سرشناسه : خوانساری، محمد باقر بن زین العابدین، 1226-1313ق.
عنوان و نام پديدآور : روضات الجنات فی احوال العلماء و السادات/ تالیف محمدباقر الموسوی الخوانساری الاصبهانی.
مشخصات نشر : بیروت - لبنان - دارالاحیاء التراث العربی
مشخصات ظاهری : 8 ج
يادداشت : عربی.
یادداشت : کتابنامه.
یادداشت : نمایه.
موضوع : اسلام -- سرگذشتنامه و کتابشناسی
موضوع : شیعه -- سرگذشتنامه و کتابشناسی
موضوع : مجتهدان و علما
موضوع : سادات ( خاندان ).
رده بندی کنگره: BP21 /خ9ر9041 1300ی
رده بندی دیویی: 297/92
شماره کتابشناسی ملی: 55315
توضیح : این کتاب که در بین علماء و محققان از جایگاه والائی برخوردار است. در ذکر علماء و زندگی نامه، اساتید، شخصیت، شاگردان و علم آنها و نکات قابل توجه دیگری در خصوص زندگی علماء و مترجمین می باشد و در واقع دایرة المعارفی در مورد جمیع علماء است، که از مسائل مختلف در احوال علماء بحث کرده و از همه علماء به خصوص کسانی که شهرت کمی نیز دارند، در این کتاب بحث شده است. کتاب حاضر بر اساس حروف الفبا تنظیم شده و در ترجمه هر شخص اسم شبیه به آن شخص را هم آورده است و در پایان هر جلد فهرست اعلام، اوطان و فهرست عامه را نیز آورده است.
ص: 1
ص: 2
الشيخ الشهيد و السيح السعيد و الركن العميد و القطب الحميد شمس الملة و الدين ابو عبد اللّه محمد بن الشيخ جمال الدين مكى بن الشيخ شمس الدين محمد بن حامد بن احمد النبطى العاملى الجزينى(1)
نسبة إلى جزّ بن على وزن سكّين من قرى جبل عامل النّاحية المعروفة المتكرّر ذكرهما فى ذيل تراجم علمائنا الأعلام، و الواقعة كما عن «تاريخ المغربى» على الطّرف الجنوبىّ من بلدة دمشق الشّام، على أسفاح جبل لبنان، المشتهر من جبال تلك الأرض فى سعة ثمانية عشر فرسخا من الطّول؛ فى تسعة فراسخ من العرض، خرج منها من علماء الشّيعة الإماميّة ما ينيف على خمس مجموعهم، مع انّ بلادهم بالنّسبة إلى باقى البلدان أقلّ من عشر العشر، كما ذكره صاحب «امل الآمل» فى ذكر علماء جبل عامل، حتّى أنّه قال: و قد سمعت من بعض مشايخنا أنّه اجتمع فى جنازة فى قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا فى عصر الشّهيد الثّانى، و بالجملة فهذا الرّجل الأجلّ الأبجل هو المراد بالشّهيد الأوّل و بالشهيد المطلق أيضا فى كلمات جميع أهل الحقّ، و كان رحمه اللّه بعد مولانا المحقّق على الإطلاق أفقه جميع فقهاء الآفاق، و أفضل من
ص: 3
انعقد على اكمال خبرته و استاديّته اتّفاق أهل الوفاق، و توحّده فى حدود الفقه و قواعد الأحكام، مثل تفرّد شيخنا الصّدوق فى نقل أحاديث أهل البيت الكرام عليهم السّلام، و مثل تسلّم شيخنا المفيد و سيّدنا المرتضى فى الأصول و الكلام و الزام اهل الجدل و الألدّ من الخصام، و شيخنا الطّوسى فى سعة الدّائرة و تذييل الارقام و كثرة الأساتيد و التّلامذة من الاجلّاء الأعلام، و محمّد بن ادريس الحلّى فى تنقيح الحرام و تمشيته النّقض و الأبرام، و نصير الدّين الطّوسى فى حلّ مشكلات الأنام و نجم الأئمّة الرّضى فى تنقيح النّحو و التّصرف على سبيل الأحكام و المحقّق الخوانسارىّ فى توقّد القريحة و التّصرّف الجيّد فى كلّ مقام، و سمينا العلّامة المجلسىّ فى تقديم مراسم الحكم و الآداب الشّرعيّة إلى أذهان الخواص و أفهام العوام، و إمامنا المروّج البهبهانى فى إحقاق الحقّ و إبطال بائر الباطل و تسجيل المرام من الأوهام.
هذا. و فى بعض الحواشى المعتبرة على «شرح اللّمعة» عند بلوغ الكلام فى باب المحرّمات من المكاسب إلى قول المصنّف رحمه اللّه «و تعلّم السّحر» ثمّ اتباعه من الشّارح المرحوم بقوله: و لا بأس بتعلّمه ليتوفّى به أو يدفع سحر المتنبّى به ما صورته كما دفع المصنّف- قدّس سرّه نبوّة محمّد الجالوشىّ- لمّا ادّعى النّبوّة فى جبل عامله، و بلغ أمره ما بلغ، فقتله المصنّف- قدّس سرّه- فى سلطنة برقوق بعد إبطال سحره انتهى.
و فيه أيضا من الدّلالة على عظم قدر الرّجل و جلالة شأنه و نفاذ كلماته الصّادرة فى تلك المملكة ما لا يخفى؛ مضافا إلى دلالة كترة حاسديه و معانديه و اشتهار رأيه المنير بين العرب و العجم و أهل المشرق و المغرب من العالم كما علمته و سوف تعلم ذلك أيضا فليلاحظ.
و قد كان معظم اشتغاله فى العلوم عند فخر الدّين ابن العلّامة المرحوم، و له الرّواية أيضا عنه بالإجازة الّتى كتبها له بخطّه الشّريف على ظهر كتاب «القواعد» عند قراءته عليه، و من جملة ما كتبه هناك فيما نقل عنه- قدّس سرّه- ما صورته هكذا: قرأ عليّ مولانا الإمام العلّامة الأعظم أفضل علماء العالم سيّد فضلاء بني آدم مولانا شمس الحقّ
ص: 4
و الدّين محمّد بن مكّى بن محمّد بن حامد- أدام اللّه أيّامه- من هذا الكتاب مشكلاته إلى أن كتب: و أجزت له رواية جميع كتب والديّ- قدّس سرّه- و جميع ما صنّفه أصحابنا المتقدّمون- رضى اللّه عنهم عنّى عن والدى عنهم بالطّرق المذكورة لها، إلى آخر ما ذكره (1).
و من جملة أساتيده الكابرين أيضا المجازين له فى الإجتهاد و الرّواية، هما الأخوان المعظّمان المسلّمان المقدّمان، السيّد عميد الدّين عبد المطّلب، و السيّد ضياء الدّين عبد اللّه الحليّان الحسينيان المتقدّما البيان و العنوان شارحا كتاب «تهذيب» خالهما الإمام العلّامة عليهم الرّضوان بشرحيهما المقترحين اللّذين كتب شيخنا الشّهيد هذا فى مقام الجمع بين حقّيهما كتابه المشتهر بالجمع بين الشّرحين و له الرّواية أيضا بالإجازة و غيرها عن جماعة أخرى كابرين و معتمدين من المحدّثين و المجتهدين مثل السيّد تاج الدين بن معيّة الحسنى و السيّد علاء الدّين ابن زهرة الحسينى أحد المجازين الثلاثة من العلّامة باجازته الكبيرة التّامّة، و السيّد مهنا بن سنان المدنّى صاحب «المسائل» عنه و عن ولده فخر المحققين، و الشّيخ علىّ بن طران المطارآبادى الملقّب برضىّ الدّين، و الشّيخ رضى الدّين علىّ بن أحمد المشتهر بالمزيدى، و الشّيخ جلال الدّين محمّد بن الشّيخ شمس الدّين محمّد الحارثىّ أحد تلامذة مولانا المحقّق الحلّى، و مثل الشّيخ محمّد بن جعفر المشهدىّ، و أحمد بن الحسين الكوفىّ، و الشّيخ قطب الدّين محمّد بن محمّد البويهىّ الرّازى، و يروي أيضا مصنّفات العامّة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم كما ذكره فى بعض إجازاته، و الظّاهر عندى انّ القطب الرازى أيضا منهم، و ان اشتبه الأمر على نفس هذا الرّجل المجاز منه فى الرّواية، حيث صرح فى بعض اجازاته بأنّه من علماء الإماميّة- كما تقدّم- تفصيل القول فى ذلك فى ذيل ترجمة قطب الدّين المذكور، و منهم أيضا بمقتضى ما وجدته من الإجازة الصّادرة له هو الشّيخ شمس الدّين محمّد بن يوسف
ص: 5
القرشىّ الشّافعى الكرمانىّ، الرّاوى عن القاضى عضد الدّين الأيجى الاصولىّ، و ولده زين الدّين أحمد بن عبد الرّحمان العضدىّ.
هذا، و فى بعض إجازات السيّد الفاضل الفقيه حسين بن السيد حيدر العاملىّ- المتقدّم ذكره فى باب ما أوّله الحاء المهملة- انّه سمع من شيخه و سميّه المتقدّم ذكره و ترجمته أيضا قبله، أعنى سيّد المحققّين حسين بن الحسن الحسينىّ الموسوىّ ابن بنت مولانا المحقّق الشّيخ علىّ، أنّه كان يقول:
انّ شيخنا الشّهيد- قدّس اللّه سرّه- ذكر فى بعض كلماته أنّ طرقه إلى الأئمّة المعصومين عليهم السّلام ما يزيد على ألف طريق.
و ذكر فخر الملّة و الدّين محمّد بن العلّامة فى بعض إجازاته: انّ طرقه إلى الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام؛ يزيد على المأة ثم قال: و الحمد للّه أنّ جميع هذه الطّرق داخلة فى طرقى، و لو حاولنا ذكر طرق كلّ من بلغنا من المصنّفين لطال الخطب، و اللّه ولّى التّوفيق.
أقول: و لا يبعد أن يكون من جملة طرقه أيضا ما يكون رواية له عن والده الفاضل الجليل مكي بن محمّد بن حامد الجزّينىّ، الّذى وصفه صاحب «الأمل» بأنّه من أجلّاء مشايخ الإجازة و نقل أيضا عن ولده الشّهيد المرحوم فى ذيل ترجمة الشّيخ نجم الدّين طمآن بن أحمد العاملىّ الفاضل المحقّق الرّاوى بواسطة الشّيخ شمس الدّين محمّد بن صالح عن السيّد فخار بن معد الموسوى، أنّه ذكر فى بعض إجازاته أن والده جمال الدّين أبا محمّد المكّي من تلامذة الشّيخ الفاضل العلّامة نجم الدين بن طومان، و المترددّين إليه إلى حين سفره إلى الحجاز الشّريف، و وفاته بطيّبة سنة ثمان و عشرين و سبعمأة و ما قاربها و اللّه العالم بحقايق الأمور.
و أمّا الأخذ منه و الرّواية عنه و التّلمذ لديه، فهى أيضا لجملة علمائنا الأعيان، و جمّه من عظماء ذلك الزّمان، منهم: أبناؤه الأمجاد الثّلاثة الأتى إلى ابنائهم الإنباه فى ذيل التّرجمة الآتية إنشاء اللّه، و زوجته الفاضلة الفقيهة العابدة المدعوّة بام علىّ،
ص: 6
و هى الّتى ذكر صاحب «الأمل» أن الشّهيد كان يثنّى عليها، و يأمر النّساء بالرّجوع الّيها، و كذا بنته الصّالحة الفاضلة الفقيهة أمّ الحسن فاطمة المدعوّة بستّ المشايخ، و هى الّتى كان أبوها يأمر النّساء بالإقتداء بها و الرّجوع إليها، فى مسائل الحيض، و فروض الصّلاة، كما ذكره أيضا فى «الامل» و غيره.
و قد مرّ فى ترجمة شيخ أبيها و أخويها ابن معيّة الحسنى الحلّى انّ لها الرّوايه عنه أيضا بالإجازة، و منهم: الشّيخ مقداد السيورىّ- الآتى ذكره و ترجمته إنشاء اللّه صاحب كتاب «التّنقيح» و غيره، و الشيخ حسن بن سليمان الحلّى، صاحب «مختصر بصائر الدرجات» و السيّد بدر الدّين حسن بن أيّوب الشّهير بابن نجم الدّين الأعرج الحسينى، جدّ السيّد بدر الدّين حسن بن السيّد جعفر الأعرجىّ؛ الّذى هو من أعاظم مشايخ الشّهيد الثّانى، و من جملة ما وصفه به الشّهيد فى إجازته الكبيرة المشهورة أفضل المتأخّرين فى قوتّية العلميّة و العمليّة، صاحب كتاب «المحجة البيضاء» فى الطّهارة، و كتاب «العمدة الجليّة» فى الأصول و «مقنع الطّلّاب» فى علم الإعراب و «شرح الجزريّة» فى القراءات و غير ذلك.
و منهم: الشّيخ شمس الدّين محمّد بن نجدة الشّهير بابن عبد العالى شيخ رواية الحسن بن العشرة- المتقدّم فى باب الأحمدين- و غيره اليه الإشارة.
و منهم: الشّيخ شمس الدّين محمّد بن عبد العالى الكركىّ العاملىّ، الّذى نقل في حقّه عن خطّ الشّيخ محمّد بن علىّ الجباعىّ، جدّ شيخنا البهائى، أنّ الشّهيد الموحوم كتب إليه تهنئة لقدومه المسعود:
قدمت بطالع السّعد السّعيد
و حيّاك القريب مع البعيد
و أحييت القلوب و كان كلّ
من الأصحاب بعدك كالفقيد
نمت بحجّ بيت اللّه حقّا
و بلّغت الأمانيّ في الصّعود
و زرت المصطفى و بنيه حتّى
و صلت إلى المكارم و السّعود
و عاودت الأقارب في نعيم
من الرّحمن أتبع بالخلود
ص: 7
و دام لك الهناء بهم و داموا
مع الأيّام في رغم الحسود
فلو خلّفت حاكيت المثانى
بطاعة والد رؤف ودود
و إنّي مشفقّ و العزم منّي
لقاءك من قصير أو مديد
و منهم: الشّيخ زين الدّين علىّ بن الخازن الحائرى؛ شيخ رواية أحمد بن فهد الحلّى، صاحب «المهذّب» و «الموجز» و «عدّة الدّاعى» و عندنا صورة ما كتبه الشهيد المرحوم من الإجازة له، و من جملة ما ذكر فيها قوله: و لمّا كان المولى الشّيخ العالم المتّقي الورع المحصّل القائم بأعباء العلوم الفائق أولى الفضائل و الفهوم زين الملّة و الدّين أبو الحسن علىّ بن المرحوم السّعيد الصّدر الكبير العالم عزّ الدين أبى محمّد الحسن بن المرحوم المغفور سيّدنا الإمام شمس الدّين محمّد الخازن بالحضرة الشّريفة المقدّسة المطهرة مهبط ملائكة اللّه و معدن رضوان اللّه الّتى هى من أعظم رياض الجنّة المستقرّ بها سيد الإنس و الجنّة، إمام المتّقين و سيّد الشّهداء فى العالمين ريحانة رسول اللّه و سبطه و ولده أبى عبد اللّه الحسين ابن سيّد الثّقلين أمير المؤمنين أبى الحسن علىّ ابن أبى طالب صلّى اللّه عليهم أجمعين، ممّن رغب فى اقتناء العلوم العقليّة و النّقليّة الأدبيّة و الشّرعيّة استجاز العبد المفتقر إلى اللّه تعالى محمّد بن مكّى؛ فاستخار اللّه تعالى و أجاز له جميع ما يجوز عنه، و له روايته من مصنّف و مؤلف و منثور و منظوم و مقروء و مسموع و مناول و مجاز فما صنّفه كتاب «القواعد و الفوائد» فى الفقه مختصر يشتمل على ضوابط كليّة أصوليّة و فرعية يستنبط منها أحكام شرعية لم يعمل الاصحاب مثله و من ذلك كتاب «الدّروس الشرعيّة فى فقه الإماميّه» خرج من تصنيفه فى مجلّد و من ذلك كتاب «غاية المراد فى شرح الإرشاد» فى الفقه، و من ذلك «شرح التهذيب الجمالى» فى أصول الفقه، و من ذلك كتاب «اللّمعة الدمشقيّة» مختصر لطيف في الفقه و من ذلك رسالتان فى الصّلاة تشتملان على حصر فرضها و نقلها فى أربعة آلاف مسألة محاذاة لقولهم عليهم الصّلاة «للصّلاة أربعة آلاف باب»، و من ذلك رسالة في التّكليف و فروعه، و من ذلك رسالة تشتمل على مناسك الحجّ مختصرة جامعة، و غير ذلك من
ص: 8
رسائل و كتب شرع إتمامها فى الفقه و الكلام و العربيّة إنشاء اللّه تعالى إلى آخر ما زبرء و حررّه و من السّبيل يسرّه و من السّديد أسفره و أطال فيه زوبره حتّى إذا بلغ منه ختامه و سوّغ له إكماله و إتمامه فكتب: و كتب العبد المفتقر إلى عفو اللّه و كرمه محمد بن مكى بن محمّد بن حامد بن أحمد النّبطى بدمشق المحروسة، منتصف نهار الأربعاء المعرب عن ثانى عشر شهر رمضان المبارك عمّت بركته، سنة أربع و ثمانين و سبعمأة، و الحمد للّه أبد الآبدين، و صلّى اللّه على سيّدنا أفضل الخلائق أجمعين، أبى القاسم حبيب اللّه خاتم النّبيّين و عترته الطّاهرين و صحبه الأخيار المنتجبين.
هذا و قد ذكره صاحب «الأمل» بعنوان الشّيخ شمس الدّين أبو عبد اللّه الشّهيد محمد بن مكّى العاملىّ الجزّينىّ، و قال فى صفته: كان عالما ماهرا فقيها محدّثا ثقة متبحّرا كاملا جامعا لفنون العقليّات و النّقليات زاهدا عابدا ورعا شاعرا أديبا منشئا فريد دهره و عديم النّظير فى زمانه، روى عن الشّيخ فخر الدّين محمّد ابن العلّامة و عن جماعة كثيرة من علماء الخاصّة و العامّة؛ و ذكر فى بعض إجازاته أنّه روى مصنّفات العامّة عن نحو أربعين شيخا من علمائهم نقل ذلك الشّيخ حسن.
له كتب منها كتاب «الذّكرى» خرج منه الطّهارة و الصّلاة جلد، كتاب «الدّروس الشّرعيّة فى فقه الإماميّة» خرج منه أكثر الفقه لم يتمّ، كتاب «غاية المراد فى شرح نكت الإرشاد» و كتاب «جامع البين فى فوائد الشّرحين» جمع فيه بين شرحى تهذيب الأصول للسيّد عميد الدّين و السيّد ضياء الدّين رأيته بخطّ الشّهيد الثّانى، و كتاب «البيان» فى الفقه لم يتم، و رسالة «الباقيات الصالحات» و «اللّمعة الدّمشقيّة» فى الفقه و «الأربعون حديثا» و «الألفيّة في فقه الصّلاة اليوميّة» و رسالة فى «قصر من سافر بقصد الإفطار و التّقصير» و «النّفليّة» و «خلاصة الاعتبار فى الحجّ و الإعتمار» و «القواعد» و رسالة «التّكليف» و إجازة مبسوطة حسنة، و عدّة إجازات، و كتاب «المزار» و غير ذلك.
و قد ذكره السيّد مصطفى التّفرشى فى رجاله فقال: شيخ الطّائفة و ثقتها نقىّ
ص: 9
الكلام جيّد التّصانيف له كتب منها «البيان» و «الدّروس» و «القواعد»، روى عن فخر الدّين محمّد بن الحسن العلّامة انتهى.
و له شعر جيّد و يروى لغيره:
غننا بنا عن كلّ من لا يريدنا
و إن كثرت أوصافه و نعوته
و من صدّ عنّا حسبه الصّدّ و القلا
و من فاتنا يكفيه أنّا نفوته
و قوله:
عظمت مصيبة عبدك المسكين
في نوعه من مهر حور العين
الأولياء تمتّعوا بك في الدّجى
بتهجد و تخشّع و حنين
فطردتني عن قرع بابك دونهم
أترى لعظم جرائمي سبقوني
أوجدتهم لم يذنبوا فرحمتهم
أم أذنبوا فعفوت عنهم دوني
إن لم يكن للعفو عندك موضع
للمذنبين فأين حسن ظنوني
و كانت وفاته سنة ستّ و ثمانين و سبعمأة التّاسع من جمادى الأولى، قتل بالسّيف ثمّ صلب ثمّ رجم بدمشق فى دولة بيد مر و سلطنة برقوق بفتوى القاضى برهان الدّين المالكىّ، و عباد بن جماعة الشّافعى بعد ما حبس سنة كاملة فى قلعة الشّام، و فى مدّة الحبس ألّف «اللّمعة الدمشقيّة» فى سبعة أيّام، و ما كان يحضره من كتب الفقه غير «المختصر النّافع».
و كان سبب حبسه و قتله انّه وشى به رجل من أعدائه و كتب محضرا يشتمل على مقالات شنيعة عند العامّة من مقالات الشّيعة و غيرهم، و شهد بذلك جماعة كثيرة و كتبوا عليه شهاداتهم و ثبت ذلك عند قاضى صيدا، ثمّ أتوا به إلى قاضى الشّام، فحبس سنة، ثمّ أفتى الشّافعى بتوبته و المالكى تقبله، فتوقّف فى التّوبة خوفا من أن يثبت عليه الذّنب و أنكر ما نسبوه إليه للتّقيّة، فقالوا: قد ثبت ذلك عليك و حكم القاضى لا ينقض و الإنكار لا يفيد، فغلب رأى المالكى لكثرة المتعصّبين عليه، فقتل ثمّ صلب و رجم ثمّ أحرق-
ص: 10
قدّس اللّه روحه- سمعنا ذلك من بعض المشايخ، و ذكر أنّه وجده بخطّ المقداد تلميذ الشّهيد إنتهى كلام «الأمل».
و قال شيخنا الشّهيد الثّانى رحمه اللّه فى «شرح اللّمعة» عند قول المصنف «إجابة لإلتماس بعض الدّيانين» و هذا البعض هو شمس الدين محمّد الآوي من أصحاب السّلطان علىّ بن مؤيد ملك خراسان و ما والاها فى ذلك الوقت الى أن استولى على بلاده تيمور لنك فصار معه قسرا إلى إن توفّى فى حدود سنة خمس و تسعين و سبعمأة بعد أن استشهد المصنّف- قدّس اللّه سرّه- بتسع سنين، و كان بينه و بين المصنّف قدّس سرّه مودّة، و مكاتبة على البعد إلى العراق، ثمّ الى الشّام، و طلب منه اخيرا التّوجه إلى بلاده فى مكاتبة شريفة أكثر فيها من التّلطّف و التّعظيم و الحثّ للمصنّف رحمه اللّه على ذلك، فأبى و اعتذر إليه، و صنّف له هذا الكتاب بدمشق فى سبعة أيّام لا غير، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمّد، و أخذ شمس الدّين الآوى نسخة الأصل، و لم يتمكّن أحد من نسخها منه لظنّته بها، و إنّما نسخها بعض الطّلبة و هو فى يد الرّسول تعظيما لها، و سافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ما، ثمّ أصلحه المصنّف بعد ذلك بما يناسب المقام، و ربّما كان مغايرا للأصل بحسب اللّفظ، و ذلك فى سنة اثنتين و ثمانين و سبعمأة.
و نقل عن المصنّف رحمه اللّه انّ مجلسه بدمشق فى ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور لخلطته بهم و صحبته لهم، قال: فلمّا شرعت فى تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل علىّ أحد منهم فيراه، فما دخل علىّ أحد منذ شرعت فى تصنيفه إلى أن فرغت منه، و كان ذلك من خفّى الألطاف، و هو من جملة كراماته قدّس اللّه روحه و نور ضريحه انتهى (1).
و فيه من الدّلالة على بطلان ما ذكره صاحب «الأمل» من كون تأليفه كتاب اللّمعة فى سنة حبسه الّتى كانت خاتمة سني حياته ما لا يخفى.
ص: 11
و قال صاحب «اللّؤلؤة» بعد نقله لما ذكر و نقضه على من زبر بما زبر: و رأيت بخطّ شيخنا العلّامة أبى الحسن الشّيخ سليمان بن عبد اللّه البحرانى المتقدّم ذكره فى صدر الإجازة ما صورته: وجدت فى بعض المجموعات بخطّ من أثق به منقولا من خطّ الشّيخ العلّامة جعفر بن كمال الدّين البحرانىّ ما هذه صورته: وجدت بخطّ شيخنا المرحوم المبرور العالم العامل أبى عبد اللّه المقداد السيورىّ ما هذه صورته: كانت وفاة شيخنا الأعظم شمس الدّين محمّد بن مكّى بحظيرة القدس في تاسع عشر جمادى الاولى سنة ستّ و ثمانين و سبعمأة، و قتل بالسّيف ثمّ صلب ثمّ رجم ثمّ أحرق بالنّار ببلدة دمشق، لعن اللّه الفاعلين لذلك و الراضين به فى دولة بيدمر و سلطنة برقوق بفتوى المالكىّ يسمّى برهان الدّين و عبّاد بن جماعة الشّافعى، و تعصّب جماعة كثيرة فى ذلك بعد أن حبس فى القلعة الدّمشقيّة سنة كاملة، و كان سبب حبسه أن وشى به نقىّ الدّين الجبلىّ أو الخيّامّى بعد ظهور إمارة الإرتداد منه و انّه كان عاملا.
ثمّ بعد وفاة هذا الفاجر قام على طريقه شخص اسمه يوسف بن يحيى و ارتدّ عن مذهب الاماميّة، و كتب محضرا يشنع فيه على الشّيخ شمس الدّين محمّد بن مكى رحمه اللّه بأقاويل شنيعة و معتقدات فضيعة، و انّه كان أفتى بها الشّيخ محمّد بن مكّى و كتب فى ذلك المحضر سبعون نفسا من أهل الجبل، ممن كان يقول بالإماميّة و التّشيّع و ارتدّوا عن ذلك و كتبوا خطوطهم تعصّبا مع ابن يحيى فى هذا الشّأن، و كتب فى هذا ما ينيف على الألف من اهل السّواحل من المتسنننّ و اثبتوا ذلك عند قاضى بيروت و قيل قاضى صيدا، و اتوا بالمحضر الى القاضى عبّاد بن جماعة لعنه اللّه بدمشق فنفذه الى القاضى المالكىّ و قال له تحكّم فيه بمذهبك و الّا عزلتك، فجمع الملك بيدمر الامراء و القضاة و الشّيوخ لعنهم اللّه جميعا و احضروا الشّيخ محمّد قدّس سرّه بحظيرة القدس و قرا عليه المحضر، فأنكر ذلك و ذكر انّه غير معتقد له مراعيا للتّقية الواجبة، فلم يقبل منه و قيل له قد ثبت ذلك عليك شرعا لا يينتقض حكم القاضى، فقال: الغائب على حجّته فان أتى بما يناقض الحكم جاز نقضه و إلّا فلا، و ها أنا أبطل شهادات من
ص: 12
شهد بالجرح ولي على كلّ واحد حجّة بينة، فلم يسمع ذلك منه و لم يقبل، فقال الشّيخ للقاضى عبّاد بن جماعة: انّى شافعىّ المذهب و أنت الآن إمام هذا المذهب و قاضيه فاحكم فىّ بمذهبك و إنّما قال الشّيخ ذلك لأنّ الشّافعىّ يجوز توبة المرتدّ، فقال ابن جماعة لعنه اللّه: على مذهبى يجب حبسك سنة ثمّ استتابتك، أمّا الحبس فقد حبستك و لكن تب إلى اللّه و استغفر حتّى احكم باسلامك فقال الشّيخ: ما فعلت ما يوجب الإستغفار حتّى استغفر، خوفا من أن يستغفر فيثبت عليه الذّنب، فاستغلظه ابن جماعة و أكدّ عليه فأبى عن الاستغفار، فسارّه ساعة ثمّ قال: قد استغرت فثبت عليك الحقّ، ثمّ قال للمالكى: قد استغفرو الأن ما عاد الحكم إلى عذر أو عناد لأهل البيت عليهم السّلام ثمّ قال: الحكم عاد إلى المالكى فقام المالكىّ لعنه اللّه و توضّأ و صلّى ركعتين ثمّ قال:
قد حكمت باهراق دمه، فألبسوه اللّباس و فعل به ما قلناه من القتل و الصّلب و الرّجم و الإحراق- لعنهم اللّه جميعا الفاعل و الرّاضى و الآمر.
و ممّن تعصّب و ساعد فى إحراقه رجل يقال له محمّد بن التّرمذىّ- لعنه اللّه مع انّه ليس من أهل العلم و أنّما كان فاجرا، فهذه صورة هؤلاء فى تعصّبهم على أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم، و ليس هذا بأفضع ممّا فعل بابن رسول اللّه الحسين بن علىّ عليه السلام و أهل بيته عنادا، و الحمد للّه ربّ العالمين على السرّاء و الضّراء و الشّدة و الرّخاء و ذلك من باب «و ليمحّص اللّه الّذين آمنوا «و ما كتب البلاء إلّا على المؤمنين انتهى كلامه اعلى اللّه مقامه.
و نقل عن خطّ ولد الشّهيد رحمه اللّه على ورقة اجازته المتقدّم إليها الإشارة لابن الخازن الحائرى ما صورته: استشهد والدى الإمام العلّامة كاتب الخطّ الشّريف شمس الدّين أبو عبد اللّه محمّد بن مكّى بن محمّد بن حامد شهيدا حريقا بالنّار يوم الخميس تاسع جمادى الأولى سنة ستّ و ثمانين و سبعمأة، و كلّ ذلك فعل برحبة قلعة دمشق (1).
ص: 13
و رأيت فى بعض مؤلّفات صاحب «مقامع الفضل» انّه كتب فى سبب غيظ ابن جماعة الملعون على شيخنا الشّهيد المرحوم على هذا الوجه. انّه جرى يوما بينهما كلام فى بعض المسائل و كانا متقابلين و بين يدي الشّهيد رحمه اللّه دواة كان يكتب بمدادها، و كان ابن جماعة كبير الجثّة جدّا بخلاف الشّهيد فانّه كان صغير البدن فى الغاية، فقال ابن الجماعة فى ضمن المناظرة تحقيرا لجثّة جناب الشّيخ إنّى أجد حسّا من وراء الدّواة و لا أفهم ما يكون معناه. فأجابه الشّيخ من غير تأمّل و قال له: نعم ابن الواحد لا يكون أعظم من هذا، فخجل ابن الجماعة من هذه المقالة كثيرا و امتلأ منه غيظا و حقدا إلى أن فعل به ما فعل.
و أنت فقد عرفت فيما سبق نظير هذه الحكاية واقعة بين القاضى عضد الإيجى شارح المختصر و واحد من علماء الشّيعة يدعى بمولانا پادشاه اليزدىّ البيابانكىّ عن كتاب «مجالس المؤمنين» فليلاحظ.
ثمّ إنّ من جملة المتعرّضين لذكر هذا الرّجل الإمام المستسعد بما عرفته من علوّ المقام هو سميّنا العلّامة المجلسى فى مقدّمات «بحار الانوار» حيث قال فيما نقل عنه من الكلام على اعتبار الكتب المذكورة فيها و عدم الأعتبار: و مؤلّفات الشّهيد مشهورة كمؤلّفها العلّامة إلّا كتاب «الإستدراك» فانّى لم أظفر بأصل الكتاب و وجدت أخبارا مأخوذة منه بخط الشّيخ الفاضل محمّد بن علىّ الجبعىّ رحمه اللّه و ذكر انّه نقلها من خطّ الشّهيد رحمه اللّه، و «الدرّة الباهرة» فانّه لم يشتهر اشتهار سائر كتبه مقصور على إيراد كلمات وجيزة مأثورة عن النّبى و كلّ من الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين.
و قال أيضا فى مقام آخر: و كتاب «الاستدراك» تأليف بعض قدماء الأصحاب، و كتاب «الدرّة الباهرة من الأصداف الطّاهرة» تأليف الشّيخ السّعيد شمس الدين محمّد بن مكّى كما أظنّه، و هو عندى منقولا من خطّه قدّس اللّه روحه.
قلت: و هو الّذي ينقل عنه فى «البحار» بطريق الإرسال عن النبىّ المختار صلى اللّه عليه و اله الأبرار حديث «إرحموا عزيز قوم ذل و غنّي قوم افتقر و عالما يتلاعب به الجهّال»
ص: 14
و كذلك ما روى مرسلا عن أبى جعفر الجواد عليه السّلام أنّه قد قال «التفقة ثمن لكل غال و سلّم إلى كلّ عال» و ما روى أيضا عن مولانا الصّادق عليه السّلام أنّه حدث بهذه الثّلاثة الفاخرة من الخصال فقال «من أخلاق الجاهل الإجابة قبل أن يسمع، و المعارضة قبل أن يفهم، و الحكم بما لا يعلم» و عن مولانا النّقىّ الهادى عليه السّلام انّه قال «الجهل و البخل أذم الأخلاق و ممن مولانا العسكرىّ عليه السّلام أنّه قال «حسن الصّورة جمال ظاهر و حسن الفعل جمال باطن».
هذا، و من جملة مؤلّفات الرّجل أيضا كتاب مسائله «المقداديات» و هو الذّى ينقل فى كتبنا الإستدلاليّة الفتاوى و الخلافيّات، و كان نسبة تلك المسائل إلى تلميذه الشّيخ مقداد السيورىّ قدّس سره النّورى و منها شرحه على قصيدة الشّيخ أبى الحسن علىّ بن الحسين المشتهر بالشّهفينى العاملىّ فى مدح سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام مجلسا، و هى من جملة ديوانه الكبير، كما ذكره بعض من هو بذلك خبير، و العجب أنّ صاحب «امل الآمل» مع حرصه على جمع فضلاء جبل عامل كيف غفل عن ذكر مثل هذا الرّجل الجليل الفاضل الكامل، ثمّ كيف جهل بحال هذا الشّرح الحميد المجيد حيث لم يذكره فى جملة مؤلّفات الشّهيد.
و امّا تذكرة أشعاره الرائقة فهى أيضا كثيرة فائقة، منها مضافا إلى ما تقدّمت الإشارة إليه منّا ما نقله صاحب «البحار» عن خطّ محمّد بن علىّ الجباعى حيث ذكر أنّه وجد ما هو بخطّه فى هذه المرحلة هكذا: قال الشّيخ الإمام العلّامة محمّد بن مكّى رحمه اللّه أنشدنى السيّد ابو محمّد عبد اللّه بن محمّد الحسينى أدام اللّه إفضاله و فوائده لابن الجوزى:
أقسمت باللّه و آلائه
اليه ألقى بها ربّى
أنّ عليّ بن أبى طالب
إمام أهل الشّرق و الغرب
من لم يكن مذهبه مذهبى
فانّه انجس من كلب
قال الشّيخ محمّد بن مكّى رحمه اللّه فعارضته تماما له:
لأنّه صنوبنيّ الهدى
من سيفه القاطع في الحرب
ص: 15
و قد وقاه من جميع الرّدى
بنفسه في الخصب و الحدب
و النّصّ في الذّكر و في إنّما
وليّكم كاف لذي لبّ
من لم يكن مذهبه هكذا
فإنّه أنجس من كلب
و منها أيضا فى مناقضة هذين البيتين من اهذارو بعض النواصب أولى الكذب و المين:
قول الرّوافض نحن أطيب مولدا
قول جرى بخلاف دين محمّد
نكحوا النّساء تمتّعافو لدن من
تلك النّساء فأين طيب المولد
قوله شكر فى ولاية آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قوله:
إنّ التمتّع سنّة مورودة
ورد الكتاب بردّ دين محمّد
لفّ الحرير على الأيور و غمسها
في الأمّهات دليل طيب المولد
و منها ايضا برواية السيّد محمّد الحسينى العاملى العينائى فى مجموعته الّتى سمّاها بالأثنى عشريّة فى المواعظ العدديّة قصيدة تشهد بعناية ارتفاع الرّجل فى مراتب الذّوق و العرفان و علوّ كعبه فى علوم الاخلاق و معارف الإيمان مع انّه قد كان من الفقهاء الأركان كما عرفته فى غير مكان و هى:
بالشّوق و الذّوق نالوا عزّة الشرف
لا بالدّلوف و لا بالعجب و الصّلف
و مذهب القوم أخلاق مطهّرة
بها تخلّقت الأجساد فى النّطف
صبر و شكر و إيثار و مخمصة
و أنفس تقطع الانفاس باللّهف
و الزّهد فى كلّ فان لابقاء له
كما مضت سنّة الأخيار في السّلف
ص: 16
قوم لتصفية الأرواح قد عملوا
و أسلموا عرض الأشباح للتّلف
ما ضرّهم رثّ أظمار و لا خلق
كالدّر حاضره مخلولق الصّلف
لا بالتّخلّق بالمعروف تعرفهم
و لا التّكلّف في شي ء من الكلف
يا شقوتي قد تولّت امّة سلفت
حتّى تخلّفت في خلف من الخلف
ينمقّون تزاوير الغرور لنا
بالزّور و البهت و البهتان و السّرف
ليس التّصوّف عكّازا و مسبحة
كلّا و لا الفقر رؤيا ذلك الشّرف
و ان تروح و تغدو في مرقّعة
و تحتها موبقات الكبر و السّرف
و تظهر الزّهد في الدّنيا و أنت على
عكوفها كعكوف الكلب و الجيف
الفقر سرّ و عنك النّفس تحجبه
فارفع حجابك تجلو ظلمة التّلف
و فارق الجنس واقر النّفس في نفس
و غب عن الحسّ و اجلب دمعة الأسف
و اتلوا المثاني و وحّد إن عزمت على
ذكر الحبيب وصف ما شئت و اتّصف
الروضات 7/ 2
ص: 17
و اخضع له و تذلّل إذ دعيت له
و اعرف محلّك من آباك و اعترف
وقف على عرفات الذّلّ منكسرا
و حول كعبة عرفان الصّفا فطف
و ادخل إلى خلوة الأفكار مبتكرا
وعد إلى حانه الأذكار بالصّحف
و إن سقاك مدير الرّاح من يده
كأس التّجلّى فخذ بالطّاس و اغترف
و اشرب و إسق و لا تبخل على ظما
فإن رجعت بلاريّ فوا أسف
و منها ايضا برواية سيّدنا الجزائري هذا البيت الّذي يقرأ على وجوه كثيرة جدّا:
لقلبى حبيب مليح ظريف
بديع جميل رشيق لطيف
و هو على سوق صفة بعضهم لمولانا أمير المؤمنين عليه السّلام بهذه الصورة:
علىّ إمام جليل عظيم
فريد شجاع كريم حليم
فانّها كما قيل تقرأ بحسب تغيير ألفاظه و ترتيبها على أربعين ألف وجه و ثلاثمأة و عشرين وجها، و توجيه ذلك انّ اللّفظين الأوّلين لهما صورتان، فاذا ضربتا فى مخرج الثّالث صارت ستّة، فاذا ضربت فى مخرج الرابع صارت أربعا و عشرين فاذا ضربت فى مخرج الخامس صارت مأة و عشرين، فاذا ضربت فى مخرج السّادس فسبعمأة و عشرون، فاذا ضربت فى السّابع فخمسة آلاف و أربعون، ثمّ فى مخرج الثّامن تبلغ ما قلناه.
هذا و فى خزائن مولانا المحقّق النّراقى رحمه اللّه أيضا رواية أشعار ظريفة اخرى فى عين هذا المعنى صورتها هكذا:
زكيّ سريّ سنّيّ وفيّ
وقيّ بهيّ عليّ خبير
ص: 18
سفيع سنيع سميع مطيع
ربيع منيع رفيع وقور
شهيد سديد سعيد شديد
رشيد حميد فريد هصور
حبيب لبيب حسيب نسيب
لديب أريب نجيب ذكور
عظيم عليم حكيم حليم
كريم حميم رحيم شكور
جليل جميل كفيل نبيل
أتيل اصيل دليل صبّور
خليف شريف لطيف ظّريف
حصيف منيف عفيف غيور
و قد قال هو أيضا بعد إيراده الأبيات: إعلم إنّ هذه الابيات السّبعة تتفق فى كلّ بيت منها بحسب التّقديم و التّأخير أربعون ألف بيت و ثلاثمأة و عشرون بيتا، و ذلك لأن اللّفظين الأولين لهما صورتان، و هما فى مخرج الثالث ستّة، و هى فى الرّابعة أربعة و عشرون بيتا، و هكذا إلى الاخر، و قد أوضحه الوالد المحقّق العلّامة فى مشكلات العلوم ثمّ لا يخفى أنّ بحسب التّقديم و التّأخير فى جميع الأبيات السّبعة ينتهى إلى ما يتعسّر حصره كما لا يخفى، و من هذا يعلم انّ صور النّكس فى الوضاء مأة و عشرون، و إن اعتبرنا الرّجلين فسبعمأة و عشرون إنتهى.
ثمّ ليعلم انّى رأيت بخطّ شيخنا الشّهيد الثّانى رحمه اللّه على ظهر مجموعة من الرّسائل النّفيسة كان جميعا بخطّه الشّريف يقينا رواية منظومة أخرى للشّيخ الشّهيد شمس الدّين بن مكّى رحمه اللّه فى بيدمر لمّا حبسه فى قلعة دمشق بهذه الصورة.
يا أيّها الملك المنصور بيد مر
بكم خوارزم و الأقطار تفتخر
إني أراعي لكم في كلّ آونة
و ما جنيت لعمري كيف اعتذر
لا تسمعنّ في أقوال الوّشاة فقد
باؤا بزور و إفك ليس ينحصر
و اللّه و اللّه أيمانا مؤكّدة
إنّي برئ من الافك الّذي ذكروا
عقيدتي مخلصا حبّ النبي و من
أحبه و صحاب كلّهم غرر
يكفيك في فضل صدّيق و صاحبه
فارقة الحقّ في أقواله عمر
جوار أحمد في دنيا و آخرة
و آية الغار للألباب تعتبر
ص: 19
و الخير عثمان و المنعوث حيدرةّ
و طلحة و زبيرّ فضلهم شهر
سعداهم و ابن عوف ثمّ عاشرهم
أبو عبيدة قوم بالتّقى فخروا
ألفقه و النّحو و التّفسير يعرفنى
ثمّ الأصولان و القرآن و الأثر
فكن كمنجيك بل اللّه أعظمه-
و زادك اللّه عزّا ليس ينحصر
أتى إليه رواة السّوء إذأ فكوا
فحين حقّق أرداهم بما ذكروا
أمير حاجب نجل العسكريّ له
من ذاك خبر فسله يعرف الخبر
و اللّه ما مسّني منه مقابلة
بالسّوء كلّا و لا حسرت ما خسروا
لأنّني و آله العرش مفتقر
إلى نقير و قطمير له خطر
لا أستغيث من الضرآء يعلم ذا
ربّى و أستار دار ظل يدّكّر
فامنن أميري و مخدومي على رجل
و اغنم دعاي سرارا بعد إذ جهروا
في كلّ عام لناحج و كان لنا
في خدمة النّجل فى ذي العام مختصر
محمّد شاه سلطان الملوك بقي
ممتّعا بحماكم عمره عمر
ثمّ الصّلاة على المختار سيّدنا
و الآل و الصّحب طرّا بعده زمر
خدمة المملوك المظلوم و اللّه محمّد بن مكّى الشّامىّ انتهى فاعتبروا يا اولى الأبصار بما تعمله الدّنيا مع عباد اللّه الأبرار و اذكروا هذا الشّهيد المظلوم بما يفرح به روحه الشّريف عند مواليه الأطهار فى بحبوحة جناب تجري تحتها الأنهار.
ثمّ إنّى بعدما نقلت هذه القصيدة الفزعيّة لحضرته المظلومة الشّهيديّة عن خطّ شيخا الشّهيد الثّانى رحمه اللّه جعلت أتفكّر فى جهة مشروعيّة هذا الأيمان المغلّظة منه على أنّه برئ ممّا اتّهموه به من مذهب الإماميّة و على أنّ عقيدته حبّ النّبى المصطفي و أصحابه و العشرة المبشّرة مع أنّ أكثرهم هالكون باعتقاده، إلي أن اتّفق لى يوما مطالعة كتاب «تبر المذاب فى منقبة الال و الأصحاب» للسيد أحمد بن محمّد الحافى الحسينى الشّافعي فوجدته يقول بعد ذكره الصّحابة و بيان انّ اعتقاده وجوب محبّتهم جميعا و التأسيّ بهم و ترك اللّعن عليهم كما هو شعار الشّيعة الإماميّة و قد حسن أن أقول:
ص: 20
عقيدتي مخلصأ حبّ النّبي و من
أحبّه و صحاب كلّهم غرر
إلى قوله:
أبو عبيدة قوم بالتّقى افتخروا
و مع زيادة قوله:
رضوان ربّى عليهم كلّما طلعت
شمس النّهار وضاء النّجم و القمر
فانكشف لى انّها كانت من اشعار هذا الرّجل الشّافعى دن قدوتنا الشّهيد محمّد بن مكّى كما شهد بذلك ايضا قوله بعد ايراده لتمام هذه الأبيات و قلت ايضا:
محمد و الخلفاء بعد
أفضل خلق اللّه فيمن اجد
و من نحن أحمد في أصحابه
فخصمه يوم الحساب أحمد
و الشّافعىّ مذهبي مذهبه ه
لأنّه في قوله مسدّد
و عليه فالظّاهر انّ الشّهيد رحمه اللّه جعل قوله: «عقيدتى مخلصا» إلى آخر من قبيل بدل الجملة من المفرد أو بالعكس، و ذلك بأن يكون المبدل منه هنا هو الافك الذّى ذكروا، أوفى موضع المفعول من الفعل المذكور، فيصير المعنى انّي و اللّه و اللّه برئ من هذه العقيدة الفاسدة الّتى ذكروها بهذه الكيفيّة المنظومة.
و هذا من جملة لطيف التّدبير و اعمال مثل المعجزة فى مقام التّحبير و لا يمكن الّا بارادة إله خبير او اجادة من ارادة علىّ كبير.
ثمّ ان لنا محمّد بن مكّى آخر يلقّب أيضا بشمس الدّين العاملى الشّامىّ، تقدم ذكره فى جملة أساتيد شيخنا الشّهيد الثّانى فليلاحظ انشاء اللّه.
ص: 21
الشيخ رضى الدين ابو طالب محمد بن محمد بن مكى بن محمد بن حامد العاملى الجزينى(1)
هو الأبن الأكبر و النّجل الأفخر لشيخنا الشّهيد الأوّل المتّصل عنوانه بهذا العنوان عليهما من اللّه الرّحمة و الرّضوان.
و كان كما فى «امل الآمل» عالما فاضلا جليل القدر، يروي عن أبيه الشّهيد المبرور، و عن سميّه السيّد ابن معيّة المشهور، و غيرهما من العلماء الصّدور.
قال صاحب «الأمل» قال الشّهيد الثّانى فى إجازته للشّيخ حسين بن عبد الصّمد العاملىّ، عند ذكره للسيّد تاج الدّين ابن معيّة: و رأيت خطّ هذا السيّد المعظّم بالإجازة لشيخنا الشّهيد شمس الدّين محمّد بن مكّى و لولديه محمّد و علىّ، و لأختهما أمّ الحسن فاطمة المدعوّة بستّ المشايخ انتهى (2).
و المستفاد لنا من تضاعيف كتب السّير و الإجازات انّ شيخنا الشّهيد المرحوم قدّس سرّه خلف أربعة أولاد فضلاء فقهاء موثّقين: أحدهم هذا الرجل الجليل المصطنع لاسمه و خلافته، و هو شيخ رواية الحسن بن العشرة المتقدّم إليه الإشارة فى ذيل ترجمة أحمد بن فهد الحلّى، و ثانيهم الشّيخ ضياء الدّين أبو القاسم، و قيل أبو الحسن علىّ شيخ رواية ابن عمّ أبيه شمس الدّين محمّد بن داود المشتهر بابن المؤذّن الجزّينى العاملى الّذى هو ابن بنت الشّيخ أبى القاسم على هى بن صاحب ما نقل عنه الطّائفة من الكتاب الفقهى، و الظّاهر عندى انّ الشّيخ ضياء الدّين هذا كان أفضل من أخيه صاحب التّرجمة من جهة رواية مثل ابن المؤذّن ليعتمد عليه عند الكلّ، المنتظم فى سلسلة أهل هذا البيت عن هذا الرّجل فلا تغفل.
ص: 22
مضافا إلى انّ صاحب «الأمل» لم يزد فى مقام ترجمة الأوّل على ما نقل عنه فى هذا المحلّ من الثّناء المجمل بخلافه فى ترجمة ضياء الدّين المرقوم، فانّه وصفه فيها بأوصاف الأعاظم من أبناء العلوم، فقال كان فاضلا محقّقا صالحا ورعا جليل القدر ثقة يروى عن أبيه عن بعض مشايخه يروى عنه الشّيخ محمّد بن داود المؤذّن العاملىّ الجزّينى.
ثمّ لا يذهب عليك انّ هذا غير الشّيخ نجيب الدّين على بن محمّد بن مكّى العاملى الجميلى (1) ثمّ الجبعىّ الّذى ذكره أيضا صاحب الأمل فقال من بعد التّذكرة له بهذه النّسب: كان عالما فاضلا فقيها محدّثا مدقّقا متكلّما شاعرا أديبا منشئا جليل القدر، قرأ على الشّيخ حسن و السيّد محمّد و الشّيخ بهاء الدّين و غيرهم له «شرح رسالة الاثنى عشريّة» للشّيخ حسن، و جمع ديوان الشّيخ حسن، و له رحلة منظومة لطيفة نحو ألفين و خمسمأة بيت، و له رسالة فى حساب الخطأين و له شعر جيّد، رأيته فى أوائل سنّى قبل البلوغ و لم اقرأ عنده.
يروى عن أبيه عن جدّه عن الشّهيد الثّانى، و يروي عن مشايخه المذكورين و غيرهم، و له إجازة لولده و لجميع معاصريه إلى آخر ما ذكره.
و ذلك لما عرفت من بينونة بلده و لقبه و طبقته كثيرا مع ما نقلناه من كلّ ذلك بالنّسبة إلى ضياء الدّين بن الشّهيد، و من جملة أشعاره الرائقة قوله فى صفة مليحة وامقة.
مدّت حبائلها عيون العين
فاحفظ فؤادك يا نجيب الدّين
في هجرها الدّنيا تضيع و وصلها
فيه إذا وصلت ضياع الدّين
و قد عارض هذا المعنى صاحب «الأمل» بقوله:
إنّي لأخضع ان ستطت
تلك الجفون الفاترة
ص: 23
ضاعت بها الدّنيا و أخشى
أن تضيع الآخرة
و منها قوله:
لي نفس أشكو إلى اللّه منها
هي أصل لكلّ ما أنا فيه
فمليح الخصال لا يرتضيني
و قبيح الخصال لا أرتضيه
و قوله:
كلّ امرئ بين امرئين
عن المرام مقصّر
إما امرؤ متوكلّ
أو آخر متهوّر
و منها مراثيه الفائقة الّتى نظمها فى موت الشّيخ حسن و السيّد محمّد المذكورين كما سوف ينبّه عليها فى ذيل ترجمة المتأخّرين من جنابيهما المبرورين.
و كان هذا الشّيخ هو والد الشّيخ محمّد بن نجيب الدّين علىّ بن محمّد بن مكّى العاملىّ المذكور أيضا بمثل هذه الترجمة فى كتاب «الأمل» مع زيادة قوله:
فاضل صالح معاصر قرأ على أبيه و غيره من مشايخنا.
و ثالثهم الشّيخ جمال الدّين أبو منصور الحسن بن محمّد بن مكّى العاملى الجزّيني الّذى ذكره ايضا صاحب «الأمل» فقال بعد التّرجمة له بهذا الوجه الأجمل: و هو ابن الشّهيد فاضل محقّق فقيه يروى عن أبيه و قد أجاز له و لأخيه رضىّ الدّين أبى طالب محمّد و لأخيه ضياء الدّين أبى القاسم علىّ إنتهى.
و رابعهم الإنسان الخاصّ و زبدة الخواصّ و زينة أهل الفضل و الإخلاص بنته المسعودة المخدّرة و المتقدّم إلى ذكرها الإشارة المكرّرة شيخة الشيعة و عيبة العلم الباذخ فاطمة المدعوّة كما عرفته بستّ المشايخ، بمعنى سيّدة رواة الأخبار و رئيسة نقلة الآثار عن السّادة البررة الأطهار عليهم سلام اللّه الملك الغفّار، و قد يقال انّ كنيتها امّ الحسن، و كانت عالمة فاضلة فقيهة عابدة سمعت من المشايخ و أخذت عن أبيها و عن السيّد ابن معيّة اجازة، و كان الشّهيد ثينى عليها و يأمر إليها بالرّجوع إليها في أحكام الحيض و الصّلاة.
ص: 24
أقول: و نظيرة هذه العالمة العاملة المرضيّة فى طائفة الشّيعة الإماميّة هى سميّتها المعاصرة لها أيضا بل المحدّثة إيّاها ظاهرا فاطمة ابنة السيّد ابن معيّة المذكور حشرها اللّه مع سيّدة النّساء فى يوم النّشور، فانّ الظّاهر انّها أيضا كانت مدعوّة بسيّده المشايخ راوية عن أبيها الرّواية كما فى مكتتبات بعض الرّخايخ و لعلّ ثالثتهما العفيفة الصّالحة الفقيهة الفاضلة بنت مولانا المجلسى الأوّل الّتى هى اكبر أخوات مجلسينا الثّانى و زوجة مولانا محمّد صالح المازندرانى الّتى هي والدة الجليل النّبيل المشتهر بالآقا هادى كما قد اشير إلى ذلك فى ذيل ترجمة والدها الفقيه الأوّاه فليراجع إنشاء اللّه.
ثمّ انّ في رياض العلماء عنوانا بخصوصه لرجل آخر من هذه السلسلة مسمّى بالشّيخ خير الدّين بن عبد الرّزاق بن الشّهيد العاملىّ ثمّ الشيرازى مذكورا فى صفته:
عالم فقيه متكلّم محقّق مدقّق جامع لجميع العلوم الرسميّة و الحكميّة من معاصرى شيخنا البهائى، و انّه سكن شيراز مدّة و لمّا ألّف البهائى «الحبل المتين» أرسله إليه بشيراز ليطالع فيه و يستحسنه، و كان يعتقد فضله و يمدحه كثيرا، و لمّا طالعه كتب عليه تعليقات و حواشى و تحقيقات بل مناقشات أيضا، و له أيضا أولاد و أحفاد يسكنون بلدة طهران الرىّ، و له من المؤلّفات فى الرّياضى و الفقه و غيرهما، مع قوله بعد ذلك:
ثمّ أنى وجدت فى بلاد سجستان رسالة طويلة الذّيل فى علم الحساب باسم الشّيخ خير الدّين و كأنّه منه رحمه اللّه، و تاريخ كتابته سنة إحدى و ستّين و ألف و بالجملة سلسلة الشّهيد رحمه اللّه خلفا عن سلف كانوا أهل الخير و البركة اسما و رسما انتهى.
ص: 25
الشيخ الفاضل المحقق و الحبر الكامل المدقق خلاصة المتأخرين محمد بن الشيخ زين الدين ابى الحسن على بن حسام الدين ابراهيم بن حسن بن ابراهيم بن ابى جمهور الهجرى الاحساوى(1)
صاحب كتاب «غوالى اللآلى» فى الأحاديث الأصوليّة و غيرها، و كتاب «المجلى» فى المنازل العرفانيّة و سيرها، و كتاب «نثر اللالى» كما يظهر نسبته إليه فى مقدّمات «البحار» و الظّاهر إتّحاده مع كتاب «اللآلى العزيزيّة في الأحاديث النّبويّة و الإماميّة» الّذى هو مخصوص بجمع الأحاديث الفقهيّة الفروعيّة على طرز كتاب «المنتقى» للشّيخ حسن بن الشّهيد الثّانى رأيته إلي آخر كتاب الحجّ، و كتاب «الأقطاب» على وضع كتاب «قواعد الشّهيد» و إن كان أو جز منه بكثير، و كتاب «معين المعين» و كتاب «زاد المسافرين» مع شرحه اللّطيف فى اصول التّكليف، و كتاب «شرح ألفيّة الشّهيد» رحمه اللّه و كتاب «شرح الباب الحادى عشر» الذى شرحه جماعة من الفقهاء و المتكلّمين، و رسالة فى إثبات انّ على اخبارنا الآحاد فى أمثال هذه الأزمان المعوّل كما نسبها إليه صاحب «الأمل»، و فيه أيضا انّ له مناظرات مع المخالفين كمناظرة الهروىّ و غيرها بل فيه ترجمة الرّجل مرّة بعنوان الشّيخ محمّد بن جمهور الأحسائى مع قوله:
كان عالما فاضلا راوية ثمّ نسبه كتاب «غوالى اللالى» و كتاب «الأحاديث الفقهيّة» و كتاب «معين المعين» و كتاب «زاد المسافرين» و شرح الباب الحادى عشر و المناظرات و رسالة العمل باخبار الأصحاب إليه رحمه اللّه.
ص: 26
و اخرى بعنوان الشّيخ محمّد بن علىّ بن ابراهيم بن ابى جمهور الأحساوىّ مع قوله: فاضل محدّث له كتب تقدّم فى محمّد بن جمهور، و ما هنا أثبت و قد ذكرنا كتبه هناك يروى عن الشّيخ علىّ بن هلال الجزائرى عن ابن فهد روى عنه فى كرك نوح ذكره صاحب مجالس المؤمنين انتهى.
و قال أيضا صاحب «المجالس بعد ذكره انّ ملاقات الرّجل مع الشّيخ علىّ بن هلال المذكور كانت بديار جبل عامل عند مراجعته من سفر حجّ بيت الحرام، و بقى عنده شهرا كاملا يستفيد فيه من بركات أنفاسه، ثمّ عاد إلى وطنه الأصلّى، فخرج منها إلى زيارة ائمّة العراق عليهم السّلام، ثمّ عزم على زيارة مولانا الرّضا عليه السّلام و الإقامة بارض طوس المباركة، فأعطاه اللّه فى ذلك مناه، و جعل عاقبته خيرا من اولاه.
أقول و من جملة ما كتبه فى ذلك المشهد المقدّس الرّضوى رسالة مناظرته فى مسألة الإمامة مع الفاضل الهروىّ، و هى طريقة مشهورة بين الطّائفة يقول فى مفتتحها بعد الحمد و الصّلاة: انّنى كنت فى سنة ثمان و سبعين و ثمانمأة مجاور المشهد الرّضا عليه السّلام و كان منزلى بمنزل السيّد الأجل و الكهف الأطلّ محسن بن محمّد الرّضوى القمىّ، و كان من أعيان أهل المشهد و أشرافهم بارزا على أقرانه بالعلم و العمل، و كان هو و كثير من أهل المشهد يشتغلون معى فى علم الكلام و الفقه، فأقمنا على ذلك مدّة، فورد علينا من الهراة خال السيّد محسن، و كان مهاجرا بالهراة لتحصيل العلم، فقال انّ السّبب فى ورودى عليكم ما ظهر عندنا بالهراة من اسم هذا الشّيخ العربىّ المجاور بالمشهد و ظهور فضله فى العلم و الأدب، فقدمت لأستفيد من فوائده شيئا و خلفى رجل من أهل كيج و مكران و لكنّه قريب من ستّين سنة متوطّن بالهراة مصاحبا لعلمائها يطلبون فنون العلم و قد صار الآن مبرّزا فى كثير من الفنون مثل العربية و أصول الفقه و غير ذلك و هو عامىّ المذهب و له مجادلات مع اهل المذاهب و قوّة الزام الخصوم فى الجدل، فقد سمع بذكر هذا الشّيخ العربىّ، فجاء لقصد زيارة إمام الرّضا عليه السّلام و قصد ملاقاة
ص: 27
هذا الشّيخ و الجدال معه و هذا على الأثر يقدم غدا أو بعد غد، فما أنتم قائلون؟ فأشار إلى السيّد بما قاله خاله مستطلعا لرأيى و قال إذا قدم هذا الرّجل، فبادره يكون ضيفا لنا لأنّه قدم مع خالى و خالى ضيف لنا، و ما يحسن لنا أن نضيف أحد المتضايفين و نترك الآخر، و إذا حضر مجلس الضّيافة التقى معك و تحصل المجادلة بينكما، لانّه ما أتى إلّا لهذا الغرض، فما أنت قائل اتحبّ ان تلاقيه و تجادله او لا تحبّ ذلك، فتحتال فى ردّه عنّا، فقلّت استعين باللّه على جداله و أرجو أن يقررّه الحقّ بفلحه و يغلبه بنوره، فقال السيّد ذلك هو مراد الأصحاب و مقصود الأحباب.
و لمّا كان بعد مجئى خال السيّد قدم الهروىّ إلى المدرسة و علم السيّد و خاله نزوله، فمضينا إليه و جاء به إلى المنزل و أضافوه و عملوا وليمة احضروا فيها جميع الطّلبة و جماعة من الأشراف و السّادات، و حصل بينى و بينه ملاقاة فى منزل السيّد أطال اللّه بقائه، فجادلت معه فى ثلاثة مجالس، المجلس الاوّل كان فى منزل السيّد يوم الضّيافة بحضرة الطّلبة و الأشراف، فكان أوّل ما تكلّم به مع بعد التّهنية ان قال يا شيخ ما اسمك؟ قلت: محمّد، فقال من أىّ بلاد العرب، فقلت: من بلاد الهجر المشهور بالاحساء أهل العلم و الدّين، فقال أىّ شى ء مذهبك؟ فقلت؛ سألتنى عن الأصول أو الفروع: فقال عن كليهما، فقلت: أمّا مذهبى فى الأصول فما قام لى الدّليل عليه، و أمّا فى الفروع فلى فقه منسوب إلى أهل البيت عليهم السّلام، فقال أراك إمامىّ المذهب فقلت: نعم، أنا إمامىّ المذهب، فما تقول: فقال: انّ الامامىّ يقول انّ علىّ بن أبى طالب عليه السلام إمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بلا فصل، فقلت: نعم، و أنا أقول ذلك، فقال أقم الدّليل على دعواك، فقلت: لا أحتاج إلى إقامة دليل على هذا المدّعى، فقال: لم قلت لأنّك لا تنكر إمامة علىّ بن أبى طالب أصلّا، بل أنا و أنت متّفقان على أنّه إمام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله، و لكن أنت تدّعى الواسطة بينه و بين الوصول، و أنا أنفى الواسطة، فأنا ناف و أنت مثبت، فأقامة الدليلّ عليك أللّهم إلّا أن تنكر إمامة علىّ أصلا و تقول أنّه ليس بامام أصلا و راسا فتخرق الإجماع، فليزمنى حينئذ إقامة الدّليل عليك، فقال أعوذ باللّه ما أنكر
ص: 28
إمامته و لكن أقول أنّه الرّابع بعد الثّلاثة، فقلت: إذا أنت تحتاج إلى إقامة الدّليل على دعواك لأنّي لا أوافقك علي إثبات هذه الوسائط، فضحك الحاضرون من الأشراف و الطّلبة، و قالوا انّ العربىّ لمصيب و الحقّ احقّ بالاتّباع، انّك مدّعى و هو منكر و المنكر لا يحتاج فى إثبات دعواه إلى البيّنة، فلمّا الزمته قال الدّلائل على مدّعاى كثيرة فقلت أريد واحدة منها لا غير، فقال الإجماع من الأمّة على إمامة أبى بكر بعد الرّسول بلا فصل، و أنت لا تنكر حجيّة الإجماع فقلت نعم انّا لا ننكر حجية الاجماع و لكن أقول ما تريد فيه، لأن بالإجماع الإجماع من كثرة القائل بذلك فى هذا الوتت او الاجماع الحاصل من أهل الحلّ و العقد يوم موت الرّسول، إن أردت الأوّل فلا حجّة فيه لأنّ المخالف موجود، و الكثرة لا حجّة فيه بنصّ القرآن، لانّه تعالى يقول: و قليل من عبادى الشّكور، و لم تزل الكثرة مذمومة فى كلّ الأمور حتّى فى القتال قال اللّه تعالي كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن اللّه و اللّه مع الصّابرين.
و إن أردت الثّانى فلاثباته طريقان: طريقة على مذهبى و لا يلزمك، و هي انّ الإجماع عندنا إنّما يكون حجّة مع دخول المعصوم إلي أن قال: و طريقة على مذهبك و هى إنّ الإجماع هو إتفاق أهل الحلّ و العقد من أمة محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم على أمر من الأمور و هذا المعنى لم يحصل لأبى بكر يوم الثّقيفة بل كان فضلاء الأصحاب و زهّادهم و علمائهم و ذو الاقدار منهم و أهل الحل و العقد غيبا لم يحضروا معهم الثقيفة بالأتفاق، كعلىّ و و ابنيه و العبّاس و ابنه عبد اللّه و الزّبير و المقداد و عمّار و أبو ذرّ و سلمان و جماعة من بنى هاشم و غيرهم من الصّحابة كانوا مشتغلين بتجهيز النّبى صلّى اللّه عليه و اله فرأى الأنصار فرصة باشتغال بنى هاشم. فاجتمعوا إلى ثقيفة بنى ساعدة لأصابة الرّأى إلى آخر ما ذكره من السّؤال و الجواب، و ما افحم به ذلك النّاصب الجانب طريق الصّواب.
و قال صاحب «اللّؤلؤة» و عن السيّد حسين بن السيّد حيدرا المتقدّم عن الشّيخ نور الدّين محمّد بن حبيب اللّه عن السيّد مهدىّ عن أبيه الحسيب السيّد محسن الرّضوى عن الشيخ محمّد بن الحسن بن علىّ بن أبى جمهور الأحسائى.
ص: 29
و كان له مع السيّد محسن المذكور صحبة أكيدة، و لأجله صنّف كتاب «شرح زاد المسافرين» و فى بيته فى طوس ناظر المولى الهروىّ و ألجمه و ألزمه و مناظرته له مشهورة مأثورة مدوّنة فى كتاب على حدة، و مسطورة عن شيخه و استاده السيّد- شمس الدّين محمّد بن السيّد كمال الدّين موسى الحسينى، عن والده المذكور، عن الشّيخ فخر الدّين أحمد الشّهير بالسّبعى الأحسائى، عن الشّيخ محمود المشهور بابن أمير الحاجّ العاملىّ، عن شيخه الشّيخ حسن المشهور بابن العشرة عن شيخه الشّهيد إلى آخر ما سيجى ء إنشاء اللّه من طرق شيخنا الشّهيد و الشّيخ محمّد بن أبى جمهور المذكور، كان فاضلا مجتهدا متكلّما، له كتاب «غوالى اللّئالى» جمع فيه جملة من الأحاديث إلّا انّه خلط الغثّ منه بالسّمين، و أكثر فيه من أحاديث العامّة، و لذا انّ بعض مشايخنا لم يعتمد عليه.
و له كتاب «شرح زاد المسافرين» و كتاب «المجلى» على مذاق الصّوفيّة، و له «شرح الباب الحادى عشر» كان عندى، فذهب فيما ذهب من كتابى و رسالة فى العمل بأخبارنا، و مناظرة الملاء الهروىّ و من مشايخه الشّيخ علىّ بن هلال الجزائرى.
أقول و جميع هذه الكتب موجودة بين أظهرنا الآن متداولة على أيدى علماء الزّمان، و لكن يعجبنى من بين كلّ أولئك إذا جرى هنا ببالك عين ما رقمه الرّجل فى مفتتح شرحه المتين، على كتاب «زاد المسافرين» ليكون ذلك فائدة أخرى للنّاظرين و عائدة أخرى للفاكرين و للشّاكرين، و هو هكذا: و بعد فانّ معرفة اللّه تعالى من الواجبات على جميع الأمم لوجوب شكره على كلّ عاقل وجوبا ثابتا ملتزم؛ فلهذا واظب عليها سائر المكلّفين؛ و حث عليها جميع الأنبياء و المرسلين، إلى أن قال:
فلمّا انتهت النّوبة إلينا و وجب ذلك علينا و نسجنا على منوالهم و اقتدينا بهم فى أقوالهم و أفعالهم، فكتبنا فى ذلك ممّا تيسّر و الفينا فيه ما ظهر و انتشر، و لمّا قضى اللّه لنا بالحجّ إلى البيت الحرام فى العام السّابع و السّبعين بعد ثمانمأة من الأعوام و قضينا به الآداب من الإلمام رجعنا إلى ليلى واقريناها السّلام و قصدنا منها إلى العراق لزيارة
ص: 30
الأئمّة الأطهار، و تقبيل أعتاب السّادة الأخيار؛ و لمّا وفّقنا لما قصدناه و خطينا بما أردناه، جردّنا العزم إلى زيارة الإمام الغريب، النّازح عن الأوطان البعيد الأقصى المدفون بارض خراسان و كنت فى الطّريق المذكور و المسير المزبور، كتبت شيئا ممّا يتعلّق بمعرفة الواحد المعبود و مفيض الخيرد الجود، لمقترح بعض الإخوان المصاحبين فى ذلك السفر و المشاركين فى البعث و الإدلاج و السّهر؛ ثمّ عاقت عن اتمامه عوائق الحدثان و ممانعات الدّهر الخوان و لما خطيت بالوصول إلى المشهد الرضويّة، و تقبيل اعناقه العليّه، حدانى ذلك على إتمام ما كنت قد كتبت، و المراجعة إلى ما كنت قد جمعت، فبعد إتمام الكتاب بالبراهين سميّناه ب «زاد المسافرين فى اصول الدّين» و كان واحدا فى فنّه، و إن كان صغيرا فى حجمه، ثمّ اتّفق لى المصاحبة بالسيد النّقيب الشّريف الحسيب النسيب الطّاهر العلوىّ الحسينى الرّضوى، ذى الكمال و الإفضال و الأيادى و النّوال إلى أن قال بعد ذكر جملة من هذه الأمثال: ذاك شرف الإسلام و تاج المسلمين بل ملك السّادات و النّقباء فى العالمين، السيّد الأمير الّذى لا مثل له فى عصره و لا نظير، غياث الملّة و الدّين محسن بن السيّد الشّريف المغفور رضىّ الملّة و الدّين، محمّد بن محمّد بن السيّد مجد الملّة و الدّين علىّ بن السيّد رضى الملّة محمّد بن حسين بن فادشاه الرّضوى، الحافظ القمىّ امدّ اللّه له فى العمر السّعيد و العيش الرّغيد فالتمس منّى ان اكتب له شرحا كاشفا عن وجوه فرائده نقابها و مظهرا عن خفايا أسراره حجابها فاستصعبت الأمر المطلوب، و قلت: انّه عنّى فى ذا الزّمان محجوب، فلمّا كثر منه الإلحاح و الطّلب لم أجد بدّا من أسعافه بما أحبّ، فامليت فى ذلك ما سنح من القريحة الفاطرة و الفطنة القاصرة، مع قلة البضاعة و الإشتغال بأحوال الزّمان عن الإستطاعة و سميّته ب «بكشف البراهين لشرح زاد المسافرين» إلى آخر ما ذكره، و قد ينسب اليه رحمه اللّه أيضا كتاب فى «المقتل» كبير مشتمل من الأخبار الغريبة على كثير فليلاحظ
و قد ذكره أيضا المحدّث النّيسابورىّ مرّة بعنوان محمّد بن الحسن بن علىّ بن حسام الدّين بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن أبى جمهور الأحسانى. و قال فى
ص: 31
ترجمته: متكلّم فقيه صوفىّ له كتب منها كتاب «المجلى» جمع فيه بين الكلام و التّصوّف، و كتاب «غوالىّ اللّئالى» و «رسالة المناظرة» المعروفة فى المشهد الرّضوى مع الفاضل الهروىّ، يروي عن عدّة، إلى أن قال: و عنه عدّة، منهم السيّد محسن الرّضوى «صحّ» و مرّة أخرى بعنوان محمّد بن على بن إبراهيم بن أبى جمهور الأحسائى، و قال فى صفته متكلّم فقيه محدّث عارف رمى بالتّصوّف، له كتب أشهرها «المجلى» و كتاب «غوالى اللئالى» إلى أن قال: يروي عن شرف الدّين حسن- بن عبد الكريم الفتال الغروىّ؛ و علىّ بن هلال الجزائرى.
أقول: و الفتّال المذكور، هو غير الفتّال المشهور، صاحب كتاب «روضة الواعظين» فانّه أبو على بن الفارسى المتقدّم ذكره من ذيل المتقدّمين من المحمّدين، و هذا الفتّال المذكور هنا هو الموصوف فى كلمات صاحب التّرجمة لشيخى الأجلّ الأسنى علّامة المحقّقين، و خاتمة الأئمة المجتهدين؛ جمال الملّة و الحقّ و الدّين، و انّه يروي عن شيخه المحقّق المدقق جمال الدّين حسن بن حسين بن مطر الجزائرىّ، عن شيخه العلّامة أبى العبّاس بن فهد الحلّى.
ثمّ ان له الرّواية أيضا كما عن مقدّمة كتابه الغوالى عن أربعة أشياخ آخرين أولى نوال، أحدهم والده الماجد العابد الزّاهد العالم العامل الجليل المقدار عن شيخه العالم قاضى القضاة ناصر الدّين الشّهير بابن نزار، عن أستاده الشّيخ جمال الدّين حسن الشّهير بالمطوّع الجرواتىّ الأحساوى، عن شهاب الدّين أحمد بن فهد بن إدريس المصرىّ الأحساوىّ، عن شيخه العلّامة خاتمة المجتهدين أحمد بن عبد اللّه الشّهير بابن المتوج البحرانى.
و ثانيهم الشّيخ العالم المشهور النّبيه الفاضل حرز الدّين الأوابلى عن شيخه الزّاهد العابد الورع فخر الدّين أحمد بن محذم الأوابلىّ، عن العلّامة العامل على أحسن النّهج شيخنا فخر الدّين المتوّج.
و ثالثهم السيّد شمس الملة و الدّين قاضى القضاة محمّد بن السيّد شهاب الدّين أحمد
ص: 32
الموسوى الحسينى، عن شيخه العلّامة المتبحر كريم الدّين يوسف الشّهير بابن راشد القطيفى، عن مشايخ له عدّة أشهر هم الشّيخ الفقيه المتقدّم جمال الدّين أحمد بن فهد الحلّى.
و رابعهم المولى العالم العلّامة محقق الحقايق و صاحب الطرايق، سيّد الوعّاظ و إمام الحفّاظ وجيه الدّين عبد اللّه بن المولى علاء الدّين فتح اللّه بن المولى رضىّ الدّين عبد الملك بن شمس الدّين إسحاق الواعظ القمىّ، عن جدّه رضي الدّين المبرور، عن ابن فهد المذكور و عن شرف الدّين علىّ بن تاج الدين حسن السّرابشنوى الفقيه المعروف عن ابيه الموصوف، عن الحسن بن يوسف بن علىّ بن المطهّر العلّامة- اعلى اللّه تعالى مقامات جميع اولئك المذكورين و مقامه.
و امّا نحن فقد قدّمنا ذكر شيخه الأجلّ الأعظم على بن هلال الجزائرى الّذى هو من جملة مشايخ المحقّق الشّيخ علىّ الكركى، و أيضا بقى سائر مشايخه السّبعة المذكورين هنا، و فى مقدّمة كتابه «الغوالى» على سبيل التفصيل عند هذا العبد و سائر أصحاب التّراجم و الإجازات من جملة علمائنا المجاهيل، بل الكلام فى توثيق نفس الرّجل و التّعويل على رواياته و مؤلّفاته و خصوصا بعد ما عرفت له من التّأليف فى إثبات العمل بمطلق الأخبار الواردة فى كتب أصحابنا الأخيار، و ما وقع فى أواخر وسائل الشّيعة من كون كتابى حديثه خارجين عن درجة الإعتماد و الإعتبار مع انّ صاحب الوسائل من جملة مشاهير الأخباريّة، و الأخباريّة لا يعتنون بشى ء من التّصحيحات الاجتهاديّة، و التّنويعات و الإصطلاحية.
هذا «امّا الرّاوية عنه رحمه اللّه تعالى فلم نعهده إلى الآن فيما رأيناه من إجازات علمائنا الأعيان، و لغير تلميذه الفاضل المتفنّن المتقن السيّد محمّد محسن بن السيّد محمّد الرّضوىّ المشهدى، الّذى تقدّم لك تعريفه من كلام صاحب التّرجمة، و اتّصال السّند إليه من كلام صاحب «اللّؤلؤة» نعم فى بعض إجازات شيخنا المحدّث العارف المتأخّر الشّيخ أحمد بن زين الدّين البحرانى- المتقدّم ذكره الشّريف- رواية الشّيخ علىّ بن الروضات 7/ 3
ص: 33
عبد العالى المشتهر بالمحقّق الثانى أيضا عنه، كما عن شيخه الشّيخ على بن الجزائرى؛ و فى بعض المواضع إيصال رواية السيّد محمد بن السيّد موسى الأحساوى الّذى يروى عنه المولى عطاء اللّه الآملى، الّذى يروي عنه السيّد المحقّق الحسين بن الحسن الموسوى؛ الّذى هو أيضا أحد مشايخ السيّد حسين بن السيّد حيدر العاملىّ المشهور عن ابن أبى جمهور المذكور و كأنّها إشتباه فى الرّواية له؛ كما قد عرفتها بالرّواية عنه كما لا يخفى.
و عندنا ايضا صورة اجازة شيخنا هذا الأمينه السيد شرف الدّين محمود بن السيّد علاء الدّين بن السيد جلال الدّين الهاشمى الطالقانى، و صورة إجازة أخرى منه للشّيخ شمس الدّين محمّد بن صالح الغروي الحلّى، و هنا أيضا غير معروفين بواحدة من الجهات، و لا موجودين فى شى ء من كتب التّراجم و الإجازات، فانحصر الطّريق المسلوكة إليه إذن فيما جعله صاحب «اللّؤلؤة» نافذا، و إن كان فيه أيضا المجال للنّظر الدّقيق، بالنظر إلى الوسائط بينه و بين السيد حسين بن السيد حيدر العاملى المرشد إلى هذا الطّريق فليتأمل و لا يغفل.
المولى الفاضل الفقيه محمد بن ابى طالب الاسترابادى(1)
شارح جعفريّة مولانا المحقّق الشّيخ على بطريق مزجىّ و نمط إستدلالى، كان من علماء دولة الشاه طهماسب الصّفوى المغفور، و محلّا لاعتماد شيخنا المتقدم المذكور و من كبار المستفيدين من بركات ذلك الحضور الباهر النّور، و قد شرح هذه الرّسالة الشّريفة فى أواخر زمن حياة الشيخ و أوائل دولة الشاه، و كان فى حدود العشر الرابع بعد التسعمأة الهجريّة على صادعها و آله سلام اللّه، و لمّا كان رحمه اللّه قد جعله باسم
ص: 34
الحاكم المؤيّد سيف الدين مظفّر التبكجر الجرجانى سمّاه «المطالب المظفّريّة فى شرح الرّسالة الجعفريّة» و هو الّذى قد يشير المتأخّرون منّا إلى خلافاته و دعاوى إجماعاته فى كتبهم الفقهية الإستدلالية، معبّرين عنه فى بعض المواضع أيضا بالطّالبية مع ما فيه من التوسعة الغريبة فى الإستعمالات النسبيّة و الإضافية، و طريقته الدائمة فى مقامات الستّة القائمة فى الماهيات الشرعيّة اجراء أصالة الصّحة و العمل بالبرائة الأصلية، على رسم جماعته الأعمية فى صورة وقوع الشكّ فى الشرطيّة او- الجزئية، و روايته المعروفة منه أيضا بالإجازة و غيرها انّما هى من جناب استاد المتقدّم عليه التّعظيم.
و العجب ان ولد نفسه الشيخ عبد العالى المتقدّم ذكره الفخيم، لا يروي عنه أيضا إلّا بواسطة هذا المحرم فى الحريم، و إن نقل السيد حسين بن حيدر الكركى عن شيخ روايته الشّيخ عبد العالى المذكور مشافهته إيّاه بروايته المتّصلة أيضا على وجه القراءة و الإجازة معا عن والده الشّيخ علىّ المبرور عليهم رحمه اللّه الملك الغفور.
ثمّ ليعلم أنّ هذا الرّجل غير محمد بن ابى طالب الحسينى الحائرى الّذى كان هو أيضا كما فى رجال النّيسابورى من جملة المشايخ.
و له كتاب «تسلية المجالس» و «زينة المجالس» كلاهما فى مقتل مولانا الحسين عليه السّلام.
و كذلك هو غير محمد المشنهر بعلى بن أبى طالب بن عبد اللّه بن جمال الدين على ابى المعالى الزاهدى الجيلانى الفاضل الأديب العارف اللّبيب صاحب الدّيوان الشّعرى الكبير و رسائل كثيرة، منها «رسالة الصّيد» و منها فى «تفسير آية النّور» و منها فى «شرح اللّاميّة» و كتاب اخر فى ذكر علماء معاصريه بدأ فيه بذكر السيّد عليخان المدنى الشّيرازى كما افيد، فانّه كان من فضلاء بعد الدّولة الصفويّة كما لا يخفى.
ص: 35
و قيل انّه ولد باصفهان سنة ثلاث و مأة بعد ألف، و توفّى ببنارس الهند و مرقده هناك مزار معروف.
و كذلك هو غير الشّيخ الفقيه محمد بن داود الاسترابادى الّذى هو من جملة تلاميذ الشّيخ علىّ المحقّق رحمه اللّه، و غير السيد الصّدر السّعيد صفى الدّين محمّد بن السيّد جمال الدّين الحسينى الأسترابادى- المتقدّم ذكره الكريم فى باب الجيم و إن كان هو أيضا من جملة الآخذين من بركات تلك الحضرة العالية العليّة، و الرّاوين بالإجازة و غيرها عن تلك البيّنة الإسلاميّة كما ذكره السيّد الكركىّ المسند إليه و إلى المذكور قبله ايضا الروايه لنفسه بواسطة السيد العلّامة الامير أبى الولى بن الشاه محمود الحسينى الشيرازى.
معدن العلم و المعرفة و الكمال، و جار اللّه الجائر الى حرمه الشريف على وجه الاقبال، مولانا الميرزا محمد بن على بن ابراهيم الفارسى الاسترآبادى(1)
المشتهر بصاحب الرجال كان من شرفاء علماء وقته الموصوف فى كلمات بعضهم بالسّيادة، و كأنّه من جهة انتسابه بالأمّ إلى موالينا السادة القادة، كما قد يشعر به أيضا دعاء سيّدنا الأمير مصطفى الحسينى التّفرشى الّذى هو من أعاظم فرسان هذا المجال، فى ضمن ترجمته لأحوال هذا الرّجل فى كتاب «نقد الرّجال» على هذه الاشكال:
محمّد بن علىّ بن كيل الأسترابادىّ مدّ اللّه تعالى فى عمره و زاد اللّه تعالى فى شرفه- فقيه
ص: 36
متكلّم ثقة من ثقات هذه الطّائفة و عبّادها و زهّادها، حقّق الرّجال و الرّواية و التّفسير تحقيقا لا مزيد عليه، كان من قبل من سكان العتبة العليّة الغرويّة، و هو اليوم من مجاورى بيت اللّه الحرام
و له كتب جيّدة منها كتاب الرّجال حسن التّرتيب يشتمل على أسماء جميع الرّجال، و يحتوى على جميع أقوال القوم فى المدح و الذمّ الّا شاذّا منها، و منها كتاب «آيات الاحكام» انتهى.
و ذكره ايضا صاحب «الأمل» فقال: ميرزا محمّد بن علىّ بن ابراهيم الاسترآبادى كان عالما فاضلا محقّقا مدقّقا عابدا ورعا ثقة عارفا بالحديث و الرّجال، له كتاب الرّجال الكبير و المتوسّط و الصّغير، ما صنّف فى الرّجال أحسن من تصنيفه و لا أجمع إلّا أنّه لم يذكر المتأخرين، و له إيضا شرح «آيات الاحكام» و «حاشية التّهذيب» و رسائل مفيدة.
نروى عن شيخنا الشّيخ زين الدّين بن محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّانى عن أبيه عنه و ذكره صاحب «سلافة العصر» و ذكر اكثر مؤلّفاته و أثنى عليه و ذكر انّه توفّى بمكّة سنة ستّ و عشرين و ألف (1)، ثمّ نقل عبارة السيّد التّفرشى هنا بالتّمام إلى قوله كتاب آيات الأحكام، و ذكر صاحب «اللّؤلؤة» انّه توفّى في مكّة المعظّمة لثلاث عشرة خلون من ذى القعدة سنة ثمان و عشرين بعد الالف» و الظاهر انّ هذا هو الحقّ، و الاوّل اشتباه فى النّقل عن صاحب السّلافة فى حقّ غير هذا الرّجل كما لا يخفى.
و ذكره سميّنا العلّامة المجلسى أيضا فى باب من تشرّف فى الغيبة الكبرى بلقاء مولانا الحجّة عليه سلام اللّه الأوفى، فقال أخبرني جماعة عن السيّد السّند الفاضل الكامل ميرزا محمّد الأسترابادى- نور اللّه مرقده انّه قال انّى كنت ذات ليلة أطوف حول
ص: 37
بيت اللّه الحرام، إذ أتى شابّ حسن الوجه، فاخذ فى الطّواف، فلمّا قرب منّى أعطانى طاقة، ورد أحمر فى غير أوانه، فأخذت منه و شممته و قلت له: من أين يا سيّدى؟
قال: من الخرابات ثمّ غاب عنّى، فلم أره.
و ذكر المحدّث النّيسابورى أيضا فى كتاب رجاله الكبير، فقال بعد التّرجمة له بعنوان محمّد بن علىّ بن إبراهيم العلوىّ الأسترابادى أصلا الغروىّ ثمّ المكّى جوارا و مدفنا، المعروف بميرزا محمّد شاه ركنا اسما و لقبا و بليدا، كان عالما فاضلا محقّقا مدقّقا عابدا ورعا ثقة عارفا بالحديث و الرّجال، كان من المشايخ.
له كتاب «آيات الأحكام» و كتاب رجال كبير و وسيط و صغير و «حاشية التّهذيب» و رسائل مفيدة ذكره المجلسىّ رحمه اللّه فى المجلّد الثّالث عشر من كتاب بحار الانوار فى باب من رآه عليه السّلام قريبا من زماننا؛ و ذكر انّ القائم عليه السّلام أعطاه طاقة ورد جورىّ فى غير أوانه فى المطاف، و أخبره انّه من خرابات.
أقول الخرابات هى جزائر المغرب من البحر المحيط منها الجزيرة الخضراء الّتى ذكرها السّمعانى فى أنسابه، و نسب إليها جماعة من العلماء و المحدّثين، و ذكرها الفيروزآبادى فى «قاموسه» و المجلسىّ فى «بحاره» قال الشّيخ علىّ المحشىّ فى تعليقاته الرّجاليّة ما لفظه: هذا الكتاب مع اختصاره و جمعه لكتب الفنّ المشهورة شديد الضبط عظيم الفائدة قليل الأغلاط، فيجب الإعتماد عليه فى النّقل، لأنّ مصنّفه ثقة ضابط قليل الأوهام انتهى.
و كان معظم أخذ هذا الشّيخ و روايته عن الشّيخ البارع المتقن التقدّم ذكره التقديسى ظهير الدّين أبى إسحاق ابراهيم بن الشّيخ علىّ بن عبد العالى العاملىّ الميسىّ، بل لم تتحقّق إلى الآن روايته عن غير هذا الشّيخ فيما رأيناه من كتب الإجازات و الأخبار بخلاف الرّواية عنه، فانّها لجماعة من الكبراء الأخيار منهم: المولى محمّد أمين الأسترابادى الأخبارىّ المتقدّم ذكره الطّويل- و منهم:
صاحب التّرجمة الآتية المدرك لبركات صحبته على سبيل التّفصيل.
ص: 38
الشيخ الجليل و الفاضل النبيل الفقيه بن الفقيه ابو الفقيهين فخر الدين ابو جعفر محمد بن الشيخ حسن بن شيخنا الشهيد الثانى المشتهر اسمه الشريف بالزين(1)
و كان هو أيضا مجاورا بالمكّة المعظّمة، و ملازما لمجلس مباحثة صاحب التّرجمة المتقدّمة، و معتقدا لغاية نيله و فضله و تحقيقه بل مفتخرا بالإهتداء إلى سبيله و طريقه، و قد كان عندنا من كتب خزانة سيّدنا و سميّنا و شيخ إجازتنا العلّامة الرّشتى أعلى اللّه تعالى مقامه نسخة كتاب الرّجال الكبير، بخطّ هذا الرّفيع جنابه العادم للعديل و للنّظير، و عندنا الآن أيضا بخطّه الحسن الّذى يقارب فى الحسن خطّ والده الجليل الشّيخ حسن رحمه اللّه تعالى عليهما على ظهر كتاب الفقيه الّذى صحّحه أبوه المذكور فى نجف الغرىّ على مشرّفه السّلام، و علّق عليه بخطّه الشّريف فوائد كثيرة من أبكار نفسه و عبارات غيره، و هو من أطائب نعماء اللّه جلّت عظمته على هذا العبد الضّعيف صورة ما كتبه استاده المعظّم عليه فى أواخر رجاله الكبير من بيان حال طرق الصّدوق إلى أرباب الأصول مع تلخيص ما منه رحمه اللّه و هى هكذا: من فوائد مولانا علّامة الزّمان ميرزا محمّد أطال اللّه بقاه فى كشف طرق هذا الكتاب و بيان حالها تفصيلا بالنظر إلى حال الرّواة المعتمدين و غيرهم، نقلته من كتابه فى الرّجال، و هو كتاب لم ير مثله فى كتب المتقدّمين و لم يسمع بما يدانيه أفكار المتأخّرين، قال سلّمه اللّه فالى أبان بن تغلب فيه أبو علىّ صاحب الكلل، و هو غير معلوم الحال. و الى أبان بن عثمان صحيح كما «صه» فى إلى آخر ما نقله و بلغ إلى قوله و إلى
ص: 39
أبى همام إسماعيل بن همام صحيح، فقال هذا آخر ما اختصر من الكتاب المذكور، أطال اللّه بقاء مؤلّفه، و امدّ اللّه على المؤمنين ظلال فضله، انّه جواد كريم، و كتب فى مكّة المشرفة فى شهر المحرّم الحرام من شهور سنة أربعة عشر بعد الألف الهجريّة على مشرّفها السّلام، أفقر العباد محمّد بن الحسن بن زين الدّين بن علىّ العاملى عفى اللّه عن ذنوبه انتهى.
و قال صاحب «الأمل» بعد ترجمته للرّجل بكلّ جميل و الصّفة له بتمام ما يوجب التّجليل و التّبجيل، له كتب كثيرة منها: «شرح تهذيب الأحكام» و «شرح الإستبصار ثلاث مجلّدات فى الطّهارة و الصّلاة، و «حاشية على شرح اللمعة» مجلّدان إلى كتاب الصّلح، و «حاشية المعالم» و «حاشية اصول الكافى» و «حاشية الفقيه» و «حاشية المختلف» و «شرح الأثنى عشرية» لأبيه و «حاشية المدارك» و «حاشية المطوّل» و كتاب «روضة الخواطر و نزهة النّواظر» ثلاث مجلّدات، و رسالة فى تزكية الرّاوى، و «رسالة التّسليم فى الصّلاة» و «رسالة التّسبيح و الفاتحة فيماعد الأوّليتن و ترجيح التسبيح» و «كتاب مشتمل على مسائل و أحاديث» و «كتاب مشتمل على مسائل جمعها من كتب شتى» و «حاشية كتاب الرّجال الميرزا محمّد» و «ديوان شعره» و رسالة سمّاها «تحفة الدّهر فى منازعة الغنى و الفقر» و غير ذلك. و له شعر حسن.
أروي عن عمّى الشّيخ علىّ بن محمّد بن علىّ الحرّ، و عن خال والدى الشّيخ علىّ ابن محمود العاملىّ، و عن ولده الشّيخ زين الدّين و غيرهم عنه.
و قد ذكره ولده الشّيخ علىّ فى كتاب «الدرّ المنثور» فى الجزء الثانى فقال: كان عالما عاملا و فاضلا ورعا عادلا كاملا و طاهرا زكيّا، و عابدا تقيّا، و زاهدا مرضيّا يفرّ من الدّنيا و أهلها و يتجنّب الشّبهات؛ جيّد الحفظ و الذّكاء و الفكر و التّدقيق كانت أفعاله منوطة بقصد القربة.
صرف عمره فى التّضيف و العبادة و التّدريس و الإفادة و الإستفادة ... و أطال فى مدحه و ذكر من قرأ عليهم، و انتقاله إلى كربلاء و إلى مكّة، و غير ذلك من أحواله، و
ص: 40
قد ذكر أكثر مؤلّفاته السّابقة و جملة من شعره، و منه قصيدة فى مرثية السيّد محمّد بن أبى الحسن العاملىّ، و قصيدة فى مدحه، ثمّ ذكر شيئا من أشعاره الفاخرة الباهرة الغرّاء، منها قوله فى مرثية سيّد الشّهداء عليه آلاف التحية و الثّناء:
كيف ترقى دموع أهل الولاء
و الحسين الشّهيد فى كربلاء
جدّه المصطفى الامين على
الوحى من اللّه خاتم الأنبياء
و أبوه أخوّ النبىّ على
آية اللّه سيّد الأوصياء
امّه البضعة البتول أخوه
صفوة الأوليآء و الأصفياء
يا لها من مصيبة أصبح الدّين
بها فى مذلّة و شقاء
ليت شعرى ما غدر عبد محبّ
جامد الدّمع ساكن الأحشاء
و ابن بنت النّبىّ اضحي ذبيحا
مستهاما مزمّلا بالدّماء
و حريم الوصىّ فى اسر ذلّ
فاقدات الآباء و الأبناء
و عليّ خير العباد أسير
فى قيود العدى حليف العناء
مثل هذا جزاء نصح نبىّ
كلّ عن نعته لسان الثّناء
اسّس السّابقون بيعة غدر
و بنى اللّاحقون شر بناء
حرفوا بدّلوا أضاعوا أقاموا
بدعاء العناد و الشّحناء
إلى تمام تلك القصيدة الّتى تممّ بها فى حقّ هذا الرّجل كلامه أعلى اللّه تعالى مقامه و مقامه.
ثمّ انّ من جملة ما ذكره فى حقّ الرّجل ولده الشّيخ علىّ الصّغير فى كتابه المذكور الّذى وسمه ب «الدرّ المنثور» انّه قال: و كان و هو فى البلاد يذهب إلى دمشق و يقيم بها مدّة بعد مدّة، و اختلط بفضلاء العامّة و صاحبهم و عاشرهم أحسن عشرة، و قرأ عندهم فى علوم شتّى.
و كان من جملة من قرأ عليهم رجل فاضل فى علوم العربيّة و التّفسير و الأصول اسمه الشّيخ شرف الدّين الدّمشقى، و كان يجتمع فى درسه خلق كثير رأيته أنا
ص: 41
و شاهدت حلقة درسه، و هو طاعن فى السّنّ، و كان إذا جرى بحث فى مجلسه و تكلّم والدى فى مسألة بكلام و بحث معه يعارضه أهل ذلك المجلس عنادا أو لسوء فهم، فيقع البحث بينهم و الشيخ ساكت، و اذا انتهى الأمر ليحكم بينهم يقول يا إخوان لا يغيّر فى وجوه الحسان يعنى به والدى رحمه اللّه فاذا سمعوا هذا سكتوا، سمعت هذا من شيخنا الشيخ محمد الحرفوشى رحمه اللّه لانّه كان يحضر مجلس درس هذا الشيخ و قرأ على والدى و استفاد منه، و لوالدى رحمه اللّه اشعار رائقة تشتمل على مواعظ و حكم و الغاز و مراسلات و إنّشاءات نثر و كان مصاحبا للفريقين بحسن الخلق و بسط اليد.
و من جملة احتياطه و تقواه انّه بلغه أنّ بعض اهل العراق لا يخرج الزّكاة، فكان كلّ ما اشترى من القوت شيئا زكويّا زكّاه قبل أن يتصرّف فيه.
و ارسل له الأمير يونس بن الحرفوش إلى مكّة المشرّفة خمسمأة قرش؛ و كان هذا الرّجل له أملاك من زرع و بساتين و غير ذلك يتوفّى أن يدخل فيها و أرسل إليه معها كتابه مشتملة على آداب و تواضع، و كان له فيه اعتقاد زايد، و التمس منه أن يقبل ذلك؛ و انّه من خالص ماله الحلال، و قد زكاه و خمّسه إلى أن يقبل، فقال له الرّسول انّ أهلك و أولادك فى بلاد هذا الرّجل، و له بك تمام الاعتقاد، و له على أولادك و عيالك شفقة زائدة فلا ينبغى أن تجبهه بالردّ، فقال إن كان و لا بدّ من ذلك فابقها عندك و اشتر فى هذه السّنة بمأة قرش منها شيئا من العود و القماش، و توسّله إليه على وجه الهديّة، و هكذا تفعل كلّ سنة حتّى لا يبقى منها شى ء، فارسل له ذلك تلك السّنة و انتقل إلى رحمة اللّه و رضوانه.
و طلبه سلطان ذلك الزّمان عفى اللّه عنه مرّة من العراق، فأبى ذلك، و طلبه من مكّة المشرّفة فأبى، فبلغه أنّه يعيد عليه أمر الطّلب و هكذا صار، فانّه عيّن له مبلغا لخرج الطّريق و كان يكتب له ما يتضمّن تمام اللّطف و التّواضع، و بلغنى انّه قيل له: إذا لم تقبل الإجابة فاكتب له جوابا، فقال إن كتبت شيئا بغير دعاء له كان ذلك غير لايق و إن دعوت له فقد نهينا عن مثل ذلك، فألح عليه بعض أصحابه و بعد التّأمّل قال ورد حديث يتضمّن جواز الدّعاء لمثله بالهداية، فكتب له كتابة و كتب فيها من الدّعاء هداه اللّه لا غير.
ص: 42
و اخبرتني زوجته بنت السيّد محمّد بن أبى الحسن رحمه اللّه و أمّ ولده أنّه لمّا توفّى كن يسمعن عنده تلاوة القرآن طول تلك اللّيلة، و ممّا هو مشهور أنّه كان طائفا، فحاء رجل و أعطاه وردا من ورود شتّى ليست فى تلك البلاد و لا فى ذلك الاوان، فقال له من أين أتيت؟ فقال من هذه الخرابات، ثمّ أراد أن يراه بعد ذلك السّؤال فلم يره.
و قال صاحب «اللّؤلؤة» عند بلوغ كلامه إلى هذا الشّيخ: و يروي الشّيخ محمّد ابن الشّيخ حسن عن والده الشّيخ حسن باسناده المتقدّم، و كان الشّيخ محمد المذكور فاضلا محقّقا مدقّقا ورعا فقيها متبحرا و كان اشتغاله أوّلا عند والده السيّد محمّد صاحب «المدارك» قرأ عليهما و أخذ عنهما الحديث و الأصولين و غير ذلك من العلوم و قرأ عليهما مصنّفاتهما من «المنتقى» و «المعالم» و «المدارك» و ما كتبه السيّد على «المختصر النّافع».
و لمّا انتقلا إلي رحمة اللّه بقى مدّة مشتغلا بالمطالعة، ثمّ سافر إلى مكّة المشرّفة و اجتمع فيها بالميرزا محمّد الأسترابادى صاحب كتب الرّجال، فقرأ عليه الحديث ثمّ رجع إلى بلاده و أقام بها مدة قليلة، ثمّ سافر إلى العراق خوفا من أهل النّفاق و عداوة أهل الشّقاق، و بقى مدّة فى كربلاء مشتغلا بالتّدريس، ثمّ سافر إلى مكة المشرّفة؛ ثمّ رجع منها إلى العراق و أنام فيها مدّة، ثمّ عرض له ما يقتضى الخروج عنها فسافر إلى مكّة المشرّفة، و بقى فيها إلى أن توفّى إلي رحمة اللّه.
و له من المصنفات كما ذكره ابنه المقدّس الشّيخ على فى كتاب «الدّر المنظوم و المنثور» «شرح الإستبصار» برز منه ثلاث مجلّدات إلى أن قال بعد تفصيله الكتب كما نقلناه عن صاحب «الأمل» و انهائه الكلام إلى رسالته فى ترجيح التّسبيح و الفاتحة، و كتاب مشتمل على أشعار له و لغيره، و مراسلات بينه و بين من عاصره، و كتاب جامع مشتمل على نصايح و مواعظ و حكم و مراث و ألغاز و مديح و مراسلات شعريّة بينه و بين شعراء أهل العصر، و أجوبة منه لهم فى المديح و الألغاز، و كتاب «شرح تهذيب الأحكام» كان عندى منه
ص: 43
قطعة وافرة، و «رسالة فى الطّهارة».
و ذكره الشّيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملىّ فى كتاب «امل الأمل» و أثنى عليه، أقول: و قد وقفت على جملة من مصنفات الشّيخ المذكور، و تأمّلت فى كلامه، فوجدت الرّجل فاضلا إلّا أنّ عباراته معقدة غير مسلسلة، و تصنيفه غير مهذّب و لا محرّر، و تراه يبحث فى المسألة حتّى إذا أتى الموضع المطلوب منها أحال بيانه على حواش له فى كتب اخر أو مصنّف أخر، و هذا إمّا ناش من العجز أو من عدم جودة الملكة فى التّصنيف و يؤيّد ما قلناه ما وقفت عليه في كلام شيخنا المحدّث الصّالح الشّيخ عبد اللّه بن الحاج صالح البحرانىّ الآتى ذكره انشاء اللّه، قال بعد ذكره: و كان الشّيخ محمد مدقّقا غير محقّق، اخبرنى الشّيخ عمّن أخبره من المشايخ عن الشّيخ علىّ بن الشّيخ سليمان البحراني أنّه شاهده و ذكر انّه ليس فى مرتبة الاجتهاد، لأنّه من شدّة دقته لم يقف على شى ء، قال الشّيخ و هذه الدقة تسمى الجربزة، و من وقف علي مصنّفاته كشرح الإستبصار و «حاشية الفقيه» عرف صحّة ما نقله الشّيخ عنه انتهى.
و قال ابنه الشّيخ علىّ فى كتابه «الدّر المنظوم و المنثور» و عندى بخط جدّى المرحوم المبرور الشّيخ حسن- قدس اللّه روحه- ما هذا لفظه بعد ذكر مولد ولده زين الدّين علىّ ولد أخوه فخر الدّين محمد أبو جعفر وفّقهما اللّه لطاعته و هداهما إلى الخير و ملازمته، و أيّدهما بالسّعد و الإقبال في جميع الأمور، و جعلنى فداهما من كل محذور؛ ضحى يوم الأثنين العاشر من الشّهر الشريف شعبان عام ثمانين و تسعمأة، و قد نظمت هذا التّاريخ عشيّة الخميس تاسع شهر رجب عام واحد و ثمانين و تسعمأة بمشهد الحسين عليه السّلام بهذين البيتين و هما:
أحمد ربّي اللّه إذ جاءني
محمد من فيض نعماه
تاريخه لا زال مثل اسمه
بجوده يسعده اللّه
فظهر من تاريخ مولده و وفاته انّ عمره خمسون سنة و ثلاثة اشهر إنتهى.
ص: 44
اقول: و قد تقدّم أنّ تاريخ وفاته سنة الثّلاثين بعد الألف قلت: و هو بعينه تاريخ وفات شيخنا البهائى قدّس سرّه البهى بأصفهان كما سيأتى الإشارة إليه قريبا إنشاء اللّه و قد نقل ولده الشّيخ علىّ أيضا عن خط الشّيخ الحسين المشغرىّ الّذى كان من جملة تلامذة أبيه المذكور و مصاحبيه فى مكّة المشرّفة، انّه كتب بعد ما رقم تاريخ وفاته ليلة الاثنين العاشر من ذى القعدة الحرام سنة ثلاثين من الهجرة، و قد سمعت منه- قدس اللّه روحه قبل انتقاله بأيّام قلائل مشافهة و هو يقول لى إنّى انتقل فى هذه الأيّام عسى اللّه أن يعينني عليها، و كذا سمعه غيرى و ذلك فى مكّة المشرّفة و دفنّاه برّد اللّه مضجعه فى المعلّى قريبا من مزار خديجة الكبرى رضي اللّه تعالى عنها.
السيد السند؛ و الركن المعتمد شمس الدين، محمد بن على بن الحسين بن ابى الحسن الموسوى العاملى الجبعى(1)
ابن بنت شيخنا الأجلّ الأكمل زين الدين بن علىّ الشّامى المشتهر بالشّهيد الثّانى، و صاحب كتاب «المدارك» الّذى هو فى تدارك مسائل جدّه الجليل العلّام فى شرح عبادات كتاب شرايع الإسلام هو كما ذكره صاحب «الأمل» كان فاضلا متبحرّا ماهرا محقّقا مدقّقا زاهدا عابدا ورعا فقيها محدثا كاملا جامعا: للفنون و العلوم، جليل القدر، عظيم المنزلة، قرا على أبيه، و على مولانا أحمد الأردبيلى و تلامذة جدّه لأمّه الشهيد الثانى، و كان شريك خاله الشّيخ حسن فى الدّرس، و كان كلّ منهما يقتدى بالآخر فى الصّلاة و يحضر درسه، و قد رأيت جماعة من تلامذتهما.
له كتاب «مدارك الأحكام فى شرح شرايع الإسلام» خرج منه العبادات فى ثلاث مجلّدات، فرغ منه سنة ثمان و تسعين و تسعمأة، و هو من احسن كتب الإستدلال
ص: 45
و «حاشية الإستبصار» و «حاشية التّهذيب» و «حاشية على الفيّة الشّهيد» و «شرح المختصر النّافع» و غير ذلك و لقد أحسن و أجاد فى قلّة التّصنيف و كثرة التّحقيق، و ردّ أكثر الأشياء المشهورة بين المتاخّرين فى الأصول و الفقه، كما فعله خاله الشّيخ حسن.
و ذكره السيّد مصطفى فى رجاله فقال: سيّد من ساداتنا، و شيخ من مشايخنا، و فقيه من فقهائنا، له كتب انتهى.
و لمّا توفّى رثاه تلميذه الشّيخ محمّد بن الحسن بن زين الدّين العاملىّ بقصيدة طويلة منها قوله:
صحبت الشّجى ما دمت فى العمر باقيا
و طلّقت أيّام الهنا و اللّياليا
و عنّى تجافى ضعف عيشى كما غدا
يناظر منّى النّاظر السحت باكيا
و قد قلّ عندى كثرة كنت واحدا
يفقد الّذى أشجى الهدى و المواليا
فتى ذاته فى الدّهر فضل و سودد
إلي أن غدا فوق السّماكين راقيا
هو السيّد المولي الّذى ثمّ بدره
فاضحى إلي نهج الكرامات هاديا
و للفقه نوح يترك الصّلد ذائبا
كما سال دمع الحظ يحكى الفؤاديا
و قد مرّت أبيات للشّيخ نجيب الدّين علىّ بن محمّد في مرثيته و تقدم ان الشيخ حسن الحانينى رثاه بقصيدة و نقلت منه أبياتا إنتهى كلام صاحب «الأمل».
و مراده بالشّيخ نجيب الدّين المذكور هو الّذى ذكرناه قريبا من هنا فى ذيل ترجمة الشّيخ رضىّ الدّين بن الشّهيد رحمه اللّه مع الإشارة إلى نبذة من اشعاره الباهرة فليراجع.
و من جملة مرثيته فى مصيبة هذا السيّد السّند قوله:
جودى بدمع مستهل غزير
يا عين فالرّزء جليل خطير
و ان رقى الدّمع فسحيّ دماء
ففادح الرّزء بهذا جدير
دكّ لعمرى جبل شامخ
كادت له الشمّ العوالى تسير
ص: 46
طود على بحر النّهى ياله
من أوحد ليس له من نظير
و له أيضا من قصيدة يرثى بها السيّد المذكور و خاله الشّيخ حسن رحمهما اللّه جميعا:
اسفا لفقد ائمّة لفواتهم
ايدى الفضائل و العلى جذّاء
هم عزّة كانت لجبهة دهرنا
ميمونة وضاحة غرّاء
و أمّا الشّيخ حسن الحانينى، فهو ابن علىّ بن أحمد العاملىّ الفقيه المحدث الشّاعر الماهر المعتمد الجليل صاحب المؤلّفات الطريفة فى الحديث و التّاريخ و النّحو و غيرها، و «ديوان شعر» كبير يقارب سبعين ألف بيت، كما ذكرها النّاهب إليه هذه المرثية على سبيل التّفصيل.
و قال فى ذيل التّرجمة لنفسه و من شعره قوله قصيدة يرثى بها السيّد محمّد بن علىّ بن أبى الحسن الموسوى.
هو الحزن فابك الدار ما نظم الشّعرا
أديب و ما طرف الدّجى رمق الشعرى
أنوح و أبكى لا أفيق فتارة
أهيم بهم وجدا و اخرى بهم سكرا
و إنّى لكالخنساء قد طال نوحها
و قد عدمت من دون أمثالها صخرا
فقل لغراب البين يفعل ما يشا
فمن بعد شيخى لا أخاف له غدرا
شريف له عين الكمال مريضة
علاها دخان العين فهى به عبرى
ءأنسى من آسى الفؤاد لأجله
مديد عذاب ما وجدت له قصرا
و ذكر أيضا أنّه كان تلميذا للسيّد و الشّيخ المذكورين، و قد استجازهما أيضا فأجازاه هذا و قال الأبصر بأحوال هذا السيّد الكبير و هو الشّيخ علىّ الصّغير فى كتابه المتّسم ب «الدّرّ المنثور» فى ذيل ترجمة جدّه الشهيّد الثّانى رحمه اللّه، يقول جامع أصل الكتاب علىّ بن محمّد بن الحسن بن زين الدّين العاملى تجاوز اللّه عن سيّئاته أنّه لمّا اقتضى الحال نقل ما نقلته فى هذا الكتاب من بعض أحوال جدّى العالم الرّبانى الشّيخ زين الملّة و الدّين الشّهيد الثّانى- قدّس اللّه تربته و أعلى فى عليّين رتبته-
ص: 47
أحببت أن أتبعها بنبذة من أحوال ولده المبرور المحقّق المحسن جمال الدّين أبى منصور- قدّس اللّه روحه الزكيّة، و أفاض عليه المراحم الربانيّة؛ و نبذة من أحوال ولده محمّد فخر الدّين أبى جعفر والد هذا الفقير، قدّس اللّه روحه و نور ضريحه.
فاقول: انّ الشّيخ حسن رحمه اللّه كان فاضلا محقّقا و متقنا مدقّقا، إلى أن قال بعد شرحه الدّلاله على كمال فضله و نبالته: كان هو و السيّد الجليل السيّد محمّد ابن اخته قدّس اللّه روحه، فى التّحصيل كفرسى رهان، و رضيعى لبان، و كانا متقاربين فى السنّ، و بقى بعد السيّد محمّد بقدر تفاوت ما بينهما فى السنّ تقريبا، و كتب على قبر السيّد محمّد: رجال صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه الآية، و رثاه بأبيات كتبها على قبره.
ثمّ إلى أن قال: و تولّى السيّد على الصّائغ هو و السيّد محمّد أكثر العلوم الّتى استفاداها من والده من معقول و منقول و فروع و اصول، و عربيّة و رياضىّ، و لمّا انتقل السيّد علىّ إلى رحمة اللّه ورد الفاضل الكامل مولانا عبد اللّه اليزدىّ تلك البلاد فقرأ عليه فى المنطق و المطوّل و حاشية الخطائى و حاشيته عليهما، و قرأ عنده «تهذيب المنطق» و كان يكتب عليه حاشية فى تلك الاوقات، و هى عندى بخطّ الشيخ حسن و بلغنى أنّ ملّا عبد اللّه كان يقرأ عليهما فى الفقه و الحديث.
ثمّ سافر هو و السيّد محمّد إلى العراق إلى عند مولانا أحمد الأردبيلى قدّس اللّه روحه؛ فقال له نحن ما يمكننا الأمامة مدّة طويلة و نريد أن نقرأ عليك على وجه نذكره إن رأيت ذلك صلاحا، قال ما هو؟ قالا: نحن نطالع و كلّ ما نفهمه ما نحتاج معه إلى تقرير بل نقرأ العبارة و لا نقف و ما يحتاج إلى البحث و التّقرير نتكلّم فيه، فاعجبه ذلك و قرءا عنده عدّة كتب فى الأصول و المنطق و الكلام و غيرهما، مثل «شرح المختصر العضدى» و «شرح الشّمسيّة» و «شرح المطالع» و غيره و كان قدّس اللّه روحه يكتب «شرحا على الإرشاد» و يعطيهما أجزاء منه، و يقول: انظروا فى عبارته و اصلحوا منها ما شئتم، فانى اعلم ان بعض فى عباراته غير فصيح، فانظر إلى حسن هذه النّفس الشّريفة، و كان جماعة من تلامذة ملّا احمد يقرؤن عليه
ص: 48
فى «شرح المختصر العضدى» و قد مضى لهم مدّة طويلة، و بقى فيه ما يقتضى صرف مدّة طويلة اخرى حتّى يتمّ، و هما إذا قرأ يتصفّحان أوراقا حال القرائة من غير سؤال و بحث، و كان يظهر من تلامذته تبسّم على وجه الإستهزاء بهما على هذا النّحو من القرائة فلمّا عرف ذلك منهم تألّم كثيرا منهم، و قال لهم عن قريب يتوجّهون ألى بلادهم و تأتيكم مصنّفاتهم و انتم تقرؤن فى شرح المختصر و كانت إقامتهما مدّة قليلة لا يحضرنى قدرها، و لمّا رجعا صنّف الشّيخ حسن «المعالم» و «المنتقى» و السيّد محمّد «المدارك» و وصل بعض ذلك إلى العراق قبل وفاة ملّا احمد رحمه اللّه.
و قال صاحب كتاب «الانوار النّعمانيّة» و قد حدّثنى أوثق مشايخى انّ السيّد الجليل محمّد صاحب «المدارك» و الشّيخ المحقّق الشّيخ حسن صاحب «المعالم» رحمهما اللّه قد تركا زيارة المشهد الرّضوى على ساكنه أفضل الصّلاة خوفا من أن يكلّفهم الشّاه عبّاس الأوّل رحمه اللّه بالدّخول عليه، مع انّه كان من أعدل سلاطين الشّيعة، فبقيا فى النّجف الأشرف و لم يأتيا إلى بلاد العجم احترازا من ذلك الأمر المذكور انتهى.
و قال صاحب كتاب «المقامع» فى مفتتح شرحه على كتاب «المدارك» بعد تعبيره عن حضرة المصنّف بعنوان السيّد السّند الحسيب النّسيب، اسوة المحقّقين، و قدوة المدقّقين، و لسان المتأخّرين، محمّد بن علىّ بن أبى الحسن الموسوىّ الحسينى العاملى عامله اللّه بلطفه الخفىّ و الجلّى، و قد تزوّج جدّه لأمّه الشّهيد الثّانى بامّ أبيه علىّ، فاولدها المدقّق الشّيخ حسن المشهور بصاحب «المعالم»، ثمّ زوّجه بنته فاولدها صاحب «المدارك»، فصار صاحب «المعالم» خاله و عمّه و هما يرويان عن أبيه و أخيه السيّد علىّ المشار إليه، و الشّيخ حسين بن عبد الصّمد والد شيخنا البهائى، و السيّد نور الدّين علىّ بن السيّد فخر الدّين رضوان اللّه عليهم أجمعين.
و قد تلمّذا فى أواخر تحصيلهما على المولى المحقّق احمد بن محمّد الأردبيلى
ص: 49
شارح الإرشاد و للسيّد كتب منها هذا الكتاب المعروف «بمدارك الأحكام» و منها حاشية على الفقية الشّهيد و منها شرح المختصر النّافع من كتاب النّكاح الى آخر كتاب النّذر على ما وجدنا منه و لم نسمع الى الأن من احد انّه وقف على ازيد منه و وجه تخصيص ذلك الموضع بالشّرح على ما سمعنا من بعض مشايخنا انّه لمّا كتب المحقّق الأردبيلى شرحه المشهور المذكور على الإرشاد و فرّق أحزائه على التّلامذة ليخرجوه إلى البياض من السّواد، و كان بعضهم ردّى الخطّ جدّا- فاتّفق وقوع تلك المواضع الّتى شرحها السيّد من النّافع فى خطّه، فلم ينتفع به من سوء خطّه، و كان الشّارح قد قضى نحبه، فالتمس بعضهم من السيّد تجديد المواضع التّالفة ليكمل شرح استاده فقبل رحمه اللّه لكن عدل عن الإرشاد إلى النّافع هضما و ادّبا من ان يعدّ شرحه متمّما لشرح استاده، و مات السيّد السّند بالشّام فى السّنة التّاسعة بعد الألف قبل وفات صاحب «المعالم» بمقدار تفاوتهما فى السنّ إلى أن قال: رأيت بخطّ ولده السيّد حسين على ظهر كتاب «المدارك» الّذى عليه خطّ مؤلّفه فى مواضع ما هذا لفظه: توفّى والدى المحقّق مؤلّف هذا الكتاب فى شهر ربيع الأوّل ليلة العاشر منه سنة تسع بعد الألف فى قرية جبع انتهى.
و ذكره أيضا صاحب «اللّؤلؤة» فى جملة مشايخ أخيه الثقة الأمين الفقيه، و الملقّب المسمّى، كما عرفته فى ترجمة أخيه لأمّه الشّيخ حسن بن الشّهيد الثّانى، بلقب و اسم أبيه و هو السيّد نور الدّين علىّ بن السيد نور الدّين الكبير على بن أبى الحسن الموسوى العاملىّ، فقال بعدما أوصل سند شيخ مشايخه الإمام العلّامة المفضال الشيخ سليمان بن عبد اللّه البحرانىّ صاحب «بلغة الرّجال» بواسطة شيخه الشّيخ المتبحّر الفقيه أحمد بن محمّد بن يوسف الخطّى، عن شيخ شيخه المتقدّم الجليل النّبيل السيّد محمّد مؤمن الحسينى الاسترابادى الشّهيد المجاور بمكّة المعظّمة، صاحب كتاب «الرّجعة» إلى رواية هذا السيّد المبرور الّذى هو كما عرفته نور من نور ما صورته هكذا: عن أخويه المحقّقين المدققين أحدهما لأبيه و هو العلّامة الأوحد شمس الدّين السيّد محمد صاحب
ص: 50
«المدارك» و ثانيهما لأمّه و هو المحقّق جمال الدّين أبو منصور الشّيخ حسن بن شيخنا الشّهيد الثّانى قلت: و ذلك لما يذكره عقيب ذلك فى ذيل ترجمة السيّد نور الدّين الكبير، من أنّه أيضا كان من أعيان العلماء فى عصره، و من جملة تلامذة شيخنا الشّهيد الثانى فانه كان قد تزوج فى حياته ابنته فاولدها جناب السيد محمّد المزبور ثمّ تزوّج بعد شهادته قدّس سرّه زوجته الّتى هى والدة جناب الشّيخ حسن فاولدها السيد نور الدين الثانى و قد تقدم وجه النسبة بينهما ايضا فى ذيل ترجمة المرحوم الشيخ حسن على أتمّ التّفصيل، و عليه فكلام صاحب «المقامع» الموهم خلاف ذلك كما نراه عليل، توجيه نقيه من غير دليل كما دللّناه هناك بأحسن تدليل.
رجعنا إلى كلام صاحب «اللّؤلّؤة» فانّه قال بعد التّجاوز عن هذه المرحلة، و لا بدّ من بيان أحوال هؤلاء الثّلاثة نورّ اللّه مراقدهم، فامّا السيّد نور الدّين فانّه كان فاضلا محقّقا مشارا إليه فى وقته، وقدو توطّن بمكّة المشرّفة، و ذكره السيد علىّ فى «السّلافة» يعنى به السيّد عليخان الحسنّى الشّيرازى المدنّى فى كتاب «سلافة العصر» الذى كتبه فى أحوال علماء ذلك العصر، قال فقال؛ طود العلم المنيف، و عضد الدّين الحنيف، و مالك ازمّة التّأليف و التّصنيف، الباهر الرّواية و الدّراية، و الرّافع لخميس المكارم أعظم راية، فضل يعثر فى مداه مقتفية، و محلّ يتمنّى البدر لو اشرق فيه، و كرم يخجل المزن الهاطل وشيم يتحلّى بها جيّد الزّمان العاطل، و كان له فى مبدأ أمره بالشّام مكان لا يكذبه مارق العزّ إذا شام بين اعزاز و تمكين و مكان فى جانب صاحبها مكين، ثمّ انثنى عاطفا عنانه ثانية فقطن بمكّة شرّفها اللّه تعالى، و هو كعبتها الثّانية و قد رأيته بها، و قد أناف على التّسعين و النّاس تستعين به و لا يستعين و كانت وفاته سنة الثّامنة و السّتّين بعد الألف و له شعر يدلّ على علو محلّه انتهى.
ثمّ نقل جملة وافرة من أشعاره، و هذا السيّد قد قرأ على أبيه و أخويه المذكورين.
له كتاب «شرح المختصر النّافع» و هو جيّد، قد اطال فيه البحث و الإستدلال إلّا انّه لم يتمّ، و كتاب «الفوائد المكية» فى الردّ على «الفوائد المدنيّة» إلى أن قال:
و له «شرح الإثنى عشريّة البهائيّة» الّتى فى الصّلاة، و غير ذلك من الرّساثل.
ص: 51
ثمّ نقل عن صورة إجازته للشيّخ صالح بن عبد الكريم البحرانى أنّه نسب إلى نفسه أيضا «رسالة فى تفسير قوله تعالى قل لا اسألكم عليه اجرا إلّا المودّة فى القربى» و كتابا سمّاه «غنية المسافر عن المنادم و المسامر» اشتمل على فوائد و أخبار و نوادر و أشعار و قال: و كان تاريخ الإجازة سنة مأة و خمس و خمسين و مولده قدّس سرّه سنة السّبعين بعد التّسعمأة، و وفاته سنة ثمان و ستّين و ألف، و عمره على هذا ثمان و تسعون سنة إلّا ايّاما قلائل.
ثمّ نقل عن «امل الآمل» ترجمة ولديه الفاضلين الفقيهين المحقّقين السيّد جمال الدّين و السيّد حيدر ابنى السيّد نور الدّين من غير نسبة مؤلّف إليهما، و قال بعد ذلك: و أمّا السيّد شمس الدّين السيّد السّند السيّد محمّد و خاله المحقّق المدقّق الشّيخ حسن ففصلهما أشهر من ان ينكر، و لا سيّما الشّيخ حسن، فانّه كان فاضلا محقّقا مدقّقا، و كان ينكر كثرة التّصنيف مع عدم تحريره، و يبذل جهده فى تحقيق ما ألّفه و تحبيره، و هو حقّ حقيق بالإتّباع فانّ جملة من علمائنا و إن اكثر و التّصنيف إلّا إنّ مصنّفاتهم عارية عن التّحقيق، كما هو حقّه، و التّحبير مشتملة على المكرّرات المجازفات المساهلات؛ و هو أجود تأليفا و تحقيقا ممّن تقدّم، قلت: و قد شافهنى بمثل هذا الكلام فى حقّ هذه الحضرة العالية المنزل و المقام، و تماميّة مصنّفاته فى دائرة الردّ و النّقد و المتانة و الإستحكام شيخنا و كبيرنا و سيّدنا و سميّنا الإمام العلّامة الموسوىّ الجيلانى- قدّس سرّه الإيمانىّ، و ذلك حيث أجريت عند جنابه ذكر الكتاب «الحدائق» الّذى هو فى الفقه الإستدلالى لصاحب هذه «اللّؤلؤة» و كاتب هاتين لتزكية و التّخطئة، فأظهر قدّس سرّه فى وجهى الإشمئزاز من تسميته ذلك الكتاب عنده، و بالغ فى التّحقير لقدره و منزلته، و التّوهين لسوقه و طريقته، و بيّن أنّه مع نهاية طوله و بسطه كتاب ظاهرى غير عميق خال عن الفائدة و التّحقيق و الإمعان للنّظر الدقيق.
ثمّ قال و هذا بخلاف تأليفات أمثال المحقّق الشّيخ حسن فى الإشتمال على
ص: 52
نهاية الإتقان، و خصوصا كتابه الموسوم ب «منتقى الجمان» فمن كان مصنّفا فليصنّف مثله، و ليحدّث بنعمة ربّه و يظهر فضله و ليتنبّه مثل هذا الرّجل الفحل على مواضع اشتباهات من كان قبله، و ما أجود ما أفاده فى هذا المجال، بمقتضى بصيرته الكاملة بأحوال الرّجال، و كونه فى مرحلتى الإتقان و التهذيب مصدّق الأقوال، و مقبول أهل النّظر و الكمال، و من جملة مصاديق الجميل الّذى هو يحبّ الجمال، و الصّانع الّذى يعرف قدر الذّهب و يعتقد بأنّه نعم المال، بل و لنعم ما قال أرسطا طاليس الحكيم انّ الخطّ المستقيم ينطبق على المستقيم، و المعوّج لا ينطبق على المعوّج و لا المستقيم
رجعنا إلى كلام صاحب «اللّؤلؤة» ثانيا فانّه قال بعدما نقلناه عنه من الثّناء للفاضلين المعظّم عليهما مستثنيا إلّا أنّه مع السيّد محمّد قد سلكا فى الأخبار مسلكا وعرا و نهجا منهجا عسرا أمّا السيّد محمّد صاحب «المدارك» فانّه ردّ أكثر الأحاديث من- الموثقات و الضّعاف باصطلاحه، و له فيها اضطراب كما لا يخفى على من راجع كتابه، فما بين أن يردّها تارة و ما بين أن يستدلّ بها اخرى، و له أيضا فى جملة من الرّجال مثل إبراهيم بن هاشم، و مسمع بن عبد الملك و نحوهما اضطراب عظيم، فيما بين ان يصف أخبارهم بالصّحة تارة و بالحسن أخرى، و بين أن يطعن فيها و يردّها، يدور فى ذلك مدار غرضه فى المقام، مع جملة من المواضع الّتى سلك فيها سبيل المجازفة، كما اوضحنا جميع ذلك بما لا يرتاب فيه المتأمّل فى شرحنا على كتاب «المدارك» الموسوم «بتدارك المدارك» و كتاب «الحدائق النّاضرة» إلّا أنّ الشّرح الّذى على الكتاب انّما برزمنه ما يتعلّق بالطّهارة و الصّلاة، و أمّا كتاب «الحدائق» و ما فيه من البحث معه و المناقشات فهو مشتمل على جميع ما ذكره فى كتب العبادات.
و أمّا خاله الشّيخ حسن فانّ تصانيفه على غاية من التّحقيق و التّدقيق، إلّا أنه بما أصطلح عليه فى كتاب «المنتقى» من عدم صحّة الحديث عنده إلّا ما يرويه العدل الإمامىّ المنصوص عليه بالتّوثيق بشهادة ثقتين عدلين، فرمز له «صحىّ» و للصّحيح عند الأصحاب «صحر» و قد بلغ فى الضّيق إلى مبلغ سحيق، و أنت خبير بأنّا فى عويل
ص: 53
من أصل هذا الإصطلاح الّذى هو إلى الفساد أقرب من الصلاح إلى أن قال: بعد التّشنيع البليغ على طريقة التّنويع المستحدثة بين المتأخرين من المجتهدين، و لا سيّما هذا القسم منه المنحصر رسمه فى فرد الشّيخ المزبور صاحب «معالم الدّين» قال الشّيخ علىّ بن الشّيخ محمّد بن الشّيخ حسن فى كتاب «الدرّ المنظوم و المنثور» بعد ذكر جدّه الشّيخ حسن المذكور: كان هو و السيّد الجليل السيّد محمّد بن اخته، قدّس اللّه روحيهما- كفرسى رهان و رضيعى لبان، و كانا متقاربين فى السنّ، و بقى بعد السيّد محمّد يقدر تفاوت ما بينهما فى السنّ تقريبا، و كتب على قبر السيّد محمّد رجال صدقوا ما عاهد و اللّه عليه فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر و ما بدّلوا تبديلا و رثاه بأبيات كتبها على قبره:
لهفى لرهن ضريح كان كالعلم
للجود و المجد و المعروف و الكرم
قد كان للّذين شمسا يستضاء به
محمّد ذو المزايا طاهر الشّيم
سقى ثراه و هناه بالكرامة الرّيحان
و الرّوح طرّا بارئ النّسم
ثمّ إلى أن قال: و كان الشّيخ حسن المذكور مع السيّد محمّد مشتركين فى القرائة على المشايخ و الرّواية عنهم، و منهم السيّد علىّ بن أبى الحسن والد السيّد محمّد، و السيّد علىّ الصّايغ، و الشّيخ حسين بن عبد الصّمد؛ و هؤلاء كلّهم يروون عن الشّهيد الثّانى، و منهم المولى أحمد الأردبيلى فانّهما انتقلا من بلادهما إلى العراق و قرءا عليه مدّة قليلة قراءة توقيف من غير بحث، فكان تلامذة الملّا أحمد يهزؤن بهما لذلك فقال لهم سترون عن قريب مصنّفاتهما، ثمّ لمّا رجعا إلى بلادهما صنّف السيد محمّد كتاب «المدارك» و الشّيخ حسن كتاب «المعالم» و «المنتقى» و وصل بعض ذلك إلى العراق مثل وفاة ملّا أحمد الاردبيلى.
و الشّيخ حسن يروي عن أبيه أيضا بغير واسطة و الظّاهر انّه أجازه في صغر سنّه، ثمّ إلى أن قال بعد ذكر مصنّفات الشّيخ حسن: و أمّا السيّد محمّد صاحب «المدارك» فانّ مولده كان سنة السّادسة و الأربعين بعد التّسعمأة، و توفّى ليلة السّبت
ص: 54
ثامن عشر شهر ربيع الأوّل من الستّة التّاسعة بعد الألف؛ و على هذا يكون عمره اثنتين و ستّين سنة و اشهرا، و له من المصنّفات كتاب «المدارك» و الّذى برزمنه ما يتعلّق بالعبادات و حاشية الإستبصار و حاشية التهذيب و «حاشية على ألفيّة الشّهيد» و «شرح المختصر النّافع» كذا ذكره فى «امل الآمل» و لم نقف من هذا الشّرح إلّا على كتاب النّكاح، إلى كتاب النّذر و ذكر بعض مشايخنا المعاصرين أيضا انّه لم يقف على غيره و لم يسمع من أحد من العلماء سواه، و له كتاب «شواهد ابن النّاظم» رأيته فى العجم، قد صنّفه فى خراسان.
و للسيّد محمّد هذا ابن فاضل يسمّى السيّد حسين قال فى كتاب «امل الأمل» السيّد حسين بن السيد محمد بن على بن الحسين بن ابى الحسن الموسوى العاملى الجبعى كان عالما فاضلا فقيها ماهرا جليل القدر عظيم الشّأن قرأ على أبيه صاحب «المدارك» و على الشّيخ بهاء الدّين و غيرهما من معاصريه، سافر إلى خراسان، و سكن بها، و كان شيخ الإسلام يعنى أقضى القضاة بالمشهد المقدّس على مشرّفه السّلام، و كان مدرّسا فى الحضرة الشّريفة، و اعطيت التّدريس مكانه انتهى.
و نسب فى «امل الآمل» كتاب «شواهد ابن النّاظم» إلى السيّد حسين المذكور، و الكتاب على ما رأيته إنّما هو لأبيه السيّد محمّد، و له «حاشية على الفيّة الشّهيد» و لم أسمع له مصنّفا سواها، توفّى فى السّنة التّاسعة و الستّين بعد الألف؛ تمّ كلام صاحب «اللّؤلؤة» و يظهر أيضا مقدار فضيلة السيّد حسين المذكور من قصيدة يمدحه بها الشّيخ ابراهيم بن الشّيخ فخر الدّين العاملى البازورىّ تلميذ أبيه، و الشّيخ بهاء الدّين العاملىّ حيث يقول فى جملتها.
للّه آية شمس للعلى طلعت
من افق سعد بها للحرئزين هدى
و اى بدر كمال فى الورى طلعت
أنواره فابخلت سحب العمى ابدا
قد اصبحت كعبة العافين حضرته
تطوف من حولها امال من وفدا
لا زال انسان عين الدّهر ما رشفت
شمس الضحي من ثغور الزّهر رهن نوى
هذا و قد تقدّم فى ذيل ترجمة مولانا عبد اللّه التّسترى قدّس سرّه حكاية تتعلّق
ص: 55
بأحوال صاحب هذه التّرجمة فليلاحظ ب
شيخنا الامام العلامة و مولانا الهمام الفهامة افضل المحققين و اعلم المدققين خلاصة المجتهدين شيخنا بهاء الملة و الحق و الدين محمد بن الشيخ العلم العلامة عز الملة و الحق و الدين حسين بن عبد الصمد الحارثى الجباعى قدس اللّه روحه و نور ضريحه(1)
أورده السيّد السّند الجليل، و تلميذه الثّقة النّبيل، عزّ الدّين حسين بن السيّد حيدر الكركى العاملىّ- المتقدّم ذكره المستطاب بهذه النّسب و الألقاب فى بعض اجازاته المبسوطة بعد ذكر أحد عشر كوكبا من مشايخه المضبوطة، أوّلهم الشّيخ الفاضل عبد العالى بن الشّيخ علىّ الكركى العاملىّ، و تأنيهم، الحبر الكامل المشتهر بالأمير السيّد حسين بن السيّد حسن الموسوىّ المشتهر بسيّد المحقّقين و أعلم المدقّقين و وارث علوم الأنبياء و المرسلين، و هو الّذى مرّفى ترجمته فى باب الحاء المهملة من هذا الكتاب، لجهلنا بهذه الإجازة احتمال اتحاده مع جناب هذا السيّد التّلميذ المستجيز مع كونه في الحقيقة خلاف نصّه العزيز.
ص: 56
و ثالثهم السيّد أبو الولى بن الشّاه المحمود الحسنى الشّيرازى، الّذى يروى عن أبيه المزبور، عن الشّيخ ابراهيم القطيفى المتقدّم ذكره المأثور، فى ذيل ترجمة الشيخ محمّد بن أبى جمهور. و رابعهم: الشيخ ابو محمد الشهير ببايزيد البسطامى صاحب كتاب «معارج التحقيق «فى الفقه و خامسهم: الشيخ نور الدين محمد بن حبيب للّه المتقدم ذكره كالنور فى ذيل ترجمة الشيخ محمد بن ابى جمهور.
و سادسهم السيّد السند العلّامة محمود بن علىّ الحسينى المازندرانى.
و سابعهم الشّيخ الفاضل الفقيه محمّد بن أحمد بن نعمة اللّه بن خاتون العاملىّ، صاحب شرحى الإرشاد و الألفيّة و كتاب «الأنموزج فى المنطق و الحكمة الطّبيعى و الإلهى» و غيرها.
و ثامنهم الفاضل العالم الزّاهد الشّيخ محمّد الأردكانى الرّاوى عن السيّد على الصّايغ عن الشّهيد الثّانى.
و تاسعهم الشّيخ الفاضل الفقيه نجيب الدّين علىّ بن محمّد بن مكّى العاملّى الراوىّ عن صاحبي «المعالم» و «المدارك» و كذا عن أبيه عن جدّه عن الشّيخ ابراهيم بن الشّيخ علىّ الميسىّ، و عن أبيه عن جدّه عن الشّهيد الثّانى.
و عاشرهم الشّيخ العالم المحقّق المدقّق الشّيخ محمّد بن الشّيخ حسن بن الشّهيد الثّانى، الرّاوى عن أبيه عن جدّه و غيره.
و حادى عشرهم المولى الفاضل الواعظ الفقيه تاج الدّين حسين بن شمس الدّين الصّاعدى، الرّاوى عن الشّيخ منصور الشّيرازى، الشهير براست گو، شارح «تهذيب الأصول» الأخذ عن المولى عبد اللّه بن محمود الشوشترىّ الملقّب بالشّهيد الثّالث، ثمّ انّه قال بعد عدّه المشايخ الاحد عشر بعين هذا التّرتيب، و إيراده ترجمة هذا الشّيخ اللّبيب فى المرتبة الثّانية عشرة منها، و لكن لا بقصد التّعقيب، بل من جهة رعاية كمال التّأديب، فى تفريده بتفصيل ما وجد فيه من الأمر الحبيب، و فضل النّصيب، و جميل التّذنيب، ما ينظر عين عبارته إلى نمط هذا التّركيب، و شيخنا هذا طاب ثراه قد كان أفضل أهل زمانه، بل كان متفرّدا بمعرفة بعض العلوم الّذى لم يحم حوله أحد من
ص: 57
أهل زمانه، و لا قبله على ما أظنّ من علماء العامة و الخاصّة، يميل إلى التّصوّف كثيرا و كان منصفا فى البحث، كنت فى خدمته منذ أربعين سنة فى الحضر و السّفر، و كان له معى محبّة و صداقة عظيمة، سافرت معه إلى زيارة أئمّة العراق عليهم الصّلاة و السّلام، فقرأت عليه فى بغداد و الكاظميّين في النّجف الأشرف و حائر الحسين عليهم السّلام و العسكريّين كثيرا من الأحاديث، و أجازنى فى كلّ هذه الأماكن جميع كتب الحديث و الفقه و التّفسير و غيرها، و كنت في خدمته فى زيارة الرّضا عليه السّلام فى السّفر الّذى توجّه النوّاب الأعلى خلّد اللّه ملكه أبدا ماشيا حافيا من اصفهان إلى زيارته عليه السّلام، فقرأت عليه هناك تفسير الفاتحة من تفسيره المسمى ب «العروة الوثقى» و شرحيه على «دعاء الصّباح» و الهلال» من الصّحيفة السجّاديّة».
ثمّ توجّهنا إلى بلدة هراة الّتى كان سابقا هو و والده فيها شيخ الإسلام، ثمّ رجعنا إلى المشهد المقدّس، و من هناك توجّهنا إلى إصفهان، و من جملة ما قرأت عليه أوّلا فى عنفوان الشّباب ألفيّة ابن مالك فى النّحو، ثمّ قرأت عليه رسائل متعددة من تصانيف والده، و سمعت عليه «مختصر النّافع» و جملة من كتاب «شرايع الإسلام و كتاب «ارشاد الأذهان»، و جانبا من كتاب «قواعد الأحكام» بقرائة جماعة من المؤمنين، و فرأت عليه «الاثنى عشريّات الثّلاث» الّتى هى من تصانيفه و «شرح الأربعين» حديثا الّذى هو من تصانيفه، و هذا التّصنيف كان بامداد الفقير و التماسه، و هذا التّصنيف كان فى غاية الجودة، و نهاية الحسن، لم يوجد مثله، و قرأت عليه المجلّد الاوّل من كتاب «تهذيب الأخبار» و كذا المجلّد الاوّل من كتاب «الكافى» لثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكلينى، و كذا المجلّد الاوّل من كتاب من «لا يحضره الفقيه» و اكثر كتاب «الإستبصار» إلّا قليلا من آخر قراءة و سماعا، و قرأت عليه «خلاصة الاقوال فى معرفة الرّجال» و قرأت عليه دراية والده و درايته الّتى جعلها كالمقدّمة من كتاب «حبل المتين» و قرأت عليه كتاب «حبل المتين» الّذى خرج منه، و أربعين حديثا التى ألفها الشّهيد رحمه اللّه، و قرأت عليه الحديث المسلسل با القمنى الخبز و الجبن و القمنى لقمة منها، و قرأت
ص: 58
عليه الرّسالة المسمّاه ب «تهذيب البيان» و «الفوائد الصّمديّة» كلاهما من مصنّفاته فى النّحو.
و توفّى قدّس اللّه روحه فى اصفهان» فى شهر شوّال سنة ألف و ثلاثين وقت رجوعنا من زيارة بيت اللّه الحرام، ثمّ نقل إلى مشهد الرّضا عليه السّلام و دفن هناك في بيته قرب الحضرة المقدّسة، و قبره هناك مشهور بزوره الخاصّة و العامة.
و هذا تفصيل مصنّفاته كتاب «خلاصة الحساب» و كتاب «حبل المتين» جمع فيه الأحاديث الصّحاح و الحسان و الموثق، شرح فيه ما يحتاج إلى البيان و التّفسير و رفع التنافى بينهما على وجه حسن، فيما يظن فيها التّنافى بحسب الظّاهر، خرج منه مجلّد واحد.
و كتاب «مشرق الشمسين» ذكر فيه الأحاديث الصّحاح و الحسان خاصة مع الإشارة إلى بعض البيانات، و تفسير الآيات التى تناسب تلك الأحاديث، ممّا يستنبط منها الأحكام الشّرعيّة على وجه الإيجاز و الإختصار.
و كتاب «الفوائد الصّمديّة» و «تهذيب البيان» كلاهما فى النّحو، و كتاب «الزّبدة» في اصول الفقه، و «شرح دعاء الصّباح و «شرح دعاء رؤية الهلال» من الصّحيفة السّجاديّة» و «رسالة فى استحباب السورة فى الرّد على بعض معاصريه» و إن رجع عنه أخيرا و» الاثنى عشريّات الخمس» فى الطهارة، و الصّلاة و الزّكاة، و الصّوم، و الحجّ، و كتاب «الجامع العبّاسىّ» خرج منه إلى آخر كتاب الحجّ، و «رسالة فى قصر الصّلاة فى الأماكن الأربعة» و «شرح على اثنى عشريّة الشّيخ المحقّق الشّيخ حسن بن الشّهيد الثانى قدّس اللّه روحهما» و «حواش على كتاب مختلف الشّيعة» و كتاب «مفتاح الفلاح» فى عمل اليوم و الليلة و و كتاب «الكشكول» فى فنون شتّى؛ خرج منه ثلاث مجلدات، و «حواش على القواعد الشهيديّه» و كتاب «شرح الأربعين حديثا» لم يصنّف مثله، و «رسالة فى مباحث الكرّ» و «كتاب فى سوانح سفر الحجاز» أكثره بالفارسيّة و «حاشية على تفسير القاضى البيضاوى» و هى حاشية جيّدة نفيسة أحسن ما كتب على هذا التّفسير، و كتاب «تشريح الأفلاك» مع
ص: 59
حواشيه مختصر، و كتاب «الأسطرلاب» كبير بالعربيّة و أخر فى الأسطرلاب بالفارسية و غير ذلك
و هو قدّس اللّه روحه يروي عن والده الإمام المحقّق قرائة و سماعا و إجازة لجميع ما للإجازة فيه مدخل من سائر العلوم العقليّة و النّقليّة سيما كتب الحديث و التّفسير و الفقه من طرقنا و طرق العامّته؛ بحقّ روايته عن شيخنا الإمام قدوة المحقّقين الشّهيد الثّانى طاب ثراه، حسب ما ذكره فى إجازته الطّويلة انتهى ما كان من اجازة سيدنا الكركى، له تعلق بترجمة هذا الخبر الزّكىّ.
و قال صاحب «الوسائل» فى كتاب رجاله الموسوم «بأمل الآمل» بعد الترجمة لهذا الشّيخ النّبيل المتبحّر الألمعىّ اللوزعىّ بعنوان: الشيخ الجليل بهاء الدّين محمد بن الحسين بن عبد الصّمد الحارثى العاملى الجبعىّ، ينسب إلى الحارث الهمدانىّ و كان من خواصّ أمير المؤمنين عليه السّلام، حاله فى الفقه و العلم و الفضل و التّحقيق و التّدقيق، و جلالة القدر، و عظم الشأن، و حسن التّصنيف، و رشاقة العبارة، و جمع المحاسن أظهر من أن يذكر، و فضائله أكثر من أن تحصر، و كان ماهرا متبحّرا جامعا كاملا شاعرا أديبا منشئا عديم النّظير فى زمانه فى الفقه و الحديث و المعانى و البيان و الرّياضىّ و غيرها.
له كتب منها كتاب «حبل المتين» فى أحكام أحكام الدّين، جمع فيه الأحاديث الصّحاح و الحسان و الموثّقات و شرحها شرحا لطيفا خرج منه الطّهارة و الصّلاة و لم يتمه فيه ألف حديث و زيادة يسيرة، و كتاب «مشرق الشمسين و اكسير السّعادتين» جمع فيه آيات الاحكام و شرحها و الاحاديث الصّحاح و شرحها خرج منه كتاب الطهارة لا غير فيه نحو اربعمأة حديث و كتاب «العروة الوثقى فى تفسير القرآن» خرج منه تفسير الفاتحة لا غير، نحو أربعمأة حديث «و الحديقة الهلاليّة» فى شرح دعاء الهلال و «حاشية شرح العضدىّ على مختصر الأصول» و «الزبدة فى الأصول» و «لغز الزّبدة» و «رسالة فى المواريث» و «رسالة فى الدّراية» و «رسالة فى ذبايح أهل الكتاب» و «رسالة اثنى عشريّة» فى الصّلاة عجيبة «و رسالة فى الطّهارة» كذلك، و «رسالة في الزّكاة» كذلك، و «رسالة فى الصّوم» كذلك، و «رسالة فى الحجّ» كذلك، و «الخلاصة فى الحساب» و
ص: 60
«الكشكول» كبير و «المخلاة» و «الجامع العبّاسىّ» بالفارسيّة فى الفقه لم يتمّ، و «الصمديّة» فى النّحو لطيفة، و «التّهذيب» فى النّحو، و «بحر الحساب» و «توضيح المقاصد فيما اتّفق فى أيّام السّنة، و «حاشية الفقيه» لم يتمّ، و «جواب مسائل الشّيخ صالح الجزائرىّ» اثنتان و عشرون مسألة، و «جواب ثلاث مسائل أخر» عجيبة، و «جواب مسائل المدنيّات» و «شرح الفرائض النّصريّة» للمحقّق الطّوسى لم يتمّ، و «رسالة فى نسبة أعظم الجبال إلى قطر الأرض» و تفسيره الموسوم «بعين الحيوة» و «تشريح الأفلاك» و «رسالة الكرّ» و رسالة الأسطرلاب» عربيّة سمّاها «الصّحيفة» و رسالة اخرى فى الاسطرلاب فارسية سمّاها «التّحفة الحاتميّة» و شرح الصّحيفة الموسوم «بحدائق الصّالحين» و «حاشية البيضاوىّ» لم تتمّ، و «حاشية المطوّل» لم تتمّ، و «شرح الاربعين حديثا» و «رسالة القبلة» و كتاب «سوانح الحجاز» من شعره و إنشائه و «مفتاح الفلاح» و «حواشى الكشّاف» و «حاشية الخلاصة» فى الرّجال، و «حاشية الاثنى عشريّة» للشّيخ حسن، و «حاشية القواعد الشّهيديّة» و «رسالة فى القصر و التّخيير فى السّفر، و «رسالة فى انّ أنوار سائر الكواكب مستفادة من الشّمس» و «رسالة فى حلّ اشكالى عطارد و القمر» و «رسالة فى أحكام سجود التّلاوة» و «رسالة فى استحباب السّورة و وجوبها» و «شرح شرح الرّومى على الملخّص» ذكره فى «الحديقة الهلاليّة» و «حواشى الزّبدة» و «حواشى تشريح الافلاك» و «حواشى شرح التذكرة» و غير ذلك من الرّسائل، و جواب المسائل.
و له شعر كثير حسن بالعربيّة و الفارسىّ متفرّق و قد جمعه ولدى محمد رضا الحرّ فصار ديوانا لطيفا.
و قد ذكره السيّد علىّ بن ميرزا أحمد فى «سلافة العصر فى محاسن أعيان العصر» فقال فيه: علم الائمّة الأعلام و سيّد علماء الإسلام و بحر العلم المتلاطمة بالفضائل أمواجه، و فحل الفضل النّابحة لديه أفراده و أزواجه، و طود المعارف الرّاسخ؛ و قضاؤها الّذى لا تحدله فراسخ، و جوادها الّذى لا يؤمل له لحاق، و بدرها الّذى لا يعتريه محاق، الرّحلة الّتى ضربت إليه أكباد الأبل و القبلة الّتى فطر كلّ قلب على حبّها و
ص: 61
جبل، فهو علّامة البشر، و مجدّد دين الامّة على رأس الحادى عشر، إليه انتهت رياسة المذهب و الملّة، و به قامت قواطع البراهين و الأدلّة، جمع فنون العلم و انعقد عليه الإجماع، و تفرّد بصنوف الفضل فبهر النّواظر و الأسماع، فما من فنّ إلّا و له فيه القدح المعلّى، و المورد العذب المحلّى، إن قال لم يدع قولا لقائل؛ أو طال لم يأت غيره بطائل، و ما مثله و من تقدّمه من الأفاضل و الأعيان، إلّا كالملّة المحمديّة المتأخّرة عن الملل و الأديان، جاءت آخرا ففاقت مفاخرا، و كلّ وصف قلت فى غيره فانّه تجربة الخاطر.
مولده بعلبّك سنة ثلاث و خمسين و تسعمأة، و انتقل به والده و هو صغير إلى الدّيار العجميّة، فنشأ فى حجره بتلك الدّيار المحميّة؛ و أخذ عن والده و غيره من الجهابذ، حتّى أذعن له كلّ مناضل و منابذ، فلمّا اشتدّ كاهله وصفت له من العلم مناهله صار بها شيخ الإسلام و فوّضت إليه أمور الشّريعة على صاحبها الصّلاة و السّلام.
ثمّ رغب فى الفقر و السياحة؛ و استهبّ من مهابّ التّوفيق رياحه، فترك تلك المناصب و مال لما هو بحاله مناسب فقصد زيارة بيت اللّه الحرام، و زيارة النّبىّ و أهل بيته الكرام عليهم أفضل التحية و السّلام، ثمّ أخذ فى السّياحة فساح ثلاثين سنة، و أوتى فى الدّنيا حسنة و فى الآخرة حسنة، و اجتمع فى أثناء ذلك بكثير من أرباب الفضل و الحال، و نال من فيض صحبتهم ما تعذر على غيره و استحال، ثم عاد و قطن بارض العجم، و هناك هما غيث فضله و انسجم فألف و صنّف و قرط المسامع و شنف.
ثمّ أطال فى وصفه بفقرات كثيرة، و ذكر انّه توفّى سنة احدى و ثلاثين بعد الالف و قد سمعنا من المشايخ انه مات سنة ثلاثين بعد الالف و ذكر بعض مصنّفاته السّابقة و قد تقدّم أبيات فى مرثيته فى ترجمة الشّيخ إبراهيم بن إبراهيم العاملىّ.
و ذكره السيد مصطفى فى الرّجال فقال: جليل القدر، عظيم المنزلة، رفيع الشّأن، كثير الحفظ، ما رأيت بكثرة علومه و علوّ رتبته و فى كلّ فنون الإسلام كمن له فنّ واحد، له كتب نفيسة جيّدة انتهى.
ص: 62
و قد تقدّم له أبيات فى مرثيته لأبيه، فى ترجمة أبيه تمّ كلام صاحب الأمل و مراده بالشّيخ إبراهيم المذكور هو الّذى تقدّمت أبيات مديحه للسيد حسين بن السيّد السّند صاحب «المدارك»؛ و كان من تلامذة شيخنا البهائى، و توفّى بطوس، و له ديوان شعر صغير و رسالة سمّاها «رحلة المسافر» كما ذكر ذلك أيضا صاحب «الأمل» ثمّ قال أخبرنى بها جماعة منهم السيّد محمّد بن محمد الحسينى العاملىّ العيناثى، يعنى به صاحب كتاب «الإثنى عشريّة» الآتى ذكره و ترجمته إنشاء اللّه عنه، و قال: و من شعره قوله فى قصيدة يرثى بها الشّيخ بهاء الدّين محمد بن الحسين العاملىّ:
شيخ الانام بهاء الدّين لا برحت
سحائب العفو ينشيها له البارى
مولى به اتّضحت سبل الهدى و غدا
لفقده الدّين فى ثوب من الفار
و المجد اقسم لا تبدو نواجده
حزنا و شقّ عليه فضل أطهارى
و العلم قد درست آياته و عفت
عنه رسوم أحاديث و أخبار
كم بكر فكر غدت للكون فاقدة
ماد نستها الورّى يوما بأنظار
كم خر لما قضى للعلم طود علا
ما كنت أحسبه يوما بمنهار
و كم بكته محاريب المساجد
إذ كانت تضيئى دمى منه بأنوار
فاق الكرام و لم تبرح سجيّته
إطعام ذى سغب مع كسوة العارى
جلّ الّذى اختار فى طوس له جدثا
فى ظلّ حمامى حماها بخل أطهار
الثّامن الضّامن الجنّات أجمعها
يوم القيامة من جود لزوّار
هذا و من جملة من ذكره بالطّريق الأصلح، و التّقرير الأرقّ الأملح، و قلّ من عثر على ما أفاده و لم يترك فى حقّ الرّجل موضع زيادة، هو مولانا العالم العارف الجامع المؤيّد و البارع المسدّد الحاجّ محمّد مؤمن بن الحاجّ محمد قاسم بن الحاجّ محمد ناصر بن الحاج محمد الشّيرازى المنشأ و المولد و الجزائرىّ الأصل و المحتد، و كان من أعاظم نبلاء زمن سميّنا العلّامة المجلسىّ- قدّس سرّه القدّوسى- و له كتب مبسوطة و أرقام
ص: 63
مضبوطة فى شرح منازل السّائرين، و ذكر مقامات العارفين و السّالكين، منها كتابه الموسوم ب «خزانة الخيال» و المشحون من طرف المعانى و الألفاظ الموزونة بأمثال اللّئال، و أشباه الكواكب المشعشعة فى أجواف اللّيال، و قد وشحّ كثيرا من صفايح أبواب ذلك الكتاب بأسماء جماعة من العلماء الأنجاب و الفضلاء الأقطاب، منهم هذا الجناب المستطاب الائل إلى ذكره الخطاب. فانّه بعد ما عقد فيه لحضرته العليا بابا بالخصوص و مهّد للإهداء إلى حريم حرمته ألقابا كالقصوص كتب بالحمرة لملاحظة المناسبة بهاء و ضياء، ثمّ جعل يلهج فى صفة سناء الرّجل بجميل هذا الإنشاء بهاء الحقّ و ضياؤه و عزّ الدّين و علاؤه، وافق المجد و سماؤه و نجم الشّرف و سناؤه، و شمس الكمال و بدره، و روض الجمال و زهره، و بحر الفيض و ساحله، و برّ البرّ و مراحله، و واحد الدّهر و وحيده، و عماد العصر و عميده، و علم العلم و علّامته، و راية الفضل و علامته، و منشأ الفصاحة و مولدها، و مصدر البلاغة و موردها، و جامع الفضائل و مجمعها، و منبع الفواضل و مرجعها و مشرق الإفادة و مشرعها، و مطلع الإفاضة و مقطعها، و سلطان العلماء و تاج قمتهم، و برهان الفقهاء و تتّمة أئمتهم، و خاتم المجتهدين و زبدتهم، و قدوة المحدّثين و عمدتهم، و صدر المدّرسين و أسرتهم، و كعبة الطّالبين و قبلتهم، مشهور جميع الآفاق، و شيخ الشّيوخ على الإطلاق، كهف الإسلام و المسلمين، مروّج أحكام الدّين العالم العامل الكامل الأوحد، بهاء الملّة و الحقّ و الدّين، محمّد بن الشّيخ حسين بن عبد الصّمد الحارثىّ الهمدانىّ العاملىّ عامله اللّه بلطفه الخفّى و الجلى إلى أن قال: و مصنّفاته أكثر من أن تحصى و أظهر من أن تخفى، و من نظمه الباهر و شعره المظاهر المرزىّ بعقد الجواهر طاب ثراه فى مرثية والده حين توفّى بالمصلّى من قرى البحرين سنة أربع و ثمانين و تسعمأة:
قف بالطّلول و سلها أين سلماها
و روّ من جرع الاجفان جرعاها
و ردّد الطّرف فى أطراف ساحتها
و روّح الرّوح من أرواح أرجاها
ص: 64
فإن يفتك من الأطلال مخبرها
فلا يفوتك مرآها و ريّاها
ربوع فضل تباهى التبر تربتها
و دار انس تخال الدرّ حصباها
عدا على جيرة حلوا بساحتها
صرف الزّمان فأبلاهم و أبلاها
بدور تمّ غمام الموت جللّها
شموس فضل سحاب التّرب غشّاها
فالمجد يبكى عليها جازعا أسفا
و الدّين يندبها و الفضل ينعاها
يا حبّذا أزمن فى ظلّهم سلفت
ما كان أقصرها عمرا و أحلاها
أوقات عمر قضيناها فما ذكرت
إلّا و قطّع قلب الصبّ ذكراها
يا جيرة هجر و او استوطنوا هجرا
واها لقلبى المعنىّ بعدكم واها
رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت
سقيا لأيّامنا بالخيف سقياها
لفقدكم شقّ جيب الصّبر و انصدعت
أركانه و بكم ما كان أقواها
و خرّ من شامخات العلم أرفعها
و انهدّ من باذخات الحلم أرساها
يا ثاويا بالمصلّى من قرى هجر
كسيت من حلل الرّضوان أصفاها
أقمت يا بحر بالبحرين فاجتمعت
ثلّاثة كنّ أمثالا و أشباها
حويت من درر العلياء ما حويا
لكن درّك أعلاها و أغلاها
إلى آخر القصيدة و ذكر أيضا من جملة أشعاره الفاخرة قوله:
إن هذا الموت يكرهه
كلّ من يمشي علي الغيرا
و بعين العقل لو نظروا
لرأوه الرّاحة الكبرى
و قوله قدّس سرّه:
و ثورين حاطا بهذا الورى
و ثور الثّريّا و ثور الثّرى
و هم فوق هذا و من تحت ذاك
حمير مسرّجة فى قرى (1)
ص: 65
و قوله نوّر ضريحه:
و مائسة الإعطاف تستر وجهها
بمعصمها للّه كم هتكت سترا
أرادت لتخفى فتنة من جمالها
بمعصمها فاستأنفت فتنة أخرى
و قوله طيّب اللّه تعالى رمسه:
و ثقت بعفو اللّه عنّي فى غد
و إن كنت أدرى إنّنى المذنب العاصى
و أخلصت حبّنى فى النّبىّ و آله
كفى فى خلاصى يوم حشرى اخلاصى
هذا. و قد ذكره السيّد المحدّث التّسترى أيضا فى كتاب «المقامات» و غيره فى مقامات و على وجوه من التّقرير لما أثر عنه من الحالات و المقالات و منها قوله عند ذكر ترجّل سيّدنا المرتضى رضى اللّه عنه (1) متى كان يمرّ بقبر أبى اسحاق الصّابى و هو راكب تعظيما لعلمه و هذا الرّجل المشهور انّه مات على دين الصّائبة، فإذن هذا التّعظيم له و التّرجيع عليه بما لا تسمح النّفس به، حذرا من قوله تعالى يؤادّون من حادّ اللّه و هذه المسامحة كانت أيضا فى الشّيخ الأجلّ الشّيخ بهاء الدّين محمّد طاب ثراه، و ذلك حيث انّك تراه يعظّم كثيرا من الصّوفيّة الأغوياء، و الملاحدة الأشقياء، فى جملة من مؤلّفاته و منظوماته مثل قوله فى حسين بن منصور الحلّاج:
روا باشد أنا الحقّ از درختى
چرا نبود روا از نيك بختى (2)
و لذلك كانت كلّ طائفة من طوائف المسلمين ينسبه إليها.
و سمعت الشّيخ الفاضل الشيخ عمر من علماء البصرة يقول: انّ بهاء الدّين محمّدا من أهل السنّة و الجماعة، إلّا أنّه كان يتّقى من سلطان الرّافضة، و كذلك الملاحدة و الصّوفيّة و العشّاق يقول سمعت كلّ هؤلاء يقولون انّه من أهل نحلتنا و من هذا كان شيخنا المعاصر أبقاه اللّه يعنى به سميّنا العلّامة المجلسى رحمه اللّه يزدرى عليه بهذا
ص: 66
و أمثاله، و فيض اللّه التّفرشىّ لم يوثّقه فى كتاب الرّجال و إن أثنى عليه فى العلم و الحفظ و غير ذلك. و الحقّ انّه ثقة معتمد عليه فى النّقل و الفتوى انتهى.
و قال صاحب «اللّؤلؤة» و كان رئيسا فى دار السّلطنة اصفهان و شيخ الإسلام فيها و له منزلة عظيمة عند سلطانها الشّاه عبّاس، و له صنّف كتاب «الجامع العبّاسى» و ربّما طعن عليه بالقول بالتّصوّف كما يترائى من بعض كلماته و أشعاره، و الحقّ فى الجواب عن ذلك ما أفاده المحدّث العلّامة السيّد نعمة اللّه الجزائرى التّسترى قدّس سرّه، و هو انّ الشّيخ المذكور كان يعاشر كلّ فرقة و ملّة بمقتضى طريقتهم و دينهم و ملّتهم و ما هم عليه، حتّى انّ بعض العلماء العامّة ادّعى انّه منهم قال السيد المذكور: فاظهرت له كتاب «مفتاح الفلاح» و كان معى فعجب من ذلك و ذكر جملة من الحكايات المؤيّدة لما ذكره، ثمّ استدلّ له بقوله فى قصيدته الّتى فى مدح القائم عليه السّلام:
و أنّى امرؤ لا يدرك الدّهر غايتى
و لا تصل الأيدى إلى سير اغوارى
أخالط أبناء الزّمان بمقتضى
عقولهم كيلا يفوهو بانكار
و أظهر إنّى مثلهم تستفزنى
صروف اللّيالى باختلاء و امرار
و طعن عليه بعض مشايخنا المعاصرين أيضا يعنى به الشّيخ المحدّث الصالح عبد اللّه ابن صالح البحرانىّ المتقدّم ذكره، كما ذكره فى الحاشية منه قدّس سرّه بأن له بعض الإعتقادات الضّعيفة، كاعتقاد انّ المكلّف إذا بذل جهده فى تحصيل الدّليل، فليس عليه شى ء إذا كان مخطئا فى اعتقاده، و لا يخلد فى النّار و إن كان بخلاف أهل الحقّ، قال و هو باطل قطعا، لأنّه على هذا يلزم أن يكون علماء أهل الضّلال و رؤساء الكفّار، غير مخلّدين فى النّار إذا أوصلتهم شبههم و أفكارهم الفاسدة إلى ذلك من غير اتّباع لأهل الحقّ، كأبى حنيفة و أضرابه، و تحقيق البحث لا يليق بهذا المقام انتهى.
أقول: و عندى فيه نظر إذ يمكن أن يقال لا نسلّم أنّ علماء الضّلال قد بذلوا الجهد فى طلب الحقّ؛ إلى آخر ما ذكره فى الردّ على شيخه المذكور، ثمّ في العدّ لمصنّفات
ص: 67
شيخنا المنظور إلى أن قال: و «رسالة الصّمديّة» صنفها لأخيه الشّيخ عبد الصّمد، و قد توفّى الشّيخ عبد الصّمد المذكور سنة العشرين بعد الألف حوالى المدينة المنوّرة، و نقل جسده الى النّجف الأشرف.
قلت و رأيت للشّيخ عبد الصّمد المذكور حواشى لطيفة ذات فوائد و تحقيقات منيفة على شرح أربعين أخيه المبرور عليهما رحمة اللّه الملك الغفور، ثمّ انّه أخذ فى عدّ سائر مصنّفات الرّجل إلى أن قال: مولد شيخنا المذكور ببعلبك يوم الخميس لثلاث عشر بقين من شهر محرّم الحرام سنة الثّالثة و الخمسين و تسعمأة، و توفّى قدّس سرّه لأثنتى عشرة خلون من شوّال سنة الحادية و الثّلاثين بعد الألف، و قيل سنة الثلاثين بعد الألف، و كان موته باصبهان، ثمّ نقل جسده الشّريف قبل الدّفن إلى المشهد الرّضوى على مشرّفه السّلام، و قبره هناك معروف انتهى.
و من جملة ما ذكره أيضا السيّد المتقدم على ذكره الإجلال و الأنعات فى تضاعيف كتابه المشتهر «بالمقامات» فى مقام حثّة على رعاية حال النّفس، و تحذيره الناس عن الإرتكاب لموجبات ملالها و اعيانها قوله قدّس قوله يا أخى قال مولاك أمير المؤمنين عليه السّلام انّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان؛ فابتغوا لها طرائف الحكمة، إلى أن قال و روى عن ابن عبّاس انّه كان لقول عند ملله من دراسة العلم حمّضونا حمّضونا فيخوضون عند ذلك فى الأخبار و الأشعار.
و قد حكي لى أوثق مشايخى إنّ تلامذة شيخنا بهاء الدّين عطر اللّه مرقده، كانوا يستفيدون منه يوم تعطيل الدّرس أكثر من الدّرس، لأنّه كان يلقى إليهم يوم التّعطيل من فنون العلم و نوادر الأخبار و الأشعار الفائقة، و الحكايات الرائقة ففيه الاستفادة لعلوم الجديدة و نشاط و استعداد لايّام الدرس و طلب العلم و لعل طرفا من الانبساط و نوعا من حكايات و المطايبات محصّل للنّشاط أيضا، و قد يقع الملال أيضا فى العبادات و المداومة على نوع منها، فينبغى التّنقّل فى أنواع العبادات و الطّاعات، حتّى يحصّل من التّنقّل الإقبال على العبادة، قال مولانا أمير المؤمنين (ع): انّ للقلوب إقبالا و إدبارا، فاذا اقبلت فاقبلوا على النّوافل، و إذا أدبرت فدعوها، و قد استنبطت فى «شرح تهذيب الحديث» من هذا
ص: 68
التّحقيق وجها لطيفا لما وقع من النّوافل و الأدعيّة المأثورة فى جميع الاوقات، خصوصا بين الصّلاتين، سيّما المغرب و العشاء، فانّ ما بينهما من الوقت مضيق عمّا شرع فيه من الدّعاء و العبادة و لا يجوز التّكليف بعبادة فى وقت يضيق عنها، كما قرّر فى الأصول.
و من جملة ذلك أيضا قوله عقيب حكاية انّه صنّف بعض الأفاضل من أهل عصره كتابا مفيدا لكنّه لم يشتهر مع وفور علمه، فقيل له فى ذلك فقال: كتابى هذا لم يشتهر لأنّ له عدوّا، فاذا ذهب أقبل النّاس على كتابته، فقيل له من هذا العدوّ؟ فقال: أنا، و كان الحال كما قال؛ لمّا صنّف بهاء الملّة و الدّين كتابه الأربعين أتى به بعض الطّلبة إلى حضرة المحقق المدقّق جامع العلوم السيّد الدّاماد، فلمّا نظر فيه قال انّ هذا العربىّ رجل فاضل، لكنّه لمّا جآء فى عصرنا لم يشتهر و لم يعدّ عالما.
قلت: و فى بعض المواضع انّ بين الرّجل و جناب هذا السيّد المحقّق كانت مصاحبات إيمانيّة، و مصادقات روحانيّة، و إن كان قد خفيت على كثير من النّفوس الشيطانيّة، و النّحوس الظّلمانيّة، كما قد تقدّم فى ذيل ترجمة السيّد المرحوم حكاية اختبار سلطان وقتهما الشّاه عبّاس الأوّل أنار اللّه تعالى برهانه، عن حالة ذات بينهما حين شهدا موكبه المبارك، فتبيّن للسّلطان حقيقة ذلك؛ و شكر اللّه سبحانه على ما ظهر منهما هنالك، و أفتخر به علي سائر ملوك الممالك، و كما يشهد أيضا بحسن تسايرهما فى جميع ما يكون من المناهج و المسالك، ما نقل إنّ جناب السيّد المرحوم كتب إلى جناب شيخنا الموسوم هذه الرّباعيّة بلسان الفارسيّة:
اى سرّره حقيقت اى كان سخا
در مشكل اين حرف جوابى فرما
گوئى كه خدا بود و دگر هيچ نبود
چون هيچ نبود پس كجا بود خدا
فأجابه الشّيخ رحمه اللّه بقوله:
اى صاحب مسأله تو بشنو از ما
تحقيق بدان كه لا مكان است خدا
خواهى كه ترا كشف شود اين معنى
جان در تن تو بگو كجا دارد جا
ص: 69
و عندى انّ فى جواب الشّيخ نظر الا ينفى و إن كان مرجعه إلى حديث من عرف نفسه فقد عرف ربّه كما لا يخفى.
ثمّ انّ من جملة ما ذكره جناب السيّد المعظّم عليه أيضا انّه قال: قد صمّم العزيمة بهاء الملّة و الدّين العاملىّ علي ان يبنى مكانا فى النّجف الأشرف لمحافظة نعال زوّار ذلك الحرم الأقدس، و ان يكتب على ذلك المكان هذين البيتين اللّذين سخا بخاطره الشّريف و كأنّه مذكور فى كتابه الكشكول:
هذا الأفق المبين قد لاح لديك
فاسجد متذلّلا و عفّر خديّك
ذا طور سينين فاغضض الطّرف به
هذا حرم العزّة فاخلع نعليك
و يناسب ذلك ما نقل عنه أيضا فى مقام آخر من نسبة هذه القطعة الفاخرة إليه قدّس سرّه فى الرّسالة إلى خدّام حرم مولانا الحسين عليه السّلام.
يا سعد إذا جزت ديار الأحباب وقت السحر
قبّل عنّى تراب تلك الاعتاب و اقض و طرى
إن هم سألوا عن البهائى فانطق رؤيا النّظر
قد ذاب من الشّوق إليكم قد ذاب هذا خبرى
و انّ له أيضا هذه الرباعيّه فى قصّة اشتياقه إلى زيارة مولانا الرّضا عليه السّلام:
ان جئت اقص قصّة الشّوق لديك
إن جئت إلى طوس فباللّه عليك
قبّل عنّى ضريح مولاى و قل
قد مات بهائيّك بالشّوق إليك
و كذا ما نقل إنّ له أيضا قدّس سرّه:
فى يثرب و الغرىّ و الزوراء
فى الطّوس و كربلا و سامرّاء
لى أربعة و عشرة هم ثقتى
فى الحشر و هم حصنى من اعدآئى
و أنّ له أيضا طيّب اللّه ثراه:
يا ربّ إنّى مذنب حاطئ
مقصّر فى صالحات القرب
ص: 70
و ليس لى من عمل صالح
أرجوه فى الحشر لدفع الكرب
غير اعتقادى حبّ خير الوري
و آله و المرؤ مع ما احبّ
و له أيضا شكر اللّه تعالى سعيه فى مديح إمام الزّمان عجّل اللّه فرجه:
خليفة ربّ العالمين و ظلّه
على ساكن الغبراء من كلّ ديار
إمام هدى لا ذا الزّمان بظلّه
و ألقى إليه الدّهر مفقود خوار
علوم الورى فى جنب ابحر علمه
كغرفة كفّ او كفمة منقار
إمام الورى طور النهى منبع الهدى
و صاحب سرّ اللّه فى هذه الدّار
و منه عقول العشر تبقى كمالها
و ليس لها فى ذا التّعلّم من عار
و من جملة ذلك أيضا قوله رحمه اللّه و هو من نوادر آثار الرّجل قدّس سرّه، و نفايس حكاياته، و حكى جماعة من الثّقات عن بهاء الملّة و الدين انّه قال: كنت فى الشّام مظهرا انّى على مذهب الشّافعى، فقال لى يوما أفضل فضلائهم؛ يا فلان تحصل عند الشّيعة حجّة يعتمد عليها فقال له حججهم كثيرة، فطلب منّي أن احكى له شيئا منها فقلت له: يقولون انّ البخارى روى فى صحيحه عن النّبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم انّه قال: فاطمة بضعة منّى فمن أذاها فقد اذانى و من أغضبها فقد أغضبنى (1) ثمّ روى بعد هذا بأربع ورقات انّها خرجت من الدّنيا و هى غاضبة عليهما يعنى على الشّيخين- فما ندرى كيف الجواب؟! فاطرق مليّا و قال: هذا كذب على البخارىّ أنا أراجعه الليلة فغدوت عليها من الصّباح، فلما رآنى ضحك، ثمّ قال أما قلت لك أنّ الرّافضة تكذب، راجعت صحيح البخارىّ البارحة فرأيت بين الحديثين أزيد من خمس ورقات، و كان يتبجبج بهذا الجواب.
و منها ما نقله أيضا السيّد المرحوم فى درج كتابه المرقوم انّ الشّيخ صالح ابن حسن الجزائرى صاحب المسائل المشهورة إلى شيخنا البهائى رحمه اللّه كتب إليه:
ما قول سيّدى و سندى و من عليه بعد اللّه و أهل البيت معتمدى في هذه الأبيات لبعض
ص: 71
النّواصب بتّر اللّه أعمارهم، و خرّب ديارهم فالمأمول من أنفاسكم الفاخرة، و ألطافكم الظّاهرة، أن تشرّفوا خادمكم بجواب منظوم تكسر سورة هذا النّاصب و شبهته و أمثاله من الطّغاة؛ نصر اللّه بكم الإسلام بمحمّد و آله الكرام عليهم السّلام.
يقول أهوى أمير المؤمنين و لا
أرضي لسبّ أبى بكر و لا عمرا
و لا أقول إذا لم يعطيا فدكا
بنت النّبى رسول اللّه قد كفرا
أللّه يعلم ماذا يأتيان به
يوم القيامة من عذر إذا اعتذر
فأجابه الشّيخ بهاء الدّين محمّد طاب ثراه الثّقة باللّه وحده التمست أيّها الأخ الأفضل الصّفى الوفّى الألمعىّ الزكىّ أطال اللّه و أدام فى معارج العزار، فقال الإجابة عمّا هذر به هذا المخذول فقابلت و التماسك بالقبول، و طفقت أقول:
يا أيّها المدّعى حبّ الوصىّ و لم
تسمح بسبّ أبى بكر و لا عمرا
كذّبت و اللّه في دعوى محبّته
تبّت يداك ستصلى فى غد سقرا
فكيف تهوى أمير المؤمنين و قد
أراك فى سب من عاداه منتكرا
فإن تكن صادقا فيما نطقت به
فابرء إلى اللّه ممّن خان او غدرا
و أنكر النصّ فى خمّ و بيعته
و قال إنّ رسول اللّه قد هجرا
أتيت تبغى قيام الغدر فى فدك
أتحسب الأمر بالتموّيه مستترا
إن كان فى غصب حقّ الطّهر فاطمة
سيقبل العذر ممّن جاء معتذرا
فكلّ ذنب له عذر غداة غد
و كلّ ظلم يرى فى الحشر مغتفرا
فلا تقول لمن أيّامه صرفت
فى سبّ شيخيكم قد ضلّ او كفرا
بل سامحوه و قولوا لا نؤاخذه
عسى يكون له عذر إذا اعتذرا
فكيف و العذر مثل الشّمس إذ بزغت
و الأمر متّضح كالصّبح إذ ظهرا
لكنّ إبليس أغواكم و صيّركم
عميا و صمّا فلا سمعا و لا بصرا
و منها أيضا ما نقله السيّد المذكور فى المجلّد الأوّل من شرح تهذيبه المشهور
ص: 72
فى ذيل مسألة نجاسة جميع أجراء الكلب البرى كما عليه الجمهور، فقال و لمّا انجرّ الكلام إلى هنا فلا بأس بذكر حكاية حكاها شيخنا البهائى رحمه اللّه فى شرحه على الفقيه، و هذه عبارته: و حيث انجرّ الكلام إلى قول المرتضى رضى اللّه عنه بعدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين، فأنا أذكر حكاية تنازعنى نفسى فى ذكرها، و هى انّ سلطان زماننا خلد اللّه ملكه و اجرى فى بحار التّأييد فلكه- و أراد به الشّاه عبّاس الاوّل نور اللّه برهانه- عرض له يوما و هو فى مصيدة خنزير عظيم الجثّة طويل السّنّ الخارج، فضربه بالسّيف ضربة نصّفه بها، ثمّ أمر بقلع سنّه و الإتيان بها إليه، فوجد مكتوبا عليه لفظ الجلالة بخطّ بيّن، فحصل له و لنا و لمن حضر المصيدة من العسكر المنصور نهاية التّعجّب، فانّ ذلك من أغرب الغرائب، فلمّا أرانيها أدام اللّه نصره و تأييده، قال لى كيف يجتمع هذا مع نجاسة الخنزير؟ فعرضت لديه انّ السيّد المرتضى قائل بطهارة مالا تحلّه الحياة من نجس العين، و وجود هذا الخطّ على هذا السنّ ربّما يؤيّد كلامه طاب ثراه، فانّ السنّ ممّا لا تحلّه الحياة، و كان بعض الأطبّاء حاضرا فى المجلس الأشرف، فقال قد صرّح الشّيخ فى القانون بانّ بعض العظام لها حياة و انّ السنّ من جملة تلك العظام، فتكون ممّا تحلّه الحياة إليه، فقلت له كلام ابن سينا غير رايج عندنا بعدما نقله علماؤنا قدّس اللّه أسرارهم عن أئمّتنا صلوات اللّه و سلامه عليهم من انّ السنّ ممّا لا تحلّه الحياة، و انّها كالظّفر و الشّعر و القرن فحرّك رأسه و لوّى عنقه مشمئزا ممّا نقلته استعظاما لابن سيناء غاية الإستعظام، فاردت كسر سورة استعظامه فقلت له: انّ لى مع ابن سيناء فى هذا المقام بحثا لا مخلص عنه، و هو أنّه ناقض نفسه فى هذا الكلام الّذى نقلته أنت عنه؛ لانّه ذكر فى بحث أمراض الأسنان من القانون انّها من جملة العظام الّتى لها حسّ، و قال فى بحث تشريح الأسنان ليس لشى ء من العظام حسّ البتّة إلّا الأسنان، و ظاهر انّ تلك العبارة موجبة جزئيّة فيثبت الحسّ للبعض، و هذه سالبة كليّة تنفينه عن الكلّ، و هل هذا إلّا عين التّناقض فطأطأ رأسه و قال اراجع القانون، فقلت راجعه ألف مرّة هذا لفظه إنتهى.
ص: 73
و اقول أنّ هذه النّقوش الواقعة على الأجسام الرديّه و غيرها من باب الإتّفاق كثيرة، كما تراها فى قشور الفواكه و عروق الأحجار و رمال الأودية كثيرا، و لا إشارة فيها إلى شى ء من الأمور لظهور عدم تعلق قصد من الجاعل لها بكونها من قبيل الخطوط المبعوثة إلينا و عدم جريان عادة اللّه تعالى على تقرير أحكام الشريعة بأمثال هذه الأمور، فضلا إذا كان إتّفاق ما وقع منها بمثل كلمة واحدة، أو اتّفق كونها من ذوات المعانى فى لغة واحدة، أو طابق ذلك مصطلح طائفة واحدة من أرباب الخطوط المتباينة المتباعدة كما هو المفروض فى هذه القضيّة الواردة، فى أنظارنا على خلاف القاعدة، و لو سلم على سبيل المماشاة كون ما وجدوه بعينه هى كتابة اسم اللّه تعالى على قاعدة خطّ وضعه اللّه تعالى لعباده، فلا نسلّم تأييد ذلك لطهارة ذلك العظم، كما هى مذهب سيّدنا المرتضى و لا يسيرا من تأثيره بالنّسبة إليها لعدم انفكاك الأسنان عن إصابة لعاب صاحبها دائما و هو غير طاهر فى موضع هذه المسألة يقينا، مضافا إلى أنّ حرمة التّلويث بالنّجاسة أو التّخمير بها من جملة الأحكام التّكليفيّة بالنّسبة إلينا، و لا قياس لعمل اللّه المكلف عباده بما يشاء كيف يشاء بأفعال المكلّفين و المخلوقين الجاهلين بعلل الأشيآء و حكم بدائع الخلق و الإنشآء، ثمّ إنّ الحسّ الصّحيح يبطل ما احتمله شيخنا البهآئى قدّس سرّه من عدم الحسّ مطلقا فى خصوص الأسنان، كما انّ النصّ الصّريح يناقض ما التزمه شيخهم الرّئيس من كون مادّة هذه الجارحة من قبيل موادّ العظام المتأصّلة فى تركيب الأبدان، و المنحلفة من المضغ فى مبادى الأكوان، و لم يهتد إلى إنّها من فريق خلق آخر من صنيع الرحمان، مثل الظّفر و الظّلف و القران و الحافر و المنقار و المخلب و الغضروفات الّتى هى وراء كل ذلك من المطلب، بل وراء اللحم و الشّحم و أسناخ القدر و الذّواقن و العظم و العصب، و لذا ترى أنّ الفقهاء النّبهاء أيضا يذكرون أمثال هذه الأشياء، فى بحث جواز الإنتفاع بكلّ ما لا تحلّه الحياة من الميتة فى مقابلة خصوص العظم تبعا للنّصوص الواردة فى هذا النّظم، و لا يوجبون فى اللّحم المتشبّث بمثل السنّ و الظّفر الغسل مع أنّهم يوجبونه فى القطعة المبانة من الإنسان، إذا كان
ص: 74
معه شى ء من العظم، و إن كنت من الأصوليّين فتحه من نفسك و عيرك أيضا تبادر غير السنّ و نحوها من لفظ العظم متى اطلق مع صحّة سلب مالها من المعنى المعروف عنهما من غير تأمّل، فدلّ على انّهما من غير افراده الحقيقة كما لا يخفى، و على ذلك فلا يبعد أن يقال فى تفسير حقيقة ما وقع محلّ التفكّر انّه نظير ما يوجد بمشيّة اللّه الملك القدير، فى مرافق بحار هذا العالم الكبير من اللؤلؤ الرّطب الّذى ما هدى منه إلى مواقع التّخمير، و مكامن التّصيير و التّصوير، فيكون رسمه عند من أراد أن يرسم أنّه جوهرة نفيسة أبدعها نظام العالم في يمّ الفم، لمنفعة من أراد أن يلقم، كما يرشد إلى ذلك انّه جعلها بمنزلة لئالى البحار فى اللّون و الصّفا و الصّلابة و الإفتوار إلى حيث لا يأخذه مثل اللّؤلؤة مبرّدة الحديد، و لا يؤثر فى خرطه و حكّه المضغ الدّائم و لا العضّ الشّديد، على الوجه المديد إلى العهد البعيد، مع انّ أحجار الأرحيّة يظهر فيها أثر الأنحسار و الإنفراك بمرور شى عمن الدّهو عليها على نهج الإصطكاك و الاحتكاك فكيف بما هو من قبيل العظام الموهونة الّتى يتمحقّ بمسيس يسير من الأيّام، و لا تطبق ان ينسحق عليها خفيف من الأحرام فافهم الكلام و اغتنم بما هديناه إليك فى تضاعيف الأرقام من تراصيف الاقلام.
ثمّ ارجع إلى بقيّة أحوال شيخنا القمقام و تتمّة ما ذكره السيّد السّابق عليه الأفحام و هو من متعلّقات المقام؛ و ملائمات أفئدة أرباب الأفهام، فنقول و من اللّه الإستعانة فى عموم الأمور، و فى خصوص و زبر ما تلوناه عليك من الزّبور، و قال ايضا سيّدنا المتقدّم الجليل المبرور المزبور، عليه رحمة اللّه الملك الغفور، و فى بعض مصنّفات شيخنا البهائى نقلا عن والده الشّيخ حسين بن عبد الصّمد الحارثى الجباعىّ: أنّه قال وجد فى مسجد الكوفة فصّ عقيق مكتوب عليه هذان البيتان:
أنا درّ من السّماء نثرونى
يوم تزويج والد السّبطين
كنت أصفى من اللجين بياضا
صبغتنى دماء نحر الحسين
قلت: و كان الواجد هو شيخنا الشّهيد الأوّل، لمّا وجدته فى بعض السّفائن الّتى
ص: 75
عليها المعتمد و المعوّل، من أنّه وجد بخطّه الشّريف ما صورته مررت بالغريين، فلقيت نصّ عقيق مكتوب عليه هذان البيتان، ثمّ كتب بعده البيتين مع اختلاف يسير بينه و بين ما ذكره مولانا الشّيخ حسين، و إن أمكن فى وجه ذلك تعدّد الواقعتين، لعدم استلزام ما ذكر محذورا فى البين، و لا عجبا فى تكثّر وقوع أمثال هذه الأشياء كم امة لأولياء اللّه الّذين هم المتصرّفون فى عوالم الخلق و الإنشاء، على سبيل السرو الافشاء، و لكن باذن اللّه الّذى يفعل فى ملكه ما يشاء، و يهب ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء و هو منزّه عن اللّغو و العبث و القبيح و الفحشاء، كما انّه يحتمل أيضا استناد ذلك إلى أفعال الآدميّين و إن يكون المكتوب بغير خطّ مبين، وضعه اللّه تعالى لتعليم غير الأميّين، كما مرّت إليه الإشارة السّايغه فى الحكاية السّابقة فليتامّل و لا يغفل.
ثمّ إنّ من جملة من تعرّض لترجمة شرذمة من أحوال صاحب التّرجمة عليه الرّضوان و الرّحمة هو تلميذه الفاضل المحدّث الورع التقّى القدسىّ المجلسىّ، شارح كتاب «من لا يحضره الفقيه» بالعربي أوّلا ثمّ بالفارسىّ، فانّه ذكره في شرّحه الأوّل على مشيخة الكتاب المذكور بتقريب كونه من جملة مشايخ نفسه المقدس المبرور، فقال بعد تصريحه بكون الرّجل من أولاد الحارث الهمدانى، ذكره الشّهيد الثّانى فى اجازته لأبيه، و ذكر جماعة من أجداده و مدحهم و هو شيخنا و أستادنا من استفدنا منه بل كان الوالد المعظّم كان شيخ الطّائفة فى زمانه، حليل القدر؛ عظيم الشّأن، كثير الحفظ، ما رأيت بكثرة علومه و وفور فضله، و علوّ مرتبته أحدا.
له كتب نفيسة، منها كتاب «حبل المتين» و كتاب «مشرق الشّمسين» بل هذا الشّرح أيضا من فوائده، فانّى رأيته فى النّوم، و قال لى لم لا تشتغل بشرح أحاديث أهل البيت صلوات اللّه عليهم، فقلت له: هذا شأنكم و أنتم أهله، فقال مضى زماننا و اشتغل و اترك المباحثات سنة حتّى يتمّ، و كان بعد ذلك الرّؤياء فى بالى ان اشتغل بذلك، و لمّا كان هذا أمرا عظيما ما كنت اجترئ عليه، حتّى حصل لى مرض عظيم و وصيّت به، و اشتغلت بالدّعاء و التّضرّع إلى اللّه أن يغفر لى، و يذهب بروحى، فأصابنى حينئذ سنة
ص: 76
فرأيت سيّدى شباب أهل الجنّة أجمعين قدامى جالسين عندى و سيّد السّاجدين فوق رأسى جالسا، و أظهر أنّا جئنا لشفائك، و قال سيّد السّاجدين صلوات اللّه عليه: لا تطلب الموت، فانّ وجودك أنفع، فانتبهت من السنة، و ذهب الوجع بالكليّة. و حصل العرق، ثمّ حصل لى سنة أخرى فرأيت سيّد الأنبياء و المرسلين و أشرف الخلائق أجمعين قائما فى بيتى؛ فاردت أن أقبلّ رجله، فلم يدعنى، فشرعت فى مدائحه بانّك الّذى خلق اللّه تعالى الكونين لأجلك و جعلك متخلّقا باخلاقه الكماليّة، و جعلك أفضل من برأه اللّه، و أنت العالم بعلوم اللّه، و القادر بقدرة اللّه، و المتخلّق بأخلاق اللّه، و هو صلّى اللّه عليه و آله يتبسّم و يقول كذلك أنا، و كانت المدائح كثيرة اختصرتها، ثمّ قال يا رسول اللّه اهدنى لأقرب الطّرق الى اللّه تعالى. فقال هو ما تعلم، فقلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله باىّ شى ء أعمل، و كان مرادى ان اشتغل بالرّياضيات للوصول إلى اللّه أم بغيره ممّا يأمره صلوات اللّه عليه، فقال اعمل بما كنت تعمل، و كنت فى هذه المقالات إذ قال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم جاء علىّ و فاطمة عليها السّلام إلى عيادتك، فاخذنى البكاء و النّحيب، و قلت: أنا كلبهم أىّ مقدار لى حتّى تجي ء و يجيئان إلى عيادتى، فانشقّ جدار البيت و ظهرا و للدّهشة انتبهت فبكيت كثيرا، ثمّ حصلت لى سنة اخرى، فسمعت انّ سيّد المرسلين ارسل إليك من الجنّة ثمرة و كبابا منها، فدفع إلىّ أوّلا سفافيد الكباب و كانت من الذّهب، و حولى جماعة كثيرة نأكل من الكباب لقمة، و يحصل مكانها اخرى، و أدفع إلى كلّ من حولى من هذا الكباب، و أقول لهم أنّى كنت أقول لكم انّ سفافيد كباب الجنّة من الذّهب و رأيتموها و قلت لهم إن طعام الجنّة فى كلّ لقمة طعوم كثيرة لا تشبه طعوم الدّنيا و هذا كذلك، و قلت لكم: انّ ثمرات الجنّة كلما جنى منها شي ء يوجد مكانها اخرى، و كلّما أدفع إليهم من الكباب و أكله لا يفنى الكباب، ثمّ شرعت فى الثّمرة و كانت بقدر بطّيخ حلبّى عظيم، و أخذ منها ورقة ورقة، و أكلها، و فى كلّ ورقة طعوم لا تتناهى، و أقول لهم كنت أقول لكم إنّ ثمرة الجنّة كذلك، و كلّما أدفع إليهم يحصل منها ورقة اخرى، فانتبهت من ذلك الرّؤيا و أوّلتها بالعلم، و
ص: 77
الهمت بان اشتغل بشرح الأحاديث، فاشتغلت بذلك، و لمّا كانت الطّلبة مشغولين بالدّرس كنت أدغدغ فى ترك الدّرس بالكليّة، لكن حصل فى التّعطيلات التّوفيق من المنعم الوهّاب، و حسبتها كانت سنة على ما قاله شيخنا البهائى رضى اللّه عنه، و ذكرت بعض أحواله سابقا و مات رحمه اللّه فى شوّال سنة ثلاثين بعد الألف الهجريّة فى اصبهان، و نقل إلى المشهد الرّضوى صلوات اللّه عليه، و دفن فى داره جنب الرّوضة المقدّسة، و الآن يزار هناك، و كان عمره بضعا و ثمانين سنة إمّا واحدا أو اثنين، فانّى سألت عن عمره رضى اللّه عنه فقال ثمانون أو انقص بواحدة، ثمّ توفّى بعده بسنتين.
و سمع قبل وفاته بستة أشهر صوتا من قبر بابا ركن الدّين رضى اللّه عنه، فكنت قريبا منه، فنظر إلينا و قال سمعتم ذلك الصّوت، فقلنالا، فاشتغل بالبكاء و التضرّع و التوجّه إلى الآخرة، و بعد المبالغة العظيمة قال انّه أخبرت باستعداد الموت و بعد ذلك بستّة أشهر تقريبا توفّى رحمه اللّه؛ و تشرّفت بالصّلاة عليه مع جميع الطلّبة و الفضلاء و كثير من النّاس يقربون من خمسين ألفا انتهى.
و أقول: لا عجب فى انعقاد هذه الجماعة في الصّلاة على مثل شيخنا هذا مع ما قد عرفت من ارتفاع قدره و منزلته فى الدّين و الدّنيا، كيف و قد أسمعناك فيما تقدّم انّه قد اجتمع أكثر من هذه الألوف فى صلاة شيخنا المفيد و سيّدنا المرتضى رضى اللّه عنهما، مع انّهما كانا فى بلاد المخالفين لنا، بل ذكر نفس هذا المخبر المعتبر فى ذيل ترجمة أستاده الآخر و هو مولانا عبد اللّه التّسترى المتقدّم ذكره الشّريف قدّس سرّه المنيف، اجتماع ضعف ما ذكره هنا فى الصّلاة على جنازة ذلك الشّيخ الأجل الاسنى و هذه عين عبارته الّتى قد فاتنا حكايته فى ذيل ذلك المعنى: و توفّى رحمه اللّه فى العشر الأوّل من محرّم الحرام، و كان يوم وفاته بمنزلة العاشوراء، و صلّى عليه قريبا من مأة ألف، و لم نر هذا الإجتماع على غيره من الفضلاء و دفن فى جوار إسماعيل بن زيد بن الحسن قلت: و هو الّذى اشتهر الآن فى اصفهان بامام زاده اسماعيل عليه رضوان اللّه الملك الجليل، ثمّ نقل إلى مشهد أبى عبد اللّه بن
ص: 78
الحسين عليه السّلام بعد سنة، و لم يتغيّر حين اخرج، و كان صاحب الكرامات الكثيرة ممّا رأيت و سمعت؛ و كان قرأ على شيخ الطائفة أزهد النّاس فى عهده مولانا أحمد الأردبيلي، و على الشّيخ الاجلّ أحمد بن نعمة اللّه بن أحمد بن محمّد بن خاتون العاملىّ رحمه اللّه، و على أبيه نعمة اللّه، و كان له عنهما الإجازة للأخبار، و أجاز لى كما ذكرته فى أوائل الكتاب انتهى.
و قال أيضا صاحب «الأمل» فى ذيل ترجمة المولى حسين بن موسى الأردبيلى ساكن استراباد كان فاضلا فقيها صالحا معاصرا لشيخنا البهائى، له كتب منها «شرح الرّسالة الصّومية» للبهائى، و ذكر فى موضع منه انّه لمّا وصل إلى ذلك الموضع سمع بوفاة المصنّف باصبهان، و انّه حمل إلى مشهد الرّضا عليه السّلام، و له حواش على «شرح تهذيب الأصول» للعميدى و غير ذلك تمّ كلامه.
و رأيت فى بعض التّعليقات القديمة على كتاب «توضيح المقاصد» الّذى تقدّم انه من جملة مصنّفات الرّجل انّ فى ثانى عشر شوّال سنة ألف و ثلاثين توفّى شيخنا العلّامة الكامل بهاء الدّين محمّد العاملىّ مؤلّف هذا الكتاب، و كان تاريخ وفاته بالفارسيّة
بى سر و پا گشت شرع و أفسر فضل أوفتاد
و قال سيّدنا الجزائرى المتقدّم عليه التّعظيم: و تاريخ وفاة الشيخ بهاء الدّين على ما قاله فى النّظم بعض مشايخنا المعاصرين رحمهم اللّه:
بدر العراقين خفى ضوءه
و نيّر الشّام و شمس الحجاز
أردت تاريخا فلم اهتد
له فألهمت قل الشّيخ فاز
ثمّ انّ من جملة تلامذة شيخنا المذكور سوى من قد عرفته من العلماء البدور و الفضلاء الصّدور، هو شيخنا الفاضل الجواد البغدادى. و السيّد الماجد البحرانىّ، و المولى محمّد محسن المشتهر بالفيض الكاشانىّ، على ما ينقدح من مفتتح كتابه «الوافى» و السيّد الاميرزا رفيع الدّين النّائيني، و المولى شريف الدّين محمّد- الرّوى دشتى، و المولى الاجلّ الأكمل الخليل بن الغازى القزوينى، و المولى محمّد صالح
ص: 79
ابن احمد المازندرانى، و الشّيخ زين الدّين بن الشّيخ محمّد بن الشّيخ حسن بن الشّهيد الثّانى، و المولي أبا الحسن علىّ المشهور بالمولى حسنعلّى بن مولانا عبد اللّه الشوشترى شيخ رواية مولانا محمّد تقي المجلسى، و منهم الشّيخ محمّد بن علىّ العاملى التبنينّى و هو الّذى ذكر أيضا فى «الأمل» انّه كان عالما فاضلا فقيها صالحا زاهدا عابدا ورعا قرأ عنده خال والدى الشّيخ علىّ بن محمود العامليّ، و قرأ هو على الشّيخ البهائى.
و منهم: العالم الفاضل الجامع الكامل نظام الدّين محمّد القرشى صاحب كتاب «نظام الأقوال» فى أحوال الرّجال، و كأنّه نظام بن حسين السّاوجى الّذى أتمّ الأبواب العشرين من «الجامع العبّاسى» بعد وفاة شيخه المرحوم بأمر السّلطان شاه عباس الصّفوى الموسوى فليلاحظ.
و المولى مظفّر الدّين علىّ الّذى كتب فى ترجمة أحوال شيخنا المقصوص رسالة بالخصوص، و الشّيخ محمود بن حسام الدّين الجزائرى الّذى يروي عنه الشّيخ فخر الدّين الطّريحىّ النّجفى صاحب كتاب «مجمع البحرين».
و منهم: الشّيخ زين الدّين علىّ بن سليمان بن درويش بن حاتم القدمى البحرانى، و هو الّذى يروى عنه صاحب «بلغة الرّجال» بواسطة شيخه و سميّه الشّيخ سليمان بن علىّ بن راشد البحرانىّ، و ذكر فى حقّه انّه أوّل من نشر علم الحديث فى بلاد البحرين، و قد كان قبل ذلك لا أثر له و لا عين، و ذكر أيضا انّه كان قبل وصوله إلى خدمة شيخنا البهائى يقرأ عند الشّيخ الفاضل الفقيه محمّد بن حسن رجب المقابى البحرانى أوّل من صلّي صلاة الجمعة فى البحرين بعد فتحها على ابدى سلاطين الصفويه، و لمّا رجع من خدمة المرحوم الشّيخ بهائّى بالغا مبلغه من العلم بالحديث و نشره فيها؛ كان الشّيخ محمّد المذكور من جملة من يحضر حلقة درسه، فعوتب على ذلك بانّه بالأمس كان تلميذا لك فكيف يكون تلميذا له، فقال و كان على غاية من التّقوى و الورع و الإنصاف: انّه قد فاق علىّ و على غيرى ممّا اكتسبه من علم الحديث، و فيه أيضا من الدّلالة على غاية مهارة شيخنا
ص: 80
المكتسب منه هذه المزية المسلّمة للشّيخ زين الدّين المذكور ما لا يخفى.
و امّا اساتيد صاحب التّرجمة و رؤساء سلسلة أساتيده الّذين قد أخذ عنهم الحديث و غيره بالقرائة و غيرها من علماء الإماميّة و غيرهم فهم أيضا جماعة كما فى كتاب «رجال النيسابورىّ» إلّا انّى مهما تصفّحت كتب الإجازات و الرّجال لم أعثر على شيخ له فى الرّواية لأحاديث الشّيعة الإماميّة و مصنّفاتهم غير والده و استاده المحقّق المتبحّر الشّيخ حسين بن عبد الصّمد الحارثى العاملى الّذى له الإجارة المبسوطة المشهورة من شيخنا الشّهيد الثّانى، و قد مرّ ترجمة هذا الشّيخ الجليل فى باب ما أوّله الحاء المهملة مفصّلة.
و من جملة ما ذكره أيضا صاحب «اللّؤلؤة» فى حقّه و هو ممّا قد فاتتنا تذكرته هناك انّه لمّا نقل عن صاحب «امل الآمل» تفصيل أحوال هذا الرّجل و فهرست مصنّفاته إلى قوله فى آخر ذلك و رسالة سمّاها «تحفة أهل الإيمان فى قبلة عراق العجم و خراسان» ردّ فيها على الشّيخ علىّ بن عبد العالى العاملىّ الكركىّ حيث أمره أن يجعلوا الجدى بين الكتفين، و غيّر محاريب كثيرة، مع أنّ طول تلك البلاد يزيد على طول مكّة كثيرا، و كذا عرضا، فيلزم انحرافهم عن الجنوب إلى المغرب كثيرا ففى بعضها كالمشهد بقدر نصف المسافة خمس و أربعين درجة، و فى بعضها أكثر، و فى بعضها أقلّ و له رسائل أخر و كان سافر إلى خراسان و أقام بالهراة مدّة، و كان شيخ الإسلام بها، ثمّ انتقل إلى البحرين و بهامات، و كان عمره ستّا و ستّين سنة قال بعد ذلك انتهى.
اقول و من أشهر مصنّفاته «العقد الطّهماسبىّ» إلى أن قال و ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انّه لمّا هاجر من بلاد الجبل إلى بلاد العجم كان لابنه الشّيخ البهائى سبع سنين، و أخبرنى والدى قدّس اللّه سرّه و بحظيرة القدس سرّه أن الشّيخ المزبور كان فى مكّة المشرّفة قاصدا الجوار فيها إلى أن يموت، و انّه رأى فى المنام ان القيامة قد قامت و جاء الأمر من اللّه سبحانه بأن ترفع أرض البحرين و ما فيها الى الجنّة، فلمّا رأى هذا الرّؤيا آثر الجوار فيها و الموت فى أرضها، و رجع من مكّة المشرّفة و جاء البحرين،
ص: 81
و لمّا سمع علماء البحرين بقدومه و كان له مجمع يجتمعون فيه للدّرس و يحضره الفضلاء منهم فى مسجد من مساجد قرية جدحفص علموا انّ الشّيخ لا بدّ أن يحضر بعد قدومه هذا المجمع و كان من جملة فضلاء البحرين الشّيخ داود بن مشافيز، و كانت له يد طولى فى علم الجدل، و قد كانت بينهم و بينه منافرة أوجبت غضبه و عدم حضوره ذلك المجمع مدّة؛ و لمّا سمعوا بقدوم الشّيخ ارسلوا للشّيخ داود المذكور و اصلحوه، و التمسوا منه الحضور كما كان سابقا فاتّفق انّ الشيخ لمّا وصل إلى البحرين زاروه و عظّموه بما هو أهله، فاتّفق انّه سمع بذلك المجمع، فحضره ذات يوم و ليس فى ذلك الوقت فيهم من هو فى مرتبته قدّس سرّه و اتّفق البحث كما هى العادة الجارية بين العلماء فى جميع الأصقاع، فابتدر الشّيخ داود لمنازعة الشّيخ المذكور و البحث معه، مع انّه لا نسبة له إليه فى ذلك، فلمّا انقضى المجلس مضى الشّيخ قدّس سرّه و كتب هذين البيتين.
أناس فى أوال قد تصدّوا
لمحو العلم و اشتغلوا بلم لم
فإن باحثتهم لم تلق منهم
سوى حرفين لم لم لا نسلّم
و أقام الشّيخ المزبور فى البلاد المذكورة حتّى توفّى إلى رحمة اللّه و قبره فى قرية المصلّى من قرى البحرين المعروف إلى الآن، و رثاه ابنه الشّيخ المذكور أعنى البهائىّ إلى اخر ما ذكره.
و من جملة ما ذكره أيضا فى أواخر «اللّؤلؤة» عند بلوغ الكلام إلى طرق رواية أصحابنا الكرام إلى كتب مخالفينا الأعلام، و قد ماء علماء ساير الطّوائف من الإسلام؛ قوله شكر نوله: و أمّا كتاب «صحيح البخارىّ» بالأسناد عن شيخنا البهائى قدّس اللّه روحه، عن محمّد بن محمّد بن محمّد بن أبى اللّطيف المقدّسىّ، عن أبيه محمد بن محمّد، عن شيخه كمال الدّين محمّد بن أبي شريف المقدّسىّ؛ عن أبى الفتح محمّد بن أبى بكر، عن ابى الحسين محمّد المراغى، عن أبى عبد اللّه محمّد بن اسماعيل القرشيدىّ، عن السيّد أبى عبد اللّه محمّد بن سيف الدّين فليح بن كيكلدىّ العلائي، عن قاضي القضاة أبى عبد اللّه محمد بن مسلم بن محمّد بن مالك الحنبلىّ عن أبى عبد اللّه
ص: 82
محمّد بن عبد الرّحيم بن عبد الواحد المقدّسىّ عن أبى طاهر محمّد بن عبد الواحد البزّاز، عن محمّد بن أحمد بن حمدان عن محمّد بن التيم، عن محمّد بن يوسف الغزيزىّ، عن محمّد بن اسماعيل البخارىّ بكتابة المذكور و جميع مصنّفاته، إلى أن قال أقول: و هذا السّند من غريب الأسانيد باتّفاق كون رجاله كلّهم من المحمّدين و يمكن تتميمه من أوّله بطريقنا إلى الشّيخ محمد بن يوسف بن كبنار البحرانى، عن الشّيخ محمّد بن ماجد البحرانى، عن الآخند المولى محمّد باقر المجلسىّ عطّر اللّه مرقده عن والده المولى محمّد تقى قدّس سرّه، عن شيخنا محمّد بن الحسين البهائى زاده اللّه تعالى مع هؤلاء المذكورين، بل جملة الصّالحين بهاء و شرفا انتهى.
و بالحرّى ان نختم حينئذ ترجمة الرّجل بأحسن ما يكون من الخاتمة، و نهدى إلى الأحباب لغزه الّذى صنعه باسم والد الأئمّة، و زوج جدّتنا المعصومة فاطمة عليهم سلام اللّه و صلواته الدّائمة القائمة، و هو كما وجدناه و كأنّه إلى والده الجليل المعظّم عليه أرسله و أهداه متصوّر بهذه الصّورة، و متموّر بهذه اللّئالى المنثورة، يا ثقتى و رجائى، و من به فى الدّارين اقتدائى استدعى منكم الإخبار عن اسم عدد افراده بعدد لطائف الأركان، و من أجزائه عرف أبواب الجنان، و يذكرونه مع اللّه الملك المنّان، فى أوّله بصيرة المخلوقات، و ثانيه تالى اسم الذّات، و آخره أوّل مراتب العشرات، و يحصل منه الإيمان بالزّبر و البيّنات، أوّل افراده رأس العرب و العجم، و آخر أجزائه مساو للإسم الأعظم، صورته بالاستعلاء موصوف، و مسمّاه فى السّموات و الأرضين معروف، و آخر آخره صدر الحروف، أوّله مدار الدّنيا و بآخره يتم العقبى و لو لا وسطه لكان معدوما إن نقص ثلاثة من ثلاثة بقي ثلاثة و إنّ زيد ثلاثة على ثلاثة، جعل ثلث ثلاثة لو لا أوّله لكان رأس العمر مقطوعأ، و إن لم يكن آخر ثانيه واسطة العمر لكان بقطعتين مكسورا، من وجد بأوله نصيبا فقد كان غنيّا، و من عرى فلا يرى من العيش نصيبا، و لو كان أوّله لآخرته لم يكن فقيرا آخره رأس اليقين، و بجزئىّ أوّله يتمّ الدّين، الحروف مندرج بين جزئىّ آخره بالتّمام و بآخره يبنى
ص: 83
حروف كلّ كلام و السّلام خير ختام.
السيد الفاضل المتكلم الحكيم رفيع الدين محمد بن السيد حيدر الحسنى الطباطبائى المشتهر بميرزا رفيعا النائينى(1)
نسبة له الى قصبة نائين على وزن جائين و هى من توابع دار السّلطنة اصفهان، و الواقعة على رأس عشرة فراسخ منها بتقريب اولى الأذهان، و تخمين أرباب البصيرة من- البلدان.
كان قدّس اللّه تعالى سرّه السرىّ، من أعاظم علماء دولة الشّاه صفىّ الصّفوى الموسوىّ، و كتب باسمه السّامى كتابه الموسوم «بالشّجرة الالهية» و هى فى مراتب أصول العقائد باللّغة الفارسيّة، مورّخة سنة سبع و أربعين بعد ألف هجريّة.
و له أيضا كتب غير ذلك مبتكرة منها رسالة فاخرة سمّاها «الثّمرة» فى تلخيص ذلك الكتاب المسمّى «بالشّجرة» و رسالة اخرى فى «التّشكيك» و حواشى كثيرة على مختلف مولانا العلّامة و شرحه المشهور على اصول «الكافى»، و إن لم يبلغ تمامه و هو رحمه اللّه من جملة مشايخ سميّنا المجلسىّ أعلى اللّه تعالى مقامه، و توفّى باصبهان فى سابع شوّال سنة ثمانين و قيل اثنتين و ثمانين بعد الألف من الهجرة، و هو فى سنّ خمس و ثمانين سنة، و دفن فى مزارها الكبير المعروف بتخت فولاد، و قيل بأرض بابا ركن الدّين الفارسىّ من المزار المذكور، و بنى بأمر الشّاه سليمان الصّفوى على مرقده الشّريف قبّة عالية هى إلى الآن باقية.
ثمّ ليعلم إنّ هذا الرّجل غير المولى رفيع الدين محمد بن المولى فتح اللّه المشتهر
ص: 84
بالواعظ القزوينى الّذى قال فى حقّه صاحب «الأمل»: فاضل عالم شاعر مجيد من تلامذة مولانا الخليل القزوينى واعظ بقزوين له كتاب «ابواب الجنان» بالفارسيّة لم يؤلّف مثله، و له ديوان شعر توفّى فى شهر رمضان سنة تسع و ثمانين و الف انتهى.
و كتاب مواعظه المذكور معروف مشهور فى مجلّدتين كبيرتين متضمن لأغلب عناوين المواعظ و فنون الأخلاق بعبارات رائقة إنشائيّة، و بينات فائقة انتشائيّة، و ظنّى الآن إتّحاده مع رفيع الدّين الآخر الّذى هو صاحب الكتاب «الحملة الحيدريّة».
و له أيضا ولد فاضل ذكره صاحب «الأمل» بعنوان ميرزا محمّد شفيع بن رفيع الدّين محمّد الواعظ القزوينى، ثمّ قال: فاضل عالم زاهد صالح واعظ بعد أبيه بجامع قزوين، له «تتمّة ابواب الجنان» لأبيه من المعاصرين انتهى.
و لا يبعد كون المجلّد الثّانى منه أيضا من جملة مؤلّفات هذا الولد فليلاحظ، و له أيضا ولد آخر صاحب كتاب «الفصول التّسعين فى معالجات امراض اهل الدّين بأحاديث آل طه و يس».
الشيخ محمد بن على بن محمد الحرفوشى الحريرى العاملى الكركى الشامى(1)
كان فاضلا عالما أديبا باهرا محقّقا مدقّقا شاعرا أديبا منشئا حافظا أعرف أهل عصره بعلوم العربيّة، قرأ على السيّد نور الدّين علىّ بن علىّ بن الحسين الموسوى العاملىّ فى مكّة جملة من كتب الخاصّة و العامّة.
ص: 85
له كتب كثيرة الفوائد، منها كتاب «اللّئالى السنيّة فى شرح الاجروميّة» مجلّدان، و كتاب «مختلف النّحاة» لم يتمّ، و «شرح الزّبدة» و «شرح التّهذيب» فى النّحو و «شرح الصّمديّة» فى النّحو، و «شرح شرح القطر» للفاكهىّ «و شرح شرح الكافيجىّ» على قواعد الإعراب، و كتاب «طرائف النّظام و لطائف الإنسجام» فى محاسن الأشعار، و «شرح قواعد الشّهيد» و «رسالة الخال» و «ديوان شعره» و رسائل متعدّدة رأيته فى بلادنا مدّة، ثمّ سافر إلى اصفهان و لمّا توفّى رثيته بقصيدة طويلة منها:
أقم ماتما للمجد قد ذهب المجد
وحدّ بقلبى السّوء و الحزن و الوجد
و بانت عن الدّنيا المحاسن كلّها
و خال بهالون الضّحى فهو مسوّد
و سائلة ما الخطب راعك وقعة
و كادت له الشمّ الشّوامخ تنهدّ
و ما للبحار الزّاخرات تلاطمت
و أمواجها أيد و ساحلها خدّ
فقلت نعى النّاعى إلينا محمّدا
فداب أسىّ من نعيه الحجر الصّلد
مضى فائق الأوصاف مكمّل العلى
و من هو فى طرق السّرى العلم الفرد
و كذا ذكره صاحب «الأمل» ثمّ نقل عن صاحب «السّلافة» فقرأت طريفة أنشدها فى حقّ الرّجل، إلى أن قال: و مدحه بفقرات كثيرة، و ذكر انّه توفّى فى سنة تسع و خمسين و ألف، و نقل جملة من مؤلّفاته السّابقة؛ و نقل كثيرا من شعره منها قوله فى الشّيخ محمّد جواد الكاظمىّ:
جرى فى حلبة العلياء شوطا
بسعى ما عدا سنن السّواد
ص: 86
ففات السّابقين إلى المعالى
و ما هذا ببدع من جواد
إنتهى و ينسب إلى هذا الشّيخ الجليل انّه ادرك المعمّر المغربّى الملقّب بابن أبى الدّنيا و المسمّى بعلىّ بن عثمان بن الخطّاب بن مرّة بن مؤيّد الهمدانى اليمانى؛ الذى اشتهر انّه شربت ماء الحياة و هو ممّن أدرك صحبة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام و روى عنه الحديث، و شهد معه صفّين، و بعده الحسن بساباط المدائن، و الحسين بوادى كربلا، و روى أيضا عنهما و عن سائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام.
و ذكر انّه كان قد أدرك المعمّر المذكور فى بعض مساجد الشّام، و استجاز منه فأجازه رواية اصول الحديث و العربيّة و الكتب الأربعة.
و أقول أسند إليه أيضا السيّد نعمة اللّه الجزائرى «فى الأنوار النّعمانيّة» و حدّث عنه بواسطة الحرفوشى المذكور بخمس وسائط، فصدق أنّه يروي بسبع وسائط عن مولانا أمير المؤمنين (ع)، و هذا من غريب الأسناد و لا يدانى هذه الرّواية شى ء فى علوّ السّند غير حديث قاضى الجنّ الّذى نقله السيّد حسين بن السيّد حيدر الكركى العاملى المتقدّم ذكره الشّريف بأسناده الطّريف، عن المولى جلال الدوانّى، عن وسائط ثلاث آخرين عن أشرف الأنبياء و المرسلين صلى اللّه عليه و اله الطيّبين المنتجبين، و قد أوردنا الحديث بطوله ثمّة فى الحاشية منها فمن أراده فليراجعها.
و رأيت أيضا فى مجموعة إجازات هى من مؤلّفات ولد صاحب هذه التّرجمة المذكور هو أيضا فى كتاب «الأمل» بعنوان الشّيخ ابراهيم بن محمّد بن علىّ الحرفوشىّ العاملىّ الكركى، مع وصف أنّه كان فاضلا صالحا قرأ على أبيه و غيره و توفّى بطوس سنة ثمانين و ألف و حضرت جنازته إلي آخر رواية حديث قاضى الجنّ بهذه الكيفيّة، حدّثنا المولى الفاضل الجليل مولانا تاج الدّين حسن الأصفهانى الفلاورجانّى يريد به والد شيخنا الفاضل الهندىّ الّذى هو فى الأصل اصفهانىّ لنجانّى، قال حدّثنا المولى المحقّق مولانا خواجه جمال الدّين محمود السّدادى السلمانّى، قال حدّثنا المولى العلّامة جلال الدّين بن أسعد الدّوانىّ الشّيرازى، و أخبرنى السيّد السّند الفقيه الصدر السّعيد
ص: 87
الشّاه أبو الولىّ بن السيّد المحقّق الشّاه محمود الحسنى الشّيرازى قال اخبرنى المولى المحقق مولانا جمال الدين محمود، قال: أخبرنى العلّامة الدّوانى، و أخبرنى أيضا المولى المحقّق المدقّق الشّيخ المنصور المشتهر براست گو شارح «تهذيب الوصول إلى علم الاصول عن واحد عن المولى العلّامة الدّوانى، قال اخبرنى مشافهة السيّد الأنام حقيقة الأئمة الأعلام السيّد صفىّ الدّين بن عبد الرّحمان الحسينى الإيجىّ حديث الجنّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله من تزيى بغير زيّه فقتل فلاقود ولادية، و صلّى اللّه على سيّدنا محمّد و آله الأطهار و الحمد للّه رب العالمين
السيد الواعظ و الايد الحافظ محمد بن محمد بن حسن بن قاسم الحسينى العاملى العيناثى الجزينى(1)
صاحب كتاب «الإثنى عشريّة فى المواعظ العدديّة» كانت امّ امه بنت شيخنا الشّهيد الثّانى كما ذكره شيخنا الحرّ العاملىّ و يستفاد من كتابه المذكور كونه متبحرّا جامعا، و متتّبعا بارعا، و متديّنا صالحا، متعبّدا سابحا، و فقيها عرفانيا، و حكيما إيمانيا، و شاعرا عفيفا، و أديبا عريفا، و قد رتّب كتابه المذكور على اثنتى عشر بابا، أوّلها فى الأحاديّات من النّبويّات المأثورة برواية الخاصّة؛ ثمّ برواية العامّة، ثمّ فى العلويّات من روايتهما، ثمّ فى المرويّات عن ساير الأئمة عليهم السلام؛ ثمّ فى المأثورات لما هو من هذا القبيل من كلمات الحكمآء و العارفين، و إفادات أكابر أهل الدّنيا و الدّين، و ثانيها فى الثّنائيّات المنقولة عن كلّ أولئك على هذا التّرتيب، و هكذا إلى تمام عدد الإثنى عشر، و فيه فوائد جمّة، و خزائن من العلم و الحكمة، قلّ ما يوجد نظيرها فى أساطين الاوّلين و الآخرين، أو ينشر نسيمها فى بساتين الكابرين و الصّاغرين، منها قوله عند عدّه لفوائد الأنزواء و الأنهواء و محامد العزلة عن أهالى الأهواء، و بالجملة فالعزلة بركتها معلومة فى الوجدان لا ينكرها إلّا من ضعف يقينه و عدم توكلّه، فرّ بما
ص: 88
زيّن له الشّيطان الخلطة و أمره بالمعاشره لكل من يتوقّع أن يعطيه شيئا من الدّنيا ليصرفه على شهوات نفسه، و ربّما كان ذو صنعة فيترك صنعته و كسبه أو يكون من أهل البطالة و التعطيل و لم يكن من العلماء العاملين، فيرمى كلّه على المسلمين، فينبغى لمثل هذا أن ينظر إلى ما روى عن رسول ربّ العالمين صلى اللّه عليه و اله، فانّه قال إنّ اللّه تعالى قد تكفّل لطالب العلم برزقه خاصّة عمّا ضمنه لغيره بمعنى انّ غيره يحتاج إلى السّعى على الرّزق بكسب من الصّناعات او التّجارات أو غير ذلك، ما عدى الطمع فى أموال النّاس حتّى يحصل غالبا، و طالب العلم لا يكلّفه بذلك، بل بطلب العلم و كفاه مؤنّة الرّزق ان اخلص النيّة و أخلص العزيمة، و عندى فى ذلك من بركة التّوكّل عليه و كثرة نعمه علىّ ما لو جمعته بلغ ما لا يعلمه إلّا اللّه تعالى من حسن صنع اللّه بى و جميل إحسانه إلى، و جزيل امتنانه لدىّ منذ اشتغلت بطلب العلم، و هو مبادى عشر الأربعين بعد الألف إلى يومى هذا، و هو منتصف شهر صفر سنة سبع و ستّين و ألف و بالجملة فليس الخبر كالعيان إلى آخر ما منحه من البيان، و قد فرغ رحمه اللّه من تأليف كتابه المذكور يوم السّبت التّاسع من رجب ثمان و ستين بعد الألف من الهجرة المطهّرة فى المشهد المقدّس الرّضوى على مشرّفه السّلام.
و له أيضا من المؤلّفات كتاب «حدائق الأبرار و حقائق الأخبار» فرغ منه سنة إحدى و ثمانين، و كتاب «ادب النّفس» و كتاب «المنظوم الفصيح و المنثور الصّحيح» و كتاب فى «فوائد العلماء» و آخر فى «فوائد الحكماء» و قد أورد صاحب «الأمل» من جملة أشعاره الرّائقة قوله:
و يحك يا نفس دعى
ما عشت ذلّ الطّمع
و ارضي بما جرى به
حكم القضاء و اقتنعي
إيّاك و الميل إلى
شيطانك المبتدع
و اقتصدى و اقتصرى
كى ترتوى و تشبعى
أين السّلاطين الاولى
من حمير و تبّع
ص: 89
شادوا الحصون فو
ق كلّ شاهق مرتفع
لم يبق من ديارهم
غير رسوم خشّع
كفا بذاك واعظا
و زاجرا لمن يعي
حسبك يا نفس اقبلى
نصحي و لا تضيّعى
ثمّ إنّ العيناثّى الّذى هو بكسر العين المهملة و الياء المتأخّرة و النّون و الألف قبل الثّاء المثلّثة اسم قرية من قرى جبل عامل من ديار الشّام، كما انّه نسبة هذا السيّد المكرّم تكون نسبة رجل آخر من علماء الشّيعة، من جملة معاصرى زمانه و مشاركى درجته و شأنه، و هو سميّه الشّيخ محمّد بن الحسام العاملىّ العيناثى الّذى يروي عن أبيه، عن عمّه جعفر بن الحسام عن السيّد حسن بن أيّوب الحسينى عن الشّهيد و كانّ هذا الشّيخ جدّ الشّيخ حسين بن الحسن بن يونس بن محمّد الشّهير بظهير الدّين بن الحسام العاملى العيناثى صاحب كتاب «منتخب الأخبار» المعتبرة الواردة عن الأئمّه الأطهار البررة؛ فى السّنن و الآداب و الدّعوات؛ و شى ء يسير من الواجبات، و هو الّذى ذكر فى حقّه صاحب «الأمل» انّه كان عالما ثقة فقيها قرأ عنده اكثر فضلاء المعاصرين، و أكثر تلامذته صاروا علماء ببركة أنفاسه قرأت عنده جملة من كتب العربيّة و الفقه و غيرهما من الفنون، و ممّا قرأت عنده أكثر كتاب «المختلف» و ألّف رسائل متعدّدة و كتابا فى الحديث، و كتابا فى العبادات و الدّعاء، و هو أوّل من أجازنى، و كان ساكنا فى جميع و مات بها و فى «الأمل» أيضا ذكر رجل آخر من بنى الحسام العيناثيين، يدعي الحسن بن علىّ بن الحسن بن يونس و انّه سكن النّجف الأشرف ثمّ مات فى اصفهان.
ص: 90
السيد ميرزا محمد بن السيد شرف الدين على بن السيد نعمة اللّه الحسينى موسوى المشتهر بالسيد ميرزا الجزائرى(1)
صاحب كتاب «جوامع الكلم» فى الجمع بين كتب أحاديث الشيعة من اوّل ابواب الأصول إلى آخر كتاب الحجّ من أبواب الفروع على طريق التّمييز بالتّنقيح بين الصّحيح و غير الصّحيح من الحواشى الكثيرة و البيانات الوافية، قال صاحب «امل الأمل» بعد ذكره بعنوان السيّد ميرزا محمّد بن شرف الحسينى الجزائرى كان من فضلاء المعاصرين عالما فقيها محدّثا حافظا عابدا من تلامذة الشّيخ محمّد بن خاتون العاملى ساكن حيدرآباد؛ له كتاب كبير في الحديث، جمع فيه أحاديث الكتب الاربعة و غيرها نروى عنه انتهى.
و من جملة من يروي عنه أيضا هو الشّيخ أبو محمّد أحمد بن اسماعيل الجزائرى الأصل الغروىّ المسكن و الخاتمة صاحب كتاب «آيات الأحكام» و غيره من الكتب و الرّسائل.
و منهم السيّد نعمة اللّه الجزائرى المتبحّر المشهور، و قد ذكر فى كتابه «المقامات» انّ شيخه المذكور منكر لوجود المكروه فى أحكام الشّريعة، بل الورود شى ء من المناهى على هذا الوجه، زعما منه أنّ النّهى يفيد التّحريم مطلقا، ثمّ قال:
و هو غريب لورود الأخبار بخلافه فلا يسمع، و هذا مع انّه ارتكب لنفسه قبيل هذه النّسبة العجيبة ما هو أكثر منه غرابة و اظهر شناعة، فقال فى الحقيقة بما قاله الكعبّى العامىّ من انتفاء المباح رأسا و انحصار الأحكام فى الأربعة، حيث أنّه قال فى ذيل تفسير قول النّبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فى وصيّة أبى ذرّ المشهورة، و ليكن لك فى كلّ فعل من افعال لك
ص: 91
نيّة؛ و إذا امعنت النّظر فى المباحات وجدتها دائرة بين الواجب و المستحب و المكروه و الحرام، فذلك النّوم مثلا إن كان لحفظ البدن المتحلّل كان واجبا، و إن كان يزيد عليه لأجل زيادة النّشاط فى الطّاعات و الأعمال كان مستحبا، و إن زاد عليه كنوم البّطالين كان مكروها لخلوّه من الطّاعات، و إن اشتمل على ترك واجب كان حراما، فاين المباح و للمستحب درجات و للمكروه مراتب، فمن ثمّ ظنّ أن فى درجاتها المباح إلى أن قال: و امّا تمثيلهم للمباح من الأمر بقوله تعالى و إذا حللتم فاصطادوا و هو غير مسلم، لأنّ من اصطاد بعد الإحرام ممتثلا هذا الأمر قاصدا إلى الإتيان بمضمونه يكون فعله طاعة للأمر فيثاب عليه كغيره من الطّاعات، نعم إذا تلبّس به من غير مقارنة النيّة لا يثاب عليه، و يكون فعله حينئذ مكروها، لانّه مندوب إلى أن يكون أفعاله كلّها طاعات.
ثمّ قال و لم نر من تنبّه لهذا التّحقيق سوى السيّد العلّامة جمال الدّين علىّ بن طاوس رحمه اللّه فى كتاب «سعد السّعود» إلى آخر ما فصّله ثمّ قال فى آخر ذلك كلّه لا نستوحش من سلوك هذا الطّريق لقلّة المصاحب، نعم إن كان استيحاش فهو من السّبيل الّذى ذهب إليه شيخنا صاحب «جوامع الكلم» انتهى.
و فيه ما لا يخفى من النّظر من جهات شتّى، و أمّا رواية هذا السيّد الجليل فهى أيضا عن جماعة منهم: الده الجليل المبرور شرف الدّين علىّ الّذى يروي عن الشّيخ عبد النّبى الجزائرىّ صاحب كتاب «الحاوى فى الرّجال» و عن السيّد الأمير فيض اللّه التّفرشىّ المتّصل سنده بصاحب «المعالم» و غيره، و عن السيّد الميرزا محمّد الأسترابادىّ الرّجالى المشهور المتقدّم ذكره قريبا كما استفيد لنا من بعض كتب الإجازات فليلاحظ إنشاء اللّه.
ص: 92
المولى ميرزا محمد بن الحسن الشروانى(1)
السّاكن باصفهان المحمية صاحب حاشيتى أصول المعالم بالعربية و الفارسيّة، كان من أفاضل أواخر دولة السّلاطين الصفويّة، و المخصوص بالعنايات الخاصّة السّلطانيّة السليمانيّة، ماهرا فى الأصولين و المنطق و الطّبيعى و الفقه و الحديث و غيرها، واحدا فى قوّة الجدل و المناظرة و الغلبة على رؤساء قافلة سلوكها و سيرها أخذ غالب مراتب المذكورة من مضامير المجالس، أو مزامير الأفواه، لا مضامين الصّحف، مثل غالب الطّلبة القاصرين عن البلوغ إلى الحقايق و الأكناه.
و له مصنّفات جمّة سوى ما نبّه عليهما فى صدر التّرجمة، منها «شرحه على شرايع المحقق» من بحث مسقطات القضاء إلى ما ينيف على عشرة آلاف بيت من المهمّات لقواعد الاستدلال و الإفتاء، و منها كتابه الكبير فى خصوص مسائل الشكيّات فيما يزيد على خمسة آلاف من الأبيات، و كتاب آخر مختصر من ذلك الكتاب و تعليقاته الطّريفة على كثير من كتب المخالفين و الاصحاب، مثل حاشيته الشّريفة على «شرح التّجريد» للمحقق القوشجى، و حاشية اللّطيفة على الحاشية القديمة للمحقّق الدّوانى، و حاشية على حاشية الفاضل الخفرىّ عليه، و أخرى على «شرح المطالع»، و أخرى على «شرح المختصر» للعضدى، و أخرى على «حكمة العين» و أخرى على شبهة الإستلزم كبيرة و كتابه الموسوم «بانموزج العلوم» و رسالة فارسيّة فى التّوحيد و النبوّة و الإمامة، و أخرى فى صدق كلام اللّه، و اخرى فى تحقيق التخلّف عن جيش اسامة، و أخرى فى الاستدلال بآية انّ الابرار لقى نعيم على عصمة أهل البيت عليهم السّلام و اخرى فى معنى البداء و
ص: 93
و اخرى فى مسألة الإختيار و اخرى فى كائنات الجوّ و اخرى فى الإحباط و التّكفير و اخرى فى تحقيق اختلاف الأذهان فى النّظرى و الضرورىّ، و اخرى فى الهندسة مشتملة على سبعة عشر اشكالا، و اخرى فى السّالبة المعدولة و الموجبة المعدولة، و اخرى فى غسل الميّت و صلاته، و اخرى في شرح كلام العلّامة فى القواعد: كل من عليه طهارة واجبة ينوى الوجوب، و اخرى فى شرح قوله و لو اشترى عبد بجارية، و اخرى فى جواب مسألة الصّيد و الذّبايح فارسيّة، و أخرى فى تفسير رواية من كمه أعمى، و اخرى فى حل حديث ستّة أشياء ليس للعباد فيها صنع، و أخرى فى الجواب عن مسائل متفرقّة منها انّ الجنّة هل لها نفس سائلة أم لا، و منها عن التقليد و الفتوى، و منها عن وجه التّأكيد فى الحبرة العبريّة، و منها عن زكوة الغلّات و الخمس و غيرهما، و منها عن نيّة الوجه و منها عن مسألة الحبوة إلى غير ذلك من الحواشى و الرّسائل و أجوبة المسائل.
و ذكر صاحب «رياض العلماء» ان الشّاه سليمان الصّفوى أنار اللّه برهانه لمّا طلب هذا الجناب من أرض النجف الأشرف إلى بلدة اصفهان، و توطّن فيها بأمره العالى، غيّر فواتح جملة من مصنّفاته و جعلها باسم السّلطان المذكور، و نقل أيضا من غاية مهارته فى علم الجدل أنّه حضر يوما صلاة جنازة امرأة، فاتّقق انّه قال فى الدّعاء على تلك الإمرأة و أنت خير منزول بها، فأورد عليه بعض المستمعين بأنّ الضّمير هنا راجع إلى الّذى نزلت به الميتة، و المراد به هنا ذات الأحديّة جلّ جلاله، فكتب من غيظ نفسه رسالة فى تصحيح هذه المقالة، و إرجاع الضمير فيها إلى نفس الميتة، مع انّه غير ممكن التّوجيه حقيقة فليتدبّر جدّا.
و قد تقدّم فى ترجمة المحقّق الاقا حسين الخوانسارىّ قدّس سرّه، إشارة إلى بعض أحوال هذا الرّجل، و إنّ صاحب الرّياض المستفيد من بركات أنفاسهما و أنفاس كثير من فضلاء تلك الطّبّقة، يعبّر عنه باستادنا العلّامة و عن الحقّق المذكور باستادنا المحقّق، و عن سميّنا العلّامة السبزوارى باستادنا الفادل و عن سميّنا العلّامة المجلسّى بالأستادنا الإستناد، و منه
ص: 94
أيضا يستفاد كون الرّجل أوسع علما من سائر الأربعة فليتفطّن و قال فى صفته الشّيخ الصفّى الحسن بن عبّاس البلاغى النّجفى فى كتابه الموسوم «بتنقيح المقال» فى توضيح الرّجال:
شيخى و أستادى و من عليه فى علمى الأصول و الفروع استنادى افضل المتأخّرين و اكمل المتبحّرين بل آية اللّه فى العالمين قدوة المحقّقين، و سلطان الحكماء و المتكلّمين إلى أن قال: و أمره فى الثّقة و الجلالة أكثر من أن يذكر و فوق أن يحوم حوله العبارة، لم أجد أحدا يواريه فى الفضل و شدّة الحفظ و نقاية الكلام، فلعمرى أنّه وحيد عصره و فريد دهره:
هيهات أن ياتى الزّمان بمثله
انّ الزمان بمثله لبخيل
له تلاميذ فضلاء أجلاء علماء، و له تصانيف حسنة نقيّة جيّدة لم ير عين الزّمان مثلها، منها كتاب «انموزج العلوم» و حاشية على شرح مختصر الأصول و غير ذلك، فلعمرى قد حقّق فيها تحقيقات جلّيلة، و دقّق فيها تدقيقات جميلة، جزاه اللّه أفضل جزاء المحسنين انتهى.
و ذكر بعض حفدة المجلسيّين فى كتاب وضعه لترجمة سلسلتهم العليّة، و من تعلّق بهم نسبا و سببا من العلماء و الفضلاء، فقال عند بلوغه إلى ذكر هذا الرّجل: انّه من جملة الأصهار الأربعة المشهورين لمولانا الأفضل الأكمل الملقّب بالمجلسىّ الاوّل، و كانت بنته فى بيته، فرزق منها ولده المولى الفاضل المشتهر بالمولى حيدر علىّ بن المولى ميرزا أحد الأصهار للمجلسىّ الثّانى على ابنه الّتى كانت له رحمه اللّه من أخت أبى طالب خان النّهاوندىّ دون من كان له من أخت الميرزا علاء الدّين الشّهير بگلستانه، شارح كتاب «نهج البلاغة».
هذا، و من جملة تلاميذ حضرته المقدّسة أيضا هو المولى محمّد اكمل الإصفهانى الّذى هو والد سميّنا المروّج البهبهانىّ، و منهم الأمير محمّد صالح الحسينى الخاتون آبادىّ ختن سمّينا العلّامة المجلسىّ، و هو يروي عن مولانا المجلسىّ الأوّل و توفّى فى عين سنة وفاة المحقّق الخوانسارىّ، و هي عام تسعة و تسعين بعد الألف من الهجرة
ص: 95
المباركة و نقل إلى المشهد الرّضوى و دفن هناك فى سرداب المدرسة المعروف بمدرسة ميرزا جعفر، و لوح مرقده من الرّخام الأبيض مكتوب عليه بعد عدّ فضائله الباهرة و انّه كان حجّة اللّه على المتأخّرين آية اللّه في العالمين، أعلم علماء زمانه و أفضل فضلاء عصره و أوانه، الّذى حقيق أن يقال فيه:
نساء حىّ العلي عن مثله عقمت
و ان لم يكن جلّ ولد المجد اخوانا
هذا و قد سبق الكلام منّا على ترجمة شروان الّذى هو من اقاصى بلاد محروسة ايران، و هو الآن فى تصرّف الروسية الملعونة فى ذيل ترجمة القاضى أحمد بن علىّ المعروف بابن سيمكة الشّروانّى و نزيدك هنا أنّ ضبط هذه اللفظة بكسر الشين المعجمة و سكون الراء المهملة، من غير توسّط ياء بينهما، و من نطقها بالياء فكأنّه اشتباه منه بشيروان، بفتح الرّاء على وزن إيروان، و هى كما فى «القاموس» قرية ببخارا و فى «القاموس» ايضا انّ اليزيديّة اسم مدينة شروان فليلاحظ.
الشيخ المحدث الفقيه، و العين المقدس الوجيه، محمد بن الحسن بن على بن محمد المعروف بشيخنا الحر العاملى الاخبارى(1)
هو صاحب كتاب «وسائل الشّيعة» و أحد المحمّدين الثّلاثة المتأخّرين الجامعين لأحاديث هذه الشّريعة، و مؤلّف كتب و رسائل كثيرة اخرى فى مراتب جليلة شتّى، منها كتاب «امل الآمل» الّذى وضعه لتذكرة أحوال علماء جبل عامل، ثمّ بالتّبع
ص: 96
لغير أولئك من المتأخّرين عن زمن شيخنا الطّوسى، و إن كان بكلا قسميه غير واف بما يتوقّعة الطّالب من التّفصيل لشرح مراتبهم العالية، و هو الّذى قد استوفينا النّقل فى تضاعيف هذه العجالة، و إن اكتفينا فيه بغير ما يوجب للسّامعين السّابة و الملالة، و لمّا كان من جملة من تعرّض فيه لذكره المنيف هو نفسه الشّريف، فالأحسن لنا أيضا أن نبدأ هنا بما ذكره ثمّة من بنائه الطّريف، و هو قوله فى القسم الاوّل من الكتاب الموصوف، عند بلوغه إلى مقام محمّد بن الحسن على ترتيب الحروف: محمّد بن الحسن ابن علىّ بن محمّد بن الحسين الحرّ العاملىّ المشغرىّ، مؤلّف هذا الكتاب، كان مولده فى قرية مشغر ليلة الجمعة ثامن رجب سنة ثلاث و ثلاثين بعد الألف قرأ بها على أبيه و عمّه الشّيخ محمّد الحرّ و جدّه لأمّه الشّيخ عبد السّلام بن محمّد الحرّ، و خال أبيه الشّيخ علىّ بن محمود و غيرهم، و قرأ فى قرية جمع على عمّه أيضا، و على الشّيخ زين الدّين بن محمّد بن الحسن بن زين الدّين، و على الشّيخ حسين الظّهيرى و غيرهم.
و أقام في البلاد أربعين سنة و حجّ فيها مرّتين، ثمّ سافر إلى العراق فزار الأئمّة عليهم السّلام، ثمّ زار الرّضا عليه السّلام بطوس و اتّفق مجاورته بها إلى هذا الوقت مدّة أربع و عشرين سنة؛ حجّ فيها أيضا مرّتين، و زار ائمّة العراق عليهم السلام أيضا مرّتين.
له كتب منها كتاب «الجواهر السنيّة فى الأحاديث القدسيّة» و هو أوّل ما ألّفه و لم يجمعها أحد قبله، و «الصّحيفة الثّانية» من أدعية علىّ بن الحسين عليهما السلام الخارجة عن «الصّحيفة الكاملة».
و كتاب «تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشّريعة» ستّ مجلّدات يشتمل على جميع أحاديث الأحكام الشّرعية الموجودة فى الكتب الأربعة و سائر الكتب المعتمدة أكثر من سبعين كتابا؛ و ذكر الأسانيد و أسماء الكتب و حسن التّرتيب و ذكر
ص: 97
وجوه الجمع مع الإختصار، و كون كلّ مسألة لها باب على حدة بقدر الإمكان.
و كتاب «هداية الامّة إلى احكام الائمّة» ثلاث مجلّدات صغيرة منتخبة من ذلك الكتاب مع حذف الأسناد و المكرّرات، و كون كلّ مطلب منه اثنى عشر من أوّل الفقه إلى آخره.
و كتاب «فهرست وسائل الشّيعة» يشتمل على عنوان الأبواب و عدد أحاديث كلّ باب و مضمون الأحاديث؛ مجلّد واحد، و لاشتماله على جميع ما روي من فتاويهم عليهم السّلام سمّاه كتاب «من لا يحضره الإمام» و كتاب «الفوائد الطّوسيّة» خرج منه مجلّد يشتمل على مأة فائدة فى مطالب متفرّقة.
و كتاب «إثبات الهداة بالنّصوص و المعجزات» مجلّدان، يشتمل على أكثر من عشرين ألف حديث، و أسانيد تقارب سبعين ألف سند، منقولة من جميع كتب الخاصّة و العامّة، مع حسن التّرتيب و التّهذيب و اجتناب التّكرار بحسب الإمكان و التّصريح بأسماء الكتب، و كلّ باب فيه فصول فى كلّ فصل أحاديث كتاب يناسب ذلك الباب، نقل فيه من مأة و اثنين و أربعين كتابا من كتب الخاصّة، و من أربعة و عشرين كتابا من كتب العامّة، إلى أن قال: و له هذا الكتاب و هو كتاب «امل الآمل فى علماء جبل عامل» و فيه أسماء علمائنا المتأخّرين أيضا.
و له رسالة فى الرجعة سمّاها «الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرّجعة» و فيها إثنا عشر بابا تشتمل على أكثر من ستّمأة حديث و أربع و ستّين آية من القرآن، و أدلّة كثيرة و عبارات المتقدّمين و المتأخّرين، و جواب الشّبهات و غير ذلك.
و رسالة فى الردّ على الصّوفيّة يشتمل على اثنى عشر بابا و إثني عشر فصلا فيها نحو ألف حديث فى الردّ عليهم عموما و خصوصا فى كلّ ما اختصّوا به.
و «رسالة فى خلق الكافر و ما يناسبه».
و رسالة فى تسمية المهدىّ عليه السّلام سمّاها «كشف التّعمية فى حكم التّسمية» و «رسالة الجمعة» فى جواب من ردّ أدّلة الشّهيد الثّانى فى رسالته فى الجمعة، و رسالة الإجماع
ص: 98
سمّاها «نزهة الأسماع فى حكم الإجماع» و «رسالة تواتر القرآن» و «رسالة الرّجال» و «رسالة أحوال الصّحابة» و «رسالة فى تنزيه المعصوم عن السّهو و النّسيان» و «رسالة فى الواجبات و المحرّمات المنصوصة» من أوّل الفقه إلى آخره فى نهاية الإختصار سمّاها «بداية الهداية» و قال فى آخرها فصارت الواجبات ألفا و خمسمأة و خمسة و ثلاثين و المحرّمات ألفا و أربعمأة و ثمانية و أربعين.
و كتاب «الفصول المهمّة فى اصول الأئمّة» تشتمل على القواعد الكليّة المنصوصة فى اصول الدّين و اصول الفقه و فروع الفقه و فى الطّب و نوادر الكليّات، فيه أكثر من ألف باب يفتح كلّ باب ألف باب.
و له كتاب العربيّة العلويّة و اللّغة المرويّة، و له إجازات متعدّدة للمعاصرين مطوّلات و مختصرات.
و له ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت أكثره في مدح النّبىّ و الائمّة عليهم السلام و فيه منظومة فى المواريث، و منظومة فى الزّكاة، و منظومة فى الهندسة، و منظومة فى تاريخ النّبى و الائمّة عليهم السلام، و فى كتاب «الفوائد الطّوسيّة» أيضا رسائل متعدّدة نحو عشرة يحسن إفراد كلّ واحد منها، و فى العزم إن مدّ اللّه فى الأجل تأليف شرح كتاب وسائل الشّيعة ثمّ إلى أن قال: و قد ذكر اسمه السيّد علىّ بن ميرزا احمد- يريد به السيّد عليخان المشهور شارح الصّحيفة الكاملة غفر له- فى «سلافة العصر» فقال عند ذكره: علم علم لا تباريه الأعلام، و هضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام، أرجت أنفاس فوائده أرجاء الأقطار، و أحيت كلّ أرض نزلت بها فكانّها لبقاع الأرض أمطار، تصانيفه فى جبهات الايّام غرر، و كلماته فى عقود السّطور درر، و هو الآن قاطن ببلاد العجم، ينشد لسان حاله:
أنا ابن الّذى لم يحزنى فى حياته، و لم أخزه لمّا تغيب فى الرّجم.
يحيى بفضله مآثر أسلافه و ينشئ مصطحبا و مقتبقا برحيق الادب و سلافه
ص: 99
و له شعر مستعد الجنا بديع المجتلى و المجتنى، و لا يحضرنى الآن غير قوله ناظما لمعنى الحديث القدسىّ:
فضل الفتى بالبذل و الإحسان
و الجود خير الوصف للإنسان
أو ليس إبراهيم لمّا أصبحت
أمواله وقفا على الضّيفان
حتّى إذا أفنى اللّها أخذ ابنه
فسخا به للّذبح و القربان
ثمّ اتبغى النّمرود إحراقا له
فسخا بمهجته على النّيران
بالمال جاد و بابنه و بنفسه
و بقلبه للواحد الدّيّان
أضحى خليل اللّه جلّ جلاله
ناهيك فضلا خلّه الرّحمان
صحّ الحديث به فيالك رتبة
تعلو بأخمصها على التّيجان
و هذا الحديث رواه أبو الحسن المسعودىّ فى كتاب «أخبار الزّمان» و قال: انّ اللّه أوحى إلى إبراهيم عليه السّلام: انّك لمّا سلّمت مالك للّضيفان و ولدك للقربان، و نفسك للنّيران، و قلبك للرّحمان، اتّخذناك خليلا، ثمّ قال رحمه اللّه انتهى ما ذكره صاحب «سلافة العصر».
و قد أفرط فى المدح فى غير محلّه، و لا بأس بذكر شى ء من الشّعر المذكور فى ذلك الدّيوان، فمنه قوله من قصيدة تزيد على أربع مأة بيت فى مدح النّبىّ و الائمّة عليهم السلام:
كيف يحطى بمجدك الأوصياء
و به توسّل الأنبياء
ما لخلق سوى النّبى و سبطيه
السّعيدين هذه العلياء
فبكم آدم استغاث و قد
مسته بعد المسرّة الضرّاء
و قوله من القصيدة المحبوكات الطّرفين فى مدحهم عليهم السلام من قافية الهمزة:
أغير أمير المؤمنين الّذى به
تجمع شمل الدّين بعد ثناء
أبانت به الأيّام كلّ عجيبة
فنيران بأس في بحور عطاء
و هي تسع و عشرون قصيدة: و قوله من قصيدة محبوكة الأطراف الأربعة
ص: 100
فان تخف فى الوصف من إسراف
فلذ بمدح السّادة الأشراف
فخر لهاشمى أو منافي
فضلهم على الأنام واف
فعلمهم للجهل شاف كافى
فضل سما مراتب الالاف
فاقوا الورى منتعلا و حافى
فضلا به العدّ و ذو اعتراف
فهاكه محبوكة الأطراف
فن غريب ما قفاه قاف
إلى أن قال و قوله من قصيدة ثمانين بيتا خالية من الألف فى مدحهم عليهم السلام
ولييّ علىّ حيث كنت وليّه
و مخلصه بل عبد عبد لعبده
لعمرك قلبى مغرم بمحبتى
له طول عمرى ثمّ بعد لولده
و هم مهجتى هم منيتى هم ذخيرتى
و قلبى بحبهم مصيب لرشده
و كلّ كبير منهم شمس منير
و كلّ صغير منهم شمس مهده
و كلّ كمى منهم ليث حربه
و كلّ كريم منهم غيث وهده
بذلت له جمهدى بمدح مهذّب
بليغ و مثلى حسبه بذل جهده
و كلفة فكرى حذف حرف مقدّم
على كلّ حرف عند مدحى لمجده
و قوله:
علمى و شعرى اقتتلا و اصطلحا
فخضع الشّعر لعلمى دائما
و العلم يابى أن أعدّ شاعرا
و الشّعر يرضى أن أعدّ عالما
و قوله:
حذار من فتنة الحسناء و ناظرها
و لا ترح بفؤاد منه مكلوم
فقبلها صخرة مع ضعف قوّتها
و طرفها ظالم فى زىّ مظلوم
ثمّ إلى أن قال: و قوله من قصيدة طويلة:
طالى ليلى و لم أجدلي على السّهد
معينا سوى اقتراح الأمانىّ
فكأنّى فى عرض تسعين لمّا
حلّت الشّمس أوّل الميزان
و قوله من اخرى:
غادة قد غدت لها حكمة ال
عين و أضحت عن غيرها فى انتفاء
ص: 101
بين الحاظها كتاب الأشا
رات و فى ريقها كتاب الشّفاء
إلى آخر ما ذكره من أشعاره الفاخرة.
و قد ذكره أيضا صاحب «اللّؤلؤة» فقال بعد عدّة من جملة مشايخ الشّيخ محمود بن عبد السّلام المعنى- بالتّجريد الاولى- البحرانّى شيخ رواية الشّيخ عبد اللّه بن علىّ البلادى الذى هو من جملة مشايخ نفسه، و نقله عبارة «الأمل» بتمامها إلى قوله رحمه اللّه و له ديوان شعر يقارب من عشرين ألف بيت أكثره فى مدح النبىّ و الأئمّة عليهم السّلام:
أقول: لا يخفى أنّه و أن كثرت تصانيفه قدّس سرّه كما ذكره إلّا انّها خالية عن التّحقيق و التحبير يحتاج الى تهذيب و تنقيح و تحرير كما لا يخفى على من راجعها، و كذا غيره ممن كثرت تعنيفه كالعلامة و غيره و لهذا انّ بعض متأخّرى أصحابنا رجحّ الشّهيد على العلّامة، و قال انّه أفضل لجودة تقريره و حسن تحبيره و كذا مصنّفات شيخنا الشّهيد الثّانى، فانّها مشتملة على مزيد التّحقيق و التّنقيح و التّقرير انتهى (1)
و أقول بل الخلوّ عن التّصرّف و التّحقيق و دقّة النّظر فى مقام فهم النّصوص و الجمع بين متناقضات الأخبار إنّما هى علّة توجد فى غالب من كان علي طريقة الأخباريّة، و هذا الرّجل منهم، كما أنّ الطّاعن عليه بمثل هذه الخصلة الموهنة أيضا منهم، و من الشّركاء معهم فى هذه الخصلة، كما أشرنا إليه في ذيل ترجمة صاحب «المدارك» و غيره من كلام صاحب «المطالع» و غيره، و من شواهد ما ادّعيناه أيضا من كون الطّاعن هنا و المطعون عليه جميعا من هذه الطائفة الحشويّة ألظّاهريّة، الملقّبة بالأخباريّة، هو ما ذكرناه من الفروق المتكثّرة بين المجتهد و الأخبارىّ فى الأصول و الفقه و الرّجال و غيرها، فى ذيل ترجمة المولى أمين الأسترابادى، نعم انّ من جملة مسلّميات المتأخّرين عن الرّجلين جميعا كونهما فى غاية سلامة النّفس و جلالة القدر، و مثانة الرّاى؛ و رزانة الطّبع، و البراءة من التّصلّب فى الطّريقة، و التّعصّب على غير الحقّ و الحقيقة و الملازمة فى الفقه و الفتوى لجادة المشهور من العلماء، و المرازمة للصّدق و التّقوى، فى مقام المعاملة
ص: 102
مع كلّ من هؤلاء و هؤلاء، و التّسمية لجماعة المجتهدين فى غاية التّعظيم و نهاية التّكريم و الموافقة لسبكهم السّليم، فى مناقضة الصّوفيّة الملاحدة بما لا ينام و لا ينيم.
و لذا قال مولانا صاحب «القوانين» الّذى هو من رؤساء الأصوليّين و المجتهدين، فى مقام بيان حدّ المجتهدين المعتبر ظنّه فى فروع الدّين و مرادنا من المجتهد هنا مقابل المقلّد و العامىّ-، لا المجتهد المصطلح الّذى هو مقابل الأخبارىّ، فانّ العالم الأخبارى أيضا مجتهد بهذا المعنى، إلى أن قال بعد طول كلام له فيما حقّقه هنا و قد ظهر ممّا ذكرنا صعوبة بيان القدر المجمع عليه من المجتهد المطلق، فانّ كلّا من الأخباريين و المجتهدين يغلّط صاحبه فى الطّريقة و القول باخراج الأخباريّين عن زمرة العلماء أيضا شطط من الكلام، فهل تجد من نفسك الرّخصة فى أن تقول مثل الشّيخ الفاضل المتبحّر الشّيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملىّ: ليس حقيقا لان يقلّد و لا يجوز الإستفتاء عنه، و لا يجوز له العمل برأيه. لأنّه أخبارىّ، أو يقال أنّ العلّامة على الإطلاق الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّى ليس أهلا لذلك، فظهر انّ المجمع عليه هو القدر المشترك الموجود فى ضمن أحد أفراده المبهم عندنا، و تعيينه ليس باجتهادنا و ظنّنا فاين المجمع عليه حتّى نتّكل عليه، فيبقى المجتهد بالاصطلاح المتأخّر و الأخبارى و المتجزّى كلّها داخلة تحت دليل جواز العمل بالظّنّ، إلى آخر ما ذكره من الكلام، و قد مرّ قدّس سرّه فى طريق سفره إلي المشهد المقدّس بأرض اصفهان، و لاقى بها كثيرا من علمائنا الأعيان، و من انسهم به صحبة و امسهم به أخوة فى تلك البلدة هو سمّينا العلّامة المجلسّى أعلى اللّه مقامه، و كان كلّ واحد منهما أيضا قد أجاز صاحبه هناك، حيث يقول صاحب التّرجمة فى بيان ذلك بعد تفصيله أسماء الكتب المعتمدة الّتى ينقل عنها فى كتاب «الوسائل» و نرويها أيضا عن المولى الأجل الأكمل الورع المدقّق مولانا محمّد باقر بن الأفضل الأكمل مولانا محمّد تقى المجلسى أيّده اللّه تعالى، و هو آخر من أجازنى و أجزت له عين أبيه و شيخه مولانا حسنعلىّ التّسترىّ، و المولى
ص: 103
الجليل ميرزا رفيع الدّين محمّد النّائينى، و الفاضل الصّالح شريف الدّين محمّد الرّويدشتى، كلّهم عن الشّيخ الأجل الأكمل بهاء الدّين محمّد العاملىّ إلى آخر ما ذكره من الاسناد، و ذكر سمّينا العلّامة أيضا نظيره فى مجلّد الإجازات من «البحار».
هذا و من جملة ما حكى أيضا من قوّة نفس صاحب التّرجمة عليه الرّحمة، أنّه ذهب فى بعض زمن إمامته باصفهان إلى عالى مجلس سلطان ذلك الزّمان الشّاه سليمان الصفوى الموسوى أنار اللّه برهانه، فدخل على تلك الحضرة المجلّلة من قبل أن يتحصّل له رخصة فى ذلك، و جلس على ناحية من المسند الّذى كان السّلطان متمكّنا عليه، فلمّا رأى السّلطان منه هذه الجسارة، و عرف بعد ما استعرف أنّه شيخ جليل من علماء العرب يدعى محمّد بن الحسن الحرّ العاملىّ، التفت إليه و قال له بالفارسيّة: شيحنا فرق ميان حروخر چقدر است؟ فقال له الشيخ رحمه اللّه بديهة و من غير تأمّل: يك مسند يك مسند و فيه ما لا يخفى من المباهتة و التّعريض و المعارضة مع الشّخص بلسان عريض.
ثمّ انّه لمّا بلغ إلى المشهد المقدّس و مضى على ذلك زمان أعطى منصب قضاء القضاة و شيخوخة الإسلام فى تلك الدّيار و صار بالتّدريج من أعاظم علمائها الأعيان و أركانها المشار إليهم بالبنان.
و نقل من غريب ما اتّفق فى بعض مجامع قضائه أنّه شهد لديه بعض طلبة العصر فى واقعة من الوقايع، فقيل له: انّ هذا الرّجل يقرء زبدة شيخنا البهائى فى الأصول فردّ رحمه اللّه شهادته من أجل ذلك.
ثمّ ليعلم انّ بيت بنى الحرّ فى علمائنا العاملين و العامليّين بيت كبير جليل خرج منه من أعاظم الفقهاء و المحدّثين.
منهم: الشّيخ حسن بن على بن محمد الحر العاملى المشغرى والد صاحب هذه التّرجمة قدّس اللّه تعالى روحه، و هو الّذى ذكره فى «الأمل» بهذه النّسب ثمّ قال فى صفة ماله من الفضل و الحسب: كان عالما فاضلا ماهرا صالحا أديبا فقيها ثقة حافظا عارفا
ص: 104
بفنون العربيّة و الفقه و الأدب، مرجوعا إليه فى الفقه، خصوصا المواريث، قرأت عليه جملة من كتب العربيّة و الفقه و غيرها، توفّى فى طريق المشهد فى خراسان و دفن فى المشهد سنة اثنين و ستين و ألف، و كان مولده سنة ألف سمعت خبر وفاته فى مني و كنت حججت فى تلك السّنة، و كانت الحجّة الثّانية، و رثيته بقصيدة طويلة:
و منهم جدّه الشّيخ على بن محمد الحر العاملى الّذى وصفه أيضا فى «الأمل» بالعلم و الفضل و العبادة و حسن الأخلاق و جلالة القدر و الشّأن و الشّعر و الأدب و الإنشاء ثمّ قال قرأ على الشّيخ حسن و السيّد محمّد و غيرهما، اروى عن والدى عنه، و له شعر لا يحضرنى الآن منه شى ء و توفّى بالنّجف مبسموما.
و منهم جدّ والده الشّيخ محمد بن الحسين الحر العاملى الذى قال فى «الأمل» أيضا فى حقّه كان أفضل أهل عصره فى الشّرعيّات، و كان ولده الشّيخ محمّد بن محمّد الحرّ العاملىّ أفضل أهل عصره فى العقليّات، تزوج الشّهيد الثانى بنته و قرأ عند الشّهيد الثّانى، و له منه إجازة.
و منهم عمّه الفاضل و شيخه الكامل الباذل الشّيخ محمد بن على بن محمد الحر العاملى ابن بنت الشّيخ حسن بن الشّهيد الثّانى و هو الّذى يذكره أيضا فى «الامل» بمثل هذا العنوان، ثمّ يقول و له كتاب سماه «الرحلة» فى ذكر ماتّفق له فى أسفاره، و حواش و تعليقات و فوائد و ديوان شعر كبير، و كان ولده الشّيخ حسن بن محمّد بن علىّ المذكور أيضا من جملة الفضلاء فى العربيّة و غيرها فليلاحظ.
ص: 105
العالم الربانى و الفاضل الصمدانى مولانا محمد بن عبد الفتاح التنكابنى المازندرانى (1)
المشتهر بسراب على وزن خراب، قدّس اللّه منه المضجع و المآب، كان من أفاضل تلامذة سميّنا الفاضل الخراسانىّ، ماهرا فى الفقه و الأصولين و علم المناظرة و غيرها.
و له من المصنّفات المشهورة كتابه الموسوم ب «سفينة النجاة» فى اصول الدّين و خصوصا الإمامة و كتابه الاخر الموسوم ب «ضياء القلوب» بالفارسيّة فى خصوص الإمامة و إثبات مذهب الحقّ فى فرق هذه الامة.
و رسائل متعدّدة فى فنون شتّى بالعربية و الفارسيّة منها: رسالته الفائقة الرائقة فى إثبات وجود الصّانع القديم، بالبرهان القاطع القويم و «رسالته فى عينيّة وجوب صلاة الجمعة، فى زمان الغيبة» و أخرى فى الردّ على رسالة المولى عبد اللّه التّونّى فى القول بالحرمة، و أخرى فى مسألتى الإجماع و خبر الواحد، و أخرى فى حكم رؤية الهلال قبل الزوال، و انّها هل يلحق اليوم بالشّهر السّابق أو اللّاحق، و منها تعليقاته الرفيعة على كتاب تفسير آيات الأحكام المقدّس الأردبيلى، و حواشيه المشهورة على أصول المعالم للشّيخ حسن بن شيخنا الشّهيد الثانى و حواشيه على كتاب مدارك الفقه، و حواشيه على ذخيرة المعاد لاستاده المحقّق السبزوارىّ، و على كتاب «شرح اللّمعة» و غير ذلك.
ص: 106
و يروي عنه بالإجازة جماعة منهم: الشّيخ زين الدّين بن عين علىّ الخوانسارى الرّاوى أيضا بالإجازة عن الفاضل الامير محمّد حسين الحسينى الخاتون آبادىّ ابن بنت سميّنا العلّامة المجلسىّ و منهم المولى محمّد شفيع اللّاهيجانى؛ و منهم ولداه الفاضلان المولى محمد صادق و المولى محمّد رضا، و عندنا صورة الإجازة بخطّه الشّريف لهؤلاء الثّلاثة على سبيل الاشتراك، و قد ذكر فيها رواية نفسه أوّلا عن المحقّق السبزوارى بحقّ روايته، عن السيّد نور الدّين عليّ بن ابى الحسن الموسوىّ العاملىّ الرّاوى عن أخويه الفقيهين من جهة الأمّ و الأب صاحبى «المعالم» و «المدارك» حسبما أشير إليه فى ذيل ترجمتهما أيضا، و بحقّ روايته أيضا عن الشّيخ يحيي بن الحسن اليزدىّ، و المولى مقصود بن زين العابدين الأسترابادىّ، و السيّد حسين بن السيّد حيدر الكركىّ؛ عن شيخهم الأجلّ الأفضل بهاء الدّين محمّد العاملى، ثمّ الأصفهانى، و ثانيا عن الشّيخ علىّ بن الشّيخ محمّد المشهدىّ المشهور بالشّيخ علىّ الصّغير، فى مقابل الشّيخ علىّ بن الشّيخ محمّد الشّهيديّ العاملىّ عن السيّد نور الدّين علىّ بن أبى الحسن الموسوىّ- المتقدّم ذكره الشّريف- و ثالثا عن العالم الرّبّانى مولانا محمّد على الاسترابادىّ والد المولى محمّد شفيع الّذى هو من تلامذة مولانا العلّامة المجلسى؛ عن شيخه الأفضل الأنبل مولانا محمّد تقى؛ و السيّد قاسم الرّجالى القهبائى، عن شيخنا البهائى، و رابعا عن مولانا و سميّنا العلّامة المجلسىّ رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين.
و امّا الإسناد إليه قدّس سرّه فلم أره إلى الآن فى كتب إجازات متأخّرينا الأعيان، إلّا من جهة جدّنا الأمجد سيّد المحققين فى زمانه السيّد حسين بن الفاضل المتبحّر النحرير الأمير أبى القاسم الموسوىّ الخوانسارى، أحد مشايخ إجازات مولانا الآقا محمّد علىّ بن الاقا محمّد باقر المروّج البهبهانىّ، و سيّدنا الأجلّ الأفقه الأفضل المرحوم السيّد محمد مهدىّ النّجفىّ الطّباطبائى المشتهر ببحر العلوم، و مولانا الآخر قدوة المحقّقين و المدقّقين الميرزا أبى القاسم القمى صاحب «القوانين» فانّ من جملة رواياته أعلى اللّه عند أجداده الطّاهرين مقاماته ما هو على المولى محمّد
ص: 107
صادق بن مولانا محمّد المشتهر بسراب، باجازة كتبها له و لأبيه المعظّم عليه زمن خروجه إلى زيارة بيت اللّه الحرام و نزوله على بيتهما المكرّم، فى نواحى قصبة خوانسار المحمية المتقدّم عليها الكلام.
هذا و من جملة ما ذكره لى بعض أحفاده الصّالحين و علمائنا المعاصرين، و فيه من الكرامة له ما لا يخفى: حكاية أنّه خرج فى بعض زمن عمره الرّقراق، إلى زيارة أئمّة العراق، عليهم سلام اللّه إلى ميعاد يوم التّلاق، فجعل يرى واحدا يمشى أمام راحلته متى ما يركب و يغيب عن النّظر فى المنزل، فسأل يوما بعض أهل القافلة عن حال ذلك الرّجل، فقيل له: انّما كلّما يأتي المنزل يأخذ منّا شيئا من الطّعام، ثمّ لا يبصره إلى او أن الرّحيل، فازداد جناب الآخند بذلك تعجّبا، و انتظر زمن التّحويل فى اللّيلة الآتية، فلمّا جاء الوقت رآه قد حضر و جعل يمشى بين يديه على سياقه السّابق، فاخذ جنابه فى هذه المرّة النّظر فى أطراف الرّجل و تأمّل فى كيفيّة مسيره، فظهر انّه يمشى على الهواء و لا يمس برجليه الأرض، فاوجس فى نفسه خيفة من عظم ما رآه، ثمّ طلب الرّجل و سأله عن حقيقة أمره، فقال: أنا رجل من الجنّ و كنت قد عاهدت اللّه تعالى لئن نجّانى اللّه من كربة عظيمة كان قد نزلت بى أخرج ماشيا إلى زيارة مولانا الحسين عليه السّلام فى موكب واحد من علماء الشّيعة، فلمّا سمعت بخبر خروجك إلى هذه الزّيارة اغتنمت الفرصة و الحقت نفسى بخدمتك و صحبتك كما ترى فسأله المولى عن واقعة ذلك الطّعام الّذى كان يأخذه من القافلة حين وروده على المنازل، مع انّه ليس باكله كصنع مشاكله، فقال أنا اخذه و ابذله لفقراء القافلة، فقال و اىّ شى ء يكون طعامكم معاشر الجنّ؟ قال متى نجد وجها مليها و جسدا صيحا من بنى آدم نضّمه إلى صدورنا و نشمّه من غاية حبورنا و نتقوى بذلك كما يتقوىّ الآدميّون بطعامهم و شرابهم، فمهما ترون فى أحد من أولئك إختلالا فى الدّماغ و العقل و وحشة فى الصّدور و الرّأس، فهو من أثر ذلك المسّ، و علاج ذلك أن يؤخذ لصاحب هذه العلّة شى ء من ماء السّداب و إن كان ممزوجا بالخلّ فهو أحسن؛
ص: 108
و يقطر قطرة منه فى أحد منخريه، فانّه يقتل ذلك الجنّى الّذى قد أصابه و يبرعهو باذن اللّه، قال: فمضى من ذلك زمان، ثمّ انّه اتّفق إنّا وردنا فى بعض المنازل على رجل من أرباب المنزلة و الشّأن كان يقوم بحقّ إكرامنا و حسن الخدمة لنا و لأقوامنا، فجاء صاحبنا الجنّى إلىّ و سألنى أن أمر صاحب المنزل بأن يذبح ديكا لضيافتنا ديكة بيضاء كانت له فى داخل الدّار، فسألناه أن يفعل، فلمّا فعل لم تلبث هنيئة حتّى ان ارتفع البكاء و الضّجيج و الواعية الشّديدة من أهل بيت الرّجل، و جاء هو الينا حزينا مكروبا و قال إنّا لمّا ذبحنا الدّيكة المذكورة عرض على بعض فتياتنا شبه الجنون، فسقطت مغشيّا عليها على الأرض و نحن الآن حائرون فى أمر الامرأة و معالجة دائها، قال فقلت للرّجل لا تعجل و لا توجل فانّ دواء بنتك المصروعة عندنا، ثمّ قلت ايتونى بقليل من السّداب، فمزجته بالماء و قطرت منه قطرات فى أحد منخريها فقامت من ساحتها صحيحة سالمة، و سمعت واحدا هنالك لا يرى شخصه يأنّ و يقول أوّه لقد قتلت نفسى بكلمة خرجت من لسانى و سرّ قد أذعته عند رجل من بنى آدم، ثمّ انّى لم أر بعد ذلك الرّجل الّذى كان يمشى دائما أمام القافلة، فعلمت انّه الّذى كان قد اصابت الجارية، فقتل باستعمال ماء السداب، و هذه الحكاية من عجب العجاب، و العهدة على ناقلها إلى مؤلّف هذا الكتاب.
ثمّ انّ وفاة مولانا السّراب، كما وجدته فى بعض مؤلّفات الأصحاب، كانت فى يوم عيد الغدير المبارك من شهور سنة أربع و عشرين و مأة بعد الألف من الهجرة المباركة، و قبره معروف ببلدة اصفهان فى أواخر خيابان محلّة خاجو، متّصلا بمقبرة تخت فولاد، و له قبّة عالية و بناء رفيع، و صورة ما رقمه عليه الرّحمة فى آخر إجازته المتقدّم إليها الإشارة هكذا: كتبت هذه الأحرف عند إرادة الحركة من المشهد المقدّس فكتبت إجازتهما صانهما اللّه عن الآفات فى ضمن إجازته أيّده اللّه، لقوّة احتمال منع الأجل الموعود عن وصول إليهما و كتابة الإجازة لهما و هذا مختصر من الإجازات كتبته للتّبرّك بذكر المشايخ الكرام، شكر اللّه مساعيهم، كتب هذه الأحرف
ص: 109
اقلّ خلق اللّه الغنى محمّد بن عبد الفتّاح التنكابنى، فى شهر ذى حجّة الحرام من شهور سنة اثنتى عشرة بعد مأة و ألف من هجرة خير البريّة على هاجرها الف الف صلوة و تحية فى مشهد الرّضا عليه أفضل التحيّة و الثّناء حامدا مصليا.
المولى ميرزا محمد المشهدى الطوسى ابن المولى محمد رضا بن المولى اسماعيل بن جمال الدين القمى(1)
كان فاضلا عالما عاملا جامعا أديبا محدّثا فقيها مفسرا نبيها موثّقا وجيها من علماء زمن سميّنا العلّامتين السبزوارى، و المجلسى، و مولانا الفيض الكاشى.
و له كتاب كبير فى التّفسير، بأحاديث أهل البيت العصمة المنزل فى شأنهم آية التّطهير. في نحو من مأة و عشرين ألف بيت تقريبا، لم يسبقه إلى وضعه أحد من العلماء قديما و جديدا؛ و ذلك لأنّ «تفسير نور الثّقلين» الّذى مرّت الإشارة إلى ذكر مؤلّفه المرحوم فى أوائل باب العين، و إن سبقة إلى إعمال هذه الرّواية، إلّا أنه أسقط أسانيد الأخبار الموردة فيه بالكليّة، و لم يتكلّم فيه على ربط ألفاظ القرآن و حلّ مشكلاته، و وجوه أعاريبه و لغاته و قراءاته، و لم يوجد النّقل فيه أيضا عن كتاب تفسير الآيات الباهرة فى شأن العترة الطّاهرة، و بعض آخر من التّفاسير النّادرة، كما ينقل عنهما جميعا فى هذا الكتاب، و إن لم يحط مع ذلك كلّه بجميع الأحاديث المتعلّقة بأطراف الأبواب، و هذه عبارة مؤلّفه المبرور، المذكور فى مفتتح كتاب تفسيره الكبير المزبور، انّ أولى ما صرفت فى تحصيله كنوز الأعمار، و انفقت فى نيله المهج و الأفكار، علم التّفسير الّذى هو رئيس العلوم الدّينيّة و رأسها، و مبنى قواعد الشّرع و أساسها الّذى لا يتمّ تعاطيه، و إجالة النّظر فيه إلّا لمن فاق فى العلوم الدّينيّة كلّها و الصّناعات
ص: 110
الأدبيّة بأنواعها، و قد كنت فيما مضى قد رقمت تعليقات على التّفسير المشهور للعلّامة الزّمخشرى، و أجلت النّظر فيه، ثمّ على الحاشية للعلّامة النّحرير و الفاضل المهرير الشّيخ الكاملىّ بهاء الدّين العاملىّ، ثمّ سنح لى أن أولّف تفسيرا يحتوى على دقائق أسرار التّنزيل، و نكاة أبكار التّأويل، مع نقل ما روى فى التّفسير و التّأويل، عن الأئمة الأطهار و الهداة الأبرار إلّا أنّ قصور بضاعتى يمنعنى عن الاقدام، و يثبّطنى عن الإنتصاب فى هذا المقام حتّى وفّقنى ربّى للشروع فيما قصدته و الإتيان بما أردته، و من نيتي أن اسمّيه بعد تمامه «بكنز الدّقائق و بحر الغرائب» ليطابق اسمه ما احتواه، و لفظه معناه انتهى.
و له ايضا كتاب كبير فى أعمال السّنة بالفارسيّة لطيف الوضع، كثير الفائدة، و رسالة اخرى بالعربيّة مع تمام الإستدلال فى أحكام الصّيد و الذّباحة و غير ذلك و لا يبعد كون الرّجل بعينه هو المذكور فى «امل الآمل» بعنوان محمّد بن رضا القمّى، فاضل معاصر له شرح منظومة فى المعانى و البيان مأة بيت سمّاه «نجاح الطّالب» و امّا الرّواية عنه، فلم أعثر عليها إلى الآن من أخذ مثل روايته عن الغير، و لم استبعد كونه من جملة تلاميذ مولانا الفيض و الآخذين عنه، و إن لم أر ذكره فى شى ء من الكتب و الإجازات، فليلاحظ إنشاء اللّه.
الشيخ الفقيه الفاضل و الحبر النبيه الكامل بهاء الدين محمد بن تاج الدين حسن بن محمد الاصفهانى الملقب بالفاضل الهندى(1)
كان من علماء أواخر الدّولة الصفويّة و أفاضل أهل عصره فى العلوم الرسميّة و الحكمية و الأفانين الدينيّة من الاصوليّه و الفروعيّة، و كان مولده المنيف سنة إثنتين و ستّين بعد الألف، و نشوه فى مبدء أمره و حالة صغره فى البلاد الهنديّة، و لذا نسب إليها و جرت له
ص: 111
فيها مع المخالفين مناظرة فى الإمامة معروفة بين الطّائفة و قصّتها عجيبة، و صنّف من أوائل دخوله فى العشر الثّانى كتبا و رسائل و تعليقات فى العلوم الأدبيّة و الأصوليّة، و أضبطها الواقعة على الطّريق الأوسط هو كتابه الكبير الفقّهى الإستدلالىّ المسمّى ب «كشف اللّثام عن قواعد الأحكام» فى شرح قواعد العلّامة أعلى اللّه مقامه، شرع فيه من النّكاح و أنهاه إلى الختام، و أسقط منه كتاب الجهاد و ما بعده إلى أن يبلغ كتاب النّكاح، و كان هذا الكتاب من ادخل أسباب صاحب الشّرح الكبير علي النّافع فيما تجد له فيه من كمال التّنقيح و إن كان مع تمام بسطه خاليا فى التّرجيح بل التّحقيق المليح.
و له أيضا كتاب «المناهج السّويّة فى شرح الرّوضة البهيّة فى شرح اللّمعه الدمشقية» خرج منه كتاب الطّهارة بطريق المزج مع المتن و الشّرح فيما يزيد على ثلاثين ألف بيت، و كتاب الصّلاة منه بطريق الفرق و الفصل و تبيين الفرع من الأصل فيما ينقص من الأوّل بقريب من الثّلث، مع انّ شأنه أن يكون زائدا عليه بمقدار النّصف و كتاب الزّكاة و و الخمس و الصوم منه أيضا فيما يقرب من نصف كتاب الصّلاة، و بطريق ما ذكرناه له من سياق الشّرح، و ختمه بشرح كتاب الحجّ و إن لم أظفر به الى الآن كما ذكره بعض علمائنا المطّلعين على كيفيّة بناء ذلك الصّرح، و سنائه على ذلك الطّرح.
و له أيضا كتاب «شرح قصيدة السيّد الحميرىّ» المتقدّم ذكره فى باب الهمزة و هو أقوى دليل على كون الرّجل قد وجد من كلّ فنّ من فنون العربيّة اسه و كنزه.
و له ايضا كتاب «ملخّص التّلخيص» و شرحه فى مجلّد صغير؛ و لعلّه أوّل مصنّفاته كما يقال، و رسالة فارسيّة فى أصول الدّين سمّاه «كليد بهشت» كما فى البال، و كتاب فى «تلخيص كتاب الشّفاء» فى الحكمه و قد قيل انّه لم يتمّه، و كتاب «شرح العوامل المأة» فيما ينيف أبياته على آلاف ثلاثه، و كتاب فى تفسير كلام اللّه المجيد و هو كبير
ص: 112
مبسوط كما افيد، و أجوبة مسائل كثيرة عمدتها فى الفقه بل أبواب العبادات إلى غير ذلك من الرّسائل و التّعليقات و الخطب و الإجازات.
و له الرّواية عن شيخه العماد و والده الاستاد تاج الدّين حسن الإصفهانىّ أحد الآخذين عن عالى مجلس المولى حسن عليّ بن المولى عبد اللّه الشوشترىّ، و رأيت بخطّه الشّريف صورة إجازة له كتبها للشّيخ أحمد العربىّ الحلّى ظهر كتاب «قرب الأسناد» لشيخنا عبد اللّه بن جعفر الحميرىّ، ذاكرا فيها انّه يروي ذلك الكتاب عن والده العلّامة تاج الإسلام و المسلمين، عن شيخه الثّقة الأمين المولى حسن علىّ ابن عبد اللّه التّسترى، عن والده شيخ الشّيعة فى زمانه عن الشّيخ نعمة اللّه بن أحمد بن محمّد بن خاتون العاملىّ، عن الشّيخ علىّ بن عبد العالى شارح «القواعد» عن مشايخه كابرا عن كابر، عن الشّيخ الرّئيس أبى جعفر محمّد بن الحسن الطّوسىّ، عن المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان، عن الصّدوق محمّد بن علىّ بن الحسين بن بابويه القمىّ، عن أبيه عن المصنّف رضوان اللّه علينا و عليهم أجمعين.
و رأيت أيضا بخطّه المبارك إجازة اخرى أبسط من هذه الإجازة لتلميذه الفاضل المحقّق المدقّق البالغ إلى ملكة الإجتهاد بنصّه على ذلك فى تلك الإجازة السيّد ناصر الدّين أحمد بن السيّد محمّد بن السيد روح الامين المختارىّ السّبزوارى، و ذكر فيها أنّه يروى الأخبار بعدّة طرق صحيحة معروفة لديه.
ثمّ قال: و أكثر رواياتى عن والدى العلامة تاج أرباب العمامة، و هو كان يروى عن الحبر المدقّق مولانا حسن علىّ عن والده الورع المحقّق مولانا عبد اللّه التسترى، و طريقه إلى المعصوم عليه السّلام معروفة و المسؤل منه الدّعاء لى و لوالدى و لمشايخى و أسلافى رضي اللّه عنهم و كتب بيمناه الجانية محمّد بن الحسن الإصفهانّى المدعوّ بهاء الدّين نجاه اللّه من آفات الأوان و لبث الأمون فى شهر رجب المرجّب لسنة مصّب من الألف مأة و ثلاثون.
ص: 113
و رأيت بخطّه رحمه اللّه أيضا فى موضع آخر: والدى تاج الدّين حسن الإصفهانّى و الإشتهار، الّذى لست راضيا به لمجيئنا منها بعد ذهابنا وجوبا إليها، و ذلك قبل أوان حلمى بكثير، و يروي عنه السيّد صدر الدّين القمىّ المتقدّم ذكره فى باب الصّاد- كما ذكره المحدّث النيسابورىّ فى رجاله الكبير، و قال مولانا الاقا محمّد باقر الهزار جريبىّ في إجازته لسيّدنا بحر العلوم، بعد إيراده طرق رواياته عن السّادة المعصومين-- عليهم السّلام و قال شيخنا الفقيه الجليل الاميرزا ابراهيم القاضى- يريد به القاضى ميرزا ابراهيم الإصفهانّى الّذى يروى عن السيّد الامير محمّد حسين الخاتون آبادىّ ابن بنت سميّنا العلّامة المجلسى: أقول و أروى عن جماعة عن مشيختى الّذين صادفتهم و قرأت عليهم مؤلّفاتهم، منهم العلّامة الجليل الورع المحقّق الفقيه المفسّر الأديب المتكلّم المولى كمال الدّين محمّد بن معين الدّين محمّد الفسوىّ قدّس سره، إلى أن قال: و منهم: الفاضل العلامة المشهور بهاء الدين محمد بن المرحوم المولى تاج الدين حسن الاصفهانى المشور بالفاضل الهندى قدس سرّه فانّى أروي عنه كتاب الصّلاة من «شرح القواعد» و جادة بخطّه رحمه اللّه و أذن لى فى الرّواية عنه السيد الفاضل الأمير ناصر الدّين أحمد بن المرحوم السيد محمّد بن الفاضل المشهور؛ الامير روح الأمين الحسينى المختارىّ، و قد رأيت ما نقل من اجازة الفاضل المذكور له؛ و قد ذكر فيها من أسانيده أنّه يروي عن والده العلّامة تاج أرباب العمامة، و هو يروي عن المولى حسن علىّ، عن والده الفاضل العلّامة مولانا عبد اللّه التّسترىّ انتهى.
و قد عرفت تفصيل تلك الاجازة، و نقل أيضا عن تصريح بعض الأعلام انّ الفاضل الهندىّ لقبه بهاء الدّين و اسمه محمّد، كان من أهل رويدشت من بلوك اصفهان، و كان والده تاج الدّين حسن يروي عن المولى حسنعلى التّسترىّ ابن مولانا عبد اللّه التّسترىّ رحمهما اللّه.
و له «شرح على الكافية» و تفسير مسمّى ب «البحر الموّاج» فارسيّة كثير الفائدة، و رسالة فى انّ اللّتين كانتا فى حبالة عثمان بن عفّان لم تكونا بنتين للنبى بل بنتى زوجته.
أقول و رأيت فى أواخر إجازة طويلة للسيّد حسين بن السيّد حيدر الكركىّ العاملىّ
ص: 114
المتقدم ذكره و ترجمته ما تكون صورته: و أجزت له وفقه اللّه تعالى ان يروى عنّى حديث قاضى الجنّ، فانى رويته بطرق متعددة منها ما حدّثنى به المولى الجليل الفاضل النّبيل مولانا تاج- الدّين حسن بن شرف الدّين الفلاورجانّى الإصفهانى، قال: حدّثنا المولى الفاضل المحقّق مولانا جمال الدّين محمود الشيرازى، قال حدثنا العلّامة مولانا جلال الدين محمّد بن أسعد الدّوانى الشّيرازى بطرقه الّتي ذكرها فى كتاب «انموزجته» إلى آخر ما ذكره السيّد فى إجازته.
و لمّا كان من الظّاهر أنّ تاج الدّين الحسن المذكور هو والد مولانا الفاضل بعينه، ظهر وجه ما وقع عليه التّصريح من بعض الأفاضل أيضا من كون صاحب التّرجمة فى الأصل من بلوك اشيان لنجان اصفهان، و ذلك لكون قرية فلاورجان الّتى وقعت نسبة تاج الدّين المذكور اليها و يعبّر عنه العامّة فى هذه الأزمنة بپل ورگان هى أيضا من جملة قرى البخ لنجان، و محتملة الإشتباه لمن حسبها من بلوك الأشيان، حيث نسب الفاضل إلى ذلك المكان، و عليه فما وقع فى كلام بعض الأعلام من كون الرّجل من بلوك رويدشت اصفهان فى محلّ المنع أو النّظّر، إلّا أن يقال فى مقام الجمع بين هذين المتنافيين انّ الوالد كان مولده هناك و الولد هيهنا او بالعكس؛ أو كانت إحدي النّسبتين لبعض أجدادهما العالية كما يتّفق نظير ذلك فى كثير و لا ينبّئك مثل خبير.
ثمّ إنّ من جملة ما نقل أيضا عن تصريح نفسه فى ديباجة كتاب «كشف اللّثام» و إن لم أره فى نسخة منه كانت عندى، و لعلّه كانت فى جملة مسودّاته التى لم يبيّضها بعد نقله لكلام الفخر الإسلام المنبئى عن تفاصيل مبدأ أمره فى التّحصيل نافيا الإستبعاد لما يدّعيه هناك ما صورته: و قد فرغت من تحصيل العلوم منقولها و معقولها، و لم أكمل ثلاث عشرة سنة، و شرعت فى التّصنيف و لم أكمل اثنى عشرة، و صنفت «منبّه الحريص على فهم شرح التّلخيص» و لم أكملّ تسع عشرة سنة، و قد كنت عملت قبله من كتبى ما ينيف على عشرة من متون، و شروح و حواش «كالتّمحيص فى البلاغة» و توابعها و «الزّبدة فى اصول الدّين» و «الخور البريعة فى اصول الشّريعة» و شروحها و «الكاشف» و حواشى «شرح العقايد النسفية» و كنت القى من الدّروس- و أنا ابن عشر سنين- «شرحى التّلخيص» للتّفتازانى
ص: 115
مختصره و مطوّله انتهى.
و من جملة ما ينسب إليه رحمة اللّه تعالى عليه فى رموز الأحكام الشّرعيّة من الخمسة التّكليفيّة و الوضعيّة قوله شعرا:
عيونات ثلاث صفر شمس
لوضع هذه شرع بخمس
و فسرّت الكلمة الاولى بالعلامة و العلّة و العزيمة، و الثّانية بالصحة و الفساد و الرّخصة، و الثّالثة بالشّرط و المانع و السّبب، و الأخيرة بالأحكام الخمسة المشهورة فليلاحظ.
و توفّى قدّس سرّه بدار السّلطنة اصفهان فى الخامس و العشرين من شهر رمضان سنة سبع و ثلاثين و مأة بعد الألف من الهجرة، كما وقع التّصريح به فى لوح مزاره المنيف، الّذى تشرفت بزيارته غير مرّة. و قيل انّه رحمه اللّه توفّى فى سنة إحدى و ثلاثين و مأة عن بضع و ثمانين سنة.
و الظّاهر فى درجة سنّه الجليلّ هو ما ذكره هذا القليل، و ذلك لانّ المستفاد من بعض خطوطه الّتى ألقيناها بالعيان كونه فى سنة سبع و سبعين بعد الألف فى عداد فضلائنا الأعيان، و المشار إليهم بين الطائفة و غيرها بالبنان، و أما سنة وفاته رحمه اللّه فالظّاهر انها ما رقم فى لوح مزاره حسب ما تقدّمت الإشارة إليه، و يشهد بذلك مضافا إلى بعد وقوع الخلاف فى أمثال كتابه تواريخ الأشراف انّ مرقده الشريف الواقع فى شرقىّ بقعة تخت فولاد اصفهان بجنب معبر القوافل الى الدّيار الفارسيّة، من ممالك محروسة ايران ليس على حدّ سائر مراقد علمائنا الاعيان، المتوفّين فى ذلك الزّمان، بل خال عن القبّة و العمارة و الصّحن و الأيوان، و كل ما كان يضعه السّلاطين الصّفوية، على مقابر العلماء الإثنى عشريّة، من رفيع البنيان و ظاهر انّه لم يكن ذلك إلّا من جهة وقوع هذه القضيّة الهائلة فى عين اشتغال نائرة غلبة جنود الأفغان؛ و استيصال سلسلة الصفويّة بظلم أولئك النّواصب فى تلك البلدة فوق حدّ البيان، فانّ تفصيل ذلك بناء على ما ذكره بعض المعتمدين الحاضرين فى تلك المعارك، أنّ بعد طول أزمنة محاصرتهم البلدة
ص: 116
على النحو الّذى اشير اليه فى ذيل ترجمة مولانا اسماعيل الخاجوئى، و سيّدنا الأمير محمد حسين الحسينى الخاتون آبادىّ رحمه اللّه عليهما، و إنتهاء الأمر إلى إلجاء أهل البلدة إلى التّسليم و التمكين من أولئك الملاعين و فتح باب المدينة على وجوه تلك الكفره بدون المضايقة بمقدار حين دخلها أميرهم المردود المسمّى بسلطان محمود، مع جميع الأتباع و الجنود، و جلس على سرير السّلطنة فيها بمحض وروده الغير المسعود، فى حدود سنة ثلاث و ثلاثين بعد المأة و قيل سنة ستّ و ثلاثين بعد المأة ثمّ أمر فيها باهلاك جماعة من عظماء تلك الدّولة العليّة، و كبراء الفرقة الصفويّة، بعد حكمه بحبس سلطانهم الشهيد المظلوم الشّاه سلطان حسين بن الشّاه سليمان المبرور المرحوم، و هم كانوا أربعة من اخوانه العظام، و أربعة و عشرين من أولاده المنتجبين الفخام، و ذلك فى أواخر جمادى الأولى من شهور سنة السّبع و الثلاثين التى هى بعينها سنة وفاة مولانا الفاضل المعظم عليه، ثمّ أمر بعد ذلك بقتل ستّة أفاخم من أركان الدّولة و ذروى اسمائهم الّذين كانوا من أرباب الصّولة، و هم صائمون متعبّدون فى اليوم السّابع و العشرين من شهر رمضان عين تلك السّنة، مصادفا لثالث يوم وفاة مولانا الفاضل عليه الرّحمة، و كان نفس السّلطان الممتحن باقيا بعد ذلك فى حبس اولئك إلى زمن جلوس طاغيتهم الثّانى البانى للبارة المرتفعة المشهورة فى البلدة و هو الأشرف سلطان الّذى كان أوّلا فى زىّ الملازمين لركاب محمودهم المردود، إلى ان ابتلاه اللّه الملك القهّار؛ بعقوبة ما فعله باولئك السّادة الرفيعة المقدار بعارضة شبه الجنون، فحبسه بمقتضى مصلحة وقته هذا الملعون، إلى أن هلك أو أهلك بعد ذلك فى ظلمات السّجون فجلس مجلسه المنحوس من غير مزاحم له فى ذلك الجلوس، عصيرة يوم الأحد الثّامن من شعبان هذه السّنة بعينها؛ فلمّا استقرّ لهذا الخبيث الأخبث الملك و المملكة، و فرغ من بناء حصاره المذكورة بتخريب قريب من خمسمأة حمّام و مدرسة و مسجد معمور فى اقلّ من مدّة سنة من الشّهور، كما هو المشهور ظهر فى دولته العارية المادية شى ء من الفتور، و توجّه من جهة خوندگار الرّوم إلى مقاتلته جندموفور، فخاف على نفسه
ص: 117
الملعونة بعد تكرّر مقابلته مع هؤلاء الجنود، من بقاء رائحة حياة ذلك السّلطان المسجون المسعود، و حركته النّفس الخبيثة الى إلامر بقتله أيضا فى المحبس و تركه من غير غسل و كفن، و سبى أهله و حرمه و نهب أمواله و خدمه، و ذلك فى يوم الثّلثا الثانى و العشرين من محرّم الحرام سنة الاربعين و المأة بعد الألف إلّا انّه نقل نعشه الشريف بعد مضيّ زمان عليه بهذا التّخفيف الي مدينة قم المباركة، فدفن فى جوار آبائه العالين الّذينهم من أعاظم السّلاطين، و تحت جناح عمّته المعصومة، بالسنة عوام الشّيعة الإماميّة رضوان اللّه عليها و عليهم أجمعين إلى يوم الدّين.
الشيخ المحدث المتين و الحبر المحقق الامين محمد بن الحسن القزوينى المشتهر بالاقارضى الدين(1)
صاحب كتاب «لسان الخواصّ» عامله اللّه بلطفه الخاصّ و جيّد الأحصاص، ذكره صاحب «الامل» مع كونه من حملة معاصريه، فقال بعد ذكر لقبه و سمته ثمّ نسبته إلى بلده على اثر تصريحه بسمة أبيه فاضل عالم محقّق مدقّق ماهر معاصر متكلّم. له كتب منها «لسان الخواصّ» لطيف و «رسالة القبلة» و «رسالة شير و شكّر» و «رسالة المقادير» و «رسالة التّهجّد» و تاريخ علماء قزوين سمّاه «ضيافة الاخوان و هديّة الخلّان» و كتاب «كحل الأبصار» و «رسالة النّوروز» و كتاب «المسائل الغير المنصوصة» و غير ذلك.
و فى بعض حواشى «الأمل» نقلا عن صاحب «محافل المؤمنين» انّه آقا رضى قزوينى رحمه اللّه در علم حديث و فقه أز جمله تلامذه مرحوم ملّا خليل است، أمّا در حديث فهمى بطريق ديگران رفته، تاريخ وفات او سنة ستّ و تسعين بعد الألف است و ذكره المحدث النيسابورىّ أيضا فى مواضع من كتبه منها: ما ذكره فى مقدّمات
ص: 118
رجاله الكبير بهذه الصّورة: الفائدة الرّابعة فيما يتعلّق بالمرام، و يؤيّده ممّا سبق من الكلام، من تحقيقات أفضل المحقّقين، المولى رضىّ الدّين القزوينى فى «لسان الخواصّ» قال بعد بيان طريقة أهل الظّن المعبّر عنهم بالمجتهدين و أهل العلم المعروفين بالمحدّثين و الأخباريّين و بيان مستمسك الفريقين و بيان الحقّ لذى العينين ما لفظه:
هذا هو خلاصة طريقة أهل العلم بالنّسبة إلى الكتاب، و أمّا بالنّسبة إلى آثار أهل البيت المقرونين بالكتاب، فى وصيّة النّبىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم الموافقة لإرشاد محكمات الكتاب، فمسلكهم أن يعملوا بمضمون ظاهر أخبار متداولة بين خواصّ الطّائفة المحقّة من شيعتهم مضبوطة فى أصولهم مرتّبة فى مصنّفاتهم؛ معمول بها بينهم من عصر ظهور أئمتّهم لحصول العلم لهم من انضمام تتّبع الاحوال و الأوضاع و القرائن و الإمارات، إلى دلائل حجتهم إلى آخر الزّمان؛ فانّ المكلّفين فى زمن الغيبة مهديّون بهذه الأنوار، و يجوز لهم الأخذ بظواهرها، بل متعيّن فيما لم يكن على خلافه دليل قطعىّ او معارض من الكتاب، فان قلت: هذا فيما تواتر منها مسلّم، و أمّا فى أخبار الآحاد فكيف و لم يعتبرها الأجلّاء من العلماء، صرّح رئيس الطّائفة فى مواضع من كتبه بأنّها لا توجب علما و لا عملا، و انكار حصول العلم منها و عدم جواز العمل بها مشهور من السيّد الاجلّ المرتضي رحمه اللّه، حتّى نقل عنه دعوى الإجماع من الشّيعة على إنكاره كالقياس من غير فرق بينهما، قلت: خبر الآحاد فى عرفهم على ما بينهم من تتّبع كلامهم مستعمل فى معان: أحدها مقابل المأخوذ من الثّقة المعمول به لكثير منهم و يقال انّه الشّاذّ و النّادر أيضا، و ثانيها مقابل المأخوذ من الثّقات المحفوظ فى الأصول المعمول لجميع خواصّ الطّائفة، فيشتمل الأوّل مع ما يقابله؛ و ثالثها مقابل المتواتر القطعى الصدور عن المعصوم، فيشمل الاوّلين مع ما يقابلهما، فما لم يعتبره رئيس الطّائفة و نقل إجمال الشّيعة على إنكاره هو الاوّل لا غير، يظهر ممّا صرّح فى موضع من كتاب «العدّة» بانّه يجوز العمل بخبر الثّقة فى الرّواية و إن كان فاسد المذهب او فاسقا بجوارحه، و فى آخر بقوله: قد دلّلنا على بطلان العمل بالقياس و خبر الواحد الّذى يختصّ المخالف
ص: 119
بروايته انتهى.
و منها ما ذكره فى كتابه الموسوم ب «منية المرتاد فى نفاة الإجتهاد» فقال: و منهم المولى النّحرير و المحقّق الّذى ليس له نظير رضىّ الملة و الدّنيا و الدّين حشره اللّه مع مواليه الطّاهرين، و من أراد الاطّلاع على تحقيقاته الأنيقة، و تدقيقاته الرّشيقة، و تتبعّه التّام و تبحّره التّمام، فليطالع كتاب «لسان الخواصّ» رسالة «ضيافة الأخوان» و هو رحمه اللّه من أساطين المحدّثين المحرمين للعمل بالظّن و التّخمين، و لنذكر ما حضرنا من عباراته و كلماته، قال فى «لسان الخواصّ» بعد ذكر الأدلّة على قطعيّة الأخبار، و حصول العلم منها، فان قلت:
هذا كلّه ممّا يجرى فى عمل من يمكنه الرّجوع الى تلك الأصول و الإستفادة منها، فكيف حال من لا يمكنه ذلك كالعامّى، قلنا إلى أن قال: و امّا سبيل العالم إليه فيلزم أن يكون على نحو ما علمه من الأخبار و الآثار، فيلقى الرّواية بلفظها أو بظاهر معناه بعنوان الأخبار الأعلام دون الإخبار و الإلزام لئلّا ينجرّ إلى الإفتاء و القضاء المعلوم إنهما لا يجوزان إلّا للعالم بالإحكام الواقعية انتهى ما نقل عنه صاحب «الفوائد البهيّة».
ثمّ أخذ صاحب «المنية» فى نقل سائر عباراته النافعة له باعتقاده و الشّاهدة عنده لصدق مراده، و سوف يأتى فى ذيل ترجمته أيضا ما ينفعل فى مثل هذا المقام، كما أنّه قد تقدّم فى ترجمة مولانا الخليل القزوينى ما يزيدك بصيرة بأحوال هذا الرّجل القمقام، و تقدّمت الإشارة منّا أيضا إلى ترجمة سميّه و لقبه و معاصره الآقا رضىّ الدّين الخوانسارىّ، فى ذيل ترجمة والده المحقّق أقا حسين و أخيه الفقيه و النبيه الآقا جمال الدّين محمّد قدّس اللّه تعالى أسرارهم.
و امّا شيخنا الرّضىّ الاسترابادىّ الّذى هو سميّه أيضا فى اسم نفسه و اسم إبيه فقد ذكرناه فى باب ما اوّله الرّاء من كتابنا هذا بملاحظة امور ليس هيهنا موضع ذكرها فليلاحظ انشاء اللّه تعالى.
ص: 120
السيد الفاضل الامير المحدث بهاء الدين محمد بن السيد الكبير محمد باقر الحسينى النائينى و قيل: المختارى السبزوارى الساكن بدار السلطنة اصفهان(1)
كان من العلماء الأعيان الفقهاء الأركان أديبا ماهرا و جليلا كابرا، حكيما متكلّما جيّد العبارة، طيب الإشارة، معاصرا للغيبة المتقدّم ذكره عليه، و لم أستبعد كونه من بنى عمومة السيد ناصر الدّين المجاز من قبله المشار فى ذيل ترجمته إليه و له مصنّفات جمّة؛ و مؤلّفات تدل على علوّ الهمّة، منها شرحه الطّريف على «رسالة الصّمديّة» فى النّحو لشيخنا البهائى و على كتاب «بداية الهداية» فى فرائض الاحكام الشرعيّة لشيخنا الحرّ العاملىّ، و هو إلى آخر العبادات كما افيد، و شرحه اللطيف على الزّيارة الجامعة الكبيرة، و ثلاث رسائل فارسيّة فى المواريث بسيطة، و وسيطة، و صغيرة، و كتاب رشيق آخر تكلّم فيه بالعبارات الموزونة، و المقالات المشحونة بأمثال الغو الى المخزونة و اللّئالى المكنونة نظير «مقامات الحريرىّ» و «أطواق الذّهب» للزّمخشرىّ سمّاه «زواهر الجواهر فى نوادر الزّواحر» و رسالة فاخرة فى صيغ العقود و تعليقات منيفة على الشّرح الصّحيفة الكاملة للسيّد عليخان المشهور، و على كتاب «الأشباه و النّظائر» للفاضل السّيوطى يدّعى فيها رجوع الرّجل إلى مذهب الحقّ فى أواخر عمره كما قدّمنا إليه الإشارة فى مقام ترجمته و ذكره.
و له الرّواية بالإجازة عن صاحب البداية المتقدّم ذكره بالإطالة و الوجادة، و يستفاد من بعض مؤلّفاته الشريفة انّه كان باقيا فى حدود المأة و الثّلاثين، و قيل انّه توفّى فيما بينه و بين الأربعين، و دفن فى دار السّلطنة إصفهان و لكنّى لم اتحقّق موضع
ص: 121
قبره إلى الآن من هذا المكان، و لا يبعد كونه أيضا من جملة المندرسات فى فتنة جنود الأفغان.
العالم الربانى و العارف الايمانى الاقا محمد بن المولى محمد رفيع الجيلانى المشهور بالبيدآبادى الاصفهانى (1)
كان من أعظم حكماء هذه الأواخر، و خزّان البواهر من الجواهر و الزّواهر من الضّواهر، معاصرا لسمّينا المروّج البهبهانىّ المشّتهر بالاقا محمّد باقر، ماهرا فى العقليّات، مصنّفا فى المعارف الحقّة من الإلهيّات، معلّقا على كثير من كتب المحقّقين محقّقا فى مراتب الحكمة و الكلام على طرز رزين، مدرسا بدار السّلطنة اصفهان فى زمانه، و مربيّا لجماعة من علمائها الأعيان بكدّ لسانه، رافعا الوية الزّهد و الورع فى الدّنيا إلى حيث لا يبلغه جنود الصّفة الّا على العمياء.
كان من تلامذة مولانا الفاضل المحدّث الجليل المشتهر بالميرزا محمّد تقى الألماسىّ، و هو من أحفاد سميّه المجلسى، و أسباط سمّينا العلّامة الأوّل، و يروي عنه أيضا بالإجازة كما افيد، بل إدراكه لفيض صحبة مولانا اسماعيل الخاجوئى المتقدّم ذكره الشّريف أيضا غير بعيد.
و قد تلّمذ لديه جماعة أجلّاء من علماء هذه الطّبقة و من قبلها، منهم: سيّدنا الأجلّ الأفخم الميرزا ابو القاسم الحسينى الإصفهانّى المشتهر بالمدرّس، مدرّس مدرسة الشّاه، و المولى محراب العارف، و المولى علىّ النّورىّ، و مولانا الحاجى محمد ابراهيم الكلباسىّ صاحب «الاشارات» و «المنهاج» و ذلك فى أوائل أمره و فواتح عمره
و كان رحمه اللّه وصىّ أبيه فربّاه بعد وفاته فى حجره و حثّه على إقامة حجّه
ص: 122
فى أوائل بلوغه بتقليد غيره، و من جملة ما سمعته من مولانا الحاجى أعلى اللّه مقامه و هو على منبر مسجد الحكيم، و فى مقام ذكر غاية زهد الرّجل المحاول عليه التّعظيم انّه اقتصر فى بعض سنى مخمصة البلدة مع جميع عيالاته، باكل الجرز وحده نيّا و نضبحا بالنّهار و اللّيل إلى قام سنة من الأشهر و مع نهاية الشعف و الميل، و هذا من الأمر العجيب و النّبأ العظيم الغريب، و من المشهور أيضا انّه قدّس سرّه كان ماهرا فى صناعة الكيميا، مسلطا على استخراج الجيد من النّقدين من غير منقصة و مين، بل كان يذكر جدّنا الأقرب و هو من تلاميذ سميّه المدرّس المنبّه على ذكره قريبا فى عين تلك المدرسة المشار اليها أيضا: انّ من صفة ما كان يعمله مولانا الآقا محمّد من التبر الاعزّ الأجود بنصّ الحذق من أهالى دار الضّرب أنّ ربع منّ منه متى كان يمتزج بثلاثة أرباع من الذّهب الردىّ كان يصلحها جميعا و هذا ايضا من الأمر الغريب، و حكى أنّه رحمه اللّه كان من شدّة زهده فى الدّنيا، و ردعه داعية الهواء لا يعباء كثيرا بسلاطين وقته فكيف بمن كان دونهم، بل كان يظهر الكره من ملاقاتهم، و هم يعظّمونه حقّ التّعظيم من كثرة ما يرونه فيه من الكرامات و المقامات، و كان لا يستنكف من ركوب الحمر الحمولة العارية، و الخروج إلى المسافات البعيدة النائبة.
و لمّا كان رحمه اللّه من القائلين بوجوب صلاة الجمعة فى زمان الغيبة و لا يتيسّر له إقامتها فى البلدة من جهة كونها منصب ساداتنا الإمامية، و لا تهيأ له الإيتمام بغيره و لا الإمامة فى غير محلّ تلك الإقامة من مصره، فلا جرم كان يخرج فى كلّ جمعة إلى قرية رنان الّتى هى من كبار قرى ماربين اصفهان؛ و هى على رأس أكثر من فرسخ شرعىّ بالنّسبة إلى الجامع الإمامى، فيقيم صلاة الجمعة هناك على الطّريق الإسلامىّ.
و توفى قدّس سرّه فى سنة سبع و تسعين و مأة بعد الألف من الهجرة، و دفن فى مقبرة تخت فولاد المتقدّم ذكرها مرارا بظاهر الجدار المشرقىّ، من تكية مولانا الآقا حسين الخوانسارىّ رحمه اللّه، و من جهة خلفه بفاصلة قليلة مرقد والده الفاضل
ص: 123
المتّصف فى لوح مزاره بصفة الفضل و العلم و الورع و الإجتهاد و الإحترام، و كانّه المنتقل بنفسه إلى هذه البلدة، و المتولّد له فيها هذا العلم الهمام و الرّكن القمقام.
هذا و قد ذكره سميّه المحدث النيسابورىّ فى كتاب رجاله الكبير فقال: محمّد ابن محمّد الرّفيع المازندرانى أصلا، الإصفهانّى البيدابادىّ مسكنا، كان حكيما عارفا ثقة محدّثا استاد عصره فى المعقول، عاصرناه و لم نلقه، توفّى باصفهان فى دولة علىّ مراد خان، و دفن بمقبرة تخت فولاد، زرنا قبره هناك انتهى.
و قد عدّه ايضا فى كتابه الموسوم ب «منية المرتاد من جملة نفاة الإجتهاد» حيث قال: و منهم: الشّيخ الأجلّ الاوّاه جامع المعقول و المنقول بلاردّ، و شيخنا العارف الأوحد، ابن المولى محمّد رفيع المازندرانىّ الآقا محمّد البيدابادىّ الإصفهانّى، أفاض اللّه عليه من شآبيب جوده البحرانّى، و كان من محقّقى المتأخّرين فى علوم المعارف و اليقين، و لننقل صورة ما كتبه رحمه اللّه فى جواب مكتوب الأجلّ الأوّاه المولى عبد اللّه البيدجلّى القاسانّى، و كان فيما كتبه ما هذا لفظه: استبصارى از شرح من لا يحضره الفقيه فرموده خلاصه بجهت تذكره معتبرين عرض شد إلى آخر ما ذكره فى جواب السّؤال، و هو من تحقيقات أكابر الرّجال، و بمنزلة الأبكار و الاتراب المخدّرات فى الحجال، و لو لا طوله لأفدناك بطوله فى مثل هذا المجال، لكيلا أحسب من المهملين فى حقوق أهل الجلال إلى بلوغ الآجال.
الفاضل الكامل المحقق المدقق الفقيه المتكلم الربانى الحاجى شيخ محمد ابن المرحوم الحاجى محمد زمان الكاشانى(1)اصلا و مولدا و الإصفهانى رياسة و مسكنا و النّجفى خاتمة و مدفنا، صاحب
ص: 124
كتاب «مرآت الزّمان» و «القول السّديد» و «نور الهدى» و «هداية المسترشدين» «و الإثنى عشريّة فى تحقيق أمر القبلة» و غير ذلك.
و هذا الشّيخ من أعاظم مشايخ الإجازات فى هذه الطّبقات و من الفضلاء الماهرين فى فنون الحكمة و غيرها، و هو الّذى قد كان مع الشّيخ الفقيه المشتهر فى الإيجازات بالميرزا ابراهيم القاضى باصفهان، و هو ابن الميرزا غياث الدّين محمّد المنتسب إلى قرية خوزان ماربين كفرسى رهان و رضيعى لبان، كما انّهما على سبيل الموافقة يرويان عن جماعة من العلماء الأعيان، مثل السيّد السند الأمير محمّد حسين الحسينى الخاتون آبادىّ ابن بنت سميّنا العلّامة المجلسى، و الشّيخ حسين بن محمّد الماحوزىّ الّذى هو من جملة مشايخ الشّيخ يوسف البحرانى و جماعة، و الميرزا محمّد باقر بن الشّيخ المحقّق الجليل الميرزا علاء الدّين محمّد بن محمّد على الحسينى الشّهير بگلستانه شارح كتاب «نهج البلاغة»، و الميرزا محمّد رحيم ابن المولى محمّد جعفر بن المولى المحقّق العلّامة السبزوارىّ عن أبيه عن جدّه، و المولى الثّقة الرّضى محمّد طاهر بن الحاجّ مقصود علىّ الاصفهانى، و المولى محمّد قاسم بن المولى محمّد رضا الهزار جريبى و هما من تلامذة مولانا المجلسى، و مثل السيّد الامير محمّد أشرف الحسينى و هو مع ابن عمّه الميرزا محمّد باقر المتقدّم إليه الإشارة راويان عن المولى محمّد السّراب المتقدّم تفصيل ترجمته فى هذا الكتاب.
هذا و من جملة من يروي بالإجازة عن مولانا الحاجّ شيخ محمّد المذكور، هو مولانا محمّد مهدىّ بن أبى ذر النّراقى الكاشانىّ، و الآقا محمّد باقر الهزار جريبى الّذى يأتى إلى ذكره الإشارة قريبا فى ذيل ترجمتنا لولده الفقيه الآقا محمّد علىّ النّجفى على اثر وضعنا العنوان لسميّه الاعظم مولانا الآقا محمّد علىّ بن سمّينا العلّامة البهبهانّى انشاء اللّه.
و امّا مصنّفات هذا الرّجل، فلم أعثر منها إلّا على رسالة مبسوطة له مشحونة بالتّحقيقات الأنيقة و التّدقيقات الرشيقة، و التّقريرات الفصيحة البليغة، فى خصوص
ص: 125
الأحكام المتعلّقة بعقود الأنكحة، و لا سيّما المتعلّقة منها بأمر الصّيغة لم يكتب مثلها فى جميع مصنّفات المتقدّمين و المتأخّرين، يقول فى أوّلها على أثر الخطبة بعنوان يزين أمّا بعد فانّ الفتى هذا فلان بن فلان ممّن تشمّر عن ساق الجدّ لاتّباع حدّ من حدود اللّه العظيم، و الاستنان بسنّة نبيّة النبيه الحليم، و هو النّكاح الّذى دعا سبحانه إليه عباده، و وعد سبحانه عليه الثّروة من فيض فضله العميم، ففى ما انزل من القرآن و الذّكر الحكيم، و الإستعاذة باللّه السميع العليم من الشّيطان الرّجيم و أنكحوا الأيامى منكم و الصّالحين من عبادكم و إمائكم، إلى قوله و اللّه واسع عليم و بالغ فيه الرّسول و المستحفظون من أهل بيته الهداة عليهم الصّلاة و التحيّة و التّسليم، فانّه من أحبّ سنن شريعة الغرّاء، و ملّته البيضاء، و دينه القويم، و ممّا يباهي و يكاثر به سائر الأمم يوم لا ينفع مال و لا بنون إلّا من أتى اللّه بقلب سليم.
ثمّ انّه قد رغب فى المخدّرة العفيفة و الحرّة الرشيدة الكريمة ابنة الكريم، و قد بذل لها من ماله صداقا ثلاثين تومانا معهودا و هو به زعيم، و انّها رضيت به و أذنت له فى تزويجها منه برضا من أوليائها ابتعاء للثّواب الجسيم، و وكّلنى أبوها فى ذلك و فوّض أمرها إلى العبد الأثيم، فاشهد اللّه و اشهد من حضر من المسلمين، انّى قد زوّجتها منه بثلاثين تومانا من الضّرب الجديد دون القديم، فيقول وكيلها قبلت تزويجها لفلان بن فلان على ما ذكر من الثّلاثين و إن كانا حاضرين، فيقال روّجت هذه الجارية أو هذه المرأة من هذا الغلام أو هذا الرّجل، على ما بذل لها من الصّداق و المهر، فيقول وكيله قبلت هذا التّزويج لهذا الغلام أو لهذا الرّجل، على ما تحلّها، و هذا القدر كاف فى التّحليل عندنا لا أعرف فيه، خلافا بين أصحابنا إلى آخر ما ذكره من انحاء الصّيغ و وجوه اجيرائها و كل ما وقع فيه الكلام على إجرائها و أجزائها مع تمام الإستدلال على مختار الرّجل و هو على غاية فضله فى الفقه و الاصول و العربيّة بدل فلا تغفل.
ص: 126
العالم العريف و العاثم العتريف ابو احمد الشريف محمد بن عبد النبى بن عبد الصانع المحدث النيسابورى المعروف بميرزا محمد الأخبارى(1)
لا شبهة فى غاية فضله و وفور علمه و جامعيّته لفنون المعقول و المنقول، و بارعيّته فى الفروع و فى الأصول، و لا فى عماقة ذهنه الوقّاد و وقادة فهمه النّقاد؛ كما اعترف بها كلّ ناقد أستاد إلا أنّه لمّا تجاهر بتخفيف علمائنا الأعلام؛ و تجاسر فى تحريف جماعة العوام الّذين هم كالأنعام عن الطّريق العام من شريعة الاسلام، و نسى العمل بقوله سبحانه و من يعظّم شعائر اللّه فإنها من تقوى القلوب صرف اللّه عنه قلوب أهل القلوب، و حرّمه عن بلوغ المطلوب، و إصابة الخير المجلوب، و اصاره من الخيل المنكوب، و الفريق المخذول المغلوب، و لم أر من عرّض لذكره و ترجمته من هذه العلّة، و مشاكسة ماله من الجبلة، بالمقايسة إلى جبلات سائر كبراء الدّين و الملّة، و على ذلك فالأوفق بالحال ان اكتفى فى بيان أحواله و نعت سجاله بايراد ما ترجم به الرّجل نفسه على حسب مجاله فى كتاب رجاله، و هو كما وجدناه ثمة بهذا المنوال:
محمّد بن عبد النّبىّ بن عبد الصّانع أبو أحمد المعروف بالمحدّث الأخبارىّ الاسترابادي جدّا، النيسابورىّ والدا، الهندىّ مولدا، المشاهدىّ نزولا، مصنّف هذا الكتاب له يد طولى فى الكلام و الإلهيّات و الحديث و الفقه و الأصول و علم التّطبيق و المعارف و اللّطائف.
ولد يوم الاثنين الحادى و العشرين من ذيقعدة سنة ثمان و سبعين و مأة بعد الألف، و هاجر من الهند حاجيّا زائرا محصّلا سنة ثمان و تسعين و مأة، و جاور الغرىّ، ثمّ الحائر، ثمّ مقابر قريش ببغداد الغربىّ له ثمانون مصنّفا فى فنون عقليّة و نقلية و شهوديّة، أشهرها كتاب «تسلية القلوب الحزينة» الجارى مجرى الكشكول و السّفينة
ص: 127
عشر مجلّدات، تبلغ ثمان مأة ألف، و الكتاب «المبين فى اثبات إمامة الطاهرين» عشرون ألفا، و كتاب «منية المرتاد فى ذكر نفاه الاجتهاد» كبير، و كتاب «كليّات الرّجال» و كتاب «تقويم الرّجال» و كتاب «مصادر الانوار فى الإجتهاد و الأخبار» و كتاب «فتح الباب إلى الحقّ و الصّواب» و كتاب «الشّهاب الثّاقب» و كتاب «ميزان التّمييز فى العلم العزيز» و كتاب «دوائر العلوم و جداول الرسوم» و كتاب «ذخيرة الألباب إلى كلّ علم فيه باب» و كتاب «فصل الخطاب فى نقض مقالة ابن عبد الوهّاب» و كتاب «و مضة النّور من شاهق الطّور» و كتاب «الصّارم البتّار لفظ الفجّار و قدّ الأشرار» ثلاث مجلّدات، و كتاب «اماليه العبّاسى فى الردّ على النّصارى» و كتاب «التّحفة فى أبواب الفقه» إلى آخر الدّيات، و رسالة «مجالى الأنوار» و رسالة «مجالى المجالى» و رسالة «نجم الولاية» و رسالة «شمس الحقيقة» و رسالة «حقيقة الأعيان فى معرفة الإنسان» و رسالة «حقيقة الشّهود فى معرفة المعبود» و رسالة «البرهان فى التّكليف و البيان» و رسالة «الحجر الملقم» و رسالة «الصّحيحة بالحقّ على من ألحد و تزندق» و رسالة «كشف القناع عن عود الإجماع» و رسالة «خرز الحواسّ عن وسوسة الخنّاس» و رسالة «النّور المقذوف فى القلب المشعوف» و رسالة «الطّهر الفاصل بين الحقّ و الباطل» و رسالة «الدرّ الفريد و معراج التّوحيد» و رسالة «حسن الاتّفاق فى تحقيق الصّداق» و رسالة «الشّعرة النّارية فى اجوبة المسائل الّلّارية» و رسالة «نشر الاخوان فى مسألة الغليان» و رسالة «القسورة» و له ديوان شعر بالعربيّة و ديوان اخر كبير بالفارسيّة، و له رسالة «نفثه الصدور فى ردّ الصوفيّة» و رسالة «قبسة العجول» و رسالة انموزج المرتاضين» و رسالة «الإعتذار» و كتاب «تحفة الأمين و الدّر الثّمين» و كتاب «انساب العين» و كتاب «موارد الرّشاد» و كتاب «نبراس العقول» و كتاب «قلع الأساس فى نقض اساس الأصول» و رسالة «النّبأ العظيم».
من آثاره تكية الخاقان وقفها على موالى صاحب الزّمان عليه السّلام، بناها فى دار السّلطنة طهران عاصرا بالمظفّر جلال الدّين عالى كهر المعروف بشاه عالم التّيمورىّ
ص: 128
الهندىّ، و ابنه محمّد اكبر شاه الثّانى، و السّلطان مصطفى و السّلطان محمود العثمانى، و قدم البلاد العجميّة فى دولة السّلطان محمّد خان قاجار و دولة السّلطان فتحعلى شاه القاجار، و قد مضى من عمره إلى الآن أربعون سنة انتهى.
و كأنّه بقي بعد هذا نحوا من خمس عشرة سنة آخر إلى أن آل الأمر بسبب غروره الخارج عن حدّ الأمر من الخطر و الضّرر و السّلامة من آفات الغير و مكافات الغرر إلى مرحلة صدور الأمر بقتله، و هو فى مشهد الكاظمين عليهما السّلام من مصدر الحكومة المطلقة في تلك الأيّام و ذلك المقام المفترض الإكرام، و هو قدوتنا الجليل الأوّاه الاقا سيّد محمّد الطّباطبائى الكربلائى الآتى ذكره و ترجمته عقيب هذه التّرجمة إنشاء اللّه، فقتل و هو فى درجة خمس و خمسين تقريبا بهجوم العامّة عليه دفعة لا ترتيبا، و أخذ كلّ منهم من قوده قسمة و نصيبا، و كفى بربّك بذنوب عباده خبيرا بصيرا، و بنفس هذا الرّجل فى يوم القيامة عليه حسيبا، و قد مرّت الإشارة منّا إلى دواعى انجرار أمره إلى هذه المرحلة الماحقة للدّنيا و الآخرة، في ذيل ترجمة مولانا الشّيخ جعفر الفقيه النّجفى الكاتب فى ردّه و تخطئته و تفسيقه بل تكفيره و إباحة دمه رسالة مفردة فاخرة.
ثمّ انّ كتابه الموسوم «بتحفة الامين» موجود عندنا، و هو فى أجوبة اثنتى عشرة مسألة كتبها إليه من بلدة همدان أميرها الأفخم محمّد أمين خان بن الأمير مصطفى قليخان، و معظمها من قبيل الشّبهات الإعتقاديّة و الإيرادات الإلحاديّة على أصولنا المبدئيّة و المعادايّة، و قد بسط جناب المجيب الغير المصيب فى المجاوبة عنها يد التّأويل العجيب و الغريب، و التّسويل المطيب لخاطر ذلك العلج المستريب.
و إن كان يعجبنى ان أورد هنا من تلك المسائل واحدة لا تخلو للنّاظرين فيها من عائدة و فائدة و هى ما جعله باسم إما منا الحجّة الّذى غيّب اللّه عنّا نوره و وعدنا رجعته و ظهوره، فأثبت لنا في طى أجوبته عن المسائل المذكورة وجوب وجود ذلك
ص: 129
الحجّة المنتظر مع كونه غائبا عن النّظر بين أظهر هذه الامّة المرحومة المنصورة بمثل هذه الصّورة:
سؤال پنجم: حضرت صاحب الأمر كه ميگويند حى و موجود است اختصاص بهمان تعيّن كه از نسل امام حسن عسكرى عليه السّلام و محمّد نام داشت دارد، يا اينكه معنى است كه عالم خالى از او نميماند و موجود است در ضمن أفراد على سبيل التّبادل، و مضايقه هم از آن نيست كه همان حقيقت واحده باشد كه بتعيّنات معدّدة متعيّن ميشود.
جواب تبيين اين مسأله متوقف است بر بيان معنى امامت و بر بيان لابديّت از آن؛ و در اين دو ركن حكما را اعتماد شديد است، و متكلّمين سنّى و عدلي و شيعىّ زيدى و إمامىّ در اين مسأله اشباع سخن نموده اند و همچنين ضرور است بيان عدم و تعيين آن، و بيان موضوع آن در خارج، و در اين مسأله بيان مذاهب اسلاميّه بالعرض مى شود زيرا كه قطب افتراق مسلمين مسأله امامت است، و سائر افتراقات كالمتفرع برآنست يا كالأسباب لها، چنانكه معلوم خواهد شد انشاء اللّه، إلى أن قال بعد إقامة البراهين القاطعة العقليّة من الإنيّة و اللّمية على وجوب وجود الحجج الطّاهرة فى هذه البريّة، و قيام الأقطاب الأرضيّة الّذين هم مظاهر صفات الربوبيّة بامور هذه الرّعيّة، و أهل شهود جميعا أقطاب حقيقيه امّت محمّديّة را منحصر در دوازده دانسته اند هرچند در تشخيص موضوع آن اختلاف نموده اند، و ابن حجر عسقلاني تصريح نموده با وجود تعصّب: كه قطب نميباشد مگر از اهل بيت: آمديم بر سر تعيين موضوع آن و طريق إثبات آن بر وجه كلّى بر سه نوع است؛ نوع أوّل طريق عامّه و آن نقل متّصل از اصحاب و حراست و در آن چند شهادت است.
أوّل شهادت جنّيان چنانچه خاكسار در كتاب مهاديوكه در لسان شرع ابو الجانّ است ديده است كه در جك دوربيا كه دور دوّم از ادوار أربعه است در هنگاميكه مهاديو از ذريّت گناه بتقريب كثرت گناه و امتناح از قبول امر بمعروف و نهى از منكر
ص: 130
برنجيد، در كوه سمير اعتزال نموده بزوجه خود كز را پاريتى كه ام الجان است خبر از خلقت حضرت آدم عليه السّلام از طين در نزديك كال جك كه دور رابع است داده، و در آنجا تصريح بخلقت حضرت خاتم النبيين و دوازده بزرگوار از عترت طاهرين او سلام اللّه عليه و عليهم أجمعين كرده، و نصّ بر أفضليّت إيشان بر جميع مخلوقات نموده و آن كتاب در مذهب بر همنان أز قبيل كتب سماويّه است، و كتابى در روى زمين نزد آدميان أقدم از آن نيست، و ايشان مهاديو را منه يعنى نبى ميدانند.
دويم شهادت جاماسب در كتاب خود كه پيش از حضرت مسيح و خاتم عليهما السّلام از طوفان نوح تا طوفان آينده همه را بضوابط نجومى بيان نموده، و تمامى أخبار او بر طبق اخبار اتّفاق افتاده، و در تصريح ببودن ذريّت حضرت خاتم المرسلين از نسل دختر او شهادت امام حسين عليه السّلام، و ظهور دولت صاحب الأمر عليه السّلام بعد از غيبت، و خروج دجّال نموده است، و ذكر عبارات ايشان در اذهان معاصرين أز باب الغاز است، لهذا بنقل حاصل ترجمه اكتفا نمود.
سيم شهادات الهى در «توراة» در ذكر اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام و بهمرسيدن دوازده بزرگوار از عترت محمّد صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و در كتاب مبين عبارات توراة را بعبرى نقل نموده ام.
چهارم روايت محدّثين أهل سنّت باسانيد متّصلة در صحاح از جابر بن سمرة از پدرش از جناب نبوىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم كه عدد خلفاى وى دوازده است.
پنجم روايت محدّثين اماميّه كه پيش از انقضاى دولت ظهور ائمّة عليهم السّلام تأليف نموده اند، مانند حديث لوح زبرجد كه حضرت سلمان فارسى رضى اللّه عنه از حضرت فاطمه عليها السّلام روايت نموده، و جابر بن عبد اللّه انصارىّ رضى اللّه عنه نيز از آنحضرت روايت نموده، و حديث اسامى ائمّه اثنى عشر را بترتيب سليم بن قيس الهلالى در اصل خود روايت نموده، و از اصحاب جناب أمير المؤمنين و حسين و على ابن الحسين و محمّد الباقر عليهم السّلام بوده است و تلميذ حضرت سليمان و ابو ذر و
ص: 131
مقداد و عمّار بوده است، و زياده از صد حديث مسند از أصحاب أئمّه هدى عليهم السلام در خصوص عدد اسامى ائمه اثنى عشر عليهم السلام بنظر قاصر بصحّت پيوسته، و در كتاب «اثبات الهداة بالنّصوص و المعجزات» و در اصول «وافى» و كتاب «بحار الانوار» مذكور است، و زياده از چهارصد نفر شخص معتبر و ثقه هر كدام بتقريبى در زمان امام حسن عسكرى عليه السّلام و در غيبت صغرى و كبرى بخدمت آنحضرت عليه السّلام رسيده، و در مجلّد سيزدهم «بحار الانوار» قصّه هر كدام مذكور است الى ان قال لمؤلّفه:
ماه من از ديده ها هرچند پنهانست ليك
در دل هر ذرّه خورشيدى رخش پيداستي
شور بلبل ناله قمرى نواى عندليب
غلغل سيل از هواى ان سهى بالاستى
نوع دويم طريقه خاصّه و آن ملاحظه مراتب نشو كثرات از افراد و أزواج و ثلاثيّات و رباعيّات طريانيّة و سريانيّه جمعيّه و ضربيّه كه مولّد سباعيّات و اثنا عشريّاتند، و در كتاب «و مضة النّور» «و ذخيرة الالباب» و «دوائر العلوم» و «مجالى المجالى» تحقيق اين تطبيق بتفصيل و اجمال نموده ام.
د گنجايش بحر در سبو ممكن نيست
و تطبيق عوالم أز ادلّه وحدت صانع است و معلول ظلّ علّت است، و محالست زيادتى در معلول بر علّت، پس چون ثابت است دوازده ركن جهت اسم أعظم كه علّت عالم علوىّ و سفلى است ببرهان عقلى و دليل نقلى و حجّت شهودىّ و بر طبق آن فلك را دوازده برج و سال را دوازده ماه و روز و شب را دوازده ساعت هست؛ مظهر نور خاتم النبيّين كه اوّل ما خلق اللّه نورى مبيّن آنست بى زياده و كم بدون طفره و انقراض بايد دوازده باشد از سنخ او و اين اثنى عشريّه در امم سابقه دوازده سبط اسرائيل، و دوازده فلقات نيل، و دوازده عيون منبجسة در طراز اوّل؛ و در دوازده نقيب ليلة العقبة در طراز وسط، و در طراز آخر دوازده قطب است كه ظلال دوازده قطب عترتند، و بايد دانست كه قطب عترت قطب الأقطاب است كه او را غوث أعظم نيز مى گويند، و آن در زمان خود قائم و صاحب العصر و الزّمانست، و قطب الوقت داعى اوست كه بى ظهور او و
ص: 132
خفاى إمام صورت نمى بندد، چه در عقليّات مبرهن است كه اگر مصلحت وقت مقتضى استتار حجّت شود لا محاله بايد باب او براى اصلاح امور خلّص و دفع شبهه در ميان امّت باشد، و اين اثنى عشريّه در ملائكه كه نور أنيانند در اجنحه اسرافيل و در جنّيان كه ناريانند در دوازده اوتاد است كه بر همان مدار أدوار را بر وجود ايشان بر قرار ميدانند، و برخى أز أحوال دوازده اوتاد و منتظر بودن دوازدهم در آئين أكبرى مذكور است، و برهان تطبيق اسد و اتقن براهين است.
نوع سيّم طريق خلّص كه أرباب شهود و أصحاب تعريفند و مصداق و علّمناه من لدنّا علما از آنجمله شيخ محيى الدّين طائى أندلسي در باب سيصد و شصت و ششم «فتوحات» تصريح بوجود اسم و نسب حضرت امام ثانى عشر نموده است، و در موضع ديگر نيز در تطبيق سماويّات آفاق با أرضيّات أنفس تصريح بدوازده إمام عليهم السّلام نموده، و در كتاب «مفتاح الغيب» مشافهة از آنحضرت روايت نموده؛ و معنعن از آنحضرت از پدر بزرگوارش إمام حسن عسكرىّ أز پدرش امام علىّ النّقى، و هكذا تا جناب رسالت مآب صلوات اللّه عليهم أجمعين و عبارات ايشان را در كتاب «ميزان التّمييز فى العلم العزيز» بيان نموده ام، و سيّد حيدر آملىّ در كتاب «جامع الأسرار و منبع الانوار» اتّفاق أرباب شهود را بر وجود آنحضرت بيان نموده، و قدح كشف شيخ علاء الدّولة سمنانّى در كتاب «عروة» كه بموت آنحضرت در مدينه مشرّفه قائل شده نموده، و در حقيقت امّت محمّديّه منقسم اند بقائلين بحيات صاحب الزّمان (ع) و غيبت او از اغيار تا مدّت مصلحت در إستتار و آنها را إماميّه بمعنى اعمّ ميگويند. سبائيّة از غلاة اماميّه حضرت امير المؤمنين عليه السلام را، و مخمسّه حضرت امام حسين عليه السّلام را، و كيسانيّه محمّد بن الحنفيّه را، و ناوسيّه جعفر بن محمّد عليه السّلام را، و محمّديّه محمّد بن علىّ الهادى را، و اماميّه اثنا عشريّة ابن الحسن العسكرىّ عليهما السلام را غائب و مستتر و حجّت منتظر ميدانند، و باين معنى قائلند محقّقين از اهل شريعت و عرفاء از اهل حقيقت، نهايت أهل شريعت غيبت را عامّ دانند، و أهل حقيقت غيبت
ص: 133
را از اغيار گويند، و بقائلين بتولّد او در آخر الزّمان از ذرّيت حسن مجتبى عليه السّلام و ايشان جمهور أهل سنّتند هرچند محقّقين ايشان با اماميّه اثنى عشريّه متّفقند در غيبت و استتار و قول بموت طبيعىّ آنحضرت نظر بقواعد شرعيّه خرق اجماع مركّب و خروج از حكم برهان تطبيق بزيادتى عدد و انكار أهل شهود است قال الشّيخ فى «الفتوحات» انّ بين الفلك التّاسع و الثّامن قصرا له إثنا عشر برجا على مثال الائمّة الاثنى عشر، و اين عبارت نصّ است بر تطبيق و تحقّق أئمّة دوازده گانه بترتيب بروج فلكيّة بى طفره إلي أن قال: و در «مفتاح الغيب» در طول عمر آنحضرت ميفرمايد كه فوا أسفا على السيّد الجليل من العمر المستطيل كان ذلك فى الكتاب مسطورا، و فى الرّقّ مزبورا، و هم در آن كتاب فرموده است و علىّ خليفة الميراث و الحسين خليفة الإمام علىّ و جعفر الصّادق خليفة العلم و محمّد المهدىّ خليفة اللّه و خليفة محمّد و خليفة القرآن و خليفة السّيف و خليفة المسلمين.
و هم در آن كتاب فرموده است كه و أمّا أمّه فاسمها نرجس، و هى من أولاد الحوارييّن، قال: و قد ورث هذا الكتاب النّورانّى و اللّباب الصّمدانى محمّد المهدىّ و هو ورثه من أبيه الحسن العسكرىّ، و هو ورثه من أبيه علىّ النّقى، و هو ورثه من أبيه محمّد التّقى، و هو ورثه من أبيه علىّ الرّضا، و هو ورثه من أبيه الكاظم، و هو ورثه من أبيه جعفر الصّادق، و هو ورثه من أبيه محمّد الباقر، و هو ورثه من ابيه زين- العابدين، و هو ورثه من أبيه الحسين، و هو ورثه من أبيه الإمام علىّ رضى اللّه تعالى عنه، و عنهم اجمعين.
و در وقت ظهور آنحضرت در أسرار اسم محمّد ميفرمايد و يخرج من اسمه عدد من ارسل من الأنبياء و إذا ضممت باطن عدد هذا الإسم إلى ظاهر عدده كان الخارج من الجملتين وقت ظهور خاتم الاولياء محمّد المهدىّ فافهم.
و شيخ سعد الدّين حموىّ و سيّد حيدر آملى تصريح نموده اند كه اطلاق اسم ولى بر غير دوازده إمام عليهم السّلام صحيح نيست، پس چون ثابت شد از روي وحى
ص: 134
انبياء جنّ و انبياء إنس و برهان عقل و شهادت أحاديث فريقين و شهادت حسن زياده از چهارصد ثقه جليل أز مخالف و مؤالف و شهادت أهل كشف و شهود دوازده بودن أوصياء خاتم الأنبياء صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و نام و نسب إيشان از أحاديث فريقين و بيان أهل شهود مشخّص شد و تولّد امام ثانى عشر و اختفاء او از أغيار محقّق شد، ثمّ إلى أن قال: و بايد دانست كه امام ابن صبّاغ مالكىّ كه از عظماء علماء سنّيان است در «فصول مهمّه» گفته است كه ولد ابو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص ابن علىّ الهادىّ بن محمّد الجواد بن علىّ الرّضا الى آخر.
و جمع كثير از محقّقين كتاب جداگانه در تفصيل أحوال آنحضرت نوشته اند، امّا از شيعه أوّل رئيس المحدّثين شيخ أبو جعفر الصّدوق در كتاب «اكمال الدّين» دوّيم شيخ ابو عبد اللّه محمّد بن ابراهيم نعمانّى تلميذ شيخ كلينى قدّس سرّه در كتاب «الغيبة» سيّم شيخ الطّائفة المشتهر بشيخنا الطّوسى در كتاب «الغيبة» و أمّا أز أهل سنت شيخ ابو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد الكنج الشّافعىّ در كتاب «البيان فى احوال صاحب الزّمان» دوّيم الحافظ ابو نعيم الإصفهانىّ الشّافعيّ در كتاب «الأربعين» و هم در كتاب ذكر المهدىّ سيّم صاحب «كشف المخفىّ فى مناقب المهدىّ» و امّا كتبى كه ذكر آنحضرت شده بسيار است أول كتاب «الفصول المهمّة فى معرفة الأئمّة تصنيف نور الدّين عليّ بن محمّد المعروف بابن صبّاغ مالكى، دوّم «صحيح بخارىّ» و در آن سه حديث است سيّم «صحيح مسلم» و در آن يازده حديث است؛ و در «جمع بين الصّحيحين» حميدى دو حديث است، و در جمع «بين الصّحاح» امام الحرمين رزين بن معاوية عبدرى يازده حديث است، و در «تفسير امام ثعلبىّ، پنج حديث است، و در كتاب «غريب الحديث» ابن قتيبه شش حديث است، و در كتاب حافظ دار قطني از مسند حضرت فاطمه زهراء عليها السّلام شش حديث، و از مسند علىّ بن ابي طالب (ع) سه حديث و در كتاب مبتداء كسائى دو حديث، و در كتاب «المصابيح» تأليف حسين بن مسعود بغوىّ پنج حديث و در كتاب «الملاحم» ابو الحسن احمد بن جعفر مناوى سى و چهار حديث و در كتاب
ص: 135
حافظ محمّد بن عبد اللّه حضرمىّ سه حديث، و در كتاب «الرّعاية لاهل الرواية» تصنيف شيخ أبى الفتح محمّد بن اسماعيل فرغانّى سه حديث، و در كتاب «الاستيعاب» تصنيف حافظ أبى عمرو يوسف بن عبد البر نمرىّ دو حديث، و أز جمله آن كتب نيز كتاب «مطالب السّؤل فى مناقب آل الرّسول» (ع) تأليف حافظ محمّد بن طلحه شافعىّ و كتاب شرح السّنة» شيخ ابى محمّد بغوىّ مى باشد كه در آن كتاب حديث بسيار نقل نموده است و جميع مؤرّخين إسلام در كتب سير عربى و فارسىّ ذكر ولادت و غيبت آنحضرت و داستان خروج آنحضرت را مبسوط بيان نموده اند، و حافظ ابن حجر مصرى شافعىّ در كتاب «صواعق محرقه در ردّ رافضة و متزندقة در ترجمه إمام حسن عسگرىّ (ع) گفته است و لم يخلف غير ولده أبى القاسم محمّد الحجّة و عمره عند وفات أبيه خمس سنين، لكن أتاه اللّه فيه الحكمة و يسمّى القائم المنتظر لأنّه ستر و غاب فلم يعرف اين ذهب و مرّ فى الآية الثّانية عشر قول الرافضة فيه انّه هو المهدىّ إلى أن قال انتهى كلامه
و مجلّد سيزدهم «بحار الانوار» بتمامه در أحوال آنحضرتست ملخّص سخن اينكه اين خاكسار با تتّبع بسيار كه در كتب براهمه و مجوس و يهود و نصارى و فلاسفه و كهنه و منجّمين و شيعه و معتزله و أهل سنّت و عرفاء و صوفيّه نموده بعد از إتّفاق بر وجود صانع عالم أمرىّ متّفق عليه مانند ظهور حضرت صاحب الزّمان (ع) نديده ام و در أحاديث أهل بيت وارد است كه ظهور آنحضرت (ع) از جمله ميعاد است قال اللّه تعالى انّ اللّه لا يخلف الميعاد و علم يقينى حين ظهور او مختصّ بعلّام الغيوب است و عنده علم الساعة مفسّر بساعت ظهور است، و استبعاد بطول عمر با وجود أعمار طويله بسيار در أمم و مقدور بودن أمر از غايت نادانى است و جمعى ثقه بولايت واقعه در تحت حكم آنحضرت كه در جزائر مغرب واقع است و اولاد آنحضرت در آن حكّامند رفته اند و از آن خبر داده اند و اين خاكسار ذكر جزيره خضراء را إجمالا در كتاب قاموس و كتاب أنساب سمعانى ديده ام، و بتفصيل در مجلّد سيزدهم كتاب «بحار الانوار» در باب معنون من رآه عليه السّلام قريبا من زماننا مذكور است و از پادرىّ يوسف
ص: 136
مسيحى انگريزى كه أعلم نصارى بود نظر بقرب ولايت فرنگ بآنجا تحقيق نمودم بتفصيل بيان آن نمود، و گفت سكته آنجا مسلمانانند و پادشاه آنجا را داعى ميگويند و يوسف جوانه فرنگسيس صورت آنجزائر را باين خاكسار بر سبيل ارمغان داد، اكنون در نزد اين خاكسار موجود است، و شيخ شيخ ما حاجّى هادى همدانّى الأصل نجفّى المسكن در مسجد رسول صلى اللّه عليه و اله به خدمت آنحضرت رسيده بود، و تحقيق مسائل چند نموده، و شيخ ما شيخ موسى بن علىّ البحرانىّ دو دفعه خدمت آنحضرت رسيده بود؛ و قصّه رسيدن مولانا أحمد أردبيلى در مسجد كوفه و سؤال از مسائل چند در «بحار الانوار» بروايت أمير علام مذكور است عميت عين لا تراه و لا يزال عليه رقيبا و خسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبّه نصيبا و انكار تعيّن خاص آنحضرت مانند إنكار جميع أنبياء و اولياء است، چه آنحضرت خاتم ولايت محمّديه است، همچنانكه حضرت مسيح عليه السّلام خاتم ولايت أنبياء، و حضرت أمير المؤمنين خاتم ولايت مطلقه است و باب اللّه الاكبر مرموز بالغيب و النّجم و الفجر و العصر در قرآن آنحضرت است. خلاصه لم اكن أعبد ربّا لم أره سخن انبياست، و من لم يجعل اللّه له نورا فماله من نور از حال محجوبين پرده گشاست، و على الأصحّ تاريخ ولادت شريف «نور»، و تاريخ غيبت «سرّ» و بحسب أبعد إحتمالات اميدواريم كه ظهور الحقّ باشد، الحمد للّه الّذى هدانا لهذا و ما كنا لنهتدى لو لا ان هدانا اللّه انتهى.
و له أيضا كتاب سمّاه «كوثر الاسرار فى شرح معضلات الاخبار» كما ذكره فى كتاب «المنية» و كأنّه نظير ما كتبه السيّد الشّبر فى شرح الأحاديث المشكلة، و هو كتاب كبير كما ذكره فى ترجمته فليلاحظ.
و أمّا حديث رواية الرّجل عن الأشياخ السّالفين و طريق أخذه العلم و الحديث من الأسلاف الصّالحين؛ فقد وجدته أيضا من كلام نفسه الّذى هو على نفسه بصير فى مقدّمات رجاله الكبير، الّذى عنه النّقل فى هذه العجالة كثير بثير بمثل هذا التقرير المقدّمة الثانية عشر، فى ذكر أسانيدنا إلى المشايخ الثّلاثة يعني بهم المؤلّفين لكتبنا
ص: 137
الأربعة المعروفة، و هى أكثر من أن تحصيها هذه الوجيزة فلنكشف بشرذمة عزيزة، فمنها ما رويته قرائة و سماعا و إجازة عن الشّريف المنيف السيّد السّند العلّامة الربّانى الاميرزا محمّد مهدىّ الموسوىّ الشّهرستانى، ادام اللّه تعالى ظلال افاداته و حشره مع ائمّته و ساداته.
و رويته أيضا اجازة عن المولى الجليل النّبيل فقيد العديل و البديل الرّاقى الى ذروة التّحقيق وهام التّدقيق الرّضى الوفّى نجل الاستاد المبرور المغفور الآقا محمّد باقر بن محمد علىّ لا زال كاسمه محمّدا و عليّا.
و رويته أيضا إجازة عن الشّيخ الورع التّقى النقى المحدّث الربّانى الشيخ موسى ابن علىّ البحرانى أطال اللّه تعالى بقائه كلّهم عن الشّيخ العلّامة الرّبانى الشّيخ يوسف بن احمد الدّرازىّ البحرانى تغمدّه اللّه تعالى برحمته، صاحب تصانيف كثيرة تربو على ثلاثين منها كتاب «الحدائق الناضرة» الّتى لم يصنّف مثلها فى الفقه الإستدلالي فى الاسلام، و لا رأت مثلها عين الإسلام، عن الشّيخ حسين بن الشّيخ محمّد بن جعفر البحرانىّ الماحوزىّ عن الشّيخ سليمان بن عبد اللّه بن علىّ السّراوى الماحوزى، صاحب مصنّفات كثيرة، ذكر منها «رسالة فى مسألة وجوب صلوة الجمعة عينا» نقضا لرسالة بعض الفضلاء فى تحريمها، و «رسالة فى وجوب غسل الجمعة» و رسالة فى تحريم تسمية الصّاحب عليه السّلام» و «رسالة فى نجاسة أبوال الدوابّ الثّلاث» إلي آخر ما فصّله من أسانيده المسلسة إلى مصنّفات الفريقين مع تمام الزّين، و كمال الإهتمام منه فى الإحاطة بشقوق هذا البين.
و قال أيضا فى مبدء لواحق باب المحامدة من رجاله المزبور عند أخذه فى ترجمة سهيمه فى الإساءة بأقطاب الدّهور، و شريكه فى الانحراف عن طريقة المشهور، و طبيعة الجمهور مولانا محمّد أمين الأسترآبادى الاخبارى المتقدّم ذكره المنتاب، فى باب ما أوّله الهمزة من اسماء رجال هذا الكتاب، و هو أوّل من تكلّم على المتأخّرين لمخالفتهم طريقه قدماء الأصحاب و أحسن و أتقن ثم تكلّم المحدّث القاسانّى في «سفينة
ص: 138
النّجاة» بقليل لا يشفى العليل، ثمّ المحدّث العاملىّ فى «الفوائد الطّوسيّة» أتى بما يروى الغليل، ثمّ الشّيخ حسين بن شهاب الدّين العاملىّ فى «هداية الأبرار» أشبع التّفصيل ثمّ الشّيخ أبو الحسن الغروىّ أراد التّكميل، و سادسهم مولانا رضىّ الدّين القزوينّى فى «لسان الخواصّ» أقام الدّليل، و السّابع هذا العبد الذّليل انتهى.
و قال فى ذيل ترجمة سميّنا العلّامة المروّج البهبهانّى كان مجتهدا صرفا خاليا عن التحصيل كما كان معترفا به و تصانيفه أصدق شاهد على ما قلناه؛ و كان متقشّفا له «فوائد فى اصول الفقه» أتى فيها الخطابيّات و الشّعريات، إلى أن قال: و كان كثير التّشنيع على المحدّثين، و به اندرست أعلام أحاديث الائمّة المعصومين، و طالب السنة المعاندين بشتائم المحدّثين؛ حتّى آل الامر إلى تعدادهم من المبتدعين، و أفتى باخراجهم مع العجز عن قتلهم فقيه المروانيّين، و صار المحدّث الماهر الصّارف عمره بقال اللّه و قال الرّسول أذلّ من اليهود و المجوس و أصحاب الحلول إلى آخر ما ذكره فى تلك التّرجمة.
و كتاب رجاله المرسوم موسوم ب «صحيفة الصّفاء فى ذكر أهل الأجتباء» جعله فى مجلّدتين أوليهما مخصوصة بالمقدّمات الرجاليّة بأسرها، مع سائر المطالب المهمّة المتعلّقة بعلوم الحديث من الدّراية و غيرها، و ثانيتها فى تفصيل الأسماء على حسب ترتيب حروف الهجاء و فرغ من الاولى فى السّنة الثّامنة من المأة الثّالثة من الألف الثّانى فى محروسة لار من البلاد الفارسيّة؛ و قال بعد فراغه من المجلّدة الأخرى هذا آخر ما أردنا إيراده فى هذا الكتاب من أسامى الرّواة و الرّوايات و كناهم و ألقابهم، و نقل ما نسب إليهم، و قيل فيهم، و ذكر ما صحّ لدىّ و اضفنا إليهم ذكر مشاهير المذاهب الإسلاميّة ممن له ذكر فى كتبنا و إن لم يكن من جملة الكتاب و السنّة، كمشايخ الأدب و الحكمة و الكلام و العرفان و التّصوّف، و ما أردت إلّا الإصلاح ما استطعت، و ما توفيقى إلّا باللّه عليه توكلت و إليه انيب، و كان الفراغ ليلة الاربعآء العشرين من شهر رجب الأصبّ من سنة كان تاريخها مظفّره يعنى بها سنة خمس و
ص: 139
عشرين و مأتين بعد الألف فى زاوية الرّى أيّام لبثى بها، على يد مؤلّفه الجانى أبى أحمد محمّد بن عبد النّبىّ بن عبد الصّانع المعروف بالمحدّث الاخبارىّ حامدا مصليّا مستغفرا. تمّ كلامه.
و قد مرّت الإشارة منا أيضا إلى نبيذة من أحواله و ما انتهت إليه نتيجة فعاله و أقواله فى ذيل ترجمة مولانا الشّيخ جعفر النّجفى عامله اللّه بلطفه الجلىّ و الخفّى فليراجع الطّالب إليه إنشاء اللّه.
ثمّ انّ هؤلاء السّنة المتأخّرة ذكرى أسمائهم الوافرة الايادى نقلا عن كلام الرّجل فى ذيل ترجمة امينهم الأسترابادىّ مع ادّعائه مساهمتهم فى السّياق و المشرب؛ و موافقتهم فى مخالفة علماء هذا المذهب، لقد تقدّم ذكر المحمّدين الأربعة منهم على سبيل التّفصيل، كل فى موضعه الحقيق الأصيل.
و لمّا كان قد بقى الكلام على ترجمة أحوال الرّجلين الآخرين فى عهدة التّعطيل و التّعويق إلى أن غشينى هذا الموضع المضيق، و المنزل السّحيق رأيت بالحرىّ و بالحقيق لتكميل فائدة هذا البحر العميق، أن أشير إلى شرذمة من أحوالهما أيضا و أنا فى الطّريق، فأقول و من اللّه الإستعانة و رجاء التّوفيق، أمّا الاوّل منهما فقد ذكره صاحب الأمل و هو بلديه العارف بأحواله على الوجه الأكمل، فقال فى القسم الأوّل منه المختصّ بعلماء جبل عامل.
الشيخ حسين بن شهاب الدين بن حسين بن محمد بن حيدر الكركى الحكيم كان عالما فاضلا ماهرا اديبا شاعرا منشئا من المعاصرين، له كتب منها «شرح نهج البلاغة» كبير، و «عقود الدّرر فى حلّ أبيات المطوّل و المختصر» و «حاشية المطوّل» و كتاب كبير فى الطبّ، و كتاب مختصر فيه، و «حاشية البيضاوىّ» و رسائل فى الطبّ و غيره و «هداية الأبرار فى اصول الدّين» و «مختصر الاغانّى» و «كتاب الإسعاف» و «رسالة فى طريقة العمل» و ديوان شعره، و «ارجوزة فى النّحو» و «ارجوزة فى المنطق» و غير ذلك و شعره حسن جيّد خصوصا مدايحه لأهل البيت عليهم السّلام.
ص: 140
سكن اصفهان مدّة، ثمّ حيدرآباد سنين و مات بها. و كان فصيح اللّسان، حاضر الجواب، متكلّما حكيما، حسن الفكر، عظيم الحفظ و الإستحضار، توفّى سنة ستّ و سبعين بعد الالف، و كان عمره سبعا و ستّين سنة، و ذكره السيّد علىّ بن ميرزا أحمد فى كتاب «سلافة العصر» و أكثر مدحه إلى آخر ما ذكره و من أشعاره اللّطيفة الفائقة نقله و حرّره، و قد نقل صاحب الرّجال المتقدّم عن كتابه «الهداية» عبارات توهّم منها اشتراكه معه فى الغباوة و الغواية بهذه العبارة: و منهم مبدّد عساكر الشّياطين، و مفرّق كتائب أصحاب الظّنّ و التّخمين، المرتقى إلى ذروة العلم بقدم اليقين، أفضل المحدّثين الشّيخ حسين بن شهاب الدّين العاملىّ، رفع اللّه مدارجه فى أعلا عليّين، و تصانيفه الرّائقة، و تآليفه الفائقة شهود صدق على فضله، و تبحّره و تدقيقه و تحقيقه، و اختياره طريقة الأخباريّين، و نصرته إيّاها فى رسالته الملقّبة «بهداية الأبرار» المتداولة بين عاملى الأخبار، و لنذكر قليلا من عباراته، قال فى «هداية الأبرار»: فصل فى بيان أصل الأختلاف، و تحرير محلّ النّزاع، بين من قال و بين من نفاه، و تحقيق معنى العلم شرعا و فيها أبحاث الأوّل فى بيان أصل الاختلاف، اعلم انّ السّبب الدّاعى إلى الإختلاف و هو ما ظهر من مخالفة المتأخّرين القدماء فى ثلاثة أمور الأوّل ان جماعة من القدماء كالشّيخ المفيد، و السيّد المرتضى و الشّيخ الطّوسى رحمهم اللّه صرّحوا بانّه لا يجوز إثبات الأحكام الشّرعيّة بالظنّ و أجاز ذلك المتأخّرون.
الثّانى ما أجمع عليه القدماء و صرّح به الشّيخ فى بحث الإجتهاد من «العدّة» بعد ان نقل اختلاف الأقوال فيما يجتهد فيه، و انّ المجتهد المخطى يأثم أوّلا فقال ما هذا لفظه: و الّذى أذهب إليه و هو مذهب جميع شيخونا المتكلّمين، و اختاره السيّد المرتضى و إليه كان يذهب شيخنا أبو عبد اللّه رحمه اللّه انّ الحقّ فى واحد و انّ عليه دليلا، و من خالفه كان مخطئا فاسقا إنتهى كلامه. و قال المتأخّرون: المجتهد المخطى لا يأثم.
الثّالث انّ جماعة من القدماء صرّحوا بان الأخبار الّتى نقلوها فى كتبهم و
ص: 141
عموا بها كلّها صحيحة و انّها كلّها ممّا توجب العلم و العمل إمّا لتواترها أو لقرائن تدلّهم على ذلك و لم يفرقوا بين ما رواه ثقة امامّى او غيره لذلك؛ و منعوا من العمل بخبر الواحد المجرّد عن القرينة المفيدة للعلم بصّحته أو جواز العمل به، و قال المتأخّرون انّها كلّها اخبار آحاد مجرّدة لا تفيد إلّا الظّن، و زعم جماعة منهم كالشّهيد الثّانى رحمه اللّه و من وافقه انّه لا يعمل منها إلّا بخبر العدل الإمامىّ فقط، فضيّقوا على أنفسهم و على من قلّدهم فى ذلك و أكثر كلامنا فى هذا الباب مع هؤلاء، و توضيح المقام بها انّ القدماء صرّحوا بأنّ الأخبار المنقولة فى الكتب المعمول عليها مقطوع بصّحتها أو صحّة مضمونها إمّا بالتّواتر أو بالقرائن الّتى توجب العلم بها، لثبوت ورودها عن المعصومين عليهم السّلام، إلى آخر ما نقله عنه صاحب الرّجال، و هو من مصوغات الأقوال.
و أمّا الرّجل الثّانى فهو الفاضل العريف، و الباذل جهده فى سبيل التّكليف مولانا ابو الحسن العاملى ثم الاصفهانى الساكن بالغرى الشريف ابن المولى محمد ظاهر بن عبد الحميد بن موسى بن على بن معتوق بن عبد الحميد العاملى النباطى الفتونى، و قد كان من أعاظم فقهائنا المتأخّرين؛ و أفاخم نبلائنا المتبحّرين، سكن ديار العجم طوالا من السّنين، و نكح هناك في بعض حوافد مقدم المجلسيّين، ثمّ لمّا هاجر إلى النّجف الأشرف نكح فى بعض بناته والد شيخنا الفقيه المعاصر صاحب كتاب «الجواهر» الشّيخ محمّد حسن بن المرحوم الشّيخ باقر، و كان ميلاده الشّريف أيضا ببلدة اصفهان، لما انّ والده المولي محمّد طاهر كان قاطنا بها برهة من الزّمان؛ و ناكحا فيها والدته المرضيّة العلويّة الّتى هى اخت سيّدنا الأمير محمّد صالح بن عبد الواسع الحسينّى الخاتون آبادى، الّذى هو ختن سميّنا العلّامة المجلسىّ الثّانى عليه الرّضوان، و اتّصاف الرّجل بالشّرافة أيضا من هذه الجهة فيما تراه من كتب إجازات هذه الطبقة، كما انّ تعبيره عن نسب نفسه فى أواخر ما وجدناه من أرقامه المباركة بأبى الحسن العاملىّ الإصفهانى الشّريف دليل على ذلك أيضا، و على انّ البلدة المزبورة هى ميلاده المنيف
ص: 142
و له الرّواية أيضا بالأجازة و غيرها كما فى بعض الاجازات المعتبرة عن خاله السيّد الصّالح المعظّم عليه غفر له و كذا عن المولى محسن الكاشى صاحب الوافى و الصّافى و الشّافى و مولانا المحقق آقا حسين الخوانسارى و السيّد البارع المحدّث نعمة اللّه بن عبد اللّه الموسوى التّسترى الجزائرى و الشّيخ عبد الحميد بن محمّد التّوانى (1)، الراوى عن الشّيخ صفىّ الدّين بن الشّيخ فخر الدّين الطّريحى النّجفى، عن والده الجليل صاحب كتاب «مجمع البحرين» إلّا انّ غالب رواياته الموجودة فى الإجازات المنتهية إلينا مقصورة على شيخه الأعظم الأفخم سميّنا العلّامة المجلسىّ، و شيخنا الأفقه الأفخر محمّد الحرّ العاملى، و يروي عنه أيضا بالإجازة و غيرها جماعة من مقاربى هذه الطبقة، و مشايخ شيوخ مشيختنا المعتبرة الموثّقة، مثل السيّد محمّد بن علىّ بن حيدر المعروف بالسيّد محمّد حيدر العاملى، شيخ رواية الشّيخ عبد اللّه بن جمعة السّماهيجى، و الشّيخ أبى صالح محمّد المهدىّ بن الشّيخ بهاء الدّين محمّد الفنوني النباطى النّجفى، أحد مشايخ سيّدنا العلّامة الطّباطبائى الساكن هو أيضا بالغريّ السرىّ، و الشّيخ الجليل الفاضل و الفقيه الكامل الميرزا ابراهيم القاضى الإصفهانّى، شيخ رواية مولانا الآقا محمّد باقر المازندرانى.
و له من المصنّفات المشهورة الّتى نحن عثرنا عليها فى هذا البين كتاب لطيف طريف جعله فى خصوص الأصوليّين، و رتّبه على مقصدين مشتملين على اثنتى عشرتين من الفوائد المتعلّقة بالعلمين، و سمّاه «الفوائد الغرويّة» لكونه من بركات زمن مجاورته بارض الغريّين، أقرّ اللّه بها منّا العين، و عندنا الجزؤ المتأخّر الّذى هو فى أصول الفقه منه بخطّ مؤلّفه المبرور رضى اللّه تعالى عنه، و له أيضا رسالة غراء مبسوطة فى خصوص مسألة الرّضاع، و كتاب كبير فى التّفسير على النّحو الّذى ورد فى متون الأخبار سمّاه «مشكوة الانوار» لم يخرج منه غير شى ء يسير بعد مجلّدتها الأولى الّتى هى في خصوص مقدّمات التّفسير؛ و عموم العلوم المتعلّقة بالقرآن الكبير، و ذكره ايضا صاحب «اللّؤلؤة» فقال بعد عدّة من جملة مشايخ السيّد محمّد بن حيدر
ص: 143
المتقدّم إليه الإشارة، راويا عن العلّامة المجلسّى، و شيخنا الحرّ العاملىّ، و وصفه بالمجاور بالنّجف الأشرف حيّا و ميتا، و كان الملّا ابو الحسن المذكور محقّقا مدقّقا ثقة صالحا عدلا اجتمع به الوالد قدّس سرّه، لمّا تشرف بزيارة النّجف الاشرف، فى سنة خمس و عشرين و مأة بعد الالف، و كان بصحبة والده و والدته و جمع من الرّفقاء، و فى هذه السّنة مات والده و قبره فى جوار الكاظمين عليهما السّلام.
و قد وقع بين الوالد و بين المولى أبى الحسن المذكور بحث فى مسائل جرت فى البين، له كتاب «الفوائد الغرويّة» و لم أقف منه إلّا على ما يتعلّق بأصول الفقه، قال فى اوله بعد الحمد و الصلاة المقصد الثانى من «الفوائد الغروية» فيما يتعلّق باصول الفقه إلى أن قال: و له «رسالة فى الرّضاع» اختار فيها القول بالتّنزيل، و قد تقدّم فى ذلك المحقّق الدّاماد، و لنا رسالة فى الرّد عليه، ستأتى الإشارة إليها إنشاء اللّه عند تعداد مصنّفاتنا؛ و له «شرح على الكفاية» ابتدأ فيه من كتاب المتاجر اعتمادا على ما كتبه المصنّف فى «الذّخيرة» ممّا يتعلّق بالعبادات رأيت منه قطعة من أوّل كتاب المتاجر، و الظّاهر أنّه لم يخرج من التّصنيف سواها؛ و شرح على المفاتيح سمّاه «شريعة الشّيعة و دلائل الشّريعة» رأيت منه قطعة فى آخرها: هذا آخر ما أردنا إيراده فى الجزء الاوّل من كتاب «شريعة الشيعة» شرح الباب الاول من كتاب «مفاتيح الشّرايع» و يتلوه الشّرح الباب الثّانى فى مقدّمات الصّلاة إنشاء اللّه، و قد فرغت من تصنيفه في أوّل سنة تسع و عشرين بعد المأة و الألف انتهى و هو يشهد بفضله تحقيقه و دورانه مدار الأخبار المأمونة العثار فى جليله و دقيقه، و لا أعلم هل برز منه غير هذا أم لاتمّ كلام صاحب «اللّؤلؤة».
و يظهر من تضاعيف كتاب «الأمل» انّ بيت بنى موسى بن علىّ النبّاطيّين العامليّين بيت كبير من أهل الفقه و الأدب و الحديث و أكثرهم كانوا متوطّنين إمّا بمحروسة إصفهان أو مجاورين بالنّجف الأشرف على مشرّفه السّلام.
ص: 144
العالم الخبير و السيد الكبير مولانا الاقا سيد محمد بن السيد الافضل الاكمل الاقا مير سيد على بن السيد محمد على الطباطبائى الكربلائى(1)
صاحب كتاب «مفاتيح الأصول» و كتاب «المناهل فى فقه آل الرّسول» كانت أمّه المخدّرة الجليلة بنت سميّنا العلّامة المروّج البهبهانى الّذى هو أيضا خال والده المسلّم فى مضمار الفهم و الفضيلة.
و ميلاده الشّريف فى أرض الحائر المطهّر فى حدود ثمانين بعد الألف و المأة من الهجرة، و كان معظم اشتغاله فى عراق العرب عند والده الجليل المنتجب، و فى مراتب الفقه و الأدب عند سيّدنا المهدىّ فى الوصف و اللّقب، بحر العلوم و بدر النّجوم، عليه رضوان اللّه الملك القيّوم، و يعبّر عنه فى مصنّفاته الجياد الأمجاد بالسيّد الأستاد؛ تفاخرا بذلك الإنتساب و الإستناد.
و قد انتقل فى حياة والده المبرور إلى بلدة اصفهان، فأقام بها برهة من الزّمان مشتغلا بالتّدريس و التّأليف، و مجتنبا عن سائر مناصب أجلائنا المعاريف، و كتب هناك جلّ كتابه «المفاتيح» بل كلّه و أكبّ الطّلبة على استنساخ كلّ ثلّة منه كانت تخرج إليهم قبل إكمال المصنّف لجملة اخرى من ذلك و ثلّة إلى أن كثروا فى قليل من الأونة نجله و نسله و نشروا بين هذه الطّائفة فرعه و أصله، و ليس هذا إلّا من جهة تسلّم استاديته فى هذا الفنّ الشّريف، أو من أثر حسن نيّته فى أمر التّأليف و التّصنيف، مع انّه قد يغمز فى كتابه المذكور، من جهة أنّه خال عن عمد مقاصد الفنّ المنظور، مثل مسائل مقدّمة الواجب و اجتماع الأمر و النّهى و اقتضاء الأمر بشى ء النّهى عن الضّد و بعض آخر من مباحث الألفاظ و مسألة الظّنّ الّتى هى المعركة العظمى بين هذه الطّائفة
ص: 145
من الأخباريّة الظّاهريّة و المجتهدين الّذينهم أرباب النّظر واحداء الألحاظ و إن ذكر بعضهم فى الإعتذار عن ذلك بانّه قدس سرّه لمّا كان غير متمهّر فى مراتب المعقول تجافى عن الاستقصاء للبحث و النّظر فى كلّ ما كان لها مدخليّة فيه من مسائل علم الأصول أو أنّ ذلك من جهة كون مقصوده إفراز كون هذه المسائل المعضلة و المباحث المفصّلة عن سائر مقاصد الكتاب، و افراد كلّ من أولئك برسالة على حده تحتوى بالأصالة على لبّ اللّباب و فصل الخطاب، كما ترى انّه كتب بعد ذلك رسالة مفردة فى الظّنون قرّر فيها حجيّة الظّن المطلق بأبسط ما يكون، مع انّها كما قرّر فى الأصول مذهب موهون، و له رحمه اللّه أيضا كتاب آخر فى أصول الفقه كتبه فى مبادى أمره سمّاه ب «الوسائل إلى النّجاة» و كتاب آخر سمّاه «اصلاح العمل» فى خصوص فقه العبادات.
و حكى انّه لمّا توفّى أبوه المرحوم، و بلغه ذلك النّعى الميشوم، كان هو ساكن اصفهان، فلم يلبث بعد ذلك بها، و انتقل من فوره إلى العتبات العاليات، فبقى مدّة فى وطنه الأبوينّى و الحائر الحسينى، ثمّ عاد إلى بلدة الكاظمين عليهما السّلام، فأقام بها بقيّة أيّام مجاورته لتلك المشاهد العظام، إلى أن عزم سلطان الشّيعة الإماميّة فى تلك الأعصار، و هو السّلطان المؤيّد المظفّر فتحعلى شاه القاجار، على الخروج إلى دفاع الفئة الكافرة الباغية الأروسيّة، حيث بلغته تعدّياتهم الكثيرة على البلاد الإسلاميّة، و طلب حضور جنابه المقدّس فى ذلك الموكب الأجلّ الأرأس، تيّمنا بفيض حضوره و استضاءة بأشعّة نوره، فبادر جنابه الأكرم إلى إجابة ذلك السّلطان المحترم، و حضر العسكر الميمون فى جملة من عظماء علماء الفنون، مثل مولانا المحقّق النّراقيّ رفع اللّه تعالى منه المراقى، فقام حضرة الملك بغاية احترامهم و رعاية نهاية احتشامهم، و كذلك الحاشية الأفاخم و سائر الملازمين لركابه الرفيع الملاثم، فأفرطوا بالنّسبة إليه فى حسن سلوكهم، و ذلك لأنّ النّاس على دين ملوكهم؛ بيد انّ من جهة عدم الوفاء فى الملوك و انتفاء العباء بهجوم العوامّ و خصوصا الأحشام و التروك آل الأمر فى سفرهم ذلك الّذى كانت العسكر يتغاورون فيه على غسل ماء الرّجل، و هم سائرون إلى أن رجعوا و هم من
ص: 146
تأثير نفس جنابه يسخرون، و قبال وجهه الشّريف بسيابه يجهرون، بل كانوا يرمون محمله الشّريف بالمدر و الحجارات و يرجمونه فى المشهد و المغيب بغير الطّيب من العبارات، و الجميل من الإشارات، زاعمين انّ انهزام جموعهم الأرذال الأجلاف، فى تلك المصاف لم يكن بواسطة استحقاقهم العقوبة و الإستخفاف، و لا بعلّة اكمان بعض اركانهم النّفاق مع الخيل الرّفاق، و اكفانه المسالمة و الوفاق، مع أهل الشّقاق، بل كان من جهة عدم أهليّة ذلك الإمام القمقام لمطاعيّة عساكر الإسلام أو عدم خلوص نيّته فى خصوص هذا المرام، و لا استجابة دعائه فى تلك الايّام، مع ما كان له من الإلحاح و الإبرام فى سؤال القبح و الأفواج الكرام على أعلاج الطّغام.
و بالجملة فقد بقى سيّدنا المرحوم المبرور فى كرب ذلك الأسف و الوهن و الفتور إلى أن أوصله اللّه تعالى إلى أرض قزوين، و جعله نازلا هنالك فى قرار مكين، فتكدّرت من عواصف ما اصابته حاله و تغيّر مزاجه و منواله و لم يمض على ما ذكر غير زمان قليل حتّى أن لزم الفراش بمواد عليل، و فؤاد من أيدى الفجايع على منه العويل، ثمّ لم يرفع رأسه على المهل من ذلك المهيل، و الحول من ذلك المقيل، حتّى أن عوين له أساس التّحويل، و أوذن فى أذنه من الرّفيق الاعلى بالرحيل، فاذن لأزهاق روحه المطهّر هناك عزرائيل، و لمّا أن توفّى و فرغوا من تجهيز جسده الشّريف، حملوا بأعجل ما يكون إلى مسقط رأسه المنيف؛ و هو أرض الحائر المطهّر على مشرّفها السّلام، و دفن فى ذلك البلد الحرام، بين حرمين الشريفين اللذين هما بمنزلة الرّكن و المقام فى روضة طيّبة بنيت له فى ذلك البين، على يمين الرّاحل من حرم العبّاس إلى حرم مولانا الحسين عليه السّلام، و ذلك فى أوائل سنة أربعين و إثنتين بعد الألف و مأتين.
هذا و من جملة خصائصه قدّس سرّه أنّه لم يؤم أحدا فى الصّلاة ما بقى عمره و لم يعلم فى تركه إمامة الجماعة ما هو سنده و عذره.
ص: 147
الفاضل الربانى مولانا محمد على بن مولانا محمد رضا الساروى المازندرانى(1)
كان من جملة فضلائنا الأبجال، و فقهائنا الواقفين على أحوال الرّجال، و له كتاب فى هذه المراتب لطيف يؤمن الإنسان من الغلط و التّصحيف سمّاه «توضيح الإشتباه و الإشكال فى تصحيح الأسماء و النّسب و الألقاب من الرّجال» لم ار مثله فى معناه، و يزيد على ضعفى «إيضاح العلّامة رحمه اللّه».
و له أيضا عليه حواش منه كثيرة جليلة الفائدة لأهل البصيرة؛ و فى آخر ما هو عندنا منه نسخة رقم تاريخ فراغ المصنّف منه بهذه الصورة: و قد فرغ منه مؤلّفه الراجى إلى عفو ربّه تعالى محمّد علىّ بن محمّد رضا السّاروي المازندرانى، تاسع شوّال المكرّم سنة ثلاث و تسعين و مأة بعد الألف.
أقول و هو غير الفاضل المحدّث الجليل مولانا محمد على بن مولانا احمد الاسترابادى الّذى هو ختن مولانا المجلسىّ الاوّل على ابنته الكريمة الصّالحة مساهما فى هذه الفخريّة لمولانا المحدّث الصّالح قدّس سرّه و اسمه الشّريف متكرّر الورود فى أسانيد إجازات الأصحاب، و روايته الشّايعة أيضا عن صهره المجلسّى المتقدّم ذكره المستطاب و قبره المطهّر أيضا واقع من قبل رجلى ذلك الجناب، العظيم الشّأن، قدام مرقد مولانا الصّالح عليه الرّضوان فى بقعة المجلسيين المتعلّقة بالمسجد الجامع العتيق باصفهان.
و له الرواية أيضا عن السيّد الأمير قاسم القهبائىّ المتقدّم ذكره فى ذيل ترجمة بلديّه المولى عناية اللّه، و يروي عنه ولده الفاضل المحقّق المدقّق المولى محمّد شفيع ابن المولى محمّد علىّ و المولى محمّد الشّهير بسراب، و كثير من فضلاء تلك الطّبقة فليلاحظ إنشاء اللّه.
ص: 148
و هو أيضا غير الشّيخ الفقيه المتبحّر الصفى محمّد على بن محمّد البلاغي النّجفي أحد شرّاح أصول الكافى، فيما ذكره سبطه الفاضل الملىّ الحسن بن عبّاس بن محمّد عليّ، فى كتابه الموسوم ب «تنقيح المقال» فى طىّ مسائل نفيسة من الأصول و الرّجال و هذه عين عبارته عند بلوغه إلى ترجمته: و من جملة علمائنا المتأخّرين الّذين لم يتعرض لذكرهم الفاضل الأسترابادى فى كتاب رجاله الكبير: محمّد علىّ بن محمّد البلاغى جدّى رحمه اللّه؛ وجه من وجوه علمائنا المجتهدين المتأخّرين، و فضلائنا المتبحّرين ثقة عين صحيح الحديث، واضح الطريقة، نقّى الكلام، جيّد التّصانيف؛ له تلاميذ فضلاء أجلّاء علماء.
و له كتب حسنة جيّدة منها: شرح أصول الكلينى و منها «شرح الإرشاد» للعلّامة الحلّى قدّس سرّه، و له حواش على «التّهذيب» و «الفقيه» و له حواش على أصول المعالم و غيرها، و كان من تلامذة العالم العامل محمّد بن الحسن بن زين الدّين العاملى، و من تلامذة الفاضلّ الورع أحمد بن محمّد الأردبيلى، توفى رحمه اللّه فى كربلاء على مشرّفها أفضل التّحيّة، و دفن فى الحضرة المقدّسة؛ و كان ذلك فى شهر شوال سنة ألف هجريّة على صاحبها الصّلاة و التّحية انتهى.
و كأنّه رحمه اللّه اشتبه فى أحد شيخى الرّجل، فانّ تلمّذه عند الشّيخ الأوّل ينافى التلمّذ عند الثّانى، لأنّ الشّخص الثّانى شيخ والد الشّيخ الأوّل كما عرفت ذلك فى ترجمتها على الطّريق الأكمل، إلّا انّ تاريخ وفاته المذكور يعيّن كون الإشتباه فى نسبة تلمّذه إلى الشّيخ الاوّل فليتأمّل و لا يغفل.
ص: 149
العالم البارع و الفاضل الجامع زين المجالس و المجامع و صاحب المقارع و المقامع مولانا الاقا محمد على بن قدوتنا الاجل الافضل آقا محمد باقر البهبهانى(1)
المروّج لشرعنا الأجلّ ألأجمل، فى رأس المأة الثّالثة من الهجرة المباركة بعد الألف الاوّل؛ ابن الفاضل الباذل المجلسىّ بالمصاهرة مولانا محمّد أكمل، تقدّم فى باب ما اوّله الباء المفردة ذكر والده الجليل النّبيل على سبيل التّفصيل، مع الإشارة إلى نسبه الأصيل و مجده الأثيل، و الإشارة فى الضّمن أيضا لشى ء من مراتب هذه الجناب المستطاب، المفتتح باسمه السّامى عنوان الباب، و نبذة من أسماء مصنّفاته المشتهرة بين وجوه الأصحاب، نقلا عن جمع صاحب كتاب «منتهى المقال» كلّا من أحوال الوالد و الولد فى ذلك المجال، إلّا ان شأنه الشّريف، لمّا كان أرفع من أن نكتفى فى حقّه بمثل ذلك التّوصيف، فرضنا على النّفس الجانية ثانيا أن نأتى ببقيّة ما وضع عندنا من تراجم أحواله و أوضاعه لا كسلا و لا متوانيا، فنقول: هو الّذى بهر فى بيداء وصف فضيلته أفراس العقول، و جهر بالنّداء بنعت نبالته اجزاس قوافل المعقول، و المنقول، كان مع جميع ما فيه من فضائل أبيه و منازل كلّ مجتهد و فقيه حائزا لنفائس سائر الفنون، و فائزا بدراية بعض ما هو المكنون المخزون، و عن غير أهله مصون مضنون و من أبى فالنّظر إلى كتاب مقامع فضله يكفيه إذ فى مطاويه الواعية على كلّ ما يشتهيه تنبيه، و لكلّ ما يقتضيه و يرتضيه تنويه على أثر تمويه، و هو فيما ينيف على عشرين ألف بيت، و يشرف على مأتين و ألف مسألة من المسائل العويصات و المشاكل الإمتحانّيّات من مقولة الشّرعيّات و غير الشّرعيات، و فى تضاعيفه الإشارة أيضا إلى نشارة من تصانيفه
ص: 150
الآخر مثل رسالته الّتى كتبها فى إثبات إمامة موالينا الإثنى عشر عليهم سلام اللّه الملك الأكبر إلى قيام يوم المحشر، و كأنّها الّتى سمّاها «سنّة الهداية» و قد أطنب فيها الكلام فى الردّ على الغزالّى و ابن الحجر، فى منعهما أهالى الحديث و أصحاب المنير، على نقل أحاديث مقتل الحسين المظلوم و دواهيه الكبر، لئلّا يلحق من ذلك بأشياخهم الضّرر، أو يتعلّق دماء أهل بيت نبيّهم الاطهار الغرر، بأعناق أولئك الباعثين لما صدر، و النّاكثين لبيعة اللّه على الوجه الأمر.
و مثل رسالة له اخرى فى النّقض على جماعة الصّوفيّة علي الطّريق الأخرى سمّاها «قطع المقال فى ردّ أهل الضّلال» و مثل كتابه الموسوم ب «معترك الأقوال فى أحوال الرّجال» و كتابه الموسوم ب «مفتاح المجامع بمفاتيح الشّرايع» عندنا منه شرح الدّيباجة مع جملة من المقدّمات، و فيه انّه شرح قبل ذلك قدرا من أبواب المطاعم منه و فيه أيضا انّه اتّفق تلقّبه و تاريخه حمد الشّروع ذلك أن تصحف الجزء الاوّل بدمخ و خدم و مدخ و مخدود خم فافهم.
و كتابه فى شرح المدارك سمّاه ب «الفذالك» نقلنا عنه فى ذيل ترجمة صاحب متنه، و ظنّى أنّه لم يتجاوز أبواب الطّهارة فليلاحظ.
و رسالة له اخرى في حكم النكاح مع الإعسار سمّاها «مظهر المختار» و ذهب فيها إلى جواز فسح المرأة نكاحها فى صورة حضور الزّوج و امتناعه من الإنفاق و الطّلاق و إن كان من جهة الفقر و الإملاق، و فى «مقامعه» أيضا تفاصيل لبعض المسائل الفقهيّة يليق أن يجعل لكلّ منها كتابا على حدة مثل مسألة الخلع و شرايط التى تبلغ ألف بيت تقريبا و هو باللّغة العربيّة مع انّ مبنى الكتاب بالفارسيّة، و لم يكتب أحد فى المرحلة المذكورة مثله.
و مثل مسألة مصدقيّة المرأة فى علمها بموت زوجها الغائب مع عدم التهمة، فانّها ايضا تبلغ حدّ ذلك مع تمام الإستيفاء للأقوال و المدارك.
و مسألة القبلة و بيان مراد أهل الهيئة من عرض و طول البلاد و تقسيمهم الأرض
ص: 151
إلى الأقاليم السّبعة بالإطراد، فانّها أيضا مذكورة هناك بأبسط ما يكون، و يظهر منها كمال مهارة الرّجل فى أكثر الفنون، إلى غير ذلك من رسائله الغير المشهورة، و أجوبة مسائله المتفرّقة كاللّئالى المنثورة، و قد ذكره تلميذه المتقدّم قريبا تحريره الميرزا محمّد الأخبارىّ فى كتاب رجاله الكبير بهذه الصّورة: محمّد علىّ بن محمّد باقر الاصبهانى المعروف بابن آقا، سكن بقرميسين و بها دفن، كان فاضلا متتبّعا عاصرناه، و كان صديقا لنا فقيد العناد بالمحدّثين، شديد العناد بالصّوفيّة، له كتب إلى أن قال: و له مقامع من حديد طريف جدّا، يروي عن والده، و يروي عنه ابنه و جماعة، أقول له الرّواية أيضا بالإجازة و غيرها عن المحدّث البحرانّى صاحب «الحدائق» فى الفقه كما عرفتها من طرق هذا التّلميذ اليه فى ذيل ترجمة نفسه من قرب و لذا يعبّر عنه فى بعض المواضع من «المقامع» كما باصرناه بشيخنا المحدّث الّذى عاصرناه، و تقدّم أيضا فى باب الحاء المهملة روايته بالإجازة الصّادرة له من بعد المسألة عن جدّنا المحقّق الأمير سيّد حسين الموسوى الخوانسارى غفر له.
و أمّا موضع دفنه الّذى ذكر انّه بقرميسين الّذى هو معرّب كرمانشاهان و هو من كبار مدن العراق، الّذى هو أحد الأركان الأربعة من محروسة إيران، فهو الواقع على ظهر البلدة المذكورة؛ من الجانب الغربىّ فى شنف طريق السّائرين إلى عتبات آل النّبىّ، و يدعى ذلك الموضع المحترم عند خيل العرب و العجم بسر قبر آقا، و ذلك لأنّ جنابه الأرفع الأتقى هاجر فى زمن والده الجليل النّبيل إلى ذلك المنزل و المقيل بعد طول طلب أهله من الوالد الرّخصة له فى هذا الرّحيل، و من الولد العزيمة منه على هذا التّحويل؛ فبقى ما بقى بعد هذه الحركة قاطنا فى ذلك المكان إلى أن صار هو أهله و ولده من زمرة أهاليه الأعيان، و المنتسبين إليه إلى أمد هذا الزّمان.
ثمّ انّ ولده المتقدّم إلى أخذ سنده منه الإشارة فى ضمن ما نقلناه عن حاضر عدده من العبارة؛ و هو المسمّى بآقا محمّد جعفر والد صاحبنا الموجود الّذى وقع منّا الظّفر بوصول خدمته فيما رزقنا اللّه من السّفر؛ و ملاذنا الحىّ الموصوف عند غير واحد من
ص: 152
النّفر بالفضل الأوفر و المقام الارفع الأزفر، أعنى الموسوم بسمة والد سيّد البشر، و صاحب الجمع المنتشر و الخيل المبشر، عاملهما اللّه بخير ما بشّر به خيل من نشر، و آمنهما من كلّ سوء و شرّ فى كنف ساداتنا الأربعة عشر عليهم صلوات اللّه إلى يوم المحشر قد كان هو أيضا من جملة علمائنا الأركان و فقهائنا الساكنين بذلك المكان، مقيما للجمعة و الجماعة هناك على قدر الإمكان، و رأيت أعواما قبل ذلك كتابا له فى الفقه كبيرأ كثير الفروع يدلّ على كونه متقدّما فى المعقول و المشروع، و ظغن من هذه الدّنيا الجافية و هو فى ذلك البلد إلى مهر اللّحد و كان قد طعن فى السنّ جدّا مثل جدّه الأمجد الأجلّ الأوحد، و ذلك كما اتذّكره فى حدود نيّف و خمسين و مأتين بعد الألف من الهجرة قدّس اللّه سرّه و اجزل نواله و برّه.
الفاضل الفقيه و الفاضل النبيه الاقا محمد على ابن الاقا محمد باقر الهزار جريبى المازندرانى ثم المشهدى النجفى(1)
المسمّي باسم أبيه كان من فقهائنا الباصرين: و علمائنا المعاصرين، و لدين اللّه تعالى من النّاصرين، هاجر بعد وفاة والده الأجلّ الأفخم إلى ديار العجم، و انتقل فيها من بلد إلى بلد، إلى أن أخذ منها فى مدينة قم الملتجد، فلازم فيها مجلس خاتم المجتهدين و المدقّقين، صاحب المناهج و الغنائم و القوانين، حتّى صار عند جنابه من جملة أخصّ الخواصّ و أفضل الملحوظين له بنظر الإلتفات و الإختصاص، و كتب له اجازة فوق سائر اجازاته، بل حرّص الأقاصي و الأدانى على الأخذ من بركاته و إفاضاته، فانتقل منها إلي دار السّلطنة إصفهان و اشتغل فيها بالتّرويج للشّريعة المطهّرة طويلا من الزّمان، مدرّسا هنالك في جملة مراتب الفقه و الأصول، إلي أن اشتهر بالفقيه المطلق
ص: 153
مع انّه كان جامع فنون المعقول و المنقول، و تزوّج هناك أيضا بابنة زبدة علمائنا الأنجاب، و قدوة حمكائنا الأقطاب، صاحب العظمة فى قلوب الأضداد و الأحباب، و الحشمة و المهانة فى صدور أولى الألباب، ملاذنا السّهيم لسمّينا الدّاماد فى الأسم و الرّسم و الشّيم و الآداب، محمّد بن محمّد بن محمّد اللّاهيجى محمّد الإصفهانى موطنا الرّازى مدفنا المشتهر بميرزا باقر النّوّاب، و هو المؤلّف «لشرح نهج البلاغة» بإشارة حضرت صاحب القران فتحعلى شاه القاجار، المشتهر فى هذه الدّولة بخاقان، و كذا للتّفسير الكبير المتفرّد بتنزيل فنون القرآن على أربع معان فى أربع مجلّدات حسان، إحديها فى القصص، و الأخري فى الذّكرى، و الثّالثة فى الأحكام؛ و الرّابعة فى وقايع يوم القيام و الآيات المتعلّقة بعذاب نار جهنّم و ثواب دار السّلام، كما ذكره بعض فضلاء أسباطه الّذى هو من أبناء صاحب التّرجمة فى رسالة ألّفها فى خصوص تذكرة أوضاع والده المبرور من الفاتحة إلى الخاتمة و لمّا كان قد أرسل عين هذه الرسالة إلى ولده الآخر، و خلفه الأجلّ الأفضل الافقه الأفخر، لا زال كاسمه حسنا و فى ناصية أهل العلم مستحسنا، بعدما صدر منّى إلى رفيع جنابه الطّلب لهذا المطلب، و استدعيت منه بلسان القلم المختلب بيان أحوال من هو سرّه لكي تكتب رأيت من الحقيق أيضا أن لا أخلى درج هذا المضيق عن إدراج بعض ما ضبطه فيها و لا أولى وسط هذا الطّريق عن إخراج غضّ ما ربطه فى مطاويها.
فأقول و باللّه المستعان و عليه التّكلان قال صاحب الرّسالة فى مرحلة البيان لحقيقة أحوال والده العظيم الشّأن، الّذى هو صاحب هذا العنوان، مع تغيير ما فى بعض الالفاظ و نبذما لا تنتفع بلحاظه اللّحاظ، فنقول و ان لم ينبغ أن يمدحه مثل هذا العبد القاصر، مع القلب المتهافت و الفكر الفاتر، و فرط الملال و شدّة اختلال الأحوال، و فقد الفرصة و المجال، فى كمال الإستعجال و عدم تهيّؤ الأسباب و كونى فى اوّل عنفوان الشّباب أنّه رحمه اللّه كان ملكوتيّة الآداب و الصّفات، شامخة المراتب و الدّرجات، مالك أزمّة الفضل و التّحقيق و من هو لكل مدح و ثناء حقيق دقيق النّظر عميق الفكر طليق اللّسان
ص: 154
جميل البيان إن أردت الفقه و الاصول و التّفسير و التّاريخ و العربية، فهو الفائز فيها بالقدح المغلّى، و إن شئت الكلام و الرّجال و الحديث فمورده منها العذب المحلى.
كان فقيها متبحّرا لم ير مثله عين الزّمان، و لم يلد بشبهه الدّور و الدّوران، ملقّبا بالفقيه فى عصره و زمانه، بل العلّامة الثّانى في دهره و أوانه، صاحب الفقاهة الإستشماميّة، و التّحقيقات الرّايقات، كما يظهر من كلام نفسه رحمه اللّه فى رسالته المعمولة له فى الخيارات، كان في الحكمة كالدّاماد و الصدرا، و فى الكلام كالمفيد و علم الهدى، جمع فنون علوم الدّين، و صنف كتبا كالنّجوم رجوما للشّياطين، كان مسلّم العرب و العجم، و السّالك للطّريق الأتقن الأقوم، حاضر الجواب فى المسائل مع الإستدلال عليه باقوم الدلائل، متقرّبا بالنّوافل إلى اللّه تعالى محبوبا لقلوب العالى و السّافل، متهجدا قائم اللّيل فى حندسه متعبّدا متحنّكا فى برنسه يتململ تململ السّليم بالأنين، و يبكى بكاء المتالّم الحزين، مراغيا جميع سنن الشّريعة و الآداب، لا يحظو خطوة إلّا فى طلب مرضاة ربّ الأرباب، مشاهدا للحقائق، منقطعا عن العلائق، صامتا قليل الكلام دائم الحضور مع الملك العلّام.
مراتب صعدت و الفكر يتبعها
فجاز و هو على آثارها الشّهبا
كان له شأن شامخ و مقام باذخ عند أساتيد الفضلاء، و أساطين العلماء، خصوصا عند صاحب «القوانين» عليه رحمة ربّ العالمين، حيث كان معينا له فى الأمور، مدخلا في خاطره السّرور و الحبور، و أعطاه نسخة اصل «القوانين» لغاية ماله من الألطاف، و أظهر قدره في الأطراف و الأكناف، و من مقاماته الشّريفة و مراتبه المنيفة ما سمعت منه قدّس سرّه أنّه راى فى أيّام صفره فى المنام كأنّ الكواكب من السّماء تتناثر عليه و هو يأخذها و يلاعب معها بيده، قال: فحكيت ذلك لوالدى العلّامة عليه الرّحمة فعبّر ذلك بالتّرقى إلى مراتب الإجتهاد، و بشّرنى بسلوك سبيل الحقّ و الرّشاد، فبان لى صدق ما قال، و أشرفت على مراتب الكمال، قبل بلوغ سن الكمال و كان يدّعى الفوز بذلك المقام العالى فى سنّ خمسة عشر، و هذا من جملة عجيب أمر البشر.
ص: 155
و كان والد والدى قدّس اللّه سرّهما و هو الآقا محمّد باقر الهزار جريبّى أصلّا و النّجفي مسكنا و مدفنا أيضا من أوحدى الفضلاء و أجلّة العلماء جامعا للمعقول و المنقول، حاويا لمراتب الفروع و الأصول، عرّيفا فى الحكمة و الكلام، مؤيّدا بتأييدات الملك العلّام؛ يروي عنه جماعة من أساطين الفحول، و تلمّذ عنده كثير من علمائنا العدول، منهم قدوة الفضلاء النّبلاء و الأجلّاء الأتقياء السيّد محمّد مهدىّ الطّباطبائى المشتهر ببحر العلوم، و الشّيخ جعفر النّجفى المشهور، و صاحب «القوانين» و قد عمّر طويلا فى العلم و الأدب و الدّين، إلّا انّى لم أظفر منه على مصنّف مألوف، و قبره الشّريف فى النّجف الأشرف فى أيوان العلماء معروف.
و أمّا مصنّفات والدى الجليل النّبيل فهى جمّ غفير و جزل غير قليل، منها كتابه الكبير الّذى كتبه بالإستقلال فى فقه هذه الشّريعة على طريق الاستدلال سمّاه «البحر الزّاخر» خرج منه مجلّدات مبسوطة قبل أن يبلغ منه مقام الآخر، منها مجلّدة تنيف على عشرين ألف بيت فى خصوص صلاة المسافر، و مجلّدان فى أبواب النّكاح يقربان من أربعين ألف بيت، منها فى الرّضاع خمسة عشر ألفا و فى الطّلاق إثنا عشر، و قس على ما ذكر سائر مجلّداته و أبوابه، و منها كتابه الموسوم ب «مخزن الأسرار الفقهيّة» و هو حاشية على كتاب «شرح اللّمعة الدمشقيّة» من أوّل الطّهارة إلى آخر الدّيات في ثلاثة أفراد من المجلّدات، و منها كتابه الموسوم ب «يتكملة القواعد» تعليقا على قوائد العلّامة على الطّريق المساعد، و كتابه الموسوم ب «الكواكب الباهرة» تحشية على القواعد الشهيديّة، و كتاب «كنز الكنوز» تعليقا على طهارة كتاب «المدارك» و كتاب «رمز الرّموز» حاشية على نكاح «الشّرايع» و منها كتابه الموسوم ب «اللّئالى المتلألأة» فى اصول الفقه مستقلا، و كتاب «مجمع العرايس» حاشية على أصول المعالم و كتاب «حلّال الغوامض» حاشية على «القوانين» و كتاب «مفتاح الكنوز» تعليقة على الشّوارق و التّجريد و ما يتعلّق بالتّجريد من الحواشى و الشّروح، و كتاب «البدر الباهر»
ص: 156
فى تفسير بعض الآيات المتعلّقة بالقصص، ثمّ شرح نبذة من الأحاديث المشكلة، ثمّ ذكر بعض مسائل الهيئة، ثمّ حاشية على باب الهمزة من كتاب المغنى، و منها كتابه الموسوم ب «السّراج المنير» فى الفوائد الرّجاليّة، و كتاب «انيس المشتغلين» فى الحكايات الظريفة و المفاكهات اللّطيفة الطّريفة. و فى أواخره بعض المطالب الفقهيّة و الكلاميّة، و كتاب «تبصرة المستبصرين» و هو فى مسألة الإمامة و إثباتها بالأدلّة المحكمة، و كتاب «محيى الرّفاة فى القصائد العربيّة الغرّاء» و شرحها مع جمع الحكايات المتعلّقة بها، و منها مجموعة له أيضا فى المتفرّقات من المسائل، و كتاب له فى الصّلاة بالفارسيّة كبير كثير الفروع و رسائل كثيرة اخرى و اجوبة مسائل غفيرة عامّة البلوى ولد رحمه اللّه فى النّجف الاشرف سنة ثمان و ثمانين و مأة و ألف، و توفّى فى سنة وقوع الوباء بقصبة قميشة فارس و قد كان قدّس سرّه قاطنا بها فى هذه الأواخر مشتغلا بترويج الدّين و المذهب على الوجه الأكمل، و هو على جناح الحركة منها إلى بعض بقاع أبناء الائمّة المدفونين بقربها، فأخذته المنية فى عين تلك البقعة المعروفة بشاه سيّد على اكبر فى ليلة السّبت الثّامن عشر من شهر ربيع الثّانى أحد شهور سنة خمس و أربعين و مأتين بعد الالف و دفن أيضا هناك فى الجهة اليسرى من ضريح تلك الحضرة المكرّمة، و كان وصيّه فى المعاملة على نفسه و ماله و القائم بعده بكفالة أهله و عياله مولانا الحاجّى محمّد ابراهيم الكرباسّى المجتهد المشهور صاحب «الإشارات» أعلى اللّه منهما الدّرجات، و اسكنهما روضات الجنّات.
ص: 157
الشيخ الامام سديد الدين محمود بن على بن الحسن الحمصى الرازى(1)
علّامة زمانه فى الأصولين، ورع ثقة له تصانيف منها التّعليق الكبير العراقيّ المصادر فى أصول الفقه «التّبيين و التنقيح فى التّحسين و التّقبيح» «بداية الهداية» «نقض الموجز للنّجيب أبى المكارم، حضرت مجلس درسه سنين و سمعت أكثر هذه الكتب بقراءة من قرء عليه، قاله الشّيخ منتجب الدّين بن بابويه القمّى فى فهرسته المشهور.
كما ذكره شيخنا الحرّ العاملى في كتابه «امل الأمل» و قال أيضا بعد ذلك: و قد روى الشّهيد الثّانى عن تلامذته عنه، و من شعره ما وحدته بخطّ الشّيخ حسن و ذكر انّه وجده بخطّ الشّهيد للشّيخ سديد الدّين الحمصّى.
قد كنت ابكى و دارى منك دانية
فحقّ لى ذاك ان شطت بك الدّار
ابكى لذكرك سرّا ثم اعلنه
فلى بكاعان اعلان و اسرار
هذا و ذكره ايضا المحدّث النّيسابورى، و لكن بعنوان محمود بن الحسن سديد الدّين الزّلزلى، و كأنه كما وقع فى بعض كتب الإجازات أيضا مصحف الرّازى، فقال شيخ ثقة فاضل علّامة زمانه فى الأصولين، ورع.
له كتب منها التّعليق الكبير و التّعليق الصّغير، و كتاب المنقذ من التّقليد و المرشد إلى التّوحيد المسمّى بالتّعليق العراقىّ إلى أن قال ضعفه ابن ادريس، و قال انّه مخلط لا يعتمد على تصنيفه، يروي عنه الشّيخ منتجب الدّين علىّ، و الشّيخ ورّام بن
ص: 158
أبى فراس.
أقول و لم أظفر على تضعيفه من كتاب ابن ادريس المرحوم، و كأنّ الأمر بالعكس كما ذكره بعض أرباب العلوم، و ذلك لما تقدّم فى ترجمة ابن ادريس من تصريح الشيخ منتجب الدّين بأنّ مشيخة الشّيخ سديد الدّين المذكور قال هو مخلط لا يعتمد على تصنيفه فليلاحظ.
و أمّا ما وجدته فى كتابه «السّرائر» التّصفّح له من الاوّل إلى الآخر فهو ظاهر فى كمال المصادقة بينه و بينه، و انّه ليس برجل يظهر عيب هذا الرّجل وشينه و ذلك انّه ذكره مرّة فى باب النّوادر من كتاب القضاء فقال فى جملة كلام له ثمّة و روى محمّد بن مسلم، قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول قضى أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه برد الحبيس و إنفاذ المواريث.
قال محمّد بن ادريس سألنى شيخنا محمود بن علىّ بن الحسن الحمصّى الرّازى رحمه اللّه عن معنى هذا الحديث و كيف القول فيه فقلت له الحبيس معناه الملك المحبوس على بنى آدم من بعضنا على بعض مدّة حياة الحابس دون حياة المحبوس عليه، فاذا مات الحابس فانّ الملك المحبوس يكون ميراثا لورثة الحابس و ينحل حبسه على المحبوس عليه فقضى عليه السّلام بردّه إلى ملك الورثة لأنّه ملك مورّثهم إلى أن قال: فامّا إن كان الحبيس على مواضع قرب العبادات مثل الكعبة و المساجد، فلا يعاد إلى الأملاك و لا ينفذ فيه المواريث لأنّه يحبسه على هذه المواضع خرج عن ملكه عند أصحابنا بغير خلاف بينهم فيه [فلاجل هذا قلنا على بنى آدم بعضنا على بعض احترازا من الحبيس الذى على مواضع العبادات](1) فاعجبه ذلك و قال أنت كنت أطلع على المقصود فيه و حقيقة معرفته و كان منصفا غير مدّع لما لم يكن عنده معرفة حقيقته و لا هو من صنعته و حقّا ما أقول لقد شاهدته على خلق قلّ ما يوجد فى أمثاله
ص: 159
من عوده الى الحقّ و انقياده الى ربقته و ترك المراء و نصرته كائنا من كان صاحب مقالته وفّقه اللّه و ايّانا لمرضاته و طاعته (1).
و قال أيضا فى مسألة ميراث المجوس من الكتاب المذكور عند انجرار كلامه إلى ذكر حديث السّكونّى السنّى و استناد شيخنا الطّوسى رضيّ اللّه عنه في «عدّته» فى باب الأخبار يعنى به ما ركبه هناك من البسط التّام فى مقام اثبات حجيّة خبر الواحد الظنّي، كما هو مذهب متأخّرينا الأعلام إلى أن قال: فان قيل كيف تعولون على هذه الأخبار و أكثر رواتها كذا و كذا و من شرط خبر الواحد أن يكون راويه عدلا عند من أوجب العمل به قيل لسنا نقول انّ جميع أخبار الآحاد يجوز العمل بها، بل لها شرائط نذكرها فيما بعد، فامّا الفرق الّذين أشاروا إليهم فعن ذلك جوابان أحدهما أنّ ما يرويه هؤلاء يجوز العمل به إذا كانوا ثقاة في النّقل إلى آخر ما ذكره فنقض عليه شيخنا الحمصّى رحمه اللّه و قال انّ هذا الجواب لا يوافق المذهب الّذى اختاره و قرّره و قنّنه من انّ الخبر إذا كان واردا من غير طريقهم فان اعتذر بما ذكره من انّ هؤلاء و ان كانوا مخطئين فى الاعتقاد كانوا ثقاة فى النّقل قيل له هذه العلّة قد توجد فى غير امثال الواقفة و الفطحيّة الّذين يجوّزون العمل على أحاديث ثقاتهم من المبطلين فى العقايد كالمجبّرة و المشبّهة و غيرهم من الفرق فى الرّواية و النّقل، و إن يصير إلى مذهب المخالفين فى اخبار الآحاد هذا آخر كلام الحمصىّ الّذى قاله على شيخنا أبى جعفر و نعم ما استدلّ و اعترض، فانّه لازم كطوق الحمامة انتهى كلام صاحب السّرائر(2).
و قد يستفاد من تعبيره عن الرّجل بشيخنا في جملة كلاميه المذكورين كونه أيضا فى زمرة حملة روايته بالاجازة أو القراءة عليه فى بعض المراتب المختصّة به كما لا يخفى.
ص: 160
ثمّ انّ من جملة من يروي عنه أيضا بالإجازة أو القراءة بل لا يتّصل الإسناد إليه فى غالب كتب الإجازات إلّا بواسطته هو الشّيخ برهان الدّين محمّد بن محمّد بن علىّ الهمدانىّ القزوينى المشتهر بنزيل الرّى، شيخ رواية مولانا الخواجه نصير الدّين الطّوسىّ، و أمّا قراءة نفس الرّجل فلم أظفر منها إلى الآن إلّا بما نمى إليه فى فهرست تلميذه الشّيخ منتجب الدّين القمىّ رحمه اللّه، حيث يقول فى ذيل ترجمة من ذكره بعنوان الشّيخ الإمام موفّق الدّين الحسن بن الفتح الواعظ البكرابادىّ الجرجانى فقيه صالح ثقة قرأ على الشّيخ أبى عليّ الطّوسىّ، و قرأ الفقه عليه الشّيخ الإمام سديد الدّين محمود الحمصّى رحمه اللّه، نعم ذكر أيضا شيخنا المنتجب فى ذيل ترجمة السيّد تاج الدّين المنتهي بن المرتضى الحسينىّ المرعشى انّه فاضل مبرّز مناظر و له مسائل أصوليّة جرت بينه و بين الشّيخ الإمام سديد الدّين الحمصىّ.
هذا، و من جملة ما يدلك على اختصاص الرّجل أيضا بمزيد التّصرف و التّحقيق و التّقدّم فى زمنه على كلّ بحر عميق و التكلّم من فضل منه على أغلاط أهالى التّأليف و التعليق هو ما نقله عنه شيخنا الشّهيد الثّانى فى كتابه فى «الدّراية» حيث قال فى مقام المنع من الإعتداد بالشّهرة المتأخّرة عن الشّيخ المرحوم قدّس سرّه معلّلا إيّاه بانّ أكثر الفقهاء الّذين نشاؤا بعد الشّيخ كانوا يتّبعونه فى الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه و حسن ظنّهم به و ممّن اطّلع على هذا الّذى تبيّنته و تحقّقته من غير تقليد الشّيخ الفاضل المحقّق سديد الدّين محمود الحمصيّ، و السيّد رضىّ الدّين بن طاوس رحمه اللّه و جماعة قال السيّد رحمه اللّه فى كتابه المسمّي ب «البهجة لثمرة المهجة» أخبرنى جدىّ الصّالح ورّام بن أبى فراس قدّس اللّه روحه أنّ الحمصىّ حدّثه انّه لم يبق للإماميّة مفت على التّحقيق، بل كلّهم حاك. و قال السيد عقيب ذلك و الآن فقد ظهر انّ الّذى يفتى به و يجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدّمين انتهى.
و لم اتحقّق إلى الآن وجه تسمية كتابه الكبير المشهور ب «التّعليق العراقىّ»
ص: 161
إلّا أنّ من جملة علماء العامّة رجلا يقال له ركن الدّين أبو الفضل العراقى ابن محمّد بن العراقىّ القزوينى الطّاوسىّ المنتسب إلى طاوس اليمانّى، و قد ذكر فى حقّه ابن خلّكان المؤرّخ أنّ له ثلاثة تعاليق في علم الخلاف مختصر و متوسّط و مبسوط، ثمّ قال و اجتمع عليه الطّلبة بمدينة همدان و قصدوه من البلاد البعيدة و القريبة للإستفادة عليه، و علّقوا تعاليقه و بنى له الحاجب جمال الدّين بهمدان مدرسة تعرف بالحاجبيّة، و توفّى بهمدان فى جمادى الآخرة سنة ستّمأة، فيكون هو على ذلك فى طبقة صاحب العنوان و كان بين تعليقهما مناسبة و مقابلة من هذه الجهة و لا يبعد كون التّعليق العراقىّ تعليقا على تعليق العراقّى بن العراقى، فحذف لفظ التّعليق المضاف فى هذه التّسمية من كثرة الإستعمال و روما للاختصار، و يمكن أن يكون المصطلح فى الأزمنة القديمة تسمية كلّ شى ء يكتبونه فى فنون الحكمة و الكلام بالتّعليق كما يرشد إلى ذلك كتاب «تعليقات الفارابى» الّذى جميع عناوينه برسم تعليق تعليق مع انّه ليس بحاشية كتاب ظاهرا فليتأمّل.
ثمّ انّ فى «رياض العلماء» ترجمة بالخصوص للشّيخ جمال الدّين علىّ بن محمود الحمّصّى، الأصل، ثمّ الرازى مذكورا فيها بعد وصفه بهذه النّسبة ما صورته هكذا:
فاضل عالم متكلّم كامل له كتاب «مشكوة اليقين فى اصول الدّين» و قد يقال أنّه من تصانيف والده الشّيخ سديد الدّين محمود الحمصّي أستاد الشّيخ منتجب الدّين صاحب كتاب «التّعليق العراقىّ» فى الكلام انتهى.
و رأيت فى بعض السّفائن المعتبرة من جملة حكايات الشّيخ جمال الدّين علىّ ابن محمود الحمصّى المذكور قدّس سرّه المبرور أنّه قال فى أثناء درسه بالرّىّ رأيت فى المنام انّى أقيم هذا البرهان على نفى اتّحاد البارى تعالى بأحد من خلقه كما هو مذهب الحلوليّة أو القائلين بوحدة الوجود من الصوفيّة، و تحريره أنّ وجوده تعالى لو كان عين وجود خلقه و لا شكّ فى تعدّد أفراد الممكنات لزم انقسام ذاته تعالي و حينئذ إمّا
ص: 162
أن يكون كلّ واحد من اجزائه تعالى إلها فيلزم تعدّد الآلهة و هو كفر و شرك، أو لا يكون فتوقّف الهيّته تعالى على اجتماع الأجزاء و الإجتماع يحتاج إلى جامع و مؤلّف و هو إمّا ذاته تعالى، فيلزم كونه الهاقبل كونه الها و هذا خلف، و إمّا غيره تعالى فليزم توقّفه فى الهيته على غيره فيكون ممكنا مع كونه واجبا هذا خلف، فلمّا ادّى القول بالأتّحاد إلي أحد هذه المحالات وجب كونه محالا و هو المطلوب.
هذا. أمّا ضبط هذه النّسبة المشتبه على الطّائفة مؤدّاها، و المنحصر فى فرد هذا الرّجل و ولده المنبّه عليه مجراها، فلم أجده فى شى ء من كتب الإجازات، و لا فى شي ء من المعاجم و تراجم العلماء و الرّواة، إلّا انّ المتبادر إلى أذهان العامّة عند ملاحظتهم لهيئة هذه الكلمة كونها مأخوذة من الحمص، بالكسرتين و التّشديد اسما للحبّة المعروفة الّتى يقابل بها الماش و العدس باعتبار ما وجد فيه من الملابسة لها أوفى أحد من آبائه و عشيرته بمبايعة و نحوها و من المعلوم انّه لا حجّية لافهام رعاع العوامّ و أوهام القاصرين من الأنام، فى إثبات أمثال ذلك من المصطلحات، و تشخيص مداليل ما كانت هى من قبيل المردوحات، و المنتحات، كما انّ المنساق إلى اذهان الخواصّ و الجارية عليه أقلام أعالى الأشخاص كون هذه الكلمة بكسر الحاء المهملة و سكون الميم و إهمال الصّاد نسبة إلى بلدة حمص الّتى تذكر دائما فى مقابلة الحما، و هما من بلاد الشّام و متنزّهات البلاد.
و قد ذكر صاحب «تلخيص الآثار» إنّ من شأن هذه البلدة أنّه لا يكاد يلدغ عقرب بها أو تنهش حيّة فيها، ثمّ قال: و لو غسل ثوب بماء حمص لا يقرب عقرب لابسه إلى أن يغسل بماء آخر، و أهلها موصوفون بالحماقة و البلاهة و يرد ذلك أيضا انّ الرّجل معروف بالعجميّة، و لم نظفر على أثر فى تواريخ العرب الإسلاميّة من الإماميّة و غير الاماميّة و لو كان من شيعة العرب لكان يذكره واحد منهم لا محالة فى شى ء من الطىّ، و لم يكونوا يكتفون فى مقام ذكر نسبه بلفظ الرّازى الّذى هو مصطلح الجماعة فى النّسبة إلى مدينة الرّى، و إذن فانحصر المحيص من معص ذلك العويص
ص: 163
فى الحمل على تصحيف وقع فيه من أهالى التّأليف و الجاهلين بلقب هذا الإمام العريف كما هو الشّايع المحسوس بالنّظر إلى كلّ كلام عموس و مستغرب من الصّيغ غير مأنوس و لمّا كان كلّى محمود بن علىّ المتكلّم الرّازى المعروف من علماء هذه الامّة و الموصوف بمثل هذه الكلمة فى كلمات من عطف إلى ترجمته عنان الهمّة، و بالمعاصرة لفخر الدّين الرّازى الذى هو من كبار أئمّة العامّة منحصرا بحكم العادة المستحكمة فى فرد صاحب هذه التّرجمة تعيّن أن يكون صفته المتكلّم عليها أيضا تصحيفا ممّا ضبطه صاحب «القاموس» لفظا فى مادّة حمض الّتى هى بالحاء المهملة مع الضاد المعجمة؛ عند عدّه لموارد استعمالات هذه الكلمة بقوله بعد قوله: و يقال لما فى جوف الأترج حماض و التّحميض الإقلال من الشّى ء و المستحمض اللّبن البطى ء الرّوب، و محمود بن علىّ الحمضّى بضمّتين مشدّدة متكلّم شيخ للفخر الرّازى انتهى.
و هذا من جملة فرائد فوائد كتابنا هذا فليلاحظ. و ليحتفظ و ليتقبّل و لا يغفل ثمّ انّه قد تقدّم ذكر جماعة من المحمودين المشتهرين أيضا فى ذيل ترجمة الشيخ عبد علىّ بن المولى محمود الجابلقّى بمناسبة ذكر والد صاحب تلك التّرجمة ثمّة استطرادا فليراجع اليه انشاء اللّه.
السيد الاصيل مقدم السادة المرتضى بن الداعى بن القاسم الحسنى
محدّث عالم شاهدته و قرأت عليه و روى لى جميع مرويّات المفيد عبد الرّحمن النيسابورىّ، كذا قاله منتجب الدّين كما قاله صاحب «الأمل».
ص: 164
و أقول هو السيّد المرتضى بن الدّاعى الرّازى الملقّب بصفى الدّين صاحب كتاب «تبصرة العوامّ فى تفصيل مذاهب الملّيين» و يذكر غالبا مع أخيه السيّد المجتبي الّذى هو أيضا أحد مشايخ الشّيخ منتجب الدّين القمّى، و لهما الرّواية عن شيخنا الطّوسى، و كذا عن السيّد بن السّندين المرتضى و الرّضي بواسطة المفيد المزبور، و هو عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسين النّيسابورى، و هذا السيّد المجتبى المذكور غير السيّد مجد الدّين أبى هاشم المجتبى بن حمزة بن زيد بن مهدىّ بن حمزة بن محمّد بن عبد اللّه الحسنى الفاضل المحدّث الثّقة الرّاوى هو أيضا عن شيخنا الطّوسى، و ذلك لانّ الشّيخ المنتجب يذكرهما بعنوانين فى مقامين فليتأمّل.
و كذلك هذا السيّد المرتضى الدّاعى غير سيّدنا المرتضى الموسوى البغدادىّ علم الهدى لأنّ اسم ذلك السيّد المعظّم كما قد عرفته فيما تقدّم علىّ بن الحسين، و قال صاحب «مقامع الفضل» فى جواب من سأله بالفارسيّة عن الغزالىّ العاميّ و انّه هل استبصر فى أواخر عمره أم لا؟ بقوله:
و اينكه ميگويند كه امام ابو حامد غزالى در راه مكّه معظّمه با سيّد مرتضى مناظره كرد و بآن سبب شيعه شد، و اين شعر را گفت:
دوست بر ما عرض ايمان كرد و رفت
پير گبرى را مسلمان كرد و رفت
و بعد از آن كتاب «سرّ العالمين» را نوشته آيا اصلى دارد يا نه؟ انتهى. و أمّا ملاقات غزالىّ با سيّد مرتضى علم الهدى پس آن نيز بى اصل است، هر چند كه بعضي أز فضلاء گفته اند زيرا كه وفات سيّد در سنه چهار صد و سى و شش بود، و ولادت أبو حامد در سنه چهار صد و پنجاه، إلى أن قال: و محتمل است كه مراد از سيّد مرتضى غير سيّد مرتضى رازى صاحب «تبصرة العوامّ» باشد، لكن حكم بآن موقوف است بر موافقت تاريخ عصر أو و الحال بخاطر ندارم، تمّ كلامه رفع مقامه، و قد عرفت من طبقة الرّجل موافقة تاريخ عصره لعصر الغزالىّ بعينه، كما سوف تعرف ذلك أيضا فى ضمن ترجمة الغزّالى
ص: 165
قريبا إنشاء اللّه، و كان هذه الحكاية جرت له فى زمن عزلته عن الخلق و تركه للرئاسة، و أخذه فى السّياحة على طريقة السّالكين فليلاحظ.
ثمّ انّ لنا أيضا جماعة أخرى من علماء من مضي يدعون بالسيّد المرتضى منهم السيّد أبو الحسن المرتضى ذو المجدين ابن السيّد أبى القاسم علىّ بن أبي الفضل محمّد الحسينى الدّيباجىّ، نقيب العلويّين فى عصره، و كان من كبار سادات العراق، و صدور الأشراف علما فى فنون العلم، قرأ على الشّيخ الطّوسىّ فى سفره إلى الحجّ، كما نقل فى حقّه ذلك كلّه عن فهرست الشّيخ منتجب الدّين.
و منهم السيّد جمال الدّين المرتضى بن حمزة بن أبى صادق الحسينىّ الموسوىّ المتّصف فى فهرست الشّيخ المنتجب أيضا بالعالم الواعظ، و السيّد المرتضى ابن الحسين بن أحمد العلوىّ الحسنى الشّجرى المتّصف فيه أيضا بالسيّد الزّاهد الفاضل العادل، و السيّد علاء الدّين المرتضى بن محمّد الحسنى الفقيه الفاضل بتنصيصه أيضا و السيد الإمام كمال الدّين المرتضى بن المنتهى بن الحسين بن علىّ المرعشىّ صاحب شرح الذّريعة و التّعليق الكبير، كما اسندهما إليه بعد ما ذكر انّه كان لنفسه شيخا و السيّد المرتضى علم الدّين علىّ بن عبد الحميد بن فخار بن معد الموسوى الّذى ذكر انّه كان فقيها محدّثا، و له الرّواية عن أبيه عن جدّه عن صاحب «السّرائر» غالبا و لشيخنا الشّهيد عليه الرّحمة عنه الرّواية بواسطة السيّد بن معيّة المتقدّم ذكره و ترجمته قريبا.
هذا و قال صاحب «اللّؤلؤة» عند عدّه السيّد المجتبى بن الدّاعى من جملة مشايخ السيّد فضل اللّه الرّاوندى، و أمّا السيّد المجتبى بن الدّاعى و أخوه أبو تراب المرتضى فكانا عالمين صالحين محدّثين يرويان عن الشّيخ الطّوسى و المرتضى و يروي عنهما الشّيخ منتجب الدّين انتهى.
و من جملة من يروي عنه السيّد المرتضى بن الدّاعى هو الشّيخ جعفر بن محمّد الدّوريستى المتقدّم على ذكره و ترجمته التنبيه مسندا له الرّواية إلى الشّيخ أبى جعفر الصّدوق، صاحب كتاب من «لا يحضره الفقيه» و أمّا السيّد المرتضى من المتاخّرين و
ص: 166
المعاصرين فانحصر الكلّى منه فى فرد والد سيّدنا العلّامة الطّباطبائي الآتى ذكره و ترجمته قريبا إنشاء اللّه، و قد كان عالما ورعا تقيّا صالحا بارّا قرأ عليه ولده المبرور المذكور فى أوائل امر الإشتغال كما ذكره صاحب «منتهى المقال» و كذلك كلّى المرتضى العالم من غير سلسلة السّادات الأكارم منحصر فى فرد شيخنا المعاصر، و عمادنا الفقيه الماهر المائر، قدوة المحقّقين و المتصرّفين، و اسوة المدقّقين و المتطرّفين، الشّيخ مرتضى بن محمّد أمين الدّسفولى ثمّ النّجفى حيّا و ميّتا المشتهر بالأنصارى، صاحب كتاب «الفرائد» فى المسائل الأربع الأصوليّة، و المقاصد العمد من الادلّة العقليّة؛ و كتاب المتاجر المبسوط الّذى لم يؤلّف مثله فى جميع كتبنا الإستدلاليّة و غير ذلك من الرّسائل الفاخرة الفائقة و التّعليقات الرّفيعة الرّائقة؛ و قد مرّت الإشارة إلى نبذة من سماته و صفاته و الأبناء على خصوص طبقته و تاريخ وفاته فى ذيل ترجمة استاده المحقّق النّراقى رفع اللّه منهما المراتب و المراقى، و جعل ما اسبغناه لك من الصّالح الباقى إلى موعد يوم التّلاقى.
الناقد البصير و الفاقد النظير و المحقق النحرير و الموثق التحرير السيد الامير مصطفى بن الحسين الحسينى التفرشى (1)
صاحب كتاب «نقد الرّجال» و المقدّم قوله في الأقوال كان من كبائر تلامذة مولانا المحقّق عبد اللّه بن الحسين التّسترى، و معاصرا لمولانا ميرزا محمّد الرّجالى الاسترابادىّ، و كتابه المذكور أيضا من أحسن ما كتب فى هذا الشّأن؛ و أجمعها للتّحقيقات الحسان، و التّدقيقات المتينة المنبئة عن الامعان، مع غاية الأتقان، و
ص: 167
نهاية الفراهة بذا الميدان. و لم أر من تعرّض لترجمته بالخصوص غير صاحب «الأمل» فى كتابه المقصوص، فانّه قال فيه بعد التّسمية له بعنوان السيّد الجليل المصطفى بن الحسين التّفرشى عالم محقّق ثقة فاضل له كتاب الرّجال، و روى عن مولانا عبد اللّه التّسترى، و عن الشّيخ عبد العالى بن علىّ بن عبد العالى العاملىّ عن أبيه ذكره فى رجاله، و لم يذكر فيه من المتأخّرين عن الشّيخ الطّوسى إلّا القليل انتهى.
و ذكره لعلمائنا المتأخّرين عن الشّيخ فى كتابه المذكور أكثر من سائر كتب الرّجال بكثير، بل الظّاهر انّ بنائه فيه على استيفاء ذكر الاعيان من العلماء على خلاف طريقة غيره من الرجاليّين؛ ثمّ انّى لم أتحقّق إلى الآن رواية أحد من العلماء عنه، و ظنّى أنّه كان من بنى عمومة بلديّه السيّد فيض اللّه بن السيّد عبد القاهر الحسيني الفقيه المتكلّم الرجالىّ المتقدّم ذكره الشّريف بل لم استبعد كونه أيضا من جملة مشايخه فى هذا الفنّ و غيره فليلاحظ.
و أمّا تقدّم الرّجل فى هذه الصّناعة فهو أيضا من الأمر الشّايع الذايع الّذى لم ينكره أحد من الجماعة، و كذلك كمال وثاقته و عدالته و نهاية ضبطه و جلالته و حسب الدّلالة على ما ذكر كونه مربّى بتربية مولانا عبد اللّه التّسترى المقدّس الورع الجليل البارع النّبيل، كما عرفت ذلك فى ذيل ترجمته على التّفصيل.
الشيخ مفلح بن الحسين الصيمرى(1)
فاضل علّامة فقيه له كتب منها «شرح الشّرايع» و «شرح الموجز» «و مختصر الصّحاح» و «منتخب الخلاف» و له رسالة سمّاها «جواهر الكلمات فى العقود و الإيقاعات» و هى دالّة على فضله و علمه و احتياطه، و هو معاصر للشّيخ علىّ بن عبد العالى الكركىّ كذا فى
ص: 168
«امل الأمل» و أقول انّ هذا الشّيخ كان من تلامذة شيخنا الفقيه أبى العبّاس أحمد بن فهد الحلّى صاحب «الموجز» و «المهذّب» و «عدّة الدّاعى».
و له أيضا الرّواية عنه كما في إجازة السيّد حسين بن السيّد حيدر الكركى عند ذكره لطريقة الثّانى من طرقه الإثنى عشر إلى مصنّفات الأصحاب بهذه الصورة: و أروى جميع ما سلف قراءة و اجازة عن سيّد المحقّقين و سند المدقّقين و وارث علوم الأنبياء و المرسلين، السيّد حسين بن السيّد الربّاني السيّد حسن الحسينى الموسوىّ يعنى به الأمير سيّد حسين القزوينى، الّذى هو ابن بنت الشّيخ علىّ المحقّق الثّانى، عن جملة من المشايخ، منهم الشّيخ يحيى بن حسين بن عشرة البحرانّى، عن الشّيخ الفقيه الشّيخ حسين عن والده الفقيه النّبيه الشّيخ مفلح الصيمرىّ، شارح تردّدات الشّرايع و شارح كتاب الموجز لابن فهد و غيره من المصنّفات، عن الشّيخ أحمد بن فهو بطرقه، و عليه فيكون نفس الرّجل فى طبقة الشّيخ علىّ بن هلال الجزائرى الّذى يروي عنه المحقّق الكركىّ المشهور، و هو من تلامذة ابن فهد المذكور فليتبّصر.
و رأيت أيضا من جملة مصنّفاته كتابا سمّاه «التّنبيه على غرائب من لا يحضره الفقيه» جمع فيه فتاويه المخالفة للأجماع و المسائل المتروكات عند علمائنا المتأخّرين، و المرفوضات عند فقهائنا المتقدّمين، و قد اشتمل على مسائل معلّلات ينشرح لها الخاطر، و غرائب و نكات يلتذّ بها النّاظر، كما ذكره المصنّف فى مفتتح كتابه المذكور.
و صيمر كحيدر و قد تضمّ ميمه كما فى «القاموس» بلد بين خوزستان الاهواز و بلاد الجبل الّتى هى الواقعة بين آذربيجان و عراق العرب و خوزستان و فارس و بلاد الدّيلم، و قاعدتها دار السّلطنة اصفهان، و عن رجال ابن داود انّ الصّمير بفتح الميم بلدة من ارض مهرجان على خمس مراحل من الدّينور، و الصّمير أيضا بالبصرة على فم نهر.
ص: 169
هذا. و كأنّه قدّس سرّه كان قد سكن حلّة السّيفيّة أو بعض بلاد البحرين و الدّيار الهجريّة، لأنّهما كانا فى ذلك الزمان محطّى رجال علماء الشّيعة الإماميّة؛ إلى أن يظهر الأمر فى حقّه أكثر من ذلك إنشاء اللّه.
ثمّ ليعلم انّ ولده الشّيخ حسين الّذى تقدّمت الإشارة إليه هنا هو الّذى ذكره صاحب «الأمل» بعنوان الشّيخ حسين بن مفلح الصّيمرى مع الأتباع لذلك بقوله فاضل عالم محدّث عابد كثير التّلاوة و الصّوم و الصّلاة و الحج حسن الخلق، واسع العلم، له كتاب «المناسك الكبير» كثير الفوائد، و رسائل اخر توفّى سنة ثلاث و ثلاثين و تسع مأة، و عمره يزيد على الثّمانين انتهى.
و قال صاحب كتاب «مشايخ الشّيعة» بعد ذكر هذا الرّجل فيما نقل عنه بعنوان الشّيخ الفاضل نصير الحقّ و الملّة و الدّين حسين بن مفلح بن حسين الصيمرىّ، ذو العلم الواسع و الكرم النّاصع، صنّف كتاب «النّسك الكبير» كثير الفوائد، و قد استفدت منه و عاشرته زمانا طويلا ينيف على ثلاثين سنة، فرأيت منه خلقا حسنا و صبرا جميلا و ما رأيت منه زلّه فعلها و لا صغيرة اجترأ عليها فضلا على الكبيرة، و كان له فضائل و مكرمات كان يختم القرآن فى كلّ ليلة الإثنين و الجمعة مرّة، و كان كثير النّوافل المرتّبة فى اليوم و اللّيلة؛ كثير الصّوم، و لقد حجّ مرارا متعدّدة تغمّده اللّه بالرّحمة و الرّضوان، و أسكنه بحبوحة الجنان، و مات بسلماباد إحدى قرى البحرين، مفتتح شهر محرّم الحرام سنة ثلاث و ثلاثين و تسعمأة، و عمره ينيف على الثّمانين سنة انتهى.
و له أيضا كتاب «محاسن الكلمات فى معرفة النّيات»؛ و هو من محاسن الكتب، و قد حكى فيه كثيرا من فوائد والده فى شرحى «الموجز» «و الشّرايع» كما ذكره العلّامة الطّباطبائى فى فوائده الرّجاليّة فليلاحظ.
ص: 170
الشيخ مقداد بن عبد اللّه بن محمد بن الحسين بن محمد السيورى الحلى الاسدى(1)
كان عالما فاضلا متكلّما محقّقا مدقّقا له كتب منها «شرح نهج المسترشدين فى اصول الدّين؛ و «كنز العرفان فى فقه القرآن» و «التّنقيح الرّابع فى شرح مختصر الشّرايع» و «شرح الباب الحادى عشر» و «شرح مبادى الأصول» و غير ذلك.
يروي عن الشّهيد محمّد بن مكّى العاملى.
و كان فراغه من «شرح نهج المسترشدين» سنة اثنين و تسعين و سبعمأة كذا فى «امل الآمل».
و أقول هو الّذى يعبّر عنه فى فقهيّات متأخّرى أصحابنا بالفاضل السّيورىّ، و ينقل عن كتابه فى آيات الأحكام كثيرا، و كنيته أبو عبد اللّه، و فى بعض المواضع صفته أيضا بالغروىّ نزلا، و كأنّه كان من جملة متوطّنى ذلك المشهد المقدّس حيّا و ميّتا.
و قال صاحب «رياض العلماء» للمقداد ولد يسمّى بعبد اللّه بن الشّيخ شرف الدّين أبى عبد اللّه المقداد بن عبد اللّه بن محمّد بن الحسين بن محمّد السّيورى الحلّى الاسدى المشهدىّ النّجفي، قال و هو الّذى ألّف له المقداد كتاب الأربعين حديثا، و له تلميذ أجازه فى ثانى جمادى الآخرة سنة اثنتين و عشرين و ثمانمأة، و هو الشّيخ زين الدّين علىّ بن الحسن بن العلالا، و للمقداد «رسالة فى آداب الحجّ».
و ذكر أيضا فى ذيل ترجمة علىّ بن هلال الجزائرىّ انّه يروي بالسّند العالى عن الشّيخ مقداد السيورىّ عن الشّهيد.
ص: 171
هذا و قال صاحب «لؤلؤة البحرين» بعد عدّه من جملة مشايخ محمّد بن الشّجاع القطّان الّذى يروى عنه محمّد بن المؤذن الجزينى بواسطة السيّد حسن بن دقّاق الحسينى و نقله عبارة صاحب «الأمل» و له أيضا «شرح الفيّة الشهيد» كما نسبه إليه بعض مشايخنا المعاصرين نوّر اللّه مراقدهم.
أقول و له أيضا كتاب «تجويد البراعة فى شرح تجريد البلاغة» فى علم المعانى و البيان، كما ذكره بعض علمائنا الأعيان، و كتاب آخر سمّاه «نضد القواعد» بديع فى وضعه رتّب فيه قواعد شيخه الشّهيد على ترتيب هو لأبواب الفقه و الأصول من غير زيادة شى ء على أصل ذلك الكتاب، غير ما رسمه فى مسألة القسمة منه فليلاحظ.
و هذه عين عبارة النّاضد المبرور على أثر ما أتى به من الخطبة فى مفتتح كتابه المذكور أمّا بعد فانّ اتّباع الحسنة بالحسنة فى العمر الّذى سنة منه سنة من أعظم الرغائب و اسنى المواهب، و لمّا وفّق اللّه لزبر كتاب «اللّوامع الالهيّة» فى المباحث الكلاميّة رأيت أتباعه بكتاب فى المسائل الفقهيّة و المباحث الفروعيّة إحدى الحسينين واجدى الموهبتين.
و كان شيخنا الشّهيد قدّس اللّه سره قد جمع كتابا يشتمل علي قواعد و فوائد فى الفقه بانيبا للطّلبة بكيفيّة استخراج المنقول من المعقول؛ و تدريبا لهم فى اقتناص الفروع من الأصول، لكنّه غير مرتّب ترتيبا يحصله كلّ طالب، و ينتهز فرصه كلّ راغب، فصرفت عنان العزم إلى ترتيبه و تهذيبه و تقرير ما اشتمل عليه و تقريبه و سمّيته «نضد القواعد الفقهيّة على مذهب الاماميّة» و ما توفيقى إلّا باللّه عليه توكّلت و اليه انيب انتهى و له رحمه اللّه أيضا كتاب» شرح فصول الخواجة نصير الدّين الطّوسى، و كتاب «مهج السّداد في شرح واجب الاعتقاد» للعلّامة رحمه اللّه.
هذا و كتابه اللّوامع من أحسن ما كتب في فنّ الكلام، على أجمل الوضع و أسدّ النّظام، و هو فى نحو من أربعة آلاف بيت ليس فيه موضع ليته كان كذا و ليت و العجب أنّ المترجمين لأحوال الرّجل و ارقامه لم يذكروه و لا نضده القواعد فى جملة مطرّزات أقلامه.
ص: 172
و أمّا كتابه «التّنقيح» الّذى هو فى الحقيقة معلّمه الوضيع، فهو أيضا أمتن كتاب فى الفقه الإستدلالىّ، و ارزن خطاب ينتفع به الدّانى العالى، و فيه من الفوائد الخارجة شى ء كثير من الزّوائد النّافجة نبذ غفير منها ما نقل فيه عن ابن جوزى المشهور، انّه قال فى وجه تسمية ايّام البيض من أقسام الأونة في الشّهور، سميّت بذلك لبياض لياليها و العامة تقول الأيّام البيض حتّى انّ بعض الفقهاء جرى في كتبه على طريق العامّة فى ذلك و هو خطاء، فانّ الأيّام كلّها بيض لكنّ العرب يسمّى كلّ ثلاث ليال من الشّهر باسم، و سيأتى تفصيلها فى النّكاح، ثمّ ذكر فى كتاب النّكاح هكذا: العرب تسمّى كلّ ثلاث ليال من الشّهر باسم، فلها حينئذ عشرة أسماء غرر، ثمّ نقل، ثمّ تسع، ثمّ عشر، ثم بيض، ثم درع، ثم ظلم، ثمّ حنادس، ثم دادى؛ ثمّ محاق، فالغرر لانّ غرّة كلّ شى ء أوّله و النّفل من النّفل و هو الزّيادة لزيادة الهلال فيها، و التّسع باسم آخرها، و العشر باسم أوّلها، و البيض لبياض جملتها، و الدّرع من قولهم شاة درعاء الّتى رأسها أسود، و باقيها أبيض و قياسه على هذا درع بسكون الرّاء حرّك على غير قياس و الظّلم لظلامها و الحنادس لشدّة سوادها، و الدّادي واحدها دادة يقصر و يمدّ من الدّيداء و هو أشدّ عدو البعير؛ قال أبو عمر و الدنياء و الدّاء من الشّهر آخره و المحاق من محقه يمحقه محقا أى أبطله و محاه لبطلان الشّهر معها انتهى.
و فى تعليله الأخير نظر و الظّاهر انّ العلّة محو دائرة القمر فيها لوقوعه تحت الشّعاع، قال صاحب «مجمع البحرين» فى مادة «محق» و فى الحديث يكره التزويج فى محاق الشهر، المحان بالضّم و الكسر لغة ثلاث ليال فى آخره لا يكاد القمر فيها لخفائه. و قال رحمه اللّه أيضا فى مادّة هلل يقال للهلال فى أوّل ليلة إلى الثلاثة هلال؛ ثمّ يقال قمر إلى آخر الشّهر فليتفطّن.
و المراد بمحمّد بن شجاع القطّان الّذى سبق أنّه يروى عن صاحب التّرجمة هو الذّى عنونه بالخصوص سيّدنا العلّامة الطّباطبائى قدّس سرّه فى فوائده الرجاليّة، فقال و الظّاهر أنّه مؤلّف كتاب «معالم الدّين فى فقه آل يس» و قد تكرّر ذكره فى الإجازات و هو يروى عن المقداد بن عبد اللّه السيورىّ، عن الشّهيد إلى أن قال: وجدت فى ظهر نسخة لهذا الكتاب، بلغ مقابلة من أوّله إلى آخره مع نسخته الّتى قرأته على مصنّفه
ص: 173
و فيه خطّه طاب ثراه، و هو محمّد بن شجاع الأنصارىّ و يظهر من تتّبع الكتاب فضيلة المصنّف رحمه اللّه و هو على طريقة الفاضلين فى اصول المسائل لكنّه قد يغرب فى التّفاريع، و الّذى أرى صحّة النّقل عنه انتهى.
و رأيت فى بعض كتب الإجازات رواية ابن أبى جمهور الأحسائى المتقدّم ذكره فى هذا الباب، عن السيّد وجيه الدين عبد اللّه بن علاء الدّين فتح اللّه بن رضىّ الدّين عبد الملك بن اسحاق بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن فتحان الواعظ القمى محتدا القاسانى مولدا عن أبيه عن جده رضى الدين عن الشّيخ جمال الدّين مقداد المذكور، عن الشهيد عن فخر المحقّقين عن أبيه العلّامة أعلى اللّه تعالى مقاماتهم و مقامه.
ثمّ انّ السّيوريّ و هو بضمّ السّين مع الياء المخفّفة التّحتانيّة كما هو المشهور نسبة إلى سيور، و هى قرية من قري حلّه المجلّلة كما فى الفهرست المنسوب إلى والد شيخنا البهائى غفر له، و يحتمل أيضا بعيدا أن يكون نسبة إلى السيور الّتى هى جمع السّير، و هو ما يقدمن الجلود المدبوغة لمصارف السروج و أمثالها من الأدوات الصّرميّة لكون أحد من المذكورين، فى سلسلة نسبه معروفا ببيع ما ذكر أو العمل فيه، كما نسب إليه أيضا الحسين بن محمّد، و عبد الملك بن أحمد السّيورانّ المحدّثان فيما ذكره صاحب «القاموس» أو هو نسبة إلى بلد وقع فى شرقى الجند بالتّحريك الّذى هو من جملة بلاد اليمن.(1)
ص: 174
هذا و من جملة ما يحتمل عندى قويّا هو أن يكون البقعة الواقعه فى بريّة شهروان بغداد؛ و المعروفة عند أهل تلك النّاحية بمقبرة مقداد، مدفن هذا الرّجل الجليل الشّأن بناء على وقوع وفاته رحمه اللّه تعالي فى ذلك المكان او ايصائه بأن يدفن
ص: 175
هناك لكونه على طريق القافلة الرّاحلة إلى العتبات العاليات، و إلّا فالمقداد بن أسود الكندىّ الّذى هو من كبار أصحاب النّبىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مرقده المنيف فى أرض بقيع الغرقد الشّريف؛ لما ذكر المورّخون المعتبرون من أنّه رضى اللّه عنه توفّى فى ارضه بالحوف، و هو على ثلاثة أميال من المدينة فحمل على الرّقاب حتّى دفن بالبقيع.
السيد المتاله المشهور الايد المتفقه المشكور امير غياث الدين منصور ابن السيد الكبير الامير صدر الدين محمد بن ابراهيم بن محمد بن اسحاق الحسنى الحسینى الدشتى الشيرازى(1)
صاحب المدرسة المنصورية الواقعة فى دار العلم شيراز و المشتهر أمره فى الفضل و الفهم و الشأن و القدر و المجد و الفخر و التّجلل و الاعتزاز.
كان أوحد عصره فى الحكمة و الكلام، بل المعىّ زمانه فى العلم بشرائع الاسلام و لذا كانت الملوك و الاعلام يصفونه فيما يصدرون له من الارقام، بأمثال هذه الفقرات من الكلام، جامع المعقول و المنقول، حاوى الفروع و الاصول، اكمل اهل النّظر، استاد البشر، و العقل الحادى عشر كما ذكره ابو القاسم بن ابى حامد بن نصر البيان الانصارى الكازرونى فى كتابه الموسوم ب «سلم السموات» و فيه تفصيل تراجم جماعة من الحكماء و الشعراء و ارباب المنازل و أصحاب المقامات.
و قد كان هذا الشيخ كما ذكره فى ترجمة نفسه: تلميذا للمولى وجيه الدين سليمان القارى الفارسي الذى هو من جملة تلاميذ حضرة غياث الدين المذكور.
و من جملة ما زبره أيضا فى كتابه المزبور بالنّسبة إلى جناب هذا الرجل الجليل
ص: 176
المشهور: انّه كان نقش خاتمه الشريف (ناصر الشريعة منصور). و كتب أيضا فى ذيل ترجمة والده الإمام العلّامة المشتهر بالأمير صدر الكبير: انّه اجتمع مرة مع المولى المحقّق جلال الدين الدّواني فى بعض المجالس المنعقدة لهما بالديار الفارسية و كان فى خدمته إذ ذاك ولده الامير غياث الدين المبرور، و هو فى سنّ ثماني عشرة تقريبا قريبا عهده من تحرير شرح الهياكل الذى هو من عمدة آثاره، فاتّفق انّه ابتدأ بالكلام و أخذ يخاطب المحقق الدّوانى فى شى ء من المطالب العظام، مظهرا انّه ينوى المناظرة معه فى تلك المسألة و هو لا ينظر اليه بوجه من الوجوه، و لا يتعرض لجواب مسألته بنحو من الانحاء، فتغيّر من هذه الجهة وجه والده الامير صدر و قال للمولى جلال المذكور باللسان الفارسى:
بنده زاده چنين ميگويد، فقال المولى فى جوابه: شما بفرمائيد تا ببينم چه ميگوئيد إلى آخر ما ذكره.
و يستفاد من بعض التواريخ المعتبرة ان صاحب العنوان كان من جملة وزراء السّلطان حسين ميرزا بايقرا التيمرى و من بعضها الآخر انّه مشكوك الاعتقاد بمراسم المذهب الجعفرىّ مثل والده الامير صدر الكبير الّذى لم يعدّه احد منا فى جملة معاشر الاحباب و لم يعهد ذكره فى شى ء من كتب رجال الطائفة أو زبر إجازات الاصحاب، و مثل ابن عمّه المحدّث العارف الا ميرزا عطاء اللّه بن الامير فضل اللّه الحسينى الدّشتكى الشيرازى المتقدّم ذكره فى هذا الكتاب صاحب كتاب «روضة الاحباب فى سيرة النّبى و الآل و الاصحاب» و إن اعتذر بعض ارباب السير عن اظهارهم هذه الطريقة بكونها أدخل عندهم فى القيام بوظائف احقاق الحق و الحقيقة.
و تقدّم أيضا عن تقرير صاحب «حبيب السير» انّ أوّل من ترك مطالعة احاديث العامة العمياء من هذه السلسلة العليّة و اشتغل بتشييد قواعد الحكمة و الكلام على سياق أرباب البصيرة من طوائف الاسلام هو جناب المير صدر الدين الحكيم المتقدّم المشهور والد الأمير غياث الدين منصور المذكور بل الظّاهر انّ ذلك كذلك و ذلك لانّا نرى كلّما تنزّلت هذه السّلالة الفاخرة صارت اقرب إلى العترة الطّاهرة أم أقدر على إظهار مراسمهم
ص: 177
الحقّة، و إسعاد جوانبهم المحقّة إلى ان انتهى الأمر إلى قرّة باصرتها المرءها و غرّة ناصيتها الباهرة البهاء مفخر سلافة الاشراف و شرف آل عبد مناف سيّدنا الفاضل الجليل المتبحر المتقدّم ذكره الشريف فى باب ما أوّله العين المهملة، أعنى السيد علي خان الحسنى الحسينى المدني الشيرازى الشارح للصحيفة الكاملة شكر اللّه مساعيه الجميلة فى أمثال هذه المعاملة، فانّه قد بلغ الدّرجة العالية من رئاسة الشيعة الإمامية و خدمة مآثرهم الجليلة الايمانيّة، و بيّض وجوه اسلافه المتهمين و برد عيون أجداده المحترمين إلى قيام يوم الدّين.
و قال صاحب «مجالس المؤمنين» بعد الإطراء فى مدح الرّجل و إنشاء الثناء الفاخر عليه فوق جميع الحكماء الراسخين و النبلاء الباذخين ما ترجمته: فرغ من ضبط العلوم و هو فى سنّ العشرين و ظهر فى وجهه داعية البحث و الجدل فى المطالب العالية مع العلامة الدواني قبل هذه المرحلة بنحو من ست و ستين.
و كان له مدّة من الازمنة منصب الصدارة المطلقة على باب حضرة السّلطان يعنى به السّلطان شاه طهماسب الصّفوى الموسوى بهادر خان إلى أن توجه مولانا الشيخ على المحقق الكركى فى المرّة الثانية من ناحية عراق العرب إلى مستقر سرير ذلك السلطان المحتجب فوشوا إلى جناب الشيخ فى عدم تقيّد الرجل بقوانين الشريعة المطهّرة بحيث انحرف عنه قلب الشيخ و اغتنم المفسدون الفرصة فى اشتغال نائرة العداوة بينهما.
ثم اتفق فى بعض مجالس السّلطان أن حضرا هنالك جميعا، و وقع بينهما مباحثة فى بعض المطالب العلمية إلى أن انتهى الأمر فى ذلك إلى الخشونات الشديدة و ايراد غير الملائمات من الكلام، فأخذ الملك جانب جناب الشيخ فلمّا رأى المير ذلك قام من المجلس ملولا مكروبا، ثم استعفى عقيب هذه الواقعة عن منصب الصدارة و خرج إلى بلدة شيراز المحروسة فبقى هناك إلى أن مات.
و كانت وفاته فى سنة ثمان و اربعين و تسعمأة.
ص: 178
و له من المصنفات كتاب (حجة الكلام) عثرت على مبحث المعاد منه شنع فيه كثيرا على أقاويل حجة الاسلام الغزالى و هو ينيف علي ثلاثة آلاف بيت و يظهر من ذلك انّه كتاب مبسوط.
و منها كتاب المحاكمات بين حواشى والده الامير صدر الكبير و حواشى العلامة الدواني على شرح التجريد و كتاب المحاكمات بين حواشيهما على شرح المطالع و المحاكمات بين تعليقاتهما الرفيعة على شرح العضدى على مختصر الاصول و منها كتاب شرح هياكل الانوار و شرح رسالة ابيه فى اثبات الواجب و كتاب (تعديل الميزان) فى المنطق و كتاب «اللوامع و المعارج» فى الهيئة كتبه فى سنّ ثمانية عشر؛ و كتاب «التجريد فى الحكمة» و كتاب «معالم الشفاء» فى الطب و مختصره المسمى ب «الشافية» قرأته فى مبادى التّحصيل عند الشيخ الفاضل الحاذق عماد الدين محمود الشيرازى و كتاب «السفير فى الهيئة» و «الحاشية على إلهيات الشفاء» و على شرح الإشارات و على شرح حكمة العين.
و رسالة فى باب خلافة ولده الأرشد صدر الدّين محمّد، و كتاب «خلاصة التّلخيص فى المعانى و البيان» و كتاب «الردّ على حاشية الدّوانى على الشّمسيّة» و «الردّ على حاشية على التّهذيب» و «الردّ على انموزج العلوم» منه و على «رسالة الزّوراء» منه، و منها كتابه المسمّى ب «الاخلاق المنصورى» و «رسالة فى تحقيق الجهات» و «رسالة المشارق» فى اثبات الواجب و «الحاشية» على اوائل الكشّاف» و «تفسير سورة هل اتى» و كتاب «مقالات العارفين» و كتاب اخر فى التّصوّف و الاخلاق كتبه باسم ولده المير شرف الدّين على و «رسالة قانون السّلطنة» فهذه جملة ما رأيته من مصنّفات الرّجل، و له أيضا غير ما ذكر مثل كتاب «رياض الرّضوان» و كتاب «الأساس فى علم الهندسة» و غير ذلك.
و انّما تعرّضت لتفصيل هذه المصنّفات ردّا على مثل مولانا أبى الحسن الكاشى، و المولى ميرزا جان الشيرازى؛ من أفاضل هذا العصر، حيث كانا ينتحلان من كتبه الغير المتداولة ما يريدان، ثمّ يقولان انّه لا يوجد من مصنّفات الامير غياث الدّين
ص: 179
المذكور سوى الإسم، و قد سمعت استادى المحقّق يقول انّ المولي أبا الحسن أقام فى رسالته ستة ادلّة على اثبات الواجب تعالي وعدّها من خصائص فكر نفسه، مع أنّه انتحلها جميعا من «شرح هياكل» المير قدّس سرّه، و كان رحمه اللّه ماهرا فى فنون الأدعية و الطّلسمات، و حكاية اهلاكه بهذه القاعدة للامير ذو الفقار حاكم بغداد الباغى على دولة سلطاننا المؤيد طاب ثراه مشهورة.
و كان له قدّس سرّه ولدان عزيزان منتجبان أحدهما الأمير صدر الدّين محمّد الثانى المتقدّم اليه الاشارة فى هذه الأبيان، و ثانيهما أخوه الاكبر الأمير شرف الدّين على المعروف بالورع و التّقوى فى ذلك الزّمان، إلّا انّ الأوّل من جهة كونه أفهم و أعقل و أفضل و أكيس كان والده الجليل يفضّله على ولده الآخر فى المحبّة و التّبجيل، بحيث قد نقل انّه لمّا بلغ إلى سمع حضرة الأمير غياث الدّين انّ السّلطان المظفّر خصّص ذلك الولد الأكبر بمزيد عنايته و كثير إلتفاته و ملاطفته لمّا ورد عليه فى معسكره المبارك لم يسرّه ذلك، و قال انّه حمار بلا مشاكل غير قابل لأمثال هذه المراحل، ثمّ أنشد.
هر كجا بى هنرى هست بدو ميبخشند
بيشتر زانكه از أيّام تمنّا دارد
و نقل أيضا من جملة لطايف حضرة هذا المير المبرور انّ ولده المير شرف الدّين المذكور دخل يوما عليه، و أخذ فى التّشنيع على قبائح أفعال أخيه المير صدر- الدّين و قال انّه وضع دنان الخمر على قبر جده الأمير صدر الكبير و يشرب منها و جنابك غير خبير؛ فقال فى جوابه جناب المير تنبيها على كون ما ذكره معلّلا بالغرض اصنع أنت أيضا مثل ما صنعه أخوك و اشرب ممّا يشربه.
ثمّ لما خلي المجلس دعى ولده المير صدر الدّين إلى الخلوة و أخذ معه فى الموعظة و النّصيحة، و قال له يا بنىّ أنّ الناس يضعون علي قبور آبائهم المصاحف المجيدة، و أنت تضع على قبر جدّك وعاء الخمر و لا تستحيى، فكان هذا سبب توبته النّصوح و تركه الصّحبة و الصّبوح.
ثمّ ليعلم أنّه لم يعهد من أحد من الآحاد توبة إلى اللّه تعالى بمثل توبة هذا الرّجل
ص: 180
المؤيّد من عند ربّ العباد و لا أثرا من قبول التّوبة بالنّسبة إلى أحد من التّائبين مثل ما ظهر بالنّسبة إلى هذا المستبصر بنور اللّه المبين، فانّه قد بلغ الأمر فى ذلك إلى حيث لا تبلغه أيدى أبدال الممالك و أبطال المهالك، فشمّر عن ساق الجدّ و الجهد لا على سبيل الحقيقة و الجدّ فى تدارك ما سلف من تفريطاته بالتّدارك في طريق رياضاته و مجاهداته، إلى أن رجع فى قليل من الأزمنة إلى أصله الأصيل، و عرج إلى معارج آبائه الكابرين بتحصيله المراتب العالية على سبيل التّفضيل، فصار صدرا ثانيا يفتخر بقرب منزلته فى هذا الباب ذلك الصّدر الأوّل، و بدرا باهيا فى سلسلة المشايخ الأنجاب يكون عليه منهم المرجع و المعوّل، و لقد رأيت من ثمرات عمره المبرور بعد تنبّهه المزبور بتوفيق مالك الأمور إجازة فاخرة منه لبعض فضلاء دار العبادة، فيها من الفضل و الزّيادة ما لم يتّفق مثله إلى الآن لاحد من العلماء و السادة؛ و رسالة طريفة فى التّشديد على مذمّة الخمر الخبيث و التّهديد على شاربه الخبيث، بالعقل و الإجماع من جميع أرباب الشّرايع بعد القرآن و الحديث، و فيها من الفوائد الشّريفة ما لا يحصى و من العوائد المنيفة مثل عدد الرّمل و الحصا.
فامّا الإجازة الممتازة المفضّلة المذكورة فهى بعد الفراغ من الحمد و الصّلاة منها ما هو بهذه الصّورة قلت: لي أشياخ منهم: أولا أبى و شيخى و هو من أشاع غوامض العلوم و الحكم، و نشر بحيث لقب استاد البشر و العقل الحادى عشر إمام الحكمة ناصر الشّريعة، منصور قدّس اللّه سرّه، و هو يروى العلوم الشّرعيّة كلّها، و المنقولات المرويّة جلّها، عن أبيه الصّدر الشّهيد، عن عمّه السيّد الأيّد نظام الحقّ و الدّين سلطان المحدثين و المفسّرين، برهان الوعّاظ و المذكّرين، أحمد بن اسحاق بن ابراهيم بن محمّد (ح) و عن أبيه مطيع اللّه و مطاع السّلاطين غياث الإسلام منصور عن أبيه محمد عن أبيه إبراهيم عن أبيه محمّد عن أبيه إسحاق عن أبيه علّى، عن أبيه عربشاه، عن أبيه أميران، عن أبيه أميرى، عن أبيه الحسن، عن أبيه الحسين الشّاعر العريرى؛ عن أبيه، عن علىّ النصيبى الشّاعر، عن أبيه زيد الأعثم، عن أبيه محمّد، عن أبيه علىّ، عن أبيه جعفر، عن أبيه
ص: 181
أحمد السّكين، عن أبيه جعفر عن أبية محمّد السيّد، عن أبيه زيد الشّهيد الحريق، عن أبيه زين- العابدين، عن أبيه الإمام حسين، عن أبيه أمير المؤمنين علىّ بن أبى طالب صلوات اللّه و سلامه عليهم اجمعين، عن رسول اللّه صلوات اللّه عليه و آله الطّاهرين، و أنا أروى بهذه الأسناد علوما و أحاديث كثيرة، و أوّلها مسلسلا به أنّه قال عليّ عليه السّلام كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله سرّ قلّما عثر عليه و سائرها كثيرة.
ثمّ انّ أحمد السكّين جدّى صحب الإمام الرّضا عليه السّلام من لدن كان بالمدينة إلى أن أشخص نلقاء خراسان عشر سنين، فأخذ منه العلم و اجازته عليه السّلام عندى، فاحمد يروى عن الإمام الرّضا عليه السّلام عن آبائه؛ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم؛ و هذه الأسناد أيضا ممّا انفردّ به لا يشركنى فيه أحد، و قد خصّنى بذلك و الحمد للّه.
ثمّ انّى أروى عن أبى عن جدّى عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه خمس مرّات عن الشيخ المجتهد المتهجد العلّامة أبى منصور الحسن بن يوسف بن عليّ المطهّر الحلّى قدّس سرّهم: عن أبيه عن أبى الفرج النّيلى، عن الشّيخ المفيد أبى جعفر محمّد بن الحسن بن محمّد بن علىّ الطّوسى عن الغضائري، عن التّلعكبرى، عن ابن همام، عن ابن زكريّا البصرىّ، عن صهيب بن عبّاد، عن ابيه العبّاد، عن مولانا الإمام الصادق صلوات اللّه عليه، إلى آخر ما ذكر من تلك الاجازة، و لم يهمّنا ذكره و حكايته.
و قد ذكره أيضا الفاضل المحدّث المعتمد الأمين الشّيخ محمّد بن محمّد زمان بن الحسين بن محمد رضا بن الشّيخ حسام الدّين فى اجازته الكبيرة الّتى كتبها الشيخ غالب مشايخ عصرنا هذا الآقا محمّد باقر الهزارجريبى المازندرانى، والد مولانا الآقا محمّد عليّ النّجفي الفقيه المتقدّم ذكره الشّريف قدّس سرّهم المنيف، فقال بعد عدّه جملة من المسلسلات فى السّند، و من مسلسل الحديث ما نقله السيّد الأمجد الأفخم صدر الدّين بن أحمد ابن نظام الدّين بن محمد معصوم بن أحمد بن نظام الدّين، بن ابراهيم بن سلام اللّه بن مسعود بن محمد بن صدر الحقيقة بن غياث الدين منصور، قال: حدثنى والدى السيد الاجل نظام الدين عن والده السيّد الجليل محمّد معصوم، عن شيخه المحقّق المولى محمّد أمين الاسترابادى عن شيخه طراز المحدّثين الميرزا محمّد الاسترابادىّ عن السيّد ابى محمّد محسن
ص: 182
قال حدّثنى أبى علىّ شرف الآباء عن أبيه منصور غياث الدّين، عن أبيه محمّد صدر الدّين عن أبيه إبراهيم شرف الملّة، عن أبيه محمّد صدر الدين عن أبيه اسحاق عزّ الدين، عن أبيه علىّ ضياء الدين، عن أبيه عربشاه زين الدّين، عن أبيه أبى الحسن أميران نجيب الدّين عن أبيه ميرى خطير الدّين؛ عن أبيه أبى علىّ الحسن جمال الدّين، عن أبيه أبي جعفر الحسين العريرىّ، عن أبيه أبي سعيد عليّ، عن أبيه ابراهيم بن زيد الأعثم، عن أبيه أبى شجاع علىّ، عن أبيه أبى عبد اللّه محمّد؛ عن أبيه علىّ عن أبيه أبى عبد اللّه جعفر، عن أبيه أحمد السكّين، عن أبيه جعفر، عن أبيه أبى جعفر، عن أبيه زيد الشّهيد، عن أبيه علىّ زين العابدين، عن أبيه الحسين سيّد الشّهداء، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام قال كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه و اله سرّ قلّما عثر عليه و بالسّند المذكور متّصلا إلى زيد الشّهيد أنّه قال سمعت أخى الباقر عليه السّلام، يقول: سمعت أبى زين العابدين يقول: سمعت أبى الحسين يقول: سمعت أبى علىّ بن أبى- طالب عليه السّلام يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يقول نحن بنو عبد المطّلب ما عادانا بيت إلّا و قد خرب، و لا عادانا كلب إلّا و قد جرب و من لم يصدق فليجرب.
ثمّ قال: قال السيّد الأفخم الأكرم السيّد علىّ صدر الدّين بن أحمد نظام الدّين الحديث المسلسل بالآباء السّبعة و عشرين أبا قلمّا يتّفق فى أخبار الخاصّة، و نحن نحكى المسلسل عن شيخنا الأمير محمّد حسين طاب ثراه يعنى به ابن بنت مولانا و سميّنا العلامة المجلسىّ عليه رضوان اللّه، عن السيّد الجليل المذكور، على ما أوردناه صدر المقال قلت: و نحن أيضا نروى ذلك الحديث المعتبر المبتكر عن والدى الجليل المتقدّم ذكره الأشرف الأنور، فى ضمن ترجمة نفسى الأذلّ الأصغر، عن شيخ اجازته السيّد الفاضل المتبحّر الأمير محمّد حسين الثّانى، عن أبيه السيّد العالم المتبحر المتورّع الامير عبد الباقى، عن والده الإمام العلّامة الامير محمّد حسين المذكور أسكنه اللّه فى غرفات دار السّرور.
و قد تقدّم قريبا من هذه الترجمة، ذكر جملة من المسلسلات بلفظة أبيه مثنى
ص: 183
و ثلاث و رباع و خماس و أزيد على ذلك هيهنا ما ذكره أيضا صاحب الإجازه المتقدّم إليها الإشارة من انّه يروي عن جماعة من أهل العلم و الفضل و الجلالة، منهم الشّريف الفاضل الفقيه الأديب الميرزا محمّد ابراهيم القاضى ابن غياث الدّين محمّد الخوزانى الاصفهانىّ، صاحب الرّسائل كثيرة و التأليفات النّفيسة؛ كما ذكره المجيز المذكور، و هو أيضا يروي عن جماعة من الشّيوخ و الأعيان، منهم بلديّة الفاضل الورع الفقيه الحاجّ محمّد طاهر بن الحاج مقصود على، الورنوسفادرانى الإصفهانى، الّذى هو من جملة مشايخ صاحب الإجازة أيضا من غير واسطة أحد، و منهم الميرزا عبد الحفيظ بن الميرزا محمد أشرف بن الميرزا عبد الحسيب بن السيد أحمد بن زين العابدين العاملىّ، الذى هو صهر سيّدنا المحقّق الدّاماد، عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه السيّد المعظّم عليه، عن خاله الشّيخ عبد العالى الكركى العاملى، عن والده الجليل المحقّق الشّيخ علىّ، و منهم الشّيخ الفاضل الشّيخ محيى الدّين بن الشّيخ حسين بن محيى الدّين بن عبد اللّطيف بن نور الدّين على بن شهاب الدّين أحمد بن أبى جامع الحارثىّ الهمدانى العاملى الحويزاوىّ عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن أبيه عن المحقّق الشّيخ على.
هذا و أمّا رسالته العديمة المثال الّتى كتبها فيما ذكرناه من المعنى تكفيرا لما صدر منه فى زمن عمره المخنى المفنى فهى أيضا موجودة عندنا فى زمن هذه الكتابة معروضة على المصنّف المرحوم نسختها الطّريفة المستطابة، واقعة خطوطه الشّريفة على ما بلغ منها إلى مواضع رقوم الانهاء يقول فى مفتتحه على أثر ما سرده من الخطبة الغرّاء، و بعد فانّ العبد المسرف الخاطى الجانى أبا نصر محمّد بن ناصر الشّريعة محمّد المشتهر بصدر الثّانى، تقبّل اللّه بطوله توبته و غفر بفضله زلّته، و أقال ببذله عثرته، و رحم أرحامه و عترته، يقول: انّى لمّا رأيت أكثر أهل زمانى لا كالأزمنة الماضية البالية؛ و الأونه السّالفة الخالية مولعين منهمكين فى هذا الشّراب الّذى إلي الشّراب و من شربه أو شرّ به خسرو خاب، عن الخمر الرّجس النّجس الخبيث المخبث، الّذي
ص: 184
هو من عمل الشيطان، و هو أبو الخبائث الموقع للعداوة و البغضاء و الطّغيان، الضادّ عن ذكر اللّه و عن الصّلاة، المزيل للعقل الّذى هو أصل الخيرات، الهادّ للأبدان الهادم للاديان المسقم للأرواح، المهلك للاشباح، تعسأله و لشاربه السّاربة سحقا و طعنا، و للمزمن المدمن العاكف عليه المائل إليه بعدا و لعنا، فوجدتهم تايهين فى تيه تيهوره، دائرين دور در دوره يحسبون انّهم يحسنون، و يتعقّلون فيه نفعا و هم لا يعقلون.
يرون نشوته من نشأت الأنبساط و الافراح، و لمّا يسكرون يشكرون أسقاطه القوى و اعماءه الارواح، يخيّلون السمّ النّاقع ترياقا نافعا إلى مراقى الصّحة راقيا و الذلّ الغير الزائل عزا رافعا باقيا، و هو مع ما سلف فيه من الزّجر و المنع و النّهى و الرّدع المقترن بالوعيد الشّديد المشتمل على التّهديد الهديد فى الكلام المجيد، بضدّ ما ظنّوه كظنونهم الآثمة سقيم و على خلاف ما حسبوه كحسباناتهم مسقم غير مستقيم متلف للعقل اتلاف العبر البقل قاتل للبدن جزر البدن بأسوء قتل كما سيأتى تفاصيل ذلك فيما اتى معبّرا عنها بعباراتى و أكثرهم يرومون تقليد بعض النّاس ممّن أدركهم الابليس الخنّاس بالوسواس، أعنى الشّعراء الّذين يتّبعهم الغاون، فيما اتلو فقالوا بعض الأشعار من الخمريّات المفسقة الّتى اليه داعية معشقة، و بعضهم يقتفون أقوال بعض الجهّال من النّصّارى و اليهود، و اهل الزّندقة و الجحود، ممّن اشتهر بالطبّ و الطّبايع الّذين أثبتوا فيه الفوائد و المنافع:
فعند ذلك ابتدأت لكشف الخمار الإستتار عن وجه مضارّ ذلك المهلك الضارّ، و قطع مدار الدّور لهذا الّذى هو بين أهل الرين دار، و قصدت بذلك رضى الربّ تعالى تقرّبا إليه و طلبا لقبوله توبتى و محوه خطيئتى و زلّتى و وعظا لعباده تطهيرا و نصحا لإخوانى و تذكيرا و تنبيها لمن ابتلى بسبابة و ايقاظا و تنذيرا.
فلمّا تممت فيما يمنت العزم و اقترن بما عزمت القصد الجزم خالج فى خلدى انّ أؤلّف رسالة خالصة لهذا الشّان؛ مبيّنا ما هو لاجله هان و شان ثمّ الهمت بخاطر عينى و نفث الهىّ بأن افسّر الأية المقررّة فى تحريم خمر الخبيث المشلوب المسلوب الواقعة
ص: 185
فى سورة المائدة، بأحسن طرز و ألطف أسلوب أفضّل أوّلا ما يتعلّق بهذه الآية من العلوم الأدبيّة و الفنون العربيّة، ثم ما يتعلّق بالمعنى و التّفسير مشيرا طىّ ذلك إلي ما يتعلّق بها من حقايق الفقه و الأحكام؛ و دقايق الحلال و الحرام، مع ما يلى فى خاطرى من الأخبار و الآثار، و خطر فى بالى البالى من روايات الأبرار، و ما ورد من الأحاديث و الأخبار، مشيرا إلى آيات محكمات هنّ الكتاب، و أخر متشابهات بتفسير يرتضيه ذو الألباب، و بعد ذلك أوردت ما أفردت لشأنه من العلوم الخلقية، و المسائل المهمّة الحكميّة؛ و ما يتعلّق بهذا المقصد من المعارف الخليقة الخلقيّة، و المطالب الطيّبة الطبيّة ثمّ أتى بالخاتمة الخاتمة للكتاب، فحينئذ ثلاث مقاصد الرسالة لهذه المباحث الأوّل للاوّل، و الثّاني للثّانى، و الثّالث للثّالث، فالاخر أن يعتقبان الآخر كما تأتى المثانى غبّ المثالث.
و لمّا كانت مقاصد هذا الكتاب للمؤمنين موعظة، و ذكرى للمتّقين و تبصرة، و ذخرا فيه طريق الاستعفاء و الاستغفار عن معاقرة العقار و مقامرة القمار، سمّيته «الذّكرى» ليكون الإسم مطابقا للمسمّى، و اللّفظ تابعا للمعنى، بأن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد، و أسأل اللّه التّوفيق انّه حميد مجيد.
و لمّا كانت الأسماء تنزل من السماء، وجدت عدد حروف ذلك الإسم بحساب الجمل ما هو تاريخ تأليفه، فانّه جفّ المداد عن قلم المؤلّف ألّف اللّه بينه و ألّفه فى شهور سنة إحدى و تسعين و تسعمأة؛ قال اللّه سبحانه و تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ و قال فى مقام ذكره لمناسبات مجلس الخمر و بيانه لحكم اللّعب بالنّرد و الشّطرنج، بعد إدّعائه إجماع الطائفة على حرمة ذلك، روى عبد الواحد بن محمّد بن عبدر النيسابورى قال حدّثنا علىّ بن محمّد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان قال سمعت الرّضا عليه السّلام يقول لمّا حمل رأس الحسين عليه السّلام إلى الشّام أمر يزيد بن معاوية، فوضع و نصب على مائدة فاقبل هو و أصحابه يشربون الخمر؛ فلمّا فرغوا أمر بالرّأس، فوضع فى طست تحت سريره
ص: 186
و بسط عليه رقعة الشطرنج، و جلس عليها يزيد لعنه اللّه يلعب بالشّطرنج و يذكر الحسين و جده صلوات اللّه عليهم أجمعين فيستهزئ بذكرهم، فمتى قمر صاحبه تناول الخمر فيشربها، ثمّ نصب فضلها نحو الطّست، فمن كان من شيعتنا فليتورّع من شرب الخمر و لعب الشّطرنج و من نظر إلى الخمر و الشّطرنج، فليذكر الحسين عليه السّلام، و ليلعن يزيد و آل زياد يمحو اللّه عزّ و جلّ بذلك ذنوبه و لو كانت كعدد النّجوم إلى أن قال: و أفتى والدى و سيّدى و أستادى أستاد البشر و العقل الحادى عشر، قدّس اللّه سرّه بحرمة الشّطرنج و جزم فيها.
ثمّ قال خاتمة المبحث فى الغناء و سماعها، قال اللّه تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ و قال اللّه تعالى وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها الآية و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يحشر صاحب الطّنبور يوم القيامة و هو أسود الوجه و بيده طنبور من النّار و فوق رأسه سبعون ألف ملك بيد كلّ ملك مقمعة يضربون رأسه و وجهه، و يحشر صاحب الغنا من قبره أعمى و أخرس و أبكم، و يحشر الزّانى مثل ذلك، و يحشر صاحب المزمار مثل ذلك، و صاحب الدّف مثل ذلك.
و عن الرّضا عليه السّلام استماع الأوتار من الكبائر، و نقل انّه سمع أمير المؤمنين رجلا يضرب بالطّنبور فمنعه و كسّر طنبوره عنه ثمّ استتابه فتاب ثمّ قال أتعرف ما يقول الطّنبور حين يضرب فقال وصّى رسول اللّه اعلم فقال انّه يقول:
ستندم ستندم أيا صاحبى
ستدخل جهنّم أيا ضاربى
و أقول اختلف النّاس فى الغناء اختلافا كثيرا فحرّم الإماميّة و الشّيعة الغناء و آلاتها مطلقا، و الشّافعى يحرّم الأوتار و القصب و هو الشّاهين و اباح الدّف و الطّبل و النّفير و الصّريخ و أمثالها محرّمة، و قيل إلّا فى الحرب، و امّا الصّوفيّة فكلامهم فى الغناء و السّماع طويل ليس هذا مكانه، و انّهم يشرطون فى إباحتها شروطا، و الّذين يباشرونه لا يوفون بواحد منها قطّ.
ص: 187
و أقول و أمّا قراءة القرآن و الحديث و الأشعار المشتملة على الحكم و المواعظ و النّصايح و تحميده و تمجيده و نعت رسوله و مناقب أهل بيته عليهم الصّلاة و السّلام إذا كان صدقا مرادا بها وجه اللّه تعالى و ثوابه و نصح المسلمين بالصّوت الحسن إذا لم يكن من امرأة اجنبيّة و لا من صبّى يكون فيه شائبة الشّهوة و الفسوق فلا ارى فيها باسا، بل أراه مستحبّة مندوبة اليها لزيادة تأثيرها حينئذ فى القلوب، فانّ فى الكلام الموزون و خصوصا بالأصوات الحسنة تأثيرا و فعلا فى القلوب ممّا ليس لغيرها، و خاصّة مع انّه منقول عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله فانّه قال: حسنّوا القرآن بأصواتكم، و كان يأمر أبا موسى الأشعرى بقرائة القرآن عنده، و كان حسن الصّوت، و كان (ع) يقول فيه لقد أعطيت مزمارا من آل داود، و هذا مبحث طويل عميق، و لو رمنا الإستقصاء و الإستيعاب لزمنا ركوب سهوب الأسهاب، و حينئذ يطول ذيل الكتاب، و انّما ذكرنا ما فيه كفاية فى العجالة لمناسبته مع الخمر المقصود بيانه فى هذه الرّسالة إلى آخر ما نثره من جواهر الكلام. و نشره من الفوائد الفرائد المناسبة للمقام.
و ينقل فى رسالته المذكورة أيضا كثيرا من تحقيقات والده القمقام، و تعليقاته السّديدة فى الحكمة و الكلام، و الفقه و الأدب و سائر فنون الإسلام، و يذكره فى الأغلب بعنوان الوالد الأستاد، سلطان حكماء الحاضر و الباد، استاد البشر و العقل الحادى عشر، كرّم اللّه وجهه كما ترى أنّه يقول فى مقام البحث عن مزاج حشيشة البنج الّذى يذكره فيها باعتبار مجانسته للخمر الخبيثة؛ ثمّ يعرف حقيقته بعد ذلك بانّ اسمه القنب و استعير له هذا الإسم و هو الّذى يأكله البطلة و القلندريّون، و هو عندهم أصل التّصوّف و لبّ لباب المعرفة و التّألّه، يقولون من لم يأكله لا يبلغ إلي درجات العارفين؛ و قد سمّوه باسماء منها الأسرار الانكشاف الأسرار العجيبة من تخيّلاته، و منها ورق الخيال، و منها الجزؤ الأعظم، لانّ النّاس اعتادوا استعماله فى المفرّحات و يرونه الغرض الاصلّى منها و شيوع ذلك فى النّاس أكثر من الخمر، و العرب تسميه خمر الأعاجم، ينسبونه إلى العجم مع انّه فى بلادهم أشهر و أعرف، و هو شجرة الحبّة المعروفة
ص: 188
بالشهدانج، و ربّما سمّوه حبّة الخضراء، و هو على ثلاثة أضراب برّىّ، و بستانّي، و هندىّ إلى أخر ما ذكره ما يكون صورته هكذا:
ثمّ اعلم انّ الاطبّاء اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، فقال بعضهم انّه حار يابس كما مرّ و قال بعضهم انّه بارد و لا خلاف فى انّه يابس، و الحقّ يخالف كلا المذهبين، لانّى سألت عنه سيّدى و مولاى استادى و استاد البشر و العقل الحادى عشر غياث المستغيثين و ناصر الشريعة و الدّين، و سند حكماء الاوّلين و الآخرين، قدّس سرّه و كرّم اللّه وجهه فقال: الحقّ المحقّق عندى انّه مركّب القوى لا حارّ و لا بارد إنتهى.
و قال أيضا في مقام بيان مذمّة هذه الحشيشة الخبيثة بعد ادّعائه اجماع جميع المسلمين سوى بعض الطّوائف من الشّافعيّة علي حرمة تناولها على سبيل الإطلاق، و أقول أن عرّفت الكبيرة بما ورد فيه الوعيد فهو من أكبر الكبائر إذا صحّ ما روى فيه ثمّ ذكر انّ من جملة ذلك ما روى عن طريق أهل البيت عليهم السّلام عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم انّه قال سيأتى زمان على امتى يأكلون شيئا اسمه البنج انا برى ء منهم و هم بريئون منّي و قال صلى اللّه عليه و اله سلّموا على اليهود و النصارى و لا تسلّموا على آكل البنج، و قال صلى اللّه عليه و اله من احتقر ذنب البنج فقد كفر، و قال صلى اللّه عليه و اله من أكل البنج فكانّما هدم الكعبة سبعين مرة و كانّما قتل سبعين ملكا متقرّبا، و كأنّما قتل سبعين نبيّا مرسلا، و كانّما احرق سبعين مصحفا، و كانّما رحى الى اللّه سبعين حجرا، و هو أبعد من رحمة اللّه من شارب الخمر، و أكل الرّبا، و الزّانى، و النّمام.
ثمّ قال: و أقول: هذا الوعيد و التّهديد لانّ الخمر و ان كان فيها إثم كبير، و لكن فيها منافع للنّاس كما حققنا حقيقة نفعها، و هذا النّجس الأخبث الأضرّ الأسوء الأشر أعني البنج محض الإثم، و ليس فيه منفعة أصلا، و أمّا مضارّه البدنيّة و النّفسية فبعضها ما مرّ و بعضها ما سيجى ء فى المبحث الثّالث إنشاء اللّه تعالى، تمّ كلامه.
و قال ايضا قبل ذلك فى مقام ذكر الأخبار الواردة فى مذمّة الخمر: روى أصحابنا الإماميّة عن أهل البيت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله، انّه قال: و الّذى بعثنى بالحقّ من شرب
ص: 189
شربة من مسكر لم تقبل صلاته أربعين يوما و ليلة، و من تاب تاب اللّه عليه.
و قال أيضا صلى اللّه عليه و اله لوفد الشّاميين: و اللّه الّذى بعثنى بالحقّ من كان فى قلبه آية من القرآن ثمّ صبّ عليه الخمر يأتى كلّ حرف منه يوم القيامة يخاصمه بين يدى اللّه عزّ و جلّ، و من كان له القرآن خصما كان اللّه تعالى له خصما، و من كان اللّه له خصما كان فى النّار.
و قال صلى اللّه عليه و اله من مات سكرانا عاين ملك الموت و هو سكران، و دخل القبر و هو سكران، و يوقف بين يدى اللّه تعالى و هو سكران، فيقول اللّه تعالى مالك؟! فيقول أنا سكران، فيقول اللّه تعالى افبهذا أمرتك! إذهبوا به إلى سكران، فيذهب به الى جبل فى وسط جهنّم فيه عين تجرى مدّة و دما لا يكون طعامه و شرابه إلّا منه أبدا إلى أن قال:
و قال صلى اللّه عليه و اله ما معناه و محصّله: انّ العبد إذا باشر شرب الخمر فالشربة الاولى منها تقسّى قلبه، و بالثّانية تبرّء منه جبرائيل و ميكائيل و اسرافيل و جميع الملائكة، و بالثّالثة تبرّء منه جميع الانبياء و الأئمّة، و بالرابعة تبرّء منه الجبّار جلّ جلاله إلى آخر ما ذكره من الأحاديث المعتبرة و كلمات الحكماء البررة، و ما أورده فى خلال كتابه المسطور من الإستطراديّات المفيدة، و المطالب النّافعة المجيدة، حتّى إذا بلغ آخر الكتاب، فجعل يظهر غاية الإنابة إلى باب رحمة إلهنا العزيز الوهّاب، بمثل هذا الخطّاب قال مؤلّف الكتاب تاب اللّه عليه اللّهم فبهذه الإشارات امّلت البشارات؛ و أراك اكرم الأكرمين، و أرحم الراحمين، و قد قرعت بابك بيد صغير و أنت أعزّ من ان تخيّب سائلا، و انّى ارى نفسى ببابك كما قال القائل.
مهما تذكرّت ما زلت به قدمى
أرجو الّذى عفوه للّذنب محّاء
فكيف ارجع صفر الكفّ عن صمدى
كلتا يديه يمين و هى سحاء
و انّى استغفر اللّه ممّا قدّمت و ما اخّرت و ما أسررت و ما أعلنت، و اسأل اللّه عفوا و مغفرة لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلّا محاها.
استغفر اللّه ممّا كان يعلمها
و كنت فى عمّة من علم شغاء
ص: 190
استغفر اللّه ممّا كان يبصرها
و كنت فى كمه من راى فحشاء
استغفر اللّه ممّا كان يسمعها
و كنت فى صمم من سمع عوراء
استغفر اللّه ذنبا لا يخبابه
نطاق نطق و لا تقصار احصاء
لكنّه عند عفو اللّه ارقبه
اقلّ من قطرة فى لجّ داماء
ثمّ قال يقول مؤلف هذا الكتاب و هو صدر بن منصور بن صدر غفر اللّه لهم الحمد للّه على تيسير هذا التّفسير من غير اخلال فيها، و تقصير و لا اطناب و تكثير، و انّما أوردت فيه من المسائل الأدبيّة و العربيّة و الحقايق الفقهيّة و الكلاميّة، و النّصوص الالهيّة و النبويّة و الاماميّة، و الفوائد الطيّبة الطبيّة و الحكم الإيمانيّة و اليونانيّة، و المعارف العرفانيّة و البرهانيّة، فاحسنت سبكها و سهلت سلكها، مقسّاة بالمواعظ الحسنة و الزّواجر المستحسنة للنفسي و للمؤمنين ليكون ذخرا ليوم الدّين، و هداية لطريق الأستعفاء و استيفاء حقّ الاستغفار، و استنزالا للرّحمة من الكريم الغفّار ثمّ انّى محضت خلاصة الأنظار و لباب الافكار فى هذا المرام منظّما فى أحسن النّظام، و نسبت كلام كلّ أحد إلى قائله، و وسمت كلّ سلعة من سلع هذا السوق المنسوق باسم صاحبه و ما خلا عن سمة فوشى خاطرى العليل، و حكاية حياكة فاطرى الكليل، و انفت فألّفت فيما الّفت العار من عوار عارية من أحد فى كلام أو كلمة قطعا وقنعت فيما صنعت بوليد طبعى و إن كان بليد او سليل ذهبى و ان لم يكن جديدا، و لنعم ما أفاد الشّيخ العارف الصّالح المصلح السّعدى رحمه اللّه حيث قال و فى مضامير مضامين الحقّ جال:
كهن جامه خويش پيراستن
به از جامه عاريت خواستن
و لنختم الرّسالة بخاتم الختم بمناجاة من انشأ الاستاد الوالد استاد البشر، و و العقل الحادى عشر، أكمل أهل النّظر، أنموزج ابائه الائمّة الأثنى عشر، غياث المستغيثين و غوث المؤمنين، ناصر الشّريعة و الدّين، قدس اللّه سرّه و كرّم وجهه، و هو ختم بها تفسيره لسورة الإنسان، من مسائل مطلع العرفان، تيمّنا بها: أللّهم يا واهب الحياة حقّا، و يا مالك الرّقاب رقّا، ببابك عبد تطفلّ على كرمك رجاء
ص: 191
لقبول توبته؛ و قصدا إلى عفوك طلبا لمحو خطيئته، فلا ترجعه من روحك بيد صفر بعداوبته، و لا تدخله فى زمرة الظّالمين لسيّئته وهب له من لدنك رحمة، و هيّى ء له من أمره رشدا، جفّ عنها مواد مؤلّفها و مالكها، حين انتهى بنهاية مسالكها، فى النّصف من ليلة الإثنين الخامس و العشرين من شهر ربيع الاوّل، سنة إحدى و ستّين و تسعمأة بشيراز، بالمدرسة المقدّسه المنصوريّة، حفت بالفيوض النّوريّة، و عمّرت إلى النّفخة الصّوريّة، و فرغت من تبييضها و نقلها من المسودة إلى هذه الاوراق، رق أوراق فيق اوفاق، صدر نهار يوم الغدير، من سنة اثنتين و ستّين و تسعمأة الهجريّة، و أنا مؤلّفه الغريب المهجور، صدرين منصور، جعلهما للّه على نور، و للّه الحمد إنتهى.
و قد ظهر ممّا ذكره قدّس سرّه نسبة تأليف آخر إلى والده المبرور، غياث الدّين منصور، و إليه أيضا ينسب انّه كتب في جواب سلطان الرّوم، لمّا كتب هو إلى حضرة الشاه طهماسب المرحوم، معترضا عليه بانّكم كيف تجوزون لعن الخلفاء الثّلاث، و تسبّونهم بمطاوعة الاجلاف و الأحداث، و كيف تأذنون فى أن يسجد لكم النّاس، مع انّ السجود لغير اللّه تعالى كفر ليس به يقاس، فأشار إليه حضرة الشّاه المرتفع الجناب بأن يكتب إليه الجواب؛ أمّا الجواب عن اعتراضك الأوّل فاعلم انّ أولئك الثّلاثة لقد كانوا من خدم باب جدّنا الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، فنحن أبصر بما نكتم فى حقّ أولئك أم نقول، و لا عليك أن تتكلّم بين المولى و العبيد بشى ء من الفضول، و أمّا حكاية سجود الرعيّة لنا فهى مثل سجود الملائكة لجدّنا آدم عليه السّلام، حين أوحى الأمر بذلك اليهم انّما يفعلون ذلك شكرا للّه سبحانه و تعالى على ما أنعم بنا عليهم، و إظهارا لكمال المسرّة على ما ظهر منّا باعانة اللّه و امضاء اللّه من اعلاء كلمة الحقّ و اطفاء نائرة الباطل فى بلاد اللّه علي رغم اعداء اللّه.
هذا و قد كانت وفاة الرّجل كما ذكره أيضا صاحب «المجالس» سنة ثمان و أربعين و تسعمأة، و مدفنه فى جوار والده المبرور عليهما رضوان اللّه الملك الغفور.
ثمّ انّه لمّا كان هنا أنسب المقامات للإشارة إلى بعض حالات والده المعظّم عليه،
ص: 192
و لم يكن غير صاحب «مجالس المؤمنين» فى مقام التّعرض لذكره البالغ بل التّوجّه إليه، رأينا إذن ايضا فى جملة ما فرض علينا عينا و بقى لدينا دينا، أن لا نخلّى هذا الكتاب الذى جمع فيه ما كان زينا، كى تقرّ به الخلائق عينا، عن حكاية ما ذكره ذلك النّور المبين، فى حقّ هذا الرّجل الّذى هو والد سيّدنا الأمير غياث الدّين، فنقول و الاستعانة من اللّه تعالي فى كلّ حين، قال قدّس سرّه فى كتاب «مجالس المؤمنين» قبل تدوين صاحب التّرجمة بما ابين، و بعد التّسمية له بعنوان سيّد الحكماء المدقّقين، امير صدر الدين محمّد الشّيرازى اسكنه اللّه تعالى فى صدر الجنان، ما يكون حاصله و مؤدّاه و ما ينظر فى العربيّة إليه معناه، كنية هذا الجناب الرّفيع المنزلة و الألقاب أبو المعالى و لقبه الشّريف صدر العلماء و صدر الحقيقة بلسان أرباب الكمالات و الدّرجات العوالى، و كما ذكرناه فى ذيل ترجمة السيّد المحدّث الجليل أمير اصيل الدّين الدّشتكى الشّيرازى الّذى هو من جملة بنى عمومة هذا المتقدّم المرضىّ، كان عموم سلسلة آبائه الرّاشدين و أسلافه الماجدين، من جملة حفظة السنّة و الحديث، و حملة العلوم الّتى هى من أجدادهم العالية مواريث، إلّا أنّ الغالب على أمرهم المشى على طريقة أهل السنّة و رعاية نهاية التّقيّة و الاقتصار على رواية أحاديثهم النبويّة فى جميع مؤلّفاتهم القصصيّة و الاخلاقيّة، إلي أن بلغت النّوبة إلى هذا الصّدر الأستاد المعتمد على ما أفاد، فعدل عن تلك الطّريقة الخارجة عن قانون السّداد، من جهة رؤيا رآها فى ذلك بعض عشائرة الأمجاد و أخذ فى تنقيح المراتب الحكميّة الرسميّة، إلى أن جرّ قلم النسخ على أساطير سائر الحكماء الإسلاميّة.
و كان تلمذ حضرة المير فى العلوم الشرعيّة على أبيه، و على ابن عمّه الأمير نظام الدّين أحمد المتكلّم الفقيه، و فى الفنون الأدبيّة عند ابن عمّته الأمير حبيب- اللّه المشهور، و فى مراتب المعقول على السيّد الفاضل المسلّم الفارسىّ الفارس فى ميدان المعرفة بحقائق الأمور، و قد جرى بينه و بين المولى قوام الدّين الكربالى
ص: 193
الّذى هو من أعاظم تلامذة السيّد الشّريف الجرجانى مباحثات و مناظرات كثيرة أوضح فى مواضع منها بطلان كلمات استاده المذكور.
و من مآثر اقتدار نفسه القدّسى الشّعار أنّه جمع بين أساس الإفادة و المباحثة و العلم و التّعليم، و مراس العمارة و الزّراعة و الرّئاسة على وجه التّنظيم، و كان صاحب حدس صائب، و فهم ثاقب، لم يلزمه أحد من أقرانه فى شى ء من المطالب؛ بل كانت الغلبة معه دائما فى المناظرات، حتى انّ العلّامة الدّوانى لم يكن يحتسب نفسه مبارز ميدانه فى المحاورات، و إن كان يكتب بالقلم فى ردّه ما يريد، كما يظهر من حواشيهما المتقابلة المتعاقبة على المطالع و شرح التجريد، ذكر غوث الحكماء الامير غياث الدّين منصور في شرحه على رسالة «اثبات الواجب» لوالده الامير صدر المذكور، انّه ولد فى صبيحة الثّلثاء الثّانى من شعبان سنة ثمان و عشرين و ثمانمأة، و قتل في صبيحة الجمعة الثّانى عشر من شهر رمضان المبارك سنة ثلاث و تسعمأة على أيدى الكفرة الفجرة الفسقة التّركمانيّة البايندريّة و الدّيار بكريّة.
و من جملة مآثره المدرسة المنصورية بشيراز، و كتاب «حاشية القديم و الجديد على شرح التجريد» و هما إلى أواسط مباحث الأعراض، و كتاب «حاشية القديم و الجديد على شرح المطالع» و كلّ هذه التّعليقات الأربعة منه مقدّمة على كتاب حاشية القديم لسهيمه العلّامة الدّوانى.
و له أيضا «حاشية على شرح الشمسيّة» و على الحواشى الشريفيّة و على «شرح مختصر الأصول» و على «تفسير الكشّاف» و رسائل كثيرة فى حلّ الشّبهات و خواصّ الجواهر و غير ذلك انتهي ما هو ترجمة عبارة صاحب «المجالس».
ثمّ انّه دوّن عقيب ذلك بدون شى ء من الفاصلة ترجمة اخرى للفاضل الخفرىّ المتقدّم فى ذيل ترجمة الشّيخ علىّ المحقّق الكركى ذكره الخفّى، بعنوان المولي الحكيم الإلهىّ شمس الدّين محمّد الخفرىّ (1)، و قال فى ذيل هذه التّرجمة ما ترجمته
ص: 194
كان هذا الرّجل من أعاظم تلامذة صدر الحكماء المتقدّم إليه الإيماء، إلى أن قال:
بعد الإطراء البالغ فى صفة رفعة قدره و علوّ فطرته و فهمه، حكي انّه لمّا استقرّ الأمر
ص: 195
النّافذ فى زمن السّلطان المؤيّد الشّاه اسماعيل الصّفوى الموسوىّ أنار اللّه برهانه على أن يلى المشايخ و المحتسبون فى بلاد هذه الممالك تعليم عوامّهم الأحكام الدينية على طبق الطّريقة الحقّة الاماميّة، و جعلوا يفعلون ذلك و يأمرون من يحتمل فيه الخلاف أن يلعنوا الثّلاثة المعينة الغاصبين لحقوق أهل البيت؛ و يظهرو البراءة منهم و من أتباعهم دخل يوما على هذا الشّيخ المحترم ختن له فى غاية الفزع و الاضطراب، يسأله عن التّكليف فى هذه الواقعة، و أنّه ما يجوز أن يأتى به؟ فقال له اذهب و العن أولئك و لا تخف، فانّهم ثلاثة أجلاف من العرب مستخفّون، و سمعت أيضا من بعض الأفاضل رحمه اللّه انّه لمّا بلغت رايات سلطنة ذلك الملك المعظّم عليه إلى أقاصى مملكتى شروان و آذربيجان و انجلت خيول علماء أهل السنّة و الجماعة من بلاد العراق إلى سحاية البلدان و كان اذ ذلك من جملة ديارها الّتى ما بقى فيها عالم متسنّن مدينة كاشان، فأخذ أهلها يرجعون فى مسائل حلالهم و حرامهم إلى هذا الرّجل بزعم انّه من أعاظم علماء الدّين المبين، و فى زمرة فقهائهم الكابرين المشرّعين، قريبا من ثلاث سنين، و هو أيضا كان يجيبهم في تلك المسائل بما ينظر إليه عقله السّليم، و يثبت عليه رأيه القويم، و كذتك كان يكتب فى أجوبة استفتاءاتهم، فلمّا ورد مولانا المحقّق الشّيخ علىّ الكركى رحمه اللّه ارض ايران، و دخل مدينة كاشان، و وصل إلى خدمته المولى شمس الدّين المذكور، و ذكروا له كيفيّة مجاوباته و أحكامه طلب منهم خطوطه فى ذلك، فلمّا أمعن فيها النّظر، و وجدها قد وافقت أحكام اللّه الواقعيّة علي مذهب الشّيعة الاماميّة، و الجانب الأقوى من المواضع لخلافاتهم استحسن منه ذلك، و قال هذا من أدلّة صحّة قاعدة الحسن و القبح العقليّين كما هى فى الشّريعة مذهب العدليّين.
ثمّ قال و من جملة مصنّفات المولى المذكور يعنى به الفاضل الخفريّ رسالة له فى «اثبات الواجب» يشير فيها إلى صعوبة إدراك حقيقة ما فى ذات إمامنا و مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، و كتاب «منتهي الإدراك فى الهيئة» كتبه قبال «نهاية الادراك» للعلّامة
ص: 196
الشيرازى، و كتاب شرح التّذكرة لمولانا الخواجة سمّاه «التّكملة» و رسالة له فى «حلّ ما لا ينحلّ» و «حاشية على أوائل «شرح التّجريد» و على النّهاية، و على اوائل «شرح حكمة العين» و رسالة له فى علم «الرّمل».
و من جملة تلامذة هذه الرّجل هو المولى شاه طاهر بن رضيّ الدّين الإسماعيلى الحسينى الكاشانى الّذى ذكره أيضا صاحب «المجالس» بعد ترجمة شيخه الخفرىّ و وصفه بعد مثل ما ذكرناه من التّرجمة بالأمامىّ الاثنى عشرى، و حكى له أيضا حكايات طريفة، و نسب إليه مؤلفات منيفة، منها «حاشية على الهيأت الشّفاء» و شرحه على «تهذيب الأصول» و شرحه على «الباب الحادى عشر» و «شرح على جعفريّة» مولانا المحقّق الشيخ علي، و «حاشية على تفسير القاضى» و «رسالة فى أحوال المعاد» و «رسالة فى انموزج العلوم» و غير ذلك و له أشعار فاخرة و قصيدة غرّاء فى منقبة مولى الموالى أمير المؤمنين عليه السّلام يقول فى مطلع تلك القصيدة.
باز وقت است كه از طبق تقاضاى فلك
افكند بر سر ايوان چمن گل توشك
إلى تمام ستّة و خمسين بيتا رائقا ليس هنا موضع إيرادها، على سبيل التّفصيل.
ثمّ انّ من جملة أحفاد صاحب العنوان و أجداد ولده المرحوم السيّد علي خان هو السيّد الجليل نظام الدّين أحمد بن ابراهيم بن سلام اللّه الحسينى، الّذى كان كما فى «امل الآمل» يلقّب سلطان الحكماء و سيّد العلماء.
و له ايضا كتاب «اثبات الواجب» كبير، و صغير، و وسيط، و أنّه توفّى سنة خمسة عشر بعد الألف، و ذكره ولده المعظّم عليه فى كتابه «السّلافة» و أثنى عليه كثيرا كما انّ من جملة من سمّى باسمه الجليل الجميل و ناسب لنا الإشارة إليه أيضا على أثر مثل هذا التّذييل، من جهة انحصاره فى هذه الطّائفة فى فرد نفسه، و عدم ذكر له فى شى ء من كتب الرّجال و التّراجم بشخصه و رأسه؛ هو الشّيخ الفقيه الفاضل منصور بن عبد اللّه الفارسى الشيرازى الشّهير براست گو، شارح «تهذيب» إمامنا العلّامة بشرحه المزجيّ
ص: 197
المتوسّط الّذي يعلو و يحلو، و قد كان هذا الرّجل من علمآء طبقة شيخنا الشّهيد الثّانى بل من جملة معاصرى سميّه المتوطّنين بدار العلم بلده الأمين الإيمانى، و محمّده الحميد السّلمانىّ، و يقول فى مفتتح كتابه المفصول، و بعد شرحه لديباجة كتاب «تهذيب الأصول» و أقول و أنا منصور الشهير براست گو شرحت هذا الكتاب شرحا مقتصدا ممزوجا عن حلّ العويصات، بمتين المباحثات، مسلوكا فيه طرز التّوسّط و طور الإعتدال عدولا عمّا عليه أكثر الشّروح من الإيجاز و الإطناب، إلى آخر ما ذكره.
و يظهر من بعض إجازات سيّدنا الفقيه الفاضل حسين بن السيّد حيدر الكركى العاملىّ المتقدّم ذكره الشريف أنّه يروى عن هذا الرّجل العرّيف بواسطة واحدة من مشايخ قرائته و إجازته المتعدّدين و هو المولى الفاضل العالم الفقيه الواعظ تاج الدّين حسين بن شمس الدّين الصّاعدىّ من كبار تلامذة الشّهيد الثّالث مولانا عبد اللّه بن محمود الشوشترىّ نزيل المشهد الرضوىّ.
هذا و من جملة ما ينسب إلى منصور المذكور هو رواية حديث قاضى الجنّ المشهور عن بعض من سمعه من المولى العلّامة جلال الدّين الدّواني، و قد ذكر ذلك أيضا السيّد الكركىّ فى ذيل إجازته المتقدّم إليها الإشارة، فقال و أيضا أجزت له وفّقه اللّه تعالى أن يروى عنّى حديث قاضى الجنّ، فانّى رويته بطريق متعدّدة، ثمّ ذكر من جملة تلك الطرق روايته ذلك بالقرائة و الإجازة عن المولى المحقّق تاج الدّين حسين الصّاعدىّ الإصفهانى، انّه قال أخبرنا المولى الفاضل المحقق الشّيخ منصور الشّهير براست گو شارح «تهذيب الأصول» عن واحد عن المولى العلّامة الدّوانى الشيرازى بطرقه الّتى ذكرها فى كتاب انموزجته، ثمّ قال و هذا الحديث لم يوجد سنده متّصلا فى هذا الزّمان، إلّا من الفقير.
و قال أيضا فى ذيل إجازة أخرى له و اخبرنى أيضا المولى المحقّق المدقّق ميرزا تاج الدّين حسين بن شمس الدّين محمّد الصّاعدىّ، قال: اخبرنى المولى المحقّق المدقّق
ص: 198
الشّيخ منصور الشّهير براست گو شارح «تهذيب الوصول الى علم الأصول» عن واحد عن المولى العلّامة الدّوانى قال أخبرنى مشافهة السيّد صفى الدّين بن عبد الرحمن الحسينى الأيجىّ حديث قاضى الجن عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:
من تزّىّ بغير زيّه فقتل فلا قود. و لا دية.
قلت: و قد نقله السيّد صفى الدّين المذكور عن واحد آخر عن الشّيخ العالم الفاضل الورع الصّالح برهان الدّين الموصلىّ. أنّه قال انّا توجّهنا من مصر إلى مكّة نريد الحجّ، فنزلنا منزلا فخرج علينا ثعبان فثار النّاس إلى قتله فقتله ابن عمّى، فاختطف و نحن نرى سعيه و تبادر النّاس على الخليل يريدون ردّه، فلم يقدروا على ذلك، فحصل لنا من ذلك أمر عظيم، فلمّا كان آخر النّهار جاء و عليه السّكينة و الوقار فسألناه من شأنك؟
فقال ما هو إلّا إن قتلت هذا الثعبان الّذى رأيتموه، فصنعوا بى كما رأيتم، و إذا أنا بين قوم من الجنّ يقوّل بعضهم قتلت أبى، و بعضهم قتلت أخى، و بعضهم قتلت ابن عمّى، فتكاثروا علىّ و إذا رجل لصق بى، و قال قل انا باللّه و بالشّريعة المحمديّة، فقلت ذلك فأشار اليهم أن سيروا إلى الشّرع؛ فسرنا حتى وصلنا إلى شيخ كبير على مصطبة فلمّا صرنا بين يديه قال خلوا سبيله و ادّعوا عليه فقال الأولاد ندّعى عليه أنّه قتل أبانا، فقلت حاش للّه نحن وفد بيت اللّه الحرام و نزلنا هذا المنزل، فخرج علينا ثعبان فبادر النّاس إلى قتله فضربته و قتلته، فلمّا سمع الشّيخ مقالتى قال خلّوا سبيله سمعت ببطن نخلة عن النبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم من تزىّ ء بغير زيّه فقتل فلا دية و لا قود. و فى رواية أخرى انّه صلّى اللّه عليه و اله قال من خرج عن زيّه فدمه هدر.
ص: 199
العالم البارع و الفاضل الجامع قدوة خيل اهل العلم بفهمه الاشراقى مولانا مهدى بن ابى ذر الكاشانى النراقى(1)
نسبة الى مسقط رأسه نراق التى هى على وزن عراق من اتباع بلدة كاشان و اضلاع جسدها الطّريف البنيان كان من اركان علمائنا المتأخّرين، و أعيان فضلائنا المتبحّرين، مصنّفا فى أكثر فنون العلم و الكمال. مسلّما في الفقه و الحكمة و الاصول و الاعداد و الأشكال.
له كتاب «معتمد الشّيعة فى أحكام الشّريعة» و كتاب «لوامع الأحكام فى فقه شريعة الإسلام» ينقل عنهما ولده المحقّق فى «المستند» و «العوائد» كثيرا، و كتاب «التّحفة الرّضويّة فى المسائل الدينيّة» و كتاب «التّجريد فى اصول الفقه» و كتاب فارسىّ فى اصول الدّين و كتاب آخر فى مسائل التّجارة سمّاه «انيس التّاجرين» و كتاب آخر في تفصيل المشكلات من العلوم يشبه فى بعض الرّسوم كتاب «كشكول» الشّيخ بهاء الدّين المرحوم؛ و كتاب آخر فى مراتب الاخلاق و موجبات النحاة سمّاه «جامع السّعادات» و رسالة له فى العبادات، و أخرى فى مناسك الحاجّ؛ و أخرى فى علم الحساب و كتاب له فى مصائب أهل بيت العصمة طريف الأسلوب سمّاه «محرق القلوب» و لقد كشف عن حقيقة أحواله و صفاته و أشار إلى نبيذة من مراتب كمالاته ولده الأجلّ الأفضل الامجد مولانا أحمد النّراقى المتقدم ذكره الأسعد، فى موضعه المعدو مقامه الممّهد فى اجازة كتبها لبعض أعاظم معاصرينا، و هى عندنا بخطّه المبارك الّذى كنّا نّعرفه يقينا فقال عند عدّه طرق نفسه إلى كتب أحاديثنا القديمة و غيرها؛ فمنها ما أخبرنى به قراءة و سماعا و إجازة والدى و أستادى و من إليه فى جميع العلوم العقليّة و النّقليّة استنادى؛ كشّاف قواعد الإسلام، و حلّال معاقد الأحكام، ترجمان الحكماء و
ص: 200
المتألّهين، و لسان الفقهاء و المتكلّمين، الإمام الهمام، و البحر القمقام؛ اليمّ الزّاخر، و السّحاب الماطر، الرّاقى فى نفايس الفنون إلى اعلى المراقى، مولانا محمّد مهدىّ بن ابى ذرّ النراقى مولدا، و الكاشانى مسكنا، و النّجفى التجاء و مدفنا، قدس اللّه سبحانه فسيح تربته، و أسكنه بحبوحة جنته عن مشايخه الفضلاء النّبلاء العظماء.
أوّلهم العالم العلم بل الأجلّ الأعلم الحبر المدقّق و المجتهد المحقّق ذو النور الزاهر، و الفضل الباهر، مؤسس أساس الشّريعة الحقّة، و من وجب حقّه على الفرقة المحقة، المحقّق الثالث، و العلامة الثّاني الّذى لا ثانى له و لا مدانى، مولانا محمّدباقر الإصفهانى البهبانى، أفاض اللّه على روضته شآبيب الرحمة و الرّضوان و أسكنه أعلى غرفات الجنّات إلى أن قال:
و ثانيهم المحدّث الفاضل و الفقيه الكامل العالم الورع العامل صاحب «الحدائق النّاضرة» و غيره من المصنّفات الكثيرة الفاخرة الشّيخ يوسف بن أحمد بن ابراهيم البحرانىّ عن مشايخه العظام.
و ثالثهم النّحرير المحقّق، و الفقيه الجامع المدقّق، علّامة الزّمان و وحيد الأوان؛ الحاجّ شيخ محمّد بن الحاجّ محمّد زمان الكاشانىّ اصلا و مولدا و و الإصبهانىّ رئاسة و مسكنا، و النّجفى خاتمة و مدفنا؛ عن مشايخه الّذين منهم:
الشّيخ الفاضل العلّامة، و النّحرير الكامل الفّهامة، ملاذ الفقهاء فى عصره، الشّيخ الأجلّ الأمجد الشّيخ حسين بن الشّيخ محمّد الماحوزى البحرانىّ.
و منهم: السيّد السّند الأجلّ الفاضل، و الفقيه الكامل، شيخ الإسلام و المسلمين و عمدة الفضلاء و المحقّقين، الأمير محمّد حسين بن الأمير محمّد صالح الأصفهانى الخاتون آبادىّ، ابن بنت العلّامة المجلسىّ.
و منهم المولى العالم البهىّ، محمّد قاسم بن محمّد رضا الطّبرسىّ.
و منهم الزّاهد العابد الرّبانى الحاجّ محمّد طاهر بن الحاج مقصود على
ص: 201
الإصبهانى.
و منهم المولى الجليل الفاضل ميرزا محمّد ابراهيم القاضى.
قلت و منهم: الفاضل الكامل الفقيه الدّارى الآقا رضى الدّين محمّد بن مولانا المحقّق الاقا حسين بن جمال الدّين محمّد الخوانسارىّ.
هذا و رابعهم: الشّيخ الأجلّ الأفضل و الفقيه النّبيه الأكمل؛ المحدّث البارع التقى، و العالم الورع النقي، الحبر الأوحدىّ، الشّيخ محمّد مهدىّ بن الشّيخ بهاء الدّين الفتونيّ العاملىّ النّجفى، عن مشايخه الأجلّاء روّح اللّه أرواحهم.
و خامسهم العالم العلم العلّامة و الشّيخ المحقّق الفهّامة أعجوبة الزّمان، و وحيد الأوان، العالم الربّانى، مولانا محمّد اسماعيل بن محمّد حسين المازندرانى الأصفهانى، عن الشّيخ الفاضل الشّيخ حسين الماحوزىّ- المتقدّم عن مشايخه الفضلاء طيّب اللّه رمسهم.
و سادسهم الفاضل الأوحد، و العالم المؤيّد، جامع المعقول و المنقول، حاوى الفروع و الأصول، مولانا محمّد مهدىّ الهرندىّ الإصفهانىّ عن شيخيه الجليلين النّبيلين الكاملين الشّيخ حسين الماحوزىّ. و الأمير محمّد حسين الخاتون آبادىّ المتقدّمين انتهى.
ثمّ أخذ حضرة المجيز فى تفضيل سائر مشايخ شخصه العزيز، و بدأ منهم بالسيّد العلّامة الطّباطبائى النّجفي، ثمّ بالسيّد الفهّامة العلائى الكربلائى، ثمّ بالسيّد المتبحّر الاميرزا محمّد مهدىّ الشّهرستانىّ، ثمّ بالشّيخ الأفقه الأفخر مولانا الشّيخ جعفر بن الشّيخ خضر الجناجي النّجفى شكر اللّه مساعيهم الجميلة جميعا، و مراده بالمولى محمّد اسماعيل المازندرانىّ الّذى جعله الخامس من مشايخ والده العظيم الشّأن، صاحب هذا العنوان، هو مولانا اسماعيل الخاجوئىّ، الفاضل المتبحّر الفقيه الاصولى المدفون باصفهان، و المتقدّم ذكره على سبيل التّفصيل فى مفتتح أبواب هذا البنيان، هذا و قد ذكره المحدّث النّيسابورىّ، مختصرا فقال: محمّد بن أبى ذرّ المعروف
ص: 202
بالمهدىّ القاسانىّ النّراقى، فاضل فقيه له كتب فى الفقه و غيره ما عاصرناه، و لم نلقه انتهى.
و من جملة من قرأ علي هذا المولى فى بعض مراتب المعقول، هو إمامانا المعاصران و عمادانا المتاخّران سيّدنا العلّامة المسمّى صاحب «مطالع الأنوار» و «تحفة الأبرار» و شيخنا الفهامة القدسىّ صاحب «الإشارات» و «المنهاج» و غير ذلك من الآثار.
السيد السند و الركن المعتمد مولانا السيد مهدى بن السيد المرتضى بن السيد محمد الحسنى الحسينى الطباطبائى النجفى(1)
أطال اللّه بقاه و ادام اللّه علوه و نعماه، الإمام الذى لم تسمح بمثله الايام و الهمام الّذى عقمت عن انتاج شكله الأعوام؛ سيّد العلماء الأعلام، و مولى فضلاء الإسلام، علّامة دهره و زمانه، و وحيد عصره و أوانه، إن تكلّم فى المعقول قلت هذا الشّيخ الرّئيس، فمن بقراط و أفلاطون و ارسطاطاليس، و إن باحث فى المنقول قلت هذا علّامة المحقّق لفنون الفروع و الأصول لم يناظر فى الكلام أحد الّا قلت هذا و اللّه علم الهدى، و إذا فسّر الكتاب المجيد و اصغيت إليه ذهلت و خلت كأنّه الّذى أنزله اللّه عليه، كان ميلاده الشريف فى كربلاء المشرّفة ليلة الجمعة فى شهر شوّال المكرّم من سنة خمس و خمسين بعد المأة و الألف، تاريخ ولادته الميمون لنصرةاى الحقّ قد ولد المهدىّ، و اشتغل برهة على والده الماجد قدّس سرّه، و كان عالما ورعا تقيّا صالحا بارّا و على جماعة من المشايخ منهم: شيخنا يوسف؛ و انتقل على الأستاد العلّامة أدام اللّه أيّامه و رجع إلى النّجف، و أقام بها، و داره الميمونة الآن محطّ رجال العلماء، و مفزع
ص: 203
الجهابذة و الفضلاء، و هو بعد الاستاد دام علاهما إمام ائمّة العراق، و سيّد الفضلاء علي الإطلاق اليه يفزع علماؤها، و منه يأخذ عظماؤها، و هو كعبتها الّتى تطوى إليها المراحل، و بحرها الموّاج الّذى لا يوجد له ساحل، مع كرامات باهرة و مآثر و آيات ظاهرة، و قد شاع و ذاع و ملأ الأسماع و الأصقاع تشييعه الجمّ الغفير و الجمع الكثير من اليهود لمّا راوا منه البراهين و الإعجاز.
و ناهيك بما بان له من الآيات يوم كان بالحجاز، رأى والده الماجد رحمه اللّه ليلة ولادته أنّ مولانا الرّضا عليه و على آبائه و أبنائه أفضل الصّلاة و السّلام أرسل شمعة مع محمّد بن اسماعيل بن بزيع و أشعلها على سطح دارهم، فعلى سناها و لم يدرك مداها يتحيّر عند رؤيته النّظر و يقول بلسان حاله ما هذا بشر، كذا ذكره صاحب «منتهى المقال» فى حقّ هذا العلم المفضال، و العالم المسلّم أيّده فى أنواع فنون الكمال، بل صاحب السّحر الحلال، و السّكر الخالص عن الضّلال، فى حلّ الإشكال و رفع الأعضال، و قمع مفارق الأبطال فى مضامير المناظرة و الجدال، و حسب الدلالة على تسلّم نبالته فى جميع الأقطار و التخوم و تلقّبه من غير المشاركة مع غيره إلى الآن بلقب بحر العلوم. تخرج إليه جمع كثير من أجلّة علماء هذه الأعصار تلمّذ لديه جمّ غفير من أهلة سماء المساماة على سائر فضلاء الأدوار.
و يروى عنه بالإجازة جماعة من أمثال الشّيخ جعفر النّجفى الفقيه، و السيّد جواد العاملى المتقدّم على ذكره التنبيه، و الفاضل المحقّق مولانا أحمد النراقى، و السيّد محمّد محسن الكاظمىّ، و الآقا سيّد محمّد الكربلائي، و والد مولانا السيّد عبد اللّه الشّبرىّ الحلّى، و جدّ مؤلّف هذا الكتاب السيّد أبى القاسم بن السيّد المحقق الفقيه الدارىّ حسين ابن السيّد الأمير ابو القاسم الموسوى الخوانسارىّ، و الشّيخ عبد علىّ بن محمّد البحرانى شيخ رواية مولانا الحاجّ محمّد ابراهيم الكرباسىّ ثمّ الاصفهانىّ، و الشّيخ العارف المؤيّد أحمد بن زين الدّين الأحسائىّ، و الميرزا محمّد بن عبد الصّانع النيسابورى المشتهر بالأخبارىّ و قد ذكره أيضا هذا الرّجل الأخير فى كتاب رجاله الكبير، فقال بعد ذكر
ص: 204
التسمية له بعنوان محمّد بن المرتضى بن محمّد الشّهير بالسيّد مهدى الحسنى الطّباطبائي الغروىّ مولدا و مسكنا و مدفنا كان فقيها محقّقا مدقّقا ثقة ورعا نادرة عصره انتهت رئاسة الاماميّة فى آخر عمره إليه، و اتفقت الطائفة على فقه و عدالته، حضرنا مجلس افاداته أيّاما فى أيّام مجاورتنا بمشهد الغرىّ.
له كتب غير تامّة اشهرها «الدرّة المنظومة» برزت إلى صلاة الجمعة.
يروى عن جماعة منهم المولى محمّد باقر المازندرانى، و المولي محمد باقر الشّهير بالبهبهانى، و الشّيخ مهدىّ الفتونىّ، إلى آخر ما ذكره.
و ليعلم إنّ مراده بالشّيخ مهدىّ المذكور هو الشّيخ أبو صالح محمّد المهدىّ ابن الشّيخ بهاء الدّين محمّد الفتونّى العاملىّ النباطي النّجفي، الّذى يروى هو بالإجازة و القراءة عن المولى أبى الحسن الشريف المتقدّم ذكره المنيف فى ذيل ترجمة صاحب التّوصيف، و من عظم شأن هذا الشّيخ أو قدم قرأئة صاحب التّرجمة عليه صار دأبه تقديم ذكره فى الإجازات على سائر أساتيده الأثبات، و قد ذكره فى بعض المواضع بعنوان شيخنا العالم المحدّث الفقيه و أستادنا الكامل المتتبّع النّبيه نخبة الفقهاء و المحدثين و زبدة العلماء العاملين الفاضل البارع النحرير، إمام الفقه و الحديث و التفسير، واحد عصره فى كلّ خلق رضى، و نعت على شيخنا الإمام البهىّ السخىّ، أبو صالح محمّد المهدىّ.
هذا و من جملة مشايخ رواياته الّذين يذكر أسماؤهم الشّريفة أيضا فى غالب إجازاته المنيفة، بعد عدّه من عرفته من صدر العنوان إلى بلوغ هذا المكان من جهابذة شيوخه الأركان، هم السّادة الثّلاثة العالية الأسانيد، و المذكورة أساميهم الشّريفة فى اجازته للشّيخ عبد علىّ السّابق عليه التّمجيد، بعين هذه العبارة و شخص هذا الترتيب و التّسويد، و منها ما اخبرنى إجازة فخر السّادة الأجلّاء، و سلالة العلماء الفضلاء، السيد السند الجليل، و العالم العامل النبيل، المتّمسك بأقوي عرى التّقوى و الأخذ بالحائطة فى العمل و الفتوى، الرّاقى فى المجد و السودد اعلى المراقى، الأمير
ص: 205
عبد الباقى ابن السيّد السّند الأعظم، و الفقيه النّبيه الأعلم، عين الفقهاء و المحدّثين، و لسان الحكماء و المتكلّمين، شيخ الإسلام و المسلمين، الأمير محمّد حسين حشره اللّه مع أجداده المصطفين، عن أبيه المنوّه بذكره، عن جدّه لامّه خالنا العلّامة المجلسىّ عن أبيه عن الشّيخ البهائى، عن أبيه عن الشّهيد الثّانى، أفاض اللّه عليهم شأبيب الغفران و اسكنه اعلى فراديس الجنان.
و منها ما أخبرنى به إجازة فخر السّادة العلماء و زين الفضلاء الأجلّاء، طود العلم الشّامخ، و عماد الفضل الرّاسخ، العالم الفاضل المتتبّع، و الفقيه العارف المطلّع؛ سلالة السّادات المشار إليهم بالتّعظيم، الأمير السيّد حسين بن السيّد الكريم، و الحبر العليم، و الفقيه المتكلّم الحكيم؛ السيد إبراهيم الحسينى القزوينى، عن أبيه المذكور عن مشايخه الأعلام و أساتيده الكرام، العلّامة المجلسى، و المحقّق الخوانسارى؛ و الشّيخ جعفر القاضى، بما تعدد من طريقهم إلى الشّهيد الثّانى، قدّس اللّه سرّه، و أعلى فى عليّين ذكره.
و منها ما أخبرنى به إجازة السيّد السّند، و العالم المؤيّد، و الفاضل المسدّد، و الفقيه الأوحد، ذو الرّأي الصّائب الدّقيق، و الفكر الغائر العميق، و الأدب البازغ الظّاهر، و المجد الشّامخ البّاهر، المتحلّى بكلّ زين، و المتخلّى عن كلّ شين الأمير سيّد حسين بن السيّد العلم العامل و الفاضل الكامل، فى العلوم و المكارم السيد أبى القاسم الموسوى الخوانسارىّ، عن شيخه المحدّث الفقيه، و العالم العامل و الفاضل الكامل فى العلوم النّبيه، صاحب الفهم الفائق، و الذّهن الرّائق الفايق، المولى محمّد صادق، عن أبيه المشهور بالعلم و التّقوى محمّد بن عبد الفتّاح التّنكابنى المعروف بسراب، عن شيخه علّامة العلماء المحقّقين، و شيخ المشايخ المجتهدين، المولى محمّد باقر بن محمّد مؤمن السّبزوارىّ صاحب «الذّخيرة» «و الكفاية»، عن جماعة من مشايخه الأعلام؛ منهم الشّيخ يحيى بن الحسن اليزدىّ، و السيّد حسين الكركيّ، عن الشّيخ البهائىّ، إلى آخر ما ذكره اسعد اللّه تعالى سعيه و أثره.
ص: 206
و أقول انّ مراده قدّس سرّه بهذا السيّد المتأخّر المروى عنه بالإجازة، هو جدّنا الثّانى المالك لأزمة الألفاظ و المعانى، السيّد ابو الفضائل حسين بن السيد الإمام العلّامة أبى القاسم جعفر بن حسين بن قاسم الحسينى الموسوىّ الخوانسارى، المتقدّم ذكره الشريف، و ذكر والده المنوّه على اسمه المنيف، فى المجلّدين الأوّلين من هذا الكتاب، نفعنا اللّه به تحت التّراب و يوم الحساب.
و قد تقدّم أنّه شكر اللّه منه قد كتب هذه الإجازة و كذا إجازة مولانا الآقا محمّد علىّ بن الآقا المروّج البهبهانّى أيّام مسافرته إلى زيارة ائمّة العراق، عليهم سلام اللّه إلي ميعاد يوم التّلاق، و تقدّم أيضا مرارا انّ جدّنا المذكور المبرور كان من جملة أساتيد قرائة سمّى أبيه المحقّق القمى، و مشايخ روايته الّذين لا يدع ذكرهم فى شى ء من اجازاته بل رأيت فى اجازته الّتى كتبها لمولانا الآقا محمّد علىّ النّجفى، و هى عندنا بخطه الحسن البهىّ، انه ذكره مقدّما على سائر أساتيده المعظّمين بما صورته من بعد و تمهيده المقدّمة هكذا و لمّا وجدته أهلا للإجازة فأجزت له أن يروى عنّى كلمّا يسوغ لى إجازته، و يصحّ لى روايته، من الكتب الإسلامية أصولا و فروعا؛ إلي أن قال بحقّ روايتى و إجازتى عن جلّة من مشايخنا العظام عطّر اللّه مراقدهم، و نذكرهم على ترتيب أيّام التّحصيل عندهم أوّلهم السيد السّند، و الرّكن المعتمد، العالم العامل، و الفاضل الكامل، المحقّق المدقق صاحب الشرف و السّعادة و نور حديقة السيادة المؤيّد بلطف اللّه الخفىّ و الجلّى، آقا سيد حسين بن العالم العامل الفاضل الكامل الفريد فى عصره و زمانه الفايق فى التّديّن و العرفان و الإيقان على أمثاله و أقرانه السيد ابى القاسم الموسوى الخوانسارى، قدّس اللّه روحهما و زاد من عنده فتوحهما- إلى آخر ما ذكره.
ثمّ ذكر من بعد ذلك استاده الأعظم الأفخم سمّينا المروّج البهبهانى، و بعدهما سمينا الآخر الأجلّ الأفخر والد جناب المستجيز الاقا محمّد باقر المازندرانى، و بعدهم الشّيخ مهدى الفتونّى الّذى سبق أنّ صاحب التّرجمة يذكره مقدّما على سائر مشايخه المقدّمين رضوان اللّه عليهم أجمعين.
ص: 207
و أمّا الاقا سيد حسين الحسينى القزوينى فهو الّذى أسلفنا ذكره و ترجمته على التّفصيل مع الإشارة إلى أحوال والده الجليل، و جدّه النّبيل، على أثر ذكره الاصيل و قد سبق منّا أيضا الإشارة إلى شى ء من أحوال سيّدنا الامير عبد الباقى حشره اللّه مع أجداده الطّاهرين فى يوم التّلاقى فى ذيل ترجمة والده الفاضل الكامل البارع الجامع الأمير محمّد حسين بن الأمير محمّد صالح بن الأمير عبد الواسع.
ثمّ ليعلم انّ جهة تعبيره عن سمة سميّنا العلّامة المجلسى بخالنا العلّامة عند ذكره لرواية هذا السيّد المعظّم عليه عنه بواسطة أبيه القمامة، هي كما ذكره بعض من نقدنا خبره إنّ جدّه الأمجد الأمير سيّد محمّد الطباطبائى الّذى هو والد أبيه السيّد المرتضى، و ولد السيّد عبد الكريم فى مختم نسبه الّذى مضى واحد المشايخ الثّلاثة لرواية سمينا المروّج البهبهانى قد كان هو ابن اخت سمينا العلّامة المجلسىّ و من جملة أولاد بنات والده المولى محمّد تقى و إن قد يشتبه أمره عند غير المطلع على أنساب المجلسيين من جهة الأمهات بسميّه، و ابن بنت خاله الامير سيد محمد الحسينى الشهيد بآذربيجان المؤلّف «لحاشية شرح اللّمعة» و غيرها، كما قد بان و قد كان جناب هذا الأمير سيد محمّد الطّباطبائى الأجلّ الأقدم من جملة المتوطّنين فى بلدة بروجرد العجم، فانتقل منها بأهله و حشمه إلى العتبات العاليات، و صرف فى خدمة أجداده الأمجاد هنالك مديدا من الاوقات، ثمّ استقرّ رأيه الشّريف على المعاودة الى قديم الأوطان فلمّا وصل إلي مدينة كرمانشهان عرض عليه أهلها الإقامة عندهم، و التوطن فى صفحة بلدهم، فقرن منهم ذلك الأمل و المسئول بالاجابة و القبول، و قطن هناك بقيّة أيّام حياته العادمة العطل و الفضول، ثمّ لمّا حضرته المنية عند استيفاء أجله المحتوم انتقل أهله و ولده إلى بلدهم الموسوم، فكانوا به إلى زمن طلوع كوكب صاحب التّرجمة من أفق بيتهم الجليل، و نهوض شاخص همّته العالية إلى القيام بمراسم التّحصيل و التّكميل، فاشخصه اللّه تعالى فى هذا الرّجع الثّانوىّ بشخصه الزّكى، و نفسه القدسىّ إلى أرض الغرىّ، و مجاورة جدّه أمير المؤمنين علىّ عليه سلام اللّه الوافر البهىّ، فبقى هناك فى
ص: 208
ظلّ حماية مولانا المرتضى حيّا و ميتا و بالتّعليم و الهداية لفرقتى الخواص و العوامّ حيّا و ميتا، و بقى سائر قبيليته الأجلاء فى ناحية دار السّرور ملحوظين لعظائم الأمور محظوظين بنعايم الصّدور، بل بلغ فى أصقاع تلك البلاد أمر أخيه المحتشم العماد، و المحتشد له أسباب العزو المنعة من كلّ واد، معمّر الطّائفة و معظم الافراد أجود الاجواد و أعود الاعواد، و مدار الشّريعة فى ذلك المهاد، أعنى سيّدنا المجواد بن المجواد الآقا سيّد محمّد الجواد حشره اللّه مع أجداده الأمجاد، إلى حيث كان يخضع لهيبته أبناء الملوك، و يفزع من خشيته أبطال الاكراد و التّروك و، لعمرى أن مرارته لأهل الدين و إقامته لعمود الشّرع المتين، بأمره المعروف، و نهيه عن المنكر على وجه القهر و قهره الظالم و نصره الألم على نحو الجهر أشهر من أن يحتمل فى حقّه الخمود، أو يفتقر إلى اقامة الشّهود، و الحمد للّه الّذى جعل في نسله الموجود، و نثل من أصله المسعود عودا من المجد لم ير مثله عود، بل عمودا من الفضل ليس يشبهه عمود إماما فى الدّين قد وصل إلى المقام المحمود، و غياثا للنّاس كمثل حبل اللّه الممدود، و هو سيّدنا الفاضل الكامل، و أيّدنا العالم العامل فقيه الأوان، و فقيد الزوان، جمال الدّين و ثمال المجتهدين وارث مراتب الفضل و الكمال من أجداده الأعال، و آخذ مراسم النّجدة و الدّلال من أسلافه السّالف عليهم الإجلال سلالة الإجتهاد و سلافة عصر المتانة و الإعتماد:
مولانا الاقا ميرزا محمود بن الاميرزا على نقى بن السيد محمد جواد شارح منظومة عمّ أبيه، و شاطح مكتومة من الكلام فيه، و هو الآن من أركان علماء ايران، و أعيان نبلائها العظام الشّأن، معظّما قدره و منزلته فى تلك الحدود، و منظما فى سلك المروّجين لشريعة جدّه المحمود؛ و سنّه الشّريف ينيف على ستّين و وصفه المنيف يفضل عن الإحاطة في أمثال هذه الدواوين، كثّر اللّه تعالى بين الطّائفة أمثاله، و أبقى على العالمين برّه و نواله.
رجعنا إلى الكلام فى أبناء صاحب التّرجمة قال الشّيخ الفاضل المحدّث الربانى
ص: 209
عبد علىّ بن محمّد بن عبد اللّه الحظى البحرانّى، فى إجازته الّتى كتبها المرحوم الحاجى محمّد إبراهيمّ، الكرباسىّ الخراسانىّ: و أجزت له دام ظلّه و زاد فضله ما أجازه لى شيخ أهل العراق، بل لو شئت لقلت سيّد أهل الآفاق، و احد العصر على الإطلاق، المشتهر فى الفضل كاشتهار الشمس عند الاشراق، بحر العلم الدّفاق، و من لا يجاريه مجار فى مثار حلبة السّباق، ذاكى الأعراق السّامى فى سماء رتبة العلم على السّبع الطّباق الأخ الصفىّ و الخلّ الوفى البرّ الحفىّ، المظهر من علوم آبائه و أجداده ما كاد يختفى، و الموقد لها بمصباح ذهنه الثّاقب و لولاه لكادت تنطفى شيخنا و مولانا المشتهر بالسيّد مهدىّ النجفيّ أفاض اللّه على قبره غيوث رحمته و لا زالت الفيوضات الربانية تهمي على ترتبه.
و كان هذا السيّد المظّم و الجناب المعزّز المكرّم جاور مدّة طويلة فى مكة المشرّفة و صارت النّاس تزدلف إليه كما تزدلف إلى عرفة و المزدلفة، و تحرم للطّواف كعبة علمه من كلّ فجّ عميق، و تأتى إلى الطّواف به من كل واد سحيق؛ و لم يزل كذلك يقرى فى المذاهب الأربعة و العامّة، مذ تسامعت به أتت إليه من كلّ مكان مسرعة و اىّ مسرعة لتعرض عليه ما اشكل عليها و أعضل فى مذاهبها ينكشف عنها ما أشكل عليها و أعضل و تجيب عن مطالبها و مع ذلك أنّه يتوقّع ان لم يظهروا على حال اليوم سيظهرون عليه غدا، فاوقع اللّه فى روعه انّهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو بعيدوكم فى ملّتهم، و لن تفلحوا إذا أبدا فخرج إلى مسكنه بالعراق فى مشهد الغرى غاداه و راوحه من الغيث الممّرع الرّوى المرويّ، فهناك غيث علمه و ظهر و كان كالشّمس فى رابعة النّهار بل أشهر و هذا السيّد المشار إليه كان فقيها محدّثنا صرفيّا نحويّا بيانيا منطقيّا متكلّما حكيما فيلسوفيا فلكيّا رياضيا، و بالجملة كلّ فنّ من فنون العلم حاز قصبه و احرزه و لم يدع مشكلا إلّا بيّنه و أبرزه أقمت فى منزله مدّة تزيد على شهر، فاستفدت منه فوائد كثيرة لا يأتى عليها الحصر.
و أمّا ما هو عليه من السّخاء و الكرم و حسن الأخلاق فشى ء تكلّ عنه الأقلام،
ص: 210
و تضيق عنه الأوراق، و قد طلبت منه إجازة ليكون طريقى متّصلا بعلماء أهل العراق و اعتذر إلىّ باعتذارات لم اقبلها منه، و الححت عليه فلم يجد بدا من الوفاق؛ إلى آخر ما ذكره بعد نقله الإجازة المذكورة بعيون ألفاظها المبتكرة.
و أقول و من جملة من يروي عنه أيضا بالإجازة و نحن نروي عنه بالواسطة الواحدة هو حضرة جدّنا المرحوم السّعيد السيّد أبى القاسم بن السيد الحسين المحقّق المنوّه على ذكره الحميد، و كان قد كتب له الإجازة المذكورة فى دار السلطنة اصفهان أيّام مسافرته إليها فى طريق خراسان، و عندنا اليوم نسخة أصل تلك الكتابة الّتى هى بخطّه الحسن السنّى، و لم يسند فيها رواية نفسه إلّا الى حضرة سميّنا المروّج البهبهانى و فى آخرها و حرّر فقير عفو ربّه الغنىّ، محمّد مهدىّ الحسنى الحسينى الطباطبائىّ إنتهى.
و لمّا كان مثل هذا الموضع أنسب المقامات، لبيان حقيقة هذه النسبة الّتى هى لجماعة من أعاظم علمائنا السّادات، و فحول أرباب السّعادات، فنقول أن خير من تعرّض لذلك هو صاحب «عمدة الطالب» الّذى قد سبق منّا الإشارة إلى اسمه و نسبه فى ذيل ترجمة سيّدنا المرتضى و السيّد ابن معيّة الحسنىّ الدّيباجىّ، و ذلك أنّه وضع كتابه المذكور الّذى جعله فى أنساب آل أبى طالب على مقدّمة يذكر فيها اسم حضرة ابى طالب و نسبه، و عدد اولاده، ثمّ أصول ثلاثة يذكر فيها أعقاب أبنائه الثّلاثة الّذين قد بقى منهم العقب و السّليل، و هم غير طالب الاكبر بثلاثين من علىّ، و بعشرين من جعفر، و بعشر سنين من عقيل، ثمّ فصول خمسة يذكر فيها عقيب سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام من الحسن و الحسين و العبّاس و محمّد بن الحنفية و عمر الاطرف على سبيل التّفصيل.
ثمّ مقصدين يذكر فيهما عقب مولانا الحسن المجتبى من زيد بن الحسن و أبى محمّد الحسن المثنّي ثمّ معالم خمسة يذكر فيها عقب هذا الحسن من الحسن المثلّث و من عبد اللّه المحض الّذى لقّب به لمكانه من الحسنين جميعا من جهة كون أمّه فاطمة
ص: 211
بنت الحسين الشّهيد عليه السّلام فاطمة الكبرى، و من جعفر بن الحسن الّذى هو صاحب الخطب و الكلمات الفصاح، و من داود ينسب إلى امّه المحترمة كيفية عمل الأستفتاح، و من ابراهيم القمر الّذى هو والد الإمامزاده إسماعيل الدّيباج، و هو والد إبراهيم الثانى الملقّب بطباطبا.
ثمّ انّه لمّا بلغ إلى المعلم الثّانى الّذى كان قد جعله فى خبر إبراهيم القمر قال: و العقب من إبراهيم القمر في اسماعيل الدّيباج وحده، و يكنّى أبا ابراهيم، و يقال له الشّريف الخلاص، و شهد فخّا و العقب منه فى رجلين الحسن التج و ابراهيم طباطبا إلى أن قال بعد ذكره أعقاب الحسن التج الّذين من جملتهم سادات بنى معيّة السّابق إليهم الإشارة فى ذيل ترجمة إمامم السيّد تاج الدّين الحلّى أحد مشايخ إجازة شيخنا الشّهيد.
و امّا ابراهيم طباطبا ابن إسماعيل الدّيباج و لقب بطباطبا، لانّ أباه أراد أن يقطع له ثوبا و هو طفل، فخيره بين قميص و قباء، فقال طباطبا يعنى قباقبا، و قيل بل أهل السّودا لقّبوه بذلك و طباطبا بلسان النبطيّة سيّد السادات، نقل ذلك ابو نصر البخارىّ عن النّاصر للحقّ انتهى.
و رايت أيضا فى بعض المواضع المعتبرة فى وجه هذه التّسمية انّ هذا الرّجل دخل روضة جده رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله يوما شريفا و هو فى حالة حسنة، فلمّا سلّم على الحضرة المقدّسة سمع قائلا من وراء السّتر يقول له طباطبا بكسر الطاء و لو صحّ فهى عبارة اخرى من قولهم طوبى لك، و نصبها على المصدريّة من طاب يطيب و فتحه الطّاء فيها من جهة كثرة الاستعمال.
قال صاحب كنز اللّغة طب بخشيدن و منه قوله تعالى فان طبن لكم عن شى ء فكلوه اى وهبن كذا فى التّفسير، و خوش شدن و خوش بو شدن فليتامّل و لا يغفل.
ثمّ انّ من جملة من اطرأ فى تمجيد من كنّا بصدد ذكره الحميد هو سيّدنا الجواد العاملىّ الفقيه المتقدّم على ذكره النّبيه حيث قال فى ذيل بعض إجازاته
ص: 212
الحاضرة عندنا بخطّه الحسن الوجيه، و أن يروى ما رويته من دون واسطة عن الشّيخ الأعظم و البحر الغطمطم العلّامة المقدّم مولانا آغا محمّد باقر الذى قد تقدّم اجازة و سماعا و قرائة و ما رويته عن بحر العلوم و الحقائق و شمس سماء الغوامض و الدقائق فخر الشّيعة و بدر الشّريعة الإمام الهمام السيّد الأكبر الأعظم السيد محمّد مهدىّ حشره اللّه سبحانه مع اجداده الطّاهرين عليهم و عليه صلوات ربّ العالمين، و هذا الشّيخ السيد المبرّز قد ضمّ إلى الإحاطة بالعلوم العقليّة و النّقليّة نفسا زكيّة أبية و ذوقا مستقيما و طبعا سليما و ورعا ضاقيا و تتبّعا شافيا، فلم يرض بالنّقل عن العيان و بذلك ظهرت كتب القدماء فى هذا الزّمان، و بان فى التّعويل على النّقل ما بان.
و له من الكرامات و الإعجاز بان منها لنا ما بان يوم تشيّع اليهود و يوم كان بالحجاز، إلى آخر ما ذكره المجيز للمجاز، و أقول انّ تفصيل محاجّته قدّس سرّه مع جماعة الأحبار من اليهود، و انجرار الأمر بميا من انفاسه الشّريفة إلى هداية تلك النكود، و إذعانهم بالحقّ و اقرارهم بنبوّة نبيّنا المحمود، أمر بين ليس يلحقه خمول و لا خمود؛ و لا يفتقر إثباته إلى اقامة البيّنة و الشهود، بل بيان تلك الواقعة موجود في درج كتاب منضود، و هو من جملة مؤلّفات الرّجل محسوب معدود.
و كذلك كيفيّة تدريسه بالمذاهب الاربعة من شريعة الإسلام على سبيل الأفحام و الافرام تجاه بيت اللّه الحرام سنة تأخّر وروده عن الموسم المرتسم للقيام، بمراسم الحجّ و الاحرام، و توقّفه هناك إلى العام القابل لادراك المرام، من عمل ذلك المقام حتّى أن قال فى حقّه بعض أولئك الأقوام لو كان حقّا ما يقوله الشّيعة الإماميّة فى مهدويّة ولد الامام العسكرى عليه السّلام لكان هذا السيّد المهدىّ هو ذلك الإمام القمقام، فأعظم بمن نطق فى حقّه المخالف الخصام الهصام، بل الّذى هو ألدّ الخصام بمثل هذا الكلام و ما ارفع قدره و منزلته و أبين فضله و تقدمته على سائر علماء دين الاسلام، مضافا إلى كلّ ما تقدّم و مضي فى ذيل ترجمة سيّدنا المرتضى من الاشارة الكاملة، إلى ذلك بل الدلالة الظّاهرة على نيله المعارج بلا مشارك مع انّه لم يتمتّع من الحيوة الدّنيا بزمان
ص: 213
طويل، بل أذن بالرّحيل قبل أن يكمل الستين على سبيل التّعجيل، فانّ وفاته اسبغه اللّه ما فاته كانت من وقائع سنة اثنتى عشرة و مأتين بعد الف هجرىّ، لانهم ذكروا فى تاريخ وفاته كلّا من أربع فقرات تتوالت فى هذا المصراع غرب غربىّ غريب بغرىّ و قال فى ذلك أيضا المرحوم الشّيّخ محمّد رضا النّجفى فيما ذكره لنا مولانا السيّد صدر- الدّين العاملى عاملهما اللّه بلطفه الخفىّ و الجلىّ، من جملة مرثية لا يوجد عندى الآن باقيها قد غاب مهديّها جدّا و هاديها.
هذا و من جملة ما ذكره السيّد الصّدر المعظّم عليه أيضا لهذا الضّعيف زمن اشتغالى عند جنابه الشّريف فى بعض مراسم التّكليف، انّه قال قد كان صاحب التّرجمة أوان تأليفه «الدرّة المنظومة» يجتمع عنده أوقات الإعصار من كلّ نهار أغلب فقهاء النّجف الأشرف و عظماء المهرة فى فنون الأشعار، فكان يقابل معهم أجزاء الكتاب و يعرض على أفكارهم السّديدة أبيات كلّ باب، حسب ما كان يخرج إليهم بطريق الحساب ليتكلّموا بالنّسبة إلى ألفاظها الرّشيقة فى الردّ و الانتخاب؛ و بالنّظر إلي معانيها اللّطيفة الدّقيقة فى الرّجوع إلى عين الصّواب و غير الصّواب، و كنت أنا أيضا فى أثناء معمعة تلك الأوان من جملة المتطفلّين فى حضور ذلك الجمع من الأعيان باشارة صاحب العنوان؛ و أتجاسر في الردّ و النّقد لمّا كان يلثده من الأبيات أو يرشده إليه فضلاء المجلس بمقدار القابليّات انتهى.
و لم يكتب الي الآن مثل هذه «الدرّة المنظومة» فى جميع متون فقهنا المتكثرة المرسومة، و لذا ضمنها صاحب كتاب «جواهر الكلام» مجلّديه الأوّلين عقب استدله التّام على المسائل و الأحكام، و نزل أبياتها الفاخرة منزلة النّصوص المعتبرة فى مقام التّحقيق كما أورد صاحب كتاب «التّصريح» فيه أبيات الالفيّة المالكيّة بهذه الرّوية من التّطبيق إلّا أنها مقتصرة على كتاب الطّهارة بالتّمام، و أبواب الصّلاة منها أيضا إلى آخر صلاة الطواف، و قد شرحها مع ذلك جماعة من العلماء الأمجاد الاشراف.
و له ايضا أشعار كثيرة غير ذلك فى معان شتّى، منها عقوده الأثنى عشر فى مرثية
ص: 214
سادات الورى عليهم التحيّة و الثّناء، و منها ارجوزته السنية الّتى صنعها فى فضيله الرّمان على سائر فواكه البرارى و العمران، و هى الّتى يقول فى مطلعها وجه اللّه النّور و السرور الى منبعها و مطبعها.
يا طالبا فضائل الرّمان
اتل لذاك سورة الرّحمان
تجد بها الرّحمن فيه فضله
أجمله طورا و طورا فصّله
إلى تمام ستّة و أربعين بيتا أواخرها.
كأنّه فى لونه الياقوت
فكله فهو للقلوب قوت
و حسبه فضلا و فخرا و كفى
ان خير ياقوت به عرفا
هذا ثنائى حين جاشى جيشى
و ان وصف العيش نصف العيش
ثمّ إنّ من جملة مصنّفات الرّجل غير ما ذكر كتابه المصابيح فى الفقه المستنبط له على الوجه الصّحيح و فيه غاية الرّعاية لما يخاله الإنسان من التّهذيب و التنقيح و إن كان مشوّش التّرتيب و غير مجوّد التبويب و لهذا انتسب تدوينه إلى بعض تلاميذه و هو قريب عند المتامّل اللّبيب و منها كتاب «قواعد الأصوليّة» الّتى يشبه فوائدى سميّنا المروّج البهبهانىّ و كتاب «فوائد الرّجالية» الّتى يضاهى رواشح سمينا الداماد و فوائد مولانا اسماعيل الخاجوئى المازندرانىّ، و كتاب شرحه على وافية مولانا عبد اللّه التونى، و لم يبرز منه غير مباحث الألفاظ، فاشبه كتاب «الزّهرة البارقة» الّتى هى لسيّدنا و شيخنا و سمّينا العلّامة الرّشتى قدّس سرّه إلى غير ذلك من الحواشى و الرّسائل و أجوبة المسائل.
و كان رحمه اللّه كثير المداقّة فى أمر التّصنيف و شديد الملاحظة لدقائق التأليف و لذا بقى أغلب مسودّاته فى عهدة العطل و الخمول؛ و لم يخلف منه شى ء تامّ فى الفروع و لا الاصول، و ينسب إليه أيضا الجمّ الغفير من الكرامات و المقامات و خوارق العادات الّتى لا تتحمّلها أمثال هذه العجالات، و أمّا موضع قبره البهىّ السرىّ من أرض نجف الغرىّ؛ فقد سبق منّا الإشارة إليه فى ذيل ترجمة شيخنا الطوسى، و بجنبه
ص: 215
هناك مرقد ولده الفاضل الأديب المنتجب و الخليل المنتخب والد ذريّته الطّاهرة الفاخرة الحسب و النّسب اعنى سيدنا السيّد محمّد رضا أفاض اللّه تعالى على الوالد و الولد شأبيب المغفرة و العفو و الرّضا رزقنا اللّه زيارتهما ببركات زيارة صاحب النّجف على المرتضى عليه آلاف التحيّة و الثّناء.
الشيخ كمال الدين ميثم بن على بن ميثم البحرانى(1)
كان من العلماء الفضلاء المدقّقين متكلّما ماهرا، له كتب منها «شروح نهج البلاغة» كبير، و متوسط، و صغير، و «شرح المأة كلمة» و «رسالة فى الامامة» و «رسالة فى الكلام» و «رسالة فى العالم» و غير ذلك.
يروى عنه السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاوس و غيره، كذا فى «امل الامل».
و قال صاحب «اللّؤلؤة» بعد عدّه من جملة مشايخ العلّامة أعلى اللّه مقامه و مقامه امّا الشّيخ ميثم المذكور، فانّه العلامة الفيلسوف المشهور، و قال شيخنا العلّامة الشّيخ سليمان بن عبد اللّه البحرانى عطر اللّه مرقده فى رسالته المسمّاة ب «السّلافة البهيّة فى التّرجمة الميثميّة» هو الفيلسوف المحقّق، و الحكيم المدقّق، قدوة المتكلّمين، و زبدة الفقهاء و المحدّثين، العالم الربانىّ، كمال الدّين ميثم بن علىّ بن ميثم البحرانىّ غوّاص بحر المعارف، و مقنّص شوارد الحقائق و اللّطائف، ضمّ إلى الإحاطة بالعلوم الشّرعيّة و إحراز قصبات السّبق فى العلوم الحكميّة و الفنون العقليّة، ذوقا جيدا فى العلوم الحقيقيّة، و الأسرار العرفانية، كان ذاكرامات باهرة، و مآثر زاهرة، و يكفيك
ص: 216
دليلا على جلالة شأنه، و سطوع برهانه، إتّفاق كلمة ائمّة الأعصار و أساطين الفضلاء فى جميع الأمصار، على تسميته بالعالم الربانىّ و شهادتهم له بأنّه لم يوجد مثله فى تحقيق الحقائق و تنقيح المبانّى، و الحكيم الفيلسوف سلطان المحققين و استاد الحكماء و المتكلمين، نصير الملّة و الدّين محمّد الطوسىّ شهد له بالتّبحر بالحكمة و الكلام، و نظم غرر مدائحه فى أبلغ نظام.
و استاد البشر و العقل الحاديعشر، سيد المحقّقين الشّريف الجرجانىّ، على جلالة قدره فى أوائل فنّ البيان، من «شرح المفتاح» قد نقل بعض تحقيقاته الأنيقة و تدقيقاته الرّشيقة، عبّر عنه ببعض مشايخنا ناظما نفسه فى سلك تلامذته، و متفخرا بالأنخراط فى سلك المستفيدين من حضرته، المقتبسين من مشكوة فطرته.
و السيد السّند الفيلسوف الأوحد مير صدر الدّين محمّد الشيرازىّ أكثر النّقل عنه فى حاشية «شرح التجريد» سيّما فى مباحث الجواهر و الأعراض، و التقط فرائد التحقيقات الّتى أبدعها عطّر اللّه مرقده فى كتاب المعراج السماوىّ و غيره من مؤلّفاته، لم تسمح بمثله الأعصار، ما دار الفلك الدّوار؛ و فى الحقيقة من اطّلع على «شرح نهج البلاغة» الّذى صنّفه للصاحب خواجه عطا ملك الجوينّى؛ و هو عدة مجلّدات شهد له بالتّبريز فى جميع الفنون الإسلاميّة و الأدبيّة و الحكمية و الأسرار العرفانيّة.
و من مآثر طبعه اللّطيف و خلقه الشّريف على ما حكاه فى «مجالس المؤمنين» انّه عطّر اللّه مرقده في أوائل الحال كان معتكفا فى زاوية العزلة و الخمول؛ مشتغلا بتحقيق حقايق الفروع و الأصول، فكتب إليه فضلاء الحلّة و العراق صحيفة تحتوى على عذله و ملامته على هذه الأخلاق، و قالوا: العجب منك انّك مع شدّة مهارتك فى جميع العلوم و المعارف، و حذاقتك فى تحقيق الحقايق و ابداع اللّطايف، قاطن فى ظلول الاعتزال، و مخيم فى زاوية الخمول الموجب لخمود نار الكمال، فكتب فى جوابهم هذه الأبيات.
طلبت فنون العلم ابغى بها العلى
فقصّر بى عمّا سموت به القلّ
ص: 217
تبين لى إنّ المحاسن كلّها
فروع و انّ المال فيها هو الأصل
فلمّا وصلت هذه الأبيات إليهم كتبوا إليه انّك اخطأت فى ذلك خطاء ظاهرا، و حكمك بأصالة المال عجب بل اقلب نصب، فكتب فى جوابهم هذه الابيات و هى لبعض شعراء المتقدّمين.
قد قال قوم بغير علم
ما المرء إلّا باكبريه
فقلت قول امرئ حكيم
ما المرء إلّا بدرهميه
من لم يكن درهم لديه
لم تلتفت عرسه إليه
ثمّ انّه عطّر اللّه مرقده لمّا علم أن مجرّد المراسلات و المكاتبات لا تنفع الغليل و لا تشفى العليل، توجّه إلى العراق لزيارة الأئمة المعصومين عليهم السّلام، و إقامة الحجة على الطّاعنين، ثمّ انّه بعد الوصول إلى تلك المشاهد العليّة، لبس ثيابا خشنة عتيقة و تزيّى ء بهيئة رثة بالإطراح و الإحقار خليقة و دخل بعض مدارس العراق المشحون بالعلماء و الحذاق، فسلّم عليهم فردّ بعضهم عليه السلام بالإستقسال و الإنتقاع التامّ فجلس عطر اللّه مرقده فى صفّ النّعال، و لم يلتفت إليه أحد منهم، و لم يقضوا واجب حقّه، و في أثناء المباحثة وقعت بينهم مسألة مشكلة دقيقة كلّت فيها أفهامهم، و زلّت فيها أقدامهم، فاجاب روّح اللّه روحه و تابع فتوحه بتسعة أجوبة فى غاية الجودة و الدقّة، فقال له بعضهم بطريق السخريّة و التهكّم أخالك طالب علم، ثمّ بعد ذلك أحضر الطّعام فلم يؤاكلوه قدّس سرّه، بل أفردوه بشى ء قليل على حدة، و اجتمعوهم على المائدة، فلمّا انقضى ذلك المجلس قام قدّس سرّه.
ثمّ انّه عاد فى اليوم الثّانى إليهم، و قد لبس ملابس فاخرة بهيّة، و إكمام واسعة و عمّامة كبيرة، و هيئة رايعة، فلمّا قرب و سلّم عليهم قاموا تعظيما له و استقبلوه تكريما و بالغوا فى ملاطفته و مطايبته، و اجتهدوا فى تكريمه و توقيره، و اجلسوه فى صدر ذلك المجلس المشحون بالأفاضل و المحقّقين و الأكابر المدقّقين، و لمّا شرعوا فى المباحثة و المذاكرة تكلّم معهم بكلمات عليلة لا وجه لها عقلا و لا شرعا، فقابلوا
ص: 218
كلماته العليلة بالتّحسين و التّسليم، و الإذعان على وجه التّعظيم، فلمّا حضرت مائدة الطّعام بادروا معه بأنواع الأدب فالقى الشّيخ قدّس سرّه عن كمّه فى ذلك الطّعام مستعبّا على أولئك الأعلام و قال كل يا كمّى، فلمّا شاهدوا تلك الحالة العجيبة أخذوا في التّعجب و الإستغراب و استفسروه قدّس سرّه عن معنى ذلك الخطاب، فاجاب عطّر اللّه مرقده بأنّكم إنّما أتيتم بهذه الأطعمة النفيسة لأجل اكمامى الواسعة، لا لنفسى القدسيّة الّلامعة، و إلّا فأنا صاحبكم بالأمس و ما رأيت تكريما و لا تعظيما مع انّى جئتكم بالأمس بهيئة الفقراء، و بتحيّة العلماء، و اليوم جئتكم بلباس الجبّارين و تكلمت بكلام الجاهلين، فقد رجّحتم الجهالة على العلم، و الغنى على الفقر، و أنا صاحب الأبيات الّتى فى اصالة المال و فرعيّة الكمال الّتى أرسلتها إليكم و عرضتها عليكم، و قابلتموها بالتّخطئة، و زعمتم انعكاس القضيّة فاعترف الجماعة بالخطاء فى تخطئتهم؛ و اعتذروا بما صدر منهم من التّقصير فى شأنه قدّس سرّه.
و له من المصنّفات البديعة و الرسائل الجليلة ما لم يسمح بمثلها الزّمان، و لم يظفر بمثلها أحد من الأعيان، منها كتاب «شرح نهج البلاغة» و هو حقيق بأن يكتب بالنّور على الأحداق لا بالحبر على الأوراق، و هو عدّة مجلّدات، و منها شرحه الصّغير على نهج البلاغة جيّد مفيد جدّا رايته فى حدود سنة الحادية و الثّمانين بعد الألف، و كتاب «الاستغاثة فى بدع الثّلاثة» لم يعمل مثله، و كتاب «شرح الإشارات» إشارات استاده العالم، قدوة الحكماء و إمام الفضلاء، الشّيخ السّعيد الشّيخ علىّ بن سليمان البحرانى و هو فى غاية المتانة و الدّقة، على قواعد الحكماء المتألّهين.
و له كتاب القواعد فى علم الكلام، يعنى به كتابه المسمّى ب «قواعد المرام» و عندنا منه نسخة قديمة، و قد فرغ من تصنيفه فى شهر ربيع الأوّل من سنة ستّ و سبعين و ستّمأة، قال و كتاب «المعراج السماوىّ» و كتاب «البحر الخضيم» و «رسالة فى الوحى و الإلهام» و سمعت من بعض الثّقات انّ له شرحا ثالثا على كتاب «نهج البلاغة» متوسّطا.
ص: 219
مات قدّس سرّه سنة تسع و سبعين و ستّمأة ذكر ذلك الشّيخ البهائى فى المجلّد الثّالث من «الكشكول» انتهى المقصود من نقل كلام الشّيخ المتقدّم ذكره.
أقول و من مصنّفاته قدّس سرّه كتاب «شرح المأة كلمة» كان عندى، فذهب منّى فى بعض الوقايع الّتى جرت علىّ، و له كما ذكره الشّيخ الفاضل الشّيخ علىّ بن محمد بن حسن بن الشّهيد الثّانى فى كتاب «الدرّ المنثور»: كتاب «النّجاة فى القيامة فى تحقيق امر الأمامة» قال قدّس سرّه و قال الشّيخ ميثم البحرانى فى كتاب «نجاة القيامة» فى تحقيق أمر الإمامة أنّ أهل اللّغة لا يطلقون لفظ الأولى إلّا فيمن يملك تدبير الأمر إلى آخر ما نقله.
و له أيضا كما ذكره بعض مشايخنا المحقّقين من متأخّرى المتأخّرين كتاب «استقصاء النّظر فى إمامة الائمّة الأثنى عشر» ثمّ انّ ما ذكره شيخنا المذكور من نسبة كتاب «الإستغاثة فى بدع الثّلاثة» للشّيخ المشار إليه غلط، قد تبع فيه بعض من تقدّمه و لكن رجع عنه فيما وقفت عليه من كلامه و بذلك صرّح تلميذه العالم الشّيخ عبد اللّه بن صالح البحرانّى رحمه اللّه، و انّما الكتاب المذكور كما صرّحا به لبعض قدماء الشّيعة من أهل الكوفة، و هو على بن أحمد أبو القاسم الكوفّى، و الكتاب يسمّى كتاب «البدع المحدثة» ذكره النّجاشي فى جملة كتبه، و لكن اشتهر فى ألسنة النّاس تسميته بالأسم الاوّل، و نسبته للشّيخ ميثم، و من عرف سليقة الشّيخ ميثم فى التّصنيف؛ و لهجته و أسلوبه فى التّأليف لا يخفى عليه انّ الكتاب المذكور ليس جاريا على تلك اللّهجة، و لا خارجا من تلك اللّجّة، و أمّا ما ذكره من شرحة الصّغير فانّه قد كان عندى و ذهب فيما وقع كتبى فى بعض الوقايع، و بقى عندى الشّرح الكبير.
و ذكر بعض العلماء فى حواشيه على الخلاصة انّ ميثم حيث ما وجد فهو بكسر الميم، إلّا ميثم البحرانّى فانّه بفتح الميم، و قبر الشّيخ المذكور الآن فى بلادنا البحرين، فى قرية هلتا من إحدى القرى الثّلاثة من الماحوز المتقدّم ذكرها، و قبر جدّه ميثم فى قرية الدّونج، و قد قبر شيخنا الشّيخ سليمان بن عبد اللّه البحرانّى صاحب
ص: 220
الرسالة المذكورة فى قربه لأنّه من قرية الدّونج، كما تقدّم ذكر ذلك فى صدر الإجازة عند ذكر ترجمته، و نقل بعض انّ قبره فى نواحى العراق، و الاوّل أشهر.
و يروي عنه جملة من الأصحاب منهم السيّد الأجلّ السيّد عبد الكريم بن السيّد أحمد بن طاوس، إلى أن قال: و منهم: الشّيخ سعيد الدّين محمد بن جهم الأسدىّ الحلّى (1) إنتهى كلام صاحب «لؤلؤة البحرين» فى حقّ هذا الرّجل.
و قد ذكر ايضا صاحب كتاب «مجمع البحرين» فى مادّة «مثم» فقال و ميثم بن علىّ ابن ميثم البحرانّى شيخ صدوق ثقة، له تصانيف، منها «شرح نهج البلاغة» لم يعمل مثله، و له كتاب «القواعد فى اصول الدّين» و له كتاب «استقصاء النظر فى امامة الأئمّة الأثنى عشر عليهم السّلام» لم يعمل مثله، و له كتاب «الاستغاثة فى بدع الثّلاثة» حسن جدّا، و له «رسالة فى آداب البحث» و هو شيخ نصير الدّين فى الفقه؛ و له مجلس عند المحقّق الشّيخ نجم الدّين رحمه اللّه، و مباحتة و أقرّ له بالفضل و شيخه أبو السّعادات رضوان اللّه عليهم أجمعين إنتهى.
و قد عرفت بطلان نسبة كتاب «الإستغاثة» إليه رحمه اللّه، و من كلام صاحب «اللّؤلؤة» و هو عندنا من القطعيّات الأولة، لما بيّنا فى ذيل ترجمة مصنّف هذا الكتاب على الحقيقة عليّ بن احمد بن موسي الرّضوى الموسوى فليراجع.
و أمّا مجلس مباحثة الرّجل مع مولانا المحقّق الحلىّ، فكانّه من جملة مجالسه المنيفة الّتى قد عرفتها من تقرير صاحب «المجالس».
ثمّ انّ فى «توضيح الإشتباه» نسبة الغلط إلى صاحب «المجمع» فى أخذ هذه التسمية من مادّة مثم، معلّلة باتّفاق سائر أهل اللّغة على ذكرها فى مادّة و ثم دون مثم و يثم، فياء ميثم منقلبة عن الواو، لكسر ما قبلها، و لو كان مفتوحا لقالوا موثم لا ميثم و فيه أيضا فى ذيل ترجمة ميثم التّمار الّذى هو من جملة حملة الأسرار، و هو بكسر الميم و سكون الياء؛ و قال بعضهم بفتح الميم، و لعلّه سهو، فظهر من كلّ ذلك أيضا أنّ
ص: 221
تفصيل من نقل عن حاشيته على «الخلاصة» كلام بلا دليل، لا يصحّ علي محضه التّعويل، نعم لم يزد صاحب «القاموس» فى مادة و ثم علي قوله و ميثم اسم، فسكت فيه عن ضبط هذه الصّيغة، إمّا تعويلا على معروفيّة كونها مكسورة الميم أو من جهة إحقالها الحركتين و فيه أيضا من الإشارة إلى كونها غير ذات معنى أصلىّ فى لغة العرب ما لا يخفى، و إن كان الظّاهر عندنا انّها إسم آلة من الوثم الّذى هو بمعنى الدقّ، كما انّ الميسم الّذى هو بالسّين المهملة مفعل من الوسم الّذى هو بمعنى الكيّ و نحوه و أصله الواو أيضا بقرينة جمعه على مواسم كما افيد.
***
ص: 222
الامام الرفيع المقام، عند المنتحلين لدين الاسلام، ابو عبد اللّه مالك بن انس بن ابى عامر بن عمرو الحارث بن عثمان الاصبحى المدنى و قيل القرشى التميمى(1)
هو المنتسب إليه لقب المالكى و صاحب كتاب «الموطّأ» فى الفقه الأحمدىّ، و أحد الأئمّة الاربعة لجماعة أهل السنّة و الجماعة، و أوّل المعلنين لبدعة العمل بالرّأى فى هذه الامّة، زعم صاحب «تاريخ گزيده» إنّ أباه هو أنس بن مالك الصّحابىّ، و أحد العشرة الّذين كانوا من خدمة باب النّبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و انّ الرّجل نفسه من جملة التّابعين الأوّلين و أوّل أئمّة السّنة و مقدّم جنود المحدّثين، و هو غلط بيّن منه، لما سوف اطّلعك عليه من تاريخى ولادته و وفاته المنافيين لذلك عادة؛ مضافا إلى قضاء العادة بانّه لو كان صحيحا لبيّنه كثير من أصحاب كتب الرّجال و التّرجمة صريحا.
و بالجملة فقد ذكره ابن خلّكان المورّخ المشهور فى كتابه الموسوم ب «وفيات
ص: 223
الاعيان» فقال فى صفته بعد التّسمية له بنمط ما ذكرناه فى صدر العنوان: إمام دار الهجرة و أحد الأئمّة الأعلام، أخذ القرأءة عرضا عن نافع بن أبى نعيم، و سمع الزّهرىّ، و نافعا مولى عبد اللّه بن عمرو روى عن الاوزاعىّ و يحيى بن سعيد، و أخذ العلم عن ربيعة الرّأى، و قد تقدّم ذكره؛ ثمّ أفتى معه عند السّلطان، و قال مالك: كلّ رجل كنت اتعلّم منه مامات حتّى يجيئنى و يستفتينى.
و كان مالك إذا أراد أن يحدّث توضّا و جلس على صدر فراشه و سرّح لحيته و تمكّن فى جلوسه بوقار و هيبة ثمّ حدّث؛ فقيل له فى ذلك، فقال أحبّ أن أعظّم حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و كان لا يركب فى المدينة مع ضعفه و كبر سنّه، و يقول لا أركب فى مدينة فيها جثّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و سلّم مدفونة، و قال الشّافعى: قال لى محمّد بن الحسن: أيّهما أعلم صاحبنا أم صاحبكم، يعنى أبا حنيفة و مالكا، قال: قلت: على الإنصاف؟ قال نعم، قال قلت ناشدتك اللّه من أعلم بالقرآن صاحبنا ام صاحبكم؟ قال: اللّهمّ صاحبكم، قال:
فقلت: فانشدك اللّه من أعلم بالسنّة صاحبنا ام صاحبكم؟ قال اللّهمّ صاحبكم، قال فقلت أنشدك اللّه من أعلم بأقاويل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله المتقدّمين صاحبنا ام صاحبكم؟ قال اللّهم صاحبكم، قال الشّافعىّ: فلم يبق الّا القياس و القياس لا يكون إلّا على هذه الأشياء، فعلى اىّ شى ء تقيس؟.
إلى ان قال: و كانت ولادته سنة خمس و تسعين للهجرة، و حمل به ثلاث سنين.
و توفّى فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع و سبعين و مأة، فعاش أربعا و ثمانين سنة إنتهى و فى «تاريخ گزيده» انّه اوّل أئمّة السّنة و كان فى الرّحم ثلاث سنين و عمره ثمانون سنة و مات فى سنة تسع و سبعين و مأة و دفن بالبقيع (1).
قلت و سوف يأتى فى ترجمة أبي حنيفة سبب طول بقائه فى الرّحم عرض هذه المدّة الخارجة عن العادة فليلاحظ إنشاء اللّه.
و قال ابن الجوزىّ فيما نقل عن كتابه «شذور العقود» انّه ضرب فى سنة سبع و
ص: 224
أربعين و مأة- سبعين سوطا لأجل فتوىّ لم توافق غرض السّلاطين، و حكى عن الحافظ ابى عبد اللّه الحميدىّ انّه قال حكى القعنبى قال دخلت على مالك بن انس فى مرضه الذى مات فيه، فسلّمت عليه، ثمّ جلست فرأيته يبكى؛ فقلت: يا أبا عبد اللّه، ما الّذى يبكيك؟
فقال لى يابن قعنب و مالى لا أبكى؟ و من أحقّ بالبكاء منّى؟ و اللّه لوددت انّى ضربت لكلّ مسألة أفتيت فيها برأيى مأة ألف سوط، و قد كانت لى السعة فيما قد سبقت إليه، و ليتنى لم أفت بالرّأى، أو كما قال، و كانت وفاته بالمدينة و دفن بالبقيع انتهى (1).
و قد أدرك هذا الرّجل من أئمّتنا المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين مولانا الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام، كما نقل صاحب «بحار الانوار» عن الحافظ أبى نعيم الإصفهانى في كتابه «الحلية» انّه قال انّ جعفر الصادق عليه السّلام حدّث عنه من الأئمّة و الأعلام: مالك بن انس؛ و شعبة بن الحجّاج، و سفيان الثّورى، إلى أن قال و قال غيره: روى عنه مالك، و الشّافعىّ، و الحسن بن صالح، و أبو ايّوب السّجستانى؛ و عمر بن دينار، و أحمد بن حنبل، و قال مالك بن انس: ما رأت عين و لا سمعت أذن و لا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا و علما و عبادة و ورعا، و كان مالك كثيرا ما يدّعى سماعه و ربّما قال حدّثنى الثّقة يعنيه عليه السّلام، و جاء أبو حنيفة إليه ليسمع منه و خرج أبو عبد اللّه عليه السّلام يتوكّأ علي عصاه فقال له أبو حنيفة: يابن رسول اللّه ما بلغت من السنّ ما تحتاج معه إلى العصا قال هو كذلك و لكنّها عصا رسول اللّه أردت التبرّك بها، فوثب أبو حنيفة إليه و قال له اقبّلها يابن رسول اللّه، فحسر أبو عبد اللّه عليه السّلام عن ذراعه و قال و اللّه لقد علمت انّ هذا بشر رسول اللّه و انّ هذا من شعره فما قبّلته فتقبّل عصا و ذكر أبو عبد اللّه المحدّث فى رامش أنّ أبا حنيفة من تلامذته و لأجل ذلك كانت بنو العبّاس لم تحترمهما انتهى.
ص: 225
و من جملة ما نقله الخاصّ و العامّ كما ذكره صاحب كتاب «الإثنى عشرية» من سادة علمائنا الأعلام إنّه كان مالك المذكور يقول كنت أدخل على الصّادق عليه السّلام فيقدم لى مخدّة و يعرف لى قدرا و يقول يا مالك إنّى أحبّك؛ فكنت أسرّ بذلك و أحمد اللّه عليه.
و كان عليه السّلام لا يخلو من إحدى ثلاث إمّا صائما و إمّا قائما و إمّا ذاكرا، و كان من عظماء العبّاد، و اكابر الزّهاد الّذين يخشون اللّه عزّ و جلّ، و كان كثير الحديث؛ طيّب المجالسة، كثير الفوائد، فاذا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله أصفر مرّة و أخضرّ أخرى؛ حتّى ينكره من يعرفه و لقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتّلبية انقطع الصّوت فى حلقه و كاد أن يخرّ من راحلته، فقلت قل يابن رسول اللّه فلا بدّ لك من أن تقول فقال لى يابن أبى عامر كيف اجسر أن أقول لبيّك أللّهمّ لبيّك و أخشى أن يقول لى ربّى عزّ و جلّ لا لبيّك و لا سعديك.
و روى محمّد بن الحسن الصفّار فى «بصائر الدّرجات» باسناده المعنعن عن محمد بن فلان الواقفى، قال كان لى ابن عمّ يقال له الحسن بن عبد اللّه، و كان زاهدا و كان من أعبد أهل زمانه، و كان يلقاه السّلطان و ربّما استقبل السّلطان بالكلام الصعب يعظه و يأمر بالمعروف، و كان السّلطان يحتمل له ذلك لصلاحه، فلم يزل هذه حاله حتّى كان يوما دخل أبو الحسن موسى عليه السّلام المسجد فراه فدنى إليه، ثم قال له يا با علىّ ما أحب إلىّ ما أنت فيه و أسرّنى بك إلّا انّه ليست بك معرفة فاذهب فاطلب المعرفة، قال: قلت: جعلت فداك و ما المعرفة؟ قال له اذهب و تفقّه و اطلب الحديث، قال عمّن قال عن مالك بن انس، و عن فقهاء أهل المدينة، ثمّ اعرض الحديث علىّ قال فذهب و تكلّم معهم؛ ثم جاءه فقرأه عليه، فاسقطه كلّه، ثمّ قال إذهب و اطلب المعرفة، و كان الرّجل معينا بدينه، فلم يزل يترصّد ابا الحسن عليه السّلام حتّى خرج إلى ضيعة له فتبعه و لحقه فى الطّريق، فقال له: جعلت فداك انّى احتجّ عليك بين يدى اللّه، فدلّنى على المعرفة قال: فأخبره بأمير المؤمنين عليه السّلام و قال له كان أمير المؤمنين عليه السّلام بعد رسول اللّه
ص: 226
و أخبره بأمر ابى بكر و عمر فقبل منه، ثمّ قال فمن كان بعد أمير المؤمنين قال الحسن ثمّ الحسين حتّى انتهى إلى نفسه ثمّ سكت قال: جعلت فداك فمن هو اليوم قال ان اخبرتك تقبل؟ قال بلى جعلت فداك، قال: أنا هو، قال جعلت فداك فشى ء استدلّ به قال اذهب إلى تلك الشجرة و اشار إلى أمّ غيلان، فقل لها يقول لك موسى بن جعفر أقبلي قال فاتيتها قال فرأيتها و اللّه تجبّ الأرض جبوبا حتّى وقفت بين يديه، ثمّ أشار إليها فرجعت، قال فأقرّ به، ثمّ لزم السّكوت، فكان لا يراه أحد يتكلّم بعد ذلك، و كان من قبل ذلك يرى الرّؤيا الحسنة، و ترى له ثمّ انقطعت عنه الرّؤيا، فرأي ليلة أبا عبد اللّه الصّادق عليه السّلام فيما يرى النّائم، فشكي إليه انقطاع الرّؤيا، فقال لا تغتّم، فانّ المؤمن إذا رسخ فى الإيمان رفع عنه الرؤيا.
هذا و أقول من جملة مناسبات هذا الحديث الشّريف الّذى أوردناه هنا بالمناسبة:
هو حديث دخول عنوان البصرىّ على مولانا الصّادق عليه السّلام، و اقتباسه نور الحقّ من بركات مجلسه الشّريف، بعد ما يئس من الإنتفاع بطول مراودته مع مالك بن أنس المذكور، و هو بطوله مذكور فى المجلّد الاوّل من البحار نقلا عن خطّ شيخنا البهائى عن محمد بن مكّى الشّهيد رحمه اللّه، و وجدته أيضا فى المجلّد الثالث من كتاب «الكشكول» فليلاحظ. و ليشكر اللّه سبحانه و تعالى على الإهتداء بمتابعة الرّسول و آل الرسول.
ثمّ انّ فى بعض كتب أهل السّنّة نقلا عن حسيبهم الداودىّ أنّه قال: لم يرو مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بنى العبّاس. و عن مصعبهم الكوفىّ أنّه قال: كان لا يروى عن جعفر حتّى يضمّه إلى أحد.
و عن الواقدىّ المشهور انّه قال كان مالك المذكور يأتى المسجد، و يشهد صلاة الجمعة و الجنائز و يعود المرضى، و يقضى الحقوق، و يجلس بالمسجد، و يجتمع عليه أصحابه، ثمّ ثمّ ترك الجلوس بالمسجد و كان يصلّي و ينصرف ترك ذلك كلّه، فلم يكن يشهد للصلاة فى المسجد و لا الجمعة، و لا يأتى أحدا يعرفه و لا يقضى له، فاحتمل النّاس ذلك حتّى مات عليه، و ربّما قيل له فى ذلك فيقول ليس كلّ أحد يقدر أن يتكلّم بعذره.
ص: 227
الشيخ الزاهد الفريد ابو يحيى مالك بن دينار البصرى(1)
مولى بنى سامة بن لوى القرشىّ ذكره صاحب «بحار الانوار» فى المجلّد الحادى عشر من «البحار» فقال بعد نقله عن بعض المحدّثين الأعلام: انّ أبا حنيفة كان من تلامذة مولانا الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام و لأجل ذلك كانت بنو العبّاس لم يحترمهما و كان أبو يزيد البسطامىّ طيفور السّقاء خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة، و قال أبو جعفر الطّوسى كان إبراهيم بن أدهم و مالك بن دينار من غلمانه انتهي.
و قال ابن خلكان المورّخ عند ذكره لهذا الرّجل كان عالما زاهدا كثير الورع متورّعا لا يأكل إلّا من كسب يده، و كان يكتب المصاحف بالأجرة، و روى عنه أنّه قال:
قرأت فى التوراة انّ الّذى يعمل بيده طوبى لمحياه و مماته، و كان يوما فى مجلسه و قد قصّ فيه قاصّ، فبكي القوم، ثمّ ما كان بأوشك من أن اتوا برؤوس فجعلوا يأكلون منها فقيل لمالك: كل؛ فقال: انّما يأكل الرّؤوس من بكى، و أنا لم أبك، فلم يأكل منها.
قلت و لم يبعد أن يكون ذلك المجلس مجلس ذكر مصيبته سيّد الشّهداء عليه أفضل التحيّة و الثّناء، و بيان قصّته مع الأعداء بطفّ كربلاء فى يوم عاشوراء و إلّا فلم يعهد قصّة أحد غيره ينعقد بها المجلس للبكاء و تحتشد لجلسائه مائدة الغذاء.
هذا و في كتاب «المستغيثين باللّه» للشّيخ أبى القاسم خلف بن بشكوال الأندلسّى قال: بينما مالك بن دينار يوما جالسا اذ جاء رجل فقال يا أبا يحيي، ادع اللّه لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد اصبحت فى كرب شديد، فغضب مالك و أطبق المصحف، و قال:
ما يرى هؤلاء القوم إلّا إنّنا أنبياء، ثمّ قرأ ثمّ دعا فقال: أللهم هذه المرأة إن كان فى بطنها
ص: 228
جارية فابدلها بها غلاما فانّك تمحو ما تشاء و تثبت و عندك أمّ الكتاب، ثمّ رفع مالك يده و رفع النّاس أيديهم، فجاء رسول إلى الرّجل و قال أدرك امرأتك فذهب الرّجل فما حطّ مالك يده حتّى طلع الرّجل من باب المسجد على يده غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت سراره، ثمّ قال ابن خلّكان و كان من كبار السّادات و توفّى سنة إحدى و ثلاثين و مأة بالبصرة، قبل الطّاعون بيسير، تمّ كلامه (1).
و كان من وضع هذه الحكاية الّتى نقلها عن الكتاب المذكور أراد به التّأييد لما عرفته فى التّرجمة السّابقة من اعتقاد علماء الجمهور قريبا من هذه المدّة طول حمل إمامهم المشهور، مع انّ أمثال هذه الأمور غير معهودة بالنّظر إلى الأنبياء الصّدور و أولياء الدّهور، و لا يصدّقها طول الأبد إلّا أهل قول الزّور و حمقاء دار الغرور.
ثمّ انّ الرّجل لمّا كان فى معتقد أرباب الطريقة من جملة رجال الحقّ و الحقيقة، و زمرة الزّاهدين فى الدّنيا بهمّتهم العليا بعد تعلّقهم الشّديد بمتاعها الأركس الادنى، ذكروا وجوها مختلفة فى سبب توبته و انقطاعه من الخلق إلى الحقّ برفيع همّته، كما ذكروها بالنّسبة إلى سائر مساهميه أو سردوها فى سير غالب مشاكليه؛ فذكر بعضهم انّه كان فى مبدء أمره يشرب الخمور، و يرتكب فى سكره أنواع الفجور، ثم نقل من كلام نفسه أنه قال كنت شرطيّا منهمكا على شرب الخمر؛ ثمّ إنّى اشتريت جارية نفيسة فوقعت منّى أحسن موقع، فولدت لى بنتا فشعفت بها، فلمّا دبّت على الارض ازدادت فى قلبى حبّها و الفتنى و الفتها، قال و كنت إذا وضعت المسكر بين يدىّ- جائت إلى و جاذبتنى فاهرقت على ثوبى، فلمّا تمّ لها سنتان فحزنت، فلمّا كانت ليلة النّصف من شعبان و كانت ليلة الجمعة بتّ ثملا من الخمر و لم أصلّ فيها العشاء الآخرة، فرأيت فيما يرى النّائم كان القيامة قامت و نفخ فى الصّور و بعثرت القبور، و حشرت الخلائق و أنا معهم، فسمعت حنينا من ورائى فالتفت فاذا انا بتنين كبير أعظم ما يكون أسود
ص: 229
أزرق قد فتح فاه مسرعة نحوى، فمررت فى طريقى بشيخ نقىّ الثّوب طيّب الرّائحة، فسلّمت عليه فردّ السّلام فقلت ايّها الشّيخ أخبرنى من هذا التنين اجارك اللّه، فبكى الشّيخ و قال لى أنا ضعيف و هذا أقوى منّى و ما أقدر عليه و لكن مرّو اسرع لعلّ اللّه يفتح لك ما ينجيك منه، فولّيت هاربا على وجهى، فصعدت على شرف من شرف القيامة، فاشرفت على اطباق النّيران؛ فنظرت إلى هولها و كدت اهوى فيها من فزع التنين، فصاح بى صايح ارجع فلست من أهلها فاطمأ ننت إلى قوله و رجعت، فرجع التنين فى طلبى فاتيت الشّيخ فقلت يا شيخ- ألتك أن تجيرنى من هذا التّنين. فما فعلت، فبكى الشّيخ و قال: أنا ضعيف و لكن سر إلى هذا الجبل، فانّ فيه ودايع المسلمين، فان كان لك فيها وديعة فسينصرك قال: فنظرت إلي جبل مستدير من فضّة و فيها كوى و ستور معلّقة عليها و أبوابها من ذهب شحلاء بالياقوت مكوكبة بالدرّ على كلّ مصراع ستر من الحرير فلمّا نظرت إلى الجبل ولّيت إليه هاربا و التّنين من ورائي، حتى إذا قربت منه صالح بعض الملائكة ارفعوا السّتور و افتحوا المصاريع، فرفعت فاشرفت على اطفال بوجوه كالأقمار و قرب التّنين منّى، فتحيّرت في أمرى، فصاح بعض الأطفال و يحكم اسرعوا كلّكم فقد قرب منه عدوه فأسرعوا فوجا بعد فوج و اذا بابنتى الّتى ماتت قد اشرفت على معهم، فلما رأتنى بكت و قالت أبى و اللّه ثمّ و ثبت فى كفّه من نور حتّى مثلت بين يدى، فمدّت يدها اليسرى الى يد اليمنى فتعلقت بها و مدت يدها اليمنى الى التّنين، فولّى هاربا ثمّ اجلستنى و قعدت فى حجرى و ضربت بيدها اليمنى إلىّ و قالت يا أبت ألم يأن للّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر اللّه فبكيت و قلت: يا ابنتى و أنتم تعرفون القرآن فقالت نعم نحن أعرف به منكم، قلت: فأخبرينى عن التّينن الّذى أراد أن يهلكنى؛ قالت ذاك عملك السّوء قلت: و ما تصنعون فى هذا الجبل؟ قالت نحن أطفال المسلمين قد أسكنّا فيه إلى أن تقوم السّاعة ننتظركم تقدمون علينا نتشفع لكم، قال: مالك فانتبهت فزعا و أصبحت فارقت المسكر، و تبت إلى اللّه تعالى.
و قال القشيرىّ فى رسالته و رؤي مالك بن دينار فى المنام فقيل له ماذا فعل اللّه بك فقال: قدمت على ربّى بذنوب كثيرة محاها عنّي حسن ظنّى باللّه.
ص: 230
هذا و من جملة آثاره فى الموعظة قوله: ازهد النّاس من لم يتجاوز رغبته من الدنيا بلغته قلت: و أرفع من هذا الكلام كلام الإمام زين العابدين عليه السّلام، لمّا سئل عن حقيقة الزّاهد فى الدّنيا انّه من يقنع بدون قوته، و يستعدّ ليوم موته، و أحسن ما قيل فيه كما قال بعض أفاضل أهل التنبيه كلام جدّه أمير المؤمنين عليه السّلام لو أنّ رجلا أخذ جميع ما فى الأرض و أراد به وجه اللّه سمى زاهدا و لو أنّ رجلا ترك جميع ما فى الارض و لم يتركه للّه تعالى يسمّ زاهدا و لا كان فى ذلك عابدا، و كانّ الى هذا ينظر قول بعض الأكابر: أزهد النّاس أكثرهم إخفاء لزهده. و روى انّ مالك بن دينار لقى راهبا ذاهبا فى عباداته تاركا لدنياه، فقال له: اوصنى، قال الرّاهب: ان استطعت أن يكون بينك و بين أهل الدّنيا حائط من حديدة فافعل، قال زدني ويحك، قال: أقل من معرفة النّاس، قال زدنى ويحك قال اقطع طمعك من المخلوقين تسكن ملكوت السّماء، و روى انه سألت بنت مالك بن دينار عنه، فقالت يا أبت انّ النّاس ينامون مالك لا تنام؟ فقال يا بنيّة إنّ اباك يخاف البيات و قالت امرأة لمالك بن دينار يا مرائى، فقال يا هذه وجدت اسمى الّذى أضلّه أهل البصرة، و روى الورّام بن ابى فراس عن زيد بن يحيى، قال كنّا عند مالك، بن دينار ففر بنا حليفة البهرانى، فسلم على مالك فقال له عظنا يا أبا عبد اللّه، فقال يا أبا يحيى انّك و اللّه إذا عرفت اللّه حقّ معرفته اغناك ذلك عن كلّ كلام و موعظة.
و حكى شيخنا البهائى قال جآء رجل إلى مالك بن دينار و إذا هو جالس، و كلب قد وضع رأسه على ركبتيه، قال فذهبت اطرده، فقال دعه يا هذا هذا لا يضرّ و لا يؤذى و هو خير من جليس السّوء، و قال صاحب «حياة الحيوان» قال بعض الحكماء كلّ إنسان مع شكله، كما انّ كلّ طير مع جنسه، و قد كان مالك بن دينار يقول لا يتفّق إثنان فى عشرة إلّا و بين أحدهما وصف من الآخر، فانّ اشكال النّاس كاجناس الطّير، و لا يتّفق نوعان منه فى الطّيران إلّا لمناسبة بينهما، فراى واحد يوما حمامة مع غراب فتعجّب من اتّفاقهما و ليسا من شكل واحد، فلمّا مشيا فاذا هما أعرجان، فقال من هيهنا اتّفقا، و كلّ انسان يأنس إلى شكله، كما انّ الطّير يألف إلى جنسه، فاذا اصطحب اثنان برهة من الزّمان و ليس بينهما مناسبة فلا بدّ ان يتفرّقا كما قال الشّاعر:
ص: 231
و قائل كيف تفرّقتما
فقلت قولا فيه انصاف
لم يك من شكلى ففارقته
و النّاس أشكال و آلاف
الامام البارع الاديب العلامة مجد الدين ابو السعادات المبارك بن ابى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيبانى الجزرى الاربلى الشافعى المعروف بابن اثير(1)
صاحب كتاب النّهاية الاثيريّة فى اللّغات الحديثيّة قال ابن خلّكان المصرىّ قال:
أبو البركات المستوفى: كان أشهر العلماء ذكرا و أكبر النّبلاء قدرا، و أحد الأفاضل المشار إليهم، و فرد الأماثل المعتمد فى الأمور عليهم، أخذ النّحو عن شيخه أبى محمّد سعيد بن المبارك الدّهان، و قد سبق ذكره و سمع الحديث متأخّرا، و لم بتقدّم روايته، و له المصنّفات البديعة و الرّسائل الوسيعة: منها «جامع الأصول فى إحاديث الرّسول» جمع بين الصّحاح الستّة، و هو على وضع رزين إلّا انّ فيها زيادات كثيرة عليه، و منها كتاب «النّهاية فى غريب الحديث» فى خمس مجلّدات، و له كتاب «الإنصاف فى الجمع بين الكشف و الكشّاف» فى تفسير القرآن الكريم أخذه من «تفسير الثّعلبى و الزّمخشرىّ، و له كتاب «المصطفى و المختار فى الأدعية و الأذكار» و له كتاب لطيف فى صنعة الكتابة و كتاب «البديع فى شرح الفصول» في النّحو لابن الدّهان، و له ديوان رسائل، و كتاب «الشّافى فى شرح مسند الأمام الشّافعىّ» و غير ذلك من التّصانيف.
كانت ولادته بجزيرة ابن عمر، فى إحدى الرّبيعين سنة أربع و أربعين و خمسمأة
ص: 232
و نشأبها، ثمّ انتقل إلى الموصل، و اتّصل بخدمة الأمير مجاهد الدّين قايماز بن عبد اللّه بن الخادم الزّينى المقدّم ذكره في حرف القاف، و كان نائب المملكة؛ فكتب بين يديه منشأ إلى أن قبض عليه كما تقدّم ذكره، فاتّصل بخدمة عزّ الدّين مسعود بن مودود صاحب الموصل، و تولّى ديوان رسائله، و كتب له إلى أن توفّى، ثمّ اتّصل بولده نور الدين أرسلان شاه، فخطى عنده، و كتب له مدّة، ثمّ عرض له مرض كفّ يديه و رجليه فمنعه من الكتابة مطلقا، و أقام في داره يغشاه الأكابر و العلماء و أنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل تسمّى قصر حرب، و وقف أملاكه عليها و على داره الّتي كان يسكنها في الموصل و بلغنى انّه صنّف هذه الكتب كلها ايّام تعطيله، فانّه تفرّغ لها، و كان عنده جماعة يعينونه عليها فى الاختيار و الكتابة، و له شعر يسير فمن ذلك ما انشده للأتابك صاحب الموصل و قد زلّت به بغلته:
إن زلّت البغلة من تحته
فانّ فى زلّتها عذرا
حمّله من علمه شاهقا
و من ندى راحته بحرا
و حكى أخوه عزّ الدّين أبو الحسن على انّه لمّا أقعد جاءهم رجل مغربىّ، و التزم انّه يداويه و يبرئه، ممّا هو فيه، و انّه لا يأخذ اجرا إلّا بعد برئه، قال فملنا إلى قوله، و أخذ فى معالجته بدهن صنعه؛ فظهرت ثمرة صنعته، و لانت رجلاه، و صار يتمكّن من مدّهما، و أشرف على كمال البرء؛ فقال لي: اعط هذا المغربّى شيئا يرضيه و اصرفه، فقلت له لماذا و قد ظهر نجح معافاته؛ فقال الأمر كما تقول، و لكنّى فى راحة ممّا كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم و الألتزام بأخطارهم، و قد سكنت روحى الي الإنقطاع و الدّعة، و قد كنت بالأمس و أنا معا فى أذلّ نفسى بالسّعى إليهم، و ها أنا اليوم قاعد فى منزلي، فاذا طرئت لهم أمور ضروريّة جاؤنى بأنفسهم لأخذ رأيى؛ و بين هذا و ذاك كثير، و لم يكن سبب هذا إلّا هذا المرض، فما أرى زواله و لا معالجته، و لم يبق من العمر إلّا القليل، فدعنى أعيش باقيه حرا سليما من الذلّ، فقد أخذت منه أوفر حظّ، قال عزّ الدّين فقبلت قوله و صرفت الرجل باحسان.
ص: 233
و كانت وفاة مجد الدّين المذكور بالموصل يوم الخميس سلخ ذى الحجّة سنة ستّ و ستّمأة، و دفن برباطه بدرب درّاج داخل الموصل رحمه اللّه تعالى، و قد سبق ذكر أخيه علىّ، و سيأتى ذكر أخيه ضياء الدّين نصر اللّه إنشاء اللّه تعالي انتهى كلام ابن خلّكان (1).
و مراده بأبى البركات المستوفى هو بعينه سمّى صاحب التّرجمة ابو البركات المبارك بن ابى الفتح احمد بن المبارك بن موهوب بن على الاربلى اللخمى الملقّب شرف الدّين و هو الّذى يقول فى حقّه أيضا المورّخ المتقدّم: كان رئيسا جليل القدر، كثير التّواضع، واسع الكرم، لم يصل إلى إربل أحد من الفضلاء الّا و بادر إلى زيارته، و حمل إليه ما يليق بحاله؛ إلى أن قال: و كان جمّ الفضائل، تحارفا بعدّة فنون، منها الحديث و علومه و كان ماهرا فى فنون الأدب و أشعار العرب و اخبارها و بارعا فى علم الدّيوان و حسابه و ضبط قوانينه على الأوضاع المعتبرة عندهم و جمع لإربل تاريخا فى أربع مجلّدات، و له كتاب «النّظام فى شرح شعر المتنبّى و أبى تمام» فى عشر مجلدات و كتاب «اثبات المحصل فى نسبة ابيات المفصل» فى مجلّدين، و كتاب «سرّ الصنيعة» و كتاب سمّاه «ابا قماش» جمع فيه أدبا كثيرا و نوادر و غيرها و سمعت منه كثيرا؛ و له ديوان شعر أجاد فيه فمن شعره بيتان فضّل فيهما البياض على السمرة.
لا تخد عنّك سمرة غرّارة
ما الحسن إلّا للبياض و جنسه
فالرّمح يقتل بعضه من غيره
و السّيف يقتل كلّه من نفسه
ثمّ الى ان قال: و كنت خرجت من إربل سنة ست و عشرين و ستّمأة، و شرف الدّين مستوفى الدّيوان، و الإستيفاء فى تلك البلاد منزلة عليّة، و هو تلو الوزارة، ثم بعد ذلك تولى الوزارة فى سنة تسع و عشرين و ستمأة، و شكرت سيرته فيها، و لم يزل عليها إلى أن مات الملك مظفّر الدّين بن علىّ بن بكتكين و اخذ الإمام المستنصر إربل فبطل شرف الدّين و قعد فى بيته، و النّاس يلازمون خدمته على ما بلغنى؛ و مكث
ص: 234
كذلك إلى أن أخذ التّتار مدينة إربل فى سبع سابع عشر شوّال سنة أربع و ثلاثين و ستّمأة، و جرى عليها و على أهلها ما قد اشتهر، و كان شرف الدّين فى جملة من اعتصم بالقلعة و سلم منهم، و لمّا انتزح التّتر عن القلعة انتقل إلى الموصل و أقام بها فى حرمة وافرة، و له راتب يصل إليه، و كان عنده من الكتب النّفيسة شى ء كثير.
و لم يزل على ذلك حتّى توفّى بالموصل فى محرّم سنة سبع و ثلاثين و ستّمأة.
ثمّ إلى أن قال: و تولّى الإستيفاء باربل والده و عمّه صفى الدّين ابو الحسن علّي بن المبارك، و كان عمّه المذكور فاضلا و هو الّذى نقل «نصيحة الملوك» تصنيف حجّة الأسلام أبى حامد الغزالىّ من اللّغة الفارسيّة إلى العربيّة، فانّ الغزالىّ لم يصنّفها إلّا بالفارسيّة، و قد ذكر ذلك شرف الدين فى تاريخه انتهى (1).
و كتاب ترجمته العربيّة لكتاب «نصيحة الملوك» شايع بين أهل هذه الأزمنة موجود عندنا نسخة غير مذكور فيها المترجم المعظّم عليه باسمه و رسمه و نسبه فليلاحظ.
و قد تقدّم منّا الكلام أيضا على أبى محمّد بن الدّهان الّذى هو استاد صاحب التّرجمة مع أسماء سائر شركائه فى هذه الكنية، فى ذيل ترجمة سعيد بن المبارك بما لا مزيد عليه فليراجع (2).
ثمّ انّ من جملة مصنّفات ابن الأثير الّتى أسقطها ابن خلّكان من قلمه و ذكرها الحافظ السّيوطى فى طبقات النّحاة هو كتاب «الباهر فى الفروق فى النّحو» و كتاب «تهذيب فصول ابن الدّهان» و هو غير كتابه البديع المتقدّم ذكره، و كتاب «شرح مسند الشّافعىّ» و كتاب «البنين و البنات و الآباء و الأمّهات و الأذواء و الذّوات و الآن و الآنات».
هذا و قد يطلق علم ابن الأثير أيضا على والد هذا الرّجل الكبير؛ و هو الشّيخ
ص: 235
ضياء الدين ابو نصر محمد بن محمد بن عبد الكريم و على اخيه الفاضل على بن محمد بن محمد الجزرى المعروف صاحب كتاب «كامل التّواريخ و مختصر كتاب «الأنساب» للسّمعانى (1) فى ثلاث مجلّدات، و الأصل منه ثمان، كما ذكره ابن خلّكان، و كتاب «اخبار الصّحابة» فى ستّ مجلّدات كبار(2)، و توفّى هذا في شعبان سنة ثلاثين و ستّ مأة بمدينة الموصل، و قد يطلق أيضا كنية هذا الرّجل على ولد أخيه أو اخيه الآخر نصر اللّه بن محمّد بن محمّد بن محمّد و هو أيضا كما ذكره صاحب الطّبقات مولده بالجزيرة المعروفة بجزيرة ابن عمر سنة ثمان و خمسين و خمسمأة، و مهر فى النّحو و اللّغة و علم اللبيان و استكثر من حفظ الشّعر؛ و له من المصنّفات كتاب «المثل السائر فى أدب الكاتب و الشّاعر» و قد اشتهر و كتب النّاس عليه و كتاب «الوشى المرقوم فى حلّ المنظوم» و كتاب «المعانى المخترعة فى صناعة الانشا» و كتاب «ديوان الرّسائل» فى عدّة اجزاء و مات ببغداد فى يوم الاثنين سلخ ربيع الاخر سنة سبع و ثلاثين و ستّمأة.
العالم العامل المولوى و العارف الكامل المعنوى و استاد صاحب المثنوى ابو المجد مجدود بن آدم المشتهر بالحكيم سنائى الفارسى الغزنوى(3)
قال صاحب «تلخيص الآثار» بعد عدّه مدينة غزنة من بلاد الإقليم الثالث، و هى
ص: 236
ولاية واسعة فى طرف خراسان، بينها و بين بلاد الهند، مخصوصة بصحّة الهواء، و عذوبة الماء، وجودة التّربة، و هى جبلية واسعة الخيرات، إلّا انّ البرد بها شديد، و من عجائبها العقبة المشهورة بها، فانّها إذا قطعها القاطع وقع فى أرض دفنة شديدة الحرّ، و من هذا الجانب برد كالزّمهرير، من خواصها انّ الأعمار بها طويلة و الامراض قليلة و ما ظنّك بأرض تنبت الذّهب و لا تولّد الحيّات و العقارب و الحشرات الموذية أصلها أجلاد و انجاد، ينسب إليها مجدود بن آدم السّنائىّ، كان حكيما شاعرا عارفا تاركا للدّنيا انتهى.
و ذكره ايضا صاحب «مجالس المؤمنين» فى عداد حكماء الشّيعة الإماميّة، ثمّ قال فى ترجمته ما ترجمته: كان من شرفاء الدّهر، و كبراء الشّعراء و العرفآء بحقايق الأمر، جليل القدر و المنزلة فى جميع الأفواه و الالسنة، مخصوصا بمذاق خاصّ فى مشرب أرباب الزّهادة و الاخلاص و اكابر اصحاب الطّريقة، كثيرا ما يستشهدون بكلماته الأنيقة، يعدّونها فاقدة النّظير فى العذوبة و حسن التّبشير؛ و حسبه فضلا و شرفا انّ المولى جلال الدّين الرومىّ صاحب المثنوىّ مع تسلّمه و تسنمّه يعترف بنبله و تقدّمه حيث يقول فى جملة نظمه و تكلّمه:
عطار بوده شيخ و سنائى است پيش رو
ما از پى سنائى و عطار آمديم
و فى موضع آخر يقول:
ترك جوشى كرده ام من نيم خام
از حكيم غزنوى بشنو تمام
و قد نظم فى مدحه مولانا الغزالى المشهدىّ الّذى هو من جملة المتأخرين من أهل الحال بهذا المنوال:
كه بود آنكه فرو كوفت كوس در غزنو
كه بود آنكه علم بر فراشت در عزنين
محيط فقر سنائى كه از حديقه او
توان گرفت عروسان خلد را كابين
ص: 237
چه رازهاست در آن نامه حكم مضمر
چه گنجهاست در آن دفتر كمال دفين
ز ابتداى جهان تا بانقراض سپهر
ز صبح أوّل آفاق تا بصبح پسين
در اين گروه چو او نيست هيچ خورد و بزرگ
در اين ميانه چو او نيست هيچ فرد مهين
أخذ سبكه العرفانى من الخواجه يوسف الهمدانى، و هو فى مراتب ولاية أهل البيت عليهم السّلام حارث همدانهم الثّانى، و فى كتابه المسمّى «بحديقة الحقيقة» و ديوان قصائده التى قد أوضح فيها طريقه صريح من الدّلالة علي مذهبه الحقّ الجعفرىّ، و مشربه الّذى هو فى المعرفة من كلّ عيب برئ، و كان فى درجة الزّهد الواقعى و الإنقطاع الكلّى إلى حيث عرض عليه السّلطان بهرام شاه الغزنوىّ نكاح اختها المحتشمة فلم يقبلها، و خرج إلى الحجّ خوفا من الوقوع فى هذه الفتنة العميآء، و إلى هذا يشير فى كتابه الحديقة بقوله:
من نه مرد زن و زر و حاهم
بخدا گر كنم و گر خواهم
گر تو تاجى دهى ز احسانم
بسر تو كه تاج نستانم
و قال مولانا الجامىّ فى كتابه «النّفحات» أنّ بعض أرباب الحشمة و الجلال التمس من حضرة هذا الشّيخ الجليل أن يأذن له فى التّشرّف بفيض خدمته و التمتّع بفوز صحبته و زيارته؛ فكتب إليه الشّيخ فى الإعتذار عن القبول و الإمتناع عن الرّخصة له فى الدّخول رقعة فارسية مشتملة على بدايع انشائيّة لفظيّة و معنويّة، منها قوله اين داعى را عقل و روح در پيش خدمت است، و ليكن بنيه ضعيف دارد كه طاقت تفقّد و قوت تعهّد ندارد، إنّ الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها كلاته مندرس چه طاقت بارگاه جبّاران دارد و شيرزده ناقه چه تاب پنجه شيران دارد، و بارى عزّ اسمه داند كه هر بار كه سراپرده حشمت در خطّه مختصر زدند حاجب آمده است اين ضعيف منزوى را رخت عافيت بعشرت خانه غولان بردن، و بضاعت قناعت را بهمراهان خضر و الياس سپردن، اكنون بزرگى كه ذو الفضل الكبير با آن بزرك دين و دنيا كرده آنست كه گوشه دل اين گوشه
ص: 238
گرفته را بتفقد ستايش خود خراب نكند، كه جسم حقير اين بنده نه سزاى خشم عزيز خداونديست، و بالجملة فلا شبهة فى صحّة عقيدة هذا الشّيخ الجليل، و هو كما يظهر من حديقته و ديوانه مصرّح بتفضيل أئمة أهل البيت عليهم السّلام. و إن كان غير مصرّح بالبراءة من أعدائهم لكون بنائه على المماشاة مع كبراء أهل السنّة، و الدّعوة إلى طريق الحقّ بالحكمة و الموعظة الحسنة، و لذا تري أنّه فى أوّل الحديقة قدّم ذكر خلفائهم الثلاث و اكتفى فى الثّناء عليهم بما يندفع به ضرورة التقيّة و يرتفع به محذور التهمة حتى إذا بلغ إلى صفة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام لم يملك نفسه و لم يعرف من قدّمه واسّه فانشأ يقول و هو واصل إلى درجة العشق بآل الرّسول صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
اى سنائى بقوّت ايمان
مدح حيدر بگو پس از عثمان
با مديحش مدايح مطلق
زهق الباطل است و جاء الحقّ
ثمّ لم يكتف بهذه الإشارة إلى بطلان مدرجة الثلاثة، بل أظهر النّدم فى مكتوبه إلى بهرام شاه بن مسعود على تقديمهم الذكرىّ الظاهرىّ أيضا بقوله فى جملة ما لفظه بصوله من از تقديم ايشان بحسب ذكر كه طريقه سلف صالح و شيوه عاملان تقيّه است پشيمانم و در فكر علاج و تلافى آنم، و أهل زمان ميگويند كه تو چرا تقديم و تفضيل امير المؤمنين بحسب معنى و شأن بر ايشان كرده اى، و صورة أصل ما رقمه جناب الشّيخ إلى حضرة الملك المعظّم عليه هكذا بعد البسملة، الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة على خير خلقه محمّد و آله اجمعين إلى آخر ما نقله بطوله و فيه من المواعظ الوافية و نصايح الملوك الجافية، و ما يحقّ الأسوة به و الإقتباس منه فى الكتابة الى أعاظم الدّنيا شي ء كثير.
ثمّ قال حكى انّ السّلطان سنجر بن ملكشاه كتب بعد موت أبيه و جلوسه على سرير السّلطنة إلي الحكيم سنائىّ المذكور: أخبرنى أيّها العارف بدقائق الأمور هل الأمر الحقّ بايدى أهل السنّة و الجماعة أو مع الشّيعة الإماميّة؟ و هل الخلفاء الثّلاثة كانوا على طريقة الحقّ و الصّواب أم الأئمّة الأثنى عشر من آل محمّد الأطياب الأنجاب؟
ص: 239
و كتب إليه السّنائىّ فى الجواب هذه القصيدة الفاخرة الّتى تهوى إليها أفئدة أولى الألباب:
كار عاقل نيست بر دل مهر دلبر داشتن
جان نگين مهر مهر شاخ بى بر داشتن
از پي سنگين دل نامهربانى روز و شب
بر رخ چون زر نثار گنج گوهر داشتن
چون نگردى گرد معشوقي كه روز وصل او
بر تو زيبد شمع مجلس مهر انور داشتن
هر كه چون كركس بمردارى فرود آورد سر
همچو طوطى كى تواند طعم شكر داشتن
رايت همت ز ساق عرش بايد بر فراشت
تا توان افلاك زير سايه پر داشتن
تا دل عيسى مريم باشد اندر بند تو
كى روا باشد دل اندر بند هر خر داشتن
يوسف مصرى نشسته با تو اندر انجمن
زشت باشد چشم را بر نقش آذر داشتن
احمد مرسل نشسته كى روا دارد خرد
دل اسير سيرت بو جهل كافر داشتن
ثمّ ذكر منها:
بحر پر كشتيست؛ ليكن جمله در گرداب خوف
بى سفينه نوح نتوان چشم معبر داشتن
من سلامت خانه نوح نبى بنمايمت
تا توانى خويشتن ايمن ز هر شر داشتن
رو مدينه علم را در جوى پس در وى خرام
تا كى آخر خويش را چون حلقه بر در داشتن
چون هميدانى كه شهر علم را حيدر در است
خوب نبود غير حيدر ميرو مهتر داشتن
خضر فرّخ پى دليلى را ميان بسته چو كلك
جاهلى باشد ستور لنگ رهبر داشتن
و منها.
ص: 240
جز كتاب اللّه و عترت ز احمد مرسل نماند
يادگارى كو توان در روز محشر داشتن
از گذشت مصطفاى مجتبى جز مرتضى
عالم دين را نيارد كس معمّر داشتن
از پس سلطان ملك شه چون نميدارى روا
تاج و تخت پادشاهى جز كه سنجر داشتن
از پس سلطان دين پس چون روا دارى همى
جز على و عترتش محراب و منبر داشتن
ثمّ إلى أن ذكر فى أواخر القصيدة:
اى سنائي وارهان خود را كه نازيبا بود
دايه را بر شيرخواره مهر مادر داشتن
بندگى كن آل ياسين را بجان تا روز حشر
همچو بى دينان نبايد روى اصفر داشتن
زيور ديوان خودساز اين مناقب را از آنك
چاره ئى نبود عروسان را ز زيور داشتن
ثمّ انّه قدّس سرّه نسب الى الحكيم المعظّم عليه هذه الرباعيّة و لنعم ما قال:
در باغ لطافت نبى چاربه است
وين چاربه لطيف و دربار به است
آن به كه در أوّلست ز آن چاربه است
و آن به كه در آخر است ز آن چاربه است
مما ينسب إليه أيضا هذه الرباعيّة:
خدايا ز خوانى كه از بهر خاصان
كشيدى نصيب من بي نوا كو
اگر ميفروشى بهايش كه داداست
و گر بى يها ميدهى بخش ما كو
و قال صاحب «حبيب السّير» بعد ذكره الرّجل بعنوان أبى المجد مجدود بن آدم الغزنوى، و نقله حكاية سبب توبته عن كتاب «نفحات الجامىّ»(1) و قصّة إنشاده قصيدة فى
ص: 241
مدح السّلطان محمود الغزنوىّ ما ترجمته:
و فى هذه الحكاية نظر لأن السّنائى كان معاصرا للسّلطان بهرام شاه كما يظهر من كتابه الموسوم بالحديقة، و انّه يبعد كونه فى عداد الشّعراء فى زمن السّلطان محمود الّذى كانت وفاته سنة إحدى و عشرين و أربعمأة، و قال بعد ذلك و كانت وفاة السّنائى كما يستفاد من تاريخ «گزيده» فى زمن بهرام شاه و كما ذكره بعض الفضلاء فى سنة خمس و عشرين و خمسمأة سنة فراغه من نظم كتاب «الحديقة» بعينها و قيل فى سنة خمس و خمسين و خمسمأة بعد وفات الأنورى الشّاعر المشهور بأربع سنين فليلاحظ.
الفقيه المدنى المتقدم التابعى محمد بن مسلم بن عبيد اللّه المشتهر بابن شهاب الزهرى(1)
نسبة إلى زهرة بضمّ الرّاى ابن كلاب بكسر الكاف، ابن مرّة بضمّ الميم، و هو أبو قبيلة كبيرة من قريش، منها آمنة بنت وهب والدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.
ذكره شيخنا الطّوسى مرّة فى جملة رجال مولانا الصادق عليه السّلام بعنوان محمّد ابن مسلم الزّهرى المدنى، ثمّ قال و هو محمّد بن مسلم بن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن الحرث ابن شهاب بن زهرة بن كلاب، ولد سنة اثنتين و خمسين و مات سنة أربع و عشرين و
ص: 242
مأة، و له إثنتان و سبعون سنة و مرّة اخرى فى فئة رجال علىّ بن الحسين عليهما السلام بعنوان محمّد بن شهاب الزهرىّ، و قال: عدوّ، و تبعه العلّامة أيضا فى ذكره لهذا العبارة بعينها و الظّاهر أنّه لزعمه اتحادهما واقعا و اعتقاده فى حقّه ما ذكره فى هذه الترجمة، كما نصّ على المطلبين جميعا صاحب «منتهى المقال» فقال بعد ذكره بالعنوان المتأخّر المختصر، و نقله العبارة الثّانية عن الشّيخ الطّوسى رحمه اللّه، ثمّ عن تعليقات سمّينا المروّج البهبهانى قوله: و روى الثّقة الجليل علىّ بن محمّد بن علىّ الخزّاز فى كتابه «الكفاية» رواية تدلّ على تشيّعه، و روى عنه النّص على كون الأئمة إثنى عشر عن علىّ بن الحسين عليهما السلام و انّ المهدىّ سابع أولاد ابنه محمّد بن علىّ، إلّا أن ابن طاوس فى ترجمة عبد اللّه بن العبّاس قال سفيان بن سعيد، و الزّهرى عدوّان متّهمان انتهى.
و لعلّه ابن مسلم الزّهرىّ الآتى عن باب رجال الصادق، و يظهر من المصنّف يعنى صاحب كتاب «منهج المقال» المشتهر بالرّجال الكبير فى باب الألقاب، أقول لا ريب فى انّه هو، و شهاب جدّه، كما يأتى، و قد صرّح فى أسانيد الفقيه بأنّ الزهرى اسمه محمّد بن مسلم بن شهاب.
و أمّا نصبه و عداوته لا ريب فيه، إلى أن قال: و فى «شرح النّهج» لابن أبي الحديد كان الزّهرى من المنحرفين عنه يعنى عليا عليه السّلام، و روي جرير بن عبد الحميد. عن محمّد بن شيبة، قال: شهدت مسجد المدينة، فاذا الزّهرى و عروة بن الزبير جالسان يذكران عليّا عليه السّلام فنالا منه، فبلغ ذلك علىّ بن الحسين عليهما السّلام، فجاء حتّى وقف عليها؛ فقال أمّا أنت يا عروة فانّ أبى حاكم أباك إلى اللّه، فحكم لأبي على ابيك و أمّا انت يا زهرىّ، فلو كنت بمكّة لأريتك كرامتك (1).
و روى الزهرى هذا عن عروة بن الزّبير قال حدّثتنى عايشة قالت: كنت عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله إذ أقبل العبّاس و علىّ فقال: يا عايشة انّ هذين يموتان على
ص: 243
غير سنتى.
و قال ابن خلّكان المورّخ فى كتابه «الوفيات» عند ذكره لهذا الرّجل أحد الفقهاء و المحدّثين و الأعلام التّابعين بالمدينة؛ رأى عشرة من الصّحابة، و روى عنه جماعة من الأئمّة منهم مالك بن انس، و سفيان بن عيينة، و روى عن عمرو بن دينار أنّه قال: أىّ شى ء عند الزهرىّ، أنا لقيت ابن عمر و لم يلقه، و أنا لقيت ابن عبّاس و لم يلقه فقدم الزّهرى مكّة، فقال عمرو احملونى إليه و كان قد اقعد، فحمل إليه فلم يأت أصحابه إلّا بعد ليل، فقالوا له كيف رأيت؟ فقال: و اللّه ما رايت مثل هذا القرشىّ قطّ و قيل لمكحول: من أعلم من أرايت؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثمّ من قال ابن شهاب، و قيل له: ثمّ، من قال ابن شهاب؛ و كان قد حفظ علم الفقهاء السّبعة قلت؟ و تقدّم منّا الإشارة إلى ذكر فقهائهم السّبعة فى ذيل ترجمة خارجة بن زيد الأنصارىّ الّذى هو أحدهم فليراجع. و كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق عليكم بابن شهاب، فانكم لا تجدون أحدا أعلم بالسنّة الماضية منه، و حضر الزهرىّ يوما مجلس هشام بن الحكم و عنده أبو الزّناد عبد اللّه بن ذكوان، فقال له هشام أىّ شهر كان يخرج العطاء فيه لأهل المدينة، فقال الزهرىّ لا أدرى، فسأل أبا الزنّاد فقال فى المحرّم، فقال هشام للزّهرى يا بابكر هذا علم استفدته اليوم، فقال مجلس أمير المؤمنين أهل أن يستفاد منه العلم، و كان إذا جلس فى بيته وضع كتبه حوله، فيشتغل بها عن كلّ شى ء من أمور الدّنيا، فقال له امرأته يوما و اللّه لهذه الكتب أشدّ علىّ من ثلاث ضرائر، و كان أبو جدّه عبد اللّه ابن شهاب شهد مع المشركين بدرا، و كان أحد النّقر الّذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ليقتلنّه او ليقتلنّ دونه، و روى عنه انّه قيل للزهرىّ هل شهد جدّك بدرا؟ فقال نعم و لكن من ذلك الجانب، يعني انّه كان فى صفّ المشركن؛ و كان أبوه مسلم مع مصعب بن الزّبير، و لم يزل الزهرىّ مع عبد الملك، ثمّ مع هشام بن عبد الملك، و كان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه و توفّى ليلة الثلثا لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربع و عشرين و مأة، و هو ابن اثنتين و سبعين سنة، و دفن فى ضيعته اذامى بين الحجاز
ص: 244
و الشّام، في موضع هو آخر عمل من الحجاز، و أوّل عمل من فلسطين، و قبره على الطّريق يدعو له كلّ من يمرّ به رضي اللّه عنه انتهى.
و الّذى هو الرّاجح فى النّظر عندى فى حقّ هذا الرّجل بعد استقصائى الكامل لكلمات المادحين له و القادحين، و التّأمّل الغائر التّامّ فى سبب كلّ منهما، و ما هو طريق الجمع بين الأدلّة الّتى لم يطلّع على عمدها صاحب التّعليقات الّتى استظهر تشيّعه و حسن أحواله، فضلاء عن الشّيخ أبى علىّ الرّجالىّ الّذى هو لصيق هذه الفنون و قاصر عن إدراك ما هو عند أهله مخزون، أنّه رحمه اللّه كان فى مبتدأ أمره كما عرفته من عبارة تاريخ ابن خلّكان من جملة علماء أهل السنّة و ندماء حزب الشّيطان، ثمّ انّ علمه و ادراكه أدركاه و أرشداه إلى الحقّ المبين، فصيّراه فى أواخر عمره من الراجعين إلى الإمام زين العابدين عليه السّلام؛ و فى زمرة المستفيدين من بركات أنفاسة الشّريفة، و المستندين إلى كلماته الطّريفة، و المحبيّن له بيده و لسانه و الحافظين لغيبه المعلنين لعظيم شأنه و قويم برهانه؛ فمن جملة ما يدلّك على ذلك و كأنّه الّذى رآه صاحب التّعليقات، و جعل إيّاه الدّليل على تشيّعه و كمال إيمانه دون رواية النّصّ على الأئمّة الإثنى عشر الّذى فهمه صاحب «المنتهى» من عبارته ما ورد عليه بأنّ هذا ليس بشى ء لأنّ جماعة من علماء العامّة رووا النّص على انّ الائمّة اثنى عشر، و انّ الحسين عليه السّلام إمام بن إمام أخو إمام أبو ائمّة تسعة تاسعهم قائمهم.
مع انّه رحمه اللّه عطف رواية النصّ المذكور علي روايته الّتى تدلّ على التشيّع هو الحديث المشهور الّذى ذكره جماعة من المصنّفين فى مناقب أهل البيت عليهم السلام و أورده سميّنا العلّامة فى المجلّد الحادى عشر من «البحار» نقلا عن كتاب «كشف الغمّة» و «مناقب ابن شهر آشوب» المازندرانى» ناقلين له عن كتاب «حلية الأولياء» للحافظ أبى نعيم و كتاب «الفضائل للشّيخ ابى السّعادات» و رأيته أنا أيضا فى كتابه «الثّاقب فى المناقب» للشّيخ الفقيه عماد الدّين الطّوسىّ المتقدّم ذكره الشّريف فى أوائل باب المحمّدين، و صورته هكذا برواية صاحب «الثّاقب» مع تفاوت يسير له فى الألفاظ، بالنّظر إلى
ص: 245
«الحلية» و «المناقب» عن ابن شهاب الزهرى، قال: شهدت علىّ بن الحسين عليهما السلام يوم جهّز إلى عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشّام، فاثقله حديدا، و وكّل به حفّاظا فى عدّة، و جمع، فاستأذنهم في التسليم عليه و التّوديع له، فأذنوا لى، فدخلت عليه، و هو في قبة و الأقياد فى رجليه و الغلّ في يديه، فبكيت و قلت: وددت أنى مكانك و أنت سالم، فقال يا زهرىّ أو تظنّ هذا بما ترى علىّ و فى عنقى يحزننى، أما لو شئت ما كان، فانّه و إن بلغ منك و من امثالك ليذكرنى القبر، و فى نسخة منه ليذكرنى من عذاب اللّه، ثمّ أخرج يده من الغلّ و رجليه من القيد، و قال يا زهرىّ لوهم لا خرّت معهم على ذا منزلين من المدينة(1) قال فما لبثنا الّا أربع ليال حتّى قدم الموكّلون به يطلبونه بالمدينة، فما وجدوه، فكتب فيمن سألوهم عنه، فقال لى بعضهم: إنّا نراه متبوعا أنّه لنازل و نحن حوله لا نرقد نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا فى محمله إلّا حديدة.
فقال الزهرىّ فقدمت بعد ذلك على عبد الملك بن مروان، فسألنى عن علىّ ابن الحسين عليه السّلام، فاخبرته، فقال لى: انّه قد جاءنى فى يوم فقده الأعوان، فدخل عليّ فقال ما أنا و أنت؛ فقلت: أقم عندك و فى رواية عندى فقال لا أحبّ، ثمّ خرج فو اللّه لقد امتلأ ثوبى منه خيفة.
قال الزهرىّ فقلت: يا امير المؤمنين ليس علىّ بن الحسين حيث تظنّ انّه مشغول بنفسه فقال حبّذا شغل مثله فنعم ما شغل به.
قال و كان الزهرىّ اذا ذكر علىّ بن الحسين عليهما السّلام بكى، و قال:
زين العابدين (2).
هذا و نقل أيضا في كتاب «الثّاقب» حديثا آخر أظهر من هذا الحديث فى الدّلالة على حسن حال الرّجل إلّا أنى لم أجده فى غير ذلك الكتاب، حتّى التزم كونه حاملا لسمّينا العلّامة على هذه النسبة، و هو بهذه الصورة عن الزهرىّ: قال كان لى أخ فى اللّه
ص: 246
تعالى، و كنت له شديد المحبّة، فمات فى جهاد الرّوم، فاغتبطت به و فرحت ان استشهد و تمنيّت انى كنت استشهدت معه؛ فنمت ذات ليلة، فرأيته فى منامى فقلت له: ما فعل بك ربّك؟ فقال غفر اللّه لي بجهادى و حبّى محمّدا و آل محمّد و زادتى فى الجنّة مسيرة عام من كلّ جانب من الممالك بشفاعة علىّ بن الحسين عليهما السّلام، فقلت له: اغتبطت أن استشهد بمثل ما أنت عليه، فقال اغتباطى بك أكثر من اغتباطك بى، فقلت بماذا و كيف ذلك؟ و كنت فوقى من مسيرة ألف ألف سنة، قال ألست تلقى علىّ بن الحسين عليهما السلام فى كلّ جمعة مرّة، و تسلّم عليه و تصلّى خلفه؛ فاذا رأيت وجهه الكريم صلّ على محمّد و آل محمّد، ثمّ تروى عنه و تذكّره فى هذا الزّمان النّكد زمان بنى أميّة، فتعرّض للمكروه و لكن اللّه يقيك، و فى نسخة فاذا دمت على هذه السجيّة إلى يوم الموت كنت فوقى من مسيرة ألف ألف سنة، فلمّا انتبهت قلت لعلّه أضغاث أحلام، فعاودنى النّوم، فرأيت ذلك الرّجل يقول لى شككت لا تشّك فانّ الشّك كفر، و لا تخبر بما رأيت أحدا، فانّ علىّ بن الحسين عليهما السّلام يخبرك بمنامك هذا، فانتبهت و صلّيت فاذا رسول علىّ بن الحسين فصرت إليه، فقال يا زهرىّ رأيت البارحة كذا و كذا المنامين جميعا على وجههما هذا و فى المقام أخبار أخر أيضا تدلّ على حسن إعتقادات الرّجل و عدم استنكافه عن قبول الحقّ مع ما كان فيه من العلم و الكرامة و الرئاسة و قبول العامّة.
اظهرها دلالة هو ما نقله الصدوق فى «مجالسه» باسناده المعنعن عن سفيان بن عيينة عن الزهرىّ و فيه من ذكر المعجزة الغريبة لمولانا السجّاد ما لا يرضى بنقله غير المخلص الوفى و الولىّ الشيعى فليلاحظ.
و أمّا حديث النصّ علي الأئمة الأثنى عشر على وجه نقله صاحب التّعليقات عن صاحب «كفاية الاثر» فلمّا لم يكن الكتاب المذكور عندى زمن هذه الكتابة لم يساعدنى التّوفيق لبيانه، و لكنّى رأيت فى موضع آخر نقل حديث النّص عليهم عن صاحب «الكفاية بهذه الصّورة و في كتاب «الكفاية» لعلّى بن محمّد الخزاز القمى باسناد المتصل عن الزّهرى انّه قال كنت عند الحسين علىّ بن عليهما السّلام اذ دخل علىّ بن الحسين الأصغر فدعاه الحسين و
ص: 247
ضمه إليه ضمّا و قبل ما بين عينيه؛ ثمّ قال بأبى أنت و أمىّ يابن رسول اللّه إن كان ما نعود باللّه ان نراه فيك فالى من قال علىّ ابنى هذا هو الإمام أبو الأئمّة، قلت: يا مولاى هو صغير السن، قال نعم إنّ ابنه محمّد أيؤتم به، و هو ابن تسع سنين الحديث.
ثمّ ان شاهد ما ذكرناه من الجمع بين أحاديث مدح الرّجل و قدحه بكون جهة اختلافها اختلاف مراتب سنّه فى الجهالة، بحقوق أهل بيت الرّسالة و المعرفة بها هو ما نقله ايضا صاحب كتاب «كشف الغمّة» عن كتاب «اليواقيت» لأبى عمر الزاهد، أنّه قال: قالت الشيعة انّما سمى على بن الحسين سيّدنا العابدين عليه السّلام لانّ زهرىّ رأى فى منامه كأن يده مخضوبة غمسة قال: فعبّرها فقيل انك تبتلى بدم خطأ، قال و كان عاملا لبنى أميّة فعاقب رجلا فمات فى العقوبة، فخرج هاربا و توحّش و دخل إلى غار، و طال شعره.
قال و حج على بن الحسين، فقيل له: هل لك فى الزّهري؟ قال إنّ لى فيه قال:
أبو العبّاس هكذا كلام العرب: أن لى فيه لا يقال غيره- قال: فدخل عليه، فقال له: انّى أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك. فابعث يدية مسلّمة الى أهله و اخرج الى اهلك و معالم دينك، قال: فقال: فرجت عنّى يا سيّدى و اللّه تبارك و تعالى أعلم حيث يجعل رسالاته.
و كان الزهرىّ بعد ذلك يقول: ينادى مناد فى القيامة: ليقم سيد العابدين فى زمانه فيقوم علىّ بن الحسين عليهما السّلام.(1)
و فى رواية نقلها عن كتاب «المناقب» زيادة انّ الزّهرى رجع إلى بيته بعد ما قرأه من الآية الكريمة، و لزم خدمة علىّ بن الحسين عليه السّلام، و كان يعدّ من أصحابه، و لذلك قال له بعض بني مروان يا زهرىّ ما فعل نبيّك يعنى على بن الحسن عليهما السّلام انتهى.
و روى الورّام بن ابى فراس من أعاظم محدّثينا أيضا رواية ملاقات سيّدنا السجاد (ع) إيّاه بعد فراغه من الطّواف، و لكن مع تفاوت يسير، و فى آخرها لأنّا عليك من
ص: 248
يأسك من رحمة اللّه أشدّ خوفا منّى عليك ممّا انت فيه؛ ثمّ قال له اعطهم الدّية قال قد فعلت فأبوا قال فاجعلها صررا، ثم انظّر مواقيت الصّلاة فالقها فى دارهم و فى إرشاد الدّيلمىّ من أعاظم محدّثينا، أيضا انّه مرّ بالزّهرى، و قد خولط، فقال ما باله فقالوا: انّ هذا لحقه من قتل النّفس، فقال و اللّه لقنوطه من رحمة اللّه أشدّ عليه من قتله.
العالم المعبر و الكامل المتبحر ابو بكر محمد بن سيرين البصرى(1)
كان من التّابعين الاوّلين و الفقهاء المجللّين مشهورا فى صناعة التّعبير، معروفا بالبراعة و التّحبير، و كان أبوه سيرين بالمهملة المكسورة من حرف السّين مملوكا لأنس ابن مالك الصحابى كاتبه على أربعين ألف درهم فضّى، و هو أحد الفقهاء الأجلّة من أهل أرضه و بلده. و المذكور بالورع و التّقوى فى تمام وقته، و كان أوّلا صاحب الحسن البصرىّ ثمّ هاجره فى آخر الوقت، فلمّا مات الحسن لم يشهد ابن سيرين جنازته؛ و كان الشّعبّى يقول: عليكم بذلك الرّجل الأصم، يعنى ابن سيرين، لأنّه كان فى أذنه صمم.
توفّى بعد الحسن بمأة يوم، و ذلك بالبصرة سنة عشر و مأة و ولد له ثلاثون ولدا من امرأة واحدة، تسعة عشر ابنا واحدى عشرة بنتا، و لم يبق منهم غير عبد اللّه، و لمّا مات كان عليه ثلاثون ألف درهم فقضاها ولده عبد اللّه، فما مات حتّى قوّم ماله ثلاثمأة ألف درهم.
و كان الأصمعىّ يقول الحسن البصرى سيّد سمح و إذا حدث الأصمّ بشى ء فاشدد
ص: 249
يديك، و قتادة حاطب ليل كلّ ذلك ذكره ابن خلّكان.
و قال القشيرى فى رسالته إلى الصوفيّة قال بعضهم ما رأيت رجلا اعظم رجاء لهذه الامّة؛ و لا أشدّ خوفا على نفسه من ابن سيرين، و نقل من ورعه انّه اشترى أربعين حبّا من سمن، فاخرج غلامه فارة من حبّ فسأله من أىّ حبّ أخرجتها، فقال لا أدرى فصبّها كلّها.
و قال السيّد الجزائرىّ رحمه اللّه كان ابن سيرين يتحدّث بالنّهار و يضحك؛ فاذا جاء اللّيل أخذ فى البكاء حذرا عن الرّياء و نقل ابن سيرين رأى ابنا له يتبختر فقال يا بنى أما تعرف نفسك و امّك بثلاثمأة درهم، و أبوك لا اكثر اللّه فى المسلمين مثله.
هذا و أمّا تعبيراته الصّائبة للمنامات فهى كثيرة جدّا، بحيث لا يتحملها أمثال هذه المقامات، إلّا انّى لا أعرض عن كلّ ما نقل عنه فى هذه الغيضة و التقط هنا وقايع طريفة منها لعدم خلو العريضة، منها: ما روى انّه رأى فى المنام كان الجوزا تقدّمت الثّريا فأخذ فى الوصيّة و قال يموت الحسن و أموت بعده، و هو أشرف منّى.
أقول: و كان شدّة منافرتهما فى أيّامهما الأواخر بحيث صار من المثل السّائر جالس امّا الحسن و امّا ابن سيرين على سبيل منع الجمع دون منع الخلوّ اوجبت تقارب أجلهما أيضا بهذا الوجه، و النّسق، و ذلك لما قد سبق من الوجه فى ذلك فى ذيل ترجمتى جرير، و فرزدق، و منها انّ امرأة رأت في المنام انّها كانت تجلب حيّة، فسئل ابن سيرين عن ذلك، فقال هذه يدخل عليها أهل الأهواء، و منها أنّ رجلا سأله قال رأيت كانى العق عسلا من جام من جوهر فقال إتّق اللّه و عاود القرآن فقد قرأته، ثمّ نسيته، و قال له آخر رأيت كأن عينى اليمنى دارت من قفاى، فقلت عينى اليسرى، فقال ألك ولدان: قال نعم قال انّ أحدهما يفجر بالآخر، فلمّا استكشف كان كما قال قيل و سأله رجل عن الّاذان فقال الحجّ، و سأله آخر فأوّله بقطع السّرقة، فقيل له فى ذلك. فقال: رأيت الأوّل فى سيماء حسنة فأوّلت و اذّن فى النّاس بالحجّ و لم ارض هيئة الثّانى فاوّلت فاذّن مؤذّن أيتها العير انّكم لسارقون و قيل: و قال ابن سيرين: نقول فى الرّجل يخطب على
ص: 250
المنبر يصيب سلطانا، فان لم يكن من أهله يصلب، قلت: أو يموت؛ فيرفع على اعواد التوابيت إلى غير ذلك من تعبير انه المشهورة المذكورة فى مجلّد السّماء و العالم من «البحار» و غيره فليراجع
و روى الحافظ البخارىّ باسناده المتّصل عن ابن سيرين عن قيس بن عبّاد قال كنت جالسا فى مسجد المدينة في ناس فيهم بعض أصحاب النبىّ صلى اللّه عليه و اله، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقال بعض القوم هذا رجل من أهل الجنّة، فصلّى ركعتين تجوز فيها، ثمّ خرج و تبعته، فقلت له إنّك حين دخلت المسجد قال رجل هذا من أهل الجنّة قال و اللّه ما ينبغى لأحد أن يقول ما لا يعلم، و سأحدّثك بم ذاك رأيت رؤيا على عهد النّبي فقصصتها عليه رأيت كأنّى فى روضة ذكر من سعتها و خضرتها فى وسطها عمود من حديد أسفله فى الأرض و أعلاه عروة، فقيل له ارقه قلت لا أستطيع، فاتانى منصف فرفع ثيابى من خلفى، فرقيت حتّى كنت فى أعلاها؛ فاخذت بالعروة، فقيل استمسك فاستيقظت، و انّها لفى يدى فقصصتها على النّبى صلى اللّه عليه و اله، فقال تلك الرّوضة الإسلام، و ذلك العمود عمود الإسلام، و تلك العروة العروة الوثقى، فانت على الإسلام حتّى تموت، و الرّجل عبد اللّه بن سلام.
هذا و من جملة كلمات ابن سيرين، ثلاثة ليس معها غربة: حسن الادب و مجانبة الأذى، و الكفّ عن الرّيب، و هو بفتح الرّاء و الياء جمع ريبة بمعنى سوء الظنّ و التهمة و منها فى جواب من سأل عنه أىّ الأدب أقرب إلى اللّه؟ فقال معرفة بربوبيّته، و عمل بطاعته، و الحمد للّه علي السرّاء، و الصّبر على الضّرّاء، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم.
***
ص: 251
القاضى فى غير سبيل اللّه و الحاكم بغير ما انزل اللّه محمد بن ابى ليلى عبد الرحمن ابن ابى ليلى بن يسار الانصارى الكوفى المشتهر بابن أبى ليلى(1)
كان كما فى تاريخ ابن خلّكان من أصحاب الرّأى و تولّى القضاء بالكوفة، و أقام حاكما ثلاثا و ثلاثين سنة، ولى لبنى أميّه، ثمّ لبنى العباس، و كان فقيها مفنّنا و قال:
لا أعقل من شان أبى شيئا غير أنّى أعرف انّه كانت له امرأتان، و كان له حبّان أخضران، فينبذ عند هذه يوما، و عند هذه يوما، و تفقه محمّد بالشّعبّى، و أخذ عنه سفيان الثورىّ و قال الثورى: فقهاؤنا ابن أبى ليلى، و ابن شبرمه؛ و قال محمّد المذكور: دخلت على عطاء، فجعل يسألنى، فأنكره بعض من عنده و كلّمه فى ذلك فقال هو أعلم منّى و كانت بينه و بين أبى حنيفة وحشة كثيرة، و كان يجلس للحكم فى مسجد الكوفة.
فيحكى انّه انصرف يوما من مجلسه، فسمع امرأة تقول لرجل: يابن الزانيّين فأمر بها، فاخذت و رجع إلى مجلسه، و أمر بها فضربت حدّين و هى قائمة.
فبلغ ذلك أبا حنيفة فقال: أخطأ القاضى فى هذه الواقعة فى ستّة أشياء: فى رجوعه إلى مجلسه بعد قيامه منه، لا ينبغى أن يرجع بعد أن قام منه، و فى ضربه الحدّ فى المسجد، و قد نهى رسول اللّه عن ذلك، و فى ضربه المرأة قائمة، و انّما تضرب النّساء قاعدات كاسيات، و فى ضربها حدّين و إنّما يجب على القاذف إذا قذف جماعة بكلمة واحدة حدّ واحد، و لو وجب أيضا حدّان لا يوالى بينهما، بل يضرب اولا ثم يترك حتّى يبرء الم الضّرب الاوّل، و فى إقامة الحد عليها بغير طالب، فبلغ ذلك ابن أبى ليلى، فسيّر إلى والى الكوفة و قال:
هيهنا شابّ يقال له ابو حنيفة يعارضنى فى أحكامى، و يفتى بخلاف حكمى، و يشنع
ص: 252
علىّ بالخطاء، فاريد أن تزجره عن ذلك، فبعث إليه الوالى و منعه عن الفتيا، و يقال أنّه كان يوما فى بيته و عنده زوجته و ابنه حمّاد و ابنته؛ فقالت ابنته: انّى صائمة و قد خرج من بين أسنانى دم و بصقته حتّى عاد الرّيق أبيض لا يظهر عليه أثر الدّم، فهل أفطر إذا بلغت الآن الرّيق؟ فقال لها سلى اخاك حمادا، فانّ الأمير منعني من الفتيا، ثم قال و هذه الحكاية معدوة فى مناقب أبى حنيفة و حسن تمسّكه بامتثال إشارة ربّ الامر، و انّ اجابته طاعة، حتّى إنّه أطاعة فى السرّ، و لم يردّ على ابنته جوابا، [و هذه غاية ما يكون من امتثال الامر](1) و كانت ولادة محمّد ممذكور سنة اربع و سبعين للهجرة.
و توقّى سنة ثمان و اربعين و مأة بالكوفة، و هو باق على القضاء، فجعل أبو جعفر المنصور ابن اخيه مكانه انتهى (2) و لابن ابى ليلى المذكور كتاب فى الأخبار بمنزلة مسند احمد بن حنبل سمّاه «الفردوس» قد ينقل عنه فى كتب أصحابنا أحاديث المناقب و كأنّه كان عند صاحب كتاب «الوافى» فليلاحظ.
و روى الورّام بن أبى فراس الحلّى صاحب كتاب «تنبيه الخاطر» قال قيل للصّادق عليه السّلام انّ عمّار الدّهنى شهد اليوم عند أبى ليلى قاضى الكوفة بشهادة، فقال له القاضى: قم يا عمّار، فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لانّك رافضى، فقام عمّار و قد ارتعدت فرائصه و استفزعه البكاء، فقال له ابن ابى ليلى أنت رجل من أهل العلم و الحديث، إن كان يسؤك أن يقال لك رافضىّ فتبرء من الرّفض، و أنت من إخواننا، فقال له عمّار يا هذا ما ذهبت و اللّه إلى حيث ذهبت، و لكنّى بكيت عليك و علىّ، أمّا بكائى على نفسى فنسبتنى إلى رتبة شريفة لست من أهلها، زعمت أنّى رافضىّ لقد حدّثنى الصّادق عليه السّلام أنّ أوّل من سمّى الرّافضة السّحرة الّذين لمّا شاهدوا آية موسى عليه السّلام فى عصاه آمنوا به و اتبعوه و رفضوا أمر فرعون، و استسلموا لكلّ ما نزل بهم فسمّاهم فرعون الرّافضة، لما رفضوا دينه، فالرافضى من رفض كلّما كرهه اللّه، و فعل كلمّا أمره اللّه؛ فانّ فى الزّمان مثل هذا، فانّما بكيت على نفسى خشية أن يطّلع اللّه عزّ و جلّ على قلبى، و قد تقبّلت
ص: 253
هذا الإسم الشّريف على نفسى، فيعاقبنى ربّي عزّ و جلّ و يقول يا عمّار أكنت رافضا للأباطيل، عاملا للطّاعات كمال قال لك فيكون ذلك مقصّرا بى فى الدّرجات أن سامحنى موجبا لشديد العقاب، على أن ناقشنى إلّا أن يتداركنى موالى بشفاعتهم، و و امّا بكائى عليك فلعظم كذبك فى تسميتى بغير اسمى، و شفقّتى الشّديدة عليك من عذاب اللّه، أن صرفت أشرف الاسماء، إلى أن جعلته من ارذلها(1) و قد تقدّم القول فى وجه تسمية الشّيعة بالشّيعة، عند أهل الحقّ و بالرافضيّة، عند اهل الباطل، فى ذيل ترجمة أحمد بن خلكان المورّخ فليراجع.
و روى شيخنا الكشّى أيضا فيما نقل عن كتاب رجاله المشهور بأسناده المعتبر عن ابى كهمش قال دخلت على أبى عبد اللّه فقال لى شهد محمّد بن مسلم الثّقفى القصير عند ابن ابى ليلى بشهادة فردّ شهادته، فقلت نعم فقال اذا صرت إلى الكوفة فاتيت ابن ابى ليلى فقل له أسألك عن ثلاث مسائل لا تفتينى فيها بالقياس و لا تقول قال اصحابنا ثم سله عن الرّجل يشكّ فى الرّكعتين الأوليين من الفريضة و عن الرّجل يصيب جسده أو ثيابه البول كيف يغسله، و عن الرّجل يرمى الجمار بسبع فيسقط منه واحدة كيف يصنع؟ فاذا لم يكن عنده فيها شي ء فقل له يقول لك جعفر بن محمّد ما حملك على ان رددت شهادة رجل اعرف باحكام اللّه منك، و أعلم بسيرة رسول اللّه منك، قال ابو كهمش: فلمّا قدمت أتيت ابن أبى ليلى قبل أن أصير إلى منزلى، فقلت له اسألك عن ثلاث مسائل لا تفتينى فيها بالقياس، و لا تقول: قال أصحابنا، قال هات، قال قلت: ما تقول فى رجل شكّ فى الركعتين الأوليين من الفريضة فاطرق، ثمّ رفع رأسه إلىّ فقال قال أصحابنا، فقلت هذا شرطى عليك لا تقول قال أصحابنا، فقال ما عندى فيها شى ء، و كذا قلت له و قال لى فى مسألتى البول و الحصاة فبلغته رسالة مولانا الصّادق عليه السّلام فقال لى و من هو فقلت محمّد بن مسلم الثّقفى القصير قال فقال و اللّه ان جعفر بن محمّد قاله لك هذا، فقلت و اللّه أنّه قال لى جعفر هذا فأرسل إلى محمّد بن مسلم فدعاه، فشهد عنده بتلك الشّهادة فاجاز شهادته هذا و كان
ص: 254
الرّجل بعد هذه الواقعة بنى الأمر على الّمراودة مع محمّد بن مسلم المذكور الّذى هو من اعاظم رجال خدمة الصّادقين، بل أجلّاء فقهاء رجالنا الثّقاة الممدوحين.
و من جملة ما يدلّ على ذلك و انّه تنبّه كثيرا بهذه الرّسالة العتابيّة هو ما رواه شيخنا الأعظم ثقة الإسلام الكلينى رضى اللّه عنه فى كتاب «الكافى» عن الحسين بن محمّد عن السيّارىّ قال قال روى عن ابن ابي ليلى انّه قدم إليه رجل خصما له فقال له انّ هذا باعنى هذه الجارية فلم أجد على ركبها حين كشفتها شعر أو زعمت انّه لم يكن لها قطّ قال: فقال له إبن ابى ليلى انّ النّاس ليحتالون بهذا الحيل حتّى يذهبوا به، فما الذّى كرهت قال أيّها القاضى إن كان عيبا فاقض لى به قال حتّى أخرج إليك، فانّى أجد أذى فى بطنى، ثمّ دخل و خرج من باب آخر فأتى محمّد بن سلم الثّقفى، فقال له: أىّ شى ء تروون عن أبى جعفر عليه السّلام فى المرأة لا يكون على ركبها شعرا يكون ذلك عيبا فقال له محمد بن مسلم: أما هذا نصا فلا أعرفه، و لكن حدّثنى أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النّبى صلى اللّه عليه و اله أنّه قال:
كلّما كان فى أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب، فقال ابن ابى ليلى حسبك، ثمّ رجع إلى القوم فقضى لهم بالعيب. أقول: و يشبه هذه الحكاية ما نقله الكشىّ أيضا فى حقّ سهيم هذا الرّجل فى قضاوة أهل الكوفة بغير الحقّ فى دولة الباطل، و هو أبو عبد اللّه شريك بن عبد اللّه النّخعى الكوفىّ المتقدّم ذكره على التّفصيل بهذه الصّورة: حمدويه عن محمّد بن عيسى عن ابن فضّال عن ابن بكير عن محمد بن مسلم و المراد به هو الثّقفى المتقدّم قصّته فى الرواية السّابقة، قال انّى لنائم ذات ليلة على سطح الدّار إذ طرق الباب طارق، فقلت من هذا؟ فقال شريك رحمك اللّه فاشرفت فاذا امرأة؛ فقالت لى بنت عروس ضربها الطّلق، فما زالت تطلق حتّى ماتت، و الولد يتحرّك فى بطنها، و يذهب و يجى ء فما اصنع؛ فقلت يا أمة اللّه سئل محمّد بن علىّ بن الحسين الباقر عليهما السّلام عن مثل ذلك، فقال يشق بطن الميّت و يستخرج الولد يا امة اللّه افعلي مثل ذلك انّا يا أمة اللّه فى ستر من وجهك إلى قال قالت رحمك اللّه جئت إلى أبى حنيفة صاحب الرّأى، فقالى لى ما عندى فيها شى ء. و ليكن عليك بمحمّد بن مسلّم الثّقفى، فانّه يخبرك
ص: 255
فما أفتاك به من شى ء فعوّدى إلىّ فاعلمينيه، فقلت لها إمضى بسلامة، فلمّا كان الغد خرجت إلى المسجد، و أبو حنيفة يسأل عنها أصحابه فتنحنت، فقال اللّهم غفر ادعنا نعيش و الغفر هنا بالفتح بمعنى السّتر.
هذا و قد مضى فى ذيل ترجمة شريك المذكور ما هو أملح من هذه الحكاية و ادعى إلى سبيل ولاية أهل بيت الرّسالة و الدّراية، و الحمد للّه على نعمة الهداية. و من جملة ما لم نروه هناك من أخبار الرّجل و هو أيضا من ملح الآثار و نوادر الأخبار انّه سئل يوما ان يذكر شيئا من مناقب معاوية من أبى سفيان؛ فقال نعم انّ من مناقبه إنّ أباه قاتل النبىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و هو قاتل الوصىّ، و أمّه أكلت كبد عمّ النبىّ حمزة رضى اللّه عنه، و ابنه خررأس ابن النبىّ صلى اللّه عليه و اله و سلّم، فايّة منقبة تريد أعظم من هذا! ثمّ انّ من جملة طرائف اخبار ابن ابى ليلي برواية شيخنا الصّدوق فى الفقيه انّه سئل مولانا الصادق عليه السّلام فقال اىّ شى ء احلى ممّا خلق اللّه عزّ و جلّ فقال الولد الشابّ، فقال أىّ شى ء أمرّ ممّا خلق اللّه فقال فقده فقال اغفال ابن ابى ليلى اشهد انّكم ححج اللّه على خلقه.
ص: 256
السيد المشكور و المقتدى المشهور فى مذهب الجمهور محمد بن ادريس ابن العباس بن عثمان بن الشافع بن السائب بن عبيد بن عبد بن يزيد ابن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشى المطلبى المشتهر بالامام الشافعى(1)
قال صاحب «القاموس» فى نسبه: و بنو شافع من بنى المطلب بن عبد مناف، منهم الامام الشّافعىّ و نظم نسبه الإمام الرّافعى فقال:
محمّد ادريس عباس و من
بعدهم عثمان بن شافع
و سائب ابن عبيد سابع
عبد يزيد ثامن و التّاسع
هاشم المولود ابن المطلّب
عبد مناف للجميع تابع
و ذكره ابن خلّكان فى «وفيات الاعيان» فقال بعد جرّ نسبه إلى عبد مناف المعروف من أجداد سيّد ولد عدنان: لقى جدّه شافع، رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و هو متر عرع و كان أبوه السّائب صاحب راية بنى هاشم يوم بدر؛ و أسر وفدى نفسه، ثمّ أسلم، فقيل له لم لم تسلم قبل أن تفدى نفسك؟ قال ما كنت أحرم المؤمنين طمعا لهم فى، ثمّ أخذ فى وصف فضل الرّجل و جامعيّته للعلوم الدينيّة و الادبية و الشّعر الجميل و غيرها بمطوّل من التّفصيل، إلى أن قال: حتّى قال أحمد بن حنبل: ما عرفت ناسخ الحديث من منسوخة حتّى جالست الشّافعى.
ص: 257
و قال الشّافعىّ قدمت على مالك بن أنس و قد حفظت الموطأ، فقال لى أحضر من يقرأ لك، فقلت أنا قارئ، فقرأت عليه الموطأ حفظا، فقال: إن يك أحد يفلح فهذا الغلام، و كان سفيان بن عيينة اذا جاءه شى ء من التفسير أو الفتيا التفت إلى الشّافعىّ فقال سلوا هذا الغلام.
و قال احمد بن حنبل ما أحد ممّن بيده محبرة أو ورق إلّا و للشّافعىّ فى رقبته منّة، و كان الزّعفرانى يقول: كان أصحاب الحديث رقودا حتّى جاء الشّافعىّ فأيقظهم فتيقظوا و فضائله أكثر من أن تعدّ.
و مولده سنة خمسين و مأة، و قد قيل إنّه ولد فى اليوم الّذي توفّى فيه الإمام أبو حنيفة.
أقول و فى كتاب «مقامع الفضل» لابن الآقا قدّس سرّهما، فى جواب من سأله عن توجيه ما ورد أنّ النبىّ صلى اللّه عليه و اله حملت به أمّه فى ليالى التشريق بمنى، مع انّه صلى اللّه عليه و اله و سلّم ولد فى شهر ربيع الاوّل و يلزم منه كون مدّة الحمل إمّا هو أقلّ من ستّة أشهر أو اكثر من السنّة بكثير، ما يكون ترجمته هكذا: أقلّ مدّة حمل الإنسان ستّة أشهر؛ بالنّصّ و الإجماع، و فى الطّير يعنى به مدّة بروكها على البيض أحد و عشرون يوما، و فى الكلب أربعون يوما، و فى الهرّ شهران، و فى الغنم خمسة أشهر، و فى الإبل و الفرس و الحمار و البقر و امثالها سنة كاملة، و فى الفيل سنتان. و قيل سبع سنين، و قيل إحدي عشرة سنة، و اكثر حمل الآدمىّ عند أكثر الإماميّة تسعة أشهر، و عند بعضهم و بعض أهل السّنة سنة، و قال بعضهم سنتين، و عند الشّافعىّ و جميع أتباعه أربع سنين، و قال ليث بن سعد- الّذى هو من فضلائهم: سبع سنين، و قد اجمعت العامّة العمياء على انّ الإمام الشّافعىّ تقي فى بطن امّه أربع سنين انتظارا لموت إمامهم الأعظم أبى حنيفة، فولد فى يوم وفاته، و عدوّا ذلك من كرامتهما، بل المشهور عندهم كما تقدّم انّ مدّة حمل إمامهم المالك أيضا كانت ثلاث سنين، و لم أدر ما كان انتظاره فى هذه المدّة، و ذكروا أيضا انّ عامر بن شراحيل المشتهر بالشعبى و كان من فقهائهم المشاهير بقى فى الحمل
ص: 258
سنتين، كما نقل عن صاحب التاريخ أيضا، و انّ حجّاج بن يوسف العنيد الجبّار بقى سنتين و نصفا، ثمّ أخذ فى توجيه الحديث بقاعدة النّسى ء الّذى كان فى أيّام الجاهلية، و قد ذكره اللّه تعالى فى كلامه المجيد بقوله: انّما النّسى ء زيادة فى الكفر إلى آخر الآية.
رجعنا إلى كلام صاحب «الوفيات» قال: و قدم بغداد سنة خمسة و تسعين و مأة، فأقام بها سنتين، ثمّ خرج إلى مكّة، ثمّ عاد إلى بغداد سنة ثمان و تسعين و مأة، فاقام بها شهرا، ثمّ خرج إلى مصر، و كان وصوله إليها فى سنة تسع و تسعين و مأة، و لم يزل بها إلى أن توفّى يوم الجمعة آخر يوم من رجب سنة أربع و مأتين، و دفن بعد العصر من يومه، بالقرافة الصّغرى، و قبره يزار بها بالقرب من المقطم رضى اللّه عنه انتهى (1).
و قال فى ترجمة أبى جعفر محمّد بن أحمد بن نصر التّرمذى الفقيه الشّافعى، انّه كان يقول تفقّهت على مذهب أبى حنيفة، فرأيت النبىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فى مسجد المدينة عام حججت، فقلت: يا رسول اللّه، قد تفقّهت بقول أبى حنيفة أفآخذ به؟ فقال لا، فقلت آخذ بقول مالك بن أنس، فقال: خذ منه ما وافق سنّتى، قلت: أفآخذ بقول الشّافعىّ؟
فقال ما هو بقوله إلّا انّه أخذ بسنّتى و ردّ على من خالفها، قال: فخرجت على أثر هذه الرّؤيا [إلى مصر] و كتبت كتب الشّافعى، و قال الدّارقطنّى: هو ثقة مأمون ناسك.
هذا و فى اوّليّات الفاضل السّيوطى و غيره انّ الشّافعىّ أوّل من صنّف آيات الأحكام، و أوّل من صنّف فى اصول الفقه، و أوّل من تكلّم فى مختلف الحديث و صنّف فيه.
قلت: و من جملة ما صنّفه أيّام مقامه ببغداد هو كتابه القديم الّذى سمّاه «الحجّة» كما ذكره محيى الدّين النّووىّ فى شرح مشكلات كتاب التّنبيه. و قال الدّميرىّ فى كتاب و «حياة الحيوان» حكى البويطى عن الشّافعىّ قال انّه كان فى مجلس مالك بن أنس و هو غلام فجاء رجل إلى مالك استفتاه فقال انّى حلّفت بالطّلاق الثلاث إن هذا البليل لا يهدأ من الصّياح، فقال له مالك قد حنثت، فمضى الرّجل فالتفت الشّافعى إلى بعض أصحاب
ص: 259
مالك؛ فقال انّ هذه الفتيا خطأ فاخبر مالك بذلك، و كان مالك مهيب المجلس لا يجسر أحد أن يرادّه، و كان ربّما جاء صاحب الشّرطة فوقف على رأسه إذا جلس فى مجلسه فقالوا لمالك انّ هذا الغلام الشّافعى يزعم أنّ هذه الفتيا اغفال و خطأ، فقال له مالك من أين قلت هذا؟ فقال له الشّافعىّ، أليس أنت الّذى رويت لنا عن النّبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في قصّة فاطمة بنت قيس انّها قالت للنبىّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم انّ أباجهم و معاوية خطبا فىّ فقال صلى اللّه عليه و اله أمّا ابو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، و امّا معاوية فصعلوك لا مال له، فهل كانت عصا أبى جهم دائما على عاتقه، و إنّما اراد من ذلك الأغلب، فعرف مالك محلّ الشّافعىّ و مقداره، قال الشّافعى: فلمّا أردت ان أخرج من المدينة جئت إلى مالك فودعته، فقال لى مالك حين فارقته: يا غلام اتّق اللّه تعالى و لا تطفئ هذا النّور الّذى اعطاكه اللّه عزّ و جلّ بالمعاصى يعنى بالنّور العلم، و هو قول اللّه تعالى: و من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور.
و قال السيّد أحمد بن محمّد بن احمد الحافى الحسينّى فى كتابه المسمّى «بالتّبر المذاب» فى بيان ترتيب الأصحاب عند عدّه لفضائل أمير المؤمنين عليه السّلام أخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله و ربّاه و دعاه إلى الإسلام فلبّاه، فلمّا بعث كان عمره اثنتى عشرة سنة، و كان أوّل من آمن به، لمّا رواه الإمام أحمد فى مسنده بسنده إلى حبّة العرنى إلي أن قال:
و جميع العلوم أهلها تنتمى إليه، فالفقهاء الأربعة يرجعون إليه، أمّا الامام أبو حنيفة فهو تلميذ الصّادق جعفر بن محمّد الباقر بن علىّ زين العابدين بن الحسين بن علىّ بن أبى طالب عليه السّلام، و امّا الامام الشّافعى فانّه قرأ على محمّد بن الحسن الشّيباني تلميذ أبى حنيفة، و على مالك بن انس، فيرجع فقهه إليه، و امّا الإمام مالك فقرأ على اثنين أحدهما ربيعة الرّأى تلميذ عكرمة، و هو تلميذ ابن عبّاس، و هو تلميذ علىّ عليه السّلام و الثّانى جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السلام، و أمّا الامام أحمد فقرأ على الشّافعى فيرجع فقهه إليه انتهى.
و للشّافعى أشعار فاخرة و نظمات شتّى فى مختلفات من المعنى ذكر جملة منها
ص: 260
أيضا صاحب «الوفيات» منها قوله و هو من أجود أشعاره:
يا ربّ اعضاء الوضوء عتقها
من فضلك الوافى و انت الواقى
و العتق يسرى فى الغنى يا ذا الغنى
فامنن على الفاني بعتق الباقى
و له ايضا:
و لو لا الشّعر بالعلماء يزرى
لكنت اليوم أشعر من لبيد
و له أيضا:
يقولون أسباب القراغ ثلاثة
و رابعها خلوة و هو خيارها
و قد ذكروا مالا و امنا و صحّة
و لم يعلموا انّ الشّباب مدارها
و له أيضا:
محن الزّمان كثيره لا تنقضي
و سروره يأتيك كالأعياد
تأتي المكاره حين تاتى جملة
و ترى السّرور يجي ء كالفلتات
و له أيضا:
و اذا عجزت عن العدوّ فداره
و امزح له انّ المزاح وفاق
فالماء بالنّار الّتى هي ضدّه
يعطى النّضاج و طبعها الإحراق
و له أيضا فى الولاية شى ء كثير و مدائح عفيرة لمن نزل فى شأنهم آية التّطهير منها ما نقله صاحب «حدائق الشّيعة» من انّ الشّافعى سأله بعض النّاس عن صفة مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال: و ما يسعنى أن أقول فى حقّ من اجتمعت فيه ثلاث مع ثلاث، لم يجتمعن فى أحد قطّ: الجود مع الفقر، و الجلادة مع الرّأى، و العلم مع العمل ثمّ أنشأ يقول:
انا عبد لفتى انزل فيه هل أتى
إلى متى اكتمه إلى متى إلى متى
و نقل عنه أيضا انّه قال فى جواب رجل آخر سأله عن ذلك ما أقول فى رجل اسرّ أولياؤه مناقبه تقيّة و كتمه اعداؤه حنقا و عداوة و مع ذلك قد شاع منه ماملأت الخافقين و قد اخذ منه السيّد تاج الدّين العاملى رحمه اللّه هذا المعنى فى قوله:
ص: 261
لقد كتمت آثار آل محمّد
محبّوهم خوفا و أعداؤهم بغضا
فابرز من بين الفريقين نبذة
بها ملاء اللّه السّموات و الأرضا
و من المشهور المتواتر عنه نقله قوله فى جملة ما نسب إليه كلّه.
لو انّ المرتضى ابدا محلّه
لخرّ النّاس طرّا سجّدا له
و مات الشّافعىّ ليس يدري
علىّ ربّه ام ربّه اللّه
و قوله:
إذا فى مجلس ذكروا عليّا
و شبليه و فاطمة الزكيّة
يقال تجاوزوا يا قوم عنه
فهذا من حديث الرافضيّة
برئت إلي المهيمن من أناس
يرون الرّفض حبّ الفاطميّة
على آل الرّسول صلاة ربّى
و لعنته لتلك الجاهليّة
و له أيضا برواية ابن الحجر المكّى فى كتاب الصّواعق.
يا أهل بيت رسول اللّه حبّكم
فرض من اللّه فى القرآن أنزله
كفاكم من عظيم القدر أنّكم
من لا يصلّى عليكم لا صلاة له
و عن رواية محمّد بن يوسف الزّرندى أنّه لمّا صرّح محمّد بن ادريس الشّافعى المطلّبى بمحبّته لأهل بيت النّبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم، و قيل فيه ما قيل من الكلام الطّويل، عرّض على أصحاب التخطئة فى ذلك بقوله:
إذا نحن فضّلنا عليا فاننّا
روافض بالتّفضيل عند أولى الجهل
و فضل أبى بكر إذا ما ذكرته
رميت بنصب عند ذكرى للفضل
فلا زلت ذا رفض و نصب كلاهما
بحبيهما حتّى أو سدّ فى الرّمل
و له أيضا برواية صاحب «التبر المذاب» و غيره أشعار و مراثى كثيرة فى الحسين ابن علىّ عليهما السلام و قد ذكر جملة منها فى أواخر المجلّد العاشر من «البحار» فليلاحظ انشاء اللّه. و ينسب إليه أيضا برواية إبن الصّباغ المالكىّ فى كتابه «الفصول المهمّة».
يا راكبا قف بالمحصّب من منى
و اهتف بساكن خيفها و النّاهض
ص: 262
سحرا اذا فاض الحجيج إلى منى
فيضا كملتطم الفرات الفائض
إن كان رفضا حبّ آل محمّد
فليشهد الثّقلان انّى رافضىّ
هذا و من جملة فوائده المرضيّة بنقل صاحب «الاثنى عشريّة» من تعلّم القرآن عظمت قيمته، و من تعلّم الفقه نبل مقداره، و من كتب الحديث قويت حجّته؛ و من تعلّم الحساب جزل رأيه، و من تعلّم العربيّة رقّ طبعه، و لم يصن نفسه لم ينفعه علمه انتهى.
و عن كتاب «تفضيل فرق الشّيعة» للشّيخ أبى المعالى الجوينى انّه لمّا كانت الغلبة مع الشّافعيّ دائما في مناظراته مع محمّد بن الحسن الشّيبانى و أبى يوسف القاضى تلميذى أبى حنيفة الكوفىّ، صار ذلك سببا في سعايتهما له إلى الخليفة بانّ له داعية الخلافة و نحوها، إلى أن تغيّر عليه وجهه كثيرا، ثمّ لمّا أراد اللّه تعالى خلاف ما طلباه و انكشف كذبهما فى كلّ ما نمياه إليه انقلبت القضيّة، و صار ذلك منشأ لقرب مكانته من الخليفة و شدة غضبه عليهما، بحيث قد صدر الأمر العالى باخراجهما من المجلس الرّفيع، بأن يسحب على وجوههما فى التّراب و يجرّ بارجلهما إلى خارج الباب؛ و هما بعدما وقعا عرضة لهذه الفضيحة أخذا فى الدّعوة على الشّافعىّ، فكانا يقولان بعد ذلك اللهم امته و اهلكه، فلمّا بلغ الشّافعىّ ذلك انشأ يقول.
تمنّى رجال أن أموت و إن أمت
فتلك سبيل لست فيها باوحد
فقل للّذى يبقى خلاف الّذى مضى
تهيّا لإخرى مثلها فكأن قد
الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن بن ابى سارة النيلى الكوفى النحوى(1)
ابن اخر معاذ بن مسلم الهراء الصّرفى ذكره الحافظ السّيوطى في «طبقات النحاة»
ص: 263
فقال بعد ذكره إيّاه بهذه النّسبة سمّى الرّوّاسى لأنّه كان كبير الرّأس، و هو أوّل من وضع من الكوفيّين كتابا فى النّحو، و هو أستاد الكسائىّ، و الفرّاء و كان رجلا صالحا.
و قال: بعث الخليل إليّ يطلب كتابى، فبعثت به إليه، فقرأه، فكلّما فى كتاب سيبويه: و قال الكوفّى كذا، فانّما عنى الرّؤاسي هذا و كتابه يقال له «الفيصل» و قال المبرّد: ما عرف الرّواسى بالبصرة و قد زعم بعض النّاس انّه صنّف كتابا فى النّحو، فدخل البصرة ليعرضه علي أصحابنا، فلم يلتفت إليه و لم يجسر على إظهاره لمّا سمع كلامهم.
و قال ابن درستويه: زعم جماعة من البصرييّن انّ الكوفىّ الّذى ذكره الاخفش فى آخر المسائل و يردّ عليه، هو الرّؤاسىّ.
و له من الكتب «الفصيل» «معانى القرآن» «التّصغير» «الوقف و الابتداء الكبير» «الوقف و الابتداء الصّغير».
ذكره أبو عمرو الدّانى في «طبقات القرّاء»، و قال روى الحروف عن أبى عمرو، و هو معدود فى المقلّين عنه، و سمع الأعمش، و هو من جملة الكوفيّين و له اختيارات فى القراءة تروى سمع الحروف عن خلّاد بن خالد المنقري، و علىّ بن محمّد الكندى و روى عنه الكسائى و الفرّاء و قال الزبيدىّ: كان استاد اهل الكوفة فى النحو أخذ عن عيسى بن عمرو له كتاب «الإفراد و الجمع».
قال الصّلاح الصّفدى: و له شعر مقبول انتهى (1) و هذا الرّجل معدود فى كتب رجال الشّيعة من جملة رجال لا يطعن عليهم بشى ء، و كذا أبوه؛ و عمّه معاذ بن مسلم الهرّاء المشهور الّذى هو أوّل من كتب فى علم التّصريف؛ كما مرّ ذكره فى الإشارة إلي سائر الأوليّات، فى ذيل ترجمة أبى الأسود الدّئلى الّذى هو أوّل من صنّف فى علم النّحو باشارة أمير المؤمنين عليه السّلام ثم ان هذا الرجل غير محمد بن الحسن بن دينار المشتهر بابى العباس الاحول و إن تساوى عصرهما و وصفهما فقد نقل في حقّ هذا الرّجل عن
ص: 264
الخطيب البغدادىّ: انّه كان عالما بالعربيّة أديبا ثقة حدّث عن إبن الاعرابىّ؛ و عنه نفطويه يعنى به النّحوى المشهور المتقدّم ترجمته فى مقام إبراهيم و صنّف كتاب «الدّواهى» و كتاب «الاشباه» و كتاب «السّلاح» و كتاب «فعل و أفعل» و كتاب «ما اتّفق لفظه و اختلف معناه» و قيل أنّه كان يورق بالاجرة جمع دواوين مأة و عشرين شاعرا(1).
الشيخ ابو على محمد بن المستنير اللغوى النحوى البصرى مولى سالم بن زياد المعروف بقرطب(2)
بضمّ القاف و الرّاء قبل الطّاء المهملة و الباء الموحّدة: أخذ الأدب عن سيبويه و عن جماعة من العلماء البصريين؛ و كان حريصا على الاشتغال و التعليم، و كان يبكر إلى سيبويه قبل حضور أحد من التّلامذة، فقال له يوما: ما أنت إلّا قطرب ليل، فبقى عليه هذا اللّقب، و القطرب: اسم دويبة لا تزال تدب و لا تفتر، و كان من ائمّة عصره.
و له من التّصانيف كتاب «معانى القرآن» و كتاب «الإشتقاق» و كتاب «القوافي» و كتاب «النّوادر» و كتاب «الأزمنة» و كتاب «الفرق» و كتاب «الأصوات» و كتاب «الصفات» و كتاب «العلل فى النّحو» و كتاب «الأضداد» و
ص: 265
كتاب «خلق الفرس» و كتاب «خلق الانسان» و كتاب «غريب الحديث» و كتاب «الهمزة» و كتاب «فعل و أفعل» و كتاب «الردّ على الملحدين فى تشابه القرآن» و غير ذلك.
و هو أوّل من وضع المثلّث فى اللّغة، و كتابه و إن كان صغيرا لكن له السّبق فى الفضل، و به اقتدى أبو محمّد عبد اللّه بن السيّد البطلميوسى المقدم ذكره و كتابه كبير، و رأيت مثلثا آخر لشخص آخر تبريزىّ، و هو كبير أيضا و كان قطرب معلّم أولاد أبى دلف العجلّى المقدّم ذكره، و روى له ابن المنجّم فى كتاب «البارع» بيتين و هما:
إن كنت لست معى فالذّكر منك معى
يراك قلبى و إن غيّبت عن بصرى
و العين تبصر من تهوى و تفقده
و ناظر القلب لا يخلو عن الفكر
و توفّى سنة ستّ و مأتين (1) كذا قاله ابن خلّكان.
و زاد الحافظ السّيوطى فى «طبقات النّحاة» على تصانيفه المذكورات كتاب «المصنّف الغريب» فى اللغة، و كتاب «اعراب القرآن» و كتاب «مجاز القرآن».
و قال فى «معان القرآن» أنّه لم يسبق إليه و عليه احتذى الفّراء، و ذكر أيضا انّه أخذ عن عيسى بن عمرو انّه كان يرى رأى المعتزلة النّظامية، فأخذ عن النّظّام مذهبه و اتّصل بأبى دلف العجلّى و أدّب ولده، و لم يكن ثقة، و انّه قال ابن السكيّت: كتبت عنه قمطرا ثمّ تبنّت انّه يكذب فى اللّغة فلم أذكر عنه شيئا انتهى (2).
و من جملة من يروي عن هذا الرّجل هو أبو جعفر محمّد بن حبيب بن أميّة بن عمرو البغدادىّ الأديب الشّاعر اللّغوى، و هو الّذى قيل أنّه لا يعرف أبوه،
ص: 266
و حبيب امّه، و كان يغير علي كتب النّاس فيدّعيها، و يسقط أسماءهم. و قيل انّه ولد ملاعنة.
و له من التّصانيّف «النّسب» «الأمثال على أفعل» و يسمى «المنمّق» «غريب الحديث» «الأنواء» «المشجّر» «الموشّا» «المختلف و الموتلف» فى (1) اسماء القبائل «طبقات الشّعراء» «نقايض جرير و الفرزدق» «و تاريخ الخلفاء» «من استجيبت دعوته» و غير ذلك.
مات بسامرّاء سنة خمس و أربعين و مأتين (2)
ثمّ إن هذا الرّجل غير ابن قوطية القرطبى الاندلسىّ النّحوى. فان اسمه محمد بن عمر بن عبد العزيز بن ابراهيم و قوطية اسم جدّته العلياء امّ ابراهيم؛ و إن كان هو أيضا إماما فى العربيّة و اللغة و الشّعر و غيرها؛ و له كتاب «تصاريف الافعال» و كتاب «المقصور الممدود» و «تاريخ الأندلس» و «شرح رسالة ادب الكاتب» و غير ذلك، فانّه كان من علماء رأس مأتين بعد هذا و توفّى سنة سبع و ستّين و ثلاثمأة و دفن بارض الكاظميّين كما فى «طبقات النحاة»(3)
ص: 267
الامام العلام ابو عبد اللّه محمد بن عمر بن واقد الواقدى المدنى(1)
مولى بنى هاشم و قيل مولى بنى سهم بن أسلم، و كان كما ذكره ابن خلّكان إماما عالما له التّصانيف فى المغازى و غيرها، و له كتاب «الردّة» ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النّبى صلى اللّه عليه و اله و محاربة الصحابة لطليحة بن خويلد الأسدىّ، و الأسود العنسى، و مسيلمة الكذّاب، و ما اقتصر فيه، سمع مالك بن انس و الثّورى، و سمع منه جماعة أعيان و ولّاه المأمون الرّشيد القضاء بعسكر المهدىّ، و ضعّفوه فى الحديث، و كان المأمون يكرم جانبه؛ و يبالغ في رعايته، و كتب إليه مرة يشكو ضائقة لحقته، و ركبه بسببها دين، و عيّن مقداره فى قصّته؛ فوقع المأمون فيما بخطّه فيك خلّتان سخاء و حياء، فالسّخاء اطلق يديك بتبذير ما ملكت، و الحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، و قد أمر تالك بضعف ما سألت؛ و إن كنّا قصّرنا عن بلوغ حاجتك، فبجنايتك على نفسك، و إن كنّا بلغنا بغيتك فزد فى بسطة يدك؛ فانّ خزائن اللّه مفتوحة، و يده بالخير مبسوطة، و أنت حدّثتنى حين كنت على قضاء الرّشيد أنّ النّبى صلّى اللّه عليه و اله و سلّم قال للزّبير:
يا زبير انّ مفاتيح الرّزق بازاء العرش، ينزل اللّه سبحانه للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم فمن كثّر كثّر له، و من قلّل قلّل عليه، قال الواقدىّ: و كنت نسيت الحديث، فكانت مذاكرته إيّاى أعجب إلىّ من صلته لى.
قيل: و روي ابن الجوزىّ الواعظ البغدادىّ فى كتابه الّذى جعله فى أحوال بشر الحافى حكاية واحدة نقلها الواقدى المذكور عن لفظ بشير المبرور عليه رحمة اللّه
ص: 268
الملك الغفور، و هى أنّه سمعه يقول: ممّا يكتب للحمىّ؛ تؤخذ ثلاث ورقات زيتون يكتب يوم السّبت، و أنت على طهارة على واحدة منها جهنّم غرثى و على الاخرى جهنّم عطشى، و على الأخرى جهنّم مقرورة، ثمّ تجعل فى خرقة و تشد فى عضد المحموم الأيسر، قال الواقدىّ: جربته فوجدته نافعا.
هذا و روى الإمام المسعوديّ فى كتاب «مروج الذّهب» أن الواقدى هذا أنّه قال كان لى صديقان أحدهما هاشمى، و كنّا واحدة، فنالتنى ضائقة شديدة، و حضر العيد، فقالت امرأتى: أمّا نحن فى أنفسنا فنصبر على البؤس و الشّدّة، و أمّا صبياننا هؤلاء فقد قطّعوا قلبى رحمة لهم، لأنّهم يرون صبيان الجيران قد تزيّنوا فى عيدهم و أصلحوا ثيابهم و هم على هذه الحال من الثّياب الرثة، فلو احتلت فى شى ء نصرّفه فى كسوتهم، قال:
فكتبت إلى صديقى الهاشمى أسأله التّوسعة علىّ بما حضر، فوجّه إلىّ كيسا مختوما ذكر أنّ فيه ألف درهم، فما استقرّ قرارى حتّى كتب الىّ الصّديق الآخر يشكو مثل ما شكوت إلى صاحبى الهاشمىّ، فوجّهت إليه الكيس بختمه، و خرجت إلى المسجد؛ فاقمت فيه ليلى مستحييا من امرأتى، فلمّا دخلت عليها [و اخبرتها بما فعلت] استحسنت ما كان منّى، و لم تعنّفنى عليه، فبينا أنا كذلك اذا وافى صديقى الهاشمى و معه الكيس كهيئته، فقال لى أصدّقنى عمّا فعلته فيما وجّهت به إليك، فعرّفته الخبر على وجهه، فقال لى؟ انّك وجّهت إلى و ما أملك على وجه الأرض إلّا ما بعثت به إليك، و كتبت إلى صديقنا أسأله المواساة، فوجّه كيسى بخاتمتى، قال الواقدىّ: فتواسينا ألف درهم فيما بيننا، ثمّ إنا اخرجنا للمرأة مأة درهم قبل ذلك، و نمى الخبر إلى المأمون، فدعانى فسئلنى، فشرحت له الخبر، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار، لكلّ واحد منّا ألف دينار، و للمرأة ألف دينار.
و قد ذكر الخطيب فى تاريخ بغداد هذه الحكاية مع اختلاف يسير، و توفّى الواقدى فى أواخر سنة سبع و مأتين عن سبع و سبعين سنة، و هو يومئذ قاض ببغداد كما عن
ص: 269
ابن قتيبة(1).
امام ائمة النحو و اللغة ابو عبد اللّه محمد بن زياد الكوفى الهاشمى بالولاء المشتهر بابن الاعرابى (2)
كان كما ذكره ابن خلّكان الهكارى أحد العالمين باللغة، و المشهورين بمعرفتها، و يقال لم يكن فى الكوفيين أشبه برواية البصريين منه، و هو ربيب المفضّل بن محمّد الضّبى صاحب «المفضليّات» و أخذ الأدب عنه و عن جماعة منهم الكسائى، و ثعلب، و ابن السّكيت، و ناقش العلماء و خطأ كثيرا من نقلة اللّغة، و كان رأسا فى كلام العرب، و كان يزعم أنّ الأصمعىّ و أبا عبيدة لا يحسنان شيئا، و كان يقول: جائز فى كلام العرب أن يعاقبوا بين الضّاد و الظاء، فلا يخطى ء من يجعل هذه فى موضع هذه، و ينشد:
إلى اللّه أشكو من خليل أودّه
ثلاث خصال كلّها لى غائض
بالضّاد، و يقول: هكذا سمعته من فصحاء العرب.
و كان يحضر مجلسه خلق كثير من المستفيدين و يملي عليهم؛ قال أبو العبّاس ثعلب: و لزمته بضع عشرة سنة ما رأيت بيده كتابا قطّ، و لقد أملى على النّاس ما يحمل على أجمال، و لم ير أحد فى علم الشّعر أعزز منه، قيل و رأى فى مجلسه
ص: 270
يوما رجلين يتحادثان، فقال لأحدهما: من أين أنت؟ فقال: من اسبيجاب و هو بالسّين و الباء الموحّدة ثم الياء المثنّاة التّحتانيّة من قبل الجيم اسم لمدينة فى أقصى بلاد الشّرق، و قال للاخر: من أين أنت؟ فقال من الأندلس و هم اسم للبلاد المغربيّة المكرّر ذكرها فى هذا الكتاب- فعجب من ذلك و أنشد:
رفيقان شتّى ألف الدّهر بيننا
و قد تلتقى الشتى فيأتلفان
ثمّ أملى على من حضر مجلسه بقيّة الأبيات و هى:
نزّلنا على قيسية يمنية
لها نسب فى الصّالحين هجان
فقالت و أرخت جانب السّتّر بيننا
لأيّة أرض أم من الرّجلان
فقلت لها: أمّا رفيقى فقومه
تميم و أمّا أسر لّى فيمانى
رفيقان شتى إلى اخر.
و من تصانيفه كتاب «النّوادر» و هو كبير، و كتاب «الانواء» و كتاب «صفة النّخل» و كتاب «صفة الزرع» و كتاب «النبات» و كتاب «الخيل» و كتاب «تاريخ القبائل» و كتاب «معانى الشعر» و كتاب «تفسير الأمثال» و كتاب «الألفاظ» و كتاب «نسب الخيل» و كتاب «نوادر الزبيريّين» و كتاب «نوادر بنى فقعس» و كتاب «الذّباب» و غير ذلك، و نوادره و أماليه كثيرة.
و قال ثعلب سمعت ابن الاعرابىّ يقول: ولدت فى اللّيلة الّتى مات فيها أبو حنيفة، و ذلك فى رجب سنة خمسين و مأة علي الصّحيح، و توفّى فى شعبان سنة إحدى و ثلاثين و مأتين انتهى (1).
و نقل عن خط شيخنا الشّهيد الاوّل قدّس سرّه انّ وفات محمّد بن سالم الجمحى البصرىّ صاحب «طبقات الشّعراء» ببغداد سنة إحدى و ثلاثين و مأتين، و ابيضّت لحيته و رأسه، و هو ابن سبع و عشرين مدّة عمره إثنتان و تسعون سنة، و فى عام وفاته توفّى ابن الاعرابىّ مولى بني هاشم، و عمره ثمانون سنة، قلت:
ص: 271
و هذا الرّجل بعكس سميّه الآخر أبى جعفر محمّد بن أحمد بن ابى نصر التّرمذى الفقيه الشّافعىّ المتقدّم اليه الإشارة فى ذيل ترجمة صاحب مذهبه؛ فانّه توفّى عن خمس و تسعين من غير تغيّر فى شيبه أصلا؛ كما فى «وفيات الأعيان» و قال صاحب «طبقات النّحاة» عند دخوله فى ترجمة ابن الاعرابّى المذكور: كان أحول أعرج.
و كان يحضر مجلسه زهاء مأة انسان، كلّ يسأله أو يقرأ عليه و يجيب من غير كتاب.
ثمّ نقل عن الزبيدى اللّغوى بأسناده المتّصل عن احمد بن أبي عمران انّه قال كنت عند أبى ايّوب احمد بن محمّد بن محمّد بن شجاع فبعث غلامه إلى أبى عبد اللّه ابن الاعرابىّ يسأله المجيى ء اليه فعاد اليه الغلام، فقال قد سألته عن ذلك فقال لى:
عندى قوم من الأعراب، فاذا قضيت أربى معهم أتيت، قال الغلام: و ما رأيت عنده أحد الّا انّى رأيت بين يديه كتبا ينظر فيها، فينظر فى هذا مرّة و فى هذا مرّة، ثمّ ما شعرنا حتّى جاء، فقال له أبو ايّوب قال لى الغلام: انّه ما راى عندك أحدا، و قد قلت له: أنا مع قوم من الأعراب الى آخر فقال:
لنا جلساء ما نملّ حديثهم
ألبّاء مأمونون غيبا و مشهدا
يفيدوننا من علمهم علم من مضى
و عقلا و تاديبا و رايا مسدّدا
فلا فتنة نخشى و لا سوء عشرة
و لا نتقّى منهم لسانا و لا يدا
فإن قلت أموات فما انت كاذب
و إن قلت أحياء فلست مفنّدا
هذا و الأعرابىّ بفتح الهمزة نسبة إلى الأعراب الّذى هو من خيل العرب، بمعنى سكّان البادية، و لفظه كما فى «القاموس» و غيره جمع لا واحد له، و نقل عن سميّة أبى بكر بن عزيز السّجستانى فى كتابه الّذى فسرّ به غريب القرآن انّه قال: يقال رجل اعجم و أعجمىّ إذا كان فى لسانه عجمة، و إن كان من العرب، و رجل عجميّ منسوب إلي العجم و إن كان فصيحا، و رجل أعرابىّ إذا كان بدويّا، و إن لم يكن من العرب. و رجل عربىّ منسوب إلى العرب و إن لم يكن من العرب انتهى.
ص: 272
و ممّا ليعلم هنا إنّ هذا الرّجل غير ابن العربىّ المحدّث الحافظ الأندلسىّ الّذى له كتاب «عارضته الأحوذىّ فى شرح صحيح التّرمذىّ» و غيره من الكتب، فانه المكنّى أبا بكر المعافرىّ و اسمه محمّد بن عبد اللّه، و طبقته طبقة الإمام فخر الرّازى، و توفّى سنة ثلاث و أربعين و خمسمأة.
و كذلك ابن زياد هذا غير أبى بكر محمّد بن زياد لمقرى المعروف بابن النّقاش الموصلىّ البغدادىّ، صاحب كتاب «شفاء الصدور» «و غريب القرآن» و كتاب «الموضح فى التّفسير» أيضا و «دلائل النبوّة» و «إرم ذات العماد» و «المعجم الأوسط فى أسماء أكثر القرّاء و قرااتهم» و كتاب «السّبعة بعللها» و غير ذلك، و إن قيل انّ فى حديثه مناكير؛ بل ليس فى تفسيره حديث صحيح، فانّه توفّي سنة إحدى و خمسين و ثلاثمأة، كما انّ ابن النقّاش أيضا علم لشخص آخر غير هذا يدعى أبا امامة محمّد بن علىّ بن عبد الرّحمن، الدّكالىّ المصرىّ الفقيه النّحوى، و له «شرح على الفيّة ابن مالك» و على «التّسهيل» و «العمدة» له أيضا و كتاب فى التّفسير كبير» التزم فيه إن لا ينقل فيه كلام أحد و غير ذلك، و توفّى سنة ثلاث و ستّمأة، و سوف تأتى على التّفصيل أيضا ترجمة محيى الدّين المغربىّ المشتهر بين الفريقين بابن عربىّ، قال صاحب «القاموس» و ابن العربىّ القاضى أبو بكر المالكىّ، و ابن عربىّ محمّد بن عبد اللّه الحاتمىّ الطّائى.
شيخ المعتزلة المنعزلة عن العدل و الانصاف محمد بن الهذيل بن عبد اللّه بن مكحول العبدى البصرى المكنى بابى الهذيل العلاف(1)
كان كما ذكره ابن خلّكان شيخ البصرييّن فى الإعتزال: و من أكبر علمائهم،
ص: 273
و صاحب المقالات فى مذهبهم و مجالس و مناظرات، و هو مولى عبد القيس.
و كان حسن الجدال قوىّ الحجّة كثير الإستعمال للأدلّة و الإلزامات، حكى أنّه لقي صالح بن عبد القدّوس، و كان قد مات له ولد و هو شديد الجزع عليه، فقال له أبو الهذيل: لا أعرف لجزعك عليه وجها، إذا كان الإنسان عندك كالزرع، قال صالح:
يا أبا الهذيل، إنّما أجزع عليه لانّه لم يقرأ كتاب «الشّكوك» فقال له كتاب الشكوك ما هو قال هو كتاب قد وضعته من قرأه يشك فيما كان حتّى يتوهّم انّه لم يكن، و يشك فيما لم يكن حتّى يتوهم انّه قد كان، فقال له أبو الهذيل: فشكّ أنت فى موت ابنك، و اعمل على انّه لم يمت؛ و إن كان قد مات، و شكّ أيضا فى قراءته كتاب «الشّكوك» و إن كان لم يقرأه.
و لأبي الهذيل أيضا كتاب يعرف ب «ميلاس» و كان ميلاس رجلا مجوسيّا فأسلم و كان سبب إسلامه انّه جمع بين أبى الهذيل المذكور و بين جماعة من الثنويّة، فقطعهم أبو الهذيل؛ فأسلم ميلاس عند ذلك، و عرض لابى الهذيل رجلا و كان قد اجتمع عند يحيى بن خالد جماعة من أرباب علم الكلام، فسألهم عن حقيقة العشق، فتكلّم كلّ واحد بشى ء، و كان أبو الهذيل فى جملتهم، فقال: أيّها الوزير العشق يختم على النّواظر و يطبع على الافئدة، مرتعه فى الاجسام و مشرعه فى الأكباد، و هو جرعة من نقيع الموت و ثقعة من حياض الشّكل، غير أنّه من أريحية تكون فى الطّبع و طلاوة توجد فى الشّمائل؛ و صاحبه جواد لا يصغى إلى داعية المنع و لا يصيخ لنازع العذل.
و كان المتكلّمون ثلاثة عشر شخصا، و أبو الهذيل ثالث من تكلّم منهم، و لو لا خوف الإطالة لذكرت كلام الجميع.
و رأيت فى بعض المجاميع انّ أعرابيّة و صفت العشق، فقالت فى وصفه: خفي أن يرى و جلّ عن أن يخفى، فهو كامن ككمون النّار فى الحجر: إن قدحته أورى و إن تركته توراى، لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السّحر و كانت ولادة أبى الهذيل سنة إحدى و عشرون و مأة، و توفّى سنة خمس و ثلاثين و مأتين بسرّ من رأى، و قال المسعودىّ و قال
ص: 274
فى كتاب «مروج الذّهب» أنّه توفّى سنة سبع و عشرين و مأتين، و كان قد كفّ بصره، و خرف فى آخر عمره، إلّا أنّه كان لا يذهب عليه شى ء من الأصول، لكنّه ضعف عن مناهضة المناظرين و حجاج المخالفين، و ضعف خاطره.
أقول و مرّت الإشارة الى رؤساء المعتزلة و وجه تسميتهم بها، فى ذيل ترجمة إبراهيم النظام، و الحسن البصرى، و أبى الحسن الأشعرىّ، و غيرهم، و كذا إلى مباهتات جماعة من المعتزلة و الأشاعرة و مجالس مناظراتهم المليحة النّادرة في تضاعيف تراجم جماعة من كبراء ذينك المذهبين المبتدعين، تطيب بها النّفس و تقرّ بها العين، و أمّا حكاية حقيقة مرتبة العشق فهو من جملة الأسرار المكنونة الّتى ينشرها كلّ على حسب استعداده، و يرسمها كلّ بموجب مشربه و اعتقاده، و مرّ فى تضاعيف كتابنا هذا إنّ هذه اللّفظة موجودة أيضا فى أحاديث أهل بيت العصمة و الطّهارة عليهم- السلام، و لكن على مدلولها الحقيقىّ المنظّم فى مقامات العارفين أولى الأفهام، و العارفين عن الملاهى و الأوهام، ففى كتابنا «الكافى» باسنادها المتّصل إلى إمامنا الصّادق الصّافى عليه سلام اللّه الوافر الوافى، انّه قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله: أفضل النّاس من عشق العبادة فعانقها، و احبّها بقلبه، و باشرها بجسده؛ و تفرغ لها فهو لا يبالى على ما أصبح من الدّنيا أو عسر على يسر.
الشيخ ابو محلم محمد بن هشام بن عوف التميمى الشيبانى السعدى اللغوى(1)
أحد بنى هشام الستة عشر أو الثّمانية النّحاة المشهورين المتقدّم إلى أسمائهم
ص: 275
الإشارة، فى ذيل ترجمة صاحب «المغنى».
قال الحافظ السّيوطى فى «طبقات النّحاة» قال ابن النجّار: ذكر أبو أحمد العسكرى: أنّه كان إماما فى اللّغة و العربيّة و علم الشّعر و أيّام النّاس، و أصله من الأهواز، و رحل فى طلب الحديث مرارا إلى مكّة و الكوفة و البصرة، و سمع من سفيان بن عيينة و جماعة، و قصد البادية لطلب العربيّة، و أقام بها مدة، روى عنه جماعة من العلماء كالزّبير بن بكّار، و ثعلب، و المبرّد، و هذا كلام العسكرىّ.
و قال المرزبانىّ: أخبرنى محمّد بن يحيى عن الحسين بن يحيى، قال رأى الواثق باللّه فى منامه كأنّه يسأل اللّه الجنّة، و أن يتغمّده برحمته، و لا يهلكه بما هو فيه، و أنّ قائلا قال له: لا يهلك علي اللّه إلّا من قلبه مرت، فأصبح فسأل الجلساء عن ذلك، فلم يعرفوا حقيقته، فوجّه إلى أبى محلّم فاحضره، و سأله عن الرّؤيا و المرت، فقال أبو محلّم: المرت من الأرض: القفر الّذى لا نبت فيها، فالمعنى على هذا لا يهلك على اللّه إلّا من قلبه خال عن الإيمان خلّو المرت من النّبات، فقال الواثق: أريد شاهدا من الشّعر فى المرت، فأفكر أبو محلّم طويلا فأنشده بعض من حضر بيتا لبعض بنى أسد:
و مرت مرورات يحاربها القطا
و يصبح ذو علم بها و هو جاهل
فضحك أبو محلّم ثمّ قال للّذى انشده: ربّما بعد الشّى ء عن الإنسان و هو أقرب إليه ممّا فى كمّه؛ و اللّه لا تبرح حتّى أنشدك، فانشده للعرب مأة بيت معروف لشاعر معروف، فى كلّ بيت منها ذكر المرت، فأمر له الواثق بألف دينار، و أراده لمجالسته؛ فابى أبو محلّم إلى أن قال: و قال المرزبانىّ؟ حدّثنى أحمد بن محمّد العروضىّ، قال حكى عن أبى محلّم أنّه قال: لمّا قدّمت مكّة، لزمت ابن عيينة فلم اكن افارق مجلسه، فقال لى يوما يافتى أراك حسن الملازمة و الإستماع، و لا أراك تحظى من ذاك بشى ء، قلت: و كيف؟ قال؟ لانّى لا أراك تكتب شيئا ممّا
ص: 276
يمرّ، قلت إنّى أحفظه، قال: كلّما تحدثت به حفظته؟ قلت: نعم، فأخذ دفتر إنسان بين يديه، و قال أعد علىّ ما حدثت به اليوم، فأعدته، فما خرمت منه حرفا، فأخذ مجلسا آخر من مجالسه فأمررته عليه، فقال: حدّثنى الزّهرىّ عن عكرمة، قال: قال ابن عبّاس: يقال انّه يولد فى كلّ سبعين سنة من يحفظ كلّ شى ء قال: و ضرب بيده إلى جنبى، و قال أراك صاحب السّبعين.
ثمّ إلى أن قال: و قال ابن السكيت: أصل أبى محلّم من الفرس، و مولده بفارس؛ و انّما انتسب إلى بنى سعد.
و له من الكتب كتاب «الأنواء» كتاب «الخيل» كتاب «خلق الانسان» ولد سنة حجّ المنصور، و مات سنة خمس و أربعين و مأتين انتهى (1)
و سوف تأتى الإشارة إلى ترجمة محمّد بن أحمد بن هشام اللّخمى اللّغوىّ النّحوى، و سميّه الآخر محمّد بن يحيى بن هشام الخضراوىّ أيضا بعيد ذلك إنشاء اللّه، و كذلك الإشارة إلى ذكر طائفة من أهل الحافظة الغريبة، و الذّكر العجيب، فى ذيل أبى بكر بن الانبارىّ الآتى ذكره و ترجمته عن قريب.
ص: 277
شيخ الاسلام و المسلمين عند أهل السنة و المخالفين ابو عبد اللّه محمد ابن ابى الحسن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن الاحنف الجعفى بالولاء المعروف بالبخارى(1)
صاحب كتاب «الصّحيح» المشهور و أوثق المحدّثين، و أقدمهم رتبة و فضلا باعتقاد علماء الجمهور؛ قال ابن خلّكان المورّخ بعد التّرجمة له بهذه النّسبة و نسبة إليه كتاب «الصّحيح» و كتاب «التّاريخ»: رحل في طلب الحديث إلى أكثر محدّثى الأمصار، و كتب بخراسان و الجبال، و مدن العراق و الحجاز و الشّام و مصر، و قدم بغداد و اجتمع إليه أهلها و اعترفوا بفضله، و شهدوا بتفرّده فى علم الرّواية و الدّراية؛ إلى أن قال: و نقل عنه محمّد بن يوسف الفربرى أنّه قال ما وضعت فى كتاب «الصّحيح» حديثا إلّا اغتسلت و صلّيت ركعتين، و عنه أنّه قال: صنّفت كتاب «الصّحيح» لسّت عشرة سنة، خرجته من ستّمأة ألف حديث، و جعلته حجّة فيما بينى و بين اللّه عزّ و جلّ.
و قال سمع صحيح البخارىّ تسعون ألف رجل، فما بقى أحد يروي عنه غيرى، و روى عنه أبو عيسى التّرمذّى.
و كانت ولادته سنة أربع و تسعين و مأة، و توفّى ليلة الفطر سنة ستّ و خمسين و مأتين بخرتنك، و قيل بمصر، و هو غلط، و كان شيخا نحيف الجسم، لا بالطّويل و لا بالقصير.
ص: 278
و البخارىّ بضمّ الباء الموحّدة و فتح الخاء المعجمّة و بعد الألف راء، نسبة إلي بخارا و هى أعظم مدن ما وراء النّهر، بينها و بين سمرقند مسيرة ثمانية أيّام.
و خرتنك: قرية من قرى سمرقند، و قد تقدّم الكلام على الجعفى، و نسبة البخارىّ إلى سعيد بن جعفر الجعفىّ والى خراسان، و كان لهم عليه الولاء فنسبوا إليه انتهى (1) و قيل انّه طلب العلم و هو ابن عشر سنين و رحل سنة إحدى و عشرين، سمع عن عدّة من علماء البلاد المتقدّمة، منهم الإمام أحمد بن حنبل، و مطّرّف بن عبد اللّه، و الحميدىّ، و يحيى بن سعيد.
و نقل عن الذّهبىّ النّاصبىّ انّه قال فى كتاب «ميزانه،» عند ذكره و بيانه لمرتبة الإمام الأنام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام: أحد الأئمّة الأعلام برّ صادق كبير الشّأن لم يحتجّ به البخارىّ (2).
بمعنى أنّه لم يستند فى كتابه الجامع من كلّ غثّ غير سمين و غثاء مهين غير ثمين، بما اخبر به الصّادق المصدّق الأمين؛ و وارث علوم الأنبياء و المرسلين، سلام اللّه عليهم أجمعين، و فيه ما لا يخفى من الدلالة على غاية جهل الرّجل، و غوايته و عماه الشّديد فى طريقّ روايته بل الإشارة إلى خبث أصله و سوء ولادته؛ و دخوله البيت من ظاهر عمارته، مثل سائر أعداء اللّه و اعداء أهل بيت رسالته، كيف لا و هو من حنق أهل البيت و يحظهم يروى كثيرا فى صحيحه المذكور، كما حكى عن صريح شارحه الفاضل العينّى عن عمران بن الحطّان المغنى للأزراقة، المصوب لفعل ابن ملجم المرادىّ الزّنيم الدّعى بل المادح له بأبيانه المشهورة، بحيث قد اعترض عليه الشّارح المذكور فى أثر مثل هذا التّحديث، و ردّ ما اعتذروا عنه فى تصحيح روايته عن ذلك الخبيث، بل اعترف الحاكم بن البيّع النيسابورى، منهم فيما نقل
ص: 279
عن كتابه المشهور فى معرفة أصول الحديث بأنّه احتجّ البخارى بأكثر من مأة رجل من المجهولين، و صحّ عند العلماء أنّه روى عن ألف و مأتى رجل من الخوارج الملعونين؛ و قال له ابن حنبل سميّت كتابك صحيحا و اكثره رواية الخوارج. و حبسه قاضى بخارا أيّام حياته لما قال له لم رويت عن الخوارج، قال لأنّهم ثقات لا يكذبون، و قال بعض علمائنا و إنّما شاع كتابه لتظاهره بعداوة أهل البيت عليهم السلام، فلم يرو خبر الغدير، و كتم حديث الطّائر، و جحد آية التّطهير، مع اجتماع المفسّرين على نزولها فيهم من غير نكير، إلّا ما كان من عكرمة الخارجىّ، و الكذّاب الكلبى، و ثالثهما البخارىّ، و لم ينقل من حديث البراءة أوّله، بل قال ما عيّن البراءة رجلا، و لم يرو حديث سدّ الأبواب، و قد رواه ثلاثون رجلا من الصحابة، منهم سعد بن أبى وقّاص، و ابن عبّاس، و أبو سعيد الخدرىّ. و المعاذ؛ و ابو رافع؛ و امّ سلمة، و بريدة؛ و ذكره أبو نعيم فى «الحلية» و أبو يعلى فى المسند، و الخطيب فى تاريخه، و التّرمذىّ فى جامعه، و ابن بطّة فى إبانته، و أحمد فى فضائله، و الطّبرى فى خصائصه، و ابن ميمون في إملائه، و البيهقّى فى كتابه، و الخرگوشىّ فى «شرف النّبى صلى اللّه عليه و آله» و لم يذكر ما نقلته رواتهم من قول أبى بكر أى سماء تظلّنى إلى آخر، و لا خبر الكلالة، و لا خطبة الإستقالة؛ و لا بدايع عثمان، و لا حديث ماء الحوئب إنتهى.
و من جملة شرّاح صحيحه المذكور و هو علىّ بن خلف بن عبد الملك بن البطّال ابو الحسن القرطبّى المغربّى الأندلسىّ المعروف بابن بطّال الأشعريّ، لكونه منتحل الكلام على طريقته، و قد شرحه فى عدة مجلّدات، و توفى سنة تسع و أربعين و أربعماة، كما نقل عن تاريخ ابن بشكوال.
ثمّ انّ لنا الرّواية لصحيح البخارىّ عن جماعة من علمائنا المذكورة أساميهم الشّريفة فى إجازاتنا المبسوطة، و اعجب أسانيدنا إليه من جهة كونه مسلسلا بالمحمدين إلى آخر رجال السّند، هو ما نقل عن شيخنا البهائىّ محمّد بن الحسين بن عبد الصّمد
ص: 280
الجباعىّ العاملىّ؛ عامله اللّه بلطفه الخفّى و الجلّى، أنّه يروى ذلك الكتاب عن شيخ إجازة له من أهل السنّة و الجماعة، اسمه محمّد بن محمّد بن محمّد بن أبى اللّطيف المقدّسى الشّافعىّ، عن أبيه محمّد بن محمد عن كمال الدّين محمّد بن أبى الشّريف المقدّسى، عن أبى الفتح محمّد بن أبى بكر عن أبى الحسن محمّد المراغى، عن أبى عبد اللّه محمّد بن إسماعيل القرطبّى، عن السيّد أبى عبد اللّه محمّد بن سيف الدّين العلائىّ، عن قاضى القضاة أبى عبد اللّه محمّد بن مسلم بن محمّد بن مالك الحنبلىّ، عن أبى عبد اللّه محمّد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدّسي، عن أبى عامر محمّد بن عبد- الواحد البزّاز، عن محمّد بن أحمد بن حمدان، عن محمّد بن التّميم، عن محمّد بن يوسف العزيزى، عن محمّد بن إسماعيل البخارىّ، بكتابه المذكور: و جميع مصنّفاته.
أقول و من جملة نعماء اللّه تعالى على هذا الضّعيف أنّه مكننى بلطفه اللّطيف، و برّه المنيف؛ من تكميل هذا السّند الشّريف بسلسلة المحمّدين من الشّيعة، من طرف نفسى الوضيعة، إلى أن يتّصل برواية شيخنا المذكور، و مدار الشّريعة، و ذلك لأنّ من جملة شيوخى الأجلاء و أساتيدى المتشبّث بهم منّى حبل الولاء، هو جناب السيّد الأفضل الأكمل الأبهر، و الشّيخ العالم العامل المقدّم المسلّم المعمّر، مولانا الأمير سيّد محمّد بن المرحوم السيّد عبد الصمد الحسينى الشّهشهانىّ الاصبهانىّ أدام اللّه ظلال إفضاله السّامية، على رؤس الأباعد و الأدانى، و هو يروى عن شيخه المعتمد، و سميّه السيّد السّند، و الإمام الأقدم الأوحد، ابن مولانا الأمير سيّد علىّ الحائرى الطّباطبائىّ الاقا سيّد محمّد قدّس اللّه مضجعهما الأجلّ الأمجد، عن سيّد أساتيده الأركان و محتد أسانيده الحسان السيّد محمّد مهدىّ النّجفى الطباطبائى، عن سمّينا العلّامة المروّج محمّد باقر البهبهانىّ، عن والده الأجلّ الأفضل الانيل مولانا محمّد الأكمل، عن الفاضل العلّامة مولانا الميرزا محمّد الشروانىّ عن المولى محمّد تقى المجلسىّ الاصفهانيّ، عن شيخنا بهاء الدّين محمّد العاملى المعظّم إليه أفاض اللّه شآبيب رحمته
ص: 281
عليه و عليهم.
تتمّة مهمّة ذكر بعض أهل العلم و البصيرة، و أصحاب الفضل و الصّلاح، أن سبعة من علماء أهل السنّة و الجماعة لكل منهم كتاب جامع فى الحديث يسمّونه «بالصّحاح» أحدهم هذا العلج العظيم المنبه علي ذكره النّظيم، و الثّانى أبو الحسين مسلم بن حجّاج بن مسلم القشيرىّ النّيسابورىّ، و توفّى سنة إحدى و ستين و مأتين و الثّالث أبو داود سليمان بن أشعث بن إسحاق الأزدىّ السّجستانى البصرىّ، مات سنة سبع و خمسين و مأتين، و الرّابع أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سودة السلمي التّرمذى الضّرير، و كان من تلامذة مجلس البخارىّ المذكور، و المشاركين له فى بعض مشايخه الصّدور، توفّى بترمذ على وزن فلفل، و قيل مثلثّي الثّاء و الميم من مدن ماوراء النّهر فى زمن القديم، و توفّى بها أيضا فى سنة تسع و سبعين و مأتين. و الخامس أبو عبد الرحمان أحمد بن شعيب بن عليّ النسائىّ المتقدّم ذكره على التّفصيل، و انّه مات فى سنة ثلاث و ثلاث مأة، و السّادس ابن ماجة الرّبعى القزوينى، و هو أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن يزيد، و له أيضا سوى صحيحه المذكور كتاب فى التّفسير، و كتاب فى التّاريخ كبير، و توفّى بقزوين الدّيلم من عراق العجم سنة ثلاثة و سبعين و مأتين، و السّابع منهم أبو محمّد عبد اللّه بن عبد الرّحمان الدارمىّ السّمرقندى، و لم اتحقّق إلى الآن تاريخ وفاته، و إن علم انّه أيضا قريب ممّا تقدم و العجب إنّ كلّ أولئك من ديار بلاد العجم، كما انّ محمّدينا الثّلاثة الّذين هم أصحاب كتبنا الأربعة و أركان شريعتنا المشعشعة أيضا كانوا كذلك، و فيه من الدلالة على فضل العجم على العرب ما لا يخفي؛ مضافا إلى الآية الظّاهرة فيه، و أخبار شتّى، منها ما ورد انّه لمّا قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله ارتدّ العرب قاطبة فليتامّل جدّا، و السّلام على من اتّبع الهدى، أقول و قد كتب فى الجمع بين صحيحي البخارىّ و مسلم الشّيخ أبو عبد اللّه محمّد بن أبى نصر الحميدى كتابه المشهور، و أمّا الجامع بين الصّحاح الستّة الّتى أريد بها موطأ مالك بن انس الأصبحىّ، و صحيحا المسلم و البخارىّ، و كتاب السّنن لأبى داود السّجستانيّ، و صحيح التّرمذىّ و النّسخة
ص: 282
الكبيرة من صحيح النسائى، فهو الشيخ أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمّار العبدرىّ إمام الحرمين السّرقسطيّ؛ نسبة إلى سرقسط على وزن قرنفل، و هى من جملة بلاد اندلس المغرب المنبه على أغلب أسمائها فى باب الأحمدين.
الاديب المسدد و اللبيب المسجد محمد بن يزيد بن عبد الاكبر الازدى البصرى اللغوى النحوى ابو العباس المبرد(1)
كان كما ذكره صاحب «بغية الوعاة فى طبقات النحاة» إمام العربيّة فى زمانه ببغداد، أخذ عن المازنىّ و أبى حاتم السّجستانى و روى عنه إسماعيل الصفّار و نفطويه النّحوي و الصّولى.
و كان فصيحا بليغا مفوّها، ثقة أخباريّا علامة، صاحب نوادر و ظرافة، و كان جميلا لا سيّما في صباه، و كان النّاس بالبصرة يقولون: ما رأى المبرّد مثل نفسه، و لمّا صنّف المازنىّ كتاب «الالف و اللّام» سأل المبرّد عن دقيقه و عويصه، فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرّد بكسر الرّاء، اى المثبت للحقّ، فغيّره الكوفيّون؛ فتحوا الرّاء.
و قال نفطويه: ما رأيت أحفظ للاخبار بغير أسانيد منه.
و له من التصنيفات: «معانى القرآن» «الكامل» «المقتضب» و الروضة» «المقصور
ص: 283
و الممدود» «الإشتقاق» «القوافى» «إعراب القرآن» «نسب عدنان و قحطان» «الردّ على سيبويه» «شرح شواهد الكتاب» «ضرورة الشّعر» «العروض» «ما اتّفق لفظه و اختلف معناه» «طبقات النّحاة البصريّين» و غير ذلك.
و كان بينه و بين ثعلب من المنافرة ما لا خفاء به، و أكثر أهل التّحصيل يفضّلونه و لإشتهار عداوتهما نظمها الشّعراء فقال بعضهم:
نروح و نغد و- لا تزاور بيننا
و ليس بمضروب لنا عنه موعد
فأبداننا فى بلدة و التقاؤ- نا
عسير كأنّا ثعلب و المبرّد
و قال بعضهم يفضّله:
و كان الشّعر قد أودى فأحيا
أبو العباس داثر كل شعر
و قالوا: ثعلب رجل عليم
و أين النّجم من شمس و بدر
و قالوا: ثعلب يفتى و يملي
و أين الثعلبان من الهزبر
ثمّ نقل عن السّيرافىّ فى طبقات البصريّين أنّ مولده سنة عشر و مأتين، و مماته سنة خمس و ثمانين و مأتين، و فى «الوفيات» أنّه توفّى ببغداد؛ و دفن بمقابر باب الكوفة و نقل من شعره:
إن كنت لست معى فالذّكر منك معى
يراك قلبى إذا غيبت عن بصرى
و العين تبصر من تهوى و تفقده
و باطن القلب لا يخلو من النّظر(1)
هذا و قد ذكره الفاضل الشّمنى فى حواشى «المغنى» فقال: و كان كثير الأمالىّ، حسن النوادر، يحبّ المناظرة مع أبى العبّاس أحمد الملقّب بثعلب صاحب كتاب «الفصيح» و ثعلب يكره ذلك، لأنّ المبرّد كان فصيح العبارة، ظاهر البيان، فاذا اجتمعا حكم للمبرّد فى الظاهر إنتهى.
و فى كشكول شيخنا البهائى قدّس سرّه انّ المبرّد كان إذا أضاف إنسانا حدّثه
ص: 284
بسخاء ابراهيم عليه السّلام، و إذا أضافه أحد حدّثه بزهد عيسي و قناعته؛ و قال صلاح الدّين الصّفدى فى كتابه «الوافى بالوفيات»: قال المبرّد سئل علىّ بن موسى الرّضا عليه السّلام، أيكلّف اللّه العباد ما لا يطيقون؟ فقال هو أعدل من ذلك، قيل له: فيستطيعون أن يفعلوا ما يريدون؟ قال هم أعجز من ذلك و فى هذه الرّواية من الإشارة إلى كون الرّجل من العدليّة الغير الجبريّة بل من الشيعة الإماميّة الغير الشرقيّة و لا الغربيّة ما لا يخفى.
الفاضل اللسن و الكامل الاسن مقدم النحويين ابو الحسن محمد بن احمد بن ابراهيم بن كيسان البغدادى المشتهر بابن كيسان النحوى(1)
قال الزبيدىّ فيما نقل عنه: و ليس هذا بالقديم الّذى له العروض و المعمىّ.
و قال الخطيب البغدادىّ: انّه كان يحفظ المذهبين البصرىّ و الكوفىّ لأنّه أخذ عن المبرّد و ثعلب، و كان أبو بكر بن مجاهد، يقول: إنّه أنحى منهما، قيل لكنّه إلى مذهب البصريّين أميل، و كان ابن الأنبارىّ يقول: خلط المذهبين فلم يضبط منهما شيئا، و قال ابو حيّان التوحيدى ما رأيت مجلسا أكثر فائدة و أجمع لأصناف العلوم و التّحف و النتّف من مجلسه، و كان يجتمع على بابه نحو مأة رأس من الدوابّ للرّؤساء و الأشراف الّذين يقصدونه، و كان إقباله على صاحب المرقعة و الخلق كاقباله على صاحب الدّيباح و الدابّة و الغلام.
و من تصانيفه «المهذّب» فى النّحو، و كتاب «غلط أدب الكاتب» و كتاب «اللّامات» و كتاب «البرهان» و كتاب «غريب الحديث» و كتاب «معانى القرآن» و كتاب
ص: 285
«علل النّحو» و كتاب «مصابيح الكتّاب» و كتاب «ما اختلف فيه البصريّون و الكوفيّون» و غير ذلك.
و مات كما عن تاريخ الخطيب سنة تسع و تسعين و مأتين.
و هو غير محمد بن احمد الوشاء اللغوى النحوى البغدادى الّذى هو أيضا من تلامذة ثعلب و المبرّد؛ و له من المصنّفات كتاب «الجامع فى النّحو» «المقصور و الممدود» «المذكر و المؤنث» «الفرق» «خلق الإنسان» «خلق الفرس» و غير ذلك، فانّ كنيته أبو الطيّب و أباه أحمد بن اسحاق، و من مشايخه عبد اللّه بن أسعد الورّاق، و من شعره:
لا صبر لى عنك سوى أنّنى
أرضي من الدّهر بما يقدر
من كان ذا صبر فلا صبر لي
مثلى عن مثلك لا يصبر
المتكلم العماد و شيخ المعتزلة ببغداد محمد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن ابان ولى عثمان بن عفان ابو على الجبائى(1)
نسبة إلى الجبّاية بضمّ الجيم و تشديد الباء الموحّدة، و هى قرية من قرى البصرة كما عن الفاضل السّمعانى؛ كان كما ذكره ابن خلّكان إماما فى علم الكلام، قال:
و أخذ هذا العلم عن أبى يوسف يعقوب بن عبد اللّه البصرىّ رئيس المعتزلة بالبصرة فى عصره، و له فى مذهب المعتزلة مقالات مشهورة، و أخذ عنه الشّيخ أبو الحسن الأشعرى شيخ السنّة علم الكلام، و له معه مناظرات روتها العلماء، فيقال أنّ أبا الحسن المذكور
ص: 286
سأل أستاده أبا علىّ الجبّائى عن ثلاثة إخوة. أحدهم كان مؤمنا برّا تقيّا، و الثّاني كان كافرا فاسقا شقيّا، و الثّالث كان فى المهد صبيّا صغيرا، فماتوا فكيف حالهم؟
فقال و أمّا الزّاهد ففى الدّرجات، و أمّا الكافر ففى الدركات، و أمّا الصّغير فمن أهل السّلامة، فقال الأشعرىّ: إن أراد الصغير أن يذهب إلى الدّرجات هل يؤذن له؟ فقال الجبّائىّ: لا، لانّه يقال له: إنّ اخاك إنّما وصل إلى هذه الدّرجات بسبب طاعته الكثيرة و ليس لك تلك الطّاعات، فقال الاشعرىّ: فإن قال ذلك الصّغير: التّقصير ليس منّى، فانّك ما أبقيتنى و لا أقدرتنى على الطّاعة، فقال الجبّائى يقول البارى جلّ و علا: كنت أعلم أنّك لو بقيت لعصيت و صرت مستحقّا للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك، فقال الأشعرىّ: فلو قال الأخ الكافر: يا إله العالمين كما علمت حاله فلم راعيت مصلحته دونى؟ فانقطع الجبّائى.
و هذه المناظرة دالّة على إنّ اللّه تعالى خصّ- برحمته من يشاء، و خص آخر بعذابه و إنّ أفعاله غير معلّلة بشى ء من الاعراض و كانت ولادة الجبّائى سنة خمس و ثلاثين و مأتين، و توفّى فى شعبان سنة ثلاث و ثلاثمأة انتهى (1).
و كلّ ذى نظر إلى حكم اللّه البالغة الّتى لا تحصى، فى جميع ما التئم من أجزاء عالمه الأدنى و الأقصى يعلم أنّه يلحظ فى كلّ ذرّة غير ظاهرة منها أغراضا كثيرة، فكيف بالظّاهرة منها، و الأشياء النّافعة الكبيرة، بل تعالى ذاته الأقدس أن يكون أقلّ و انقص من أحد من صنّاع بريته فى رعايته المصالح الكابرة الوافرة من الكامنة و الظّاهرة فى أحقر حقير من علمه و صنعته، مع انّ الممكن بصفة عجزه و عيائه مفطور، و فى ضعة وضعه و بنائه معذور، و لازم طبيعة النّقص بالنّسبة إلى جميع الامور، كما أنّ الواجب لازم هويّته كمال الحسن، و عدم القصور، فليت شعرى هل ما شعر الاشعرىّ المعتزل عن إدراك الحقائق بأنوار العقل المتين، إن كان يحسب نفسه من أرباب الدّين و يكسب نبسه من قرآن مبين، بقوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلَقَهُ وَ
ص: 287
بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ، و قوله من قبل ذلك فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ، و قوله تعالى: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ، و قوله: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ، وَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ، إلى غير ما ذكره من الأوحاء النّازلة على هذا السّياق، و النّافية الظّلم و اللّغو و العبث و التّكليف بما لا يطاق.
نعم بعض تلك الحكم و المصالح المرعيّة ظاهرة غير خفيّة، و بعضها يظهر بالتّأمل و الرّوية، و هما يشهدان بأنّ ما لا ندركه منها أيضا ملحوظة فى تفاريق أجزاء عوالم الإمكان، و منظورة فى خليقة إلهنا القديم الإحسان» كما يشهد بتحقيق كلّ ما لا ندركه من لطايف تدبير الصنّاع استقراؤنا التام، فى قاطبه المدركات من ملل مالهم من الاوضاع، فكيف لا يكون علّة تخصيص حضرة الحقّ سبحانه و تعالى ذلك المتوفّى الصغير، بإماتته فى حالة الصّغر، و إبقاء الأخ الآخر الكافر؛ إلى أن يهوي إلى أسفل الدّرك من قبيل ذلك القبيل الغير المدرك بعد ما علمنا فى الجملة أنّه تعالى و تبارك لا يفعل إلّا الخير المحض، و لا يعجز عن الإيجاد على الوجه الأصلح الأبرك.
و على ما ذكر فيمكن أن يقال في جواب أبى الحسن الأشعرىّ عن لسان هذا الجبّائى المعتزلىّ أن الصّغير المزبور لمّا كان قد ثبت فى علم الحقّ، أنّه لو بقى و أعطى الإختيار لفوض أمره فى الخيرة الى العزيز الجبّار، فاختار له الموت فى الصّغر إلهه العدل البارّ، الّذى هو أحسن مستشار، ليأمن شرور هذه الدّار، و يلحق من غير جهد العمل بمقامات الأبرار، و لكن لمّا كان علمه بحال الأخ الكافر على خلاف ذلك و بأنّه كان يختار طلبة نفسه فى الأمور، و يشترى الحياة الدّنيا الفانية بلذّات دار السّرور، أعطاه من هذه الجهة مناه، و تركه فيما يشتهيه و يهواه، كما حقّق رجاء إبليس الملعون، لمّا علم أنّه عدل عن الحقّ و رضى بالدّون، فكلّ ما يفعل بالعبد هو اختيار نفسه، و إن كان خلق الإختيار فيه من جهة ربّه إذ ليس خلق الإختيار فيه إلّا بمثابة سائر ما جعل فيه من الأركان، و العاصى يصرفها فى هوى النّفس و متابعة
ص: 288
الشيطان، فالتّفاوت فى العمل إنّما جاء من جهة إختلافهم فى الإختيار مع أنّ هذه النّعمة كانت مساوية بالنّسبة إلى الأبرار و الفجّار، مثل مساواة عطيّة سائر جوارح الخلائق: و عدم اعتراض فيها لأحد من الفرائق على إنعام الخالق، فكما انّ إعطاء آلات المعصية لمعونة غيرها لا يوجب إستناد عمل المذنب بها إلى المعطى لها، بل العصيان بها كفران لنعمة المعطى، و مجازاة لإحسانه بالإسائة، فكذلك صرف العبد نعمة إقتداره على الخيرة لما يريد فى معصيته ربّه الحميد المجيد، فلو كان توهّم إعتراض هنا لكان فى أصل إعطائه نعمة الإختيار، و عدم الجائه إيّاه على إتّباع الخير و اجتناب عمل أهل النّار.
و ظاهر إنّ ذلك أيضا مناف للتّكليف، و لغو بالنسبة الى الأفعال البرّ اللّطيف، بل المختاريّة فى الإتيان بالمرادات، و التمكّن من القيام بمقتضى الإستعدادات، من أفاضل نعم اللّه الّتى لو كان يمنعها العقلاء من العباد، لما أتم النّعمة عليهم فى الايجاد و كانت الحجة لهم عليه فى موقف يوم التّناد، إلّا أن يرجع ذلك إلى تمنّى العبد عدم فوزه عن الرّأس بهذه النّعمة العميمة بعد فرض علم اللّه بانّها تصرّف فى معصيته العظيمة، فهو حينئذ بمنزلة تمنّى عدم قدومه من البدو و إلى عرضة الوجود، كما يفعله العباد اللّاجئون الخائفون من سطوات المعبود.
و كأنّ إلى هذا المقام يشير كلام مولانا أبى جعفر الباقر عليه السّلام حيث قال فيما نقله بعض أعاظم حملة الآثار: لو كان لى الإختيار لم اخترت إلّا ان يكون لى الإختيار؛ حيث إنّ هذا عين الاقرار، بأنّ الإختيار الان فى الاحسان و الإسائة بأيدينا، و إن كان أوّلا بتفضّل من اللّه سبحانه و تعالى أعطينا مضافا إلى انّ ذلك من الأمر المحسوس المسوس، و لا يقابله بالإنكار إلّا من هو عقله مغلوب مخلوس، أو من أهل الوسوسة و الزيغ و المغالطة فى النّفوس، و إلى ظهور انّ عقول البشر لها حدّ محدود، و قدر مقدور لا تتجاوز هنا فى مقام المكاشفة للأمور، مثل سائر المشاعر منه و الآلات حيث إنّ
ص: 289
لكلّ منها غاية من الغايات، و مقامه من المقامات، فلم تكن علة ما أورده الأشعرىّ فى هذه المسألة و أمثالها من جملة ما قصّر عنه إدراك عقول البشر، و خرج عن حيّز مجالها كما خرج ما يزداد على مدّ البصر، من مجال معاينته و لا يحكم القاصر عن النّظر، بفقد ما لا يدركه من الموجود فى مقابلته، فمتى عرف المؤمن إنّ إلهه المتخذّ لا يفعل إلّا الخير بالنّسبة إلى العباد، كما هو معاين لاكراد البواد، فضلا عن أفراد البلاد، لا يشكّ أبدا فى إنّ مصالح لطائف صنعه الّتى لا يبلغها هذه العقول الناقصة أيضا شى ء كثير، و منه رعاية النّظم الجلى و مصلحة الأمر الكلىّ، المقدّمة فى غريزة العقل السوىّ، على منفعة الفرد الجزئى، و الواحد الشّخصى، ضرورة تقدّم مصلحة مجموع خلق هذا العالم على منفعة فرد بالخصوص من الطّوائف الأمم، و خصوصا مع إيجاب ناظم الملك و ولى التّدبير علي نفسه الأعواض الجليلة، فى مقابلة إبلاء يسيران عاد الضّرر فى تدبيره الكبير، إلى غير أولى التّقصير، و لنعم ما أفاد الفاضل المتكلّم القاضى مير حسين الميبدىّ المتقدّم ذكره السّنى بعد أن اورد هذا البيت الّذى كتبه بعضهم إلى سيّدنا الشّريف الجرجانى:
شب همه شب با قضا در گفتگويم زين سبب
ما همه همزادگانيم اين تفاوت از كجاست
و كتب إليه السيّد فى جوابه:
ساكنان عرصه امكان تفاوت داشتند
در قبول فيض حقّ پس اين تفاوت از شماست
حيث انّه كتب فى توجيه هذا الجواب ما صورته هكذا: الحاصل انّ نسبة الحقّ تعالى إلي جميع الأشياء على السويّة و التفاوت فى إفاضته إنّما هو للتّفاوت فى الإستعدادات كما إنّ نسبة الشّمس إلى جميع البيوت على السويّة، و التّفاوت فى الإضائة إنّما هو للتّفاوت فى الرّوازن سعة و ضيقا.
ثمّ كتب فإن قلت من أين تفاوت الإستعدادات؟ قلت: الشى ء إنّما يتعيّن و
ص: 290
يتشخّص باستعداده الخاصّ، فالسّؤال المذكور بمثابة أن يقال لم صار الكلب كلبا انتهى.
و نظير هذه المباحثة و المباهتة أيضا ما نقله شيخنا البهائىّ رحمه اللّه فى كتابه «الكشكول» من أنّه لقى القاضى عبد الجبّار المتكلّم المعتزلىّ الشّيخ أبا إسحاق الأشعرىّ الإسفرائيني فى دار الصّاحب بن عبّاد المشهور، فقال له على سبيل التعريض سبحان من تنزّه عن الفحشاء محاولا فى مواجهته الإسفرائينى بذلك انّكم جماعة الاشاعرة تجوّزون الظّلم و القبيح، و خلاف السّداد، على اللّه الملك الجواد؛ الّذى ما هو يريد ظلما للعباد؛ فأجابه الإسفرائينى بقوله سبحان من لا يجرى فى الملك إلّا ما يشاء، و جوابه أيضا أن كلام القاضى خاص بالنّسبة إلي جواب الإسفرائينى، فليقدم عليه بقاعدة علم الأصول.
و نقل أيضا فى كتاب «الكشكول» انّ تمامة بن الأبرش دخل دار المأمون العبّاسى و فيها روح بن عبّادة فقال له روح: المعتزلة حمقاء، و ذلك أنّهم يزعمون أنّ التّوبة بأيديهم، و انّهم يقدرون عليها متى شاؤا، و هم مع ذلك يسألون اللّه تعالى أن يتوب عليهم، فما معنى مسألتهم إيّاه بما هو بأيديهم، و الأمر فيه إليهم لو لا الحمق؟
فقال له ثمامة أتزعم أنّ التّوبة من اللّه، و هو يطلبها من العباد، أجمع فى كلامه، و على لسان انبيائه، فكيف يطلب اللّه تعالى من العباد شيئا ليس بأيديهم، و لا يجدون اليه سبيلا، فاجب حتّى اجيب هذا و مناسب هذه المناظرة أيضا ما ذكرناه فى ذيل ترجمة أبى الحسين الحلّاء النّحوى، علىّ بن عبد اللّه الملقّب بالنّاشى، من مليح مجادلته مع علىّ بن عيسى الرّمانى، فليراجع إنشاء اللّه، ثم ليعلم إنّ للجبّائى المذكور ولدا رشيدا يقال له: أبو هاشم الجبّائى و اسمه عبد السّلام بن أبى علىّ ذكره ابن خلّكان المورّخ المتقدّم أيضا فى بابه؛ فقال ما وصفه بالمتكلّم المشهور العالم بن العالم، كان هو و أبوه من كبار المعتزلة و لهما مقالات علي مذهب الاعتزال، و كتب الكلام مشحونة بمذاهبهما و اعتقادهما، و كان له أيضا ولد يكتنى بأبى على؛ و كان عاميّا لا يعرف شيئا، فدخل
ص: 291
يوما على الصاحب بن عبّاد، فظنّه عالما فاكرمه و رفع مرتبته، ثمّ سأله عن مسألة، فقال لا أعرف و لا أعرف نصف العلم؛ فقال له الصّاحب صدقت يا ولدى لأنّ أباك قدّم بالنّصف الآخر.
و كانت ولادة أبى هاشم المذكور سنة سبع و أربعين و مأتين، و توفى سنة إحدى و عشرين و ثلاثمأة ببغداد، و دفن فى مقابر البستان من الجانب الشّرقىّ؛ و فى ذلك اليوم توفّى ابن دريد اللّغوى المشهور الآتى ذكره و ترجمته عن قريب إنشاء اللّه.
المورخ الخبير و المحدث البصير محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبرى(1)
صاحب التّفسير الكبير، و التّاريخ الشّهير، الفاقد للنّظير، قال ابن خلّكان المورّخ بعد ما أورد بهذه النّسبة ترجمته و تذكيره كان إماما فى فنون كثيرة منها التّفسير و الحديث و الفقه و التّاريخ و غير ذلك.
و له مصنّفات مليحة فى فنون عديدة، تدلّ على سعة علمه و غزارة فضله، و كان من الأئمّة المجتهدين، لم يقلّد أحدا؛ و كان أبو الفرج المعافى بن زكريّا النّهروانّى المعروف بابن طراره على مذهبه: و سيأتى ذكره إنشاء اللّه.
و كان ثقة فى نقله، و تاريخه أصحّ التّواريخ و أبلغها، و ذكره الشّيخ أبو إسحاق الفيروزآبادىّ فى «طبقات الفقهاء» و فى جملة المحدّثين، و رأيت فى بعض المجاميع هذه الأبيات منسوبة إليه.
إذا أعسرت لم يعلم شقيقي
و استغنى فيستغنى صديقى
ص: 292
حيائى حافظ لى ماء وجهى
و رفقى فى مطالبتى رفيقى
و لو أنّى سمحت ببذل وجهى
لكنت- إلى الغنى سهل الطريقى
و كانت ولادته سنة أربع و عشرين و مأتين، بآمل طبرستان، و توفّى يوم السّبت آخر النّهار، و دفن يوم الأحد فى داره، فى السّادس و العشرين من شوّال سنة عشر و ثلاثمأة ببغداد انتهى (1).
و قال فى «القاموس» و محمّد بن خزير بالخاء و الزّاى المعجمتين الطّبرانّى له تاريخ فليراجع، و فى كتاب «فلاح السائل» نقلا عن كتاب «الملحق بتاريخ الطبرى» تاليف أحمد بن كامل بن شجرة انّه دفن فى داره برحبة يعقوب، و كفن فى ثلاثة أثواب حبرة أدرج فيها إدراجا، و كان قد أعدّها لنفسه فى حياته و استجادها، و فى كتاب «مقامع الفضل» لولد سمّينا المروّج البهبهانى، فى جواب من سأله عن المراد بمحمّد بن جرير الطّبرى المتكرّر ذكره فى كتب أصحابنا ما يكون صورته: محمّد بن جرير الطّبرى رجلان أحدهما: إبن جرير بن غالب الطّبرى الّذى هو شافعىّ المذهب، و مدحه النّووىّ الشّافعىّ فى كتاب «تهذيب الاسماء» و هو صاحب التّاريخ و التّفسير المشهورين و الآخر محمّد بن جرير بن رستم الطبرى صاحب كتاب «المسترشد» و كتاب «الايضاح» و لا شبهة في كونه من الشّيعة، و هو الّذى قال ابن أخته أبو بكر محمّد بن عبّاس الخوارزمىّ:
بآمل مولدى و بنو جرير
فإخوانى و يحكى المرء خاله
فها انا رافضى عن تراث
و غيرى رافضىّ عن كلالة
و قد اشتبه الأمر على صاحب «معجم البلدان» حيث كذب الخوارزمىّ فيما نسبه إلى خاله تمّ كلامه و الظّاهر انّ الاشتباه من صاحب «المعجم» انّما هو من جهة زعمه الخوارزمىّ المذكور إبن اخت طبريّهم المورّخ المشهور، و أنت اذا تأملت فى كتب رجال الشّيعة و فى تقدّم طبقة هذا الطبرىّ على الخوارزمى قريبا من مأة سنة علمت انّ
ص: 293
ابا بكر المذكور، لم يكن ابن اخته، و إن ذكره ابن خلّكان أيضا لمنافاة هذا الكلام منه مع ما ذكره من تاريخ وفاة الخوارزمي، و عليه فلا اشتباه فى تكذيب من خال الرجل خاله، ثم كذّب من نسب إليه الرفض و أحاله، و حقّ ما ذكره صاحب «المقامع» من كونه ابن أخت طبريّنا المحدّث الإمامىّ لانّه متأخّر عن سميه الأوّل بما يوافق خاليّته للثّانى فليتأمّل و لا يغفل.
ثمّ إنّ من جملة من تعرّض من علماء رجالنا لذكر هذا الطبريّين السميّين الكنيين متّصلين تبعا لسائر من جمع منّا فى هذا البين، هو الفاضل الشّيخ أبو علىّ الحائرى الرّجالىّ المتتّبع الخبير، حيث ذكره فى كتاب رجاله الكبير بمثل هذا التقرير:
محمّد بن جرير أبو جعفر الطّبرى عامىّ، له كتاب «الردّ على الحرقوصيّة» و ذكر طريق خبر يوم الغدير أخبرنا القاضى أبو اسحاق إبراهيم بن مخلّد عن أبيه عنه النّجاشى و فى الفهرست: ابن جرير أبو جعفر صاحب التّاريخ عامىّ المذهب، له كتاب «خبر غدير خمّ» احمد بن عبدون عن الدّورى عن ابن كامل عنه، و في «الخلاصة»: ابن جرير بالجيم و الرّاء قبل الياء و بعدها الطبرىّ، صاحب التّاريخ عامّى المذهب، و فى «تعق» هو ابن جرير بن غالب. أقول الّذى فى «باب» محمّد بن جرير بن يزيد الطبرىّ صاحب التّاريخ عامىّ له كتاب «غدير خم» و شرح امره سماه كتاب «الولاية» و فى «الحاوى» ذكر الشّيخ فى بعض كتبه ان اسم صاحب التّاريخ محمّد بن رستم بن جرير و كأنّه نسبة إلى جدّه انتهى و يأتى فى الّذى بعيده ابن جرير بن رستم قتدبّر.
و الظّاهر انّ فى كلامه و همين فتأمّل و فى «مشكا» ابن جرير أبو جعفر الطبرى العامىّ صاحب التّاريخ و التّفسير، إبراهيم بن محمّد عن أبيه عنه، و ابن كامل عنه، ثمّ قال عقيب ذلك بلا فاصلة محمّد بن جرير بالجيم قبل الرّاء ابن رستم الطبرىّ الآملىّ أبو جعفر جليل من أصحابنا كثير العلم، حسن الكلام، ثقة فى الحديث «صه» و زاد «جش» له كتاب «المسترشد فى الإمامة» أخبرنا أحمد بن علىّ بن نوح عن الحسن بن حمزة الطّبرى، عن محمّد بن جرير بن رستم، و فى «ست» ابن جرير بن رستم الطبرىّ الكبير يكنّى أبا جعفر ديّن فاضل، و ليس هو صاحب التّاريخ فانّه عامىّ المذهب أقول فى «ضح» كما مرّ عن «صه» و زاد وجدت بخطّ السيّد السّعيد صفىّ الدّين بن معد، قال
ص: 294
ليس هذا صاحب التاريخ ذلك عامىّ، و ذا إمامىّ انتهى.
و فى «الوجيزة» ابن جرير الطبرىّ إثنان: أحدهما عامىّ، و الآخر ثقة انتهى و مضى فى الّذى قبله ما يجب ملاحظته و فى «مشكا» ابن جرير أبو جعفر الطبرىّ الآمليّ الثّقة صاحب كتاب الإيضاح و غيره في الإمامة، عنه الحسن بن حمزة الطبرى انتهى كلام الشّيخ ابن علىّ.
و قال المولى محمّد علىّ بن محمّد رضا الساروىّ المازندرانىّ فى كتاب «توضيح الإشتباه» محمد بن جرير بالجيم المفتوحة و الرّائين المهملتين، ابن رستم بالرّاء المضمومة الطبرىّ الآملى بضمّ الميم أبو جعفر جليل من أصحابنا ثقة فى الحديث و هو غير محمّد بن جرير أبو جعفر الطبرىّ، صاحب التّاريخ عامىّ المذهب انتهى كلام هذا الرّجل أيضا.
و لكن عندى مع ذلك كلّه شبهة عظيمة فى أمر مذهب أبى جعفر الطبرىّ المؤرّخ المفسّر، الّذى هو صاحب التّرجمة، بل ظنّى يذهب إلى كونه أيضا من جملة أهل مذهب الحقّ، من جهة كونه أوّلا من أهل بلدة كانوا قديمىّ التشيّع، بل متصلّبين فى هذا الأمر؛ و خصوصا فى زمن سلاطين آل بويه الإماميّين المتعظّمين، و ثانيا من جهة تأليفه فى حديث الغدير بخصوصه كما عرفته، من حملة كلمات المذكورين، مع انّ هذا الأمر لا يرضى به أحد من متحبّبى هذه الطّائفة الظّاهر الإسلاميّة، فضلا عن متعصّبيهم، و ثالثا عدم قبوله أحدا من المذاهب الأربعة التى انحصر فيها أهل السّنة كما عرفته من تصريح ابن خلّكان المسلّم المصدّق فى أمثال هذه الأمور، و لا ثانى له فى هذه الطّريقة فلا داعى له إلى ذلك إلّا كونه من هذه الطّائفة فى الباطن و الحقيقة، و إن كان لا يظهر من جهة معروفيّته عند خلفاء الجور؛ و عظماء دولة الباطل، كما هو شأن كثير من العلماء المشتبهة أمورهم.
و عليه فلا يبعد أن يكون كلام صاحب «المعجم» أيضا صدقا على معتقد نفسه فى اسناد نسبة كلام أبى بكر الخوارزمى مذهب الرّفض إلى المذكور، بمعنى صحّة كونه ابن
ص: 295
اخت هذا الرّجل دون ذلك الطبرىّ المسلم ثقته و شيعيّته، كما توهّمه صاحب «المقامع» و إن كان فى تكذيبه الرّجل فى كونه ولد حلال يشبه من جهة مذهبه بالخال كاذبا.
هذا و من جملة ما يرجّح صحة هذه النّسبة، دون الأخرى كونها منقولة برواية صاحب «المعجم» الّذى هو مقدّم على صاحب «المقامع» فى أمثال هذه المواضع بلا مخالف و لا منازع، و خصوصا مع ما ظهر لك من إشتباهه أيضا فى مذهب الرّجل نفسه، حيث زعمه شافعيّا و قد نصّ ابن خلكان الموثّق المسلّم عند الكلّ فى أمثال هذه المراحل على خلافه، كما عرفت هذا و من جملة ما ينسب إلى الطبرىّ الغير المتميّز أيضا هو كتاب «الآداب الحميدة» كما قال بعض أعاظم أهل الحديث، وجدت فى كتاب محمّد بن جرير الطبرىّ الّذى سمّاه كتاب «الآداب الحميدة» نقلته يحذف الأسناد عن الحارث بن روح عن أبيه، عن جدّه، انّه قال لبنيه يا بنىّ إذا دهمكم أمر أو اهمّكم فلا يبيتن احدكم إلّا و هو طاهر على فراش و لحاف طاهرين و لأيبيتن و معه امرأة، ثمّ ليقرء و الشّمس سعا، و اللّيل سبعا، ثمّ ليقل أللّهمّ اجعل لى من أمرى هذا فرجا و مخرجا، فانّه يأتيه آت فى أوّل ليلة، أو فى الثّالثة، أو فى الخامسة، و أظنّه قال أو فى السّابعة، يقول له المخرج ممّا أنت فيه. كذا قال أنس، فاصابنى وجع فى رأسى لم أدر كيف أتى له، ففعلت أوّل ليلة، فاتانى اثنان فجلس أحدهما عند رأسى، و الآخر عند رجلى، ثمّ قال أحدهما للآخر جسّه، فلمس جسدى كلّه فلمّا انتهى إلى موضع من رأسى قال احتجم هيهنا و لا تحلق، و لكن اطله بعزا، ثمّ التفت إلى أحدهما أو كلاهما فقال لى: كيف لو ضممت إليهما التين و الزّيتون؟ قال فاحتجمت، فبرأت؛ و أنا فلست أحدّث به أحدا إلّا و حصل له الشفاء انتهى.
و الظّاهر انّ الطّبرسىّ المذكور أيضا هو محمّد بن جرير العامّى المشهور، لأنّه المتبادر من هذا الإطلاق فليتفطّن.
ثمّ ليعلم انّ من جملة مناسبات هذا الحديث، هو ما ورد فى بعض مؤلّفات
ص: 296
الرّجل، أنّ من أراد رؤية أحد من الانبياء، أو الأئمّة، أو أحد من المؤمنين، أو النّاس، أو الوالدين، فى نومه فعليه بهذه الآيات. و من مناسبات هذه الحكاية هو ما ذكره أيضا بعض أعاظم المعتبرين فى أسناد الرّواية أنّ من أراد رؤية أحد من الأنبياء، أو الأئمة، أو الوالدين، أو أحد من المؤمنين، فليقرأ و الشّمس و اللّيل و القدر و الجحد و الإخلاص و المعوّذتين، ثمّ ليقرأ الاخلاص مأة مرّة، و يصلّى على النّبىّ و آله مأة مرّة، و ينام على الأيمن مطهّرا فى فراش طاهر و لباس طاهر، و غذاء طيّب، و قلب صاف، و صفاء خاطر، و عزم جازم؛ و يقين صادق، فانّه يرى من يريد إنشاء اللّه، و يكلّمهم بما يريد من سؤال و جواب هذا.
ثمّ ليعلم أنّ ابا بكر الخوارزمى المذكور هو الفاضل الأديب المتبحر و الشّاعر اللّبيب المتمهّر الّذى تقدّم إلى ذكره الإشارة، فى ذيل ترجمة مخدومه العماد إسماعيل بن عبّاد، و قد يلقّب أيضا بالطّبر خزى من جهة كون أبيه من خوارزم المشرق، و أمّه كما عرفت من ناحية طبرستان، فركّب له من الإسمين هذه النّسبة و قد ذكر أيضا فى حقّه ابن خلّكان المتقدّم أنّه كان إماما فى اللّغة و الأنساب، أقام فى الشّام مدّة و سكن بنواحى حلب، و كان مشارا إليه فى عصره، و يحكي أنّه قصد حضرة الصّاحب بن عبّاد، فلمّا وصل إليه قال لأحد حجّابه، قل له بالباب أحد الأدباء و هو يستأذن بى الدّخول، فدخل الحاجب و اعلمه، فقال الصّاحب قل له قد الزمت نفسى أنّه لا يدخل علىّ من الأدباء إلّا من يحفظ عشرين ألف بيت من شعر العرب، فخرج إليه الحاجب و أعلمه بذلك، فقال له أبو بكر إرجع إليه و قل له هذا القدر كاف من شعر الرّجال أم من شعر النّساء، فدخل الحاجب فأعاد عليه ما قال؛ فقال الصّاحب: هذا يكون أبا بكر الخوارزمى، فاذن له فى الدّخول عليه، فعرفه و انبسط معه، و أبو بكر المذكور له «ديوان رسائل» و ديوان شعر.
و قد ذكره الثعالبى فى كتاب «يتيمة الدّهر» و ذكر قطعة من نثره ثمّ أعقبها بشى ء من نظمه فمن ذلك قوله:
ص: 297
رأيت إن أيسرت خيّمت عندنا
مقيما و إن أعسرت زرت لماما
فما أنت إلا البدر إن قلّ ضوؤه
أغبّ و إن زاد الّضّياء أقاما
إلى أن قال: و ملحه و نوادره كثيرة، و لمّا رجع من الشّام سكن نيسابور، و مات بها في منتصف شهر رمضان سنة ثلاث و ثمانين و ثلاثمأة انتهى.
و قد تقدّم فى باب الأحمدين من كتابنا هذا فى ذيل ترجمة صاحب «الاحتجاج» و كذا فى مواضع آخر منها ترجمة شيخنا الطّبرسى المشهور، صاحب كتاب «مجمع البيان» تفصيل القول فى حقيقة نسبة الطبرىّ، و أنّها أيضا نسبة إلى ناحية طبرستان؛ الّتى هى عبارة أخرى عن مازندران العجم، و منبت سلاطين آل ديلم، و من جملة أراضى دار المرز الواقعة على مرزتى بحر قلزم، المحاط بالأرض من غير اتّصال له بالمحيط الأعظم، و هى بلاد كثيرة معمورة فى القديم و فى الحديث، منها مدينة آمل الّتى هى بلدة صاحب العنوان، قال صاحب «القاموس»: و آمل كآنك بلد بطبرستان، منه الإمام محمّد بن جرير الطّبرى، و الفضل بن أحمد الزّهرى، و بلد على ميل من جيحون، و العامّة، تقول آمو و الصّواب آمل، منه عبد اللّه بن حمّاد شيخ البخارىّ؛ و أحمد بن عبده شيخ أبى داود انتهى.
و امّا الطّبرانى المتقدّم ذكره هنا فى الضّمن صاحب «المعجم الكبير» و «الصّغير» فنسبته كما ذكره النّاسبون الأعلام إلى الطبريّة الّتى قصبة بارض الأردن، من ممالك حدود الشّام. و هى على خلاف القياس فى باب النّسب، مثل ما يقال فى النّسبة إلى الهنديّة و السّنديّة هندوانى و سندواني فرقا بينها و بين النّسبة إلى الخالية منهما عن الهاء بعد ياء النّسبة الأصليّة و إسمه سليمان بن أحمد بن أيّوب بن مطير. و وفاته سنة ستّين و ثلاثمأة ببلدة اصفهان كما فى «وفيات الاعيان».
ص: 298
الشيخ ابو بكر محمد بن السرى بن سهل النحوى المعروف بابن السراج على وزن البراج(1)
ذكره ابن خلّكان فى كتاب «وفيات الأعيان» فقال: كان أحد الأئمّة المشاهير، المجمع على فضله و نبله و جلالة قدره فى النّحو و الآداب، أخذ عن أبى العبّاس المبرّد المقدّم ذكره، و غيره، و أخذ عنه جماعة من الأعيان منهم أبو سعيد السّيرافي؛ و علىّ بن عيسى الرمّانى و غيرهما، و نقل عنه الجوهرىّ فى كتاب «الصّحاح» فى مواضع عديدة.
و له التّصانيف المشهورة فى النّحو: منها كتاب «الاصول» و هو من أجود الكتب المصنّفة فى هذا الشّأن، و إليه المرجع عند اضطراب النّقل و اختلافه، و كتاب «جمل الأصول» و كتاب «الموجز» صغير، و كتاب «الإشتقاق» و كتاب «شرح كتاب سيبويه» و كتاب «احتجاج القرّاء» و كتاب «الشّعر و الشّعراء» و كتاب «الرّياح و الهواء و النّار» و كتاب «الجمل» و كتاب «المواصلات».
و رأيت له فى بعض المجاميع أبياتا منسوبة إليه و لا أتحقّق صحتها، و هى سائرة بين النّاس فى جارية كان يهويهما، و هى:
ميزّت بين جمالها و فعالها
فإذا الملاحة بالخيانة لا تفى
حلفت لنا أن لا تخون عهودنا
فكأنّما حلفت لنا أن لا تفى
و اللّه لا كلّمتها و لو أنّها
كالبدر أو كالشّمس أو كالمكتفى
و بعد الفراغ من هذه التّرجمة وجدت هذه الأبيات له، و لها قصّة عجيبة، و هى
ص: 299
أنّ أبا بكر المذكور كان يهوى جارية فجفته، فاتّفق وصول الإمام المكتفى فى تلك الأيّام من الرقّة، فاجتمع النّاس لرؤيته، فلمّا رآه أبو بكر استحسنه؛ و أنشد لأصحابه الأبيات المذكورة، ثمّ انّ أبا عبد اللّه بن زنجىّ الكاتب أنشدها لأبى العبّاس بن الفرات، و قال هى لابن المعتزّ، و أنشدها أبو العبّاس للقاسم بن عبيد اللّه الوزير، فاجتمع الوزير بالمكتفى و أنشده إيّاها، فقال لمن هى؟ فقال لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر فأمر له بألف دينار، فوصلت إليه، فقال إبن زنجيّ ما أعجب هذه القضيّة بعمل أبو بكر ابن السّراج أبياتا تكون سببا لوصول الرّزق إلى عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر، يعنى به ابن المعتزّ الّذى نسبها إليه أبو العبّاس بن الفرات ظاهرا؛ و توفّى أبو بكر المذكور فى ذى الحجّة سنة ستّ عشرة و ثلاثمأة رحمه اللّه.
الطبيب الصائب المتقدم المشهور ابو بكر محمد بن زكريا الرازى(1)
صاحب كتاب «برء السّاعة» و كتاب «من لا يحضره الطّبيب» الّذى وضع على مثاله و نسج على منواله شيخنا ابن بابويه الصّدوق عليه الرّحمة كتاب «من لا يحضره الفقيه» باشارة بعض السّادة الأجلّة، المنوّه على رسمه الشّريف فى مفتتح كتابه المذكور، و غير هذين المختصرين أيضا من الكتب الآتية إلي جملة منها الإشارة هنا إنشاء اللّه.
قال شمس الدّين الشّهرزورىّ فى كتاب «تاريخ الحكماء» كان هذا الرّجل فى بدوه صائغا، ثمّ اشتغل بعلم الأكسير، فرمدت عيناه بسبب ابخرة العقاقير، فذهب إلى طبيب ليعالجه، فقال أعالجك حتّى أخذ منك خمسمأة دينار، فدفع إليه ذلك فقال
ص: 300
هذا هو الكيمياء لا ما اشتغلت به، فترك الاكسير و اشتغل بالطبّ، حتّى نسخت تصانيفه تصانيف من قبله من الاطبّاء المتقدّمين.
و قال الرئيس ابن سينا فى حقّه: هو المتكلّم الفضولىّ الذى من شأنه أن ينظر فى الأبوال و البرازات، و قد صدق فى ذلك، لأنّه بلغ الغاية في المعالجات الطّبية، و تكلّم بالعود و الخبائب فيه ما سوى ذلك، ثمّ ذكر انّ من جملة كلماته: السّموم ثلاثة الشّواء المغموم، و اللّبن الفاسد، و السّمك المنتن، و قال و له مصنّفات كثيرة جدّا، و مولده و منشأه بالرّى، و قرأ الطبّ على ابن زين الطبرىّ يعنى به الحكيم أبى الحسن علىّ ابن زين المتطبّب المشهور.
قال القاضى ابن صاعد انّ الرّازى لم يتوغّل فى العلم الإلهى، و لا فهم غرضه الأقصى، فلذلك اضطرب رأيه و تقلّد آراء سخيفة، و ذمّ أقواما لم يفهم عنهم، و لا اهتدى لسبيلهم، و كان ينتقل فى البلدان إلى أن قال: و كان فى نظره رطوبة لكثرة أكل الباقلاء، و كان يقول انّه قرأ الفلسفة على البلخى، جوّ الّا فى البلاد، حسن المعرفة بالفلسفة و العلوم القديمة، و كان الرّازى فطنا زكيّا مجتهدا فى جلّ اوقاته بالاجتهاد فى التّطلّع و الفكر فيما دونه من الأفاضل و من شعره:
لعمرى ما أدرى و قد ادّت البلى
بعاجل طرحالى إلى أين ترحالى
و أين محلّ الرّوح بعد خروجه
من الهيكل المنحل و الجسد البالى
انتهى و نقل عن ابن جلجل فى تاريخ الأطبّاء انّه دبرّ مارستان الرّى ثم مارستان بغداد فى أيّام المكتفى؛ و قد يقال انّه كان فى شيبته يضرب بالعود و يغنى، فلمّا التحى وجهه قال كلّ غناء يخرج من بين شارب و لحية لا يستظرف فزع عن ذلك، و اقبل على دراسة كتب الطبّ و الفلسفة، إلى أن صار إماما مسلما فى صناعة الطبّ، بحيث يشدّ إليه الرّحال فى أخذها عنه.
و صنّف فيها كتبا كثيرة نافعة: منها كتاب «الحاوى» و هو من الكتب الكبار، يدخل مقدار ثلاثين مجلّدا، و هو عمدة الأطبّاء فى النّقل منه و الرّجوع إليه عند الإختلاف.
ص: 301
و كتاب «الجامع» و هو أيضا من الكتب الكبار النّافعة، و كتاب «الاعضاء» و هو أيضا كبير، و له أيضا كتاب «المنصورىّ» المختصر المشهور، و هو على صغر حجمه من الكتب المختارة، جمع فيه العلم و العمل و يحتاج إليه كلّ أحد، و كان قد صنّفه لأبى صالح منصور بن نوح بن سامان أحد الملؤك السّامانيّة، فنسب الكتاب إليه، قلت: و هو غير «برء السّاعة» و إن كان مثله فى صغر الجثّة؛ و لا يزيد فى قدره على كراسته و رقمه أيضا ليس باسم نفس حضرة هذا الشّاه، بل باسم وزيره أبى القاسم بن عبد اللّه، و قيل و له أيضا غير ذلك تصانيف كثيرة، و كلّها محتاج إليها.
ثمّ انّ من جملة كلماته الطّريفة إذا كان الطّبيب عالما و المريض مطيعا فما اقلّ لثب العلّة، و منها عالج فى أوّل العلّة بما لا يسقط به القوّة.
هذا و لم يزل كان رئيس هذا الشّأن و كان اشتغاله به على كبر، يقال أنّه لمّا شرع فيه كان قد جاوز أربعين سنة من العمر، و طال عمره، فعمى فى آخر عمره، و توفّى سنة إحدى عشر و ثلاثمأة، و حكى أيضا عن تاريخ ابن جلجل المتقدّم إليه الإشارة ان الرّازي المذكور صنّف لمنصور الملك كتابا فى إثبات صنعة الكيمياء، و قصده به من بعده، فدفع له الكتاب فأعجبه و شكره عليه و حياه بألف دينار، و قال له أردت أن تخرج الّذى ذكرت فى هذا الكتاب إلى الفعل، فقال الرّازى إنّ ذلك ممّا يتمون له المؤن و يحتاج إلى آلات و عقاقير صحيحة» و إلى إحكام صنعة ذلك كلّه و كلّ ذلك كلفة، فقال له المنصور كلّ ما احتجت إليه من الآلات و ممّا يليق بالصّناعة احضره لك كاملا، حتّى تخرج عمّا ضمنته كتابك إلى العمل، فلمّا حقق عليه ذلك كحّ عن مباشرة ذلك، و عجز عن عمله، فقال له المنصور ما اعتقدت إنّ حكيما يرضى بتخليد الكذب» فى كتب ينسبها لى الحكمة، و يتبعهم فى ما لا يعود عليهم من ذلك منفعة، ثمّ قال له قد كافيناك على قصدك و تعبك بما صار إليك من الألف دينار، و لا بدّ من معاقبتك على تخليدك الكذب، ثمّ أمر أن يضرب بالكتاب على رأسه حتّى يقطع، ثمّ جهّزه و سيّره إلى بغداد، فكان ذلك سبب نزول الماء إلى عينيه و لم يسمح بقدحها و قال قد رأيت الدّنيا.
ص: 302
الامام المسلم و العماد الاعلم أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن خثيم العربى الازدى البصرى اللغوى الشافعى الملقب بابن دريد(1) على وزن زبير من باب تصغير التّرخيم الّذى هو قياس فى الأفعل، كما يقال فى تصغير أسود: سويد، و فى أزهر زهير، قال ابن خلّكان بعد ما ساق نسبه إلى يعرب بن قحطان الّذى هو أوّل العرب العاربة القديمة بثلاث و ثلاثين واسطة، و إلى الأزد بن الغوث الّذى هو المشهورة باربع و عشرين فاصلة، و وصفه بامام عصره فى اللّغة و الأدب و الشّعر الفائق، قال المسعودىّ فى «مروج الذّهب» فى حقّه: و كان ابن دريد ببغداد ممّن برع فى زماننا هذا فى الشّعر و انتهى فى اللّغة، و قام مقام الخليل بن أحمد فيها، و أورد اشياء فى اللّغة لم توجد فى كتب المتقدّمين، و كان يذهب في الشّعر كلّ مذهب، فطورا يجزل، و طورا يرقّ، و شعره أكثر من أن نحصيه أو نأتى على أكثره أو يأتى عليه كتابنا هذا، فمن جيّد شعره قصيدته المقصورة الّتى يمدح بها البشّار بن ميكال و ولده و هما عبد اللّه بن محمّد بن ميكال و ولده أبو العبّاس اسماعيل بن عبد اللّه؛ و يقال انّه أحاط فيها بأكثر المقصور و أوّلها:
أما ترى رأسى حاكى لونه
طره صبح تحت أزيال الدّجى
ص: 303
و اشتعل المبيض فى مسوّدة
مثل اشتعال النّار فى جزل الغضى
ثمّ قال المسعودىّ: و قد عارضه فى هذه القصيدة جماعة؛ من الشّعراء منهم أبو القاسم على بن محمّد بن أبى الفهم الأنطاكىّ التّنوخى، و عدد جمعا ممّن عارضها، قلت أنا: و قد اعتنى بهذه المقصورة خلق من المتقدّمين و المتأخّرين، و شرحوها و تكلّموا على ألفاظها، و من أجود شروحها و أبسطها شرح الفقيه أبى عبد اللّه محمّد بن هشام بن إبراهيم اللخمى السبتى، كان متأخّرا، توفّى فى حدود سنة سبعين و خمسمأة؛ و شرحها الإمام أبو عبد اللّه المعروف بالقزاز صاحب كتاب «الجامع» فى اللّغة، و سيأتى ذكرها إنشاء اللّه تعالى، و شرحها غيرهما أيضا.
و لابن دريد من التّصانيف المشهورة كتاب «الجمهرة» و هو من الكتب المعتبرة فى اللّغة، و له كتاب «الإشتقاق» و كتاب «السّرج و اللّجام» و كتاب «الخيل» الكبير و كتاب «الخيل» الصّغير و كتاب «الأنواء» و كتاب «المقتبس» و كتاب «الملاحن» و كتاب «زوّار العرب» و كتاب «اللّغات» و كتاب «السّلاح» و كتاب «غريب القرآن» [لم يكملة] و كتاب «المجتبى» و هو مع صغر حجمه كثير الفائدة، و كذلك «الوشّاح» صغير مفيد.
و له نظم رائق جدّا، و كان ممّن تقدّم يقول: ابن دريد أعلم الشّعراء: و اشعر العلماء، و من مليح شعره قوله:
غرّاء لو جلت الخدود شعاعها
للشمس عند طلوعها لم تشرق
غصن على دعص تأوّد فوقه
قمر تالّق فوق لبل مطبق
لو قيل للحسن احتكم لم يعدها
أو قيل خاطب غيرها لم ينطق
فكأنّنا من فرعها فى مغرب
و كأنّنا من وجهها فى مشرق
تبد و فيهتف بالعيون ضياؤها
الويل حلّ بمقلة لم تطبق
و لو لا خوف الإطالة لذكرت كثيرا من شعره.
و كانت ولادته بالبصرة فى سكّة صالح سنة ثلاث و عشرون و مأتين، و نشأ بها،
ص: 304
و تعلم فيها، و أخذ عن أبى حاتم السّجستانى و الرياشىّ و ابن اخى الأصمعىّ و غيرهم ثمّ انتقل من البصرة مع عمّه الحسين عند ظهور الزّنج و قتلهم الرّياشى كما سبق فى ترجمته، و سكن عمان، و أقام بها إثنتى عشرة سنة، ثمّ عاد إلى البصرة و سكنها زمانا، ثمّ خرج إلى نواحى فارس، و صحب ابنى ميكال، و كانا يومئذ على عمّالة فارس، و عمل لهما كتاب «الجمهرة» و قلّداه ديوان فارس، و كانت تصدر كتب فارس على رأيه، و لا ينفذ أمرا إلّا بعد توقيعه، فأفاد معهما مالا عظيما، و كان مفيدا مبيدآ لا يمسك درهما سخاء و كرما، و مدحهما بقصيدته المقصورة، فوصلاه بعشرة آلاف درهم ثمّ انتقل من فارس إلى بغداد، دخلها سنة ثمان و ثلاثمأة بعد عزل ابنى ميكال و انتقالهما إلى خراسان، و لمّا وصل إلى بغداد أنزله علىّ بن محمّد الخوارىّ فى جواره، و أفضل عليه، و عرف الإمام المقتدر خبره و مكانه من العلم، فأمر أن يجرى عليه خمسين دينارا فى كلّ شهر، و لم تزل جارية عليه إلى حين وفاته.
و كان واسع الرّواية لم ير أحفظ منه؛ و كان يقرأ عليه دواوين العرب فيسابق إلى إتمامها من حفظه، و كان إذا قرأ عليه ديوان شعر مرّة واحدة حفظه من أوّله إلى آخره
قلت: و هذا أمر غريب و عجب عجاب و إن وجد نظيره فى كثير من المذكورين فى هذا الكتاب، و خصوصا فى هذا الباب، مثل المذكورين بعد هذه التّرجمة على وجه الأيعاب.
و سئل عن حاله الدّارقطنى- يعنى به المتقدّم ذكره فى باب العين-: أثقة هو أم لا؟ فقال تكلّموا فيه، و قيل انّه كان يتسامح فى الرّواية فيسند إلى كلّ واحد ما يخطر له، و قال أبو منصور الأزهرىّ اللّغوى: دخلت عليه فوجدته سكران، فلم أعد إليه، و قال ابن شاهين: كنّا ندخل عليه و نستحيى ممّا نرى عنده من العيدان المعلّقة و الشّراب المصفّى، و ذكر إنّ سائلا سأله شيئا فلم يكن عنده غير دنّ من نبيذ فوهبه له؛ فأنكر عليه أحد غلمانه، و قال تتصدّق بالنبيذ؟ فقال لم يكن
ص: 305
عندى شى ء سواه ثمّ اهدى له بعد ذلك عشرة دنّان من النّبيذ؛ فقال لغلامه: أخرجنا دنا فجائنا عشرة.
قلت و فى رواية السّيوطى انّه قرأ عند إنكار الغلام عليه ذلك قوله تعالى لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ؛ فانظر إلى عمل إبليس الملعون.
و ينسب إليه من هذه الأمور شى ء كثير، و عرض له في آخر التّسعين من عمره فالج سقى له التّرياق فبرأ و صحّ و رجع إلى أفضل أحواله، و لم ينكر من نفسه شيئا، و رجع إلى إسماع تلامذته و إملائه عليهم، ثمّ عاوده الفالج بعد حول لغذاء ضار تتناوله، و كان يحرّك يديه حركة ضعيفة؛ من مخرمه إلى قدميه، و كان إذا دخل عليه الدّاخل ضجّ و تألّم لدخوله و إن لم يصل إليه، قال تلميذه أبو علىّ اسماعيل ابن القاسم القالي المعروف بالبغدادي المقدّم ذكره: فكنت أقول فى نفسى: انّ اللّه عزّ و جل عاقبه لقوله في قصيدته المقصورة حين ذكر الدّهر فقال:
مارست من لوهوت الأفلاك
من جوانب الجوّ عليه ما شكا
فكان يصيح لذلك صياح من يمشى عليه أو يسل بالمسال، و الدّاخل بعيد منه، و كان مع هذه الحال ثابت الذّهن، كامل العقل، يردّ فيما يسأل عنه ردّا صحيحا.
إلى أن قال: و توفّى يوم الأربعاء لأثنتى عشرة ليلة خلت من شعبان سنة إحدى و عشرين و ثلاثمأة ببغداد، و دفن فى المقبرة المعروفة بالعبّاسيّة.
و توفّى فى ذلك اليوم [أبو هاشم] عبد السّلام بن أبى علي الجبّائىّ فقال النّاس:
اليوم مات علم اللّغة و الكلام: انتهى (1)؛ و فى «طبقات النّحاة» نقلا عن الأزهرىّ الآتى ترجمته قريبا إنشاء اللّه أنّه قال: و ممّن ألّف الكتب فى زماننا فرمى بافتعال العربيّة و توليد الألفاظ أبو بكر بن دريد، و قد سألت عنه ابراهيم بن عرفة فعلم يعبأ به، و لم يوثّق فى روايته، و الّفيته علي كبر سنّه سكران لا يفتر عن ذلك، و زاد فيه
ص: 306
أيضا على مصنّفاته كتاب «الأمالىّ» و كتاب «المقصور و الممدود» و كتاب «فعلت و أفعلت» و كتاب «أدب الكاتب» و كتاب «المطر» و كتاب «تقويم اللّسان» و نقل انّه أملى الجمهرة من حفظه سنة سبع و تسعين و مأتين، فما استعان عليها بالنّظّر فى شى ء من الكتب إلّا في الهمزة و اللّفيف، و كفى عجبا أن يتمكّن الرّجل من علم كلّ التمكّن، ثمّ لا يسلّم مع ذلك من الألسن حتّى قيل فيه.
أبن دريد بقره
و فيه عىّ و شره
و يدّعى من حمقه
وضع كتاب الجمهرة
و هو كتاب العين
إلّا انّه قد غيّره
و نقل أيضا عن بعضهم أنه قال حضرنا مجلس ابن دريد و كان يتضجّر ممن يخطئ فى قراءته فحضر غلام وضئ؛ فجعل يقرأ و يكثر الخطاء، و ابن دريد صابر عليه، فتعجّب أهل المجلس، فقال رجل منهم: لا تعجبوا فانّ فى وجهه غفران ذنوبه، فسمعها ابن دريد، فلمّا أراد أن يقرأ، قال هات يا من ليس فى وجهه غفران ذنوبه، فعجبوا من صحّة سمعه مع علّو سنّة و قال بعضهم فيه:
من يكن للظّباء صاحب صيد
فعليه بمجلس ابن دريد
إنّ فيه لا وجها قيدّتنى
عن طلاب العلى باوثق قيد(1)
هذا و قد ذكر فيه أيضا فى ذيل ترجمة محمّد بن احمد بن عبد اللّه البصرى النّحوى المعروف بالمفجّع، فقال قالت ياقوت: كان من كبار النّحاة؛ شاعرا مفلقا شيعيّا، و بينه و بين ابن دريد مهاجاة، صنّف كتاب «التّرجمان فى الشّعر و معانيه» و كتاب «المنقذ من الإيمان» يشبه الملاحن لابن دريد و «عرايس المجالس و «أشعار الخوارزمىّ» و غير ذلك.
توفّى سنة عشرين و ثلاثمأة.
قلت و هذه السنّة بعينها سنة وفاة محمّد بن أحمد بن منصور السّمرقندى، ثمّ
ص: 307
البغدادىّ، المشتهر بابن الخيّاط من أعاظم الّلنحوييّن و النحّاة، صاحب كتاب «معانى القرآن» و «النّحو الكبير» و «المقنّع» فى النّحو، و «الموجز» فيه، و هو الّذى حلط نحو البصرييّن بالكوفيّن، و ناظر الزجّاج و الفارسىّ، كما فى «طبقات النّحاة» ثمّ انّ من العجب إنّ شيخنا الحرّ ذكر مثل هذا الجر و فى عداد علماء الشّيعة، بمحض ان راى ابن شهر آشوبنا المرحوم عدّه من شعراء أهل البيت عليهم السّلام، و نسب إليه هذه الأبيات:
أهوى النّبى محمدا و وصييه
و ابنيه و ابنته البتول الطاهرة
أهل الولاء و اننّى بولائهم
أرجو السّلامة و النّجاة فى الآخرة
أرجو بذلك رضا المهيمن وحده
يوم الوقوف على ظهور السّاهرة
مع أنّ ما هو أقرب من هذه إلى المقصود أعمّ من إثبات الولاية على الوجه المعهود كيف لا، و من الدّلالة علي تسنّنه الشّديد مع كونه موافقا للأصل بالنّظر إلى مثله، فلا يحتاج إلى إقامة دليل حكاية مهاجاته و مناقضته دائما، كما فى غير واحد من المواضع؛ مع جناب المفجع الإمامى الخالص المتقدّم إلى ذكره إلايماء، و هو الذى ذكر في حقه العلّامة فى كتابه «الخلاصة» انّه كبير من أعيان أهل اللّغة و الأدب و الحديث، نقى المذهب، حسن الإعتقاد ثمّ قال رحمه اللّه و له فى مدح أهل البيت عليهم السّلام أشعار كثيرة يذكر فى جملة منها أسماء الأئمّة عليهم السّلام، و يظهر فيها التوجّع و التّفجّع الشّديد على قتلهم؛ و لذا لقّبوه بالمفجع، و له أيضا فى تفصيل واقعة ردّ الشمس علي سيّدنا أمير المؤمنين عليه السّلام قصيدة فاخرة، و بالجملة فليس هذا الخطاء من صاحب «الأمل» بأنقص من عدّه أيضا أبا الفرج الأموى الأصفهانى، صاحب كتاب «اللّهو و اللعب» «و الأغانى» من جملة علماء الشّيعة، مع انّ أهل مذهبه يضحكون من هذه النّسبة، كما قد عرفته في ذيل ترجمته فى باب العين المهملة فليراجع و لا يخدع.
ص: 308
الفاضل المتبحر العلامة أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار البغدادى اللغوى النحوى الملقب بابن الانبارى(1)
إضافة إلى نسبة والده أبى محمد القاسم بن محمّد الأديب الدارىّ هو كما قاله ابن خلّكان المورّخ المصرى الشّافعىّ الهكارى: كان علّامة وقته فى الآداب و أكثر النّاس حفظا لها؛ و كان صدوقا ثقة ديّنا خيّرا من أهل السنّة، و صنّف كتبا كثيره فى علوم القرآن و غريب الحديث و المشكل و الوقف و الإبتداء و الردّ على من خالف مصحف العامّة، و كتاب «الزّاهر» ذكره الخطيب فى «تاريخ بغداد» و أثنى عليه، و قال بلغنى إنّه كتب عنه و أبوه حىّ، و كان يملى فى ناحية من المسجد و أبوه فى ناحية أخرى.
و قال أبو على القالى: كان أبو بكر بن الأنبارىّ يحفظ فيما ذكر ثلاثمأة ألف بيت شاهد فى القرآن الكريم، و قيل له: قد أكثر النّاس فى محفوظاتك فكم تحفظ؟
فقال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقا؛ و قيل إنّه كان يحفظ مأة و عشرين تفسيرا للقرآن الكريم بأسانيدها.
و من جملة تصنيفاته كتاب «غريب الحديث» قيل انّه خمس و أربعون ألف ورقة، و كتاب «شرح الكافى» و هو ألف ورقة، و كتاب «الهاءات» نحو ألف ورقة، و كتاب
ص: 309
«الأضداد» و كتاب «الجاهليّات» و هو سبعمأة ورقة، «و المذكّر و المؤنث» ما عمل أحد أتمّ منه، و رسالة المشكل ردّ فيها على ابن قتيبة و أبي حاتم، و كانت ولادته سنة إحدى و سبعين و مأتين، و توفّى سنة ثمان و عشرين و ثلاثمأة(1).
و ذكره الحافظ السّيوطى أيضا فى «طبقات النّحاة» فقال قال الزّبيدى، كان من أعلم النّاس بالنّحو و الأدب و أكثرهم حفظا، سمع من ثعلب و خلق، و كان صدوقا فاضلا ديّنا خيّرا من أهل السنّة.
روى عنه الدارقطنىّ و جماعة؛ و كان يملى في ناحية و أبوه مقابله، و كان يحفظ ثلاثمأة ألف بيت شاهدا فى القرآن، و كان يملى من حفظه لا من كتاب.
و مرض يومأ فعاده أصحابه فرأوا من إنزعاج والده أمرا عظيما، فطيّبوا نفسه، فقال كيف لا انزعج و هو يحفظ جميع ما ترون؟ و أشار إلى خزانة مملوّة كتبا.
و كان مع حفظه زاهدا متواضعا، إلى أن قال: و قال أبو الحسن العروضىّ: اجتمعت أنا و أبو بكر ابن الأنبارىّ عند الراضى باللّه على الطّعام- و كان الطبّاخ قد عرف ما يأكل فكان يطبخ له قليّة يابسة، قال فأكلنا نحن من ألوان الطّعام و أطايبه و هو يعالج تلك القليّة، ثمّ فرغنا و اتينا بحلواء فلم يأكل منها، و قمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين و نمنا نحن فى خيشين و لم يشرب ماء إلى العصر، فلمّا جاء العصر قال لغلام: الوظيفة فجاءه بماء من الحبّ و ترك المزمّل بالثلج؛ فقاظنى ذلك، فصحت فأمر الرّاضى باحضارى؛ و قال ما قصّتك فاخبرته، فقلت: هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه و بين تدبير نفسه، لأنه يقتلها، و لا يحسن عشرتها، فضحك و قال يا أبا بكر لم تفعل هذا؟ قال أبقى على حفظى قلت له: قد أكثر النّاس فى حفظك، فكم تحفظ قال ثلاثة عشر صندوقا.
قال و سألته يوما جارية للرّاضى عن شى ء من تعبير الرّؤيا، فقال: أنا حاقن، ثمّ
ص: 310
مضى من يومه، فحفظ كتاب الكرمانىّ و جاء من الغدو قد صار معبّرا للرّؤيا، و كان يأخذ الرّطب فيشمّه، و يقول إنّك لطيّب و، تكن أطيب منك حفظ ما وهبه اللّه لى من العلم.
و لمّا مرض مرض الموت، أكل كلّ شى ء كان يشتهي، و قال هى علّة الموت.
ثمّ قال قال الخطيب: و رأى يوما بالسّوق جارية حسناء؛ فوقعت فى قلبه، فذكرها للرّاضى، فاشتراها له و حملها إليه، فقال لها اعتزلى إلى الإستبراء، قال و كنت أطلب مسألة، فاشتغل قلبى، فقلت للخادم: خذها و امض بها، فليس قدرها أن تشغل قلبى عن علمى، فأخذها الغلام، فقالت له دعنى اكلّمه بحرفين فقالت له: أنت رجل لك محلّ و عقل، و إذا أخرجتنى و لم تبيّن ذنبى، ظنّ النّاس فىّ ظنا قبيحا، فقال لها:
مالك عندى ذنب غير أنّك شغلتنى عن علمى فقالت: هذا سهل؛ فبلغ الراضى، فقال لا ينبغى ان يكون العلم فى قلب أحد أحلى منه فى صدر هذا الرّجل (1).
ثمّ قال قال الزّبيديّ: و كان شحيحا؛ و ما أكل له أحد شيئا قطّ، و كان ذا يسار و حال واسعة، و لم يكن له عيال (2) و وقف عليه رجل يوما، فقال أجمع أهل سبع فراسخ على شى ء، فاعطنى درهما حتّى أفارق الإجماع، فقال له ما هذا الإجماع؟ قال على انّك بخيل فضحك و لم يعطه شيئا.
و املى كتبا كثيرة منها «غريب الحديث» إلى أن قال: بعد ذكره لما تقدّم و «ادب الكاتب» و كتاب «المقصور و الممدود» و كتاب «الواضح» فى النّحو، و كتاب «الموضح» فيه، و كتاب «الهجاء» و كتاب «اللّامات» و «شروح أشعار الأعشى و النّابغة و زهير» و غير ذلك (3) انتهى كلام صاحب الطّبقات.
و من المناسب لنا هنا الإشارة إلى ذكر جماعة من أرباب الحافظة العجيبة الغريبة
ص: 311
جمعا بين المتّناسبات البديعة الرّطيبة، كما هود يد ننافى مطاوى هذا الكتاب، طلبا لنيل الثّواب، من اللّه العزيز الوهّاب، و جميل دعاء النّاظرين من الأحباب، و أنا رهين الجنادل و التّراب، فنقول: و من أرباب الحوافظ الغريبة، كما قد عرفته قريبا هو ابن دريد اللغوى، و الخواجه عبد اللّه الأنصارى، و الأديب المتقدم ذكره و ترجمته على هذا العنوان، و إمامهم الأصمعىّ المسموع لك تفاصيل أحواله فى باب العين المهملة من هذا البنيان و شيخهم الرّئيس حسين بن سيناء المؤمى إلى شى ء من سحر حافظته أيضا فى ذيل ترجمته، و علىّ بن الحسن المؤدّب النّحوى الملقّب بالأحمر، حسب ما نقل عن تقلبهم المتقدّم فى باب الأحمدين أنّه قال فى صفته كان يحفظ أربعين ألف بيت شاهدا على النّحو، سوى ما يحفظ من القصائد، و كان مقدّما على الفرّاء فى حياة الكسائىّ، و له كتاب «التّصريف» و كتاب «تغيّر البلغاء» و أبو عمر الزّاهد الّذى سوف يأتى أنّه أملى من حفظه ثلثين ألف ورقة، و بندار بن عاصم الإصفهانىّ، الّذى نقل فى حقّه عن «طبقات التّرمذىّ» انّه كان يحفظ تسعمأه قصيدة أوّل كلّ منها بانت سعاد، و ابن مسعود الرّازى الّذى نقل أنّه ورد باصفهان و أملى عن ظهر قلبه مأة ألف حديث، فلمّا وقعت كتبه قوبلت بها فلم يعثر منها فى سقطه إلّا فى متن حديثين، و عن أبى الفرج ابن الجوزىّ أنّه قال في كتابه «المنتظم» بعد ما ذكر اسم عبد الرحمان بن أحمد بن أبى عبد اللّه الختلى المحدّث المشهور الّذى سمع أبا العبّاس البرقىّ، و الباغندىّ، و ابن أبى الدّنيا، و روى عنه الدّارقطنيّ المتقدّم ذكره فى باب العين، و كان مشهورا بالحفظ فجاء إلى البصرة، و ليس معه شى ء من كتبه، فحدّث شهورا إلى أن لحقته كتبه، فسمعته يقول حدثت بخمسين ألف حديث من حفظى إلى أن لحقتنى كتبى انتهى (1).
و تقدّم أيضا فى ذيل ترجمة أحمد المتنبىّ ما ينبى ء عن أمثال هذه الحوافظ،
ص: 312
بيدائى لم أعثر إلى الآن على من هو أحفظ من محمّد بن عمر بن محمد المكتني بأبى بكر الجعابّى التّميمى الحاكم الحافظ، و هو من أجلّاء علماء الإماميّة و محدّثيهم المذكورين فى كتب رجالهم؛ و كان من كبار تلامذة أبي العبّاس بن عقدة المتقدّم ذكره فى باب الاحمدين، حيث نقل عن أبى بكر التّنوخى انّه قال ما سمعنا أحفظ من أبي بكر الجعابى، و سمعت من يقول أنّه يحفظ مأتى ألف حديث، و يحدّث فى مثلها إلّا انّه كان يفضّل الحفاظ بأنّه كان يسوق المتون بألفاظها أو اكثر الحفّاظ يسمحون بذلك، و كان يزيد عليهم بحفظ المقطوع و المرسل و الحكايات؛ و قال أبو عمر الهاشمى سمعت الجعابى يقول أحفظ أربعمأة ألف حديث، و اذاكر بستّمأة ألف حديث، و قد مات هذا الرجل ببغداد سنة أربع و أربعين و ثلاثمأة بعد وفاة صاحب التّرجمة بستّ عشرة سنة، ثمّ انّه قد تقدّم فى مقامه الإطاقة على مراتب أحوال والد صاحب التّرجمة مع جماعة آخرين مقاربين له فى العصر و الوصف و الرّسم و النّسب كما قد سبقت الإشارة إلى ترجمة الأنبار فى باب العين المهملة، فى ذيل ترجمة الشيخ كمال الدين الانبارى، و كذا ألى اشخاص المصنّفين فى ادب الكاتب و اصلاح المنطق فى غير ذلك الباب فى ترجمة. إبن قتيبة الدّينورىّ اللّغوىّ المشهور فليلاحظ.
البارع الحفى و السيف المستوفى محمد بن عبد اللّه الشافعى البغدادى المشتهر بابى بكر الصيرفى(1)
ذكر ابن خلّكان، انّه كان من جملة الفقهاء أخذ الفقه عن أبى العبّاس بن- سريح، و اشتهر بالحذق فى النّظّر و القياس، و علم الأصول، و له فى اصول الفقه كتاب لم يسبق إلى مثله، قال: و حكى أبو بكر القفّال فى كتابه الّذى صنّفه فى الأصول
ص: 313
إنّ أبا بكر الصيرفى كان أعلم النّاس بالأصول بعد الشّافعىّ، و هو أوّل من انتدب من أصحابنا للشّروع فى علم الشّروط، و صنّف فيه كتابا أحسن فيه كلّ الإحسان.
توفّى يوم الخميس لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين و ثلاثمأة؛ و الصّيرفّى- بفتح الصّاد المهملة- دون كسرها كما ينطق به كثير من النّاس، و هى نسبة مشهورة لمن يصرف الدنانير و الدّراهم انتهى (1).
و خلافات هذا الرّجل مذكورة فى كتب اصول أصحابنا و خصوصا فى مصنّفات الفاضلين و من تقدّمهما، و كثيرا ما تذكر أقواله فى مقابلة أقوال أبى الحسين البصرىّ، و أبى بكر الباقلانى و أضرابهما كما لا يخفى.
ثمّ لا يذهب عليك انّ هذا الرّجل غير القاضى أبى بكر المغافرى الآتى ترجمته قريبا، و غير الشّيخ الحافظ محمّد بن عبد اللّه المكتنى بأبي بكر الشّيبانىّ الجوزقى النيسابورىّ، صاحب كتاب «الأربعين» و غيره، فانّه يروى عن عن سميه أبى حامد محمّد بن محمّد بن الحسن الشّهير بابن الشّرفىّ، تلميذ مسلم، و غير محمّد بن عبد اللّه- ابن محمّد بن عبد اللّه المكتنى بأبى نصير الأرغيانيّ الشّافعىّ، الّذي قال فى صفته ابن خلّكان المتقدّم قدم من بلده إلى نيسابور، و اشتغل على إمام الحرمين أبى المعالى الحوينّى، و برع فى الفقه، و كان إماما متقنا ورعا كثير العبادة، و سمع الحديث من أبى الحسن علىّ بن أحمد الواحدىّ صاحب التّفاسير، و روى عنه فى تفسير قوله تعالى: انّى لأجد ريح يوسف انّ ريح الصّباء استأذنت ربّها عزّ و جلّ أن يأتى يعقوب بريح يوسف، فأذن لها، فأتته بذلك، فلذلك يستريح كلّ محزون بريح الصّباء، و هو من ناحية الشّرق إذا هبّت على الأبدان نعمتها و لينتها و هيّجت الأشواق إلى الأوطان و الأحباب و أنشده:
أيا جبلى نعمان باللّه خليّا
نسيم الصّبا يخلص إلى شميمها
فانّ الصّبا ريح إذا ما تنسمّت
علي نفس مهموم تجلّت همومها
ص: 314
و كانت ولادته سنة ثمان و خمسين و أربعمأة، و وفاته سنة ثمان و عشرين و خمسمأة، و الفتاوى المستخرجة من كتاب نهاية المطلب المنسوبة إلى الأرغيانىّ لأبى نصر المذكور، دون أبى الفتح سهل بن علىّ الأرغيانىّ المقدّم ذكره.
خيرة البنجى و حيرة الافرنجى محمد بن يحيى بن عبد اللّه بن العباس بن محمد المكتنى بابى بكر الصولى الشطرنجى(1)
كان كما ذكر ذكره ابن خلّكان أحد الادباء المشاهير، و الفضلاء النّحارير، روى عن أبى داود السّجستانى، و ثعلب النّحوى. و أبى العبّاس المبرّد. و غيرهم.
و روى عنه أبو الحسن الدارقطنى، و أبو عبد اللّه المرزبانيّ- جامع ديوان يزيد بن معاوية اللّعين- و نادم الرّاضى، و المكتفي، و المقتدر من العبّاسيّين.
و له من المصنّفات المشهورة كتاب «الوزراء» و كتاب «الورقة» و كتاب «أدب الكاتب» و كتاب «الأنواع» و كتاب «أخبار أبي عمرو بن العلاء» و كتاب «العبادة» و «أخبار ابن هرمة» و «اخبار السيّد إسماعيل الحميرى» «و أخبار اسحاق بن ابراهيم» و جمع أخبار جماعة من الشّعراء المحدثين، و غير ذلك.
قال: و كان أوحد وقته فى لعب الشّطرنج، و النّاس إلى الآن يضربون به المثل فى ذلك؛ حتّى أنّ اعتقاد خلق كثير انّه واضع هذا العلم و هو غلط، فانّ الّذى وضعه صصّه بن داهر الهندى، و اسم الملك الّذى وضع له شهرام بكسر الشّين.
ص: 315
و كان اردشير بن بابك أوّل ملوك الفرس الأخيرة قد وضع النرد، و لذلك قيل له النردشير و جعله مثالا لدار الدّنيا و أهلها، فرتّب الرّقعة إثنا عشر بيتا بعدد شهور السّنة، و جعل القطع ثلاثين قطعة بعدد أيّام كلّ شهر، و جعل الفصوص مثل القدر، و تقلّبه بأهل الدّنيا فافتخرت الفرس بوضع النّرد، و كان ملك الهند يومئذ بلهيت؛ فوضع له صصّة المذكور الشّطرنج، فقضت حكماء ذلك العصر بترجيحه على النّرد لأمور يطول شرحها.
قلت: و قد ضبط صاحب الكلام فى آخر التّرجمة لفظه صصّة بالمهملتين على وزن قصّة، و ذكر أيضا أنّ أردشير بفتح الهمزة و سكون الزّاى الهوزّية و فتح الدّال المهملة و كسر الشّين المعجمة فليلاحظ ثمّ انّه قال؛ و يقال إنّ صصّة لمّا وضع الشّطرنج و عرضه على الملك شهرام المذكور أعجبه و فرح به كثيرا، و أمر، أن يكون على بيوت الدّيانة، و رآها أفضل ما علم لانّها آلة للحرب، و عزّ للدّين و الدّنيا، و أساس لكلّ عدل، و أظهر الشّكر و السرور على ما أنعم عليه فى ملكه منها؛ و قال لصصّه:
اقترح علىّ ما تشتهى، فقال له: اقترحت أن تضع حبّة قمح في البيت الأوّل، و لا تزال تضعّفها حتّى تنتهى إلى آخرها، فمهما بلغت تعطينى، فاستصغر الملك ذلك، و أنكر عليه لكونه قابله بالنزر اليسير، و قد كان أضمر له شيئا كثيرا؛ فقال ما اريد إلّا هذا، فرادّه فيه، و هو مصرّ عليه، فأجابه إلى مطلوبه و تقدّم له به، فلمّا قيل لأرباب الديوان حسبوه فقالوا ما عندنا قمح يفى بهذا و لا بما يقاربه، فلمّا قيل للملك استنكر هذه المقالة، و أحضر أرباب الديوان و سألهم فقالوا له: لو جمع كلّ قمح فى الدّنيا ما بلغ هذا المقدار، فطالبهم باقامة البرهان على ذلك؛ فقعدوا و حسبوه، فظهر لهم صدق ذلك، فقال الملك لصصّة أنت فى اقتراحك ما اقترحت أعجب حالا من وضعك الشّطرنج.
ثمّ قال: و طريق هذا التّضعيف أن يضع الحاسب فى البيت الاوّل حبّة و فى التّانى
ص: 316
حبّتين، و فى الثّالث أربع حبّات، و فى الرّابع ثمانى حبّات، و هكذا إلى آخره، كلّما انتقل إلى بيت ضاعف ما قبله و أثبته فيه، و لقد كان فى نفسى من هذه المبالغة شى ء حتى اجتمع فى بعض حسّاب الإسكندريّة، و ذكر لى طريقا تبيّن لى صحّة ما ذكروه و إن استنكره بعض من لم يطلّع على حقيقة ذلك؛ و هو أنّه أحضر لى ورقة كان قد قد ضاعف فيها الأعداد إلى البيت السّادس عشر، فاثبت فيها إثنتين و ثلاثين ألف و و سبعمأة و ثمانيا و ستين حبّة، و قال: تجعل هذه الجملة مقدار قدح، و قد اعتبرتها، فكانت كذلك و العهدة عليه فى هذا النّقل، ثمّ ضاعف القدح فى البيت السّابع عشر، و هكذا حتّى بلغ ويبة فى البيت العشرين، ثمّ انتقل إلى الوبيات، و منها إلى الأرادب و لم يزل يضاعفها حتّي إنتهى فى بيت الأربعين إلى مأة ألف إردب و أربعة و سبعين ألف إردب و سبعمأة و إثنين و ستين أردبا و ثلاثين، و قال تجعل هذه الجملة فى شونة فانّ الشّونة لا يكون فيها أكثر من هذا، ثمّ ضاعف الشّون فى بيت الخمسين فكانت الجملة ألفا و أربعا و عشرين شونة فقال تجعل هذه فى مدينة، فانّ المدينة لا يكون فيها أكثر من هذه الشّون، و أىّ مدينة يكون فيها هذه الجملة من الشون ثمّ ضاعف المدن حتّى إنتهى إلى البيت الرّابع و الستّين و هو آخر أبيات رقعة الشّطرنج، إلى ستّة عشر ألف مدينة و ثلاثمأة و أربع و ثمانين مدينة، و قال ليعلم انّه ليس فى الدّنيا مدن أكثر من هذا العدد، فانّ دور كرة الأرض معلوم بطريق الهندسة، و هو ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضعنا طرف حبل على أىّ- موضع كان من الأرض و أدرنا الحبل على كثرة الارض حتّى انتهينا بالطّرف الآخر إلى ذلك الموضع من الارض، و التّقى طرفا الحبل فاذا مسحنا ذلك الحبل، كان طوله أربعة و عشرين ألف ميل، و هى ثمانيه آلاف فرسخ، و هو قطعىّ لا شكّ فيه، و لو لا خوف التّطويل و الخروج عن المقصود لبيّنت ذلك؛ و سيأتى ذكره فى ترجمة بنى موسى انشاء اللّه تعالى انتهى (1).
ثمّ ذكر فى ترجمة أبى عبد اللّه محمّد بن موسى بن شاكر انّه أحد الأخوة الثلاثة
ص: 317
الّذين ينسب إليهم حيل بنى موسى، و هم مشهورون فيها، و اسم أخويه أحمد و الحسن، و كانت لهم همم عالية فى تحصيل العلوم القديمة و كتب الأوائل، و أظهروا عجائب الحكمة، و لهم فى الحيل كتاب عجيب نادر يشتمل على كلّ غريبة و لقد وقفت عليه فوجدته من أحسن الكتب و أمتعها و هو مجلّد واحد.
قال و ممّا اختصّوا به فى ملّة الإسلام و أخرجوه من القوّة إلى الفعل، هو أنّ المأمون كان مغري بعلوم الأوائل و تحقيقها، و رأى فيها أنّ دور كرة الارض أربعة و عشرون ألف ميل، كل ثلاثة أميال فرسخ، فأراد المأمون أن يقف علي حقيقة ذلك، فسأل بنى موسى المذكورين عنه فقالوا: نعم هذا قطعّى. فقال أريد منكم أن تعملوا الطّريق الّذى ذكره المتقدّمون حتّى نبصر هل يتحرّر ذلك ام لا، فسألوا عن الأراضى المتساوية فى أىّ البلاد، فقيل لهم صحراء سنجار فى غاية الاستواء، و كذلك وطاة الكوفة، فأخذوا جماعة ممّن يثق المأمون إلى قولهم، و خرجوا إلى سنجار؛ و جاؤا إلى الصّحراء المذكورة؛ فوقفوا فى موضع منها و أخذوا إرتفاع القطب الشّمالى ببعض الآلات، و ضربوا فى ذلك الموضع وتدا و ربطوا فيه حبلا طويلا. ثمّ مشوا فى الجهة الشّماليّة على الأستواء الارض من غير إنحراف من اليمين أو اليسار حسب الإمكان، فلمّا فرغ الحبل ضربو فى الارض وتدا آخر و ربطوا فيها حبلا؛ و مشوا إلى جهة الشّمال، أيضا؛ كفعلهم الأوّل؛ و لم يزل ذلك دأبهم حتّى انتهوا إلى موضع أخذوا منه إرتفاع القطب المذكور، فوجدوه قد زاد عن الإرتفاع الأوّل درجة، فمسحوا ذلك القدر الّذى قدّروه من الأرض بالحبال، فبلغ ستّا و ستّين ميلا. و ثلثى ميل، فعلموا أنّ كلّ درجة من درجة الفلك يقابلها من سطح الأرض ستّا و ستين ميلا و ثلثى ميل، و من المعلوم إنّ درج الفلك ثلثمأة و ستّين درجة لانّ الفلك مقسوم باثنى عشر برجا، كلّ برج ثلاثون درجة، فضربوا عدد درج الفلك فى الأميال المذكورة الّتى هى حصّة كلّ درجة فكانت الجملة أربعة و عشرين ألف ميل و هى ثمانية آلاف فرسخ و هذا محقق لا شكّ فيه، فلمّا عاد بنوا
ص: 318
موسى إلى مامون و أخبروه بما صنعوا، و كان موافقا لما رآه فى الكتب القديمة من استخراج الأوائل طلب تحقيق ذلك فى موضع آخر؛ فسيّرهم إلى أرض الكوفة و فعلوه كما فعلوا فى سنجار، فتوافق الحسابات فعلم المأمون صحّة ما جوّزه القدماء فى ذلك انتهى (1)
و لا يخفى انّ كشف أمثال هذه العجائب من العلوم إنّما هو من بركات ملوك الدّنيا؛ إذا عشقوا الكمال، و حشروا مع العلماء دون الجهّال، و أثروا بعلوّ منزلتهم؛ و سمّو مرتبتهم، مجالسة الأبطال، على معاشرة البطّال، و أهل الّلعب بالنرد و الشّطرنج و الأربعة عشر و أمثال هذه الأعمال.
و قد قال شيخنا البهائى فى كتابه «الكشكول» رأيت فى الكتب انّ الشّطرنج إنّما وضعها الحكماء لملوك الرّوم و الفرس، لأنّهم لم يكن لهم علم، و كانوا لا يطيلون الجلوس مع العلماء لجهلهم، و إذا اجتمعوا مع أمثالهم كان كما لا يتلاحظ البصر، فوضعوا لهم ذلك ليشتغلوا به، و أمّا ملك اليونان و قدماء الفرس و الرّوم فكان لكلّ منهم كعب عال فى العلوم؛ و كان لا يتفرّغون عنه لأمثال هذه الأمور الواهية، فليلاحظ.
رجعنا إلى تتمّة حديث الصّولى قال ابن خلّكان المتقدّم حكى المسعودى فى مروج الذّهب إنّ الإمام الرّاضى باللّه أتى فى بعض متنزّهاته بستانا مونقا؛ و زهرا رائقا، فقال لمن حضره ممّن كان من ندمائه: هل رأيتم منظر أحسن من هذا؛ فكلّ انشأ و ذهب فيه إلي مدحه و وصف محاسنه، و إنّها لا يفى بها شى ء من زهرات الدّنيا، فقال الرّاضى:
لعب الصّولى بالشّطرنج أحسن ممّا تصفون (2).
إلى أن قال: و نوادره و ما جرياته أكثر من ان تحصى، و مع فضائله
ص: 319
و الإتّفاق على تفنّنه فى العلوم و خلاعته و ظرافته ما خلا من منتقص هجاه هجوا لطيفا، و هو أبو سعيد العقيلى فانّه رأىّ له بيتا مملواء كتبا قد صفها و جلودها مختلفة الألوان، و كان يقول هذه كلّها سماعىّ و إذا احتاج إلى معاودة شى ء منها قال يا غلام هات الكتاب الفلانىّ، فقال أبو سعيد المذكور هذه الأبيات و هى.
إنّما الصّولىّ شيخ
أعلم النّاس خزانه
إن سألناه بعلم
طلبا منه إبانه
قال يا غلمان هاتوا
رزمة العلم فلانه
و توفّى الصوليّ المذكور سنة خمس و قيل ست و ثلاثين و ثلاثمأة بالبصرة مستترا لانّه روى خبرا فى حقّ علىّ بن أبى طالب رضى اللّه عنه فطلبته الخاصّة و العامّة لتقتله فلم تقدر عليه، و كان قد خرج من بغداد لإضاقة لحقته، و قد سبق الكلام على الصولىّ فى ترجمة إبراهيم بن العبّاس الصّولىّ، و هو عمّ والد أبى بكر المذكور انتهى كلام ابن خلّكان.
و أمّا نحن فقد قدّمنا الكلام على إبراهيم المذكور فى ذيل ترجمة خاله العبّاس بن أحنف التّمامىّ المشهور، و قال صاحب «القاموس» صول قرية بصعيد مصر منها محمّد بن جعفر الفقيه المالكىّ، و بالضمّ رجل و إليه ينسب أبو بكر الصّولىّ، و ابن عمّه إبراهيم و قلعة قلت: و جبل عظيم بقصبته خوانسارنا الّتى تقدّم ذكرها فى ذيل ترجمة مولانا الآقا حسين.
***
ص: 320
المعلم الثانى و المقنن البانى محمد بن طرخان بن اوزلغ ابو نصر الفارابى التركى(1)
الحكيم المشهور صاحب التّصانيف الفائقة فى المنطق و الموسيقى و غيرهما من العلوم، كان كما ذكره ابن خلّكان أكبر فلاسفة المسلمين، و لم يكن فيهم من بلغ رتبته فى فنونه، و الشّيخ الرّئيس أبو علىّ بن سينا بكتبه تخرج و بكلامه انتفع فى تصانيفه قال: و كان رجلا تركيّا ولد و نشأ فى بلده فاراب، ثمّ خرج من بلده و تنقلب به الأسفار حتّى وصل إلى بغداد و هو يعرف اللّسان التّركى و عدّة لغات غير العربى، [فشرع فى اللسان العربى] فتعلّمه و أتقنه غاية الإتقان، ثمّ اشتغلّ بعلوم الحكمة.
و لمّا دخل بغداد كان بها أبو بشر متى بن يونس الحكيم المشهور، و هو شيخ كبير و كان يعلّم النّاس فنّ المنطق، و له إذ ذاك صيت عظيم و شهرة وافية؛ و يجتمع فى حلقته كلّ يوم المئون من المشتغلين بالمنطق؛ و هو يقرأ كتاب أرسطا طاليس فى المنطق و يملى على تلامذته شرحه؛ فكتب عنه فى شرحه سبعين سفرا، و لم يكن فى ذلك الوقت أحد مثله فى فنّه، و كان حسن العبارة فى تأليفه لطيف الإشارة، و كان يستعمل فى تصانيفه البسط و التّذييل حتّى قال بعض علماء هذا الفنّ: ما رأى انّ أبا نصر الفارابى أخذ طريق تفهيم المعانى الجزلة بالألفاظ السّهلة إلّا من أبى بشر يعني المذكور، و كان أبو نصر يحضر حلقته فى غمار تلامذته، فأقام أبو نصر كذلك برهة، ثمّ ارتحل إلي مدينة حرّان و فيها يوحنّا بن خيلان (2) الحكيم النّصرانى فأخذ عنه طرفا من المنطق أيضا
ص: 321
ثمّ إنّه قفل راجعا إلى بغداد و أقرأ بها علوم الفلسفة، و تناول جميع كتب أرسطاطاليس فى المنطق و يقال انّه وجد «كتاب النفس» لارسطاطاليس و عليه مكتوب بخطّ أبى نصر الفارابى انّى قرأت هذا الكتاب مأتى مرّة.
و نقل عنه انّه كان يقول: قرأت «السّماع الطّبيعىّ» لأرسطا طاليس الحكيم أربعين مرّة و أرى انّى محتاج إلى معاودة قراءته، و روى عنه انّه سئل: من أعلم النّاس بهذا الشّان انت أم أرسطا طاليس؟ فقال: لو أدركته لكنت أكبر تلامذته.
و ذكره ابو القاسم بن صاعد القرطبّى فى كتاب «طبقات الحكماء» فقال: الفارابى فيلسوف المسلمين على الحقيقة، أخذ صناعة المنطق عن يوحنّا بن خيلان المتوفّى ببغداد فى أيّام المقتدر، فبذ جميع أهل الإسلام و أربى عليهم فى التّحقيق لها و شرح غامضها و كشف سرّها و قرب تناولها، و جميع ما يحتاج إليه منها، فى كتب صحيحة العبارة لطيفة الإشارة، منبّها على ما أعقله الكندىّ و غيره من صناعة التّحليل و أنحاء التّعاليم، و أوضح القول فيها من موادّ المنطق الخمسة، و أفاد وجوه الإنتفاع بها و عرف طرق استعمالها، و كيف تصرّف صورة القياس فى كلّ مادّة منها فجاءت كتبه فى ذلك الغاية الكافية و النّهاية الفاضلة؛ ثمّ له بعد هذا كتاب شريف في إحصاء العلوم و التّعريف باغراضها لم يسبّق إليه، و لا ذهب أحد مذهبه فيه، و لا يستغنى طلّاب العلوم كلّها عن الاهتداء به انتهى كلام ابن صاعد؛ و ذكر بعد ذلك شيئا من تأليفه و مقاصده فيها و لم يزل ابو نصر ببغداد مكبّا على الإشتغال بهذا العلم إلى أن برز فيه وفاق أهل زمانه، و الّف بها معظم كتبه، ثمّ سافر منها إلى دمشق، و لم يقم بها؛ ثمّ توجّه إلى مصر، و قد ذكر فى كتابه الموسوم ب «السياسة المدنيّة» أنّه إبتدأ بتأليفه فى بغداد و أكمله بمصر، ثمّ عاد إلى دمشق و أقام بها، و سلطانها يومئذ سيف الدّولة بن حمدان فأحسن إليه.
و رأيت فى بعض المجاميع أنّ أبا نصر لمّا ورد على سيف الدّولة و كان مجلسه مجمع الفضلاء فى جميع المعارف، فادخل عليه و هو بزىّ الأتراك، و كان ذلك زيّه
ص: 322
دائما فوقف فقال سيف الدّولة: اقعد، فقال له: حيث أنا أم حيث أنت؟ فتخطي رقاب النّاس حتّى إنتهى إلى مسند سيف الدّولة و زاحمه فيه حتّى أخّرجه عنه، و كان على رأس سيف الدّولة مماليك، و له معهم لسان خاصّ يكلّمهم به قلّ أن يعرفه أحد، فقال لهم بذلك اللّسان انّ هذا الشّيخ قد أساء الأدب، و انّى سائله عن أشياء إن لم يوف بها فاخرقوا به، فقال له أبو نصر بذلك اللّسان: أيّها الأمير إصبر فانّ الامور بعواقبها، فعجب سيف الدّولة منه و قال له: اتحسن بهذا اللّسان فقال نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا فعظم ذلك عنده.
ثمّ أخذ يتكلّم مع العلماء الحاضرين فى المجلس فى كلّ فنّ، فلم يزل كلامه يعلو و كلامهم يسفل حتّى صمت الكلّ و بقي يتكلّم وحده، ثمّ أخذوا يكتبون ما يقوله، فصرفهم سيف الدّولة و خلابه، فقال له: هل لك أن تأكل؟ فقال لا فقال له هل لك أن تشرب؟ فقال لا، فقال له، هل لك أن تسمع؟ فقال: نعم، فأمر سيف الدّولة باحضار القيان، فحضر كلّ ماهر فى هذه الصّناعة بانواع الملاهى، فلم يحرّك أحد فيه آلته إلّا وعابه أبو نصر و قال له: اخطأت فقال له سيف الدّولة: و هل تحسن فى هذه الصّناعة شيئا قال: نعم، ثمّ اخرج من وسطه خريطة ففتحها و اخرج منها عيدانا و ركبها، ثمّ لعب بها؛ فضحك منها كلّ من كان فى المجلس، ثمّ فكّها و ركّبها غير تركيبها الأوّل، و حرّكها فبكى كل من فى المجلس، ثم فكها و غيّر تركيبها و حرّكها فنام كل من في المجلس حتّى البوّاب، فتركهم نيّاما و خرج، و يحكى أنّ آلة الّتى تسمّى القانون من وضعه، و هو أوّل من ركّبها هذا التّركيب، و كان منفردا بنفسه لا يجالس النّاس، و كان مدّة مقامه بدمشق لا يكون غالبا إلّا عند مجتمع ماء أو مشتبك رياض، و يؤلّف هناك كتبه، و ينتابه المشتغلون عليه؛ و كان أكثر تصانيفه فى الرّقاع و لم يصنّف فى الكراريس إلّا القليل، فلذلك جاءت أكثر تصانيفه فصولا و تعاليق، و يوجد بعضها ناقصا مبتورا و كان أزهد النّاس فى الدّنيا لا يحتفل بأمر مكسب و لا مسكن و أجرى عليه سيف الدّولة فى كلّ يوم من بيت المال أربعة دراهم، و هو الّذى اقتصر
ص: 323
عليها لقناعته، و لم يزل على ذلك إلى أن توفّى سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمأة بدمشق، و صلّى عليه سيف الدّولة فى أربعة من خواصّه، و قد ناهز ثمانين سنة، و دفن بظاهر دمشق خارج باب الصّغير.
و توفّى متي بن يونس ببغداد فى خلافة الراضى هكذا حكاه ابن صاعد في «طبقات الأطبّاء»(1).
أقول و فى «روضة الصّفا» انّه قتل بأيدى قطّاع الطّريق عند خروجه إلى سفر عسقلان، و كان ذلك بعد ما نفدت سهامه الّتى كانت معه، و هو تجدّ بها فى المحاربة معهم أوّلا لكونه ماهرا فى علم الرّماية أيضا جدّا، و لمّا سمع بواقعته سيف الدّولة أرسل فى طلب قاتليه حتّى أخذوا جميعا فامر بهم أن يصلبوا حيث كان به مدفن الرّجل، و يتركوا على الجذوع منكّسين وجوههم فوق أرجلهم إلى أن هلكوا بهذه العقوبة، و صاروا عبرة للعالمين، و كذلك يخزى اللّه القوم الظّالمين.
ثمّ إنّ فى كتاب «المنية» للمحدث النّيسابورىّ نقل كلام يناسب درج هذا المقام عن الرّسالة الفارسيّة الّتى كتبها مولانا محمّد طاهر القمىّ فى بطلان طريقة الفلاسفة و الطّبيعية، و خروجهم عن المراسم الدّينيّة و الشّرايع الإسلامية؛ و كذلك البسطاميّة و الحلّاجيّة من الصوفيّة، الكشفيّة و الكراميّة، و هو فى ذلك الكتاب بهذه الكيفيّة من السّؤال و الجواب: باز بيان فرمايند كه مذاهب فاسده باطله فلاسفه در چه زمان و بچه سبب در ميان أهل اسلام شايع و متعارف شده، بيّنوا توجروا الجواب هو المعين و الموفق، بدان رحمك اللّه كه فلسفه پيش از زمان مأمون رشيد در ميان أهل إسلام نبوده، در كتاب «رشف النّصايح» مذكور است كه أبو مرّه كندىّ در شام كتابى از كتابهاى فلاسفه بدستش افتاد، بنزد عبد اللّه بن مسعود كه از صحابه بود آورد، عبد اللّه مسعود طشت و آب طلب كرد چنان أجزاء كتاب را بشست كه سواد مداد در بياض كتاب ظهور يافت، و تا زمان مأمون أثرى از كتابهاى إيشان
ص: 324
ظاهر نبود، تا آنكه مأمون أرسطو را بخواب ديد و أز گفتگوى أرسطو محظوظ شد.
ايلچى تعيين نمود بجانب فرنك فرستاد و كتب فلاسفه را از پادشاه فرنك طلب نمود، كتب را ببلاد اسلام نقل نمودند، و فرمود كه زبان دانان كتب را بزبان عربى نقل نمايند، و چون درس خواندن و نوشتن آن كتب سبب قرب خليفه بود بنابراين سنيّان بطمع قرب و انعام خليفه اوقات بسيار صرف فلسفه و افاده و إستفاده آن كردند خصوصا سنّيان ماوراء النّهرىّ كه بي توفيقى شعار ايشان است سعى بسيار در تحصيل فلسفه كردند، دو كس إيشان كه فارابي و أبو على باشند در ترويج كفرهاى فلاسفه سعى بليغ نمودند، و سنّيان فارابى را معلّم ثانى نام كردند، و أبو عليّ را شيخ رئيس ناميدند، بر أهل بصيرت پوشيده نيست كه أقوال سخيفه ضعيفه باطله فلاسفه و متفلسفه سبب خبط دماغ و سقم عقول و فساد أفكار إيشان است.
مولانا نفيسى كه أز أعاظم أفاضل أطبّا است در كتاب «شرح أسباب» گفته كه فارابي مبتلى بمرض ماليخوليا بوده، و نقل كرده كه بسيارى أز فلاسفه مثل أفلاطون و نظراى او بمرض ماليخوليا گرفتار بودند، و أبو على چنانكه أهل تاريخ نقل كرده اند معروف بشرب خمر بوده، مريدان فارابى گفته اند كه او ساز را خوش مى نواخت، ساز را بعنوانى ميزد كه أهل مجلس بخواب مى رفتند، و خودش بخواب نمى رفته، اين طرفه است كه اين فسق را مريدانش از كمال او شمرده اند، إلى آخر ما نقل عنه فى تسوية هذا المرام، بتحرير الطّارفة من الكلام، و قال صاحب «مجالس المؤمنين» بعد ايراد سمته بعنوان: الحكيم الربّانى، و المعلّم الثّانى محمّد بن طرخان الفارابىّ قدّس سرّه معلّم مقالات أهل يونان متمّم كمالات نوع إنسان طائر بلندپرواز عالم نفوس و عقول سائر منازل عروج و مراحل وصول فيّاض معارف و علوم مسلّم فارس و روم مزيّن صحايف ليل و نهار، مباين حقايق هفت و چهار، منكر آثار و تكلف و تصلّف مظهر أنوار إشراق و تصوّف بود، أوّل حكيمى است از فلاسفه اسلام كه بر مسند ترجمانى نشسته، علم حكمت را از زبان يونانى بزبان عربىّ نقل نمود، و ملقّب بمعلّم
ص: 325
ثانى شد، صاحب «تاريخ الحكماء» گفته كه پدر او صاحب خيل و حشم بود در اصل از فارس است، إلى أن قال: و مخفى نماند كه علماء أهل سنّت و جماعت حتّى حجّة- الإسلام غزالي پيش از آنكه نقل بمذهب حقّ إماميّه نمايد أبو نصر را تكفير نموده اند، و ظاهر اين تكفير ناشى از آنست كه در كتب او كه غالب آن ترجمان كلام حكماء يونانى است ذكر قدم عالم و انكار معاد جسمانىّ و أمثال آن ديده اند، ندانسته اند كه در آن تصانيف مقصد او چه بوده، و گمان برده اند كه أمثال آن كلمات را از روى اعتقاد ذكر نموده. با آنكه رساله فصوص كه باو نسبت مى دهند ظاهر در خلاف آنست.
ثمّ انه رحمه اللّه استدلّ على تشيّع الرّجل بصلاة السلطان المبرور المذكور.
على جنازته فى بضعة من الفضلاء الأجلّة، و قال انّه لم يرد بذلك الّا إيقاعها على طريقة الشّيعة الإماميّة، و ما كان يمكنه بهذا الوجه إلّا فى مقام الخلوة و الظّاهر أنّه كان بمقتضى وصيّته لهم بذلك، و اللّه اعلم بسرائر الأمور(1) انتهى كلام صاحب «المجالس،» و قد يظهر من تضاعيف الكتب أنّ شعر الرّجل ايضا كان فى نهاية الجودة و المتانة، و من جملة ما ينسب إليه من الشّعر اللّطّيف فى الرّسالة إلى معاشر الأحباب قوله:
ما ان تقاعد جسمى عن لقائكم
إلّا و قلبى إليكم شيّق عجل
و كيف يقعد مشتاق يحركه
إليكم الباعثان الشّوق و الأمل
فان نهضت فمالى غيركم وطن
و كيف ذاك و مالى عنكم بدل
و كم تعرّض بى الأقوام قبلكم
يستأذنون على قلبى فما وصلوا
هذا و فاراب علي وزن داراب بلدة من بلاد المشرق، يقال لها فى هذه الأزمنة اطرار على وزن أشنان و هي كما ذكره ابن خلّكان المتقدّم مدينة فوق الشّاش قريبة من مدينة بلاساغون، و قاعدة من قواعد من التّرك، و يقال لها فاراب الدّاخلة، و لهم فاراب الخارجة، و هي فى أطراف بلاد فارس، و بلاساغون الّتى هى بلد فى ثغور التّرك وراء نهر
ص: 326
سيحون بالقرب من كاشغر الّتى هى من المدن العظام فى تخوم ممالك الصّين؛ قلت:
و قد عدّه صاحب كتاب «تلخيص الآثار» من جملة بلاد الإقليم السادس، و قال فى ترجمته هى ولاية فى تخوم التّرك بقرب بلاساغون، و هى أرض سبخة ذات غياض مقدارها فى الطّول و العرض أقلّ من يوم إلّا أنّ بها بأسا، ينسب إليها أبو نصر محمد بن أحمد بن طرخان صاحب العجائب، انّه أوّل حكيم نشأ فى الإسلام و كان سيّاحا عالما بأنواع الحكمة و الإكسير، و كان معاصرا للصّاحب الكافى اسماعيل بن عبّاد وزير فخر الدّولة بن بويه- و كان الصاحب شديد الطّلب له، و كان حاذقا بعلم الموسيقى، فأخذ فى بعض المجالس شيئا من الملاهى، و ضرب ضربا ضحك القوم، ثمّ ضرب آخر بكى القوم كلّهم، ثمّ ضرب آخر نام القوم كلّهم، ثمّ قام و فارقهم.
و إنّ أبا نصر كان فى قفل يمشى فى فلاة، فوقع عليهم اللصوص، و كان حاذقا فى الرّمى، فقاتل حتّى قتل فى سنة أربعين و ثلاثمأة و ينسب إليها الأديب الفاضل اسماعيل بن حماد الجوهرى صاحب كتاب «صحاح اللغة» و كذلك خاله إسحاق بن إبراهيم صاحب «ديوان الادب» و من العجب انّهما كانا من أقصى بلاد التّرك و صارا من أئمة العربية.
هذا و أمّا أصل تركستان، فهى كما ذكره أيضا صاحب هذا الكتاب اسم جامع لجميع بلاد الترك، و حدّها من الإقليم الأوّل ضاربا فى المشرق عرضا إلى الاقليم السّابع و أكثرهم أهل الخيام، و منهم اهل القرى، و انّهم سكّان شرقى الأقاليم كلّها من الجنوب إلى الشّمال ممتازة عن جميع الامم بكثرة العدد و زيادة الشجاعة و الجلادة فى صورة السّباع، عراض الوجوه فطس الانوف، عبال السّواعد. ضيّق الاحداق و الغالب عليهم الغضب و الظّلم و القهر و اكل لحوم الحيوانات لا يريدون لها بدلا، و لا يراعون فيها نضجا، و لا يرون إلّا ما كان اغتضابا كما هى عادة السّباع، بها جبل ذابل فيه معدن الذهب و الفضّة، و بها جبل النّار فيها غار، كل دابة دخله يموت من وهج النّار، و بها معدن البلخش و اللاژورد و البيجادق، من خصائصها المسك الزّكىّ الرائحة،
ص: 327
و السّنجاب و السّمور و حجر اليشب.
الفاضل الاديب ابو بكر محمد بن على بن اسماعيل المارمى العسكرى الملقب به «مبرمان» على وزن معمعان(1)
قال السيوطى فى «طبقات النحاة» ولد بطريق رامهرمز و أخذ عن المبرد، و أكثر بعده عن الزجاج، و كان قيما بالنّحو؛ أخذ عنه الفارسى و السيرافى، و كان ضنينا بالأخذ عنه لا يقرئ كتاب سيبويه إلّا بمائة دينار، فقصده أبو هاشم الجبانى، فقال له: قد عرفت الرّسم؟ قال نعم، و لكن أسألك النظرة، و أحمل لك شيئا يساوى أضعاف القدر الذى تلتمسه منّى، فندعه عندك إلى أن يجيئنى مال لى ببغداد فاحمل و استرجع ما عندك فتمنع قليلا ثمّ أجابه، فجاء أبو هاشم إلى زنفليجة(2) حسنة مغشاة بالأدم محلاة، فملأها حجارة و قفلها و ختمها و حملها في منديل حتّى وضعها بين يديه، فلمّا رأى منظرها و ثقلها لم يشك فى حقيقة ما ذكره، فوضعها عنده و أخذ عليه، فما مضت مدّة حتّى ختم الكتاب، فقال له: احمل مالى قبلك فقال: انفذ معى غلامك حتى أدفع إليه، فانفذه معه، فجاء إلى منزله و كتب إليه رقعة فيها تعذّر على حضور المال و أرهقنى السّفر، و قد ابحتك التّصرف فى الزنفيلجة، و هذا خطّى حجّة بذلك و خرج أبو هاشم لوقته إلى البصرة، و منها إلى بغداد، فلمّا وقف مبرمان على الرقعة استدعى بالزنفيلجة فاذا فيها حجارة، فقال: سخر منّا أبو هاشم، ثم لا حيّاه اللّه و احتال علىّ بما لم يتمّ لغيره قط.
ص: 328
و كان مبرمان مع علمه ساقط المرؤة سخيفا إذا أراد أن يمضى إلى بعد طرح نفسه فى طبق حمّال و شدّه بحبل، و ربّما كان معه نبق أو غيره فيأكل و يرمى النّاس بالنوى يتعمد رؤسهم. و ربّما بال على رأس الحمّال فاذا قيل له يعتذر و لبعضهم يهجوه:
صداع من كلامك يعترينا
و ما فيه لمستمع بيان
مكابرة و مخرقة و بهت (1)
لقد أبر متنا يا مبرمان
الى أن قال: و له من التّصانيف «شرح كتاب سيبويه» لم يتمّ «شرح شواهده» «شرح كتاب الأخفش» «النّحو المجموع على العلل» «العيون» «التلقين» «المجارى» صفة شكر المنعم».
قال الزبيدى: توفى مبرمان سنة خمس و أربعين و ثلاثمأة انتهى (2)
و هو غير ابن عسكر النحوى المالقى الغسّانى، فانّ طبقته من المتأخرين، و كنيته أبو عبد اللّه و اسمه محمد بن على بن خضر و كان الغالب عليه اللّغة و الفقه و التاريخ، و له فى كلّ ذلك مصنّفات منها كتاب «المشرع الرّوى فى غريبى الهروى» و «صلة الاعلام للسهيلى» و كتاب «السّلو عن ذهاب البصر» و كتاب «الاربعين حديثا» و كان موته كما فى الطبقات أيضا سنة ستّ و ثلاثين و ستمأة و من شعره:
اصبر لما يعتريك تغنم
غنيمتى راحة و أجر
فانّ كلّ الخطوب ليل
لا بدّ يجلوه ضوء فجر(3)
هذا و قد مضت الإشارة إلى ترجمة عسكر بمعنيها مع ذكر جماعة من المنتسبين إليها فى أواسط باب الحاء المهملة فليراجع إليه إنشاء اللّه تعالى.
ص: 329
البارع المتقدم فى فنون العربية و الادب محمد بن عبد الواحد بن أبى هاشم البغدادى، ابو عمر الزاهد الملقب بالمطرز و المعروف ايضا بغلام ثعلب(1)
كان من كبار تلامذة ثعلب النّحوى المتقدّم ذكره فى باب الأحمدين، و ولد كما ذكره صاحب «طبقات النحاة» فى سنة مأتين و إحدى و ستين.
و قال القاضى التّنوخى فيما نقل عنه لم أرقط أحفظ منه، أملى من حفظه ثلاثين ألف ورقة، و لسعة حفظه نسب إلى الكذب، و قال ابن برهان: لم يتكلم فى العربية أحد من الاولين و الآخرين أعلم منه، و قال الخطيب البغدادى فيما نقل عن تاريخه لبغداد: كان أهل اللّغة يطعنون عليه و يقولون لو طار طائر فى الجوّ قال حدّثنا ثعلب عن ابن الاعرابى و يذكر فى ذلك سببا
و امّا أهل الحديث فيصدقونه و يوثقونه، قال و ولى معز الدولة شرطة بغداد مملوكا يقال له: خواجا فبلغ أبا عمر و هو على الياقوتة، فقال: اكتبوا ياقوتة خواجا الخواج فى اللّغة الجوع، ثمّ فرع عليه بابا، فاستعظم النّاس من كذبه و تبعوه. فقال أبو على الحاتمى أخرجنا فى «امالى الحامض» عن ثعلب عن ابن الأعرابى الخواج: الجوع قال و كان يؤدب ولد القاضي أبي عمر محمد بن يوسف؛ فاملى عليه يوما نحو ثلاثين مسألة فى اللّغة و ذكر غريبها و ختمها ببيتين من الشّعر و حضر ابن دريد و ابن الأنبارى و ابن مقسم عند القاضى، فعرض عليهم تلك المسائل، فما عرفوا منها شيئا، و أنكروا الشعر
ص: 330
فقال القاضى: ما تقولون فيها، فقال ابن الانبارى: أنا مشغول بتصنيف مشكل القرآن و لا أقول شيئا، و قال ابن مقسم كذلك، و قال أنا مشغول بالقراآت، قال ابن دريد هذه المسائل من مصنوعات أبى عمر و لا أصل لها فى اللغة، فبلغه ذلك، فاجتمع بالقاضى و سأله دواوين جماعة الشعراء سمّاهم، ففتح القاضى خزانته و أخرج له تلك الدواويز، فلم يزل ابو عمر يعمد الي كلّ مسألة و يخرج لها شاهدا من كلام العرب و يعرضه على القاضى حتى استوفاها، ثم قال: و هذان البيتان أنشدهما ثعلب بحضرة القاضى و كتبهما القاضى بخطه على ظهر الكتاب الفلانى؛ فاحضر الكتاب فوجدا على ظهره بخطه كما قال، فبلغ ابن دريد ذلك، فما ذكره بلفظة حتّى مات، و كان الاشراف و الكتّاب يحضرون عنده ليسمعوا منه فجمع جزءا فى فضل معاوية، فكان لا يدع أحدا يقرأ عليه شيئا حتى يبتدأ بقراءة ذلك الجزء.
و كان إبراهيم بن أيوب بن ماسى ينفذ إليه كفايته وقتا بعد وقت فقطع عنه ذلك مدة ثمّ أنفذ إليه جملة رسمه و كتب إليه يعتذر من تأخيره، فردّه و أمر أن يكتب على رقعته: أكرمتنا فملكتنا، و أعرضت عنا فأرحتنا.
و له من التّصانيف «اليواقيت» «شرح الفصيح» «فائت الفصيح» غريب مسند أحمد» «المرجان الموشح» «تفسير اسماء الشعراء» «فائت الجمهرة» «فائت العين» «ما انكره الأعراب على أبى عبيدة» «المداخل» و غير ذلك، و له فى آخر اليواقيت:
لمّا فرغنا من نظام الجوهرة
أعورت العين و مات الجمهرة
و وقف التّصنيف عند القنطرة
مات سنة خمس و أربعين و ثلاثمأة ببغداد. و ذكر و جمع الجوامع (1) انتهى كلام السيوطى.
و قال أيضا فى ترجمة أحمد بن نصر أبى الحسن النحوى المعروف بالمقوم: قال ياقوت: انّه يروى عن أبى عمر المذكور.
ص: 331
و ذكر ابن خلكان فى ترجمة أبى علىّ محمد بن الحسن بن المظفر البغدادى المعروف بالحاتمىّ: أنّه أحد الأعلام المشاهير المطبقين المكثرين و أخذ الادب عن أبى عمر الزاهد غلام ثعلب و غيره.
و له «الرّسالة الحاتمية» فى إظهار سرقات المتنبّى و الإبانة عن عيوب شعره.
ثمّ إنّه يكفى فى الدّلالة على سوء حال الرّجل و بلوغه الدّرجة القاصية من النّصب و العداوة لاهل بيت العصمة و الطّهارة عليهم السلام حكاية الجزء الذى كان قد كتبها فى فضيلة ابن آكلة الأكباد، و ما كان يفعل به رؤس الأشهاد مع انّه كان من رؤساء أهل الفساد و اولى الأحقاد، و كبراء أرباب البغى و الفساد، ملعونا بلسان رسول اللّه صلى اللّه عليه و اله فى غير مكان مقصودا أهل سلسلة بالشجرة الملعونة فى القرآن.
و لنعم ما قال فى صفته الحسن البصرى فيما نقل عنه باسناده المتصل أبو الفرج بن الجوزى الواعظى الحنبلى البغدادى: أربع خصال كنّ فى معاوية لو لم يكن فيه إلّا واحدة منهنّ لكانت موبقة، أخذ؛ الخلافة بالسّيف من غير مشاورة و فى النّاس بقايا الصحابة، و استخلافه ابنه يزيد و كان خمير إبليس الحرير و يضرب الطّنابير، و ادّعاؤه زيادا، و قتله حجر بن عدى و أصحابه، قال السيد العيناثى هكذا ذكره عماد الدين صاحب حماة فى تاريخه، قلت و من الأشعار القديمة الفارسية الحاكية أربعة أخرى عن مطاعنه التى ملأت وجه الدّنيا قولهم:
داستان پسر هند مگر نشنيدى
كه از او و سه كس او به پيمبر چه رسيد
پدر او لب دندان پيمبر بشكست
مادر او جگر عم پيمبر بمكيد
خود بناحق حق داماد پيمبر بگرفت
پسر او سر فرزند پيمبر ببريد
بر چنين قوم چرا لعن فراوان نكنى
لعن اللّه يزيدا و على آل يزيد
ثمّ أنّ من الشّواهد على غاية نصب الرّجل و شدة تعصبه على أمر الباطل. هو ما نقله سميّنا العلامة المجلسى قدس سرّه عن خط شيخنا الشّهيد الأوّل رضوان اللّه عليه أنّه قال ابو بكر بن حميد الّذى هو من أكابر مورخيهم الأخباريين قلت لأبى عمر الزاهد: من
ص: 332
هو السيّارى؟ يعنى به الشيخ أبا الحسين أحمد بن ابراهيم المتقدم ذكره الحميد، فقال:
كان خالا لى و كان رافضيا، مكث أربعين سنة يدعونى إلى الرفض فلم أستجب له، و مكث أربعين سنة أدعوه إلى السّنة فلم يستجب لى.
حشر محبّان عمر با عمر
حشر محبان علىّ با على
و سوف يأتى الكلام المفصّل على معنى المطرز و من لقّب به أيضا من النّحاة المتقدمين فى ذيل ترجمة ناصر بن أبى المكارم المطرزىّ المؤلف لكتاب «مغرب اللّغة» أنشاء اللّه تعالى.
الشيخ الامام الفاضل البارع محمد بن الحسن بن يعقوب بن الحسن، ابو بكر العطار المقرى النحوى المشتهر بابن مقسم نسبة الى جده الاقدم الافخم(1)
قال ياقوت الحموى فيما نقل عن كتابه «معجم الادباء»: ولد هذا الرّجل سنة خمس و ستين و مأتين، و سمع أبا مسلم الكجى؛ و ثعلب، و يحيى بن محمد بن صاعد.
و روى عنه ابن شاذان؛ و ابن زرقويه، و كان ثقة من أعرف النّاس بالقراءات و أحفظهم لنحو الكوفيين، و لم يكن فيه عيب إلّا انّه قرء بحروف يخالف الإجماع؛ و استخرج لها وجوها من اللّغة و المعنى، كقوله:
فلمّا استيأسوا منه خلصوا نجيّا، قال: نجبا بالباء، فشاع أمره، فاحضر إلى السّلطان و استتابه، فأذعن بالتّوبة، و كتب محضرا بتوبته و قيل: انّه لم ينزع عنها و كان يقرأ بها إلى أن مات و روى الخطيب عن بعضهم قال: رأيت فى النّوم انّى اصلّى
ص: 333
مع النّاس و ابن مقسم يصلّى مستدبر القبلة، فأوّلته بمخالفة الائمة فيما اختاره من القراءات.
و له من التّصانيف «الأنوار فى تفسير القرآن» «المدخل إلى الشعر» «الاحتجاج فى القراءات» «كتاب فى النحو» كبير»، المقصور و الممدود» «المذكّر و المؤنّث» «الوقف و الابتداء» «المصاحف» «عدد التمام» «اخبار نفسه» «مجالسات ثعلب» «مفرداته» «الموضح» «الرد على المعتزلة» «الانتصار لقراء الامصار» «اللّطائف فى جمع هجاء المصاحف» انتهى (1) و قيل: كان يذهب إلى انّ كلّ قراءة توافق خط المصحف فالقراءة بها جائزة مات سنة خمس و خمسين و ثلاثمأة كما فى «طبقات النحاة».
الفاضل الفقيه ابو بكر محمد بن الحسين بن عبد اللّه الشافعى البغدادى الملقب بالاجرى(2)
بفتح الهمزة الممدودة و ضمّ الجيم و تشديد الراء نسبة إلى قرية فى بغداد تسمّى آجر، كما ذكره ابن خلكان: هو صاحب كتاب «الاربعين حديثا» المشهور، و كان كما ذكره صالحا عابدا.
و روى عن ابن مسلم اللّخمى، و أبي شعيب الحرّانى، و خلق كثير.
و ذكره الخطيب البغدادي فى تاريخه قال: و كان ثقة صدوقا ديّنا و له تصانيف كثيرة حدّث ببغداد قبل سنة ثلاثين و ثلاثمأة.
ثمّ انتقل إلى مكة و سكنها حتّى توفّى بها و روى عنه جماعة من الحفاظ منهم:
ص: 334
أبو نعيم الاصفهانى صاحب كتاب «حلية الأولياء» و غيره؛ و أخبرنى بعض العلماء انّه لمّا دخل مكّة حرّسها اللّه أعجبته، فقال: أللّهم ارزقنى الاقامة سنة، فسمع هاتفا يقول له: بل ثلاثين سنة، فعاش بعد ذلك ثلاثين ثمّ مات بها فى المحرّم سنة ستين و ثلاثمأة انتهى.
و هو غير شيخهم الاستاد أبى بكر بن فورك المتكلم الاصولىّ النّحوى الواعظ الاصفهانىّ و إن كان هو أيضا يسمّى ب محمد بن الحسن فانّ جدّه فورك و شأنه الزهد و الموعظة و العرفان، و بلده دار السّلطنة اصبهان و طبقته متأخرة عن الأوّل بما يقرب من مأة سنة.
و ذكره ابن خلكان المؤرخ في موضع على حدّة فقال فى ترجمته انّه أقام بالعراق مدّة يدرّس العلم، ثمّ توجه إلى الرّى؛ فسمعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور و التمسوا منه التوجه إليهم ففعل و ورد نيسابور فبنوا له بها مدرسة و دارا و أحيى اللّه به أنواعا من العلوم، و لمّا استوطنها و ظهرت بركته على جماعة من المتفقّهة بها، و بلغت مصنّفاته فى اصول الفقه و الدّين و معاني القرآن قريبا من مأة مصنّف.
دعى إلى مدينة غزنة الّتى تقدّمنا الإشارة إليها فى ذيل ترجمة الحكيم سنائى و جرت له بها مناظرات كثيرة.
و من كلامه: شغل العيال نتيجة متابعة الشّهوة بالحلال فما ظنّك بقضية شهوة الحرام. و كان شديد الرّد على أصحاب أبى عبد اللّه بن كرام.
ثمّ عاد إلى نيسابور فسمّ فى الطريق، فمات هناك و نقل إلى نيسابور، و دفن بالحيرة و مشهده بها ظاهر يزار، و يستشفى به و تجاب الدّعوة عنده.
و كانت وفاته سنة ستة و أربعمأة و قال أبو القاسم القشيرى فى «الرسالة» سمعت أبى علىّ الدّقّاق رحمه اللّه يقول دخلت على أبى بكر بن فورك عائدا، فلمّا رآنى دمعت عيناه فقلت له: انّ اللّه سبحانه و تعالى يعافيك فقال لى: ترانى أخاف من الموت انّما أخاف ممّا وراء الموت.
ص: 335
أقول و كان هذا الكلام منه ناظر إلى حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم: إنّ أمام هذا الخلق ألف عقبة كؤد أهونها الموت.
و فورك بضمّ الفاء و فتح الرّاء اسم علم، و الحيرة على وزن الجيفة محلة كبيرة بنيسابور نسب إليها جماعة من أهل العلم و هى تلتبس بالحيرة التى بظاهر الكوفة قال صاحب «المجمع» و فى الحديث ذكر الحيرة بكسر الحاء و هى البلد القديم بظهر الكوفة، كان يسكنه النّعمان بن المنذر و النّسبة إليها حارىّ.
الاديب الاريب اللغوى المشهور ابو منصور محمد بن احمد بن الازهر بن طلحة بن نوح الازهرى الهروى الشافعى(1)
صاحب كتاب «تهذيب اللغة» و غيره، ذكره الحافظ السيّوطى فى «طبقات النحاة» فقال: و له سنة اثنين و ثمانين و مأتين، و أخذ عن الرّبيع بن سليمان، و نفطويه، و ابن السّراج. و أدرك ابن دريد و لم يرو عنه، و ورد بغداد و أسرته القرامطة، فبقى فيهم دهرا طويلا.
و كان رأسا فى اللّغة، أخذ عنه الهروى صاحب الغريبين.
و له من التّصانيف «التهذيب فى اللّغة» و «تفسير ألفاظ مختصر المزنى» و «التقريب فى التّفسير» و «شرح شعر أبى تمّام» و «كتاب الادوات» و غير ذلك و كان عالى الأسناد ثخين الورع مات فى ربيع الآخر سنة سبعين و ثلاثمأة انتهى (2).
و ذكر ابن خلكان: انّه كان شافعى المذهب غلبت عليه اللّغة، فاشتهر بها،
ص: 336
و كان متّفقا على فضله و ثقته و درايته و ورعه، روى عن أبي المفضّل محمد بن ابى جعفر المنذرى اللّغوى عن أبى العباس ثعلب و غيره، و كان قد رحل و طاف فى ارض العراق فى طلب اللّغة إلى أن قال: و صنّف فى اللّغة كتاب «التّهذيب» و هو من الكتب المختارة يكون أكثر من عشر مجلّدات و له تصنيف فى غريب الألفاظ الّتى يستعملها الفقهاء فى مجلد واحد، و هو عمدة الفقهاء فى تفسير ما يشكل عليهم من اللّغة المتعلّقة بالفقه و «كتاب التفسير» و رأى ببغداد أبا اسحاق الزّجاج، و أبا بكر بن الأنبارى، و لم ينقل أنّه أخذ عنهما شيئا إلى آخر ما ذكره (1)
و أقول انّ لدينا كتابا آخر فى حلّ مشكلات ألفاظ الفقهاء بديع فى شأنه صنّفه صاحب كتاب «تهذيب الاسماء» على رسم التّعليق على كتاب «التّنبيه فى الفقه» من مصنّفات صاحب «مهذّب اللّغة» و هو فيما يقرب فى اربعة آلاف بيت سمّاه «التنبيه» على ما فى كتاب التنبيه» و ينقل فيه عن الازهرى ايضا كثيرا فليلاحظ انشاء اللّه.
ثمّ ليعلم انّ هذا الرّجل غير ابن ابى الازهر النّحوى الّذى حدّث عن المبرّد، و يروى عنه ابو الفرج الاصفهانى صاحب كتاب «الاغانى» و الدّارقطنى و غيرهما، فانّ اسمه محمد بن يزيد بن محمود بن منصور الخزاعى، و كان بعكس صاحب العنوان رجلا كذّابا قبيح الكذب له كتاب «الهرج و المرج» فى اخبار بعض خلفاء بنى العبّاس و حكايات عقلاء المجانين.
و مات سنة خمس و عشرين و ثلاثمأة عن نيّف و تسعين سنة.
و كذلك هو غير الشيخ أبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن سليمان بن أحمد بن ابراهيم الزّهرى النّحوى المالقى الاندلسى الّذى ذكر انّه طاف البلاد و الاصقاع للقراءة و السّماع إلى أن انتقل إلى بروجرد من جملة بلاد العراق العجم؛ فأقام بها يقرء الأدب و له أيضا تصانيف كثيرة منها «البيان و التبيين» فى انساب المحدثين و «البيان فيما ابهم
ص: 337
من الاسماء فى القرآن» و «شرح الايضاح» فى النّحو فى خمسة عشر مجلّدا، و «شرح المقامات» و كتاب «شرح اليمينى» فى مجلّد و «أقسام البلاغة و احكام الصّناعة» فى مجلدين، فانّه منسوب إلى بنى زهرة المتقدّم ذكرهم قريبا، دون الازهر الذى هو جدّ أبى منصور المذكور، و طبقته أيضا متأخرة عن هذا الرّجل بكثير، و كان قد قتله التّتار أيّام مقامه بتلك الديّار؛ و ذلك فى سنه ستة عشر و ستمأة كما ذكره أيضا صاحب «الطبقات».
المحدث الامين، و المؤدب المتين، محمد بن عمران بن موسى بن سعد بن عبد اللّه، ابو عبد اللّه الكاتب المرزبانى(1)
الخراسانى أصلا، البغدادى مولدا، صاحب المجالس المشهورة، و المجامع الغريبة.
كان صاحب آداب و أخبار و تآليف كثيرة و كان ثقة فى الحديث مائلا إلى التّشيع، و مات سنة أربع و سبعين و ثلاثمأة، كما نقل عن تاريخ ابن خلكان، و عن ابن شهر آشوب المازندرانى نسبة كتاب «ما نزل من القرآن فى على بن ابى طالب-
ص: 338
عليه السّلام» إليه، يروى عنه سيّدنا المرتضى رحمه اللّه فى كتاب «الغرر و الدرر» كثيرا، و كذلك أخوه السيد الرضى رضى اللّه عنه فى كتاب «مجازات الحديث» و من جملة ما حدثه عنه و يعجبنى نقله فى هذه العجالة قوله فى ذيل تفصيله لكيفية حديث الغدير و كونه على بعض طرقه المعتبرة المنسوبة إلى الصّحابة العشرة بلفظ من كنت وليّه فعلّى وليّه، أخبرنا بذلك ابو عبد اللّه المرزبانى فى جملة ما أخبرنا به من رواياته و مصنّفاته، إلى أن قال: و قد روى عمران بن الحصين عن النّبى صلى اللّه عليه و آله انّه قال: علىّ ولىّ كلّ مؤمن بعدى، و فى هذا الخبر تصريح بانه من بعده ولىّ الامر و واليه القائم مقامه فيه، كما قال الكميت بن زيد فى ذلك:
و نعم ولىّ الامر بعد وليّه
منتجع التّقوى و نعم المؤدب
الحبر العماد؛ و الخبير الاستاد، ابو بكر محمد بن الحسن بن عبد اللّه بن مذحج الاشبيلى الاندلسى المغربى اللغوى النحوى(1)
المشتهر بالزبيدى بالتصغر نسبة إلى جدّه الأعلى زبيد بن صعب بن سعد العشيرة قبيلة عمرو بن معدى كرب المشهور، هو الحافظ المتقدّم المؤرخ الذى قلّ أن يظفر بمثله أبصار الدهور صاحب كتاب «طبقات النحاة» و «مختصر كتاب العين» و «كتاب ابنية سيبويه» و «الموضح» و كتاب «لحن عوام الاندلس» و كتاب الرّد
ص: 339
على بن مسرّة و أهل مقالته سمّاه «هتك ستّور الملحدين» و غير ذلك من المصنّفات و هو شيخ ابراهيم بن محمد الافليلى المتقدّم ذكره. و قد ذكره ابن خلكان فى «وفيات الاعيان» فقال. كان أوحد عصره فى علم النّحو و حفظ اللغة و كان أخبر أهل زمانه بالإعراب و المعانى و النوادر إلى علم السير و الأخبا، إلى أن قال:
و كان شاعرا كثير الشعر، فمن ذلك قوله فى ابن مسلم بن فهر:
أبا مسلم إنّ الفتى بجنانه
و مقوله لا بالمراكب و اللّبس
و ليس ثياب المرء تغني قلامة
إذا كان مقصورا على قصر النّفس
و ليس يفيد العلم و الحلم و الحجا
أمسلم طول القعود على الكرسىّ
و كان كثيرا ما ينشد هذين البيتين:
الفقر فى اوطاننا غربة
و المال فى غربة اوطان
و الارض شى ء كلّها واحد
و النّاس إخوان و جيران
و كان قد قيّد الأدب و اللغة على أبى علىّ البغدادى المعروف بالقالى المتقدّم ذكره، لمّا دخل الاندلس و سمع من قاسم بن اصبغ، و سعيد بن فحلون، و أحمد بن سعيد بن حزم و أصله من جند حمص المدينة التى بالشّام.
و توفّى يوم الخميس مستهل جمالى الآخرة سنة تسع و سبعين و ثلاثمأة باشبيلية «انتهى»(1)
و هو غير الشيخ أبى عبد اللّه محمد بن يحيى بن على بن مسلم الحنفى الزبيدى اللّغوى النّحوى الذى صحب الوزير بن هبيرة.
و له من التّصانيف كتاب «منار الاقتضاء» و منهاج الاقتضاء و كتاب «الرد على ابن الخشاب» و كتاب «العروض» «و المقدّمة فى النّحو» و اخرى فى الحساب و «رسالة في القوافي» و اخرى فى تعليل من قرأ و نحن عصبة بالنّصب و غير ذلك فانّه مات فى ربيع الآخر
ص: 340
سنة خمس و خمسين و خمسمأة كما ذكره السيوطي فى «طبقات النحاة» و من جملة ما حكي عنه ايضا نقلا عن ابن هبيرة الوزير انّه قال: جلست مع الزّبيدى من بكرة إلى قريب الظّهر و هو يلوك شيئا فى فيه، فسألته، فقال لم يكن لى شى ء؛ فاخذت نواة اتعلل بها، و كان يحكى منه انّه على مذهب الشللية و يقول انّ الأموات يأكلون و يشربون فى القبر و انّ العاصى لا يلام لانّه بقدر اللّه.
هذا و قد مضي في باب الأحمدين ترجمة رجل آخر يدعى شهاب الزبيدى من أعاظم البارعين فى النّحو و العربية و غيرها فليراجع.
أحد الاعلام المشاهير المكثرين محمد بن الحسن المظفر الحاتمى ابو على البغدادى(1)
قال صاحب «البغية»: قال الخطيب؛ روى عن ابى عمر الزّاهد أخبارا فى مجالس الادب.
قال ياقوت: و عن ابن دريد و كان من حذّاق أهل اللّغة و الأدب، شديد العارضة بها، مبغضا إلى اهل العلم، هجاه ابن الحجاج و غيره.
و قال التعالبى فى «اليتيمة»: حسن التصرف فى الشّعر يجمع بين البلاغة و النثر و البراعة فى النظم، و له مع أبى الطيب المتنبى مخاطبة اقذعه فيها(2) و له من التّصانيف «حلية المحاضرة» فى ضاعة الشعر «الموضحة في مساوى المتنبى» تقريع الهلباجة فى
ص: 341
فى صناعة الشّعر» «سرّ الضاعة» فيه، «الحالى و العاطل» فى الشّعر، «المجاز» فيه أيضا، «مختصر العربية» كتاب فى اللّغة لم يتم؛ «كتاب الشراب» رسالة، «البراعة» «منتزع الاخبار و مطبوع الاشعار» «الرسالة الحاتمية» شرح فيها ما دار بينه و بين المتنبى، و اظهر فيها سرقاته، و غير ذلك و مات فى شهر ربيع الآخر سنة ثمان و ثمانين و ثلاثاة.
الحافظ الحكيم، و الحاكم الفخفيم، أبو عبد اللّه، محمد بن عبد اللّه بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبى الطهمانى(1)
المعروف بالحاكم النيسابورى، و الملقّب بابن البيّع على وزن القيّم.
كان كما ذكره ابن خلكان إمام اهل الحديث فى عصره و المولّف فيه الكتب التى لم يسبق إلى مثلها، عالما عارفا واسع العلم، تفقّه على أبو سهل محمّد بن سليمان الصّعلوكى الفقيه الشّافعى ثمّ طلب الحديث و غلب عليه، فاشتهر به، و سمعه من جماعة لا يحصون كثرة؛ فانّ معجم شيوخه يقرب من الفي رجل حتّى روى عمّن عاش بعده قال:
و صنّف فى علومه ما يبلغ ألفا و خمسمأة جزؤ، و منها الصّحيحان و العلل و الامالى و فوائد الشّيوخ و امالى العشيّات و تراجم الشيوخ.
و أمّا ما تفرّد باخراجه فمعرفة علوم الحديث و تاريخ علماء نيسابور و المدخل
ص: 342
إلى علم الصحيح و المستدرك علي الصّحيحير و ما تفرّد به كلّ واحد من الإمامين و فضل الامام الشّافعى و له إلى الحجاز و العراق رحلتان، و كانت الرّحلة الثّانية سنة ستين و ثلاثمأة، و ناظر الحفّاظ و ذاكر الشيوخ و كتب عنهم أيضا و باحث الدّارقطنى فرضيه، و تقلّد القضاء بنيسابور فى سنة تسع و خمسين و ثلاثمأة، و قلّد بعد ذلك قضاء جرجان فامتنع، و كانوا ينفذونه فى الرّسائل إلى ملوك بنى بويه و كانت ولادته سنة إحدى و عشرين و ثلاثمأة و توفى سنة خمس و أربعمأة.
قال: و قال الخليلى فى الإرشاد: توفّى سنة ثلاث و اربعمأة، ثمّ انّه نقل عن الخليلى انّه ضبط لفظة حمدويه بالدّال المهملة المضمومة و الياء المفتوحة على وزن حمدونة بالنّون، و لكن صاحب «القاموس» ذكره فى مادّة حمدان احمد بن محمد بن احمد بن يعقوب بن حمدويه بضمّ الحاء و شدّ الميم و فتحها، و قال انّه محدّث فليلاحظ.
القاضى ابو بكر محمد بن الطيب بن محمد الباقلانى الاشعرى البصرى المتكلم المشهور(1)
كان كما ذكره ابن خلّكان اماما على مذهب الشيخ أبى الحسن الّذى هو رئيس الأشاعرة، و مؤيد اعتقاداته البائرة و سكن بغداد، و صنّف التّصانيف الكثيرة المشهورة فى علم الكلام، قال: و كان فى علمه أوحد زمانه؛ و انتهت إليه الرّئاسة فى مذهبه و غيره.
و سمع الحديث، و كان كثير النّظر فى المناظرة مشهورا بذلك بين الجماعة، و جرى بينه و بين أبى سعيد الهارونى مناظرة، فاكثر القاضى المذكور فيها الكلام؛ و وسّع العبارة
ص: 343
و زاد في الإسهاب، ثمّ التفت إلى الحاضرين و قال اشهدوا علىّ انّه ان أعاد ما قلت لا غير لم اطالبه بالجواب، فقال الهارونى اشهدوا على انه ان اعاد كلام نفسه سلمت له ما قال.
و توفّى القاضى المذكور آخر يوم السّبت و دفن يوم الأحد لسبع بقين من ذى القعدة سنة ثلاث و اربعمأة و صلّى عليه ابنه الحسن و دفنه فى داره بدرب المجوس ثمّ نقل بعد ذلك: فدفن فى مقبرة باب حرب.
و الباقلانى بفتح الباء الموحّدة و بعد الألف قاف مكسورة، ثمّ لام ألف و بعدها نون، و هذه النّسبة إلى باقلا و بيعة، و فيه لغتان من شدّد اللّام قصر الألف و من خفّها مدّ الألف و هذه النّسبة شاذة لأجل زيادة النّون فيها، و هو نظير قولهم فى النّسبة إلى صنعا صنعانى، و الى بهرا بهرانىّ و قد انكر الحريرى فى «درّة الغواص» هذه النّسبة و قال من قصر الباقلا قال فى النّسبة إليه باقليّ، و من مدّ قال فى النّسبة إليه باقلاوى و باقلائى، و لا يقاس على صنعا و بهر الأنّ ذلك شاذّ لا يعاج إليه، و السمعانى ما انكر النّسبة الأولى و اللّه اعلم بالصّواب انتهى.
و هذا الباقلاني هو صاحب الخلافات المذكورة فى كتب الاصول و غيرها مثل قوله بعدم استعمال المصطلحات الشرعية فى خلاف معانيها اللّغوية أبدا و لو مجازا بزعم انّ الخصوصيات المقررّة من جانب الشارع المقدّس شروط صحّة لها خارجة عن اصول تلك المهيّات نظير ما يقوله الذّاهبون منّا إلى وضع الحقائق الشرعية للأعم من الصّحيحة منها و الفاسدة نظرا إلى صحّة الإطلاق عليه، فلا نقل عنده الى أحد من تلك المعانى المجعولات؛ و إن قيل انّ المشهور اختياره للمذهب الثّانى فى الحقائق الشّرعية و هو كونها مجازات لغوية فليلاحظ.
و قد تعرض لذكر هذا الرجل أيضا بالمناسبة سيّدهم الشريف الجرجانى في «شرح المواقف» فقال فى صفته: جمع بين العلم و الزّهد و العبادة و الإنتصار لأهل السّنة، كان نادرة زمانة و أعجوبة وقته إماما فى الاصولين داريا فيما فقيها على مذهب مالك سكن و توفّى ببغداد و سمع بها و قد تقدّم أيضا الإشارة إلى بعض
ص: 344
احواله و مناظراته فى مسألة الجبر و القدر مع علماء وقته فى ذيل ترجمة شيخنا المفيد و غيره فليراجع.
ثمّ ليعلم انّ هذا الرّجل غير القاضى ابى بكر محمّد بن عبد الرحمان المعروف بابن قريعة البغدادى صاحب اجوبة المسائل المضحكة الّتى هى بايدى المتنزهين، فانّه مات كما فى «الوفيات» فى سنة سبع و ستين و ثلاثمأة.
و قد نقل من طرائف أحوال ابن قريعة المذكور انّه كان قاضيا بالسّندية و غيرها من أعمال بغداد، و كان متفنّنا حاضر الجواب من عجائب هذه الدّنيا، فكان رؤساء زمانه يكتبون إليه المسائل الغريبة المضحكة، فكتب إليهم الجواب فى أسرع زمانه على طبق ما سألوه و كان الوزير المهلّى يغرى به جماعة يصنعون له الأسؤلة الهزليّة على معان شتّى من النّوادر الطنزيّة ليجبب عنها بتلك الأجوبة، فمن ذلك ما كتب إليه العباس بن المعلى الكاتب ما يقول القاضى وفّقه اللّه من يهودىّ زني بنصرانية فولدت ولدا جسمه للبشر و وجهه للبقر و قد قبض عليهما فما ترى فيهما؟
فكتب جوابه بديها هذا من أعدل الشّهود على انّ الملاعين اليهود بانّهم اشربوا حبّ العجل فى صدورهم حتّى خرج من ايورهم و أرى أن نياط برأس اليهودىّ رأس العجل و يصلب على عنق النّصرانيّة الرأس مع الرّجل و يسحبان على الارض و ينادى عليهما ظلمات بعضها فوق بعض. و لمّا قدم الصّاحب بن عبّاد الى بغداد حضر مجلس الوزير المهلبّى و كان فى المجلس ابو بكر المذكور فرأى من ظرفه و سرعة إجابته مع لطافتها ما عظم من تعجبه و كتب الصّاحب الى ابى الفضل بن العميد كتابا يقول فيه و كان فى المجلس شيخ خفيف الرّوح يعرف بالقاضى ابن قريعة جارانى فى مسائل خفتها تمنع من ذكرها الّا انّى استطرفتك من كلامه و قد سأله رجل يتطايب بحضرة الوزير ابي محمّد عن حدّ القفاء فقال:
ما اشتمل عليه جربانك
و ادبك فيه سلطانك
و ما رحبك فيه اخوانك
و باسطك فيه غلمانك
ص: 345
فهذه حدود اربعة و جميع مسائله على هذا الأسلوب و لو لا خوف الإطالة المورثة للبطالة لذكرت جملة منها و قد سرّد ابو محمّد بن شرف القيروانّى الشّاعر المشهور فى كتابه الّذى سماه «ابكار الافكار» من هذه المسائل و جواباتها.
ابو عبد اللّه محمد بن جعفر التميمى النحوى المعروف بالقزاز القيروانى(1)
كان الغالب عليه علم النّحو و اللّغة و الإفتنان بالتواليف، فمن ذلك كتاب «الجامع» فى اللّغة ف و هو من الكتب الكبار المختارة المشهورة، و كان العزيز بن المعز العبيدى صاحب مصر قد تقدم إليه أن يؤلّف كتابا يجمع فيه سائر الحروف الّتى ذكر النحويّون ان الكلام كلّه إسم و فعل و حرف جاء لمعنى، و أن يقصد في تأليفه إلى ذكر الحرف الذى جاء لمعنى، و أن يجرى ما ألّفه من ذلك على حروف المعجم.
قال ابن الجزّار: و ما علمت أنّ نحويّا ألّف شيئا من النّحو على هذا التّأليف، فسارع أبو عبد اللّه القزّاز إلى ما أمره العزيز به، و جمع المفترق من الكتب النّفيسة فى هذا المعنى على أقصد سبيل، و أقرب مأخذ، و أوضح طريق، فبلغ جملة الكتاب ألف ورقة، و ذكر ذلك كلّه الأمير المختار، المعروف بالمسبّحي، فى تاريخه الكبير.
و قال أبو علىّ الحسن بن رشيق فى كتاب «الأنموزج» انّ القزّاز المذكور فضح المتقدّمين، و قطع السنة المتأخّرين، و كان مهابا عند الملوك و العلماء، و خاصّة النّاس، محبوبا عند العامّة، قليل الخوض إلّا فى علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكا شديدا، و كان له شعر مطبوع مصنوع ربّما جاء به مفاكهة و ممالحة من غير تحقّر و لا تحفّل، بالغ بالرّفق و الدّعة، على الرّحب و السّعة أقضى ما يحاوله أهل القدرة
ص: 346
على الشّعر من توليد، لمعاتى و توكيد المبانى، علما بتفاصيل الكلام، و فواصل النّظّام، فمن ذلك قوله يتغزل:
أما و محلّ حبك فى فؤادي
و قدر مكانه فيه المكين
لو انبسطت لى الآمال حتّى
تصيّر عنانك فى يمينى
لصنتك فى مكان سواد عينى
و خطت عليك من حذر جفونى
فأبلغ منك غايات الأمانى
و آمن فيك آفات الظّنون
فلى نفس تجرّع كلّ يوم
عليك بهنّ كاسات المنون
إذا أمنت قلوب النّاس خافت
عليك خفىّ ألحاظ العيون
فكيف و أنت دنيائى و لو لا
عقاب اللّه فيك لقلت دينى
و له أيضا:
أحين عملت أنّك نور عينى
و أنى لا أرى حتّى أراكا
جعلت مغيب شخصك عن عيانى
يغيّب كلّ مخلوق سواكا
و ذكر له مقاطع كثيرة غير هذه، و كانت وفاته بالحضرة سنة إثني عشرة و أربعمأة و قد قارب السبعين، و المراد بالحضرة القيروان، فانّها كانت دار المملكة يوم ذاك؛ و القزاز نسبة إلى عمل القز و بيعه، و قد اشتهر به جماعة كذا ذكره ابن خلّكان (1)
و قيروان بفتح القاف و ضمّ الرّاء مدينة فى بلاد المغرب كما فى «القاموس» و هى من بلاد إفريقيّة مصّرت فى أيّام معاوية، بناها عقبة بن نافع القرشىّ، و كان مستجاب الدّعوة، و بها أسطوانتان لا يدرى حولهما ما هو، و هما يرشحان ماء كلّ يوم جمعة قبل طلّوع الشمس كما فى «تلخيص الآثار».
ص: 347
الامير المختار عز الملك محمد بن أبى القاسم عبيد اللّه بن احمد بن اسماعيل عبد العزيز المعروف بالمسبحى الكاتب الحرانى الاصل المصرى المولد(1)
صاحب التّاريخ المشهور و غيره من المصنّفات؛ كانت فيه فضائل ولديه معارف، رزق حظوة فى التّصانيف، و كان على زىّ الأجناد، و اتّصل بخدمة الحاكم بن العزيز العبيدى صاحب مصر فى سنة ثمان و تسعين و ثلاثمأة.
و جمع ثلاثين مصنّفا، منها التّاريخ المذكور الّذى قال فى حقه: التّاريخ الّذى يستغن بمضمونه عن غيره من الكتب الواردة فى معانيه، و هو أخبار مصر، و ذكر ما يتعلّق بها و من يتعلّق بها، و تفاصيل أحوالها، و عجائب أمورها فى ثلاثة عشر ألف ورقة، و كتاب «درك البغية فى وصف الأديان و العبادات» ثلاثة آلاف و خمسمأة ورقة «و قصص الأنبياء عليهم السّلام و أحوالهم» ألف و خمسمأة ورقة، و كتاب «المفاتحة و المناكحة و اصناف المجامعة» ألف و مأتا ورقة، و كتاب «الأمثلة للدّول المقبلة» فى النّجوم و الحساب خمسماة ورقة، و كتاب «القضايا الصّائبة فى معانى أحكام النّجوم» ثلاثة آلاف ورقة؛ و كتاب «جونة الملاشطة» فى نوادر الأخبار و غرائب الآثار ألف و خمسمأة ورقة، «و كتاب الشّجن و السّكن فى اخبار أهل الهوى» ألفان و خمسمأة ورقة، و كتاب السّؤال و الجواب خمسمأة ورقة، و كتاب «مختار الأغانى و معانيها «و غير ذلك (2) كما ذكره ابن خلكان و قد قال بعد جملة ذلك التّفصيل
ص: 348
و له شعر حسن، و توفّى فى شهر ربيع الآخر سنة عشرين و أربعمأة، و عمره ثلاث و تسعون سنة، و نقل أيضا عن السّمعانى أنّه قال المسّبحى على وزن الفاعل من التّسبيح نسبة إلى الجدّ، و عرف بها المسبّحى صاحب تاريخ المغاربة و مصر.
الشيخ ابو الحسين البصرى محمد بن على بن الطيب المتكلم الاصولى المعتزلى العدلى(1)
هو كما ذكره ابن خلكان أحد أئمتهم الأعلام و الأعيان، و المشار إليه فى فنّ أصول المعرفة و الكلام بالبنان، قال: و كان جيّد الكلام مليح العبارة عزيز المادّة، إمام وقته، و له التّصانيف الفائقة» في أصول الفقه منها «المعتمد» و هو كتاب كبير، منه أخذ فخر الدّين الرّازى كتاب «المحصول» و له «تصفح الأدلّة» فى مجلّد كبير، و «شرح الأصول الخمسة» و كتاب فى الإمامة» و غير ذلك فى أصول الدّين، و انتفع الناس بكتبه و سكن بغداد و توفّى بها فى شهر ربيع الاخر سنة ست و ثلاثين و أربعمأة و دفن فى مقبرة الشّونيزّي و صلّى عليه أبو عبد اللّه القاضى الصيمرىّ.
الشيخ ابو الفضائل محمد بن الخلف الزابط المغربى الاندلسى
شارح صحيح البخارى توفّى فى سنة سبع و ثمانين و أربعمأة و كان فى هذه السّنة بعينها كما فى «حبيب السّير» وفاة الشّيخ الحافظ أبى نصر علىّ بن هبة اللّه بن ماكولا،
ص: 349
صاحب كتاب «الإكمال فى التّاريخ» و شيخ رواية أبى سعد السّمعانى المؤرّخ المشهور، كما انّ من جملة شرّاح الصّحيح المذكور أيضا مضافا إلى ما ذكرناه فى ذيل ترجمة البخارىّ، هو الشّيخ أبو الحسن علىّ بن حلف بن بطّال القرطبى المتوفّى فى سنة تسع و أربعين و أربعمأة.
القاضى ابو عبد اللّه محمد بن سلامة القصاعى المغربى(1)
صاحب كتاب «الشّهاب» فى جمع كلمات الحكمة النبويّة على ترتيب الأبواب، تقدّم ذكره مع إلأشارة إلى جماعة من شرّاح كتابه المذكور فى ذيل ترجمة الشّيخ عبد الواحد الآمدىّ صاحب «الغرر و الدّرر» فليراجع.
السيد المرتضى الحافظ ذو الشرفين ابو المعالى محمد بن زيد العلوى الحسينى(2)
نقل صاحب «حبيب السيّر» بعد ذكره بهذه الصّفة و النّسبة عن «تاريخ اليافعى» أنّه يروى عن الشّيخ أبى علىّ بن شاذان، و صنّف فى حياته المصنّفات المرضيّة، و كان معظّما وافر الحشمة عند أرباب الدّولة، ذا ثروة عظيمة، بحيث كان يوصل كل سنة ألفى دينار إلى الفقراء و المستحقّين من خاصّة زكوة متملّكات نفسه. و توفّى فى سنة تسع و سبعين و أربعمأة؛ و لا يبعد عندى كون الرّجل بعينه هو محمّد بن زيد
ص: 350
بن الدّاعى الحسيبّنى الّذى تقدّم ذكره فى ذيل ترجمة السيّد مرتضى ابن الدّاعي الحسنّى الشّيعىّ الإمامى، نقلا عن فهرست الشّيخ منتجب الدّين القمّى فليلاحظ.
الحكيم العظيم الشأن ابو ريحان محمد بن احمد البيروني(1)
صاحب كتاب «الآثار الباقية عن القرون الخالية» و غير ذلك من المصنفات الزاهية، و المؤلفات المباهية.
تقدّم ذكره فى باب الاحمدين باعتبار ما رسمه فيه بعض نقدة المؤرخين و الرّجاليين؛ و سبق ثمة أيضا انّ صاحب «طبقات النحاة» زبره فى باب المحمد بن، و احتملنا فى ذيل تلك الترجمة أيضا التعدّد فى صاحبى الاسمين؛ و التمايز بالابّوة و البنوّة فى ذينك الشخصين، و إنّما أعدنا ذكر الرّجل هنا دفعا للإنتظار، و روما لبيان ما اسقطه القلم هناك من نبأ هذا البحر الزّخار.
فنقول: قال شمس الدين الشهرزورى فى «تاريخ الحكماء» عند ذكره للرّجل بعنوان: أبو ريحان محمد بن أحمد البيرونى و بيرون مدينة فى السّند و كان من اجلّاء المهندسين و قد سافر فى طلب العلم فى بلاد الهند اربعين سنة و صنّف كتبا كثيرة.
و له مناظرات مع أبي علىّ و لم يكن الخوض فى بحار العلوم من شأنه و كلّ ميسّر لما خلق له، و زادت تصانيفه على حمل بعير و كان موفّقا فى هذا السّعى المشكور و بيرون هى التى منشاؤه و مولده بلدة طيّبة فيها غرائب و عجائب و لا غرو فانّ
ص: 351
الدرّ ساكن الصّدف.
و من كلامه سهولة الشى ء و صعوبته قلّما يطلق و إنّما يضافان إليه بحسب اختلاف الاحوال، فيسهل لنا من جهة و يتعذر من أخرى.
و قال: مدارسة اخلاق الحكماء و العلماء يحيى السّنة و يميت البدعة، و بلغنى انّه لمّا صنف «القانون المسعودى» أجازه السّلطان الشهيد بحمل فيل من النقرّة، فردّه إلى الخزانة بعذر الاستغناء عنه و رفض العادة فى الاستغناء.
و كان مكبّا على تحصيل العلوم منتصبا إلى تصنيف الكتب يفتح أبوابها و يخيط شواكلها و اترابها، و لا يكاد يفارق يده القلم، و عينه النّظر، و قلبه الفكر إلّا فى يومى النيروز و المهرجان من السّنة لامتداد ما تمّس الحاجة إليه من بلغة الطعام و غفلة الرّياش انتهى.
و المراد بالمهرجان الذى قوبل به يوم النيروز الّذى هو يوم تحويل الشّمس إلى برج الحمل على الاصح فى القول و العمل هو وقت إنتهاء الشمس إلى برج الميزان، و قد يعبّر عنه العرب بالربيع الثانى بالنسبة الى الربيع النيروزى فى مقابلة ربيعهم الشهورى، او المراد بربيعهم الاوّل الزّمانى هو الزّمان الّذى تأتى فيه الكماءة و البسور و بالثانى الذى تدرك به الثمار، فربيع الثانى لزمان إثنان، كما انّ ربيع الشهور كذلك، و لذا قالوا لا يقال فيهما الّا شهر ربيع الأول و شهر ربيع الثّانى بخلاف اسماء سائر الشهور العربية، فانّها تذكر مجردة عن لفظ الشهر، و إن كان شهر رمضان أيضا يذكر دائما كذلك تعبّدا و تاسّيا بالكتاب المنزل فيه على هذا الوجه و السّنة النّاهية عن مثل قولهم جاء رمضان أو ذهب، معلّلة بانّه من جملة اسماء اللّه سبحانه و تعالى فلا تغفل.
و على الجملة فالظاهر انّ علّة اختصاص الشّرف و المزية بهذين اليومين من بين سائر أيّام السّنة هو انّ ملوك العجم لمّا رأوا تساوى ساعات اللّيل و النّهار فى
ص: 352
فى نقطتى الاعتدالين المذكورين مع غاية اعتدال درجة الهواء فيهما أيضا جعلوهما عيدين للأنام و اذنوا فيهما بالسّلام العامّ، و تجديد العهود فى القيام بمراسم التّحيات و الاكرام فليتفطن و لا يكمن.
و قال صاحب «مجمع البحرين» بعد الاشارة إلى جملة من هذه المراتب فى موادّ من الكلم: و المهرجان عيد الفرس كلمتان مركبتان من مهروزان حمل و جان و معناه محبّة الرّوح و سيأتى تحقيقه فى نذر إنشاء اللّه تعالى، انتهى.
و لكنّه لم يف بما وعده فى ذلك المقام كما هو دأبه فى سائر مواعدات الارقام، و يشهد بكثرة مسامحته في الامور و عدم تعمّقه فى أمثال هذه البحور، موازنته المهر بالحمل مع انّه يحمل على ثلاثة وجوه و لو قال وزان صهر لأمن من هذا الشين مضافا إلى ما نبّه من رعاية المجانسة بين اللفظين.
ثمّ ليعلم إنّ هذا الرجل غير محمد بن احمد المعمورى البيهقى الحكيم المتبحر الرياضى الذى ذكره ايضا صاحب التاريخ فى ترجمة على حدّة، و قال:
كان تلوبنى موسى فى الرياضيات و كتبه فى المخروطات ما سبق إليهما، و عمر الخيّامى يعترف بتبريزه فى تلك العلوم و اتّفق انّه ارتحل إلى اصفهان بسبب الرّصد الّذى أمره ملكشاه فبقى هناك إلي أيام السّلطان محمد، و لمّا اتّفق إحراق أصحاب الجبال و القلاع من الباطنية، و اقبل السلطان محمّد على ذلك رأى المعمورى مسيرة درجة طالعة متّصلة بنحس و شعاع نجس فخاف ذلك الاتّصال، فخرج من دار السّلطان و دخل دار بعض اصدقائه و ازدى فى زاوية بيته، فلمّا أخذوا باطنيا و جرّوه إلى موضع الإحراق غلب الصّبيان و النّسوان للفرجة؛ فعثرت امرأة علي سطح ذلك البيت الذى فيه المعمورى؛ فضبت المرأة و صاحت معاشر النّاس فى هذا البيت قرمطى فدخلوا الدّار و أخذوه و قتلوه، فلمّا أخرجوه مقتولا عرفه أولياء السّلطان، فلاموا الغافة و ما ينفع اللّوم و لا الحذر من القضاء المحتوم، و لا تأخير للأجل و لا مفرّ من
ص: 353
العواقب «انتهى»(1).
و المراد بالباطنية كما ذكره الشهرستانى جماعة يقولون انّ لكلّ ظاهر باطنا و لكلّ تنزيل تأويلا؛ و لهم ألقاب كثيرة، سوى هذه على لسان كلّ قوم، فبالعراق يسمّون الباطنية و القرامطة و المزدكية و الخراسان التعليقية و المجلدة و هم يقولون نحن الاسمعيلية لأنّا نميز عن فرق الشّيعة بهذا الاسم و هذا الشّخص.
ص: 354
ص: 355
ص: 356
الرقم/ الصفحة
592- محمد بن مكى بن محمد العاملى الشهيد الاوّل 3
593- محمد بن محمد بن مكى العاملى 22
594- « «على بن ابراهيم- ابن ابي جمهور الاحساوى 26
595- « «أبى طالب الاسترآبادى 34
596- « «على بن ابراهيم الفارسى الاسترآبادى 36
597- محمد بن الحسن بن الشهيد الثانى 39
598- « «علي بن الحسين بن ابى الحسن الموسوى العاملى 45
599- « «الحسين بن عبد الصمد الحارثي- الشيخ بهاء الدين العاملى 56
600- « «حيدر الحسنى النائينى- الميرزا رفيعا 84
601- « «على الحرفوشى الحريرى العاملى الكركى 85
602- « «محمد بن الحسن بن قاسم الحسينى العاملى العيناثى 88
603- « «على بن نعمة اللّه- السيد ميرزا الجزائرى 91
604- « «الحسن الشروانى 93
605- « «الحسن بن على بن محمد- الحر العاملي 96
606- محمد بن عبد الفتاح التنكابنى المازندرانى 106
ص: 357
الرقم/ الصفحة
607- محمد بن محمد رضا بن اسماعيل المشهدى القمى 110
608- « «الحسن بن محمد الاصفهانى- الفاضل الهندى 111
609- « «الحسن- الآقا رضى الدين القزوينى 118
610- « «محمد باقر الحسينى النائينى 121
611- « «محمد رفيع الجيلانى البيدآبادى الاصفهانى 122
612- « «محمد زمان الكاشانى 124
613- « «عبد النبى بن عبد الصائغ الاخبارى النيسابورى 127
614- « «على بن محمد على الطباطبائى الكربلائى 145
615- محمد علي بن محمد رضا الساروى المازندراني 148
616- محمد علي بن محمد باقر البهبهانى 150
617- محمد على بن محمد باقر الهزار جريبى المازندرانى 153
618- محمود بن على بن الحسن الحمصى الرازى 158
619- المرتضى بن الداعى بن القاسم الحسنى 164
620- مصطفى بن الحسين الحسينى التفرشى 167
621- مفلح بن الحسين الصيمرى 168
622- مقداد بن عبد اللّه بن محمد بن الحسين بن محمد السيورى 171
623- منصور بن محمد بن ابراهيم الحسينى الدشتى الشيرازى 176
624- مهدى بن ابى ذر الكاشانى النراقى 200
625- مهدى بن المرتضى بن محمد الحسنى الحسينى- بحر العلوم 203
626- ميثم بن علي بن ميثم البحراني 216
627- مالك بن انس بن ابى عامر الاصحبى المدني 223
628- مالك بن دينار البصرى 228
ص: 358
الرقم/ الصفحة
629- المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيبانى- ابن الاثير 232
630- مجدود بن آدم المشتهر بالحكيم سنائى الغزنوى 236
631- محمد بن مسلم بن عبيد اللّه- ابن شهاب الزهرى 242
632-»» سير بن البصرى 249
633-»» عبد الرحمان بن ابى ليلى بن يسار الكوفى 252
634-»» ادريس بن العباس- الامام الشافعى 257
635-»» الحسن بن ابى سارة النيلى الكوفى 263
636-»» المستنير- قطرب النحوى 265
637-»» عمر بن واقد الواقدى المدنى 268
638-»» زياد- ابن الاعرابى الكوفي 270
639-»» الهذيل بن عبد اللّه- ابو الهذيل العلاف 273
640-»» هشام بن عوف التميمى 275
641-»» اسماعيل بن ابراهيم- البخارى 278
642-»» يزيد بن عبد الاكبر- ابو العباس المبرد 283
643-»» احمد بن ابراهيم بن كيسان النحوى 285
644-»» عبد الوهاب بن سلام- ابو على الجبائى 286
645-»» جرير بن يزيد بن كثير الطبرى 292
646-»» السرى بن سهل- ابن السراج النحوى 299
647-»» زكريا الرازى 300
648-»» الحسن بن دريد اللغوى- ابن دريد 303
649-»» القاسم بن محمد بن بشار- ابن الانبارى 309
650-»» عبد اللّه ابو بكر- الصيرفى البغدادى 313
ص: 359
الرقم/ الصفحة
651- محمد بن يحيى بن عبد اللّه بن العباس- ابو بكر الصولى 315
652-»» طرخان بن اوزلغ- ابو نصر الفارابى التركى 321
653-»» على بن اسماعيل المارمي مبرمان 328
654-»» عبد الواحد بن ابى هاشم- ابو عمر الزاهد 330
655-»» الحسن بن يعقوب بن الحسن- ابن مقسم 333
656-»» الحسين بن عبد اللّه البغدادى الآجرى 334
657-»» احمد بن الازهر بن طلحة الازهرى الهروى 336
658-»» عمران بن موسى- ابو عبد اللّه المرزبانى 338
659-»» الحسن بن عبد اللّه الاندلسى- الزبيدى 339
660-»» المظفر الحاتمى البغدادى 341
661-»» عبد اللّه بن محمد بن حمدويه- الحاكم النيسابورى 334
662-»» الطيب بن محمد بن الباقلاني 343
663-»» جعفر التميمى النحوى- القزار القيروانى 346
664-»» عبيد اللّه بن احمد بن اسماعيل- المسبحى 348
665-»» على بن الطيب المعتزلى 349
666-»» خلف الزابط المغربى الاندلسى 349
667-»» سلامة القضاعى المغربي 350
668-»» زيد العلوى الحسينى 350
669-»» احمد- ابو ريحان البيرونى 351
ص: 360
آدم عليه السّلام 131، 192،
آمنة بنت وهب 242
ابان بن تغلب 39
ابان بن عثمان 39
ابراهيم بن ابراهيم العاملى 62؛ 63
ابراهيم بن ادهم 228
ابراهيم بن اسماعيل الطباطبا 212
ابراهيم الاصفهانى- ابراهيم بن محمد- القاضى 114، 125، 143
ابراهيم بن ايوب 331
ابراهيم الخليل عليه السّلام 100، 285
ابراهيم بن زيد الاعثم 183
ابراهيم بن العباس- الصولى 320
ابراهيم بن عرفة 306
ابراهيم بن على بن على بن عبد العالى الميسى 38
ابراهيم بن فخر الدين العاملى 55
ابراهيم القطيفى 57
ابراهيم القمر 211
ابراهيم بن محمد 294
ابراهيم بن محمد الافليلى 340
ابراهيم بن محمد الدشتكى 181، 183
ابراهيم بن محمد بن على الحرفوشى 87
ابراهيم بن محمد القاضى الاصفهانى 125
ابراهيم بن مخلد 294
ابراهيم بن النظام 275
ابراهيم بن هاشم 53
ابليس 185؛ 306، 332
ابن الاثير- مبارك بن محمد 235
احمد صلى اللّه عليه و اله 240؛ 241
احمد بن ابراهيم السيارى 333
ص: 361
احمد بن ابي عمران 272
احمد الاردبيلى- احمد بن محمد 45، 48، 49، 54، 79، 106، 137
احمد بن اسحاق بن ابراهيم 181
احمد بن اسحاق 286
احمد بن اسماعيل الجزائرى 91
احمد بن جعفر السكين 181، 183
احمد بن جعفر 135
احمد بن الحسين الكوفى 5
احمد بن حنبل 225، 257، 258؛ 260، 279
احمد بن خاتون العاملى 79
احمد بن خلكان- ابن خلكان 254
احمد بن زين الدين الاحسائى 204
احمد بن زين الدين البحراني 33
احمد السبعى الاحسائى 30
احمد بن سعيد بن حزم 340
احمد بن شعيب النسائى 282
احمد بن عبد اللّه بن المتوج البحرانى 32
احمد بن عبد الرحمن العضدى 6
احمد بن عبده 298
احمد بن عبدون 294
احمد العربي الحلى 113
ابو احمد العسكرى 276
احمد بن على بن سميكة 96
احمد بن على بن نوح 294
احمد بن فهد الاحسائى 32
احمد بن فهد الحلى 8، 22، 33؛ 169
احمد بن كامل بن شجرة 293
احمد المتنبى- المتنبى 312
احمد بن محمد بن احمد 343
احمد بن محمد- احمد الاردبيلى 49، 22
احمد بن محمد الحافى 20، 260
احمد بن محمد بن شجاع 272
احمد بن محمد المختارى السبزوارى 113، 114
احمد بن محمد بن يوسف 50
احمد بن محذم الاوابلى 32
احمد بن موسى بن شاكر 318
احمد النراقى 200، 204،
احمد بن نصر 331
الاخفش 264
ابن اخى الاصمعى 305
اردشير بن بابك 316
ص: 362
ارسطاطاليس الحكيم 53؛ 203، 321، 322
ارسطو 325
ارسلان شاه 233
الارد بن الغوث 303
الازهر الهروي 338
الازهرى- محمد بن احمد 337
اسامة بن زيد 93
الاسترآبادى- محمد امين 149
اسحاق بن ابراهيم 327
ابو اسحاق الاشعرى الاسفرائنى 291
ابو اسحاق الصابى 66
اسحاق بن على 183
ابو اسحاق الفيروزآبادى 292
اسرافيل 133، 190
اسماعيل بن ابراهيم (ع) 131
اسماعيل بن ابراهيم الديباج 212
اسماعيل بن حماد الجوهرى 327
اسماعيل الخاجوئى 117، 122، 215
اسماعيل بن زيد بن الحسن 78
اسماعيل الصفار 283
اسماعيل الصفوى- الشاه 196
اسماعيل بن عباد- الصاحب 297، 327
اسماعيل بن عبيد اللّه 303
اسماعيل بن القاسم القالى 306
اسماعيل بن همام 40
ابو الاسود الدؤلى 364
الاسود العنسى 268
الاشعرى- ابو الحسن 290
الاشرف الافغان 117
الاصمعى 249، 270، 312
اصيل الدين الدشتكى 193
ابن الاعرابى 265؛ 271، 272، 330
الاعمش 264
افلاطون 203
امين استرآبادى- محمد امين- الاسترآبادى 102، 140
امام الزمان 70
اميران بن اميرى 181، 183
الامير صدر الكبير 177، 179- 181
اميرى بن الحسن 181
ابن الانبارى- ابو بكر 285، 330، 331
انس بن مالك الصحابى 249
الانورى الشاعر 242
الاوزاعى 224
ابو ايوب 272
ص: 363
ابو ايوب السجستانى 225
بابا ركن الدين الفارسى 84
الباغندى 312
الباقر- محمد بن على عليه السّلام 289
بايزيد الثانى البسطامى 57
البتول- فاطمة الزهراء 41، 308
البخارى 71، 251، 350
برقوق 10، 12
ابو البركات المستوفى- مبارك بن احمد 232؛ 234
برهان الدين المالكى 10
برهان الدين الموصلى 199
ابثى برهان 330
بريدة 280
البشار بن ميكال 303
بشر الحافى 268
ابن بطة 280
بقراط 203
ابو بكر بن ابى قحافة 29، 72، 262، 280
ابو بكر بن الانبارى- محمد بن القاسم 277، 310؛ 337
ابو بكر الباقلانى 314
ابو بكر التنوخى 313
ابو بكر بن حميد 332
ابو بكر الخوارزمي- محمد بن عباس 294، 295، 297
ابو بكر بن دريد- محمد بن الحسن 306
ابو بكر السجستانى 272
ابو بكر الصولى- محمد بن يحيى 330
ابو بكر الصيرفى- محمد بن عبد اللّه 314
ابو بكر القفال 313
ابو بكر بن مجاهد 285
ابو بكر المعافرى 314
ابن بكير 255
بندار بن عاصم الاصفهانى 312
البويطى 259
البهائى- محمد بن الحسين 7، 23، 25، 45، 49، 55، 63، 68، 75، 78، 81، 111، 174، 200، 206، 220، 227، 231 281؛ 284، 291، 319
البهبهانى- محمد باقر بن محمد اكمل 4، 95، 211؛ 243
بهرام شاه الغزنوي 237، 239، 242
ص: 364
بيدمر 10، 12
البيهقى 280
پادشاه اليزدى البيابانكى 14
تاج الدين الحلى 212
تاج الدين الدين العاملى 261
تاج الدين بن معية 5
ترمذى 280
التفتازانى 115
التلعكبرى 182
التنوخى 330
تيمور لنك 11
الثعالبى 297، 341
ثعلب 270؛ 276، 284- 286، 310، 315 320، 333، 337
الثورى- سفيان 268
ثمامة بن ابرس
جابر بن سمرة 131
جابر بن عبد اللّه الانصارى 131
جاماسب 131
الجامى 238
الجبائى- محمد بن عبد الوهاب 291
جبرائيل 190
جرير بن عبد الحميد 243
جرير 250
ابن الجزار 346
الجزائرى- المحدث الجزائرى- نعمت اللّه 18، 79، 250
جعفر بن ابى طالب 211
جعفر بن احمد السكين 181، 183
ابو جعفر الجواد 15
جعفر بن الحسام 90
جعفر بن الحسن 211
جعفر بن خضر الجناجى النجفى 202، 204
ابو جعفر الطوسى 160، 228
جعفر القاضى 206
جعفر بن كمال الدين البحراني 12
جعفر بن محمد الدوريستي 166
جعفر بن محمد السيد 182
جعفر بن محمد- الصادق 6، 133، 134 225، 227، 228، 254، 256، 260، 279
جعفر النجفى- جعفر بن خضر 140، 156
ابو جعفر- محمد بن على عليه السّلام 159
ص: 365
جلال الدين الدوانى 87؛ 88، 117، 178 198؛ 199
جلال الدين الرومى 237
ابن جلجل 301
جمال الدين على بن على العاملى 52
ابن ابى جمهور- محمد بن على 34؛ 174
الجواد البغدادى 79
جواد العاملى 204، 212
ابن الجوزى 15، 173، 224، 268
الجوهرى 299
ابو جهم 260
الجيلانى 52
ابو حاتم السجستانى 283، 305، 310
الحاجب جمال الدين 162
الحارث بن نوح 296
الحارث الهمدانى 60، 76، 238
الحاكم بن البيع 279
الحاكم بن العزيز 348
ابو حامد الغزالى- محمد بن محمد 165، 235
حبة العرنى 260
حبيب الشيرازى 193
حجاج بن يوسف 259
الحجة عليه السّلام 37؛ 130
حجر بن عدى 332
ابن الحجر العسقلانى 130، 136، 151
ابن الحجر المكى 262
الحر العاملى- محمد بن الحسن 88، 121، 158؛ 308
حرز الدين الاوابلى 32
الحريرى 344
ابو الحسن الاشعرى 275، 286- 288 343،
حسن بن ايوب 7، 90
حسن البصري 249، 250، 275، 332
حسن التج 212
حسن بن جعفر الاعرجى 7
حسن الحانينى (حسن بن على بن احمد) 46، 47
حسن بن حسن بن حسن 211
حسن بن حسن المثنى 211
الحسن بن الحسين العريرى 181، 183
حسن بن حمزة الطبرى 294، 295
حسن بن دقاق الحسينى 172
حسن بن رشيق 346
ص: 366
حسن بن زين العابدين 158
حسن بن سليمان الحلى 7
حسن بن شرف الدين الاصفهانى 113- 115
حسن بن الشهيد الثاني 9، 23، 24، 26 39؛ 44- 54، 59، 61، 105، 106
الحسن بن صالح 225
الحسن بن عباس البلاغى 95، 149
الحسن بن عبد اللّه 226
حسن بن عبد الصمد العاملى 22
حسن بن عبد الكريم الفتال 32
ابو الحسن العروضى 310
الحسن بن العشرة 7، 22، 30
حسن بن على عليه السّلام 87، 134، 211، 227،
حسن على بن عبد اللّه الشوشترى 80، 103 113، 114
حسن بن على العسكرى 130، 132 133، 134، 136
الحسن بن على العيناثى 90
حسن بن على بن محمد الحر العاملى 104
ابو الحسن الغروى 139
الحسن بن الفتح الواعظ 161
ابو الحسن الكاشى 179، 180
حسن بن محمد طاهر 142، 144
حسن بن محمد بن على 105
حسن بن محمد بن مكى 24
حسن بن المطوع الاحسائى 32
الحسن بن موسى بن شاكر 318
الحسن بن يوسف بن المطهر الحلى- العلامة 33، 103، 183
حسين بن ابراهيم القزوينى 206
حسين بن ابى القاسم جعفر الخونسارى 107 120، 143، 152، 206، 207؛ 330
ابو الحسين البصرى 314
حسين بن الحسن الحسينى 6
« « «الحسن الموسوى 34، 56، 169
« « «الحسن بن يونس 90
« « «حيدر العاملى الكركى 6، 29، 34 35، 56، 87، 107، 114، 169، 198، 206
حسين الخونسارى- حسين بن ابى القاسم حسين بن سينا- ابن سينا 312
« « «شمس الدين الصاعدى 57؛ 198
« « «شهاب الدين العاملى 139- 141
ص: 367
حسين الظهيرى 97
حسين بن عبد الصمد العاملى 54؛ 75، 76؛ 81
حسين على عليه السّلام 8، 13، 35، 41، 70، 75 87، 108، 131؛ 133، 134، 151، 182 183، 186، 187، 211، 227، 245، 262 305
حسين القزويني 208
حسين بن محمد بن جعفر بن البحراني 138
حسين محمد الراوى 255
حسين محمد السيورى 174
حسين محمد العاملى 50، 55
حسين محمد بن على 63
حسين محمد الماحوزى 125؛ 201؛ 202
حسين مسعود البغوى 135
الحسين المشغرى 45
حسين بن مفلح 170
حسين منصور الحلاج 66
حسين موسى الاردبيلى 79
حسين الميبدى 290
حسين ميرزا بايقرا التيمورى 177
حماد بن ابى حنيفة 253
حمدويه 255
حمزة بن عبد المطلب 265
الحميدى 279
ابو حنيفه 67، 224، 225، 228، 252، 255، 256، 258؛ 260، 263
ابو حيان التوحيدى 285، 271
حيدر الاملى 133؛ 134
حيدر- على بن ابى طالب عليه السّلام 239؛ 240
حيدر بن على بن على 52
حيدر بن المولى ميرزا 95
خارجة بن زيد الانصارى 244
ابن الخازن الحائرى 13
الخركوشي 280
خضر النبي 240
الخطيب البغدادى 265، 269، 280، 285 309، 311، 330، 334، 341
خلاد بن خالد المنقرى 263
خلف بن بشكوال الاندلسى 228
ابن خلكان- احمد 162، 223، 228،
ص: 368
229؛ 232، 234، 235، 236، 244، 250 252، 257، 266، 268، 270، 273، 278 286، 291، 292، 296، 297، 299، 303 309، 314؛ 315، 319، 320، 321، 326 332، 335؛ 336، 340، 342، 343، 347
الخليل بن احمد النحوى 264، 303
الخليل بن الغازى القزوينى 79، 85، 118، 120
الخليلى 343
خير الدين بن عبد الرزاق 25
الدارقطني 259، 305، 310، 312، 315 337، 343
الداماد- محمد باقر 155، 184؛ 215
أبو داود السجستانى 282؛ 298، 315
داود بن مشافير 82
دجال 131
ابن درستويه 264
ابن دريد- محمد بن الحسن 292، 304 307، 312، 330، 331، 336؛ 341
ابو دلف العجلى 266
الدميرى 259
ابن ابى الدنيا 312
الدوانى- جلال الدين 179، 194
الدورى 294
ابو ذر الغفارى 29، 91، 131
الذهبى 279
ذو الفقار حاكم بغداد 180
ابو رافع 280
الرافعى 257
الراضى باللّه 310، 311، 315، 319، 324
الربيع بن سليمان 336
ربيعة الرى 224، 260
رزين بن معاويه العبدرى 135، 283
الرشتى 215
الرشيد 268
الرضا- على بن موسى عليه السّلام 27؛ 58، 70، 97، 182، 186، 187، 204
الرضى الاسترآبادى 120
رضى الدين الخونسارى 120
ص: 369
رضى الدين بن الشهيد 46
رضى الدين بن طاوس 161
رضى الدين القزوينى- محمد بن الحسن 119؛ 139
الرضى- محمد بن الحسين 165، 339
الرضى النحوى 4
رفيع الدين النائينى 79
روح بن عبادة 291
الرياشى 305
زبيد بن صعب 339
الزبيدى 264، 272، 285، 329- 311، 341
الزبير بن بكار 276
زبير بن العوام 20، 29، 268
الزجاج 308، 328، 337
ابن زرقويه 333
الزعفرانى 258
ابن زكريا البصرى 182
الزمخشرى 111
الزهرى- محمد بن مسلم 224، 243 244؛ 248، 249، 277
زيد الاعثم 181
زيد بن الحسن 211
زيد بن على بن الحسين 182
زيد بن يحيى 231
زين الدين محمد بن الحسن بن الشهيد 37، 45، 80، 97،
زين الدين بن عين على الخونسارى 107
زين العابدين- على بن الحسين عليه السّلام 134، 181، 183، 231، 245
سديد الدين- محمود 159
السراب- محمد بن عبد الفتاح 109
ابن السراج- محمد بن السرى 300 336؛
ابو السعادات 221
سعد بن ابى وقاص 280
سعد بن عبادة 20
سعد بن الحموى 134
السعدى الشيرازى 190
سعيد بن جعفر الجعفى 279
ابو سعيد الخدرى 280
ص: 370
ابو سعيد السيرافى 299
ابو سعيد العقيلى 320
سعيد بن المبارك الدهان 232، 235
سعيد بن محلون 340
ابو سعيد الهارونى 343، 344
سفيان بن سعيد الثورى 225، 243، 252،
سفيان بن عيينة 244، 247، 258؛ 276؛
ابن السكيت 27، 266، 267
السلطان حسين الصفوى 117
سلطان الروم 192
السلطان محمد السلجوقى 353
السلطان محمود العثمانى 129
السلطان مصطفى العثمانى 129
سلمان الفارسى 29، 124، 131
ام سلمة 280
سليم بن قيس الهلالى 131
سليمان بن احمد بن ايوب 298
سليمان بن اشعث السجستانى 282
سليمان الصفوى (الشاه- 104
سليمان بن عبد اللّه البحرانى 12؛ 50، 216، 220
سليمان بن عبد اللّه بن على السراوى 138
سليمان بن على بن راشد البحرانى 80
سليمان القارى الفارسى 176
السمعانى 38، 286، 348، 350
سنائى- مجدود بن آدم 239- 242
سنجر بن ملكشاه 239، 241
سهل بن على الارغيبانى 315
السيارى 255
سيبويه 265
السيد الداماد- الداماد 69
سيد الساجدين- زين العابدين 77
السيد الشريف الجرجانى 194؛ 217، 290 344
سيد الشهداء- حسين بن علي عليه السّلام 41
السيد ضياء الدين 9
السيرافى 284، 328
سيرين 249
ابن سيرين 250، 251
سيف الدولة بن حمدان 322- 324
ابن سينا- حسين 73؛ 301
السيوطي- جلال الدين 121، 235، 259-
ص: 371
263؛ 266، 276، 306، 310، 328، 331، 336، 341
ابن شاذان 333
شافع بن السائب 257
الشافعى- محمد بن ادريس 187، 224 225، 258- 263؛ 314
ابن شاهين 305
الشاه سليمان الصفوى- سليمان 84، 94
الشاه صفى الصفوي 84
شاه عالم التيمورى 128
الشاه عباس الاول 49، 67، 69، 73، 80
ابن شبرمه 252
شرف الدين الدمشقى 41
شريك بن عبد اللّه النخعى 255، 256
شعبة بن الحجاج 225
الشعبى 249، 252
ابو شعيب الحرانى 334
شمس الدين الشهرروزى 300، 351
الشمنى 284
ابن شهاب الزهرى- محمد بن مسلم 244 246
شهاب الزبيدى 341
ابن شهر آشوب المازندرانى 308، 338
شهرام 315، 316
الشهرستانى 354
الشهيد الاول 3، 8، 14، 22، 25، 30، 75 102، 166؛ 171، 172- 174، 212، 271 322
الشهيد الثانى 3، 7، 9، 11، 19، 20- 23، 47، 49، 51، 54، 57، 60، 76؛ 81، 88 98، 102، 105، 106، 142؛ 158، 161، 198، 206؛ 90
الشيخ الرئيس- ابن سينا 203
الشيخ الطوسى 141، 166، 168
الشيطان 88؛ 126، 185، 245، 289
صاحب الامر- امام الزمان- القائم 130 131
صاحب الزمان- صاحب الامر 128
الصاحب بن عباد- اسماعيل 292، 345
الصادق- جعفر بن محمد عليه السّلام 15، 182، 226؛ 227، 253، 275
ابن صاعد- ابو القاسم 301، 322
صالح بن عبد القدوس 274
صالح بن عبد الكريم البحرانى 52
ابن الصباغ المالكي 262
ص: 372
الصدرا (محمد بن ابراهيم) 155
صدر الدين بن احمد 182، 183
صدر الدين العاملى 214
صدر الدين القمى 114
صدر الدين منصور 191
الصدوق 4؛ 135، 166، 247، 256، 300
صصة بن داهر الهندى 315؛ 316
صفى الدين بن عبد الرحمن الايجى 88؛ 199
صفى الدين بن فخر الدين الطريحى 143
صفى الدين بن معد 294
الصلاح الصفدى 264، 285
صهيب بن عباد 182
الصولى- محمد بن يحيى 283، 319 320
ضياء الدين عبد اللّه 5
ضياء الدين على بن محمد بن مكى 23
ابو طالب خان النهاوندى 95
طالب بن ابى طالب 211
ابو طالب بن عبد المطلب 211
ابن طاوس 243
طاوس اليمانى 162
طاهر بن رضى الدين الاسماعيلى 197
الطبرسى 298
طلحة 20
طليحة بن خويلد 268
طمان بن احمد العاملى 6
الطوسى- الشيخ- محمد بن الحسن 4 97؛ 135، 160، 165، 215، 242 243
طهماسب الصفوى 34، 178، 192
عامر بن شراحيل- الشعبى 258
عايشه 243
العباد 182
عباد بن جماعة 10، 12- 14
العبادة 315
العباس بن احنف التمامي 320
ابو العباس 270
ابو العباس البرقى 312
ص: 373
ابو العباس بن سريح 313
ابن عباس- عبد اللّه 244، 260، 277، 280
عباس بن عبد المطلب 29
العباس بن عبد المطلب 243
ابو العباس بن عقدة 313
ابو العباس بن الفرات 300
ابو العباس بن فهد 32
عباس بن على عليه السّلام 211
ابو العباس المبرد- المبرد 248
العباس بن المعلى الكاتب 345
عبد اللّه بن اسعد الوراق 286
عبد اللّه بن الانصارى 312
عبد اللّه البيدجلى القاساني 124
عبد اللّه التسترى (الشوشترى) 55؛ 78 164، 168
عبد اللّه التوني 106؛ 215
عبد اللّه بن جعفر الحميرى 113
عبد اللّه بن جمعه السماهيجي 143
عبد اللّه بن الحسين- عبد اللّه التسترى 167
عبد اللّه بن حماد 298
ابو عبد اللّه الحميدى 225
ابو عبد اللّه الزنجى 300
عبد اللّه بن ذكوان 244
عبد اللّه بن السيد البطيوسى 266
عبد اللّه بن شهاب 244
عبد اللّه بن صالح البحرانى 44، 67، 220
ابو عبد اللّه الصيمرى 349
عبد اللّه بن عباس 29، 243
عبد اللّه بن عبد الرحمان الدورى 282
عبد اللّه بن على البلادى 33
عبد اللّه بن فتح اللّه القمى 33، 174
ابو عبد اللّه القزاز 304
ابو عبد اللّه بن كرام 335
ابو عبد اللّه المحدث 225
عبد اللّه المحض 211
عبد اللّه بن محمّد الحسينى 15
عبد اللّه بن محمّد رضا البشر 204
عبد اللّه بن محمد بن سيرين 249
عبد اللّه بن المقداد السيورى 171
عبد اللّه بن محمد بن ميكال 303
عبد اللّه بن محمود الشوشترى 57، 198
ابو عبد اللّه المرزبانى 315
عبد اللّه بن مسعود 324
ص: 374
عبد اللّه اليزدى 48
عبد الباقى بن محمد حسين 183، 206، 208
عبد الجبار المعتزلى 291
عبد الحفيظ بن محمد اشرف 184
عبد الحميد بن محمد التوانى 143
عبد الرحمن بن احمد الختلى 312
عبد الرحمن بن احمد النيسابورى 164، 165
عبد السلام بن ابى علي الجبائى 306
عبد السلام بن محمد الحر 97
عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب 291، 292
عبد الصمد بن الحسين 68
عبد العالى بن على الكركي 35؛ 56؛ 168، 184
عبد على بن عبد اللّه البحرانى 210
عبد على بن محمد البحرانى 204، 205
عبد على بن محمود الجابلقى 164
عبد الكريم 208
عبد الكريم بن احمد بن طاوس 221؛ 216
عبد المطلب الحلى 5
عبد الملك بن احمد 174
عبد الملك بن اسحاق القمى 33
عبد الملك بن مروان 244، 246
عبد مناف 257
عبد النبى الجزائرى 92
عبد الواحد الآمدى 350
عبد الواحد بن محمد النيسابورى 186
عبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر 300
ابو عبيدة 20، 21، 270
عثمان بن عفان 20، 114، 239، 280
ابن العربى 273
عربشاه بن اميران 181، 183
عروة بن الزبير 243
عزرائيل 147
عز الدين ابى الحسن بن الاثير 233
العزيز بن المعز العبيدى 346
العسكرى- حسن بن على عليه السّلام 15، 213
عضد الدين الايجى 6، 14
عطاء 253
عطاء اللّه الآملى 34
عطاء اللّه بن فضل اللّه الدشتكى 177
عطا ملك الجويني 217
عطار النيسابورى 237
عقبة بن نافع القرشى 347
ص: 375
عقيل بن ابى طالب 211
عكرمة 260، 277
عكرمة الخارجى 280
علاء الدولة السمنانى 133
علاء الدين بن زهرة 5
علاء الدين گلستانه 95
العلامة الرشتى 39
العلامة الحلى- حسن بن يوسف 5، 102 174، 197، 243، 308
العلامة الطباطبائى- محمد مهدى بن مرتضى 143، 167، 173، 202
علم الهدى (على بن الحسين) 155
على بن ابى الحسن العاملى 107
على بن ابى طالب عليه السّلام 15، 18؛ 28، 29 41، 77، 101، 134، 182؛ 183، 211، 216، 241، 243، 260، 262، 339
على بن احمد الكوفى 220
« «احمد المزيدى 5
« «احمد بن موسى الرضوى 221
« «احمد الواحدى 314
ابو على الجبائى- الجبائى- محمد بن عبد الوهاب 287، 288
على بن الجزائرى 34
« «جعفر 181؛ 183
ابو على الحاتمى 330
ابو علي الحائرى 294
على بن الحسن بن الشهيد الثانى 44
« «الحسن بن العلا 171
« «حسن بن محمد الخازن 8
الحسن المؤدب 313
« «الحسين، ابو الحسن العاملى 54
« «الحسين الاصغر 247
« «الحسين- زين العابدين عليه السّلام 41، 97، 243، 246؛ 248
« «الحسين الشهفينى العاملى 15
على خان بن احمد المدنى الشيرازى 35 51: 61، 99، 121، 141، 178؛ 197
على بن الخازن الحائرى 8
« «خلف بن بطال 280، 350
ابو على الدقاق 335
ابو على الرجالى 245
على بن زين الطبرى 301
« «سليمان البحرانى 44؛ 219
ص: 376
علي بن سليمان بن درويش (زين الدين) 81
ابو على- ابن سينا 321، 325، 351
ابو على بن شاذان- ابن شاذان 350
على الصائغ 48، 54، 57
على بن محمد (ابن صباغ المالكى) 135
على بن طاوس 92
على بن طران المطارآبادى 5
ابو علي الطوسى 161
على بن عثمان بن الخطاب 87
« «عبد اللّه الناشى 291
« «عبد الحميد بن فخار 166
« «عبد العالى الكركى 6، 33؛ 34، 36 81، 113؛ 168، 169، 178، 194، 196؛ 197
على بن عربشاه 181، 183
« «على بن ابى الحسن العاملى 50
« «على بن الحسين الموسوى العاملى 85
« «عيسى الرمانى 291، 299
ابو على بن الفارسى 32
ابو على القالى- اسماعيل بن القاسم 309 340
على بن المبارك الاربلى 235
« «محمد الانطاكى 304
على بن محمد الحر العاملى 105
« «محمد بن الحسن الشهيد الثانى 41، 43 44، 47، 54، 107، 220
« «محمد الخوارى 305
« «محمد بن على الحر 40
« «محمد بن على الخزاز 243، 247
« «محمد بن قتيبة 186
« «محمد الكندى 264
« «محمد بن محمد الجزرى ابن الاثير 236
« «محمد المشهدى 107
« «محمد بن مكى 22
« «محمد بن مكى الجبيلى 23
« «محمد بن مكى العاملي- ضياء الدين 24
« «محمد نجيب الدين 26
« «محمد النقى عليه السّلام 133، 134
« «محمود الحمصى 162
« «محمود العاملى 40، 80؛ 97
على مراد خان 124
على بن منصور بن محمد الدشتكى 179، 180
« «موسى الرضا عليه السّلام 134، 285
« «مؤيد 11
ص: 377
على النصيبى الشاعر 181، 183
على بن نعمة اللّه الجزائرى 92
على النورى 122
على بن هلال الجزائرى 27، 30؛ 32، 33 169، 171
عماد الدين الطوسى 245
عمار الدهنى 253، 254
عمار بن ياسر 29، 132
عمر الاطرف 211
عمر البصرى 66
عمر بن الخطاب 72؛ 323
عمر الخيافى 353
عمر بن دينار 225، 244
ابو عمر الزاهد- محمد بن عبد الواحد 248، 312، 331، 332
ابن عمر- عبد اللّه 244
عمر بن عبد العزيز 244
ابو عمر الهاشمى 313
عمران بن الحصين 339
عمران بن الحطان 279
ابو عمرو الدانى 264
عمرو بن معديكرب 339
عميد الدين (السيد- 9
عناية اللّه القهبائى 149
عنوان البصرى 227
ابن عوف 20
ابو عيسى الترمذى 278
عيسى بن عمر 264؛ 266
عيسى بن مريم 240، 285
العيناثى (السيد- 332
العينى 279
الغزالي (احمد 237
الغزالى (محمد بن محمد 151، 179، 326
الغضائرى 182
غياث الدين- منصور بن محمد الدشتكى 177، 179، 180، 192، 193، 194
الفارسي 308، 328
الفاضل الهندى (محمد بن الحسن) 87
فاطمة الزهراء 71، 77، 83، 131، 262
فاطمة بنت الحسين 211
فاطمة بنت الشهيد 7
فاطمة بنت قيس 260
ص: 378
فاطمة بنت محمد بن معية 25
فاطمة بنت محمد بن مكى 22، 24
فتحعلى شاه قاجار 192، 146، 154
فخار بن معد الموسوى 6
فخر الدين الرازى 164، 273، 349
فخر الدين الطريحى 80
فخر الدين بن العلامة 4، 5، 174
فخر الدين المتوج 32
الفراء 264، 266، 312
ابو الفرج الاصفهانى 308، 338
ابو الفرج بن الجوزى 312؛ 332
ابو الفرج النيلى 182
فرزدق 250
فرعون 253
ابن فضال 255
الفضل بن احمد 298
فضل اللّه الراوندى 166
ابو الفضل بن شاذان 186
الفضل العراقى 162
ابو الفضل بن العميد 345
ابن فهد 27
الفيروزآبادى 38
فيض اللّه التفرشى 66، 92
فيض اللّه بن عبد القاهر الحسينى 168
الفيض الكاشانى 111
القائم عليه السّلام 38، 67، 136
ابو القاسم بن ابى حامد بن نصر البيان 176
قاسم بن اصبغ 340
ابو القاسم بن حسين الخونسارى 204، 211
ابو القاسم الحسينى المدرس 122
ابو القاسم بن صاعد القرطبى 322
ابو القاسم بن عبد اللّه 302
القاسم بن عبيد اللّه الوزير 300
ابو القاسم القمى 107
قاسم القهبائى 107، 148
القاسم بن محمد الدارمى 309
قايماز بن عبد اللّه بن الخادم 233
ابن قتيبة 270، 310، 313
القشيرى 230، 250، 335
قطرب (محمد بن المستنير) 266
القعنبى 225
قوام الدين الكربالى 193
قوطية ام ابراهيم 267
ص: 379
قيس بن عباد 251
الكاظم عليه السّلام 134
ابن كامل 294
كزراياريتى ام الجان 131
الكسائي 264؛ 270، 312
الكشي 254، 255
الكعبى 91
الكلبى 280
الكلينى 135، 255
كمال الدين الانبارى 313
الكميت بن زيد 339
الكندى 322
ابو كهمش 254
لبيد الشاعر 261
ابن ابى ليلى 254، 256
الماجد البحرانى 79
المازني 283
مالك بن انس الاصبحى 223، 224، 227- 244، 258- 260؛ 268؛ 282
مالك بن دينار البصرى 228، 231
المامون الرشيد 268، 269، 318، 319، 324
المبارك بن محمد الجزرى (ابن الاثير)- 232، 234
المبرد 264، 276، 284، 299، 315، 328 337
متى بن يونس الحكيم 321
المتنبى 322، 341، 342
المجتبى بن حمزة بن زيد 165
المجتبى بن الداعى 165، 166
مجدود بن آدم السنائى 236، 241
المجلسى الاول- محمد تقى 76، 95 143، 148
المجلسى الثانى- محمد باقر 4، 14، 37، 38، 63، 66، 95، 103، 107، 110، 114، 122، 125، 142، 144، 183، 201، 206 208، 332
المحدث التسترى- الجزائرى-- نعمة اللّه 66
المحدث القاسانى 138
المحدث النيسابورى 31، 38، 114، 118، 124؛ 158، 202، 324
ص: 380
محسن الفيض 143
محسن بن محمد الرضوى 27؛ 33
المحقق الاردبيلى- احمد 50
المحقق الحلى 5
المحقق الخونسارى 95
المحقق السبزوارى 106
المحقق النراقى 18
محمد الآوى شمس الدين 11
محمد ابراهيم الكلباسى 122، 157، 204؛ 210
محمد ابراهيم النعمانى 135
محمد ابراهيم الدشتكى الشيرازى 181
محمد ابراهيم بن محمد الخوزانى القاضى- 184، 202
محمد بن ابراهيم الشيرازى- صدرا 217
« «ابى بكر «ابو الفتح» 82؛ 281
« «ابى جعفر المنذرى 337
« «ابى الحسن العاملى 41
« «ابى ذر 202
« «ابى شريف المقدسى 82، 281
« «ابى طالب الاسترآبادى 34
« «ابى طالب الحسينى الحائرى 35
محمد بن ابى نصر الحميدى 282
« «احمد بن كيسان 285
« «احمد الازهرى 336، 338
« «احمد البيرونى 351
« «احمد الترمذي 259، 272
« «احمد بن حمدان 83، 281
« «احمد بن سليمان 337
« «احمد بن عبد اللّه البصرى 307
محمد بن احمد المعمورى 353
« «احمد بن منصور السمرقندى 307
« «احمد الموسوى 32
« «احمد بن نعمة اللّه 57
« «احمد الوشاء 286
« «احمد بن هشام 277
محمد الاخبارى 152
محمد بن ادريس الحلى 4؛ 58، 159
« «ادريس الشافعى 257؛ 262
محمد الاردكانى 57
محمد الاسترآبادى- محمد امين 43، 92، 182
محمد بن اسحاق الدشتكي 181، 183
« «اسعد- الدوانى 115
« «اسماعيل- البخارى 83، 278، 281
ص: 381
محمد بن اسماعيل بن بزيع 204
« «اسماعيل فرغانى 136
« «اسماعيل القرشيدى 82
« «اسماعيل القرطبي 281
محمّد اسماعيل بن محمد الخاجوئي 202
«اشرف الحسينى 125
«اكبر شاه الثانى 129
«اكمل الاصفهانى 95
«امين- محمد الاسترآبادى- الاخبارى 38، 138؛ 182
محمد امين خان بن مصطفى قلى خان 129
«باقر الخراسانى 106
«باقر- الداماد 154
«باقر السبزوارى- المحقق السبزوارى 110
«باقر- المجلسى الثانى 83، 84، 103
«باقر بن محمد اكمل البهبهانى 122؛ 139؛ 201، 205، 207، 213، 281، 293
محمد باقر بن محمد الحسينى گلستانه 125
«باقر بن محمد على البهبهانى 138
«باقر بن محمد مؤمن السبزوارى 206
«باقر الهزار جريبى 114، 125؛ 143، 156؛ 182، 205
محمد تقى الالماسي 122
«تقى المجلسي 80، 83، 107، 208، 281
محمد بن التميم 281
محمد بن التيم 83
محمد الجالوشى 4
«بن جرير بن رستم الطبرى 293
« «جرير الطبرى 292؛ 293؛ 294، 296، 298
« «جعفر التميمى (القزاز القيروانى) 346
« «جعفر المالكى 320
« «جعفر بن محمد على 152
« «جعفر المشهدى 5
« «جمال الدين الاسترآبادى 36
محمد جواد الكاظمى 86، 87
محمد بن جهم الاسدى 221
« «حبيب اللّه 29، 57، 266
« «الحسن (ابو بكر بن فورك) 335
« «الحسن بن ابى سارة النيلي 263
محمد الحر 97
محمد الحر العاملى 143، 144
محمد الحرفوشى 42
محمد بن الحسام العاملى 90
ص: 382
محمد بن الحسن الحر العاملي 44، 96، 97، 103- 105
« «الحسن الاصفهانى 111، 113
« «الحسن- ابن دريد 303
« «الحسن بن دينار 264
« «حسن رجب المقابى 80
« «الحسن بن زين الدين العاملى 149
« «الحسن الشروانى 93
« «حسن الشيباني 224، 260، 263
« «حسن بن الشهيد الثانى 39؛ 40، 43 44، 46، 57
« «الحسن الصفار 226
« «الحسن الطوسى 113، 182
« «الحسن بن عبد اللّه الزبيدى 339
« «الحسن العسكرى- القائم 130، 134- 136
« «الحسن العلامة- فخر المحققين 6 9، 10
« «الحسن بن على (ابن ابي جمهور) 29
« «الحسن القزوينى 118
محمد حسن بن محمد باقر الاصفهانى 142
محمد بن الحسن بن المظفر 332، 341
محمد بن الحسن بن يعقوب (ابن مقسم) 333 334
« «الحسين الآجرى 334
محمد حسين الخاتون آبادى 107، 114، 117، 125، 183، 201، 202
محمد بن الحسين الخونسارى 120، 202
« «حسين بن عبد الصمد- البهائى 56، 60؛ 83؛ 86، 104، 107، 280
محمد الحسينى 208
محمد بن الحنفية 133، 211
« «حيدر الحسنى (الميرزا رفيعا) 84
« «خاتون العاملى 91
محمد خان القاجار 129
محمد الخفرى 194، 196؛ 197
محمد بن الخلف الزابط 349
« «داود الاسترآبادى 36
« «داود (ابن المؤذن) 22، 23
ابو محمد بن الدهان 235
محمد الرجالى الاسترآبادى 167
محمد رحيم بن محمد جعفر السبزوارى 125
محمد رضا بن محمد اسماعيل القمى 110، 111
محمد رضا بن محمد بن الحسن الحر 61
ص: 383
محمد رضا بن محمد بن عبد الفتاح 107
محمد رضا بن محمد مهدى بحر العلوم 216
محمد رضا النجفى 214
محمد رفيع النائيني 104
محمد الروى دشتى 79، 104
محمد بن زكريا الرازى 300
« «زياد الكوفى 270
« «زياد المقرى 273
« «زيد الشهيد 182
« «زيد العلوى 350
« «سالم الجمحى 271
« «السرى بن سهل 299
« «سلامة القضاعى 350
« «سليمان الصعلوكى 342
« «سيرين البصرى 249
« «سيف الدين العلائى 281
« «الشجاع القطان 172- 174
ابو محمد شرف القيروانى 346
محمد الشروانى 281
محمد شفيع بن محمد رفيع القزوينى 85
محمد شفيع بن محمد على الاسترآبادى- 107، 148
محمد شفيع اللاهيجانى 107
محمد بن شهاب الزهرى- محمد بن مسلم 243
محمد بن شيبه 243
محمد الشيرازى 193
محمد صادق بن محمد بن عبد الفتاح 107، 206،
محمد بن صالح 6
محمد صالح بن احمد المازندرانى 25؛ 80، 148
محمد صالح بن عبد الواسع الخاتون آبادى 95؛ 142، 143
محمد بن صالح الغروى 34
محمد صدر الدين 179
محمد طاهر القمى 324
محمد طاهر بن مقصود على الاصفهانى 125، 184، 201
محمد الطباطبائى البروجردى 208
محمد الطباطبائى الكربلائى 129
محمد بن طرخان الفارابى 321؛ 325 327
محمد بن طلحة الشافعى 136
ص: 384
محمد الطوسى (نصير الدين) 217
محمد بن الطيب بن محمد الباقلانى 343، 344
محمد العاملى العيناثى 16
محمد بن عباس الخوارزمى 293
محمد بن عبد اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم 16، 29، 72، 88، 131، 134، 247، 308
محمد بن عبد اللّه (ابو بكر الصيرفى) 313
محمد بن عبد اللّه الارغيانى 314
محمد بن عبد اللّه الجوزقى النيسابورى 314
« «عبد اللّه الحاتمى- محى الدين بن العربى 273
محمد بن عبد اللّه الحاكم النيسابورى 342
« «عبد اللّه الحضرمى 136
« «عبد اللّه المعافرى 273
« «عبد الرحمان بن ابى ليلى 252؛ 253
« «عبد الرحمان (ابن قريعة) 345
« «عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدسي 3، 8، 281
« «عبد الصانع- النيسابورى 204
« «عبد الصمد الشهشهانى 281
« «عبد العالى الكركى 7
محمد بن عبد الفتاح التنكابنى- سراب 106، 110؛ 125؛ 148
محمد بن عبد الكريم الطباطبائى 208
« «عبد النبى النيسابورى الاخبارى 127؛ 140
محمد بن عبد الواحد البزاز 83، 281
« «عبد الواحد (ابو عمر الزاهد) 330
محمد بن عبد الوهاب- الجبائى- ابو على 286
محمد بن عبيد اللّه المسبحى 348؛ 349
« «على بن ابراهيم الفارسى 36؛ 37، 39،
محمد بن على بن ابراهيم- ابن ابى جمهور الاحسائى 26- 28، 30، 31، 57
محمد على بن ابى طالب الزاهدى 35
محمد على بن احمد الاسترابادى 148، 107
محمد بن على التقى عليه السّلام 134
« «علي الجباعى 7، 14، 15
« «على بن جعفر 181، 183
ص: 385
محمد بن على الحائرى الطباطبائى 281
« «على بن الحسين بن بابويه 113
« «على بن الباقر (ع) 131، 134، 243، 255
« «على بن الحسين الموسوى العاملى 47- 55، 105
« «على بن حيدر العاملى 143
« «على بن خضر 329
« «على بن الطيب 349
« «على العاملى- محمد العاملي 80
« «على بن عبد الرحمان 273
« «على مبرمان 328، 329
محمد على بن محمد باقر البهبهانى 107 125؛ 150، 151، 207
محمد على بن محمد باقر النجفى 125
محمد علي بن محمد باقر الهزار جريبى 153، 182، 207
محمد على بن محمد البلاغى 149
محمد بن على بن محمد الحر 105
محمد بن على بن محمد الحرفوشى 85
محمد على بن محمد رضا الساروى 148، 295
محمد بن على بن محمد على الطباطبائى 23، 24، 42، 145
« «على بن محمد بن مكى 24
« «على بن نعمة اللّه الجزائرى 91
« «على الهادى 133
« «عمر الجعابى 313
« «عمر بن عبد العزيز- ابن قوطية 267
« «عمر بن واقد الواقدى 268
« «عمران- ابو عبد اللّه المرزباني 338؛ 339
« «عيسى 255
« «عيسى الترمذى 282
« «فتح اللّه الواعظ القزوينى 84
« «فلان الواقفى 226
« «فليح كيكلدى العلائى 82
« «القاسم- ابن الانبارى 309
محمد قاسم بن محمد رضا الطبري 201
محمد قاسم بن محمد رضا الهزار جريبى 125
محمد القرشي (نظام الدين) 80
ص: 386
محمد الكربلائى 204
محمد بن ماجد البحرانى 83
محمد محسن الفيض الكاشانى 79
محمد محسن الكاظمى 204
محمد بن محمد بن ابي اللطيف المقدسى 82
محمد بن محمد باقر النائينى 121
« «محمد البويهى الرازى 5
« «محمد الحارثى 5
« «محمد الحر العاملى 105
« «محمد بن الحسن بن الشرقى 314
« «محمد رفيع الجيلانى البيدآبادى 122- 124
« «محمد زمان الكاشانى 124، 182، 201
« «محمد بن الصدر الثانى 184
« «محمد بن عبد الكريم- ابن الاثير 236
« «محمد بن على الهمدانى 161
« «محمد العينانى 63
« «محمد الفسوى 114
« «محمد اللاهيجى (ميرزا باقر- النواب) 154
محمد بن محمد المقدسى 281
« «محمد بن مكى 11، 22، 24
« «محمد بن النعمان 113
« «محمد بن يزيد- ابن ماجه 282
« «المراغى 82، 281
« «المرتضى- محمد مهدى بحر العلوم 205
« «المستنير- قطرب 265، 159
« «مسلم الثقفى 154، 254؛ 255
« «مسلم الزهرى 242
« «مسلم بن محمد الحنبلى 82، 281
« «معية 22، 24، 166، 211
« «مكى العاملى الشهيد 3، 5، 8، 9؛ 12؛ 16، 19، 22، 171
« «مكى العاملي شمس الدين 21
« «منصور الدشتكى 180
« «المؤذن الجزيني 172
« «موسى الاحسائى 34
« «موسي الحسينى 30
« «موسى بن شاكر 317
محمد مؤمن الاسترآبادى 50
محمد مؤمن بن محمد ناصر الشيرازى 63
ص: 387
محمد مهدي بن ابى ذر النراقى 125
محمد مهدى بن محمد الفتونى 143، 203، 205، 207
محمد مهدى الموسوى الشهرستانى 138 202
« «النجفى- بحر العلوم 107، 156، 203، 211، 213، 281
محمد مهدى الهرندى 202
محمد بن نجده 7
« «الهذيل العلاف 273
« «هشام بن ابراهيم اللخمي 304
« «هشام الشيبانى السعدى 275، 276
« «يحيى 276
« «يحيى الصولى 315
« «يحى بن على الزبيدى 340
« «يحى بن هشام 277
« «يزيد- المبرد 283
« «يزيد بن محمود 337
« «يعقوب- الكلينى 58
« «يوسف- ابو عمر القاضى 330
« «يوسف الزرندى 262
محمد بن يوسف العزيزى 83، 281
« «يوسف الفربرى 278
« «يوسف القرشى 5
« «يوسف بن كبنار البحرانى 83
« «يوسف الكنجى 135
محمود الافغان 117
محمود بن الامير الحاج العاملى 30
محمود بن حسام الدين الجزائرى 80
محمود بن الحسن الحمصى 159، 160 161، 162
محمود السدادى السلمانى 87
محمود الشيرازى 115، 179
محمود بن عبد السلام 102
محمود بن علاء الدين الطالقانى 34
محمود بن على بن الحسن الحمصى الرازى 158
محمود بن على الحسينى المازندرانى 57
محمود بن على الرازى 164
محمود بن على نقى 209
محمود الغزنوى 242
محيى الدين بن حسين 184
محيي الدين بن العربى- محمد 133، 273
ص: 388
محيى الدين النووى 259
المرتضى بن الحسين الشجرى 166
المرتضى بن حمزة الحسينى 166
المرتضى بن الداعى بن القاسم الحسنى 162 166، 351
المرتضى علم الهدى- على بن الحسين 4، 66، 73، 74، 78، 141، 165، 166، 211، 213، 339
المرتضى بن على بن محمد الديباجى 166
مرتضى بن محمد امين الدسفولى 167
المرتضى بن محمد الحسنى 166
مرتضى بن محمد الطباطبائى 166، 208
المرتضى بن المنتهى بن الحسين 166
المرزبانى- ابو عبد اللّه 276
المروج البهبهانى- محمد باقر 145
المسبحى- محمد بن عبيد اللّه 346
المستنصر 234
ابن مسعود الرازى 312
مسعود بن مودود 233
المسعودى (على بن الحسين) 100، 269 274، 303، 304، 319
مسلم بن الحجاج القشيرى 282، 314 341
ابن مسلم بن فهد 340
ابو مسلم الكجى 333
ابو مسلم اللخمى 334
مسمع بن عبد الملك 53
مسيح عليه السّلام 131، 137
مسليمة الكذاب 268
مصطفى التفرشى 9، 36، 46، 62؛ 167
مصعب بن الزبير 244
مصعب الكوفى 227
مطرف بن عبد اللّه 279
مظفر التبكجر الجرجانى 35
مظهر الدين على 80
مظفر الدين بن على 234
معاذ بن مسلم الهراء 263؛ 284؛ 280
المعافى بن زكريا 292
ابو المعالى الجوينى 263، 314
معاوية بن ابى سفيان 256، 260، 331، 332، 347
ابن المعتز 300
فخر الدولة بن بويه 327
معز الدولة 330
ص: 389
ابن معية الحسنى 7
المفضل بن محمد الضبى 270
مفح بن الحسين الصيمرى 168، 169
المفيد- محمد بن محمد بن النعمان 4؛ 78، 141، 155، 345
المقتدر 305، 315، 322
مقداد السيورى 7، 11؛ 12، 15، 171
المقداد بن الاسود 29، 132، 173؛ 174 176
ابن مقسم 330، 331
مقصود بن العابد بن الاسترآبادى 107
المكتفى 300، 301، 315
مكحول 244
مكى بن محمد بن حامد الجزينى 6
ابن ملجم 279
ملكشاه السلجوقى 241، 353
المنتهى بن المرتضى الحسينى المرعشى 161
ابو منصور الازهرى 305، 306
منصور الدوانيقى 253، 277
منصور بن عبد اللّه الشيرازى راست گو 57، 78، 197، 199
منصور بن محمد الحسينى الدشتكى 176، 181، 183
ابن المنجم 266
منصور بن نوح بن سامان 302
منتجب الدين بن على بن بابويه القمى 158 159، 161، 166
ابو موسى الاشعرى 188
موسى بن جعفر عليه السّلام 226؛ 227
موسى بن على البحرانى 137؛ 138
موسى بن عمران 253
مهدى بن ابي ذر النراقى 200- 202
مهدى بن الحسن الرضوى 29
المهدى بن المرتضى- محمد مهدى 145
مهنا بن سنان المدنى 5
ميثم التمار 221
ميثم بن على بن ميثم البحرانى 216، 220، 221
ميرزا جان الشيرازى 179
ابنى ميكال 305
ميكائيل 190
ميلاس 279
ابن ميمون 280
ناصر الدين 121
ناصر بن ابى المكارم المطرزى 320
ص: 390
نافع بن ابى نعيم 224
نافع مولى عبد اللّه بن عمر 224
ابن النجار 276
النجاشى 220؛ 294
نجم الدين بن طوفان 6
نجم الدين المحقق الحلى 221
النراقى 146، 167
نرجس 134
ابن نزار 32
ابو نصر البخارى 212
ابو نصر الفارابى- محمد بن طرخان 323، 326
نصر اللّه بن محمد الجزرى 234، 236
نصر الدين الطوسى 4، 161
نظام بن حسين الساوجى 80
نظام الدين بن احمد الدشتكى 193
النعمان بن المنذر 336
نعمة اللّه بن احمد 79، 113
نعمة اللّه بن عبد اللّه الجزائرى 67، 87 91، 143
ابو نعيم الاصفهانى 135، 225، 280 335
نفطويه 265، 283، 336
النقى الهادى 15
نقى الدين الجبلى الخيامى 12
النمزود 100
نوح عليه السّلام 131، 240
النورى الشافعى 293
هادى بن محمد صالح المازندرانى 25
هادى الهمدانى 137
ابو هاشم الجبانى- عبد السلام 328
ابو الهذيل- محمد بن الهذيل 274
الهروى 26- 28، 30، 32، 336
هشام بن الحكم 244
هشام بن عبد الملك 244
ابن همام 182
الواثق باللّه 276
الواقدى 227، 269
ورام بن ابى فراس 158؛ 161، 231 248، 253
الوزير المهملبى 345
الوزير بن هبيره 340، 341
ابو الولى بن شاه محمود الحسينى الشيرازى 36، 57، 88
ياقوت 307، 331، 333؛ 341
ص: 391
يحيى بن الحسن اليزدى 107، 206
يحيى بن حسين بن عشرة البحرانى 169
يحيي بن خالد 274
يحيى بن سعيد 224، 279
يحيى بن محمد بن صاعد 333
ابو يزيد البسطامى 228
يزيد بن عبد الملك 244
يزيد بن معاوية 186، 187، 315، 332
يعرب بن قحطان 303
يعقوب بن عبد اللّه البصرى 286
يعقوب النبى 314
ابو يعلى 280
يوحنا بن خيلان 321، 322
يوسف بن احمد البحرانى 125، 138، 201، 203
يوسف جوانه فرنگسيس المسيحى 136 137
يوسف بن راشد القطيفى 33
يوسف بن عبد البر 136
ابو يوسف القاضى 263
يوسف الهمدانى 238
يوسف بن يحيى 12
يوسف بن يعقوب 240، 314
يونس بن الحرفرش 42
ص: 392
آل بويه 295
آل داود 188
آل ديلم 298
آل الرسول 262
آل زياد 187
آل محمد 239؛ 247، 261، 263
آل ياسين 241
آل يزيد 332
الاتراك 322
الاخباريون 103
الاسلام 62، 138، 177، 188، 213 251، 260، 318
الاسماعيلية 352
الاشاعرة 275
الافغان 122
الاكراد 290
الامامية 5، 81، 123؛ 133، 187، 189؛ 196، 205، 258، 312.
الانصار 29
اهل البيت 4، 13، 28، 71، 93، 119، 140؛ 189؛ 196، 238؛ 245، 279، 280، 308
اهل السنة 66، 193، 196، 223، 227، 239، 245، 258، 280؛ 282 295، 310
الائمة 100، 102
الائمة الاثنى عشر 134
ائمة السنة 224
ب الباطنية 354
ص: 393
بنو آدم 4، 109، 159
بنو امية 247، 248، 252
بنو بويه 343
بنو جرير 293
بنو الحر 104
بنو الحسام 90
بنو زهرة 338
بنو سامة بن لوى 228
بنو سهم بن اسلم 268
بنو شافع 257
بنو العباس 227، 228، 327
بنو عبد القيس 274
بنو عبد القيس 274
بنو عبد المطلب 183؛ 257
بنو مروان 248
بنو معية 212
بنو موسى 316- 319، 353
بنو هاشم 29، 257، 268، 271
التصوف 58، 67، 188
الثنويه 274
الجن 108
الحلولية 162
الخوارج 280
الدولة الصفوية 35
الرافضة 66، 136؛ 253، 262
الردة 268
الروافض 16
الزنج 305
سبائبة 133
سلاطين الشيعة 49
سلاطين الصفوية 93، 116
الشافعية 189
الشيعة 254؛ 264؛ 281؛ 293،، 20؛ 25، 81، 118؛ 146، 178، 220، 237، 239؛ 285، 326؛ 354
الصابئة 66
الصفوية 80، 116، 117
الصوفية 30، 66؛ 98، 103، 151 152، 162، 250
بنو العباس 225، 252
العجم 4، 83، 152، 155، 188، 272، 282
ص: 394
العرب 4، 83، 152، 155، 173، 188 196، 222، 234؛ 248، 268، 270، 272، 276، 282، 303، 305، 352
علماء البحرين 82
علماء جبل عامل 96
علماء الشيعة 14، 90، 108، 170، 308
علماء العرب 104
الفرس 277، 319
الفقهاء 26، 173، 313
الفلاسفة 324
القرامطة 336، 354
قريش 242
كيسانية 133
المتكمون 26، 141، 274
المجتهدون 54، 103
المجوس 136، 139، 160
المخمسة 133
مذهب ابى حنيفة 259
مذهب الامامية 12، 20
مذهب الشافعى 71
مذهب الشللية 341
مذهب الشيعة 196
مذهب مالك 344
المزدكية 354
المسلمون 66، 89، 134، 188؛ 189
المشركين 244
المعتزلة 275؛ 286؛ 291
المعتزلة النظامية 266
الملاحدة 66؛ 103
ملوك العجم 352
ملوك الفرس 316
ناوسية 133
النصارى 136، 189
اليهود 136، 139، 189، 204، 213 345
يوم بدر 257
ص: 395
آجر 334
آذربيجان 169، 196، 208
آمل 293
الاحساء 28
اربل 234، 235
الاردن 298
الاسبيجاب 271
استرآباد 79
الاسكندرية 317
اشبيلية 340
الاشيان 115
اصفهان 36، 45، 59، 67، 68، 78 79، 84؛ 86، 90، 93، 94، 103 104، 109، 114، 116، 121، 122، 124، 141، 142، 144؛ 145، 146، 148، 153، 169، 202، 211، 298، 312، 335، 353
افريقية 347
الاندلس 271، 282، 340
الاهواز 169، 276
اوال 82
ايران 96، 116، 152، 196؛ 209
البحر الخضيم 219
بحر قلزم 298
البحرين 64، 80، 81، 82؛ 170، 220
بخارا 96؛ 279؛ 280
بدر 244
بروجرد 208
ص: 396
البصرة 66، 169، 229، 249، 264 276، 283؛ 286، 304، 305، 312، 320، 328
بغداد 58، 175، 259، 269، 278 283، 284، 292، 293، 302، 303، 305، 313؛ 320 321، 322، 328، 330، 331، 334، 336، 343، 344، 345، 349،
بقيع 176، 224، 225
بلاد العجم 81، 99، 282
بلاد المغرب 347
البلاد الهندية 111
بلاساغون 326، 327
بعلبك 62، 68
بنارس الهند 36
بيروت 12
بيرون 351
پل وركان- فلاورجان 115
تخت فولاد 84، 109، 116، 123؛ 124
تركستان 327
ترمذ 282
تكيه الخاقان 128
تكية مولانا الاقا حسين الخونسارى 123
ثقيفة بنى ساعدة 29
جامع قزوين 85
الجبال 278
الجباية 286
جبع 50، 97
الجبل 271
جبل عامل 3، 27؛ 90، 140
جد حفص 82
جرجان 343
جزيرة ابن عمر 232، 236
جزيرة الخضراء 136
جزين 3
جند حمص 340
جيحون 298
حائر الحسين- كربلا 58
الحجاز 6، 79، 204، 213، 244، 245
حران 321
حرم الحسين عليه السّلام 147
حرم العباس 147
الحلب 297
ص: 397
حلة 170، 174، 217
حماة 332
حمص 163
الحوف 176
حيدرآباد 91، 141
الحيرة 335، 336
الخرابات 38
خراسان 11، 31، 55، 81، 105، 182، 211، 237، 278، 279، 305، 354
خرتنك 278، 279
خوارزم 19
خوانسار 108، 320
خوزستان 169
خوزان 125
خيابان محلة خواجو 109
دارا الصاحب بن عباد 129
دار المأمون العباسي 291
دمشق 3، 9، 12، 19، 41، 322، 324
ديار العجم 142، 153،
الديلم 169
الدونج 220، 221
الدينور 169
رامهرمز 328
رحبة يعقوب 293
رنان 123
الروسية 96
الروم 247، 319
روى دشت 114، 115
الري 162، 163، 301، 335
ساباط 87
سامراء 70، 267
سجستان 25
سرقسط 283
سكة صالح 304
سلماباد 170
سمرقند 279
سنجار 318، 319
السند 351
سيحون 327
سيور 174
الشاس 326
الشام 3، 10، 11، 50، 51، 71، 79-
ص: 398
87، 90، 163، 186، 245؛ 246؛ 278، 297، 298، 324، 340،
شاه سيد علي اكبر 157
شروان 96، 196
شيراز 25، 176،
صعيد مصر 320
صفين 87
صول 320
صيدا 10، 12
صيمر 169
الصين 327
طبرستان 298
الصبرية 298
طهران 25، 128
طوس 27، 30، 63، 70؛ 87، 97
العباسية 306
العراق 11، 27، 30، 42، 43، 48؛ 49، 54 58، 97، 108؛ 145، 166، 169؛ 178؛ 196 204، 207، 210، 211، 217، 218، 220 278، 335، 337، 343، 354
العراق العجم 152، 282، 337
عسقلان 324
عسكر المهدى 268
العسكريين- سامراء 58
عمان 305
العيناثى 89
الغرى 143، 205، 208، 210
غزنة 236
فاراب 326
فارس 169، 277، 305
الفخ 212
فدك 72
فرنگ 137، 325
فلاورجان- پل ورگان 115
فلسطين 245
القرافة الصغرى 259
قرميسين 152
قزوين 85، 147، 282
قلعة دمشق 13
ص: 399
قلعة الشام 10
قم 118
قميشه 157
القيروان 347
كاشان 196، 200
الكاظمين 58، 129، 146، 267
كربلاء 40، 43، 70، 87، 149، 203، 228
كرك نوح 27
كرمانشاهان 152، 208
الكوفة 220، 252، 255، 264؛ 276، 318 319؛ 336
كيج 27
لبنان 3
لنجان 115
الماحوز 220
ماربين اصفهان 123
مارستان بغداد 301
مارستان الرى 301
مازندران 298
ماوراء النهر 279
مدرسة الحاجبية 162
مدرسة الشاه 122
مدرسة المنصورية 176
مدرسة ميرزا جعفر 96
المدينة المنورة 68، 133، 182، 224، 226، 246، 1260
مزار خديجة الكبرى 45
مسجد الكوفّة 75، 137
مسجد المدينة 243، 251، 259
مشعر 97
مشهد الحسين- كربلاء 44، 78
المشهدى الرضوى 27، 31، 32، 49، 55 59، 68، 78، 79، 81، 89، 96، 103، 105، 109، 171، 197
مصر 259، 278، 348؛ 349
المصلى 64، 65، 82
مقابر باب الكوفة 284
مقابر البستان 292
مقبرة الشونيزى 349
مقبرة مقداد 185
ص: 400
مكة 37، 39، 40، 42؛ 43، 45، 50، 51 81؛ 85، 165، 199، 210، 244، 259، 276، 334، 335
مكران 27
منى 258
الموصل 233، 236
نائين 84
نجف- الغرى 39، 49، 58؛ 68، 70، 90، 94، 142، 144، 157، 203، 214 216
نراق 200
نيسابور 298، 314، 335، 336، 343
هجر 65
الهراة 27، 58، 81
هلتا 220
همدان 129، 162
الهند 237، 316، 351
اليزيدية 96
اليمن 174
اليونان 319
ص: 401
الآثار الباقية 351
الآداب الحميدة 296
آيات الاحكام 37، 38، 91
آئين اكبرى 133
الابانة 280
ابكار الافكار 346
ابواب الجنان 85
اثبات المحصل 234
اثباة الهداة 98، 132
اثبات الواجب 196، 197
الاثنى عشريات 58، 59
الاثنى عشرية 16، 63، 134، 226، 263
الأثنى عشرية فى المواعظ العددية 88
الاثنى عشرية فى تحقيق امر القبلة 125
الاحاديث الفقهية 26
الاحتجاج 298
احتجاج القراء 299
الاحتجاج فى القراءات 334
احصاء العلوم 322
اخبار ابن مقسم 334
اخبار ابن هرمة 315
اخبار ابى عمرو بن العلاء 315
اخبار اسحاق بن ابراهيم 315
اخبار الزمان 100
اخبار السيد اسماعيل الحميرى 315
اخبار الصحابة 236
الاخلاق المنصورى 179
ادب الكاتب 306، 311، 315
ادب النفس 89
الاربعون حديثا 9
الاربعين 58، 69، 135، 371، 314، 329، 334
ص: 402
ارجوزة فى المنطق 140
ارجوزة فى النحو 140
الارشاد 50
الارشاد الاذهان 58؛ 343
ارشاد القلوب 249
ارم ذات العماد 273
الازمنة 265
الاساس في علم الهندسة 179
الاستبصار 58
الاستدراك 14
الاستغاثة فى بدع الثلاثة 219، 220، 221
استقصاء النّظر 220؛ 221
الاستيعاب 136
الاسطرلاب 60
الاسعاف 140
اسماء القبائل 267
الاشارات 122، 151
الاشارات فى الاصول 203
الاشباه 265
الاشباه و النظائر 121
الاشتقاق 265، 284، 299، 304
اشعار الخوارزمى 307
اصلاح العمل 146
الاصوات 265
الاصول لابن البراج 299
اصول الكافى 149
الاضداد 265، 310
اطواق الذهب 121
الاعتذار 128
اعراب القرآن 266، 284
الاعضاء 302
الاغانى 308، 337
الافراد و الجمع 264
اقسام البلاغة 338
الاقطاب 26
الاكمال فى التاريخ 350
اكمال الدين 135
الالفاظ 271
الالف و اللام 283
الفية ابن مالك 58، 214
الالفية فى فقه الصلاة اليومية 9
الامالى لابن دريد 307
امالى الحامض 330
امالى العباس 128
ص: 403
الامثال على افعل 267
الامثلة للدول المقبلة 348
امل الآمل 3، 6، 7، 9، 11، 15، 22، 24 26، 37؛ 40، 43، 46؛ 52؛ 55، 60، 63، 79، 80، 81، 85، 86، 87، 89، 90، 91، 96، 98، 102، 104، 105، 111، 118، 140، 144، 158، 164، 168، 169، 170؛ 171 172؛ 197، 216؛ 298، 308
الانتصار بقراء الامصار 334
الانساب 136، 236
انساب العين 128
الانصاف 232
الانموزج 115؛ 346
انموزج العلوم 93، 95، 198
الانموزج فى المنطق 57
انموزج المرتاضين 128
الانواء 267؛ 271؛ 277، 304
الانوار فى تفسير القرآن 334
الانوار النعمانية 49، 87
الانواع للصولى 315
انيس التاجرين 200
انيس المشتقلين 157
ايضاح العلامة 148، 293، 295
الايقاظ من الهجعة 98
البارع 266
الباقيات الصالحات 9
الباهر فى الفروق 235
بحار الانوار 14؛ 15، 26، 38، 104 132، 136، 137، 225؛ 227، 227، 245، 251، 262،
بحر الحساب 61
البحر الزاخر 156
البحر المواج 114
بداية الهداية 99؛ 121، 158
البدر الباهر 156
البدع المحدثة 220
البديع فى شرح الفصول 232
البراعة 342
برء الساعة 300، 302
البرهان 28، 128
بصائر الدرجات 226
بغية الوعاة 283، 341
ص: 404
بلغة الرجال 50، 80
البنين و البنات 235
البهجة لثمرة المهجة 161
البيان فيما ابهم من الاسماء فى القرآن 10، 336
البيان فى احوال صاحب الزمان 135
البيان و التبيين 337
البيان فى الفقه 9، 10
تاريخ ابن بشكوال 280
تاريخ ابن جلجل 302
تاريخ ابن خلكان- وفيات الاعيان 338 345
تاريخ الاطباء 301
تاريخ الاندلس 267
تاريخ البخارى 278
تاريخ بغداد 269، 280، 286؛ 309 330
تاريخ الحكماء 300، 326؛ 351
تاريخ الخلفاء 267
تاريخ علماء نيسابور 342
تاريخ القبائل 271
تاريخ گزيده 223، 224، 242
تاريخ المغربى 3
تاريخ اليافعى 350
تبر المذاب فى منقبة الآل و الاصحاب 20، 260، 262
تبصرة العوام 165
تبصرة المستبصرين 157
التبيين و التنقيح 158
تتمة ابواب الجنان 85
التجريد فى اصول الفقه 200
التجريد فى الحكمة 179
التجويد البراعة 172
التحفة 128
تحفة الابرار 203
تحفة الامين 128، 129
تحفة اهل الايمان 81
التحفة الحاتمية 61
تحفة الدهر 40
التحفة الرضوية 200
تدارك المدارك 73
ص: 405
الترجمان فى الشعر و معانيه 307
تسلية القلوب الحزنية 127
تسلية المجالس 35
التسهيل 273
تشريح الافلاك 59، 61
التشكيك 84
التصريح 214
التصريف 312
التصغير 264
تصفح الادلة 349
تعديل الميزان 179
التعليق العراقى 158؛ 161، 162
تغير البلغاء 312
تفسير آيات الاحكام 106
تفسير آية النور 35
تفسير اسماء الشعراء 331
تفسير الفاظ مختصر المزنى 336
تفسير الامثال 271
تفسير الثعلبى 135؛ 232
تفسير سورة هل أتى 179
تفسير نور الثقلين 110
تفصيل وسائل الشيعة 97
التقريب فى التفسير 336
تقريع الهلباجة 341
تقويم الرجال 128
تقويم اللسان 306
التكملة 197
تكملة القواعد 156
تلخيص الآثار 163، 236؛ 327، 347
تلخيص كتاب الشفاء 112
التلقين 329
التمحيص 115
تنبيه الخواطر 253
التنبيه فى الفقه 337
النبيه علي غرائب من لا يحضره الفقيه 169
التنبيه على ما فى كتاب التنبيه 337
التنقيح 7
التنقيح الرائع فى شرح الشرائع 171 173
تنقيح المقال 95، 149
تهذيب الاخبار 58
تهذيب الاسماء 293؛ 337
تهذيب الاصول 5، 57؛ 197
ص: 406
تهذيب البيان 59
تهذيب فصول ابن الدهان 235
تهذيب اللغة 336
تهذيب المنطق 48
التهذيب فى النحو 61
تهذيب الوصول- تهذيب الاصول 88
توراة 131
توضيح الاشتباه 148، 221، 295
توضيح المقاصد 61، 79
الثاقب فى المناقب 245، 246
الثمرة 84
الجامع 302
جامع الاسرار 133
جامع الاصول 232
جامع البين فى فوائد الشرحين 9
جامع السعادات 200
الجامع العباسي 59، 61؛ 67، 80؛
الجامع فى اللغة 304
الجامع فى النحو 286، 346
الجاهليات 310
الجعفرية 34
جمع بين الصحاح 135
جمع بين الصحيحين 135
جمع الجوامع 331
الجمل 299
جمل الاصول 299
الجمهرة 304، 305
جواب ثلاث مسائل 61
جواب مسائل الشيخ صالح الجزائرى 61
جواب مسائل المدنيات 61
جوامع الكلم 91؛ 92
الجواهر السنية 97
جواهر الكلام 142، 214
جواهر الكلمات 168
جونة الملاشطة 348
حاشية الاثنى عشرية 61
حاشية الاستبصار 46، 54
حاشية اصول الكافى 40
حاشية الفية الشهيد 46؛ 50، 55
ص: 407
حاشية الهيات الشفاء 179، 198
حاشية تفسير البيضاوى 59، 61، 140 197
حاشية التهذيب 37، 38؛ 46، 54، 149
حاشية حاشية الخفرى 93
حاشية حاشية الدوانى 93
حاشية حكمة العين 93
حاشية الخلاصة 61؛ 220، 222
حاشية الرجال 40
حاشية شرح الاربعين 68
حاشية شرح التجريد 194
حاشية شرح تهذيب الاصول 79
حاشية الشرائع 156
حاشية شرح الشمسية 194
حاشية شرح العضدى 60
حاشية شرح العقائد النسفية 115
حاشية شرح اللمعة 40، 208
حاشية شرح مختصر الاصول 95، 194
حاشية شرح المختصر العضدى 93
حاشية شرح المطالع 93
حاشية الفقيه 44، 61، 149
حاشية على القواعد الشهيدية 59، 61
حاشية القوانين 156
حاشية الكشاف 179، 194
حاشية مختلف الشيعة 40، 59،
حاشية المدارك 40، 106
حاشية المطالع 194
حاشية المطول 40، 61؛ 140
حاشية المعالم 40، 149، 106، 156
حاشية المغنى 284
حاشية النهاية 197
الحالى و العاطل 342
الحاوى 294
الحاوى فى الرجال 92
الحاوى فى الطب 301
الحبل المتين 25، 58، 59، 60؛ 76
حبيب السير 177؛ 241، 349، 350
الحجة 259
حجة الكلام 179
الحجر الملقم 128
حدائق الابرار 89
حدائق الشيعة 261
حدائق الصالحين 61
ص: 408
الحدائق الناضرة 52، 53، 138، 152، 201
حديقة الحقيقة 238، 246
الحديقة الهلالية 60، 61
حرز الحواس 128
حسن الاتفاق فى تحقيق الصداق 128
حقيقة الاعيان فى معرفة الانسان 128
حقيقة الشهود 128
حلال الغوامض 156
حلية الاولياء 225، 245؛ 246، 280 335
حليه المحاضرة 341
الحملة الحيدرية 85
حواشى تشريح الافلاك 61
حواش الزبدة 61
حواشى شرح التذكرة 61
حواشى الكشاف 61
حياة الحيوان 231، 259
خبر غدير خم 294 الخزائن
(للنراقى) 18
خزانة الخيال 64
الخصائص للطبرى 280
خلاصة الاعتبار فى الحج و الاعتمار 9
خلاصة الاقوال 58، 294، 308
خلاصة التلخيص 179
خلاصة الحساب 59، 60
خلق الانسان 266، 277، 286
خلق الفرس 266، 286
الخور البريعة فى اصول الشريعة 115
الخيل 277
الخيل الصغير 304
الخيل الكبير 304
الدراية 161
الدر الفريد 128
الدر المنظوم و المنثور 40، 41، 43، 44، 47؛ 54، 220
الدرة الباهرة 14
درة الغواص 344
الدرة المنظومة 205، 214
درك البغية 348
الدروس الشرعية فى فقه الامامية 8، 10
ص: 409
دلائل النبوه 273
دوائر العلوم و جداول الرسوم 128، 132
الدواهى 265
ديوان الادب 327
ديوان الرسائل 236، 297
الذباب 271
الذخيرة 144، 206
ذخيرة الالباب 128، 132
ذخيرة المعاد 106
الذكرى 9؛ 186
ذكر المهدى 135
رجال ابن داود 169
رجال النيسابورى 35، 81
الرجعة 50
الرحلة 105
رحلة المسافر 63
الرد على بن الخشاب 340
الرد على انموزج العلوم 179
الرد على حاشية التهذيب 179
الرد على حاشية الدوانى 179
الرد على الحرقوصية 294
الرد على سيبويه 284
الرد على المعتزلة 334
الرد على الملحدين 266
رسالة فى آداب البحث 221
« «فى آداب الحج 17
« «اثنى عشرية 60
« «فى احكام سجود التلاوة 61
« «فى احوال الصحابة 99
« «فى احوال المعاد 197
« «فى استحباب السورة و وجوبها 61
« «فى الامامة 216
« «فى انموزج العلوم 197
« «فى ان انوار سائر الكواكب مستفادة من الشمس 61
« «فى تحريم تسمية الصاحب 138
« «فى تحقيق الجهات 179
« «فى تزكية الراوى 40
« «التسبيح و الفاتحة 40
« «التسليم فى الصلاة 40
ص: 410
رسالة فى تفسير قل لا اسألكم 52
« «التكليف 9
« «في تنزيه المعصوم 99
« «التهجد 118
« «تواتر القرآن 99
« «الجمعة 98
« «الحاتمية 332، 342
« «فى الحج 60
« «فى حل اشكالى عطارد و القمر 61
« «فى حل لا ينحل 197
« «الخال 86
« «فى خلق الكافر 68
« «فى الدراية 60
« «فى ذبائح اهل الكتاب 60
« «الرجال 99
« «فى الرضا عليه السّلام 144
« «فى الزكاة 60
« «الزوراء 179
« «شير و شكر 118
« «الصمدية- الفوائد الصمدية 68
« «فى الصوم 60
« «الصيد 35
رسالة في طريقة العمل 140
« «فى الطهارة 44، 60
« «فى العالم 216
« «فى عينية وجوب صلاة الجمعة 106
« «القبلة 61، 118
« «القشيرية 335
« «في القصر و التخيير 61
« «فى قصر الصلاة 59
« «فى قصر من سافر بقصد الافطار و التقصير 9
رساله فى القوافى 40
« «الكر 61
« «فى الكلام 216
« «فى مباحث الكر
« «في مسألة وجوب صلاة الجمعة عينا 138
« «المشارق 179
« «المشكل 310
« «المقادير 118
« «المناظرة 23
« «فى المواريث 60
ص: 411
رسالة فى نجاسة ابوال الدواب الثلاث 138
« «فى نسبة اعظم الجبال الى قطر الارض 61
« «النوروز 118
« «فى وجوب غسل الجمعة 138
« «فى الوحى و الالهام 219
رشف النصائح 324
الرعاية لاهل الرواية 136
الرمل 197
الرواشح 215
الروضة 283
روضة الاحباب 177
روضة الخواطر 40
روضة الصفا 324
روضة الواعظين 32
الرياح و الهواء و النار 299
رياض الرضوان 179
رياض العلماء 25، 94، 162، 171
زاد المسافرين 26، 31
الزاهر 309
زبدة الاصول 59، 60؛ 104،
الزبدة فى اصول الدين 115
الزهرة البارقة 215
زوار العرب 304
زواهر الجواهر في نوادر الزواجر 121
زينة المجالس 35
السبعة بعللها 273
السرائر 159، 160، 166
السرح و اللجام 304
سر الصناعة 342
سر الصنيعة 234
سر العالمين 165
سعد السعود 92
السفير فى الهيئة 179
سفينة النجاة 106؛ 138
السلاح 265، 304
السلافة البهية فى الترجمة الميثمية 216
سلافة العصر 37؛ 51، 61، 86، 99، 100، 141، 197
سلم السماوات 176
ص: 412
السلو عن ذهاب البصر 329
السماع الطبيعى 322
سنة الهداية 151
سوانح سفر الحجاز 59، 61
السياسة المدنية 322
الشافى فى شرح مسند الامام الشافعى 232
الشافى للفيض 179
الشافية في الطب 179
الشجرة الالهية 84
شذور العقود 224
شرائع الاسلام 45، 58،
شرح اثبات الواجب 179، 194
» الاثنى عشرية 40، 51، 59
» الاربعين 58، 59، 61
» الارشاد 149
» الاسباب 325
» الاستبصار 40، 43، 44
» الاشارات 179
» الاشارات البحرانية 219
» اشعار الاعشى و النابغة و زهير 311
شرح الاصول الخمسة 349
» اصول الكافى 149
» الفية ابن مالك 273
» الفية الشهيد 26، 172
» الايضاح 338
» الباب الحاديعشر 26، 30، 171 197
شرح التجريد 93، 179، 197، 217
» التلخيص 115
» تهذيب الاحكام 40، 43
» التهذيب 86
» تهذيب الحديث 68، 72
» تهذيب الاصول 197
» التهذيب الجمالى 8
» الجزرية 7
» الجعفرية 197
» كلمة العين 179
» دعاء روية الهلال 58، 59
» دعاء الصباح 58، 59
» الذريعة 166
» رسالة الاثنى عشرية 23
» رسالة ادب الكاتب 267
» الرسالة الصومية 79
ص: 413
شرح زاد المسافرين 30
» الزبدة 86
» الزيارة الجامعة 121
» السنّة 136
» شرائع الاسلام 93، 168، 170
» شرح الرومى على الملخص 61
» شرح القطر 86
» شرح الكافيجى 86
» الشمسية 48
» شعر ابى تمام 336
» شواهد الكتاب 284، 329
» الصمدية 86، 121
» صحيح البخارى 349
» العوامل المأة 112
» الفرائض 61
» الفصول 172
» الفصيح 331
» قصيدة الحميرى 112
» قواعد الشهيد 86، 114
» كتاب الاخفش 329
» كتاب سيبويه 299، 329
» الكافى للقالى 309
شرح الكافية 114
» اللامية 35
» اللمعة الدمشقية 4، 11، 106؛ 156
» المأة كلمة 216
» مبادى الاصول 171
» المختصر الاصول العضدى 48، 49 179
» المختصر النافع 46، 50، 51، 55
» مسند الشافعى 235
» مشكلات التنبيه 259
» المطالع 48، 179
» المفتاح 217
» المقامات 338
» من لا يحضره الفقيه 124
» المواقف 344
» الموجز 168، 169، 170
» نهج البلاغة 140، 154، 216، 217، 219، 221؛ 243،
» نهج المسترشدين 171
ص: 414
شرح هياكل النور 179، 180
» الوافية 215
» اليمينى 338
شرف النبى 270
شريعة الشيعة و دلائل الشريعة 144
الشعر و الشعراء 299
الشعرة النارية 128
شفاء الصدور 273
الشكوك 274
شمس الحقيقة 128
الشهاب 350
الشهاب الثاقب 128
شواهد ابن الناظم 55
الصارم البتار 128
الصافى 143
صحاح اللغة 299، 327
صحيح البخارى 71، 82؛ 135، 278 280، 350
صحيح الترمذى 282
صحيح مسلم 135
صحيح النسائى 283
الصحيفة بالحق 128
الصحيفة السجادية 58، 59، 61، 97 99، 178
صحيفة الصفاء فى ذكر اهل الاجتباء 139
الصفات 265
صفة الزرع 271
صفة شكر المنعم 329
صفة النخل 271
صلة الاعلام 329
الصمدية- الفوائد الصمدية 61
صواعق المحرقة 136
ضرورة الشعر 286
ضيافة الاخوان و هدية الخلان 118، 120
ضياء القلوب 106
طبقات الترمذى 312
طبقات الحكماء 322
طبقات الشعراء 267
طبقات الفقهاء 292
طبقات القراء 264، 271
ص: 415
طبقات النحاة 263، 266، 267، 276 306، 308؛ 310، 311، 328، 330، 334، 336، 339، 341، 351
طبقات النحاة البصريين 284
طرائف النظام 86
الطهر الفاصل 128
عارضة الاحوذى في شرح صحيح الترمذى 273
عدد التمام 334
العدة للشيخ الطوسى 119، 141، 160
عدة الداعى 8، 169
عرايس المحاسن 307
العروة الوثقى 58، 60؛ 133
العروض 284؛ 340
العقد الطهماسبى 81
عقود الدرر 140
العلل 265
علل النحو 286
العمدة 273
العمدة الجلية 7
عمدة الطالب 211
العوائد 200
عين الحياة 61
العيون 329
غاية المراد فى شرح الارشاد 8، 9
الغرر و الدرر 339، 350
غريب الحديث 135، 246، 367، 285 309، 311
غريب القرآن 273؛ 304
غريب مسند احمد 331
الغريبين 336
غلط ادب الكاتب 285
غنية المسافر 52
غوالى اللئالى 26، 30، 32؛ 33
الغيبة 135
فائت العين 331
فائت الجمهرة 331
فائت الفصيح 331
فتح الباب الى الحق و الصواب 128
فتوحات المكية 133، 134
الفذالك 151
ص: 416
فرائد الاصول 167
الفرق 265
الفرق للوشاء 286
الفردوس 253
فصل الخطاب 128
فصوص 326
الفصول التسعين 85
الفصول المهمة 99، 134، 262
الفصيح 284
الفضائل 245
فضائل احمد 280
فعل و افعل 265، 266
فعلت و افعلت 306
فلاح السائل 293
الفهرست للحسين بن عبد الصمد 174
الفهرست للطوسى 294
الفهرست للقمى 166؛ 351
فهرست وسائل الشيعة 98
الفوائد البهية 120
فوائد الحكماء 89
فوائد الرجالية 215
الفوائد الصمدية 59
الفوائد الطوسية 98، 99، 139
فوائد العلماء 89
الفوائد الغروية 143؛ 144
الفوائد المدنية 51
الفوائد المكية 51
الفيصل 264
قاموس المحيط 38؛ 96، 136، 164 169، 174؛ 222، 257؛ 272، 273، 293، 298، 320، 324؛ 347
القانون 73
قانون السلطانى 179
القانون المسعودى 352
قبسة العجول 128
القرآن 29، 43، 98، 110؛ 126، 134، 137، 143، 154، 170، 181 188؛ 190، 224، 263، 272؛ 309 310، 322، 335
قرب الاسناد 113
ص: 417
القسورة 128
قصص الانبياء 348
القضايا الصائبة 348
قطع المقال فى رد اهل الضلال 151
قلع الاساس 128
اباقماس 234
القواعد و الفوائد 8
قواعد الاحكام 4، 26، 58، 94، 112، 113
قواعد الاصول 215
القواعد فى اصول الدين 221
قواعد المرام 219
القوافى 265، 284
القوانين 103، 107، 155، 156
القول السديد 125
الكاشف 115
الكافى 58، 84؛ 255، 275
كامل التواريخ 236
الكامل للمبرد 283
كتاب ابنية سيبويه 339
كتاب الادوات 336
كتاب فى الامامة 349
كتاب التفسير 337
كتاب سيبويه 264
كتاب الشجن و السكن 348
كتاب الشراب 342
كتاب الكرمانى 311
كتاب فى النحو 334
كتاب النفس 322
كحل الابصار 118
الكشاف 232
كشف البراهين لشرح زاد المسافرين 31
كشف التعمية فى حكم التسمية 98
كشف الغمة 245، 248
كشف القناع 128
كشف اللثام 112، 115
كشف المخفي فى مناقب المهدى 135
الكشكول 59، 61، 70، 200، 220 284، 291، 319
الكفاية 206؛ 243
كفاية الاثر 247
كليد بهشت 12
كليات الرجال 128
ص: 418
كنز الدقائق و بحر الغرائب 111
كنز العرفان فى فقه القرآن 171
كنز الكنوز 156
كنز اللغة 212
الكواكب الباهرة 156
كوثر الاسرار فى شرح معضلات الاخبار 137
اللامات 285، 311
اللئآلى السنية 86
اللآلى العزيزية 26
اللآلى المتلالأة 156
لحن عوام الاندلس 339
لسان الخواص 118- 120، 139
اللطائف فى جمع هجاء المصاحف 334
اللغات 304
لغز الزبدة 60
اللمعة الدمشقية 8- 11
لوامع الاحكام 200
اللوامع الالهية 172
اللوامع و المعارج 179
لؤلؤة البحرين 12، 29، 33، 34؛ 37، 43، 50، 53، 55؛ 67، 81، 82، 102، 143، 144، 166، 172 216، 221
ما اتفق لفظه و اختلف معناه 265، 284
ما اختلف فيه البصريون و الكوفيون 286
ما انكر الاعراب على ابي عبيدة 331
ما نزل من القرآن فى على بن ابى طالب 338
المبتداء لكسائى 135
المبين فى اثبات امامة الطاهرين 128
المثل السائر 236
المثنوى 237
المجاري 329
مجاز القران 266
المجاز فى الشعر 342
مجازات الحديث 339
مجالس المؤمنين 14؛ 27، 178، 192؛ 193، 194، 197؛ 217، 221 237؛ 247، 325، 326.
ص: 419
مجالى الانوار 128
مجالى المجالى 128، 132
المجتبى 304
المجلي 26، 30، 32
مجمع البحرين 80، 143، 173، 221، 336
مجمع البيان 298
مجمع العرائس 156
محاسن الكلمات 170
محافل المؤمنين 118
المحاكمات 179
المحجة البيضاء 7
محرق القلوب 200
المحصول 349
محيى الرفاة 157
مختار الاغانى 348
مختصر الاغانى 140
مختصر بصائر الدرجات 7
مختصر الصحاح 168
مختصر العربية 342
مختصر العين 339
المختصر النافع 10، 43، 58
المختلف 90
المختلف و المؤتلف 267
مختلف النحاة 86
مخزن الاسرار 156
المخلاة 61
المداخل 331
مدارك الاحكام 43، 45، 49، 50، 53، 55، 63، 103؛ 107، 156
المدخل الى الشعر 334
المدخل الى علم الصحيح 342
المذكر و المؤنث 286، 310، 336
مرآت الزمان 125
المرجان الموشح 331
مروج الذهب 269، 275، 303، 319
المزار 9
المسائل 5
المسائل الغير المنصوصة 5
المستدرك على الصحيحين 343
المسترشد 293
المستغيثين باللّه 228
المستند 200
مسند ابى يعلى 280
ص: 420
مسند احمد بن حنبل 253، 260
مسند على 135
مسند فاطمة 135
مشايخ الشيعة 170
المشچر 267
المشجر الروى فى غريبى الهروى 329
مشرق الشمسين 59، 60، 76
مشكاة الانوار 143
مشكاة اليقين فى اصول الدين 162
مشكلات العلوم 19، 200
المصابيح 135، 215
مصابيح الكتاب 286
المصاحف 334
مصادر الانوار 128
المصطفى و المختار فى الادعية و الاذكار 232
المصنف الغريب 266
مطالب السؤول 136
المطالب المظفرية فى شرح الرسالة الجعفرية 35
مطالع الانوار 102، 203
المطر 306
مظهر المختار 151
المعالم 43، 49، 50؛ 54، 92، 107، 173
معاني الشعر 271
معالم الشفاء 179
المعانى المخترعة فى صناعة الانشاء 236
معانى القرآن 264، 266، 283، 285، 308
المعتمد 349
معتمد الشيعة فى احكام الشريعة 200
معترك الاقوال فى احوال الرجال 151
معارج التحقيق 57
معجم الادباء 333
المعجم الاوسط 273
معجم البلدان 293؛ 295، 296
المعجم الصغير 298
المعجم الكبير 298
المعراج السماوى 219
معين المعين 26
مغرب اللغة 333
المغنى 276
المفاتحة و المناكحة 348
ص: 421
مفاتيح الاصول 145
مفاتيح الشريعة 144
مفتاح الفلاح 59، 61؛ 67
مفتاح الغيب 133، 134
مفتاح الكنوز 156
مفتاح المجامع بمفاتيح الشرايع 151
مفردات ثعلب 334
المفضليات 270
مقالات العارفين 179
المقامات 66، 68؛ 91
مقامات الحريرى 121
مقامع الفضل 14، 49، 51، 151، 152؛ 165، 258، 293، 294؛ 296
المقتبس 304
المقتضب 283
المقتل 31
المقداديات 15
المقدمة فى الحساب 340
المقدمة في النحو 340
المقصور و الممدود 267، 283، 334
المقصور و الممدود لابن الانبارى 311
المقصور و الممدود لابن دريد 306
المقصور و الممدود للوشاء 286
المقنع 308
مقنع الطلاب 7
الملاحم 135
الملاحن 304
ملخص التلخيص 112
الملحق بتاريخ الطبري 293
منار الاقتضاء 340
المناسك الكبير- النسك الكبير 170
المناقب 245، 246، 248
المناهل فى فقه آل الرسول 145
المناهج السوية 112
من استجيب دعوته 267
منبه الحريص على فهم شرح التلخيص 115
منتخب الاخبار 90
منتخب الخلاف 168
منتزع الاخبار و مطبوع الاشعار 342
المنتظم 312
المنتقى 26، 43، 49، 54، 53
منتهى الادراك 196
ص: 422
منتهى المقال 150، 167، 204، 243 245
المنصورى 302
المنظوم الفصيح 89
المنقذ من الايمان 307
من لا يحضره الامام 98
من لا يحضر الطبيب 300
من لا يحضره الفقيه 58؛ 76، 166، 300
المنمن 267
المنهاج 122، 203
منهج المقال 243
منية المرتاد 120، 124؛ 128، 137 324
مهاديو 130، 131
مهج السداد فى واجب الاعتقاد 172
المهذب 8، 169، 285
مهذب اللغة 337
مهرجان 169
موارد الرشاد 128
المواصلات 299
الموجز 8، 169، 299، 308
الموشا 268
الموضح 273، 311؛ 334، 339
الموضحة في مساوى المتبني 341
الموطأ 223، 258؛ 282
ميزان الاعتدال 279
ميزان التميز فى العلم العزيز 128، 133
النبات 271
النبأ العظيم 128
نبراس العقول 128
نثر اللآلى 26
النجاة فى القيامة 220
نجاة الطالب 111
نجم الولاية 128
النحو الكبير 308
النحو المجموع على العلل 329
نزهة الاسماع فى حكم الاجماع 99
النسب 267
نسب الخيل 271
نسب عدنان و قحطان 284
نشر الاخوان فى مسألة الغليان 128
ص: 423
نصيحة الملوك 235
نضد القواعد 172
نظام الاقوال 80
النظام فى شرح شعر المتنبى و ابى تمام 234
نفحات الانس 238، 241
نفثة المصدور 128
الفلية 9
نقائض جرير و الفرزدق 267
نقد الرجال 36، 167
نقض الموجز 158
نهاية الادراك 196
النهاية فى اللغة 232
نهاية المطلب 315
نهج البلاغة 95، 125، 219
النوادر 265، 271
نوادر بنى فقعس 271
نوادر الزبريين 271
النور المقذوف 128
نور الهدى 125
الهاءات 309
هتك ستور الملحدين 340
الهجاء 311
هداية الابرار 140، 141
هداية الامة إلى احكام الائمة 98
هداية المسترشدين 125
هدية الابرار 139
الهرج و المرج 337
الهمزة 266
الوافى بالوفيات 285
الوافى للفيض 79، 143، 253، 132
الوجيزه 295
الورقة 315
الوزراء 315
الوسائل الى النجاة 146
وسائل الشيعة 33، 60، 96، 99؛ 103
الوشاح 304
الوشى المرقوم 236
وفيات الاعيان 223، 244، 257؛ 259، 261، 272، 284، 298، 299، 340، 345
الوقف و الابتداء 334
الوقف و الابتداء الصغير 264
الوقف و الابتداء الكبير 264
الولاية 294
و مضة النور من شاهق الطّور 128، 132
يتيمة الدهر 297، 341
اليواقيت 248، 331
تمّ فهرس الجزء السابع من «روضات الجنات فى احوال العلماء و السادات» و يليه الجزء الثامن و اوّله محمد بن محمد الغزالى 9/ 4/ 52
ص: 424