زواج ام کلثوم «الزواج اللغز» : قراءه فی نصوص زواج عمر من ام کلثوم بنت علی علیه السلام

اشارة

سرشناسه: شهرستانی، سیدعلی، 1337-

عنوان و نام پدیدآور: زواج ام کلثوم «الزواج اللغز» : قراءه فی نصوص زواج عمر من ام کلثوم بنت علی علیه السلام/ تالیف علی الشهرستانی.

وضعیت ویراست: ویراست ؟ .

مشخصات نشر قم: الاجتهاد: مرکزالابحاث العقائدیه، 1428 ق.= 2007 م.= 1386.

مشخصات ظاهری: 191ص.

فروست: سلسله ردالشبهات؛ (1).

شابک: 978-964-91259-8-5

یادداشت: عربی.

یادداشت: عنوان دیگر: الزواج اللغز.

یادداشت: کتابنامه: ص.[169] - 191؛ همچنین به صورت زیرنویس.

عنوان دیگر :الزواج اللغز.

موضوع: ام کلثوم(س) بنت علی(ع)، - 54ق. -- زناشویی

موضوع: عمربن خطاب، 40 قبل از هجرت - 23ق. -- زناشویی

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 14.

رده بندی کنگره: BP52/2/الف8 ش9 1386

رده بندی دیویی: 297/979

شماره کتابشناسی ملی: 1198358

ص:1

اشارة

المجموعة الکاملة لمولفات السید الشهرستانی(17)

زواج أُمّ کلثوم

الزواج اللُّغز

قراءة فی نصوص زواج عمر من

أُمّ کلثوم بنت علیّ

تالیف

السیّد علیّ الشهرستانیّ

ص:2

ص:3

ص:4

الإهداء

إلی جَدّی رسول الله

وإلی أمّی فاطمة الزهراء

وإلی آبائیَ الکرام أئمّةِ أهلِ البیت

وإلی کلّ مظلوم من وُلد علیّ وفاطمة

وإلی من یرید الوقوف علی حقائق التاریخ بروح علمیة

أُهدی هذا الجهد المتواضع

المؤلّف

ص:5

ص:6

تمهید

اشارة

ص:7

ص:8

إنّ قضیة تزویج أُمّ کلثوم ابنة الإمام علیّ بن أبی طالب من عمر بن الخطّاب واحدة من الأمور التی تُثار بین الحین والآخر علی شبکات الإنترنیت والصحف والمجلّات ، وهی لیست بالقضیّة الجدیدة ، بل هی من القضایا القدیمة المتکررة .

فإنّها أُثیرت لأوّل مرّة فی عهد الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام

، وأُدرجت زیادات فیها لم تکن فی أخبارنا ثمّ استمرّت حتّی یومنا هذا ، وقد استُغلّت من قبل الآخرین ؛ حتّی ادّعی ابن کثیر بأنّ معزّ الدولة الدیلمیّ رجع إلی التسنن بعد أن حکی له بعض العلماء بأنّ علیّاً زوّج ابنته أُمّ کلثوم من عمر بن الخطّاب ، فقال معزّ الدولة : والله ما سمعتُ بهذا قط((1)) .

وبما أنّ المسألة ترتبط بالتاریخ من جهة ، والفقه والعقائد من جهة أُخری ، فقد التزمنا دراسة هذه القضیة مع ملابساتها الاجتماعیة والتاریخیة بقَدْر ما یسعنا الوقت ویتحمله البحث .


1- البدایة والنّهایة 11: 262 حوادث 356 هه-).

ص:9

لکن قبل بیان حقیقة الأمر لا بُدّ من الإشارة إجمالاً إلی الأقوال المذکورة فیها ، کی یکون القارئ علی بصیرة من ذلک ، وقد یدعونا البحث إلی ذکر نصوص تسیء للآخرین وتحرجهم ، إذ هی فی موثقاتهم وکتبهم ، فهی نصوص منقولة فی الکتب التاریخیة والحدیثیة المعتبرة عندهم ، حیث تصوّر لنا نفسیّات رجال هذه القصّة((1)) والسیرة الذاتیة لهم وتعاملهم مع النساء علی وجه الخصوص ، لأنّ الموضوع یرتبط أساساً بعمر بن الخطّاب ، فعلینا بیان وجهة نظره إلی النساءعموماً وکیفیة تعامله معهنّ ، ثمّ بیان أهدافه المعلنة والمخفیة فی زواجه من أمّ کلثوم بنت علی نذکرها علی حقیقتها !!

فإنّ المجاملة والمداراة مع الآخر والسکوت عن بیان بعض الوجوه الغامضة یعنی کتمان الحقائق وإسدال الستار علیها ، وهذا ما لا یرتضیه الباحث المنصف ، ومن یرید الوقوف علی الحقیقة .

فلا یمکن الحکم علی وقوع الزواج أو عدمه والخروج بنتیجة مقنعة إلّا بعد الوقوف علی خلفیات الأُمور وملابساتها وکذا معرفة تداعیاتها کما هی ، ثمّ بیان ما یرتبط بها من هنا وهناک ، لأنّها أمور لم تُدرَس من هذه الزوایة العلمیة والنفسیة لحدِّ الآن .

فلا یمکن الأخذ بجانب وإهمال الجانب الآخر منه ، بدعوی لزوم الحفاظ علی الرموز الدینیة وشخصیة الخلیفة وعدم جواز المساس به لأنّه یسیء إلی عواطف الآخرین ، فلتُترک کلّ النصوص التی نقلت عنه وأقواله


1- أمثال: عمر بن الخطاب، وعمرو بن العاص، والمغیرة بن شعبة.

ص:10

وأفعاله الجارحة لمشاعر الآخرین !

بل علینا أن ندرس الأُمور الموجودة کاملة دراسة شمولیّة ، فلا یحقّ أن نتعامل مع قضیة زواج عمر من أُمّ کلثوم بانتقائیة وفی إطار نصوص خاصّة ، علی أنّها من المسلَّمات غیر القابلة للنقاش ، بل علینا الإتیان بالبدیل إن لم نرضَ بما قالوه .

کما لا یحق لنا أو لغیرنا البَتُّ والجزم فی طرف من أطرافها قبل الإجابة علی الإشکالیّات والتساؤلات الواردة علی تلک النصوص المستدلّ بها ، فنحن نطرح ما عندنا وعلی الآخرین الإجابة ، ولنا کمال الاستعداد لاستماع وجهة نظرهم ، قائلین لهم بما علّمنا الله تعالی ورسوله فی کتابه العزیز من أدب المناظرة والبحث {وَإِنَّا أَوْ إِیَّاکُمْ لَعَلَی هُدًی أَوْ فِی ضَلاَلٍ مُبِینٍ} ((1)) .

مشیرین إلی أنّ هذه الدراسة هی محاولة علمیة متواضعة رجونا عرضها فی الأوساط الثقافیة - حوزویة کانت أو جامعیة - ، ولا نبغی من ورائها إلّا وجه الله تعالی ، وبیان الحقائق العلمیة تاریخاً وفقهاً واعتقاداً ، ولا نقصد منها إلّا إیقاف الآخرین علی وجهة نظر علماء مدرسة أهل البیت علیهم السلام فی هذه المسألة ، لأنَّ الناس أعداء ما یجهلون ، وباتّضاح وجهات النظر ، والوقوف علی الرأی والرأی الآخر ربّما تتقلّص الإشاعات ، وتخمد نار الإعلام المضادّ ، وتتوقّف موجة تفسیق الآخرین وتکفیرهم .

جئنا بکلّ ذلک خدمةً للعلم وبیاناً للحقیقة ، وقد رکَّزنا بحثنا فی


1- سبأ: 24.

ص:11

استنطاق المتون دون البحث فی الأسانید بعمق ، وذلک لنُکَوِّنَ قراءة تکامُلِیَّة فی النصوص ، غیر خافین علی القارئ الکریم قناعاتنا وشکّنا بکثیر من النصوص التی أُستُدِلَّ بها علی وقوع الزواج ، حیث نراها غیر صالحة للاستدلال من قِبَلِ الآخرین ، وهی تسیء إلیهم ولخلفائهم أکثر من أن تخدم قصّة الزواج ، وبیان الأُخُوَّة بین الصحابة والآل .

وقد ناقشتُ تلک النصوص المحکیّة علی لسان عمر بن الخطّاب - والجارحة لمشاعر محبّیه - فی الکتب التراثیة علی رغم قناعتی بعدم صحّتها، وعدم حبیّ لإثارتها ونشرها ، وإنّ تعلیقاتی علیها جاءت من باب إلزام الآخرین بما ألزموا به أنفسهم ؛ لأنّهم لو أرادوا أن یقولوا بوقوع هذا الزواج من خلال تلک النصوص ، فإنّ فصول کتابی هذا ستثبت لهم أنّها تسیء إلیهم وإلی قادتهم ، وعلیهم القبول بنتائجها وعوائدها الفاسدة ، وأنها تضعّف مکانة الخلافة والخلفاء عندهم .

وإن قالوا باستحالة صدور تلک الأفعال من «الخلیفة» ، وأنّ أخبار کشف عمر عن ساق أمّ کلثوم وضمّها إلی صدره قبل العقد ، أو إیلادها((1)) هو من وضع أعداء الدین ، فثبت المطلوب وبطل ما قالوه .

نعم ، إنّی قد درست هذه المسألة بشکل علمیٍّ وموضوعیّ یُرضی وجدانی ووجدان کلّ باحث منصف ، لأنّی ناقشتُ کلّ ما یتعلق بجوانب هذه المسألة ، ما لنا وما علینا .


1- خلافاً لمدّعاه من الاکتفاء بالمصاهرة.

ص:12

وأخیراً أطلب من إخوانی الباحثین أن یناقشونی فی ما کتبتُه ، وذلک بعد تأکُّدهم من صحّة الإحالات فیه ، ومراجعة فکرهم الصحیح ووجدانهم الحیّ ، والمنطق السلیم ، مبتعدین عن العصبیة والتقدیس الأعمی للسلف ، وأن یتعاملوا مع الشخصیات غیر المعصومة کما أراد الله لهم وأرادوه هم لأنفسهم طبقاً لموازین القرآن الکریم .

و إلیک الآن الأقوال فی هذه القضیة الحسّاسة والمهمّة :

وهی ثمانیة :

أربعة منها من مختصّات الشیعة .

والقول الخامس والسادس والسابع قال بها بعض الشیعة وبعض العامّة .

والقول الثامن هو المشهور عند أبناء العامّة .

ص:13

أمّا الأقوال الأربعة التی قالت بها الشیعة ، فهی :

القول الأوّل :

عدم وقوع التزویج بین عمر وأُمّ کلثوم

وقد ذهب إلی هذا الرأی الشیخ المفید (ت 413 ه-) فی «المسائل السَّرَویّة /المسألة العاشرة» ، وکذا فی «المسائل العکبریة / المسألة الخامسة عشرة» ، وله رسالة بهذا الصدد طُبعت مستقلّةً فی ضمن منشورات مؤتمر الشیخ المفید باسم «تزویج علیّ بنتَه من عمر» .

کما کذّب خبر التزویج من المتأخرین السید میر ناصر حسین اللَّکْهَنویّ الهندیّ فی کتابه «إفحام الأعداء والخصوم بتکذیب ما افتروه علی سیدتنا أُمّ کلثوم» ، والشیخ محمّد جواد البلاغیّ فی کتابه «تزویج أُمّ کلثوم بنت أمیر المؤمنین وإنکار وقوعه» ، وغیرهم ((1)) .


1- کالسید جواد شبر فی: أدب الطف 1: 76.

ص:14

القول الثانی :

وقوع التزویج لکنّه کان عن إکراه

مستدلّین بنصوص متعدّدة ، ذکروها فی کتبهم .

وقد ذهب إلی هذا الرأی السیّد المرتضی (ت 436 ه-) فی کتابه «الشافی» ، و«تنزیه الأنبیاء» ، والمجموعة الثالثة من رسائله((1)) .

وفی بعض روایات وأقوال الکلینیّ (ت 329ه-) فی «الکافی»((2)) ، والکوفی (ت 352 ه-) فی «الاستغاثة»((3)) ، والقاضی النعمان (ت 363 ه-) فی «شرح الأخبار»((4)) ، والطوسی (460 ه-) فی «تمهید الأُصول والاقتصاد»((5)) ، والطبرسی (ت548ه-) فی «إعلام الوری»((6)) ، والمجلسی (ت1111ه-) فی «مرآة العقول» و«بحار الأنوار»((7)) ، وغیرهم((8)) ، ما یشیر إلی ذلک أیضاً .


1- الشافی 3: 272 وتلخیص الشافی 2: 160. تنزیه الانبیاء: 191، ومجموعة رسائل السیّد المرتضی 3: 149 و150. وأُنظر بحار الأنوار 42: 107، والصوارم المهرقة: 201 - 202، والصراط المستقیم 3: 130.
2- الکافی 5: 346 / ح 1 و2.
3- الاستغاثة 80 - 82 ، وعنه: مستدرک الوسائل 14: 443 - 444.
4- شرح الأخبار 2: 507، رواه عن صاحب «الاستغاثة».
5- تمهید الأُصول: 386 - 387، والاقتصاد فیما یتعلق بالاعتقاد: 340 - 341.
6- إعلام الوری 1: 397، وعنه: بحار الأنوار 42: 93 / ح.
7- مرآة العقول 20: 42، بحار الأنوار 42: 109.
8- أُنظر: کلام ابن شهرآشوب فی: المناقب 2: 42، والمقدّس الأردبیلیّ فی: حدیقة الشیعة: 277، والقاضی نور الله التستریّ فی: مصائب النواصب 2: 36 -52، و1: 357، والمیرزا حبیب الله الخوئیّ فی: منهاج البراعة 3: 51.

ص:15

القول الثالث :

إنّ المتزوَّج منها لم تکن ابنة الإمام علی علیه السلام بل کانت ربیبته

وهی ابنة أسماء بنت عُمَیس زوجة الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، أی إنّها ابنة أبی بکر ، وأُخت محمّد بن أبی بکر ، وبذلک تکون أُمّ کلثوم ربیبة الإمام علیّ ولیست ابنته .

وقد ذهب إلی هذا الرأی الشیخ النقدیّ فی «الأنوار العلویة»((1)) وتبعه علی ذلک السیّد شهاب الدین المرعشیّ فی تعلیقاته علی «إحقاق الحقّ» إذ قال :

ثمّ لیُعلم أنّ أُمّ کلثوم التی تزوّجها الثانی کانت بنت أسماء وأخت محمّد هذا ، فهی ربیبة مولانا أمیر المؤمنین ولم تکن ابنته ، کما هو المشهور بین المؤرّخین والمحدّثین ، وقد حقّقنا ذلک ، وقامت الشواهد التاریخیة علیه ، وقد اشتبه الأمر علی الکثیر من الفریقین ، وإنّی بعدما ثبت وتحقّق لدیّ حقیقة الأمر فیه اجتنبت التصریح به فی کتاباتی ؛ خشیة التفرّد فی هذا الشأن ، إلی أن وقفت علی تألیف فی هذه المسألة للعلّامة المجاهد السیّد ناصر حسین الموسوی اللَّکْهَنویّ ، أبان فیه عن الحقّ وأسفر ، وسمّی کتابه «إفحام الخصوم فی نفی تزویج أُمّ کلثوم»((2)) .

وقد قال رحمه الله فی مکان آخر :

أسماء بنت عُمَیس ... تزوّجها جعفر بن أبی طالب ، فولدت له


1- الأنوار العلویة: 426.
2- إحقاق الحق 2: 490 بتصرّف.

ص:16

عوناً وجعفراً ((1)) ، ثمّ تزوّجها أبو بکر ، فوُلد له منها عدّة أولاد ، منهم : أُمّ کلثوم ، وهی التی ربّاها أمیر المؤمنین وتزوّجها الثانی ، فکانت ربیبته

علیه السلام وبمنزلة إحدی بناته ، وکان علیه السلام یخاطب محمّداً ب«ابنی» وأمّ کلثوم هذه ب- «بنتی» ، فمن ثَمَّ سری الوهم إلی عدّة من المحدّثین والمؤرّخین ، فکم لهذه الشبهة من نظیر ؟! ومنشأ توهُّم أکثرهم هو الاشتراک فی الاسم والوصف ، وأنّ مولانا علیّا علیه السلام تزوَّج أسماء بعد موت أبی بکر((2)) .

وهذا الکلام لا نقبله من الشیخ النقدی والسیّد المرعشی وما نسب إلی السید ناصر حسین الموسویّ وإن کان مشهوراً علی الألسن ، لأنّ أسماء بنت عمیس لیس لها بنت من أبی بکر باسم أُمّ کلثوم ، ولأنّ أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، أمّها حبیبة الخزرجیة ، وهی الّتی تزوّجها حبیب بن أساف بعد وفاة أبی بکر((3)) .

وبذلک تکون أُمّ کلثوم بنت أبی بکر هی أخت محمّد بن أبی بکر من أبیه ، لا من أمه وأبیه ، وبهذا لم تکن هذه ربیبة الإمام علی علیه السلام حتی یصحّ کلام المرعشیّ والنقدیّ والسید ناصر حسین اللکنهویّ ، وغیرهم .

کما إنّا لا ننکر زواج الإمام علی بأسماء بنت عمیس بعد أخیه جعفر بن أبی طالب وأبی بکر بن أبی قحافة ، وأنّ أسماء کانت قد ولدت لجعفر بن أبی طالب : عبدالله وعوناً ومحمّداً ، لکنّ هذا لا یسمح أن نقول جزافاً بأنّ لها بنتاً من فلان وفلان بلا دلیل مقنع .


1- الصحیح محمّداً وعبد الله لا جعفراً.
2- إحقاق الحقّ 3: 375 بتصرف.
3- طبقات ابن سعد 8: 360، الاستیعاب 2: 443 / الرقم 634، 4: 1808 / الرقم 3287.

ص:17

نعم ، یمکننا أن نقول بأنّ زوج أمّ کلثوم - ابنة الإمام علی والزهراء - هو ابن عمها عون أو محمّد ابنا أسماء بنت عمیس زوجة الإمام علی علیه السلام وذلک للجهات التی سنقولها ، ولعیشهما مع أمّهما فی بیت عمه وقتالهما مع عمّهما أمیر المؤمنین علیه السلام معاویةَ فی صِفِّین ، وتصریح الشیخ المامقانیّ ، بزواجها من ابن عمّها عون ، وبذلک یکون - علی احتمال - الزوج هو ربیب الإمام((1)) لا البنت هی ربیبة الإمام کما قاله النقدیّ والمرعشیّ .

بلی ، نحن لا ننکر إمکان وقوع الالتباس والارتباک فی مثل هکذا أمور فی التاریخ والحدیث ، فقد تکون مقصودة ، وقد تأتی سهواً ، فاقرأ النصَّین الآتیین وتأمل فیهما :

فی «المصنَّف» لابن أبی شیبة : حدّثنا عفّان ، حدّثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا جبر بن حبیب ، عن أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، عن عائشة ، أنّ رسول الله علّمها هذا الدعاء : «اللهمّ إنّی أسألک من الخیر کلِّه ، عاجلِه وآجلِه» ((2)) .

لکنْ فی «مسند إسحاق بن راهَوَیه» : أخبرنا النضر ، نا شعبة ، نا جبر بن حبیب ، قال : سمعتُ أُمّ کلثوم بنت علیّ تحدّث عن عائشة ... «اللهمّ إنّی أسألک من الخیر کلِّه ، عاجلِه وآجلِه» ...((3))

فالخلط واضح ومشهود بین أمّ کلثوم بنت أبی بکر وبین أمّ کلثوم بنت علی ؛ وذلک لمعاصرتهما وإمکان وقوع السهو والخلط بینهما .


1- سنفصّل هذا المدّعی بعد قلیل.
2- المصنَّف 6: 44 / الرقم 1914. وأُنظر المسند لأحمد 6: 133 / ح 25063، الأدب المفرد 1: 222/ ح 639.
3- مسند ابن راهویه 2: 591 / الرقم 1165.

ص:18

القول الرابع :

إن الإمامَ علیّاً زوّج عمر بن الخطّاب جنّیّةً تشبه أُمّ کلثوم

إذ الثابت عند الشیعة أنّ للنبی والإمام سلطةً علی الجنّ بإذن الله تعالی ، کما کان لسلیمان علیه السلام سلطة علیهم((1)) ، وأنّ وقوع الشَّبَهِ لیس ببعید ، فقد شُبِّه علی الظَّلَمَة عیسی ابن مریم بیهوذا فقُتِل وصُلِب .

وهذا القول ضعیف ولم یُؤخَذ به ، وإن کان قد رواه القطب الراوندیّ (ت 573 ه-) فی کتابه «الخرائج والجرائح»((2)) ، ورجّحه وقوّاه الشیخ عبدالنبیّ الجزائریّ فی کتابه «المبسوط فی الإمامة»((3)) . هذه هی الأقوال الأربعة المختصّة بالشیعة .


1- أُنظر: سورة ص الآیات: 35 إلی 40 مثلاً.
2- الخرائج والجرائح 2: 825 / ح 39، وفی أوّل الخبر ما یفهم بأنّ الإمام الصادق علیه السلام ینفی وقوع الزواج من بنت الإمام علیّ، لقوله علیه السلام لعمر بن أُذَینة: «... وتقبلون أن علیاً أنکح فلاناً ابنتَه ! إنّ قوماً یزعمون ذلک لا یهتدون إلی سواء السبیل ولا الرشاد. فصفق بیده وقال: سبحان الله ! أما کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقدر أنْ یَحُول بینه وبینها فیُنقذها؟! کذبوا، لم یکن کما قالوا...». ثم جاء بالتعلیل السابق، ونقل عنه المجلسی فی بحار الأنوار 42: 88 / ح 16، 106/ ح 34، ومرآة العقول 21: 198. وأُنظر: المجدی فی أنساب الطالبیّین: 17، ومستدرک سفینة البحار 2: 121، ومدینة المعاجز 3: 203، والصراط المستقیم للبیاضیّ 3: 130 وغیرها.
3- أُنظر: المبسوط فی الإمامة: 120.

ص:19

ص:20

وأمّا الأقوال التی ذهب إلیها بعض الشیعة وبعض العامّة فهی :

القول الخامس :

إنکار وجود بنت للإمام علی علیه السلام اسمها أُمّ کلثوم

لأنّ (أُمّ کلثوم) هی کنیة لزینب الصغری((1)) أو لرقیّة((2)) أو لنفیسة((3)) ، أمّا وجود بنت اسمها : (أُمّ کلثوم) ، فلم یُعرَف عند المحقّقین ، إذ لو کان ذلک لعُرف تاریخ ولادتها ومکان دفنها ، وبما أنّ الأخبار خالیة من ذلک فإنّه یشکّکنا فی وجودها ، منوِّهین علی أنّ لتلک النسوة أزواجاً ذُکرت أسماؤهم فی کتب التاریخ :

فزوج زینب الصغری - من أمّ ولد - هو : محمّد بن عقیل((4)) .

وزوج زینب الصغری - من فاطمة الزهراء - هو : عون بن جعفر الطیار حسب تصریح الشیخ المامقانیّ((5)) .

وزوج زینب الکبری هو : عبدالله بن جعفر((6)) .

وزوج رقیّة بنت الإمام علی هو : مسلم بن عقیل((7)) .


1- أُنظر: الإرشاد للمفید 1: 354، وعنه: بحار الأنوار 42: 74 / ح 1، وهذا هو الرأی المشهور عند المؤرّخین.
2- المَجدی فی أنساب الطالبیّین للعمریّ: 17، عمدة الطالب لابن عنبة: 63، ینابیع المودّة 3: 147، ملحقات إحقاق الحقّ 10: 426.
3- المجدی: 18.
4- أنساب الأشراف 2: 414.
5- تنقیح المقال 2: 355 الطبعة القدیمة.
6- هو مشهور ولا یحتاج إلی مصدر.
7- أنساب الأشراف 2: 213، وأُنظر عمدة الطالب: 32.

ص:21

وزوج نفیسة هو : عبدالله بن عقیل((1)) .

هذا، وقد یمکننا أن نطمئن إلی أنّ (أمّ کلثوم) هو کنیة لا اسم ، وذلک من خلال کلام بعض العامّة والشیعة الإمامیّة .

· فقد نُقل عن الدَّمیریّ أنّه قال : أعظم صداق بَلَغنا خبرُه صداق عمر لمّا تزوَّج زینب بنت علیّ ، فإنّه أصدقها أربعین ألف دینار((2)) .

ومعنی کلام الدمیریّ : أنّ «زینب» هو اسم للمکنّاة بأمّ کلثوم ، وذلک لاشتهار تزویج عمر ب- «أمّ کلثوم» لا بزینب .

· کما روی مثل ذلک البیهقیّ ، عن قُثَم مولی آل العبّاس ، قال : جمع عبدالله بن جعفر بین لیلی بنت مسعود النهشلیّة ، - وکانت امراة علیّ رضی الله عنه - وبین أُمّ کلثوم بنت علیّ لفاطمة علیها السلام ((3)) .


1- المجدی : 18.
2- التراتیب الإداریّة 2: 405 عن المختار الکنتیّ فی: الأجوبة المهمّة.
3- السنن الکبری للبیهقیّ 7: 167/ الرقم 13730، واُنظر الطبقات الکبری لابن سعد 8: 465، حیث روی فیه عن مهران ما نقله ابن حجر فی فتح الباری 9: 155، عن ابن مهران أنه قال: جمع عبدالله بن جعفر بین زینب بنت علیّ وامرأة علیّ لیلی بنت مسعود. وقد حاول الزهریّ الجمع بین الروایتین - فی زینب وأُمّ کلثوم - والادّعاء بأنّه تزوّجهما واحدة بعد الأُخری مع بقاء لیلی فی عصمته أُنظر تهذیب التهذیب 8: 324 / الرقم 642 ترجمة قثم بن لؤلوة مولی العبّاس بن عبدالمطّلب. لکنّ جمعه باطل بنظرنا ؛ وذلک لصغر سنّ أُمّ کلثوم عن زینب عندهم، ولأنّ عبدالله الذی هو أکبر أولاد جعفر کان قد تزوَّج بزینب - کُبری بنات الإمام علیّ - أولاً، ولم یثبت تطلیقه لها حتّی ماتت عنده فی سنة 62 هجریّة، ودعوی زواجه من أختها بعد ذلک التاریخ لم یثبت، والجمع بین الأختین لا یجیزه الشرع، إذن هی واحدة لا اثنتان.

ص:22

ومعنی کلامه : أنّ أُمّ کلثوم هی زینب ، لأنّ زینب بنت علیّ کانت زوجة عبدالله بن جعفر علی القطع والیقین ولم یثبت طلاقه لها ؛ حیث ماتت وهی عنده((1)) ، حسبما سنوضحه بعد قلیل .

نعم ، إنّ الشیخ إبراهیم بن یحیی بن محمّد العاملیّ (ت 1214 ه-) ذهب - فی أبیات نظمها وکُتبت علی جدار مقام السیّدة زینب بدمشق - إلی أنّ المدفونة فی هذا المقام هی أُمّ کلثوم التی تزوّجها عمر ، ونحن بضمیمة اشتهار کون القبر لزینب ، نعرف أنّ الشیخ إبراهیم العاملیّ کان یذهب إلی أنّ المدفونة هناک هی زینب الصغری زوجة عمر المکنّاة بأمّ کلثوم الکبری :

مقامٌ لعَمْرو الله ضَمَّ کریمةً زکا الفرعُ منها فی البریّةِ والأصلُ

لها المصطفی جَدٌّ، وحیدرةٌ أَبٌ

وفاطمةٌ أمٌّ، وفاروقُهم بَعْلُ((2))

وقد ذهب إلی هذا الرأی أیضاً ابن جُبَیر (ت 614 ه-)((3)) وابن بطّوطة (ت 770 ه-)((4)) وسبط ابن الجوزیّ (ت 654 ه-) وابن الحورانیّ (ت 970 ه-) ، وغیرهم .

أجل ، قد أنکر وجودَ بنت لعلیّ اسمها أُمّ کلثوم کتّاب وعلماء من الشیعة


1- أُنظر ذخائر العقبی: 171 عن الزهریّ، والدار قطنیّ فی کتاب الإخوة والأخوات، والدولابیّ فی الذریّة الطاهرة والسنن الکبری للبیقهیّ 7: 70، ودلائل النبوّة 1: 283، تاریخ دمشق 3: 179 و69: 176، سبل الهدی والرشاد 11: 51.
2- انظر: ادب الطف 6: 62 وأعیان الشیعة 5: 514 کما فی «ظلامة أمّ کلثوم» للعاملیّ، وفیه: زکا الفرعُ منه فی البریّة والأصلُ.
3- رحلة ابن جبیر: 228.
4- رحلة ابن بطوطّة 1: 61.

ص:23

أیضاً مثل : السیّد عبدالرزاق المقرَّم فی بعض کتبه ک- «نوادر الأثر» «مخطوط» ، وکتابه «السیّدة سکینة»((1)) ، وعدة مواضع من کتابه «مقتل الحسین علیه السلام » .

والشیخ المامقانی فی «تنقیح المقال» إذ قال :

أُمّ کلثوم بنت أمیر المؤمنین هذه کنیة لزینب الصغری ، وقد کانت مع أخیها الحسین بکربلاء ، وکانت مع السجّاد إلی الشام ، ثم إلی المدینة ، وهی جلیلة القدر ، فهیمة بلیغة ، وخطبتها فی مجلس ابن زیاد بالکوفة معروفة ، وفی الکتب مسطورة ، وإنّی أعتبرها من الثِّقات .

کما ذهب إلی ذلک الشیخ الکاظمیّ فی کتابه «تکملة الرجال»((2)) أیضاً .

فلو کانت «أُمّ کلثوم» هی کنیةً لزینب الصغری أو لرقیة أو لغیرهما ، فنحن قد وَقَفنا علی أسماء أزواجهنّ ، ولم یکن اسم عمر بن الخطّاب ضمن أولئک إلّا ما قیل عن زینب الصغری وأنّ عمر قد تزوّجها .

فإن عَنَوا أنّها ابنة فاطمة فلا یصحّ حسبما سنوضحه لاحقاً ، وإن قالوا : أنّها من أمّ ولد فقد تکون ، لکنّ هذه الأخیرة لا تکنّی بأمّ کلثوم ، وأنّ أمّ کلثوم - زوجة عمر - هو اسم لها لا کنیة حسبما سیأتی توضیحه .


1- اُنظر کتاب: السیّدة سکینة: 38.
2- وقد اعترض السیّد محسن الأمین فی أعیان الشیعة 3: 485، فی مابدأ ب: أُمّ علی ما قاله الشیخ عبدالنبیّ الکاظمیّ فی «تکملة الرجال»، بقوله: فما فی «تکملة الرجال» من الجزم بأن زینب الصغری المکنّاة أُمّ کلثوم هی زوجة عمر فی غیر محلّه، بل هی غیرها.

ص:24

القول السادس :

إنّ للإمام علی علیه السلام بنتین باسم أُمّ کلثوم ، إحداهما من فاطمة ، والأُخری من أُمّ ولد

فأمّ کلثوم الکبری هی ابنة فاطمة ، وأمّ کلثوم الصغری من أمّ ولد ، والأُولی کانت تسمّی بزینب الصغری أیضاً ، بعکس أمّ کلثوم الصغری التی هی من أمّ ولد فهو اسمهما ولیس بکنیة .

ونحن سنوضّح لاحقاّ بأنّ للإمام علیٍّ علیه السلام ثلاث بنات باسم زینب : الکبری والصغری من فاطمة الزهراء ، وزینب صغری أخری من أمّ ولد ، بفارق أنّ زینب الصغری من فاطمة الزهراء کانت تُکنّی بأمّ کلثوم الکبری ، أمّا زینب الصغری من أمّ ولد فلا تکنّی بأمّ کلثوم ، بل کان یُکتفی باسمها زینب فقط .

وهناک أخت أخری لهم - والتی یحتمل أن یکون عمر قد تزوجها وهی صغیرة - کانت تُسمّی بأمّ کلثوم ولیس لهذه کنیة ، وقد تری ما یشیر إلی هذا القول بعض أعلام العامّة والشیعة فی کتبهم :

أُنظر علی سبیل المثال : «تاریخ موالید الأئمّة»((1)) ، و«نور الأبصار»((2)) ، و«نهایة الأرب»((3)) وفیه : ... وکان له زینب الصغری ، وأُمّ کلثوم الصغری من أُمّ ولد .


1- موالید الأئمّة: 15.
2- نور الأبصار: 114.
3- نهایة الإرب 19: 348 - حوادث سنة 17، و19: 391 / فی ذکر أولاد عمر، و20: 223 - حول مقتل الإمام علی علیه السلام .

ص:25

القول السابع :

تزویجها من عمر ، لکنّ عمر مات ولم یدخل بها

وذهب إلی هذا الرأی بعض أعلام الشیعة وبعض العامّة ، فقد قال النَّوبختیّ - من أعلام الشیعة فی القرن الثالث الهجریّ فی کتابه «الإمامة»: أُمّ کلثوم کانت صغیرة ومات عنها عمر قبل أن یدخل بها ((1)) .

وقال الشیخ جعفر النقدیّ فی «الأنوار العلویة» : ... فرُویَ أنّه [أی عمر] لمّا دخل علیها کان ینظر شخصها من بعید ، وإذا دنا منها ضُرِب حجاب بینها وبینه ، فاکتفی بالمصاهرة ((2)) .

وقال أبو الحسن العمریّ فی «المَجْدی فی أنساب الطالبیّین» : وآخرون من أهلنا یزعمون أنّه لم یدخل بها ((3)) .

وقال الزرقانیّ المالکیّ (ت 1122 ه-) فی «شرح المواهب اللدنیّة» : وأُمّ کلثوم زوجة عمر بن الخطّاب ، مات عنها قبل بلوغها ((4)) .

وهذا الرأی قد یکون أقرب شیء إلی مختارنا ، لکن بفارق مع قول الآخرین ، لأنّنا نذهب إلی أنّ الزواج - علی فرض وقوعه - قد وقع علی (ابنة الإمام علیّ من أمّ ولد) لا علی (ابنة الإمام علیّ من فاطمة الزهراء) ، وهذه البنت - حین الزواج بها - کان لا یتجاوز عمرها أربع سنواتٍ أو خمساً ،


1- البحار 42: 91 / ح 20 - عن: مناقب آل أبی طالب 3: 89.
2- الأنوار العلویّة: 435.
3- المجدی فی أنساب الطالبیّین: 17.
4- شرح المواهب اللَّدنیّة 7: 9.

ص:26

وأقصی ما یمکن تصوّره هو کونها فی الثامنة من عمرها وهی مما لا یجوز الدخول بها وإیلادها.

وأنّ عمر قد أخذها من أبیها بعد العقد علیها ، لکی یحتفظ بها فی دار الإمارة ، حتّی تکبر ، وقد أتی هذا المعنی علی لسان عمر وقوله لعلی : «إنْ تعش تکبر»((1)) کما تشاهد فی نصوص أخری أنّها کانت صغیرة «تلعب مع الجواری»((2)) .

فعمر أخذها من بیت أبیها لکی تأنس بالمحیط الجدید ، فإذا بلغت دخل بها ، لکنّه مات عنها قبل بلوغها ، ولأجل ذلک أسرع الإمام إلی دار الإمارة آخذاً بید ابنته لکی تعتدّ فی بیته لا فی دار الإمارة .

ومما یؤیّد هذا القول عدم ذکر المسعودیّ أُمَّ کلثوم بنت علیّ فی أُمهات أولاد عمر فی کتابه «مروج الذهب» ، بل عدّ فی المقابل عبدالله وعبیدالله وحفصة وزیداً وعاصماً من أُمٍّ واحدة ((3)) . ولم یذکر زیداً آخرَ له من أمّ کلثوم أخری ، ومعناه : عدم صحة ما اشتهر عن أمّ کلثوم بنت علی وأنّها أولدت لعمر زیداً ورقیّة ، عند المسعودیّ علی أقل تقدیر .


1- مختصر کتاب الموافقة: 148، وهذا من ضغوطات عمر فی التزوّج من أُمّ کلثوم، ومعنی کلامه: زوِّجْینها، فإنها إن تعش عندی تکبر.
2- مصنَّف عبدالرزّاق 6: 162 / ح 10351، و163 / ح 10354.
3- مروج الذهب 2: 321.

ص:27

القول الثامن :

وهو المشهور عند العامّة

وملخَّصه : أنّ عمر تزوّج بأمّ کلثوم ودخل بها وأولدها زیداً ورقیة - وعلی قولٍ فاطمة أیضاً - .

وهذا القول - وإن کان مشهوراً عند الجمهور - لکنّه لم یثبت علمیّاً ولا تاریخیاً ، وهو ما سنوضّحه فی هذا الکتاب ، بل إنّه اختُلق لدواعٍ سیاسیّة ، ولإمکان وقوع الاشتراک والالتباس والاختلاط فی الأسماء والکنی بین زوجات عمر وبین مَن أقدم فی الزواج منها ، أو بین المعاصرات لعمر واللاتی عشن فی زمانه وسُمِّین بأمّ کلثوم ، مثل الخلط بین:

1- أمّ کلثوم بنت رسول الله - أخت فاطمة الزهراء وزوجة عثمان !- .

2- وأمّ کلثوم بنت الإمام علی من فاطمة الزهراء علیهما السلام .

3- وأمّ کلثوم بنت جَرْول (المعروفة بمُلیکة) زوجة عمر فی الجاهلیّة وأوّل الإسلام ، وأمّ زید بن عمر بن الخطّاب ((1)) .

4- وأمّ کلثوم بنت [عاصم بن] ثابت بن أبی الأفلح ((2)) ، واسمها جمیلة = عاصیة (أم عاصم بن عمر بن الخطّاب) .

5- أمّ کلثوم بنت أبی بکر والتی خطبها عمر من عائشة وأبت ذلک مهددة


1- السیرة النبویة لابن هشا3: 791، طبقات ابن سعد 3: 265، نسب قریش: 349.
2- واسمه قیس بن عصمة بن مالک، طبقات ابن سعد 3: 265.

ص:28

بأنّها ستصیح عند قبر النبیّ لو زَوّجَتْها عائشة من عمر((1)) .

فاختلاط هذه النصوص فی ما بینها وبین نساء معاصرات موجودات آنذاک شیء طبیعی ، فقد تُنسَب أمور ثابتة لإحداهن إلی أخری وبالعکس ، ومن هذا المنطلق لا یستبعد أن یختلط اسم أُمّ کلثوم بنت جرول((2)) مع اسم أُمّ کلثوم بنت الإمام علی علیه السلام . کما أنَّا نلاحظ هذا الاختلاط واضحاً بیِّناً فی اسم أولادهما ، فیسمّی ابن أُمّ کلثوم بنت جرول الأکبر سنّاً ب- «زید الأصغر» ، واسم ابن أُمّ کلثوم بنت علیّ الأصغر سنّاً ب- «زید الأکبر» ، فاقرأ ما ذکره الطبریّ وابن الأثیر وابن کثیر وغیرهم ، فقد قالوا ، والنصّ للطبری :

وزید الأصغر وعبیدالله قُتلا یوم صفّین مع معاویة ، وأُمُّهما : أُمّ کلثوم بنت جرول بن مالک بن مسیّب بن ربیعة ، وکان الإسلام فرّق بین عمر وأُمّ کلثوم بنت جرول .

إلی أن یقول :

وتزوَّج [أی عمر] أُمَّ کلثوم بنت علی بن أبی طالب وأمّها فاطمة ... فولدت له زیداً [أی الأکبر] ...((3))

وهذا النص وأمثاله یؤکّد لنا إمکان وقوع الخلط العفویّ والخلط المتعمَّد


1- تاریخ مدینة دمشق 25: 96، کنز العمّال 13: 626 / ح 37590، الاستیعاب 4: 1807 / الرقم 3287 - ترجمة حبیبة بنت خارجة.
2- زوجة عمر فی الجاهلیّة.
3- تاریخ الطبری 2: 564، الکامل فی التاریخ 2: 450، البدایة والنهایة 5: 293، 309، و 7: 139.

ص:29

من قبل مدرسة الخلفاء - فی بعض الوقائع والأحداث - ، لاسیّما إذا عرفنا أنّ وراء ذلک هدفاً سیاسیّاً أو اجتماعیّاً مهمّاً ، فلا یُستبعَد أن یجعلوا زید بن عمر من أمّ کلثوم بنت جرول ، مکان زید بن عمر من أمّ کلثوم بنت علی !! أو أن یبدلوا أمّ کلثوم بنت علی من أمّ ولد ، بأمّ کلثوم ابنة علی من فاطمة الزهراء ، بدون أیّ حریجة ولامهابة ، ولا تَقوی ولا تَثَبُّت.

کما لا یُستبعد أن یخلطوا بین أمّ کلثوم بنت أبی بکر مع أمّ کلثوم بنت الإمام علی - من أم ولد - ، وذلک لتقارب سنَّیهِما وتاریخ ولادتهما وخطبة عمر منهما وهنّ صغیرتان .

ونحن - وإن کان المنهج العلمی یدعونا إلی دراسة الأقوال الثمانیة کلّها واحدة بعد أخری ثم الوقوف علی الرأی المختار - لکنّ دراسة تلک الأقوال تستدعی الدراسة الوافیة لها والترجیح بینها ، وهو ما یحتاج إلی مزید وقت لا نمتلکه الآن ، فاکتفینا بالتعلیق علی القول الأخیر ، علی أمل أن نلتقی مع القُرّاء فی دراسة شاملة عن هذه القضیة ، آملین أن نکون قد قدّمنا شیئاً فی هذا المضمار ، مشیرین إلی أنَّ عملنا سیکون فی ثلاثة جوانب:

1 - الجانب التاریخیّ والاجتماعیّ :

وفیه نبیّن ملابسات القول الثامن تاریخیّاً واجتماعیّاً ، مناقشین النصوص التاریخیّة الواردة فیه علی وجه التحدید ، وهل هذا القول یمسّ عقائد الشیعة الإمامیّة وعظمائهم ، أم أنّه یمسّ تاریخ العامّة ورجالها ، أم أنّه لا یمس أیّاً منهما ، أم أنه یمسّهما معاً ؟

ص:30

مؤکّدین علی أنّ مناقشة الآراء لا تعنی عندنا التعریض والتجریح بالآخرین ، وإنّما هی دراسة موضوعیّة لتفهّم الأمور کما هی ، ووضع النقاط علی الحروف ، لیس إلّا . وبالمقابل ننتظر من الآخرین إبدی وجهات نظرهم فیما کتبناه سلباً أم إیجاباً ، صحّة أو سقماً بکلّ سعة ورحابة صدر شریطة أن یکون لسانهم لسان العلم والتحقیق والوثائق لا الفحش والسباب .

2 - الجانب الفقهیّ :

وفیه بیان لکیفیة دخول الروایات الداعمة للرأی الثامن((1)) فی کتب الفقه والحدیث الشیعیّة ، ومدی حُجّیّة تلک الأحادیث ودلالتها عندهم .

3 - الجانب العقائدیّ :

وفیه نبحث عن الإشکالیّات المطروحة فی هذا الزواج ، وأنّ القول بالتزویج لا یمسّ بعقائد الشیعة بقدر ما یمس بأصول الفکر الآخر ، لأنّ لازم هذا القول هو خروج عمر بن الخطّاب عن الموازین الأخلاقیّة والضوابط العرفیة المتعارف علیها فی المجتمعات الإسلامیّة ، وربّما کان فیه خروج عن مسلَّمات العقیدة الإسلامیة ((2)) .

وعلیه ، فنحن لسنا - وحسبما أکّدنا - بصدد ترجیح رأی علی آخر ، أو تبنّی رأی تاسع فی المسألة ، بل کلّ ما فی الأمر هو مناقشة النصوص الدالّة علی الزواج وبیان ملابسات القول الثامن ومحاکمة النصوص فیه ، وکیفیة تداخل


1- أعنی الإیلاد.
2- کزواجه من أمٍ وبنتِها فی الإسلام، أنظر ص 237 من هذا الکتاب.

ص:31

النصوص بین الطائفتین ، ومدی تأثیرها علی الأُصول والمفاهیم عند الفریقین . ونحن قد ناقشناها لا اعتقادا منّا بصحّتها سنداً أو دلالة ، بل إلزاماً للآخرین القائلین بوقوع هذا التزویج ، لیس أکثر من ذلک .

مؤکّدین للقارئ العزیز بأنّ عملنا هذا ما هو إلّا محاولة بسیطة فی هذا السیاق ، وإجابةٌ لأشهر الأقوال وأکثرها شیوعاً علی شبکات الإنترنت والفضائیّات ؛ إذ لم نجزم بعدُ فی کلّ جوانب هذه المسألة لنخرج بنتیجة قاطعة((1)) ، بل کلُّ ما فی الأمر هو قراءة نقدیّة للنصوص لیس إلّا .

وإلیک الآن بعض النصوص التاریخیّة الصریحة فی تزویج عمر بن الخطّاب من أُمّ کلثوم ، أتینا بها من کتب السِّیر والتراجم والتاریخ والحدیث الأصلیة فی مدرسة الخلفاء ، لتکون مقدِّمةً لما نبغی قوله والوصول إلیه فی هذه الدراسة .


1- وإن کنا قد أعطینا ما هو أقرب شیء إلی مختارنا ، لا أنّه هو مختارنا حقّاً.

ص:32

نصوص فی التزویج

ص:33

ص:34

ذکر خبرَ تزویج عمر من أُمّ کلثوم بنت علیّ وفاطمة أکثرُ المؤرّخین والمحدِّثین ، منهم : ابن اسحاق (ت 151 ه-) فی «سیرته»((1)) ، والثوری (ت 161ه-) فی «الفرائض»((2)) ، وأبو یوسف القاضی (ت 182 ه-) فی «الآثار»((3)) ، والشافعیّ (ت 204 ه-) فی «الأمّ»((4)) ، وعبد الرزّاق (ت 211 ه-) فی «المصنَّف»((5)) ، وسعید بن منصور (ت 227 ه-) فی «سننه»((6)) ، وعلیّ بن الجعد (ت 230 ه-) فی «مسنده»((7)) ، وابن سعد (ت 230 ه-) فی «طبقاته»((8)) ، وابن أبی شیبة (ت 235 ه-) فی «مصنَّفه»((9)) ، وأحمد بن حنبل (ت 241 ه-) فی «فضائل الصحابة»((10)) ، وابن


1- سیرة ابن اسحاق 5: 232 - 233 / الأرقام: 344 و345 و348 و349.
2- الفرائض لسفیان بن سعید الثوریّ 1: 38.
3- الآثار 1: 143.
4- الأمّ 7: 182.
5- المصنَّف لعبد الرزّاق بن همام 6: 163 / الأرقام: 10352 و10353 و10354.
6- سنن سعید بن منصور 1: 172 - 173 / الرقمان: 521 و522.
7- المسند: 98 /ح 574.
8- الطبقات الکبری لابن سعد 8: 463 - 465.
9- المصنَّف لابن أبی شیبة 4: 17 / ح 17341.
10- فضائل الصحابة 2: 775 /ح 1069.

ص:35

حبیب البغدادیّ (ت 245 ه-) فی «المُحَبَّر»((1)) ، والدارمیّ (ت 255 ه-) فی «سننه»((2)) ، وابن شَبَّة النُّمیریّ (ت 262 ه-) فی «تاریخ المدینة»((3)) ، وحمّاد بن إسحاق البغدادیّ (ت 267 ه-) فی «ترکة النبیّ»((4)) ، وابن ابی داوود (ت 275 ه-) فی «سننه» ((5)) ، وابن قُتَیبة (ت 276 ه-) فی «المعارف»((6)) ، والبلاذُرِیّ (ت 279 ه-) فی «أنساب الأشراف»((7)) ، والدولابیّ (ت 310 ه-) فی «الذریّة الطاهرة»((8)) ، والطبریّ فی «تاریخه»((9)) ، وغیرهم فی غیرها ، والیک بعض تلک النصوص .

· سیرة ابن اسحاق : نا یونس ، عن خالد بن صالح ، عن واقد بن محمّد بن عبدالله بن عمر ، عن بعض أهله ، قال : خطب عمر بن الخطّاب إلی علی بن أبی طالب ابنتَه أُمّ کلثوم - وأُمُّها فاطمة بنت رسول الله ((10)) - إلی أن قال - فقیل : یا أمیرالمؤمنین ، ما کنتَ ترید إلیها وهی صبیّة ؟!


1- المحبَّر: 53.
2- سنن الدارمیّ 2: 379.
3- تاریخ المدینة 1: 345.
4- ترکة النبیّ: 95.
5- السنن لأبی داوود 3: 156 / ح 3193.
6- المعارف: 184 - 185 و188.
7- انساب الأشراف 2: 61،410 و10: 294، 486،487 - طبعة زکّار.
8- الذریّة الطاهرة: 157 / ح 208.
9- تاریخ الطبریّ 3: 576.
10- هذه من زیادات الرواة عند الجمهور حسبما سیتّضح ذلک لاحقاً ولم تکن فی أخبارنا.

ص:36

قال : إنی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : «کلُّ سبب منقطع یوم القیامة إلّا سببی» ، فأردت أن یکون بینی وبین رسول الله سببُ صهر((1)) .

وفی آخر قول عمر لأمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب : لا والله ماذاک بک ، ولکن أردتَ منعی ، فإن کان کما تقول فابعثها إلیّ . فرجع علیٌّ فدعاها فأعطاها حُلَّة ، فقال : انطلقی بهذه إلی أمیرالمؤمنین فقولی : یقول لک أبی : کیف تری هذه الحُلّة ؟ فأتته بها فقالت له ذلک .

وأخذ عمر بذراعها ، فاجتذبتها منه وقالت : أَرْسِلْ ، فأرسلها وقال : حَصانٌ کَرِیم ، انطلقی وقولی له : ما أحسنها وأجملها ، لیست والله کما قُلْتَ ، فزوَّجَها((2)) .

وفی ثالث : عن عطاء الخراسانیّ ، عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : لا تغالوا فی مهور النساء ، فإنّه لو کان تقوی لله أو مکرمة فی الدنیا کان نبیّکم أولاکم بذلک ، ما أصدق أحداً من نسائه ولا أصدق بناته أکثر من اثنتی عشرة أُوقیة ، أربع مائة وثمانون درهماً ، ثمّ إنّ عمر بَعْدُ ما خَطَبَ أُمّ کلثوم ابنة علیّ بن أبی طالب فأصدقها أربعین ألفاً((3)) .

· مصنَّف عبدالرزّاق : عن ابن عُیَینة ، عن عمرو بن دینار ، عن أبی جعفر ، قال : خطب عمر إلی علیٍّ ابنتَه فقال : إنها صغیرة ، فقیل لعمر : إنّما یرید بذلک منعها ، قال : فکَلَّمه ، فقال علیٌّ : أبعث بها إلیک ، فإن رَضِیتَ فهی امرأتک .


1- سیرة ابن إسحاق 5: 232 /خ 346.
2- سیرة ابن إسحاق 5: 232 / الرقم 345، ذخائر العقبی أیضاً.
3- سیرة ابن إسحاق 5: 233 / الرقم 348.

ص:37

قال : فبعث بها إلیه ، قال : فذهب عمر ، فکشف عن ساقها ، فقالت: أَرْسِلْ ، فلولا أنک أمیرالمؤمنین لصَکَکْتُ عُنُقَک ! ((1))

فی تلخیص الحبیر : (فائدة) ، روی عبدالرزّاق وسعید بن منصور وابن أبی عمرو ، عن سفیان ، عن عمرو بن دینار ، عن محمّد بن علیّ ابن الحنفیة ، أنّ عمر خطب إلی علیّ ابنته أمّ کلثوم ، فذکر له صِغرها ، فقال : أَبْعَثُ بها إلیک ، فإن رَضِیتَ فهی امرأتک . فأرسل بها إلیه ، فکشف عن ساقها ، فقالت : لولا أنَّک أمیرالمؤمنین لصککتُ عینک ! وهذا یُشْکِلُ علی من قال أنّه لا یُنْظَرُ غیرُ الوجه والکفَّین((2)) .

· تُرجم ابن سعد لأُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب فی «الطبقات الکبری» ، فقال :

تزوّجها عمر بن الخطّاب وهی جاریة لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلی أن قُتل ، وولدت له : زید بن عمر ورُقیّة بنت عمر - إلی أن قال - :

أخبرنا أنس بن عیاض اللیثیّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، أنّ عمر ابن الخطّاب خطب إلی علیّ بن أبی طالب ابنته أُمّ کلثوم .

فقال علیّ : إنّما حبستُ بناتی علی بنی جعفر .

فقال عمر : أَنکِحْنِیها یا علیّ ، فوالله ما علی ظهر الأرض رَجُلٌ یَرْصُد مِن


1- المصنَّف 6: 163 / ح 10352، وقریب منه عن الأعمش الحدیث 10353، وأُنظر: کنز العمّال 16: 213 / خ 45672، سنن سعید بن منصور 1: 173 / ح 521، الاستیعاب 4: 1955.
2- تلخیص الحبیر 3: 147/ ذیل الحدیث 1484.

ص:38

حُسْن صحابتها ما أرصد . فقال علیّ : قد فعلتُ .

فجاء عمر إلی مجلس المهاجرین بین القبر والمنبر وکانوا یجلسون ثَمَّ : علیّ وعثمان والزبیر وطلحة وعبدالرحمن بن عوف ، فإذا کان الشیء یأتی عمر من الآفاق جاءهم فأخبرهم ذلک واستشارهم فیه -

فجاء عمر فقال : رفّئونی . فرفّؤوه وقالوا : بمن یا أمیر المؤمنین ؟ قال: بابنة علیّ بن أبی طالب . ثمّ أنشأ یخبرهم فقال : إنّ النبیّ صلی الله علیه و آله

قال : کلّ نسب وسبب منقطعٌ یوم القیامة إلّا نسبی وسببی . وکنتُ قد صحبته ، فأحببت أن یکون هذا أیضاً((1)) .

· وفیه أیضاً :

قال محمّد بن عمر وغیره : لمّا خطب عمر بن الخطّاب إلی علیّ ابنته أُمّ کلثوم قال : یا أمیر المؤمنین !! إنّها صبیّة .

فقال : إنّک والله ما بک ذلک ، ولکنْ قد علمنا ما بک . فأمر علیّ بها فصُنِعَت ، ثمّ أمر ببُرْدٍ ، فطواه وقال : انطلقی بهذا إلی أمیر المؤمنین ، فقولی :


1- الطبقات الکبری 8: 463. رفّئونی، أی قولوا لی: بالرَّفاء والبنین، وهذا کان من رسوم الجاهلیّة، وقد نهی عنه رسول الله صلی الله علیه و آله ! فقد روی الکلینیّ فی الکافی 5: 568 ح/ 52، بإسناده عن البرقیّ رفعه قال: لمّا زوّج رسول الله فاطمة علیها السلام قالوا: بالرفاء والبنین، فقال صلی الله علیه و آله : لا، بل علی الخیر والبرکة. وفی مسند احمد 3: 451 / ح 15778، بسنده عن سالم بن عبدالله عن عبدالله بن محمّد ابن عقیل، قال: تزوَّج عقیل بن أبی طالب فخرج علینا، فقلنا: بالرفاء والبنین. فقال: مَهْ، لا تقولوا ذلک، فإنّ النبیّ قد نهانا عن ذلک وقال: قولوا: بارک الله لک، وبارک علیک، وبارک لک فیها.

ص:39

أرسلنی أبی یقرئک السلام ویقول : «إن رضیتَ البُرد فأمسکه ، وإن سخطتَه فردّه» .

فلمّا أتت عمر قال : بارک الله فیک وفی أبیک ! قد رضینا .

قال فرجعت إلی أبیها فقالت : ما نَشَرَ البُرْدَ ولا نظر إلّا إلیّ . فزوَّجها إیَّاه فولدت له غلاماً یقال له زید((1)) .

· وفی غوامض الأسماء المبهمة لابن بشکوال (ت 578 ه-) بسنده عن سفیان بن عُیَینة ، عن عمرو ، عن محمّد بن علی ، قال : خطب عمر إلی علیٍّ ابنته ، فذکر منها صِغَراً ، وقالوا لعمر : إنّما ردّک ، فعاوِدْه ، فقال : أُرسلها إلیک ، فإن رضیتَها فهی امرأتک ، فلما جاءته کشف عن ساقها .

فقالت : أرسل ، لولا أنک أمیرالمؤمنین للطمت عینیک((2)) !

· وفی الإصابة : عن ابن أبی عمر المَقْدسیّ ، حدّثنی سفیان ، عن عمرو ، عن محمّد بن علیّ : إنّ عمر خطب إلی علیّ ابنته أُمّ کلثوم فذکر له صغرها ، فقیل له : إنّه ردَّک ، فعاوِدْه ، فقال له علیّ : أَبعثُ بها إلیک ، فإن رضیتَ فهی امرأتک . فأرسل بها إلیه فکشف عن ساقها .

فقالت : مه ، لولا أنک أمیر المؤمنین لَلطمتُ عینک ! ((3))

· وفی المنتظم لابن الجوزیّ (ت 597 ه-) وتاریخ دمشق لابن عساکر ، والنصّ للأوّل :


1- الطبقات الکبری 8: 464، المنتظم 4: 237، تاریخ مدینة دمشق 19: 486.
2- غوامض الأسماء 2: 787 و788.
3- الإصابة فی تمییز الصحابة 8: 293 / الرقم 12233.

ص:40

أنبأنا الحسین بن محمّد بن عبدالوهّاب بإسناده عن الزبیر بن بکّار ، قال : کان عمر بن الخطّاب رضی الله عنه خطب أُمّ کلثوم إلی علیّ بن أبی طالب .

فقال له علیّ : إنها صغیرة .

فقال له عمر : زوِّجْنِیها یا أبا الحسن ، فإنی أرصد من کرامتها ما لا یرصده أحد .

فقال له علیّ : أنا أبعثها إلیک ، فإن رضیتَها زوّجتُکَها .

فبعثها إلیه ببرد ، وقال لها : قولی : هذا البرد الذی قلت لک .

فقالت ذلک لعمر : فقال : قولی «قد رضیتُه» رضی الله عنک . ووضع یده علی ساقها وکشفها .

فقالت له : أتفعل هذا ؟! لولا أنّک أمیر المؤمنین لکسرتُ أنفک ! ثمّ خرجت ، حتّی جاءت أباها فأخبرته الخبر ، وقالت : بعثتَنی إلی شیخِ سوء .

فقال : مهلاً یا ... .((1)) .

· وفی الاستیعاب : أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلی علیّ ابنته أُمّ کلثوم فذکر له صغرها ، فقیل له : إنه ردّک ، فعاوده ، فقال : أبعث بها الیک ، فإن رضیتَ فهی امرأتک . فأرسل بها الیه ، فکشف عن ساقها ، فقالت : مه ، والله لولا أنّک أمیرالمؤمنین لَلطمتُ عینک !

وفی آخر : ووضع یده علی ساقها ، فقالت : أتفعل هذا ؟ لولا أنّک


1- المنتظم 4: 237، تاریخ دمشق 19: 483، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 12: 106، تاریخ الإسلام 4: 139، سِیَر أعلام النبلاء 3: 501، الاستیعاب 4: 1954 - 1955، أُسد الغابة 5: 614.

ص:41

أمیرالمؤمنین لکسرت أنفک ! ثم خرجت حتّی جاءت أباها ، فأخبرته الخبر وقالت : بعثتَنی إلی شیخ سوء ، فقال : یا بُنیّة إنّه زوجک((1)) .

· وفی تاریخ الإسلام للذهبیّ : قال ابن عبدالبَرّ : إنّ عمر قال لعلیٍّ : زوّجْنیها یا أبا حسن ، فإنّی أرصد من کرامتها ما لا یرصده أحد .

قال : فأنا أبعثها إلیک فإن رضیتَها فقد زوّجتکها . یعتلّ بصغرها ، قال : فبعثها الیه ببُرْدَةٍ وقال لها : قولی له هذا البُرْد الذی قلت لک ، فقالت له ذلک ، فقال : قولی له : قد رضیتُ رضی الله عنک . ووضع یده علی ساقها فکشفها .

فقالت : أتفعل هذا ، لولا أنّک أمیرالمؤمنین لکسرتُ أنفک ! ثمّ مضت إلی أبیها فأخبرته ، وقالت : بعثتنی إلی شیخ سوء ، قال : یا بُنیّة إنّه زوجک ((2)) .

· وفی روایة ابن اسحاق : إنّ علیّاً أرسل ابنته إلی عمر ، فقال لها : انطلقی إلی أمیر المؤمنین فقولی له : إنّ أبی یُقرئک السلام ویقول لک : إنّا قد قضینا حاجتک التی طلبتها . فأخذها عمر فضمّها إلیه ، فقال : إنّی خطبتها إلی أبیها فزوّجَنیها .

قیل : یا أمیر المؤمنین ، ما کنتَ ترید إلیها وهی صبیة صغیرة ؟! فقال: إنّی سمعت رسول الله یقول : کلّ سبب منقطع یوم القیامة إلّاسببی ...((3)) .

· وروی الخطیب البغدادیّ بإسناده عن عقبة بن عامر الجُهنیّ : خطب


1- الاستیعاب 4: 1955.
2- تاریخ الإسلام 4: 138 - 139.
3- سیرة ابن اسحاق 5: 233 / الرقم 346، الذریّة الطاهرة: 114 / الرقم 218، ذخائر العقبی: 169.

ص:42

عمر بن الخطّاب إلی علیّ بن أبی طالب ابنته من فاطمة((1)) ، وأکثر تردّده إلیه ، فقال : یا أبا الحسن ما یحملنی علی کثرة تردّدی إلیک إلّا حدیث سمعتُه من رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : کلّ سبب وصهر منقطع یوم القیامة إلا سببی ونسبی . فأحببت أن یکون لی منکم أهلَ البیت سبب وصهر .

فقام علیّ فأمر بابنته من فاطمة فزُیِّنت ، ثم بعث بها إلی أمیر المؤمنین عمر ، فلمّا رآها قام إلیها فأخذ بساقها ، وقال : قولی لأبیک قد رضیتُ قد رضیتُ قد رضیت . فلمّا جاءت الجاریة إلی أبیها ، قال لها : ما قال لک أمیر المؤمنین ؟ قالت : دعانی وقبّلنی ، فلمّا قمت أخذ بساقی وقال : قولی لأبیک : «قد رضیتُ» . فأنکحها إیّاه ، فولدت له : زید بن عمر بن الخطّاب ، فعاش حتّی کان رجلاً ثمّ مات((2)) .

· وروی الزرندیّ الحنفیّ فی : «نظم درر السمطین»((3)) ، وابن الجوزی فی «المنتظم»((4)) ، والنصّ للأوّل :

إنّ عمر بن الخطّاب رضی الله عنه خطب إلی علیّ رضی الله عنه ابنته أُمّ کلثوم - وهی من فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله - فقال علیّ : إنّها صغیرة .


1- لم یُذکر فی النصوص السابقة أنّها من فاطمة بنت رسول الله إلّا فی بعض الزیادات الاحتمالیّة الظنیّة أو قل إدراجات الراوی عند بعض المؤرّخین والتی لم تأتِ فی روایات المجهور الأخری وروایات الشیعة بتاتاً، فتأمّل !
2- تاریخ بغداد 6: 182 / الرقم 3237.
3- نظم درر السمطین: 234 و235.
4- المنتظم 4: 238.

ص:43

فقال عمر : زوِّجْنیها یا أبا الحسن ، فإنّی أرغب فی ذلک ، سمعت رسول الله یقول : کلّ نسب وصهر ینقطع إلّا ما کان من نسبی وصهری .

فقال علیّ : إنّی مرسلها إلیک تنظر إلیها . فأرسلها إلیه ، وقال لها : اذهبی إلی عمر ، فقولی له : یقول لک علیّ : «رضیتَ الحُلّة» ؟

فأتته ، فقالت له ذلک ، فقال : نعم ، رضی الله عنکِ . فزوّجه إیاها فی سنة سبع عشرة من الهجرة ، وأصدقها - علی ما نُقل - أربعین ألف درهم ، فلمّا عقد بها جاء إلی مجلس فیه المهاجرون والأنصار وقال : ألا تزفّونی ؟! وفی روایة : ألا تهنّئونی ؟! قالوا : بماذا یا أمیر المؤمنین ؟

قال : تزوّجت أُمّ کلثوم بنت علیّ ، لقد سمعت رسول الله یقول : کلّ نسب وسبب منقطع إلّا نسبی وسببی وصهری . وکان به صلی الله علیه و آله السبب والنسب ، فأردت أن أجمع إلیه الصهر . فزفّوه ودخل بها فی ذی القعدة من تلک السنة((1)) .

· وقال الیعقوبیّ فی تاریخه : وفی هذه السنة (أی سنة سبع عشرة) خطب عمر إلی علیّ بن أبی طالب أُمّ کلثوم بنت علیّ ، وأمها فاطمة بنت رسول الله ، فقال علیّ : إنَّها صغیرة .

فقال : إنّی لم أُردْ حیث ذهبت ، ولکنّی سمعتُ رسول الله یقول : کلّ نسب وسبب ینقطع یوم القیامة إلّا سببی ونسبی وصهری . فأردت أن یکون لی سبب وصهر برسول الله((2)) .


1- أُنظر: الاستیعاب 4: 1954 - 1955.
2- تاریخ الیعقوبیّ 2: 149.

ص:44

البحث التاریخیّ والاجتماعیّ

اشارة

ص:45

ص:46

قبل الدخول فی صلب البحث لابُدّ من توضیح بعض الأُمور المرتبطة بهذا الموضوع من قریب أو من بعید ، لأنّ التاریخ یکتنفه الکثیر من الغموض ف- «رُبّ مشهورٍ لا أصلَ له» ، وربّ حقٍّ صار عند الناس باطلاً، وباطلٍ صار حقّاً نظراً للسیاسة أو لعوامل وملابسات أخری ، وببیان العوامل التاریخیّة والاجتماعیّة المرافقة لهذه القضیة ستتوضّح الفکرة إن شاء الله تعالی .

أجل ، قد تکون هناک روایة معتبرة وصحیحة السند لکنَّ متنها لا یسلم من العلل والشوائب ، وهذا ما یجب بحثه فی فصول کتابنا هذا ، فاعتبار السند شیء واعتبار الروایة شیء آخر ، فقد تکون الروایة معتبرة ولها شواهد صحیحة من القرآن والسنّة الثابتة الصحیحة ، لکن ضُعّف سندها ، وقد یکون سند الروایة صحیحاً لکنّ متنها یخالف الأُصول القرآنیّة والحدیثیّة المسلَّمة ، فتُطرح «فإذا صحّ السند والمتن کان الحدیث صحیحاً ، ویمکن أن نعطیک مثالاً واقعیا

ص:47

من حیاتنا الیومیة ، فإذا أخبرک رجل عن آخر خبراً ، کان أوّل ما یسبق إلی خاطرک أن تستوثق من صِدق المُخْبِر بالنظر فی حاله وأمانته ومعاملته ، وغیر ذلک من الملاحظات التی تراها ضروریّةً لک للتأکّد منه .

فإذا استوثقتَ من الرجل نظرت بعد ذلک فی الخبر نفسه وعرضته علی ما تعرف عن صاحبه من أقوال وأحوال ، فإذا اتّفق مع ما تعلمه من ذلک لم تشک بصدق المُخْبِر والاطمئنان إلیه ، وإلّا کان لک أن تتوقّف فی قبول الخبر لا لریبة فی المُخْبِر - إذ أنت واثق من صدقه - بل لشُبْهةٍ رأیتَها فی المُخْبَر نفسه ، ویصحّ أن یکون مرجعها وهماً أو نسیاناً من المُخْبِر ، کما یصحّ أن ترجع إلی سرّ فیه لأمرٍ لم تتبیّنه ، فلعلّ هذه الحالة أیضاً ممّا یجب علینا أن نتوقَّف عند الخبر عنها لنطمئنّ إلی صحّته ، ولا نتسرع فی حکمنا أنّه کاذب ، واذا فعلنا ذلک یکون منا افتراءً علی من أخبرنا ، ونحن له مصدِّقون وبه واثقون» ((1)) .

وقد ذکر السخاویّ مثالاً فی ذلک عن الیهود أنّهم ادّعَوا أنّ رسول الله أسقط الجزیة عن أهل خیبر ، وأظهروا کتاباً فیه شهادة بعض الصحابة وادَّعَوا أنّه بخط الإمام علیّ علیه السلام ، فحُمل ذلک الکتاب سنة 447 ه- إلی علی وزیر القائم بالله العباسیّ ، فعرضه القائم علی الخطیب البغدادیّ فتأمّلْه ، ثمّ قال :

«هذا مُزَوَّر» .

فقیل له : فمِن أین لک هذا ؟

فقال : «فیه شهادة معاویة ، وهو إنّما أسلمَ عام الفتح ، وفتحُ


1- نقد الحدیث للدکتور حسن الحاج حسن 1: 431 - 432.

ص:48

خیبر کان فی سنة سَبْع .

وفیه شهادة سعد بن مُعاذ ، وهو قد مات یوم بنی قُرَیظة قبل فتح خیبر بسنتین»((1)) .

وهذا ما یُسمّی بالمناقشة الداخلیّة للخبر ، وهو یُبحَث غالباً فی الفقه والتاریخ ، وموضوعنا من هذا القبیل وعلینا تطبیقه فی دراستنا هذه أیضاً ، لأنّ کتابة التاریخ رافقته ملابسات کثیرة حتّی صارت بعض الأمور المشکوکة حقائق مسلَّمة عند الناس لا یمکن الخدش فیها ، إذ لعبت العوامل المذهبیّة ، والدعوة إلی الانتصار للمذهب دَوراً فی ترسیخ بعض المفاهیم المغلوطة ، کما أنّ إعطاء هالة لرجال القوم وذوی النفوذ ، وعدم السماح بمناقشة أقوالهم ومواقفهم ، کان هو الآخر من عوامل التجهیل وکتمان الحقائق .

وهذا ما فعله المؤرّخون والنسّابة ، حیث ترکوا أمورا کثیرة رعایةً لحال العامّة ، مع أنّ واجبهم کان هو ذکر الأقوال بما فیها وعلیها ، وعدم الانحیاز إلی جهة دون أخری ، لکنّا نراهم یفعلون غیر ذلک ، فینقلون بعض الأقوال تارکین الأُخری منها رعایةً لحال العامّة أو الخاصّة علی حساب الحقائق المهمّة .

فمثلاً : تحدَّث الطبریّ عن مقتل عثمان وتغاضی عن ذکر کثیر من الأسباب لعِلَلٍ دعت إلی الإعراض عنها ، فقال :

قد ذکرنا کثیراً من الأسباب التی ذَکَر قاتلوه أنَّهم جعلوها ذریعةً إلی قتله ، فأعرضنا عن ذکر کثیر منها لعِلَلٍ دعت إلی الإعراض عنها ((2)) .


1- الإعلان بالتوبیخ للسخاویّ: 10.
2- تاریخ الطبریّ 2: 661.

ص:49

وقال فی مکان آخر : إنّ محمّد بن أبی بکر کتب إلی معاویة لمّا وُلّی ، فذکر مکاتبات جرت بینهما ، کرهتُ ذکرها لما فیها ما لا یتحمّل سَماعَها العامّة ((1)).

وقال ابن الأثیر - حول أسباب مقتل عثمان - : قد ترکنا کثیراً من الأسباب التی جعلها الناس ذریعة إلی قتله ، لعللٍ دعت إلی ذلک ((2)) .

وقال الطبریّ فی تاریخه أیضاً :

وفی هذه السنة - أعنی سنة ثلاثین - کان ما ذُکر من أمر أبی ذرّ ومعاویة وإشخاص معاویة إیّاه من الشام إلی المدینة ، وقد ذُکر فی سبب إشخاصه إیّاه منها إلیها أمورٌ کثیرة کرهتُ ذکر أکثرها .

فأمّا العاذرون معاویة فی ذلک ، فإنّهم ذکروا فی ذلک قصّة ، کتب بها إلیّ السریّ ، یذکر أنّ شعیباً حدّثه سیف بن عمر ... ((3)) الخبر .

وقال ابن الأثیر : وقد ذُکر فی سبب ذلک أمور کثیرة من سبّ معاویة إیّاه ، وتهدیده بالقتل ، وحمله إلی المدینة من الشام بغیر وِطاء ، ونفیه من المدینة علی الوجه الشنیع ، لا یصحّ النقل به ، ولو صحّ لکان ینبغی أن یُعْتَذَر عن عثمان ، فإنّ للإمام أن یؤدّب رعیّتَه ، وغیر ذلک من الأعذار ، لا أن یُجْعَل ذلک سبباً للطعن علیه ، کرهتُ ذکرها ! ((4))

وقد صرّح ابن هشام صاحب السیرة المعروفة - التی اختصر بها سیرة ابن


1- تاریخ الطبریّ 3: 68.
2- الکامل فی التاریخ 3: 58.
3- تاریخ الطبریّ 2: 615.
4- الکامل لابن الأثیر 3: 10.

ص:50

اسحاق - بأنّه حذف منها أخباراً رعایةً لحال بعض الناس ، إذ قال :

«وتارک بعض ما یذکره ابن اسحاق فی هذا الکتاب ممّا لیس لرسول الله فیه ذِکر ، ولا نزل فیه شیء من القرآن ... إلی أن قال : وأشیاء یشنع الحدیث به ، وبعض یسوء بعضَ الناس ذِکرُه»((1)) .

فماذا یعنی نقل الطبری لکلام العاذرین معاویةَ وخبر سیف بن عمر دون الأسباب الکثیرة الأُخری ؟!

وکیف لا یرتضی ابن الأثیر نقل خبر أبی ذرّ ، وسبِّ معاویة إیّاه وتهدیده بالقتل ، وحمله إلی المدینة من الشام بغیر وطاء ، وقد تواتر نقله عن المؤرخین ؟!

ألم تکن تلک المواقفُ منهم تجمیلاً لصورة الحکّام ، أُمویِّین کانوا أم عباسیّین ، وإبعاداً للأمّة عن الوقوف علی الحقائق ؟!

هذا هو التاریخ الحکومیّ بعینه ، إذ تراه یحرّف جهةً ویصحّح أخری ، ویُکْتَب بأقلامٍ ذات اتجاهات ومیول ، فیُکْتَب حبّاً لجهة وبغضاً لأخری ، فهم یریدون منّا أن نکتم أفواهنا متستّرین علی الحقائق کما فعلوه هم مع النصوص آخذین ببعضها وتارکین بعضها الآخر ، وهذا یدعونا إلی عدم الأخذ بوجهة نظر واحدة بل علینا الوقوف عند الأحداث وقفة متدبّر ، عالمٍ بما لها وعلیها ، ودراستها مع رواسبها وخلفیّاتها ، والابتعاد عمّا رسموه من هالة للرجال الذین لم یَدَّعوا العصمة لأنفسهم ، ولم یدّعِ أحدٌ ذلک لهم ، ومن هذا المنطلق یأتی بیان السیرة الذاتیّة لعمر بن الخطّاب - خصوصاً فی أمر الزواج -


1- سیرة ابن هشام 1: 109.

ص:51

ضروریّاً وکفیلاً بتوضیح کثیر من الأُمور فی هذه المسألة المبحوث عنها . نأتی بها تبیاناً للحق ووقوفاً علی الرأی الآخر بدون إبهام ومدارات مع الجمهور .

أجل نحن فی بحثنا هذا أردنا استنطاق النصوص المستدلّ بها علی وقوع الزواج من أُمّ کلثوم ابنة الإمام علیّ علیه السلام ، للتأکید علی أنّها تسیء إلی الإمام علیّ وإلی عمر معاً ، بل هی مسیئة إلی عمر أکثر ، لأنّها تصوّر عمر ابن الخطّاب بصورة لا یقبلها مُحِبُّوه ، ویرفضها کلّ مسلم منصف غیور ، حریص علی دینه وقِیَمِه ، لتعارضها مع الثوابت القرآنیّة والحدیثیّة والتاریخیّة والاجتماعیّة المجمَع علیها عند المسلمین .

فسؤالنا هنا هو : کیف سُمح للمؤرّخین تناقل مثل هکذا نصوص مسیئة للإمام علی بن أبی طالب وعمر بن الخطّاب ؟!

بل کیف سَمح المؤرّخون لأنفسهم أن ینقلوا أُموراً لا یتحمّل سماعَها عامة الناس ؟!

ومن کان هو المستفید من حکایة هکذا أمور مشینة للخلیفة فی کتب القوم ؟ ومَن هو وراء تناقلها ؟ هل هم الأمویّون والمروانیّون ، أُمّ العباسیّون والحشویّون ؟!

ألا یکون ضررُ المُحبِّ الجاهل ووضعُهُ للأخبار والأحادیث أشدَّ من ضرر العدوِّ العاقل علی الشریعة والتاریخ ؟!

ألا تعتقد أن یکون هناک دورٌ للزنادقة وأعداء الدین فی وضع هکذا أحادیث مسیئة لأئمّة الفریقین فی قضیة کقضیة أُمّ کلثوم ؟

ولهذا وجدنا أنّه لا یمکننا الوصول إلی النتیجة وکشف الخفی إلّا بالتدرّج

ص:52

فی طرح الفکرة ، وبیان مقدمات عِدَّة هی کفیلة فی کشف المجهول ، أهمها الوقوف علی مقدّمتین أُساسیّتَین ، ثمّ بیان مجمل السیرة الذاتیّة للزوجین : أعنی أمّ کلثوم بنت علی وعمر بن الخطّاب !!

أولاهما :

الوقوف علی نظرة الجمهور إلی الخلیفة والخلافة ، وهل الخلیفة عندهم منصوص علیه من قِبل الله ورسوله أم لا ؟

ثانیهما :

ما هی تصوّراتهم عن الخلیفة ، هل هو معصوم أم هو إنسان عادیّ یصیب ویخطئ ؟

أمّا المقدّمة الأُولی ؛ فنقول :

إنّ من الثابت المشهور عن الجمهور أنّهم لا یعتقدون بلزوم کون الخلیفة منصوصاً علیه من قِبل الله ورسوله ، بل إنّ أمر الخلافة عندهم راجعٌ إلی الأمّة ، فتحصل تارةً ببیعة أهل الحلّ والعقد ، أو ببیعة اثنین ، أو بشخصٍ واحد ، وأُخری بالشوری ، وثالثة بالإجماع ، و ... فمَنِ انتُخب صار إماماً للمسلمین وخلیفةً لرسول الله !!

وأمّا المقدّمة الثانیة ؛ فنقول :

إنّ العامّة لا یقولون بعصمة خلفائهم ، بل نراهم یحدّدون عصمة الرسول فیما یبلّغه عن الباری جل شأنه فقط ، ومعنی کلامهم : أنّهم یذهبون

ص:53

إلی تخطئة الرسول الأکرم فی الموضوعات الخارجیّة ، وحتّی فی الأحکام الشرعیة التی لم ینزل فیها وحیٌ من الله تعالی ، لکونه مجتهداً ، والمجتهد قد یُخطئ وقد یُصیب !

هذا بصرف النظر عن واقع خلیفتهم ، وبذلک یکون مناقشة أقواله وأفعاله شیء جائز ، لأنّه لیس بأعظم من رسول الله صلی الله علیه و آله ، ولأنّ تقدیم السیرة التاریخیّة لهؤلاء الرجال وبیان الوقائع والأحداث الحاصلة لخلفائهم أکّدت لنا خطأهم وجهلهم فی کثیر من الأحکام والمواقف ، لکنّنا لا نرتضی جَرَّ هذا القول - وبالمعکوس - علی ساحة الرسول الأمین صلی الله علیه و آله والقول بأنّه کان یخطئُ أو یجتهد فی الأحکام الشرعیّة ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان متّصلاً بالوحی {عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی} یأخذ تعالیمه ومواقفه منه تعالی بخلاف غیره ، فلا حاجة للاجتهاد والإفتاء بناءً علی الظنّ والتخمین.

نعم ، إنّهم قالوا بهذا القول وذاک ، لکی یرفعوا بضبع بعض الصحابة من خلال الهبوط بمنزلة الرسول الأمین ومکانته إلی رجل عادیًّ غیر معصوم ، فتراهم یذهبون إلی أن الله تعالی عاتب رسوله علی أخذ الفداء من أسری بدر ، وأنَّ العذاب قرب نزوله ، ولو نزل لما نجا منه إلّا عمر!!((1))

ومن خلال هذه النصوص والأقوال أنزلوا الرسول المصطفی صلی الله علیه و آله إلی منزلة رجل عادیّ یخطئ ویصیب ، ویسبّ ویلعن ، ثمّ یطلب الرحمة لمن


1- اُنظر: التفسیر الکبیر للرازیّ 15: 158، الآیتان: 67 و 68 من سورة الأنفال، المسألة الثانیة، والمبسوط للسرخسیّ 10: 139، والاحتجاج للطبرسیّ 2: 249.

ص:54

سبّهم ((1)) .

کما أنّهم نسبوا إلی رسول الله أشیاءَ قبیحة مُقزِّزة لا یقبلها صاحب وجدان حیّ ، مثل بوله واقفاً - دعماً لمذهب عمر بن الخطّاب الذی کان یبول واقفاً - ، فقد أخرج البخاریّ ومسلم فی صحیحَیهما ، وغیرهما فی غیرهما : أنّ حذیفة بن الیمان قال : أتی رسول الله سباطة قوم فبال قائماً ! ((2))

قالوا بهذا الحدیث المفتری علی رسول الله وعلی لسان صحابیّ جلیل مثل حذیفة بن الیمان ، وبالمقابل ضَعَّفوا ما أخرجه ابن ماجة والترمذیّ عن عمر قوله : رآنی رسول الله وأنا أبول قائماً ، فقال : یا عمر لا تبل قائما ، فما بلتُ قائماً بعد((3)) .

ونحن قد وضّحنا فی کتابنا «منع تدوین الحدیث» کیفیة نشوء فکرة اجتهاد النبیّ عند العامّة ، ومن ثمّ تأطُّر مدرسة الاجتهاد والرأی عندهم ، والأسباب والدواعی الکامنة وراء تناقل مثل هذه الأقوال عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، فمن أحبَّ فلیرجع إلیه .


1- اُنظر صحیح البخاریّ 5: 2339 - باب هل یُصلّی علی غیر النبیّ ح 6000، صحیح مسلم 4: 2007 - باب مَن لعنه النبیّ صلی الله علیه و آله / ح 2600 و 2601 و2602.
2- صحیح البخاریّ 1: 90 / ح 224، 2: 784 / ح 2339، صحیح مسلم 1: 228 / ح 273، سنن الترمذیّ 1: 79 / ح 668، مسند أحمد 5: 382 / ح 23289 و402 / ح 23470، مستدرک الحاکم 1: 290 / ح 644، والطبرانی فی: المعجم الأوسط 1: 96 / ح 293 أخرج أنّ سهل بن سعد رأی رسول الله یبول قائماً !
3- سنن ابن ماجة 1: 112 /ح 308، سنن الترمذیّ 1: 17 / ح 12 وقد ضُعِّف هذا الحدیث بعبد الکریم بن أبی المخارق. انظر: البیهقیّ فی: السنن الکبری 1: 102 / ح 496 وغیره.

ص:55

إذاً یمکن للباحث - وبمطالعة سریعة لتاریخ صدر الإسلام - الوقوف علی أُمور کثیرة صدرت من قبل الشیخَین - ومَن تبعهم کعثمان ومعاویة وغیرهما - کانت مبنیّة علی المصلحة الوهمیّة والرأی الشخصیّ ، وغالبها منافٍ للأُصول الإسلامیّة ؛ ک- : رفع الخلیفة الأوّل الرجمّ عن خالد ابن الولید مع ثبوت دخوله بزوجة مالک بن نویرة وهی فی عدّة الوفاة ، واعتراض عمر علی خالد فی ذلک((1)) ، وکتزویجه الأشعثَ بن قیس - بعد ارتداده - من أُخته أُمّ فَروة((2)) ، وکقمطه الفجاءة السلمیّ وإحراقه بالنار((3)) .

وتعطیل عمر بن الخطّاب لسهم المؤلَّفة قلوبهم ((4)) مع أنّ الله قد فرضه لهم فی کتابه العزیز بقوله : {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاکِینِ وَالْعَامِلِینَ عَلَیْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} ((5)) .

وتشریعه الطلاق ثلاثاً((6)) ، مع أنّ الباری جلّ شأنه قال : {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ


1- تاریخ الطبریّ 2: 274، البدایة والنهایة 6: 323، أُسد الغابة 4: 295، الکامل فی التاریخ 2: 217.
2- المستدرک للحاکم 4: 80 / ح 6945، ثقات ابن حِبّان 2: 181، تهذیب التهذیب 1: 313/الرقم 653 - ترجمة الأشعث بن قیس.
3- تاریخ الطبریّ 2: 266، الإصابة 3: 518 / الرقم 4248 - ترجمة طُریفة بن أبان السلمیّ، الوافی بالوَفَیات 16: 249 / الترجمة 3.
4- فتح القدیر للشوکانیّ 2: 373.
5- التوبة: 60.
6- صحیح مسلم 4: 1099 /ح 1472، المستدرک علی الصحیحین 2: 214 / ح 2793، مسند أحمد 1: 314 / ح 2877.

ص:56

فَإِمْسَاکٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِیحٌ بِإِحْسَانٍ} ((1)) .

وابتداعه لصلاة التراویح وتصریحه بأنّها بدعة ، ثمّ قوله عنها : نِعمتِ البدعة هی ! ((2))

وحرق عثمان للمصاحف مع ثبوت نهی الرسول - عندهم - عن حرق التوراة((3)) ، فکیف بالقرآن العز یز ؟!

کلُّ هذه الأفعال والمواقف شُرّعت من قبل هؤلاء تحت غطاء شرعیّة المصلحة والاجتهاد !! وعُلِّل الأمر بأنّ هؤلاء الخلفاء والصحابة یعرفون مصالح الأحکام وروح التشریع أفضلَ من غیرهم .

فهل کانوا کذلک ؟ وإذا کانوا کذلک فکیف یمکن رفع التعارض بین مواقفهم المتباینة هم أنفسهم إذاً ؟! ومن هو المُحقّ ؟!

هل یکون عمر هو المحقّ فی تهدیده لخالد وقوله له : أرئاءً ؟! قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوتَ علی امرأته ، واللهِ لأَرجمنّک بأحجارک . ولا یکلّمه خالد بن الولید ولا یظنّ إلّا أنّ رأی أبی بکر علی مثل رأی عمر فیه ، حتّی دخل علی أبی بکر ، فلمّا ...((4)) .


1- البقرة: 229.
2- صحیح البخاریّ 2: 707 / ح 1906، موطّأ مالک 1: 114 / ح 250، تاریخ المدینة 1: 378 / الرقم 1182، الطبقات الکبری 5: 59، تاریخ الیعقوبیّ 2: 140.
3- کما فی حدیث عائشة، أنظر: میزان الاعتدال 1: 223 / الرقم 324 - ترجمة أحمد بن الحارث الغسّانیّ.
4- تاریخ الطبریّ 2: 274، الأغانی 15: 295، الکامل فی التاریخ 2: 217، البدایة والنهایة 6: 323.

ص:57

أم أنّ أبا بکر هو المحقّ فی قوله : یا عمر ! «تأوّلَ فأخطأ»((1)) ، فارفع لسانک عن خالد فإنّی لا أشیم سیفاً سلّه الله علی الکافر ین((2)) .

ولماذا یصرّ أبو قَتادة الأنصاریّ علی موقفه من خالد خلافاً لأبی بکر؟!

وهل المحقّ أبو قتادة ، أم أبو بکر فی نهیه له ؟((3))

وماذا یعنی منطق أبی بکر «تأوّل» ؟ وکون أعدائه «المسلمین» !! ! من الکافرین ؟ هل جاء هذا الموقف منه لاحتیاجه إلی خالد فی مواقفه الأُخری ، أم لشیء آخر ؟!

وکیف ساغ لأبی بکر أن ینهی أبا قتادة عن التعرّض لخالد مع أنّ اعتراض أبی قتادة کان نابعاً من القرآن الکریم والسُّنّة المطهّرة ؟!

وماذا یمکننا أن نقول فی المؤلّفة قلوبُهم ؟!

ومَن هو المحقّ فی القرار : هل هو أبو بکر أمْ عمر ؟ فقد تناقلت کتب التاریخ أن أبا بکر کتب إلی عمر بأن یعطی المؤلّفة قلوبهم حقَّهم ، فلمّا أتوه مزّق الکتاب وقال : إنّا لا نعطی علی الإسلام شیئاً ، فمن شاء فلیُؤمن ومن شاء فلیکفر ، ولا حاجه لنا بکم .

فرجعوا إلی أبی بکر وقالوا : هل أنت الخلیفة أم عمر؟ قال : هو إن شاء الله !! ((4) )


1- تاریخ مدینة دمشق 16: 256، الإصابة 5: 755.
2- تاریخ الطبریّ 3: 273، الکامل فی التاریخ 2: 217، المنتظم 4: 80.
3- الکامل فی التاریخ 2: 217.
4- أُنظر: الدرّ المنثور 4: 224 - فی تفسیر الآیة 60 من سورة التوبة، وتفسیر المنار 10: 428، والمعرفة والتاریخ 3: 310، وتاریخ مدینة دمشق 9: 196، والمجموع شرح المهذَّب 6: 185، وتلخیص الحبیر 3: 113.

ص:58

وبعد هذا ، کیف یمکن لغیرنا أن یصحّح الحدیث المنسوب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله : اقتدوا باللَّذَیْن من بعدی أبی بکر وعمر((1)) . مع ما یراه من الاختلاف بین مواقفهما ؟!

ولو صحّ هذا الخبر ، فلماذا نری تخلّف کثیر من الصحابة عمّا شرّعه الشیخان ، وتخطئتَهم لهما فی ما اجتهدا فیه فی کثیرٍ من الأحیان ؟!

ماذا یعنی ذلک ؟

ألم تکن مواقفهم - المخطِّئة للشیخین وتصریحات الشیخین بأنّهما عاجزان غیر عالمین فی کثیر من الأحایین بما جاء فی الذکر الحکیم والسُّنّة المطهّرة - دالّةً علی کذب هذه المقولة ؟!

بل کیف «بالخلیفة» یسأل عن الأحکام لو کان هو الإمام المقتدی به المأمور بطاعته والاقتداء به ؟!

کلّ هذه الأُمُور تؤکّد أنّ المصالح التی صوّرها الإعلام فی مدرسة الخلفاء لم تکن شرعیّةً ولا حقیقیةً بالمعنی الصحیح للکلمة ، بل هی مصالح وهمیّة تصوّرها الخلفاء الحکّام وأنصارهم ، ومنها وعلیها سری وجری التشریع الحکومیّ لاحقاً .

بعد أن اتّضح لک جواب السؤالَین السابقین ، وعرفت أنّ «الخلیفة» لیس بمعصوم ، وأنّ الله لم ینصبه ، وقد أخطأ بالفعل فی کثیر من الأمور ، وأنّ


1- مسند أحمد 5: 382 / ح 23293، سُنن الترمذی 5: 609 / ح 3662، و672 / ح 3805.

ص:59

المصالح التی تصوّرها لم تکن حقیقیّةً عامّةً للجمیع ، بل کثیر منها کانت وهمیّة ، أو هی مصالح خاصّة فئویّة ؛ بعد هذا کلّه لا یستبعد أن تصدر عنه أمور غیر مقبولة شرعاً و عقلاً یراها المتأخر بعیدة الصدور عن أمثال أولئک الرجال مع علمه واعتقاده بعدم عصمته وخطاءه فی مفردات کثیرة . لندخل إلی صلب الموضوع طارحین بعض التساؤلات :

تساؤلات

علینا إثارة بعض التساؤلات هنا ، منها :

هل تصوّرات عمر فی الزواج کانت واقعیّةً أم أنّها عاطفیّة ؟ بل هل هناک بنت لعلیٍّ بن أبی طالب قد تزوجها عمر باسم (أمّ کلثوم) ؟

وهل «أُمّ کلثوم» هو اسم أُمْ کنیة ؟

وهل هی بنت لفاطمة الزهراء أو لأُمّ ولد ؟

وإذا کانت کنیة ، فهل هی کنیة لزینب الکبری ، أو لزینب الصغری ، أو لرقیّة، أو لنفیسة ؟

وهل وقع زواجها من عمر حقّاً ، أم رجا عمر الزواج منها ولم یُزَوَّج ؟ وهل المرأة التی أولدت لعمر زیداً هی أمّ کلثوم ابنة علی ، أو هی أم کلثوم بنت جرول ؟ وهل وقع هناک تصحیف وتحریف فی هذا الأمر ؟

وإذا صح وقوع الزواج من ابنة علی ، فهل کان عن إکراه ، أم عن محبة ؟

وهل اکتفی عمر بن الخطّاب بالخِطبة ، أم أعقبه بالزواج والدخول والأولاد ؟

ص:60

ومن الذی زوّج عمر ؟ هل الإمام علیّ علیه السلام ، أم عمّه العبّاس ، أم الحسن والحسین ؟

وهل أعقبت أُمّ کلثوم ابنةُ علی لعمر أمْ ماتت بلا عقب ؟

وهل ما علّله عمر فی الزواج - بأنّه یرید نیل القربی من النبیّ - کان واقعیا دینیّاً أو أنّه کان عاطفیّاً وسیاسیّاً ؟

وهل المصلحة الواقعیّة - لأمّ کلثوم - کانت فی الزواج من عمر أمْ عدم زواجها منه ؟ ومَن هو المنتفع من هذا الزواج ، هل هو ، أم هی ؟

إلی غیر ذلک من التساؤلات الّتی تَبحَث عن أجوبة مقنعة .

والجواب :

ممّا لا خلاف فیه بأنّ أمیرالمؤمنین علیَّ بن أبی طالب علیه السلام کان له من فاطمة الزهراء علیها السلام خمسة أولاد : من الوُلد ثلاثة ، ومن البنات اثنتان .

1 - الإمام الحسن المجتبی ، المکنّی بأبی محمّد علیه السلام .

2 - الإمام الحسین الشهید بکربلاء ، المکنّی بأبی عبدالله علیه السلام .

3 - المحسن السبط ، وهو الذی أُسقط حین الهجوم علی بیت فاطمة الزهراء علیهما السلام .

4 - زینب الکبری ، عقیلة بنی هاشم علیها السلام .

5 - أُمّ کلثوم المسمّاة عند النسّابة العمری برُقیّة((1)) ، وعند أغلب المؤرّخین


1- المجدی: 17.

ص:61

والنسّابة بزینب الصغری علیها السلام .

أما أولاد الإمام علیٍّ الآخَرین من غیر فاطمة فکثیرون ، وقد ذکر الیعقوبیّ فی تاریخه 16 بنتاً لعلیّ((1)) ، وابن الجوزیّ فی المنتظم((2)) وتلقیح فهوم أهل الأثر بأنّ له علیه السلام من البنات 19 بنتاً ، وفی البدء والتاریخ((3)) ذکر 17 بنتاً ، وذکر العاصمیّ فی سمط النجوم العوالی((4)) 18 بنتاً .

فلو جمعنا کلام العاصمیّ مع ما ذُکر من الذکور لعلیّ((5)) صاروا 37 ولداً . وهناک من قال : إنّ أولاد الإمام علیّ خمسة وثلاثون ، أو ستة وثلاثون((6)) ، وقیل : أربعة وثلاثون((7)) ، وقیل : ثلاثة وثلاثون((8)) ، وقیل : ستّة وعشرون((9)) ، وقیل : ثمانیة وعشرون((10)) ، وقیل : سبعة وعشرون((11)) .


1- تاریخ الیعقوبیّ 2: 203.
2- المنتظم 5: 69.
3- البدء والتاریخ 5: 73.
4- سمط النجوم العوالی 3: 7.
5- انظر تفصیل ذلک فی کتابنا «التسمیات بین التسامح العلویّ والتوظیف الأمویّ».
6- المجدی: 11، ینابیع المودة 3: 147، عمدة الطالب: 63.
7- الطبقات الکبری 3: 20.
8- تاج الموالید للطبرسیّ: 18، تذکرة الخواص:57، تاریخ الیعقوبیّ 2: 213.
9- تاریخ الموالید: 18.
10- تاریخ الموالید: 18، الإرشاد 1: 354.
11- الإرشاد 1: 354، إعلام الوری 1: 395، کشف الغمّة 2: 67، العمدة لابن البطریق: 29، المجدی: 11، بحار الأنوار 42: 74 /ح 1 - عن: العُدد القویة: 242 / ح 22.

ص:62

فلا أستبعد وقوع الخلط فی مثل هکذا أمور ، لاختلاط الکنی والألقاب مع الأسماء ، أو تعدّد الاسم للشخص الواحد ، کأن یُسمّی الجَدّ من قِبل الأب اسماً ، والجدّ من قبل الأمّ اسماً آخر .

کما لا أستبعد أنّ خفاء أسماء بعض الإناث جاء لاستقرارهنّ فی البیوت ، أو لعدم وجود دَور بارز ملحوظ علنیّ لهنّ ، أو لوفاتهنّ وهنّ صغیرات ، أو للاختلاط بین أسمائهنّ وکُناهنّ .

فالباحث تارة یری اسم جُمانة ضمن بنات الإمام علیّ ، وأخری یری أُمّ جعفر وهی جمانة نفسها ، لکنَّ بعض المؤرّخین یذکرونهما علی أنهما اثنتان .

إذن ، فالاختلاف فی عدد أولاد الصحابة وأهل البیت یأتی من هکذا أمور وملابسات ، فلو میّزنا بینها لاتّضح الکثیر ، مع علمنا بوقوع السهو والنسیان فی بعض النصوص ، واضطرابها فی نصوص أخری ، ووجود تحریف فی ثالثة .

وعلیه ، فنحن لا ننکر وجود بنت للإمام علیّ علیه السلام - مسمّاة أو مکنّاة بأمّ کلثوم - من الزهراء علیها السلام أو من أُمّ ولد ، لکنّ الکلام هو : مَن هی التی تزوّجها عمر ؟!

فهل هی بنت فاطمة الزهراء أو بنت أُمّ ولد ؟ خصوصاً حینما نری تشابک الأسماء والکنی موجوداً فی أولاد الإمام علیّ وزوجات عمر((1)) .


1- یقال بأنّ عمر تزوّج عدة نساء مسمّیات بأمّ کلثوم، کما أنّه خطب المسمّاة بأمّ کلثوم بنت أبی بکر أیضاً فردَّتْه، فلا یُستبعد وقوع الالتباس بینهنّ.

ص:63

وبما أنّ الموضوع عُرضةٌ للخلط والالتباس ، ومطمع للسیاسة والأهواء أیضاً ، فعلینا الیقظة والحیطة عند نقل النصوص ، إذ نری المؤرّخین یُکنّون تارةً زینب بنت علی ، فیقولون : قالت أُمّ کلثوم ، وأخری یأتون باسمها صراحةً (زینب) وثالثة یخلطون بین أُمّ کلثوم بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وأُمّ کلثوم بنت الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

أو بین أُمّ کلثوم بنت الإمام علی علیه السلام وأُمّ کلثوم بنت جرول - زوجة عمر فی الجاهلیّة ، أو تراهم یربطون مسألة خطبة أُمّ کلثوم بنت أبی بکر بزواج أُمّ کلثوم بنت الإمام علی علیه السلام ، کلّ هذه الأمور تدعونا للتوقّف والحیطة وعدم البتّ فی هکذا أمور مشتبهة .

إذن ، فالقول بوحدة النصوص فی جمیع تلک الوقائع والأحداث وأنّ المعنیّة فیها هی واحدة غیر صحیح ، لأنّا نشاهد تعارضها مع أخری فی مکان آخر ، إذ لیس کلّ ما یأتی تحت عنوان أُمّ کلثوم فی التاریخ یعنی به شخصاً واحداً بعینه ، فقد تکون هی زینب الصغری بنت علی ، وقد تکون هی أُمّ کلثوم بنت رسول الله ، وقد تکون أُمّ کلثوم بنت جرول ، وقد تکون أُمّ کلثوم الصغری بنت علی من أُمّ ولد ، وقد تکون امرأةً أخری معاصرة لهن.

فمع إقرارنا بوجود أُمّ کلثوم بنت علیٍّ فی التاریخ نتحفّظ من البتّ بأن تکون المعنیّة فی الواقعة الفلانیّة هی زوجة عمر بن الخطّاب المدّعاة !! وذلک لورود احتمالات کثیرة أخری أمامها مقبولة ، ولنفتح إحدی تلک الاحتمالات :

وهی احتمال أن تکون أُمّ کلثوم ابنة فاطمة (المدعی زواج عمر بها) هی

ص:64

التی قد تزوّجها ابن عمها عون أو محمّد ابنا جعفر بن أبی طالب ، اللذان عاشا إلی واقعة صفِّین أو إلی واقعة عاشوراء ، لکونهما ابنَی أسماء بنت عُمَیس ، وأسماء کان قد تزوجها الإمام علیّ علیه السلام بعد موت أبی بکر وشهادة أخیه جعفر ، وهی أم عبدالله بن جعفر ، وعون بن جعفر ، ومحمّد بن جعفر .

وبما أنّ عبدالله بن جعفر کان قد تزوج ابنة الإمام علیٍّ الأولی من فاطمة = زینب الکبری ، لذا بقیَ عون ومحمّد ابنا جعفر بدون زوجة ، وبنت علی الصغری من فاطمة = زینب الصغری کانت موجودة فی بیت أبیها ولم تتزوّج بعد ، فالأقرب أن یکون أحد هذین هو الذی تزوّج ابنة فاطمة الزهراء فی عهد الإمام علی ، لأنّه ابن أخیه وربیبه الذی کان یعیش مع أُمّه فی بیت الإمام ، وقد انضمّ عون ومحمّد إلی عمِّهما أمیرالمؤمنین بعد زواجه علیه السلام بأمّهما ، فلمَّا بلغ عون زوّجه علیه السلام ابنته زینب الصغری المکناة بأمِّ کلثوم ، وقد لازم الأخیر أمیرالمؤمنین علیه السلام وقاتل معه فی صفِّین ، وبعده لازم الإمامَ الحسن علیه السلام ، ولم یفارق الإمامَ الحسین علیه السلام هو وزوجته أمّ کلثوم بنت فاطمة حتّی وردا کربلاء ، فاستشهد هناک ، وهذا ما تقف علیه فی کلام الشیخ المامقانیّ بعد قلیل ، وقد عدّه الشیخ الطوسی فی «رجاله» من أصحاب الإمام علیٍّ علیه السلام ((1)) .

وهذا الاحتمال هو أقرب إلی النفس من تزوّجها من عمر بن الخطّاب - لو کان الزواج قد وقع عن طیب خاطر - ، لاسیّما وأنّهما کانا حیَّین إلی واقعة صفِّین ، وقد قاتلا إلی جانب عمّهما أمیر المؤمنین علی معاویةَ بصفِّین ،


1- رجال الطوسی: 75 / ح 710 - فی أسماء من رَوی عن أمیرالمؤمنین علیه السلام .

ص:65

وهذا القول یخالف ما اشتهر من استشهاده هو وأخیه محمّد بتُستَر أیام عمر بن الخطّاب ، بل یُرجَّح أن یکونا قد عاشا إلی ما بعد صفّین أیضاً حتّی قُتِلا فی کربلاء .

ففی «أنساب الاشراف» : ویقال : إنَّ عونَ بن جعفر بن أبی طالب وأخاه محمّداً قُتلا مع علیٍّ بصفّین ، ویقال : إنّهما قُتلا مع الحسین علیه السلام ، وبعض البصریّین یزعم أنّهما قُتلا بتُسْتَر من الأهواز حین فُتحت((1)) .

وفی «عمدة الطالب» : وأمّا محمّد الأکبر فقُتل مع عمّه أمیرالمؤمنین علیٍّ بصفّین ، وأمّا عون ومحمّد الأصغر فقُتلا مع ابن عمّهما الحسین یومَ الطفّ ((2)) .

ثمّ قال : وولد عون بن جعفر بن أبی طالب - شهید الطفّ - ابناً اسمه مساور ، له ذیل لم یطل((3)) ، وانقرض محمّد الأکبر وعون .

فلو صحّ زواج محمّد بن جعفر بن أبی طالب من أمّ کلثوم بعد عمر فهو مخالف لما اشتهر عند المؤرّخین بأنّه استُشهد فی عام 17 ه- مع أخیه عون فی تستر ، فأیّ القولین یجب الأخذ به ، هل شهادته فی سنة 17 ، أم زواجه بابنة عمّه بعد مقتل عمر فی سنة 23 ؟ ومعنی کلامهم هو أنّ هذین الرجلین یتزوّجان بابنة عمّهما علی التعاقب بعد شهادتهما بتُستَر بخمس سنوات أو أکثر ! فالکلام هزیل ، وبعض المؤرّخین - کالبلاذریّ - قد نفی ذلک بقوله :


1- أنساب الأشراف 2: 322.
2- عمدة الطالب: 36.
3- عمدة الطالب: 37.

ص:66

فأمّا عون ومحمّد ، فذکر أبو الیقطان النصریّ أنّهما استُشهدا جمیعاً بتستر فی خلافة عمر بن الخطّاب ، وذلک غلط .

وذکر غیره أنَّهما قُتلا بصفّین ، وقیل بأنّهما قُتلا بالطفّ مع الحسین ، وحمل ابن زیاد رأسَیهِما مع رأس الحسین إلی یزید ابن معاویة ، والله أعلم((1)) .

وفی مروج الذهب : فقُتل عون ومحمّد ابنا جعفر بالطفّ مع الحسین بن علیّ ، ولا عقب لهما((2)) .

فإذا کان عون ومحمّد ابنا جعفر موجودَین - مع الإمام علیٍّ علیه السلام ، ثمّ مع الحسن والحسین علیهما السلام - فی بیت الإمام علیّ ، والإمام علیّ علیه السلام کان قد أکّد بأنّه حبس بناته لأولاد أخیه جعفر ، فهل یُعقَل أن یزوِّجَ ابنتَه الشابّة أُمّ کلثوم من عمر المسنّ - مع وجود هذین الشابَّین - عن طیب خاطر ؟!

ولماذا لا یصحّ القول بأنّ عوناً أو محمّداً ابنا جعفر کانا قد تزوّجا أمّ کلثوم بالتعاقب قبل عمر ، ونقول بالقول الآخر الذی یرتضونه ؟

وکیف یمکن حلّ الإشکال والجمع بین بقائهما حیّین إلی واقعة الطفّ وبین قتلهما فی صفِّین وشهادتهما فی تستر ؟!

بلی ، قد استُشهِد هذان کما استُشهد آخران من أبناء أخیهما عبدالله بن جعفر مسمَّیْن باسمَیهما : عون بن عبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن عبدالله بن


1- أنساب الاشراف 2: 44 - 45.
2- مروج الذهب 1: 289.

ص:67

جعفر أیضاً ، فی واقعة الطفّ حسبما حقّقناه .

وفی ضوء ما أسلفنا نستطیع القول : إنّ تزوَّج عون بن جعفر أو محمّد ابن جعفر ب- «أم کلثوم» = زینب الصغری - بنت فاطمة الزهراء - یصحّح ما اشتهر عن الإمام علی علیه السلام وقوله : إنّما حبستُ بناتی علی بَنی جعفر((1)) ، وقول رسول الله : بناتنا لبنینا ، وبنونا لبناتنا((2)) ، کما أنّه یوافق العُرف القبلیّ السائد آنذاک فی الجزیرة العربیّة من زواج ابن العمّ من ابنة عمّه .

وبما أنّ زینب الکبری عقیلة الهاشمیّین کانت قد تزوّجها ابن عمّها عبدالله بن جعفر ، وزینب الصغری إبنة علی - من أمّ ولد - کان قد تزوّجها فی الزمن المتأخّر محمّد بن عقیل ، وأم الحسن بنت علی بن أبی طالب قد تزوّجها جعفر بن عقیل بن أبی طالب ((3))، فلا یُستبعد أن تکون أُمّ کلثوم ابنة فاطمة - أعنی زینب الوسطی ((4)) - قد تزوّجها ابن عمّها الآخر : عون أو محمّد ابنا جعفر بن أبی طالب ، لأنّه کان ابنَ أخ الإمام علیّ وربیبَه ، وابن زوجته أسماء بنت عُمَیس ، فلم یبقَ مِن نصیب عمر إلّا أمّ کلثوم من أمّ وَلَد حسبما سنوضحه لاحقاً ، فإذا ثبت ذلک فقد انتفی زواج عمر من أمّ کلثوم بنت فاطمة علیها السلام أصلاً .


1- الطبقات الکبری 8: 463، تاریخ مدینة دمشق 19: 486، الاصابة 8: 293 / الرقم 12233 - ترجمة أمّ کلثوم بنت علیّ.
2- من لا یحضره الفقیه 3: 393.
3- شرح إحقاق الحق 32 : 685.
4- هذه هی نفسها زینب الصغری بنت فاطمة المارّ ذِکرُها آنفاً، فهی صغری بالنسبة إلی الکبری عقیلة الهاشمیّین ووسطی بالنسبة إلی أختها الصغری زوجة محمّد بن عقیل.

ص:68

قال السیّد محسن الأمین فی «أعیان الشیعة» : «فإنّها [أیّ أُمّ کلثوم] وزینب الکبری شقیقتا الحسین علیه السلام لم تکونا لِتُفارقاه ولا لیفارقهما ، وإذا کانت الکبری - وهی زوجة عبدالله بن جعفر - لم تفارقه وزوجها حَیّ ، فأحری أن لا تفارقه الصغری ((1)) [وزوجها شهید أیضاً فی کربلاء أو قل شهید بِصفِّین علی قول آخر] ، وهی فی النبل بمرتبة تلی مرتبة الکبری»((2)).

إذن لا یمکن البتّ باسم المتزوِّج بأمّ کلثوم ابنة فاطمة والقول بضرس قاطع أنّه عمر بن الخطّاب لاغیر ، وذلک لوجود عدّة بنات للإمام علیّ علیه السلام مسماة بزینب ومکناة بأمّ کلثوم ، ولکلّ واحدة من هذه زوجٌ معلوم حسبما وضّحناه قبل قلیل .

کما لا یمکن البتّ فی الوقائع والأحداث المختلفة ؛ لتراکم الغموض الذی رافق شخصیّتها ، وما قیل فی حیاتها ، وأزواجها ، وأولادها ، ومقدار عمرها ، وأمثال ذلک .

وقد تنبَّهت الدکتورة بنت الشاطئ فی کتابها «سکینة بنت الحسین» إلی ظاهرة الاختلاط بین الأسماء والکنی ، وتأثیرها علی الوقائع والأحداث فذکرت نصوصاً عن ابن العماد الحنبلیّ فی أزواج لسکینة بنت الحسین علیه السلام ،


1- من فاطمة الزهراء علیها السلام .
2- أعیان الشیعة 1: 327.

ص:69

وأنّهم کانوا ثلاثة علی الترتیب التالی :

مصعب بن الزبیر ، ثم عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حکیم بن حِزام ، ثمّ زید بن عمرو بن عثمان بن عفّان ... ((1)) .

ثمّ نقلت - بعد ذکرها ما نقله الاستاذ توفیق الفُکَیکیّ - عن السیّد عبدالرزّاق الموسویّ المقرَّم فی کتاب له عن «السیدة سکینة» من أنّها تزوجت ابن عمّها عبدالله الأکبر ابن الإمام الحسن ، المقتول فی الطفّ مبارزةً ... ((2)) وأنّ مصعب بن الزبیر قد تزّوجها بعدّ عبدالله بن الحسن .

ثمّ أتت الدکتورة بکلام لمصعب الزبیریّ فی «نسب قریش» وفیه اسم شخص خامس لأزواجها ، إلی أن تقول :

وتختلط الأسماء اختلاطاً عجیباً ، بل شاذّاً ، حتّی لیُشَطَّر الاسم الواحد شطرین ، یؤتی بکلّ شطر منهما علی حِدَة ، فیکون منهما زوجان للسیّدة سکینة !!

فعبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حکیم بن حزام ، شُطر شطرین ، فکان منه زوجان :

عبدالله بن عثمان ((3)) ، وعمرو بن حکیم بن حزام ((4)) ، أو کما


1- شذرات الذهب 1: 154.
2- السیّدة سکینة بنت الحسین للفکیکیّ: 122، وانظر معه: مقتل الحسین للمقرّم: 368.
3- ففی شذرات الذهب: تزوجها أی سکینة مصعب بن الزبیر ثمّ عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حکیم بن حزام ثمّ زید بن عمرو بن عثمان بن عفّان. وفی الوافی بالوفیات 15 : 182: تزوّجها مصعب بن الزبیر فهلک عنها ، ثمّ تزوّجها عبدالله بن عثمان بن عبدالله بن حکیم بن حزام. (وانظر المحبر : 237 أیضاً).
4- فی الأغانی 16 : 368: أنّ سکینة کانت عند عمرو بن حکیم بن حزام ثمّ تزوّجها بعده زید بن عمرو بن عثمان بن عفّان ثمّ تزوّجها مصعب بن الزبیر. وفی المعارف : 214: نقل ذلک عن الهیتم بن عدی: حدّثنی صالح بن حسان وغیره.

ص:70

ترجم فی «دائرة المعارف» : عمرو بن الحاکم ((1)) .

کما وقع الخلط والالتباس بین ما یقال عن ابنة الإمام علیّ من أمّ ولد مع ابنة الإمام علیّ من فاطمة الزهراء علیهما السلام ، فادّعَوا بأنّ أبا قَتادة صلّی مع السبطین الحسن والحسین علی شقیقتهما (أمّ کلثوم ابنة فاطمة) فی عهد معاویة((2)) .

فمَن هو أبو قتادة الذی جاء فی الخبر ؟((3)) والذی کان مع أبی سعید وأبی هریرة وابن عباس !

فلو کان الأنصاریَّ المعروف ، فهذا قد تُوفّی قبل شهادة الإمام علیّ علیه السلام فی سنة 40 ه- ، قد صلّی علیه الإمام علیّ علیه السلام .


1- موسوعة آل النبیّ صلی الله علیه و آله : 831.
2- هذا ما سنراه لاحقاً فی روایتَی نافع وعمّار مولی الحارث بن نوفل فی صفحة 267.
3- المدوَّنة الکبری 1: 182، الطبقات الکبری 8: 465، السنن الکبری 4: 71 و4: 33 و1: 641، معرفة السنن والآثار للبیهقی 1: 559 و3: 162، سنن الدار قطنیّ 2: 66 / الرقم 1834، المنتقی لابن الجارود: 142 / الرقم 545، المعرفة والتاریخ 1: 76، المصنَّف لعبد الرزّاق 3: 465 عن ابن جُرَیج قال: سمعتُ نافعاً. وفی سنن أبی داوود السجستانیّ 3: 208 / الرقم 3193، ومسند ابن الجعد 1: 98، 114، وأخرجه ابن أبی شیبة فی مصنَّفه 3: 8 / الرقم 11568، عن عمّار مولی بنی هاشم فی الباب 140 - فی جنائز الرجال والنساء. وأنظر: المجموع للنوویّ 5: 178 - 179، وتلخیص الحبیر 2: 146. وفی: نصب الرایة 2: 266 عن عمّار بن أبی عمّار.

ص:71

ففی «مصنَّف» ابن أبی شیبة و«السنن الکبری» للبیهقیّ : إنّ علیّاً صلّی علی أبی قتادة فکبَّر علیه سبعاً((1)) .

وفی «تاریخ مدینة دمشق» : عن غسّان بن الربیع قال : بلغنی


1- مصنَّف ابن أبی شیبة 2: 497 / الرقم 11459 من کتاب الجنائز، السنن الکبری للبیهقیّ 4: 36 / 6734 وفیه: وکان بدریّاً، شرح معانی الآثار 1: 496 - کتاب الجنائز، معرفة السنن والآثار 1: 557 / الرقم 786، کنز العمّال 14: 33 / خ 37974. وقد ضعّف البیهقیّ فی سننه 4: 36 تلک الروایة بقوله: «هکذا رُوی، وهو غلط، لأنّ أبا قتادة بقیَ بعد علیّ مدَّة طویلة». کما قال فی «معرفة السنن والآثار» 1: 559 «وقد ذکرنا أنّ إمارة سعید بن العاص إنّما کانت فی سنة ثمان وأربعین إلی سنة أربع وخمسین، وفی هذا الحدیث الصحیح شهادة نافع بشهود أبی قتادة هذه الجنازة التی صلّی علیها سعید بن العاص فی إمارته علی المدینة، وفی کل ذلک دلالة علی خطأ روایة موسی بن عبدالله ومن تابعه فی موت أبی قتادة فی خلافة علی». لکنّ ابن الترکمانیّ ردّ تضعیف البیهقیّ بقوله: ما ذکره البیهقی... أوَّلاً «أنّ علیّاً صلّی علی أبی قتادة» رجالُه ثقات، وأخرجه ابن أبی شیبةَ فی مصنَّفه، رواه عن عبدالله بن نمیرٍ، ووکیعٍ، قالا: ثَنا إسماعیلُ بن أبی خالد، فذکره، وقال فی «الاستیعاب»: رُوی من وجوهٍ عن موسی بن عبدالله بن یزید الأنصاریّ، وعن الشعبیّ، أنَّهما قالا: صلّی علیٌّ علی أبی قتادة، فکبَّر علیه سبعاً، قال الشعبی: وکان بدریاً، وقال: قال الحسنُ بنُ عثمان: مات أبوقتادة سنة أربعین، وقال الکلاباذیُّ: قال «ابنُ سعدٍ: أنا الهیثمُ بن عدیّ، قال: توفی بالکوفة وعلیٌّ بها، وهو صلّی علیه، وقد قدمنا فی باب کیفیةِ الجلوس فی التشهد الأَوَّل والثانی أن هذا القول هو الصحیح، وأنّ من قال: تُوفّی سنة أربع وخمسین، فلیس بصحیح»، وظهر بهذا أنّ ما ذکره البیهقی أوَّلاً، لیس بغلطٍ». الجوهر النقیّ 4: 36 - 37. قلت: إنّ البیهقیّ لا یمکن أن یجعل مدّعاه دلیلاً، لأنّ ذلک مصادرة بالمطلوب، فلو صح قول البیهقیّ، فما جوابه عن تساؤلاتنا الکثیرة فی هذا الأمر والتناقضات الموجودة فیه؟!

ص:72

أنّه تُوفّی أبو قتادة سنة ثمان وثلاثین فی خلافة علیّ ، وصلّی علیه علیّ ((1)) .

زواجها من عبداللّه بن جعفر؟

أمّا لو کان غیره ، فمن هو ؟ بل کیف تتطابق تلک الأخبار مع ما قیل - متأخّراً - عن تزوّج عبدالله بن جعفر بأُمّ کلثوم ابنة علیّ بعد وفاة زوجته الأولی زینب الکبری فی سنة 62 أو ما بعدها .

إنّ وجود الإمام الحسین علیه السلام ضمن المصلّین علی أمّ کلثوم بنت فاطمة - زوجة عمر - لا یتّفق مع ما قیل عن حیاتها وبقائها إلی الطف .

کما هو الآخر لا یتّفق مع ما قاله ابن إسحاق((2)) بأنّ أباها علیّاً زوّجها من محمّد ، ثم زوّجها من عبدالله أبنَی أخیه جعفر ، ومعناه : أن عبدالله بن جعفر تزوّجها فی حیاة والدها قبل شهادته فی سنة 40 للهجرة مع أنّ أختها زینب کانت آنذاک فی حبالته ، وأنّ موت أمّ کلثوم فی المدینة سنة 54 وصلاة سعید بن العاص علیها یعنی عدم حضورها فی کربلاء ! فمن هی التی حضرت کربلاء إذن ؟ هل هی أم أختها من أمّ ولد أم غیرها ؟ بل کیف یتّفق صلاة سعید بن العاص علی ابنة فاطمة مع خبر الدولابیّ الآتی بعد قلیل والذی فیه أنّ عبدالله بن جعفر مات عنها((3)) وهی حیّة ؟! ((4))


1- تاریخ مدینة دمشق 67: 152.
2- سِیر أعلام النبلاء 3: 102، الإصابة 8: 293.
3- أی عن زینب الکبری فی سنة 80 ه.
4- وانظر: تاریخ الاسلام 1: 516، الإصابة: 12233، البدایة والنهایة 5: 314.

ص:73

بل کیف یمکن لعبد الله بن جعفر أن یتزوّجها بعد وفاة أخویه (عون ومحمّد) وزینب أُختها هی لحدّ ذلک التاریخ حیّة تعیش عنده ؟!

وأیضاً کیف یزوّجها أبوها علیُّ بن أبی طالب أبناءَ عمّها((1)) ، وهو الذی استشهد فی سنة 40 للهجرة ؟! فما هو الصحیح إذن ؟!

فهل نقول بأنّها کانت ابنة الإمام علیّ من أمّ ولد ، فتلک لایریدونها ، لأنّهم یریدون أن تکون ابنة فاطمة علیها السلام کی یموعوا ظلامة فاطمة الزهراء علیها السلام وکسب الحسب والنسب لعمر مع رسول الله ، کما لا یمکن أن تکون هذه قد ولدت لعمر زیداً ؛ وذلک لصغرها وعدم الدخول بها((2)) .

فهم قد لبّسوا الأمور وخلطوا أمراً واضحاً مقبولاً مع أمراً آخر ، فجعلوا موت أمّ کلثوم بنت جرول وابنها زید من عمر هو موت لأمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام ، حسبما سیتّضح لک لاحقاً . فالمسألة غامضة إذن ، وتحتاج إلی تحقیق وبحث.

هل الصحیح هو ما قاله ابن إسحاق : «فزوَّجها أبوها بمحمّد بن جعفر فمات ، ثم زوجها بعبد الله بن جعفر فماتت عنده»((3)) .


1- محمّد بن جعفر ثمّ عبدالله بن جعفر، کما فی بعض الأخبار.
2- حسبما سیتّضح ذلک لاحقاً.
3- سِیر أعلام النبلاء 3: 502. ویمکن أن نقول: أنّ ما فی «الإصابة 8: 293»... «ذکر الدارقطنیّ فی کتاب الأخوّة أنّ عوناً مات عنها، فتزوَّجها أخوه محمّد ثم مات عنها، فتزوجها أخوه عبدالله فماتت عنده». ویؤیده دفنها فی أرض عبدالله بن جعفر فی قریة راویة بالشام. انظر: أعیان الشیعة، والثمر المجنی للبراقیّ، ومعالی السمطین، وأعلام النساء للأعلمیّ، وغیرها.

ص:74

أم الموجود فی بعض روایات الدولابیّ فی «الذرّیة الطاهرة» : «فتزوجها عبدالله بن جعفر ومات عنها»((1)) .

فلو کان عبدالله قد مات عنها وهی حیّة ، وهو الذی «توفی بالمدینة سنة ثمانین - وهو ابن تسعین سنة - وقیل : إنّه تُوفّی سنة أربع أو خمس وثمانین - وهو ابن ثمانین سنة - والأوّل عندی أَولی ، وعلیه أکثرهم أنّه تُوفّی سنة ثمانین ، وصلّی علیه أبان بن عثمان وهو یومئذ أمیر المدینة((2))» ، فمعناه أنّها عاشت عدة عقود بعد وفاتها وصلاة سعید بن العاص أو ابن عمر علیها !! إنّها مهزلة حقّاً !

نعم ، أراد بعض المؤرّخین ((3)) أن یصحح تلک التناقضات وأن یخرج بحلٍّ للمشکلة ، وذلک بقوله بطلاق عبدالله بن جعفر لزینب ثم تَزوُّجه بأختها أمّ کلثوم من أمّ ولد - أو من فاطمة الزهراء علیه السلام - .

والکلام الأخیر یستحیل تصدیقه ، لأنّ الطلاق یأتی غالباً لوجود عیب فی الزوجة ، أو عدم توافق بین الزوجین ، فلا یُتصَوَّر الطلاق فی زینب عقیلة الهاشمیّین ؛ لمکانتها الاجتماعیّة والمعنویّة ، خصوصاً وأنّ الطلاق أبغض شیء عند الله وأنّ العرش لَیهتزّ منه .

بل لِمَ یطلّق عبدالله بن جعفر ابنة عمّه ؟ هل لوجود نقص فیها ؟ أو لعدم التفاهم بینهما ، أو طلباً لزوجة أخری ؟!


1- الذریّة الطاهرة: 92 و 163/ ح 81 و 217، تهذیب الأسماء للنوویّ 2: 353 فی ترجمة فاطمة الزهراء علیها السلام / الرقم 755.
2- الاستیعاب 3: 881، وأُسد الغابة 3: 135.
3- جمهرة أنساب العرب: 38، أنساب الأشراف 1: 402.

ص:75

فالزواج بغیرها والإتیان بضرّة لزینب هو أقرب إلی العقل من طلاقها ، لأنّ العرف القبلیّ لا یرضی الطلاق بین أبناء العمومة ، وإن کان حلالاً ، خصوصاً مع وجود عمّه علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، وابنَی عمّه سبطَی رسول الله الحسن والحسین علیهما السلام .

یُذکَر أنّ الدکتورة عائشة بنت الشاطئ قد توجّهت إلی هذه الإشکالیّة وسَعَت فی حلّها ، فبعد أن ذکرت أسماء عدّة زوجات لعبد الله بن جعفر ، قالت :

... فهل امتُحِنَت العقیلة الهاشمیّة بهؤلاء الضرائر وهی فی بیت زوجها عبدالله بن جعفر ؟! ...

ونسأل کتب التاریخ والتراجم ، هل کان شیء بین الزوجین ؟ أمّا کتب التاریخ فتصمت عن زینب حتّی یأتی دورها فی مأساة کربلاء .

وأما کتب التراجم فتجیب عن السؤال بخبر قصیر عابر ، رواه العبیدلیّ النسّابة فی کتابه «السیّدة زینب وأخبار الزینبیات» عند حدیثه عن زینب الوسطی بنت الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام ، قال : وهی المعروفة بأمّ کلثوم تزوّجها عمر بن الخطّاب صبیّةً صغیرة ، ولما قُتل أمیر المؤمنین عمر تزوّجت بعده محمّد بن جعفر بن أبی طالب فمات عنها ، فتزوجها عبدالله بن جعفر وکان زواجه بها بعد طلاقه لأختها زینب الکبری ، فماتت عنده . إلی أن تقول بنت الشاطئ :

... ومتی تمزّق الشمل بالطلاق ؟ أسئلة لا تملک أن نجیب عنها بخبر یقین مع صمت المؤرّخین وشُحّ المرویّات ... ((1)) .


1- موسوعة آل النبیّ لبنت الشاطئ: 661.

ص:76

فنحن لو تنزّلنا وأردنا أن نصحّح الروایات العامّیّة علینا القول بأنّ زواج عبدالله بن جعفر من أُمّ کلثوم إبنة فاطمة کان بعد وفاة أُختها زینب لا قبله ، فیکون تاریخ هذاالزواج حسب نصوصهم بعد وفاة أُمّ کلثوم ابنة فاطمة وابنها المزعوم زیداً بثمان سنوات !!

لأنّ زینب الکبری کانت قد تُوفِّیت سنة 62 ، وأمّ کلثوم کانت قد ماتت وصُلِّی علیها فی سِنی ولایة سعید بن العاص علی المدینة ، أی بین سنة 42 - 54 ه- ، فلو قَبِلنا صلاته علیها فی آخر سنة من ولایته ، أی فی سنة 54 ، فیکون عبدالله بن جعفر قد تزوّجها بثمان سنوات بعد وفاتها !! أو أکثر من ذلک کما یُفهَم من نصّ «الاستیعاب» و«أُسد الغابة» الآنف .

وحتّی لو قلنا بأنّ سعید بن العاص صلّی علیها بعد انتهاء إمارته وولایته علی المدینة ، وقبل موته سنة 59 ه- ، فیکون معناه أنّ عبدالله بن جعفر قد تزوّجها بعد وفاتها بثلاث سنین !

أمّا لو اعتبرناها قد عاشت إلی ما بعد واقعة الطفّ ، فلا یمکن لسعید ابن العاص أن یکون قد صلّی علیها ، لأنه کان قد مات - فی سنة 59 - أی قبل واقعة الطفّ سنة 61 ه- بعامین .

بل کیف یمکن الاطمئنان إلی خبر صلاة سعید بن العاص علیها ، وفی القوم الحسن والحسین ؟ وهما کانا یشکّان فی دین سعید وعدالته ، بل کیف یتطابق ذلک مع ما رواه عبدالرزّاق بن همام فی مصنَّفه :

«فبلغنی أنّ عبدالملک بن مروان (65 - 86 ه-) سمَّهما (أی سَمَّ أُمّ کلثوم وابنها زیداً) فماتا ، وصلّی علیهما عبدالله بن عمر

ص:77

، وذلک أنّه قیل لعبدالملک : هذا ابن علیّ وابن عمر ، فخاف علی ملکه فسمَّهما» ((1)) .

فهل الذی صلّی علیها هو سعید بن العاص فی عهد معاویة ، أم ابن عمر فی عهد عبدالملک ؟! وسعید کان قد مات سنة 59 ه- ، والإمام الحسن علیه السلام سُمَّ سنة 50 ه- ، والإمام الحسین علیه السلام استشهد سنة 61 ه- ، فکیف یمکن التوفیق بین خبر «المصنَّف» وسمّ عبدالملک لهما وما جاء فی خبر صلاة سعید بن العاص علیها ، وغالب من ادُّعی حضورهم الصلاةَ علی جنازة أمّ کلثوم کانوا قد ماتوا قبل تاریخ حکومة عبدالملک بن مروان ؟! فأیّ الخبرین یمکن أن یُعتمَد إذن ؟

والعجیب أن نری ابن الکازرونیّ (ت 697 ه-) یقول بشیء لم یقله أحد من قبل ، وهو موت أُمّ کلثوم عند عمر ، أی قبل سنة 23 ه- ((2)) ، لقوله :

«وتزوَّج [عمر] أُمّ کلثوم بنت علیّ ، وأصدقها أربعین ألف درهم ، فولدت له فاطمة وزیداً وماتت عنده» .

فلو قلنا بأنّ عمر بن الخطّاب کان قد تزوّجها فی سنة 17 وهی صغیرة وأولدها زیداً ورقیّة وفاطمة ، فتکون ولادة زید بن عمر - الابن الأکبر لها – قد ولد قبل سنة 20 ه- یقیناً ، وأنّ هذا الأخیر قد عاش حتّی ولایة سعید بن العاص علی المدینة - بین 42 إلی 54 ه- - ومعناه : أنّ سعیداً صلّی علی رجلٍ ،


1- مصنَّف عبدالرزّاق - نکاح الصغیرین 6: 163 / ذیل الحدیث 10354.
2- وهی السنة التی قُتل فیها عمر.

ص:78

لا علی غلام أو صبی کما فی بعض تلک الأخبار .

وحتّی أنّهم لو أرادوا أن یخالفوا ما فی کتبهم ویستدلّوا بما جاء فی بعض کتب الشیعة((1)) فهو الآخر لا یفیدهم ؛ لورود إشکالات کثیرة علیه ، منها بقاء الإشکال الأوّل یتراوح فی محلّه ، لأنّ مروان بن الحکم وَلیَ المدینة أیّام معاویة ، ومعناه وفاتها فی عهد معاویة ، وهذا لا یتطابق مع قول الشیعة الآخر القائل بحیاتها إلی ما بعد شهادة شقیقها الإمام الحسین علیه السلام فی الطفّ.

إنّ روایات وفاة أُمّ کلثوم إبنة فاطمة وصلاة سعید بن العاص أو ابن عمر أو مروان بن الحکم علیها ، وما یأتی من عدد التکبیر علی جنازتها ، وجنازة ولدها زید ، ثمّ نقل الإمام علیّ ابنتَه أُمّ کلثوم ! من دار الإمارة إلی بیته للأخذ بعدّة المتوفَّی عنها زوجُها فی ذلک البیت الطاهر ، وما شابه ذلک . . کلّها تخالف النصوص الأُخری الدالّة علی حیاتها وحضورها فی واقعة الطفّ ، ومواقفها وخُطبها .

فالتی حضرت واقعة الطف کانت شقیقة الإمام الحسین علیه السلام ، وهی غیر زینب الکبری ، علی وجه القطع والیقین عندی ، نعم قد تکون هناک أمّ کلثوم ابنة علیّ أخری من أمّ ولد أیضاً ، لکنّ هذا لا یمانع من کون الأُولَیان شقیقتَیِ الإمام الحسین علیه السلام هما صاحبتا المواقف ، نکتفی هنا بنقل نَصَّینِ دالَّین علی أنّ


1- کما فی «الجعفریّات الاشعثیّات: 228» بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبیه: «لمّا تُوفیت أُمّ کلثوم بنت أمیرالمؤمنین خرج مروان بن الحکم وهو أمیر یومئذ علی المدینة، فقال الحسین: لولا السنّة ما ترکته یصلّی علیها»، ومعناه أنّه لم یکن فی ولایة سعید علی المدینة، بل فی ولایة مروان بن الحکم.

ص:79

أمّ کلثوم وزینب هما شقیقتاه لا أختاه فقط :

ففی کتاب «الفتوح» لابن أعثم : وجلس الحسین وأنشأ یقول :

یا دهرُ أفٍ لک مِن خلیلِ کم لک بالإشراقِ والأَصیلِ

من طالبٍ وصاحبٍ قتیلِ وکلُّ حیٍّ سالکٌ سبیلی

ما أقربَ الوعدُ مِنَ الرحیلِ

وإنَّما الأَمْرُ إلی الجلیلِ

فسمعت ذلک أُختُ الحسین زینبُ وأُمّ کلثومٍ فقالتا : یا أخی ، هذا کلامُ مَن أیْقَنَ بالقتلِ !

فقال : نعم یا أُختاه .

فقالت زینب : واثُکْلاه ، لیتَ الموت أعدمنی الحیاة ! ماتَ جدی رسول الله صلی الله علیه و آله ، ومات أبی علیّ ، وماتت أُمی فاطمة ، وماتَ أخی الحسن علیهم السلام ، والآن یَنْعی إلیَّ الحسینُ نفسَه . قال : وبکتِ النسوةُ ولطمْنَ الخدود ، قال : وجعلت أُمّ کلثوم تُنادی : واجَدّاه ، وا أبی علیّاه ، وا أُمّاه ، واحسناه ، واحُسیناه ، واضیعتنا بعدک ، وا أبا عبدالله ! فعذلها الحسینُ وصبرّها وقال لها : یا أُختاه ، تَعزَّی بعزاءِ الله ، وارْضَی بقضاءِ الله ...((1)) .

فإذا کانت أمّ کلثوم هی أخت الإمام الحسین من أمّ ولد ، فکیف تنادی : «وا جدّاه» «وا أمّاه» ، فإنّ نداءها لجدّها رسول الله ولأمّها الزهراء یشیر إلی أنّها شقیقته لا أخته من أبیه فقط .


1- الفتوح لابن أعثم 3: 84، وانظر: مقتل الحسین للخوارزمیّ 1: 238.

ص:80

وقد جاء فی نصٍّ آخر قولُها لشمر : فمن أین مِثلُ جَدّیَ المصطفی ؟ وأبی علی المرتضی ، وأمّی فاطمة الزهراء ! ((1))

نعم إنّ بعض النصوص لیس فیها دلالة واضحة علی کونها شقیقة الإمام الحسین ((2)) . لکنّ نصوصاً أخری أکّدت ذلک .

فإذا کانت أمّ کلثوم هی شقیقة الحسین علیه السلام فلا یتّفق مع موتها فی عهد معاویة وصلاة سعید بن العاص علیها ، إذن هی أمّ کلثوم أخری((3)) ، وهذا الاختلاط بینها وبین نساء من اهل البیت یُفهَم من کلام ابن عساکر فی «تاریخ مدینة دمشق» حیث قال عند ذکره لمساجد دمشق :

مسجد راویة : مسجد علی قبر أمّ کلثوم ، وهی لیست بنت رسول الله التی کانت عند عثمان ، لأنّ تلک ماتت فی حیاة النبیّ ودُفنت بالمدینة ، ولا هی أمّ کلثوم بنت علی من فاطمة التی تزوجها عمر بن الخطّاب ، لأنّها ماتت هی وابنها زید بن عمر بالمدینة فی یوم واحد ودُفنا بالبقیع .

وإنّما هی امرأة من أهل البیت ، سُمِّیت بهذا الاسم ، ولا یُحفَظ نسبها ، ومسجدها هذا بناه رجل قرقوبیّ من أهل حلب ... ((4)) .


1- ذریعة النجاة للگرمارودیّ: 220.
2- انظر: مختصر تذکرة القرطبیّ: 120، الفتوح لابن أعثم 5: 120، بلاغات النساء 40: 23، التذکرة الحمدونیّة 6: 264 / الرقم 632، النهایة فی غریب الحدیث 3: 422.
3- سنوضّح - لاحقاً - بأنّ المتوفّاة فی عهد معاویة هی أمّ کلثوم بنت جرول زوجة عمر لا ابنة الإمام علی علیه السلام وهذه قد تکون المعنیة فی کلّ هذه القضیة، ثمّ قد لبسوا الأمر بینها وبین ابنة علی لاحقاً.
4- تاریخ مدینة دمشق 2: 309 - 310.

ص:81

إذن وقوع زواج عمر من ابنة فاطمة الزهراء لیس بثابت قطعی ، بل هو مشکوک فیه ، لأنّ التی یدّعون زواج عمر منها قد تُوفّیت فی المدینة وصلّی علیها ابن عمر ، أو سعید بن العاص ، أو مروان بن الحکم فی عهد معاویة بن أبی سفیان ودُفنت فی البقیع بحسب کلام ابن عساکر وغیره ، وهذا لا یتّفق مع حضورها مع الإمام الحسین فی کربلاء ومناداتها جدَّها رسولَ الله بقولها : وا جدّاه ، وفاطمة الزهراء ؛ وا أُماه ، وکون قبرها فی الشام والتی فیها مزرعة عبدالله بن جعفر زوج زینب ، أو فی مصر ... وما شابه ذلک.

کما أنه لا یوافق مواقفها وخطبها من بعد الحسین علیه السلام حتّی تزویجها بابن عمها عبدالله بن جعفر - بعد وفاة عقیلة الهاشمیّین زینب الکبری فی سنة 62 ه- أو ما بعده کما یقولون - وبذلک یکون هذا الزواج هو لغزاً حقّاً ، ولا یُفتَح إلّا بعد بحثٍ مضنٍ !

إلّا أن نقول : بأنّ المتوفاة کانت زوجة عمر حقّاً وأنّها أمّ زید بن عمر ، لکنّها لیست ابنة فاطمة ، بل هی أمّ کلثوم بنت جرول - زوجة عمر فی الجاهلیّة - والتی ماتت مع ابن لها فی یوم واحد فی عهد معاویة ، فاستغلّوا موتها وموت ابن لها لهدف سیاسی ثمّ نسبوا ذلک إلی ابنة الإمام علی علیه السلام .

والأعجب من کلّ ذلک أن نری عطاء بن السائب - المولود بعد وفاتها ، والمتوفّی سنة 136 ه-((1)) - یروی عن أُمّ کلثوم هذه الروایة مباشرة.

ففی «مصنَّف» ابن أبی شیبة : عن سفیان الثوریّ ، عن عطاء


1- تهذیب الکمال 20: 93.

ص:82

بن السائب ، قال : أتیتُ أُمّ کلثوم بنتَ علیّ بشیء من الصدقة ، فردَّتْها وقالت : حدّثنی مولیً للنبیِّ صلی الله علیه و آله - یُقالُ له مهران - أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال : إنّا آلَ محمّد لا تَحِلُّ لنا الصدقةُ((1)) .

أجل ، إنّ عطاءً جاء لیرسّخ لقاءه بأمِّ کلثوم عن طریق حفید رسول الله الإمام الباقر ، ومعنی کلامه أنّ أُمّ کلثوم کانت قد عاشت إلی سنة 130 تقریباً وهو خبر عجیب غریب .

وجاء قریب من ذلک فی «معجم الصحابة» و«المعیار والموازنة» بإسنادهما عن عطاء ، أنّه قال :

أَوصی إلیّ رجل من أهل الکوفة فی ترکته ، وذکر أنّه مولیً لآل علیّ بن أبی طالب ، فقَدِمتُ المدینة ، فدخلت علی أبی جعفر محمّد بن علیّ ، فقال : ما أعرفه . ودَلَّنی علی أُمّ کلثوم بنت علیّ ، فإذا عجوز علی سریر فی بیت رثّ ، فإذا فی البیت سقاءٌ معلَّق ، فجعلت أقلِّب بصری فی البیت ، فقالت : یا بُنیَّ لا یَحْزنْک ما تری ، فأنا بخیر ، قلت : أوصی رجل إلیّ بترکته وذکر أنه مولی لکم .


1- مصنَّف ابن أبی شیبة 2: 429 / الرقم 10710، مسند أحمد بن حنبل 3: 448 / الرقم 15746، المعجم الکبیر 20: 354 / الرقم 837، السنن الکبری 7: 32 / الرقم 13024، تاریخ مدینة دمشق 4: 284، شرح مشکل الآثار 11: 211 / الرقم 4391، مجمع الزوائد 3: 89، شرح معانی الآثار 3: 282، الاستیعاب 4: 1486 / الرقم 2577، البدایة والنهایة 5: 341. وقد یمکن أن تُقرأ: أُتِیَتْ، لکن بقرینة الروایة الثانیة نقرأها: أتیتُ.

ص:83

قالت : ما أعرفه ، وإنّ مولیً لنا یقال له هرمز أو کیسان أخبرنی أنّ رسول الله قال : یا کیسان ، إنّ آلَ محمّد لا یأکلون الصدقة ، وإنّ مولی القوم من أنفسهم ، فلا تأکلْه ...((1))

إنّ اختلاف النصوص عن أُمّ کلثوم والتعارض فیما بینها یشکّکنا فی الجزم بوقوع هذا الزواج من عمر وصحّته ، لأنّ الکثیر منها لا یمکن تطبیقها تاریخیّاً مع عمر ، وهی اختلافات جوهریّة فی تاریخ حیاتها ومماتها ، وما نُقل عن سِمات شخصیّتها ، وهی أمور لیست بسیطة حتی یمکن غضّ النظر عنها ، إنّما هی - فی کثیر من الأحیان نراها - وقائع متباینة لا یمکن الجمع بینها تأتی بها للدلالة علی استغلالهم التشابک بین الأسماء والکنی للوصول لما یریدون الوصول ألیه .

إذن ، رغم کلّ الشکوک والملابسات ، فإنّ القوم سعوا فی أن یجزموا بوقوع هذا الزواج من ابنة فاطمة الزهراء ، ذاکرین قضایا کثیرة لتصحیحه ، مع أنّ التاریخ والعقل یشهدان ببطلانها فیه ، أو قُلْ بعدم تطابقها مع نصوص أخری .

حل الإشکالیة

وعلیه ، صحیح أنّ لعلیٍّ بنتین من فاطمة الزهراء باسم : زینب ، الثانیة منها تُکنّی بأمّ کلثوم الکبری ، لکن کیف یمکن جمع هذا القول مع الأقوال الأخری المنقولة عن هاتین الشخصیّتین ، فتارة نری أنّ أمّ کلثوم بنت علیّ وفاطمة موجودة فی الطفّ ، وأخری موتها فی حدود سنة 54 هجریّة ، وفی


1- معجم الصحابة 3: 210 / الرقم 1192، المعیار والموازنة للإسکافیّ: 250.

ص:84

ثالثة نراها هی أکبر من أختها زینب عقیلة الهاشمیین ، وفی رابعة نراها أصغر وعیشها إلی سنة 130 هجریّة ، فکیف یمکن الجمع بین هذه الأقوال إن کانت کلّها تشیر إلی شخصیّة واحدة ؟!

بل کیف یمکن الإجابة علی التساؤلات الأُخری التی قدّمناها وسنقدّمها بعد قلیل ، مع وجود بنات أخری لعلیٍّ بن أبی طالب من أمّهات شتّی مسمَّیات ب- (زینب الصغری) و (أمّ کلثوم) علی وجه التحدید ؟!

وسؤالنا هو : هل یصحّ وجود بنتین أو ثلاث بنات لعلیِّ بن أبی طالب علیه السلام مُسَمَّیات بزینب ومکنَّیات بأُمّ کلثوم ؟ وإذا صحّ ذلک ، کیف یمکن البتّ فی أنّ التی تزوّجها عمر بن الخطّاب هی ابنة فاطمة لا غیر ؟

بلی ، یمکننا الجمع بین تلک الأقوال ، وذلک بتسمیة زینب الصغری من فاطمة - بزینب الوسطی - لوجود أخت لها أصغر منها من غیر فاطمة علیها السلام تسمی بزینب أیضاً .

وکذا یمکننا أن نسمِّیها بالکبری ، تشریفاً لها ، لأنّها أکبر من أُختها التی هی من أُمّ ولد ، وذلک لجلالة قدرها ، وأنّها البنت الثانیة لفاطمة الزهراء سلام الله علیها .

فتکون زینب بنت فاطمة المکناة بأُمّ کلثوم هی الصغری بالنسبة إلی زینب عقیلة الهاشمیّین علیها السلام ، وکبری بالنسبة إلی أُختها زینب التی هی من أُمّ ولد .

وبهذا یمکننا أن نحلّ الإشکالیّة الموجودة عند بعض المؤرّخین وأصحاب التراجم من ترجیحهم لبعض مشاهد الزینبات علی الأخری ، والقول بأنّ

ص:85

مقام السیّدة زینب بنت فاطمة هو فی مصر ((1)) لا الشام ، أو القول الآخر بأنّ مقام السیدة زینب الذی فی الشام ((2)) هو الصحیح لا فی مصر ((3)) ، فکلا المقامین - فی نظرنا - هما لبنات فاطمة الزهراء علیها السلام ، بفارق أنّ أحدهما لعقیلة الهاشمیّین والأخری لأمّ کلثوم الکبری المسمّاة بزینب الصغری ((4)) ، لأنّ (زینب الصغری) و (أمّ کلثوم) اللاتی من أُمّ ولدٍ هما مدفونتان فی المدینة وخصوصاً الثانیة منها بلا خلاف عند المؤرّخین .

قال السیّد محسن الأمین فی «أعیان الشیعة» :

قال ابن أبی الحدید فی شرح النهج : زینب الکبری وأُمّ کلثوم الکبری ، أُمّهما فاطمة بنت رسول الله ، وأُمّ کلثوم الصغری وزینب الصغری لأُمَّهات أولادٍ شتّی .

وقال الشیخ المفید فی «الإرشاد» عند تعداد أولاد أمیرالمؤمنین علیه السلام : وزینب الکبری وزینب الصغری ، وعد معها غیرها ، ثمّ قال : لأمّهاتٍ شتّی .


1- کما فعله العبیدلیّ النسّابة ( ت 277 ه-) فی کتابه «أخبار الزینبیات»، وهذا الکتاب منسوب إلی العبیدلیّ، ولیس له؛ لقرائن وشواهد موجودة عندنا.
2- وهو ما ذهب إلیه ابن جبیر: 228، وابن بطوطة 1: 61 فی رحلتیهما، وابن الحورانیّ وغیرهم.
3- نفی السیّد جعفر مرتضی کونَ مقام عقیلة الهاشمیّین فی مصر، ثمّ جدّ فی إثبات مقامها فی الشام فی کتابه «زینب ورقیّة فی الشام»، وکذا فعل قبله الشیخ محمّد حسنین السابقی الباکستانی فی کتابه «مرقد العقیلة زینب»، وغیرهما.
4- وقد وضحنا قبل قلیل أنّها الوسطی بالنسبة إلی مَن هی أکبر وأصغر منها .

ص:86

فدلّ کلامه ((1)) علی أنّ المسمّاة بزینب من بنات أمیرالمؤمنین علیه السلام ثلاث : إحداهن تُسمّی زینب الکبری وأمُّها فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله ، واثنتانِ تُسمَّیان بزینب الصغری ، والمائز بینهما أنّ إحدیهما تکنّی أُمّ کلثوم وأمُّها فاطمة أیضاً ، والثانیة لا تکنی بأُمّ کلثوم وأمُّها غیر فاطمة علیها السلام ... وهناک أمّ کلثوم صغری لا تُسمّی بزینب .

ولم یظهر الوجه فی وصف کلٍّ من الزینبَین بالصغری ، فقد یمکن أن یکون وُصِفت الصغری من فاطمة الزهراء بالصغری نسبةً إلی شقیقتها زینب الکبری ، ووُصفت التی لا تُکَنّی أُمّ کلثوم بالصغری بالنسبة إلی وجود أختیها من فاطمة الزهراء علیها السلام : أمّ کلثوم الکبری ، وزینب الکبری علیهما السلام .

أمّا أنّ زینب الصغری المکنّاة بأُمّ کلثوم من فاطمة ، وزینب الصغری التی لا تُکنّی بها ، أیّهما أکبر ؟ لا یفهم من کلامه ، ولعلّهما فی سنٍّ واحدة لاختلاف أُمَّیْهما ((2)) هذا ماقاله السید الأمین.

وعلیه ، لماذا لا تکون أُمّ کلثوم الصغری((3)) التی هی من أُمّ ولد هی التی تزوّجها عمر وهی صغیرة ، وذلک بعد أن بیّنا بأن أُمّ کلثوم الکبری هی التی تزوجها محمّد أو عون ابنا جعفر بن أبی طالب ، لأنّ ابنة فاطمة


1- هذا هو کلام السیّد محسن الأمین، وکأنّه أراد أن یوضّح کلام ابن أبی الحدید من خلال کلام الشیخ المفید.
2- أُنظر کلام الأمین فی «أعیان الشیعة 7: 136» بتصرّفٍ منّا ، وانظر: شرح النهج الحدیدیّ أیضاً 9: 242.
3- تاریخ الطبری 3: 162.

ص:87

کانت کبیرة حین أقدم علیها عمر ولیست بصغیرة ، وذلک لولادتها فی آخر عهد رسول الله صلی الله علیه و آله .

أمّا الصغری من أمّ ولد فکانت صغیرة حقّاً عند خطبة عمر لها فی سنة 17 للهجرة ، أی أنّها فی حدود الرابعة أو الخامسة من عمرها حسبما سیتّضح ذلک لاحقاً .

ولا یخفی علیک أنّ بعض المحقّقین قد أنکر وجود بنتٍ للإمام علیّ علیه السلام تحمل اسم أُمّ کلثوم ، مؤکِّداً أنّها کنیة لزینب الکبری أو الصغری ، أو لرقیّة أو لنفیسة ، حسبما مرّ علیک کلامه فی القول الخامس .

وعلیه ، فإن کانت أمّ کلثوم هی کنیةً لعقیلة الهاشمیّین زینب الکبری ، فقد تزوّجها ابن عمّها عبدالله بن جعفر الطیّار .

و إن کانت لزینب الصغری من فاطمة = أمّ کلثوم الکبری ، فالأقرب أن یکون قد تزوّجها ابن عمّها عون حسبما صرّح به المامقانیّ فی ترجمة عون بن جعفر بالقول :

... وملخّص ما ذکروه أنّ أمّه أسماء بن عُمَیس الخَثْعمیّة ولدته بأرض الحبشة ، وقَدِم به أبوه فی غزوة خیبر ، ولمّا قُتل جعفر ب- «مُؤتة» أمر رسول الله بإحضار أولاده : عبدالله وعون ومحمّد ، وأمر بإحضار حلّاق فأمر بحلق رؤوسهم ثمّ قال : أمّا محمّد فشبیه عمّنا أبی طالب ، وأمّا عون فشبیه خَلقی وخُلقی .

وقالوا أیضاً : إنّ عوناً هذا قد انضمّ إلی عمّه أمیر المؤمنین علیه السلام ، فلمّا بلغ مبلغ الرجال زوّجه أمیرُ المؤمنین زینبَ الصغری

ص:88

المکنّاة بأمّ کلثوم الکبری ، ولازم أمیرَ المؤمنین وانضمّ بعده إلی الحسن ، ثمّ الحسین ولم یفارقه هو وزوجته حتّی وردوا کربلاء ، فاستأذن وبرز وقَتل جمعاً من القوم ثمّ قُتِل ، وکان له من العمر یومَ قُتل ستٌّ أو سبعٌ وخمسون سنة - علی ما ذکروا - رضوان الله علیه((1)) .

وقال الدولابیّ فی «الذریّة الطاهرة» بأنّ أمّ کلثوم تزوّجت بعد عون محمّد بن جعفر ، وأولدها بنتاً سُمِّیت بنبتة((2)) .

وإن کانت کنیة لزینب الصغری((3)) التی هی من أُمّ ولد ، فقد تزوّجها محمّد ابن عقیل ، ثم خلف علیها أحد ابناء عمومتها أیضاً کُثَیر بن العباس((4)) بعد محمّد بن عقیل ((5)) .

وإن کانت لرقیة أو نفیسة ، فقد تزوَّج رقیّةَ : مسلمُ بن عقیل ((6)) ، وتزوَّج


1- تنقیح المقال 2: 355 - ط القدیمة.
2- الذریّة الطاهرة: 163 / ح 218.
3- وإن لم یقل أحد بذلک ، لکنّنا تنزّلنا وقلنا بهذا الاحتمال -أن تکون هذه مکناة بأم کلثوم- للارتقاء بالبحث علمیّاً.
4- نسب قریش 2: 45، مع التنویه علی أن الزبیریّ قال فی 2: 41 عند ذکر وُلد الإمام علیّ ابن أبی طالب: «وأمّ کلثوم الکبری ولدت لعمر بن الخطاب، وأمّهم: فاطمة بنت النبیّ»، وهذا یعنی أنّهما اثنتان عنده.
5- أنساب الأشراف 2: 414.
6- أنساب الأشراف 2: 213، وقال صاحب العمدة: 32 حمیدة بنت مسلم بن عقیل وأمّها أمّ کلثوم بنت علیّ.

ص:89

نفیسةَ : عبدالله بن عقیل ((1)) ، ولیس فی أزواج هؤلاء مَن سُمّی بعُمر .

إلّا أن نقول بأنّ المتزوَّج بها هی أمّ کلثوم الصغری ابنة الإمام علیّ من أم ولد ، وهذه هی التی خطبها وعمرُها کان ما دون الخامسة ، فأخذها إلی دار الإمارة کی تعیش عنده .

فلا أدری کیف یجزم علماء القوم - بعد کلّ هذا الاضطراب والخلط - بوقوع هذا الزواج من ابنة فاطمة وعلیّ علیهما السلام لا غیر، مع أنّهم یرون بنات علی یُزَوَّجْنَ الواحد بعد الآخر لأولاد جعفر وأولاد عقیل والعباس ، وهو یتطابق مع قول رسول الله صلی الله علیه و آله لمّا نظر إلی أولاد علی وجعفر فقال : بناتنا لبنینا ، وبنونا لبناتنا ((2))، وقول الإمام علیّ علیه السلام : حبستُهنّ لأولاد أخی جعفر.

کما یظهر من خلاله سبب افتعال القول بشهادة محمّد وعون ابنَی جعفر بتُستر فی أیام حکومة عمر .

فإنّهم اختلقوا هذه الشهادة لکی یصرفوا أنظار المؤرّخین والباحثین عن ابنَی عمِّها ، ویوجّهوا الأنظار إلی عمر بن الخطّاب .

فهذه الإشکالیّات وأمثالها هی التی دعتنا أن نصف هذا الزواج بأنّه «زواج لُغز» ؛ لأنّه یفتقر إلی الموضوعیّة ، ویحتاج إلی الشمولیّة فی البحث والتحقیق فیه .

هذا ، ونحن من خلال ما قدّمناه وسنقدمه من نصوص سنقف علی


1- المجدی: 18، وفی أنساب الأشراف 2: 415: «نفیسة تزوجت تمام بن عباس بن عبدالمطلب». إشارة إلی تزوجها بأبناء عمومتها لا غیر.
2- من لا یحضره الفقیه 3: 393 / ح 4383.

ص:90

ملابسات کثیرة أخری فی هذا الأمر ، کما سنری الاختلاط واضحاً بیّناً بین الأسماء والکنی بشکل لا غبار علیه فی هذه المسألة وما یشابهها من المسائل المشترکة .

نعم ، قد یُؤتی ب- «أُمّ کلثوم» بدلاً عن زینب فی نصٍّ دلالةً علی اشتراکهما((1)) ، وقد یُؤتی بهما معاً فی نصٍّ آخر دلالةً علی افتراقهما ((2)) .

وقد تشاهد أُمّ کلثوم فی بعض النصوص بأنّها أکبر من الإمامین الحسن والحسین

علیهما السلام ، خلافاً للمشهور والثابت((3)) عند المؤرّخین والنسّابین .

وقد تلاحظ شیئاً آخر فی نصوص رابعة وخامسة ... کلُّ هذه الأُمور تجدها فی کتب التاریخ والحدیث وفی البحثین الفقهیّ والعقائدیّ من کتابات المسلمین ، ممّا یخرجها عن کونها مسألة ثابتة مسلَّمة لا یمکن الخدش فیها .


1- سیأتی ذکرنا لتلک النصوص عند عرضنا لسیرة أمّ کلثوم بعد قلیل.
2- فقد یکون هذا هو ما عناه ابن حجر فی «فتح الباری» والعینی فی «عمدة القاری 14: 167»، إذ قال ابن حجر العسقلانیّ الشافعیّ فی «فتح الباری 6: 80»، و«الاصابة 8: 293 / ح 12233»، و«الإیثار بمعرفة الآثار: 211»: وکانت قد وُلِدت [أمّ کلثوم] فی حیاته صلی الله علیه و آله وهی أصغر بنات فاطمة علیها السلام ، وفی «شرح الزرقانیّ 3: 128»: (وأُمّ کلثوم وُلدت قبل وفاة جدّها) تمییزاً لها عن أختها زینب التی وُلدت فی السنة السادسة للهجرة.
3- کما نراه فی خبر «علل الشرائع 1: 185 / ح 2» بأنّ الزهراء حملت الحسن علی عاتقها الأیمن والحسین علی عاتقها الأیسر وأخذت بید أُمّ کلثوم الیسری بیدها الیمنی، ثمّ تحوّلت إلی حجرة أبیها... ومعنی هذا الخبر أن أُمّ کلثوم هی أکبر من الحسن والحسین لحملهما علی عاتقها وأخذها بید أُمّ کلثوم، فی حین أنّ الصحیح هو ما جاء فی «العلل أیضاً 1: 186»: فحمل النبیّ الحسنَ، وحمل الحسینَ علیٌّ، وحملت فاطمةُ أُمَّ کلثوم، وأدخلهم النبیّ بیتهم، ووضع علیهم قطیفةً واستودعهم الله... کما أنّک ستری بعد قلیل فی کلام الإیجی قریباً من هذا، فانتظر.

ص:91

وإنا جئنا - فی هذه الدراسة - بمُجمل تاریخ أُمّ کلثوم بنت فاطمة فی کتب الحدیث والتاریخ والفقه ، لنؤکّد علی إمکان وقوع الاختلاط والتشابک فیما یُنقَل عن حیاتها ، واحتمال تعارض کُلّ نصٍّ منها مع نصوص أخری موجود فی کتب التاریخ والحدیث أیضاً ، فالنصوص العامیّة تدلّ علی شیء والنصوص الشیعیّة تدلّ علی شیء آخر :

فالنصوص الشیعیّة تدلّ علی وجودها فی مأساة کربلاء ومرافقتها لأخیها الحسین من البدایة حتّی النهایة .

وإنّ ثبوت وجودها فی الطفّ یتقاطع مع ما قالوه فی کتب أهل السنة والجماعة من أنّها ماتت وابنٌ لها فی زمان معاویة بن أبی سفیان ، وصلّی علیهما سعید بن العاص((1)) أو ابن عمر ((2)) .

کما أنّ ما قالوه حول تزویج أمّ کلثوم بعون ومحمّد ابنَی جعفر بعد عمر ، لا یتّفق مع ما قالوه فی شهادتهما بتُستَر أیام حکومة عمر بن الخطّاب ، إلی غیرها من الأقوال المتضاربة المنقولة عنها فی کتب التاریخ .

إذن ، فدراسة موضوعٍ شائکٍ کهذا لا یمکن الخروج منها بنتیجة إلّا بعد


1- المدونة الکبری 1: 182، مصنَّف عبدالرزّاق 3: 465 / ح 6337، طبقات ابن سعد 8: 465، مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 197 / ح 8، سنن النسائی 4: 71، 72، سنن الدارقطنی 2: 66.
2- مصنَّف عبدالرزّاق 6: 164 / ح 10354، طبقات ابن سعد 8: 464، مسند أبی الجعد: 98، 114، مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 198 / ح 14، السنن الکبری للبیهقی 4: 33 و 38، معرفة السنن والآثار 3: 162.

ص:92

نقل الأقوال موضوعیّاً ، ثمّ الدخول فی مناقشتها ، وسیتّضح حقیقة الأمر لو تجرَّدْنا من القناعات المسبقة ، وأعطینا الموضوع حقّه من خلال إطلالة حقیقیة علی حیاة الزوجین المفترضین !! - أُمّ کلثوم الإمام بنت علی علیه السلام ، وعمر بن الخطّاب - وتصویر شخصیّتَیهما کما هی ، وهل هما یتکافآ من حیث العمر والنسب والقبیلة والأخلاق ، أم لا ؟

بل هل هما یتکافآ من حیث الشکل والجمال والقبیلة والنسب ، أم لا ؟ بل ما هی الضوابط الشرعیّة التی یجب مراعاتها فی أیّ زواج ؟ وهل طُبّقت فی مثل هذا الزواج ، أم لا ؟

وهل سیرة عمر بن الخطّاب تجانس وتقارب سیرة أمّ کلثوم ، أم لا ؟

وکیف حال المرأة فی الإسلام ، هل علیها القبول بما یُفرض علیها قسراً وإجباراً ، أم لها الحقّ فی بیان رأیها ؟

ألم یکن الخُلق وَالدِّینِ هما المعیارَین الأساسیَن فی الزواج لقوله صلی الله علیه و آله : إذا جاءکم مَن تَرضون خُلقَه ودِینَه فزوّجوه ؟

وهل ما ذُکر من مواصفات خُلقیّة لعمر ، یتّفق مع ما ذکر من خُلق أمّ کلثوم ونفسیّتها ؟ وهل تلک الصفات التی ذُکرت فی بعض الکتب التراثیّة عن عمر هی صحیحة أم باطلة ؟ ولو صحّت ، فهل تُعجِب الشابّة (أمّ کلثوم) أم لا ؟

فالمرأة - فطریّاً - یعجبها من الرجل ما یعجب الرجل من المرأة ، وهذا أصل عقلیّ وشرعیّ وفطریّ ، یجب أن یلحظ فی التکافؤ فی الزواج ، وقد جاء عن عمر

ص:93

قوله : لا تُکرِهوا فتیاتکم علی الرجل القبیح ، فإنّهن یُحبِبْن ما تحبّون ((1)) .

وعنه أیضاً : یعمد أحدکم إلی بنته فیزوّجها القبیح ، إنّهنّ یُحبِبن ما تحبون . یعنی إذا زوّجها الذمیم کرهت فی ذلک ما یکره ، وغضبُ الله فیه((2)) .

فهذه القاعدة الفطریّة والعقلیّة مهمة فی تحکیم الزواج ، والإسلام یدعو إلیها ، لکنّها لا تتّفق مع ما جاء فی شمائل عمر - أنقلها للقارئ معتذراً لمن یراها إساءة «للخلیفة» - ولا یراها بحثاً موضوعیاً دعانا إلیه هذا البحث الشائک الذی دام عدّة قرون بین الفریقین ویُخشی منه هتک حرمة البیت النبویّ الشریف :

ففی «المنمَّق» : الحُولان من العرب : عمر بن الخطّاب الفاروق ، وأبو لهب بن عبدالمطلب ، وأبو جهل بن هشام ((3)) .

وفی «المحبَّر» : الحولان من الأشراف : الفاروق عمر بن الخطّاب رحمه الله ، أبو لهب بن عبدالمطلب ، أبو جهل بن هِشام ... . ((4)) .

وعن أبی رجاء العُطاردیّ قال : رأیت عمر بن الخطّاب أصلع ، طویلاً ، أحولَ ، ذا سَبَلَة ((5)) . وفی «البدایة والنهایة» : کان عمر أحورَ العینَین ((6)) .


1- عیون الأخبار لابن قُتَیبة 4: 11 - کتاب النساء.
2- مصنَّف عبدالرزّاق 6: 158 / ح 10329، کنز العمّال 16: 587.
3- المنمَّق: 405.
4- المحبَّر: 303.
5- تاریخ مدینة دمشق 44: 18، العقد الثمین 6: 303، تاریخ الخمیس 2: 240.
6- البدایة والنهایة 7: 156.

ص:94

وفی «مجمع الأمثال» : وقیل : دخلت امراة علی عمر بن الخطّاب - وکان حاسر الرأس وکان أصلع - فدُهِشت المرأة ، فقالت : أبا غَفْر ، حَفَص الله لک ! وأرادت أن تقول : أبا حفص ، غفر الله لک . فقال عمر : ما تقولین؟! فقالت : صَلِعتُ من فَرقتِک ! وأرادت أن تقول : فَرِقتُ مِن صلعتک((1)) .

وهذا النصّ یشیر إلی عدم ارتیاح النساء إلی ظاهرة الصلع فی الرجال ، نعم قد یکون فی الرجل الذی یراد الزواج منه شیء یرجح علی ما فیه من نقص ، فترضی به المرأة لتلک الفضیلة ، تبتغی من خلاله وصولاً إلی ذلک الشرف العالی ، لکننا لا نری هذا الأمر متحقّقاً فی زواج عمر بن الخطّاب من أمّ کلثوم ، لأنّها تفوقه فی شبابها وشرف بیتها ، وفی المقابل تری غلظة عمر وکِبره وشدّته مع الناس ، خصوصاً مع النساء ، مع وجود الصلع والحَوَل فیه - کما مرّت علیک فی تلک الأخبار - ، وعمر یصرّح بأنّه یرجو بزواجه منها الشرف والقرابة إلی رسول الله ، لا أن تزداد هی شرفاً إلی شرفها ، فوجود کلّ هذه النقاط فی عمر هی مُبعِدة عن زواجه بأمثال أمّ کلثوم .

وفی «الفائق» و«الطیوریات» : عن أبی عمر بن العلاء ، قال : کان عمر أصلعَ لم یبقَ مِن شعره إلّا حفاف ، وهو أن یبقی منه کالطُّرّة حول رأسه ((2)) .


1- مجمع الأمثال 1: 188.
2- الطیوریّات 3: 1275، والفائق فی غریب الحدیث 1: 259.

ص:95

وعن زَرّ بن حبیش قال : خرج أهل المدینة فی مشهدٍ لهم ، فإذا أنا برجل أصلع أعسر أیسر قد أشرف فوق الناس بذراع ... . فقلت : مَن هذا ؟! قالوا : عمر بن الخطّاب((1)).

وقد جاء عن أبی العیناء أنّه رأی المأمون العباسیَّ مغتاضاً وهو یقول : مُتعتان کانتا علی عهد رسول الله وأنا أنهی عنهما ! ومن أنت یا جُعَل حتّی تنهی عمّا فعله رسول الله وأبو بکر ؟!((2))

وفی بعض النصوص أبدلوا جملة «ومَن أنت یا جُعَل ؟!» ب- «ومن أنت یا أحول ؟!» ؛ لثبوتها عندهم فی نصوص أخری((3)) .

وقد أخرج الطبرانیّ عن زید بن أسلم عن عامر بن عبدالله بن الزبیر : أنّ عمر بن الخطّاب کان إذا غَضِب فتلَ شاربه ونفخ ((4))، وکانت سَبَلَته کثیرة الشعر من أطرافها صهبة((5)).


1- المعجم الکبیر 1: 65 / ح 51، مجمع الزوائد 4: 34
2- تاریخ أبی الفداء 1: 353، وَفَیات الأعیان 6: 150، مرآة الجنان 2: 137، الشعور بالعور للصفدیّ: 239. وانظر فی مُدّعیات ابن أکثم مناظرة الشیخ المفید مع شیخ من الاسماعیلیّة فی «الفصول المختارة: 158 - 162»، وما قلناه هو موجود فی کتابنا «التسمیات: 226» فراجع.
3- أُنظر: تاریخ بغداد 14: 199، تاریخ مدینة دمشق 64: 71، تهذیب الکمال 31: 214، المنتظم 11: 315، طبقات الحنابلة 1: 314.
4- المعجم الکبیر للطبرانیّ 1: 66 / ح 54، تاریخ المدینة 3: 839 وفیه: إنّ ناساً من بنی ثعلبة أتَوا عمر فی أرض لهم... وجعل یفتل شاربه، وکان یفعل ذلک إذا هَمّ.
5- الاستیعاب 3: 236 / الرقم 1899، تهذیب الکمال 21: 323، الجوهر الثمین: 43، تاریخ مدینة دمشق 44: 17 والسّبَلَة: ما علی الشارب من الشَّعر، أو مقدَّم اللحیة.

ص:96

إلی غیرها من الصفات والشمائل التی لا تحبّها النساء فی الرجال ، ولا تعجبهم نسبتها إلی أزواجهم ونحن ذکرنا لأنّ البحث یقتضی بیان ذلک ولا یجوز الکتمان .

ونحن نعلم بأنّ ذِکر مفردة أو مفردتین غیر کافٍ لإعطاء فکرة شاملة عن «الخلیفة» وصورة عنه فی أمر حسّاس کهذا الزواج ، بل إنّه یحتاج إلی المزید من النصوص قد نعود إلیه لاحقاً((1)) لدی دراستنا لأخلاقیّات الزوجین وبیان سیرتهما فی الحیاة ، وصفاتهما الخُلقیّة والخَلقیّة وهل هما یتجانسان فی لحاظ الفکر والعُمر ، أم لا ؟

نبدؤها أوّلاً بمجمل السیرة التاریخیّة ل- (أمّ کلثوم) !! وهل وقع الخلط بین نصوصها ونصوص من عاصرتهن من النساء بالاسم أو الکنیة ، کخالتها ، أو أختها عقیلة الهاشمیّین ، أو مَن أقدم عمر علی التزوّج - أو الخطبة - منها أم لا ؟

بل کیف یمکن التوفیق بین النصوص السُّنیّة والشیعیّة والخروج برؤیة موحّدة فی هذا الموضوع ؟ نأتی بهذه الأمور ، ثمّ نعقبها ببیان السیرة الذاتیّة لعمر بن الخطّاب ، لیتّضح الموضوع بشکلٍ جلیٍّ متکامل لکلّ ناظر .


1- فی صفحة 137.

ص:97

ص:98

مجمل السیرة الذاتیة لأُمّ کلثوم

أُمّ کلثوم فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله

ذکر المؤرّخون ولادة أُمّ کلثوم بنت فاطمة فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، ففی «الإصابة» : أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب الهاشمیّة ... قال أبوعمرو : وُلدت قبل وفاة النبیّ((1)) .

وفی «الاستیعاب» : قال أبو عمرو : فوَلَدت [فاطمةُ] له الحسن والحسین وأُمّ کلثوم وزینب ، ولم یتزوّج علیٌّ علیها غیرها((2)) .

والمشهور بین المؤرّخین أیضاً أنّ زینب هی أکبر بنات الإمام علیّ علیه السلام ، وأنّ أُمّ کلثوم هی الرابعة من أولاد الإمام من فاطمة، لا ما یُفهَم من کلام أبی عَمرو فی «الاستیعاب» والذی فیه «فَوَلدت [فاطمة] له الحسنَ والحسین وأُمّ کلثوم وزینب» ، أو ما قاله المامطیریّ عن أُمّ کلثوم أنّها : أکبر بناته((3)) .

فقد یکون المامطیریّ عنی بکلامه زینب الکبری عقیلة الهاشمیّین ، لکنّه


1- الإصابة 8: 464، الإیثار بمعرفة الآثار: 211.
2- الاستیعاب 4: 1894 / الرقم 4057 - ترجمة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله .
3- نزهة الأبصار: 143.

ص:99

ذکر کنیتها دون اسمها ، وقد یکون أراد أُختها أمّ کلثوم = زینب الصغری ، فلو أراد الثانیة فهو غیر صحیح عند جمیع الباحثین ، لأنّ زینب الکبری وُلِدت فی السنة السادسة علی أبعد تقدیر ، وأُمّ کلثوم وُلدت قبل وفاة النبیّ بقلیل حسبما جاء فی «الإصابة» وغیره ، أی فی السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة ، فتکون زینب هی أکبر من أُمّ کلثوم بلا شکّ .

ومن عجیب الکلام ما نشاهده فی خبرٍ مرسلٍ نقله فخر الدین الطریحیّ عن سلمان الفارسیّ ، مُلخّصه أنّ أُمّ کلثوم بنت فاطمة هی أکبر من السبطین الحسن والحسین . وهذا الکلام غریبٌ أیضاً لا یمکن الاعتماد علیه . . وإلیک النص :

رُویَ أنّ سلمان الفارسیّ قال : أُهدی إلی النبیّ قُطُفٌ من العنب فی غیر أوانه ، فقال لی صلی الله علیه و آله : یا سلمان ائتنی بولَدَیَّ الحسن والحسین لیأکلا معی من هذا العنب .

فقال سلمان : فذهبتُ أطرق علیهما منزل أُمّهما فلم أرهما ، فأتیت منزل أُختهما أُمّ کلثوم فلم أرهما ، فجئت فخبّرتُ النبیّ بذلک فاضطرب ...((1)) .

والخبر مصحّف یقیناً ، وصحیحه : فأتیت منزل أُختها أُمّ کلثوم - أی أُخت فاطمة ، أمّ کلثوم بنت رسول الله زوجة عثمان بن عفّان - وذلک أنّ فاطمة علیها السلام کانت قد سمَّت ابنتَیها باسم أُختیها زینب وأمّ کلثوم .


1- المنتخب للطریحیّ: 37 - عنه بحار الأنوار 43: 313، مدینة المعاجز للبحرانیّ 3: 290 / ح 60.

ص:100

بلی ، إنَّ الزهراء سمّت بنتیها ب«زینب» و«أُمّ کلثوم» اعتزازاً بأختیها((1)) ، وعملت بسُنّة رسول الله فی المولود من حلق الرأس والتصدّق بوزن شعره فضّة وذبح العقیقة والتسمیة ، وأمثال ذلک .

ففی «الموطّأ» لمالک : عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه أنّه قال : وَزَنت فاطمة بنت رسول الله شَعرَ حسن وحسین وزینب وأُمّ کلثوم فتصدّقت بِزِنة ذلک فضّة((2)) .

وهذا النصّ یؤکّد بأنّ «زینب» هی غیر «أُمّ کلثوم» . ویؤیده ما رواه محمّد بن مروان((3)) وحمّاد بن عثمان قال : قلت لأبی عبدالله : جُعلتُ فداک ، فما معنی قول رسول الله : إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذرّیتَها علی النار ؟ فقال : المُعتَقون من النار هم وُلد بطنها : الحسن والحسین وزینب وأُمّ کلثوم((4)) .

نعم ، جاء اسم «أُمّ کلثوم» وحدها مع أخویها الحسن والحسین فیمن شهد کون فدک نِحلةً من رسول الله لفاطمة ، إذ قال ابن حجر الهیتمیّ


1- فقد رُوی عن رسول الله صلی الله علیه و آله قوله فی العقیلة زینب علیها السلام : أُوصی الشاهدَ والغائب من أُمّتی وأُخبرهم أن یلزموا هذه الصبیّة، لأنّها تشبه خالتها أمّ کلثوم (الطراز المذهَّب: 36).
2- الموطّأ لمالک 2: 501 - کتاب العقیقة، باب ما جاء فی العقیقة / ح 1067، تحفة الأحوذیّ 5: 92، وأبو داوود فی: المراسیل 1: 279 / ح 370، معرفة السنن والآثار 7: 239، الاستذکار 5: 314، شرح الزرقانیّ 3: 128، المجموع 8: 324، والبیهقیّ فی: السنن الکبری 9: 304 / رقم 19079 من حدیث جعفر بن محمّد، وزاد البیهقیّ عن أبیه عن جَدّه.
3- معانی الأخبار: 106 / ح 2 - عنه: بحار الأنوار 43: 231 / ح 3 و 93: 222.
4- معانی الأخبار: 106 / ح 4 - عنه: بحار الأنوار 43: 231 / ح 4.

ص:101

الشافعیّ - وهو بصدد جواب کلام الشیعة - :

وزعمهم أنّ الحسن والحسین وأُمّ کلثوم شهدوا لها ، باطل ، علی أنَّ شهادة الفرع والصغیر غیر مقبولة((1)) .

ومثله قال الإیجیّ فی «المواقف» ، لکنَّ الشریف الجرجانیّ فی شرحه علی «المواقف» خطّأ کلام الإیجیّ مصرحاً بأنّ الصحیح هو أُمّ أیمن ، بدلاً عن أُمّ کلثوم ، إذ قال :

«فإن قیل : ادّعت فاطمة (أنّه) صلی الله علیه و آله (نَحَلها) أی أعطاها فدکاً نِحلةً وعطیّةً ، (وشهد) علیه (علیٌّ والحسن والحسین وأُمّ کلثوم) ، والصحیح أُمّ ایمن ... (قلنا : إنّ الحسن والحسین فللفرعیّة) ؛ لأنّ شهادة الولد لا تُقبل لأحد أبویه وأجداده عند أکثر أهل العلم ، وأیضاً هما کانا صغیرین فی ذلک الوقت ، (وأما علیٌّ وأُمّ کلثوم فلقصورهما عن نصاب البیّنة) ، وهو رجل وامرأتان»((2)) .

فانظر إلی الارتباک والالتباس فی النصّ ووقوع التصحیف فیه بین أُمّ کلثوم وبین أُمّ أیمن حسب نظر الإیجیّ ، وهو غالباً ما یقع بین سُمَّینِ أو کُنینِ بأُمّ کلثوم ، فأین ذهبت السیّدة زینب فی هذین النصّین ، ولِمَ لا نری اسمها ضمن مَن شهد علی کون فدک نحلة لفاطمة ؟!


1- الصواعق المحرقة: 93 وفیه أیضاً: وکان ممّن شهد فی فدک علیٌّ والحسنان وأُمّ کلثوم.
2- انظر: المواقف 3: 298 وشرحه للجرجانیّ 8: 355 / الموقف السادس - المرصد الرابع.

ص:102

وهل من المعقول أن یُؤتی بالبنت الصغری (أمّ کلثوم) وتُترک البنت الکبری (زینب) ؟!

لا یسعنا إلّا أن نقول بأنّ المقصود من أُمّ کلثوم هی زینب الکبری فی هذا الخبر.

أجل قد أکّدنا أکثر من مرّة من لزوم الحیطة والحذر عند نقل الأخبار ، إذ قد تختلط الأسماء بالکنی ، أو تختلط الأسماء والکنی فیما بینها ، وهذا ما یجب علی المحقّق معرفته وتمییزه .

مع التأکید علی أنّ التصحیف بین الأسماء والکنی لم یختص بکتب أهل السنّة فحسب ، فقد وقع التصحیف فی الکتب الشیعیّة أیضاً حسبما وقفت علیه ، وذلک لاشتراک اسم أُمّ کلثوم وکنیتها بین عدة أشخاص من الهاشمیّات وغیرهنّ ممن عاصرتها فی التاریخ ، ووجودهما وحیاتهما فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله ثم من بعده .

فمواقف أُمّ کلثوم ابنة علی وفاطمة علیهما السلام وأقوالها تختلط مع مواقف شقیقتها زینب الکبری فی حیاة أبیها أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب ، وحیاة أخیها الإمام الحسن بن علیّ علیهما السلام ، فتُنسَب أحیاناً خطبة زینب الکبری فی أحداث الطفّ إلی شقیقتها أُمّ کلثوم ، وبالعکس .

فهی علیها السلام کانت مع شقیقها الحسین بن علیّ ، وابن أخیها زین العابدین علیهما السلام وقد جاءت معهم من المدینة إلی مکّة ، ومن مکّة إلی کربلاء ، وأُسِرَت من کربلاء إلی الشام ، ثمّ عادت من الشام مع السبایا إلی المدینة ، فالاختلاط بین أقوال هذه الأخت مع الأخری متصوّر وغیر بعید إذن .

ص:103

خاصّةً مع ملاحظتنا أنّ بنات أمیر المؤمنین وفاطمة علیها السلام لم یکن لهنّ أی حضور بارز وعلنیّ قبل واقعة کربلاء ، ولم یَتسنَّ للأعداء معرفة خصوصیّاتهنّ الظاهریّة ، فقد کنّ یحیط بهنّ جلال البیت العلویّ فی سرادق الخِدر والعفّة ، وکنَّ فی منأیً عن معرفة الرجال الأجانب عنهنّ ، لذا کان من الطبیعیّ جداً عدم تمییز الراوی بینهنّ وعدم معرفته لأشخاصهنّ علی نحو التحدید والدقّة ، فیُنسَب قول هذه إلی تلک وبالعکس .

وعلیه فهما اثنتان لا واحدة ، فکما أنّ ل«زینب» خُطباً فی واقعة کربلاء فإنّ ل«أُمّ کلثوم» أیضاً کلماتٍ ومواقفَ فی لیلة عاشوراء ویومها ، وعند وداع الإمام الحسین ، وحین مشاهدتها رجوع جواد الإمام الحسین بعد المعرکة إلی الخیام ، وغیرها من النصوص ، کلُّها مذکورة فی کتب المقاتل ، وهی تعطینا صورة عنها تؤکّد وجودها إلی ذلک التاریخ ، ومعناه عدم وفاتها فی عهد معاویة بن أبی سفیان کما یرید الآخر أن یصوّره عنها وبذلک تکون المتوفاة هی غیرها حسبما سیتّضح لک لاحقاً .

أُمّ کلثوم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله

روی المجلسیّ عن بعض مصنَّفات أصحابنا خبر المفضّل بن عمر عن الإمام الصادق علیه السلام ، وهو موجود فی «الهدایة الکبری» أیضاً : قال الصادق علیه السلام :

یا مفضَّل ، ونحن بین یَدَی جدّنا رسول الله نشکو إلیه ما نزل بنا من الأمّة بعده ... ثم تبتدئُ فاطمة تشکو ما نالها من أبی

ص:104

بکر وعمر : مِن أخذِ فَدکٍ منها ، وسبِّ عمر لها ، وجمعِ الحطب الجزل علی الدَّار لإحراق أمیرالمؤمنین وفاطمة والحسن والحسین وزینب ورقیّة وأُمّ کلثوم وفضّة ، وإضرامهم النار علی الباب ... وتشکو حمل أمیرالمؤمنین لها فی سواد اللیل والحسن والحسین وزینب وأُمّ کلثوم إلی دُور المهاجرین والأنصار ، یذکّرهم بالله ورسوله ...((1)) .

وهذا النصّ یشیر إلی أنّها کانت حاضرة وموجودة أیّام أحداث السقیفة ، والإمام الصادق وعلی لسان الزهراء علیها وعلیه السلام قد أورد اسمها مع اسم أُختها زینب حینما نقل کلام أمیر المؤمنین بما سیحصل عند رجعة الأئمة علیهم السلام ((2)) .

وذکرها اسمها فی تلک النصوص فی عداد الکبار المدرکین للأحداث ، یعنی أنّها لم تکن صغیرة حینما طلبها عمر ، وذلک لولادتها فی عهد رسول الله ، ووجودها مع أبیها أمیرالمؤمنین وأمها الزهراء علیها السلام فکیف یقول الإمام عنها إنّها صغیرة .

فهل الإمام - والعیاذ بالله - لم یقل الحقیقة حینما قال : إنّها صغیرة ؟ أم أراد بذلک بنتاً أخری کانت له علیه السلام ؟ أو أنّها کانت ربیبة له حسب رأی بعض الأعلام ؟ أو أنّه عنی بأنّها (صغیرة) بالنسبة إلی سنّ عمر بن الخطّاب وعمره ؟


1- بحار الأنوار 53: 19.
2- الهدایة الکبری: 163، إرشاد القلوب للدیلمیّ 1: 129.

ص:105

والأعجب من ذلک ما یُفهَم من بعض الروایات الشیعیّة من أنّها کانت أکبر من الحسنَین ، لأنّ فاطمة علیها السلام أخذت بیدَی أُمّ کلثوم وحملت الحسن علی عاتقها الأیمن ، والحسین علی عاتقها الأیسر ، وذلک فی القصّة المفتعلة علی أمیرالمؤمنین علیه السلام وأکذوبة زواجه من بنت أبی جهل ، ففیه :

فاشتدّ غمّ فاطمة من ذلک ، وبقیت متفکّرةً هی حتّی أمست وجاء اللیل ، حملت الحسن علی عاتقها الأیمن ، والحسین علی عاتقها الأیسر ، وأخذت بید أُمّ کلثوم الیسری بیدها الیمنی ، ثمّ تحوّلت إلی حجرة أبیها ، فجاء علیّ فدخل حجرته فلم یر فاطمة ، فاشتدّ لذلک غمُّه ...((1)) .

فی حین أنّ النصّ جاء فی مکان آخر یخالف ما سبق ، إذ فیه :

ثم أخذ النبیّ بید علیّ فشبک أصابعه بأصابعه ، فحمل النبیّ الحسن ، وحمل الحسینَ علیٌّ ، وحملت فاطمةُ أُمّ کلثوم ، وأدخلهم النبیّ بیتهم ووضع علیهم قطیفةً واستودعهم الله ، ثم خرج وصلّی بقیّة اللّیل ...((2)) .

وفی هذا الخبر الأخیر لم نقرأ اسم زینب ، فأین کانت هی ؟ وهل المقصود من أُمّ کلثوم فی هذا الحدیث هی زینب الکبری ؟ أم هی غیرها ؟ إنّه تساؤُلٌ جدیرٌ بالانتباه له !


1- علل الشرائع 1: 185 - الباب 149 / ح 2.
2- علل الشرایع 1: 186 / الباب 149 ح 3.

ص:106

وجودها عند تغسیل أُمّها

کما أنّها کانت حاضرة مع شقیقتها زینب عند وفاة أمّها ، ففی «دلائل الإمامة» :

فغسّلها أمیرالمؤمنین ، ولم یحضرها غیره والحسنِ والحسینِ وزینب وأُمّ کلثوم وفضّة جاریتها وأسماء بنت عُمَیس((1)) .

وفی «إرشاد القلوب» : ورُویَ أنه لما حضرتها الوفاة قالت لأسماء بنت عُمَیس : إذا أنا متّ فانظری إلی الدار ، فإذا رأیتِ سِجْفاً من سُنْدُسٍ من الجنة قد ضُرِبَ فسطاطاً فی جانب الدار ، فاحملینی وزینب وأُمّ کلثوم فاجعلونی من وراء السجف ، وخلُّوا بینی وبین نفسی .

فلما تُوفِّیت علیها السلام وظهر السِّجف حملتها وجعلتها وراءه ، فغُسّلت وکُفِّنَت وحُنّطت بالحنوط ، وکان کافوراً أنزله جبرئیل من الجنّة فی ثلاث صُرَر ، فقال : یا رسول الله ، ربُّک یقرؤک السلام ویقول لک : هذا حنوطک وحنوط ابنتک وحنوط أخیک علیّ مقسوم أثلاثاً ، وإنّ أکفانها وماءها وأوانیها من الجنّة .

ورُوی أنّها تُوفّیت علیها السلام بعد غسلها وتکفینها وحنوطها ، لأنّها طاهرة لا دنس فیها ، وأنّه لم یحضرها إلّا أمیرالمؤمنین والحسن والحسین وزینب وأُمّ کلثوم وفضّة جاریتها وأسماء بنت عُمَیس ...((2)) .

وفی «روضة الواعظین» : ثم تُوفّیت - صلوات الله علیها وعلی أبیها


1- دلائل الإمامة: 136 - عنه: بحار الأنوار 43: 171 / ح 11.
2- إرشاد القلوب 2: 357 - عنه: بحار الأنوار 30: 347 / ح 164.

ص:107

وبعلها وبنیها - فصاحت أهل المدینة صیحة واحدة ، واجتمعت نساء بنی هاشم فی دارها ، فصرخن صرخة واحدة کادت المدینة أن تُزعزَع من صراخهنّ ، وهُنَّ یَقُلْنَ : یا سیدتاه ! یا بنت رسول الله ! وأقبل الناس مِثلَ عُرْفِ الفرس إلی علیّ علیه السلام وهو جالس والحسن والحسین بین یدیه یبکیان ، فبکی الناس لبکائهما ، وخرجت أُمّ کلثوم وعلیها برُقعةٌ تجرّ ذیلها متجلِّلة برداء علیها تسحبه ، وهی تقول : یا أبتاه ، یا رسول الله ، الآن حقاً فقدناک فقداً لا لقاء بعده أبداً ((1)) .

وفی «بحارالأنوار» - عن «مصباح الأنوار» : عن أبی عبدالله (الصادق) ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : إنّ فاطمة علیها السلام [لما حین] احتضرت أوصت علیاً علیه السلام فقالت : إذا أنا متّ فتولّ أنت غسلی وجهّزنی وصلِّ عَلَیّ ، وأنزلنی قبری وألحدنی ، وسوِّ التراب عَلَیّ ، واجلس عند رأسی قبالةَ وجهی ، فأکثِرْ من تلاوة القرآن والدعاء ، فإنّها ساعة یحتاج المیّت فیها إلی أُنس الأحیاء ، وأنا استودعک الله تعالی وأوصیک فی وُلدی خیراً . ثمّ ضمّت إلیها أُمّ کلثوم فقالت له : اذا بَلَغَتْ فلها ما فی المنزل ثمّ الله لها . فلما تُوفّیت فعل ذلک أمیرالمؤمنین علیه السلام ودفنها لیلاً فی دار عقیل ...((2)) .

فأین کانت زینب فی خبرَی «روضة الواعظین» و«مصباح الأنوار» ؟ ولِمَ


1- روضة الواعظین: 151 - 152، والأنوار البهیّة للشیخ عبّاس القمیّ: 62، وبیت الأحزان للقمّیّ: 180 - 181، وأعیان الشیعة 1: 321.
2- بحار الأنوار 78: 310 عن: مصباح الأنوار للشیخ هاشم بن محمّد (من علماء القرن السادس): 257.

ص:108

لم یُجعل لها شیء ؟! أللّهمّ إلّا أن نقول بأن أُمّ کلثوم - فی هذا الخبر - هی زینب الکبری ، علی أنّه لا یستبعد أن تکون أُختها الصغیرة من أمّ ولد أیضاً لمجیء ها فی أخبار أُخری .

وجودها أیّام واقعة الجمل

وفی کتاب «الجمل والنُّصرة لسیّد العترة فی حرب البصرة» للشیخ المفید :

ولمّا بلغ عائشةَ نزولُ أمیرالمؤمنین علیه السلام بذی قار ، کتبت إلی حفصة بنت عمر : «أما بعد ؛ نزلنا البصرة ونزل علیٌّ بذی قار ، واللهُ داقٌّ عنقه کدقّ البیضة علی الصفا ، إنّه بمنزلة الأشقر ، إن تقدّم نُحر ، وإن تأخّر عُقر !» .

فلمَّا وصل الکتاب إلی حفصة استبشرت بذلک ، ودعت صبیان بنی تَیمٍ وعَدِیّ ، وأعطت جواریها دفوفاً وأمرتهنّ أن یضربن بالدفوف ویقلن :

ما الخبر ؟ ما الخبر ؟! علیّ کالأشقر ، إن تقدّم نُحر ، وإن تأخّر عُقر !!

فبلغ أُمَّ سلمة رضی الله عنها اجتماعُ النسوة علی ما اجتمعن علیه من سبّ أمیرالمؤمنین علیه السلام والمسرّة بالکتاب الوارد علیهنّ من عائشة ، فبکت وقالت : أعطونی ثیابی حتّی أخرج إلیهنّ وأقع بهنّ .

فقالت أُمّ کلثوم بنت أمیرالمؤمنین علیه السلام : أنا أنوب عنک ، فإنّنی أعرَفُ منک . فلبست ثیابها وتنکَّرت وتخفَّرت واستصحبت جواریها متخفِّرات ، وجاءت حتّی دخلت علیهنّ کأنّها من النَّظَّارة ، فلمّا رأت ما هنّ فیه من العبث والسفه کشفت نقابها وأبرزت لهنّ وجهها ، ثم قالت لحفصة : إن تظاهرتِ أنتِ وأُختکِ

ص:109

علی أمیرالمؤمنین علیه السلام فقد تظاهرتما علی أخیه رسول الله صلی الله علیه و آله من قبل ، فأنزل الله عزّ وجلّ فیکما ما أنزل((1)) ، والله من وراء حربکما . فانکسرت حفصة وأظهرت خجلاً ، وقالت : إنّهنّ فعلن هذا بجهل ؛ وفرّقَتْهنّ فی الحال ((2)) .

فالسؤال هو : أین کانت زینب ؟ ولماذا لم تخرج ؟ ألیست هی أکبر بنات الإمام علیّ ؟ فلیس لنا إلّا أن نقول بأنّ أُمّ کلثوم فی هذا الخبر هی زینب ، وزینب هی أُمّ کلثوم فی کثیر من الأخبار ، لکن لا یمانع ذلک من وجود أخت لهم أخری مذکورة فی نصوص أخری .

الإمام علی یُخبر أُمّ کلثوم بقرب أجَلِه

فی «إرشاد» المفید : قالت أُمّ موسی - خادمة علیّ وحاضنة فاطمة - : سمعت علیّاً علیه السلام یقول لابنته أُمّ کلثوم : «یا بنیة ، إنّی أرانی قَلّما أصحَبُکم» .

قالت : وکیف ذلک یا أبتاه ؟

قال : «إنّی رأیت نبیَّ الله صلی الله علیه و آله فی منامی وهو یمسح الغبار عن وجهی ویقول : یا علیّ ، لا علیک ، قد قضیتَ ما علیک» .

قالت : فما مکثنا إلّا ثلاثاً حتّی ضُرِبَ تلک الضربة ! فصاحت أُمّ کلثوم ، فقال علیه السلام : «یا بنیة لا تفعلی ، فإنّی أری رسول الله صلی الله علیه و آله یشیر إلیّ بکفّه : یا علیّ ، هلمّ إلینا ، فإنّ ما عندنا هو خیر لک»((3)) .


1- تعنی الآیات: 3 - 5 من سورة التحریم.
2- الجمل للمفید: 150، الکافئة فی ابطال توبة الخاطئة: 16 / 16، شرح نهج البلاغة 14: 13.
3- الإرشاد 1: 15.

ص:110

وفیه أیضاً : عن الحسن البصریّ قال : سهر أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی اللیلة الّتی قُتل فی صبیحتها ، ولم یخرج إلی المسجد لصلاة اللیل علی عادته ، فقالت له ابنته أُمّ کلثوم - رحمة الله علیها - : ما هذا الذی قد أسهرک ؟فقال : «إنی مقتول لو قد أصبحت» .

وأتاه ابن النَّبّاح((1)) فآذنه بالصلاة ، فمشی غیر بعید ثم رجع ، فقالت له ابنته أُمّ کلثوم ((2)) .

وفی «روضة الواعظین» : إنّ حبیب بن عمرو لمّا عاد الإمامَ أمیرالمؤمنین فی لیلة 21 رمضان ورأی رأسه الشریف مضروباً ، دعا له بالسلامة ، فقال أمیرالمؤمنین : أنا والله مفارقُکُم الساعة ! فسمعت أُمّ کلثوم ذلک فبکت ، فقال لها الإمام : یا بنیّة لا تبکی ، فوالله لوترین ما یری أَبوکِ ما بکیتِ .

فسأله حبیب : ماذا تری یا أمیرالمؤمنین ؟ قال علیه السلام : أری ملائکة السماوات والنبیّین بعضهم فی إِثْر بعض وقوفاً إلیّ یتلقَّونی ، وهذا أخی محمّد رسول الله جالس عندی یقول : أقدِمْ ، فإنَّ أمامک خیر لک مما أنت فیه((3)) .

فمن هی أُمّ کلثوم یاتری ؟ هل هی زینب ، أَمْ أختها ؟ ولو قلنا بأنّها عقیلة الهاشمیّین ، فهل یضادّ ذلک وجود أخت أخری لها ظهرت فی مشاهد أخری أم لا ؟


1- وفی بعض المصادر: ابن التَّیّاح.
2- الإرشاد 1: 16.
3- انظر: روضة الواعظین: 138 - مجلس فی وفاة أمیرالمؤمنین علیه السلام .

ص:111

أُمّ کلثوم تحکی کیفیة شهادة الإمام علی علیه السلام

ذکر المجلسیّ فی «بحار الأنوار» کیفیّة شهادة الإمام علیّ علیه السلام ، وفیه :

قالت أُمّ کلثوم بنت علی : لمّا کانت لیلة تسع عشرة من شهر رمضان ، قدّمتُ إلیه عند إفطاره طبقاً فیه قرصان من خبز الشعیر وقصعة فیها لبن وملح جریش .

فلما فرغ من صلاته أقبل علی فطوره ، فلمّا نظر إلیه وتأمَّله حَرَّک رأسه وبکی بکاءً شدیداً عالیاً ، وقال : یا بُنَیَّة ، ما ظننتُ أنَّ بنتاً تسوء أباها کما قد أسأتِ أنتِ إلیّ ، قالت : وما ذا یا أباه ؟!

قال : یا بنیّة ، أتقدّمین إلی أبیک إدامین فی فردِ طبقٍ واحدٍ ؟! أتریدین أن یطول وقوفی غداً بین یدی الله عزّ وجلّ یوم القیامة ؟! أنا أُرید أن أتبع أخی وابن عمی رسول الله صلی الله علیه و آله ، ما قُدّم إلیه إدامان فی طبق واحد إلی أن قبضه الله . یا بُنیَّة ، ما من رجل طاب مطعمه ومشربه وملبسه إلّا طال وقوفه بین یدَیِ الله عزّ وجلّ یوم القیامة . یا بنیَّة إنَّ الدنیا فی حلالها حساب ، وفی حرامها عقاب ...

ثمّ یقول الخبر :

قالت أُمّ کلثوم : کأنِّی به وقد جمع أولاده وأهله وقال لهم : فی هذا الشهر تفقدونی ، إنِّی رأیت فی هذه اللیلة رؤیا هالتنی وأُرید أن أقصّها علیکم ، قالوا : وما هی ؟ قال : إنِّی رأیت الساعة رسول الله صلی الله علیه و آله فی منامی وهو یقول لی : یا أبا الحسن ، إنّک قادم إلینا عن قریب ، یجیء إلیک أشقاها فیخضب شیبتک من دم رأسک ، وأنا والله مشتاق إلیک ، وإنّک عندنا فی العشر الأُخَر من شهر رمضان ، فهلمّ إلینا ، فما عندنا خیر لک وأبقی .

ص:112

قال : فلمّا سمعوا کلامه ضجّوا بالبکاء والنحیب وأبدَوُا العویل ، فأقسم علیهم بالسکوت فسکتوا ، ثمّ أقبل یوصیهم ویأمرهم بالخیر وینهاهم عن الشرّ .

قالت أُمّ کلثوم : ولم یزل تلک اللیلة قائماً وقاعداً وراکعاً وساجداً ، ثمّ یخرج ساعة بعد ساعة یقلِّب طَرْفَه فی السماء وینظر فی الکواکب وهو یقول : واللهِ ما کَذَبْتُ ولا کُذِبْتُ ، وإنَّها اللیلة التی وُعِدْتُ بها . ثمّ یعود إلی مصلاّه ویقول : اللّهمّ بارک لی فی الموت ، ویُکثر من قول : «إنّا لله وإنا إلیه راجعون» و«لا حول ولا قوة إلّا بالله العلیّ العظیم» ، ویصلّی علی النبیّ وآله ، ویستغفر الله کثیراً .

قالت أُمّ کلثوم : فلمّا رأیته فی تلک اللیلة قلقاً متململاً کثیرَ الذِّکْر والاستغفار أرِقتُ معه لیلتی ، وقلت : یا أبتاه ، ما لی أراک هذه اللَّیلة لا تذوق طعم الرُّقاد ؟!

قال : یا بنیَّة ، إنَّ أباک قَتَلَ الأبطال ، وخاض الأهوال ، وما دخل الخوفُ له جوفاً ، وما دخل فی قلبی رعب أکثر ممّا دخل فی هذه اللیلة . ثمّ قال : إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ، فقلت : یا أباه ، ما لک تنعی نفسک منذ اللیلة ؟

قال : یا بنیّة ، قد قرب الأجل ، وانقطع الأمل .

قالت أُمّ کلثوم : فبکیتُ ، فقال لی : یا بنیَّة لا تبکین ، فإنِّی لم أقل ذلک إلّا بما عَهِد إلیّ النبیّ صلی الله علیه و آله ... إلی أن یقول الخبر :

قالت أُمّ کلثوم : فجئت إلی أخی الحسن علیه السلام ، فقلت : یا أخی ، قد کان مِن أمر أبیک اللیلة کذا وکذا ، وهو قد خرج فی هذا اللیل الغلس فالحَقْه .

ص:113

فقام الحسن بن علی علیهما السلام وتبعه ، فلحق به قبل أن یدخل الجامع ، فقال : یا أباه ، ما أخرجک فی هذه الساعة وقد بقی من اللیل ثلثه ؟ فقال : یا حبیبی ویا قرة عینی ، خرجتُ لرؤیا رأیتها فی هذه اللیلة أهالتنی وأزعجتنی وأقلقتنی ، فقال له : خیراً رأیتَ وخیراً یکون ، فقُصَّها علّیّ ...((1))

وفی خبر آخر : قال الراوی : وأقبلت زینب وأُمّ کلثوم حتّی جلستا معه علی فراشه ، وأقبلتا تندبانه وتقولان : یا أبتاه ، مَن للصغیر حتّی یکبر ؟! ومن للکبیر بین الملأ ؟! یا أبتاه ، حزننا علیک طویل ، وعبرتنا لا ترقأ . قال : فضجّ الناس من وراء الحجرة بالبکاء والنحیب ، وفاضت دموع أمیرالمؤمنین علیه السلام عند ذلک ، وجعل یقلّب طرفه وینظر إلی أهل بیته وأولاده ...

فعند ذلک صرخت زینب بنت علی علیهما السلام وأُمّ کلثوم وجمیع نسائه ، وقد شقّوا الجیوب ولطموا الخدود ، وارتفعت الصیحة فی القصر ، فعلم أهل الکوفة أنّ أمیرالمؤمنین علیه السلام قد قُبض ، فأقبل النساء والرجال یهرعون أفواجاً أفواجاً ...((2)) .

ومن هذه النصوص یتّضح بأنّ أُمّ کلثوم هی زینب الکبری ، وفی نصوص أخری أنّها شقیقتها زینب الصغری = أُمّ کلثوم الکبری ، وقد یرجّح أن تکون التی حکت واقعة شهادة الإمام علی هی زینب الکبری زوجة


1- بحار الأنوار 42: 276 - 279.
2- بحار الأنوار 42: 289 - 293.

ص:114

عبدالله بن جعفر ، لما رواه المفید فی «الإرشاد» عن الفضل بن دکین ، عن حیّان بن العبّاس ، عن عثمان بن المُغیرة ((1)) ، قال :

لمّا دخل شهر رمضان کان أمیرالمؤمنین یتعشّی لیلة عند الحسن ، ولیلة عند الحسین ، ولیلة عند عبدالله بن جعفر ، وکان لا یزید علی ثلاث لُقَم ، فقیل له فی لیلة من تلک اللیالی فی ذلک .

فقال : یأتینی أمرالله وأنا خمیص ، إنّما هی لیلة أو لیلتان ! فأُصیب علیه السلام آخر اللیل((2)) .

خروجها مع أخیها الحسین علیه السلام من المدینة

نقل الدِّینوریّ فی «الأخبار الطِّوال» مادار بین الإمام الحسین علیه السلام ومروان بن الحکم ، ثمّ خروجه علیه السلام من المدینة إلی مکّة ومعه أُختاه : أُمّ کلثوم وزینب ، ووُلْد أخیه الحسن ، وإخوته : أبوبکر ، وجعفر ، والعبّاس ، وعامّة من کان بالمدینة من أهل بیته إلّا أخاه محمّد ابن الحنفیة((3)) ، فإنّه أقام ...

وقد أوصی الإمام الحسین عیاله بالسجاد علیه السلام فقال :

یا زینب ، ویا أُمّ کلثوم ، ویا سکینة ، ویا رقیّة ، إسمعنِ کلامی ، واعلمن


1- لکنّ هذا لا یمانع من وجود مواقف أخری لأمّ کلثوم الکبری أیضاً.
2- الإرشاد 1: 14، إعلام الوری 1: 310، مناقب آل أبی طالب 2: 206، کنز العمّال 13: 82 / خ 36565، 84 / خ 36583، تاریخ مدینة دمشق 42: 555، الفصول المهمّة: 633.
3- أُنظر: الأخبار الطوال: 228.

ص:115

أنَّ ابنی هذا خلیفتی علیکم ، وهو إمام مفترض الطاعة((1)) .

ونقل المفید فی «الإرشاد» عن الإمام السجاد علیه السلام أنه لمَّا سمع الإمام الحسین یردّد مع نفسه لیلة العاشر من محرم : یا دهرُ أُفٍّ لک مِن خلیلِ ... عرف قرب أجل والده ، فأخذ یبکی((2)) .

وفی «الفتوح» لابن أعثم ، أنّ زینب وأُمّ کلثوم لمّا سمعتا الإمام یقرأ الأبیات السابقة ، قالت زینب لأخیها الحسین : یا أخی ، هذا کلام من أیقن بالقتل ! فقال : نعم یا أختاه ! فصاحت زینب : وا ثُکلاه ... وبکت النسوة .

وجعلت أُمّ کلثوم تنادی : وا جدّاه ، وا أبی عَلِیّاه ، وا حسناه ، وا حسیناه ، وا ضیعتنا بعدک ، وا أبا عبدالله((3)) .

فعذلها الحسین وصبّرها وقال لها : یا أختاه ، تَعزَّی بعزاء الله ، وارضی بقضاء الله ، فإنَّ سکّان السماوات یَفنَون ، وأهل الأرض یموتون ، وجمیع البریّة لا یبقَون ...

وفی «اللهوف» عن الإمام الحسین علیه السلام قال : یا أُختاه یا أُمّ کلثوم ، وأنتِ یا زینب ، وأنت یا فاطمة ، وأنت یا رباب ، انظُرنَ إذا أنا قُتلت فلا تَشْقُقْنَ عَلَیَّ جیباً ، ولا تَخْمِشن عَلیَّ وجهاً ، ولا تقلن هجراً((4)) .


1- الدمعة الساکبة 4: 351.
2- أُنظر: الإرشاد 2: 93.
3- الفتوح 5: 84.
4- اللهوف: 49، وفی طبعة أخری باسم الملهوف: 141 - تحقیق الشیخ فارس الحسون.

ص:116

وجاء أیضاً عن الإمام الحسین علیه السلام أنّه قال لأُمّ کلثوم - بعد شهادة علیّ الأکبر - : یا أُختاه ، اُوصیک بولدیَ الصغیر خیراً .

فقالت له أُمّ کلثوم : یا أخاه هذا الطفل لم یشرب الماء ثلاثة أیّام ، اطلب له من القوم جرعةَ ماء ... فأخذ الإمام الطفل وتوجَّه به صوب العدوّ ...

وجاء فی «مقتل» الخوارزمیّ وغیره بأنّ الإمام السجاد علیه السلام عزم علی الجهاد وکان مریضاً ، فکان لا یقدر علی حمل سیفه ، وأمّ کلثوم تنادی خلفه: یا بُنیَّ ارجع ، فقال : یا عمّتاه ! ذرینی أُقاتل بین یدَیِ ابن رسول الله .

فقال الحسین علیه السلام : یا أُمّ کلثوم خذیه وردّیه ، [حتّی] لا تبقی الأرض خالیةً من نسل آل محمّد صلی الله علیه و آله ((1)) .

وعنه أیضاً أنّه قال لأُمّ کلثوم فی الوداع الأخیر : أُوصیکِ یا أُخیّة بنفسک خیراً ، وإنِّی بارز إلی هؤلاء القوم((2)) .

کما جاء عن أُمّ کلثوم أنّها قالت لسکینة : یا سکینة ، إنّی سمعت صهیل فَرَس أبیک ، أظنّ قد أتانا بالماء ، فاخرجی إلیه((3)) .

ولمّا رأت الفرس رجع دون الحسین نادت :

وا محمّداه ، وا جدّاه ، وا نبیّاه ، وا أبا القاسماه ، وا علیَّاه ، وا جعفراه ، وا حمزتاه ، وا حسناه ، هذا حسین بالعراء ، صریع بکربلاء ، محزوز الرأس من


1- مقتل الحسین للخوارزمیّ 2: 31 - 32.
2- نَفَس المهموم: 315.
3- ینابیع المودة 3: 78.

ص:117

القفا ، مسلوب العمامة والرداء ((1)) .

إذن هناک أُمّ کلثوم وهی زینب ، وهناک أمّ کلثوم غیر عقیلة بنی هاشم ، ولها مواقف بطولیّة وخطب حماسیّة ، وهی التی خاطبت عمر ابن سعد لمَّا هجم علی الخیام فقالت : یا ابن سعد ، الله ُ یحکم بیننا وبینک ، ویحرمک شفاعة جَدِّنا ، ولا یسقیک من حوضه ، کما فعلتَ بنا ، وأمرت بقتل سبط الرسول ، ولم ترحم صبیانه ، ولم تشفق علی نسائه((2)) .

وحُکیَ عنها أنّها هی التی ألقت بنفسها علی الإمام السجاد علیه السلام لمّا أراد القوم أخذه فقالت : وا هتیکتاه ، وا قلَّة ناصراه ، یا قوم إن کان ولا بدّ من قتله ، فاقتلونی قبله((3)) .

والسیّد ابن طاووس قد نقل بعد خطبة السیّدة زینب خطبةً لفاطمة الصغری ، ثمّ قال : وقد رفعت أُمّ کلثوم صوتَها بالبکاء من خلف الستار ، وقالت : یا أهل الکوفة ، سَوأةً لکم ! ما لکم خذلتم حسیناً وقتلتموه ، وانتهبتم أمواله وورثتموه ، وسبیتم نساءه ونکبتموه ؟! فتبّاً لکم وسُحقاً .

ویلکم ! أتدرون أیّ دواهٍ دَهَتْکم ؟! وأیّ وزرٍ علی ظهورکم حملتم ؟! وأی دماء سفکتموها ؟! وأیّ کریمة أصبتموها ؟! وأیّ صبیّةٍ سلبتموها ؟! وأیّ أموال انتهبتموها ؟!


1- بحار الأنوار 45: 60 - باب فی شهادة الحسین علیه السلام .
2- نور العین للإسفرایینیّ: 63.
3- نور العین: 64.

ص:118

قتلتم خیر رجالات بعد النبیّ صلی الله علیه و آله ونُزِعَتِ الرحمة من قلوبکم .

ألا إنّ حزب الله هم الغالبون ، وحزب الشیطان هم الخاسرون((1)) .

وأنا هنا لا أرید أن أبسط الکلام فی هذا الموضوع أکثر من ذلک ، أو آتی بجمیع ما جاء عن «أُمّ کلثوم» و«زینب» فی کتب التاریخ ، فهو موضوع یحتاج إلی دراسة کاملة بحدّ ذاتها ، مکتفیاً بهذا المقدار ، وقد جئت به لکی أُوکّد عدم إنکاری وجودَ بنت للإمام علیّ علیه السلام مسمّاة أو مکنّاة بأمّ کلثوم بنت فاطمة((2)) ، لکنَّ وجودها فی واقعة الطفّ یضعّف ما قالوه عن زوجة عمر «أمّ کلثوم» وأنّها ماتت مع ابن لها فی یوم واحد ، والتی صلَّی علیها ابن عمر أو سعید بن العاص ، بل الأمر یرتبط بزوجة أخری لعمر لا هذه.

فإذا کان عبدالله بن عمر صلّی علی الجنازة ، لکونها جنازة أخیه زید بن عمر وزوجة أبیه «أمّ کلثوم» ، فمِن الأَولی أن یصلّی علیها ، ألم یکن أحد السبطین الحسن أو الحسین علیهما السلام ، لأنّها أیضاً أختهم المفترضة ، والإمام الحسن أو الحسین هو الأخ ، والهاشمیّ ، وسیّد شباب أهل الجنة .

فإنّ وجودها فی واقعة الطف وخطبتها وکلامها العنیف مع شمر وغیره ، کلّ ذلک یخالف کونها زوجة عمر المفترضة والمتوفّاة فی عهد معاویة !


1- اللهوف فی قتلی الطفوف: 91 وفی طبعة أخری الملهوف علی قتلی الطفوف: 198، وبحار الأنوار 45: 112.
2- وإن کنت أعتقد بأنّها کنیة لها ولیست باسم.

ص:119

وهذا یدعونا إلی مناقشة النصوص المنقولة عنها وعن عمر فی التاریخ والحدیث بشکل استقرائیٍّ وشمولیّ((1)) أکثر ممّا مضی ، مبتعدین عن تقدیس السلف بدون دلیل شرعیّ ، خصوصاً حینما نری الأمر یرتبط بقضایا الزواج والحسب والنسب والاخوة بین علی وعمر وخطبة عمر للنساء ، ونظرته إلیهنَّ بالمقابل .

فعلینا دراسة تلک الأمور لکی نری هل تتطابق تلک النصوص مع نفسیّات النساء عموماً وما یرجونه من أزواجهنّ ، أمْ لا ؟ والأهمّ من ذلک هل تتطابق أقوال ومدَّعیات عمر مع أفعاله الأخری ، أمْ لا ؟


1- وإن کان ذلک لا یسعنا الآن.

ص:120

مناقشة السیرة الذاتیّة «للخلیفة» فی الزواج وما یتعلّق به

اشارة

بعد الانتهاء من الکلام عن القسم الأوّل وإعطائنا صورةً إجمالیّةً عن تاریخ أمّ کلثوم ابنة فاطمة علیها السلام ومواقفها ، لابدّ من دراسة بعض مدّعیات عمر بن الخطّاب فی هذا الزواج ، وعلی رأسها نَیلُه قربی النبیّ ، أو أنّه یرید المصاهرة مع رسول الله فقط ، ولا یرید الباه ، وأمثال ذلک .

وهل حقّاً کان یرید التقرّب إلی رسول الله لسماعه قوله صلی الله علیه و آله : «کلّ سبب ونسب منقطع [یوم القیامة] إلّا سببی ونسبی»((1)) ، أم جعل ذلک وسیلة وذریعة لأمر آخر ؟

فالمعروف عن عمر أنّه کان لا یعیر أهمّیّةً إلی من ینتسب إلیه ، فیأخذ من کلّ أحد ویعطی لکلّ أحد ، وقد اشتهر قوله :

ما بقی فیَّ شیء من أخلاق الجاهلیّة إلّا أنِّی لست أُبالی إلی أیِّ المسلمین نَکَحْتُ وأیّهنّ أُنْکِحْتُ((2)) .


1- السنن الکبری 7: 64 / ح 13172، المعجم الکبیر للطبرانیّ 3: 44 / ح 2633، و45 / ح 2634، 2635، 11: 194، الأوسط للطبرانیّ 6: 376 / ح 5606، ورواه أیضاً الهیثمیّ فی مجمع الزوائد 4: 271، 9: 173، مسند البزّار 1: 397 / ح 274.
2- مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 26 / ح 17435، مصنَّف عبدالرزّاق 6: 152 / ح 10321، طبقات ابن سعد 3: 289.

ص:121

فماذا یعنی اقتراحه وإصراره فی الزواج من ابنة علیٍّ وفاطمة علیهما السلام إذا کان لا یبالی إلی «أیِّ المسلمین نَکَحْتُ وأیّهنّ أُنْکِحْتُ» إذن ؟! وهل هو یرتبط بأمرٍ سیاسیّ ، أم یرتبط بأمرٍ اجتماعیّ أم عاطفیّ ، أم دینیّ أم تشریفیّ وقیمیّ ، أم غیر ذلک ؟

عمر ودعوی القرابة :

نحن لو درسنا سیرة عمر بن الخطّاب مع القربی قبل الإسلام وبعده ، لوقفنا علی حقیقة أُخری غیر ما یصوّره أصحاب السیر والتراجم ، ولرأیناها تنافی المدّعی تمام المنافاة ، لأنّه کان یصرّ فی معرکة بدر علی لزوم قتل کلّ قریبٍ قریبَه ، وقد طلب بالفعل من رسول الله صلی الله علیه و آله أن یقتل عمَّه العبّاس ، ومن الإمام علیّ

علیه السلام أن یقتل أخاه عقیلاً ، ومن غیرهما غیرهم ، مع أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یؤکّد له بأنّهما جاءا مُکْرَهَین إلی المعرکة((1)) .

وهذه الصورة توضح موقفه من قرابة رسول الله ، ومفهوم القرب والقرابة عنده فی أوائل الإسلام ، وعدم وجود میّزة للقرابة عنده آنذاک .

فعدم إعطاء منزلة لقرابة رسول الله - خصوصاً فی بدء الدعوة - کان هو الرؤیة السائدة عند القرشیّین ، وعمر بن الخطّاب هو من رجالاتهم .


1- مصنَّف ابن أبی شیبة 7: 359 / ح 36690، المعجم الکبیر 10: 143 / ح 10258، تاریخ الطبری 2: 47 - فی ذکر وقعة بدر، تفسیر الرازیّ 15: 157، تفسیر ابن کثیر 2: 326 فی تفسیر سورة الأنفال.

ص:122

فقد ورد فی بعض الأخبار أنّ صفیّة بنت عبدالمطلب ((1)) مرّت علی ملأٍ من قریش ، فإذا هم یتفاخرون ویذکرون الجاهلیّة ، فقالت : منّا رسول الله .

فقالوا : إنّ الشجرة لَتَنْبُتُ فی الکبا - أی المزبلة - .

فجاءت إلی النبیّ فأخبرته ، فقال صلی الله علیه و آله : هَجِّرْ یا بلال بالصلاة . فحَمِد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال علی المنبر بغضب : أیّها الناسُ انسِبونی .

فقالوا : أنت رسول الله ، ومحمّد بن عبدالله .

فقال : أجل ، أنا محمّد بن عبدالله ، وأنا رسول الله ، فما بال أقوام یُنقصون أهلی ؟! فواللهِ لأنا أفضلُهم أصلاً ، وخیرهم موضعاً ((2)) .

وأضیف إلیک صورة أُخری خاصّة بعمر تنبئک عن مدی اعتقاده بمنزلة القربی واحترامه للقرابة ، تلک الصورة التی وجدناها فی خبر تعامله مع صفیّة عمّة رسول الله فی المدینة المنوّرة علی وجه الخصوص ، وذلک بعد أن قطع الإسلام شوطاً کبیراً واستحکم ، واستقرّت مفاهیمه العامّة فی نفوس الناس استقراراً کبیراً ، ومنها وجوب مودّة ذوی قُرباه :

فقد أخرج الهیثمیّ الشافعیّ عن ابن عبّاس أنّه قال :

تُوفّی ابنٌ لصفیّة عمّتة رسول الله صلی الله علیه و آله فبکت علیه وصاحت ، فأتاها النبیّ صلی الله علیه و آله فقال لها : یا عمّة ما یبکیک ؟


1- هی عمّة رسول الله صلی الله علیه و آله وشقیقة حمزة بن عبدالمطّلب وأمّ الزبیر بن العوّام.
2- مجمع الزوائد 8: 216 - باب فی کرامة أصله، طبعة دار الکتب العلمیّة بیروت، ینابیع المودة 2: 348 - الباب 57 / الحدیث 11.

ص:123

قالت : تُوفّی ابنی .

قال : یا عمّة ، من تُوفیِّ له ولد فی الإسلام فصبر ، بنی الله له بیتاً فی الجنّة ، فسکتت .

ثمّ خرجت من عند رسول الله صلی الله علیه و آله فاستقبلها عمر بن الخطّاب فقال : یا صفیّة ، قد سمعتُ صراخک ، إنّ قرابتک من رسول الله لن تُغنیَ عنکِ من الله شیئاً ! فبکت ، فسمعها النبیّ وکان یکرمها ویحبّها ، فقال :

یا عمّة أتبکین وقد قلتُ لکِ ما قلتُ !!

قالت : لیس ذلک أبکانی یا رسول الله ، استقبلنی عمر بن الخطّاب فقال :إنّ قرابتک من رسول الله لن تُغنیَ عنکِ من الله شیئاً .

قال : فغضب النبیّ ، وقال : یا بلال هَجِّرْ بالصلاة .

فهجّر بلال بالصلاة ، فصَعِد النبیّ المنبرَ فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال :

ما بالُ أقوام یزعمون أنّ قرابتی لا تنفع ؟! کلّ سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلّا سببی ونسبی ، فإنّها موصولة فی الدنیا والآخرة ((1)) .


1- أنظر: مجمع الزوائد 8: 216، وینابیع المودة 2: 109. ورسول الله صلی الله علیه و آله بمقولته تلک «ما بال أقوامٍ» أراد الإشارة إلی القبائل المناهضة للرسالة، وأنّ هذا الفکر هو فکرٌ لمجموعة منهم لا یختصّ بعمر بن الخطاب وحده، والحدیث یدلّ علی القرابة الدینیّة فی إطار الشفاعة، وهذا ما سنوضّحه لاحقاً.

ص:124

فعمر بن الخطّاب لم یکتفِ بما قاله لصفیّة ، بل اعترض علی أُمّ هانئ بنت أبی طالب أیضاً بقوله : اعلمی أنّ محمّداً لایغنی عنک شیئاً ! فجاءت إلی النبیّ فأخبرته ، فقال صلی الله علیه و آله : ما بال اقوام یزعمون أنّ شفاعتی لا تنال أهلَ بیتی ؟! وإِنّ شفاعتی تنال «حا» و«حکم»((1)) .

فنحن لو قسنا مدّعی عمر الیوم فی الزواج من أمّ کلثوم وأنهّ یرید النسب والسبب ، مع ما قاله فی نأنأة الإسلام وفی عزّته ، لَحصلنا علی نتائج لا ترضی محبّیه وأنصاره ، بل تشکّک الجمیع فی صحّة دعواه .

أمّا لو أحسنّا الظنّ بمدّعاه وقلنا بأنّه حقاً کان یرید القرابة ، لأنّه عرف منزلتهم لمّا غضب النبیّ صلی الله علیه و آله وهجّر بلالٌ بالصلاة ... بعد موقفه من صفیّة - عمّة رسول الله - وأمّ هانئ - أخت الإمام علی - ، وهو الموجود فی ذیل الخبر الآنف عن ابن عبّاس ، إذ فیه :

«فقال عمر : فتزوّجتُ أُمّ کلثوم لما سمعتُ من رسول الله، یومئذ أحببت أن یکون لی منه سبب ونسب» .

فلنتساءل : لو کان عمر آمَنَ بقول رسول الله صلی الله علیه و آله وعرف أنّ قرابته صلی الله علیه و آله تنفع فی الآخرة ، مضافاً لما لها من منزلة فی الدنیا !

فکیف به یحتجّ بالصحبة وقربه إلی رسول الله علی الأنصار((2)) ولا یرتضی أن یسلّم الخلافة إلی الإمام أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب وهو أقرب المقرّبین


1- سبل الهدی والرشاد 1: 254 و11: 4، و«حا» و«حکم» قبیلتان من الیمن.
2- لکی یبعدهم عن الخلافة.

ص:125

إلیه صلی الله علیه و آله ؟! مع أنّ الإمام علیّاً ألزمه بما استدلّ به علی الأنصار بقوله :

وَاعَجَبَاهُ ! أتَکُونُ الْخِلاَفَةُ بِالصَّحَابَة ، ولا تَکُون بِالصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَة ؟!

فَإِنْ کُنْتَ بِالشُّورَی مَلَکْتَ أُمُورَهُمْ

فَکَیْفَ بِهذَا وَالْمُشِیرُونَ غُیَّبُ

وإِنْ کنْتَ بِالْقُرْبَی حَجَجْتَ خَصِیمَهُمْ

فَغَیْرُکَ أَوْلَی بِالنبیّ وأَقْرَبُ((1))

بل کیف تراه یدّعی نیل القربی ، وهو الذی یقدّم الصحبة علی القربی فی (مَرطٍ) بقی عنده من أموال المسلمین - فیما إذا افترضنا صحّة ما رواه البخاریّ عن ابن شهاب - قال : قال ثعلبة بن أبی مالک :

إنّ عمر بن الخطّاب قسّم مروطاً بین نساء من نساء المدینة ، فبقی مرط جید ، فقال له بعض من عنده : یا أمیرالمؤمنین ، أَعْطِ هذه ابنة رسول الله التی عندک - یریدون أُمّ کلثوم بنت علیّ - .

فقال عمر : أُمّ سلیط أحقّ منها ، وأُمّ سلیط من نساء الأنصار ممّن بایع رسول الله ، قال عمر : فإنّها کانت تزفر لنا القِرَبَ


1- أُنظر نهج البلاغة 4: 44 - باب المختار من خُطب أمیر المؤمنین علیه السلام ومواعظه / الحکمة190.

ص:126

یوم أُحد . قال أبو عبدالله : تزفر ، تخیط ((1)) .

بل کیف نقبل دعوی اهتمامه بالقرابة ، وهو لا یولّی أحداً منهم السرایا والبلدان أیّامَ حکومته ؟!

بل بمَ یمکن تصحیح مدّعاه وأنّه یرید بزواجه من أُمّ کلثوم التقرّب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله - عن طریق ابنته فاطمة الزهراء علیها السلام - ، فی حین نراه یجیب مَن اعترض علیه - عند هجومه علی دار فاطمة الزهراء - بأنّ فیها فاطمة ، فیقول : وإن !! ((2))

أنَسِیَ عمر وقوف رسول الله کلَّ یوم علی باب الزهراء علیها السلام لمدّة ستّة أشهر - بعد نزول آیة التطهیر - ینادیها وینادی أهل بیت النبوة بقوله : الصلاةَ یا أهلَ البیت ، {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً} ؟! ((3))

فماذا یعنی هذا الفعل من رسول الله ، وهل کان صلی الله علیه و آله یفعل ذلک بلا هدفٍ


1- صحیح البخاری 3: 1056 / ح 2725 و4: 1494 / ح 3843 - باب ذکر أُمّ سلیط، الجمع بین الصحیحین 1: 135 / ح 65، أفراد البخاریّ الحادی والعشرون، حلیة الأولیاء 2: 63 / ح 42، کشف المشکل لابن الجوزیّ 1: 121 / ح 61، صفة الصفوة 2: 64 / ح 146.
2- الامامة والسیاسة 1: 19 بتحقیق الزینیّ.
3- مسند أحمد 3: 259 / ح 13754 و285 / ح 14072، سنن الترمذیّ 5: 352 / ح 3206، کتاب تفسیر القران باب (ومن سورة الاحزاب)، المستدرک للحاکم 3: 172 /ح 4748، مصنَّف ابن أبی شیبة 6: 388 / ح 32271.

ص:127

- والعیاذ بالله - أوعن عاطفة ، أم کان ذلک للتأکید علی مکانة أهل البیت علیهم السلام ؟

بل ماذا یعنی وقوف الرسول علی بابها لستّة أشهر وهو یکرّر قول الله سبحانه : {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً} ؟ ((1))

وهل هناک ارتباط بین هذه المدة ، وبین المدّة التی تُوفّیت فیها فاطمة علیها السلام بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهی ستة أشهر أیضاً ؟!((2))

وهل أراد رسول الله صلی الله علیه و آله بتقدیمه الغضبَ علی الرضی - فی قوله : «إنّ الله یغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها» - الإخبارَ عمّا سیجری علی ابنته فاطمة وأنّها ستغضب علی «الخلفاء» من بعده ، ولا ترضی علیهم أبداً ، لأنّها ماتت وهی واجدة علی أبی بکر وعمر کما جاء فی «صحیح البخاریّ» ؟((3))

بل ماذا تعنی وصیّتها لبعلها بأن لا یَشْهَدَ جنازتها أبو بکر وعمر ، وأن یدفنها أمیرالمؤمنین علیه السلام فی اللیل ویُخفیَ قبرها((4)) .


1- أُنظر المصادر السابقة.
2- هذا علی أقصی الأقوال، لأنّ هناک ثلاثة أقوال مشهورة 1. أربعون یوماً 2. خمسة وسبعون یوماً 3. خمسة وتسعون یوماً. وأقصاه ستّة أشهر، وهی الفترة الزمنیة التی تخلَّف فیها علی عن البیعة لأبی بکر، ولما ماتت الزهراء علیها السلام بایع مُکْرَهاً.
3- صحیح البخاریّ 6: 2474 / ح 6346، الجمع بین الصحیحین 1: 88.
4- مستدرک الوسائل للنوریّ 2: 304 - باب کراهة أن تتبع الجنازة بالنار والمجمرة / ح 2042، بحار الأنوار 78: 255 / ح 16، مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب 3: 137 - باب مناقب فاطمة علیها السلام ، عن الواقدیّ.

ص:128

وهل ترتبط مسألة زواج عمر من أُمّ کلثوم ابنة فاطمة بإبعاد ظلامتها ، وأنّهم اختلقوها لتمویع تلک الظلامة عنها فی تاریخ الإسلام ، إذ تراهم یصرّون علی إیقاع هذا الزواج من ابنة فاطمة علی وجه الخصوص بأیِّ شکل ممکن ؟! فیمکن الباحث أن یعرف النهایة منذ البدایة .

فلو کان عمر یحترم القربی ویعیر لها الأهمّیّة ، فکیف به یضرب بعض الباکین علی زینب ورقیّة بنتَی رسول الله بحضرته صلی الله علیه و آله ؟! ((1)) دون إعارة أیِّ اهتمام لقول رسول الله صلی الله علیه و آله : إنّ القلب لیحزن والعین لتدمع((2)) ، مشیراً صلی الله علیه و آله إلی عدم جواز ضرب المنکوبین ، بل لزوم اتّخاذ أُسلوب الرحمة معهم لا الشدّة والضرب .

مؤکّدین بأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان قد مسح عین فاطمة لمّا بکت علی أُختها رقیّة((3)) ، کما أمَرَ نساء الأنصار بالبکاء علی عمّه حمزة بقوله صلی الله علیه و آله : «ولکنّ حمزة لا بواکیَ له»((4)) ، وقد بکی هو صلی الله علیه و آله علیه .

ومن عجیب المفارقات ما نراه فی بعض الأخبار من وجود ازدواجیّة فی


1- مسند أحمد 1: 237 / ح 2127، 1: 335 / ح 3103، طبقات ابن سعد 3: 398 - 399، مسند الطیالسیّ: 351 / ح 2694.
2- صحیح البخاری 1: 439 / ح 1241، الجمع بین الصحیحین 2: 610 / ح 2012، من المتّفق علیه، وانظر: صحیح مسلم 4: 1807 / ح 2315.
3- مسند أحمد 1: 335 / ح 3103، مسند الطیالسیّ: 351 / ح 2694، السنن الکبری للبیهقیّ 4: 70 / ح 6952.
4- سنن ابن ماجة 1: 507 / ح 1591، المستدرک علی الصحیحین 1: 537 / ح 1407، و3: 215 / ح 4883، و217 / 4891، السنن الکبری للبیهقیّ 4: 70 / ح 6946، مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 63 / ح 12127.

ص:129

تعامل «الخلیفة» مع القضایا :

فعمر بن الخطّاب - علی رغم عدم ارتضائه البکاء علی المیّت - أمر بالبکاء علی خالد بن الولید((1)) ، وبکی هو علی النعمان بن المقرن وعلی غیره((2)) ، بل بکی علی صدیق یهودی له حین رأی قبره بعد رجوعه من سفر له إلی خارج المدینة ، إنّها مفارقة !! یجب معرفة أبعادها وملابساتها .

فلا ندری کیف یمکن الجمع بین هذه المواقف وبین ما یدّعیه عن القرابة والقربی الیوم ؟

ولو کان حقّاً یعرف منزلة القرابة والقربی عند الله ورسوله ، فلماذا یتخوّف من تولیة بنی هاشم ، ولماذا یحرمهم من خُمس الغنیمة وهو لهم ؟((3))

بل إذا کانت القرابة لها هذه السمة المعنویّة فی الدنیا والآخرة حسب اعتراف عمر ، فکیف به لا یحترم ابنة رسول الله ، التی یرضی الله لرضاها ویغضب لغضبها((4)) ؟! فیقول مستخفّاً مستنقصاً مکانتها عند هجومه علی


1- صحیح البخاریّ 1: 434 - الباب 33، المصنَّف لعبد الرزّاق 3: 558 / ح 6685، الإصابة 8: 99 / الرقم 11696 - ترجمة لبابة بنت الحارث.
2- الاستیعاب 4: 1506 / الرقم 2626 - ترجمة النعمان بن مقرن، مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 45 / ح 11981، و11982، وفیه بکاؤه علی وائل بن حجر.
3- السنن الکبری للبیهقیّ 6: 345، سُنن النسائیّ 7: 129 / ح 4134، مصنَّف ابن أبی شیبة 6: 516 / ح 33450.
4- أُنظر: تهذیب الکمال 35: 250 عن البخاریّ 5: 2004- باب ذبّ الرجل عن ابنته، وفیه: فإنّما هی بضعة منّی، یریبنی ما أرابها، ویؤذینی ما آذاها، وصحیح مسلم 4: 1902 / ح 2449، سنن أبی داوود 2: 226 / ح 2071 والترمذیّ 5: 698 / ح 3867.

ص:130

البیت : (وإن) !!

إنّ عدم تفهّمهم لتلک الخصائص الإلهیّة أو عدم ترتیبهم الآثار علیها إنّما یکمن وراءه موروثٌ جاهلیٌّ قدیم ، وهو : احترام الرئیس ما دام حیّاً ، ولا یعار للبنت أهمّیّة إلّا بمقدار کونها امرأة لا توازی الرجل ولا تساویه ، بل لیس لها أن تطالب بشیءٍ من حقوقها الشرعیّة .

وقد یکون وراء هذا الأمر مصالح وأهداف سیاسیّة أُخری لا یریدون الکشف عنها ، لکنّنا - بإذن الله تعالی ومشیئته - سنرفع الستار عنها .

فعمر بن الخطّاب ادّعی المصاهرة مع رسول الله للحفاظ علی النسب والسبب ، قال بذلک وهو القائل قبله بأنّه من قریش وله نسب مع رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد احتجّ فی السقیفة بذلک ، کما أنّ له سبباً من جهة ابنته حفصة ، فلا یبقی لمدّعاه مجال من المصداقیّة .

نعم ، یوجد فی نصوص أُخری تصریح بأنّه أراد المصاهرة فقط ؛ ولم یرد الباه وإذا صحّ هذا المدّعی من عمر لکان الأَولی به أن یسعی إلی تلک المصاهرة مع بنات رسول الله صلی الله علیه و آله مباشرة من خلال إحدی بناته (فاطمة ، أمّ کلثوم ، رقیّة ...) ؛ لا من خلال بنت بنته .

فکما کان عثمان - حسب زعمهم - ذا نورین ، کان یمکن لعمر أن یکون ذا نور واحد ، لکنّ التاریخ لم یحدّثنا أنّه حاول الحصول علی تلک المصاهرة من إحدی بنات رسول الله صلی الله علیه و آله ((1)) غیر فاطمة !!


1- کزینب، ورقیّة، وأُمّ کلثوم.

ص:131

نعم ، أقدم عمر علی خطبة فاطمة الزهراء علیها السلام ، منافسةً لعلیّ علیه السلام ، فردّه رسول الله صلی الله علیه و آله [بأمر من الله] وانتهی کلّ شیء((1)) .

فإنّ الله ورسوله لم یُزوِّجاه من فاطمة ، فهل من المعقول أن یزوِّجه الإمام علیّ ابنته الصغیرة - مع وجود أبناء عمومتها الشُّبان من آل أبی طالب یطلبونها ، وهو القائل علیه السلام : حَبَستُهنّ لأولاد أخی جعفر ، ومع قول رسول الله صلی الله علیه و آله : بَنُونا لبناتنا((2)) - عن طیب خاطر ؟! إنّ ذلک یأتی خلافاً لإرادة لله


1- روی النسائیّ بإسناده عن بُرَیدة بن الخصیب، قال: خطب أبو بکر وعمر فاطمة، فقال رسول الله: إنّها صغیرة، فخطبها علیّ فزوّجها منه. سنن النسائیّ 6: 26 /ح 3221، وقد صحّح الألبانیّ هذا الخبر فی صحیح النسائیّ 2: 678. وعلّق السندیّ علی الخبر بقوله: ... ففیه أنّ الموافقة فی السنّ أو المقاربة مرعیّة، لکونها أقرب إلی المؤالفة، نعم قد یترک ذاک لما هو أعلی منه کما فی تزویج عائشة، حاشیة السندیّ 6: 62 / ح 3221. أقول: لکنّ الأمر لم یکن کما قاله السندیّ، بل أغلب النصوص تصرّح بأن رسول الله صلی الله علیه و آله کان ینتظر بها القضاء وأمر الله تعالی إلی من یزوّجها. أُنظر الطبقات الکبری 8: 19، کنز العمّال 12: 52 / 34245، المنتظم 3: 85، والمعجم الکبیر 3: 34 / 2630، وفیه عنه صلی الله علیه و آله قال: إنّ الله عزّ وجلّ جعل ذرّیّةَ کلِّ نبیٍّ فی صلبه، وإنّ الله جعل ذرّیّتی فی صلب علیّ بن أبی طالب رضی الله عنه. وإذا کانت الموافقة فی السنّ والقرابة مرعیّة، فما یقول السندیّ فیما اشتهر عن عمر وتزوّجه بأمّ کلثوم بنت علیّ وهی بمنزلة حفیدته؟! ورسول الله لم یزوّجه ابنته الصغیرة فاطمة ! وهل الموافقة فی السن تُرکت لکون عمر أعلی شرفاً ونسباً من أمّ کلثوم؟! ! أَمْ إنّ عمر أقدم علی الزواج منها تشریفا لنفسه لا أن یشرّفها بزواجه منها؟
2- من لا یحضره الفقیه 3: 393 - باب الأکفاء / ح 4384.

ص:132

ورسوله ، وهو ما لا یفعله علیّ بن أبی طالب علیه السلام بالقطع والیقین.

علی أنّنا نرجّح - أیضاً - أنّ عمر کان علی علمٍ تامٍّ بأنّ الإمامة والأئمّة هم من ولد فاطمة علیها السلام ، فکأنّه أراد ذلک لنفسه وفی عقبه ، ولمّا ردّه رسول الله صلی الله علیه و آله حاول فی أیّام حکومته محاولة ثانیة ، رام من خلالها التزوّج من إحدی بنات فاطمة علیها السلام ، لیکون له منها خَلَفٌ یدّعی مِن بعده أنّهم أهل الخلافة والإمامة الذین عناهم رسول الله صلی الله علیه و آله ((1)) وهذا یخالف من انّه یرید المصاهرة دون الباه.

فعلوا ذلک لکی یموّعوا - من خلال هذا الزواج - قضیّة فدک ، وهذا المعنی ورد فی کلام حمّاد بن إسحاق البغدادیّ (ت 267 ه-) الذی سیأتی بعد قلیل ((2)).


1- فی: تاریخ مدینة دمشق 19: 484 ؛ والاکتفاء بما رُوی فی أصحاب الکساء لابن عساکر 10: 8 نجد ما دار بین بُسْر بن أرطاةُ وزید بن عمر - من أمّ کلثوم ابنة فاطمة - بحضور معاویة بن أبی سفیان، وأنّ معاویة حجز بینهما، وسقطت عمامة زید، فقال زید: والله یا معاویة ما شکرتَ الحسنی، ولا حَفِظتَ ما کان منّا إلیک، حیث تُسَلِّطُ عَلَیَّ عبدبنی عامر ! فقال معاویة: أمّا قولک یا ابن أخی: إنّی کفرتُ الحسنی، فوالله ما استعملنی أبوک إلّا من حاجة إلیّ، وأما ما ذکرتَ من الشکر، فوالله لقد وصلنا أرحامکم، وقضینا حقوقکم، وإنّکم لفی منازلکم. فقال زید: أنا ابن الخلیفتین، واللهِ لا ترانی بعدها عائداً إلیک، وإنّی لَأعلم أنّ هذا لم یکن إلّا عن رأیک. وفی «سیر أعلام النبلاء 3: 502» و«تاریخ الإسلام 4: 58» قال لمعاویة: إنّی لَأعلم أنّ هذا عن رأیک وأنا ابن الخِلفتین.
2- فی صفحة 136.

ص:133

وربّما یؤیّد ذلک أیضاً خِطبة أبی بکر لفاطمة وردّ الرسول إیّاه ، وکأنّ الإمام الصادق علیه السلام أشار إلی ذلک بقوله :

لا یَرجع الأمر والخلافة إلی آل أبی بکر وعمر أبداً ... ؛ وذلک أنّهم نبذوا القرآن ، وأبطلوا السنن ، وعطَّلوا الأحکام ...((1)) .

هذا کلّه بغض النظر عن أنّ القوم عموماً ، وعمر بن الخطّاب علی وجه الخصوص ، لم یفهموا کلام رسول الله صلی الله علیه و آله ((2)) علی وجهه الصحیح ، أو فهموه وحرّفوه مُغالطةً لأنّ مراد رسول الله هو أنّ نَسَبَه فی إطار المفهوم الدینیّ هو الباقی ، وذلک من خلال علیٍّ والحسنین ووُلد الحسین ؛ وهم الأئمّة الاثنا عشر ، الذین لا یزال الدین عزیزاً بهم((3)) ، تسعة منهم من ولد الحسین الذی هو من رسول الله ورسول الله منه «حسینٌ منّی وأنا من حسین»((4)) .

والمراد بسببه هو : سبب الله الممدود والموصول بین السماء والأرض ، بنصّ : «إنّی مخلّف فیکم الثقلین : کتاب الله حبل ممدود بین السماء والأرض ،


1- الکافی 2: 600 / ح 8. وانظر: تفسیر العیّاشیّ 1: 5/ح 7.
2- کلّ حَسَبٍ ونسبٍ ینقطع إلّا حسبی ونسبی.
3- صحیح مسلم 3: 1453 / ح 1821، مسند أحمد 5: 96 / ح 20943، 98 / ح 20962، سُنن أبی داوود 4: 106 / ح 4280.
4- رواه: البخاریّ فی: الأدب المفرد: 100 - ط القاهرة، وأحمد بن حنبل فی: المسند 4: 172 - ط المیمنیّة، وابن ماجة فی: السنن 1: 64 - ط التازیة بمصر، والترمذیّ فی: الصحیح 13: 195 - ط الصادی فی مصر، وعشرات من المحدّثین السنّة فضلاً عن الشیعة. یراجع: إحقاق الحقّ 11: 265 - 278.

ص:134

وعترتی أهل بیتی»((1)) .

علی أنّنا الیوم بالضرورة والوجدان لا نری أولاداً نسبیّین لرسول الله إلّا أولاد فاطمة الزهراء من أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیهما السلام ، وهذه إحدی نبوءات رسول الله ودلائل نبوته ، وهو المعنیّ من قوله تعالی : {إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ} ، فقد قال الفخر الرازیّ فی تفسیر هذه الآیة :

... . فانظرْ کم قُتل من أهل البیت ، ثمّ العالَم ممتلئٌ منهم ، ولم یبقَ من بنی أمیّة فی الدنیا أحدٌ یُعبأ به .

ثمّ انظر کم منهم من الأکابر من العلماء : کالباقر والصادق ، والکاظم والرضا ، والنفس الزکیّة ، وأمثالهم((2)).

وعلیه ، فإنّ هذه النصوص وغیرها تشکّکنا فی مدّعی عمر بن الخطّاب فی طلب القربی ، بل تُوصلنا إلی أنّ الأمر لم یکن کما یصوّره أتباع «مدرسة الخلفاء» ، لأنّ العلل والأسباب التی ذکرها عمر أو ذکروها له فی التزویج لا تتّفق مع ما کان یهدف إلیه عمر عملیّاً .

نعم، ربّما أراد عمر بزواجه من أمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام التشکیک فی مِلکیّة الصدیقة فاطمة الزهراء لفدک أو المشارکة فی فدک ، ولذلک ادّعَوا وجود ولد وبنت لعمر من أمّ کلثوم بنت علیّ ، وهذا ما قاله بعض أعلام العامّة صراحةً ، مثل


1- مسند أحمد 3: 14 / ح 1119، و17 / ح 11147، و26 / ح 11227، و59 / ح 11578، وسنن الترمذیّ 5: 663 / ح 3788، ومصنَّف بن أبی شیبة 6: 13 / ح 30081، والمعجم الکبیر للطبرانی 3: 65 / ح 2678 و2679.
2- التفسیر الکبیر 32: 134.

ص:135

حمّاد بن اسحاق البغدادیّ المالکیّ (ت 267 ه-) فی کتابه «ترکة النبیّ» ، إذ قال :

«... وتزوَّج عمر بأمّ کلثوم وولدت له زیداً ورقیّة ابنَی عمر ، فکان یجب علی علیٍّ تسلیم فدک إلی ولدها ، وکان لعمر الحظّ الوافر فی ذلک وهو حقّ زوجته أُمّ کلثوم ثمّ لزید ابنه منها ولد»((1)) .

لکنّ کلام البغدادیّ المالکیّ غیر صحیح لعدة أمور :

أولاً : کان علی عمر أن یسلّم فدکاً لأولاد فاطمة أوّلاً ، لأنّه «الخلیفة» - فی الظاهر - قبل الإمام علیّ علیه السلام ، ولکن لم یفعله .

ثانیاً :إنّ أمیرالمؤمنین علیّاً علیه السلام لم یُرجع فدکاً فی أیّام خلافته لاسباب مذکورة فی کتب الحدیث الشیعیّة .

ثالثاً : لو کان أمیرالمؤمنین علیه السلام قد أعطی فدکاً لولد فاطمة ، فالنصیب الأکبر یکون للحسن والحسین ، لا لأمّ کلثوم حتّی یکون «لعمر الحظّ الوافر فی ذلک» .

رابعاً : إنّ أمّ کلثوم وزیداً ماتا فی یوم واحد - کما ذکروا - فَهُما لا یتوارثان ، وسهمهما إنّما یرجع إلی أُختَی زید المفترضتین ، وهما : رقیّة وفاطمة!! ولا سهم لعمر ولا لأبنائه فی ذلک ، لأنّه کان قد مات قبل هذا التاریخ .

خامساً : لو ورث زید - وهو صاحب السهم القلیل - أختَیه رقیّة وفاطمة - علی فرض وجودهما - فإنّ الخلافة لا تصل إلیهم ، فقد یکون هذا هو ممّا عناه الإمام الصادق علیه السلام بقوله الآنف الذکر .


1- ترکة النبیّ: 95.

ص:136

أمور أخلاقیّة لابدّ من رعایتها قبل الزواج

بعد کل هذا لنناقش مدّعیً آخر «للخلیفة» ، وهو أنّه کان لا یرجو من هذا الزواج إلّا المصاهرة وکسب الشرف ، لا النکاح والأولاد !! کما اکّد علیه کثیراً ، کما أنّه کان یرصد من کرامتها ما لا یرصده أحد من المسلمین .

فهل هذان الادعاءان صحیحان ، أم لا ؟ لا یمکننا البتّ فی ذلک إلّا بعد استعراض المقدِّمات الآتیة ، وبیان نظرته إلی النساء ونظرتهنّ إلیه ، ومواقفه مع الرعیة وشدّته مع الناس ، خصوصاً مع الخدم والعبید ، لأنّ فی بیان ذلک هو إلقاء إطلالةٍ علی أخلاقیّات عمر ومواقفه الشخصیّة والحکومیّة ، وهی تعطینا صورة عن حالاته وأهدافه فی هذا الزواج وغیره :

شدة عمر مع رأیه ، والنساء علی وجه الخصوص

إنّ شدّة عمر بن الخطّاب وغلظته وفضاضته مع الناس ممّا لا یمکن لأحد إنکارها ((1)) ، فعن عائشة أنّها قالت : لمّا ثقل أبی دخل علیه فلان وفلان ، فقالوا :


1- بل أصبحت مضربَ المَثَل، فمن خطبة لعثمان بن عفّان بعد أن کثر اعتراض الأمّة علیه، قال: «... ألا فقد واللهِ عِبتم علَیَّ بما أقررتم لابن الخطاب بمثله، ولکنّه وَطِئکم برجله، وضربکم بیده، وقمعَکم بلسانه، فدِنتم له علی ما أحببتم وکرهتم... »، أُنظر: تاریخ الطبری 2: 645، والکامل فی التاریخ 3: 44، جمهرة خطب العرب 1: 273 / الخطبة 149. والطریف فی الأمر أنّ طه حسین یصف عائشة بوصف الشدّة: کانت شدیدة کعمر، أُنظر: مجموعته الکاملة 4: 454. وفی وفیات الأعیان 2: 22 / الرقم 149 فی ترجمة الحجّاج بن یوسف: إنّ زیاد ابن أبیه أراد أن یتشبّه بأمیر المؤمنین عمر بن الخطاب... أسرف وتجاوز، وأراد الحجّاج أن یتشبّه بزیاد فأهلک ودمّر.

ص:137

یا خلیفة رسول الله ، ما تقول لربّک إذا قَدِمتَ علیه غداً وقد استخلفتَ علینا ابن الخطّاب ؟!((1))

إشارة إلی شدّته وغلظته علی المسلمین .

وفی «تاریخ الخمیس» : إنّ طلحة والزبیر قالا لأبی بکر : ما أنت قائلٌ لربّک إذا ولّیته مع غلظته ؟!((2))

وفی «شرح نهج البلاغة» : یا خلیفة رسول الله ، إنّا کنّا لا نحتمل شراسته وأنت حیّ تأخذ علی یدیه ، فکیف یکون حالنا معه وأنت میّت وهو الخلیفة ؟!((3))

وفی «أُسد الغابة» : أتؤمِّر علینا من کان عَنَّافاً وأنت حیّ ، فماذا تقول لربّک إذا قدمتَ علیه ؟!((4))

وفی «طبقات ابن سعد» : إنّ حجّاماً کان یقصُّ عمر بن الخطّاب - وکان رجلاً مهیباً - فتنحنح عمر فأحدث الحجّامُ ، فأمرَ له عمر بأربعین درهماً !((5))

وعن عِکْرِمة : دعا عمر بن الخطّاب رجلاً یأخذ من شاربه ، فتنحنح عمر


1- طبقات ابن سعد 3: 274، تاریخ مدینة دمشق 44: 249 و251، وانظر: مصنَّف ابن أبی شیبة 7: 434 / ح 37056، والسنن الکبری للبیهقیّ 8: 149 / ح 16352.
2- تاریخ الخمیس 2: 241.
3- شرح نهج البلاغة 6: 343.
4- أُسد الغابة 4: 68.
5- طبقات ابن سعد 3: 287، کنز العمّال 12: 253 / خ 35769، وانظر: تاریخ المدینة 1: 362 / ح 1117.

ص:138

- وکان مهیباً - فأحدث الحجّام ، فأعطاه أربعین درهماً ((1)) .

وعن کَهْمَس بن الحسین ، أنّ رجلاً تنفّس عند عمر بن الخطّاب کأنّه یتحازن ، فلکزه ، أو قال : لَکَمه ! ((2))

وفی «المدخل» لابن الحاجّ : رأی عمر بن الخطّاب رجلاً یمشی وهو منحنی الرأس ، فضربه بالدرّة وقال له : ارفع رأسک ، الخشوع ها هنا ، وأشار إلی قلبه((3)) .

وعن عبدالله بن عمر قال : کان عمر یأتی مجزرة الزبیر بن العوّام بالبقیع - ولم یکن بالمدینة مجزرة غیرها - فیأتی معه بالدُّرّة ، فإذا رأی رجلاً اشتری لحماً یومین متتابعین ، ضربه بالدرّة وقال له : ألا طویتَ بطنک یومین ؟!((4))

وعن تمیم الداریّ أنّه استأذن عمر فی القصص ، فأذن له ، ثم مَرَّ علیه بعد ، فضربه بالدُّرّة((5)) .

وعن سعید بن المسیب قال : مر به [أی بعمر بن الخطّاب] رجلانِ ، وهو یعرض إبل الصدقة ، فقال لهما : من أین جئتما ؟

فقالا : من بیت المقدس ، قال : فعلاهما بالدرّة ، وقال : أَحَجٌّ کحجّ


1- تاریخ المدینة 2: 683.
2- تلبیس إبلیس: 355، تفسیر القرطبیّ 1: 375، وفیه: روی الحسن أنّ رجلاً...
3- المدخل لابن الحاجّ 1: 55، محاضرات الأدباء 2: 428.
4- محض الصواب 1: 377، وأُنظر الطبقات الکبری للشعرانیّ 1: 18.
5- تاریخ مدینة دمشق 11: 81، تاریخ الإسلام للذهبیّ 3: 616 - عهد الخلفاء الراشدین.

ص:139

البیت ؟! قالا : إنّما کنّا مجتازَین((1)) .

وفی «مسند الربیع» : أنّ عمر بن الخطّاب مَرَّ ذات لیلة برجل وهو مستقبل القبلة ، فقال : ما تخلُّفک بهذه الساعة ؟ فقال : صلّیتُ یا أمیر المؤمنین العشاء ، ثمّ صلّیت ما قُضی لی ، فجلست أتفکّر فی الله . فعلاه بالدرّة ثمّ قال له : ثکلتک أمّک ! أَفی الله أُمرتَ بالتفکّر أم فی خلقه ؟ ثم تلا عمر : {إِنَّ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّیْلِ وَالنَّهَارِ لَآیَاتٍ لِأُولِی الْأَلْبَابِ} ((2)) .

وعن عکرمة بن خالد ، قال : دخل ابنٌ لعمر بن الخطّاب علیه وقد ترجّل ولبس ثیاباً حساناً ، فضربه عمر بالدرّة حتّی أبکاه .

فقالت له حفصة : لم یکن فاحِشاً ، لم ضربته ؟

فقال : رأیته قد أعجبته نفسه فأحببت أن أُصغّرها إلیه((3)) .

وعن عثمان بن سیار ، قال : بینما عمر فی دفن زینب بنت جحشٍ ، إذ أقبل رجل من قریش مرجِّلاً شعره بین ممصَّرتین((4)) ، فأقبل علیه عمر ضرباً بالدرّة حتّی سبقه شدّاً وأتبعه رمیاً بالحجارة ، وقال : کیف جئتنا ؟! نحن علی لعب ؟! أشیاخ یدفنون أمَّهم((5)) .


1- أخبار مکّة للأزرقیّ 2: 63، کنز العمّال 14: 65 / خ 38194، مصنَّف عبدالرزّاق 5: 133 / 9164 - کتاب الحجّ، مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 419 / ح 15547.
2- مسند الربیع: 320 / ح 849.
3- مصنَّف عبدالرزّاق 10: 416 / ح 19548، تاریخ الخلفاء: 142.
4- الممصَّرة من الثیاب: التی فیها صفرة خفیفة.
5- الإشراف فی منازل الأشراف لابن أبی الدنیا: 215 / ح 42876، کنز العمّال 15: 305 / خ 42876.

ص:140

وعن أبی عمرو الشیبانیّ قال : کنّا عند عمر بن الخطّاب فأُتی بطعام له ، فاعتزل رجل من القوم ، فقال عمر : ما له ؟ قالوا : إنّه صائم ، قال : وما صومه ؟ قالوا : الدهر . قال : فجعل یقرع رأسه بقناة معه ویقول : کُلْ یا دَهْر ، کُلْ یا دَهْر ! ((1))

وفی «الأخبار الموفقیّات» : کان عمر إذا غضب علی بعض أهله لم یسکن غضبه حتّی یعضّ یده عضّاً شدیداً ! ((2))

وعن أسلم ، أنَّ نفراً من المسلمین کلّموا عبدالرحمن بن عوف ، فقالوا : کَلِّم عمر بن الخطّاب ، فإنه قد أخشانا حتّی واللهِ ما نستطیع أن ندیم إلیه أبصارنا((3)) .

وعن عمر أنّه قال لأُبیّ بن کعب : إنّی أضرب المؤمنین ولا یضربوننی ، وأشتمهم ولا یشتموننی ، وأُوذیهم ولا یؤذوننی((4)) .

وفی «السنن الکبری» عن شهر بن حَوشب ، أنّ عمر صاح بامرأة فأسقطت((5)) .

وعن الشعبیّ قال : لم یمت عمر حتّی ملّته قریش ، وقد کان حَصَرهم بالمدینة فامتنع علیهم ، وقال : إنّ أخوف ما أخاف علی هذه الأمّة انتشارُکم فی


1- مصنَّف عبدالرزّاق 4: 298 / ح 7871.
2- الأخبار الموفقیّات: 602 - عنه: شرح نهج البلاغة 6: 342، 343.
3- تاریخ الطبریّ 2: 568.
4- سِیر السلف الصالحین: 65، محض الصواب 2: 507.
5- السنن الکبری 8: 116 / ح 16204، کنز العمّال 15: 51 / خ 40361.

ص:141

البلاد((1)) .

وعن أبی نوفل بن أبی عقرب ، قال : جاءت امرأةٌ إلی عمر بن الخطّاب فقالت : یا أمیر المؤمنین ، إنّی امرأةٌ کما تری ، وغیری من النساء أجملُ منی ، ولی عبدٌ قد رضیتُ دینه وأمانته ، فأردت أن أتزوّجه .

فبعث عمر إلی العبد ، فضربها [أی المرأة] ضرباً ، وأمر بالعبد فبِیعَ فی أرض غُربةٍ !((2))

وفی «مصنَّف عبدالرزّاق» : عن قتادة ، قال : جاءت امرأةٌ إلی أبی بکر فقالت : أُعْتِقُ عبدی وأتزوّجه فهو أهونُ علَیّ مؤونةً من غیره ؟

فقال : اِئْتی عمر فسلیه . فسأَلَت عمر فضربها حتّی فَشْفَشَت ببولها ...((3))

فهذه الأخلاق الشدیدة والغلیظة لا یحبّها عموم الناس ، خصوصاً النساء منهم ، إذ کیف بعمر بن الخطّاب یفعل هکذا بالمسلمین ، وهم لا یریدون إلّا العمل بما أجاز الله لهم ؟! وهل تتّفق غلظته وضربه وشتمه الناس بحیث لا یمکنهم أن یضربوه أو یشتموه وفقَ العدل الإسلامیّ الذی أمرنا الله به ، وبالرفق بالمسلمین والغلظة علی الکافرین ؟! إنّه تساؤل فقط والآن مع موضوع آخر :


1- تاریخ الطبریّ 2: 679، تاریخ مدینة دمشق 39: 303، الکامل فی التاریخ 3: 70، کنز العمّال 14: 34 / ح 37978.
2- مصنَّف ابن أبی شیبة 5: 537 / ح 28763 - من کتاب الحدود، باب فی المرأة تزوَّج عبدها.
3- مصنَّف عبدالرزّاق 7: 210 / ح 12819، کنز العمّال 16: 229 / خ 45834.

ص:142

موقف عمر مع الإماء والعبید

اشارة

وفی أخبار أُخری : رُوی أنّه کان ینهی عن تزوُّج العربیّ بالأَمة((1)) ، وکان یمنع الإماء من الاتّزار ، فقال یوماً لابنه : ألم أُخْبَرْ أنَّ جاریتک خرجت فی الإزار وتشبَّهت بالحرائر ؟! ولو لقیتُها لأوجعتها ضرباً((2)) .

وفی «أحکام القرآن» للجصّاص : إنّ عمر کان یضرب الإماء ویقول : اکشفن رؤوسکنّ ولا تشبَّهْنَ بالحرائر((3)) .

وقد رأی جاریة متکمکمة ، فسأل عنها فقالوا : أَمة لفلان . فضربها بالدرة ضربات وقال : یا لُکعاء ! أتتشبَّهین بالحرائر ؟! ((4))

وعن أنس بن مالک : کن إماء عمر یخدمننا ، کاشفات عن شعورهنّ ، تضطرب ثُدْیُهُن !!((5)) وأمثال هذه النصوص کثیرة فی کتب الحدیث .

فهو یمنع تزوّجَ العربیّ بالأَمة ، ویدعو لکشف الإماء عن صدورهن وشعورهن ، فسحةً للسفهاء والفسّاق لکی یتعرّضوا لهنَّ ویترکوا الحرائر((6)) .


1- مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 52 / ح 17700، 6: 411 / ح 32476.
2- الذخیرة للقرافیّ 2: 103.
3- أحکام القرآن، للجصّاص 3: 486.
4- الفائق فی غریب الحدیث 3: 171.
5- السنن الکبری للبیهقی 2: 227.
6- هذا القول حُکیَ عن السدّیّ، انظر: تفسیر ابن أبی حاتم 10: 3155 / ح 17788، والدرّ المنثور 5: 222، وانظر: الهدایة فی شرح بدایة المبتدی 1: 49 - کتاب الصلاة، باب شروط الصلاة، والبحر الرائق 1: 474، والتکملة 8: 357. وقد تهجّم ابن حزم فی المحلی 3: 219 علی الذین خصُّوا الحجاب بالحرائر فی قوله تعالی: (أن یُعْرَفْنَ( فقال: ونحن نبرأ من هذا التفسیر الفاسد الذی هو: إمّا زلّة عالمٍ ووهلة فاضل عاقل، أو افتراء کاذب فاسق، لأنّ الله تعالی أطلق الفسّاق علی أعراض إماء المسلمین، وهذه مصیبة الأبد! وما اختلف اثنان من أهل الإسلام فی أنّ تحریم الزنا بالحرّة کتحریمه بالأَمة، وأنّ الحدّ علی الزانی بالحرّة کالحدّ علی الزانی بالأَمة، ولا فرق، وأنّ تعرّض الحرّة فی التحریم کتعرّض الأَمة، ولا فرق. ولهذا ولشبهه وجب أن لا یُقبَل قول أحد بعد رسول الله صلی الله علیه و آله إلّا بأن یسنده إلیه صلی الله علیه و آله .

ص:143

فجاء فی «مغنی المحتاج» و«حاشیة إعانة الطالبیّین» : إنّ عمر قصد نفی الأذی عن الحرائر ، لأنّ الإماء کنّ یُقصَدن للزنا ، قال تعالی : {ذٰلِکَ أَدْنَی أَنْ یُعْرَفْنَ فَلاَ یُؤْذَیْنَ} ، وکانت الحرائر تُعرَف بالستر ، فخشیَ أنّه إذا استترت الإماء حصل الأذی للحرائر ، فأمر الإماء بالتکشّف((1)) .

وفی «البحر الرائق» وغیره : واعتُرض کیف عزّرها [عمر] علی الستر الذی هو جائز ، والتعزیر إنّما هو یکون عن ارتکاب المحظورات والمحرمات ؟

وأجیب : بأنّه إنّما فعل ذلک لأنّ الفساق إذا تعرضوا للحرائر کان ذلک أشد فساداً والتعرّض للإماء دون ذلک فی الفساد ، ففعل ذلک لئلّا یجب الأوّل فیکون فیه تقلیل الفساد((2)) .

والأعظم من ذلک أنّ عمر کان یدعو وُلده لمقاربتهنّ ، فقد جاء فی «تاریخ مدینة دمشق» : أنّه دعا وُلْدَه فجمعهم ، فقال : هل فیکم من یحتاج إلی


1- مغنی المحتاج 3: 131، حواشی مغنی المحتاج 7: 200، حاشیة إعانة الطالبیّین 3: 301.
2- تکملة البحر الرائق 8: 357، طلب الطلبة لأبی حفص النسفیّ: 202، الهدایة فی شرح بدایة المبتدی 1: 49، الذخیرة للقرافیّ 13: 103، البنایة فی شرح الهدایة 2: 133.

ص:144

امرأة أُزوّجه ؟ ولو کان بأبیکم حرکة إلی النساء ما سبقه منکم أحد إلی هذه الجاریة ، وفی لفظ : هذه المرأة((1)) .

فبأیّ الخبرین یمکننا الأخذ ؟! هل بالخبر الأوّل أم بالثانی ؟!

ولو کان الشارع قد أجاز للإماء أن لا یغطّین رؤوسهنّ فی الصلاة ، فهل یجوز للخلیفة أن یجعل کشفهنّ لشعورهن وأثداءهنّ واجباً مفترضاً فی کلّ مکان وزمان ؟! حتّی یطمع فیهن الفسّاق !!

ألیس یجب علی الحاکم الإسلامی - فی أی زمان ومکان - أن یمنع مما یثیر الفتنة ؟ وماذا یعنی قولُ أنس بن مالک من اضطراب أثداء الإماء فی مجلس عمر وهنّ یخدمن !

قال عبدالملک فی «الواضحة» : وما رأیت بالمدینة أمة تخرج - وإن کانت رائعة - إلّا وهی مکشوفة الرأس فی ضفائرها ، أو فی شعر مُجمَّم ، لا تُلقی علی رأسها جلباباً لتُعرَف الأمة من الحرّة ، إلّا أنّ ذلک لا ینبغی الیوم لعموم الفساد فی أکثر الناس ! فلو خرجت الیوم جاریة رائعة مکشوفة الرأس فی الأزقّة والأسواق لوجب علی الإمام أن یمنع من ذلک ، ویلزم الإماء من الهیئة فی لباسهنّ ما یُعرَفن به من الحرائر ((2)) .


1- تاریخ مدینة دمشق 70: 253، صفة الصفوة 2: 204، أحکام النساء لابن الجوزیّ: 443.
2- البیان والتحصیل 4: 357 و358 - کتاب النکاح الثانی.

ص:145

انظر إلی هذا الفقیه کیف یعرف الحکم ولا یعرفه خلیفة المسلمین ! حسبما یقولون .

ألیس هذا استنقاصاً من عمر بن الخطّاب ومن علمه ؟! بل إنّ فی النصوص المنقولة فی الکتب الأخری هی أشدّ من ذلک وأنکی ، لأنّه أخذ الاعتراف من جاریته بالقسر والقوّة بأنّ ما فی بطنها لیس منه ، فجاء فی السنن الکبری وغیره :

روی عن عمر أنّه کان له جاریة ، وکان یَطؤُها ، فجاءت بولد ، فنفاه ، وقال : اللهمّ لا تُلحق بآل عمر مَن لا یشبههم . فأقرّت أنّه من فلان الراعی((1)) .

نعم بهذه الطریقة کان یتعامل عمر مع المسلمین ، وإنّ غالب أعماله نراها توصف بالزهد والسیاسة والحنکة ، فی حین أنّها تصوّره أنّه رجل متکبّر وجبّار یتعدّی علی الآخرین ، فیَلْکُم هذا ، ویضرب ذاک ، ویعلوه بالدرّة ویقع فی رأسه ، ثمّ یطلب العفو منه !

مؤکّدین علی أنّ مسؤولیّة الحاکم لیست هی الشدة فی کلّ الأُمور ، بل علیه بالنصیحة والوعظ أیضاً ، فقد تکون النصیحة أنفع وأجدی من الضرب ، وإنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کانت رسالته التبلیغ والإرشاد لقوله تعالی : {وَمَا عَلَی الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ}.


1- السنن الکبری 7: 413، إعلاء السنن 11: 356 / خ 3455، المبسوط للسرخسیّ 17: 99.

ص:146

ولا أدری هل الوجدان البشریّ الیوم یقبل هذه الأعمال الشدیدة من «الخلیفة» أو التأویلات والتعالیل التی قیلت دفاعاً عنه ، أم یعتبرونها مغالاة من أتباعه فیه ؟!

أجل ، إنّا نری کثیراً ما یتراجع عمر عن رأیه وحدّته وخشونته ، ویطلب من المُعْتَدی علیه أن یقتصّ منه أو یعفو عنه .

فإن کان عمر قد ضربه أو تعدّی علیه تأدیباً ومصلحة ، وقد فعله من باب أمره بالمعروف أو نهیه عن المنکر ، وأداءً لواجبه کحاکم شرعیّ حسب الفرض ، فهو معذور ولا یحتاج إلی طلب العفو أو القصاص من المجنیِّ علیه .

وإذا کانت خشونته وغلظته هی السبب فی طلب العفو والمعذرة ، فلیس للإنسان - وخصوصاً الخلیفة - أن یخطأ کلَّ یوم ثمّ یعتذر ، وهذا مالا یرتضیه المسلم ، وقبل ذلک ما لا یرتضیه الله من عبده .

وإنّک ستقف بعد قلیل علی أنّه کان لدرّة عمر دَورٌ فی تحقّق هذا الزواج من ابنة علیٍّ من أم ولد - لا من فاطمة الزهراء - إذ تری فی «الطبقات الکبری» شدّة جواب عمر حینما قال له الإمام علیّ علیه السلام : إنّها صبیة ، قال : «إنّک والله ما بک ، ولکن قد علمنا ما بک» .

وفی روایة الدولابیّ فی «الذرّیّة الطاهرة» والمحبّ الطبریّ فی «ذخائر العقبی» عن ابن إسحاق : فقال عمر : «لا والله ما ذلک بک ، ولکن أردتَ منعی» ((1)) .


1- الذرّیّة الطاهرة: 157، وذخائر العقبی: 168.

ص:147

نعم هدَّد عمرُ الإمامَ علیّاً علیه السلام بالفعل عن طریق عمّه العبّاس قائلاً له : «والله لئن لم یزوّجنی لأقتلنّه !» ((1)) .

وفی نصٍّ آخر : لئن لم یفعل لأفعلنّ ! ((2))

وفی ثالث : أما والله لأعورنّ زمزم ، ولا أدع لکم مکرمةً إلّا هدمتها ، ولأُقیمنّ علیه شاهدین بأنّه سرق ولأقطعنّ یمینه !! ((3))

وقد تهجّم علی عقیل لمَّا علم بمخالفته لهذا الزواج ، بقوله : ویح عقیل سفیه أحمق ! ((4))

إذن ، کان عمر بن الخطّاب یرید الزواج بأُمّ کلثوم عن طریق التهدید لا عن طریق المحبّة کما یدّعون .

وإنّ الذین قالوا بوقوع الزواج منها - من الشیعة - ، قالوا «بأنّه کان بعد مدافعة کثیرة وامتناع شدید واعتلال علیه بشیء بعد شیء ، حتّی ألجأت الضرورةُ الإمامَ إلی أن ردّ أمرها إلی العبّاس بن عبدالمطّلب فزوّجها إیّاه»((5)) .

* * *


1- الاستغاثة 1: 78.
2- الاستغاثة 1: 78.
3- الکافی 5: 346 / ح 2، النوادر: 130، وبحار الأنوار 42: 94 / ح 22.
4- المعجم الکبیر 3: 44 / ح 2633، مجمع الزوائد 4: 272.
5- إعلام الوری 1: 397.

ص:148

کانت هذه مجموعة من النصوص تکشف عن مدی شدّة عمر وغلظته علی المسلمین ، ومن الطبیعیّ أنّ المرأة - أیَّ امرأةٍ کانت - لا ترضی العیش مع رجل هذه شخصیّته ، إذ لا تری المرح والدعابة فی کلامه ولا فی وجهه ، وکلُّ ما تراه هو الشدّة والغلظة والعبس مع الناس ومع نسائه .

فالمرأة عاطفیّة فی طبعها ، رقیقة فی مشاعرها ، فلا یعجبها أن تُعاشِرَ إنساناً خشن الطبع إلی هذا الحدّ ، قاسیاً علی الناس ، خصوصاً حینما تقف علی نظرته العدائیّة والتحقیریّة للنساء ، فقد استفاض فی کتب التاریخ : أنّ النساء کنّ یکرهن التزوّج منه((1)) وذلک لنظرته الخاصّة والخاطئة إلیهنّ .

فجاء فی «بلوغ الإرب فی معرفة أحوال العرب» و«تفسیر القرطبی» وغیرهما وصف عمر للنساء شعراً :

إنَّ النِساءَ شیاطینٌ خُلقنَ لنا

نَعُوذُ بالله ِ مِن شَرِ الشَّیاطینِ((2))

وجاء فی «أنساب الأشراف» : أنّ عمر نهر امرأة لأنّها تکلمت فی شیء فقال لها : ما أنتِ وهذا ؟! إنّما أنتنّ لُعَب ، فأقبلی علی مغزلک ، ولا تَعرضیّ فیما لیس من شأنک ((3)) .


1- أنظر ذلک فی «دراسات نقدیة لمرویّات عمر».
2- بلوغ الإرب فی معرفة أحوال العرب 2: 13، تفسیر القرطبیّ 7: 68، فیض القدیر للمناویّ 2: 177.
3- أنساب الأشراف 10: 320، کما فی دراسة نقدیة لمرویّات عمر بن الخطاب - ط الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة 1: 241.

ص:149

دعوة النساء إلی التعرّی ، لماذا ؟

أجل إنّ عمر بن الخطّاب نصح إخوانه الصحابة «بنصائح» ، کان منها قوله : لا تُسْکِنُوا نساءکم الغرف ، ولا تعلّموهنّ الکتابة ، واستعینوا علیهن بالعُرْیِ ! ((1))

وفی قولٍ آخر : استعینوا علی النساء بالعُری ، إنّ إحداهنّ إذا عَرِیت لَزِمت بیتها ((2)) .

وفی ثالث : استعینوا علی النساء بالعری ، إنّ إحداهنَّ إذا کثرت ثیابها وحسنت زینتها ، أعجبها الخروج((3)) .

وفی «التبیین فی أنساب القَرشیّین» : وفد رجل علی عمر بن الخطّاب ، فقال لفاطمة((4)) بنت فاطمة امرأته : ألا تخرجین فتسلّمین علی ضیفک ؟ قالت :وهل ترکتَنا نستطیع أن نبرز لأحد من العُری ؟!

قال : وما یکفیک أن یقول الناس : امرأة أمیرالمؤمنین ؟

قال هشام : هی أمّ کلثوم ((5)) .

فهنا سؤال یطرح نفسه : لماذا أحبّ عمر عری النساء ؟ وکیف به یرضی


1- مجمع الأمثال للمیدانیّ 2: 452، شرح نهج البلاغة 12: 116، الحیوان للجاحظ 1: 71.
2- الإشراف فی منازل الأشراف لابن أبی الدنیا: 177 / ح 157، کنز العمّال 16: 241 / خ45920.
3- مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 53 / ح 17711، کنز العمّال 16: 155 /خ 44952.
4- یعنی بذلک أمّ کلثوم بنت فاطمة، کما سیأتی فی قول هشام فی ذیل الخبر.
5- التبیین فی أنساب القَرشیّین: 135، وانظر: الروضة الفیحاء: 234.

ص:150

أن تَعری نساؤه بحیث لا یمکنها أن تخرج إلی الضیف ؟

بل هل یجوز لامرأة تملّک 40 ألف درهماً (کأمّ کلثوم) مهراً من زوجها عمر ! أن تکون عاریة ؟! ولِمَ لا یحقّ لها أن تستفید ممّا أنعم الله علیها من الرزق الحلال ؟! وهل الطیّبات التی خلقها الله هی للفاسقین والفاسقات والکافرین والکافرات ، أم للمؤمنین والمؤمنات ؟!

وهل کان عمر لم یعطها مهرها ویبخل علیها لکی تبقی عاریة ؟! أم أنّه أعطاها مهرها وکان مقروضاً علیه حتّی وفاته ، حسبما جاء فی «صحیح البخاریّ» بأنّ قروض عمر بلغت عند وفاته 86 ألف [درهم] ((1)) . وإذا کان قد أعطاها فلماذا لا تقدر أن تخرج إلی الضیوف ، وإذا لم یعطها حقّها فلماذا ؟

قال ابن أبی الحدید فی «شرح نهج البلاغة» موضّحاً ذلک بالقول : إنّ عمر لما طُعن واحتُمل فی دمه إلی بیته وأوصی بما أوصی ، قال لابنه عبدالله : أُنظروا ما علَیَّ من دَین . فحسبوه فوجدوه ستمائة وثمانین ألف درهم ... . وروی الطبریّ أنّ عمر دفع إلی أمّ کلثوم بنت علیّ صداقها یوم تزوّجها أربعین ألف درهم ، فلعلّ هذا الاقتراض من الناس کان لهذا الوجه ولغیره من الوجوه التی قلّ أن یخلو أحد منها ((2)) .


1- صحیح البخاریّ 4: 205، مناقب المهاجرین - باب قصّة البیعة والاتّفاق علی عثمان، تاریخ المدینة 3: 934، الطبقات الکبری 3: 338، صحیح ابن حِبّان 15: 352.
2- شرح نهج البلاغة 12: 226 - 227.

ص:151

فلماذا کان عمر بن الخطّاب لا یرضی أن تلبس المرأة الجیّد من اللباس ، أو أن تکون من أهل النعم أو أن تلبس ما یسترها من العُری ؟!

بل ما هو المانع من أن تلبس الجیّد وتستقبل الضیوف من النساء بذلک اللباس الجیّد الذی کان من مهرها الخاصّ الحلال الخالص ، ولیس من بیت مال المسلمین ؟

وإذا کانت المرأة لعبة وعورة ، وهی مما یجب حبسهنّ فی البیوت ، فإنّ ذلک لا یجوز - للقائل به - دعوتُهنّ للخروج والأکل مع الأجنبیّ !

لقد جاء فی «تاریخ الطبری» وغیره : إنَّ المسلمین وهبوا لعمر مغانم حصلوا علیها عند فتح فسا دار أبجُرد ، وکان بین المغانم سفطٌ فیه جوهر ، فبعثوها مع رجل ، فقدم علی عمر فوجده یطعم الناس ومعه عصاه التی یزجر بها بعیره ، فقال له عمر : اجلس . فجلس حتّی إذا أکل القوم انصرف عمر ، فاتّبعه الرجل ، فظنّ عمر أنّ الرجل لم یشبع ، فلمّا انتهی عمر إلی باب داره قال للرجل : ادخل .

فلمّا جلس فی البیت ، أُتی بغدائه - خبز وزیت وملح جریش - فوُضع، وقال [لأُمّ کلثوم] : ألا تخرجین یا هذه فتأکلین ؟

قالت : إنّی لأسمع حسّ رجل ، فقال : أجل .

فقالت : لو أردتُ أن أبرز للرجال اشتریتَ لی غیر هذه الکسوة .

فقال : أوَما ترضین أن یقال : أُمّ کلثوم بنت علیّ وامرأة عمر ؟!

فقالت : ما أقلَّ غنی ذلک عنّی ! ثم قال للرجل : ادنُ ، فکُلْ فلو کانت

ص:152

راضیة لکان أطیبَ ممَّا تری((1)) .

فکیف یتطابق هذا مع الخبر الآتی :

عن الأَعمش ، عن إبراهیم قال : طاف عمر بن الخطّاب فی صفوف النساء ، فوجد ریحاً طیّبة من رأس امراة ، فقال: لو أعلمُ أیّتکنّ هی لفعلتُ ولفعلت ! لِتَطَیَّبْ إحداکنّ لزوجها ، فإذا خرجت لبست أطمار ولیدتها ، قال : فبلغنی أنَّ المرأة التی کانت تطیَّبت بالت فی ثیابها من الفَرَق ((2)) .

النظافة خُلُق إسلامی أم أعجمی؟!

کما جاء عنه أنّه کان یتشدّد علی النساء فی ذهابهنّ إلی الحمّام ، ففی «مصنَّف عبدالرزّاق» : کان عمر بن الخطّاب یکتب إلی الآفاق : لا تَدخلَنّ امرأة مسلمة الحمّام إلّا من سقم ((3)) .

وعن قبیصة بن ذویب ، عن عمر بن الخطّاب قال : لا یحلّ لرجل أن یدخل الحمّام إلّا بمئزر ، ولا یحلّ لامرأة أن تدخل الحمّام .

فقام رجلٌ فقال : لقد منعتُها من حیث سمعْتُک تنهی عن ذلک ، وإنّها لسقیمة ، فقال عمر : إلّا من سقم ((4)) .


1- أُنظر: تاریخ الطبریّ 2: 553 - حوادث سنة 23 ه، تاریخ مدینة دمشق 20: 27، المنتظم 4: 325.
2- مصنَّف عبدالرزّاق 4: 374 /ح 8117 - کتاب الاعتکاف، باب طِیب المرأة.
3- مصنَّف عبدالرزّاق 1: 295 / ح 1133، کنز العمّال 9: 244 / خ 27417.
4- شُعب الإیمان للبیهقیّ 6: 159 / ح 7777، کنز العمّال 9: 244 / خ 27420.

ص:153

والأسوأ من ذلک أنّه کان یکره هو نفسه الذهاب إلی الحمّام والطلاء بالنورة للرجال کذلک ، فی حین أنّ هذه الأمور هی ممّا أکّدها رسول الله صلی الله علیه و آله ، فعن عبدالرحمن قال : سألت محمّد بن سیرین عن دخول الحمّام ، فقال : کان عمر بن الخطّاب یکرهه ((1)) .

وعن عمر قال : إیّاکم وکثرة الحمّام ، وکثرة اطِّلاءِ النورة ، والتَّوَطُّؤ علی الفُرش ، فإنّ عباد الله لیسُوا بالمتنعّمین ((2)) .

وعن العلاء بن أبی عائشة : إنّ عمر بن الخطّاب دعا بحلّاقٍ فحلقه بموسٍ فاستشرف له الناس ، فقال : أیّها الناس ! إنّ هذا لیس من السنّة ، ولکنّ النورة من النعیم فکرهتُها ((3)) .

فهل هذا المنطق الذی ینسبونه إلی عمر هو منطق التحجّر ، أم منطق الزهد فی الإسلام ؟! ولماذا لا نطلی أجسامنا بالنورة ورسول الله هو أوّل من أکّد علیه ، فقد أخرج أحمد بن حنبل عن عائشة أنّها قالت :

إطَّلی رسول الله صلی الله علیه و آله النورة ، فلمّا فرغ منها قال : یا معشر المسلمین ، علیکم بالنورة فإنّها طیبة وطهور ، وإنّ الله تعالی یُذهب بها عنکم أوساخکم وأَشعارکم . أی هی من نعیم الدنیا ، ومن ثَّمَ کرهها عمر((4)) .

فی حین نری عکس ذلک عن عمر ، فقد روی مالک عن عمر قوله :


1- المطالب العالیة 2: 464، کنز العمّال 9: 244 / ح 27418.
2- کتاب الزهد لعبد الله بن المبارک 1: 263 / ح 759، کنز العمّال 3: 285 / 8548.
3- الطبقات الکبری 3: 291، وانظر مصنَّف ابن أبی شیبة 1: 105 / 1192.
4- السیرة الحلبیّة 2: 754، نیل الأوطار 1: 161.

ص:154

إیّاکُم وهذا التنعّم وأمرَ الأَعاجم ، وأکره غسل الیدین قبل الطعام ، وأراه من فعل العجم((1)) .

وعن السائب بن یزید قال : ربّما تعشّیت عند عمر بن الخطّاب ، فیأکل الخبز واللحم ، ثمّ یمسح یده علی قدمه ، ثمّ یقول : هذا مندیل عمر وآلِ عمر ! ((2)) قال مالک : وقد تَمَنْدل عمر بباطن قدمه ((3)) .

وعن عاصم بن عبیدالله بن عاصم : إنّ عمر کان یمسحُ بنعلیه ویقول : إنّ منادیل آل عمر نِعالُهم ((4)) .

وعن ثابت قال : أکل الجارود عند عمر بن الخطّاب ، فلمّا فرغ قال : یا جاریة هلمی الدستار - یعنی المندیل لیمسح یدَه - فقال عمرُ : امسح یدک بأسْتِک أو ذَرْ ((5)) .

إن صحّت هذه الأخبار عن عمر فهی ممّا لا یُعجب النساء قطعاً ، بل لا یعجب حتّی الرجال أیضاً ، لأنّ الدین ما هو إلّا النظافة ؛ فالنظافة من الإیمان ، وطبع الإنسان - سواءً العربیّ أو الأعجمیّ - یمیل إلی النظافة ولا یرضی بالوسخ ، ولا بالمسح علی النعال ، أو التمندل بباطن القَدم !


1- الجامع فی السنن للقیروانیّ: 222.
2- طبقات ابن سعد 3: 318، کنز العمّال 12: 279 / خ 35929، جامع الأحادیث للسیوطیّ 13: 321 / ح 1253.
3- الجامع فی السنن للقیروانیّ: 221.
4- طبقات ابن سعد 3: 318، کنز العمّال 12: 275 / خ 35928.
5- المجالسة وجواهر العلم للدینوریّ: 98 / ح 585، کنز العمّال 12: 632 /خ 35949.

ص:155

وإنّی أری نقل تلک الأخبار فی کتب تراثیّة مهمّة ، کمصنَّف عبدالرزّاق ، ومصنَّف ابن أبی شبیة ، وجامع الأحادیث للسیوطیّ ، وطبقات ابن سعد وأمثالها هو اساءة واعتراف فی آن واحد ، فهی تصوّره علی أنّه حاکم وسخ ، جبّار یقسو علی رعیّته تحت طائلة التأدیب والمصلحة وأمثالها ، وهذه الأخلاق لا تتّفق مع زواجه من امرأة شابّة عفیفة شریفة من عائلة کریمة ، لها الشرف والسِّبق فی الإسلام .

إنّ نظرة عمر إلی النساء - بحسب النصوص التراثیّة الآنفة - کانت تحقیریّة ، ولیست بإنسانیّة حقّاً ، إذ کان عمر ینظر إلی المرأة بأنّها تُحترم ما دامت جمیلة وقابلة للانتفاع منها ، وتُترک إن سُلب عنها الانتفاع ، حتّی رُوی بأنه تزوَّج امرأة فأصابها شمطاءَ ، فطلّقها ((1)) .

کما رُویَ عن عمر قوله : بنت الخمسین عجوز من الغابرین ((2)) .

فاذا کان الزواج من أم کلثوم إکراهیّاً فلتکن هذه إبنة علی من أم ولد ولیس من أبنة فاطمة الزهراء ، لأنّ وزر الزواج لإبنة فاطمة وهی مکره أعظم من الزواج بابنة علی من أم ولد ، لأنّ إبنة فاطمة هی حفیدة رسول الله وإبنة علی ، أما الاخری فهی إبنة علی فقط.


1- انظر: مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 195 / ح 19253، الإفصاح: 35. والمرأة الشمطاء هی التی بین شعرها الأسود شعر أبیض.
2- الذخیرة للقرافیّ 1: 384.

ص:156

ضرب المرأة فی النهار ثمّ مضاجعتها فی اللیل !

أجل ، إنّ کتب التفسیر والحدیث تذکر اهتمام عمر بالجنس ولا ضیر ، لکن فی بعض الأحیان تراه یقدّمه علی الدین ، وإنّ قصّته فی نکاح امرأته أوّل لیلة من رمضان مشهورة ولا تحتاج إلی تعلیق ومزید بیان ، لأنّ الرجل المسلم فی أوائل الإسلام کان إذا أفطر فنامت امرأته لم یقربها ، وکذا إذا نام ولم یطعم إلی مثلها من القابلة ((1)) .

فعمر جاء امرأته وأرادها ، فقالت : إنّی قد نمت ، فظنّ أنّها تعتلّ ، فأتاها ((2)) ، فلمّا أصبح جاء رسولَ الله وقال : یا رسول الله ، أعتذر إلی الله وإلیک من هذه الخطیئة ، إنّی رجعت إلی أهلی بعد ما صلّیت العشاء ، فوجدت رائحة طیّبة ، فسوّلت لی نفسی ، فجامعتُ أهلی .

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله : «ما کنتَ بذلک جدیراً یا عمر» ! فقام رجال فاعترفوا بمثل ذلک ، فنزلت فی عمر وأصحابه {أُحِلَّ لَکُمْ} أی أُبیح لکم {لَیْلَةَ} أراد باللّیلة لیالی الصیام ، {الرَّفَثُ إِلَی نِسَائِکُمْ}، الرّفث کلام یُستقبَح لفظه مِن ذِکر الجماع ودواعیه ، وهو هنا کنایة عن الجماع» ((3)) .

ومثل ذلک جاء عنه أنّه واقع امرأته فی دبرها ،ثم جاء رسول الله فقال :


1- معرفة الآثار 3: 343.
2- فضائل الأوقات للبیهقیّ: 136 / ح 30، أحکام القرآن لابن العربیّ 1: 127، تفسیر عزّ الدین بن عبدالسلام 1: 192.
3- تفسیر الخازن 1: 116، تفسیر النسفیّ 1: 105، تفسیرّ الواحدی 1: 152 والآیة فی سورة البقرة: 187.

ص:157

یا رسول الله هلکت ! قال : وما الذی أهلکک ؟! قال : حوّلت رحلی البارحة ! قال : فلم یردّ علیه شیئاً ، قال : فأوحی الله إلی رسوله هذه الآیة : {نِسَاؤُکُمْ حَرْثٌ لَکُمْ فَأْتُوا حَرْثَکُمْ أَنَّی شِئْتُمْ} ((1)) .

کلّ هذه الاُمور یفعلها عمر بن الخطّاب غیر المعصوم ، واللهُ یُوافقه علیها ! قال ابن القیّم الجوزیّة :

وکان عمر یقول الشیء ویشیر به فینزل القرآن بموافقته ، فإذا نزل الأمر الدینیّ بموافقة قوله ، فکذلک وقوع الأمر الکونیّ القدَریّ موافقاً لقوله ((2)) .

أَجَلْ أَجَلْ ! إنّ قضایا عمر الخشنة کثیرة ولم تنحصر مع النساء والإماء فقط ، بل تراها مع الخدم أیضاً ، ففی «مصنَّف عبدالرزّاق» : کان عمر یضرب النساء والخدم ((3)) .

فأسالک بالله : هل یصحّ هکذا أفعال من خلیفة المسلمین ؟ وهل ذلک یوافق العدل والإنصاف من الراعی لرعیّته؟!

کان هذا بعض ما قیل فی سیرة عمر وتعامله مع النساء وقضایاه مع زوجاته وإمائه وخدمه ، وإنّ إشارتنا إلی أخلاقیّاته ونظرته إلی النساء کانت


1- مسند أحمد بن حنبل 1: 297، سنن الترمذیّ 4: 284، السنن الکبری 5: 314 و6: 302، مسند أبی یَعلی 5: 121، والآیة فی سورة البقرة: 223.
2- مفتاح دار السعادة 2: 575.
3- مصنَّف عبدالرزّاق 9: 441 / ح 17938 و 17939، مصنَّف ابن أبی شیبة 5: 223 / ح 25456، کنز العمّال 9: 88 / ح 25676.

ص:158

من ضروریات البحث المتعلّق بزواجه من أمّ کلثوم ابنة علی ، فکان لابدّ من معرفة أخلاقیّاته قبل وبعد وحین الزواج ، لأنّا نعلم بأنّ أوّل ما یسأل أبو المرأة - أیّاً کانت - هو عن أخلاقیّات الرجل الزوج وسیرته ثمّ دینه ، ولأجل ذلک قدم الشارع المقدَّس الأخلاق علی الدین فی معیار الزوجیّة ، فجاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله قوله : «إذا جاءکم مَنْ ترضون خُلُقَه ودینَه فزوِّجوه» ((1)) .

فالسؤال : هل إنّ عمر بن الخطّاب بهذه الصفات المذکورة فی کتبهم مؤهَّل للزواج من أمّ کلثوم أم لا ؟ ولو صحّت - تلک النصوص - فهل یُعقَل أن یزوِّج الإمام علیٌّ ابنتَه لرجل بهذه المواصفات عن طیب خاطر ؟! بل کیف یصدّق الإنسان المحب للصحابة ما جاء فی أمثال «بغیة الحارث عن زوائد مسند الحارث» من أنّه أتی جاریةً له فقالت : إنِّی حائض . فواقعها ، فوجدها حائض ! ((2))

کیف یفعل عمر ذاک والقرآن والسنّة ینهیان عن إتیان الحائض ؟

وهل کانت المرأة ذلیلة إلی هذا الحدّ فی منظار عمر ؟ بل لماذا لا یملک عمر نفسه حتّی یطغی علیه الهوی ویفعل ما یفعل ثمّ یندم ؟!

نعم ، کانت هذه هی نظرة عمر إلی النساء ، وهی نظر تعسّفیّة واستعلائیّة ، فی حین کان رسول الله صلی الله علیه و آله ینظر إلی المرأة علی أنّها ریحانة ولیست بقهرمانة ،


1- وسائل الشیعة 20: 76.
2- کنز العمّال 16: 566 / خ 45889، بغیة الحارث عن زوائد مسند الحارث: 46 - الباب 18 - فیمن أتی حائضاً، شرح العمدة 1: 468.

ص:159

وکان ینهی عن ضرب النساء ، ویحترم العجائز منهنّ ویُکرمهنّ ، ویحنو علی من هی أکبر منه سنّاً ، کلّ ذلک لسموّ روحه واحترامه لمکانة المرأة وذلک خلق الإسلام وخلق رسوله الکریم . ولذلک کنَّ النساء یرغبن فی الزواج من رسول الله ویهبن أنفسهنّ له صلی الله علیه و آله ، فی حین کنَّ علی عکس ذلک مع عمر بن الخطّاب ، إذ کُنَّ یهربن منه ولا یرضین الزواج به .

فعن عبدالله (أو عبیدالله) بن عبدالله بن عمر بن الخطّاب ، عن إیاس بن عبدالله بن أبی ذُباب ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا تضربوا إماءَ الله ِ . قال : فَذئِرَ النساءُ وساءت أخلاقهنّ علی أزواجهنّ .

فقال عمر للنبیّ : ذَئِرَ [أی اجْتَرَأْنَ] النساءُ وساءت أخلاقهن علی أزواجهنّ منذ نهیتَ عن ضربهنّ !

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله : فاضربوهن ! فضرب الناس نساءهم تلک اللیلة ، فأتی نساء کثیر یشتکین الضرب ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله حین أصبح : لقد طاف بآل محمّد اللیلة سبعون امرأةً ، (کلهنّ) یشتکین الضرب ، وأیمُ الله لا تجدون أُولئک خیارکم((1)) .

فهذه الروایة فیها تهمة لرسول الله حیث استجاب لعمر فی ضربه للنساء وهو خلق لا یتفق مع الخلق النبویّ السامیّ ، فهو صلی الله علیه و آله نهی عن ضرب المرأة


1- مصنَّف عبدالرزّاق 9: 442 / ح 17945، صحیح ابن حِبّان 9: 499 / ح 4189، المعجم الکبیر للطبرانیّ 1: 270 / ح 784 و 785 و 786، وانظر سنن أبی داوود 2: 245 / 2146، وسنن الدارمیّ 2: 198 / ح 2219.

ص:160

لا أمر بضربهن ، فعن عائشة عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال : أما یَسْتَحْیِی أحدکم أن یضرب امرأته کما یضرب العبد ؟! یضربها أوّل النهار ، ثمّ یضاجعها آخِرَه ! ((1))

ولعلَّ هذه الشدّة من عمر مع النساء وضربه لهنّ وشیوع أفکاره المتطرّفة الأخری معهنَّ هی التی جعلت اثنتین من نسائه یرجعن عن الإسلام ویلحقن بالمشرکین .

فعن ابن عباس : هنّ ستّ نسوة رجعن عن الإسلام ولَحِقْن بالمشرکین من نساء المؤمنین المهاجرین :

أمُ الحکم بنت أبی سفیان ، کانت تحت عیاض بن أبی شدّاد الفِهریّ .

وفاطمة بنت أبی أُمیّة بن المُغیرة ، أُخت أُمّ سلمة ، وکانت تحت عمر بن الخطّاب ، فلمَّا هاجر عمر أبت وارتدّت .

وَبُروع بنت عقبة ، کانت تحت شمّاس بن عثمان .

وعبدة بنت عبدالعزّی ، کانت تحت هِشام بن العاص .

وأمّ کلثوم بنت جَرول ، کانت تحت عمر بن الخطّاب .

وشهبة بنت غیلان . (وفی لفظ البغویّ : فکلُّهنّ یرجعن عن الإسلام) فأعطاهم النبیّ مهور نسائهم من الغنیمة((2)).


1- مصنَّف عبدالرزّاق 9: 442 / ح 17943.
2- تفسیر الکشّاف 4: 94، تفسیر الثعلبیّ 9: 296، تفسیر البغویّ 4: 334، تفسیر القرطبیّ 18: 70، تفسیر الخازن 4: 283، تفسیر البحر المحیط 8: 255، تنویر المقباس من تفسیر ابن عبّاس 6: 50، المحرَّر الوجیز 5: 298، تفسیر ابن وهب 2: 401.

ص:161

أکتفی بهذه النصوص وأرجع إلی صلب الموضوع ، لأوضّح کیفیّة إقدام عمر علی الزواج من نساءٍ أمثال أمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام ، وأمّ کلثوم بنت أبی بکر ، وعاتکة بنت زید ... وغیرهنّ .

وغالبهنّ کنَّ یکرهن الزواج به ، لکنّه کان یصرّ علی الزواج منهنّ قسراً ، بل تراه یدخل علی بعضهنّ - کعاتکة - ویُعارکها ویدخل بها ثمّ یترکها ! کما سیأتی تفصیل ذلک فی الصفحات اللاحقة .

ص:162

خطوبات غیر ناجحة

اشارة

انّ نجاح أیّ عمل وفشله یتوقّف علی صحّة المقدّمات المرسومة وخطائها ، وما یکتنف العمل من ملابسات ، لکن تکرار الفشل وعدم نجاحه لسببٍ ما ، أو لعلّة خاصّة یدعوا الإنسان فی السعی للتخلّص من ذلک المانع أو الموانع المؤثّرة فیه .

إنّ عمر بن الخطّاب قد أقدم علی خِطبة أکثرِ من امرأة ، فردَدْنه لِما عَرَفْن من أخلاقه وغلظة طبعه وإلیک بعض تلک النصوص .

1- أمّ کلثوم بنت أبی بکر

· ففی «تاریخ الطبری» : . . قال المدائنیّ : خطب - أی عمر - أُمّ کلثوم بنت أبی بکر وهی صغیرة ، وأرسل فیها إلی عائشة ، فقالت : الأمر إلیک .

فقالت أُمّ کلثوم : لا حاجة لی فیه .

فقالت لها عائشة : ترغبین عن أمیر المؤمنین ؟!

قالت : نعم ، إنّه خشن العیش ، شدید علی النساء .

فأرسلت عائشة إلی عمرو بن العاص فأخبرته .

فقال : أنا أکفیک .

فأتی عمر فقال له : یا أمیر المؤمنین ! بلغنی خبرٌ ، أُعیذک بالله منه .

قال : وما هو ؟

قال : خطبتَ أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ؟

ص:163

قال : نعم .

قال : أفرغبت بی عنها ، أم رغبت بها عنّی ؟

قال : ولا واحدة ، ولکنّها حَدَثة ، نشأت تحت کنف أُمّ المؤمنین فی لین ورفق ، وفیک غلظة ، ونحن نهابک وما نقدر أن نردّک عن خُلُقٍ من أخلاقک ، فکیف بها إن خالفتک فی شیء فَسَطَوْتَ بها ؟! کنت قد خلفت أبا بکر فی ولده بغیر ما یحقّ علیک .

قال : فکیف بعائشة وقد کلّمتها ؟!

قال : أنا لک بها وأدلک علی خیر منها ؛ أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب ، تَعْلَق منها بنسب من رسول الله ((1)) .

· وفی «تاریخ مدینة دمشق» : إنّ أُمّ کلثوم بنت أبی بکر قالت لأُختها عائشة : والله لئن فعلتِ لأَذهبنّ أصیحنّ عند قبر النبیّ((2)) .

· وفی نصّ آخر : إنّ رجلاً من قریش قال لعمر بن الخطّاب : ألا تتزوّج أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، فتحفظه بعد وفاته وتُخْلفه فی أهله ؟

فقال عمر : بلی ، إنّی لأُحبّ ذلک ، فاذهبْ إلی عائشة فاذکر لها ذلک ، وعُدْ إلیّ بجوابها .

فمضی الرسول إلی عائشة فأخبرها بما قال عمر ، فأجابته إلی ذلک وقالت


1- تاریخ الطبریّ 2: 564، الکامل فی التاریخ 2: 450، شرح نهج البلاغة 12: 221 - 222، البدایة والنهایة 7: 157، طبائع النساء لابن عبدالبَرّ.
2- تاریخ مدینة دمشق 25: 96، کنز العمّال 13: 626 / ح 37590، الاستیعاب 4: 1807 / الرقم 3287 - ترجمة حبیبة بنت خارجة.

ص:164

له : حبّاً وکرامة .

ودخل إلیها بعقب ذلک المغیرة بن شعبة فرآها مهمومة ، فقال لها : ما لکِ یا أُمّ المؤمنین ؟! فأخبرته برسالة عمر ، وقالت : إنّ هذه جاریة حَدَثَة ، وأرَدتُ لها أَلْیَنَ عَیشاً من عمر ، فقال لها : علَیَّ أن أکفیک .

وخرج من عندها ، فدخل علی عمر ، فقال : بالرفاء والبنین ، فقد بلغنی ما أتیتَه من صلة أبی بکر فی أهله ، وخطبتک أُمّ کلثوم .

فقال : قد کان ذاک .

قال : إلّا أنک یا أمیر المؤمنین رَجُلٌ شَدیدُ الخُلق علی أَهلِکَ ، وهذه صَبیَّةٌ حَدَثة السنّ ، فلا تزال تُنکر علیها الشیء فتضربها ، فتصیح ، فیغمّک ذلک وتتألّم له عائشة ، ویذکرون أبا بکر فیبکون علیه ((1)) ، فَتُجَدِّدُ لهم المصیبة - مع قرب عهدها - فی کلّ یوم .

فقال له : متی کنت عند عائشة ؟ واصدقنی !

فقال : آنفاً .

فقال عمر : أشهد أنّهم کرهونی ، فتضَمّنْتَ لهم أن تصرفنی عمّا طلبتُ ، وقد أعفیتهم ((2)) .

فعاد إلی عائشة فأخبرها بالخبر ، وأمسک عمر من معاودة خطبتها((3)) .


1- هذا دلیل علی أنّ البکاء علی المیّت أمر فطریّ لا یمکن التخلّی عنه، ولا النهی عنه.
2- الأغانی 16: 103 أخبار المُغیرة بن شعبة، وعنه: أعلام النساء لکحالة 4: 250.
3- الأغانی 16: 103.

ص:165

2- أم أبان بن عتبة

قال المدائنیّ : وخطب [عمر] أُمَّ أبان بنت عتبة بن ربیعة ، فکَرِهْته وقالت : یَغلق بابه ، ویمنع خیره ، ویدخل عابساً ویخرج عابساً ! ((1))

نعم أنّهم حینما یذکرون هذه الواقعة یسعون أن یحشروا آخرین فی ذلک کعلی بن أبی طالب وطلحة بن عبید الله والزبیر بن العوام ((2)) تبریراً لعمر.

3- خطبته إلی قوم من قریش بالمدینة

· وجاء فی «أُسد الغابة» عن الحسن البصریّ ، أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلی قوم من قریش بالمدینة فردُّوه ، وخطب إلیهم المُغیرةُ بن شعبة فزوِّجوه((3)) .

* *

*


1- تاریخ الطبری 2: 564، الکامل فی التاریخ 2: 451، البدایة والنهایة 7: 139. وفی المعارف لابن قتیبة: 175 أنّ عمر خطب أُمّ کلثوم بنت أبی بکر، وذلک بعد وفاة أبی بکر، خطبها من عائشة فأنعمت له بها، لکنّ أُمّ کلثوم کرهته، فاحتالت حتّی أمسک عنها، فتزوّجها طلحة بن عبیدالله فولدت له زکریا وعائشة... إلخ. وانظر کذلک: البدء والتاریخ 5: 79، کنز العمّال 13: 269 / خ 37593،عن ابن عساکر فی: تاریخ دمشق 25: 96.
2- أنظر أنساب الأشراف 9 : 367.
3- أُسد الغابة فی معرفة الصحابة 4: 64.

ص:166

فکلّ الّذین ردّوا عمر علّلوا ذلک بأنّه خشن العیش ، یدخل عابساً ویخرج عابساً ، وینظر إلی النساء نظرة جاهلیّة ، ویتعامل معهنّ کأنّهنّ إماء لا حرائر ، وإلیک نص یؤکّد صحّة مقولة القوم القرشیّین الذین خطب عمر منهم فردّوه ، حیث :

أخرج ابن ماجة القزوینیّ عن الأشعث بن قیس أنّه قال : ضِفتُ عمرَ لیلةً ، فلمّا کان فی جوف اللیل قام إلی امرأته یضربها ، فحجزتُ بینهما ، فلمّا أوی إلی فراشه قال لی : یا أشعث ! احفظْ عنّی شیئاً سمعتُه من رسول الله ، لا یُسأل الرجل فیم یضرب امرأته ، ولا تَنَمْ إلّا علی وِتْر ، ونسیتُ الثالثة !! ((1))

کما علیک أن لاتنسَ مقولة أُمّ أبان بنت عتبة بن ربیعة الآنفة حینما خطبها عمر بن الخطّاب ، بعد أن مات عنها زوجها یزید بن أبی سفیان ، فقالت : لا یدخلُ إلّا عابساً ولا یخرج إلّا عابساً ، یغلق بابه ، ویقلّ خیره !((2))

وما قالته أُمّ کلثوم بنت أبی بکر حینما خطبها عمر :«لا حاجة لی فیه» !

فقالت لها عائشة : «ترغبین عن أمیر المؤمنین ؟!قالت : نعم ، إنّه خشن العیش ، شدیدٌ علی النساء ... »((3)) وأمثال ذلک .


1- سُنن ابن ماجة 1: 639 / ح 1986، مسند أحمد 1: 20 / ح 122، السنن الکبری للبیهقی 7: 305 / ح 14555.
2- تاریخ الطبری 2: 564، الکامل فی التاریخ 2: 451، البدایة والنهایة 7: 139.
3- تاریخ الطبری 2: 564 / الرقم 3287، الکامل فی التاریخ 2: 450.

ص:167

4- زواج عمر من عاتکة بنت زید

رُوی عن علیّ بن زید ، أنّ عاتکة بنت زید بن عمرو بن نفیل کانت تحت عبدالله بن أبی بکر ، فمات عنها واشترط علیها أن لا تَتزوّج بعده ، فتبتّلت وجعلت لا تتزوّج ، وجعل الرجال یخطبونها وجعلت تأبی .

فقال عمر لولیّها : اذکرنی لها . فذکره لها ، فأبت علی عمر أیضاً .

فقال عمر : زوّجْنیها ، فزوّجه إیّاها .

فأتاها عمر ، فدخل علیها ، فعارکها حتّی غلبها علی نفسها ، فنکحها ! فلمّا فرغ قال : أُفّ ، أُفّ ، أُفّ ، أَفَّفَ بها ! ثمّ خرج من عندها وترکها لا یأتیها ، فأرسلت إلیه مولاة لها أن تعالَ فإنّی سأتهیّأ لک((1)) .

هذا وقد حمل محبّو «الخلیفة» الخبر الأخیر علی أنّه أراد بیان حکمٍ شرعیّ ، وهو : عدم جواز التبتّل فی النکاح ، أو عدم جواز أخذ المال علی أن لا تتزوّج ، فی حین نعلم أنّ عاتکة کانت ثیّباً ، والمرأة الثیّب هی مالکة لأمرها ، ولا ولایة لأحدٍ علیها ، وعلی فرض ثبوت الولایة علیها ، فیجب أن یُجمَع رضاها إلی رضی ولیّها .

فأسألْهم : ألم یشترطوا فی وقوع الزواج الشهود والإشهار ؟ فأین هما فی زواج «الخلیفة» من عاتکة ؟!


1- الطبقات الکبری لابن سعد 8: 265 - عنه: کنز العمّال 13: 272 / خ 37607.

ص:168

حکم إنکاح الأب ابنته الثیّب بغیر رضاها

وإلیک أقوال بعض الفقهاء فی عدم جواز تزویج البنت بغیر إذنها .

قال الشافعیّ : فأیّ ولیّ امرأةٍ ثیّبٍ أو بِکْر زوّجها بغیر إذنها فالنکاح باطل ، إلّا الآباء فی الأَبکار ، والسادة فی الممالیک((1)) .

ثم وَضَّح الأمر أکثر بقوله : وإذا جومعت بنکاح صحیح أو فاسد أو زنا ، صغیرةً کانت ، بالغاً أو غیر بالغ ، کانت ثیباً ، لا یکون للأب تزویجها إلّا بإذنها((2)) .

وقال مالک بن أنس : لا تُزوَّجُ الثیّبُ إلّا برضاها((3)) .

وقال ابن المنذر فی کتابه «الإجماع» : وأجمعوا أنَّ إنکاح الأب ابنتَه الثیّب بغیر رضاها لا یجوز((4)) .

وقال العینیّ فی «العمدة» عن «التوضیح» : إتّفق أئمّة الفتوی بالأمصار علی أنّ الأب إذا زوّج ابنتَه الثیّب بغیر رضاها أنّه لا یجوز((5)) .

ثمّ أضاف ابن حزم قائلاً : فأمّا الثیّب فتنکح من شاءت وإن کره الأب ... قال مالک : وأمّا الثیّب فلا یجوز إنکاح الأب ولا غیره علیها إلّا بإذنها((6)) .


1- الأمّ 5: 17.
2- الأمّ 5: 18.
3- أحکام القرآن للجصّاص 2: 342 فی ظلّ قوله تعالی: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِی الْیَتَامَی( (سورة النساء: 3).
4- الإجماع والإشراف علی مذاهب أهل العلم: 74 / الإجماع رقم 349.
5- عمدة القاری 20: 130.
6- المحلی 9: 459.

ص:169

کانت هذه بعض نصوص فقهاء العامّة تُخطِّئ فقهیاً زواجَ عمر من عاتکة ، وفی مطاوی کتبهم ما یزید عن ذلک بکثیر .

إذن ، النصّ السابق یشیر - وبوضوح - إلی أنّ عاتکة لم ترضَ بهذا النکاح ، وأنّ عمر أکرهها علی ذلک ، وقد تجاوز علیها بدون إذنها ، لأنّه «دخل علیها فعارکها حتّی غلبها علی نفسها ، فنکحها ، فلما فرغ قال : أُفّ ، أُفّ ، أُفّ . .» .

علی أنّ خبر ابن سعد فی «الطبقات» یدلّ علی أنّ عمر بن الخطّاب کان طامعاً فیها راغباً بها ، لا أنّه فعل ذلک لکی یوضّح حکماً شرعیّاً وهو حرمة التبتّل ، لأنّه کان قد رآها فی بیت ابنته حفصة ، وقد طلبها قبل ذلک من ولیّها فقال : «اذکرنی لها ، فذکره لها ، فأبت علی عمر أیضاً !» .

وهو یشیر إلی ما قلناه ، ویوضّح بأنّ وراء نکاح عاتکة شیئاً آخر غیر ما یبرّره علماء مدرسة الخلفاء ؛ فإنّه لو کان یرید منع التبتّل أو تشریع شیء جدید مصلحةً !! لَلَزِمه أن یحقّق ذلک بشکل آخر غیر المغالبة ونکاحها بنفسه ثمّ قوله : أُفّ ، أُفّ ، أُفّ !

وبعبارة أدقّ : کان علیه أن یمنع المنکر وینهی عنه بمعروف ، لا بمنکر آخر أشدّ وأفضح !

نعم کانت عاتکة جمیلة حقّاً ، تسلب لُبَّ رجال العرب ، والنصوص تشیر إلی ذلک ، ففی «الاستیعاب» لابن عبدالبَرّ ، قال :

تزوّجها عبدالله بن أبی بکر الصدیق ، وکانت حسناء جمیلة ذات خَلْق بارع ، فأولع بها وشغلته عن مغازیه ، فأمره أبوه بطلاقها لذلک ، فقال :

یقولون : طلّقْها وخَیِّمْ مکانَها

مقیماً تُمنّی النفسَ أحلامَ نائمِ

ص:170

وإنّ فراقی أهلَ بیتٍ جَمَعْتُهُم

علی کِبَرٍ منی لَإحْدَی العظائمِ

أرانی وأهلی کالعُجُولِ تروَّحَتْ

إلی بَوِّها قبلَ العِشارِ الروائِمِ

فعزم علیه أبوه حتّی طلقها ، فتبعَتْها نفسُه ، فسمعه أبوه یوماً وهو یقول :

أعاتکُ لا أَنساکِ ما ذرَّشارقٌ

وما ناحَ قُمْریُّ الحمامِ المُطَوَّقُ

أعاتکُ قلبی کلَّ یومٍ ولیلةٍ

إلیکِ بما تُخفی النفوسُ مُعلَّقُ

ولم أرَ مِثلی طلَّقَ الیومَ مِثلَها

ولا مثلَها من غیر جرمٍ تُطَلَّقُ

لها خُلُقٌ جَزْلٌ ورأیٌ ومنصبٌ

خَلْقٌ سَوِیٌّ فی الحیاءِ ومَصْدَقُ

فرقَّ له أبوه وأمره ، فارتجعها((1)) .

وفی «التمهید» لابن عبدالبر :

فلما انقضت عِدّتها [أی عِدّة عاتکة] ، زارت حفصةَ ابنةَ عمر ، فدخل عمرُ علی حفصة ، فلمّا رأت عاتکةُ عمر قامت فاستترت ، فنظر إلیها عمر ، فإذا امرأةٌ بارعةٌ ، ذاتُ خلق وجمال .

فقال عمر لحفصة : من هذه ؟ فقالت : هذه عاتکة ابنةُ زید ابن عمرو بن نُفَیل ... ((2)) .


1- الاستیعاب 4: 1876 / الرقم 3458 - ترجمة عاتکه بنت زید، أُسد الغابة 5: 497 / ترجمة عاتکة بنت زید، خزانة الأدب 10: 404 - 405، کنز العمّال 9: 306 / خ 38069، محاضرة الأدباء 2: 245.
2- التمهید 23: 405.

ص:171

وفی «الطبقات الکبری» : ... فتُوفّی أبوبکر وکان عمرُ مکانه ، فأرسل إلی عاتکة : إنکِ قد حرّمتِ علی نفسکِ ما أحل الله لکِ ... ((1)) .

وفی «التاریخ الأوسط» للبخاریّ عن یحیی بن سعید ، أنّ عبدالله بن أبی بکر الصدیق قال لامرأته عاتکة بنت زید : لکِ حائطی علی أنْ لا تتزوّجی بعدی ، قالت : قد قَبِلتُ .

فلمَّا توفّی خطبها عمر بن الخطّاب ، وقال : هذا لا یجوز ، اشترط علیک ما لا یصلُحُ . فتزوجها عمرُ((2)) .

قبل مواصلة البحث لابد من توضیح نکتة عن أب عاتکة - أعنی زید ابن عمرو بن نفیل - وکیف کان النهج الحاکم یرفع بضبعه وضبع ابنه سعید ویعتبر الأخیر من العشرة المبشَّرة ، ویکون حسب نقلهم أزهد من رسول الله! وکُلُّ ذلک تقدیراً لعمر ولتزویجه عاتکة إیّاه ، فجاء فی «المعجم الکبیر» للطبرانیّ بسنده عن نفیل بن هشام بن سعید بن زید عن أبیه عن جدّه ، قال :

خرج ورقة بن نوفل وزید بن عمرو یطلبان الدِّین حتی مرّا بالشام ، فأمّا ورقة فتنصّر ، وأما زید فقیل له : إنّ الذی تطلب أمامک . فانطلق ... إلی أن قال : فمرّ زید بن عمرو بالنبیّ صلی الله علیه و آله وزید بن حارثة وهما یأکلان من سفرة لهما ، فدَعَیاه فقال :


1- الطبقات الکبری 8: 266.
2- التاریخ الأوسط للبخاریّ 1: 36 / خ 121، الإصابة 4: 28.

ص:172

یابن أُخیّة ، لا آکل ممّا ذُبح علی النُّصب ، قال : فما رُؤیَ النبیّ صلی الله علیه و آله یأکل ممّا ذُبح علی النصب من یومه ذلک حتی بُعث((1)) .

فرسول الله - حاشاه وألف حاشاه صلی الله علیه و آله - یأکل ما ذبح علی النُّصُب ، وزید بن عمرو لا یأکل !! ! إنّها مهزلة حقّاً . أرجعُ إلی الموضوع لأسأل ابن باز ومَن علی شاکلته من علماء النهج المخالف لمدرسة أهل البیت عن صحة زواج عمر بعاتکة ، وهل هو شرعیّ علی رأیه أم باطل ؟ لنراه کیف یجیب عنه .

بل کیف له أن یجیز عقد عمر لعاتکة مع عدم وجود الشهود والإشهار المُشترَطَیْنِ عند العامّة ؟ لأنّه یدخل علیها بدون إذنها ورضاها ویعارکها ویؤفّف بدعوی أنّ والدها قد زوّجها إیّاه ، فاقرأ ما أفتی به ابن باز فی مسألةٍ تُشابِه ما نحن فیه وقد سُئل عنها ، وقارِنْه بما قلناه ، والسؤال هو :

هل یجوز للأب أن یُرغم ابنته علی الزواج من شخص لا تریده ؟

ج : لیس للأب وغیر الأب أن یرغم مولَیتَه علی الزواج ممّن لا ترید ، بل لابدّ من إذنها ، لقول رسول الله : لا تُنکَح الأیّمُ


1- المعجم الکبیر 1: 151 / ح 350، الأحادیث المختارة 3: 309 - 310 / ح 1111 قال: رواه الطیالسیّ عن المسعودیّ، إسناده حَسَن، مجمع الزوائد 9: 417. وانظر: صحیح البخاریّ 5: 2095 / ح 5180 - کتاب الذبائح، وصحیح ابن حِبّان 12: 46 / ح 5242، والمعجم الکبیر 12: 297 / ح 13169، ومسند أحمد 2: 68 / ح 5369، و89 / ح 5631، و121 / ح 6110 وفیهم بروایة أخری عن عبدالله بن عمر عن النبیّ أنّه لقیَ...

ص:173

حتّی تُستأمَر ، ولا تُنکَح البِکر حتی تُستَأذن . إلی أن قال :

فالواجب علی الأب أن یستأذنها إذا بلغت تسعاً فأکثر ، وهکذا أولیاؤها لا یزوِّجونها إلّا بإذنها ، هذا هو الواجب علی الجمیع ، ومن زَوَّج بغیر إذنٍ فالنکاح غیر صحیح ، لأنّ مِن شرط النکاح الرضی من الزوجَین ، فإذا زوّجها بغیر رضاها ونَهَرَها بالوعید الشدید أو الضرب ، فالزواج غیر صحیح((1)) .

هذه هی فتوی ابن باز وغیره من العلماء ، وهی تخالف فعلةَ عمر مع عاتکة ، لأنّه قال لولیّها : أُذکرْنی لها . فذکره لها ، فأبت علی عمر أیضاً ، قال عمر : زوِّجْنِیها . فزوجه إیاها ! ((2)) ومعناه أنّه دخل علیها بعد عقد ولیّها من دون إذنها ولا رضاها .

وهذه هی مشکلة جمال عاتکة الحسناء التی تأخذ بقلب من یراها ، بدءاً من زوجها عبدالله بن أبی بکر ومروراً برؤیة عمر بن الخطّاب لها عند حفصة بعد وفاة زوجها ، وختماً بمَن عشقها وهی عجوز !!

الناس عند شروطهم

والأنکی من کُلِّ ذلک أن نری عمر قد استجاب لشرط عاتکة بالخروج إلی المسجد حینما أراد الزواج بها کما یقولون ، لکنّه سرعان ما خاف علیها وعمل فعلةً یستقبِح ذِکرها - أو سماعها - کلُّ إنسان ذی شرف وحیاء .


1- مجموع فتاوی ابن باز 20: 414 - 415 / السؤال 176.
2- الطبقات الکبری 8: 265، کنز العمّال 13: 272 / خ 37607.

ص:174

فقد جاء فی کتاب «التمهید» لابن عبدالبرّ (شرط عاتکة وقولها) :

... أنا أشترط علیه ألّا یضربنی ، ولا یمنعنی من الحقّ ، ولا یمنعنی عن الصلاة فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله العشاءَ الآخِرة ((1)) .

أجل ، إنّ عمر قَبِل شرطها ، لأنّه کان «لها محبّاً ، وبها مُعجَباً ، وکان [فی أوّل الأمر] لا یمنعها من الخروج إلی الصلاة ، [مع أنّه کان] یکره خروجها ، فجلس لها ذات لیلةٍ فی الطریق فی ظُلمةٍ ، فلمَّا مرّت ضرب بیده علی عَجُزِها ، فرجعت إلی منزلها ، ولم تخرج بعد ذلک»((2)) .

لا أدری أیستسیغ محبُّو «الخلیفة» هذا العمل منه ، حتّی وإن کانت عاتکة هی زوجتَه !! أم یرونه استهجاناً واستنقاصاً فی سلوکه وأخلاقه ؟!

بل کیف ینقلون أموراً کهذه عنه ، ألیس الضرب علی العجز ، والجلوس غلسة فی الطریق وإخافة الزوجة ، لا یتّفقان مع ما قالوه عن أخلاق عمر وموافقات الوحی له ، وما قاله ابن قیّم الجوزیّة : «وکان عمر یقول الشی ویشیر به فینزل القرآن بموافقته !» ؟((3))

بل کیف یتّفق هذا مع ما جاء فی «الصحیحین» عن سالم بن عبدالله عن ابن عمر عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال : إذا استأذنکم نساؤکم باللیل إلی المسجد فأذنوا لهن((4)) ؟


1- التمهید لابن عبدالبرّ 23: 405 - 406.
2- أنظر: البدایة والنهایة 6: 353.
3- مفتاح دار السعادة 2: 575.
4- صحیح البخاریّ 1: 219 - باب الذکر بعد الصلاة، صحیح مسلم 1: 327 / ح 137 - باب خروج النساء إلی المساجد إذا لم یترتّب علیه فتنة، ولیس فیه: «باللیل».

ص:175

وفی «صحیح مسلم» بسنده عن مجاهد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : ائذنوا للنساء باللیل إلی المساجد ، فقال له ابنٌ له یقال له واقد : إذن یتّخذْنه دغلاً ، قال : فضرب فی صدره وقال : أُحدّثک عن رسول الله وتقول : لا ؟ ((1))

وفی «صحیح مسلم» أیضاً أنّ عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : لا تمنعوا نساءَکم المساجد إذا استئذنَّکم إلیها ، قال : فقال بلال بن عبدالله : والله لَنمنعُهُنّ ، قال : فأقبل علیه عبدالله فسبّه سبّاً سیّئاً ، ما سمعته سبَّه مِثلَه قطّ ، وقال : أُخبرک عن رسول الله وتقول والله لَنمنعُهنّ ؟! ((2))

وفی هذه النصوص جمیعاً ما یُصرَّح بجواز ذهاب المرأة إلی المسجد بإذن زوجها ، خصوصاً لو کان ذاک مشروطاً ضمن عقد الزواج منها ، لأنّ الناس عند شروطهم .

وباعتقادی أنّ المرویّ عن عائشة قولها : «لو أدرک رسول الله ما أحدث النساءُ لَمنَعهُنّ من المساجد» ، لیس فیه نهی ، بل یشیر إلی جواز خروجهنّ إلی الصلاة أیّام رسول الله وتغیّرهن بعده صلی الله علیه و آله .

ومعناه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لو أدرک ما أحدث النساء بعده لمنعَهنّ المساجد ، وهذا استنباط من عائشة لم یثبت نهی الرسول عنه ، فعدم ورود نهی عنه صلی الله علیه و آله یؤکّد جوازَ خروجِهنّ منذ عهده إلی زماننا هذا .

أجل إنّهم نسبوا الضرب علی العجز فی أخبار أخری إلی الزبیر بن العوام،


1- صحیح مسلم 1: 327 / ح 139.
2- صحیح مسلم 1: 327 / 135.

ص:176

ففی الأغانی : ... فلما انقضت عدّتها خطبها الزبیر بن العوّام فتزوّجها، فلمّا ملکها قال : یا عاتکة ، لا تخرجی إلی المسجد ، وکانت امرأة عجزاء بادنة .

فقالت : یابن العوّام ، أترید أن أدع لغیرتک مصلَّی صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه و آله وأبی بکر وعمر فیه ؟

قال : فإنّی لا أمنعک ، فلمّا سمع النداء لصلاة الصبح توضّأ وخرج ، فقال لها فی سقیفة بنی ساعدة ، فلمّا مرّت به ضرب بیده علی عجیزتها . فقالت : مالک قطع الله یدک ! ورجعت .

فلمّا رجع من المسجد قال : یا عاتکة ، مالی لم أرک فی مصلّاک ؟ قالت : یرحمک الله أبا عبدالله ، فسد الناس بعدک ، الصلاة الیوم فی القیطون أفضل منها فی البیت ، وفی البیت أفضل منها فی الحجرة ((1)).

وکذا نراهم ینسبون إلی أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب أنّه خطب عاتکة فردّته ، ففی ترجمة عاتکة بنت زید بن عمرو بن نفیل العدویة ، أخت سعید بن زید : وکانت حسناء جمیلة بارعة ، وکانت زوجة لعبدالله بن أبی بکر رضی الله عنهما فأولع بها وشغلته عن مغازیه فأمره أبوه فطلّقها . ولکنّه ندم علی طلاقها وقال فیها أشعاراً ، فرق أبوه وأمره بمراجعتها فارتعجها ، ثمّ مات عنها ، فتزوّجها زید بن الخطّاب علی اختلاف فی ذلک فقتل عنها یوم الیمامة ، فتزوّجها عمر رضی الله عنه ، فقتل عنها ، فتزوّجها الزبیر بن العوام فقتل عنها . ثمّ خطبها علی بن أبی طالب رضی الله عنه فأرسلت إلیه : إنّی لأظنّ بک یا ابن


1- الأغانی 18 : 302.

ص:177

عم رسول الله عن القتل ((1)).

وفی خبر آخر : ... فلمّا قتل عنها الزبیر بوادی السباع فقالت : ... فلمّا انقضت عدّتها تزوّجها الحسین بن علی بن أبی طالب علیهما السلام ... ((2)).

أرجع إلی الموضوع لکی أُنبّه إلی بعض المفارقات الأخری فی زواجه من أمّ کلثوم بنت علیّ ، وهی فی نظری تسیء إلی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب وإلی عمر بن الخطّاب معاً ، بل إلی عمر بن الخطّاب أکثر من أن تخدمه ؛ لأنّها تؤکّد علی أنّ الإمام علیّاً شارک الآخرین بالرأی فی زواج ابنته ، وهی طریقة أخلاقیّة یستحسنها الإنسان ، فاستشار ولدیه الحسن والحسین وأخاه عقیلاً وعمّه العباس((3)) فی تزویجه أُمّ کلثوم .

فی حین نری عمر یکتفی فی نکاح عاتکة بإذن أبیها ، ولا ینظر إلی رضاها، فضلاً عن إذن إخوانها وأخواتها ، بل یعارکها حتّی یغلبها علی أمرها .

مؤکِّدین بأنّ إذن الإخوة والأخوات مع وجود الأب هو أمرٌ أخلاقیّ ولیس بواجب شرعیّ ، أمّا الاکتفاء بنظر الولیّ والسلطان وأمثال ذلک دون أخذ رضی الزوجة الثیّب فغیر مقبول عند فقهاء العامّة فضلاً عن الشیعة ، ولا یتّفق ذلک إلّا مع مذهب عمر !

فعن سعید بن المسیب قال : قال عمر : لا تُنکَح المرأةُ إلّا بإذن


1- نهایة الإرب 9 : 139.
2- الأغانی 18 : 302.
3- أنظر: ذخائر العقبی: 169 و170، المعجم الکبیر 3: 44 / ح 2633، مجمع الزوائد 4: 171.

ص:178

ولیّها ، أو ذی الرأی من أهلها ، أو السلطان ((1)) .

وعن عِکرمة بن خالد قال : جَمَعَتِ الطریقُ رکباً ، فجعلت امرأةٌ منهم ثیِّبٌ أمرها بید رجلٍ غیر ولیِّها فأنکحها ، فبلغ ذلک عمر ، فجلد الناکح والمنکوح ، وردّ نکاحها وفرّق بینهما ((2)) .

فأتساءل : إذا کان ذلک الرجل من ذی الرأی من أهلها ، فهل یحقّ لعمر أن یجلده ، أو أن یفرّق بین الزوجین ؟!

وکیف یکون ذلک جائزاً له وغیر جائز لغیره ؟!

إنّ عمر لو کان حقّاً یرید الزواج من عاتکة زواجاً مبارکاً ، لکان علیه أن یرسل إلیها بعض النساء من أهل بیته - بعد العقد برضاها - لیأتوا بها إلی عُشّ الزوجیة - برضاها - بإعزاز وإکرام ، لا أن یغالبها ویعارکها ، إذ إنّ هذا الفعل ممّا لا یصدر إلّا من رَعاع الناس ، فکیف ب- «خلیفة المسلمین» !

نحن - وإن کنّا لا نقبل بتلک الروایات القائلة بأنّ الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام زوّج عمر بعد أن استشار الإمام الحسن والحسین وعقیلاً والعباس ، وإن کان ذلک فعلاً أخلاقیّاً لا یُستبعَد صدوره عن الإمام علیه السلام - لکنّا نرید أن نؤکّد حقیقةً أخری ، وهی أنّ صدور أمثال تلک الروایات فی الإمام علیّ وعمر بن الخطّاب ،


1- الموطّأ 2: 525 / ح 1093، الأمّ 7: 222، سنن الدار قطنیّ 3: 228 / ح 32، السنن الکبری للبیهقی 7: 111 / ح 13418.
2- السنن الکبری للبیهقی 7: 111 / ح 13417، سنن الدار قطنیّ 3: 225 / ح 20، کنز العمّال 16: 221 / خ 45758، منار السبیل 2: 140، نیل الأوطار 6: 250.

ص:179

مُختلَقة علی لسان هذا أو ذاک ، وهی تسیء بالدرجة الکبری إلی عمر وأتباعه . ولا أستبعد أن یکون للجهلة من أهل السنة والجماعة دور فی تناقل أمثال هکذا روایات مسیئة لخلیفتهم تصحیحاً لوقوع الزواج من أمّ کلثوم وإ، کلّف ما کلّف.

زواج عمر من أُمّ کلثوم بنت أبی بکر

وعلیه ، فالنصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ النساء لم یکنّ یرغبن فی التزوّج من عمر بن الخطّاب ، فلو جمعناها إلی نصّ الطبریّ فی تزویج أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، لعرفنا أنَّ الجمیع کانوا یهابونه ویخافون بطشه ، حتّی عائشة بنت أبی بکر - زوجة الرسول - فإنّها کانت تخافه وتهابه ، ولمّا امتنعت أختها أُمّ کلثوم من الزواج من عمر استولی علیها الخوف ، فأرسلت إلی عمرو بن العاص أو إلی المُغیرة بن شعبة تستعین بهما أو بأحدهما لحلّ المشکلة للتخلّص من عمر !

ولو تدبّرنا وتعمّنا فی کلام عمرو بن العاص لعرفنا أنّه هو الآخر کان یهاب عمر ویخاف بطشه ، إذ لِینُه فی الخطّاب مع عمر وأُسلوبه فی الاستعطاف لیشیر إلی أنّ عمرو بن العاص أراد أن یستعطف «الخلیفة» من خلال أخیه أبی بکر ، فقال له :

« ... ولکنّها حدثة ، نشأت فی کنف أُمّ المؤمنین فی لین ورفق ، وفیک غلظة ، ونحن نهابک ، وما نقدر أن نردّک عن خُلُق من إخلاقک ، فکیف بها إن خالفَتْک فی شیءٍ فسطوتَ بها ؟! کنتَ قد خلفتَ أبا بکر فی وُلده بغیر ما یحقّ علیک» .

ص:180

أُنظر إلی کلام عمرو بن العاص ومخطّطه الجدید ، وهو الداهیة ، کیف أراد بتلک الکلمات الخفیفة أن یخلق شیئاً من الرقّة المشوبة بالحسّ السیاسیّ لیزجّها زجّاً فی قساوة عمر بن الخطّاب ، وأن یستبدل أُمّ کلثوم بنت أبی بکر بأمّ کلثوم بنت علیّ ! لأنّه لو حقّق ذلک لما خاف علی بنت علیّ بن أبی طالب کما کان یخاف علی بنت أبی بکر ، بل لو سطا عمر بأُمِّ کلثوم بنت علیّ لآذی علیّاً ، وکان فی ذلک سرور لأمثال : عمرو بن العاص والمُغیرة بن شعبة و...

ولا أدری کیف کان عمرو بن العاص وعمر بن الخطّاب یخافان أن یخلفا أبا بکر فی ولده بغیر ما یحقّ علیهما ، ولا یخافان رسولَ الله فی بنته وبنت بنته ؟!

ورسول الله صلی الله علیه و آله هو القائل فی فاطمة علیها السلام : من آذی فاطمة فقد آذانی ((1)) ، وفی نص آخر : من أغضب فاطمة فقد أغضبنی((2)) .

فلم یُسمَع من رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال من آذی أبابکر فقد آذانی ، وأمثال ذلک ، وعلی أی شیء یمکن حمل هذا الاقتراح والتعویض المُفجِع بین ابنة أبی بکر بابنة علی ، وعلی أیّ شیء تدلّ هذه النفسیّة ؟ هل هو کان الحرص علی حفیدة رسول الله وابنة الإمام علی ، أم الحفاظ علی ابنة أبی بکر !!

وهل یُعَدُّ ذکر أمثال هذه النصوص والمواقف للصحابة فی کتب القوم میّزةً لأصحاب رسول الله ، أم أنّها منقصة لهم ؟ ولا أدری کیف یتناقلونها دون شعور ولا إدراک ، وعلی أیِّ شیء یمکن حملها ؟


1- أُنظر إرشاد الساری 8: 114، شرح النوویّ علی مسلم 16: 3.
2- مسند أحمد 4: 328، حلیة الأولیاء 2: 40، السنن الکبری للبیهقی 7: 64.

ص:181

بل کیف بأُمِّ کلثوم بنت علیّ الصغیرة !! لو خالفت عمر ، ونحن نری أمثال عمرو بن العاص لا یطیقون أن یردّوه عن خُلقٍ من أخلاقه ؟!

نعم ، إنّ عمرو بن العاص والمغیرة بن شعبة قد استغلّا علاقة عمر السیاسیة بأبی بکر ، ونَفَذا من هذه النافذة إلی فکره وعقله ، لکی یُبعداه عن هذا الزواج من بنت أبی بکر ، خوفاً من سطوته بها ؟

فقال له المغیرة : إلّا أنّک یا أمیر المؤمنین رجل شدید الخلق علی أهلک ، وهذه صبیّة ، حدثة السنّ ، فلا تزال تُنکر علیها الشیء فتضربها ، فتصیح ، فیغمّک ذلک وتتألّم له عائشة ، ویذکرون أبا بکر ، فیبکون علیه ، فتُجدَّد لهم المصیبة فی کلّ یوم ! ((1))

وقد مرّ علیک کلام عمرو بن العاص : ولکنّها حدثة ، نشأت تحت کنف أُمّ المؤمنین فی لین ورفق ، وفیک غلظة ...

ولمّا خاطب عمر بن الخطّاب عمرو بن العاص بقوله :

«فکیف بعائشة وقد کلّمتها .

قال [ عمرو بن العاص ] : أنا لک بها ، وأدلّک علی خیر منها أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب ... » .

فکلام عمرو بن العاص : «أدلّک علی خیر منها» لم یأتِ اعتقاداً منه بکون أُمّ کلثوم بنت علیّ هی خیراً من أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، وإن کان ذلک من


1- فی: کنز العمّال 13: 626 / خ 37590، وتاریخ مدینة دمشق 25: 96 جاریة تنعی علیک أباها کلِّ یوم.

ص:182

المسلّمات عند المسلمین ، لأنّها أقرب قرابةً وألصق رَحِماً برسول الله صلی الله علیه و آله ، بل کان فی کلامه إشارة إلی أنّ أُمّ کلثوم بنت علیّ هی خیر من بنت أبی بکر لتعهّد الخدمة فی بیت عمر ، لأنّه لو ضربها أو سطا بها لکان فی ذلک سرور مخالفی علیّ بن أبی طالب وأعدائه ، أمثال : معاویة بن أبی سفیان ، وعمرو ابن العاص ، والمغیرة بن شعبة ، و ...

فعمرو بن العاص حینما اقترح علی عمر أن یتزوّج أُمّ کلثوم بنت علیّ کان یعلم بأنّها أرقّ وأوجب حقّاً من أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، وهی لا یمکنها أن تحتمل ما لا یحتمله داهیةٌ مثل عمرو بن العاص لقوله :

« ... وما نقدر أن نردّک عن خُلُق من أخلاقک ، فکیف بها إن خالَفْتک فی شیء فسطوتَ بها ... » .

وبعد کلّ هذا ، فقد اتضح لک أنّ هذا الاقتراح من عمرو بن العاص لم یأت عن حُسن نیّة ، بل جاء عن سوء نیّة !

نعم ، إنّ ابن العاص أَطَّر حقده الدفین ضدّ الإمام علیّ وبنیه علیهم السلام بإطار الناصح الأمین ؛ إذ قال : «أنا لک بها ، وأدلّک علی خیر منها» ، لکنّ هذا الأمر لا ینطلی علی المتدبّر الحکیم ، فضلاً علی الباحث المحقّق - بل لا ینطلی علی أیّ مُطالعٍ فی النصوص - حیث یعرف أنّ عمرو بن العاص کان الموجِّه والمنظِّر لعمر بن الخطّاب للوصول إلی بیت علیّ بن أبی طالب وحرمه ، أی أنّه رسم لعمر المنهج وأعطی له المبرّر لکی یصل إلی هذا الزواج ، وبذلک یکون قد خدم سیّده ونال من عدوّه فی آن واحد .

لکنّ هذا الأمر لا یمکن تصوّره واحتماله فی مخالف عقائدیّ لعمر بن الخطّاب کالإمام علیّ ابن أبی طالب علیه السلام ، وخصوصاً مع علمنا بأنّ أُصول هذا

ص:183

المخطط رسمه عمرو بن العاص أو المغیرة بن شعبة وأمثالهما ، ممّن یبغون من وراء مثل تلک المناورات هدفاً ، بل أهدافاً سیاسیّة خبیثة .

أجل ، إنّ غانمة بنت غانم کانت تعرف عمرو بن العاص بحسبه ونسبه ، وقد خاطبته یوماً حینما رأته یسبّ قریشاً وبنی هاشم وأمیر المؤمنین علیَّ بن أبی طالب علیه السلام فقالت له :

... . وأنت تسبّ قریشاً وبنی هاشم ؟ وأنت أهل السبّ وفیک السبّ وإلیک یعود السبّ یا عمرو ! إنّی واللهِ لعارفةٌ بعیوبک وعیوب أمّک ، وإنّی أذکر لک عیباً عیباً : وُلدتَ من أمَةٍ سوداء ، مجنونةٍ حمقاء ، تبول من قیام ، وتعلوها اللئام ، إذا لامسها الفحل کانت نطفتُها أنفذَ من نطفته ، رکبها فی یوم واحد أربعون رجلاً !! ((1))

هذا هو حال من یبغض علیاً وأولاده سلام الله علیهم ، وهو ما أخبر به رسول الله صلی الله علیه و آله وجاءت فیه الروایات الصحیحة الصریحة الکثیرة عن أهل البیت علیهم السلام و عن غیرهم.

کما أنّنا نری فی النصّ الآتی أنّ کعب الأحبار الیهودیّ هو الآخر کان یخاف عمر ، إذ تراه یراوغه فی الحدیث ویُؤَوِّل له ما قاله لأم کلثوم .

ففی «الطبقات الکبری» قال : أخبرنا معن بن عیسی ، قال : أخبرنا مالک بن أنس ، عن عبدالله بن دینار ، عن سعد الجاری مولی عمر بن الخطّاب :


1- المحاسن والأضداد للجاحظ: 147، المحاسن والمساوی للبیهقیّ: 75.

ص:184

إنّ عمر بن الخطّاب دعا أُمّ کلثوم بنت علی بن أبی طالب - وکانت تحته – فوجدها تبکی ، فقال : ما یبکیک ؟! فقالت : یا أمیرالمؤمنین ، هذا الیهودی - تعنی کعب الأحبار - یقول أنّک علی باب من أبواب جهنّم .

فقال عمر : ما شاء الله ، والله إنِّی لأرجو أن یکون ربّی خلقنی سعیداً . ثم أرسل إلی کعب فدعاه ، فلمّا جاءه کعب قال : یا أمیرالمؤمنین لا تعجل علَیّ ، والذی نفسی بیده لا ینسلخ ذو الحُجّة حتّی تدخل الجنّة ، فقال عمر : أیُّ شیء هذا ؟ مرّةً فی الجنّة ومرّةً فی النار !

فقال : یا أمیرالمؤمنین ، والذی نفسی بیده إنا لنجدنک فی کتاب الله علی باب من أبواب جهنّم تمنع الناس أن یقعوا فیها ، فإذا مِتَّ لم یزالوا یقتحمون فیها إلی یوم القیامة((1)) .

بهذا التمویه وهذه المراوغة نجا کعب من سطوة عمر ، ونحن حینما ذکرنا قبل قلیل بأنّ الجمیع کانوا یهابون عمر بن الخطّاب ویخافون بطشه ، لا نعنی بذلک عدم إمکان أن ینجو أحد من قراره .

فقد نجت أُمّ أبان بنت عتبة بن ربیعة ((2)) .

وأُمّ کلثوم بنت أبی بکر .


1- الطبقات الکبری 3: 331 - 332، کنز العمّال 12: 256 / خ 35787، تعجیل المنفعة: 150 / ح 365.
2- التی أقدم علی خطبتها، بعد أن مات عنها زوجها یزید بن أبی سفیان.

ص:185

وأُمّ سَلَمة المخزومیّة .

والقوم من قریش الذین خطب منهم عمر بن الخطّاب فردّوه ، وغیرهم.

نعم ، إنّ أُمّ کلثوم بنت أبی بکر نجت - إن صحّت نجاتها - من الزواج من عمر بمسعی عمرو بن العاص أو المغیرة بن شعبة ، مع وقوفنا علی خوف عائشة من عقبی مخالفة أُختها لهذا الزواج ؛ لقولها لأمّ کلثوم : «ترغبین عن أمیر المؤمنین !» .

لکنْ فی نص آخر ینقله النوویّ ، فیه ما یشیر إلی أنّها هی الأخری لم تَنْجُ من ذلک بل لقد تزوّجها عمر ، فقد قال النوویّ حینما نقل کلام أبی بکر لعائشة :

(إنما هما أخواکِ وأُختاک) ، قالت : هذان أخوای ، فمَن أُختای ؟فقال : ذو بطن بنت خارجة فإنِّی أظنّها جاریة((1)) . ذکر هذه القصة فی باب الهبة من «المهذَّب» ، وقد تقدّم بیانها أسماء الرجال فی النوع الرابع فی الإخوة .

وهاتان الأُختان هما : أسماء بنت أبی بکر وأُمّ کلثوم ، وهی التی کانت حملاً ، وقد تقدّم هناک أیضاً ذِکر القصة ، وأُمّ کلثوم هذه تزوّجها عمر بن الخطّاب ((2)).

وعلینا هنا توضیح کلام النوویّ ، لأنّ قول أبی بکر : (ذو بطن بنت


1- أی بنت ولیس بولد.
2- تهذیب الأسماء 2: 630 / الرقم 1224.

ص:186

خارجة ، فإنی أظنها جاریة) یُعْلِمنا بأنّ بنت حبیبة بن خارجة الخزرجیّة کانت حملاً قبل وفاة أبی بکر((1)) .

وبما أنّ أبابکر توفّی فی جمادی الآخرة سنة 13 ، وأمّ کلثوم - أخت عائشة - کانت حملاً فی بطن أمّها ، ووُلِدت بعد أبیها ، فیکون عمر هذه الصبیة حینما خطبها عمر فی عام 17ه- لا یتجاوز أربع سنوات !

وحتّی لو قلنا خلافاً للمشهور بأنّه أقدم علی خطبتها متأخّراً ، أی أنّه أقدم علیها فی اواخر حیاته أی فی عام 22 أو 23 ، فیکون تاریخ إقدامه علی خطبة أُمّ کلثوم ابنة علی بعد هذا التاریخ((2)) ، لأنّهم قالوا بأنّ ذلک جاء لإبعاد ابنة أبی بکر عن عمر .

لأنّ اقتراح عمرو بن العاص فی الزواج من ابنة الإمام علیّ علیه السلام جاء علی


1- ففی: تهذیب الکمال 35: 381، والإصابة 8: 80 / الرقم 11029، وتهذیب التهذیب 12: 425، والتذکرة بمعرفة رجال الکتب العشرة 4: 2376 / الرقم 10070: مات أبوها أبو بکر الصدیق وأمّها حامل بها. وفی: الاستیعاب 4: 369 / الرقم 3323، والمغنی 7: 384، والإصابة 8: 467 / الرقم 12239: وُلِدت بعد موت أبیها.
2- والقولان موجودان عند العامّة، ففی: تاریخ الطبری 3: 270، والعقد الفرید 6: 89، والبدایة والنهایة 7: 157: خطب عمر بن الخطاب أمّ کلثوم بنت أبی بکر وهی صغیرة. وفی تاریخ مدینة دمشق 25: 96، وکنز العمّال 13: 626 / خ 37590 عن ابن أبی خالد، أنّ عمر خطب أمّ کلثوم بنت أبی بکر إلی عائشة وهی جاریة. والجاریة فی اللغة هی الفتیّة من النساء کالغلام فی الرجال، وقد یُطلَقان علی المرأة والرجل وعلی الشیخ والشیخة مجازاً باعتبار ما کانا علیه، کما جاء فی کلام الأزهریّ والفیّومیّ فی الغلام. انظر: تهذیب اللغة 8: 141 المصباح المنیر: 452.

ص:187

إثر خطبته لأمّ کلثوم بنت أبی بکر ، وهو یعنی بأن أُمّ کلثوم بنت علیّ کانت أکبر من ابنة أبی بکر أی انّهم یریدون ان تکون إبنة فاطمة ، وهذه اکبر من أختها من أم ولد ، لولادتها فی آخر عهد رسول الله صلی الله علیه و آله حسب نصّ الإصابة ((1)) ، فهی لیست بصبیّة حسب تعلیل الإمام علی علیه السلام ، فنحن أمام خیارَین لا ثالث لهما :

إمّا أن نقول بأنّ الإمام أخبر بخلاف الواقع - والعیاذ بالله - أو أن نقول بأنها کانت صبیّة حقّاً ، والثانی هو الصحیح ، حیث إنّ نصوص الزواج عند الفریقین تؤکّد أنّها کانت صبیّة .

فهی صبیّة بالنسبة إلی عمر بن الخطّاب علی کلّ التقادیر ، وإنّ ولادتها فی أواخر عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، یشیر إلی أنّ عمرها حین الخطوبة سنة 17 کان فی حدود الحادیة عشرة ، ونحن أکّدنا سابقاً بأنّ بنتاً بهذا العمر لا تترک بدون زوج فی مجتمعٍ قبلیّ ، خصوصاً مع عیشها مع أبناء عمومتها فی بیت واحد ، لأنّ أسماء بنت عُمَیس کان قد تزوّجها الإمام علیّ علیه السلام ، فکانت تعیش هی وأبناؤها فی بیته علیه السلام ، وکان لها ولدانِ من زوجها السابق جعفر بن أبی طالب - أخ الإمام علیّ – وهما : عون ومحمّد ، والإمام علیه السلام کان قد صرح بأنّه حبس بناته لأولاد أخیه جعفر ، کما اشتهر عن رسول الله أمنیته وقوله : «بناتنا لبنینا ، وبنونا لبناتنا» ، فلا یُعقَل أن تکون بنت فاطمة الزهراء ، والتی وُلدت فی أواخر عهد رسول الله مزوَّجةً لعُمر – عن طیب خاطر - مع وجود ابنَی


1- الإصابة 8: 464، الإیثار بمعرفة الآثار: 211.

ص:188

عمّها اللذَین کانا یعیشان معها فی البیت العلویّ الشریف .

إذن ، لا یمکن تصوّر کون المعنیِّ بها فی قوله علیه السلام : «إنّها صبیّة» أنّها ابنة فاطمة علیها السلام ؛ لکونها کانت کبیرة وقابلة للزواج آنذاک ، ولوجود من یتزوّجها من أبناء عمومتها ، إلّا أن نقول بأنّها کانت بنت الإمام علیّ من أُمّ ولد لا من فاطمة الزهراء

علیها السلام وقد وُلِدت متأخّراً بعد وفاة الزهراء . والقول بهذا لا یفیدهم ، لأنّهم یریدون أن یقولوا بزواجه من ابنة فاطمة لکی یُذیبوا الخلاف بین فاطمة وخلفائهم ، وأن یموّعوا قضیّة الهجوم علی بیت فاطمة وإسقاط جنینها ، بل لیشکّکوا فیما یقال عن وفاتها وهی واجدة علی أبی بکر وعمر .

فظلامة الزهراء علیها السلام ثابتة وتشهد لها کتب التاریخ والحدیث ، وقد کُتِبت بین أسطره وحروفه ، ولا یمکن إذابتها بادّعاء زواجٍ مشکوک لعمر من ابنتها أمّ کلثوم !! أو القول بأنّه علیاً تزوّج جویریة بنت أبی جهل ((1))، وفی آخر : العوراء بنت أبی جهل ((2))، وفی ثالث : الحنفاء بنت أبی جهل ((3))، أو تسمیة أحد أحفادها وأسباطها بأبی بکر وعمر وأمثال ذلک من الافتراءات المدفوعة الثمن.

نعم ، إنّ تصوّر زواج عمر بأمّ کلثوم بنت علیّ - من أمّ ولد- هو الآخر یکتنفه عشرات الأسئلة ، وهو بعید أیضاً ، لکنّا نقول بذلک جمعاً وتنزلاً مع مدعی الآخر بین الأقوال ، لأنّ عمرها لا یساعد علی الزواج والدخول بها.


1- الإصابة 8 : 72.
2- الإصابة 8 : 253.
3- الإصابة 8 : 9.

ص:189

إذ من الثابت المعلوم أنّ الإمام علیاً علیه السلام لم یتزوّج امرأة أخری فی حیاة فاطمة الزهراء سلام الله علیها کرامةً لها ، وأنّه تزوَّج جمیع زوجاته وإمائه بعد وفاتها علیها السلام ، فلا یمکن تصوّر ولادة مولود لعلیّ من غیر فاطمة علیهما السلام قبل سنة 12 ه- .

وبما أنّ المشهور أیضاً فی کتب التاریخ عن عمر بن الخطّاب أنّه أقدم علی الزواج من ابنة علی فی سنة 17 ه- ، فیکون عُمْر (أمّ کلثوم بنت علیّ) التی أقدم علی الزواج منها فی حدود أربع سنین أو خمس سنین لا أکثر !

أی أنّ المتزوَّج بها کانت فی سنّ أمّ کلثوم بنت أبی بکر - التی مرّ خبرها قبل قلیل - ومعناه أنّ «الخلیفة» أقدم علی خطبة صغیرتین (ابنة أبی بکر وابنة علیّ من أمّ ولد) فی آنٍ واحد ، وهذا یبعث علی التقزّز والاشمئزاز .

أجل ، قد جاء هذا القول فی سندٍ تاریخیٍّ قدیم یعود إلی القرن السادس الهجریّ ، ولم یکن من عندیّاتنا ورأینا .

ففی «شرح أدب القاضی» لحسام الدین عمر بن عبدالعزیز بن مازة البخاریّ الحنفیّ الخسّاف (ت 536 ه-) :

فَزُفّت إلیه [أی أمّ کلثوم بنت علیّ إلی عمر] وهی بنت أربع سنین ، أو ما بین الأربع إلی الخمس ... ((1)) .

ثمّ أعقبه بالقول : وفی الحدیث دلیل علی جواز نکاح الصغیرة ، وفیه دلیل علی أنّه لا بأس بأن تُزَفّ فی حالة الصغر ، لکن لا یغشاها إلّا إذا علم أنّها تُطیق ذلک ((2)) .


1- شرح أدب القاضی 4: 129.
2- شرح أدب القاضی 4: 129، 131.

ص:190

وهذا النصّ عن ابن مازة البخاریّ یؤکّد عدم الدخول والإنجاب ، لأنّ زفاف بنت فی الرابعة أو الخامسة لا یمکن تصوّره إذ یجب الاکتفاء بالنظر إلیها والتمتعات الظاهرة الأخری ، ویعضده کلام الزرقانیّ المالکیّ فی «شرح المواهب اللَّدُنیّة» وکلام النوبختیّ ، وکلام الشیخ جعفر النقدیّ الآنف((1)) ، وغیرهم من عدم الدخول بها.

ولا أدری کیف یرضی الإنسان الزواجَ ببنت وهی فی الرابعة أو الخامسة من عمرها وتزفّ إلی بیته ، وماذا یعنی فعل ذلک لشیخ وهو فی أخریات عمره مع أنّ الأطبّاء وحکماء القوم کانوا قد أوصوا بعدم زواج الشیخ من الصبیّة ، حتّی قیل بأنّ من التغفیل أن یتزوّج الشیخ صبیّة ((2)) .

وجاء عن أبی الفرج ابن الجوزیّ قوله : وأبلهُ البُلْه الشیخ الذی یطلب صبیّة ((3)) .

وقال الشاعر :

ولا تنکَحْن - إن کنتَ شیخاً - فتیّةً

تَعِشْ فی ضِرارِ العیشِ أو تَرْضَ بالردی ((4))

وبهذا فقد تکون ابنة أبی بکر بن أبی قُحافة قد نجت بمسعی عمرو بن العاص أو المُغیرة بن شعبة ، وقد تکون تزوّجت به مُکرَهةً علیه ، ففی


1- فی القول السابع والذی هو فی صفحة 26.
2- المبدع 7: 7، الإقناع لطلب الانتفاع 3: 297، کشّاف الصاع 5: 9، غذاء الأولیاء 2: 305.
3- صید الخاطر: 219 - فصل مخاطر الهوی.
4- غذاء الألباب 2: 305.

ص:191

«البدء والتاریخ» :

وأمّا أمّ کلثوم بنت أبی بکر ، فخطبها عمر فکرهَتْه ((1)) .

وفی «المغنی» : وقد خطب عمر أمّ کلثوم بنت أبی بکر بعد موته إلی عائشة ، فأجابته وهی لدون عشر ، لأنّها وُلدت بعد موت أبیها ، وإنّما کانت ولایة عمر عشراً ، فکَرِهته ((2)) .

لا أدری کیف یرضی سُنّیّ عاقل بنقل هکذا نصوص فی خلیفته ، وعلی أیّ شیء یمکن حمله ، وهل إنّ الروافض قد وضعوا هذه النصوص ، أم هی موجودة فی الکتب السنیّة التراثیّة القدیمة ، ومَن هم وراء تناقلها والإدلاء بهکذا معلومات عن «الخلیفة» عمر بن الخطّاب ؟

بل کیف یمکن تصوّر إقدام عمر فی الزواج من إطفال بهذا السنّ ؟ ألیس هذا مَشیناً للخلیفة ولمقامه ؟!

أقول هذا ویقینی ویقین کل مسلم بأنّ أمّ کلثوم بنت علیّ المفترضة هی أعلی شأناً ومنزلةً من أمّ کلثوم بنت أبی بکر ، فلو صحّ ما فعله مع ابنة أبی بکر مستهجناً ، فاستهجانه مع ابنة الإمام علیّ علیه السلام أکثر ، خصوصاً لو قلنا بأنّها کانت ابنة فاطمة الزهراء وحفیدة رسول الله صلی الله علیه و آله .

إذن ، فالکلام هنا هو حول إمکان تصوّر وقوع هذا الزواج منها وهی فی هذا السنّ وعدمه ، لا الکلام عن رفعة شأن ابنة علیٍّ علی ابنة أبی بکر ! وهذا شیء لا غبار علیه .


1- البدء والتاریخ للمقدسی 5: 79.
2- المغنی 7: 384، والشرح الکبیر 7: 388.

ص:192

قول عمر بین الادّعاء والحقیقة :

لو تدبّرنا نصوص زواج عمر من أُمّ کلثوم ابنة علیّ ، لرأیناها ذات مَرامٍ ومغازٍ سیاسیّة أکثر من کونها ذات أبعاد اعتقادیّة کما هو المؤکّد علیه الیوم !

ولَرأینا کذلک أنّه لم یکن عمر یبغی من زواجه من أُمّ کلثوم بنت أمیرالمؤمنین ، النسبَ والقرابة والصهریّة من رسول الله صلی الله علیه و آله ، فقط وإنّما کان یهدف إلی مکاسب سیاسیة غیر معلنة أخری أحیاناً ، وقد تکون مبطّنة لأمورٍ عاطفیّة أیضاً .

فلو کان عمر یطمح إلی القرابة حقّاً ، وکان یعتبر نفسه الوحید «علی ظهر الأرض یرصد مِن حسن صحابتها ما لا یرصده أحد» ، فهل یأتی حُسن صحبته لها بالکشف عن ساقها ، أو ضمّها إلی صدره ، أو تقبیلها ، أو ... کما جاءت فی أخبارهم إنّ هذا من أقبح القبائح ؟!

وهل کانت أُمّ کلثوم بنت علیّ من الإماء والوصائف اللواتی یُبتغی منهنّ غِلظ السیقان وصحّة الأبدان ، لتکُنّ أبلغ فی المتعة وأقدر علی الخدمة والعیاذ بالله ، إنّه کلام مستهجن وقد استهجنه علماء أهل السنّة کابن الجوزی والألبانی وغیرهم ؟! ((1))

أُمّ أنّها کانت کریمة بنی هاشم ، وبنت رسول الله ، وابنة علیّ الکرار وفاطمة البتول صلوات الله علیهم ، وکانت الحرّة الأبیّة التی ادّعی عمر أنّه یرید أن یتقرّب - بزواجه منها - إلی الله ورسوله !!


1- تذکرة الخواص لابن الجوزی: 288 - 289، والسلسلة الصحیحة للألبانی 5: 58، الرقم 20: 36.

ص:193

وهل حقّاً إنّ عمر رصد بفعلته هذه ما لا یرصده أحد من الرجال ؟!

وماذا یعنی کلامه آنف الذکر مع ما فعله معها ، وعلی أیّ شیء یدلّ هذا ؟

ولو أحبّ عمر أن یحفظ رسول الله فی وُلده ، وأراد التزوّج ببنت فاطمة الزهراء وعلیّ المرتضی علیهما السلام ، فهل یجوز له اختیار زوجته بهذه الصورة المشینة ؟!

بل کیف سمح لنفسه أن یتزوّج عاتکة بنت زید بتلک الصورة المشینة ؟! وهل هذه الأخبار هی مکذوبة علی الخلیفة أم هی صحیحة ؟

فاذا کانت مکذوبة ، فکیف یستدل بها علی وقوع الزواج من ابنة فاطمة ؟ وإن کانت صحیحة ، فبماذا یجیبون عن هذه التساؤلات ؟!

وقد تستحیل القناعة بما قالوه من أجوبة ، وهنا نطلب من القارئ أن یفکّر بنفسه لیحصل علی جوابها ، لأنّه لا یصح عندی ولا عند أیّ عاقل تزیینُ الإمام علیّ بنته وإرسالها إلی رجل أجنبیّ لا یرضی الأب تزویج ابنته إیّاه ، مع أنّ ذلک الرجل طامع فیها .

وعلی فرض أنّ علیّاً علیه السلام کان موافقاً علی هذا الزواج ؛ فإنّ التزیین یأتی مع لحاظ کونها مؤهّلةً للزواج لا مع أنّها صغیرة ، وإنّ ذلک من شأن النساء لا الرجال ، ولذلک کلّف رسول الله صلی الله علیه و آله النساء بتجهیز فاطمة الزهراء علیها السلام والإصلاح من شأنها لعلی علیه السلام .

ومن هنا نستطیع أن نجزم أنّ التزیین لم یکن من خُلق أمیر المؤمنین علیّ سلام الله علیه ، ولو کان فإنّه من خُلق – وأفکار وتوجّهات - عمر وأتباعه الذین ذکروا أشیاء مشینة له ولعائشة ...

ص:194

نحن لا ننکر ضرورة تزیین المرأة لزوجها ، فذاک أمر فطریّ یرغب فیه کلّ إنسان ، ویجب علی المرأة أن تُزیّن نفسها للرجل ، ویتزیّن هو للمرأة . لکنّ تصوّر هذا فی الإمام علی علیه السلام وتزیینه لابنته الصغیرة بعید مستبعد لا یقبله أی عاقل .

نعم ذکروا أمر التزیین وبتفسیر آخر علی لسان عمر بن الخطّاب وعائشة ، وهی مقولة تسیء إلی هذین وتجرح عواطف المسلمین فیهما:

فقد جاء فی «مصنَّف ابن أبی شیبة» أنّ عمر قال : إذا أراد أحد منکم أن یحسّن الجاریة فَلْیُزیّنْها ، ولیطُفْ بها یتعرّضْ بها رزق الله ! ((1))

وکذا جاء فی عائشة أنّها شوّفت((2)) جاریة وطافت بها وقالت : لعلّنا نصطاد بها شبابّ قریش ! ((3))

إنّ ذکر هکذا أخبار مشینة لا نحبّذها ولا نرضی تناقلها علی الألسن ، لکن البحث ألجأنا الإتیان بها کی نوضّح بأنّ نقل هکذا نصوص لم تکن فی کتب الشیعة ، ولم تکن من فکر مدرستهم ، بل أنّها من فکر مدرسة الخلافة التی لا ترحم أحداً من الصحابة ، سواء کان علیاً ، أم عمراً ، أم عائشة ، أم غیرهم .


1- مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 49 / ح 17666. وانظر: کنز العمّال 16: 213 / خ 45674.
2- أی زیّنت.
3- مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 49 / ح 17664، 4: 484 / ح 22351، غریب الحدیث للحربیّ 2: 182، 187، النهایة فی غریب الحدیث 2: 509.

ص:195

نعم ، إنّهم قد تشبّثوا بتلک الأخبار((1)) فی کتب التاریخ والحدیث لکی ینتزعوا أحکاماً فقهیّة خاصّة منها لهم ، فتلک الأحکام لو کانت جائزة فهی جائزة مع الإماء لا مع الحرائر ، وإذا کانت جائزة مع الحرائر فلیست جائزةً بهذا الشکل المزری ، وإلیک کلام الکحلانیّ فی «سبل السلام» أنقله دون أی تعلیق ، حیث قال :

دلّت الأحادیث علی أنّه یُندَب تقدیم النظر إلی من یرید نکاحها - وهو قول جماهیر العلماء - والنظر إلی الوجه والکفَّین ، لأنّه یُستدَلّ بالوجه علی الجمال أو ضدّه ، والکفَّین علی خصوبة البدن أو عدمها .

وقال الأوزاعیّ : ینظر إلی مواضع اللحم . وقال داود : ینظر إلی جمیع بدنها . والحدیث مطلق ، فینظر إلی ما یحصل له المقصود بالنظر إلیه ، ویدلّ علی فهم الصحابة لذلک ما رواه عبدالرزّاق وسعید بن منصور مِن أنّ عمر کشف عن ساق أمّ کلثوم بنت علیّ لمَّا بعث بها إلیه لینظرها . ولا یُشترَط رضی المرأة بذلک النظر ، بل له أن یفعل ذلک علی غفلتها کما فعله جابر((2)) .

وعلیه ، فمن وجهة نظرنا ونظر أیّ باحث غیرنا أنّ عمر بن الخطّاب لو کان یرید القرابة ونیل شفاعة الرسول فی الآخرة حقّاً ، لما أقدم علی زواجه من طفلة صغیرة لم تبلغ الحُلم ثم یزفّها إلی بیته کی تعیش عنده ویتعامل معها


1- التی جاءت فی زواج عمر من أمّ کلثوم.
2- سبل السلام 3: 112 - 113.

ص:196

کالاماء ! ((1)) إنّها ظلامة لأهل بیت الرسالة.

لقد روی المسوِّر بن مَخْرمة أنّ رسول الله قال : فاطمة شجنةٌ منی ، یبسطنی ما یبسطها ، ویقبضنی ما یقبضها ، وأنّه ینقطع یوم القیامة الأنساب والأسباب إلّا سببی ونسبی ((2)) .

ثمّ ألا یکون فی فعل عمر هذا - مع أُمّ کلثوم وإصراره علی الزواج بها ، ومواقفه الأخری من فاطمة الزهراء - ما یقبض ویُغضب الله ورسوله وفاطمة ؟

وبعد کل هذا نتساءل : کیف یمکن للعامّة أن یُؤَوِّلوا کلام النَّظَّام ((3)) (ت 231 ه-) من أنّ عمر ضرب بطن فاطمة علیها السلام یوم البیعة حتّی ألقت المحسن من بطنها ، وکان یصیح : أحرقوا دارها بمن فیها ! وما کان فی الدار غیر علیٍّ وفاطمة والحسن والحسین((4)) مع ما ادّعوه من زواجه بإبنتها ؟

وازاء فعله هذا ، کیف یمکن طلب القُربة ونیل الشفاعة ، وابن قتیبة (ت 276 ه-) یذکر قائلاً :


1- استقبح سبط ابن الجوزیّ فی تذکرة الخواص:288، ما نقله جدُّه ابن الجوزیّ فی المنتظم فی زواج عمر من أمّ کلثوم، فقال: قلت: هذا قبیح والله، لو کانت أمَةً لما فعل بها هذا، ثمّ بإجماع المسلمین لا یجوز لمس الأجنبیّة فکیف ینسب إلی عمر هذا !
2- مسند أحمد 4: 332 / ح 18950، المعجم الکبیر 20: 25 / ح 30، 22: 405 / ح 1014، الآحاد والمثانی 5: 362 / ح 2956، مستدرک الحاکم 3: 168 / ح 4734.
3- وهو شیخ الجاحظ، ومن شیوخ المعتزلة.
4- هذا ما نقله عنه الشهرستانیّ فی کتابه الملل والنحل 1: 57 عند ذکر الفرقة النظامیّة، وعنه الصفدیّ فی: الوافی بالوَفَیات 6: 15.

ص:197

إنّ محسناًَ فسد من زَخم قنفذ العَدَویّ ، حسبما حکاه عنه ابن شهر آشوب والگنجیّ الشافعیّ ((1)) . وقال الصفدیّ فی «الوافی بالوفیات» : والمحسن طرح ((2)) .

بل ما هی الفائدة والنفع للإمام أو لأمّ کلثوم حتّی یزوّجها لمن یکبرها خمسة عقود سنّاً ، مع وجود شباب من بنی هاشم یعیشون فی بیته ، بل ما السرّ فی اختلاق هکذا أمور ؟ بل لماذا یزوّجها لعمر بن الخطّاب وما السرّ فی ذلک؟

هل لأنها لم تکن جمیلة ولا أصیلة ، أو أنّها کانت من العوانس اللواتی لا رغبة للشباب فی الزواج منهنّ ، أو لأنّها کانت من ذوات العاهات الجسمیّة والعقلیّة والعیاذ بالله ؟

وأین هم أولاد عمومتها - أولاد جعفر وعقیل ((3))- حتّی تُزَوَّج إلی رجل تلک هی أخلاقه وسیرته فی کتب التاریخ ، وهو أکبر منها سنّاً بکثیر ، مع عدم جماله فی الخلقة ، واقتاره فی بذل المال علی العیال ، ومع شدّته علی رعیّته ، ووجود أقوال فی حِوَلِه من قِبل ابن حبیب الذی مرّ علیک قوله : الحولان من العرب : الفاروق ، وأبو لهب ، وأبو جهل((4)) .

فهل زوّجها الإمام علیّ علیه السلام - والعیاذ بالله - طمعاً فی الرئاسة والجاه


1- نقله عنه ابن شهر آشوب فی مناقب آل أبی طالب 3: 133.
2- الوافی فی الوَفَیات 21: 185.
3- وحتّی أولاد العباس بن عبدالمطلب.
4- المحبَّر: 330.

ص:198

والمال ؟ وهو الذی طلّق الدنیا ثلاثاً ((1)) ، والذی عبّر عن الخلافة بأنها کانت عنده أزهد من عفطة عنز((2)) .

أو أنّها علیها السلام رجت - فی الزواج من عمر - رفعةً للشرف والمکانة لنفسها أو لبیتها ؟

وهذا الاحتمال الأخیر باطل ، لأنّ شرف بنی هاشم وآل محمّد لا یعلوه شرف ، بل نری العکس فی ذلک إذ رجی عمر أن یکسب بزواجه منها هذا الشرف والقرب من رسول الله ، لا أن یمنحها شرفاً إضافیّاً .

وبقی احتمال آخر : وهو نسبة العمل غیر المتوازن إلی الإمام علیّ وأُمّ کلثوم - والعیاذ بالله - .

فالإمام أمیر المؤمنین علیه السلام هو أعقل الناس وأعلم الناس ، بخلاف ما یرید أن یصوّره دعاة الزواج المفتعل من أعداء الدین ودعاء شقّ الصفّ الإسلامی والتجریح بآل البیت ، فمن الطبیعیّ أنّ الإمام علیّاً علیه السلام لا یُقدّم مصلحته علی مصلحة ابنته - إن کانت هناک مصلحة فی هذا الزواج - ، وعلی العاقل أن یتساءل مع نفسه : ما هی المصلحة المرجوَّة لأمّ کلثوم فی هذا الزواج ؟ ومن هو المنتفع والمستفید ؟

هل عمر بن الخطّاب ، أم أُمّ کلثوم ؟ وما هو واجب الإمام تِجاه بنته ومصلحتها ؟


1- نهج البلاغة / الخطبة 77.
2- نهج البلاغة / الخطبة 3.

ص:199

إنّ من الثابت المعلوم عند الجمیع أنَّ المستفید وصاحب المصلحة - لو افتُرضت - فهی لعمر لا لأُمّ کلثوم ، ولو ثبت الفرض ، فکیف یقدّم الإمام مصلحة الغیر علی مصلحة ابنته وهو الولی والإمام العادل ؟ إن قلنا بوقوع الزواج منها عن رضیً وطیب خاطر لا عن إکراه .

بل کیف لا یسأل الإمام ابنته عن رأیها فی هذا الزواج ، ورضاها بعمر أم لا ؟

کلّ ذلک والإمام کان قد عرف سُنَّة رسول الله فی تزویج بناته ، وقد شاهده صلی الله علیه و آله وهو یسأل الزهراء عن رأیها فی التزوّج به علیه السلام ، فکیف لا یسأل الإمام ابنته هنا إلّا أن نقول بأنّها کانت صغیرة حقّاً ؟

واللافت فی الأمر أنّه قد صدر عن الرسول الأعظم تعریضٌ - إن لم یکن تصریحاً - بعمر وبأمثاله الذین أساؤوا إلی القربی والعترة وخانوا رسول الله وظلموه فی أهل بیته علیهم السلام :

فعن أبی سعید الخُدْریّ ، قال : سمعت رسول الله یقول :ما بال رجالٍ یقولون : إنّ رحم رسول الله لا تنفع قومه ؟! بلی والله إنّ رحمی موصولة فی الدنیا والآخرة ، وإنّی یا أیّها الناس فَرَطٌ لکم علی الحوض ، فإذا جئتم قال رجل : یا رسول الله، أنا فلان ابن فلان ، وقال آخر : أنا فلان ابن فلان ، فأقول : أما النسب فقد عرفته ، ولکنّکم أحدثتم بعدی وارتددتم

ص:200

القهقری (رواه أبو یعلی ، ورجاله رجال الصحیح)((1)) .

وفی ضوء ما سلف نفنّد ما برره القوم لأفعال عمر بن الخطّاب ، من أنّها لم تکن فی سنّ من یُطمع فیها ، ولم تبلغ بعد ، والخلیفة أجل وأکرم من هذا الفعل القبیح !! ((2))

وما برّره هو لنفسه بقوله : «إنی لم أُرد حیث ذهبت» ((3)) ، أو قوله : «إنی لم أرد الباءة» ((4)) ، أو قوله : «إنی والله ما أریدها لذلک» ((5)) ، أو : «أحببتُ أن یکون لی منکم أهلَ البیت سببٌ وصهر» ((6)) ، أو : «إن تعش تکبر» ((7)) .


1- مجمع الزوائد 10: 364، مسند أحمد 3: 18 / ح 11154، مسند أبی یعلی 2: 433 / ح 1238، وغیرها.. وفی المعجم الاوسط 5: 202 / ح 5082: ما بال أقوام یزعمون أنّ رحمی لا تنفع؟ لیس کما زعموا، إنّی لَأشفع وأشفع حتّی مَن أشفع له لیَشفع، حتّی أنّ إبلیس لیتطاول فی الشفاعة.
2- هذا هو قول ابن حجر الهیتمی فی الصواعق المحرقة 2: 457 إذ قال: «وتقبیله وضمّه لها علی جهة الإکرام ؛ لأنّها لصغرها لم تبلغ حدّاً یُشتَهی حتّی یحرم ذلک، ولولا صغرها لما بعث بها أبوها». الشرف المؤبَّد لآل محمّد لیوسف النبهانیّ: 43 وانظر: ملحقات إحقاق الحقّ 18: 551، والصوارم المهرقة: 200 أیضاً.
3- تاریخ الیعقوبی 2: 149.
4- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل 2: 626 / ح 1070، معرفة الصحابة لأبی نعیم 1: 78 / ح 215، الأحادیث المختارة للمَقدسیّ 1: 398، ذخائر العقبی: 169، جامع الأحادیث للسیوطیّ 13: 44 / ح 1664.
5- العثمانیّة: 236.
6- تاریخ بغداد 6: 180.
7- مختصر کتاب الموافقة: 148، وهذا أیضاً من ضغوطات عمر فی التزوّج من أمّ کلثوم، ومعنی کلامه: زوِّجْینها، فإنّها إن تعش عندی تکبر.

ص:201

فلو صحّ کلّ ما برّروه ، فماذا نقول عمّا أدرکته السیّدة أُمّ کلثوم من فعل وقصد عمر ، حینما وضع یده علی ساقها وکشفها ((1)) ، وأخذ بدرعها [یعنی قمیصها] ((2)) وهی المعنیّة بالأمر ؟

وهل یکون فَهْمُ أعلام العامّة - وبعد ألف عام - هو الأقرب إلی الصواب ، أم فهم السیّدة أُمّ کلثوم ، وهی المعنیّة بالأمر ، والعارفة بلحن وقصد عمر بن الخطّاب فی الخطّاب ؟!

وعلی أیّ شیء یدلّ قولها لأبیها : «أرسَلْتَنی إلی شیخ سوء !» ((3)).

أو قولها لعمر نفسه : «لو لم تکن أمیرَ المؤمنین لَلطمتُ عینیک ! » ((4)) ، أو : «أتفعل هذا ؟!» ((5)) .

أو حکایتها للواقعة : «ما نشر البرد وما نظر إلّا إلیّ» ((6)) ، أو : «فأخذ بذراعها ، فاجتذبتها منه وقالت : أرسل» ((7)) ، وفی آخر : «فتناول


1- جمهرة نسب قریش 2: 782، تاریخ مدینة دمشق 19: 483، المنتظم 4: 237، سیر أعلام النبلاء 3: 501.
2- سیرة ابن إسحاق: 248، مختصر کتاب الموازنة: 170.
3- مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 422 / خ 4، نسب قریش: 349، جمهرة نسب قریش 2: 282.
4- سنن سعید بن منصور 1: 173، مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 422، الاستیعاب 4: 510 / الرقم 3638، غوامض الأسماء المبهمة 2: 787، المغنی 7: 454، مصنَّف عبدالرزّاق 6: 163 / ح 10352.
5- نسب قریش: 349، الاستیعاب 4: 509 / الرقم 3638، تاریخ مدینة دمشق 19: 483، المنتظم 4: 437.
6- المنتظم 4: 237، تاریخ عمر لابن الجوزیّ: 235، محض الصواب 3: 888.
7- سیرة ابن إسحاق: 248، ومختصر کتاب الموافقة: 170.

ص:202

قناعها» ((1)) ، أو : «ووضع یده علی ساقها أو شیء من جسمها» ((2)) .

لا أدری کیف یتناقلون هکذا نصوص جارحة للمشاعر والأحاسیس والتی لا یرضی بها أی مسلم ، بل کیف یمکن لبعض محبیّ «الخلیفة» أن یقبل ما ذکره بعض المعاصرین من أشیاء کان یفعلها عمر بن الخطّاب قبل الإسلام ولا یعتبرونه أهانة أو استنقاصاً منه ویعتبرون ما یقوله غیرهم بحثاً و تحقیقاً إهانة واستنقاص .

صحیح أنّ الإسلام یَجُبّ ما قبله ، لکنّ ذکر بعض المعاصرین تلک الأمور یعنی تواتره واستفاضته عنه فی الجاهلیة وعدم استبعاد صدورها عنه فی الإسلام کذلک((3)) کما أنّه یرشدنا إلی إمکان نقلها للناس علی لسانهم ، لکی یعرفوا تاریخ الرجال علی حقیقتهم .

فقد ذکر محمّد حسین هیکل فی کتابه «الفاروق عمر» : وکان عمر - کغیره من شبّان مکّة ورجالها - محبّاً للشراب متوفّراً علیه ، بل لعلّه کان أشدّ من أمثاله ولعاً به ! کذلک کان له صدرَ شبابه غرامٌ بالغانیات ، جعل الّذین یترجمون له یُجمِعون علی أنّه کان صاحب خمر وصاحب نساء ((4)) .

وقال محمّد الغزالیّ فی «فقه السیرة» : والظّاهر أنّ عمر کانت تصطرخ فی نفسه مشاعر متناقضة : احترامه للتقالید الّتی


1- التذکرة الحمدونیّة 9: 309 / ح 581.
2- نسب قریش: 349، وفی تحفة الألباب: «شی من جسدها».
3- سنأتی بعد قلیل بعض النصوص فی ذلک.
4- الفاروق عمر 1: 34، قائد الفکر الإسلامیّ عمر بن الخطاب 1: 46.

ص:203

سنّها الآباء والأجداد ، واسترساله مع شهوات السُّکر واللهو الّتی أَلِفها ، ثمّ إعجابه بصلابة المسلمین واحتمالهم البلاء فی سبیل عقیدتهم ... ((1))

بهذه الکلمات عرّف الکتّاب المعاصرون شخصیّة عمر بن الخطّاب ، وهی توافق سیرته المسطورة فی الکتب التراثیّة القدیمة والتی وقفنا علیها ، وتخالف ما رسموه وصوّروه له من هالة مُبالغاً فیها له فی الزمن المتأخّر .

إنّ تلک الفقرات السابقة تدلّ علی أنّ الصبیّة البریئة (أُمّ کلثوم) قد فهمت مطامع غریزیّة فی نفس عمر بن الخطّاب ، وهی تخدش فی دین الرجل - إن صحّ الخبر- فلو کان هذا هو دینَه فلا یمکن أن یزوِّج علیُّ بن أبی طالب علیه السلام ابنته لهذا عن طیب خاطر فجاء فی «شرح أدب القاضی» للخصّاف :

فرفَعَت یدها وکادت أن تلطمه وقالت له : لولا أنّک أمیرالمؤمنین ، وإلّا للطمتُک علی خدّک ! فقال عمر : دعوها ، فإنّها هاشمیّة قَرشیّة ((2)) .

والغریب یحاول بعض الکتّاب والمؤرّخین تبریر ضِعَة عمر فی الخُلق والسیرة والإغماض عنها والتعتیم علیها واستبدالها بأشیاء أخری لا تتفق مع النصوص التاریخیة الأخری .


1- فقه السیرة: 125.
2- شرح أدب القاضی لحسام الدین عمر بن عبدالعزیز بن مازة البخاریّ الحنفیّ (ت 536 ه-) 4: 129 - 130.

ص:204

فلا أدری أأصدّقُ هذه الأخبار الموجودة فی المصادر التراثیّة الأُمّ والقدیمة ، أو ما رسموه من هالة من تقدیس فی الزمن اللاحق ، وما تناقلوه عن مواقفه التأدیبیّة للمسلمین ، کتبعیده نصرَ بن الحجّاج إلی البصرة لتغزُّل نساء المدینة به ، وعتاب أُمّ نصر علی ما فعله عمر بحلق شعر رأس ابنها ، فقد جاء فی «التمهید والبیان» لأبی بکر المالقیّ الأندلسیّ :

رُویَ : أنَّ عمر بن الخطّاب نفی نصرَ بن حجاج لمّا خاف أن یفتتن به النساء لحُسن صورته((1)) ، وقد حلقه عمر بن الخطّاب فصلع رأساً لم یصلعه ربُّه((2)) ، لئلّا تُفتَتَن به النساء((3)) ، فإنّه قال : ما ذنبی یا أمیرالمؤمنین ؟!

قال : لا ذنب لک ، إنّما الذنب لی حیث لم أُطَهِّرْ دار الهجرة عنک ((4)) .

وفی آخر : ما لی وما ذنبی ، وما فتقتُ فتقاً ، أی ما نقصتُ نقصاً ، وما أفسدتُ إفساداً ((5)) .


1- التمهید والبیان: 192، تاریخ مدینة دمشق 62: 20، تاریخ المدینة للسخاویّ 1: 264 / خ 886.
2- غریب الحدیث للخطّابیّ 1: 192، شرح نهج البلاغة 12: 28.
3- سمط النجوم العوالی 3: 284، الفروع لابن مفلح 6: 116، مجموع الفتاوی لابن تیمیة 11: 552 و15: 313 و28: 371.
4- المبسوط للسرخسیّ 9: 45 - کتاب الحدود، کشف الأسرار لعلاء الدین البخاریّ 3: 103.
5- طلبة الطلبة لنجم الدین السمرقندیّ: 176.

ص:205

وقد اشتدّت علی أُمّ نصر غَیبةُ ابنها عنها ، فتعرّضت لعمر بین الأذان والإقامة ، فقعدت له علی الطریق ، فلمّا خرج یرید صلاة العصر قالت له :

یا أمیر المؤمنین ! لأُجاثیّنک بین یدَیِ الله ، ثم لأُخاصمنّک ، أَیَبیتُ عبدالله وعاصمٌ إلی جنبک ، وبینی وبین ابنی الفیافی والقفار والمفاوز والجبال ؟!

فقال لها : یا أُمّ نصر ! إنّ عبدالله وعاصماً لم تهتف بهما العواتق فی خُدورهن((1)) .

وقال السرخسیّ فی «المبسوط» : نفی عمر نصرَ بن حجّاج ... والجمالُ لا یوجب النفی ، ولکن فَعَل ذلک للمصلحة((2)) .

وفی «سمط النجوم العوالی» : ذکروا أنّ عمر بن الخطّاب خَشِی من وقوع الفتنة به ، فنفاهُ من المدینة بعد أن حلق لمَّةً کانت له ، یقول الشاعر :

حَلَقُوا رَأسَهُ لِیَزْدادَ قُبْحا

غَیرَةً مِنْهُمُ علیهِ وشُحّا

کان صبحاً علیه لیلٌ بهیمٌ

فَمَحَوا لَیلَهُ وأَبْقُوهُ صُبحا((3))

ولا ندری کیف یمکن الملائمة والموافقة بین ما مرّ من نصوص فی زواج عمر من أُمّ کلثوم ، وضربه علی عجز عاتکة بنت زید وأمره الإماء بکشف رؤوسهن


1- تاریخ مدینة دمشق 62: 24، طبقات الشافعیّة الکبری للسبکیّ 1: 281 / الترجمة 282. وانظر المستطرَف 2: 355.
2- المبسوط للسرخسیّ 9: 45، کشف الأسرار لعلاء الدین البخاریّ 3: 103.
3- سمط النجوم العوالی 3: 284.

ص:206

وأثداءهن ، وبین ما جاء فی المواقف التأدیبیّة له مع الصحابة والتابعین ؟!

فعن موسی بن خلف ، أنّ عمر بن الخطّاب مرَّ برجلٍ یکلّم امرأةً علی ظهر الطریق ، فعلاه بالدرّة ، فقال الرجل : یا أمیرَ المؤمنین ! إنها امرأتی ، قال : فهلّا حیثُ لا یراک الناس((1)) .

وروی عن حمّاد بن یحیی المکّیّ ، عن أبیه قال : قدمتُ المدینة أنا وأهلی ، فانطلقت إلی قبر رسول الله صلی الله علیه و آله فسلَّمتُ علیه ، ثم أقبلتُ فلقَیْتنی امرأةٌ - یعنی زوجته - فی بعض الطریق ، فقمت معها أسألها عن بعض الأمر ، فبینا أنا أُکلّمها إذا ضربة علی رأسی ، فالتفتُّ فإذا عمر بن الخطّاب ، فقلتُ : یا أمیر المؤمنین ! ظلمتَنی ، هذه واللهِ امرأتی ، قال : أفلا کلّمتَها خلف بابٍ أو ستر ! قلتُ : یا أمیر المؤمنین ! لقَیْتنی فسألتها عن بعض الأمرِ ...((2))

فأتساءل : هل کان کشف عمر عن ساق أُمّ کلثوم - والعیاذ بالله - بحضور الناس أم خلسة ؟

وهل سألها من خلف باب وستار ، أو کان ظاهراً وعیاناً للجمیع ؟

وکیف بعمر یطلب من أُمّ کلثوم أن تخرج للضیف ، وهی تقول له : «إنّی


1- کنز العمّال 5: 183 / خ 13621، عن الخرائطی فی: المنتقی من مکارم الاخلاق: 106 / 238، تاریخ مدینة دمشق 44: 159، إحیاء علوم الدین 2: 202.
2- محض الصواب 2: 503 - 508.

ص:207

لأسمع حسّ رجل» ، وتتحشّم من ذلک الرجل ، و«الخلیفة» یصرّ علیها فی الخروج إلیه ؟!

وهل یتفق ذلک مع غیرة الرجال عموماً ؟! وخُلق الخلیفة وغیرته علی زوجته علی وجه التحدید ؟!

بل کیف یتّفق الخبر الآتی مع ما قالوه من احترامه للضیف - من غیر أولاد الإمام علی - ؟! إذ تراه یطلب من زوجته أن تخرج للرجل الأجنبیّ وتأکل معه ، فی حین تراه فی الخبر الآتی ینتزع أُتْرنجةً من ید السبطین الحسن أو الحسین !

ففی «المصنَّف» لابن أبی شیبة ، عن أبی صالح الذی کان یخدم أمّ کلثوم ابنة علی ، قال : دخلتُ علی أمّ کلثوم وهی تمشط ، وسترٌ بینها وبینی ، فجلست أنتظرها حتّی تأذن لی ، فجاء حسن وحسین فدخلا علیها وهی تمشط ، فقالا : ألا تُطعمون أبا صالح شیئاً ؟

قالت : بلی .

قال : فأخرجوا قصعةً فیها مرق بحبوب ، فقلت : أتطعمونی هذا وأنتم أُمراء ؟

فقالت أمّ کلثوم : یا أبا صالح ، فکیف لو رأیت أمیرالمؤمنین وأُتِیَ بأُترنج ، فذهب حسن أو حسین یتناول منه أترنجة ، فنزعها من

ص:208

یده ، ثم أمر به فقسم((1)) .

ما هی قیمة الأُترنجة بالنسبة إلی الإمامین السبطین الحسن والحسین ؟ وهل الأترنجة کانت من الصدقة الممنوعة علیهم ، أم کانت من مال الخلیفة والغذاء الموجود فی البیت ؟!

فإن کانت من الصدقة فکیف یُقْدِم الحسنان علی تناولها وهما رجلان کبیران ومن سادة المؤمنین ، بل هما أکبر من أُختهما المفترضة أمّ کلثوم علی وجه القطع والیقین .

وإذا کانت من مال الخلیفة ، فکیف یَقْتر بها علی سبط رسول الله صلی الله علیه و آله ؟

وبعد هذا ، هلّا یدل هذا النصّ علی شحّة نفس عمر بن الخطّاب وابتعاده عن الأُصول الأخلاقیّة والأعراف العربیّة والکرم العربی الذی عُرفوا به ، وهل یتعامل الرَّجُل مع ضیفه وأخ زوجته هکذا ؟ ألا یعطی هذا الخبر وأمثاله صورةً عن أسلوب غیر أخلاقی من أسالیب عمر بن الخطّاب ؟! وحتّی لو قلنا بأنّها من الغنائم ومن مال المسلمین ، ألم تصل من مال المسلمین أُترنجةٌ من تلک الاترنج إلی الحسن والحسین ، فلماذا ینتزعها من یدهما ، ولا یجعلها من حقّهما ؟ وکیف یقف المسلم علی هکذا أمور فی معاجم حدیثیة معتمدة ؟ وهل إنّ تلک النصوص تدلّ علی زهده وورعه ، أم یدلّ علی شیء آخر ؟ وهل هذه هی من أکاذیب الشیعة أم هی حقیقیة موجودة فی کتبهم ومصادرهم الحدیثیة ؟!


1- المصنَّف 8: 157 / ح 7.

ص:209

فرضان فی تحدید سنّ أُمّ کلثوم :

لنرجع إلی أمّ کلثوم متسائلین عن سنّها ، هل کانت ممن یُطمَع فیها أم لا ؟ فعلی بعض النصوص نراها کبیرة ، وفی نصوص أخری صبیّة .

فلو قبلنا بولادتها فی آخر عهد رسول الله (ت 11 ه-) ، یکون عمرها حینما أرسلها الإمام علیّ - حسب نصّ الطبریّ وغیره - فی حدود السابعة من العمر .

وأمّا لو قلنا بولادتها فی السنة السادسة من الهجرة((1)) ، فیکون عمرها حین الزواج إحدی عشرة سنة ، فتکون ممّا یُطمع فیها ، ویصحّ الزواج منها((2)) ، وبذلک یُفنَّد تبریر ابن حجر وغیره فی الدفاع عن عمر بأنّها کانت صبیّة ممّا لا یُطمَع فیها .

ومن وجهة نظرنا أنّ کلا الفرضین سیّئان ، فلو قلنا ببلوغها ، وأنّها کانت إحدی الشهود علی کون فدک نحلةً نحلها رسول الله صلی الله علیه و آله لفاطمة علیها السلام ، مضافاً إلی وجود السبطین الحسنین معها ، فهذا یعنی أن الإمام علیّاً علیه السلام أرسلها إلی عمر وهی بنت کبیرة بعد البلوغ وقبل العقد .

وهذا مخالف للشرع الأقدس ، فضلاً عن أنّ غیرة الإنسان العربیّ تأبی أن یزیّن رجل ابنته ویرسلها إلی من یطمع فیها ، ثم یستمع بعد ذلک إلی نقل البنت وهی تحکی عن الرجل . أشیاء عجیبة غریبة تخالف الشرع المقدّس ، هذا أولاً .


1- وهذا ما لا یقول به أحد، لأنّها سنة ولادة أختها السیدة زینب عقیلة الهاشمیّین علیها السلام .
2- سیر اعلام النبلاء 3: 500 / الترجمة 14.

ص:210

وثانیاً : کیف یحقّ لعمر أن یفعل هذا الفعل الشنیع مع امرأة بالغة ، عاقلة ، رشیدة ، قبل عقدها واشتهار أمر الزواج بین الناس ؟

وثالثاً : إنّ تأکید الإمام علیّ علیه السلام علی صغر سنّها ، واستهجان الناس عمل عمر وإصراره علی تحقق هذا الزواج وإن بلغ ما بلغ ((1)) - وقولهم له : یا أمیرالمؤمنین ! ما کنت ترید إلیها وهی صبیة صغیرة ((2)) - کلّ ذلک یخالف القول ببلوغها ، وهذا خیر دلیل علی عدم صحّة کلام ابن حجر الهیتمی وغیره ، لأنّ الإمام والناس فی ذلک العصر هم أعرف ببلوغ أُمّ کلثوم وصلاحیّتها للزواج من عدمه .

أمّا لو قلنا بأنّها کانت صبیة((3)) - حسبما قالته المصادر - فهذا أیضاً ما لا یمکن الرکون إلیه فی ابنة فاطمة الزهراء علیها السلام حسبما وضحنا قبل قلیل لأنّها کانت کبیرة و وجود من یتزوّجها ، ولأنّ التزیین لیس من مهامّ الرجال ، بل هو من مهمّة النساء فقط ، ولا یکون إلّا بعد حصول الموافقة علی التزویج وبعد وقوع العقد ، ومعناه عدم تصوّر تزیّنٍ مع الکراهیة وقبل العقد .

علی أنّها لو کانت صبیّة (ولم تبلغ حدّاً تُشتهی) - کما قاله ابن حجر - فلا معنی لتزیینها وإرسالها لمَن یرغب فی نکاحها مزیَّنةً ، ناهیک عن أنّ الکشف


1- مناقب الإمام علیّ لابن المغازلیّ: 110 وفیه: أیُّها الناس، إنّه واللهِ ما حملنی علی الإلحاح علی علیّ ابن أبی طالب فی ابنته إلاّ أنی سمعتُ رسول الله...، وانظر: تاریخ بغداد 6: 182 کذلک.
2- سیرة ابن اسحاق: 248.
3- مرّ علیک کلام الإمام علیّ علیه السلام «إنّها لم تبلغ»، أو «لأنّها صغیرة»، أو «إنّها صبیّة»، إلی غیرها من النصوص الدالّة علی صغرها.

ص:211

عن ساق الصبیّة یدلّ علی انحطاط فاعلِه بلا ریب .

فأسالک بالله : هل تقبل نفسک مثل هذا التصرّف ((1)) من شیخ فی السابعة والخمسین من عمره ، أو التاسعة والخمسین ، مع صبیّة فی السابعة من العمر «لم تبلغ بعد» بهذا الشکل المزری ؟! خصوصاً لو عرفنا بأنّ هذا الرجل کانت له زوجة بل زوجات((2)) ، قبل الإسلام وبعده ، وهو بمنزلة جدّ هذه الصبیّة .

فعمر هو أبو حفصة ، وحفصة زوجة رسول الله ، فیکون هو والِدَ زوجة جدّ هذه الصبیة ، وهو رسول الله محمّد المصطفی صلوات الله وسلامه علیه وعلی آله الطیّبین الطاهرین .

وعلیه ، فالقوم لو قبلوا تلک النصوص وأرادوا الاستدلال بها علی وقوع


1- أی الکشف عن الساق والتقبیل والضمّ إلی الصدر قبل العقد والزواج.
2- مثل: 1- زینب بنت مظعون الجمحیّة، 2- وأُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام المخزومیّة ؛ تزوّجها بعد مقتل خالد بن سعید بن العاص بموقعة مرج الصفر ببلاد الشام، وأمّها فاطمة بنت الولید بن المغیرة ؛ تزوّجها بعد وفاة زوجها بطاعون عمواس، 3- وجمیلة بنت ثابت الأنصاریّة، 4- وقریبة بنت أبی أمیة بن مغیرة المخزومیّة، 5- وأمّ کلثوم بنت جرول الأنصاریّة، 6- ونهیة أم (أبو شحمة)، 7- وفکیهة أم زینب بنت عمر - 8- عاتکة بنت زید أم عیاض، 9- فاطمة بنت الولید بن المغیرة، 10 - أم هنیدة (تزوجها أوّل الإسلام) 11- سبیعة الاسلمیة بنت الحارث، 12- سعیدة بنت رافع بن عبید (أمّ عبدالله الأصغر)، 13- بنت حفص بن مغیرة، 14- زوجة خالد بن الولید بعد وفاته. هذا وقد ذکر عبدالسلام بن محسن آل عیسی فی کتابه «دراسة نقدیة لمرویات عمر 1: 223 - 241» ط السعودیة أسماء هؤلاء النسوة - بشیء من الاختلاف عمّا قلناه - کما ذکر أسماء بعض اللواتی خطبهنّ فردّنه.

ص:212

التزویج لَلَزِمهم القبول بمترتّباته الفاسدة ، والتی یهدم بها کیان الخلافة والقدسیّة التی نسجوها لخلیفة المسلمین عندهم !!

و إن لم یقبلوها فلابد من نفی التزو یج بأم کلثوم ونفی الاستدلال به .

بل علیهم التأمل فیما ینسبون إلی أمیر المؤمنین علی صلی الله علیه و آله

وإلی خلیفتم ، فکیف یقول الإمام لابنته المعترضة علی فعل عمر : «إنّه زوجکِ» ، ألم یکن نسبة هذا القول إلی الإمام هو للإِزراء به وتصحیح موقف عمر الخاطئ ، والوصول إلی الأمرین معاً ؟

وکیف یکون عمر زوجها والعروس لا تعلم بذلک ، وهم الذین اشترطوا فی الزواج الشهود والإشهار ، فأین الشهود والإشهار فی هذا الزواج ؟ وإذا کان هناک إشهار ، فلماذا تعترض أُمّ کلثوم علی الزواج المفتعل ؟! بل إنّ أخبار الزواج من أمّ کلثوم عموماً تدلّ علی الکتمان وکونه کان سرّاً ، لأنّ عمر یأتی مجلس المهاجرین الأوائل فی الروضة ویقول لهم : رفّئونی ، فقالوا : ما ذا یا أمیر المؤمنین ؟! قال : تزوجتُ أمَّ کلثوم بنت علیّ ((1)).

وعن ابن عباس : دخل علی مشیخة المهاجرین ، وکانت تحفته إیّاهم أن صَفَّر لحاهم بملاب ((2)) . فلو کان زواجه منها مشتهراً ومعروفاً عند المسلمین لما قالوا له : ما ذا یا أمیر المؤمنین ؟!

أجل ، لو قبلنا شرعیّة النظر إلی المرأة قبل الزواج - برضاها أو عدم


1- السیرة الحلبیّة 2: 42.
2- جمل من أنساب الأشراف 2: 412.

ص:213

رضاها - ، فهل التقبیل والکشف عن الساق والضمّ إلی الصدر بریبة هو ممّا جوّزه الشرع کذلک ؟

نعم ، لو تنزّلنا وقلنا بصحّة صدور خبر التزویج ، وثبوت رضی الإمام علیّ علیه السلام بذلک ، مع اعتقادنا بأنّ الأمر لم یکن کذلک ، لأنّ النصوص تشیر إلی عدم رضاه ، وعدم رضی أهل بیته - کعقیل((1))- بهذا الزواج ، وعلی فرض صحّة الخبر ، فالإمام قد یکون أرسلها إلیه لکی یتراجع عن أمره ، لقناعته بأنّ عمر لو رآها بهذا السنّ والصغر لاشمأزَّ من طلبه ، وممّن اقترح علیه التزوّج بها ، ولَما رضی بالتزویج بطفلة - فی الرابعة أو الخامسة من عمرها- لم تبلغ الحلم بعد ؟ وهذا الطلب من عمر هو الذی دعا الناس أن یقولوا له : یا أمیر المؤمنین ما کنت ترید إلیها وهی صبیّة صغیرة !! ((2))

کما یفهم ذلک من کلام الزمخشریّ فی «الفائق» فی مادة (حَلَل) إذ قال :

«فاعتذر إلیه بصِغرها ، وأرسلها إلیه لیراها إعذاراً ، وجعل الحُلَّة کنایة عنها ، وقد یکنّی عن النساء باللباس» ((3)) .

ومن کلام الثعلبیّ فی تفسیره ، وأنّه روی عن عطاء الخراسانیّ خبر التزویج ، وفیه : فقال علیّ :


1- مجمع الزوائد 4: 271 - 272، عن: المعجم الکبیر للطبرانیّ 3: 44 / ح 2633، وفیه قول عمر: وَیْحَ عقیل ! سفیه أحمق.
2- سیرة ابن إسحاق: 248.
3- الفائق 1: 309، مادة: حلل.

ص:214

إنّی مرسلها إلیک حتّی تنظر إلی صغرها . فأرسلها الیه ، فجاءته ...((1))

وفی «سنن سعید بن منصور» : أُرْسِلُ بها إلیک تنظر إلیها ((2)) .

وعلیه فالإمام کان صادقاً حینما قال : «إنّها صبیّة» ، أی أنّها کانت دون التاسعة ، ومعناه أنّ هذه البنت لیست بنت الزهراء علیها السلام ، بل کانت بنتاً أخری للإمام من امرأة أخری ، کلّ ذلک قلناه تنزّلاً مع صحّة أخبار الزواج فی کتب الفریقین .

نعم ، إنّ بعض النصوص تخطّئ النصوص الأخری أو قل لا تتفق معها ، لأنّ شهادة ابنة الزهراء علیها السلام بکون فدک نحلة - کما حکاه ابن حجر فی «الصواعق» عنها((3)) - لا یمکن تصوّره وهی دون الرابعة أو الخامسة من عمرها ، وهذا یرشدنا إلی کون أُمّ کلثوم ابنة فاطمة الزهراء علیها السلام کانت فی سنِّ مَن یُتزوَّج بها حین أراد عمر خطبتها فی سنة 17 ه- ، وهو لم یتّفق مع المحکیّ عن الإمام علیه السلام : «إنّها صبیّة» ، إلّا أن نقول بأنّ المراد بأم کلثوم بنت أخری له

علیه السلام من غیر فاطمة ، لأنّ الصدیقة الزهراء علیها السلام استُشهدت فی سنة 11 للهجرة ، والإمام علیّ علیه السلام لم یتزوج فی حیاتها علیها السلام ، وقد تزوَّج بعد وفاتها بمدّة وجیزة ، فمعناه أنّ البنت التی أقدم عمر علی التزوّج منها فی سنة 17 لم تکن من الصدّیقة فاطمة ، بل هی من زوجاته الأُخَر ، وتلک کانت لا تتجاوز السادسة أو السابعة من عمرها ، لأنّ بنت الإمام من غیر فاطمة الزهراء هی


1- تفسیر الثعلبیّ 3: 277، غریب الحدیث للخطّابیّ 2: 100، مختصر کتاب الموافقة: 168.
2- سنن سعید بن منصور 1: 173، الشرح الکبیر 7: 347.
3- الصواعق المحرقة 1: 93.

ص:215

أصغر من بنته من الزهراء علی وجه القطع والیقین .

فالسؤال هنا : هل مِن رجل عاقل یُزوِّج ابنته بهذا العمر لرجل تجاوز الخمسین من عمره وقد عرف من خلقه ما عرف ((1)) عن طیب خاطر - إن لم یکن إکراهاً ((2))- ؟ مع وجود من هو أفضل وأقرب إلیها من عمر بن الخطّاب نسباً وجمالاً وتقارباً فی العمر ؟

وقد یمکننا توضیح رؤیتنا بشکل آخر ومن خلال بیان معنی کلمة (الجاریة) فی اللّغة ، هل هی للصبیّة أم للبالغة ؟

ففی اللغة تأتی فیهما معاً ، وهی قد تُطلَق علی المرأة والشیخة مجازاً باعتبار ما کانا علیه ، لکن فی النصوص الآتیة أتت بمعنی الصغیرة فقط ، فهی الصغیرة خصوصاً لو جُمع مع کلام ابن مازة البخاریّ الآنف ((3)) وأنّ أمّ کلثوم زُفّت إلی عمر وهی بنت أربع سنین أو ما بین الأربع إلی الخمس((4)) .

قال ابن سعد فی «الطبقات الکبری» : تزوّجها عمر بن الخطّاب وهی جاریة لم تبلغ ، فلم تزل عنده إلی أن قُتل...((5)).

وفی «المصنَّف» للصنعانیّ : إنّ أُمّ کلثوم ابنة علیّ بن أبی طالب جاریة تلعب مع الجواری((6)) .


1- حسب النصوص السابقة.
2- أو حصولاً علی شرف عظیم کتزویج عائشة من رسول الله، وهنا لم یکن کذلک.
3- فی صفحة 190.
4- شرح أدب القاضی 4: 129.
5- طبقات ابن سعد 8: 463.
6- مصنَّف عبدالرزّاق 6: 162 / ح 10351، و163 / ح 10354.

ص:216

وفی «بدائع الصنائع» : وزوَّج علیٌّ ابنته أُمّ کلثوم من عمر بن الخطّاب وهی صغیرة ((1)) .

ومعنی کلام ابن سعد والصنعانیّ والقاسانیّ أَنّ أمّ کلثوم تزوّجها صغیرة «وهی جاریة لم تبلغ» ، ثمّ أخذها إلی بیته لتلعب مع الجواری والأولاد حتّی تکبر وتعیش ثمّ یدخل بها ، لکنّ إرادة الله لم تشأ ذلک ولم یتحقّق الدخول بها حسبما سنوضّحه لاحقاً وبقی الارتباط بینهما فی حدود العقد .

فاتّضح ممّا سبق أنّ المخطوبة - نقول بهذا جمعاً بین الأقوال - لم تکن ابنة فاطمة علیها السلام قطعاً - حسب التحلیل الذی عرضناه - بل کانت ابنة الإمام علیّ علیه السلام من غیر الزهراء علیها السلام ، وقد عقد علیها قسراً مهدداً عمّه العباس بن عبد المطلب وأخذها إلی بیته ولم یدخل بها ، وقسم من هذا الکلام أشار إلیه الزرقانیّ المالکیّ فی «شرح المواهب اللدنیّة» إذ قال : وأمّ کلثوم زوجة عمر بن الخطّاب ، مات عنها قبل بلوغها((2)) .

وقال النوبختیّ : وأمّ کلثوم کانت صغیرة ، ومات عنها قبل أن یدخل بها ((3)) .

وقال العَمْریّ النسّابة فی «المَجدی» : وآخرون من أهلنا یزعمون أنّه لم یدخل بها ((4)) .

وقال الشیخ جعفر النقدیّ : فرُوی أنّ عمر لمّا دخل علیها کان ینظر شخصها


1- بدائع الصنائع 2: 240.
2- شرح المواهب اللَّدنیّة 7: 9.
3- بحار الأنوار 42: 91، مناقب آل أبی طالب 3: 89.
4- المجدی: 17.

ص:217

من بعید ، وإذا دنا منها ضُرِب حجابٌ بینها وبینه ، فاکتفی بالمصاهرة ((1)) .

فهذه النصوص تشیر إلی أنّ عمر بن الخطّاب - لو صح زواجه من ابنة علیّ علیه السلام - فقد تزوّجها قبل البلوغ ولم یدخل بها ، وأنّ هذه البنت لم تکن ابنة فاطمة الزهراء سلام الله علیها ، بل کانت من أمّ ولد ، وبیان هذا المدّعی لا یروق لهم ، لأنّ القوم سَعَوا إلی أن یجعلوها ابنة لفاطمة الزهراء لا لغیرها ؛ استغلالاً لمعاشر المسلمین ، وترسیخاً لمدّعاهم علی وجود المحبّة والمودّة والألفة بین الآل والصحابة ، ورفعاً للکدورة التی حصلت بینهم بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله .

فکونها ابنةً لعلی من أمّ ولد ، وکونها صغیرةً غیر مدخول بها ، یتّفق مع کلام الإمام علیّ علیه السلام : (إنّها صبیّة) ، وکذا یتّفق مع مجیء الإمام إلی دار الإمارة وأخذه بیدها إلی بیته لإتمام العِدّة فی بیته .

کما إنّه هو الآخر یتّفق مع المرویّ عن الإمام الصادق علیه السلام : ذلک فرج غُصِبناه ! أو عُصِبناه – أی قُبِضنا علیه – ! فکلّ هذه النصوص تشیر إلی وقوع الزواج من صغیرة دون الإیلاد ، ولیس فیها بأنّها کانت من وُلد فاطمة الزهراء .

وحتّی النصوص المذکورة عند العامّة والتی یُفهَم منها أنّها ابنة فاطمة ، فیمکن حملها علی وجه یتّفق مع ما نرید قوله هنا ، فمثلاً قولها لحفصة : ظلمتینی مرّتَین : الأوّل میراثی من أمّی فاطمة بنت رسول الله ، والثانی میراثی من أبیکِ عمر بن الخطّاب ((2)) .

فقد تکون أرادت فی المقطع الأول «میراثی من أمّی فاطمة بنت رسول


1- الأنوار العلویّة: 435.
2- الفتوح 2: 497.

ص:218

الله» أن تُنْزِل نفسها منزلة إخوتها من أبناء فاطمة علیها وعلیهم السلام ، وأن تتکلّم باسمهم ، لأنّها هی الرابط بینها وبین الخلافة ، وأنّ فاطمة الزهراء هی أمُّها اعتباراً .

أما المقطع الثانی - أعنی مسألة إرثها من عمر - ، فالزوجة ترث من زوجها ، سواءً کانت صغیرة أو کبیرة ، مدخولاً بها أو لم یُدخَل بها ، فحفصة ظلمَتْها بعدم إعطائها إرثَها بدعوی أنّها بنت لم یُدخَل بها ، وهذا یُثْبت صِغرَها وعدم الدخول بها فضلاً عن أن یکون لعمر وُلدٌ منها .

بلی ، لا یُعقَل أن یقول الإمام علیّ علیه السلام لابنته أُمّ کلثوم «إنّه زوجُکِ» وقد سمع منها ما فعله عمر من اساءة الأدب إلیها بحضور الصحابة ، وفی المسجد !! وهو المؤمن الغیور والعربیّ الأبیّ ،

إذن ، فأخبار زواجه من ابنة فاطمة الزهراء علیها السلام لم تکن ثابتة ولا مسلّمة بحیث لا یمکن الخدش فیها ، بل یکتنفها الکثیر من الغموض والتناقض ، ونحن حینما أعطینا البدیل العقلی لذلک الزواج ، وأنّه لو تصور ذلک لکان لأحد أولاد عمومتها - لا لعمر بن الخطّاب - ، قلنا بذلک لکی نحدّ من کونه أمراً مسلَّماً وثابتاً عند الجمهور ، مؤکّدین بأنّ هناک احتمالات کثیرة أخری ، بل فوق کلّ ذلک هناک اتجاهٌ یرید المساس برموز البیت النبویّ ، إذ کیف یمکن تصدیق تزیین علی علیه السلام ابنته وإرسالها إلی عمر وکلاهما فی المدینة ؟! إذ کان یمکنه أن یراها فی طریقه إلی دار الإمارة أو بالعکس .

ولو تصوّر أنّ هناک عسراً فی مشاهدتها فی بیت الإمام علیّ بن أبی طالب ، أو فی طریقه إلی دار الإمارة أو السوق ، فإنّه کان بإمکانه إرسال ابنته حفصة ،

ص:219

أو غیرها من أُمّهات المؤمنین وسائر النساء للاطّلاع علیها ووصفها له ، وذلک هو الدأب الذی کان وما زال علیه المسلمون فی الخِطبة .

وهل تعتبر هذه النقاط التی ذکرناها فی هذا الزواج هی نقاط قوة أم هی نقاط ضعف ؟

وهل هی من وضع المحبین الجهلة من أتباع عمر ، أو هی من وضع الزنادقة الملحدین الذین لا یریدون الخیر للصحابة وأهل البیت بل للدین اطلاقاً ، وهذا ما أکّدنا علیه مراراً ؟

وکیف بنا نشاهد وجود هکذا نصوص فی التاریخ ، والمؤرخون صرَّحوا بأنّهم ترکوا بعض الأُمور رعایة لحال العامة ؟

فکیف بقیت هذه وأمثالها موجودة فی سیرة ابن اسحاق ، والطبری ، وابن سعد ، وابن الأثیر ؟ مع سعیهم لتنقیتها ، ألا یرونها جارحة لمشاعر العامة من المسلمین سنّة وشیعة ، أم کانوا - حین نقلهم لها - لا یفقهون بتوالیها الفاسدة علیهم ؟!

بل لماذا وَضِعَت هکذا روایات مسیئة لأئمّة الفریقین ؟! ومن الذی أتی بها وطبل لها ومن کان وراءها ، بل علی أیّ شیءٍ یمکننا حمل ما صحفه بعض الرواة فی بعض الأخبار ، وهل کان ذلک عن عمد أم عن جهل ؟

ففی المصنَّف لابن أبی شیبة : حدّثنا ابن علیّة ، عن یونس ، عن الحسن ، عن أبیه : أنّ عمر خطب إلی علی ابنته أُمّ کلثوم ، فقال علی : إنها صغیرة ! فانظر إلیها ، فأرسلها إلیها برسالة ، فمازحها ، فقالت : لولا أنک شیخ ، أو لولا أنّک أمیرالمؤمنین ،

ص:220

فأعجب عمر مصاهرته ، فخطبها فأنکحها إیاه((1)) .

ولا أدری هل یمکنک الأخذ بهذه الروایة الفریدة والمشوشة نصاً ومضموناً مع ما فیها من التصحیف والتحریف والکتمان ، أم تقول بما قلناه ؟

وأترک للقارئ الحکم علی ما قرأه - فی هذا النص وفی غیره - بالوضع أو الکذب ، أو الصحة والسقم ، أو أی شیء آخر یرتضیه ، ولا أحمِّله شیئاً من قناعاتی ورأیی ، فله القبول بما قلناه أو الإعراض عنه .

أجل إنّ کثیراً من الباحثین قد ناقشوا روایات زواج أُمّ کلثوم مناقشةً سندیّةً فخرجوا بأنّ غالبها مرسلة ، أو ضعیفة ، أو فیها وضّاع ، أو متروک الحدیث ، کما أنّهم قالوا بأن الصحاح الستّة لم تروی خبر الزواج وما یدلّ علی وقوعه إلّا البخاریَّ وأبا داوود .

فالبخاریّ أخرج خبراً واحداً عن ثعلبة بن أبی مالک عن عمر أنه قسم مروطاً بین نساء من نساء المدینة ، فبقی مرط جید ، فقال له بعض مَنْ عنده : «یا أمیرالمؤمنین ، أَعْطِ هذا ابنة رسول الله التی عندک ، یریدون أُمَّ کلثوم بنت علی ، فقال : أُمّ سلیط أحقُّ به» ((2)) ، دلالة علی ثبوت أمر زواج أمّ کلثوم بنت علی من عمر.

ونحوه روایة أبی داوود الموجودة فی : باب إذا حضر جنائزَ رجالٌ ونساء من یَقْدم فی سننه ((3)) .


1- المصنَّف لابن أبی شیبة 4: 17 / 17341.
2- صحیح البخاریّ 3: 1056 / ح 2725، و4: 1494 / ح 3843.
3- سنن أبی داوود 3: 208 / ح 3193.

ص:221

ثمّ علّقوا علی هذین الخبرین وغیرها من الأخبار ، بفارق انّ خبر البخاریّ لیس فیه دلالة علی وجود ولد لعمر من أمّ کلثوم بخلاف خبر أبی داوود الذی فیه أنّه مات مع أمّه فی یوم واحد وفی کلیهما لیس فیه أنّها کانت ابنة فاطمة الزهراء بل قالوا : ابنة علیّ .

وإنّی أکتفی بما قالوه وبحثوه هناک سنداً ولا أضیف إلیها إلّا القلیل ، لأنّ بحثی لیس هو فی الأسانید بل فی الدلالة والمتن ، وهو قراءة فی النصوص التی استدلّوا بها علی وقوع الزواج بعیداً عن أسانیدها ، وإن کنتُ قد ناقشت بعضها فی البحثین : الفقهیّ والعقائدیّ ، مناقشةً سطحیّةً عابرة لضرورة أحسستها ولأنّها إفادات جدیدة وبحوث لم یتطرّق إلیها الآخرون .

وخلاصة الکلام : إنّی لا أری - وفق النصوص المقدّمة - أنّ هذا الزواج قد خدم (أمّ کلثوم) المفترضة ! أو حسّن وجه عمر بن الخطّاب لأنّها لم تکن قادرة علی الاستفادة من مهرها (40 ألف درهم) حتّی تشتریَ ثوباً لتستقبل ضیوفها من النساء ، بل کانت ذلیلة فی بیت زوجها بحیث لا تقدر أن تردَّه عن أیِّ خُلقٍ من أخلاقه ، وإذا خالفته سطا علیها عمر - حسب تعبیر عمرو بن العاص - أو قول المغیرة : «فتضربها فتصیح فیغمّک ذلک» ، بل إنّ عمر بن الخطّاب کان یلزمها بالخروج لاستقبال الضیوف الأجانب ویجبرها ویجبر مثیلاتها من النساء بالتعریّ ، ثم یسلّیها بالقول : ألا یکفیک أن یقال لک ابنة علیّ وزوجة عمر ! وهذا الفعل التعسفی من عمر فیه ما فیه .

فهی لم تُحرَم المهر من زوجها فقط ، بل حُرمت إرثها کزوجة أیضاً حسبما مرّ علیک اعتراضها علی حفصة فی ذلک .

وبهذا فقد عرفت بأنّ زواجه من ابنة فاطمة عن طیب خاطر بعیدٌ جداً ، أمّا

ص:222

زواجه من ابنة علیّ من غیر فاطمة قَسْراً وجبراً فهو محتمل – نأتی به جمعاً بین الأقوال -، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله والإمام علیّ علیه السلام والعرف القبلی کانا یدعوان بأن تکون بنات فاطمة الزهراء علیها السلام من نصیب أولاد أخیه جعفر بن أبی طالب وعقیل وأحفاد عمّه العباس وبنات غیرها لغیرهم .

وقد تزوّجت بالفعل زینب عقیلة الهاشمیین ابنة فاطمة الزهراء من ابن عمّها عبدالله بن جعفر ، کما قد تزوّجت رقیة بنت الصهباء التغلبیة ((1)) من ابن عمّها مسلم بن عقیل ، ونفیسة من ابن عمّها عبدالله بن عقیل ، وزینب الصغری من أمّ ولد من ابن عمّها محمّد بن عقیل ، وحتّی من تزوج هؤلاء بعد وفاة أزواجهن من بنی هاشم ، کانوا من ولد العباس بن عبدالمطلب کما مرّ .

وبذلک یکون عون ومحمّد ابنا جعفر الطیار هما الأقرب لأمّ کلثوم الکبری = زینب الصغری ابنة فاطمة الزهراء . وقد صرّح المامقانیّ بأنّ عون ابن جعفر قد تزوّجها من عهد الإمام علیّ .

إذاً هم یعترفون بأنّ عوناً ومحمّداً کانا من أزواجها ، لکنّهم یقولون بذلک بعد وفاة عمر بن الخطّاب ، فکلامهم باطل حسبما وضّحناه سابقاً ، وأنّ ما ادَّعَوه من شهادتهما بتستر جاء لأجل أن یزوّجوها لعمر ، فی حین أنّ النصوص التاریخیّة والحدیثیّة تؤکّد وجودهما فی معرکة صفّین((2)) وهناک قول بحیاتهما إلی واقعة الطفّ((3)) وشهادتهما فیه وهو یضعّف القول بشهادتهما بتستر .


1- هذه إحدی زوجات الإمام علی بعد فاطمة الزهراء ونقل انّها کانت من سبی عین التمر .
2- أنساب الأشراف 2: 323.
3- عمدة الطالب: 36.

ص:223

کلام المغیرة بن شعبة فی مکّة :

وأنتقل بعد کلّ هذا إلی کلام المغیرة بن شعبة((1))فی مکّة ، وکیفیّة تعریضه بعمر ! وقد یکون أراد بقوله إیقافنا وإیقاف الآخرین علی حقائق کثیرة خافیة علی الکثیر من الناس لحدّ هذا الیوم ، لکنْ قبل أن نأتی بکلامه علینا ذکر خبره ، وأنّه اشتُهر عنه أنّه کان مزواجاً مطلاقاً ولا یتحاشی الزنا ! ((2))

فعن مالک بن أنس ، قال : وکان المغیرة بن شعبة نکَّاحاً للنساء ... وکان ینکح أربعاً جمیعاً ویطلّقُهنّ جمیعاً ! ((3))

وعن ابن المبارک ، قال : کانت تحت المغیرة بن شعبة أربع نسوة ، قال : فصفّهُنّ بین یدیه وقال : أنتنّ حسنات الأخلاق ، طویلات الأعناق ، ولکنّی رجل مطلاق ، فأنتن الطُّلاق((4)) .

فهذا خبر المغیرة ونظرته إلی النساء ، وهو یُشابه نظرة عمرَ وعبد الله بن عوف إلیهنَّ .


1- وهو الذی اقترح علی عمر استبدال الزواج من أم کلثوم بنت أبی بکر بالزواج من أمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام بغضاً لعلیّ سلام الله علیه.
2- قال ابن أبی الحدید 12: 241:... وإنّما أوردنا هذین الخبرَین لیعلم السامع أنّ الخبر بزِناه کان شائعاً مشهوراً مستفیضاً بین الناس...
3- تاریخ مدینة دمشق 60: 55، سیر أعلام النبلاء 3: 31، تهذیب الکمال 28: 373، البدایة والنهایة 5: 360.
4- تاریخ مدینة دمشق 60: 54، سیر أعلام النبلاء 3: 31، النجوم الزاهرة 1: 141، المبسوط للسرخسیّ 6: 3، الأغانی 16: 96.

ص:224

قال ابن همّام (ت 861 ه-) عن طلاق عمر (لأمّ عاصم) ، وطلاق عبدالرحمن بن عوف (لتماضر) ، والمغیرة بن شعبة (لزواجاته الأربع دفعةً واحدة) ... :

فمحمله وجود الحاجة ممّا ذکرنا ، وأما إذا لم یکن حاجة فمحض کفران نعمةٍ وسوء أدب ، فیُکرَه ، والله سبحانه وتعالی أعلم((1)) .

وإلیک الآن خبر المغیرة بن شعبة حینما کان أمیراً علی الکوفة من قِبل عمر بن الخطّاب ، کتمهید لما نر ید قوله بهذا الصدد :

فقد کان المغیرة یخرج کلّ یوم فی نصف النهار من دار الإمارة ویلقاه أبو بکرة فیقول : أین یذهب الأمیر ؟

فیقول : فی حاجة .

فیقول : إنّ الأمیر یُزار ولا یزور .

وکان یذهب إلی امرأة یقال لها أُمّ جمیل بنت عمرو ، وزوجها : الحجّاج ابن عتیک بن الحارث الجشمیّ .

فبینما أبو بکرة فی غرفة مع إخوته - وهم : نافع ، وزیاد ، وشبل بن معبد ، والجمیع أولاد سمیّة فهم أخوة لأُمّ - وکانت أُمّ جمیل المذکورة فی غرفة أُخری قبالةَ هذه الغرفة ، فضربت الر یح باب غرفة أُمّ جمیل ففتحته ، ونظر القوم فإذا هم بالمغیرة مع المرأة علی هیئة الجِماع ، فقال أبو بکرة : هذه بلیّة قد ابتُلیتم بها فانظروا ، فنظروا حتّی أثبتوا .


1- شرح فتح القدیر 3: 465، روح المعانی 28: 132.

ص:225

فنزل أبو بکرة فجلس حتّی خرج علیه المغیرة من بیت المرأة ، فقال له : إنّه قد کان من أمرک ما قد علمتَ فاعتزِلْنا .

قال : وذهب المغیرة لیصلّی بالناس الظهر ، ومضی أبو بکرة ، فقال : لا والله لا تصلّی بنا وقد فعلتَ ما فعلتَ .

فقال الناس : دعوه فلیصلّ ، فإنّه الأمیر ، واکتبوا بذلک إلی عمر .

فکتبوا إلیه فأمرهم أن یَقْدموا علیه جمیعاً ، المغیرة والشهود ، فلمّا قدموا علیه جلس عمر فدعا بالشهود والمغیرة .

فتقدّم أبو بکرة ، فقال له [ عمر ] : رأیتَه بین فخذَیها ؟

قال : نعم ، والله لکأنیّ أنظر إلی تشریم جدری بفخذَیها .

فقال له المغیرة : قد ألطفت فی النظر .

فقال أبو بکرة : لم آلُ أن أُثبت ما یخزیک الله به .

فقال عمر : لا والله ، حتّی تشهد ، لقد رأیتَه یلج فیها ولوج المِرْوَد فی

المِکْحُلة .

فقال : نعم ، أشهد علی ذلک .

فقال [ عمر ] : اذهب عنک مغیرةُ ذهب رُبُعک !

ثمّ دعا نافعاً ، فقال : علامَ تشهد ؟

قال : علی مثل شهادة أبی بکرة .

قال : لا ، حتّی تشهد أنّه ولج فیها ولوج المیل فی المکحلة .

قال : نعم ، حتّی بلغ قذذه - وهی ر یش السهم - .

قال له عمر : اذهب مغیرة ، فقد ذهب نصفک !

ص:226

ثمّ دعا الثالث ، فقال له : علی ما تشهد ؟

فقال : علی مثل شهادة صاحِبَیّ .

فقال له عمر : اذهب عنک مغیرة ، ذهب ثلاثة أرباعک .

ثمّ کتب إلی زیاد - وکان غائباً - فقدم ، فلمّا رآه جلس له فی المسجد واجتمع عنده رؤوس المهاجرین والأنصار ، فلمّا رآه مقبلاً قال : إنّی لأری رجلاً لن یخزی الله علی لسانه رجلاً من المهاجرین . ثمّ إنّ عمر رفع رأسه إلیه فقال : ما عندک یا سَلْحَ الحُباری ؟ فقیل : إنّ المغیرة قام إلی زیاد فقال : لا مخبأَ لعطر بعد عروس .

فقال له المغیرة : یا زیاد ! اذکر الله تعالی ، واذکر موقف یوم القیامة ، فإنّ الله تعالی وکتابه ورسوله وأمیر المؤمنین قد حقنوا دمی((1)) ، إلّا أن تتجاوز إلی ما لم ترَ ممّا رأیت ، فلا یحملنّک سوء منظر رأیتَه علی أن تتجاوز إلی ما لم ترَ ، فوالله لو کنت بین بطنی وبطنها لما رأیت أن یسلک ذَکَری فیها .

قال : فدمعت عینا زیاد واحمرَّ وجهه وقال : یا أمیر المؤمنین ! أمّا أن أُحِقَّ ما أَحقَّ القومُ فلیس عندی ، ولکنیّ رأیت مجلساً ، وسمعت نَفَساً حثیثاً وانتهازاً ، ورأیته مستبطنها .

فقال عمر : رأیته یُدخل کالمیل فی المکحلة .

قال : لا ، رأیته رافعاً رجلیها ، فرأیت خصیتَیه تتردّدان بین فخذیها ، ورأیت حفزاً شدیداً ، وسمعت نَفَساً عالیاً .


1- لاحظ کیف أشار المغیرة إلی زیاد بأنّ عمر بن الخطّاب حقَنَ دمَه، أی أنّ المغیرة وعمر تواطأ علی إبطال الحدّ ودفعه.

ص:227

فقال عمر : أرأیته یدخله ویخرجه کالمیل فی المکحلة ؟

فقال : لا .

فقال عمر : الله أکبر ! قم إلیهم فاضربهم !!

فقام إلی أبی بکرة فضربه ثمانین ضربة ، وضرب الباقین ، وأعجبه قول زیاد ، ودرأ الحدَّ عن المغیرة .

فقال أبو بکرة بعد أن ضُرِبَ : أشهد أنّ المغیرة فَعَلَ کذا وکذا ! فهمَّ عمر أن یضربه حدّاً ثانیاً ، فقال له علیّ بن أبی طالب علیه السلام : إن ضربته فارجم صاحبک . فترکه ، واستتاب عمر أبا بکرة فقال : إنّما تستتیبُنی لِتَقبل شهادتی ؟

فقال : أجل .

فقال : لا أشهد بین اثنین ما بقیتُ فی الدنیا .

فلمّا ضُربوا الحدَّ قال المغیرة : الله أکبر ، الحمدُ لله الذی أخزاکم .

فقال عمر : بل أخزی الله مکاناً رأوک فیه .

وأخرج ابن شبّة فی کتاب «أخبار البصرة» ، أن أبا بکرة لمّا جُلِد أمرت أُمُّه بشاة فذُبحت ، وجعلت جلدها علی ظهره ، فکان یقال : إنّ ذاک من ضرب شدید .

وحکی عبدالرحمن بن أبی بکرة أنّ أباه حلف أن لا یکلّم زیاداً ما عاش ، فلمّا مات أبو بکرة أوصی أن لا یصلّیَ علیه زیاد ، وأن یصلّی علیه أبو بَرزة الأسلمیّ ، وکان النبیّ آخی بینهما ، وبلغ ذلک زیاداً ، فخرج إلی الکوفة ، وحفظ المغیرة بن شعبة ذلک لزیاد وشکره .

ثمّ إنّ أُمّ جمیل وافقت عمر بن الخطّاب بالموسم ، والمغیرة هناک ، فقال له عمر [معرّضاً به] : أتعرف هذه المرأة یا مغیرة ؟

ص:228

قال : نعم ، هذه أُمّ کلثوم بنت علیّ [ معرِّضاً بعمر لتفکیره بها وإصراره علی الزواج منها ] .

فقال عمر : أتتجاهل عَلَیّ ؟! واللهِ ما أظنّ أنّ أبا بکرة کذب علیک ، وما رأیتُک إلّا خفتُ أن أُرمی بحجارة من السماء ! ((1))

وهذا النصّ یرشدنا إلی أُمور کثیرة ، منها مکان وتاریخ هذه المقولة ، فهی فی مکّة أیّام موسم الحجّ ، وقد تکون قبل الزواج المدّعی لعمر من أُمّ کلثوم بنت علیّ !!

وسواء کان هذا الکلام من المغیرة قبل التزو یج أم بعده ، ففیه تعریض بعمر بن الخطّاب وانتقاصٌ من شأن الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، لأنّ تشبیه أُمّ کلثوم بنت الإمام علیّ بأُمّ جمیل الفاحشة ! فیه ما لا یخفی من الانتقاص لأمیر المؤمنین وابنته سلام الله علیهما ، کما أنّ فی کلامه أشدَّ التعریض بعمر بن الخطّاب ، لأنّ المشاجرة کانت بین عمر بن الخطّاب والمغیرة بن شعبة .

فلمّا عرّض عمر بالمغیرة أراد المغیرة أن یجیبه بأنّک لم تکن بأقلَّ منّی فی مثل هذه الأُمور ، لتفکیرک الدائم فی أُمّ کلثوم ابنة علیّ مع أنّها صغیرة وبمنزلة حفیدتک .

فإنّ إصرارک الزائد علی التزوّج منها یشکّک الجمیع فی حسن نوایاک ومقاصدک التی تدعیها ، لأنک لو أردت التزواج منها ، فإنّ ذلک سوف لا یکون إلّا بالقوة والإکراه ، وأهل البیت یعلمون بأنّک لا تعیر لهم الأهمّیّة ،


1- الأغانی 16: 105، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 12: 234 - 238، وفیات الأعیان 6: 364 - 366، والمتن منه، وهو أیضاً فی: الإیضاح لابن شاذان: 552.

ص:229

ولا تحترم القربی بالشکل الذی أمر الله به ، وأنّ غطاءک ودعواک فی الحصول علی القربی لا یجدی نفعاً .

فلو کنت مُحقّاً فیما تدّعیه لکان علیک أن تحقّقه بالعقد فقط دون الدخول والإیلاد ((1)) ، وأن تکتفی بسببیّتک وصلتک مع رسول الله من خلال ابنتک حفصة .

کانت هذه قراءةً سریعة ومناقشة لما فی کتب الجمهور فی هذا الزواج ، وهی تُرجع الأمر إلی طلب عمر الجنس من أُمّ کلثوم بدعوی القربی ، مُخْفِیةً وراءَها أموراً سیاسیّةً أُخری ، وهی - إن صحّت - تسجّل مظلومیّةً أُخری لأهل البیت علیهم السلام تضاف إلی قائمة المظلومیّات الکثیرة التی نزلت علیهم من قِبل حکّام زمانهم ، وتوثّق ما یقوله خطباء المنبر وعلماء الشیعة عن ما فعله أولئک الخلفاء الحکّام بالعترة الطاهرة .

فلو أراد الباحث دراسة خلفیّات مسألة الزواج من أُمّ کلثوم ، کان علیه أوّلاً دراسة ظروف هذا الزواج وملابساته عقلیاً ووثائقیّاً وفقهیاً ، إذ إنّ فتح هذا الملف بتشعّباته سیکلّف «الخلیفة» وأنصاره الکثیر ، وقد وقفت علی بعض أهدافه وأهداف المغیرة بن شعبة وأهداف عمرو بن العاص فی هذا الزواج ، وقد تکون هناک أهداف سیاسیّةً أُخری لم تذکرها کتب العامة لکنّها مبیَّنة فی مطاوی کلمات الشیعة .


1- أی یکون له ولد.

ص:230

مجمل ما قاله الشیعة

اشارة

والآن مع مجمل ما یقوله الشیعة الإمامیّة بهذا الصدد ، حیث إنّ الذی ذهب منهم إلی وقوع الزواج علّل وقوعه بأنّه کان عن جبرٍ وإکراه لا عن طیب خاطر ، وساق کلامه بأدلة :

· منها ما رواه أبو القاسم الکوفیّ أنّ عمر بعث العبّاس إلی علیّ علیه السلام یسأله أن یزوّجه أُمّ کلثوم ، فامتنع علیه السلام .

فلمّا رجع العبّاس إلی عمر یخبره بامتناعه ، قال عمر : یا عبّاس ! أیأنف من تزویجی ؟ واللهِ لئن لم یزوّجنی لأقتلنّه !

فرجع العبّاس إلی علیّ علیه السلام فأعلمه بذلک ، فأقام علیّ علیه السلام علی الامتناع .

فأخبر العبّاس عُمَرَ ، فقال له عمر : إحضَرْ فی یوم الجمعة فی المسجد ، وکُن قریباً من المنبر لتسمع ما یجری ، فتعلم أنّی قادر علی قتله إن أردتُ .

فحضر العبّاس المسجد ، فلما فرغ عمر من الخطبة قال : أیها الناس ، إنّ ها هنا رجلاً من أصحاب محمّد وقد زنی وهو مُحصَن ، وقد اطّلع علیه أمیر المؤمنین وحده ، فما أنتم قائلون ؟

فقال الناس من کلّ جانب : إذا کان أمیر المؤمنین اطّلع علیه فما الحاجة إلی أن یطّلع علیه غیره ؟! لیمضِ فی حکم الله .

فلمّا انصرف عمر قال للعبّاس : امضِ إلی علیّ فأعلِمْه بما قد سمعتَه ، فوالله لئن لم یفعل لأفعَلَنّ .

فصار العبّاس إلی علیّ فعرّفه ذلک .

فقال علی علیه السلام : أنا أعلم أنّ ذلک ممّا یهون علیه ، وما کنتُ بالذی أفعل ما

ص:231

یلتمسه أبداً . فقال العبّاس : لئن لم تفعله فأنا أفعل ...

وأقسم علیه أن یجعل أمرها إلیه ، ومضی العبّاس إلی عمر فزوّجه إیّاها((1)).

· وقد ورد فی نصّ آخر : أنّ عمر أمر الزبیر أن یضع درعه علی سطح بیت الإمام علیّ ، فوضعه بالرمح ، لیرمیه بالسرقة((2)) .

· وقال الطبرسیُّ فی «إعلام الوری» : قال أصحابنا : إنّما زوّجها منه بعد مدافعة کثیرة ، وامتناع شدید ، واعتلال علیه بشیء بعد شیء ، حتّی ألجأته الضرورة إلی أن ردّ أمرها إلی العبّاس بن عبدالمطّلب ، فزوّجها إیّاه((3)) .

· وعن کتاب الحسین بن سعید ، عن ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبدالله علیه السلام : لمّا خطب عمر إلی أمیر المؤمنین علیه السلام قال له علیه السلام : إنّها صبیّة .

قال : فأتی عمرُ العبّاسَ فقال : ما لی ؟ أبِیَ بأس ؟!

فقال له : وما ذاک ؟

قال : خطبتُ إلی ابن أخیک فردَّنی ...((4)) .

· وفی نصّ المرتضی : فدافعنی ومانعنی وأنف من مصاهرتی ، واللهِ ِ لَأُعورنَّ زمزم ، ولأهدمنّ السقایة ، ولا ترکتُ لکم یابنی هاشم منقبةً إلّا وهدمتها ، ولأُقیمنّ علیه شهوداً یشهدون علیه بالسرقة ، وأحکم علیه بقطعه !


1- أنظر: الاستغاثة: 78 - 79، الصراط المستقیم 3: 130.
2- الصراط المستقیم 3: 130.
3- إعلام الوری 1: 397 - وعنه: بحار الأنوار 42: 93.
4- النوادر لأحمد بن عیسی الأشعری: 130 / ح 332، الکافی 5: 346 / ح 2، الوسائل 20: 561 / ح 26350.

ص:232

فأتاه العبّاس فأخبره ، وسأله أن یجعل الأمر إلیه ، فجعله إلیه((1)) .

· وعن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عُمَیر ، عن هشام بن سالم وحمّاد ، عن زرارة ، عن أبی عبدالله علیه السلام فی تزویج أُمّ کلثوم ، فقال : إنّ ذلک فرجٌ غُصبناه ((2)) .

کانت هذه بعض النصوص الشیعیّة التی استدلّ بها من ادّعی وقوع الزواج من أُمّ کلثوم ، والتدبر فیها یکشف أنّ هذا الزواج لو کان قد وقع لابنة علیّ ، فقد وقع فی إطار الجبر والإکراه ، وعن تقیّةٍ لا غیر .


1- أُنظر: رسائل المرتضی 3: 149.
2- الکافی 5: 346 / ح 1 - وعنه: وسائل الشیعة 20: 561 / ح 26349 وبحار الأنوار 42: 106 / ح 34. وراجع: الاستغاثة: 78 عن عبدالله بن سنان.

ص:233

احتمال أخیر

وإلیک موضوعاً حسّاساً آخر یرتبط بعمر وبزوجاته أیضاً ، وهو موضوع لم یُبحَث لحدّ الآن حسب اطّلاعی ، وهو زواج عمر بن الخطّاب بأمٍّ وبنتها فی الإسلام ، یتزوّج عمر إحداهما فی واقعة الیرموک ، والأخری فی طاعون عمواس ، وهما :

1– فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، زوجة الحارث بن هِشام بن المُغیرة .

2- أُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام بن المغیرة المخزومیّة ، وأمُّها فاطمة بنت الولید بن المغیرة - أُخت خالد بن الولید - .

وقد تزوّج هاتین الامرأتین بعد وفاة زوجَیهما : إحداهما فی واقعة الیرموک ، والأخری فی طاعون عمواس .

وتناقُلُ هذا الخبر فی المصادر الأساسیة الأم یدین عمرَ ویجرح عواطف الأمّة المسلمة المعتقدة بأصولها الدینیّة .

فکیف یمکننا أن ننکر خبر زواج عمر من أُمّ حکیم بنت الحارث ، وأئمّة المؤرّخین والنسّابة یَرْوُون ذلک ؛ أمثال : ابن سعد فی «الطبقات الکبری»((1)) ، والبلاذریّ فی «أنساب الاشراف»((2)) ، والزبیریّ فی «نسب قریش»((3)) ، وابن


1- الجزء المتمّم للطبقات 8: 196، 5: 49 - 50.
2- أنساب الأشراف 10: 466.
3- نسب قریش: 99.

ص:234

عساکر فی «تاریخ مدینة دمشق» ((1)) ، والطبریّ فی «تاریخه» ((2)) ، وابن الأثیر فی «الکامل» ((3)) ، وابن عبدالبر فی «الاستیعاب» ((4)) ، وابن الأثیر فی «أُسد الغابة» ((5)) ، والمَزَیّ فی «تهذیب الکمال» ((6)) ، وابن حجر فی «تعجیل المنفعة» ((7)) ، وغیرهم .

کما أنَّ خبر تزوّجه بأمّها فاطمة بنت الولید ، مذکور أیضاً فی : «الطبقات الکبری» ((8)) ، و«تاریخ الطبریّ» ((9)) ، و«الکامل فی التاریخ» ((10)) ، و«تاریخ مدینة دمشق» ((11)) ، و«مختصره» ((12)) ، و«البدایة والنهایة» ((13)) ، و«تهذیب الکمال» ((14)) ، و«إکمال تهذیب الکمال» ((15)) ، و«الاستیعاب» ((16)) ، و«أُسد


1- تاریخ مدینة دمشق 70: 225، 226 و228، 34: 271.
2- تاریخ الطبریّ 2: 563.
3- الکامل فی التاریخ 4: 450.
4- الاستیعاب 1: 223.
5- أُسد الغابة 3: 334.
6- تهذیب الکمال 17: 41.
7- تعجیل المنفعة 1: 227.
8- الطبقات الکبری 5: 5.
9- تاریخ الطبری 3: 201.
10- الکامل فی التاریخ 1: 453.
11- تاریخ مدینة دمشق 70: 44.
12- مختصر تاریخ مدینة دمشق 6: 306 و1962.
13- البدایة والنهایة 7: 10.
14- تهذیب الکمال 17: 42.
15- إکمال تهذیب الکمال 3: 325.
16- الاستیعاب 1: 90.

ص:235

الغابة» ((1)) ، و«الإصابة» ((2)) ، و«سیرة ابن کثیر» ((3)) ، وغیرها فهل وقع الخلط والالتباس بینهما ؟ أم أنّ الأمر لم یکن کذلک ؟

فهل یعقل أن یشتبه أمر علی مؤرّخ مثل ابن سعد ، والطبریّ ، وابن الأثیر وابن عبدالبرّ ، والمزّیّ وغیرهم من المؤرّخین والنسّابة الذین قضوا حیاتهم فی ضبط النصوص والأسماء والحوادث بجزئیّاتها ، وعن طریق رجال اعتمدوا علیهم فی نقل الحدیث والخبر ؟!

بل کیف یمکن أن نقول بوقوع الخلط والالتباس فی النصوص ونحن نری المؤرخین أجمعوا علی أنّ عبدالرحمن نشأ فی حجر عمر وکان اسمه إبراهیم فغیّر عمر اسمه لما غیّر أسماء من تسمی بالأنبیاء ((4)).

کما اشتهر عنه قوله فی عمر: ما رأیت ربیباً خیراً من عمر بن الخطّاب ((5)).

بل کیف حقّ لعمر أن یجمع بین الأمّ وبنتها فی الإسلام ، هذا شیء عجیب لم نسمعه عند الأوّلین ولا الآخِرین من المسلمین!

وإلیک النصوص فی ذلک نأتی بها بنصّها الحرفی دون زیادة ونقصان تارکاً القارئ لکی یحکم بنفسه علیها ، ولا أحمّله شیئاً من عندنا إلّا بیان بعض التساؤلات التی تحصل لکلّ أحد وذلک بعد نقل النصوص .


1- أُسد الغابة 1: 223 و2: 189.
2- الإصابة 5: 29.
3- سیرة ابن کثیر 3: 19.
4- أُسد الغابة 2 : 189.
5- الطبقات 5 : 5.

ص:236

تزوّج عمر بأمٍ وبنتها بعد الإسلام

إتّضح لک من خلال بحثنا إلی الآن وجودُ مفارقات کثیرة فی حیاة عمر ابن الخطّاب ، وقد وقفتَ علی بعضها ، وأنّ تلک المفارقات لا تختصّ بزواجه من أُمّ کلثوم بنت علیّ ، أو أُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، أو تزوّجه بعاتکة بنت زید ، أو شدته علی النساء والخدم وضربهم بغیر حقّ ، ثم طلب العفو أو القصاص منه ، أو إتیانه جاریته وهی حائض((1)) ، أو وطء امرأته فی دبرها وقوله لرسول الله : حوّلتُ رحلیَ البارحة ! ((2)) ، وأمثال ذلک ، بل هناک مفارقات أکبر وأفحش ممّا سبق ، وهی تخدش فی دین «الخلیفة» إن صحّت تلک الأخبار ونسبتها إلیه .

فلا أدری هل نترک نقلها رعایةً لحال العامّة کما فعله بعض رجال التاریخ فی بعض کتبهم ، أم نأتی بها تبیاناً للحقیقة وأیضاًحاً للباحثین والمحقّقین ولمن یرید الوقوف علی خفایا الأمور وخبایاها ؟

بل کیف وردت تلک الأخبار فی الأصول الأولیّة التراثیّة القدیمة ولم تنلها ید التصحیف والتحریف من قبل المؤرّخین الذین صرّحوا بأنّهم ترکوا نقل بعض الأُمور رعایةً لحال العامة ؟ فلِمَ لم یترکوها فأَتَوا بها ؟

فهل کانوا لا یفقهون بأنّ ما دوَّنُوه فی مصنَّفاتهم تدین عمر وتدین


1- کنز العمّال 16: 566 / خ 45889، بغیة الحارث عن زوائد مسند الحارث: 66 - الباب 18.
2- سنن الترمذیّ 4: 284، مسند أحمد 1: 297.

ص:237

عبدالرحمن بن الحارث ((1)) وغیرهم ممن ادُّعیت لهم الصحبة مثل عبدالرحمن ابن الحارث((2)) وتخدش عواطف المسلمین ومقدساتهم ؟

أو أنّهم کانوا لا یَرَون فی نقلها عیباً ولا ضرراً علی «الخلیفة» ولا علی الصحابة والتابعین ، ولا یشعرون بوجود تناقض بین نقل هذه النصوص وبین المسلّمات الدینیّة الموجودة عند المسلمین ؟

کما إنِّی لا أدری هل إنّ المؤرّخین ذکروها لصحّتها عندهم ، أو لاشتهارها بین الناس ، أو لواجبهم المفروض علیهم أداءً لرسالتهم الخبریّة ؟ دون النظر إلی توثیق وتجریح تلک الأخبار ؟

فإن کانوا نقلوها لصحّتها ، فهی الطامة الکبری !

أمّا لو کانت لاشتهارها بین الناس ، فکیف لا یتدبّرون التناقضات الموجودة فیها ومخالفتها للثوابت والأصول الدینیّة ؟

أمّا لو قلنا بسقم تلک الأخبار وعدم صحتها ، فهل یمکن أن یسری الشکّ منها إلی غیرها من النصوص الخبریة ، أم لا ؟

وکیف لا نقول بصحّتها وهی المرویّة بأسانید کبار أئمّة : النسب ، والطبقات ، والتاریخ ، وفی کتبهم الأصلیّة الأُمِّ ؟

وإن قلنا بتصحیفها وعدم صحّتها ، فهی الأُخری تنافی الدقّة المرجوَّة


1- صهر عثمان والذی عیّنه فی لجنة جمع القرآن، وأبو عائشة زوجة معاویة بن أبی سفیان وأخ أم حکیم زوجة عمر.
2- قال ابن حجر فی الاصابة 4: 250 و5: 23 / الرقم 5115 و6215: قیل کان [أی عبدالرحمن بن الحارث] ابن عشر سنین فی حیاة النبیّ، حکی ذلک مصعب، وهو وَهْم.

ص:238

عند المؤرّخین والمحدّثین ، بل کیف یمکن أن نقول بهذا ونحن نری جلّ المؤرّخین یؤکّدون - فی هذه المفردات - علی جزئیّات الحدث ویأتون بأمور دقیقةٍ مُحکمةٍ فیها لیمیّزوها عن غیرها ؟

فیذکر نسب المرأة کاملاً ویقول : هی فلانة ابنة فلان ، وأمّها فلانة ، وإنّها تزوجت من فلان فی التاریخ الفلانی ، ثم تزوّجها فلان فی الواقعة الفلانیّة ثمّ تزوّجها فلان ، إلی غیرها من النکات الدقیقة الممیِّزة للأشخاص عند نقل الحدث !

وبعد إیضاح کلِّ هذه الملابسات والقضایا ، کیف یمکن لنا أن نحلّ هذه الإشکالیّة الفقهیّة الدینیّة ، وهل یصح القول بأنّ عمر تزوَّج بأمٍّ وبنتها فی الإسلام ؟ وما هو المخرج منه ؟

وهل أنّ طرحُ هکذا مسألة هنا یفیدنا فی موضوعٍ کزواج أُمّ کلثوم ابنة علی أم لا ؟ مع إیماننا وقناعتنا بإمکان تصوّر التشابه والاختلاط بین الأسماء والکنی فی مثل هکذا بحوث لکن لا أدری مدی جدوائیته ؟

أم علینا الاکتفاء بکونها فائدةً علمیّةً جدیرة بالدراسة ، لأنّها لم تُبحَث من ذی قبل ؟ وإلیک النصوص من مصادرها الأساسیّة نأتی بها کما هی تارکین الأمر للقارئ .

ص:239

من هی زوجة عمر ؟

فاطمة بنت الولید ، أو ابنتها أُمّ حکیم بنت الحارث ؟
اشارة

نقف فی کتب التاریخ والطبقات علی اسم فاطمة بنت الولید بن المغیرة ابن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وهی أُخت خالد بن الولید بن المغیرة .

وأمّ فاطمة وخالد ، هی : حنتمة بنت شیطان ، وشیطان هو لقب لعبدالله بن عمرو بن کعب بن واثلة((1)) .

وقد تزوّجت فاطمة بنت الولید بن المغیرة فی الجاهلیّة ابن عمها : الحارث بن هشام بن المغیرة .

والحارث : هو أخو أبی جهل لأبویه ، وابن عمّ خالد بن الولید ، وابن عمّ حنتمة أُمّ عمر بن الخطّاب علی الصحیح((2)) .

ثم خَلَّف علیها فی الإسلام عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان((3)) . حسبما ستقف علیه بعد قلیل .

وقد ذکر ابن سعد : الحارث فی الطبقة الرابعة ، وقال : أسلم


1- الطبقات الکبری 8: 261.
2- أُسد الغابة 1: 222.
3- ذکر أصحاب النسب والمؤرّخون فی أولاد عثمان اسم: الولید وسعید وأمّ عثمان، وقالوا: أمّهم فاطمة بنت الولید بن المغیرة، انظر: نسب قریش: 36، وطبقات ابن خیّاط: 233، وتاریخ مدینة دمشق 21: 221، والمنتظم 2: 52، والوافی بالوفیات: 2076، ونهایة الإرب 5: 321.

ص:240

یوم الفتح وأُصیب شهیداً بالشام ... کما ذکره فی «الصغیر» فی الطبقة الخامسة وقال : یُکنّی [الحارث] أبا عبدالرحمن ، مات فی طاعون عمواس بالشام سنة ثمانی عشرة ، وخلَّف عمر علی امراته فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، وهی أُمّ عبدالرحمن بن الحارث ...((1)) .

فالحارث ، إمّا أُصیب فی واقعة الیرموک فی الشام سنة 15 - کما فی بعض النصوص((2))- ، أو مات فی طاعون عمواس سنة 18 - کما فی الخبر الآنف .

المهمّ أنّ عمر بن الخطّاب قد تزوّجها بعد الحارث ، وقد أطبق المؤرّخون علی أنّ الحارث کان له من فاطمة بنت الولید عدّة أولاد ، أعقب منهم : عبدالرحمن ، وأم حکیم بنت الحارث ، وإلیک ترجمة بسیطة لکلّ واحد من أولاده .

1 - عبدالرحمن بن الحارث

فعبد الرحمن بن الحارث ، کان اسمه إبراهیم فغیَّره عمر إلی عبدالرحمن((3)) لمَّا دعا إلی تغییر أسماء الأنبیاء ، فکان من فضلاء التابعین حسب عبارة


1- تهذیب الکمال 5: 296 لم أفهم مقصود المزّیّ فی قوله: «وذکره ابن سعد فی الطبقة الرابعة... کما ذکره فی الصغیر فی الطبقة الخامسة» فابن سعد ذکره فی 5: 444 فی «تسمیة من نزل مکّة من أصحاب رسول الله»، وهو رابع صحابیّ مذکور منهم، فلعلّه أراد مثل هذا، فإن کان غیره فهو مُلبَّس وإلّا فهو وهم. وهذا ما قاله الدکتور بشّار عوّاد فی هامشه علی «تهذیب الکمال»، انظره.
2- منها فی: الاستیعاب 1: 303.
3- مختصر تاریخ مدینة دمشق 4: 643.

ص:241

الجمهرة((1)) .وقیل أنّه من الصحابة ، وقد عَدَّه ابن سعد فیمن أدرک النبیَّ ولم یحفظ عنه شیئاً ((2)) .

قال الواقدیّ : أحسبه کان ابن عشر سنین حین قُبض رسول الله ، تُوفّی فی خلافة معاویة ((3)) .

خرج مع أبیه الحارث بن هِشام إلی الشام مجاهداً وهو صغیر ، وأقام بها مدّةً ثمّ رجع إلی المدینة ، فأرسلته عائشة إلی معاویة بدمشق یکلّمه فی حُجر ابن الأدبر الکِندیّ ، فألفاه قد قتله ((4)) .

وفی «الاستیعاب» : وخرج [الحارث] إلی الشام فی أیّام عمر بن الخطّاب بأهله وماله ، فلم یزل یجاهد حتّی استُشهد یوم الیرموک فی رجب من سنة خمس عشرة ، وقیل : بل مات فی طاعون عمواس سنة سبع عشرة ، وقیل : سنة خمس عشرة .

ولمّا تُوفّی [الحارث] تزوَّج عمر بن الخطّاب امرأته : فاطمة بنت الولید ابن المغیرة ، أخت خالد بن الولید ، وهی أُمّ عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ((5)) .

وفی «أُسد الغابة» : عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ... قال مصعب الزبیریّ والواقدیّ : کان عبدالرحمن ابن عشر سنین حین قُبض النبیّ ...


1- جمهرة أنساب العرب: 66.
2- تاریخ مدینة دمشق 34: 271.
3- تاریخ مدینة دمشق 34: 271.
4- تاریخ مدینة دمشق 34: 266.
5- الاستیعاب 1: 303.

ص:242

وتُوفّی أبوه الحارث بن هشام فی طاعون عمواس ، فتزوّج عمر بن الخطّاب امرأته : فاطمة ، أُمّ عبدالرحمن ، ونشأ عبدالرحمن فی حِجر عمر ، وکان اسمه إبراهیم فغیّر عمر اسمه لَمَّا غَیَّر أسماء من تَسمَّی بالأنبیاء ((1)) .

وهنا نکتة تجب الإشارة إلیها ، وهی أنّ أمّ حکیم ابنة فاطمة بنت الولید کانت قد تزوّجت فی الجاهلیّة قبل عِکرمة بن أبی جهل : عتبةَ بن سهل ، وکانت لها منه بنتٌ اسمها «فاختة» ، والأخیرة کانت تعیش مع أمّها أمّ حکیم حینما جاء عکرمة إلی الشام .

ففی «نسب قریش» : فوَلَدُ الحارثُ بن هشام : عبدالرحمن ، وهو الشرید ، أُتی به من الشام ، وبفاخته بنت عتبة بن سهیل ابن عمرو بن عبدشمس ... ولم یکن بقی من ولد سهیل بن عمرو غیرها ، فسمَّاهما عمر بن الخطّاب (الشریدَین) وقال : زوّجوا الشرید بالشریدة لعلَّ الله أن ینشر منهما خیراً .

فزُوِّج عبدالرحمن بن الحارث : فاختة ، وأقطعهما عمر بن الخطّاب بالمدینة خطّة ، فأوسعها لهما ، فقیل : أکثرتَ لهما یا أمیرالمؤمنین ، فقال : عسی الله أن ینشر منهما وُلداً کثیراً رجالاً ونساءً ، وأمُّه : فاطمة بنت الولید بن المغیرة .

وأمّ فاختة : [هی] أمّ حکیم ابنة الحارث بن هشام [واسمها] فاطمة أیضاً ، فلیس للحارث بن هشام عقب إلّا من وَلَده


1- أُسد الغابة 2: 189 - حسب ترقیم الموسوعة الشاملة .

ص:243

عبدالرحمن ومن أمّ حکیم .

کانت أمّ حکیم تحت عکرمة بن أبی جهل ، فقُتل عنها یوم الیرموک شهیداً ، فخلف علیها خالد بن سعید بن العاص ، فقُتل عنها یوم مرج الصُّفَّر شهیداً ، فتزوّجها عمر بن الخطّاب فولدت فاطمة من عمر بن الخطّاب((1)) .

وفی «أنساب الأشراف» : فولد الحارث بن هشام ... وعبد الرحمن بن الحارث وأمه فاطمة بنت الولید بن المغیرة - ویقال : خالدة بنت الولید - وکان یقال له((2)) ولامرأته - وهی فاختة بنت عتبة بن سهل - شریفا قریش ، وذلک لأنّ أبویهما غزوا فهلکا بالشام ،وجیء بهذین صغیرین فقال عمر : زوِّجوا هذه بهذا ؛ لعلّ الله أن یُخرج بینهما ذرّیّةً ، فَزُوِّجا ((3)) .

وهذا یعنی بأنّ عبدالرحمن بن الحارث تزوَّج بنت أخته أُمّ حکیم من زوجها الأوّل : عتبة بن سهل ، المسمّاة ب«فاختة» فی الإسلام ، وقد قام بالتزویج بینهما عمر بن الخطّاب وأقطعهما خطّة فی أیام خلافته ، وهذا الکلام یُدین عمر لتعهّده الزواج من فاختة ، لأنّ عبدالرحمن بن الحارث هو خال فاختة ، وهو یحرم علیها فی الإسلام .


1- نسب قریش: 99.
2- أی لعبد الرحمن بن الحارث.
3- أنساب الاشراف 3: 348 - بترقیم الشاملة.

ص:244

کما أنّ هذا العمل لا یتّفق مع ما ذکروه من فضائل لعبد الرحمن بن الحارث «وأنّه کان صهر عثمان ، تزوَّج مریم ابنة عثمان ، وهو ممّن أمره عثمان أن یکتب المصاحف مع زید بن ثابت وسعید بن العاص وعبد الله بن الزبیر ، وشهد الدار مع عثمان ، وجُرح وحُمل إلی بیته ، وشهد الجمل مع عائشة»((1)) . إلی غیرها من الفضائل المنسوبة إلیه فی کتب التاریخ والرجال والتراجم .

فهو إمّا من الصالحین ، أو من الفاسقین غیر الملتزمین ، فإن کان من المؤمنین الصالحین فلا یتزوّج ابنة أخته ، أما إن کان من الفاسقین غیر المتلزمین فعلی الإسلام السلام .

کانت هذه صورة مصغّرة عن حیاة عبدالرحمن بن الحارث ، والآن مع حیاة أخته أمّ حکیم بنت الحارث .

2 - أمّ حکیم بنت الحارث

وأم حکیم بنت الحارث بن هشام بن المغیرة کانت مع عکرمة بن أبی جهل فی أواخر الجاهلیّة وأوائل الإسلام ، وقد سُمّی عکرمة والحارث ضمن (من خرج بامرأته إلی أحد من المشرکین) ، فقال ابن کثیر فی سیرته :

... وخرج عکرمة بن أبی جهل بزوجته ابنة عمه أُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام بن المغیرة .

وخرج عمّه الحارث بن هشام بزوجته فاطمة بنت الولید بن المغیرة((2)) .


1- أُسد الغابة 2: 190 - الشاملة.
2- سیرة ابن کثیر 3: 19.

ص:245

وأم حکیم بنت الحارث بعد وفاة عکرمة ، تزوجها خالد بن سعید بن العاص ، ثم عمر بن الخطّاب .

وفی «الطبقات الکبری» عن عبدالله بن الزبیر ، قال : لمّا کان یومُ الفتح أسلمت أُمُّ حکیم بنت الحارث بن هشام امرأةُ عکرمة بن أبی جهل وأتت رسول الله فبایعته((1)) .

وجاء مثل هذا الخبر فی أمّها فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، وأنّها أسلمت یوم الفتح .

نعم ، کانت أُمّ حکیم بنت الحارث وکذا أمّها فاطمة بنت الولید من النساء اللواتی أسلمن قبل أزواجهنّ .

ففی «تاریخ مدینة دمشق» : أُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام بن المغیرة ... المخزومیّة ، وأمّها فاطمة بنت الولید بن المغیرة بن عبدالله - أخت خالد - وهی التی تُنسَب لها قنطرة أُمّ حکیم بمرج صُفَّر ، ولها صحبة مع النبیّ ، واستأمنته لبعلها عکرمة بن أبی جهل وخرجت معه إلی الشام غازیة فقُتل عنها ، فتزوّجها خالد بن سعید ، وکانت یومَ أُحد مع زوجها قبل أن یُسلما((2)) .

وفی نصّ آخر : إنّ أُمّ حکیم بنت الحارث کانت تحت عکرمة بن أبی جهل ، فأسلمت یوم الفتح بمکّة ، وهرب زوجها عکرمة بن أبی جهل من الإسلام حتّی قَدِم الیمن ، فارتحلت أُمّ حکیم حتّی قَدِمت علیه الیمن فدعته إلی الإسلام فأسلم((3)) .وإلیک الآن نصوص زواج عمر منها .


1- الطبقات الکبری 8: 261.
2- تاریخ مدینة دمشق 70: 223.
3- تاریخ مدینة دمشق 70: 224.

ص:246

زواج عمر من أُمّ حکیم حقیقة أم أُکذوبة ؟

عَرَفنا ممّا سبق بأنّ أمُّ حکیم بنت الحارث قد تزوّجت عدّة أزواج ، والآن لنبسط الکلام عن أزواجها فی الجاهلیّة والإسلام .

فقد کان لها فی الجاهلیّة زوجان ، هما :

1- عکرمة بن أبی جهل .

2- وعتبة بن سهیل بن عمرو - أبو فاختة التی تزوّجها عبدالرحمن بن الحارث ، «الشرید» أیّام عمر - .

کما کان لها زوجان فی الإسلام ، هما :

1 . خالد بن سعید بن العاص والذی تزوّجها بعد قتل عکرمة فی یوم الیرموک أو طاعون عمواس ، لاختلاف النصوص .

ففی «نسب قریش» : ... وکانت أُمّ حکیم تحت عکرمة بن أبی جهل ، فقُتل عنها یوم الیرموک شهیداً ، فخلَّف علیها خالد بن سعید بن العاص ، فقتل عنها یوم مرج الصُّفَّر شهیداً ، فتزوّجها عمر بن الخطّاب فولدت له فاطمة بنت عمر بن الخطّاب((1)) .

وفی «أُسد الغابة» : أُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام القرشیّة المخزومیّة ، وأمُّها فاطمة بنت الولید ، أخت خالد ، شهدت أُحداً کافرة ، ثم أسلمت یوم الفتح . وکانت تحت ابن عمّها عکرمة بن أبی جهل ، ولمّا أسلمت کان زوجها قد هرب إلی الیمن ، فاستأمنت له من النبیَّ ... وقُتل عنها عکرمة ، فتزوّجها


1- نسب قریش: 99.

ص:247

خالد بن سعید ، فلمّا نزل المسلمون مرج الصُّفَّر عند دمشق أراد خالد أن یُعرِّس بها ، فقالت : لو تأخَّرت حتّی یهزم الله هذه الجموع ، فقال : إنّ نفسی تحدّثنی أنِّی أُقتل ، قالت : فدونک . فأَعْرَسَ بها عند القنطرة التی بالصفّر ، فبها سُمِّیت قنطرة أُمّ حکیم ، وأولم علیها ، فما فرغوا من الطعام حتّی تقدّمت الروم ، وقاتلوا وقُتل خالد ، وقاتلت أُمّ حکیم یومئذ فقتلت سبعة بعمود الفسطاط الذی عرَّس بها خالد((1)) .

وفی «تاریخ مدینة دمشق» : أراد خالد أن یعرّس بأم حکیم ، فجعلت تقول : لو أخّرتَ الدخول حتّی یفضَّ الله هذه الجموع ... وکانت وقعة مرج الصفّر فی المحرّم أربع عشرة فی خلافة عمر بن الخطّاب ((2)) .

وفی آخر : قال محمّد بن شعیب : فلم یُقم معها إلّا سبعةَ أیام ... وإنّ عمر تزوَّجها بعده ((3)) .

2 . عمر بن الخطّاب : ففی الجزء المتمِّم ل- «طبقات ابن سعد» : الحارث ابن هشام بن المغیرة ... فولد الحارث : عبدالرحمن ، وأم حکیم تزوّجها عکرمة بن أبی جهل بن هشام بن المغیرة ، ثم خلف علیها عمر بن الخطّاب فولدت له فاطمة .

وأمّها : فاطمة بنت الولید بن المغیرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم .

وفی «نسب قریش» بعد أن ذکر خبر الشرید والشریدة ، قال : کانت أُمّ


1- اُسد الغابة 3: 434.
2- تاریخ مدینة دمشق 70: 227.
3- تاریخ مدینة دمشق 70: 228.

ص:248

حکیم تحت عکرمة بن أبی جهل فقُتل عنها یوم الیرموک ، فخلف علیها خالد ابن سعید بن العاص ، فقُتل عنها یوم مرج الصفّر شهیداً ، فتزوَّجها عمر بن الخطّاب ، فولدت فاطمة بنت عمر بن الخطّاب ((1)) .

وفی «الطبقات الکبری» فی ترجمة عبدالرحمن بن زید بن الخطّاب بن نُفَیل ... یقول : فولد عبدالرحمن بن زید ... وعبد الله بن عبدالرحمن ورجلاً آخر ، وأمُّهما فاطمة بنت عمر بن الخطّاب ، وأمّها أُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام بن المغیرة ((2)) .

وفی «تاریخ مدینة دمشق» عن ابن سعد ، قال : فولد الحارث بن هشام : عبدالرحمن ، وأمّ حکیم تزوّجها عکرمة بن أبی جهل ، ثمّ خلف علیها عمر ابن الخطّاب فولدت له فاطمة .

وأمها فاطمة بنت الولید بن المغیرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم((3)) .

وفیه أیضاً : وأمّ عبدالرحمن بن الحارث ، وأخته : أُمّ حکیم بنت الحارث ؛ فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، ولیس للحارث بن هشام وُلْد إلّا من : عبدالرحمن ، ومن أُمّ حکیم ، [وأمّ حکیم] کانت تحت عکرمة بن أبی جهل ، فقُتل عنها یوم الیرموک شهیداً ، فخلف علیها خالد بن سعید بن العاص ، فقتل عنها یوم مرج الصفَّر شهیداً ، فتزوّجها عمر بن الخطّاب ، فولدت له فاطمة بنت عمر .

فتزوّج فاطمة [بنت عمر بن الخطّاب] : عبدالرحمن بن زید بن الخطّاب ،


1- نسب قریش: 99.
2- الطبقات الکبری 5: 49 - 50، تعجیل المنفعة 1: 227.
3- تاریخ مدینة دمشق 34: 271.

ص:249

فولدت له : عبدالله بن عبدالرحمن بن زید ((1)) .

وفیه أیضاً : وقُتل خالد بن سعید بن العاص بمرج الصفَّر شهیداً ، وکانت امرأته أمّ حکیم بنت الحارث بن هشام ، دخل بها بمرج الصفَّر ... وکانت قبله تحت ابن عمّها عکرمة بن أبی جهل فقُتل عنها یوم فَحْل ، فلمَّا انقضت عِدّتها ، خطبها یزید بن أبی سفیان وخالد بن سعید ، فحطّت ((2)) إلی خالد ، ثمّ تزوّجها عمر بن الخطّاب ، فهی التی تَسَحَّر عندها عبدالرحمن بن الحارث ، لأنّ أُمّ عبدالرحمن : فاطمة بنت الولید بن المغیرة ماتت قبل ذلک بمدة وهی أمُّ أُمِّ حکیم. ((3))

وقال الطبریّ فی «تاریخه وابن الأثیر فی «الکامل» عند ذکر أسماء وُلد عمر ونسائه : وتزوّج أُمّ حکیم بنت الحارث بن هشام المخزومیّ فی الإسلام فولدت له فاطمة فطلّقها ، وقیل لم یطلّقها ((4)) .

وفی «تهذیب الکمال» عن «الطبقات» : فولد الحارث بن هشام : عبدالرحمن ، وأمّ حکیم تزوّجها عکرمة بن أبی جهل ، ثم خلف علیها عمر ابن الخطّاب فولدت له فاطمة ((5)) .

هذه النصوص تشیر إلی زواج عمر بأمّ حکیم بعد مقتل خالد بن سعید


1- تاریخ مدینة دمشق 70: 225.
2- أی مالت إلیه.
3- تاریخ مدینة دمشق 70: 226.
4- تاریخ الطبری 2: 563، والکامل فی التاریخ 2: 450.
5- تهذیب الکمال 17: 41.

ص:250

ابن العاص فی الشام بمرج الصفَّر .

وقد کان قبل ذلک قد قُتل عکرمة بن أبی جهل فی یوم الیرموک (= یوم فحل) ، ولیس فی تلک النصوص أنّ عکرمة مات فی طاعون عمواس ، إذن تزوّجها خالد فی الشام فی معرکة الیرموک بعد مقتل زوجها ، ثم قُتل هو عنها أیضاً یوم مرج الصُّفَّر .

فیکون تاریخ زواج عمر بن الخطاب منها فی أواخر سنة 16 ه- .

بعد کل هذه النصوص نعود إلی الأخبار الدالة علی زواج عمر من أمها فی هذا التاریخ أو قبله أو بعده .

فعمر سواءً کان قد تزوَّج أُمّ حکیم قبل أمّها أو تزوّجها بعدها ، وسواءً کان قد طلّقها أو لم یطلّقها ، ففی کلِّ واحدة من تلک الاحتمالات ترد إشکالات کثیرة ، لأنّ عکرمة لو کان قد قُتل فی معرکة الیرموک سنة 15 ، فلابدّ لأمّ حکیم أن تعتدّ بعدّتها الشرعیّة ، وخالد بن سعید بن العاص کان قد تزوّجها بعد انقضاء عدّتها من عکرمة ، ثمّ اعتدّت عدّةً أُخری لموت خالد ، وهاتان العدّتان مع ما یرافقها من ملابسات تستمرّ لسنة أو أکثر ، لأنّ واقعة الیرموک وقعت بعد انقضاء أشهر من السنة الخامسة عشرة للهجرة ، وکذا زواج عمر یمکن أن یکون قد وقع لأشهر من انتهاء عدّتها عن خالد بن سعید ، وبذلک لا یمکن تصوّر زواجها من عمر إلّا فی أواخر سنة 16 للهجرة أو أوائل سنة 17 للهجرة ، وهی السنة التی أقدم فیها علی خِطبة أمّ کلثوم بنت أبی بکر وأمّ کلثوم بنت الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام . فقد تکون المعنیة من کلّ ذلک هذه حسبما نبیّنه بعد قلیل .

ص:251

عمر یتزوّج أمّها فاطمة بنت الولید أیضاً

اختلف المؤرّخون فی تاریخ وفاة الحارث بن هشام - زوج فاطمة بنت الولید - ، فقیل : فی رجب سنة خمس عشرة یوم الیرموک ، وقیل : سنة 16 أو 17 أو 18 فی طاعون عمواس ، وقیل : فی سنة عشرین .

مع إطباق الکلّ علی أنّ عمر بن الخطّاب أخلف علیها بعد موت الحارث ، وهناک نصوصٌ تشیر إلی أنّ عثمان بن عفّان کان قد تزوّجها بعد الحارث أیضاً ، فکیف یمکن الجمع بین زواجها بعثمان وزواجها بعمر أیضاً ؟

ففاطمة بنت الولید کانت حصیفة عاقلة ، وقد استشارها خالد بن الولید ، لوفرة عقلها وحسن تدبیرها فی معرکة الیرموک((1)) وبعدها :

ولا یُستبعَد أن تکون هذه الاستشارة جاءت لمکانة فاطمة وابنتها أم حکیم عند عمر ، لأنّه کان یرید الزواج بهما ، ففی بعض الأخبار أنّ فاطمة خرجت مع زوجها الحارث ، ولمّا مات زوجها عادت إلی المدینة ، وقد


1- أُنظر: تاریخ الطبریّ 2: 624 وفیه أنّ عمر کتب إلی أبی عبیدة أنِ أنزع عمامته [أی عمامة خالد] وقاسمه ماله نصفین، فلمّا ذکر أبو عبیدة ذلک لخالد قال: أنظرنی استشره أختی فی أمری. ففعل أبو عبیدة، فدخل خالد علی أخته فاطمة بنت الولید، وکانت عند الحارث بن هشام، فذکرها ذلک، فقالت: واللهِ لا یُحبّک عمر أبداً... فقبّل رأسها وقال: صدقتِ والله. وفی تاریخ مدینة دمشق 16: 267، والبدایة والنهایة 7: 131، وکنز العمّال 13: 369 / خ 37020، یوجد نص تَعرف من خلاله سرَّ هذه العداوة، وأنّها کانت منذ عهد المراهقة، فقال: اصطرع عمر بن الخطّاب وخالد بن الولید وهما غلامان - وکان خالد ابنَ خال عمر - فکسر خالد ساق عمر فعُولجت وجُبرت، وکان هذا سبب العداوة بینهما !

ص:252

تزوّجها عمر بن الخطّاب بعد رجوعها بقلیل((1)) .

ففی «إکمال تهذیب الکمال» : الحارث بن هشام بن المغیرة ... - أخو سلمة ، وأبی جهل - قال أبو عمرو : کان من فضلاء الصحابة وخیارهم ، وکان من المؤلَّفة قلوبُهم ، وممّن حسن إسلامه بعد ... وقال المدائنیّ : قُتل یوم الیرموک فی رجب سنة خمس عشرة ، ولم یبقَ من وُلده إلّا : عبدالرحمن ، وأخته أُمّ حکیم .

وفی کتاب أبی نُعَیم : مات سنة سبع عشرة ، وکانت تحته فاطمة بنت الولید ، أخت خالد ، فخلف علیها عمرُ بن الخطّاب ، وقال ابن الکلبیّ : استُشهد یوم أجنادین ، وکذا قاله أبو عبید بن سلّام ، وزعم الجهمیّ أنّ ذلک باطل((2)) .

وفی «البدایة والنهایة» : قال سیف بن عمر : وفی ذی القعدة من هذه السنة - وهی عنده سنة ستّ عشرة - جعل عَمرو [بن العاص] المَسالحَ علی أرجاء مصر ، وذلک لأنّ هرقل غزا الشام ومصر فی البحر ... قال الواقدیّ : وفیها تزوَّج عمر فاطمةَ بنت الولید بن عُتبة التی مات عنها الحارث بن هشام فی الطاعون ، وهی أخت خالد بن الولید((3)) .

وفی «الاستیعاب» و«أُسد الغابة» : وخرج الحارث إلی الشام فی زمن عمر


1- الدرّ المنثور فی طبقات ربّات الخدور 2: 138.
2- إکمال تهذیب الکمال 3: 325.
3- البدایة والنهایة 7: 100.

ص:253

بن الخطّاب راغباً فی الرباط والجهاد ... فلم یزل بالشام مجاهداً حتَّی مات فی طاعون عمواس سنة ثمان عشرة .

وقال المدائنیّ : قُتل الحارث بن هشام یوم الیرموک ، وذلک فی رجب سنة خمس عشرة ، وخلف عمرُ بن الخطّاب علی امرأته فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، وهی أمّ عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ((1)) .

وفی «الطبقات الکبری» : عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغیرة ابن ... وأمّه فاطمة بنت الولید بن المغیرة بن ...

ویُکنی عبدُالرحمن أبا محمّد ... مات أبوه الحارث فی طاعون عمواس بالشام سنة ثمانی عشرة ، فخلف عمر بن الخطّاب علی امرأته فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، وهی أمّ عبدالرحمن بن الحارث ، فکان عبدالرحمن فی حِجر عمر وکان یقول : ما رأیت ربیباً خیراً من عمر بن الخطّاب ((2)) .

وفی «الإصابة» : عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغیرة ... وأمّه فاطمة بنت الولید بن المغیرة أختُ خالد ... خرج أبوه بعد النبیّ لمّا خرج إلی الجهاد بالشام ، فمات أبوه فی طاعون عمواس سنة ثمانی عشرة ، وتزوَّج عمر أمَّه فنشأ فی حجر عمر ، فسمع منه ومن غیره ، وتزوَّج بنت عثمان ، ثمّ کان ممَّن ندبه عثمان لکتابة المصاحف من شباب قریش((3)) .


1- الاستیعاب 1: 90، أُسد الغابة 1: 223.
2- الطبقات الکبری 5: 5.
3- الإصابة 2: 342.

ص:254

وفی «أُسد الغابة» : عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ... وأمه فاطمة بنت الولید بن المغیرة ... توفّی أبوه الحارث بن هشام فی طاعون عمواس ، فتزوّج عمر بن الخطّاب امرأته : فاطمة ، أُمّ عبدالرحمن ، ونشأ عبدالرحمن فی حجر عمر((1)) .

وفی تاریخ الطبریّ : قال أبو جعفر : وفی هذه السنة - أعنی سنة عشرین - غزا أرضَ الروم أبو بحریّة الکندیّ ... وتزوَّج عمر فاطمة بنت الولید ، أُمّ عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، قال : وفیها تُوفّی بلال بن رَباح ((2)) .

وفی «تاریخ مدینة دمشق» : أخبرنا محمّد بن سعد ، أخبرنا محمّد بن عمر ، قال : وفیها - یعنی سنة عشرین - تزوَّج عمر بن الخطّاب فاطمة بنت الولید بن المغیرة ، أُمّ عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ((3)) .

بعد کلّ هذا ، ماذا عسانا أن نقول أمام هذه النصوص الکثیرة والموثَّقة ، والتی رویت بأسانید معتبرة عند أئمّة التاریخ والطبقات ؟! فهل لنا أن نقول : إنّ عمر بن الخطّاب جمع بین الأمّ وبنتها فی الإسلام ؟

أو أن نقول : إنّه تزوَّج إحداهما دون الأخری ، أو طلق إحداهما ثمّ تزوج


1- أُسد الغابة 2: 89.
2- تاریخ الطبری 3: 201، الکامل فی التاریخ 1: 453.
3- تاریخ مدینة دمشق 70: 44، مختصر تاریخ مدینة دمشق 6: 306.

ص:255

بالأخری ؟ أو أنّه وقع التشابه والخلط بینهما ؟ فمَن هی المتزوّج بها ، هل هی أُمّ حکیم ؟ أم أُمها : فاطمة بنت الولید ؟ وهل یجوز الزواج من البنت ثمّ طلاقها ، والزواج من الأُم من بعد بنتها ، أم لا ؟

إنّها مسألة شرعیّة مهمّة علی الفقهاء والمؤرّخین دراستها ، فالأعلام من مؤرّخی وفقهاء العامّة لم یتوجّهوا إلی هذه الاشکالیّة ، بصرف النظر عن التناقضات الموجودة فیها ، بل إنّهم لم یبحثوها ولم یدرسوها ، بل تغاضَوا عنها وأسدلوا الستار علیها مع وجودها فی مصادر کثیرة ، وإن کان بعض المتأخّرین - أمثال ابن عبدالبرّ وابن حجر - قد تنبّهوا الیها ، فقد قال ابن الأثیر فی «أُسد الغابة» :

فاطمة بنت الولید بن المغیرة المخزومیّة ، أخت خالد بن الولید ، أسلمت یوم الفتح وبایعت النبیّ ، وهی زوج ابن عمّها الحارث بن هاشم بن المغیرة المخزومیّ ، قاله أبو عُمر ، وقال : یقال : تزوّجها بعده عمر ، وفی ذلک نظر((1)) .

لماذا (فی ذلک نظر) ؟ الجواب : لثبوت زواج عمر بابنتها أمّ حکیم بنت الحارث ، قال الدکتور بشّار عواد معروف معلِّقاً علی ما نقله المزّیّ عن ابن سعد ، بقوله :

جاء فی حواشی النُّسخ تعلیقٌ للمؤلِّف هذا نصّه : «وفی هذا الکلام وفی الذی قبله نظر ، فإنّه یقتضی أنّ عمر تزوَّج أمّ


1- الاستیعاب ، أُسد الغابة3: 401، الإصابة 4: 45.

ص:256

حکیم وتزوَّج أمَّها فاطمة بن الولید بن المغیرة !» ((1)) .

نعم ، قد یمکن أن نخرج من هذه الإشکالیة إذا أخذنا بکلامَی ابن حجر وابن عبدالبرّ الآنف الذکر ، ویؤیّده ما فی «نسب قریش» ((2)) و«تاریخ الطبریّ»((3)) و«البدایة والنهایة» ((4)) ، فإنّهم لم یعدّوا اسم فاطمة بنت الولید فی زوجات عمر ، فی حین ذکروا اسم ابنتها أُمّ حکیم .

نعم ، إنّهم لم یذکروها ضمن زوجات عمر ، بل ذکروها فی حوادث سنة عشرین للهجرة ((5)) ، وقالوا بأنّ عمر قد تزوّجها فی تلک السنة ، وهذا هو ما ذکره أیضاً ابن عساکر فی «تاریخ مدینة دمشق» ((6)) ، والقول الأخیر یشکّکنا بأخذ تخریج ابن حجر وابن عبدالبرّ .

أجل ، وقد جمع بعض الکتّاب المعاصرین بین الأمّ وبنتها فی کتابه وعدَّهما زوجتَین من أزواج عمر ، فقال مؤلّف : «دراسة نقدیة فی المرویّات فی شخصیّة عمر بن الخطّاب» تحت الرقم 7 :

وأمّ حکیم بنت الحارث بن هشام المخزومیّة ، تزوّجها عمر بن الخطّاب بعد استشهاد زوجها خالد بن سعید بن العاص بموقعة


1- انظر: هامش تهذیب الکمال 17: 42.
2- نسب قریش: 115.
3- تاریخ الطبریّ 2: 563.
4- البدایة والنهایة 7: 156- 157.
5- تاریخ الطبریّ 3: 201، البدایة والنهایة 7: 116، الکامل فی التاریخ 1: 453.
6- تاریخ مدینة دمشق 70: 44.

ص:257

مرج الصفر ببلاد الشام .

ثمّ قال تحت الرقم 9 : فاطمة بنت الولید بن المغیرة المخزومیة ، تزوجها عمر بعد وفاة زوجها الحارث بن هشام((1)) .

ولا أدری کیف لا یفقه الکاتب ، فیذکر الأمَّ وبنتها فیقول تحت الرقم 7:

وأمّ حکیم بنت الحارث بن هشام .

ثم یأتی ویقول تحت الرقم 9 :

فاطمة ... . تزوّجها عمر بعد وفاة زوجها الحارث بن هشام!

ألا یستحق هذا الأمر الخطیر أن یتأمّله هنیئة فی اسم الحارث وأنّه زوج لفاطمة وأب لأم حکیم !! لکی یحتمل بعدها بأنّ فاطمة زوجته هی أمُّ أمِّ حکیم بنت الحارث .

وعلیه ، فقد اتّضحت للمطالع الکریم ملابسات کثیرة فی هذا الزواج ، کما قد عرف بأنّ مسألة زواج عمر من أمّ کلثوم لم تکن من المسلَّمات غیر القابلة للنقاش فی التاریخ والفقه والحدیث کما یقولون ، بل إنّها قضیّة مشکوکة یرد علیها أکثر من ألف إشکال .

وحتّی لیمکننا أن نوظّف زواجه من أمّ حکیم بنت الحارث بما قالوه من زواجه من أُمّ کلثوم بنت علیّ ، وذلک لتشابه رسم خط أُمّ حکیم = أم حکم مع رسم خط أُمّ کلثم (= أُمّ کلثوم) ، وبما أنّ زواجه من أم حکیم بنت


1- دراسة نقدیّة فی المرویّات فی شخصیة عمر بن الخطّاب 1: 234.

ص:258

الحارث وقع فی حدود السنة السابعة عشرة ، فقد وقعت فی نفس السنة خِطبة عمر لأمّ کلثوم ابنة علیّ أیضاً ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ أُمَّ أمِّ حکیم بنت الحارث هی مسمّاة بفاطمة بنت الولید ، وکذلک أُمُّ أمِّ کلثوم بنت علیّ هی فاطمة بنت محمّد صلی الله علیه و آله ، ولکلّ واحدة من هاتین الزوجتین لعمر !! (أُمّ حکیم وأُمّ کلثوم) کما یقولون بنت مسمّاة بفاطمة ، فیمکن أن نحتمل - وإن کان هو بعیداً فی نظرنا - وقوع تصحیف وتحریف بین أم حکیم وأم کلثوم ؛ لتقارب رسم الخط (أمّ حکم أو حکیم = أمّ کلثم) ، ولاتحاد تاریخ الزواج ، ولکون اسم أُم کلّ واحد منهما وبنتهما واحد ، وهو فاطمة .

إذن ، مسألة زواج عمر من أم کلثوم ابنة فاطمة علیها السلام لم تکن ثابتة ، بل یکتنفها الکثیر من الغموض ، بل فیها تعریض بعمر دینیّاً وخلقیّاً ، ویضاف إلیه أنّ الإشکالیّة الخُلقیّة فی سیرة «الخلیفة» لم تنحصر فی زواجه من أمّ کلثوم بنت علیّ ، أو خطبته لأمّ کلثوم بنت أبی بکر ، أو زواجه من عاتکة بنت زید ، بل ترافق هذه السیرة دائماً تعاملَه مع زیجاته الأخری أیضاً ، وغالبها مقرونٌ بالإکراه والإجبار ، إذ وقفتَ علی عراکه مع عاتکه حتّی غلبها وأخذ یؤفّف : أفّ ، أفّ ، أُفّ ، وقول أمّ کلثوم بنت أبی بکر لأختها عائشة : تُنکحینی عمر ؟! ... واللهِ لَئن فَعَلْتِ لأذهبنّ أصیحنّ عند قبر النبیّ((1)) .

فنقلُ هذه الأمور الجارحة نفسیّاً تدین عمر وخلافته ، ولا أراها مفیدةً للإسلام والمسلمین ، لأنّها ستجعل المسلمین فی دوّامة من الصراع والتناحر .


1- کنز العمّال 13: 626/ خ37590.

ص:259

وإنّ إثاراتهم المتکرّرة لهذه المسألة هی التی دعتنی للبحث والتنقیب فیها ، بحیث أوقفتنی تلک المتابعة والمدارسة علی أمور جدیدة کانت خافیةً علَیّ لحدّ ذلک التاریخ ، ممّا دعتنی لتسلیط الضوء علیها وبیانها ، وقد جئت بها وکشفت عنها - دفاعاً عن المذهب وما یلاقیه أهلنا من التهم والافتراءات - حینما رأیت إصرار الآخرین علی استغلال زواج عمر من أم کلثوم ، لرسم الأخوّة المزعومة بین آل البیت والصحابة ، أو أقلّها بین علیٍّ علیه السلام وعمر .

نعم ، هناک تخبّط فی سیرة «الخلیفة» وقراراته یقف علیها الباحث المتأمّل ، فمن جهة یستاء من خالد بن الولید ویغضب علیه ، ومن جهة أخری یتزوّج بإمرأته بعد موته ، إذ قال خالد لأبی الدرداء :

فقد جعلتُ وصیّتی وتَرِکتی وإنفاذ عهدی إلی عمر بن الخطّاب ... فقدِم [أبو الدرداء] بالوصیّة علی عمر ، فقَبِلها وترحّم علیه ، وأنفذ ما فیها ، وتزوَّج عمر بَعْدُ امرأته((1)) .

فماذا یعنی زواجُه بأرملة خالد ، وهل إنّ قبول الوصیّة وانفاذ عهد خالد یستلزم الزواج بأرملته !!

وبهذا نکون قد انتهینا من البحثین التاریخیّ والاجتماعیّ ، فلننتقل إلی الجانبین : الفقهیّ والعقائدیّ ، وفیهما مسائل وفوائد لم تُبحَث بالطریقة التی تمنّیناها فی مثل هکذا دراسات فقهیّة عقائدیّة حسّاسة ومهمّة والذی قد مضی علیها عدّة قرون من الزمن ولم تحل .


1- تاریخ مدینة دمشق 16: 272، بُغیة الطلب 7: 3166، مختصر تاریخ مدینة دمشق 8: 25.

ص:260

البحث الفقهیّ

اشارة

ص:261

ص:262

أخبارٌ فی کتب السنة

اشارة

ذکرنا فیما سبق بأنّ جمعاً کثیراً من أبناء العامّة ذهبوا إلی وقوع الزواج من أُمّ کلثوم ، مستدلّین بنصوص تاریخیّة ، وفروع من الفقه ، وقد ناقشنا معظم النصوص التاریخیّة ، والآن نبدأ بمناقشة بعض الفروع الفقهیّة :

1 - کیفیّة الصلاة علی جنازة امرأة وطفل

وردت فی المجامیع الحدیثیة روایات فی کیفیّة الصلاة علی جنازة امرأة وطفل عدّة دالّة علی وقوع هذا الازدواج والإیلاد ، بعضها مرویّة عن نافع المدنی عن ابن عمر .

والأخری عن عبدالله أو عبید الله البهی مولی مصعب بن الزبیر .

وثالثة عن الشعبیّ .

ورابعة عن عمّار مولی الحارث ، أو مولی بنی هاشم ، أو عمّار بن أبی عمّار.

ص:263

· أما روایة نافع ، ففیها : أنّ سعید بن العاص قد صلّی علی الجنازة ، ولیس فیها أنّ الحسن والحسین کانا مع مَن صلی علی أُمّ کلثوم ، من أمثال : ابن عمر وأبی هریرة وأبی سعید الخُدْریّ وأبی قَتادة .

· وفی روایة عبدالله البهیّ أنّ الذی صلّی علیها عبدالله بن عمر لا سعید ابن العاص ، فی حین شهد الصلاةَ الحسنُ والحسین [ومحمّد بن الحنفیّة وعبد الله بن جعفر] .

· وفی بعض المرویّ عن الشعبیّ أنّ المصلّی علی الجنازة هو ابن عمر ، لکن لیس فیها اسم للإمامین الحسن والحسین علیهما السلام .

وفی بعضها الآخر : قد صلّی علیها ابن عمر وفی الجنازة الحسن والحسین علیهما السلام .

وفی ما رواه عبدالرزّاق عن الثوری ، عن رزین ، عن الشعبیّ بیانٌ لمسألة فقهیّة - فی کیفیّة ترتیب جنائز الموتی - ، وأنّ رجالاً من بنی هاشم فعلوا مثل ما فعل ابن عمر فی ترتیب الجنائز ، فقال الروای : «أراه ذَکَرَ حسناً وحسیناً» ، ولیس فیه أنّهما کانا ضمن مَن صلّی مع ابن عمر علی الجنازة .

بل فی «الطبقات الکبری» : أخبرنا وکیع بن الجرّاح ، عن زید بن حبیب ، عن الشعبیّ بمثله ، وزاد فیه : «وخَلْفه الحسن والحسین ابنا علیّ ، ومحمّد بن الحنفیّة وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن جعفر»((1)) ، وهذه الزیادة لم نشاهدها فی


1- الطبقات الکبری 8: 464.

ص:264

النصوص الأُخری المرویّة عن الشعبیّ ، إلّا التی رواها البیهقیّ عنه فی «السنن الکبری» ((1)) .

نعم ، فی المرویّ فی «تاریخ مدینة دمشق» عن جعفر بن محمّد الصادق عن أبیه ، أنّ الإمام الحسین قال لعبد الله بن عمر : صلِّ علی أُمّ کلثوم - فإنّما هی أمُّک - وعلی أخیک زید ، وُضِعا فی ساعة واحدة ((2)) .

· أمّا روایة عمّار بن أبی عمّار - أو عمّار مولی الحارث أو مولی بنی هاشم - فی کیفیّة الصلاة علی جنازة إمرأة وطفل ، ففیها أنّ والی المدینة سعید بن العاص قد صلّی علیها وخلفه ثمانون من أصحاب رسول الله . ومعناه أنّ الحسن والحسین کانا فی ضمنهم .

وإلیک تلک الروایات بمتونها وطرقها الأربعة :

1 - المدوَّنة الکبری للإمام مالک ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : وُضعت جنازة أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب من فاطمة((3)) بنت رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهی امرأة عمر بن الخطّاب ، وابنٍ لها یقال له : زید ، فصُفَّا جمیعاً ، والإمام یومئذ سعید بن العاص ، فوُضع الغلام ممّا یلی الإمام ، وفی الناس ابن


1- السنن الکبری 4: 38 / ح 6743 - عنه: عون المعبود 8: 434.
2- تاریخ مدینة دمشق 19: 494 والتاریخ الأوسط 1: 102 / ح 424. وفی الاستیعاب 4: 1956: وصلّی علیهما ابن عمر، قدّمه الحسن بن علیّ، وکانت فیهما سنّتان فیما ذکروا، ولم یورث واحد منهما من صاحبه لأنّه لم یُعرَف أوّلهما موتاً.
3- ستقف لاحقاً بأنّ هذه الزیادة لم تکن فی النصوص الأخری بل وردت فی النصّ المرویّ عن نافع والثوریّ، فهما أوّلا من نقلا ذلک أو نقل عنهما ذلک.

ص:265

عباس وأبو هریرة وأبو سعید وأبو قَتادة ، فقالوا : هی السنّة ((1)) .

2 - المصنَّف لعبد الرزّاق : عن الثوری ، عن أبی حُصَین وإسماعیل ، عن الشعبیّ ، أنّ ابن عمر صلّی علی أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب وزید بن عمر ، فجعل زیداً یلیه ، والمرأة أمام ذلک ((2)) .

3 - مسند ابن الجعد : عن عبید ، حدّثنا علیّ ، أنا شعبة ، عن أبی حُصَین ، عن الشعبیّ ، عن ابن عمر ، أنّه صلّی علی أخیه وأمّه أُمّ کلثوم بنت علیّ ، فجعل الغلام ممّا یلی الإمامَ والمرأةُ فوق ذلک ((3)) .

4 - المصنَّف لعبدالرزّاق الصنعانیّ : عن الثوریّ ، عن رزین ، عن الشعبیّ ، قال : رأیته جاء إلی جنائز رجال ونساء فقال : أین الصعافقة ؟ أو : ما تقول الصعافقة ؟ یعنی الذین یطعنون ، قال : ثمّ جعل الرجال ممّا یلون الإمام والنساء أمام ذلک ، بعضهم علی إِثر بعض . ثمّ ذکر أنّ ابن عمر فعل ذلک بأمّ کلثوم وزید ، وثَمَّ رجالٌ من بنی هاشم ، قال : أراه ذکر حسناً وحسیناً ((4)) .


1- المدوَّنة الکبری 1: 182، الطبقات الکبری 8: 465، السنن الکبری 4: 71 و4: 33 و1: 641، معرفة السنن والآثار للبیهقیّ 1: 559 و3: 162، سنن الدار قطنیّ 2: 66 /ح 1834، المنتقی لابن الجارود: 142 / ح 545، المعرفة والتاریخ 1: 76، المصنَّف لعبد الرزّاق 3: 465 عن ابن جریج قال: سمعت نافعاً.
2- المصنَّف لعبد الرزّاق 3: 465 / ح 6336.
3- مسند ابن الجعد: 98 و114، المصنَّف لابن أبی شیبة 3: 198 / ح 14.
4- المصنَّف لعبد الرزّاق 3: 466.

ص:266

5 - التاریخ الأوسط : حدّثنا محمّد بن الصبّاح ، ثنا إسماعیل بن زکریّا ، عن رزین البزّار ، حدّثنی الشعبیّ قال : تُوفّی زید بن عمر وأُمّ کلثوم ، فَقدَّموا عبدالله بن عمر وخلفه الحسن والحسین ومحمّد بن الحنفیة وعبد الله ابن جعفر((1)) .

6 - وفیه أیضاً : حدَثنی محمود ، ثنا عبید عن إسرائیل ، عن السدّیّ ، عن عبید الله البهیّ ، قال : شهدتُ أُمّ کلثوم وزید بن عمر بن الخطّاب ، صلّی علیهما ابن عمر ، وشهد ذلک الحسنُ والحسین ((2)) .

7 - تاریخ مدینة دمشق : أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندیّ وأبو بکر بن الطبریّ ، قالا : أنا أبو الحسین بن الفضل ، أنا عبدالله بن جعفر ، نا یعقوب ، حدّثنا إبراهیم بن المنذر ، حدّثنی عبدالله بن میمون ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، أنّ حسین بن علیّ قال لعبد الله بن عمر : صلِّ علی أُمّ کلثوم بنت علیّ - فإنما هی أمّک - وعلی أخیک زید ، وُضِعَا فی ساعة واحدة ((3)) .

8 - وفی المعرفة والتاریخ : أخبرنا یونس بن عبید ، عن عمّار بن أبی عمّار مولی بنی هاشم ، قال : کنت فیمن یختلف بین أُمّ کلثوم وابنها زید ، فصلّی علیها أمیر المدینة ، وثَمَّ الحسن والحسین ((4)) .

9 - وفی سنن أبی داوود : حدثنا یزید بن خالد بن موهب الرملیّ ، ثنا ابن


1- التاریخ الأوسط 1: 102 / ح 419.
2- التاریخ الأوسط 1: 102 / ح 420.
3- تاریخ مدینة دمشق 19: 493.
4- المعرفة والتاریخ 1: 76.

ص:267

وهب ، عن ابن جریح ، عن یحیی بن صبیح ، حدّثنی عمّار مولی الحارث بن نوفل أنّه شهد جنازة أمّ کلثوم وابنها ، فجُعِل الغلام ممّا یلی الإمام ، فأنکرتُ ذلک ، وفی القوم ابن عباس ، وأبو سعید الخدریّ ، وأبو قتادة ، وأبو هریرة ، قالوا : هذه السنّة ((1)) .

10 - وفی سنن النسائیّ عن نافع قریب من ذلک ((2)) .

قال الزیلعی فی «نصب الرایة» : أخرج أبو داوود والنَّسائیّ عن عمّار بن أبی عمّار ، قال : شهدت جنازة أُمّ کلثوم وابنها ، فجُعل الغلام ممّا یلی الإمام ، فأنکرتُ ذلک ، وفی القوم ابن عبّاس ، وأبو سعید ، وأبو قتادة ، وأبو هریرة ، فقالوا : هذه السُّنّة ، قال النوویّ : وسنده صحیح .

وفی روایة البیهقیّ : وکان فی القوم الحسن ، والحسین ، وأبو هریرة ، وابن عمر ، ونحوٌ من ثمانین من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله ((3)) .


1- سنن أبی داوود السجستانی 3: 208 / ح 3193، مسند ابن الجعد 1: 98، 114، وأخرجه ابن أبی شیبة فی مصنَّفه 3: 8 / ح 11568، عن عمّار مولی بنی هاشم - الباب 140 فی جنائز الرجال والنساء وانظر: المجموع للنوویّ 5: 178 - 179، تلخیص الحبیر 2: 146.
2- سُنن النسائیّ 4: 71 / ح 1978، السنن الکبری للنسائیّ 1: 641 / ح 2105، السنن الکبری للبیهقیّ 4: 33 / ح 6710، المصنَّف لعبد الرزّاق 3: 465 / ح 6337، المنتقی من السنن المسندة لابن الجارود: 142 / ح 545، سُنن الدارقطنیّ 2: 79 / ح 13، المدوّنة الکبری 1: 182، تاریخ مدینة دمشق 19: 491، خلاصة الأحکام للنوویّ 2: 969 / ح 3462.
3- نصب الرایة 2: 266، والروایة موجودة فی سنن النسائی 4: 71 / ح 1978 - کتاب الجنائز اجتماع جنائز الرجال والنساء، وفی سنن أبی داوود 3: 208 / 3193، وجامع الأُصول 7: 151 / 4324 - صلاة الجنائز فی موقف الإمام، لکن لیس فیها مَن هی أُمّ کلثوم ومَن صلّی علیها. وانظر أیضاً: نیل الأوطار 4: 110، وعون المعبود 8: 335.

ص:268

قال النوویّ - شرحاً لکلام صاحب «المهذّب» - :

والسُّنّة أن یقف الإمام فیها عند رأس الرجل وعند عجیزة المرأة ... وروی عمّار بن أبی عمّار أنّ زید بن عمر بن الخطّاب وأُمّه أُمّ کلثوم بنت علیّ - رضی الله عنهما - ماتا ، فصلّذی علیهما سعید بن العاص ، فجعل زیداً ممّا یلیه وأُمّه ممّا تلی القبلة ، وفی القوم الحسن والحسین و ... ((1)) .

2 - التکبیر علی الجنازة :

اختلفت الروایات فی اسم المصلّی علی أُمّ کلثوم بنت علی !! مع قولهم بأنّ التکبیر کان علیها أربعاً .

· ففی روایة نافع وعمّار بن أبی عمّار ، أن سعید بن العاص هو الذی صلّی علیها .

· وفی مرویّات الشعبیّ وعبد الله البهیّ ، أنّ عبدالله بن عمر هو الذی صلّی علیها ، بفارق أنّ فی بعضها یوجد اسم الإمام الحسین علیه السلام فی ضمن الذین صلّوا علیها وفی البعض الآخر لا یوجد .

· فی «سنن» البیهقیّ بسنده عن الشعبیّ ، قال : صلّی ابن عمر علی زید ابن عمر وأُمّه أُمّ کلثوم بنت علیّ ، فجُعل الرجل ممّا یلی الإمام ، والمرأة من


1- المجموع 5: 178 - 179، وقد حکی ابن القیسرانیّ (ت 507 ه-) فی کتابه «أطراف الغرائب والافراد من حدیث رسول الله» للإمام الدارقطنیّ 3: 313، 314 / ح 2763، تَفرَّد عبدالله بن وهب بهذا الخبر.

ص:269

خلفه ، فصلّی علیهما أربعاً ، وخلفه ابن الحنفیّة والحسین بن علیّ وابن عبّاس ... ((1)) .

· وفی نصّ عن عامر ، قال : مات زید بن عمر وأُمّ کلثوم بنت علیّ ، فصلّی علیهما ابن عمر ، فجَعل زیداً ممّا یلیه وأُمّ کلثوم ممّا یلی القِبلة ، وکبَّر علیهما أربعاً .

وفی آخر : عن ابن عمر أنّه صلّی علی أُمّ کلثوم بنت علیّ وابنها زید ، وجعله ممّا یلیه ، وکبّر علیهما أربعاً((2)) .

3 - میراث الغرقی والمهدوم علیهم :

· فی الفرائض لسفیان الثوریّ ، أنّ أُمّ کلثوم بنت فاطمة الزهراء((3)) کانت تحت عمر بن الخطّاب ، تزوّجها وهی صغیرة ، فولدت له زید بن عمر - وهو زید الأکبر - ورقیّة بنت عمر ، وکانت وفاتها ووفاة ابنها فی ساعة واحدة ((4)) .

· وفی المدوَّنة الکبری لمالک : ابن وهب ، عن عبدالله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطّاب ، أنّ أُمّ کلثوم بنت علیّ ، امرأة عمر بن


1- السنن الکبری 4: 38 / ح 6743، مصنَّف عبدالرزّاق 3: 465 / ح 6336، تاریخ مدینة دمشق 19: 492 - 493.
2- أُنظر: الطبقات الکبری لابن سعد 8: 464.
3- الثوریّ ونافع بزیادتهما هذه کانا هما أوّلا من لبسا الأمر علی المؤرّخین والباحثین.
4- الفرائض 1: 138.

ص:270

الخطّاب ، وابنها زید بن عمر هلکا فی ساعة واحدة ، فلم یُدْرَ أیّهما هلک قبل صاحبه ، فلم یتوارثا ((1)) .

· وفی سنن الدارمیّ : عن نعیم بن خالد ، عن عبدالعزیز بن محمّد ، حدّثنا جعفر ، عن أبیه ، أنّ أُمّ کلثوم وابنها زیداً ماتا فی یوم واحد ، فالتقت الصائحتان فی الطریق ، فلم یرث کلّ واحد منهما من صاحبه ... ((2)) .

· وفی المستدرک علی الصحیحین بإسناده عن عبدالعزیز بن محمّد الدَّراوَرْدیّ ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، أنّ أُمّ کلثوم بنت علیّ تُوفّیت هی وابنها زید بن عمر بن الخطّاب فی یومٍ واحد ، فلم یُدْرَ أیّهما مات قبل ، فلم ترثه ولم یرثها ، وإن أهل صِفِّین لم یتوارثوا ، وإنّ أهل الحَرّة لم یتوارثوا ((3)) .

· وفی السنن الکبری للبیهقی بإسناده عن الدراوردی ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أنّ أم کلثوم بنت علی وابنها زیداً وقعا فی یوم واحد والتقت الصائحتان ، فلم یُدْرَ أیّهما هلک قبل ، فلم ترثه ولم یرثها ، وإنّ أهل صفین لم یتوارثا ، وإنّ أهل الحرة لم یتوارثوا ((4)) .


1- المدونة الکبری 3: 358، سنن الدار قطنی 4: 40 / ح 4033.
2- سُنن الدارمیّ 2: 473 / ح 3046، سُنن الدارقطنیّ 4: 74 / ح 19، و81 / ح 43 - من کتاب: الفرائض والسیر، بسندیه: عن عبدالله بن عمر بن حفص، وجعفر بن محمّد عن أبیه...
3- المستدرک علی الصحیحین 4: 384 / ح 8009.
4- السنن الکبری 6: 222 / ح 12034.

ص:271

4 - عدّة المتوفّی عنها زوجها :

· فی سنن سعید بن منصور : حدثنا سعید ، قال : ناهشیم ، قال أنا یونس ، عن الحسن ، عن علیٍّ رضی الله عنه ، أنّه انتقل أُمّ کلثوم ابنته حیث أصیب عمر فانتقلها فی عدّتها((1)) .

· وفی مصنَّف عبدالرزّاق : عن معمَّر ، عن أیّوب أو غیره ، أنّ علیّاً انتقل ابنته أُمّ کلثوم فی عدّتها ، وقُتل عنها عمر((2)) .

· وفی المصنَّف لابن أبی شیبة : حدّثنا أبو بکر ، قال : ناوکیع ، عن سفیان ، عن فراس ، عن الشعبیّ ، أنّ علیّاً نقل أُمّ کلثوم بعد سَبْعٍ((3)) .

· وفیه أیضاً بإسناده عن الحکم ، قال : نقل علیٌّ أُمَّ کلثوم حین قُتل عمر ، ونقلت عائشة أُختها حین قُتل طلحة ((4)) .

· وفی أخبار القضاة بإسناده عن الشعبیّ ، قال : لمّا قُتل عمر نقل علیٌّ أُمَّ کلثوم فی عِدَّتها إلی منزله ((5)) .

· وعن أبی حنیفة ، عن حمّاد ، عن إبراهیم أنّه قال : إنّما نقل علیٌّ علیه السلام أُمّ کلثوم حین قُتل عمر ، لأنّها کانت مع عمر فی دار الإمارة ((6)) .


1- سنن سعید بن منصور 1: 360.
2- المصنَّف لعبد الرزّاق 7: 30.
3- مصنَّف ابن أبی شیبة 4: 157 / ح 18878.
4- المصنَّف لابن أبی شیبة 4: 156 / ح 18874.
5- أخبار القضاة 2: 67، وفی الناسخ والمنسوخ للنحّاس 1: 250 صحّ أنّه أخرج ابنته أُمّ کلثوم زوجة عمر بن الخطّاب لمّا قُتل عمر فضمّها إلی منزله قبل أن تنقضی عدتها.
6- الآثار لأبی یوسف: 143 / ح 648، وانظر: المصنَّف لابن أبی شیبة 4: 156 / ح 18874 عن الحکم، ومصنَّف عبدالرزّاق 7: 30 / ح 12057، رواه بسند آخر عن معمَّر عن أیّوب أو غیره أنّ علیّاً...، ومثله فی نوادر الراوندیّ: 186، عن جعفر، عن أبیه.

ص:272

· وعن الشعبیّ ، قال : نقل علیّ علیه السلام أُمّ کلثوم بعد قتل عمر بن الخطّاب بسبع لیال ، ورواه سفیان الثوری فی جامعه ، وقال : لأنّها کانت فی دار الإمارة ((1)) .

5 - الوکالة فی التزویج واستشارة الأهل :

· روی الطبرانیّ فی الأوسط ، بسنده عن الحسن بن الحسن بن علیّ ، أنّ عمر بن الخطّاب خطب إلی علیّ أُمّ کلثوم ، فقال إنّها تصغر عن ذاک .

فقال عمر : إنّی سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : کلّ سبب ونسب منقطع یوم القیامة ، إلّا سببی ونسبی . فأحببت أن یکون لی من رسول الله سبب ونسب ، فقال علیّ للحسن والحسین : زوِّجا عمَّکما .

فقالا : هی امرأة من النساء ، تختار لنفسها .

فقام علیٌّ وهو مُغضَب ، فأمسک الحسن بثوبه ، وقال : لا صبر علی هجرانک یا أبتاه .

لم یرو هذا الحدیث عن ابن جریج إلّا روح بن عبادة ، تفرد به سفیان عن وکیع((2)) .

· وفی المعجم الکبیر بسنده عن زید بن أسلم ، عن أبیه ، قال : دعا عمر


1- الأُمّ 7: 172، السنن الکبری للبیهقیّ 7: 436 / ح 15285، المصنَّف لابن أبی شیبة 4: 157 / ح 18878، الاستذکار 6: 215، التمهید 21: 32، معرفة السنن والآثار للبیهقیّ 6: 55، والسنن الکبری 7: 436 / ح 15285.
2- المعجم الأوسط 6: 357 / ح 6609 - عنه مجمع الزوائد 4: 272، والخبر موجود فی السنن الکبری 7: 64 / ح 13172، 114 / ح 13438، و139 / ح 13574.

ص:273

ابن الخطّاب علیَّ بن أبی طالب فسارّه ، ثم قام علیٌّ فجاء الصُّفَّة فوجد العبّاس وعقیلاً والحسین فشاورهم فی تزویج أُمّ کلثوم .

فغضب عقیل وقال : یا علیّ ، ما تزیدک الأیّام والشهور والسنون إلّا العمی فی أمرک ، والله ِ لئن فعلتَ لیکوننّ ولیکوننّ ! لأشیاء عدَّدها ، ومضی یجرّ ثوبه .

فقال علیّ للعباس : واللهِ ماذاک منه نصیحة ، ولکنَّ درّة عمر أخرجته إلی ما تری ، أما والله ماذاک رغبة فیک یا عقیل ، ولکن قد أخبرنی عمر بن الخطّاب أنّه سمع رسول الله یقول : کل سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلّا سببی ونسبی ، فضحک عمر وقال : ویح عقیل سفیه أحمق !!((1))

وهذا النصّ واضح بأنّه قد وُضع للتعریض بالإمام علیٍّ علیه السلام وعقیل والعبّاس ، بل إنّ نصوص زواج عمر بأمّ کلثوم بنت علیّ غالبها تأتی تعریضیّةً ومستهجنة ، وتمسّ بآل البیت والصحابة ، وقد تکون وُضعت لمواقف آل البیت الرافضة والمناوءة للخبر المزعوم حول هذا الزواج ، وقد تکون وُضعت قبالاً لما حکی عن درّة عمر وتهدیده العبّاس بأمثال قوله : لَأُعورَنَّ زمزم ! وثبوت عدم صحّة دعواه بأنّه یرید السبب والنسب وأمثال ذلک .

أجل ، هناک مسائل أُخری فی الشریعة : کجمع انسان بین زوجة رجلٍ وبنته((2)) وأحکام الهدیّة ((3)) والصداق ((4)) وغیرها ، سنتعرّض إلیها ضمن مناقشتنا لهذه الفروع الخمسة إن شاء الله تعالی .


1- المعجم الکبیر 3: 44 / ح 2633، مجمع الزوائد 4: 272.
2- السنن الکبری للبیهقیّ 7: 167 / ح 13730، الطبقات الکبری 8: 465، فتح الباری 9: 155.
3- صحیح البخاریّ 3: 222 - کتاب الجهاد والسیر، باب حمل النساء القرب إلی الناس فی الغزو، وکذا فی: کتاب المغازی 5: 36 - باب ذکر أُمّ سلیط، کنز العمّال 13: 623، شرح النهج 12: 76.
4- سنذکر ما یرتبط بالصداق فی آخر البحث العقائدیّ.

ص:274

أخبارٌ فی کتب الشیعة

اشارة

هناک أخبار فی کتب الشیعة الإمامیّة تشابه ما نقلته کتب العامّة ، فلنبحث أولاً ملابسات تلک الأخبار رجالیّاً وفقهیّاً ، وهل هی أخبار شیعیّة معتمدة ، أم أنّها أخبار هی کانت فی الأصل لأهل السنّة ذُکرت فی مصادر الشیعة الحدیثیة ، ثمّ انتقلت منها إلی الفقه الشیعیّ لعللٍ وأسباب خاصّة سنوضّحها بعد قلیل .

1 - 2 صلاة الجنائز ، وکیفیة التکبیر علی المیّت

اشارة

قال الشیخ الطوسیّ فی کتابه «الخلاف» :

«المسأله 541 : إذا اجتمع[ت] جنازة رجل وصبیّ وخنثی وامرأة ، وکان الصبیّ ممّن یُصلّی علیه ، قُدِّمت المرأة إلی القِبلة ، ثمّ الخنثی ، ثمّ الصبیّ.

إلی أن یقول :

... . دلیلنا : إجماع الفِرقة وأخبارهم . روی عمّار بن یاسر قال : أُخرجت جنازة أُمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام وابنها زید بن عمر ، وفی الجنازة : الحسن والحسین علیهما السلام ، وعبدالله بن عمر ، وعبدالله بن عباس ، وأبو هریرة ، فوضعوا

ص:275

جنازة الغلام ممّا یلی الإمام ، والمرأة وراءَه ، وقالوا : هذا هو السُّنّة»((1)) .

وقد استدلّ بعض علماء العامّة بهذه المسألة وما یلیها - إلزاماً لنا - للدلالة علی وقوع التزویج من أُمّ کلثوم .

ولنا فی هذا القول مسائل :

الأُولی :

إنّ ما رواه الشیخ الطوسیّ عن عمّار بن یاسر مرسل ، إذ لیس له طریق إلیه ، وبِتتبُّعنا کتب الحدیث عند الشیعة والجمهور ، لم نحصل علی خبر یُروی بهذا المضمون عن عمّار بن یاسر إلّا ما حکاه الشیخ فی هذه المسألة .

بل کلّ ما فی الأمر هو وجوده عند العامّة عن عمّار بن أبی عمّار .

فهنا نتساءل : مَن هو هذا الراوی ، وهل هو عمّار بن یاسر ، أم غیره ؟

بل کیف یکون المعنیّ به عمّار بن یاسر ، ذلک الصحابیّ الجلیل الملازم للإمام علیّ علیه السلام ؟ إذ لو کان ذلک لاحتُمل أن یکون الإمام علیّ علیه السلام حاضراً جنازة ابنته أُمّ کلثوم کذلک ! لکنّا نری الخبر یقول : (وفی الجنازة الحسن والحسین) ولیس فیه ذکر للإمام علیّ سلام الله علیه .

مع العلم بأنّ عمّار بن یاسر کان قد استُشهِد تحت لواء علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی صفّین ، فلا یُعقَل أن یروی واقعة قد حدثت فی حکومة بعض بنی أُمیّة ؟!


1- الخلاف 1: 722 - کتاب الجنائز / المسألة: 541.

ص:276

وهذا هو من موارد الاختلاط والالتباس الذی یحدث کثیراً فی التاریخ وفی رجال الحدیث ، وهو مما یجب تمییزه والتثبّت منه ، ثمّ توضیحه للآخرین .

الثانیة :

إنَّ الخبر الآنف الذکر ودعوی وجود الإمام الحسن (المستشهد سنة 50 ه-) فی الجنازة یخالف ما نُقل عن زواج عبدالله بن جعفر من أُمّ کلثوم ابنة فاطمة((1)) بعد العقیلة زینب بنت علیّ الآنف ، لأن النصّ المشهور یقول فی زوجته زینب : «فماتت عنده»((2)) ، ویؤکّده دفنها فی مزرعة زوجها عبدالله بن جعفر فی قریة «الراویة فی» الشام ، والتی زارها کثیر من الرحّالة والعلماء((3)) ،


1- لأنّ غالب النصوص العامیّة تؤکّد بأنّ عمر تزوّج ابنة فاطمة لا غیر وأنّها ماتت وابن لها فی یوم واحد فی خلافة معاویة وصلّی علیها سعید بن العاص فی عام 54، وهذا القول المشهور عندهم لا یتّفق مع زواج عبدالله بن جعفر منها بعد زینب علیها السلام .
2- السنن الکبری للبیهقیّ 7: 70 / ح 13201.
3- قال ابن جبیر (ت 614 ه-) فی رحلته: ومن مشاهد أهل البیت مشهد أمّ کلثوم بنت علی، ویقال لها زینب الصغری، وأمّ کلثوم کنیة أوقعها علیها النبیّ.... إلی أن یقول: ومشهدها الکریم قِبلَی البلد، یُعرَف بالراویة، وعلیه مسجد کبیر وخارجه أوقاف، وأهل هذه الجهات یعرفونه بقبر السِّتّ.... (رحلة ابن جبیر: 228) وقال ابن بطّوطة (ت 770 ه-) حین کلامه عن دمشق: وعلی فرسخ منها مشهد أمّ کلثوم بنت علیّ من فاطمة، ویقال: إنّ اسمها زینب کنّاها رسول الله.... (رحلة ابن بطّوطة 1: 61) وقال ابن الحورانیّ (ت970 ه-): ومنها قریة یقال لها «راویة» بها قبر السیّدة زینب أمّ کلثوم ابنة علیّ بن أبی طالب، وزُعِم أنّ أمّ کلثوم هذه هی التی تزوّجها عمر. وذکر أبو بکر الموصلیّ (ت 797 ه-) أنّه زارها مع أصحابه. (الإشارة إلی أماکن الزیارات: 134) وقال یاقوت الحمویّ (ت 626 ه-) فی «معجم البلدان»: راویة قریة من غوطة دمشق، بها قبر أمّ کلثوم. (معجم البلدان 3: 20) وقد تحدّث ابن عربیّ ( ت 638 ه-) فی «الفتوحات المکیة 4: 198»، ونُقل عن عماد الدین الطبریّ (ت 676 ه-) فی «کامل البهائیّ: 302»، وابن شدّاد الحلبیّ فی «الأعلاق الخطیرة لأبی علی أحمد بن عمر بن رسته 1: 182 - ط لیدن»، وابن شاکر الدارمیّ ( ت 764 ه-) فی «خطط الشام لکرد علی 6: 64»، وابن الجوزی (ت 654 ه-)، والبصراویّ (ت 1003 ه-)، وغیرهم حول هذا القبر، بفارق أنّ بعضهم - کالسبط ابن الجوزیّ - صرح بأنّ المشهد لزینب المکنّاة بأمّ کلثوم. أمّا یاقوت وابن عساکر وغیرهما، فلم یصرّحوا باسمها وأنّها زینب واسم أبیها أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، بل اکتفوا بذکر الکُنیة أو أنّها من أهل البیت علیهم السلام . ومن المعلوم أنّ وفاة السیّدة زینب کانت إمّا فی سنة 62 ه- (انظر: وفاة زینب الکبری للشیخ جعفر النقدیّ: 142، وأخبار الزینبیات للعبیدلیّ: 30 و 58)، أو فی سنة 65ه- (انظر: معالی السبطین: 689، مع بطلة کربلاء لمُغْنیة: 90، وأعلام النساء 1: 508) أو وفی سنة 67 ه- (انظر: نزهة الأم فی محاسن الشام 2: 347 و 381 للبدریّ، وشرح نهج البلاغة لابن میثم کما فی معالی السبطین للحائری: 690) فی حین أنّ خبر الصلاة علی أُمّ کلثوم کان قبل السنة الرابعة والخمسین من الهجرة یقیناً (للمزید أنظر: أعیان الشیعة 3: 484).

ص:277

مریدین الاستفادة من ذلک بأنّها زوجة عمر بن الخطّاب .

ومعنی الکلام الأوّل أنّ المدفونة فی الشام هی عقیلة الهاشمیّین زینب الکبری زوجة عبدالله بن جعفر ، لا ما قالوه بأنّها أمّ کلثوم الکبری زوجة عمر والذی لا معنی لدفنها فی الشام ، لأنّ أحد الادعاءَین لا یتطابق مع الآخر .

ص:278

فزوجة عمر المفترضة لو کانت قد تُوفِّیت فی المدینة فی عهد معاویة ، فذاک لا یتطابق مع التی تزوّجها عبدالله بن جعفر بعد أحداث الطفّ .

وهذه((1)) : إمّا أن تکون من أمّ ولد أو من فاطمة الزهراء علیها السلام ، فکونها من أمّ ولد یؤکّد علی أنّها کانت صغیرة علی عهد عمر ؛ لأنّ الإمام علیّاً علیه السلام لم یتزوّج بامرأة فی عهد الزهراء علیها السلام ، وزواجه إن کان فقد کان بعد شهادتها فی سنة 11 ه- ، والقول بهذا لا یُرضی علماء مدرسة الخلافة فهم لا یرتضون بهذا القول ولا یریدونه ، لأنّهم یریدون إثبات السبب والنسب مع رسول الله لا مع علی بن أبی طالب علیه السلام .

فإن قالوا بأنّها شقیقة زینب الکبری وقد تزوّجها بعد وفاة أختها ، فهو الآخر لا یتطابق مع ما حکوه من وفاتها وصلاة عبدالله بن جعفر والحسن والحسین علیها مع والی المدینة فی عهد معاویة((2)) .

وممّا یشیر إلی تزوّج عبدالله بن جعفر بشقیقة زینب ما جاء فی «عمدة القاری» عن عبدالرحمن بن مهران : أنّ ابن جعفر تزوّج زینب بنت علی وتزوّج معها امرأته [أی امرأة علیّ] لیلی بنت مسعود ، وقال ابن سعد : فلمّا تُوفّیت زینب تزوّج بعدها أمَّ کلثوم بنت علیّ بنت فاطمة رضی الله عنهم((3)) .


1- أعنی زوجة عبد الله بن جعفر .
2- السنن الکبری 4: 38 / ح 743، التاریخ الأوسط 1: 102.
3- عمدة القاری 20: 101. نری فی ذیل خبر ابن مهران قید (بنت علی بنت فاطمة) فی حین لم یکن هذا القید فیما رواه قبل ذلک عن یونس عن ابن شهاب قال: حدّثنی غیر واحد أنّ عبدالله بن جعفر جمع بین امرأة علی وابنته ثمّ ماتت بنت علی فتزوّج علیها بنت أخری. وفی الروایات الأخری الموجودة عندهم وفیما رواه الشیعة أیضاً.

ص:279

وقال الشوکانیّ فی «نیل الأوطار» : تزوّجهما عبدالله بن جعفر واحدة بعد أخری((1)) .

وأنا هنا أسأل ابن سعد والشوکانیّ وغیرهم من علماء الجمهور : لو کانت زوجة عمر المفترضة ماتت وابنٌ لها فی یوم واحد ، فماذا یعنی تزوّجها من ابن عمها عبدالله بن جعفر بعد أکثر من عقد من الزمن ؟!

بل کیف یمکن للذهبیّ أن یجمع بین القول المشهور عند العامّة فی کونها ماتت وابن لها فی یوم واحد ، وصلاةَ سعید بن العاص أو ابن عمر علیها مع ما قاله : «زوّجها أبوها بعبد الله بن جعفر»((2)) ، وأبوها هو المستشهد فی سنة 40 للهجرة ؟!

إلّا أن نقول بأنّها زُوِّجت من عبدالله بن جعفر خیالاً لا واقعاً ، لأنّ أباها - حسب النصوص - کان یتمنّی أن تتزوّج بناته من أبناء أخیه جعفر الطیّار، فنُسب التزویج إلی أمیر المؤمنین وأنّه زوج بناته إلی أولاد أخیه من هذا الباب!!

نعم ذکروا لأمّ کلثوم بنتاً من عبدالله بن جعفر ، وقالوا بأنّ معاویة کتب إلی والیه علی المدینة مروان الحکم فی أن یزوّج ابنه یزید بن معاویة من ابنة عبدالله بن جعفر زینب بنت أمّ کلثوم بنت علیّ وفاطمة !! ((3))


1- سیر أعلام النبلاء 3: 502 / ت 114.
2- سیر أعلام النبلاء 3: 502.
3- تاریخ مدینة دمشق 69: 172، جمل من أنساب الأشراف 5: 385.

ص:280

بلی إنّ المؤرخین لمّا رأوا سخافة هذا القول وضحالته - أعنی زواج یزید من ابنة عبدالله بن جعفر الرضیعة فی الکتب التراثیّة - وعدم تطابقه مع الواقع ، جاؤوا لیصحّحوه قائلین بأنّ الذی أقدم علی الخِطبة والزواج من ابنة عبدالله بن جعفر هو خالد بن یزید لا یزید بن معاویة ؛ لأنّ زینب ابنة عبدالله بن جعفر والتی أمّها أمّ کلثوم ، لا یمکن تصوّر عمرها آنذاک أکثر من عام ، لأنّ زینب الکبری عقیلة الهاشمیّین کانت قد تُوفِّیت بعد سنة 62 ه- ، وعبد الله بن جعفر إن کان قد تزوّج أختها فهو بعد ذلک التاریخ ، وبذلک تکون ولادة زینب بنت عبدالله بن جعفر من أمّ کلثوم فی حدود سنة 64 سنة ، أی بعد موت یزید بن معاویة أو فی أواخر حیاته ، لأنّهم قالوا بأنّ عبدالله بن جعفر وزوجته أُمّ کلثوم سَمَّوُا ابنتهم الصغیرة بزینب إحیاءً لاسم خالتها عقیلة الهاشمیّین ، فما یعنی دعوی تزوّج یزید بها إنّها أخبار سخیفة تنافی الثوابت .

الثالثة :

من الثابت المعلوم أنّ الشیخ الطوسیّ أتی بهذا الخبر فی کتابه «الخلاف» استشهاداً وإِلزاماً للآخرین لا استدلالاً به ، لأنّه کان قد قال - بعد ذکره للمسألة - :

«دلیلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وروی عمّار بن یاسر قال : أخرجت ...» .

وهذا واضحٌ بأن دلیل الشیخ کان إجماعَ الطائفة وأخبارهم الواردة عن

ص:281

الحلبیّ((1)) وابن بُکَیر((2)) وعمّار الساباطیّ((3)) و ... لا خبر عمّار بن یاسر حتّی یرد الإشکال .

مضافاً إلی ذلک أنّا نعلم أنّ الکتب الفقهیّة عند الشیعة الإمامیّة کُتبت علی عِدّة أنحاء ، أهمها نحوان :

أوّلهما : وفق الأصول الحدیثیّة والرجالیّة عندهم ، فلا یُتعرّض فیها إلی آراء المذاهب الأُخری .

وثانیهما : بملاحظة آراء أبناء العامّة مع ما للشیعة من أدلّة ، وهذا ما یُسمّی بالفقه المقارَن ، أو فقه الخلاف ، أو الفقه الکلامیّ حسبما اصطلحنا علیه فی بحوثنا الفقهیّة الخلافیّة .

وکتاب الشیخ الطوسی «الخلاف» هو من القسم الثانی ، إذ لم نره یذکر خبر عمّار بن یاسر فی کتابه «المبسوط» ، أو «النهایة» ، أو «تهذیب الأحکام» ، أو غیرها من کتبه الفقهیّة أو الحدیثیّة ، لا روایةً ولا فتویً ، بل ذکره فی کتابه «الخلاف» ، وهو المعنیّ بفقه الخلاف ، وهذا یؤکّد بأنّ الشیخ جاء بهذا الخبر إلزاماً للآخرین ، أو استشهاداً به علی ما ذهب إلیه الآخرون لا غیر .


1- تهذیب الأحکام 3: 323 / ح 10006 و 10008، الاستبصار 1: 471 / ح 1823 و 1825.
2- الکافی 3: 175 / ح 5، تهذیب الأحکام 3: 323 / ح 10007، الاستبصار 1: 472 / ح 1824.
3- الکافی 3: 174 / ح 2، تهذیب الأحکام 3: 322 / ح 1004، الاستبصار 1: 472 / ح 1827.

ص:282

وعلیه ، فدلیل الشیخ فی هذه المسألة هو : إجماع الفِرقة المحقّة ، والأخبار الواردة عن أهل بیت النبوة علیهم السلام والتی وردت فی صحاح أخبارهم علیهم السلام لا ما ذکره عن عمّار وحده ... !!

الرابعة :

إنّ عمّارا هذا لیس بابن یاسر ، بل هو أبو عبدالله((1)) عمّار بن أبی عمّار مولی بنی هاشم ، وفی بعض النصوص مولی الحارث بن نوفل((2)) .

وعمّار بن أبی عمّار تابعیّ ، ولیس بصحابیّ ، وکنّا قدّمنا بعض الشیء عنه ولا نعید .

وقد روی عمّار بن أبی عمّار عن : أبی هریرة ، وابن عبّاس ، وخرّج له أبو داوود فی سُننه ((3)) ، والبیهقیّ((4)) والنسائیّ ، وغیرهم .

وعلیه ، فإنّ الشیخ الطوسیّ ذکر خبر عمّار فی «الخلاف» بعد ذکره دلیل الشیعة ، وذلک للاستشهاد به ، لا الاستدلال .

والذی أعتقده أنّ الخطأ والتصحیف الواقع فی کتاب «الخلاف» جاء من قِبَل النُّسّاخ وقبلَ العلّامة الحلّیّ ، إذ لا یُعقَل أن لا یعرف الشیخ الطوسیّ -


1- الکنی والأسماء 2: 826.
2- سنن أبی داوود 3: 208 / ح 3193.
3- سُنن ابی داوود 2: 77 / ح 3193، وفیه: عمّار مولی الحرث بن نوفل.
4- السنن الکبری 4: 33 / ح 6711، سنن النسائیّ 6: 246 / ح 3639، سنن الترمذیّ 4: 243 / ح 1775.

ص:283

وهو الإمام الرجالیّ المحدِّث - أنّ عمّار بن یاسر قد استُشهِد فی صفّین ، وأنّ مثل عمّار لا یُعقل أن یُحدّث بأمر وقع فی حکومة بعض بنی أُمیّة ؟!

فقد یکون الناسخ أبدل اسم عمّار بن أبی عمّار بعمّار بن یاسر اجتهاداً من عند نفسه واعتقاداً بأنّه هو ابن ذاک الصحابیّ الجلیل یاسر رحمه الله لا غیر ؛ لاشتهاره .

نعم ، إنّ أوّل من نَبَّه علی أنّ عمّاراً هذا لیس بابن یاسر هو العلّامة الحلّیّ (ت726ه-) فی کتابه «منتهی المطلب» - وهو من کتب فقه الخلاف - .

فقد قال العلّامة الحلّی فی «مختلف الشیعة» - والذی یختصّ بنقل أقوال علماء الشیعة الإمامیّة - :

« ... واحتجّ الشیخ فی «الخلاف» بالإجماع ، وبما روی عمّار ابن یاسر ، قال : أُخرجت جنازة أُمّ کلثوم ... » ((1)) .

وقال فی «منتهی المطلب» ((2)) :

« ... لنا : ما رواه الجمهور عن عمّار بن أبی عمّار قال : شهدتُ جنازة أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب علیه السلام وابنها زید بن عمر ،فوضع الغلام بین یدَیِ الإمام ، والمرأة خلفه ، وفی الجماعة الحسن والحسین علیهما السلام وابن عبّاس وابن عمر ، وثمانون نفساً من الصحابة ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : هذه السُّنّة .


1- مختلف الشیعة للعلاّمة الحلّی 2: 308.
2- وهو من کتب فقه الخلاف.

ص:284

ومن طریق الخاصّة : ما رواه الشیخ فی الصحیح عن محمّد ابن مسلم عن أحدهما قال ... » ((1)) .

وقال فی «تذکرة الفقهاء» ، عند ذکره بعض الفروع :

(ب/ لو اجتمع الرجل والمرأة ، قال أصحابنا : یُجعَل رأس المرأة عند وسط الرجل لیقف الإمام موضع الفضیلة فیهما ، وکذا لو اجتمع ... - إلی أن یقول - :

وفی أُخری : «یُسوّی بین رؤوسهم کلّهم ، لأنّ أُمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام وزیداً ابنها تُوفِّیا معاً ، فأُخرجت جنازتهما فصلی علیهما أمیر المدینة ، فسوّی بین رؤوسهما وأرجلهما ، ولا حُجّة فی فعل غیر النبیّ والإمام علیه السلام » ((2)) .

وأنت تری نباهة العلّامة الحلّی وعدم تخطّیه عن منهجه فی کتابَیه ، فإنّه حینما یذکر الخبر فی «مختلف الشیعة» - وهو المعنیّ بفقه الإمامیّة ، واختلاف أقوال أعلام الطائفة فیه - یذکر خبر (الخلاف) عن عمّار بن یاسر ؛ أمانةً منه فی النقل ، لکنّه حینما یقارن المسألة مع کتب العامّة ، نراه یشیر إلی أنّ المحکیّ عن عمّار بن یاسر مرویٌّ فی کتب الجمهور عن عمّار بن أبی عمّار التابعیّ ، مولی بنی هاشم ، لا عمّار بن یاسر الصحابیّ .

وهذا یرشدنا إلی ضرورة الاعتناء بفقه الخلاف ودراسته فی الحوزات


1- منتهی المطلب للعلاّمة الحلی 1: 457.
2- تذکرة الفقهاء، للعلاّمة الحلّی 2: 66.

ص:285

العلمیّة ، لکی نضیف إلی فقهنا ما یؤیّدنا من فقه العامّة ؛ نأتی به استشهاداً لا استدلالاً .

وهذا المنهج یعمّق استدلالنا وحجّتنا ، لأنّ کثیراً من الفروع الفقهیّة لو قیست بأمثالها فی کتب العامّة لأعانتنا علی الوقوف علی کثیر من الحقائق ، لأنّ فی حدیثهم وفقههم الکثیر مما یؤیّدنا .

کما فیه توضیح لأمور کثیرة خافیة علینا الیوم ، إذ مفاتیحها غالباً ما تأتی علی لسان أئمّة أهل البیت علیهم السلام ، فکلامهم علیهم السلام ناظر إلی الفقة السائد آنذاک فی المجتمع ، ومن خلاله یمکننا أن نوضّح بأنّ فقهنا مهیمن وناظر علی فقه العامّة ، الذی تأثر بالسلطة الحاکمة آنذاک وبالسیاسة بشکل کبیر ! وقد مرّ علیک فی البحث التاریخی بعض الفروع الفقهیة التی کان منشأها فعل الخلفاء .

إذا دراسة الأفکار والعقائد والآراء المطروحة فی زمن صدور النصّ ، له الارتباط الکامل فی فهم المسائل المختلَف علیها عند المسلمین الیوم .

وعلیه ، فلا یمکن للآخر أن یستدلّ علینا بورود خبر عمّار بن یاسر وأمثاله فی کتبنا ، أمثال : «مسالک الأفهام» أو «مجمع الفائدة والبرهان» أو «جواهر الکلام» وغیرها مثلاً ، لکونها مأخوذة من کتاب «الخلاف» ، وقد عرفتَ کیفیّة دخول هذا الخبر إلی التراث الشیعیّ وملابساته .

وقفة مع خبر عمّار :

إنّ هناک عللاً خفیّة فی خبر عمّار بن یاسر (= عمّار بن أبی عمّار فی مرویّات العامّة) ، یجب الإشارة إلی بعضها :

ص:286

أحدها : الاختلاف فی زید بن عمر ، هل مات غلاماً أم رجلاً ؟

وهل هناک فرق بینهما فی الاستدلال ؟

ثمّ هل مات هو وأُمّه فی یوم واحد ، أم علی التعاقب ؟

الثانی : ما المراد من قول عمّار بن أبی عمّار : (قالوا : إنّها السُّنّة) ؟

هل یعنی لزوم جعل المرأة قِبلةَ الغلام ، والغلام قبلةَ الإمام((1)) ؟ أم إنّهم أرادوا شیئاً آخر ؟ وکیف کان التکبیر علی المتوفّی فی هذا الخبر :

هل کان أربعاً - کما صلّی ابن عمر علیهما - ؟ أم خمساً - کما کبّر رسول الله صلی الله علیه و آله علی الموتی ، وعلیه إجماع أهل البیت ؟

وما هو حکم الصلاة علی المرأة ؟

وهل السُّنّة أن یکون الإمام عند رأسها - کما یقوله الشیعة ((2)) - ، أم عند وسطها أو عجیزتها - کما یقوله العامّة ((3)) - ؟


1- ففی: سنن النسائیّ 4: 71 / ح 1977: فقُدِّم الصبیّ [= زید] ممّا یلی القوم ووُضِعت المرأة وراءه. وفی: فتح العزیز 5: 164: فوُضع الغلام [= زید] بین یدیه والمرأة خلفه. وفی: مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 8 / ح 11574: فجُعل الغلام [= زید] ممّا یلیه والمرأة ممّا یلی القبلة. وفی: المدوَّنة الکبری 1: 182، ومصنَّف عبدالرزّاق 3: 465 / ح 6337، وسنن النسائی 4: 72: فوُضع الغلام ممّا یلی الإمام. وفی: سنن أبی داوود 2: 77 / ح 3193، ومسند ابن الجعد: 98 / ح 574. فجُعل الغلام ممّا یلی الإمام.
2- أُنظر فی ذلک: وسائل الشیعة 3: 119 - الباب 27.
3- صحیح البخاریّ 1: 447 / ح 1267 - کتاب الجنائز، باب أین یقوم من المرأة والرجل، وسُنن الترمذیّ 3: 352 / ح 1034 - کتاب الجنائز، باب أین یقوم الإمام من الرجل والمرأة.

ص:287

وهل السُّنّة هی التسو یة فی الجنائز ، أم التدرّج فیها ؟

بل مَن هو الأحقّ بالصلاة علی المیت : هل السُنّة أن یصلّی علیه الإمام ، أم أولیاء المیت ؟ وهل أُمّ کلثوم وابنها دُفنا فی یوم واحد وقبر واحد((1)) أم دُفنا علی انفصال ؟

إلی غیر ذلک من الفروع الفقهیّة الکثیرة التی یمکن أن تُبحث ضمن هذه المسألة ، وعلی رأسها مسألة إرث الغرقی والمهدوم علیهم ، فلا یُدری أیّهما مات قبل الآخر((2)) .

جاء فی «مختصر تاریخ مدینة دمشق» :

«کانت فی زید وأُمّه سُنّتان : ماتا فی ساعة واحدة لم یُعرف أیّهما مات قبل الآخر ، فلم یُورِّث کلّ واحد منهما صاحبه ، ووُضعا معاً فی موضع الجنائز ، فأُخّرت أُمّه وقُدّم هو ممّا یلی الإمام ، فجرت السُّنّة فی الرجل والمرأة بذلک بعد» ((3)) .

وقال ابن ماجشون : فکانت فیهما ثلاث سنن ((4)) .


1- تنویر المقالة فی حلّ ألفاظ الرسالة للتاتیّ المالکیّ 3: 87 - کتاب الجنائز، فصل فی الصلاة علی الجنائز فی صلاة واحدة.
2- وهذه المسألة وإن کان الأجدر دراستها ضمن (3- میراث الغرقی والمهدوم علیهم) لکن آلینا تقدیما هنا لأسباب ثمّ سندرسها هناک بنحو آخر إن شاء الله تعالی.
3- تاریخ مدینة دمشق 19: 488 - 489، مختصر تاریخ مدینة دمشق 9: 161 - 162.
4- جامع الأمّهات لابن الحاجب الکردیّ المالکیّ: 142.

ص:288

توضیح ذلک :

أمّا الکلام عن الأمر الأوّل :

هل مات زید رجلاً أم غلاماً ؟

فقد عرّف الخلیل فی «العین» ((1)) والصاحب بن عبّاد فی «المحیط» ((2)) وابن سیدة فی «المحکم» ((3)) والأزهریّ فی «التهذیب» ((4)) : الغلامَ ب- «الطارّ الشارب» .

وفی «المصباح المنیر» للفیّومیّ : الغلام : الابن الصغیر ، ویُطلَق علی الرجل مجازاً باسم ما کان علیه ، کما یقال للصغیر : (شیخ) مجازاً باسم ما یَؤُول إلیه .

وقال الأزهریّ : وسمعتُ العربَ تقول للمولود حین یُولَد ذَکراً : «غلام» ، وسمعتهم یقولون للکهل : «غلام» ، وهو فاشٍ فی کلامهم ((5)) .

فالغلام حقیقةً هو للابن الصغیر ، وقد یطلق علی الرجل وعلی الشیخ مجازاً باعتبار ما کان علیه حسبما عرفت .

والآن نتساءل عن زید بن عمر : هل مات صغیراً أم رجلاً ؟ وهل مات عن علّة أم دون علة ؟


1- العین، للخلیل الفراهیدیّ 4: 422 - مادة: غلم.
2- المحیط فی اللّغة 5: 88.
3- المحکم والمحیط الأعظم 5: 537 - عنه لسان العرب 12: 440 - عن المحکم.
4- تهذیب اللغة 8: 141.
5- المصباح المنیر 2: 452.

ص:289

فإن قیل بموته صغیراً ، فإنّه یُنافی ما دلّ علی أنّه مات رجلاً .

ولو قیل بأنّه مات رجلاً ، فیعارض کونه مات (صبیّاً) طفلاً صغیراً .

وإن قیل بأنّه مات عن علّة((1)) ، فذلک لا یتّفق مع سقوط الحائط علیه وعلی أُمّه ، أو ضربه وشجّ رأسه من قِبل أُناس لا یعرفهم ، لتدخُّله لحلّ نزاعِ بنی عَدِیّ ((2)) .

أقوال فی أنّه مات رجلاً

و إلیک بعض الکلام فی ذلک :

· ذکر ابن حبیب (ت 245 ه-) فی «المنمَّق» عند بیانه : «حروب بنی عَدِیّ بن کعب بن لؤی فی الإسلام» دَوْرَ زید بن عمر فی حلّ هذا النزاع ، وأنّه قد مات علی أثر شجّة أصابته فی ظلمة اللیل ((3)) .

· وفی «أُسد الغابة» : وکان زید قد أُصیب فی حربٍ کانت بین بنی عَدیّ ، خرج لیصلح بینهم ، فضربه رجل منهم فی الظلمة فشجّه وصرعه ، فعاش


1- فی: الوافی بالوفَیات 15: 24: وحُمل إلی منزله ولم یزل فیها مریضاً حتّی مات فی حدود الخمسین للهجرة، وفی: العثمانیّة: 237: فلمّا أتی النعی أُمَّ کلثوم کمدت علیه حزناً حتّی ماتت. وفی: المنمَّق: 312: وذکر عمرو بن جریر البجلیّ أنّ زیداً صُمخ فی صلاة الغداة فخرجت أمّه وهی تقول: یا ویلاه ما لقیتُ من صلاة الغداة ! وذلک أنّ أباها وزوجها وابنها کلّ واحد منهم قُتل فی صلاة الغداة.
2- المعارف لابن قتیبة 1: 188: فرُمیَ بحجر فی حرب...، أنساب الاشراف 2: 410.
3- المنمّق: 309 - 310.

ص:290

أیاماً ثمّ مات ((1)) ، وقد رثاه عبدالله بن عامر شعراً((2)) .

· وفی «سِیر أعلام النبلاء» : کان [ز ید] من سادة أشراف قریش ، تُوفّی شابّاً ولم یعقّب .

وأضاف الذهبیّ بأنّه اختلف مع بُسْر بن أرطاة بحضور معاویة ، فنزل إلیه زید فصرعه وخنقه وبرک علی صدره ، وقال لمعاویة : إنّی لَأَعلم أنّ هذا عن رأیک وأنا ابن الخلیفتین . ثم خرج ورأسه وعمامته شَعِثَة ، واعتذر إلیه معاویة وأمر له بمائة ألف درهم ولعَشرٍ من أتباعه بمبلغ ، یقال : وقعت هوسة باللَّیل فرکب زید فیها فأصابه حجر فمات ، وذلک فی أوائل دولة معاو یة ((3)) .

· وقال ابن قُدامة فی «المُغنی» بعد ذکره خبر عمّار بن أبی عمّار الذی فیه أنّ زیداً مات وهو غلام :

وأمّا الحدیث الأوّل فلا یصحّ ، فإنّ زید بن عمر هو ابن أُمّ کلثوم بنت علیّ الذی صُلّی علیه معها ، وکان رجلاً له أولاد ، کذلک ، ولأنّ زیداً ضُرِبَ فی حرب کانت بین عَدیّ ، فی خلافة بعض بنی أُمیّة ، فصُرِع وحُمِلَ فمات ((4)) .

وصرّحت بعض المصادر بأنّه کان متزوّجاً وله أولاد ، وفی أُخری أنّه مات بلا عقب ، فلا أدری أیهما هو الصحیح وبأیهما علینا أن نأخذ ؟


1- أُسد الغابة 5: 615، الإصابة 8: 294 - من الترجمة 12233.
2- أُسد الغابة 3: 190.
3- سیر أعلام النبلاء 3: 502 - من الترجمة 14، تاریخ مدینة دمشق 19: 484.
4- المغنی 2: 221، الشرح الکبیر 2: 345.

ص:291

· ففی «نسب قریش» قال مصعب الزبیریّ : وأمّا زید بن عمر ، فکان له وُلدٌ فانقرضوا ((1)) ، وقال ابن قدامة المَقْدسیّ فی «التبیین فی أنساب القرشیین» : کبر حتّی صار رجلاً ((2)) ، وفی «تحفة ذوی الألباب» : وأمّا زید الأکبر فشبّ وکان له ابن انقرض((3)) .

· وقال محمّد بن سعد فی «تسمیة أولاد عمر بن الخطّاب» : «وزید الأکبر لا بقیّة له» ((4)) .

· وقد عُدّ زید بن عمر من العلماء ، مع ابن عبّاس ، بعد : مُعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود وأبی الدرداء وسلمان ((5)) .

· ولمعاویة حکایة طویلة مع زید بن عمر ، تؤکّد علی أنّه کان رجلاً یمکنه أن یعترض ویردّ معاویة ((6)) .

وفی «العقد الفرید» : وزید بن عمر هو الذی لطم سَمُرة بن جُندُب عند


1- نسب قریش: 302، المغنی 2: 221 وفیه: کان رجلاً له أولاد.
2- التبیین فی أنساب القرشیین لابن قُدامة: 415.
3- تحفة ذوی الألباب للصفدیّ 2: 121 - بیروت، دار صادر.
4- الطبقات لابن سعد 3: 265.
5- أُنظر: الآحاد والمثانی 4: 86 / ح 2044، وفیه: عن سعید بن عبدالعزیز، قال: کان العلماء بعد معاذ بن جبل: عبدالله بن مسعود، وأبو الدرداء، وسلمان، وعبد الله بن سلام. وکان العلماء بعد هؤلاء: زید بن ثابت، ثم کان بعد زید بن عمر وابن عبّاس رضی الله عنهم، المعجم الکبیر 5: 108 / خ 4747.
6- أُنظر: تاریخ مدینة دمشق 19:485، سیر أعلام النبلاء 3: 502، تاریخ الإسلام 4: 59، الوافی فی الوفیات 15: 23.

ص:292

معاویة إذ انتقص علیّاً فیما یقال ((1)) .

وفی «ربیع الأبرار» : وخرج زید من عند معاویة فأبصر بُسر بن أرطاة علی دکّان ینال من علیّ ، فصعد الدکّان واحتمله وضرب به الأرض وطفر علیه ، فدقّ ضلعین من أضلاعه ((2)) .

وقد مر علیک نزاع زید مع بُسر بن أرطاة بحضور معاویة ، وذلک أنَّ زیداً علاه بعصا فشجّه ، فقال معاویة لزید : عمدتَ إلی شیخ قریش وسیّد أهل الشام فضربته ! ثم أقبل علی بسر فقال : شتمتَ علیّاً وهو جدّه ، وهو أیضاً ابن الفاروق ، أفکنتَ تری أنه یصبر لک ؟! ((3)) فهل کان نزاعه مع بسر فی واقعة واحدة أم تعدّد ؟

· أجل ، إنّ ابن مَعین ذکر فی تاریخه أبناءً لزید بن عمر : کعبد الرحمن ، ومحمّد . وهذا یدلّ : علی أنّ زیداً لم یکن صغیراً کما صوّرته نصوص أُخری ، بل کان رجلاً له مکانته عند التابعین ، حتّی أنّهم کانوا یَعدُّونه من العلماء مع ابن عبّاس ، بعد مُعاذ بن جبل ، وعبد الله بن مسعود ، وأبی الدرداء ، کما مرّ علیک فی خبر الطبرانیّ فی «المعجم الکبیر» ، وابن أبی عاصم فی «الآحاد والمثانی» ، وغیرهما .

فلو کان کذلک ، فلماذا لانراه یروی روایةً عن جدّه أمیر المؤمنین علیّ ،


1- العقد الفرید 7: 97، طبائع النساء لابن عبدالبرّ: 40.
2- ربیع الأبرار 5: 262 - باب النساء، التذکرة الحمدونیّة 9: 309. وأُنظر: الکامل لابن الأثیر 3: 373.
3- أنساب الاشراف 5: 37 - ط زکّار.

ص:293

وخالَیه الحسن والحسین ، وأبیه عمر ؟! هذا علی زعمهم أنّه ابن أمّ کلثوم بنت علیٍّ علیه السلام .

وکأنَّ ابن حجر العسقلانیّ تنبَّه إلی هذه الإشکالیّة فقال :

ولم أر لزید روایة ، وإنّما وقع ذکره مع ذکر أُمّه رضی الله عنها [فقط] ((1)) .

أمّا لو قلنا بأنه مات فی حکومة بعض بنی أُمیّة وهو غلامٌ - بمعنی : الطارّ الشارب - فهذا لا یتّفق مع کونه بمنزلة ابن عبّاس عند الصحابة والتابعین ، وأن یعدّوه من العلماء ، وهو الآخر لا یتّفق مع تدخّله لحلّ حرب من حروب بنی عَدیّ ((2)) .

ولو کان زید بن عمر قد عاش إلی حکومة بعض بنی أُمیّة ، نعاود سؤالنا السابق :

أین أخباره فی عهد جدّه الإمام علیّ علیه السلام ؟ وخاله الإمام الحسن ؟

وهل شارک فی معرکة الجمل وصفّین مع الإمام علی علیه السلام ، أم شارک ضدّه فی صفّ عائشة ومعاویة ؟ أم لم یشارک أصلاً فی هاتین الحربین ؟ ولماذا ؟!

بل أیّ شیء خلّف عمر بن الخطّاب من المیراث لابنه زید ؟ ولماذا لم نقف


1- الإیثار لابن حجر: 79 / الترجمة 75.
2- أُنظر تاریخ مدینة دمشق 19: 487 - 492 / ح 4555، الاکتفاء بما رُوی فی أصحاب الکساء 10: 11، نسب قریش: 124، العثمانیّة: 237، المنمّق فی أخبار قریش: 89، المحلّی 10: 489، أنساب الاشراف 3: 455 - بترقیم الشاملة، جمهرة أنساب العرب: 7.

ص:294

علی شیء له من ذلک فی التاریخ ؟

وما هی کلمات حفصة وعبد الله بن عمر وغیرهما من أولاد عمر فی أخیهم زید ؟

ولماذا تظهر شخصیّة زید بن عمر وأُمّه بعد وفاتهما فی المصادر فجأة وتخفی فجأة ، ولم نَرَ لهما ذکراً واضحاً دقیقاً قبل ذلک التاریخ ؟

وعلی أیّ شیء یدلّ هذا ؟

کلّ هذه التساؤلات تشکّکنا فی وجود شخص اسمه زید بن عمر من أُمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام ((1)) .

نعم ، قد یکون هذا الشخص هو ابن أُمّ کلثوم بنت جرول((2)) - حسبما قالته المصادر - والذی شارک أخاه عبید الله بن عمر مع معاویة فی وقعة


1- ونحن سنعود - ضمن بحثنا حول خبر القدّاح فی المواریث - إلی هذا الأمر تارةً أخری بإذن الله ومشیئته.
2- لأنّ أُمّ کلثوم بنت جرول کانت قد تزوّجت وهب الخزاعیّ قبل زواجها من عمر، وکان لها ولد منه اسمه حارثة بن وهب الخزاعیّ، وهو ربیب عمر بن الخطّاب «فیض القدیر 3: 326». کما أنّها ولدت لعمر مضافاً لولدها زید: عبیدَالله بن عمر، فکان عبیدالله أخا حارثة بن وهب لأُمّه «طبقات ابن سعد 2: 183، تهذیب التهذیب 2: 146 / الترجمة 298، الإصابة 1: 619 / الترجمة 1535». کما أنّها تزوجت جهم بن صفوان بعد أن بانت عن عمر عندما نزلت الآیة: (وَلاَ تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الْکَوَافِرِ (، وکان لها من جهم أولاد ، وقد تنازع هؤلاء وتدخل زید بن عمر لحلّ النزاع کما ستعرفه لاحقاً.

ص:295

صفّین ، وکان زید هذا قد مات هو وأمّه فی حادث واحد وفی وقت واحد کما أن قول النسابة : هل أعقب زید بن عمر أم لا ، جاء جواباً لأمثال هذه التساؤلات ؟

وفی ضوء ما أسلفنا ینکشف أنّ النهج الحاکم وبلحاظ مشارکة محمّد بن الحنفیّة والحسین وعبد الله بن جعفر وابن عباس فی تلک الجنازة ، واحتیاج الحکومة إلی التطبیع التاریخیّ والعقائدیّ بین آل البیت والصحابة ، جعلوا زید بن أمّ کلثوم بن جرول ابناً لأُمّ کلثوم بنت علیّ الصغیرة ! ((1)) وذلک تطبیقاً لأهدافهم التی کانوا یرجونها ، ولتذویب الخلافات والضغائن بین بنی هاشم وبنی عَدیّ .

ما هی السُنّة ؟

أمّا الکلام عن الأمر الثانی :

وهو قول عمّار : «قالوا إنّها السُّنّة» .

فإنّ هذا الکلام ربّما یکون مبهماً ، حیث لا نعرف مراد المتکلّم ((2)) من نقله قولهم : «إنّها السنّة» ، فهنا احتمالات أربعة :

أوّلاً : ربّما عنی بکلامه أنّ السُّنّة هی تقدیم الغلام إلی الإمام وإبعاد المرأة إلی القبلة .

ثانیاً : ربّما أراد بها أنّ السنّة کون التکبیر علی المیّت أربعاً لا خمساً .


1- ثمّ الارتقاء بعد ذلک للقول بأنّ هذه هی ابنة فاطمة الزهراء ولیست من أمّ ولد.
2- أعنی عمّار بن أبی عمّار.

ص:296

ثالثاً : ربّما أراد بکلامه بأنّ الصلاة علی المیّت هی للإمام والأمیر ، لا لأولیائه ، وبذلک جرت السُّنّة .

رابعاً : ربّما کان المقصود من کلامهم «إنّها السُّنّة» أی : التسویة بین الموتی((1)) لا التدرّج ، لأن سعید بن العاص سوّی بینهم ، والصحابة أمضوا ذلک .

أو : أنّه أراد بذلک شیئاً خامساً .

فلو کان مراده القول الأول ، فهو صحیح ؛ لأنّ السُّنّة عندنا هی أن یُقدَّم الغلام إلی الإمام وتُبعَد المرأة إلی القبلة ، وفی ذلک صحاح مرو یّاتنا((2)) .

أمّا لو أراد بذلک القولَ الثانی ، فإنّه یخالف فقه أهل البیت علیهم السلام ، لأنّ أهل البیت کانوا یکبّرون علی المیت خمساً ، ولا یرتضون التکبیر أربعاً .

فکیف یَقبل الإمامان الحسن والحسین وابن الحنفیة ما فعله ابن عمر مع أُختهم المفترضة ، بالتکبیر علیها أربعاً ؟ مع علمهم بأنّ التکبیر أربعاً یکون علی المنافق لا علی المؤمن ؟!

والمطالع فی فقه الطالبیّین یعرف أنّهم کانوا یصرّون علی أنّ التکبیر علی المیّت هو خمسٌ ، ولا یرتضون غیره ، وهذه حقیقة ثابتة عندهم ، دلّت علیها نصوص الشریعة ، وهی موجودة فی کتب التاریخ والحدیث ، وقد کُتبت فی


1- فی: المغنی لابن قدامة 2: 395 أنّ التسویة قول إبراهیم وأهل مکّة ومذهب أبی حنیفة، لأنّه یُروی عن عمر أنه کان یُسَوِّی بین رؤسهم.
2- أُنظر أحادیث الباب فی: وسائل الشیعة 3: 124 - الباب 32.

ص:297

ذلک رسائل ، وفصول ، وبحوث علی مرّ الأزمان .

وعلیه لو أُرید من قولهم : «إنّها السُّنّة» هو التکبیر علی المیّت أربع تکبیرات فهو باطل لتخالفه مع فقه الطالبیّین((1)) ، إلّا أن نقول بأنّ أُمّ کلثوم المفترضة هی بنت أبی بکر ، أو هی أُمّ کلثوم بنت جرول أو غیرهما ، لا بنت أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ، لأنّ التکبیر أربعاً یوافق فقه أولئک ولا یرتضیه الإمام علیّ علیه السلام وأولاده علیهم السلام ، لتخالُفِ فقههم مع فقه الحکّام فی کثیر من الأُمور وخصوصاً تری فی الجنازة کبار بنی هاشم أمثال محمّد بن الحنفیة والحسین بن علی وابن عباس وعبد الله بن جعفر وغیرهم .

أمّا لو أراد بذلک القولَ الثالث ، فنحن نستبعد أن یقدّم الإمام الحسن علیه السلام عبدالله بن عمر للصلاة علی أمّ کلثوم لو کانت أختَه حقّاً ، مع علمنا باستفاضة الأخبار فی استحباب تقدیم الهاشمیّ((2)) علی غیره فی الصلاة علی المیّت ، إلّا أن نقول بأنّ زیداً هذا کان ابن أمّ کلثوم بنت جرول ، وبذلک یکون عبدالله بن عمر هو أخ زید من أبیه وهو أَولی بالصلاة علیه من غیره !!

وقد جاء هذه فیما روی عن جعفر بن محمّد الصادق عن أبیه - فی کتب القوم - : أنّ الإمام الحسین قال لعبدالله بن عمر: صلِّ علی أمّ کلثوم فإنّما هی أمّک وعلی أخیک زید وُضعا فی ساعة واحدة ((3)).


1- أُنظر مثلاً: مقاتل الطالبیّین: 268 - 269.
2- راجع: المعتبر للمحقّق الحلّیّ 2: 347 - باب صلاة المیّت، کشف الرموز 1: 192 - باب صلاة الجنائز.
3- تاریخ دمشق 19 : 494، التاریخ الأوسط 1 : 102 / 424.

ص:298

ومن حقّنا أن نسأل أیضاً کیف یُقدِّم الإمامُ ابنَ عمر الذی امتنع من بیعة الإمام علیّ علیه السلام وبایع یزید بن معاویة وعبدالملک بن مروان فی الزمن المتأخِّر((1)) ، والذی صلّی خلف الحجّاج((2)) ! قال النوویّ : وأمّا صلاة ابن عمر خلف الحجّاج بن یوسف فثابتة فی «صحیح البخاری» وغیره ، وفی الصحیح احادیث کثیرة تدورعلی صحّة الصلاة وراء الفُسّاق والأئمّة الجائرین((3)) .

کما نستبعد أنّ یسمح الإمامان الحسن والحسین علیهما السلام بصلاة سعید بن العاص علی أمّ کلثوم لو کانت أختهما حقّاً ، وهم یعلمون عداء سعیدٍ هذا لأهل البیت علیهم السلام :

فقد جاء فی بعض الأخبار أنّ الإمام الحسین لمّا اضطُرَّ للصلاة علی سعید بن العاص قال : أللّهمّ الْعنْه لعناً وبیلاً ، وعجِّلْ بروحه إلی جهنّمَ تعجیلاً .

فقال له مَن بجنبه : أهکذا صلاتکم علی موتاکم ؟!

فقال : لا ، بل علی أعدائنا . ذکره فی «الشفاء» وغیره ((4)) .

و یضیف صاحب «الأزهار» : وفی روایة «الجامع» عن مولی لبنی هاشم


1- المقفّی الکبیر 4: 624، وفی فتح الباری 5: 18: وبایع لیزید ثمّ لعبدالملک بن مروان بعد قتل ابن الزبیر. وقال ابن عربیّ فی: العواصم من القواصم: 232: فهذه الأخبار الصحاح کلّها تعطیک أنّ ابن عمر کان مسلماً فی إمرة یزید، وأنّه بایع وعقد له.
2- المحلّی 4: 213.
3- المجموع 4: 253.
4- شرح الأزهار 1: 431. وانظر: حاشیة الکحلانیّ، فقد رواه عن کتاب «الشفاء» للزیدیّة.

ص:299

عن دعاء الحسین بن علیّ علی سعید بن العاص :

أللّهمّ املأْ جوفَه ناراً ، واملأْ قبره نارا ، وأعدَّ له عندک نارا ، فإنّه کان یوالی عدوَّک ، ویعادی ولیَّک ، ویُبغض أهلَ بیت نبیّک .

فقلت : هکذا نصلّی علی عدونا ؟

ویمکن أن نُجاب - علی فرض التنزّل والقبول بالأمر - بأنّ الإمام الحسین علیه السلام قدّم سعید بن العاص فی الصلاة علی أخیه الإمام الحسن علیه السلام وقال : لولا أنّها سنّة ما تقدّمت - کما جاء فی بعض الأخبار - لکنّ هذا لا یمکن تفسیره مع نصب سعید العداء لأهل البیت علیهم السلام إلّا بأن تکون السنّة هی تقدیم الأُمراء .((1))

فنقول لأُولئک : لو صحّ الخبر فقد تکون تقیّة ، وقد تکون بوصیّة من الإمام الحسن علیه السلام واستجابة لقوله : «بأن لا یراق بسببه محجمة دم» ، وبذلک یکون المراد من قوله : «لو لا


1- قال ابن قدامة فی: المغنی 2: 367 - مسألة: أکثر أهل العلم یرون تقدیم الأمیر علی الأقارب فی الصلاة علی المیّت، وقال الشافعیّ فی أحد قولیه: یُقدَّم الولیّ قیاساً علی تقدیمه فی النکاح بجامع اعتبار ترتیب العصبات، وهو خلاف قول النبیّ: لا یُؤَمّ الرجل فی سلطانه. وحکی أبو حازم قال: شهدت حسیناً حین مات الحسن وهو یدفع فی قفا سعید بن العاص ویقول: تقدّمْ، لو لا السنّة ما قدمتُک. وسعید أمیر المدینة، وهذا یقتضی سنّة النبیّ ! ! !

ص:300

السنّة فی إمضاء الوصیّة» ((1)) .

وما لا یخفی علی أحد : أنّ محبّی سعید بن العاص من الأمویّین وغیرهم سعوا فی أن یخدشوا شخصیّة أمّ کلثوم ، رافعین فی المقابل بضبع سعید بن العاص وسموّ خُلقه علی أهل البیت ، فاستمع لما یحکیه عبید بن یسار قائلاً :

إنّ سعید بن العاص بعث إلی أمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب التی کانت تحت عمر بن الخطّاب ، یخطبها ، فأنعمت له . فبلّغت ذلک إخوتها ، فکرهوه ، وثقل علیهم ، وکلّموها کلاماً شدیداً ، وقد کانت وَعَدت سعیداً موعداً ، فدعت ابنها زید بن عمر بن الخطّاب ، وهو یومئذ غلام صغیر ، وبسطت دارها ، ووضعت فیها سریراً ، ثمّ قالت : إذا جاء سعید بن العاص ، فزوّجْنیه !

وقد کان سعید وعد ناساً ، وأرسل إلیهم لیحضروا تزویجه ، فحضروه فی المسجد ، فلمّا اجتمعوا إلیه قال : إنّی دعوتکم لأمرٍ بدا لی غیره ، إنّی کنت قد خطبتُ أمّ کلثوم بنت علی ، فأنعمت . والله ِ ما کنت لأُدخل علی ابنَی فاطمة بأمر یکرهانه . ثمّ التفت إلی کعب مولاه ، فقال : انظر إلی المائتی ألف الدرهم التی هیّأت لابنة علیّ ، اذهب بها إلیها ، وقل لها : یقول لک ابن عمّکِ : إنّا کنّا هیّأنا لک هذه ، فاقبضیها صلة منّا لک ((2)) .


1- حاشیة الکحلانیّ بهامش شرح الأزهار 1: 431، التاریخ الأوسط 1: 102 / ح 424، شرح مشکل الآثار 10: 116 / ح 3960، بدایة المجتهد 1: 176.
2- تاریخ مدینة دمشق 21: 131. وانظر: المرادفات من قریش للمدائنیّ - المطبوع فی ضمن مجموعة نوادر المخطوطات تحقیق عبدالسلام هارون 1: 67، طبقات ابن سعد 1: 415 - الطبقة الخامسة من الصحابة، وترجمة الإمام حسین علیه السلام ، سیر أعلام النبلاء 3: 446.

ص:301

بهذا المنطق وهذا الاسلوب أرادو أن یرفعوا بضبعه ، وأن یسیئوا إلی أمّ کلثوم والسبطین الحسن والحسین معاً ، ویجعلوا لعنة الإمام الحسین علیه السلام علی سعید هو رحمة علیه ، وهذا الکلام یقارب ما قالوه فی رسول الله صلی الله علیه و آله بأنّه طلب الرحمة لمن لعنهم وسبّهم !

فلو قَبلنا کلّ ذلک ، فکیف یمکننا أن نجمع بین هذه الأقوال ووجود أمّ کلثوم شقیقة الحسین علیه السلام بعد شهادته علیه السلام فی کربلاء ورجوعها مع السبایا إلی الشام والمدینة ؟

فهل الواقع أنّها ماتت فی زمن معاویة ، أم بقیت إلی آخر عهد یزید بن معاویة ؟ إنّها إشکالیّة موجودة لا یمکننا الجمع بینهما ؟

وقد مرّت مناقشاتنا لهذا المدَّعی سابقاً ، وقلنا بأنّهم لو أرادوا أن یستدلوا بما جاء فی بعض کتب الشیعة فلا یفیدهم ذلک ، لورود إشکالات کثیرة علیه .

إذاً کیف یمکن أن یقدّم الإمام الحسن أو الحسین علیهما السلام مَن هو من أهل النار للصلاة علی (أمّ کلثوم) أختهم المفترضة ؟!

بل کیف یمکن أن نقول بزواج عبدالله بن جعفر من أُمّ کلثوم بنت فاطمة قبل وفاة زینب الکبری ، کلّ ذلک مع یقیننا ویقین کلّ مسلم بعدم جواز الجمع بین الأُختین ؟

قال ابن إسحاق : فأمّا زینب بنت علیّ فتزوجها عبدالله بن جعفر فماتت عنده((1)) .


1- أنظر: سیر أعلام النبلاء 3: 500 - 502 وفی بعض روایات الدولابیّ موجودة أیضاً، أنظر: الذریة الطاهرة 1: 22.

ص:302

وقال العاصمیّ فی «سمط النجوم العوالی» : وتزوّجت زینب بنت فاطمة ابنَ عمها عبدالله بن جعفر بن أبی طالب وماتت عنده((1)) .

إنّها تساؤلات کثیرة ، وذلک لغز مُحَیِّرٌ حقّاً لا یمکننا حلّه علی ما افترضوه ورَوَوه ؟

أمّا لو أراد القول الرابع وهو القول بالتسویة لا التدرّج ، فهو بحث فقهیّ ، وقد اختلف علماء الفریقین فیه ، فمنهم مَن ذهب إلی التسویة وآخرون إلی التدرّج ، فقد روی ابن قدامة عن أحمد روایتین : «إحداهما : یُسوّی بین رؤسهم ، وهذا اختیار القاضی وقول إبراهیم وأهل مکّة ومذهب أبی حنیفة ، لأنّه یُروی عن ابن عمر أنّه کان یسوّی بین رؤوسهم ...» ((2)) ،

وهناک من قال بالتدرّج ، ولتحقیق المسألة یجب أن نراجع کتبهم وکتب أصحابنا لنقف علی رأی أهل البیت علیهم السلام فیه ، وهل یتوافق مع الفقه السائد آنذاک أم یخالفه ؟

کان هذا بعض الشیء عن الاحتمالات المتصوَّرة لبیان مقصود عمّار بن أبی عمّار من جملة : «إنّها السُّنّة» ، ولا نفصّل فی ذلک أکثر من هذا ، لأنّ فی الإیجاز الکفایة لمن أراد المعرفة الإجمالیّة ، والآن نذهب إلی مناقشة خبر القدّاح فی المواریث .


1- سمط النجوم العوالی 1: 530.
2- المغنی 2: 395.

ص:303

3 - میراث الغرقی والمهدوم علیهم :

اشارة

روی الشیخ محمّد بن الحسن الطوسیّ فی المطبوع من «تهذیب الأحکام - باب میراث الغرقی والمهدوم علیهم فی وقت واحد» :

«عن محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن جعفر بن محمّد القمّیّ ، عن القدّاح ، عن جعفر ، عن أبیه علیهما السلام ، قال : ماتت أُمّ کلثوم بنت علیّ وابنها زید بن عمر بن الخطّاب فی ساعة واحدة ، لا یُدری أیّهما هلک قبل ، فلم یُورَّث أحدهما من الآخر ، وصُلِّی علیهما جمیعاً»((1)) .

وقد استشهد کثیر من فقهاء الإمامیة بهذه الروایة فی بیان حکم مَن ماتت وابن لها - من دون هدم وغرق - ولا یُعلَم أیّهما مات قبل الآخر - .

السند

الکلام فیه یکون فی عدّة محاور : بعضها فهرستیّة ، وأخری رجالیّة ، وثالثة دلالیّة .

فالبحث الفهرستیّ یُعلّمنا مدی الاعتماد علی هذا النصّ وکیفیّة وصوله إلی مجامیعنا الحدیثیة ، وحُجّیّته عندنا ؟

وفی البحث الرجالیّ نتعرّف علی الرجال ، أمثال : القدّاح ، من هو ؟ هل هو میمون بن الأسود ، أو ابنه عبدالله بن میمون ، أو کلاهما ؟


1- تهذیب الأحکام 9: 363 / ح 1295 - وعنه: الوسائل 26: 314 / ح 33067 وفیه: عن ابن القدّاح.

ص:304

وثانیاً : علی جعفر بن محمّد القمّیّ ، وهل هو ابن عُبَید الأشعریّ ، أو غیره ؟

وثالثاً : الکلام حول محمّد بن أحمد بن یحیی الأشعریّ القمّیّ وروایته عن جعفر بن محمّد القمّیّ .

ورابعاً : لماذا اختصّ نقل خبر القدّاح بکتاب الشیخ الطوسیّ ولم نره مذکوراً فی کتابَیِ «الکافی» و«من لا یحضره الفقیه» .

وفی البحث الدلالیّ سنشیر إلی المواضیع المبهمة والتناقضات الموجودة فی هذا النصّ وغیره .

· فالقدّاح وابنه کانا من شیعة مکّة ، وهم قلائل آنذاک وحتّی الیوم ، بخلاف أهل الکوفة الذین هم عموم الشیعة آنذاک ، فقد روی الکشّیّ فی «رجاله» بسنده عن أبی خالد القمّاط ، عن عبدالله بن میمون ، عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : یا ابن میمون ، کم أنتم بمکّة ؟ قلت : نحن أربعة ، قال : إنّکم نور فی ظلمات الأرض((1)) .

وهذا الکلام من القدّاح یعنی أنّ شروط التقیّة کانت متوفّرة عندهم أکثر من غیرهم ، لأنّ غالب من کانوا یعایشونهم کانوا من الآخرین لا من الشیعة .

وقد عدّ الشیخ الطوسیّ فی «رجاله» مرة : میمون بن الأسود القدّاح من أصحاب الإمام السجاد علیه السلام .


1- رجال الکشّیّ 2: 524 / ح 452، 687 / ح 731، وفی الخلاصة: 197 - الباب 3، والتحریر الطاووسیّ: 324 / ح 221، وخاتمة المستدرک 4: 439، 5: 284: إنّکم نور الله فی ظلمات الأرض.

ص:305

ومرّةً أخری من أصحاب الإمام الباقر قائلاً : میمون القداح مولی بنی مخزوم ، مکّیّ((1)) .

وثالثة من أصحاب الإمام الصادق علیه السلام قائلاً : میمون القدّاح المکّیّ مولی بنی هاشم ، روی عنهما((2)) .

وعدّه البرقی فی أصحاب الباقر والصادق علیهما السلام قائلاً : میمون القدّاح مولی بنی مخزوم ، وزاد فی الثانی قوله : (مکّیّ) ((3)) . ولم نقف علی توثیقٍ صریح فیه .

أمّا ابنه : عبدالله بن میمون ابن الأسود ، فقد :

قال النجاشی : «عبد الله بن میمون بن الأسود القدّاح: مولی بنی مخزوم، یبری القدّاح ، روی أبوه عن أبی جعفر وأبی عبدالله علیهما السلام ، ویروی (روی) هو عن أبی عبدالله ، وکان ثقة . له کتب منها : کتاب مبعث النبیّ صلی الله علیه و آله وأخباره ، وکتاب صفة الجنّة والنار .

أخبرنا علیّ بن أحمد بن طاهر أبو الحسین القمّیّ ، قال : حدّثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عیسی ، قال : حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبید الله عنه بها» .

وقال الشیخ : (443) : «عبد الله بن میمون القدّاح : له کتاب .

أخبرنا به ابن أبی جید ، عن محمّد بن الحسن بن الولید ، عن الصفّار ، عن


1- رجال الشیخ الطوسی: 145 / الترجمة 1583.
2- رجال الشیخ الطوسی: 309 / الترجمة 4575.
3- معجم رجال الحدیث 21: 125 / الترجمة 12978.

ص:306

أبی طالب عبدالله بن الصلت القمّیّ ، عنه .

وأخبرنا به أبو عبدالله المفید رحمه الله ، عن أبی جعفر بن بابویه ، عن أبیه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن عبید الله ، عنه .

ورواه أیضاً محمّد بن علیّ عن حمزة عن محمّد العلویّ ومحمّد بن علیّ ، عن علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عنه» .

وعدّه فی رجاله من أصحاب الصادق علیه السلام (40) ، قائلاً : «عبد الله بن میمون القدّاح المکّیّ ، کان یبری القدّاح ، مولی بنی مخزوم» .

وعدّه البرقیّ أیضاً فی أصحاب الصادق علیه السلام ، وقال نحو ما قاله الشیخ .

وقال الکشّیّ (124) و (247) عبدالله بن میمون القدّاح المکّیّ :

«حدّثنی حمدَوَیه ، عن أیّوب بن نوح ، عن صفوان بن یحیی ، عن أبی خالد ، عن عبدالله بن میمون ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : یا ابن میمون ، کم أنتم بمکّة ؟ قلت : نحن أربعة ، قال : أمّا إنّکم نورٌ فی ظلمات الأرض» .

وفی الموضع الثانی هکذا : عن أبی خالد صالح القمّاط ...

ثمّ أضاف السیّد الخوئیّ :

ثمّ أقول : الروایة تدلّ علی أنّ عبدالله بن میمون روی عن أبی جعفر علیه السلام أیضاً ، مع أنّ ظاهر کلام النجاشیّ أنّه لم یروِ عن أبی جعفر علیه السلام .

ویؤکّد روایته عن أبی جعفر علیه السلام : عدّ ابن شهر آشوب إیّاه من أصحاب الباقر علیه السلام . «المناقب : الجزء 4» ، فی فصل فی أحواله (أبی جعفر) وتاریخه علیه السلام .

ص:307

ویدلّ علی ذلک ما رواه الشیخ بإسناده عن سعد بن عبدالله، عن أبی جعفر ، عن جعفر بن محمّد بن عبید الله ، عن عبدالله بن میمون القدّاح ، عن أبی جعفر ، عن أبیه علیهما السلام . «التهذیب : الجزء 4 - باب وجوه الصیام / الحدیث 907 ، لکنّه غیر ثابت علی ما یأتی((1)) .

وعلیه ، فبما أنّ عبدالله بن میمون بن الأسود کان ممّن وثّقه النجاشیّ ونسب إلیه کتاباً ، وذکر طریقه إلیه ، فهذا یعنی أنّه کان ثقة لا کلام فیه ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف السیاسیّة التی کان یعیش فیها هو وأمثاله من الرجال .

أما أبوه میمون بن الأسود فهو الآخر کان یعیش ظروفاً مماثلة ، وقد جاء السیّد الخوئی فی ترجمته بروایة الکلینیّ التی یُستشَمّ منها المدح لمیمون القدّاح ، إذ قال :

وغیر بعید أن یکون میمون القدّاح مولیً لهم سلام الله علیهم من جهة ولائهم لهم سلام الله علیهم أجمعین ، ویظهر من الروایة شدّة اختصاصه بهم ، کما یدلّ علیه قول ابن شریح : «فإنّه منهم» ، وفی هذا مدح عظیم ، غیر أنّ الروایة ضعیفة بجهالة رواتها ((2)) .


1- معجم رجال الحدیث 11: 378 - 380 - ترجمة عبدالله بن میمون / الرقم 7197.
2- معجم رجال الحدیث 21: 125 / الترجمة 12978.

ص:308

وقال الشیخ المامقانیّ فی «تنقیح المقال» : الحدیث دلّ علی کون الرجل إمامیّاً ، لکنّی لم أقف فیه علی مدح یدرجه فی الحسان ((1)) .

وقد أورده ابن داوود الحلّیّ فی القسم الثانی من رجاله المختصّ بالمجروحین والمجهولین / تحت الرقم 531 : میمون القداح ین ، ق [حخ] ملعون((2)) .

إذن فالمنزلة الرجالیة لعبد الله بن میمون تختلف عن أبیه ، لکن قبل مواصلة البحث علینا توضیح نکتة مهمّة ، وهی جدیرة بالبحث وقد أوهمت البعض ، وهی أنّ شخصیّة عبدالله بن میمون وشخصیّة أبیه میمون القداح فی کتب الفرق والمذاهب تختلفان عمّا هو موجود فی کتب رجال الشیعة اختلافاً جوهریاً .

ففی کتب الفرق الإسلامیّة نری عبدالله وأباه القداح متؤامرَین علی الإسلام ومن دعاة التفرقة ومن قادة الإسماعیلیّة والقرامطة ، یتنقّلان بین العراق والمغرب لیؤسِّسا الخلایا السرّیّة ، باثّین أفکاراً هدامة ، مثل قولهم أنّ الفرائض کالصلاة والحجّ رجال ورموز ، مبیحَینِ بعض المنکرات ، حتّی ادّعی محمّد بن عبدالکریم الشهرستانیّ بأنّ میمون القدّاح هو أصل دعوة القرامطة ((3)) .


1- تنقیح المقال 3: 265 الطبعة القدیمة، وانظر قاموس الرجال 10: 26 / الرقم 7908.
2- کتاب الرجال للحسن بن علیّ بن داوود الحلّیّ: 282.
3- أنظر: أعیان الشیعة 8: 85.

ص:309

وذهب محمّد بن مالک الیمانیّ فی کتابه «کشف أسرار الباطنیّة» إلی أنّه التقی بحمدان قرنط واتّفاقا علی نشر الدعوة ، واستقل کل واحد منهما بجهة یدعوان إلی المذهب الواحد ((1)) .

أمّا فی کتب الإمامیّة فهما من أصحاب الأئمّة علیهما السلام ، کانا یعتقدان بالإمامة ویؤدّیانِ الفرائض ویرویان روایات عن الأئمّة فی الصلاة والزکاة والصوم والحجّ والعدّة وأمثالها ، ومعناه أنّهما کانا أهل عبادة وصلاة وصوم فلا یُسقطانِ الفرائض - کما أشیع عنهما - ولا یُجیزان العمل بالمنکراتِ حسبما اتّهموهما ، إذ کیف یمکن دعوی هذه الأمور علیهما والأئمّة من أهل البیت قد حاربوا الغلاة والمفوِّضة .

کما لا یخفی علیک أیضاً أنّ الموجود فی کتب الفرق هو میمون بن دیصان القدّاح لا ابن الأسود ، وقد عاش بین الکوفة والمغرب فی أواسط القرن الثالث الهجریّ ، إذ إنّ الدعوة القرمطیّة نشأت فی الکوفة ، وکان القدّاح سجیناً فی العراق وکان عمله وعمل ابنه بین الکوفة والمغرب .

أمّا الذی فی کتب الشیعة فاسمُه : میمون بن الأسود القدّاح ، وهو مکّیّ وکذا ابنه عبدالله بن میمون ، وقد أخطأ البغدادیّ فی (الفَرْق بین الفِرَق) حین قال بأنّ میمون بن دیصان کان مولی جعفر بن محمّد الصادق ، إذ کیف یمکن دعوی ذلک والدعوة القرمطیّة نشأت بعد شهادة الإمام الصادق علیه السلام بعدّة عقود . وقد مرّ علیک کلام الیمانیّ فی «کشف الأسرار الباطنیّة» : إنّ عبدالله بن


1- أنظر: أعیان الشیعة 8: 86.

ص:310

میمون القدّاح التقی بقرمط حمدان بن الأشعث الذی خرج سنة 264 ه- واتّفقا علی مذهب واحد وخطّة واحدة .

فی حین أنّ عبدالله بن میمون المذکور فی کتب رجال الشیعة الإمامیّة هو من أصحاب الإمامَین الباقر (ت 111 ه-) والصادق (ت 148 ه-) ، ولم یُعدَّ عبدالله بن میمون من أصحاب الإمام الکاظم علیه السلام ، ومعناه ذلک أنّه توفی فی عهد الإمام الصادق علیه السلام .

لنرجع إلی أصل الموضوع فنقول : إنّ الموجود فی النسخة المطبوعة من کتاب (تهذیب الأحکام) وفی نُسَخ غالب فقهائنا العظام المرویّة عن «التهذیب» عن «القدّاح» لا تختلف مع نسخة صاحب الوسائل المرویّة عن «التهذیب» عن «ابن القداح» لأنّهما واحد .

بمعنی أنّ «ابن القدّاح» هو نفسه «القدّاح» ، لأنّ میمون القداح لیس له کتاب ، فلیس لجعفر بن محمّد بن عبید الله الأشعری طریق إلیه ، وطریق جعفر بن محمّد الأشعریّ القمّیّ هو إلی عبدالله بن میمون ، الذی کان له کتاب حسبما صرّح به النجاشیّ والطوسیّ .

وبما أنّ میمون الأسود کان قدّاحاً ، کذلک ابنه عبدالله کان یُبری القِداح ، فقد یُطلَق علی عبدالله «القدّاح» وقد یطلق علیه «ابن القدّاح» ، وعلیه فلا اختلاف بین الموجود فی «التهذیب» المطبوع وبین ما نقله الحرّ العاملیّ عنه ؛ لأنّ «القدّاح» إشارة إلی المهنة و«ابن القدّاح» إشارة إلی الشخص .

وکذا هو حال اختلاف نقل العلماء عن القدّاح فتارة عن الباقر وأخری عن

ص:311

الصادق علیهما السلام وهو واحد ، لأنّ الإمام الصادق یروی عن الإمام الباقر((1)).

· أمّا الکلام عن جعفر بن محمّد القمّیّ ، فقد قال الشیخ المجلسیّ (ت 1111 ه-) فی «ملاذ الأخیار فی فهم تهذیب الأخبار» وهو یعلّق علی الحدیث الرابع عشر من أحادیث باب الغرقی والمهدوم علیهم : وجعفر بن محمّد هو ابن عبدالله المجهول ((2)) .

وقال السیّد الخوئیّ فی «معجم رجال الحدیث» : جعفر بن محمّد الأشعریّ = جعفر بن محمّد القمّیّ وقع فی إسناد عدّةٍ من الروایات تبلغ مائة وعشرة موارد . إلی أن قال :

أقول : قیل : إنّ جعفر بن محمّد هذا هو جعفر بن محمّد بن عبیدالله الآتی ، أو جعفر بن محمّد بن عیسی الأشعریّ ، إلّا أنّ کلاً منهما - وإن کان محتملاً فی نفس الأمر - لکنّه لا دلیل علیه ، فإنّ جعفر بن محمّد بن عبید الله لم یثبت أنّه کان أشعریّاً ،


1- فی: کشف اللثام عن قواعد الأحکام 9: 525: وعن القدّاح عن الباقر علیه السلام قال: ماتت أمُّ کلثوم. وفی: جواهر الکلام 39: 308: بل حکی غیر واحد الاتّفاقَ علیه، مضافاً إلی خبر القدّاح عن الباقر: ماتت... وفی: مجمع الفائدة والبرهان 11: 529، وتؤیّده روایة القدّاح عن جعفر عن أبیه علیه السلام قال... وفی: مسالک الأفهام 13: 270: وقد روی القدّاح عن الصادق عن أبیه علیهما السلام . وفی: مستند الشیعة 19: 452: وإلی روایة القدّاح: ماتت...
2- ملاذ الأخیار 15: 382، عن أحمد بن محمّد عن جعفر بن محمّد بن عبید الله عنه.

ص:312

ومجرد روایة کلٍّ منهما عن ابن القدّاح لا یُثْبت الاتّحاد .

کما إنّ أحمد بن محمّد بن عیسی لم یثبت أنّه کان له أخ یُسمّی بجعفر .

وهذا ، ومن المطمأَنِّ به أنّ جعفر بن محمّد الأشعریّ هو جعفر بن محمّد بن عبید الله الآتی ، وذلک فإنّ جعفر بن محمّد الأشعریّ قد روی عن ابن القدّاح کثیراً [من الروایات] یبلغ عددها مائة وتسعة موارد ، ولم یذکر له روایة عن غیره إلّا فی مورد واحد .

وأمّا الروایة عن ابن القدّاح بواسطة جعفر بن محمّد بن عبیدالله ، فهی لا تزید علی أربع روایات ، وبما أنّ راوی کتاب عبدالله بن میمون القدّاح هو جعفر بن محمّد بن عبید الله علی ما ذکره النجاشی والشیخ ، فیَبعُد جدّاً أن تکون روایة راوی کتابه عنه تبلغ أربعاً ، وتکون روایة غیر راوی کتابه عنه تبلغ مائة وتسعة موارد .

وکیف کان ، فقد قال الوحید - قدّس سرّه - : «روی عنه محمّد بن أحمد بن یحیی ، ولم تُستَثْنَ روایته من رجاله ، وفیه دلیل علی ارتضائه ، وحسن حاله ، بل مُشعرٌ إلی وثاقته» .

وقد تقدّم الکلام علی ذلک فی المدخل((1)) .


1- معجم رجال الحدیث 5: 70.

ص:313

· وأمّا الکلام عن محمّد بن أحمد بن یحیی بن عمران الأشعریّ ، فقد قال النجاشیّ :

کان ثقة فی الحدیث ، إلّا أنّ أصحابنا قالوا : کان یروی عن الضعفاء ، ویعتمد المراسیل ، ولا یبالی عمّن أخذ ، وما علیه فی نفسه مطعن فی شیء وکان محمّد بن الحسن بن الولید یستثنی من روایة محمّد بن أحمد بن یحیی ما رواه عن محمّد ابن موسی الهَمْدانیّ ، أو ما رواه عن رجل ، أو یقول بعض أصحابنا ، أو عن محمّد بن یحیی المعاذیّ ، أو عن أبی عبدالله الرازیّ الجامورانیّ ، أو عن أبی عبدالله السیّاریّ ، أو عن ...

وعدّه ما یزید علی عشرین رجلاً ولیس بین تلک الأسماء اسم جعفر بن محمّد القمّیّ ، فماذا یعنی ذلک ؟ هل إنّ عدم الاستثناء یعنی قبول ابن الولید بصحّة روایة محمّد بن أحمد بن یحیی عن جعفر بن محمّد القمّیّ ؟ أو إنّ عدم الاستثناء لا یعنی شیئاً ، إذ إنّ ابن الولید استثنی هؤلاء بالخصوص لاعتقاده بعدم صحّة أخذه عنهم ، أمّا عن الآخرین فهو متوقّف فیهم ، ولیس له رأی خاصّ جرحاً أو توثیقاً .

وعلیه فمحمّد بن أحمد بن یحیی - مع جلالة قدره وکونه ثقة فی نفسه - لکنّه لم یکن قویّاً فی مبانیه الرجالیّة ، ولیس له أصول خاصّة یُعتمَد علیها فی الجرح والتعدیل ، إذ کان یروی عن الضعفاء ویعتمد المراسیل ولا یبالی عمّن أخذ - حسبما عرفت من کلام النجاشیّ فیه - ، وهذا یدعو المحدِّثین إلی الوقوف عند روایاته لتمحیصها وعدم الأخذ بکلّ ما رواه .

ص:314

وقد یتأکّد مُدّعانا حینما لا نری کبار المحدّثین أمثال الکلینیّ والصدوق وسعد بن عبدالله الأشعریّ وأحمد بن محمّد بن عیسی یَرْوون ما رواه محمّد ابن أحمد بن یحیی الأشعریّ عن جعفر القمّیّ عن القدّاح فی کتبهم .

فماذا یعنی عدم روایتهم لتلک الأخبار مع علمنا القطعی بوجود کتاب القدّاح عندهم ؟ إذ وقفتَ علی طریق النجاشیّ إلی کتاب القدّاح :

... حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدّثنا أحمد بن محمّد بن عیسی قال : جعفر بن محمّد بن عبید الله عنه بهما((1)) .

وطریق الشیخ الطوسیّ إلی کتاب القدّاح :

أخبرنا به أبو عبدالله المفید رحمه الله عن أبی جعفر بن بابوَیه عن أبیه ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ، عن جعفر بن محمّد بن عبید الله عنه((2)) .

فلماذا لا یأتون بخبر القدّاح فی کتبهم ، وعلی أیّ شیء یدلّ ذلک ؟ ألا یدلّ علی وجود علّة فی الخبر ، فما هی تلک العلّة ؟ هل التقیة أم شیء آخر ؟

ولا یخفی علیک بأنّ الکلینیّ والصدوق قد أشارا فی مقدّمة کتابیهما بأنّهما ینتخبان ویختاران من بین الأحادیث التی هی حجّة بینهم وبین الله ، لکنّ الشیخ الطوسیّ فی «التهذیب» نراه یورد الأخبار إیراداً ، وفی «الاستبصار» ینظر إلی حلّ الأخبار المتعارضة .


1- رجال النجاشی : 214 / ترجمة 557.
2- الفهرست : 168 / ترجمة 442.

ص:315

إذن ، فمهمّة الکتب الأربعة تختلف فیما بینها ، ولکلّ واحدة منهما منهجٌ خاصٌّ بها ، ولأجل هذا تری انحصار خبر الإیلاد فیما رواه الطوسیّ فی «التهذیب» دون غیره من الکتب الأربعة .

فالسؤال لماذا انفرد الشیخ الطوسیّ بذکر خبر القدّاح فی «التهذیب» ؟ وقبله انفرد بذکر خبر الصلاة علی الجنازة فی «الخلاف» ؟

اعتقادنا أنّ الخبر فی «التهذیب» صدر تقیةً لوجوده فی کتب العامة ، فالإمام قالها تقیةً ، وأنّ الشیخ الطوسیّ وقبله القدّاح أتَوا بها فی کتبهم للظروف التی کان یعیشون فیها فی مکّة وبغداد .

فجاء فی «التهذیب» و«الاستبصار» عن الحسن بن أیّوب ، عن أبی بُکَیر ، عن عبید بن زرارة ، عن أبی عبدالله قال : ما سمعتَ منّی یشبه قول الناس فیه التقیّة ، وما سمعت منی لا یشبه قول الناس فلا تقیّة فیه ((1)) .

وهذا الخبر المرویّ فی «التهذیب» هو نفس الخبر الذی رواه الدارمیّ عن نعیم بن حماد عن عبدالله بن محمّد حدّثنا جعفر ، عن أبیه ، أنّ أمّ کلثوم وابنها زیداً ماتا فی یوم واحد ، فالتقت الصائحتان فی الطریق ، فلم یورث کلُّ واحد منهما من صاحبه ((2)) .


1- التهذیب 8: 98 / ح 330، الاستبصار 3: 318 / ح 1130، الوسائل 22: 285 / ح 28605، و 27: 123 / ح 33379.
2- سنن الدرامی 2: 473 / 3046، سنن الدارقطنی 4: 74 / ح 19 و 81 / ح 43.

ص:316

وفی «المستدرک علی الصحیحین» بإسناده عن عبدالعزیز بن محمّد الدَّرَاوَرْدیّ عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، أنّ أمّ کلثوم بنت علی تُوفِّیت هی وابنها زید بن عمر بن الخطّاب فی یوم واحد ، فلم یُدرَ أیّهما مات قبل ، فلم ترثه ولم یرثها وأنّ أهل صفّین لم یتوارثوا وأنّ أهل الحرة لم یتوارثوا ((1)) . وعنه فی «السنن الکبری» للبیهقیّ أیضاً ((2)) .

ویؤکّد صدور هذا الخبر مصدر التقیّة هو أنّها تخالف ما علیه إجماع فقه اهل البیت علی أنّ المهدوم علیهم یتوارثون أذا کان بغرق أو عدم.

فإذا سلمنا بروایة القدّاح وأنّ زیداً وأمه قد ماتا فی یوم واحد وإلتقت الصائحتان وقد ماتا بسقوط الحائط علیهما.

فبناءً علی روایات أهل البیت یجب أن یتوارثا ، فقول الإمام (لا یتوارثان) تفهم بصدور الروایة تقیة وإلّا لکان علیه علیه السلام أن یقول بتوارثهما .

نعم هذا الحکم یوافق ما علیه العامة من عدم توارث المیّتین المجهولی تاریخ الوفاة سواء أکان ذلک بغرق أو هدم أم بغیر ذلک.

فقد یکون القدّاح قد سمع الإمام یفتی للداروردی أو الثوری فی إمرأة ماتت وإبن لها ولایدری أیهما هلک قبل فلا یورث أحدهما من الآخر مستشهداً بأهل صفّین وموت أم کلثوم وزید بن عمر فی یوم واحد ، ولم یکن فی کلام الإمام أنّها إبنة علی علیه السلام فأضاف إبن القّداح (بنت علی) إلی


1- المستدرک علی الصحیحین 4: 384 / ح 8009.
2- السنن الکبری 6: 222 / ح 12034.

ص:317

کلام الإمام اجتهاداً من عند نفسه.

وعلیه فإنّ أخبار وجود ولد لأمّ کلثوم من عمر هی أخبار عامّیّة ، وقد جاءت فی کتبهم ولا یوجد ما یؤیّدهم فی کتبنا إلّا ما رواه الشیخ الطوسیّ فی «التهذیب» و«الخلاف» تقیّةً واستشهاداً ، وکلّ ما هو موجود فی مصادر الشیعة لیس فیه دلالة علی وقوع الإیلاد بل خالیة عنه ، مثل ما تشاهده فی خبر «الکافی» عن عبدالله بن سنان ومعاویة بن عمّار عن أبی عبدالله فی عِدّة المتوفّی عنها زوجها أین تعتدّ ، فقال : حیث شاءت ، إنّ علیاً لما تُوفّی عمر أتی أمّ کلثوم فانطلق بها إلی بیته ((1)) .

أو فی قول الإمام فی مکان آخر : ذلک فرج غُصِبْناه ((2)) .

وکذا فی إیکال أمیر المؤمنین عمّه العباس فی تزویج ابنته ((3)) أو تزویجه جنیّة وغیرها . فلیس فی جمیع هذه الأحادیث ما یدلّ علی الإیلاد ، حتّی أنّ بعض علماء المالکیّة کالزرقانیّ صرّح فی کتابه «مواهب اللَّدُنیّة» نفی الإیلاد عن أمّ کلثوم قائلاً : ومات عنها قبل أن یدخل بها .

إذن ، فأوّل مَن نسب الإیلاد إلی أمّ کلثوم وعلی لسان الإمام جعفر الصادق علیه السلام هو نعیم بن حمّاد بن عبدالله بن محمّد أو الدَّراوَرْدیّ (ت 187 ه-) من العامّة ، وغیر بعید أن تکون هذه الإضافات هی مِن قبیل ما أضافه


1- الکافی 6: 115 / ح 1 و 2.
2- الکافی 5: 346 / ح 2.
3- الکافی 5: 356 / ح 2.

ص:318

أمثال الثوری (ت 151 ه-) إلی أسم أمّ کلثوم فقال : أمّ کلثوم بنت فاطمة ، حیث لم یسبقه إلی ذلک أحد وکلّ ما کان موجود هو : أمّ کلثوم بنت علی !!

کما لا یستبعد أن یکون نسبوها إلی الإمام تقیّةً جریاً مع قول العامّة الذین کان یقولون بذلک . إذن فالخبر فی «التهذیب» هو مکّیّ ، وقد وصل إلی قمّ عن طریق جعفر بن محمّد القمّیّ ، هذا أوصله إلی الشیخ الطوسیّ فی بغداد عن طریق محمّد بن أحمد بن یحیی بن عمران ، وبذلک یکون الشیخ هو الوحید بین أعلامنا الناقلین لخبر إیلاد أمّ کلثوم من عمر وقد رواها تقیّةً أو استشهاداً لظروفٍ کان یمرّ بها .

سؤالان ؟!

الأوّل : هل ماتت أُمّ کلثوم وزید فی یوم واحد أم علی التعاقب ؟

الثانی : هل یمکن تعمیم نصوص «توریث الغرقی والمهدوم علیهم» علی الذین ماتوا حتف أنفهم - کما فی روایة القدّاح - أم لا ؟

أمّا الجواب عن السؤال الأوّل :

فلا یمکن البتّ فیه بهذه السرعة ، لأنّ النصوص مختلفة فی ذلک ، فتارةً تصرّح بأنّ زید بن عمر مات وأُمّه فی یوم واحد ، وهو غلام ((1)) .

وأُخری : مات وهو رجل((2)) .


1- سیر أعلام النبلاء 3: 502، وفیه: تُوفّی شابّاً ولم یعقّب.
2- تاریخ المدینة 1: 345 و2: 654.

ص:319

وثالثة : مات وأُمّه فی یوم واحد ((1)) ، أو : مات هو وأُمّ کلثوم فی ساعة واحدة((2)) ، أو : تُوفّی هو وأُمّه أُمّ کلثوم فی ساعة واحدة وهو صغیر لا یُدْری أیّهما مات أوّلاً ((3)) .

ورابعة : لم نر قیداً فیها ((4)) .

وخامسة : مات علی أثر نزاع نشب لبنی عَدیّ ((5)) .

وسادسة : ضُرِبَ ثمّ إنّ الشجّة انتقضت بزید بن عمر ، فلم یزل منها مریضاً وأصابه بَطَنٌ فهلک ((6)) .

وسابعة : أنّ عبدالملک بن مروان سمّ زیداً وأُمّه فماتا ، وذلک بعد ما قیل لعبد الملک : هذا ابن علیّ وابن عمر ، فخاف علی مُلکه فسمّهما ((7)) .

وثامنة : أنّ زیداً صمخ فی صلاة الغداة فخرجت أمّه وهی تقول : یا


1- أنساب الأشراف 2: 29، نسب قریش: 353.
2- المعارف 1: 188.
3- تاریخ مدینة دمشق 19: 484، الجرح والتعدیل 3: 568 / الترجمة 2576.
4- السنن الکبری للبیهقیّ 7: 70 - 71.
5- المحلّی 10: 489، الاستیعاب 1: 125، سیر أعلام النبلاء 3: 502، وفیه: وقعت هوسة باللیل فرکب زید فیها فأصابه حجر فمات، السنن الکبری للبیهقیّ 7: 70، تاریخ مدینة دمشق 19: 483.
6- تاریخ مدینة دمشق 19: 487. وفی العثمانیّة: 236: وهو قتیل سودان مروان، فلمّا أتی النعیُ أُمَّ کلثوم کمدت علیه حزناً حتّی ماتت، وفی الوافی بالوفَیات 15: 24: وحُمِل إلی منزله، ولم یزل فیه مریضاً حتّی مات فی حدود الخمسین للهجرة.
7- المصنَّف لعبد الرزّاق 6: 164 / ح 10354.

ص:320

ویلاه ما لقیتُ من صلاة الغداة !

ولیس فی کلّ تلک النصوص أنّه مات علی أثر هدم حائط ، أو أنّه غرق فی بحر أو ما شابه ذلک ، حیث تُعَنْوَن أخباره فی تلک الأبواب من کتب الفقه والحدیث .

ولکی نقف علی حقیقة الأمر أکثر ، وأنّه کان ابن لعمر بن الخطّاب من أمّ کلثوم بنت جرول لا من أمّ کلثوم ابنة فاطمة الزهراء علیها السلام لا بُدّ من الوقوف علی جزئیّات الحدث فی الکتب التاریخیّة وروایة الأخباریّین لها .

والآن مع خبر ابن حبیب البغدادیّ (ت 245 ه-) فی «المنمّق فی أخبار قریش» ، إذ أفرد باباً فی کتابه بعنوان : «حروب بنی عدیّ بن کعب بن لؤیّ فی الإسلام» أشار فیه إلی وجود رجلین قبل الإسلام کانا أشدَّ الناس عداوةً للرسول صلی الله علیه و آله :

أحدهما : عمر بن الخطّاب .

والثانی : أبو الجهم بن حُذَیفة .

وقد فتح الله علی عمر بن الخطّاب وهداه إلی الإسلام ، أمّا أبو الجهم بن حذیفة فبقی علی کفره ، حتّی أسلم یوم الفتح ((1)) .

ولمّا أسلم عمر وسمع بقوله تعالی : {وَلاَ تُمْسِکُوا بِعِصَمِ الْکَوَافِرِ} ((2)) طلّق زوجته أُمّ کلثوم بنت جرول والتی کانت تسمی : ب- «ملیکة» ، مع أنّه کان قد أولدها فی الجاهلیة عبید الله وزیداً و ...((3)) .


1- انظر: المنمّق: 294.
2- سورة الممتحنة: 10.
3- البدایة والنهایة 7: 139.

ص:321

وکان ذلک فی الهدنة ، فخلف علیها أبو الجهم بن حذیفة ((1)) .

ولمّا حدث نزاع فی بنی جهم ، جاء عبدالله وسلیمان ابنا أبی الجهم إلی [أخیهم] زید بن عمر بن الخطّاب ؛ یسألانه النصر ، فأجابهما وقال : لا هضیمة علیکما ولا ضیم ((2)) .

فبَنُو الجهم کانوا یتناقشون ویتباحثون النزاع العائلیّ بینهم فی الصباح نظریّاً ولفظیّاً ، ویطبّقونه فی المساء تطبیقاً عملیّاً ، وقد تدخّل زید بن عمر لحلّ النزاع بین الإخوة ، فأصابه شیء ، فجُرح ، وقد أدّی ذلک إلی موته .

وقد کان زیدٌ یتَّهم خالد بن أسلمَ - أخا زید بن أسلم ، من موالی عمر ابن الخطّاب - بأنّه ضاربُه ((3)) الضربة التی أدّت إلی موته . وقد یکون جاء ذلک بأمر من معاویة بعد نزاعه مع بُسر بن أرطاة .

وقد عاتب عبدالله بن عمر أخاه زیداً بقوله : اتّقِ الله یا زید ، لا تدری مَن ضربک ، فلا تتّهم خالداً ...

کلّ هذه النصوص تؤکّد أنَّ زیداً - سواءً کان ابنَ أُمّ کلثوم بنت جرول ،


1- الإصابة 2: 628 / الترجمة 2961.
2- المنمّق: 301.
3- أُنظر: تاریخ مدینة دمشق 19: 489، وفیه: عن عبدالله بن مصعب، قال: إنّ خالد بن أسلم أخا زید بن أسلم مولی عمر بن الخطاب هو الذی ضربه. وفی 19: 482 عن الزبیر ابن بکّار، قال:... وقتل زید بن عمر، قتله خالد بن أسلم مولی آل عمر بن الخطاب خطأً، وفی المحلّی 10: 489 وقد قیل ظنّاً: إنّ خالد بن أسلم أخا زید بن أسلم مولی عمر بن الخطاب هو الذی ضربه، وفی المنمّق: 310.

ص:322

أو ابن أُمّ کلثوم بنت فاطمة !! - کان رجلاً مقبولاً عند الآخرین ، بحیث کان یُقدّم علی إخوته ، أمثال : عبید الله بن عمر وعبد الله بن عمر ، ولم یمکن تصوّر تقدیمه علی أُولئک إلّا لوجاهته ومکانته الاجتماعیّة .

ومن الطریف فی الأمر أنّ غالب المؤرّخین یسعون إلی أن یحرّفوا الحقیقة ، مستغلین وجود الشبه بین اسم الأم والابن فیذکرون وجود ابنین لعمر بن الخطّاب باسم زید :

اسم أحدهما : زید الأکبر ، وهذا ابن أُمّ کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب ، الذی مات مع أُمّه فی یوم واحد - حسبما یقولون ((1)) .

وثانیهما : زید الأصغر ، وهو ابن أُمّ کلثوم بنت جرول ((2)) .

وفی «المنمّق» أنّ الذی تدخّل فی النزاع هو ابن أُمّ کلثوم بنت علیّ ، وقد مدحه بعض الشعراء مصرّحاً بأنّه من الفاطمیّین الذین نصروهم فی هذا النزاع ((3)) .

ولو راجعنا ترجمة أُمّ کلثوم بنت جرول فی کتب التراجم لرأیناها قد ولدت لعمر «عبیدَ الله وزیداً» قبل الإسلام ، فیکون زید الأصغر بن أمّ کلثوم بنت جرول هو أکبر سنّاً من ابن أُمّ کلثوم بنت فاطمة ، لولادته فی الجاهلیة .

فلماذا یطلق علی ابن أُمّ کلثوم بنت جرول : الأصغر ، ویقال عن ابن أُمّ


1- عون المعبود 8: 335 - عن المنذریّ.
2- تاریخ الطبری 2: 564، تاریخ مدینة دمشق 38: 58.
3- المنمّق: 305. وفیه قول عبدالله بن أبی الجهم: وزیدٌ أتیناه فهشَّ ولم یَخِمْ لَدُنْ أن ندَبْناه ابنَ خیرِ الفواطمِ

ص:323

کلثوم بنت علیّ بن أبی طالب : الأکبر ؟!

أجابوا عن ذلک بأجوبة - فی نظری غالبها غیر مقنع ، خصوصاً بعد وقوفی علی ملابسات هذا الزواج - سیاسیاً واجتماعیاً وإمکان استغلاله من قبل الأمویّین فقالوا : إنّ الأصغر سُمِّیَ : أکبر ؛ کرامةً لرسول الله ولکونه ابناً لابنته فاطمة ، وسُمِّیَ الأکبر سنّاً وحقیقةً : أصغر((1)) ؛ لأنّه لیس له نسب إلی رسول الله صلی الله علیه و آله .

إنّ هذه التعالیل تخالفها أمور أُخری ، علی رأسها أنّه لو کان هناک نزاع بین بنی جهم کان علی زید بن أُمّ کلثوم بنت جرول أن یتدخّل لحلّ النزاع ؛ لکونه أقربَ لبنی جهم من ابن فاطمة وعلیّ ، وذلک للعلقة الموجودة بین أولاد عمر وأولاد جهم ؛ ولأنّ أُمّ زید صارت زوجةً لأبی جهم بن حُذَیفة بعد عمر بن الخطّاب .

لکنّا نری الأمر یختلف حسب فرضهم ، فیذکرون زید بن أُمّ کلثوم بنت علیّ علی أنّه الذی تدخّل لحلّ النزاع ، مع أنّه کان صغیراً فی ذلک الوقت ، وأصغر من عبدالله ، وعبید الله ، وزید [ابن أمّ کلثوم بنت جرول] أبناء عمر ابن الخطّاب علی وجه القطع والیقین ، کما أنّه لم یکن بتلک المکانة التی کان یحظی بها إخوانه فی بنی جهم . فی حین أنّ عصبیّتهم القبلیّة کانت تدعوهم لتدَخُّل زید بن أُمّ کلثوم بنت جرول ؛ لأنّه هو الأکبر والأشهر والأعرف


1- فی تاریخ المدینة 1: 345 وج 2: 654، زید الأصغر وعبید الله قُتلا یوم صفّین زمن معاویة، وأُ مّهما أُمّ کلثوم بنت جرول.

ص:324

عندهم ، أو تَدَخُّل شقیقه عبید الله بن عمر أو عبدالله وغیره من أولاد عمر ابن الخطاب .

وفی نظرنا : أنّ تسلیط الضوء علی هذه الفترة من التاریخ ، وتحدید زمن زواج عمر من أُمّ کلثوم بنت جرول ثمّ إبانتها منه ، ووجود ابن له منها وبیان تاریخ زواج عمر من أُمّ کلثوم بنت عاصم «جمیلة = عاصیة بنت عاصم بن ثابت» ((1)) ، وکذا بیان تاریخ زواج عمر أو خِطبته لکلّ مَن سُمِّیت بأمّ کلثوم ، هو حَلّ للغز الذی یمکن أن یُفتَح به موضوع زواج عمر من أُمّ کلثوم بنت علیّ .

وقد مرّ علیک تنبّه الدکتورة عائشة بنت الشاطئ إلی أنّ التشابة فی الأسماء والکنی کان سبباً للاختلاف والتشابک بین النصوص فی الوقائع التاریخیة ((2)) .

لنکرّر ما قلناه سابقاً علی صورة سؤال : لماذا لا یروی زید بن عمر - إن کان ابن أُمّ کلثوم بنت فاطمة - عن جدّه أمیرالمؤمنین وخالَیه الحسن والحسین علیهم السلام وأبیه عمر ، أو بقیة أولاد الإمام علیّ علیه السلام ، أو أولاد عمر خبراً واحداً ، وهو الذی عاش إلی زمان سعید بن العاص (ت 59 ه-) أو إلی ما بعده ؟

فمن غیر المعقول أن لا یسأله المحدِّثون عمّا یتعلّق بجدّه أمیرالمؤمنین علیه السلام !! من التاریخ والحدیث ، وما یتعلّق بخالیه السبطین الحسن والحسین علیهما السلام !! وما یتعلق بأبیه عمر !! وما نقلته أُمّه أُمّ کلثوم عن أُمّها الزهراء علیها السلام !! کلّ هذه التساؤلات تعنی أن شخصیّته لم تکن واقعیّة ، فهی فی رأینا شخصیة


1- الاستیعاب 2: 782 / الترجمة 1311، سمط النجوم العوالی 2: 508.
2- أُنظر: موسوعة آل النبیّ: 831.

ص:325

خیالیّة وهمیّة أو شخصیّة مُلتبسة مشکوکة ، لأنّا لا نری فی ترجمة زید بن عمر وحیاته إلّا أن قالوا أنّه مات وأُمّه فی ساعة واحدة . وهذا ما صرّح به ابن حجر العسقلانیّ فی کتابه «الإیثار»((1)) إذ تظهر شخصیّته وتخفی فجأة وهذا یعنی ما یعنی ؟!

وأمّا الجواب عن السؤال الثانی :

فهو : أنّه لا خلاف بین الفقهاء فی توریث الغرقی والمهدوم علیهم حسب تفصیلٍ مذکور فی کتب الفقه ، بل الإجماع - بقسمَیه - دالٌّ علیه ، والنصوصُ به متواترة .

لکن نتساءل : هل یمکن تعمیم هذا الحکم علی الذین ماتوا حتف أنفهم فی یوم واحد ، بحیث لا یُعلَم أیّهما مات قبل الآخر ، أم أنّه یختصّ بالغرقی والمهدوم علیهم ؟

ذهب بعض الفقهاء إلی عدم تعمیم ذلک ؛ للأصل ، والإجماع الذی نقله صاحب «مسالک الأفهام» ، ولروایة القدّاح .

وهناک مَن شکّ فی الإجماع ، وضَعَّف خبر القدّاح ، وقال بالتوریث بناءً علی أنّ العلّة قطعیّة ، وهی : جهالة تقدّمِ موتِ أحدهما علی الآخر ، کما مال إلیه صاحب «الریاض» .

وقد علّق صاحب «الجواهر» علی کلام صاحب «الریاض» بقوله :


1- الایثار: 79 / الترجمة 75، وفیه: «ولم أر لزید روایةً وإنّما وقع ذکره مع أمّه رضی الله عنها» [فقط].

ص:326

«ومن الغر یب ما فی «الریاض» هنا من المیل إلی الأوّل [ أی التوریث] محتجّاً علیه بقوة احتمال کون العلّة الُمحْتَجّ بها قطعیّةً منقّحةً بطریق الاعتبار ، لا مستنبطةً بطریق المظنّة لِتُلحق بالقیاس المحرّم فی الشریعة . . » ((1)) .

وقال الأردبیلیّ فی «مجمع الفائدة والبرهان» :

قال [ العلّامة ] فی «المختلف» : لنا أنّ الأصل عدم توریث أحدهما من صاحبه ؛ لعدم العلم ببقائه بعده ، خرج عنه الغرقی والمهدوم علیهم ؛ للنصوص الدالّة علیه ، فیبقی الباقی علی أصل المنع .

احتجّ : بأنّ العلّة الاشتباه ، وهو موجود فی القتل والحرق .

والجواب : المنع من التعلیل بمطلق الاشتباه ، فجاز أن تکون العلّة الاشتباه المستند إلی أحدهما ، علی أنّ قول ابن حمزة لا یخلو من قوّة .

وأنت تعلم أنّ هذا الاحتجاج یدلّ علی کون الأمر کذلک فی مطلق الاشتباه ، ولو کان الموت حتف الأَنف ، والظاهر أنْ لا قائل به ، بل نُقل الإجماع فی «شرح الشرائع» علی عدم القائل به .

وتؤیّده روایة القدّاح عن جعفر عن أبیه علیهما السلام ، قال : ماتت أُمّ


1- جواهر الکلام 39: 309 - 311.

ص:327

کلثوم بنت علیّ علیه السلام وابنها زید بن عمر بن الخطّاب فی ساعة واحدة لا یُدری أیّهما هلک قبل ، فلم یورّث أحدهما من الآخر ، وصُلِّی علیهما جمیعاً .

ولکنّها ضعیفة مع مخالفتها لبعض الأُصول ((1)) .

وعلی أیُّ حال ، فإنّ عمدة من قال بعدم التوریث هو الأصل ، لا روایة القدّاح ، فلو کانت تلک الروایة معتبرةً عندهم لما وصلت نوبة الاستدلال إلی الأصل .

وللوقوف علی تشعّبات هذه المسألة یمکنک مراجعة کتاب «فقه الصادق» للسیّد صادق الروحانیّ ((2)) ، لأنّ فیه مزید بیان .

قال المحقّق السبزواریّ فی آخر کتاب «کفایة الأحکام» عند ذکره الأحکام المتفرّقة لهذا الباب :

«مسائل : الأولی - من شروط الإرث عند الأصحاب العلم بحیاة الوارث بعد موت المُورِث ، فلو علم موتهما معاً لم یرث أحدهما من الآخر ، ولو اشتبه التقدّم والتأخّر والمعیّة لم یرث المشتبَه عندهم إلّا فیما استُثنی . ونُقل فی «المسالک» الإجماع علی ذلک ، وقد روی القدّاح عن الصادق علیه السلام عن أبیه قال : ماتت أُمّ کلثوم بنت علیّ ...

إلی أنّ یقول :


1- مجمع الفائدة والبرهان 11: 529.
2- فقه الصادق علیه السلام 34: 311.

ص:328

وفی ثبوت الإجماع تأمّل ، والروایة ضعیفة ، ولم یذکر الأصحاب احتمال القرعة ها هنا ، وهو احتمال صحیح إن لم یثبت إجماعٌ علی خلافه ، کما هو الظاهر ... » ((1)) .

وبهذا ، فقد عرفنا أنّ هناک من یذهب إلی إمکان سرایة أحکام میراث الغرقی والمهدوم علیهم إلی مَن مات حتف أنفه ، لاتّحاد العلّة فی الجمیع - وهو الاشتباه - إذ لا یُدری أیّهما مات قبل الآخر ، وهذا یرشدنا إلی إمکان تخطّی الرأی المشهور ، خصوصاً لو قسنا ما نقوله مع ما جاء عن العامّة فی هذا الفرع وأمثاله .

فإنّک لو راجعت کتب الصحاح والسنن عند العامّة لوقفت علی نصوص کثیرة جاءت عن زید بن ثابت وغیره ، تؤکّد علی عدم التوریث ، فی حین جاء عن ابن عبّاس ، وابن مسعود ، وعلیّ بن أبی طالب ما یشیر إلی توریث أحدهما من الآخر ، وهنا نترک بسط الکلام فی هذا الموضوع إلی الکتب الفقهیّة الاستدلالیّة .

بهذا فقد وقفنا علی عدّة أُمُور :

الأوّل : الشّک فی أصل وقوع الزواج من ابنة فاطمة علیها السلام ، وعلی فرض وقوعه ، فهنالک شکٌّ فی ولادة زید ، وعلی فرض ولادته هناک شکٌّ فی کونه هل زید هذا هو الذی قد تدخّل لحلّ النزاع بین بنی عَدیّ وبنی جهم أم غیره ؟

الثانی : التشکیک فی کون زید وأُمّه قد ماتا فی یوم واحد ، إذ لا نعرف سبب موته : هل کان علی أثر هدم الحائط أو الغرق ؟ أو أنّ بنی عدیّ


1- کفایة الاحکام 2: 879.

ص:329

ضربوه ، أو أنّ عبدالملک بن مروان سمّهما ؟ أو غیرها من الأسباب !

فی حین نری فی نصوص أخری : أنّ أُمّ کلثوم لمّا أتاها نعی ابنها کمدت علیه حزناً وماتت ((1)) .

وفی أخری : لم یزل من شجّة رأسه مریضاً وأصابه بَطَنٌ فهلک ((2)) .

وفی ثالثة : أنّ زیداً صمخ فی صلاة الغداة ، فخرجت أمّه وهی تقول : یا ویلاه ما لقیت من صلاة الغداة ! ((3)) وهذا النصّ یشیر إلی وفاتهما علی التعاقب .

فلا ندری هل مات زید وأُمّه فی یوم واحد وساعة واحدة ، أم علی التعاقب ؟

الثالث : إنّ قضیة زواج عمر من أُمّ کلثوم بنت فاطمة من أوّلها إلی آخرها تضجّ بالإشکالات والتناقضات : فی کیفیة الخطبة ، والتزویج ، والولادة ، ومَن هو المزوِّج ، وما هو المهر ، وهل کان برضیً من أبیها أَم عن إجبار ، ومن هم أزواجها و ... !

وعلیه ، فقد اتّضح عدم إمکان أن یلزمنا الآخرون بهاتین الروایتین وأمثالهما - فی کیفیّة الصلاة علی المیّت ، وتوریث الغرقی والمهدوم علیهم - والاستدلال علی ضوئهما بولادة زید من عمر بن الخطّاب ، لأنّ الروایات التی أرادوا الاستدلال بها علی الإنجاب فهی إمّا ذکرت استشهاداً أو جاءت تقیة فهی غیر معتمدة عندنا حسبما وضّحناه ، کما أنّها لا توافق الحقائق


1- انظر: العثمانیّة للجاحظ: 236.
2- تاریخ مدینة دمشق 19: 487.
3- المنمّق: 312.

ص:330

التاریخیّة ولا الأُصول الشرعیّة حسب تعبیر فقهاء الإمامیّة .

بل نحتمل أن یکون زیداً المعنیَّ فی تلک النصوص هو ابن أمّ کلثوم بنت جرول ، لأنّ ولادة زید بن عمر من أمّ کلثوم بنت علیّ مشکوک فیه((1))، کما أنّ الشکّ متصوَّر فی جمیع الأمور المتعلّقة به وبأمّه ، وهی من التناقضات التی تقصم الظهر . إذن لا یمکن الاستدلال بما هو عندهم وما عندنا لوجود التناقضات الکثیرة فی النصوص .

أمّا التناقضات الموجودة عندهم

· فقد صرّح الزرقانیّ بأنّ عمر قد مات عنها قبل بلوغها((2)) . وهذا التصریح من الزرقانیّ یفنّد أخبار الزواج بأمّ کلثوم وإیلادها زیداً ورقیّة ، وکذلک یفنّد موت زید وأُمّه فی یوم واحد .

وکذا الموجود فی «مختصر تاریخ مدینة دمشق» : مات زید وهو صغیر((3))، فهو یخالف ما قالوه من دخوله لحلّ النزاع بین أخوته من بنی جهم أو نزاعه مع بُسر بن أرطاة فی عهد معاویة .

· ومثله قولهم بأنّها ولدت له زیداً ورقیّة ((4)) ، فهو یخالف قول الزرقانیّ


1- وإن جاء خبره فی «التهذیب» و«الخلاف» للشیخ الطوسیّ تقیّةً واستشهاداً حسبما اتّضح کلامنا فیهما.
2- شرح المواهب اللَّدُنیّة 7: 9.
3- مختصر تاریخ مدینة دمشق 9: 160.
4- سیر أعلام النبلاء 3: 501، الذرّیّة الطاهرة: 118 / ح 228، تاریخ الطبریّ 2: 564، تاریخ مدینة دمشق 19: 482.

ص:331

الآنف قبل قلیل بأنّ عمر مات عنها قبل بلوغها .

· وما قیل بأنّه أولدها : فاطمة وزیداً ((1)) . یخالف قول الزرقانیّ الآنف ، وکذلک قولَ عمر أنّه کان یرید العقد دون الولد ، وقوله للإمام علیّ علیه السلام : إنّی لم أرد حیث ذهبت((2)) ، أو قوله : إنّی لم أُردِ الباءة ((3)) ... وأمثال ذلک .

· أمّا ما قالوه بأنّه : عاش حتّی صار رجلاً ((4)) ، فهو یخالف موته صغیراً .

· وکذا قولهم : إنّ لزید بن عمر عقباً((5)) ، فهو یخالف ما رووه أنّه مات ولا عقب له .

· ومثله قولهم : قُتل بلا عقب ((6)) ، وهو یخالف القول السابق .

إلی غیرها من الأقوال - أو قل التناقضات - الموجودة بین النصوص .


1- المعارف: 188.
2- تاریخ الیعقوبی: 236.
3- فضائل الصحابة لأحمد 2: 626 / ح 1070، الأحادیث المختارة 1: 398.
4- أُنظر: تاریخ مدینة دمشق 19: 489، 484، الکامل فی التاریخ 3: 373، سِیر أعلام النبلاء3: 502.
5- هامش تاریخ مدینة دمشق 19: 484.
6- سیر أعلام النبلاء 3: 502.

ص:332

فتلخّص ممّا سبق :

بأنّ الفرعین الأول والثانی - أی کیفیّة ترتیب الجنائز وعدد التکبیرات علی المیّت فی الصلاة - کانت روایات عامّیّة ، وقد ذکرها فقهاء الإمامیّة تبعاً للشیخ الطوسیّ فی کتبهم استشهاداً لا استدلالاً ، فلا یمکنهم أن یُلزِموا الشیعة بولادة زید وموته مع أُمّه فی یوم واحد من خلال محکیّ الخلاف عن کتب العامّة ، وکذا لا یمکنهم - علی ضوئه - إثبات کون زید هو ابناً لأمّ کلثوم بنت فاطمة علیها السلام .

لأنّ ما جاء فی «الکافی» عن الإمام الصادق علیه السلام : هو أنّ علیّاً انطلق بها إلی بیته لکی تعتدّ((1)) ، أو أنّه قال : ذلک فرج غُصِبناه((2)) ، أو : غُصِبنا علیه((3)) .

أو ما روی عن ابن أبی عمیر عن هشام بن سالم عن أبی عبدالله قال : لمّا خطب عمر إلی أمیر المؤمنین قال : إنّها صبیّة ، فأتی العباس فقال : ما لی ، أبِیَ بأس ؟! قال له : وما ذاک ؟ قال : خطبتُ إلی ابن أخیک ... ((4)) .

أو ما رواه الراوندیّ فی «الخرائج والجرائح» فی تزویجه جنّیّةً تشبه أمّ کلثوم ، وغیرها من الروایات الموجودة فی الکتب الشیعیّة لا تُثْبِت خبر الإیلاد ولا کونها ابنةً لفاطمة الزهراء علیها السلام .


1- الکافی 6: 115 / ح 1 و 2. وانظر: تهذیب الأحکام 8: 161، والنوادر للراوندیّ: 186.
2- الکافی 5: 346 / ح 2، وسائل الشیعة 2: 561 / ح 26349، بحار الأنوار 42: 106 / ح 34.
3- الاستغاثة 1: 78 و 81، شرح الأخبار 2: 507.
4- النوادر لأحمد بن عیسی الأشعریّ: 130 / ح 332، الکافی 5: 356 / ح 2.

ص:333

وإنّ خبر الإیلاد قد انحصر فی کتابَیِ الشیخ الطوسیّ : «الخلاف» و«التهذیب» ، ولم یُلحَظ فی کتب الصدوق ولا الکلینی ولا غیرهما من المحدّثین ، وهو لم یکن معتمداً عندنا ، وفیه علل کثیرة منها موافقته للعامّة ووجوده فی کتبهم وقد وقفت علی کلام الصادق علیه السلام بقوله : ما سمعت منّی یشبه قول الناس فیه التقیّة ، وما سمعت منّی لا یشبه قول الناس فلا تقیّة فیه ((1)) .

کما هو مخالف لما هو مرویٌّ عندنا ، وأنّ مستند أخبار صلاة الجنائز مأخوذٌ من روایة ابن بُکَیر وعمّار الساباطیّ والحلبیّ لا مِمّا حکاه الشیخ فی «الخلاف» عن عمّار بن یاسر = عمّار بن أبی عمّار .

أمّا روایة القدّاح فی المیراث فهی قد تکون صدرت من الإمام - أو نُقلت عنه - تقیّةً حسبما وضّحناه قبل قلیل ، وهی متروکة أیضاً عند أعلامنا؛ لمجهولیّة جعفر بن محمّد القمّیّ عند المجلسیّ ((2))، أو لضعف الروایة عند الأردبیلیّ فی «مجمع الفائدة والبرهان»((3)) والمحقّق السبزواریّ فی «کفایة الأحکام»((4)) ولمخالفتها لبعض أُصول المذهب کما صرّح به الأردبیلیّ فی «مجمع الفائدة والبرهان» .

وعلیه ، فقد تکون جملة «بنت علیّ» أو «بنت فاطمة» فی تلک الأخبار هی من توضیحات الراوی الظنّیّة وإدراجاته ، وقد ذکرها تبرّعاً من عند نفسه .


1- التهذیب 8: 98 / ح 330.
2- ملاذ الأخیار 15: 382.
3- مجمع الفائدة والبرهان 11: 529، وفیه: ولکنّها ضعیفة مع مخالفتها للأصول.
4- کفایة الأحکام 2: 879، وفیه: والروایة ضعیفة، ولم یذکر الأصحاب احتمال القرعة هاهنا.

ص:334

وقد یکون الراوی قد تأثّر بالإشاعات والمؤثّرات الخارجیة عند الجمهور فأضاف هذه الزیادة ، وربّما لو علم بأنّ ذلک تحریف وتزویر وتدلیس لَما فعل ذلک .

بعد کلّ هذا نقول : إنّ التشابک بین النصوص وتعدّد الأقوال هی التی جعلتهم یقولون بتلک الأقوال وهی فی الحقیقة تشکّکنا فی صحّة الأخبار المنقولة فی قصّة زید بن عمر ، وموته هو وأُمّه فی یوم واحد ، وما نُقل من مسألة التوریث بینهما ، وأشباه ذلک .

ص:335

4 - عِدّة المتوفّی عنها زوجها :

«روی الکلینیّ ، عن حمید بن زیاد ، عن ابن سماعة ، عن محمّد بن زیاد ، عن عبدالله بن سنان ، ومعاویة بن عمّار ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة المتوفّی عنها زوجها ، تعتدُّ فی بیتها ، أو حیث شاءت ؟

قال : بل حیث شاءت ، إنّ علیّاً لمّا تُوفّی عمر أتی أُمّ کلثوم فانطلق بها إلی بیته»((1)) .

وفی آخر بإسناده عن سلیمان بن خالد ، قال : «فأخذ بیدها فانطلق بها إلی بیته»((2)) .

وعن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما ، قال : سألته عن المتوفّی عنها زوجها أین تعتد ؟

قال : حیث شاءت ، ولا تبیت عن بیتها ...((3)) .


1- الکافی 6: 115 / ح 1، وانظر تهذیب الأحکام 8: 161 / ح 557، الاستبصار 3: 352 / ح 1، وسائل الشیعة 22: 242 / ح 28494، والاستیعاب 3: 252 کذلک، وفی السنن الکبری للبیهقیّ 7: 436 / ح 15285، وکنز العمّال 9: 694 / خ 28012، عن الشعبیّ قال: نقل علیّ رضی الله عنه أُمّ کلثوم بعد قتل عمر رضی الله عنه بسبع لیال، ورواه الثوریّ فی جامعه وقال: لأنّها کانت فی دار الإمارة.
2- الکافی 6: 115 / ح 1، الاستبصار 3: 352 / ح 2، التهذیب 8: 161 / ح 558، وسائل الشیعة 22: 242 / ح 28492، وفی النوادر للراوندیّ: 186 عن جعفر الصادق عن أبیه علیهما السلام : نقل علیّ بن أبی طالب ابنته أُمّ کلثوم فی عِدّتها حین مات زوجها عمر بن الخطاب، لأنّها کانت فی دار الإمارة.
3- وسائل الشیعة 22: 242 / ح 28493، قال الحرّ العاملیّ: أقول حمله الشیخ علی الاستحباب لما تقدّم ویأتی.

ص:336

وفی الجعفریّات باسناده عن الصادق ، عن أبیه ، عن جدّه علیهم السلام : إنّ علیّاً نقل ابنته أُمّ کلثوم فی عدّتها حین مات زوجها عمر بن الخطّاب ، لأنّها کانت فی دار الإمارة((1)) .

فهذه الروایات هی الأُخری لا تدلّ علی الإنجاب ، ولا أن یکون لها ولد باسم زید أو بنت باسم رقیّة .

کما أنّ التعلیل فی روایة الجعفریّات (لأنّها کانت فی دار الإمارة) قد یُفهَم منه عدم وقوع الزفاف ، وأنّ عمر قُتل عنها قبل الدخول ، وهو الذی قاله الزرقانیّ فی «شرح المواهب اللَّدنیّة» ((2)) وأبو الحسن العَمریّ فی «المَجدی» ((3)) والنوبختیّ فی کتابه «الإمامة» ((4)) ؛ لأنّها کانت فی دار الإمارة ولیست فی بیته . لماذا فی دار الإمارة ولیس فی بیته ؟ ولماذا ینطلق الإمام بها إلی بیته فور موت عمر ولا یبقیها حتّی تُکمل عدّتها فی دار الإمارة ؟

المهمّ أنّ الروایات السابقة لا تدلّ علی الإنجاب والإیلاد أیضاً .

فإن قیل : إنّها تدلّ علی التزو یج ، وهو کاف لإثبات المراد .

قلنا : بأنّ تفسیر الخبر جاء معه فی خبر آخر أنّه کان عن إکراه ((5)) .


1- الجعفریّات: 113، النوادر للراوندیّ: 186.
2- شرح المواهب اللدنیّة 7: 9.
3- المجدی فی أنساب الطالبیّین: 17.
4- بحار الأنوار 42: 91 / ح 20 - عن: مناقب آل أبی طالب 3: 89.
5- منها خبر تهدید عمر الإمامَ علیّاً علیه السلام عن طریق عمّه العبّاس وتوکیل الإمام عمَّه العبّاس بتزویجها له.

ص:337

وقد وضحه الإمام علیه السلام فی خبر آخر بقوله : «إنّ ذلک فرج غُصبناه»((1)) أو «غُصِبنا علیه»((2)) ، وأقصی ما یمکن الاستفادة من تلک الأخبار هو الدلالة علی وقوع التزویج عن إکراه ، لا عن طیب خاطر وقد وقفت علی تعلیل الإمام «إنّها صغیرة» أو قول عمر للإمام علیّ علیه السلام : إنّی والله ما أریدها لذلک ((3)) ، أو : إنّی لم أُرد الباءة ((4)) ، وقوله للعبّاس : لَأُعْورنّ زمزم ، ولأهدمنّ کلّ مکرمة لبنی هاشم ، وأمثال ذلک الدالّة علی الإکراه وعدم الرضی مِن قبل أمّ کلثوم ومن قِبل ولیّ أمرها .

وهذا لا یفید الآخرین شیئاً ، بل یشیر إلی وجود المنافرة بین الإمام علیّ وعمر ، لا الأُخوّة والصداقة بینهما .

· وقد ذهب الشیخ المجلسیّ إلی أکثر من ذلک ، قائلاً :

إنّ هذین الخبرین [أی خبر زرارة ((5)) وهشام ((6))] لا یدلّان علی وقوع تزویج أُمّ کلثوم من عمر ، لمنافاتهما لما جاء فی «الخرائج


1- الکافی 5: 346 / ح 1، وسائل الشیعة 20: 561 / ح 26349، بحار الأنوار 42: 106 / ح 34، عن: الکافی.
2- الاستغاثة 1: 78 و81، رسائل المرتضی / المجموعة الثالثة: 150، الصراط المستقیم 3: 130.
3- العثمانیّة: 236.
4- معرفة الصحابة لأبی نعیم 1: 78 / ح 215.
5- الکافی 5: 346 / ح 1 بسنده عن زرارة، عن الصادق علیه السلام وفیه: «إن ذلک فرجٌ غُصبناه».
6- الکافی 5: 346 / ح 2 بسنده عن هشام بن سالم، عن الصادق علیه السلام ، وفیه أنّ عمر هدَّد باتّهام علیّ علیه السلام بالسرقة وقطع یده إن لم یزوّجه ابنته أُمّ کلثوم.

ص:338

والجرائح» عن الصفّار ...((1)) .

· واحتَمَل آخر بأنّ جملة : «ذلک فرجٌ غُصبناه» لیس لها دلالة علی وقوع التزویج ، لأنّها جاءت علی سبیل المجاراة مع مَن یدّعی ذلک .

· فیما احتمل ثالث أنّ الجملة : «ذلک فرج غُصبناه» هو استفهام استنکاریّ من الإمام الصادق علیه السلام ، وهی الأخری لا دلالة فیها علی وقوع الزواج من أُمّ کلثوم .

· وقرأ رابع الجملة هکذا : «ذلک فرجٌ عَصَبْناهُ» ، و«ذلک فرج عَصَبْنَا علیه» . وهذا یشیر إلی أنهم لم یُعطوها لعمر ولم یزوّجوها إیّاه ، أو أنّه لا یمکنه الوصول إلیها تکویناً ، ومات قبل الدخول بها ، والإمام للحفاظ علیها انطلق بها إلی بیته .

وفی نظرنا : أنّ کثیراً من هذه الاحتمالات هی خلاف الظهور ، بل فی کلام الإمام ما یشیر إلی الإکراه والجبر ، وأنّه لا یرید أن یزوّجها إیّاه ، وتزویجها عن طریق عمّه العبّاس لا یدلّ علی أکثر من وقوع العقد علی صغیرة .

فقد یکون عمر قد عقد علیها ، ولکن لم یدخل بها - حسب قول العَمریّ والزرقانیّ والنقدیّ - فکان یکتفی بالنظر إلیها لتحقیق مُدّعی المصاهرة مع رسول الله صلی الله علیه و آله ، ولهذا ما أن مات عمر حتّی انطلق الإمام ببنته إلی بیته ، لأنّ المتوفّی عنها زوجها علیها أن تعتدّ ، سواءً دخل بها أو لم یدخل بها .


1- أُنظر: الخرائج والجرائح 2: 825 /ح 39، ومرآة العقول 20: 42 - باب تزویج أمّ کلثوم، لأنّ فی الخبر أنّ الإمام زوّجه جنیّة تشبه ابنته أُمّ کلثوم.

ص:339

علی أنّه لیس فی تلک الأخبار دلالة علی أنّ أُمّ کلثوم هی ابنة فاطمة الزهراء علیها السلام ، فقد تکون ابنة علیّ من غیر فاطمة ، أو تکون من ربائبه حسبما ادّعاه بعضهم کما مرّ سابقاً .

وقد وضّحنا سابقاً أنّ القول بأنّها ابنة علیٍّ من فاطمة الزهراء علیها السلام لا یتّفق مع حیات أمّ کلثوم إلی ما بعد واقعة الطفّ ، ولا مع کونها کانت مع شقیقتها زینب وشقیقها الحسین علیه السلام فی کلّ مراحل السفر من المدینة إلی کربلاء ، ولا مع حیاتها إلی ما بعد واقعة الحَرّة ، وذلک لقولهم بوفاتها فی المدینة أیّام معاویة .

ونحن وضّحنا بأنّ الأجدر بأمّ کلثوم ابنة فاطمة أن یتزوّجها ابن عمها عون بن جعفر ، وقد فعل ، حسبما مرّ فی کلام المامقانیّ ، إذ إنّ عوناً جاء مع أمّه أسماء بنت عمیس إلی بیت الإمام علیّ علیه السلام وعاش مع عمّه أمیرالمؤمنین وابنَی عمّه الحسن والحسین علیهما السلام ولم یفارقهم حتی استُشهد مع الحسین بن علی فی کربلاء فهو أولی بها من غیره عقلاً وشرعاً ووثائقیاً کما رأینا .

والقول بأنّها ابنة علیٍّ من غیر فاطمة - وإن کان محتملاً - لکنّه بعید أیضاً((1)) ؛ ذلک لأنّ علیّاً علیه السلام لم یتزوّج فی زمن الصدیقة فاطمة الزهرا بامرأة أُخری ، کما أنّه علیه السلام لایمکن أن تکون له بنت مؤهَّلة للزواج مِن عمَر فی سنة 17 ه- ، إلّا أن نقول بما یقوله بعضهم بأنّ أمّ کلثوم هی ربیبة الإمام من امرأة أخری غیر أسماء ، والربیبة تُعدّ فی الشرع بمنزلة البنت من حیث محرمیّتها ، وعند العرب فی الجاهلیة بمنزلة البنت مطلقاً .


1- أعنی التی ادَّعَوا الولد لها، أمّا الزواج بها من غیر إیلاد فقد یکون مُحتَملاً.

ص:340

وهذه الربیبة المحتملة المسمّاة أو المکنّاة بأمّ کلثوم لم نقف علیها فی أبناء زوجات الإمام علیّ علیه السلام ، لأن أسماء بنت عمیس ، أوخولة بنت قیس الحنفیّة ، وأمّ البنین الکلابیّة ، ولیلی النهشلیّة الدارمیّة ، والصهباء التغلبیّة - وغیرهنّ من نسائه علیه السلام وإمائه - لیس بینهن بنت باسم أُمّ کلثوم ، وغالبهنّ تزوّجهن من علیٍّ علیه السلام وهنّ أبکار .

نعم ، کان لأبی بکر بن أبی قحافة بنت باسم «أمّ کلثوم» ، لکنّها من حبیبة الخزرجیّة لا من أسماء بنت عُمَیس ، وحبیبة لم یتزوّجها الإمام علیّ بل تزوّجها حبیب بن أساف ، وأمّ کلثوم هذه أیضاً لم یکن عمرها ممن یُتَزَوَّج بها ، لأنّها وُلدت بعد موت أبیها أبی بکر سنة 13 ه- وقد تزوّجها طلحة بن عبید الله((1)) .

وعلیه ، فلا دلالة لهذا الخبر علی الدخول والإنجاب کذلک ، خصوصاً لو أخذنا بما رواه القطب الراوندیّ عن الصفّار بإسناده إلی عمر بن أُذَینة ، وأنّ الإمام علیّاً علیه السلام زوّج عمر جنّیّةً تشبه أمّ کلثوم !!

فلا أدری کیف یجزم بعضهم بوقوع هذا الزواج ، رغم کلّ هذه الملابسات ومع وجود تساؤلات لم تُحلّ لحدّ الآن ، وهی تواکب مسألة الزواج یوماً بعد یوم وما تزال باقیة بدون إجابة ؟!

إذن هناک احتمالات کثیرة فی الأمر مضافاً إلی تشابک الأسماء والأهداف السیاسیة فی تبنّیها وإثارتها .

فقد یکون عمر تزوَّج بإحدی بنات الإمام علیّ علیه السلام من أُمّ ولد وهی


1- الاستیعاب 4: 1807 / ح 3287، طبقات ابن سعد 3: 214.

ص:341

صغیرة ، وأخذها جبراً وإکراهاً إلی بیته لتستأنس بالمحیط ثمّ لیدخل علیها ، لکنّه مات عنها دون أن یدخل بها ، والإمام أرجعها إلی بیته حفاظاً علیها ، وهذا هو معنی قوله : «ذلک فرج غُصِبناه» ، ومعنی النصوص الأخری وکذا هو معنی قضائها العدّة فی بیت أمیرالمؤمنین علیه السلام .

وعلیه ، فإن الآخرین لو شاهدوا تعرّض فقهائنا لهذه المسألة فی کتبهم مثل «جواهر الکلام»((1)) أو «کشف اللثام»((2)) و «الحدائق الناظرة»((3)) و«جامع المدارک»((4)) وأمثالها ، فلا یعنی أنّهم یعتقدون بوقوع الإیلاد ، کما لا یفهم منهم أیَّ قبولٍ بوقوع الزواج من ابنة فاطمة الزهراء أیضاً . ففقهاؤنا حینما قالوا بجواز اعتداد المرأة فی غیر بیت زوجها ، قالوا بذلک طبقاً لروایات أئمّة أهل البیت علیهم السلام ، لا لما جاء فی خبر تزویج أُمّ کلثوم .


1- جواهر الکلام 32: 279 - 280.
2- کشف اللثام 2: 148.
3- الحدائق الناضرة 25: 471 - 472 و528.
4- جامع المدارک 4: 561.

ص:342

5 - الوکالة فی التزویج :

مرّت علیک نصوص العامّة فی توکیل الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام أمر زواج ابنته أُمّ کلثوم إلی ابنَیه الحسن والحسین((1)) ، لکنّ روایات مدرسة أهل البیت علیهم السلام تشیر إلی أنّ الإمام قد وَکَل أمرها إلی عمّه العبّاس اتّقاءً للحرج((2)). ولیس فی تلک الأخبار توکیله الأمرَ للسبطین الحسن والحسین کما فی «الأوسط» للطبرانیّ .

وهنا سؤال یطرح نفسه ، وهو : لماذا یوکّل الإمام أمر زواج ابنته إلی ابنیه الحسن والحسین أو إلی عمّه العبّاس ولا یزوّجها هو بنفسه ، وعلی أیّ شیء یدلّ هذا ؟ ألا یدلّ علی الکراهیة وعدم الرضی ؟

ألم یکن الأنسب - إن صحّ خبر الطبرانیّ فی «الأوسط» - أن تکون الوکالة إلی عمّه العبّاس لا لابنیه الحسن والحسین علیهما السلام ؟

ألا یعنی ذلک أنّ الموجود فی کتب الشیعة هو الأقرب إلی الواقع ممّا عند الجمهور ؟

وهل یُعقَل أن یکون الحسنان قد أغضبا والدهما علیّاً علیه السلام کما جاء فی روایات العامّة ((3)) .


1- مجمع الزوائد 4: 272، المعجم الأوسط 6: 357، ح 6609، السنن الکبری للبیهقی 7: 139 / 13574.
2- الکافی 5: 346 / 2، الاستغاثة 1: 78، بحار الأنوار 42: 93 / 21، المجموعة الثالثة من رسائل المرتضی: 149، مرآة العقول 20: 44 / باب تزویج أم کلثوم.
3- فی المعجم الأوسط 6: 357، والسنن الکبری للبیهقیّ 7: 114. إنّ الحسن والحسین قالا لعلیّ - حیث أمرهما بتزویجه بقوله: زوِّجا عمّکما -: فقالا: هی امرأة من النساء تختار لنفسها، فقام علیّ مغضباً، فأمسک الحسن بثوبه، وقال: لا صبر لی علی هجرانک یا أبتاه، قال: فزوّجاه.

ص:343

بل کیف بعلیٍّ یغضب من قول الحق وابناه سیّدا شباب أهل الجنة علیهما السلام قد أبدَیا رأیهما بأنّ أمّ کلثوم امرأة من النساء تختار لنفسها ((1)) ، ورسول الله صلی الله علیه و آله هو القائل فی الإمام علیّ : الحقُّ مع علیٍّ وعلیٌّ مع الحقّ ((2)) .

فهل ترید روایة الطبرانیّ فی «الأوسط» أن تنفی عصمة الإمام أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب والحسن والحسین علیهم السلام ، والقول بوجود التضادّ بین کلامهم - حاشاهم - فالروایة تقول : إنّ علیّاً علیه السلام قال : «إنّها صغیرة» .

فی حین أنَّ الإمامین الحسن والحسین علیهما السلام فی روایة الطبرانیّ قالا : «بأنّها امرأة من النساء بالغة عاقلة رشیدة تختار لنفسها» ، فما هو الواقع ؟ ولماذا هذا التضادّ والتضارب بین الأب وابنه ؟ وعلی أی شی یدل ؟ ومن هو المستفید من نقل هکذا روایات علی لسان هذا وذاک ؟!

هل کانت «صغیرة» کما قال الإمام علیّ علیه السلام ؟

أمّ «أنّها امرأة تختار لنفسها» کما قال الحسنان علیهما السلام ؟

والجواب : إمّا أن یکون کلام أحد الطرفین مخالفاً للواقع - والعیاذ بالله - أو أن یکون الواضِع لهذه الروایة هو الکذّاب المفتری ؟!

ولماذا توضع هذه الروایة علی لسان أحد أولاد الإمام الحسن المجتبی السبط علیه السلام ؟ ((3)) بل لماذا یُوضَع کلّ ما یؤیّد النهج الحاکم - وفیه ما یعجبهم -


1- وإن کنّا لا نقبل بهذا، لکونها بِکراً وأمرها إلی أبیها.
2- أُنظر: الکافی 1: 291 / من الحدیث 3، والخصال: 559 / من الحدیث 31.
3- هو الحسن بن الحسن بن علیّ، أنظر: المعجم الأوسط 6: 357 / ح 6609.

ص:344

علی لسان أهل البیت ؟! حیث إنّک قد وقفت سابقاً فی روایات کیفیّة الصلاة علی المیّت علی ما رواه ابن عساکر بسنده عن جعفر بن محمّد عن أبیه أنّ الحسین بن علیّ قال لعبد الله بن عمر : ... ((1)) .

ومثله ما أخرجه الحاکم فی «المستدرک علی الصحیحین» فی میراث الغرقی والمهدوم علیهم عن عبدالعزیز بن محمّد الدارَوْردیّ عن جعفر بن محمّد عن أبیه ((2)) ، وغیرها .

ألا تذهب معی إلی أنّ تلک النصوص وُضِعت للتعریض بالإمام علیّ ، والحسن ، والحسین ، وعقیل ، والعبّاس ؟!

إنّ مسألة التوکیل إن دلّت علی شیء فإنّما تدلّ علی عدم رضی الإمام علیه السلام بهذا الزواج ، وأنّ العسر والحرج هما العاملان اللذان اضطرّاه علیه السلام إلی ذلک .

کما أنّک قد وقفت سابقاً علی مجمل حیاة عمر بن الخطّاب وغلظته فی الأُمور ، وضربه ونفیه وحبسه للصحابة ، وهذا نفسه موجود فی روایات مدرسة أهل البیت علیهم السلام من أنّ عمر هدَّد علیّاً بقطع یده بدعوی السرقة ، أو رجمه بدعوی الزنی !! وصدور هذا الأمر عنه غیر بعیدٍ منه .

لکنّ عمر بن الخطّاب لبّس أمر زواجه من أم کلثوم علی عامة الناس ، بدعوی إرادته التقرّب إلی رسول الله ، وأنّه یرصد کرامتها ما لایرصده أحد من المسلمین !


1- تاریخ مدینة دمشق 19: 493.
2- المستدرک علی الصحیحین 4: 384 / ح 8009.

ص:345

إنّها مسألة یجب أن یصدّقها التاریخ والمواقف ، لا الشعارات والأقوال فقط ، وهی تحتاج إلی تدبّر وتفکّر من الباحث المنصف ؛ لأنّ الإنسان یُعرَف بأفعاله لا أقواله فقط .

وأختم هذا القسم من البحث - کما ختمت القسم الأوّل منه - بنقل بعض ما روته الشیعة فی هذا الزواج أُتِی بها لکی تقرأها بتأمّل وتفکّر لتقف علی ما ورائیّات الحدث ، وکیف أنّهم أقدموا علی هذا الزواج ، وبأیّ أسالیب بشعة ، وقد أتیتُ بها قبالاً للرأی المشهور عند العامّة بأنّه کان عن محبّة ، لکی تنظر إلی الرأی والرأی الآخر .

عن ابن أبی عُمَیر ، عن هشام بن سالم ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : لمّا خطب عمر إلی أمیر المؤمنین قال له : إنّها صبیّة ، فأتی العبّاس ، فقال : ما لی ؟ أبِیَ بأس ؟

قال له : وما ذاک ؟

قال : خطبتُ إلی ابن أخیک فردّنی ، أما والله لأُعْورنَّ زمزم ، ولا أدع لکم مکرمة إلّا هدمتها ((1)) ، ولأُقیمنّ علیه شاهدین أنّه سرق ولأقطعنّ یمینه !

فأتاه العبّاس فأخبره ، وسأله أن یجعل الأمر إلیه ، فجعله إلیه((2)) .


1- لاحظ محاولة عمر من قبل ذلک، قَلَع میزاب العبّاس بن عبدالمطّلب عن الکعبة، وهو المدّعی احترام القربی ! راجع: سیر أعلام النبلاء 2: 96.
2- النوادر لأحمد بن عیسی الأشعریّ: 129 / ح 332، الکافی 5: 346 / ح 2.

ص:346

لماذا یفعل عمر ذلک ؟ وکیف یأتی بشهود الزور وهو «الخلیفة» ؟! وهل الزواج یأتی بالإکراه أم عن عن طیب خاطر ؟

وروی الکوفیّ فی «الاستغاثة» ، قال : حدّثنا جماعة من مشایخنا الثقات ، منهم جعفر بن محمّد بن مالک الکوفیّ ، عن أحمد بن الفضل ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن عبدالله بن سنان ، قال :

سألت جعفر بن محمّد عن تزویج عمر من أُمّ کلثوم ، فقال علیه السلام : ذلک فرج غُصِبنا علیه .

وهذا الخبر مشاکل لما رواه مشایخنا أنّ عمر بعث العبّاس إلی علیّ صلوات الله علیه فسأله أن یزوّجه أُمّ کلثوم ، فامتنع علیّ من ذلک ، فلمّا رجع العبّاس إلی عمر یخبره بامتناع علیّ علیه السلام وأعلمه بذلک ، قال : یا عبّاس ، أیأنف من تزویجی ! [والله لئن لم یزوِّجْنی] لأقتلنّه !

فرجع العبّاس إلی علیّ علیه السلام فأعلمه بذلک ، فأقام علی علیه السلام علی الامتناع ، فأخبر العبّاسُ عمرَ ، فقال له : یا عبّاس ، إحضرْ یوم الجمعة فی المسجد وکن قریباً منّی لتعلم أنّی قادر علی قتله إن أردت .

فحضر العبّاس المسجد ، فلمّا فرغ عمر من الخطبة ، قال : أیها النّاس ، إنّ ها هنا رجلاً من علیّة أصحاب محمّد وقد زنی وهو مُحصَن ، وقد اطّلع علیه أمیر المؤمنین وحده ، فما أنتم قائلون ؟

ص:347

فقال الناس من کلّ جانب : إذا کان أمیر المؤمنین قد اطّلع علیه ، فما الحاجة أن یطّلع علیه غیره ، ولیمضِ فی حکم الله ؟!

فلمّا انصرف عمر قال للعبّاس : امضِ إلی علیٍّ فأعلمْه بما قد سمعتَه ، فوالله لئن لم یفعل لَأفعلنّ !

فصار العبّاس إلی علیّ علیه السلام فعرّفه ذلک .

فقال علیّ علیه السلام : أنا أعلم أنّ ذلک ممّا یهون علیه ، وما کنتُ بالذی أفعل ما یلتمسه أبداً .

فقال العبّاس : لئن لم تفعله فأنا أفعل ، وأقسمتُ علیک ألّا تخالف قولی وفعلی .

فمضی العبّاس إلی عمر فأعلمه أن یفعل ما یرید من ذلک .

فجمع عمر الناس فقال : إنّ هذا العبّاس عمّ علیّ ، وقد جعل إلیه أمر ابنته أُمِّ کلثوم ، وقد أمره أن یزوّجنی منها . فزوّجه العبّاس بعد مدة یسیرة ، فحملوها إلیه((1)) .

کان فی هذین النّصّین دلالةٌ علی توکیل العبّاس فی أمر التزویج ، وهی تتفق مع مجریات الأحداث آنذاک .

أما نصوص أهل السُّنّة فی توکیل الإمامین الحسن والحسین علیهما السلام ، فهی بعیدة عن الواقع بُعد السماء عن الأرض ، خصوصاً ما نسبوه إلیهما من قولهما للإمام علیّ علیه السلام :


1- الاستغاثة: 78 - 79، عنه: مستدرک وسائل الشیعة 14: 443 - 444 / ح 17236.

ص:348

یا أبتاه ، مَن بعد عمر !! صحب رسول الله ، وتوفّی وهو عنه راضٍ ، ثمّ ولیَ الخلافة بعده ، فقال له أبوه : صدقت !! ((1))

فالسؤال هو : لماذا أراد عمر بن الخطّاب أن یقتل علیَّ بن أبی طالب علیه السلام ، ألأنّه یأنف من تزویجه ابنتَه أمّ کلثوم ، أو لأنّه لا یراه کفّواً لها ؟ أو لوجود أبناء عمومتها یریدون الزواج بها .

وکیف یحقّ «للخلیفة» أن یخاطب الناس کذباً فیقول : «إنّ ها هنا رجلاً من علیّة أصحاب النبیّ قد زنی وهو محصن ، وقد اطّلع علیه أمیر المؤمنین وحده ، فما أنتم قائلون ؟!»

ألیس فی هذا النصّ تمویه وتهدید ، وهو صریح فی الإکراه والجبر «والله ِ لئن لم یفعل لَأَفعلنّ !» .

وکیف یقول الحسن والحسین علیهما السلام ذلک ؟ ألا یعرفان أبابکر وعمر ، وما تجرّعه أبوهما منهما ، وقوله فی الخطبة الشِّقْشِقیّة :

أما والله لقد تقمّصها ابنُ أبی قُحافة ، وإنّه لیَعلمُ أنّ محلّی منها محلُّ القُطب من الرَّحی ... حتّی إذا مضی الأوّل لسبیله أدلی بها إلی فلانٍ بعده ... حتّی إذا مضی إلی سبیله جعلها فی جماعة زعم أنّی أحدُهم ...((2))

بل هل خفی علیهما ظلم عمر لأبیهما وأُ مّهما وهجومه علی دارهم ((3)) ،


1- ذخائر العقبی: 170.
2- أُنظر: نهج البلاغة: 31 / الخطبة الشِّقْشِقیّة / الرقم 3.
3- الإمامة والسیاسة 1: 19.

ص:349

وإسقاطه مُحْسِناً ؟! ((1))

إنّ سیرة أمیرالمؤمنین علیّ والحسنین علیهما السلام تأبی أشدّ الإباء هذه الفریة ، خصوصا إذا رأیت بعین الاعتبار قول الحسین علیه السلام - وهو صبیّ - لأبی بکر: إنزِلْ عن مِنبر أبی ((2)) ... .

ثمّ إنّ الخُلق العلویّ الحسنیّ الحسینیّ أرفع من أن تصدر منه مثل هذه المشادّات بین الولد والوالد ، وقد کانت تصدر من غیرهم لا من هؤلاء .

نعم ، لا ننکر وجود مناکحات ومزاوجات بین أهل البیت وبنی هاشم مع بعض الصحابة وأولادهم ، لکن لم نعهد فی واحدة من تلک المزاوجات مثل هذا الهرج والمرج الذی صوّروه فی قضیّة أمّ کلثوم بنت علی علیه السلام !! وهذا کلّه یدلّ علی ما صنعته السیاسة القَرشیّة الأُمویّة فی التاریخ والشریعة .

وعلی فرض وقوع هذا الزواج المزعوم ، فإنّ علماء الشیعة خرجوا من هذه المشکلة بأنّ الزواج یأتی علی ظاهر الإسلام ((3)) ، فمَن شهد الشهادتین یُزوَّج إلّا الناصبیّ ، والأخیر لا یُزوَّج إلّا عند العسر والحرج ، إذ دلّت نصوص علی ذلک .

فقد رُوی عن الإمام جعفر الصادق علیه السلام أنّه قال فی جواب من قال له : قد أتیتَ ذنباً لا یغفر الله لک !


1- البدء والتاریخ 5: 20 / الفصل 17.
2- تاریخ مدینة دمشق 30: 307، شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 6: 42.
3- حسبما سیتّضح لک ذلک بعد قلیل فی البحث العقائدیّ.

ص:350

قال : وما هو ؟

قال : زوَّجتَ ابنتک رجلاً من بنی أُمیّة .

فقال أبو عبدالله : أُسوتی فی ذلک رسولُ الله قد زوّج ابنته - زینب - أبا العاص بن ربیعة ، وزوّج عثمانَ بن عفّان أُمَّ کلثوم فتُوفِّیت ، فزوّجه رقیّة بنته صلی الله علیه و آله .

وخطب عمر إلی علیّ ابنته أُمّ کلثوم ، فردّه ، فأمّا العبّاس فشکا علیه وتوعّد بنی عبدالمطّلب ، فأتی العبّاسُ علیّاً فقال :

یابن أخی ، قد تری ما نحن فیه ، وقد توعّدک عمر لردّک إیّاه وتوعّدَنا .

ولم یزل به حتّی جعل أمرها إلیه ، فزوَّجها العبّاس منه .

فالأفضل والأعلی تزویج أهل الموافقة ومَن لا ینصب العداوة لآل رسول الله ، ونکاح المؤمن أفضل من نکاح غیره ، ولا بأس عند الضرورة بنکاح أهل الخلاف من المسلمین ، وکذلک النکاح فیهم ، ولیس ذلک بمحرّم کمناکحة المشرکین ، ولکنّ الفضل والاختیار فی مناکحة أهل الموافقة ، وبعد ذلک المستضعفین((1)) .

فهذه النصوص لو جُمعت إلی کلام الإمام علیّ علیه السلام فی نهج البلاغة - المعرِّضة بالشیخین - لعرفت مغزی کلامه علیه السلام وأخذِه بیدها إلی بیته ، ومعناه عدم قبول الإمام ببقاء أُمّ کلثوم فی بیت عمر ودار الإمارة ولو ساعةً واحدة ؛


1- أُنظر: هامش دعائم الإسلام 2: 200، نقله عن: مختصر الآثار.

ص:351

لأنّه کان قد زوّجها مُکرَهاً تحت ظروف خاصّة - والآن انتهی ذلک - ، وحسب تعبیر الإمام الصادق علیه السلام : «إنّ ذلک فرج غُصِبناه» ، فأراد أن یرجعها إلی بیته سریعاً لکی لا یُستغَلّ وجودها عند عمر وفی دار الإمارة أکثر من ذلک .

إنّ جعل الإمام علیّ علیه السلام أمر ابنته هذه دون غیرها من بناته إلی العبّاس وإسراعه علیه السلام فی إرجاعها إلی بیته یؤکّدان کراهیّته لهذا الزواج .

کانت هذه نظرة عابرة إلی الأخبار التی أراد الآخر أن یلزمنا بها فی وقوع الزواج ، وقد وقفت علی عدم دلالتها علی المقصود ، إذ إنّ النصوص الموجودة عندهم تشیر بدرجة کبیرة إلی التدنّی الخلقیّ عند عمر بن الخطّاب ! وهذا ما لا یرضاه أتباعه ، ویغالطون فی التنکّر له ، ویکابرون علی الاعتراف به !

أمّا النصوص الموجودة عندنا فتشیر إلی الإکراه والإجبار ، وأنّ الزواج الإکراهی یعذرنا ویعذر أئمّتنا فیما فعلوه !! وهی لا تخدم أبناء العامّة ، بل تزید ظلامة أُخری إلی قاموس ظلم «الخلفاء» لأهل البیت علیهم السلام ، کما تدعو المسلمین إلی التعاطف مع أهل البیت علیهم السلام ضدّ الخلفاء الظلمة الذین لا یراعون حرمة لأهل البیت وقربی النبی ، ولیس فیها ما یحبّب الخلفاء إلی الناس حسبما یتصوّرونه .

وفی نظرنا أنّ المستفید الرئیس من طرح هکذا بحوث علی الفضائیّات هم أعداء الإسلام لا المسلمون المخلصون ، لأنّ الخصم لو أراد طرح مثل هذه الأمور فعلیه الاستماع لما یعود علیه وعلی أئمّته بالویل والثبور . فإثارة هکذا بحوث - بین الحین والآخر - تشقّ الصفّ الإسلامیّ ولا توحّده .

لأنّ الشیعة لا تسکت حینما تری الاتهامات تتری علیهم الواحدة تلو

ص:352

الأخری ، خصوصاً حینما یرون التدلیس وتحریف الحقائق ظاهرة فی کتب الآخرین ، فهذا یقول برجوع معزّ الدولة الدیلمیّ الشیعیّ إلی التسنّن بعد أن حکی له عالم سنّیّ زواج عمر من أمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام .

وذاک یقول باهتداء بعض شباب الشیعة إلی التسنّن من خلال سماعه لهذه المفردة ، فإنّ تناقل هکذا مدَّعَیات - بل اتّهامات - وفی الوسط الإعلامیّ وعلی مرّ التاریخ یساعد أهل البیت وأتباعهم علی البوح بظلامتهم وکشف الخفایا والمجهول عند الآخرین ، فتراهم یأتون بکلّ ذلک ضرورة ودفاعاً عن معتقدهم لا لإشعال الفتنة واستمرار الاختلاف ، بل لإخماده ؟

بلی إنّا قد ناقشنا هذه المسألة بعد إثارتها من قبل الآخرین علی الفضائیّات ومواقع التیوب ، وإن کنّا لا نرغب فی توسعتها وإطالتها ، وقد جاء کشفنا لتلک الملفّات من منطلق قوله تعالی : {لاَ یُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ} ((1)) . فنحن لم ندخل فی مهاترات وسباب مع الآخرین ، بل طرحنا تساؤلاتنا علی المستدلّین بوقوع الزواج - من خلال البحث - منتظرین أجوبتهم ، وقد سعینا أن تکون مناقشاتنا لهم مناقشة علمیة ، بعیدة عن العصیبّة .

غیر منکرین وجود ما یجرح عواطفهم فی هذا الکتاب ، لأنّ الحقّ مُرّ ، ولکونها مناقشات جدیدة وإبداء وجهات نظر لا یعرفونها ، ولا یسمعون بها من ذی قبل أو لم یتعرّفوا علیها بالشکل المطلوب قبل هذا التاریخ ، وأنّ ما


1- النساء: 148.

ص:353

نقلناه عن کتبهم لم تکن من ایحاءاتنا وتخیّلاتنا بل هی نصوص تراثیّة قدیمة موجودة فی مصادرهم ، وهی جارحة حقّاً لقلب کلِّ مسلم غیورٍ علی دینه لا یقبل صدورها عن أیّ إنسان ، فکیف یمکن تصوّر صدورها عن رموز یقدّسهم کثیر من المسلمین .

فإنّ زواج عمر بن الخطّاب بفاطمة بنت الولید وابنتها أمّ حکیم بنت الحارث فی الإسلام ، أو عراکه مع عاتکة بنت زید حتّی غلبها وأخذ یؤافف ، یقول : أُفّ ، أُفّ ، أُفّ ، أو کشفه عن ساق أمّ کلثوم وهی صغیرة قبل العقد والخطبة والاشتهار بین الناس ، ونکاحه جاریته وهی حائض ، وغیرها من الأمور التی مرّت علیک سابقاً .

کلّها أمور هابطة لا یرضی بها من یؤمن بالله وبرسوله ، ونحن جئنا بها کی ندافع عن قیمنا وعقائدنا ، ولکی نحدّ الآخرین من الهجوم علینا ، لأنّهم فی السنوات الأخیرة تمادوا فی غیّهم وضلالتهم ، فأخذوا ینسبون إلی الشیعة ما لا یرضاه الله ورسوله . وفی اعتقادنا أنّ ما قمنا به کانت عملیّةً جراحیّةً فی الفکر المتناقض الموروث المشتهر عبر الأجیال ، ساعین إلی قلع الموروث الخاطئ وقلع جذور الفتنة والضلال واستئصالها ، موضّحین للعقل المعاصر التناقضات الموجودة فی تلک النصوص ومخالفتها مع العقل والفطرة والأخلاق والشریعة .

ص:354

البحث العقائدیّ

اشارة

ص:355

ص:356

سؤالان :

هنا سؤالان یطرحان نفسیهما ، وقد تطرّف السمعانیّ فی طرح الثانی منهما :

الأول : هل زوّج الإمام علیٌّ علیه السلام أُمّ کلثوم عن طیب خاطر ، أم أنّ تزویجه إیاها کان عن إکراه وتقیّة ؟

الثانی : لو کان عمر کافراً ، فکیف بالإمام - أو وکیله - یزوّجان الکافر، أَلا یکون الإمام بزواجه هذا قد عرّض ابنته للزنا !!

جواب السؤال الأول :

ادّعی الجاحظ فی کتابه «العثمانیّة» بأنّ الزواج کان عن طیب خاطر ، فقال :

ثمّ الذی کان من تزویجه أُمّ کلثوم بنت فاطمة بنت رسول الله من عمر بن الخطّاب طائعاً راغباً .

وعمر یقول : إنّی سمعت رسول الله یقول : إنّه لیس سبب ونسب إلّا [وهو] منقطع إلّا نسبی .

ص:357

قال علیّ : إنها والله ما بلغت یا أمیر المؤمنین .

قال : إنّی والله ما أُریدها لذاک((1)) .

فأرسلها إلیه ، فنظر إلیها قبل أن یتزوّجها ، ثمّ زوّجها إیّاه ، فولدت له زید بن عمر ، وهو قتیل سودان مروان((2)) .

ویُردّ علی الجاحظ بأُمور :

الأول : إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لم یزوّج ابنته فاطمة الزهراء علیها السلام من أبی بکر ولا عمر وهو مختار ، فکیف یزوّج الإمام علیٌّ علیه السلام أُمَّ کلثوم من عمر مختاراً وعن طیب نفس ؟! وهو العارف بفارق السنّ والکفاءة والنسب بینهما ، فتزویجها اختیاراً یکون مخالفة لما رجّحه رسول الله صلی الله علیه و آله من عدم تزویجهما .

الثانی : إنّ عمر نفسه کان یأبی تزویج الشیخ الکبیر بالشابة ، - کما ستأتی قضیّته فی ذلک – وقال لاتکره فتیاتکم علی الرجل القبیح فانّهنّ یحببن ما تحبّون ، فمن البعید جدّاً أن یُزوّج علیٌّ علیه السلام ابنته مختاراً من شخص لا یتکافأ معها فی جمیع الجهات أو کان فیه نقص أو عیب کالحول والصلع ، خصوصاً مع وجود شباب من بنی هاشم - أبناء أخیه جعفر أو غیرهم - یرغبون فی الزواج من ابنة عمّهم الإمام علیّ علیه السلام ، فکان المعقول - اختیاراً - أن یزوّجها من أحد هؤلاء لا من عمر .


1- حسب النصوص التی مَرّت علیک یتّضح خلاف هذه الدعوی، فإنّه ضمّها وقبّلها وکان طامعاً بها.
2- العثمانیّة: 236 - 237.

ص:358

بل لیس لعمر أن یَقْدم علی ابنة صغیرة کأُمّ کلثوم أو یصرّ علی الزواج منها ، والإمام علیّ علیه السلام یقول له : حبَسْتُهنّ لأولاد أخی جعفر ((1)) ، ورسول الله صلی الله علیه و آله کان یرجو أن تکون هذه العلقة بین أولاد الإمام علی علیه السلام وجعفر وعقیل ، إذ مرَّ علیک ما جاء فی الخبر : أنّ النبیّ نظر إلی أولاد علیّ وجعفر فقال : بناتنا لبنینا ، وبنونا لبناتنا((2)) .

فهل یُعقَل أن یزوّجها من عمر وهو الشیخ الکبیر ولا یزوّجها من عونٍ ابن أخیه جعفر ، وهو ربیبه وکان یعیش مع أّمّه أسماء بنت عمیس فی بیته علیه السلام ورسول الله کان یرجو الزواج العائلی .

ومن المعلوم أنّ العرب کانوا لا یزوّجون أبناءهم إلّا للأکفاء من بنی العمّ ، وأولادُ جعفر وعقیل هم الأکفاء لبنات الإمام علیّ علیه السلام بلا خلاف ، فکیف یصرّ عمر علی الزواج من إحداهنّ ، وهو الذی کان یُلزِم الآخرین بأن ینکح الرجل لُمّتَه من النساء ، وأن تنکح المرأة لُمّتَها من الرجال ، وأُمّ کلثوم لیست من لمّة عمر ، لا من جهة الحسب ولا من جهة النسب ولا العمر یقیناً .

فعن المجاشع الأسدیّ أنّه قال : أُتی عمر بن الخطّاب بامرأة شابّة زوّجوها شیخاً کبیراً فقتلَتْه ، فقال : أیّها النّاس ! اتّقوا الله ، ولینکح الرجل لمّته من النساء ، ولتنکح المرأة لمّتها من


1- الطبقات لابن سعد 8: 463، وفیه: حبستُ بناتی علی بنی جعفر... وهو أیضاً فی: تاریخ مدینة دمشق 19: 486، والإصابة 8: 294 من ترجمة أم کلثوم بنت علیّ علیه السلام .
2- من لا یحضره الفقیه 3: 393 - باب الأکفاء / ح 4384.

ص:359

الرجال ، یعنی شبهها ((1)) .

فکیف خالف عمر هنا هذه القاعدة وسعی فی الزواج من شابة وهو شیخ ؟! إنّه لو کان خالف قاعدته هذه لکان مصداقاً للآیة الکریمة : {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ} ((2)) .

الثالث : مرّت علیک روایات نُقلت عن أهل البیت علیهم السلام ، تُصرّح بأنّ الإمام علیَّ بن أبی طالب علیه السلام زوّجها مُکْرَهاً ، وفی نصوص أهل السُّنّة المتقدّمة أکثر منها ، إذ إنّ قول عمر لأمیر المؤمنین علیه السلام : «قد علمنا ما بک»((3))، أو «لا والله ما ذاک بک ، ولکن أردتَ منعی»((4)) ، أو قوله للعبّاس - کما فی روایات الشیعة : «مالی ؟ أبیَ بأس ؟ ... أما والله لَأُعورنّ زمزم ، ولا أدع لکم مکرمة إلّا هدمتُها ، ولأُقیمنّ علیه شاهدین بأنّه سرق»((5)) ، أو قوله «لأفعلنّ وأفعلنّ !!» .

کلّ هذه النصوص((6)) تنقض کلام الجاحظ ، وتُثْبت بأنّ الإمام لو کان قد زوّجها من عمر فإنّه کان قد زوّجها مُکرهاً لا عن طیب خاطر .


1- سنن سعید بن منصور: 243 / ح 810، کنز العمّال 16: 208 / خ 45630.
2- البقرة: 44.
3- الطبقات الکبری 8: 464.
4- سیرة ابن اسحاق 5: 232، الذرّیّة الطاهرة: 114، ذخائر العقبی: 168.
5- الکافی 5: 346 / ح 2، رسائل المرتضی 3: 149.
6- التی واکبت السیر التاریخیّ للأحداث.

ص:360

أمّا جواب السؤال الثانی :

فقد قال السمعانیّ فی «الأنساب» :

لو کان أبو بکر وعمر کافرین لکان علیّ بتزویجه أُمّ کلثوم الکبری من عمر کافراً أو فاسقاً ، معرِّضاً ابنته للزنا ؛ لأنَّ وط ء الکافر للمسلمة زنا محض((1)) .

وفی کلامه ثلاثة دعاوی :

1- «لو کان أبو بکر وعمر کافرین لکان علیّ بتزویجه أُمّ کلثوم الکبری من عمر کافراً أو فاسقاً» ؟

2- «معرّضاً ابنته للزنا» ؟

3- «لأنَّ وط ء الکافر للمسلمة زنا محض» ؟

ونحن قبل أن نجیب علی کلام السمعانیّ نقول : لیس الهدف من کتابنا هذا هو المساس بشخصیّة عمر بقدر ما هو بیان لوجهة نظر علماء الشیعة فی جواب هذا الإشکال ، موضّحین بأنّ ما قاله السمعانیّ لا یستلزم الکفر بمعنی الارتداد ولا وقوع الزنا بابنة الإمام علی والعیاذ بالله ، وذلک لمعرفتنا بأنّ الکفرَ أعمُّ من عدم الاعتقاد بالله ، أو الارتداد عن الدین صراحةً ، بل یشمل ما قاله الإمام علیّ علیه السلام حینما سُئِل عن الذین قاتلهم من أهل القبلة ، أکافرون هم ؟

قال : کفروا بالأحکام ، وکفروا بالنِّعم ، کفراً لیس ککفر المشرکین الذین


1- الأنساب للسمعانیّ 1: 207.

ص:361

دفعوا النبوّة ولم یُقرّوا بالإسلام ، ولو کانوا کذلک ما حلّت لنا مناکحتهم ولا ذبائحهم ولا مواریثهم((1)) . وبذلک یکون تزویج الکافر - أو تزویج مُحتمَل الکفر - لا یجعل الإنسان کافراً ، وهذا ما عرفه السمعانیّ فتراجَعَ عن کلامه وقال : «أو فاسقاً» ، هذا أولاً .

وثانیاً : رأیت فی کتب بعض علماء الکلام وهو درّس المسألة علمیاً بحتاً فقال : أنّ الشرک وما یماثله لا یُستبعَد وقوعهما عقلاً فی الأنبیاء والرسل - مع کونهم معصومین من قبل ربّ العالمین - فکیف بالصحابة ، لقوله تعالی : {وَلَقَدْ أُوحِیَ إِلَیْکَ وَإِلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکَ لَئِنْ أَشْرَکْتَ لَیَحْبَطَنَّ عَمَلُکَ وَلَتَکُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِینَ}.

فقوله تعالی فی هذه الآیة لا یدل علی الوقوع الفعلیّ من قِبل الرسل ، بل هو من قبیل قوله تعالی : {لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا} ((2)) .

والإمام الباقر علیه السلام ذهب إلی عدم استبعاد صدور الکفر من الصحابة ، فقد روی الکلینیّ بسنده عن ابن محبوب ، عن عمرو بن أبی المقدام ، عن أبیه ، قال : قلت لأبی جعفر [الباقر] : إنّ العامّة یزعمون أنَّ بیعة أبی بکر - حیث اجتمع الناس - کانت رضیً لله جلّ ذِکرُه ، وما کان الله لیفتن أمّةَ محمّد صلی الله علیه و آله من بعده .


1- دعائم الإسلام 1: 388 - عنه: مستدرک الوسائل 11: 66 / الحدیث 12440.
2- الأنبیاء: 22.

ص:362

قال أبو جعفر : أوَ ما یقرؤون کتاب الله ، أوَ لیس الله یقول : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شَیْئاً وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ} ((1)) .

قال [الراوی] فقلت له : إنّهم یفسّرون ذلک علی وجه آخر .

فقال : أوّ لیس قد أَخبر الله عزّوجلّ عن الذین من قبلهم من الأُمم أنّهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البیّنات ، حیث قال : {وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِینَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَیِّنَاتُ وَلٰکِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ کَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلٰکِنَّ اللهَ یَفْعَلُ مَا یُرِیدُ} ((2)) .

وفی هذا ما یُستَدلّ به علی أنّ أصحاب محمّد صلی الله علیه و آله قد اختلفوا من بعده ، فمنهم من آمن ومنهم من کفر((3)) .

ثالثاً : من المعلوم أنّ الأحکام الشرعیّة تجری علی الظواهر لا علی البواطن ، فإن کان فی نفسِ شخصٍ کفرٌ أو نفاق أو ما شابه ذلک ، فلیس علی المکلّف أن یرتّب علی ذلک الآثار الشرعیّة ، وإنّما تجری الأحکام علی ظاهر الإسلام .

وهناک الکثیر من المنافقین ترکهم الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله وهو یعلم ما فی


1- آل عمران: 144.
2- البقرة: 253.
3- الکافی 8: 270 / ح 398. وانظر المعاجم الحدیثیة فی قوله صلی الله علیه و آله : «لم یزالوا مرتدین منذ فارقتهم) وأمثاله مثل حدیث الحوض وانّهم ارتدّوا من بعده.

ص:363

أنفسهم من غلٍّ علی الإسلام والمسلمین .

وقد عَلِم صلی الله علیه و آله بتظاهر المرأتین علیه((1)) ، وتآمُرَ أصحاب العقبة علی رمیه مِن أعلی عقبة هرشی((2)) ، و ... فلم یقتل أحداً منهم ، بل کان یتألّفهم علی الإسلام ویترضّاهم ، ویعطیهم من حطام الدنیا من الإبل والشیاه والأغنام دون المؤمنین ، کلّ ذلک لأنّه مأمور بالتعامل مع الناس بظواهر الأُمور لا ببواطنها ، فحاله حال بقیّة الأنبیاء ، إذ إنّ نبیَّ الله نوحاً ونبیَّ الله لوطاً علیهما السلام کانا یتعاملان مع المرأتین اللتین کانتا تحتهما بالظواهر ، لا بالبواطن .

وقد جاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله : إنّما أقضی بینکم بالبیّنات والأَیمان ، فأیّما رجل قطعتُ له من مال أخیه شیئاً فإنّما قطعتُ له به قطعة من النار((3)) .

وقوله أیضاً : إنّما أنا بشر ، وإنّکم تختصمون إلیّ ، ولعلّ بعضکم أن یکون أَلْحَنَ بحجّته من بعض ، وأقضی له علی نحو ممّا أسمع ، فمن قضیتُ له من حقِّ أخیه فلا یأخذ ، فإنّما أقطع له قطعة من النار((4)) .


1- صحیح البخاریّ 4: 1866 / ح 4629، و1868 / ح 4630، و5: 2197 / ح 5505، صحیح مسلم 2: 1108 / ح 1479، مسند أحمد 1: 48 / ح 339، سُنن النسائیّ 6: 49 / ح 11610، کنز العمّال 2: 225 / خ 4668.
2- مسند أحمد 5: 453 / ح 23843 - عنه: مجمع الزوائد، قال: ورجاله رجال الصحیح، الأحادیث المختارة 8: 221 / ح 260، تفسیر ابن کثیر 2: 373.
3- الکافی 7: 414 / ح 1، تهذیب الأحکام 6: 229 / ح 552.
4- صحیح البخاریّ 6: 2555 / ح 6566. وانظر: صحیح مسلم 3: 1337 / ح 1713، وسنن ابن ماجة 2: 777 / ح 2317 و 2318، والسنن الکبری للبیهقیّ 10: 143/ ح 20289 و149 / ح 20319.

ص:364

الزواج علی ظاهر الإسلام لا علی باطنه

قال الشیخ الطوسیّ (ت 460 ه-) فی «تمهید الأصول» :

وقد استقرَّ فی الشرع أنّ مَن أظهر الشهادتین جازت مناکحته وإن کان علی ظاهر اعتقادٍ یُحکَم علیه بالکفر به ، وعمر کان مُظهِراً للشهادتین ، فلذلک جاز تزویجه .

وأدلّ دلیل علی أنّ الصواب فی ذلک فعله علیه السلام ، مع قیام الدلالة علی عصمته علیه السلام وأنّ أفعاله حجّة ، لأنّه لو کان غیرَ جائز لما جاز منه علیه السلام ذلک ((1)).

وقال فی کتابه «الاقتصاد» :

علی أنّه من أَظْهر الشهادتین وتمسَّک بظاهر الإسلام یجوز مناکحته ، وها هنا أمور متعلّقة فی الشرع بإظهار کلمة الإسلام : کالمناکحة والموارثة والمدافنة والصلاة علی الأموات ، وغیر ذلک من أحکام أُخَر ، فعلی هذا سقط السؤال((2)) .

وقال الحلبیّ (ت 447 ه-) فی «تقریب المعارف» : علی أنّ حال عمر فی خلافه لا تزید علی حال عبدالله بن أبی السلول وغیره من المنافقین ، وقد کانوا یُناکَحون فی زمن النبیّ ؛ لإظهار الشهادتین وانقیادهم للملّة ، وهذه حال عمر ... فکما لم یُمنَع ذلک من مناکحتهم ، فکذلک هذا ((3)) .

وقال الشیخ المفید فی جواب «المسائل السرویّة» :


1- أُنظر: تمهید الأصول: 386 - 387.
2- الاقتصاد للشیخ الطوسیّ: 213.
3- تقریب المعارف: 224.

ص:365

«ثمّ إنّه لو صحّ [ أی التزویج ] لکان له وجهان لا ینافیان مذهب الشیعة فی ضلال المتقدّمین علی أمیر المؤمنین علیه السلام .

أحدهما : أنّ النکاح إنّما هو علی ظاهر الإسلام الذی هو : الشهادتان ، والصلاة إلی الکعبة ، والإقرار بجملة الشر یعة . وإن کان الأفضل مناکحة من یعتقد الإیمان ، وترک مناکحة مَن ضَمّ إلی ظاهر الإسلام ضلالاً یخرجه عن الإیمان ، إلّا أنّ الضرورة متی قادت إلی مناکحة الضالّ مع إظهار کلمة الإسلام زالت الکراهة من ذلک ، وساغ ما لم یکن بمستحب مع الاختیار .

وأمیر المؤمنین کان محتاجاً إلی التألیف وحقن الدماء ، ورأی أنّه إن بلغ مبلغ عمر عمّا رغبه فی ممناکحته ابنتَه أثّر ذلک الفساد فی الدین والدنیا ، وأنّه إن أجابه إلیه أعقب صلاحاً فی الامرین ، فأجابه إلی ملتمسه لما ذکرناه .

والوجه الآخر : أنّ مناکحة الضالّ - کجحد الامامة وادّعائها لمن لا یستحقّها - حرام ، إلّا أن یخاف الإنسان علی دینه ودمه ، فیجوز له ذلک ، کما یجوز له إظهار کلمة الکفر المضادة لکلمة الإیمان ... إلی أن قال :

وأمیرالمؤمنین علیه السلام کان مضطرّاً إلی مناکحة الرجل ، لأنّه تهدّده وتوعّده ، فلم یأمنه [ علیه السلام ] علی نفسه وشیعته ، فأجابه إلی ذلک ضرورةً .

کما أنّ الضرورة تُشَرِّع إظهار کلمة الکفر ((1)) ، ولیس ذلک بأعجب من قول لوط علیه السلام : {هٰؤُلاَءِ بَنَاتِی هُنَّ أَطْهَرُ لَکُمْ} ((2)) ، فدعاهم إلی العقد علیهم


1- قال تعالی: (إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمَانِ( (النحل: 106).
2- هود: 78.

ص:366

لبناته وهم کفّار ضُلّال قد أذن الله تعالی فی هلاکهم . وقد زوّج رسول الله صلی الله علیه و آله ابنتَیه قبل البعثة کافرَین کانا یعبدان الأصنام ، أحدهما : عُتبة ابن أبی لهب ، والآخر : أبو العاص بن الربیع ، فلما بُعث صلی الله علیه و آله فرّق بینهما وبین ابنتیه((1)) .

وقال الشیخ المفید أیضاً فی «المسائل العُکْبَریّة» جواباً لمن سأله عن عمر : إن کان مسلما فَلِمَ امتنع علیٌّ من مناکحته ، ثم جعل ذلک إلی العبّاس ؟

قال : والجواب - وبالله التوفیق - : أنّ المناکح علی ظاهر الإسلام دون حقائق الإیمان . والرجل المذکور ، وإن کان بجحده النصَّ ودفعه الحقَّ قد خرج عن الإیمان ، فلم یخرج عن الإسلام لإقراره بالله ورسوله صلی الله علیه و آله واعترافه بالصلاة والصیام والزکاة والحجّ . وإذا کان مسلماً بما ذکرناه جازت مناکحته فی حُکم الشریعة . ولیس یمتنع کراهة مناکحة مَن یجوز مناکحته ، للإجماع علی جواز مناکحة الفاسقین من أهل القبلة لفسقهم ، وإن کانت الکراهة لذلک لا تمنع من إباحته علی ما بیّنّاه .

وقد ورد عن أهل البیت علیهم السلام کراهة مناکحة شارب المسکر ، وقالوا : «من زوج ابنتَه شاربَ الخمر فکأنّما قادها إلی الزنا» .

ولا خلاف أنّه إن عقد علیها لشارب خمر علی سبیل التحریم ، أنَّ العقد ماضٍ وإن کان مکروهاً .

وهذا یُسقِط شبهة الخصم فی تزویج أمیرالمؤمنین علیه السلام عمرَ بن الخطّاب ،

وما أورده فی توکیله العباس فی ذلک ، وتوهّم المناقضة والتضادّ .


1- المسائل السَّرَویّة: 91 - 93، عنه: بحار الأنوار 42: 107 - 108.

ص:367

وقد قال بعض الشیعة : إنّه علیه السلام کان فیما فعله من ذلک مضطرّاً ، وإنّما جعل الأمر فیه إلی العباس ولم یتولَّه بنفسه لیدلَّ بذلک علی اضطراره إلیه ، فالضرورة تبیح ما یحظره الاختیار . وهذا أیضاً یُسقِط شبهة الخصم التی تعلّق بها((1)) .

وقال الشریف المرتضی فی کتابه «الشافی» : «وأمَّا تزویجه بنته فلم یکن ذلک عن اختیار .

ثمّ ذکر رحمه الله الأخبار السابقة الدالّة علی الاضطرار ، بعد ذلک قال :

علی أنّه لو لم یجرِ ما ذکرناه لم یمتنع أن یزوّجه علیه السلام لأنّه کان علی ظاهر الإسلام والتمسّک بشرائعه ، وإظهار الإسلام یرجع إلی الشرع فیه ، ولیس ممّا تحظره العقول ، وقد کان یجوز فی العقول أن یبیحنا الله مناکحة المرتدّین علی اختلاف ضروب رِدّتهم ، وکان یجوز أیضاً أن یبیحنا أن ننکح الیهود والنصاری ، کما أباحنا عند أکثر المسلمین أن ننکح فیهم ، وهذا إذا کان فی العقول سائغاً فالمرجع فی تحلیله وتحر یمه إلی الشر یعة .

وفعلُ أمیر المؤمنین علیه السلام حجّة عندنا فی الشرع ، فلنا أن نجعل ما فعله أصلاً فی جواز مناکحة مَن ذکروه ، ولیس لهم أن یلزموا به علی ذلک مناکحةَ الیهود والنصاری وعبّاد الأوثان ، لأنّهم إن سألوا عن جوازه فی العقل فهو جائز ، وإن سألوا عنه فی الشرع فالإجماع یحظره ویمنع منه((2)) .

وقد قال الشریف المرتضی أیضاً جواباً لما وُجّه إلیه بهذا الصدد :


1- المسائل العُکْبَریّة: 60 - 62.
2- الشافی 3: 272- 273، وبحار الأنوار 42: 108.

ص:368

«اعلم أنّا قد بیّنا فی کتابنا «الشافی» فی الجواب عن هذه المسألة ، وأزلنا الشبهة المعترضة بها ، وأفردنا کلاماً استقصیناه واستوفیناه فی نکاح أُمّ کلثوم ، وإنکاح بنته صلی الله علیه و آله من عثمان بن عفّان ، ونکاحه هو أیضاً عائشةَ وحفصة ، وشرحنا ذلک فبسطناه .

والذی یجب أن یُعتمد فی نکاح أُمّ کلثوم ، أنّ هذا النکاح لم یکن عن اختیار ولا إیثار ، ولکن بعد مراجعةٍ ومدافعةٍ کادت تُفضی إلی المخارجة والمجاهرة .

فإنّه رُوی أنَّ عمر بن الخطّاب استدعی العبّاس بن عبدالمطلب فقال له : ما لی ؟ أبیَ بأس ؟فقال له ما یجب أن یقال لمثله فی الجواب عن هذا الکلام .

فقال له : خطبتُ إلی ابن أخیک علیٍّ بنتَه أُمّ کلثوم ، فدافعنی ومانعنی وأنِفَ من مصاهرتی ، والله لأُعورَنَّ زمزم ، ولأهدمنّ السقایة ، ولا ترکت لکم یا بنی هاشم منقبةً إلّا وهدمتها ، ولأقیمنّ علیه شهوداً یشهدون علیه بالسرقة وأحکم بقطعه .

فمضی العبّاس إلی أمیر المؤمنین علیه السلام فأخبره بما جری ، وخوّفه من المکاشفة التی کان علیه السلام یتحاماها ویفتدیها برکوب کلّ صعب وذلول ، فلمّا رأی ثقل ذلک علیه ، قال له العبّاس : رُدَّ أمرَها إلیّ حتّی أعمل أنا ما أراه . ففعل علیه السلام ذلک وعقد علیها العبّاس .

وهذا إکراه یُحلّ له کلّ محرّم ، ویزول معه کلّ اختیار ، ویشهد بصحّته ما روی عن أبی عبدالله علیه السلام من قوله - وقد سئل عن هذا العقد ، فقال علیه السلام - : ذلک فرج غُصِبنا علیه .

ص:369

وما العجب مِن أن تبیح التقیّة والإکراه والخوف من الفتنة فی الدِّین ووقوع الخلاف بین المسلمین ، لمن هو الإمام بعد الرسول صلی الله علیه و آله والمُستخلَف علی أُمّته ، أن یمسک عن هذا الأمر ویخرِجَ نفسه منه ، ویظهر البیعة لغیره ، ویتصرّف بین أمره ونهیه ، وتنفذ علیه أحکامه ، ویدخل فی الشوری التی هی بدعة وضلال وظلم ومُحال ، ومن أن یستبیح - لأجل هذه الأمور المذکورة - علیٌّ ما لو ملک اختیاره لما عقد علیه ... !

وقد تبیح الضرورة أکل المِیتة وشرب الخمر ، فما العجب ممّا هو دونها ؟ فأمّا من جحد ... وقوع هذا العقد وأنَّها ولدت أولاداً من عمر [فلیس بمصیب ، لأنّ ذلک] معلوم مشهور ، ولا یجوز أن یدفعه إلّا جاهل أو معاند ، وما الحاجة بنا إلی دفع الضرورات والمشاهدات فی أمر له مخرج من الدین»((1)) .

وعلیه : بما أنّ ظاهر عمر بن الخطّاب هو الإسلام ، إذ یشهد أنّ لا اله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وأنّ الضرورة تُشرِّع إظهار کلمة الکفر ، وأنّ نبیّ الله لوطاً دعا الکفّار إلی نکاح بناته ، وقد زوّج رسول الله بالفعل ابنتیه قبل البعثة کافرَین یعبدان الأصنام ، والشریعة أباحت مناکحة الیهود والنصاری والمنافقین ، فلا مانع من تزویج عمر من أمّ کلثوم حسب القواعد العامّة فی الشرع الإسلامی ، هذا أوّلاً .

وثانیاً : إنّ من یقول : إنّ نصبهم کان ظاهراً مُعلَناً مُحرزاً ، فإنّه یقول : إنّ أمیر المؤمنین علیه السلام إنّما جاراهم وعاملهم وفق المصلحة الأعظم وظاهر الإسلام ،


1- رسائل الشریف المرتضی / المجموعة الثالثة: 149 - 150.

ص:370

ولم یعاملهم علی ما هم علیه فی الواقع من النصب ، حفاظاً علی هدف أسمی ، وهو : أن یبقَوا علی ظاهر الإسلام خیرٌ من أَن تُمحی شعائره إلی الأبد : مستدلّین بما جاء فی کتابه علیه السلام إلی أهل مصر :

حتّی رأیتُ راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام ، یدعون إلی محق دین محمّد صلی الله علیه و آله ، فخَشِیتُ إن لم أنصُرِ الإسلامَ وأهلَه أن أری فیه ثَلْماً أو هدماً ، تکون المصیبةُ به علَیَّ أعظمَ من فَوتِ ولایتِکم ...((1)) .

وقال علیه السلام مثل ذلک للزهراء علیها السلام لمّا شکته ظلمَ الحاکمین ، بأنّه یرید أن یبقی ذِکرَ الأذان علی المآذن ، لأنّه کان قد وقف فی آیة الانقلاب ((2)) وحدیث الحوض((3)) علی رجوع الأمة القهقری وانقلابهم علی أعقابهم .

فلو حرّم رسول الله صلی الله علیه و آله أو الإمام علیٌّ علیه السلام

مناکحتهم وتوریثهم وتغسیلهم ودفنهم لأعلنوا الکفر الصراح ، ولأعادوا الإسلام إلی الجاهلیّة المحضة ، وبعبارة أخری : إنّه علیه السلام رجّح الأهمّ علی المهمّ فی سیرته معهم .


1- نهج البلاغة: 119 / الکتاب 63 - من کتابه لأهل مصر، شرح نهج البلاغة 17: 151، بحار الأنوار 33: 596 / ح 743 - عن: نهج البلاغة.
2- إشارة إلی قوله تعالی : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ وَمَنْ یَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَیْهِ فَلَنْ یَضُرَّ اللهَ شَیْئاً وَسَیَجْزِی اللهُ الشَّاکِرِینَ( (آل عمران: 144).
3- راجع: صحیح البخاریّ 6: 2587 / ح 6642، 6643، صحیح مسلم 4: 1793 / ح 2290.

ص:371

وثالثاً : إنّ الزواج من أُمّ کلثوم - علی فرض وقوعه - کان علی نحو الإکراه لا عن طیب خاطر ، فیکون المُکرِه هو الزانی لا البنت ولا ولیّها سبباً فی ذلک .

فإنّ القائل بالتزویج من الشیعة یذهب إلی أنّ الإمام قد أجاز هذا العقد ؛ للحرج والتقیّة ، وقد سُئل مسعود العیاشیّ عن أُمّ کلثوم ، فقال : کان سبیلها سبیل آسیة مع فرعون((1)) .

وقال المجلسیّ : أقول : بعد إنکار عمر النصَّ الجلیّ وظهور نصبه وعداوته لأهل البیت علیهم السلام یَشْکل القول بجواز مناکحته من غیر ضرورة ولا تقیّة ، إلّا أن یقال بجواز مناکحة کلّ مرتدّ عن الإسلام ، ولم یقل به أحد من أصحابنا .

ولعلّ الفاضلَین إنَّما ذکرا ذلک استظهاراً علی الخصم ، وکذا إنکار المفید أصل الواقعة إنّما هو لبیان أنّه لم یثبت ذلک من طرقهم ، وإلّا فبعد ورود تلک الأخبار - وما سیأتی بأسانید أنَّ علیاً علیه السلام لمّا تُوفّی عمر أتی أُمّ کلثوم فانطلق بها إلی بیته ، وغیر ذلک مما أوردتُه فی کتاب «بحار الأنوار» - إنکار ذلک عجیب .

والأصل فی الجواب هو : أنّ ذلک وقع علی سبیل التقیّة والاضطرار ، ولا استبعاد فی ذلک ، فإنّ کثیراً من المحرَّمات تنقلب عند الضرورة أحکامها ، وتصیر من الواجبات . علی أنّه قد ثبتت بالأخبار أنَّ أمیرالمؤمنین وسائر الأئمّة علیهم السلام کانوا قد أخبرهم النبیّ صلی الله علیه و آله بما سیجری علیهم من الظلم ، وبما یجب علیهم فعله عند ذلک ، فقد أباح الله تعالی خصوص ذلک بنصّ الرسول صلی الله علیه و آله ،


1- الصراط المستقیم 3: 130.

ص:372

وهذا ممّا یسکِّن استبعاد الأوهام ، والله یعلم حقائق أحکامه وحججه علیهم السلام ((1)) .

وبذلک تکون قد عرفت جواب الادّعائین الثانی والثالث من خلال کلام الشیخ المجلسیّ والسید المرتضی وغیرهما ، وأنّ وطء الکافر للمسلمة لم یکن زناً محضاً ، خصوصاً إذا کان الأب والبنت مُضطرَّینِ ومُکرَهین ، بل یکون المُکرِه هو الزانی ، لا البنت ولا ولیّها لا سبباً فی ذلک .

إذاً ، فالأمر من قبیل قوله سبحانه وتعالی : {إِلاَّ مَنْ أُکْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِیمَانِ}. ومن خلال کلّ ما قدّمناه تأکّد لک انّه لیس ببعید أن یکون سبب التزویج الإکراه والجبر ، لأنّ تاریخ السلطویّین حدّثنا بوقوع مثل ذلک الإکراه کثیراً .

کما لا ننکر أن تکون بعض المزاوجات جاءت لتطییب الخاطر ، وقد تکون أُطِّرت بهذا الاطار فی حین لم تکن کذلک فی الواقع ، وقد یکون بعضها لیس له أساس بتاتاً ، وإلیک أمثلة لذلک :

نصوص دالّة علی أنّ المزاوَجات کانت عن إکراه لا عن محبّة

الأوّل :

أکره الحجّاجُ الثقفیّ أسماءَ بن خارجة الفَزاریّ ، وسعید بن قیس الهَمْدانیّ - وهما من أنصار علیّ أمیر المؤمنین - علی تزویج ابنتَیهِما من رجل أَودیّ ، خامل العشیرة من أتباع الحجّاج .

فقد روی ابن الکلبیّ عن أبیه ، عن عبدالرحمن بن السائب ، قال : قال


1- مرآة العقول 20: 45.

ص:373

الحجّاج یوماً لعبد الله بن هانئ - وهو رجل من بنی أَوْد ، حیٌّ من قحطان -: ... واللهِ ما کافأتک بعد ! ثمّ أرسل إلی أسماء بن خارجة سیّد بنی فَزارة أن : زَوِّجْ عبدالله بن هانئ بابنتک .

فقال : لا والله ولا کرامة !

فدعا بالسیاط ، فلما رأی الشرّ قال : نعم أُزوِّجه .

ثمّ بعث إلی سعید بن قیس الهمدانی - رئیس الیمانیّة - : زوِّج ابنتک من عبدالله بن أَود .

فقال : ومَن أوْد ! لا والله لا أُزوِّجه ولا کرامة !

فقال : علَیَّ بالسیف .

فقال : دَعنی حتّی أُشاورَ أهلی . فشاورهم ، فقالوا : زَوِّجه ! ولا تعرِّض نفسک لهذا الفاسق ، فزوَّجَه .

فقال الحجّاج لعبد الله : قد زوّجتک بنت سیّد فَزارة وبنت سیّد هَمْدان وعظیم کهلان ، وما أوْدُ هناک !

فقال : لا تقل - أصلح الله الأمیر - ذاک ، فإنَّ لنا مناقب لیست لأحد من العرب .

قال : وما هی ؟

قال : ما سُبَّ أمیرُ المؤمنین عبدُالملک فی نادٍ لنا قطّ .

قال : منقبةٌ والله !

قال : وشهد مِنّا صفِّین مع أمیر المؤمنین معاویة سبعون رجلاً ، وما شهد منّا مع أبی تراب إلّا رجل واحد ، وکان واللهِ ما علمتُه امْرَأ سوء .

ص:374

قال : منقبة والله !

قال : ومنّا نسوة نَذَرْن ، إن قُتل الحسین بن علیّ أن تنحر کلُّ واحدة عشرَ قلائص ، ففعلن .

قال : منقبة والله !

قال : وما منّا رجل عُرِضَ علیه شتمُ أبی تراب ولعنُه إلّا فعل وزاد ابنَیه حسناً وحسیناً وأُمَّهما فاطمة .

قال : منقبة والله !! ! ((1))

الثانی :

فی «بلاغات النساء» : «لمّا زُفّت ابنة عبدالله بن جعفر وکانت هاشمیّة جلیلة إلی الحجّاج بن یوسف ونظر إلیها فی تلک اللیلة وعبرتها تجول فی خدَّیها ، قال لها : بأبی أنت وأمی ممّا تبکین ؟

قالت : من شرف اتّضع ، ومن ضَعَةٍ شَرُفَت»((2)) .

وفی «البدایة والنهایة» لابن کثیر - فی حوادث سنة 80 ه- - ، ترجمة عبدالله بن جعفر بن أبی طالب :

«حتّی زوَّج [ عبدالله بن جعفر ] الحجّاجَ بنت رسول الله ، وکان الحجّاجُ یقول : إنّما تزوَّجتها لأُذلَّ بها آلَ أبی طالب ! ..»((3)) .


1- شرح نهج البلاغة 4: 61.
2- بلاغات النساء: 110، ربیع الأبرار 1: 470، التذکرة الحمدونیّة 2: 48.
3- البدایة والنهایة 9: 34.

ص:375

وقال الشافعیّ : لمّا تزوَّج الحجّاج بن یوسف ابنة عبدالله بن جعفر ، قال خالد بن یزید بن معاویة لعبد الملک بن مروان : أترکتَ الحجّاج یتزوّج ابنة عبدالله بن جعفر ؟قال : نعم ، وما بأسٌ بذاک .

قال : أشدّ البأس والله .

قال : وکیف ؟ قال : والله - یا أمیر المؤمنین - لقد ذهب ما فی صدری علی آل الزبیر منذ تزوَّجتُ رملة بنت الزبیر .

قال : فکأنّه کان نائماً فأیقظه .

قال : فکتب إلیه یعزم علیه فی طلاقها ، فطلّقها((1)) .

والنصّ الأخیر لا یدلّ علی الإذلال ، بل یدلّ علی وقوع المصافاة بعد الزواج ، فقد یکون فی اعتقاد الحجّاج بن یوسف وقبله عمر بن الخطّاب بأنّ فی مثل هذا التزاوج یقع التآلف والتآخی ، وأنَّ العداوة ستتبدّل إلی أُخوّة ، وبذلک ترتفع الضغینة بین الطرفین ، وقد یکون إذلالاً وانتقاماً ، لکن أعظم من کلّ ذلک السیاسة لعنها الله !

الثالث :

وقفت أخیراً - أثناء بحثی عن حیاة أجدادی وأعمامی وأبنائهم فی کتب النسب - علی واقعة محزنة ومؤلمة أَدْمَت قلبی ، یمکن أن تضاف إلی الظلامات الکثیرة التی نزلت علی أهل البیت ، والحادثة وقعت لإحدی بنات عمومتی ، وذلک بعد قیام الطالبیّین فی المدینة والعراق وخراسان فی عهد


1- تاریخ مدینة دمشق 12: 125، البدایة والنهایة 9: 121.

ص:376

المهدیّ والرشید ، وسجن الرشید للإمام موسی بن جعفر علیه السلام .

فقد کان لجدّنا الحسین الأصغر بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام عدّة من الأولاد ، أعقب منهم خمسة :

أحدهم جدّنا الحسن المحدّث .

والآخر عبدالله العقیقیّ ، فوُلد لعبد الله العقیقیّ ولدان وبنت ، والولدان هما : بکر وقاسم ، والبنت هی : زینب بنت عبدالله بن الحسین بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب علیهم السلام :

«تزوّجها هارون الرشید ، وفارقها لیلة دخوله بها ، یقال : دخل علیها تلک اللیلة مع خادم ومعه تکَّةٌ یرید أن یربطها بتلک التکّة ؛ لکی لا تمتنع علی هارون ، فلمّا دنا منها الخادم رفسته برجلها رفسة کسرت ضلعین من أضلاعه ، ففارقها الرشید ولم یدخل بها ، وکان یبعث إلیها فی کل سنة أربعة الآف دینار جائزة لها» ((1)) .

کان هذا نصّ أبی نصر البخاریّ .

... وقال العمریّ النسّابة : وأمّا زینب ، فذکر صاحب «المبسوط» العمریّ أنّ الرشید زُفَّ علی زینب بنت عبدالله بن الحسین الأصغر ، فدخل خادم لیربطها بتکَّة ، فرفسَتْه فدقَّت له ضلعین ، فخافها الرشید وردَّها من غدها إلی الحجاز ، وأجری


1- أُنظر: معالم أنساب الطالبیّین، فی شرح کتاب: سرّ الأنساب العلویّة : 223.

ص:377

علیها أربعة آلاف دینار فی السنة ، وأدرَّها المأمون بعد ذلک((1)) .

وقال ابن الطقطقیّ مثل ذلک ((2)) .

الرابع :

عن المسور بن مخرمة قال : کتب معاویة إلی مروان - وهو علی المدینة - أن یزوّج ابنَه یزید بن معاویة زینبَ بنت عبدالله بن جعفر ، وأمّها أمّ کلثوم بنت علی ، وأمُّ أمِّ کلثوم : فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله ، ویقضیَ عن عبدالله ابن جعفر دَینَه - وکان دینه خمسین ألف دینار - ویعطیه عشرة آلاف دینار ، ویُصْدقَها أربعمائة ألف دینار ، ویکرمها بعشرة آلاف دینار .

فبعث مروان بن الحکم إلی عبدالله بن جعفر ، فأجابه ، واستثنی علیه برضی الحسین بن علیّ وقال : لن أقطع أمراً دونه مع أنّی لستُ أَولی به منها ، وهو خال ، والخال والد . قال : وکان الحسین بیَنْبُع ، فقال له مروان : ما انتظارک إیّاه بشیء ، فلو حزمت ؟ فأبی ، فترکه .

فلم یلبثوا إلّا خمس لیال حتّی قدم الحسین ، فأتاه عبدالله بن جعفر فقال : کان من الحدیث ما تسمع وأنت خالها ووالدها ولیس لی معک أمر ، فأمرُها بیدک . فأشهد علیه الحسین بذلک جماعة .

ثمّ خرج الحسین ، فدخل علی زینب فقال : یا بنت أُختی ، إنّه قد کان من أمر أبیک أمر ، وقد ولّانی أمرک ، وإنّی لا آلوک حسن النظر إن شاء الله ، وإنّه


1- المجدی فی أنساب الطالبیّین: 206.
2- الأصیلیّ فی أنساب الطالبیّین: 283.

ص:378

لیس یخرج منّا غریبة ، فأمرک بیدی ؟

قالت : نعم ، بأبی وأمی .

فقال الحسین : أللّهمّ إنّک تعلم أنّی لم أُرد إلّا الخیر ، فقیّضْ لهذه الجاریة رضاک من بنی هاشم .

ثمّ خرج حتّی لقیَ القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبی طالب ، فأخذه بیده ، فأتی المسجد - وقد اجتمعت بنو هاشم وبنو أمیّة وأشراف قریش - وهیّؤوا من أمرهم ما یصلحهم .

فتکلّم مروان ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثمّ قال : إنّ یزید بن أمیرالمؤمنین یرید القرابة لطفاً ، وأَلْحَقَ عظماً ، ویرید أن یتلافی ما کان بصلاح هذین الحیَّین مع ما یحبّ من أثره علیهم ...

فتکلّم الحسین ، فحمد الله وأثنی علیه ، ثم قال : إنّ الإسلام یرفع الخسیسة ، ویُتمّ النقیصة ، ویُذهب الملامة ، فلا لوم علی امرئٍ مسلم إلّا فی أمر مأثم ، وإنّ القرابة التی أعظَمَ اللهُ حقَّها ، وأمر برعایتها وسأل الأجر فی المودة علیها والحافظة فی کتاب الله تعالی قرابتنا أهل البیت ، وقد بدا لی أن أزوِّج هذه الجاریةَ مَنْ هو أقرب إلیها نسباً ، وألطف سبباً ، وهو هذا الغلام - یعنی القاسم بن محمّد بن جعفر - ولم أرد صرفها عن کثرة مال نازعَتْها نفسها ولا أبوها إلیه ، ولا أجعل لامرئ فی أمرها متکلّماً ، وقد جعلتُ مهرها کذا وکذا منها فی ذلک سعة إن شاء الله .

فغضب مروان ...((1)) .


1- تاریخ مدینة دمشق 57: 245، أنساب الأشراف - ترجمة معاویة، وطبقات ابن سعد 1: 414.

ص:379

وهذا الخبر یریدأن یثبت زواج عبدالله بن جعفر من أمّ کلثوم بنت الإمام علی وفاطمة الزهراء علیهما السلام ، والذی تکلّمنا فیه سابقاً ، وأثبتنا بأنّ هذا الزواج لا یمکن إقراره ، لا بعد وفاة زینب ولا بعد طلاقها إن ثبت .

لأنّ السیّدة زینب تُوفِّیت سنة 62 ه- عند عبدالله بن جعفر ، وفی «الطبقات الکبری» أنّ عبدالله بن جعفر تزوّج بأختها أمّ کلثوم بعدها((1)) وأولَدَها بنتاً سُمِّیت بزینب ، وقد کتب معاویة إلی مروان - وهو علی المدینة - أن یزوِّج ابنَه یزیدَ منها((2)) .

ومعناه أنّ ولادة زینب بنت عبدالله بن جعفر من أمّ کلثوم بنت علیّ کان بعد عام 63 ه- ، أی أنّها وُلِدت بعد هلاک معاویة بن أبی سفیان 60 ه- ، وبعد شهادة خالها الحسین بن علیّ علیه السلام فی 61 ه- الذی مانَعَ من زواجها من یزید ثمّ زوَّجَها للقاسم بن محمّد بن جعفر .

أی أنّهم أرادو أن یُعطوا الخلاف بین الإمام الحسین ویزید بُعداً عاطفیّاً ، ویقاربوا بینه وبین طلب یزید ید أُرَینب ابنة اسحاق وسعی الإمام لإبعادها عنه وإرجاعها لزوجها طبق قصة مفصّلة مذکورة فی کتب التاریخ ، فی حین أنّ زینب بنت عبدالله بن جعفر لم تکن مولودة فی عهد یزید والحسین کما أنّ أمّها أم کلثوم کانت قد توفّیت قبل عقدها من أبیها بعشرة أعوام تقریباً ، لأنّ أمّ کلثوم - شقیقة الحسین - کانت حسب روایاتهم قد تُوفّیت فی المدینة عام 54 ه- ،


1- الطبقات الکبری 8: 463.
2- أنساب الاشراف 5: 150، تاریخ مدینة دمشق 57: 245.

ص:380

وصلّی علیها سعید بن العاص فکیف یتطابق ذاک مع خبر زواجها من یزید - أو خالد بن یزید - فی عام 64 هجری .

فالمحدِّثون لمّا عرفوا سخافة هکذا روایة جعلوا الحدث لخالد بن یزید ابن أبی سفیان لا لیزید ، ففی «تاریخ مدینة دمشق» : تزوّج خالد بن یزید بن معاویة زینبَ بنت عبدالله بن جعفر((1)) .

إذن فالزواج قد یکون قصده الإذلال لعائلة الطرف الآخر ، کأن یُزوَّج الشریف من الوضیع ، وقد یکون مصافاةً وتألیفاً بین عائلتین ، وقد تکون المزاواجات سیاسةً ولکسب القربی مع الطرف الآخر ، وقد یکون لأمر غریزیّ فی نفس المتزوِّج .

وبما أنّ الحجّاج کان یرید التشبّه بعمر بن الخطّاب((2)) وزیاد بن أبیه((3)) فی کلّ قضایاه ، فقصة زواجه من ابنة عبدالله بن جعفر قد تکون جاءت بنفس الدواعی التی قام علیها زواج عمر من أمّ کلثوم بنت علیّ ، وهی تشابه ما جاء


1- تاریخ مدینة دمشق 69: 172، جُمل من أنساب الأشراف 5: 385.
2- ففی: وفیات الأعیان 2: 22 / الرقم 149 - وطبعة أخری 2: 31 - ترجمة الحجّاج بن یوسف: وکان للحجّاج فی القتل وسفک الدماء والعقوبات غرائب لم یُسمَع بمثلها، ویقال: إنّ زیاد ابن أبیه أراد أن یتشبّه بأمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب، فی ضبط الأمور والحزم والصرامة وإقامة السیاسات، إلّا أنّه أسرف وتجاوز الحدّ، وأراد الحجّاج أن یتشبّه بزیاد فأهلک ودمّر.
3- البدایة والنهایة 9: 118: وکان الحجّاج فیما یزعم یتشبّه بزیاد ابن أبیه، وکان زیاد یتشبّه بعمر بن الخطّاب فیما یزعم. وانظر أیضاً تحفة الأحوذیّ 6: 373، وشرح النهج 12: 45.

ص:381

علی لسان مروان بن الحکم فی زواج یزید بن معاویة من ابنة عبدالله بن جعفر ، إذ ادّعی مروان بن الحکم فی کلامه حینما طلب زینب بنت عبدالله بن جعفر قائلاً : «إن یزید بن أمیر المؤمنین یرید القرابة لطفاً ، وألحق عظماً ، ویرید أن یتلافی ما کان بصلاح هذین الحیَّین» .

إذن ، فالزواج لم یکن زواجاً أصیلاً واقعیّاً ، بل امتزج بمسائل سیاسیّة((1)) یجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار عند من یرید دراستها ، خصوصاً زیجات الخلفاء والأمراء مع أهل بیت النبوة ، ولا یجوز الاکتفاء بمدَّعیات رجال الحکم والخلافة (عمر ، یزید ، عبدالملک بن مروان ، الحجّاج بن یوسف ، عبیدالله بن زیاد و ...) وما سطّروه فی کتب التاریخ والتراجم ، ثمّ القبول بما فی تلک الکتب علی علاّته .

کأن یقول قائلهم بأنّ «فلاناً» یطلب بهذا الزواج نسباً وسبباً إلی رسول الله !! أو أنّه یرید أن یرصد کرامتها ما لا یرصده أحد من الصحابة ، أو أنّه یرید رفع الکدورة بین الحیَّین و ... بل کانت الزیجات بین الصحابة وآل البیت لها ظروفها وشروطهاوملابساتها ، وهی لم تکن کما قالوه أو ادّعَوه قطعاً ! بل یخفی وراءها أمور کثیرة متنوّعة .

وکذا ما قالوه من إیلاد عمر أمّ کلثوم لم یکن ثابتاً ، کما لم یکن الأمر بشدّة وضراوة ما قاله الشریف المرتضی علی مُنکرِ إیلادها أولاداً ، بحیث لو أنکر أحد الإیلاد لأنکر ضروریّاً من الضرورات والمشاهدات ، إذ إنّ هناک بعض


1- کأن یتلافی بزواجه ما کان بصلاح هذین الحیَّین وأمثاله.

ص:382

علماء الحنفیّة قد أنکر وقوع هذا الزواج ، کالشیخ محمّد إن شاء الله الحنفیّ المحمّدیّ فی کتابه «السرّ المختوم فی ردّ زواج أُمّ کلثوم» ((1)).

وقد مرّ علیک کلام الزرقانیّ المالکیّ فی «شرح المواهب اللَّدنیّة بالمنح المحمّدیّة» وغیره ، حیث ذهبوا إلی موت عمر قبل الدخول بها .

ونحن فی مناقشتنا لنصَّی زرارة وهشام السابقَین((2)) ، ونصّ المتوفّی عنها زوجها((3)) ، لم نقف علی ما یدلّ علی وقوع إیلاد أُمّ کلثوم ، فکیف اعتبر الشریف المرتضی أنّ ولادتها أولاداً من عمر أمرٌ معلوم مشهور ؟!

خصوصاً لو أضفنا إلیه کلام ثلّة من العلماء من إنکار وقوع الزواج أصلاً((4)) ، فضلاً عن الإیلاد . مع قبول المجلسیّ بدلالة خبر المرأة المتوفّی عنها زوجها ، وجواز أن تکون عدّتها خارج بیتها علی العقد فقط((5)) .

نعم ، إنّ زواج عمر من أُمّ کلثوم وإیلادها مشهور عند مدرسة الخلفاء وفی کتبهم ، لکن من هی هذه أمّ کلثوم ؟ هل هی ابنة جرول أم ابنة الإمام علیّ ؟ فالتحقیق أثبت لنا بأنّها ابنة جرول ، وهذه هی التی ماتت وابنٌ لها فی یومٍ واحد ، ثمّ نسبوا هذه القضیّة إلی ابنة علیّ ، وعلیه فإثبات هکذا أمر یحتاج


1- عندی نسخة من هذا الکتاب باللغة الأُردویّة.
2- أُنظر: الکافی 5: 346 / ح 1 و2 - باب تزویج أُمّ کلثوم.
3- أُنظر: الکافی 6: 115 / ح 1 و2، والنوادر للراوندیّ: 186 کذلک.
4- لمنافاة ذلک لخبر: الخرائج والجرائح 2: 825 / ح 39.
5- قال المجلسیّ فی: مرآة العقول 21: 197- بعد أن أتی بالمرویّ عن الإمام الصادق علیه السلام فی المرأة تُوفّی زوجها أین تعتدّ -: ویدلّ الخبر علی تزویج أُمّ کلثوم بنت أمیر المؤمنین من عمر.

ص:383

إلی مزید دراسة وتحقیق ولا یجوز لنا أن نقرّ بما أشاعوه ، فربّ مشهور لا أصل له - کما عرفت - .

و إنّما رجونا فی هذه الرسالة التأکیدَ علی أنّ القول بوقوع هذا الزواج لا یضرّ المعتقد الشیعیّ ، بل هو مُضرّ بالطرف الآخر ، لأنّ له مخرجاً من الدین عندنا ، ولیس له مخرج من الدین عندهم - وعند عمر بن الخطّاب علی وجه الخصوص - ، وما حکیناه عن الآخرین لم یکن علی حدّ التبنّی ، بل ذکرناه علی نحو التنزّل والافتراض والاستشهاد والاستدلال .

وبهذا ، فقد اتّضح لک : أنّ القول بوقوع الزواج لا یضرّ بنا ، کما أنّه لا یحقّ لأحدٍ القول بأنّه من الضرورات المشهورات ، أو أنّ الأخبار فیه متواترة . کما ادّعاه الشیخ محمّد تقی التستریّ فی «قاموس الرجال» إذ قال :

فلم ینکره محقِّقٌ مُحَقَّقاً ، فأخبارُنا به متواترة فی نکاحها وعدّتها فضلاً عن أخبار العامّة واتّفاق السِّیَر .

فرواه زرارة وهشام بن سالم عن الصادق علیه السلام ، وعَقَد الکلینیّ له باباً ، وروی عن زرارة کون ذلک غصباً ، وروی عن هشام ، قال : قال الصادق علیه السلام : لمّا خطب عمر قال له أمیر المؤمنین : إنّها صبیّة ، فلقیَ عمرُ العبّاسَ فقال له : ما لی، أبیَ بأس ؟ أما والله لأُعورنَّ زمزم ولا أدع لکم ... ((1))

فکلامه - رحمه الله - غیر دقیق علی إطلاقه ، حیث إنّ الأخبار فیها


1- قاموس الرجال 12: 216.

ص:384

لیست متواترة کما قاله ، بل أقصی ما یمکن القول عنها : هی مستفیضة .

کما أنّ أخبارهم تشیر إلی أنّها کانت ابنة فاطمة فی حین لیس فی أخبارنا ما یدلّ علی هذا ، بل التحقیق أثبت بأنّ التشابه فی الأسماء والکنی والدواعی السیاسیّة جعلتهم یستغلّون موت أمّ کلثوم بنت جرول وابنها زید بن عمر للقول بوجود ولد لعمر من أمّ کلثوم بنت علیّ !! !

أجل هناک کثیر من المحقّقین قد أنکروا وقوع الزواج مستدلّین بأخبار وأدلّة مذکورة فی کُتبهم((1)) ، فماذا یجیب الشیخ التستریّ أولئک العلماء ؟

فقد قال الشیخ الطوسیّ (ت 460 ه-) فی جواب من ادَّعی وقوع التزویج :«قلنا : فی أصحابنا من أنکر هذا التزویج ، ومنهم من أجازه ...»((2)) فکلامه واضح بأنّ بعض أصحابنا أنکروا هذا الزواج .

أمّا ما قاله «فأخبارنا به متواترة فی نکاحها وعِدّتها» ، فهو الآخر غیر دقیق ، حیث شکّ بعض العامّة((3)) والخاصّة((4)) فی وقوع الزواج والدخول بها حسبما اتّضح لک سابقاً ، وإنّ خبر تزویج عمر بجنّیّة بنفسه کافٍ لتضعیف کلام التستریّ .


1- أُنظر «السرّ المختوم فی ردّ زواج أُمّ کلثوم»، و«إفحام الأعداء والخصوم بتکذیب ما افتروه علی سیّدتنا أُمّ کلثوم»، و«تزویج أُمّ کلثوم بنت أمیر المؤمنین وإنکار وقوعه»، وأمثالها.
2- الاقتصاد فیما یتعلّق بالاعتقاد: 213، تمهید الأصول: 386 - 387.
3- کالزرقانیّ فی: شرح المواهب اللدنیّة 7: 9.
4- کالنوبختیّ فی کتابه: الإمامة. أُنظر: بحار الأنوار 42: 91، مناقب آل أبی طالب 3: 89. والعمریّ فی: المجدی فی أنساب الطالبیّین: 17. والشیخ جعفر النقدیّ فی: الأنوار العلویّة: 426.

ص:385

وقد مرّ علیک کلام المجلسیّ فی «مرآة العقول» - بعد أن أتی بخبر زرارة وهشام - قال :

...وورد فی بعض الأخبار ما ینافیه ، مثل ما رواه القطب الراوندیّ عن الصفّار ...»((1)) .

أمّا ما رُویَ عن الإمام علیّ علیه السلام من أنّه لمّا تُوفّی عمر أتی أُمَّ کلثوم فانطلق بها إلی بیته ، فلیس فیه دلالة علی أنّها کانت بنتاً له من فاطمة ، فقد تکون من أمّ ولد ! وأنّ وجودها فی بیت عمر لا یعنی الدخول بها أو إیلادها أولاداً وهذا ما قلناه أکثر من مرة .

وعلیه فلا تتّفق کتب السیر علی هذا الکلام - حسبما ادّعاه الشیخ التستریّ رحمه الله - ولا اعتبار لأخبار العامّة عند الشیخ نفسه ، فکیف أیّدهم فی هذا المورد بهذا الشکل ؟!


1- مرآة العقول 20: 42.

ص:386

بقی هنا شیء

یجب أن نختم به کلامنا ، ثمّ علینا أن لا ننساه فی بحوثنا ودراستنا عن أُمّ کلثوم ، وهو أنّ بعض الجهلة من أهل السُّنّة أرادوا بنقلهم النصوص السابقة ، وإثارتهم لهذه المسألة بین الحین والآخر علی الفضائیّات وشبکات الإنترنت ، التأکیدَ علی وقوع هذا الزواج من أُمّ کلثوم ، اعتقاداً منهم بأنّ ذلک سیفید معتقدهم ویبلور أُطروحتهم ، فی حین أنّ الأمر لم یکن کذلک ، وأنّه إن دلّ علی شیء فإنّما یدلّ علی ما یُدین «الخلیفة» ویشوّه صورته وموقعه بین المسلمین أکثر فأکثر ، لأنّ تلک النصوص لا تشیر إلّا إلی النقاط السلبیّة من حیاة عمر ، وإلی الأهواء الجامحة التی کانت تعیش فی نفسه ، وإلی تعنّته وإصراره علی الزواج من صغیرة - أمّ کلثوم - بأیّ شکل کان ، وإن کلّفه تهدیم زمزم وکل مکرمة لبنی هاشم ، فإنّ نقل تلک النصوص تقلل من هیبته ، خصوصاً إذا جُمعت مع مقولاته الأخری والتی مرّت سابقاً :

ما بقی شیء من أمر الجاهلیّة إلّا أنّی لست أُبالی إلی أیِّ الناس نَکَحْتُ وأیَّهم أَنْکَحْتُ((1)) .

ومثله قول زوجته له - حینما کان یرید الحاجة - : ما تذهب إلّا إلی فتیات بنی فلان تنظر إلیهنّ ((2)) .


1- الطبقات الکبری لابن سعد 3: 289، کنز العمّال 16: 224 / خ 45787 عب، وأبو سعید.
2- المصنَّف لعبد الرزّاق 7: 303 / ح 13272، المعجم الکبیر 9: 338 / ح 9685، مجمع الزوائد 4: 304 عن الطبرانی، والحدیث عن عمر، تاریخ مدینة دمشق 69: 189.

ص:387

وغیرها من النصوص المبتذلة المسیئة «للخلیفة» فکلّها مشینة وجارحة للعواطف لا یرضی بتناقلها العامّة ، فسؤالنا هو : کیف تناقلها المؤرّخون مع تعهّد بعضهم بأنّ لا ینقلوا ما یؤذی مشاعر العامّة من الناس ، وقد ترکوا بالفعل نقل بعضها رعایة لحالهم ، مع بقاء ما یماثلها - أو أکثر - فی کتبهم ، فهل تصوّروا أنّ فی المنقول ما یفیدهم ؟

کما أنّ دعوی کسب القربی وأنّه یرید النسب من رسول الله صلی الله علیه و آله بعیدة عن واقع الأمور أیضاً ، لأنّ نفسیّة عمر تؤکّد شیئاً آخر .

فهو طلب فی الجاهلیّة من رسول الله أن یقتل عمَّه العبّاس ، ومن الإمام علیّ أن یقتل أخاه عقیلاً .

وفی الإسلام لم نره یولّی أحداً من بنی هاشم السرایا أیّام حکومته ، بل حرمهم خُمسَ الغنیمة ، فماذا یعنی ذلک ؟! ((1))

بل نراه یقف بوجه من اعترض علیه عند هجومه علی دار فاطمة علیها السلام ، فقیل له : إنّ فیها فاطمة ، قال عمر : وإن !! ((2))

وفی اعتقادی أنّ تناقل هذه النصوص هی إدانة لعمر أکثر من أن تکون مکرمة أو فضیلة له . فهم أرادوا أن تتحول الکراهیة بین عمر وعلیّ إلی محبة وصداقة وتزاوج بنقل هکذا أُمور ، فی حین أنهم لا یعلمون بأنّ هذا التحول لا یحصل من خلال الأقوال بعیدا عن المواقف .


1- سنن أبی داوود 3: 147 / ح 2984، سنن النسائیّ 7: 129، السنن الکبری للبیهقیّ 6: 354.
2- الإمامة والسیاسة لابن قتیبة 1: 19.

ص:388

ولو ألقیتَ نظرة سریعة علی ما حدث بعد رسول الله صلی الله علیه و آله من غصب الخلافة ، وأخذ البیعة من الإمام علیّ علیه السلام قسراً ((1)) ، والهجوم علی دار فاطمة بنت محمّد صلی الله علیه و آله وإحراق بابها((2)) ، وإسقاط ولدها «محسن» ((3)) ، وعدم تولیة أحد من بنی هاشم السرایا والولایات ((4)) ، وغیرها ، لعرفت أنّ الخلاف کان کبیراً لا یُحلُّ بقضیة تزویجٍ إِکراهیٍّ مفروض علی الإمام .

بل فی «إرشاد القلوب» للدیلمیّ کلام منسوب إلی الإمام علیّ علیه السلام وهو یخبر عمّا سیفعله الإمام المهدیّ بعمر عند رجعته عجّل الله فرَجَه ، حیث یخاطب أمیرالمؤمنین علیه السلام الشیخین وأتباعهما فیقول :

ثمّ یؤمَرُ بالنار التی أضرمتموها علی باب داری لتحرقونی وفاطمةَ بنت رسول الله وابنَیَّ الحسن والحسین وابنتَیَّ زینبَ وأُمِّ کلثوم ، حتّی تُحْرَقا بها((5)) .

وهذا النص شدید وحاسم ، وهو یُنبئ عن أنّ الخلاف بین الإمام علیٍّ وعمر لم یکن بسیطاً ، بل کان علی أَشُدّه .

کلّ هذه الأمور تشیر إلی سقم تلک الدعاوی وعدم وجود محبّة وصداقة وقرابة بین أهل البیت و«الخلفاء» ، فإنَّ التراب لا یتحوّل إلی ذهب - کما کانوا


1- العقد الفرید 4: 247.
2- الجَمل للمفید: 57.
3- البدء والتاریخ 5: 20 - الفصل 17.
4- أُنظر: مروج الذهب 2: 321 - 322.
5- إرشاد القلوب للدیلمیّ 2: 286.

ص:389

یتصوّرونه - بالألفاظ والمدّعیات ، فلو أرادوا القول بوقوع التزویج استناداً إلی تلک النصوص التی ذکرناها ، فإنّ علیهم أن یلتزموا بتوالیها وتداعیاتها ، وما یترتّب علیها من فساد وتجریح وإدانة «للخلیفة» .

وإن لم یقبلوا بهذه المترتّبات والتبعات فلیس لهم الاستناد إلی تلک النصوص ، إذ لا یجوز تبعیض الصفقة ، أی الأخذ بالبعض وترک الآخر .

وهذه الاختلافات - بل والمتناقضات فی بعض الأحیان - تدعونا للقیام بدراسة شاملة لجمیع جوانب الحدث ، لکن لما لم یسعفنا الوقت بالقیام بذلک آلینا علی أنفسنا الاکتفاء بالموجود ، لأنّ ما لا یدرک کلّه لا یترک جلّه ، وقد أتینا بهذه المناقشات کی نحد من تطرّف الآخرین ولکی لا یأخذ بالمشهور المتناقل علی الألسن علی أنّه حقیقة ثابتة ، فرُبَّ مشهور لا أصل له .

فیجب علینا أوّلاً أن نعرف :

· من هی أُمّ کلثوم ؟ وهل هی التی عاشت إلی واقعة الطفّ ، أم التی ماتت فی عهد معاویة ؟

· وما هی أدوارها ؟ ولماذا یکتفون فی التاریخ بنقل مشهد أو مشهدین عنها قائلین عنها بأنّها ماتت هی وابن لها فی یوم واحد ؟

· وهل وقع هناک خلط بین من سُمیّت ب- «أُمّ کلثوم» فی زوجات عمر ؟

فأُبدلت مثلاً أُمّ کلثوم بنت جرول ب- «أُمّ کلثوم» بنت علیّ ؟

ص:390

· وهل حقّاً أنّ أمّ کلثوم زوجة عمر کانت ابنة فاطمة الزهراء ((1)) ، أم أنّها ابنة الإمام علیّ من أُمّ ولد ، أو من زوجاته الأُخر ؟ أم أنّها ربیبة الإمام علیّ حسب مدّعی بعض الکتّاب ؟

· ومَن الذی زوّج أُمّ کلثوم : هل أبوها علیّ سلام الله علیه ، أم أَخَواها الحسن والحسین سلام الله علیهما ، أم عمّها العباس ، أم هی زوّجَت نفسها بنفسها ؟

·ومن هم أزواج «أُمّ کلثوم» بعد عمر - إن کان قد تزوّجها ! - هل هو عون بن جعفر((2)) ، أم محمّد ثمّ عون ثمّ عبدالله ((3)) ، أم عون ثم محمّد ثمّ عبدالله ؟ ((4)) وکیف یکون هذا الترتیب ، ومحمّد شهد صفّین واستُشهِد فیها((5)) ، وعون استُشهد فی واقعة کربلاء حسب بعض النصوص ؟ ((6)) فهل الذی تزوّجها عون ثمّ محمّد ، أو محمّد ثمّ عون ؟


1- جاء فی: الجوهرة فی نسب الإمام علیّ لمحمّد بن أبی بکر التلمسانیّ البرّیّ: 45: ولمّا دخل أهلُه [أی أهل الحسین بن علیّ علیه السلام ] علی یزید بن معاویة بالشام وهم فی حالة سیّئة... قالت له أُمّ کلثوم بنت علیّ من غیر فاطمة: یا یزید ! بنات رسول الله سبایا أذلّة !...
2- أُنظر: أُسد الغابة 5: 616.
3- أُنظر: ذخائر العقبی: 117، المعارف: 211.
4- البدایة والنهایة 5: 309، الإصابة 8: 294، الطبقات الکبری 8: 463.
5- فی: أنساب الأشراف 2: 299 و3: 97، ومقاتل الطالبیّین: 12، والإصابة 6: 8 / الترجمة 7769: وشهد [محمّد بن جعفر] صفّین واعترک فیها مع عبیدالله بن عمر فقَتَل کلٌّ منهما الآخر.
6- أنساب الأشراف 2: 299 و3: 97.

ص:391

· وهل ولدت «أمّ کلثوم» لأولاد جعفر ، أم ترکتهم بلا عقب ؟ ((1))

· بل هل ولدت لعمر أم لا ؟ ((2))

· ولو کانت الإجابة بالإیجاب ، فهل المولود هو زید فقط - کما نُقل عن الزهریّ - وغیره ((3)) ، أم زید ورقیّة - کما قاله البلاذریّ وغیره - ((4)) ، أو فاطمة - کما قاله ابن قتیبة - ؟ ((5))

· ومَن الذی صلّی علیها : هل سعید بن العاص((6))(ت 59 ه-) ، أم عبدالله بن عمر((7)) (ت 73 ه-) ، أم مروان بن الحکم ؟


1- قال ابن سعد فی الطبقات 8: 463: ولم تلد لأحد منهم شیئاً. ومثل ذلک قال ابن إسحاق فی سیرته 5: 233 – 234 / الرقم 349 و 351، أما البیهقیّ فقد قال فی: السنن الکبری 7: 71 / خ 13201: فولدت لمحمّد بن جعفر جاریة یقال لها بثینة، وفی: سیر أعلام النبلاء 3: 502: بثنة.
2- فی سیر أعلام النبلاء 3: 502 تُوفِّی شابّاً ولم یعقّب.
3- البدایة والنهایة 5: 318، ذخائر العقبی: 170، مآثر الإنافة 1: 42، السنن الکبری للبیهقیّ 7: 71.
4- أنساب الاشراف 2: 410، الاستیعاب 4: 1954 / من الترجمة 4204، سیر أعلام النبلاء 3: 501.
5- المعارف لابن قتیبة: 185، مختصر التاریخ لابن الکازرونیّ: 68.
6- ذخائر العقبی: 171، الطبقات 8: 464، سُنن النسائیّ 4: 71، سیر أعلام النبلاء 3: 502.
7- الطبقات 8: 464، الاستیعاب 4: 1952وفی: مختصر تاریخ مدینة دمشق 9: 162: قیل: إنّ سعید بن العاص صلّی علیها، والمحفوظ أنّ عبدالله بن عمر صلّی علیها فی إمارة سعید ابن العاص وکبّر أربعاً وخَلْفه الحسن والحسین وابن الحنفیّة وابن عبّاس وغیرهم وانظر: ذخائر العقبی: 171.

ص:392

· ولو کان المصلِّی علیها عبدالله بن عمر ، فهل صلّی علیها مع وجود الإمام الحسن المجتبی علیه السلام کما فی کتاب «المنمق» لابن حبیب وغیره ((1)) ، أم صلی علیها فی حکومة عبدالملک بن مروان - کما جاء فی المصنَّف ((2)) ، وأنت تعلم بأنّ بین الفترتین اختلاف کبیر ؟!

· وهل ماتت وابنها فی یوم واحد ((3)) ، أم علی التعاقب ؟ ((4))

· وهل مات ولدها المفترض عن مرضٍ وعلة ، أم لسقوط الجدار علیه وعلی أُمّه فی وقت واحد ؟

لأنّ الموجود فی (المنمّق) و(تاریخ مدینة دمشق) أنّه [أی زیداً] وأُمّه أُمّ


1- کتاب المنمَّق: 312، أُسد الغابة 5: 615: فحضر جنازتها الحسن بن علی علیه السلام وعبد الله ابن عمر، فقال ابن عمر للحسن: تقدم فَصَلِّ علی أُختک وابن اختک، فقال الحسن علیه السلام لعبد الله: بل تقدّمْ فصلِّ علی أُمک وأخیک، فتقدّم ابن عمر فصلّی علیهما صلاة واحدة وکبّر أربعاً.
2- المصنَّف لعبد الرزّاق الصنعانیّ 6: 163 / ح 10354.
3- الطبقات 8: 464، سُنن النسائیّ 4: 71 / ح 1978، مختصر تاریخ مدینة دمشق 9: 159، الاستیعاب 4: 1956، المعارف: 188، مصنَّف ابن أبی شیبة 3: 8 / ح 11568.
4- صرّح عبدالرزّاق فی: مصنَّفه 6: 164 / ح 10354بأنّ عبدالملک بن مروان سمّه خوفاً من أن ینازعه الخلافة، لأنّه ابن الخلیفتین ! وهذا یشیر إلی أنّه کان حیّاً إلی أواخر القرن الأوّل الهجریّ، فی حین أنّ أُمّ کلثوم کانت قد ماتت قبل ذلک، فقد یکون الذی صلّی علیه ابن عمر هو زید بن أُمّ کلثوم بنت جرول، لا ابن فاطمة وأنّ جملة «أباه» زُجّ فی کلام عمرو ابن جریر البجلیّ والمذکور فی: المنمَّق: 312: إنّ زیداً صمخ فی صلاة الغداة فخرجت أُمّه وهی تقول: یا ویلاه ما لقیتُ من صلاة الغداة ! وذلک أنّ أباها وزوجها وابنها ]کلّ واحد منهم[ قُتل فی صلاة الغداة. وهذا النصّ یدلّ علی حیاتها بعد زید !

ص:393

کلثوم بنت علیّ مَرِضا جمیعاً وثقلا ونزل بهما ، وإنّ رجالاً مشوا بینهما لینظروا أیّهما یموت قبل صاحبه فیرث منه الآخر ، ولم یُدرَ أیّهما قُبض قبل صاحبه ، فلم یتوارثا((1)) .

وفی «المحلّی» : إنّ بنی الجهم بن حذیفة ضربوا زیداً فی الظلام((2)) .

وفی «المنتخب من کتاب أزواج النبیّ» للزبیر بن بکّار و«المحلّی» لابن حزم : إنّ خالد بن أسلم مولی عمر قتل زیداً وهو لا یعرفه ، رماه بحجر((3)) .

· وهل کان لزید بن عمر أعقاب ، أم لا ؟

· ولماذا لُقِّب زید بن عمر من أُمّ کلثوم بنت جرول ب- «الأصغر» مع أنّه کان الأکبر حقیقة ؟

وهل یصحّ ما ادّعَوه من أنّهم لقّبوه بذلک کرامةً لجدّه رسول الله ، ولکونه ابنَ فاطمة الزهراء ؟!

· بل کیف یمکن الجمع بین زوجة عمر التی ماتت مع ابن لها فی یوم واحد فی سنة 54 ه- ، مع التی شهدت الطفّ عام 61 هجری مع أنّ الأخیرة کانت تنادی (واجدّاه) وارسول الله (وا أمّاه) ممّا یدلّ علی کونها شقیقة الحسین وشقیقة زینب الکبری ، فکیف یمکن الجمع بین القولین وبین ما نقرأه فی «البدایة والنهایة» من أنّها تزوّجت بعبد الله بن جعفر أیضاً بعد وفاة أختها زینب علیها السلام .


1- المنمَّق: 312، تاریخ مدینة دمشق 19: 487.
2- المحلّی 10: 489.
3- المنتخب من کتاب أزواج النبیّ للزبیر بن بکّار: 31.

ص:394

فهل علینا أن نقبل بهذا القول أو أن نقول بوفاتها فی زمان معاویة وصلاة سعید بن العاص أو ابن عمر علیها ، ونصّ «البدایة والنهایة» هو :

وقد تزوَّج عمر بن الخطّاب فی أیام ولایته بأمّ کلثوم بنت علیّ ابن أبی طالب من فاطمة ... فولدت له زید بن عمر .

ولما قُتل عمر تزوّجها بعده ابن عمها عون بن جعفر فمات عنها ، فخلف علیها أخوه محمّد فمات عنها ، فتزوّجها أخوهما عبدالله ابن جعفر فماتت عنده ، وقد کان عبدالله بن جعفر تزوَّج بأُختها زینب بنت علی وماتت عنده أیضاً((1)) .

· وما هو المهر الذی أمهرها عمر : هل هو عشرة آلاف دینار((2)) ، أم أربعون ألف دینار((3)) ، أم أربعة آلاف درهم((4)) ، أم أربعون ألف درهم((5)) ، أم أربعون ألفاً بلا تعیین((6)) ، أم مائة ألف بلا تعیین((7)) ، أم غیر هذا وذاک ؟


1- البدایة والنهایة 5: 309.
2- تاریخ الیعقوبیّ 2: 149.
3- التراتیب الإداریّة 2: 405.
4- الدرّ المنثور فی طبقات ربّات الخدور: 69.
5- البدایة والنهایة 5: 309، المصنَّف لابن أبی شیبة 3: 424 / ح 16387، تاریخ مدینة دمشق8: 116، المنتظم 4: 237.
6- سیر أعلام النبلاء 3: 501، الطبقات 8: 464، تاریخ دمشق 19: 486، أنساب الأشراف 2: 410، عمدة القاری 20: 137، الإصابة 8: 293 / ح 12233، کنز العمّال 13: 269 / ح 37591.
7- أنساب الأشراف 2: 410.

ص:395

· بل کیف یمهرها عمر هذا المبلغ الضخم ، وهل یصحّ قوله : وأعطیتُ هذا المال العریض إکراماً لمصاهرتی إیّاه ((1)) . وهو الذی هدّد مَن زاد فی مهور النساء بجعل ما زاد علی مهر السُّنّة فی بیت المال ، فاعترضت علیه تلک المرأة بقوله تعالی : {وَآتَیْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً} ((2)) ، ثمّ رضوخ عمر لکلامها وقوله : کلّ الناس أفقه من عمر حتّی ربّات الحجال ! ألا تعجبون من إمام أخطأ وامرأة أصابت ، فاضَلَت إمامکم ففضلَتْه !((3)) وهل یُقبل تعلیله أم لا ؟

جاء فی کتاب «السرائر» : خطب الناسَ عمرُ بن الخطّاب وذلک قبل أن یتزوّج أُمّ کلثوم بیومین ، فقال : أیّها النّاس ، لا تُغالوا بصدقات النساء ، فإنّه لو کان الفضل فیها لکان رسول الله یفعله ، کان نبیُّکم یصدق المرأة من نسائه المحشوَّة ، وفراشَ اللَّیف ، والخاتم ، والقدح الکثیف ، وما أشبهه . ثمّ نزل المنبر ، فما قام إلّا یومین أو ثلاثة حتّی أرسل فی صداق بنت علیّ أربعین ألفاً ((4)) .

هذا هو الموجود فی الکتب ، لکنّی لا أصدق أن یکون الإمام علیّ علیه السلام


1- التراتیب الإداریّة 2: 405.
2- النساء: 20، مصنَّف عبدالرزّاق 6: 180 / ح10420، المطالب العالیة 8: 94 / ح 1566، مجمع الزوائد 4: 284.
3- شرح النهج 1: 182. وانظر: کنز العمّال 16: 534 - 542.
4- السرائر 3: 637 (قسم المستطرفات / ما استطرفه من روایة ابن قُولَویه).

ص:396

قد قبل تجاوز مهر ابنته مهر السنّة لو کان هنا لک مهر وزواج ؟

ألم نقرأ عن الإمام الجواد علیه السلام أنّه تزوَّج أُمّ الفضل بنت المأمون - الّذی أنفق الملایین من الدنانیر علی حفل زواج ابنته - بخسمائة درهم جیاد ، مهر جدّته فاطمة الزهراء ؟! ((1))

فلو قالوا بأنّه أمهرها هذا القدر لأجل نسبها من رسول الله صلی الله علیه و آله ((2)) .

لقلنا لهم : إنّ سنّة رسول الله هی غیر ذلک ، فمهر الزهراء علیها السلام ومهر زینب الکبری علیها السلام زوجة عبدالله بن جعفر ، ومهر زوجات النبیّ

صلی الله علیه و آله ، وبناته لم یکن إلّا یسیراً ، وقد صرح النبیّ بأنْ لا خیرَ فی کثرة المهر .

روی أبو داوود عن عمر أنّه خطب فقال : لا تغالوا بصُدُق النساء ، فإنّها لو کانت مکرمة فی الدنیا أو تقوی عند الله لکان أولاکم بها النبیّ ، ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه ولا أُصدقت امرأة من بناته أکثر من اثنتی عشرة أُوقیة((3)) .

فکیف یمهر عمر بأکثر من ذلک بکثیر ؟! وأیّ الأخبار فی مهر أمّ کلثوم هی الصحیحة ، وهل یمکن بنقل هکذا أخبار الدفاع عن عمر ؟

إنّه لیثیر الاستغراب حقّاً !!


1- مناقب آل أبی طالب لابن شهر آشوب 3: 489. وانظر تاریخ بغداد 6: 62 / الترجمة 3096، وفیه: أربعمائة درهم.
2- أُنظر: البدایة والنهایة لابن کثیر 5: 209.
3- سنن أبی داوود 2: 235 / ح 2106 وفی سنن الترمذی 3: 422 / ح 1114: ما علمتُ رسول الله نکح شیئاً من نسائه ولا أنکح شیئاً من بناته علی أکثر من ثنتی عشرة أُوقیة.

ص:397

إنّ إعطاء عمر هذه الأرقام الخیالیّة من الأموال - أربعین ألف دینار ، عشرة آلاف دینار ، مائة ألف - لا یتناسب مع ما نُسب إلیه من الزهد وعدم ارتزاقه من بیت المال ، بل یبعث علی التساؤل والتشکیک فی صحّة هذه النقول ، بل وفی أصل الزواج أیضاً ، وهذا ما قاله الشیخ المفید عند مناقشته لأخبار هذا الزواج .

نعم قد تکون هذه الأخبار موضوعة وفیها مغالاة ، فاقرأ ما قاله ابن أبی الحدید فی «شرح النهج» عن عمر من أنّه لمّا طُعن واحتُمل فی دمه إلی بیته ، أوصی بما أوصی ، قائلاً لابنه عبدالله :

انظروا ما علَیّ من دَین . فحسبوه فوجدوه ستَّمائة وثمانین ألف درهم ... وقد روی الطبریّ أنّ عمر دفع إلی أمّ کلثوم بنت أمیرالمؤمنین علیه السلام صداقها یوم تزوّجها أربعین ألف درهم ، فلعلّ هذا الاقتراض من الناس کان لهذا الوجه ولغیره من الوجوه التی قلّ أن یخلو أحد منها((1)) .

رواة أخبار مهر أمّ کلثوم من عمر

إنّ الباحث لو تأمّل فی أخبار المهر لرآها مرتبکة ، ولا یُستبعَد أن تکون بعضها موضوعة ، وبعد جَرْدٍ سریع لتلک الروایات نراها مرویّةً عن أربعة أشخاص ، هم :


1- شرح نهج البلاغة 12: 226 - 227، وفی: صحیح البخاریّ 4: 205 أنّ دیون عمر کانت 86 ألف درهم.

ص:398

جابر بن عبدالله الأنصاریّ .

وأسلم العَدَویّ .

ومحمّد بن السائب الکلبیّ .

وعطاء بن أبی سالم الخرسانیّ .

1- الرواة عن جابر بن عبدالله الأنصاریّ :

فالرواة عن جابر بن عبدالله الأنصاریّ لیسوا بثقات ، بل ورد تجریح فیهم ، وهما شخصان لا ثالث لهما :

أحدهما : عبدالله بن زید بن أسلم الذی قال عنه ابن حِبّان : یأتی بالأشیاء عن الثقات التی إذا سمعها المبتدئ فی هذه الصناعة شهد علیها بالوضع((1)) .

وقال یحیی بن مَعین عنه : حدیثه لیس بشیء ، وفی مکان آخر : بنو زید ابن أسلم کلّهم لیس فیهم ثقة ، أو لیسوا بشیء ، أو لیسوا بشیء ثلاثتهم ، أو : بنو زید بن أسلم ثلاثتهم حدیثهم لیس بشیء ، ضعفاء ثلاثتهم ، أو : هؤلاء أخوةٌ ولیس حدیثهم بشیء جمیعاً .

وقال علیّ بن المدینیّ : لیس فی وُلد زید بن أسلم ثقة((2)) .

وقال أبو داوود : أولاد زید بن أسلم عبدالله ، وأُسامة ، وعبد الرحمن ،


1- المجروحین 2: 10 / الرقم 536.
2- تهذیب الکمال 14: 536، تهذیب التهذیب 5: 195 / الرقم 385، ضعفاء العقیلیّ 4: 103 / الرقم 4336، التحفة اللطیفة 2: 38 / الرقم 2038.

ص:399

کلّهم ضعفاء ، وهذا ما قاله البیهقیّ أیضاً .

والآخر : محمّد بن عبدالملک الأنصاریّ ، عن محمّد بن المُنکدِر ، عن جابر . ومحمّد بن عبدالملک الأنصاریّ هذا - حسب تعبیر ابن حِبّان - کان ممّن یروی الموضوعات عن الأثبات لا یحلّ ذِکره فی الکتب إلّا علی جهة القدح فیه ، ولا الروایة عنه إلّا علی سبیل الاعتبار((1)) .

أسند ابن عَدیّ إلی البخاریّ أنّه قال : محمّد بن عبدالملک هذا منکَرُ الحدیث ، وإلی النسائیّ قال : متروک الحدیث ، ووافقهما ابن عدیّ وقال : هو ضعیف وکلّ أحادیثه لا یتابعه علیها الثقات((2)) . هذا عن طریق خبر جابر بن عبدالله الأنصاریّ .

2- الرواة عن أسلم العدویّ :

أمّا الرواة عن أسلم العدویّ فهما حفیداه :

1 - عبدالله بن زید بن أسلم ، و :

2 - عبدالرحمن بن زید بن أسلم . وقد مرّ الکلام فیهما وعرفت حالهما ، وهناک شخص ثالث وهو حبیب بن أبی حبیب - کاتب مالک بن أنس - عن عبدالعزیز الدَّراوَرْدیّ عن زید بن أسلم ، والذی قال عنه أبو داوود : حبیب کاتب مالک أکذبُ الناس ! ((3))


1- المجروحین 2: 269 / الرقم 955.
2- تخریج الاحادیث والآثار للزَّیعلیّ 1: 26، الکامل لابن عَدیّ 6: 157.
3- تهذیب الکمال 5: 366 / الرقم 326، وتهذیب التهذیب 2: 158 / الرقم 326.

ص:400

وقال أحمد بن حنبل : لیس بثقة ، کان یحیل الحدیث ویکذب((1)) .

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل : لم یکن أبی یوثّقه ولا یرضاه ، وأثنی علیه شرّاً وسوءاً .

وقال فیه یحیی بن مَعین : کذّاب((2)) .

وقال سهل بن عسکر : کتبنا عنه عشرین حدیثاً وعرضناها علی ابن المدینیّ فقال : هذا کلّه کذب((3)) .

وقال أبو حاتِم : متروک الحدیث ، روی عن ابن أخی الزُّهریّ أحادیث موضوعة((4)) .

وقال ابن حِبّان : یروی عن الثقات الموضوعات ؛ کان یُدْخِل علیهم ما لیس من أحادیثهم((5)) .

وقال عنه ابن عَدیّ : أحادیثه کلّها موضوعة عن مالک وغیره((6)) .

وقال النسائیّ : متروک الحدیث . وهو ما قاله غیره أیضاً .


1- الجرح والتعدیل 3: 100 / الرقم 466 وضعفاء ابن الجوزیّ 1: 189 / الرقم 752.
2- الضعفاء الکبیر 1: 465.
3- تهذیب التهذیب 2: 158 / الرقم 326.
4- الجرح والتعدیل 3: 100 / الرقم 466.
5- المجروحین 1: 265 / الرقم 268.
6- الکامل لابن عَدیّ 2: 411 / الرقم 531.

ص:401

3- روایة محمّد بن السائب الکلبیّ :

أمّا روایة محمّد بن السائب الکلبیّ والتی رواها عنه ابنه هشام ، فهی مرسلة لیس فیها سند .

ونحن نعلم بأن العامّةَ جرحوا الکلبیَّ وابنه هِشاماً بأقوال مشینة .

4- روایة عطاء بن أبی سالم :

وهکذا هو حال الرواة عن عطاء بن أبی سالم الخراسانیّ ، مضیفین علیه أنّ عطاء الخراسانیّ لا یمکنه أن یروی عن عمر ؛ لأنّه وُلد سنة 50 ، وفی حین أنّ عمر بن الخطّاب مات سنة 23 ه- ، أی أنّه وُلد بعد خبر زواج عمر من أُمّ کلثوم بأکثر من سبعة وعشرین عاماً .

کلّ ذلک ، مع تصریح الرجالیِّین بأن عطاءً کان من المدلِّسین ، لروایته عن عمر وعثمان وزید وابن عبّاس ، قال البیهقیّ : فإن عطاء الخراسانیّ وُلد سنة خمسین ولم یُدرِک عمر ولا عثمان ولا علیّاً ولا زیداً ، وکان فی زمن معاویة صبیّاً ، ولم یثبت له سَماعٌ من ابن عباس((1)) .

فسؤالنا هو : کیف یمکن الاطمئنان إلی خبر زواج عمر من أُمّ کلثوم وإمهارها هذه المبالغَ الطائلة بعد وقوفک علی طرقها ورواتها وما تحمل من إشکالیات علی عمر والإمام علیّ علیه السلام ؟!


1- السنن الکبری 5: 182 / ذیل الحدیث 4649، المجموع للنوویّ 7: 358، نصب الرایة 3: 132.

ص:402

عود علی بدء

ومثل ذلک یأتی کلامنا فیما نُقل عن أزواج أُمّ کلثوم بعد عمر ، فلو صحّ أنّ أُمّ کلثوم قد تزّوجت عوناً بعد عمر ، ثمّ تزوّجها أخوه محمّد بعده ، فکیف یمکننا أن نقبل بهذا ونحن نقرأ فی کتب التواریخ أنّ عوناً ومحمّداً ابنا جعفر قد استُشهِدا - فی عهد عمر - بتُستر فی إیران سنة 17 للهجرة ؟! ((1))

مع وقوفنا علی أنّ عمر کان قد تزوَّج بأمّ کلثوم فی سنة 17 للهجرة ودخل بها فی ذی القعدة من تلک السنة ، حسبما یقوله المؤرّخون((2)) .

فمتی تزوّجها عون ومحمّد ؟ أَوْ متی مات أحد الأخوین ثم الآخر ؟ فی حین أنّ زوجها الأوّل عمر بقی إلی سنة 23 للهجرة ؟!

ومثل ذلک تأتی إشکالیّة زواجها من عبدالله بن جعفر ، فهل کان بعد طلاق زینب أو بعد وفاتها ؟!

وکیف یتّفق ذلک مع ما قیل بأنّ علیّاً زوّجها بعون ومحمّد وعبد الله أبناء أخیه جعفر بن أبی طالب ، ومعناه أنّ زواجه منها کان قبل شهادة الإمام فی سنة 40 ه- .

فلو صحّ هذا النقل فکیف یتطابق مع کون عبدالله بن جعفر زوجاً للعقیلة زینب علیها السلام ، وزینب کانت زوجتَه إلی أن ماتت عنده فی عام 62 هجری ؟!


1- الاصابة 6: 8 / 7769.
2- تاریخ الطبری 2: 492، ثقات ابن حیان 2: 216.

ص:403

بل کیف یمکن الجمع بین الأُختین ؟ أللّهمّ إلّا أن یقال بأنّ أُمّ کلثوم هذه لم تکن من الإمام علیّ وفاطمة علیهما السلام ، بل کانت ربیبته((1)) ، والربیبة تُعَدّ بمنزلة البنت .

وهذا القول هو الآخر تَعرَّضنا له وفنّدناه ، ویجب أن یُدرس فی بحوثنا اللاحقة بشکل أعمق ، وأن لا یؤخذ علی علّاته ((2)) .

لا أدری کیف تلد أُمّ کلثوم لعمر ثلاثة أولاد : زید ، ورقیّة ، وفاطمة فی مدة خمس سنوات ، ولا نراها تلد لأبناء جعفر بن أبی طالب الثلاثة أیَّ وَلد فی


1- نعم، قد یمکننا الجمع، لکنّه لا یتّفق مع المشهور عندهم، وذلک بالقول بأنّ للإمام علیّ علیه السلام ثلاث بنات تُکنّی بأمّ کلثوم وتُسمّی بزینب، فزینب الکبری عقیلة الهاشمیّین والمکنّاة بأمّ کلثوم تزوّجها عبدالله بن جعفر، وزینب الوسطی المکنّاة بأمّ کلثوم أیضاً تزوّجها محمّد ثم عون، وقد یکون عبدالله بن جعفر تزوّجها بعد وفاة أختها الکبیرة زینب الکبری بعد واقعة الطفّ وشهادة أخیه عون بن جعفر. أمّا زینب الصغری المکنّاة بأمّ کلثوم فهی لم تکن من فاطمة، وقد ماتت صغیرة ودُفنت فی البقیع حسبما جاء فی بعض النصوص. وهذا لا یتّفق مع ما قالوه عن أُمّ کلثوم بنت علیّ وزواجها من عمر، لأنّ التی تزوّجها عمر قد ماتت وابنٌ لها فی إمارة سعید بن العاص، وهذا لا یتّفق مع أیّ واحدةٍ من هذه الزینبات المُکَنَّیات بأمّ کلثوم.
2- لأنّا قلنا بأنّ کتب التواریخ ذکرت لأسماء بنت عُمَیس ابناً واحداً، وهو محمّد بن أبی بکر، وأُمّ کلثوم بنت أبی بکر هی بنت حبیبة بنت خارجة الخزرجیّة، لا بنت أسماء بنت عُمَیس، فهی أُخت محمّد من أبیه، لا من أمه وأبیه، فلا یمکن أن تکون ربیبة الإمام علیّ علیه السلام .

ص:404

هذه المدة الطویلة ((1)) ، ألیس هذا لُغْزاً مُحَیِّراً ؟

وهکذا الأمر فی أولاد جعفر بن أبی طالب نراهم یُزَوَّجون من أُمّ کلثوم الواحد منهم تلو الآخر ، کلّ ذلک بعد أنّ تزوّجها عمر بن الخطّاب وقضی منها وطراً ؟!

هل جاء ذلک لتحقیق أمانیّ الإمام علیّ الذی قال لعمر : حبستُهنّ لأولاد أخی جعفر ؟! أم للتجانس مع الحقائق التاریخیّة والمنطقیّة .

وهل جاء کلّ هذا صدفة ، أم أنّ هناک أشیاء أُخری خَفِیَت لم یُکشف عنها الستار ؟

ولماذا لا نقول بأنّ عون بن جعفر هو زوجها منذ البدایة وعلی عهد عمر ، ساعین لأن نعتبره شهیداً فی تُستر لکی یزوّجوها من عمر !! ولکی نُمیت معه کلَّ تلک الحقائق ؟!

بلی ، إنّ أغلب الأقوال المنقولة فی زواج عمر من أُمّ کلثوم یحتاج إلی بحث ودراسة ، والذی یزید فی شکّنا هو الکتمان والتستّر والتحریف فیها - من قبل عمر ومن قبل غیره - ، إذ لا نری أحداً من الصحابة یدّعی مشارکته أو مشاهدته الخطبة أو العقد ، بل لم یُنقَل عن أمیرالمؤمنین علیّ والحسن والحسین علیهم السلام شیء فی مراسم العقد والزفاف . وکتمان هذا الأمر وأمثاله هو الذی دعانا إلی أن نتریّث فی إعطاء رأینا النهائیّ فیه ، مکتفین بالتعلیق علی أشدّ الأقوال وأشهرها علی مواقع الإنترنیت ، مؤکدین للقارئ بأنّ أمر زواج ابنة علیّ


1- وفی قولٍ یتیمٍ أولدت لمحمّد فقط، أُنظر دلائل النبوة للبیهقیّ 7: 283.

ص:405

وفاطمة من عمر لم یکن ثابتاً متواتراً کما یتصوَّره بعض الناس ، بل هناک ملابسات کثیرة رافقتها ، قد عرضنا بعضها ، آملین أن تکون لنا وقفة أخری ندرس فیها ما تبقّی من البحث .

إذاً ، لا یمکننا البتّ فی هذا الأمر الآن أو القبول بما جاء فیها علی علاّتها ، حیث إنّ شخصیّة أُمّ کلثوم یکتنفها کثیر من الغموض من البدایة إلی النهایة .

فأمّ کلثوم التی تزوّجها عمر تختلف عن التی شهدت واقعة الطف .

کما أنّ شخصیّة أُمّ کلثوم بنت فاطمة علیها السلام - شقیقة الحسین علیه السلام - تختلف عن شخصیّة أُمّ کلثوم بنت علیّ من أُمّ ولد ، وشخصیّة أمّ کلثوم بنت جرول ، فقد تکون المتوفّاة وابنٌ لها فی عهد معاویة هی زوجة عمر فی الجاهلیة (أمّ کلثوم بنت جرول وابنها زید بن عمر) ، وبما أنّ بعض الهاشمیین أمثال ابن عباس ، وعبد الله بن جعفر ، والحسین بن علیّ کانوا قد حضروا جنازتها والصلاة علیها وعلی ابنها زید بن عمر ، فنَسَبوا هذه إلی أمّ کلثوم بنت علیّ والتی تزوّجها عمر وهی صغیرة وزُفّت إلیه وهی بنت أربع سنین أو ما بین الأربع إلی الخمس ((1)) .

فقد یکون عمر ومِن بعده الأمویّون أرادوا - من خلال هذا الزواج - التشکیک فی مِلکیّة الزهراء علیها السلام لفدک ، أو مشارکة عمر وأولاده فی ذلک ،


1- هذا ما قاله ابن مازة الحنفیّ الخسّاف (ت 536 هجریّة) فی کتابه: شرح أدب القاضی 4: 129.

ص:406

وهذا دعا أمثال حماد بن إسحاق البغدادیّ (ت 267 هجریّة) إلی أن یقول : وتزوّج عمر بأمّ کلثوم وولدت له زیداً ورقیّة ابنی عمر ، فکان یجب علی علیّ تسلیم فدک إلی وُلدها ، وکان لعمر الحظّ الوافر فی ذلک وهو حقّ زوجته أمّ کلثوم ثمّ لزید ابنه منها ولد((1)) . والذی مرّ آنفاً فکلّ هذه الأمور مشکوکة ، فیجب علی الباحث والمؤرّخ أن یدرسها کما یجب علیه أن یدرس کلّ ما جاء عن المسمّیات باسمها وکنیتها فی التاریخ ، وأن لا یکتفی بدراسة حالة معیّنة خاصّة منها ؛ لأنّ شخصیّتها کامنة وراء مواقفها وأقوالها ، فیجب التفکیک بین النصوص ، ثمّ دراستها بعمق للخروج بنتیجة ، لأنّها نصوص مضطربة اضطراباً شدیداً جدّاً ، فلا یجوز النظر إلی جانب وترک الجوانب الأخری من الموضوع ، لأنّ فی ذلک خیانة للعلم والتحقیق ، والسؤال هنا هو : لماذا علینا قبول ما یقوله الآخرون ولا یحقّ لنا إبداء رأینا وتشکیکنا فیه ورسم البدیل الأمثل الموافق للعقل والتاریخ والوثائق ؟

فممّا یجب علی المحقّقین والباحثین هو الرجوع مباشرة إلی النصوص التراثیّة ودراستها مع ملابساتها وعدم التسلیم للرأی المشهور ، فإن أمکنهم الخروج بنتیجة مطلوبةٍ فنِعم النتیجة ، وإلّا فلیؤمنوا بأنّ هذه التناقضات هی أکبر دلیل علی أنّ فی هذا الأمر لغزاً أو دسّاً ، قد یکون متعمّداً ، وقد یکون جاء من حالة التشابک والتشابه بین الأسماء ووحدة المواقف فی بعض الأحیان واختلافها أحیاناً أخری ، والأول أقرب للأحداث والملابسات ، وهو ما


1- ترکة النبیّ: 95.

ص:407

ندعو الباحثین إلی التریّث فیه ، وعدم ترجیح رأی علی آخر ، لأنَّ الوقوف علی دور السیاسة والأهواء والمصالح فی مثل هذه الأُمور کفیل بأن یعطینا صورة حیّة عن الملابسات ویحلّ لنا هذا اللُّغز الغریب العجیب .

إنَّ اختلاف النصوص والمدّعیات تدعونا إلی ضرورة بحث ودراسة مثل هذه الأُمور ، بل تشکّکنا فی صحّتها ، وتجعلنا نمیل إلی عدم ثبوت أمر زواج ابنة فاطمة من عمر ، مع اعترافنا بوجودها علیها السلام کابنةٍ لعلیّ بن أبی طالب علیه السلام ، وهناک تناقضات موجودة فی التاریخ والشریعة یجب حلّها ، تارکین ذلک إلی وقته وحینه .

سائلین المولی سبحانه أن یوفّقنا لتقدیم دراسة موسّعة فی هذا الموضوع ، تُرفَع فیها کلّ الإشکالات المطروحة فی هذه القضیّة ، علی أمل اللقاء مع القرّاء الکرام فی وقت آخر إن شاء الله تعالی .

ص:408

الخلاصة

تلخّص ممّا سبق عدّة أُمور :

الأوّل :

أنّ عمر بن الخطّاب لم یکن معصوماً ، وقد أخطأ فی فهم کثیر من الأحکام الشرعیّة عن اجتهاد أو مصلحة أو غیرهما کما یدّعون ، وأنّ المصالح لم تکن شرعیّة ، بل کانت مصالحَ شخصیّةً وهمیَة .

الثانی :

أنّ عمر بن الخطّاب لم یُعِر للقربی منزلة ، لا فی أوَّل الإسلام ولا فی فتوّته ، ولم یکن علی وفاق مع بنی هاشم ، وأنّ دعوی الحصول علی القرابة ما هو إلّا غطاء سیاسیّ وتبریر اجتماعیّ یبتغی من ورائه أُموراً خفیّة ، وإذا صحّ مدّعاه فکان الأُولی به أن یحاول المصاهرة مع رسول الله صلی الله علیه و آله مباشرة من خلال إحدی بناته صلی الله علیه و آله لا من خلال بنت بنته .

نعم أقدم علی خِطبة فاطمة الزهراء فقط ، ربّما منافسةً للإمام علیٍّ علیه السلام ، فردّه رسول الله صلی الله علیه و آله وانتهی کلّ شیء !

الثالث :

أنّ النساء کنّ یکرهن الزواج من عمر ، لکونه شدیداً غلیظاً ، یدخل عابساً ویخرج عابساً ، ویعتبرهنّ لعبة ، وقد أقدم علی الزواج من أُمّ کلثوم

ص:409

بنت أبی بکر ، وأُمّ أبان بنت عُتبة بن ربیعة ، وأُمّ سلمة المخزومیّة ، وخطب إلی قوم من قریش ، فردّوه ، وقد عارک عاتکة بنت زید فغلبها علی نفسها فنکحها ، فلمّا فرغ قال : أُف ، أُف ، أُف ، أَفَّفَ بها ، ثم خرج من عندها وترکها لا یأتیها . کما أنّه قد تزوج فی الإسلام أُمّاً وبنتها ، هما : فاطمة بنت الولید وبنتها أمّ حکیم بنت الحارث !

فلا یعقل أن یزوّج الإمام علی بنته هذا لرجل هذه أخلاقه عن طیب خاطر .

الرابع :

وقفنا علی دَور بعض أعداء الإمام علیّ علیه السلام کعَمرو بن العاص ، والمُغیرة بن شعبة ، فی تطبیق وتطبیع هذا الزواج المفترض ، وأنّ عائشة استعانت بهما لدفع عمر عن الزواج بأُمّ کلثوم بنت أبی بکر ، وأنّهما أرادا بسعیهما هذا((1)) خدمةَ عمر والإزراء بأمیر المؤمنین علیه السلام فی آنٍ واحد !

الخامس :

أنّ نصوص أهل السُّنّة تشیر إلی کون أمر الزواج سیاسیّاً عاطفیّاً فی آن واحد ، وأنّ عمر بن الخطّاب کان یطلب اللذّة بدعوی الحصول علی القربی ، أمّا النصوص الشیعیّة - الدّالة علی الزواج - فتؤکّد علی الإکراه والجبر من قبل عمر وأنّه إن زُوِّج - افتراضاً وجمعاً بین الأقوال - فقد زُوِّج بابنة علیّ من أمّ ولد لا من فاطمة الزهراء علیها أفضل الصلاة والسلام .


1- من ادّعاء الزواج بابنة الإمام.

ص:410

السادس :

تعریض المُغیرة بن شعبة بعمر بن الخطّاب ، لمّا قال له عمر وهو بالموسم وقد رأی أُمّ جمیل : أتعرف هذه المرأة یا مغیرة ؟ قال : نعم ، هذه أُمّ کلثوم بنت علیّ ، معرِّضاً بعمر ، لتفکیره الدائم بها ، وإصراره علی الزواج منها .

وأنّ إصراره علی الزواج بطفلة صغیرة قد ساءت کثیراً من الناس ، لکثرة تردّده علی الإمام علیّ ، ممّا ألجأ عمر بن الخطّاب إلی أن یصعد المنبر ویدافع عن نفسه ویقول : أیُّها الناس ، إنه واللهِ ما حملنی علی الإلحاح علی علیّ ابن أبی طالب فی ابنته إلّا أنّی سمعت رسول الله یقول : ...((1)) .

السابع :

وجود تداخل واشتباک بین النصوص ، قد یکون متعمَّداً وقد یکون سهواً ، وعلی کلا التقدیرین یمنعنا من البتّ فی وقوع الزواج من ابنة فاطمة ، لأنّ أُمّ کلثوم التی یقال إنّ عمر تزوّجها ماتت فی ولایة سعید بن العاص ، وهی غیر أُمّ کلثوم التی شهدت واقعة الطفّ ، کما أنّها تختلف عن أمّ کلثوم وابنها الذی سمّه عبدالملک بن مروان خوفاً من أن ینازعه .

الثامن :

ناقشنا فی البحث الفقهیّ الروایاتِ الحاکیةَ زواجَ أُمّ کلثوم فی کتب الشیعة ،


1- مناقب الإمام علیّ لابن المغازلیّ الشافعیّ: 110، وانظر کذلک: تاریخ بغداد 6: 182 / الترجمة 3237.

ص:411

مشیرین إلی کیفیّة دخول تلک الأخبار إلی المصادر الحدیثیّة الشیعیّة ، ثمّ منها إلی الفقه ، ومدی حُجّیّتها ودلالتها عندهم فی تلک الفروع .

التاسع :

وضحّنا - ولحدٍّ ما- أثناء البحثین التاریخیِّ والفقهیّ الکثیرَ من المواضیع المرتبطة بالموضوع : کتشابه اسم أُمّ کلثوم بنت جرول الخزاعیّة - زوجة عمر قبل الإسلام - مع ما قیل عن أُمّ کلثوم بنت علیّ علیه السلام ، وإمکان استغلال النهج الحاکم لهذا التشابه الاسمیّ ، وقد استُغِلّ ذلک بالفعل ، لکنّ الأسئلة تبقی مُلحّةً : هل کان زید ابناً لبنت جرول أو لبنت الإمام علیّ ؟ وهل الذی صلّی علیها سعید بن العاص کانت هذه أو تلک ؟ وهل مات زیدٌ صبیاً ، أو غلاماً ، أو رجلاً ؟ ... موضّحین مدی دلالة تلک النصوص علی ما نحن فیه .

العاشر :

أنّ القول بوقوع الزواج لا یسیء إلی الفکر الشیعیّ إنّما یسیء إلی الفکر الآخر ؛ لأنّ له مخرجاً فی الدین عند الشیعة لو کان وقع ، ولیس له مخرج عند أهل السنّة ، وأنَّ إلقاء هذه المسألة بین الحین والآخر لا یخدم الطرف السنّیّ ، بل یشدّد الأزمة بین الطرفین ولا یحلّها ، ویوقف القارئَ الشیعیّ علی ظلامة أهل البیت فأکثر ، ولأنّه یؤکّد صحّة ما نقل لهم التاریخ من ظلم الظالمین وتخالف مواقف عمر مع الثوابت الإسلامیّة ، بل وعدم صحّة ما أشیع عن موافقات الوحی لعمر وما نُسب إلیه من المناقب !

ص:412

وهو الآخر یشیر إلی تدنّی المستوی الخلقی لعمر بن الخطّاب ، إذ إنّ الکشف عن الساق ، والضمّ إلی الصدر ، والتقبیل ، لا یتلاءم مع الخُلق الإسلامیّ الأصیل ، وهذا ما لا یرتضیه أتباع الإسلام ، ولو قرأت کلام سبط ابن الجوزیّ لرأیته مستاءً من وجود تلک النصوص فی کتب قومه ، إذ قال :

وذکر جدّی فی کتاب «المنتظم» : أنّ علیّاً بعثها إلی عمر لینظرها ، وأنّ عمر کشف ساقها ولمسها بیده .

قلت ، هذا قبیح والله ، لو کانت أمةً لَما فعل بها هذا ، ثمّ بإجماع المسلمین لا یجوز لمس الأجنبیّة ، فکیف یُنسَب إلی عمر هذا ؟! ((1))

وهذا الانزعاج تراه عند ناصر الدین الألبانیّ أیضاً ، إذ قال - وبعد ذکره لطرق حدیث عمر : کلّ سبب ونسب منقطع یوم القیامة إلّا سببی ونسبی ، وذِکر خبر أُمّ کلثوم - قال :

وأَنْکَرُ ما فیه ذِکْرُ التقبیل ، أما الکشف عن الساق فقد ورد فی غیر هذه الطرق((2)) .

هذا کلام سبط ابن الجوزیّ والألبانیّ ، وقد ذکراه فی کتابیهما «تذکرة الخواصّ» و«السلسلة الصحیحة» ، وهما من أعلام العامّة ولیسا من الشیعة،


1- تذکرة الخواص:288 - 289.
2- السلسلة الصحیحة 5: 58 / الرقم 2036.

ص:413

وتری وجدانیهما لا یقبلان صدور ذلک من عمر فکیف یجوز إقرار الجواز طبقاً لتلک النصوص ، إنّه سؤال محیّر .

الحادی عشر :

وصلنا إلی أنّ أُمّ کلثوم المدّعی زواج عمر منها شخصیّةٌ فیها الکثیر من الغموض :

فی أصل وجودها ؟

ومقدار عمرها ؟

ومَن هم أزواجها ؟

وکیفیّة خِطبةِ عمر لها ؟

ومن کان ولیُّها الذی تولّی تزویجها ؟

وهل الزواج وقع عن رغبة أو رهبة ؟

وهل ولدت أم لا ؟

ومن هم أولادها ؟

وهل حقاً أنها بنت علیّ أم ربیبته ؟

ولو کانت بنته ، فهل هی من فاطمة ، أو من غیرها ؟

ومتی ماتت وکیف ؟ ومن صلّی علیها .

فالقضیة من البدء إلی الختام محلّ نقض وإبرام ، وتحتاج إلی وقت کثیر للخروج بنتیجة ، وحیث لم یسعنا الوقت لمناقشة جمیع تلک الأقوال ، فقد اکتفینا بالتعلیق علی أشدّ الأقوال واشهرها علی مواقع الانترنیت ، وأعطینا

ص:414

صورة قریبة للواقع مؤکدین بأنّ القول بهذا لا یضرّ بالشیعة بقدر ما یضرّ بالآخرین ، محیلین القاری ء الکریم إلی وقت آخر للبتّ فی هذا الزواج اللغز .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین .

ص:415

ص:416

فهرس المصادر

بعد القرآن الکریم

1 - الآثار لابی یوسف القاضی : یعقوب بن ابراهیم الأنصاری الکوفی (ت 182 ه-) ، تحقیق : أبو الوفا ، دار الکتب العلمیة ، بیروت 1355 ه- .

2 - الآحاد والمثانی : لابن أبی عاصم (ت 287 ه-) . تحقیق : الدکتور باسم فیصل احمد الجوابرة . نشر : دار الدرایة . الطبعة الاولی ، 1411 ه- - 1991 م .

3 - الاجماع والاشراف علی أهل العلم : لابن المنذر ، محمّد بن ابراهیم النیسابوری (ت 318 ه-) تحقیق : د . فواد عبدالمنعم أحمد ، دار الدعوة ، الطبعة الثالثة الاسکندریة 1402 ه- .

4 - الاحادیث المختارة : للمقدسی محمّد بن عبدالواحد بن محمّد الحنبلی (ت 643 ه-) تحقیق : عبدالملک بن عبدالله بن دهیش ، مکتبة النهضة الطبعة الاولی مکة المکرمة 1410 ه- .

5 - الاحتجاج علی أهل اللجاج : للطبرسی أحمد بن علی بن أبی طالب (من أعلام القرن السادس الهجری) تحقیق : محمّد باقر الخرسان ، موسسة الأعلمی ، الطبعة الثانیة – لبنان 1403 ه- .

ص:417

6 - إحقاق الحق وإزهاق الباطل : مع ملحقاته : للقاضی التستری ، السیّد نورالله الحسینی المرعشی (ت 1019 ه) مع تعلیقات السیّد المرعشی النجفی . منشورات : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی تصحیح السید ابراهیم المیانجی ، قم .

7 - أحکام القرآن : للجصاص ، أحمد بن علی الرازی (ت 370 ه-) تحقیق : محمّد صادق قمحاوی ، دار احیاء التراث العربی – بیروت 1405 ه- .

8 - أحکام القرآن : لابن العربی المالکی ، محمّد بن عبدالله (ت 543 ه-) تحقیق : محمّد عبدالقادر عطاء ، دار الفکر ، بیروت .

9 - إحیاء علوم الدین : للغزالی ، أبی حامد محمّد بن محمّد (ت 505 ه-) دار المعرفة ، بیروت .

10 - الأخبار الطوال : للدینوری عبدالله بن مسلم بن قتیبة (ت 276 أو 282 ه-) تحقیق : عبدالمنعم عامر / جمال الدین الشیال ، دار احیاء الکتاب العربی الطبعة الاولی – القاهرة 1960 م .

11 - أخبار مکة وما جاء فیها من الآثار : للازرقی محمّد بن عبدالله بن أحمد (ت 244 ه-) تحقیق : رشدی الصالح ملحس دار الاندلس ، بیروت 1996 ه- .

12 - أخبار القضاة = طبقات القضاة : لمحمّد بن خلف بن حیان الملقب بوکیع (ت 306 ه-) عالم الکتب ، بیروت .

13 - الأخبار الموفقیات : للزبیر بن بکار (ت 256 ه-) دیوان الأوقاف العراقیة ، بغداد 1972 م .

14 - الاکتفاء بما روی فی أصحاب الکساء : لابن عساکر

15 - أدب الطف : للسید جواد شبر ، موسسة التاریخ الطبعة الاولی ، بیروت

ص:418

1422 ه- .

16 - الأدب المفرد : للبخاری ، محمّد بن إسماعیل (ت 256 ه-) . تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی ، دار البشائر الاسلامیة ، الطبعة الثالثة ، 1409 ه - 1989م .

17 - الإرشاد : للعکبری البغدادی ، محمّد بن محمّد بن النعمان ، المعروف بالشیخ المفید ، (ت 413 ه-). تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث/ قم ودار المفید الطبعة الثانیة بیروت 1414 ه- .

18 - إرشاد القلوب : للدیلمی ، الحسن بن أبی الحسن (القرن الخامس) تحقیق : السید هاشم المیلانی ، دار الاسوة ، الطبعة الاولی ، ایران 1375ه- .

19 - إرشاد الساری فی شرح صحیح البخاری : للقسطلانی ، شهاب الدین أحمد ابن محمّد (ت 923ه-) دار الفکر بیروت ، الطبعة الأولی 1410 / 1990 م .

20 - الاستبصار فیما اختلف من الاخبار : للطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) ، تحقیق : السیّد حسن الخرسان ، تصحیح ، الشیخ محمّد الآخوندی . نشر : دار الکتب الإسلامیّة ، قم .

21 - الاستغاثة : للکوفی ، علیّ بن أحمد بن موسی ، (ت 352 ه-) .

22 - الاستیعاب فی معرفة الأصحاب : لابن عبدالبر ، یوسف بن عبدالله بن محمّد القرطبی (ت 463 ه-) . تحقیق : محمّد علیّ البجاوی دار الجیل الطبعة الاولی - بیروت 1412 ه- .

23 - أُسد الغابة فی معرفة الصحابة : لابن الاثیر ، عز الدین أبی الحسن علی بن أبی الکرم الشیبانی (ت 630ه-) . نشر : انتشارات اسماعیلیان - طهران بالاوفسیت عن دار الکتاب العربی - لبنان .

24 - الاشراف فی منازل الاشراف : لابن أبی الدنیا ، أبوبکر عبدالله بن محمّد بن

ص:419

عبید القریشی (ت 281 ه-) تحقیق : د . نجم عبدالرحمن خلف مکتبة الرشید الطبعة الاولی الریاض 1411 ه- .

25 - الاصابة فی تمییز الصحابة : لابن حجر العسقلانی ، أحمد بن علیّ الشافعی (ت 852 ه-) تحقیق : علی محمّد البجاوی ، دار الجیل الطبعة الاولی بیروت ، 1412 ه- .

26 - الأصیلی فی أنساب الطالبیّین . لصفی الدین محمّد ، المعروف بابن الطقطقی (ت 709 ه-) . جمعه ورتبه وحققه السیّد مهدی الرجائی . نشر : مکتبة آیة الله المرعشی النّجفی ، سنة 1418 ه- .

27 - أطراف الغرائب والافراد من حدیث رسول الله للدار قطنی : تألیف ابن القیسرانی (ت 507 ه-) تحقیق : محمود محمّد محمود / حسن نصار / السید یوسف دار الکتب العلمیة الطبعة الاولی – بیروت 1419 ه- .

28 - إعلام الوری بأعلام الهدی : للطبرسی ، الفضل بن الحسن (ت 548 ه-) ، تحقیق مؤسسة آل البیت علیهم السلام / قم - إیران . الطبعة الاولی 1417ه .

29 - أعیان الشیعة : للامین ، السیّد محسن ، تحقیق : حسن الامین ، نشر : دار التعارف للمطبوعات . وطبعة اخری .

30 - الاعلان بالتوبیخ لمن ذم التاریخ : للسخاوی ، مطبعة الترفی ، دمشق 1349 ه- .

31 - إکمال تهذیب الکمال : لمغلطای ، علاء الدین بن قلیج (ت 762 ه-) تحقیق : أبو عبدالرحمن عادل بن محمّد وأبو محمّد أسامة بن ابراهیم ، الفاروق الحدیثة للطباعة ، القاهرة 1422ه- / 2001 م .

32 - إعلان السنن : للتهانوی ، ظفر أحمد (ت 1394 ه-) تحقیق : حازم القاضی ، دار الکتب العلمیة ، بیروت ، الطبعة الأولی 1418 ه- .

ص:420

33 - الأغانی : لابی فرج الاصفهانی ، علی بن الحسین ابن الهیثم القرشی (ت 356 ه-) تحقیق : عبدعلی مهنا / سمیر جابر دار الفکر للطباعبة والنشر ، لبنان .

34 - الافصاح عن أحادیث النکاح :لابن حجر الهیثمی ، احمد بن محمّد بن علی بن حجر (ت 974 ه-) تحقیق : محمّد شکور دار عماد ، الطبعة الاولی ، الاردن 1406 ه- .

35 - الإقتصاد الهادی الی طریق الرشاد : للطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) . نشر : مکتبة جامع چهلستون ، طهران 1400 ه- .

36 - الام : للشافعی ، محمّد بن إدریس (ت 204 ه-) دار المعرفة ، بیروت 1393 ه- .

37 - الإمامة والسیاسة : لابن قتیبة الدینوری ، عبدالله بن مسلم (ت 276 ه-) تحقیق : الدکتور طه محمّد الزینبی . نشر : مؤسسة الحلبی وشرکاؤه - القاهرة طبع / بالاوفسیت مکتبة أمیر - إیران 1413 ه- .

38 - انساب الاشراف : للبلاذری ، أحمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه-) تحقیق : د . سهیل ذکار / د . ریاض زرکلی ، دار الفکر - بیروت 1417 ه- .

39 - الأنوار العلویة والاسرار المرتضویة : للنقدی ، الشیخ جعفر (ت 1370 ه-) . طبع فی المطبعة الحیدریة فی النجف ، الطبعة الثانیة ، 1381 ه- .

40 - الإیثار بمعرفة الآثار : لابن حجر العسقلانی ، احمد بن علی (ت 852 ه-) تحقیق : سید کسروی حسن دار الکتب العلمیة الطبعة الاولی - بیروت 1413 ه- .

41 - الإیضاح : لابن شاذان ، الفضل بن شاذان الازدی (ت 260 ه-) تحقیق : السید جلال الدین الحسینی الارموی موسسة الطباعة والنشر لجامعة طهران

ص:421

الطبعة الاولی - ایران .

42 - بحارالأنوار لدرر أخبار الأئمة الأطهار : للمجلسی ، الشیخ محمّد باقر (ت 1110 ه-) . نشر : مؤسسة الوفاء - بیروت ، الطبعة الثالثة المصححة ، 1403 ه- / 1983 م .

43 - البدء والتاریخ للمقدسی ، مطهر بن طاهر (ت 507 ه-) ، نشر : مکتبة الثقافة الدینیة - القاهرة .

44 - بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع : لعلاء الدین الکاشانی (ت 587 ه-) دار الکتاب العربی الطبعة الثانیة - بیروت 1982 م .

45 - بغیة الطلب فی أخبار حلب : لابن العدیم ، عمر بن أحمد بن هبة (660 ه-) تحقیق : د . سهیل زکار ، دار الفکر ، بیروت .

46 - البدایة والنهایة : لأبی الفداء ، إسماعیل بن کثیر الدمشقی (ت 774 ه-) نشر مکتبة المعارف - بیروت .

47 - بدایة المجتهد ونهایة المقتصد : لابن رشد القرطبی ، محمّد بن أحمد (ت 595 ه-) تحقیق : خالد العطار ، دار الفکر - بیروت 1415ه- / 1995 م .

48 - البنایة شرح الهدایة : لبدر الدین العینی الحنفی ، محمود بن أحمد (ت 855 ه-) تحقیق : أیمن صالح شعبان ، دار الکتب العلمیة بیروت ، الطبعة الأولی 1420 ه- .

49 - البیان والتحصیل : لابن رشد القرطبی المالکی محمّد بن أحمد (ت 520 ه-) تحقیق : د . محمّد حجی / سعید أعراب ، دار الغرب الإسلامی ، بیروت 1404 ه- / 1984 م .

50 - بلوغ الارب فی معرفة أحوال العرب : للآلوسی البغدادی ، محمود شکری ابن

ص:422

عبدالله (ت 1342 ه-) تحقیق : محمّد بهجة الأثری ، دار الکتب العلمیة ، بیروت .

51 - بغیة الباحث عن زوائد مسند الحارث : للهیثمی ، أبی الحسن ، علی بن ابی بکر (ت 807 ه-) تحقیق : سعد عبدالحمید محمّد سعدنی ، دار الطلائع للنشر .

52 - بلاغات النساء : لابن طیفور ، أبی الفضل بن أبی طاهر (ت 380 ه-) مکتبة بصیرتی - قم .

53 - البحر الرائق فی شرح کنز الدقائق : لابن نجیم المصری الحنفی ، زین الدین ابن ابراهیم (ت 970 ه-) تحقیق : زکریا عمیرات ، دار الکتب العلمیة ، بیروت ، الطبعة الأولی 1418 ه- / 1997 م .

54 - تاج الموالید : للطبرسی ، فضل بن حسن (ت 548 ه-) باهتمام السید محمود المرعشی النجفی - قم 1406 ه- .

55 - تاریخ الائمة : للکاتب البغدادی (ت 322 ه-) نشر مکتبة المرعشی النجفی - قم 1406 طبعة حجریة .

56 - تاریخ الاسلام : للذهبی محمّد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه-) تحقیق : د . عمر عبدالسلام تدمری دار الکتاب العربی الطبعة الاولی - بیروت 1407 ه.

57 - التاریخ الاوسط : للبخاری محمّد بن اسماعیل أبی عبدالله الجعفی (ت 256 ه-) تحقیق محمود ابراهیم زاید دار الوعی ومکتبة دار التراث الطبعة الاولی- حلب القاهرة 1397ه- .

58 - تاریخ الخمیس فی أحوال أنفس نفیس : للدیار بکری ، حسین بن محمّد بن الحسین (ت 966 ه-) المطبعة الوهبیة مصر 1283 .

ص:423

59 - تاریخ خلیفة بن خیاط = طبقات ابن الخیاط : لأبی عمرو (ت 240 ه-) تحقیق : د . سهیل زکار ، دار الفکر ، بیروت 1414 ه- / 1993 م .

60 - تاریخ بغداد : للخطیب البغدادی ، أحمد بن علیّ (ت 463 ه-) . تحقیق : مصطفی عبدالقادر ، دار الکتب العلمیةالطبعة الاولی - بیروت 1417 ه- .

61 - تاریخ الخلفاء : للسیوطی عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) تحقیق : محمّد محی الدین عبدالحمید مطبعة السعادة – مصر 1371ه- .

62 - تاریخ الطبری = تاریخ الامم والملوک : لأبی جعفر ، محمّد بن جریر الطبری (ت 310 ه-) دار الکتب العلمیة - بیروت .

63 - تاریخ مدینة دمشق : لابن عساکر ، علیّ بن الحسن بن هبة الله الشافعی (ت571 ه-) . تحقیق : محب الدین أبی سعید عمر بن غرامة العمری دار الفکر بیروت 1995 م .

64 - تاریخ المدینة المنورة : لابن شبّه ، أبی زید ، عمر بن شبّه النمیری المصری (ت 262ه-) . تحقیق : علی محمّد دندل / یاسین سعد بیان دار الکتب العلمیة – بیروت 1417 ه- .

65 - التاریخ الصغیر : للبخاری محمّد بن اسماعیل (ت 256 ه-) تحقیق محمود ابراهیم زاید دار المعرفة الطبعة الاولی - بیروت 1406 ه- .

66 - تاریخ الیعقوبی : لابن واضح الیعقوبی ، أحمد بن أبی یعقوب العباسی (ت 284ه-) ، نشر : مؤسسة نشر ثقافة أهل البیت فی قم أُوفسیت . عن دار صادر - بیروت .

67 - التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة : للسخاوی أبی الخیر محمّد ، شمس الدین ، (ت 902 ه-) .نشر : دار الکتب العلمیة الطبعة الاولی ، بیروت

ص:424

1414 ه- .

68 - تکملة البحر الرائق = التکملة : للطور القادری الحنفی محمّد بن الحسین (ت 1138 ه-) تحقیق : زکریا عمیرات ، دار الکتب العلمیة ، بیروت ، طبع 1418 ه- / 1997 م .

69 - التبیین فی أنساب القرشیین : لابن قدامة المقدسی ، عبدالله بن أحمد ، تحقیق : محمّد نایف الدلیمی ، عالم الکتب / مکتبة النهضة العربیة ، الطبعة الثانیة 1408 ه- / 1988 م .

70 - تخریج الاحادیث والآثار الواقعة فی تفسیر الکشاف للزمخشری : للزیلعی ، جمال الدین عبدالله بن یوسف بن محمّد (ت 760 ه-) تحقیق : عبدالله بن عبدالرحمن السعد دار ابن خزیمة ، الطبعة الاولی - الریاض 1414 ه- .

71 - التذکرة الحمدونیة : لابن حمدون ، محمّد بن الحسن بن محمّد علی (ت 562 ه-) تحقیق : احسان عباس وبکر عباس دار صادر الطبعة الاولی - بیروت 1996 م .

72 - تذکرة الفقهاء : للحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) تحقیق ونشر موسسة آل البیت - قم ، الطبعة الاولی 1414ه- .

73 - التراتیب الاداریة = نظام الحکومة النبویة : للکتانی ، عبدالحی الادریسی الحسنی الفاسی (ت 1382 ه-) . دار الکتاب العربی - بیروت .

74 - ترکة النبیّ صلی الله علیه و آله : للبغدادی ، حمّاد بن اسحاق بن إسماعیل بن زید (ت 267 ه-) . تحقیق : أکرم ضیاء العمری الطبعة الأولی 1404 ه- .

75 - تذکرة الخواص : لسبط بن الجوزی یوسف بن فرغلی البغدادی (ت 654 ه-) نشر مکتبة الشریف الرضی - قم 1418 ه- .

ص:425

76 - تعجیل المنفعة بزوائد رجال الائمة الاربعة : لابن حجر ، احمد بن علی العسقلانی الشافعی (ت 852 ه-) تحقیق : د . أکرام الله امداد الحق دار الکتاب العربی الطبعة الاولی - بیروت .

77 - تحفة ذوی الألباب : للصفدی ، صلاح الدین خلیل بن أیبک (ت 764 ه-) تحقیق : إحسان بن سعید الخلوصی وزهیر حمیدان ، دار صادر بیروت ودار البشائر دمشق 1419 ه- / 1999 م .

78 - تنویر المقالة فی حل ألفاظ الرسالة = شرح التتائی علی رسالة القیروانی (ت 386 ه-) : للتتائی المالکی ، محمّد بن ابراهیم (ت 942 ه-) تحقیق : د . محمّد عایش عبدالعال شبیر الطبعة الأولی 1409 ه- / 1988 م .

79 - تفسیر ابن کثیر = تفسیر القرآن العظیم : لابن کثیر ، إسماعیل بن کثیر القرشی الدمشقی (ت 774 ه-) دار الفکر – بیروت 1401 ه- .

80 - تفسیر عز الدین بن عبدالسلام السلمی الشافعی الملقب سلطان العلماء : (ت 660 ه-) تحقیق : د . عبدالله بن ابراهیم الوهبی ، دار بن حزم ، بیروت 1416 ه- / 1996 م .

81 - تفسیر ابن أبی حاتم الرازی : لعبد الرحمن بن محمّد بن أبی حاتم (ت 327 ه-) تحقیق : أسعد بن محمّد الطیب ، المکتبة العصریة ، الطبعة الثانیة 1419 ه- صیدا - لبنان .

82 - تفسیر الخازن = لباب التأویل فی معانی التنزیل : لعلاء الدین ، علی بن محمّد البغدادی الشهیر ب- «الخازن» (ت 725 ه-) تحقیق : عبدالسلام محمّد علی شاهین ، دار الکتب العلمیة - بیروت ، الطبعة الأولی 1415 ه- / 1995 م .

83 - تفسیر النسفی = مدارک التنزیل وحقائق التأویل : للنسفی ، عبدالله بن احمد

ص:426

ابن محمود (ت 710 ه-) دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی 1415 ه- / 1995 م .

84 - تفسیر الواحدی = الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز : لعلی بن أحمد بن محمّد تحقیق : د . صفوان عدنان الداوودی ، دار القلم ، دمشق / الدار الشامیة ، بیروت الطبعة الأولی 1415 ه- .

85 - تفسیر البغوی = معالم التنزیل : للحسین بن مسعود (ت 516 ه-) تحقیق : خالد العک ومروان سوار ، دار المعرفة ، بیروت الطبعة الثانیة 1407 ه/1987 م .

86 - تفسیر البحر المحیط : لأبی حیان ، محمّد بن یوسف النحوی (ت 745 ه-) تحقیق عادل أحمد عبدالموجود وعلی محمّد عوض ، دار الکتب العلمیة ، بیروت 1422 ه- .

87 - تفسیر ابن وهب : عبدالله بن محمّد الدینوری (ت 308 ه-) تحقیق : أحمد فرید ، دار الکتب العلمیة ، بیروت 1424 ه- / 2003 م .

88 - تفسیر الثعلبی = الکشف والبیان فی تفسیر القرآن : للثعلبی ، احمد بن محمّد ابن ابراهیم النیسابوری (ت 427 ه-) تحقیق : محمّد بن عاشور / نظیر الساعدی دار احیاء التراث العربی الطبعة الاولی - بیروت 1423 ه- .

89 - تفسیر الطبری = جامع البیان عن تأویل آی القرآن : للطبری ، محمّد بن جریر بن یزید بن خالد (ت 310 ه-) دار الفکر - بیروت 1405ه- .

90 - تفسیر القرطبی = الجامع لاحکام القرآن : لأبی عبدالله القرطبی ، محمّد بن احمد الانصاری (ت 671 ه-) دار الشعب القاهرة .

91 - تفسیر العیاشی : للعیاشی ، محمّد بن مسعود السلمی (ت 320 ه-) تحقیق :

ص:427

السید هاشم المحلاتی المکتبة العلمیة الاسلامیة - طهران .

92 - التفسیر الکبیر = مفتاح الغیب : للفخر الرازی ، محمّد بن عمر التمیمی الشافعی (ت 606 ه-) دار الکتب العلمیة الطبعة الاولی - بیروت 1421ه.

93 - تفسیر المنار : للشیخ محمّد رشید بن علی رضا (ت 1354 ه-) الهیئة المصریة للکتاب - القاهرة 1990 م .

94 - تقریب التهذیب : لابن الحجر ، احمد بن علی العسقلانی (ت 852 ه-) تحقیق : محمّد عوامة دار الرشید الطبعة الاولی - سوریا 1406 ه- .

95 - تلبیس إبلیس : لابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علی بن محمّد (ت 597 ه-) تحقیق : د . السید الجمیلی ، دار الکتاب العربی ، الطبعة الاولی - بیروت 1405 ه- .

96 - تلخیص الحبیر فی أحادیث الرافعی الکبیر :لابن الحجر ، احمد بن علی العسقلانی (ت 852 ه-) تحقیق : عبدالله هاشم الیمانی - المدینة المنورة 1384 ه- .

97 - تلخیص الشافی : للطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) تحقیق : السید حسین بحر العلوم منشورات العزیزی - قم .

98 - تمهید الاُصول فی علم الکلام . للطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) تحقیق : د . عبدالمحسن مشکوة جامعة طهران 1362 ش .

99 - التمهید لما فی الموطأ من المعانی والاسانید : لابن عبدالبر ، یوسف بن عبدالله (ت 463 ه-) تحقیق : مصطفی بن أحمد العلوی ومحمّد عبدالکبیر ، دار الأوقاف والشئون الدینیة - المغرب 1412 ه- .

ص:428

100 - التمهید والبیان فی مقتل الشهید عثمان بن عفان : لمحمّد بن یحیی الأشعری المالکی (ت 741 ه-) تحقیق : محمود یوسف زاید ، دار الثقافة قطر - الدوحة ، الطبعة الأولی 1405 ه- .

101 - تنزیه الانبیاء : للموسوی ، علیّ بن الحسین = الشریف المرتضی (ت 436 ه-) نشر : دار الاضواء - بیروت . الطبعة الثانیة ، 1409 ه - 1989 م .

102 - تنقیح المقال : للمامقانی ، الشیخ عبدالله (ت 1351 ه-) المطبعة المرتضویة النجف الاشرف 1350 ه- .

103 - تهذیب الاحکام : للطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) . تحقیق : السیّد حسن الخرسان . تصحیح : الشیخ محمّد الاخوندی . نشر : دار الکتب الإسلامیة - قم . الطبعة الرابعة .

104 - تهذیب الاسماء واللغات : للنووی ، محی الدین بن شرف (ت 676 ه-) تحقیق : مکتب البحوث والدراسات دار الفکر الطبعة الاولی - بیروت 1996 م .

105 - تهذیب التهذیب : لابن حجر العسقلانی ، احمد بن علی الشافعی (ت 528 ه-) نشر : دار الفکر - بیروت ، الطبعة الاولی ، 1404 ه- .

106 - تهذیب الکمال فی أسماء الرجال : للمزی ، یوسف بن الزکی عبدالرحمن (ت 742 ه-) تحقیق : الدکتور بشار عواد معروف نشر : مؤسسة الرسالة الطبعة الاولی - بیروت 1400 ه- .

107 - تهذیب اللغة : للازهری ، محمّد بن أحمد (ت 370 ه-) تحقیق : محمّد عوض مرعب ، دار احیاءالتراث العربی، الطبعة الاولی - بیروت 2001 م.

108 - الثقات : لابن حبان البستی ، محمّد بن حاتم (ت 354ه-) تحقیق : السید

ص:429

شرف الدین احمد ، دار الفکر ، الطبعة الاولی 1395 ه- .

109 - جامع الاصول من أحادیث الرسول : لابن الاثیر الجزری ، أبی السعادات مبارک بن محمی (ت 606 ه-) تحقیق : محمّد حامد الفقی دار احیاء التراث العربی ، الطبعة الثانیة ، بیروت 1400 ه- .

110 - جامع المقال فیما یتعلق باحوال الرجال : للطریحی ، الشیخ فخر الدین (ت 1085 ه-) تحقیق : محمّد کاظم الطریحی ، مکتبة الجعفری التبریزی - ایران.

111 - جامع الأمهات : للکردی المالکی المعروف بابن الحاجب ، عثمان بن عمر بن أبی بکر بن یوسف (ت 646 ه-) .

112 - الجماع فی السنن والآداب والمغازی والتاریخ : لابن القیروانی ، عبدالله بن زید (ت 386 ه-) تحقیق : أبو الأجفان / عثمان بطیخ ، مؤسسة الرسالة ، بیروت / المکتبة العتیقة ، تونس ، الطبعة الثانیة 1403 / 1983 م .

113 - الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر : للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) دار الفکر - بیروت ، الطبعة الأولی 1401 ه- / 1981 م .

114 - الجعفریات = الأشعثیات : للکوفی ، محمّد بن الأشعث (من أعلام القرن الرابع الهجری) نشر مکتبة النینوا الحدیثة .

115 - الجرح والتعدیل : للرازی عبدالرحمن بن أبی حاتم (ت 327 ه-) دار احیاء التراث العربی ، الطبعة الاولی - بیروت 1371 ه- .

116 - الجمع بین الصحیحین : للحمیدی ، محمّد بن فتوح (ت 1095 ه-) تحقیق : د . علی حسین البواب دار ابن حزم الطبعة الثانیة - لبنان 1423 ه.

117 - الجمل : للمفید ، أبی عبدالله محمّد بن النعمان العکبری (ت 413 ه-) مکتبة

ص:430

الداوری - قم .

118 - جمهرة خطب العرب : لاحمد زکی صفوت المکتبة العلمیة - بیروت .

119 - جمهرة نسب قریش وأخبارها : للزبیر بن بکار القرشی (ت 256 ه-) تحقیق: محمود محمّد شاکر ، دار الیمامة الریاض السعودیة 1419 ه- / 1999م .

120 - جمهرة أنساب العرب : لابن حزم ، علی بن محمّد بن سعید بن حزم (ت 456 ه-) تحقیق : عبدالسلام محمّد هارون ، دار المعارف 1391 / 1971 م.

121 - الجوهر النقی : للماردینی ، علاء الدین بن علی المشهور بابن الترکمانی (ت 745 ه-) دار المعرفة - بیروت .

122 - جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام : للنجفی ، الشیخ محمّد حسن (ت 1266 ه-) . تحقیق : الشیخ عبّاس القوجانی / علی الآخوندی دار الکتب الإسلامیة الطبعة الاولی - طهران 1392 ه- .

123 - الجوهرة فی نسب الإمام علیّ وآله : لابن بری ، محمّد بن أبی بکر الانصاری التلمسانی (من أعلام القرن السابع) تحقیق : د . محمّد التونجی مؤسسة الاعلمی للمطبوعات الطبعة الاولی - بیروت 1402 ه- .

124 - حاشیة إعانة الطالبین علی حل ألفاظ فتح المعین : للدمیاطی ، سید بکری ابو بکر عثمان بن محمّد (ت 1310 ه-) دار الفکر - بیروت ، الطبعة الأولی 1414 ه- / 1993 م .

125 - حاشیة السندی علی النسائی : لابی الحسن السندی ، نور الدین بن عبدالهادی (ت 1136 ه-) تحقیق : عبدالفتاح ابو غدة ، مکتب المطبوعات الاسلامیة ، الطبعة الثانیة - حلب 1406 ه- .

126 - حاشیة الکحلانی المطبوعة بهامش شرح الازهار : للامام احمد المرتضی

ص:431

مطهر بن یحیی بن حسن (ت 1330 ه-) مکتبة غمضان ، الیمن .

127 - حلیة الاولیاء وطبقات الاصفیاء : للاصفهانی ، أبی نعیم احمد بن عبدالله (ت 430 ه-) دار الکتاب العربی ، الطبعة الرابعة - بیروت 1405 .

128 - الحیوان : للجاحظ أبی عمرو بن بحر (ت 255 ه-) تحقیق : عبدالسلام هارون ، دار الجیل بیروت 1416 ه- / 1966 م ، افست عن طبعة مصر ، مکتبة مصطفی البابی .

129 - الخرائج والجرائح : للراوندی ، قطب الدین سعید بن هبة الله (ت 573 ه-) . تحقیق ونشر : مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام باشراف السید محمّد باقر الموحد الابطحی ، الطبعة الاولی - قم 1409 .

130 - خزانة الادب ولب لباب لسان العرب : للبغدادی ، عبدالقادر بن عمر (ت 1309 ه-) تحقیق : محمّد نبیل طریفی / امیل بدیع الیعقوب ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1998 م .

131 - الخصال : للصدوق ، أبی جعفر ، محمّد بن علی بن بابویه القمی (ت 381 ه-) تحقیق : علی اکبر غفاری ، جماعة المدرسین الطبعة الاولی - قم 1403 ه.

132 - خلاصة الاحکام فی مهمات السنن وقواعد الاسلام : للنووی ، یحیی بن شرف بن مری (ت 676 ه-) تحقیق : حسین اسماعیل الجمل ، موسسة الرسالة الطبعة الاولی - لبنان 1418 ه- .

133 - الخلاف : للطوسی ، أبی جعفر ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) جماعة المدرسین - قم 1407 ه- .

134 - دلائل الامامة : للطبری الشیعی ، ابی جعفر ، محمّد بن جریر بن رستم (من أعلام القرن الخامس) تحقیق : قسم الدراسات الاسلامیة موسسة البعثة

ص:432

الطبعة الاولی - قم 1413ه- .

135 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشریعة : للبیهقی ، احمد بن الحسین البیهقی (ت 456 ه-) تحقیق : عبدالمعطی قلعجی ، دار الکتب العلمیه ، الطبعة الاولی- بیروت 1408 ه- .

136 - الدرّ المنثور فی التفسیر بالمأثور : للسیوطی ، جلال الدین ، عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) دار الفکر - بیروت 1993 م .

137 - الدر المنثور فی طبقات ربات الخدور : لزینب بنت علی فواز العاملی (ت 1332 ه-) بولاق المطبعة الکبری الأمیریة 1312 ه- .

138 - دراسة نقدیة فی المرویات الواردة فی شخصیة عمر بن الخطّاب وسیاسته الإداریة : لعبد السلام بن محسن آل عیسی ، نشر : الجامعة الإسلامیة بالمدینة المنورة ، الطبعة الأُولی 1423 ه- / 2002 م

139 - دعائم الإسلام وذکر الحلال والحرام : للقاضی المغربی ، نعمان بن محمّد بن منصور (ت 363 ه-) . تحقیق : آصف بن علیّ اصغر فیضی . نشر : دار المعارف القاهرة 1383 ه- .

140 - ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی : للطبری ، محب الدین ، أحمد بن عبدالله (ت 694 ه-) . نشر : مکتبة القدسی عن نسخة دار الکتب المصریة ، ونسخة الخزانة التیموریة . الطبعة الاولی ، 1356 ه- .

141 - الذخیرة : للقرافی ، شهاب الدین احمد بن ادریس (ت 684 ه-) تحقیق : محمّد حجی دار الغرب - بیروت 1994 م .

142 - الذریة الطاهرة النبویة : للدولابی ، محمّد بن أحمد بن حمّاد (ت 310 ه-) . تحقیق : سعد المبارک الحسن . نشر : الدار السلفیة - الکویت . الطبعة الاولی

ص:433

، 1407 ه- .

143 - ربیع الابرار ونصوص من الاخبار : للزمخشری ، محمّد بن عمر (ت 358 ه-) تحقیق : عبدالامیر مهنا ، موسسة الاعلمی - بیروت 1412 ه- .

144 - رجال الطوسی : للطوسی ، محمّد بن حسن (ت 460 ه-) تحقیق : جواد القیومی الاصفهانی موسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی قم ، الطبعة الاولی 1415 ه- .

145 - رجال ابن داوود : للحلی ، تقی الدین ، بن داوود (ت 707 ه-)تحقیق : السید محمّد صادق آل بحر العلوم المطبعة الحیدریة – النجف / دار الرضی - قم 1392 .

146 - رجال النجاشی = فهرست أسماء مصنَّفی الشیعة : للنجاشی ، الشیخ أبی العباس ، أحمد بن علیّ (ت 450 ه-) . تحقیق : السیّد موسی الشبیری الزنجانی . نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم ، الطبعة الخامسة ، 1416 ه- .

147 - رحلة ابن جبیر : طبعة دار التراث العربی ، بیروت لبنان ، سنة 1388 ه.

148 - رحلة ابن بطوطة : لابی عبدالله ، محمّد بن ابراهیم اللواتی ، مطبعة مصطفی محمّد - مصر سنة 1358 ه- .

149 - الروضة الفیحاء فی تواریخ النساء : للعمری ، یاسین بن خیر الله (ت 1232 ه-) / رجاء محمود السامرائی الدار العربیة للموسوعات بیروت ، الطبعة الأولی 1987 م .

150 - رسائل الشریف المرتضی : للمرتضی ، علی بن الحسین (ت 436 ه-) تحقیق : السید احمد الحسینی ، دار القرآن - قم 1405 ه- .

151 - روضة الواعظین : للفتال النیسابوری ، محمّد بن الفتال (ت 508 ه-) تحقیق

ص:434

: السید محمّد مهدی الخرسان ، دار الشریف .

152 - الزینبیات : للعبیدلی ، یحیی بن الحسن (ت 277 ه-) تحقیق : حسن محمّد قاسم ، الطبعة الاولی - مصر 1353 ه- .

153 - الزهد : لابن المبارک ، عبدالله بن المبارک بن واضح (ت 181 ه-) تحقیق : حبیب الرحمن الاعظمی ، دار الکتب العلمیة - بیروت .

154 - سبل الهدی والرشاد : للصالحی الشامی ، احمد بن یوسف (ت 492 ه-) تحقیق وتعلیق : الشیخ عادل احمد عبدالموجود / الشیخ علی محمّد معوض ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1414 ه- .

155 - سلسلة الاحادیث الصحیحة : للالبانی ، محمّد ناصر الدین (ت 1420 ه-) نشر مکتبة المعارف - الریاض .

156 - سمط النجوم العوالی : للعاصمی ، عبدالملک بن حسین الشافعی (ت 1111ه-) تحقیق : عادل احمد عبدالموجود / علی محمّد عوض ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1419 ه- .

157 - سُنن ابن ماجة : لابن ماجة ، القزوینی ، محمّد بن یزید (ت 275 ه-) تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی ، نشر : دار الفکر- بیروت .

158 - سُنن أبی داوود : لأبی داوود ، سلیمان بن الاشعث السجستانی (ت 275 ه-) تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید ، دار الفکر - بیروت .

159 - سنن البیهقی الکبری : للبیهقی ، احمد بن الحسین (ت 458 ه-) تحقیق : محمّد عبدالقادر عطا ، مکتبة دار الباز - مکة 1414 ه- .

160 - سُنن الترمذی = الجامع الصحیح : لأبی عیسی ، محمّد بن عیسی بن سورة الترمذی (ت 279 ه-) . تحقیق : احمد محمّد شاکر وآخرون ، دار احیاء

ص:435

التراث العربی - بیروت 1357 ه- .

161 - سُنن الدارقطنی : للدارقطنی ، علیّ بن عمر بغدادی (ت 385 ه-) تحقیق : عبدالله هاشم یمانی المدنی ، دار المعرفة - بیروت 1386 ه- .

162 - سُنن الدارمی : للدارمی ، عبدالله بن عبدالرحمن بن بهرام (ت 255 ه-) تحقیق : فواز احمد زمرلی ، خالد السبع العلمی ، دار الکتاب العربی ، الطبعة الاولی - بیروت 1407 ه- .

163 - سُنن سعید بن منصور : لسعید بن منصور (ت 227 ه-) . تحقیق : الدکتور سعد بن عبدالله آل حمید . نشر : دار العصیمی - الریاض . الطبعة الاولی ، 1414 ه- .

164 - السنن الکبری : للنسائی ، أحمد بن شعیب (ت 303 ه-) . تحقیق : الدکتور عبدالغفار سلیمان البنداری / وسید کسروی حسن . نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت ، الطبعة الاولی ، 1411 ه- / 1991 م .

165 - سُنن النسائی (المجتبی) : للنسائی ، أحمد بن شعیب (ت 303 ه-) تحقیق : عبدالفتاح ابو غدة مکتب المطبوعات الاسلامیة ، الطبعة الثانیة - حلب 1406 ه- .

166 - سیر اعلام النبلاء : للذهبی ، شمس الدین ، محمّد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه-) . تحقیق : شعیب الارنؤوط / محمّد نعیم العقرقوسی ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الاولی - بیروت 1413ه- .

167 - سیرة بن إسحاق : لمحمّد بن إسحاق بن یسار (ت 151 ه-) . تحقیق : د . سهیل زکار ، دار الفکر ، الطبعة الاولی 1398 ه- .

168 - سیرة ابن هشام : لعبد الملک ابن هشام الحمیری (ت 218 ه-) تحقیق : طه

ص:436

عبدالرووف سعد ، دار الجیل ،الطبعة الاولی - بیروت 1411 .

169 - سیرة ابن کثیر = السیرة النبویة : لأبی الفداء ، إسماعیل بن کثیر (ت 774 ه-) تحقیق : مصطفی عبدالواحد ، بیروت 1396 ه- .

170 - سیر السلف الصالحین : لابن قاسم ، اسماعیل بن محمّد الاصفهانی (ت 535 ه-) تحقیق : محمّد حسن اسماعیل / طارق فتحی السید ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1425 ه- / 2004 م .

171 - سبل السلام شرح بلوغ المرام : للکحلانی الصنعانی ، محمّد بن اسماعیل (ت 1182 ه-) شرکة مکتبة ومطبعة مصطفی البابی الحلبی - القاهرة مصر 1378 ه- .

172 - الشافی فی الامامة :للشریف المرتضی ، علی بن الحسین الموسوی (ت 436 ه-) تحقیق : السید عبدالزهراء الخطیب موسسة اساعیلیان ، الطبعة الثانیة - قم 1410 ه- .

173 - شعب الإیمان : للبیهقی ، أحمد بن حسین بن علی (ت 458 ه-) تحقیق : محمّد سعید البسیونی ، دار الکتب العلمیة - بیروت ، الطبعة الأولی 1410 ه- .

174 - شرح العمدة : لابن تیمیة الحرانی ، أحمد بن عبدالحلیم (ت 728 ه-) تحقیق : د . سعود صالح العطیشان ، مکتبة العبیکان - الریاض السعودیة 1413 ه- .

175 - شرح أدب القاضی : للخصاف ، عمر بن عبدالعزیز البخاری الحنفی (ت 536 ه-) تحقیق : محی هلال السرحان ، مطبعة الإرشاد - بغداد 1397 ه- .

176 - شرح الاخبار فی فضائل الائمة الأطهار : للقاضی النعمان ، أبی حنیفة ، بن

ص:437

محمّد التمیمی (ت 363 ه-) . تحقیق : السیّد محمّد الحسینی الجلالی . نشر : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین - قم .

177 - شرح الأزهار المسمّی بالمنتزع المختار من الغیث المدرار : لعبد الله بن مفتاح ، نشر : مکتبة التراث الإسلامی - الجمهوریة الیمینة ، الطبعة الأولی ، 1424 ه- / 2003 م .

178 - شرح المواهب اللدنیة : للزرقانی ، محمّد بن عبدالباقی بن یوسف (ت 1122 ه-) دار الکتب العلمیة ، طبعة سنة 1417 ه- / 1996 م - بیروت .

179 - شرح الزرقانی علی موطأ مالک : للزرقانی ، محمّد بن عبدالباقی (ت 1122 ه-) دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1411 ه- .

180 - الشرح الکبیر علی متن المقنع : لابن قدامة الحنبلی ، عبدالرحمن بن ابی عمر (ت 682 ه-) . نشر : دار الکتاب العربی - بیروت .

181 - شرح المواقف : للقاضی الجرجانی ، علی بن محمّد (ت 816 ه-) مطبعة السعادة ، الطبعة الاولی - مصر 1325 ه- .

182 - شرح معانی الآثار : للطحاوی ، احمد بن محمّد بن سلامة (ت 321 ه-) تحقیق : محمّد زهری النجار ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت ، سنة 1399 ه- .

183 - شرح مشکل الآثار : للطحاوی ، احمد بن محمّد بن سلامة (ت 321 ه-) تحقیق : شعیب الارنووط ، موسسة الرسالة ، الطبعة الاولی - بیروت 1408ه- .

184 - شرح نهج البلاغة : لابن أبی الحدید ، عز الدین بن هبة الله (ت 656 ه-) . تحقیق : محمّد أبو الفضل إبراهیم ، نشر : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی

ص:438

النجفی بالأوفسیت عن دار احیاء الکتب العربیة ، الطبعة الثانیة - بیروت ، سنة 1378 ه- .

185 - شواهد التنزیل : للحسکانی عبید الله بن أحمد (ت ق 5) . تحقیق : الشیخ محمّد باقر محمودی ، مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیة التابع لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی ، طبع 1 ، 1411 ه- .

186 - صحیح ابن حبان : (بترتیب ابن بلبان الفارسی) لابی حاتم البستی محمّد ابن حبان (ت 354 ه-) تحقیق : شعیب الارنووط ، موسسة الرسالة ، الطبعة الثانیة - بیروت 1414 ه- .

187 - صحیح البخاری : للبخاری ، محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم الجعفی (ت 256 ه-) تحقیق : د . مصطفی دیب البغا دار ابن کثیر الیمامة الطبعة الثالثة - بیروت 1407 ه- .

188 - صحیح مسلم : للقشیری النیسابوری ، مسلم بن الحجاج (ت 261 ه-) تحقیق : محمّد فواد عبدالباقی ، دار احیاء التراث العربی - بیروت .

189 - الصراط المستقیم إلی مستحقی التقدیم : للبیاضی ، زین الدین ، علیّ بن یونس العاملی (ت 877 ه-) . تحقیق : محمّد باقر البهبودی . نشر : المکتبة الرضویة لاحیاء الاثار الجعفریة - مشهد ، الطبعة الأُولی 1384 ه- .

190 - صفة الصفوة : لابن الجوزی ، ابی الفرج عبدالرحمن بن علی (ت 597 ه-) تحقیق : محمود فاخوری د . محمّد رواس قلعه چی ، دار المعرفة الطبعة الثانیة - بیروت 1399 ه- .

191 - الصوارم المهرقة فی جواب الصواعق المحرقة : للقاضی نور الله التستری الشهید ، (ت 1019 ه-) . عنی بتصحیحه : السیّد جلال الدین المحدث ،

ص:439

طبع فی مطبعة نهضت - طهران 1987 م .

192 - الصواعق المحرقة : لابن حجر الهیثمی ، أبی العباس احمد بن محمّد بن علی (ت 973 ه-) تحقق : عبدالرحمن عبدالله الترکی / کامل محمّد الخراط موسسة الرسالة ، الطبعة الاولی - لبنان 1417 .

193 - ضعفاء العقیلی : للعقیلی ، محمّد بن عمر بن موسی (ت 322 ه-) تحقیق : عبدالمعطی امین قلعه چی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1404 ه- .

194 - الضعفاء والمتروکین : لابی الفرج ابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علی بن محمّد (ت 597 ه-) تحقیق : عبدالله القاضی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1406 ه- .

195 - طبائع النساء وما جاء فیها من عجائب وأخبار واسرار : لابن عبدربه ، احمد بن محمّد الاندلسی (ت 328 ه-) مکتبة القرآن 1405 ه- .

196 - الطبقات الکبری : لابن سعد ، محمّد بن سعد بن منیع البصری (ت 230 ه-) . نشر : دار صادر - بیروت .

197 - طبقات الشافعیة الکبری : للسبکی ، تاج الدین بن علی (ت 756 ه-) تحقیق : د . محمود محمّد الطناجی د . عبدالفتاح محمّد الحلو دار هجر للطباعة ، الطبعة الثانیة 1413 .

198 - الطبقات الکبری (لواقح الأنوار فی طبقات الأخیار) : للشعرانی الشافعی ، عبدالوهاب بن أحمد بن علی (ت 973 ه-) مطبعة مصطفی البابی الحلبی واولاده ، مصر ، الطبعة الأولی 1973 م .

199 - طلبة الطلبة فی الاصطلاحات الفقهیة : للنسفی ، نجم الدین عمر بن

ص:440

محمّد (ت 537 ه-) تحقیق : خالد عبدالرحمن العک ، دار النفائس - عمان 1416 ه- .

200 - العثمانیة : للجاحظ ، عمر بن بحر (ت 255 ه-) تحقیق وشرح عبدالسلام محمّد هارون ، دار الکتاب العربی - مصر .

201 - العدد القویة لدفع المخاوف الیومیة : للحلی ، علی بن یوسف (ت 705 ه-) تحقیق : السید مهدی الرجائی ، اشراف السید محمود المرعشی ، نشر مکتبة المرعشی العامة ، الطبعة الاولی - قم 1408 ه- .

202 - العقد الفرید : لابن عبدربه احمد بن محمّد الاندلسی (ت 328 ه-) تحقیق : د . مفید محمّد قمیحه د . عبدالمجید الترحیبی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1404 ه- .

203 - العمدة = عمدة عیون صحاح الاخبار فی مناقب امام الابرار : لابن البطریق ، یحیی بن الحسن الاسدی (ت 600 ه-) موسسة النشر الاسلامی - قم 1407 ه- .

204 - عمدة القاری فی شرح صحیح البخاری : للعینی ، بدر الدین محمود بن احمد (ت 855 ه-) دار احیاء التراث العربی - بیروت .

205 - عمدة الطالب فی انساب آل أبی طالب : لابن عنیة ، جمال الدین ، أحمد بن علیّ الحسینی (ت 828 ه-) . تحقیق : محمّد حسن آل الطالقانی . نشر : المکتبة الحیدریة - النجف الاشرف ، الطبعة الثانیة ، 1380 ه - 1961 م .

206 - کتاب العین : للفراهیدی ، الخلیل بن أحمد (ت 175 ه-) . تحقیق : الدکتور مهدی المخزومی والدکتور إبراهیم السامرائی ، نشر : دار مکتبة الهلال .

207 - عون المعبود شرح سنن أبی داوود : للعظیم آبادی ، محمّد شمس الحقّ (ت

ص:441

1329 ه-) ، دار الکتب العلمیّة الطبعة الثانیة - بیروت 1995 م .

208 - غریب الحدیث : للخطابی احمد بن محمّد بن ابراهیم (ت 388 ه-) تحقیق : عبدالکریم ابراهیم العزباوی ، نشر جامعة أم القری - مکة المکرمة 1402 .

209 - غوامض الأسماء المبهمة : لابن بشکوال الأندلوزی ، خلف بن عبدالملک (ت 578 ه-) تحقیق : عز الدین علی السید / محمّد کمال الدین ، عالم الکتب بیروت ، الطبعة الأولی 1407 ه- .

210 - الفاروق عمر بن الخطّاب : لمحمّد حسین بن سالم هیکل (1376 ه-) مکتبة النهضة المصریة ، القاهرة 1963 م .

211 - الفائق فی غریب الحدیث : للزمخشری ، محمود بن عمر (ت 583 ه-) تحقیق : علی محمّد البجاوی / محمّد ابوالفضل ابراهیم ، دار المعرفة ، الطبعة الثانیة - لبنان .

212 - فتح الباری شرح صحیح البخاری : لابن حجر العسقلانی (ت 852 ه-) تحقیق : محب الدین الخطیب لدار المعرفة - بیروت .

213 - فتح العزیز = الشرح الکبیر : للرافعی ، عبدالکریم (ت 623 ه-) نشر دار الفکر .

214 - فتح القدیر الجامع بین فنی الروایة والدرایة فی علم التفسیر : للشوکانی ، محمّد بن علیّ بن محمّد (ت 1250 ه-) دار الفکر - بیروت .

215 - فقه السیرة : للغزالی ، محمّد بن أحمد (ت 1416 ه-) دار الکتب الإسلامیة ، القاهرة ، الطبعة الثانیة 1402 / 1982 م .

216 - الفتوح : لابن اعثم الکوفی ، ابی محمّد ، احمد بن اعثم (ت 314 ه-) تحقیق

ص:442

: علی شیری دار الاضواء الطبعة الاولی - بیروت 1411 ه- .

217 - الفرائض : للثوری ، سفیان بن سعید (ت 161 ه-) تحقیق : ابو عبدالله عبدالعزیز عبدالله دار العاصمة ، الطبعة الاولی - الریاض 1410 ه- .

218 - الفروع وتصحیح الفروع : للمقدسی ، محمّد بن مفلح (ت 803 ه-) تحقیق : حازم القاضی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1418 ه- .

219 - الفصول المختارة : للمفید ، محمّد بن محمّد بن نعمان العکبری (ت 413 ه-) تحقیق : السید علی میرشریفی ، دار المفید ، الطبعة الثانیة - بیروت 1414 ه- .

220 - الفصول المهمة فی معرفة الائمة : للمالکی (ابن الصباغ) علی بن محمّد (ت 855 ه-) تحقیق : سامی الطبعة الاولی ، دار الحدیث للطباعة والنشر - قم .

221 - فقه الصادق : للسید محمّد صادق الحسینی الروحانی . نشر : مؤسسة دار الکتاب - قم ، الطبعة الثالثة ، 1414 ه- .

222 - فیض القدیر شرح الجامع الصغیر : للمناوی ، عبدالرووف محمّد بن علی الشافعی (ت 1031 ه-) المکتبة التجاریة الکبری الطبعة الاولی - مصر 1356وطبعة دار الکتب العلمیة - بیروت 1415 ه- .

223 - فضائل الأوقات : للبیهقی ، أحمد بن الحسین بن علی (ت 458 ه-) تحقیق عدنان عبدالرحمن مجید القیسی ، مکتبة المنارة مکة المکرمة ، الطبعة الأولی 1410 ه- .

224 - قائد الفکر الإسلامی عمر بن الخطّاب : لکمال البسیونی ، مکتبة النهضة المصریة ، القاهرة ، الطبعة الأولی 1993 م .

225 - قاموس الرجال : للتستری ، الشیخ محمّد تقی . طبع : مؤسسة النشر

ص:443

الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم 1410 ه- .

226 - الکافئة فی إبطال توبة الخاطئة : للمفید ، محمّد بن محمّد العکبری (ت 413 ه-) تحقیق : علی اکبر زمانی نجاد ، دار المفید ، الطبعة الثانیة - بیروت ، سنة 1414 ه- .

227 - الکافی : للکلینی ، محمّد بن یعقوب الرازی ، (ت 328 - 329 ه-) . صححه وعلّق علیه : علیّ اکبر الغفاری ، دار الکتب الاسلامیة ، الطبعة الخامسة - طهران 1363 ش .

228 - الکافی فی فقه احمد بن حنبل : للمقدسی ، عبدالله ابن قدامة (ت 620 ه-) نشر المکتبة الاسلامی - بیروت .

229 - الکامل فی التاریخ : لابن الاثیر الشیبانی ، محمّد بن محمّد بن عبدالواحد (ت 630 ه-) تحقیق : عبدالله القاضی ، دار الکتب العلمیة ، بیروت ، الطبعة الثانیة 1415 ه- .

230 - الکامل فی الضعفاء : لابن عدی ، أبی أحمد ، عبدالله بن عدی الجرجانی (ت 365 ه-) . تحقیق : یحیی مختار غزاوی نشر : دار الفکر - بیروت . الطبعة الثالثة ، 1409 ه- .

231 - کشف الغمه فی معرفة الائمة : للاربلی ، علی بن عیسی (ت 692 ه-) دار الاضواء - بیروت 1405 ه- .

232 - کشف الاسرار عن أصول البَزْدَوی : لعلاء الدین عبدالعزیز بن احمد البخاری (ت 730 ه-) تحقیق : عبدالله محمود محمّد عمر ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1418 ه- .

233 - کشف المشکل من حدیث الصحیحین : لابن الجوزی ، ابی الفرج ،

ص:444

عبدالرحمن (ت 579 ه-) تحقیق : علی حسین البواب ، دار الوطن - الریاض 1418 ه- .

234 - کشف اللثام عن قواعد الاحکام : للفاضل الهندی ، بهاء الدین ، محمّد بن الحسن بن محمّد الاصفهانی (ت 1137 ه-) . تحقیق : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین ، الطبعة الاولی بقم 1416 ه- .

235 - کفایة الاحکام = کفایه الفقه : للسبزواری ، المولی محمّد باقر بن محمّد مؤمن (ت 1090 ه-) تحقیق : الشیخ مرتضی الواعظی الاراکی موسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین ، الطبعة الثانیة - قم 1423 ه- .

236 - کنز العمّال فی سُنن الأقوال والأفعال : للمتقی الهندی ، علاء الدین ، علیّ المتقی بن حسام (ت 975 ه-) . تحقیق : محمود عمر الدمیاطی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1419 ه- .

237 - الکنی والأسماء : لمسلم بن الحجاج القشیری (ت 261 ه-) تحقیق : عبدالرحیم محمّد أحمد القشقری ، الجامعة الإسلامیة - المدینة المنورة ، الطبعة الأولی 1404 ه- .

238 - الکنی والأسماء : للدولابی ، محمّد بن أحمد (ت 310 ه-) تحقیق : أبو قتیبة / نظر محمّد الفاریانی ، دار ابن حزم بیروت ، الطبعة الأولی 1421 ه- .

239 - لسان العرب : لابن منظور الافریقی المصری ، محمّد بن مکرم (ت 711ه-) . نشر : دار صادر - بیروت ، الطبعة الاولی .

240 - المحبر : لابن حبیب البغدادی محمّد بن حبیب بن امیة (ت 245 ه-) تحقیق : ایلزة لیختن شتیتر ، دار الافاق الجدیدة - بیروت .

241 - مآثر الانافة فی معالم الخلافة : للقلقشندی ، أحمد بن عبدالله (ت 821 ه-) .

ص:445

تحقیق : عبدالستار أحمد فراج . نشر : مطبعة حکومة الکویت ، الطبعة الثانیة ، 1985 م .

242 - محاضرات الأدباء : للراغب الاصفهانی ، محمّد بن الحسین (ت 502 ه-) تحقیق : عمر الطباع ، دار القلم - بیروت 1420 ه- / 1999 م .

243 - محض الصواب فی فضائل عمر بن الخطّاب : للصالحی الدمشقی ، جمال الدین یوسف بن حسن (ت 906 ه-) تحقیق : د . عبدالعزیز بن محمّد الفریح السعودیة ، وزارة التعلیم العالی ، طبعة مکتبة أضواء السلف ، الطبعة الأولی 1420 ه- .

244 - المبسوط : للسرخسی ، محمّد بن أحمد بن أبی سهل (ت 483ه-) ، نشر دار المعرفة ، بیروت .

245 - المجالسة وجواهر العلم : للدینوری ، أبی بکر ، أحمد بن مروان بن محمّد القاضی المالکی (ت 333 ه-) ، دار ابن حزم ، الطبعة الأولی ، بیروت 1423 ه- .

246 - مجمع الأمثال : للمیدانی ، أحمد بن محمّد النیسابوری (ت 518 ه-) تحقیق محمّد محی الدین عبدالحمید ، دار المعرفة / بیروت وطبعة المکتبة التجاریة الکبری / مطبعة السعادة 1379 ه- / 1959 م مصر .

247 - مختصر کتاب الموافقة بین أهل البیت والصحابة : للزمخشری ، جار الله محمود بن عمر (ت 538 ه-) تحقیق : السید یوسف أحمد ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1420ه- / 1999 م ، الطبعة الأولی .

248 - المدخل = مدخل الشرع الشریف علی المذاهب الأربعة : للعبدری الفاسی المالکی المشهور بابن الحاج ، محمّد بن محمّد (ت 737 ه-) دار الفکر 1401

ص:446

ه- / 1981 م .

249 - المحرر الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز : لابن عطیة الغرناطی ، عبدالحق ابن غالب (ت 541 ه-) تحقیق : عبدالسلام عبدالشافی محمّد ، دار الکتب العلمیة - بیروت .

250 - المجدی فی أنساب الطالبیین : للعمری ، علیّ بن محمّد بن علیّ بن محمّد العلوی (من أعلام القرن الخامس) . تحقیق : الشیخ أحمد المهدوی الدامغانی . نشر : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی . الطبعة الاولی ، 1409 ه- قم .

251 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للهیثمی ، نور الدین علی بن أبی بکر (ت 807 ه-) دار الریان للتراث / دار الکتاب العربی – القاهرة ، بیروت 1407 ه- .

252 - مجمع الفائدة والبرهان فی شرح إرشاد الأذهان : للاردبیلی ، أحمد (ت 993 ه-) . تحقیق : الشیخ مجتبی العراقی / والشیخ علیّ الاشتهاری . طبع : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم 1416 ه- .

253 - مجموعة رسائل المرتضی : للموسوی ، علیّ بن الحسین = الشریف المرتضی (ت 436 ه-) . تحقیق : السیّد مهدی الرجائی . نشر : دار القرآن الکریم - قم 1405 ه- .

254 - مجموع الفتاوی : لابن تیمیة ، أحمد بن عبدالحلیم الحرانی (ت 728 ه-) تحقیق عبدالرحمن بن محمّد النجدی ، مکتبة ابن تیمیة ، الطبعة الثانیة .

255 - مجموع فتاوی ابن باز : عبدالعزیز بن عبدالله بن باز (ت 1420 ه-) أشرف علی جمعه وطبعه : محمّد بن سعد الشویعر الرئاسة العامة للبحوث العلمیة والإفتاء - السعودیة .

ص:447

256 - محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء : للاصفهانی ، الحسین بن محمّد بن المفضل (ت حدود 245 ه-) طبعة المکتبة الحیدریة ، قم 1416 بالاوفست عن دار مکتبة الحیاة .

257 - المحکم والمحیط الأعظم :لابن سیدة ، علی بن اسماعیل المرسی (ت458 ه-) تحقیق عبدالحمید هنداوی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 2000 م .

258 - المحلی : لابن حزم الاندلسی ، علی بن أحمد بن حزم (ت456 ه-) تحقیق لجنة إحیاء التراث العربی ، نشر دار الآفاق الجدیدة ، بیروت .

259 - المجموع شرح المهذب : للنووی ، محی الدین بن شرف (ت 676 ه-) نشر : دار الفکر - بیروت .

260 - المحیط فی اللغة : للصاحب ، إسماعیل بن عباد (ت 385 ه-) . تحقیق : الشیخ محمّد حسن آل یاسین . طبع : عالم الکتب بیروت 1414 ه- / 1994 م .

261 - مختصر تاریخ مدینة دمشق : لابن منظور ، محمّد بن مکرم (ت 711 ه-) . تحقیق : عدة من المحققین . نشر : دار الفکر - دمشق ، الطبعة الاولی ، 1405 ه- / 1984 م .

262 - مختلف الشیعة : للحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) . تحقیق : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین فی قم ، الطبعة الأُولی المنقحة ، 1412 ه- .

263 - المدونة الکبری : لمالک بن أنس (ت 179 ه-) ، نشر دار صادر ، بیروت .

264 - مدینة المعاجز : للبحرانی ، السیّد هاشم ، (ت 1107 ه-) . تحقیق : الشیخ

ص:448

عزة الله المولائی الهمدانی . نشر : مؤسسة المعارف الإسلامیة ، الطبعة الأولی - قم 1414 ه- .

265 - مرآة العقول : للمجلسی محمّد باقر بن محمّد تقی (ت 1111 ه-) . تحقیق : الشیخ علی الآخوندی ، دار الکتب الإسلامیة ، الطبعة الأولی ، طهران 1408 ه- .

266 - المراسیل : لابن أبی حاتم ، عبدالرحمن بن محمّد بن إدریس الرازی (ت 237 ه-) تحقیق : شکر الله نعمة الله قوچانی ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولی ، بیروت 1397 ه- .

267 - المجروحین من المحدثین والضعفاء والمتروکین : لابن حبان ، محمّد بن حبان البستی (ت 354 ه-) تحقیق : محمود إبراهیم زاید ، دار الوعی ، الطبعة الأولی ، حلب 1396 ه- ، وطبعة دار المعرفة 1412 بیروت .

268 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : للمسعودی ، علیّ بن الحسین بن علیّ (ت 346 ه-) . وضع فهارسه : یوسف أسعد داغر ، نشر دار الهجرة ، الطبعة الثانیة - قم بالاوفست عن الطبعة الأولی ، بیروت 1385 ه- .

269 - المسائل السرویة : للمفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان (ت413 ه-) تحقیق : صائب عبدالحمید ، دار المفید ، الطبعة الثانیة ، بیروت 1414 ه- .

270 - مستدرک سفینة البحار : للنمازی الشاهرودی ، الشیخ علی (ت 1405 ه-) .تحقیق : الشیخ حسن بن علیّ النمازی . نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1418 ه- .

271 - المستدرک علی الصحیحین : للحاکم النیسابوری ، أبی عبدالله ، محمّد بن عبدالله (ت 405 ه-) . تحقیق : مصطفی عبدالقادر عطا . نشر : دار الکتب

ص:449

العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1411 ه - 1990 م .

272 - مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل : للنوری ، الحاج میرزا حسین النوری الطبرسی (ت 1320 ه-) . تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث الطبعة الأولی المحققة ، قم ، 1408 ه- .

273 - المستطرف فی کلّ فن مستظرف : للابشیهی ، شهاب الدین محمّد بن أحمد الفتح (ت 850 ه-) تحقیق : مفید محمّد قمیحة ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الثانیة ، بیروت 1406 ه- .

274 - مستطرفات السرائر : لابن إدریس الحلی ، محمّد بن منصور (ت 589 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی ، الطبعة الثانیة ، قم 1411 .

275 - المسترشد فی إمامة أمیر المؤمنین علیه السلام : للطبری الإمامی ، محمّد ابن جریر بن رستم (ت أوائل ق 4) . تحقیق : الشیخ أحمد المحمودی ، مؤسّسة الثقافیة الإسلامیّة لکوشانبور ، طبع 1 .

276 - مستند الشیعة فی احکام الشریعة : للنراقی ، المولی أحمد بن محمّد مهدی (ت 1245 ه-) . تحقیق : مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث - مشهد . الطبعة الاولی ، 1415 ه- .

277 - مسند ابن الجعد : للجوهری ، علیّ بن الجعد بن عبید البغدادی (ت 230 ه-) . تحقیق : عامر أحمد حیدر ، نشر : مؤسسة نادر الطبعة الأولی ، بیروت 1410 ه- .

278 - مسند ابن راهویة : لإسحاق بن ابراهیم الحنظلی (ت 238 ه-) تحقیق : د . عبدالغفور بن عبدالحق البلوشی ، نشر : مکتبة الإیمان - المدینة المنورة ، الطبعة الأولی 1413 ه- .

ص:450

279 - مسند البزار (البحر الزخار) : لأحمد بن عمرو (ت 292 ه-) تحقیق : عادل بن سعد مکتبة العلوم والحکم - المدیة المنورة ، طبعة 1424 .

280 - مسند أبی یعلی : لأحمد بن علی بن المثنی الموصلی (ت 307 ه-) تحقیق : حسین سلیم أسد ، دار المأموم للتراث ، الطبعة الأولی - دمشق 1404 ه- .

281 - مسند الربیع = الجامع الصحیح : للأزدی ، الربیع بن حبیب (من أعلام المائة الثانیة للهجرة) تحقیق : محمّد إدریس - عاشور بن یوسف ، نشر دار الحکمة / مکتبة الاستقامة ، الطبعة الأولی بیروت / سلطنة عمان 1415 ه- .

282 - مسند الشافعی : لمحمّد بن إدریس (ت 204 ه-) نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت .

283 - مسند الطیالسی : لسلیمان بن داوود الفارسی (ت 204 ه-) دار المعرفة ، بیروت وط دائرة المعارف النظامیة دکن الهند 1321 ه- .

284 - مسند أحمد : لأحمد بن حنبل (ت 241 ه-) نشر : مؤسسة قرطبة - مصر .

285 - مصائب النواصب فی الردّ علی نواقض الروافض للتستری ، السیّد نور الله ابن شرف الدین المرعشی (ت 1019 ه- .) . تحقیق : الشیخ قیس العطار . نشر : دلیل ما / ایران - قم 1426 .

286 - المصباح المنیر فی غریب الشرح الکبیرللرافعی : للفیومی ، أحمد بن محمّد بن علیّ المقری (ت بعد 770 ه-) . نشر : المکتبة العلمیة - بیروت 1403 ه- .

287 - المصنَّف : للصنعانی ، عبدالرزّاق بن همام (ت 211 ه-) تحقیق : حبیب الرحمن الأعظمی ، المکتب الإسلامی ، الطبعة الثانیة ، بیروت 1403 ه- .

ص:451

288 - المطالب العالیة : لابن حجر ، أحمد بن علی (ت 852 ه-) تحقیق : د . سعد ابن ناصر بن عبدالعزیز ، دار العاصمة / دار الغیث ، السعودیة الطبعة الأولی 1419 ه- .

وطبعة أخری تحقیق : حبیب الرحمن الأعظمی ، دار المعرفة بیروت 1414 ه- / 1993 م .

289 - مصنَّف ابن أبی شیبة : لأبی بکر بن أبی شیبة ، عبدالله بن محمّد (ت 235ه-) . تحقیق : کمال یوسف الحوت ، مکتبة الرشید الریاض ، الطبعة الأولی 1409 ه- .

290 - المرادفات من قریش : للمدائنی ، علی بن محمّد بن عبدالله (ت 225 ه-) طبع ضمن مجموعة نوادر المخطوطات ، تحقیق : عبدالسلام هارون ، دار الجیل بیروت ، الطبعة الأولی 1411 ه- / 1991 م .

291 - مختصر التاریخ : لابن الکازرونی ، ظهیر الدین علی بن محمّد البغدادی (ت 697 ه-) تحقیق : د . مصطفی جواد ، المطبعة الحکومیة لوزارة الإعلام العراقیة ، بغداد .

292 - المنتخب من کتاب أزواج النبیّ : للزبیر بن بکار (256 ه-) تحقیق : سکینة الشهابی ، مؤسسة الرسالة ، بیروت ، الطبعة الأولی 1403 .

293 - المبدع فی شرح المقنع : لابن مفلح الحنبلی ، برهان الدین ابراهیم بن محمّد (ت 884 ه-) المکتب الاسلامی - بیروت 1399 .

294 - المعارف : لابن قتیبة الدینوری ، عبدالله بن مسلم (ت 276 ه-) تحقیق : د. ثروت عکاشة ، دار المعارف ، القاهرة .

295 - معجم الصحابة : للبغوی ، عبدالله بن محمّد بن عبدالعزیز (ت 317 ه-)

ص:452

تحقیق : محمّد الأمین بن محمّد محمود ، مکتبة دار البیان - الکویت ، الطبعة الأولی 1421 ه- / 2000 م .

296 - المعجم الأوسط : للطبرانی ، سلیمان بن احمد (ت360 ه-) تحقیق : طارق بن عوض الله ، عبدالمحسن بن ابراهیم الحسنی ، دار الحرمین - القاهرة 1415 ه- .

297 - معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرجال : للخوئی ، السیّد أبوالقاسم (ت 1411 ه-) طبع مرکز نشر الثقافة الإسلامیة ، الطبعة الخامسة - ایران ، سنة 1413 ه- .

298 - المعجم الکبیر : للطبرانی ، سلیمان بن احمد (ت 360 ه-) تحقیق : حمدی بن المجید السلفی مکتبة الزهراء ، الطبعة الثانیة - الموصل 1404 ه- .

299 - معالم أنساب الطالبیّین فی شرح کتاب «سرّ الأنساب العلویة» . لأبی نصر البخاری ، للدکتور عبدالجواد الکلیدار آل طعمة (م 1370 ه-) . تحقیق : سلمان السیّد هادی آل طعمة ، مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی - قم ، 1422 ه- .

300 - المعرفة والتاریخ : للفسوی ، یعقوب بن سفیان (ت 280 ه-) تحقیق خلیل المنصور ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1419 ه- .

301 - معرفة السنن والآثار عن الإمام الشافعی : للبیهقی ، أحمد بن الحسین بن علی (ت 458 ه-) تحقیق : سید کسروی حسن ، دار الکتب العلمیة - لبنان .

302 - المغنی فی فقه الإمام أحمد بن حنبل الشیبانی : لابن قدامة الحنبلی ، عبدالله بن أحمد بن محمّد (ت 620 ه-) دار الفکر ، الطبعة الأولی - بیروت 1405 ه- .

303 - مفتاح دار السعادة ومنشور ولایة العلم : لابن قیم الجوزیة ، محمّد بن أبی

ص:453

بکر (ت 751 ه-) دار الکتب العلمیة - بیروت ، الطبعة الأولی 1413 ه- .

304 - مقاتل الطالبیین : لأبی الفرج الاصفهانی (ت356 ه-) تحقیق : کاظم المظفر ، منشورات المکتبة الحیدریة ، الطبعة الثانیة - النجف الأشرف 1385 ه- .

305 - مقتل الخوارزمی : الموفق بن احمد المالکی (ت 568 ه-) تحقیق : محمّد السماوی ، مکتبة المفید - ایران .

306 معانی الأخبار : للصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی ، (ت 381 ه-) تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی ، قم 1379 ه- .

307 - المقفی الکبیر : للمقریزی ، تقی الدین أحمد بن علی بن عبدالقادر (ت 845 ه-) تحقیق : محمّد بعلاوی دار الغرب الإسلامی ، بیروت ، الطبعة الأولی 1411 ه- / 1991 م .

308 - الملل والنحل : للشهرستانی ، محمّد بن عبدالکریم (ت548 ه-) ، تحقیق : محمّد سید گیلانی ، دار المعرفة - بیروت 1404 ه- .

309 - المعیار والموزانة فی فضائل أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب : للاسکافی ، محمّد بن عبدالله (ت 240 ه-) تحقیق : محمّد باقر المحمودی 1402ه- / 1981 م .

310 - ملاذ الاخیار فی فهم تهذیب الاخبار : للمجلسی ، الشیخ محمّد باقر (ت 1111 ه-) .تحقیق : السیّد مهدی الرجائی وباهتمام السیّد محمود المرعشی . نشر مکتبة المرعشی - قم 1407 ه- .

311 - ملحقات إحقاق الحق : للسید شهاب الدین المرعشی . نشر : مکتبة آیة الله المرعشی النجفی - قم ، الطبعة الاولی ، 1408 ه- .

312 - منار السبیل فی شرح الدلیل : لابن ضویان ، ابراهیم بن محمّد بن سالم (ت

ص:454

1353 ه-) تحقیق : عصام القلعجی ، مکتبة المعارف ، الطبعة الثانیة الریاض 1405 ه- .

313 - مناقب آل أبی طالب : لابن شهرآشوب ، محمّد بن علیّ بن شهرآشوب (ت 588 ه-) . تحقیق : لجنة من أساتذه النجف طبع فی المطبعة الحیدریة فی النجف الأشرف 1376 ه- .

314 - مناقب علی بن أبی طالب : لابن المغازلی ، علی بن محمّد الواسطی الشافعی ، (ت 483 ه-) تحقیق محمّد باقر البهبودی ، المطبعة الإسلامیة ، الطبعة الثانیة - طهران 1403 ه- .

315 - المنتظم فی تاریخ الملوک والامم : لابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علیّ بن محمّد (ت 597 ه-) دار صادر ، الطبعة الأولی - بیروت 1358 ه- .

316 - المنتقی من السنن المسندة : لابن الجارود النیسابوری ، عبدالله بن علی بن الجارود (ت 307 ه-) .تحقیق : عبدالله عمر البارودی ، نشر : مؤسسة الکتاب الثقافیة - بیروت ، الطبعة الاولی 1048 ه- / 1988 م .

317 - المنتقی من کتاب مکارم الأخلاق : للخرائطی ، محمّد بن جعفر بن سهل (ت 327 ه-) تحقیق : احمد بن محمّد السلقی ، دار الفکر - دمشق 1986 م .

318 - منتهی المطلب فی تحقیق المذهب : للحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) . نشر : مرکز البحوث الإسلامیة التابعة للروضُة الرضویة 1412 ه- . وطبعه الحاج أحمد - تبریز .

319 - من لا یحضره الفقیه : للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه (ت 381 ه-) . تحقیق : علیّ اکبر غفاری . نشر : جماعة المدرسین - قم ، الطبعة الثانیة ، 1404 ه- .

ص:455

320 - المنمق فی أخبار قریش : للبغدادی ، محمّد بن حبیب (ت 245 ه-) . صحیحه وعلق علیه : خورشید أحمد فاروق . نشر : عالم الکتب .

321 - المهذب فی فقه الإمام الشافعی : لأبی اسحاق الشیرازی ، ابراهیم بن علی ابن یوسف (ت 476 ه-) دار الفکر - بیروت .

322 - میزان الاعتدال فی نقد الرجال : للذهبی ، شمس الدین ، محمّد بن أحمد (ت 748 ه-) تحقیق : علی محمّد معوض / عادل أحمد عبدالموجود ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1995 م .

323 - المواقف بشرح الجرجانی : لعضد الدین الایجی ، عبدالرحمن بن أحمد (ت 756 ه-) بشرح السید الشریف علی بن محمّد الجرجانی (ت 816 ه-) تحقیق : عبدالرحمن عمیرة ، دار الجیل ، الطبعة الأولی - لبنان 1417 ه- .

324 - موسوعة آل النبیّ : للدکتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ / الناشر دار الکتاب العربی ، بیروت 1387 ه- / 1967 م .

325 - موطأ مالک : لمالک بن انس (ت 179 ه-) . تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی . نشر : دار احیاء التراث العربی ، الطبعة الأُولی - مصر 1406 ه- .

326 - نثر الدرّ : للابی ، منصور بن الحسین (ت 421 ه-) تحقیق : محمّد علی قرنه / محمّد ابراهیم عبدالرحمن ، الهیئة المصریة للکتاب 1981 – 1991 م .

327 - نسب قریش : لمصعب بن عبدالله الزبیری (ت 236 ه-) تحقیق 1 – لیفی بروفنسال 1376 دار المعارف ، القاهرة 1976 م .

328 - نصب الرایة لاحادیث الهدایة : للزیلعی ، جمال الدین عبدالله بن یوسف (ت 762 ه-) . تحقیق : محمّد یوسف البنوری . نشر : دار الحدیث - مصر ، الطبعة الاولی ، 1375 ه- .

ص:456

329 - نظم درر السمطین : للزرندی الحنفی ، محمّد بن یوسف بن الحسن (ت 750 ه-) . سلسلة من مخطوطات مکتبة الإمام أمیر المؤمنین العامّة . الطبعة الاولی النجف الأشرف ، 1377 ه - 1958 م .

330 - نهایة الارب فی فنون الادب : للنویری البکری ، أحمد بن عبدالوهاب (ت 733 ه-) .اُوفست عن الطبعة الأُولی / مصر السنة 1351 ه - 1933 م .

331 - نهج البلاغة :خطب للإمام علی بن أبی طالب u (ت 40 ه-) . نشر : دار المعرفة - بیروت وطبع دار الذخائر ایران 1412 ه- .

332 - النوادر : للراوندی ، فضل الله بن علیّ الحسنی (ت 571 ه-) . تحقیق : سعید رضا علیّ عسکری . نشر : دار الحدیث - بیروت . الطبعة الاولی ، 1377 ه- .

333 - النوادر : لأحمد بن عیسی الأشعری (ت 260 ه-) . تحقیق : مؤسّسة الإمام المهدی (عج) - قم طبع 1 ، 1408 ه- .

334 - النهایة فی غریب الحدیث : لابن الأثیر الجزری ، مبارک بن محمّد الشیبانی (ت 606 ه-) تحقیق : طاهر أحمد الزاوی ومحمود محمّد طناجی المکتبة العلمیة - بیروت 1399 ه- / 1979 م .

335 - الناسخ والمنسوخ : للنحاس ، أحمد بن محمّد بن اسماعیل المرادی (ت 338 ه-) تحقیق : محمّد عبدالسلام ، مکتبة الفلاح الکویت الطبعة الأولی 1408 ه- .

336 - نقد الحدیث : للدکتور حسن الحاج حسن ، طبعة مؤسسة الوفاء - بیروت.

337 - نیل الأوطار : للشوکانی ، محمّد بن علی (ت 1250 ه-) دار الجیل - بیروت 1973 م .

ص:457

338 - النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة : لیوسف بن تغری البردی (ت 874 ه-) ط المؤسسة المصریة للتألیف .

339 - نور الابصار : للشبلنجی الشافعی ، مومن بن حسن (من علماء القرن الثالث ه-) . مطبعة عاطف - مصر .

340 - هدایة المحدثین = المعروف بمشترکات الکاظمی : للکاظمی ، محمّد أمین ابن محمّد علیّ (من أعلام القرن الحادی عشر) . تحقیق : السیّد مهدی الرجائی . مکتبة المرعشی 1405 ه- .

341 - الهدایة الکبری : للخصیبی ، الحسین بن حمدان (ت 334 ه-) مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر ، الطبعة الرابعة - لبنان 1411 ه- .

342 - الهدایة شرح بدایة المبتدی : للمرغینانی الحنفی ، برهان الدین علی بن أبی بکر بن عبدالجلیل (ت 593 ه-) مصر مکتبة زهران سنة 1994 م .

343 - وسائل الشیعة : للحر العاملی ، الشیخ محمّد بن الحسن (ت 1104 ه-) . تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث - قم . الطبعة الثانیة ، 1414 ه- .

344 - وفاة زینب الکبری : للنقدی ، الشیخ جعفر .

345 - وفیات الأعیان وأنباء الزمان : لابن خلکان ، أحمد بن محمّد . بن أبی بکر (ت 681 ه-) . تحقیق : الدکتور احسان عبّاس ، نشر : دار الثقافة - بیروت 1968 م .

346 - الوافی بالوفیات : للصفدی ، صلاح الدین خلیل بن أیبک(ت 764 ه-) تحقیق : أحمد الأرناؤوط / ترکی مصطفی ط دار إحیاء التراث بیروت 1420 ه- وتحقیق : هلمت ریتروس . دید رینغ . دار النشر فرانز اشتانیر

ص:458

الشرکة المتحدة للتوزیع ، بیروت 1418 ه- / 1997 .

347 - ینابیع المودة لذوی القربی : للقندوزی الحنفی ، الشیخ سلیمان بن إبراهیم (ت 1294 ه-) . تحقیق : السیّد علیّ جمال اشرف الحسینی . نشر : دار الأسوة . الطبعة الاولی : 1416 ه- .

ص:459

ص:460

الفهرس

تمهید 6

القول الأوّل 13

عدم وقوع التزویج بین عمر وأُمّ کلثوم 13

القول الثانی . 14

وقوع التزویج لکنّه کان عن إکراه 14

القول الثالث . 15

إنّ المتزوَّج منها لم تکن ابنة الإمام علی علیه السلام بل کانت ربیبته 15

القول الرابع . 18

إنّ الإمامَ علیّاً زوّج عمر بن الخطّاب جنّیّةً تشبه أُمّ کلثوم 18

القول الخامس . 20

إنکار وجود بنت للإمام علی علیه السلام اسمها أُمّ کلثوم 20

القول السادس .. 24

إنّ للإمام علی علیه السلام بنتین باسم أُمّ کلثوم، إحداهما من فاطمة، والأُخری من أُمّ ولد 24

القول السابع . 25

تزویجها من عمر ، لکنّ عمر مات ولم یدخل بها 25

القول الثامن . 27

ص:461

وهو المشهور عند العامّة 27

نصوص فی التزویج 32

البحث التاریخیّ والاجتماعیّ ...................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................... 44

زواجها من عبداللّه بن جعفر؟ 72

مجمل السیرة الذاتیة لأُمّ کلثوم 98

أُمّ کلثوم فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله 98

أُمّ کلثوم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله . 103

وجودها عند تغسیل أُمّها 106

وجودها أیّام واقعة الجمل 108

الإمام علی یُخبر أُمّ کلثوم بقرب أجَلِه 109

أُمّ کلثوم تحکی کیفیة شهادة الإمام علی علیه السلام . 111

خروجها مع أخیها الحسین علیه السلام من المدینة 114

مناقشة السیرة الذاتیّة «للخلیفة» فی الزواج وما یتعلّق به 120

عمر ودعوی القرابة .. 121

أمور أخلاقیّة لابدّ من رعایتها قبل الزواج 136

عمر وتزوّجه من النساء 136

موقف عمر مع الإماء والعبید 142

دعوة النساء إلی التعرّی ، لماذا؟ 149

النظافة خُلُق إسلامی أم أعجمی؟! 152

المرأة ضربها ثمّ مضاجعتها ! 156

خطوبات غیر ناجحة 162

1- أمّ کلثوم بنت أبی بکر 162

ص:462

2- أم أبان بن عتبة 165

3- خطبته إلی قوم من قریش بالمدینة 165

4- زواج عمر من عاتکة بنت زید 167

حکم إنکاح الأب ابنته الثیّب بغیر رضاها 168

الناس عند شروطهم 173

زواج عمر من أُمّ کلثوم بنت أبی بکر 179

قول عمر بین الادّعاء والحقیقة .. 192

فرضان فی تحدید سنّ أُمّ کلثوم . 209

کلام المغیرة بن شعبة فی مکّة 223

مجمل ما قاله الشیعة .. 230

احتمال أخیر 233

تزوّج عمر بأمٍ وبنتها بعد الإسلام 236

من هی زوجة عمر ؟ 239

فاطمة بنت الولید ، أو ابنتها أُمّ حکیم بنت الحارث ؟ 239

1 - عبدالرحمن بن الحارث 240

2 - أمّ حکیم بنت الحارث 244

زواج عمر من أُمّ حکیم حقیقة أم أُکذوبة ؟ 246

عمر یتزوّج أمّها فاطمة بنت الولید أیضاً 251

البحث الفقهیّ 260

أخبارٌ فی کتب السنة 262

1 - کیفیّة الصلاة علی جنازة امرأة وطفل 262

2 - التکبیر علی الجنازة . 268

ص:463

3 - میراث الغرقی والمهدوم علیهم 269

4 - عدّة المتوفّی عنها زوجها . 271

5 - الوکالة فی التزویج واستشارة الأهل 272

أخبارٌ فی کتب الشیعة 274

1 - 2 صلاة الجنائز ، وکیفیة التکبیر علی المیّت 274

وقفة مع خبر عمّار . 285

أقوال فی أنّه مات رجلاً 289

ما هی السُنّة ؟ 295

3 - میراث الغرقی والمهدوم علیهم 303

سؤالان ؟! 318

أمّا التناقضات الموجودة عندهم 330

فتلخّص ممّا سبق 332

4 - عِدّة المتوفّی عنها زوجها . 335

5 - الوکالة فی التزویج . 342

البحث العقائدیّ 354

الزواج علی ظاهر الإسلام لا علی باطنه 364

نصوص دالّة علی أنّ المزاوَجات کانت عن إکراه لا عن لا محبّةً 372

بقی هنا شیء 386

رواة أخبار مهر أمّ کلثوم من عمر 397

الخلاصة 408

فهرس المصادر 416

الفهرس 460

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.