتاب الله - عزّ وجلّ - فلم أر فيه فضلاً لولد إسماعيل علي ولد إسحاق.(2)

5. المراسيل والأقوال

15299. الإسكافي: ذكروا أنّ عليّاً رضى الله عنه لمّا قسم بينهم بالسويّة وأعطي الأسود والأحمر عطيّة واحدة أنكر ذلك من فعله قوم ووجدوا من ذلك, ومشي بعضهم إلي بعض بالعتب والطعن.

فبلغ ذلك أصحابه من المهاجرين والأنصار، فاجتمع أبوالهيثم بن التيّهان وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وعمّار بن ياسر ورفاعة بن رافع وأبوحيّة وخالد بن زيد وسهل بن حنيف فتشاوروا، فاجتمع رأيهم علي أن يركبوا إلي علي بن أبي طالب رضى الله عنه ويخبروه أنّ طلحة والزبير ومن كان من بني اُميّة بالحجاز قد اجتمع رأيهم واشتملت عداوتهم، وهم

ص:113


1- (1) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 197/2-198، شرح الخطبة 34.
2- (2) عنهما البيهقي في السنن الكبري 349/6، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب التسوية بين الناس في القسمة.

مصرّون علي أمر لا نأمنهم عليه.

فركبوا إلي علي بن أبي طالب، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، انظر في أمرك، وعاتِب قومك هذا الحىّ من قريش؛ فإنّهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السرّ إلي رفضك، هداك الله لرشدك، وذلك لأنّهم فقدوا الأثرة، وكرهوا الاُسوة، فلمّا استتبّ (1) بينهم وبين الأعاجم أنكروا، واستشاروا عدوّك، فاجتمع رأيهم علي أن يطلبوا بدم عثمان، فرقة للجماعة، وائتلافاً لأهل الجهالة! فرأيك.

فأقبل علي راكباً بغلة رسول الله الشهباء، فدخل المسجد، فركب المنبر مغضباً، عليه عمامة خزّ سوداء، مرتدياً بطاق، متّزراً ببرد قطرىّ ، متوشّحاً سيفاً، متوكّئاً علي قوس، فقال:

... فأمّا هذا الفيء فليس لأحد علي أحد فيه أثرة، قد فرغ الله من قسمه، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون.

وهذا كتاب الله به أقررنا، وعليه شهدنا، وله أسلمنا، وعهد نبيّنا عليه السلام بين أظهرنا.

فسلّموا رحمكم الله لأمر الله، فمن لم يرض بهذا فليتبوّأ حيث شاء وكيف شاء، فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه، اولئك حزب الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واُولئك هم المفلحون.

نسأل الله ربّنا وإلهنا أن يجعلنا وإيّاكم من أهل طاعته، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

ثمّ نزل عن المنبر وصلّي ركعتين، وبعث بعمّار إلي طلحة والزبير وهما في ناحية من المسجد، فقاما فجلسا إليه، فقال لهما:

أنشدكما الله، هل جئتماني تبايعاني طائعين، ودعوتماني إليها وأنا كاره ؟ قالا: اللهمّ نعم.

قال: غير مجبورين ولا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما، وأعطيتماني عهدكما؟ قالا: اللهمّ نعم. فقال علي: الحمد لله ربّ العالمين علي ذلك.

ص:114


1- (1) كذا في الأصل.

ثمّ قال لهما: فما عدا ممّا بدا؟ قالا: أعطيناك بيعتنا علي أن لا تقطع الأمر دوننا، وأن تستشيرنا في الاُمور، ولا تستبدّ بها عنّا، ولنا من الفضل علي غيرنا ما قد علمت! فأنت تقسم القسوم وتقطع الاُمور وتمضي الأحكام بغير مشاورتنا ولا رأينا ولا علمنا.

فقال علي رحمه الله: لقد نقمتما يسيراً، وأرجئتما كثيراً، أستغفر الله لي ولكم.

ثمّ قال [لهما]: أ لا تخبراني ؟ أ في شيء لكما فيه حقّ دفعتكما عنه ؟ أم في قسم استأثر [ت] به عليكما؟ قالا: معاذ الله.

قال: ففي حقّ رفعه إلىّ أحد من المسلمين ضعفت عنه أو جهلته ؟ أو حكم أخطأت فيه ؟ قالا: اللهمّ لا.

قال: ففي أمر دعوتماني إليه من أمر عامّة المسلمين فقصّرت عنه وخالفتكما فيه ؟ قالا: اللهمّ لا.

قال: فما الّذي كرهتما من أمري، ونقمتما من تأميري، ورأيتما في خلافي ؟ قالا: خلافك عمر بن الخطّاب وأئمّتنا وحقّنا في الفيء، جعلت حقّنا في الإسلام كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من أفاء الله به علينا بسيوفنا ورماحنا وأوجفنا عليه بخيلنا وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً [ممّن] لم يأتوا الإسلام إلّا كرهاً.

فقال علي - رحمة الله عليه -: الله أكبر، الله أكبر، اللهمّ إنّي اشهدك عليهما، واُشهد من حضر مجلسي هذا اليوم عليهما.

ثمّ قال: أمّا ما احتججتما به علىّ من أمر الاستشارة؛ فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولا لي فيها محبّة، ولكنّكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، وأنا كاره، فخفت أن تختلفوا وأن أردّكم عن جماعتكم، فلمّا أفضت إلىّ نظرت إلي كتاب الله وما وضع لنا وأمر بالحكم فيه وما قسم واستنّ النبىّ عليه السلام فأمضيته واتّبعته، فلم أحتج إلي رأيكما ولا دخولكما معي، ولا غيركما، ولم يقع حقّ جهلته فأثق برأيكما فيه وأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا كان أمر ليس في كتاب الله بيانه وبرهانه، ولم يكن فيه سنّة من نبيّنا عليه السلام، ولم يمض فيه أحكام من

ص:115

إخواننا ممّن يقتدي برأيه ويرضي بحكمه.

وأمّا ما ذكرتما من الاُسوة؛ فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم قسماً قد فرغ الله من قسمته، وأمضي فيه حكمه.

وأمّا قولكم: جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا، فقد [ي -] - ماً ما سبق إلي الإسلام قوم لم يضرّهم في شيء من الأحكام إذا استؤثر عليهم، ولم يضرّهم حين استجابوا لربّهم، والله موفيهم يوم القيامة أعمالهم، ألا وإنّا مجرون عليهم أقسامهم، فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتباً، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ ، وألهمنا وإيّاكم الصبر.

ثمّ قال: رحم الله رجلاً رأي حقّاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردّه، وكان عوناً للحقّ علي صاحبه.(1)

15300. الإسكافي: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة، فجلسا ناحية عن علي عليه السلام، ثمّ طلع مروان وسعيد وعبدالله بن الزبير؛ فجلسوا إليهما، ثمّ جاء قوم من قريش فانضمّوا إليهم، فتحدّثوا نجيّاً ساعة, ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فجاء إلي علي عليه السلام، فقال: يا أباالحسن، إنّك قد وترتنا جميعاً، أمّا أنا فقتلت أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس، وأمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب، وكان ثور قريش، وأمّا مروان فسخّفت أباه عند عثمان إذ ضمّه إليه، ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبدمناف، ونحن نبايعك اليوم علي أن تضع عنّا ما أصبناه من المال في أيّام عثمان، وأن تقتل قتلته، وإنّا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام.

فقال: أمّا ما ذكرتم من وتري إيّاكم فالحقّ وتركم، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حقّ الله عنكم ولا عن غيركم، وأمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس، ولكن لكم علىّ إن خفتموني أن اؤمّنكم، وإن خفتكم أن اسيّركم.

فقام الوليد إلي أصحابه فحدّثهم، وافترقوا علي إظهار العداوة وإشاعة الخلاف، فلمّا

ص:116


1- (1) المعيار والموازنة ص 109-114, خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا أخبره أكابر أصحاب....

ظهر ذلك من أمرهم قال عمّار بن ياسر لأصحابه: قوموا بنا إلي هؤلاء النفر من إخوانكم فإنّه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف، والطعن علي إمامهم، وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاقّ . يعني طلحة.

فقام أبوالهيثم وعمّار وأبوأيّوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم، فدخلوا علي علي عليه السلام، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، انظر في أمرك، وعاتب قومك، هذا الحىّ من قريش، فإنّهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السرّ إلي رفضك، هداك الله لرشدك! وذاك لأنّهم كرهوا الاُسوة، وفقدوا الأثرة، ولمّا آسيت بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوّك وعظّموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة، وتألّفاً لأهل الضلالة! فرأيك.

فخرج علي عليه السلام، فدخل المسجد، وصعد المنبر مرتدياً بطاق، مؤتزراً ببرد قطرىّ ، متقلّداً سيفاً، متوكّئاً علي قوس، فقال:

... فأمّا هذا الفيء فليس لأحد علي أحد فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيّنا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتولّ كيف شاء، فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه.

ثمّ نزل عن المنبر، فصلّي ركعتين، ثمّ بعث بعمّار بن ياسر وعبدالرحمان بن حسل القرشي إلي طلحة والزبير، وهما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما، فقاما حتّي جلسا إليه عليه السلام، فقال لهما: نشدتكما الله، هل جئتماني طائعين للبيعة، ودعوتماني إليها، وأنا كاره لها؟ قالا: نعم.

فقال: غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما؟ قالا: نعم.

قال: فما دعاكما بعدُ إلي ما أري ؟ قالا: أعطيناك بيعتنا علي إلّا تقضي الاُمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كلّ أمر ولا تستبدّ بذلك علينا، ولنا من الفضل علي غيرنا ما قد علمت, فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.

فقال: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً، فاستغفر الله يغفر لكما، أ لا تخبرانني ؟ أ دفعتكما عن حقّ وجب لكما فظلمتكما إيّاه ؟ قالا: معاذ الله!

قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله!

ص:117

قال: أفوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ قالا: معاذ الله!

قال: فما الّذي كرهتما من أمري حتّي رأيتما خلافي ؟ قالا: خلافك عمر بن الخطّاب في القسم، أنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا في ما أفاء الله تعالي علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً، ممّن لا يري الإسلام إلّا كرهاً.

فقال: فأمّا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما؛ فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولكنّكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عليها، فخفت أن أردّكم فتختلف الاُمّة، فلمّا أفضت إلىّ نظرت في كتاب الله وسنّة رسوله فأمضيت ما دلّاني عليه وأتبعته، ولم أحتج إلي آرائكما فيه، ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنّة برهانه؛ واحتيج إلي المشاورة فيه لشاورتكما فيه.

وأمّا القسم والاُسوة؛ فإنّ ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء، قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه و آله يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.

وأمّا قولكما: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا؛ فقديماً سبق إلي الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم، فلم يفضّلهم رسول الله صلى الله عليه و آله في القسم، ولا آثرهم بالسبق، والله سبحانه موف السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلّا هذا، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ ، وألهمنا وإيّاكم الصبر.

ثمّ قال: رحم الله امرء رأي حقّاً فأعان عليه، ورأي جوراً فردّه، وكان عوناً للحقّ علي من خالفه.(1)

15301. ابن قتيبة:... ثمّ قام رجال من أصحاب علي فقالوا: يا أميرالمؤمنين، أعط هؤلاء هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي، ممّن

ص:118


1- (1) نقض العثمانيّة، كما عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 38/7-42، شرح الخطبة 91.

يتخوّف خلافه علي الناس وفراقه، وإنّما قالوا له: هذا الّذي كان معاوية يصنعه بمن أتاه، وإنّما عامّة الناس همّهم الدنيا، ولها يسعون، وفيها يكدحون، فأعط هؤلاء الأشراف، فإذا استقام لك ما تريد عدت إلي أحسن ما كنت عليه من القسم.

فقال علي: أ تأمروني أن أطلب النصر بالجور في من ولّيت عليه من الإسلام ؟! فوالله لا أفعل ذلك ما لاح في السماء نجم، والله لو كان لهم مال(1) لسوّيت بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم!(2)

15302. ابن أبي الحديد: إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يكن يذهب في خلافته مذهب الملوك الّذين يصانعون بالأموال ويصرّفونها في مصالح ملكهم وملاذّ أنفسهم، وأنّه لم يكن من أهل الدنيا، وإنّما كان رجلاً متألّهاً صاحب حقّ ، لا يريد بالله ورسوله بدلاً.

وروي علي بن محمّد بن أبي سيف المدائني أنّ طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، أعط هذه الأموال وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي والعجم، واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره. وإنّما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال.

فقال لهم: أ تأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟! لا والله لا أفعل ما طلعت شمس، وما لاح في السماء نجم، والله لو كان المال لي لواسيت بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم! ثمّ سكت طويلاً واجماً، ثمّ قال: الأمر أسرع من ذلك - قالها ثلاثاً -.(3)

3. عدم ترجيح نفسه عليه السلام وذويه علي غيرهم

برواية:

1. حبّة العرني - 3. حميد بن هلال

2. الحسن البصري - 4. خالد بن معمر السدوسي

ص:119


1- (1) كذا في الأصل، والظاهر الصحيح: «لو كان لي مال» أو «لو كان المال لي»، كما في سائر المصادر.
2- (2) الإمامة والسياسة 160/1، كلام أبي أيّوب الأنصاري.
3- (3) شرح نهج البلاغة 202/2-203، شرح الخطبة 34.

5. داوود عن رجل من بني خثعم - 13. امّ كلثوم بنت علي

6. أبي رافع - 14. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

7. سعيد الأموي - 15. مسلم صاحب الحنّاء

8. عبدالله بن أبي سفيان - 16. هارون بن سعيد

9. امّ عثمان - 17. يحيي بن سعيد

10. عقيل بن أبي طالب - 18. يحيي بن سلمة

11. عمرو بن سلمة - 19. ما ورد مرسلاً

12. قنبر -

1. حبّة العرني

15303. ابن أبي الحديد: [عن] حبّة العرني:

قسّم علي عليه السلام بيت مال البصرة علي أصحابه خمسمئة خمسمئة، وأخذ خمسمئة درهم كواحد منهم، فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة، فقال: يا أميرالمؤمنين، كنت شاهداً معك بقلبي، وإن غاب عنك جسمي، فأعطني من الفيء شيئاً.

فدفع إليه الّذي أخذه لنفسه، وهو خمسمئة درهم، ولم يصب من الفيء شيئاً.(1)

2. الحسن البصري

15304. ابن سلّام: عن عمرو بن عبيد، قال:

كنّا جلوساً عند الحسن بن أبي الحسن [البصري] إذ أتاه رجل، فوقف علي رأسه، فقال له: يا أباسعيد، إنّك سئلت عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه فقلت له: لو كان في المدينة يأكل من حشفها(2) وتمرها كان خيراً ممّا صنع!

ص:120


1- (1) شرح نهج البلاغة 250/1, شرح الكلام 12.
2- (2) أحشفت النخلة: صار ثمرها حشفاً. الحشف: أردأ التمر, أو اليابس الفاسد من التمر.

فرفع رأسه إليه فقال: يا ابن أخي، كلمة باطل حقنت بها دمي، أما والله لقد فقدتموه سهماً من سهام الله صائباً لعدوّ الله، ليس بالسروقة مال الله، ولا بالنُوَمة(1) عن أمر الله، ربّانىّ هذه الاُمّة في علمها وفضلها وقدمها، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، حرّم حرامه، وأحلّ حلاله، حتّي أورده ذلك علي رياض مونقة، وحدائق مغدقة، ذاك علي بن أبي طالب رضى الله عنه يا لُكَع(2).(3)

15305. أبونعيم: حدّثنا محمّد بن الحسن اليقطيني، حدّثنا الحسين بن عبدالله الرقّي، حدّثنا محمّد بن عوف، حدّثنا محمّد بن خالد البصري، حدّثنا الحسن بن زكريّا الثقفي، عن عنبسة النحوي، قال:

شهدت الحسن بن أبي الحسن وأتاه رجل من بني ناجية فقال: يا أباسعيد، بلغنا أنّك تقول: لو كان علي يأكل من حشف المدينة لكان خيراً له ممّا صنع!

فقال الحسن: يا ابن أخي، كلمة باطل حقنت بها دماً، والله لقد فقدوه سهماً من مرامي الله(4) ، ليس بسروقة لمال الله، ولا بنومة عن أمر الله، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، أحلّ حلاله، وحرّم حرامه، حتّي أورده ذلك علي حياض غدقة، ورياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب يا لكع.(5)

15306. الجاحظ : عنبسة القطّان قال:

شهدت الحسن وقال له رجل: بلغنا أنّك تقول: لو كان علي بالمدينة يأكل من

ص:121


1- (1) في الأصل: «النؤومة». والنُوَمة: الكثير النوم، المغفّل، الخامل.
2- (2) قال ابن الأثير في النهاية 268/4 «لكع»: اللكع عند العرب: العبد، ثمّ استعمل في الحمق والذمّ .... وأكثر ما يقع في النداء، وهو اللئيم، وقيل: الوسخ، وقد يطلق علي الصغير... فإن اطلق علي الكبير اريد به الصغير العلم والعقل، ومنه حديث الحسن، قال لرجل: يا لُكَع. يريد يا صغيراً في العلم والعقل.
3- (3) عنه ابن بكّار في الأخبار الموفّقيّات ص 192-193(104).
4- (4) في الأصل: «من مرامز طيب والله».
5- (5) حلية الأولياء 84/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4).

حشفها لكان خيراً له ممّا صنع!

فقال له الحسن: يا لكع، أما والله لقد فقدتموه سهماً من مرامي الله, غير سؤوم لأمر الله، ولا سروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، فأحلّ حلاله، وحرّم حرامه، حتّي أورده ذلك رياضاً مونقة، وحدائق مغدقة، ذلك علي بن أبي طالب يا لكع.(1)

15307. الأنباري: عن العبّاس بن ميمون، عن [عبيدالله بن محمّد] ابن عائشة، عن أبيه، عن عوف, عن الحسن [البصري] - والألفاظ مختلفة والمعاني متقاربة -:

أنّ رجلاً قال له: إنّ إخوتك الشيعة ينسبونك إلي تنقّص علي ويقولون: قال: لو كان علي بالمدينة يأكل حشفها كان خيراً له ممّا صنع!

فبكي الحسن وقال: وأنا أقول هذا؟! أمّا والله لقد فارقكم بالأمس رجل كان سهماً صائباً من مرامي الله - عزّ وجلّ -، ربّانىّ هذه الاُمّة بعد نبيّها صلى الله عليه و آله، وصاحب شرفها وفضلها، وذا القرابة القريبة من رسول الله صلى الله عليه و آله، غير سؤوم لأمر الله، ولا سروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه فيما عليه وله، فأورده رياضاً مونقة، وحدائق معذقة، ذاك علي بن أبي طالب يا لكع.(2)

15308. أبوبكر الدينوري: حدّثنا أحمد بن علي الورّاق، حدّثنا إبراهيم بن بشّار، حدّثنا نعيم بن مورّع، حدّثنا هشام بن حسّان، قال:

بينا نحن عند الحسن إذ أقبل رجل من الأزارقة، فقال له: يا أباسعيد، ما تقول في علي بن أبي طالب ؟ قال: فاحمرّت وجنتا الحسن وقال: رحم الله عليّاً، إنّ عليّاً كان سهماً لله صائباً في أعدائه، وكان في محلّة العلم أشرفها وأقربها من رسول الله صلى الله عليه و سلم، وكان رهبانىّ هذه الاُمّة، لم يكن لمال الله بالسروقة، ولا في أمر الله بالنُوَمة، أعطي القرآن عزيمة علمه،

ص:122


1- (1) البيان والتبيين 108/2.
2- (2) عنه ابن المغازلي بإسناده إليه في مناقب أهل البيت ص 140-141(110), من طريق ابن الأنباري.

فكان منه في رياض مؤنّقة، وأعلام بيّنة، ذاك علي بن أبي طالب يا لكع.(1)

15309. ابن عبدالبرّ: سئل الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فقال: كان علي والله سهماً صائباً من مرامي الله علي عدوّه، وربّانىّ هذه الاُمّة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله، أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذلك علي بن أبي طالب رضى الله عنه يا لكع.(2)

15310. القلعي: عن الحسن بن أبي الحسن [البصري] وقد سئل عن علي، قال:

كان والله سهماً صائباً من مرامي الله - عزّ وجلّ - علي عدوّه, وربّانىّ هذه الاُمّة، وذا فضلها، وذا سابقتها، وذا قرابتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم، ولم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملومة في دين الله، ولا بالسروقة لمال الله - عزّ وجلّ -، أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، ذاك علي بن أبي طالب رضى الله عنه.(3)

15311. ابن عبد ربّه: ذكروا أنّ رجلاً أتي الحسن [البصري] فقال: أباسعيد، إنّهم يزعمون أنّك تبغض عليّاً! فبكي حتّي اخضلّت لحيته، ثمّ قال:

كان علي بن أبي طالب سهماً صائباً من مرامي الله علي عدوّه، وربّانىّ هذه الاُمّة، وذا سابقتها، وذا فضلها، وذا قرابة قريبة من رسول الله صلى الله عليه و سلم، لم يكن بالنومة عن أمر الله، ولا بالملولة في حقّ الله، ولا بالسروقة لمال الله, أعطي القرآن عزائمه، ففاز منه برياض مونقة، وأعلام بيّنة، ذاك علي بن أبي طالب يا لكع.(4)

ص:123


1- (1) المجالسة 97/4(1267) و 55/7-56(2912) نحوه، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 490/42، ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام (4933).
2- (2) الاستيعاب 1110/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855)، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 95/4, شرح الكلام 56، ومثله في الجوهرة ص 74, فضائل علي.
3- (3) عنه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 79, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر أنّه أكبر الاُمّة علماً.
4- (4) العقد الفريد 95/2، كتاب الياقوتة في العلم والأدب, باب من أخبار العلماء والاُدباء.
3. حميد بن هلال

15312. ابن شاهين: أخبرنا أبوبحر محمّد بن الحسن بن كوثر البربهاري، حدّثنا محمّد بن غالب بن حرب، حدّثنا مضر بن غسّان بن مضر، حدّثنا أبوهلال، حدّثنا حميد بن هلال:

أنّ عقيل بن أبي طالب سأل عليّاً، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي محتاج، وإنّي فقير، فأعطني. قال: اصبر حتّي يخرج عطائي مع المسلمين فاُعطيكم معهم. فألحّ عليه، فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلي حوانيت أهل السوق، فقل: دقّ هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت.

قال: يريد علي أن يتّخذني سارقاً. فخرج إليه، فقال: يا أميرالمؤمنين، أردت أن تتّخذني سارقاً؟! قال: أنت والله أردت أن تتّخذني سارقاً، أن آخذ أموال الناس فاُعطيكها دونهم.

قال: لآتينّ معاوية. قال: أنت وذاك. فأتي معاوية، فسأله فأعطاه مئة ألف، ثمّ قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك علي من نفسه، وما أوليتك من نفسي.

قال: فصعد [المنبر] فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّي اخبركم أنّي أردت عليّاً علي دينه فاختار دينه، وإنّي أردت معاوية علي دينه فاختارني علي دينه.

فقال معاوية: هذا الّذي تزعم قريش أنّه أحمق، وأنّها أعقل منه.(1)

4. خالد بن معمر السدوسي

15313. ابن أبي الحديد: قال خالد بن معمر السدوسي لعلباء بن الهيثم، وهو يحمله علي مفارقة علي عليه السلام واللحاق بمعاوية:

اتّق الله يا علباء في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا تؤمّل عند رجل أردته علي أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف

ص:124


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 21/41-22، ترجمة عقيل بن أبي طالب (4735).

عيشهما. فأبي وغضب فلم يفعل.(1)

5. داوود عن رجل من بني خثعم

15314. وكيع: عن سفيان، عن داوود بن أبي عوف أبي الجحّاف، عن رجل من خثعم، قال:

رأيت الحسن والحسين عليه السلام يأكلان خبزاً وخلّا وبقلاً، فقلت: أتأكلان هذا وفي الرحبة ما فيها؟! فقالا: ما أغفلك عن أميرالمؤمنين!(2)

15315. ابن أبي الدنيا: حدّثنا أبوعبدالرحمان القرشي، قال: حدّثنا أبواُسامة، عن سفيان، عن [داوود بن أبي عوف] أبي الجحّاف، عن رجل من بني خثعم، قال:

دخلت علي حسن وحسين وهما يأكلان خبزاً وخلّا وبقلاً، فقلت لهما: أنتما ابنا أميرالمؤمنين وأنتما تأكلان ما أري وفي الرحبة ما فيها؟! قالا: ما أقلّ علمك بأميرالمؤمنين! إنّما ذاك للمسلمين.(3)

6. أبورافع

15316. البخاري: حدّثنا إبراهيم بن حمزة، حدّثنا [عبدالعزيز] الدراوردي، عن ابن أبي ذئب، عن عبّاس بن الفضل بن أبي رافع - مولي رسول الله صلى الله عليه و سلم -، عن أبيه، عن جدّه أنّه كان خازناً لعلي علي بيت المال.(4)

15317. ابن زنجويه: أخبرنا ابن أبي اُويس، عن عبدالعزيز بن محمّد، عن ابن

ص:125


1- (1) شرح نهج البلاغة 250/10، شرح الخطبة 193.
2- (2) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 375/2, ترجمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب.
3- (3) الورع ص 44 (128).
4- (4) التاريخ الصغير 102/1، ذكر من مات بعد عثمان في خلافة علي. واُسلوب البخاري عامّة في كتبه التاريخيّة الثلاث هو الاكتفاء بصدر الحديث أو الإشارة إليه، وأشار إلي السند في التاريخ الكبير في ترجمة عبّاس بن الفضل وترجمة أبيه دون أن يذكر من الحديث شيئاً، فذيله مثل سائر الأحاديث التالية.

أبي ذئب، عن العبّاس بن الفضل بن أبي رافع - مولي النبىّ صلى الله عليه و سلم -، عن أبيه:

عن جدّه أبي رافع أنّه كان خازناً لعلي بن أبي طالب علي المال، فدخل علي يوماً وقد زيّنت بنيّة له، فرأي عليها لؤلؤة من المال فظنّ أنّها سرقتها، فقال: من أين هذه لها؟ لله علىّ أن أقطع يدها.

قال: فلمّا رأيت جدّه في ذلك قلت له: أنا والله يا أميرالمؤمنين زيّنتها بها، ومن أين كانت تقدر عليها لو لم اعطها! قال: فسلبها.(1)

15318. الطبري: حدّثني يونس بن عبدالأعلي، قال: أخبرنا وهب، قال: أخبرني ابن أبي ذئب، عن عبّاس بن الفضل مولي بني هاشم، عن أبيه:

عن جدّه ابن أبي رافع(2) أنّه كان خازناً لعلي عليه السلام علي بيت المال، قال: فدخل يوماً وقد زيّنت ابنته، فرأي عليها لؤلؤة من بيت المال قد كان عرفها، فقال: من أين لها هذه ؟ لله علىّ أن أقطع يدها.

قال: فلمّا رأيت جدّه في ذلك قلت: أنا والله يا أميرالمؤمنين زيّنت بها ابنة أخي، ومن أين كانت تقدر عليها لو لم اعطها! فسكت.(3)

15319. ابن أبي شيبة: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن العبّاس بن الفضل(4) ، عن عبيدالله بن أبي رافع، عن جدّه أبي رافع، قال:

كنت خازناً لعلي. قال: زيّنت ابنته بلؤلؤة من المال قد عرفها، فرآها عليها، فقال: من أين لها هذه ؟ إنّ لله علىّ أن أقطع يدها.

قال: فلمّا رأيت ذلك قلت: يا أميرالمؤمنين، زيّنت بها بنت أخي، ومن أين كانت

ص:126


1- (1) الأموال 608/2(1000).
2- (2) كذا في الأصل.
3- (3) تاريخ الطبري 156/5، حوادث سنة أربعين, ذكر بعض سيره عليه السلام.
4- (4) في الأصل: «فضيل».

تقدر عليها! فلمّا رأي ذلك سكت.(1)

7. سعيد الأموي

15320. الهيثم بن عدي: حدّثني عبدالله بن عيّاش المرهبي وإسحاق بن سعيد، عن أبيه:

أنّ عقيل بن أبي طالب لزمه دَين، فقدم علي علي بن أبي طالب الكوفة، فأنزله وأمر ابنه الحسن فكساه، فلمّا أمسي دعا بعشائه، فإذا خبز وملح وبقل، فقال عقيل: ما هو إلّا ما أري ؟ قال: لا. قال: أ فتقضي دَيني ؟ قال: وكم دينك ؟ قال: أربعون ألفاً. قال: ما هي عندي، ولكن اصبر حتّي يخرج عطائي، فإنّه أربعة آلاف فأدفعه إليك.

فقال له عقيل: بيوت المال بيدك، وأنت تسوّفني بعطائك ؟! فقال له: اكسر صندوقاً من هذه الصناديق وخذ ما فيه، فإنّ فيه أموال الناس.

فقال له: أ تأمرني بذلك ؟ فقال له: أ تأمرني أن أدفع إليك أموال المسلمين، وقد ائتمنوني عليها؟!

قال: فإنّي آت معاوية. فأذن له، وأعطاه أربعمئة درهم، فخرج إلي معاوية، فقال: كيف أنت يا أبايزيد؟ كيف تركت عليّاً وأصحابه ؟ قال: كأنّهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم بدر إلّا أنّي لم أر رسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم، وكأنّك وأصحابك أبوسفيان يوم احد إلّا أنّي لم أر أباسفيان معكم. فكره معاوية أن يراجعه فيأتي بأشدّ ممّا جاء به.

فلمّا كان الغد قعد معاوية علي سريره، وأمر بكرسىّ يوضع إلي جنب السرير، ثمّ أذن للناس، فدخلوا وأجلس الضحّاك بن قيس معه، ثمّ أذن لعقيل, فدخل عليه، فقال: يا معاوية، من هذا معك ؟ قال: هذا الضحّاك بن قيس.

فقال: الحمد [لله] الّذي رفع الخسيسة، وتمّم النقيصة، هذا الّذي كان أبوه يخصي بُهُمنا بالأبطح، لقد كان بخصائصها رفيقاً.

فقال الضحّاك: إنّي لعالم بمحاسن قريش، وإنّ عقيلاً لعالم بمساوئها.

ص:127


1- (1) المصنّف 462/6(32895).

ثمّ قال: ومن هذا الشيخ ؟ فقال: أبوموسي الأشعري.

قال: ابن المرّاقة، كانت امّه طيّبة المرق.

فقال له معاوية: أبايزيد، علي رسلك، فقد علمنا مقصدك ومرادك. فأمر له بخمسين ألف درهم، وقال له: كيف رأيتني من أخيك ؟ قال: أخي خير لنفسه منك، وأنت خير لي منك لنفسك. فأخذها كلّها ورجع إلي أخيه، فقال: اخترت الدنيا علي الآخرة.(1)

8. عبدالله بن أبي سفيان

15321. مسدّد: حدّثنا عبدالله بن داوود، عن ربح، عن أبي موسي، عن عبدالله بن أبي سفيان، قال:

أهدي إلىّ دهقان من دهاقين السواد برداً وإلي الحسن - أو الحسين - برداً مثله، فقام علي يخطب بالمدائن يوم الجمعة فرآه عليهما(2) ، فبعث إلىّ وإلي الحسين فقال: ما هذان البردان ؟ قال: بعث إلىّ وإلي الحسين دهقان من دهاقين السواد. قال: فأخذهما فجعلهما في بيت المال.(3)

9. امّ عثمان

15322. ابن أبي شيبة: حدّثنا أبواُسامة، عن الحسن بن الحكم النخعي، قال: حدّثني امّي، عن امّ عثمان - امّ ولد لعلي -, قالت:

جئت عليّاً وبين يديه قَرَنْفُلٌ مكثوب(4) في الرحبة، فقلت: يا أميرالمؤمنين، هب لابنتي

ص:128


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 22/41-23، ترجمة عقيل بن أبي طالب (4735)، و ابن الأثير في اُسد الغابة 423/3 و 424, ترجمة عقيل بن أبي طالب.
2- (2) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «الجمعة عليهما عليهما».
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 478/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933), من طريق ابن مردويه.
4- (4) في الأصل: «مكبوب»، والمثبت هو الصواب، قال ابن الأثير في النهاية 151/4-152 «كثب»: الكُثْبَة: كلّ قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك، والجمع: كُثَب... ومنه الحديث: «جئت عليّاً وبين يديه قرنفل مكثوب»، أي مجموع. القَرَنْفُل والقرنفُول: ثمر شجرة كالياسمين، وهو أفضل الأفاويه الحارّة. الواحدة: قَرَنْفُلة وقَرَنفُولة، نبات بستاني طيّب الرائحة.

من هذا القرنفل قلادة. فقال: هكذا، ونقر بيديه، أرني درهماً جيّداً، فإنّما هذا مال المسلمين، وإلّا فاصبري حتّي يأتينا حظّنا منه، فنهب لابنتك منه قلادة.(1)

15323. ابن أبي الدنيا: حدّثنا أبوعبدالرحمان، قال: حدّثنا أبواُسامة، عن الحسن بن الحكم، قال: حدّثني امّي، عن امّ عثمان:

أنّ امّ ولد كانت لعلي قالت: جئت عليّاً يوماً وبين يديه قرنفل مكثوب، فقلت: يا أميرالمؤمنين، هب لابنتي من هذا القرنفل قلادة. قال: ائتني درهماً. ونقر بيده هكذا، فإنّما هذا مال المسلمين, أو اصبري حتّي يأتيني حظّي فأهب لك منه. فأبي أن يهب لي منه شيئاً.(2)

10. عقيل بن أبي طالب

15324. ابن أبي الحديد: سأل معاوية عقيلاً عن قصّة الحديدة المحمّاة المذكورة، فبكي وقال: أنا احدّثك يا معاوية عنه، ثمّ احدّثك عمّا سألت، نزل بالحسين ابنه ضيف، فاستسلف درهماً اشتري به خبزاً، واحتاج إلي الإدام، فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقّاً من زقاق عسل جاءتهم من اليمن، فأخذ منه رطلاً.

فلمّا طلبها عليه السلام ليقسمها قال: يا قنبر، أظنّ أنّه حدث بهذا الزقّ حدث! فأخبره، فغضب عليه السلام، وقال: علىّ بحسين. فرفع عليه الدرّة، فقال: بحقّ عمّي جعفر - وكان إذا سئل بحقّ جعفر سكن -, فقال له: ما حملك أن أخذت منه قبل القسمة ؟ قال: إنّ لنا فيه حقّاً، فإذا أعطيناه رددناه.

قال: فداك أبوك، وإن كان لك فيه حقّ ، فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع

ص:129


1- (1) المصنّف 121/7(34501).
2- (2) الورع ص 44 (129).

المسلمون بحقوقهم، أما لولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يقبّل ثنيّتك لأوجعتك ضرباً.

ثمّ دفع إلي قنبر درهماً كان مصروراً في ردائه، وقال: اشتر به خير عسل تقدر عليه.

قال عقيل: والله لكأنّي أنظر إلي يدي علي، وهي علي فم الزقّ ، وقنبر يقلّب العسل فيه، ثمّ شدّه وجعل يبكي، ويقول: اللهمّ اغفر لحسين فإنّه لم يعلم.

فقال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله، رحم الله أباحسن، فلقد سبق من كان قبله، وأعجز من يأتي بعده! هلمّ حديث الحديدة.

قال: نعم؛ أقويت وأصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تند صفاته، فجمعت صبياني وجئته بهم، والبؤس والضرّ ظاهران عليهم، فقال: ائتني عشيّة لأدفع إليك شيئاً. فجئته يقودني أحد ولدي، فأمره بالتنحّي، ثمّ قال: ألا فدونك. فأهويت - حريصاً قد غلبني الجشع، أظنّها صرّة - فوضعت يدي علي حديدة تلتهب ناراً، فلمّا قبضتها نبذتها، وخرت كما يخور الثور تحت يد جازره، فقال لي: ثكلتك امّك! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا، فكيف بك وبي غداً إن سلكنا في سلاسل جهنّم ؟ ثمّ قرأ: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ )1 .

ثمّ قال: ليس لك عندي فوق حقّك الّذي فرضه الله لك إلّا ما تري، فانصرف إلي أهلك.

فجعل معاوية يتعجّب ويقول: هيهات هيهات! عقمت النساء أن يلدن مثله!(1)

11. عمرو بن سلمة

15325. أبوزرعة الرازي: حدّثنا أبوكريب، حدّثنا عمرو بن يحيي [بن عمرو] بن

ص:130


1- (2) شرح نهج البلاغة 253/11-254، شرح الخطبة 219. وسيأتي نحو هذا الحديث عن ابن أبي الدنيا بإسناده إلي قنبر ناسباً هذه القصّة إلي الإمام الحسن بن علي عليه السلام، وهو ضعيف سنداً، وبعض ما فيه باطل قطعاً، ويتنافي مع شأن ولىّ من أولياء الله فضلاً عن سيّدي شباب أهل الجنّة، إلّا أن تحمل القضيّة علي التعارض المصطنع لبيان حفظ الحدود الإلهيّة، وله نظائر في القرآن الكريم وسيرة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

سلمة، قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه عمرو:

كان علي بن أبي طالب استعمل يزيد بن قيس علي الري، ثمّ استعمل مخنف بن سليم علي أصبهان، واستعمل علي أصبهان عمرو بن سلمة، فلمّا أقبل عمرو بن سلمة عرض له الخوارج فتحصّن في حلوان ومعه الخراج والهديّة، فلمّا انصرف عنه الخوارج أقبل بالهديّة وخلّف الخراج بحلوان.

فلمّا قدم عمرو بن سلمة علي علي عليه السلام أمره فليضعها في الرحبة ويضع عليها امناءه حتّي يقسمها بين المسلمين، فبعثت إليه امّ كلثوم بنت علي: أرسل إلينا من هذا العسل الّذي معك. فبعث إليها بزقّين من عسل وزقّين من سمن.

فلمّا أن خرج علي إلي الصلاة عدّها فوجدها تنقّص زقّين، فدعاه فسأله عنهما، فقال: يا أميرالمؤمنين، لا تسألني عنهما فإنّا نأتي بزقّين مكانهما.

قال: عزمت عليك لتخبرني ما قصّتهما؟ قال: بعثت إلىّ امّ كلثوم فأرسلت بهما إليها. قال: أمرتك أن تقسم في المسلمين بينهم.

ثمّ بعث إلي امّ كلثوم أن ردّي الزقّين. فاُتي بهما مع ما نقص منهما، فبعث إلي التجّار: قوّمهما مملوءين وناقصين. فوجدوا فيهما نقصان ثلاثة دراهم وشيء، فأرسل إليها أن أرسلي إلينا بالدراهم. ثمّ أمر بالزقاق فقسمت بين المسلمين.(1)

15326. أبونعيم: ورواه أحمد بن علي بن الجارود، قال: حدّثنا أبوكريب، سمعت عمرو بن يحيي بن سلمة الأرحبي، فذكر نحوه.(2)

ص:131


1- (1) عنه أبونعيم بإسناده إليه في أخبار أصبهان 72/1-73, ترجمة مخنف بن سليم, من طريق أبي الشيخ وغيره, ومن طريق أبي نعيم رواه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 479/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933). ورواه أبوالشيخ عبدالله بن محمّد المذكور في الإسناد هنا في كتابه طبقات المحدّثين 277/1-279, ترجمة مخنف بن سليم (12).
2- (2) أخبار أصبهان 73/1, ترجمة مخنف بن سليم. وقوله: «نحوه», أي نحو حديث أبي زرعة الرازي عن أبي كريب, وقد تقدّم آنفاً.
12. قنبر

15327. ابن أبي الدنيا: حدّثني القاسم بن هاشم، عن عبدالعزيز بن الخطّاب، عن الحسن بن علي النميري، عن عمرو بن يحيي، عن أبيه، عن قنبر، قال:

حمل إلي بيت المال زقاق من عسل، فقال لي الحسن بن علي عليه السلام: يا قنبر، اذهب وآتني بمقدار نصيبي من بيت المال فقد نزل بي ضيف وما عندي ما اطعمه، وإذا قسّم أميرالمؤمنين العسل فخذ بمقدار نصيبي وردّه في بيت المال. فجاء قنبر إلي زقّ منها، فأخذ منه مقدار رطل، ودفعه إلي الحسن بن علي عليه السلام.

ثمّ جاء علي عليه السلام إلي الزقّ ، فرآه قد نقص، فقال: يا قنبر، يا ويحك! ما هذا؟ فأخذ يتعلّل عليه، فقال: والله لتصدّقني الحديث. فصدّقه.

فغضب غضباً شديداً وقال: علىّ بالحسن. فجاء فوقع علي قدميه وقال له: بحقّ عمّي جعفر - وكان إذا سئل بحقّ جعفر سكن غضبه -، فقال له: ما حملك علي أن تأخذ من عسل المسلمين قبل القسمة ؟ فقال: أما لي فيه حقّ ؟ فقال: فكيف تنتفع به قبل المسلمين ؟ أما والله لولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبّل ثناياك لأوجعتك ضرباً.

ثمّ قال: قم فاشتر عوضه وصبّه في الزقّ . ففعل, فقسّمه بين المسلمين وبكي بكاء شديداً ثمّ قال: اللهمّ اغفر للحسن فإنّه لم يعلم....(1)

13. امّ كلثوم بنت علي

15328. ابن أبي الدنيا: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، قال: حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي صالح الحنفي، قال:

دخلت علي امّ كلثوم، فقالت: ائتوا أباصالح بطعام. فأتوني بمرقة فيها حبوب، فقلت: أ تطعموني هذا وأنتم امراء؟ قالت: كيف لو رأيت أميرالمؤمنين عليّاً؟ فاُتي باُترج فأخذ

ص:132


1- (1) عنه سبط ابن الجوزي بإسناده إليه في تذكرة الخواصّ 468/1-469، الباب الرابع, في ذكر ورعه وزهادته عليه السلام.

الحسن - أو الحسين - منها اترجّة لصبىّ لهم، فانترعها من يده وقسّمها بين المسلمين.(1)

15329. أحمد: عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي صالح، قال:

دخلت علي امّ كلثوم بنت علي فإذا هي تمشط في ستر بيني وبينها، فجاء حسن وحسين فدخلا عليها وهي جالسة تمتشط ، فقالا: أ لا تطعمون أباصالح شيئاً؟ قال: فأخرجوا لي قصعة فيها مرق بحبوب.

قال: فقلت: تطعموني هذا وأنتم امراء؟ فقالت امّ كلثوم: يا أباصالح، كيف لو رأيت أميرالمؤمنين ؟ - يعني عليّاً - واُتي باُترج فذهب حسن يأخذ منه اترجّة فنزعها من يده ثمّ أمر به فقسّم بين الناس.(2)

15330. ابن أبي شيبة: حدّثنا أبومعاوية، قال: حدّثنا الأعمش, عن عمرو بن مرّة، عن أبي صالح الّذي كان يخدم امّ كلثوم ابنة علي، قال:

دخلت علي امّ كلثوم وهي تمشط وستر بينها وبيني، فجلست أنتظرها حتّي تأذن لي، فجاء حسن وحسين فدخلا عليها وهي تمشط ، فقالا: أ لا تطعمون أباصالح شيئاً؟ قالت: بلي.

قال: فأخرجوا قصعة فيها مرق بحبوب، فقلت: أ تطعموني هذا وأنتم امراء؟ فقالت امّ كلثوم: يا أباصالح، فكيف لو رأيت أميرالمؤمنين ؟ واُتي باُترنج فذهب حسن - أو حسين - يتناول منه اترنجة فنزعها من يده ثمّ أمر به فقسّم.(3)

15331. الإسكافي: ذكروا أنّ رجلاً يكنّي أباصالح دخل علي امّ كلثوم بنت علي، فقالت: ائتوا أباصالح بطعام. قال: فأتوني بمرقة فيها حبوب، فقلت: أ تطعموني هذا وأنتم الاُمراء؟! قالت: فكيف لو رأيت أميرالمؤمنين عليّاً؟ واُتي باُترج فأخذ الحسن اترجّة

ص:133


1- (1) الورع ص 44-45(130).
2- (2) فضائل الصحابة 540/1(901)، وعنه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 108-109, باب فضائل علي عليه السلام، ذكر ورعه، والرياض النضرة 315/2, الباب الرابع, الفصل التاسع, ذكر ورعه.
3- (3) المصنّف 119/7-120(34490) و 462/6(32892)، ولكن بالاكتفاء بذيل الحديث.

منها فانتزعها من يده وقسّمها بين المسلمين.(1)

14. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15332. ابن شيبة: حدّثنا جدّي، حدّثنا خالد بن مخلد القطواني، حدّثنا سليمان بن بلال، حدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال:

أتي عقيل بن أبي طالب علي بن أبي طالب بالعراق ليعطيه، فأبي أن يعطيه شيئاً، فقال: إذاً أذهب إلي رجل هو أوصل منك. فذهب إلي معاوية، فعرف له معاوية.(2)

15333. ابن عساكر: أخبرنا جدّي أبوالمفضّل القاضي، أنبأ أبوالقاسم بن أبي العلاء، أخبرنا أبوالحسن بن السمسار، أنبأ محمّد بن أحمد، أنبأ جعفر بن محمّد بن إبراهيم العلوي، أنبأ يحيي بن الحسن بن جعفر العلوي، أخبرنا أبوالحسن بكّار بن أحمد الأزدي، حدّثنا حسن بن حسين، عن عبدالرحمان العرزمي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال:

أتي عقيل عليّاً بالعراق فقال: أعطني. فأبي أن يعطيه، وقال: أكتب لك إلي مالي بينبع فتعطي. فقال عقيل: لأذهبنّ إلي رجل يعطيني. فأتي معاوية، فقال: مرحباً بأبي يزيد، هذا أخو علي وعمّه أبولهب. فقال له عقيل: هذا معاوية وعمّته حمّالة الحطب.

قال يحيي بن الحسن: وسمعت علي بن الحسين بن علي بن عمر يقول نحو هذا الحديث، وزاد فيه: أنّ معاوية قال لعقيل: أين تري عمّك أبالهب من النار؟ فقال له عقيل: إذا دخلتها فهو علي يسارك مفترش عمّتك حمّالة الحطب، والراكب خير من المركوب.(3)

15334. أبوالقاسم البغوي: حدّثني سويد بن سعيد، حدّثنا عبدالوهّاب الثقفي، حدّثنا جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عقيلاً جاء إلي علي بالعراق فسأله، فقال: إن أحببت أن أكتب لك إلي مالي

ص:134


1- (1) المعيار والموازنة ص 250, دخول أبي صالح بيت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 21/41، ترجمة عقيل بن أبي طالب (4735).
3- (3) تاريخ مدينة دمشق 23/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

بينبع فاُعطيك منه. فقال عقيل: لأذهبنّ إلي رجل هو أوصل منك. فذهب إلي معاوية فعرف ذلك له.

ثمّ قال: هذا عقيل بن أبي طالب أخو علي بن أبي طالب، وعمّه أبولهب. فقال عقيل: هذا معاوية، وعمّته حمّالة الحطب.(1)

15. مسلم بن هرمز صاحب الحنّاء

15335. البلاذري: حدّثنا شيبان بن أبي شيبة الاُبلّي، حدّثنا قزعة بن سويد الباهلي، حدّثنا مسلم [بن هرمز] صاحب الحنّاء، قال:

لمّا فرغ علي بن أبي طالب من أهل الجمل أتي الكوفة فدخل بيت مالها فأضرط به، ثمّ قال: يا مال، غرّي غيري. ثمّ قسّمه بيننا، ثمّ جاءت ابنة للحسن - أو للحسين - فتناولت منه شيئاً، فسعي وراءها ففكّ يدها ونزعه منها.

قال: فقلنا: يا أميرالمؤمنين، إنّ لها فيه حقّاً. قال: إذا أخذ أبوها حقّه فليعطها ما شاء.

فلمّا فرغ من قسمته قسّم بيننا حبالاً جاءت من البحرين فأبينا قبضها فأكرهنا عليها، فخرجت كتاناً جيّداً فتنافسنا فيها فبلغت دراهم، ثمّ عمد إلي بيت المال فكسحه ونضحه بالماء، ثمّ صلّي فيه ركعتين، ثمّ توسّد رداءه وقال: ينبغي لبيت مال المسلمين أن لا يأتي عليه يوم - أو جمعة - إلّا كان هكذا، ليس فيه شيء، قد أخذ كلّ ذي حقّ حقّه.(2)

16. هارون بن سعيد

15336. ابن أبي الحديد: روي هارون بن سعيد، قال:

قال عبدالله بن جعفر بن أبي طالب لعلي عليه السلام: يا أميرالمؤمنين، لو أمرت لي بمعونة - أو

ص:135


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 23/41-24، ترجمة عقيل بن أبي طالب (4735), والمحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 222 في ذكر عقيل بن أبي طالب, ذكر خروجه إلي معاوية، باختصار.
2- (2) أنساب الأشراف 370/2, ترجمة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

نفقة -، فوالله ما لي نفقة إلّا أن أبيع دابّتي. فقال: لا والله؛ ما أجد لك شيئاً إلّا أن تأمر عمّك أن يسرق فيعطيك.(1)

17. يحيي بن سعيد

15337. ابن أبي الدنيا: حدّثني القاسم بن هاشم، حدّثنا عبدالعزيز بن الخطّاب، حدّثنا الحسن بن علي النميري، عن عمرو بن يحيي [بن سعيد بن عمرو]، عن أبيه، قال:

اهدي لعلي عليه السلام زقاق من عسل وسمن، فرآها قد نقصت، فسأل عنها، فقيل له: بعثت امّ كلثوم فأخذت منه في قعب، فبعث إليها بعد أن قوّم العسل بخمسة دراهم فأخذها منها وقال: هذا للمسلمين.(2)

15338. ابن الجوزي: عن عمرو بن يحيي، عن أبيه، قال:

اهدي إلي علي بن أبي طالب أزقاق سمن وعسل، فرآها قد نقصت، فسأل، فقيل: بعثت امّ كلثوم فأخذت منه، فبعث إلي المقوّمين فقوّموه خمسة دراهم، فبعث إلي امّ كلثوم: ابعثي إلىّ بخمسة دراهم.(3)

18. يحيي بن سلمة

15339. ابن الأثير: قال يحيي بن سلمة:

استعمل علي عمرو بن سلمة علي أصبهان، فقدم ومعه مال وزقاق فيها عسل وسمن، فأرسلت امّ كلثوم بنت علي إلي عمرو تطلب منه سمناً وعسلاً، فأرسل إليها ظرف عسل وظرف سمن.

ص:136


1- (1) شرح نهج البلاغة 200/2، شرح الخطبة 34.
2- (2) عنه سبط ابن الجوزي بإسناده إليه في تذكرة الخواصّ 468/1، الباب الرابع, في ذكر ورعه وزهادته عليه السلام.
3- (3) صفة الصفوة 68/1, ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (5)، ذكر ورعه، وعنه المحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 108, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر ورعه، والرياض النضرة 315/2, الباب الرابع, الفصل التاسع, ذكر ورعه.

فلمّا كان الغد خرج علي وأحضر المال والعسل والسمن ليقسّم، فعدّ الزقاق فنقصت زقّين, فسأله عنهما، فكتمه وقال: نحن نحضرهما. فعزم عليه إلّا ذكرهما له، فأخبره، فأرسل إلي امّ كلثوم فأخذ الزقّين منها، فرآهما قد نقصا، فأمر التجّار بتقويم ما نقص منهما، فكان ثلاثة دراهم، فأرسل إليها فأخذها منها، ثمّ قسّم الجميع.(1)

19. ما ورد مرسلاً

15340. ابن عقيل: روي أنّه قدم عقيل بن أبي طالب علي علي أخيه وهو بالكوفة يسأله مالاً، فقال للحسن: اكس عمّك. فكساه قميصاً من قمصانه، ورداء من أرديته، فلمّا حضر العشاء دعا علي العشاء، فإذا كسر تتقعقع يبوسة، فقال عقيل: أو ليس عندك إلّا ما أري ؟ قال علي: أو ليس هذا من نعمة الله كثيراً؟ فله الحمد والشكر.

فقال عقيل: يا أميرالمؤمنين، لا ضير إذ كان هذا، أعطني ما أقضي ديني، وعجّل سراحي لأرحل عنك.

فقال علي: فكم دينك ؟ فقال: أربعمئة ألف درهم.

فقال علي: فما هي عندي، ولا أملكها، ولكن تصبر حتّي يخرج عطائي فاُقاسمك.

فقال عقيل: بيت المال في يدك، وأنت تسوّفني ؟

قال: والله يا أخي ما أنا وأنت في هذا المال إلّا بمنزلة رجل من المسلمين. وجعلا يتكالمان في هذا وهما فوق قصر الإمارة مشرفين علي صناديق أهل السوق، فقال علي: إذا أبيت ما أقول فانزل إلي بعض هذه الصناديق فاكسرها وخذ ما فيها.

قال عقيل: أ تأمرني أن أكسر صناديق قوم قد توكّلوا علي الله, وجعلوا أموالهم فيها واتّكلوا عليها؟ قال: أ فتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين وقد توكّلوا علي الله، وهم يرجون قبضها، وأنا متقلّد أحدها من وجوهها ووضعها في حقوقها؟ فإن أبيت ما أقول أخذت سيفاً ثمّ أخذت سيفاً ثمّ انطلقنا إلي الجيّر، فإنّ فيها تجّاراً مياسير، فدخلنا علي

ص:137


1- (1) الكامل 201/3, حوادث سنة أربعين, ذكر بعض سيرته، وانظر ما تقدّم برواية عمرو بن سلمة.

بعضهم وأخذنا أموالهم.

قال عقيل: أ سارقاً جئت ؟ قال علي: فلئن تسرق من واحد خير من أن تسرق من كافّة المسلمين.

قال عقيل: فائذن لي أن آتي هذا الرجل - يعني معاوية - غير متّهم لي أنّي إليه هجرت، ولا عنك صدرت، ولا به انتصرت. قال: قد أذنت لك.

قال: فأعنّي علي سفري إليه. قال: يا حسن، أعط عمّك أربعمئة درهم. فأعطاه إيّاها، فخرج من عنده، وهو يقول:

سيغنيني الّذي أغني عليّاً فيدركه إلي الرحم الطلوب

ويغنيني الّذي أغناه عنّي ويغني ربّنا ربّ قريب

ثمّ وصل إلي معاوية، فوصله بأربعمئة ألف لقضاء دينه، ثمّ [وص -] - له بمثلها.(1)

15341. ابن أبي الحديد: سأل معاوية عقيلاً عن قصّة الحديدة المحمّاة المذكورة، فبكي وقال:... نعم؛ أقويت وأصابتني مخمصة شديدة، فسألته لم تند صفاته، فجمعت صبياني وجئته بهم، والبؤس والضرّ ظاهران عليهم، فقال: ائتني عشيّة لأدفع إليك شيئاً. فجئته يقودني أحد ولدي، فأمره بالتنحّي، ثمّ قال: ألا فدونك. فأهويت - حريصاً قد غلبني الجشع، أظنّها صرّة - فوضعت يدي علي حديدة تلتهب ناراً، فلمّا قبضتها نبذتها، وخرت كما يخور الثور تحت يد جازره، فقال لي: ثكلتك امّك! هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا، فكيف بك وبي غداً إن سلكنا في سلاسل جهنّم ؟ ثمّ قرأ: (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ )2 .

ص:138


1- (1) الفنون ص 48-50(51)، وقال: قال حنبلي: فكيف استحلّ أن يأذن لأخيه في الأخذ من مال يعتقده مسروقاً أيضاً؟ لأنّ معاوية أخذه عنده وفي اعتقاده بغير حقّ ؟ فأجاب بأنّه اعتقد أنّ الّذي بيد معاوية مال بيت المال، وأنّه ليس بإمام، ولا متصرّفاً بإذن الإمام، فأذن لأخيه بحكم أنّه المتصرّف بحقّ أن يأخذه بإذنه، فيصير أخذاً بحقّ - والله أعلم -.

ثمّ قال: ليس لك عندي فوق حقّك الّذي فرضه الله لك إلّا ما تري، فانصرف إلي أهلك.

فجعل معاوية يتعجّب ويقول: هيهات هيهات! عقمت النساء أن يلدن مثله!(1)

15342. ابن عبدالبرّ: إذ اورد عليه مال لم يبق منه إلّا قسّمه، ولا يترك في بيت المال منه إلّا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك ويقول: يا دنيا، غرّي غيري. ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء، ولا يخصّ به حميماً ولا قريباً، ولا يخصّ بالولايات إلّا أهل الديانات والأمانات....(2)

15343. الزمخشري: نزل بالحسن بن علي ضيف، فاستسلف درهماً اشتري له به خبزاً، واحتاج إلي الإدام فطلب من قنبر أن يفتح له زقّاً من زقاق عسل جاءت من اليمن، فأخذ منه رطلاً.

فلمّا قعد علي رضى الله عنه ليقسمها قال: يا قنبر، قد حدث في هذا الدن الحدث. قال: صدق فوك. وأخبره الخبر، فغضب وقال: علىّ به. فرفع عليه الدرّة، فقال: بحقّ عمّي جعفر. وكان إذا سئل بحقّ جعفر سكن، وقال: ما حملك علي أن أخذت منه قبل القسمة ؟ قال: إنّ لنا فيه حقّاً، فإذا أعطيتناه رددناه.

قال: فداك أبوك! وإن كان لك فيه حقّ فليس لك أن تنتفع بحقّك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقبّل ثنيّتك لأوجعتك ضرباً.

ثمّ دفع إلي قنبر درهماً وقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه.

قال الراوي: فكأنّي أنظر إلي يدي علي علي فم الزقّ ، وقنبر يقلّب العسل فيه، ثمّ شدّه وجعل يبكي ويقول: اللهمّ اغفرها للحسن فإنّه لايعلم.(3)

ص:139


1- (1) شرح نهج البلاغة 253/11-254، شرح الخطبة 219.
2- (2) الاستيعاب 1111/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).
3- (3) ربيع الأبرار 80/3، باب العدل والانصاف واستعمال السويّة في القسمة وغيرها.
4. إعطاؤه عليه السلام سهم الصغاركسهم الكبار

برواية: امّ الأعلي

15344. ابن زنجويه: حدّثنا أبونعيم، أخبرنا إسماعيل بن شعيب السمّان، حدّثتني امّ الأعلي ابنة الأعلم البرجميّة، قالت:

حملنا أبي أنا واُختي إلي علي فألحقنا في مئة. قالت: وقال: ليس الصبىّ الّذي يعضّ علي الكسرة ويأكل الطعام بأحقّ بالعطاء من المولود الّذي يمصّ الثدي.(1)

5. زهده عليه السلام في بيت المال

برواية:

1. أبي الأسود الدؤلي - 9. عمّار المازني

2. أبي بكرة - 10. عنترة

3. جابر - 11. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

4. أبي حرب بن أبي الأسود - 12. محمّد والد عبدالعزيز

5. زبيد اليامي عن أخيه - 13. مسلم بن هرمز

6. عامر الشعبي - 14. المسور بن مخرمة

7. عبدالله بن زرير - 15. موسي بن طريف

8. علي بن ربيعة - 16. ما ورد مرسلاً

1. أبوالأسود الدؤلي

15345. ابن أبي الحديد: قال أبوالأسود الدؤلي:

لمّا ظهر علي عليه السلام يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين والأنصار

ص:140


1- (1) الأموال 530/2(858).

وأنا معهم، فلمّا رأي كثرة ما فيه قال: غرّي غيري. مراراً....(1)

2. أبوبكرة

15346. أحمد الدورقي وابن شبّة: حدّثنا أبوعاصم النبيل، حدّثني محمّد بن خليفة البكراوي، عن أبيه، عن عبدالرحمان، عن أبي بكرة، قال:

استعملني علي علي بيت المال، ثمّ دخله فقال: خذ خذ. فقسم ما فيه بين المسلمين فبقي مطرف فقال: انظروا لي رجلاً محتاجاً أعطيه هذا المطرف.

فقلت: فلان رجل من موالي بني عجل، فأرسلني به إليه، فقال: من أين يعرفني أميرالمؤمنين ؟ فقلت: ذكرتك له. فقال: جزي الله أميرالمؤمنين خيراً، فقد وافق منّي حاجة. فباعه بمال سمّاه، وصلّي علي في بيت المال فأمر به فكنس وقال: الحمد لله الّذي أخرجني منه كما دخلته.(2)

3. جابر

15347. ابن شبّة: حدّثنا موسي بن إسماعيل، حدّثنا سكين بن عبدالعزيز، عن حفص بن خالد، عن [أبيه خالد بن] جابر، عن أبيه جابر، قال:

أنا شاهد عليّاً والأموال تأتيه فيضرط بها ويقول: غرّي غيري، غرّي غيري. وقال:

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه(3)

ص:141


1- (1) شرح نهج البلاغة 249/1، شرح الخطبة 12.
2- (2) عنهما البلاذري في أنساب الأشراف 371/2-372، ترجمة علي بن أبي طالب.
3- (3) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 874/2، ترجمة علي بن أبي طالب. قال ابن قتيبة في غريب الحديث 97/2, حديث أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب, قوله [عليه السلام]: «هذا جناي وخياره فيه»، مثل ضربه، أصله لعمرو بن عدي ابن اخت جذيمة الأبرش، وكان يجني الكمأة بين يدي جذيمة مع أتراب له، فكان أترابه إذا وجدوا خيار الكمأة أكلوها، وإذا وجدها عمرو جعلها في كمّه أو في حجره، وأتي بها خاله وهو يقول هذا القول، وأراد علي رضى الله عنه أنّه لم يتلطّخ من ذلك المال بشيء ولم يصبه.

4. - أبوحرب بن أبي الأسود

15348. البلاذري: حدّثت عن حمّاد بن سلمة، عن داوود بن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه:

أنّ الزبير بن العوّام لمّا قدم البصرة بعث إلىّ وإلي نفر، ودخل بيت المال فإذاً هو بصفراء وبيضاء، فقرأ: (وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ )1 ، وقال: فهذه لنا، وهذا ما وعدنا الله.

ثمّ لمّا قدم علي دخل بيت المال فإذاً صفراء وبيضاء فأضرط بها(1) وقال: غرّي غيري، غرّي غيري.(2)

5. زبيد اليامي عن أخيه

15349. عبدالله بن أحمد: حدّثني علي بن مسلم، قال: حدّثنا أبوعامر، قال: حدّثنا محمّد بن طلحة، عن زبيد [اليامي]، عن أخيه، قال:

سمعت عليّاً إذا جيء بالأموال وضعها في الرحبة يقول:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه(3)

6. عامر الشعبي

15350. ابن أبي الحديد: ذكر الشعبي، قال:

ص:142


1- (2) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «فأضر ما بها». قال ابن الأثير في النهاية 84/3 «ضرط »: وفي كتاب الهروي: ومنه حديث علي [عليه السلام] أنّه دخل بيت المال فأضرط به, أي استخفّ به. وفي كتاب أبي موسي: ومنه حديثه الآخر أنّه سئل عن شيء فأضرط بالسائل, أي استخفّ به وأنكر قوله, وهو من قولهم: تكلّم فلان فأضرط به فلان, وهو أن يجمع شفتيه ويخرج من بينهما صوتاً يشبه الضرطة؛ علي سبيل الاستخفاف والاستهزاء.
2- (3) أنساب الأشراف 371/2، ترجمة علي بن أبي طالب.
3- (4) فضائل الصحابة لأحمد 540/1-541(902).

دخلت الرحبة بالكوفة - وأنا غلام - في غلمان، فإذا أنا بعلي عليه السلام قائماً علي صبرتين(1) من ذهب وفضّة، ومعه مخفقة، وهو يطرد الناس بمخفقته، ثمّ يرجع إلي المال فيقسّمه بين الناس، حتّي لم يبق منه شيء، ثمّ انصرف ولم يحمل إلي بيته قليلاً ولا كثيراً، فرجعت إلي أبي فقلت له: لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس!

قال: من هو يا بنىّ ؟ قلت: علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين، رأيته يصنع كذا، فقصصت عليه، فبكي وقال: يا بنىّ ، بل رأيت خير الناس.(2)

7. عبدالله بن زرير

15351. ابن وهب: أخبرني ابن لهيعة، عن عبدالله بن هبيرة، عن عبدالله بن زرير الغافقي، قال:

دخلت مع علي بن أبي طالب يوم الأضحي فقرّب إلينا حريرة(3) ، فقلنا: أصلحك الله، لو قدمت إلينا من هذا البطّ وا [لإوزّ]، فإنّ الله قد أكثر الخير(4).

فقال: يا ابن زرير، لا يحلّ للخليفة من مال الله إلّا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يطعمها.(5)

15352. أحمد: حدّثنا حسن وأبوسعيد مولي بني هاشم، قالا: حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا عبدالله بن هبيرة، عن عبدالله بن زرير أنّه قال:

دخلت علي علي بن أبي طالب - قال حسن: يوم الأضحي - فقرّب إلينا خزيرة، فقلت: أصلحك الله، لو قرّبت إلينا من هذا البطّ - يعني الوزّ - فإنّ الله - عزّ وجلّ - قد

ص:143


1- (1) الصبرة - بالضمّ -: ما جمع من الطعام بلا كيل ولا وزن.
2- (2) شرح نهج البلاغة 198/2، شرح الخطبة 34.
3- (3) كذا في الأصل.
4- (4) في الأصل: «الخبز».
5- (5) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 480/42-481، ترجمة علي بن أبي طالب (4933) من طريق ابن المقرئ.

أكثر الخير. فقال: يا ابن زرير، إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لا يحلّ للخليفة من مال الله إلّا قصعتان: قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يضعها بين يدي الناس.(1)

8. علي بن ربيعة

15353. أحمد: حدّثنا وهب بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمّد بن قيس، عن علي بن ربيعة الوالبي, عن علي بن أبي طالب، قال:

جاءه ابن النبّاح(2) فقال: يا أميرالمؤمنين، امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر.

قال: فقام متوكّئاً علي ابن النبّاح حتّي قام علي بيت مال المسلمين فقال:

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه

يا ابن النبّاح، علىّ بأسباع(3) الكوفة.

قال: فنودي في الناس فأعطي جميع ما في بيت المسلمين وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، غرّي غيري, ها وها. حتّي ما بقي فيه دينار ولا درهم، ثمّ أمر بنضحه، وصلّي فيه ركعتين.(4)

9. عمّار المازني

15354. المعافي: حدّثنا أحمد بن محمّد الأسدي، حدّثنا عبّاس بن الفرج الرياشي، حدّثنا أبوعاصم، عن معاذ بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء، عن أبيه، عن جدّه، قال:

ص:144


1- (1) مسند أحمد 78/1(578).
2- (2) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «ابن التياح», وكذا التالي.
3- (3) هذا هو الصواب, وقد اختلفت نسخ الكتاب والمصادر الناقلة بين أشياخ وأشياع وأتباع, وكانت الكوفة آنذاك مقسمة علي سبعة مناطق حسب القبائل القاطنة بها.
4- (4) فضائل الصحابة 531/1-532(884)، وعنه أبونعيم في حلية الأولياء 80/1-81، ترجمة علي بن أبي طالب (4).

سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما أصبت من فيئكم إلّا هذه القارورة أهداها إلىّ الدهقان. ثمّ أتي بيت المال فقال: خذه. وأنشأ يقول:

طوبي لمن كانت له قوصرة يأكل منها كلّ يوم مرّة

وفي نسخة: أفلح من كانت.(1)

15355. ابن عبدالبرّ: حدّثنا سعيد بن نصر، قال: حدّثنا القاسم بن أصبغ، قال: حدّثنا محمّد بن عبدالسلام الخشني، قال: حدّثنا أبوالفضل العبّاس بن فرج الرياشي... مثله.(2)

15356. الشاشي: حدّثنا أبوقلابة، حدّثنا أبوعاصم، حدّثنا معاذ بن العلاء بن عمّار، عن أبيه، عن جدّه، قال:

سمعت علي بن أبي طالب علي منبر البصرة يقول: ما أصبت مذ ولّيت علي هذا إلّا هذه القويصرة، أهداها إلىّ دهقان. وقال:

أفلح من كانت له قوصرة يأكل منها كلّ يوم مرّة(3)

10. عنترة

15357. أبوعبيد: حدّثنا سعيد بن محمّد، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال:

أتيت عليّاً بالرحبة يوم نيروز - أو مهرجان - وعنده دهاقين وهدايا، قال: فجاء قنبر، فأخذ بيده فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّك لا تليق شيئاً، وإنّ لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة. قال: وما هي ؟ قال: انطلق فانظر ما هي ؟

قال: فأدخله بيتاً فيه باسنة مملوءة آنية ذهب وفضّة مموّهة بالذهب، فلمّا رآها علي قال: ثكلتك امّك، لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة! ثمّ جعل يزنها ويعطي كلّ عريف بحصّته، ثمّ قال:

ص:145


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 480/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) الاستيعاب 1113/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 480/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه

لا تغرّيني وغرّي غيري.(1)

11. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15358. نعيم بن حمّاد: عن عبدالعزيز بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عليّاً اتي بالمال، فأقعد بين يديه الوزّان والنقّاد، فكوّم كومة من ذهب, وكومة من فضّة، فقال: يا حمراء، ويا بيضاء، احمرّي وابيضّي وغرّي غيري:

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه(2)

12. محمّد والد عبدالعزيز

15359. معتمر بن سليمان: عن عبدالعزيز بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عليّاً اتي بالمال فأقعد بين يديه الوزّان والنقّاد، فكوّم كومة من ذهب، وكومة من فضّة، وقال: يا حمراء، يا بيضاء، احمرّي وابيضّي، وغرّي غيري:

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه(3)

13. مسلم بن هرمز

15360. عبدالله بن أحمد: حدّثنا سريج بن يونس، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن أبيه مسلم بن هرمز، قال:

أعطي علي الناس في سنة ثلاث عطيّات، ثمّ قدم عليه مال من أصبهان فقال: هلمّوا إلي

ص:146


1- (1) الأموال ص 284-285(674)، وعنه ابن عساكر بسندين إليه في تاريخ مدينة دمشق 477/42-478، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) عنه أبوعبيد في الأموال ص 285 (675)، وقال: ورواة الشعر يروونه: «إذ كلّ جان يده إلي فيه»، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 478/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 478/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933), من طريق أبي عبيد.

[ال -] عطاء الرابع فخذوا. ثمّ كنس بيت المال وصلّي فيه ركعتين وقال: يا دنيا، غرّي غيري.

قال: وقدم عليه حبال من أرض, فقال: أيش هذا؟ قال: حبال جيء بها من أرض كذا وكذا. قال: أعطوها الناس. قال: فأخذ بعضهم وترك بعضهم، فنظروا فإذا هو كتان يعمل, فبلغ الحبل آخر النهار دراهم.(1)

14. المسور بن مخرمة

15361. الواقدي: حدّثنا عبدالله بن جعفر، عن امّ بكر بنت المسور، عن أبيها، قال:

قدمت علي علي بالكوفة، وهو يعطي الناس في بيت له بابان علي غير كتاب، فقال: يا ابن مخرمة:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه

فقلت: يا أميرالمؤمنين، إنّ الناس يتراجعون عليك. قال: أوقد فعلوا؟ قلت: نعم. قال: فاكتبوهم. فكتبوا.(2)

15. موسي بن طريف

15362. أبوعبيد: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف، قال:

دخل علي بيت المال فأضرط به، ثمّ قال: لا امسي وفيك درهم. ثمّ أمر رجلاً من بني أسد فقسّمه، حتّي أمسي، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، لو عوّضته شيئاً؟ فقال: إن شاء، ولكنّه سحت.(3)

ص:147


1- (1) فضائل الصحابة لأحمد 531/1(882). ولعلّ المراد من آخر الحديث أنّ هذا الحبل لمّا كان غير معتدّ به لم يقبل الناس علي شرائه فتنزّل ثمنه, ويمكن أن يراد خلاف ذلك المعني و عكسه, بأنّ الناس ازدروها أوّلاً لكن بعد أن فضّوا ختامها أو حرّكوها فإذا هي كتان كذا فتنافسوا فيها, فغلا الحبل وازداد ثمنه.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 478/42-479، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) الأموال ص 284 (672)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 477/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

15363. ابن أبي شيبة: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف، قال:

دخل علي بيت المال فأضرط به، قال: لا امسي وفيك درهم. فدعا رجلاً من بني أسد فقال: اقسمه، فقسّمه حتّي أمسي، فقال الناس: لو عوّضته ؟ قال: إن شاء، ولكنّه سحت. فقال: لا حاجة لنا في سحتكم.(1)

15364. الشافعي: عن أبي بكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف الأسدي، قال:

دخل علي رضى الله عنه بيت المال فأضرط به وقال: لا امسي وفيك درهم. فأمر رجلاً من بني أسد فقسّمه إلي الليل، فقال الناس: لو عوّضته ؟ فقال: إن شاء، ولكنّه سحت.(2)

15365. ابن زنجويه: حدّثنا أبونعيم، حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف، قال:

دخل علي بيت المال فأضرط به ثمّ قال: لا امسي حتّي أقسمه - أو نقسمه -. فدعا رجلاً من بني سعد بن ثعلبة، فقسّم إلي الليل، فقالوا له: لو أعطيته. قال: إن شاء أعطيته وهو سحت. قال: لا حاجة لي فيه.(3)

16. ما ورد مرسلاً

15366. ابن قتيبة: في حديث علي رضى الله عنه أنّه اتي بالمال، فكوّم كومة من ذهب، وكومة من فضّة، وقال: يا حمراء، ويا بيضاء، احمرّي وابيضّي وغرّي غيري:

هذا جناي وخياره فيه كلّ جان يده إلي فيه(4)

ص:148


1- (1) المصنّف 477/4-478(22256).
2- (2) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 132/10، كتاب آداب القاضي، باب ما جاء في أجر القسام.
3- (3) الأموال 609/2(1003).
4- (4) غريب الحديث 96/2, حديث أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، وقال: حدّثني أبي، حدّثناه سهل بن محمّد، عن الأصمعي، إلّا أنّه قال: وهجانه فيه, أي خالصه، وكذلك الهجان من كلّ شيء، هو

15367. الإسكافي: كان [عليه السلام] ممّن قسم بالسويّة، وعدل في الرعيّة، ولم يرزأ من مال الله شيئاً... وكان إذا اجتمع عنده مال من المسلمين [أنفقه عليهم ثمّ ] قال:

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه(1)

6. عدم تأخيره عليه السلام في توزيع بيت المال

برواية:

1. أبي الأسود الدؤلي - 4. كليب الجرمي

2. أبي حكيم عن أبيه - 5. موسي بن طريف

3. أبي صالح السمّان -

1. أبوالأسود الدؤلي

15368. ابن أبي الحديد: قال أبوالأسود الدؤلي:

لمّا ظهر علي عليه السلام يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين والأنصار وأنا معهم، فلمّا رأي كثرة ما فيه قال: غرّي غيري - مراراً -. ثمّ نظر إلي المال وصعّد فيه بصره وصوّب وقال: اقسموه بين أصحابي خمسمئة خمسمئة. فقسم بينهم، فلا والّذي بعث محمّداً بالحقّ ما نقص درهماً ولا زاد درهماً، كأنّه كان يعرف مبلغه ومقداره، وكان ستّة آلاف درهم، والناس اثنا عشر ألفاً.(2)

2. أبوحكيم عن أبيه

15369. أبوعبيد: حدّثنا محمّد بن ربيعة، عن أبي حكيم صاحب الحنّاء، عن أبيه:

ص:149


1- (1) المعيار والموازنة ص 227-228, في أنّ الإمام علي بن أبي طالب كان قد فاق العالمين زهداً.
2- (2) شرح نهج البلاغة 249/1, شرح الكلام 12.

أنّ عليّاً أعطي العطاء في سنة ثلاث مرّات، ثمّ أتاه مال من أصبهان فقال: اغدوا إلي عطاء رابع، إنّي لست لكم بخازن. قال: وقسم الحبال، فأخذها قوم، وردّها قوم.(1)

3. أبوصالح السمّان

15370. يحيي بن آدم: عن شريك، عن أبي المغيرة الثقفي، أخبرني أبوصالح السمّان، قال:

رأيت عليّاً دخل بيت المال فرأي فيه مالاً فقال: هذا هاهنا والناس يحتاجون ؟! فأمر به فقسم بين الناس، فأمر بالبيت فكنس فنضح وصلّي فيه.(2)

4. كليب الجرمي

15371. ابن أبي الحديد: روي بكر بن عيسي، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، قال:

شهدت عليّاً عليه السلام وقد جاءه مال من الجبل، فقام وقمنا معه، وجاء الناس يزدحمون، فأخذ حبالاً فوصلها بيده، وعقد بعضها إلي بعض، ثمّ أدارها حول المال، وقال: لا احلّ لأحد أن يجاوز هذا الحبل.

قال: فقعد الناس كلّهم من وراء الحبل، ودخل هو، فقال: أين رؤوس الأسباع ؟ وكانت الكوفة يومئذ أسباعاً، فجعلوا يحملون هذه الجوالق إلي هذه الجوالق، وهذا إلي هذا، حتّي استوت القسمة سبعة أجزاء، ووجد مع المتاع رغيف, فقال: اكسروه سبع كسر، وضعوا علي كلّ جزء كسرة. ثمّ قال:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه

ثمّ أقرع عليها ودفعها إلي رؤوس الأسباع، فجعل كلّ رجل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق.(3)

ص:150


1- (1) الأموال ص 284 (673), وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 477/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 371/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
3- (3) شرح نهج البلاغة 199/2-200، شرح الخطبة 34.
5. موسي بن طريف

15372. أبوعبيد: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف، قال:

دخل علي بيت المال فأضرط به، ثمّ قال: لا امسي وفيك درهم. ثمّ أمر رجلاً من بني أسد فقسّمه، حتّي أمسي، فقيل له: يا أميرالمؤمنين، لو عوّضته شيئاً؟ فقال: إن شاء، ولكنّه سحت.(1)

15373. ابن أبي شيبة: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف، قال:

دخل علي بيت المال فأضرط به، قال: لا امسي وفيك درهم. فدعا رجلاً من بني أسد فقال: اقسمه. فقسمه حتّي أمسي، فقال الناس: لو عوّضته ؟ قال: إن شاء، ولكنّه سحت. فقال: لا حاجة لنا في سحتكم.(2)

15374. الشافعي: عن أبي بكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف الأسدي، قال:

دخل علي رضى الله عنه بيت المال فأضرط به وقال: لا امسي وفيك درهم. فأمر رجلاً من بني أسد فقسّمه إلي الليل، فقال الناس: لو عوّضته ؟ فقال: إن شاء، ولكنّه سحت.(3)

15375. ابن زنجويه: حدّثنا أبونعيم، حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن موسي بن طريف، قال:

دخل علي بيت المال فأضرط به ثمّ قال: لا امسي حتّي أقسمه - أو نقسمه -. فدعا

ص:151


1- (1) الأموال ص 284 (672)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 477/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) المصنّف 477/4-478(22256).
3- (3) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 132/10، كتاب آداب القاضي، باب ما جاء في أجر القسام.

رجلاً من بني سعد بن ثعلبة، فقسّم إلي الليل، فقالوا له: لو أعطيته. قال: إن شاء أعطيته وهو سحت. قال: لا حاجة لي فيه.(1)

7. كان عليه السلام يرزق العبيد

برواية: عنترة

15376. ابن أبي شيبة: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال:

شهدت عليّاً وعثمان - رضي الله عنهما - يرزقان أرقّاء الناس.(2)

15377. ابن زنجويه: أخبرنا إبراهيم بن موسي، أخبرنا عبّاد بن العوّام... مثله.(3)

8. إطعامه عليه السلام الناس من الفيء

تقدّمت رواياته في باب عمله الاجتماعي وسيرته فيه، فراجع.

9. إعطاء السهم لتعلّم القرآن

برواية:

1. سالم بن أبي الجعد - 2. عنترة

1. سالم بن أبي الجعد

15378. ابن الأعرابي: حدّثنا سعدان بن نصر، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمّار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد:

أنّ عليّاً رضى الله عنه فرض لمن قرأ القرآن ألفين ألفين.

ص:152


1- (1) الأموال 609/2(1003).
2- (2) المصنّف 459/6(32873)، وعنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 348/6، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب من قال يقسم للحرّ والعبد.
3- (3) الأموال 547/2(897).

قال سالم: وكان أبي ممّن قرأ القرآن فأعطاه فلم يأخذ.(1)

2. عنترة

15379. الحسن بن سفيان: حدّثنا علي بن سلمة اللبقي، حدّثنا عبدالملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جدّه، عن علي، قال:

من ولد في الإسلام فقرأ القرآن فله في بيت المال كلّ سنة مئتا دينار إن أخذها في الدنيا وإلّا أخذها في الآخرة.(2)

10. إعطاء سهم لأولاد الزنا واللقطاء

برواية:

1. تميم بن مسيح - 3. موسي الجهني

2. زهير العبسي -

1. تميم بن مسيح

15380. ابن زنجويه: أخبرنا أبونعيم، أخبرنا سفيان، عن زهير بن أبي ثابت، عن ذهل بن أوس، عن تميم بن مسيح:

أنّه خرج لصلاة الصبح فالتقط صبيّاً علي بابه، فأتي به عليّاً، فألحقه علي مئة.(3)

2. زهير العبسي

15381. وكيع: حدّثنا الأعمش، عن زهير العبسي:

أنّ رجلاً التقط لقيطاً، فأتي به عليّاً، فأعتقه وألحقه في مئة.(4)

ص:153


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في شعب الإيمان 556/2(2705).
2- (2) عنه البيهقي بإسناده إليه في شعب الإيمان 556/2(2704)، وأورده المتّقي في كنز العمّال 339/2(4185), عن البيهقي.
3- (3) الأموال 529/2(856).
4- (4) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 466/6-467(32928).
3. موسي الجهني

15382. وكيع: حدّثنا سفيان، عن موسي الجهني، قال:

رأيت ولد زنا ألحقه علي في مئة.(1)

15383. ابن زنجويه: أخبرنا أبونعيم، أخبرنا سفيان، عن موسي الجهني، قال:

رأيت ولد زنا ألحقه علي علي مئة.(2)

11. إعطاء سهم الخوارج مالم يقاتلوا المسلمين

برواية: كثير بن نمر

15384. أبوعبيد: حدّثنا الأشجعي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر، قال:

جاء رجل - لرجل من الخوارج - إلي علي، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي وجدت هذا يسبّك. قال: فسبّه كما سبّني.

قال: ويتوعّدك. فقال: لا أقتل من لم يقتلني.

قال علي: لهم علينا - قال أبوعبيد: حسبته قال: ثلاث: - أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتّي يقاتلونا.(3)

12. تقسيم جميع ما في بيت المال

برواية:

1. الأعمش عن رجل - 4. الحكم

2. أبي بكرة - 5. امّ ربيع بن حسّان

3. أبي الجعد - 6. زاذان

ص:154


1- (1) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 467/6(32929).
2- (2) الأموال 530/2(857).
3- (3) الأموال ص 245 (567).

7. سفيان بن سعيد عن شيخ - 16. كريمة الطائيّة

8. أبي صالح السمّان - 17. كعب

9. عامر الشعبي - 18. امّ كفلة

10. عبدالرحمان بن عجلان - 19. مجمع التيمي

11. عثمان بن ثابت عن جدّته - 20. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

12. امّ العلاء - 21. مسلم بن هرمز

13. علي بن ربيعة - 22. مصعب بن خارجة

14. عمرو بن نباتة - 23. أبي المعلّي الحنائي عن أبيه

15. عنترة الشيباني - 24. ما ورد مرسلاً

1. الأعمش عن رجل

15385. عبدالله بن أحمد: حدّثني نصر بن علي، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن رجل:

أنّ عليّاً كان إذا قسم ما في بيت المال نضحه ثمّ صلّي فيه ركعتين.(1)

2. أبوبكرة

15386. أحمد الدورقي وابن شبّة: حدّثنا أبوعاصم النبيل، حدّثني محمّد بن خليفة البكراوي، عن أبيه، عن عبدالرحمان، عن أبي بكرة، قال:

استعملني علي علي بيت المال ثمّ دخله فقال: خذ خذ. فقسم ما فيه بين المسلمين فبقي مطرف فقال: انظروا لي رجلاً محتاجاً اعطيه هذا المطرف. فقلت: فلان رجل من موالي بني عجل، فأرسلني به إليه، فقال: من أين يعرفني أميرالمؤمنين ؟ فقلت: ذكرتك له. فقال: جزي الله أميرالمؤمنين خيراً، فقد وافق منّي حاجة. فباعه بمال سمّاه، وصلّي

ص:155


1- (1) فضائل الصحابة لأحمد 546/1(915)، وعنه أبونعيم في حلية الأولياء 300/7، ترجمة سفيان بن عيينة (390).

علي في بيت المال فأمر به فكنّس وقال: الحمد لله الّذي أخرجني منه كما دخلته.(1)

3. أبوالجعد

15387. عبدالله بن أحمد: حدّثني نصر بن علي، قال: حدّثنا سفيان، عن عمّار، [عن سالم] يعني ابن أبي الجعد، عن أبيه، قال:

رأيت الغنم تيعر(2) في بيت مال علي فيقسمه.(3)

4. الحكم

15388. ابن شبّة: حدّثنا أبوحذيفة، عن سفيان، عن سعيد الطائي، عن الحكم:

أنّ عليّاً قسم فيهم الرمّان حتّي أصاب مسجدهم سبع رمّانات، وقال: أيّها الناس، إنّه يأتينا أشياء نستكثرها إذا رأيناها ونستقلّها إذا قسمناها، وإنّا قد قسمنا كلّ شيء أتانا.

قال: وأتته صفائح فضّة فكسرها وقسمها بيننا.(4)

5. امّ ربيع بن حسّان

15389. وكيع: حدّثنا ربيع بن حسّان، عن امّه، قالت:

كان علي يقسم فينا الورس والزعفران.

قال - [- ت]: فدخل علي الحجرة مرّة فرأي حبّاً منثوراً، فجعل يلتقط ويقول: شبعتم يا آل علي.(5)

ص:156


1- (1) عنهما البلاذري في أنساب الأشراف 371/2-372, ترجمة علي بن أبي طالب.
2- (2) يَعَرت تيعِر وتيعَر الشاة أو المعزي: صاحت.
3- (3) فضائل الصحابة لأحمد 546/1(914)، وعنه أبونعيم في حلية الأولياء 300/7، ترجمة سفيان بن عيينة (390)، وما بين المعقوفين منه.
4- (4) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 374/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
5- (5) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 462/6(32897).
6. زاذان

15390. ابن زنجويه: أخبرنا يحيي بن يحيي أبوخيثمة، عن زبيد اليامي، عن زاذان، قال:

علي يقسم دنان الطلي فأصابنا راقود منها فكنّا نصبّ عليه الماء ثمّ نشربه.(1)

15391. محمّد بن فضيل: عن هارون بن عنترة، عن زاذان، قال:

انطلقت مع قنبر غلام علي عليه السلام فإذا هو يقول: قم يا أميرالمؤمنين، فقد خبأت لك خبيئاً، قال: وما هو ويحك ؟ قال: قم معي. فانطلق به إلي بيته، وإذا بغرارة مملوءة من جامات ذهباً وفضّة، فقال: يا أميرالمؤمنين، رأيتك لا تترك شيئاً إلّا قسمته، فادّخرت لك هذا من بيت المال.

فقال علي عليه السلام: ويحك يا قنبر! لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة. ثمّ سلّ سيفه وضربه ضربات كثيرة، فانتثرت من بين إناء مقطوع نصفه، وآخر ثلثه، ونحو ذلك، ثمّ دعا بالناس فقال: اقسموه بالحصص. ثمّ قام إلي بيت المال فقسّم ماوجد فيه، ثمّ رأي في البيت إبراً ومسالّ فقال: ولتقسموا هذا. فقالوا: لا حاجة لنا فيه - وقد كان علي عليه السلام يأخذ من كلّ عامل ممّا يعمل -، فضحك وقال: ليؤخذنّ شرّه مع خيره.(2)

7. سفيان بن سعيد عن شيخ

15392. وكيع: حدّثنا سفيان بن سعيد بن عبيد، عن شيخ لهم:

أنّ عليّاً اتي برمّان فقسمه بين الناس، فأصاب مسجدنا سبع رمّانات أو ثمان رمّانات.(3)

8. أبوصالح السمّان

15393. ابن الجعد: أخبرنا شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن أبي صالح السمّان، قال:

ص:157


1- (1) الأموال 559/2-560(921).
2- (2) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 199/2، شرح الخطبة 34.
3- (3) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 462/6(32898).

رأيت عليّاً دخل بيت المال فرأي فيه شيئاً فقال: أ لا أري هذا هاهنا وبالناس إليه حاجة ؟ فأمر به فقسم، وأمر بالبيت فكنس ونضح فصلّي فيه، أو قال فيه - يعني نام -.(1)

15394. يحيي بن آدم: عن شريك، عن أبي المغيرة الثقفي، أخبرني أبوصالح السمّان، قال:

رأيت عليّاً دخل بيت المال فرأي فيه مالاً فقال: هذا هاهنا والناس يحتاجون ؟! فأمر به فقسم بين الناس، فأمر بالبيت فكنس فنضح وصلّي فيه.(2)

9. عامر الشعبي

15395. ابن زنجويه: حدّثنا يعلي بن عبيد، أخبرنا بكير بن عامر، عن الشعبي، قال:

إنّ عندنا دناناً عانيّة، كان علي يرزق الناس فيها الطلي.(3)

15396. ابن أبي الحديد: ذكر الشعبي، قال:

دخلت الرحبة بالكوفة - وأنا غلام - في غلمان، فإذا أنا بعلي عليه السلام قائماً علي صبرتين من ذهب وفضّة، ومعه مخفقة، وهو يطرد الناس بمخفقته ثمّ يرجع إلي المال فيقسّمه بين الناس، حتّي لم يبق منه شيء، ثمّ انصرف ولم يحمل إلي بيته قليلاً ولا كثيراً، فرجعت إلي أبي فقلت له: لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس! قال: من هو يا بنىّ ؟ قلت: علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين، رأيته يصنع كذا، فقصصت عليه، فبكي وقال: يا بنىّ ، بل رأيت خير الناس.(4)

ص:158


1- (1) مسند ابن الجعد ص 315 (2145)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 476/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 371/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
3- (3) الأموال 560/2(922).
4- (4) شرح نهج البلاغة 198/2، شرح الخطبة 34.
10. عبدالرحمان بن عجلان

15397. ابن أبي الحديد: روي عبدالرحمان بن عجلان، قال:

كان علي عليه السلام يقسم بين الناس الأبزار والحرف(1) والكمّون، وكذا وكذا.(2)

11. عثمان بن ثابت عن جدّته

15398. عبدالله بن أحمد: حدّثنا علي بن مسلم، حدّثنا عبيدالله بن موسي، عن عثمان بن ثابت - يعني الهمداني أبوعبدالرحمان -، عن جدّته، عن أبيها، قال:

كان إذا أتي بيت المال قال - يعني عليّاً - قال: غرّي غيري. فيقسمه حتّي لا يبقي منه شيء ثمّ يكنسه ويصلّي فيه ركعتين.(3)

12. امّ العلاء

15399. ابن شبّة: حدّثنا عبدالله بن رجاء، أنبأنا عمارة المقعد، عن امّ العلاء، قالت:

قسم علي فينا ورساً وزعفراناً.(4)

13. علي بن ربيعة

15400. أحمد: حدّثنا وهب بن إسماعيل، قال: أخبرنا محمّد بن قيس، عن علي بن ربيعة الوالبي، عن علي بن أبي طالب، قال:

جاءه ابن النبّاح(5) فقال: يا أميرالمؤمنين، امتلأ بيت مال المسلمين من صفراء وبيضاء، قال: الله أكبر.

قال: فقام متوكّئاً علي ابن النبّاح حتّي قام علي بيت مال المسلمين فقال:

ص:159


1- (1) الحرف - بالضمّ -: الخردل.
2- (2) شرح نهج البلاغة 199/2، شرح الخطبة 34.
3- (3) فضائل الصحابة لأحمد 541/1(905).
4- (4) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 374/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
5- (5) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «ابن التياح»، وكذا التالي.

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه

يا ابن النبّاح، علىّ بأسباع(1) الكوفة.

قال: فنودي في الناس فأعطي جميع ما في بيت المسلمين وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء، غرّي غيري، ها و ها. حتّي ما بقي فيه دينار ولا درهم، ثمّ أمر بنضحه وصلّي فيه ركعتين.(2)

14. عمرو بن نباتة

15401. ابن شبّة: حدّثنا هارون بن معروف، حدّثنا مروان بن معاوية، حدّثنا المغيرة بن مسلم، عن عمرو بن نباتة، قال:

شهدت عليّاً عليه السلام وقسم شيئاً جاءه من السواد، فقال:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه(3)

15. عنترة الشيباني

15402. وكيع: حدّثنا أبوسنان، عن عنترة الشيباني، قال:

كان علي يأخذ في الجزية والخراج من أهل كلّ صناعة من صناعته وعمل يده حتّي يأخذ من أهل الإبر [الإبر] والمسالّ والخيوط والحبال، ثمّ يقسّمه بين الناس، وكان لا يدع في بيت المال مالاً يبيت فيه حتّي يقسّمه، إلّا أن يغلبه فيه شغل، فيصبح إليه وكان يقول: يا دنيا، لا تغرّيني، غرّي غيري. وينشد:

ص:160


1- (1) هذا هو الصواب, وقد اختلفت نسخ الكتاب والمصادر الناقلة بين أشياخ وأشياع وأتباع، وكانت الكوفة آنذاك مقسمة علي سبعة مناطق حسب القبائل القاطنة بها.
2- (2) فضائل الصحابة 531/1-532(884)، وعنه أبونعيم في حلية الأولياء 80/1-81, ترجمة علي بن أبي طالب (4)، وابن الجوزي في التبصرة 443/1-444, المجلس الحادي والثلاثون, في فضل علي بن أبي طالب، وصفة الصفوة 165/1-166, ترجمة أبي الحسن علي بن أبي طالب (5), ذكر زهده، ونحوه في الوسيلة 6 /القسم 245/2، وذخائر العقبي ص 101, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر زهده.
3- (3) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 372/2-373, ترجمة علي بن أبي طالب.

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه(1)

15403. محمّد بن فضيل: عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال:

كان أبي صديقاً لقنبر، قال: انطلقت مع قنبر إلي علي فقال: يا أميرالمؤمنين، قم معي قد خبأت لك خبيئة. فانطلق معه إلي بيته فإذا أنا بسلّة مملوءة جامات من ذهب وفضّة، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّك لا تترك إلّا شيئاً قسمته أو أنفقته. فسلّ سيفه فقال: ويلك! لقد أحببت أن تدخل بيتي ناراً كبيرة! ثمّ استعرضها بسيفه فضربها فانتثرت بين إناء مقطوع نصفه وثلثه، قال: علىّ بالعرفاء. فجاءوا فقال: اقسموا هذه بالحصص.

قال: ففعلوا وهو يقول: يا صفراء، يا بيضاء [غرّي] غيري.

قال: وجعل يقول:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه

قال: في بيت المال مسالّ وإبر، وكان يأخذ من كلّ قوم خراجهم من عمل أيديهم.

قال: وقال للعرفاء: اقسموا هذا. قالوا: لا حاجة لنا فيه. قال: والّذي نفسي بيده لنقسمنّه خيره من شرّه.(2)

15404. أبوعبيد: حدّثنا سعيد بن محمّد، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال:

أتيت عليّاً بالرحبة يوم نيروز، أو مهرجان، وعنده دهاقين وهدايا. قال: فجاء قنبر، فأخذ بيده، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّك رجل لا تليق شيئاً، وإنّ لأهل بيتك في هذا المال نصيباً، وقد خبأت لك خبيئة. قال: وما هي ؟ قال: انطلق فانظر ما هي ؟

قال: فأدخله بيتاً فيه باسنة مملوءة آنية ذهب وفضّة مموّهة بالذهب، فلمّا رآها علي قال: ثكلتك امّك! لقد أردت أن تدخل بيتي ناراً عظيمة! ثمّ جعل يزنها ويعطي كلّ عريف بحصّته، ثمّ قال:

ص:161


1- (1) عنه ابن عبدالبرّ بإسناده إليه في الاستيعاب 1113/3-1114، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).
2- (2) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 461/6(32890).

هذا جناي وخياره فيه وكلّ جان يده إلي فيه

لا تغرّيني وغرّي غيري.(1)

16. كريمة الطائيّة

15405. عبدالله بن أحمد: حدّثني أبوعمّار العدوي، قال: أخبرني فضالة بن عبدالملك، عن كريمة بنت همّام الطائيّة، قالت:

كان علي يقسم فينا الورس بالكوفة.

قال فضالة: حملناه علي العدل منه رضى الله عنه.(2)

15406. البخاري: روي موسي بن إسماعيل, عن فضالة بن عبدالملك العبدي البصري أنّه سمع خالته كريمة بنت عقبة، قال:

كنّا بالكوفة, قالت: شهدت عليّاً يقسم بيننا الورس.(3)

17. كعب

15407. ابن إسحاق: عن عمر بن كعب(4) ، عن أبيه، قال:

رأيت عليّاً يرزق الناس الطلي مع العسل بالعراق.(5)

18. امّ كفلة

15408. وكيع: حدّثنا عبدالرحمان بن عجلان البرجمي، عن جدّته، قالت:

ص:162


1- (1) الأموال ص 284-285(674)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 477/42-478، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) فضائل الصحابة لأحمد 547/1(920)، وعنه المحبّ الطبري في الرياض النضرة 315/2, الباب الرابع, الفصل التاسع, ذكر عدله في رعيّته، وذخائر العقبي ص 109, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر عدله في رعيّته.
3- (3) التاريخ الكبير 126/7، ترجمة فضالة بن عبدالملك (567).
4- (4) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب: «عمرو بن شعيب»، فإنّه من مشايخ ابن إسحاق.
5- (5) عنه ابن زنجويه بإسناده إليه في الأموال 560/2(924).

كان علي يقسم فينا الأنوار بصرر: صرّة الكمون والحرث وكذا وكذا.(1)

15409. ابن زنجويه: أخبرنا أبونعيم، أخبرنا عبدالرحمان بن عجلان، حدّثتني جدّتي امّ كفلة:

أنّها انطلقت مع مولاها حتّي أتت عليّاً - وهو في الرحبة - وهو يقسم بين الناس أنواع الأبزار والخردل والحرف والكمّون والكشنيز، يوزعه بينهم كلّه، يصرونه صرراً، حتّي لم يبق منه شيئاً.(2)

19. مجمع التيمي

15410. السرّاج: حدّثنا عبدالله بن عمر، حدّثنا ابن نمير، حدّثنا أبوحيّان التيمي، عن مجمع التيمي، قال:

كان علي يكنس بيت المال ويصلّي فيه، يتّخذه مسجداً رجاء أن يشهد له يوم القيامة.(3)

15411. أحمد: حدّثنا يحيي بن سعيد، عن أبي حيّان، قال: حدّثني مجمع - وهو التيمي -:

أنّ عليّاً كان يأمر ببيت المال فيكنس ثمّ ينضح ثمّ يصلّي؛ رجاء أن يشهد له يوم القيامة أنّه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.(4)

15412. مسدّد: حدّثنا يحيي [بن سعيد]، حدّثنا أبوحيّان، حدّثني مجمع:

أنّ عليّاً كان يكنس بيت المال ثمّ يصلّي فيه؛ رجاء أن يشهد له أنّه لم يحبس فيه المال عن المسلمين.(5)

ص:163


1- (1) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 462/6(32896).
2- (2) الأموال 562/2(928).
3- (3) عنه أبونعيم بإسناده إليه في حلية الأولياء 81/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4).
4- (4) فضائل الصحابة 533/1(886)؛ الزهد ص 163, زهد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب.
5- (5) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 478/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933), من طريق ابن مردويه.

15413. يحيي بن سليمان الجعفي: حدّثني يعلي بن عبيد ويحيي بن عبدالملك بن أبي غنيّة، قال: حدّثنا أبوحيّان التيمي، عن مجمع التيمي:

أنّ عليّاً قسم ما في بيت المال بين المسلمين، ثمّ أمر به فكنس ثمّ صلّي فيه؛ رجاء أن يشهد له يوم القيامة.(1)

15414. ابن أبي الحديد: روي مجمع التيمي، قال:

كان علي عليه السلام يكنس بيت المال كلّ جمعة، ويصلّي فيه ركعتين، ويقول: ليشهد لي يوم القيامة.(2)

20. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15415. ابن زنجويه: أخبرنا ابن أبي اُويس، حدّثني سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه [محمّد بن علي الباقر عليه السلام]:

أنّ علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - كان يقسم المال حتّي تيعر(3) الغنم في بيوت المال، فاُتي مرّة بمال فما وجد له موضعاً حتّي أمر ببيوت المال فقمّت.(4)

21. مسلم بن هرمز

15416. البلاذري: حدّثنا شيبان بن أبي شيبة الاُبلّي، حدّثنا قزعة بن سويد الباهلي، حدّثنا مسلم [بن هرمز] صاحب الحنّاء، قال:

لمّا فرغ علي بن أبي طالب من أهل الجمل أتي الكوفة فدخل بيت مالها فأضرط به، ثمّ قال: يا مال، غرّي غيري. ثمّ قسمه بيننا، ثمّ جاءت ابنة للحسن - أو للحسين - فتناولت منه شيئاً، فسعي وراءها ففكّ يدها ونزعه منها، قال: فقلنا: يا أميرالمؤمنين، إنّ

ص:164


1- (1) عنه ابن عبدالبرّ بإسناده إليه في الاستيعاب 1112/3-1113، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).
2- (2) شرح نهج البلاغة 199/2، شرح الخطبة 34.
3- (3) في الأصل: «تبعر», والظاهر أنّ المثبت هو الصواب. يَعَرت تيعِر وتيعَر الشاة أو المعزي: صاحت.
4- (4) الأموال 610/2(1004).

لها فيه حقّاً، قال: إذا أخذ أبوها حقّه فليعطها ما شاء.

فلمّا فرغ من قسمته قسم بيننا حبالاً جاءت من البحرين فأبينا قبضها فأكرهنا عليها، فخرجت كتاناً جيّداً فتنافسنا فيها فبلغت دراهم، ثمّ عمد إلي بيت المال فكسحه ونضحه بالماء، ثمّ صلّي فيه ركعتين، ثمّ توسّد رداءه وقال: ينبغي لبيت مال المسلمين أن لا يأتي عليه يوم - أو جمعة - إلّا كان هكذا ليس فيه شيء قد أخذ كلّ ذي حقّ حقّه.(1)

15417. عبدالله بن أحمد: حدّثنا سريج بن يونس، قال: حدّثنا هارون بن مسلم، عن أبيه مسلم بن هرمز، قال:

أعطي علي الناس في سنة ثلاث عطيّات، ثمّ قدم عليه مال من أصبهان فقال: هلمّوا إلي عطاء الرابع فخذوا، ثمّ كنس بيت المال وصلّي فيه ركعتين وقال: يا دنيا، غرّي غيري.

قال: وقدم عليه حبال من أرض، فقال: أيش هذا؟ قال: حبال جيء بها من أرض كذا وكذا.

قال: أعطوها الناس. قال: فأخذ بعضهم وترك بعضهم، فنظروا فإذا هو كتان يعمل فبلغ الحبل آخر النهار دراهم.(2)

22. مصعب بن خارجة

15418. ابن شبّة: حدّثنا أبوعاصم النبيل، حدّثنا خارجة بن مصعب [بن خارجة]، عن أبيه، قال:

كان علي يقسم بيننا كلّ شيء حتّي يقسم العطور بين نسائنا.(3)

23. أبوالمعلّي الحنائي عن أبيه

15419. أبوالقاسم البغوي: حدّثنا عبيدالله بن عمر [القواريري]، حدّثنا أبوالمعلّي

ص:165


1- (1) أنساب الأشراف 370/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
2- (2) فضائل الصحابة لأحمد 531/1(882).
3- (3) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 374/2, ترجمة علي بن أبي طالب.

الحنائي، قال: حدّثني أبي، قال:

رأيت عليّاً صعد المنبر وعليه إزار ورداء وعمامة، وشهدت عليّاً أعطي الناس ثلاثة إباطية في سنة.(1)

24. ما ورد مرسلاً

15420. المدائني: كان علي بن أبي طالب رضى الله عنه يقسم بيت المال في كلّ جمعة حتّي لا يبقي منه شيئاً؛ ثمّ يفرش له ويقيل فيه، ويتمثّل بهذا البيت:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه

كان علي بن أبي طالب إذا دخل بيت المال ونظر إلي ما فيه من الذهب والفضّة قال:

ابيضّي واصفرّي وغرّي غيري إنّي من الله بكلّ خير(2)

15421. ابن أبي الحديد: اتّفقت الرواة كلّها علي أنّه عليه السلام قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح ودابّة ومملوك ومتاع وعروض، فقسّمه بين أصحابه.(3)

15422. ابن عبدالبرّ: إذا ورد عليه مال لم يبق منه شيئاً إلّا قسّمه، ولا يترك في بيت المال منه إلّا ما يعجز عن قسمته في يومه ذلك، ويقول: يا دنيا، غرّي غيري. ولم يكن يستأثر من الفيء بشيء، ولا يخصّ به حميماً ولا قريباً، ولا يخصّ بالولايات إلّا أهل الديانات والأمانات.(4)

15423. الإسكافي: كان رضى الله عنه يقسم ما في بيت المال، ثمّ يكنسه ويصلّي فيه رجاء أن تشهد له عند الله يوم القيامة، و [كان] يقول: قد تأتينا أشياء نستكثرها إذا جاءتنا

ص:166


1- (1) معجم الصحابة 360/4, ذيل الحديث 1815.
2- (2) عنه ابن عبد ربّه في العقد الفريد 62/5-63، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، فضائل علي بن أبي طالب رضى الله عنه.
3- (3) شرح نهج البلاغة 250/1, شرح الكلام 12.
4- (4) الاستيعاب 1111/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).

ونستقلّها إذا قسمناها، وإنّا لنقسم القليل والكثير.(1)

ولاحظ العنوان التالي، وراجع ما ذكرناه في فصل حياته عليه السلام الشخصيّة في عنوان: «ما يتعلّق به عليه السلام من ملبسه وخاتمه...», وعنوان: «مطعمه عليه السلام ومأكله».

13. تقسيم رغيف واحد بسبعة أجزاء

برواية: كليب الجرمي

15424. ابن أبي الحديد: روي بكر بن عيسي، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه، قال:

شهدت عليّاً عليه السلام وقد جاءه مال من الجبل، فقام وقمنا معه، وجاء الناس يزدحمون، فأخذ حبالاً فوصلها بيده، وعقد بعضها إلي بعض، ثمّ أدارها حول المال، وقال: لا احلّ لأحد أن يجاوز هذا الحبل.

قال: فقعد الناس كلّهم من وراء الحبل، ودخل هو، فقال: أين رؤوس الأسباع ؟ - وكانت الكوفة يومئذ أسباعاً - فجعلوا يحملون هذه الجوالق إلي هذه الجوالق، وهذا إلي هذا، حتّي استوت القسمة سبعة أجزاء، ووجد مع المتاع رغيف، فقال: اكسروه سبع كسر، وضعوا علي كلّ جزء كسرة. ثمّ قال:

هذا جناي وخياره فيه إذ كلّ جان يده إلي فيه

ثمّ أقرع عليها ودفعها إلي رؤوس الأسباع، فجعل كلّ رجل منهم يدعو قومه فيحملون الجواليق.(2)

15425. يحيي بن سليمان: حدّثنا سفيان، قال: حدّثني عاصم بن كليب، عن أبيه، قال:

قدم علي علي مال من أصبهان فقسّمه سبعة أسباع، ووجد فيه رغيفاً فقسّمه سبع

ص:167


1- (1) المعيار والموازنة ص 251, دخول أبي صالح بيت الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام.
2- (2) شرح نهج البلاغة 199/2-200، شرح الخطبة 34.

كسر، فجعل علي كلّ جزء كسرة، ثمّ أقرع بينهم أيّهم يعطي أوّلاً.(1)

15426. البيهقي: أخبرنا الفقيه أبوالفتح العمري، أخبرنا أبوالحسن أحمد بن إبراهيم بن فراس، حدّثنا أبوجعفر محمّد بن إبراهيم، حدّثنا عبدالحميد بن صبيح، حدّثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه سمعه منه:

أنّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه أتاه مال من أصبهان فقسّمه بسبعة أسباع، ففضل رغيف، فكسر بسبع كسر، فوضع علي كلّ جزء كسرة، ثمّ أقرع بين الناس أيّهم يأخذ أوّل.(2)

15427. علي بن حرب: حدّثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، قال:

قدم علي علي مال من أصبهان، فقسّمه علي سبعة أسهم، فوجد فيه رغيفاً فكسره علي سبعة، وجعل علي كلّ قسم منها كسرة، ثمّ دعا امراء الأسباع(3) فأقرع بينهم لينظر أيّهم يعطي أوّلاً.(4)

15428. ابن عبدالبرّ: حدّثنا خلف بن قاسم, حدّثنا عبدالله بن عمر الجوهري, حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحجّاج, أخبرني حامد بن يحيي, قال: حدّثنا سفيان....(5)

ص:168


1- (1) عنه ابن عبدالبرّ بإسناده إليه في الاستيعاب 1113/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855) وقال: «وأخباره في مثل هذا من سيرته لا يحيط بها كتاب». ونحوه في الرياض النضرة لمحبّ الطبري 315/2, الباب الرابع, الفصل التاسع, ذكر ورعه، وذخائر العقبي ص 108, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر ورعه, عن القلعي، والكامل لابن الأثير 200/3, حوادث سنة أربعين, ذكر بعض سيرته, مرسلاً عن عاصم بن كليب.
2- (2) السنن الكبري 348/6-349، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب التسوية بين الناس في القسمة. وأورده البلوي في ألف باء 440/1, ذكر الأجواد، والبرّي في الجوهرة ص 90, فضائل علي.
3- (3) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «الأشياع».
4- (4) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 476/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
5- (5) الاستيعاب 1113/3, ترجمة علي بن أبي طالب (1855), مقروناً مع رواية يحيي بن سليمان, عن سفيان, وقد تقدّمت.

15429. عبدالله بن أحمد: حدّثني نصر بن علي الجهضمي، حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه:

أنّ عليّاً قسّم ما في بيت المال علي سبعة أسباع، ثمّ وجد رغيفاً فكسره سبع كسر، ثمّ دعا امراء الأجناد فأقرع بينهم.(1)

ص:169


1- (1) فضائل الصحابة لأحمد 545/1(913)، وعنه أبونعيم في حلية الأولياء 300/7, ترجمة سفيان بن عيينة (390), من طريق القطيعي.

الباب الخامس: عمله عليه السلام السياسي وسيرته فيه وفيه فروع:

الأوّل: دهاؤه عليه السلام وحسن سياسته وتدبيره
اشارة

برواية:

1. كليب الجرمي - 2. المراسيل والأقوال

1. كليب الجرمي

15430. ابن أبي شيبة: حدّثنا أبواُسامة، قال: حدّثني العلاء بن المنهال، قال: حدّثنا عاصم بن كليب الجرمي، قال: حدّثني أبي [في قصّة الجمل ومسير عائشة وعلي وطلحة والزبير، إلي أن] قال:

فلمّا أن قدمت العسكر قدمت علي أدهي العرب، يعني عليّاً. قال: والله لدخل علي في نسب قومي حتّي جعلت أقول: والله لهو أعلم بهم منّي، حتّي قال: أمّا إنّ بني راسب بالبصرة أكثر من بني قدامة. قال: قلت: أجل....(1)

15431. الطبري: أخرج إلىّ زياد بن أيّوب كتاباً فيه أحاديث عن شيوخ ذكر أنّه سمعها منهم؛ قرأ علىّ بعضها ولم يقرأ علىّ بعضها، فممّا لم يقرأ علىّ من ذلك فكتبته منه.

ص:170


1- (1) المصنّف 532/7-533(37746).

قال: حدّثنا مصعب بن سلام التميمي، قال: حدّثنا محمّد بن سوقة، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه [في حديث طويل عن قصّة الجمل ومسير عائشة وعلي وطلحة والزبير، إلي أن] قال:

وكان يقول: علي من أدهي العرب.(1)

2. المراسيل والأقوال

15432. الإسكافي: فإن قالوا: فدلّونا علي فضل علي في الرأي والتدبير كما دللتم علي فضله في الشجاعة والجهاد، وقد تعلمون أنّ قريشاً طعنت عليه في رأيه، وضعّفته في تدبيره!

قلنا لهم: أمّا تضعيف قريش له في تدبيره ورأيه فبالعداوة والعصبيّة، لا بحقّ طعنوا ولا حجّة, وإلّا فليوقفونا من رأيه علي غلط أو خطأ.

والدليل علي فضل رأيه ورجاحة(2) تدبيره أنّه لم يولّ عليه أحد في جيش في حروب النبىّ صلى الله عليه و سلم، ولو كان من ضعف التدبير علي ما ادّعيتم ومن الشجاعة علي ما أقررتم كان في الرأي وصلاح الحروب أن يكون مأموراً في الحروب ولا يكون أميراً، فما كان من النبىّ صلى الله عليه و سلم في أمره وتوليته دليل واضح علي ما قلنا ونفي ما قلتم.

وقد بلغه ما قالت قريش فكذّبه وتعجّب من قولها، وقال: لله أبوهم، وهل أحد كان أشدّ مراساً لها منّي ؟ والله لقد نهضت فيها وأنا ابن عشرين، وها أنا ذا قد نيّفت علي الستّين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع. ولذلك تمثّل عند تركهم لرأيه بقول دريد بن الصمّة:

أمرتهم أمري بمنعرج اللوي فلم يستبينوا الرشد إلّا ضحي الغد

وقد كان - رحمة الله عليه - يترك الشيء من الرأي والتدبير عن معرفة، يمنعه من ذلك الخوف من الله لأنّه محرّم في الدين، ويستعمله من خالفه كالغدر والخديعة والكذب

ص:171


1- (1) تاريخ الطبري 490/4-491، حوادث سنة ستّ وثلاثين, نزول أميرالمؤمنين ذاقار.
2- (2) الرجاحة: الرجحان والعلوّ.

ونقض العهد والغارة والبيات وما أشبه ذلك, فيظنّ الجاهل أنّ ذلك منه قلّة معرفة به، وأنّ من خالفه إنّما صار إلي ذلك بفضل رأيه، وقد ذكر ذلك في بعض كلامه فمدح الوفاء، وعاب الغدر وانتهاز الفرصة بما لا يحلّ , فقال - رحمة الله عليه - وذكر الوفاء:

ذاك والله توأم الصدق، وما أعلم جنّة أوقي منها، وما غدر من علم كيف العواقب، وأيم الله لقد أصبحنا في زمن اتّخذه أكثر أهله كيساً، ونسبهم أهله إلي حسن الحيلة, ما لهم خيّبهم الله! قد يري الحُوَّل القُلَّب وجه الحيلة ودونها حاجز من أمر الله ونهيه, فيدعها رأي عين وبعد قدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين(1).

نعم، ويجد علي ذلك أعواناً غير مستبصرين، وما يرتاب في مثل هذا إلّا الجاهلون، ولعمري إنّ عمرو بن العاص ومعاوية الغادر قد كان [كلّ واحد منهما] يعمل رأيه إذا شرعت له الفرصة لا يحجزه عن ذلك خوف من الله وأمره، فيحنث ويكذب ويغيّر ويغدر.

فارتاب بمثل هذا من فعلهم من لا بصيرة له، وما ظنّك بقوم لمّا انتبهوا عند قتل عمّار بن ياسر لقول النبىّ صلى الله عليه و سلم: يا ابن سميّة, تقتلك الفئة الباغية. قال لهم معاوية: إنّما قتله من أخرجه ؟ فوجد قوماً طغاماً لا علم لهم بكفر من إيمان ولا هدي من ضلال، أصحاب جفاء وجهل وارتياب، فجاز عندهم هذا الكلام، وظنّوا أنّه قد خرج من هذا السؤال، وأنّ قاتل عمّار بن ياسر هو علي دون معاوية!

فلمّا بلغ هذا من قوله علي بن أبي طالب قال للجفاة الطغام وأشباه الأنعام: لو كنت أنا قتلت عمّاراً؛ لأنّي أخرجته، لكان رسول الله قتل حمزة وجميع من قتل في حربه؛ لأنّه هو المخرج لهم.

فتوازر معاوية وعمرو واستعانوا علي علي بالمكيدة والغدر، واستعان عليه آخرون بالتمويه والشبه، وكلّهم يعتلّ بطلب الدم، وإن كان بعضهم أجرأ من بعض، وأقدم علي الفجور والإثم.

ص:172


1- (1) راجع: ربيع الأبرار 342/4، باب الوفاء وحسن العهد؛ مطالب السؤول 244/1, الباب الأوّل, الفصل العاشر, في فصاحته، النوع الخامس, في الخطب والمواعظ .

ولقد ذكر أميرالمؤمنين - بيّض الله وجهه - بعد رجوعه من البصرة من قعد عنه [وأنّبهم], فقام إليه صاحب شرطته مالك بن حبيب اليربوعي فقال: إنّ التأنيب والهجر لقليل، فمرنا بقتلهم، فوالله لئن أمرتنا لنقتلنّهم. فقال علي: سبحان الله يا مالك! جزت المدي وعدوت الحكم، وأغرقت في النزع.

فقال: يا أميرالمؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في امور تنوبك من مداهنة الأعادي. فقال علي: ليس هذا قضاء الله يا مالك، إنّما النفس بالنفس، فما بال ذكرك الغشم وقد قال الله - تبارك وتعالي -: (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)1 ، والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهي الله عن ذلك، وذلك هو الغشم الّذي نهي الله عنه.

فتدبّروا سيرته، وتصفّحوا سياسته؛ لتعلموا فضله في رأيه وتدبيره وفضله في شجاعته وإسلامه وفضله عند الشدائد في صبره ويقينه، وسنتكلّف لكم جمع ذلك لتخفّ المؤونة عليكم، ونأتي من بيان ذلك بما فيه الشفاء لكم.

وممّا يؤثر عنه في صواب رأيه وتحقيق ما ذكرنا من توقّيه وإيثاره الصواب في اختياره، قالوا: لمّا بلغه قول الزبير وطلحة وتعريضهما بالنكث دعا بعبدالله بن عبّاس وقال له: يا أباالعبّاس، أما بلغك قول هذين الرجلين ؟ قال: بلي. قال: فما تري ؟ قال: أري أن ينصفا حتّي يذاقا، ولن يذاقا حتّي يعملا، فولّ طلحة البصرة والزبير الكوفة، فإنّهما متي يليا ويبسطا أيديهما وألسنتهما استحقّا العزل، واستوجبا البغض.

فضحك علي وقال: يا أباالعبّاس، إنّ العراق بها الرجال والأموال، ومتي يملكان رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا علي البغي بالسلطان! ولو كنت مستعملاً أحداً لنفعه أو لضرّه في يومه أو غده استعملت معاوية علي الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما كان لي فيهما رأي.

ص:173

فأىّ الرأيين عندكم أبلغ وأولي بالصواب وأوفق وأجمعهما للدنيا والدين ؟ وقد تعلمون فضل ابن عبّاس في رأيه، وأنّ عمر قد كان يستعين به علي أمره.

فلم يؤت رضى الله عنه في اموره لسوء تدبير كان منه أو لغلط في رأي، غير أنّه كان يؤثر الصواب عند الله في مخالفة الرأي, ولا يؤثر الرأي في مخالفة رضا ربّه.

وقد كانت له خاصّة من أهل البصائر واليقين من المهاجرين والأنصار، مثل ابن عبّاس وعمّار والمقداد وأبي أيّوب الأنصاري وخزيمة بن ثابت وأبي الهيثم بن التيهان وقيس بن سعد [بن عبادة الأنصاري]، ومن أشبه هؤلاء من أهل البصيرة والمعرفة، فأفنتهم الحروب واخترمهم الموت.

وحصل معه من العامّة قوم لم يتمكّن العلم من قلوبهم، تبعوه مع ضعف البصيرة واليقين، ليس لهم صبر المهاجرين، ولا يقين الأنصار، فطالت بهم تلك الحروب، واتّصلت بعضها ببعض، وفني أهل البصيرة واليقين، وبقي من أهل الضعف في النيّة وقصر المعرفة من قد سئموا الحرب، وضجروا من القتل، فدخلهم الفشل، وطلبوا الراحة، وتعلّقوا بالأعاليل، فعندها قام فيهم خطيباً فقال: ليتني لم أعرفكم معرفة جرت ندماً، وملأتم قلبي غيظاً، وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان والخذلان.

وقد كانت هذه الأحوال مع النبىّ صلى الله عليه و سلم - وقد ظهرت أسباب العزّة، وقد جاءهم من الله اليقين - من ارتياب قوم، وشكّ آخرين، وضعف قوم، وتخلّف قوم، وانهزام قوم خلّوا مراكزهم وولّوا العدوّ أدبارهم، وفيهم يقول الله - تبارك وتعالي -: (إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ )1 , وفي المتخلّفين يقول الله: (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ )2 ، وقال: (وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً)3 .

ص:174

فهذه الأحوال الّتي يذكرونها في حروب علي عليه السلام قد كانت في حروب النبىّ صلى الله عليه و سلم، فَلِم جعلتموها علّة للنقص، والخطأ في الرأي لولا الحيرة ؟!

النبىّ صلى الله عليه و سلم [كان] ينزل عليه الوحي ويعينه الله بالملائكة [ومع ذلك] فقد زاغت الأبصار من قوم عند محنة كانت، وضاقت صدورهم، وظنّوا بالله الظنون.

فإن كنتم صادقين - ولا أخالكم إلّا متعمّدين - فاذكروا لنا رأياً من رأيه، وغلطة من غلطاته، بها ضعّفتم أميرالمؤمنين رضى الله عنه في رأيه، لولا المعاندة.

قد تعلمون شدّة مقاساته(1) للحروب واضطلاعه بها، وما مني به من تراكم المحن عليه، واجتماع أهل النكث والبغي علي حربه، [و] هو المتولّي للاصطلاء بحرّها, والقائم بلمّ شعثها، والداعي إلي الإجماع عليها، منفرداً بذلك، ليس له نظير يعينه - كما تعرفون لمن كان قبله -, يكتّب الكتائب، ويجنّد الجنود، ويبعث البعوث، ويعبّئ العساكر، ويؤمّر الاُمراء، ويقوم بالخطب تحريضاً وبياناً وتأنيباً، ويوضّح السنّة، ويتولّي محاجّة من حاجّه.

فكم من شبهة قد أوضحها، وكربة قد كشفها، وضلالة قد محقها، وضالّ قد هداه، ونفس قد أحياها!

فهل يقوي قلب أحد علي ما ذكرنا إلّا من نوّر اليقين قلبه، وعرف ما له عند ربّه، وعلم أنّ بمثل ما فعل ينال رضاه، ويباعد من سخطه ؟

ففضيلته في الجهاد قد بانت أيّام النبىّ صلى الله عليه و سلم علي من كان بحضرته، ومن قدّمتموه عليه بدلالة القرآن.

وتقدّمه في الإسلام قد وضح بما خصّ به من المحن الشداد، ومحن الحروب قد حصلت بالمكاره وما يشيب عند مثلها الذوائب، والعلم بسببها في قتال الكافرين والمحلّين عند احدوثة اقتدي [به] فقهاؤكم، وبالعلم والصبر علي الحرب بمحض اليقين هو البائن عن الخلق، والعفو عند القدرة هو

ص:175


1- (1) المقاسات: تحمّل المشاقّ .

المذكور به عند علماء السيرة، والدعاء بالرفق في كلامه مشهور، والبلاغة في القول ما لا ينكره من عرف كتبه ورسائله.

وسأذكر من فضل رأيه في الحرب وحسن سيرته وقوّة تدبيره ووضوح حجّته مالا يمتنع من قبوله قلب من ألقي السمع وهو شهيد.

ذكروا أنّ رجلاً قام إليه يقال له أبوبردة - وكان ممّن تخلّف عنه يوم الجمل - فقال: يا أميرالمؤمنين، أ رأيت القتلي حول عائشة وطلحة والزبير؟ بم قتلوا؟ قال: بمن قتلوا من شيعتي وعمّالي، وقتلهم أخا ربيعة العبدي - رحمة الله عليه - في عصابة من المسلمين قالوا: لا ننكث كما نكثتم، ولا نغدر كما غدرتم. فقتلوهم، فسألتهم أن يدفعوا إلىّ قتلة إخواني منهم، أقتلهم بهم، ثمّ كتاب الله بيني وبينهم حكم، فأبوا وقاتلوني وفي أعناقهم بيعتي، ودماء قريب من ألف إنسان من المسلمين من شيعتي، فقاتلتهم بهم، أوَ في شكّ أنت من ذلك ؟ فقال: قد كنت في شكّ ، فأمّا الآن فقد عرفت واستبان لي خطأ القوم، وأنّك المهتدي المصيب. فشهد معه صفّين.

وذكر أنّه كتب إلي معاوية: من علي بن أبي طالب إلي معاوية، أمّا بعد، فإنّ الله أنزل كتابه فلم يدعنا في شبهة، ولا عذر لمن ركب ذنباً بجهالة، والتوبة مبسوطة، ولا تزر وازرة وزر اخري، وأنت أوّل من شرع الخلاف، متمادياً في غرّة الأمل، مختلف العلانية والسريرة، رغبة في العاجل، وتكذيباً بعد في الآجل، وكأنّك قد تذكّرت ما مضي منك، فلم تجد إلي الرجوع سبيلاً.

وكتب أيضاً إلي عمرو بن العاص: من [عبدالله أميرالمؤمنين] علي بن أبي طالب إلي عمرو بن العاص، أمّا بعد، فإنّ الّذي أعجبك ممّا تلوّيت من الدنيا، ووثقت به منها منفلت منك، فلا تطمئنّ إلي الدنيا فإنّها غرّارة، ولو اعتبرت بما مضي حذرت ما بقي، وانتفعت منها بما وعظت به، ولكن اتّبعت هواك وآثرته، ولولا ذلك لم تؤثر علي ما دعوناك إليه [غيره]؛ لأنّا أعظم رجاء(1) وأولي بالحجّة، والسلام.

ص:176


1- (1) في الأصل: «الرجاء».

ثمّ كتب إلي امراء الجنود واُمراء الخراج: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي [أصحاب] المسالح:

أمّا بعد، فإنّه حقّ علي الوالي إلّا يغيّره عن رعيّته فضل ناله، ولا فضل مرتبة خصّ بها وأن يزيده ما قسم الله له دنوّاً من عباده وعطفاً عليهم, ألا وإنّ لكم عندي إلّا أحتجز دونكم سرّاً إلّا سرّاً في حرب، ولا أطوي دونكم أمراً إلّا في حكم، ولا اؤخّر النعمة بكم عن محلّه، وأن تكونوا عندي في الحقّ سواء، فإذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة والطاعة، وأن لا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وأن تخوضوا الغمرات إلي الحقّ ، فإن أنتم لم تسمعوا لي علي ذلك لم يكن أحد أهون علىّ ممّن فعل ذلك منكم، ثمّ أعظم فيه عقوبته، ولا يجدي عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من امرائكم، وأعطوا من أنفسكم هذا يصلح الله لكم أمركم، والسلام.(1)

15433. الإسكافي - في قضيّة الحكمين -: وكان ما كان من علي في إجابة القوم، لشكّ أصحابه واختلافهم، وما دخلهم من الجهل وحلول الشبهة، ليس [من أجل] أنّه لم يكن في أمر معاوية وعمرو علي بصيرة، أو أنّه ذهب عنه أنّ ذلك منهم مكيدة وخديعة.

فلمّا رأي الشكّ قد وقع وجبت المناظرة، ولم يجد بدّاً من الموادعة، ولو لم يفعل ذلك لازداد في غيّه الجاهل، وقويت دعوي المخالف، وكان في ذلك تهمة، وأنّه فرار من حكم الله.

وليس أحد يدّعي أنّ ما فعل القوم ذهب عنه وأنّ القوم استغفلوه بالمكيدة، ولقد قام رضى الله عنه فقال: والله ما معاوية بأدهي منّي ولكنّه يفجر ويغدر، ولولا كراهة الغدر كنت من أدهي الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة، وكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة.(2)

15434. الجاحظ : فلو لم يظنّ علي وطمع أنّ أصحابه سيعودون إلي بصائرهم وإلي ما

ص:177


1- (1) المعيار والموازنة ص 95-104, بيان أشعّات من أنوار الآراء العلويّة, ذكر قبسات من حججه البالغة.
2- (2) المعيار والموازنة ص 165-166, خدعة عمرو بن العاص ومعاوية صبيحة ليلة الهرير.

يشبه أوّل حا [لهم] عند التخابر والتذاكر وعند قضاء الوطر من الزوجات والأوطان وبعض الملال من طول الإقامة وبعض الحياء من النعيم ومعه الأنف من ظهور الأعداء وبعض التوقّع للبلاء إذا جري عليهم حكم عدوّهم ولعلّهم أن يطالبوهم بطوائلهم ولم يأمنوا الوثبة بهم لما جاز له ذلك، ولما كان لصنيعه ذلك وجه، فالمخدوع في هذا الموضع معاوية والخادع علي، وعلي صاحب المكيدة ومعاوية المستراب؛ لأنّه في ذلك، ولو فطن لانتثار الأمر علي علي ثمّ غزاه بالقلوب المجتمعة والأهواء المتّفقة لما كان دون الظفر مانع، ولما كان بعد تلك الوقعة وقعة، فرأي علي أنّ التدبير في توهيمه وتوهيم أصحابه الرضي بالمساواة، والإقرار بأنّ في أمرهما من الشبهة ما يحتاج فيه إلي نظر الرجال، وعلم أنّه متي أعطاه ما كان لا يطمع فيه ولا يناله طرفه ولا امنيّته، ولم يزل يظنّ بل لا يشكّ أنّه لا يجيب إليه، ولم يكن عرف من سرّ أصحابه مثل الّذي عرفه علي، فرأي أنّه قد ربح، وأنّ عليّاً قد خسر، فما ينقضي تعجّبي من رضي معاوية بتلك الهدنة والمدّة، مع ما قد كان ظهر من اختلاف أصحاب علي، وأري الناس يتعجّبون من رضي علي بها مع اختلاف أصحابه.

اللهمّ إلّا أن لا يكون عصي علي عندهم إلّا في تحكيم الرجال دون تأخير القتال، فإن كان ذلك كذلك فما قولهم وإكثارهم: عصينا أمس حين قطعنا القتال وعصي علي حين رجعنا ندعوه إلي القتال, رأي، فقد ينبغي لنا الآن أن نقصد إلي الجواب في لفظ التحكيم: أ يجوز؟ أم لا يجوز؟ فندع ما سوي ذلك من الاُمور، وإذا لم يبق إلّا ذلك فقد سقط ثلاثة أرباع الخلاف، وليس علي ذلك بني القوم أمرهم وجرت عليه عادتهم، وربّما رأيت بعض من يظنّ أنّه من الخاصّة ويزعم أنّ معاوية كان أبعد غوراً، وأصحّ فكراً، وأجود رويّة، وأبعد غاية، وأدقّ مسلكاً، وليس الأمر كذلك، وسأومي إليك بجملة تعرف بها موضع غلطه، والمكان الّذي دخل عليه الخطأ من قبله، فافهم ذلك.

كان علي لا يستعمل في حربه إلّا ما عدّله ووافق فيه الكتاب والسنّة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنّة، ويستعمل جميع المكايد وجميع الخدع حلالها وحرامها، ويسير في الحرب سيرة ملك الهند إذا لاقي كسري، وخاقان إذا لاقي رتبيل، وفغفور إذا

ص:178

لاقي المهراج، وعلي يقول: لا تبدؤوهم بقتل حتّي يبدؤوكم، ولا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تفتحوا باباً مغلقاً. فهذه سيرته في ذي الكلاع وأبي الأعور السلمي وعمرو بن العاص وحبيب بن مسلمة وجميع الرؤساء، كسيرته في الحاشية والحشو والأتباع والسفلة.

وأصحاب الحروب إن قدروا علي البيات بيّتوا، وإن قدروا علي رضخ الجميع بالجندل وهم نيام فعلوا، وإن أمكن ذلك في طرفة عين لم يؤخّروه ساعة، وإن كان الحريق بالنار أعجل من الغرق لم يقتصروا علي الغرق ولم يؤخّروا الحريق إلي وقت الغرق، وإن أمكن الهدم لم يتكلّفوا الحصار، ولا يدعون أن ينصبوا العرّادات والمجانيق والثقب والتسرّب والدبّابات والكمين، ولا يدعون دسّ السموم والتضريب بينهم بالكذب وطرح الكذب في عساكرهم بالسعايات وتوهيم الاُمور وإيحاش بعضهم من بعض وقتلهم بكلّ آلة وحيلة، وكيف وقع القتل، وكيف دارت به الحال.

فمن اقتصر - حفظك الله - من التدبير علي ما في الكتاب والسنّة كان قد منع نفسه الطويل العريض من التدبير، وأمّا الأشاهي من المكايد والكذب - حفظك الله - أكثر من الصدق، والحرام أكثر عدداً من الحلال، ولو سمّي إنسان إنساناً باسم الإنسان كان قد صدق وليس له اسم غيره، ولو قال: هو شيطان أو كلب أو حمار أو شاة أو بعير لكان كاذباً في كلّ ذلك، فكذلك الإيمان والكفر، وكذلك الطاعة والمعصية، وكذلك الحقّ والباطل، وكذلك السقم والصحّة، وكذلك الصواب والخطأ.

فعلي كان بالورع ملجماً عن جميع القول إلّا ما هو لله رضي، ولا يري الرضي إلّا فيما دلّ عليه الكتاب والسنّة، وممنوع اليد من البطش إلّا ما هو لله رضي دون ما يعوّل عليه أصحاب الدهاء والنكري والمكايد والآراء، فلمّا أبصرت العوام - حفظك الله - بوادر معاوية في المكايد ومثابرة غوايته في الخدع وكثرة ما اتّفق له وتهيّأ علي يده ولم يروا مثل ذلك من علي ظنّوا بقصور رأيهم وقلّة عقولهم أنّ ذلك من رجحان عند معاوية ونقصان عند علي، فانظر بعد ذلك هل بقي له إلّا رفع المصاحف وهي من

ص:179

خدعه ؟ ثمّ انظر هل خدع بها إلّا من عصي عليّاً ومال عن رأيه وخالف إذنه ؟

فإن زعمت أنّه نال ما أراد من الاختلاف فقد صدقت، وليس في هذا اختلفنا، ولا عن غرارة أصحاب علي وعجلتهم وتسرّعهم وتنازعهم دفعنا، وإنّما كان القول في التمييز بينهما في الدهاء والنكري وصحّة العقل والرأي البرّ، لا علي أنّا لا نصف الصالحين بالدهاء والنكري ولا نقول: ما كان أنكر أبابكر بن أبي قحافة, وما كان أنكر عمر بن الخطّاب! ولا يقول أحد عنده من الخبر شيء: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أدهي العرب والعجم وأنكر قريش وأمكر كنانة؛ لأنّ هذه الكلمة إنّما وضعت في مديح أصحاب الإرب ومن يتعمّق في الرأي في توكيد أمر الدنيا وزبرجدها وتشديد أركانها، فأمّا أصحاب الآخرة الّذين يرون الناس لا يصلحون علي تدبير البشر وإنّما يصلحون علي تدبير الخالق للبشر فإنّ هؤلاء لا يمدحون بالدهاء والنكري، ولم يمنعوا هذا إلّا ليعطوا أفضل منه.

أ لا تري أنّ المغيرة بن شعبة - وكان أحد الدهاة - [قال:] أنت كنت توهّم شيئاً فتلقيه عنك، ما رأيتك مستجلياً أحداً إلّا رجمته كائناً من كان ذلك الرجل، كان - والله - أعقل من أن يخدع وأفضل من أن يخدع، ولم يذكره بالدهاء والنكري، هذا مع عجبه بإضافة الناس ذلك إليه، ولكن قد علم أنّه إن أطلق علي الأئمّة الألفاظ الّتي [لا] تصلح لأهل الطهارة كان ذلك غير مقبول منه، فهذا هذا.

وكذلك كان حكم قول معاوية للجمع: أخرجوا إلينا قتلة عثمان نحن لكم سلم. فاجهد كلّ جهدك واستعن بمن شايعك إلي أن تتخلّص إلي صواب رأي في ذلك الوقت أضلّه علي حتّي تعلم أنّ معاوية خادع وأنّ عليّاً كان المخدوع.

فإن قلت: وقد بلغ ما أراد ونال ما أحبّ ! قلنا: وهل رأيت كتاباً وُضِع لا علي أنّ عليّاً كان قد امتحن في أصحابه في دهره لما لم يمتحن به إمام قبله من الاختلاف والمنازعة والتشاجّ علي الرئاسة والتسرّع والعجلة، وهل اتي إلّا من هذا المكان ؟ أو لسنا قد فرغنا من هذا مرّة ؟

وقد علمنا أنّ ثلاثة نفر تواطؤوا وتتابعوا علي قتل ثلاثة، فانفرد ابن ملجم بالتماس

ص:180

ذلك من علي، وانفرد [عمرو بن بكر التميمي] بالتماس ذلك من عمرو بن العاص، وانفرد [البرك بن عبدالله الصريمي] بالتماس ذلك من معاوية، فكان من الاتّفاق أو من الامتحان أن كان علي المقتول من بينهم، وفي قياس مذهبكم أن تزعموا أنّ سلامة معاوية وعمرو إنّما كانت بحزم كان منهما، وأنّ قتل علي إنّما كان من تضييع كان منه، إذ قد تبيّن لكم من الابتلاء والامتحان في نفسه خلاف الّذي قد شاهدتموه في عدوّه، وكلّ شيء سوي ذلك فإنّما هو تبع للنفس.(1)

15435. ابن أبي الحديد - بعد نقل كلام الجاحظ المتقدّم -: هذا آخر كلام أبي عثمان في هذا الموضع، ومن تأمّله بعين الإنصاف ولم يتّبع الهوي علم صحّة جميع ما ذكره، وأنّ أميرالمؤمنين دفع - من اختلاف أصحابه، وسوء طاعتهم له، ولزومه سنن الشريعة، ومنهج العدل، وخروج معاوية وعمرو بن العاص عن قاعدة الشرع في استمالة الناس إليهم بالرغبة والرهبة - إلي مالم يدفع إليه غيره، فلولا أنّه عليه السلام كان عارفاً بوجوه السياسة وتدبير أمر السلطان والخلافة حاذقاً في ذلك لم يجتمع عليه إلّا القليل من الناس، وهم أهل الآخرة خاصّة, الّذين لا ميل لهم إلي الدنيا، فلمّا وجدناه دبّر الأمر حين وليه واجتمع عليه من العساكر والأتباع ما يتجاوز العدّ والحصر وقاتل بهم أعداءه الّذين حالهم حالهم فظفر في أكثر حروبه ووقف الأمر بينه وبين معاوية علي سواء وكان هو الأظهر والأقرب إلي الانتصار, علمنا أنّه من معرفة تدبير الدول والسلطان بمكان مكين.(2)

15436. القاضي عبدالجبّار: نحن نبيّن أنّ من قال من المخالفين أنّه [عليه السلام] لم يكن له رأي وطعن فيه من هذا الوجه فقوله في نهاية الركاكة؛ لأنّه عليه السلام إنّما كان يري في بعض الأحوال من جهة أنّه كان لا يعدل عمّا يقتضيه الدين من الرأي ويتشدّد فيه، ويعدل عن طريق التسبيح.(3)

ص:181


1- (1) رسائل الجاحظ ، الرسائل السياسيّة, رسالة في الحكمين ص 364-368(15) و (16).
2- (2) شرح نهج البلاغة 231/10، شرح الخطبة 193.
3- (3) المغني, الجزء المتمّ العشرين, القسم الثاني, ص 61, فصل في إمامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب.

15437. القاضي عبدالجبّار: أمّا طريقته [عليه السلام] في الرأي والسياسة فقد بيّنا من ذلك طرقاً، وهو أنّه عليه السلام لمّا سمعهم يقولون: لا رأي له، أجاب بنهاية ما يجب؛ لأنّ الرأي يحتاج إلي الآن فإذا لم يتكامل تغيّرت، وإلّا فمن نظر في سيرته ومواقفه يعلم أنّه كان في إقدامه وإحجامه لا ينسي دين الله ويدع الأمر العظيم فيما يوجب الظفر بالعدوّ، ونبيّن ذلك أنّ المنقول في الأخبار أنّ أبابكر وعمر كانا يرجعان إلي رأيه ومشورته في الحروب وغيرها، وكان الّذي يشير به النهاية في الصواب، وذلك ظاهر فيما أشار به علي أبي بكر في قتال أهل الردّة، وفيما أشار به علي عمر في قتال فارس، وقد عزم علي أن ينهض بنفسه فأشار بالعدول عن ذلك إلي إنفاذ غيره.(1)

15438. ابن أبي الحديد: وأمّا الرأي والتدبير؛ فكان [عليه السلام] من أسدّ الناس رأياً، وأصحّهم تدبيراً، وهو الّذي أشار علي عمر بن الخطّاب لمّا عزم علي أن يتوجّه بنفسه إلي حرب الروم والفرس بما أشار، وهو الّذي أشار علي عثمان باُمور كان صلاحه فيها، ولو قبلها لم يحدث عليه ما حدث، وإنّما قال أعداؤه: لا رأي له؛ لأنّه كان متقيّداً بالشريعة لا يري خلافها، ولا يعمل بما يقتضي الدين تحريمه، وقد قال عليه السلام: لولا الدين والتقي لكنت أدهي العرب. وغيره من الخلفاء كان يعمل بمقتضي ما يستصلحه ويستوفقه، سواء كان مطابقاً للشرع أم لم يكن، ولا ريب أنّ من يعمل بما يؤدّي إليه اجتهاده ولا يقف مع ضوابط وقيود يمتنع لأجلها ممّا يري الصلاح فيه تكون أحواله الدنيويّة إلي الانتظام أقرب، ومن كان بخلاف ذلك تكون أحواله الدنيويّة إلي الانتثار أقرب.

وأمّا السياسة؛ فإنّه كان شديد السياسة، خشناً في ذات الله، لم يراقب ابن عمّه في عمل كان ولّاه إيّاه، ولا راقب أخاه عقيلاً في كلام جبهه به، وأحرق قوماً بالنار، ونقض دار مصقلة بن هبيرة ودار جرير بن عبدالله البجلي، وقطع جماعة، وصلب آخرين.

ومن جملة سياسته في حروبه أيّام خلافته بالجمل وصفّين والنهروان، وفي أقلّ القليل

ص:182


1- (1) المغني, الجزء المتمّ العشرين, القسم الثاني, ص 142, فصل فيما ذكره الفريقان في باب الموازنة.

منها مقنع، فإنّ كلّ سائس في الدنيا لم يبلغ فتكه وبطشه وانتقامه مبلغ العشر ممّا فعل عليه السلام في هذه الحروب بيده وأعوانه.

فهذه هي خصائص البشر ومزاياهم قد أوضحنا أنّه فيها الإمام المتّبع فعله، والرئيس المقتفي أثره.(1)

15439. ابن أبي الحديد: أ لا تري إلي قوله [عليه السلام] علي المنبر في امّهات الأولاد: كان رأيي ورأي عمر إلّا يُبَعْن، وأنا أري الآن بيعهنّ ؟ فقام عليه عبيدة السلماني فقال له: رأيك مع الجماعة أحبّ إلينا من رأيك وحدك. فما أعاد عليه حرفاً، فهل يدلّ هذا علي القوّة والقهر؟ أم علي الضعف في السلطان والرخاوة ؟ وهل كانت المصلحة والحكمة تقتضي في ذلك الوقت غير السكوت والإمساك ؟

أ لا تري أنّه كان يقرأ في صلاة الصبح وخلفه جماعة من أصحابه، فقرأ واحد منهم رافعاً صوته، معارضاً قراءة أميرالمؤمنين عليه السلام: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ )2 . فلم يضطرب عليه السلام ولم يقطع صلاته ولم يلتفت وراءه، ولكنّه قرأ معارضاً له علي البديهة: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )3 . وهذا صبر عظيم، وأناة عجيبة، وتوفيق بيّن.

وبهذا ونحوه استدلّ أصحابنا المتكلّمون علي حسن سياسته وصحّة تدبيره؛ لأنّ من مُنِي بهذه الرعيّة المختلفة الأهواء؛ وهذا الجيش العاصي له، المتمرّد عليه، ثمّ كسر بهم الأعداء، وقتل بهم الرؤساء، فليس يبلغ أحد في حسن السياسة وصحّة التدبير مبلغه، ولا يقدر أحد قدره.

وقد قال بعض المتكلّمين من أصحابنا: إنّ سياسة علي عليه السلام إذا تأمّلها المنصف متدبّراً لها

ص:183


1- (1) شرح نهج البلاغة 28/1, المقدّمة, القول في نسب أميرالمؤمنين علي عليه السلام.

بالإضافة إلي أحواله الّتي دفع إليها من أصحابه جرت مجري المعجزات؛ لصعوبة الأمر وتعذّره، فإنّ أصحابه كانوا فرقتين: إحداهما تذهب إلي أنّ عثمان قتل مظلوماً وتتولّاه وتبرأ من أعدائه، والاُخري - وهم جمهور أصحاب الحرب وأهل الغناء والبأس - يعتقدون أنّ عثمان قتل لأحداث أوجبت عليه القتل، وقد كان منهم من يصرّح بتكفيره.

وكلّ من هاتين الفرقتين يزعم أنّ عليّاً عليه السلام موافق لها علي رأيها، وتطالبه في كلّ وقت بأن يبدي مذهبه في عثمان، وتسأله أن يجيب بجواب واضح في أمره، وكان عليه السلام يعلم أنّه متي وافق إحدي الطائفتين باينته الاُخري، وأسلمته وتولّت عنه وخذلته، فأخذ عليه السلام يعتمد في جوابه ويستعمل في كلامه ما تظنّ به كلّ واحدة من الفرقتين أنّه يوافق رأيها ويماثل اعتقادها، فتارة يقول: الله قتله وأنا معه. وتذهب الطائفة الموالية لعثمان إلي أنّه أراد أن الله أماته وسيميتني كما أماته، وتذهب الطائفة الاُخري إلي أنّه أراد أنّه قتل عثمان مع قتل الله له أيضاً.

وكذلك قوله تارة اخري: ما أمرت به ولا نهيت عنه، وقوله: لو أمرت به لكنت قاتلاً، ولو نهيت عنه لكنت ناصراً.

وأشياء من هذا الجنس مذكورة مرويّة عنه، فلم يزل علي هذه الوتيرة حتّي قبض عليه السلام، وكلّ من الطائفتين موالية له معتقدة أنّ رأيه في عثمان كرأيها، فلو لم يكن له من السياسة إلّا هذا القدر - مع كثرة خوض الناس حينئذ في أمر عثمان والحاجة إلي ذكره في كلّ مقام - لكفاه في الدلالة علي أنّه أعرف الناس بها، وأحذقهم فيها، وأعلمهم بوجوه مخارج الكلام، وتدبير أحوال الرجال.(1)

15440. ابن أبي الحديد: واعلم أنّ قوماً ممّن لم يعرف حقيقة فضل أميرالمؤمنين عليه السلام زعموا أنّ عمر كان أسوس منه، وإن كان هو أعلم من عمر. وصرّح الرئيس أبوعلي ابن سينا بذلك في «الشفاء» في الحكمة، وكان شيخنا أبوالحسين يميل إلي هذا، وقد

ص:184


1- (1) شرح نهج البلاغة 73/7-74، شرح الخطبة 96.

عرّض به في كتاب «الغرر»(1) ، ثمّ زعم أعداؤه ومباغضوه أنّ معاوية كان أسوس منه وأصحّ تدبيراً، وقد سبق لنا بحث قديم في هذا الكتاب في بيان حسن سياسة أميرالمؤمنين عليه السلام وصحّة تدبيره، ونحن نذكر هاهنا ما لم نذكره هناك ممّا يليق بهذا الفصل الّذي نحن في شرحه.

اعلم أنّ السائس لا يتمكّن من السياسة البالغة إلّا إذا كان يعمل برأيه، وبما يري فيه صلاح ملكه، وتمهيد أمره، وتوطيد قاعدته، سواء وافق الشريعة أو لم يوافقها، ومتي لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ماقلناه فبعيد أن ينتظم أمره، أو يستوثق حاله، وأميرالمؤمنين كان مقيّداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلي اتّباعها، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً، فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممّن لم يلتزم بذلك، ولسنا بهذا القول زارين علي عمر بن الخطّاب، ولا ناسبين إليه ما هو منزّه عنه، ولكنّه كان مجتهداً يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة، ويري تخصيص عمومات النصّ بالآراء وبالاستنباط من اصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه، ويأمر امراءه بالكيد والحيلة، ويؤدّب بالدرّة والسوط من يتغلّب علي ظنّه أنّه يستوجب ذلك، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقّون به التأديب، كلّ ذلك بقوّة اجتهاده وما يؤدّيه إليه نظره، ولم يكن أميرالمؤمنين عليه السلام يري ذلك، وكان يقف مع النصوص والظواهر، ولا يتعدّاها إلي الاجتهاد والأقيسة، ويطبّق امور الدنيا علي امور الدين، ويسوق الكلّ مساقاً واحداً، ولا يضيّع ولا يرفع إلّا بالكتاب والنصّ ، فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة.

وكان عمر مع ذلك شديد الغلظة والسياسة، وكان علي عليه السلام كثير الحلم والصفح والتجاوز، فازدادت خلافة ذاك قوّة وخلافة هذا ليناً، ولم يُمَن عمر بما مُنِي به علي عليه السلام من فتنة عثمان الّتي أحوجته إلي مداراة أصحابه وجنده ومقاربتهم، للاضطراب الواقع

ص:185


1- (1) هو كتاب الغرر لأبي الحسين البصري، في اُصول الكلام، شرحه المؤلّف وسمّاه: شرح مشكلات الغررة.

بطريق تلك الفتنة، ثمّ تلا ذلك فتنة الجمل، وفتنة صفّين، ثمّ فتنة النهروان، وكلّ هذه الاُمور مؤثّرة في اضطراب أمر الوالي وانحلال معاقد ملكه، ولم يتّفق لعمر شيء من ذلك، فشّتان بين الخلافتين فيما يعود إلي انتظام المملكة وصحّة تدبير الخلافة!....

وكان [أبوجعفر النقيب بعد أن ذكر مشابهات حروب النبىّ صلى الله عليه و آله و سلم مع حروب علي عليه السلام] يقول: من تأمّل حال الرجلين وجدهما متشابهتين في جميع امورهما أو في أكثرها؛ وذلك لأنّ حرب رسول الله صلى الله عليه و آله مع المشركين كانت سجالاً، انتصر يوم بدر، وانتصر المشركون عليه يوم احد، وكان يوم الخندق كفافاً خرج هو وهم سواء، لا عليه ولا له؛ لأنّهم قتلوا رئيس الأوس وهو سعد بن معاذ، وقتل منهم فارس قريش وهو عمرو بن عبدودّ، وانصرفوا عنه بغير حرب بعد تلك الساعة الّتي كانت، ثمّ حارب بعدها قريشاً يوم الفتح، فكان الظفر له.

وهكذا كانت حروب علي عليه السلام، انتصر يوم الجمل، وخرج الأمر بينه وبين معاوية علي سواء، قتل من أصحابه رؤساء، ومن أصحاب معاوية رؤساء، وانصرف كلّ واحد من الفريقين عن صاحبه بعد الحرب علي مكانه، ثمّ حارب بعد صفّين أهل النهروان، فكان الظفر له.

قال: ومن العجب أنّ أوّل حروب رسول الله صلى الله عليه و آله كانت بدراً، وكان هو المنصور فيها، وأوّل حروب علي عليه السلام الجمل، وكان هو المنصور فيها!

ثمّ كان من صحيفة الصلح والحكومة يوم صفّين نظير ما كان من صحيفة الصلح والهدنة يوم الحديبيّة.

ثمّ دعا معاوية في آخر أيّام علي عليه السلام إلي نفسه وتسمّي بالخلافة، كما أنّ مسيلمة والأسود العنسي دعوا إلي أنفسهما في آخر أيّام رسول الله صلى الله عليه و آله وتسمّيا بالنبوّة، واشتدّ علي علي عليه السلام ذلك، كما اشتدّ علي رسول الله صلى الله عليه و آله أمر الأسود ومسيلمة، وأبطل الله أمرهما بعد وفاة النبىّ صلى الله عليه و آله، وكذلك أبطل أمر معاوية وبني اُميّة بعد وفاة علي عليه السلام.

ولم يحارب رسولَ الله صلى الله عليه و آله أحدٌ من العرب إلّا قريش ما عدا يوم حنين، ولم يحارب عليّاً عليه السلام من العرب أحد إلّا قريش ما عدا يوم النهروان.

ص:186

ومات علي عليه السلام شهيداً بالسيف، ومات رسول الله صلى الله عليه و آله شهيداً بالسمّ .

وهذا لم يتزوّج علي خديجة امّ أولاده حتّي ماتت، وهذا لم يتزوّج علي فاطمة امّ أشرف أولاده حتّي ماتت.

ومات رسول الله صلى الله عليه و آله عن ثلاث وستّين سنة، ومات علي عليه السلام عن مثلها.

وكان يقول: انظروا إلي أخلاقهما وخصائصهما، هذا شجاع وهذا شجاع، وهذا فصيح وهذا فصيح، وهذا سخىّ جواد وهذا سخىّ جواد، وهذا عالم بالشرائع والاُمور الإلهيّة، وهذا عالم بالفقه والشريعة والاُمور الإلهيّة الدقيقة الغامضة، وهذا زاهد في الدنيا غير نهم ولا مستكثر منها، وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتّع بلذّاتها، وهذا مذيب نفسه في الصلاة والعبادة، وهذا مثله، وهذا غير محبّب إليه شيء من الاُمور العاجلة إلّا النساء وهذا مثله.

وهذا ابن عبدالمطّلب بن هاشم، وهذا في قعدده(1) ، وأبواهما أخوان لأب واحد دون غيرهما من بني عبدالمطّلب، وربّي محمّد صلى الله عليه و آله في حجر والد هذا وهو(2) أبوطالب، فكان جارياً عنده مجري أحد أولاده، ثمّ لما شبّ صلى الله عليه و آله وكبر استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام فربّا [ه] في حجره مكافأة لصنيع أبي طالب به، فامتزج الخلقان، وتماثلت السجيّتان، وإذا كان القرين مقتدياً بالقرين فما ظنّك بالتربية والتثقيف الدهر الطويل ؟

فواجب أن تكون أخلاق محمّد صلى الله عليه و آله كأخلاق أبي طالب، وتكون أخلاق علي عليه السلام كأخلاق أبي طالب أبيه، ومحمّد عليه السلام مربّيه، وأن يكون الكلّ شيمة واحدة وسوساً(3) واحداً، وطينة مشتركة، ونفساً غير منقسمة ولا متجزّئة، وإلّا يكون بين بعض هؤلاء وبعض فرق ولا فضل، لولا أنّ الله تعالي اختصّ محمّداً صلى الله عليه و آله برسالته واصطفاه لوحيه لما يعلمه من مصالح البريّة في ذلك، ومن أنّ اللطف به أكمل، والنفع بمكانه أتمّ وأعمّ ، فامتاز رسول الله صلى الله عليه و آله

ص:187


1- (1) القعدد: قرب النسب والمماثلة فيه، فجدّهما عبدالمطّلب.
2- (2) في الأصل: «وهذا».
3- (3) أي أصلاً واحداً.

بذلك عمّن سواه، وبقي ما عدا الرسالة علي أمر الاتّحاد.

وإلي هذا المعني أشار صلى الله عليه و آله بقوله: أخصمك(1) بالنبوّة فلا نبوّة بعدي, وتخصم الناس بسبع. وقال له أيضاً: أنت منّي بمنزلة هارون من موسي إلّا أنّه لا نبىّ بعدي. فأبان نفسه منه بالنبوّة، وأثبت له ما عداها من جميع الفضائل والخصائص مشتركاً بينهما....(2)

الثاني: صدقه عليه السلام في السياسة

15441. الإسكافي: ليس أحد يدّعي أنّ ما فعل القوم [من رفع المصاحف في حرب صفّين] ذهب عنه، وأنّ القوم استغفلوه بالمكيدة، ولقد قام رضى الله عنه فقال:

والله ما معاوية بأدهي منّي ولكنّه يفجر ويغدر، ولولا كراهيّة الغدر كنت من أدهي الناس، ولكن كلّ غدرة فجرة, وكلّ فجرة كفرة، ولكلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة.(3)

الثالث: التزامه عليه السلام بالقانون وعدم مداهنته فيه
اشارة

برواية:

1. صهيب مولي العبّاس - 3. علي بن ربيعة

2. عبدالواحد الدمشقي -

1. صهيب مولي العبّاس

15442. ابن أبي شيبة: حدّثنا غندر، عن شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت ذكوان أباصالح يحدّث عن صهيب - مولي العبّاس -, قال:

أرسلني العبّاس إلي عثمان أدعوه. قال: فأتيته فإذا هو يغدّي الناس، فدعوته فأتاه فقال: أفلح الوجه أباالفضل. قال: ووجهك أميرالمؤمنين. قال: ما زدت أن أتاني رسولك

ص:188


1- (1) أخصمك: أغلبك.
2- (2) شرح نهج البلاغة 212/10-222، شرح الخطبة 193.
3- (3) المعيار والموازنة ص 166, خدعة عمرو بن العاص ومعاوية صبيحة ليلة الهرير.

وأنا اغدّي الناس فغدّيتهم ثمّ أقبلت.

فقال العبّاس: اذكّرك الله في علي، فإنّه ابن عمّك وأخوك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وصهرك، وإنّه قد بلغني أنّك تريد أن تقوم بعلي وأصحابه فاعفني من ذلك يا أميرالمؤمنين. فقال عثمان: أنا أولي من أخيك أن قد شفعتك، إنّ عليّاً لو شاء ما كان أحد دونه، ولكنّه أبي إلّا رأيه.

وبعث إلي علي فقال له: اذكّرك الله في ابن عمّك وابن عمّتك وأخيك في دينك وصاحبك مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وولىّ بيعتك. فقال: والله لو أمرني أن أخرج من داري لخرجت، فأمّا أن اداهن أن لا يقام كتاب الله فلم أكن لأفعل.

قال محمّد بن جعفر [المعروف بغندر]: سمعته ما لا احصي وعرضته عليه غير مرّة.(1)

15443. ابن معين: حدّثنا غندر... مثله، مع مغايرة طفيفة.(2)

2. عبدالواحد الدمشقي

15444. أبونعيم: حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسي، حدّثنا علي بن أبي قربة، حدّثنا نصر بن مزاحم، حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو - يعني ابن شمر -، عن محمّد بن سوقة، عن عبدالواحد الدمشقي، قال:

نادي حوشب الحميري عليّاً يوم صفّين، فقال: انصرف عنّا يا ابن أبي طالب, فإنّا ننشدك الله في دمائنا ودمك، نخلّي بينك وبين عراقك، وتخلّي بيننا وبين شامنا، وتحقن دماء المسلمين!

فقال علي: هيهات يا ابن امّ ظليم! والله لو علمت أنّ المداهنة تسعني في دين الله لفعلت، ولكان أهون علىّ في المؤونة، ولكنّ الله لم يرض من أهل القرآن بالإدهان

ص:189


1- (1) المصنّف 519/7(37674).
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 264/39، ترجمة عثمان بن عفّان (4619)؛ من طريق أبي زرعة.

والسكوت، والله يعصي [وهم يطيقون الدفاع والجهاد حتّي يظهر أمر الله].(1)

3. علي بن ربيعة

15445. ابن عساكر: أخبرنا أبوالحسن الفرضي، أخبرنا أبوالحسن بن أبي الحديد، أخبرنا جدّي أبوبكر، أخبرنا أبوالدحداح، حدّثنا عبدالوهاب بن عبدالرحيم، حدّثنا مروان بن معاوية، حدّثنا سعيد بن عبيد، عن علي بن ربيعة، قال:

جاء جعدة بن هبيرة إلي علي فقال: يا أميرالمؤمنين، يأتيك الرجلان إن أنت أحبّ إلي أحدهما من نفسه - أو قال سعيد: من أهله وماله -، والآخر لو يستطيع أن يذبحك لذبحك، فتقضي لهذا علي هذا؟ قال: فلهزه علي وقال: إنّ هذا شيء لو كان لي فعلت، ولكن إنّما ذا شيء لله.(2)

وسيأتي بعض ما يرتبط بذلك في عنوان: «إقامته عليه السلام العدل», وعنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

وقد وردت في روايات كثيرة من طرق عديدة عن النبىّ صلى الله عليه و آله و سلم أنّ عليّاً عليه السلام اخيشن في ذات الله، أو في سبيل الله، فلاحظ أبواب مناقبه وفضائله عليه السلام.

الرابع: مشورته عليه السلام في الاُمور
اشارة

كان علي عليه السلام يشاور ذوي الرأي من أصحابه، ويوصي أصحابه وشيعته بالمشورة، وقد وردت عنه عليه السلام أحاديث تدلّ علي أهمّيّة المشورة، منها قوله عليه السلام: من استبدّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها.(3)

ص:190


1- (1) حلية الأولياء 85/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4)، ومن طريقه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 411/1، ترجمة حوشب بن طخية الحميري (581) وما بين المعقوفين منه، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 291/37، ترجمة عبدالواحد (4354). وأورده ابن الأثير في اُسد الغابة 63/2، ترجمة حوشب.
2- (2) تاريخ مدينة دمشق 488/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 5/8, حوادث سنة أربعين, فصل في ذكر شيء من سيرته العادلة.
3- (3) ربيع الأبرار 153/3، باب العقل والفطنة.

ومنها قوله عليه السلام: خاطر من استغني برأيه.(1)

ومنها قوله عليه السلام: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغني برأيه.(2)

ومنها قوله عليه السلام: نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد.(3)

وننقل هنا بعض ما حكي من مشورته عليه السلام في الاُمور، برواية:

1. سهل بن سعد - 3. ما ورد مرسلاً

2. عبدالرحمان بن عبيد -

1. سهل بن سعد

15446. الطبري: ذكر هشام بن محمّد الكلبي، قال: حدّثني أبومخنف، عن محمّد بن يوسف بن ثابت، عن سهل بن سعد، قال:

لمّا قتل عثمان رضى الله عنه وولي علي بن أبي طالب الأمر دعا قيس بن سعد الأنصاري فقال له: سر إلي مصر فقد ولّيتكها... فشاع في أهل الشام أنّ قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي سفيان، فسرّحت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك، فلمّا أتاه ذلك أعظمه وأكبره، وتعجّب له، ودعا بنيه، ودعا عبدالله بن جعفر فأعلمهم ذلك، فقال: ما رأيكم ؟ فقال عبدالله بن جعفر: يا أميرالمؤمنين، دع ما يريبك إلي ما لا يريبك، اعزل قيساً عن مصر.

قال لهم علي: إنّي والله ما اصدّق بهذا علي قيس. فقال عبدالله: يا أميرالمؤمنين، اعزله, فوالله لئن كان هذا حقّاً لا يعتزل لك إن عزلته.(4)

ص:191


1- (1) ربيع الأبرار 152/3, باب العقل والفطنة.
2- (2) زاد المسير 488/1، ذيل الآية 159 من سورة آل عمران، وجواهر المطالب 159/2, الباب السادس والستّون (128).
3- (3) نهاية الأرب 69/6، الباب السابع من الفنّ الثاني, ذكر ما قيل في المشورة.
4- (4) تاريخ الطبري 547/4-554، حوادث سنة ستّ وثلاثين, آخر حديث الجمل. ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 62/6, شرح الخطبة 67, بإسناده عن الكلبي، مع مغايرة لفظيّة.
2. عبدالرحمان بن عبيد

15447. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](1): حدّثنا عمر بن سعد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود، قال:

لمّا أراد علي عليه السلام المسير إلي الشام دعا من كان معه من المهاجرين والأنصار فجمعهم، ثمّ حمد الله وأثني عليه، وقال: أمّا بعد، فإنّكم ميامين الرأي، مراجيح الحلم، مباركو الأمر، ومقاويل بالحقّ ، وقد عزمنا علي المسير إلي عدوّنا وعدوّكم، فأشيروا علينا برأيكم.

فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص، فحمد الله وأثني عليه، وقال: أمّا بعد يا أميرالمؤمنين، فأنا بالقوم جدّ خبير، هم لك ولأشياعك أعداء، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء، وهم مقاتلوك ومجادلوك لا يبقون جهداً، مشاحّة علي الدنيا، وضنّاً بما في أيديهم منها، ليس لهم إربة غيرها، إلّا ما يخدعون به الجهّال من طلب دم ابن عفّان، كذبوا ليس لدمه ينفرون، ولكنّ الدنيا يطلبون، انهض بنا إليهم، فإن أجابوا إلي الحقّ فليس بعد الحقّ إلّا الضلال، وإن أبوا إلّا الشقاق فذاك ظنّي بهم، والله ما أراهم يبايعون وقد بقي فيهم أحد ممّن يطاع إذا نهي، ويسمع إذا أمر.

قال نصر: وحدّثنا عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة، عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود:

أنّ عمّار بن ياسر قام فحمد الله وأثني عليه، وقال: يا أميرالمؤمنين، إن استطعت إلّا تقيم يوماً واحداً فافعل، اشخص بنا قبل استعار نار الفجرة، واجتماع رأيهم علي الصدود والفرقة، وادعهم إلي حظّهم ورشدهم، فإن قبلوا سعدوا، وإن أبوا إلّا حربنا فوالله إنّ سفك دمائهم والجدّ في جهادهم لقربة عند الله، وكرامة منه.

ثمّ قام قيس بن سعد بن عبادة فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: يا أميرالمؤمنين، انكمش(2) بنا

ص:192


1- (1) وقعة صفّين ص 92-94.
2- (2) الانكماش: الجدّ في السير.

إلي عدوّنا ولا تعرّج، فوالله لجهادهم أحبّ إلىّ من جهاد الترك والروم؛ لإدهانهم(1) في دين الله، واستذلالهم أولياء الله من أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، إذا غضبوا علي رجل حبسوه وضربوه وحرموه وسيّروه، وفيئنا لهم في أنفسهم حلال، ونحن لهم فيما يزعمون قطين(2). قال: يعني رقيق.

فقال أشياخ الأنصار - منهم خزيمة بن ثابت وأبوأيّوب وغيرهما -: لِمَ تقدّمت أشياخ قومك وبدأتهم بالكلام يا قيس ؟ فقال: أما إنّي عارف بفضلكم، معظّم لشأنكم، ولكنّي وجدت في نفسي الضغن الّذي في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب.

فقال بعضهم لبعض: ليقم رجل منكم فليجب أميرالمؤمنين عن جماعتكم. فقام سهل بن حنيف، فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: يا أميرالمؤمنين، نحن سلم لمن سالمت، وحرب لمن حاربت، ورأينا رأيك، ونحن يمينك، وقد رأينا أن تقوم [بهذا الأمر] في أهل الكوفة فتأمرهم بالشخوص، وتخبرهم بما صنع لهم في ذلك من الفضل، فإنّهم أهل البلد وهم الناس، فإن استقاموا لك استقام لك الّذي تريد وتطلب، فأمّا نحن فليس عليك خلاف منّا، متي دعوتنا أجبناك، ومتي أمرتنا أطعناك.(3)

3. ما ورد مرسلاً

15448. ابن أبي الحديد - في حديث طويل يذكر فيه خطبة أميرالمؤمنين علي عليه السلام في الحثّ علي الجهاد ويذكر كلام بعض أصحابه -: فلمّا دخل منزله ودخل عليه وجوه أصحابه قال لهم: أشيروا علىّ برجل صليب ناصح، يحشر الناس من السواد. فقال له سعيد بن قيس: يا أميرالمؤمنين، أشير عليك بالناصح الأريب الشجاع الصليب معقل بن قيس التميمي. قال: نعم.

ص:193


1- (1) الإدهان: الغشّ والخديعة.
2- (2) القطين: الخدم والأتباع.
3- (3) شرح نهج البلاغة 171/3-173، شرح الخطبة 46.

ثمّ دعاه فوجّهه، فسار فلم يقدم حتّي اصيب أميرالمؤمنين عليه السلام.(1)

الخامس: إقامته عليه السلام العدل
اشارة

برواية:

1. عباية - 3. ما ورد مرسلاً

2. عمران بن كثير النخعي

1. عباية

15449. عبدالله بن أحمد: حدّثني أبوسعيد الأسدي عبّاد بن يعقوب، قال: حدّثنا عبدالله بن عبدالقدّوس، عن الأعمش، عن موسي بن طريف، عن عباية، قال: قال علي:

احاجّ الناس يوم القيامة بتسع: بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعدل في الرعيّة، والقسم بالسويّة، والجهاد في سبيل الله، وإقامة الحدود وأشباهه.(2)

2. عمران بن كثير النخعي

15450. يحيي بن سليمان: حدّثنا هشيم، أخبرنا أبوإسحاق الشيباني، أخبرني عمران بن كثير النخعي:

أنّ عبيدالله بن الحرّ كان تزوّج جارية يقال لها الدرداء، زوّجها إيّاه أبوها، ثمّ غاب عبيدالله إلي الشام ولحق بمعاوية، ثمّ مات أبوها فزوّجها أخوها واُمّها رجلاً يقال له عكرمة بن خبيص, فدخل بها، فبلغ ذلك عبيدالله بن الحرّ، فقدم من الشام فخاصمه إلي علي، فلمّا دخل علي علي قال لعبيدالله: أ ظاهرت علينا عدوّنا ولحقت بمعاوية وفعلت وفعلت ؟ فقال له عبيدالله: ويمنعني ذلك من عدلك ؟ قال: لا. فقصّ عليه القصّة، فردّ عليه امرأته، وقضي بها له.

ص:194


1- (1) شرح نهج البلاغة 90/2، شرح الخطبة 27.
2- (2) فضائل الصحابة لأحمد 538/1(898).

فقالت المرأة لعلي: أ قضيت بي لعبيدالله ؟ قال: نعم. قالت: فأنا أحقّ بمالي أم عبيدالله ؟ فقال: بل أنت أحقّ بمالك. قالت: فاشهد أنّ ما كان لي علي عكرمة من شيء فهو له.

قال: وكانت المرأة حبلي فوضعها علي يدي عدل، فلمّا وضعت ألحق الولد بعكرمة ودفع المرأة إلي عبيدالله.(1)

3. ما ورد مرسلاً

15451. ابن الأثير: لمّا قتل عثمان ووقعت الحرب بين علي ومعاوية قصد عبيدالله بن الحرّ الجعفي معاوية، فكان معه لمحبّته عثمان، وشهد معه صفّين هو ومالك بن مسمع، وأقام عبيدالله عند معاوية، وكان له زوجة بالكوفة، فلمّا طالت غيبته زوّجها أخوها رجلاً يقال له عكرمة بن الخبيص، وبلغ ذلك عبيدالله, فأقبل من الشام فخاصم عكرمة إلي علي، فقال له: ظاهرت علينا عدوّنا فغلت(2). فقال له: أ يمنعني ذلك من عدلك ؟ قال: لا. فقصّ عليه قصّته، فردّ عليه امرأته، وكانت حبلي، فوضعها عند من يثق إليه حتّي وضعت، فألحق الولد بعكرمة ودفع المرأة إلي عبيدالله، وعاد إلي الشام فأقام به حتّي قتل علي [عليه السلام].(3)

15452. الإسكافي: ذكروا أنّ عليّاً رضى الله عنه لمّا قسم بينهم بالسويّة وأعطي الأسود والأحمر عطيّة واحدة أنكر ذلك من فعله قوم ووجدوا من ذلك، ومشي بعضهم إلي بعض بالعتب والطعن.

فبلغ ذلك أصحابه من المهاجرين والأنصار، فاجتمع أبوالهيثم بن التيّهان وخزيمة بن ثابت ذوالشهادتين وعمّار بن ياسر ورفاعة بن رافع وأبوحيّة وخالد بن زيد وسهل بن حنيف فتشاوروا، فاجتمع رأيهم علي أن يركبوا إلي علي بن أبي طالب رضى الله عنه ويخبروه أنّ

ص:195


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 418/37، ترجمة عبيدالله بن الحرّ الجعفي (4434), من طريق ابن ديزيل.
2- (2) كذا في الأصل، ولاحظ ما تقدّم آنفاً عن ابن عساكر.
3- (3) الكامل 392/3، حوادث سنة ثمان وستّين, ذكر خبر عبيدالله بن الحرّ ومقتله.

طلحة والزبير ومن كان من بني اُميّة بالحجاز قد اجتمع رأيهم واشتملت عداوتهم، وهم مصرّون علي أمر لا نأمنهم عليه.

فركبوا إلي علي بن أبي طالب فقالوا: يا أميرالمؤمنين، انظر في أمرك، وعاتِب قومَك هذا الحىّ من قريش، فإنّهم قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السرّ إلي رفضك، هداك الله لرشدك؛ وذلك لأنّهم فقدوا الأثرة، وكرهوا الاُسوة، فلمّا استتبّ بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوّك، فاجتمع رأيهم علي أن يطلبوا بدم عثمان، فرقة للجماعة، وائتلافاً لأهل الجهالة! فرأيك.

فأقبل علي راكباً بغلة رسول الله الشهباء فدخل المسجد، فركب المنبر مغضباً, عليه عمامة خزّ سوداء، مرتدياً بطاق، متّزراً ببرد قطرىّ ، متوشّحاً سيفاً، متوكّئاً علي قوس، فقال:

أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّا نحمد الله ربّنا وإلهنا وولىّ النعمة علينا، الّذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، بغير حول منّا ولا قوّة، إلّا امتناناً علينا وفضلاً، ليبلونا أنشكر أم نكفر، فمن شكر زاده، ومن كفر عذّبه.

وأشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له أحداً صمداً، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، بعثه رحمة للعباد والبلاد والبهائم والأنعام، نعمة أنعم به علينا ومنّاً وفضلاً صلى الله عليه و سلم.

فأفضل الناس - أيّها الناس - عند الله منزلة وأعظمهم شرفاً وأقربهم من رسول الله قرباً وأعظمهم عند الله خطراً أطوعهم لأمر الله، وأعلمهم بطاعة الله، [و] أعملهم وأتبعهم لسنّة رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأحياهم لكتاب الله، فليس لأحد ممّن خلق الله عندنا فضل إلّا بطاعة الله وطاعة رسوله واتّباع كتابه وسنّة نبيّه عليه السلام.

هذا كتاب الله بين أظهركم، وعهد نبىّ الله وسيرته فينا لا يجهلها إلّا جاهل معاند عن الحقّ ، يقول الله في كتابه: (يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ )1 , فمن اتّقي فهو الشريف

ص:196

المكرّم المحبّ ، وكذلك أهل طاعة الله وطاعة رسوله، لقول الله في كتابه: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )1 الآية، ويقول: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول, فإن تولّيتم فإنّ الله لا يحبّ الكافرين(1).

ثمّ صاح بأعلي صوته: يا معشر المهاجرين، يا معشر الأنصار، يا معشر المسلمين, أ تمنّون علي الله ورسوله بإسلامكم ؟ ولله ولرسوله المنّ عليكم إن كنتم صادقين.(2)

ثمّ نادي: ألا إنّه من استقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا وشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله أجرينا عليه أحكام القرآن، وأقسام الإسلام، ليس لأحد علي أحد فضل إلّا بتقوي الله وطاعته، جعلنا الله وإيّاكم من المتّقين، وأوليائه وأحبابه الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

ثمّ قال: أ لا إنّ هذه الدنيا الّتي أصبحتم تطلبونها وترغبون فيها وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الّذي خلقتم له، ولا الّذي دعيتم إليه.

ألا وإنّها ليست بباقية لكم، ولا تبقون عليها، ولا تغرّنكم فقد حذّرتموها، ووصفت لكم وجرّبتموها، فأصبحتم لا تحمدون عواقبها.

فسابقوا إلي منازلكم الّتي امرتم أن تعمروها، فهي العامرة الّتي لا تخرب أبداً، [و] الباقية الّتي لا تنفد، وهي الّتي رغّبكم الله فيها، ودعاكم إليها، وجعل لكم الثواب فيها.

فانظروا يا معشر المهاجرين والأنصار وأهل دين الله ما وصفتم به في كتاب الله ونزلتم به عند رسول الله وجاهدتم عليه فبم فضّلتم ؟ أ بحسب أو نسب ؟ أو بعمل وطاعة ؟ فاستتمّوا نعم الله عليكم يرحمكم الله بالصبر لأنفسكم علي طاعة الله، والذلّ لحكم الله، والمسارعة في رضوان الله، والمحافظة علي ما استحفظكم الله من كتابه.

ألا وإنّه لا يضرّكم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم وصيّة رسول الله صلى الله عليه و سلم، ألا

ص:197


1- (2) اقتباس من آيتي 32 من سورة آل عمران و 12 من سورة التغابن.
2- (3) إشارة إلي الآية 17 من سورة الحجرات.

و [إنّه] لا ينفعكم شيء حافظتم عليه من دنياكم بعد تضييع ما أمرتم به من التقوي، عليكم عباد الله بتقوي الله، والتسليم لأمره، والرضا بقضائه، والصبر علي بلائه.

فأمّا هذا الفيء فليس لأحد علي أحد فيه أثرة، قد فرغ الله من قسمه، فهو مال الله وأنتم عباد الله المسلمون.

وهذا كتاب الله به أقررنا وعليه شهدنا وله أسلمنا، وعهد نبيّنا عليه السلام بين أظهرنا، فسلّموا رحمكم الله لأمر الله، فمن لم يرض بهذا فليتبوّأ حيث شاء وكيف شاء، فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه، اولئك حزب الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، واُولئك هم المفلحون.

نسأل الله ربّنا وإلهنا أن يجعلنا وإيّاكم من أهل طاعته، وأن يجعل رغبتنا ورغبتكم فيما عنده، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم.

ثمّ نزل عن المنبر وصلّي ركعتين، وبعث بعمّار إلي طلحة والزبير وهما في ناحية من المسجد، فقاما فجلسا إليه، فقال لهما: أنشدكما الله، هل جئتماني تبايعاني طائعين، ودعوتماني إليها وأنا كاره ؟ قالا: اللهمّ نعم.

قال: غير مجبورين ولا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما، وأعطيتماني عهدكما؟ قالا: اللهمّ نعم.

فقال علي: الحمد لله ربّ العالمين علي ذلك.

ثمّ قال لهما: فما عدا ممّا بدا؟ قالا: أعطيناك بيعتنا علي أن لا تقطع الأمر دوننا، وأن تستشيرنا في الاُمور، ولا تستبدّ بها عنّا، ولنا من الفضل علي غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القسوم وتقطع الاُمور وتمضي الأحكام بغير مشاورتنا، ولا رأينا ولا علمنا.

فقال علي رحمه الله: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً، أستغفر الله لي ولكم.

ثمّ قال: أ لا تخبراني أ في شيء لكما فيه حقّ دفعتكما عنه ؟ أم في قسم استأثر [ت] به عليكما؟ قالا: معاذ الله.

قال: ففي حقّ رفعه إلىّ أحد من المسلمين ضعفت عنه أو جهلته، أو حكم أخطأت

ص:198

فيه ؟ قالا: اللهمّ لا.

قال: ففي أمر دعوتماني إليه من أمر عامّة المسلمين فقصّرت عنه وخالفتكما فيه ؟ قالا: اللهمّ لا.

قال: فما الّذي كرهتما من أمري، ونقمتما من تأميري، ورأيتما من خلافي ؟ قالا: خلافك عمر بن الخطّاب وأئمّتنا وحقّنا في الفيء، جعلت حقّنا في الإسلام كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من أفاء الله به علينا بسيوفنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً [ممّن] لم يأتوا الإسلام إلّا كرهاً.

فقال علي - رحمة الله عليه -: الله أكبر، الله أكبر, اللهمّ إنّي اشهدك عليهما، واُشهد من حضر مجلسي هذا اليوم عليهما.

ثمّ قال: أمّا ما احتججتما به علىّ من أمر الاستشارة؛ فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولا لي فيها محبّة، ولكنّكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها وأنا كاره فخفت أن تختلفوا وأن أردّكم عن جماعتكم، فلمّا أفضت إلىّ نظرت إلي كتاب الله وما وضع لنا وأمر بالحكم فيه وما قسم واستنّ النبىّ عليه السلام فأمضيته واتّبعته، فلم أحتج إلي رأيكما ولا دخولكما معي، ولا غيركما، ولم يقع حقّ جهلته فأثق برأيكما فيه وأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما إذا كان أمر ليس في كتاب الله بيانه وبرهانه، ولم يكن فيه سنّة من نبيّنا عليه السلام، ولم يمض فيه أحكام من إخواننا ممّن يقتدي برأيه ويرضي بحكمه.

وأمّا ما ذكرتما من الاُسوة؛ فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم قسماً قد فرغ الله من قسمته وأمضي فيه حكمه.

وأمّا قولكم: جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا, فقدماً ما سبق إلي الإسلام قوم لم يضرّهم في شيء من الأحكام إذا استؤثر عليهم، ولم يضرّهم حين استجابوا لربّهم، والله موفيهم يوم القيامة أعمالهم، ألا وإنّا مجرون عليهم أقسامهم، فليس لكما والله عندي ولا لغيركما في هذا عتباً، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ وألهمنا وإيّاكم الصبر.

ص:199

ثمّ قال: رحم الله رجلاً رأي حقّاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردّه، وكان عوناً للحقّ علي صاحبه.(1)

15453. الإسكافي: صعد [عليه السلام] المنبر في اليوم الثاني من يوم البيعة، وهو يوم السبت لإحدي عشرة ليلة بقين من ذي الحجّة، فحمد الله وأثني عليه، وذكر محمّداً فصلّي عليه، ثمّ ذكر نعمة الله علي أهل الإسلام، ثمّ ذكر الدنيا فزهّدهم فيها، وذكر الآخرة فرغّبهم إليها، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّه لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم استخلف الناس أبابكر، ثمّ استخلف أبوبكر عمر, فعمل بطريقه، ثمّ جعلها شوري بين ستّة، فأفضي الأمر منهم إلي عثمان، فعمل ما أنكرتم وعرفتم، ثمّ حصر وقتل، ثمّ جئتموني طائعين فطلبتم إلىّ ، وإنّما أنا رجل منكم، لي ما لكم وعلىّ ما عليكم، وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا الأمر إلّا أهل الصبر والبصر والعلم بمواقع الأمر، وإنّي حاملكم علي منهج نبيّكم صلى الله عليه و آله، ومنفّذ فيكم ما امرت به إن استقمتم لي، وبالله المستعان.

ألا إنّ موضعي من رسول الله صلى الله عليه و آله بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته، فامضوا لما تؤمرون به، و قفوا عند ما تنهون عنه، ولا تعجلوا في أمر حتّي نبيّنه لكم، فإنّ لنا عن كلّ أمر تنكرونه عذراً.

ألا وإنّ الله عالم من فوق سمائه وعرشه أنّي كنت كارهاً للولاية علي امّة محمّد حتّي اجتمع رأيكم علي ذلك؛ لأنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: أيّما وال ولي الأمر من بعدي اقيم علي حدّ الصراط ، ونشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلاً أنجاه الله بعدله، وإن كان جائراً انتفض به الصراط حتّي تتزايل مفاصله، ثمّ يهوي إلي النار، فيكون أوّل ما يتّقيها به أنفه وحرّ وجهه، ولكنّي لمّا اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم.

ثمّ التفت عليه السلام يميناً وشمالاً فقال: ألا لا يقولنّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا

ص:200


1- (1) المعيار والموازنة ص 109-114, خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا أخبره أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم.

فاتّخذوا العقار، وفجّروا الأنهار، وركبوا الخيول الفارهة، واتّخذوا الوصائف الروقة(1) فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلي حقوقهم الّتي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا.

ألا وأيّما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله يري أنّ الفضل له علي من سواه لصحبته، فإنّ الفضل النيّر غداً عند الله، وثوابه وأجره علي الله، وأيّما رجل استجاب لله وللرسول فصدق ملّتنا ودخل في ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسويّة، لا فضل فيه لأحد علي أحد، وللمتّقين عند الله غداً أحسن الجزاء وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتّقين أجراً ولا ثواباً, وما عند الله خير للأبرار.

وإذا كان غداً إن شاء الله فاغدوا علينا فإنّ عندنا مالاً نقسمه فيكم، ولا يتخلّفنّ أحد منكم عربي ولا عجمي، كان من أهل العطاء أو لم يكن إلّا حضر إذا كان مسلماً حرّاً، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ثمّ نزل.

وكان هذا أوّل ما أنكروه من كلامه عليه السلام، وأورثهم الضغن عليه، وكرهوا إعطاءه وقسمه بالسويّة.

فلمّا كان من الغد غدا وغدا الناس لقبض المال، فقال لعبيدالله بن أبي رافع كاتبه: ابدأ بالمهاجرين فنادهم وأعط كلّ رجل ممّن حضر ثلاثة دنانير، ثمّ ثنّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن يحضر من الناس كلّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك.

فقال سهل بن حنيف: يا أميرالمؤمنين، هذا غلامي بالأمس وقد أعتقته اليوم! فقال: نعطيه كما نعطيك. فأعطي كلّ واحد منهما ثلاثة دنانير، ولم يفضّل أحداً علي أحد، وتخلّف عن هذا القسم يومئذ طلحة والزبير وعبدالله بن عمر وسعيد بن العاص ومروان بن الحكم ورجال من قريش وغيرها.

ص:201


1- (1) الروقة: الجميل جدّاً من الناس. لسان العرب 376/5.

قال: وسمع عبيدالله بن أبي رافع عبدالله بن الزبير يقول لأبيه وطلحة ومروان وسعيد: ما خفي علينا أمس من كلام علي ما يريد. فقال سعيد بن العاص والتفت إلي زيد بن ثابت: إيّاك أعني واسمعي يا جارة. فقال عبيدالله بن أبي رافع لسعيد وعبدالله بن الزبير: إنّ الله يقول في كتابه: (وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ )1 .

ثمّ إنّ عبيدالله بن أبي رافع أخبر عليّاً عليه السلام بذلك فقال: والله إن بقيت وسلمت لهم لاُقيمنّهم علي المحجّة البيضاء والطريق الواضح، قاتل الله ابن العاص، لقد عرف من كلامي ونظري إليه أمس أنّي اريده وأصحابه ممّن هلك فيمن هلك.

قال: فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير وطلحة فجلسا ناحية عن علي عليه السلام، ثمّ طلع مروان وسعيد وعبدالله بن الزبير فجلسوا إليهما، ثمّ جاء قوم من قريش فانضمّوا إليهم، فتحدّثوا نجيّاً ساعة، ثمّ قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فجاء إلي علي عليه السلام فقال: يا أباالحسن، إنّك قد وترتنا(1) جميعاً، أمّا أنا فقتلت أبي يوم بدر صبراً، وخذلت أخي يوم الدار بالأمس، وأمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور قريش، وأمّا مروان فسخّفت أباه عند عثمان إذ ضمّه إليه، ونحن إخوتك ونظراؤك من بني عبدمناف، ونحن نبايعك اليوم علي أن تضع عنّا ما أصبناه من المال في أيّام عثمان، وأن تقتل قتلته، وإنّا إن خفناك تركناك فالتحقنا بالشام.

فقال: أمّا ما ذكرتم من وتري إيّاكم فالحقّ وتركم، وأمّا وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حقّ الله عنكم ولا عن غيركم، وأمّا قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس، ولكن لكم علىّ إن خفتموني أن اؤمّنكم وإن خفتم أن اسيّركم.

فقام الوليد إلي أصحابه فحدّثهم، وافترقوا علي إظهار العداوة وإشاعة الخلاف، فلمّا ظهر ذلك من أمرهم قال عمّار بن ياسر لأصحابه: قوموا بنا إلي هؤلاء النفر من

ص:202


1- (2) الوتر: ظلامة في دم. المحيط في اللغة 455/9.

إخوانكم فإنّه قد بلغنا عنهم ورأينا منهم ما نكره من الخلاف والطعن علي إمامهم، وقد دخل أهل الجفاء بينهم وبين الزبير والأعسر العاقّ - يعني طلحة -.

فقام أبوالهيثم وعمّار وأبوأيّوب وسهل بن حنيف وجماعة معهم فدخلوا علي علي عليه السلام فقالوا: يا أميرالمؤمنين، انظر في أمرك وعاتِب قومَك هذا الحىّ من قريش، فإنّهم قد نقضوا عهدك وأخلفوا وعدك، وقد دعونا في السرّ إلي رفضك، هداك الله لرشدك؛ وذاك لأنّهم كرهوا الاُسوة وفقدوا الأثرة، ولمّا آسيت بينهم وبين الأعاجم أنكروا واستشاروا عدوّك وعظّموه، وأظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة وتألّفاً لأهل الضلالة، فرأيك!

فخرج علي عليه السلام فدخل المسجد وصعد المنبر مرتدياً بطاق، مؤتزراً ببرد قطرىّ ، متقلّداً سيفاً، متوكّئاً علي قوس، فقال:

أمّا بعد، فإنّا نحمد الله ربّنا وإلهنا ووليّنا وولىّ النعم علينا، الّذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة، امتناناً منه بغير حول منّا ولا قوّة، ليبلونا أنشكر أم نكفر، فمن شكر زاده، ومن كفر عذّبه، فأفضل الناس عندالله منزلة وأقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره، وأعملهم بطاعته، وأتبعهم لسنّة رسوله، وأحياهم لكتابه، ليس لأحد عندنا فضل إلّا بطاعة الله وطاعة الرسول، هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته فينا، لا يجهل ذلك إلّا جاهل عاند عن الحقّ منكر، قال الله تعالي: (يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ )1 .

ثمّ صاح بأعلي صوته: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، فإن تولّيتم فإنّ الله لا يحبّ الكافرين(1).

ثمّ قال: يا معشر المهاجرين والأنصار، أ تمنّون علي الله ورسوله بإسلامكم ؟ بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين(2).

ص:203


1- (2) اقتباس من آيتي 32 من سورة آل عمران و 12 من سورة التغابن.
2- (3) إشارة إلي الآية 17 من سورة الحجرات.

ثمّ قال: أنا أبوالحسن - وكان يقولها إذا غضب -. ثمّ قال: ألا إنّ هذه الدنيا الّتي أصبحتم تمنّونها وترغبون فيها وأصبحت تغضبكم وترضيكم ليست بداركم ولا منزلكم الّذي خلقتم له، فلا تغرّنّكم فقد حذّرتكموها، واستتمّوا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم علي طاعة الله والذلّ لحكمه جلّ ثناؤه, فأمّا هذا الفيء فليس لأحد علي أحد فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيّنا بين أظهرنا، فمن لم يرض به فليتولّ كيف شاء، فإنّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه.

ثمّ نزل عن المنبر فصلّي ركعتين، ثمّ بعث بعمّار بن ياسر وعبدالرحمان بن حسل القرشي إلي طلحة والزبير وهما في ناحية المسجد، فأتياهما فدعواهما فقاما حتّي جلسا إليه عليه السلام.

فقال لهما: نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة ودعوتماني إليها وأنا كاره لها؟ قالا: نعم.

فقال: غير مجبرين ولا مقسورين، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما؟ قالا: نعم.

قال: فما دعاكما بعد إلي ما أري ؟ قالا: أعطيناك بيعتنا علي إلّا تقضي الاُمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كلّ أمر، ولا تستبدّ بذلك علينا، ولنا من الفضل علي غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.

فقال: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً، فاستغفرا الله يغفر لكما، أ لا تخبرانني أ دفعتكما عن حقّ وجب لكما فظلمتكما إيّاه ؟ قالا: معاذ الله!

قال: فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا: معاذ الله!

قال: أ فوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه ؟ قالا: معاذ الله!

قال: فما الّذي كرهتما من أمري حتّي رأيتما خلافي ؟ قالا: خلافك عمر بن الخطّاب في القسم، إنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالي علينا بأسيافنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا ورجلنا، وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً قهراً ممّن لا يري الإسلام إلّا كرهاً.

ص:204

فقال: فأمّا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما؛ فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة ولكنّكم دعوتموني إليها وجعلتموني عليها فخفت أن أردّكم فتختلف الاُمّة، فلمّا أفضت إلىّ نظرت في كتاب الله وسنّة رسوله فأمضيت ما دلّاني عليه واتّبعته، ولم أحتج إلي آرائكما فيه ولا رأي غيركما، ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولا في السنّة برهانه واحتيج إلي المشاورة فيه لشاورتكما فيه.

وأمّا القسم والاُسوة؛ فإنّ ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء، قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه و آله يحكم بذلك، وكتاب الله ناطق به، وهو الكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

وأمّا قولكما: جعلت فيئنا وما أفاءته سيوفنا ورماحنا سواء بيننا وبين غيرنا؛ فقديماً سبق إلي الإسلام قوم ونصروه بسيوفهم ورماحهم فلم يفضّلهم رسول الله صلى الله عليه و آله في القسم, ولا آثرهم بالسبق، والله سبحانه موفٍ السابق والمجاهد يوم القيامة أعمالهم، وليس لكما والله عندي ولا لغيركما إلّا هذا، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ وألهمنا وإيّاكم الصبر.

ثمّ قال: رحم الله امرء رأي حقّاً فأعان عليه، ورأي جوراً فردّه، وكان عوناً للحقّ علي من خالفه.

وقد روي أنّهما قالا له وقت البيعة: نبايعك علي أنّا شركاؤك في هذا الأمر. فقال لهما: لا، ولكنّكما شريكاي في الفيء، لا أستأثر عليكما ولا علي عبد حبشي مجدّع(1) بدرهم فما دونه، لا أنا ولا ولداي هذان، فإن أبيتما إلّا لفظ الشركة فأنتما عونان لي عند العجز والفاقة، لا عند القوّة والاستقامة.

فاشترطا ما لا يجوز في عقد الأمانة، وشرط عليه السلام لهما ما يجب في الدين والشريعة.

وقد روي أيضاً أنّ الزبير قال في ملأ من الناس: هذا جزاؤنا من علي! قمنا له في أمر عثمان حتّي قتل، فلمّا بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنّا فوقه.

ص:205


1- (1) الجدع: قطع الأنف والاُذن والشفة، وهو بالأنف أخصّ فإذا اطلق غلب عليه. النهاية 246/1.

وقال طلحة: ما اللوم إلّا علينا، كنّا معه أهل الشوري ثلاثة فكرهه أحدنا - يعني سعداً - وبايعناه فأعطيناه ما في أيدينا ومنعَنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس، ولا نرجو غداً ما أخطأنا اليوم.

فإن قلت: فإنّ أبابكر قسم بالسواء كما قسمه أميرالمؤمنين عليه السلام ولم ينكروا ذلك كما أنكروه أيّام أميرالمؤمنين عليه السلام، فما الفرق بين الحالتين ؟

قلت: إنّ أبابكر قسم محتذياً لقسم رسول الله صلى الله عليه و آله، فلمّا ولي عمر الخلافة وفضّل قوماً علي قوم ألفوا ذلك ونسوا تلك القسمة الاُولي، وطالت أيّام عمر، وأشربت قلوبهم حبّ المال وكثرة العطاء، وأمّا الّذين اهتضموا فقنعوا ومرنوا علي القناعة، ولم يخطر لأحد من الفريقين له أنّ هذه الحال تنتقض أو تتغيّر بوجه ما، فلمّا ولي عثمان أجري الأمر علي ما كان عمر يجريه، فازداد وثوق القوم بذلك، ومن ألف أمراً شقّ عليه فراقه وتغيير العادة فيه، فلمّا ولي أميرالمؤمنين عليه السلام أراد أن يردّ الأمر إلي ما كان في أيّام رسول الله صلى الله عليه و آله وأبي بكر، وقد نسي ذلك ورفض وتخلّل بين الزمانين اثنتان وعشرون سنة، فشقّ ذلك عليهم، وأنكروه وأكبروه حتّي حدث ما حدث من نقض البيعة ومفارقة الطاعة، ولله أمر هو بالغه.(1)

15454. الطبري: اجتمع إلي علي بعد ما دخل [بيته] طلحة والزبير في عدّة من الصحابة، فقالوا: يا علي، إنّا قد اشترطنا إقامة الحدود، وإنّ هؤلاء القوم قد اشتركوا في دم هذا الرجل وأحلّوا بأنفسهم.

فقال لهم: يا إخوتاه، إنّي لست أجهل ما تعلمون، ولكنّي كيف أصنع بقوم يملكوننا ولا نملكهم! ها هم هؤلاء قد ثارت معهم عُبدانُكم، وثابت إليهم أعرابكم، وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا، فهل ترون موضعاً لقدرة علي شيء ممّا تريدون ؟ قالوا: لا.

قال: فلا والله لا أري إلّا رأياً ترونه إن شاء الله، إنّ هذا الأمر أمر جاهليّة، وإنّ

ص:206


1- (1) نقض العثمانيّة، كما عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 36/7-43، شرح الخطبة.

لهؤلاء القوم مادّة وذلك أنّ الشيطان لم يشرع شريعة قطّ فيبرح الأرض من أخذ بها أبداً، إنّ الناس من هذا الأمر إن حرّك علي امور: فرقة تري ما ترون، وفرقة تري ما لا ترون، وفرقة لا تري هذا ولا هذا حتّي يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق، فاهدؤوا عنّي وانظروا ماذا يأتيكم، ثمّ عودوا.(1)

15455. البلاذري: كتب عليه السلام [إلي] عبدالله بن العبّاس:

أتاني كتابك تذكر ما رأيت من أهل البصرة بعد خروجي عنهم، وإنّما هم مقيمون لرغبة يرجونها أو عقوبة يخافونها، فأرغب راغبهم، واحلل عقدة الخوف عند راهبهم بالعدل والإنصاف له، إن شاء الله.(2)

وانظر ما تقدّم في عنوان: «التزامه عليه السلام بالقانون وعدم مداهنته فيه».

السادس: وفاؤه عليه السلام بمواثيقه

برواية: عون بن أبي جحيفة

15456. الطبري: قال أبومخنف: عن أبي المغفّل، عن عون بن أبي جحيفة:

أنّ عليّاً لمّا أراد أن يبعث أباموسي للحكومة أتاه رجلان من الخوارج: زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي، فدخلا عليه، فقالا له: لا حكم إلّا لله. فقال علي: لا حكم إلّا لله.

فقال له حرقوص: تب من خطيئتك، وارجع عن قضيّتك، واخرج بنا إلي عدوّنا نقاتلهم حتّي نلقي ربّنا.

فقال لهم علي: قد أردتكم علي ذلك فعصيتموني، وقد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً، وشرطنا شروطاً، وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا، وقد قال الله - عزّ وجلّ -: (وَ أَوْفُوا

ص:207


1- (1) تاريخ الطبري 437/4، حوادث سنة خمس وثلاثين, اتّساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام.
2- (2) أنساب الأشراف 387/2، ترجمة علي بن أبي طالب.

بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ )1 .

فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه. فقال علي: ما هو ذنب، ولكنّه عجز من الرأي، وضعف من الفعل، وقد تقدّمت إليكم فيما كان منه، ونهيتكم عنه.

فقال له زرعة بن البرج: أما والله يا علي، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله - عزّ وجلّ - قاتلتك, أطلب بذلك وجه الله ورضوانه.

فقال له علي: بؤساً لك، ما أشقاك! كأنّي بك قتيلاً تسفي عليك الريح. قال: وددت أن قد كان ذلك. فقال له علي: لو كنت محقّاً كان في الموت علي الحقّ تعزية عن الدنيا، إنّ الشيطان قد استهواكم، فاتّقوا الله - عزّ وجلّ -؛ إنّه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها. فخرجا من عنده يحكّمان.(1)

السابع: مراقبته عليه السلام العمّال

15457. أبويوسف: حدّثني بعض علماء أهل الكوفة أنّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه كتب إلي كعب بن مالك(2) وهو عامله: أمّا بعد، فاستخلف علي عملك، واخرج في طائفة من أصحابك حتّي تمرّ بأرض السواد كورة كورة، فتسألهم عن عمّالهم، وتنظر في سيرتهم، حتّي تمرّ بمن كان منهم فيما بين دجلة والفرات، ثمّ ارجع إلي البهقباذات(3) فتولّ معونتها،

ص:208


1- (2) تاريخ الطبري 72/5، حوادث سنة سبع وثلاثين، ذكر ما كان من خبر الخوارج، ومثله مرسلاً في الكامل لابن الأثير 169/3، حوادث سنة سبع وثلاثين، ذكر خبر الخوارج عند توجيه الحكمين، والمنتظم لابن الجوزي 129/5، حوادث سنة سبع وثلاثين.
2- (3) كذا في الأصل، ولعلّ الصحيح: «مالك بن كعب»، فإنّ كعب بن مالك ممّن لم يبايع عليّاً عليه السلام, وانظر في عنوان: «عمّاله عليه السلام: مالك بن كعب الأرحبي».
3- (4) البهقباذات: اسم لثلاث كور ببغداد من أعمال سقي الفرات منسوبة إلي قباذ بن فيروز والد أنوشروان.

واعمل بطاعة الله فيما ولّاك منها، واعلم أنّ الدنيا فانية وأنّ الآخرة آتية، وأنّ عمل ابن آدم محفوظ عليه، وإنّك مجزىّ بما أسلفت، وقادم علي ما قدّمت من خير، فاصنع خيراً تجد خيراً.(1)

15458. ابن عبدالبرّ: لا يخصّ [عليه السلام] بالولايات إلّا أهل الديانات والأمانات، وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه:

قد جاءتكم موعظة من ربّكم، فأوفوا الكيل والميزان بالقسط ، ولا تبخسوا الناس أشياءهم، ولا تعثوا في الأرض مفسدين، بقيّة الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، وما أنا عليكم بحفيظ ، إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتّي نبعث إليك من يتسلّمه منك.

ثمّ يرفع طرفه إلي السماء فيقول: اللهمّ إنّك تعلم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقّك.(2)

الثامن: مصادرته عليه السلام هدايا العمّال ونهي الناس عن إعطاء الهديّة إليهم
اشارة

برواية:

1. حبّة العرني - 3. ما ورد مرسلاً

2. علي بن ربيعة -

1. حبّة العرني

15459. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](3): حدّثنا عمر بن سعد، عن مسلم الأعور, عن حبّة العرني, قال:

ص:209


1- (1) الخراج ص 118, فصل في تقبيل السواد.
2- (2) الاستيعاب 1111/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855)، وقال: وخطبه ومواعظه ووصاياه لعمّاله إذ كان يخرجهم إلي أعماله كثيرة مشهورة، وهي حسان كلّها.
3- (3) وقعة صفّين ص 143-144.

أمر علي عليه السلام الحارث الأعور فصاح في أهل المدائن: من كان من المقاتلة فليواف أميرالمؤمنين عليه السلام صلاة العصر. فوافوه في تلك الساعة... وجاء علي عليه السلام حتّي مرّ بالأنبار، فاستقبله بنو خشنوشك دهاقينها....

فلمّا استقبلوه نزلوا عن خيولهم، ثمّ جاؤوا يشتدّون معه، وبين يديه، ومعهم براذين قد أوقفوها في طريقه، فقال: ما هذه الدوابّ الّتي معكم ؟ وما أردتم بهذا الّذي صنعتم ؟ قالوا: أمّا هذا الّذي صنعنا فهو خُلُق منّا نعظّم به الاُمراء، وأمّا هذه البراذين فهديّة لك، وقد صنعنا للمسلمين طعاماً، وهيّأنا لدوابّكم علفاً كثيراً.

فقال عليه السلام: أمّا هذا الّذي زعمتم أنّه فيكم خُلُق تعظّمون به الاُمراء؛ فوالله ما ينفع ذلك الاُمراء، وإنّكم لتشقّون به علي أنفسكم وأبدانكم، فلا تعودوا له، وأمّا دوابّكم هذه؛ فإن أحببتم أن آخذها منكم وأحسبها لكم من خراجكم أخذناها منكم، وأمّا طعامكم الّذي صنعتم لنا, فإنّا نكره أن نأكل من أموالكم إلّا بثمن.

قالوا: يا أميرالمؤمنين، نحن نقوّمه ثمّ نقبل ثمنه. قال: إذاً لا تقوّمونه قيمته، نحن نكتفي بما هو دونه.

قالوا: يا أميرالمؤمنين، فإنّ لنا من العرب موالي ومعارف؛ أ تمنعنا أن نهدي لهم أو تمنعهم أن يقبلوا منّا؟ فقال: كلّ العرب لكم موال، وليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديّتكم، وإن غصبكم أحد فأعلمونا.

قالوا: يا أميرالمؤمنين، إنّا نحبّ أن تقبل هديّتنا وكرامتنا. قال: ويحكم! فنحن أغني منكم. وتركهم وسار.(1)

2. علي بن ربيعة

15460. وكيع: حدّثنا سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ربيعة:

أنّ عليّاً استعمل رجلاً من بني أسد يقال له ضبيعة بن زهير أو زهير بن ضبيعة،

ص:210


1- (1) شرح نهج البلاغة 203/3-204، شرح الخطبة 48.

فلمّا جاء قال: يا أميرالمؤمنين، إنّي اهدي إلىّ في عملي أشياء وقد أتيتك بها، فإن كانت حلالاً أكلتها وإلّا فقد أتيتك بها. فقبضها علي وقال: لوحبستها كان غلولاً.(1)

15461. وكيع القاضي: حدّثنا الزعفراني، قال: حدّثنا أبونعيم، قال: حدّثنا سعيد بن عبيد الطائي، عن علي بن ربيعة:

أنّ عليّاً استعمل رجلاً من بني أسد يقال له ضبيعة بن زهير، فلمّا قضي عمله أتي عليّاً بجراب فيه مال، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ قوماً كانوا يهدون لي حتّي اجتمع منه مال، فها هوذا، فإن كان لي حلالاً أكلته، وإن كان غير ذاك فقد أتيتك به. فقال علي: لو أمسكته لكان غلولاً. فقبضه منه وجعله في بيت المال.(2)

3. ما ورد مرسلاً

15462. الإسكافي:... فخرج [عليه السلام] ثمّ نزل الأنبار فاستقبله دهقان من رؤسائها يقود البراذين، وقد اتّخذوا له ولأصحابه طعاماً وعلفاً، [فترجّلوا له واشتدّوا بين يديه](3) ، فقال لهم: ما هذه الدوابّ الّتي معكم ؟ وما أردتم بهذا الّذي صنعتم ؟ فقالوا: أمّا [ما] صنعنا فإنّه شيء كنّا نعظّم به الاُمراء، وأمّا هذه البراذين فأهديناها لك، وقد صنعنا لك وللمسلمين طعاماً، وهيّئنا لدوابّكم علفاً.

فقال رضى الله عنه: أمّا هذا الّذي زعمتم أنّه منكم خلق تعظّمون به الاُمراء؛ فوالله ما ينفع ذلك الاُمراء, وإنّكم لتشقّون علي أنفسكم وأبدانكم فلا تعودوا له، وأمّا دوابّكم هذه فإن أحببتم أخذناها منكم وحسبناها لكم من خراجكم، وأمّا الّذي صنعتم من الطعام والعلف؛ فإنّا نكره أن نأكل من أموالكم شيئاً إلّا بثمن.

ص:211


1- (1) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 448/4(21958).
2- (2) أخبارالقضاة 59/1-60, ما جاء في الرشوة في الحكم.
3- (3) ما بين المعقوفين من نهج البلاغة، كما في الحكمة 37 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 156/18، ويؤيّده سياق الكلام.

فقالوا: يا أميرالمؤمنين، إنّ لنا من العرب موالي ومعارف أفتمنعنا أن نهدي لهم ؟ وتمنعهم أن يقبلوا هديّتنا؟ فقال عليه السلام: وكلّ العرب لكم موالي ومعارف، ليس أحد من العرب بأحقّ منكم من أحد، ولست أمنعكم أن تهدوا لمعرفة، ولا لأحد من المسلمين أن يقبل هديّة، وإن غصبكم أحد فأعلمونا.

فقالوا: إنّا نحبّ يا أميرالمؤمنين أن تقبل كرامتنا. فقال: ويحكم! نحن أغني منكم.(1)

التاسع: موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال
1. موقفه مع الأشعث بن قيس

15463. ابن قتيبة: ذكروا أنّ عليّاً كتب إلي الأشعث بن قيس مع زياد بن كعب, والأشعث يومئذ بأذربيجان عاملاً لعثمان، كان استعمله عليها:

أمّا بعد، فلولا هنات كنّ فيك كنت المقدّم في هذا الأمر قبل الناس، فلعلّ أمراً يحمل بعضه بعضاً إن اتّقيت الله، وقد كان من بيعة الناس إيّاي ما قد بلغك، وكان طلحة والزبير أوّل من بايعني، ثمّ نقضا بيعتي علي غير حدث، وأخرجا امّ المؤمنين إلي البصرة، فسرت إليهما في المهاجرين والأنصار، فالتقينا، فدعوتهما إلي أن يرجعا إلي ما خرجا منه، فأبيا، فأبلغت في الدعاء، وأحسنت في البقاء، وإنّ عملك ليس لك بطعمة، ولكنّه أمانة في عنقك، والمال مال الله، وأنت من خزّاني عليه حتّي تسلمه إلىّ إن شاء الله، وعلي أن لا أكون شرّ ولاتك.(2)

15464. البلاذري: كتب [عليه السلام] إلي الأشعث بن قيس الكندي وهو بأذربيجان، وكان عثمان ولّاها، فأقرّه عليها يسيراً ثمّ عزله:

إنّما غرّك من نفسك إملاء الله لك، فما زلت تأكل رزقه، وتستمتع بنعمته، وتذهب

ص:212


1- (1) المعيار والموازنة ص 133, قيام أميرالمؤمنين عليه السلام في الناس ومشاورته إيّاهم.
2- (2) الإمامة والسياسة 94/1, كتاب علي إلي الأشعث بن قيس.

طيّباتك في أيّام حياتك، فأقبل واحمل ما قبلك من الفيء, ولا تجعل علي نفسك سبيلاً.

ويقال: ولّاه بعد قدومه من أذربيجان حلوان ونواحيها، فكتب إليه هذا الكتاب وهو فيها.(1)

15465. ابن عبد ربّه: كتب علي بن أبي طالب إلي الأشعث بن قيس بعد الجمل، وكان والياً لعثمان علي أذربيجان:

سلام عليك، أمّا بعد، فلولا هنات كنّ منك لكنت أنت المقدّم في هذا الأمر قبل الناس، ولعلّ أمرك يحمل بعضه بعضاً إن اتّقيت الله، وقد كان من بيعة الناس إيّاي ما قد بلغك، وقد كان طلحة والزبير أوّل من بايعني ثمّ نكثا بيعتي من غير حدث ولا سبب، وأخرجا امّ المؤمنين فساروا إلي البصرة، وسرت إليهم فيمن بايعني من المهاجرين والأنصار، فالتقينا فدعوتهم إلي أن يرجعوا إلي ما خرجوا منه فأبوا، فأبلغت في الدعاء وأحسنت في البقيا، وأمرت أن لا يذفّ علي جريح، ولا يتّبع منهزم، ولا يسلب قتيل، ومن ألقي سلاحه وأغلق بابه فهو آمن، واعلم أنّ عملك ليس لك بطعمة، إنّما هو أمانة في عنقك، وهو مال من مال الله وأنت من خزّاني عليه حتّي تؤدّيه إلىّ إن شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله.

فلمّا بلغ الأشعث كتاب علي قام فقال: أيّها الناس، إنّ عثمان بن عفّان ولّاني أذربيجان، فهلك وقد بقيت في يدي, وقد بايع الناس عليّاً، وطاعتنا له واجبة، وقد كان من أمره وأمر عدوّه ما كان، وهو المأمون علي ما غاب عن ذلك المجلس. ثمّ جلس.(2)

15466. ابن أعثم: ثمّ كتب علي رضى الله عنه إلي الأشعث بن قيس، وهو يومئذ بأذربيجان عاملاً لعثمان بن عفّان:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي الأشعث بن قيس، أمّا بعد، فلولا هنات كنّ منك لكنت المقدّم في هذا الأمر قبل غيرك، ولعلّ أمرك يحمل بعضه

ص:213


1- (1) أنساب الأشراف 388/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
2- (2) العقد الفريد 78/5، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم, ومن حديث الجمل.

بعضاً، وقد مضي عثمان لسبيله كما بلغك، وبايعني المهاجرون والأنصار والتابعون وإنّما توقّفي عليك، فإذا أتاك كتابي هذا فاقرأه علي من قبلك من المسلمين، وادخل فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار، فإنّ العمل الّذي في يدك ليس لك بطعمة ولكن أمانة، وفي يدك [مال من] مال الله - عزّ وجلّ -، وأنت خازن من خزّانه عليه حتّي تسلّمه إلىّ ، ولعلّي لا أكون أنسي ولايتك إن استقمت إن شاء الله، ولا قوّة إلّا بالله.

ثمّ طوي الكتاب وختمه ودفعه إلي رجل من أصحابه يقال له زياد بن مرحب الهمداني، وأمره بسرعة السير إلي الأشعث.(1)

2. موقفه مع زياد بن أبيه

15467. البلاذري: وجّه عليه السلام إلي زياد رسولاً ليأخذه لحمل ما اجتمع عنده من المال، فحمل زياد ماكان عنده وقال للرسول: إنّ الأكراد قد كسروا من الخراج، وأنا اداريهم، فلا تعلم أميرالمؤمنين ذلك فيري أنّه اعتلال منّي.

فقدم الرسول فأخبر عليّاً بما قال زياد، فكتب إليه: قد بلّغني رسولي عنك ما أخبرته به عن الأكراد واستكتامك إيّاه ذلك، وقد علمت أنّك لم تلق ذلك إليه إلّا لتبلّغني إيّاه، وإنّي اقسم بالله - عزّ وجلّ - قسماً صادقاً لئن بلغني أنّك خنت من فيء المسلمين شيئاً صغيراً أو كبيراً لأشدنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر, ثقيل الظهر، والسلام.(2)

15468. ابن أبي الحديد: فأمّا أوّل ما ارتفع به زياد فهو استخلاف ابن عبّاس له علي البصرة في خلافة علي عليه السلام، وبلغت عليّاً عنه هنات، فكتب إليه يلومه ويؤنّبه، فمنها الكتاب الّذي ذكر الرضي رحمه الله بعضه، وقد شرحنا فيما تقدّم ما ذكر الرضي منه(3) ، وكان علي عليه السلام أخرج إليه سعداً مولاه يحثّه علي حمل مال البصرة إلي الكوفة، وكان بين سعد

ص:214


1- (1) الفتوح 367/2-368, كتاب علي رضى الله عنه إلي أشعث بن قيس.
2- (2) أنساب الأشراف 390/2-391, ترجمة علي بن أبي طالب.
3- (3) راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 138/15-139، الكتاب 20 و 21.

وزياد ملاحاة ومنازعة، وعاد سعد وشكاه إلي علي عليه السلام وعابه، فكتب علي عليه السلام إليه:

أمّا بعد، فإنّ سعداً ذكر أنّك شتمته ظلماً، وهدّدته، وجبهته تجبّراً وتكبّراً، فما دعاك إلي التكبّر وقد قال رسول الله صلى الله عليه و آله: الكبر رداء الله، فمن نازع الله رداءه قصمه ؟

وقد أخبرني أنّك تكثّر من الألوان المختلفة في الطعام في اليوم الواحد، وتدّهن كلّ يوم، فما عليك لو صمت لله أيّاماً، وتصدّقت ببعض ما عندك محتسباً، وأكلت طعامك مراراً قفاراً، فإنّ ذلك شعار الصالحين! أ فتطمع وأنت متمرّغ في النعيم؛ تستأثر به علي الجار والمسكين والضعيف والفقير والأرملة واليتيم؛ أن يحسب لك أجر المتصدّقين ؟

وأخبرني أنّك تتكلّم بكلام الأبرار، وتعمل عمل الخاطئين! فإن كنت تفعل ذلك فنفسك ظلمت، وعملك أحبطت، فتب إلي ربّك يصلح لك عملك، واقتصد في أمرك، وقدّم إلي ربّك الفضل ليوم حاجتك، وادّهن غبّاً، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: ادّهنوا غبّاً ولا تدّهنوا رفهاً.(1)

3. موقفه مع شريح بن الحارث القاضي

برواية:

1. عامر الشعبي - 2. ما ورد مرسلاً

1. عامر الشعبي

15469. سبط ابن الجوزي: حكي الشعبي قال:

اشتري شريح القاضي داراً بثمانين ديناراً، فبلغ ذلك عليّاً عليه السلام، فاستدعاه فقال له: يا ابن الحارث، بلغني أنّك اشتريت داراً بكذا وكذا, وأشهدت علي نفسك شهوداً، وكتبت كتاباً؟

فقال: قد كان ذلك يا أميرالمؤمنين.

فنظر إليه نظر مغضب ثمّ قال: يا شريح، أما إنّه سيأتيك من لا ينظر في كتابك، حتّي

ص:215


1- (1) شرح نهج البلاغة 196/16-197، شرح الكتاب 44.

يخرجك منها شاخصاً، ويسلمك إلي قرارك خالصاً، فاحذر أن تكون ابتعت هذه الدار من غير مالك، أو نقدت الثمن من غير حلالك، فإذاً أنت قد خسرت الدنيا والآخرة، أما إنّك لو أتيتني عند شرائك إيّاها لكتبت لك كتاباً، فلم ترغب في شرائها ولا بدرهم.

فقال: وما كنت تكتب يا أميرالمؤمنين ؟

فقال: كنت أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما اشتري عبد ذليل، من ميّت أزعج بالرحيل، اشتري منه داراً من دور الغرور، من جانب الفانين، وخطّة الهالكين، وتجمع هذه الدار حدوداً أربعة: فالحدّ الأوّل ينتهي إلي دواعي الآفات، والحدّ الثاني إلي نوادب المصيبات، والثالث إلي الهوي المردي، والرابع إلي الشيطان الموذي، وفيه يشرع بابها، وتجتمع أسبابها.

اشتري هذا المغرور بالأمل من هذا المزعج بالأجل هذه الدار، بالخروج من عزّ القناعة، والدخول في الحرص والذلّ والطلب والضراعة، فما أدرك المشتري من درك، فعلي مبلبل أجسام الملوك والأكاسرة، وسالب نفوس الفراعنة والجبابرة، مثل كسري وقيصر، وتبّع وملوك حمير، ومن جمع المال إلي المال فأكثر، ومن بني وشيّد، وزخرف وادّخر، ونظر بزعمه للولد، ووعد وأوعد، أشخصوا والله جميعاً إلي موقف العرض والحساب والثواب والعقاب، وسيقع الأمر بفصل القضاء، ويقتصّ للجمّاء(1) من القرناء، (وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ )2 ، (وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ )3 .

شهد علي ذلك التواني ابن الفاقة والغرور، ابن الأمل والحرص، ابن الرغبة واللهو، ابن اللعب ومن أخلد إلي محلّ الهوي، ومال إلي الدنيا ورغب عن الاُخري.(2)

ص:216


1- (1) الجمّاء: الّتي لا قرن لها.
2- (4) تذكرة الخواصّ 565/1-566، الباب الخامس, في المختار من كلامه عليه السلام. ورواه القضاعي في دستور معالم الحكم ص 135-137، الباب السابع, شرط له - كرّم الله وجهه - في شراء دار, مع مغايرات.
2. ما ورد مرسلاً

15470. العسكري: شريح بن الحارث القاضي الكندي... ولّاه عمر قضاء الكوفة، وولّاه بعده علي - رضي الله عنهما - وقال له: أنت أقضي العرب. ثمّ قال له بعد ذلك في شيء خطّأه فيه: أخطأ العبد الأبظر(1).(2)

15471. العاصمي: ذكر أنّ شريح القاضي اشتري [داراً] بالكوفة، فاتّصل خبره بأميرالمؤمنين علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - فبعث إليه واستحضره فقال له: يا شريح، بلغني أنّك ابتعت داراً بثمانين ديناراً! وكتبت كتاباً وأشهدت عليه عدولاً؟ قال: قد كان ذلك يا أميرالمؤمنين.

قال: يا شريح، إنّه والله يأتيك عن قريب من لا ينظر في كتابك، ولا يسألك عن بيّنتك، فيخرجك من دارك شاخصاً ويسلّمك إلي قبرك خالصاً، فلو أنّك يا شريح أعلمتني في الوقت الّذي اشتريتها كتبت لك كتاباً ما كنت تشتريها بدرهمين!

قال: وأىّ شيء كنت تكتب يا أميرالمؤمنين ؟

قال: كنت أكتب لك: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشتري عبد ذليل من ميّت قد أزعج بالرحيل، واشتري منه داراً من دور الغرور في الجانب الفاني إلي عسكر الهالكين، وتجمع هذه الدار حدود أربعة:

فأحد حدودها ينتهي إلي دواعي المصيبات، والثاني ينتهي إلي دواعي الآفات، والثالث ينتهي إلي الهوي المردي، والرابع ينتهي إلي الشيطان المغوي، اشتري هذا المفتون بالأمل من هذا المزعج بالأجل جميع هذا الدار بالخروج من عزّ القنوع والدخول في ذلّ الطلب، فما أدرك هذا المشتري في ما اشتراه، فعلي مبلي أجسام الملوك, وسالب نفوس

ص:217


1- (1) قال ابن الأثير في النهاية 138/1 «بظر»: في حديث علي أنّه قال لشريح في مسألة سئلها: ما تقول فيها أيّها العبد الأبظر. هو الّذي في شفته العليا طول مع نتوّ.
2- (2) تصحيفات المحدّثين 127-128، باب ما يصحّف من شريح وسريح.

الجبابرة, مثل كسري وقيصر, وتبّع وحمير, ومن جمع المال فأكثر, ومن بني وشيّد، وزخرف ونجّد, ونظر بزعمه للولد، إشخاصهم جميعاً إلي عرصة القيامة، إذا وضع الله - جلّ جلاله - كرسيّه لفصل القضاء، وخسر هنالك المبطلون، شهد بذلك العقل إذا خرج من أسر الهوي ونظر بعين الزوال إلي أهل الدنيا.(1)

وفي الباب روايات اخري ذكرناها في ترجمة شريح عند ذكر قضاته من باب عمّاله وولاته....

4. موقفه مع عبدالله بن عبّاس

برواية:

1. عبدالرحمان بن عبيد - 2. ما ورد مرسلاً

1. عبدالرحمان بن عبيد

15472. ابن عبد ربّه: روي أبومخنف, عن سليمان بن أبي راشد، عن عبدالرحمان بن عبيد [أبي الكنود, في حديث يذكر فيه مكالمة ابن عبّاس مع أبي الأسود الدؤلي ومكاتبة أبي الأسود مع علي عليه السلام] قال:

وكتب علي إلي ابن عبّاس: أمّا بعد، فإنّه قد بلغني عنك أمر، إن كنت فعلته فقد أسخطت الله، وأخزيت أمانتك، وعصيت إمامك، وخنت المسلمين، بلغني أنّك جردت(2) الأرض وأكلت ما تحت يدك، فارفع إلىّ حسابك، واعلم أنّ حساب الله أعظم من حساب الناس، والسلام.

فكتب إليه ابن عبّاس: أمّا بعد، فإنّ كلّ الّذي بلغك باطل، وأنا لما تحت يدي ضابط ، وعليه حافظ ، فلاتصدّق علَىّ الظنين، والسلام.

فكتب إليه علي: أمّا بعد، فإنّه لا يسعني تركك حتّي تعلمني ما أخذت من الجزية؛

ص:218


1- (1) زين الفتي 211/1-212(121).
2- (2) جرد الأرض: عراها، وأكل نباتها.

من أين أخذته ؟ وما وضعت منها؛ أين وضعته ؟ فاتّق الله فيما ائتمنتك عليه واسترعيتك إيّاه، فإنّ المتاع بما أنت رازمه(1) قليل، وتباعته وبيلة لا تبيد، والسلام.

فلمّا رأي أنّ عليّاً غير مقلع عنه كتب إليه: أمّا بعد، فإنّه بلغني تعظيمك علىّ مرزئة مال بلغك أنّي رزأته(2) أهل هذه البلاد، وأيم الله لأن ألقي الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها(3) ومخبئها, وبما علي ظهرها من طلاعها(4) ذهباً, أحبّ إلىّ من أن ألقي الله وقد سفكت دماء هذه الاُمّة لأنال بذلك الملك والإمرة، ابعث إلي عملك من أحببت، فإنّي ظاعن، والسلام.

فلمّا أراد عبدالله المسير من البصرة دعا أخواله بني هلال بن عامر بن صعصعة ليمنعوه، فجاء الضحّاك بن عبدالله الهلالي فأجاره، ومعه رجل منهم يقال له عبدالله بن رزين، وكان شجاعاً بئيساً(5) ، فقالت بنوهلال: لا غني بنا عن هوازن. فقالت هوازن: لا غني بنا عن سليم. ثمّ أتتهم قيس.

فلمّا رأي اجتماعهم له حمل ما كان في بيت مال البصرة، وكان فيما زعموا ستّة آلاف ألف، فجعله في الغرائر.

قال: فحدّثني الأزرق اليشكري، قال: سمعت أشياخنا من أهل البصرة قالوا:

لمّا وضع المال في الغرائر ثمّ مضي به تبعته الأخماس كلّها بالطفّ (6) علي أربعة فراسخ من البصرة فواقفوه، فقالت لهم قيس: والله لا تصلون إليه ومنّا عين تطرف، فقال صبرة [بن شيمان] وكان رأس الأزد: والله إنّ قيساً لإخوتنا في الإسلام، وجيراننا في الدار، وأعواننا علي العدوّ، وإنّ الّذي تذهبون به من المال لو ردّ عليكم لكان نصيبكم منه

ص:219


1- (1) رازمه: جامعه.
2- (2) رزأ المال، أي أصاب منه شيئاً.
3- (3) العقيان: الذهب.
4- (4) طلاع الشيء: ملؤه.
5- (5) البئيس: الّذي اشتدّت حاجته.
6- (6) الطفّ : ما أشرف من أرض العرب علي ريف العراق.

الأقلّ , وهو [غداً] خير لكم من المال. قالوا: فما تري ؟ قال: انصرفوا عنهم.

فقال بكر بن وائل وعبدالقيس: نعم الرأي رأي صبرة. واعتزلوهم.

فقالت بنوتميم: والله لا نفارقهم حتّي نقاتلهم عليه. فقال الأحنف بن قيس: أنتم والله أحقّ أن لا تقاتلوهم عليه، وقد ترك قتالهم من هو أبعد منكم رحماً! قالوا: والله لنقاتلنّهم! فقال: والله لا اساعدكم علي قتالهم. وانصرف عنهم.

فقدموا عليهم ابن مجاعة فقاتلهم، فحمل عليه الضحّاك بن عبدالله فطعنه في كتفه فصرعه، فسقط إلي الأرض بغير قتل، وحمل سلمة بن ذؤيب السعدي علي الضحّاك فصرعه أيضاً، وكثرت بينهم الجراح من غير قتل.

فقال الأخماس الّذين اعتزلوا: والله ما صنعتم شيئاً، اعتزلتم قتالهم وتركتموهم يتشاجرون. فجاؤوا حتّي صرفوا وجوه بعضهم عن بعض، وقالوا لبني تميم: والله إنّ هذا للؤم قبيح، لنحن أسخي أنفساً منكم حين تركنا أموالنا لبني عمّكم وأنتم تقاتلونهم عليها، خلّوا عنهم وأرواحهم، فإنّ القوم فدحوا(1). فانصرفوا عنهم.

ومضي معه ناس من قيس، فيهم الضحّاك بن عبدالله وعبدالله بن رزين، حتّي قدموا الحجاز فنزل مكّة....

قال أبومحمّد: فلمّا نزل مكّة اشتري من عطاء بن جبير مولي بني كعب من جواريه ثلاث مولدات حجازيّات يقال لهنّ شادن وحوراء وفتون، بثلاثة آلاف دينار.

وقال سليمان بن أبي راشد: عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود(2) ، قال:

كنت من أعوان عبدالله بالبصرة، فلمّا كان من أمره ما كان أتيت عليّاً فأخبرته، فقال: (وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ )3 .

ص:220


1- (1) يقال: فدحه الحمل: أثقله.
2- (2) الظاهر أنّ هذا هو الصواب، وفي الأصل: «عبدالله بن عبيد عن أبي الكنود».

ثمّ كتب علي إليه: أمّا بعد، فإنّي كنت أشركتك في أمانتي، [وجعلتك شعاري وبطانتي]، ولم يكن من أهل بيتي رجل أوثق عندي منك، لمواساتي ومؤازرتي، وأداء الأمانة [إلىّ ]، فلمّا رأيت الزمان قد كلب علي ابن عمّك, والعدوّ قد حرب, وأمانة الناس قد خزيت, وهذه الاُمّة قد فنكت [وشغرت]، قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ ، ففارقته مع القوم المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان، وخنته مع من خان، فلا ابن عمّك آسيت، ولا الأمانة إليه أدّيت, كأنّك لم تكن علي بيّنة من ربّك، و [كأنّك] إنّما كنت [تكيد] امّة محمّد عن دنياهم، و [تنوي] غرّتهم عن فيئتهم، فلمّا أمكنتك الفرصة في خيانة الاُمّة أسرعت الغدرة، وعاجلت الوثبة، فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم، وانقلبت بها إلي الحجاز، كأنّك إنّما حزت علي أهلك ميراثك من أبيك واُمّك.

سبحان الله! أما تؤمن بالمعاد؟ أما تخاف الحساب ؟ أما تعلم أنّك تأكل حراماً وتشرب حراماً، وتشتري الإماء وتنكحهم بأموال اليتامي والأرامل والمجاهدين في سبيل الله الّتي أفاء الله عليهم ؟

فاتّق الله وأدّ إلي القوم أموالهم، فإنّك - والله - لئن لم تفعل وأمكنني الله منك لاُعذرنّ إلي الله فيك، فوالله لو أنّ الحسن والحسين فعلا مثل الّذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولما تركتهما حتّي آخذ الحقّ منهما، والسلام.

فكتب إليه ابن عبّاس: أمّا بعد، فقد بلغني كتابك تعظّم علىّ أمانة المال الّذي أصبت من بيت مال البصرة، ولعمري إنّ حقّي في بيت مال الله أكثر من الّذي أخذت، والسلام.

فكتب إليه علي: أمّا بعد، فإنّ العجب كلّ العجب منك إذ تري لنفسك في بيت مال الله أكثر ممّا لرجل من المسلمين! قد أفلحت إن كان تمنّيك الباطل وادّعاؤك ما لا يكون ينجيك من الإثم ويحلّ لك ما حرّم الله عليك، عمرك الله إنّك لأنت البعيد، وقد بلغني أنّك اتّخذت مكّة وطناً، وضربت بها عطناً، تشتري المولدات من المدينة والطائف، وتختارهنّ علي عينك، وتعطي بهنّ مال غيرك، وإنّي اقسم بالله وربّك ربّ العزّة ما احبّ أنّ ما أخذت من أموالهم حلال لي أدعه ميراثاً لعقبي، فما بال اغتباطك به تأكله

ص:221

حراماً؟ ضحّ رويداً، فكأنّك قد بلغت المدي، وعرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذي ينادي فيه المغترّ بالحسرة، ويتمنّي المضيّع التوبة، والظالم الرجعة....(1)

15473. ابن شبّة: حدّثني جماعة، عن أبي مخنف، عن سليمان بن أبي راشد، عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود [في حديث يذكر فيه مكاتبة علي عليه السلام وابن عبّاس], قال:

فكتب إليه علي: أمّا بعد، فأعلمني ما أخذت من الجزية ؟ ومن أين أخذت ؟ وفي مَ وضعت ؟(2)

2. ما ورد مرسلاً

15474. ابن قتيبة: في حديث علي عليه السلام أنّه كتب إلي ابن عبّاس حين أخذ من مال البصرة ما أخذ: إنّي أشركتك في أمانتي، ولم يكن رجل من أهلي أوثق منك في نفسي، فلمّا رأيت الزمان علي ابن عمّك قد كلب والعدوّ قد حرب قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ بفراقه مع المفارقين، وخذلانه مع الخاذلين، واختطفت ما قدرت عليه من أموال الاُمّة اختطاف الذئب الأزل دامية المعزي.

وفي الكتاب: ضحّ رويداً، فكأن قد بلغت المدي، وعرضت عليك أعمالك بالمحلّ الّذي فيه ينادي المغترّ بالحسرة، ويتمنّي المضيّع التوبة، والظالم الرجعة.(3)

ص:222


1- (1) العقد الفريد 102/5-107، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، خروج عبدالله بن عبّاس علي علي.
2- (2) عنه الطبري في تاريخه 141/5-142، حوادث سنة أربعين، خروج ابن عبّاس من البصرة إلي مكّة.
3- (3) غريب الحديث 135/2, حديث أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، عيون الأخبار 121/1، كتاب السلطان، خيانات العمّال, وعنه ابن منظور في مختصر تاريخ مدينة دمشق 320/12، ترجمة عبدالله بن عبّاس (154). وأورده الزمخشري في الفائق 278/3 «كلب». وقال ابن قتيبة: قوله: «قد حرب»، أي غضب، يقال: حرب الرجل يحرب حرباً، وحرّبته أنا، أي أغضبته، وأسد محرّب، أي مغضب. وقوله: «قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ »، هذا مثل يضرب لمن كان لصاحبه علي مودّة أو رعاية ثمّ حال عن ذلك. والمجن: التُرس. وقوله: «اختطاف الذئب الأزل دامية المعزي»، إنّما خصّ الدامية دون غيرها؛ لأنّ في طبع الذئب محبّة الدم، فهو يؤثر الدامية علي غيرها, ويبلغ به طبعه في ذلك أنّه يري الذئب مثله، وقد دمي فيثب عليه ليأكله، قال الشاعر: فكنت كذئب السوء لمّا رأي دماًبصاحبه يوماً أحال علي الدم وقال آخره: إنّي رأيتك كالورقاء يوحشهاقرب الأليف وتغشاه إذا عقروا والورقاء: ذئبة، يقول: لا تقرب الذئب وتستوحش منه، فإذا عقر وثبت عليه. وقوله: «ضحّ رويداً»، هذا مثل، وهو كما تقول: اصبر قليلاً، ويقال: أصله من تضحية الإبل، وهو تغديتها، يقال: ضحّيتها، إذا غدّيتها، وقال زيد الخيل: فلو أنّ نصراً أصلحت ذات بينهالضحّت رويداً عن مظالمها عمرو أي لكفّت عمرو أنفسها عن ظلمها. ونصر وعمرو: حيّان من أسد». وقال ابن منظور في لسان العرب 136/12 «كلب»: وفي حديث علي كتب إلي ابن عبّاس حين أخذ من مال البصرة: «فلمّا رأيت الزمان علي ابن عمّك قد كلب والعدوّ قد حرب». كلب أي اشتدّ، يقال: كلب الدهر علي أهله: إذا ألحّ عليهم واشتدّ.

15475. البلاذري: قالوا: واستعمل علي عبدالله بن عبّاس - رضي الله تعالي عنهما - علي البصرة, واستعمل أباالأسود علي بيت مالها, فمرّ ابن عبّاس بأبي الأسود [ثمّ ذكر مكالمة ابن عبّاس مع أبي الأسود ومكاتبة أبي الأسود إلي علي عليه السلام, إلي أن قال]:

وكتب [عليه السلام] إلي ابن عبّاس - رضي الله تعالي عنهما -: أمّا بعد, فقد بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أسخطت ربّك, وأخربت أمانتك, وعصيت إمامك, وخنت المسلمين.

بلغني أنّك جردت الأرض, وأكلت ما تحت يديك, فارفع إلىّ حسابك, واعلم أنّ حساب الله أشدّ من حساب الناس, والسلام.

فكتب إليه عبدالله بن عبّاس: أمّا بعد, فإنّ الّذي بلغك باطل, وأنا لما تحت يدي أضبط وأحفظ , فلا تصدّق علىّ الأظناء رحمك الله, والسلام.

فكتب إليه علي: أمّا بعد, فإنّه لا يسعني تركك حتّي تعلمني ما أخذت من الجزية, ومن أين أخذته, وفيما وضعت ما أنفقت منه, فاتّق الله فيما أئتمنتك عليه واسترعينك

ص:223

حفظه, فإنّ المتاع بما أنت رازئ منه قليل, وتباعة ذلك شديدة, والسلام.

فلمّا رأي ابن عبّاس أنّه غير مقلع عنه كتب إليه: أمّا بعد, فقد فهمت تعظيمك علىّ مرزأة ما بلغك أنّي رزأته من أهل هذه البلاد, ووالله لأن ألقي الله بما في بطن هذه الأرض من عقيانها ولجينها وبطلاع ما علي ظهر أحبّ إلىّ من أن ألقاه وقد سفكت دماء الاُمّة لأنال بذلك الملك والإمارة, فابعث إلي عملك من أحببت.

وأجمع علي الخروج.

قالوا: فلمّا قرأ علي الكتاب قال: أو ابن عبّاس لم يشركنا في هذه الدماء؟

ولمّا أراد ابن عبّاس الخروج دعا أخواله بني هلال ليمنعوه, فجاء الضحّاك بن عبدالله الهلالي - وهو كان علي شرطة البصرة - وعبدالله بن زرين الهلالي وقبيصة بن عبدهون الهلالي وغيرهم من الهلاليّين, فقال الهلاليّون: لا غناء بنا عن إخواننا من بني هوازن ولا غناء بنا عن إخواننا من بني سليم. فاجتمعت قيس كلّها.

وصحب ابن عبّاس أيضاً سنان بن سلمة بن المحبق الهذلي والحصين بن أبي الحرّ العنبري والربيع بن زياد الحارثي.

فلمّا رأي عبدالله من معه حمل المال وهو ستّه آلاف ألف في الغرائر ثمّ سار, واتّبعه أخماس(1) البصرة كلّهم, فلحقوه بالطفّ علي أربعة فراسخ من البصرة؛ إرادة أخذ المال منه, فقالت قيس: والله لا يصلون إليه ومنّا عين تطرف. فقال صبرة بن شيمان بن عكيف وهو رأس الأزد: يا قوم, إنّ قيساً إخواننا وجيراننا في الدار, وأعواننا علي العدوّ, ولو ردّ عليكم هذا المال كان نصيبكم منه الأقلّ , فانصرفوا.

وقالت بكر بن وائل: الرأي والله ما قال صبرة بن شيمان واعتزلوا أيضاً.

فقالت بنوتميم: والله لنقاتلنّهم عليه. فقال لهم الأحنف: أنتم والله أحقّ إلّا تقانلونهم وقد ترك قتالهم من هو أبعد منهم رحماً. فقالوا: والله لنقاتلنّهم عليه! فقال الأحنف: والله لا

ص:224


1- (1) كانت البصرة منقسمة آنذاك إلي خمسة أقسام.

اساعدكم. وانصرف عنهم, فرأسوا عليهم رجلاً يقال له ابن الجذعة - وهو من بني تميم, وبعضهم يقول ابن المخدعة - فحمل عليهم الضحّاك بن عبدالله الهلالي فطعن ابن الجذعة فصرعه, وحمل سلمة بن ذؤيب علي الضحّاك فطعنه فاعتنقه عبدالله بن رزين الهلالي فسقطا إلي الأرض يعتركان, وكان ابن رزين شجاعاً, وكثرت الجرحي بينهم ولم يقتل من الفريقين أحد.

فقال من اعتزل من الأخماس: والله ما صنعتم شيئاً حيث اعتزلتم وتركتموهم يتناحرون, فجاؤوا حتّي صرفوا وجوه بعضهم عن بعض, وحجزوا بينهم وقالوا لبني تميم: والله لنحن أسخي أنفساً منكم, تركنا لبني عمّكم شيئاً أنتم تقاتلونهم عليه, فخلّوا عن القوم وعن ابن اختهم. ففعلوا ذلك....

ومضي عبدالله بن عبّاس ومعه من وجوههم نحو من عشرين سوي مواليهم ومواليه, ولم يفارقه الضحّاك بن عبدالله وعبدالله بن رزين حتّي وافي مكّة....

وكان ابن عبّاس يعطي في طريقه من سأله ومن لم يسأله من الضعفاء حتّي قدم مكّة.

ويقال: إنّه كان استودع حصين بن الحرّ مالاً فأذّاه إليه.

قالوا: ولمّا قدم ابن عبّاس مكّة ابتاع من حبثر مولي بني كعب من خزاعة ثلاث مولدات: حوراء وفتون وشادن, بثلاثة آلاف دينار, فكتب إليه علي بن أبي طالب:

أمّا بعد, فإنّي كنت اشركتك في أمانتي, ولم يكن في أهل بيتي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي ومؤازراتي وأداء الأمانة إلىّ , فلمّا رأيت الزمان علي ابن عمّك قد كلب, والعدوّ عليه قد حرب, وأمانة الناس قد خربت, وهذه الاُمّة قد فتنت, قبلت له ظهر المجنّ , ففارقته مع الوقم المفارقين, وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين, وختنه مع الخائنين, فلا ابن عمّك آسيت, ولا الأمانة أدّيت, كانّك لم تكن الله تريد بجهادك, وكأنّك لم تكن علي بيّنة من ربّك, وكأنّك إنّما كنت تكيد امّة محمّد عن دنياهم, وتطلب غرّتهم عن فيئهم فلمّا أمكنتك الشرة أسرعت العدوة, وعاجلت الوثبة, وانتهزت الفرصة, واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم أختطاف الذئب الأزل دامية المعزي الهزيلة وظالعها الكسير, فحملت أموالهم إلي الحجاز رحيب الصدر, تحملها غير متأثّم من

ص:225

أخذها كأنّك - لا أباً لغيرك - إنّما حزت لأهلك تراثك عن أبيك واُمّك.

سبحان الله! أ فما تؤمن بالمعاد؟ ولا تخاف سوء الحساب ؟ أما تعلم أنّك تأكل حراماً وتشرب حراماً؟ أو ما يعظم عليك وعندك أنّك تستثمن الإماء وتنكح النساء بأموال اليتامي والأرامل والمجاهدين الّذين أفاء الله عليهم البلاد؟ فاتّق الله وأدّ الأموال القوم, فإنّك - والله - إلّا تفعل ذلك ثمّ أمكنني الله منك أعذر إليه فيك حتّي آخذ الحقّ وأردّه, واقم الظالم, وأنصف المظلوم, والسلام.

فكتب إليه عبدالله: أمّا بعد, فقد بلغني كتابك تعظم علىّ إصابة المال الّذي أصبته من مال البصرة, ولعمري إنّ حقّي في بيت المال لأعظم ممّا أخذت منه, والسلام.

فكتب إليه علي عليه السلام: أمّا بعد, فإنّ من عجب العجب تزيين نفسك لك أنّ لك في بيت المال من الحقّ أكثر ممّا لرجل من المسلمين, ولقد أفلحت إن كان ادّعاوك ما لا يكون وتمنّيك الباطل ينجيك من الإثم, عمرك الله إنّك لأنت السعيد إذاً.

وقد بلغني أنّك أتّخذت مكّة وطناً, وصيّرتها عطناً, واشتريت مولدات المدينة والطائف, تتخيرهنّ علي عينك, وتعطي فيهنّ مال غيرك, والله ما احبّ أن يكون الّذي أخذت من أموالهم لي حلالاً أدعه ميراثاً, فيكف لا اتعجّب من اغتباطك بأكله حراماً.

فضحّ (1) رويداً, فكأنت قد بلغت المدي, حيث ينادي المغترّ بالحسرة, ويتمنّي المفرط التوبة, والظالم الرجعة, ولات حين مناص, والسلام.(2)

15476. ابن أعثم: ثمّ بعث علي إلي عبدالله بن العبّاس وهو عامله علي البصرة يأمره أن يخرج إلي الموسم فيقيم الحجّ للناس, فدعا عبدالله بن عبّاس بأبي الأسود الدؤلي فاستخلفه علي صلاة البصرة, ودعا بزياد بن أبيه فجعله علي الخراج, وتجهزّ عبدالله بن عبّاس وخرج إلي الموسم.

ص:226


1- (1) هذا هو الصواب, وفي الأصل: «فصخ».
2- (2) أنساب الأشراف 396/2-401, ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام.

وجرت بين الأسود وزياد بن أبيه منافرة, فهجاه أبوالأسود... وقدم عبدالله بن العبّاس من الحجّ , فأقبل إليه زياد بن أبيه فشكي إليه أباالأسود الدؤلي وذكر أنّه قد هجاه, فارسل إليه ابن عبّاس فدعاه, [ثمّ ذكر مكالمة ابن عبّاس مع أبي الأسود, ومكاتبة أبي الأسود إلي علي عليه السلام, إلي أن قال]:

ثمّ كتب علي إلي عبدالله بن العبّاس: أنّا بعد, يا ابن العبّاس, فقد بلغني عنك امور الله أعلم بها, فإن تكن حقّاً فلست أرضاها لك, وإن تكن باطلاً فإثمها علي من اقترفها, فإذا ورد عليك كتابي هذا فأعلمني في جوابه ما أخذت من مال البصرة, من أين أخذته, وفي مَ وضعته ؟

فكتب إليه ابن عبّاس: أما بعد, فقد علمت الّذي بلغك عنّي, وإنّ الّذي أبلغك الباطل, وإنّي لما تحت يدي لضابط وحافظ , فلا تصدّق أقوال الوشاة ما لم يكن, وأمّا تعظيمك مرزأة ما رزأته من هذه البلدة؛ فوالله لئن ألقي الله - عزّ وجلّ - بما في الأرض [من] لجينها وعقيانها وعلي ظهرها من طلاعها أحب إلىّ من [أن] ألقاه وقد إرقت دماء الاُمّة, فابعث إلي عملك من أحببت فإنّي معتزل عنه, والسلام.

ثمّ اعتزل ابن عبّاس عمل البصرة وقعد في منزله, فكتب إليه علي بن أبي طالب رضى الله عنه بكتاب يعذله فيه علي غضبه ويكذّب من سعي به إليه وأعاده إلي عمله.(1)

ص:227


1- (1) الفتوح 72/4-75, خبر عبدالله بن عبّاس وزياد بن أبيه وأبي الأسود. تذييل: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 171/16-172, شرح الخطبة 41 - بعد نقل الروايات الدالّة علي مخالفة ابن عبّاس لعلي عليه السلام -: وقال آخرون - وهم الأقلّون - هذا لم يكن, ولا فارق عبدالله بن عبّاس عليّاً عليه السلام, ولا باينه ولا خالفه, ولم يزل أميراً علي البصرة إلي أن قتل علي عليه السلام. قالوا: ويدلّ علي ذلك ما رواه أبوالفرج علي بن الحسين الأصبهاني من كتابه الّذي كتبه إلي معاوية من البصرة لمّا قتل علي عليه السلام, وقد ذكرناه من قبل, قالوا: وكيف يكون ذلك ولم يخدعه معاوية ويجرّه إلي جهته, فقد علمتم كيف اختدع كثيراً من عمّال أميرالمؤمنين عليه السلام واستمالهم إليه بالأموال, فمالوا وتركوا أميرالمؤمنين عليه السلام, فما باله وقد علم النَبْوة الّتي حدثت بينهما لم يستمل ابن عبّاس, ولا اجتذبه إلي نفسه ؟ وكلّ من قرأ السير و عرف التواريخ يعرف مشاقّة ابن عبّاس لمعاوية بعد وفاة
5. موقفه مع عثمان بن حنيف

15477. الزمخشري: كتب علي رضى الله عنه إلي عثمان بن حنيف وهو عامله علي البصرة:

بلغني أنّ رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلي مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل إليك الجفان، وما ظننت أنّك تجيب إلي طعام قوم عائلهم مجفوّ وغنيّهم مدعوّ، فانظر إلي ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجهه فنل منه....(1)

15478. العاصمي: يدلّك علي كمال حظّه فيها [أي كمال حظّ علي عليه السلام في علم المكاتبة] كتاب كتبه إلي عثمان بن حنيف عامله بالبصرة، [و] هو لعمري كتاب يجمع الشجاعة والنجدة والزهد والحكمة والفصاحة والموعظة، كتب إليه:

بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، [يا ابن حنيف] فقد بلغني أنّ رجلاً من قطّان(2) البصرة

ص:228


1- (1) ربيع الأبرار 719/2، باب الطعام وألوانه. وانظر تمامه في عمّاله عليه السلام، ترجمة عثمان بن حنيف.
2- (2) قطّان - جمع قاطن -: ساكن.

دعاك إلي مأدبة فأسرعت [إليها، تستطاب لك الألوان]، وكرّت عليكم الجفان(1) فكرعت(2) وأكلت منها أكل يتيم نهم، وضبع قرم(3) ، وماخلتك [أن] تأكل طعام قوم عائلهم مجفوّ، وغنيّهم مدعوّ، وما علي هذا تركنا رسول الله - صلّي الله عليه -....

فاتّق الله يا ابن حنيف، وليكفك أقراصك ليكون في ذلك من النار خلاصك، والسلام.(4)

6. موقفه مع قدامة بن عجلان

15479. البلاذري: كتب عليه السلام إلي قدامة بن عجلان عامله علي كسكر(5):

أمّا بعد, فاحمل ما قبلك من مال الله فإنّه فيء للمسلمين، لست بأوفر حظّاً فيه من رجل منهم، ولا تحسبنّ يا ابن امّ قدامة أنّ مال كسكر مباح لك كمال ورثته عن أبيك واُمّك، فعجّل حمله، واعجل في الإقبال إلينا إن شاء الله.(6)

7. موقفه مع مصقلة بن هبيرة

برواية:

1. أبي الطفيل - 3. ما ورد مرسلاً

2. عبدالله بن فقيم -

ص:229


1- (1) الجفان - جمع جفنة -: القصعة.
2- (2) كرعت - علي زنة منعت وبابه -: شربت بفيك من قصعته.
3- (3) النهم - علي زنة الشحم -: الشره والحرص والإفراط في تناول الشيء. والضبع من الحيوان المفترس، وهو معروف. والقرم: اشتداد الشهوة إلي اللحم.
4- (4) زين الفتي 205/1-210(120).
5- (5) قال ياقوت في معجم البلدان 523/4(10264) «كسكر»: بالفتح ثمّ السكون وكاف اخري و راء، معناه عامل الزرع: كورة واسعة، وقصبتها اليوم واسط القصبة الّتي بين الكوفة والبصرة، وكانت قصبتها قبل أن يمصّر الحجّاج واسطاً خسرو سابور، ويقال: إنّ حدّ كورة كسكر من الجانب الشرقي في آخر سقي النهروان إلي أن تصبّ دجلة في البحر كلّه من كسكر، فتدخل فيه علي هذا البصرة ونواحيها.
6- (6) أنساب الأشراف 388/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
1. أبوالطفيل

15480. عبدالرزّاق: أخبرنا [سفيان] بن عيينة، عن عمّار الدهني، قال: سمعت أباالطفيل يقول:

بعث علي معقل السلمي إلي بني ناجية، فوجدهم ثلاثة أصناف: صنف كانوا نصاري فأسلموا، وصنف ثبتوا علي النصرانيّة، وصنف أسلموا ثمّ رجعوا عن الإسلام إلي النصرانيّة، فجعل بينه وبين أصحابه علامة، إذا رأيتموها فضعوا السلاح في الصنف الّذين أسلموا ثمّ رجعوا عن الإسلام، فأراهم العلامة، فوضعوا السلاح فيهم، فقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريّهم، فباعهم من مصقلة بمئة ألف، فنقده خمسين وبقي خمسون، فأجاز علي رضى الله عنه ذلك.

قال: ولحق مصقلة معاوية رضى الله عنه، فأعتقهم، فأجاز علي عتقهم، وأتي دار مصقلة فشعث فيها، فأتوه بعد ذلك، فقال: أمّا صاحبكم فقد لحق بعدوّكم، فائتوني به آخذ لكم بحقّكم.(1)

15481. ابن المديني: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمّار الدهني أنّه سمعه من أبي الطفيل:

أنّ عليّاً سبي بني ناجية، وكانوا نصاري قد أسلموا ثمّ ارتدّوا، فقتل مقاتلتهم وسبي الذرّيّة، فباعهم من مصقلة بمئة ألف، فأدّي خمسين وبقيت خمسون، فأعتقهم، ولحق بمعاوية، فأجاز علي عتقهم.

قال عمّار: وأتي علي داره فشعثها.(2)

2. عبدالله بن فقيم

15482. الطبري: قال أبومخنف: وحدّثني الحارث بن كعب، عن عبدالله بن فقيم [في

ص:230


1- (1) المصنّف 171/10-172(187).
2- (2) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 182/3, أمر الخرّيت بن راشد.

حديث يذكر فيه ارتداد بني ناجية وقتال معقل بن قيس معهم وأسرهم]:

ثمّ أقبل [معقل] بهم حتّي مرّ بهم علي مصقلة بن هبيرة الشيباني - وهو عامل علي علي أردشير خرّة - وهم خمسمئة إنسان، فبكي النساء والصبيان وصاح الرجال: يا أباالفضل، يا حامي الرجال، وفكّاك العناة، امنن علينا فاشترنا وأعتقنا. فقال مصقلة: اقسم بالله لأتصدّقنّ عليهم، إنّ الله يجزي المتصدّقين. فبلّغها عنه معقل، فقال: والله لو أعلم أنّه قاله توجّعاً لهم وزراء عليكم لضربت عنقه، ولو كان في ذلك تفاني تميم وبكر بن وائل.

ثمّ إنّ مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلي معقل بن قيس فقال له: بعني بني ناجية. فقال: نعم، أبيعكم بألف ألف. ودفعهم إليه، وقال له: عجّل بالمال إلي أميرالمؤمنين. فقال: أنا باعث الآن بصدر، ثمّ أبعث بصدر آخر كذلك حتّي لا يبقي منه شيء إن شاء الله تعالي.

وأقبل معقل بن قيس إلي أميرالمؤمنين، وأخبره بما كان منه في ذلك، فقال له: أحسنت وأصبت. وانتظر علي مصقلة أن يبعث إليه بالمال.

وبلغ عليّاً أنّ مصقلة خلّي سبيل الاُساري ولم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال: ما أظنّ مصقلة إلّا قد تحمّل حمالة، ألا أراكم سترونه عن قريب ملبّداً.

ثمّ إنّه كتب إليه: أمّا بعد، فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الاُمّة، وأعظم الغشّ علي أهل المصر غشّ الإمام، وعندك من حقّ المسلمين خمسمئة ألف، فابعث بها إلىّ ساعة يأتيك رسولي، وإلّا فأقبل حين تنظر في كتابي، فإنّي قد تقدّمت إلي رسولي إليك إلّا يدعك أن تقيم ساعة واحدة بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال, والسلام عليك.

وكان الرسول أبوجرّة الحنفي، فقال له أبوجرّة: إن تبعث بالمال الساعة وإلّا فاشخص إلي أميرالمؤمنين.

فلمّا قرأ كتابه أقبل حتّي نزل البصرة، فمكث بها أيّاماً، ثمّ إنّ ابن عبّاس سأله المال، وكان عمّال البصرة يحملون من كور البصرة إلي ابن عبّاس، ويكون ابن عبّاس

ص:231

هوالّذي يبعث به إلي علي, فقال له: نعم، أنظرني أيّاماً. ثمّ أقبل حتّي أتي عليّاً فأقرّه أيّاماً، ثمّ سأله المال، فأدّي إليه مئتي ألف، ثمّ إنّه عجز فلم يقدر عليه.

قال أبومخنف: وحدّثني أبوالصلت الأعور، عن ذهل بن الحارث، قال:

دعاني مصقلة إلي رحله فقدّم عشاؤه, فطعمنا منه، ثمّ قال: والله إنّ أميرالمؤمنين يسألني هذا المال، ولا أقدر عليه، فقلت: والله لو شئت ما مضت عليك جمعة حتّي تجمع جميع المال. فقال: والله ما كنت لاُحمّلها قومي، ولا أطلب فيها إلي أحد.

ثمّ قال: أما والله لو أنّ ابن هند هو طالبني بها أو ابن عفّان لتركها لي, أ لم تر إلي ابن عفّان حيث أطعم الأشعث من خراج أذربيجان مئة ألف في كلّ سنة ؟! فقلت له: إنّ هذا لا يري هذا الرأي، لا والله ما هو بباذل شيئاً كنت أخذته. فسكت ساعة، وسكتّ عنه، فلا والله ما مكث إلّا ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتّي لحق بمعاوية، وبلغ ذلك عليّاً فقال: ما له - برّحه الله (1)- فَعَل فِعل السيّد، وفرّ فرار العبد، وخان خيانة الفاجر! أما والله لو أنّه أقام فعجز ما زدنا علي حبسه، فإن وجدنا له شيئاً أخذناه، وإن لم نقدر علي مال تركناه. ثمّ سار إلي داره فنقضها وهدّمها....(2)

3. ما ورد مرسلاً

15483. البلاذري: وكتب عليه السلام إلي مصقلة بن هبيرة الشيباني، وكان علي أردشير خرّة من قبل ابن عبّاس:

بلغني عنك أمر إن كنت فعلته فقد أتيت شيئاً إدّاً، بلغني أنّك تقسم فيء المسلمين

ص:232


1- (1) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب: «ترّحه الله»، كما في رواية البلاذري الآتية، وانظر تعليقته.
2- (2) تاريخ الطبري 128/5-130، حوادث سنة ثمان وثلاثين, الخريّت بن راشد و إظهاره الخلاف علي علي، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 271/58-272، ترجمة مصقلة بن هبيرة (7450). ورواه ابن الأثير في الكامل 186/3-187, حوادث سنة ثمان و ثلاثين, ذكر خبر الخريّت بن راشد وبني ناجية، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 144/3-146، شرح الخطبة 44، عن كتاب الغارات ص 245-248, خبر بني ناجية.

فيمن اعتفاك وتغشّاك من أعراب بكر بن وائل، فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة وأحاط بكلّ شيء علماً, لئن كان ذلك حقّاً لتجدنّ بك علىّ هواناً، فلا تستهيننّ بحقّ ربّك، ولا تصلحنّ دنياك بفساد دينك ومحقه فتكون من الأخسرين أعمالاً (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)1 .(1)

15484. البلاذري - في حديث طويل يذكر فيه أمر الخرّيت بن راشد، وغلبة معقل بن قيس عليه وإسارة المرتدّين من بني ناجية -:

وكان مصقلة بن هبيرة الشيباني عاملاً علي أردشير خرّة من فارس، فمرّ بهم عليه وهم خمسمئة إنسان فصاحوا إليه: يا أباالفضل، يا فكّاك العناة، وحمّال الأثقال، وغياث المعصبين، امنن علينا وافتدنا فأعتقنا. - وكانت كنية مصقلة أبوالفضيل ولكنّهم كرهوا تصغيرها - فوجّه مصقلة إلي معقل بن قيس من يسأل بيعتهم منه، فسامه معقل بهم ألف ألف درهم، فلم يزل يراوضه ويستنقصه حتّي سلّمهم إليه بخمسمئة ألف درهم - ويقال بأربعمئة ألف درهم - ودفعهم إليه، فلمّا صاروا إلي مصقلة قال له معقل: علىّ بالمال. فقال: أنا باعث منه في وقتي هذا بصدر ثمّ متبعه صدراً حتّي لا يبقي علىّ شيء منه.

وقدم معقل علي علي فأخبره الخبر, فصوّبه فيما صنع، وامتنع مصقلة من البعثة بشيء من المال وكسره وخلّي سبيل الأسري، فكتب علي في حمله وأنفذ الكتاب مع أبي حُرّة(2) الحنفي وأمره بأخذه بحمل ذلك المال، فإن لم يفعل أشخصه إلي ابن عبّاس ليأخذه به؛ لأنّه كان عامله علي البصرة والأهواز وفارس، والمتولّي لحمل ما في هذه النواحي من الأموال إليه, فلم يدفع إليه من المال شيئاً، فأشخصه إلي البصرة، فلمّا وردها قيل له: إنّك لو حملت هذا الشيء قومك لاحتملوه. فأبي أن يكلّفهم إيّاه، ودافع

ص:233


1- (2) أنساب الأشراف 389/2، ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام.
2- (3) وتقدّم عن تاريخ الطبري: «أبوجرّة»، ولم نجد له ترجمة.

ابن عبّاس به، وقال: أما والله لو أنّي سألت ابن عفّان أكثر منه لوهب لي، وقد كان أطعم الأشعث خراج أذربيجان.

ثمّ إنّه احتال حتّي هرب فلحق بمعاوية، فقال علي: ما له - ترّحه الله -(1) ؟ فَعَل فِعل السيّد وفرّ فرار العبد!

وقد يقال: إنّ أمر الخرّيت كان قبل شخوص ابن عبّاس إلي الشام في أمر الحكومة.

ويقال أيضاً: إنّه كان بعد انصرافه من الحكومة.(2)

15485. ابن أعثم: قالوا: كان مصقلة بن هبيرة الشيباني أيضاً عاملاً لعلي بن أبي طالب علي بلد من بلاد الأهواز، فنظر إلي هؤلاء الاُساري الّذين قد أتي بهم معقل بن قيس، كأنّه اتّقي عليهم أن يقتلوا، فقال لمعقل: ويحك يا معقل! هل لك أن تبيعني هؤلاء الاُساري ولا تمضي بهم إلي أميرالمؤمنين ؟ فأنّي خائف أن يعجّل عليهم بالقتل! قال معقل: قد فعلت، فاشترهم منّي إذاً حتّي أبيعك.

قال له مصقلة: قد اشتريتهم منك بخمسمئة ألف درهم. قال: قد بعتك، فهات المال! فقال مصقلة: غداً اعطيك المال. فسلّم إليه معقل بن قيس الاُساري، فأعتقهم مصقلة بأجمعهم، فمضوا حتّي لحقوا ببلادهم.

فلمّا كان الليل هرب مصقلة إلي البصرة إلي عبدالله بن العبّاس.

وكتب معقل بن قيس إلي عبدالله بن عبّاس يخبره بخبر مصقلة وما فعل, فدعا ابن عبّاس مصقلة فقال: هات المال. فقال: نعم وكرامة، إنّ معقل بن قيس أراد أن يأخذ المال منّي وأنا فلم احبّ أن اعطيه ذلك، ولكن أدفع هذا المال إليك؛ لأنّك ابن عمّ أميرالمؤمنين وعامله علي البلاد.

قال ابن عبّاس: فقد أحسنت إذاً وأصبت، فهات المال.

ص:234


1- (1) الترح: الحزن والهمّ ، والهلاك والانقطاع أيضاً.
2- (2) أنساب الأشراف 177/3-178، أمر الخرّيت بن راشد.

قال: وانصرف مصقلة إلي منزله، فلمّا كان الليل هرب إلي الكوفة إلي علي بن أبي طالب.

وكتب معقل بن قيس إلي علي يخبره بذلك، وكتب أيضاً عبدالله بن عبّاس إلي علي بذلك.

فدعا به علي وقال: هات المال يا مصقلة. فقال: نعم يا أميرالمؤمنين، إنّ معقل بن قيس وعبدالله بن عبّاس أرادا منّي أن أدفع المال إليهما وأنت أولي بحقّك منهما.

قال علي: قد أحسنت إذاً وأصبت، فهات المال. فقال: وجّه من يحمل المال. فدفع إليه في ذلك اليوم مئة ألف درهم, وبقيت عليه أربعمئة ألف درهم.

فلمّا كان الليل هرب إلي معاوية، وطلبه علي فلم يقدر عليه، فقال: أمّا الاُساري(1) من بني ناجية فقد جري عليهم العتق وليس لنا عليهم من سبيل، وأمّا مصقلة فقد بقي عليه هذا المال.

ثمّ أمر علي بهدم دار مصقلة، فهدّمت حتّي وضعت بالأرض....(2)

15486. ابن عساكر: مصقلة بن هبيرة... من وجوه أهل العراق، كان من أصحاب علي بن أبي طالب، وولّي أردشير خرّة من قبل ابن عبّاس، وعتب علي عليه في إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بني عمّه، وقيل: لأنّه فدي نصاري بني ناجية بخمسمئة ألف، فلم يردّها كلّها.(3)

15487. ابن أبي الحديد:... ثمّ إنّ مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلي معقل، فقال: بعني نصاري ناجية. فقال: أبيعكم بألف ألف درهم. فأبي عليه، فلم يزل يراوده حتّي باعه إيّاهم بخمسمئة ألف درهم، ودفعهم إليه، وقال: عجّل بالمال إلي أميرالمؤمنين... وانتظر علي عليه السلام مصقلة أن يبعث بالمال، وبلغ عليّاً عليه السلام أنّ مصقلة خلّي الاُساري ولم

ص:235


1- (1) في الأصل: «فقال له الاُساري».
2- (2) الفتوح 78/4-80, خبر مصقلة بن هبيرة.
3- (3) تاريخ مدينة دمشق 269/58، ترجمة مصقلة بن هبيرة (7450).

يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشيء، فقال: ما أري مصقلة إلّا قد حمل حمالة، ولا أراكم إلّا سترونه عن قريب مُبَلْدَحاً. ثمّ كتب إليه:

أمّا بعد، فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الاُمّة، وأعظم الغشّ علي أهل المصر غشّ الإمام، وعندك من حقّ المسلمين خمسمئة ألف درهم، فابعث بها إلىّ حين يأتيك رسولي، وإلّا فأقبل إلىّ حين تنظر في كتابي، فإنّي قد تقدّمت إلي رسولي إلّا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلّا أن تبعث بالمال، والسلام.(1)

وراجع: عمّاله عليه السلام، ترجمة مصقلة بن هبيرة.

8. موقفه مع المنذر بن الجارود

15488. البلاذري: كتب عليه السلام إلي المنذر بن الجارود وبلغه أنّه يبسط يده في المال، ويصل من أتاه، وكان علي إصطخر:

إنّ صلاح أبيك غرّني منك، وظننت أنّك تتبع هديه وفعله، فإذا أنت فيما رقّي إلىّ عنك لا تدع الانقياد لهواك، وإن أزري ذلك بدينك، ولا تصغي إلي الناصح وإن أخلص النصح لك، بلغني أنّك تدع عملك كثيراً وتخرج لاهياً متنزّهاً متصيّداً، وأنّك قد بسطت يدك في مال الله لمن أتاك من أعراب قومك، كأنّه تراثك عن أبيك واُمّك، وإنّي اقسم بالله لئن كان ذلك حقّاً لجمل أهلك وشسع نعلك خير منك، وإنّ اللعب واللهو لا يرضاهما الله، وخيانة المسلمين وتضييع أعمالهم ممّا يسخط ربّك، ومن كان كذلك فليس بأهل لأن يسدّ به الثغر، ويجبي به الفيء، ويؤتمن علي مال المسلمين، فأقبل حين يصل كتابي هذا إليك.

فقدم فشكاه قوم ورفعوا عليه أنّه أخذ ثلاثين ألفاً، فسأله فجحد، فاستحلفه فلم يحلف، فحبسه.(2)

ص:236


1- (1) شرح نهج البلاغة 144/3-145، شرح الخطبة 44.
2- (2) أنساب الأشراف 391/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
9. موقفه مع أحد من عمّاله

برواية:

1. عامر الشعبي - 2. ماورد مرسلاً

1. عامر الشعبي

15489. ابن عساكر: أخبرنا أبوعبدالله الحسين بن نصر بن محمّد بن خميس في كتابه، أخبرنا القاضي أبونصر محمّد بن علي بن ودعان، أخبرنا عمّي أبوالفتح أحمد بن عبيدالله بن أحمد بن ودعان، أخبرنا أبوالقاسم هارون بن أحمد بن محمّد بن روح البصري، حدّثنا أبوعلي الحسين بن إبراهيم بن عبدالله بن منصور الصائغ، حدّثنا أبوأحمد عبدالعزيز بن يحيي بن أحمد بن عيسي، حدّثنا محمّد بن زكريّا الغلّابي.

وأخبرنا أبوبكر أحمد بن عبدالله بن جلين الدوري، أخبرنا أبوجعفر محمّد بن حمزة بن أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي، حدّثنا العبّاس بن بكّار الضبّي.

وحدّثني أبوبكر محمّد بن علي بن رزق الله بن عبدالواحد الخلّال، حدّثنا أبوالعبّاس أحمد بن موسي الجوهري، حدّثنا العبّاس بن عبدالله بن عبدالرحمان الحنفي، حدّثنا العبّاس بن بكّار.

ثمّ اتّفقوا، قالا: حدّثنا محمّد بن عبيدالله الخزاعي، عن الشعبي، [في قصّة وفود سودة الهمدانيّة علي معاوية، وذكرها عليّاً عليه السلام عنده]:

قالت [سودة]: أتيته [عليه السلام] في رجل ولّاه علي صدقاتنا، لم يكن بيننا وبينه إلّا كما بين الغثّ إلي السمين، فوجدته قائماً يصلّي، فلمّا نظر إلىّ انفتل من مصلّاه، ثمّ قال لي برقّة وتعطّف: أ لك حاجة ؟ فأخبرته الخبر، فبكي ثمّ قال: اللهمّ أنت الشاهد علىّ وعليهم أنّي(1) لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقّك. ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب، فكتب فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بيّنة من ربّكم، فأوفوا الكيل (الْمِيزانَ

ص:237


1- (1) في الأصل: «أي».

بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )1 ، إذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتّي يأتي من يقبضه منك، والسلام.

فأخذته منه، والله ما ختمه بطين، ولا خزمه بخزام، فعزلته به....(1)

15490. ابن طيفور: قال أبوموسي عيسي بن مهران: حدّثني محمّد بن عبيدالله الخزاعي, يذكره عن الشعبي.

ورواه العبّاس بن بكّار، عن محمّد بن عبيدالله، [في قصّة وفود سودة الهمدانيّة علي معاوية وذكرها عليّاً عليه السلام عنده]، قال:

قالت [سودة]: قدمت عليه [عليه السلام] في رجل ولّاه صدقتنا، قدم علينا من قبله فكان بيني وبينه ما بين الغثّ والسمين، فأتيت عليّاً عليه السلام لأشكو إليه ما صنع فوجدته قائماً يصلّي، فلمّا نظر إلىّ انفتل من صلاته ثمّ قال لي برأفة وتعطّف: أ لك حاجة ؟ فأخبرته الخبر، فبكي ثمّ قال: اللهمّ إنّك أنت الشاهد علىّ وعليهم أنّي لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقّك. ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كهيئة طرف الجراب فكتب فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بيّنة من ربّكم, فأوفوا الكيل (الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ) ، إذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يديك من عملنا حتّي يقدم عليك من يقبضه منك, والسلام.

فأخذته منه، والله ما ختمه بطين، ولا خزمه بخزام، فقرأته....(2)

ص:238


1- (2) تاريخ مدينة دمشق 224/69-226، ترجمة سودة بنت عمارة (9363).
2- (3) بلاغات النساء ص 47-49, كلام سودة بنت عمارة.
2. ما ورد مرسلاً

15491. ابن أعثم - في قصّة وفود سودة الهمدانيّة علي معاوية، وذكرها عليّاً عليه السلام عنده، قالت سودة -:

والله لقد جئته [عليه السلام] في رجل قد كان ولّاه صدقتنا فجار علينا، فجئت إليه فأصبته قائماً يصلّي، فلمّا رآني انفتل من صلاته ثمّ أقبل علىّ برأفة وتعطّف فقال: أ لك حاجة ؟ فقلت: نعم، وأخبرته الخبر، فبكي ثمّ قال: اللهمّ أنت الشاهد علىّ وعليهم أنّي لا آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقّك. ثمّ أخرج من جيبه قطعة جلد كأنّها طرف الجراب فكتب فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، قد جاءتكم بيّنة من ربّكم، فأوفوا الكيل (الْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَ لا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ )1 ، فإذا قرأت كتابي هذا فاحفظ بما فيه وبما في يديك من عملنا حتّي يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام.

ثمّ دفع الرقعة إلىّ ، فوالله ما ختمها بطين، ولا حزمها بسحاءة، فجئت بالرقعة إلي صاحبه، فانصرف عنّا معزولاً....(1)

العاشر: تأسيسه عليه السلام صندوق الشكايات والظلامات

تقدّمت رواياته في الفرع الرابع عشر من الباب الثالث: «عمله عليه السلام الاجتماعي وسيرته فيه».

ص:239


1- (2) الفتوح 89/3-93، حديث سودة بنت عمارة الهمدانية مع معاوية. ونحوه مرسلاً في العقد الفريد 344/1-346، كتاب الجمانة في الوفود, وفود سودة ابنة عمارة علي معاوية, عن عامر الشعبي، والفصول المهمّة 601/1-604, الفصل الأوّل في ذكر علي بن أبي طالب, فصل في صفته الجميلة، والاستيعاب 1111/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855).
الحادي عشر: رفضه عليه السلام لاتّخاذه المضلّين عضداً
اشارة

برواية:

1. الجرجاني - 3. عبدالله بن عبّاس

2. عامر الشعبي - 4. ما ورد مرسلاً

1. الجرجاني

15492. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](1): وحدّثني محمّد بن عبيدالله، عن الجرجاني، قال:

كان معاوية قد أتي جريراً قبل ذلك في منزله، فقال له: يا جرير، إنّي قد رأيت رأياً. قال: هاته. قال: اكتب إلي صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة، واُسلّم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة.

فقال جرير: اكتب ما أردت أكتب معك.

فكتب معاوية بذلك إلي علي، فكتب علي عليه السلام إلي جرير:

أمّا بعد، فإنّما أراد معاوية إلّا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ ، وأراد أن يريثك ويبطئك حتّي يذوق أهل الشام، وإنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار علىّ أن أستعمل معاوية علي الشام وأنا حينئذ بالمدينة؛ فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتّخذ المضلّين عضداً، فإن بايعك الرجل وإلّا فأقبل، والسلام.(2)

2. عامر الشعبي

15493. يحيي بن سليمان: حدّثنا نصر بن مزاحم(3) ، حدّثنا عمر بن سعد الأسدي،

ص:240


1- (1) وقعة صفّين ص 52.
2- (2) شرح نهج البلاغة 84/3، شرح الخطبة 43.
3- (3) وقعة صفّين ص 27-52.

عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي، [في حديث يذكر فيه أنّ عليّاً عليه السلام بعث جرير بن عبدالله إلي معاوية، إلي أن قال]:

إنّ معاوية قال لجرير: قد رأيت أن أكتب إلي صاحبك أن يجعل لي مصر والشام حياته(1) ، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة، واُسلّم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة.

فقال جرير: اكتب ما شئت، وأكتب معك إليه.

فكتب معاوية بذلك، فلمّا أتي عليّاً كتابه عرف أنّما هي خديعة منه, وكتب علي إلي جرير:

أمّا بعد، فإنّ معاوية إنّما أراد بما طلب إلّا تكون في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ ، وأراد أن يريثك حتّي يذوق أهل الشام، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علىّ وأنا بالمدينة أن أستعمل معاوية علي الشام فأبيت ذلك، ولم يكن الله ليراني أن أتّخذ المضلّين عضداً، فإن بايعك وإلّا فأقبل.(2)

3. عبدالله بن عبّاس

15494. الواقدي: حدّثني ابن أبي سبرة، عن عبدالمجيد بن سهيل، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن ابن عبّاس، قال:

دعاني عثمان فاستعملني علي الحجّ ، فخرجت إلي مكّة فأقمت للناس الحجّ ، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم، ثمّ قدمت المدينة وقد بويع لعلي، فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخلياً به، فحبسني حتّي خرج من عنده، فقلت: ماذا قال لك هذا؟ فقال: قال لي قبل مرّته هذه: أرسل إلي عبدالله بن عامر وإلي معاوية وإلي عمّال عثمان بعهودهم تقرّهم علي أعمالهم ويبايعون لك الناس، فإنّهم يهدّئون البلاد ويسكّنون الناس، فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا ولّيت هؤلاء ولا مثلهم يولّي.

قال: ثمّ انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنّه يري أنّي مخطئ، ثمّ عاد إلىّ الآن

ص:241


1- (1) كذا في الأصل، وفي وقعة صفّين: «مبايعة»، وفي شرح نهج البلاغة: «جباية».
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 127/59-131، ترجمه معاوية (7510), من طريق ابن شاذان. وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 128/8, حوادث سنة ستّين, ترجمة معاوية، والباعوني في جواهر المطالب 368/1-369, الباب الخمسون, في كتبه إلي معاوية وإلي عمّاله.

فقال: إنّي أشرت عليك أوّل مرّة بالّذي أشرت عليك وخالفتني فيه، ثمّ رأيت بعد ذلك رأياً، وأنا أري أن تصنع الّذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به، فقد كفي الله، وهم أهون شوكة ممّا كان.

قال ابن عبّاس: فقلت لعلي: أمّا المرّة الاُولي فقد نصحك، وأمّا المرّة الآخرة فقد غشّك.

قال له علي: ولِمَ نصحني ؟ قال ابن عبّاس: لأنّك تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتي تثبتهم لا يبالوا بمن ولي هذا الأمر، ومتي تعزلهم يقولوا: أخذ هذا الأمر بغير شوري، وهو قتل صاحبنا، ويؤلّبون عليك فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق، مع أنّي لا آمن طلحة والزبير أن يكرّا عليك.

فقال علي: أمّا ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشكّ أنّ ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها، وأمّا الّذي يلزمني من الحقّ والمعرفة بعمّال عثمان فوالله لا اولّي منهم أحداً أبداً، فإن أقبلوا فذلك خير لهم، وإن أدبروا بذلت لهم السيف.

قال ابن عبّاس: فأطعني وادخل دارك، والحق بما لك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنّك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليحملنّك الناس دم عثمان غداً. فأبي علي، فقال لابن عبّاس: سر إلي الشام فقد ولّيتكها.

فقال ابن عبّاس: ما هذا برأي، معاوية رجل من بني اُميّة، وهو ابن عمّ عثمان وعامله علي الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدني ما هو صانع أن يحبسني فيتحكّم علىّ .

ص:242

فقال له علي: ولِمَ ؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإنّ كلّ ما حمل عليك حمل علىّ ، ولكن اكتب إلي معاوية فمنّه و عِده. فأبي علي وقال: والله لا كان هذا أبداً.(1)

15495. الواقدي: حدّثني هشام بن سعد، عن أبي هلال، قال: قال ابن عبّاس:

قدمت المدينة من مكّة بعد قتل عثمان رضى الله عنه بخمسة أيّام، فجئت عليّاً أدخل عليه، فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة. فجلست بالباب ساعة، فخرج المغيرة فسلّم علىّ فقال: متي قدمت ؟ فقلت: الساعة. فدخلت علي علي فسلّمت عليه، فقال لي: لقيت الزبير وطلحة ؟ قال: قلت: لقيتهما بالنواصف. قال: من معهما؟ قلت: أبوسعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال علي: أما إنّهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون: نطلب بدم عثمان، والله نعلم أنّهم قتلة عثمان.

قال ابن عبّاس: يا أميرالمؤمنين، أخبرني عن شأن المغيرة، ولِمَ خلا بك ؟ قال: جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي: أخلني. ففعلت، فقال: إنّ النصح رخيص وأنت بقيّة الناس، وإنّي لك ناصح، وإنّي اشير عليك بردّ عمّال عثمان عامك هذا، فاكتب إليهم بإثباتهم علي أعمالهم، فإذا بايعوا لك واطمأنّ الأمر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت. فقلت: والله لا أدهن في ديني، ولا اعطي الدنىّ في أمري.

قال: فإن كنت قد أبيت علىّ فانزع من شئت واترك معاوية، فإنّ لمعاوية جرأة، وهو في أهل الشام يسمع منه، ولك حجّة في إثباته، كان عمر بن الخطّاب قد ولّاه الشام كلّها. فقلت: لا والله، لا أستعمل معاوية يومين أبدأ. فخرج من عندي علي ما أشار به، ثمّ عاد فقال لي: إنّي أشرت عليك بما أشرت به فأبيت علىّ ، ثمّ نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب، لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة، ولا يكون في أمرك دلسة.

قال: فقال ابن عبّاس: فقلت لعلي: أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك، وأمّا

ص:243


1- (1) عنه الطبري بإسناده إليه في تاريخه 439/4-440، حوادث سنة خمس وثلاثين, اتّساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب, من طريق ابن سعد.

الآخر فغشّك، وأنا اشير عليك بأن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعلىّ أن أقلعه من منزله. قال علي: لا والله، لا اعطيه إلّا السيف.

قال: ثمّ تمثّل بهذا البيت:

ما ميتة إن متّها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها

فقلت: يا أميرالمؤمنين، أنت رجل شجاع لست بأرب بالحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: الحرب خدعة ؟ فقال علي: بلي.

فقال ابن عبّاس: أما والله لئن أطعتني لأصدرنّ بهم بعد ورد، ولأتركنّهم ينظرون في دبر الاُمور لا يعرفون ما كان وجهها، في غير نقصان عليك ولا إثم لك.

فقال: يا ابن عبّاس، لست من هنيئاتك وهنيئات معاوية في شيء، تشير علىّ وأري، فإذا عصيتك فأطعني.

قال: فقلت: أفعل، إنّ أيسر مالك عندي الطاعة.(1)

4. ما ورد مرسلاً

15496. ابن أعثم:... فجاء [المغيرة بن شعبة] إلي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لك عندي نصيحة فاقبلها. فقال علي: وما تلك يا مغيرة ؟ قال: لست إنّي أخاف عليك أحداً يخالفك ويشعث عليك إلّا معاوية بن أبي سفيان؛ لأنّه ابن عمّ عثمان والشام في يده، فابعث إليه بعهده وألزمه طاعتك، وابعث إلي عبدالله بن عامر بن كريز بعهده علي البصرة، فإنّه يسكن عنك الأعداء، ويهدي عليك البلاد.

فقال علي: ويحك يا مغيرة! والله ما منعني من ذلك إلّا قول الله تعالي لنبيّه محمّد صلى الله عليه و سلم:

ص:244


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 440/4-441، حوادث سنة خمس وثلاثين, اتّساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب. وأورده ابن الأثير في الكامل 101/3-102, حوادث سنة خمس و ثلاثين, ذكر بيعة علي بن أبي طالب، وابن كثير في البداية والنهاية 228/7, آخر حوادث سنة خمس و ثلاثين, ذكر بيعة علي رضى الله عنه بالخلافة, باختصار.

(وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)1 ، والله لا يراني الله تعالي وأنا أستعمل معاوية علي شيء من أعمال المسلمين أبداً، ولكنّي أدعوه إلي ما نحن فيه، فإن هو أجاب إلي ذلك أصاب رشده وإلّا حاكمته إلي الله - عزّ وجلّ -.

قال: فسكت المغيرة بن شعبة وانصرف إلي منزله وأنشأ أبياتاً مطلعها:

منحت عليّاً في ابن حرب نصيحة فردّ فما منّي له الدهر ثانيه

إلي آخره.(1)

15497. ابن عبدالبرّ: لمّا قتل عثمان وبايع الناس عليّاً دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لك عندي نصيحة. قال: وما هي ؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيدالله علي الكوفة، والزبير بن العوّام علي البصرة، وابعث معاوية بعهده علي الشام حتّي تلزمه طاعتك، فإذا استقرّت لك الخلافة فأدِرْها كيف شئت برأيك.

قال علي: أمّا طلحة والزبير فسأري رأيي فيهما، وأمّا معاوية فلا والله لا أراني الله مستعملاً له، ولا مستعيناً به، ما دام علي حاله، ولكنّي أدعوه إلي الدخول فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبي حاكمته إلي الله.

وانصرف عنه المغيرة مغضباً لمّا لم يقبل عنه نصيحته، فلمّا كان الغد أتاه فقال: يا أميرالمؤمنين، نظرت فيما قلت بالأمس وما جاوبتني به، فرأيت أنّك وفّقت للخير، فاطلب الحقّ . ثمّ خرج عنه، فلقيه الحسن وهو خارج، فقال لأبيه: ما قال لك هذا الأعور؟ قال: أتاني أمس بكذا وأتاني اليوم بكذا. قال: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم.

فقال له علي: إن أقررت معاوية علي ما في يده كنت متّخذ المضلّين عضداً.

وقال المغيرة في ذلك:

ص:245


1- (2) الفتوح 266/2-267, خبر الحجّاج بن خزيمة.

نصحت عليّاً في ابن هند نصيحة فردّ فلا يسمع له الدهر ثانيه

وقلت له أرسل إليه بعهده علي الشام حتّي يستقرّ معاويه

ويعلم أهل الشام أن قد ملكته فاُمّ ابن هند عند ذلك هاويه

فلم يقبل النصح الّذي جثته وكانت له تلك النصيحة كافيه(1)

15498. الدينوري: ثمّ إنّ المغيرة بن شعبة دخل علي علي رضى الله عنه، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لك حقّ الصحبة، فأقِرّ معاوية علي ما هو عليه من إمرة الشام، وكذلك جميع عمّال عثمان، حتّي إذا أتتك طاعتهم وبيعتهم استبدلت حينئذ أو تركت.

فقال علي رضى الله عنه: أنا ناظر في ذلك.

وخرج عنه المغيرة ثمّ عاد إليه من غد، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي أشرت أمس عليك برأي، فلمّا تدبّرته عرفت خطأه، والرأي أن تعاجل معاوية وسائر عمّال عثمان بالعزل، لتعرف السامع المطيع من العاصي، فتكافئ كلّا بجزائه. ثمّ قام، فتلقّاه ابن عبّاس داخلاً، فقال لعلي رضى الله عنه: فيم أتاك المغيرة ؟ فأخبره علي بما كان من مشورته بالأمس، وما أشار عليه بعد، فقال ابن عبّاس: أمّا أمس فإنّه نصح لك؛ وأمّا اليوم فغشّك.

وبلغ المغيرة ذلك، فقال: صدق ابن عبّاس، نصحت له، فلمّا ردّ نصحي بدّلت قولي.

ولمّا خاض الناس في ذلك سار المغيرة إلي مكّة، فأقام بها ثلاثة أشهر، ثمّ انصرف إلي المدينة.(2)

15499. ابن حبّان:... فدخل عليه [عليه السلام] المغيرة بن شعبة فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي مشير عليك بخلال ثلاث فافعل أيّها شئت. فقال: ما هي يا أعور؟

فقال: إنّي أري من الناس بعض التثاقل فيك، فأري أن تأتي بجمل ظهر فتركبه وتركض في الأرض هارباً من الناس، فإنّهم إذا رأوا ذلك منك ابتاعوا جمالاً أظهر من جمالك وخيولاً،

ص:246


1- (1) الاستيعاب 1447/4، ترجمة المغيرة بن شعبة (2483).
2- (2) الأخبار الطوال ص 142, بيعة علي بن أبي طالب.

ثمّ ركضوا في أثرك حتّي يدركوك حيث ما كنت ويقلّدوك هذا الأمر علي اجتماع منهم شئت أو أبيت، فإن لم تفعل هذا فأقرّ معاوية علي الشام كلّه واكتب إليه كتاباً بذلك تذكر فيه من شرفه وشرف آبائه, وأعلمه أنّك ستكون له خيراً من عمر و عثمان، واردد عمرو بن العاص علي مصر، واذكر في كتابك شرفه وقدمه، فإنّه رجل يقع الذكر منه موقعاً، فإذا ثبت الأمر أذنت لهما حينئذ في القدوم عليك تستخبرهما عن البلاد والناس، ثمّ تبعث بعاملين وتقرّهما عندك، فإن أبيت فاخرج من هذه البلاد فإنّها ليست ببلاد كراع وسلاح.

فقال علي: أمّا ما ذكرت من فراري من الناس فكيف أفرّ منهم وقد بايعوني، وأمّا أمر معاوية وعمرو بن العاص فلا يسألني الله عن إقرارهما ساعة واحدة في سلطاني (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)1 ، وأمّا خروجي من هذه البلاد إلي غيرها فإنّي ناظر في ذلك.

فخرج من عنده المغيرة ثمّ عاد وهو عازم علي الخروج إلي الشام واللحوق بمعاوية، فقال له: يا أميرالمؤمنين، أشرت عليك بالأمس في رأيي بمعاوية وعمرو، إنّ الرأي أن تعاجلهم بالنزع، فقد عرف السامع من غيره، وتستقبل أمرك.

ثمّ خرج من عنده فلقيه ابن عبّاس خارجاً وهو داخل، فلمّا انتهي إليه قال: رأيت المغيرة خارجاً من عندك، فيم جاءك ؟ قال: جاءني أمس برأي واليوم برأي. وأخبره بالرأيين، فقال ابن عبّاس: أمّا أمس فقد نصحك، وأمّا اليوم فقد غشّك....(1)

15500. مسكويه: جاء المغيرة حتّي دخل علي علي عليه السلام فقال: إنّ حولك من يشير ويري، ولك علىّ حقّ الطاعة، وأنّ النصح رخيص، وأنت بقيّة الناس، وأنا لك ناصح، واعلم أنّ الرأي اليوم تحوز به ما في غد، وأنّ الضياع اليوم يضيع به ما في غد، أقرر معاوية علي عمله، وأقرر ابن عامر علي عمله، واردد عمّال عثمان عامك هذا، واكتب بإثباتهم علي

ص:247


1- (2) الثقات 271/2-272، حوادث سنة الخامسة والثلاثين, استخلاف علي بن أبي طالب - رضي الله تعالي عنه -.

أعمالهم، فإذا بايعوا لك واطمأنّ الأمر عزلت من أحببت، وأقررت من أحببت.

فقال علي: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا ولّيت أمثال هؤلاء [ولا مثلهم يولّي]، (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) .

فقال المغيرة: فإذ قد أبيت فاترك معاوية، فإنّ له جرأة، وأهل الشام يطيعونه، ولك حجّة في إثباته، كان عمر بن الخطّاب قد ولّاه الشام كلّها.

فقال علي: لا والله, لا أستعمله يومين.(1)

15501. المدائني: وفد عبدالله بن عبّاس علي معاوية مرّة... فقال المغيرة بن شعبة: أما والله لقد أشرت علي علي بالنصيحة فآثر رأيه ومضي علي غلوائه، فكانت العاقبة عليه لا له، وإنّي لأحسب أنّ خلقه(2) يقتدون بمنهجه.

فقال ابن عبّاس: كان والله أميرالمؤمنين عليه السلام أعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الاُمور من أن يقبل مشورتك فيما نهي الله عنه، وعنّف عليه، قال سبحانه: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ )3 , ولقد وقفك علي ذكر مبين، وآية متلوّة؛ قوله تعالي: (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)4 .

وهل كان يسوغ له أن يحكّم في دماء المسلمين وفي المؤمنين من ليس بمأمون عنده، ولا موثوق به في نفسه ؟ هيهات هيهات! هو أعلم بفرض الله وسنّة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلّا للتقيّة، ولات حين تقيّة! مع وضوح الحقّ ، وثبوت الجنان، وكثرة الأنصار، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله، مؤثراً لطاعة ربّه، والتقوي علي آراء أهل الدنيا....(3)

وراجع ما تقدّم في عنوان: «التزامه عليه السلام بالقانون وعدم المداهنة».

ص:248


1- (1) تجارب الاُمم 461/1, خلافة الإمام علي, ذكر رأي جيّد للمغيرة.
2- (2) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب بالفاء.
3- (5) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 298/6-302، شرح الخطبة 83.
الثاني عشر: استرداد أموال بيت المال

تقدّمت رواياته في الباب الرابع: عمله الاقتصادي وسيرته فيه، الخامس: أخذ الأموال العامّة والهدايا وجعلها في بيت المال.

وراجع ما سيأتي في عنوان: «أنّه عليه السلام لا يذهب مذهب الملوك في مصانعة الرؤساء».

الثالث عشر: عدم عقوبته عليه السلام علي الظنّة والتهمة وقبل الجناية
اشارة

برواية:

1. جابر بن عبدالله - 5. قيس بن أبي حازم

2. جندب - 6. النضر بن صالح

3. عبدالعزيز العبدي - 7. المراسيل والأقوال

4. عبدالله بن قعين الأزدي -

1. جابر بن عبدالله

15502. ابن أبي غرزة: أخبرنا عبيدالله بن موسي، أخبرنا سكين، حدّثنا حفص بن خالد، عن أبيه، عن جدّه جابر، قال:

إنّي لشاهد لعلي عليه السلام وأتاه المرادي يستحمله, فحمله ثمّ قال:

عذيري(1) من خليلي من مراد اُريد حياته ويريد قتلي

ثمّ قال: هذا والله قاتلي. قالوا: يا أميرالمؤمنين، أ فلا تقتله ؟ قال: لا، فمن يقتلني إذاً. ثمّ قال:

اشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت آتيكا

ص:249


1- (1) قال ابن منظور في لسان العرب 104/9 «عذر»: يقال: عذيرك من فلان - بالنصب -، أي هات من يعذرك. فعيل بمعني فاعل. يقال: عذيرك من فلان، أي من يعذرني.

ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديكا(1)

2. جندب

15503. الطبري: قال أبومخنف: وحدّثني عبدالرحمان بن جندب، قال: حدّثني أبي، قال:

لمّا بلغ عليّاً مصاب بني ناجية وقتل صاحبهم قال: هوت امّه! ما كان أنقص عقله، وأجرأه علي ربّه! فإنّ جائياً جاءني مرّة فقال لي: في أصحابك رجال قد خشيت أن يفارقوك، فما تري فيهم ؟ فقلت له: إنّي لا آخذ علي التهمة، ولا اعاقب علي الظنّ ، ولا اقاتل إلّا من خالفني وناصبني وأظهر لي العداوة، ولست مقاتله حتّي أدعوه وأعذر إليه، فإن تاب ورجع إلينا قبلنا منه، وهو أخونا، وإن أبي إلّا الاعتزام علي حربنا استعنّا عليه الله وناجزناه، فكفّ عنّي ما شاء الله, ثمّ جاءني مرّة اخري فقال لي: قد خشيت أن يفسد عليك عبدالله بن وهب الراسبي وزيد بن حصين، إنّي سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتها لم تفارقهما عليها حتّي تقتلهما أو توبقهما، فلا تفارقهما من حبسك أبداً.

فقلت: إنّي مستشيرك فيهما، فماذا تأمرني به ؟ قال: فإنّي آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما! فعلمت أنّه لا ورع ولا عاقل، فقلت: والله ما أظنّك ورعاً ولا عاقلاً نافعاً، والله لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم أن تقول: اتّق الله، لِمَ تستحلّ قتلهم ولم يقتلوا أحداً، ولم ينابذوك, ولم يخرجوا من طاعتك.(2)

3. عبدالعزيز العبدي

15504. ابن شبّة: عن أبي عاصم النبيل وموسي بن إسماعيل، عن سكين بن عبدالعزيز العبدي أنّه سمع أباه يقول:

جاء عبدالرحمان بن ملجم يستحمل عليّاً، فحمله ثمّ قال:

اُريد حياته ويريد قتلي عذيري من خليلي من مراد

ص:250


1- (1) عنه الخوارزمي بإسناده إليه في المناقب ص 392-393(412), من طريق البيهقي.
2- (2) تاريخ الطبري 131/5-132، آخر حوادث سنة ثمان وثلاثين. ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 148/3، شرح الخطبة 44، نقلاً عن الثقفي في الغارات ص 251-252, خبر بني ناجية، قال: روي عبدالرحمان..., مع مغايرة في بعض العبارات.

أما إنّ هذا قاتلي. قيل: فما يمنعك منه ؟ قال: إنّه لم يقتلني بعد.

واُتي علي رضى الله عنه فقيل له: إنّ ابن ملجم يسمّ سيفه ويقول: إنّه سيفتك بك فتكة يتحدّث بها العرب. فبعث إليه فقال: لِمَ تسمّ سيفك ؟ قال: لعدوّي وعدوّك. فخلّي عنه وقال: ما قتلني بعد.(1)

4. عبدالله بن قعين الأزدي

15505. المدائني: عن الحارث بن كعب الأزدي، عن عمّه عبدالله بن قعين الأزدي [في حديث يذكر فيه مفارقة الخرّيت بن راشد أميرالمؤمنين عليه السلام], قال:

أتيت أميرالمؤمنين عليه السلام فجلست عنده ساعة وأنا اريد أن احدّثه بالّذي كان علي خلوة، فأطلت الجلوس، ولا يزداد الناس إلّا كثرة، فدنوت منه فجلست وراءه، فأصغي إلىّ برأسه، فأخبرته بما سمعت من الخرّيت وما قلت لابن عمّه وما ردّ علَىّ ، فقال عليه السلام: دعه، فإن قبل الحقّ ورجع عرفنا له ذلك وقبلناه منه.

فقلت: يا أميرالمؤمنين، فَلِمَ لا تأخذه الآن فتستوثق منه ؟ فقال: إنّا لو فعلنا هذا بكلّ من يتّهم من الناس ملأنا السجون منهم، ولا أراني يسعني الوثوب بالناس والحبس لهم وعقوبتهم حتّي يظهروا لي الخلاف....(2)

5. قيس بن أبي حازم

15506. ابن الأعرابي: حدّثنا أبورفاعة [عبدالله بن محمّد بن عمر بن حبيب العدوي]، حدّثنا إبراهيم بن بشّار، عن سفيان، عن إسماعيل، عن قيس [بن أبي حازم], قال:

دخل الأشعث بن قيس علي علي في شيء فتهدّده بالموت، فقال علي: أ بالموت

ص:251


1- (1) عنه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 127/3، ترجمة علي بن أبي طالب (1855)، والبرّي في الجوهرة ص 112، خبر مقتل علي رضى الله عنه، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبي ص 112, باب فضائل علي عليه السلام, ذكر مقتله.
2- (2) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 128/3-129، شرح الخطبة 44, من طريق الثقفي في الغارات ص 220-223, خبر بني ناجية.

تهدّدني ؟ ما ابالي سقط الموت علىّ أو سقطت عليه، هاتوا له جامعة [وقيداً].

قال: ثمّ أوصي إلي أصحابه فطلبوا إليه فيه، قال: فتركوه.

قال سفيان: فحدّثني جعفر بن محمّد، عن أبيه، قال: فسمعوا الصوت لرجليه علي الدرجة خفيفاً. قال [عليه السلام]: فرقناه [ف -] - فرق.(1)

6. النضر بن صالح

15507. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): حدّثنا عمر بن سعد، قال: حدّثني أبوزهير العبسي، عن النضر بن صالح:

أنّ عبدالله بن المعتمّ العبسي وحنظلة بن الربيع التميمي لمّا أمر علي عليه السلام الناس بالمسير إلي الشام دخلا عليه في رجال كثير من غطفان وبني تميم، فقال له حنظلة: يا أميرالمؤمنين، إنّا قد مشينا إليك في نصيحة فاقبلها، ورأينا لك رأياً فلا تردنّه علينا، فإنّا نظرنا لك ولمن معك، أقم وكاتب هذا الرجل، ولا تعجل إلي قتال أهل الشام، فإنّا والله ما ندري ولا تدري لمن تكون الغلبة إذا التقيتم، ولا علي من تكون الدبرة. وقال ابن المعتمّ مثل قوله(3) ، وتكلّم القوم الّذين دخلوا معهما بمثل كلامهما.

فحمد علي عليه السلام الله وأثني، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّ الله وارث العباد والبلاد، وربّ السماوات السبع، والأرضين السبع، وإليه ترجعون، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممّن يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، أمّا الدبرة فإنّها علي الضالّين العاصين ظفروا

ص:252


1- (1) المعجم 931/3-932(1971)، وعنه ابن العديم بإسناده إليه في بغية الطلب 1914/4, ترجمة أشعث بن قيس، وما بين المعقوفات منه، وفيه: «ثمّ أومأ إلي أصحابه... فحدّثني ابن جعفر بن محمّد»، ومثله عنه أيضاً ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 139/9-140، ترجمة أشعث بن قيس (772), ومثله مرسلاً رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 40/2-41, ترجمة الأشعث بن قيس (8)، عن قيس بن أبي حازم إلي قوله: «فتركوه»، والمتّقي في كنز العمّال 130/13(36412), باختصار نقلاً عن ابن عساكر إلي قوله عليه السلام: «أو سقطت عليه».
2- (2) وقعة صفّين ص 95-97.
3- (3) في وقعة صفّين: «وقام ابن المعتمّ فتكلّم».

أو ظفر بهم، وأيم الله إنّي لأسمع كلام قوم ما أراهم يعرفون معروفاً، ولا ينكرون منكراً.

فقام إليه معقل بن قيس الرياحي فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ هؤلاء والله ما آثروك بنصح، ولا دخلوا عليك إلّا بغشّ ، فاحذرهم فإنّهم أدني العدوّ.

وقال له مالك بن حبيب: إنّه بلغني يا أميرالمؤمنين أنّ حنظلة هذا يكاتب معاوية، فادفعه إلينا نحبسه حتّي تنقضي غزاتك وتنصرف.

وقام من بني عبس قائد بن بكير وعيّاش بن ربيعة العبسيّان، فقالا: يا أميرالمؤمنين، إنّ صاحبنا عبدالله بن المعتمّ قد بلغنا أنّه يكاتب معاوية، فاحبسه أو مكّنّا من حبسه حتّي تنقضي غزاتك ثمّ تنصرف.

فقالا: هذا جزاء لمن نظر لكم، وأشار عليكم بالرأي فيما بينكم وبين عدوّكم.

فقال لهما علي عليه السلام: الله بيني وبينكم، وإليه أكلكم، وبه أستظهر عليكم، اذهبوا حيث شئتم.

قال نصر: وبعث علي عليه السلام إلي حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب - وهو من الصحابة - فقال له: ياحنظلة، أنت علىّ أم لي ؟ فقال: لا لك ولا عليك.

قال: فما تريد؟ قال: أشخص إلي الرُها(1) ، فإنّه فرج من الفروج، أصمد له حتّي ينقضي هذا الأمر.

فغضب من قوله خيار بني عمرو بن تميم وهم رهطه، فقال: إنّكم والله لا تغرّوني من ديني، دعوني فأنا أعلم منكم. فقالوا: والله إن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك - لاُمّ ولده - ولا ولدها، ولئن أردت ذلك لنقتلنّك.

فأعانه ناس من قومه واخترطوا سيوفهم، فقال: أجّلوني حتّي أنظر. ودخل منزله وأغلق بابه، حتّي إذا أمسي هرب إلي معاوية، وخرج من بعده إليه من قومه رجال كثير، وهرب ابن المعتمّ أيضاً، حتّي أتي معاوية في أحد عشر رجلاً من قومه.

وأمّا حنظلة فخرج إلي معاوية في ثلاثة وعشرين رجلاً من قومه، لكنّهما لم يقاتلا

ص:253


1- (1) الرُها: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام.

مع معاوية، واعتزلا الفريقين جميعاً.(1)

7. المراسيل والأقوال

15508. المبرّد: يروي أنّ عليّاً - رضوان الله عليه - كان يخطب مرّة ويذكّر أصحابه، وابن ملجم تلقاء المنبر، فسمع وهو يقول: والله لاُريحنّهم منك! فلمّا انصرف علي - صلوات الله عليه - إلي بيته اتي به ملبّباً، فأشرف عليهم، فقال: ما تريدون ؟ فخبّره بما سمعوا، فقال: ما قتلني بعد, فخلّوا عنه.

يروي أنّ عليّاً كان يتمثّل إذ رآه ببيت عمرو بن معدي كرب في قيس بن مكشوح المرادي...:

اُريد حباءه ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

فينتفي من ذلك، حتّي اكثر عليه، فقال له المرادي: إن قضي شيء كان. فقيل لعلي: كأنّك قد عرفته وعرفت ما يريد بك، أفلا تقتله ؟ فقال: كيف أقتل قاتلي ؟(2)

15509. المبرّد: يروي أنّ عليّاً رضى الله عنه اتي بابن ملجم وقيل له: إنّا قد سمعنا من هذا كلاماً ولا نأمن قتله لك ؟ فقال: ما أصنع به ؟ ثمّ قال علي - رضوان الله عليه -:

اشدد حيازيمك للموت فإنّ الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت إذا حلّ بواديكا(3)

ص:254


1- (1) شرح نهج البلاغة 175/3-176، شرح الخطبة 46.
2- (2) الكامل 198/3, باب من أخبار الخوارج, مقتل علي بن أبي طالب.
3- (3) الكامل 200/3-201, باب من أخبار الخوارج, مقتل علي بن أبي طالب، وقال: والشعر إنّما يصحّ بأن تحذف «اشدد» فتقول: حيازيمك للموتفإنّ الموت لاقيكا ولكنّ الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعني، ولا يعتدّون به في الوزن، ويحذفون من الوزن، علماً بأنّ المخاطب يعلم ما يريدونه، فهو إذا قال: «حيازيمك للموت» فقد أضمر «اشدد» فأظهره، ولم يتعدّ به.

15510. الإسكافي: بلغ من صبره [عليه السلام] أنّه قعد عن خلافته قوم فلم يحبسهم ولم يكرههم، وتكلّموا فلم يعاقبهم، ولم ينفهم، وولّاهم ما تولّوا, ولم يفعل بهم كما فعل من ذكرتم بسعد بن عبادة، وكما رويتم من نفي عثمان بن عفّان لأبي ذرّ إلي الربذة، وما فعل بعمّار وابن مسعود وغيرهم.(1)

15511. ابن أبي الحديد: قد اختلفت الرواة في خروج طلحة والزبير من المدينة هل كان بإذن علي عليه السلام أم لا؟ فمن قال: إنّهما خرجا عن غير إذنه ولا علمه فسؤاله ساقط ، ومن قال: إنّهما استأذناه في العمرة وأذن لهما فقد روي أنّه قال: والله ما تريدان العمرة، وإنّما تريدان الغدرة! وخوّفهما بالله من التسرّع إلي الفتنة، وما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما، ولا في السياسة.

أمّا في الشرع فلأنّه محظور أن يعاقب الإنسان بما لم يفعل، وعلي ما يظنّ منه، ويجوز إلّا يقع، وأمّا في السياسة فلأنّه لو أظهر التهمة لهما - وهما من أفاضل السابقين وجلّة المهاجرين - لكان في ذلك من التنفير عنه مالا يخفي، ومن الطعن عليه ما هو معلوم، بأن يقال: إنّه ليس من إمامته علي ثقة، فلذلك يتّهم الرؤساء، ولا يأمن الفضلاء، لا سيّما وطلحة كان أوّل من بايعه، والزبير لم يزل مشتهراً بنصرته، فلو حبسهما، وأظهر الشكّ فيهما لم يسكن أحد إلي جهته، ولنفر الناس كلّهم عن طاعته....(2)

15512. ابن طلحة: ومنها [أي من كرامات علي عليه السلام] ما صدر في قضيّة مقتله عليه السلام، وتلخيص ذلك أنّه عليه السلام لمّا فرغ من قتل الخوارج المارقين عاد إلي الكوفة في شهر رمضان، قام في المسجد فصلّي ركعتين, ثمّ صعد المنبر فخطب خطبة حسناء, ثمّ التفت إلي ابنه

ص:255


1- (1) المعيار والموازنة ص 232، ذكر صفحة من صفحات صبره وتحمّله عن حاسديه ومعانديه وعدم تعرّضه لهم.
2- (2) شرح نهج البلاغة 248/10، شرح الخطبة 193. وراجع أنساب الأشراف 22/3, وقعة الجمل، والمناقب للخوارزمي ص 178 (216)، وتذكرة الخواصّ 351/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام.

الحسن فقال: يا أبامحمّد، كم مضي من شهرنا هذا؟ قال عليه السلام: ثلاث عشرة يا أميرالمؤمنين. ثمّ التفت إلي الحسين فقال: يا أباعبدالله، كم بقي من شهرنا هذا؟ - يعني رمضان الّذي هم فيه -، فقال الحسين عليه السلام: سبع عشرة يا أميرالمؤمنين.

فضرب بيده إلي لحيته - وهي يومئذ بيضاء - فقال: الله أكبر، والله ليخضبنّها بدمها إذا انبعث أشقاها. ثمّ جعل يقول:

اُريد حياته ويريد قتلي خليلي من عذيري من مرادي

وعبدالرحمان بن ملجم المرادي يسمع، فوقع في قلبه من ذلك شيء فجاء حتّي وقف بين يدي علي عليه السلام وقال: اعيذك بالله يا أميرالمؤمنين، هذه يميني وشمالي بين يديك فاقطعهما أو اقتلني.

فقال علي عليه السلام: وكيف أقتلك ولا ذنب لك إلىّ ؟ ولو أعلم أنّك قاتلي لم أقتلك....(1)

وانظر ما تقدّم في باب مقتله عليه السلام عنوان: «علمه عليه السلام بقاتله».

الرابع عشر: أنّه عليه السلام لا يطلب النصر بالجور

15513. ابن قتيبة:... ثمّ قام رجال من أصحاب علي فقالوا: يا أميرالمؤمنين، أعط هؤلاء هذه الأموال، وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي، ممّن يتخوّف خلافه علي الناس وفراقه، وإنّما قالوا له هذا للّذي(2) كان معاوية يصنعه بمن أتاه، وإنّما عامّة الناس همّهم الدنيا، ولها يسعون، وفيها يكدحون، فأعط هؤلاء الأشراف، فإذا استقام لك ما تريد عدت إلي أحسن ما كنت عليه من القسم.

فقال علي: أ تأمرو [ن -] - ني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه من الإسلام ؟ فوالله لا أفعل ذلك ما لاح في السماء نجم، والله لو كان لهم مال(3) لسوّيت بينهم، فكيف

ص:256


1- (1) مطالب السؤول 202/1-203, الباب الأوّل، الفصل التاسع، في كراماته. ونحوه باختصار في الفتوح 135/4-137, ذكر ابتداء الحرب [مع الخوارج].
2- (2) لعلّ هذا هو الصواب، وفي الأصل: «الّذي».
3- (3) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب: «لي مال»، وانظر الرواية التالية.

وإنّما هي أموالهم!(1)

15514. المدائني: إنّ طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، أعط هذه الأموال, وفضّل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش علي الموالي والعجم، واستمل من تخاف خلافه من الناس وفراره، وإنّما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال.

فقال لهم: أتأمرونني أن أطلب النصر بالجور؟ لا والله لا أفعل ما طلعت شمس، وما لاح في السماء نجم، والله لو كان المال لي لواسيت بينهم، فكيف وإنّما هي أموالهم! ثمّ سكت طويلاً واجماً، ثمّ قال: الأمر أسرع من ذلك. قالها ثلاثاً.(2)

الخامس عشر: أنّه عليه السلام لا يذهب مذهب الملوك في مصانعة الرؤساء واُمراء القبائل وشراء الضمائر بالمال

برواية: فضيل بن الجعد

15515. المدائني: عن فضيل بن الجعد، قال:

آكد الأسباب في تقاعد العرب عن أميرالمؤمنين عليه السلام أمر المال، فإنّه لم يكن يفضّل شريفاً علي مشروف، ولا عربيّاً علي عجمىّ ، ولا يصانع الرؤساء واُمراء القبائل كما يصنع الملوك، ولا يستميل أحداً إلي نفسه، وكان معاوية بخلاف ذلك، فترك الناس عليّاً والتحقوا بمعاوية.

فشكا علي عليه السلام إلي الأشتر تخاذل أصحابه، وفرار بعضهم إلي معاوية، فقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين، إنّا قاتلنا أهل البصرة بأهل البصرة وأهل الكوفة، ورأي الناس واحد، وقد اختلفوا بعد، وتعادوا وضعفت النيّة، وقلّ العدد، وأنت تأخذهم بالعدل، وتعمل فيهم بالحقّ ، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس للشريف عندك فضل منزلة علي الوضيع، فضجّت

ص:257


1- (1) الإمامة والسياسة 160/1, كلام أبي أيّوب الأنصاري.
2- (2) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 203/2، شرح الخطبة 34.

طائفة ممّن معك من الحقّ إذ عمّوا به، واغتمّوا من العدل إذ صاروا فيه، ورأوا صنائع معاوية عند أهل الغناء والشرف، فتاقت أنفس الناس إلي الدنيا، وقلّ من ليس للدنيا بصاحب، وأكثرهم يجتوي الحقّ ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فإن تبذل المال يا أميرالمؤمنين تمل إليك أعناق الرجال، وتصف نصيحتهم لك، وتستخلص ودّهم، صنع الله لك يا أميرالمؤمنين، وكبت أعداءك، وفضّ جمعهم، وأوهن كيدهم، وشتّت امورهم، إنّه بما يعملون خبير.

فقال علي عليه السلام: أمّا ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل؛ فإنّ الله - عزّ وجلّ - يقول: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ)1 ، وأنا من أن أكون مقصّراً فيما ذكرت أخوف.

وأمّا ما ذكرت من أنّ الحقّ ثقل عليهم ففارقونا لذلك, فقد علم الله أنّهم لم يفارقونا من جور، ولا لجئوا إذ فارقونا إلي عدل، ولم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها، وليسألنّ يوم القيامة: أ للدنيا أرادوا أم لله عملوا؟

وأمّا ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال, فإنّه لا يسعنا أن نؤتي امرؤ من الفيء أكثر من حقّه، وقد قال الله - سبحانه وتعالي - وقوله الحقّ : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ )2 ، وقد بعث الله محمّداً - صلّي الله عليه - وحده، فكثّره بعد القلّة، وأعزّ فئته بعد الذلّة، وإن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلّل لنا صعبه، ويسهّل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك ما كان لله - عزّ وجلّ - رضاً، وأنت من آمن الناس عندي، وأنصحهم لي، وأوثقهم في نفسي إن شاء الله.(1)

ص:258


1- (3) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 197/2-198، شرح الخطبة 34. وقال ابن أبي الحديد في آخر شرح هذه الخطبة في ص 202: وإنّما ذكرنا هذه الأخبار والروايات - وإن كانت خارجة عن مقصد الفصل - لأنّ الحال اقتضي ذكرها، من حيث أردنا أن نبيّن أنّ أميرالمؤمنين عليه السلام لم يكن يذهب في خلافته مذهب الملوك الّذين يصانعون بالأموال ويصرّفونها في مصالح ملكهم وملاذّ أنفسهم، وأنّه لم يكن من أهل الدنيا، وإنّما كان رجلاً متألّهاً صاحب حقّ ، لا يريد بالله ورسوله بدلاً.
السادس عشر: مجانبته عليه السلام عن الفرقة
اشارة

برواية:

1. عامر الشعبي - 4. علي بن زيد عن رجل من بني سعد

2. عبدالله بن جنادة - 5. ما ورد مرسلاً

3. عبدالله بن عبّاس -

1. عامر الشعبي

15516. المدائني: عن أبي مخنف، عن جابر، عن الشعبي، قال:

لمّا خرج طلحة والزبير كتبت امّ الفضل بنت الحارث إلي علي بخروجهم، فقال علي: العجب لطلحة والزبير! إنّ الله - عزّ وجلّ - لمّا قبض رسوله صلى الله عليه و سلم قلنا: نحن أهله وأولياؤه لا ينازعنا سلطانه أحد، فأبي علينا قومنا فولّوا غيرنا، وأيم الله لولا مخافة الفرقة وأن يعود الكفر ويبوء الدين لغيرنا [لكنّا علي غير ما كنّا لهم عليه]، فصبرنا علي بعض الألم، ثمّ لم نر بحمد الله إلّا خيراً.(1)

2. عبدالله بن جنادة

15517. المدائني: عن عبدالله بن جنادة، قال:

قدمت من الحجاز اريد العراق في أوّل إمارة علي عليه السلام، فمررت بمكّة فاعتمرت، ثمّ قدمت المدينة، فدخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله إذ نودي: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس، وخرج علي عليه السلام متقلّداً سيفه، فشخصت الأبصار نحوه، فحمد الله وصلّي علي رسوله صلى الله عليه و آله ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّه لمّا قبض الله نبيّه صلى الله عليه و آله قلنا: نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقّنا طامع، إذ انبري لنا قومنا فغصبونا

ص:259


1- (1) عنه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 497/2، ترجمة رفاعة بن رافع بن مالك (774), من طريق ابن شبّة، وابن العديم في بغية الطلب 3671/8-3672، ترجمة رفاعة بن رافع بن مالك.

سلطان نبيّنا، فصارت الإمرة لغيرنا، وصرنا سوقة، يطمع فينا الضعيف، ويتعزّز علينا الذليل، فبكت الأعين منّا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنّا علي غير ما كنّا لهم عليه....(1)

3. عبدالله بن عبّاس

15518. الحسن بن عرفة: حدّثنا عبّاد بن عبّاد بن الحبيب بن المهلّب بن أبي صفرة، عن مجالد بن سعيد، قال: حدّثني عكرمة, عن ابن عبّاس، قال:

لمّا دفن رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء [أبي] العبّاس وأبوسفيان بن حرب وجماعة من بني هاشم إلي علي عليه السلام فقالوا: مدّ يدك نبايعك. وحرّضوه، فامتنع، وقال له العبّاس: أنت والله بعد أيّام عبدالعصا. وهذا اليوم الّذي قال فيه أبوسفيان: إن شئت ملأتها خيلاً ورِجلاً. فخطب وقال:

أيّها الناس، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، و ضَعُوا تيجان المفاخرة، فقد أفلح من نهض بجناح أو استسلم فارتاح، [هذا] ماء آجن، ولقمة يغصّ بها آكلها، أجدر بالعاقل من لقمة تحشي بزنبور، ومن شربة يلذّ بها شاربها مع ترك النظر في عواقب الاُمور، فإن أقل؛ يقولوا: حرص علي الملك، وإن أسكت؛ يقولوا: جزع من الموت! هيهات هيهات بعد اللّتيّا والّتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امّه، ومن الرجل بأخيه وعمّه.

وفي رواية: لقد اندمجت علي [مكنون] علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوىّ البعيدة. وذكر كلاماً كثيراً.(2)

4. علي بن زيد عن رجل من بني سعد

15519. ابن السمّاك: حدّثنا حنبل بن إسحاق، حدّثنا يعلي بن أسد، حدّثنا حاتم

ص:260


1- (1) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 307/1، شرح الخطبة 22.
2- (2) عنه سبط ابن الجوزي بإسناده إليه في تذكرة الخواصّ 502/1-503، الباب الخامس, في المختار من كلامه عليه السلام. وسيأتي هذا الخبر مرسلاً في باب المراسيل.

بن وردان، حدّثني علي بن زيد، حدّثني رجل من بني سعد، قال:

... [كتب علي عليه السلام إلي معاوية:] كان أبوك أتاني حين ولّي الناس أبابكر فقال: أنت أحقّ الناس بهذا الأمر منهم كلّهم بعد محمّد وأنا يدك علي من شئت، فابسط يدك ابايعك فأنت أعزّ العرب دعوة. فكرهت ذلك؛ كراهة للفرقة وشقّ عصي الاُمّة؛ لقرب عهدهم بالكفر والارتداد، فإن كنت تعرف من حقّي ما كان أبوك يعرفه أصبت رشدك، وإن لم تفعل استعنت بالله عليك ونعم المستعان، وعليه توكّلت وإليه انيب.(1)

5. ما ورد مرسلاً

15520. البلاذري: - قال علي عليه السلام في كتاب كتبه لمعاوية -:... ولقد أتاني أبوك حين قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وبايع الناس أبابكر فقال: أنت أحقّ الناس بهذا الأمر فابسط يدك ابايعك. قد علمت ذلك من قول أبيك، فكنتُ الّذي أبيتُ ذلك مخافة الفرقة؛ لقرب عهد الناس بالكفر والجاهليّة، فإن تعرف من حقّي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلّا تفعل فسيغني الله عنك.(2)

15521. ابن عبد ربّه: - قال علي عليه السلام في جوابه لمعاوية بن أبي سفيان -:... وقد كان أبوك أبوسفيان أتاني حين قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال: ابسط يدك ابايعك، فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر. فكنت أنا الّذي أبيت عليه؛ مخافة الفرقة بين المسلمين؛ لقرب عهد الناس بالكفر؛ فأبوك كان أعلم بحقّي منك, فإن تعرف من حقّي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك، وإلّا فنستعين الله عليك.(3)

15522. ابن حبّان: - قال عليه السلام في كتاب كتبه إلي معاوية بن أبي سفيان -:... وقد كان

ص:261


1- (1) عنه الخوارزمي بإسناده إليه في المناقب ص 254 (240), من طريق البيهقي. ورواه الباعوني مرسلاً في جواهر المطالب 361/1, الباب الخمسون, كتبه إلي معاوية وإلي عمّاله, مع اختلاف.
2- (2) أنساب الأشراف 69/3، أمر صفّين.
3- (3) العقد الفريد 84/5، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم, أخبار علي ومعاوية.

أبوك أتاني حين ولّي الناس أبابكر، فقال لي: يا علي، أنت أحقّ الناس بهذا الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم، وهات يدك حتّي ابايعك. فلم أفعل مخافة الفرقة في الإسلام، فأبوك أعرف بحقّي منك، فإن كنت تعرف من حقّي ما كان يعرفه أبوك فقد قصدت رشدك، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك، والسلام.(1)

15523. ابن حمدون: ومن كلام له [عليه السلام] لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم: أيّها الناس، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المناظرة، و ضَعُوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح، ماء آجن، ولقمة يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه، فإن أقل؛ يقولوا: حرص علي الملك، وإن أسكت؛ يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللّتيّا والّتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امّه، بل اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوىّ البعيدة.(2)

15524. ابن أبي الحديد: وكان جواب علي عليه السلام: من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان:... وذكرت حسدي الخلفاء وإبطائي عنهم، وبغيي عليهم, فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون، وأمّا الإبطاء عنهم والكراهيّة لأمرهم فلست أعتذر إلي الناس من ذلك، إنّ الله - تعالي ذكره - لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه و سلم قالت قريش: منّا أمير، وقالت الأنصار: منّا أمير. فقالت قريش: منّا محمّد، نحن أحقّ بالأمر. فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لهم الولاية والسلطان، فإذا استحقّوها بمحمّد صلى الله عليه و سلم دون الأنصار فإنّ أولي الناس بمحمّد أحقّ به منهم، وإلّا فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً، فلا أدري أصحابي سلّموا من أن يكونوا حقّي أخذوا، أو الأنصار ظلموا، بل عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ، وقد تركته لهم تجاوز الله عنهم.

ص:262


1- (1) الثقات 287/2-288، حوادث السنة السابعة والثلاثون.
2- (2) التذكرة الحمدونيّة ص 89-90(166)، ورواه الباعوني في جواهر المطالب 306/1, الباب التاسع والأربعون, في خطبه عليه السلام، مع اختلاف يسير، وابن طلحة في مطالب السؤول 241/1-242, الباب الأوّل, الفصل العاشر في فصاحته, النوع الخامس, في الخطب.

... وقد أتاني أبوك حين ولّي الناس أبابكر، فقال: أنت أحقّ بمقام محمّد، وأولي الناس بهذا الأمر، وأنا زعيم لك بذلك علي من خالف، ابسط يدك ابايعك. فلم أفعل، وأنت تعلم أنّ أباك قد قال ذلك وأراده حتّي كنت أنا الّذي أبيت؛ لقرب عهد الناس بالكفر، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام، فأبوك كان أعرف بحقّي منك، فإن تعرف من حقّي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك، والسلام.(1)

15525. ابن أبي الحديد: لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه و آله واشتغل علي عليه السلام بغسله ودفنه وبويع أبوبكر خلا الزبير وأبوسفيان وجماعة من المهاجرين بعبّاس وعلي عليه السلام لإجالة الرأي، وتكلّموا بكلام يقتضي الاستنهاض والتهييج، فقال العبّاس رضى الله عنه: قد سمعنا قولكم فلا لقلّة نستعين بكم، ولا لظنّة نترك آراءكم، فأمهلونا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الإثم مخرج يصرّ بنا وبهم الحقّ صرير الجدجد، ونبسط إلي المجد أ كفّاً لانقبضها أو نبلغ المدي، وإن تكن الاُخري فلا لقلّة في العدد ولا لوهن في الأيد، والله لولا أنّ الإسلام قيّد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحلّ العلِىّ .

فحلّ علي عليه السلام حبوته، وقال: الصبر حلم، والتقوي دين، والحجّة محمّد، والطريق الصراط ، أيّها الناس، شقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرّجوا عن طريق المنافرة، و ضَعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح، ماء آجن، ولقمة يغصّ بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه، فإن أقل؛ يقولوا: حرص علي الملك! وإن أسكت؛ يقولوا: جزع من الموت! هيهات بعد اللّتيّا والّتي! والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي امّه، بل اندمجت علي مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوىّ البعيدة.(2)

ص:263


1- (1) شرح نهج البلاغة 76/15-78، آخر شرح الكتاب 9، نقلاً عن نصر بن مزاحم في وقعة صفّين ص 88-91.
2- (2) شرح نهج البلاغة 218/1-219, شرح الكلام 5.
السابع عشر: رفقه ومداراته عليه السلام مع مخالفيه وهو علي أنحاء:
1. رفقه عليه السلام مع مقاتليه في حرب الجمل

برواية:

1. سوّار الكندي - 5. محمّد بن شهاب الزهري

2. طلحة بن الأعلم - 6. مروان بن الحكم

3. عبدالله بن عبّاس - 7. ما ورد مرسلاً

4. محمّد بن عبدالله بن سواد -

1. سوّار الكندي

15526. ابن أبي شيبة: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن أشعث بن سوّار، عن أبيه، قال:

أرسل إلىّ موسي بن طلحة في حاجة فأتيته، قال: فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ناس من أهل المسجد، فقالوا: يا أباعيسي، حدّثنا في الاُساري ليلتنا، فسمعتهم يقولون: أمّا موسي بن طلحة فإنّه مقتول بكرة، فلمّا صلّيت الغداة جاء رجل يسعي: الاُساري، الاُساري.

قال: ثمّ جاء آخر في أثره يقول: موسي بن طلحة، موسي بن طلحة.

قال: فانطلقت، فدخلت علي أميرالمؤمنين فسلّمت، فقال: أ تبايع ؟ تدخل فيما دخل فيه الناس ؟ قلت: نعم. قال: هكذا ومدّ يده فبسطهما، قال: فبايعته، ثمّ قال: ارجع إلي أهلك ومالك.

قال: فلمّا رأي الناس قد خرجت، قال: جعلوا يدخلون فيبايعون.(1)

2. طلحة بن الأعلم

15527. سيف بن عمر: عن طلحة [بن الأعلم] قال: وجهّز علي عائشة....(2)

ص:264


1- (1) المصنّف 541/7-542(37793).
2- (2) عنه الطبري في تاريخه 544/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, تجهيز علي عليه السلام عائشة - رضي الله عنها -

ستأتي روايته مع رواية محمّد بن عبدالله بن سواد.

3. عبدالله بن عبّاس

15528. البلاذري: عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس:

أنّ عليّاً أخذ يوم الجمل مروان بن الحكم وموسي بن طلحة فأرسلهما.(1)

4. محمّد بن عبدالله بن سواد

15529. سيف بن عمر: عن محمّد [بن عبدالله بن سواد] وطلحة [بن الأعلم], قالا:

وجهّز علي عائشة بكلّ شيء ينبغي لها من مركب أو زاد أو متاع، وأخرج معها كلّ من نجا ممّن خرج معها إلّا من أحبّ المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وقال: تجهّز يا محمّد فبلّغها....(2)

5. محمّد بن شهاب الزهري

15530. البلاذري: حدّثني خلف بن سالم وأبوخيثمة، قالا: حدّثنا وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه، عن يونس بن يزيد الإيلي، عن الزهري، قال:

احتمل محمّد بن أبي بكر عائشة؛ فضرب عليها فسطاطاً، فوقف علي عليها فقال: استفززت الناس وقد فزّوا حتّي قتل بعضهم بعضاً بتأليبك.

فقالت: يا ابن أبي طالب، ملكت فأسجح. فسرحها إلي المدينة في جماعة من رجال ونساء، وجهّزها باثني عشر ألفاً.(3)

ص:265


1- (1) أنساب الأشراف 57/3, مقتل الزبير بن العوّام.
2- (2) عنه الطبري في تاريخه 544/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, تجهيز علي عليه السلام عائشة - رضي الله عنها - من البصرة.
3- (3) أنساب الأشراف 972/3، مقتل طلحة بن عبيدالله. من البصرة.
6. مروان بن الحكم

15531. ابن سعد: عن أنس بن عياض، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، أنّ مروان بن الحكم حدّثه - وهو أمير علي المدينة -، قال:

لمّا تواقفنا يوم الجمل لم يلبث أهل البصرة أن انهزموا فقام صائح لعلي، فقال: لا يقتل مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن.

قال: فدخلت داراً ثمّ أرسلت إلي حسن وحسين وابن جعفر وابن عبّاس فكلّموه، فقال: هو آمن فليتوجّه حيث ما شاء. فقلت: لا تطيب نفسي حتّي ابايعه.

قال: فبايعته ثمّ قال: اذهب حيث شئت.(1)

15532. سعيد بن منصور: حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن حسين أنّ مروان بن الحكم قال له - وهو أمير بالمدينة -:

ما رأيت أحداً أحسن غلبة من أبيك علي بن أبي طالب، أ لا احدّثك عن غلبته إيّانا يوم الجمل ؟ قلت: الأمير أعلم.

قال: لمّا التقينا يوم الجمل تواقفنا، ثمّ حمل بعضنا علي بعض، فلم ينشب أهل البصرة أن انهزموا، فصرخ صارخ لعلي: لا يقتل مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ومن أغلق عليه باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح آمن.

قال مروان: وقد كنت دخلت دار فلان ثمّ أرسلت إلي حسن وحسين ابني علي وعبدالله بن عبّاس وعبدالله بن جعفر فكلّموه، قال: هو آمن فليتوجّه حيث شاء. فقلت: لا والله ما تطيب نفسي حتّي ابايعه، فبايعته، ثمّ قال: اذهب حيث شئت.(2)

15533. الشافعي: روي عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين

ص:266


1- (1) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 57/3, مقتل الزبير بن العوّام. وسيأتي قريباً أنّه لم يبايع ولم يكرهه أميرالمؤمنين عليه السلام علي البيعة.
2- (2) سنن سعيد بن منصور 337/2-338(2947).

- رضي الله تعالي عنهما -, قال:

دخلت علي مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحداً أكرم غلبة من أبيك، ما هو إلّا أن ولينا يوم الجمل فنادي مناديه: لا يقتل مدبر، ولا يذفّف علي جريح.(1)

7. ما ورد مرسلاً

15534. ابن قتيبة: وانهزم الناس، واُسرت عائشة، واُسر مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان وموسي بن طلحة وعمرو بن سعيد بن العاص، فقال عمّار لعلي: يا أميرالمؤمنين، اقتل هؤلاء الأسري. فقال علي: لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع ونزع.

فدعا علي بموسي بن طلحة، فقال الناس: هذا أوّل قتيل يقتل. فلمّا اتي به علي قال: تبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس ؟ قال: نعم. فبايع وبايع الجميع، وخلّي سبيلهم، وسأل الناس عليّاً ما كان عرض عليهم قبل ذلك، فأعطاه، ثمّ أمر المنادي فنادي: لا يقتلنّ مدبر، ولا يجهز علي جريح.(2)

15535. البلاذري: قال أبومخنف في إسناده:

ارتثّ مروان يوم الجمل فصار إلي قوم من عنزة، وبعث إلي مالك بن مسمع يستجيره، فأشار عليه أخوه مقاتل أن يفعل فأجاره، وسأل عليّاً له الأمان فآمنه، وعرض عليه أن يبايعه حين بايعه الناس بالبصرة؛ فأبي وقال: ألم تؤمني ؟ قال: بلي. قال: فإنّي لا ابايعك حتّي تكرهني.

قال علي: فإنّي لا اكرهك، فوالله أن لو بايعتني بإستك لغدرت.

ص:267


1- (1) الاُمّ 308/4، كتاب قتال أهل البغي و أهل الردّة، باب السيرة في أهل البغي، وعنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 181/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم، وفيه: «أنبأنا الشافعي، وأظنّه عن إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن محمّد». وتقدّمت رواية محمّد بن علي الباقر عليه السلام آنفاً.
2- (2) الإمامة والسياسة 79/1, التحام الحرب.

ثمّ إنّه مضي إلي معاوية.

وصار ابن الزبير إلي دار رجل من الأزد، وبعث بالأزدي إلي عائشة ليعلمها مكانه، فبعثت إليه محمّد بن أبي بكر؛ فجاءها به وقد تغالظا في الطريق.

وصار إليها أيضاً عتبة بن أبي سفيان بعد أن أجاره عصمة بن الزبير، فبلغ عليّاً مكانهما عند عائشة، فسكت ولم يعرض لهما.

قالوا: وقام علي حين ظهر وظفر خطيباً فقال: يا أهل البصرة، وقد عفوت عنكم فإيّاكم والفتنة، فإنّكم أوّل الرعيّة نكث البيعة وشقّ عصا الاُمّة.

ثمّ جلس وبايعه الناس، وكتب إلي قرظة بن كعب بالفتح، وجزي أهل الكوفة علي نصرة آل نبيّهم خيراً.(1)

15536. البلاذري: قالوا:... وانتهي علي إلي الهودج فضربه برمحه وقال: كيف رأيت صنيع الله بك يا اخت إرم ؟ فقالت: ملكت فأسجح.

ثمّ قال لمحمّد بن أبي بكر: انطلق باُختك فأدخلها البصرة. فأنزلها محمّد في دار صفيّة بنت الحارث بن طلحة بن أبي [طلحة] العبدري - وهي امّ طلحة الطلحات بن عبدالله بن خلف الخزاعي -، فمكثت بها أيّاماً، ثمّ أمرها علي بالرحلة فاستأجلته أيّاماً فأجّلها، فلمّا انقضي الأجل أزعجها فخرجت إلي المدينة في نساء من أهل البصرة ورجال من قبله حتّي نزلت المدينة، وكانت تقول إذا ذكرت يوم الجمل: وددت أنّي متّ قبله بكذا وكذا عاماً.(2)

15537. ابن كثير: نادي منادي علي في الناس: إنّه لا يتبع مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ولا يدخلوا الدور. وأمر علي نفراً أن يحملوا الهودج من بين القتلي، وأمر محمّد بن أبي بكر وعمّاراً أن يضربا عليها قبّة، وجاء إليها أخوها محمّد فسألها: هل وصل إليك

ص:268


1- (1) أنساب الأشراف 57/3-58, مقتل الزبير بن العوّام.
2- (2) أنساب الأشراف 45/3-46، مقتل طلحة بن عبيدالله.

شيء من الجراح ؟ فقالت: لا، وما أنت ذاك يا ابن الخثعميّة!

وسلّم عليها عمّار فقال: كيف أنت يا امّ ؟ فقالت: لست لك باُمّ . قال: بلي وإن كرهت.

وجاء إليها علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين مسلّماً، فقال: كيف أنت يا امّه ؟ قالت: بخير. فقال: يغفر الله لك.

وجاء وجوه الناس من الاُمراء والأعيان يسلّمون علي امّ المؤمنين - رضي الله عنها -.(1)

15538. سبط ابن الجوزي: لمّا وقع الجمل جاء محمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر فاحتملا الهودج... وجاء علي عليه السلام وضرب عليها فسطاطاً وقال: استفززت الناس وألّبت بينهم حتّي قتل بعضهم بعضاً؟ فقالت له: ملكت فأسجح(2).

وفي رواية أنّه وقف عليها و قال: يغفرالله لك. فقالت: و لك.

وفي رواية أنّه ضرب هودجها بالقضيب وقال: يا حميراء، أ رسول الله أمرك بهذا؟ إنّما أمرك الله بالقرار في بيتك، والله ما أنصفك من أخرجك وصان حلائله! فلم تتكلّم كلمة.(3)

15539. سبط ابن الجوزي: واُخذ مروان بن الحكم فتشفّع فيه الحسن والحسين عليه السلام، فأطلقه علي عليه السلام.(4)

15540. سبط ابن الجوزي: قال هشام بن محمّد: فجهّزها [أي عائشة] علي عليه السلام أحسن الجهاز، ودفع لها مالاً كثيراً، وبعث معها أخاها عبدالرحمان في ثلاثين رجلاً وعشرين امرأة، من أشراف البصرة وذوات الدين من همدان وعبدالقيس، وألبسهنّ

ص:269


1- (1) البداية والنهاية 244/7, حوادث سنة ستّ وثلاثين, ابتداء وقعة الجمل.
2- (2) قال ابن الأثير في النهاية 342/2 «سجح»: الأسجح: السهل, ومنه حديث عائشة، قالت لعلي يوم الجمل حين ظهر: ملكت فأسجح, أي قدرت فسهّل وأحسن العفو، وهو مَثَل سائر.
3- (3) تذكرة الخواصّ 382/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام.
4- (4) تذكرة الخواصّ 390/1، الباب الثالث.

العمائم، وقلّدهنّ السيوف بزىّ الرجال، وقال لهنّ : لا تُعْلِمَنْها أنّكنّ نسوة، وتَلَثَّمْنَ وكُنَّ حولها، ولا يقربنّها رجل و سرن معها علي هذا الوصف.

فلمّا وصلت إلي المدينة قيل لها: كيف كان مسيرك ؟ فقالت: بخير، والله لقد أعطي فأكثر، ولكنّه بعث رجالاً معي أنكرتهم! فبلغ ذلك النسوة، فجئن إليها، وعرّفنها أنهنّ نسوة، فسجدت وقالت: والله يا ابن أبي طالب ما ازددت إلّا كرماً، وددت أنّي لم أخرج هذا المخرج، وأنّي أصابني كيت وكيت.(1)

15541. ابن أبي الحديد: وأمّا الحلم والصفح، فكان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهر صحّة ما قلناه يوم الجمل؛ حيث ظفر بمروان بن الحكم - وكان أعدي الناس له، وأشدّهم بغضاً - فصفح عنه.

وكان عبدالله بن الزبير يشتمه علي رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوعد اللئيم علي بن أبي طالب. وكان علي عليه السلام يقول: ما زال الزبير رجلاً منّا أهل البيت حتّي شبّ عبدالله. فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيراً، فصفح عنه، وقال: اذهب فلا ارينّك. لم يزده علي ذلك.

وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة - وكان له عدوّاً - فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً.

وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلمّا ظفر بها أكرمها، وبعث معها إلي المدينة عشرين امرأة من نساء عبدالقيس, عمّمهنّ بالعمائم, وقلّدهنّ بالسيوف، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، وتأفّفت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الّذين وكلهم بي. فلمّا وصلت المدينة ألقي النساء عمائمهنّ وقلن لها: إنّما نحن نسوة.

وحاربه أهل البصرة، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه ولعنوه، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادي مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبع مولّ ، ولا يجهز

ص:270


1- (1) تذكرة الخواصّ 393/1-394، الباب الثالث.

علي جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقي سلاحه فهو آمن، ومن تحيّز إلي عسكر الإمام فهو آمن.

ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبي ذراريّهم، ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل، ولكنّه أبي إلّا الصفح والعفو، وتقيّل سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة، فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد، والإساءة لم تنس....

فهذه إن نسبتها إلي الحلم والصفح فناهيك بها جمالاً وحسناً، وإن نسبتها إلي الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام.(1)

15542. ابن أبي الحديد: ومنها(2) قوله [عليه السلام]: واصفح مع الدولة تكن لك العاقبة.

هذه كانت شيمة رسول الله صلى الله عليه و آله، وشيمة علي عليه السلام، أمّا شيمة رسول الله صلى الله عليه و آله فظفر بمشركي مكّة وعفا عنهم، كما سبق القول فيه في عام الفتح، وأمّا علي عليه السلام فظفر بأصحاب الجمل وقد شقّوا عصا الإسلام عليه، وطعنوا فيه وفي خلافته، فعفا عنهم، مع علمه بأنّهم يفسدون عليه أمره فيما بعد ويصيرون إلي معاوية، إمّا بأنفسهم أو بآرائهم ومكتوباتهم، وهذا أعظم من الصفح عن أهل مكّة؛ لأنّ أهل مكّة لم يبق لهم لمّا فتحت فئة يتحيّزون إليها ويفسدون الدين عندها.(3)

15543. مسكويه: وكتب كتاب البشارة إلي عامله بالمدينة، وكان زياد بن أبي سفيان ممّن اعتزل، فلمّا انجلت الحرب ذكره علي واستبطأه، فقال ابن أخيه عبدالرحمان بن أبي بكرة، وكان ورد مستأمناً: هو مستأمن يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: امش أمامي، فاهدني إليه.

ففعل، فلمّا دخل عليه قال: تقاعدت وتربّصت.

فاعتذر زياد، فقبل عذره، واستشاره في من يولّيه البصرة، وأراده عليها.

ص:271


1- (1) شرح نهج البلاغة 22/1-24, المقدّمة, القول في نسب أميرالمؤمنين علي عليه السلام.
2- (2) أي من وصايا جليلة الموقع الّتي كتبها علي عليه السلام إلي الحارث الهمداني.
3- (3) شرح نهج البلاغة 47/18، شرح الكتاب 69.

فقال: يا أميرالمؤمنين، رجل من أهل بيتك يسكن إليه الناس، فإنّه أجدر أن يطمئنّوا إليه، وسأكفيه واُشير عليه.

فافترقا علي ابن عبّاس، وولّي زياداً الخراج وبيت المال....

وجهّز علىّ عائشة لغرّة رجب سنة ستّ وثلاثين بكلّ شيء ينبغي لها، وأخرج معها كلّ من نجا ممّن خرج معها إلّا من أحبّ المقام، واختار من نساء البصرة المعروفات أربعين امرأة، وأمر أخاها محمّداً بالخروج معها، وخرج في تشييعها أميالاً، وسرّح بنيه معها يوماً.(1)

2. رفقه عليه السلام مع مقاتليه في صفّين

برواية:

1. الجرجاني - 4. أبي فاختة

2. العبّاس بن الوليد بن مزيد - 5. يزيد بن بلال

3. عبدالله بن عوف الأحمر - 6. ما ورد مرسلاً

1. الجرجاني

15544. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): فحدّثنا محمّد بن عبدالله، عن الجرجاني، قال:

قال عمرو بن العاص لمعاوية لمّا ملك أهل العراق الماء: ما ظنّك يا معاوية بالقوم إن منعوك اليوم الماء كما منعتهم أمس ؟ أ تراك تضاربهم عليه كما ضاربوك عليه ؟ ما أغني عنك أن تكشف لهم السوءة.

فقال معاوية: دع عنك ما مضي، فما ظنّك بعلي ؟

قال: ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه، وأنّ الّذي جاء له غير الماء....

ص:272


1- (1) تجارب الاُمم 506/1-507, خلافة الإمام علي, سيرة علي في من قاتل يوم الجمل, تجهيز علي عائشة.
2- (2) وقعة صفّين ص 185-186.

قال نصر: فقال أصحاب علي عليه السلام له: امنعهم الماء يا أميرالمؤمنين كما منعوك. فقال: لا، خلّوا بينهم وبينه، لا أفعل ما فعله الجاهلون، سنعرض عليهم كتاب الله، وندعوهم إلي الهدي، فإن أجابوا؛ وإلّا ففي حدّ السيف ما يغني إن شاء الله.

قال: فوالله ما أمسي الناس حتّي رأوا سقاتهم وسقاة أهل الشام ورواياهم وروايا أهل الشام يزدحمون علي الماء ما يؤذي إنسان إنساناً.(1)

2. العبّاس بن الوليد بن مزيد

15545. ابن عساكر: أخبرنا أبوالقاسم الحسين بن الحسن بن محمّد الأسدي المعروف بابن البنّ - بقراءتي عليه غير مرّة -، أخبرنا أبوالقاسم علي بن محمّد بن أبي العلاء، أخبرنا أبوالحسين عبدالوهّاب بن جعفر بن علي بن جعفر المدائني، أخبرنا أبومحمّد عبدالله بن عبدالغفّار بن محمّد بن أحمد بن إسحاق - قدم علينا -، أخبرنا أبوعلي بن حيدرة، حدّثنا العبّاس بن الوليد بن مزيد، قال:

سبق أصحاب معاوية إلي الماء بصفّين قبل، وعلي أصحاب معاوية رجلان: أحدهما أبوالأعور السلمي، والآخر بسر بن أبي أرطاة، فلمّا قدم أصحاب علي منعهم الماء واحتازوه دونهم، فأرسل علي إلي معاوية أن يطلق الماء لعسكره، فلو كان أصحابي سبقوا إليه ما منعوك.

قال: فاستشار عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي سرح، وكان أخا عثمان لاُمّه، فقال عمرو: أري أن تطلق لهم الماء. وقال ابن أبي سرح: لاتطلق لهم الماء حتّي يموتوا عطشاً كما قتلوا أميرالمؤمنين عطشاً - يعني بذلك عثمان -. فمال معاوية إلي قوله، وترك قول عمرو.

فلمّا أضرّ بأصحاب علي ذلك أصبح علي باب حجرة علي اثنا عشرة ألفاً من أصحاب البرانس، وقالوا: يا أميرالمؤمنين، أ نهلك ونحن ننظر إلي الماء؟ قال: فمن له ؟ قال الأشعث بن قيس: أنا.

ص:273


1- (1) شرح نهج البلاغة 330/3-331، شرح الخطبة 51.

قال: فشأنك. قال: فتقدّم بهم... فحملوا عليهم فأزالوهم عن الماء وقعدوا عليه.

قال: فقال عمرو لمعاوية: شمت بك، أ تراك تضاربه علي الماء كما ضربوك بالأمس ؟ قال معاوية: هم خير من ذلك. وأرسل علي إلي الأشعث أن خلّ بينه وبين الماء.(1)

3. عبدالله بن عوف الأحمر

15546. الطبري: قال أبومخنف: وحدّثني يوسف بن يزيد، عن عبدالله بن عوف بن الأحمر:

أنّ صعصعة رجع إلينا فحدّثنا عمّا قال لمعاوية، وما كان منه وما ردّ... فأبرزنا علي إليهم، فارتمينا ثمّ اطّعنّا، ثمّ اضطربنا بالسيوف، فنصرنا عليهم، فصار الماء في أيدينا، فقلنا: لا والله، لا نسقيهموه، فأرسل إلينا علي أن خذوا من الماء حاجتكم، وارجعوا إلي عسكركم، وخلّوا عنهم، فإنّ الله - عزّ وجلّ - قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم.(2)

4. أبوفاختة

15547. عبدالرزّاق وسعيد بن منصور: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاختة، قال: حدّثني جار لي، قال:

أتيت عليّاً بأسير يوم صفّين، فقال لي: أرسله. [فقال: لاتقتلني. فقال:] لا أقتله صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين، أ فيك خير؟ [أ ت -] - بايع ؟ وقال للّذي جاء به: لك سلبه.(3)

15548. الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاختة:

أنّ عليّاً - رضي الله تعالي عنه - اتي بأسير يوم صفّين، فقال: لا تقتلني صبراً. فقال علي: لا أقتلك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين. فخلّي سبيله، ثمّ قال: أ فيك خير؟ أ تبايع ؟(4)

ص:274


1- (1) تاريخ مدينة دمشق 136/9-137، ترجمة أشعث بن قيس (772).
2- (2) تاريخ الطبري 572/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, القتال علي الماء.
3- (3) المصنّف 124/1(18592)؛ سنن سعيد بن منصور 339/2(2951).
4- (4) الاُمّ 317/4، كتاب قتال أهل البغي وأهل الردّة، الخلاف في قتال أهل البغي، قال الشافعي: والحرب يوم صفّين قائمة ومعاوية يقاتل جادّاً في أيّامه كلّها منتصفاً أو مستعلياً، وعلي يقول لأسير

15549. الخطيب: أخبرنا أبوالحسن محمّد بن عبدالواحد بن محمّد بن جعفر، أخبرنا عمر بن محمّد الناقد، حدّثنا أحمد بن الحسن بن عبدالجبّار الصوفي، قال: قال أبوزكريّا يحيي بن يوسف الزمّي: كنّا عند سفيان... قال: حدّثنا عمرو بن دينار، سمع أبافاختة سعيد بن علاقة قال: حدّثني جار لي، قال:

أتيت عليّاً عليه السلام بأسير يوم صفّين، فقال: لا تقتلني صبراً. قال: لا أقتلك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين، أ تبايع ؟ أ فيك خير؟ قال: نعم. قال للّذي جاء به: خذ سلاحه.(1)

5. يزيد بن بلال

15550. ابن أبي شيبة: حدّثنا محمّد بن عبدالله الأسدي، قال: حدّثنا كيسان، قال: حدّثني مولاي يزيد بن بلال، قال:

شهدت مع علي يوم صفّين، فكان إذا اتي بأسير قال: لن أقتلك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين. وكان يأخذ سلاحه، ويحلفه لا يقاتله، ويعطيه أربعة دراهم.(2)

6. ما ورد مرسلاً

15551. الإسكافي: وبلغ من عفوه أنّه يوم الحكمين كان في يده أسري من أهل الشام فخلّي سبيلهم، ومنعوه الماء ولم يمنعهم.(3)

15552. الخوارزمي: روي أنّ أهل الشام سبقوا إلي مشرعة الفرات ومنعوا أصحاب علي الماء، وكان علي رضى الله عنه وأصحابه يشربون من ماء آسن حتّي فشا فيهم السقم، وكان

ص:275


1- (1) الجامع لأخلاق الراوي 352/1(446).
2- (2) المصنّف 549/7(37850).
3- (3) المعيار والموازنة ص 234، ذكر نبذة من عوالم عفوه وغفرانه. من أصحاب معاوية: «لا أقتلك صبراً...», وعنه البيهقي في السنن الكبري 182/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم، والسنن الصغري 183/7(3217) و (3218)، ومعرفة السنن 218/12(16495). ورواه الرامهرمزي في المحدّث الفاصل 581/1(817).

علي رضى الله عنه يداري أهل الشام ويلاطفهم، فلا يبدأهم بالقتال، ويحتجّ عليهم مرّة بعد اخري، وهم مصرّون علي منعهم الماء....

فأرسل علي إلي معاوية عبدالله بن بديل الخزاعي - وهو الّذي فتح أصبهان في أيّام عمر - وقال له: يقول علي: لو كنت سبقتك إلي الماء لما منعتكه، وإنّ منعك الماء محرّم عليك، فدع أصحاب النبىّ صلى الله عليه و آله ليشربوا ويسقوا حتّي ننظر إلي ما يؤول أمرنا، فإنّ القتال شديد، فلا نبدأ في الشهر الحرام.

فأتاه عبدالله برسالته فأصرّ وقال: قل له: يدفع إلىّ قتلة عثمان أقتلهم. فقال له عبدالله: أتظنّ يا معاوية أنّ عليّاً عليه السلام عجز عن أخذ الماء؟ ولكنّه يحتجّ عليك....(1)

15553. الخوارزمي: في رواية: وحمل الوليد بن عقبة علي أميرالمؤمنين عليه السلام مع ألف فارس فحمل عليه أميرالمؤمنين مع ألف فارس، فانهزم الوليد ومن معه ولم يتبعهم أميرالمؤمنين، وكذلك كان يفعل، فقال الأصبغ بن نباتة وصعصعة بن صوحان: يا أميرالمؤمنين، كيف يكون لنا الفتح وإذا هزمناهم لم نقتلهم وإذا هزمونا قتلونا؟ فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: إنّ معاوية لا يعمل بكتاب الله ولا بسنّة رسوله، ولست أنا كمعاوية، ولو كان عنده علم وعمل لما حاربني، والله بيني وبينه.(2)

15554. الدينوري - بعد منع معاوية الماء علي جيش الإمام علي عليه السلام -: فلمّا أصبح زاحف أباالأعور، فاقتتلوا، وصدقهم الأشتر والأشعث حتّي نفيا أباالأعور وأصحابه عن الشريعة، وصارت في أيديهما.

فقال عمرو بن العاص لمعاوية: ما ظنّك بالقوم اليوم إن منعوك الماء كما منعتهم أمس ؟

فقال معاوية: دع ما مضي، ما ظنّك بعلي ؟

قال: ظنّي أنّه لا يستحلّ منك ما استحللت منه؛ لأنّه أتاك في غير أمر الماء.

ص:276


1- (1) المناقب ص 203-206 ضمن الحديث 240.
2- (2) المناقب ص 249, ذيل الحديث 240.

ثمّ توادع الناس، وكفّ بعضهم عن بعض، وأمر علي إلّا يمنع أهل الشام من الماء، فكانوا يسقون جميعاً.(1)

15555. ابن الأثير: قاتلوهم حتّي خلّوا بينهم وبين الماء، وصار في أيدي أصحاب علي، فقالوا: والله لا نسقيه أهل الشام!

فأرسل علي إلي أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم، وخلّوا عنهم، فإنّ الله نصركم ببغيهم وظلمهم.(2)

15556. ابن أبي الحديد: وأمّا الحلم والصفح، فكان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهر صحّة ما قلنا يوم الجمل....

ولمّا ملك عسكر معاوية عليه الماء وأحاطوا بشريعة الفرات, وقالت رؤساء الشام له: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً, سألهم علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا والله، ولا قطرة حتّي تموت ظمأ كما مات ابن عفّان؛ فلمّا رأي عليه السلام أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه، وحمل علي عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّي أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع؛ سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة، لا ماء لهم.

فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أميرالمؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة لك إلي الحرب.

فقال: لا والله، لا اكافئهم بمثل فعلهم، أفسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي السيف ما يغني عن ذلك.

فهذه إن نسبتها إلي الحلم والصفح فناهيك بها جمالاً وحسناً، وإن نسبتها إلي الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام!(3)

ص:277


1- (1) الأخبار الطوال ص 169, وقعة صفّين.
2- (2) الكامل 145/3-146, حوادث سنة ستّ وثلاثين, ذكر ابتداء وقعة صفّين.
3- (3) شرح نهج البلاغة 22/1-24, المقدّمة, القول في نسب أميرالمؤمنين علي عليه السلام.

15557. ابن أبي الحديد: لمّا ملك أميرالمؤمنين عليه السلام الماء بصفّين، ثمّ سمح لأهل الشام بالمشاركة فيه والمساهمة، رجاء أن يعطفوا إليه، واستمالة لقلوبهم وإظهاراً للمعدلة وحسن السيرة فيهم، مكث أيّاماً لا يرسل إلي معاوية، ولا يأتيه من عند معاوية أحد.

واستبطأ أهل العراق إذنه لهم في القتال، وقالوا: يا أميرالمؤمنين، خلّفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة، وجئنا إلي أطراف الشام لنتّخذها وطناً؟! ائذن لنا في القتال، فإنّ الناس قد قالوا.

قال لهم عليه السلام: ما قالوا؟

فقال منهم قائل: إنّ الناس يظنّون أنّك تكره الحرب كراهيّة للموت، وإنّ من الناس من يظنّ أنّك في شكّ من قتال أهل الشام.

فقال عليه السلام: ومتي كنت كارهاً للحرب قطّ؟ إنّ من العجب حبّي لها غلاماً و يفعاً، وكراهيّتي لها شيخاً بعد نفاد العمر وقرب الوقت!

وأمّا شكّي في القوم فلو شككت فيهم لشككت في أهل البصرة، والله لقد ضربت هذا الأمر ظهراً وبطناً، فما وجدت يسعني إلّا القتال، أو أن أعصي الله ورسوله، ولكنّي أستأني بالقوم عسي أن يهتدوا أو تهتدي منهم طائفة، فإنّ رسول الله صلى الله عليه و آله قال لي يوم خيبر: لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس.(1)

3. رفقه عليه السلام مع الخوارج

برواية:

1. الأعمش - 5. عبدالملك بن أبي حرّة

2. حكيم بن سعد أبي تحيي - 6. علي بن الحسين عليه السلام

3. أبي رزين - 7. علي بن ربيعة

4. الصلت بن بهرام - 8. عمر مولي غفرة

ص:278


1- (1) شرح نهج البلاغة 13/4-14، شرح الخطبة 54.

9. القاسم بن الوليد - 12. ليث بن أبي سليم عن أصحابه

10. قتادة - 13. محمّد بن شهاب الزهري

11. كثير بن نمر الحضرمي - 14. ما ورد مرسلاً

1. الأعمش

15558. يحيي بن آدم: أنبأنا سفيان، عن الأعمش وغيره، قالوا:

خرج علي إلي أهل حروراء فكلّمهم وحاجّهم وذلك بعد بعثته ابن عبّاس إليهم، فدخلوا جميعاً إلي الكوفة، وكان الرجل منهم يذكر القضيّة فيخرج فيحكّم، وكان علي يقول: إنّا لا نمنعهم الفيء، ولا نحول بينهم وبين دخول مساجد الله، ولا نهيّجهم ما لم يسفكوا دماً وما لم ينالوا محرّماً.(1)

2. حكيم بن سعد أبوتحيي

15559. ابن الجعد: أخبرنا شريك، عن أبي ظبيان، عن أبي تحيي [حكيم بن سعد]، قال:

صلّي علي صلاة الفجر فناداه رجل من الخوارج: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )2 . قال: فأجابه علي وهو في الصلاة: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )3 .(2)

15560. الحمّاني: حدّثنا شريك، عن عمران بن ظبيان، عن أبي تحيي(3) ، قال:

نادي رجل من الغالين عليّاً وهو في الصلاة صلاة الفجر، فقال: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ

ص:279


1- (1) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 133/3، ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام.
2- (4) مسند ابن الجعد ص 345 (2371)، وعنه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم 374/5-375, ذيل الآية 60 من سورة الروم, من طريق ابن أبي حاتم.
3- (5) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «أبي يحيي»، وكذا في الحديث التالي.

وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ، فأجابه علي وهو في الصلاة: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) .(1)

15561. يحيي بن آدم: حدّثنا عبدالرحمان بن حميد الرؤاسي، قال: حدّثنا عمران بن ظبيان، عن أبي تحيي، قال:

سمع رجلاً من الخوارج وهو يصلّي صلاة الفجر يقول: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )2 ، قال: فترك سورته الّتي كانت فيها، قال: وقرأ (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )3 .(2)

3. أبورزين

15562. الطبري: حدّثنا أبوكريب، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيل بن سميع الحنفي، عن أبي رزين، قال:

لمّا وقع التحكيم ورجع علي من صفّين رجعوا مباينين له، فلمّا انتهوا إلي النهر أقاموا به، فدخل علي في الناس الكوفة، ونزلوا بحروراء، فبعث إليهم عبدالله بن عبّاس، فرجع ولم يصنع شيئاً، فخرج إليهم علي فكلّمهم حتّي وقع الرضا بينه وبينهم، فدخلوا الكوفة، فأتاه رجل فقال: إنّ الناس قد تحدّثوا أنّك رجعت لهم عن كفرك.

فخطب الناس في صلاة الظهر، فذكر أمرهم فعابه، فوثبوا من نواحي المسجد يقولون:

ص:280


1- (1) عنه الحاكم في المستدرك 146/3(4704)، من طريق محمّد بن عثمان بن أبي شيبة, ومن طريقه البيهقي في السنن الكبري 245/2, كتاب الصلاة, باب ما يجوز من قراءة القرآن والذكر في الصلاة.
2- (4) المصنّف 553/7(37880). ورواه النووي مرسلاً في التبيان ص 122, الباب السادس, فصل في قراءة يراد بها الكلام, عن حكيم بن سعد.

لا حكم إلّا لله. واستقبله رجل منهم واضع إصبعيه في اذنيه، فقال: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ، فقال علي: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) .(1)

4. الصلت بن بهرام

15563. أبوخيثمة: حدّثنا وهب بن جرير، عن أبيه، عن الصلت بن بهرام، قال:

لمّا قدم علي الكوفة من صفّين جعل يخطب الناس وجعلت الخوارج تقول - وهو علي المنبر -: قبلت الدنيّة بالقضيّة، وجزعت عن البليّة, لا حكم إلّا لله. فيقول: حكم الله أنتظر فيكم. فيقولون: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )2 ، فيقول علي: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )3 .(2)

5. عبدالملك بن أبي حُرّة

15564. البلاذري: حدّثني عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن [عبدالملك] بن أبي حرّة الحنفي:

أنّ عليّاً خرج ذات يوم فخطب فإنّه لفي خطبته إذ حكّمت المحكّمة في جوانب المسجد، فقال علي: كلمة حقّ يعزي بها - أو قال: يراد بها - باطل، إنّه لا حكم إلّا لله؛ ولكنّهم يقولون إنّه لا إمرة، ولا بدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن، ويستمع الفاجر، فإن سكتوا تركناهم - أو قال: عذرناهم - وإن تكلّموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم.(3)

15565. الطبري: قال أبومخنف: فحدّثني عبدالملك بن أبي حرّة الحنفي:

أنّ عليّاً خرج ذات يوم يخطب, فإنّه لفي خطبته إذ حكّمت المحكّمة في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر! كلمة حقّ يراد بها باطل! إن سكتوا عمّمناهم، وإن تكلّموا حججناهم، وإن خرجوا علينا قاتلناهم.(4)

ص:281


1- (1) تاريخ الطبري 73/5-74, حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
2- (4) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 128/3-129, أمر الحكمين.
3- (5) أنساب الأشراف 126/3, أمر الحكمين.
4- (6) تاريخ الطبري 72/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج. ورواه ابن الأثير في الكامل 169/3, حوادث سنة سبع و ثلاثين، ذكر خبر الخوارج عند توجيه الحكمين وخبر يوم النهر.

15566. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني عبدالملك بن أبي حرّة... قال:

وطلب [عليه السلام] من به رمق منهم [أي من الخوارج]، فوجدناهم أربعمئة رجل، فأمر بهم علي فدفعوا إلي عشائرهم، وقال: احملوهم معكم فداووهم، فإذا برئوا فوافوا بهم الكوفة، وخذوا ما في عسكرهم من شيء.(1)

6. علي بن الحسين عليه السلام

15567. ابن أبي الحديد: روي أنس بن عياض المدني، قال: حدّثني جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن جدّه:

أنّ عليّاً عليه السلام كان يوماً يؤمّ الناس وهو يجهر بالقراءة، فجهر ابن الكوّاء من خلفه: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )2 ، فلمّا جهر ابن الكوّاء وهو خلفه بها سكت علي، فلمّا أنهاها ابن الكوّاء عاد علي عليه السلام فأتمّ قراءته، فلمّا شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكوّاء الجهر بتلك الآية، فسكت علي، فلم يزالا كذلك يسكت هذا ويقرأ ذاك مراراً، حتّي قرأ علي عليه السلام: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) ، فسكت ابن الكوّاء وعاد عليه السلام إلي قراءته.(2)

ص:282


1- (1) تاريخ الطبري 88/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
2- (3) شرح نهج البلاغة 311/2، شرح الخطبة 40.
7. علي بن ربيعة

15568. وكيع: عن سعيد بن جبير، عن علي بن ربيعة:

أنّ رجلاً من الخوارج قرأ خلف علي رضى الله عنه (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )1 ، فقال علي: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )2 .(1)

15569. يحيي بن آدم: عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن علي بن ربيعة، قال:

نادي رجل من الخوارج عليّاً رضى الله عنه وهو في صلاة الفجر، فقال: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ ) ، فأجابه علي رضى الله عنه وهو في الصلاة: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) .(2)

8. عمر مولي غفرة

15570. ابن ديزيل: عن عبدالرحمان بن زياد، عن خالد بن حميد المصري، عن عمر مولي غفرة، قال:

لمّا رجع علي عليه السلام من صفّين إلي الكوفة أقام الخوارج حتّي جمّوا، ثمّ خرجوا إلي صحراء بالكوفة تسمّي حروراء فنادوا: لا حكم إلّا لله ولو كره المشركون، ألا إنّ عليّاً ومعاوية أشركا في حكم الله.

فأرسل علي عليه السلام إليهم عبدالله بن عبّاس، فنظر في أمرهم وكلّمهم، ثمّ رجع إلي علي عليه السلام،

ص:283


1- (3) عنه الطبري بإسناده إليه في جامع البيان 11 /الجزء 59/21، ذيل الآية 60 من سورة الروم.
2- (4) عنه الطبري بإسناده إليه في جامع البيان 11 /الجزء 59/21، ذيل الآية 60 من سورة الروم.

فقال له: ما رأيت ؟ فقال ابن عبّاس: والله ما أدري ماهم! فقال له علي عليه السلام: رأيتهم منافقين ؟ قال: والله ما سيماهم بسيما المنافقين، إنّ بين أعينهم لأثر السجود، وهم يتأوّلون القرآن.

فقال علي عليه السلام: دعوهم ما لم يسفكوا دماً، أو يغصبوا مالاً. وأرسل إليهم: ما هذا الّذي أحدثتم ؟ وما تريدون ؟ قالوا: نريد أن نخرج نحن وأنت ومن كان معنا بصفّين ثلاث ليال، ونتوب إلي الله من أمر الحكمين، ثمّ نسير إلي معاوية فنقاتله حتّي يحكم الله بيننا وبينه.

فقال علي عليه السلام: فهلّا قلتم هذا حين بعثنا الحكمين؛ وأخذنا منهم العهد؛ وأعطيناهموه ؟ ألا قلتم هذا حينئذ؟ قالوا: كنّا قد طالت الحرب علينا، واشتدّ البأس، وكثر الجراح، وخلا الكراع والسلاح.

فقال لهم: أ فحين اشتدّ البأس عليكم عاهدتم، فلمّا وجدتم الجمام قلتم: ننقض العهد؟! إنّ رسول الله كان يفي للمشركين، أ فتأمرونني بنقضه ؟!

فمكثوا مكانهم لا يزال الواحد منهم يرجع إلي علي عليه السلام، ولا يزال الآخر يخرج من عند علي عليه السلام، فدخل واحد منهم علي علي عليه السلام بالمسجد والناس حوله فصاح: لا حكم إلّا لله ولو كره المشركون. فتلفّت الناس, فنادي: لا حكم إلّا لله ولو كره المتلفّتون. فرفع علي عليه السلام رأسه إليه، فقال: لا حكم إلّا لله ولو كره أبوحسن. فقال علي عليه السلام: إنّ أباالحسن لا يكره أن يكون الحكم لله. ثمّ قال: حكم الله أنتظر فيكم.

فقال له الناس: هلّا ملت يا أميرالمؤمنين علي هؤلاء فأفنيتهم ؟ فقال: إنّهم لا يفنون، إنّهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء إلي يوم القيامة.(1)

9. القاسم بن الوليد

15571. الطبري: قال أبومخنف: وحدّثنا عن القاسم بن الوليد:

أنّ حكيم بن عبدالرحمان بن سعيد البكائي كان يري رأي الخوارج، فأتي عليّاً ذات

ص:284


1- (1) كتاب صفّين، كما عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 310/2-311، شرح الخطبة 40.

يوم وهو يخطب، فقال: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )1 . فقال علي: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )2 .(1)

10. قتادة

15572. الطبري: حدّثنا بشر، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيد، عن قتادة: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ ) , قال: قال رجل من الخوارج خلف علي في صلاة الغد: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )4 ، فأنصت له علي رضى الله عنه حتّي فهم ما قال فأجابه وهو في الصلاة (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )5 .(2)

11. كثير بن نمر الحضرمي

15573. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني الأجلح بن عبدالله، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر(3) الحضرمي، قال:

قام علي في الناس يخطبهم ذات يوم، فقال رجل من جانب المسجد: لا حكم إلّا لله.

ص:285


1- (3) تاريخ الطبري 73/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ماكان من خبر الخوارج.
2- (6) جامع البيان 11 /الجزء 59/21، ذيل الآية 60 من سورة الروم. ومثله مرسلاً عن سعيد, عن قتادة، كما في تفسير القرآن العظيم لابن كثير 374/5, ذيل الآية 60 من سورة الروم, والدرّ المنثور للسيوطي 305/5، ذيل الآية 60 من سورة الروم، نقلاً عن ابن أبي حاتم.
3- (7) هذا هو الصواب الموافق لترجمة الرجل ولسائر مصادر الحديث، وفي الأصل: «كثير بن بهز».

فقام آخر فقال مثل ذلك، ثمّ توالي عدّة رجال يحكّمون، فقال علي: الله أكبر, كلمة حقّ يلتمس بها باطل! أما إنّ لكم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّي تبدءونا. ثمّ رجع إلي مكانه الّذي كان فيه من خطبته.(1)

15574. ابن أبي شيبة: حدّثنا ابن نمير، عن الأجلح، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر، قال:

بينا أنا في الجمعة وعلي بن أبي طالب علي المنبر إذ جاء رجل فقال: لا حكم إلّا لله. ثمّ قام آخر فقال: لا حكم إلّا لله. ثمّ قاموا من نواحي المسجد يحكّمون الله، فأشار عليهم بيده: اجلسوا، نعم لا حكم إلّا لله، كلمة حقّ يبتغي بها باطل، حكم الله ينتظر فيكم، الآن لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا، لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم فيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّي تقاتلوا. ثمّ أخذ في خطبته.(2)

15575. الطبراني: حدّثنا محمّد بن يعقوب، قال: حدّثنا حفص بن عمرو، قال: حدّثنا محمّد بن كثير، قال: حدّثنا الحارث بن حصيرة، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر، قال:

دخلت مسجد الكوفة عشيّة جمعة وعلي يخطب الناس، فقاموا من نواحي المسجد يحكّمون، فقال بيده هكذا، ثمّ قال: كلمة حقّ يبتغي بها باطل، حكم الله أنتظر فيكم, أنا جئتكم بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه و سلم، وأقسم بينكم بالسويّة، ولا نمنعكم من هذا المسجد أن تصلّوا فيه ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّي تقاتلونا.(3)

ص:286


1- (1) تاريخ الطبري 73/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج. وأورده ابن الأثير في الكامل 169/3, حوادث سنة سبع و ثلاثين, ذكر خبر الخوارج.
2- (2) المصنّف 561/7(37917)، وعنه البيهقي في السنن الكبري 184/8، كتاب قتال أهل البغي, باب القوم يظهرون رأي الخوارج لم يحلّ به قتالهم.
3- (3) المعجم الأوسط 379/8(7767)، وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد 242/6-243, كتاب قتال أهل البغي, باب الحكم في البغاة والخوارج وقتالهم.

15576. أبوعبيد: حدّثني الأشجعي، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمر، قال:

جاء رجل برجل من الخوارج إلي علي، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي وجدت هذا يسبّك. قال: فسبّه كما سبّني.

قال: ويتوعّدك. فقال: لا أقتل من لم يقتلني.

قال علي: لهم علينا - قال أبوعبيد: حسبته قال: ثلاث - أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا يقاتلهم حتّي يقاتلونا.(1)

15577. ابن أبي شيبة: حدّثنا ابن هشام، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن كثير بن نمير، قال:

جاء رجل برجل إلي علي، فقال: إنّي رأيت هؤلاء يتوعّدونك ففرّوا، وأخذت هذا. قال: أ فأقتل من لم يقتلني ؟ قال: إنّه سبّك. قال: سبّه أو دع.(2)

12. ليث بن أبي سليم عن أصحابه

15578. الطبري: حدّثنا أبوكريب، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليث بن أبي سليم يذكر عن أصحابه، قال:

جعل علي يقلّب يديه يقول يديه هكذا وهو علي المنبر، فقال: حكم الله - عزّ وجلّ - ينتظر فيكم - مرّتين -، إنّ لكم عندنا ثلاثاً: لا نمنعكم صلاة في هذا المسجد، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّي تقاتلونا.(3)

ص:287


1- (1) الأموال ص 245 (567)، وعنه المتّقي في كنز العمّال 300/11(31569).
2- (2) المصنّف 463/7(37244).
3- (3) تاريخ الطبري 74/5، حوادث سنة سبع وثلاثين، ذكر ما كان من خبر الخوارج.
13. محمّد بن شهاب الزهري

15579. معمر: عن الزهري، قال:

أنكرت الحكومة علي طائفة من أصحابه قدمت إلي بلدانها من صفّين... وقام رجل إلي علي عليه السلام فقال: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )1 . فقال علي: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ )2 .(1)

14. ما ورد مرسلاً

15580. الشافعي: بلغنا أنّ عليّاً - رضي الله تعالي عنه - بينا هو يخطب إذ سمع تحكيماً من ناحية المسجد: لا حكم إلّا لله - عزّ وجلّ -. فقال علي - رضي الله تعالي عنه -: كلمة حقّ اريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.(2)

15581. البلاذري: اجتمع المحكّمة في منزل زيد بن حصين الطائي فبايعوا عبدالله بن وهب، وكان يدعي ذا الثفنات - شبه أثر سجود بجبهته وأنفه ويديه وركبتيه بثفنات البعير - وكانت بيعتهم له لعشر خلون من شوّال.

ثمّ خرجوا فتوافوا بالنهروان، وأقبلوا يحكّمون، فقال علي: إنّ هؤلاء يقولون: لا إمرة، ولابدّ من أمير يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع الفاجر، ويبلغ الكتاب الأجل، وإنّها لكلمة حقّ يعتزون بها الباطل، فإن تكلّموا حججناهم، وإن سكتوا غممناهم.(3)

ص:288


1- (3) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 129/3-130, أمر الحكمين.
2- (4) الاُمّ 309/4، كتاب قتال أهل البغي, باب الحال الّتي لا يحلّ فيها دماء أهل البغي، وعنه البيهقي في السنن الكبري 184/8، كتاب قتال أهل البغي، باب القوم يظهرون رأي الخوارج لم يحلّ به قتالهم.
3- (5) أنساب الأشراف 135/3، أمر وقعة النهروان.

15582. الجصّاص: قد روي عن علي - كرّم الله وجهه - أنّه كان قائماً علي المنبر بالكوفة يخطب فقالت الخوارج من ناحية المسجد: لا حكم إلّا لله. فقطع خطبته وقال: كلمة حقّ يراد بها باطل، أما أنّ لهم عندنا ثلاثاً أن لا نمنعهم حقّهم من الفيء ما كانت أيديهم مع أيدينا، ولا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه، ولا نقاتلهم حتّي يقاتلونا.(1)

15583. الجصّاص: قال الله تعالي: (وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) أمراً عند ظهور القتال منهم بالإصلاح بينهما, وهو أن يدعوا إلي الصلاح والحقّ وما يوجبه الكتاب و السنّة والرجوع عن البغي, وقوله تعالي: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى ) يعني - والله أعلم - إن رجعت إحداهما إلي الحقّ وأرادت الصلاح وأدامت الاُخري علي بغيها وامتنعت من الرجوع (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ )2 , فأمر تعالي بالدعاء إلي الحقّ قبل القتال، ثمّ إن أبت الرجوع قوتلت، وكذا فعل علي بن أبي طالب - كرّم الله وجهه - بدأ بدعاء الفئة الباغية إلي الحقّ واحتجّ عليهم فلمّا أبوا القبول قاتلهم.

وفي هذه الآية دلالة علي أنّ اعتقاد مذاهب أهل البغي لا يوجب قتالهم ما لم يقاتلوا؛ لأنّه قال: (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ )3 ، فإنّما أمر بقتالهم إذا بغوا علي غيرهم بالقتال، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضى الله عنه مع الخوارج، وذلك لأنّهم حين اعتزلوا عسكره بعث إليهم عبدالله بن عبّاس فدعاهم، فلمّا أبوا الرجوع ذهب إليهم فحاجّهم, فرجعت منهم طائفة, وأقامت طائفة علي أمرها, فلمّا دخلوا الكوفة خطب فحكّمت الخوارج من نواحي المسجد

ص:289


1- (1) أحكام القرآن 323/2, سورة آل عمران، باب فرض الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر.

وقالت: لا حكم إلّا لله. فقال علي رضى الله عنه: كلمة حقّ يراد بها باطل، أما إنّ لهم ثلاثاً أن لا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه، وأن لا نمنعهم حقّهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتّي يقاتلونا.(1)

15584. أبويعلي الفرّاء: قد عرض قوم من الخوارج لعلي رضى الله عنه بمخالفة رأيه، وقال أحدهم - وهو يخطب علي منبره -: ولا حكم إلّا لله تعالي. فقال علي: كلمة حقّ اريد بها باطل، لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نبدؤكم بقتال، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا.(2)

15585. ابن كثير: لمّا بعث علي أباموسي ومن معه من الجيش إلي دومة الجندل اشتدّ أمر الخوارج، وبالغوا في النكير علي علي وصرّحوا بكفره... وتعرّضوا لعلي في خطبه، وأسمعوه السبّ والشتم والتعريض بآيات القران، وذلك أنّ عليّاً قام خطيباً في بعض الجمع فذكر أمر الخوارج فذمّه وعابه، فقام جماعة منهم كلّ يقول: لا حكم إلّا لله. وقام رجل منهم وهو واضع إصبعه في اذنيه يقول: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ )3 . فجعل علي يقلّب يديه هكذا وهكذا وهو علي المنبر ويقول: حكم الله ننتظر فيكم.

ثمّ قال: إنّ لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ما لم تخرجوا علينا، ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتّي تقاتلونا.(3)

ص:290


1- (1) أحكام القرآن 282/5, ومن سورة الحجرات، باب ما يبدأ به أهل البغي.
2- (2) الأحكام السلطانيّة ص 54, قتال أهل البغي، ومثله في الأحكام السلطانيّة للماوردي ص 100, الباب الخامس, الفصل الثاني, في قتال أهل البغي.
3- (4) البداية والنهاية 284/7، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم عليّاً.
4. رفقه عليه السلام مع قاتله

برواية:

1. جعفر بن نجيح - 4. محمّد ابن الحنفيّة

2. عامر الشعبي - 5. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

3. عبيدالله بن عبّاس - 6. ما ورد مرسلاً

1. جعفر بن نجيح

15586. الجوزقي: أخبرنا أبوالعبّاس الدغولي، قال: حدّثنا محمّد بن المهلّب، قال: حدّثنا عبدالرحمان - وهو ابن علقمة المروزي -، قال: أخبرنا عبدالله بن جعفر، عن أبيه:

أنّ عليّاً كان يخرج إلي [صلاة] الصبح وفي يده درّته يوقظ الناس، فخرج فضربه ابن ملجم فاُخذ، فقال علي: أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن أصحّ فأنا ولىّ دمي أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، وإن أنا هلكت فبدا لكم أن تقتلوه فلا تمثّلوا به.(1)

2. عامر الشعبي

15587. ابن أبي الدنيا: حدّثني عبدالرحمان بن صالح، حدّثنا عمرو بن هشام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر [الشعبي]، قال:

لمّا ضرب علي تلك الضربة قال: ما فعل ضاربي ؟ قالوا: قد أخذناه. قال: أطعموه من طعامي واسقوه من شرابي، فإن أنا عشت رأيت فيه رأيي، وإن أنا متّ فاضربوه ضربة لا تزيدوه عليها.(2)

15588. الخوارزمي: أخبرنا عين الأئمّة أبوالحسن علي بن أحمد الكرباسي الخوارزمي،

ص:291


1- (1) عنه العاصمي بإسناده إليه في زين الفتي 504/1(306).
2- (2) مقتل أميرالمؤمنين ص 40 (23). ورواه ابن قدامة في مختصر منهاج القاصدين 168/4, الربع الرابع, ربع المنجيات, ذكر الموت وما بعده, وفاة علي بن أبي طالب (27), مرسلاً عن الشعبي، وفيه: «ضربة واحدة».

أخبرنا عمادالدين أبوعبدالله محمّد بن إبراهيم الوبري الخوارزمي رحمه الله، حدّثنا الشيخ أبوالقاسم ميمون بن علي بن ميمون الميموني، حدّثنا الشيخ صالح أبوشعيب صالح بن محمّد بن صالح بن شعيب، أخبرنا أبوحاتم، حدّثنا أبوعبدالرحمان، حدّثنا عثمان البغدادي، حدّثنا عبدالرحمان بن صالح، حدّثنا عمر [و] بن هشام، حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر، قال:

لمّا ضرب علي تلك الضربة قال: فما فعل ضاربي ؟ أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن عشت فأنا أولي بحقّي، وإن متّ فاضربوه ولا تزيدوه.(1)

15589. الحاكم: أخبرنا أبوبكر محمّد بن محمّد بن عون المقرئ - ببغداد -، حدّثنا محمّد بن يونس، حدّثنا عبدالعزيز بن الخطّاب، حدّثنا علي بن غراب، عن مجالد، عن الشعبي، قال:

لمّا ضرب ابن ملجم عليّاً تلك الضربة أوصي به علي، فقال: قد ضربني فأحسنوا إليه، وألينوا له فراشه، فإن أعش فهضم أو قصاص، وإن أمتّ فعاجلوه فإنّي مخاصمه عند ربّي - عزّ وجلّ -.(2)

3. عبيدالله بن عبّاس

15590. ابن بكير: حدّثني أبان البجلي، عن أبي بكر بن حفص، عن [عبيدالله] بن عبّاس، قال:

سمعت عليّاً بالكوفة واُتي [بابن ملجم] فقيل: يا أميرالمؤمنين، ما تقول في هذا الأسير؟ قال: أري أن تحسنوا ضيافته حتّي تنظروا علي أىّ حال أكون، فإن اهلك فلا تلبثوه بعدي ساعة.(3)

ص:292


1- (1) المناقب ص 389-390(406).
2- (2) المستدرك 144/3(4691).
3- (3) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 118/6، شرح الخطبة 69, من طريق ابن أبي الدنيا.
4. محمّد ابن الحنفيّة

15591. ابن سعد: أخبرنا خالد بن مخلد ومحمّد بن الصلت، قالا: أخبرنا الربيع بن المنذر، عن أبيه، عن ابن الحنفيّة، قال:

دخل علينا ابن ملجم الحمّام وأنا وحسن وحسين جلوس في الحمّام، فلمّا دخل كأنّهما اشمأزّا منه وقالا: ما أجرأك تدخل علينا؟! قال: فقلت لهما: دعاه عنكما فلعمري ما يريد بكما أحشم من هذا.

فلمّا كان يوم اتي به أسيراً قال ابن الحنفيّة: ما أنا اليوم بأعرف به منّي يوم دخل علينا الحمّام، فقال علي: إنّه أسير فأحسنوا نزله، وأكرموا مثواه، فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن متّ فاقتلوه قتلتي، (وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )1 .(1)

5. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15592. الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عليّاً رضى الله عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه: أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولىّ دمي، أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، وإن متّ فقتلتموه فلا تمثّلوا.(2)

15593. ابن وهب: أخبرني أنس بن عياض، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه كان يخرج إلي [صلاة ال -] - صبح وفي يده درّته يوقظ بها

ص:293


1- (2) الطبقات الكبري 25/3, ترجمة علي بن أبي طالب (3), ذكر عبدالرحمان بن ملجم وبيعة علي، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 558/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، والبلاذري في أنساب الأشراف 261/3, أمر ابن ملجم...، وابن الأثير في اُسد الغابة 35/4, ترجمة علي بن أبي طالب, مقتله، والخوارزمي في المناقب ص 390-391(407).
2- (3) الاُمّ 308/4, كتاب قتال أهل البغي، باب السيرة في أهل البغي؛ مسند الشافعي ص 313, ومن كتاب قتال أهل البغي، وعنه البيهقي في السنن الكبري 183/8, كتاب قتال أهل البغي, باب الرجل يقتل واحداً من المسلمين.

الناس، فضربه ابن ملجم، فقال علي رضى الله عنه: أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولىّ دمي؛ أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت.(1)

15594. ابن أبي داوود: حدّثنا كثير بن عبيد، حدّثنا أنس - وهو ابن عياض -، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عليّاً كان يخرج إلي الصلاة وفي يده درّته، فيوقظ الناس، فضربه ابن ملجم، فقال علي: أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولىّ دمي؛ أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت.(2)

15595. العاصمي: أخبرني شيخي محمّد بن أحمد، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن هارون، قال: حدّثنا محمّد بن عمرو الحريثي، قال: أخبرنا [عبدالله بن مسلمة] القعنبي، قال: حدّثنا سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، [قال]:

إنّ عليّاً كان يخرج إلي [صلاة] الصبح، وفي يده درّة يوقظ الناس للصبح، فخرج اليوم الّذي ضرب فيه، فضربه ابن ملجم، فاُخذ، فقال: أطعموه واسقوه، وأحسنوا إساره، فإن صححت فأنا أولي بدمي؛ أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت.(3)

15596. أبوالعرب: حدّثني أحمد بن الزبير، قال: حدّثنا بذلك ابن عمر، قال: حدّثني [عبدالعزيز] ابن الدراوردي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه... مثله.(4)

6. ما ورد مرسلاً

15597. عوانة بن الحكم: لمّا ضرب عبدالرحمان بن ملجم عليّاً رضى الله عنه وحمل إلي منزله

ص:294


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 56/8, كتاب الجنايات.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 557/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) زين الفتي 503/1-504(305).
4- (4) المحن ص 94، ذكر قتل علي بن أبي طالب عليه السلام.

أتاه العوّاد، فحمد الله - عزّ وجلّ - وأثني عليه وصلّي علي النبىّ صلى الله عليه و سلم، ثمّ قال:... عليكم السلام إلي يوم اللزام، إن أبق فأنا ولىّ دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، العفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا عفا الله عنّا وعنكم، (أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ )1 ....(1)

15598. ابن سعد: اخذ عبدالرحمان بن ملجم فاُدخل علي علي، فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا أولي بدمه عفواً وقصاصاً، وإن أمتّ فألحقوه بي اخاصمه عند ربّ العالمين.(2)

15599. البلاذري:... وأمّا ابن ملجم فاُخذ واُدخل علي علي، فقال: أطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولىّ دمي؛ إمّا عفوت وإمّا اقتصصت، وإن أمتّ فألحقوه بي، (وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ )4 .(3)

15600. ابن حبّان: ثمّ ادخل عليه عبدالرحمان بن ملجم... فقال علي: احبسوه, وأطيبوا طعامه, وألينوا فراشه، فإن أعش فعفو أو قصاص، وإن أمتّ فألحقوه بي اخاصمه عند ربّ العالمين.(4)

ص:295


1- (2) عنه الطبراني بإسناده إليه في المعجم الكبير 96/1(167), ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 562/42, ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (3) الطبقات الكبري 26/3-27, ترجمة علي بن أبي طالب (3), ذكر عبدالرحمان بن ملجم وبيعة علي, وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 559/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وابن الأثير في اُسد الغابة 37/4, ترجمة علي بن أبي طالب, مقتله. ونحوه مرسلاً في أسماء المغتالين لابن حبيب ص 162, علي بن أبي طالب.
3- (5) أنساب الأشراف 255/3-256, أمر ابن ملجم...، ونحوه في الإمامة والسياسة 168/1, مقتل علي عليه السلام.
4- (6) الثقات 302/2-303, حوادث السنة الأربعون.

15601. ابن أعثم:... ثمّ أمر به علي رضى الله عنه إلي السجن، وقال: احبسوه، فإذا أنا متّ فاقتلوه كما قتلني.

فكان علي رضى الله عنه يفتقده ويقول لمن في منزله: أرسلتم إلي أسيركم طعاماً؟!(1)

15602. البرّي: لمّا مثل [ابن ملجم] بين يدي علي قال: احبسوه، وأحسنوا إساره، فإن أعش فسأري فيه رأيي في العفو أو القصاص، وإن أمتّ فقتل نفس بنفس، ولا تمثّلوا به.(2)

15603. ابن عبد ربّه: التميمي بإسناد له قال:... فاُتي به [أي ابن ملجم] علي، فقال: احبسوه - ثلاثاً - وأطعموه واسقوه، فإن أعش أر فيه رأيي، وإن أمتّ فاقتلوه، ولا تمثّلوا به.(3)

15604. ابن قدامة: لمّا جرحه ابن ملجم قال للحسن: أحسنوا إساره، فإن عشت فأنا ولىّ دمي، وإن متّ فضربة كضربتي.(4)

15605. ابن قدامة:... لأنّ ابن ملجم جرح عليّاً، فقال: أطعموه واسقوه واحبسوه، فإن عشت فأنا ولىّ دمي، أعفو إن شئت، وإن شئت استقدت، وإن متّ فاقتلوه، ولا تمثّلوا به.(5)

5. رفقه عليه السلام في موارد اخري غير ما تقدّم

برواية:

1. محمّد بن علي الباقر عليه السلام - 2. ما ورد مرسلاً

ص:296


1- (1) الفتوح 141/4, ذكر ابتداء الحرب [مع الخوارج].
2- (2) الجوهرة ص 120, خبر مقتل علي.
3- (3) العقد الفريد 108/5، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، مقتل علي بن أبي طالب.
4- (4) المغني 106/8, كتاب قتال أهل البغي. وأورده عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير 52/10, باب قتال أهل البغي.
5- (5) الشرح الكبير 73/10, باب قتال أهل البغي, مسألة: وإن جنوا جناية أو أتوا حدّاً أقامه عليهم، وأورده النووي في المجموع 216/19, كتاب قتال أهل البغي, فصل: وإن أظهر قوم رأي الخوارج.
1. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15606. ابن أبي الحديد: روي زرارة بن أعين عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، قال:

كان علي عليه السلام إذا صلّي الفجر لم يزل معقّباً إلي أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس، فيعلّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوماً فمرّ برجل، فرماه بكلمة هجر - قال: لم يسمّه محمّد بن علي عليه السلام - فرجع عوده علي بدئه حتّي صعد المنبر، وأمر فنودي: الصلاة جامعة، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي نبيّه، ثمّ قال: أيّها الناس، إنّه ليس شيء أحبّ إلي الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه، ولا شيء أبغض إلي الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخرقه، ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلّا عزّاً، ألا وإنّ الذلّ في طاعة الله أقرب إلي الله من التعزّز في معصيته.

ثمّ قال: أين المتكلّم آنفاً؟ فلم يستطع الإنكار، فقال: ها أنا ذا يا أميرالمؤمنين.

فقال: أما إنّي لو أشاء لقلت. فقال: إن تعف وتصفح فأنت أهل ذلك. قال: قد عفوت وصفحت.

فقيل لمحمّد بن علي عليه السلام: ما أراد أن يقول ؟ قال: أراد أن ينسبه.(1)

2. ما ورد مرسلاً

15607. الإسكافي: وبلغ من صبره [عليه السلام] أنّه قعد عن خلافته قوم فلم يحبسهم ولم يكرههم، وتكلّموا فلم يعاقبهم, ولم ينفهم، وولّاهم ما تولّوا، ولم يفعل بهم كما فعل من ذكرتم بسعد بن عبادة، وكما رويتم من نفي عثمان بن عفّان لأبي ذرّ إلي الربذة، وما فعل بعمّار وابن مسعود وغيرهم.(2)

15608. أبويوسف: إنّ الصحيح عندنا من الأخبار عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنّه لم

ص:297


1- (1) شرح نهج البلاغة 109/4-110، شرح الخطبة 56.
2- (2) المعيار والموازنة ص 232, ذكر صفحة من صفحات صبره.

يقاتل قوماً قطّ من أهل القبلة ممّن خالفه حتّي يدعوهم، وأنّه لم يتعرّض بعد قتالهم وظهوره عليهم لشيء من مواريثهم، ولا لنسائهم، ولا لذراريهم.(1)

الثامن عشر: شدّته عليه السلام في دين الله وصراحة لهجته تجاه التخلّفات والمتخلّفين
اشارة

سيأتي في باب فضائله عليه السلام بطرق عديدة وأسانيد كثيرة أنّ النبىّ صلى الله عليه و آله و سلم قال في حقّ علي عليه السلام أنّه مخشوشن في ذات الله، أو أخشن في سبيل الله، أو اخيشن في ذات الله، وأشدّ الناس لله غضباً ونكاية في العدوّ، وأنّه سهم الله تعالي، وقد وقع منه عليه السلام صدق ما قال النبىّ صلى الله عليه و آله و سلم في قضايا ووقائع متعدّدة قبل خلافته الظاهريّة وبعدها، وهو علي أنحاء ومع أشخاص وأقوام مختلفة، ونذكره حسب أعلام تلك القصّة ومواضيعها.

1. الأشعث بن قيس

بروايه:

1. عبيدالله بن عدي - 2. ما ورد مرسلاً

1. عبيدالله بن عدي

15609. ابن أبي الحديد: روي أبوبكر الهذلي, عن الزهري، عن عبيدالله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبدمناف، قال:

قام الأشعث إلي علي عليه السلام، فقال: إنّ الناس يزعمون أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله عهد إليك عهداً لم يعهده إلي غيرك. فقال: إنّه عهد إلىّ ما في قراب سيفي؛ لم يعهد إلىّ غير ذلك.

فقال الأشعث: هذه إن قلتها فهي عليك لا لك؛ دعها ترحل عنك. فقال له: وما علمك بما علىّ ممّا لي! منافق ابن كافر، حائك ابن حائك! إنّي لأجد منك بنّة(2) الغزل.(3)

ص:298


1- (1) الخراج ص 214, فصل في قتال أهل الشرك و أهل البغي.
2- (2) بنّة الغزل: ريح الغزل، رماه بالحياكة. النهاية 157/1 «بنن».
3- (3) شرح نهج البلاغة 75/4، شرح الكلام 56.
2. ما ورد مرسلاً

15610. البلاذري: كتب [عليه السلام] إلي الأشعث بن قيس الكندي وهو بأذربيجان، وكان عثمان ولّاها، فأقرّ عليها يسيراً ثمّ عزله:

إنّما غرّك من نفسك إملاء الله لك، فما زلت تأكل رزقه، وتستمتع بنعمته، وتذهب طيّباتك في أيّام حياتك، فأقبل واحمل ما قبلك من الفيء ولا تجعل علي نفسك سبيلاً.

ويقال: ولّاه بعد قدومه من أذربيجان حلوان ونواحيها، فكتب إليه هذا الكتاب وهو فيها.(1)

15611. ابن أبي الحديد: روي أهل السيرة أنّ الأشعث خطب إلي علي عليه السلام ابنته [زينب]، فزبره وقال: يا ابن الحائك، أغرّك ابن أبي قحافة(2)!(3)

15612. ابن أبي الحديد: [وقال علي عليه السلام في الأشعث وفي جرير بن عبدالله:]

أمّا هذا الأعور - يعني الأشعث - فإنّ الله لم يرفع شرفاً إلّا حسده، ولا أظهر فضلاً إلّا عابه، وهو يمنّي نفسه ويخدعها، يخاف ويرجو، فهو بينهما لا يثق بواحد منهما، وقد منّ الله عليه بأن جعله جباناً، ولو كان شجاعاً لقتله الحقّ ....(4)

2. أهل الكوفة

برواية:

1. زهير بن الأرقم - أو الأقمر - الزبيدي - 3. زيد بن وهب

2. جندب بن عبدالله الأزدي - 4. أبي صالح الحنفي

ص:299


1- (1) أنساب الأشراف 388/2، ترجمة علي بن أبي طالب.
2- (2) الحائك هنا المحتال والكذّاب. وكان أبوبكر زوّج اخته امّ فروة بنت أبي قحافة من الأشعث، وذلك أنّ الأشعث ارتدّ في من ارتدّ من الكنديّين واُسر، فاُحضر إلي أبي بكر فأسلم وأطلقه وزوّجه اخته المذكورة، فأولدها محمّد بن الأشعث، وهو أحد قتلة الحسين عليه السلام.
3- (3) شرح نهج البلاغة 75/4، شرح الخطبة 56.
4- (4) شرح نهج البلاغة 286/20-287، الحكم المنسوبة 277.

5. ابن عائشة - 8. عمرو بن حسّان عن شيخ من بني فزارة

6. عبدالله بن فقيم - 9. الليث بن سعد

7. عبيدالله بن أبي رافع - 10. ما ورد مرسلاً

1. زهير بن الأرقم - أو الأقمر - الزبيدي

15613. ابن عساكر: أخبرنا أبوعبدالله الفراوي وأبوالمظفّر بن القشيري، قالا: أخبرنا أبوعثمان البحيري، أخبرنا جدّي أبوالحسين، أخبرنا أبومحمّد أحمد بن إبراهيم بن عبدالله، أخبرنا نصر بن زياد، حدّثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن الحارث، عن زهير بن الأقمر الزبيدي، قال:

خطبنا علي فقال: انبئت بسراً قد اطّلع [اليمن]، وإنّي والله قد حسبت أن يدخل هؤلاء القوم عليكم، وما بي أن يكونوا أولي بالحقّ منكم، ولن تطيعوني في الحقّ ، كما يطيعون إمامهم في الباطل، فأظهروا عليكم ولكن بصلاحهم في أرضهم وفسادكم في أرضكم، وطواعيتهم إمامهم، وعصيانكم إمامكم، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم، استعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، واستعملت فلاناً فخان وغدر، وحمل المال إلي معاوية، فوالله لو أنّي أمنت أحدكم علي قدح لخشيت أن يذهب بعلاقته.

اللهمّ قد كرهتهم وكرهوني، وسئمتهم وسئموني، اللهمّ فأرحني منهم وأرحهم منّي.

قال: فما جمّع.(1)

15614. ابن كثير: قال الأعمش عن عمرو بن مرّة، عن عبدالله بن الحارث، عن زهير بن الأرقم، قال:

خطبنا علي يوم جمعة فقال: نبّئت أنّ بسراً قد طلع اليمن، وإنّي والله لأحسب أنّ هؤلاء القوم سيظهرون عليكم، وما يظهرون عليكم إلّا بعصيانكم إمامكم وطاعتهم إمامهم،

ص:300


1- (1) تاريخ مدينة دمشق 535/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

وخيانتكم وأمانتهم، وإفسادكم في أرضكم وإصلاحهم، قد بعثت فلاناً فخان وغدر، وبعثت فلاناً فخان وغدر، وبعث المال إلي معاوية، لو ائتمنت أحدكم علي قدح لأخذ علاقته، اللهمّ سئمتهم وسئموني، وكرهتهم وكرهوني، اللهمّ فأرحهم منّي وأرحني منهم.

قال: فما صلّي الجمعة الاُخري حتّي قتل - رضي الله عنه وأرضاه -.(1)

15615. الطيالسي: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت عبدالله بن الحارث يحدّث عن زهير بن الأقمر، قال:

خطبنا علي بن أبي طالب فقال: ألا إنّ بسراً قد طلع عليه من قبل معاوية، ولا أري هؤلاء القوم إلّا سيظهرون عليكم باجتماعهم علي باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم، وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم, وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم, استعملت فلاناً فغلّ وغدر، وحمل المال إلي معاوية، واستعملت فلاناً فخان وغدر وحمل المال إلي معاوية, حتّي لو ائتمنت أحدهم علي قدح خشيت علي علاقته, اللهمّ إنّي أبغضتهم وأبغضوني, فأرحهم منّي وأرحني منهم.(2)

2. جندب بن عبدالله الأزدي

15616. البلاذري: حدّثني عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف، عن الحارث بن حصيرة، عن أبي صادق، عن جندب بن عبدالله الأزدي:

أنّ عليّاً خطبهم حين استنفرهم إلي الشام بعد النهروان، فلم ينفروا, فقال: أيّها الناس، المجتمعة أبدانهم، المختلفة قلوبهم وأهواؤهم، ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهن الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع(3) فيكم عدوّكم،

ص:301


1- (1) البداية والنهاية 325/7، حوادث سنة أربعين، مقتل علي بن أبي طالب.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 319/1-320، باب ما ذكر من تمسّك أهل الشام بالطاعة.
3- (3) هذا هو الظاهر, وفي الأصل: «يطمح».

إذا دعوتكم إلي الجهاد قلتم كيت وكيت، وذيت وذيت، أعاليل بأباطيل، وسألتموني التأخير فعل ذي الدين المطول حيدي حياد، لا يدفع الضيم الذليل، ولا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ والعزم واستشعار الصبر، أىّ دار بعد داركم تمتّعون ؟ ومع أىّ إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحت لا أطمع في نصركم، ولا اصدّق قولكم، فرّق الله بيني وبينكم، وأبدلني بكم من هو خير لي منكم.

أما إنّكم ستلقون بعدي ذلّاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة يتّخذها الظالمون فيكم سنّة, فيفرّق جماعتكم، ويبكي عيونكم، ويدخل الفقر بيوتكم، وتتمنّون عن قليل أنّكم رأيتموني فنصرتموني، فستعلمون حقّ ما أقول، ولا يبعد الله إلّا من ظلم وأثم.(1)

15617. يحيي بن سليمان: حدّثني أبوداوود، حدّثنا أبومعاوية، عن عمر بن حسّان البرجمي، عن جندب(2) بن عبدالله:

أنّ معاوية بعث خيلاً فأغارت علي هيت(3) والأنبار، فاستنفر علي الناس، فأبطأوا وتثاقلوا، فخطبهم فقال: أيّها الناس، المجتمعة أبدانهم، المتفرّقة أهواؤهم، ما عزّت دعوة من دعاكم, ولا استراح قلب من قاساكم، كلامكم يوهي الصمّ الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم عدوّكم، فإذا دعوتكم إلي المسير أبطأتم وتثاقلتم، وقلتم كيت وكيت، أعاليل أباطيل، سألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، حيدي حياد, لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحقّ إلّا بالجدّ والصدق، فأىّ دار بعد داركم تمنعون ؟ ومع أىّ إمام بعدي تقاتلون ؟ المغرور والله من غررتموه، ومن قاربكم فاز بالسهم الأخيب، أصبحتم والله لا اصدّق قولكم، ولا أطمع في نصركم، فرّق الله بيني وبينكم، وأعقبني بكم من هو خير لي منكم، وأعقبكم منّي من هو شرّ لكم منّي.

ص:302


1- (1) أنساب الأشراف 154/3-155, أمر علي بن أبي طالب رضى الله عنه بعد النهروان.
2- (2) الظاهر أنّ هذا هو الصواب، وفي الأصل: «جنّاب».
3- (3) هيت: بالكسر، بلدة علي الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار.

أما إنّكم ستلقون بعدي ثلاثاً: ذلّاً شاملاً، وسيفاً قاطعاً، وأثرة قبيحة، يتّخذها فيكم الظالمون سنّة، فتبكي لذلك أعينكم، ويدخل الفقر بيوتكم، وستذكرون عند تلك المواطن، فتودّون أنّكم رأيتموني، وهرقتم دماءكم دوني، ولا يبعد الله إلّا من ظلم، والله لوددت أنّي أقدر أن اصرّفكم صرف الدينار بالدراهم، عشرة منكم برجل من أهل الشام.

فقام إليه رجل فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّا وإيّاك كما قال الأعشي:

علّقتها عرضاً وعلّقت رجلاً غيري وعلّق اخري غيرها الرجل

علقنا بحبّك، وعلقت أنت بأهل الشام، وعلق أهل الشام معاوية.(1)

3. زيد بن وهب

15618. الطبري: قال أبومخنف عمّن ذكره، عن زيد بن وهب:

أنّ عليّاً قال للناس - وهو أوّل كلام قاله لهم بعد النهر -:

أيّها الناس، استعدّوا للمسير إلي عدوّ في جهاده القربة إلي الله ودرك الوسيلة عنده، حياري في الحقّ ، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون في الطغيان، ويعكسون في غمرة الضلال، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل(2) ، وتوكّلوا علي الله، وكفي بالله وكيلاً(3) ، وكفي بالله نصيراً(4).

قال: فلا هم نفروا ولا تيسّروا، فتركهم أيّاماً حتّي إذا أيس من أن يفعلوا دعا رؤساءهم ووجوههم، فسألهم عن رأيهم، وما الّذي ينظرهم, فمنهم المعتلّ ، ومنهم المكره، وأقلّهم من نشط ، فقام فيهم خطيباً، فقال:

عباد الله، ما لكم إذا أمرتكم أن تنفروا اثّاقلتم إلي الأرض! أ رضيتم بالحياة الدنيا

ص:303


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 320/1-321، باب ما ذكر من تمسّك أهل الشام بالطاعة، من طريق ابن ديزيل, وأورده المتّقي في كنز العمّال 355/11(31726), عن ابن عساكر.
2- (2) اقتباس من الآية 60 من سورة الأنفال.
3- (3) اقتباس من الآية 3 من سورة الأحزاب.
4- (4) اقتباس من الآية 45 من سورة النساء.

من الآخرة، وبالذلّ والهوان من العزّ! أو كلّما ندبتكم إلي الجهاد دارت أعينكم كأنّكم من الموت في سكرة، وكأنّ قلوبكم مألوسة(1) فأنتم لا تعقلون! وكأنّ أبصاركم كمه فأنتم لا تبصرون, لله أنتم! ما أنتم إلا اسود الشري في الدعة، وثعالب روّاغة حين تدعون إلي البأس، ما أنتم لي بثقة سجيس الليالي(2) ، ما أنتم بركب يصال بكم، ولا ذي عزّ يعتصم إليه، لعمر الله، لبئس حشّاش الحرب(3) أنتم! إنّكم تكادون ولا تكيدون، ويتنقّص أطرافكم ولا تتحاشون، ولا ينام عنكم وأنتم في غفلة ساهون, إنّ أخا الحرب اليقظان ذوعقل، وبات لذلّ من وادع، وغلب المتجادلون، والمغلوب مقهور ومسلوب.(4)

4. أبوصالح الحنفي

15619. الطيالسي: أنبأنا شعبة بن الحجّاج، أنبأنا محمّد بن عبيدالله الثقفي، قال: سمعت أباصالح يقول:

شهدت عليّاً ووضع المصحف علي رأسه حتّي سمعت تقعقع الورق فقال: اللهمّ إنّي سألتهم ما فيه فمنعوني ذلك، اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني علي غير خلقي، وعلي أخلاق لم تكن تعرف لي, فأبدلني بهم خيراً لي منهم، وأبدلهم بي شرّاً منّي، ومث(5) قلوبهم ميث الملح في الماء.(6)

15620. البسوي: حدّثنا عبدالعزيز بن عبدالله الاُويسي، حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن شعبة، عن أبي عون محمّد بن عبيدالله الثقفي، عن أبي صالح الحنفي، قال:

رأيت علي بن أبي طالب أخذ المصحف، [فوضعه] علي رأسه حتّي [أنّي] لأري ورقه

ص:304


1- (1) مألوسة: من الألس، وهو ذهاب العقل.
2- (2) سجيس الليالي، أي الدهر كلّه.
3- (3) حشّاش الحرب: من حشّ النار، إذا أشعلها.
4- (4) تاريخ الطبري 90/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
5- (5) ماث: خلط . القاموس.
6- (6) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 156/3, أمر علي بن أبي طالب رضى الله عنه بعد النهروان.

يتقعقع ثمّ قال: اللهمّ إنّهم منعوني [أن أقوم في الاُمّة] بما فيه، فأعطني [ثواب] ما فيه. ثمّ قال: اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني، وأبغضتهم وأبغضوني، وحملوني علي غير طبيعتي وخلقي وأخلاق لم تكن تعرف لي، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً منّي، اللهمّ أمت قلوبهم ميت الملح في الماء.

قال إبراهيم: يعني أهل الكوفة.(1)

5. ابن عائشة

15621. المبرّد: تحدّث ابن عائشة في إسناد ذكره أنّ عليّاً رحمه الله انتهي إليه أنّ خيلاً لمعاوية وردت الأنبار, فقتلوا عاملاً له يقال له حسّان بن حسّان، فخرج مغضباً يجرّ ثوبه حتّي انتهي إلي النخيلة، واتّبعه الناس، فرقي رباوة من الأرض، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي نبيّه صلى الله عليه و سلم، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذلّ ، وسيما الخسف، ودُيّث بالصغار، وقد دعوتكم إلي حرب هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسرّاً وإعلاناً، وقلت لكم: اغزوهم من قبل أن يغزوكم، فوالّذي نفسي بيده ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا ذلّوا، فتخاذلتم وتواكلتم، وثقل عليكم قولي، واتّخذتموه وراءكم ظهريّاً، حتّي شنّت عليكم الغارات، هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، وقتلوا حسّان بن حسّان ورجالاً منهم كثيراً ونساء.

والّذي نفسي بيده لقد بلغني أنّه كان يدخل علي المرأة المسلمة والمعاهدة، فتنتزع أحجالهما ورعثهما، ثمّ انصرفوا موفورين، لم يكلم منهم أحد كلماً، فلو أنّ امرء مسلماً مات من دون هذا أسفاً ما كان عندي فيه ملوماً، بل كان عندي به جديراً.

يا عجباً كلّ العجب! [عجب يميت القلب، ويشغل الفهم، ويكثر الأحزان] من تضافر

ص:305


1- (1) المعرفة والتاريخ 751/2, ما جاء في الكوفة، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 534/42-535، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

هؤلاء القوم علي باطلهم، وفشلكم عن حقّكم، حتّي أصبحتم غرضاً تُرمون ولا تَرمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصي الله - عزّ وجلّ - فيكم وترضون، إذا قلت لكم: اغزوهم في الشتاء قلتم: هذا أوان قرّ وصرّ، وإن قلت لكم: اغزوهم في الصيف قلتم: هذه حمارّة القيظ ، أنظرنا ينصرم الحرّ عنّا. فإذا كنتم من الحرّ والبرد تفرّون، فأنتم من السيف أفرّ.

يا أشباه الرجال ولا رجال! ويا طغام الأحلام، ويا عقول ربّات الحجال، والله لقد أفسدتم علىّ رأيي بالعصيان، ولقد ملأتم جوفي غيظاً، حتّي قالت قريش: ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا رأي له في الحرب، لله درّهم! ومن ذا يكون أعلم بها منّي، أو أشدّ لها مراساً! فوالله لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ولقد نيّفت اليوم علي الستّين, ولكن لا رأي لمن لا يطاع - يقولها ثلاثاً -.

فقام إليه رجل ومعه أخوه، فقال: يا أميرالمؤمنين، أنا وأخي هذا كما قال الله - عزّ وجلّ -: (رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي)1 فمرنا بأمرك، فوالله لننتهينّ إليه، ولو حال بيننا وبينه جمر الغضا، وشوك القتاد. فدعا لهما بخير، ثمّ قال: أين تقعان ممّا اريد؟! ثمّ نزل.(1)

6. عبدالله بن فقيم

15622. الطبري: قال هشام، عن أبي مخنف، قال: وحدّثني الحارث بن كعب بن فقيم، عن جندب:

عن عبدالله بن فقيم، عمّ الحارث بن كعب [أنّه](2) يستصرخ من قبل محمّد بن أبي بكر إلي علي - ومحمّد يومئذ أميرهم - فقام علي في الناس وقد أمر فنودي: الصلاة جامعة.

ص:306


1- (2) الكامل 19/1-21, خطبة علي بن أبي طالب حين بلغه قتل عامله حسّان بن حسّان.
2- (3) موضعه في الأصل بياض، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 89/6-92، شرح الخطبة 67، عن طريق المدائني، عن الحارث بن كعب بن عبدالله بن قعين، عن جندب بن عبدالله، قال: «والله إنّي لعند علي لجالس إذ جاءه عبدالله بن معين وكعب بن عبدالله من قبل محمّد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة، فقام علي في الناس...» ثمّ رواه نحوه، ولا يخفي ما فيه من التصحيفات.

فاجتمع الناس، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي محمّد صلى الله عليه و سلم، ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ هذا صريخ محمّد بن أبي بكر وإخوانكم من أهل مصر، قد سار إليهم ابن النابغة عدوّ الله، وولىّ من عادي الله، فلا يكوننّ أهل الضلال إلي باطلهم والركون إلي سبيل الطاغوت أشدّ اجتماعاً منكم علي حقّكم هذا، فإنّهم قد بدءوكم وإخوانكم بالغزو، فاعجلوا إليهم بالمؤاساة والنصر.

عباد الله، إنّ مصر أعظم من الشام، أكثر خيراً، وخير أهلاً، فلا تغلبوا علي مصر، فإنّ بقاء مصر في أيديكم عزّ لكم، وكبت لعدوّكم، اخرجوا إلي الجرعة بين الحيرة والكوفة، فوافوني بها هناك غداً إن شاء الله.

قال: فلمّا كان من الغد خرج يمشي، فنزلها بكرة، فأقام بها حتّي انتصف النهار يومه ذلك، فلم يوافه منهم رجل واحد؛ فرجع, فلمّا كان من العشي بعث إلي أشراف الناس، فدخلوا عليه القصر وهو حزين كئيب، فقال:

الحمد لله علي ما قضي من أمري، وقدّر من فعلي، وابتلاني بكم أيّتها الفرقة ممّن لا يطيع إذا أمرت، ولا يجيب إذا دعوت، لا أباً لغيركم! ما تنتظرون بصبركم، والجهاد علي حقّكم! الموت والذلّ لكم في هذه الدنيا علي غير الحقّ ، فوالله لئن جاء الموت - وليأتينّ - ليفرّقنّ بيني وبينكم؛ وأنا لصحبتكم قال, وبكم غير ضنين، لله أنتم! لا دين يجمعكم، ولا حميّة تحميكم، إذا أنتم سمعتم بعدوّكم يرد بلادكم، ويشنّ الغارة عليكم.

أو ليس عجباً أنّ معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتّبعونه علي غير عطاء ولا معونة! ويجيبونه في السنة المرّتين والثلاث إلي أىّ وجه شاء، وأنا أدعوكم - وأنتم اولو النهي وبقيّة الناس - علي المعونة وطائفة منكم علي العطاء، فتقومون عنّي وتعصونني، وتختلفون علىّ ؟!

فقام إليه مالك بن كعب الهمداني ثمّ الأرحبي، فقال: يا أميرالمؤمنين، اندب الناس فإنّه لا عطر بعد عروس(1) ؛ لمثل هذا اليوم كنت أدّخر نفسي، والأجر لا يأتي إلّا بالكره،

ص:307


1- (1) هذا مثل يضرب في ذمّ ادّخار الشيء وقت الحاجة، وانظر: مورد المثل في مجمع الأمثال 151/3(3491).

اتّقوا الله وأجيبوا إمامكم، وانصروا دعوته، وقاتلوا عدوّه، أنا أسير إليها يا أميرالمؤمنين.

قال: فأمر علي مناديه سعداً، فنادي في الناس: ألا انتدبوا إلي مصر مع مالك بن كعب.

ثمّ إنّه خرج وخرج معه علي، فنظر فإذا جميع من خرج نحو ألفي رجل، فقال: سر فوالله ما إخالك تدرك القوم حتّي ينقضي أمرهم.

قال: فخرج بهم، فسار خمساً، ثمّ إنّ الحجّاج بن غزيّة الأنصاري ثمّ النجّاري قدم علي علي من مصر، وقدم عبدالرحمان بن شبيب الفزاري، فأمّا الفزاري فكان عينه بالشام، وأمّا الأنصاري فكان مع محمّد بن أبي بكر، فحدّثه الأنصاري بما رأي وعاين وبهلاك محمّد، وحدّثه الفزاري أنّه لم يخرج من الشام حتّي قدمت البشراء من قبل عمرو بن العاص تتري يتبع بعضها بعضاً بفتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر، وحتّي اذّن بقتله علي المنبر، وقال: يا أميرالمؤمنين، قلّما رأيت قوماً قطّ أسرّ، ولا سروراً قطّ أظهر من سرور رأيته بالشام حين أتاهم هلاك محمّد بن أبي بكر! فقال علي: أما إنّ حزننا عليه علي قدر سرورهم به، لا بل يزيد أضعافاً.

قال: وسرّح علي عبدالرحمان بن شريح الشبامي إلي مالك بن كعب، فردّه من الطريق.

قال: وحزن علي علي محمّد بن أبي بكر حتّي رئي ذلك في وجهه، وتبيّن فيه، وقام في الناس خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي رسوله صلى الله عليه و سلم، وقال:

ألا إنّ مصر قد افتتحها الفجرة اولو الجور والظلم الّذين صدّوا عن سبيل الله، وبغوا الإسلام عوجاً، ألا وإنّ محمّد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله، فعند الله نحتسبه، أما والله إن كان ما علمت لممّن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويبغض شكل الفاجر، ويحبّ هدي المؤمن، إنّي والله ما ألوم نفسي علي التقصير، وإنّي لمقاساة الحرب لجدّ خبير، وإنّي لأقدم علي الأمر وأعرف وجه الحزم، وأقوم فيكم بالرأي المصيب، فأستصرخكم معلناً، واُناديكم نداء المستغيث معرباً، فلا تسمعون لي قولاً، ولا تطيعون لي أمراً، حتّي تصير بي الاُمور إلي عواقب المساءة، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثأر، ولا تنقض بكم الأوتار.

دعوتكم إلي غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق، وتثاقلتم إلي الأرض تثاقل من ليس له نيّة في جهاد العدوّ، ولا اكتساب الأجر، ثمّ خرج

ص:308

إلىّ منكم جنيد متذانب كأنّما يساقون إلي الموت وهم ينظرون، فاُفّ لكم! ثمّ نزل.(1)

7. عبيدالله بن أبي رافع

15623. نعيم بن حمّاد: حدّثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن عبيدالله بن أبي رافع، قال:

لقد سمعت عليّاً وقد وطئ الناس علي عقبيه حتّي أدموهما وهو يقول: اللهمّ إنّي قد مللتهم وملّوني، فأبدلني بهم خيراً منهم، وأبدلهم بي شرّاً منّي.

قال: فما كان إلّا ذلك اليوم حتّي ضرب علي رأسه.(2)

15624. الطيالسي: أنبأنا شعبة، أنبأنا سعد بن إبراهيم، قال: سمعت عبيدالله بن أبي رافع، قال:

شهدت عليّاً وقد اجتمع الناس عليه حتّي أدموا رجله فقال: اللهمّ إنّي كرهتهم وكرهوني, فأرحني منهم وأرحهم منّي. فما بات إلّا تلك الليلة.(3)

15625. ابن أبي شيبة: حدّثنا غندر، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت عبيدالله بن أبي رافع قال:

رأيت عليّاً حين ازدحموا عليه حتّي أدموا رجله، فقال: اللهمّ إنّي قد كرهتهم وكرهوني، فأرحني منهم وأرحهم منّي.(4)

8. عمرو بن حسّان عن شيخ من بني فزارة

15626. ابن المبارك: حدّثني عبدالله بن أبي معاوية، عن عمرو بن حسّان(5) ، عن شيخ من بني فزارة، قال:

ص:309


1- (1) تاريخ الطبري 106/5-109، حوادث سنة ثمان وثلاثين, وفيها قتل محمّد بن أبي حذيفة.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 534/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
3- (3) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 250/3, أمر ابن ملجم....
4- (4) المصنّف 443/7(37085).
5- (5) في السند بعض الإبهام, فلاحظ ما تقدّم قريباً عن ابن ديزيل.

بعث معاوية النعمان بن بشير في ألفين، فأتوا عين التمر فأغاروا عليها، وبها عامل لعلي يقال له [كعب] بن فلان الأرحبي في ثلاثمئة، فكتب إلي علي يستمدّه، فأمر الناس أن ينهضوا إليه، فتثاقلوا، فصعد المنبر، فانتهيت إليه وقد سبقني بالتشهّد وهو يقول:

يا أهل الكوفة، كلّما سمعتم بمنسر من مناسر(1) أهل الشام أظلّكم وأغلق بابه انجحر كلّ امرئ منكم في بيته انجحار الضبّ في جحره والضبع في وجارها؛ المغرور من غرّرتموه، ولمن فاز بكم فاز بالسهم الأخيب، لا أحرار عند النداء، ولا إخوان ثقة عند النجاء، إنّا لله وإنّا إليه راجعون! ماذا منيت به منكم! عمي لا تبصرون، وبُكم لا تنطقون، وصمّ لا تستمعون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون!(2)

9. الليث بن سعد

15627. أبوإسحاق الجوزجاني: حدّثنا يحيي بن بكير، حدّثنا الليث [بن سعد]، قال:

بلغني أنّ عليّاً قال: يا أهل العراق، وددت أنّي أبيع عشرة منكم برجل من أهل الشام، يصرف الدراهم عشرة بدينار.(3)

10. ما ورد مرسلاً

15628. الدينوري: قالوا: ولمّا رأي علي رضى الله عنه تثاقل أصحابه أهل الكوفة عن المسير معه إلي قتال أهل الشام، وانتهي إليه ورود خيل معاوية الأنبار، وقتلهم مسلحة علي بها والغارة عليها، كتب كتاباً ودفعه إلي رجل، وأمره أن يقرأه علي الناس يوم الجمعة إذا فرغوا من الصلاة، وكانت نسخته:

ص:310


1- (1) المنسر: قطعة من الجيش تكون قدّام الجيش الكبير.
2- (2) عنه الطبري بإسناده إليه في تاريخه 133/5-134، حوادث سنة تسع وثلاثين، تفريق معاوية جيوشه في أطراف علي، ونحوه في البداية والنهاية 319/7, حوادث سنة تسع و ثلاثين.
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 320/1، باب ما ذكر من تمسّك أهل الشام بالطاعة، وأورده المتّقي في كنز العمّال 356/11(31727), عن ابن عساكر.

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي شيعته من أهل الكوفة، سلام عليكم، أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، من تركه ألبسه الله الذلّة وشمله بالصغار، وسيم الخسف وسيل الضيم، وإنّي قد دعوتكم إلي جهاد هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً, وسرّاً وجهاراً، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فما غزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا واجترأ عليهم عدوّهم، هذا أخو بني عامر(1) قد ورد الأنبار، وقتل ابن حسّان البكري، وأزال مسالحكم عن مواضعها، وقتل منكم رجالاً صالحين، وقد بلغني أنّهم كانوا يدخلون بيت المرأة المسلمة والاُخري المعاهدة، فينزع حجلها من رجلها، وقلائدها من عنقها، وقد انصرفوا موفورين، ما كلم رجل منهم كلماً، فلو أنّ أحداً مات من هذا أسفاً ما كان عندي ملوماً، بل كان جديراً.

يا عجباً من أمر يميت القلوب، ويجتلب الهمّ , ويسعّر الأحزان! من اجتماع القوم علي باطلهم وتفرّقكم عن حقّكم، فبعداً لكم وسحقاً، قد صرتم غرضاً، ترمون ولا ترمون، ويغار عليكم ولا تغيرون، ويعصي الله فترضون، إذا قلت لكم: سيروا في الشتاء قلتم: كيف نغزو في هذا القُرّ والصِرّ(2) ، وإن قلت لكم: سيروا في الصيف قلتم: حتّي ينصرم عنّا حمارّة القيظ (3). وكلّ هذا فرار من الموت، فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرّون فأنتم والله من السيف أفرّ، والّذي نفسي بيده، ما من ذلك تهربون، ولكن من السيف تحيدون.

يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا أحلام الأطفال وعقول ربّات الحجال، أما والله لوددت أنّ الله أخرجني من بين أظهركم وقبضني إلي رحمته من بينكم، ووددت أن لم أركم ولم أعرفكم، فقد والله ملأتم صدري غيظاً، وجرّعتموني الأمرّين أنفاساً، وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان والخذلان حتّي قالت قريش: إنّ ابن أبي طالب رجل شجاع، ولكن لا علم له بالحرب، لله أبوهم، هل كان فيهم رجل أشدّ لها مراساً وأطول مقاساة

ص:311


1- (1) كذا في الأصل, وفي سائر المصادر: «بني غامد»، وهو الظاهر.
2- (2) القُرّ: البرد. الصِرّ والصِرّة: البرد.
3- (3) حمارّة القيظ : شدّة الحرّ، وقد تخفّف الراء. النهاية 439/1 «حمر».

منّي ؟ ولقد نهضت فيها وما بلغت العشرين، وها أنا [ذا] اليوم قد جنفت الستّين، لا، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.(1)

15629. الجاحظ : قالوا: أغار سفيان بن عوف الأزدي ثمّ الغامدي علي الأنبار زمان علي ابن أبي طالب رضى الله عنه وعليها حسّان - أو ابن حسّان - البكري فقتله، وأزال تلك الخيل عن مسالحها، فخرج علي بن أبي طالب رضى الله عنه حتّي جلس علي باب السدّة، فحمد الله وأثني عليه, وصلّي علي نبيّه, ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ ، وشمله البلاء، ولزمه الصغار، وسيم الخسف، ومنع النصف.

ألا وإنّي قد دعوتكم إلي قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسرّاً وإعلاناً، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قطّ في عقر دارهم إلّا ذلّوا، فتواكلتم وتخاذلتم، وثقل عليكم قولي واتّخذتموه وراءكم ظهريّاً، حتّي شنّت عليكم الغارات، هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، وقتل حسّان - أو ابن حسّان - البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها، وقتل منكم رجالاً صالحين، ولقد بلغني أنّ الرجل منهم كان يدخل علي المسلمة والاُخري المعاهدة، فينزع حجلها وقلبها ورعاثها ثمّ انصرفوا وافرين، ما كلم رجل منهم كلماً، فلو أنّ امرء مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان عندي به ملوماً، بل كان به عندي جديراً.

فيا عجباً من جدّ هؤلاء القوم في باطلهم، وفشلكم عن حقّكم! فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم هدفاً يرمي، وفيئاً ينتهب، يُغار عليكم ولا تَغيرون، وتُغزَون ولا تَغزون، ويُعصي الله وتَرضون.

فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيّام الحرّ قلتم: حمارّة القيظ ، أمهلنا ينسلخ عنّا الحرّ. وإذا أمرتكم بالسير في البرد قلتم: أمهلنا ينسلخ عنّا القرّ. كلّ ذا فراراً من الحرّ والقرّ،

ص:312


1- (1) الأخبار الطوال ص 211-212, نهاية علي بن أبي طالب.

فإذا كنتم من الحرّ والقرّ تفرّون فأنتم والله من السيف أفرّ.

يا أشباه الرجال ولا رجال، ويا أحلام الأطفال وعقول ربّات الحجال، وددت أنّ الله قد أخرجني من بين ظهرانيكم وقبضني إلي رحمته من بينكم، والله لوددت أنّي لم أركم، ولم أعرفكم، معرفة والله جرّت ندماً، قد وريتم صدري غيظاً، وجرّعتموني الموت أنفاساً، وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان والخذلان حتّي قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع ولكن لا علم له بالحرب! لله أبوهم، وهل منهم أحد أشدّ لها مراساً أو أطول لها تجربة منّي ؟ لقد مارستها وما بلغت العشرين، فها أنا ذا قد نيّفت علي الستّين، ولكن لا رأي لمن لا يطاع.

قال: فقام له رجل من الأزد يقال له فلان ابن عفيف، ثمّ أخذ بيد ابن أخ له فقال: ها أنا ذا يا أميرالمؤمنين، لا أملك إلّا نفسي وابن أخي، فأمرنا بأمرك، فوالله لنمضينّ له ولو حال دون أمرك شوك الهراس، وجمر الغضي.

فقال لهما علي: وأين تبلغان ما اريد، رحمكما الله!(1)

15630. البلاذري: قالوا: ودعا معاوية سفيان بن عوف الأزدي ثمّ الغامدي, فسرّحه في ستّة آلاف من أهل الشام ذوي بأس وأداة، وأمره أن يلزم جانب الفرات الغربي حتّي يأتي هيت فيغير علي مسالح علي وأصحابه بها وبنواحيها، ثمّ يأتي الأنبار فيفعل بها مثل ذلك حتّي ينتهي إلي المدائن، وحذّره أن يقرب الكوفة، وقال له: إنّ الغارة تنخب قلوبهم, وتكسر حدّهم, وتقوي أنفس أوليائنا ومنّتهم.

فشخص سفيان في الستّة آلاف المضمومين إليه، فلمّا بلغ أهل هيت قربه منهم قطعوا الفرات إلي العبر الشرقي، فلم يجد بها أحداً، وأتي الأنبار فأغار عليها فقاتله من بها من قبل علي فأتي علي كثير منهم، وأخذ أموال الناس، وقتل أشرس بن حسّان البكري عامل علي، ثمّ انصرف.

ص:313


1- (1) البيان والتبيين 53/2-55, ومن خطب علي رضى الله عنه.

وأتي عليّاً علج، فأخبره الخبر، وكان عليلاً لا يمكنه الخطبة، فكتب كتاباً قرئ علي الناس، وقد ادني علي من السدّة الّتي كان يخرج منها ليسمع القراءة، وكانت نسخة الكتاب:

أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فمن تركه ألبس ثوب الذلّة، وشملة البلاء، ودُيِّث بالصغار، وسيم الخسف، ومنع النصف، وقد دعوتكم إلي جهاد هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وعلانية وسرّاً، وأمرتكم أن تغزوهم قبل أن يغزوكم؛ فإنّه ماغزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلّوا، فتواكلتم وتخاذلتم، وثقل عليكم قولي، وعصيتم أمري، واتّخذتموه وراءكم ظهريّاً، حتّي شنّت عليكم الغارات من كلّ ناحية، هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار، فقتل ابن حسّان البكري، وأزال مسالحكم عن مواضعها، وقتل منكم رجالاً صالحين، لقد بلغني أنّ الرجل من أهل الشام كان يدخل بيت المرأة المسلمة والاُخري المعاهدة فيأخذ حجلها وقلبها ورعاثها وقلادتها.

فيا عجباً عجباً يميت القلب، ويجلب الهمّ ، ويسعّر الأحزان, من جدّ هؤلاء القوم في باطلهم، وفشلكم عن حقّكم! فقبحاً وترحاً، صرتم غرضاً يرمي، يغار عليكم ولا تَغيرون، ويُعصي الله فتَرضون، إذا قلت لكم: اغزوا عدوّكم في الحرّ؛ قلتم: هذه حمارّة القيظ من يغزو فيها؟ أمهلنا ينسلخ الحرّ, وإذا قلت: اغزوهم في أنف الشتاء؛ قلتم: الصرّ والقرّ، أفكلّ هذا منكم فرار من الحرّ والقرّ؟! فأنتم والله من السيف أفرّ.

يا أشباه الرجال ولا رجال، يا أحلام الأطفال وعقول ربّات الحجال، لوددت أنّي لم أركم، وأنّ الله أخرجني من بين أظهركم، فلقد وريتم صدري غيظاً، وجرّعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان والخذلان حتّي قالت قريش: ابن أبي طالب شجاع ولكنّه لا علم له بالحرب, لله أبوهم، وهل منهم أحد أشدّ لها مراساً ومقاساة منّي ؟ لقد نهضت فيها وقد بلغت العشرين، فها أنا ذا قد ذرفت علي الستّين، ولكنّه لا رأي لمن لا يطاع, والسلام.(1)

ص:314


1- (1) أنساب الأشراف 201/3-202، غارة سفيان بن عوف.

15631. البلاذري: قالوا: وسار علي حتّي أتي المدائن, ثمّ مضي حتّي نزل النخيلة، وجعل أصحابه يدخلون الكوفة حتّي بقي في أقلّ من ثلاثمئة، فلمّا رأي ذلك دخل الكوفة وقد بطل عليه ما دبّر من إتيان الشام قاصداً إليها من النهروان، فخطب الناس فقال:

أيّها الناس، استعدّوا للمسير إلي عدوّكم، ففي جهاده القربة إلي الله ودرك الوسيلة عنده، (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ )1 ، وتوكّلوا علي الله, وكفي بالله وكيلاً(1) ، وكفي بالله نصيراً(2). فلم يصنعوا شيئاً، فتركهم أيّاماً حتّي إذا يئس منهم خطبهم, فحمد الله وأثني عليه, وصلّي علي نبيّه صلى الله عليه و سلم, ثمّ قال:

يا عباد الله، ما بالكم إذا أمرتكم أن تنفروا في سبيل الله اثّاقلتم إلي الأرض ؟ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة بدلاً، وبالذلّ والهوان من العزّ والكرامة خلفاً؟ أ كلّما دعوتكم إلي الجهاد دارت أعينكم في رؤوسكم كأنّكم من الموت في سكرة، وكأنّ قلوبكم قاسية ؟ فأنتم اسود الشري عند الدعة، وحين تنادون للبأس ثعالب روّاغة، تنتقص أطرافكم فلا تتحاشون، ولا ينام عدوّكم عنكم وأنتم في غفلة ساهون.

إنّ لكم علىّ حقّاً، وإنّ لي عليكم حقّاً، فأمّا حقّكم فالنصيحة لكم ما نصحتم، وتوفير فيئكم عليكم، وأن اعلّمكم كيلا تجهلوا، واُؤدّبكم كيلا تغلموا(3), وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصح في المغيب والمشهد، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم.(4)

15632. البلاذري: قالوا: وجّه معاوية الضحّاك بن قيس الفهري - ويكنّي أباأنيس حين بلغه أنّ عليّاً يدعو الناس إلي الخروج إليه وأنّ أصحابه مختلفون عليه - في خيل كثيفة جريدة... فلمّا بلغ عليّاً خبره قام في أهل الكوفة خطيباً فدعاهم إلي الخروج

ص:315


1- (2) اقتباس من الآية 3 من سورة الأحزاب.
2- (3) اقتباس من الآية 45 من سورة النساء.
3- (4) الاغتلام: مجاوزة الحدّ. النهاية 382/3 «غلم».
4- (5) أنساب الأشراف 153/3-154, أمر علي بن أبي طالب رضى الله عنه بعد النهروان.

لقتال عدوّهم ومنع حريمهم، فردّوا عليه ردّاً ضعيفاً، ورأي منهم فشلاً وعجزاً، فقال: وددت والله أنّ لي بكلّ عشرة منكم رجلاً من أهل الشام، وأنّي صرفتكم كما يصرف الذهب، ولوددت أنّي لقيتهم علي بصيرتي فأراحني الله من مقاساتكم ومداراتكم كما يداري البكار العمدة(1) والثياب المنهرئة كلّما خيطت من جانب تهتّك من جانب.(2)

15633. البلاذري: قالوا: لمّا استنفر علي أهل الكوفة فتثاقلوا وتباطأوا؛ عاتبهم ووبّخهم، فلمّا تبيّن منهم العجز وخشي منهم التمام علي الخذلان؛ جمع أشراف أهل الكوفة ودعا شيعته الّذين يثق بمناصحتهم وطاعتهم فقال:

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّكم دعوتموني إلي هذه البيعة فلم أردّكم عنها، ثمّ بايعتموني علي الإمارة ولم أسألكم إيّاها فتوثّب علىّ متوثّبون؛ كفي الله مؤونتهم، وصرعهم لخدودهم، وأتعس جدودهم، وجعل دائرة السوء عليهم، وبقيت طائفة تحدث في الإسلام أحداثاً، تعمل بالهوي، وتحكم بغير الحقّ ، ليست بأهل لما ادّعت، وهم إذا قيل لهم: تقدّموا قدماً تقدّموا، وإذا قيل لهم: أقبلوا [أقبلوا]، لا يعرفون الحقّ كمعرفتهم الباطل، ولا يبطلون كإبطالهم الحقّ .

أمّا إنّي قد سئمت من عتابكم وخطابكم، فبيّنوا لي ما أنتم فاعلون ؟ فإن كنتم شاخصين معي إلي عدوّي فهو ما أطلب واُحبّ ، وإن كنتم غير فاعلين فاكشفوا لي عن أمركم رأيي، فوالله لئن لم تخرجوا معي بأجمعكم إلي عدوّكم فتقاتلوهم حتّي يحكم الله بيننا وبينهم وهو خير الحاكمين لأدعونّ الله عليكم، ثمّ لأسيرنّ إلي عدوّكم ولو لم يكن معي إلّا عشرة.

أ أجلاف أهل الشام وأعرابها أصبر علي نصرة الضلال، وأشدّ اجتماعاً علي الباطل

ص:316


1- (1) البكار: جمع بكر, وهو الفتىّ من الإبل. العَمِدَة: من العَمَد: الورم والدَبَر. وقيل: العَمِدة: الّتي كسرها ثقل حملها. النهاية 297/3.
2- (2) أنساب الأشراف 197/3-198, أمر الغارات بين علي ومعاوية, غارة الضحّاك بن قيس.

منكم علي هداكم وحقّكم ؟ ما بالكم ؟ ما دواؤكم ؟ إنّ القوم أمثالكم لا ينشرون إن قتلوا إلي يوم القيامة.(1)

15634. الباعوني: خرج [عليه السلام] يوماً علي أهل الكوفة فخطبهم فحمد الله وأثني عليه [ثمّ ] قال:

أمّا بعد، يا أهل العراق، إنّما أنتم كاُمّ مجالد حملت فلمّا أتمّت أملصت ومات قيّمها وطال تأيّمها وورثها أبعدها، أما والله ما أتيتكم اختياراً منّي و [لكن] لقد سقت إليكم سوقاً.

[يا أهل العراق]، إنّ وراءكم الأعور الأدبر جهنّم الدنيا لا يبقي ولا يذر.(2)

[ثمّ ] يتوارثنّكم منهم عشرة يهلك بينهم دينكم ودنياكم ليس الآخر منهم بأرأف من الأوّل حتّي يستخرجوا كنوزكم من حجالكم(3).

والله لقد بلغني أنّكم تقولون: [إنّ عليّاً يكذب! قاتلكم الله فعلي من أكذب ؟] أ فعلي الله أكذب وأنا أوّل من آمن به ؟! أم علي نبيّه، فأنا أوّل من صدّقه ؟! كلّا والله إنّها لهجة غبتم عنها [ولم تكونوا من أهلها]، ويل امّه! كيل بغير ثمن لو كان له وعاء، ولتعلمنّ نبأه بعد حين.

وبعث معاوية رجلاً من غامد في خيل [وأمره أن يغير علي أطراف العراق]، فأغارت علي [بلدة] الأنبار، [فقتلوا عامل أميرالمؤمنين عليه السلام ورجالاً ونساء من أهلها، ونهبوا ذخائرها]، فبلغ ذلك [عليه السلام] فمضي حتّي أتي النخيلة فأدركه الناس فقالوا: يا أميرالمؤمنين، نحن نكفيكهم. فقال: والله ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم! ثمّ رجع فأتي المسجد فصعد المنبر فحمد الله وأثني عليه, ثمّ قال:

أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فمن تركه رغبة عنه [ألبسه الله ثوب

ص:317


1- (1) أنساب الأشراف 235/3-236, غارة زياد بن خصفة.
2- (2) لعلّ المراد منه معاوية، أو عبدالملك بن مروان.
3- (3) الحجال - جمع حجلة -: حجرة العروس.

الذلّة, و] شمله [البلاء], وسيم الخسف, وُدِيّث بالصغار، وقد كنت دعوتكم إلي قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً, وسرّاً وعلانية، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم في عقر دورهم إلّا ذلّوا وافتضحوا، فتخاذلتم وتواكلتم، وثقل عليكم قولي، وعصيتم أمري، واتّخذتموه وراءكم ظهريّاً حتّي شنّت عليكم الغارات.

وهذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقتلوا حسّان بن حسّان ورجالاً كثيراً ونساء، ولقد بلغني أنّه كان يدخل علي المرأة المسلمة [والاُخري المعاهدة] فينزع حجلها ثمّ انصرفوا موفورين لم يكلم [منهم] أحد كلماً، فلو أنّ [امرء] مسلماً مات من دون هذا أسفاً لما كان عندي ملوماً، بل كان عندي جديراً.

يا عجباً كلّ العجب - عجباً يميت القلب, ويكثر الهمّ , ويسعّر الأحزان - من اجتماع هؤلاء القوم علي باطلهم وفشلكم عن حقّكم حتّي أصبحتم غرضاً تُرمون ولا تَرمون، وتُغزون ولا تَغزون، ويُعصي الله فتَرضون!

إذا قلت لكم: اغزو [هم] في الحرّ قلتم: [هذه] حمارّة القيظ . [وإذا قلت لكم: اغزوهم في البرد قلتم: هذا أوان قرّ وصرّ فأمهلنا] ينسلخ [عنّا] البرد. فإذا [أنتم] من الحرّ والبرد تفرّون فأنتم [والله] من السيف أفرّ!

يا أشباه الرجال - ولا رجال -، ويا أحلام الأطفال وعقول ربّات الحجال، ليتني والله لم أعرفكم معرفة جرّت علىّ - والله - ندماً [وأعقبت سدماً, قاتلكم الله، لقد] ملأتم جوفي غيظاً، وأفسدتم علىّ رأيي بالعصيان والخذلان حتّي لقد قالت قريش: [إنّ ] ابن أبي طالب رجل شجاع [ولكن] لا رأي له بالحرب!

لله أبوهم من منهم أشدّ مراساً لها منّي ؟ ولقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ثمّ ها أنا قد نيّفت علي الستّين, ولكن لا رأي لمن لا يطاع.(1)

15635. ابن حبّان: ثمّ وجّه معاوية خيلاً فيهم الضحّاك بن قيس الفهري وسفيان بن

ص:318


1- (1) جواهر المطالب 320/1-322, الباب التاسع و الأربعون, في خطبه عليه السلام.

عوف الدابري، فأغار سفيان علي الأنبار وفيها مسلحة لعلي، فلمّا بلغ عليّاً خروجهم خرج من بيته والناس في المسجد، فلمّا رأوه صاحوا، قال: اسكتوا اسكتوا. فلمّا سكتوا قال: شاهت الوجوه! شاهت الوجوه! إن قلت: نعم، قلتم: لا، وإن قلت: لا، قلتم: نعم، إن استنفرتكم في الحرّ قلتم: الحرّ شديد، فإذا جاء الشتاء نفرنا، وإذا جاء الشتاء واستنفرتكم قلتم: البرد شديد، وإذا كان الصيف نفرنا، إنّ عدوّكم يجد من الهناء ما تجدون، ولكن لا رأي لمن [لا] يطاع، وددت [أنّ ] لي بجماعتكم ألف فارس.(1)

3. أهل المدينة من لحق منهم بمعاوية

15636. البلاذري: قالوا: وكتب عليه السلام إلي سهل بن حنيف عامله علي المدينة:

أمّا بعد، فإنّه بلغني أنّ رجالاً من أهل المدينة يخرجون إلي معاوية؛ فلا تأسف عليهم، فكفي لهم غيّاً، ولك منهم شافياً، فرارهم من الهدي والحقّ ، وإيضاعهم إلي العمي والجهل، وإنّما هم أهل دنيا مقبلون عليها، قد علموا أنّ الناس يقبلون في الحقّ اسوة؛ فهربوا إلي الأثرة، فسحقاً لهم وبعداً! أما لو بعثرت القبور (وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ)2 ، واجتمعت الخصوم وقضي الله بين العباد بالحقّ ؛ لقد عرف القوم ما يكسبون، وقد أتاني كتابك تسألني الإذن لك في القدوم، فاقدم إذا شئت، عفا الله عنّا وعنك، [و] السلام.(2)

4. أهل اليمن

15637. ابن أعثم: تحرّكت شيعة عثمان بن عفّان وخالفوا عليّاً رضى الله عنه وأظهروا البراءة منه، وباليمن يومئذ عبيدالله بن العبّاس بن عبدالمطّلب من قبل علي بن أبي طالب... فاستعصي أهل اليمن ومنعوا زكاة أموالهم، وأظهروا العصيان، وكتب عبيدالله بن عبّاس

ص:319


1- (1) الثقات 299/2، حوادث السنة التاسعة والثلاثون.
2- (3) أنساب الأشراف 386/2, ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام.

بذلك إلي علي، وأخبره بما هم فيه أهل صنعاء من الخلاف والعصيان.

فدعا علي بيزيد بن أنس الأرحبي، فقال: ألا تري إلي صنع قومك باليمن ومخالفتهم علَىّ وعلي عاملي ؟

فقال يزيد بن أنس: والله يا أميرالمؤمنين إنّ ظنّي بقومي لحسن [في] طاعتك، وإن شئت سرت إليهم بنفسي، وإن شئت كتبت إليهم ونظرت ما يكون من جوابهم، فإن رجعوا إلي طاعتك، وإلّا سرت إليهم فكفيتك أمرهم إن شاء الله.

فقال علي: أكتب إليهم.

ثمّ كتب علي رضى الله عنه: أمّا بعد، فقد بلغني جرمكم وشقاقكم واعتراضكم علي عاملي بعد الطاعة والبيعة، فاتّقوا الله وارجعوا إلي ما كنتم عليه, فإنّي أصفح عن جاهلكم، وأحفظ قاصيكم، وأقوم فيكم بالقسط ، وإن لم تفعلوا فمن أحسن فلنفسه ومن أساء فعليها، وما ربّك بظلّام للعبيد(1).(2)

15638. ابن أبي الحديد: قالوا: وقال علي عليه السلام ليزيد بن قيس الأرحبي: ألا تري إلي ما صنع قومك ؟! فقال: إنّ ظنّي يا أميرالمؤمنين بقومي لحسن في طاعتك، فإن شئت خرجت إليهم فكفيتهم، وإن شئت كتبت إليهم فتنظر ما يجيبونك.

فكتب علي عليه السلام إليهم: من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي من شاقّ وغدر من أهل الجند وصنعاء، أمّا بعد، فإنّي أحمد الله الّذي لا إله إلّا هو، الّذي لا يعقّب له حكم، ولا يردّ له قضاء، ولا يردّ بأسه عن القوم المجرمين.

وقد بلغني تجرّؤكم وشقاقكم وإعراضكم عن دينكم، بعد الطاعة وإعطاء البيعة، فسألت أهل الدين الخالص؛ والورع الصادق؛ واللبّ الراجح؛ عن بدء محرككم, وما نويتم به, وما أحمشكم له، فحدّثت عن ذلك بما لم أر لكم في شيء منه عذراً مبيناً، ولا

ص:320


1- (1) اقتباس من الآية 46 من سورة فصّلت.
2- (2) الفتوح 53/4-54, خبر أهل اليمن وتحريك شيعة عثمان.

مقالاً جميلاً، ولا حجّة ظاهرة، فإذا أتاكم رسولي فتفرّقوا وانصرفوا إلي رحالكم أعف عنكم، وأصفح عن جاهلكم، وأحفظ قاصيكم، وأعمل فيكم بحكم الكتاب، فإن لم تفعلوا فاستعدّوا لقدوم جيش جمّ الفرسان، عظيم الأركان، يقصد لمن طغي وعصي، فتطحنوا كطحن الرحا، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربّك بظلّام للعبيد.(1)

5. جرير بن عبدالله البجلي

15639. ابن أبي الحديد - قال علي عليه السلام في الأشعث وفي جرير بن عبدالله -: أمّا هذا الأعور - يعني الأشعث - فإنّ الله لم يرفع شرفاً إلّا حسده، ولا أظهر فضلاً إلّا عابه، وهو يمنّي نفسه ويخدعها، يخاف ويرجو، فهو بينهما لا يثق بواحد منهما، وقد منّ الله عليه بأن جعله جباناً، ولو كان شجاعاً لقتله الحقّ .

وأمّا هذا الأكثف عند الجاهليّة - يعني جرير بن عبدالله البجلي - فهو يري كلّ أحد دونه، ويستصغر كلّ أحد ويحتقره، قد ملئ ناراً، وهو مع ذلك يطلب رئاسة، ويروم إمارة، وهذا الأعور [يعني الأشعث] يغويه ويطغيه، إن حدّثه كذبه، وإن قام دونه نكص عنه، فهما كالشيطان (إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ )2 .(2)

6. الخرّيت بن راشد

برواية: عبدالله بن فقيم

15640. الطبري: ذكر هشام بن محمّد، عن أبي مخنف، عن الحارث الأزدي، عن عمّه عبدالله بن فقيم، قال:

ص:321


1- (1) شرح نهج البلاغة 4/2-5، شرح الخطبة 25.
2- (3) شرح نهج البلاغة 286/20-286, الحكم المنسوبة 277.

جاء الخرّيت بن راشد إلي علي - وكان مع الخرّيت ثلاثمئة رجل من بني ناجية مقيمين مع علي بالكوفة، قدموا معه من البصرة، وكانوا قد خرجوا إليه يوم الجمل، وشهدوا معه صفّين والنهروان - فجاء إلي علي في ثلاثين راكباً من أصحابه يسير بينهم حتّي قام بين يدي علي، فقال له: والله يا علي لا اطيع أمرك، ولا اصلّي خلفك، وإنّي غداً لمفارقك. وذلك بعد تحكيم الحكمين.

فقال له علي: ثكلتك امّك! إذاً تعصي ربّك، وتنكث عهدك، ولا تضرّ إلّا نفسك....(1)

7. الزبير بن العوّام

برواية:

1. زيد بن صوحان - 2. ما ورد مرسلاً

1. زيد بن صوحان

15641. ابن أبي الحديد: روي أبومخنف عن زيد بن صوحان، قال:

شهدت عليّاً عليه السلام بذي قار(2) ، وهو معتمّ بعمامة سوداء، ملتفّ بساج يخطب، فقال في خطبته:... وقد علم الله سبحانه أنّي كنت كارهاً للحكومة بين امّة محمّد صلى الله عليه و آله، ولقد سمعته يقول: ما من وال يلي شيئاً من أمر امّتي إلّا اتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلي عنقه علي رؤوس الخلائق، ثمّ ينشر كتابه، فإن كان عادلاً نجا، وإن كان جائراً هوي.

حتّي اجتمع علىّ ملؤكم، وبايعني طلحة والزبير، وأنا أعرف الغدر في أوجههما، والنكث

ص:322


1- (1) تاريخ الطبري 113/5-114، حوادث سنة ثمان وثلاثين, الخرّيت بن راشد وإظهاره الخلاف علي علي. ورواه ابن الأثير في الكامل 183/3، حوادث سنة ثمان وثلاثين, ذكر خبر الخرّيت بن راشد، وابن كثير في البداية والنهاية 316/7, حوادث سنة ثمان و ثلاثين. وروي نحوه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 128/3, شرح الخطبة 44, عن الثقفي في الغارات ص 220, خبر بني ناجية، عن محمّد بن عبدالله بن عثمان، عن أبي سيف، عن الحارث بن كعب الأزدي، عن عمّه عبدالله بن قعين الأزدي. والظاهر أنّ «قعين» مصحّف «فقيم».
2- (2) ذوقار: موضع قريب من البصرة، وهو المكان الّذي كانت فيه الحرب بين العرب والفرس.

في أعينهما، ثمّ استأذناني في العمرة، فأعلمتهما أن ليس العمرة يريدان، فسارا إلي مكّة واستخفّا عائشة وخدعاها، وشخص معهما أبناء الطلقاء، فقدموا البصرة، فقتلوا بها المسلمين، وفعلوا المنكر، ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما علىّ ! وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فكتماه عنّي، وخرجا يوهمان الطغام(1) أنّهما يطلبان بدم عثمان.

والله، ما أنكرا علىّ منكراً، ولا جعلا بيني وبينهم نصفاً(2) ، وإنّ دم عثمان لمعصوب بهما، ومطلوب منهما.

يا خيبة الداعي، إلي مَ دعا؟ وبماذا اجيب ؟ والله إنّهما لعلي ضلالة صمّاء، وجهالة عمياء، وإنّ الشيطان قد ذمر لهما حزبه، واستجلب منهما خيله ورجله، ليعيد الجور إلي أوطانه، ويردّ الباطل إلي نصابه.

ثمّ رفع يديه، فقال: اللهمّ إنّ طلحة والزبير قطعاني، وظلماني، وألّبا علَىّ ، ونكثا بيعتي، فاحلل ما عقدا، وانكث ما أبرما، ولا تغفر لهما أبداً، وأرهما المساءة فيما عملا وأمّلا.(3)

2. ما ورد مرسلاً

15642. البلاذري: حدّثني عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن أبي مخنف:

أنّ طلحة والزبير استأذنا عليّاً في العمرة، فقال: لعلّكما تريدان الشام أو العراق ؟ فقالا: اللهمّ غفراً إنّما نوينا العمرة. فأذن لهما، فخرجا مسرعين وجعلا يقولان: لا والله ما لعلي في أعناقنا بيعة، وما بايعناه إلّا مكرهين تحت السيف. فبلغ ذلك عليّاً فقال: أخذهما الله إلي أقصي دار وأحرّ نار.(4)

ص:323


1- (1) الطغام: من لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم. النهاية 128/3.
2- (2) النصف: الانتصاف. وقد أنصفه من خصمه، ينصفه إنصافاً. النهاية 66/5.
3- (3) شرح نهج البلاغة 309/1-310، شرح الخطبة 22.
4- (4) أنساب الأشراف 22/3, وقعة الجمل.

15643. ابن أبي الحديد: روي الكلبي قال:

لمّا أراد علي عليه السلام المسير إلي البصرة قام فخطب الناس، فقال - بعد أن حمد الله وصلّي علي رسوله صلى الله عليه و آله -: إنّ الله لمّا قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة، فرأيت أنّ الصبر علي ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالإسلام، والدين يمخض مخض الوطب(1) ، يفسده أدني وهن، ويعكسه أقلّ خلف، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً، ثمّ انتقلوا إلي دار الجزاء، والله ولىّ تمحيص سيّئاتهم، والعفو عن هفواتهم.

فما بال طلحة والزبير، وليسا من هذا الأمر بسبيل! لم يصبرا علىّ حولاً ولا شهراً حتّي وثبا ومرقا، ونازعاني أمراً لم يجعل الله لهما إليه سبيلاً، بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين، يرتضعان امّاً قد فطمت، ويحييان بدعة قد اميتت، أ دم عثمان زعما!؟ والله ما التبعة إلّا عندهم وفيهم، وإنّ أعظم حجّتهم لعلي أنفسهم، وأنا راض بحجّة الله عليهم وعمله فيهم، فإن فاءا وأنابا فحظّهما أحرزا، وأنفسهما غنما، وأعظم بها غنيمة! وإن أبيا أعطيتهما حدّ السيف، وكفي به ناصراً لحقّ ، وشافياً لباطل. ثمّ نزل.(2)

15644. ابن قتيبة: ذكروا أنّ الزبير وطلحة أتيا عليّاً - بعد فراغ البيعة - فقالا: هل تدري علي ما بايعناك يا أميرالمؤمنين ؟

قال علي: نعم، علي السمع والطاعة، وعلي ما بايعتم عليه أبابكر وعمر وعثمان.

فقالا: لا، ولكنّا بايعناك علي أنّا شريكاك في الأمر.

قال علي: لا، ولكنّكما شريكان في القول والاستقامة والعون علي العجز والأود(3).

وكان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق، وطلحة في اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاً

ص:324


1- (1) الوطب: الزقّ الّذي يكون فيه السمن واللبن، وهو جلد الجذع - الشابّ الفتي من الحيوانات - فما فوقه. النهاية 203/5.
2- (2) شرح نهج البلاغة 308/1، شرح الخطبه 22.
3- (3) في الأصل: «والأولاد», وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه. والأود: العوج. النهاية 79/1.

غير مولّيهما شيئاً أظهرا الشكاة؛ فتكلّم الزبير في ملأ من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من علي! قمنا له في أمر عثمان حتّي أثبتنا عليه الذنب، وسبّبنا له القتل، وهو جالس في بيته وكفي الأمر، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا.

فقال طلحة: ما اللوم إلّا أنّا كنّا ثلاثة من أهل الشوري، كرهه أحدنا وبايعناه، وأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده, فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا.

فانتهي قولهما إلي علي، فدعا عبدالله بن عبّاس وكان استوزره، فقال له: بلغك قول هذين الرجلين ؟ قال: نعم، بلغني قولهما.

قال: فما تري ؟ قال: أري أنّهما أحبّا الولاية, فولّ البصرة الزبير، وولّ طلحة الكوفة؛ فإنّهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان. فضحك علي، ثمّ قال: ويحك! إنّ العراقين بهما الرجال والأموال، ومتي تملّكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا علي القوىّ بالسلطان، ولو كنت مستعملاً أحداً لضرّه ونفعه لاستعملت معاوية علي الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما علي الولاية لكان لي فيهما رأي.

ثمّ أتي طلحة والزبير إلي علي، فقالا: يا أميرالمؤمنين، ائذن لنا إلي العمرة، فإن تقم إلي انقضائها رجعنا إليك، وإن تسر نتّبعك.

فنظر إليهما علي وقال: نعم، والله ما العمرة تريدان، وإنّما تريدان أن تمضيا إلي شأنكما. فمضيا.(1)

15645. الإسكافي: بعث [عليه السلام] بعمّار إلي طلحة والزبير وهما في ناحية من المسجد، فقاما فجلسا إليه، فقال لهما:

أنشدكما الله، هل جئتماني تبايعاني طائعين، ودعوتماني إليها وأنا كاره ؟ قالا: اللهمّ نعم.

قال: غير مجبورين ولا مقسورين فأسلمتما لي بيعتكما, وأعطيتماني عهدكما؟ قالا:

ص:325


1- (1) الإمامة والسياسة 51/1-52، اختلاف الزبير وطلحة علي علي - كرّم الله وجهه -.

اللهمّ نعم. فقال علي: الحمد لله ربّ العالمين علي ذلك.

ثمّ قال لهما: فما عدا ممّا بدا؟ قالا: أعطيناك بيعتنا علي أن لا تقطع الأمر دوننا، وأن تستشيرنا في الاُمور ولا تستبدّ بها عنّا، ولنا من الفضل علي غيرنا ما قد علمت! فأنت تقسم القسوم, وتقطع الاُمور, وتمضي الأحكام بغير مشاورتنا ولا رأينا ولا علمنا.

فقال علي رحمه الله: لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً, أستغفر الله لي ولكم.

ثمّ قال: أ لا تخبراني أ في شيء لكما فيه حقّ دفعتكما عنه ؟ أم في قسم استأثر [ت] به عليكما؟ قالا: معاذ الله.

قال: ففي حقّ رفعه إلىّ أحد من المسلمين ضعفت عنه أو جهلته ؟ أو حكم أخطأت فيه ؟ قالا: اللهمّ لا.

قال: ففي أمر دعوتماني إليه من أمر عامّة المسلمين فقصّرت عنه وخالفتكما فيه ؟ قالا: اللهمّ لا.

قال: فما الّذي كرهتما من أمري، ونقمتما من تأميري، ورأيتما من خلافي ؟ قالا: خلافك عمر بن الخطّاب وأئمّتنا وحقّنا في الفيء، جعلت حقّنا في الإسلام كحقّ غيرنا، وسوّيت بيننا وبين من أفاء الله به علينا بسيوفنا ورماحنا، وأوجفنا عليه بخيلنا وظهرت عليه دعوتنا، وأخذناه قسراً [ممّن] لم يأتوا الإسلام إلّا كرهاً.

فقال علي - رحمة الله عليه -: الله أكبر، الله أكبر، اللهمّ إنّي اشهدك عليهما، واُشهد من حضر مجلسي هذا اليوم عليهما.

ثمّ قال: أمّا ما احتججتما به علىّ من أمر الاستشارة؛ فوالله ما كانت لي في الولاية رغبة، ولا لي فيها محبّة، ولكنّكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها وأنا كاره, فخفت أن تختلفوا وأن أردّكم عن جماعتكم، فلمّا أفضت إلىّ نظرت إلي كتاب الله وما وضع لنا وأمر بالحكم فيه وما قسم واستنّ النبىّ عليه السلام فأمضيته واتّبعته، فلم أحتج إلي رأيكما ولا دخولكما معي، ولا غيركما، ولم يقع حقّ جهلته فأثق برأيكما فيه وأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما ولا عن غيركما، إذا كان أمر ليس

ص:326

في كتاب الله بيانه وبرهانه، ولم يكن فيه سنّة من نبيّنا عليه السلام، ولم يمض فيه أحكام من إخواننا ممن يقتدي برأيه ويرضي بحكمه.

وأمّا ما ذكرتما من الاُسوة؛ فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه ولم أقسمه، قد وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم قسماً قد فرغ الله من قسمته وأمضي فيه حكمه.

وأمّا قولكم: جعلت لهم فيئنا وما أفاءت رماحنا وسيوفنا؛ فقدماً ما سبق إلي الإسلام قوم لم يضرّهم في شيء من الأحكام إذا استؤثر عليهم, ولم يضرّهم حين استجابوا لربّهم والله موفيهم يوم القيامة أعمالهم، ألا وإنّا مجرون عليهم أقسامهم، فليس لكما - والله - عندي ولا لغيركما في هذا عتباً، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلي الحقّ ، وألهمنا وإيّاكم الصبر.

ثمّ قال: رحم الله رجلاً رأي حقّاً فأعان عليه، أو رأي جوراً فردّه، وكان عوناً للحقّ علي صاحبه.(1)

8. زياد بن أبيه

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

9. سعيد بن نِمْران

ستأتي رواياته في روايات عبيدالله بن عبّاس.

10. أبوسفيان

برواية:

1. عبدالرحمان بن عبيد - 2. ما ورد مرسلاً

1. عبدالرحمان بن عبيد

15646. الطبري: قال أبومخنف: فحدّثني سليمان بن أبي راشد الأزدي، عن

ص:327


1- (1) المعيار والموازنة ص 112-114, خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام لمّا أخبره....

عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود:

أنّ معاوية بعث إلي علي حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن يزيد بن الأخنس، فدخلوا عليه وأنا عنده... فقال علي:... ثمّ أتاني الناس وأنا معتزل امورهم، فقالوا لي: بايع. فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإنّ الاُمّة لا ترضي إلّا بك، وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس. فبايعتهم، فلم يَرَعْني إلّا شقاق رجلين قد بايعاني، وخلاف معاوية الّذي لم يجعل الله - عزّ وجلّ - له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله - عزّ وجلّ - ولرسوله صلى الله عليه و سلم وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتّي دخلا في الإسلام كارهين....(1)

2. ما ورد مرسلاً

15647. المدائني: لمّا كان زمن علي عليه السلام ولّي زياداً فارس أو بعض أعمال فارس، فضبطها ضبطاً صالحاً، و جبي خراجها وحماها، وعرف ذلك معاوية، فكتب إليه: أمّا بعد، فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها ليلاً، كما تأوي الطير إلي وكرها، وأيم الله لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك منّي ما قاله العبد الصالح: (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ )2 .

وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته:

تنسي أباك وقد شالت نعامته إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر

فلمّا ورد الكتاب علي زياد قام فخطب الناس، وقال: العجب من ابن آكلة الأكباد، ورأس النفاق! يهدّدني وبيني وبينه ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه و آله وزوج سيّدة نساء العالمين، وأبوالسبطين، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مئة ألف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان! أما والله لو تخطّي هؤلاء أجمعين إلىّ لوجدني أحمر مخشّاً ضرّاباً

ص:328


1- (1) تاريخ الطبري 7/5-8، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان فيها من الأحداث.

بالسيف. ثمّ كتب إلي علي عليه السلام، وبعث بكتاب معاوية في كتابه.

فكتب إليه علي عليه السلام، وبعث بكتابه:

أمّا بعد، فإنّي قد ولّيتك ما ولّيتك وأنا أراك لذلك أهلاً، وإنّه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيّام عمر من أمانىّ التيه وكذب النفس، لم تستوجب بها ميراثاً، ولم تستحقّ بها نسباً، وإنّ معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذره، ثمّ احذره, ثمّ احذره؛ والسلام.(1)

11. شريح بن الحارث القاضي

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

12. ضبيعة بن زهير

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

13. طارق بن عبدالله النهدي

15648. ابن أبي الحديد: روي صاحب كتاب «الغارات»(2) أنّ عليّاً عليه السلام لمّا حدّ النجاشي غضبت اليمانيّة لذلك، وكان أخصّهم به طارق بن عبدالله بن كعب النهدي، فدخل عليه، فقال: يا أميرالمؤمنين، ما كنّا نري أنّ أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العدل ومعادن الفضل سيّان في الجزاء, حتّي رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث، فأوغرت صدورنا، وشتّتت امورنا، وحملتنا علي الجادّة(3) الّتي كنّا نري أنّ سبيل من ركبها النار.

ص:329


1- (1) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 181/16-182، شرح الكتاب 44, ونحوه في تاريخ ابن خلدون 7/3, استخلاف زياد.
2- (2) الغارات ص 369-370, قصّة يزيد بن حجيّة.
3- (3) الجادّة: معظم الطريق، وأوسطه.

فقال علي عليه السلام: (وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاّ عَلَى الْخاشِعِينَ )1 ، يا أخا نهد، وهل هو إلّا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله، فأقمنا عليه حدّاً كان كفّارته ؟! إنّ الله تعالي يقول: (وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى )2 .

قال: فخرج طارق من عنده، فلقيه الأشتر، فقال: يا طارق، أنت القائل لأميرالمؤمنين: أوغرت صدورنا، وشتّتت امورنا؟ قال طارق: نعم، أنا قائلها.

قال: والله ما ذاك كما قلت, إنّ صدورنا له لسامعة، وإنّ امورنا له لجامعة. فغضب طارق وقال: ستعلم يا أشتر أنّه غير ما قلت. فلمّا جنّه الليل همس(1) هو والنجاشي إلي معاوية.(2)

14. طلحة بن عبيدالله

تقدّمت رواياته في روايات الزبير بن العوّام.

15. عبدالله بن عبّاس

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

16. عبيدالله بن عبّاس

15649. ابن أبي الحديد: فأمّا خبر بسر بن أرطاة العامري من بني عامر بن لؤي بن غالب؛ وبعث معاوية له ليغير علي أعمال أميرالمؤمنين عليه السلام؛ وما عمله من سفك الدماء وأخذ الأموال؛ فقد ذكر أرباب السير أنّ الّذي هاج معاوية علي تسريح بسر بن أرطاة - ويقال ابن أبي أرطاة - إلي الحجاز واليمن أنّ قوماً بصنعاء كانوا من شيعة عثمان يعظّمون قتله، لم يكن لهم نظام ولا رأس، فبايعوا لعلي عليه السلام علي ما في أنفسهم, وعامل

ص:330


1- (3) الهمس: السير بالليل بلا فتور. تاج العروس 41/17.
2- (4) شرح نهج البلاغة 89/4-90، شرح الخطبة 56.

علي عليه السلام علي صنعاء يومئذ عبيدالله بن عبّاس, وعامله علي الجند(1) سعيد بن نمران.

فلمّا اختلف الناس علي علي عليه السلام بالعراق, وقتل محمّد بن أبي بكر بمصر, وكثرت غارات أهل الشام, تكلّموا ودعوا إلي الطلب بدم عثمان، فبلغ ذلك عبيدالله بن عبّاس، فأرسل إلي ناس من وجوههم، فقال: ما هذا الّذي بلغني عنكم ؟ قالوا: إنّا لم نزل ننكر قتل عثمان، ونري مجاهدة من سعي عليه. فحبسهم، فكتبوا إلي من بالجند من أصحابهم، فثاروا بسعيد بن نمران، فأخرجوه من الجند، وأظهروا أمرهم، وخرج إليهم من كان بصنعاء، وانضمّ إليهم كلّ من كان علي رأيهم، ولحق بهم قوم لم يكونوا علي رأيهم؛ إرادة أن يمنعوا الصدقة، والتقي عبيدالله بن عبّاس وسعيد بن نمران ومعهما شيعة علي عليه السلام، فقال ابن عبّاس لابن نمران: والله لقد اجتمع هؤلاء، وإنّهم لنا لمقاربون، وإن قاتلناهم لا نعلم علي من تكون الدائرة, فهلمّ لنكتب إلي أميرالمؤمنين عليه السلام بخبرهم وقدحهم، وبمنزلهم الّذي هم به.

فكتبا إلي أميرالمؤمنين عليه السلام: أمّا بعد، فإنّا نخبر أميرالمؤمنين، أنّ شيعة عثمان وثبوا بنا، وأظهروا أنّ معاوية قد شيّد أمره، واتّسق له أكثر الناس، وأنّا سرنا إليهم بشيعة أميرالمؤمنين ومن كان علي طاعته، وأنّ ذلك أحمشهم وألّبهم، فعبّئوا لنا وتداعوا علينا من كلّ أوب، ونصرهم علينا من لم يكن له رأي فيهم، إرادة أن يمنع حقّ الله المفروض عليه، وليس يمنعنا من مناجزتهم إلّا انتظار أمر أميرالمؤمنين، أدام الله عزّه وأيّده، وقضي له بالأقدار الصالحة في جميع اموره، والسلام.

فلمّا وصل كتابهما ساء عليّاً عليه السلام وأغضبه، وكتب إليهما: من علي أميرالمؤمنين إلي عبيدالله بن العبّاس وسعيد بن نمران: سلام الله عليكما، فإنّي أحمد إليكما الله الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّه أتاني كتابكما تذكران فيه خروج هذه الخارجة، وتعظّمان من شأنها صغيراً، وتُكَثّران من عددها قليلاً، وقد علمت أنّ نخب أفئدتكما وصغر أنفسكما وشتات

ص:331


1- (1) الجند - بالتحريك - ولاية باليمن، واليمن ثلاث ولايات؛ الجند ومخاليفها، وصنعاء ومخاليفها، وحضرموت ومخاليفها، والجند مدينة منها. مراصد الاطّلاع.

رأيكما وسوء تدبيركما هو الّذي أفسد عليكما من لم يكن عليكما فاسداً، وجرّأ عليكما من كان عن لقائكما جباناً، فإذا قدم رسولي عليكما فامضيا إلي القوم حتّي تقرءا عليهم كتابي إليهم، وتدعوهم إلي حظّهم وتقوي ربّهم، فإن أجابوا حمدنا الله وقبلناهم، وإن حاربوا استعنّا بالله عليهم، ونابذناهم علي سواء, إنّ الله لا يحبّ الخائنين.(1)

17. عثمان بن حنيف

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

18. قدامة بن عجلان

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

19. كميل بن زياد النخعي

15650. ابن أعثم: وجّه معاوية أيضاً برجل من أصحاب الشام يقال له سفيان بن عوف الغامدي في خيل عظيمة، وأمره بالمسير والغارة علي أداني العراق وقتل من قدر عليه من شيعة علي، فسارت خيل الشام حتّي انتهت إلي بلد يقال له هيت، وبه يومئذ رجل من قبل علي رضى الله عنه يقال له كميل بن زياد النخعي, فلمّا بلغه أنّ خيل الشام قد تقاربت من هيت خلّف عليها رجلاً من أصحابه في خمسين فارساً، وسار يريد خيل أهل الشام.

فلمّا أبعد كميل بن زياد عن مدينة هيت أقبل صاحب معاوية - وهو سفيان بن عوف الغامدي - علي هيت وأغار علي أطرافها ولم يتبعه أحد.

ثمّ سار إلي الأنبار وبها رجل من أصحاب علي يقال له أشرس بن حسّان البكري، فلم يشعر إلّا وسفيان بن عوف قد كبسه في أهل الشام فقتله وقتل جماعة من أصحابه، ثمّ أغار علي الأنبار وأخذ منها ما أخذ، وولّي منصرفاً إلي الشام.

ص:332


1- (1) شرح نهج البلاغة 43/2, شرح الخطبة 26.

وبلغ ذلك عليّاً رضى الله عنه فهمّ أن يسير إليه بنفسه، ثمّ إنّه لم ير ذلك رأياً، فدعا بسعيد بن قيس الهمداني فضمّ إليه خيلاً من فرسان الكوفة، وأمره أن يطلب القوم.

فخرج سعيد بن قيس في طلب سفيان وأصحابه حتّي بلغ أرض عانات فلم يقدر عليه، وبعث سعيد بن قيس رجلاً من أصحابه يقال له هانئ بن الخطّاب في طلب القوم، فبلغت الخيل إلي أداني الشام حتّي أشرفت علي صفّين، فلم يقدروا علي سفيان، فانصرف سعيد بن قيس إلي علي فأخبره بذلك، فأنشأ رجل من أهل الكوفة يقول:

أري ابن أبي سفيان مرخي جنوده يغير علينا ضلّة وتحامقا

وبين الفتي في الحرب يوماً إذا سرت بوارق خيلاً يتبعن بوارقا

سيلقي رجالاً من صحاب محمّد بأيديهم بيض يجنّ عقائقا

فتبغي نجاة يا معاوي منهم ولست بناج أو تموت منافقا

ثمّ كتب علي إلي كميل بن زياد يلومه علي فعله وتضييعه مدينة هيت وخروجه عنها.

فلمّا كان بعد ذلك بأيّام وجّه معاوية أيضاً برجل من أهل الشام يقال له عبدالرحمان بن أشيم في خيل من أهل الشام إلي بلاد الجزيرة، فأقبل عبدالرحمان بن أشيم هذا في خيله من أهل الشام يريد الجزيرة، وبالجزيرة يومئذ رجل يقال له شبيب بن عامر - وشبيب هذا هو جدّ الكرماني الّذي كان بخراسان وكان بينه وبين نصر بن سيّار ما كان، وكان هذا شبيب مقيماً بنصيبين في ستّمئة رجل من أصحاب علي رضى الله عنه - فكتب إلي كميل بن زياد: أمّا بعد، فإنّي اخبرك أنّ عبدالرحمان بن أشيم قد وصل إلىّ من الشام في خيل عظيمة، ولست أدري أين يريد، فكن علي حذر، والسلام.

قال: فكتب إليه كميل: أمّا بعد، فقد فهمت كتابك وأنا سائر إليك بمن معي من الخيل، والسلام.

ثمّ استخلف كميل بن زياد رجلاً يقال له عبدالله بن وهب الراسبي، وخرج من هيت في أربعمئة فارس كلّهم أصحاب بيض ودروع، حتّي صار إلي شبيب بنصيبين،

ص:333

وخرج شبيب من نصيبين في ستّمئة رجل، فساروا جميعاً في ألف فارس يريدون عبدالرحمان، وعبدالرحمان يومئذ بمدينة يقال لها كفرتوثا في جيش لجب من أهل الشام، فأشرفت خيل أهل العراق علي خيل أهل الشام....

واختلط القوم فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل من أصحاب كميل رجلان: عبدالله بن قيس القابسي ومدرك بن بشر الغنوي، ومن أصحاب شبيب أربعة نفر، ووقعت الهزيمة علي أهل الشام فقتل منهم بشر كثير، فولّوا الأدبار منهزمين نحو الشام.

فقال كميل لأصحابه: لا تتبعوهم فقد أنكينا فيهم، وإن تبعناهم فلعلّهم أن يرجعوا علينا، ولا ندري كيف يكون الأمر.

ثمّ رجع شبيب بن عامر إلي نصيبين، ورجع كميل بن زياد إلي هيت، وبلغ ذلك عليّاً رضى الله عنه فكتب إلي كميل بن زياد: أمّا بعد، فالحمد لله الّذي يصنع للمرء كيف يشاء، وينزل النصر علي من يشاء إذا شاء، فنعم المولي ربّنا ونعم النصير، وقد أحسنت النظر للمسلمين ونصحت إمامك، وقدماً كان ظنّي بك ذلك فجزيت والعصابة الّتي نهضت بهم إلي حرب عدوّك خير ما جزي الصابرون والمجاهدون، فانظر لا تغزونّ غزوة ولا تجلون إلي حرب عدوّك خطوة بعد هذا حتّي تستأذنني في ذلك، كفانا الله وإيّاك تظاهر الظالمين، إنّه عزيز حكيم، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.(1)

20. أبومسعود الأنصاري

برواية: الشعبي

15651. أبوالحسن البغوي: حدّثنا عارم أبوالنعمان، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن مجالد، عن الشعبي، قال:

لمّا خرج علي إلي صفّين استخلف أبامسعود علي الكوفة، وكان رجال من أهل

ص:334


1- (1) الفتوح 47/4-52, ابتداء ذكر الغارات بعد صفّين، وذكر بعضه ابن الأثير باختصار في الكامل 190/3-191, حوادث سنة تسع وثلاثين, ذكر غارة أهل الشام علي أهل الجزيرة.

الكوفة استخفّوا عليّاً، فلمّا خرج ظهروا، وكان ناس يأتون أبامسعود فيقولون: قد والله أهلك الله أعداءه وأظفر المؤمنين. فيقول أبومسعود: إنّي والله ما أعدّه ظفراً ولا عافية أن تظهر إحدي الطائفتين علي الاُخري. قالوا: فمه ؟ قال: يكون بين القوم صلح.

فلمّا قدم علي ذكروا ذلك له، فقال علي: اعتزل عملنا. قال: وذاك مه ؟ قال: إنّا وجدناك لا تعقل عقلة. قال: أمّا أنا فقد بقي من عقلي ما أعلم أنّ الآخر شرّ.(1)

21. المسيّب بن نجبة الفزاري

15652. البلاذري: قالوا: ودعا معاوية عبدالله بن مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة الفزاري، فبعثه إلي تيماء، وضمّ إليه ألفاً وسبعمئة، وأمره أن يصدق من مرّ به من العرب، ويأخذ البيعة له علي من أطاعه، ويضع السيف علي من عصاه، ثمّ يصير إلي المدينة ومكّة وأرض الحجاز، وأن يكتب إليه في كلّ يوم بما يعمل به ويكون منه، فانتهي ابن مسعدة إلي أمره، وبلغ خبره عليّاً فندب المسيّب بن نجبة الفزاري في كثف من الناس فطلبه، وقال له: إنّك يا مسيّب من أثق بصلاحه وبأسه. فسار حتّي أتي الجناب، ثمّ أتي تيماء, وانضمّ إلي عبدالله بن مسعدة قوم من رهطه من بني فزارة، وانضمّ إلي ابن نجبة قوم من رهطه أيضاً، فالتقي هو وابن مسعدة فاقتتلوا قتالاً شديداً، وأصابت ابن مسعدة جراحات ومضي قوم من أصحابه إلي الشام منهزمين لا يلوون عليه، وبقي معه قوم منهم فلجأ ولجأوا إلي حائط حول حصن تيماء محيط به قديم، فجمع المسيّب حوله الحطب وأشعل فيه النار، فناشدوه أن لا يحرقهم وكلّم فيهم، فأمر بإطفاء تلك النار.

وكان علي الثلمة الّتي يخرج منها إلي طريق الشام عبدالرحمان بن أسماء الفزاري, وهو الّذي كان يقاتل يومئذ ويقول:

أنا ابن أسماء وهذا مصدقي أضربهم بصارم ذي رونق

ص:335


1- (1) عنه الطبراني في المعجم الكبير 195/17(521)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 522/40-523، ترجمة أبي مسعود الأنصاري عقبة بن عمرو (4729).

فلمّا جنّ عليه الليل خلّي سبيلهم فمضوا حتّي لحقوا بمعاوية، وأصبح المسيّب فلم يجد في الحصن أحداً، فسأله بعض أصحابه أن يأذن له في اتّباع القوم فأبي ذلك.(1)

وقدم المسيّب علي علي وقد بلغه الخبر, فحجبه أيّاماً ثمّ دعا به فوبّخه وقال: حابيت قومك وداهنت وضيّعت. فاعتذر إليه, وكلّمه وجوه أهل الكوفة في الرضا عنه, فلم يجبهم وربطه إلي سارية من سواري المسجد، ويقال: إنّه حبسه ثمّ دعا به فقال له: إنّه قد كلّمني فيك من أنت أرجي عندي منه، فكرهت أن يكون لأحد منهم عندك يد دوني. وأظهر الرضا عنه، وولّاه قبض الصدقة بالكوفة، فأشرك في ذلك بينه وبين عبدالرحمان بن محمّد الكندي، ثمّ إنّه حاسبهما فلم يجد عليهما شيئاً, فوجّههما بعد ذلك في عمل ولّاهما إيّاه، فلم يجد عليهما سبيلاً، فقال: لو كان الناس كلّهم مثل هذين الرجلين الصالحين ما ضرّ صاحب غنم لو خلاها بلا راع، وما ضرّ المسلمات لا تغلق عليهنّ الأبواب، وما ضرّ تاجر لو ألقي تجارته بالعراء.(2)

22. مصقلة بن هبيرة

تقدّمت رواياته ذيل عنوان: «موقفه عليه السلام الحازم مع العمّال».

23. معاوية بن أبي سفيان

برواية:

1. أبي الأغرّ التميمي - 3. عامر الشعبي

2. الجرجاني - 4. عبدالرحمان بن عبيد

ص:336


1- (1) في تاريخ الطبري: «فقال له عبدالرحمان بن شبيب: سر بنا في طلبهم، فأبي ذلك عليه، فقال له: غششت أميرالمؤمنين وداهنت في أمرهم».
2- (2) أنساب الأشراف 209/3-210، غارة ابن مسعدة الفزاري. ورواه الطبري في تاريخه 134/5-135، حوادث سنة تسع وثلاثين, تفريق معاوية جيوشه في أطراف علي, عن عوانة. وليس فيه ذيل الحديث المرتبط برجوعه إلي أميرالمؤمنين عليه السلام.

5. عبدالله بن عبّاس - 7. ما ورد مرسلاً

6. عبدالواحد الدمشقي -

1. أبوالأغرّ التميمي

15653. ابن قتيبة: روي أبوسوقة التميمي عن أبيه، عن جدّه، عن أبي الأغرّ التميمي، قال:

بينا أنا واقف بصفّين... فقال علي: والله لودّ معاوية أنّه ما بقي من هاشم نافخ ضرمة إلّا طعن في نَيْطه إطفاء لنور الله، (وَ يَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ )1 , أما والله ليملكنّهم منّا رجال، ورجال يسومونهم الخسف حتّي يحفروا الآبار ويتكفّفوا الناس....(1)

ص:337


1- (2) عيون الأخبار 274/1-276، كتاب الحرب، باب من أخبار الشُجَعاء والفرسان و أشعارهم، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 219/5-221، شرح الخطبة 65. وراجع 129/19، شرح الحكمة 266. قال ابن قتيبة في غريب الحديث 131/2-132, حديث أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب: في حديث علي عليه السلام أنّه قال: «والله لودّ معاوية أنّه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة، إلّا طعن في نيطه». الضرمة: النار. يقال: ما بالدار نافخ نار، ولا نافخ ضرمة سواء, أي ما بها أحد. وقوله: «إلّا طعن في نيطه»، يريد: إلّا مات. وحدّثني أبي, قال: أخبرني أبوحاتم، عن أبي زيد، قال: طعن فلان في نيطه، أي طعن في جنازته. ومن ابتدأ في شيء أو دخل في شيء فقد طعن فيه. والنيط : الموت. يقال: رماه الله بالنيط . وحدّثني أبي، قال: حدّثنا أبوسعيد، إنّه طعن في نيطه. وقال: نياط القلب، وهي علاقته الّتي يتعلّق بها، فإذا طعن في ذلك المكان مات. وكان القياس أن يقال: نوط ؛ لأنّه من ناط ينوط ، غير أنّ الياء تعاقب الواو في حروف كثيرة.... وقال الزمخشري في الفائق 338/2 «ضرم»: علي - رضي الله تعالي عنه -: «والله لودّ معاوية أنّه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمة إلّا طعن في نيطه». الضرمة: النار، عن أبي زيد. يقال: «طعن في نيطه»، أي في جنازته، ومن ابتدأ بشيء أو دخل فيه فقد طعن فيه. وقال غيره: «طعن»، علي لفظ ما يسمّ فاعله. والنيط : نياط القلب, أي علاقته الّتي يتعلّق بها، وإذا طعن مات صاحبه.
2. الجرجاني

15654. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](1): وحدّثني محمّد بن عبيدالله، عن الجرجاني، قال:

كان معاوية قد أتي جريراً قبل ذلك في منزله، فقال له: يا جرير، إنّي قد رأيت رأياً. قال: هاته. قال: اكتب إلي صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية، فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده في عنقي بيعة، واُسلّم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة.

فقال جرير: اكتب ما أردت أكتب معك.

فكتب معاوية بذلك إلي علي، فكتب علي عليه السلام إلي جرير:

أمّا بعد، فإنّما أراد معاوية إلّا يكون لي في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ ، وأراد أن يريثك ويبطئك حتّي يذوق أهل الشام، وإنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار علىّ أن أستعمل معاوية علي الشام وأنا حينئذ بالمدينة؛ فأبيت ذلك عليه، ولم يكن الله ليراني أتّخذ المضلّين عضداً، فإن بايعك الرجل وإلّا فأقبل، والسلام.(2)

ص:338


1- (1) وقعة صفّين ص 52.
2- (2) شرح نهج البلاغة 84/3، شرح الخطبة 43.
3. عامر الشعبي

15655. يحيي بن سليمان: حدّثنا نصر بن مزاحم، حدّثنا عمر بن سعد الأسدي، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي، [في حديث يذكر فيه أنّ عليّاً عليه السلام بعث جرير بن عبدالله إلي معاوية، إلي أن قال]:

إنّ معاوية قال لجرير: قد رأيت أن أكتب إلي صاحبك أن يجعل لي مصر والشام حياته، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة، واُسلّم له هذا الأمر، وأكتب إليه بالخلافة.

فقال جرير: اكتب ما شئت، وأكتب معك إليه. فكتب معاوية بذلك، فلمّا أتي عليّاً كتابه عرف أنّما هي خديعة منه. وكتب علي إلي جرير:

أمّا بعد، فإنّ معاوية إنّما أراد بما طلب ألا تكون في عنقه بيعة، وأن يختار من أمره ما أحبّ ، وأراد أن يريثك حتّي يذوق أهل الشام، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمل معاوية علي الشام فأبيت ذلك، ولم يكن الله ليراني أن أتّخذ المضلّين عضداً، فإن بايعك وإلّا فأقبل.(1)

15656. يحيي بن سليمان: حدّثنا نصر بن مزاحم(2) ، حدّثنا عمر بن سعد الأسدي، عن نمير بن وعلة، عن عامر الشعبي [في حديث يذكر فيه أنّ عليّاً عليه السلام بعث جرير بن عبدالله البجلي إلي معاوية، إلي أن قال]:

ودفع إليه كتابه، قال: وكانت نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان، أمّا

ص:339


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 127/59-131، ترجمة معاوية بن أبي سفيان (7510)، من طريق ابن ديزيل, وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 128/8, حوادث سنة ستّين, ترجمة معاوية، والباعوني في جواهر المطالب 368/1-369, الباب الخمسون, في كتبه إلي معاوية.
2- (2) وقعة صفّين ص 27-30.

بعد، فإنّ بيعتي لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان علي ما بايعوا عليه، فلم يكن لشاهد أن يختار، ولا لغائب أن يردّ، وإنّما الشوري للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا علي رجل وسمّوه إماماً كان ذلك رضا، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة ردّوه إلي ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه علي اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولّاه الله ما تولّي ويصله جهنّم وساءت مصيراً.

وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتي، وكان نقضهما كردّهما، فجاهدتهما علي ذلك حتّي جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإنّ أحبّ الاُمور إلىّ فيك العافية، إلّا أن تعرّض للبلاء، فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت الله عليك، وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس ثمّ حاكم القوم إلىّ أحملك وإيّاهم علي كتاب الله، فأمّا تلك الّتي تريدها يا معاوية فهي خدعة الصبي عن اللبن، ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّي أبرأ قريش من دم عثمان.

واعلم يا معاوية أنّك من الطلقاء(1) الّذين لا تحلّ لهم الخلافة، ولا تعرض فيهم الشوري، وقد أرسلت إليك وإلي من قبلك جرير بن عبدالله، وهو من أهل الإيمان والهجرة، فبايع، ولا قوّة إلّا بالله.(2)

4. عبدالرحمان بن عبيد

15657. الطبري: قال أبومخنف: فحدّثني سليمان بن أبي راشد الأزدي، عن عبدالرحمان بن عبيد أبي الكنود:

أنّ معاوية بعث إلي علي حبيب بن مسلمة الفهري وشرحبيل بن السمط ومعن بن

ص:340


1- (1) الطلقاء: جمع طليق؛ وهم الاُساري الّذين أطلقهم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم فتح مكّة ولم يسترقّهم.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 127/59-128، ترجمة معاوية بن أبي سفيان (7510), من طريق ابن ديزيل. ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 74/3-76، شرح الخطبة 43، عن نصر بن مزاحم.

يزيد بن الأخنس، فدخلوا عليه وأنا عنده... فقال علي:... ثمّ أتاني الناس وأنا معتزل امورهم، فقالوا لي: بايع. فأبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فإنّ الاُمّة لا ترضي إلّا بك، وإنّا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس، فبايعتهم، فلم يَرَعْني إلّا شقاق رجلين قد بايعاني، وخلاف معاوية الّذي لم يجعل الله - عزّ وجلّ - له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الأحزاب، لم يزل لله - عزّ وجلّ - ولرسوله صلى الله عليه و سلم وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتّي دخلا في الإسلام كارهين....(1)

5. عبدالله بن عبّاس

15658. الواقدي: حدّثني ابن أبي سبرة، عن عبدالمجيد بن سهيل، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، عن ابن عبّاس، قال:

دعاني عثمان فاستعملني علي الحجّ ، فخرجت إلي مكّة فأقمت للناس الحجّ ، وقرأت عليهم كتاب عثمان إليهم، ثمّ قدمت المدينة وقد بويع لعلي، فأتيته في داره فوجدت المغيرة بن شعبة مستخلياً به، فحبسني حتّي خرج من عنده، فقلت: ماذا قال لك هذا؟ فقال: قال لي قبل مرّته هذه: أرسل إلي عبدالله بن عامر وإلي معاوية وإلي عمّال عثمان بعهودهم تقرّهم علي أعمالهم ويبايعون لك الناس، فإنّهم يهدّئون البلاد ويسكّنون الناس. فأبيت ذلك عليه يومئذ وقلت: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا ولّيت هؤلاء ولا مثلهم يولّي.

قال: ثمّ انصرف من عندي وأنا أعرف فيه أنّه يري أنّي مخطئ، ثمّ عاد إلىّ الآن فقال: إنّي أشرت عليك أوّل مرّة بالّذي أشرت عليك وخالفتني فيه، ثمّ رأيت بعد ذلك رأياً، وأنا أري أن تصنع الّذي رأيت فتنزعهم وتستعين بمن تثق به، فقد كفي الله، وهم أهون شوكة ممّا كان.

قال ابن عبّاس: فقلت لعلي: أمّا المرّة الاُولي فقد نصحك، وأمّا المرّة الآخرة فقد غشّك.

ص:341


1- (1) تاريخ الطبري 7/5-8، حوادث سنة سبع وثلاثين، ذكر ما كان فيها من الأحداث.

قال له علي: ولِمَ نصحني ؟ قال ابن عبّاس: لأنّك تعلم أنّ معاوية وأصحابه أهل دنيا، فمتي تثبتهم لا يبالوا بمن ولي هذا الأمر، ومتي تعزلهم يقولوا: أخذ هذا الأمر بغير شوري، وهو قتل صاحبنا، ويؤلّبون عليك فينتقض عليك أهل الشام وأهل العراق، مع أنّي لا آمن طلحة والزبير أن يكرّا عليك.

فقال علي: أمّا ما ذكرت من إقرارهم فوالله ما أشكّ أنّ ذلك خير في عاجل الدنيا لإصلاحها، وأمّا الّذي يلزمني من الحقّ والمعرفة بعمّال عثمان فوالله لا اولّي منهم أحداً أبداً، فإن أقبلوا فذلك خير لهم، وإن أدبروا بذلت لهم السيف.

قال ابن عبّاس: فأطعني وادخل دارك، والحق بمالك بينبع، وأغلق بابك عليك، فإنّ العرب تجول جولة وتضطرب ولا تجد غيرك، فإنّك والله لئن نهضت مع هؤلاءاليوم ليحمّلنّك الناس دم عثمان غداً.

فأبي علي، فقال لابن عبّاس: سر إلي الشام فقد ولّيتكها. فقال ابن عبّاس: ما هذا برأي، معاوية رجل من بني اُميّة، وهو ابن عمّ عثمان وعامله علي الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي لعثمان، أو أدني ما هو صانع أن يحبسني فيتحكّم علىّ .

فقال له علي: ولِمَ ؟ قال: لقرابة ما بيني وبينك، وإنّ كلّ ما حمل عليك حمل علىّ ، ولكن اكتب إلي معاوية فمنّه وعده. فأبي علي وقال: والله لا كان هذا أبداً.(1)

15659. ابن سعد: حدّثني هشام بن سعد، عن أبي هلال، قال: قال ابن عبّاس:

قدمت المدينة من مكّة بعد قتل عثمان رضى الله عنه بخمسة أيّام، فجئت عليّاً أدخل عليه، فقيل لي: عنده المغيرة بن شعبة، فجلست بالباب ساعة، فخرج المغيرة فسلّم علىّ فقال: متي قدمت ؟ فقلت: الساعة. فدخلت علي علي فسلّمت عليه، فقال لي: لقيت الزبير وطلحة ؟ قال: قلت: لقيتهما بالنواصف.

ص:342


1- (1) عنه الطبري بإسناده إليه في تاريخه 439/4-440، حوادث سنة خمس وثلاثين، اتّساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام.

قال: من معهما؟ قلت: أبوسعيد بن الحارث بن هشام في فئة من قريش. فقال علي: أما إنّهم لن يدعوا أن يخرجوا يقولون: نطلب بدم عثمان، والله نعلم أنّهم قتلة عثمان.

قال ابن عبّاس: يا أميرالمؤمنين، أخبرني عن شأن المغيرة، ولِمَ خلا بك ؟ قال: جاءني بعد مقتل عثمان بيومين فقال لي: أخلني. ففعلت، فقال: إنّ النصح رخيص وأنت بقيّة الناس، وإنّي لك ناصح، وإنّي اشير عليك بردّ عمّال عثمان عامك هذا، فاكتب إليهم بإثباتهم علي أعمالهم، فإذا بايعوا لك واطمأنّ الأمر لك عزلت من أحببت وأقررت من أحببت. فقلت: والله لا أدهن في ديني، ولا اعطي الدنىّ في أمري.

قال: فإن كنت قد أبيت علىّ فانزع من شئت واترك معاوية، فإنّ لمعاوية جرأة، وهو في أهل الشام يسمع منه، ولك حجّة في إثباته، كان عمر بن الخطّاب قد ولّاه الشام كلّها. فقلت: لا والله، لا أستعمل معاوية يومين أبداً، فخرج من عندي علي ما أشار به، ثمّ عاد فقال لي: إنّي أشرت عليك بما أشرت به فأبيت علىّ ، ثمّ نظرت في الأمر فإذا أنت مصيب، لا ينبغي لك أن تأخذ أمرك بخدعة، ولا يكون في أمرك دلسة.

قال: فقال ابن عبّاس: فقلت لعلي: أمّا أوّل ما أشار به عليك فقد نصحك، وأمّا الآخر فغشّك، وأنا اشير عليك بأن تثبت معاوية، فإن بايع لك فعلىّ أن أقلعه من منزله. قال علي: لا والله، لا اعطيه إلّا السيف.

قال: ثمّ تمثّل بهذا البيت:

ما ميتة إن متّها غير عاجز بعار إذا ما غالت النفس غولها

فقلت: يا أميرالمؤمنين، أنت رجل شجاع لست بأرب بالحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: الحرب خدعة ؟ فقال علي: بلي.

فقال ابن عبّاس: أما والله لئن أطعتني لأصدرنّ بهم بعد ورد، ولأتركنّهم ينظرون في دبر الاُمور لايعرفون ما كان وجهها، في غير نقصان عليك ولا إثم لك.

فقال: يا ابن عبّاس، لست من هنيئاتك وهنيئات معاوية في شيء، تشير علىّ وأري، فإذا عصيتك فأطعني.

ص:343

قال: فقلت: أفعل، إنّ أيسر ما لك عندي الطاعة.(1)

6. عبدالواحد الدمشقي

15660. أبونعيم: حدّثنا أحمد بن محمّد بن موسي، حدّثنا علي بن أبي قربة، حدّثنا نصر بن مزاحم، حدّثنا أبي، حدّثنا عمرو - يعني ابن شمر -، عن محمّد بن سوقة، عن عبدالواحد الدمشقي، قال:

نادي حوشب الحميري عليّاً يوم صفّين، فقال: انصرف عنّا يا ابن أبي طالب فإنّا ننشدك الله في دمائنا ودمك، نخلّي بينك وبين عراقك، وتخلّي بيننا وبين شامنا، وتحقن دماء المسلمين!

فقال علي: هيهات يا ابن امّ ظليم! والله لو علمت أنّ المداهنة تسعني في دين الله لفعلت، ولكان أهون علىّ في المؤونة، ولكنّ الله لم يرض من أهل القرآن بالإدهان والسكوت، والله يعصي [وهم يطيقون الدفاع والجهاد حتّي يظهر أمر الله].(2)

7. ما ورد مرسلاً

15661. ابن أعثم:... فجاء [المغيرة بن شعبة] إلي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لك عندي نصيحة فاقبلها. فقال علي: وما تلك يا مغيرة ؟

قال: لست إنّي أخاف عليك أحداً يخالفك ويشعث عليك إلّا معاوية بن أبي سفيان؛ لأنّه ابن عمّ عثمان والشام في يده، فابعث إليه بعهده وألزمه طاعتك، وابعث إلي عبدالله

ص:344


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 440/4-441، حوادث سنة خمس وثلاثين, اتّساق الأمر في البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وأورده ابن الأثير في الكامل 101/3, حوادث سنة خمس و ثلاثين, ذكر بيعة علي بن أبي طالب، وابن كثير في البداية والنهاية 228/7, حوادث سنة خمس وثلاثين, ذكر بيعة علي رضى الله عنه بالخلافة, باختصار.
2- (2) حلية الأولياء 85/1، ترجمة علي بن أبي طالب (4)، ومن طريقه ابن عبدالبرّ في الاستيعاب 411/1، ترجمة حوشب بن طخية الحميري (581) وما بين المعقوفين منه، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 291/37، ترجمة عبدالواحد (4354). وأورده ابن الأثير في اُسد الغابة 63/2، ترجمة حوشب.

بن عامر بن كريز بعهده علي البصرة، فإنّه يسكن عنك الأعداء، ويهدي عليك البلاد.

فقال علي: ويحك يا مغيرة! والله ما منعني من ذلك إلّا قول الله تعالي لنبيّه محمّد صلى الله عليه و سلم: (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)1 ، والله لا يراني الله تعالي وأنا أستعمل معاوية علي شيء من أعمال المسلمين أبداً، ولكنّي أدعوه إلي ما نحن فيه، فإن هو أجاب إلي ذلك أصاب رشده, وإلّا حاكمته إلي الله - عزّ وجلّ -.

فسكت المغيرة بن شعبة وانصرف إلي منزله وأنشأ أبياتاً مطلعها:

منحت عليّاً في ابن حرب نصيحة فردّ فما منّي له الدهر ثانيه

إلي آخره.(1)

15662. ابن أعثم: فنزل علي رضى الله عنه عن المنبر ودخل إلي منزله، ثمّ دعا بدواة وقرطاس وكتب إلي معاوية كتاباً نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن صخر، أمّا بعد، فإنّ بيعتي لزمتك وأنا بالمدينة وأنت بالشام، وذلك أنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان، فليس للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يردّ، وأمّا عثمان فقد كان أمره مشكلاً علي الناس، المخبر عنه كالأعمي والسامع كالأصمّ ، وقد عابه قوم فلم يقبلوه، وأحبّه قوم فلم ينصروه، وكذبوا الشاهد واتّهموا الغائب، وقد بايعني الناس بيعة عامّة، من رغب عنها مرق, ومن تأخّر عنها محق، فاقبل العافية واعمل علي حسب ما كتبت به، والسلام.(2)

15663. الخوارزمي: فلمّا انتهي كتاب معاوية إلي علي قرأه، قال: العجب لمعاوية وكتابه إلىّ . ثمّ دعا عب [ي] دالله بن أبي رافع كاتبه فقال: اكتب إلي معاوية:

أمّا بعد, فقد جاءني كتابك، تذكر فيه أنّك لو علمت وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بنا وبك

ص:345


1- (2) الفتوح 266/2-267, خبر الحجّاج بن خزيمة بن نبهان.
2- (3) الفتوح 352/2-353, ذكر كتاب علي رضى الله عنه إلي معاوية.

ما بلغت لم يجبها بعضنا علي بعض وأنا وإيّاك منها في غاية لم نبلغها بعد.

فأمّا طلبك منّي الشام فإنّي لم أكن لاُعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأمّا استواؤنا في الخوف والرجاء فإنّك لست علي الشكّ أمضي منّي علي اليقين، وليس أهل الشام بأحرص علي الدنيا من أهل العراق علي الآخرة.

وأمّا قولك: إنّا بنوعبدمناف، ليس لبعضنا علي بعض فضل، فكذلك نحن، ولكن ليس اميّة كهاشم، ولا حرب كعبدالمطّلب، ولا أبوسفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا المحقّ كالمبطل، وفي أيدينا فضل النبوّة الّتي بها قتلنا الحرّ العزيز وبعنا الحرّ الذليل.(1)

15664. ابن عبدالبرّ: لمّا قتل عثمان وبايع الناس عليّاً دخل عليه المغيرة بن شعبة فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لك عندي نصيحة. قال: وما هي ؟ قال: إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة بن عبيدالله علي الكوفة، والزبير بن العوّام علي البصرة، وابعث معاوية بعهده علي الشام حتّي تلزمه طاعتك، فإذا استقرّت لك الخلافة فأدرها كيف شئت برأيك.

قال علي: أمّا طلحة والزبير فسأري رأيي فيهما، وأمّا معاوية فلا والله لا أراني الله مستعملاً له، ولا مستعيناً به، ما دام علي حاله، ولكنّي أدعوه إلي الدخول فيما دخل فيه المسلمون، فإن أبي حاكمته إلي الله.

وانصرف عنه المغيرة مغضباً لمّا لم يقبل عنه نصيحته، فلمّا كان الغد أتاه فقال: يا أميرالمؤمنين، نظرت فيما قلت بالأمس وما جاوبتني به، فرأيت أنّك وفّقت للخير، فاطلب الحقّ . ثمّ خرج عنه، فلقيه الحسن وهو خارج، فقال لأبيه: ما قال لك هذا الأعور؟ قال: أتاني أمس بكذا وأتاني اليوم بكذا. قال: نصح لك والله أمس، وخدعك اليوم.

فقال له علي: إن أقررت معاوية علي ما في يده كنت متّخذ المضلّين عضداً.

وقال المغيرة في ذلك:

ص:346


1- (1) المناقب ص 256، أواخر الحديث 240.

نصحت عليّاً في ابن هند نصيحة فردّ فلا يسمع له الدهر ثانيه

وقلت له أرسل إليه بعهده علي الشام حتّي يستقرّ معاويه

ويعلم أهل الشام أن قد ملكته فاُمّ ابن هند عند ذلك هاويه

فلم يقبل النصح الّذي جئته به وكانت له تلك النصيحة كافيه(1)

15665. الدينوري: كتب علي بن أبي طالب إلي معاوية: أمّا بعد، فقد بلغك الّذي كان من مصاب عثمان رضى الله عنه، واجتماع الناس علىّ ومبايعتهم لي، فادخل في السلم أو ائذن بحرب....

ثمّ إنّ المغيرة بن شعبة دخل علي علي رضى الله عنه، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ لك حقّ الصحبة، فأقرّ معاوية علي ما هو عليه من إمرة الشام، وكذلك جميع عمّال عثمان، حتّي إذا أتتك طاعتهم وبيعتهم استبدلت حينئذ أو تركت.

فقال علي رضى الله عنه: أنا ناظر في ذلك.

وخرج عنه المغيرة ثمّ عاد إليه من غد، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي أشرت أمس عليك برأي، فلمّا تدبّرته عرفت خطأه، والرأي أن تعاجل معاوية وسائر عمّال عثمان بالعزل؛ لتعرف السامع المطيع من العاصي، فتكافئ كلّا بجزائه. ثمّ قام، فتلقّاه ابن عبّاس داخلاً، فقال لعلي رضى الله عنه: فيم أتاك المغيرة ؟ فأخبره علي بما كان من مشورته بالأمس، وما أشار عليه بعد، فقال ابن عبّاس: أمّا أمس فإنّه نصح لك, وأمّا اليوم فغشّك.

وبلغ المغيرة ذلك، فقال: صدق ابن عبّاس، نصحت له، فلمّا ردّ نصحي بدّلت قولي. ولمّا خاض الناس في ذلك سار المغيرة إلي مكّة، فأقام بها ثلاثة أشهر، ثمّ انصرف إلي المدينة.(2)

15666. الدينوري: إنّ عليّاً أرسل جرير بن عبدالله إلي معاوية يدعوه إلي الدخول في طاعته والبيعة له، أو الإيذان بالحرب، فقال الأشتر: ابعث غيره فإنّي لا آمن

ص:347


1- (1) الاستيعاب 1447/4، ترجمة المغيرة بن شعبة (2483).
2- (2) الأخبار الطوال ص 141-142, بيعة علي بن أبي طالب.

مداهنته. فلم يلتفت إلي قول الأشتر.

فسار جرير إلي معاوية بكتاب علي، فقدم علي معاوية، فألقاه وعنده وجوه أهل الشام، فناوله كتاب علي وقال: هذا كتاب علي إليك وإلي أهل الشام، يدعوكم إلي الدخول في طاعته، فقد اجتمع له الحرمان، والمصران، والحجازان، واليمن، والبحران، وعمّان، واليمامة، ومصر، وفارس، والجبل، وخراسان، ولم يبق إلّا بلادكم هذه، وإن سال عليها وادٍ من أوديته غرقها.

وفتح معاوية الكتاب فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان، أمّا بعد، فقد لزمك ومن قِبَلَك من المسلمين بيعتي، وأنا بالمدينة وأنتم بالشام؛ لأنّه بايعني الّذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم -، فليس للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الأمر في ذلك للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا علي رجل مسلم فسمّوه إماماً كان ذلك لله رضي، فإن خرج من أمرهم أحد بطعن فيه أو رغبة عنه ردّ إلي ما خرج منه، فإن أبي قاتلوه علي اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولّاه الله ما تولّي، ويصله جهنّم وساءت مصيراً، فادخل فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار، فإنّ أحبّ الاُمور فيك وفيمن قبلك العافية، فإن قبلتها وإلّا فائذن بحرب، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فادخل فيما دخل فيه الناس، ثمّ حاكم القوم إلىّ أحملك وإيّاهم علي ما في كتاب الله وسنّة نبيّه، فأمّا تلك الّتي تريدها فإنّما هي خدعة الصبي عن الرضاع.(1)

15667. الدينوري: فكتب إليه علي رضى الله عنه:

بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فقد أتاني كتابك، تذكر أنّك لو علمت وعلمنا أنّ الحرب تبلغ بك وبنا ما بلغت لم نَجنِها علي أنفسنا، فاعلم أنّك وإيّانا منها إلي غاية لم نبلغها بعد، وأمّا استواؤنا في الخوف والرجاء فإنّك لست أمضي علي الشكّ منّي علي

ص:348


1- (1) الأخبار الطوال ص 156-157, وقعة صفّين.

اليقين، وليس أهل الشام بأحرص علي الدنيا من أهل العراق علي الآخرة.

وأمّا قولك: إنّا بنوعبدمناف، وليس لبعضنا علي بعض فضل، فليس كذلك؛ لأنّ اميّة ليس كهاشم، ولا حرباً كعبدالمطّلب، ولا أباسفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، وفي أيدينا فضل النبوّة الّتي بها قتلنا العزيز، ودان لنا بها الذليل.(1)

15668. ابن حبّان:... فدخل عليه [عليه السلام] المغيرة بن شعبة فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّي مشير عليك بخلال ثلاث فافعل أيّها شئت، فقال: ما هي يا أعور؟ فقال: إنّي أري من الناس بعض التثاقل فيك، فأري أن تأتي بجمل ظهر فتركبه وتركض في الأرض هارباً من الناس، فإنّهم إذا رأوا ذلك منك ابتاعوا جمالاً أظهر من جمالك وخيولاً، ثمّ ركضوا في أثرك حتّي يدركوك حيث ما كنت ويقلّدوك هذا الأمر علي اجتماع منهم شئت أو أبيت، فإن لم تفعل هذا فأقرّ معاوية علي الشام كلّه واكتب إليه كتاباً بذلك تذكر فيه من شرفه وشرف آبائه, وأعلمه أنّك ستكون له خيراً من عمر وعثمان، واردد عمرو بن العاص علي مصر، واذكر في كتابك شرفه وقدمه، فإنّه رجل يقع الذكر منه موقعاً، فإذا ثبت الأمر أذنت لهما حينئذ في القدوم عليك تستخبرهما عن البلاد والناس، ثمّ تبعث بعاملين وتقرّهما عندك، فإن أبيت فاخرج من هذه البلاد فإنّها ليست ببلاد كراع وسلاح.

فقال علي: أمّا ما ذكرت من فراري من الناس فكيف أفرّ منهم وقد بايعوني، وأمّا أمر معاوية وعمرو بن العاص فلا يسألني الله عن إقرارهما ساعة واحدة في سلطاني، (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)2 ، وأمّا خروجي من هذه البلاد إلي غيرها فإنّي ناظر في ذلك.

فخرج من عنده المغيرة ثمّ عاد وهو عازم علي الخروج إلي الشام واللحوق بمعاوية, فقال له: يا أميرالمؤمنين، أشرت عليك بالأمس في رأيي بمعاوية وعمرو، إنّ الرأي أن تعاجلهم بالنزع، فقد عرف السامع من غيره، وتستقبل أمرك.

ص:349


1- (1) الأخبار الطوال ص 187, مقتل حوشب ذي ظليم.

ثمّ خرج من عنده, فلقيه ابن عبّاس خارجاً وهو داخل، فلمّا انتهي إليه قال: رأيت المغيرة خارجاً من عندك، فيم جاءك ؟ قال: جاءني أمس برأي واليوم برأي. وأخبره بالرأيين، فقال ابن عبّاس: أمّا أمس فقد نصحك، وأمّا اليوم فقد غشّك....(1)

15669. مسكويه: جاء المغيرة حتّي دخل علي علي عليه السلام فقال: إنّ حولك من يشير ويري، ولك علىّ حقّ الطاعة، وأنّ النصح رخيص، وأنت بقيّة الناس، وأنا لك ناصح، واعلم أنّ الرأي اليوم تحوز به ما في غد، وأنّ الضياع اليوم يضيع به ما في غد، أقرر معاوية علي عمله، وأقرر ابن عامر علي عمله، واردد عمّال عثمان عامك هذا، واكتب بإثباتهم علي أعمالهم، فإذا بايعوا لك واطمأنّ الأمر عزلت من أحببت، وأقررت من أحببت.

فقال علي: والله لو كان ساعة من نهار لاجتهدت فيها رأيي، ولا ولّيت أمثال هؤلاء [ولا مثلهم يولّي]، (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)2 .

فقال المغيرة: فإذ قد أبيت فاترك معاوية، فإنّ له جرأة، وأهل الشام يطيعونه، ولك حجّة في إثباته، كان عمر بن الخطّاب قد ولّاه الشام كلّها.

فقال علي: لا والله, لا أستعمله يومين.(2)

15670. ابن عبد ربّه: كتب علي بن أبي طالب إلي جرير بن عبدالله، وكان وجّهه إلي معاوية في أخذ بيعته, فأقام عنده ثلاثة أشهر يماطله بالبيعة، فكتب إليه علي:

سلام عليك، فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية علي الفصل، وخيّره بين حرب مجلية أو سلم مخزية، فإن اختار الحرب فانبذ إليهم علي سواء، إنّ الله لا يحبّ الخائنين، وإن اختار السلم فخذ بيعته وأقبل إلىّ .

ص:350


1- (1) الثقات 271/2-272، حوادث السنة الخامسة والثلاثين, استخلاف علي بن أبي طالب - رضي الله تعالي عنه -.
2- (3) تجارب الاُمم 461/1, خلافة الإمام علي, ذكر رأي جيّد للمغيرة.

وكتب علي إلي معاوية بعد وقعة الجمل:

سلام عليك، أمّا بعد، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام؛ لأنّه بايعني [القوم] الّذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان، علي ما بويعوا عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار, ولا للغائب أن يردّ، وإنّما الشوري للمهاجرين والأنصار، فإذا اجتمعوا علي رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضي، وإن خرج عن أمرهم خارج ردّوه إلي ما خرج عنه، فإن أبي قاتلوه علي اتّباعه غير سبيل المؤمنين، وولّاه الله ماتولّي، وأصلاه جهنّم وساءت مصيراً.

وإنّ طلحة والزبير بايعاني ثمّ نقضا بيعتهما، وكان نقضهما كردّتهما، فجاهدتهما بعد ما أعذرت إليهما، حتّي جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فإنّ أحبّ الاُمور إلىّ قبولك العافية، وقد أكثرت في قتلة عثمان، فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ثمّ حاكمت القوم إلىّ حملتك وإيّاهم علي كتاب الله، وأمّا تلك الّتي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن, ولعمري لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنّني أبرأ قريش من دم عثمان.

واعلم أنّك من الطلقاء(1) الّذين لا تحلّ لهم الخلافة، ولا يدخلون في الشوري، وقد بعثت إليك وإلي من قبلك جرير بن عبدالله، وهو من أهل الإيمان والهجرة, فبايعه، ولا قوّة إلّا بالله.

فكتب إليه معاوية... فكتب إليه علي:

أمّا بعد، فقد أتانا كتابك، كتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوي فأجابه، وقاده فاتّبعه, زعمت أنّك إنّما أفسد عليك بيعتي خفوري(2) لعثمان، ولعمري ما كنت إلّا رجلاً من المهاجرين، أوردت كما أوردوا، وأصدرت كما أصدروا، وما كان الله ليجمعهم علي ضلالة، ولا ليضربهم بالعمي، وما أمرت فلزمتني خطيئة الأمر، ولا قتلت فأخاف علي نفسي قصاص القاتل.

ص:351


1- (1) الطلقاء: الّذين خلّي عنهم يوم فتح مكّة واُطلقوا ولم يسترقّوا.
2- (2) يقال: أخفر الذمّة، إذا لم يف بها.

وأمّا قولك: إنّ أهل الشام هم حكّام أهل الحجاز، فهات رجلاً من أهل الشام يقبل في الشوري أو تحلّ له الخلافة، فإن سمّيت كذّبك المهاجرون والأنصار، ونحن نأتيك به من قريش الحجاز.

وأمّا قولك: ادفع إلىّ قتلة عثمان، فما أنت وذاك ؟ وهاهنا بنوعثمان، وهم أولي بذلك منك، فإن زعمت أنّك أقوي علي طلب دم عثمان منهم فارجع إلي البيعة الّتي لزمتك وحاكم القوم إلىّ .

وأمّا تمييزك بين أهل الشام والبصرة، وبينك وبين طلحة والزبير، فلعمري فما الأمر هناك إلّا واحد؛ لأنّها بيعة عامّة، لا يتأنّي فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار.

وأمّا قرابتي من رسول الله صلى الله عليه و سلم وقدمي في الإسلام, فلو استطعت دفعه لدفعته!

وكتب معاوية إلي علي... فأجابه علي:

أمّا بعد، فوالله ما قتل ابن عمّك غيرك، وإنّي أرجو أن الحقك به علي مثل ذنبه وأعظم من خطيئته, وإنّ السيف الّذي ضربت به أهلك لمعي دائم, والله ما استحدثت ديناً، ولا استبدلت نبيّاً، وإنّي علي المنهاج الّذي تركتموه طائعين، واُدخلتم فيه كارهين.

وكتب معاوية [مع أبي مسلم الخولاني] إلي علي بن أبي طالب [قبل مسيره إلي صفّين]... فأجابه علي [عليه السلام]:

أمّا بعد، فإنّ أخا خولان قدم علىّ بكتاب منك تذكر فيه محمّداً صلى الله عليه و سلم وما أنعم الله به عليه من الهدي والوحي، فالحمد لله الّذي صدّقه الوعد، وتمّم له النصر، ومكّنه في البلاد، وأظهره علي الأعادي من قومه الّذين أظهروا له التكذيب، ونابذوه بالعداوة، وظاهروا علي إخراجه وإخراج أصحابه، وألّبوا عليه العرب، وحزّبوا الأحزاب، حتّي جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون.

وذكرت أنّ الله اختار [له] من المسلمين أعواناً أيّده بهم، فكانوا في منازلهم عنده علي قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم في الإسلام وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة، وخليفة الخليفة من بعده.

ص:352

ولعمري إن كان مكانهما في الإسلام لعظيماً، وإن كان المصاب بهما لجرحاً في الإسلام شديداً، فرحمهما الله وغفر لهما.

وذكرت أنّ عثمان كان في الفضل تالياً, فإن كان محسناً فسيلقي ربّاً شكوراً يضاعف له الحسنات، ويجزيه الثواب العظيم، وإن يك مسيئاً فسيلقي ربّاً غفوراً لا يتعاظمه ذنب [أن] يغفره.

ولعمري إنّي لأرجو إذا الله أعطي [الناس علي قدر فضائلهم في] الإسلام [ونصيحتهم لله ولرسوله] أن يكون سهمنا أهل البيت أوفر نصيب، وأيم الله ما رأيت ولا سمعت بأحد كان أنصح لله في طاعة الله ورسوله, ولا أنصح لرسول الله في طاعة الله, ولا أصبر علي البلاء والأذي في مواطن الخوف من هؤلاء النفر من أهل بيته, الّذين قتلوا في طاعة الله: عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبدالمطّلب يوم احد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، وفي المهاجرين خير كثير، جزاهم الله بأحسن أعمالهم.

وذكرت إبطائي عن الخلفاء وحسدي إيّاهم والبغي عليهم، فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون، وأمّا الكراهة لهم فوالله ما أعتذر للناس من ذلك.

وذكرت بغيي علي عثمان وقطعي رحمه، فقد عمل عثمان بما قد علمت وعمل به الناس ما قد بلغك، وقد علمت أنّي كنت من أمره في عزلة إلّا أن تجنّي فتجنّ ما شئت.

وأمّا ذكرك قتلة عثمان وما سألت من دفعهم إليك، فإنّي نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينه فلم يسعني دفعهم إليك ولا إلي غيرك.

وإن لم تنزع عن غيّك لتعرفنّهم عمّا قليل يطلبونك ولا يكلّفونك أن تطلبهم في سهل ولا جبل، ولا برّ ولا بحر، وقد كان أبوك أبوسفيان أتاني حين قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال: ابسط يدك ابايعك، فأنت أحقّ الناس بهذا الأمر. فكنت أنا الّذي أبيت عليه؛ مخافة الفرقة بين المسلمين لقرب عهد الناس بالكفر، فأبوك كان أعلم بحقّي منك، فإن تعرف من حقّي ما كان أبوك يعرفه تصب رشدك, وإلّا فنستعين الله عليك.(1)

ص:353


1- (1) العقد الفريد 80/5-84، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، أخبار علي ومعاوية.

15671. المبرّد: وجّه علي بن أبي طالب رضى الله عنه جرير بن عبدالله البجلي إلي معاوية رحمه الله يأخذه بالبيعة له... فقال جرير: والله يا أميرالمؤمنين ما أدّخرك من نصرتي شيئاً، وما أطمع لك في معاوية. فقال علي رضى الله عنه: إنّما قصدي حجّة اقيمها عليه....

فكتب إليه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه جواب هذه الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم، من علي بن أبي طالب إلي معاوية بن صخر، أمّا بعد، فإنّه أتاني منك كتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوي فأجابه، وقاده فاتّبعه، زعمت أنّك إنّما أفسد عليك بيعتي خطيئتي في عثمان، ولعمري ما كنت إلّا رجلاً من المهاجرين أوردت كما أوردوا، وأصدرت كما أصدروا, وما كان الله ليجمعهم علي ضلال، ولا ليضربهم بالعمي.

وبعد، فما أنت وعثمان! إنّما أنت رجل من بني اُميّة، وبنوعثمان أولي بمطالبة دمه، فإن زعمت أنّك أقوي علي ذلك, فادخل فيما دخل فيه المسلمون، ثمّ حاكم القوم إلىّ .

وأمّا تمييزك بينك وبين طلحة والزبير وأهل الشام وأهل البصرة؛ فلعمري ما الأمر فيما هناك إلّا سواء؛ لأنّها بيعة شاملة، لا يستثني فيها الخيار، ولا يستأنف فيها النظر.

وأمّا شرفي في الإسلام؛ وقرابتي من رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ وموضعي من قريش؛ فلعمري لو استطعت دفعه لدفعته.(1)

15672. المدائني: وفد عبدالله بن عبّاس علي معاوية مرّة... فقال المغيرة بن شعبة: أما والله لقد أشرت علي علي بالنصيحة فآثر رأيه ومضي علي غلوائه، فكانت العاقبة عليه لا له، وإنّي لأحسب أنّ خلقه(2) يقتدون بمنهجه.

فقال ابن عبّاس: كان والله أميرالمؤمنين عليه السلام أعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف

ص:354


1- (1) الكامل 325/1-331, جرير بن عبدالله البجلي عند معاوية، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 88/3-89، شرح الخطبة 43.
2- (2) كذا في الأصل، ولعلّ الصواب بالفاء.

الاُمور من أن يقبل مشورتك في ما نهي الله عنه، وعنّف عليه, قال سبحانه: (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ )1 ، ولقد وقفك علي ذكر مبين، وآية متلوّة؛ قوله تعالي: (وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً)2 .

وهل كان يسوغ له أن يحكّم في دماء المسلمين وفيء المؤمنين من ليس بمأمون عنده، ولا موثوق به في نفسه ؟ هيهات هيهات! هو أعلم بفرض الله وسنّة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلّا للتقيّة، ولات حين تقيّة! مع وضوح الحقّ ، وثبوت الجنان، وكثرة الأنصار، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله، مؤثراً لطاعة ربّه، والتقوي علي آراء أهل الدنيا....(1)

15673. ابن أبي الحديد: من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان: أمّا بعد، فقد أتتني منك موعظة موصّلة، ورسالة محبّرة، ونمّقتها بضلالك، وأمضيتها بسوء رأيك، وكتاب امرئ ليس له بصر يهديه، ولا قائد يرشده، دعاه الهوي فأجابه، وقاده الضلال فاتّبعه، فهجر لاغطاً، وضلّ خابطاً، فأمّا أمرك لي بالتقوي فأرجو أن أكون من أهلها، وأستعيذ بالله من أن أكون من الّذين إذا امروا بها أخذتهم العزّة بالإثم.

وأمّا تحذيرك إيّاي أن يحبط عملي وسابقتي في الإسلام؛ فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان أن تحذّرني ذلك، ولكنّي وجدت الله تعالي يقول: (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ )4 ، فنظرنا إلي الفئتين، أمّا الفئة الباغية فوجدناها الفئة الّتي أنت فيها؛ لأنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر علي الشام، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبي بكر علي الشام.

ص:355


1- (3) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 298/6-302، شرح الخطبة 83.

وأمّا شقّ عصا هذه الاُمّة، فأنا أحقّ أن أنهاك عنه.

فأمّا تخويفك لي من قتل أهل البغي، فإنّ رسول الله صلى الله عليه و آله أمرني بقتالهم وقتلهم، وقال لأصحابه: إنّ فيكم من يقاتل علي تأويل القرآن كما قاتلت علي تنزيله. وأشار إلىّ وأنا أولي من اتّبع أمره.

وأمّا قولك: إنّ بيعتي لم تصحّ ؛ لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها! كيف وإنّما هي بيعة واحدة، تلزم الحاضر والغائب، لا يثنّي فيها النظر، ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن، والمروىّ فيها مداهن، فاربع علي ظلعك، وانزع سربال غيّك، واترك مالا جدوي له عليك، فليس لك عندي إلّا السيف، حتّي تفيء إلي أمر الله صاغراً، وتدخل في البيعة راغماً، والسلام.(1)

15674. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): وكان جواب علي عليه السلام: من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان.

أمّا بعد, فإنّ أخا خولان قدم علىّ بكتاب منك تذكر فيه محمّداً صلى الله عليه و آله وما أنعم الله به عليه من الهدي والوحي، فالحمد لله الّذي صدقه الوعد، وأيّده بالنصر، ومكّن له في البلاد، وأظهره علي أهل العداوة والشنآن من قومه الّذين وثبوا عليه، وشنفوا له(3) ، وأظهروا تكذيبه، وبارزوه بالعداوة، وظاهروا علي إخراجه وعلي إخراج أصحابه وأهله، وألّبوا عليه [العرب، وجادلوهم علي حربه]، وجهدوا في أمره كلّ الجهد، وقلبوا له الاُمور حتّي جاء الحقّ وظهر أمر الله وهم كارهون، وكان أشدّ الناس عليه تأليباً وتحريضاً اسرته، والأدني فالأدني من قومه، إلّا من عصم الله.

وذكرت أنّ الله تعالي اجتبي له من المسلمين أعواناً أيّده الله بهم، فكانوا في منازلهم

ص:356


1- (1) شرح نهج البلاغة 43/14، شرح الكتاب 7.
2- (2) وقعة صفّين ص 88-91.
3- (3) شنف له، أي أبغضه.

عنده علي قدر فضائلهم في الإسلام، فكان أفضلهم - زعمت - في الإسلام, وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة وخليفة الخليفة، ولعمري إنّ مكانهما في الإسلام لعظيم، وإنّ المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد، فرحمهما الله وجزاهما أحسن ما عملا.

وذكرتَ أنّ عثمان كان في الفضل تالياً، فإن يك عثمان محسناً فسيجزيه الله بإحسانه، وإن يك مسيئاً فسيلقي ربّاً غفوراً لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولعمري إنّي لأرجو إذا أعطي الله الناس علي قدر فضائلهم في الإسلام ونصيحتهم لله ولرسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر، إنّ محمّداً صلى الله عليه و آله لمّا دعا إلي الإيمان بالله والتوحيد له كنّا أهل البيت أوّل من آمن به وصدّقه فيما جاء، فبتنا أحوالاً كاملة مجرّمة(1) تامّة، وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا، فأراد قومنا قتل نبيّنا، واجتياح أصلنا، وهمّوا بنا الهموم، وفعلوا بنا الأفاعيل، ومنعونا الميرة، وأمسكوا عنّا العذب(2) ، وأحلسونا الخوف(3) ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون، واضطرّونا إلي جبل وعر، وأوقدوا لنا نار الحرب، وكتبوا بينهم كتاباً لا يؤاكلوننا، ولا يشاربوننا، ولا يناكحوننا، ولا يبايعوننا، ولا نأمن منهم حتّي ندفع إليهم محمّداً فيقتلوه ويمثّلوا به، فلم نكن نأمن فيهم إلّا من موسم إلي موسم، فعزم الله لنا علي منعه، والذبّ عن حوزته، والرمي من وراء حرمته، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل والنهار، فمؤمننا يرجو بذلك الثواب، وكافرنا يحامي عن الأصل.

وأمّا من أسلم من قريش فإنّهم ممّا نحن فيه خلاء، منهم الحليف الممنوع، ومنهم ذوالعشيرة الّتي تدافع عنه، فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون، ثمّ أمر الله تعالي رسوله بالهجرة، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين، فكان إذا احمرّ البأس ودعيت نزال(4) أقام أهل بيته،

ص:357


1- (1) مجرّمة، أي كاملة.
2- (2) الميرة بالكسر: ما يجلب؛ ويريد بالعذب الماء.
3- (3) أحلسونا الخوف, أي ألزموناه.
4- (4) دعيت نزال كقطام, أي تنازلوا للحرب.

فاستقدموا، فوقي أصحابه بهم حدّ الأسنّة والسيوف، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم احد، وجعفر وزيد يوم مؤتة، وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذي أرادوا من الشهادة مع النبىّ صلى الله عليه و سلم غير مرّة، إلّا أنّ آجالهم عجّلت، ومنيّته اخّرت، والله ولىّ الإحسان إليهم، والمنّة عليهم بما أسلفوا من أمر الصالحات، فما سمعت بأحد ولا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله ولا لنبيّه؛ ولا أصبر علي اللأواء(1) والسرّاء والضرّاء وحين البأس ومواطن المكروه مع النبىّ صلى الله عليه و سلم من هؤلاء النفر الّذين سمّيت لك، وفي المهاجرين خير كثير يعرف، جزاهم الله خيراً بأحسن أعمالهم.

وذكرت حسدي الخلفاء وإبطائي عنهم، وبغيي عليهم, فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون، وأمّا الإبطاء عنهم والكراهيّة لأمرهم فلست أعتذر إلي الناس من ذلك، إنّ الله - تعالي ذكره - لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه و سلم قالت قريش: منّا أمير، وقالت الأنصار: منّا أمير، فقالت قريش: منّا محمّد، نحن أحقّ بالأمر، فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لهم الولاية والسلطان، فإذا استحقّوها بمحمّد صلى الله عليه و سلم دون الأنصار فإنّ أولي الناس بمحمّد أحقّ به منهم، وإلّا فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيباً، فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقّي أخذوا، أو الأنصار ظلموا، بل عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ، وقد تركته لهم تجاوزاً لله عنهم.

وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان وقطيعتي رحمه وتأليبي عليه، فإنّ عثمان عمل ما قد بلغك، فصنع الناس به ما رأيت، وإنّك لتعلم أنّي قد كنت في عزلة عنه إلّا أن تتجنّي, فتجنّ (2) ما بدا لك.

وأمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان، فإنّي نظرت في هذا الأمر وضربت أنفه وعينه فلم أر دفعهم إليك ولا إلي غيرك، ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك لا يكلّفونك أن تطلبهم في برّ ولا بحر ولا سهل ولا جبل، وقد أتاني أبوك حين ولّي الناس أبابكر، فقال: أنت أحقّ بمقام محمّد، وأولي الناس بهذا الأمر، وأنا

ص:358


1- (1) اللأواء: الشدّة.
2- (2) تجنّي عليه: ادّعي ذنباً لم يجنه.

زعيم لك بذلك علي من خالف، ابسط يدك ابايعك. فلم أفعل، وأنت تعلم أنّ أباك قد قال ذلك وأراده حتّي كنت أنا الّذي أبيت؛ لقرب عهد الناس بالكفر ومخافة الفرقة بين أهل الإسلام، فأبوك كان أعرف بحقّي منك، فإن تعرف من حقّي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك، والسلام.(1)

15675. ابن أبي الحديد: اعلم أنّ هذه الخطبة قد ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب «صفّين»(2)... [و] هذه صورته:

من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان، سلام علي من اتّبع الهدي، فإنّي أحمد إليك الله الّذي لا إله إلّا هو، أمّا بعد، فإنّك قد رأيت مرور الدنيا وانقضاءها وتصرّمها وتصرّفها بأهلها، وخير ما اكتسب من الدنيا ما أصابه العباد الصالحون منها من التقوي، ومن يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بعيداً.

واعلم يا معاوية أنّك قد ادّعيت أمراً لست من أهله، لا في القديم، ولا في الحديث، ولست تقول فيه بأمر بيّن يعرف له أثر، ولا عليك منه شاهد [من كتاب الله]، ولست متعلّقاً بآية من كتاب الله، ولا عهد من رسول الله صلى الله عليه و آله، فكيف أنت صانع إذا تقشّعت عنك غيابة ما أنت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها، وركنت إلي لذّاتها، وخلّي بينك وبين عدوّك فيها، وهو عدوّ وكلب مضلّ جاهد مليح(3) ، ملحّ ، مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها، دعتك فأجبتها، وقادتك فاتّبعتها، وأمرتك فأطعتها، فاقعس(4) عن هذا الأمر، وخذ أهبة الحساب، فإنّه يوشك أن يقفك واقف علي ما لا يجنّك مجنّ .

ومتي كنتم يا معاوية ساسة الرعيّة، أو ولاة لأمر هذه الاُمّة، بلا قدم حسن، ولا شرف تليد علي قومكم، فاستيقظ من سنتك، وارجع إلي خالقك، وشمّر لما سينزل بك،

ص:359


1- (1) شرح نهج البلاغة 76/15-78، شرح الكتاب 9.
2- (2) وقعة صفّين ص 108-110.
3- (3) المليح: الملوح بالسيف, يقال: ألاح بالسيف, ولوح: إذا حرّكه ولمع به.
4- (4) أقعس عن هذا الأمر, أي تأخّر.

ولا تمكّن عدوّك الشيطان من بغيته فيك، مع أنّي أعرف أنّ الله ورسوله صادقان، نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء وإلّا تفعل فإنّي اعلمك ما أغفلت من نفسك، إنّك مترف، قد أخذ منك الشيطان مأخذه، فجري منك مجري الدم في العروق، ولست من أئمّة هذه الاُمّة ولا من رعاتها.

واعلم أنّ هذا الأمر لو كان إلي الناس أو بأيديهم لحسدوناه، ولامتنّوا علينا به، ولكنّه قضاء ممّن منحناه واختصّنا به علي لسان نبيّه الصادق المصدّق، لا أفلح من شكّ بعد العرفان والبيّنة، ربّ احكم بيننا وبين عدوّنا بالحقّ وأنت خير الحاكمين.(1)

15676. ابن أبي الحديد: ذكر بعض ما دار بين علي عليه السلام ومعاوية من الكتب، وأوّل هذا الكتاب:

من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي معاوية بن أبي سفيان:

أمّا بعد, فإنّ الدنيا دار تجارة، وربحها أو خسرها الآخرة, فالسعيد من كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة، ومن رأي الدنيا بعينها وقدّرها بقدرها، وإنّي لأعظك مع علمي بسابق العلم فيك ممّا لا مردّ له دون نفاذه, ولكنّ الله تعالي أخذ علي العلماء أن يؤدّوا الأمانة وأن ينصحوا الغوىّ والرشيد.

فاتّق الله ولا تكن ممّن لا يرجو لله وقاراً، ومن حقّت عليه كلمة العذاب فإنّ الله بالمرصاد، وإنّ دنياك ستدبر عنك وستعود حسرة عليك، فأقلع عمّا أنت عليه من الغىّ والضلال علي كبر سنّك وفناء عمرك, فإنّ حالك اليوم كحال الثوب المهيل الّذي لا يصلح من جانب إلّا فسد من آخر، وقد أرديت جيلاً من الناس كثيراً خدعتهم بغيّك، وألقيتهم في موج بحرك، تغشاهم الظلمات، وتتلاطم بهم الشبهات، فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا علي أعقابهم، وتولّوا علي أدبارهم، وعوّلوا علي أحسابهم، إلّا من فاء من أهل البصائر فإنّهم فارقوك بعد معرفتك، وهربوا إلي الله من موازرتك، إذ حملتهم علي

ص:360


1- (1) شرح نهج البلاغة 86/15-87، شرح الكتاب 10.

الصعب، وعدلت بهم عن القصد.

فاتّق الله يا معاوية في نفسك، وجاذب الشيطان قيادك، فإنّ الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك، والسلام.(1)

15677. المدائني: فكتب علي عليه السلام إليه [أي إلي معاوية]:

أمّا بعد, فإنّ ما أتيت به من ضلالك ليس ببعيد الشبه ممّا أتي به أهلك وقومك الّذين حملهم الكفر وتمنّي الأباطيل علي حسد محمّد صلى الله عليه و سلم حتّي صرعوا مصارعهم حيث علمت, لم يمنعوا حريماً، ولم يدفعوا عظيماً، وأنا صاحبهم في تلك المواطن، الصالي بحربهم، والفالّ لحدّهم، والقاتل لرؤوسهم ورؤوس الضلالة، والمتبع إن شاء الله خلفهم بسلفهم، فبئس الخلف خلف أتبع سلفاً محلّه ومحطّه النار، والسلام.(2)

15678. المدائني: فكتب إليه علي عليه السلام:

أمّا بعد، فما أعجب ما يأتيني منك، وما أعلمني بما أنت إليه صائر! وليس إبطائي عنك إلّا ترقّباً لما أنت له مكذّب وأنا به مصدّق، وكأنّي بك غداً وأنت تضجّ من الحرب ضجيج الجمال من الأثقال، وستدعوني أنت وأصحابك إلي كتاب تعظّمونه بألسنتكم وتجحدونه بقلوبكم، والسلام.(3)

15679. المدائني: فكتب إليه علي عليه السلام:

أمّا بعد, فطالما دعوت أنت وأولياؤك أولياء الشيطان الرجيم الحقّ أساطير الأوّلين، ونبذتموه وراء ظهوركم، وجهدتم بإطفاء نور الله بأيديكم وأفواهكم، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون، ولعمري ليتمّنّ النور علي كرهك، ولينفذنّ العلم بصغارك، ولتجازينّ بعملك، فعث(4)

ص:361


1- (1) شرح نهج البلاغة 133/16، شرح الكتاب 32.
2- (2) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 134/16، شرح الكتاب 32.
3- (3) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 134/16، شرح الكتاب 32.
4- (4) العثّ : الإلحاح.

في دنياك المنقطعة عنك ما طاب لك, فكأنّك بباطلك وقد انقضي، وبعملك وقد هوي، ثمّ تصير إلي لظي، لم يظلمك الله شيئاً، وما ربّك بظلّام للعبيد.(1)

15680. المدائني: فكتب إليه علي عليه السلام:

أمّا بعد، فإنّ مساوئك مع علم الله تعالي فيك حالت بينك وبين أن يصلح لك أمرك، وأن يرعوي قلبك، يا ابن الصخر اللعين! زعمت أن يزن الجبال حلمك، ويفصل بين أهل الشكّ علمك، وأنت الجلف المنافق، الأغلف القلب، القليل العقل، الجبان الرذل، فإن كنت صادقاً فيما تسطّر؛ ويعينك عليه أخو بني سهم؛ فدع الناس جانباً، وتيسر لما دعوتني إليه من الحرب، والصبر علي الضرب، واعف الفريقين من القتال، ليعلم أيّنا المرين علي قلبه، المغطّي علي بصره، فأنا أبوالحسن قاتل جدّك وأخيك وخالك، وما أنت منهم ببعيد، والسلام.(2)

ص:362


1- (1) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 135/16، شرح الكتاب 32.
2- (2) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 135/16-136، شرح الكتاب 32، ثمّ قال: قلت: وأعجب وأطرب ما جاء به الدهر - وإن كانت عجائبه وبدائعه جمّة - أن يفضي أمر علي عليه السلام إلي أن يصير معاوية ندّاً له ونظيراً مماثلاً، يتعارضان الكتاب والجواب، ويتساويان فيما يواجه به أحدهما صاحبه، ولا يقول له علي عليه السلام كلمة إلّا قال مثلها، وأخشن مسّاً منها، فليت محمّداً صلى الله عليه و آله كان شاهد ذلك؛ ليري عياناً - لا خبراً - أنّ الدعوة الّتي قام بها, وقاسي أعظم المشاقّ في تحمّلها, وكابد الأهوال في الذبّ عنها, وضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها, وشيّد أركانها, وملأ الآفاق بها, خلصت صفواً عفواً لأعدائه الّذين كذّبوه لما دعا إليها، وأخرجوه عن أوطانه لما حضّ عليها، وأدموا وجهه، وقتلوا عمّه وأهله، فكأنّه كان يسعي لهم، ويدأب لراحتهم، كما قال أبوسفيان في أيّام عثمان وقد مرّ بقبر حمزة وضربه برجله وقال: يا أباعمارة، إنّ الأمر الّذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسي في يد غلماننا اليوم يتلعّبون به! ثمّ آل الأمر إلي أن يفاخر معاوية عليّاً، كما يتفاخر الأكفاء والنظراء. إذا عيّر الطائي بالبخل مادروقرّع قسّاً بالفهاهة باقل وقال السها للشمس: أنت خفيّةوقال الدجي: يا صبح لونك حائل وفاخرت الأرض السماء سفاهةوكاثرت الشهب الحصا والجنادل فيا موت زر إنّ الحياة ذميمةويا نفس جدّي إنّ دهرك هازل

15681. ابن أبي الحديد: أوّل هذا الكتاب [الّذي كتبه علي عليه السلام إلي معاوية] قوله:

أمّا بعد, فإنّ الدنيا حلوة خضرة، ذات زينة وبهجة، لم يصب إليها أحد إلّا وشغلته بزينتها عمّا هو أنفع له منها، وبالآخرة امرنا، وعليها حُثثنا؛ فدع يا معاوية ما يفني، واعمل لما يبقي، واحذر الموت الّذي إليه مصيرك، والحساب الّذي إليه عاقبتك، واعلم أنّ الله تعالي إذا أراد بعبد خيراً حال بينه وبين ما يكره، ووفّقه لطاعته، وإذا أراد الله بعبد سوء أغراه بالدنيا، وأنساه الآخرة، وبسط له أمله، وعاقه عمّا فيه صلاحه.

وقد وصلني كتابك، فوجدتك ترمي غير غرضك، وتنشد غير ضالّتك، وتخبط في عماية، وتتيه في ضلالة، وتعتصم بغير حجّة، وتلوذ بأضعف شبهة.

فأمّا سؤالك المتاركة والإقرار لك علي الشام, فلو كنت فاعلاً ذلك اليوم لفعلته أمس.

وأمّا قولك: إنّ عمر ولّاكه، فقد عزل من كان ولّاه صاحبه، وعزل عثمان من كان عمر ولّاه، ولم ينصّب للناس إمام إلّا ليري من صلاح الاُمّة إماماً قد كان ظهر لمن قبله، أو اخفي عنهم عيبه، والأمر يحدث بعده الأمر، ولكلّ وال رأي واجتهاد.

فسبحان الله! ما أشدّ لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتّبعة مع تضييع الحقائق واطّراح الوثائق الّتي هي لله تعالي طلبة، وعلي عباده حجّة، فأمّا إكثارك الحجاج علي عثمان وقتلته فإنّك إنّما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له، والسلام.(1)

15682. المدائني: لمّا كان زمن علي عليه السلام ولّي زياداً فارس أو بعض أعمال فارس، فضبطها ضبطاً صالحاً، وجبي خراجها وحماها، وعرف ذلك معاوية، فكتب إليه:

أمّا بعد، فإنّه غرّتك قلاع تأوي إليها ليلاً، كما تأوي الطير إلي وكرها، وأيم الله لولا انتظاري بك ما الله أعلم به لكان لك منّي ما قاله العبد الصالح: (فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها وَ لَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَ هُمْ صاغِرُونَ )2 .

ص:363


1- (1) شرح نهج البلاغة 153/16-154، شرح الكتاب 37.

وكتب في أسفل الكتاب شعراً من جملته:

تنسي أباك وقد شالت نعامته إذ يخطب الناس والوالي لهم عمر

فلمّا ورد الكتاب علي زياد قام فخطب الناس، وقال: العجب من ابن آكلة الأكباد، ورأس النفاق! يهدّدني وبيني وبينه ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه و آله، وزوج سيّدة نساء العالمين، وأبوالسبطين، وصاحب الولاية والمنزلة والإخاء في مئة ألف من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان! أما والله لو تخطّي هؤلاء أجمعين إلىّ لوجدني أحمر مخشّاً ضرّاباً بالسيف.

ثمّ كتب إلي علي عليه السلام، وبعث بكتاب معاوية في كتابه.

فكتب إليه علي عليه السلام، وبعث بكتابه:

أمّا بعد، فإنّي قد ولّيتك ما ولّيتك وأنا أراك لذلك أهلاً، وإنّه قد كانت من أبي سفيان فلتة في أيّام عمر من أمانىّ التيه وكذب النفس، لم تستوجب بها ميراثاً، ولم تستحقّ بها نسباً، وإنّ معاوية كالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، فاحذره، ثمّ احذره، ثمّ احذره، والسلام.(1)

24. المغيرة بن الأخنس

24. المغيرة بن الأخنس(2)

برواية: عامر الشعبي

15683. ابن أبي الحديد: اعلم أنّ هذا الكلام(3) لم يكن بحضرة عثمان, ولكن عوانة

ص:364


1- (1) عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 181/16-182، شرح الكتاب 44، ونحوه في تاريخ ابن خلدون 7/3, استخلاف زياد.
2- (2) قال ابن أبي الحديد: هو المغيرة بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة الثقفي، حليف بني زهرة.
3- (3) إشارة إلي المختار 135 من كلام علي عليه السلام الّذي رواه السيّد الرضىّ في نهج البلاغة بقوله: «ومن كلام له عليه السلام: وقد وقعت بينه وبين عثمان مشاجرة، فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان: أنا أكفيكه. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام للمغيرة: يا ابن اللعين الأبتر، والشجرة الّتي لا أصل لها ولا فرع، أنت تكفيني ؟ فوالله ما أعزّ الله من أنت ناصره، ولا قام من أنت منهضه، اخرج عنّا أبعد الله نواك؛ ثمّ ابلغ جهدك، فلا أبقي الله عليك إن أبقيت!».

روي عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أنّ عثمان لمّا كثرت شكايته من علي عليه السلام أقبل لا يدخل إليه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله أحد إلّا شكا إليه عليّاً، فقال له زيد بن ثابت الأنصاري - وكان من شيعته وخاصّته -: أفلا أمشي إليه فاُخبره بموجدتك فيما يأتي إليك ؟ قال: بلي.

فأتاه زيد ومعه المغيرة بن الأخنس بن شريق الثقفي - وعداده في بني زهرة، واُمّه عمّة عثمان بن عفّان - في جماعة، فدخلوا عليه، فحمد زيد الله وأثني عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّ الله قدّم لك سلفاً صالحاً في الإسلام، وجعلك من الرسول بالمكان الّذي أنت به، فأنت للخير كلّ الخير أهل، وأميرالمؤمنين عثمان ابن عمّك، ووالي هذه الاُمّة، فله عليك حقّان: حقّ الولاية وحقّ القرابة, وقد شكا إلينا أنّ عليّاً يعرض لي، ويردّ أمري علىّ ، وقد مشينا إليك نصيحة لك، وكراهيّة أن يقع بينك وبين ابن عمّك أمر نكرهه لكما.

قال: فحمد علي عليه السلام الله، وأثني عليه، وصلّي علي رسوله، ثمّ قال: أمّا بعد، فوالله ما احبّ الاعتراض ولا الردّ عليه، إلّا أن يأبي حقّاً لله لا يسعني أن أقول فيه إلّا بالحقّ , ووالله لأكفّنّ عنه ما وسعني الكفّ .

فقال المغيرة بن الأخنس - وكان رجلاً وقاحاً(1) ، وكان من شيعة عثمان وخلصائه -: إنّك والله لتَكفّنّ عنه أو لتُكفّنّ ؛ فإنّه أقدر عليك منك عليه! وإنّما أرسل هؤلاء القوم من المسلمين إعزازاً لتكون له الحجّة عندهم عليك.

فقال له علي عليه السلام: يا ابن اللعين الأبتر، والشجرة الّتي لا أصل لها ولا فرع(2) ، أنت

ص:365


1- (1) الوقاح: ذوالوقاحة.
2- (2) قال ابن أبي الحديد: إنّما قال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «يا ابن اللعين»؛ لأنّ الأخنس بن شريق كان من أكابر المنافقين، ذكره أصحاب الحديث كلّهم في المؤلّفة قلوبهم الّذين أسلموا يوم الفتح بألسنتهم دون قلوبهم، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه و آله مئة من الإبل من غنائم حنين يتألّف بها قلبه، وابنه أبوالحكم بن الأخنس قتله أميرالمؤمنين عليه السلام يوم احد كافراً في الحرب، وهو أخو المغيرة هذا، والحقد الّذي في قلب المغيرة عليه من هذه الجهة. وإنّما قال له: «يا ابن الأبتر»؛ لأنّ من كان عقبه ضإلّا خبيثاً فهو كمن لا عقب له، بل من لا عقب له خير منه.

تكفّني! فوالله ما أعزّ الله امرء أنت ناصره، اخرج أبعد الله نواك(1) ، ثمّ اجهد جهدك، فلا أبقي الله عليك ولا علي أصحابك إن أبقيتم.

فقال له زيد: إنّا والله ما جئناك لنكون عليك شهوداً، ولا ليكون ممشانا إليك حجّة؛ ولكن مشينا فيما بينكما التماس الأجر أن يصلح الله ذات بينكما، ويجمع كلمتكما. ثمّ دعا له ولعثمان، وقام فقاموا معه.(2)

25. المنذر بن الجارود

تقدّمت روايته ذيل موقفه الحازم مع العمّال.

26. أبوموسي الأشعري

برواية:

1. أبي ليلي - 2. ما ورد مرسلاً

1. أبوليلي

15684. المدائني: حدّثنا بشير بن عاصم، عن ابن أبي ليلي، عن أبيه، قال:

خرج هاشم بن عتبة إلي علي بالربذة، فأخبره بقدوم محمّد بن أبي بكر وقول أبي موسي، فقال: لقد أردت عزله... فبعث علي الحسن بن علي وعمّار بن ياسر يستنفران له الناس، وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميراً علي الكوفة، وكتب معه إلي أبي موسي:

ص:366


1- (1) قال ابن أبي الحديد: ويروي «أبعد الله نوءك»، من أنواء النجوم الّتي كانت العرب تنسب المطر إليها، وكانوا إذا دعوا علي إنسان قالوا: أبعد الله نوءك! أي خيرك.
2- (2) شرح نهج البلاغة 301/8-303، شرح الخطبة. وقال: وهذا الخبر يدلّ علي أنّ اللفظة «أنت تكفّني»، وليست كما ذكره الرضىّ رحمه الله «أنت تكفيني» [كما ذكرناه آنفاً في التعليقة]، لكنّ الرضىّ طبّق هذه اللفظة علي ما قبلها، وهو قوله: «أنا أكفيكه»؛ ولا شبهة أنّها رواية اخري.

أمّا بعد، فقد كنت أري أنّ بُعدك من هذا الأمر الّذي لم يجعل الله - عزّ وجلّ - لك منه نصيباً سيمنعك من ردّ أمري، وقد بعثت الحسن بن علي وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً علي المصر، فاعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن ينابذك، فإن نابذته فظفر بك أن يقطّعك آراباً....(1)

2. ما ورد مرسلاً

15685. البلاذري: ووجّه علي من ذي قار إلي أهل الكوفة - لينهضوا إليه - عبدالله بن عبّاس وعمّار بن ياسر، وكان عليها من قبل علي أبوموسي، وقد كان عليها من قبل عثمان، فكلّم الأشتر فيه عليّاً فأقرّه، فلمّا دعا ابن عبّاس وعمّار الناس إلي علي واستنفراهم لنصرته قام أبوموسي خطيباً فقال: أيّها الناس، إنّكم قد سلمتم من الفتنة إلي يومكم فتخلفوا عنها وأقيموا إلي أن يكون الناس جماعة فتدخلوا فيها.

وجعل يثبّط الناس، فرجع عبدالله بن عبّاس وعمّار إلي علي فأخبراه بذلك، فكتب إليه: يا ابن الحائك. وبعث الحسن بن علي ليندب الناس إليه، وأمره بعزل أبي موسي فعزله، وولّي الكوفة قرظة بن كعب الأنصاري، فانتدب معه عشرة آلاف أو نحوهم فخرج بهم إلي أبيه.(2)

15686. ابن أبي الحديد: روي أبومخنف، قال:

وبعث علي عليه السلام من الربذة بعد وصول المحلّ بن خليفة - أخي طيّئ - عبدالله بن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر إلي أبي موسي؛ وكتب معهما:

من عبدالله علي أميرالمؤمنين إلي عبدالله بن قيس [أبي موسي الأشعري]، أمّا بعد، يا ابن الحائك، يا عاضّ أير أبيه، فوالله إنّي كنت لأري أنّ بُعدك من هذا الأمر الّذي لم يجعلك الله

ص:367


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 499/4-500، حوادث سنة ستّ وثلاثين, بعثة علي بن أبي طالب من ذي قار ابنه الحسن و عمّار بن ياسر.
2- (2) أنساب الأشراف 29/3, وقعة الجمل.

له أهلاً, ولا جعل لك فيه نصيباً, سيمنعك من ردّ أمري والانتزاء علىّ ، وقد بعثت إليك ابن عبّاس وابن أبي بكر فخلّهما والمصر وأهله، واعتزل عملنا مذؤوماً مدحوراً، فإن فعلت وإلّا فإنّي قد أمرتهما أن ينابذاك علي سواء، إنّ الله لا يهدي كيد الخائنين، فإذا ظهرا عليك قطّعاك إرباً إرباً، والسلام علي من شكر النعمة، ووفّي بالبيعة، وعمل برجاء العاقبة.(1)

15687. سيف بن عمر: لمّا خرج علي عليه السلام من المدينة - وذلك في آخر شهر ربيع الأوّل سنة ستّ وثلاثين - كتب إلي أهل الكوفة يستنفرهم، وكان أبوموسي الأشعري والياً عليها من قبل عثمان، فجاء الناس إليه يستشيرونه في الخروج، فقال أبوموسي: إن أردتم الدنيا فاخرجوا، وإن أردتم الآخرة فأقيموا.

وبلغ عليّاً عليه السلام قوله، فكتب إليه: اعتزل عن عملنا مذموماً مدحوراً، يا ابن الحائك، فهذا أوّل يومنا منك.(2)

15688. سبط ابن الجوزي: ذكر المسعودي في مروج الذهب(3) أنّ عليّاً عليه السلام كتب إلي أبي موسي: انعزل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فقد أمرت من يقطّعك إرباً إرباً، يا ابن الحائك، ما هذا أوّل هناتك، وإنّ لك لهنات وهنات.(4)

27. يزيد بن حُجَيَّة التيمي

15689. البلاذري: ولّي علي بن أبي طالب يزيد بن حجيّة بن عامر من بني تيم الله بن

ص:368


1- (1) شرح نهج البلاغة 10/14، شرح الكتاب 1.
2- (2) عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ 371/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام.
3- (3) مروج الذهب 359/2، ذكر خلافة علي عليه السلام، ذكر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه.
4- (4) تذكرة الخواصّ 371/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام. قال ابن الأثير في النهاية 279/5 «هنا»: ستكون هنات وهنات, أي شرور وفساد، يقال: في فلان هنات، أي خصال شرّ، ولا يقال في الخير، وواحدها: هنت، وقد تجمع علي هنوات، وقيل: واحدها: هنة، تأنيث هنٍ ، وهو كناية عن كلّ اسم جنس.

ثعلبة الري ودستبي(1) وتستر، فكسر الخراج فبعث إليه فحبسه، ثمّ خرج فلحق بمعاوية.(2)

15690. ابن حبّان: فلمّا دخلت السنة التاسعة والثلاثون استعمل علي يزيد بن حجيّة التيمي علي الري، ثمّ كتب إليه بعد مدّة أن اقدم. فقدم علي علي، فقال له: أين ما غللت من مال الله ؟ قال: ما غللت. فخفقه بالدرّة خفقات وحبسه في داره، فلمّا كان في بعض الليالي قرب يزيد [البوّاب] وماجله، ولحق بالرقّة وأقام بها حتّي أتاه إذن معاوية، فلمّا بلغ عليّاً لحوقه معاوية قال: اللهمّ إنّ يزيد أذهب بمال المسلمين ولحق بالقوم الظالمين، اللهمّ فاكفنا مكره وكيده.(3)

15691. ابن بكّار: إنّ يزيد بن حجيّة التيمي شهد الجمل وصفّين ونهروان مع علي عليه السلام، ثمّ ولّاه الري ودستبي، فسرق من أموالهما ولحق بمعاوية، وهجا عليّاً عليه السلام وأصحابه، ومدح معاوية وأصحابه، فدعا عليه علي عليه السلام ورفع أصحابه أيديهم فأمّنوا....(4)

15692. ابن عساكر: يزيد بن حجيّة بن عبدالله بن خالد... التيمي... شهد صفّين مع علي، وكان أحد الشهود في كتاب الصلح، وكان من أصحاب علي، واستعمله علي الري، فجمع مالها ثمّ قدم فيها علي علي، فحبسه علي المال، فهرب ولحق بمعاوية، وقال في ذلك شعراً، ذكر قصّته المدائني في كتاب «الخونة»، ووجّهه زياد إلي معاوية يحثّه علي قتل حجر بن عدي وأصحابه.

ذكر أبوالحسن المدائني قال: استعمل علي يزيد بن حجيّة بن عبدالله بن خالد بن

ص:369


1- (1) دستبي: كورة كبيرة كانت مقسومة بين الري وهمذان, فقسم منها يسمّي دستبي الرازي، وهو يقارب التسعين قرية، وقسم منها يسمّي دستبي همذان، وهو عدّة قري، وربّما اضيف إلي قزوين في بعض الأوقات؛ لاتّصاله بعملها. معجم البلدان 517/2(4799).
2- (2) أنساب الأشراف 215/3-216، غارة بسر بن أبي أرطاة.
3- (3) الثقات 298/2-299، حوادث السنة التاسعة والثلاثون.
4- (4) الأخبار الموفقيّات, كما عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 262/2, شرح الخطبة 35.

حجيّة بن عبدالله بن عائذ بن ثعلبة بن الحارث بن تيم اللّات بن ثعلبة علي الري، فاحتواها فقال:

متي أيامن فيروز فالزام راحل وتاركها تشفي عليها الأعاصر

ومرتحل من مرج لي بقيّته كرام وفيها عن حوي تزاور

أخاف عدوّاً ظالماً أن ينالها وفيها حماة للحروب مشاعر

قال: وجبي مالاً واحتمله وقدم به الكوفة، فبلغ عليّاً، فسأله عن المال، فجحده، فدفعه إلي مولاه سعد فحبسه، فوثب يزيد علي سعد فأدرجه في عباءة وهرب، فبعث علي في طلبه زياد بن خصفة، فبلغ هيت ففاته، فرجع، فقال يزيد بن حجيّة:

خدعت سعيداً(1) وارتمت بي مطيّتي إلي الشام واخترت الّذي هو أفضل

وغادرت سعداً مدرجاً في عباءة وسعد عبام مستهام مضلّل

فهان علينا أن يشرّح بالمدي وأن يجتلي ما بين عينيه منصل

فبعداً لسعد كلّما ذرّ شارق وبعداً لسعد حين يلحي ويعذل

... وقال لزياد بن خصفة:

أبلغ زياداً أنّني قد كفيته اُموري وخلّيت الّذي هو طالبه

فاُقسم لو أدركتني ما رددتني كلانا قد انضمّت عليه جلائبه

واُقسم لولا أنّ امّك آمناً وأنّك مولي لا أزال اعاتبه

هبلت أما ترجو غنائي ومشهدي إذا كظّك الخصم الألدّ مخاطبه

وأتي الرقّة فنزلها، وكتب إلي معاوية يستأذنه في القدوم عليه، فكتب إليه يأذن له ويمنّيه، فارتحل إلي الشام، وقال:

أحببت أهل الشام من حبّي التقي وبكيت من جزع علي عثمان

ص:370


1- (1) كذا في الأصل.

أخبرت قومك أسلموك فسلّمي واستبدلي وطناً من الأوطان

أرضاً مقدّسة وقوماً منهم أهل اليقين وتابع الفرقان

فبلغ عليّاً الشعر، فقال: اللهمّ إنّ ابن حجيّة هرب بمال المسلمين، وناصبنا مع القوم الظالمين، اللهمّ اكفنا كيده، واجزه جزاء الغادرين. فأمّن القوم....(1)

15693. ابن أبي الحديد: ذكر إبراهيم بن هلال صاحب كتاب «الغارات»(2) في من فارق عليّاً عليه السلام والتحق بمعاوية يزيد بن حجيّة التيمي، من بني تيم بن ثعلبة بن بكر بن وائل، وكان عليه السلام قد استعمله علي الري ودستبي(3) ، فكسر الخراج(4) ، واحتجن المال لنفسه، فحبسه علي عليه السلام، وجعل معه سعداً مولاه، فقرّب يزيد ركائبه، وسعد نائم، فالتحق بمعاوية....

قال ابن هلال: وكتب إلي العراق شعراً يذمّ فيه عليّاً عليه السلام، ويخبره أنّه من أعدائه، فدعا عليه وقال لأصحابه عقيب الصلاة: ارفعوا أيديكم فادعوا عليه. فدعا عليه وأمّن أصحابه.

قال أبوالصلت التيمي: كان دعاؤه عليه: اللهمّ إنّ يزيد بن حجيّة هرب بمال المسلمين ولحق بالقوم الفاسقين، فاكفنا مكره وكيده, واجزه جزاء الظالمين.

قال: ورفع القوم أيديهم يؤمّنون....(5)

ص:371


1- (1) تاريخ مدينة دمشق 147/65-149، ترجمة يزيد بن حجيّة التيمي (8256). وانظر أيضاً: 23/8, ترجمة أرقم بن عبدالله الكندي (588), وتاريخ الطبري 54/5، حوادث سنة سبع وثلاثين، ما روي من رفعهم المصاحف، والكامل لابن الأثير 363/3, حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر تتمّة أمر صفّين، والأخبار الطوال ص 196, وثيقة التحكيم، وأنساب الأشراف 268/5, أمر حجر بن عدي الكندي ومقتله.
2- (2) الغارات ص 360-362, قصّة يزيد بن حجيّة.
3- (3) هذا هو الظاهرالموافق لجميع مصادر اخري، وفي الأصل: «دستبني».
4- (4) هذا هو الظاهر الموافق لسائر المصادر، وفي الأصل: «الخوارج».
5- (5) شرح نهج البلاغة 83/4-85، شرح الخطبة 56.
خاتمة: ذكر أقوال من طعن في سياسته عليه السلام والردّ عليها

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: وقد تعلّق من طعن في سياسته باُمور:

منها: قولهم: لو كان حين بويع له بالخلافة في المدينة أقرّ معاوية علي الشام إلي أن يستقرّ الأمر له ويتوطّد, ويبايعه معاوية وأهل الشام ثمّ يعزله بعد ذلك؛ لكان قد كُفي ما جري بينهما من الحرب.

والجواب: أنّ قرائن الأحوال حينئذ قد كان علم أميرالمؤمنين عليه السلام منها أنّ معاوية لا يبايع له وإن أقرّه علي ولاية الشام، بل كان إقراره له علي إمرة الشام أقوي لحال معاوية، وآكد في الامتناع من البيعة؛ لأنّه لا يخلو صاحب السؤال إمّا أن يقول: كان ينبغي أن يطالبه بالبيعة ويقرن إلي ذلك تقليده بالشام، فيكون الأمران معاً، أو يتقدّم منه عليه السلام المطالبة بالبيعة، أو يتقدّم منه إقراره علي الشام وتتأخّر المطالبة بالبيعة إلي وقت ثان.

فإن كان الأوّل, فمن الممكن أن يقرأ معاوية علي أهل الشام تقليده بالإمرة، فيؤكّد حاله عندهم ويقرّر في أنفسهم؛ لولا أنّه أهل لذلك لما اعتمده علي عليه السلام معه، ثمّ يماطله بالبيعة، ويحاجزه عنها، وإن كان الثاني فهو الّذي فعله أميرالمؤمنين عليه السلام, وإن كان الثالث فهو كالقسم الأوّل, بل هو آكد فيما يريده معاوية من الخلاف والعصيان.

وكيف يتوهّم من يعرف السير أنّ معاوية كان يبايع له لو أقرّه علي الشام ؟ وبينه وبينه ما لا تبرك الإبل عليه من الترات القديمة والأحقاد، وهو الّذي قتل حنظلة أخاه والوليد خاله وعتبة جدّه في مقام واحد، ثمّ ما جري بينهما في أيّام عثمان حتّي أغلظ كلّ واحد منهما لصاحبه، وحتّي تهدّده معاوية، وقال له: إنّي شاخص إلي الشام وتارك عندك هذا الشيخ - يعني عثمان -، والله لئن انحصّت(1) منه شعرة واحدة لأضربنّك بمئة ألف سيف. وقد ذكرنا شيئاً ممّا جري بينهما فيما تقدّم.

ص:372


1- (1) انحصّ الشعر: انجرد وتناثر.

وأمّا قول ابن عبّاس له عليه السلام: ولّه شهراً واعزله دهراً. وما أشار به المغيرة بن شعبة، فإنّهما ما توهّماه، وما غلب علي ظنونها وخطر بقلوبهما، وعلي عليه السلام كان أعلم بحاله مع معاوية، وأنّها لا تقبل العلاج والتدبير.

وكيف يخطر ببال عارف بحال معاوية ونكره ودهائه وما كان في نفسه من علي عليه السلام من قتل عثمان ومن قبل قتل عثمان أنّه يقبل إقرار علي عليه السلام له علي الشام وينخدع بذلك, ويبايع ويعطي صفقة يمينه ؟ إنّ معاوية لأدهي من أن يكاد بذلك، وإنّ عليّاً عليه السلام لأعرف بمعاوية ممّن ظنّ أنّه لو استماله بإقراره لبايع له، ولم يكن عند علي عليه السلام دواء لهذا المرض إلّا السيف؛ لأنّ الحال إليه كانت تؤول لا محالة، فجعل الآخر أوّلاً.

وأنا أذكر في هذا الموضع خبراً رواه الزبير بن بكّار في «الموفقيّات» ليعلم من يقف عليه أنّ معاوية لم يكن لينجذب إلي طاعة علي عليه السلام أبداً، ولا يعطيه البيعة، وأنّ مضادّته له ومباينته إيّاه كمضادّة السواد للبياض، لا يجتمعان أبداً، وكمباينة السلب للإيجاب، فإنّها مباينة لا يمكن زوالها أصلاً.

قال الزبير: حدّثني محمّد بن محمّد بن زكريّا بن بسطام، قال: حدّثني محمّد بن يعقوب بن أبي الليث، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن الفضل بن يحيي المكّي، عن أبيه، عن جدّه الفضل بن يحيي، عن الحسن بن عبدالصمد، عن قيس بن عرفجة، قال:

لمّا حصر عثمان أبرد مروان بن الحكم بخبره بريدين: أحدهما إلي الشام، والآخر إلي اليمن - وبها يومئذ يعلي بن منية - ومع كلّ واحد منهما كتاب فيه أنّ بني اُميّة في الناس كالشامة الحمراء، وأنّ الناس قد قعدوا لهم برأس كلّ محجّة وعلي كلّ طريق، فجعلوهم مرمي العرّ والعضيهة(1) ، ومقذف القشب(2) والأفيكة، وقد علمتم أنّها لم تأت عثمان إلّا كرهاً، تجبذ(3) من ورائها، وإنّي خائف إن قتل أن تكون من بني اُميّة بمناط الثريّا، إن لم نصر كرصيف

ص:373


1- (1) العضيهة: الإفك والبهتان.
2- (2) القشب من الكلام: الفري، وعن ابن الأعرابي: القاشب: الّذي يعيب الناس بما فيه.
3- (3) جبذ بمعني جذب.

الأساس المحكم، ولئن وهي عمود البيت لتتداعينّ جدرانه، والّذي عيب عليه إطعامكما الشام واليمن، ولاشكّ أنّكما تابعاه إن لم تحذرا، وأمّا أنا فمساعف كلّ مستشير، ومعين كلّ مستصرخ، ومجيب كلّ داع، أتوقّع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصر غفلة مقتنصة، ولولا مخافة عطب البريد وضياع الكتب لشرحت لكما من الأمر ما لا تفزعان معه إلي أن يحدث الأمر، فجدّا في طلب ما أنتما ولّياه، وعلي ذلك فليكن العمل إن شاء الله. وكتب في آخره:

وما بلغت عثمان حتّي تخطّمت رجال ودانت للصغار رجال

لقد رجعت عوداً علي بدء كونها وإن لم تجدّا فالمصير زوال

سيبدئ مكنون الضمائر قولهم ويظهر منهم بعد ذاك فعال

فإن تقعدا لا تطلبا ما ورثتما فليس لنا طول الحياة مقال

نعيش بدار الذلّ في كلّ بلدة وتظهر منّا كآبة وهزال

فلمّا ورد الكتاب علي معاوية أذّن في الناس: الصلاة جامعة. ثمّ خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ.

وفي أثناء ذلك ورد عليه قبل أن يكتب الجواب كتاب مروان بقتل عثمان، وكانت نسخته:

وهب الله لك أباعبدالرحمان قوّة العزم، وصلاح النيّة، ومنّ عليك بمعرفة الحقّ واتّباعه، فإنّي كتبت إليك هذا الكتاب بعد قتل عثمان أميرالمؤمنين عليه السلام وأىّ قِتلَة قُتِل! نُحِرَ كما ينحر البعير الكبير عند اليأس من أن ينوء بالحمل، بعد أن نقبت صفحته بطىّ المراحل وسير الهجير، وإنّي معلمك من خبره غير مقصّر ولا مطيل: إنّ القوم استطالوا مدّته، واستقلّوا ناصره، واستضعفوه في بدنه، وأمّلوا بقتله بسط أيديهم فيما كان قبضه عنهم، واعصوصبوا(1) عليه، فظلّ محاصراً، قد منع من صلاة الجماعة، وردّ المظالم، والنظر في امور الرعيّة، حتّي كأنّه هو فاعل لما فعلوه، فلمّا دام ذلك أشرف عليهم، فخوّفهم الله وناشدهم، وذكّرهم مواعيد رسول الله صلى الله عليه و سلم له، وقوله فيه، فلم يجحدوا فضله، ولم

ص:374


1- (1) اعصوصب القوم: اجتمعوا وصاروا عصائب.

ينكروه، ثمّ رموه بأباطيل اختلقوها ليجعلوا ذلك ذريعة إلي قتله، فوعدهم التوبة ممّا كرهوا، ووعدهم الرجعة إلي ما أحبّوا، فلم يقبلوا ذلك، ونهبوا داره، وانتهكوا حرمته، ووثبوا عليه، فسفكوا دمه، وانقشعوا عنه انقشاع سحابة قد أفرغت ماءها، منكفئين قِبَل ابن أبي طالب انكفاء الجراد إذا أبصر المرعي، فأخلق ببني اميّة أن يكونوا من هذا الأمر بمجري العيّوق إن لم يثأره ثائر! فإن شئت أباعبدالرحمان أن تكونه فكنه، والسلام.

فلمّا ورد الكتاب علي معاوية أمر بجمع الناس, ثمّ خطبهم خطبة أبكي منها العيون، وقلقل القلوب، حتّي علت الرنّة، وارتفع الضجيج، وهمّ النساء أن يتسلّحن، ثمّ كتب إلي طلحة بن عبيدالله والزبير بن العوّام وسعيد بن العاص وعبدالله بن عامر بن كريز والوليد بن عقبة ويعلي بن منية - وهو اسم امّه، وإنّما اسم أبيه اميّة -.

فكان كتاب طلحة: أمّا بعد، فإنّك أقلّ قريش في قريش وتراً، مع صباحة وجهك، وسماحة كفّك، وفصاحة لسانك، فأنت بإزاء من تقدّمك في السابقة، وخامس المبشّرين بالجنّة، ولك يوم احد وشرفه وفضله، فسارع - رحمك الله - إلي ما تقلّدك الرعيّة من أمرها ممّا لا يسعك التخلّف عنه، ولا يرضي الله منك إلّا بالقيام به، فقد أحكمت لك الأمر قِبَلي، والزبير فغير متقدّم عليك بفضل، وأيّكما قدّم صاحبه فالمقدّم الإمام، والأمر من بعده للمقدّم له، سلك الله بك قصد المهتدين، ووهب لك رشد الموفّقين, والسلام.

وكتب إلي الزبير: أمّا بعد، فإنّك الزبير بن العوّام، ابن أبي خديجة، وابن عمّة رسول الله صلى الله عليه و سلم, وحواريّه، وسلفه، وصهر أبي بكر، وفارس المسلمين، وأنت الباذل في الله مهجته بمكّة عند صيحة الشيطان، بعثك المنبعث، فخرجت كالثعبان المنسلخ، بالسيف المنصلت، تخبط خبط الجمل الرديع(1) ، كلّ ذلك قوّة إيمان، وصدق يقين، وسبقت لك من رسول الله صلى الله عليه و سلم البشارة بالجنّة، وجعلك عمر أحد المستخلفين علي الاُمّة.

واعلم يا أباعبدالله، أنّ الرعيّة أصبحت كالغنم المتفرّقة لغيبة الراعي، فسارع - رحمك

ص:375


1- (1) الرديع، أي المردوع، من ردعه: إذا كفّه.

الله - إلي حقن الدماء، ولمّ الشعث، وجمع الكلمة، وصلاح ذات البين، قبل تفاقم الأمر وانتشار الاُمّة، فقد أصبح الناس علي شفاجرف هار عمّا قليل ينهار إن لم يرأب، فشمّر لتأليف الاُمّة، وابتغ إلي ربّك سبيلاً، فقد أحكمت الأمر علي من قِبَلي لك ولصاحبك علي أنّ الأمر للمقدّم، ثمّ لصاحبه من بعده، جعلك الله من أئمّة الهدي، وبغاة الخير والتقوي, والسلام.

وكتب إلي مروان بن الحكم: أمّا بعد، فقد وصل إلىّ كتابك بشرح خبر أميرالمؤمنين، وما ركبوه به، ونالوه منه، جهلاً بالله وجرأة عليه، واستخفافاً بحقّه، ولأمانىّ لوّح الشيطان بها في شَرَك الباطل ليُدَهدِهَهُم(1) في أهويات الفتن، ووهدات الضلال، ولعمري لقد صدق عليهم ظنّه، ولقد اقتنصهم بأنشوطة فخّه، فعلي رِسْلِك أباعبدالله، يمشي الهويني(2) ويكون أوّلاً، فإذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلّا غيلة، ولا يتشازر(3) إلّا عن حيلة، وكالثعلب لا يفلت إلّا روغاناً، وأخفِ نفسك منهم إخفاء القنفذ رأسه عند لمس الأكفّ ، وامتهن نفسك امتهان من ييأس القوم من نصره وانتصاره، وابحث عن امورهم بحث الدجاجة عن حبّ الدخن عند فقاسها، وأنغل(4) الحجاز فإنّي منغل الشام, والسلام.

وكتب إلي سعيد بن العاص: أمّا بعد، فإنّ كتاب مروان ورد علىّ من ساعة وقعت النازلة، تقبل به البرد بسير المطىّ الوجيف(5) ، تتوجّس توجّس الحيّة الذكر خوف ضربة الفأس، وقبضة الحاوي(6) ، ومروان الرائد لا يكذب أهله، فعلام الإفكاك يا ابن العاص،

ص:376


1- (1) أي ليرديهم.
2- (2) هو مصغّر الهوني, والهوني تأنيث الأهون, كالفضلي تأنيث الأفضل. خزانة الأدب 372/1.
3- (3) تشازر: نظر بمؤخّر العين.
4- (4) أنغلهم، أي أحملهم علي الضغن.
5- (5) الوجيف: السير السريع.
6- (6) الحاوي: الّذي يرقي الحيّة.

ولات حين مناص! ذلك أنّكم يا بني اُميّة عمّا قليل تسألون أدني العيش من أبعد المسافة، فينكركم من كان منكم عارفاً، ويصدّ عنكم من كان لكم واصلاً، متفرّقين في الشعاب تتمنّون لمظة(1) المعاش، إنّ أميرالمؤمنين عتب عليه فيكم، وقتل في سبيلكم، ففيم القعود عن نصرته، والطلب بدمه، وأنتم بنوأبيه، ذوو رحمه وأقربوه، وطلّاب ثأره! أصبحتم متمسّكين بشظف معاش زهيد، عمّا قليل ينزع منكم عند التخاذل وضعف القوي.

فإذا قرأت كتابي هذا فدبّ دبيب البرء في الجسد النحيف، وسر سير النجوم تحت الغمام، واحشد حشد الذرّة(2) في الصيف لانجحارها في الصرد، فقد أيّدتكم بأسد وتيم. وكتب في الكتاب:

تالله لا يذهب شيخي باطلاً حتّي أبير مالكاً وكاهلا(3)

القاتلين الملك الحلاحلا(4) خير معدّ حسباً ونائلا(5)

وكتب إلي عبدالله بن عامر: أمّا بعد، فإنّ المنبر مركب ذلول، سهل الرياضة، لاينازعك اللجام، وهيهات ذلك إلّا بعد ركوب أثباج المهالك، واقتحام أمواج المعاطب، وكأنّي بكم يا بني اُميّة شعارير كالأوارك(6) ، تقودها الحداة، أو كرخم الخندمة(7) تذرق(8) خوف العقاب، فثب الآن رحمك الله قبل أن يستشري الفساد وندب

ص:377


1- (1) اللمظة: في الأصل اليسير من السمن تأخذه بإصبعك، يقال: عنده لمظة من سمن، ثمّ اطلق علي كلّ شيء قليل.
2- (2) الذرّ: صغار النمل.
3- (3) لامرئ القيس، ديوانه ص 34. أبير: أهلك. ومالك وكاهل من بني أسد.
4- (4) 5. قال شارح ديوانه: قوله: «خير معدّ»، هو راجع إلي قوله: «مالكاً وكاهلاً»؛ لأنّ بني أسد من معدّ, وإنّما يريد: حتّي أهلك أشرف معدّ وخيرهم؛ انتصاراً لأبي. النائل: العطاء.
5- (5) 4. الحلاحل: السيّد الشريف، يعني أباه.
6- (6) 6. شعارير: متفرّقون. الأوارك - جمع أركة -: وهي الناقة الّتي تلزم الأراك وترعاه، وشأنها التفرّق لتتبع الأراك.
7- (7) 7. الخندمة: موضع.
8- (8) 8. ذرق الطائر: سلح.

السوط (1) جديد، والجرح لمّا يندمل، ومن قبل استضراء الأسد، والتقاء لحييه علي فريسته، وساور الأمر مساورة الذئب الأطلس كسيرة القطيع، ونازل الرأي، وانصب الشرك، وارم عن تمكّن، وضع الهناء مواضع النقب(2) ، واجعل أكبر عدّتك الحذر، وأحدّ سلاحك التحريض، واغض عن العوراء، وسامح اللجوج، واستعطف الشارد، ولاين الأشوس، وقوّ عزم المريد، وبادر العقبة، وازحف زحف الحيّة، واسبق قبل أن تسبق، وقم قبل أن يقام لك، واعلم أنّك غير متروك ولا مهمل، فإنّي لكم ناصح أمين, والسلام.

وكتب في أسفل الكتاب:

عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحّما(3)

تحيّة من أهدي السلام لأهله إذا شطّ داراً عن مزارك سلّما

فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنّه بنيان قوم تهدّما

وكتب إلي الوليد بن عقبة: يا ابن عقبة، كنّ الجيش، وطيّب العيش أطيب من سفع سموم الجوزاء عند اعتدال الشمس في افقها، إنّ عثمان أخاك أصبح بعيداً منك فاطلب لنفسك ظلّا تستكنّ به، إنّي أراك علي التراب رقوداً، وكيف بالرقاد بك! لا رقاد لك، فلو قد استتبّ هذا الأمر لمريده الفيت كشريد النعام، يفزع من ظلّ الطائر، وعن قليل تشرب الرنق، وتستشعر الخوف، أراك فسيح الصدر، مسترخي اللبب، رخو الحزام، قليل الاكتراث، وعن قليل يجتثّ أصلك, والسلام.

وكتب في آخر الكتاب:

اخترت نومك أن هبّت شآمية عند الهجير وشرباً بالعشيّات

علي طلابك ثأراً من بني حكم هيهات من راقد طلّاب ثارات

ص:378


1- (1) ندب السوط : أثره.
2- (2) هنأ البعير: طلاه بالهناء، وهو القطران، والنقب: جمع نقبة، وهي أوّل ما يبدو من الجرب.
3- (3) لعبدة بن الطبيب يرثي قيس بن عاصم. الشعر والشعراء لابن قتيبة ص 728 (1290).

وكتب إلي يعلي بن اميّة: حاطك الله بكلاءته، وأيّدك بتوفيقه، كتبت إليك صبيحة ورد علىّ كتاب مروان بخبر قتل أميرالمؤمنين، وشرح الحال فيه، وإنّ أميرالمؤمنين طال به العمر حتّي نقصت قواه، وثقلت نهضته، وظهرت الرعشة في أعضائه، فلمّا رأي ذلك أقوام لم يكونوا عنده موضعاً للإمامة والأمانة وتقليد الولاية وثبوا به، وألّبوا عليه، فكان أعظم ما نقموا عليه وعابوه به ولايتك اليمن وطول مدّتك عليها، ثمّ ترامي بهم الأمر حالاً بعد حال، حتّي ذبحوه ذبح النطيحة(1) مبادراً بها الفوت، وهو مع ذلك صائم معانق المصحف، يتلو كتاب الله، فيه عظمت مصيبة الإسلام بصهر الرسول، والإمام المقتول، علي غير جرم سفكوا دمه، وانتهكوا حرمته، وأنت تعلم أنّ بيعته في أعناقنا، وطلب ثأره لازم لنا، فلا خير في دنيا تعدل بنا عن الحقّ ، ولا في إمرة توردنا النار، وإنّ الله - جلّ ثناؤه - لا يرضي بالتعذير في دينه، فشمّر لدخول العراق.

فأمّا الشام فقد كفيتك أهلها، وأحكمت أمرها، وقد كتبت إلي طلحة بن عبيدالله أن يلقاك بمكّة، حتّي يجتمع رأيكما علي إظهار الدعوة، والطلب بدم عثمان أميرالمؤمنين المظلوم، وكتبت إلي عبدالله بن عامر يمهّد لكم العراق، ويسهّل لكم حزونة عقابها(2).

واعلم يا ابن اميّة أنّ القوم قاصدوك بادئ بدء لاستنطاف ما حوته يداك من المال، فاعلم ذلك واعمل علي حسبه إن شاء الله.

وكتب في أسفل الكتاب:

ظلّ الخليفة محصوراً يناشدهم بالله طوراً وبالقرآن أحيانا

وقد تألّف أقوام علي حنق عن غير جرم وقالوا فيه بهتانا

فقام يذكرهم وعد الرسول له وقوله فيه إسراراً وإعلانا

فقال كفّوا فإنّي معتب لكم وصارف عنكم يعلي ومروانا

فكذّبوا ذاك منه ثمّ ساوره من حاض لبّته ظلماً وعدوانا

ص:379


1- (1) النطيحة: الشاة المنطوحة.
2- (2) العقاب - بالكسر -: جمع عقبة، وهي في الأصل المرقي الصعب من الجبال.

قال: فكتب إليه مروان جواباً عن كتابه: أمّا بعد، فقد وصل كتابك، فنعم كتاب زعيم العشيرة, وحامي الذمار! واُخبرك أنّ القوم علي سنن استقامة إلّا شظايا شعب، شتّت بينهم مقولي علي غير مجابهة، حسب ما تقدّم من أمرك، وإنّما كان ذلك رسيس(1) العصاة، ورمي أخدر من أغصان الدوحة، ولقد طويت أديمهم علي نَغَل يحلم(2) منه الجلد، كذبت نفس الظانّ بنا ترك المظلمة، وحبّ الهجوع؛ إلّا تهويمة الراكب العجل، حتّي تجذّ جماجم وجماجم، جذّ العراجين المهدّلة حين إيناعها، وأنا علي صحّة نيّتي، وقوّة عزيمتي، وتحريك الرحم لي، وغليان الدم منّي، غير سابقك بقول، ولا متقدّمك بفعل، وأنت ابن حرب، طلّاب الترات، وآبي الضيم.

وكتابي إليك وأنا كحرباء السبسب في الهجير ترقب عين الغزالة(3) ، وكالسبع المفلت من الشرك يفرق من صوت نفسه, منتظراً لما تصحّ به عزيمتك, ويرد به أمرك, فيكون العمل به، والمحتذي عليه.

وكتب في أسفل الكتاب:

أيقتل عثمان وترقا دموعنا ونرقد هذا الليل لا نتفزّع

ونشرب برد الماء ريّاً وقد مضي علي ظمأ يتلو القرآن ويركع

فإنّي ومن حجّ الملبّون بيته وطافوا به سعياً وذوالعرش يسمع

سأمنع نفسي كلّ ما فيه لذّة من العيش حتّي لا يري فيه مطمع

وأقتل بالمظلوم من كان ظالماً وذلك حكم الله ما عنه مدفع

وكتب إليه عبدالله بن عامر: أمّا بعد، فإنّ أميرالمؤمنين كان لنا الجناح الحاضنة تأوي إليها فراخها تحتها، فلمّا أقصده(4) السهم صرنا كالنعام الشارد, ولقد كنت مشترك الفكر، ضالّ الفهم، ألتمس دريئة أستجنّ بها من خطأ الحوادث، حتّي وقع إلىّ كتابك، فانتبهت

ص:380


1- (1) الرسيس: الشيء الثابت، يريد أنّ ذلك دأبهم وعادتهم.
2- (2) حلم الجلد: إذا فسد.
3- (3) السبسب: المفازة، أو الأرض المستوية البعيدة. والهجير: شدّة الحرّ، والغزالة: الشمس.
4- (4) أقصده: أصابه.

من غفلة طال فيها رقادي، فأنا كواجد المحجّة كان إلي جانبها حائراً، وكأنّي اعاين ما وصفت من تصرّف الأحوال.

والّذي اخبرك به أنّ الناس في هذا الأمر تسعة لك وواحد عليك، ووالله للموت في طلب العزّ أحسن من الحياة في الذلّة، وأنت ابن حرب فتي الحروب، ونضار بني عبد شمس، والهمم بك منوطة وأنت منهضها، فإذا نهضت فليس حين قعود، وأنا اليوم علي خلاف ما كانت عليه عزيمتي من طلب العافية وحبّ السلامة قبل قرعك سويداء القلب بسوط الملام، ولنعم مؤدّب العشيرة أنت! وإنّا لنرجوك بعد عثمان، وها أنا متوقّع ما يكون منك لأمتثله، وأعمل عليه إن شاء الله.

وكتب في أسفل الكتاب:

لا خير في العيش في ذلّ ومنقصة والموت أحسن من ضيم ومن عارِ

إنّا بنو عبد شمس معشر أنف غرّ جحاجحة طلّاب أوتارِ

والله لو كان ذمّيّاً مجاورنا ليطلب العزّ لم نقعد عن الجارِ

فكيف عثمان لم يدفن بمزبلة علي القمامة مطروحاً بها عارِ

فازحف إل

ىّ

فإنّي زاحف لهمبكلّ أبيض ماضي الحدّ بتّارِ

وكتب إليه الوليد بن عقبة: أمّا بعد، فإنّك أسد قريش عقلاً، وأحسنهم فهماً، وأصوبهم رأياً، معك حسن السياسة، وأنت موضع الرئاسة، تورد بمعرفة، وتصدر عن منهل روىّ ، مناوئك كالمنقلب من العيّوق(1) يهوي به عاصف الشمال إلي لجّة البحر.

كتبت إلىّ تذكر طيب الخيش ولين العيش، فَمَلْ ءُ بطني علىّ حرام إلّا مُسكة الرمق(2) حتّي أفري(3) أوداج قتلة عثمان فري الأهب(4) بشباة الشفار، وأمّا اللين فهيهات إلّا خيفة

ص:381


1- (1) العيّوق: نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن، يتلو الثريّا، لا يتقدّمها، يضرب مثلاً للبعد.
2- (2) الرمق: بقيّة الروح.
3- (3) فري الجلد: شقّه.
4- (4) الأهب: جمع إهاب، وهو الجلد ما لم يدبغ.

المرتقب يرتقب غفلة الطالب، إنّا علي مداجاة، ولمّا تبد صفحاتنا بعد، وليس دون الدم بالدم مزحل، إنّ العار منقصة، والضعف ذلّ ، أ يخبط قتلة عثمان زهرة الحياة الدنيا، ويسقون برد المعين، ولمّا يمتطوا الخوف، ويستحلسوا الحذر، بعد مسافة الطرد وامتطاء العقبة الكئود في الرحلة ؟ لادعيت لعقبة إن كان ذلك حتّي أنصب لهم حرباً تضع الحوامل لها أطفالها، قد ألوت بنا المسافة، ووردنا حياض المنايا، وقد عقلت نفسي علي الموت عقل البعير، واحتسبت أنّي ثاني عثمان أو أقتل قاتله، فعجّل علىّ ما يكون من رأيك، فإنّا منوطون بك، متّبِعون عقبَك، ولم أحسب الحال تتراخي بك إلي هذه الغاية؛ لما أخافه من إحكام القوم أمرهم!

وكتب في أسفل الكتاب:

نومي علىّ محرّم إن لم أقم بدم ابن امّي من بني العلّات

قامت علىّ إذا قعدت ولم أقم بطلاب ذاك مناحة الأموات

عذبت حياض الموت عندي بعدما كانت كريهة مورد النهلات

وكتب إليه يعلي بن اميّة: إنّا وأنتم يا بني اُميّة كالحجر لا يبني بغير مدر، وكالسيف لا يقطع إلّا بضاربه.

وصل كتابك بخبر القوم وحالهم، فلئن كانوا ذبحوه ذبح النطيحة بودِرَ بها الموت لينحرنّ ذابحه نحر البدنة وافي بها الهدي الأجل، ثكلتني من أنا ابنها إن نمت عن طلب وتر عثمان، أو يقال: لم يبق فيه رمق! إنّي أري العيش بعد قتل عثمان مرّاً، إن أدلج القوم فإنّي مدلج, وأمّا قصدهم ما حوته يدي من المال, فالمال أيسر مفقود إن دفعوا إلينا قتلة عثمان، وإن أبوا ذلك أنفقنا المال علي قتالهم، وإنّ لنا ولهم لمعركة نتناحر فيها نحر القدار النقائع(1) ، عن قليل تصل لحومها.

وكتب في أسفل الكتاب:

ص:382


1- (1) القدار: الجزّار, والنقائع: جمع نقيعة, وهي ما نحر من إبل النهب.

لمثل هذا اليوم أوصي الناس لا تعط ضيماً أو يخرّ الراس

قال: فكلّ هؤلاء كتبوا إلي معاوية يحرّضونه ويغرّونه ويحرّكونه ويَهيجونه، إلّا سعيد بن العاص، فإنّه كتب بخلاف ما كتب به هؤلاء، كان كتابه:

أمّا بعد، فإنّ الحزم في التثبّت، والخطأ في العجلة، والشؤم في البدار، والسهم سهمك ما لم ينبض به الوتر، ولن يردّ الحالب في الضرع اللبن، ذكرت حقّ أميرالمؤمنين علينا، وقرابتنا منه، وأنّه قتل فينا، فخصلتان ذكرهما نقص، والثالثة تكذّب، وأمرتنا بطلب دم عثمان، فأىّ جهة تسلك فيها أباعبدالرحمان ؟ ردمت الفجاج، واُحكم الأمر عليك، وولي زمامه غيرك، فدع مناوأة من لو كان افترش فراشه صدر الأمر لم يعدل به غيره، وقلت: كأنّا عن قليل لا نتعارف، فهل نحن إلّا حىّ من قريش، إن لم تنلنا الولاية لم يضق عنّا الحقّ ، إنّها خلافة منافيّة، وبالله اقسم قسماً مبروراً, لئن صحّت عزيمتك علي ما ورد به كتابك لاُلفينّك بين الحالين طليحاً، وهبني إخالك بعد خوض الدماء تنال الظفر، هل في ذلك عوض من ركوب المأثم ونقص الدين ؟

أمّا أنا فلا علي بني اُميّة ولا لهم، أجعل الحزم داري، والبيت سجني، وأتوسّد الإسلام، وأستشعر العافية، فاعدل أباعبدالرحمان زمام راحلتك إلي محجّة الحقّ ، واستوهب العافية لأهلك، واستعطف الناس علي قومك، وهيهات من قبولك ما أقول حتّي يفجّر مروان ينابيع الفتن تأجّج في البلاد، وكأنّي بكما عند ملاقاة الأبطال تعتذران بالقدر، ولبئس العاقبة الندامة! وعمّا قليل يضح لك الأمر، والسلام.

هذا آخر ما تكاتب القوم به، ومن وقف عليه علم أنّ الحال لم يكن حالاً يقبل العلاج والتدبير، وأنّه لم يكن بدّ من السيف، وأنّ عليّاً عليه السلام كان أعرف بما عمل.

وقد أجاب ابن سنان في كتابه الّذي سمّاه «العادل» عن هذا السؤال، فقال: قد علم الناس كافّة أنّه عليه السلام في قصّة الشوري عرض عليه عبدالرحمان بن عوف أن يعقد له الخلافة علي أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله وسيرة أبي بكر وعمر، فلم يستجب إلي ذلك، وقال: بلي علىّ أن أعمل بكتاب الله وسنّة رسوله، وأجتهد رأيي.

ص:383

وقد اختلف الناس في ذلك، فقالت الشيعة: إنّما لم يدخل تحت الشرط ؛ لأنّه لم يستصوب سيرتهما. وقال غيرهم: إنّما امتنع؛ لأنّه مجتهد، والمجتهد لا يقلّد المجتهد، فأيّهما أقرب علي القولين جميعاً إثماً وأيسر وزراً؟ أن يقرّ معاوية علي ولاية الشام مدّة إلي أن تتوطّد خلافته، مع ما ظهر من جور معاوية وعداوته، ومدّ يده إلي الأموال والدماء أيّام سلطانه ؟ أو أن يعاهد عبدالرحمان علي العمل بسيرة أبي بكر وعمر، ثمّ يخالف بعض أحكامها إذا استقرّ الأمر له، ووقع العقد؟

ولا ريب أنّ أحداً لا يخفي عليه فضل ما بين الموضعين، وفضل ما بين الإثمين، فمن لا يجيب إلي الخلافة والاستيلاء علي جميع بلاد الإسلام إذا تسمّح بلفظة يتلفّظ بها يجوز أن يتأوّلها أو يورّي فيها، كيف يستجيب إلي إقرار الجائر وتقوية يده مع تمكينه في سلطانه، لتحصل له طاعة أهل الشام واستضافة طرف من الأطراف ؟ وكأنّ معني قول القائل: هلّا أقرّ معاوية علي الشام ؟ هو هلّا كان عليه السلام متهاوناً بأمر الدين راغباً في تشديد أمر الدنيا؟

والجواب عن هذا ظاهر، وجهل السائل عنه واضح.

واعلم أنّ حقيقة الجواب هو أنّ عليّاً عليه السلام كان لا يري مخالفة الشرع لأجل السياسة، سواء كانت تلك السياسة دينيّة أو دنيويّة، أمّا الدنيويّة فنحو أن يتوهّم الإمام في إنسان أنّه يروم فساد خلافته من غير أن يثبت ذلك عليه يقيناً، فإنّ عليّاً عليه السلام لم يكن يستحلّ قتله، ولا حبسه، ولا يعمل بالتوهّم وبالقول غير المحقّق، وأمّا الدينيّة فنحو ضرب المتّهم بالسرقة، فإنّه أيضاً لم يكن يعمل به، بل يقول: إن يثبت عليه بإقرار أو بيّنة أقمت عليه الحدّ، وإلّا لم أعترضه.

وغير علي عليه السلام قد كان منهم من يري خلاف هذا الرأي، ومذهب مالك بن أنس العمل علي المصالح المرسلة، وأنّه يجوز للإمام أن يقتل ثلث الاُمّة لإصلاح الثلثين، ومذهب أكثر الناس أنّه يجوز العمل بالرأي وبغالب الظنّ .

وإذا كان مذهبه عليه السلام ما قلناه, وكان معاوية عنده فاسقاً, وقد سبق عنده مقدّمة اخري

ص:384

يقينيّة, هي أنّ استعمال الفاسق لا يجوز، ولم يكن ممّن يري تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة, فقد تعيّن مجاهرته بالعزل، وإن أفضي ذلك إلي الحرب.

فهذا هو الجواب الحقيقي، ولو لم يكن هذا هو الجواب الحقيقي لكان لقائل أن يقول لابن سنان: القول في عدوله عن الدخول تحت شرط عبدالرحمان؛ كالقول في عدوله عن إقرار معاوية علي الشام، فإنّ من ذهب إلي تغليطه في أحد الموضعين له أن يذهب إلي تغليطه في الموضع الآخر.

قال ابن سنان: وجواب آخر، وهو أنّا قد علمنا أنّ أحد الأحداث الّتي نقمت علي عثمان وأفضت بالمسلمين إلي حصاره وقتله تولية معاوية الشام، مع ما ظهر من جوره وعدوانه، ومخالفة أحكام الدين في سلطانه، وقد خوطب عثمان في ذلك، فاعتذر بأنّ عمر ولّاه قبله، فلم يقبل المسلمون عذره، ولا قنعوا منه إلّا بعزله، حتّي أفضي الأمر إلي ما أفضي، وكان علي عليه السلام من أكثر المسلمين لذلك كراهيّة، وأعرفهم بما فيه من الفساد في الدين.

فلو أنّه عليه السلام افتتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام وإقراره فيه, أليس كان يبتدئ في أوّل أمره بما انتهي إليه عثمان في آخره، فأفضي إلي خلعه وقتله ؟ ولو كان ذلك في حكم الشريعة سائغاً، والوزر فيه مأموناً، لكان غلطاً قبيحاً في السياسة، وسبباً قويّاً للعصيان والمخالفة، ولم يكن يمكنه عليه السلام أن يقول للمسلمين: إنّ حقيقة رأيي عزل معاوية عند استقرار الأمر وطاعة الجمهور لي، وإنّ قصدي بإقراره علي الولاية مخادعته وتعجيل طاعته ومبايعة الأجناد الّذين قبله، ثمّ أستأنف بعد ذلك فيه ما يستحقّه من العزل، وأعمل فيه بموجب العدل؛ لأنّ إظهاره عليه السلام لهذا العزم كان يتّصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الّذي شرع فيه، وينتقض الرأي الّذي عوّل عليه.

ومنها: قولهم: إنّه ترك طلحة والزبير حتّي خرجا إلي مكّة، وأذن لهما في العمرة، وذهب عنه الرأي في ارتباطهما قبله، ومنعهما من البعد عنه.

والجواب عنه: أنّه قد اختلفت الرواة في خروج طلحة والزبير من المدينة، هل كان

ص:385

بإذن علي عليه السلام أم لا؟ فمن قال: إنّهما خرجا عن غير إذنه ولا علمه فسؤاله ساقط ، ومن قال: إنّهما استأذناه في العمرة وأذن لهما فقد روي أنّه قال: والله ما تريدان العمرة، وإنّما تريدان الغدرة! وخوّفهما بالله من التسرّع إلي الفتنة، وما كان يجوز له في الشرع أن يحبسهما، ولا في السياسة، أمّا في الشرع فلأنّه محظور أن يعاقب الإنسان بما لم يفعل وعلي ما يظنّ منه، ويجوز إلّا يقع، وأمّا في السياسة فلأنّه لو أظهر التهمة لهما - وهما من أفاضل السابقين، وجلّة المهاجرين - لكان في ذلك من التنفير عنه مالا يخفي، ومن الطعن عليه ما هو معلوم، بأن يقال: إنّه ليس من إمامته علي ثقة، فلذلك يتّهم الرؤساء، ولا يأمن الفضلاء، لا سيّما وطلحة كان أوّل من بايعه، والزبير لم يزل مشتهراً بنصرته, فلو حبسهما وأظهر الشكّ فيهما لم يسكن أحد إلي جهته، ولنفر الناس كلّهم عن طاعته.

فإن قالوا: فهلّا استصلحهما وولّاهما، وارتبطهما بالإجابة إلي أغراضهما؟

قيل لهم: فحوي هذا أنّكم تطلبون من أميرالمؤمنين عليه السلام أن يكون في الإمامة مغلوباً علي رأيه، مفتاناً عليه في تدبيره، فيقرّ معاوية علي ولاية الشام غصباً، ويولّي طلحة والزبير مصر والعراق كرهاً، وهذا شيء مادخل تحته أحد ممّن قبله، ولا رضوا أن يكون لهم من الإمامة الاسم، ومن الخلافة اللفظ ، ولقد حورب عثمان وحصر علي أن يعزل بعض ولاته فلم يجب إلي ذلك، فكيف تسومون عليّاً عليه السلام أن يفتتح أمره بهذه الدنيّة ويرضي بالدخول تحت هذه الخطّة! وهذا ظاهر.

ومنها: تعلّقهم بتولية أميرالمؤمنين عليه السلام محمّد بن أبي بكر مصر، وعزله قيس بن سعد عنها حتّي قتل محمّد بها واستولي معاوية عليها.

والجواب: أنّه ليس يمكن أن يقال: إنّ محمّداً رحمه الله لم يكن بأهل لولاية مصر؛ لأنّه كان شجاعاً زاهداً فاضلاً، صحيح العقل والرأي، وكان مع ذلك من المخلصين في محبّة أميرالمؤمنين عليه السلام، والمجتهدين في طاعته، وممّن لا يتّهم عليه، ولا يرتاب بنصحه، وهو ربيبه وخرّيجه، ويجري مجري أحد أولاده عليه السلام؛ لتربيته له، وإشفاقه عليه.

ثمّ كان المصريّون علي غاية المحبّة له والإيثار لولايته، ولمّا حاصروا عثمان وطالبوه

ص:386

بعزل عبدالله بن سعد بن أبي سرح عنهم اقترحوا تأمير محمّد بن أبي بكر عليهم، فكتب له عثمان بالعهد علي مصر وصار مع المصريّين حتّي تعقّبه كتاب عثمان إلي عبدالله بن سعد في أمره وأمر المصريّين بما هو معروف، فعادوا جميعاً، وكان من قتل عثمان ما كان، فلم يكن ظاهر الرأي ووجه التدبير إلّا تولية محمّد بن أبي بكر علي مصر لما ظهر من ميل المصريّين إليه وإيثارهم له، واستحقاقه لذلك بتكامل خصال الفضل فيه، فكان الظنّ قويّاً باتّفاق الرعيّة علي طاعته، وانقيادهم إلي نصرته، واجتماعهم علي محبّته، فكان من فساد الأمر واضطرابه عليه حتّي كان ما كان، وليس ذلك يعيب علي أميرالمؤمنين عليه السلام، فإنّ الاُمور إنمّا يعتمدها الإمام علي حسب ما يظنّ فيها من المصلحة، ولا يعلم الغيب إلّا الله تعالي، وقد ولّي رسول الله صلى الله عليه و آله في مؤتة جعفراً فقتل، وولّي زيداً فقتل، وولّي عبدالله بن رواحة فقتل، وهزم الجيش، وعاد من عاد منهم إلي المدينة بأسوأ حال، فهل لأحد أن يعيب رسول الله صلى الله عليه و آله بهذا، ويطعن في تدبيره ؟

ومنها: قولهم: إنّ جماعة من أصحابه عليه السلام فارقوه وصاروا إلي معاوية، كعقيل بن أبي طالب أخيه، والنجاشي شاعره، ورقبة بن مصقلة أحد الوجوه من أصحابه، ولولا أنّه كان يوحشهم ولا يستميلهم لم يفارقوه ويصيروا إلي عدوّه، وهذا يخالف حكم السياسة، وما يجب من تألّف قلوب الأصحاب والرعيّة.

والجواب: إنّا أوّلاً لا ننكر أن يكون كلّ من رغب في حطام الدنيا وزخرفها وأحبّ العاجل من ملاذّها وزينتها يميل إلي معاوية الّذي يبذل منها كلّ مطلوب، ويسمح بكلّ مأمول، ويطعم خراج مصر عمرو بن العاص، ويضمن لذي الكلاع وحبيب بن مسلمة ما يوفي علي الرجاء والاقتراح، وعلي عليه السلام لا يعدل فيما هو أمين عليه من مال المسلمين عن قضيّة الشريعة وحكم الملّة، حتّي يقول خالد بن معمر السدوسي لعلباء بن الهيثم، وهو يحمله علي مفارقة علي عليه السلام واللحاق بمعاوية: اتّق الله يا علباء في عشيرتك، وانظر لنفسك ولرحمك، ماذا تؤمّل عند رجل أردته علي أن يزيد في عطاء الحسن والحسين دريهمات يسيرة ريثما يرأبان بها ظلف عيشهما؟ فأبي وغضب فلم يفعل.

ص:387

فأمّا عقيل، فالصحيح الّذي اجتمع ثقات الرواة عليه أنّه لم يجتمع مع معاوية إلّا بعد وفاة أميرالمؤمنين عليه السلام، ولكنّه لازم المدينة، ولم يحضر حرب الجمل وصفّين، وكان ذلك بإذن أميرالمؤمنين عليه السلام، وقد كتب عقيل إليه بعد الحكمين يستأذنه في القدوم عليه الكوفة بولده وبقيّة أهله، فأمره عليه السلام بالمقام، وقد روي في خبر مشهور أنّ معاوية وبّخ سعيد بن العاص علي تأخيره عنه في صفّين، فقال سعيد: لودعوتني لوجدتني قريباً، ولكنّي جلست مجلس عقيل وغيره من بني هاشم، ولو أوعبنا لأوعبوا(1).

وأمّا النجاشي، فإنّه شرب الخمر في شهر رمضان، فأقام علي عليه السلام الحدّ عليه، وزاده عشرين جلدة، فقال النجاشي: ما هذه العلاوة(2) ؟ قال: لجرأتك علي الله في شهر رمضان. فهرب النجاشي إلي معاوية.

وأمّا رقبة بن مصقلة، فإنّه ابتاع سبي بني ناجية وأعتقهم، وألطّ بالمال(3) وهرب إلي معاوية، فقال عليه السلام: فَعَل فِعل السادة، وأبق إباق العبيد. وليس تعطيل الحدود وإباحة حكم الدين وإضاعة مال المسلمين من التألّف والسياسة لمن يريد وجه الله تعالي، والتلزّم بالدين، ولا يظنّ بعلي عليه السلام التساهل والتسامح في صغير من ذلك ولا كبير.

ومنها: شبهة الخوارج وهي التحكيم، وقد يحتجّ به علي أنّه اعتمد مالايجوز في الشرع، وقد يحتجّ به علي أنّه اعتمد ما ليس بصواب في تدبير الأمر.

أمّا الأوّل فقولهم: إنّه حكّم الرجال في دين الله، والله سبحانه يقول: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ )4 ، وأمّا الثاني فقولهم: إنّه كان قد لاح له النصر، وظهرت أمارات الظفر بمعاوية، ولم يبق إلّا أن يأخذ برقبته فترك التصميم علي ذلك، وأخلد إلي التحكيم.

وربّما قالوا: إنّ تحكيمه يدلّ علي شكّ منه في أمره! وربّما قالوا: كيف رضي بحكومة

ص:388


1- (1) أوعب القوم: إذا خرجوا جميعهم للغزو.
2- (2) العِلاوة - بالكسر -: ما زاد علي الشيء.
3- (3) ألطّ بالمال، أي أخذه وجحده.

أبي موسي وهو فاسق عنده بتثبيطه أهل الكوفة عنه في حرب البصرة ؟ وكيف رضي بتحكيم عمرو بن العاص وهو أفسق الفاسقين ؟

والجواب: أمّا تحكيم الرجال في الدين فليس بمحظور، فقد أمر الله تعالي بالتحكيم بين المرأة وزوجها، فقال: (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها)1 ، وقال في جزاء الصيد: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ )2 .

وأمّا قولهم: كيف ترك التصميم بعد ظهور أمارات النصر؟ فقد تواتر الخبر بأنّ أصحابه لمّا رفع أهل الشام المصاحف عند ظهور أهل العراق عليهم ومشارفة هلاك معاوية وأصحابه، انخدعوا برفع المصاحف وقالوا: لا يحلّ لنا التصميم علي حربهم، ولا يجوز لنا إلّا وضع السلاح ورفع الحرب والرجوع إلي المصاحف وحكمها. فقال لهم: إنّها خديعة، وإنّها كلمة حقّ يراد بها باطل. وأمرهم بالصبر ولو ساعة واحدة، فأبوا ذلك، وقالوا: أرسل إلي الأشتر فليعُد. فأرسل إليه، فقال: كيف أعود وقد لاحت أمارات النصر والظفر؟ فقالوا له: ابعث إليه مرّة اخري. فبعث إليه، فأعاد الجواب بنحو قوله الأوّل وسأل أن يمهل ساعة من النهار، فقالوا: إنّ بينك وبينه وصيّة إلّا يقبل، فإن لم تبعث إليه من يعيده, وإلّا قتلناك بسيوفنا كما قتلنا عثمان، أو قبضنا عليك وأسلمناك إلي معاوية! فعاد الرسول إلي الأشتر، فقال: أتحبّ أن تظفر أنت هاهنا وتكسر جنود الشام، ويقتل أميرالمؤمنين عليه السلام في مضربه ؟ قال: أو قد فعلوها؟ لا بارك الله فيهم! أبعد أن أخذت بمخنق(1) معاوية ورأي الموت عياناً أرجع ؟ ثمّ عاد فشتم أهل العراق وسبّهم، وقال لهم وقالوا له ما هو منقول مشهور، وقد ذكرنا الكثير منه فيما تقدّم.

فإذا كانت الحال وقعت هكذا فأىّ تقصير وقع من أميرالمؤمنين عليه السلام ؟ وهل ينسب المغلوب علي أمره المقهور علي رأيه إلي تقصير أو فساد تدبير؟

ص:389


1- (3) المخنق: موضع الخنق من العنق.

وبهذا نجيب عن قولهم: إنّ التحكيم يدلّ علي الشكّ في أمره؛ لأنّه إنّما يدلّ علي ذلك لو ابتدأ هو به، فأمّا إذا دعاه إلي ذلك غيره واستجاب إليه أصحابه فمنعهم وأمرهم أن يمرّوا علي وتيرتهم وشأنهم فلم يفعلوا, وبيّن لهم أنّها مكيدة فلم يتبيّنوا, وخاف أن يقتل أو يسلم إلي عدوّه, فإنّه لا يدلّ تحكيمه علي شكّه، بل يدلّ علي أنّه قد دفع بذلك ضرراً عظيماً عن نفسه، ورجا أن يحكم الحكمان بالكتاب، فتزول الشبهة عمّن طلب التحكيم من أصحابه.

وأمّا تحكيمه عَمراً مع ظهور فسقه؛ فإنّه لم يرض به، وإنّما رضي به مخالفه، وكرهه هو فلم يقبل منه، وقد قيل: إنّه أجاب ابن عبّاس رحمه الله عن هذا، فقال للخوارج: أليس قد قال الله تعالي: (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها)1 ، أ رأيتم لو كانت المرأة يهوديّة فبعثت حكماً من أهلها أ كنّا نسخط ذلك ؟

وأمّا أبوموسي؛ فقد كرهه أميرالمؤمنين عليه السلام، وأراد أن يجعل بدله عبدالله بن عبّاس، فقال أصحابه: لا يكون الحكمان من مضر. فقال: فالأشتر. فقالوا: وهل أضرم النار إلّا الأشتر؟ وهل جرّ ما تري إلّا حكومة الأشتر؟ ولكن أباموسي. فأباه, فلم يقبلوا منه، وأثنوا عليه، وقالوا: لا نرضي إلّا به. فحكّمه علي مضض.

ومنها: قولهم: ترك الرأي لمّا دعاه العبّاس وقت وفاة الرسول صلى الله عليه و آله إلي البيعة، وقال له: امدد يدك ابايعك، فيقول الناس: عمّ رسول الله صلى الله عليه و آله بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك اثنان. فلم يفعل، وقال: وهل يطمع فيها طامع غيري ؟ فما راعه إلّا الضوضاء واللغط في باب الدار، يقولون: قد بويع أبوبكر بن أبي قحافة.

الجواب: أنّ صواب الرأي وفساده فيما يرجع إلي مثل هذه الواقعة يستندان إلي ما قد كان غلب علي الظنّ ، ولا ريب أنّه عليه السلام لم يغلب علي ظنّه أنّ أحداً يستأثر عليه بالخلافة لأحوال قد كان مهّدها له رسول الله صلى الله عليه و آله، وما توهّم إلّا أنّه ينتظر ويرتقب

ص:390

خروجه من البيت وحضوره، ولعلّه قد كان يخطر له أنّه إمّا أن يكون هو الخليفة أو يشاور في الخلافة إلي من يفوّض، وما كان يتوهّم أنّه يجري الأمر علي ما جري من الفلتة عند ثوران تلك الفتنة، ولا يشاور هو ولا العبّاس ولا أحد من بني هاشم، وإنّما كان يكون تدبيره فاسداً لو كان يحاذر خروج الأمر عنه، ويتوهّم ذلك، ويغلب علي ظنّه إن لم يبادر تحصيله بالبيعة المعجّلة في الدار من وراء الأبواب والأغلاق، وإلّا فاته، ثمّ يهمل ذلك ولا يفعله، وقد صرّح هو بما عنده، فقال: وهل يطمع فيها طامع غيري ؟ ثمّ قال: إنّي أكره البيعة هاهنا واُحبّ أن أصحر(1) بها. فبين أنّه يستهجن أن يبايع سرّاً خلف الحجب والجدران، ويجب أن يبايع جهرة بمحضر من الناس كما قال، حيث طلبوا منه بعد قتل عثمان أن يبايعهم في داره، فقال: لا، بل في المسجد. ولا يعلم ولا خطر له ما في ضمير الأيّام، وما يحدث الوقت من وقوع ما لا يتوهّم العقلاء وأرباب الأفكار وقوعه.

ومنها: قولهم: إنّه قصّر في طلب الخلافة عند بيعة أبي بكر، وقد كان اجتمع له من بني هاشم وبني اُميّة وغيرهم من أفناء الناس من يتمكّن بهم من المنازعة وطلب الخلافة، فقصّر عن ذلك، لا جبناً؛ لأنّه كان أشجع البشر، ولكن قصور تدبير وضعف رأي، ولهذا أكفرته الكامليّة(2) وأكفرت الصحابة، فقالوا: كفرت الصحابة لتركهم بيعته، وكفر هو بترك المنازعة لهم!

والجواب: أمّا علي مذهبنا؛ فإنّه لم يكن عليه السلام منصوصاً عليه، وإنّما كان يدّعيها بالأفضليّة والقرابة والسابقة والجهاد ونحو ذلك من الخصائص، فلمّا وقعت بيعة أبي بكر رأي هو علي عليه السلام أنّ الأصلح للإسلام ترك النزاع، وأنّه يخاف من النزاع حدوث فتنة تحلّ معاقد الملّة وتزعزع أركانها، فحضر وبايع طوعاً، ووجب علينا بعد مبايعته ورضاه أن

ص:391


1- (1) أصحر بالأمر: أظهره.
2- (2) الكامليّة: أتباع أبي كامل، وكان يزعم أنّ الصحابة كفروا بتركهم بيعة علي، وكفر علي بتركه قتالهم، وكان يلزمه قتالهم كما لزم قتال أصحاب صفّين. الفرق بين الفرق ص 39, الباب الثالث, الفصل الأوّل, في بيان مقالات فرق الرفض.

نرضي بمن رضي هو عليه السلام، ونطيع من أطاعه؛ لأنّه القدوة، وأفضل من تركه صلى الله عليه و آله بعده.

وأمّا الإماميّة؛ فلهم عن ذلك جواب آخر معروف من قواعدهم(1).

ومنها: قولهم: إنّه قصّر في الرأي حيث دخل في الشوري؛ لأنّه جعل نفسه بدخوله فيها نظيراً لعثمان وغيره من الخمسة، وقد كان الله تعالي رفعه عنهم وعلي من كان قبلهم، فوهن بذلك قدره، وطأطأ من جلالته، ألا تري أنّه يستهجن ويقبح من أبي حنيفة والشافعي - رحمهما الله - أن يجعلا أنفسهما نظراء لبعض من بدا طرفاً من الفقه، ويستهجن ويقبح من سيبويه والأخفش أن يوازيا أنفسهما بمن يعلم أبواباً يسيرة من النحو؟

الجواب: أنّه عليه السلام وإن كان أفضل من أصحاب الشوري، فإنّه كان يظنّ إن ولي الأمر أحدهم بعد عمر لا يسير سيرة صالحة، وأن تضطرب بعض امور الإسلام، وقد كان يثني علي سيرة عمر ويحمدها، فواجب عليه بمقتضي ظنّه أن يدخل معهم فيما أدخله عمر فيه؛ توقّعاً لأن يفضي الأمر إليه، فيعمل بالكتاب والسنّة، ويحيي معالم رسول الله صلى الله عليه و آله، وليس اعتماد ما يقتضيه الشرع ممّا يوجب نقصاً في الرأي، فلا تدبير أصحّ ولا أسدّ من تدبير الشرع.

ومنها: قولهم: إنّه ما أصاب حيث أقام بالمدينة وعثمان محصور، وقد كان يجب في الرأي أن يخرج عنها بحيث لا تنوط بنو اميّة به دم عثمان، فإنّه لو كان بعيداً عن المدينة لكان من قذفهم إيّاه بذلك أبعد، وعنه أنزه.

والجواب: أنّه لم يكن يخطر له مع براءته من دم عثمان أنّ أهل الفساد من بني اُميّة يرمونه بأمره، والغيب لا يعلمه إلّا الله، وكان يري مقامه بالمدينة أدعي إلي انتصار عثمان علي المحاصرين له، فقد حضر هو بنفسه مراراً، وطرد الناس عنه، وأنفذ إليه ولديه وابن أخيه عبدالله، ولولا حضور علي عليه السلام بالمدينة لقتل عثمان قبل أن يقتل بمدّة، وما تراخي أمره وتأخّر قتله إلّا لمراقبة الناس له حيث شاهدوه ينتصر له، ويحامي عنه.

ص:392


1- (1) راجع ما أوردناه في عنوان: «علي عليه السلام بعد النبىّ صلى الله عليه و آله و سلم».

ومنها: قولهم: كان يجب في مقتضي الرأي حيث قتل عثمان أن يغلق بابه ويمنع الناس من الدخول إليه، فإنّ العرب كانت تضطرب اضطرابة ثمّ تؤول إليه؛ لأنّه تعيّن للأمر بحكم الحال الحاضرة، فلم يفعل، وفتح بابه وترشّح للأمر وبسط له يده، فلذلك انتقضت عليه العرب من أقطارها.

والجواب: أنّه عليه السلام كان يري أنّ القيام بالأمر يومئذ فرض عليه لا يجوز له الإخلال به؛ لعدم من يصلح في ظنّه للخلافة، فما كان يجوز له أن يغلق بابه ويمتنع، وما الّذي كان يومئذ أن يبايع الناس طلحة أو الزبير أو غيرهما ممّن لا يراه أهلاً للأمر، فقد كان عبدالله بن الزبير يومئذ يزعم أنّ عثمان عهد إليه بالخلافة وهو محصور، وكان مروان يطمع أن ينحاز إلي طرف من الأطراف فيخطب لنفسه بالخلافة، وله من بني اُميّة شيعة وأصحاب؛ بشبهة أنّه ابن عمّ عثمان وأنّه كان يدبّر أمر الخلافة علي عهده، وكان معاوية يرجو أن ينال الخلافة؛ لأنّه من بني اُميّة وابن عمّ عثمان، وأمير الشام عشرين سنة، وقد كان قوم من بني اُميّة يتعصّبون لأولاد عثمان المقتول، ويرومون إعادة الخلافة فيهم, وما كان يسوغ لعلي عليه السلام في الدين إذا طلبه المسلمون للخلافة أن يمتنع عنها، ويعلم أنّها ستصير إذا امتنع إلي هؤلاء، فلذلك فتح بابه، وامتنع امتناع من يحاول أن يعلم ما في قلوب الناس، هل لرغبتهم إليه حقيقة أم لا؟ فلمّا رأي منهم التصميم وافق لوجوب الموافقة عليه، وقد قال في خطبته: لولا حضور الحاضر ووجوب الحجّة بوجود الناصر... لألقيت حبلها علي غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها(1). وهذا تصريح بما قلناه.

ومنها: قولهم: هلّا إذ ملك شريعة الفرات علي معاوية بعد أن كان معاوية ملكها عليه ومنعه وأهل العراق منها, منع معاوية وأهل الشام منها، فكان يأخذهم قبضاً بالأيدي ؟ فإنّه لم يصبر علي منعهم عن الماء، بل فسح لهم في الورود، وهذا يخالف ما يقتضيه تدبير الحرب.

ص:393


1- (1) من الخطبة المعروفة بالشقشقيّة، راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 151/1-206(3).

الجواب: أنّه عليه السلام لم يكن يستحلّ ما استحلّه معاوية من تعذيب البشر بالعطش، فإنّ الله تعالي ما أمر في أحد من العصاة الّذين أباح دماءهم بذلك، ولا فسح فيه في نحو القصاص، أو حدّ الزاني المحصن، أو قتل قاطع الطريق، أو قتال البغاة والخوارج، وما كان أميرالمؤمنين ممّن يترك حكم الله وشريعته، ويعتمد ما هو محرّم فيها لأجل الغلبة والقهر والظفر بالعدوّ، ولذلك لم يكن يستحلّ البيات(1) ، ولا الغدر، ولا النكث.

وأيضاً فمن الجائز أن يكون عليه السلام غلب علي ظنّه أنّ أهل الشام إن منعوا من الماء كان ذلك أدعي لهم إلي الحملات الشديدة المنكرة علي عسكره، وأن يضعوا فيهم السيوف، فيأتوا عليهم ويكسروهم بشدّة حنقهم وقوّة داعيهم إلي ورود الماء، فإنّ ذلك من أشدّ الدواعي إلي أن يستميت القوم ويستقتلوا، ومن الّذي يقف بين يدي جيش عظيم عرمرم حنق قد اشتدّ بهم العطش، وهم يرون الماء كبطون الحيّات، لا يحول بينهم وبينه إلّا قوم مثلهم، بل أقلّ منهم عِدّة وأضعف عُدّة، ولذلك لمّا حال معاوية بين أهل العراق وبين الماء وقال: لأمنعنّهم وروده فأقتلهم بشفار الظمأ. قال له عمرو بن العاص: خلّ بين القوم وبين الماء، فليسوا ممّن يري الماء ويصبر عنه. فقال: لا والله لا اخلّي لهم عنه. فسفّه رأيه وقال: أ تظنّ أنّ ابن أبي طالب وأهل العراق يموتون بإزائك عطشاً والماء بمعقد الأزر وسيوفهم في أيديهم ؟ فلجّ معاوية، وقال: لا أسقيهم قطرة كما قتلوا عثمان عطشاً.

فلمّا مسّ أهل العراق العطش أشار علي عليه السلام إلي الأشعث أن احمل، وإلي الأشتر أن احمل، فحملا بمن معهما فضربا أهل الشام ضرباً أشاب الوليد، وفرّ معاوية ومن رأي رأيه وتابعه علي قوله عن الماء كما تفرّ الغنم خالطها السباع، وكان قصاري أمره ومنتهي همّته أن يحفظ رأسه، وينجو بنفسه، وملك أهل العراق عليهم الماء ودفعوهم عنه، فصاروا في البرّ القفر، وصار علي عليه السلام وأصحابه علي شريعة الفرات مالكين لها، فما الّذي كان يؤمّن عليّاً عليه السلام لو أعطش القوم أن يذوق هو وأصحابه منهم مثل ما أذاقهم ؟

ص:394


1- (1) يقال: بيت العدوّ, إذا أوقع به ليلاً.

وهل بعد الموت بالعطش أمر يخافه الإنسان ؟ وهل يبقي له ملجأ إلّا السيف يحمل به فيضرب خصمه إلي أن يقتل أحدهما؟

ومنها: قولهم: أخطأ حيث محا اسمه بالخلافة من صحيفة الحكومة، فإنّ ذلك ممّا وهّنه عند أهل العراق، وقوّي الشبهة في نفوس أهل الشام.

والجواب: أنّه عليه السلام احتذي في ذلك - لمّا دعي إليه واقترحه الخصم عليه - فعل رسول الله صلى الله عليه و آله في صحيفة الحديبيّة، حيث محا اسمه من النبوّة لمّا قال له سهيل بن عمرو: لو علمنا أنّك رسول الله صلى الله عليه و سلم لما حاربناك، ولا منعناك عن البيت. وقد قال له صلى الله عليه و آله وهو يومئذ كاتب تلك الصحيفة: ستدعي إلي مثلها فتجيب. وهذا من أعلام نبوّته - صلوات الله عليه -، ومن دلائل صدقه، ومثله جري له حذو القذّة بالقذّة.

ومنها: قولهم: إنّه كان غير مصيب في ترك الاحتراس، فقد كان يعلم كثرة أعدائه، ولم يكن يحترس منهم, وكان يخرج ليلاً في قميص ورداء وحده, حتّي كمن له ابن ملجم في المسجد فقتله، ولو كان احترس وحفظ نفسه ولم يخرج إلّا في جماعة, ولو خرج ليلاً كانت معه أضواء وشرطة, لم يوصل إليه.

والجواب: أنّ هذا إن كان قادحاً في السياسة والتدبير فليكن قادحاً في تدبير عمر وسياسته، وهو عند الناس في الطبقة العليا في السياسة وصحّة التدبير، وليكن قادحاً في تدبير معاوية، فقد ضربه الخارجي بالسيف ليلة ضرب أميرالمؤمنين عليه السلام فجرحه ولم يأت علي نفسه، ومعاوية عند هؤلاء سديد التدبير، وليكن قادحاً في صحّة تدبير رسول الله صلى الله عليه و آله، فقد كان يخرج وحده في المدينة ليلاً ونهاراً مع كثرة أعدائه، وقد كان يأكل ما دعي إليه ولا يحترس، حتّي أكل من يهوديّة شاة مشويّة قد سمّته فيها فمرض، وخيف عليه التلف، ولمّا برأ لم تزل تنتقض عليه حتّي مات منها، وقال عند موته: إنّي ميّت من تلك الأكلة.

ولم تكن العرب في ذلك الزمان تحترس، ولا تعرف الغيلة والفتك، وكان ذلك عندهم قبيحاً يعيّر به فاعله؛ لأنّ الشجاعة غير ذلك، والغيلة فعل العجزة من الرجال، ولأنّ عليّاً عليه السلام كانت هيبته قد تمكّنت في صدور الناس، فلم يكن يظنّ أنّ أحداً يقدم عليه غيلة

ص:395

أو مبارزة في حرب، فقد كان بلغ من الذكر بالشجاعة مبلغاً عظيماً لم يبلغه أحد من الناس، لا من تقدّم ولا من تأخّر، حتّي كانت أبطال العرب تفزع باسمه.

ألا تري إلي عمرو بن معديكرب وهو شجاع العرب الّذي تضرب به الأمثال كتب إليه عمر بن الخطّاب في أمر أنكره عليه, وغدر تخوّفه منه: أما والله لئن أقمت علي ما أنت عليه لأبعثنّ إليك رجلاً تستصغر معه نفسك، يضع سيفه علي هامّتك فيخرجه من بين فخذيك! فقال عمرو لمّا وقف علي الكتاب: هدّدني بعلي والله.

ولهذا قال شبيب بن بجرة لابن ملجم لمّا رآه يشدّ الحرير علي بطنه وصدره: ويلك! ما تريد أن تصنع ؟ قال: أقتل عليّاً. قال: هبلتك الهبول، لقد جئت شيئاً إدّاً! كيف تقدر علي ذلك ؟ فاستبعد أن يتمّ لابن ملجم ما عزم عليه، ورآه مراماً وعراً.

والأمر في هذا وأمثاله مسند إلي غلبات الظنون، فمن غلبت علي ظنّه السلامة مع الاسترسال لم يجب عليه الاحتراس، وإنّما يجب الاحتراس علي من يغلب علي ظنّه العطب إن لم يحترس.

فقد بان بما أوضحناه فساد قول من قال: إنّ تدبيره عليه السلام وسياسته لم تكن صالحة، وبان أنّه أصحّ الناس تدبيراً، وأحسنهم سياسة، وإنّما الهوي والعصبيّة لا حيلة فيهما.(1)

ص:396


1- (1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 232/10-260, شرح الخطبة 193.

الباب السادس: سياسته عليه السلام الحربيّة وفيه فروع:

الأوّل: الاهتمام بالتدريب العسكري
اشارة

برواية:

1. عبدالله بن عبّاس - 2. ما ورد مرسلاً

1. عبدالله بن عبّاس

15694. ابن شاذان: [أنبأنا](1) أبوجعفر أحمد بن يعقوب الأصبهاني، حدّثنا محمّد بن علي بن دعبل بن علي الخزاعي، عن ابن هشام الكلبي، عن أبيه، عن ابن عبّاس، قال:

عقم النساء أن يأتين بمثل أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، والله ما رأيت ولا سمعت رئيساً يُزَنّ (2) به، لرأيته يوم صفّين وعلي رأسه عمامة قد أرخي طرفيها كأنّ عينيه سراجاً سليط (3) ، وهو يقف علي شرذمة [شرذمة] يحضّهم حتّي انتهي إلىّ وأنا في كنف من الناس، فقال:

ص:397


1- (1) في الأصل بياض، وما بين المعقوفين مأخوذ من سائر موارد ذكره.
2- (2) في الأصل: «يوزن»، والمثبت حسب رواية ابن عساكر عن ابن قتيبة وابن الأثير في النهاية وغيرهما. ويُزَنّ به: يتّهم بمشاكلته, يقال: زنّه بكذا وأزنّه, إذا اتّهمه به وظنّه فيه. النهاية.
3- (3) السليط ، دهن الزيت؛ وعند أهل اليمن دهن السمسم.

معاشر المسلمين، استشعروا الخشية، [وغضّوا] الأصوات، وتجلببوا السكينة، واعملوا الأسنّة، وأقلقوا السيوف قبل السلّة، واطعنوا الرخر(1) ، ونافحوا بالظبا(2) ، وصلوا السيوف بالخُطا والنبال بالرماح(3) ، فإنّكم بعين الله ومع ابن عمّ نبيّه صلى الله عليه و سلم، عاودوا الكرّ، واستحيوا من الفرّ، فإنّه عار باق في الأعقاب والأعناق، ونار يوم الحساب، وطيّبوا عن أنفسكم أنفساً، وامشوا إلي الموت أسححاً، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطيّب، فاضربوا ثبجه(4) ، فإنّ الشيطان راكب صعبه، ومفرش ذراعيه قد قدّم للوثبة يداً، وأخّر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتّي يتجلّي لكم عمود الدين (وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَ اللّهُ مَعَكُمْ وَ لَنْ يَتِرَكُمْ )5 .(5)

15695. ابن قتيبة: ذكر ابن عبّاس عليّاً عليه السلام فقال: ما رأيت رئيساً يزنّ (6) به، لرأيته يوم صفّين [وعلي رأسه عمامة بيضاء]، وكأنّ عينيه سراجاً سليط ، وهو يحمّس أصحابه إلي أن انتهي إلىّ وأنا في كثف(7) فقال:

معشر المسلمين، استشعروا الخشية، وعنّوا الأصوات(8) ، وتجلببوا السكينة، وأكملوا اللؤم، وأخفّوا الخوذ(9) ، وقلقلوا السيوف في أغمادها قبل السلّة، والحظوا الشزر، وأطعنوا النبر(10) ،

ص:398


1- (1) الرخر، الظاهر أنّه مصحّف من الزحر, من باب حزب ومنع: شجّه به.
2- (2) نافحوا: ضاربوا وكافحوا. والظبا: - جمع ظبة - طرف السيف وحدّه.
3- (3) أي صلوا قصر السيوف بالرمي بالنبل.
4- (4) ثبجه, أي وسطه.
5- (6) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 459/42-460, ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
6- (7) في الأصل: «يوزن»، والمثبت حسب رواية ابن عساكر عن ابن قتيبة.
7- (8) الكثف: الحشد والجماعة.
8- (9) عنّوا الأصوات: حبسوها وأخفوها.
9- (10) الخوذ - جمع خوذة -: وهي المغفر، فارسىّ معرّب. وأخفّوا الخوذ: اجعلوها خفيفة حتّي لا تثقلكم في الحرب.
10- (11) أطعنوا النبر, أي أطعنوا بسرعة.

ونافحوا بالظباء، وصلوا السيوف بالخُطا، والرماح بالنبل، وامشوا إلي الموت مشياً سجحاً(1) ، وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنّب، فاضربوا ثبجه(2) ، فإنّ الشيطان راكد في كسره، نافج حضنيه(3) ، مفترش ذراعيه، قد قدّم للوثبة يداً، وأخّر للنكوص رِجلاً.(4)

15696. سبط ابن الجوزي: من كتاب كتبه [عليه السلام] إلي بعض امراء جيشه، في قوم قد شردوا عن الطاعة وفارقوا الجماعة، رواه الشعبي عن ابن عبّاس:

سلام عليك، أمّا بعد، فإن عادت هذه الشرذمة إلي الطاعة، ووافقت الجماعة، فذلك الّذي اوثره، وإن تمادي بهم العصيان إلي الشقاق، ودامت علي المخالفة والنفاق، فانهد بمن أطاعك إلي من عصاك، واستعن بمن انقاد معك علي من تقاعس عنك، فإنّ المتكاره مغيبه خير من حضوره، وعدمه خير من وجوده، وقعوده أغني من نهوضه.(5)

2. ما ورد مرسلاً

15697. ابن أعثم: وعبّأ علي أصحابه وقال: أيّها الناس، غضّوا الأبصار، واخفوا الأصوات، وأقلّوا من الكلام، ووطّنوا علي المنافاة والمجاولة والموافقة والمسابقة والمكايدة، واثبتوا واتّقوا الله لعلّكم تفلحون.(6)

15698. الدينوري: فلمّا اجتمع إلي علي قواصيه وانضمّت إليه أطرافه تهيّأ للمسير من النخيلة، ودعا زياد بن النضر وشريح بن هانئ فعقد لكلّ واحد منهما علي ستّة

ص:399


1- (1) في تاريخ مدينة دمشق: «مشية سجحاً أو سجحاء», أي سهلة لا تنكلوا، ومنه قول عائشة لعلي يوم الجمل: ملكت فاسجح. أي سهّل.
2- (2) الرواق المطنّب، يعني رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشدّ به. والثبج: معظم الشيء.
3- (3) هذا هو الظاهر الموافق لتاريخ مدينة دمشق, وفي الأصل: «نافج خُصْييه». ونافج حضنيه, أي مفرّج جانبيه.
4- (4) عيون الأخبار 188/1-189، أوائل كتاب الحرب، آداب الحرب, وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 460/42-461، ترجمة علي بن أبي طالب (4933)، وما بين المعقوفين منه.
5- (5) تذكرة الخواصّ 585/1-586، الباب الخامس، في المختار من كلامه عليه السلام.
6- (6) الفتوح 86/3, ذكر الواقعة الثانية بالصفّين.

آلاف فارس، وقال: لِيَسِر كلّ واحد منكما منفرداً عن صاحبه، فإن جمعتكما حرب فأنت يا زياد الأمير، واعلما أنّ مقدّمة القوم عيونهم، وعيون المقدّمة طلائعهم، فإيّاكما أن تسأما عن توجيه الطلائع، ولا تسيرا بالكتائب والقبائل من لدن مسيركما إلي نزولكما إلّا بتعبئة وحذر، وإذا نزلتم بعدوّ أو نزل بكم فليكن معسكركم في أشرف المواضع ليكون ذلك لكم حصناً حصيناً، وإذا غشيكم الليل فحفّوا عسكركم بالرماح والترسة، ولِيَلِيَهم الرماة، وما أقمتم فكذلك فكونوا؛ لئلّا يصاب منكم غرّة، واحرسا عسكركما بأنفسكما، ولا تذوقا نوماً إلّا غراراً ومضمضة، وليكن عندي خبركما، فإنّي - ولا شيء إلّا ما شاء الله - حثيث السير في إثركما، ولا تقاتلا حتّي تُبدَأ أو يأتيكما أمري إن شاء الله.(1)

الثاني: عدم إكراهه عليه السلام الناس علي الحرب
اشارة

برواية:

1. إبراهيم بن الأشتر - 2. ما ورد مرسلاً

1. إبراهيم بن الأشتر

15699. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): حدّثني فضيل بن خديج، [عن رجل من النخع]، قال:

سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت ؟ فقال: كنت عند علي عليه السلام حين بعث إلي الأشتر ليأتيه، وقد كان الأشتر أشرف علي معسكر معاوية ليدخله، فأرسل إليه علي عليه السلام يزيد بن هانئ أن ائتني، فأتاه فأبلغه... [إلي أن قال]:

وقال الأشتر: يا أميرالمؤمنين، احمل الصفّ علي الصفّ تصرع القوم. فتصايحوا: إنّ

ص:400


1- (1) الأخبار الطوال ص 166, وقعة صفّين.
2- (2) وقعة صفّين ص 490-492, وص 484.

أميرالمؤمنين قد قبل الحكومة، ورضي بحكم القرآن.

فقال الأشتر: إن كان أميرالمؤمنين قد قبل ورضي فقد رضيت بما رضي به أميرالمؤمنين. فأقبل الناس يقولون: قد رضي أميرالمؤمنين، قد قبل أميرالمؤمنين. وهو ساكت لا يبضّ بكلمة(1) ، مطرق إلي الأرض.

ثمّ قام فسكت الناس كلّهم، فقال: أيّها الناس، إنّ أمري لم يزل معكم علي ما احبّ إلي أن أخذت منكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وأخذت من عدوّكم فلم تترك، وإنّها فيهم أنكي وأنهك، ألا إنّي كنت أمس أميرالمؤمنين فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت ناهياً فأصبحت منهيّاً، وقد أحببتم البقاء، وليس لي أن أحملكم علي ما تكرهون. ثمّ قعد.(2)

2. ما ورد مرسلاً

15700. ابن قتيبة: ذكروا أنّه لمّا عظم الأمر واستحرّ القتال؛ قال له رأس من أهل العراق: إنّ هذه الحرب قد أكلتنا، وأذهبت الرجال، والرأي الموادعة.

وقال بعضهم: لا، بل نقاتلهم اليوم علي ما قاتلناهم عليه أمس. وكانت الجماعة قد رضيت الموادعة، وجنحت إلي الصلح والمسالمة.

فقام علي خطيباً فقال: أيّها الناس، إنّه لم أزل من أمري علي ما احبّ حتّي قدحتكم الحرب، وقد والله أخذت منكم وتركت، وهي لعدوّكم أنهك، وقد كنت بالأمس أميراً، فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت ناهياً فأصبحت اليوم منهيّاً، فليس لي أن أحملكم علي ما تكرهون.(3)

15701. ابن أعثم - في حديث وقعة صفّين ورفع المصاحف علي الرماح وذكر امتناع القوم من القتال -:

ص:401


1- (1) أي لا يتكلّم بكلمة.
2- (2) شرح نهج البلاغة 217/2-220، شرح الخطبة 35.
3- (3) الإمامة والسياسة ص 123-124, اختلاف أهل العراق في الموادعة.

فنظر علي رضى الله عنه ساعة ثمّ قال: يا هؤلاء، إنّي أوّل من دعا إلي كتاب الله، وأوّل من أجاب إليه، ولا يحلّ لنا إلّا الإجابة إليه، غير أنّي كنت أمس أميراً فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت أمس ناهياً فأصبحت منهيّاً، وأراكم قد أحببتم البقاء وكرهتم الحرب، وليس لي أن أحملكم علي ما تكرهون.(1)

15702. الإسكافي:... فتكلّم علي رضى الله عنه فقال: أيّها الناس، إنّه لم يزل بي في أمري ما احبّ حتّي نهكتكم الحرب وقد والله أخذت منكم وتركت وهي لعدوّكم أنهك، ولقد كنت أمس أميراً فأصبحت اليوم مأموراً، وكنت أمس ناهياً فأصبحت اليوم منهيّاً، وقد أحببتم البقاء, وليس لي أن أحملكم علي ما تكرهون.(2)

15703. الدينوري:... إنّ عليّاً رضى الله عنه نادي في الناس بالتأهّب للمسير إلي العراق، فدخل عليه سعد بن أبي وقّاص، وعبدالله بن عمر بن الخطّاب، ومحمّد بن مسلمة، فقال لهم: قد بلغني عنكم هناة كرهتها لكم.

فقال سعد: قد كان ما بلغك، فأعطني سيفاً يعرف المسلم من الكافر حتّي اقاتل به معك.

وقال عبدالله بن عمر: أنشدك الله أن تحملني علي ما لا أعرف.

وقال محمّد بن مسلمة: إنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم أمرني أن اقاتل بسيفي ما قوتل به المشركون، فإذا قوتل أهل الصلاة ضربت به صخر احد حتّي ينكسر، وقد كسرته بالأمس. ثمّ خرجوا من عنده.

ثمّ إنّ اسامة بن زيد دخل، فقال: أعفني من الخروج معك في هذا الوجه، فإنّي عاهدت الله إلّا اقاتل من يشهد أن لا إله إلّا الله.

وبلغ ذلك الأشتر، فدخل علي علي، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّا وإن لم نكن من المهاجرين والأنصار، فإنّا من التابعين بإحسان، وإنّ القوم وإن كانوا أولي بما سبقونا إليه

ص:402


1- (1) الفتوح 313/3, ذكر امتناع القوم من القتال.
2- (2) المعيار والموازنة ص 175, كلمات بعض رؤساء أهل العراق.

فليسوا بأولي ممّا شركناهم فيه، وهذه بيعة عامّة، الخارج منها طاعن مستعتب، فحضّ هؤلاء الّذين يريدون التخلّف عنك باللسان، فإن أبوا فأدّبهم بالحبس.

فقال علي: بل أدعهم ورأيهم الّذي هم عليه.(1)

الثالث: التحريض علي القتال والتحذير من الفرار
اشارة

برواية:

1. الحضرمي - 2. ما ورد مرسلاً

1. الحضرمي

15704. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): وحدّثنا عمر بن سعد، عن إسماعيل بن يزيد - يعني ابن أبي خالد -, عن أبي صادق، [عن الحضرمي]:

أنّ عليّاً عليه السلام حرّض الناس في حروبه، فقال: عباد الله، اتّقوا الله، وغضّوا أبصاركم، واخفضوا الأصوات، وأقلّوا الكلام، ووطّنوا أنفسكم علي المنازلة والمجاولة والمبارزة والمعانقة, واثبتوا, (وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )3 ، (وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ )4 ، اللهمّ ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر.(3)

15705. الطبري: قال أبومخنف: وحدّثني إسماعيل بن يزيد، عن أبي صادق، عن الحضرمي، قال:

ص:403


1- (1) الأخبار الطوال ص 142-143, بيعة علي بن أبي طالب.
2- (2) وقعة صفّين ص 204, مع اختلاف لفظي.
3- (5) شرح نهج البلاغة 26/4، شرح الخطبة 54. وأورده ابن الأثير في الكامل 149/3-150, حوادث سنة سبع و ثلاثين, ذكر تتمّة أمر صفّين.

سمعت عليّاً يحرّض الناس في ثلاثة مواطن: يحرّض الناس يوم صفّين، ويوم الجمل، ويوم النهر، يقول: عباد الله، اتّقوا الله، وغضّوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، وأقلّوا الكلام، ووطّنوا أنفسكم علي المنازلة والمجاولة والمبارزة والمناضلة والمجالدة والمعانقة والمكادمة والملازمة, (فَاثْبُتُوا وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )1 ، (وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ )2 ، اللهمّ ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر.(1)

2. ما ورد مرسلاً

15706. الإسكافي: قالوا: لمّا اشتدّ البأس وعظم المصاب؛ وتضعضعت الأركان من الفريقين؛ ورأي من أصحابه بعض الانحياز قام فيهم فقال:

إنّي قد رأيت جولتكم وانحيازكم عن صفوفكم تحوزكم الجفاة الطغام وأعراب أهل الشام وأنتم لهاميم العرب والسنام الأعظم، وعمّار الليل بتلاوة القرآن، وأهل دعوة الحقّ إذ ضلّ الخاطئون، فلولا إقبالكم بعد إدباركم وكرّكم بعد انحيازكم لوجب عليكم ماوجب علي المولّي يوم الزحف دبره وكنتم من الهالكين، فلقد شفي بعض سقمي وأحاح نفسي أنّي رأيتكم أخيراً حزتموهم كما حازوكم، وأزلتموهم عن مصافّهم كما أزالوكم، تحوسونهم بالسيف، تركب اولاهم اخراهم كالإبل المطردة الهيم، [فالآن] فاصبروا، نزلت عليكم السكينة، وثبّتكم الله باليقين، ليعلم الفارّ منكم أنّه لا يزيد في عمره ولايرضي ربّه، [و] أنّ في الفرار سخطاً عليه، والذلّ اللازم لأهله، والعار الباقي، وفساد العيش عليه، فموت المرء محقّاً خير من الحياة علي الفرار بهذه الخصال.(2)

ص:404


1- (3) تاريخ الطبري 11/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال.
2- (4) المعيار والموازنة ص 149-150, خطبته عليه السلام في لوم أصحابه.

15707. الإسكافي: قالوا: إنّه كان رضى الله عنه لا يبدأ عدوّه بقتال حتّي يبدأوه، ولا يحاربهم حتّي ينابؤهم، فلمّا ناباهم يوم صفّين وأنظرهم فلم يدعوا و [لم] يرجعوا أمر مناديه فنادي في أهل الشام:

ألا إنّي قد استدمتكم واستأنيتكم لترجعوا إلي الحقّ وتنثنوا إليه، واحتججت [عليكم] بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيانكم، ولم تجيبوا إلي حقّ ، ألا وإنّي قد نبذت إليكم علي سواء إنّ الله لا يحبّ الخائنين.

ثمّ تقدّم إلي مقدّمته أن قفوا ولا تقدموا عليهم إقدام من يريد أن ينشب حرباً، ولا تأخّروا عنهم تأخّر من يهاب البأس، ولا يحملنّكم سبابهم [إيّاكم] علي قتالهم قبل أن تدعوهم وتعذروا إليهم.

[وإنّما كان يأتي بهذا وأمثاله] ليعلموا أنّ شأنه وبغيته ومراده اتّباع حكم الله وإصابة الحقّ في قتالهم.

ثمّ أقبل علي أصحابه لمّا همّوا بلقاء عدوّهم [و] حرّضهم [وهو] يقول لهم:

عباد الله، اتّقوا الله، وغضّوا الأبصار، واخفضوا الأصوات، وأقلّوا الكلام، ووطّنوا أنفسكم علي المنازلة والمحاولة والمحافظة والمعانقة والمكادمة، واثبتوا, (وَ اذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )1 , (وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَ اصْبِرُوا إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ )2 ، اللهمّ ألهمهم الصبر، وأنزل عليهم النصر، وأعظم لهم الأجر.(1)

15708. الطبري: قال [أبومخنف]:... بات علي ليلته كلّها يعبّئ الناس ويكتّب الكتائب، ويدور في الناس يحرّضهم.(2)

ص:405


1- (3) المعيار والموازنة ص 158, شأنه عليه السلام في حروبه مع أعدائه.
2- (4) تاريخ الطبري 10/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال.
الرابع: اتّخاذ الشعار
اشارة

برواية:

1. أصبغ بن نباتة - 3. سلّام بن سويد

2. تميم - 4. عامر الشعبي

1. أصبغ بن نباتة

15709. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](1): وروي سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال:

ما كان علي عليه السلام في قتال إلّا نادي: يا (كهيعص)2 .(2)

2. تميم

15710. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](3): وحدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي, [عن تميم](4) ، قال:

كان علي عليه السلام إذا سار إلي قتال ذكر اسم الله قبل أن يركب، كان يقول: الحمد لله علي نعمه علينا وفضله, (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ )6 ، ثمّ يستقبل القبلة ويرفع يديه إلي السماء ويقول: اللهمّ إليك نقلت الأقدام، واُتعبت الأبدان، وأفضت القلوب، ورفعت الأيدي، وشخصت الأبصار,

ص:406


1- (1) وقعة صفّين ص 231.
2- (3) شرح نهج البلاغة 176/5، شرح الخطبة.
3- (4) وقعة صفّين ص 230.
4- (5) من وقعة صفّين.

(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ )1 . ثمّ يقول: سيروا علي بركة الله. ثمّ يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، الله أكبر، يا الله يا أحد يا صمد، يا ربّ محمّد، اكفف عنّا بأس الظالمين, (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ )2 ، بسم الله الرحمن الرحيم، ولاحول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم.

قال: وكانت هذه الكلمات شعاره بصفّين.(1)

3. سلّام بن سويد

15711. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): حدّثنا عمر بن سعد، عن سلّام بن سويد، عن علي عليه السلام في قوله: الله أكبر، قال: هي آية النصر.

قال سلّام: كانت شعاره عليه السلام يقول في الحرب, ثمّ يحمل فيورد - والله - من اتّبعه ومن حادّه حياض الموت.(3)

4. عامر الشعبي

15712. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](4): حدّثنا عمرو بن شمر، عن [عامر] الشعبي، قال:

... وكانت علامة أهل العراق بصفّين الصوف الأبيض قد جعلوه في رؤوسهم وعلي أكتافهم، وشعارهم: يا الله، يا الله، يا أحد، يا صمد، يا ربّ محمّد، يا رحمان، يا

ص:407


1- (3) شرح نهج البلاغة 176/5، شرح الخطبة 65.
2- (4) راجع وقعة صفّين ص 231.
3- (5) شرح نهج البلاغة 177/5، شرح الخطبة 65.
4- (6) وقعة صفّين ص 332.

رحيم.(1)

وانظر ما سيأتي في عنوان: «الدعاء حين القتال».

الخامس: الخدعة في الحرب
اشارة

الخامس: الخدعة في الحرب(2)

برواية:

1. علي بن أبي طالب عليه السلام - 2. ما ورد مرسلاً

1. علي بن أبي طالب عليه السلام

15713. الطبري: حدّثنا ابن المثنّي، قال: حدّثنا محمّد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، عن علي، قال:

إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثاً فاعلموا أنّي لأن أقع من السماء إلي الأرض أحبّ إلىّ من أن أقول علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم يقل، ولكنّ الحرب خدعة.(3)

15714. أبوالشيخ: أخبرنا ابن أبي سويد الزارع، حدّثنا عبدالله بن رجاء، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حبّة، عن علي رضى الله عنه، عن النبىّ صلى الله عليه و سلم, مثله.(4)

15715. ابن أبي شيبة: حدّثنا عبدالرحيم بن سليمان، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن ذي حدان، عن علي بن أبي طالب، قال:

ص:408


1- (1) شرح نهج البلاغة 15/8-16, شرح الكلام 124.
2- (2) قال ابن الأثير في النهاية 14/2 «خدع»: في الحديث: «الحرب خدعة»، يروي بفتح الخاء وضمّها مع سكون الدال، وبضمّها مع فتح الدال، فالأوّل معناه أنّ الحرب ينقضي أمرها بخدعة واحدة من الخداع، أي أنّ المقاتل إذا خدع مرّة واحدة لم تكن لها إقالة، وهي أفصح الروايات وأصحّها. ومعني الثاني هو الاسم من الخداع. ومعني الثالث، أنّ الحرب تخدع الرجال وتمنيّهم ولا تفي لهم.
3- (3) تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب) ص 120 (191).
4- (4) الأمثال ص 23 (3)، والضمير في «مثله» راجع إلي حديث سعيد بن ذي حدان عن علي الّذي سيأتي قريباً برواية أبي الشيخ.

إنّ الله قضي علي لسان نبيّه صلى الله عليه و سلم أنّ الحرب خدعة، وإنّي محارب أتكلّم في الحرب. قال: ولكن إذا قلت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ فوالله لأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أقول علي رسول الله صلى الله عليه و سلم ما لم يقل.(1)

15716. أبوالشيخ: أخبرنا أبوخليفة، حدّثنا ابن كثير، حدّثنا سفيان الثوري، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن ذي حدان، عن علي، قال:

سمّي رسول الله صلى الله عليه و سلم الحرب خدعة.(2)

15717. وكيع: حدّثنا الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي:

إذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة، وإذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب.(3)

15718. وكيع: حدّثنا الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي:

إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة....(4)

15719. عبدالله بن أحمد: حدّثني أبوكامل الجحدري فضيل بن الحسين بن كامل، حدّثنا إبراهيم بن حميد الكوفي الرؤاسي - بالبصرة جاء إلي عبّادان -، عن الأعمش،

ص:409


1- (1) المصنّف 543/6(33651). ورواه باختصار وبالاقتصار علي المرفوع منه الطيالسي في مسنده ص 25 (172)، وأحمد وابنه عبدالله في مسند أحمد 90/1(697)، وابن أبي شيبة في المصنّف 543/6(33650)، وأبويعلي في مسنده 382/1(494)، وعبدالله بن أحمد في زياداته علي مسند أحمد 90/1(696), والطبري في تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب) ص 118 (13) وص 120 (192), بأسانيدهم عن أبي إسحاق.
2- (2) الأمثال ص 22 (2).
3- (3) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 543/6(33654).
4- (4) عنه مسلم بإسناده إليه في صحيحه 746/2(1066)، وأحمد في مسنده 131/1(1086), ومن طريقه ابنه عبدالله في السنّة ص 272 (1419), وسيأتي حديثه مع رواية عبدالرحمان, عن سفيان, عن الأعمش.

عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي:

إذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة، وإذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنّي والله لأن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه....(1)

15720. عثمان بن أبي شيبة: حدّثنا جرير, حدّثنا الأعمش, عن خيثمة, عن سويد بن غفلة, قال: قال علي:

... وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة.(2)

15721. الطبري: حدّثنا ابن حميد، قال: حدّثنا جرير... مثله.(3)

15722. البخاري: حدّثنا عمر بن حفص بن غياث، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا خيثمة، حدّثنا سويد بن غفلة، [قال:] قال علي رضى الله عنه:

إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثاً فوالله لأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة.(4)

15723. ابن الجعد: أخبرنا زهير بن معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، عن علي بن أبي طالب، قال:

ما حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فوالله لأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه، وما حدّثتكم بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة....(5)

15724. أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا الأعمش. وعبدالرحمان، عن سفيان، عن الأعمش،

ص:410


1- (1) السنّة ص 271 (1416).
2- (2) عنه مسلم في صحيحه 747/2, ذيل الحديث 1066.
3- (3) تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب) ص 120 (189).
4- (4) صحيح البخاري 626/9(1766).
5- (5) مسند ابن الجعد ص 380 (2595)، وعنه البغوي بإسناده إليه في شرح السنّة 227/10-228(2554).

عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي:

إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثاً فلأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّ الحرب خدعة....(1)

15725. مسلم: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عيسي بن يونس.

حيلولة: وحدّثنا محمّد بن أبي بكر المقدّمي وأبوبكر بن نافع، قالا: حدّثنا عبدالرحمان بن مهدي، حدّثنا سفيان، كلاهما عن الأعمش... مثله.(2)

15726. البزّار: حدّثنا محمّد بن معمر، قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة، قال حدّثنا سفيان... مثل رواية أحمد، إلّا أنّ في روايته: «لأن أخرّ... وإذا حدّثت فيما بيننا».(3)

15727. البخاري وأبوداوود: حدّثنا محمّد بن كثير، أخبرنا سفيان... مثله.(4)

15728. ابن حبّان: أخبرنا أبوخليفة، قال: حدّثنا محمّد بن كثير... مثله.(5)

15729. البيهقي: أخبرنا أبوبكر أحمد بن محمّد بن غالب الخوارزمي - ببغداد -، حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن أحمد بن حمدان النيسابوري، حدّثنا محمّد بن أيّوب، حدّثنا محمّد بن كثير....(6)

15730. النسائي: أخبرنا محمّد بن معاوية بن يزيد، قال: حدّثنا علي بن هاشم [بن البريد]، عن الأعمش، عن خيثمة [بن عبدالرحمان]، عن سويد بن غفلة، قال: سمعت عليّاً يقول:

ص:411


1- (1) مسند أحمد 131/1(1086)، وعنه ابنه عبدالله في السنّة ص 272 (1419).
2- (2) صحيح مسلم 747/2, ذيل الحديث 1066. وقوله: «مثله»، أي مثل حديث وكيع الآتي.
3- (3) البحر الزخّار 189/2(569).
4- (4) صحيح البخاري 48/5-49(138)؛ سنن أبي داوود 336/4(4767).
5- (5) صحيح ابن حبّان 136/15(6739).
6- (6) السنن الكبري 187/8، كتاب قتال أهل البغي، باب الخلاف في قتال أهل البغي.

إذا حدّثتكم عن نفسي فإنّ الحرب خدعة، وإذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب علي رسول الله صلى الله عليه و سلم....(1)

15731. أحمد وأبوخيثمة: حدّثنا أبومعاوية، حدّثنا الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال: قال علي:

إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثاً فلأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب عليه، وإذا حدّثتكم عن غيره فإنّما أنا رجل محارب، والحرب خدعة.(2)

15732. ابن أبي شيبة: حدّثنا أبومعاوية, عن الأعمش... مثله.(3)

15733. مسلم: حدّثنا أبوبكر بن أبي شيبة وأبوكريب وزهير بن حرب، قالوا: حدّثنا أبومعاوية، عن الأعمش... مثله.(4)

15734. ابن الأعرابي: حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني، حدّثنا أبومعاوية... مثله.(5)

15735. الطبري: حدّثني عيسي بن عثمان الرملي، قال: حدّثنا يحيي بن عيسي، عن الأعمش، عن خيثمة، عن سويد بن غفلة، قال:

كان علي يمرّ بالنهر أو بالساقية فيقول: صدق الله ورسوله! فقلنا: يا أميرالمؤمنين، ما

ص:412


1- (1) السنن الكبري 160/5-161(8563).
2- (2) مسند أحمد 81/1(616). ورواه عبدالله بن أحمد في السنّة ص 271 (1414), عن أبيه وعن أبي خيثمة، عن أبي معاوية, ورواه عن أبي خيثمة أبويعلي في مسنده 225/1-226(261), وعبدالله بن أحمد في السنّة ص 271 (1414), ومسلم في صحيحه 747/2(1066), إلّا أنّ فيه: «فإنّما أنا محارب».
3- (3) عنه مسلم في صحيحه 747/2, ذيل الحديث 1066.
4- (4) صحيح مسلم 747/2, ذيل الحديث 1066.
5- (5) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 170/8، كتاب قتال أهل البغي، باب ما جاء في قتال أهل البغي، ودلائل النبوّة 430/6، باب ما جاء في إخباره بخروجهم وسيماهم والمخدّج الّذي فيهم.

تزال تقول هذا! قال: إذا حدّثتكم فيما بيني وبينكم فإنّما الحرب خدعة.(1)

15736. الطبري: حدّثنا أبوكريب، قال: حدّثنا أبوبكر بن عيّاش، قال: حدّثنا أبوحصين [عثمان بن عاصم]، عن سويد بن غفلة، عن علي أنّه قال:

إذا حدّثتكم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم فلأن أخرّ من السماء أحبّ إلىّ من أن أكذب علي رسول الله صلى الله عليه و سلم، وإذا حدّثتكم عن الحرب فإنّما الحرب خدعة.(2)

15737. ابن أبي الحديد: قال عليه السلام: كن في الحرب بحيلتك أوثق منك بشدّتك، وبحذرك أفرح منك بنجدتك، فإنّ الحرب حرب المتهوّر، وغنيمة المتحذّر.(3)

2. ما ورد مرسلاً

15738. المبرّد: يروي أنّ عليّاً في أوّل خروج القوم عليه دعا صعصعة بن صوحان العبدي - وقد كان وجّهه إليهم - وزياد بن النضر الحارثي مع عبدالله بن العبّاس، فقال لصعصعة: بأىّ القوم رأيتهم أشدّ إطاقة ؟ فقال: بيزيد بن قيس الأرحبي. فركب علي إليهم إلي حروراء، فجعل يتخلّلهم حتّي صار إلي مضرب يزيد بن قيس فصلّي فيه ركعتين، ثمّ خرج فاتّكأ علي قوسه وأقبل علي الناس، ثمّ قال: هذا مقام من فلج(4) فيه فلج يوم القيامة، أنشدكم الله، أ علمتم أحداً منكم كان أكره للحكومة منّي ؟ قالوا: اللهمّ لا.

قال: أ فعلمتم أنّكم أكرهتموني حتّي قبلتها؟ قالوا: اللهمّ نعم.

قال: فعلام خالفتموني ونابذتموني ؟ قالوا: إنّا أتينا ذنباً عظيماً، فتبنا إلي الله، فتب إلي الله منه واستغفره نعد لك! فقال علي: إنّي أستغفر الله من كلّ ذنب. فرجعوا معه، وهم ستّة آلاف.

فلمّا استقرّوا بالكوفة أشاعوا أنّ عليّاً رجع عن التحكيم ورآه ضلالاً، وقالوا: إنّما

ص:413


1- (1) تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب) ص 120 (190).
2- (2) تهذيب الآثار (مسند علي بن أبي طالب) ص 119 (188).
3- (3) شرح نهج البلاغة 312/20, الحكم المنسوبة 588.
4- (4) الفلج: الظفر والانتصار.

ينتظر أميرالمؤمنين أن يسمن الكراع(1) ، ويجبي المال، فينهض إلي الشام.

فأتي الاشعث بن قيس عليّاً عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ الناس قد تحدّثوا أنّك رأيت الحكومة ضلالاً والإقامة عليها كفراً.

فخطب علي الناس فقال: من زعم أنّي رجعت عن الحكومة فقد كذب، ومن رآها ضلالاً فهو أضلّ . فخرجت الخوارج من المسجد، فحكّمت.(2)

15739. ابن أبي الحديد - بعد نقل رواية المبرّد في «الكامل» المتقدّمة آنفاً -: كلّ فساد كان في خلافة علي عليه السلام وكلّ اضطراب حدث فأصله الأشعث، ولولا محاقّته(3) أميرالمؤمنين عليه السلام في معني الحكومة في هذه المرّة لم تكن حرب النهروان، ولكان أميرالمؤمنين عليه السلام ينهض بهم إلي معاوية ويملك الشام؛ فإنّه - صلوات الله عليه - حاول أن يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة، وفي المثل النبوي - صلوات الله علي قائله -: الحرب خدعة.

وذاك أنّهم قالوا له: تب إلي الله ممّا فعلت كما تبنا ننهض معك إلي حرب أهل الشام. فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الأنبياء والمعصومون، وهي قوله: أستغفر الله من كلّ ذنب. فرضوا بها وعدّوها إجابة لهم إلي سؤلهم، وصفت له عليه السلام نيّاتهم، واستخلص بها ضمائرهم، من غير أن تتضمّن تلك الكلمة اعترافاً بكفر أو ذنب، فلم يتركه الأشعث, وجاء إليه مستفسراً وكاشفاً عن الحال، وهاتكاً ستر التورية والكناية، ومخرجاً لها من ظلمة الإجمال وستر الحيلة إلي تفسيرها بما يفسد التدبير، ويوغر الصدور، ويعيد الفتنة, ولم يستفسره عليه السلام عنها إلّا بحضور من لا يمكنه أن يجعلها معه هدنة

ص:414


1- (1) الكراع: اسم للخيل.
2- (2) الكامل 210/3-211, باب من أخبار الخوارج, حديث علي مع الخوارج في أوّل خروجهم عليه.
3- (3) المحاقّة, أن يقول كلّ واحد من الطرفين: أنا أحقّ ، والمراد بها هنا المحاجّة والمجادلة.

علي دخن(1) ، ولا ترقيقاً عن صبوح(2) ، وألجأه بتضييق الخناق عليه إلي أن يكشف ما في نفسه، ولا يترك الكلمة علي احتمالها، ولا يطويها علي غرّها(3) ، فخطب بما صدع به عن صورة ما عنده مجاهرة، فانتقض ما دبّره، وعادت الخوارج إلي شبهتها الاُولي، وراجعوا التحكيم والمروق، وهكذا الدول الّتي تظهر فيها أمارات الانقضاء والزوال يتاح لها أمثال الأشعث من اولي الفساد في الأرض, (سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً)4 .(4)

السادس: جهوده عليه السلام لإثبات حقّانيّته وانصراف مقاتليه عن القتال وإقامة الحجّة عليهم وهو علي أنحاء:
1. ما يرتبط بحرب الجمل

برواية:

1. إسماعيل بن أبي حازم - 10. عبدالسلام

2. الأسود بن قيس عن رجل - 11. عبدالله بن عبّاس

3. أبي الأسود الدؤلي - 12. عمّار بن معاوية الدهني

4. أبي بشير الشيباني - 13. قتادة بن دعامة

5. أبي جرو المازني - 14. محمّد بن شهاب الزهري

6. أبي حرب بن أبي الأسود الديلي - 15. نذير الضبّي

7. الحكم بن عتيبة - 16. يحيي بن سعيد عن عمّه

8. سعيد بن كرز - 17. ما ورد مرسلاً

9. عبدالرحمان بن أبي ليلي -

ص:415


1- (1) «هدنة علي دخن» مَثَل، والهدنة في الأصل: اللين والسكون، ويطلق علي المصالحة. والدخن: تغيّر الطعام.
2- (2) أصل المَثَل: «عن صبوح ترقق»، والصبوح: ما يشرب صباحاً. وترقيق الكلام تزيينه، يضرب لمن كنّي عن شيء ويريد غيره.
3- (3) أصل المَثَل: «طويت الثوب علي غرّه»، أي كسره.
4- (5) شرح نهج البلاغة 279/2-280، شرح الخطبة 36.
1. إسماعيل بن أبي حازم

15740. الحاكم: أخبرنا عبدالرحمان بن حمدان الجلّاب - بهمدان -، حدّثنا عثمان بن خرّزاد الأنطاكي، حدّثنا ربيعة بن الحارث، حدّثني محمّد بن سليمان العابد، حدّثنا إسماعيل بن أبي حازم، قال:

قال علي للزبير: أما تذكر يوم كنت أنا وأنت في سقيفة قوم من الأنصار فقال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم: أتحبّه ؟ فقلت: وما يمنعني ؟ قال: أما أنّك ستخرج عليه وتقاتله وأنت ظالم!

قال: فرجع الزبير.(1)

2. الأسود بن قيس عن رجل

15741. ابن أبي شيبة: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: حدّثنا شريك, عن الأسود بن قيس, قال:

حدّثني من رأي الزبير يقعص الخيل بالرمح قعصاً، فثوّب به علي: يا [أبا] عبدالله، يا [أبا] عبدالله. قال: فأقبل حتّي التقت أعناق دوابّهما، قال: فقال له علي: أنشدك بالله, أتذكر يوم أتانا النبىّ صلى الله عليه و سلم وأنا اناجيك فقال: أتناجيه ؟ فوالله ليقاتلنّك يوماً وهو لك ظالم!

قال: فضرب الزبير وجه دابّته فانصرف.(2)

15742. الدولابي: حدّثني أبوجعفر محمّد بن عبدالملك الدقيقي، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: سمعت شريكاً يذكره عن الأسود بن قيس، قال:

حدّثني من رأي الزبير يقعص الخيل قعصاً بالرمح، فناداه علي: يا أباعبدالله. فأقبل حتّي التقت أعناق دوابّهما، فقال: أنشدك بالله, أتذكر يوم كنت اناجيك - أو قال: تناجيني - فأتانا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: تناجيه ؟ فوالله ليقاتلنّك يوماً وهو لك ظالم!

ص:416


1- (1) المستدرك 366/3(5573)، ورواه الباعوني في جواهر المطالب 20/2, الباب الثالث والخمسون, في ذكر وقعة الجمل, باب مقتل الزبير.
2- (2) المصنّف 544/7(37817).

قال: فلم يعد أن يسمع الحديث, فضرب وجه دابّته وذهب.(1)

15743. ابن عبد ربّه: شريك، عن الأسود بن قيس، قال:

حدّثني من رأي الزبير يوم الجمل يقعص الخيل بالرمح قعصاً، فنوّه به علي: أباعبدالله، أتذكر يوماً أتانا النبىّ صلى الله عليه و سلم وأنا اناجيك فقال: أتناجيه ؟ والله ليقاتلنّك وهو ظالم لك!

قال: فصرف الزبير وجه دابّته وانصرف.(2)

3. أبوالأسود الدؤلي

15744. الحيري: أخبرنا أبوعمرو بن مطر، أخبرنا أبوالعبّاس عبدالله بن محمّد بن سوّار الهاشمي الكوفي، حدّثنا منجاب بن الحارث، حدّثنا عبدالله بن الأجلح، قال: حدّثنا أبي، عن يزيد الفقير، عن أبيه.

قال: وسمعت فضل بن فضالة يحدّث أبي عن أبي حرب بن [أبي] الأسود الدؤلي، عن أبيه - دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه - قال:

لمّا دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير ودنت الصفوف بعضها من بعض خرج علي وهو علي بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم فنادي: ادعوا لي الزبير بن العوّام فإنّي علي.

فدعي له الزبير، فأقبل حتّي اختلفت أعناق دوابّهما فقال: يا زبير، نشدتك بالله, أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه و سلم ونحن في مكان كذا وكذا، وقال: يا زبير، تحبّ عليّاً؟ قلت: ألا احبّ ابن خالي وابن عمّي وعلي ديني ؟ فقال: يا علي، أ تحبّه ؟ فقلت: يا رسول الله, ألا احبّ ابن عمّتي وعلي ديني ؟ فقال: يا زبير، أما والله لتقاتلنّه أنت؛ وأنت له ظالم!

قال: بلي والله لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم ثمّ ذكرته الآن، والله لا اقاتلك.

فرجع الزبير علي دابّته يشقّ الصفوف، فعرض له ابنه عبدالله بن الزبير، قال: ما لك ؟

ص:417


1- (1) الكني والأسماء 24/1(67)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 406/18، ترجمة الزبير (2239).
2- (2) العقد الفريد 71/5, كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، مقتل الزبير بن العوّام.

قال: ذكّرني علي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لتقاتلنّه وأنت له ظالم! فلا اقاتله.

قال: وللقتال جئت ؟ إنّما جئت لتصلح بين الناس، ويصلح الله هذا الأمر.

قال: قد حلفت إلّا اقاتله. قال: فأعتق غلامك جرجس، و قِفْ حتّي تصلح بين الناس.

فأعتق غلامه ووقف، فلمّا اختلف أمر الناس ذهب علي فرسه.(1)

4. أبوبشير الشيباني

15745. الحاكم: حدّثنا أبوالعبّاس محمّد بن يعقوب، حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان العامري، حدّثنا عبيدالله بن موسي، حدّثنا أبوميمونة، عن أبي بشير الشيباني [في حديث حرب الجمل] قال:

فاجتمعوا بالبصرة, فقال علي: من يأخذ المصحف ؟ ثمّ يقول لهم: ماذا تنقمون، تريقون دماءنا ودماءكم ؟ فقال رجل: أنا يا أميرالمؤمنين. قال: إنّك مقتول. قال: لا ابالي. قال: خذ المصحف.

قال: فذهب إليهم فقتلوه، ثمّ قال من الغد مثل ما قال بالأمس، فقال رجل: أنا. قال: إنّك مقتول كما قتل صاحبك بالأمس. قال: لا ابالي.

قال: فذهب فقتل، ثمّ قتل آخر كلّ يوم واحد، فقال علي: قد حلّ لكم قتالهم الآن.

قال: فبرز هؤلاء وهؤلاء فاقتتلوا قتالاً شديداً. قال: وقتل طلحة في المعركة وانهزم أصحاب الجمل.

قال: وعائشة واقفة علي بعيرها ليس عندها أحد، فقال علي لمحمّد بن أبي بكر: خذ بزمام بعير اختك. فأتاها، فقالت: من أنت ؟ قال: أخوك(2). قالت: كلّا. قال: بلي ولو كرهت.

قال: وقد كان علي عليه السلام قبل ذلك قال: أين الزبير؟ قالوا: هو ذا واقف. فأرسل إليه

ص:418


1- (1) عنه البيهقي في دلائل النبوّة 414/6-415, باب ما جاء في إخباره عن قتال الزبير مع علي - رضي الله عنهما - وترك قتاله حين ذكّره, ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 409/18-410، ترجمة الزبير (2239).
2- (2) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «ابنك».

رسولاً: ادن منّي حتّي اخبرك. قال: وهو في السلاح.

قال: و [علي] علي قباطان وبرنس وسيف وقلنسوة، فقال له الحسن: يا أميرالمؤمنين، ذاك في السلاح وليس عليك إلّا ما أري. قال له علي: انته عنّي.

قال: فدنا كلّ واحد منهما من الآخر حتّي اختلفت رؤوس دابّتيهما، فقال له علي: تذكر يوم كنت أنا وأنت في مكان كذا وكذا، فمرّ رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: لتقاتلنّ هذا وأنت ظالم له ؟ قال له الزبير: ذكرتني ما قد نسيت، فلن أسل عليك سيفاً. فأدبر, فقال له عبدالله ابنه: ما هذا الّذي ذكر لك علي ؟ قال: ذكّرني شيئاً كنت قد نسيته. فقال: بعد ما أخرجت القوم تتركهم وتذهب ؟

قال أبوبشر: فردّ عليهم ما كان في العسكر حتّي القدر.

وروي أنّ ابنه عبدالله وبّخه بتركه القتال وقال: لعلّك رأيت الموت الأحمر تحت رايات ابن أبي طالب عليه السلام ؟ لقد فضحتنا فضيحة لا نغسل منها رؤوسنا أبداً.

فغضب الزبير من ذلك وصاح بفرسه وحمل علي أصحاب علي عليه السلام حملة منكرة، فقال علي لأصحابه: فرّجوا له فإنّه محرّج. فأوسعوا له، فشقّ الصفوف حتّي خرج منها، ثمّ رجع فشقّها ثانية، ولم يطعن أحداً ولم يضرب، ثمّ رجع إلي ابنه فقال: هذه حملة جبان ؟

فقال له ابنه عبدالله: فَلِمَ تنصرف عنّا الآن وقد التقت حلقتا البطان ؟ فقال الزبير: يا بنىّ ، أرجع - والله - لأخبار كان النبىّ صلى الله عليه و آله عهدها إلىّ فأنسيتها حتّي أذكرنيها علي فعرفتها.

قال: ثمّ خرج الزبير من عسكرهم تائباً ممّا كان فيه وهو ينشد ويقول:

ترك الاُمور الّتي تخشي عواقبها لله أجمل في الدنيا وفي الدين

نادي عل

ىّ

بأمر لست أنكرهقد كان عمر أبيك الخير مذ حين

فاخترت عاراً علي نار مؤجّجةأنّي يقوم لها خلق من الطين

أخال طلحة وسط القوم منجدلاًركن الضعيف ومأوي كلّ مسكين

قد كنت أنصر أحياناً وينصرنيفي النائبات ويرمي من يراميني

ص:419

حتّي ابتلينا بأمر ضاق مصدره فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني(1)

5. أبوجرو المازني

15746. الحاكم: حدّثنا أبوبكر بن إسحاق الإمام، أخبرنا بشر بن موسي، حدّثنا خالد بن يزيد العرني، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن عبدالله بن محمّد الرقاشي، عن جدّه عبدالملك بن سلمة، عن أبي جرو(2) المازني، قال:

سمعت عليّاً وهو يناشد الزبير يقول له: نشدتك بالله يا زبير، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إنّك تقاتلني وأنت لي ظالم ؟ قال: بلي ولكن نسيت.(3)

15747. الحسن بن سفيان: حدّثنا قطن بن بشير، حدّثنا جعفر بن سليمان، حدّثنا عبدالله بن محمّد الرقاشي، حدّثني جدّي، عن أبي جرو المازني، قال:

سمعت عليّاً والزبير وعلي يقول له: أنشدتك بالله يا زبير، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إنّك تقاتلني وأنت ظالم لي ؟ قال: بلي ولكنّي نسيت.(4)

15748. أبويوسف: حدّثنا أبوعاصم، عن عبدالله بن محمّد بن عبدالملك بن مسلم الرقاشي، عن جدّه عبدالملك، عن أبي جرو المازني، قال:

شهدت عليّاً والزبير حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: إنّك تقاتل وأنت ظالم لي ؟ قال: نعم، ولم أذكر إلّا في موقفي هذا. ثمّ انصرف.(5)

ص:420


1- (1) عنه الخوارزمي بإسناده إليه في المناقب ص 178-180(216)، والبيهقي في السنن الكبري 181/8, كتاب قتال أهل البغي, باب لا يبدأ الخوارج بالقتال, إلي قوله: «فاقتتلوا قتالاً شديداً»، ثمّ قال: وذكر الحديث، قال أبوبشير: فردّ عليهم ما كان في العسكر حتّي القدر.
2- (2) في الأصل: «أبوجروة»، والصحيح ما أثبتناه، وانظر: ترجمته في تهذيب الكمال 187/33(7279).
3- (3) المستدرك 367/3(5577). وروي نحوه السيوطي في الخصائص الكبري 233/2, باب إخباره صلى الله عليه و سلم بوقعة الجمل وصفّين والنهروان, عن أبي يعلي والحاكم والبيهقي وأبي نعيم.
4- (4) عنه الحاكم بإسناده إليه في المستدرك 367/3(5576).
5- (5) عنه أبويعلي في مسنده 29/2-30(666)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 408/18، ترجمة الزبير (2239)، والسيوطي في الخصائص الكبري 233/2, باب إخباره صلى الله عليه و سلم بوقعة الجمل وصفّين والنهروان.
6. أبوحرب بن أبي الأسود الديلي

15749. الحاكم: أخبرني أبوالحسين محمّد بن أحمد بن تميم القنطري - ببغداد -، حدّثنا أبوقلابة عبدالملك بن محمّد الرقاشي، حدّثنا أبوعاصم، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن عبدالملك الرقاشي، عن جدّه عبدالملك، عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، قال:

شهدت الزبير خرج يريد عليّاً، فقال له علي: أنشدك الله, هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: تقاتله وأنت له ظالم! فقال: لم أذكر. ثمّ مضي الزبير منصرفاً.(1)

15750. الحاكم: حدّثنا بذلك أبوعمرو محمّد بن جعفر بن محمّد بن مطر العدل المأمون من أصل كتابه، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن سوّار الهاشمي، حدّثنا منجاب بن الحارث، حدّثنا عبدالله بن الأجلح، حدّثني أبي، عن يزيد الفقير.

قال منجاب: وسمعت فضل بن فضالة يحدّث به جميعاً عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، قال:

شهدت عليّاً والزبير لمّا رجع الزبير علي دابّته يشقّ الصفوف فعرض له ابنه عبدالله فقال: ما لك ؟ فقال: ذكر لي علي حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: لتقاتلنّه وأنت ظالم له! فلا اقاتله.

قال: وللقتال جئت ؟ إنّما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك.

قال: قد حلفت أن لا اقاتل. قال: فأعتق غلامك جرجس وقِفْ حتّي تصلح بين الناس.

قال: فأعتق غلامه جرجس ووقف، فاختلف أمر الناس فذهب علي فرسه.(2)

ص:421


1- (1) المستدرك 366/3(5574)، وقال: هذا حديث صحيح عن أبي حرب بن أبي الأسود, فقد روي عنه يزيد بن صهيب الفقير وفضل بن فضالة في إسناد واحد.
2- (2) المستدرك 366/3(5575)، وقال: وقد روي إقرار الزبير لعلي - رضي الله عنهما - بذلك من غير هذه الوجوه والروايات.
7. الحكم بن عتيبة

15751. يحيي بن آدم: أخبرنا أبوإسرائيل، عن الحكم، قال:

لمّا كان يوم الجمل واصطفوا دعا علي الزبير فأتاه، فقال: أنشدك الله, أما تذكر أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: لتقاتلنّه وأنت ظالم له ؟ قال: اللهمّ نعم، فما ذكرته قبل مقامي هذا.

فانطلق راجعاً، فلمّا رآه صاحبه تبعه - يعني طلحة -، فرماه مروان بسهم، فشدّ فخذه بحدية السرج.(1)

15752. ابن منيع: حدّثنا أبوأحمد [الزبيري]، حدّثنا أبوإسرائيل، عن الحكم:

دعا علي الزبير فقال: أنشدك الله، أما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: لتقاتلنّه وأنت ظالم له ؟ قال: نعم، ما ذكرت قبل موقفي هذا. فولّي.

قال: فولّي ولا يعلم به صاحبه، فذهبت فتبعته فانتزع له مروان سهماً، فشدّ فخذيه إلي السرج، فقتله - يعني طلحة -.(2)

8. سعيد بن كرز

15753. أبوبكر الشافعي: حدّثنا عبدالله بن محمّد بن ياسين، قال: حدّثنا محمّد بن منكدر, قال: حدّثنا عبيدالله بن موسي، عن أسباط بن عروة، قال: حدّثني سعيد بن كرز, قال:

كنت مع مولاي يوم الجمل مع اللواء فأقبل فارس فقال: يا امّ المؤمنين. قالت عائشة: سلوه من هو؟ قيل له: من أنت ؟ قال: أنا عمّار بن ياسر.

قالت: قولوا له: ما تريد؟ قال: أنشدك بالله الّذي أخرج الكتاب علي نبيّه رسول الله في بيتك؛ أ تعلمين أنّ رسول الله جعل عليّاً وصيّه علي أهله ؟ قالت: اللهمّ نعم.

قال: وجاء فوارس أربعة، فهتف رجل منهم، قالت عائشة: هذا ابن أبي طالب وربّ

ص:422


1- (1) عنه ابن حجر في المطالب العالية 57/10(4920), من طريق ابن راهويه.
2- (2) عنه ابن حجر في المطالب العالية 57/10(4921).

الكعبة، سلوه ما تريد؟ قال: أنشدك بالله الّذي أنزل الكتاب علي رسول الله في بيتك؛ أ تعلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم جعلني وصيّه علي أهله ؟ قالت: اللهمّ نعم.(1)

15754. الطبراني: عن أسباط , عن سعيد بن كرز، قال:

كنت مع مولاي يوم الجمل فأقبل فارس فقال: يا امّ المؤمنين. فقالت عائشة: سلوه من هو؟ قيل: من أنت ؟ قال: أنا عمّار بن ياسر.

قالت: قولوا له: ما تريد؟ قال: أنشدك بالله الّذي أنزل الكتاب علي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتك؛ أ تعلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل عليّاً وصيّاً علي أهله وفي أهله ؟ قالت: اللهمّ نعم.

قال: فما لك ؟ قالت: أطلب بدم عثمان أميرالمؤمنين!

قال: فتكلّم، ثمّ جاء فوارس أربعة، فهتف بهم رجل منهم، قال: تقول عائشة: ابن أبي طالب وربّ الكعبة سلوه ما يريد؟ قالوا: من أنت ؟ قال: أنا علي بن أبي طالب.

قالت: سلوه ما يريد؟ قالوا: ما تريد؟ قال: أنشدك بالله الّذي أنزل الكتاب علي رسول الله صلى الله عليه و سلم في بيتك؛ أ تعلمين أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم جعلني وصيّاً علي أهله وفي أهله ؟ قالت: اللهمّ نعم.

قال: فما لك ؟ قالت: أطلب بدم أميرالمؤمنين عثمان! قال: أريني قتلة عثمان. ثمّ انصرف والتحم القتال.(2)

9. عبدالرحمان بن أبي ليلي

15755. محمّد بن فضيل: عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، عن علي بن أبي طالب أنّه قال يوم الجمل:

ادع إلىّ الزبير لعلّي اذكّره شيئاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم. فدعي الزبير، فجاء علي دابّته، وجاء علي [علي] دابّته، حتّي اختلف رؤوس دوابّهما، فلم يزل علي يذكّره

ص:423


1- (1) عنه ابن طاووس في سعد السعود ص 375-376(225).
2- (2) عنه الهيثمي في مجمع الزوائد 237/7, كتاب الفتن, باب فيما كان في الجمل وصفّين.

ووجه الزبير يتغيّر، ثمّ انصرفا، فأمّا الزبير فمضي فنزل علي ناس من بني سعد، فاُخبر طلحة أنّ الزبير قد انصرف، فقال مروان: إن لم أدرك ثأري اليوم لم أدركه أبداً. فرماه بسهم فقتله.(1)

15756. ابن عساكر: أخبرنا عالياً أبوجعفر أحمد بن محمّد بن عبدالعزيز المكّي، أخبرنا الحسن بن عبدالرحمان بن الحسين، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن علي بن فراس، حدّثنا أبوجعفر محمّد بن إبراهيم بن عبدالله المكّي، أخبرنا أبوصالح محمّد بن أبي الأزهر المكّي، أخبرنا أبوبكر بن عيّاش، عن يزيد - يعني ابن أبي زياد -، عن عبدالرحمان بن أبي ليلي، قال:

لمّا كان يوم الجمل خرج علي علي فرس، فقال: أين الزبير؟ فجاء الزبير علي فرس، قال: فرأيتهما بين الصفّين علي فرسين تختلف أعناقهما واقفين وقوفاً طويلاً طويلاً طويلاً، ولا أدري أىّ شيء كانا يقولان. قال عبدالرحمان: إلّا أنّي رأيت عليّاً يحرّك يده كذا وكذا. قال: فرجع إلينا وأخذ الزبير ناحية المربد. قال: ووقع القتال.(2)

10. عبدالسلام

15757. ابن أبي شيبة وابن راهويه: حدّثنا يعلي بن عبيد, عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبدالسلام - رجل من بني حيّة -, قال:

خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك بالله، كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وأنت لاوي يدي في سقيفة بني فلان: لتقاتلنّه وأنت ظالم له، ثمّ لينصرنّ عليك ؟ قال: قد سمعت، لا جرم لا اقاتلك.(3)

15758. ابن عساكر: أخبرنا أبويعلي حمزة بن علي بن الحبوبي، أخبرنا أبوالقاسم

ص:424


1- (1) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 412/18-413، ترجمة الزبير بن العوّام (2239).
2- (2) تاريخ مدينة دمشق 413/18، ترجمة الزبير بن العوّام (2239).
3- (3) المصنّف 544/7(37816)؛ المطالب العالية 58/10(4922), نقلاً عن مسند ابن راهويه.

بن أبي العلاء، أخبرنا أبومحمّد بن أبي نصر، أخبرنا عمّي بن محمّد بن القاسم(1) ، أخبرنا أحمد بن علي بن سعيد القاضي، حدّثنا سفيان بن وكيع، حدّثنا يعلي بن عبيد... مثله, إلّا أنّه ليس فيه: «وأنت ظالم له».(2)

15759. العقيلي: حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا يعلي بن عبيد، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبدالسلام - رجل من حيّة -، قال:

خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك بالله, هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنت لاوي يدي بسقيفة بني فلان قال: لتقاتلنّه فإنّك ظالم ثمّ لينصرنّ عليك ؟ قال: قد سمعته، لا جرم ولا اقاتلك.(3)

15760. ابن منيع: عن عبدالسلام - رجل من حيّة -, قال:

خلا علي بالزبير يوم الجمل فقال: أنشدك الله, كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول وأنت لاوي يدي في سقيفة بني ساعدة: لتقاتلنّه وأنت له ظالم ثمّ ينصرنّ عليك ؟ فقال: قد سمعت، لا جرم لا اقاتلك.(4)

11. عبدالله بن عبّاس

15761. موسي بن عقبة: عن أبي حبيبة مولي الزبير - وهو جدّ موسي بن عقبة من قبل امّه، وهو موسي بن عقبة بن أبي عيّاش -، قال: قال أبوحبيبة:

أخبرنا ابن عبّاس بالبصرة في يوم شديد الحرّ، فلمّا رآه الزبير قال: مرحباً بابن لبابة،

ص:425


1- (1) كذا في الأصل، والصواب: «عمّي أبوعلي محمّد بن القاسم»، كما في سائر موارد ذكره من تاريخ مدينة دمشق.
2- (2) تاريخ مدينة دمشق 411/18-412، ترجمة الزبير بن العوّام (2239).
3- (3) الضعفاء 65/3، ترجمة عبدالسلام (1029)، وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 409/18، ترجمة الزبير بن العوّام (2239).
4- (4) عنه وعن غيره المتّقي في كنز العمّال 340/11(31690).

أ زائراً أم سفيراً؟ قال: كلّ ذلك بعثني إليك، ابن خالك يقول لك: ما عدا ممّا بدا، أ عرفتني بالمدينة وأنكرتني بالبصرة ؟!

قال: فجعل الزبير ينقر بالمروحة في الأرض ثمّ رفع إليه رأسه فقال: ترفع لكم المصاحف غداً فما حللت حللنا، وما حرّمت حرّمنا.

قال: فانصرف فناداني ابن الزبير وهو في جانب البيت: يا ابن عبّاس، أقبل علىّ . فأقبلت عليه وأنا أكره كلامه.

قال مصعب: أ شكّ في قول ابن عبّاس في حديث من هو؟

قال عبدالله بن الزبير: بيننا دم خليفة، وعهد خليفة، وانفراد واحد، واجتماع ثلاثة، واُمّ مبرورة، ومشاورة العامّة - أو قال: الجماعة -.(1)

15762. الزبيري: أرسل علي بن أبي طالب رحمه الله عبدالله بن عبّاس لمّا قدم البصرة فقال له: ايت الزبير ولا تأت طلحة، فإنّ الزبير ألين، وإنّك تجد طلحة كالثور عاقصاً قرنه، يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل، فاقرأه السلام، وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا لك ؟!

قال: فأتيت الزبير فقال: مرحباً يا ابن لبابة، أ زائراً جئت أم سفيراً؟ قلت: كلّ ذلك. وأبلغته ما قال علي.

فقال [عبدالله بن](2) الزبير: أبلغه السلام وقل له: بيننا وبينك عهد خليفة, ودم خليفة، واجتماع ثلاثة, وانفراد واحد، واُمّ مبرورة، ومشاورة العشيرة، ونشر المصاحف، فنحلّ ما أحلّت، ونحرّم ما حرّمت.

فلمّا كان من الغد حرّش بين الناس غوغاؤهم، فقال الزبير: ما كنت أري أنّ مثل ما

ص:426


1- (1) عنه ابن عساكر بأسانيده إليه في تاريخ مدينة دمشق 404/18-405، ترجمة الزبير بن العوّام (2239), من طريق أبي القاسم البغوي والزبيري.
2- (2) من الرواية المتقدّمة.

جئنا له يكون فيه قتال!(1)

15763. ابن عساكر: أخبرنا أبوغالب بن البنّاء، أنبأ أبومحمّد بن الجوهري، أخبرنا أبوالحسن بن لؤلؤ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن المؤمّل، حدّثنا محمّد بن علي بن خلف، حدّثنا عمر الفقيمي، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن حسين، حدّثني ابن عبّاس، قال:

قال علي: ائت الزبير، فقل له: [أ] نشدك الله, أ لست قد بايعتني طائعاً غير مكره فما الّذي أحدثت فاستحللت به قتالي ؟ فقال الزبير: مع الخوف شدّة المطامع. فأتيت عليّاً فأخبرته بما قال الزبير، فدعا علي بالبغلة فركبها وركبت معه، ودنا حتّي اختلفت أعناق دوابّهما ووقفت حتّي أسمع كلامهما، فسمعت عليّاً يقول: [ا] ناشدك بالله, هل تعلم يا زبير أنّي كنت أنا وأنت في سقيفة بني فلان تعالجني واُعالجك فمرّ بي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: كأنّك تحبّه. قلت: وما يمنعني ؟ [قال:] أما ليقاتلنّك وهو الظالم ؟ قال الزبير: اللهمّ ذكّرتني ما قد نسيت.

قال: فولّي راجعاً.(2)

15764. ابن بكّار: لمّا سار علي عليه السلام إلي البصرة بعث ابن عبّاس فقال: ائت الزبير، فاقرأ عليه السلام، وقل له: يا أباعبدالله، كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة ؟! فقال ابن عبّاس: أ فلا آتي طلحة ؟ قال: لا, إذاً تجده عاقصاً قرنه في حزن، يقول: هذا سهل.

قال: فأتيت الزبير، فوجدته في بيت يتروّح في يوم حارّ وعبدالله ابنه عنده، فقال: مرحباً بك يا ابن لبابة، أ جئت زائراً أم سفيراً؟ قلت: كلّا، إنّ ابن خالك يقرأ عليك السلام ويقول لك: يا أباعبدالله، كيف عرفتنا بالمدينة وأنكرتنا بالبصرة ؟! فقال:

علقهم أنّي خلقت عصبه قتادة تعلّقت بنشبه

ص:427


1- (1) عنه الجاحظ في البيان والتبيين 221/3-222, وتمام سندها في الرواية السالفة.
2- (2) تاريخ مدينة دمشق 410/18، ترجمة الزبير (2239).

لن أدعهم حتّي اؤلّف بينهم!

قال: فأردت منه جواباً غير ذلك، فقال لي ابنه عبدالله: قل له: بيننا وبينك دم خليفة ووصيّة خليفة، واجتماع اثنين وانفراد واحد، واُمّ مبرورة، ومشاورة العشيرة.

قال: فعلمت أنّه ليس وراء هذا الكلام إلّا الحرب، فرجعت إلي علي عليه السلام فأخبرته.(1)

15765. ابن قتيبة: أرسل علي بن أبي طالب رضى الله عنه عبدالله بن عبّاس لمّا قدم البصرة فقال: ائت الزبير ولا تأت طلحة فإنّ الزبير ألين وأنت تجد طلحة كالثور عاقصاً قرنه، يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل، فاقرأه السلام وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا؟

قال ابن عبّاس: فأتيته فأبلغته. فقال: قل له: بيننا وبينك عهد خليفة, ودم خليفة، واجتماع ثلاثة, وانفراد واحد، واُمّ مبرورة، ومشاورة العشرة، ونشر المصاحف، نحلّ ما أحللت ونحرّم ما حرّمت.(2)

12. عمّار بن معاوية الدهني

15766. المدائني: حدّثنا بشير بن عاصم، عن الحجّاج بن أرطاة، عن عمّار بن معاوية الدهني - حىّ من أحمس بجيلة -, قال:

أخذ علي مصحفاً يوم الجمل، فطاف به في أصحابه، وقال: من يأخذ هذا المصحف، يدعوهم إلي ما فيه وهو مقتول ؟

فقام إليه فتي من أهل الكوفة عليه قباء أبيض محشوّ، فقال: أنا. فأعرض عنه، ثمّ قال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلي ما فيه وهو مقتول ؟ فقال الفتي: أنا. فأعرض عنه, ثمّ قال: من يأخذ هذا المصحف يدعوهم إلي ما فيه وهو مقتول ؟ فقال الفتي: أنا. فدفعه إليه، فدعاهم فقطعوا يده اليمني، فأخذه بيده اليسري، فدعاهم فقطعوا يده

ص:428


1- (1) الأخبار الموفّقيّات، كما عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 169/2, شرح الكلام 31.
2- (2) عيون الأخبار 292/1، كتاب الحرب, باب الحيل في الحروب وغيرها.

اليسري، فأخذه بصدره والدماء تسيل علي قبائه، فقتل رضى الله عنه، فقال علي: الآن حلّ قتالهم.

فقالت امّ الفتي بعد ذلك فيما ترثي:

لاهمّ إنّ مسلماً دعاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم

واُمّهم قائمة تراهم يأتمرون الغ

ىّ

لا تنهاهمقد خضبت من علق لحاهم(1)

13. قتادة بن دعامة

15767. ابن شبّة: حدّثنا أبوبكر الهذلي، عن قتادة، قال:

سار علي من الزاوية يريد طلحة والزبير وعائشة، وساروا من الفرضة يريدون عليّاً، فالتقوا عند موضع قصر عبيدالله بن زياد في النصف من جمادي الآخرة سنة ستّ وثلاثين يوم الخميس، فلمّا تراءي الجمعان خرج الزبير علي فرس عليه سلاح، فقيل لعلي: هذا الزبير. قال: أما إنّه أحري الرجلين إن ذكّر بالله أن يذكره. وخرج طلحة، فخرج إليهما علي، فدنا منهما حتّي اختلفت أعناق دوابّهم، فقال علي: لعمري لقد أعددتما سلاحاً وخيلاً ورجالاً، إن كنتما أعددتما عند الله عذراً فاتّقيا الله سبحانه، ولا تكونا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، ألم أكن أخاكما في دينكما، تحرّمان دمي واُحرّم دماءكما؟ فهل من حدث أحلّ لكما دمي ؟

قال طلحة: ألّبت الناس علي عثمان رضى الله عنه.

قال علي: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )2 ؛ يا طلحة، تطلب بدم عثمان رضى الله عنه ؟! فلعن الله قتلة عثمان.

يا زبير، أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في بني غنم، فنظر إلىّ فضحك وضحكت إليه،

ص:429


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 511/4-512، حوادث سنة ستّ وثلاثين, خبر وقعة الجمل من رواية اخري, من طريق ابن شبّة.

فقلت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه. فقال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم: صه، إنّه ليس به زهو، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم ؟ فقال: اللهمّ نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، والله لا اقاتلك أبداً.

فانصرف علي إلي أصحابه، فقال: أمّا الزبير فقد أعطي الله عهداً إلّا يقاتلكم.

ورجع الزبير إلي عائشة فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلّا وأنا أعرف فيه أمري غير موطني هذا. قالت: فما تريد أن تصنع ؟ قال: اريد أن أدعهم وأذهب. فقال له ابنه عبدالله: جمعت بين هذين الغارين حتّي إذا حدّد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب ؟! أحسست رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنّها تحملها فتية أنجاد.

قال: إنّي قد حلفت إلّا اقاتله، وأحفظه ما قال له. فقال: كفّر عن يمينك، وقاتله.

فدعا بغلام له يقال له مكحول، فأعتقه، فقال عبدالرحمان بن سليمان التيمي:

لم أر كاليوم أخا إخوان أعجب من مكفّر الأيمان

بالعتق في معصية الرحمان

وقال رجل من شعرائهم:

يعتق مكحولاً لصون دينه كفّارة لله عن يمينه

- والنكث قد لاح علي جبينه(1)

15768. المدائني: عن مسلمة بن محارب، عن قتادة، قال:

نزل علي الزاوية وأقام أيّاماً، فأرسل إليه الأحنف: إن شئت أتيتك، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف. فأرسل إليه علي: كيف بما أعطيت أصحابك من الاعتزال! قال: إنّ من الوفاء لله - عزّ وجلّ - قتالهم. فأرسل إليه: كفّ من قدرت علي كفّه.

ثمّ سار علي من الزاوية، وسار طلحة والزبير وعائشة من الفرضة، فالتقوا عند موضع قصر عبيدالله - أو عبدالله - بن زياد، فلمّا نزل الناس أرسل شقيق بن ثور إلي عمرو بن مرحوم(2)

ص:430


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 501/4-502، حوادث سنة ستّ وثلاثين, خبر وقعة الجمل من رواية اخري.
2- (2) كذا في الأصل, وفي كثير من المصادر: «مرجوم».

العبدي أن اخرج، فإذا خرجت فمل بنا إلي عسكر علي. فخرجا في عبدالقيس وبكر بن وائل، فعدلوا إلي عسكر أميرالمؤمنين، فقال الناس: من كان هؤلاء معه غلب، ودفع شقيق بن ثور رايتهم إلي مولي له يقال له رشراشة، فأرسل إليه وعلة بن محدوج الذهلي: ضاعت الأحساب، دفعت مكرمة قومك إلي رشراشة. فأرسل شقيق أن أغن شأنك؛ فإنّا نغني شأننا. فأقاموا ثلاثة أيّام لم يكن بينهم قتال، يرسل إليهم علي، ويكلّمهم ويردعهم.(1)

14. محمّد بن شهاب الزهري

15769. أحمد الدورقي: عن وهب بن جرير بن حازم، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال:

لمّا وقف علي وأصحاب الجمل خرج علي علي فرسه فدعا الزبير، فتواقفا، فقال له علي: ما جاء بك ؟ قال: جاء بي أنّي لا أراك لهذا الأمر أهلاً، ولا أولي به منّا. فقال علي: لست أهلاً لها بعد عثمان! قد كنّا نعدّك من بني عبدالمطّلب حتّي نشأ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك. وعظّم عليه أشياء، وذكر أنّ النبىّ صلى الله عليه و سلم مرّ عليهما فقال لعلي: ما يقول ابن عمّتك ؟ ليقاتلنّك وهو لك ظالم!

فانصرف عنه الزبير وقال: فإنّي لا اقاتلك. ورجع إلي ابنه عبدالله بن الزبير فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة. فقال: لا، ولكنّك جبنت عن لقاء علي حين رأيت راياته فعرفت أنّ تحتها الموت.

قال: فإنّي قد حلفت أن لا اقاتله. قال: فكفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه وقام في الصفّ معهم.(2)

ص:431


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 500/4-501، حوادث سنة ستّ وثلاثين, خبر وقعة الجمل من رواية اخري, من طريق ابن شبّة. وانظر: ما رواه عبدالرزّاق في المصنّف 241/11(20430), عن معمر عن قتادة.
2- (2) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 51/3-52, مقتل الزبير بن العوّام.

15770. أبوخيثمة: حدّثنا وهب بن جرير بن حازم، قال: سمعت أبي قال: سمعت يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري:

في قصّة ذكرها من خبر علي وطلحة والزبير وعائشة [إلي أن قال:] فأقبل - يعني عليّاً - في اثني عشر ألفاً، فقدم البصرة....

فلمّا تواقفوا خرج علي علي فرسه، فدعا الزبير, فتواقفا، فقال علي للزبير: ما جاء بك ؟ قال: أنت، ولا أراك لهذا الأمر أهلاً، ولا أولي به منّا.

فقال علي: لست له أهلاً بعد عثمان! قد كنّا نعدّك من بني عبدالمطّلب حتّي بلغ ابنك ابن السوء ففرّق بيننا وبينك. وعظّم عليه أشياء، فذكر أنّ النبىّ صلى الله عليه و سلم مرّ عليهما فقال لعلي: ما يقول ابن عمّتك ؟ ليقاتلنّك وهو ظالم!

فانصرف عنه الزبير وقال: فإنّي لا اقاتلك. فرجع إلي ابنه عبدالله فقال: ما لي في هذه الحرب بصيرة. فقال له ابنه: إنّك قد خرجت علي بصيرة، ولكنّك رأيت رايات ابن أبي طالب وعرفت أنّ تحتها الموت فجبنت. فأحفظه حتّي ارعد وغضب، وقال: ويحك! إنّي قد حلفت له إلّا اقاتله. فقال له ابنه: كفّر عن يمينك بعتق غلامك سرجس. فأعتقه، وقام في الصفّ معهم.

وكان علي قال للزبير: أ تطلب منّي دم عثمان وأنت قتلته ؟! سلّط الله علي أشدّنا عليه اليوم ما يكره.

وقال علي: يا طلحة، جئت بعرس رسول الله صلى الله عليه و سلم تقاتل بها وخبأت عرسك في البيت! أما بايعتني ؟! قال: بايعتك وعلي عنقي اللجّ .

فقال علي لأصحابه: أيّكم يعرض عليهم هذا المصحف وما فيه، فإن قطعت يده أخذه بيده الاُخري، وإن قطعت أخذه بأسنانه ؟ قال فتي شابّ : أنا. فطاف علي علي أصحابه يعرض ذلك عليهم، فلم يقبله إلّا ذلك الفتي، فقال له علي: اعرض عليهم هذا، وقل: هو بيننا وبينكم من أوّله إلي آخره، واللهَ في دمائنا ودمائكم.

فحمل علي الفتي وفي يده المصحف، فقطعت يداه، فأخذه بأسنانه حتّي قتل، فقال

ص:432

علي: قد طاب لكم الضراب فقاتلوهم....(1)

15. نذير الضبّي

15771. أبومحمّد البغوي: حدّثنا أبوزيد بن طريف، حدّثنا إسماعيل بن بهرام الليثي، حدّثنا رفاعة بن إياس بن نذير الضبّي(2):

حدّثني أبي عن جدّي وكان مع علي بن أبي طالب يوم البصرة(3) ، وكان أشدّ يوم في الأرض برداً لم يأت عليه يوم أشدّ برداً منه يستددون بكلّ بعير وكلّ حائط من البرد، فخرج علي علي بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم الشهباء عليه بردان نجرانيّان متّزر بواحد متردّياً بالآخر وعمامة قد أرخي ذؤابتها من خلفه ونعلين، وهو يمسح العرق من جبينه من ذا الجانب ومن ذا الجانب.

قال: فنادي علي بن أبي طالب الزبير، وهو بين الصفّين، قال: تعال حتّي اكلّمك. فأتاه حتّي اختلفت أعناق دابّتيهما فقال له: يا زبير، أنشدك الله, أ خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يمشي وأنت معه فضرب كتفك ثمّ قال لك: كأنّك قد قاتلت هذا؟ قال: اللهمّ نعم.

قال: فأنّي جئت وقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال: لا اقاتلك.

فرجع فسار ليلتين من البصرة، فمرّ علي ماء لبني مجاشع، فعرفه رجل من تميم يقال له ابن جرموز، فقتله وجاء بسيفه إلي علي، فقال: هذا سيف الزبير قد قتلته. فقال علي: بشّر قاتل ابن صفيّة بالنار.(4)

15772. الحسن بن سفيان: حدّثنا أحمد بن عبدة، حدّثنا الحسين بن الحسن، حدّثنا رفاعة بن إياس [بن نذير] الضبّي، عن أبيه، عن جدّه، قال:

ص:433


1- (1) عنه الطبري في تاريخه 508/4-509، حوادث سنة ستّ وثلاثين, خبر وقعة الجمل من رواية اخري.
2- (2) هذا هو الصواب، وفي الأصل: «زيد الضبّي».
3- (3) الظاهر أنّ هذا هو الصواب، وفي الأصل: «يوم النضرة».
4- (4) عنه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 412/18، ترجمة الزبير (2239), من طريق الخطيب.

كنّا مع علي يوم الجمل فبعث إلي طلحة بن عبيدالله أن القني. فأتاه طلحة فقال: نشدتك الله, هل سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه ؟ قال: نعم.

قال: فَلِمَ تقاتلني ؟ قال: لم أذكر.

قال: فانصرف طلحة.(1)

15773. المطرّز: حدّثنا الوليد بن شجاع، حدّثني رفاعة بن إياس بن نذير الضبّي:

حدّثني أبي عن جدّي وكان مع علي أنّ عليّاً دعا الزبير وهو بين الصفّين، فقال: أنت آمن تعالَ حتّي اكلّمك. فأتاه حتّي اختلفت أعناق دابّتيهما، فقال علي: أنشدك بالله الّذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً, أما خرج النبىّ صلى الله عليه و سلم يمشي وأنا وأنت معه فضرب كتفك. قال: ثمّ قال: كأنّك يا زبير قد قاتلت هذا؟ وذكر الحديث، قال: اللهمّ نعم.

[قال:] فأتيتني تقاتلني وقد سمعت هذا من نبىّ الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال: لا اقاتلك. فرجع عن قتاله.(2)

16. يحيي بن سعيد عن عمّه

15774. ابن البختري: حدّثنا يحيي بن جعفر، حدّثنا وهب بن جرير، حدّثنا جويرية بن أسماء، قال: أراه عن يحيي بن سعيد، قال: حدّثني عمّي - أو عمّ لي -، قال:

لمّا تواقفنا يوم الجمل وقد كان علي رضى الله عنه حين صفّنا نادي في الناس: لا يرمينّ رجل بسهم، ولا يطعننّ برمح، ولا يضرب بسيف, ولا تبدأوا القوم بالقتال، وكلّموهم بألطف الكلام....(3)

ص:434


1- (1) عنه الحاكم في المستدرك 371/3(5593)، والخوارزمي في المناقب ص 182-183(221), بإسنادهما إليه.
2- (2) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 408/18-409، ترجمة الزبير بن العوّام (2239)، من طريق ابن القزويني. ورواه المتّقي في كنز العمّال 332/11(31659), عن ابن عساكر, مختصراً.
3- (3) الجزء الرابع من حديث أبي جعفر ابن البختري - المطبوع ضمن مجموع فيه مصنّفات أبي جعفر ابن البختري - ص 314 (387).
17. ما ورد مرسلاً

15775. ابن قتيبة: ثمّ كتب [عليه السلام] إلي طلحة والزبير: أمّا بعد، فقد علمتما أنّي لم أرد الناس حتّي أرادوني، ولم ابايعهم حتّي بايعوني، وإنّكما لممّن أراد وبايع، وإنّ العامّة لم تبايعني لسلطان خاصّ ، فإن كنتما بايعتماني كارهين فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية، وإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا إلي الله من قريب.

إنّك يا زبير لفارس رسول الله صلى الله عليه و سلم وحواريّه، وإنّك يا طلحة لشيخ المهاجرين، وإنّ دفاعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به، وقد زعمتما أنّي قتلت عثمان فبيني وبينكما فيه بعض من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة، وزعمتما أنّي آويت قتلة عثمان، فهؤلاء بنوعثمان، فليدخلوا في طاعتي ثمّ يخاصموا إلىّ قتلة أبيهم، وما أنتما وعثمان إن كان قتل ظالماً أو مظلوماً؟ وقد بايعتماني وأنتما بين خصلتين قبيحتين: نكث بيعتكما، وإخراجكما امّكما.

وكتب إلي عائشة: أمّا بعد، فإنّك خرجت عاصية(1) لله ولرسوله، تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً، ما بال النساء والحرب والإصلاح بين الناس ؟ تطلبين بدم عثمان، ولعمري لمن عرضك للبلاء وحملك علي المعصية أعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان، وما غضبت حتّي أغضبت، وما هجت حتّي هيّجت، فاتّقي الله وارجعي إلي بيتك.

فأجابه طلحة والزبير: إنّك سرت مسيراً له ما بعده، ولست راجعاً وفي نفسك منه حاجة، فامض لأمرك، أمّا أنت فلست راضياً دون دخولنا في طاعتك، ولسنا بداخلين فيها أبداً، فاقض ما أنت قاض.

وكتبت عائشة: جلّ الأمر عن العتاب، والسلام.

ص:435


1- (1) في الأصل: «غاضبة» وهو تصحيف، ونقله علي الصواب ابن أعثم وغيره، وذلك أنّ الله ورسوله أمراها بعدم الخروج والقرار في البيت.

ورجعت رسل علي من البصرة، فمنهم من أجابه وأتاه، ومنهم من لحق بعائشة وطلحة والزبير.

وبعث الأحنف بن قيس إلي علي: إن شئت أتيتك في مئتي رجل من أهل بيتي، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف. فأرسل إليه علي: بل كفّ عنّي أربعة آلاف سيف، وكفي بذلك ناصراً.

فجمع الأحنف بني تميم، فقال: يا معشر بني تميم، إن ظهر أهل البصرة فهم إخوانكم، وإن ظهر علي فلن يهيجكم، وكنتم قد سلمتم. فكفّ بنوتميم ولم يخرجوا إلي أحد الفريقين.

ولمّا كتب علي إلي طلحة والزبير أتي زمعة بن الأسود إلي طلحة والزبير، فقال لهما: إنّ عليّاً قد أكثر إليكما الرسل، كأنّه طمع فيكما، وأطمعتماه في أنفسكما، فاتّقيا الله إن كنتما بايعتماه طائعين، واتّقيا الله علينا وعلي أنفسكما، فإنّ اللبن في الضرع، ومتي يحلب لا يرجع، وإن كنتما بايعتماه مكرهين فاخرقا هذا الوطب، وادفعا هذا اللبن، فما أغنانا عن هذه الكتب والرسل.

فخرج طلحة والزبير وعائشة، وهي علي جمل عليه هودج، قد ضرب عليه صفائح الحديد، فبرزوا حتّي خرجوا من الدور ومن أفنية البصرة، فلمّا تواقفوا للقتال أمر علي منادياً ينادي من أصحابه: لا يرمينّ أحد سهماً ولا حجراً، ولا يطعن برمح حتّي أعذر إلي القوم، فأتّخذ عليهم الحجّة البالغة.

فكلّم علي طلحة والزبير قبل القتال، فقال لهما: استحلفا عائشة بحقّ الله وبحقّ رسوله علي أربع خصال أن تصدق فيها: هل تعلم رجلاً من قريش أولي منّي بالله ورسوله، وإسلامي قبل كافّة الناس أجمعين، وكفايتي رسول الله كفّار العرب بسيفي ورمحي، وعلي براءتي من دم عثمان، وعلي أنّي لم أستكره أحداً علي بيعة، وعلي أنّي لم أكن أحسن قولاً في عثمان منكما؟ فأجابه طلحة جواباً غليظاً، ورقّ له الزبير.

ثمّ رجع علي إلي أصحابه، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، بم كلّمت الرجلين ؟ فقال علي: إنّ

ص:436

شأنهما لمختلف، أمّا الزبير فقاده اللجاج، ولن يقاتلكم، وأمّا طلحة فسألته عن الحقّ فأجابني بالباطل، ولقيته باليقين ولقيني بالشكّ ، فوالله ما نفعه حقّي، ولا ضرّني باطله، وهو مقتول غداً في الرعيل الأوّل.

ثمّ خرج علي علي بغلة رسول الله الشهباء بين الصفّين, وهو حاسر, فقال: أين الزبير؟ فخرج إليه, حتّي إذا كانا بين الصفّين اعتنق كلّ واحد منهما صاحبه وبكيا، ثمّ قال علي: يا عبدالله(1) ، ما جاء بك هاهنا؟ قال: جئت أطلب دم عثمان.

قال علي: تطلب دم عثمان ؟! قتل الله من قتل عثمان! أنشدك الله يا زبير، هل تعلم أنّك مررت بي وأنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو متّكئ علي يدك، فسلّم علىّ رسول الله صلى الله عليه و سلم وضحك إلىّ ، ثمّ التفت إليك فقال لك: يا زبير، إنّك تقاتل عليّاً وأنت له ظالم ؟ قال: اللهمّ نعم.

قال علي: فعلام تقاتلني ؟ قال الزبير: نسيتها والله، ولو ذكرتها ما خرجت إليك، ولا قاتلتك.

فانصرف علي إلي أصحابه، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، مررت إلي رجل في سلاحه وأنت حاسر؟! قال علي: أ تدرون من الرجل ؟ قالوا: لا. قال: ذلك الزبير ابن صفيّة عمّة رسول الله صلى الله عليه و سلم، أما إنّه قد أعطي الله عهداً أنّه لا يقاتلكم، إنّي ذكرت له حديثاً قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال: لو ذكرته ما أتيتك. فقالوا: الحمد لله يا أميرالمؤمنين، ما كنّا نخشي في هذا الحرب غيره، ولا نتّقي سواه، إنّه لفارس رسول الله صلى الله عليه و سلم وحواريّه، ومن عرفت شجاعته وبأسه ومعرفته بالحرب، فإذ قد كفاناه الله فلا نعدّ من سواه إلّا صرعي حول الهودج.(2)

15776. الدينوري: قالوا: وأقام علي رضى الله عنه ثلاثة أيّام يبعث رسله إلي أهل البصرة فيدعوهم إلي الرجوع إلي الطاعة والدخول في الجماعة، فلم يجد عند القوم إجابة،

ص:437


1- (1) كذا في الأصل, وفي سائر المصادر: «يا أباعبدالله», وهو الظاهر.
2- (2) الإمامة والسياسة 71/1-74, تعبئة الفئتين للقتال.

فزحف نحوهم يوم الخميس لعشر مضين من جمادي الآخرة، وعلي ميمنته الأشتر، وعلي ميسرته عمّار بن ياسر، والراية العظمي في يد ابنه محمّد ابن الحنفيّة، ثمّ سار نحو القوم حتّي دنا بصفوفه من صفوفهم، فواقفهم من صلاة الغداة إلي صلاة الظهر، يدعوهم ويناشدهم، وأهل البصرة وقوف تحت رايتهم، وعائشة في هودجها أمام القوم.

قالوا: وإنّ الزبير لمّا علم أنّ عمّاراً مع علي رضى الله عنه ارتاب بما كان فيه، لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: الحقّ مع عمّار، وتقتلك الفئة الباغية.

قالوا: ثمّ إنّ عليّاً دنا من صفوف أهل البصرة، وأرسل إلي الزبير يسأله ليدنو فيكلّمه بما يريد، وأقبل الزبير حتّي دنا من علي رضى الله عنه، فوقفا جميعاً بين الصفّين حتّي اختلفت أعناق فرسيهما، فقال له علي: ناشدتك الله يا أباعبدالله، هل تذكر يوماً مررنا أنا وأنت برسول الله صلى الله عليه و سلم ويدي في يدك، فقال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم: أ تحبّه ؟ قلت: نعم، يا رسول الله، فقال لك: أما إنّك تقاتله، وأنت له ظالم ؟ فقال الزبير: نعم، أنا ذاكر له.(1)

15777. القاضي عبدالجبّار: روي عنه [أنّ ] عليّاً عليه السلام لمّا تصافّ الفريقان نادي الزبير بن العوّام، وقد خرج في إزار وعمامة متقلّداً بسيف رسول الله علي بغلته دلدل فقيل له: تخرج إليه يا أميرالمؤمنين حاسراً؟ فقال: ليس علىّ منه بأس. فخرج إليه الزبير فقال له: ماحملك يا أباعبدالله علي ما صنعت ؟ قال: الطلب بدم عثمان.

قال: أنت وأصحابك قتلتموه، أنشدك بالّذي أنزل القرآن علي محمّد عليه السلام، أليس النبىّ - صلّي الله عليه - قال لك: أتحبّ عليّاً؟ قلت: وما يمنعني من ذلك وهو بالمكان الّذي علمت ؟ فقال لك: أما والله لتقاتلنّه يوماً في فئة وأنت ظالم له. قال الزبير: اللهمّ نعم.

ثمّ قال له: أ معك نساؤك ؟ قال: لا. قال: فهذا قلّة إنصاف! أ خرجتم حليلة رسول الله وصنتم حلائلكم ؟ - الكلام طويل يذكر له مبايعته طوعاً وغير ذلك -.

قال: فبكي الزبير من ذلك وانصرف، وأتي عائشة فقال: يا امّه، ما شهدت موطناً قطّ

ص:438


1- (1) الأخبار الطوال ص 147, وقعة الجمل.

في جاهليّة ولا إسلام إلّا و لي فيه داع غير هذا الموطن، ما لي فيه بصيرة، وإنّي لعلي باطل. فقالت له: يا أباعبدالله، حددت سيوف ابن أبي طالب وبني المطّلب. وقال له ابنه: لا والله, ما ذلك زهداً منك، ولكن رأيت الموت الأحمر. فلعن ابنه وقال: ما أشأمك من ابن!

ثمّ بعد ذلك انصرف الزبير راجعاً إلي المدينة علي ما حكاه، فقد كانت أحوالهم أحوال من يظهر منه التحيّر، بل أحوال من كان يعلم أنّه مخطئ.(1)

15778. ابن أعثم: وأقبل الأحنف بن قيس في جماعة من قومه إلي علي رضى الله عنه فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ أهل البصرة يقولون بأنّك إن ظفرت بهم غداً قتلت رجالهم وسبيت ذرّيّتهم ونساءهم. فقال له علي: ليس مثلي من يخاف هذا منه؛ لأنّ هذا ما لا يحلّ إلّا ممّن تولّي وكفر، وأهل البصرة قوم مسلمون، وستري كيف يكون أمري وأمرهم! ولكن هل أنت معي فأعلم ؟

فقال الأحنف: يا أميرالمؤمنين، اختر منّي واحدة من يمين، إمّا أن أكون معك مع مئتي رجل من قومي، وإمّا أن أردّ معك أربعة آلاف سيف. فقال علي رضى الله عنه: لا، بل ردّهم عنّي.

فقال الأحنف: أفعل ذلك يا أميرالمؤمنين، ثمّ انصرف....

ثمّ كتب علي إلي طلحة والزبير: أمّا بعد, فقد علمتم أنّي لم ارد الناس حتّي أرادوني، ولم ابايعهم حتّي أكرهوني، وأنتم ممّن أرادوا بيعتي، ولم تبايعوا لسلطان غالب ولا لعرض حاضر، فإن كنتم قد بايعتم مكرهين فقد جعلتم إلىّ السبيل عليكم بإظهاركم الطاعة وكتمانكم المعصية، وأنت يا زبير فارس قريش، وأنت يا طلحة شيخ المهاجرين، ودفعكم هذا الأمر قبل أن تدخلوا فيه كان أوسع لكم من خروجكم منه بعد إقراركم.

وأمّا قولكم: إنّي قتلت عثمان بن عفّان، فبيني وبينكم من تخلّف(2) عنّي وعنكم من

ص:439


1- (1) المغني, الجزء المتمّ العشرين, القسم الثاني, ص 87, فصل في بيان توبة طلحة والزبير وعائشة.
2- (2) في الأصل: «يحلف».

أهل المدينة ثمّ يلزم كلّ امرء بما يحتمل، وهؤلاء بنوعثمان بن عفّان فليقرّوا بطاعتي ثمّ يخاصموا قتلة أبيهم إلىّ ، وبعد فما أنتم وعثمان قتل مظلوماً! كما تقولان, أنتما رجلان من المهاجرين، وقد بايعتموني ونقضتم بيعتي، وأخرجتم امّكم من بيتها الّذي أمرها الله تعالي أن تقرّ فيه، والله حسبكم، والسلام.

ثمّ كتب إلي عائشة: أمّا بعد، فإنّك قدخرجت من بيتك عاصية لله تعالي ولرسوله محمّد صلى الله عليه و سلم تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين المسلمين، فأخبريني ما للنساء وقود العساكر والإصلاح بين الناس ؟! فطلبت زعمت بدم عثمان وعثمان رجل من بني اُميّة وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة، ولعمري أنّ الّذي عرضك للبلاء وحملك علي المعصية لأعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان! وما غضبت حتّي أغضبت، ولا هجت حتّي هيّجت، فاتّقي الله يا عائشة وارجعي إلي منزلك وأسبلي عليك بسترك، والسلام.

وأمّا طلحة والزبير فإنّهم لم يجيبوا عليّاً عن كتابه بشيء لكنّهم بعثوا إليه برسالة أن يا أباالحسن، قد سرت مسيراً له ما بعده، ولست براجع وفي نفسك منه حاجة، ولست راضياً دون أن ندخل في طاعتك، ونحن لا ندخل في طاعتك أبداً، واقض ما أنت قاض، والسلام.

فأنشأ حبيب بن يساف الأنصاري، يقول أبياتاً مطلعها:

أبا حسن أيقظت من كان نائماً وما كلّ ما يدعي إلي الحقّ يسمع

إلي آخره....

ودنا القوم من بعضهم بعضاً، وخرج صبيان أهل البصرة وعبيدهم إلي عبيد أهل الكوفة، وأقبل كعب بن سور إلي عائشة فقال لها: أدركي فقد دنا القوم بعضهم من بعض، وقد أبي القوم إلّا القتال فلعلّ الله - تبارك وتعالي - أن يصلح بك الاُمور.

فأقبلت عائشة علي جملها عسكر في هودجها والناس معها، فلمّا أشرفت علي الناس ونظرت إليهم وإذا بعلي بن أبي طالب رضى الله عنه يردّ الناس ويأمرهم بالكفّ عن الحرب، فرجعت ورجع الناس....

ص:440

فوقف علي رضى الله عنه بين الصفّين، عليه قميص ورداء، وعلي رأسه عمامة سوداء، وهو يومئذ علي بغلة رسول الله صلى الله عليه و سلم الشهباء الّتي يقال لها دلدل، ثمّ نادي بأعلي صوته: أين الزبير بن العوّام ؟ فليخرج إلىّ .

فقال الناس: يا أميرالمؤمنين، أ تخرج إلي الزبير وأنت حاسر وهو مدجّج في الحديد؟ فقال علي رضى الله عنه: ليس علىّ منه بأس. فأمسكوا.

قال: ثمّ نادي الثانية: أين الزبير بن العوّام ؟ فليخرج إلىّ .

فخرج إليه الزبير، ونظرت عائشة فقالت: واثكل أسماء! فقيل لها: يا امّ المؤمنين، ليس علي الزبير بأس، فإنّ عليّاً بلا سلاح.

ودنا الزبير من علي حتّي وافقه(1) ، فقال له علي رضى الله عنه: يا أباعبدالله، ما حملك علي ما صنعت ؟ فقال الزبير: حملني علي ذلك الطلب بدم عثمان!

فقال له علي: أنت وأصحابك قتلتموه فيجب عليك أن تقيد من نفسك، ولكن أنشدك بالله الّذي لا إله إلّا هو, أما تذكر يوماً قال لك رسول الله صلى الله عليه و سلم: يا زبير، أ تحبّ عليّاً؟ فقلت: يا رسول الله، وما يمنعني من حبّه وهو ابن خالي ؟ فقال لك: أما إنّك ستخرج عليه يوماً وأنت ظالم ؟ فقال الزبير: اللهمّ بلي، قد كان ذلك.

قال علي: فأنشدك بالله الّذي أنزل الفرقان, أما تذكر يوماً جاء رسول الله صلى الله عليه و سلم من عند بني عمرو بن عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك، فاستقبلته أنا فسلّم علىّ وضحك في وجهي وضحكت أنا إليه، فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه أبداً! فقال لك النبىّ صلى الله عليه و سلم: مهلاً يا زبير، فليس به زهو، ولتخرجنّ عليه يوماً وأنت ظالم له ؟ فقال الزبير: اللهمّ بلي ولكن أنسيت، فأمّا إذ ذكّرتني ذلك فوالله لأنصرفنّ عنك، ولو ذكرت هذا لما خرجت عليك.(2)

15779. ابن عبد ربّه: قالوا: لمّا قدم علي بن أبي طالب البصرة قال لابن عبّاس:

ص:441


1- (1) كذا في الأصل, وفي سائر الروايات: «واقفه».
2- (2) الفتوح 297/2-310, ذكر تعبئة أهل البصرة للحرب.

ائت الزبير ولا تأت طلحة؛ فإنّ الزبير ألين، وأنت تجد طلحة كالثور عاقصاً بقرنه يركب الصعوبة ويقول: هي أسهل؛ فاقرأه السلام وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق! فما عدا ممّا بدا؟!(1)

15780. ابن الأثير: شهد الزبير الجمل مقاتلاً لعلي فناداه علي ودعاه فانفرد به وقال له: أ تذكر إذ كنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فنظر إلىّ وضحك وضحكت، فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال: ليس بمزه، ولتقاتلنّه وأنت له ظالم ؟ فذكر الزبير ذلك فانصرف عن القتال....(2)

15781. ابن خلّكان: في يوم وقعة الجمل علي البصرة قبل مباشرة الحرب أرسل علي بن أبي طالب رضى الله عنه ابن عمّه عبدالله بن العبّاس - رضي الله عنهما - إلي طلحة والزبير - رضي الله عنهما - برسالة يكفّهما عن الشروع في القتال، ثمّ قال له: لا تلقينّ طلحة فإنّك إن تلقه تجده كالثور عاقصاً أنفه يركب الصعب، ويقول: هو الذلول، ولكن الق الزبير، فإنّه ألين عريكة منه، وقل له: يقول لك ابن خالك: عرفتني بالحجاز، وأنكرتني بالعراق، فما عدا ممّا بدا؟!(3)

15782. ابن أبي الحديد: روي أبومخنف، قال:

لمّا تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي عليه السلام لأصحابه: لا يرمينّ رجل منكم بسهم، ولا يطعن أحدكم فيهم برمح حتّي أحدث إليكم, وحتّي يبدؤوكم بالقتال وبالقتل. فرمي أصحاب الجمل عسكر علي عليه السلام بالنبل رمياً شديداً متتابعاً، فضجّ إليه أصحابه، وقالوا: عقرتنا سهامهم يا أميرالمؤمنين. وجيء برجل إليه، وإنّه لفي فسطاط له صغير، فقيل له: هذا فلان قد قتل. فقال: اللهمّ اشهد. ثمّ قال: أعذروا إلي القوم.

ص:442


1- (1) العقد الفريد 64/5, كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، يوم الجمل.
2- (2) اسد الغابة 199/2، ترجمة الزبير بن العوّام.
3- (3) وفيات الأعيان 8/5، ترجمة ابن المعلّم (681).

فأتي برجل آخر فقيل: وهذا قد قتل. فقال: اللهمّ اشهد، أعذروا إلي القوم.

ثمّ أقبل عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله، يحمل أخاه عبدالرحمان بن بديل، قد أصابه سهم فقتله، فوضعه بين يدي علي عليه السلام وقال: يا أميرالمؤمنين, هذا أخي قد قتل.

فعند ذلك استرجع علي عليه السلام ودعا بدرع رسول الله صلى الله عليه و آله ذات الفضول فلبسها، فتدلّت بطنه فرفعها بيده، وقال لبعض أهله، فحزم وسطه بعمامة، وتقلّد ذا الفقار، ودفع إلي ابنه محمّد راية رسول الله صلى الله عليه و آله السوداء، وتعرف بالعقاب، وقال لحسن وحسين عليه السلام: إنّما دفعت الراية إلي أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله صلى الله عليه و سلم.

قال أبومخنف: وطاف علي عليه السلام علي أصحابه، وهو يقرأ: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ )1 .

ثمّ قال: أفرغ الله علينا وعليكم الصبر، وأعزّ لنا ولكم النصر، وكان لنا ولكم ظهيراً في كلّ أمر.

ثمّ رفع مصحفاً بيده، فقال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إلي ما فيه وله الجنّة ؟ فقام غلام شابّ اسمه مسلم، عليه قباء أبيض، فقال: أنا آخذه. فنظر إليه علي وقال: يا فتي، إن أخذته فإنّ يدك اليمني تقطع، فتأخذه بيدك اليسري فتقطع، ثمّ تضرب بالسيف حتّي تقتل. فقال: لا صبر لي علي ذلك.

فنادي علي ثانية، فقام الغلام، وأعاد عليه القول، وأعاد الغلام القول مراراً, حتّي قال الغلام: أنا آخذه, وهذا الّذي ذكرت في الله قليل. فأخذه وانطلق، فلمّا خالطهم ناداهم: هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فضربه رجل فقطع يده اليمني، فتناوله باليسري, فضربه اخري فقطع اليسري، فاحتضنه فضربوه بأسيافهم حتّي قتل، فقالت امّ ذريح العبديّة في ذلك:

ص:443

يا ربّ إنّ مسلما أتاهم بمصحف أرسله مولاهم

للعدل والإيمان قد دعاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمه ظباهم واُمّهم واقفة تراهم

تأمرهم بالغ

ىّ

لا تناهم

قال أبومخنف: فعند ذلك أمر علي عليه السلام ولده محمّداً أن يحمل الراية، فحمل وحمل معه الناس، واستحرّ القتل في الفريقين وقامت الحرب علي ساق.(1)

15783. ابن أبي الحديد: برز علي عليه السلام يوم الجمل ونادي بالزبير: يا أباعبدالله - مراراً -. فخرج الزبير، فتقاربا حتّي اختلفت أعناق خيلهما، فقال له علي عليه السلام: إنّما دعوتك لاُذكّرك حديثاً قاله لي ولك رسول الله - صلّي الله عليه -، أ تذكر يوم رآك وأنت معتنقي، فقال لك: أ تحبّه ؟ قلت: وما لي لا احبّه وهو أخي وابن خالي. فقال: أما إنّك ستحاربه وأنت ظالم له ؟

فاسترجع الزبير، وقال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر. ورجع إلي صفوفه، فقال له عبدالله ابنه: لقد رجعت إلينا بغير الوجه الّذي فارقتنا به ؟! فقال: أذكرني علي حديثاً أنسانيه الدهر فلا احاربه أبداً، وإنّي لراجع وتارككم منذ اليوم.

فقال له عبدالله: ما أراك إلّا جبنت عن سيوف بني عبدالمطّلب، إنّها لسيوف حداد، تحملها فتية أنجاد.

فقال الزبير: ويلك! أ تهيجني علي حربه ؟ أما إنّي قد حلفت إلّا احاربه. قال: كفّر عن يمينك, لا تتحدّث نساء قريش أنّك جبنت، وما كنت جباناً.

فقال الزبير: غلامي مكحول حرّ كفّارة عن يميني. ثمّ أنصل سنان رمحه، وحمل علي عسكر علي عليه السلام برمح لا سنان له، فقال علي عليه السلام: أفرجوا له، فإنّه محرج. ثمّ عاد إلي أصحابه، ثمّ حمل ثانية، ثمّ ثالثة، ثمّ قال لابنه: أ جبناً ويلك تري! فقال: لقد أعذرت.

ص:444


1- (1) شرح نهج البلاغة 111/9-112، شرح الكلام 148.

لمّا أذكر علي عليه السلام الزبير بما أذكره به ورجع الزبير قال:

نادي علي بأمر لست أنكره وكان عمر أبيك الخير مذ حين

فقلت حسبك من عذل أباحسن بعض الّذي قلت منذ اليوم يكفيني

ترك الاُمور الّتي تخشي مغبّتها والله أمثل في الدنيا وفي الدين

فاخترت عاراً علي نار مؤجّجة أنّي يقوم لها خلق من الطين

[و] لمّا خرج علي عليه السلام لطلب الزبير خرج حاسراً، وخرج إليه الزبير دارعاً مدجّجاً، فقال للزبير: يا أباعبدالله، قد لعمري أعددت سلاحاً، وحبّذا فهل أعددت عند الله عذراً؟ فقال الزبير: إنّ مردّنا إلي الله. قال علي عليه السلام: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ )1 ، ثمّ أذكره الخبر.

فلمّا كرّ الزبير راجعاً إلي أصحابه نادماً واجماً رجع علي عليه السلام إلي أصحابه جذلاً مسروراً، فقال له أصحابه: يا أميرالمؤمنين، تبرز إلي الزبير حاسراً، وهو شاك في السلاح، وأنت تعرف شجاعته!؟ قال: إنّه ليس بقاتلي، إنّما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب، غيلة في غير مأقط حرب، ولا معركة رجال، ويلمّه أشقي البشر! ليودّنّ أنّه امّه هبلت به! أما إنّه وأحمر ثمود لمقرونان في قرن.(1)

15784. ابن طلحة: فلمّا رحل من المدينة طالباً إلي البصرة وقرب منها كتب إلي طلحة والزبير يقول: أمّا بعد، فقد علمتما أنّي لم ارد الناس حتّي أرادوني، ولم ابايعهم حتّي أكرهوني، وأنتما ممّن أرادوا بيعتي وبايعوا، ولم تبايعا لسلطان غالب ولا لغرض حاضر، فإن كنتما بايعتما طائعين فتوبا إلي الله تعالي عمّا أنتما عليه، وإن كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما السبيل عليكما بإظهاركما الطاعة وكتمانكما المعصية، وأنت يا زبير فارس قريش، وأنت يا طلحة شيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا

ص:445


1- (2) شرح نهج البلاغة 233/1-235، شرح الكلام 8.

فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما به.

وأمّا قولكما: إنّني قتلت عثمان بن عفّان، فبيني وبينكما من تخلّف عنّي وعنكما من أهل المدينة ثمّ يلزم كلّ امرئ بقدر ما احتمل، وهؤلاء بنوعثمان إن قتل مظلوماً كما تقولان أولياؤه، وأنتما رجلان من المهاجرين وقد بايعتماني ونقضتما بيعتي، وأخرجتما امّكما من بيتها الّذي أمرها الله - عزّ وجلّ - أن تقرّ فيه، والله حسبكما، والسلام.

وكتب عليه السلام إلي عائشة: أمّا بعد، فإنّك خرجت من بيتك عاصية لله تعالي ولرسوله تطلبين أمراً كان عنك موضوعاً، ثمّ تزعمين أنّك تريدين الإصلاح بين الناس، فخبّريني ما للنساء وقود العسكر؟ وزعمت أنّك طالبة بدم عثمان وعثمان رجل من بني اُميّة وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة! ولعمري إنّ الّذي عرضك للبلاء وحملك علي المعصية لأعظم إليك ذنباً من قتلة عثمان، وما غضبت حتّي أغضبت، ولا هجت حتّي هيّجت، فاتّقي الله يا عائشة وارجعي إلي منزلك، وأسبلي عليك سترك، والسلام.

فجاء الجواب إليه: يا ابن أبي طالب، جلّ الأمر عن العتاب، ولن ندخل في طاعتك أبداً، فاقض ما أنت قاض، والسلام.(1)

15785. ابن الصبّاغ: ثمّ إنّ عليّاً رضى الله عنه كتب من الربذة إلي طلحة والزبير يقول لهما: أمّا بعد، يا طلحة ويا زبير، فقد علمتما أنّي لم ارد الناس حتّي أرادوني، ولم ابايعهم حتّي أكرهوني، وأنتما أوّل ما بادر إلي بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر بسلطان غالب ولا لعرض حاضر، وأنت يا زبير ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ورفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه، ألا [إنّ ] هؤلاء بنوعثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين, وقد أخرجتما امّكما من بيتها الّتي أمرها الله تعالي أن تقرّ فيه، والله حسبكما، والسلام.

وكتب إلي عائشة: أمّا بعد، خرجت من بيتك تطلبين أمراً كان منك موضوعاً، ثمّ

ص:446


1- (1) مطالب السؤول 178/1-179, الباب الأوّل, الفصل الثامن, في شجاعته وجهاده ومواقفه.

تزعمين أنّك لن تريدين إلّا الإصلاح بين الناس، فخبّريني ما للنساء(1) وقود العسكر؟ وزعمت أنّك مطالبة بدم عثمان، وعثمان من بني اُميّة وأنت امرأة من بني تيم بن مرّة! لعمري إنّ الّذي أخرجك لهذا الأمر وحملك عليه لأعظم ذنباً إليك من كلّ أحد، فاتّق الله يا عائشة وارجعي إلي منزلك, وأسبلي عليك سترك، والسلام.

فرجع الجواب: يا ابن أبي طالب، جلّ الأمر عن العتاب، وضاق الوقت عن الجواب.(2)

2. ما يرتبط بحرب الصفّين

برواية:

1. عبدالملك بن أبي حرّة - 3. ما ورد مرسلاً

2. المحلّ بن خليفة الطائي -

1. عبدالملك بن أبي حرّة

15786. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني عبدالملك بن أبي حرّة الحنفي، أنّ عليّاً قال:

هذا يوم نصرتم فيه بالحميّة. وجاء الناس حتّي أتوا عسكرهم، فمكث علي يومين لا يرسل إلي معاوية أحداً، ولا يرسل إليه معاوية.

ثمّ إنّ عليّاً دعا بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري وسعيد بن قيس الهمداني وشبث بن ربعي التميمي فقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلي الله وإلي الطاعة والجماعة. فقال له شبث بن ربعي: يا أميرالمؤمنين، ألا تطمعه في سلطان تولّيه إيّاه، ومنزلة يكون له بها اثرة عندك إن هو بايعك ؟ فقال علي: ائتوه فالقوه واحتجّوا عليه، وانظروا ما رأيه ؟ - وهذا في أوّل ذي الحجّة - فأتوه، ودخلوا عليه، فحمد الله وأثني عليه أبوعمرة بشير بن عمرو وقال: يا معاوية، إنّ الدنيا عنك زائلة، وإنّك راجع إلي الآخرة، وإنّ الله

ص:447


1- (1) هذا هو الظاهر الموافق لسائر الروايات, وفي الأصل: «النساء».
2- (2) الفصول المهمّة 386/1-388, الفصل الأوّل, فصل في ذكر شيء من شجاعته عليه السلام.

- عزّ وجلّ - محاسبك بعملك، وجازيك بما قدّمت يداك، وإنّي أنشدك الله - عزّ وجلّ - أن تفرّق جماعة هذه الاُمّة، وأن تسفك دماءها بينها!

فقطع عليه الكلام، وقال: هلّا أوصيت بذلك صاحبك ؟ فقال أبوعمرة: إنّ صاحبي ليس مثلك، صاحبي أحقّ البريّة كلّها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام، والقرابة من الرسول صلى الله عليه و سلم.

قال: فيقول ماذا؟ قال: يأمرك بتقوي الله - عزّ وجلّ -، وإجابة ابن عمّك إلي ما يدعوك إليه من الحقّ ، فإنّه أسلم لك في دنياك، وخير لك في عاقبة أمرك.

قال معاوية: ونطلّ دم عثمان رضى الله عنه! لا والله لا أفعل ذلك أبداً.

فذهب سعيد بن قيس يتكلّم، فبادره شبث بن ربعي، فتكلّم فحمد الله وأثني عليه، وقال: يا معاوية، إنّي قد فهمت ما رددت علي ابن محصن، إنّه والله لا يخفي علينا ما تغزو وما تطلب, إنّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس وتستميل به أهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، إلّا قولك: قتل إمامكم مظلوماً، فنحن نطلب بدمه. فاستجاب له سفهاء طغام، وقد علمنا أن قد أبطأت عنه بالنصر، وأحببت له القتل، لهذه المنزلة الّتي أصبحت تطلب، وربّ متمنّي أمر وطالبه الله - عزّ وجلّ - يحول دونه بقدرته، وربّما اوتي المتمنّي امنيّته وفوق امنيّته، ووالله ما لك في واحدة منهما خير، لئن أخطأت ما ترجو إنّك لشرّ العرب حالاً في ذلك، ولئن أصبت ما تمنّي لا تصيبه حتّي تستحقّ من ربّك صُِلىّ النار، فاتّق الله يا معاوية، ودع ما أنت عليه، ولا تنازع الأمر أهله.(1)

2. المحلّ بن خليفة

15787. الطبري: ذكر هشام بن محمّد، عن أبي مخنف الأزدي، قال: حدّثني سعد أبوالمجاهد الطائي، عن المحلّ بن خليفة الطائي، قال:

لمّا توادع علي ومعاوية يوم صفّين اختلف في ما بينهما الرسل رجاء الصلح، فبعث

ص:448


1- (1) تاريخ الطبري 573/4-574، حوادث سنة ستّ وثلاثين, دعاء علي معاوية إلي الطاعة والجماعة.

علي عدىّ بن حاتم ويزيد بن قيس الأرحبي وشبث بن ربعي وزياد بن خصفة إلي معاوية، فلمّا دخلوا حمد الله عدىّ بن حاتم، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّا أتيناك ندعوك إلي أمر يجمع الله - عزّ وجلّ - به كلمتنا واُمّتنا، ويحقن به الدماء، ويؤمّن به السبل، ويصلح به ذات البين، إنّ ابن عمّك سيّد المسلمين أفضلها سابقة، وأحسنها في الإسلام أثراً، وقد استجمع له الناس، وقد أرشدهم الله - عزّ وجلّ - بالّذي رأوا، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك، فانته يا معاوية لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل.

فقال معاوية: كأنّك إنّما جئت متهدّداً، لم تأت مصلحاً! هيهات يا عدىّ ، كلّا والله إنّي لابن حرب، ما يقعقع لي بالشنآن، أما والله إنّك لمن المجلبين علي ابن عفّان رضى الله عنه، وإنّك لمن قتلته، وإنّي لأرجو أن تكون ممّن يقتل الله - عزّ وجلّ - به، هيهات يا عدىّ بن حاتم! قد حلبت بالساعد الأشدّ.

فقال له شبث بن ربعي وزياد بن خصفة - وتنازعا جواباً واحداً -: أتيناك فيما يصلحنا وإيّاك، فأقبلت تضرب لنا الأمثال! دع ما لا ينتفع به من القول والفعل، وأجبنا فيما يعمّنا وإيّاك نفعه.

وتكلّم يزيد بن قيس، فقال: إنّا لم نأتك إلّا لنبلّغك ما بعثنا به إليك، ولنؤدّي عنك ما سمعنا منك، ونحن علي ذلك لم ندع أن ننصح لك، وأن نذكر ما ظننّا أنّ لنا عليك به حجّة، وأنّك راجع به إلي الاُلفة والجماعة، إنّ صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله، ولا أظنّه يخفي عليك؛ إنّ أهل الدين والفضل لن يعدلوا بعلي، ولن يميّلوا بينك وبينه، فاتّق الله يا معاوية، ولا تخالف عليّاً، فإنّا والله ما رأينا رجلاً قطّ أعمل بالتقوي، ولا أزهد في الدنيا، ولا أجمع لخصال الخير كلّها منه.(1)

3. ما ورد مرسلاً

15788. الطبري: قال [أبومخنف]: ومكث الناس حتّي إذا دنا انسلاخ المحرّم أمر

ص:449


1- (1) تاريخ الطبري 5/5-6، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان فيها من الأحداث.

علي مرثد بن الحارث الجشمي فنادي أهل الشام عند غروب الشمس: ألا إنّ أميرالمؤمنين يقول لكم: إنّي قد استدمتكم لتراجعوا الحقّ وتنيبوا إليه، واحتججت عليكم بكتاب الله - عزّ وجلّ -، فدعوتكم إليه، فلم تناهوا عن طغيان، ولم تجيبوا إلي حقّ ، وإنّي قد نبذت إليكم علي سواء, (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ )1 .

ففزع أهل الشام إلي امرائهم ورؤسائهم، وخرج معاوية وعمرو بن العاص في الناس يكتّبان الكتائب ويعبّئان الناس، وأوقدوا النيران، وبات علي ليلته كلّها يعبّئ الناس، ويكتّب الكتائب، ويدور في الناس يحرّضهم.(1)

15789. البلاذري: قال أبومخنف وعوانة وغيرهما:

مكث علي ومعاوية في عسكريهما يومين لا يرسل أحدهما إلي صاحبه، ثمّ إنّ عليّاً دعا سعيد بن قيس الهمداني وبشير بن عمرو بن محصن أبا عمرة الأنصاري من بني النجّار وشبث بن ربعي الرياحي من بني تميم وعدىّ بن حاتم الطائي ويزيد بن قيس وزياد بن خصفة، فقال: ائتوا هذا الرجل وادعوه إلي الله وكتابه، وإلي الجماعة والطاعة. ففعلوا، فقال: وأنا أدعو صاحبكم إلي أن يسلم من قبله من قتلة عثمان إلىّ لأقتلهم به، ثمّ يعتزل الأمر حتّي يكون شوري....(2)

15790. القاضي عبدالجبّار: قد علمنا أنّ أميرالمؤمنين التزم قتال أهل الشام لدفع الضرر عن الدين والدنيا جميعاً؛ لأنّه علم أنّ تركهم علي ماهم عليه مع تجويز تفاقم أمرهم يؤدّي إلي بطلان الإمامة وما يتّصل بها من السياسة، ويوجب وهنة في الدين لا يعرف غورها وقدر الضرورة فيها، فلزمه إزالتهم عمّا هم عليه، فلذلك كان عليه السلام لا يقاتل إلّا عند الضرورة، ويبدأهم بالنصيحة والدعاء إلي الصلاح والاستقامة، فإذا رأي منهم

ص:450


1- (2) تاريخ الطبري 10/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال.
2- (3) أنساب الأشراف 84/3، أمر صفّين.

الاستمرار والإصرار وغلب في ظنّه أنّ إزالتهم لا يمكن إلّا بطريق المحاربة يقدم عليه، وذلك من سيرته معروف؛ لأنّه كان ربّما يعدل عن القتل والقتال عند ضرب من الاحتياط في الدين، وإن كان القتل أقرب إلي حسم ما يخاف من الفتنة، والمحكّي عنه عليه السلام أنّه كان لا يبدؤهم بقتال ولا يحاربهم بل يتأنّي بهم، فلمّا كان يوم صفّين أنظرهم وجري معهم علي طريقته؛ ثمّ نادي في أهل الشام: قد توقّفت لتراجعوا الحقّ وتنيبوا إلي الله، واحتججت بكتاب الله ودعوتهم إليه فلم يتناهوا، ألا وإنّي قد نبذت إليكم إلي سواء, (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ )1 .(1)

15791. ابن أعثم: فلمّا انقضي شهر المحرّم وأهلّ هلال صفر بعث علي رجلاً من أصحابه يقال له مرثد بن الحارث، حتّي وقف قريباً من عسكر معاوية، ثمّ نادي بأعلي صوته عند غروب الشمس: يا أهل الشام، إنّ أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب يقول لكم: إنّا قد كففنا عنكم في هذا الشهر الحرام فلم تكفّوا عنّا، ووالله ما كففنا عنكم شكّاً في أمركم، ولا جبناً عنكم، وإنّما كففنا لخروج هذا الشهر المحرّم لترجعوا إلي الحقّ ، واحتججنا عليكم بكتاب الله - عزّ وجلّ - ودعوناكم، فلم تنتهوا عن الطغيان، والظلم والعدوان، والكذب والبهتان، ولم تجيبوا إلي حقّ ولا برهان، فإنّا قد أنذرناكم علي سواء, (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ ) .(2)

3. ما يرتبط بحرب النهروان

برواية:

1. البراء بن عازب - 4. أبي سلمة الزهري

2. حميد بن هلال عن رجل - 5. عبدالله بن شدّاد بن الهاد

3. زيد بن وهب - 6. المراسيل والأقوال

ص:451


1- (2) المغني, الجزء المتمّ العشرين, القسم الثاني, ص 97-98, فصل في الكلام علي الخوارج.
2- (3) الفتوح 31/3، ذكر الوقعة الثانية بصفّين.
1. البراء بن عازب

15792. الصوّاف: حدّثنا أبويعقوب إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي، حدّثنا أبوغسّان، حدّثنا زياد البكائي، حدّثنا مطرف بن طريف، عن سليمان بن الجهم أبي الجهم مولي البراء بن عازب، عن البراء بن عازب، قال:

بعثني علي رضى الله عنه إلي الخوارج فدعوتهم ثلاثاً قبل أن نقاتلهم.(1)

2. حميد بن هلال عن رجل من عبدالقيس

15793. ابن علية: عن أيّوب، عن حميد بن هلال, عن رجل من عبدالقيس كان مع الخوارج ثمّ فارقهم:

أنّهم دخلوا قرية فخرج عبدالله بن خبّاب مذعوراً، فقالوا له: أنت ابن صاحب رسول الله فهل سمعت من أبيك عن رسول الله حديثاً؟ قال: نعم، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والماشي خير من الساعي، فإذا أدركت ذلك فكن عبدالله المقتول ولاتكن عبدالله القاتل. قالوا: أنت سمعت هذا من أبيك عن رسول الله ؟ قال: نعم. فقدّموه فقتلوه، فسال دمه حتّي كأنّه شراك نعل قد امذقرّ في الماء، وبقروا بطن امّ ولده!

وأتي علي المدائن وقد قدمها قيس بن سعد بن عبادة، وكان علي قدّمه إليها، ثمّ أتي علي النهروان فبعث إلي الخوارج أن أسلموا لنا قتلة ابن خبّاب ورسولي والنسوة لأقتلهم ثمّ أنا تارككم إلي فراغي من أمر أهل المغرب فلعلّ الله يقبل بقلوبكم ويردّكم إلي ما هو خير لكم وأملك بكم.

فبعثوا إليه أنّه ليس بيننا وبينك إلّا السيف إلّا أن تقرّ بالكفر وتتوب كما تبنا.

فقال علي: أ بعد جهادي مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وإيماني أشهد علي نفسي بالكفر؟ ل - (قَدْ

ص:452


1- (1) عنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 179/8، كتاب قتال أهل البغي، باب لا يبدأ الخوارج بالقتال, والسنن الصغري 295/3(3387).

ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )1 ، ثمّ قال:

يا شاهد الله علىّ فاشهد آمنت بالله ولىّ أحمد

من شكّ في الله فإنّي مهتد

وكتب إليهم: أمّا بعد، فإنّي اذكّركم أن تكونوا من الّذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً بعد أن أخذ الله ميثاقكم علي الجماعة، وألّف بين قلوبكم علي الطاعة، وأن تَكُونُوا (وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ )2 . ودعاهم إلي تقوي الله والبرّ ومراجعة الحقّ .

فكتب إليه ابن وهب الراسبي: (إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ )3 ، إنّ الله بعث محمّداً بالحقّ وتكفّل له بالنصر كما بلّغ رسالاته، ثمّ توفّاه إلي رحمته، وقام بالأمر بعده أبوبكر بما قد شهدته وعاينته متمسّكاً بدين الله مؤثراً لرضاه حتّي أتاه أمر ربّه، فاستخلف عمر، فكان من سيرته ما أنت عالم به، لم تأخذه في الله لومة لائم، ختم الله له بالشهادة، وكان من أمر عثمان ما كان حتّي سار إليه قوم قتلوه لمّا آثر الهوي وغيّر حكم الله، ثمّ استخلفك الله علي عباده فبايعك المؤمنون وكنت لذلك عندهم أهلاً، لقرابتك بالرسول، وقدمك في الإسلام، ووردت صفّين غير مداهن ولا وان، مبتذلاً نفسك في مرضاة ربّك, فلمّا حميت الحرب وذهب الصالحون: عمّار بن ياسر وأبوالهيثم بن التيّهان وأشباههم اشتمل عليك من لا فقه له في الدين ولا رغبة في الجهاد مثل الأشعث بن قيس وأصحابه واستنزلوك حتّي ركنت إلي الدنيا، حين رفعت لك المصاحف مكيدة فتسارع إليهم الّذين استنزلوك، وكانت منّا في ذلك هفوة ثمّ تداركنا الله منه برحمته، فحكّمت في كتاب الله وفي نفسك، فكنت في شكّ من دينك وضلال عدوّك وبغيه عليك، كلّا والله يا ابن أبي طالب، ولكنّكم (ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ

ص:453

قَوْماً بُوراً)1 ، وقلت: لي قرابة من الرسول وسابقة في الدين فلا يعدل الناس بي معاوية، فالآن فتب إلي الله وأقرّ بذنبك، فإن تفعل نكن يدك علي عدوّك، وإن أبيت ذلك فالله يحكم بيننا وبينك.

قالوا: وخرج إليهم قيس بن سعد بن عبادة فناداهم فقال: يا عباد الله، اخرجوا إلينا طلبتنا وانهضوا إلي عدوّكم وعدوّنا معاً. فقال له عبدالله بن شجرة السلمي: إنّ الحقّ قد أضاء لنا فلسنا متابعيكم أبداً أو تأتونا بمثل عمر. فقال: والله ما نعلم علي الأرض مثل عمر إلّا أن يكون صاحبنا.

وقال لهم علي: يا قوم، إنّه قد غلب عليكم اللجاج والمراء واتّبعتم أهواءكم فطمح بكم تزيين الشيطان لكم وأنا انذركم أن تصبحوا صرعي بأهضام هذا الغائط وأثناء هذا النهر.

فلم يزل يعظهم ويدعهم, فلمّا لم ير عندهم انقياداً - وكان في أربعة عشر ألفاً - عبّأ الناس فجعل علي ميمنته حجر بن عدي الكندي، وعلي ميسرته شبث بن ربعي، وعلي الخيل أباأيّوب خالد بن زيد الأنصاري، وعلي الرجال أباقتادة الأنصاري - واسمه النعمان بن ربعي بن بلدمة الخزرجي -, وعلي أهل المدينة وهم سبعمئة - أو ثمانمئة - قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري.

ثمّ بسط لهم علي الأمان ودعاهم إلي الطاعة، فقال فروة بن نوفل الأشجعي: والله ما ندري علي ما نقاتل عليّاً؟ فانصرف في خمسمئة فارس حتّي نزل البندنيجين والدسكرة، وخرجت طائفة منهم اخري متفرّقين إلي الكوفة، وأتي مسعر بن فدكي التميمي راية أبي أيّوب الأنصاري في ألف، واعتزل عبدالله بن الحوساء - ويقال ابن أبي الحوساء - الطائي في ثلاثمئة، وخرج إلي علي منهم ثلاثمئة فأقاموا معه، وكانوا أربعة آلاف فارس ومعهم خلق من الرجّالة, واعتزل حوثرة بن وداع في ثلاثمئة، واعتزل أبومريم السعدي في مئتين؛ واعتزل غيرهم حتّي صار مع ابن وهب الراسبي ألف وثمانمئة فارس ورجّالة يقال: إنّهم ألف وخمسمئة.

ص:454

وقال علي لأصحابه: كفّوا عنهم حتّي يبدؤوكم. ونادي جمرة بن سنان: روحوا إلي الجنّة. فقال ابن وهب: والله ما ندري أ نروح إلي الجنّة أم إلي النار؟....(1)

3. زيد بن وهب

15794. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني مالك بن أعين، عن زيد بن وهب:

أنّ عليّاً أتي أهل النهر فوقف عليهم فقال: أيّتها العصابة الّتي أخرجتها عداوة المراء واللجاجة، وصدّها عن الحقّ الهوي، وطمح بها النزق، وأصبحت في اللبس والخطب العظيم، إنّي نذير لكم أن تصبحوا تلفيكم الاُمّة غداً صرعي بأثناء هذا النهر، وبأهضام هذا الغائط ، بغير بيّنة من ربّكم، ولا برهان بيّن.

أ لم تعلموا أنّي نهيتكم عن الحكومة، وأخبرتكم أنّ طلب القوم إيّاها منكم دهن ومكيدة لكم ؟ ونبّأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنّي أعرف بهم منكم، عرفتهم أطفالاً ورجالاً، فهم أهل المكر والغدر، وأنّكم إن فارقتم رأيي جانبتم الحزم, فعصيتموني حتّي أقررت بأن حكّمت، فلمّا فعلت شرطت واستوثقت، فأخذت علي الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنّة، فنبذنا أمرهما، ونحن علي أمرنا الأوّل، فما الّذي بكم ؟ ومن أين أتيتم ؟

قالوا: إنّا حكّمنا، فلمّا حكّمنا أثمنا، وكنّا بذلك كافرين، وقد تبنا, فإن تبت كما تبنا فنحن منك ومعك، وإن أبيت فاعتزلنا فإنّا منابذوك علي سواء، (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ )2 .

فقال علي: أصابكم حاصب، ولا بقي منكم وابر، أ بعد إيماني برسول الله صلى الله عليه و سلم وهجرتي معه, وجهادي في سبيل الله, أشهد علي نفسي بالكفر؟! ل - (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا

ص:455


1- (1) عنه البلاذري بإسناده إليه في أنساب الأشراف 143/3-146، أمر وقعة النهروان.

مِنَ الْمُهْتَدِينَ )1 . ثمّ انصرف عنهم.(1)

4. أبوسلمة الزهري

15795. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني أبوسلمة الزهري - وكانت امّه بنت أنس بن مالك -:

أنّ عليّاً قال لأهل النهر: يا هؤلاء، إنّ أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة الّتي أنتم ابتدأتموها وسألتموها وأنا لها كاره، وأنبأتكم أنّ القوم سألوكموها مكيدة ودهناً، فأبيتم علىّ إباء المخالفين، وعدلتم عنّي عدول النكداء العاصين، حتّي صرفت رأيي إلي رأيكم، وأنتم والله معاشر أخفّاء الهام، سفهاء الأحلام، فلم آت - لا أباً لكم - حراماً، والله ما خبلتكم عن اموركم، ولا أخفيت شيئاً من هذا الأمر عنكم، ولا أوطأتكم عشوة، ولا دنّيت لكم الضرّاء، وإن كان أمرنا لأمر المسلمين ظاهراً, فأجمع رأي ملئكم علي أن اختاروا رجلين، فأخذنا عليهما أن يحكما بما في القرآن ولا يعدواه، فتاها وتركا الحقّ وهما يبصرانه، وكان الجور هواهما، وقد سبق استيثاقنا عليهما في الحكم بالعدل، والصدّ للحقّ سوء رأيهما، وجور حكمهما، والثقة في أيدينا لأنفسنا حين خالفا سبيل الحقّ ، وأتيا بما لا يعرف، فبيّنوا لنا بماذا تستحلّون قتالنا، والخروج من جماعتنا؟ إن اختار الناس رجلين أن تضعوا أسيافكم علي عواتقكم، ثمّ تستعرضوا الناس تضربون رقابهم، وتسفكون دماءهم! إنّ هذا لهو الخسران المبين، والله لو قتلتم علي هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها، فكيف بالنفس الّتي قتلها عند الله حرام ؟!(2)

ص:456


1- (2) تاريخ الطبري 84/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج. وانظر: خطبته عليه السلام في هذا المجال في أخبار الموفقيّات ص 325-326(181)، وتذكرة الخواصّ 433/1-434, الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 265/2, الخطبة 36, وص 283, شرح الخطبة 36.
2- (3) تاريخ الطبري 84/5-85، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
5. عبدالله بن شدّاد بن الهاد

15796. الحاكم: حدّثنا علي بن حمشاذ، حدّثنا هشام بن علي السدوسي، حدّثنا محمّد بن كثير العبدي، حدّثنا يحيي بن سليم وعبدالله بن واقد، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد، قال:

قدمت علي عائشة - رضي الله عنها - فبينا نحن عندها جلوس مرجعها من العراق ليالي قوتل علي رضى الله عنه إذ قالت: يا عبدالله بن شدّاد، هل أنت صادقي عمّا أسألك عنه ؟ حدّثني عن هؤلاء القوم الّذين قتلهم علي. قلت: وما لي لا أصدقك ؟

قالت: فحدّثني عن قصّتهم. قلت: إنّ عليّاً لمّا كاتب معاوية وحكم الحكمان خرج عليه ثمانية آلاف من قرّاء الناس فنزلوا أرضاً من جانب الكوفة يقال لها حروراء، وأنّهم أنكروا عليه، فقالوا: انسلخت من قميص ألبسكه الله وأسماك به، ثمّ انطلقت فحكّمت في دين الله، ولا حكم إلّا لله.

فلمّا أن بلغ عليّاً ما عتبوا عليه وفارقوه أمر فأذّن مؤذّن: لا يدخلنّ علي أميرالمؤمنين إلّا رجل قد حمل القرآن. فلمّا أن امتلأ من القرّاء دعا بمصحف عظيم فوضعه علي رضى الله عنه بين يديه فطفق يصكّه بيده ويقول: أيّها المصحف، حدّث الناس.

فناداه الناس، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، ما تسأله عنه ؟ إنّما هو ورق ومداد، ونحن نتكلّم بما رأينا منه، فماذا تريد؟ قال: أصحابكم الّذين خرجوا بيني وبينهم كتاب الله, يقول الله - عزّ وجلّ - في امرأة ورجل: (وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ )1 , فاُمّة محمّد صلى الله عليه و سلم أعظم حرمة من امرأة ورجل، ونقموا علىّ أنّي كاتبت معاوية وكتبت علي بن أبي طالب، وقد جاء سهيل بن عمرو ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديبيّة حين صالح قومه قريشاً، فكتب رسول الله صلى الله عليه و سلم: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا تكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.

ص:457

قال: فكيف أكتب ؟ قال: اكتب: باسمك اللهمّ . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: اكتب.

ثمّ قال: اكتب: من محمّد رسول الله. فقال: لو نعلم أنّك رسول الله لم نخالفك. فكتب: هذا ما صالح عليه محمّد بن عبدالله قريشاً، يقول الله في كتابه: (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ)1 ، فبعثه إليهم علي بن أبي طالب رضى الله عنه, فخرجت معه حتّي إذا توسّطنا عسكرهم قام ابن الكوّاء فخطب الناس فقال: يا حملة القرآن, إنّ هذا عبدالله بن عبّاس فمن لم يكن يعرفه فأنا أعرفه من كتاب الله، هذا من نزل فيه وفي قومه: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )2 ، فردّوه إلي صاحبه. ولا تواضعوه كتاب الله.

قال: فقام خطباؤهم فقالوا: والله لنواضعنّه كتاب الله, فإذا جاء بالحقّ نعرفه استطعناه, ولئن جاء بالباطل لنبكتنّه بباطله، ولنردنّه إلي صاحبه. فواضعوه علي كتاب الله ثلاثة أيّام.

فرجع منهم أربعة آلاف، كلّهم تائب، بينهم ابن الكوّاء حتّي أدخلهم علي علي رضى الله عنه، فبعث علي إلي بقيّتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتّي تجتمع امّة محمّد صلى الله عليه و سلم، وتنزلوا حيث شئتم، بيننا وبينكم أن نقيكم رماحنا ما لم تقطعوا سبيلاً، وتطيلوا دماً، فإنّكم إن فعلتم ذلك فقد نبذنا إليكم الحرب علي سواء, (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ )3 .

فقالت له عائشة - رضي الله عنها -: يا ابن شدّاد، فقد قتلهم. فقال: والله ما بعث إليهم حتّي قطعوا السبيل، وسفكوا الدماء بغير حقّ الله، وقتلوا ابن خبّاب، واستحلّوا أهل الذمّة.

فقالت: آلله. قلت: آلله الّذي لا إله إلّا هو.

قالت: فما شيء بلغني عن أهل العراق يتحدّثون به، يقولون: ذوالثدي، ذوالثدي ؟!

ص:458

فقلت: قد رأيته ووقفت عليه مع علي رضى الله عنه في القتلي, فدعا الناس فقال: هل تعرفون هذا؟ فكان أكثر من جاء يقول: قد رأيته في مسجد بني فلان يصلّي، ورأيته في مسجد بني فلان يصلّي. فلم يأت بثبت يعرف إلّا ذلك.

قالت: فما قول علي حين قام عليه كما يزعم أهل العراق ؟ قلت: سمعته يقول: صدق الله ورسوله.

قالت: فهل سمعت أنت منه قال غير ذلك ؟ قلت: اللهمّ لا.

قالت: أجل، صدق الله ورسوله، [يرحم الله عليّاً إنّه من كلامه، كان لا يري شيئاً يعجبه إلّا قال: صدق الله ورسوله].(1)

15797. السلمي: أنبأ أبوالحسين بن عبدة السليطي، حدّثنا أبومحمّد أحمد بن إبراهيم بن عبدالله، حدّثنا إبراهيم بن محمّد الشافعي، قال: عرض علىّ مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن خثيم، عن ابن عبدالله بن عياض، عن عبدالله بن شدّاد بن الهاد أنّه دخل علي عائشة - رضي الله عنها - ونحن عندها مرجعة من العراق ليالي قتل علي رضى الله عنه، فذكر الحديث بنحوه.(2)

6. المراسيل والأقوال

15798. الإسكافي: ذكروا أنّ علي بن أبي طالب رضى الله عنه خرج إلي الخوارج فأتي فسطاط يزيد بن قيس فدخله فتوضّأ فيه وصلّي ركعتين، ثمّ خرج حتّي انتهي إليهم وهم يخاصمون ابن عبّاس، فقال علي لابن عبّاس: انته عن كلامهم؛ أ لم أنهك رحمك الله ؟

ثمّ تكلّم علي فحمد الله وأثني عليه ثمّ قال: إنّ هذا مقام من فتح الله له فيه كان أولي بالفتح يوم القيامة، ومن نطف فيه وأوعب فهو في الآخرة أعمي وأضلّ سبيلاً.

ص:459


1- (1) المستدرك 152/2-154(2657), وعنه البيهقي في السنن الكبري 179/8-180، كتاب قتال أهل البغي، باب لا يبدأ الخوارج بالقتال, وما بين المعقوفين في آخر الحديث منه.
2- (2) عنه البيهقي في السنن الكبري 180/8, كتاب قتال أهل البغي, باب لا يبدأ الخوارج بالقتال.

ثمّ قال لهم: من زعيمكم ؟ قالوا: ابن الكوّاء.

قال علي: فما أخرجكم من حكمنا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفّين.

قال: نشدتكم بالله، أ تعلمون أنّهم حيث رفعوا المصاحف فقلتم: نجيبهم إلي كتاب الله. قلت لكم: إنّي أعلم بالقوم منكم، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، فإنّي قد صحبتهم وعرفتهم أطفالاً ورجالاً فكانوا شرّ أطفال وشرّ رجال، امضوا علي حقّكم وصدقكم، فإنّما رفع القوم لكم هذه المصاحف خديعة ووهناً ومكيدة. فرددتم علىّ رأيي وقلتم: لا بل نقبل منهم. فقلت لكم: اذكروا قولي ومعصيتكم إيّاي، فلمّا أبيتم إلّا الكتاب اشترطت علي الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالف حكم من حكم بما في الكتاب، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء, فهل قام إلىّ منكم رجل فقال: يا علي، إنّ هذا الأمر أمر الله فلا تعطه القوم ؟ قالوا: لا.

قالوا: فأخبرنا أ تراه عدلاً تحكيم الرجال في الدماء؟ قال: إنّا لسنا الرجال حكّمنا، وإنّما حكّمنا القرآن وهو خطّ مسطور بين لوحين لا ينطق حتّي يتكلّم به الرجال، وأنتم حكّمتم أباموسي وجئتموني وأتيتموني به مبرنساً، وقلتم: لا نرضي إلّا به. ومعاوية حكّم عمراً.

وأخبرني عنك يا ابن الكوّاء، متي سمّي أبوموسي حكماً؟ أ حين أرسل أم حين حكّم ؟ قال: حين حكّم.

قال: فقد سار وهو مسلم وأنت ترجو أن يحكم بما أنزل الله ؟ قال: نعم. قال: فلا أري الضلال في إرساله إذ كان عدلاً.

قالوا: فخبّرنا عن الأجل لما جعلته بيننا وبينهم ؟ قال: ليتعلّم الجاهل، ويتثبّت العالم، ولعلّ الله أن يصلح في تلك المدّة بين الاُمّة.

ثمّ قال علي: أ رأيتم لو أنّ رسول الله عليه السلام أرسل رجلاً مؤمناً يدعو قوماً مشركين إلي كتاب الله فارتدّ علي عقبه كافراً كان يضرّ النبىّ - صلّي الله عليه - شيئاً؟ قالوا: لا.

ص:460

قال: فما ذنبي إن ضلّ أبوموسي ولم أرض بحكومته إذ حكم، ولا بقوله إذ قال ؟ قالوا: أ فرأيت كتابك باسمك واسم أبيك وتركك اسمك الّذي سمّاك الله به بإمرة المؤمنين ؟

قال علي: علىّ دار هذا الحديث، كتب النبىّ عليه السلام: هذا كتاب من محمّد رسول الله. وقال أبوسفيان وسهيل بن عمرو: لا نقرّ ولا نعرف، لقد ظلمنا إذاً إن شهدنا أنّك رسول الله ثمّ قاتلناك، ولكن اكتب باسمك واسم أبيك.

فقال رسول الله: اكتب من محمّد بن عبدالله، فإنّ ذلك لا يضرّ نبوّتي شيئاً. فكتبها رسول الله صلى الله عليه و سلم لآبائهم، وكتبتها لأبنائهم.

قالوا: صدقت، بقيت خصلة: إنّا قد علمنا أنّك لم ترض بحكمهم حتّي شككت وكتبت في كتابك: إن جرّني كتاب الله إليك تبعتك, وإن جرّك إلىّ تبعتني. تعطي هذا القول وقد أحصا خيلنا في دمائهم ؟ وما فعلت هذا حتّي شككت.

فقال علي: نبّئني، أنت ومن معك أولي بأن لا تشكّوا في دينكم أم المهاجرون والأنصار؟ أم أنا أولي بالشكّ أم معاوية وأهل الشام ؟

قال ابن الكوّاء: النبىّ عليه السلام أولي باليقين منك، وأهل الشام خير من مشركي قريش، والمهاجرون والأنصار خير منّا.

قال: أ فرأيت الله حين يقول لرسوله: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ )1 , أ شكّ النبىّ عليه السلام فيما هو عليه حين يقول هذا؟ أم أعطاهم إنصافاً؟

قال ابن الكوّاء: خصمتنا وربّ الكعبة وأنت أعلم منّا بما صنعت.

فقال علي رضى الله عنه: ادخلوا مصركم رحمكم الله.

فلم يبرح علي رضى الله عنه حتّي تفرّقوا ودخلوا معه وقلبوا أترستهم.

فتفّهموا معاشر المقصّرين، وتفكّروا يا أصحاب الوقف، واعتبروا يا اولي الأبصار ما

ص:461

يظهر من بيان الله وحجّته من تقديم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علي جميع العالمين يقتل في الله القاسطين بسيفه، ويحيي في الله الشاكّين بحجّته.

فهذه علل الخوارج مجموعة عليها مدار كلامهم كلّه قد أوضح لبسها، وأزال شبهها، وكشف حيرتها بما لا مردّ له من كتاب الله وحجّته، فأىّ الأمرين عندكم أصوب ؟ وأىّ المنزلتين أشرف في الدين والرأي ؟ أن يدع الناس في حيرتهم ويترك أصحابه في شبهتهم فيكونوا له حرباً، ويزيدهم بإقدامه شبهة، ويمضي وحده حتّي يقاتل بعصابة معه، فلا ينكأ في عدوّه, ولا يبلغ فيهم الاُمنيّة، فيكون في ذلك تلفه وتلف من معه، وتقوية لمن خالفه، ويكون في ذلك جهل للسنّة في الموادعة، وإطفاء لما أحيا من حجّة الله فيكفر الجهل ذلك من جهله وافتتن به.

أم يوادع القوم في حال القلّة، ويستعمل بأصحابه [الرفق] في وقت تفرّقهم، ودخول الشبهة [عليهم] ليحيي ضالّهم، ويستنقذ متحيّرهم، ويقوّي ضعيفهم، ويثبّت عالمهم, أىّ الأمرين أولي بالهدي وأبعد من الخطأ؟ والله يقول: من أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً ومن قتلها فكأنّما قتل الناس جميعاً(1).

والنبىّ عليه السلام يقول له: يا علي، لأن تستنقذ نفساً من ضلالتها خير لك من الدنيا وما طلعت عليه الشمس.

وتعلمون أنّ عليّاً لو اصيب في تقدّمه لم يعرف أحد سنّة الموادعة وجواز الحكومة، ولكانت تلك شبهة باقية في الناس إلي يوم القيامة لا يهتدي إلي الحجّة فيها ولا يقدر أحد أن يبيّن فيها ما أبان من سبيلها مع استنقاذه اثني عشر ألفاً من ضلالة قد كانت شملتهم، وحيرة قد كانت ركبتهم، فلا شكّ أنّ ما فعل من ذلك أولي بالصواب، وأرجح في الدين، وأرضي لله، وأبعد من الخطأ في حكمه.

فدخلت الخوارج الكوفة وأقبل عليهم صعصعة بن صوحان فقال: أنشدكم الله أن

ص:462


1- (1) اقتباس من الآية 32 من سورة المائدة.

تكونوا بعد اليوم عاراً علي من يقرأ القرآن.(1)

15799. ابن قتيبة:... فسار علي ومن معه حتّي نزلوا المدائن، ثمّ خرج حتّي أتي النهروان، فبعث إليهم أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم نقتلهم بهم، ثمّ أنا افارقكم وأكفّ عنكم، حتّي ألقي أهل الشام. فبعثوا إليه: إنّا كلّنا قتلناهم، وكلّنا مستحلّ لدمائكم ودمائهم.

ثمّ أتاهم علي، فوقف عليهم فقال: أيّتها العصابة، إنّي نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الاُمّة غداً، وأنتم صرعي بإزاء هذا النهر بغير برهان ولا سنّة، أ لم تعلموا أنّي نهيتكم عن الحكومة ؟ وأخبرتكم أنّ طلب القوم لها مكيدة، وأنبأتكم أنّ القوم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وأنّي أعرف بهم منكم، قد عرفتهم أطفالاً، وعرفتهم رجالاً، فهم شرّ رجال، وشرّ أطفال، وهم أهل المكر والغدر، وإنّكم إن فارقتموني ورأيي جانبتم الخير والحزم، فعصيتموني وأكرهتموني حتّي حكّمت، فلمّا أن فعلت شرطت واستوثقت، وأخذت علي الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وأن يميتا ما أمات القرآن، فاختلفا وخالفا حكم الكتاب والسنّة، وعملا بالهوي، فنبذا أمرهم(2) ، ونحن علي أمرنا الأوّل، فما نبأكم ؟ ومن أين أتيتم ؟

قالوا له: إنّا حيث حكّمنا الرجلين أخطأنا بذلك وكنّا كافرين، وقد تبنا من ذلك، فإن شهدت علي نفسك بالكفر وتبت كما تبنا وأشهدنا فنحن معك ومنك، وإلّا فاعتزلنا، وإن أبيت فنحن منابذوك علي سواء.

فقال علي: أ بعد إيماني بالله وهجرتي وجهادي مع رسول الله أبوء وأشهد علي نفسي بالكفر؟! ل - (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )3 .

ويحكم! بم(3) استحللتم قتالنا، والخروج من جماعتنا أن اختار الناس رجلين، فقالوا

ص:463


1- (1) المعيار والموازنة ص 198-202, خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام في الاحتجاج علي الخوارج.
2- (2) كذا في الأصل, والظاهر أنّ الصحيح: «فنبذنا أمرهما», كما في الرواية التالية, وهو مقتضي السياق أيضاً.
3- (4) هذا هو الصواب المذكور في طبعات اخري للكتاب، وفي هذه الطبعة: «ثمّ ».

لهما: انظرا بالحقّ فيما يصلح العامّة، ليعزل رجل ويوضع آخر مكان آخر؟ أ حلّ لكم أن تضعوا سيوفكم علي عواتقكم تضربون بها هامات الناس، وتسفكون دماءهم ؟ إنّ هذا لهو الخسران المبين.

قال: فتنادوا: إلّا تخاطبوهم ولا تكلّموهم، تهيّئوا للقاء الحرب، الرواح الرواح إلي الجنّة.(1)

15800. الدينوري: فلمّا تهيّأ [عليه السلام] للمسير [إلي الشام] أتاه عن الخوارج أخبار فظيعة، من قتلهم عبدالله بن خبّاب وامرأته؛ وذلك أنّهم لقوهما فقالوا لهما: أ رضيتما بالحكمين ؟ قالا: نعم. فقتلوهما، وقتلوا امّ سنان الصيداويّة، واعتراضهم الناس يقتلونهم، فلمّا بلغه ذلك بعث إليهم الحارث بن مرّة الفقعسي ليأتيه بخبرهم، فأخذوه فقتلوه.

فلمّا بلغ الناس ذلك اجتمعوا إلي علي، فقالوا: يا أميرالمؤمنين، أتدع هؤلاء علي ضلالتهم وتسير فيفسدوا في الأرض، ويعترضوا الناس بالسيف ؟ سر إليهم بالناس، وادعهم إلي الرجوع إلي الطاعة والجماعة، فإن تابوا وقبلوا فإنّ الله يحبّ التوّابين، وإن أبوا فآذنهم بالحرب، فإذا أرحت الاُمّة منهم سرت إلي الشام.

فنادي في الناس بالرحيل، وسار حتّي ورد عليهم نهروان، فعسكر علي فرسخ منهم، وأرسل إليهم قيس بن سعد بن عبادة وأباأيّوب الأنصاري، فأتياهم فقالا: عباد الله، إنّكم قد ارتكبتم أمراً عظيماً باستعراضكم الناس تقتلونهم، وشهادتكم علينا بالشرك، والشرك ظلم عظيم.

فأجابهما عبدالله بن السخبر، فقال: إليكما عنّا، فإنّ الحقّ قد أضاء لنا كالصبح، ولسنا بمتابعيكم ولا راجعين إليكم، أو تأتوا بمثل عمر بن الخطّاب.

فقال قيس بن سعد: ما نعرفه فينا إلّا علي بن أبي طالب فهل تعرفونه فيكم ؟ قالا: لا.

قال: فأنشدكم الله في أنفسكم أن تهلكوها، فإنّي أري الفتنة قد دخلت قلوبكم.

ثمّ تكلّم أبوأيّوب بنحو هذا، فقالوا: يا أباأيّوب، إنّا إن بايعناكم اليوم حكّمتم غداً آخر.

ص:464


1- (1) الإمامة والسياسة 154/1-155، مسير علي إلي الخوارج.

قال: فإنّا ننشدكم الله أن تعجّلوا فتنة العامّ مخافة ما نأتي به في قابل.

قالوا: إليكما عنّا، فقد نابذناكم علي سواء.

فانصرفا إلي علي، فأخبراه حتّي وقف عليهم بحيث يسمعون كلامه، فنادي: أيّتها العصابة الّتي أخرجتها اللجاجة، وصدّها عن الحقّ الهوي، فأصبحت في لبس وخطأ، إنّي نذير لكم أن تتمادوا في ضلالتكم فتلفوا مصرّعين من غير بيّنة من ربّكم ولا برهان، أ لم تعلموا أنّي شرطت علي الحكمين أن يحكما بما في كتاب الله ؟ وأخبرتكم أنّ طلب القوم الحكومة مكيدة، فلمّا أبيتم إلّا الحكومة شرطت عليهم أن يحييا ما أحيا القرآن، ويميتا ما أمات القرآن، فخالفا الكتاب والسنّة، وعملا بالهوي، فنبذنا أمرهما، ونحن علي أمرنا الأوّل، فأين يتاه بكم ؟ ومن أين أتيتم ؟

فقالوا: إنّا كفرنا حين رضينا بالحكمين، وقد تبنا إلي الله من ذلك، فإن تبت كما تبنا فنحن معك، وإلّا فائذن بحرب، فإنّا منابذوك علي سواء.

فقال لهم علي: أشهد علي نفسي بالكفر؟! ل - (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )1 .

ثمّ قال: ليخرج إلىّ رجل منكم ترضون به حتّي أقول ويقول، فإن وجبت علىّ الحجّة أقررت لكم وتبت إلي الله، وإن وجبت عليكم فاتّقوا الّذي مردّكم إليه.

فقالوا لعبدالله بن الكوّاء، وكان من كبرائهم: اخرج إليه حتّي تحاجّه.

فخرج إليه، فقال علي: هل رضيتم ؟ قالوا: نعم.

قال: اللهمّ اشهد، فكفي بك شهيداً.

فقال علي رضى الله عنه: يا ابن الكوّاء، ما الّذي نقمتم علىّ بعد رضاكم بولايتي وجهادكم معي وطاعتكم لي ؟ فهلّا برئتم منّي يوم الجمل ؟ قال ابن الكوّاء: لم يكن هناك تحكيم.

فقال علي: يا ابن الكوّاء، أنا أهدي أم رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قال ابن الكوّاء: بل رسول الله صلى الله عليه و سلم.

قال: فما سمعت قول الله - عزّ وجلّ -: (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا

ص:465

وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ )1 ، أ كان الله يشكّ أنّهم الكاذبون ؟

قال: إنّ ذلك احتجاج عليهم، وأنت شككت في نفسك حين رضيت بالحكمين، فنحن أحري أن نشكّ فيك.

قال: وإنّ الله تعالي يقول: (فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ )2 .

قال ابن الكوّاء: ذلك أيضاً احتجاج منه عليهم.

فلم يزل علي عليه السلام يحاجّ ابن الكوّاء بهذا وشبهه؛ فقال ابن الكوّاء: أنت صادق في جميع ما تقول، غير أنّك كفرت حين حكّمت الحكمين.

قال علي: ويحك يا ابن الكوّاء! إنّي إنّما حكّمت أباموسي وحده وحكّم معاوية عمراً.

قال ابن الكوّاء: فإنّ أباموسي كان كافراً.

فقال علي: ويحك! متي كفر؟ أ حين بعثته أم حين حكم ؟

قال: لا، بل حين حكم.

قال: أ فلا تري أنّي إنّما بعثته مسلماً، فكفر في قولك بعد أن بعثته ؟ أ رأيت لو أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث رجلاً من المسلمين إلي اناس من الكافرين ليدعوهم إلي الله فدعاهم إلي غيره؛ هل كان علي رسول الله صلى الله عليه و سلم من ذلك شيء؟ قال: لا.

قال: ويحك! فما كان علىّ إن ضلّ أبوموسي ؟ أ فيحلّ لكم بضلالة أبي موسي أن تضعوا سيوفكم علي عواتقكم فتعترضوا بها الناس ؟

فلمّا سمع عظماء الخوارج ذلك قالوا لابن الكوّاء: انصرف ودع مخاطبة الرجل.

فانصرف إلي أصحابه، وأبي القوم إلّا التمادي في الغىّ .(1)

15801. ابن طلحة: إنّ عليّاً عليه السلام لمّا عاد من صفّين إلي الكوفة بعد الّذي جري من

ص:466


1- (3) الأخبار الطوال ص 207-209, قتال الخوارج.

أمر الحكمين أقام ينتظر انقضاء المدّة الّتي كانت بينه وبين معاوية ليرجع إلي المقاتلة والمحاربة، إذ انخذلت طائفة من خواصّ أصحابه في أربعة آلاف فارس وهم العبّاد والنسّاك، فخرجوا من الكوفة وخالفوا عليّاً عليه السلام وقالوا: لا حكم إلّا لله، ولا طاعة لمن عصي الله. وانحاز إليهم نيف علي ثمانية آلاف رجل ممّن يري رأيهم، فصاروا في اثني عشر ألفاً، وساروا حتّي نزلوا بحروراء، وأمّروا عليهم عبدالله بن الكوّاء.

فدعا علي عليه السلام عبدالله بن العبّاس رضى الله عنه وأرسله إليهم لينظر أمرهم ويسمع كلامهم، فأقبل إليهم وقال لهم وأطال فلم يرتدعوا، وقالوا: ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسي يزول ما بقلوبنا إذا سمعناه.

فرجع ابن عبّاس فأعلمه بذلك، فركب علي عليه السلام في جماعة ومضي إليهم، فلمّا بلغ إليهم ركب ابن الكوّاء في جماعة منهم ووافقه، فقال علي عليه السلام: يا ابن الكوّاء، إنّ الكلام كثير فابرز إلىّ من أصحابك لاُكلّمك.

قال ابن الكوّاء: وأنا آمن من سيفك ؟ قال: نعم.

فخرج ابن الكوّاء إليه في عشرة من أصحابه ودنا منه، فقال له علي عليه السلام عن الحرب مع معاوية, وذكر له رفع المصاحف علي الرماح وأمر الحكمين, وقال: ألم أقل لكم في ذلك اليوم إنّ أهل الشام يخدعونكم بها فإنّ الحرب قد عضّتهم فذروني اناجزهم, فأبيتم ؟ أ لم ارد أن أبعث ابن عمّي عبدالله بن العبّاس ليكون لي حكماً؛ فإنّه رجل لا يخدع، فأبيتم وجئتموني بأبي موسي وقلتم: قد رضينا به، فأجبتكم وأنا كاره ؟ ولو وجدت أعواناً غيركم في ذلك الوقت لما أجبتكم، ثمّ شرطت علي الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلي خاتمته، والسنّة الجامعة، وإنّهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علىّ ، كان ذلك أو لم يكن ؟ قال ابن الكوّاء: صدقت قد كان هذا كلّه، فَلِمَ لا ترجع الآن إلي حرب القوم ؟ فقال علي عليه السلام: حتّي تنقضي المدّة الّتي بيننا وبينهم.

قال ابن الكوّاء: وأنت مجمع علي ذلك ؟

قال عليه السلام: نعم، ولا يسعني غيره.

ص:467

فعند ذلك ضرب ابن الكوّاء بطن فرسه وصار إلي علي عليه السلام هو والعشرة الّذين معه، ورجعوا عن دين الخوارج وانصرفوا مع علي عليه السلام إلي الكوفة وتفرّق الباقون.(1)

4. ما يرتبط بغير الحروب الثلاثة

15802. ابن أبي الحديد: من كتاب له عليه السلام إلي من شاق وغدر من أهل الجَنَد وصنعاء:

فإذا أتاكم رسولي فتفرّقوا وانصرفوا إلي رحالكم أعف عنكم, وأصفح عن جاهلكم، وأحفظ قاصيكم، وأعمل فيكم بحكم الكتاب، فإن لم تفعلوا فاستعدّوا لقدوم جيش جمّ الفرسان عظيم الأركان، يقصد لمن طغي وعصي، فتطحنوا كطحن الرحا، فمن أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها، وما ربّك بظلّام للعبيد.(2)

5. رفعه عليه السلام راية الأمان

برواية:

1. أبي سلمة الزهري - 2. ما ورد مرسلاً

1. أبوسلمة الزهري

15803. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني أبوسلمة الزهري - وكانت امّه بنت أنس بن مالك -:

... ورفع علي راية أمان مع أبي أيّوب، فناداهم أبوأيّوب: من جاء هذه الراية منكم ممّن لم يقتل ولم يستعرض فهو آمن، ومن انصرف منكم إلي الكوفة أو إلي المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، إنّه لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم.

فقال فروة بن نوفل الأشجعي: والله ما أدري علي أىّ شيء نقاتل عليّاً؟ لا أري إلّا أن أنصرف حتّي تنفذ لي بصيرتي في قتاله أو اتّباعه. وانصرف في خمسمئة فارس, حتّي

ص:468


1- (1) مطالب السؤول 191/1-192, الباب الأوّل, الفصل الثامن, في شجاعته وجهاده ومواقفه عليه السلام.
2- (2) شرح نهج البلاغة 5/2، شرح الخطبة 25.

نزل البندنيجين(1) والدسكرة(2) ، وخرجت طائفة اخري متفرّقين فنزلت الكوفة، وخرج إلي علي منهم نحو مئة، وكانوا أربعة آلاف، فكان الّذين بقوا مع عبدالله بن وهب منهم ألفين وثمانمئة.(3)

2. ما ورد مرسلاً

15804. ابن قتيبة: ثمّ رفع لهم راية أمان مع أبي أيّوب الأنصاري، فناداهم أبوأيّوب: من جاء منكم إلي هذه الراية فهو آمن، ومن دخل المصر فهو آمن، ومن انصرف إلي العراق ومن خرج من هذه الجماعة فهو آمن، فإنّه لا حاجة لنا في سفك دمائكم.

وقدّم الخيل دون الرجّالة، وصفّ الناس صفّين وراء الخيل، وصفّ الرماة صفّاً أمام صفّ ، وقال لأصحابه: كفّوا عنهم حتّي يبدؤوكم.(4)

15805. البلاذري: ثمّ بسط لهم علي الأمان ودعاهم إلي الطاعة، فقال فروة بن نوفل الأشجعي: والله ما ندري علي ما نقاتل عليّاً؟ فانصرف في خمسمئة فارس حتّي نزل البندنيجين والدسكرة، وخرجت طائفة منهم اخري متفرّقين إلي الكوفة، وأتي مسعر بن فدكي التميمي راية أبي أيّوب الأنصاري في ألف، واعتزل عبدالله بن الحوساء - ويقال ابن أبي الحوساء - الطائي في ثلاثمئة، وخرج إلي علي منهم ثلاثمئة فأقاموا معه، وكانوا أربعة آلاف فارس ومعهم خلق من الرجّالة.

واعتزل حوثرة بن وداع في ثلاثمئة، واعتزل أبومريم السعدي في مئتين؛ واعتزل غيرهم؛ حتّي صار مع ابن وهب الراسبي ألف وثمانمئة فارس، ورجّالة يقال: إنّهم ألف وخمسمئة.

ص:469


1- (1) بلدة مشهورة آنذاك في طرف النهروان من ناحية الجبل من أعمال بغداد, وتسمّي اليوم ب - «مندلي». انظر: معجم البلدان 592/1(2182).
2- (2) هي قرية كبيرة بنواحي نهر الملك، وأيضاً قرية في طريق خراسان قريبة من شهرابان وهي دسكرة الملك. انظر: معجم البلدان 519/2-520(4803).
3- (3) تاريخ الطبري 86/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
4- (4) الإمامة والسياسة 156/1, قتل الخوارج.

وقال علي لأصحابه: كفّوا عنهم حتّي يبدؤوكم.(1)

15806. الدينوري: ورفع علي راية، وضمّ إليها ألفي رجل، ونادي: من التجأ إلي هذه الراية فهو آمن.

ثمّ تواقف الفريقان، فقال فروة بن نوفل الأشجعي - وكان من رؤساء الخوارج - لأصحابه: يا قوم، والله ما ندري علام نقاتل عليّاً؟ وليست لنا في قتله حجّة ولا بيان، يا قوم، انصرفوا بنا حتّي تنفذ لنا البصيرة في قتاله أو اتّباعه.

فترك أصحابه في مواقفهم، ومضي في خمسمئة رجل حتّي أتي إلي البندنيجين، وخرجت طائفة اخري حتّي لحقوا بالكوفة، واستأمن إلي الراية منهم ألف رجل، فلم يبق مع عبدالله بن وهب إلّا أقلّ من أربعة آلاف رجل.

فقال علي لأصحابه: لا تبدؤوهم بالقتال حتّي يبدؤوكم.(2)

15807. ابن الأثير: وأعطي علي أباأيّوب الأنصاري راية الأمان، فناداهم أبوأيّوب فقال: من جاء تحت هذه الراية فهو آمن، ومن لم يقتل ولم يستعرض ومن انصرف منكم إلي الكوفة أو إلي المدائن وخرج من هذه الجماعة فهو آمن، لا حاجة لنا بعد أن نصيب قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم.

فقال فروة بن نوفل الأشجعي: والله ما أدري علي أىّ شيء نقاتل عليّاً؟ أري أن أنصرف حتّي تتّضح لي بصيرتي في قتاله أو اتابعه.

فانصرف في خمسمئة فارس حتّي نزل البندنيجين والدسكرة، وخرجت طائفة اخري متفرّقين فنزلوا الكوفة، وخرج إلي علي نحو مئة، وكانوا أربعة آلاف, فبقي مع عبدالله بن وهب ألف وثمانمئة، فزحفوا إلي علي، وكان علي قد قال لأصحابه: كفّوا عنهم حتّي يبدؤوكم.(3)

ص:470


1- (1) أنساب الأشراف 146/3، أمر وقعة النهروان.
2- (2) الأخبار الطوال ص 210, قتال الخوارج.
3- (3) الكامل 174/3, حوادث سنة سبع و ثلاثين, ذكر قتال الخوارج.

15808. الباعوني: فناداهم علي رضى الله عنه: من لم يقاتل ولم يتعرّض لنا فهو آمن، ومن انصرف إلي الكوفة فهو آمن, ومن خرج عن هؤلاء الجماعة فهو آمن؛ لا حاجة لنا في سفك دمائكم.

فانصرف فروة بن نوفل في خمسمئة فارس، وخرجت طائفة متفرّقين إلي الكوفة فنزلوها، وأتي إلي علي منهم نحو مئة، وكانوا أربعة آلاف، فبقي مع عبدالله بن وهب ألفاً وثمانمئة وزحفوا إلي علي، فقال [علي] لأصحابه: كفّوا حتّي يبدؤوكم.(1)

السابع: النهي عن الابتداء بالقتال

برواية:

1. جندب الأزدي - 3. ما ورد مرسلاً

2. يحيي بن سعيد عن عمّه -

1. جندب الأزدي

15809. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني عبدالرحمان بن جندب الأزدي، عن أبيه:

أنّ عليّاً كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا عدوّاً، فيقول: لا تقاتلوا القوم حتّي يبدؤوكم، فأنتم بحمد الله - عزّ وجلّ - علي حجّة، وترككم إيّاهم حتّي يبدؤوكم حجّة اخري لكم....(2)

15810. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](3): حدّثنا عمر بن سعد بإسناده عن عبدالله بن جندب، عن أبيه:

أنّ عليّاً كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا معه عدوّه، فيقول: لا تقاتلوا القوم حتّي يبدؤوكم، فهي حجّة اخري لكم عليهم....(4)

ص:471


1- (1) جواهر المطالب 75/2، الباب السادس والخمسون, في خروج الخوارج.
2- (2) تاريخ الطبري 10/5-11، حوادث سنة سبع وثلاثين، تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال, وأورده ابن الأثير في الكامل 149/3, حوادث سنة سبع و ثلاثين, ذكر تتمّة أمر صفّين.
3- (3) وقعة صفّين ص 204.
4- (4) شرح نهج البلاغة 25/4-26، شرح الخطبة 54.
2. يحيي بن سعيد عن عمّه

15811. ابن البختري: حدّثنا يحيي بن جعفر، حدّثنا وهب بن جرير، حدّثنا جويرية بن أسماء، قال: أراه عن يحيي بن سعيد، قال: حدّثني عمّي أو عمّ لي، قال:

لمّا تواقفنا يوم الجمل وقد كان علي رضى الله عنه حين صفّنا نادي في الناس: لا يرمينّ رجل بسهم، ولا يطعننّ برمح، ولا يضرب بسيف, ولا تبدؤوا القوم بالقتال، وكلّموهم بألطف الكلام....(1)

3. ما ورد مرسلاً

15812. ابن أعثم - في قصّة حرب صفّين -: وأقبل علي رضى الله عنه علي أصحابه فقال: أيّها الناس، انظروا ولا تقاتلوا القوم حتّي يبدؤوكم بالقتال، فإنّكم بحمد الله علي بصيرة ودين....(2)

15813. سبط ابن الجوزي: صاح علي عليه السلام [يوم الجمل]: أيّها الناس، كفّوا حتّي يبتدؤوا بالقتال....(3)

15814. الإسكافي: قالوا: إنّه كان رضى الله عنه لا يبدأ عدوّه بقتال حتّي يبدؤوه، ولا يحاربهم حتّي ينابؤهم، فلمّا ناباهم يوم صفّين وأنظرهم فلم يدعوا و [لم] يرجعوا أمر مناديه فنادي في أهل الشام:

ألا إنّي قد استدمتكم واستأنيتكم لترجعوا إلي الحقّ وتنثنوا إليه، واحتججت [عليكم] بكتاب الله ودعوتكم إليه فلم تناهوا عن طغيانكم، ولم تجيبوا إلي حقّ ، ألا وإنّي قد نبذت إليكم علي سواء, (إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ )4 .(4)

ص:472


1- (1) الجزء الرابع من حديث أبي جعفر ابن البختري - المطبوع ضمن مجموع فيه مصنّفات أبي جعفر ابن البختري - ص 314 (387).
2- (2) الفتوح 44/3-45, ذكر الوقعة الثانية بالصفّين.
3- (3) تذكرة الخواصّ 380/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام.
4- (5) المعيار والموازنة ص 158, شأنه عليه السلام في حروبه مع أعدائه.

15815. الواقدي:... خطب علي الناس، فقال: أيّها الناس، لا تبدؤوا القوم بقتال حتّي يبدؤوكم به....(1)

15816. ابن أبي الحديد: روي أبومخنف، قال:

لمّا تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي عليه السلام لأصحابه: لا يرمينّ رجل منكم بسهم، ولا يطعن أحدكم فيهم برمح، حتّي أحدث إليكم، وحتّي يبدؤوكم بالقتال وبالقتل.(2)

الثامن: الدعاء عند القتال

برواية:

1. جابر الجعفي - 3. عبدالواحد بن حسّان عمّن حدّثه

2. زيد بن وهب -

1. جابر الجعفي

15817. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](3): حدّثنا عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، قال:

كان علي عليه السلام إذا سار إلي قتال ذكر اسم الله قبل أن يركب، كان يقول: الحمد لله علي نعمه علينا وفضله, (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَ إِنّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ )4 .

ثمّ يستقبل القبلة، ويرفع يديه إلي السماء ويقول: اللهمّ إليك نقلت الأقدام، واُتعبت الأبدان، وأفضت القلوب، ورفعت الأيدي، وشخصت الأبصار, (رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ

ص:473


1- (1) عنه سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ 414/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام.
2- (2) شرح نهج البلاغة 111/9، شرح الخطبة 148.
3- (3) وقعة صفّين ص 259-260.

قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ )1 .

ثمّ يقول: سيروا علي بركة الله. ثمّ يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلّا الله، الله أكبر، يا ألله، يا أحد يا صمد، يا ربّ محمّد، اكفف عنّا بأس الظالمين, (الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ )2 ، بسم الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلىّ العظيم.

قال: وكانت هذه الكلمات شعاره بصفّين.(1)

2. زيد وهب

15818. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني مالك بن أعين، عن زيد بن وهب الجهني:

أنّ عليّاً خرج إليهم غداة الأربعاء فاستقبلهم فقال: اللهمّ ربّ السقف المرفوع المحفوظ المكفوف، الّذي جعلته مغيضاً للّيل والنهار، وجعلت فيه مجري الشمس والقمر ومنازل النجوم، وجعلت سكّانه سبطاً من الملائكة، لا يسأمون العبادة، وربّ هذه الأرض الّتي جعلتها قراراً للأنام، والهوامّ والأنعام، وما لا يحصي ممّا لايري وممّا يري من خلقك العظيم، وربّ الفلك الّتي تجري في البحر بما ينفع الناس، وربّ السحاب المسخّر بين السماء والأرض، وربّ البحر المسجور المحيط بالعالم، وربّ الجبال الرواسي الّتي جعلتها للأرض أوتاداً، وللخلق متاعاً؛ إن أظهرتنا علي عدوّنا فجنّبنا البغي، وسدّدنا للحقّ ، وإن أظهرتهم علينا فارزقني الشهادة، واعصم بقيّة أصحابي من الفتنة.(2)

ص:474


1- (3) شرح نهج البلاغة 176/5، شرح الخطبة 65.
2- (4) تاريخ الطبري 14/5-15، حوادث سنة سبع وثلاثين, تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال. ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 177/5-178، شرح الخطبة 65، عن نصر بن مزاحم في وقعة صفّين, ص 232، قال: حدّثني عمر بن سعد، عن مالك بن أعين، عن زيد بن وهب..., مع مغايرات طفيفة في بعض الكلمات.
3. عبدالواحد بن حسّان عمّن حدّثه

15819. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](1): حدّثنا قيس بن الربيع، عن عبدالواحد بن حسّان العجلي:

عمّن حدّثه أنّه سمع عليّاً عليه السلام يقول يوم لقائه أهل الشام بصفّين: اللهمّ إليك رفعت الأبصار، وبسطت الأيدي، ونقلت الأقدام، ودعت الألسن، وأفضت القلوب، وتحوكم إليك في الأعمال، فاحكم بيننا وبينهم بالحقّ ، وأنت خير الفاتحين.

اللهمّ إنّا نشكو إليك غيبة نبيّنا، وقلّة عددنا، وكثرة عدوّنا، وتشتّت أهوائنا، وشدّة الزمان، وظهور الفتن، فأعنّا علي ذلك بفتح منك تعجّله، ونصر تعزّ به سلطان الحقّ وتظهره.(2)

التاسع: حسن المعاملة مع العدوّ وبقاياه

برواية:

1. أبي اُمامة - 11. عبدخير

2. أبي البختري - 12. عبدالله بن عبّاس

3. جندب الأزدي - 13. عبدالله بن قتادة

4. جويبر - 14. عبدالملك بن أبي حرّة

5. راشد - 15. أبي فاختة

6. سوّار الكندي - 16. كليب الجرمي

7. صالح بن كيسان - 17. محمّد ابن الحنفيّة

8. الضحّاك بن مزاحم - 18. محمّد بن عبدالله بن سواد

9. طلحة بن الأعلم - 19. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

10. عامر الشعبي - 20. محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب

ص:475


1- (1) وقعة صفّين ص 261-262.
2- (2) شرح نهج البلاغة 176/5-177، شرح الخطبة 65.

21. مروان بن الحكم - 23. يزيد بن ضبيعة

22. يزيد بن بلال - 24. المراسيل والأقوال

1. أبواُمامة

15820. ابن سعد وابن أبي شيبة وابن أبي اُسامة: أخبرنا كثير بن هشام، قال: حدّثنا جعفر بن برقان، قال: حدّثنا ميمون - يعني ابن مهران -، عن أبي اُمامة، قال:

شهدت صفّين فكانوا لا يجهزون علي جريح، ولا يطلبون مولّياً، ولا يسلبون قتيلاً.(1)

2. أبوالبختري

15821. سعيد بن منصور: حدّثنا خالد بن عبدالله قال: حدّثنا عطاء بن السائب، عن [أبي] البختري، قال:

لمّا ظهر علي علي أهل الجمل قال: لا تجيزوا(2) علي جريح، ولا تتبعوا مدبراً، وماكان في العسكر فهو لكم، وما كان خارجاً فليس لكم، واُمّهات الأولاد ليس لكم عليهنّ سبيل، وتعتدّ النسوة من أزواجهنّ أربعة أشهر وعشراً.(3)

15822. الجصّاص: روي عطاء بن السائب عن أبي البختري وعامر، قالا:

لمّا ظهر علي رضى الله عنه علي أهل الجمل قال: لا تتبعوا مدبراً، ولا تذفّفوا علي جريح.(4)

3. جندب الأزدي

15823. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني عبدالرحمان بن جندب الأزدي، عن أبيه:

ص:476


1- (1) الطبقات الكبري 288/7، ترجمة أبي اُمامة الباهلي (3728)؛ المصنّف 502/6(33267), ورواه الحاكم في المستدرك 155/2(2260)، والبيهقي في السنن الكبري 182/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم, كلاهما عن ابن أبي اُسامة.
2- (2) أجاز علي الجريح, لغة في أجهز, يقال أجهز علي الجريح, إذا شدّ عليه و أتمّ قتله. انظر: القاموس المحيط .
3- (3) سنن سعيد بن منصور 338/2-339(2950).
4- (4) أحكام القرآن 283/5، ومن سورة الحجرات، باب الحكم في أسري أهل البغي وجرحاهم.

أنّ عليّاً كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا عدوّاً، فيقول: لا تقاتلوا القوم حتّي يبدؤوكم، فأنتم بحمد الله - عزّ وجلّ - علي حجّة، وترككم إيّاهم حتّي يبدؤوكم حجّة اخري لكم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلي رحال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلّا بإذن، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، ولاتهيّجوا امرأة بأذي وإن شتمن أعراضكم وسببن امراءكم وصلحاءكم؛ فإنّهنّ ضعاف القوي والأنفس.(1)

15824. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): حدّثنا عمر بن سعد، بإسناده عن عبدالرحمان(3) بن جندب، عن أبيه:

أنّ عليّاً عليه السلام كان يأمرنا في كلّ موطن لقينا معه عدوّه، فيقول: لا تقاتلوا القوم حتّي يبدؤوكم؛ فهي حجّة اخري لكم عليهم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلي رحال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلّا بإذن، ولا تأخذوا شيئاً من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة وإن شتمن أعراضكم وتناولن امراءكم وصلحاءكم؛ فإنّهنّ ضعاف القوي والأنفس والعقول، ولقد كنّا وإنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ وهنّ مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهليّة بالهراوة أو الحديد فيعيّر بها عقبه من بعده.(4)

4. جويبر

15825. عبدالرزّاق: عن ابن جريج، عن يحيي بن العلاء, عن جويبر، قال:

ص:477


1- (1) تاريخ الطبري 10/5-11، حوادث سنة سبع وثلاثين, تكتيب الكتائب وتعبئة الناس للقتال. وأورده ابن الأثير في الكامل 149/3, حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر تتمّة أمر صفّين.
2- (2) وقعة صفّين ص 204.
3- (3) في الأصل: «عبدالله».
4- (4) شرح نهج البلاغة 25/4-26، شرح الخطبة 54، ورواه في 228/6, شرح الخطبة 79، عن أبي مخنف.

أخبرتني امرأة من بني أسد، قالت:

سمعت عمّاراً بعد ما فرغ علي من أصحاب الجمل ينادي: لا تقتلوا مقبلاً ولا مدبراً، ولا تذفّفوا علي جريح، ولا تدخلوا داراً، من ألقي السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.(1)

5. راشد

15826. سيف بن عمر: عن محمّد بن راشد، عن أبيه، قال:

كان من سيرة علي إلّا يقتل مدبراً، ولا يذفّف علي جريح، ولا يكشف ستراً، ولا يأخذ مالاً, فقال قوم يومئذ: ما يحلّ لنا دماءهم ويحرّم علينا أموالهم ؟ فقال علي: القوم أمثالكم، من صفح عنّا فهو منّا، ونحن منه، ومن لجّ حتّي يصاب فقتاله منّي علي الصدر والنحر، وإنّ لكم في خمسه لغني. فيومئذ تكلّمت الخوارج.(2)

6. سوّار الكندي

15827. ابن أبي شيبة: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن أشعث بن سوّار، عن أبيه، قال:

أرسل إلىّ موسي بن طلحة في حاجة فأتيته، قال: فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ناس من أهل المسجد، فقالوا: يا أباعيسي، حدّثنا في الاُساري ليلتنا، فسمعتهم يقولون: أمّا موسي بن طلحة فإنّه مقتول بكرة، فلمّا صلّيت الغداة جاء رجل يسعي: الاُساري، الاُساري.

قال: ثمّ جاء آخر في أثره يقول: موسي بن طلحة، موسي بن طلحة.

قال: فانطلقت، فدخلت علي أميرالمؤمنين فسلّمت، فقال: أ تبايع ؟ تدخل فيما دخل

ص:478


1- (1) المصنّف 124/10(18591)، وعنه ابن حزم في المحلّي 339/11، مسألة 2158، باختلاف يسير، والمتّقي في كنز العمّال 478/4(11424).
2- (2) عنه الطبري بإسناده إليه في تاريخه 541/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, سيرة علي في من قاتل يوم الجمل.

فيه الناس ؟ قلت: نعم. قال: هكذا، ومدّ يده فبسطهما، قال: فبايعته، ثمّ قال: ارجع إلي أهلك ومالك.

قال: فلمّا رأي الناس قد خرجت، قال: جعلوا يدخلون فيبايعون.(1)

7. صالح بن كيسان

15828. أبوخيثمة وأحمد الدورقي: حدّثنا وهب بن جرير، عن ابن جعدبة، عن صالح بن كيسان، قال:

سار علي إلي معاوية بن أبي سفيان، وسار معاوية إلي علي حتّي نزلا بصفّين، وخلف علي علي الكوفة أبامسعود الأنصاري، فمكثوا بصفّين ما شاء الله، ثمّ إنّ عبدالله وعبدالرحمان ابني بديل بن ورقاء دخلا علي علي فقالا: حتّي متي لا تقاتل القوم ؟ فقال علي: لا تعجلا.

فقال عبدالله بن بديل: ما تنتظر بهم ومعك أهل البصائر والقرآن ؟ فقال: اهدأ أباعلقمة. قال: إنّي أري أن تقاتل القوم وتتركنا نبيّتهم.

فقال: يا أباعلقمة، لا تبيّت القوم، ولا تذفّف علي جريحهم، ولا تطلب هاربهم....(2)

8. الضحّاك بن مزاحم

15829. الضحّاك بن مزاحم: أنّ عليّاً لمّا هزم طلحة وأصحابه أمر مناديه أن لا يقتل مقبل ولا مدبر، ولا يفتح باب، ولا يستحلّ فرج ولا مال.(3)

9. طلحة بن الأعلم

15830. سيف بن عمر: عن محمّد [بن عبدالله] وطلحة [بن الأعلم]، قالا:

ص:479


1- (1) المصنّف 541/7-542(37793).
2- (2) عنهما البلاذري في أنساب الأشراف 105/3، مقتل عبيدالله بن عمر بن الخطّاب.
3- (3) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 538/7(37778).

ودخل علي البصرة يوم الاثنين، فانتهي إلي المسجد فصلّي فيه، ثمّ دخل البصرة، فأتاه الناس، ثمّ راح إلي عائشة علي بغلته، فلمّا انتهي إلي دار عبدالله بن خلف - وهي أعظم دار بالبصرة - وجد النساء يبكين علي عبدالله وعثمان ابني خلف مع عائشة، وصفيّة ابنة الحارث مختمرة تبكي، فلمّا رأته قالت: يا علي، يا قاتل الأحبّة، يا مفرّق الجمع، أيتم الله بنيك منك كما أيتمت ولد عبدالله منه! فلم يردّ عليها شيئاً، ولم يزل علي حاله حتّي دخل علي عائشة، فسلّم عليها، وقعد عندها، وقال لها: جبهتنا صفيّة، أما إنّي لم أرها منذ كانت جارية حتّي اليوم.

فلمّا خرج علي أقبلت عليه فأعادت عليه الكلام، فكفّ بغلته وقال: أما لهممت - وأشار إلي الأبواب من الدار - أن أفتح هذا الباب وأقتل من فيه، ثمّ هذا فأقتل من فيه، ثمّ هذا فأقتل من فيه - وكان اناس من الجرحي قد لجئوا إلي عائشة، فأخبر علي بمكانهم عندها، فتغافل عنهم - فسكتت.

فخرج علي، فقال رجل من الأزد: والله لا تفلتنا هذه المرأة. فغضب وقال: صه! لاتهتكنّ ستراً، ولا تدخلنّ داراً، ولا تهيّجنّ امرأة بأذي وإن شتمن أعراضكم وسفّهن امراءكم وصلحاءكم؛ فإنّهنّ ضعاف, ولقد كنّا نؤمر بالكفّ عنهنّ وإنهنّ لمشركات، وإنّ الرجل ليكافئ المرأة ويتناولها بالضرب فيعيّر بها عقبه من بعده، فلا يبلغنّي عن أحد عرض لامرأة فاُنكّل به شرار الناس.

ومضي علي، فلحق به رجل، فقال: يا أميرالمؤمنين، قام رجلان ممّن لقيت علي الباب، فتناولا من هو أمضّ لك شتيمة من صفيّة. قال: ويحك! لعلّها عائشة. قال: نعم، قام رجلان منهم علي باب الدار فقال أحدهما:

جزيت عنّا امّنا عقوقا

وقال الآخر:

يا أمّنا توبي فقد خطيت

فبعث القعقاع بن عمرو إلي الباب، فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا علي رجلين، فقال:

ص:480

أضرب أعناقهما. ثمّ قال: لأنهكنّهما عقوبة. فضربهما مئة مئة، وأخرجهما من ثيابهما.(1)

10. عامر الشعبي

15831. الجصّاص: روي عطاء بن السائب عن أبي البختري وعامر....(2)

تقدّمت روايته في رواية أبي البختري.

11. عبدخير

15832. يحيي بن آدم: حدّثنا شريك، عن السدّي، عن عبدخير، عن علي:

أنّه قال يوم الجمل: لا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ومن ألقي سلاحه فهو آمن.(3)

15833. الجصّاص: روي شريك عن السدّي، عن عبدخير، قال:

قال علي رضى الله عنه يوم الجمل: لا تقتلوا أسيراً، ولا تجهزوا علي جريح، ومن ألقي السلاح فهو آمن.(4)

15834. ابن أبي شيبة: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن عبدالملك بن سلع، عن عبدخير، قال:

أمر علي منادياً فنادي يوم الجمل: ألا لا يجهزنّ علي جريح، ولا يتبع مدبر.(5)

12. عبدالله بن عبّاس

15835. البلاذري: عبّاس بن هشام، عن أبيه، عن جدّه، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس:

ص:481


1- (1) عنه الطبري بإسناده إليه في تاريخه 539/4-540، حوادث سنة ستّ وثلاثين, دخول علي علي عائشة.
2- (2) أحكام القرآن 283/5, ومن سورة الحجرات, باب الحكم في أسري أهل البغي وجرحاهم.
3- (3) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 537/7(37767).
4- (4) أحكام القرآن 284/5, ومن سورة الحجرات, باب الحكم في أسري أهل البغي وجرحاهم.
5- (5) المصنّف 538/7(37779).

أنّ عليّاً أخذ يوم الجمل مروان بن الحكم وموسي بن طلحة فأرسلهما.(1)

13. عبدالله بن قتادة

15836. البيهقي: أخبرنا أبوسعيد الصيرفي، أنبأ أبوعبدالله الصفّار، حدّثنا أحمد بن محمّد البرتي، حدّثنا أبوالوليد، حدّثنا يعلي بن الحارث، عن جامع بن شدّاد، عن عبدالله بن قتادة - رجل من الحىّ -، قال:

كنت في الخيل يوم النهروان مع علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فلمّا أن فرغ منهم وقتلهم لم يقطع رأساً، ولم يكشف عورة.(2)

14. عبدالملك بن أبي حرّة

15837. الطبري: قال أبومخنف: حدّثني عبدالملك بن أبي حرّة... قال:

وطلب [عليه السلام] من به رمق منهم [أي من الخوارج]، فوجدناهم أربعمئة رجل، فأمر بهم علي فدفعوا إلي عشائرهم، وقال: احملوهم معكم فداووهم، فإذا برئوا فوافوا بهم الكوفة، وخذوا ما في عسكرهم من شيء.(3)

15. أبوفاختة

15838. سعيد بن منصور: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاختة، قال: أخبرني جار لي، قال:

أتيت عليّاً يوم صفّين بأسير، فقال له: لا تقتلني. فقال: لا أقتلك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين، أ فيك خير تبايع ؟ فقال: نعم. فقال للّذي جاء به: لك سلاحه.(4)

ص:482


1- (1) أنساب الأشراف 57/3, مقتل الزبير بن العوّام.
2- (2) السنن الكبري 183/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم.
3- (3) تاريخ الطبري 88/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
4- (4) سنن سعيد بن منصور 339/2(2951).

15839. عبدالرزّاق: عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاختة، قال: حدّثني جار لي، قال:

أتيت عليّاً بأسير يوم صفّين، فقال لي: أرسله، لا أقتله صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين، أ فيك خير؟ بايع. وقال للّذي جاء به: لك سلبه.(1)

15840. ابن أبي شيبة: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن أبي فاختة، قال: أخبرني جار لي، قال:

أتيت عليّاً بأسير يوم صفّين فقال: لن أقتلك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين.(2)

15841. الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن أبي فاختة:

أنّ عليّاً - رضي الله تعالي عنه - اتي بأسير يوم صفّين، فقال: لا تقتلني صبراً. فقال علي: لا أقتلنّك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين. فخلّي سبيله، ثمّ قال: أ فيك خير؟ أ تبايع ؟(3)

15842. الخطيب: أخبرنا أبوالحسن محمّد بن عبدالواحد بن محمّد بن جعفر، أخبرنا عمر بن محمّد الناقد، حدّثنا أحمد بن الحسن بن عبدالجبّار الصوفي، قال: قال أبوزكريّا يحيي بن يوسف الزمي: كنّا عند سفيان... قال: حدّثنا عمرو بن دينار، سمع أبافاختة سعيد بن علاقة قال: حدّثني جار لي، قال:

أتيت عليّاً عليه السلام بأسير يوم صفّين، فقال: لا تقتلني صبراً. قال: لا أقتلك صبراً، إنّي

ص:483


1- (1) المصنّف 124/10(18592).
2- (2) المصنّف 501/6-502(33259).
3- (3) الاُمّ 317/4، كتاب قتال أهل البغي وأهل الردّة، الخلاف في قتال أهل البغي. قال الشافعي: «والحرب يوم صفّين قائمة، ومعاوية يقاتل جادّاً في أيّامه كلّها منتصفاً أو مستعلياً», وعنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 182/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم، والسنن الصغري 183/7(3217) و (3218)، ومعرفة السنن 284/6(5002). ورواه الرامهرمزي في المحدّث الفاصل ص 580-581(817).

أخاف الله ربّ العالمين، أ تبايع ؟ أ فيك خير؟ قال: نعم. قال للّذي جاء به: خذ سلاحه.(1)

16. كليب الجرمي

15843. الطبري: أخرج إلىّ زياد بن أيّوب كتاباً فيه أحاديث عن شيوخ... قال: حدّثنا مصعب بن سلّام التميمي، قال: حدّثنا محمّد بن سوقة، عن عاصم بن كليب الجرمي، عن أبيه - في حديث طويل يذكر فيه قصّة حرب الجمل -، قال:

نادي علي: ألا لا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تدخلوا الدور....(2)

17. محمّد ابن الحنفيّة

15844. ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: حدّثنا فطر بن خليفة، عن منذر الثوري، قال: سمعت محمّد ابن الحنفيّة يقول، وذكر يوم الجمل:

... فلمّا هزموا قال علي: لا تجهزوا علي جريح، ولا تتبعوا مدبراً.(3)

15845. البلاذري: حدّثني عمرو بن محمّد وبكر بن الهيثم، قالا: حدّثنا أبونعيم [الفضل بن دكين]... مثله، وزاد: «ومن أغلق بابه فهو آمن».(4)

18. محمّد بن عبدالله بن سواد

15846. سيف بن عمر: عن محمّد [بن عبدالله]....(5)

تقدّمت روايته مع رواية طلحة بن الأعلم.

ص:484


1- (1) الجامع لأخلاق الراوي 352/1-353(446).
2- (2) تاريخ الطبري 490/4-492، حوادث سنة ستّ وثلاثين, نزول أميرالمؤمنين ذاقار.
3- (3) الطبقات الكبري 68/5، ترجمة محمّد ابن الحنفيّة (680).
4- (4) أنساب الأشراف 56/3-57, مقتل الزبير بن العوّام.
5- (5) عنه الطبري في تاريخه 539/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, دخول علي علي عائشة.
19. محمّد بن علي الباقر عليه السلام

15847. ابن إسحاق: عن أبي جعفر، قال:

كان علي إذا اتي بأسير يوم صفّين أخذ دابّته، وأخذ سلاحه، وأخذ عليه أن لا يعود, وخلّي سبيله.(1)

15848. ابن أبي الحديد: روي زرارة بن أعين عن أبيه، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليه السلام، قال:

كان علي عليه السلام إذا صلّي الفجر لم يزل معقّباً إلي أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس فيعلّمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوماً فمرّ برجل، فرماه بكلمة هجر - قال: لم يسمّه محمّد بن علي عليه السلام - فرجع عوده علي بدئه حتّي صعد المنبر، وأمر فنودي: الصلاة جامعة. فحمد الله وأثني عليه، وصلّي علي نبيّه، ثمّ قال:

أيّها الناس، إنّه ليس شيء أحبّ إلي الله ولا أعمّ نفعاً من حلم إمام وفقهه، ولا شيء أبغض إلي الله ولا أعمّ ضرراً من جهل إمام وخرقه، ألا وإنّه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ ، ألا وإنّه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلّا عزّاً، ألا وإنّ الذلّ في طاعة الله أقرب إلي الله من التعزّز في معصيته.

ثمّ قال: أين المتكلّم آنفاً؟ فلم يستطع الإنكار، فقال: ها أنا ذا يا أميرالمؤمنين. فقال: أما إنّي لو أشاء لقلت. فقال: إن تعف وتصفح فأنت أهل ذلك. قال: قد عفوت وصفحت.

فقيل لمحمّد بن علي عليه السلام: ما أراد أن يقول ؟ قال: أراد أن ينسبه.(2)

15849. عبدالرزّاق: عن ابن جريج، قال: أخبرني جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّه سمعه يقول:

قال علي بن أبي طالب: لا يذفّف علي جريح، ولا يقتل أسير، ولا يتبع مدبر. وكان

ص:485


1- (1) عنه ابن أبي شيبة بإسناده إليه في المصنّف 501/6(33258) و 548/7(37848).
2- (2) شرح نهج البلاغة 109/4-110، شرح الخطبة 56.

لا يأخذ مالاً لمقتول، يقول: من اعترف شيئاً فليأخذه.(1)

15850. ابن أبي شيبة: حدّثنا حفص بن غياث، عن جعفر، عن أبيه، [قال]:

إنّ عليّاً أمر مناديه فنادي يوم البصرة: ألا لا يتبع مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ولا يقتل أسير، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقي السلاح فهو آمن, ولا نأخذ من متاعهم شيئاً.(2)

15851. سعيد بن منصور والشافعي: حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد الدراوردي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه:

أنّ عليّاً كان لا يأخذ سلباً، وأنّه كان يباشر القتال بنفسه، وأنّه كان لايذفّف علي جريح، ولا يقتل مدبراً.(3)

20. محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب

15852. البيهقي: أخبرنا أبوالقاسم عبدالرحمان بن عبيدالله بن عبدالله الحرفي، حدّثنا أبوالحسن علي بن محمّد بن الزبير القرشي، حدّثنا الحسن بن علي بن عفّان، حدّثنا زيد بن الخباب، حدّثني جعفر بن إبراهيم - من ولد عبدالله بن جعفر ذي الجناحين -، حدّثني محمّد بن عمر بن علي بن أبي طالب:

أنّ عليّاً رضى الله عنه لم يقاتل أهل الجمل حتّي دعا الناس ثلاثاً، حتّي إذا كان اليوم الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبدالله بن جعفررضى الله عنهم فقالوا: قد أكثروا فينا الجراح. فقال: يا ابن أخي، والله ما جهلت شيئاً من أمرهم إلّا ما كانوا فيه. وقال: صبّ لي ماء. فصبّ

ص:486


1- (1) المصنّف 123/10-124(18590)، وعنه ابن حزم في المحلّي 339/11, مسألة 2158.
2- (2) المصنّف 502/6(33266) و (33264) مختصراً, و 543/7(37805) نحوه، وعنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 181/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم.
3- (3) سنن سعيد بن منصور 338/2(2948)؛ الاُمّ 308/4، كتاب قتال أهل البغي وأهل الردّة، باب السيرة في أهل البغي, وعنه البيهقي في السنن الكبري 181/8, كتاب قتال أهل البغي, باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم. وانظر ما سيأتي بعنوان مروان بن الحكم، فالرواية فيه عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن مروان.

له ماء، فتوضّأ به، ثمّ صلّي ركعتين حتّي إذا فرغ رفع يديه ودعا ربّه، وقال لهم: إن ظهرتم علي القوم فلا تطلبوا مدبراً، ولا تجيزوا(1) علي جريح، وانظروا ما حضرت به الحرب من آنية فاقبضوه، وما كان سوي ذلك فهو لورثته.(2)

21. مروان بن الحكم

15853. الشافعي: روي عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين - رضي الله تعالي عنهما -, قال:

دخلت علي مروان بن الحكم فقال: ما رأيت أحداً أكرم غلبة من أبيك، ما هو إلّا أن ولينا يوم الجمل فنادي مناديه: لا يقتل مدبر، ولا يذفّف علي جريح.(3)

15854. ابن سعد: عن أنس بن عياض، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه علي بن الحسين، أنّ مروان بن الحكم حدّثه - وهو أمير علي المدينة -، قال:

لمّا تواقفنا يوم الجمل لم يلبث أهل البصرة أن انهزموا, فقام صائح لعلي فقال: لا يقتل مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن.

قال: فدخلت داراً ثمّ أرسلت إلي حسن وحسين وابن جعفر وابن عبّاس فكلّموه، فقال: هو آمن فليتوجّه حيث ما شاء. فقلت: لا تطيب نفسي حتّي ابايعه.

قال: فبايعته, ثمّ قال: اذهب حيث شئت.(4)

ص:487


1- (1) أجاز علي الجريح لغة في أجهز, يقال: أجهز علي الجريح, إذا شدّ عليه و أتمّ قتله. انظر: القاموس المحيط .
2- (2) السنن الكبري 181/8، كتاب قتال أهل البغي، باب لا يبدأ الخوارج بالقتال حتّي يسألوا ما نقموا، وعنه المتّقي في كنز العمّال 338/11(31682).
3- (3) الاُمّ 308/4، كتاب قتال أهل البغي وأهل الردّة، باب السيرة في أهل البغي، وعنه البيهقي بإسناده إليه في السنن الكبري 181/8، كتاب قتال أهل البغي، باب أهل البغي إذا فاؤوا لم يتبع مدبرهم، وفيه: «أنبأنا الشافعي، وأظنّه عن إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن محمّد». وتقدّمت رواية محمّد بن علي الباقر عليه السلام آنفاً.
4- (4) عنه البلاذري في أنساب الأشراف 57/3, مقتل الزبير بن العوّام. وسيأتي قريباً أنّه لم يبايع, ولم يكرهه أميرالمؤمنين عليه السلام علي البيعة.

15855. سعيد بن منصور: حدّثنا عبدالعزيز بن محمّد، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن حسين أنّ مروان بن الحكم قال له - وهو أمير بالمدينة -:

ما رأيت أحداً أحسن غلبة من أبيك علي بن أبي طالب، ألا احدّثك عن غلبته إيّانا يوم الجمل ؟ قلت: الأمير أعلم. قال: لمّا التقينا يوم الجمل تواقفنا، ثمّ حمل بعضنا علي بعض، فلم ينشب أهل البصرة أن انهزموا، فصرخ صارخ لعلي: لا يقتل مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ومن أغلق عليه باب داره فهو آمن، ومن طرح السلاح آمن.

قال مروان: وقد كنت دخلت دار فلان ثمّ أرسلت إلي حسن وحسين ابني علي وعبدالله بن عبّاس وعبدالله بن جعفر فكلّموه، قال: هو آمن فليتوجّه حيث شاء. فقلت: لا والله ما تطيب نفسي حتّي ابايعه، فبايعته، ثمّ قال: اذهب حيث شئت.(1)

22. يزيد بن بلال

15856. ابن أبي شيبة: حدّثنا محمّد بن عبدالله الأسدي، قال: حدّثنا كيسان، قال: حدّثني مولاي يزيد بن بلال، قال:

شهدت مع علي يوم صفّين، فكان إذا اتي بأسير قال: لن أقتلك صبراً، إنّي أخاف الله ربّ العالمين. وكان يأخذ سلاحه، ويحلفه لا يقاتله، ويعطيه أربعة دراهم.(2)

23. يزيد بن ضبيعة

15857. الحاكم: حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئ، حدّثنا أبوسعيد محمّد بن شاذان، حدّثنا علي بن حجر، حدّثنا شريك، عن السدّي، عن يزيد بن ضبيعة العبسي، قال:

نادي منادي عمّار [أو قال: علي] يوم الجمل وقد ولّي الناس: ألا لا يذاف علي جريح، ولا يقتل مولّ ، ومن ألقي السلاح فهو آمن. فشقّ ذلك علينا.(3)

ص:488


1- (1) سنن سعيد بن منصور 337/2-338(2947).
2- (2) المصنّف 549/7(37850)، وعنه المتّقي في كنز العمّال 345/11(31703).
3- (3) المستدرك 155/2(2661)، وعنه البيهقي في السنن الكبري 181/8، كتاب قتال أهل البغي، باب

15858. يحيي بن آدم: حدّثنا شريك، عن سليمان بن المغيرة، عن يزيد بن ضبيعة العبسي:

عن علي أنّه قال يوم الجمل: لا يتبع مدبر، ولا يذفّف علي جريح.(1)

24. المراسيل والأقوال

15859. الدينوري: نادي علي رضى الله عنه [يوم الجمل] في أصحابه: لا تتبعوا مولّياً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تنتهبوا مالاً، ومن ألقي سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.(2)

15860. أبوعبيد: منه حديث علي رضى الله عنه أنّه نادي مناديه يوم الجمل: لا يذفّف علي جريح، ولا يتبع مدبر.(3)

15861. ابن حبّان: كان علي ينادي مناديه: لا تقتل مدبراً، ولا تذفّف علي جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن طرح السلاح فهو آمن، ولم يقتل بعد آن واحداً.(4)

15862. الطبري: قام علي فخطب الناس... فخرج إليه الأحنف بن قيس وبنوسعد مشمّرين، قد منعوا حرقوص بن زهير، ولا يرون القتال مع علي بن أبي طالب: فقال: يا علي، إنّ قومنا بالبصرة يزعمون أنّك إن ظهرت عليهم غداً أنّك تقتل رجالهم وتسبي نساءهم.

فقال: ما مثلي يخاف هذا منه، وهل يحلّ هذا إلّا ممّن تولّي وكفر، أ لم تسمع إلي قول الله - عزّ وجلّ -: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلاّ مَنْ تَوَلّى وَ كَفَرَ)5 ، وهم قوم مسلمون، هل أنت مغن عنّي قومك ؟ قال: نعم....(5)

ص:489


1- (1) عنه ابن أبي شيبة في المصنّف 544/7(37814).
2- (2) الأخبار الطوال ص 151, وقعة الجمل.
3- (3) غريب الحديث 33/4 «ذفّف».
4- (4) الثقات 284/2، حوادث السنة السادسة والثلاثون.
5- (6) تاريخ الطبري 496/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, نزول أميرالمؤمنين ذاقار. وأورده ابن الأثير

15863. ابن أعثم: فلمّا كان من الغد زحفت الناس بعضهم إلي بعض، وأقبل علي رضى الله عنه علي أصحابه فقال: أيّها الناس، انظروا ولا تقاتلوا القوم حتّي يبدؤوكم بالقتال، فإنّكم بحمد الله علي بصيرة ويقين، وإذا أنتم قاتلتموهم فهزمتموهم فلا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تكشفوا عورة، وإذا وصلتم إلي رجال القوم فلا تهتكوا ستراً، ولا تدخلوا داراً إلّا بإذن، ولا تأخذوا من أموالهم شيئاً إلّا ما أصبتموه في عسكرهم، ولا تكلّموا الناس، وإيّاكم ونساء امرائكم! فإنهنّ ضعيفات الأنفس والعقول، هذه وصيّتي لكم قبل محاربة القوم، وهذا الآن.

فقال الناس: سمعاً وطاعة يا أميرالمؤمنين.(1).

15864. الإسكافي: لقد ذكر أميرالمؤمنين - بيّض الله وجهه - بعد رجوعه من البصرة من قعد عنه [وأنّبهم]، فقام إليه صاحب شرطته مالك بن حبيب اليربوعي، فقال: إنّ التأنيب والهجر [لهم] لقليل, فمرنا بقتلهم، فوالله لئن أمرتنا لنقتلنّهم.

فقال علي: سبحان الله يا مالك! جزت المدي، وعدوت الحكم، وأغرقت في النزع.

فقال: يا أميرالمؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في امور تنوبك من مداهنة الأعادي.

فقال علي: ليس هذا قضاء الله يا مالك؛ إنّما النفس بالنفس، فما بال ذكرك الغشم وقد قال الله - تبارك وتعالي -: (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً)2 ؟ والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهي الله عن ذلك، وذلك هو الغشم الّذي نهي الله عنه.(2)

15865. الإسكافي: وبلغ من عفوه أنّه يوم الحكمين كان في يده أسري من أهل

ص:490


1- (1) الفتوح 44/3-45, ذكر الوقعة الثانية بالصفّين.
2- (3) المعيار والموازنة ص 97, بيان أشعّات من أنوار الآراء العلويّة.

الشام فخلّي سبيلهم، ومنعوه الماء ولم يمنعهم.

ونادي يوم الجمل عند الطعن: أن لا تقحموا منازلهم، ولا تغنموا أموالهم، ولا تتبعوا المولّي منهم.(1)

15866. ابن قتيبة:... وانهزم الناس، واُسرت عائشة، واُسر مروان بن الحكم وعمرو بن عثمان وموسي بن طلحة وعمرو بن سعيد بن العاص، فقال عمّار لعلي: يا أميرالمؤمنين، أقتل هؤلاء الأسري ؟ فقال علي: لا أقتل أسير أهل القبلة إذا رجع ونزع.

فدعا علي بموسي بن طلحة، فقال الناس: هذا أوّل قتيل يقتل، فلمّا أتي به علي قال: تبايع وتدخل فيما دخل فيه الناس ؟ قال: نعم. فبايع وبايع الجميع، وخلّي سبيلهم، وسأل الناس عليّاً ما كان عرض عليهم قبل ذلك، فأعطاه، ثمّ أمر المنادي فنادي: لا يقتلنّ مدبر، ولا يجهز علي جريح....(2)

15867. البلاذري: قال أبومخنف في إسناده:

ارتثّ مروان يوم الجمل فصار إلي قوم من عنزة، وبعث إلي مالك بن مسمع يستجيره، فأشار عليه أخوه مقاتل أن يفعل فأجاره، وسأل عليّاً له الأمان فآمنه، وعرض عليه أن يبايعه حين بايعه الناس بالبصرة؛ فأبي وقال: ألم تؤمني ؟ قال: بلي.

قال: فإنّي لا ابايعك حتّي تكرهني. قال علي: فإنّي لا اكرهك، فوالله أن لو بايعتني بإستك لغدرت!

ثمّ إنّه مضي إلي معاوية.

وصار ابن الزبير إلي دار رجل من الأزد، وبعث بالأزدي إلي عائشة ليعلمها مكانه، فبعثت إليه محمّد بن أبي بكر, فجاءها به وقد تغالظا في الطريق.

وصار إليها أيضاً عتبة بن أبي سفيان بعد أن أجاره عصمة بن الزبير، فبلغ عليّاً

ص:491


1- (1) المعيار والموازنة ص 234, ذكر نبذة من عوالم عفوه.
2- (2) الإمامة والسياسة 79/1, التحام الحرب.

مكانهما عند عائشة، فسكت ولم يعرض لهما.

قالوا: وقام علي حين ظهر وظفر خطيباً فقال: يا أهل البصرة، قد عفوت عنكم فإيّاكم والفتنة، فإنّكم أوّل الرعيّة نكث البيعة وشقّ عصا الاُمّة.

ثمّ جلس وبايعه الناس، وكتب إلي قرظة بن كعب بالفتح، وجزي أهل الكوفة علي نصرة آل نبيّهم خيراً.(1)

15868. البلاذري: قالوا: وأقبل شبيب بن عامر من نصيبين في ستّمئة فارس ورجّالة، ويقال في أكثر من هذا العدد، فوجد كميلاً قد أوقع بالقوم واجتاحهم، فهنّاه بالظفر وقال: والله لأتبعنّ القوم، فإن لقيتهم لم يزدهم لقائي إلّا هلاكاً وفلاً، وإن لم ألقهم لم اثنّ أعنّة الخيل حتّي أطأ أرض الشام.

وطوي خبره عن أصحابه فلم يعلمهم أين يريد، فسار حتّي صار إلي جسر منبج فقطع الفرات، ووجّه خيله فأغارت ببعلبك وأرضها، وبلغ معاوية خبر شبيب، فوجّه حبيب بن مسلمة للقائه، فرجع شبيب فأغار علي نواحي الرقّة، فلم يدع للعثمانيّة بها ماشية إلّا استاقها، ولا خيلاً ولا سلاحاً إلّا أخذه، وكتب بذلك إلي علي حين انصرف نواحي نصيبين، فكتب إليه ينهاه عن أخذ مواشي الناس وأموالهم إلّا الخيل والسلاح الّذي يقاتلون به. وقال: رحم الله شبيباً لقد أبعد الغارة وعجّل الانتصار.(2)

15869. البلاذري:... كان في الخوارج أربعون جريحاً، فأمر علي بإدخالهم الكوفة ومداواتهم، ثمّ قال: الحقوا بأىّ البلاد شئتم.(3)

15870. أبويوسف: إنّ الصحيح عندنا من الأخبار عن علي بن أبي طالب رضى الله عنه أنّه لم

ص:492


1- (1) أنساب الأشراف 57/3-58, مقتل الزبير بن العوّام.
2- (2) أنساب الأشراف 231/3-233، غارة عبدالرحمان بن قباث. ومثله في الكامل لابن الأثير 190/3-191، حوادث سنة تسع و ثلاثين, ذكر غارة أهل الشام علي أهل الجزيرة.
3- (3) أنساب الأشراف 248/3، أمر أبي مريم السعدي. وأورده ابن الأثير في الكامل 188/3, حوادث سنة ثمان وثلاثين, ذكر أمر الخوارج بعد النهروان.

يقاتل قوماً قطّ من أهل القبلة ممّن خالفه حتّي يدعوهم، وأنّه لم يتعرّض بعد قتالهم وظهوره عليهم لشيء من مواريثهم، ولا لنسائهم، ولا لذراريهم.(1)

15871. الخوارزمي: في رواية: وحمل الوليد بن عقبة علي أميرالمؤمنين عليه السلام مع ألف فارس فحمل عليه أميرالمؤمنين مع ألف فارس، فانهزم الوليد ومن معه ولم يتبعهم أميرالمؤمنين، وكذلك كان يفعل، فقال الأصبغ بن نباتة وصعصعة بن صوحان: يا أميرالمؤمنين، كيف يكون لنا الفتح وإذا هزمناهم لم نقتلهم وإذا هزمونا قتلونا؟

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: إنّ معاوية لا يعمل بكتاب الله ولا بسنّة رسوله، ولست أنا كمعاوية، ولو كان عنده علم وعمل لما حاربني، والله بيني وبينه.(2)

15872. ابن كثير: نادي منادي علي في الناس: إنّه لا يتبع مدبر، ولا يذفّف علي جريح، ولا يدخلوا الدور. وأمر علي نفراً أن يحملوا الهودج من بين القتلي، وأمر محمّد بن أبي بكر وعمّاراً أن يضربا عليها قبّة، وجاء إليها أخوها محمّد فسألها: هل وصل إليك شيء من الجراح ؟ فقالت: لا، وما أنت ذاك يا ابن الخثعميّة!

وسلّم عليها عمّار فقال: كيف أنت يا امّ ؟ فقالت: لست لك باُمّ . قال: بلي وإن كرهت.

وجاء إليها علي بن أبي طالب أميرالمؤمنين مسلّماً، فقال: كيف أنت يا امّه ؟ قالت: بخير. فقال: يغفر الله لك.

وجاء وجوه الناس من الاُمراء والأعيان يسلّمون علي امّ المؤمنين - رضي الله عنها -.(3)

15873. الباعوني: كان منادي علي عليه السلام يخرج كلّ يوم فينادي: أيّها الناس، لا يجهزنّ علي جريح، ولا يتبعنّ مولّ ، ولا يسلبنّ قتيل، ومن ألقي سلاحه فهو آمن.(4)

ص:493


1- (1) الخراج ص 214, فصل في قتال أهل الشرك وأهل البغي.
2- (2) المناقب ص 249, ذيل الحديث 240.
3- (3) البداية والنهاية 244/7, حوادث سنة ستّ وثلاثين, ابتداء وقعة الجمل.
4- (4) جواهر المطالب 35/2، الباب الرابع والخمسون, في [حوادث] أيّام صفّين.

15874. ابن أبي الحديد: أمّا الحلم والصفح، فكان أحلم الناس عن ذنب، وأصفحهم عن مسيء، وقد ظهر صحّة ما قلناه يوم الجمل؛ حيث ظفر بمروان بن الحكم - وكان أعدي الناس له، وأشدّهم بغضاً - فصفح عنه.

وكان عبدالله بن الزبير يشتمه علي رؤوس الأشهاد، وخطب يوم البصرة فقال: قد أتاكم الوغد اللئيم علي بن أبي طالب. وكان علي عليه السلام يقول: ما زال الزبير رجلاً منّا أهل البيت حتّي شبّ عبدالله، فظفر به يوم الجمل، فأخذه أسيراً، فصفح عنه، وقال: اذهب فلا ارينّك. لم يزده علي ذلك.

وظفر بسعيد بن العاص بعد وقعة الجمل بمكّة - وكان له عدوّاً - فأعرض عنه ولم يقل له شيئاً.

وقد علمتم ما كان من عائشة في أمره، فلمّا ظفر بها أكرمها، وبعث معها إلي المدينة عشرين امرأة من نساء عبدالقيس عمّمهنّ بالعمائم وقلّدهنّ بالسيوف، فلمّا كانت ببعض الطريق ذكرته بما لا يجوز أن يذكر به، وتأفّفت وقالت: هتك ستري برجاله وجنده الّذين وكلهم بي. فلمّا وصلت المدينة ألقي النساء عمائمهنّ وقلن لها: إنّما نحن نسوة.

وحاربه أهل البصرة، وضربوا وجهه ووجوه أولاده بالسيوف، وشتموه ولعنوه، فلمّا ظفر بهم رفع السيف عنهم، ونادي مناديه في أقطار العسكر: ألا لا يتبع مولّ ، ولا يهجز علي جريح، ولا يقتل مستأسر، ومن ألقي سلاحه فهو آمن، ومن تحيّز إلي عسكر الإمام فهو آمن. ولم يأخذ أثقالهم، ولا سبي ذراريهم، ولا غنم شيئاً من أموالهم، ولو شاء أن يفعل كلّ ذلك لفعل، ولكنّه أبي إلّا الصفح والعفو، وتقيّل سنّة رسول الله صلى الله عليه و آله يوم فتح مكّة، فإنّه عفا والأحقاد لم تبرد، والإساءة لم تنس.

ولمّا ملك عسكر معاوية عليه الماء؛ وأحاطوا بشريعة الفرات؛ وقالت رؤساء الشام له: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشاً؛ سألهم علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فقالوا: لا والله، ولا قطرة حتّي تموت ظمأ كما مات ابن عفان. فلمّا رأي عليه السلام أنّه الموت لا محالة تقدّم بأصحابه، وحمل علي عساكر معاوية حملات كثيفة، حتّي أزالهم

ص:494

عن مراكزهم بعد قتل ذريع سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة، لا ماء لهم، فقال له أصحابه وشيعته: امنعهم الماء يا أميرالمؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي فلا حاجة لك إلي الحرب. فقال: لا والله، لا اكافئهم بمثل فعلهم، أفسحوا لهم عن بعض الشريعة، ففي حدّ السيف ما يغني عن ذلك.

فهذه إن نسبتها إلي الحلم والصفح فناهيك بها جمالاً وحسناً، وإن نسبتها إلي الدين والورع فأخلق بمثلها أن تصدر عن مثله عليه السلام!(1)

15875. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2): فدخل الكوفة ومعه أشراف الناس من أهل البصرة وغيرهم، فاستقبله أهل الكوفة... ثمّ صعد المنبر وأثني عليه وصلّي علي رسوله، ثمّ قال... فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي - وكان صاحب شرطته - فقال: والله إنّي لأري الهجر وسماع المكروه لهم قليلاً، والله لو أمرتنا لنقتلنّهم.

فقال علي عليه السلام: سبحان الله يا مال! جزت المدي، وعدوت الحدّ، فأغرقت في النزع.

فقال: يا أميرالمؤمنين، لبعض الغشم أبلغ في أمر ينوبك من مهادنة الأعادي.

فقال علي عليه السلام: ليس هكذا قضي الله، يا مال، قال سبحانه: (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ )3 ، فما بال ذكر الغشم ؟! وقال تعالي: (وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ )4 ، والإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك، فقد نهي الله عنه، وذاك هو الغشم.(3)

15876. ابن أبي الحديد: روي أبومخنف، قال:

ص:495


1- (1) شرح نهج البلاغة 22/1-24, المقدّمة, القول في نسب أميرالمؤمنين علي عليه السلام.
2- (2) وقعة صفّين ص 3.
3- (5) شرح نهج البلاغة 102/3-104، شرح الخطبة 43.

لمّا تزاحف الناس يوم الجمل والتقوا قال علي عليه السلام لأصحابه: لا يرمينّ رجل منكم بسهم، ولا يطعن أحدكم فيهم برمح، حتّي أحدث إليكم، وحتّي يبدؤوكم بالقتال وبالقتل. فرمي أصحاب الجمل عسكر علي عليه السلام بالنبل رمياً شديداً متتابعاً، فضجّ إليه أصحابه، وقالوا: عقرتنا سهامهم يا أميرالمؤمنين. وجيء برجل إليه، وإنّه لفي فسطاط له صغير، فقيل له: هذا فلان قد قتل. فقال: اللهمّ اشهد. ثمّ قال: أعذروا إلي القوم. فأتي برجل آخر فقيل: وهذا قد قتل. فقال: اللهمّ اشهد، أعذروا إلي القوم.

ثمّ أقبل عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي - وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله -، يحمل أخاه عبدالرحمان بن بديل، قد أصابه سهم فقتله، فوضعه بين يدي علي عليه السلام وقال: يا أميرالمؤمنين، هذا أخي قد قتل. فعند ذلك استرجع علي عليه السلام، ودعا بدرع رسول الله صلى الله عليه و آله ذات الفضول فلبسها، فتدلّت بطنه فرفعها بيده، وقال لبعض أهله، فحزم وسطه بعمامة، وتقلّد ذاالفقار، ودفع إلي ابنه محمّد راية رسول الله صلى الله عليه و آله السوداء، وتعرف بالعقاب، وقال لحسن وحسين عليه السلام: إنّما دفعت الراية إلي أخيكما، وتركتكما لمكانكما من رسول الله صلى الله عليه و سلم.(1)

15877. ابن أبي الحديد: ومنها(2) قوله [عليه السلام]: واصفح مع الدولة تكن لك العاقبة.

هذه كانت شيمة رسول الله صلى الله عليه و آله، وشيمة علي عليه السلام، أمّا شيمة رسول الله صلى الله عليه و آله فظفر بمشركي مكّة وعفا عنهم، كما سبق القول فيه في عام الفتح، وأمّا علي عليه السلام فظفر بأصحاب الجمل وقد شقّوا عصا الإسلام عليه، وطعنوا فيه وفي خلافته، فعفا عنهم، مع علمه بأنّهم يفسدون عليه أمره فيما بعد، ويصيرون إلي معاوية، إمّا بأنفسهم أو بآرائهم ومكتوباتهم، وهذا أعظم من الصفح عن أهل مكّة؛ لأنّ أهل مكّة لم يبق لهم لمّا فتحت فئة يتحيّزون إليها، ويفسدون الدين عندها.(3)

ص:496


1- (1) شرح نهج البلاغة 111/9، شرح الخطبة 148.
2- (2) أي من وصايا جليلة الموقع الّتي كتبها علي عليه السلام إلي الحارث الهمداني.
3- (3) شرح نهج البلاغة 47/18، شرح الكتاب 69.

15878. مسكويه: كان من سيرة علي [عليه السلام] إلّا يقتل مدبراً، ولا يذفّف علي جريح، ولا يكشف ستراً، ولا يأخذ مالاً.

فقال قوم يومئذ: ما يحلّ لنا دماءهم، ويحرّم علينا أموالهم ؟

فقال علي: القوم أمثالكم، من صفح عنّا فهو منّا ونحن منه، ومن لجّ حتّي يصاب فقتاله منّي علي الصدر والنحر، وإنّ لكم في خمسه لغني.

فيومئذ تكلّمت الخوارج.

وكتب كتاب البشارة إلي عامله بالمدينة، وكان زياد ممّن اعتزل، فلمّا انجلت الحرب ذكره علي واستبطأه، فقال ابن أخيه عبدالرحمان بن أبي بكرة، وكان ورد مستأمناً: هو مستأمن يا أميرالمؤمنين ؟

فقال: امش أمامي، فاهدني إليه.

ففعل، فلمّا دخل عليه قال: تقاعدت وتربّصت.

فاعتذر زياد، فقبل عذره، واستشاره في من يولّيه البصرة، وأراده عليها.

فقال: يا أميرالمؤمنين، رجل من أهل بيتك يسكن إليه الناس، فإنّه أجدر أن يطمئنّوا إليه، وسأكفيه واُشير عليه.

فافترقا علي ابن عبّاس، وولّي زياداً الخراج وبيت المال....

وجهّز علي عائشة لغرّة رجب سنة ستّ وثلاثين بكلّ شيء ينبغي لها، وأخرج معها كلّ من نجا ممّن خرج معها إلّا من أحبّ المقام، واختار من نساء البصرة المعروفات أربعين امرأة، وأمر أخاها محمّداً بالخروج معها، وخرج في تشييعها أميالاً، وسرّح بنيه معها يوماً.(1)

15879. سبط ابن الجوزي: اخذ مروان بن الحكم فتشفّع فيه الحسن والحسين عليه السلام، فأطلقه علي عليه السلام.(2)

ص:497


1- (1) تجارب الاُمم 506/1-507, خلافة الإمام علي, سيرة علي في من قاتل يوم الجمل, تجهيز علي عائشة.
2- (2) تذكرة الخواصّ 390/1، الباب الثالث, في ذكر خلافته عليه السلام.

15880. الجاحظ : كان علي لا يستعمل في حربه إلّا ما عدّله ووافق فيه الكتاب والسنّة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنّة، ويستعمل جميع المكايد وجميع الخدع حلالها وحرامها، ويسير في الحرب سيرة ملك الهند إذا لاقي كسري، وخاقان إذا لاقي رتبيل، وفغفور إذا لاقي المهراج، وعلي عليه السلام يقول: لا تبدؤوهم بقتل حتّي يبدؤوكم، ولا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ولا تفتحوا باباً مغلقاً....(1)

15881. ابن أبي شيبة: كان علي يخرج مناديه يوم الجمل: لا يسلبنّ قتيل، ولا يتبع مدبر، ولا يجهز علي جريح.(2)

15882. المدائني: كان منادي علي يخرج كلّ يوم وينادي: أيّها الناس، لاتجهزنّ علي جريح، ولا تتبعنّ مولّياً، ولا تسلبنّ قتيلاً، ومن ألقي سلاحه فهو آمن.(3)

ص:498


1- (1) رسائل الجاحظ ، الرسائل السياسيّة ص 365, رسالة في الحكمين, معاوية ليس أدهي من علي (16)، وعنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 228/10، شرح الكلام 193, مع اختلاف لفظي.
2- (2) عنه ابن عبد ربّه في العقد الفريد 73/5، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم, مقتل الزبير بن العوّام.
3- (3) عنه ابن عبد ربّه في العقد الفريد 85/5، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم, يوم صفّين.

الباب السابع: سياسته عليه السلام الأمنيّة

اشارة

من أعظم نعم الله تعالي علي عباده أمنيّة البلاد، فإنّها من النعم الّتي لا يعلم الناس قدرها إلّا بعد افتقادها، وهي من وظائف الحكومة، وقد صرّح بذلك أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في إحدي خطبه، حيث قال:

اللهمّ إنّك تعلم أنّه لم يكن الّذي كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك، ويأمن المظلوم من عبادك، ويعمل بفرائضك وسنّتك وأحكامك.(1)

ونحن نذكر هنا أهمّ سياسته عليه السلام الأمنيّة في فروع:

الأوّل: الاستخبار وبثّ العيون
اشارة

برواية:

1. جندب الأزدي - 3. عمرو بن شمر

2. الضحّاك بن عثمان الحزامي - 4. ما ورد مرسلاً

1. جندب الأزدي

15883. الطبري: قال هشام عن أبي مخنف، قال: وحدّثني الحارث بن كعب بن فقيم،

ص:499


1- (1) المعيار والموازنة ص 277-278, كلامه عليه السلام في تأكّد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتذكرة الخواصّ 486/1-487، الباب الخامس, في المختار من كلامه عليه السلام, خطبة تعرف بالمنبريّة.

عن جندب [الأزدي]:

عن عبدالله بن فقيم عمّ الحارث بن كعب [أنّه جاء](1) يستصرخ من قبل محمّد بن أبي بكر إلي علي - ومحمّد يومئذ أميرهم - فقام علي في الناس وقد أمر فنودي: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس... ثمّ إنّ الحجّاج بن غزيّة الأنصاري ثمّ النجّاري قدم علي علي من مصر، وقدم عبدالرحمان بن شبيب الفزاري، فأمّا الفزاري فكان عينه بالشام....(2)

2. الضحّاك بن عثمان الحزامي

15884. ابن بكّار: حدّثني محمّد بن الضحّاك, عن أبيه:

أنّ ابن غزيّة الأنصاري ثمّ النجّاري قدم علي علي بن أبي طالب من مصر، وقدم عبدالرحمان بن شبيب الفزاري عليه من الشام، وكان عينه بها....(3)

3. عمرو بن شمر

15885. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](4): وحدّثنا عمرو بن شمر، قال:

بعث علي عليه السلام خيلاً ليحبسوا عن معاوية مادّته، فبعث معاوية الضحّاك بن قيس الفهري في خيل إلي تلك الخيل فأزالوها، وجاءت عيون علي عليه السلام فأخبروه بما كان....(5)

ص:500


1- (1) الظاهر أنّ هذا هو الصواب، وكان موضعه في الأصل بياضاً، وبهامشه: «سقط في اُصول ط »، ويؤيّده رواية ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 89/6-91، شرح الخطبة 67، قال: قال إبراهيم [الثقفي في الغارات ص 190-191, ورود قتل محمّد بن أبي بكر علي علي عليه السلام]: «وحدّثني محمّد بن عبدالله، عن المدائني، عن الحارث بن كعب بن عبدالله بن قعين، عن حبيب بن عبدالله، قال: والله إنّي لعند علي جالس إذ جاءه عبدالله بن معين وكعب بن عبدالله من قبل محمّد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة، فقام علي...»، مع مغايرات لفظي، ولا يخفي ما فيه من التصحيفات.
2- (2) تاريخ الطبري 106/5-108، حوادث سنة ثمان وثلاثين, وفيها قتل محمّد بن أبي حذيفة.
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 431/34، ترجمة عبدالرحمان بن شبيب الفزاري (3830).
4- (4) وقعة صفّين ص 360.
5- (5) شرح نهج البلاغة 39/8-40، شرح الخطبة 124.
4. ما ورد مرسلاً

15886. البلاذري: قدم علي علي بن أبي طالب عين له بالشام فأخبره بخبر بسر، يقال: إنّه قيس بن زرارة بن عمرو بن الحطيان الهمداني، وكان قيس هذا عيناً له بالشام يكتب إليه بالأخبار، ويقال: إنّ كتابه ورد عليه بخبر بسر.(1)

15887. الطبري: شاع في أهل الشام أنّ قيس بن سعد قد بايع معاوية بن أبي سفيان، فسرّحت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك، فلمّا أتاه ذلك أعظمه وأكبره....(2)

15888. الإسكافي: ذكروا أنّه قدم عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلي الأنبار وأتبعه كتاباً منه:... وانظر جندك فأقم بهم بالمكان الّذي أنت به، وإيّاك ومواقعة أحد من خيل العدّو حتّي أتقدّم عليك، وأذْكِ العيون نحوهم(3) ، وليكن مع عيونك من السلاح ما يباشرون به القتال، ولتكن عيونك الشجعان من جندك، فإنّ الجبان لا يأتيك بصحّة الأمر.(4)

15889. ابن عساكر: قيس بن زرارة بن عمر بن حظيان الهمداني من أهل الكوفة, كان عيناً لعلي بن أبي طالب بالشام علي معاوية بن أبي سفيان.(5)

15890. ابن أبي الحديد: قال [إبراهيم الثقفي](6):

فشاع في الشام كلّها أنّ قيساً صالح معاوية، وأتت عيون علي بن أبي طالب إليه بذلك، فأعظمه وأكبره وتعجّب له....(7)

ص:501


1- (1) أنساب الأشراف 212/3، غارة بسر بن أبي أرطاة.
2- (2) تاريخ الطبري 553/4، حوادث سنة ستّ وثلاثين, آخر حديث الجمل.
3- (3) يقال: أذكي عليه العيون: أرسل عليه الجواسيس.
4- (4) المعيار والموازنة ص 130-131, قيام أميرالمؤمنين عليه السلام في الناس ومشاورته إيّاهم.
5- (5) تاريخ مدينة دمشق 396/49، ترجمة الرجل (5755).
6- (6) الغارات ص 134-135, ولاية قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري رحمه الله مصر.
7- (7) شرح نهج البلاغة 62/6، شرح الخطبة 67.

15891. ابن أعثم: قد كان مع معاوية رجل من حمير يقال له الحصين بن مالك, وكان يكاتب علي بن أبي طالب رضى الله عنه ويدلّه علي عورات معاوية....(1)

15892. ابن أبي الحديد: قال نصر [بن مزاحم](2):

وقام عدىّ بن حاتم الطائي إلي علي عليه السلام، فقال: يا أميرالمؤمنين، إنّ عندي رجلاً لا يوازي به رجل، وهو يريد أن يزور ابن عمّه حابس بن سعد الطائي بالشام، فلو أمرناه أن يلقي معاوية لعلّه أن يكسره ويكسر أهل الشام. فقال علي عليه السلام: نعم. فأمره عدىّ بذلك - وكان اسم الرجل خفاف بن عبدالله -.

فقدم علي ابن عمّه حابس بن سعد بالشام - وحابس سيّد طيئ بها -، فحدّث خفاف حابساً أنّه شهد عثمان بالمدينة، وسار مع علي إلي الكوفة، وكان لخفاف لسان وهيئة وشعر، فغدا حابس بخفاف إلي معاوية، فقال: إنّ هذا ابن عمّ لي قدم الكوفة مع علي، وشهد عثمان بالمدينة، وهو ثقة.

فقال له معاوية: هات، حدّثنا عن عثمان. فقال: نعم....

قال: فانكسر معاوية وقال: يا حابس، إنّي لأظنّ عيناً لعلي، أخرجه عنك لئلّا يفسد علينا أهل الشام.(3)

الثاني: بناؤه للسجن، وأنّه أوّل من بناه في الإسلام
اشارة

برواية:

1. أبي حيّان التيمي - 3. ما ورد مرسلاً

2. مجمع -

ص:502


1- (1) الفتوح 127/3، ذكر ما جري من المناظرة بين أبي نوح وذي الكلاع الحميري.
2- (2) وقعة صفّين ص 64-68.
3- (3) شرح نهج البلاغة 110/3-112، شرح الخطبة 43. وروي نحوه ابن قتيبة في الإمامة والسياسة 87/1-88، قدوم ابن عمّ عدىّ بن حاتم الشام، وابن أعثم في الفتوح 360/2-361، خبر الطائي مع معاوية.

1. - أبوحيّان التيمي

15893. البلاذري: حدّثنا يوسف بن موسي، حدّثنا جرير بن عبدالحميد، عن أبي حيّان التيمي، قال:

بني علي سجناً من قصب وسمّاه نافعاً، ثمّ بناه بلبن، فقال:

ألا تراني كيّساً مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا

- سجناً حصيناً وأميراً كيّسا(1)

2. مجمع

15894. ابن أبي شيبة: حدّثنا يحيي بن عبيد، عن أبي حيّان، عن مجمع، قال:

بني علي سجناً فسمّاه نافعاً، ثمّ بدا له فكسره وبني أحصن منه، ثمّ قال بيت شعر:

ألم [تراني] كيّساً مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا(2)

3. ما ورد مرسلاً

15895. ابن الأثير: في حديث علي أنّه بني سجناً فسمّاه المخيّس، وقال:

بنيت بعد نافع مخيّسا باباً حصيناً وأميناً كيّسا

نافع: اسم حبس كان له من قصب، هرب منه طائفة من المحبّسين، فبني هذا من مدر وسمّاه المخيّس، وتفتح ياؤه وتكسر.(3)

15896. ابن منظور: المُخَيَّس: وهو سجن كان بالعراق. قال ابن سيدة: والمُخَيَّس السجن؛ لأنّه يُخَيِّس المحبوسين, وهو موضع التذليل، وبه سمّي سجن الحجّاج مُخَيَّساً، وقيل: هو سجن بالكوفة بناه أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه -.

ص:503


1- (1) أنساب الأشراف 359/2, ترجمة علي بن أبي طالب.
2- (2) المصنّف 276/5(26025).
3- (3) النهاية 92/2 «خيس».

وفي حديث علي أنّه بني حبساً وسمّاه المُخَيَّس؛ وقال:

أما تراني كيّساً مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا

باباً كبيراً وأميناً كيّسا

نافع: سجن بالكوفة كان غير مستوثق البناء، وكان من قصب فكان المحبوسون يهربون منه، وقيل: إنّه نقب واُفلت منه المحبّسون فهدمه علي رضى الله عنه وبني المخيّس لهم من مدر.(1)

15897. البكري: مخيّس - بضمّ أوّله وفتح ثانيه وكسر الياء اخت الواو بعدها سين مهملة -: سجن بناه علي بالكوفة، وكان له قبل سجن يسمّي نافعاً، ولم يكن مستوثق البناء, فكان المسجونون يخرجون منه، فهدمه وبني مخيّساً، وقال:

ألا تراني كيّساً مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا

حصناً حصيناً وأميراً كيّسا(2)

15898. البكري: نافع - بكسر الفاء بعدها عين مهملة -: اسم سجن بالكوفة، كان علي بن أبي طالب رضى الله عنه بناه من قصب، فنقبه اللصوص، فبني سجناً من مدر وحجر وسمّاه مخيّساً، وقد تقدّم ذكره.

وهكذا رواه قوم نافعاً بالنون، ورواه آخرون يافعاً بالياء، وكلاهما صحيح المعني.

وقال علي رضى الله عنه لمّا بني مخيّساً:

ألا تراني كيّساً مكيّسا بنيت بعد نافع مخيّسا(3)

15899. الزمخشري: علي عليه السلام بني سجناً من قصب فسمّاه مانعاً، فنقبه اللصوص، ثمّ بني سجناً من مدر فسمّاه مخيّساً، ثمّ قال:

ص:504


1- (1) لسان العرب 260/4 «خيس».
2- (2) معجم ما استعجم 1199/4 «مخيّس».
3- (3) معجم ما استعجم 1290/4 «نافع».

أما تراني كيّساً مكيّساً بنيت بعد نافع مخيّساً

باباً حصيناً وأميناً كيّساً(1)

15900. السيوطي: أوّل من بني السجن في الإسلام علي بن أبي طالب، وكانت الخلفاء قبله يحبسون في الآبار.(2)

الثالث: إجلاء المتآمرين والمفسدين أو حبسهم
اشارة

برواية:

1. عبدالملك بن عمير - 3. ما ورد مرسلاً

2. المحلّ بن خليفة -

1. عبدالملك بن عمير

15901. أبويوسف: حدّثني إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، عن عبدالملك بن عمير، قال:

كان علي بن أبي طالب إذا كان في القبيلة أو القوم الرجل الداعر(3) حبسه، فإن كان له مال أنفق عليه من ماله، وإن لم يكن له مال أنفق عليه من بيت مال المسلمين، وقال: يحبس عنهم شرّه وينفق عليه من بيت مالهم.(4)

2. المحلّ بن خليفة

15902. الطبري: قال أبومخنف عن مجاهد، عن المحلّ بن خليفة:

أنّ رجلاً منهم من بني سدوس يقال له العيزار بن الأخنس؛ كان يري رأي

ص:505


1- (1) الفائق 405/1 «خيس»، وقال: المخيّس: موضع التخييس وهو التذليل.
2- (2) الوسائل ص 54 (357)، ثمّ قال: رأيته في الشواهد الكبري للعيني.
3- (3) دَعَرَ - و دَعِرَ - دعارة الرجل: فجر. تدعَّر الرجل: خبث. الدعر والدعرة والدَعارة والدِعارة: الخبث والفسق والفساد, والداعر: الخبيث المفسد.
4- (4) الخراج ص 150, فصل في أهل الدعارة والتلصّص والجنايات.

الخوارج، خرج إليهم، فاستقبل وراء المدائن عدىّ بن حاتم ومعه الأسود بن قيس والأسود بن يزيد المراديّان، فقال له العيزار حين استقبله: أ سالم غانم، أم ظالم آثم ؟ فقال عدىّ : لا، بل سالم غانم.

فقال له المراديّان: ما قلت هذا إلّا لشرّ في نفسك، وإنّك لنعرفك يا عيزار برأي القوم، فلا تفارقنا حتّي نذهب بك إلي أميرالمؤمنين فنخبره خبرك.

فلم يكن بأوشك أن جاء علي فأخبراه خبره، وقالا: يا أميرالمؤمنين، إنّه يري رأي القوم، قد عرفناه بذلك. فقال: ما يحلّ لنا دمه، ولكنّا نحبسه.

فقال عدىّ بن حاتم: يا أميرالمؤمنين، ادفعه إلىّ وأنا أضمن إلّا يأتيك من قبله مكروه. فدفعه إليه.(1)

3. ما ورد مرسلاً

15903. ابن أبي الحديد: قد روي أنّ عمران بن الحصين كان من المنحرفين عنه عليه السلام، وأنّ عليّاً سيّره إلي المدائن؛ وذلك أنّه كان يقول: إن مات علي فلا أدري ما موته، وإن قتل فعسي أنّي إن قتل رجوت له.(2)

الرابع: تأسيس شرطة الخميس

الرابع: تأسيس شرطة الخميس(3)

برواية: محمّد بن شهاب الزهري

15904. الطبري: حدّثني عبدالله بن أحمد بن شبّويه المروزي، قال: حدّثنا أبي، قال:

ص:506


1- (1) تاريخ الطبري 89/5، حوادث سنة سبع وثلاثين, ذكر ما كان من خبر الخوارج.
2- (2) شرح نهج البلاغة 77/4، شرح الخطبة 56.
3- (3) الشرطة - بسكون الراء وفتحها -: الجُند، والجمع شُرَط ، وهم أعوان السلطان والولاة، وأوّل كتيبة تشهد الحرب وتتهيّأ للموت، سمّوا بذلك لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها للأعداء. مجمع البحرين 942/2. والخميس: الجيش، سمّي به لأنّه مقسوم بخمسة أقسام: المقدّمة، والسابقة، والميمنة، والميسرة، والقلب، وقيل: لأنّه تخمّس فيه الغنائم. النهاية 79/2 «خمس».

حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا عبدالله، عن يونس، عن الزهري، قال:

جعل علي عليه السلام قيس بن سعد علي مقدّمته من أهل العراق إلي قِبَل أذربيجان وعلي أرضها وشرطة الخميس الّذي ابتدعه من العرب، وكانوا أربعين ألفاً، بايعوا عليّاً عليه السلام علي الموت، ولم يزل قيس يدارئ ذلك البعث حتّي قتل علي عليه السلام.(1)

الخامس: امتناعه عليه السلام من حراسته الحرّاس
اشارة

برواية:

1. سفيان بن عيينة - 3. يحيي بن أبي كثير

2. أبي مجلز - 4. يعلي بن مرّة

1. سفيان بن عيينة

15905. ابن عبد ربّه: سفيان بن عيينة، قال:

كان علي بن أبي طالب رضى الله عنه يخرج بالليل إلي المسجد، فقال اناس من أصحابه: نخشي أن يصيبه بعض عدوّه، ولكن تعالوا نحرسه.

فخرج ذات ليلة فإذا هو بنا، فقال: ما شأنكم ؟ فكتمناه، فعزم علينا، فأخبرناه، فقال: تحرسوني من أهل السماء أو من أهل الأرض ؟ قلنا: من أهل الأرض. قال: إنّه ليس يقضي في الأرض حتّي يقضي في السماء.(2)

2. أبومجلز

15906. ابن عليّة: عن عمارة بن أبي حفصة, عن أبي مجلز, قال:

جاء رجل من مراد إلي علي وهو يصلّي في المسجد, فقال: احترس, فإنّ ناساً من مراد يريدون قتلك. فقال: إنّ مع كلّ رجل ملكين يحفظانه ممّا لم يقدّر, فإذا جاء القدر

ص:507


1- (1) تاريخ الطبري 158/5, ذكر بيعة الحسن بن علي. وراجع عنوان: «عمّاله عليه السلام: قادة الجيش».
2- (2) العقد الفريد 107/5، كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم وأيّامهم، مقتل علي بن أبي طالب.

خلّيا بينه وبينه, وإنّ الأجل جنّة حصينة.(1)

3. يحيي بن أبي كثير

15907. الأوزاعي: حدّثنا يحيي بن أبي كثير وغيره, قال:

قيل لعلي: ألا نحرسك ؟ فقال: حَرَسَ امرء أجلُه.(2)

4. يعلي بن مرّة

15908. أبوداوود: حدّثنا محمّد بن بشّار، حدّثنا عبدالرحمان، حدّثنا زائدة بن قدامة، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن يعلي بن مرّة، قال:

كان علي يخرج بالليل إلي المسجد ليصلّي تطوّعاً، وكان الناس يفعلون ذلك، حتّي كان شبث الحروري، فقال بعضنا لبعض: لو جعلنا علينا عقباً يحضر كلّ ليلة منّا عشرة، فكنت في أوّل من حضر، فألقي درّته ثمّ قام يصلّي، فلمّا فرغ أتانا، فقال: ما يجلسكم ؟ قلنا: نحرسك. فقال: من أهل السماء؟

قال: فإنّه لا يكون في الأرض شيء حتّي يقضي في السماء، وإنّ علىّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عنّي، وإنّه لا يجد عبد طعم الإيمان حتّي يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.(3)

15909. معمر: عن عطاء بن السائب, عن عبدالله بن حفص, عن يعلي بن مرَّة, قال:

ص:508


1- (1) عنه ابن سعد في الطبقات الكبري 24/3, ترجمة علي بن أبي طالب (3), ذكر عبدالرحمان بن ملجم وبيعة علي, ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق 544/42, ترجمة علي بن أبي طالب (4933), وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواصّ 623/1, الباب السادس في ذكر وفاته عليه السلام. وأورده ابن الجوزي في صفة الصفوة 174/1, ترجمة علي بن أبي طالب (5), ذكر مقتله عليه السلام.
2- (2) عنه أبونعيم بإسناده إليه في حلية الأولياء 75/1, ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام, وعنه المتّقي في كنز العمّال 349/1(1568).
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 552/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).

اجتمعنا نفراً من أصحاب علي, فقلت: لو حرسنا أميرالمؤمنين, إنّه محارب, ولا نأمن أن يُغتال. قال: فبينا نحن نحرسه عند باب حجرته حتّي خرج لصلاة الصبح, فقال: ما شأنكم ؟ قلنا: حرسناك يا أميرالمؤمنين ؟ إنّك محارب, وخشينا أن تُغتال فحرسناك. فقال: أ من أهل السماء تحرسوني أم من أهل الأرض ؟ قلنا: لا, بل من أهل الأرض, وكيف نستطيع أن نحرسك من أهل السماء؟

قال: فإنّه لا يكون شيءٌ في الأرض حتّي يقدّر في السماء, وليس من أحد إلّا قد وكّل به ملكان يدفعان عنه ويكلانه حتّي يجيء قدره, فإذا جاء قدره خلّيا بينه وبين قدره.(1)

15910. ابن بطّة: حدّثنا أبوعلي محمّد بن يوسف, قال: حدّثنا عبدالرحمان, قال: حدّثنا حجّاج, قال: حدّثنا حمّاد, عن عطاء بن السائب, عن يعلي بن مرّة:

أن أصحاب علي قالوا: إنّ هذا الرجل في حرب, وإلي جنب عدوّ, وإنّا لا نأمن أن يغتال, فلو حرسه منّا كلّ ليلة عشرة. قال: وكان علي إذا صلّي العشاء لزق بالقبلة فصلّي ماشاء الله أن يصلّي, ثمّ انصرف إلي أهله, فصلّي ذات ليلة ثمّ انصرف فأتي عليهم فقال: ما يجلسكم هذه الساعة ؟ قالوا: جلسنا نتحدّث.

قال: لتخبرونني. فأخبروه, فقال: من أهل السماء تحرسوني أو من أهل الأرض ؟ قالوا: نحن أهون علي الله من أن نحرسك من أهل السماء, لا بل نحن نحرسك من أهل الأرض.

قال: فلا تفعلوا, إنّه إذا قضي أمر من السماء عمله أهل الأرض, وإنّ علىّ من الله جنّة حصينة إلي يومي هذا, ثم نذهب, وإنّه لا يجد عبد طعم الإيمان حتّي يستيقن غير ظانّ أنّه ما أصابه لم يكن ليخطئه, وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه.(2)

15911. ابن عبدالبرّ: روي حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن يعلي بن مرّة:

ص:509


1- (1) الجامع - المطبوع في آخر المصنّف لعبدالرزّاق - 124/11(20096), وعنه عبدالرزّاق في تفسيره 289/1(1360).
2- (2) الإبانة 135/2(1570).

أنّ أصحاب علي رضى الله عنه قالوا: إنّ هذا الرجل في حرب، وإلي جنب عدوّ، وإنّا لا نأمن أن يغتال، فليحرسه منّا كلّ ليلة عشرة. وكان علي إذا صلّي العشاء لصق بقبلة المسجد، فيصلّي ما شاء الله - عزّ وجلّ - أن يصلّي، ثمّ ينصرف إلي أهله، فصلّي ذات ليلة، ثمّ انصرف فرآهم، فقال: ما أجلسكم هنا هذه الساعة ؟ فقالوا: أجلسنا نتحدّث. فقال: لتخبرني. فأخبروه, فقال: أ من أهل الأرض تحرسوني أم من أهل السماء؟ فقالوا: نحن أهون علي الله - عزّ وجلّ - من أن نحرسك من أهل السماء، ولكن نحرسك من أهل الأرض.

قال: فلا تفعلوا، فإنّه إذا قضي الأمر من السماء علمه(1) أهل الأرض، وإنّ العبد لا يجد طعم الإيمان حتّي يوقن أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.(2)

15912. أبوسهل القطّان: حدّثنا إسحاق بن الحسن الحربي، حدّثنا عفّان، حدّثنا همّام، عن عطاء بن السائب، عن يعلي بن مرّة، قال:

ائتمرنا أن نحرس عليّاً رضى الله عنه كلّ ليلة منّا عشرة. قال: فخرجنا ومعنا السلاح، وصلّي كما كان يصلّي، ثمّ أتانا فقال: ما شأن السلاح ؟ قال: قلنا: ائتمرنا أن يحرسك كلّ ليلة منّا عشرة. قال: من أهل السماء أو من أهل الأرض ؟ قلنا: نحن أهون وأضعف - أو أصغر، أو كلمة نحو ذلك - أن نحرسك من أهل السماء.

قال: إنّ أهل الأرض لا يعملون بعمل حتّي يقضي في السماء، وإنّ علىّ جنّة حصينة إلي يومي, وذكر أنّه لا يذوق عبد - أو لا يجد عبد - حلاوة الإيمان - أو طعم الإيمان - حتّي يستيقن يقيناً غير ظانّ أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه.(3)

15913. أبوداوود: حدّثنا محمّد بن كثير، حدّثنا همّام، عن عطاء بن السائب، عن

ص:510


1- (1) كذا في الأصل, ولعلّ الصحيح: «عمله», كما يظهر من الحديث التالي.
2- (2) الاستذكار 258/8-259, ذيل الحديث 1657.
3- (3) عنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 553/42، ترجمة علي بن أبي طالب (4933), من طريق البيهقي.

يعلي بن مرّة، قال:

ائتمرنا أن نحرس عليّاً كلّ ليلة عشرة. قال: فخرج فصلّي كما كان يصلّي، ثمّ أتانا، فقال: ما شأن السلاح ؟ وساق نحو حديث قبله، قال: لا يجد عبد - أو يذوق - حلاوة الإيمان حتّي يستيقن يقيناً غير ظانّ أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.(1)

15914. أبوداوود: عن يعلي بن مرّة، قال:

كان علي يخرج بالليل إلي المسجد يصلّي تطوّعاً، فجئنا نحرسه، فلمّا فرغ أتانا، فقال: ما يجلسكم ؟ قلنا: نحرسك. فقال: أ من أهل السماء تحرسون أم من أهل الأرض ؟ قلنا: بل من أهل الأرض.

قال: إنّه لا يكون في الأرض شيء حتّي يقضي في السماء، وليس من أحد إلّا وقد وكّل به ملكان يدفعان عنه ويكلانه حتّي يجيء قدره، فإذا جاء قدره خلّيا بينه وبين قدره، وإنّ علىّ من الله جنّة حصينة، فإذا جاء أجلي كشف عنّي، وإنّه لا يجد [عبد] طعم الإيمان حتّي يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.(2)

15915. أبوداوود: لمّا كان أيّام الخوارج كان أصحاب علي يحرسونه كلّ ليلة عشرة - يبيتون في المسجد بالسلاح - فرآهم علي، فقال: ما يجلسكم ؟ فقالوا: نحرسك. فقال: من أهل السماء؟ ثمّ قال: إنّه لا يكون في الأرض شيء حتّي يقضي في السماء، وإنّ علىّ من الله جنّة حصينة.(3)

ص:511


1- (1) القضاء والقدر 167/1(154), وعنه ابن عساكر بإسناده إليه في تاريخ مدينة دمشق 552/42-553، ترجمة علي بن أبي طالب (4933).
2- (2) القدر, كما عنه وعن غيره المتّقي في كنز العمّال 347/1-348(1564).
3- (3) القدر، كما عنه ابن كثير في البداية والنهاية 12/8, حوادث سنة أربعين، غريبة من الغرائب.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.