موسوعة الاذان : اشهد ان علیا ولی الله فی الاذان بین الشرعیه والابتداع

اشارة

سرشناسه : شهرستانی، سیدعلی، 1337-

Shahrastani, Ali

عنوان و نام پدیدآور : موسوعة الاذان :اشهد ان علیا ولی الله فی الاذان بین الشرعیه والابتداع/ تالیف علی الشهرستانی.

مشخصات نشر : قم: الاجتهاد، 1430ق.= 2009م.= 1388.

مشخصات ظاهری : 592 ص.

شابک : 978-600-5331-19-6

وضعیت فهرست نویسی : برون سپاری.

یادداشت : عربی.

یادداشت : بالای عنوان: التشریع و ملابسات الاحکام عندالمسلمین موسوعه الاذان.

یادداشت : کتابنامه: ص. [525] - 588؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : اذان و اقامه

موضوع : اذان و اقامه -- شهادت ثالثه

رده بندی کنگره : BP186/3/ش87الف5 1388

رده بندی دیویی : 297/353

شماره کتابشناسی ملی : 1634852

ص:1

المجلد 1

اشارة

المجموعة الکاملة لمؤلّفات السیّد علیّ الشهرستانیّ «12»

حَیَّ عَلَی خَیْرِ العَمَلِ

الشَّرعیّة والشّعاریّة

السیّد علی الشهرستانیّ

ص:2

ص:3

بسم الله الرحمن الرحیم

ص:4

ص:5

الإهداء

إلی من آمن بالله والناس مشرکون .

إلی من تحمّل کلّ شیء من أجل الرسول والرسالة .

إلی من صبر علی أذی قریش وهو یقول : أحد ، أحد .

إلی من رفع نداء التوحید وحطّم بتکبیره شوکة قریش .

إلی من لم یؤذّن لأحد بعد رسول الله إلّا للزهراء والحسنین .

إلی من أُبعد أو ابتعد عن مجریات الأحداث بعد رسول الله صلی الله علیه و آله .

إلی من وقف أمام التحریف داعیاً إلی الأصالة .

إلی مؤذّن رسول الله ومحبّ عترته وآل بیته .

إلی الصحابیّ الجلیل بلال الحبشیّ رضوان الله تعالی علیه .

أهدی دراستی هذه .

المؤلف

ص:6

ص:7

مقدّمة المؤلف

مرّ الفقه الإسلامی بمراحل وأدوار متعددة ، وکُتب بأسالیب ورؤی مختلفة ، وطبق مناهج خاصة لفقهاء الإسلام ، فالبعض أجمل فیه ، والآخر فصّل ، وثالث عُنی بذکر الأدلّة ، ورابع بتکثیر الفروع ، وخامس بمسائل الخلاف، وسادس بفقه الوفاق ، واهتمّ غیرهم بجوانب أُخری منه .

وقد دُوّنت تلک المصنّفات تارة أصلاً ومتناً ، واُخری تعلیقاً وشرحاً ، وثالثة نظماً وشعراً ، وغیر ذلک .

وقد اختططتُ منهجاً بین تلک المناهج، مسلِّطاً الضوء علی العلل والأسباب التی أدّت إلی اختلاف المسلمین فی الأحکام الشرعیّة ، موضّحاً فیه ملابسات التشریع ، غیر مُتناس لمنهج الأقدمین فی دراسة الفروع ، آخذاً بنظر الاعتبار ما یلائم عقلیّة المسلم المعاصر من التعرّف علی جذور الخلاف وأسبابه .

فالفقیه لو جمع إلی أدلّته القرآنیّة والحدیثیّة شیئاً من تاریخ التشریع وملابسات الأحکام الشرعیة لا تّضح للسامع والقارئ حقائق کثیرة فی هذا السیاق . وکذا المؤرّخ علیه أن یدرس الأحداث دراسة تحلیلیة استنباطیة کما یفعل الفقیه بالأحادیث ، وأن لا یکتفی بنقل البلاذری والطبری والواقدی وابن سعد وغیرهم من أعلام المؤرِّخین .

ص:8

وقد أوضحنا بعض معالم منهجنا فی مقدمة کتابنا ( وضوء النبیّ ) وأکّدنا علی ضرورة دراسة المتن والسند معاً ، مع بیان الجذور السیاسیة والاجتماعیة والتاریخیة والجغرافیة للأحداث ، وأن لا یکتفی المؤرّخ أو الفقیه بواحد منها دون الآخر ؛ لأن اتّخاذ أحد الأسلوبین ( القدیم أو الجدید ) ربما لا یقنع المطالع وخصوصاً فی القضایا الخلافیة، فالبحوث الإسنادیة مثلاً هی بحوث تخصّصیة بحتة لا یستسیغها الأکادیمی ( الجامعی ) ، وقد تثقل علی مسامع غیر المتخصّصین . وکذلک الحال بالنسبة إلی البحوث التاریخیة التشریعیة ، فرّبما لا یری الطالب الحوزوی والأزهری کثیر فائدة فی طرحها ، ومن هنا سَعَینا أن نجمع - فی دراساتنا - بین الأسلوبین ، کی نخاطب أکبر عدد ممکن من القراء الأعزاء ، مبسطین العبارة والفکرة بقدر المستطاع . وأشرنا إلی بعض أهدافنا صراحةً بالقول :

لقد انتهجنا هذا الأسلوب فی دراستنا واتّبعناه لا لشیء إلّا لتطویر وإشاعة مثل هذه الدراسات فی معاهدنا العلمیة وجامعاتنا الإسلامیة ، علی أمل تعاون المعنیّین معنا فی ترسیخ هذه الفکرة وتطویرها ، وأن لا یدرسوا الفقه دراسة إسنادیة متنیة فقط دون معرفة ملابسات الحکم التاریخیة والسیاسیة ، ونری فی طرح مثل هذه الدراسات رُقیّاً للمستوی الفقهی والأُصولی لدی المذاهب الإسلامیة ، وتقریباً لوجهات النظر بین المسلمین ، وترسیخاً لروح الانفتاح فیهم ، ومحاولة للقضاء علی مختلف النزعات العاطفیة وإبعادها عن مجالات البحث العلمی ، وعدم السماح لتحکّم الخلفیات الطائفیة ، والرواسب الذهنیة فی هذه البحوث العلمیة النظریة .

ص:9

ولو اتّبعنا مثل هذا الأُسلوب فی جمیع أبواب الفقه لوصلنا إلی حقیقة الفقه الإسلامی من أیسر طرقه وأسلمها ، ولوقفنا علی تاریخ التشریع وملابساته ، ولا تّضحت لنا خلفیات صدور بعض الأحکام ، وعرفنا حکم الله الواحد الذی ینشده الجمیع .

وممّا یجب التأکید علیه أنّ مشروعنا سیطبّق - إن شاء الله تعالی - فی إطارین :

1 - الإطار التأسیسی .

2 - الإطار التطبیقی .

ولنا دراسات عن السنّة النبویة ، والقراءات القرآنیة ، والنسخ وأساسیّات نقاط الافتراق بین المذاهب الإسلامیة کالعصمة ، والقیاس ، والاستحسان وسواها .

وقد قدّمنا سابقاً بعض النماذج التطبیقیة للفکرة ، فکان ( وضوء النبیّ ) هو الأوّل ، ثمّ أردفناه بالأذان ، آملین أن نُلحق به الصلاة والحجّ والزکاة وغیرها بإذن الله تعالی .

ولا نقصد من عملنا هذا إعطاء وجهة نظر فقهیه خاصّة بنا ، بل کانت تلک الدراسات بیاناً لکلیّات عقائدیة تاریخیة فقهیة ینبغی أن یعرفها ویتعرّف علیها کلّ مسلم غیر جامد علی منهج خاصّ ونسق معروف عند طبقة خاصّة من الفقهاء والمؤرّخین والکتّاب .

وقد عنیتُ فی عملی هذا برفع الغامض وحلّ المبهم من المسائل ، وأردت أن أنتقل بالقارئ الکریم إلی واحات العلم ، ومیادین المعرفة ، من غصن إلی غصن ، ومن فنن إلی فنن علی شجرة المعرفة لنقنطف من الثمار أحلاها ... من الفقه ، إلی التفسیر ، إلی التاریخ ، إلی الرجال ، إلی الحدیث ، إلی اللغة ، وإلی کلّ شیء یمتّ للبحث بصلة .

ص:10

فالغایة من دراساتنا اذاً هی بیان کلیّات وأمّهات المسائل لا جزئیّاتها وسننها ومستحباتها ، فلا تعنی بحوثنا بمثل فضل الأذان والمؤذّن ، أو جواز أذان المراة والصبیّ وعدمهما ، أو جواز إعطاء الأجرة علی الأذان أم لا ، وغیرها من عشرات المسائل المطروحة .

وکذلک ما یتّصل بالوضوء ، فلم تکن الدراسة متجهة إلی البحث عن الأسباب والموجبات والنواقض والمستحبات ، بل متجهة إلی بیان حدود الأعضاء المغسولة والممسوحة ، وکیفیّة وضوء رسول الله صلی الله علیه و آله .

وهکذا الحال بالنسبة إلی دراساتنا اللاحقة - إن وفّق الله لإتمامها - فهی بحوث عن الکلیّات والأمّهات لا عن التشعبّات والتفریعات وما یتعلّق بالآداب والسنن .

هذا ، وقد جعلت دراستی عن الأذان عما هو الأصیل منه والمحرَّف ، فجاءت فی ثلاثة أبواب .

الباب الأول : « حیّ علی خیر العمل » الشرعیة والشعاریة .

الباب الثانی : « الصلاة خیر من النوم » شِرعة أم بِدعة ؟ .

الباب الثالث : « أشهد أن علیّاً ولیّ الله » بین الشرعیة والابتداع .

وقدمت لهذه الأبواب ببعض البحوث التمهیدیة ، کالأذان لغة واصطلاحاً ، وکَبیان ما قاله أهل السنّة والجماعة بمذاهبهم الأربعة ، والشیعة - بفرقها الثلاث - فی بدء الأذان ، ثمّ کانت لنا وقفه مع أحادیث الرؤیا ، ثمّ تحقیق فی ما وراء نظریة الرؤیا .

منبهاً القارئ الکریم علی أن هذه الدراسة هی مواضیع مترابط بعضها ببعض ترابطاً وثیقاً ، فلا یمکن فهم مکانة الشهادة الثالثة فی الأذان إلّا بعد قراءة « حیّ علی خیر العمل » .

ص:11

ونظیر هذا ما یتعلق بالحَیعَلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » ، فإن معناها لا یتّضح کاملاً إلّا بعد قراءة الشهادة الثالثة « أشهد أن علیّاً ولیّ الله » .

أمّا « الصلاة خیر من النوم » فهی الجدار الحائل بین البابَین ، والموضح لأسرار محاربة شرعیة وشعاریة الشهادة والحیعلة الثالثتین .

وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمین

Email: info@shahrestani.org

http://www.shahrestani.org

ص:12

ص:13

بحوث تمهیدیة

اشارة

l الأذان لغة واصطلاحاً

l تاریخ الأذان

l بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة

l أهل البیت وبدء الأذان

l وقفة مع أحادیث الرؤیا

l تحقیق فیما وراء نظریة الرؤیا

l الأذان إعلام للصلاة أم بیان لأصول العقیدة ؟

l الأذان وآثاره فی الحیاة الاجتماعیة

ص:14

ص:15

الأذان نغمة الوحی فی سماء الدنیا ، یُرتّلها المؤذِّن آناء اللیل وأطراف النهار ، داعیاً عباد الله إلی عبادته جلّ شأنه ، ناطقاً بالحقیقة الخالدة ، معلناً حقائق الدین الحنیف بکلّ صراحة ووضوح ، مُذَکِّراً بحلول وقت مناجاة الربّ الکریم ، والدخول فی حضرة الجلیل .

کلمات تهزّ المشاعر والعواطف وتشدّ الأرواح إلی مالکها الذی الیه الرُّجعی وإلیه المصیر .

أسماء مبارکة تردّدها شفاه المؤمنین ، فتزید المؤمن إیماناً ، والکافر عناداً وخسراناً .

إنّه دعوة الرحمن أولیاءه إلی الطاعة والرحمة والمغفرة ، وهو نداء ملائکة السماء ، وأُنشودة المؤمنین إلی قیام یوم الدین .

وما أن یتمّ المؤذن نداءه للظهر والعصر ، حتّی یحلّ الغروب وظلام اللیل ، وإذا بتراتیل الإسلام :

ص:16

أشهدُ أن لا إله إلّا الله ، أشهدُ أن لا إله إلّا الله .

أشهدُ أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهدُ أن محمّداً رسول الله تعلو من المآذن .

فالأذان حینذاک إعلام لإقامة الصلاة فی غسق اللیل ، وما أن یتمّ المؤمن صلاته ومناجاته مع ربّه حتّی ینصرف إلی الرقاد ، وإذا بالصبح یطلع علیه بفجره الصادق هاتفاً المؤذن فیه باسم الربّ الجلیل وباسم الرسول الأمین تارة أُخری :

أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله .

أشهد أنّ محمداً رسول الله ، أشهد أنّ محمداً رسول الله .

لیقیم ما أمر به الله فی کتابه {أقِمِ الصلاةَ لِدُلُوکِ

الشَّمسِ إلی غَسَقِ اللیلِ وقرآن الفجرِ إن قرآنَ الفجرِ کانَ مَشهوداً} ((1)) .

* *

*

والأذان من السنن المؤکّدة التی حثّ علیها الشارع المقدّس ، وهی دعوة الخالق لعباده إلی الدخول فی أجواء رحابه المبارکة اللامتناهیة فُرادی أو مجتمعین ، متراصّین متحابّین ، مؤمنین ، فی زمان معیّن ومکان واحد ، وباتّجاه محور وقبلة واحدة ، یرهبون باجتماعهم أعداء الله وجند إبلیس .

إنّه إذاً من أعظم الشعائر الإسلامیّة ؛ لکونه دعوة الحیّ القیّوم لتنبیه الغافلین وإیقاظ النائمین وتذکیر الناسین ، بل هو من مصادیق قوله جلّ شأنه : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَی اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِی مِنَ الْمُسْلِمِینَ }((2)) .

ولعلّ من الغرابة بمکان أن نری وقوع الاختلاف فی أمر بدیهیّ وإعلامیّ کالأذان الذی ینادی به مؤذّنو المسلمین فی کلّ یوم ولیلة عدّة مرات - علی اختلاف ألسنة الناس - بلسان عربی مبین ، ومن علی المآذن وبصوت عال یسمعه الجمیع .


1- الإسراء : 78 .
2- فصّلت : 23 . وانظر فی ذلک الحاوی الکبیر للماوردی 2 : 40 .

ص:17

فنتساءل عن سبب الاختلاف والتنازع فی فصول هذه الشَّعیرة الإسلامیّة ؟ ولماذا یکون اختلاف فی مثل هذه المسألة بین المذاهب الإسلامیّة ؟

بل لماذا تذهب الشافعیّة إلی تربیع التکبیر بخلاف المالکیّة القائلة بتثنیته ؟

وهل هناک أُمور خفیّة وراء اختلافهم فی إفراد أو تثنیة الإقامة ؟!

وهل حقاً أنّ هناک تثو یباً ((1)) أوَّلا وتثو یباً ثانیاً ؟

وهل یجب أن یؤتی بالتثو یب فی أثناء فصول الأذان ، أم بعدها قبل الإقامة ؟ بل ما هو المعنی بالتثو یب ؟ هل هو : « الصلاة خیر من النوم » أو « قد قامت الصلاة » أو : « حیّ علی خیر العمل » أو هو شیء آخر ؟

ثُمَّ لماذا اختلفت روایة عبدالله بن زید بن عبد ربّه بن ثعلبة الأنصاری فی الأذان((2)) عن روایة أبی محذورة القرشی ؟

ولماذا تجیز المذاهب الأربعة الأذان قبل الوقت لصلاة الفجر خاصّة ، مع تأکیدهم المبرم علی عدم جواز ذلک فی سائر الأوقات المعیّنة ؟

وکیف یمکن تصحیح خبر تأذین ابن أُمّ مکتوم الأعمی للفجر ، وتضعیفهم لروایات صحیحة أخری تطابق العقل والشرع فی أنّه کان یؤذّن باللیل وفی شهر رمضان خاصة ؟

بل کیف یقولون بتأذین ابن أُم مکتوم مع قولهم بکراهة تأذین الأعمی ؟


1- التثویب من ثاب یثوب ، ومعناه : العَود إلی الإعلام بعد الإعلام ، کقول المؤذّن ( حیّ علی الصلاة ) ، فإنّه یعود ویرجع إلی دعوته تارة أخری فیقول ( قد قامت الصلاة ) أو ( الصلاة خیر من النوم ) أو ( الصلاة الصلاة یرحمک الله ) أو أیّ شیء آخر . وقالوا عن ( الصلاة خیر من النوم ) إنّه التثویب الأوّل ، وما یقوله المؤذّن بعد الأذان مثل ( السّلام علیک أیّها الأمیر ، حیّ علی الصلاة ) وأمثاله إنّه التثویب الثانی .
2- انظر صفحة 29 - 34 .

ص:18

أضف إلی ذلک کله أنّه ما الداعی إلی اختلاف أذان أهل مکّة عن أذان أهل المدینة ، واختلاف الأذانین عن أذانی أهل الکوفة وأهل البصرة ؟

ولماذا یختلفون فیما هو - واللفظ لابن حزم - « منقول نقل الکافّة بمکّة وبالمدینة وبالکوفة ، لأنّه لم یمرّ بأهل الإسلام یوم إلّا وهم یؤذّنون فیه فی کلّ مسجد من مساجدهم خمس مرّات فأکثر ، فمثل هذا لا یجوز أن یُنسی ولا أن یُحرّف »((1)) .

فلماذا نُسی أو حُرّف هذا الأذان واختُلف فیه بین مصر وآخر ؟

ولو صحّ ما قاله ابن حزم - من صحّة جمیع منقولات الأذان علی اختلافها - عند جمعه بین الوجوه فی الأذان ؛ فکیف یمکننا أن نوفّق بین وحدة الشر یعة وبین تعدّدیة الأذان ؟ فهل کان رسول الله قد صحّح الجمیع ؟ أم وقع فی الأذان تغییر یشهد به إحداث عثمان بن عفان للأذان الثالث یوم الجمعة((2)) ؟ .

قال ابن حزم جامعاً بین کلّ تلک الوجوه :

« ... کلّ هذه الوجوه قد کان یُؤذّن بها علی عهد رسول الله بلا شکّ ، وکان الأذان بمکّة علی عهد رسول الله یسمعه علیه السلام إذا حجّ ، ثمّ یسمعه أبو بکر وعمر ، ثم عثمان بعده علیه السلام ... فمن الباطل الممتنع المحال الذی لا یحلّ أن یظنّ بهم أنّ أهل مکّة بدّلوا الأذان وسمعه أحد هؤلاء الخلفاء رضی الله عنهم ، أو بلغه والخلافة بیده فلم یغیّر ...

وکذلک فُتحت الکوفة ونزل بها طوائف من الصحابة رضی الله عنهم ، وتداولها عمّال عمر بن الخطاب ، وعمّال عثمان رضی الله عنهما ، کأبی موسی الأشعری ، وابن مسعود ، وعمّار ، والمغیرة ،


1- المحلَّی لابن حزم 3 : 153 .
2- انظر : تحفة الأحوذی 3 : 41 / أبواب الجمعة - باب ما جاء فی أذان الجمعة ؛ عون المعبود 3 : 302 .

ص:19

وسعد بن أبی وقّاص . ولم یَزَل الصحابة الخارجون عن الکوفة یؤذّنون فی کلّ یوم سفرهم خمس مرات ، إلی أن بَنَوها وسکنوها ، فمن الباطل المحال أن یُحال الأذان بحضرة من ذکرنا ویخفی ذلک علی عمر وعثمان أو یعلمه أحدهما فیقرّه ولا ینکره .

ثم سکن الکوفة علیّ بن أبی طالب إلی أن مات ، وأنفذ العمّال من قِبله إلی مکّة والمدینة ، ثمّ الحسن ابنهُ رضی الله عنه إلی أن سلّم الأمر لمعاویة ، فمن المحال أن یُغیَّر الأذان ولا ینکر تغییره علیّ ولا الحسن ، ولو جاز ذلک علی علیّ لجاز مثله علی أبی بکر وعمر وعثمان ، وحاشا لهم من هذا فما یَظنُّ هذا بهم ولا بأحد منهم مسلمٌ أصلاً .

فإن قالوا : لیس أذان مکّة ولا أذان الکوفة نقل کافّة .

قیل لهم : فإن قالوا لکم : بل أذان أهل المدینة لیس هو نقل کافة ، فما الفرق ؟

فإنِ ادّعوا فی هذا محالاً ادُّعی علیهم مثله .

فإن قالوا : إن أذان أهل مکّة وأهل الکوفة یرجع إلی قوم محصور عددهم .

قیل لهم : وأذان أهل المدینة یرجع إلی ثلاثة رجال لا أکثر ، مالک وابن الماجشون وابن أبی ذئب فقط ، وإنّما أخذه أصحاب هؤلاء عن هؤلاء فقط .

فإن قالوا : لم یختلف فی.. »((1)) .

إلی غیرها من عشرات الأسئلة التی طرحها ابن حزم وسعی لرفعها ، لکن المشکلة بقیت کما هی ، فما الذی تکتنفه هذه المسألة من الملابسات إذاً ؟


1- المحلّی لابن حزم 3 : 154 - 155 .

ص:20

وهل یُعدّ هذا الاختلاف حقاً من الاختلاف المسموح به فی الشر یعة ، أم أنّه شیء آخر ؟ .

بل لِم اشتدّ أُوار النزاع بین المسلمین فی أمور بدیهیة ، کالوضوء والأذان - مثلاً - وهما من الأمور العبادیة التی یؤدّیها کلّ مسلم عدّة مرّات فی الیوم واللیلة ؟

قال ابن حزم : « أربعة أشیاء تَنازَع الناسُ فیها : الوضوء ، والأذان ، والإقامة ، والطواف بالبیت »((1)) .

وهل یمکن جعل معیار الاختلاف فی الأذان بمثابة الاختلاف فی تعیین المُدِّ والصاع والوسق الذی یُختلف فیه بین منطقة وأُخری ، أو یُغیَّر - أی یُحدَثُ فیه - من قبل الأمیر والخلیفة لحاجة له فیه ؟

کلا « لیس هذا من المدّ والصاع والوسق فی شیء ، لأنّ کل مدّ أو قفیز أُحدث بالمدینة وبالکوفة قد عُرف ، کما عُرف بالمدینة مُدّ هشام الذی أُحدِث ، والمدّ الذی ذکره مالک فی مُوطّئه : أن الصاع هو مدّ وثلث بالمدّ الآخر ، وکمُدّ أهل الکوفة الحجّاجی ، وکصاع عمر بن الخطّاب . ولا حرج فی إحداث الأمیر أو غیره مدّاً أو صاعاً لبعض حاجته ، وبقی مُدُّ النبیّ وصاعه ووسقه منقولاً إلیه نقل الکافّة إلیه »((2)) !

فکیف یختلفون فی الأذان إذاً ، فیذهب بعضهم إلی أنّه شُرّع فی السماء ، ویقول الآخر إنّه شُرّع بعد رؤیا رآها صحابیٌّ أو عدد من الصحابة ؟

وهل یصحّ تشریع العبادة بمنام یراه أحد الناس ، أم أنّ تشریعها یجب أن یکون بوحی من الله ؟


1- المحلّی لابن حزم 3 : 161 ضمن بحثه عن جواز التقدیم والتأخیر فی الأذان والإقامة وعدمه .
2- المحلّی لابن حزم 3 : 156 - 157 .

ص:21

وکیف یسوغ تشریع الأذان أستناداً إلی رؤیا رآها عبدالله بن زید بن عبد ربه فی منامه ، أو رکوناً إلی اقتراح الصحابة((1)) ، ویرجح هذا الفهم وهذه الرؤیة علی أن یکون تشریع الأذان من الحکیم العلیم ؟

ألا تحمل هذه الرؤیة نَیْلاً من قدسیة الأمور العبادیة الإلهیّة ، وتقلل من منزلتها المعنویّة ؟!

ثمّ مَن هو الذی رأی فی المنام ، هل هو : عبدالله بن زید((2)) ؟ أو : عمر ابن الخطّاب((3)) ؟ أو : أبو بکر((4)) ؟ أو : أُبَی بن کعب((5)) ؟ أو : سبعة من الصحابة((6)) أو : أربعة عشر منهم((7)) ؟ أو أکثر من هذا العدد أو أقلّ ؟

وکیف یراه هؤلاء ولا یراه النبیّ المرسل الصادق الرؤیا بلا شکّ وریب ؟

وماذا نقول عن : « الصلاة خیر من النوم » و: « حیّ علی خیر العمل » ؟ وهل ثمّةَ ترابط بین رفع « حیّ علی خیر العمل » ووضع « الصلاة خیر من النوم » ؟ أم أنّ الأمر جاء بشکل عفوی دون تدبیر ؟!


1- سنن أبی داود 1 : 134 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498 ، مصنف عبدالرزاق 1 : 456/1775 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .
2- هو المشهور عند أهل السنّة والجماعة ، وفیه روایات کثیرة .
3- سنن أبی داود 1 : 134 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 498 . السنن الکبری للبیهقی 1 : 390 .
4- مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ، جامع المسانید 1 : 299 ، تفسیر القرطبی 6 : 225 المائدة الآیة 58 . شرح الزرقانی علی الموطا 1 : 136 عن الاوسط للطبرانی .
5- علل الشرائع : 312 ح 1 وعنه فی بحار الأنوار 81 : 354 .
6- المبسوط للسرخسی 1 : 128 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .
7- السیرة الحلبیة 2 : 300 باب بدء الأذان ومشروعیّتة . وفتح المعین لشرح قرة العین بمهمات الدین للملیباری المطبوع فی هامش حاشیة اغاثة الطالبین 1 : 330 ، وشرح الزرقانی علی موطا مالک 1 : 136 .

ص:22

وإذا کان الأمر عفو یّاً ، فلماذا نری أنّ من یقول بشرعیّة « حیّ علی خیر العمل » لا یقول بشرعیّة « الصلاة خیر من النوم » ، ومن یقول بشرعیّة « الصلاة خیر من النوم » یرفع « حیّ علی خیر العمل » من الأذان ؟

وهل أنّهما شرعیان ؟ أم أنّ أحدهما شرعیّ والاخر بِدْعیّ ؟ فأیّهما الشرعی وأیّهما البدعی إذاً ؟

وما هو حکم الشهادة الثالثة التی تقول بها الشیعة الإمامیة « أشهدُ أنّ علیّاً ولیُّ الله » ، فهل هی من الشرع أم أنّها بدعة ؟

وما هو عدد التکبیرات فی أوّل الأذان ، أهی أربع تکبیرات أو تکبیرتان ؟

ثمّ ما هی خاتمة الأذان ، هل هی « الله أکبر » أو « لا إله إلّاَ الله » ؟

وهل أن الأذان بیان لأصول العقیدة وکلّیّات الإسلام من : التوحید ، والنبوة و... ، أم أنّه مجرّد إعلام لوقت الصلاة خاصّة ؟

ولماذا الاختلاف فی أمر بدیهیّ وإعلامیّ کهذا ؟

تُری ، هل نشأ هذا الخلاف فی عصر الصحابة الذین یقال عن قرنهم إنّه خیر القرون ، أو حدث فی عهد التابعین وتابعی التابعین ومَن تَلاهُم ؟ وهل ثمة ملابسات لهذه الأمور فی الصدر الأوّل ؟ أم أنّها جاءت فی العصور اللاحقة ؟!

لقد نقل الصنعانی کلام بعض المتآخرین - وهو یسعی لرفع الخلاف فی أَلفاظ الأذان - بقوله :

« هذه المسألة من غرائب الواقعات یقلّ نظیرها فی الشریعة ، بل وفی العبادات ؛ وذلک أنّ هذه الألفاظ فی الأذان والإقامة قلیلة محصورة معیّنة یُصاح بها فی کلّ یوم ولیلة خمس مرّات فی أعلی مکان ، وقد أُمر کلّ سامع أن یقول کما یقول المؤذّن ، وهم خیر القرون ، فی غرّة الإسلام ، شدیدو المحافظة علی الفضائل ، ومع هذا کلّه لم یذکر

ص:23

خوض الصحابة ولا التابعین واختلافهم فیها ، ثمّ جاء الخلاف الشدید من المتآخرین ، ثمّ کلّ من المتفرّقین أدلی بشیء صالح فی الجملة وإن تَفاوَت »((1)) .

تری ما مدی مصداقیة هذا الکلام وقربه من الواقع ؟ وهل من الصحیح أنّ الصحابة لم یختلفوا فی الأذان کما ادّعی هذا القائل من المتأخرین ؟! بل هل یصحّ ما قاله ابن حزم عن الصحابة ، کما مرّ بنا قبل قلیل((2)) ؟ .

للإجابة عن أهمّ الملابسات والتساؤلات ، لابُدّ من البحث وتنقیح المطالب ووضع النقاط علی الحروف ، فنقول مستعینین بالله سبحانه وتعالی :

الأذان لغة واصطلاحاً

من المفید قبل البدء فی تفاصیل هذه الدراسة أن نتعرّف علی المعنی اللغویّ والمفهوم الاصطلاحی للأذان ، وبیان تاریخ تشریعه وما قیل فی الملابسات الدائرة حوله .

الأذان فی اللغة ، هو : مطلق الإعلام ومنه اذننی فلان : أی أعلمنی ، قال المقداد السیوری: وهو لغة إمّا من الإذن بمعنیٰ العلم أو الإذن بمعنی الإجارة، وعلی کلا التقدیرین أصله الإیذان کالأمان بمعنی الإیمان والعطاء بمعنی الاعطاء . وقیل إنّه فعال بمعنی التفعیل کالسلام بمعنی التسلیم، والکلام بمعنی التکلیم ، فأذّن المؤذّن حینئذٍ بمعنی التأذین وهو أقرب، ومنه قوله تعالی : {آذَنْتُکُمْ عَلَی سَوَاءٍ} أی أعلمتکم علی سواء((3)) .


1- سبل السلام 1 : 122 .
2- مرّ فی صفحة 18 - 20 .
3- کنز العمال 1 : 112، وانظر فقه القرآن للراوندی 1 : 99.

ص:24

وفی الشرع : الإعلام والنداء للفر یضة الواجبة - الصلاة - بفصول معهودة فی أوقات مخصوصة ، قال تعالی : {وَإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَی الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ یَعْقِلُونَ}((1)) .

وقال جلّ جلاله : {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا نُودِیَ لِلصَّلاَةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَی ذِکْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَیْعَ ذٰلِکُمْ خَیْرٌ لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ((2)) .

وقال عزَّ مِن قائل: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِیاً یُنَادِی لِلْإِیمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّکُمْ فَآمَنَّا}((3)).

وقد وردت لفظة الأذان بمعناها اللغوی فی الذکر الحکیم ، کما فی قوله تعالی : {وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجَالاً ...} ((4)) ، وقوله : {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَکْبَرِ ....} ((5)) وغیرها من الاستعمالات الکثیرة الدالَّة علی معنی الإعلام والنداء .

منبهین القارئ الکر یم علی أن الأذان وإن کان إعلاماً للفر یضة الواجبة ، إلّا أنّه یحمل فی طیّاته جوانب أُخری وفوائد کثیرة للمرء المسلم ، سنذکر بعضاً منها ، ممّا یؤکد لنا أنَّ الأذان لیس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل هو فصول لها أکثر من واقع فی الحیاة الإسلامیّة ، تَجمَع تحت ألفاظها معانیَ الإسلام وأصولَه وعقیدته .


1- المائدة : 58 .
2- الجمعة : 9 .
3- آل عمران : 193 .
4- الحجّ : 27 .
5- التوبة : 3 ولنا تحقیق فی هذه الآیة سنذکره فی الباب الثانی « الصلاة خیر من النوم » إن شاء الله.

ص:25

تاریخ الأذان

هناک أقوال متعدِّدة ومتفاوتة فی تاریخ تشریع الأذان من حیث الزمان والمکان :

أحدها : تشریعه فی الإسراء والمعراج ، حیث أذَّن جبرئیل وأقام ، ثمّ صلَّی رسول الله صلی الله علیه و آله بالأنبیاء((1)) .

ثانیها : تشریعه بمکّة قبل الهجرة((2)) .

ثالثها : تشریعه فی المدینة المنورة فی السنة الأُولی للهجرة((3)) ، وذلک بعد بناء النبیّ صلی الله علیه و آله مسجده المبارک ، وهذا القول هو المشهور عند أهل السنة والجماعة .

رابعها : تشریعه فی السنة الثانیة للهجرة((4)) .

خامسها : أن جبرئیل أوَّل مَن أذَّن به فی السماء((5)) ، لکنَّ تشریعه فی الأرض جاء بعد دخول رسول الله صلی الله علیه و آله المدینة .


1- مجمع الزوائد 1 : 328 ، الأوسط للطبرانی 10 : 114 ح 9243 ، نصب الرایة 1 : 260 ، السیرة الحلبیة 2 : 93 .
2- قال ابن عابدین فی حاشیة ردّ المحتار 1 : 413 : فی حاشیة الشبراملسی علی شرح المنهاج للرملی عن شرح البخاری لابن حجر إنّه وردت أحادیث تدلّ علی أنّ الأذان شرّع بمکة قبل الهجرة : منها للطبرانی أنّه لما أُسری بالنبیّ صلی الله علیه و آله اُوحی إلیه الأذان فنزل به فعلّمه بلالاً ، وللدارقطنی فی الإفراد من حدیث أنس أنّ جبرئیل أمر النبیّ صلی الله علیه و آله بالأذان حین فُرضت الصلاة ... الخ . وانظر فتح الباری 2 : 94 کذلک وشرح الزرقانی 1 : 136 .
3- صحیح ابن خزیمة 1 : 190 ، السیرة الحلبیة 2 : 93 . حواشی الشروانی وابن قاسم العبادی علی تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهثیمی 1 : 459 . وشرح الزرقانی علی موطا مالک 1 : 135 .
4- انظر : فتح الباری 2 : 62 للعسقلانی وفی فتح الباری لابن رجب 3 : 407 وبعد ان اتی بروایة معمر عن الزهری عن ابن المسیب قال : ففی هذه الروایة ان الأذان کان بعد صرف القبلة إلی الکعبة وکان صرف القبلة إلی الکعبة فی السنة الثانیة . وقد روی فاستبدل به علی ان الأذان انما شرع بعد غزوة بدر بعد صرف القبلة یسیر .
5- وسائل الشیعة 5 : 439 ح 7028 عن عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 238 .

ص:26

ص:27

بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة

هناک نقولات وأقوال مختلفة فی بدء الأذان وکیفیّته ، مذکورة فی الصحاح والسنن ، المشهور منها - الذی قد استقرّ علیه رأیهم - أنَّه قد شُرِّع فی المدینة المنوّرة فی السنة الأُولی من الهجرة المبارکة ، علی أثر منام رآه بعض الصحابة ، وإلیک أهمّ تلک الأقوال :

l الأوّل :

تشریعه باقتراح من الصحابة ، وخصوصاً عمر بن الخطّاب :

* أخرج البخاریّ ومسلم ، والترمذی ، والنسائی ، وغیرهم - والنصّ للأوّل - عن عبدالله بن عمر ، أنّه قال : کان المسلمون حین قَدِموا المدینة یجتمعون ، فیتحیّنون الصلاة ، لیس یُنادی لها ، فتکلّموا یوماً فی ذلک ، فقال بعضهم : اتَّخِذوا ناقوساً مثل ناقوس النصاری ، وقال بعضهم : بل بُوقاً مثل قرن الیهود ، فقال عمر : أوَلا تبعثون رجلاً ینادی بالصلاة ؟ فقال رسول الله : یا بلال ! قم فنادِ بالصلاة((1)) .

* قال ابن خزیمة فی صحیحه فی باب « ذکر الدلیل علی أنّ بدء الأذان إنّما کان


1- صحیح البخاری 1 : 306 کتاب الأذان باب بدء الأذان ح 570 ، صحیح مسلم 1 : 285/1 ، سنن الترمذی 1 : 362 - 363 أبواب الصلاة باب ما جاء فی بدء الأذان ح 190 ، سنن النسائی 2 : 2 - 3 کتاب الأذان باب بدء الأذان ، مسند أحمد 2 : 148 ، مسند عبدالله بن عمر بن الخطّاب .

ص:28

بعد هجرة النبیّ إلی المدینة ، وأنّ صلاته بمکّة إنّما کانت من غیر نداء لها ولا إقامة » : « قال أبو بکر ، فی خبر عبدالله بن زید : کان رسول الله حین قَدِمَ المدینة إنّما یجتمع الناس إلیه للصلاة بحین مواقیتها بغیر دعوة »((1)).

وهذا الرأی یشیر إلی أن الأذان شُرّع بالمدینة وإن کانت الصلاة قد شُرّعت بمکّة :

قال ابن المنذر : هو [ صلی الله علیه و آله ] کان یصلّی بغیر أذان منذ فُرضت الصلاة بمکّة إلی أن هاجر إلی المدینة وإلی أن وقع التشاور((2)) .

لکن السیوطی فی الدرّ المنثور - ضمن تفسیر قوله تعالی : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَی اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً} - روی عن عائشة أنّها قالت : ما أری هذه الآیة نزلت إلّا فی المؤذّنین((3)). وهذه الآیة مکّیّة((4)).

ثمّ علّق الحلبی فی سیرته علی هذا بقوله : والأذان إنّما شُرّع فی المدینة فهی ممّا تأخّر حکمه عن نزوله((5)).

وقد سئل الحافظ السیوطی : هل ورد أن بلالاً أو غیره أذّن بمکّة قبل الهجرة ؟ فأجاب بقوله : ورد ذلک بأسانید ضعیفة لا یُعتمد علیها ، والمشهور الذی صحّحه أکثر العلماء ودلّت علیه الأحادیث الصحیحة أن الأذان شُرّع بعد الهجرة وأنّه لم یؤذِّن قبلها لا بلال ولا غیرُه((6)).

هذا ، وإن النووی بعد أن أتی بخبر ابن عمر الدالّ علی مشاورة الرسول


1- صحیح ابن خزیمة 1 : 190 کتاب الصلاة باب الأذان والإقامة ح 365 .
2- السیرة الحلبیة 2 : 296 .
3- الدرّ المنثور 5 : 364 ، المصنّف لابن أبی شیبة 1 : 204 ، باب فی فضل الأذان وثوابه ح 2347 .
4- انظر : تفسیر القرطبی 15 : 360 ، وتفسیر الثعالبی 5 : 139 .
5- السیرة الحلبیة 2 : 297 .
6- السیرة الحلبیة 2 : 296 .

ص:29

للصحابة ، تساءل عن هذه المشاورة هل هی واجبة علی رسول الله أم لا ؟! فقال : « ... واختلف أصحابنا ، هل کانت المشاورة واجبة علی رسول الله أم کانت سُنّة من حقّه کما فی حقّنا ؟ والصحیح عندهم وجوبها ، وهو المختار .

قال الله تعالی : {وَشَاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ} ((1)) ، والمختار الذی علیه جمهور الفقهاء ومحقّقو أهل الأُصول أنَّ الأمر للوجوب ، وفیه أنّه ینبغی للمتشاورین أن یقول کلٌّ منهم ما عنده ، ثمّ صاحبُ الأمر یفعل ما ظهرت له مصلحة ، والله أعلم((2)) .

l الثانی :

جاء تشریع الأذان بعد منامات رآها بعض الصحابة :

* أخرج أبو داود بإسناده عن أبی عمیر بن أنس ، عن عُمومة له مِن الأنصار ، قال : « اهتمّ النبیّ للصلاة کیف یجمع الناس لها ؛ فقیل : انصِبْ رایةً عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها آذَنَ بعضُهم بعضاً ، فلم یعجبه ذلک ، فذُکِر له القَنْع - یعنی الشبّور ، وقال ز یاد : شبّور الیهود - فلم یعجبه ذلک ، وقال : هو مِن أمرِ الیهود .

قال : فذُکِر له الناقوس ، فقال : هو مِن أمرِ النصاری .

فانصرف عبدالله بن زید وهو مهتمٌّ لهمِّ رسول الله ، فأُرِیَ الأذانَ فی منامه ، فغدا علی رسول الله فأخبره ، فقال : یا رسول الله ! إنّی لَبینَ نائم ویقظان إذ أتانی آت فأرانی الأذان .

قال : وکان عمر بن الخطّاب قد رآه قبل ذلک فکتمه عشرین یوماً . قال : ثمّ أخبر


1- آل عمران : 159 .
2- شرح النوویّ علی مسلم 3 - 4 : 318 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .

ص:30

النبیّ ، فقال له : ما منعک أن تخبرنی ؟ فقال : سبقنی عبدالله بن زید فاستحییت .

فقال رسول الله : یا بلال ! قم فانظر ما یأمرک به عبدالله بن زید فافعله ، قال : فأذَّنَ بلال .

قال أبو بشر ] وهو من رواة الخبر [ : فأخبرنی أبو عمیر أنّ الأنصار تزعم أنَّ عبدالله بن زید لولا أنّه کان یومئذ مر یضاً لجعله رسول الله مؤذِّناً ((1)) .

* وأخرج الترمذیّ ، وأبو داود ، عن عبدالله بن زید أنّه قال - والنصّ للثانی - : لمَّا أمر رسول الله بالناقوس یُعمَل لیضرب به للناس لجمع الصلاة ،

طاف بی - وأنا نائم - رجل یحمل ناقوساً فی یده ، فقلت : یا عبدالله ! أتبیع الناقوس ؟

قال : وما تصنع به ؟

قلتُ : ندعو به إلی الصلاة .

قال : أفلا أدلّک علی ما هو خیر من ذلک ؟

فقلتُ : بلی .

فقال : تقول : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر

أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله .

أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .

حیّ علی الصلاة ، حی علی الصلاة .

حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح .

الله أکبر ، الله أکبر .

لا إله إلّاَ الله .


1- سنن أبی داود 1 : 134 کتاب الصلاة باب بدء الأذان .

ص:31

قال : ثمّ استأخر عنّی غیر بَعید ، ثمّ قال : وتقول إذا أقمت الصلاة :

الله أکبر ، الله أکبر .

أشهد أن لا إله إلّاَ الله .

أشهد أنّ محمّداً رسول الله .

حیّ علی الصلاة .

حیّ علی الفلاح .

قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة .

الله أکبر ، الله أکبر .

لا إله إلّاَ الله .

فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله فأخبرته بما رأیت ، فقال : إنَّها لَرؤیا حقّ إن شاء الله تعالی ، فقُم مع بلال فألقِ علیه ما رأیت فَلْیُؤذِّن به ، فإنّه أندی صوتاً منک ، فقمتُ مع بلال فجعلتُ أُلقیه علیه ویُؤذِّن به .

قال : فسمع ذلک عمر بن الخطّاب وهو فی بیته ، فخرج یجرُّ رداءه ، ویقول : والذی بعثک بالحقِّ یا رسول الله ! لقد رأیتُ مثل ما رأی ، فقال رسول الله : فلله الحمد((1)).

* وأخرج أبو داود عن ابن أبی لیلی ، قال: أُحیلت الصلاة ثلاثة أحوال ، قال : وحدّثنا أصحابنا أنّ رسول الله قال: لقد أعجبنی أن تکون صلاة المسلمین - أو


1- الجامع الصحیح للترمذی 1 : 358 أبواب الصلاة ، باب : « ما جاء فی بدء الأذان » ، سنن أبی داود 1 : 135 کتاب الصلاة ، باب « کیف الأذان » وفیه قال أبو داود : هکذا روایة الزهری عن سعید بن المسیب عن عبدالله بن زید ، وقال فیه ابن إسحاق عن الزهری : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، وقال معمر ویونس عن الزهری فیه : الله أکبر ، الله أکبر لم یثنیّا ، وانظر : صحیح ابن خزیمة 1 : 193 .

ص:32

قال : المؤمنین - واحدة حتّی لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً فی الدُّور ینادون الناس بحین الصلاة ، وحتّی هَمَمت أن آمر رجالاً یقومون علی الآطام ینادون المسلمین بحین الصلاة حتّی نَقَسُوا أو کادوا ] أن [ ینقسوا .

قال : فجاء رجل من الأنصار فقال : یا رسول الله! إنّی لمّا رجعتُ - لِما رأیتُ من اهتمامک - رأیتُ رجلاً کأنَّ علیه ثوبَین أخضرَین، فقام علی المسجد فأذَّن ثمّ قعد قعدة ، ثمّ قام فقال مثلها إلّاَ أنّه یقول : قد قامت الصلاة ، ولولا أن یقول الناس - قال ابن المثنّی : أن تقولوا - لقلتُ إنّی کنتُ یقظاناً غیر نائم .

فقال رسول الله : لقد أراک الله عزّوجلّ خیراً - کما فی روایة ابن المثنّی ، ولم تأتِ هذه العبارة فی روایة عمرو - فَمُرْ بلالاً فلیؤذِّن .

قال : فقال عمر: أما إنّی فقد رأیتُ مثل الذی رأی ، ولکنّی لمّا سُبِقتُ استَحیَیت((1)).

* وأخرج مالک فی الموطّأ: حدّثنی یحیی ، عن مالک ، عن یحیی بن سعید أنّه قال : کان رسول الله صلی الله علیه و آله قد أراد أن یتّخذ خشبتَین یضرب بهما لیجتمع الناس للصلاة ، فأُرِیَ عبدالله بن زید الأنصاریّ ثمّ من بنی الحارث بن الخزرج خشبتَینِ فی النوم ، فقال : إنَّ هاتین لَنحو ما یر ید رسول الله ، فقیل : أفلا تُؤَذِّنون للصلاة ؟ فأتی رسول الله ، حین استیقظ ، فذکر له ذلک ، فأمر رسولُ الله بالأذان((2)).

* وفی مصنّف عبدالرزّاق بإسناده عن إبراهیم بن محمّد ، عن أبی جابر البیاضیّ ، عن سعید ، عن عبدالله بن زید - أخی بنی الحارث بن الخزرج - أنّه : بینما هو نائم إذ رأی رجلاً معه خشبتان ، قال : فقلتُ له فی المنام : إنَّ النبیَّ صلی الله علیه و آله یر ید


1- سنن أبی داود 1 : 139 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ح 506 .
2- الموطّأ 1 : 67 کتاب الصلاة ، باب « ما جاء فی النداء للصلاة » .

ص:33

أن یشتری هذین العُودَینِ یجعلهما ناقوساً یضرب به للصلاة .

قال : فالتفتَ إلَیَّ صاحبُ العودینِ برأسه فقال : أنا أدلّکم علی ما هو خیر من هذا ( فبلَّغه رسول الله صلَّی الله علیه ] وآله [ وسلَّم ، فأمره بالتأذین )((1)).

فاستیقظ عبدالله بن زید ؛ قال : ورأی عمر مثل رؤیا عبدالله بن زید ، فسبقه عبدالله بن زید إلی النبیّ ، فأخبره بذلک ، فقال له النبیّ : قم فأذِّن ، فقال : یا رسول الله ! إنّی فضیع الصوت ، فقال له : فعلِّمْ بلالاً ما رأیتَ ، فعلَّمه فکان بلال یُؤَذِّن((2)).

* وأخرج عبدالرزّاق أیضاً فی مصنّفه عن ابن جریج : « قال عطاء : سمعتُ عبید بن عمیر یقول : ائتمر النبیّ وأصحابه کیف یجعلون شیئاً إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها ، فائتمروا بالناقوس ، قال : فبینا عمر بن الخطّاب یر ید أن یشتری خشبتینِ للناقوس إذ رأی فی المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذِّنوا بالصلاة ، قال : فذهب عمر إلی النبیّ لیخبره بالذی رأی ، وقد جاء النبیّ الوحی بذلک ، فما راع عمر إلّا بلال یؤذِّن ، فقال النبیّ : قد سبقک بذلک الوحی ، حین أخبره بذلک عمر »((3)).

* وفی جامع المسانید لأبی حنیفة ومجمع الزوائد - والنصّ للأوّل - : « عن علقمة بن مرثد ، عن ابن بریدة ، عن أبیه ، أنَّ رجلاً من الأنصار مرَّ برسول الله فرآه حزیناً ، وکان الرجل ذا طعام یُجتمَع إلیه ، فانطلق حزیناً لِما رأی من حزن رسول الله ، وترک طعامه وما کان یجتمع إلیه ، ودخل مسجده یصلِّی ، فبینما هو


1- ما بین القوسین ساقط من کنز العمّال .
2- مصنّف عبدالززّاق 1 : 460/1787 کتاب الصلاة باب بدء الأذان کذلک کنز العمال 8 : 329 کتاب الصلاة الباب الخامس ح 23140 .
3- مصنّف عبدالرزّاق 1 : 456/1775 کتاب الصلاة باب بدء الأذان . هذه الروایة وان کانت ترتبط بالأذان عن طریق الوحی لکنا أتینا بها هنا لارتباطها بروایات المنامات .

ص:34

کذلک إذ نعس فأتاه آت فی النوم ، فقال : هل علمت ما حَزَّن رسولَ الله ؟

فقال : لا .

قال : فهو لهذا الناقوس ، فائْتِهِ فمُرْه أن یأمر بلالاً أن یؤذِّن ، فعلَّمه الأذان : اللهُ أکبر اللهُ أکبر مرّتین ، أشهد أن لا إله إلّا الله مرّتین ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله مرّتین ، حیّ علی الصلاة مرّتین ، حیّ علی الفلاح مرّتین ، اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّا الله ..

ثمّ عَلّمه الإقامة مثل ذلک ، وقال فی آخره : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ، اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّا اللهُ ، کأذان الناس وإقامتهم .

فأقبل الأنصاریّ فقعد علی باب رسول الله ، فمرّ أبو بکر فقال : استأذن لی ، فدخل أبو بکر وقد رأی مثل ذلک ، فأخبر به النبیَّ ، ثمَّ استأذن للأنصاریّ فدخل وأخبر بالذی رأی ، فقال النبیُّ : قد أخبرنا أبو بکر بمثل ذلک ، فأمر بلالاً یؤذِّن بذلک((1)).

فهذه النصوص وإن کانت مختلفة العبارات لکنّها تشیر إلی رؤیة متقاربة ؛ فالنصّ الأوّل یشیر إلی أن تشریع الأذان جاء علی أثر رؤیا رآها عبدالله بن زید حینما رأی رسول الله مهموماً مغموماً . ویظهر أنّ رؤیاه کانت لیلاً لقوله : « ... فأُرِیَ الأذان فی منامه ، فغدا علی رسول الله فأخبره » وکذا النصّ الثانی ، ففیه « فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله فأخبرته بما رأیت » .

لکن النصّ الذی رواه أبو حنیفة فی جامع المسانید فیه : أنّ الرجل لمّا رأی حزن رسول الله دخل المسجد یصلّی « فبینما هو کذلک إذ نعس فأتاه آت فی النوم .... فأقبل الأنصاری فقعد علی باب رسول الله فمرّ أبو بکر فقال : استأذن لی .... » وهو یختلف عن الأوّل .


1- جامع المسانید 1 : 299 ، مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب کیف الأذان .

ص:35

و یضاف إلیه أن الرجل الأنصاری فی نصّ جامع المسانید کان « ذا طعام یُجتَمع إلیه ، فانطلق حزیناً لِما رأی من حزن رسول الله ، وترک طعامه وما کان یجتمع إلیه » وهذا لم یشتهر عن عبد الله بن زید بن عبد ربّه بن ثعلبة الذی أُری النداء . مع أن نص جامع المسانید یدّعی أنّ أبا بکر سبق الانصاری بالرؤیا واخباره النبی صلی الله علیه و آله بذلک ، وهو یخالف باقی النصوص التی تسجّل قدمَ السبق للانصاری .

نعم ، اشتهر عن سعد بن عبادة وغیره من الأنصار الذین استضافوا رسول الله عند دخوله صلی الله علیه و آله المدینة ، وکانوا من الأغنیاء المعروفین بالجود والکرم مع أنّ نص جامع المسانید یّدعی أنّ أبا بکر سبق الأنصاری بالرؤیا وإخباره النبیّ صلی الله علیه و آله بذلک ، وهو یخالف باقی النصوص التی تسجّل قدمَ السبق للأنصاری .

أما النصّ الثانی - أی ما أخرجه الترمذی وأبو داود - فیشیر إلی أن رسول الله أمر بالناقوس یُعمل لیضرب للناس ، فرأی عبدالله فی المنام الأذان ، فأمر صلی الله علیه و آله بلالاً أن یأخذ بما قاله عبد الله ؛ وهذا لا یتّفق مع عدم ارتضائه

صلی الله علیه و آله للناقوس !!

وفی النصّ الثالث نراه صلی الله علیه و آله یقول : « لقد هَمَمتُ أن أبثّ رجالاً فی الدُّور ینادون الناس بحین الصلاة حتّی هَمَمت أن آمر رجالاً یقومون علی الآطام ینادون بحین الصلاة ، حتّی نقسوا أو کادوا ] أن [ ینقسوا ، فجاء رجل من الأنصار ... » ، وهذا لا یتّفق مع ما قیل عن الرجل الأنصاری فی کتب الحدیث .

وفی موطّأ مالک : « کان رسول الله قد أراد ان یتّخذ خشبتین یضرب بهما لیجتمع الناس للصلاة ، فأُری عبد الله خشبتین فی المنام... » .

وهذا أیضاً لا یتّفق مع ما رواه عبدالرزّاق عن ابن جریج ، إذ فیه : أنّ عمر أراد « أن یشتری خشبتین للناقوس إذ رأی فی المنام : أن لا تجعلوا الناقوس بل أذّنوا للصلاة » .

هذه بعض النصوص الدالّة علی القول الثانی ، وقد حاولنا أن نوحدها - رغم اختلافاتها - بقدر المستطاع تحت عنوان واحد .

ص:36

l الثالث :

نزول الأذان تدریجیاً ، وإضافة عمر الشهادة بالنبوّة إلیه :

جاء فی صحیح ابن خزیمة : حدّثنا بُندار ، حدّثنا أبو بکر - یعنی الحنفیّ - حدّثنا عبدالله بن نافع ، عن أبیه ، عن ابن عمر : أنَّ بلالاً کان یقول أوَّل ما أذَّن : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، حیّ علی الصلاة ؛ فقال له عمر : قل فی إثرها : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فقال رسول الله : قل کما أمرک عمر((1)) .

l الرابع :

الأذان وحیٌ من الله تلقّاه الرسول من جبرئیل :

جاء فی نصب الرایة للزیلعی تحت باب « أحادیث فی أنَّ الأذان کان وحیاً لا مناماً » : روی البزّار فی مسنده : حدّثنا محمّد بن عثمان بن مخلّد الواسطیّ ، حدّثنا أبی ، حدّثنا زیاد بن المنذر ، عن محمّد بن علیّ بن الحسین ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن علیّ بن أبی طالب ، قال :

« لمّا أراد الله أن یُعَلِّم رسوله الأذانَ أتاه جبرئیل بدابّة یقال لها البُراق ، فذهب یرکبها فاستصعبت ، فقال لها ] جبرئیل [ : اسکُنی ، فوالله ما رَکِبَک عبدٌ أکرم علی الله من محمّد .


1- صحیح ابن خزیمة 1 : 189 ، کتاب الصلاة باب فی بدء الأذان والإقامة ح 362 . وانظر : السیرة الحلبیة 2 : 303 ، کنز العمّال 8 : 334 کتاب الصلاة الباب الخامس ح 23150 .

ص:37

قال : فرکبها حتّی انتهی إلی الحجاب الذی یلی الرحمن تبارک وتعالی ، فبینما هو کذلک إذ خرج مَلَکٌ مِن الحجاب ، فقال رسول الله : یا جبرئیل ! مَن هذا ؟

قال : والذی بعثک بالحقِّ ، إنّی لاَقرب الخَلْق مکاناً ، وإنَّ هذا المَلَک ما رأیته منذ خُلِقتُ قبل ساعتی هذه .

فقال المَلَک : الله أکبر ، الله أکبر .

قال : فقیل له مِن وراء الحجاب : صَدَقَ عبدی ، أنا أکبر ، أنا أکبر .

ثمّ قال المَلَک : أشهد أن لا إله إلّاَ الله .

قال : فقیل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا لا إله إلّاَ أنا .

ثمّ قال المَلَک : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .

فقیل له مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا أرسلتُ محمّداً .

ثمّ قال المَلَک : حیَّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ] وفی مجمع الزوائد زیادة : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة [ . ثمَّ قال الملک : الله أکبر ، الله أکبر .

فقیل له مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدی ، أنا أکبر ، أنا أکبر .

ثمّ قال : لا إله إلّاَ الله .

قال : فقیل مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا لا إله إلّاَ أنا .

قال : ثمّ أخذ المَلَک بید محمّد فقدَّمه فأمَّ أهل السماء ، فیهم آدم ونوح .. انتهی .

] وفی مجمع الزوائد زیادة : قال أبو جعفر محمّد بن علیّ : فیومئذ أکمل الله لمحمّد الشرف علی أهل السماوات والأرض [((1)).

وروی الطبرانیّ فی الأوسط عن ابن عمر : « أنَّ النبیّ لمّا أُسرِیَ به إلی السماء


1- نصب الرایة 1 : 260 ، مجمع الزوائد 1 : 328 کتاب الصلاة باب بدء الأذان . وانظر فتح الباری فی شرح صحیح البخاری لابن رجب الحنبلی 3 : 396 وقال السهنلی : واخلق لما یعضده ویشاکله من حدیث الاسراء انظر البدایة والنهایة 3 : 285 .

ص:38

أُوحی إلیه بالأذان ، فنزل به فعلَّمه جبرئیلَ »((1)) .

وروی ابن مردو یه عن عائشة مرفوعاً : لمّا أسری بی أذّن جبرئیل فظنّت الملائکة أنّه ] أی جبرئیل [ یصلّی بهم ، فقدّمنی فصلّیت((2)) .

l الخامس :

إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئیل ثمّ بلال :

جاء فی مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد العشرة للبوصیری : عن کثیر ابن مرة الحضرمیّ ، أنَّ رسول الله قال : أوّل مَن أذَّن فی السماء جبرئیل

علیه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبیَّ بما سمع ، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبیَّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقک عمر یا بلال ، أذِّن کما سمعت ، قال : ثمَّ أمره رسول الله أن یضع إصبعَیه فی أُذنَیه استعانةً بهما علی الصوت . رواه الحارث بن أُسامة مرسلاً بسند ضعیف لضعف سعید ابن سنان((3)) .

l السادس :

إنّ الأذان نزل به جبرئیل علی آدم لمّا استوحش :


1- الأوسط للطبرانیّ10 : 114 ح 9243 ، 9247 مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب بدء الأذان وفیه : « رواه الطبرانی فی الأوسط ، وفیه طلحة بن زید ونسب إلی الوضع » .
2- السیرة الحلبیة 2 : 296 وفیه : قال الذهبی : حدیث منکر بل موضوع .
3- إتحاف السادة المهرة 1 - 2 : 317 کتاب الأذان باب بدء الأذان وصفته ح 983 ، السیرة الحلبیة 2 : 302 وفیه : « وروی بسند واه أن أوّل من أذن بالصلاة جبرئیل فی سماء الدنیا ، فسمعه عمر وبلال رضی الله عنهما فسبق عمر بلالاً فاخبر النبی ثمّ ... » .

ص:39

جاء فی کشف الغُمَّة للشعرانی :... وکان کعب الأحبار یقول : قال رسول الله : لمَّا نزل آدم بأرض الهند استوحش فنزل جبرئیل فنادی بالأذان ، فزالت عنه الوحشة .

فقال جبرئیل : الله أکبر اللهُ أکبر ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله - مرّتین ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله - مرّتین .

قال آدم : مَن محمّد ؟

قال : آخِر ولدک مِن الأنبیاء((1)) .

قال علیّ بن برهان الدین الحلبی فی سیرته : أقول : ومن أغرب ما وقع فی بدء الأذان ما رواه أبو نعیم فی الحلیة بسند فیه مجاهیل أنّ جبرئیل نادی بالأذان لآدم حین أُهبط من الجنَّة((2)) .

ثمّ قال الحلبی :

وبهذا یعلم ما فی الخصائص الصغری « خُصّ صلی الله علیه و آله بذکر اسمه فی الأذان فی عهد آدم وفی الملکوت الأعلی » والله أعلم ((3)) .

هذا ما قاله أهل السنّة والجماعة فی بَدء الأذان ، ولکنْ .. ما هی رؤیة أهل البیت: فی قضیّة بدء تشریع الأذان ؟ هذا ما سنتعرّف علیه فی الصفحات التالیة .


1- کشف الغمّة 1 : 96 کتاب الصلاة باب الأذان وفضله . وانظر : قریباً منه فی حلیة الأولیاء 5 : 107 ترجمة عمرو بن قیس الملائی عن أبی هریرة .
2- السیرة الحلبیة 2 : 297 .
3- السیرة الحلبیة 2 : 302 .

ص:40

ص:41

أهل البیت وبدء الأذان

اشارة

اتّفقت نصوص أهل بیت النبوّة - المرویّ منها عن طریق الإمامیّة الاثنی عشر یّة أو الإسماعیلیّة أو الزیدیّة - علی أنّ بدء الأذان قد کان فی الإسراء ، وإلیک بعض نصوصهم فی هذا السیاق .

الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ( ت 40 ه ) :

جاء فی صحیفة الرضا علیه السلام ، عن آبائه ، قال : « قال علیّ بن أبی طالب : لمّا بُدِی رسول الله بتعلیم الأذان ، أتی جبرئیل بالبُراق فاستعصت علیه ، فقال لها جبرئیل : اسکُنی برقة ! فما رکبک أحد أکرم علی الله منه ، فسکنت . قال رسول الله : فرکبتها حتّی انتهیت إلی الحجاب الذی یلی الرحمن عَزَّ ] ربُّنا [ وجَلَّ ، فخرج مَلَکٌ مِن وراء الحجاب ، فقال : اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ؛ فقال صلی الله علیه و آله : قلت : یا جبرئیل ! مَن هذا المَلَک ؟

قال ] جبرئیل [ : والذی أکرمک بالنبوّة ما رأیتُ هذا الملَک قبل ساعتی هذه .

فقال المَلَک : اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ؛ فنودی مِن وراء الحجاب : صَدَق عبدی ، أنا أکبر ، أنا أکبر .

ص:42

قال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : أشهد أن لا إله إلّاَ اللهَ ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ؛ فنُودِی مِن وراء الحجاب : صدق عبدی ، ] أنا الله [ ، لا إله إلّاَ أنا .

فقال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فنودی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا أرسلتُ محمّداً رسولاً .

قال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ فنودی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، ودعا إلی عبادتی .

قال صلی الله علیه و آله : فقال المَلَک : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، فنودی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، ودعا إلی عبادتی ، فقال الملک : قد أفلحَ مَن واظب علیها .

قال صلی الله علیه و آله : فیومئذ أکمل الله عزَّ وجلَّ لی الشرف علی الأوّلین والآخرین »((1)) .

الإمام الحسن بن علیّ علیه السلام ( ت 50 ه ) :

عن سفیان بن اللیل ، قال : لمّا کان من أمر الحسن بن علیّ ومعاویة ما کان قَدِمتُ علیه المدینةَ وهو جالس فی أصحابه ، فذکر الحدیث بطوله ، فقال : فتذاکرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبد الله بن زید .

فقال له الحسن بن علیّ : « إنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذّنَ جبرئیل فی السماء مَثْنی مَثْنی وعلَّمه رسولَ الله ، وأقام مرّة مرّة فعلَّمه رسولَ الله » ، فأذَّن به الحسن حتّی ولّی((2)) .


1- صحیفة الرضا علیه السلام 65 - 66 ح 115 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 151 . وانظر الایضاح للقاضی نعمان ص 106 المطبوع فی (میراث حدیث شیعه) دفتر دهم وکذا راب الصدع 1 : 196 . وقد مرّ علیک قبل قلیل فی صفحة 36 ما أخرجه البزّار ( انظر : نصب الرایة 1 : 260 ) .
2- نصب الرایة 1 : 261 ، عن المستدرک للحاکم 3 : 171 کتاب معرفة الصحابة ، باختلاف یسیر .

ص:43

الإمام الحسین بن علیّ علیه السلام ( ت 61 ه ) :

جاء فی الجعفر یّات : أخبرنا محمّد ، حدّثنی موسی ، قال : حدّثنا أبی ، عن أبیه ، عن جدّه جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه علیّ بن الحسین ، عن الحسین بن علیّ : أنَّه سئل عن الأذان وما یقول الناس ] فیه [ ، قال : « الوحیُ ینزل علی نبیّکم ، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید ؟ بل سمعتُ أبی علیّ ابن أبی طالب علیه السلام یقول : أَهبَطَ اللهُ عزَّ وجلَّ مَلَکاً حین عُرِج برسول الله فأذَّن مَثْنی مَثْنی ، وأقام مَثْنی مَثْنی ، ثمّ قال له جبرئیل : یا محمَّد ! هکذا أذان الصلاة »((1)) .

وفی دعائم الإسلام - وهو من کتب الإسماعیلیّة - : روینا عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن الحسین بن علیّ : أنّه سئل عن قول الناس فی الأذان ، إنَّ السبب کان فیه رؤیا رآها عبد الله بن زید فأخبر بها النبیَّ صلی الله علیه و آله ، فأمر بالأذان !

فقال الحسین علیه السلام : « الوحیُ یتنزَّل علی نبیّکم ، وتزعمون أنَّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید ؟ والأذان وجه دینکم ! » ، وغضب علیه السلام ثمّ قال : « بل سمعتُ أبی علیّ بن أبی طالب یقول : أهبَطَ اللهُ عزّوجلّ مَلَکاً حین عرج برسول الله صلی الله علیه و آله » - وذکر حدیث الإسراء بطوله ، اختصرناه نحن ها هنا - قال فیه : « وبعث ملکاً لم یُرَ فی السماء قبل ذلک الوقت ولا بعده ، فأذَّن مَثْنی وأقام مَثْنی » ، وذکر کیفیّة الأذان « وقال جبرئیل للنبیّ صلی الله علیه و آله : یا محمّد ! هکذا أذِّن للصلاة »((2)) .


1- الجعفریّات : 42 ، مستدرک الوسائل 4 : 17 . وفی الایضاح للقاضی نعمان المطبوع فی (میراث دین شیعه) دفتر دهم ص 105 : فی الکتب الجعفریة من روایة أبی علی محمد بن الاشعث الکوفی عن ابن الحسن موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر عن أبیه عن جده أبی عبدالله جعفر بن محمد عن جذده علی بن الحسین ...
2- دعائم الإسلام 1 : 142 للقاضی نعمان ذکر الأذان والإقامة .

ص:44

محمّد بن علی بن أبی طالب ( ابن الحنفیّة ت 73 - 93 ه ) :

عن أبی العلاء ، قال : قلت لمحمّد بن الحنفیّة : إنّا لَنتحدّث : أنّ بدء هذا الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه .

قال : ففزع لذلک محمّد بن الحنفیّة فزعاً شدیداً ، وقال : عَمَدتُم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم أنّه إنّما کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه تحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام !

قال : فقلتُ ( له ) : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس !

قال : « هذا والله هو الباطل » . ثمّ قال : « وإنّما أخبرنی أبی : أنَّ جبرئیل علیه السلام أذَّن فی بیت المقدس لیلة الإسراء وأقام، ثمّ أعاد جبرئیل الأذان لمّا عرج بالنبیّ إلی السماء ... »((1)) .

وفی معانی الأخبار : عن علیّ بن عبدالله الورّاق ، وعلیّ بن محمّد بن الحسن القزوینی، قالا : حدّثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدّثنا العبّاس بن سعید الأزرق ، قال: حدّثنا أبو نصر ، عن عیسی بن مهران ، عن یحیی بن الحسن بن الفرات ، عن حمّاد بن یعلی ، عن علیّ بن الحزور ، عن الأصبغ بن نُباتة ، عن محمّد بن الحنفیّة أنَّه ذُکِرَ عنده الأذان فقال :

« لمّا أُسری بالنبیِّ إلی السماء ، وتناهز إلی السماء السادسة ، نزل مَلَکٌ من السماء السابعة لم ینزل قبل ذلک الیوم قطّ ، فقال: اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ؛ فقال الله جَلَّ جلاله : أنا کذلک .


1- السیرة الحلبیّة 2 : 300 - 301 ، أمالی أحمد بن عیسی بن زید 1 : 90 ، وعنه فی الاعتصام بحبل الله 1 : 277 . والایضاح للقاضی نعمان بن محمت بن حیون المتوفی 363 ص 106 والمطبوع فی ( میراث حدیث شیعه ) دفتر دهم .

ص:45

فقال : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، فقال الله عزّ وجلّ: أنا کذلک ، لا إله إلّاَ أنا .

فقال : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، فقال الله جلَّ جلاله : عبدی وأمینی علی خلقی ، اصطفیته علی عبادی برسالاتی .

ثمّ قال : حیّ علی الصلاة ، فقال الله جلَّ جلاله : فرضتها علی عبادی وجعلتها لی دِیناً .

ثمّ قال : حیّ علی الفلاح ، فقال الله جلَّ جلاله : أفلح مَن مشی إلیها وواظب علیها ابتغاء وجهی .

ثمّ قال : حیّ علی خیر العمل ، فقال اللهُ جلَّ جلاله : هی أفضل الأعمال وأزکاها عندی .

ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فتقدَّم النبیُّ صلی الله علیه و آله فأمَّ أهلَ السماء ، فَمِن یومئذ تمَّ شرف النبیّ صلی الله علیه و آله »((1)) .

وقد جاء ما یماثل هذا فی طرق الزیدیة ، وأخرجه الحافظ العلوی فی ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) ، فقال :

حدّثنا أبو القاسم الحفص بن محمّد بن أبی عابد قراءةً ، حدّثنا زید بن محمّد بن جعفر العامری ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مروان ، حدّثنا أبی ، حدّثنا نصر بن مزاحم المنقری ، حدّثنا أیّوب بن سلیمان الفزاری ، عن علیّ بن جردل ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلی محمّد بن الحنفیة فقال له : بلغنا أن الأذان إنّما هو رؤیا رآها رجل من الأنصار فقصّها علی رسول الله صلی الله علیه و آله ، فأمر بلالاً فأذّن تلک الرؤیا !

فقال له محمّد بن الحنفیة : إنّما یقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إن أمر الأذان أعظم من ذلک .. إنّه لمّا أسری برسول الله صلی الله علیه و آله فانتُهی به إلی السماء السادسة جمع


1- معانی الأخبار ، للصدوق : 42 ح 4 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 141 .

ص:46

اللهُ له ما شاء من الرسل والملائکة ، فنزل مَلَک لم ینزل قبل ذلک الیوم ، عرفت الملائکة أنّه لم ینزل إلّا لأمر عظیم ، فکان أوّل ما تکلّم به حین نزل ، قال : الله أکبر ، الله أکبر ، فقال الله عزّ وجلّ : أنا کذلک ، أنا الأکبر لا شیء أکبر مّنی . ثمّ قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فقال الله : أنا کذلک لا إله إِلاّ أنا . ثمّ قال : أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقال الله : نعم ، هو رسولی بعثته برسالتی وأئتمنته علی وحیی . ثمّ قال : حیّ علی الصلاة ، فقال الله : أنا افترضتها علی عبادی وجعلتها لی رضا . ثمّ قال : حیّ علی الفلاح ، فقال الله : قد أفلح من مشی إلیها وواظب علیها ابتغاء وجهی . ثمّ قال : حیّ علی خیر العمل ، فقال الله : هی أزکی الأعمال عندی وأحبها إلیَّ . ثمّ قال : قد قامت الصلاة ، فقام رسول الله صلی الله علیه و آله ومن کان عنده من الرسل والملائکة . وکان المَلَک یؤذّن مَثْنی مَثْنی ، وآخِر أذانه وإقامته : لا إله إلّا الله . وهو الذی ذکر الله فی کتابه :{وَرَفَعْنا لَکَ ذِکْرَکَ} . قال محمّد بن الحنفیة : فتَمّ له یومئذ شرفُه علی الخلق . ثمّ نزل فأمر أن یؤذَّن بذلک الأذان((1)) .

الإمام علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السلام ( ت 94 ه ) وابنه زید :

عن زید بن علیّ ، عن آبائه ، عن علیّ : « أنَّ رسول الله عُلِّمَ الأذان لیلة المسری ، وبه فُرِضَت علیه »((2)) .

وقال الإمام الهادی بالله - من أئمّة الزیدیّة - فی کتابه الأحکام : « قال یحیی ابن الحسین رضی الله عنه : والأذان فأصلُه أنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله عُلِّمَه لیلةَ المسری ،


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی 18 - 19 . وبتحقیق عزّان 58 . الایضاح للقاضی نعمان : 107 .
2- کنز العمّال 12 : 350/35354 ، عن « ابن مردویه » .

ص:47

أرسل اللهُ إلیه مَلَکاً فعلَّمه إیّاه .

فأمّا ما یقول به الجهّال مِن أنّه رؤیا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبیَّ صلی الله علیه و آله فأمَرَه أن یُعَلِّمه بلالاً ، فهذا من القول محالٌ لا تقبله العقول ؛ لأنَّ الأذان من أُصولِ الدین ، وأُصولُ الدین لا یعلمها رسول الله علی لسان بشر من العالمین »((1)) .

الإمام محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام ( ت 114 ه ) :

جاء فی الکافی والتهذیب والاستبصار - والنصّ للأخیرینِ - بإسناد الشیخ الطوسی عن محمّد بن علیّ بن محبوب ، عن علیّ بن السندیّ ، عن ابن أبی عُمیر ، عن ابن أُذینة ، عن زُرارة والفُضیل بن یسار ، عن أبی جعفر [ الباقر علیه السلام ] ، قال :

« لمّا أُسری برسول الله صلی الله علیه و آله فبلغ البیت المعمور حضرت الصلاة ، فأذَّن جبرئیل وأقام ، فتقدَّم رسول الله ، وصفَّ الملائکة والنبیّون خلف رسول الله صلی الله علیه و آله » .

قال : فقلنا له : کیف أذّن ؟

فقال : « اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّاَ الله ، لا إله إلّاَ الله ؛ والإقامة مثلها إلّاَ أنَّ فیها : « قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة » بین : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، وبین : « اللهُ أکبر اللهُ أکبر » ، فأمر بها رسولُ الله بلالاً ، فلم یَزَل یؤذِّن بها حتّی قَبض اللهُ رسولَه صلی الله علیه و آله »((2)) .


1- الأحکام ، للإمام الهادی بالله الزیدیّ 1 : 84 .
2- الکافی 3 : 302/1 وفیه صدر الحدیث ، التهذیب 2 : 60/210 ، الاستبصار 1 : 305 / باب عدد فصول الأذان ح 3 .

ص:48

وفی الکافی : بإسناده عن أبی حمزة الثمالیّ وأبی منصور ، عن أبی الربیع ، قال : « حَجَجنا مع أبی جعفر[ الباقر علیه السلام ] فی السنة التی کان حجّ فیها هشام بن عبدالملک ، وکان معه نافع مولی عبد الله بن عمر بن الخطّاب ، فنظر نافع إلی أبی جعفر علیه السلام فی رکن البیت وقد اجتمع علیه الناس فقال : یا أمیر المؤمنین ، مَن هذا الذی قد تَداکَّ علیه الناس ؟!

فقال : هذا نبیُّ أهل الکوفة ، هذا محمّد بن علیّ !

قال : أشهد لاَتینّه ولأسألنّه عن مسائل لا یجیبنی فیها إلّا نبیّ أو ابن نبیّ أو وصیّ نبیّ .

قال : فاذهب إلیه وسَله لعلکّ تُخجِلُه !

فجاء نافع حتّی اتّکأ علی الناس ثمّ أشرف علی أبی جعفر ، فقال : یا محمّد ابن علیّ ! إنی قرأت التوراة ، والإنجیل ، والزّبور ، والفرقان وقد عرفتُ حلالها وحرامها وقد جئت أسألُک عن مسائل ...

] ومنها [ : من الذی سأل محمّدٌ((1)) وکان بینه وبین عیسی خمسمائة سنة ؟

قال : فتلا أبو جعفر علیه السلام هذه الآیة : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَی الْمَسْجِدِ الْأَقْصَی الَّذِی بَارَکْنَا حَوْلَهُ لِنُرِیَهُ مِنْ آیَاتِنَا} ((2)) ، فکان من الآیات التی أراها الله تبارک وتعالی محمّداً حیث أسری به إلی بیت المقدس أن حشر الله الأوّلین والآخرین من النبیّین والمرسلین ، ثمّ أمر جبرئیل فأذَّن شفعاً ، وأقام شفعاً ، وقال فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، ثمّ تقدّم محمّدٌ وصلَّی بالقوم »((3)) .


1- فی قوله تعالی: (وَسَئَل مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبِلْکَ مِن رُسُلِنَاَ( الزخرف : 45 .
2- الإسراء : 1 .
3- الکافی 8 : 120 / 93 وعنه فی بحار الأنوار 81 : 136 ، وسائل الشیعة 5 : 414 ، الاحتجاج 2 : 60 .

ص:49

وجاء فی کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) للحافظ العلوی : أخبرنا عبدالله بن مخالد((1)) ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا محمّد بن عمرو ابن عثمان ، حدّثنا محمّد بن سنان ، حدّثنا عمّار بن مروان ، عن المنتخل((2))، عن جابر قال : سألت أبا جعفر عن الأذان : کیف کان بدؤه ؟ قال : إن رسول الله صلی الله علیه و آله لما أُسری به إلی السماء ، نزل إلیه جبریل ، ومعه محملة من محامل الربّ عزّ وجلّ ، فحمل علیها رسولَ الله صلی الله علیه و آله إلی السماء ، فأذّن جبر یل ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، ] أشهد أن محمّداً رسول الله [ ، حیّ علی الصلاة ، ] حیّ علی الصلاة [ ، حیّ علی الفلاح ، ] حیّ علی الفلاح [ ، حیّ علی خیر العمل ، ] حیّ علی خیر العمل [ ، وذکر الحدیث((3)).

وفی کتاب الاعتصام بحبل الله : .. وروی محمّد بإسناده عن أبی جعفر علیه السلام أنّه قال : من جهالة هذه الأمّة أن یزعموا أن رسول الله صلی الله علیه و آله إنّما علم الأذان من رؤیا رآها رجل ، وکذبوا والله . لما أراد الله أن یعلّم نبیّه الأذان جآءه جبریل علیه السلام بالبُراق ، وذکر الحدیث بطوله((4)).

ثمّ قال بعد ذلک : ... وفی الشفا للأمیر الحسن ، روی الباقر محمّد بن علیّ السجّاد بن الحسین السبط الشهید بن علیّ الوصیّ ، والقاسم بن إبراهیم والهادی إلی


1- فی تحقیق عزّان : مجالد البجلی ، وکذا فی الاعتصام 1 : 306 .
2- فی تحقیق عزّان : المنخل . وفی الاعتصام 1 : 306 « المنتحل » .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 82 ، بتحقیق الفضیل ، وانظر : ص 21 و28 من الکتاب نفسه وبتحقیق عزّان 60 . والاعتصام بحبل الله 1 : 286 . والزیادات من الاعتصام 1 : 306 .
4- الاعتصام بحبل الله 1 : 277 .

ص:50

الحقّ یحیی بن الحسین الحافظ ، والناصر للحقّ الحسن بن علیّ: أن الله عَلَّمه رسول الله صلی الله علیه و آله لیلة أُسرِیَ به لیلاً من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی ؛ أمر الله مَلَکاً من ملائکته فعلّمه الأذان((1)) .

الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام ( ت 148 ه ) :

روی الکلینیّ بسنده عن علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عُمیر ، عن حمّاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبی عبدالله ] الصادق [ علیه السلام ، قال : « لمّا هبط جبرئیل بالأذان علی رسول الله صلی الله علیه و آله کان رأسه فی حِجر علیّ علیه السلام ، فأذَّن جبرئیل وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله ، قال : یا علیّ ! سمعت ؟

قال : نعم .

قال : حفظت ؟

قال : نعم .

قال : ادعُ بلالاً فعلِّمْه . فدعا علیّ بلالاً فعلَّمَه »((2)) .

وفی تفسیر العیّاشیّ عن عبدالصمد بن بشیر ، قال : ذُکِر عند أبی عبدالله بدء الأذان ، فقال : إنَّ رجلاً مِن الأنصار رأی فی منامه الأذان ، فقصَّه علی رسول الله


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 278 .
2- الکافی 3 : 302/2 ، التهذیب 2 : 277/1099 مثله ، ورواه الصدوق فی من لا یحضره الفقیه 1 : 183/865 بإسناده عن منصور بن حازم ، ولا یخفی علیک بأن هذا النص لا یخالف ما ثبت عند أهل البیت وبعض أهل السنة والجماعة من کون تشریع الأذان کان فی الاسراء والمعراج ، لأن التأذین فی المعراج هو فی مرحلة الثبوت ، أما التأذین فی الأرض فهو فی مرحلة الاثبات ، وسیتضح معنی کلامنا هذا اکثر فی الباب الثالث من هذه الدراسة « اشهد ان علیّاً ولی الله ، بین الشرعیة والابتداع » فانتظر .

ص:51

فأمره الرسول أن یعلّمه بلالاً .

فقال أبو عبدالله : کذبوا ؛ إنَّ رسول الله کان نائماً فی ظِلّ الکعبة ، فأتاه جبرئیل ومعه طاس فیه ماء مِن الجنّة فأیقظه ، وأمره أن یغتسل به ، ثمّ وضع فی محمل له ألف ألف لون مِن نور ، ثمّ صعد به حتّی انتهی إلی أبواب السماء ، فلمّا رأته الملائکة نَفَرت عن أبواب السماء ، وقالت : إلهانِ ! إلهٌ فی الأرض ، وإله فی السماء ؟!

فأمر اللهُ جبرئیلَ ، فقال : اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، فتراجعت الملائکة عن أبواب السماء ، فقالت : إلهانِ ! إله فی الأرض وإله فی السماء ؟!

فقال جبرئیل : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، ، فتراجعت الملائکة وعَلِمتْ أنّه مخلوق .

ثمّ فتح الباب فدخل ومَرَّ حتّی انتهی إلی السماء الثالثة ، فنَفَرت الملائکة عن أبواب السماء ، فقال جبرئیل : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، فتراجعت الملائکة ، وفتح الباب ومَرَّ النبیُّ حتّی انتهی إلی السماء الرابعة ...

- إلی أن قال - :... فلمّا فرغ من مناجاة ربّه رُدّ إلی البیت المعمور وهو فی السماء السابعة بحذاء الکعبة ، قال : فجمع له النبیّین والمرسلین والملائکة ، ثمّ أمر جبرئیل فأتمَّ الأذان وأقام الصلاة ، وتقدّم رسول الله فصلّی بهم ، فلمّا فرغ التفت إلیهم فقال الله له : {فَسْئَلِ الَّذیِنَ یَقْرَءُونَ الکِتَابَ مِن قَبْلِکَ لَقَدْ جَآءَکَ الْحَقُّ مِن رَّبِّکَ فَلاَ تَکُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِینَ}((1))، فسألهم یومئذ النبیّ صلی الله علیه و آله ، ثمّ نزل ومعه صحیفتان فدفعهما إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ، فقال أبو عبدالله علیه السلام : فهذا کان بدء الأذان »((2)) .

وروی الصدوق باسناده عن الصباح المزنیّ وسدیر الصیرفی ومحمّد بن النعمان الأحول وعمر بن أُذینة أنّهم حضروا عند أبی عبدالله

علیه السلام ، فقال : « یا عمر بن


1- یونس : 94 .
2- تفسیر العیّاشیّ 1 : 157/530 ، المستدرک 4 : 42 - 43 وانظر : بیان المجلسیّ فی بحار الأنوار 81: 121 .

ص:52

أُذینة ! ما تری هذه الناصبة فی أذانهم وصلاتهم ؟ .

قال : جُعِلتُ فداک ؛ إنّهم یقولون : إنَّ أُبیّ بن کعب الأنصاریّ رآه فی النوم .

فقال علیه السلام : کذبوا والله ، إنَّ دین الله تعالی أعَزُّ من أن یُری فی النوم . وقال أبو عبدالله : العزیز الجبّار عَرَج بنبیّه إلی سمائه - فذکر قصّة الإسراء بطولها - »((1)) .

وفی نصّ آخر ، قال علیه السلام : « ینزل الوحیُ علی نبیِّکم فتزعمون أنَّه أخذ عن عبدالله بن زید ؟! »((2)) .

وعن علیّ بن إبراهیم عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن ابن أُذینة ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : « ما تروی هذه الناصبة ؟ » .

فقلت : جُعِلت فداک ؛ فی ماذا ؟

فقال : « فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم » .

فقلت : إنّهم یقولون : إنَّ أُبیَّ بن کعب رآه فی النوم .

فقال : « کذبوا ، فإنَّ دین الله عزَّوجلّ أعَزُّ مِن أن یُری فی النوم » .

قال : فقال له سدیر الصیرفیّ : جُعلت فداک ؛ فأحدِثْ لنا مِن ذلک ذِکراً .

فقال أبو عبد الله علیه السلام : « إنَّ الله عزّوجلّ لمّا عَرَج بنبیّه صلی الله علیه و آله إلی سماواته السبع ، أمّا أُولاهُنَّ فبارَک علیه ، والثانیة علّمه فرضه فأنزل الله محملاً من نور فیه أربعون نوعاً من أنواع النور کانت مُحدِقة بعرش الله تغشی أبصار الناظرین ...((3))

قال : ثمّ زادنی ربّی أربعین نوعاً من أنواع النور لا تشبه الأنوار الأُولی ثمّ عرج بی إلی السماء الثالثة ، فنَفَرت الملائکة وخَرَّتْ سُجَّداً ، وقالت : سبُّوح قدُّوس ربُّ الملائکة والرُّوح ، ما هذا النور الذی یشبه نور ربّنا ؟!


1- انظر : علل الشرائع 312/1 ، وعنه فی بحار الأنوار 8 : 354 .
2- وسائل الشیعة 5 : 370/6816 .
3- الحدیث طویل أخذنا مقاطع منه .

ص:53

فقال جبرائیل علیه السلام : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله .

فاجتمعت الملائکة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخِر ، ومرحباً بالحاشر ، ومرحباً بالناشر ، محمّد خیر النبیّین وعلیّ خیر الوصیّین .

قال النبیُّ صلی الله علیه و آله : ثمّ سَلَّموا علَیَّ وسألونی عن أخی ، قلتُ : هو فی الأرض ، أفتعرفونه ؟

قالوا : وکیف لا نعرفه وقد نَحجّ البیت المعمور کلَّ سنة وعلیه رَقّ أبیض فیه اسم محمّد واسم علیّ والحسن والحسین ] والأئمة [ : وشیعتهم إلی یوم القیامة ، وإنّا لَنُبارِک علیهم کلّ یوم ولیلة خمساً - یعنون فی وقت کلّ صلاة - ...

قال : ثمّ زادنی ربّی أربعین نوعاً من أنواع النور لا تشبه تلک الأنوار الأُولی ، ثمّ عرج بی حتّی انتهیت إلی السماء الرابعة ، فلم تَقُل الملائکة شیئاً ، وسمعت دَو یّاً کأنّه فی الصدور ، فاجتمعت الملائکة ففتحت أبواب السماء وخرجت إلیَّ شبه المعانیق ، فقال جبرئیل علیه السلام : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح .

فقالت الملائکة : صوتان مقرونان معروفان .

فقال جبرئیل علیه السلام : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة ...

ثمّ أوحی الله إلیَّ : یا محمّد ! ادنُ من صاد فاغسل مساجدک وطهّرها وصلِّ لربِّک .

فدنا رسول الله صلی الله علیه و آله من صاد((1)) ، وهو ماءٌ یسیل من ساق العرش الأیمن ، فتلقّی رسول الله صلی الله علیه و آله الماء بیده الیمنی ، فمن أجل ذلک صار الوضوء بالیمین .

ثمّ أوحی الله عزّ وجل إلیه أن : اغسل وجهک((2)) ...


1- وللشیخ الجوادی الآملی فی کتابه « أسرار الصلاة » : 86 ، 22 بیان فی ذلک فراجع .
2- الکافی کتاب الصلاة باب النوادر 3 : 482 - 486/1 ، وللمزید یمکن مراجعة خبر الإسراء فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی 2 : 11 .

ص:54

وفی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّیّ « سورة بنی اسرائیل » عن أبیه ، عن محمّد ابن أبی عمیر ، عن هشام بن سالم ، عن الصادق علیه السلام - فی خبر طویل جدّاً - قال فیه : « فإذا مَلَکٌ یُؤَذِّن لم یُرَ فی السماء قبل تلک اللیلة ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ؛ فقال الله : صدق عبدی أنا أکبر .

فقال : أشهد أن لا إله إلّاَ الله ، أشهد أن لا إله إلّاَ الله ؛ فقال الله تعالی : صدق عبدی ، أنا الله لا إله غیری .

فقال : أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنَّ محمّداً رسول الله ؛ فقال الله : صدق عبدی ، إنَّ محمّداً عبدی ورسولی أنا بعثته وانتجبته .

فقال : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ فقال : صدق عبدی ، دعا إلی فر یضتی ، فَمَن مشی إلیها راغباً فیها محتسباً کانت کفّارة لِما مضی من ذنوبه .

فقال : حیّ علی الفلاح ] حیّ علی الفلاح [ ؛ فقال الله : هی الصلاح والنجاح والفلاح .

ثمّ أمَمتُ الملائکة فی السماء کما أمَمتُ الأنبیاء فی بیت المقدس ... »((1)) .

وقد أخرج الحافظ العلوی فی کتابه ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) بقوله : حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب ، أخبرنا أحمد بن عیسی العجلی ، حدّثنا جعفر بن عنبسة الیشکری ، حدّثنا أحمد بن عمر البجلی ، حدّثنا سلام بن عبدالله الهاشمی ، عن سفیان بن السمط ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه قال : أوّل مَن أذّن فی السماء جبریل

علیه السلام حین أُسری بالنبی

صلی الله علیه و آله ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ؛ فقالت الملائکة : الله أکبر من خلقه .


1- تفسیر القمّیّ 2 : 3 - 12 کما فی مستدرک وسائل الشیعة 4 : 40 ، وفی تفسیر العیّاشی 1 : 157 ح 530 عن عبدالصمد بن بشیر عن الصادق فی حدیث المعراج ، إلی أن قال : ثمّ أمر جبرئیل فأتمّ الأذان واقم الصلاة .

ص:55

فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، فقالت الملائکة : ونحن نشهد أن لا إله إلّا الله .

فقال ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، فقالت الملائکة : عبد بُعِث .

فقال جبریل : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ؛ فقالت الملائکة : أُمِر القوم بالصلاة ، فقال : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ؛ فقالت الملائکة : أفلح القوم .

فقال : حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ؛ فقالت الملائکة : أُمِر القوم بخیر العمل . وأقام الصلاة ، فقال النبیّ : یا جبریل ، تَقدّمْ صلِّ بنا ، فقال جبریل : یا محمّد ، إنّ الله عزّوجلّ أمرنا أن نسجد لأبیک آدم ، فلسنا نتقدّم ولدَه ، فتقدّم رسول الله صلی الله علیه و آله فصلّی بالملائکة((1)) .

وقد نقل محمّد بن مکّیّ - الشهید الأوّل - فی ( ذکری الشیعة ) قول ابن أبی عقیل ، قال : أجمعت الشیعة عن الصادق علیه السلام أنَّه لَعَن قوماً زعموا أنَّ النبیَّ أخذ الأذان من عبدالله بن زید ، فقال : « ینزل الوحی علی نبیِّکم فتزعمون أنَّه أخذ الأذان من عبدالله بن زید ؟! »((2)) .

الإمام علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ( ت 204 ه ) :

أخرج الصدوق فی ( عیون أخبار الرضا ) و( علل الشرائع ) بسنده إلی الرضا علیه السلام عن آبائه: ، قال : « قال رسول الله : لمّا عُرِج بی إلی السماء أذَّن جبرئیل مَثْنی مَثْنی وأقام مَثْنی مَثْنی »((3)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 20 ، بتحقیق الفضیل ، وبتحقیق عزّان 59 .
2- ذکری الشیعة 3 :195 ، وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 370 .
3- عیون أخبار الرضا علیه السلام 1 : 204 باب ما جاء عن الرضا فی زید بن علیّ ح 22 ، علل الشرائع 1 : 6 وعنه فی بحار الأنوار 81 : 108 .

ص:56

وجاء فی الاعتصام بحبل الله عن صحیفة علیّ بن موسی الرضا : ... حدّثنی أبی موسی بن جعفر ، قال : حدّثنی أبی جعفر بن محمّد ، قال : حدّثنی أبی محمّد ابن علیّ ، قال : حدّثنی أبی علیّ بن الحسین بن علیّ ، قال : حدّثنی أبی الحسین ابن علیّ ، قال : حدّثنی أبی علیّ بن أبی طالب: ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا بُدئ رسول الله صلی الله علیه و آله بتعلیم الأَذان ، أتی جبریل علیه السلام بالبُراق فاستصعب علیه ، فأتانی بدابّة یقال لها برقة - من حدیث طویل - فقال لها جبریل : اسکُنی برقة - من حدیث طویل فیه - : فخرج مَلَک من وراء الحجاب فقال : الله أکبر الله أکبر . قال : فقلت : یا جبریل ، من هذا المَلَک ؟ قال : والذی أکرمک بالنبوّة ، ما رأیت هذا المَلَک قبل ساعتی هذه ، فقال المَلَک : الله أکبر ألله أکبر .. فنُودِی من وراء الحجاب : صدق عبدی ، أنا أکبر أنا أکبر . فقال الملک : أشهد أن لا إله إلّا الله ... الخبر((1)) .

قال الشیخ الطوسیّ : « الأذان مأخوذٌ من الوحی النازل علی النبیِّ دون الرؤیا والمنام »((2)) .

وقال السیّد محمّد العاملیّ صاحب ( المدارک ) : « قد أجمع الأصحاب علی أنَّ الأذان والإقامة وحیٌ من الله تعالی علی لسان جبرئیل علیه السلام کسائر العبادات ، وأخبارُهم به ناطقة »((3)) .

وقال الشهید فی الذکری : « وهما وحیٌ من الله تعالی عندنا کسائر العبادات علی لسان جبرئیل علیه السلام »((4)) .

وهذه الرؤیة النابعة من النصوص الدالّة علی قداسة الأذان وأنّه بوحی من


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 278 .
2- المبسوط 1 : 95 .
3- مدارک الأحکام 3 : 255 المقدّمة السابعة من الأذان .
4- ذکری الشیعة 3 : 195 .

ص:57

السماء لم تختصّ بمدرسة أهل البیت ، فقد حکی الداودیّ عن ابن إسحاق أنَّ جبرئیل أتی النبیَّ بالأذان قبل أن یراه عبدالله بن زید وعمر بثمانیة أیّام((1)) ، ویؤیّده ما جاء عن عمر من أنّه ذهب لیشتری ناقوساً فأُخبِر أنَّ ابن زید قد أُرِی الأذان فی المنام ، فرجع لیخبر رسول الله ، فقال له : « سبقک بذلک الوحی »((2)) .

وقد روی عبدالرزّاق عن ابن جریج عن عطاء أنّه سمع عبید بن عمیر یقول : إنّ الأذان کان بوحی من الله((3)) .

وروی السیّد ابن طاووس - مِن علماء الشیعة الإمامیّة - بإسناده إلی عبدالرزّاق عن معمر ، عن ابن حمّاد ، عن أبیه ، عن جدّه ، عن النبیِّ فی حدیث المعراج ، قال : « ثمّ قام جبرئیل فوضع سبّابته الیمنی فی أذنه فأذّن مَثْنی مَثْنی » .. یقول فی آخرها : « حیّ علی خیر العمل ، حتیّ إذا قضی أذانه أقام للصلاة مثنی مثنی »((4)) .

وفی کنز العمّال « مسند رافع بن خدیج » : لمّا أُسرِی برسول الله إلی السماء أوحی إلیه بالأذان ، فنزل به فعلّمه جبرئیل ( الطبرانی فی الاوسط عن ابن عمر )((5)) .

ولذلک حاول القسطلانیّ الشافعی فی ( إرشاد الساری ) التخلّص من إشکال التشریع بالرؤیا ، فأدّعی أنّ المشرِّع للأذان هو النصّ الذی أَقَرَّ المنامَ لا نفس المنام ، فقال : قوله تبارک وتعالی : {وإذا نادَیتُم إلَی الصلاةِ اتّخَذُوها هُزُواً ولَعِباً ذلکَ بأ نَّهم قَومٌ لا یَعلَمون} معانیَ عبادة الله وشرائعه ، واستدلّ علی مشروعیّة الأذان بالنصّ لا بالمنام


1- سبل الهدی والرشاد 3 : 361 ، وانظر : تنو یر الحوالک : 86 ، وفتح الباری2 : 65 .
2- تار یخ الخمیس 1 : 360 ، وانظر : السیرة الحلبیّة 2 : 301 - 302 .
3- المصنَّف ، لعبد الرزّاق 1 : 456/1775 کتاب الصلاة بدء الأذان .
4- سعد السعود 100 ، وفی متن بحار الأنوار 81 : 107 : فوضع سبّابته الیمنی فی أذنه الیمنی .. حیّ علی خیر العمل مَثْنی مَثْنی ... الخ .
5- کنز العمّال 8 : 329 کتاب الصلاة فصل من الأذان ح 23138 . وانظر مجمع الزوائد 1 : 329 .

ص:58

وحده((1)) لکنک تعلم أنّ الإشکال باق بحاله ، إذ لا معنی للمنام فی هذه الحالة .

وقال السرخسیّ - مِن أعلام الحنفیّة - فی ( المبسوط ) :... وروی أنَّ سبعة من الصحابة رضی الله عنهم أجمعین رأوا تلک الرؤیا فی لیلة واحدة ، وکان أبو حفص محمّد بن علیّ ینکر هذا ویقول : تعمدون إلی ما هو من معالم الدین فتقولون : ثَبَت بالرؤیا ! کلاَّ ولکنّ النبیَّ صلی الله علیه و آله حین أُسری به إلی المسجد الأقصی وجُمِع له النبیّون ، أذَّنَ مَلَکٌ وأقام ، فصلَّی بهم رسول الله . وقیل : نزل به جبرئیل علیه الصلاة والسلام ، حتَّی قال کثیر بن مرة : أذَّن جبرئیل فی السماء فسمعه عمر((2)) .


1- إرشاد الساری 2 : 2 کتاب الأذان . عمدة القارئ 5 : 7 و102 .
2- المبسوط للسرخسیّ 1 : 128 کتاب الصلاة باب الأذان .

ص:59

وقفة مع أحادیث الرؤیا

اتّضح بجلاء - من خلال ما مرّ بنا من أحادیث وأقوال وغیرها - أنّ القول بتشریع الأذان فی الإسراء والمعراج ، ممّا لم ینفرد به الإمامیّة الاثنا عشریّة ، وإنّما قالت به الشیعة الزیدیة والإسماعیلیة أیضاً ، إضافةً إلی أعلام من أهل السنّة ، وهذا یعنی أنّ تشریع الأذان - بوصفه فعلاً تعبّدیاً - کان سماویاً وعُلْویاً ولیس مناماً وأرضیاً ، وهذا القول ینسجم تماماً مع التشریعات السماویة الإلهیة ، ومع الاعتقاد بالنبوّة والوحی ، التی هی واسطة فی التشریع بین الله تعالی وبین خلقه .

أمّا القول بأنّه کان عبر منام رآه رجل وأخبر به النبیَّ صلی الله علیه و آله فإنّه من منفردات بعض أهل السنّة ، والذی أمسی قولاً مشهوراً لدیهم فیما بعد .

و إزاء اشتهار هذا القول عندهم ، تبرز طائفة من التساؤلات الملَحّة التی تصدر من الرؤیة الإسلامیّة لحقائق الاشیاء وعمق التشریع الإلهی .

ومن هذه التساؤلات : هل یسوغ لهذا القول - الذی یُسنِد تشریع الأذان إلی رؤیا أحد الناس - أن یتلاءم وأصول الشریعة القائمة علی تلقّی النبیّ صلی الله علیه و آله من الله سبحانه ؟

وهل یسوغ - فی منطق الإسلام والوحی - أن تؤخذ الشریعة من الأحلام والمنامات والأقاصیص ، أو حتّی من المشاورة کما جاء فی بعض أحادیث الأذان ؟

ص:60

أوّلاً : إنّ المنام لا یصحّ أن یُستنَد إلیه فی القضایا الشرعیّة ، ولا یمکن أن یُعتمَد علیه فی تشریع الأحکام .. اللهمّ إلّا أن یکون رؤیا رآها رسول الله نفسه ؛ لأنّها جزء من الوحی .

إنّ التلّقی عن الله وحصر الأخذ عنه جلّ وعلا تنفی کلّ ما عدا الوحی الإلهی فی التشریع ، وتؤکّد أنّ هذا الوحی هو وحده المنبع الذی لیس للنبیّ أن یبدّله أو یغیّر فیه من تلقاء نفسه ، کما عرّفنا الله سبحانه ذلک بقوله : {قُل ما یکونُ لی أن أُبدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نفسی إن أتَّبعُ إلّاَ ما یُوحی إلیّ إنّی أخافُ إن عَصَیتُ ربّی عذابَ یوم عظیم}((1)) .

وقال : {قُلْ مَا کُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِی مَا یُفْعَلُ بِی وَلاَ بِکُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا یُوحَی إِلَیَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِیرٌ مُبِینٌ }((2)) .

وقال أیضاً : {قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا یُوحَی إِلَیَّ مِنْ رَبِّی هٰذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّکُمْ وَهُدًی وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ} ((3)) .

وقال : {وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَی * عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی} ((4)) .

وقال فی ملائکته : {بَلْ عِبَادٌ مُکْرَمُونَ * لاَ یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ} ((5)) .

إنّ هذه الآیات الشریفة صریحة فی أنّه لیس لرسول الله ولا لملائکته أن یسبقوه


1- یونس : 15 .
2- الأحقاف : 9 .
3- الأعراف : 203 .
4- النجم : 3 - 5 .
5- الأنبیاء : 26 - 27 .

ص:61

بالقول أو أن یُشرِّعوا من قِبَل أنفسهم ، إذ لیس لهم إلّا الاستماع إلی الوحی وانتظاره ، وقد انتظر الرسولُ صلی الله علیه و آله الوحیَ فی تغییر القبلة مدّة ستّة شهر أو سبعة حتّی نزل قوله تعالی : {قَدْ نَرَی تَقَلُّبَ وَجْهِکَ فِی السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّیَنَّکَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَکَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَیْثُ مَا کُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَکُمْ شَطْرَهُ} ((1)) .

أمّا التشاور فهو أبعدُ ما یکون عن أن یتولّد منه حکم شرعیّ ، ذلک أنّ لله الدین الخالص ولیس لغیره فیه من شیّ ، کما قال جلّ جلاله : {یَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَیْ ءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ للهِ }((2)) . من هنا یکون قول الحقّ تعالی : { وَشَاوِرْهُمْ فِی الْأَمْرِ} دالاًّ علی المشاورة فی الموضوعات الخارجیة وشئون الحیاة الیومیة ، والمواقف العملیة من بعض الحوادث ، کالموقف فی الحرب ومواجهة مکائد الأعداء وإمکانیّات سبل السلام ، وما إلیها .

وهذه المشاورة ذات ثمرات صالحة ، منها : أنّها تُشعِر المشاوَرین بالمشارکة فی صنع الموقف المسؤول ، ومنها أنّها تَهَبُهم طاقة للاندفاع فی سبیل تنفیذ مقرّرات هذه المشاورة وتحمّل نتائجها . ومع ذلک کلّه تظلّ لرسول الله صلی الله علیه و آله الکلمة الأخیرة فی مقرّرات المشاورة ، فهو الذی یحدّد ما ینبغی وما لا ینبغی ، ویکون عزمه فی المسألة هو الساری الجاری {فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَکَّلْ عَلَی الله} .

إنّ الشوری لیس لها دخل فی الأحکام ، ومتی تدخّلت فی الحکم فإنّها تکون قد شارکت الوحیَ فی التشریع ، وهَوَّنت من شأن النبوّة والنبیّ ، وفتحت باباً للتقوّل علی الله .. ذلک التقوّل الذی هدّد اللهُ تعالی باجتراح ولو بعض منه .

ولقد حذّر اللهُ رسولَه - وهو أحبّ خلقه إلیه - أیما تحذیر ، وهدّده أیّما تهدید..


1- البقرة : 144 .
2- آل عمران : 154 .

ص:62

إذا ما غیّر حرفاً واحداً ، وذلک لمّا جاءه أهل قریة الناصرة بأحمال الذهب والفضّة والحریر وأرادوا إِعطاءها رشوةً للنبیّ صلی الله علیه و آله فی مقابل أن یُبدّل حرف الباء تاءً فی لفظة « أبَوا » بعد نزول قوله تعالی : {حَتَّی إِذَا أَتَیَا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ یُضَیِّفُوهُمَا} ((1)) . وعندئذ نزل التهدید الإلهیّ لیعلم الناس أنّ دین الله خالص نقیّ لا یجوز بحال أن یشوبه شیء من رأی البشر ولو قَلّ وضَئُل إلی مستوی حرف استمع إلی تعابیر المواجهة والإنذار : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِیلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ * فَمَا مِنْکُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِینَ} ((2)) ، وهو الذی {وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْیٌ یُوحَی }((3)).

ثانیاً : إنّ الأذان یرتبط ارتباطاً وثیقاً بفریضة الصلاة التی هی « خیرُ موضوع » ، کما یقول رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهی عمود الدین وأساسه الجوهری .. إلی حدّ أن جعل الإمام الهادی الزیدی الأذان من أصول الدین ! کما مرّ بنا سابقاً .

والأذان مقدّمة للصلاة ، وکلاهما عبادة خالصة لله عزّوجلّ صادرة عن حقیقة وجودیة توحیدیة عمیقة . من هنا یکون من الغفلة الاعتقاد بأنّ الله عزّوجلّ قد أمر خاتم أنبیائه الکرام بإقامة الصلاة علی وجهها الذی شرّعه الله تعالی ، ثمّ ترک شأن تعلیم أذان الصلاة وإقامتها لأُناس عادیّین یقولون إنّهم رأوها فی المنام ! أو إنّهم قد أضافوا إلیها من عندهم ما یکملها ، دون أن یُعلّمها رسولَه الذی هو مبلّغ الوحی وحامل رایة الهدی لأجیال البشریة کافّة .

ثالثاً : تشیر بعض النصوص السنیّة التی أوردتها کتب الصحاح والسنن فی


1- الکهف : 77 .
2- الحاقّة : 44 - 47 .
3- النجم : 3 .

ص:63

موضوع الأذان إلی أنّ رسول الله کان فی حیرة من أمر الأذان ، ولم یکن یعلم الحکم الإلهیّ فیه أیّاماً ، حتّی شاور الصحابةَ فی ذلک ، وأمر بناقوس النصاری لیکون إعلاماً لوقت الصلاة حتّی « کاد ینقس » !

وفی هذا الرأی من التوهین والتقلیل من شأن رسول الله صلی الله علیه و آله ما لا خفاء فیه ، وهو ممّا یرفضه منطق القرآن الکریم ، ویرفضه المنطق الإیمانی علی وجه العموم ، ذلک أنّ هذا التوهین یعارض دعوةَ القرآن المسلمین إلی توقیر رسول الله وتعظیمه ، ویضادّ نهی الذین آمنوا أن یرفعوا أصواتهم فوق صوت النبیّ صلی الله علیه و آله ، تعریفاً بتمیّزه وعلوّ مقامه : {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَیْنَ یَدَیِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِیعٌ عَلِیمٌ * یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} ((1)) اهتماماً بمکانته صلی الله علیه و آله وشأنه .

وتجدر الإشارة إلی أنّ هذه الآیة نزلت لمّا تنازع أبو بکر وعمر فی تعیین مَن یکون موفد الرسول المصطفی إلی بنی تمیم .

فقال أبو بکر : القعقاع بن معبد ، وقال عمر : الأقرع بن حابس ، فقال أبو بکر لعمر : ما أردتَ إلّاَ خلافی ، فقال عمر : ما أردت خلافک ، فتمارَ یا حتّی ارتفعت أصواتهما ، فنزلت فی ذلک هذه الآیات الحکیمة((2)) .

فإذا کان الله سبحانه لا یرتضی التنازع ورفع الصوت بمحضر النبیِّ فی أیّة قضیّة من القضایا احتراماً له وتوقیراً لمقامه ، فکیف یصحّ أن یُنسَب إلیه التحیّر فی شأن أمر تعبّدی کالأذان حتّی اختار - أو کاد أن یختار - ناقوس النصاری یُنقس به


1- الحجرات : 1 - 2 .
2- انظر : صحیح البخاریّ 6 : 290 کتاب المغازی ، باب وفد بنی تمیم ج 812 ، باب وفد بنی تمیم .

ص:64

إعلاماً للصلاة ؟!

رابعاً : أهمل الشیخان البخاریّ ومسلم وکذا الحاکم النیسابوریّ فی مستدرکه ذِکْر أحادیث رؤیا عبدالله بن زید ، بل فی المستدرک عن ( سفیان بن اللیل عن الإمام الحسن السبط ) ما یُسَخِّف تشریع الأذان بالمنام .

وقد أجاب الحاکم معلّلاً ترکَ الشیخین أحادیث عبدالله بن زید التی قصّها علی رسول الله بقوله : ( ... وإنّما ترک الشیخان حدیث عبدالله بن زید فی الأذان والرؤیا التی قصّها علی رسول الله بهذا الإسناد((1)) ، لتقدّم موت عبدالله بن زید ، فقد قیل : إنَّه استُشهد بأُحد ، وقیل : بعد ذلک بیسیر ، والله أعلم )((2)) .


1- لیس فیما روی عن عبدالله بن زید فی الأذان ما رجاله علی شرط الشیخین إلّا ما رواه بشیر بن محمد بن عبدالله بن زید عن جدّه عبدالله بن زید ، ولکن لم یخرجه الشیخان فی صحیحیهما لأنّه منقطع ؛ فالحفید بشیر لم یدرک جدّه عبدالله بن زید .
2- المستدرک للحاکم 4 : 348 کتاب الفرائض ، باب ردّ الصدقة میراثاً . قال ابن حجر فی تلخیص الحبیر 3 : 162 . ( وقال الحاکم والبیهقی : الروایات عن عبدالله بن زید فی هذا الباب کلّها منقطعة ؛ لأنّ عبدالله بن زید استشهد یوم أحد . ثمّ أسند عن الدراوردی عن عبیدالله بن عمر قال : دخلت ابنة عبدالله بن زید علی عمر بن عبدالعزیز فقالت : یا أمیر المؤمنین ، أنا ابنة عبدالله بن زید ، شهد أبی بدراً وقتل یوم أحد ، وفی صحّة هذا نظر ؛ فإن عبیدالله بن عمر لم یدرک هذه القصّة ... وروی الواقدی عن محمد بن عبدالله بن زید قال : تُوفّی أبی بالمدینة سنة اثنین وثلاثین ، وقال ابن سعد : شهد أحداً والخندق والمشاهد کلها ، ولو صحّ ما تقدم للزم أن تکون بنت عبدالله بن زید صحابیة ) . عن تلخیص الحبیر 3 : 162 - 163 . أقول : الظاهر أنّ کلام الحاکم هو الصحیح ، فإنّ الراوی هو عبیدالله بن عمر العمری کما فی الإصابة 2 : 312 ترجمة عبدالله بن زید بن ثعلبة ، وهو عبیدالله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطّاب ، المتوفّی سنة 144 أو 145 أو 147 ه- ، والمسند إلیه صحیح بلحاظ الراوی والمروی عنه . انظر : تهذیب الکمال 19 : 124 - 130 .

ص:65

ویشیر إهمال الشیخین لهذا الحدیث إلی أنّه لا أصل لحدیث عبدالله بن زید عن رسول الله ، ویؤیّد ذلک ما أخرجه أبو نعیم فی حلیة الأولیاء فی ترجمة عمر بن عبدالعز یز عن عبیدالله بن عمر ، قال : ( دَخَلتْ ابنة عبدالله بن زید علی عمر بن عبدالعز یز ، فقالت : یا أمیر المؤمنین ، أنا بنت عبدالله بن زید ، أبی شهد بدراً وقُتِل یوم أحد ، فقال عمر :

تلک المکارِمُ لا قعبان من لَبن شِیبا بماء فعادا بَعدُ أبوالا

سَلینی ما شئتِ ، فسألت فأعطاها ما سألت((1)) .

ولو ثبت بشکل قطعی أنَّ عبدالله رأی الأذان لَذَکرتْ ابنته هذه المکرمة له وعدّتها ضمن منقبتیه الأُولیین : حضوره بدراً وقتله بأُحد ، بل أن فضیلة رؤیا الأذان لو کانت واقعةً فعلاً لَما ضاهاها شیء ؛ إذ إنّ الوحی قد وافقه فی هذه المسألة دون عموم بنی البشر ، وهی أهمّ من حضوره بدراً وقتله بأُحد ، وذلک لمشارکة آخَرین له فی هاتین الفضیلتین .

إنَّ عدم ذکر ابنة عبدالله بن زید لهذه المنقبة - وهی فی معرض استعطاف عمر بن عبدالعزیز - لیشیر إلی عدم ثبوت هذه المکرمة له فی العهد الأوّل .

خامساً : من الثابت عند أهل العلم أنّ رؤیا الأنبیاء وحدهم حجّة ، لا رؤیا غیرهم . نعم ، إنّهم صحّحوا هذه الرؤیا والمنامات الأخری بتطابق الوحی معها .

قال العسقلانیّ : ( وقد استشکل إثبات حکم الأذان برؤیا عبدالله بن زید ، لأنَّ رؤیا غیر الأنبیاء لا یُبنی علیها حکم شرعیّ ، وأُجیب باحتمال مقارنة الوحی لذلک ... )((2)) .


1- حلیة الأولیاء 5 : 322 ترجمة عمر بن عبدالعزیز ، وعنه فی الإصابة 2 : 312 ترجمة عبدالله بن زید بن عبد ربّه بن ثعلبة .
2- فتح الباری 2 : 65 باب الأذان مثنی .

ص:66

لکنّ هذا الجواب غیر علمیّ ولا دقیق ؛ لأنَّ مجرّد احتمال مقارنة الوحی لا یفید ، إذ لو کان ذلک صحیحاً لذکرته الروایات المعتمدة فی الباب ولم تنحصر باجتهادات أمثال ابن حجر .

ثمّ لماذا لم ینزل الوحی علی رسول الله حینما کان متحیّراً فی أوّل أمره ( أی حینما قَدِم المدینة ) حتّی أخبره عبدالله بن زید بمنامه ، ثمّ تطابق الوحی مع الرؤیا بعد ذلک ؟!

إنَّ تعارض النصوص وتخالفها مع الثوابت الأُخری تُخطِّئ هذه الرؤیة ؛ لأنَّ القول بتشریع الأذان فی المَسری لا یتطابق مع حیرة النبیّ وسعیه لمشاورة الصحابة فی المدینة ، وخصوصاً حینما نشم رائحة الغلوّ من بعض النصوص وادِّعاء نزول ما یشابه الوحی علی عبدالله بن زید ، أو علی عمر ، أو بلال ، لقول عبدالله فی بعض النصوص : « کأنّی وأنا بین نائم ویقظان » ، وفی آخر : « لولا أن یقول الناس لقلتُ بأنّی کنتُ یقظان غیر نائم » !!

أو ما جاء فی نصوص أُخری : « إنَّ جبرئیل أذَّن فی سماء الدنیا ، فسمعه عمر وبلال ، فسبق عمر بلالاً فأخبر النبیّ ثمّ جاء ... » ، أفَلا تری أنّ هذه النصوص ترفع من شأن عبدالله بن زید ومن شأن عمرَ إلی مرتبة النبوّة ، وتغلو فیهما ؟!

بل العجب العجاب أن نری إلقاء العبء الأکبر فی الأذان علی عبد الله بن زید بن عبد ربّه الخزرجی الأنصاری ، هذا الصحابی غیر الواضح المعالم فی التاریخ والفقه ، والذی لم یُعرَف ولم یشتهر إلّا عبر هذه المفردة ، إذ عرف ب- « الذی أُرِیَ الأذان » . ومثل ذلک ما قیل فی سَمِیّه عبدالله بن زید بن عاصم المازنی الأنصاری « صاحب حدیث الوضوء » الذی ألقوا علی عهدته قسماً من الوضوء الثلاثی الغَسلی وادّعوا أن الأخبار الصحیحة جاءت عنه وهو منها بریء !

فلماذا هذان الصحابیان الأنصاریان الغامضا المعالم ؟! اللذان لا یعرفان إلّا فی

ص:67

حدیثَی الأذان والوضوء ؟!

وبعد هذا ، لابدّ من الإشارة إلی إشکال آخر أثاره السُّهیلیّ((1)) والعسقلانیّ وغیرهما حاولوا الاجابة عنه .

قال ابن حجر فی إرشاد الساری : ( فإن قلتَ : ما الحکمة فی تخصیص الأذان برؤیا رجل ولم یکن بوحی ؟

أُجیب : لما فیه من التنو یه بالنبیّ والرفع لذِکره ؛ لأ نَّه إذا کان علی لسان غیره کان أرفَعَ لذکره وأفخَرَ لشأنه ، علی أنَّه روی أبو داود فی المَراسیل أنَّ عمر لمّا رأی الأذان جاء لیخبر النبیّ فوجد الوحی قد ورد بذلک ، فما راعه إلّا أذان بلال ، فقال له علیه السلام : سبقک بها الوحی . ورواة هذا الحدیث خمسة ، وفیه التحدیث والإخبار )((2)).

وهذا التعلیل علیل ، لأ نَّه لو صحّ للزم لحاظ هذا الوجه فی کلّ شیء ورد فیه ذِکر الشهادتین ، لأنَّ نقل ذلک علی لسان غیره أرفع لذکره وأفخر لشأنه وأدفع لتهم أعدائه ، فی حین نعلم بأنَّ الباری جَلَّ شأنه هو الذی رفع ذِکره بقوله : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ((3)) ، وبعد هذا فلا یحتاج إلی أن یرفع ذکره بعد الباری جلّ شأنه أحدٌ .

هذه أهمّ الأقوال التی قیلت فی تشریع الأذان عند مدرسة أهل السنّة والجماعة ، وقد یمکن إرجاع بعضها إلی بعض ، وتقلیص حجم اختلافاتها ، غیر أنّ إعادة جمیع النصوص إلی قول واحد محالٌ من القول ، لأنّ القول بتشریعها والتأذین بها فی الإسراء والمعراج لا یتّفق مع هَمِّ وغمّ رسول الله فی المدینة وجلوسه


1- فی الروض الانف 2 : 356 .
2- إرشاد الساری 2 : 4 .
3- الشرح : 4 .

ص:68

مع أصحابه یستشیرهم فی کیفیّة التأذین وطریقة جمع المسلمین علی شیءٍ واحد .

وهکذا الحال بالنسبة إلی ما جاء عن عمر وأنّه کان أوّل من سمع أذان جبرئیل فی السماء ثمّ بلال ، أو ما حکی عنه من أنّه

أضاف الشهادة بالنبوة فی الأذان بعد أن کانت فیه الشهادة بالتوحید فقط ، فإنّه لا یتّفق مع تشریع الأذان فی المسری .

وکذا القول بأنّ أبا بکر کان أوّل مَن أخبر رسولَ الله بالأذان - کما فی خبر جامع المسانید - فهو یخالف المشهور بین المحدّثین من أنّ عبدالله بن زید الأنصاریّ کان أوّل مَن أخبر رسول الله بمنامه .

وکذا الحال بالنسبة إلی ما اشتهر عن عبدالله بن زید وأنّه أخبر رسول الله فی الصّباح - بعد أن نام باللیل - لقوله : ( فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله ) أو : ( فلما غدا ... ) وهو یخالف ما قاله الحافظ الدمیاطی فی سیرته من أنّ عبدالله بن زید أتی رسول الله لیلاً وأخبره((1)) .

وقد حاول الحلبیّ الجمع بین القولین ذاهباً إلی عدم المنافاة بینهما ؛ لأنّ جملة : ( فلمّا أصبحتُ ) أو : ( فلمّا غدا ) إشارة إلی مقاربة الوقت للصباح .

وهذا تأو یل بعید یخالف الظاهر ، لأن المتبادر من کلمة ( فلما اصبحت ) أو ( غدوت ) صریح فی الصبح ، فکان علی الحلبی أن یخطّئ نقل الحافظ الدمیاطی وهو خیر له من أن یقول بهذا القول .

وکذا الحال بالنسبة إلی عمر بن الخطّاب ، ففی بعض النصوص نراه یخرج حینما سمع الأذان ( وهو فی بیته یجرّ رداءه ) ، وفی بعض آخر نراه یقترح علی رسول الله بقوله : ( أوَ لا تبعثون رجلاً ینادی بالصلاة ؟ ) ، ف- ( فخرج یجر رداءه ) یختلف مع ( أو لا تبعثون ) لکون الثانی یشیر إلی أنَّ الأذان شُرِّعَ باقتراح عمر ابن الخطّاب وأ نَّه کان


1- انظر : السیرة الحلبیة 2 : 299 .

ص:69

بمحضر الرسول ، أمّا جملة ( فخرج یجر رداءه ) فتشیر إلی أنَّه سمع الأذان وهو فی بیته .

قال القسطلانی فی إرشاد الساری - بعد أن أتی بخبر ابن عمر السابق الذکر - : ( کان المسلمون حین قدموا المدینة ) ؛ قال الحافظ ابن حجر بأنَّ سیاق حدیث عبدالله بن زید یخالف ذلک ، فإنَّ فیه أنَّه لمّا قصَّ رؤیاه علی النبیِّ ، قال : فسمع عمر الصوت فخرج فأتی النبیَّ فقال : رأیتُ مِثل الذی رأی . فدلَّ علی أنَّ عمر لم یکن حاضراً لمّا قصَّ عبدالله .

قال : والظاهر أنّ إشارة عمر بإرسال رجل ینادی بالصلاة کانت عقب المشاورة فیما یفعلونه ، وأنَّ رؤیا عبدالله کانت بعد ذلک ؛ وتعقّبه العینیّ بما رواه أبو داود عن أبی بشر ، عن أبی عمیر ، عن أنس ، عن عمومة له من الأنصار ، أنّ عبدالله بن زید : قال ( إذ أتانی آت فأرانی الأذان ، وکان عمر قد رآه قبل ذلک فکتمه ، فقال له النبیُّ : ما منعک أن تخبرنا ... ) إلی آخره ، لیس فیه أنَّ عمر سمع الصوت فخرج ؛ فقال : فهو یُقَوی کلام القرطبیّ ویردّ کلام بعضهم - أی ابن حجر - انتهی .

وأجاب ابن حجر فی انتقاض الاعتراض بأ نَّه إذا سکت فی روایة أبی عمیر عن قوله : فسمع عمر الصوت فخرج ، وأثبتها ابن عمر ، إنّما یکون إثبات ذلک دالاً علی أنَّه لم یکن حاضراً ، فکیف یعترض بمثل هذا ؟!((1)) .

ومجمل الکلام أنّهم بهذه الوجوه سعوا للجمع بین بعض النصوص ، ولکن أنَّی لهم الجمع فی مواردها الأخری ؟ فانهم کلّما رقعوا منها جانباً انخرق منها جانب آخر ، ونحن ترکنا مناقشة تلک الروایات سنداً خوفاً من الاطالة ، مکتفین بالتعلیق علی دلالة بعضها .


1- إرشاد الساری 2 : 3 .

ص:70

وخلاصة القول : أنَّ الأذان کغیره من الشرائع قد جری فیه اتِّجاهان :

أحدهما : یقول بتشریعه فی الإسراء والمعراج وأ نَّه من الوحی الذی لا یجوز فیه الزیادة والنقصان .

وثانیهما : یعتقد بأنَّ تشریعه جاء علی أثر منام رآه عبدالله بن زید بن عبد ربّه ، أو أنّه شُرِّع بمشورة من الصحابة .

وقد اختلف الاتّجاهان فی المفاهیم والأُصول ؛ لأنَّ القائل بتشریعه فی الإسراء والمعراج یربطه بقضایا إلهیّة قدسیّة ، حیث إنَّ حقیقة الإسراء هی حقیقة عالیة ترتبط بالغیب ، وإنَّ أهل بیت الرسالة وبعض الصحابة المتعبّدین کانوا هم المطّلعین بما دار فی الإسراء والمعراج ، بعکس بعض قریش التی کانت تنکر حقیقة المسری وتسخّف مغزاه ، فلم تکن تقبل بأن الرسول الأعظم تجاوز الحجب حتّی وصل إلی دار العظمة ، حاملاً معه مفاهیم ربانیة وأفکاراً عالیة لا یمکن الوصول إلیها إلّاَ بالاستعانة بالقدرة الإلهیّة، ولا یمکن معرفة دقائقها إلّا عن أهل بیت الرسالة والوحی ، الذین وضحوا لنا المبهم من هذه الأمور .

أمّا القائل بتشریعه عن طریق رؤیا رآها عبدُالله بن زید ، أو سبعةٌ آخرون من الصحابة ، فیعطی لفکرته مسحة عدم التوقیف ، لیکون له مساغ فی أن یزید فی هذه الشعیرة المقدسة ، أو ینقص منها .

قال السرخسی فی المبسوط : « ... بدلیل ما روی عن إبراهیم أنَّ : أوّل مَن أفرد الإقامة معاویة . وقال مجاهد : کانت الإقامة مثنی کالأذان حتّی استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم »((1)) .


1- المبسوط 1 : 129 کتاب الصلاة باب بدء الأذان ، وانظر : المصنف لعبد الرزّاق 1 : 463/ 1793 .

ص:71

وقال ابن عبدالبرّ - فی فتح المالک بتبو یب التمهید علی موطّأ مالک - وهو یرید أن یصحّح اختلاف أحادیث الأذان بقوله : ( روی عن النبیّ فی قصَّة عبدالله بن زید هذه فی بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة ، وکلّها تتّفق علی أنَّ عبدالله بن زید أُری النداء فی النوم ، وأنَّ رسول الله أمر به عند ذلک ، وکان ذلک أوّل أمر الأذان ... )((1)) .

فهذا النصّ وما سبقه یتضح منهما أن غالب أهل السنّة والجماعة یقولون بعدم توقیفیّة الأذان بالنحو الذی تقوله الشیعة ، إذ العامة یستدلون علی شرعیّة الأذان بمنام عبد الله بن زید حتّی أنّ بعض أمراء الجور أفرد الإقامة لحاجة له .

والعجب فی هذا الباب ما قاله ابن عبد البرّ فی موضع آخر من الکتاب المذکور : « فی حدیث هذا الباب لمالک وغیره من سائر ما أوردنا فیه من الآثار أوضح الدلائل علی فضل الرؤیا وأنّها من الوحی والنبوّة ، وحسبک بذلک فضلاً لها وشرفاً ، ولو لم تکن وحیاً من الله ما جعلها شر یعة ومنهاجاً لدینه »((2)) .

قال أبو عمر((3)) : « اختلفت الآثار فی صفة الأذان وإن کانت متّفقة فی أصل أمره ، کان من رؤیا عبدالله بن زید ، وقد رآه عمر بن الخطّاب أیضاً((4)) !!! »

أفلا یدل قوله هذا علی أنّ لعبدالله بن زید وعمر بعض النبوّة ؟!!

کانت هذه صورة مصغّرة عن اختلاف الآراء فی مدرسة الخلفاء حول بدء تشریع الأذان ، وکیف اتفقت مدرسة أهل البیت ومعها الصحابة المتعبدون علی أنّه کان فی الإسراء بتعلیم من الله العلیّ العظیم .


1- فتح المالک 2 : 3 .
2- فتح المالک 2 : 7 .
3- هو ابن عبد البرّ .
4- التمهید لابن عبدالبر 24 : 27 .

ص:72

ص:73

تحقیق فی ما وراء نظریّة الرؤیا

اشارة

بعد أن توصلنا إلی وجود اختلاف بین المسلمین فی کیفیّة تشریع هذه الشعیرة الإسلامیة ، وعلمنا أنّ أهل بیت النبوّة لا یقبلون فکرة الرؤیا ، حاولنا تحدید زمن النزاع بین المسلمین ، والدوافع الکامنة وراء طرح مثل هذه الآراء فی الشریعة .

ممّا لا شک فیه أنّ قدرات المسلمین وأفهامهم وإدراکاتهم لحقیقة الإیمان والإسلام لم تکن بمرتبة واحدة.

فالبعضُ منهم کان یفهم مغزی الرسالة ومکانة الرسول وما یر یده الله من أوامره ونواهیه بدّقة عالیة فکان یتعبد بما قاله رسول الله ولا یری لنفسه الخیرة من أمره .

والبعض الآخر کان یری لنفسه حقّ التشریع وإبداء الرأی مسمّیاً فعله بالاجتهاد .

وهناک اتّجاه ثالث أغرق فی النزع ، فراح یتعامل مع الرسول کأنّه رجل حارب فانتصر !

ورابع وخامس و...

وقد وضحنا فی دراستنا لأسباب « منع تدوین الحدیث » ونتائجه هذه الاتجاهات وقلنا أنّها جمیعاً تنخرط وتنتظم فی نهجین هما :

1 - المتعبدون = التعبد المحض .

2 - المجتهدون = الاجتهاد بالرأی .

ص:74

ونحن لا نرید أن نعود إلی ما کتبناه سابقاً ، بل نرید الإشارة إلی بعض الشیء عن هذین النهجین ، مؤکدین الکلیة التی رسمناها فی دراسة ملابسات التشریع ، مبینین کیفیة تطبیقها فی مفردة الأذان، وکیف ارتبطت قضیة الأذان بالمنام بعد ثبوتها فی الاسراء والمعراج ، وما هو ارتباطها بالرؤیا التی أقلقت النبیّ صلی الله علیه و آله ؛ تلک الرؤیا التی رأی صلی الله علیه و آله فیها بنی أمیّة یَنْزُون علی منبره الشریف نَزْوَ القردة ؟

وقد رأینا تقدیم شیء من خبر الإسراء والتحریفات الواقعة فیه ؛ لارتباطه ببیان رؤ یتنا بصدد الرؤیا فی الأذان ، وهو بیان لدواعی اختلاف المسلمین فی بدء الأذان ، فنقول :

إنّ خبر الإسراء والمعراج ثابت لا کلام فیه ، وقد وردت سورة باسم الإسراء فی الذکر الحکیم .

وقد اختلف المسلمون فی یوم الإسراء ومکانه وکیفیّة عروجه صلی الله علیه و آله إلی السماء ، وما جری فی الإسراء والمعراج ، وهل أُسری به مرّة أو مرّتین((1)) أو أکثر من ذلک((2)) ، وهل کان عروجه بروحه وجسده أم بروحه فقط ؟ علی أنّ هناک من فَصَّل بین إسرائه ومعراجه ، فقال بأن إسراءَهُ من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی کان بروحه وجسمه ، وأنّ عروجه إلی السماء کان بروحه فقط ؟

فالذین لا یدرکون عمق الرسالة ومکانة الرسول شکّکوا فی حقیقة الإسراء والمعراج وقالوا بأشیاء لا تتفق مع رسالة الغیب والوحی ، وقد ارتدّ بعض من أَسلَمَ حینما سمع بخبر الإسراء ، وهناک من ثبت علی الدین وصَدَّق بما قال الرسول وبما


1- انظر : علی سبیل المثال تفسیر ابن کثیر 3 : 22 حیث قال : وقد صرّح بعض من المتأخّرین بأنّه علیه السلام أُسری به مرّة من مکّة إلی بیت المقدس فقط ، ومرّة من مکّة إلی السماء فقط ، ومرّة إلی بیت المقدس ومنه إلی السماء .
2- الخصال : 600 . وانظر : علل الشرائع : 149 .

ص:75

حکاه من مشاهدات ومغیّبات ، کبعض الصحابة المتعبدین المخلصین الذین شهد لهم التاریخ بصدقهم ووفائهم وبقائهم علی العهد الذی فارقوا رسول الله صلی الله علیه و آله علیه .

نعم ، قد اختلفت النصوص فی مکان الإسراء ، فالبعض منها صرحت بأنّه صلی الله علیه و آله أسری به من شعب أبی طالب((1)) ، والأُخری من بیت خدیجة((2)) ، وثالثة من بیت فاختة « أمّ هانی » بنت أبی طالب((3)) أخت الإمام علیّ ، ورابعة من بیت عائشة((4)) .

ففی تفسیر الطبری بإسناده عن أبی صالح بن یاذم ، عن أُمّ هانی بنت أبی طالب فی مسری النبیّ ، أنّها کانت تقول : ما أُسری برسول الله إلّا وهو فی بیتی نائم عندی تلک اللیلة ، فصلّی العشاء الآخرة ثمّ نام ونمنا ، فلما کان قُبیل الفجر أهبَّنا رسول الله ، فلمّا صلّی الصبح وصلّینا معه قال : یا أُمّ هانی ، لقد صلّیتُ معکم العشاء الآخرة کما رأیتِ بهذا الوادی ، ثمّ جئتُ بیت المقدس فصلّیت فیه ، ثمّ صلّیت صلاة الغداة معکم الآن کما تَرَین((5)) .

وفی بعض الآثار أنّ أمّ هانی قالت : فقدتُه صلی الله علیه و آله - وکان نائماً عندی - فامتنع منّی النوم مخافةَ أن یکون عرض له بعض قریش . ویقال : أنّه تفرّقت بنو عبد المطلّب یلتمسونه ، ووصل العبّاس إلی ذی طُوی وهو ینادی : یا محمّد ، یا محمّد ، فأجابه صلی الله علیه و آله .


1- فتح الباری 7 : 160 کتاب أحادیث الأنبیاء ، باب المعراج ، الدرّ المنثور 4 : 149 سورة الإسراء عن ابن أبی حاتم عن قتادة .
2- المجموع النووی 9 : 248 باب ما یجوز بیعه وما لا یجوز ، فرع فی مذاهب العلماء فی بیع دور مکّة ، شرح الأزهار 1 : 199 .
3- المغنی 10 : 616 کتاب الجزیة ، الشرح الکبیر 10 : 621 کتاب الجزیة ، فتح الباری 7 : 160 ، تحفة الأحوذی 9 : 193 .
4- الدرّ المنثور 4 : 157 ، 154 سورة الإسراء الآیة 1 ، الشفا بتعریف حقوق المصطفی 1 : 194 .
5- تفسیر الطبری 15 : 3 سورة بنی إسرائیل الآیة 1 .

ص:76

فقال : یا ابن أخی ، أعیَیْتَ قومک ! أین کنت ؟

قال : ذهبتُ إلی بیت المقدس .

قال : مِن لیلتک ؟!

قال : نعم .

قال : هل أصابک إلّا خیر ؟

قال : ما أصابنی إلّا خیر ، وقیل غیر ذلک((1)) .

وفی روضة الکافی عن الصادق علیه السلام قال : لمّا أسری برسول الله صلی الله علیه و آله أصبح فقعد فحدَّثهم بذلک ؛ فقالوا له : صِفْ لنا بیت المقدس . قال : فوصف لهم ، وإنّما دخله لیلاً فاشتبه علیه النعت ، فأتاه جبرئیل فقال : انظر هاهنا ، فنظر إلی البیت فوصفه وهو ینظر إلیه ، ثمّ نعت لهم ما کان من عِیر لهم فیما بینهم وبین الشام ، ثمّ قال : هذه عیر بنی فلان تَقدِم مع طلوع الشمس یتقدّمها جملٌ أورَق أو أحمر . قال : وبعثت قریش رجلاً علی فرس لیردّها ، قال : وبلغ مع طلوع الشمس ، قال قرطة بن عبد عمرو : یا لَهفا !! ألاّ أکون لک جذعاً حین تزعم أنّک أتیت بیت المقدس ورجعت من لیلتک !((2))

وفی أمالی الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق علیه السلام قال : لمّا أسری برسول الله إلی بیت المقدس حمله جبرئیل علی البُراق ، فأتَیا بیت المقدس وعرض علیه محاریب الأنبیاء وصلّی بها وردّه ، فمرّ رسول الله فی رجوعه بعِیر لقریش ، وإذا لهم ماء فی آنیة وقد أضلّوا بعیراً لهم وکانوا یطلبونه ، فشرب رسول الله من ذلک الماء وأهرق باقیه .


1- تفسیر روح المعانی 15 : 6 سورة بنی إسرائیل الآیة 1 ، الدر المنثور 4 : 149 سورة الإسراء الآیة 1.
2- روضة الکافی 8 : 262 / الحدیث 376 . وانظر : الدرّ المنثور 4 : 148 - 149 .

ص:77

فلما أصبح رسول الله قال لقریش : إنّ الله جلّ جلاله قد أسری بی إلی بیت المقدس وأرانی آثار الأنبیاء ومنازلهم ، وإنّی مررت بعِیر لقریش فی موضع کذا وکذا وقد أضلوا بعیراً لهم فشربتُ من مائهم وأهرقتُ باقی ذلک ، فقال أبو جهل : قد أمکنتکم الفرصة منه ، فاسألوه : کم الأساطینُ فیها والقنادیل ؟

فقالوا : یا محمّد ، إنّ ها هنا من قد دخل بیت المقدس ، فصِفْ لنا کم أساطینُه وقنادیله ومحاریبه ؟

فجاء جبرئیل فعلّق صورة بیت المقدس تجاه وجهه ، فجعل یخبرهم بما یسألونه عنه ، فلمّا أخبرهم ، قالوا : حتّی تجیء العیر ونسألهم عمّا قلت ، فقال لهم رسول الله : تصدیقُ ذلک أن العِیر تطلع علیکم مع طلوع الشمس یقدمها جملٌ أورَق .

فلما کان من الغد أقبلوا ینظرون إلی العَقَبة ویقولون : هذه الشمس تطلع ]علینا[ الساعة ، فبینما هم کذلک إذ طلعت علیهم العِیر - حتّی طلع القرص - یقدمها جمل أورَق ، فسألوهم عمّا قال رسول الله فقالوا : لقد کان هذا ؛ ضلّ جمل لنا فی موضع کذا وکذا ، ووضعنا ماءً فأصبحنا وقد أهر یق الماء فلم یَزِدْهم ذلک إلّا عُتوّاً((1)) .

وروی البغوی فی تفسیره عن ابن عبّاس وعائشة عن رسول الله

صلی الله علیه و آله : لمّا کانت لیلة أُسری بی أصبحت بمکّة فضِقتُ بأمری وعرفتُ أنّ الناس یکذّبونی ، فروی أنّه علیه الصلاة والسلام قعد معتزلاً حزیناً ، فمرّ به أبو جهل فجلس إلیه ، فقال له کالمستهزئ : هل استفدتَ من شیء ؟

قال : نعم ، إنِّی أُسری بی اللیلة .

قال : إلی أین ؟

قال : إلی بیت المقدس .


1- أمالی الصدوق : 363 ، المجلس 69 - الحدیث 1 . وانظر : الدرّ المنثور 4 : 148 .

ص:78

قال : ثمّ أصبحتَ بین ظَهرانینا ؟!

قال : نعم .

فلم یُرِهِ أبو جهل أنّه ینکر ذلک مخافة أن یجحده الحدیث ، قال : أتُحدِّثُ قومک بما حدثتنی به ؟

قال : نعم .

قال أبو جهل : یا معشر بنی کعب بن لؤیّ ، هلمّوا . قال : فانقضّت إلیه المجالس فجاؤُوا حتّی جلسوا إلیهما ، قال : فحدِّثْ قومک بما حدّثتنی ؟

قال : نعم ، أنّه أُسری بی اللیلة .

قالوا : إلی أین ؟

قال : إلی بیت المقدس .

قالوا : ثمّ أصحبت بین ظهرانینا ؟

قال : نعم .

قال : فمِن بین مصفّق ، ومن بین واضع یدَه علی رأسه متعجّباً للکذب ، وارتدّ ناسٌ ممن کان آمن به وصدّقه ...((1))

قال ابن إسحاق : وحدِّثتُ عن الحسن :.... فلمّا أصبح صلی الله علیه و آله غدا علی قریش فأخبرهم الخبر ، فقال أکثر الناس : هذا والله الأمر البیِّن ! والله إنّ العِیر لتطرد شهراً من مکّة إلی الشام ؛ مُدبرةً شهراً ومُقبلةً شهراً ، فیذهب ذلک محمّد فی لیلة واحدة ویرجع إلی مکّة !

قال : فارتدّ کثیر ممن کان أسلم((2)) ...

* * *


1- تفسیر البغوی 3 : 79 . وانظر : مختصر تاریخ دمشق 17 : 189 ترجمة علیّ بن أحمد ابن المبارک .
2- أحکام القرآن للقرطبی 10 : 285 سورة بنی إسرائیل الآیة 60 .

ص:79

کان هذا بعض الشیء عن الإسراء والمعراج وتکذیب قریش بهما ، وارتداد بعض المسلمین ، وقد سعت قریش وعن طریق حکّام بنی أمیّة وبعض علماء البلاط فی العصور المتأخّرة إلی التشکیک فی الإسراء والمعراج والتقلیل من عظمة هذا الأمر الإلهیّ ومکانة الرسول بطرح تشکیکات ذات طابع جدلی ، کالقول باستحالة صعود الأجسام إلی العالم العلوی بهذه السرعة الخارقة للعادة بحیث یذهب فی آخر اللیل ویرجع إلی مکّة عند الفجر ، وعدم تطابق ما قیل فی مقدمات هذا السفر الإلهی من شقّ الصدر وغسله بماء زمزم ورکوبه صلی الله علیه و آله البراق و... مع العقل .

کلّ تلک التساؤلات بل قل التشکیکات جاءت مساوقة للتشکیک فی مدلول قوله تعالی فی الآیة 60 من سورة الإسراء ؛ إذ قال سبحانه : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ} حیث قالوا بأنّ الإسراء والمعراج کان بروحه صلی الله علیه و آله - لا بجسمه وروحه - کی یقللوا من واقع الإسراء ویعضّدوا القول بأنّه کان فی المنام لا فی الیقظة و...

فقد أخرج ابن إسحاق وابن جریر عن عائشة رضی الله تعالی عنها ، قالت : ما فقدتُ جسدَ رسولِ الله ، ولکنّ الله أسری بروحه((1)) .

وأخرج ابن إسحاق وابن جریر عن معاویة بن أبی سفیان أنّه کان إذا سئل عن مسری رسول الله قال : کانت رؤیا صادقة((2)) .


1- الدرّ المنثور 4 : 157 . وفی تفسیر الطبری 15 : 13 حدّثنا ابن حمید قال : حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال : حدّثنی بعض آل أبی بکر أنّ عائشة کانت تقول : ما فُقد جسدُ رسول الله ولکنّ الله أسری بروحه .
2- الدرّ المنثور 4 : 157 . وفی تفسیر الطبری 15 : 13 حدّثنا ابن حمید ، قال : حدّثنا سلمة عن محمد بن إسحاق ، قال : حدّثنی یعقوب بن عتبة بن المغیرة بن الأخنس أنّ معاویة بن أبی سفیان کان إذا سئل عن مسری رسول الله صلی الله علیه و آله قال : کانت رؤ یا من الله صادقة !

ص:80

قال القرطبی فی تفسیره : وقد احتُجَّ لعائشة بقوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} فسمّاها رؤیا .

وهذا یردّه قوله تعالی : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً} ، ولا یقال فی النوم : « أسری » ، وأیضاً فقد یقال لرؤیة العین « رؤیا »... وفی نصوص الأخبار الثابتة دلالة واضحة علی أنّ الإسراء کان بالبدن ...((1))

وقال ابن عطیّة الأندلسی :... والصحیح ما ذهب إلیه الجمهور ، ولو کانت منامة ما أمکن قریشاً التشنیع ، ولا فضّل أبو بکر بالتصدیق ، ولا قالت له أمّ هانی : لا تُحدِّث الناس بهذا فیکذبوک ، إلی غیر هذا من الدلائل .

واحتجّ لقول عائشة بقوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} ویحتمل القول الآخر ؛ لأنّه یقال لرؤیة العین « رؤیا » . واحتجّ أیضاً بأنّ فی بعض الأحادیث « فاستیقظت وأنا فی المسجد الحرام » ، وهذا محتمل أن یر ید من الإسراء النوم .

واعترض قول عائشة بأنّها کانت صغیرة لم تشاهد ولا حدّثت عن النبی علیه السلام ، وأمّا معاویة فکان کافراً فی ذلک الوقت غیر مشاهد للحال ، صغیراً ، ولم یحدّث عن النبیّ ...((2))

وقال ابن کثیر :... فلو کان مناماً لم یکن فیه کبیر شیء ، ولم یکن مستعظماً ، ولما بادرت قریش إلی تکذیبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن کان قد أسلم ، وأیضاً فإن « العبد » عبارة عن مجموع الروح والجسد وقد


1- تفسیر القرطبی 10 : 209 سورة الاسراء الآیة 1 .
2- المحرر الوجیز 3 : 435 ، وانظر : تفسیر الثعالبی 2 : 248 .

ص:81

قال : {أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً}...((1))

و یجری مجری قوله تعالی : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً} ما فی سورة النجم ، فقوله تعالی : {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَی * لَقَدْ رَأَی مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَی}((2)) لا یتّفق مع الرؤیا ، بل الآیة فی سیاق الامتنان وبیان آیات ربّه الکبری ، أمّا الرؤیا فهی نحو من التخیّل یتفق للصالح والطالح ولا منزلة للرسول فی القول بهذا .

هذا ویمکن إجابة کلّ التساؤلات والتشکیکات بأنّ الأمر کان معجزةً ، والمعجزةُ لا تدرکها العقول البسیطة، فهی من قبیل إحیاء الأموات ، وتبدیل العصی ثعباناً ، وکولادة عیسی من غیر أَب ، وخروج ناقة صالح من الجبل الاصم ، وقوله تعالی : {فَخُذ أربعةً مِن الطَّیرِ فصُرْهُنَّ إلیکَ ثمّ اجعَلْ علی کُلِّ جَبَل مِنهُنَّ جُزءاً ثمّ ادعُهُنَّ یأتِینَکَ سَعْیاً واعلَمْ أنّ اللهَ عَزیزٌ حَکیم}((3)) ، وقوله تعالی : {قَالَ الَّذِی عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَنْ یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ} ((4)) صریحٌ بإحضار ( من عنده علم من الکتاب ) لعرش بلقیس من اقصی الیمن إلی اقصی الشام فی مقدار لمح البصر ، وهو یشبه ما قاله سبحانه عن الر یاح وأنّها کانت تسیر بسلیمان {غُدُوُّها شُهرٌ ورَواحُها شَهر}((5)) فی لحظة واحدة ، إلی غیرها من عشرات بل مئات الموارد .

إذاً رسالة الإسلام هی رسالة الغیب والإیمان بما خلق الله من الجنِ والملک


1- تفسیر ابن کثیر 3 : 23 سورة الإسراء آیة 1 .
2- النجم : 17 - 18 .
3- البقرة : 260 .
4- النمل : 40 .
5- سبأ : 12 .

ص:82

والروح و... والمسلم هو الذی یسلم بالغیب ویؤمن به لقوله تعالی: {الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ} ((1)) .

فلو کان معراج النبیّ محمّد فی لیلة واحدة ممتنعاً لکان القول بنزول آدم من الجنّة وإصعاد عیسی إلی السماء ممتنعاً، بل لسری الشک فی المعجزات لأنّها فی أصلها خرقٌ للقوانین المادیة .

وعلیه فهذه الرؤیة طرحت لبذر الشکّ فی قلوب المؤمنین من قبل {الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} ((2)) أو {الَّذِینَ لاَ یُؤْمِنُونَ} ((3)) فی حین أنّ رسالة السماء معناها الغیب والماورائیات وهی تتفق مع الإسراء وما جاء فیه ، وهذا ما لا تدرکه عقول هؤلاء من الامتحان الإلهیّ الذی سُنّ لیمحّص الله به المؤمنین ویمیزهم عن الکافر ین والمنافقین .

هذا وقد أجاب العلاّمة الطباطبائی فی ( المیزان ) عمّا قاله بعض المفسّرین من أنّ الشجرة الملعونة فی القرآن تعنی شجرة الزقّوم التی قال عنها الباری جلّ شأنه : {أَذٰلِکَ خَیْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِینَ }((4)) ، بأنّ هذا الاحتمال بعید جدّاً لأنّه جلّ شأنه لم یلعنها فی موضع من القرآن الکر یم ، ولو کان مجردّ کونها شجرةً تخرج من أصل الجحیم سبباً موجباً للعنها فی القرآن الکر یم لکانت النار وما أعدّ الله فیها من العذاب ملعونة وهذا ما لم یَقُله أحد ، ولکان ملائکةُ العذاب - الذین قال عنهم جل شأنه : {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلّا مَلاَئِکَةً


1- البقرة : 3 .
2- المائدة : 52 ، التوبة : 125 ، الأنفال : 49 .
3- النحل : 22 .
4- الصافّات : 62 - 63 .

ص:83

وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِینَ کَفَرُوا} ((1)) - ملعونین ، فی حین نراه سبحانه قد أثنی علیهم بقوله : {عَلَیْهَا مَلاَئِکَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ یَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ} ((2)) .

ولو صحّ هذا الاحتمال لکانت أیدی المؤمنین ملعونة کذلک ؛ لقوله : {قاتِلوهُم یُعَذّبْهُمُ اللهُ بأیدِیکُم}((3)) .

ومثله حال بقیة المعاذیر التی ذکرها مفسروا أهل السنة والجماعة للتخلّص من کیفیة صحّة لعن الشجرة ، ومحاولتهم صرف الآیة الکریمة عن لعن شجرة بنی أمیّة((4)) .

وإنکّ لو تدبّرتَ فی تفسیر قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ} لعرفت أنّ المقصود منها بنو أمیّةِ ؛ لما فعلوه من قبیح الأعمال ، ولا یصحّ ما قالوه بأنّ المعنیّ من الرؤیا هی الإسراء وغیرها من الأفکار الفاسدة .

وبهذا فقد عرفت أَنَّ جهلهم بالاُمور الغیبیة ومکانة الرسول لم یکن عن قصور أو تقصیر بَدْویَّینِ ، بل إنَّ جذوره ترجع إلی خلفیات هی أعمق ممّا قالوه بکثیر .

مع الرسول ورؤیاه

قال الآلوسی فی تفسیر آیة الرؤیا : ... وأخرج ابن جریر ، عن سهل بن سعد ، قال: « رأی رسول الله صلی الله علیه و آله بنی أمیّة یَنْزون علی منبره نزو القردة فساءه ذلک ، فما


1- المدّثر : 31 .
2- التحریم : 6 .
3- التوبة : 14 .
4- انظر : علی سبیل المثال تفسیر المیزان 13 : 141 - 143 ففیه جواب تلک المعاذیر المطروحة .

ص:84

استجمع ضاحکاً حتّی مات علیه الصلاة والسلام، وأنزل الله تعالی هذه الآیة : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا}. وأخرج ابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، والبیهقی فی الدلائل ، وابن عساکر عن سعید بن المسیب ، قال : رأی رسول الله صلی الله علیه و آله بنی أمیّة علی المنابر فساءه ذلک ، فأوحی الله إلیه : إنّما هی دنیا أُعطُوها ، فقرّت عینه ، وذلک قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا} ... الخ .

وأخرج ابن أبی حاتم ، عن یعلی بن مرّة ، قال : « قال رسول الله صلی الله علیه و آله : رأیت بنی أمیّة علی منابر الأرض وسیملکونکم فتجدونهم أرباب سوء ، واهتمّ علیه الصلاة والسلام لذلک ، فأنزل الله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا}... الآیة ».

وأخرج عن ابن عمر: أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال: « رأیتُ ولد الحَکَم بن أبی العاص علی المنابر کأنّهم القردة، وأنزل الله تعالی فی ذلک {وَمَا جَعَلْنَا}... الخ ، والشجرة الملعونة الحکم وولده » وفی عبارة بعض المفسر ین : هی بنو أمیّة .

وأخرج ابن مردو یه ، عن عائشة رضی الله تعالی عنها : أنّها قالت لمروان بن الحکم : « سمعتُ رسول الله صلی الله علیه و آله یقول لأبیک وجدّک : إنّکم الشجرة الملعونة فی القرآن » .

فعلی هذا معنی إحاطته تعالی بالناس إحاطة أقداره بهم ، والکلام علی ما قیل علی حذف مضاف، أی « وما جعلنا تعبیر الرؤیا » أو الرؤیا فیه مجاز عن تعبیرها ، ومعنی جعل ذلک فتنة للناس جعله بلاء لهم ومختبراً ، وبذلک فسره ابن المسیب .

وکان هذا بالنسبة إلی خلفائهم الذین فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحقّ وما عدلوا ، وما بعده بالنسبة إلی ما عدا خلفاءهم منهم ، ممن کان عندهم عاملاً وللخبائث عاملاً ، أو ممن کان من أعوانهم کیفما کان .

ویحتمل أن یکون المراد « ما جعلنا خلافتهم وما جعلناهم أنفسهم إلّا فتنة » ، وفیه من المبالغة فی ذمهم ما فیه . وجعل ضمیر {نُخَوِّفُهُمْ} علی هذا لما کان له

ص:85

أوّلاً ، أو للشجرة باعتبار أن المراد بها بنو أمیّة ولعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غیر حلها ومنع الحقوق عن أهلها ، وتبدیل الأحکام ، والحکم بغیر ما أنزل الله تعالی علی نبیه علیه الصلاة والسلام ، إلی غیر ذلک من القبائح العظام والمخازی الجسام التی لا تکاد تُنسی ما دامت اللیالی والأیام .

وجاء لعنهم فی القرآن، إما علی الخصوص کما زعمته الشیعة ، أو علی العموم کما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالی: {إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ}، وقال عزّوجلّ: {فَهَلْ عَسَیْتُمْ إِنْ تَوَلَّیْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِی الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَکُمْ * أُولٰئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَی أَبْصَارَهُمْ} إلی آیات أخر ، ودخولهم فی عموم ذلک یکاد یکون دخولا أوّلیّاً ((1)) ، انتهی موضع الحاجة من کلام الآلوسی .

وقال القرطبی فی تفسیره : « فنزلت الآیة مخبرة أنّ ذلک من تملّکهم وصعودهم ] أی نَزْوِهِم علی منبره نزو القردة [ یجعلها الله فتنة للناس وامتحاناً ، وقرأ الحسن بن علیّ فی خطبته فی شأن بیعته لمعاویة: {وَإِنْ أَدْرِی لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَکُمْ وَمَتَاعٌ إِلَی حِینٍ}. قال ابن عطیة : وفی هذا التأو یل نظر ، ولا یدخل فی هذه الرؤیا ، عثمان ، ولا عمر بن عبدالعزیز ، ولا معاویة »((2)) .

وعلیه فلا یصحّ ما قالوه من تکلّفات فی کلمة الرؤیا والشجرة الملعونة فی الآیة ، مع وضوح أنّ الملعونین فی القرآن هم جند إبلیس والیهود ، والمشرکون ، والمنافقون ، والذین ماتوا وهم کفار ، والذین یکتمون ما أنزل الله ، والذین یؤذون


1- تفسیر روح المعانی 15 : 107 - 108 ، هذا ومن المفید الرجوع إلی التفسیر الکبیر للرازی 20 : 236 - 237 لملاحظة سائر الأقوال فی الآیة المبارکة .
2- تفسیر القرطبی 10 : 283 سورة الاسراء .

ص:86

الله ورسوله وغیرها لا شجرة الزقوم ولا غیرها من التأو یلات التی صیغت بأخرة لإبعاد الآیة الکریمة عن معناها الحقیقی((1)) .

المجتهدون الأوائل ودورهم فی التشریع :

أبانت دراساتنا السابقة عن ( وضوء النبیّ ) و( منع تدو ین الحدیث ) و( تاریخ الحدیث النبوی الشریف )((2)) بروز نهجین بعد رسول الله صلی الله علیه و آله کان موجودین فی حیاته :


1- وللتاکید انظر : کتاب المأمون العبّاسی فی تاریخ الطبری 10 : 57 - 58 حتی تقف علی الفهم السائد فی القرون الأولی بالنسبة للشجرة الملعونة وأنّها تعنی بنی أمیّه وأن أهل البیت هم العترة - والکتاب طو یل نأخذ من قوله - : ... فجعلهم الله أهل بیت الرحمة وأهل بیت الدین ، أذهب الله عنهم الرجس وطهرّهم تطهیرا ، ومعدن الحکمة ، وورثة النبوة ، وموضع الخلافة ، وأوجب لهم الفضیلة ، وألزم العباد لهم الطاعة ، وکان ممن عانده ونابذه وکذّبه وحاربه من عشیرته العدد الأکثر ، والسواد الأعظم ، یتلقّونه بالتکذیب والتثریب ، ویقصدونه بالأذیّة والتخو یف ، ویبادونه بالعداوة ، وینصبون له المحاربة ، ویصدّون عنه من قصده ، وینالون بالتعذیب مَن اتّبعه ، وأشدّهم فی ذاک عداوة وأعظمهم له مخالفة ، وأوّلهم فی کلّ حرب ومناصبة ، لا یرفع علی الإسلام رایة إلّا کان صاحبها وقائدها ورئیسها فی کلّ مواطن الحرب من بدر ، وأحد ، والخندق ، والفتح : أبو سفیان بن حرب ، وأشیاعه من بنی أمیّة الملعونین فی کتاب الله ، ثمّ الملعونین علی لسان رسول الله فی عدة مواطن وعدّة مواضع ؛ لماضی علم الله فیهم وفی أمرهم ، ونفاقهم ، وکفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ، ودافع مکابداً ، وأقام منابذاً حتّی قهره السیف ، وعلا أمر الله وهم کارهون ، فتقوَّل بالإسلام غیر منطو علیه ، وأسرَّ الکفر غیر مقلع عنه ، فعرفه بذلک رسول الله والمسلمون ومیّز له المؤلفة قلوبهم فقبله ، وولده علی علم منه ، ممّا لعنهم الله به علی لسان نبیه وأنزل به کتاباً قوله : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا یَزِیدُهُمْ إلّا طُغْیَاناً کَبِیراً( ولا اختلاف بین أحد أنّه أراد بها بنی أمیّة ، ومنه قول الرسول علیه السلام وقد رآه مقبلاً علی حمار ، ومعاویة یقود به ، ویزید ابنه یسوق به : لعن الله القائد ، والراکب ، والسائق ...
2- طبع سابقا فی مجلة تراثنا ( الأعداد 53 - 60 ) تحت عنوان ( السنّة بعد الرسول ) .

ص:87

أحدهما : یتّخذ المواقف من خلال الأصول ، ویتّبع القرآن والسنّة ، ولا یرتضی الرأی والاجتهاد مع وجود النصّ .

والآخر : یتّخذ الأصول من خلال مواقف الصحابة وإن خالفت النصوص ، فهؤلاء یشرّعون الرأی ویأخذون به مقابل النص، ویتعاملون مع رسول الله کأنّه بشر غیر کامل یصیب ویخطئ ویسبّ ویلعن ثمّ یطلب المغفرة للملعونین((1)) ، أو أنّه صلی الله علیه و آله خفی علیه أمر الوحی حتّی أخبره ورقة بن نوفل بذلک ! وهذا یخالف ما ثبت من أنّ خاتم النبوة کان مکتوباً علی کتفه .

وبین هؤلاء من رفع صوته - فی ممارساته الیومیة - فوق صوت النبیّ ، واعترض علی رسول الله فی أعماله((2)) ، وتعرّف المصلحة وهو بحضرته صلی الله علیه و آله ، وتنزّه فی أمر رخّص فیه ، أو تزهّد فی أمر نهی عنه .

فجاء فی کتاب الآداب من صحیح البخاری أنّ النبیّ رخّص فی أمر فتنزّه عنه ناس، فبلغ النبیّ فغضب ثمّ قال : ما بال أقوام یتنزّهون عن الشیء أصنعه ، فوالله إنّی لأعلمُهم وأشدّهم خشیة((3)) .

وفی خبر آخر : أُخبر رسول الله أنّ عبدالله بن عمرو بن العاص یقول : والله لأصومنّ النهار ولأقومنّ اللیل ، فقال له رسول الله: أنت الذی تقول : « لأصومنّ النهار ولأقومنّ اللیل ما عشت » ؟!

قال : قد قلت ذلک یا رسول الله .


1- صحیح البخاری 8 : 435 / کتاب الدعوات ، باب 736 ، ح 1230 سورة الإسراء ، مسند أحمد 2 : 316 - 317 ، 419 ، وج 3 : 40 .
2- کاعتراض عمر بن الخطاب علی رسول الله لمّا أراد أن یصلّی علی المنافق ، وقوله له : أتصلّی علیه وهو منافق ؟! وإنکاره علی رسول الله فعله فی أخذ الفداء من أسری بدر وغیرها . انظر : صحیح مسلم ، کتاب الفضائل ، باب فضائل عمر .
3- انظر : صحیح البخاری 8 : 353 کتاب الدوب ، باب من لم یواجه الناس بالعتاب ، ح 979 .

ص:88

فقال رسول الله : إنّک لا تستطیع ذلک فصُمْ وأفطرِ ، ونَم وقُم ، وصُم من الشهر ثلاثة أیّام ، فإنّ الحسنة بعشر أمثالها ، وذلک مثل صیام الدهر .

قال ، قلت : إنّی أُطیق أفضلَ من ذلک .

فقال صلی الله علیه و آله : فصم یوماً وأفطِر یومین .

قال : قلت : إنّی أطیق أفضل من ذلک .

فقال : قال : فَصُم یوماً وأفطِر یوماً ، فذلک صیام داود علیه السلام وهو أفضل الصیام .

فقلت : أطیق أفضل من ذلک .

فقال النبیّ : لا أفضل من ذلک((1)) .

إن مثل هذا التحکیم للرأی الشخصی فی مقابل قول رسول الله صلی الله علیه و آله یحمل فی طیاته مخاطر عدیدة ، ویفتح مسارات للتحریف والتبدیل ، ومن شأنه أن یحول الدین الالهی إلی دین مشوب بآراء الناس ووجهات نظرهم الشخصیة ، وهو یجرّ من ثمّ إلی تجزئ الدین والی النزعة التلفیقیة فی الشریعة ، ومن هنا ظهرت فی الصدر الأوّل وما بعده الأحکام المبتدعة والأهواء المتّبعة التی لیست من دین الله فی شیء ، ولا تمت إلی الحیاة الإسلامیة النز یهة بصلة ، وهو الذی کان رسول الله یتخوف علی اُمته منه . وقد صرّح الإمام علیّ فی خطبة له بأنّه لو أتیحت له الفرصة لأرجع بعض الأُمور إلی أصلها ، فقال : ( ... وإنّما بدءُ وقوع الفتن أهواء تتّبع وأحکام تبتدع ، یخالف فیها کتاب الله ، یتولّی فیها رجالٌ رجالاً ... إلی أن یقول : .. أرأیتم لو أمرت بمقام إبراهیم فرددته إلی الموضع الذی وضعه فیه رسول الله ، ورددت فدک إلی ورثة فاطمة ، ورددت صاع رسول الله کما کان ، وأمضیت قطائع أقطعها رسول الله صلی الله علیه و آله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ ، ورددت دار


1- انظر : صحیح البخاری 3 : 91 کتاب الصوم ، باب صوم الدهر ، ح 233 .

ص:89

جعفر إلی ورثته وهدمتها من المسجد((1)) ، ورددت قضایا من الجور قضی بها((2)) ، ونزعت نساء تحت رجال بغیر حقّ فرددتهن إلی أزواجهن((3)) واستقبلت بهنّ الحکم فی الفروج والأحکام ، وسبیت ذراری بنی تغلب((4)) ، ورددت ما قسّم من أرض خیبر ، ومحوت دواو ین العطایا((5)) ، وأعطیت کما کان رسول الله صلی الله علیه و آله یعطی بالسو یّة ، ولم أجعلها دولة بین الأغنیاء . وألقیت المساحة((6)) ، وسوّ یت بین المناکح((7)) ، وأنفذت خمس الرسول کما أنزل عزّوجلّ وفرضه((8)) ، ورددت مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله إلی ما کان علیه((9)) ، وسددت ما فُتح فیه من الأبواب((10)) ،


1- کأنّهم غصبوها وأدخلوها فی المسجد .
2- کقضاء عمر بالعول والتعصیب فی الإرث وسواهما .
3- کمن طلّق زوجته بغیر شهود وعلی غیر طهر ، وقد یکون فیه إشارة إلی قوله بعد بیعته : ألا إنّ کلّ قطیعة أقطعها عثمان وکلّ مال أعطاه من مال الله فهو مردود فی بیت المال ، فإنّ الحقّ القدیم لا یبطله شیء ، ولو وجدته قد تزوج به . إلخ ، وانظر : نهج البلاغة 1 : 42 خ 14 .
4- لأنّ عمر رفع الجزیة عنهم فهم لیسوا بأهل ذمّة ، فیحلّ سبی ذراریهم ، قال محیی السنّة البغویّ : روی أنّ عمر بن الخطّاب رام نصاری العرب علی الجزیة ، فقالوا : نحن عرب لا نؤدّی ما یؤدّی العجم ، ولکن خذ منّا کما یأخذ بعضکم من بعض ، بعنوان الصدقة . فقال عمر : هذا فرض الله علی المسلمین . قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجز یة ، فراضاهم علی أن ضعّف علیهم الصدقة .
5- إشارة إلی ما ذهب إلیه عمر من وضعه الخراج علی أرباب الزراعة والصناعة والتجارة لأهل العلم والولاة والجند ، بمنزلة الزکاة المفروضة ، ودوّن دواو ین فیها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء .
6- راجع تفصیل هذا الأمر فی کتاب الشافی للسیّد المرتضی .
7- ربّما کان إشارة إلی ما ذهب إلیه عمر من منع غیر القرشیّ الزواج من القرشیّة ، ومنعه العجم من التزوّج من العرب .
8- إشارة إلی منع عمر أهل البیت خُمسَهم .
9- یعنی أخرجت منه ما زاده علیه غصباً .
10- إشارة إلی ما نزل به جبرئیل من الله تعالی بسدّ الأبواب المفضیة إلی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله إلّا باب علیّ .

ص:90

وفتحت ما سُدّ منه ، وحرّمت المسح علی الخفین((1)) ، وحَدَدت علی النبیذ ، وأمرت بإحلال المُتعتین((2)) ، وأمرت بالتکبیر علی الجنائز خمس تکبیرات((3)) ، وألزمتُ الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم((4)) ، وأخرجت من أُدخل بعد رسول الله صلی الله علیه و آله فی مسجده ممّن کان رسول الله صلی الله علیه و آله أخرجه ، وأدخلت من أُخرج بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ممّن کان رسول الله صلی الله علیه و آله أدخله((5)) ، وحملت الناس علی حکم القرآن وعلی الطلاق علی السنّة((6)) ، وأخذت الصدقات علی أصنافها وحدودها((7)) ، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلی مواقیتها وشرائعها ومواضعها((8)) ، ورددت أهل نجران إلی مواضعهم((9)) ، ورددت سبایا فارس وسائر الأُمم إلی کتاب الله وسنّة نبیّه صلی الله علیه و آله .. إذن لتفرّقوا عنّی((10)) .


1- إشارة إلی ما أجازه عمر فی المسح علی الخفّین ، ومخالفة عائشة وابن عبّاس وعلیّ وغیرهم له فی هذا الصدد .
2- یعنی متعة النساء ومتعة الحجّ .
3- لِما کبّر النبیّ صلی الله علیه و آله خمساً فی روایة حذیفة وزید بن أرقم وغیرهما .
4- والجهر بالبسملة ممّا ثبت قطعاً عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی صلاتهِ ، وروی الصحابة فی ذلک آثاراً صحیحة مستفیضة متظافرة .
5- یحتمل أن یکون المراد إشارة إلی الصحابة المخالفین الذین أُخرجوا بعد رسول الله من المسجد فی حین کانوا مقرّبین عند النبیّ صلی الله علیه و آله ، وکذا إنّه علیه السلام یخرج من أخرجه رسول الله صلی الله علیه و آله ، کالحکم بن العاص وغیره .
6- ینظر علیه السلام إلی الاجتهادات المخالفة للقرآن وما قالوه فی الطلاق ثلاثاً .
7- أی من أجناسها التسعة ، وهی : الدنانیر والدراهم والحنطة والشعیر والتمر والزبیب والإبل والغنم والبقر.
8- وذلک لمخالفتهم هذه الأحکام . وقد أوضّحنا حکم الوضوء منه فی کتابنا ( وضوء النبیّ ) فراجع ، نأمل أن نوفّق فی الکتابة عن الغسل والصلاة وغیرها من الأحکام الشرعیة التی أشار الإمام علی بن أبی طالب إلی التحریف والابتداع فیها إنّ شاء الله تعالی .
9- وهم الذین أجلاهم عمر عن مواطنهم .
10- الکافی 8 : 58 ، الروضة ح 21 .

ص:91

وقد أعلن الأئمّة من آل البیت أنهم کانوا یتبعون النصوص ولا یرتضون الرأی ..

فعن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال لجابر : والله یا جابر لو کنّا نُفتی الناس برأینا وهوانا لکنّا من الهالکین ، ولکنّا نُفتیهم بآثار من رسول الله

صلی الله علیه و آله وأُصول علم عندنا ، نتوارثها کابراً عن کابر ، نَکنِزُها کما یکنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم((1)) .

وسأل رجلُ الإمام الصادق علیه السلام عن مسألة فأجابه فیها ، فقال الرجل : أرأیتَ إن کان کذا وکذا ، ما یکون القول فیها ؟

فقال له : مَه ! ما أجبتک فیه شیء فهو عن رسول الله

صلی الله علیه و آله ، لسنا من « أرأیت » فی شیء((2)) .

وعن الإمام الباقر علیه السلام : ما أحدٌ أکذب علی الله وعلی رسوله ممّن کذّبنا أهلَ البیت أو کذب علینا ؛ لأنّا إنّما نحدِّث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وعن الله . فإذا کُذّبنا فقد کُذّب الله ورسوله((3)) .

وقال : لو أنّا حدّثنا برأینا ضللنا کما ضلّ من کان قبلنا ، ولکنّا حدّثنا ببیّنة من ربّنا بیّنها لنبیّه فبیّنها لنا((4)) .

وعن أبی بصیر ، قال : قلت للصادق : تَرد علینا أشیاءُ لیس نعرفها فی کتاب الله ولا سنّة ، فننظر فیها ؟ قال : لا ، أما إنّک إن أصبتَ لم تُؤجَر ، وإن أخطأتَ کذبتَ علی الله عزّ وجلّ((5)) .


1- بصائر الدرجات : 300 ح 4 والنص عنه ، و299 ح 1 .
2- الکافی 1 : 58 . کتاب فضل العلم باب البدع والرأی والمقاییس ح 21 .
3- جامع أحادیث الشیعة 1 : 181 . باب حجیّة فتوی الأئمّة المعصومین ، ح 114 .
4- بصائر الدرجات : 299 ح 2 وانظر : 301 ح 1 .
5- الکافی 1 : 56 . کتاب فضل العلم باب البدع والرأی ح 11 .

ص:92

نعم ، إنّ نهج الاجتهاد کان له دعاة وأتباع استمدّوا جذورهم من مصدر غیر التعبد والتسلیم ، وهو أقرب إلی ما عرفوه فی الجاهلیة ممّا عرفوه فی الإسلام وکان لهؤلاء وجود ملحوظ أیضاً فی صدر الإسلام ، فقد اقترح بعض المشرکین علی رسول الله أن یبدل بعض الأحکام الشرعیة وهو صلی الله علیه و آله یقول : {مَا یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا یُوحَی إِلَیَّ} ((1)) .

وقد أثبتنا سابقاً أنّ عمر بن الخطّاب کان من المجتهدین الأوائل الذین تعرّفوا المصلحة وهم بحضرة الرسول المصطفی ، فأنکر علیه أخذَه الفداءَ من أساری بدر((2)) ، واعترض علیه صلی الله علیه و آله فی صلاته علی المنافق((3)) ، وواجه النبیَّ بلسان حادّ فی صلح الحدیبیة((4)) ، وطالب النبیَّ أن یزداد علماً إلی علمه وأن یستفید من مکتوبات الیهود فی الشر یعة((5)) وقال لرسول الله فی مرض موته : ( إنه لَیَهجُر ) أو غَلَبه الوجع((6)) !


1- یونس : 15 .
2- شرح نهج البلاغة لأبن أبی الحدید 11 - 12 : 12 / 82 ، باب نکت من کلام عمر وسیرته وأخلاقه .
3- صحیح مسلم 4 : 1865 کتاب فضائل الصحابة باب فضائل عمر ح 25 و1 : 2141 کتاب صفات المنافقین وأحکامهم ح 3 .
4- صحیح البخاری 4 / 381 کتاب الشروط ، باب الشروط فی الجهاد والمصالحة ، ح 932 .
5- المصنّف لعبد الرزاق 10 : 313 کتاب أهل الکتابین ، باب هل یسأل أهل الیهود بشیء / ح 19213 ، مجمع الزوائد 1 : 174 باب لیس لاحد قول مع رسول الله9 .
6- صحیح البخاری 1 : 39 کتاب العلم ، باب 82 ، ح 112 ، صحیح مسلم 3 : 1257 ، 1259 ، کتاب الوصیة باب ترک الوصیة ...

ص:93

المجتهدون الأوائل والأذان !

والآن لنری موقف عمر بن الخطاب وموقف غیره من المجتهدین فی الأذان ، وهل لهؤلاء دور فی هذا التغییر ، أم تقع تبعات التحریف علی اللاحقین من بنی أمیّة وبنی العبّاس ؟ وغیرهم من المتأخّرین حسب تعبیر الصنعانی((1)) .

إنّ النّصوص السابقة أوقفتنا علی وجود اتّجاه فی الصحابة وموقف من الأذان یقترح علی الرسول أن یتّخذ ناقوساً مثل ناقوس النصاری ، أو بُوقاً مثل بوق الیهود ، فیستاء رسول الله من هذا ویغتمّ لاقتراحات هذا الاتجّاه من الصحابة الذین وصل الأمر بهم إلی أن یقترحوا علی الرسول المصطفی إدخال بعض أحکام وأفکار شریعتی موسی أو عیسی المحرَّفتین فی منهج الإسلام ، وکأنّ أطروحة الإسلام غیر قادرة علی أن تفی بالأعباء ؛ فقد رووا عن عمر أنّه قال للنبی صلی الله علیه و آله « یا رسول الله إنّی مررتُ بأخ لی من یهود فکتب لی جوامع من التوراة ، أفلا أعرضها علیک ؟ فتغیّر وجه رسول الله .

فقال عمر : رضیت بالله ربّاً وبالإسلام دیناً وبمحمّد رسولاً ، فسُرّی عن النبیّ ، ثمّ قال صلی الله علیه و آله : والذی نفسی بیده ، لو أصبح فیکم موسی فاتّبعتموه وترکتمونی لضللتم ، إنّکم حظّی من الأمم وأنا حظّکم من النبیّین »((2)) .


1- انظر : کلامه المتقدم فی صفحه 23 من هذه الدراسة . قال النووی فی شرحه علی صحیح مسلم وبعد أن اتی بخبر عبدالله بن زید قال : ... فیکون الواقع الاعلام اولاً ثمّ رای عبدالله بن زید الأذان فشرعه النبیّ بعد ذلک اما بوحی واما باجتهاده صلی الله علیه و آله علی مذهب الجمهور فی جواز الاجتهاد الاجتهاد له صلی الله علیه و آله ولیس هو عملاً بمجرد اتمام هذا ما لا یشک فیه بلا خلاف والله اعلم .
2- المصنّف لعبدالرزّاق 10 : 313 رقم 19213 ، مجمع الزوائد 1 : 174 وفیه : یا رسول الله ، جوامع من التوراة أخذتها مع أخ لی من بنی زُرَ یق ، فتغیّر وجه رسول الله ...

ص:94

فهؤلاء المجتهدون فی الصدر الأوّل کانوا یتعاملون مع الأحکام وفق ما عرفوه من الشرائع السابقة ، وکانوا یتصورون بأنّ الأمر بیدهم یفعلون ما یشاؤون، فکانوا هم الذین اقترحوا علی رسول الله البوق ، الناقوس « فنقسوا أو کادوا أن ینقسوا » حتّی رأی عبدالله بن زید أو غیره فی المنام ....

إذاً فکرة کون تشریع الأذان کان ب- « رؤیا » جاءت من قبل الصحابة المجتهدین ، ثمّ تطوّرت حتّی وصل بها الأمر إلی ما وصل لاحقاً، وهذا ما یجب الوقوف علیه فی مطاوی بحوثنا ..

إذ جاء عن کثیر بن مرة الحضرمی أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال : أوّل من أذّن فی السماء جبرئیل

علیه السلام ، قال : فسمعه عمر وبلال ، فأقبل عمر فأخبر النبیّ بما سمع، ثمّ أقبل بلال فأخبر النبیّ بما سمع ، فقال له رسول الله : سبقک عمر یا بلال ....

أو قول ابن عمر : إنّ بلالاً کان یقول أوّل ما أذّن: « أشهد أن لا إله إلّا الله ، حیّ علی الصلاة » ، فقال له عمر : قل فی أثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ...

نعم إنّهم رفعوا بضبع الصحابة الحالمین الرائین للأذان إلی مرتبة النبوة والمعاینة الحقیقیّة حتّی قال عبدالله : « یا رسول الله ، إنّی لَبینَ یقظان ونائم » ، وفی آخر : « لقلت : إنی کنت یقظاناً غیر نائم » ، وبعکس ذلک نراهم یحطّون من منزلة النبیّ صلی الله علیه و آله عن المعاینة الحقیقیة فی المعراج - {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّی * فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی}- إلی مرتبة التشکیک ، مستخدمین العبارة نفسها « بین النائم والیقظان » ، ورووا ذلک فی الصحیح !!

ففی صحیح مسلم بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالک - لعله قال: عن مالک بن صعصعة ( رجل من قومه ) ، قال - قال نبی الله صلی الله علیه و آله : بینا أنا عند البیت بین النائم والیقظان....

ص:95

ثمّ أتیت بدابة أبیض یقال له البُراق فوق الحمار ودون البغل یقع خطوه عند أقصی طرفه ، فحُمِلتُ علیه ، ثمّ انطلقنا حتّی أتَینا السماء الدنیا .... ثمّ سرد قصة المعراج((1)) .

بل فی روایة شریک فی حدیثه عن أنس التصریح بأنّه

صلی الله علیه و آله کان نائماً . قال : « وهو نائم بالمسجد الحرام » وذکر القصة الواردة لیلة الإسراء ، ثمّ قال فی آخرها : « استیقظت » - أی انتبهت - من منامی وأنا فی المسجد الحرام((2)) .

قال الصالحی الشامی : وهذا المذهب یعزی إلی معاویة بن أبی سفیان ... ویُعزی أیضاً إلی عائشة((3)) .

بل صرّح إمام الشافعیة القاضی أبو العبّاس بن سریج بوضع هذا الحدیث علی عائشة فقال : هذا حدیث لا یصحّ وإنّما وُضِعَ ردّاً للحدیث الصحیح((4)) .

تری من هو الواضع ؟

وما هو غرضه من التحریف فی مقابل ما هو أصیل ؟

ولماذا جَحْدُ منزلة النبیّ صلی الله علیه و آله ومحاولة جعل القضیة مناماً عادیّاً ؟

ولماذا یختص ذلک بمعاویة وعائشة ؟!

وهل یکمن فی ذلک إنکارٌ مُبَطَّن لرؤیا النبیّ بنی أمیّة - أو تیماً وعدیّاً - یردون


1- صحیح مسلم 1 : 150 ، باب الإسراء من کتاب الإیمان - ح 264 . وانظر : مثله فی صحیح البخاری 4 : 549 ، کتاب بدء الخلق ، باب ذکر الملائکة صلوات الله علیهم ، ح 1371 .
2- سبل الهدی والرشاد 3 : 69 والنص عنه . وانظر : روایة شریک فی صحیح البخاری 9 : 824 - 826 / کتاب التوحید / باب قوله: (وَکَلَّمَ اللهُ مُوسَی تَکْلِیماً( / ح 2316 ، وانظر : صحیح مسلم 1 : 148 ح 262 / کتاب الإیمان - باب الاسراء برسول الله .
3- سبل الهدی والرشاد 3 : 69 .
4- سبل الهدی والرشاد 3 : 70 ، نقلاً عن المعارج الصغیر لابن الخطاب بن دحیة .

ص:96

الناس عن الإسلام القهقری ؟!((1)) إذ لیس فی الرؤیا المنامیّة کبیر أمر ولا کثیر طائل ، وإذا کان المعراج رؤیا فلماذا لم یَرَها الآخرون کما رأی الأذان سبعة أو أربعة عشر أو عشرون شخصاً ؟! لکی لا یکذّب المشرکون النبیَّ صلی الله علیه و آله أو لکی لا یرتدّ من أسلم من المسلمین ؟ ألم یقولوا مثل هذا التعلیل فی سرّ رؤی الصحابة للأذان ؟!

فهذه النصوص ترفع هؤلاء إلی السماء وتجعلهم قرب الوحی ، وتحاول إنزال مقامات النبیّ صلی الله علیه و آله فی المعراج إلی حدّ الرؤیا العادیة ، فنحن لو لحظنا دور المجتهدین فی الشر یعة ووقفنا علی اجتهادات الصحابة واقتراحاتهم علی رسول الله فی الأذان وغیرها ، وعرفنا الدواعی التی دفعت بعمر بن الخطّاب أن یرفع ( حیّ علی خیر العمل ) أو یضع ( الصلاة خیر من النوم ) فی الأذان لآمَنَّا بأن الشرارة الأولی لهذا التحریف جاءت من قبل هذا القسم من الصحابة ، وأن فکرة کون الأذان رؤیا تتّفق مع فکر هذا الصنف لا المتعبّدین ، وذلک لاجتهادهم وعدم تعبّدهم بالنصوص . ونظرة هؤلاء تختلف عن نظرة أهل البیت إلی الشر یعة والإسراء والمعراج وغیرها .

الأمویّون والأذان

لقد تطوّرت فکرة الرؤیا وما جاء فی تشریع الأذان فی العهد الأموی وتأطّرت بإطارها الخاص ؛ إذ لو جمعنا القرائن والشواهد لعرفنا بأن معاویة ومن بعده هم الذین تبنوا هذه الفکرة وأنّهم کانوا قد سعوا لتثقیف الناس حسبما یر یدونه ، وهذا ما نلاحظه فی نصوص الأذان بعد الإمام علیّ ، إذ لم یشر علیّ علیه السلام إلی هذا التضاد فی الأذان فی ما رواه عن النبیّ ، بل لم یردنا خبرٌ صریحٌ فی تکذیب الروایات المدّعیة لثبوت تشریع الأذان بالرؤیا قبل الإمام الحسن بن علیّ علیه السلام .


1- الکافی 8 : 343 - 345 باب رؤیا النبیّ صلی الله علیه و آله .

ص:97

فأوّل ما تطالعنا النصوص بهذا الصدد هو کلام سفیان بن اللیل حینما قدم علی الإمام الحسن بعد الصلح ، قال: فتذاکرنا عنده الأذان فقال بعضنا : إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبدالله بن زید .

فقال له الحسن بن علیّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذَّن جبرئیل ..

وهذا یرشدنا إلی تذاکر المسلمین فی أمر الأذان بعد الصلح لقوله ( لما کان من أمر الحسن بن علیّ ومعاویة ما کان قدمت المدینة وهو جالس فی أصحابه ) .

فبعضهم فی هذا الخبر یقول: ( إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبدالله ) ، لکنّ الإمام الحسن صحّح رؤ یتهم الخاطئة قائلاً : إن شأن الأذان أعظم من ذلک .

ونحن لو واصلنا السیر التاریخی وانتقلنا من خبر الإمام الحسن إلی ما جاء عن الإمام الحسین وأنّه سئل عمّا یقول الناس ؟ فقال علیه السلام : « الوحی ینزل علی نبیکم ، وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید » ؛ لعرفنا استمرار هذا النزاع بین الناس وأهل البیت فی کیفیة نشوء وبدء تشریع الأذان .

وقد مر علیک کلام أبی العلاء سابقاً حیث قال : قلت لمحمّد بن الحنفیة : إنا لنتحدث أنّ بدء الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الانصار فی منامه .

قال : ففزع لذلک محمّد ابن الحنفیة فزعاً شدیداً وقال : عمدتم إلی ما هو الاصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم أنّه إنّما کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه یحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام .

قال : فقلت : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس ؟

قال : هذا والله هو الباطل ...

فبدءُ النزاع العلنی وانتشاره کان فی زمن معاویة بعد صلح الإمام الحسن ، وفزعُ محمّد بن الحنفیة الفزع الشدید، وإخبارهم إیاه باستفاضة هذا الحدیث ، لیدلاّن علی أنّ وضع تلک الأحادیث الأذانیة أو بدء انتشارها کان فی زمان معاویة

ص:98

بن أبی سفیان ، الّذی کان حسّاساً إلی درجة کبیرة من ذکر النبیّ صلی الله علیه و آله ، إذ کیف یُقرنُ اسم بشر « محمد » باسم ربّ العالمین « الله » ؟!((1)) مع أنّ کلّ الأنبیاء الذین جاؤوا بشرائع سابقة لم یقرن اسم أحدهم باسم رب العزة فی إعلامهم للطقوس الدینیة، بل کان الناقوس والبوق والشبّور .

إذن لم یکن معنیً - بنظر معاویة - لمقارنة اسم النبیّ لاسم الربّ فی السماء وفی المعراج ، بل یکفی بذلک أن یکون مناماً، أو اقتراحاً من عمر ، أو ....

وعلی ذلک فلا ضیر إذن فی الزیادة أو الحذف فی الأذان، فلَکَ أن تحذف « حیّ علی خیر العمل » کما فعل عمر وتضع موضعها « الصلاة خیر من النوم » ، ولک أن تفرد الإقامة ولا تثنّیها « لحاجة لَهُمْ » ، ولک أن تزید النداء الثالث یوم الجمعة ، ووو ... إلی آخر هذه الاجتهادات ، إن کان لها آخِر .

ومن هذا الباب کان معاویة أوّل من أفشی مقولة التثویب الثانی ، وهی دعوة المؤذّنُ للخلیفة أو الأمیر - لکثرة مشاغله - إلی الصلاة بقوله « السلام علی أمیر المؤمنین ، الصلاة الصلاة رحمک الله » ، وسار المغیرة بن شعبة علی نهج معاویة فی هذا أیضاً ، بل قیل إنّه أوّل من فعل ذلک .

ولکن صرّح الأعلام بأنّ معاویة کان أوّل من أحدث هذا ، وتبعه المغیرة بن شعبة ومَن حذا حذوه((2)) .

فشاع الأمر واستفاض ، وصار کأنّه حقیقة لا مناص عن الإذعان لها - مع أنّ الحقیقة الإسلامیة هی شیء آخر - وراحت أصداء هذا الحدث الأذانی تمتد وتمتد إلی العصر العباسی ، ومنه وصلت إلی یومنا الحاضر .


1- سیأتی خبر معاویة لاحقاً فی صفحة 106 - 108 .
2- انظر : الوسائل إلی معرفة الأوائل ، للسیوطی : 26 .

ص:99

روی عبد الصمد بن بشیر ، قال : ذُکر عند أبی عبد الله ] الصادق [ بدء الأذان فقیل : إنّ رجلاً من الأنصار رأی فی منامه الأذان ، فقصه علی رسول الله فأمره رسول الله أن یعلّمه بلالاً ، فقال أبو عبدالله : کذبوا ، إنّ رسول الله کان نائماً فی ظلّ الکعبة فأتاه جبرئیل ومعه طاس فیه ماء من الجنَّة((1)) ....

ولو تدبرنا فی هذه النصوص وما جاء فی تاریخ بنی أمیّة لعرفنا إمکان تطابق هذه الرؤیة مع ما یحملون من أفکار أکثر من غیرهم ، خصوصاً بعد أن وقفنا علی تاریخ النزاع وأنّه بدأ فی عهدهم ، وإنّک لو تتّبعّت مجر یات الأحداث لعرفت تضاد بنی أمیّة مع رسالة الإسلام وعدم تطابق مفاهیمهم مع مفاهیم الوحی ورسول الله ، وأنّهم کانوا علی طرفی نقیض مع بنی هاشم فی الجاهلیة وفی الإسلام ، إذ التزم بنو أمیّة جانب المشرکین أمام بنی هاشم الذین لم یفارقوا الرسول فی جاهلیة ولا إسلام .

فقد قال رسول الله عن بنی هاشم : « أنا وبنو المطلب لا نفترق فی جاهلیة ولا إسلام ، وإنّما نحن وهم شیء واحد » وشبک بین أصابعه .((2))

نعم کان الأمر کذلک ، فرسول الله کان لا یرتضیهم، وهُم لم یدخلوا الإسلام إلّا مکرهین .


1- تفسیر العیّاشی 1 : 157 ، ح 530 .
2- سنن أبی داود 3 : 146 کتاب الخراج والامارة و.. ، باب فی بیان مواضع قسم الخمس .. ، ح 2980 ، وانظر : سنن النسائی 7 : 131 کتاب قسم الفیء .

ص:100

الأمویّون ورسول الله

لقد صحّ عن رسول الله أنّه لعن أبا سفیان والحارث بن هشام وسهیل بن عمرو وصفوان بن أمیّة فی قنوته((1)) وهم من أقطاب قریش ، وفیهم أبو سفیان رأس بنی أمیّة .

وصحّ عنه صلی الله علیه و آله قوله لمّا أقبل أبو سفیان ومعه معاویة : اللهمّ العن التابع والمتبوع((2)) .

وفی آخر : اللهمّ العن القائد والسائق والراکب((3)) ، وکان یزید بن أبی سفیان معهم . وقوله صلی الله علیه و آله فی مروان بن الحکم : اللهمّ العن الوَزغ بن الوزغ((4)) .

فبنو أمیّة بعد عجزهم عن ردّ صدور أحادیث اللعن رووا عن أبی هر یرة قوله صلی الله علیه و آله : اللّهم إنی أتّخذ عندک عهداً لن تُخلفنیه ، فإنمّا أنا بشر ، فأیّ المؤمنین آذیته ، أو شتمته ، أو لعنته أو جلدته .. فاجعلها له صلاة وزکاة وقربة تقرّبه بها یوم القیامة((5)) !

ومن المعلوم أنّ هذه الروایات لا تّتفق مع أصول الإسلام والسیر التاریخی


1- سنن الترمذی 5 / 227 کتاب تفسیر القران ، باب سورة آل عمران ، ح 3004 . الفردوس 1 : 503/ ح 2060 ، انظر : صحیح البخاری 5 : 201 کتاب المغازی ، باب 135 / ح 556 ، الإصابة 2 : 93 ترجمة سهیل بن عمرو بن عبد شمس .
2- وقعة صفین : 217 - 217 ، باب ما ورد من الاحادیث فی شأن معاویة ، وانظر : المحصول للرازی 2 : 165 - 166 .
3- وقعة صفّین : 220 .
4- انظر : تلخیص المستدرک للذهبی 4 : 479 .
5- صحیح مسلم 4 : 2007 - 2008 ، کتاب البرّ والصلة ، باب من لعنه النبیّ صلی الله علیه و آله ح 2601 ، مسند أحمد 2 : 317 .

ص:101

والفکری لرسول الله ، وما جاء به من مفاهیم ، لأنّه قال : إنی لم أُبعث لعّاناً وإنّما بعثت رحمة((1)) .

فهو صلی الله علیه و آله لم یکن لعّاناً فی سجیّته ، ولم یلعن من لم یکن مستحقّاً للّعنة، بل لعنَ جماعات وأفراداً مخصوصین یستحقّون اللعنة من الله ورسوله فی ضمن ملاکات الأحکام الشرعیة والموازین الإلهیة ، ومثل هذا اللعن والسبّ والجلد لا معنی لاَِنْ یکون رحمة لصاحبه .

وهؤلاء القوم لم یسلموا إلّا لیحقنوا دماءهم، بعدما عجزوا عن الوقوف أمام الدعوة وطمس الإسلام فدخلوا الإسلام لتحریف بعض المفاهیم وإبدال مفاهیم أخری مکانها ، وکان ضمن مخططهم التقلیل من مکانة الرسول والتعامل معه کإنسان عادیّ یصیب ویخطئ ویسبّ ویلعن ، کما کان فی مخطّطهم الاستنقاص من الإمام علیّ ، لأنّه کان قد وتر شوکة قریش وسعی لتحطیم سلطانهم .

فقد جاء فی کتاب معاویة إلی عماله : « أن انظروا مَن قِبَلکم من شیعة عثمان ومحبّیه وأهل ولایته والذین یروون فضائله ومناقبه ، فَأَدنُوا مجالسهم وقَرِّبوهم وأَکرموهم ، واکتبوا إلیَّ بکلّ ما یروی کلّ رجل منهم واسمه واسم أبیه وعشیرته » .

« فإذا جاءکم کتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایة فی فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلین ، ولا تترکوا خبراً یرویه أحد من المسلمین فی أبی تراب إلّا وتأتونی بمناقض له فی الصحابة ، فإنّ هذا أحبّ إلی وأقرّ لعینی ، وأدحض لحجة أبی تراب وشیعته ،


1- صحیح مسلم 4 : 2007 .

ص:102

وأشد علیهم من مناقب عثمان وفضله »((1)) .

نحن لو تأملنا تاریخ قریش وما فعلته مع رسول الله

صلی الله علیه و آله فی بدء الدعوة وقضایا فتح مکّة لوقفنا علی خبث الأمو یین واستغلالهم لرحمة رسول رب العالمین ، فقد اشتهر عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه لما سمع قول القائل :

الیوم یوم الملحمة الیوم تُسبَی الحرمة

قال له صلی الله علیه و آله : لا تَقُلْ هذا بل قل :

الیوم یوم المرحمة الیوم تحفظ الحرمة((2))

وجاء عنه قوله یوم الفتح فی أعدی عدوه : « من دخل بیت أبی سفیان فهو آمن »((3)) ، وقوله : « اذهبوا أنتم الطلقاء »((4)) ، لکن قریشاً ومع کلّ هذه الرحمة کانوا یتعاملون مع الرسالة والرسول بشکل آخر .

قال الواقدی : ... وجاءت الظهر فأمر رسولُ الله صلی الله علیه و آله بلالاً أن یؤذّن فوق ظهر الکعبة وقریشٌ فی رؤوس الجبال ، ومنهم من قد تَغیّب وستر وجهه خوفاً من أن یُقتلوا ، ومنهم من یطلب الأمان ، ومنهم من قد أمن .

فلمّا أذّن بلال وبلغ إلی قوله « أشهد أن محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله » رفع صوته کأشدّ ما یکون .

فقالت جویر یة بنت أبی جهل : قد لعمری « رفع لک ذِکرک » فأمّا الصلاة فسنصلّی ، ولکن والله لا نحبّ مَن قتل الأحبة أبداً ، ولقد کان جاء أبی الذی جاء


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 11 : 44 - 45 باب ذکر ما مُنی به آل البیت من الأذی والاضطهاد .
2- انظر : المبسوط للسرخسی 10 : 39 .
3- سنن أبی داود 3 : 162 کتاب الخراج باب ما جاء فی خبر مکّة ، السنن الکبری للبیهقی 9 : 118 کتاب السیر ، باب فتح مکة .
4- المبسوط للسرخسی 10 : 40 .

ص:103

محمّداً من النبوة ، فردّها ، ولم یُرِدْ خلاف قومه .

وقال خالد بن سعید بن العاص : الحمد لله الذی أکرم أبی فلم یدرک هذا الیوم .

وقال الحارث بن هشام : واثکلاه ، لیتنی متّ قبل هذا الیوم ، قبل أن أسمع بلالاً ینهق فوق الکعبة !

وقال الحکم بن أبی العاص : هذا والله الحدث العظیم ، أن یصیح عبد بنی جُمحَ ، یصیح بما یصیح به علی بیت أبی طلحة .

وقال سهیل بن عمرو : إن کان هذا سخطاً من الله تعالی فسیغیره وإن کان لله رضا فسیقرّه .

وقال أبو سفیان : أمّا أنا فلا أقول شیئاً ، لو قلت شیئاً لأخبَرَتْه هذه الحصباء ، قال : فأتی جبرئیل علیه السلام فأخبره مقالة القوم((1)) .

ولو تأملت فی ما رواه لنا العبّاس فی کیفیة إسلام أبی سفیان لعرفت أنّه لم یسلم عن قناعة وإیمان ، إذ قال العباس: غدوت به علی رسول الله فلما رآه قال : ویحک یا أبا سفیان !! ألم یأن لک أن تعلم أن لا إله إلّا الله ؟

قال : بلی ، بأبی أنت وأمی ، لو کان مع الله غیره لقد أغنی عنیّ شیئاً .

فقال : ویحک ! ألم یأن لک أن تعلم أنی رسول الله ؟!

فقال : بأبی أنت وأمی ، أما هذه ففی النفس منها شیء .

قال العباس : فقلت له : ویحک ! تشهد شهادة الحق قبل أن تضرب عنقک .

قال : فتشهد((2)) .

فهنا یبدو واضحاً أن أبا سفیان کان أکثر بطئاً فی قبول الشهادة الثانیة من


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 17 : 283 عن الواقدی ، وانظر : سبل الهدی والرشاد 5/193 رواه عن البیهقی .
2- الکامل فی التاریخ 2 : 245 .

ص:104

الأولی ، لأنّه کان یتصوّر بأن فی الثانیة تحطیمَ غروره وجبروته وموقعه السیاسی والاجتماعی ، وذلک ما لا تعنیه کثیراً الشهادة الاولی بالنسبة له .

وقد ثبت عن أبی سفیان أنّه قال للعباس لما رأی نیران المسلمین وکثرة عددهم : لقد اصبح ملک ابن أخیک عظیماً . فقال له العباس : ویحک ! إنها النبوة . فقال : نعم إذن .

وظل منظّر الفکر القرشی علی هذه الوتیرة حتّی بعد وفاة النبی وخلافة الشیخین . فقد روی صاحب « قصص الانبیاء » باسناده إلی الصدوق عن بن عباس أنه قال : .. ولقد کنا فی محفل فیه أبو سفیان وقد کُف بصره وفینا علیّ صلوات الله علیه فأذن المؤذن فلما قال : اشهد أن محمداً رسول الله ، قال أبو سفیان : ها هنا من یحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا . فقال : لله در أخی بنی هاشم ، انظروا این وضع اسمه ؟ فقال علیّ : اسخن الله عینک یا ابا سفیان ، الله فعل ذلک بقوله عز من قائل : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} فقال أبو سفیان : اسخن الله عین من قال لی لیس ها هنا من یحتشم((1)) .

بل إن أبا محذورة کان یستحیی من الإباحة باسم رسول الله صلی الله علیه و آله من أهل مکّة ، إذ جاء فی المبسوط للسرخسی - عند بیانه لسبب الترجیع فی الأذان - قوله : ... وقیل أن أبا محذورة کان مؤذّن مکّة ، فلما انتهی إلی ذکر رسول الله خفض صوته استحیاءً من أهل مکّة لأنّهم لم یعهدوا ذکر اسم رسول الله صلی الله علیه و آله بینهم جهراً ، ففرک رسول الله صلی الله علیه و آله أذنَهُ وأمره أن یعود فیرفع صوته لیکون تأدیباً له ..((2))

نعم ظلت نظرة قریش إلی النبیّ بعد البعثة مشوبة بهذا المنطق المزعوم مستغلین


1- بحار الأنوار 18 : 107 ، 31 : 523 عن قصص الأنبیاء .
2- المبسوط للسرخسی 1 : 128 .

ص:105

عطف النبیّ ورحمته صلی الله علیه و آله ، قال الواقدی : فکان سهیل بن عمرو یحدث فیقول : لما دخل محمّد صلی الله علیه و آله مکّة انقمعتُ فدخلتُ بیتی وأغلقته علیَّ ، وقلت لابنی عبدالله بن سهیل : اذهب فاطلب لی جواراً من محمّد، فإنّی لا آمن أن أقتل ، وجعلتُ أتذکّر أثری عنده وعند أصحابه فلا أری أسوأ أثراً منّی؛ فإنّی لقیته یوم الحدیبیة بما لم یلقه أحد به ، وکنت الذی کاتبه ، مع حضوری بدراً وأُحداً ، وکلّما تحرکّت قریش کنت فیها .

فذهب عبدالله بن سهیل إلی رسول الله ، فقال : یا رسول الله ، أبی تؤمّنه ؟

قال : نعم ، هو آمن بأمان الله ، فلیظهر ، ثمّ التفتَ إلی مَن حوله فقال : مَن لقی سهیل بن عمرو فلا یشدنّ النظر إلیه ، ثمّ قال : قل له : فلیخرج ، فلعمری إنّ سهیلاً له عقل وشرف ، وما مثل سهیل جهل الإسلام ، ولقد رأی ما کان یُوضَعُ فیه إن لم یکن له تتابع ، فخرج عبدالله إلی أبیه فأخبره بمقالة رسول الله صلی الله علیه و آله .

فقال سهیل : کان والله برّاً صغیراً وکبیراً .

وکان سهیل یقبل ویدبر غیر خائف ، وخرج إلی خیبر مع النبیّ وهو علی شرکه حتّی أسلم بالجعرانة((1)) ...

هکذا تعامل رسول الله مع المشرکین والطلقاء، لکنّهم أضمروا النفاق للرسول والرسالة فانضووا تحت لوائه کی یغدروا بالإسلام ، بل سعوا بکل قواهم لطمسه ودفنه .

فقد جاء عن المغیرة أنّه طلب من معاویة ترک إیذاء بنی هاشم - لمّا استقرّ له الأمر - لأنّه أبقی لذکره !! ... فقال معاویة للمغیرة : هیهات! هیهات ! أیّ ذکر أرجو بقاءه ؟! مَلَک أخو تیم فعدل ، وفعل ما فعل ، فما عدا أن هلک حتّی هلک


1- شرح نهج البلاغة 17 : 284 .

ص:106

ذکره ، إلّا أن یقول قائل : أبو بکر . ثمَّ ملک أخو عدیّ ، فاجتهد وشمّر عشر سنین، فما عدا أن هلک حتّی هلک ذکره ، إلّا أن یقول قائل : عمر . وإنَّ ابن أبی کبشة لَیصاح به کلّ یوم خمس مرَّات: « أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله » ، فأیّ عمل یبقی ؟ وأیّ ذکر یدوم بعد هذا ! لا أباً لک ! لا والله إلّا دفناً دفناً ((1)) .

وعن علی علیه السلام أنّه قال حین سأله بعض أصحابه من بنی أسد : کیف دفعکم قومکم عن هذا المقام وأنتم أحق به ؟ فقال : یا أخا بنی أسد ؛ إنّک لقلق الوضین ترسل فی غیر سدد ! ولک بعد ذمامة الصهر وحق المسألة ، وقد استعلمت فأعلم : أمّا الاستبداد علینا بهذا المقام - ونحن الأعلون نسباً ، والأشدّون برسول الله صلی الله علیه و آله نوطاً - فإنّها کان أثَرِةٌ شحّت علیها نفوس قوم ، وسخت عنها نفوس آخرین ، والحکم الله والمعود إلیه یوم القیامة .

ودع عنک نهباً صیح فی حجراته وهلم الخطب فی ابن أبی سفیان

فلقد أضحکنی الدهر بعد ابکائه ، ولا غرو والله فیاله خطباً یستفرغ العجب ویکثر الأود ، حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه ، وسدّ فواره من ینبوعه . وجدحوا بینی وبینهم شرباً وبیئاً . فإن ترتفع عنّا وعنهم محن البلوی أحملهم من الحقّ علی محضه وإن تکن الأُخری {فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللهَ عَلِیمٌ بِمَا یَصْنَعُونَ} ((2)) ((3)) .

وجاء عن معاویة أنّه قال لما سمع المؤذّن یقول « أشهد أنَّ محمَّداً رسول الله » : لله أبوک یا بن عبدالله ! لقد کنتَ عالی الهمَّة ، ما رضیتَ لنفسک إلّا أن یُقرَنَ اسمک


1- الأخبار الموفّقیّات للزبیر بن بکّار : 576 - 577 ؛ مروج الذهب 4 : 41 ؛ النصائح الکافیة : 123 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 5 : 130 .
2- فاطر : 8 .
3- نهج البلاغة 2 : 63 / الخطبة 162 .

ص:107

باسم ربِّ العالمین((1)) !

ولا یستبعد هذا من معاویة وهو ابن أبی سفیان القائل لله درّ أخی بنی هاشم . انظروا أین وضع اسمه ، والقائل : فوالذی یحلف به أبو سفیان .. لا جنَّة ولا نار((2)) ، وهو الذی مرّ بقبر حمزة وضربه برجله ؛ وقال : یا أبا عمارة ! إنَّ الأمر الذی اجتلدنا علیه بالسیف أمسی فی ید غلماننا الیوم یتلعّبون به((3)) !

وهو ابن هند آکلة کبد حمزة سیّد الشهداء((4)) ، وهو أبو یزید الذی هدم الکعبة((5)) ، وقتل الحسین بن علیّ((6)) ، وأباح المدینة لثلاثة أیّام((7)) ، والذی سمّی المدینة الطیّبة ب- « الخبیثة » إرغاماً لأنوف أهل بیت النبیّ((8)) !

فمعاویة ومن قبله أبوه صخر کانا یتصوّران بأنّ النبیّ هو الذی أدرج اسمه فی الأذان ، فقال أبو سفیان : لله در أخی بنی هاشم . انظروا این وضع اسمه ، وقال ابنه معاویة : لله أبوک یا ابن عبدالله ! لقد کنت عالی الهمَّة ، ما رضیت لنفسک إلّا


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 10 : 101 ، وفی المعمرین للسجستانی کما فی النصائح الکافیة : 126 سأل معاویة بن أبی سفیان یوماً امد بن لبد المعمر : فهل رأیت محمّداً . قال : من محمّد ؟ قال معاویة : رسول الله . قال امد : ویحک افلا فخمته کما فخمه الله فقلت رسول الله صلی الله علیه و آله وانظر کذلک کنز الفوائد : 261 وبحار الأنوار 33 : 276 .
2- الاستیعاب 4 : 1679 ؛ الأغانی 6 : 371 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 2 : 45 والنصّ عنه .
3- شرح نهج البلاغة ، لابن أبی الحدید 16 : 136 .
4- أُسد الغابة 2 : 47 ، الطبقات الکبری 3 : 12 .
5- سبل الهدی والرشاد 1 : 223 ، مختصر تاریخ دمشق 7 : 191 .
6- تاریخ الطبری 5 : 400 - 467 ، وغیره من کتب التاریخ .
7- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 3 : 259 .
8- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 9 : 238 .

ص:108

أن تقرن اسمک باسم ربِّ العالمین((1)) ، وهل هذان القولان إلّا وجهٌ آخر للروایة التی وُضِعت وادَّعت أنّ بلالاً کان یؤذن « أشهد ان لا إله إلّا الله ، حیّ علی الصلاة » فقال عمر : قل فی إثرها « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ؟! وعنوا بذلک أنّ ذکر اسمه صلی الله علیه و آله فی الأذان لم یکن من الله ، بل کان باقتراح فقط !!

وبعد هذا فلا یمکن تبریر فعل معاویة والقول بأنّه تعرّف علی المصلحة أو اجتهد قبال النص ، بل الأمر تجاوز ذلک ، ودخل فی إطار تکذیب الرسالة ، وتهرئة أصل من أکبر أصول الشریعة ، وهو الاعتقاد بنبوة محمّد المصطفی .

ومما یحتمل فی الأمر هو أنّ هذه الرؤیة تجاه ذکر اسم النبی فی الأذان وأمثالها ، هی التی رسّخت فکرة کون الأذان مناماً ، وهی التی أقلقت الرسول المصطفی حتّی جعلته لا یُری ضاحکاً بعد رؤیاه التی رأی فیها الغاصبین ینزون علی منبره نزو القردة .

ولیس من الصدفة فی شیء الترابط الموجود بین أن یری رسول الله الشجرة الملعونة فی منامه وبین أن یُسفّه الأمویّون مسألة الرؤیا ، ویعزون الإسراء والمعراج إلی رؤیا لا تعدو کونها مناماً !


1- وقد استمرت هذه الرؤیة عند البعض بعد معاویة ، فروی المفضل بن عمر أنه سمع فی مسجد الرسول صاحب ابن أبی العوجاء یقول له : انّ محمّداً استجاب له العقلاء وقد قرن اسمه باسم ناموسه ]أی الله جل وعلا[ .. فقال ابن أبی العوجاء : دع ذکر محمد فقد تحیر فیه عقلی وحدّثنی عن الاصل الذی جاء به ... « بحار الأنوار 4 : 18 » . ومثل ذلک ما حکاه رشاد خلیفة عن جماعة ان تکرار الشهادة الثانیة « أشهد أن محمّداً رسول الله » بجنب الشهادة الاولی « أشهد ان لا إله إلّا الله » یعد شرکاً أکبر « انظر القرآن والحدیث والإسلام : 38 ، 41 ، 43 وکتابه الآخر قران أم حدیث : 20 ، 33 » .

ص:109

الله جلّ وعلا ورفعه لذکر الرسول صلی الله علیه و آله

هذا ، ونحن نعلم بأنّ الذی رفع ذکرَ الرسول هو الله فی محکم کتابه ، وإلیک أقوال بعض العلماء والمفّسر ین لتقف علی المقصود ، وأنّه أمر ربّانی ، ولیس کما تصوره أبو سفیان ومعاویة والأمویّون ومن لف لفهم :

قال الشافعی : أخبرنا ابن عیینة ، عن ابن نجیح ، عن مجاهد فی قوله : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال : لا أُذکَر إلّا ذُکِرتَ معی « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ

ص:110

محمّداً رسول الله »((1)) . یعنی - والله أعلم - ذکره عند الإیمان والأذان ، ویحتمل ذکره عند تلاوة الکتاب وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصیة .

وقال النووی فی شرحه علی مسلم - بعد ذکره المشهورَ عن الشافعی فی رسالته ومسنده فی تفسیر قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} - : « وروینا هذا التفسیر مرفوعاً إلی رسول الله صلی الله علیه و آله عن جبرئیل عن ربّ العالمین ... »((2)) .

وفی مصنف ابن أبی شیبة الکوفی : حدّثنا ابن عیینة ، عن ابن نجیح ، عن مجاهد {وَإِنَّهُ لَذِکْرٌ لَکَ وَلِقَوْمِکَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} یقال : ممن هذا الرجل ؟

فیقول : من العرب .

فیقال : من أیّ العرب ؟

فیقول : من قریش .

{وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} لا أُذکرُ إلّا ذکرتَ « أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله »((3)) .

حدّثنا شریک بن عبدالله ، عن ابن شبرمة ، عن الحسن فی قوله : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ} : أی مُلِئ حکماً وعلماً {وَوَضَعْنَا عَنْکَ وِزْرَکَ * الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ} قال : ما أثقل الحمل الظهر {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} بلی لا یذکر إلّا ذکرت معه ...((4)) .

وفی دفع الشبه عن الرسول للحصنی الدمشقی فی قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال ابن عبّاس رضی الله عنهما : المراد الأذان والاقامة والتشهّد والخطبة علی المنابر ، فلو أنّ عبداً عَبَد الله وصدّقه فی کلّ شیء ولم یشهد أن محمّداً رسول الله لم یسمع منه ولم ینتفع بشیء وکان کافراً .

وفی حدیث أبی سعید الخدری رضی الله عنه : ثمّ إنّ النبیّ سأل جبرئیل علیه السلام عن هذه الآیة((5)) ، فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذکرتُ ذُکِرتَ معی .

وقال قتادة رضی الله عنه : رفع الله ذکره فی الدنیا والآخرة ، وقیل : رفع ذکره بأخذ المیثاق علی النبیین وألزمهم الإیمان به والإقرار به .

وقیل {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} لیعرف المذنبون قدر رتبتک لدیَّ لیتوسّلوا بک إلیَّ فلا أردّ أحداً عن مسألته ، فأعطیه أیاها إمّا عاجلاً وإمّا آجلاً ، ولا أخیّب من توسّل بک وإن کان کافراً((6)) .

وقال ابن کثیر فی البدایة والنهایة : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ، فلیس خطیب ولا شفیع ولا صاحب صلاة إلّا ینادی بها : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً


1- الرسالة للإمام الشافعی : 16 ، المسند للإمام الشافعی : 233 ، المجموع 1 : 577 ، تلخیص وانظر : الحبیر 3 : 435 ، تفسیر القرآن لعبد الرزاق الصنعانی 3 : 437 ، وفی السنن الکبری 3 : 209 ( باب ما یستدل به علی وجوب ذکر النبیّ فی الخطبة ) وبعد ذکره لقول الشافعی قال : ویذکر عن محمد بن کعب القرظی مثل ذلک . وانظر : فیض القدیر شرح الجامع الصغیر 1 : 28 .
2- شرح النووی علی صحیح مسلم 1 : 160 باب مقدّمة الصحیح .
3- المصنّف لابن أبی شیبة الکوفی 6 : 315 ، کتاب الفضائل - الحدیث 31680 .
4- المصنّف لابن أبی شیبة الکوفی 6 : 315 ، کتاب الفضائل - الحدیث 31681 .
5- آیة (وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ(.
6- دفع الشبه عن الرسول للحصنی الدمشقی : 134 .

ص:111

رسول الله ، فقرن الله اسمه باسمه فی مشارق الأرض ومغاربها ، وذلک مفتاحاً للصلاة المفروضة ، ثمّ أورد حدیث ابن لهیعة ، عن درّاج ، عن أبی الهیثم ، عن أبی سعید ، عن رسول الله فی قوله {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال : قال جبرئیل : قال الله : إذا ذکرتُ ذکرتَ((1)) .

وفی جامع البیان للطبری : حدّثنا ابن عبدالأعلی ، قال : حدّثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة فی قوله {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال النبیّ صلی الله علیه و آله : ابدؤوا بالعبودیّة وثنّوا بالرسالة ، فقلت لمعمر : قال « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً عبده » فهو العبودیة ، « ورسوله » أن تقول : عبده ورسوله .

حدّثنا بشر ، قال : حدّثنا یزید ، قال : حدّثنا سعید ، عن قتادة {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} : رفع الله ذکره فی الدنیا والآخرة ، فلیس خطیب


1- البدایة والنهایة 6 : 288 باب القول فیما أُعطی إدریس علیه السلام .

ص:112

ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا ینادی بها : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله » .

حدّثنی یونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو بن الحرث ، عن درّاج ، عن أبی الهیثم ، عن أبی سعید الخدری ، عن رسول الله أنّه قال : أتانی جبرئیل فقال : إنّ ربّی وربّک یقول : کیف رفعت لک ذِکرک ؟ قال : الله أعلم .

قال : إذا ذُکِرتُ ذُکِرتَ معی((1)) .

وفی زاد المسیر لابن الجوزی : قوله عزّوجلّ {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} فیه خمسة أقوال :

أحدها : ما روی أبو سعید الخدری عن رسول الله أنّه سأل جبرئیل عن هذه الآیة فقال : قال الله عزّ وجلّ : إذا ذُکرتُ ذکرتَ معی ؛ قال قتادة : فلیس خطیب ولا متشهّد ولا صاحب صلاة إلّا یقول : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله » ، وهذا قول الجمهور .

والثانی : رفعنا لک ذکرک بالنبوّة ؛ قاله یحیی بن سلام .

والثالث : رفعنا لک ذکرک فی الآخرة کما رفعناه فی الدنیا ؛ حکاه الماوردی .

والرابع : رفعنا لک ذکرک عند الملائکة فی السماء .

والخامس : بأخذ المیثاق لک علی الأنبیاء وإلزامهم الإیمان بک والإقرار بفضلک ؛ حکاهما الثعلبی((2)) .

أهل البیت ورفع ذکر رسول الله

ومن هذا المنطلق کان أئمّة أهل البیت: یشیدون بهذه المفخرة ، ویجعلونها أکبر إرغام لأعداء النبیّ صلی الله علیه و آله وأعدائهم ، الذین أرادوا تحریف هذا الرفع للذکر وحطّه إلی مرتبة الأحلام والاقتراحات ، وأرادوا أن یطفئوا نور الله فأبی الله إلّا أنّ یتمّ نوره .

یُریدُ الجاحدونَ لِیطفؤوُه ویأبی الله إلّا أن یُتمَّهْ

ففی الندبة الرائعة - التی وجّهها إمام البلاغة علیّ بن أبی طالب بعد وفاة فاطمة الزهراء إلی ابن عمّه رسول الله صلی الله علیه و آله ، حیث أرسل دموعه علی خدّیه وحوّل وجهه إلی قبر رسول الله صلی الله علیه و آله - قال فیما قال :

سلامٌ علیک یا رسول الله سلام مودّع لا سَئم ولا قال ، فإنْ أنصرف فلا عن مَلالة ، وإن أقِم فلا عن سوء ظنٍّ بما وَعَد الله الصابر ین ، والصبرُ أیمنُ وأجمل ، ولولا غلبةُ المستولین علینا لَجعلتُ المقام عند قبرک لِزاماً ، واللَّبثَ عنده معکوفاً ، ولاَعولتُ إعوالَ الثکلی علی


1- تفسیر الطبری 30 : 151 .
2- زاد المسیر لابن الجوزی 8 : 272 .

ص:113

جلیل الرزیّة ، فبعینِ الله تُدفَنُ ابنتُک سرّاً ... ولم یَطُل العهد ، ولم یَخلُ منک الذّکر ، فإلی الله یا رسول الله المشتکی ، وفیک أجمل العزاء ، وصلوات الله علیک وعلیها ورحمة الله وبرکاته((1)) .

وفی هذه الندبة التصریح بأنّ المستولین قلّلوا أو حاولوا التقلیل من شأن الرسول صلی الله علیه و آله وأهل بیته ، وذلک بعد وفاته مباشرة ولمّا یخلق الذکر ، وأنّ أمیر المؤمنین علیاً لو استطاع لجعل مقام رسول الله فی محلّه الرفیع الذی وضعه الله فیه ، لکنّ الظروف القاسیة التی کانت محیطة به لم تتح له الفرصة ، فقلّ ذکر النبیّ عند مَن اشتغلوا بمشاغل الدنیا وترکوا النبیّ وذکره أو کادوا ، وهذا ممّا جعل الإمام یقول : لجعلتُ المقام عند قبرک لزاماً ، واللبث عنده معکوفاً .

وقد أشارت فاطمة الزهراء فی خطبتها التی خطبتها فی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله إلی هذه المسألة نفسها ، وأنّ هناک قوماً حاولوا إطفاء نور الله وخفض منزلة النبیّ صلی الله علیه و آله مع قرب العهد وحَداثة ارتحال النبیّ صلی الله علیه و آله ، فقالت :

فلمّا اختارَ اللهُ لنبیّه دار أنبیائه ومأوی أصفیائه ، ظهرت فیکم حسکة النفاق ، وسمل جلباب الدین ، ونطق کاظم الغاوین ... هذا والعهد قریب ، والکلم رحیب ، والجرح لمّا یندمل ، والرسول لمّا یُقبَر .... ثمّ أخذتم تورون وقدتَها ، وتهیجون جمرتَها ، وتستجیبون لهتاف الشیطان الغوی ، وإطفاء أنوار الدین الجَلیّ ، وإهمال سُنَن النبیّ الصفیّ((2)) ...

ولذلک کانت تبکی عند قبر رسول الله صلی الله علیه و آله ، وتقول : لقد أصبت بخیر الآباء


1- مصنّفات الشیخ المفید 13 : 281 - 282 المجلس 33 ، ح 7 ، أمالی الطوسی : 110 ، الکافی 1 : 459 ، دلائل الإمامة 138 .
2- الاحتجاج : 101 - 102 والنصّ عنه . وانظرها فی دلائل الإمامة : 114 - 118 ، وشرح نهج البلاغة 16 : 251 .

ص:114

رسول الله صلی الله علیه و آله ، واشوقاه إلی رسول الله ، ثمّ انشأت تقول :

إذا مات یوماً میّت قلّ ذکرُهُ وذکرُ أبی مذ مات والله أکثرُ((1))

وأشارت بذلک إلی أنّ الله سبحانه وتعالی رفع ذکر نبیّه فی حیاته ، وقدّر له أن یرفع بعد وفاته ، وإن ظنّ من ظَنَّ أنّه أبترُ إذا مات انقطع ذکره ، وارتدّ مَن ارتدّ لعروجه ومقارنة اسمه باسم ربّ العالمین ، وغضب من غضب وحاول عزو ذلک إلی أنّه من اقتراح عمر أو من النبیّ نفسه وأراد له السحق والدفن ، کلّ تلک المحاولات التحریفیة باءت بالفشل وخلد ذکر النبیّ فی الأذان والتشهد وفی کلّ موطن یذکر فیه اسم رب العالمین .

ولو قرأت مقولة الإمام الحسن لمعاویة لمّا استنقص علیّاً وحاول الحطّ من ذکره لرأیت الأمر کذلک ؛ إذ قال له :

أیّها الذاکر علیاً ، انا الحسن وأبی علیّ وأنت معاویة وأبوک صخر ، وأُمّی فاطمة وأُ مّک هند ، وجدّی رسول الله صلی الله علیه و آله وجدّک حرب ، وجدّتی خدیجة وجدّتک قتیلة ؛ فلعن الله أخمَلَنا ذِکراً ، وألأمنا حَسَباً ، وشَرّنا قدماً ، وأقدمنا کفراً ونفاقاً .

فقال طوائف من أهل المسجد : آمین .

قال فضل : فقال یحیی بن معین : ونحن نقول : آمین ، قال أبو عبید : ونحن أیضاً نقول : آمین ، قال أبو الفرج : وأنا أقول : آمین((2)) .

هذا وإن ماسأة کربلاء وقضیة الإمام الحسین تؤکّد ما قلناه وأن الإمام خرج للإصلاح فی أمة جدّه لمّا رأی التحریفات الواحدة تلو الآخری تلصق بالدین،


1- کفایة الأثر : 198 ( باب ما جاء عن فاطمة من النصوص ) .
2- مقاتل الطالبیین : 70 والنص عنه ، الارشاد للمفید 2 : 15 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 36 ، شرح نهج البلاغة 16 : 47 ، کشف الغمة 1 : 542 .

ص:115

وعرف بأنّهم یریدون لیطفئوا نور الله ورسوله .

والعقیلة زینب قد أشارت إلی هذه الحقیقة عندما خاطبت یزید بقولها :

« کد کیدک ، واسْعَ سعَیک ، واجهَد جهدک ، فوالله الذی شرّفنا بالوحی والکتاب والنبوّة والانتخاب لا تُدرِک أمدَنا ، ولا تَبلُغ غایتنا ، ولا تمحو ذِکرَنا ، ولا تُمیتَ وحینا ، ولا یرحض عنک عارها ، وهل رأیک إلّا فَنَد ، وأیامک إلّا عَدَد ، وجمعک إلّا بَدَد ، یوم ینادی المنادی : ألا لعنةُ الله علی الظالم العادی ... »((1))

وکأنّ الإمام السجّاد علیّ بن الحسین أراد الإلماح إلی قضیة الاختلافات الأذانیّة ، وعداء معاویة مع ذکر اسم النبیّ محمّد فی الأذان ، حین عرّض بیزید لمّا أمرَ المؤذن أن یؤذّن لیقطع خطبة الإمام علیّ بن الحسین فی مسجد دمشق ..

قالوا : قال الإمام علیّ بن الحسین : یا یزید ، ائذَن لی حتّی أصعد هذه الأعواد ... فأبی یزید ، فقال الناس : یا أمیر المؤمنین ، ائذن له لیصعد فلعلّنا نسمع منه شیئاً ، فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ینزل إلّا بفضیحتی وفضیحة آل أبی سفیان ، فقالوا : وما قَدرُ ما یُحسِن هذا ؟! فلم یزالوا به فإذن له بالصعود ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه وقال :

أیّها الناس ، أُعطینا سِتّاً وفُضّلنا بسبع ، أُعطینا العلم والحلم ... وفُضّلنا بأنّ منّا النبیّ المختار محمّد ، ومنّا الصدّیق ، ومنّا الطیّار ، ومنا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سیّدة نساء العالمین فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسیّدا شباب أهل الجنة ، فمَن عَرَفنی فقد عرفنی ، ومَن لم یعرفنی أنبأتُه بحسبی ونسبی : انا ابن مکّة ومنی ، أنا ابن زمزم


1- الاحتجاج 309 ، بحار الأنوار 45 : 135 ، اللهوف لابن طاووس ومثیر الأحزان وغیرها .

ص:116

والصفا ... أنا ابن من حُمِلَ علی البراق فی الهوا ، أنا ابن من أسری به من المسجد الحرام إلی المسجد الأقصی ، فسبحان من أسری ، أنا ابن من بَلَغ به جبرئیل إلی سِدرة المنتهی ، أنا ابن مَن دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی ، أنا ابن من صلّی بملائکة السماء ، أنا ابن من أوحی إلیه الجلیل ما أوحی ، أنا ابن محمّد المصطفی ...((1))

قال : ولم یزل یقول : أنا أنا حتّی ضجّ الناس بالبکاء والنحیب ، وخشی یزید أن تکون فتنة ، فأمر المؤذن أن یؤذّن فقطع علیه الکلام وسکت .

فلمّا قال المؤذّن : « الله اکبر » قال علیّ بن الحسین : کبّرتَ کبیراً لا یقاس ، ولا یُدرَک بالحواس، ولا شیء أکبر من الله .

فلمّا قال: « أشهد أن لا إله إلّا الله » قال علیّ بن الحسین : شَهِد بها شَعری وبَشری ولحمی ودمی ومخّی وعظمی .

فلمّا قال: « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » التفت علیّ بن الحسین من أعلی المنبر إلی یزید وقال: یا یزید ! محمّدٌ هذا جدّی أم جدّک ؟ فإن زعمت أنّه جدّک فقد کذبت ، وإن قلت أنّه جدّی فلم قتلتَ عِترته((2)) ؟

وها هنا ثلاث رکائز مهمة فی هذه الخطبة :

أوّلها : إن یزید خاف أن یذکر الإمامُ السجّادُ فضائحَ یزید ومعاویة وآل أبی سفیان ، مع أنّ الإمام فی خطبته هذه لم یذکر صریحاً شرک أبی سفیان ولا معاویة ولا کونهما ملعونین ، کما لم یذکر هنداً وما کان منها فی الجاهلیة من سوء السیرة ، ولا ما کان من بقرها بطن حمزة ولا ولا ... فکانت الفضیحة لهم ببیان الحقائق


1- کفایة الأثر 198 .
2- مقتل الحسین للخوارزمی 69 - 71 ، والفتوح لابن أعثم 3 : 155 .

ص:117

النیّرة ، وما حرّفه المحرّفون ، وبیان مقامات النبیّ وعترته .

وثانیها : إنّ قسطاً مهمّاً من الخطبة انصبَّ علی حقیقة الإسراء والمعراج ؛ إذ فیها العنایة المتزایدة ببعض تفاصیلهما ، والتأکید علی أنّهما حقیقة عیانیّة بدنیّة کانت للنبیّ صلی الله علیه و آله ، لا أنّها رؤیا وحُلُم کما یدّعیه الأمویّون ، فکان الإسراء والمعراج فیهما رفع ذکر النبیّ وتشریع الأذان والصلاة ، وفیهما رفع ذکر آل النبیّ صلی الله علیه و آله تبعاً له .

کما أنّ فی الخطبة حقیقة أنّ علیّاً هو الصدّیق لا غیره ، وأنّ فاطمة سیّدة نساء العالمین ، لا کما حرّفوا من أنّ الصدّیق هو أبو بکر ، وأنّ اسمه علی قائمة العرش ، مع أنّ الحقیقة هی أنّ علیّاً هو الصدیق وأن اسمه مکتوب علی العرش - کما سیأتیک بیانه لاحقاً - وأن الصدّیقة فاطمة الزهراء قد کذَّبت أبا بکر الصدیق !!! وقالت له : لقد جئتَ شیئاً فَریّاً((1)) وکذا الإمام علیّ فإنّه کذب من ادعی الصدّیقیة فی أبی بکر بقوله: أنا عبدَالله وأخو رسوله ، وأنا الصدّیق الأکبر ، لا یقولها بعدی إلّا کذاب مفتری ، لقد صلیت قبل الناس بسبع سنین((2)) .

وقال فی آخر : أنا الصدّیق الأکبر ، والفاروق الأول ، أسلمت قبل إسلام أبی بکر ، وصلیت قبل صلاته((3)) .

وعن معاذة قالت : سمعت علیّاً وهو یخطب علی منبر البصرة یقول : أنا


1- تثبیت الإمامة 30 ، بلاغات النساء 14 ، شرح نهج البلاغة 16 : 212 ، 251 ، جواهر المطالب 1 : 161 .
2- مستدرک الحاکم 3 : 112 وقال : صحیح علی شرط الشیخین وتلخیصه للذهبی ، وشرح نهج البلاغة 13 : 228 ، 1 : 30 ، سنن ابن ماجه 1 : 44 ح 120 قال فی الزوائد : هذا اسناد صحیح ورجاله ثقات ، تاریخ الطبری 2 : 310 ، والآحاد والمثانی 1 : 148 وغیرها .
3- شرح نهج البلاغة 4 : 122 ، 13 : 200 ، والمعارف لابن قتیبة 97 . وفیه قال علیّ علیه السلام : أنا الصدّیق الأکبر آمنتُ قبل أن یؤمن أبو بکر وأسلمت قبل أن یسلم أبو بکر .

ص:118

الصدّیق الأکبر ، آمنت قبل أن یؤمن أبو بکر وأسلمت قبل أن یسلم ] أبو بکر [((1)) ، فلا یعرفُ بعد هذا من هو الصادق ومن هو الکاذب ومن هو الصدّیق ومن هی الصدّیقة فی قاموس القوم ؟ وقد مرّ علیک أنّ معاویة حرّف کلّ فضیلة لعلیّ وجعلها فی غیره .

وثالثها : أنّ یزید لمّا أمر المؤذّن بالأذان لیقطع کلام الإمام ، کان الإمام السجّاد یوضّح کلّ فقرة من فقرات الأذان ، مُعرِّضاً بمن یتلفّظون بألفاظه دون وعی لمفاهیمه ، وهو ما سنقوله لاحقاً من أنّه یحتوی علی مفاهیم الإسلام ، وأنّه وجه الدین ، وأنّه ثبت بالوحی ، لا کما أرادوا تصویره بأنّه مجرّد إعلام قابل للزیادة والنقصان ، وُضع بأحلام واقتراحات من الصحابة !!

وفی قول السجّاد علیه السلام « یا یزید! محمّد هذا جدّی أم جدّک » بیان لارتفاع ذکر النبیّ وآله ، وأنّ الأمویّین لم یفلحوا فی حذف اسمه من الأذان وإخماد ذکره ، ومحاولة إدراج اسم « أمیر المؤمنین »((2)) !!! معاویة فی آخر الأذان ، وإن نجحوا ظاهریّاً فی إخماد ثورة الحسین وقتله وقتل عترة النبیّ صلی الله علیه و آله .

فالأذان المشرع من الوحی کان مفخرة آل النبیّ ، وبیاناً لارتفاع ذکره وذکر آله ، لا کما قیل فیه من أنواع المختلقات .

و یؤکّد ذلک أنّه لمّا قدم علیّ بن الحسین بعد قتل أبیه الحسین علیه السلام إلی المدینة استقبله إبراهیم بن طلحة بن عبیدالله وقال :

یا علیّ بن الحسین ، مَن غَلَب ؟ وذلک علی سبیل الشماتة.


1- شرح نهج البلاغة 13 : 228 ، وأنساب الاشراف بتحقیق المحمودی 146 ، الآحاد والمثانی 1 : 151 ، والمعارف لابن قتیبة 99 .
2- مرَّ علیک قبل قلیل قول السیوطی فی کتاب الوسائل إلی معرفة الأوائل 26 : أن أوّل من أمر المؤذن أن یشعره وینادیه فیقول : السلام علی أمیر المؤمنین الصلاة یرحمک الله ، معاویة بن أبی سفیان .

ص:119

فقال له علیّ بن الحسین : إذا أردتَ أن تعلم من غَلَب ودخل وقت الصلاة فأذِّن ثمّ أقِم((1)) .

وذلک أنّ ذکر الرسول المصطفی خُلّد فی الأذان والإقامة رغم نصب الناصبین وعداء المعادین ، وبه خلود ذکر آل النبیّ صلی الله علیه و آله ، فیکونون هم الغالبین لا بنو أمیّة ولا من غصبوا الحقوق وحرَّفوا المعالم عن سُنَنها ومجار یها .

وقد کانت نعرة البغض لرهط النبی وآله مترسّخة متجذرة فی نفوس الأمویین إلی أبعد الحدود ، حتّی وصلت بهم درجة الإحساس بالتعالی والتیه والکبر إلی أن یحاسبوا حتّی من یمدحهم غایة المدح فیما إذا قدّم علیهم آل الرسول ، فقد افتخر ابن میادة الشاعر بقومه بعد رهط النبی وبعد بنی مروان ، فقال :

فَضَلْنا قریشاً غیرَ رهطِ محمَّدِ وغیرطَ بنی مروان أَهلِ الفضائلِ

فقال له الخلیفة الاموی الولید بن یزید : قدَّمْتَّ رهطَ محمّد قبلنا ؟! فقال ابن میادة : ما کنت أظنه یمکن إلّا ذاک((2)) .

فها هو الشاعر یصرّح - طبقاً لضرورات الدین - بأنه لا یمکن للمسلم إلّا أن یقدّم رهط النبی صلی الله علیه و آله علی قومه وعلی جمیع الاقوام ، لکن العقلیة الأمویة والمروانیة کانت تسعی فی طمس آثار آل الرسول بکل ثقلها وجهدها .

وفی العصر العباسی ، دخل الإمام علیّ الهادی علیه السلام یوماً علی المتوکّل فقال له المتوکل : یا أبا الحسن مَن أشعر الناس ؟ - وکان قد سأل قبله علیّ بن الجهم ، فذکر شعراء الجاهلیة وشعراء الإسلام - فلمّا سأل الإمامَ قال : علیّ الحمانی حیث یقول :

لقد فاخَرَتْنا من قریش عصابةٌ بمطّ خُدود وامتدادِ أصابعِ


1- أمالی الطوسی 687 - 688 ، مجلس یوم الجمعة السابع من شعبان 457 ه- .
2- انظر انساب الاشراف 13 : 128 . وفیه انّ إبراهیم بن هشام بن عبدالملک قال لابن میادة : یا ماصَّ بظر أمّه أنت فضلت قریشاً ، وجرّده فضربه مائة سوط أو أقل .

ص:120

فلمّا تَنازَعنا المقالَ قضی لنا علیهم بما نهوی نداءُ الصَّوامعِ

قال المتوکّل : وما نداء الصوامع یا أبا الحسن ؟ قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله » جدّی أم جدّک ؟ فضحک المتوکل ثمّ قال : هو جدّک لا ندفعک عنه((1)) .

تَرانا سُکوتاً والشهیدُ بفضلِنا

تَراهُ جَهیرَ الصوتِ فی کلِّ جامعِ

بأنّ رسولَ اللهِ أحمدَ جدُّنا

ونحن بَنوهُ کالنجومِ الطَّوالعِ((2))

فکان الأذان وفیه اسم محمّد ، المرفوع ذکره ، المستتبع لرفع ذکر الأئمّة من أولاده((3)) ، کان ذلک أکبر مفخرة للمسلم الحقیقی ، کما کان یؤذی أعداء الإسلام الذین ارتدوا بسبب المعراج ، ویؤذی من أرادوا جعل الأذان وفصوله أحلاماً واقتراحات ، ویؤذی معاویة الذی أرّقه ذکر اسم « محمّد » واقترانه باسم ربّ العالمین ، ویؤذی أولاد طلحة وقتلة الحسین علیه السلام ، کما کان یؤرق المتوکّل العباسی ، وکلّ رموز التحریف وأرباب الطموحات السلطو یین ، وکلّهم من السلک القرشی المعادی لله وللرسول ولعترة الرسول صلوات الله علیهم أجمعین .

القدرة الإلهیّة وفشل المخطّطات

إن قریشاً سعت للوقوف أمام الدعوة ودأبت علی طمس معالم الإسلام ، لکن الله أبی إلّا أن یتمّ نوره ولو کره الکافرون {یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ


1- أمالی الطوسی 293 .
2- انظر : دیوان علیّ الحمّانی 81 ، ومناقب ابن شهرآشوب 4 : 406 وفیه : « علیهم » بدل : « تراه » .
3- لأنّه صلی الله علیه و آله أمر أن لا یصلوا علیه الصلاة البتراء .

ص:121

وَیَأْبَی اللهُ إِلاَّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ} ((1)) .

وقد مرّ علیک قول معاویة بن أبی سفیان : ( إلّا دفناً دفناً ) فی حین أن الله سبحانه وتعالی یقول : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} .

وقال السدّی فی تفسیر قوله : {إِنَّ شَانِئَکَ هُوَ الْأَبْتَرُ} : کانت قریش یقولون لمن مات الذکور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات ابنه صلی الله علیه و آله : القاسم ، وعبدالله بمکّة ، وإبراهیم بالمدینة ، قالوا : بُتِرَ ، فلیس له من یقوم مقامه .

ثمّ إنّه تعالی بیّن أنّ عدوّه هو الموصوف بهذه الصفة ، فإنّا نری أنّ نسل أولئک الکفرة قد انقطع ، ونسله علیه الصلاة والسلام یزداد کلّ یوم وینمو وهکذا إلی یوم القیامة((2)) .

فقد أشار الفخرالرازی فی تفسیر قوله تعالی : {إِنَّا أَعْطَیْنَاکَ الْکَوْثَرَ} إلی أن الکوثر : أولاده صلی الله علیه و آله ، قالوا : لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً علی من عابه علیه السلام بعدم الأولاد ، فالمعنی أنّه یعطیه نسلاً یبقون علی مرّ الزمان .

فانظر کم قُتل من أهل البیت ، ثمّ العالَم ممتلئ منهم ، ولم یبقَ من بنی أمیّة فی الدنیا أحد یُعبأ به .

ثمّ انظر کم فیهم من الأکابر من العلماء کالباقر والصادق والکاظم والرضا علیهم السلام والنفس الزکیّة وأمثالهم((3)) .

وکان الأمویون یحسدون آل البیت علی ما آتاهم الله من فضله ، وقد جاء فی تفسیر قوله تعالی : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی ...} أنّها نزلت فی علیّ

علیه السلام وما خُصَّ


1- التوبة : 32 .
2- التفسیر الکبیر 32 : 133 .
3- التفسیر الکبیر 32 : 124 .

ص:122

به من العلم((1)) .

وعن ابن عبّاس فی قوله : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ} قال : نحن الناس دون الناس((2)).

وعن محمّد بن جعفر فی قوله : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ} ، قال : نحن المحسودون ، وعن ابن عبّاس فی قوله {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ} قال : نحن الناس المحسدون و« فضله » النبوة((3)) .

فسبحانه جل شأنه رفع ذکرَ محمّد وآل محمّد بآیات التطهیر والمودّة والمباهلة وسورة الدهر وبراءة وغیرها من السور والآیات الکثیرة، ولو تدبّر المطالع فی سورة الضحی لعرف نزولها فی مدح النبیّ محمّد وأنّه جلّ شأنه ذکره بثلاثة أشیاء تتعلق بنبوته ، منها : {وَلَسَوْفَ یُعْطِیکَ رَبُّکَ فَتَرْضَی} وفی سورة ألم نشرح شرّفه بثلاثة أشیاء أوّلها : {أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ} ، وثانیها : {وَوَضَعْنَا عَنْکَ وِزْرَکَ * الَّذِی أَنْقَضَ ظَهْرَکَ} ، وثالثها : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ((4)) .

قال الإمام فخر الدین الرازی: جعل الله تعالی أهل بیت النبیّ صلی الله علیه و آله مساوین له فی خمسة أشیاء :

أحدها : المحبة ؛ قال الله تعالی : {فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ} ، وقال لأهل بیته : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} .

والثانیة : تحریم الصدقة ؛ قال صلی الله علیه و آله : لا تحل الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد ، إنّما هی أوساخ الناس .

والثالثة : الطهارة ؛ قال الله تعالی : {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ


1- شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 7 : 220 .
2- المعجم الکبیر 11 : 146 ، مجمع الزوائد 7 : 6 والنص له .
3- شواهد التنزیل 1 : 183 .
4- التفسیر الکبیر 32 : 118 .

ص:123

لِتَشْقَی} أی یا طاهر ، وقال لأهل بیته : {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً} .

والرابعة : فی السلام ؛ قال : « السلام علیک أیّها النبیّ » ، وقال لأهل بیته ( سلام علی آل یس )((1)) .

والخامسة : فی الصلاة علی النبیّ صلی الله علیه و آله وعلی الآل فی التشهّد((2)) .

وبهذا فقد عرفنا - وعلی ضوء الصفحات السابقة - بأن المجتهدین کانوا وراء فکرة الرؤیا ، وأنّ رأسها الأمویون ، استغلوا ما طرح فی عهد الصحابة لما یریدون القول به لاحقاً .

فإنّ النصوص السابقة وضّحت لنا بأنّ الصحابة اقترحوا علی رسول الله بأن یتخذ ناقوساً مثل ناقوس النصاری أو بوقاً مثل قرن الیهود ورسول الله لم یرضَ بذلک حتّی أُری عبدالله بن زید أو غیره الأذان .

وجاء فی کتاب ( من لا یحضره الفقیه ) عن الإمام علیه السلام أنّه قال : کان اسم النبیّ صلی الله علیه و آله یکرّر فی الأذان ، فأوّل مَن حذفه ابن أروی((3)) . وهو عثمان بن عفّان .

وهذا یتّفق مع ما قاله محمّد بن علیّ بن إبراهیم بن هاشم فی کتاب العلل وهو یذکر علل فصول الأذان حتّی یقول : .... وقوله : ( حیّ علی خیر العمل ) أی


1- قرأ نافع وابن عامر ویعقوب هذه الآیة بفتح الهمزة ومدّها وقطع اللام من الیاء کما فی آل یعقوب ، « النشر فی القراءات العشر 2 : 360 وتحبیر التیسیر : 170 » وللتأکید أقر فی مصحف المدینة النبویة بروایة ورش عن نافع المدنی والمطبوع فی المملکة العربیة السعودیة صفحه 407 الآیة : 130 من سورة الصافّات .
2- انظر : نقل کلام الفخر الرازی فی : نظم درر السمطین 240 ، والصواعق المحرقة 233 - 234 ، وینابیع المودّة 1 : 130 - 131 ، وجواهر العقدین 2 : 166 .
3- من لا یحضره الفقیه 1 : 299 ، کتاب الصلاة باب الأذان والإقامة .

ص:124

حث علی الولایة ، وعلّة أنّها خیر العمل أن الأعمال کلّها بها تقبل .

الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فألقی معاویةُ من آخر الأذان ( محمّد رسول الله ) فقال : أما یرضی محمّد أن یذکر فی أوّل الأذان حتّی یذکر فی آخره((1)) .

وقد مرَّ علیک ما رواه عبدالرزاق عن إبراهیم من أنّ أوّل من أفرد الإقامة معاویة ، وقال مجاهد : کانت الاقامة مثنی کالأذان حتّی استخفّه بعض أمراء الجور فأفرده لحاجة لهم((2)) .

وجاء فی مجمع الزوائد عن عبدالرحمن بن ابن لیلی قال : کان علی بن أبی طالب اذا سمع المؤذن یؤذن قال کما یقول فإذا قال : اشهد ان لا إله إلّا الله واشهد ان محمّداً رسول الله . قال علی : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّ الذین جحدوا محمّداً هم الکافرون((3)) .

بعد ذلک لا غرابة علیک فی تصریح الصادق علیه السلام بأنّ الحکومات والنواصب


1- بحار الأنوار 81 : 170 ، عن العلل لابن هاشم ، وقد علّق المجلسی علی کلامه بقوله :... وکون الشهادة بالرسالة فی آخر الأذان غریب ، ولم أره فی غیر هذا الکتاب . أقول : قد یکون المراد من الشهادة بالرسالة فی آخر الأذان هو ما جاء فی بعض الروایات من استحباب ذکر الرسول وجعله الوسیلة إلی الله فی آخر الأذان ، وکلما سمع المسلم الشهادة بالنبوة فی الأذان وغیره. وهذا ما حذفه معاویة ، قال الشروانی فی حواشیه 3 : 54 ( .. وصریح کلامهم أنّه لا یندب الصلاة علی النبیّ بعد التکبیر ، لکن العادة جاریة بین الناس بإتیانها بها بعد تمام التکبیر ، ولو قیل باستحبابها عملاً بظاهر (وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ( وعملاً بقولهم : إنّ معناه « لا أذکر إلّا وتذکر معی » لم یکن بعیداً ، فتأمل .
2- أبو الوفاء الأفغانی فی تعلیقته علی کتاب الآثار 1 : 107 ، وانظر : المصنّف لعبدالرزاق 1 : 463/1793 .
3- مجمع الزوائد 1 : 332 .

ص:125

منهم علی وجه التحدید حرّفوا أو حاولوا تحریف الحقائق ، فقد عرفنا سیاسة التحریف عند الأمویین ومسخهم للحقائق وأنّ عملهم هذا یصب فی المخطط الهادف إلی إبدال کلّ ما جاء من حقائق الإسلام وکلّ ما کان من فضائل الإمام علیّ وأصحاب نهج التعبد .

فقد روی القاسم بن معاویة خبراً قال فیه :

قلت لأبی عبد الله علیه السلام : هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لما أسری برسول الله رأی علی العرش مکتوباً « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بکر الصدیق » .

فقال : سبحان الله ، غیروا کل شیء حتّی هذا ؟!!

قلت : نعم .

فقال الصادق علیه السلام ما ملخّصه : إنّ الله تعالی لمّا خلق العرش ، والماء ، والکرسی ، واللوح ، وإسرافیل ، وجبرائیل ، والسماوات والأرضین ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، کان یکتب علی کلّ منها « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین » . ثمّ قال علیه السلام : فإذا قال أحدکم « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله » فلیقل « علیّ أمیر المؤمنین »((1)) .

فالقارئ البصیر لو تدبّر فی النصوص الصادرة عن الأئمة لعرف أنّ رسالتهم هی تصحیح للأفکار الخاطئة المبثوثة فی الشر یعة والتاریخ ، ویتأکد لک مدعانا لو طبق علی ما نحن فیه ، من وجود تیار یحمی فکرة الرؤیا وهم النواصب وأعداء النبیّ والإمام علیّ بن أبی طالب ، وهؤلاء النواصب کانوا لا یستسیغون ذکر الرسول محمّد فی الأذان ، أو یتصورون أنّ الشهادة الثانیة من وضعه

صلی الله علیه و آله ، فکیف


1- انظر الاحتجاج: 158 .

ص:126

یقبل أمثال هؤلاء بشرعیة شیء فیه تنویه ورفعة لمنزلة آل الرسول صلی الله علیه و آله ، والنواصب هم الذین یحرفون الکلم عن مواضعه ویجعلون مکانها مفاهیم اُخری ، وقد أشرنا سابقاً إلی بعضها ، وإلیک نَصَّین آخرین فی هذا السیاق ، إذ جاء فی أصل زید النرسی ، عن الإمام الکاظم بأن الصلاة خیر من النوم من بدع بنی أمیّة((1)) ، وهی توکّد ما نرید الوصول إلیه من حقیقة الأذان وکیفیة وقوع التحریف فیه .

فقد روی الصدوق وعلیّ بن إبراهیم ، عن عمر بن أُذینة ، عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال : یا عمر بن أُذینه ، ما تری هذه الناصبة ؟

قال : قلتُ : فی ماذا ؟

فقال : فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم .

قال : قلت : إنّهم یقولون : إنّ أبیّ بن کعب رآه فی النوم .

فقال : کذبوا ، فإنّ دین الله عزّ وجلّ أعزّ من أن یُری فی النوم .

فقال سدیر الصیرفی للإمام : جُعلت فداک ، فأَحِدث لنا من ذلک ذِکراً ((2))، فبدأ الإمام الصادق علیه السلام ببیان عروج الرسول إلی السماوات السبع وذکر لهم خبر الأذان والصلاة هناک .

ولو أحببت الوقوف علی ملابسات هذه الأمور أکثر فأکثر ، ومعرفة دور قریش وأتباعهم من النواصب فی تحریف النصوص وما یتعلق بالإمام علیّ علی وجه التحدید ، فتمعن فیما نقوله تحت العنوان الآتی :


1- أصل زید النرسی54 ، وعنه فی مستدرک الوسائل 4 : 44 ح 4140/2 .
2- الکافی کتاب الصلاة باب النوادر 3 : 482 - 486/1 . وللمزید من الاطّلاع یمکنک مراجعة خبر الإسراء فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی 2 : 3 - 12 . وانظر : علل الشرایع 2 : 313 باب علل الوضوء والأذان والصلاة ، وعنه فی بحار الأنوار 18 : 354 .

ص:127

مَنْ هم الثلاثة أو الأربعة ؟

بعد أن وقفت علی بعض تحریفات بنی أمیّة نوقفک الآن مع عبارة مبهمة تذکرها کتب الصحاح والسنن فی خبر الإسراء ، مفادها أنّ جبریل لمّا نزل بأمر الإسراء رأی ثلاثة رجال نائمین ، فقال إسرافیل لجبرئیل : أیّهم هو ؟ فقال : أوسطهم .

وکان النائم فی الوسط هو النبیّ محمّد، فالآن نتساءل : من هما الاثنان الآخران یا تری ؟ ولماذا الإبهام فی اسمیهما ؟

أخرج مسلم فی صحیحه ، وأبو عوانة فی مسنده ، والترمذی فی سننه ، وابن خزیمة فی صحیحه ، والنصّ للأول بسنده عن قتادة ، عن أنس بن مالک ، لعلّه قال عن مالک بن صعصعة ( رجل من قومه ) ، قال : قال نبیّ الله : بینا أنا عند البیت بین النائم والیقظان إذ سمعت قائلاً یقول : أحد الثلاثة بین الرجلین ...((1))

وفی مسند أحمد ، والمجتبی للنسائی ، والسنن الکبری له أیضاً ، والنصّ للأوّل ... عن قتادة ، عن أنس بن مالک ، عن مالک بن صعصعة : أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال : بینا أنا عند الکعبة بین النائم والیقظان فسمعت قائلاً یقول : أحد الثلاثة ... فأُتِیتُ بطست من ذهب .... ثمّ أُتیتُ بدابّة دون البغل وفوق الحمار ، ثمّ انطلقت مع جبرئیل علیه السلام ... الحدیث((2)) .


1- صحیح مسلم 1 : 104 کتاب الإیمان 1 : 149 باب الإسراء برسول الله صلی الله علیه و آله إلی السماوات وفرض الصلوات ح 264 ، مسند أبی عوانة 1 : 107 ، وصحیح ابن خزیمة 1 : 153 ، کتاب الصلاة ، باب بدء فرض الصلوات الخمس ، تفسیر القرطبی 20 : 104 ، أسد الغابة 4 : 281 ، الدیباج للسیوطی 1 : 207 ، وانظر : جامع البیان 15 : 4 ، وسنن الترمذی 5 : 442 ح 3346 ، کتاب تفسیر القرآن باب « من سورة ألم نشرح » .
2- مسند أحمد 4 : 207 ، 210 ، سنن النسائی 1 : 217 ، السنن الکبری 1 : 138 .

ص:128

علی أنّ البخاری وغیره أرجعوا هذا الخبر إلی قبل أن یبعث الرسول صلی الله علیه و آله ، فجاء فی الصحیحین عن شریک بن عبدالله بن أبی نمر : سمعت أنس بن مالک یحدّثنا عن لیلة أُسری بالنبیّ صلی الله علیه و آله من المسجد الکعبة : جاء ثلاثة نفر قبل أن یوحی إلیه وهو نائم فی مسجد الحرام ، فقال أوّلهم : أیّهم هو ؟ فقال : أوسطهم هو خیرهم ، وقال آخرهم : خذوا خیرهم ، فکانت تلک ، فلم یَرَهم حتّی جاءوا لیلة أخری فیما یری قلبه والنبیّ صلی الله علیه و آله نائمة عیناه ولا ینام قلبه .. فتولاّه جبرئیل ثمّ عرج به إلی السماء((1)) .

وفی هذه الضبابیة وهذا الإبهام نری کتب شروح الحدیث عند أهل السنّة والجماعة لا توضّح إلّا بعض الشیء عن هؤلاء ، فحکی السندی فی حاشیته علی النسائی وضمن تفسیره لهذا الحدیث .. « قالوا : هما حمزة وجعفر ... »((2)) .

وفی شرح مسلم باب الإسراء : روی أنّه کان نائماً معه حینئذ عمّه حمزة بن عبدالمطّلب وابن عمّه جعفر بن أبی طالب((3)) .

وفی فتح الباری بشرح صحیح البخاری : ... فقال أوّلهم : أیهم هو ، فیه إشعار بأنّه کان نائماً بین جماعة أقلّهم اثنان وقد جاء أنّه کان نائماً معه حینئذ حمزة ابن عبدالمطّلب وجعفر بن أبی طالب ابن عمّه((4)) .


1- صحیح البخاری 5 : 33 - 34 / کتاب المناقب - باب « کان النبیّ تنام عینه ولا ینام قلبه » . وانظر : 9 : 824 ، کتاب التوحید - باب « وکلّم الله موسیٰ تکلیما » ، وصحیح مسلم 1 : 148 ، کتاب الإیمان ، باب « الإسراء برسول الله صلی الله علیه و آله » ، وسنن البیهقی 7 : 62 . وقال ابن حجر فی فتح الباری 13 : 409 : « وقوله : قبل أن یُوحی إلیه » أنکرها الخطّابی وابن حزم وعبدالحقّ والقاضی عیاض والنووی ، وعبارة النووی : وقع فی روایة شریک هذه أوهام أنکرها العلماء ، أحدها قوله : قبل أن یوحی إلیه ، وهو غلط لم یَوافَق علیه .
2- حاشیة السندی علی النسائی 1 : 217 ، کتاب الصلاة باب فرض الصلاة وذکر اختلاف الناقلین .
3- هذا ما حکاه مهمّش تفسیر القرطبی 20 : 104 . ولم نقف علیه فی مظانّه .
4- فتح الباری بشرح صحیح البخاری 13 : 409 - 410 ، کتاب التوحید .

ص:129

وقال البناء فی الفتح الربّانی((1)) والمبارکفوری فی تحفة الأحوذی((2)) ، والکلام للأوّل : قال الحافظ : والمراد بالرجلین ، حمزة وجعفر ، وأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله حین کان نائماً بینهما .

هکذا عرّفت کتب الشروح اسم الرجلین دون ذکر سند أو روایة فی ذلک، لکنّ کتب الشیعة الإمامیّة والإسماعیلیّة والزیدیّة رَوَت بأسانیدها أسماء الذین کانوا نائمین مع النبیّ صلی الله علیه و آله ، وهم : علیّ ، وحمزة ، وجعفر ، کانوا یحیطون به عن یمینه وشماله وتحت رِجلَیه ..

روی علیّ بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن عبدالله بن المغیرة ، عن هشام بن الحکم ، عن أبی عبدالله علیه السلام فی قول الله تعالی : {سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَی بِعَبْدِهِ لَیْلاً} ، قال : روی عن رسول الله أنّه قال : بینا أنا راقد بالأبطح ، وعلیٌّ عن یمینی ، وجعفر عن یساری ، وحمزة بین یَدَیّ ، وإذا أنا بخفق أجنحة الملائکة وقائل منهم یقول : إلی أیّهم بُعِثتَ یا جبرئیل ؟ فقال: إلی هذا ، وأشار إلیّ . ثمّ قال : هو سیّد ولد آدم وحوّاء ، وهذا وزیره ووصیّه وختنه وخلیفته فی أمّته ، وهذا عمّه سید الشهداء حمزة ، وهذا ابن عمّه جعفر له جناحان خضیبان یطیر بهما فی الجنّة مع الملائکة ، دعه فلتنم عیناه ولتسمع أُذناه ولْیَعِ قلبه ...((3))

وروی القاضی النعمان فی شرح الأخبار عن الطبری ؛ رفعه إلی حذیفة الیمانی ، قال: خرج إلینا رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً وهو حاملٌ الحسنَ والحسینَ علیهما السلام علی عاتقه ، فقال : هذان خیر الناس أباً وأمّاً ؛ أبوهما علیّ ... إلی أن قال : إنّ الله عزّوجلّ اختارنا أنا وعلیّا وحمزة وجعفر یوم بعثنی برسالته وکنت نائماً بالأبطح ، وعلیّ نائم


1- الفتح الربّانی 20 : 248 .
2- تحفة الأحوذی 9 : 193 .
3- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2 : 13 تأویل الآیات 1 : 269 ، تفسیر نور الثقلین 3 : 100 عنه .

ص:130

عن یمینی ، وحمزة عن یساری ، وجعفر عند رجلی ، فما انتبهت إلّا بحفیف أجنحة الملائکة ، فنظرت فإذا أربعة من الملائکة وأحدهم یقول لصاحبه : یا جبرئیل ، إلی أیّ الأربعة أُرسِلتَ ؟ فرفسنی برِجلی وقال : إلی هذا .

قال : ومَن هذا ؟!

قال : محمّد سیّد المرسلین .

قال : ومَن هذا عن یمینه ؟!

قال : علیّ سیّد الوصیّین .

قال : ومن هذا عن یساره ؟!

قال : حمزة سیّد الشهداء .

قال : ومن عند رجلیه ؟

قال : جعفر الطیّار فی الجنَّة ((1)).

وروی الشیخ الطوسی بإسناده عن إبراهیم بن صالح بن زید بن الحسن ، عن أبیه ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : رقدتُ بالأبطح علی ساعدی وعلیٌّ عن یمینی ، وجعفر عن یساری ، وحمزة عند رِجلی ، قال : فنزل جبرئیل ومیکائیل وإسرافیل ، ففزعت لخفق أجنحتهم . قال : فرفعت رأسی فإذا إسرافیل یقول لجبرئیل : إلی أیّ الأربعة بُعثتَ وبُعثنا معک ؟ قال : فرفس برِجله فقال : إلی هذا ... إلی آخر الروایة((2)) .

وروی المرشد بالله یحیی بن الحسین الشجری - من الزیدیّة - فی الأمالی الخمیسیّة بإسناده عن ابن عباس، عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی قول الله : {إنّما یُریدُ اللهُ لِیُذهِبَ عَنکُمُ الرِّجسَ أهلَ البَیْتِ ویُطَهِّرَکُم تَطْهیراً} فإنّا أهل بیت مُطهَّرون من الذنوب ، ألا


1- شرح الأخبار 1 : 120 - 121 ح 46 .
2- الأمالی للطوسی : 731 مجلس یوم الجمعة الثالث والعشرین من ذی الحجّة سنة 457 ه- .

ص:131

وإن الله اختارنی من ثلاثة من أهل بیتی علی جمیع أمّتی وأنا سیّد الثلاثة ، وسیّد ولد آدم یوم القیامة ، ولا فخر .

قال أهل السدة: یا رسول الله ، سَمِّ لنا الثلاثة نعرفهم ؟ فبسط رسول الله کفَّه الطیّبة المبارکة ثمّ حلق بیده ، قال : اختارنی وعلیّاً وحمزة وجعفراً ، کنا رقوداً بالأبطح لیس منّا إلّا مسجّی بثوبه ، علیّ عن یمینی ، وجعفر عن یساری ، وحمزة عند رجلی ، فما نبّهنی من رقدتی غیر حفیف أجنحة الملائکة وبرد ذراع علیّ تحت خدی ، فانتبهت من رقدتی ، وجبرئیل فی ثلاثة أملاک ، فقال له بعض الأملاک الثلاثة : یا جبرئیل ، إلی أیّ هؤلاء الثلاثة أُرسِلتَ ؟

فحرّکنی برجله وقال : إلی هذا وهو سیّد ولد آدم .

فقال له أحد الثلاثة : ومَن هو ، سمِّه ؟

فقال : هذا محمّد سیّد المرسلین ، وهذا علیّ خیر الوصیّین ، وهذا حمزة سیّد الشهداء ، وهذا جعفر له جناحان خضیبان یطیر بهما فی الجنّة حیث یشاء((1)) .

ولو حقّقنا فی رجال الخبر المروی فی تفسیر علیّ بن إبراهیم - والذی رواه المرحوم شرف الدین الحسینی ( من أعلام القرن العاشر ) مسنداً فی تاو یل الآیات - لرأیناهم ثقات لم یرد فیهم جرح ، ویؤیّده ما حکاه القاضی النعمان المصری فی شرح الأخبار والطوسی والمرشد بالله فی أمالیهما ، فنحن لو جمعنا هذین النصین مع ما جاء فی الإمام علیّ وأنّه أحد سادات أهل الجنّة السبعة بنص رسول الله صلی الله علیه و آله وأنّ مثاله کان فی الجنَّة وقد رأی ذلک رسول الله حینما أسری به إلی السماء ، لعرفنا حقیقة أخری کانت بنو أمیّة تخفیها وتخاف نشرها وشیوعها بین الناس ، بل سعت لطمسها وإبدالها بأخبار أخری فی الصحابة .

وإذا أردتَ أن تقف علی جلیة الأمر ، فلاحِظْ أنّ هناک مجموعة من الأحادیث


1- الأمالی الخمیسیة: 151 .

ص:132

النبویة الشریفة ، ومجموعة من الآیات الکریمة فسّرها الرسول الأکرم ، وفیها تجد علیّاً وحمزة وجعفراً فی إطار واحد لا ینفصلون ، وعلی نسق فرید من الکرامة فیه لا یتفرقون .

فقد أخرج الحاکم وابن ماجة بسندهما عن أنس بن مالک أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال : نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة ؛ أنا وعلیّ وجعفر وحمزة والحسن والحسین والمهدی ، ثمّ قال الحاکم : هذا حدیث صحیح علی شرط مسلم ولم یخرجاه((1)) .

وقد روی ابن عساکر بسنده عن حبشی بن جنادة ، أن رسول الله صلی الله علیه و آله ، قال : إنّ الله اصطفی العرب من جمیع الناس ، واصطفی قریشاً من العرب ، واصطفی بنی هاشم من قریش ، واصطفانی واختارنی فی نفر من أهل بیتی : علیّ وحمزة وجعفر والحسن والحسین((2)) .

وقد روی عطیة ، عن أبی سعید الخدری ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : خیر الناس حمزة وجعفر وعلیّ((3)) .


1- المستدرک علی الصحیحین 3 : 211 والنصّ عنه ، وهو فی سنن ابن ماجة 2 : 1368 باب خروج المهدیّ ح 4087 ، وفیه : « نحن ولد عبدالمطّلب » ... ونحو الأوّل فی طبقات المحدّثین بإصفهان 2 : 291 ، وأیضاً فی سبل الهدی والرشاد 11 : 7 .
2- کنز العمّال 11 : 756 ، ح 3368 ، عن ابن عساکر .
3- شرح نهج البلاغة 15 : 72 .

ص:133

وروی الحاکم الحسکانی بسنده عن عبدالله بن عباس ، فی قول الله تعالی : {أفَمَن وَعَدناهُ وَعْداً حَسَناً فهو لاقِیه} ((1)) ، قال : نزلت فی حمزة وجعفر وعلیّ ، وذلک أنّ الله سبحانه وتعالی وعدهم فی الدنیا الجنّة علی لسان نبیّه صلی الله علیه و آله ، فهؤلاء یلقون ما وعدهم الله فی الآخرة((2)) ...

وروی الحاکم الحسکانی أیضاً بسنده عن عبدالله بن عبّاس فی قول الله تعالی : {مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ} ((3)) ، یعنی علیّاً وحمزة وجعفرا {فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَی نَحْبَهُ} یعنی حمزة وجعفرا {وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ} یعنی علیّاً کان ینتظر أجله والوفاء لله بالعهد والشهادة فی سبیل الله ، فوالله لقد رزق الشهادة((4)) .

وبإسناده أیضاً عن زید ، قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علیّ ، قلت له : أخبرنی عن قوله تعالی : {الَّذِینَ أُخْرِجُوا مِنْ دِیَارِهِمْ بِغَیْرِ حَقٍّ} ((5)) ، قال : نزلت فی علیّ وحمزة وجعفر((6)) ...

فهؤلاء الثلاثة کانوا یحوطون النبیّ کما تحوط عینَ الناظر الهُدُبُ ، وکانوا هم عماد المدافعین عنه فی أوائل الدعوة الإسلامیّة ، وقد أعلنوا إسلامهم بکل جرأة وتحدّ للحشود القرشیة المتظافرة علی الفتک برسول الله صلی الله علیه و آله ، وها قد رأیت الأحادیث النبویة الشریفة والآیات القرآنیة الکریمة کیف تعدهم لئالئ فی سلک ونظام واحد ، فلماذا یحذف اسم « علیّ » من هذه الکوکبة ؟! ما یکون ذلک إلّا من صنیع المبغضین له والأمویین ومن لفّ لفَّهم ، ویکفیک هذا دلیلاً دامغاً علی أنّ ( نهج الأذان المنامی ) حاول التعتیم علی الحقیقة المحمدیة العلویة ، وحاول القضاء علی ( نهج الأذان السماوی ) ، فلم یتمکنوا من ذلک .

وهؤلاء الثلاثة - علیّ وحمزة وجعفر - کانت فضائلهم متماسکة متناسقة حتّی سارت علی السنة الشعراء ، فقد قال الکمیت فی بائیته الرائعة :

أولاک نبیّ الله منهم وجعفر

وحمزة لیث الفَیلقَین الُمجرَّبُ


1- القصص : 61 .
2- شواهد التنزیل 1 : 564 ، ح 601 . وانظر : نهج الإیمان 514 .
3- الأحزاب : 23 .
4- شواهد التنزیل 2 : 6 ، ح 628 . وانظر : التبیان 5 : 318 ، وتفسیر القمّی 2 : 188 .
5- الحجّ : 40 .
6- شواهد التنزیل 1 : 521 ، ح 552 .

ص:134

هُمُ ما هُمُ وتراً

وشَفعاً لقومِهم

لفقدانهم ما

یُعذَرُ المُتَحَوِّبُ قتیل التَّجوبی الذی استوأرت به

یساق به سَوقاً

عنیفاً ویجنبُ

قال شارح القصیدة : قتیل التجوبی هو علیّ بن أبی طالب ، وتجوب قبیلة وهم فی مراد((1)) .

ولمّا هجا أحدُ الشعراء - من ولد کریز بن حبیب بن عبدشمس - محمّد بن عیسی المخزومی ، أجابه شاعرٌ آخر فذکر معایب بنی عبدشمس وأنهم لم یکن لهم ما یذکر فی الجاهلیة من أمر اللواء والندوة والسقایة والرفادة ، وذکر حقدهم علی النبیّ وآل النبیّ صلی الله علیه و آله ، فقال :

لا لواءٌ یُعدّ

یا بن کریز

لا ولا رِفْدُ بیتِه ذی السَّناءِ

لا حجابٌ ولیس فیکم

سِوی الکب

ر وبُغضِ

النبیِّ والشهداءِ بین حاک ومُخْلج وطرید

وقتیل

یَلْعَنْهُ أهلُ السماءِ

ولهم زمزمٌ

کذاک وجِبری

لُ ومجدُ

السقایةِ الغَرّاءِ

قال ابن أبی الحدید : قال شیخنا أبو عثمان : فالشهداء علیّ وحمزة وجعفر ، والحاکی والمخلج هو الحکم بن أبی العاص ... والطرید اثنان : الحکم بن أبی العاص ومعاویة بن المغیرة بن أبی العاص ، وهما جدّا عبدالملک بن مروان من قبل أمّه وأبیه((2)) ...

وعلی کلّ حال ، فإن المنصف لا یرتاب فی أنّ الأذان کان تشریعه سماویاً لا رؤیؤیا ، وکان علیّ وحمزة وجعفر ، محیطین بالنبیّ صلی الله علیه و آله ، لکن الحکومات والسیاسات حذفت اسم علیّ

علیه السلام محاوِلةً إبعاد هذه المکرمة عنه وهی أقرب إلیه من


1- الروضة المختارة 40 .
2- انظر : شرح نهج البلاغة 15 : 198 - 199 .

ص:135

حبل الورید ، وهذه لیست أوّل فعلة من فعلات المحرّفین ، بل لها نظائر ونظائر إلی ما شاء الله .

وما ذکرهم مثال بلال وغیره من الصحابة فی خبر الإسراء والمعراج وترکهم ذکر مثال علیّ إلّا شاهد آخر علی ما حرفوا فی الأذان السماوی ، الذی تبناه علیّ وأولاده وأصحابه .

فقد روی مضمون ذلک جابر بن عبدالله الانصاری ، وأبو أمامة الباهلی ، وبریده ، وأنس بن مالک ، وأبو هریرة ، وسهل بن سعد الساعدی عن رسول الله بنصوص متقاربة .

فأمّا ما رواه جابر - فقد أخرجه البخاری ومسلم فی صحیحیهما((1)) ، وأبو داود الطیالسی((2)) ، وأحمد((3)) فی مسندیهما ، وابن حبان فی صحیحه((4)) - والنص للبخاری - وهو :

قال رسول الله : أُریتنی دخلت الجنَّة ، فإذا أنا بالرمیضاء امرأة أبی طلحة ، وسمعت خشفة فقلت : من هذا ؟

قال ] جبرئیل [ : هذا بلال . قال : ورأیت قصراً بفنائه جاریة ، فقلت : لمن هذا ؟ فقال : لعمر ، فأردت أن أدخله فأنظر إلیه فذکرت غیرتک .


1- صحیح البخاری والنصّ عنه 5 : 70 ح 199 ، باب مناقب عمر بن الخطاب ، وانظر : صحیح مسلم 4 : 1908 ح 2457 باب من فضائل أمّ سلیم أمّ أنس بن مالک وبلال ، وانظر : صحیح مسلم 4 : 1862 باب فضائل عمر بن الخطّاب ح 2394 .
2- مسند أبی داود الطیالسی 238 ح 1715 و1719 ، ما رواه محمد بن المنکدر عن جابر .
3- مسند أحمد 3 : 389 - 390 .
4- صحیح بن حبّان 15 : 309 فی ذکر قصر عمر فی الجنّة ، وص 559 فی ذکر ایجاب الجنّة لبلال و16 : 161 فی ذکر أمّ حرام فی الجنّة .

ص:136

فقال عمر : بأبی أنت وأمّی یا رسول الله ، أعلیک أغار ؟!

وفی روایة أبی أمامة التی رواها أحمد فی مسنده((1)) والطبرانی فی الکبیر((2))والهیثمی فی مجمع الزوائد((3)) - والنصّ عن أحمد - قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فسمعت فیها خشفة بین یدی ، فقلت : ما هذا ؟ قال : بلال .

قال : فمضیت فإذا أکثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرین((4)) وذراری المسلمین ولم أرَ أحداً أقلّ من الأغنیاء والنساء ... ثمّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثمانیة ، فلمّا کنت عند الباب أتیت بکُفّة فوُضعت فیها ووُضِعت أمّتی فی کفّة ، فرجحتُ بها ، ثمّ أتی بأبی بکر فوضع فی کفّة وجیء بجمیع أمّتی فی کفّه فوضعوا فرجح أبو بکر ، وجیء بعمر فوضع فی کفّة وجیء بجمیع أمّتی فوضعوا فرجح عمر ، وعرضت أمّتی رجلاً رجلاً((5)) فجعلوا یمرّون فاستبطأت عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ جاء بعد الأیاس ...

وأمّا روایة عبدالله بن بریدة عن أبیه والتی أخرجها الطبرانی فی الکبیر((6)) وابن أبی شیبة فی المصنّف((7)) وابن حبّان فی الصحیح((8)) وأحمد فی المسند((9)) والترمذی فی السنن((10))


1- مسند أحمد 5 : 259 .
2- المعجم الکبیر 8 : 281 ح 7923 باختصار ، مسند الرویانی 2 : 277 .
3- مجمع الزوائد 9 : 59 ، 10 : 262 .
4- لا یفوتک عدم ذکر الأنصار فی هذا الحدیث .
5- لاحظ عدم ذکر عثمان وعلیّ فی هذا الحدیث فقد یکون للخوارج ید فی وضعه .
6- المعجم الکبیر 1 : 337 - 338 ح 1012 .
7- المصنّف لابن أبی شیبة 6 : 399 ح 32325 .
8- صحیح ابن حبّان 15 - 561 ، 562 .
9- مسند أحمد 5 : 354 و360 .
10- سنن الترمذی 5 : 620 ح 3689 .

ص:137

وابن خزیمة فی الصحیح((1)) والحاکم فی المستدرک((2)) - والنصّ للترمذی - فهی ، قال : أصبح رسول الله فدعا بلالاً ، فقال : یا بلال ، بم سبقتنی إلی الجنَّة ؟ ما دخلت الجنَّة قطّ إلّا سمعت خشخشتک أمامی .

وأمّا ما رواه أنس بن مالک - والذی جاء فی مسند عبد بن حمید((3)) - فهو : قال أنس : قال رسول الله : دخلتُ الجنّة فسمعت خشفة فقلت : ما هذه ؟ فقالوا : هذا بلال ، ثمّ دخلت الجنّة فسمعت خشفة ، فقلت : ما هذه ؟ قالوا : هذه الغمیضاء بنت ملحان وهی أمّ سلیم أمّ أنس بن مالک .

وأمّا ما رواه أبو هر یرة - والذی أخرجه البخاری((4)) ومسلم((5)) وابن حبّان((6)) فی صحاحهم ، وابن عساکر فی تاریخ دمشق((7)) - فهو : أن النبیّ قال لبلال عند صلاة الفجر : یا بلال ، حدّثنی بأرجی عمل عملتَه فی الإسلام فإنی سمعت دفّ نعلَیک بین یدَیّ فی الجنَّة ، قال : ما عملت عملاً أرجی عندی أنیّ لم أتطهّر طهوراً فی ساعة لیل أو نهار إلّا صلیت بذلک الطهور ما کتب لی أن أصلّی .

وأمّا روایة سهل بن سعد ففیها : قال : قال رسول الله : دخلت الجنَّة فإذا منظر آت فنظرت فإذا هو بلال((8)) ..


1- صحیح ابن خزیمة 2 : 214 ح 1209 .
2- المستدرک علی الصحیحین 1 : 313 و3 : 285 .
3- منتخب مسند عبد بن حمید 399 ح 1346 .
4- صحیح البخاری 2 : 499 کتاب التهجّد باللیل ، باب فضل الطهور باللیل والنهار ، ح 1074 والنصّ عنه ، وج 5 : 93 کتاب فضائل أصحاب النبیّ باب مناقب بلال بن أبی رباح .
5- صحیح مسلم 4 : 1910 باب من فضائل بلال ح 2458 .
6- صحیح ابن حبّان 15 : 565 .
7- تاریخ دمشق 10 : 453 - 454 .
8- مسند أحمد 2 : 333 .

ص:138

کلّ هذه النصوص ظاهرة فی أنّه صلی الله علیه و آله رأی ذلک فی معراجه إلی السماء ، وهناک نصّان آخران یوضحان ذلک ؛ فقد روی الطبرانی فی الکبیر بإسناده عن وحشی بن حرب ، عن أبیه ، عن جدّه : أنّ رسول الله لمّا أسری به فی الجنَّة سمع خشخشة ، فقال : یا جبرئیل ، ما هذه الخشخة ؟ قال : هذا بلال .

قال أبو بکر : لیت أمّ بلال ولدتنی وأبو بلال وأنا مثل بلال((1)) رواه الطبرانی ورجاله ثقات .

وفی مسند أحمد((2)) ومجمع الزوائد((3)) والأحادیث المختارة((4)) وتفسیر ابن کثیر((5)) عن ابن عبّاس ، والنصّ لأحمد : بسنده عن ابن عبّاس ، قال : لیلة أسری بنبیّ الله صلی الله علیه و آله ودخل الجنَّة فسمع من جانبها وَجساً ، قال : یا جبرئیل ، ما هذا ؟ قال : هذا بلال المؤذّن .

فهذه النصوص تُشیر إلی وجود مثال بلال فی الجنّة وإن جدّ بعض الأعلام إلی تضعیفها((6)) وحملها علی کونها کانت فی المنام لا الیقظة ، لکنّهم بهذا التعلیل أو ذاک لا یمکنهم التقلیل من حجیّتها عند القائلین بها ، وذلک لحجیّة رؤیا الأنبیاء عند جمیع المسلمین ، وقد یکون ما رآه الرسول معنی آخر لتجسّم الأعمال والذی یذهب إلی القول به جماعة من المسلمین .

وبعد هذا فلا مانع من أن نذکر بعض الروایات الدالّة علی وجود اسم علیّ


1- المعجم الکبیر 22 : 137 ، مجمع الزوائد 9 : 299 .
2- مسند أحمد 1 : 257 .
3- مجمع الزوائد 9 : 300 .
4- الأحادیث المختارة 9 : 552 .
5- تفسیر ابن کثیر 3 : 14 .
6- فیض القدیر 3 : 517 ، فتح الباری 3 : 26 - 27 ، نیل الاوطار 3 : 81 ، تحفة الاحوذی 10 : 120 .

ص:139

فی العرش والکرسی ، والتی لا نستبعد أن تکون حکومة الأمویین وضعت الأحادیث الآنفة فی مقابلها ، محاولةً منهم لطمس فضائل علیّ والتقلیل من أهمّیتها ، وذلک طبق المنهج الذی رسموه وخططوه فی ذلک کما تقدم بیانه ، إذ أن حدیث رجحان کفّة أبی بکر وعمر علی کفّة الناس أجمعین هو تحریف للحدیث الثابت عن رسول الله : ضربة علیّ یوم الخندق تعدل عبادة الثقلین((1)) ، وإلیک الان بعض تلک الروایات المشیرة إلی وجود اسم الإمام علیّ علی ساق العرش :

روی الصدوق فی « من لا یحضره الفقیه » عن علیّ علیه السلام ، عن النبیّ صلی الله علیه و آله أنّه قال فی وصیة له : یا علیّ ، إنّی رأیت اسمک مقروناً باسمی فی ثلاثة مواطن ، فأنست بالنظر إلیه ، إنی لمّا بلغت بیت المقدس فی معراجی إلی السماء وجدت علی صخرتها « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره » .

فقلت لجبرئیل : مَن وزیری ؟

قال : علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

فلما انتهیت إلی سدرة المنتهی وجدتُ مکتوباً علیها : « إنّی أنا الله لا إله إلّا أنا وحدی ، محمّد صفوتی من خلقی ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره » ، فقلت لجبرئیل : مَن وزیری ؟ فقال : علیّ بن أبی طالب .

فلمّا جاوزتُ سِدرةَ المنتهی انتهیت إلی عرش ربّ العالمین جلّ جلاله ، فوجدت مکتوباً علی قوائمه : « إنّی أنا الله لا إله إلّا أنا وحدی ، صفوتی من خلقی ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره » ، فقلت لجبرئیل : مَن وزیری ؟ فقال : علیّ بن أبی طالب .


1- شرح المقاصد للتفتازانی 5 : 298 .

ص:140

فلمّا رفعت رأسی نظرت علی بطنان العرش مکتوباً : « إنّی أنا الله لا إله إلّا أنا ، محمّد حبیبی ، أیّدته بوزیره ونصرته بوزیره »((1)) .

وفی کتاب کمال الدین وتمام النعمة للصدوق بإسناده إلی وهب بن منبّه ، رفعه عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله لعلیّ : لمّا عرج بی ربیّ جلّ جلاله أتانی النداء : یا محمّد .

قلت : لبیّک ربَّ العظمة لبیّک ، فأوحی الله إلیَّ : یا محمّد ، فیمَ اختصم الملأ الأعلی ؟

فقلت : إلهی ، لا علم لی .

فقال : یا محمّد ، هلاّ اتَّخذت من الآدمیّین وزیراً وأخاً ووصیّاً من بعدک ؟

قلت : إلهی ، ومَن أتّخذ ؟ تخیَّرْ أنت یا إلهی . فأوحی الله إلیّ : یا محمّد ، قد اخترتُ لک من الآدمیّین علیّ بن أبی طالب.

فقلت : إلهی ، ابن عمّی ؟

فأوحی الله إلیّ : یا محمّد ، إنّ علیّاً وارثک ووارث العلم من بعدک ، وصاحب لوائک لواء الحمد یوم القیامة ، وصاحب حوضک یسقی مَن ورد علیه من مؤمنی أمّتک .

ثمّ أوحی الله إلیّ : یا محمّد ، إنّی قد أقسمت علی نفسی قسماً حقاً ، لا یشرب من ذلک الحوض مُبغض لک ولأهل بیتک وذر یّتک الطیّبین الطاهرین ، حقّاً أقول یا محمّد: لأُدخِلنّ جمیع أمّتک الجنَّة إلّا مَن أبی من خلقی ، فقلت : إلهی ، هل واحد یأبی من دخول الجنَّة ؟

فأوحی الله إلی : بلی .


1- من لا یحضره الفقیه 4 : 373 - 374 ، وفی تاریخ دمشق 47 : 344 بسنده عن حمید الطویل عن أنس بن مالک قال : قال النبی صلی الله علیه و آله : لما عُرج بی رأیت علی ساق العرش مکتوباً : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أیّدته بعلیّ ونصرته بعلیّ .

ص:141

فقلت : وکیف یأبی ؟

فأوحی الله إلی : یا محمّد ، اخترتُک من خلقی ، واخترتُ لک وصیّاً من بعدک ، وجعلته منک بمنزلة هارون من موسی إلّا أنّه لا نبیّ بعدک ، وألقیت محبّته فی قلبک ، فجعلته أباً لولدک ، فحقّه بعدک علی أمّتک کحقّک علیهم فی حیاتک ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّک ، ومن أبی أن یوالیه فقد أبی أن یوالیک ، ومن أبی أن یوالیک فقد أبی أن یدخل الجنّة ، فخَرَرتُ لله ساجداً شکراً لما أنعم علیّ ... والخبر طویل اکتفینا منه بهذا المقدار((1)) .

وفی تفسیر علیّ بن إبراهیم بإسناده عن أبی بردة الأسلمی ، قال : سمعت رسول الله یقول لعلیّ : یا علیّ ، إنّ الله أشهَدَک معی فی سبع مَواطن : أمّا أوّل ذلک فلیلة أُسری بی إلی السماء ، قال لی جبرئیل : أین أخوک ؟

فقلت : خلّفته ورائی .

قال : ادعُ الله فلیأتک به ، فدعوتُ الله وإذا مِثالُک معی وإذا الملائکة وقوف صفوف ، فقلت : یا جبرئیل ، من هؤلاء ؟ قال : هم الذین یباهیهم الله بک یوم القیامة ، فدنوت فنطقت بما کان وما یکون إلی یوم القیامة .

والثانی حین أُسری بی من المرّة الثانیة ، فقال لی جبرئیل: أین أخوک ؟ فقلت : خلّفته ورائی ، فقال : ادعُ الله فلیأتک به ، فدعوتُ الله فإذا مثالک معی ، فکُشِط لی عن سبع سماوات حتّی رأیت سُکّانها وعُمّارها وموضع کلّ ملک منها ... إلی أن قال :

وأمّا السادس : لمّا أُسری بی إلی السماء جمع الله لی النبیّین فصلّیت بهم ومثالک خلفی((2)) .


1- کمال الدین وتمام النعمة 250 - 251 وانظر : تفسیر نور الثقلین 4 : 470 .
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم 2 : 335 - 336 فی تفسیر سورة النجم وعنه فی تفسیر نور الثقلین 5 : 158 سورة النجم ح 55 .

ص:142

وفی عیون أخبار الرضا ، بسنده عن أمیر المؤمنین ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا أسری بی إلی السماء أوحی إلیّ ربّی جلّ جلاله فقال : یا محمّد ، إنّی اطّلعتُ إلی الأرض اطّلاعةً فاخترتک منها فجعلتک نبیّاً ، وشَقَقتُ لک من اسمی اسماً ، فأنا المحمود وأنت محمّد .

ثمّ اطّلعت الثانیة فاخترت منها علیّاً وجعلته وصیّک وخلیفتک وزوج ابنتک وأبا ذریّتک ، وشَقَقْتُ له أسماً من أسمائی ؛ فأنا العلیّ الأعلی وهو علیّ .

وجعلت فاطمة والحسن والحسین من نورکما ، ثمّ عرضت ولایتهم علی الملائکة ، فمَن قَبِلها کان عندی من المقرّبین ((1))...

وفی کمال الدین وتمام النعمة ، بإسناده إلی عبدالسلام بن صالح الهروی ، عن علیّ بن موسی الرضا ، عن آبائه ، عن علیّ : عن النبیّ صلی الله علیه و آله فی حدیث طویل ، قال فیه :... فنظرت - وأنا بین یَدَی ربّی - إلی ساق العرش ، فرأیتُ اثنی عشر نوراً ، فی کلّ نور سطر أخضر مکتوب علیه اسم کلّ وصیّ من أوصیائی ، أولهم علیّ بن أبی طالب وآخرهم مهدیّ أمّتی .

فقلت : یا ربّ ، أهولاء أوصیائی مِن بَعدی ؟ فنُودیتُ : یا محمّد ، هؤلاء أولیائی وأحبّائی وأصفیائی وحجّتی بعدک علی بریّتی ، وهم أوصیاؤک وخلفاؤک وخیر خلقی بعدک . وعزّتی وجلالی لأظهرنّ بهم دِینی ، ولأُعلینّ بهم کلمتی ، ولأطهرنّ الأرض بآخرهم من أعدائی ، ولأملّکنّه مشارق الأرض ومغاربها ، ولأسخرنّ له الریاح ، ولأذللنّ له الرقاب الصِّعاب ، ولأرقینّه فی الأسباب ، ولأنصرنّه بجندی ، ولأمدنّه بملائکتی حتّی یُعلن دعوتی ویجمع الخلق علی توحیدی ، ثمّ لأدیمنّ ملکه ، ولأداولنّ الأیام بین أولیائی إلی یوم القیامة((2)) .


1- عیون أخبار الرضا 2 : 61 .
2- کمال الدین وتمام النعمة 256 .

ص:143

وفی أصول الکافی ، بإسناده عن الإمام علیّ علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال : ... فإنه لمّا أسری بی إلی السماء الدنیا فنسبنی جبرئیل لأهل السماء استودع الله حبّی وحبّ أهل بیتی وشیعتهم فی قلوب الملائکة ، فهو عندهم ودیعة إلی یوم القیامة((1)) ...

وقد مرَّ علیک خبر سدیر الصیرفی وعمر بن أُذینة فی الإسراء والمعراج ، وقول الإمام الصادق للاخیر : یا عمر ، ما تری هذه الناصبة فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم ؟! نحن جئنا بهذه النصوص کی نؤکد علی صحّة ما قاله الإمام الصادق عن النواصب ودورهم فی تحریف الأمور وخصوصاً المسائل التی فیها اسم الإمام علیّ بن أبی طالب وأهل بیت الرسول ، وان تحریفاتهم لا تقتصر علی مفردة أو مفردتین فی التاریخ والشر یعة ، بل شملت جمیع مراحل التشریع من الاسراء حتّی ما لا نهایة ، وإنّک لو مررت بالتاریخ والحدیث ودرستهما دراسة واقعیة بعیداً عن التعصب لوافقتنا فیما قلناه وستقف علی عشرات الروایات الدالّة علی مکانة الإمام علیّ والتی سنتعرض لها فی الشهادة الثالثة لاحقاً بإذن الله تعالی .

نحن لا نرید التفصیل فی مثل هذه الموارد، بل نذکّر القارئ الکریم بما مرّ علیه من کلام شیخ ابن أبی الحدید من أنّ الأمویّین سعوا إلی تحریف الفضائل الثابتة فی علیّ وجعلها فی عثمان وأبی بکر وعمر ، ونحن لو تابعنا السیر التاریخی لوقفنا علی التحریف اللفظی والمعنوی لبنی أمیّة ، فکما أنّهم جعلو اللعنة سمة وشرفاً للملعونین!! فقد أوّلوا کلام الرسول فی معاویة ( لا أشبع الله بطنک ) بأنّه دعا له


1- الکافی 2 : 46 کتاب الإیمان والکفر ، باب نسبة الإسلام ح 3 .

ص:144

بأنّه سیأتی یوم القیامة خمیص البطن لا شیء علیه((1)) .

وخیر مثال علی التحریف المعنوی هو ما أشاعه معاویة فی واقعة صفّین عند مقتل عمّار بن یاسر - لمّا تناقل الجندُ کلامَ رسول الله « تقتلک الفئة الباغیة » - بأن الإمام علیّ بن أبی طالب هو القاتل له حیث أخرجه وزجّ به فی المعرکة ، ولما سمع الإمام علیّ بن أبی طالب بهذه المقالة قال ما مفاده : وعلی هذا الکلام یکون رسول الله هو الذی قتل حمزة لأنّه أخرجه لحرب المشرکین !

وأقبح منه ما روی أنّه قال لأهل الشام : إنّما نحن الفئة الباغیة التی تبغی دم عثمان((2)) !

فللأمویین تحریفات لفظیة وتحریفات معنویة کثیرة ، وإنّ هذه الدراسة ترید أن توضح أمثال هذه الأمور فی الشریعة والتاریخ وانعکاساً علی الأذان هنا .

فلا یجوز حمل بعض التحقیقات حول الأمویین وعقیدتهم فی الاسراء والمعراج و... علی الإسهاب والخروج عن البحث ، بل ما کتبناه هو المقصود ، ولولاه لما فهمنا ملابسات التشریع الذی نحن بصدد بیانه .

بلی ، إنّهم لم یکونوا یحبّون آل الرسول، بل لم یحبّوا کلّ من أحبّه الرسول ، بل


1- والأغرب من هذا ما قاله ابن کثیر فی البدایة والنهایة 8 : 123 ، وقد انتفع معاویة بهذه الدعوة فی دنیاه واخراه . أمّا فی الدنیا فإنّه لما صار إلی الشام امیراً کان یأکل فی الیوم سبع مرات یجاء بقصعة فیها لحم کثیر وبصل فیأکل منها ، ویأکل فی الیوم سبع اکلات بلحم ، ومن الحلوی والفاکهة شیئاً کثیراً ویقول والله ما اشبع وانما اعیا ، وهذه نعمة ومعدة یرغب فیها کل الملوک . وأمّا فی الآخرة ... فإنّ رسول الله قال: اللّهمّ إنّما أنا بشر فإیما عبد سببته أو جلدته أو دعوت علیه ولیس لذلک أهلا فاجعل ذلک کفارة وقربة تقربه بها عندک یوم القیامة ... وهذا الحدیث فضیلة لمعاویة .
2- الإمامة والسیاسة 1 : 146 .

ص:145

کانوا یتعاملون مع آل الرسول بالشدة والبغض ، فقد ذکر المناوی فی فیض القدیر ، وکذا القرطبی فی تفسیره واقعة دارت بین مروان بن الحکم وأسامة بن زید .

وأسامة کان ممن یحبهم رسول الله - حسب نص القرطبی وغیره - وکان الخلیفة عمر بن الخطاب أعطاه خمسة آلاف درهم ولابنه عبدالله ألفی درهم ، فسأل عبدالله عن سر ذلک فأجابه عمر أنّه فعل ذلک لمحبة رسول الله له .

قال القرطبی : وقد قابل مروان هذا الواجب ( أی محبّة مُحِبِّ رسول الله ) بنقیضه ، وذلک أنّه مرّ بأسامة وهو یصلّی بباب بنت رسول الله .

فقال مروان : إنّما أردت أن تُری الناس مکانک ، فقد رأینا مکانک ! فَعَل الله بک وفعل ، وقال قولاً قبیحاً .

وقال له أسامة : آذیتنی وإنّک فاحش متفحّش ، وقد سمعتُ رسول الله یقول : إنّ الله یُبغض الفاحش المتفحش .

فانظر ما بین الفعلین وقِس ما بین الرجلین ، فلقد آذی بنو أمیّة رسول الله فی أحبابه وناقضوه فی مَحابّه((1)) .

وعلیه فالذی یجب القول به هنا ، هو أنّ خبر الإسراء ثابت بالکتاب ، والمعراج ثابت بالسنة - وإن لم یفرّق البعض بینهما فأطلق الإسراء علی کلیهما تساهلاً - وهذا ما جعل المجال مفتوحاً للإجمال والتفصیل والتلاعب والتشکیک فی خبر المعراج أکثر من أخبار الإسراء .

فهل یرجع إجمالهم فی نقل أخبار المعراج إلی عدم وقوفهم علی نقول أهل بیت الوحی والنبوة؟ أم یرجع إلی أنّهم أجملوا ذلک عن قصد وعمد ؟ لعلّک عرفت جواب هذا السؤال ممّا مرّ ، فأغنی ذلک عن الإطالة .


1- تفسیر القرطبی 14 : 240 ، وعنه فی فیض القدیر 1 : 618 .

ص:146

وبهذا یکون ما کتبناه هو أشارة إلی دواعی الأمویین ومن لفّ لفهم فی تحریف خبر الأذان ، وکیف ربطوا خبر الإسراء والمعراج بالشجرة الملعونة ، مدّعین أنّها شجرة الزقوم ، بل کیف ربطوها بمسائل أخری وقضایا مصیریة فی الشریعة والتاریخ ، کلّ ذلک للتشکیک فی مقام الرسول صلی الله علیه و آله والقول بأنّ منامه المعراجی هذا یشابه الأذان ویحتاج إلی شاهد لتثبیت صحّته .

ص:147

مطلبان

اشارة

لنا هنا مطلبان یتضحان بعد طرحنا هذین السؤالین :

الأوّل : هل أنّ الأذان عبارة عن الإعلام للصلاة فقط ، أم هو بیان لأصول العقیدة وأرکان الإسلام ؟

الثانی : هل أنّ أمر الأذان توقیفیّ؟ وإذا کان توقیفیّاً ، فهل هناک فرق بین توقیفیة الواجبات وتوقیفیة المستحبّات أم لا ؟

وقبل الجواب عن السؤال الأوّل لابدّ من الإشارة إلی حقیقة هامّة فی العبادات وغیرها ، وهی : أنَّ الأُمور العبادیّة فی الشرع لها ظاهر ومغزی ، فقد یمکن للإنسان أن یقف علی ظاهر شیء ویؤدّیه دون أن یعرف کنهه ومغزاه والغایة القصوی منه ، فالمطالع مثلاً فی ما جاء عن أهل بیت النبوة یقف علی أسرار فی الصلاة والصیام والزکاة والحجّ وغیرها ، ویتعرّف علی أُمور کان لا یعرفها من ذی قبل ، ولم یتنبه لها فی نظرته الأُولی ، من ذلک ما ذکره الصدوق فی علل الشرائع ، حیث قال فیه :

إنّ نفراً من الیهود جاءوا إلی رسول الله فسألوه عن مسائل وکان فیما سألوه : أخبرنا یا محمّد لأیّ علَّة تُوَضَّأُ هذه الجوارح الأربع وهی أنظف المواضع فی الجسد ؟

ص:148

فقال النبیُّ صلی الله علیه و آله : « لمّا أن وسوس الشیطان إلی آدم دنا من الشجرة ونظر إلیها ذهب ماء وجهه ، ثمّ قام ومشی إلیها وهی أوّل قدم مشت إلی الخطیئة، ثمّ تناول بیده منها ممّا علیها فأکل فطار الحلی والحلل عن جسده ، فوضع آدم یده علی ] أُمِّ [ رأسه وبکی ، فلمّا تاب الله علیه فرض علیه وعلی ذرّیّته غسل هذه الجوارح الأربع ، وأمره بغسل الوجه لما نظر إلی الشجرة ، وأمره بغسل الیدین إلی المرفقین لما تناول منها ، وأمره بمسح الرأس لما وضع یده علی أُمِّ رأسه ، وأمره بمسح القدمین لما مشی بهما إلی الخطیئة »((1)) .

ومعنی هذا النصّ أنّ العبد یجب علیه تطهیر أعضائه حینما یرید التوجّه إلی الله، وبما أنّ الوجه والیدین فیهما الحواسّ الخمس الظاهرة التی بها یُعصی الإله کان علیه أن یغسلهما قبل الدخول إلی حضرة الإله.

أمّا الرأس والقدمان فهما عنصران آلیّان یتقوّی بهما المکلّف علی المعصیة أو الطاعة وهما لیسا من الحواسّ الخمس ، ففی الرأس القوّة المفکِّرة والخیالیّة التی تبعث الفرد إلی ارتکاب المعاصی أو فعل الواجب ، وبالرِّجل یسعی إلیهما - الطاعة أو المعصیّة - فأمر سبحانه المسح علیهما کی ینجو من الوساوس الشیطانیّة والأغلال النفسیّة ویدخل حضیرة القدس طاهراً نقیّاً من الأدناس ، ولأجل هذه الحقیقة فقد أکّدنا فی کتابنا « وضوء النبیّ » علی : أنَّ طهارة الوضوء هی طهارة حکمیّة ولیست بحقیقیّة ، لأنَّ المؤمن لا یُنَجِّسُه شیء ، وبالوضوء یُعرف مَن یطیع الله ومن یعصیه((2)) .

وبعد هذه المقدِّمة لابدّ من الإجابة عن السؤال الأوّل .


1- علل الشرائع 1 : 280 الباب 191 .
2- انظر : وضوء النبیّ ، المدخل 428 .

ص:149

1 - الأذان إعلام للصلاة أم بیان لأصول العقیدة ؟
اشارة

قال القاضی عیاض : « اعلم أنّ الأذان کلام جامع لعقیدة الإیمان ، مشتملة علی نوعیه من العقلیّات والسمعیّات ، فأوّله إثبات الذات وما یستحقّه من الکمال ] أی الصفات الوجودیة [ ، والتنزیه عن أضدادها ] أی الصفات العدمیة [ ، وذلک بقوله « الله أکبر » ، وهذه اللفظة مع اختصار لفظها دالَّة علی ما ذکرناه .

ثمّ صرّح بإثبات الوحدانیّة ونفی ضدّها من الشرکة المستحیلة فی حقّه سبحانه وتعالی ، وهذه عمدة الإیمان والتوحید ، المقدّمة علی کلّ وظائف الدین.

ثمّ صرّح بإثبات النبوّة والشهادة بالرسالة لنبیّنا ، وهی قاعدة عظیمة بعد الشهادة بالوحدانیّة وموضعها بعد التوحید ، لأنّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع ، وتلک المقدّمات من باب الواجبات ، وبعد هذه القواعد کملت العقائد العقلیّات فیما یجب ویستحیل ویجوز فی حقّه سبحانه وتعالی .

ثمّ دعا إلی ما دعاهم إلیه من العبادات، فدعا إلی الصلاة وجعلها عقب إثبات النبوّة ، لأنَّ معرفة وجوبها من جهة النبیّ صلی الله علیه و آله لا من جهة العقل .

ثمّ دعا إلی الفلاح ، وهو الفوز والبقاء فی النعیم المقیم، وفیه إشعار بأُمور الآخرة من البعث والجزاء ، وهی آخر تراجم عقائد الإسلام .

ثمّ کرّر ذلک بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فیها ، وهو متضمّن لتأکید الإیمان وتکرار ذکره عند الشروع فی العبادة بالقلب واللسان ولیدخل المصلّی فیها علی بیّنة من أمره وبصیرة من إیمانه ویستشعر عظیم ما دخل فیه وعظمة حقّ مَن یعبده وجزیل ثوابه ... »((1)) .


1- نقله عنه النووی فی المجموع 3 : 75 . وانظر کلام السیّد البکری فی حاشیة اغاثة الطالبیین 1 : 229 والبخاری فی شرح الکرمانی 5 : 4 وشرح النووی علی مسلم .

ص:150

وقد نقل محمّد بن علان - شارح الأذکار النوویّة - کلام القاضی عیاض بشیء من التصرّف ، کقوله :

ثمّ کرّر التکبیر آخره إشارة إلی الاعتناء السابق ، لأنَّ هذا المقام هو الأصل المبنیّ علیه جمیع ما تقرّر من العقائد والقواعد ، وختم ذلک بکلمة التوحید إشارة إلی التوحید المحض ...((1)) .

وکان آخره اسم « الله » لیطابق البداءة ، إشارة إلی أنَّه الأوّل والآخِر فی کلّ شیء ، قال القاضی : « ثمّ کرّر ذلک عند إقامة الصلاة للإعلام بالشروع فیها ، وفی ذلک تأکید الإیمان وتکرار ذکره عند الشروع فی العبادة بالقلب واللسان ، لیدخل المصلّی فیها علی بیّنة من أمره وبصیرة من إیمانه ویستشعر عظیم ما دخل فیه وعظیم حقّ مَن عبده وجزیل ثوابه علی عباده((2)) .

وقد علّق ابن علان علی کلام القاضی عیاض بقوله : ( قلتُ : قال ابن حجر فی شرح المشکاة : وللاعتناء بشأن هذا المقام الأکبر کرّر الدالّ علیه أربعاً إشعاراً بعظیم رفعته ، وکأنّ حکمة خصوص الأربع أنَّ القصد بهذا التکریر تطهیر شهود النفس بشهود ذلک عن شهواتها الناشئة عن طبائعها الأربعة الناشئة عن أخلاطها الأربعة .

وفی شرح العباب له: ( وکأنَّ حکمة الأربع أنَّ الطبائع أربعة لکلٍّ منها کمال ونقص یخصّه بإزاء کلّ منها کلمة من تلک لیزید فی کمالها ویطهّر نقصها ، وکذا یقال بذلک فی کلّ محلّ ورد فیه التربیع )((3)) .


1- وهو أن ( لا إله إلّا هو )، معنی آخر لقوله : ( إنّا لله وإنّا إلیه راجعون ) أو قوله : ( وإلی ربّک المنتهی ) .
2- انظر : الفتوحات الربّانیّة علی الأذکار النوویّة 2 : 84 .
3- الفتوحات الربانیة 2 : 83 .

ص:151

وقال القرطبیّ وغیره : ( الأذان علی قلّة ألفاظه مشتمل علی مسائل العقیدة ، لأنّه بدأ بالأکبر یّة وهی تتضمّن وجود الله وکماله ، ثمّ ثنّی بالتوحید ونفی الشرک ، ثمّ بإثبات الرسالة لمحمّد صلی الله علیه و آله .

ثمّ إلی الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة ، لأنّها لا تُعرف إلّاَ من جهة الرسول .

ثمّ دعا إلی الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفیه الإشارة إلی المعاد .

ثمّ أعاد ما أعاد توکیداً ، ویحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلی الجماعة وإظهار شعار الإسلام((1)) .

قال ابن خزیمة : فإذا کان المرء یطمع بالشهادة بالتوحید لله فی الأذان وهو یرجو أن یخلّصه الله من النار بالشهادة لله بالتوحید فی أذانه ، فینبغی لکلِّ مؤمن أن یتسارع إلی هذه الفضیلة طمعاً فی أن یخلّصه الله من النار ، خلا فی منزله أو فی بادیة أو قر یة أو مدینة طلباً لهذه الفضیلة((2)) .

وقال القسطلانیّ - بعد نقله خبر أبی هریرة عن النبیِّ وقوله : « إذا نُودی للصلاة أدبر الشیطان وله ضراط حتّی لا یُسمَع التأذین » - : ( لعظیم أمره لما اشتمل علیه من قواعد الدین وإظهار شرائع الإسلام ، أوحی : لا یشهد للمؤذِّن بما سمعه إذا استشهد یوم القیامة ، لأنّه داخل فی الجنّ والإنس المذکور فی حدیث : لا یسمع مدی صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شیء إلّاَ شهد له یوم القیامة )((3)) .


1- فتح الباری 2 : 61 کتاب أبواب الأذان ، وعنه فی بذل المجهود 4 : 3 - 4 . وعون المعبود 2 : 127 .
2- صحیح ابن خزیمة 1 : 208 .
3- إرشاد الساری 2 : 5 .

ص:152

وأخرج عبدالرزّاق عن معمر ، عن الزهریّ : أنَّ أبا بکر الصدّیق قال : الأذان شعار الإیمان((1)) .

ونقل الصدوق بسنده إلی الإمام الحسین بن علیّ علیهما السلام ، قال : کنّا جلوساً فی المسجد ، إذ صعد المؤذِّن المنارة ، فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، فبکی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب

علیه السلام ، وبکینا لبکائه ، فلمّا فرغ المؤذّن ، قال : « أتدرون ما یقول المؤذِّن ؟ ».

قلنا : الله ورسوله ووصیّه أعلم .

فقال : « لو تعلمون ما یقول لضحکتم قلیلاً ولبکیتم کثیراً ، فلِقوله : الله أکبر ، معان کثیرة .

منها : أنَّ قول المؤذِّن : « الله أکبر » ، یقع علی قِدَمِهِ ، وأزلیّته ، وأبدیّته ، وعلمه ، وقوّته ، وقدرته ، وحلمه ، وکرمه ، وجوده ، وعطائه ، وکبر یائه .

فإذا قال المؤذِّن : اللهُ أکبر ، فإنّه یقول : الله الذی له الخلق والأمر ، وبمشیّته کان الخَلق ، ومنه کلّ شیء للخلق ، وإلیه یرجع الخلق، وهو الأوّل قبل کلّ شیء لم یَزَل ، والآخِر بعد کلّ شیء لا یزال ، والظاهر فوق کلّ شیء لا یُدرَک ، والباطن دون کلّ شیء لا یُحَدّ ، فهو الباقی ، وکلّ شیء دونه فان .

والمعنی الثانی : « الله أکبر » ، أی : العلیم الخبیر ، علیم بما کان وما یکون قبل أن یکون .

والثالث: « اللهُ أکبر » ، أی : القادر علی کلّ شیء ، یقدر علی ما یشاء ، القویّ لقدرته ، المقتدر علی خلقه ، القویّ لذاته ، وقدرته قائمة علی الأشیاء کلّها ، إذا قضی أمراً فإنّما یقول له : کن فیکون .


1- مصنّف عبدالرزّاق 1 : 483/1858 .

ص:153

والرابع : « اللهُ أکبر » علی معنی حلمه ، وکرمه ، یحلم کأنّه لا یعلم ، ویصفح کأنّه لا یری ، ویستر کأنّه لا یُعصی ، لا یَعجَل بالعقوبة کرماً وصفحاً وحلماً .

والوجه الآخر فی معنی الله أکبر : أی الجواد ، جزیل العطاء ، کریم الفِعال .

والوجه الآخر : الله أکبر فیه نفی صفته وکیفیّته ، کأنّه یقول : الله أجَلُّ من أن یُدرِک الواصفون قدرَ صفته ، الذی هو موصوف به ، وإنّما یصفه الواصفون علی قدرهم لا علی قدر عظمته وجلاله ، تعالی الله عن أن یُدرِک الواصفون صفته علوّاً کبیراً .

والوجه الآخر : الله أکبر ، کأنّه یقول : الله أعلی وأجلّ ، وهو الغنیُّ عن عباده ، لا حاجة به إلی أعمال خلقه .

وأمّا قوله: « أشهد أن لا إله إلّا الله » : فإعلام بأنَّ الشهادة لا تجور إلّاَ بمعرفة من القلب ، کأنّه یقول: أعلمُ أنّه لا معبود إلّاَ الله عزّوجلّ ، وأنَّ کلّ معبود باطل سوی الله عزّوجلّ ، وأقِرُّ بلسانی بما فی قلبی من العلم بأ نَّه لا إله إلّاَ الله ، وأشهد أنّه لا ملجأ من الله عزّوجلّ إلّا إلیه ، ولا منجی من شرّ کلّ ذی شرّ ، وفتنة کلّ ذی فتنة إلّا بالله .

وفی المرّة الثانیة: « أشهد أن لا إله إلّاَ الله » ، معناه : أشهد أن لا هادی إلّا الله ، ولا دلیل إلی الدین إلّا الله ، وأُشهِدُ الله بأنی أشهَدُ أن لا إله إلّا الله ، وأُشهد سُکَّان السماوات ، وسکّان الأرضین ، وما فیهنّ من الملائکة والناس أجمعین ، وما فیهنّ من الجبال ، والأشجار ، والدوابّ ، والوحوش ، وکلّ رطب ویابس ، بأنّی أشهد أن لا خالق إلّاَ الله، ولا رازق ، ولا معبود ، ولا ضارّ ، ولا نافع ، ولا قابض ، ولا باسط ، ولا معطی ، ولا مانع ، ولا ناصح ، ولا کافی ، ولا شافی ، ولا مُقدّم ، ولا مُؤخّر إلّا الله ، له الخلق والأمر ، وبیده الخیر کلّه ، تبارک الله ربّ العالمین .

وأمّا قوله : « أشهدُ أن محمّداً رسول الله » ، یقول : أشهد الله أنَّه لا إله إلّا هو ،

ص:154

وأنَّ محمّداً عبده ورسولُه ، ونبیُّه ، وصفیُّه ، ونجیبُه ، أرسله إلی کافّة الناس أجمعین بالهدی ودین الحقّ لیظهره علی الدین کلّه ولو کره المشرکون ، وأشهد مَن فی السماوات والأرض ، من النبیّین والمرسلین ، والملائکة والناس أجمعین أنَّ محمّداً سیّد الأوّلین والآخرین .

وفی المرّة الثانیة : « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، یقول : أشهد أن لا حاجة لأحد ] إلی أحد [ إلّاَ إلی الله الواحد القهّار الغنیّ عن عباده والخلائق والناس أجمعین، وأنّه أرسل محمّداً إلی الناس بشیراً ونذیراً وداعیاً إلی الله بإذنه وسراجاً منیراً ، فمن أنکره وجحده ولم یؤمن به أدخله الله عزّوجلّ نار جهنّم خالداً مُخَلَّداً ، لا ینفکُّ عنها أبداً .

وأما قوله : « حیّ علی الصلاة » ، أی هلمّوا إلی خیر أعمالکم ، ودعوة ربّکم ، وسارعوا إلی مغفرة من ربّکم ، وإطفاء نارکم التی أوقدتموها علی ظهورکم ، وفکاک رقابکم التی رَهَنتموها ، لیکفّر الله عنکم سیئاتکم ، ویغفر لکم ذنوبکم ، ویبدّل سیئاتکم حسنات ، فإنّه مَلِکٌ کریم ، ذو الفضل العظیم ، وقد أذِن لنا - معاشرَ المسلمین - بالدخول فی خدمته ، والتقدّم إلی بین یدیه .

وفی المرة الثانیة : « حیّ علی الصلاة » ، أی قوموا إلی مناجاة ربّکم وعرض حاجاتکم علی ربکم ، وتوسّلوا إلیه بکلامه ، وتشفعوا به وأکثروا الذکر والقُنوت ، والرکوع والسجود ، والخضوع والخشوع ، وارفعوا إلیه حوائجکم ، فقد أذن لنا فی ذلک .

وأمّا قوله : « حیّ علی الفلاح » ، فإنّه یقول : أَقْبِلُوا إلی بقاء لا فناءَ معه ، ونجاة لا هلاک معها ، وتعالوا إلی حیاة لا موت معها ، وإلی نعیم لا نفاد له ، وإلی مُلک لا زوال عنه ، وإلی سرور لا حزن معه ، وإلی أُنس لا وحشة معه ، وإلی نور لا ظلمة معه ، وإلی سعة لا ضیق معها ، وإلی بهجة لا انقطاع لها ، وإلی غِنی لا فاقة

ص:155

معه ، وإلی صحّة لا سقم معها ، ] وإلی عِزّ لا ذلّ معه [ ، وإلی قوّة لا ضعف معها ، وإلی کرامة یا لها من کرامة ، وعَجِّلُوا إلی سرور الدنیا والعقبی ، ونجاة الآخرة والأُولی .

وفی المرّة الثانیة : « حیّ علی الفلاح » ، فإنّه یقول : سابقوا إلی ما دعوتکم إلیه ، وإلی جز یل الکرامة ، وعظیم المِنَّة ، وسنیّ النِّعمة ، والفوز العظیم ، ونعیم الأبد فی جوار محمّد صلی الله علیه و آله فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر .

وأمّا قوله : « اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر » ، فإنّه یقول : الله أعلی وأجلّ من أن یعلم أحد من خلقه ما عنده من الکرامة لعبد أجابه وأطاعه ، وأطاع أمره وعبدَهُ وعرف وعیده ، واشتغل به وبذکره ، وأحبّه وآمن به ، واطمأنَّ إلیه ووثق به وخافه ورجاه ، واشتاق إلیه ، ووافقه فی حکمه وقضائه ، ورضی به .

وفی المرّة الثانیة : « اللهُ أکبر » ، فإنّه یقول : الله أکبر : وأعلی وأجَلُّ من أن یَعلم أحدٌ مبلغ کرامته لأولیائه وعقوبته لأعدائه ، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله ، ومبلغ عذابه ونَکاله وهوانه لمن أنکره وجحده .

وأمّا قوله: « لا إله إلّا الله » ، معناه : لله الحجّة البالغة علیهم بالرسول والرسالة ، والبیان والدعوة ، وهو أجَلُّ من أن یکون لأحد منهم علیه حجَّة ، فَمَن أجابه فله النور والکرامة ، ومَن أنکره فإنَّ اللهَ غنیٌّ عن العالمین ، وهو أسرع الحاسبین .

ومعنی « قد قامت الصلاة » فی الإقامة، أی حان وقت الزیارة والمناجاة ، وقضاء الحوائج، ودرک المُنَی ، والوصول إلی الله عزّوجلَّ ، وإلی کرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه .

ص:156

قال الصدوق: إنّما تَرَکَ الراوی ذِکر « حیّ علی خیر العمل » للتقیّة((1)) ، وقد روی فی خبر آخر أنَّ الصادق

علیه السلام سئل عن معنی « حیّ علی خیر العمل » فقال : « خیر العمل : الولایة » .

وفی خبر آخر : « خیر العمل : بِرُّ فاطمةَ وولدها »((2)) .

قلتُ : سنفتح بإذن الله ملابسات هذه الرؤیة وما یتلوها عن ابن عبّاس فی البابین الأوّل « حیّ علی خیر العمل ، الشرعیة والشعاریّة » ، والثالث « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله بین الشرعیة والابتداع » من هذه الدراسة إن شاء الله تعالی . إذ لا خلاف عند جمیع الفرق الشیعیة إسماعیلیة کانت ، أم زیدیة ، أم إمامیة اثنی عشریة بجزئیة الحیعلة الثالثة ، وأکّد الدسوقی وغیره - کما سیأتی - علی تأذین الإمام علیّ بن أبی طالب بها ، فقد یکون - وکما احتمله الشیخ الصدوق - الراوی إنّما ترک ذکر ( حیّ علی خیر العمل ) للتقیة وذلک للظروف التی کانت تمر بها الشیعة . ویؤید ما قلناه فی شرعیة الحیعلة الثالثة وأنّها موجودة فی الأخبار المنقولة عن الإمام علیّ وابن عباس ما روی عند الزیدیة عن ابن عبّاس عن علیّ بن أبی طالب قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : « لما انتُهی بی إلی سدرة المنتهی ... وفیه : حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((3)) .


1- وعلق القاضی نعمان بن محمد بن حسون ( ت 363ه- ) فی الایضاح علی الروایة التی لیس فیها ذکر ( حی علی خیر العمل ) بقوله . ولا اظن والله اعلم ان ذلک ترک من الروایة إلّا لمثل ما قدمت ذکره فی کتاب الطهارات من الوجوه التی من اجلها اختلفت الرواة عن اهل البیت ] أی البقیة راجع دعائم الإسلام 1 : 59 - 60 [ فان لم یکن ذلک فقد ثبت انه اذن بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله توفاه الله تعالی وان عمر اقطعه ....
2- معانی الأخبار 38 - 41 والنصّ عنه ، والتوحید 238 - 241 کما فی مستدرک وسائل الشیعة 4 : 65 - 70 ح 4187 / 1 ، وانظر : بیان المجلسیّ فی بحار الأنوار 81 : 134 - 135 ، وتفسیره علیه السلام الأذان فی جامع الأخبار : 171 کما فی بحار الأنوار 81 : 153 - 155 .
3- انظر : الخبر بتفصیله فی کتاب الاعتصام بحبل الله 1 : 290 .

ص:157

وروی الصدوق فی معانی الأخبار بسنده عن عطاء ، قال : کنّا عند ابن عبّاس بالطائف ، أنا وأبو العالیة ، وسعید بن جبیر ، وعکرمة ، فجاء المؤذِّن فقال : « اللهُ أکبر اللهُ أکبر » ، واسم المؤذِّن قثم بن عبدالرحمن الثقفیّ .

فقال ابن عبّاس : أتدرون ما قال المؤذِّن ؟ فسأله أبو العالیة ، فقال : أخبرنا بتفسیره .

قال ابن عبّاس: ( إذا قال المؤذِّن : « الله أکبر ، اللهُ أکبر » ، یقول : یا مَشاغیلَ الأرض ، قد وجبت الصلاة ، فتفرَّغوا لها .

و إذا قال: « أشهد أن لا إله إلّاَ الله » ، یقول : یقوم یوم القیامة ، ویشهد لی ما فی السماوات وما فی الأرض علی أنّی أخبرتکم فی الیوم خمس مرّات .

و إذا قال: « أشهد أنَّ محمّداً رسول الله » ، یقول : تقوم القیامة ومحمّد یشهد لی علیکم أنّی قد أخبرتکم بذلک فی الیوم خمس مرّات ، وحجّتی عند الله قائمة .

و إذا قال: « حیّ علی الصلاة » ، یقول : دِیناً قیِّماً فأقیموه ، وإذا قال : « حیّ علی الفلاح » ، یقول : هَلُمُّوا إلی طاعة الله وخذوا سهمکم من رحمة الله ، یعنی الجماعة .

و إذا قال العبد: « اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر » ، یقول : حرّمت الأعمال .

و إذا قال : « لا إله إلّاَ الله » ، یقول : أمانة سبع سماوات ، وسبع أرضین ، والجبال ، والبحار وضعت علی أعناقکم إن شئتم فأقبلوا وإن شئتم فأدِبروا((1)) .

وقد مرّ علیک کلام الإمام الحسین « والأذان وجه دینکم » ، وقول محمّد ابن الحنفیّة : « عمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم الدین »((2)) ، وما جاء


1- معانی الأخبار 41 کما فی بحار الأنوار 81 : 141 - 143 ومستدرک وسائل الشیعة 4 : 71 - 72 .
2- جاء فی کتاب الاعتصام بحبل الله 1 : 278 : قال الهادی إلی الحقّ ] من أئمّة الزیدیّة [ : والأذان من أصول الدین ، وأصول الدین لا یتعلّمها رسول الله علی لسان بشر من العالمین .

ص:158

فی ( مَن لا یحضره الفقیه ) بإسناده عن الفضل بن شاذان فیما ذکره من العلل عن الرضا علیه السلام أنّه قال :

« إنّما أُمِرَ الناس بالأذان لعلل کثیرة ، منها : أن یکون تذکیراً للناسی ، وتنبیهاً للغافل ، وتعریفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ؛ ویکون المؤذِّن بذلک داعیاً لعبادة الخالق ، ومرغِّباً فیها ، ومُقِرَّاً له بالتوحید ، مجاهراً بالإیمان ، معلناً بالإسلام ... » .

إلی أن یقول : « وجُعِل بعد التکبیر الشهادتان ، لأنَّ أوّل الإیمان هو التوحید والإقرار لله بالوحدانیّة ، والثانی الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنَّ إطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأنَّ أصل الإیمان إنّما هو الشهادتان ، فجعل شهادتین شهادتین کما جُعِلَ فی سائر الحقوق شاهدان ، فإذا أقرّ العبد لله عزّوجلّ بالوحدانیّة وأقرّ للرسول بالرسالة فقد أقرَّ بجملة الإیمان ؛ لأنّ أصل الإیمان إنّما هو بالله وبرسوله . وإنّما جعل بعد الشهادتین الدعاء إلی الصلاة ، لأنّ الأذان إنّما وضع لموضع الصلاة ، وإنّما هو نداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ودعاء إلی الفلاح وإلی خیر العمل ، وجعل ختم الکلام باسمه کما فتح باسمه »((1)) .

وفی العلل لمحمّد بن علیّ بن إبراهیم بن هاشم، قال : علّة الأذان أن تکبّر الله وتعظّمه وتقرّ بتوحید الله وبالنبوّة والرسالة وتدعو إلی الصلاة وتحثّ علی الزکاة ، ومعنی الأذان : الإعلام ، لقوله تعالی : {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ} ((2)) ، أی : إعلام ، وقال أمیر المؤمنین علیه السلام : « کنتُ أنا الأذان فی الناس بالحجّ » ، وقوله : {وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ} ((3)) ، أی : أعلِمهم وادعُهم .


1- مَن لا یحضره الفقیه 1 : 299/914 ، علل الشرائع : 258/9 الباب 182 ، عیون أخبار الرضا 2 : 103 - 105 .
2- التوبة : 2 .
3- الحجّ : 28 .

ص:159

فمعنی « الله » أنّه یخرج الشیء من حدِّ العدم إلی حدِّ الوجود ویخترع الأشیاء لا من شیء ، وکلّ مخلوق دونه یخترع الأشیاء من شیء إلّاَ الله ، فهذا معنی « الله » وذلک فرق بینه وبین المحدَث .

ومعنی « أکبر » ، أی : أکبر مِن أن یُوصَف فی الأوّل، وأکبر من کلِّ شیء لمّا خلق الشیء .

ومعنی قوله : « أشهد أن لا إله إلّاَ الله » : إقرار بالتوحید، ونفی الأنداد وخلعها ، وکلّ ما یعبدون من دون الله .

ومعنی « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : إقرار بالرسالة والنبوّة ، وتعظیم لرسول الله صلی الله علیه و آله ، وذلک قول الله عزّوجلّ : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} ((1)) ، أی : تُذکَر معی إذا ذُکِرتُ .

ومعنی « حیّ علی الصلاة » ، أی : حثّ علی الصلاة .

ومعنی « حیّ علی الفلاح » ، أی : حثّ علی الزکاة .

وقوله : « حیّ علی خیر العمل » ، أی : حثّ علی الولایة ، وعلّة أنّها خیر العمل أنَّ الأعمال کلّها بها تقبل .

اللهُ أکبر ، اللهُ أکبر ، لا إله إلّاَ الله ، محمّد رسول الله، فألقی معاویة من آخر الأذان « محمّد رسول الله » ، فقال : أمَا یرضی محمّد أن یُذکر فی أوّل الأذان حتّی یذکر فی آخره ؟!

ومعنی الإقامة : هی الإجابة والوجوب ، ومعنی کلماتها فهی التی ذکرناها فی الأذان ، ومعنی « قد قامت الصلاة » ، أی : قد وجبت الصلاة وحانت وأُقیمت ، وأمّا العلّة فیها ، فقال الصادق علیه السلام : « إذا أذَّنتَ وصلّیتَ صلَّی خلفک صفٌّ من


1- الانشراح : 4 .

ص:160

الملائکة ، وإذا أذَّنت وأقمتَ صلَّی خلفک صفّان من الملائکة » ، ولا یجوز ترک الأذان إلّا فی صلاة الظهر والعصر والعتمة ، یجوز فی هذه الثلاث الصلوات إقامة بلا أذان ، والأذان أفضل ، ولا تجعل ذلک عادة ، ولا یجوز ترک الأذان والإقامة فی صلاة المغرب وصلاة الفجر ، والعلة فی ذلک أنّ هاتین الصلاتین تحضرهما ملائکة اللیل وملائکة النهار((1)) .

وقال الشیخ جعفر کاشف الغطاء - ضمن بیانه لحکم وفضل الأذان - : « .. ولأنّه وضع لشعائر الإسلام دون الإیمان »((2)) .

فهذه النصوص تشیر بوضوح إلی أنّ الأذان لم یکن إعلاماً بوقت الصلاة فقط ، بل هو بیان لکلّیّات الإسلام وأصول العقیدة والعقائد الحقة .

فلو کان بیاناً لوقت الصلاة خاصّة ؛ لکان للشارع أن یکتفی بتشریع علامة کی تکون معلماً للوقت والمکان کما تفعله الیهود والنصاری والمجوس بالبوق والناقوس وإشعال النار وغیر ذلک .

وعلیه ، لم یکن الأذان لإعلام وقت الصلاة خاصّة ، ویؤیّد قولنا شمولیّة التأذین لکثیر من الأُمور الاجتماعیّة والحیاتیّة، ولو سلّطنا الضوء علی آثار الأذان فی الشر یعة لوقفنا علی جواب سؤالنا .


1- بحار الأنوار 81 : 169 . عن کتاب العلل لمحمد بن علی بن إبراهیم بن هاشم .
2- کشف الغطاء ، الطبعة القدیمة 227 فی بیان کیفیّة الأذان ، وسنعلِّق فی الباب الثالث « اشهد ان علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » علی کلامه رحمه الله تعالی .

ص:161

الأذان وآثاره فی الحیاة الاجتماعیة
اشارة

من الثابت فی الشریعة الإسلامیة استحباب الأذان والإقامة لأمور حیاتیّة واجتماعیّة کثیرة غیر الصلاة ، نذکر موارد منها :

الأذان والمولود

عن علیّ علیه السلام : « مَن وُلِد له مولود فلیؤذِّن فی أُذنه الیمنی بأذان الصلاة ، ولیقم فی الیسری، فإنَّ ذلک عصمة من الشیطان الرجیم والإفزاع له »((1)) .

وفی سنن أبی داود بسنده عن عبیدالله بن أبی رافع ، عن أبیه ، قال : رأیت رسول الله صلی الله علیه و آله أذّن فی أُذن الحسن بن علیّ حین ولدته فاطمة بالصلاة((2)) .


1- النصّ فی الجعفریّات ( الأشعثیّات ) : 32 ، وقریب منه فی دعائم الإسلام 1 : 147 ، وعنه فی بحار الأنوار 84 : 162 - 163 . وانظر : وسائل الشیعة 21 : 405 - 406 کتاب النکاح باب استحباب الأذان فی أذن المولود .
2- سنن أبی داود 4 : 328 کتاب الأدب باب فی الصبیّ یولد فیؤذّن فی أذنه ح 5105 ، وسنن الترمذی 4 : 97 کتاب الأضاحی باب الأذان فی اذن المولود ح 1514 ، وقال : هذا حدیث حسن صحیح .

ص:162

الأذان والعقم

شکا هشام بن إبراهیم إلی الرضا علیه السلام سقمه وأنّه لا یولد له ، فأمره أن یرفع صوته بالأذان فی منزله ، قال : ففعلتُ ذلک ، فأذهب اللهُ عنی سقمی ، وکثر ولدی((1)) .

الأذان والمرض

عن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام أنّه دخل علیه رجل من موالیه وقد وعک ، فقال له علیه السلام : « ما لی أراک متغیِّر اللون ؟ » .

فقلتُ : جُعِلتُ فداک ، وعکتُ وعکاً شدیداً منذ شهر ، ثمّ لم تنقلع الحمّی عنّی ، وقد عالجتُ نفسی بکلّ ما وصفه لی المترفّقون فلم أنتفع بشیء من ذلک .

فقال له الصادق علیه السلام : « حلَّ أزرار قمیصک، وأدخل رأسک فی قمیصک وأذِّن وأقِم واقرأ سورة الحمد سبع مرات » .

قال : ففعلتُ ذلک ، فکأ نّما نشطتُ من عقال((2)) .

وحکی العجلونی فی کشف الخفاء عن الفقیه محمّد السیابا - فیما حکی عن نفسه - أنّه هبّت ریح فوقعت منه حصاة فی عینه وأعیاه خروجها وآلمته أشدّ الألم ، وأنّه لمّا سمع المؤذّن یقول : أشهد أن محمّداً رسول الله ، قال ذلک ، فخرجت الحصاة من فوره((3)) .


1- الدعوات للقطب الراوندیّ : 189 - 190 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 156 . ومستدرک وسائل الشیعة 4 : 39 کتاب الصلاة وانظر : کلام الشیخ یحیی بن سعید فی جامع الشرائع 73 ، والصدوق فی من لا یحضره الفقیه 1 : 292 ح 903 .
2- طبّ الأئمّة 52 ، کما فی بحار الأنوار 81 : 75 .
3- کشف الخفاء 2 : 206 - 207 .

ص:163

الأذان وسعة الرزق

شکا رجل لأبی عبدالله الصادق علیه السلام الفقر ، فقال : « أذِّن کلَّما سمعتَ الأذان کما یُؤذّن المؤذّن »((1)) .

وقال سلیمان بن مقبل المدینیّ : قلتُ لأبی الحسن موسی بن جعفر علیه السلام : ] لأیّ [ علّة یستحبّ للإنسان إذا سمع الأذان أن یقول کما یقول المؤذِّن ، وإن کان علی البول والغائط ؟

فقال علیه السلام : « لأنَّ ذلک یزید فی الرزق »((2)) .

الأذان ووجع الرأس

ذکر الشیخ الطبرسیّ فی عدّة السفر وعمدة الحضر : روی عن الأئمَّة: أنّه : « یکتب الأذان والإقامة لرفع وجع الرأس ویُعَلَّق علیه »((3)) .

الأذان وسوء الخُلق

عن الصادق علیه السلام : « إن لکلّ شیء قَرَماً ، وأنَّ قَرَم الرجل اللحم، فَمَن ترکه أربعین یوماً ساء خُلقه ، ومَن ساء خلقه فأذِّنّوا فی أُذنه الیمنی »((4)) .


1- بحار الأنوار 81 : 174 عن الدعوات للراوندی .
2- وسائل الشیعة 1 : 315 کتاب الطهارة أبواب أحکام الخلوة ، وانظر : 15 : 347 - 348 عن الإمام علیّ ، کتاب الجهاد أبواب جهاد النفس .
3- مستدرک وسائل الشیعة 4 : 76 ، مستدرک سفینة البحار 1 : 65 فی مادة « أذن » ، الطبعة القدیمة .
4- المحاسن 2 : 256 کتاب المآکل ح 1808 ، بحار الأنوار 81 : 151 .

ص:164

الأذان وطرد الشیطان

روی سلیمان الجعفریّ أنّه سمع الإمام الصادق علیه السلام ، یقول : « أذِّن فی بیتک ، فإنّه یطرد الشیطان ، ویستحبّ من أجل الصِّبیان »((1)) .

الأذان والغول

فی دعائم الإسلام عن علیّ علیه السلام قال : « قال رسول الله : إذا تَغَوّلت لکم الغِیلان((2)) فأذِّنوا بالصلاة »((3)) .

وعن أبی سعید الخدریّ : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : « لا یسمع مدی صوت المؤذِّن جنّ ولا إنس ولا شیء إلّاَ وشهد له یوم القیامة »((4)) .

وقال الخطاب الرعینی فی مواهب الجلیل نقلاً عن الناشری من الشافعیّة فی الإیضاح : یستحبّ الأذان لمزدَحَم الجنّ ، وفی أُذُن الحزین ، والصبیّ عندما یولد فی الیمنی ویقیم فی الیسری ، والأذان خلف المسافر والإقامة((5)) .

فتلخّص مما سبق ومن أقوال بعض علماء أهل السنّة والجماعة ، وجمیع الشیعة بفرقها الثلاث أنَّ تشریع الأذان کان فی المسری وأنَّ تشریعه لم یکن لتعیین وقت الصلاة خاصّة ؛ لاکتناف هذه الشعیرة الإسلامیّة أسراراً عالیة ومعانی باطنیّة عمیقة


1- الحدائق النضرة 7 : 366 .
2- الغول : نوع من الجنّ یغتال الإنسان - بحار الأنوار 81 : 119 .
3- دعائم الإسلام 1 : 147 کما فی بحار الأنوار 81 : 162 ، ومستدرک وسائل الشیعة 4 : 62 .
4- صحیح البخاری 1 : 306 کتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان ح 575 ، سنن النسائی 2 : 12 کتاب الأذان باب رفع الصوت بالأذان .
5- مواهب الجلیل 2 : 85 . وانظر فتح المعین لشرح فرة العین المطبوع فی هامش اغاثة الطالبین 1 : 230 .

ص:165

ذکرنا بعضها ، وستقف علی غیرها لاحقاً ، وستعرف بأنَّ السِّرَّ فی رفع « حیّ علی خیر العمل » لم یکن لِما علّلوه ، وکذا المقصود من جملة « الصلاة خیر من النوم » لم یکن کما یفهمه عامّة الناس من العبارة ، بل هناک أسرار ومسائل تکتنف هذه الفصول سنرفع الستار عنها فی الباب الثانی من هذه الدراسة بإذن الله تعالی .

2 - توقیفیّة الأذان

وصل البحث بنا إلی طرح سؤال آخر وهو : هل الأذان توقیفیّ بمعنی لزوم إتیان فصوله کما هی ، أم إنّ لنا الحق فی الزیادة والنقصان حسب ما تقتضیه المصلحة وهو المعنی بعدم توقیفیته کما مرّت الإشارة إلیه ؟ وهل هناک فرق بین الأمور التوقیفیة العبادیّة وغیرها ، وبین الواجبات والمستحبات ، أم لا ؟

بل ما هو حکم الأذان ، وهل توقیفیته کالقرآن لا یمکن الزیادة والنقیصة فیها ؟ أم أن توقفیته هی بشکل آخر ؟

من الثابت المعلوم أن الأذان توقیفیّ ، وقد مرت علیک نصوص أهل بیت النبیّ الدالّة علی أنّه شرّع فی الإسراء والمعراج ، ومثله جاء فی کتب بعض أهل السنة والجماعة .

لکن من حقّنا أن نتساءل : لو کان کذلک فکیف لنا أن نتعامل مع بعض الأحادیث والنصوص المشعرة بعدم التوقیفیة ، وذلک لما فیها من الزیادة والنقصان ، وعلی أیّ شیء تدل ، هل علی التخییر أم الرخصة أم علی شیء آخر ؟

روی أبو بصیر عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام ، قال : لو أنّ موّذناً أعاد فی الشهادة وفی حیّ علی الصلاة أو حیّ علی الفلاح المرتین والثلاث وأکثر من ذلک إذا کان إماماً یرید به جماعة القوم لیجمعهم لم یکن به بأس((1)) .


1- الکافی 3 : 308 ح 34 والنصّ عنه ، وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 428 .

ص:166

وعن أبی عبیدة الحذَّاء ، قال : رأیت أبا جعفر علیه السلام یکبّر واحدة واحدة فی الأذان ، فقلت له : لِمَ تکبر واحدة واحدة ؟ فقال : لا باس به إذا کنتَ مستعجلاً فی الأذان((1)) .

وروی الشیخ فی الصحیح عن عبدالله بن سنان ، قال : سألت أبا عبدالله عن المرأة تؤذّن للصلاة ؟ فقال : حَسَنٌ إن فعلت ، وان لم تفعل أجزأها أن تکبّر وأن تشهد أن لا إله إلّاَ الله وأن محمّداً رسول الله((2)) .

وعن أبی مریم الأنصاری فی الصحیح ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول : إقامة المرأة أن تکبّر وتشهد أن لا إله إلّاَ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله صلی الله علیه و آله ((3)) .

وجاء فی روایة البخاری ومسلم ، عن عبدالله بن الحارث ، قال : خَطَبنا ابنُ عبّاس فی یوم ذی رزغ ، فأمرَ المؤذّن لمّا بلغ ( حیّ علی الصلاة ) قال قل : « الصلاة فی الرحال » ، فنظر بعضهم إلی بعض ، فکأنّهم أنکروا ، فقال : کأ نّکم أنکرتم هذا ، إنَّ هذا فَعَلُه مَن هو خیر منّی - یعنی النبیّ صلی الله علیه و آله - وإنّها عزمة ، وإنّی کرهت أن أُحرجکم((4)) .

وجاء عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه کان یزید فی الفجر جملة « الصلاة خیر من النوم »((5)) !


1- التهذیب 2 : 62 ح 216 ، الاستبصار 1 : 307/1140 ، وسائل الشیعة5 : 425 .
2- التهذیب 2 : 58 ح 202 ، وسائل الشیعة5 : 405 .
3- الکافی 3 : 305 ، کتاب الصلاة باب بدء الأذان والإقامة .
4- صحیح البخاری 1 : 324 - 325 ، کتاب الأذان باب هل یصلی الإمام بمن حضر ... فی المطر ح 629 وقرئت منه فی باب ( الرخصة فی المطر والعلة ان یُصلی فی رحله ) وفی باب ( الأذان للمسافر إذا کانوا جماعة ... ) عن نافع قال اذن ابن عمر فی لیلة بارده بصحبنا ثمّ قال : صلوا فی رحالکم ... وانظر فتح الباری لابن رجب 3 : 493 ، صحیح مسلم 1 : 485 ح 699 ، کتاب صلاة المسافرین وقصرها .
5- التهذیب 2 : 63 ح 222 .

ص:167

فعلی أی شیء تدل هذه النصوص ؟ وما المعنی بها ؟ وکیف یمکن تطابقها مع القول بتوقیفیة العبادات ؟

وهل أنّ توقیفیة الأذان تختلف عن غیره من الأحکام فیجوز إعادة ( حیّ علی الفلاح ) ثلاث مرات أو أکثر فی الأذان ، ولا یجوز الزیادة والنقیصة فی أمر عبادی آخر ؟

وهل هناک فرق بین الواجب التوقیفیّ والمستحبّ التوقیفیّ ؟

إن التوقیفیّ معناه هو التعبّدیّ ، أی التعبّد بما جاء به الشارع المقدّس دون زیادة ولا نقصان ، فلو صحّ مجیء « حیّ علی الفلاح » فی الأذان ثلاثاً فهو شرعیّ ویحمل إما علی التخییر أو الرخصة لضرورة خاصة .

ولو لم یصح الخبر فلا یعمل به، ولیس هناک فرق بین التوقیفیّ فی العبادات والتوقیفیّ فی المعاملات ، وکذا لا فرق بین التوقیفیّ فی الواجبات والمستحبّات ، فعلی المکلف أن یؤدّی ما سمعه وعقله علی الوجه الذی أمر به الشارع فقط ، ففی کمال الدین للصدوق ، عن عبدالله بن سنان ، قال : قال الصادق علیه السلام : ستصیبکم شبهة فتبقون بلا عَلَم یُری ولا إمام هدیً ، لا ینجو منها إلّاَ من دعا بدعاء الغریق .

قلت : وکیف دعاء الغریق ؟

قال : تقول : یا الله یا رحمن یا رحیم یا مقلّب القلوب ، ثبّت قلبی علی دینک ..

فقلت : یا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبی علی دینک .

فقال علیه السلام : إن الله عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ، ولکن قُل کما أقول : یا مقلب القلوب ثبّت قلبی علی دینک((1)) .


1- کمال الدین وتمام النعمة 2 : 351 باب 43 ح 49 وعنه فی بحار الأنوار 52 : 148 ح 73 .

ص:168

بهذا النهج یتعلم المسلم لزوم التروّی والتأنّی والحیطة والحذر فی النقل وضرورة رعایة النص کما هو دون زیادة ونقصان ، هذا ما علّمنا الشارع المقدّس التمسّک به .

نعم ، قد یختلف توقیفی عن توقیفی آخر ، وبلحاظ زاویة خاصة ، بمعنی أنّ توقیفیة الأذان قد تختلف عن توقیفیة الزواج والطلاق ، أی : أنّ توقیفیة الزواج والطلاق تتعلّق بأمر کلّی لا بجزئیته ، أی یجب علی المطلِّق أو العاقد أن یُنشئ عقدة الزواج والطلاق فی کلامه دون التعبد بصیغة واحدة خاصة ، فله أن یقول : ( أنکحت ) أو ( زوّجت ) أو ( متّعت ) ، فلو أتی العاقد بأی صیغة منها صح زواجه .

وکذا الحال بالنسبة إلی الطلاق فلو قال المطلِّق: زوجتی طالق ، أو فاطمة طالق ، أو امرأتی التی فی رکن الدار طالق - لو کانت هناک مثلاً - صح طلاقه ، لأنّ المطلوب هو إنشاء علقة الزوجیة فی الزواج ، وقصد الإبانة فی الطلاق دون التعبّد بصیغة مخصوصة ، وهذا بخلاف التعبد بنصوص القرآن وما شابهه ، لأن الثانی یأبی التغییر والتبدیل ، فلا یجوز تقدیم جملة من القرآن علی أخری ، فلا یجوز أن تقول: ( الرحیم الرحمن ) بدل ( الرحمن الرحیم ) ؛ لأن المطلوب أداء النصّ السماوی کما هو .

إذاً توقیفیات الأمور تختلف بحسب تعلّق الأحکام ، فتارة : تتعلّق بالحقیقة وذات الأمر ، وأخری بلزوم التعبد بالنصّ المعهود دون زیادة ونقیصة ، وقد وضّحنا قبل قلیل بأنّ توقیفیة الزواج والطلاق مثلاً تتعلق بالحقیقة الکلیة دون التعبد بصیغة بخصوصها ، بخلاف توقیفیة القرآن فإنّها توقیفیة بالنص فلا یجوز الزیادة والنقصان والتقدیم والتأخیر ، ومن القبیل الأوّل الأذکار المستحبة فی القنوت ، فالقنوت مستحبّ یقیناً لکن لا یلحظ فیه ذکر مخصوص ، فللقانت أن یقنت بما شاء من تسبیح وتحمید وشکر و...

ص:169

والآن نتساءل عن توقیفیة الأذان وأنّه من أی القسمین ، وهل یجوز فیه الزیادة والنقیصة وتبدیل کلمة بأختها أم لا ؟ ولو جاز فإلی أیّ حدّ یسمح لنا الشارع بالتصرف ؟ وهل أنّه من قبیل الذکر المسموح به فی القنوت أو من قبیل اختلاف صیغ التشهد وصلاة الخوف عند أهل السنة والجماعة أم هو شیء آخر ؟

نترک القاری معنا إلی الابواب اللاحقة کی نوقفه علی حقیقة الأمر وما نرید قوله بهذا الصدد .

الخلاصة

بعد أن بیّنّا معنی الأذان لغة واصطلاحاً ، والأقوال التی قیلت فی تأریخ تشریع الأذان ، عرضنا أشهر الأقوال الموجودة عند أهل السنة والجماعة فی بدء الأذان فکانت ستّة :

1 - تشریعه باقتراح من الصحابة وخصوصاً عمر بن الخطّاب .

2 - تشریعه بمنامات رآها بعض الصحابة . مثل أبی بکر وعمر وعبدالله بن زید وغیرهم .

3 - نزول الأذان تدریجیاً ، ثمّ إضافة عمر الشهادة بالنبوّة .

4 - الأذان وحی من الله تلقّاه الرسول من جبرئیل فی المعراج .

5 - إنّ عمر أوّل من سمع أذان جبرئیل فی السماء ثمّ سمعه بلال .

6 - إنّ تشریع الأذان نزل به جبرئیل علی آدم لمّا استوحش .

ثمّ أتینا برؤیة أهل البیت فی بدء الأذان ، وأکّدنا اتّفاقهم علی کون تشریعه کان فی المعراج ، ونقلنا نصوصاً عن :

1 - الإمام علیّ بن أبی طالب .

2 - الإمام الحسن بن علیّ .

ص:170

3 - الإمام الحسین بن علیّ .

4 - محمّد بن علیّ بن أبی طالب ( ابن الحنفیة ) .

5 - الإمام علیّ بن الحسین زین العابدین .

6 - الإمام محمّد بن علیّ الباقر .

7 - الإمام جعفر بن محمّد الصادق .

8 - الإمام علیّ بن موسی الرضا .

ثمّ ذکرنا أقوال بعض أعلام الإمامیة کی نؤکّد إطباقهم علی هذا الأمر وأنه مأخوذ من الوحی النازل علی النبیّ دون الرؤیا .

وحیث أن القول بکونه وحیاً قد ورد عند الفریقین بعکس القول بکونه مناماً الذی انفردت به أهل السنة والجماعة ، ألقینا بعض الضوء علی هذه الرؤیة فکانت لنا وقفة مع أحادیث الرؤیا ، ثمّ تحقیق فی دواعی نشوء مثل هذه الفکرة عندهم ، واحتملنا ارتباط هذا الأمر مع قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ} المرتبط بلعن بنی أمیّة ، موضحین هناک بعض معالم الخلاف وجذوره ، مؤکدین علی أن أهل البیت کانوا یشیرون فی کلماتهم ومواقفهم إلی أن بنی أمیّة جدّوا للوقوف أمام انتشار ذکر محمّد وآله فی الأذان والتشهد والخطبة ، ساعین للتقلیل من مکانة الإسراء والمعراج والادّعاء بأنّه کان بالروح فقط ، أی أنّه کان فی المنام لا فی الیقظة ، وذلک طمساً لذکر الرسول المستتبع طمس ذکر مکارمه صلی الله علیه و آله وفضائه ، والأنکی من ذلک أنهم أغفلوا وجود الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ضمن المضطجعین مع النبیّ عند العروج أو البعثة وحرفوا نصوصاً ومشاهدات اُخری کانت فی المعراج وتسمیتها بأسماء آخرین .

ومثله تناسیهم ذکر وجود مثاله فی الجنَّة مع أنّهم ذکروا وجود أمثلة مَن هم أقلّ شأناً ومنزلة من علیّ بکثیر . وقد قلنا بأن فکرة الرؤیا استحکمت عند القوم بعد

ص:171

صلح الإمام الحسن مع معاویة لقول سفیان بن اللیل : فتذاکرنا عنده ، فقال بعضنا : إنّما کان الأذان برؤیا عبد الله بن زید ، فقال له الحسن بن علیّ : أنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذّن جبرئیل ...

ثمّ ذکرنا ما حکی عن الإمام الحسین وأنّه سئل عما یقول الناس فقال علیه السلام : الوحی ینزل علی نبیکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زید .

وما نقل عن محمّد بن الحنفیة أنّه فزع لمّا سمع ما یُقال عن تشریع الأذان بالرؤیا وقوله: وعمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم أنّه کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه یحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام .

قال ] الراوی [ : فقلت : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس ؟

قال : هذا والله هو الباطل .

ثمّ نقلنا بعد ذلک کلمات الإمام علیّ والزهراء والحسن والحسین وعلیّ بن الحسین وزینب ، المصرّح أو الملوّح فیها ببنی أمیّة ومن قبلهم ممن کانوا قد تصدو للخلافة !

ثمّ رکّزنا علی خطبة الإمام السجاد فی الشام فذکرنا قسماً منها إلی أن أذن المؤذن فقال ( اشهد أن محمّداً رسول الله ) فالتفت علیّ بن الحسین من أعلی المنبر إلی یزید وقال : یا یزید ، محمّدٌ هذا جدی أم جدک ، فإن زعمت أنّه جدک فقد کذبت ، وإن قلت أنّه جدی فلم قتلت عترته ، ولاحظنا سیر محاولة الطمس وامتدادها إلی العصر العباسیّ من جانب الحکومات، وفی مقابلها حرص أئمّة أهل البیت: علی إتمام النور ورفع الذکر والافتخار باسم محمّد المرفوع فی الأذان .

وأخیراً أشرنا إلی مطلبین آخرین :

أحدهما : أنّ الأذان لیس إعلاماً محضاً للصلاة ، بل له أکثر من واقع فی الحیاة

ص:172

الإسلامیة ، إذ تنطوی ألفاظه علی معانی الإسلام وأصول العقیدة من التوحید والنبوة والإمامة - بنظر الإمامیة - ثمّ ذکرنا الأذان وآثاره فی الحیاة الإجتماعیة .

ثانیهما : توقیفیة الأذان .. ! وقد ترکنا القارئ دون جواب متکامل هنا ، وذلک لأنّ هذا المطلب یحتاج إلی مقدمات ومزید بیان للملابسات وما زید فی الأذان وما نقص منه ، فلابّد من مسایرة البحث للوقوف علی الحقیقة . والآن مع أوّل باب من هذه الدراسة :

ص:173

الباب اول: حیَّ عَلی خَیْرِ العَمَلِ الشرعیة والشعاریة

اشارة

l أنّها جزء علی عهد رسول الله

l تأذین الصحابة وأهل البیت بها

l رفع الخلیفة الثانی لها

l بیان لمعنی الحیعلة وسبب حذفها

l تاریخ المسألة والصراعات فیها

ص:174

ص:175

ویقع الکلام فی هذا الباب فی أربعة فصول :

الفصل الأوّل : الکلام فی شرعیّة حیَّ علی خیر العمل ، وأنّها کانت جزءاً علی عهد رسول الله

صلی الله علیه و آله .

الفصل الثانی : فی تحدید زمن حذف هذه الحَیعَلة ، وامتناع بلال عن التأذین .

الفصل الثالث : فی بیان معنی حیّ علی خیر العمل ، والأسباب التی دَعَتِ عمر بن الخطاب إلی حَذْفِها من الأذان .

الفصل الرّابع : بیان تاریخ المسألة وکیف صارت شعاراً لنهج التعبّد المحض ، وحذفُها شعاراً سیاسیّاً لخصومهم فی العصور المتأخّرة بعد ثبوت شرعیّتها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله .

ص:176

ص:177

الفصل الأول: فی جزئیة حیَّ علی خیر العمل

اشارة

ص:178

ص:179

ویتلّخص الکلام فیه فی ثلاثة أقسام :

القسم الأوّل : بیان اتّفاق الفریقین علی أصل شرعیّة « حیَّ علی خیر العمل » وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوی النَّسخ فیها من بعد .

القسم الثانی : أسماء من أذّن ب- « حیَّ علی خیر العمل » من الصَّحابة والتّابعین وأهل البیت .

القسم الثالث : إجماع العترة .

ص:180

ص:181

القسم الأوّل: اتّفاق الفریقین علی أصل شرعیّتها
اشارة

من الثابت المسلّم الذی لا یقبل الشکّ هو ثبوت جزئیّة « حیَّ علی خیر العمل » فی الأذان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ؛ لأنّها مضافاً إلی وجودها فی روایات الإمامیة الاثنی عشریة وفی روایات الزیدیة والإسماعیلیّة ، رواها أهل السنة والجماعة بطرقهم ، وأنّ بلالاً کان یؤذّن بها فی الصبح خاصّة ، بل کان جمّ غفیر من الصحابة یؤذّنون بها .

وحکی عن بعض أئمّة المذاهب الأربعة أنّهم قالوا بالتأذین بها ، لکنّ عامّتهم ادّعوا أنّ رسول الله أمر بلالاً بحذفها من الأذان ووضع مکانها جملة « الصلاة خیر من النوم » .

من هذا یتبیّن أنّهم لا ینکرون

شرعیّتها فی مبدأ الأمر ، لکنّهم یقولون بنسخها ، فما هو الناسخ إذاً ؟ ولِمَ تُنسخُ هذه الجملة بالخُصوص من الأذان ؟

للإجابة عن هذا السؤال لابدّ من ملاحظة أنّ أهل السنّة والجماعة انقسموا - فی هذه المسألة - إلی فریقین ؛ فمنهم من قال إنّ الناسخ هو قول رسول الله صلی الله علیه و آله لبلال : « اجعل مکانها الصلاة خیر من النوم »((1)) ، فی حین لم یَرَ الفریقُ الآخر منهم بُدّاً من السُّکوت عن بیان الناسخ ؛ لضعف تلک الأخبار وعدم دلالتها علی المقصود ، بل


1- انظر : مجمع الزوائد 1 : 330 ، « وفیه : « رواه الطبرانی فی الکبیر ، وفیه عبدالرحمن بن عمّار بن سعد وقد ضعّفه ابن معین » . والجدیر بالذکر أن المتّقی الهندی ذکر روایة الطبرانی فی کنز العمال 8 : 342 ح 23174 بعد ذکر إسنادها قال : کان بلال یؤذّن بالصبح فیقول : حیَّ علی خیر العمل ، ولم یذکر فیه : « اجعل مکانها الصلاة خیر من النوم » .

ص:182

لاحتواء تلک الأسانید علی وقفات علمیّة ؛ سَنَدیّة ودلالیّة ، یجب بیانها إن اقتضی الحال .

قال السیّد المرتضی فی الانتصار : وقد روت العامّة أنّ ذلک ] أی « حیّ علی خیر العمل » [ مما کان یقال فی بعض أیام النبیّ ، وإنّما ادّعی أن ذلک نُسخ ورُفع ، وعلی مَن ادّعی النسخ الدلالة له ، وما یجدها((1)) .

وقال ابن عربی فی الفتوحات المکیة : ... وأمّا من زاد فی الأذان حیَّ علی خیر العمل فإن کان فُعل فی زمان رسول الله - کما روی أنّ ذلک دعا به فی غزوة الخندق ؛ إذ کان الناس یحفرون ، فجاء وقت الصلاة وهی خیر موضوع کما ورد فی الحدیث ، فنادی المنادی أهل الخندق « حیَّ علی خیر العمل » - فما أخطأ مَن جعلها فی الأذان ، بل اقتدی إن صحّ الخبر ، أو سنّ سنّة حسنة((2)) .

وجاء فی الروض النضیر عن کتاب السنام ما لفظه : الصحیح أنّ الأذان شرّع بحیّ علی خیر العمل ، لأنّه اتُّفِق علی الأذان به یوم الخندق ، ولأنّه دعاءٌ إلی الصَّلاة ، وقد قال صلی الله علیه و آله « خیر أعمالکم الصلاة »((3)) . کما وردت روایات أخری تفید أنّ مؤذّنی رسول الله صلی الله علیه و آله وغیرهم من الصحابة استمرّوا علی التأذین بها حتّی ماتوا((4)) .

وعلیه فالفریقان شیعةً وسنةً متّفقان علی ثبوت حکمها فی الصدر الأوّل وعلی کونها جزء الأذان فی بدء التشریع ، لکنّ أهل السنة والجماعة انفردوا بدعوی


1- الانتصار 137 ، باب « وجوب قول حیّ علی خیر العمل فی الأذان » .
2- الفتوحات المکیة 1 : 400 .
3- هذا ما حکاه عزّان محقّق کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) 12 عن الروض النضیر 1 : 542 .
4- المصدر نفسه 50 - 56 . .

ص:183

النسخ ، وهو کلام قُرِّر فی العهود اللاحقة لأسباب تقف علیها لاحقاً .

فهذا الأمر یشیر إلی أنّ شرعیتها وجزئیتها کانت ثابتة عند الفریقین من لدن عهد الرسول الأکرم ، ویضاف إلی ذلک أنّ الشیعة الإمامیة والزیدیة والإسماعیلیة لهم طرقهم الخاصَّة والصَّحیحة وکُلُّها تُؤکّد ثبوتها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وعدم نَسْخها فی حیاته صلی الله علیه و آله ، « وأنّ رسول الله أمَرَ بلالاً أنْ یُؤذّن بها فلم یَزَلْ یُؤَذِّنُ بها حتّی قَبَضَ اللهُ رَسولَهُ »((1)) .

وهذا نصّ صریح یدلّ علی عدم نسخ « حَیّ علی خیر العمل » وعلی کونها جُزء الأذان حتّی قَبَضَ الله رسوله .

و یؤیِّد هذا المروی عندنا عن بلال ما رواه الحافظ العلوی الزیدی((2)) مسنداً إلی


1- انظر : من لا یحضره الفقیه 1 : 284/ ح 872 وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 416 ، والاستبصار 1 : 306 ح 1134 ، والأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی 91 .
2- وهو أبو عبدالله محمد بن علی بن الحسن العلوی الشجری الکوفی ( الإمام المحدّث الثقة العالم الفقیه مسند الکوفة ) کما نصّ علیه الذهبی فی العبر 3 : 212 وسیر أعلام النبلاء 17 : 636 وابن العماد الحنبلی فی شذرات الذهب 3 : 274 . مات بالکوفة فی ربیع الأول سنة 445 ه- ، ومولده فی رجب سنة 367 ه- . قال ابن النرسی : ما رأیت من کان یفهم فقه الحدیث مثلَه . وقال : کان حافظاً خرّج عنه الحافظ الصوری وأفاد عنه وکان یفتخر به ( سیر اعلام النبلاء 17 : 636 ) . وفی ( طبقات الزیدیة 2 : 292 ) : الثقة العابد مسند أهل الکوفة ، وقد ترجم له الطهرانی فی طبقات أعلام الشیعة ( أعلام القرن الخامس 170 - 172 ) . له کتاب « فضل الکوفة » و« فضل زیارة الحسین » و« تسمیة من روی عن الإمام زید من التابعین » ، و« التاریخ » ، و« التعازی » وکتاب « الجامع الکافی » وقد جمعه من بضع وثلاثین کتاباً من کتب الإمام محمد بن المنصور المرادی الزیدی ، وهو من أجلّ ما کتب فی الفقه ونصوص الأئمّة الزیدیّة ، وفیه بحث الأذان . وله کتاب علی انفراد باسم « الأذان بحیَّ علی خیر العمل » له طرق متعدّدة عند الزیدیّة ، وقد أشار محمد یحیی سالم عزّان إلی بعض طرقه إلی هذا الکتاب فی مقدّمة تحقیقه ص (32) ، وکذا العلاّمة السیّد محمّد بن حسین بن عبدالله الجلال ، حیث قال فی آخر نسخته : یقول الفقیر إلی الله المعترف بالذنب والتقصیر محمد بن حسین بن عبدالله الجلال : أروی کتاب « الأذان بحیَّ علی خیر العمل » من عدّة طرق عن مشایخی رحمهم الله بطر یق الإجازة العامّة ، وأرویه عن سیّدی العلاّمة قاسم بن حسین أبو طالب بالسماع من فاتحته إلی خاتمته إلّا الیسیر منه فبالإجازة العامّة ، وهو یرویه عن عدد من مشایخه ذکرتهم فی مؤلّفی المسمّی ( الأنوار السنیّة فی إسناد علوم الأمة المحمدیّة ) منهم شیخه العلاّمة علیّ بن حسین المغربی عن شیخه السیّد العلاّمة عبدالکریم بن عبدالله أبو طالب عن شیخه العلاّمة بدر الال ... إلی آخر مشایخه - عن المؤلّف أبی عبدالله محمد بن علیّ بن الحسن بن علیّ بن الحسین بن عبدالرحمن بن القاسم بن الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب رضوان الله علیهم جمیعاً . وقد طبع هذا الکتاب فی الیمن فی شهر صفر عام 1399 ه- ، السیّد یحیی عبدالکر یم الفضل عن نسخة العلاّمة الجلال . قال المحقق فی مقدّمته للکتاب : وقد روی التأذین ب- « حی علی خیر العمل » ، أکثر من عشرة من الصحابة ، وجاءت روایة الأذان من أکثر من مائة طریق ، وکلّ منها بإسناد متصل ( انظر : المقدمة 5 - 6 ) . وقد نقل عن هذا الکتاب کثیر من الأعلام أمثال الإمام القاسم بن محمّد فی کتاب الاعتصام ، والشوکانی فی نیل الأوطار ، وأخرج مسنده فی کتابه ( إتحاف الأکابر ) ، ورواه وأخرج مسنده العلاّمة عبدالواسع الواسعی فی کتابه ( درر الأسانید ) ، وکذا العلاّمة مجد الدین المؤیّد والعلاّمة الجلال وغیرهم . ومن المؤسف أنّ النسخة المطبوعة التی بأیدینا مغلوطة ، ولم تُعرض وتقابَل مع نسخ خطیة أخری للکتاب ، وإن کتب علی المطبوع حقّقه السیّد یحیی عبدالکر یم الفضیل . ولأجله استعنت فی بعض الأحیان بنسخة أخری من تحقیق محمّد یحیی سالم عزّان ، وفی أحیان أخری بکتاب الاعتصام بحبل الله المطبوع فیه کتاب الأذان بکامله . وقد أرانی المحقّق الحجة السیّد محمد رضا الجلالی نسخة من کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) بخط العلاّمة المحدّث السیّد محمد بن الحسین الجلال مجیزاً له روایة هذا الکتاب ، وقد أخبرنی بأنه یعزم علی تحقیقه وطبعه فسرّنی عزمه علی تحقیقه آملین له التوفیق والسداد .

ص:184

أبی محذورة من أنَّ رسول الله علّمه الأذان ، وفیه التَّأذین بحیَّ علی خیر العمل((1)) .

ومن المعلوم أنَّ أبا محذورة تَعَلَّمَ الأذان من رسول الله - حسبما یقولون - فی


1- انظر : « الأذان بحیّ علی خیر العمل » للحافظ العلوی 26 - 27 ،29 . وکذا : تحقیق عزّان 50 - 54 .

ص:185

أواخر السَّنَة الثامنة من الهجرة بعد رجوعه من حُنَین((1)) ، ومعناه ثبوتُ حیّ علی خیر العمل وشرعیتُها حتّی ذلک التأریخ ، ولم یَأمر رسولُ الله بإبدالها ب- « الصلاة خیر من النوم » .

ویضاف إلی ذلک أنَّ روایة الحافظ العَلوی عن بلال تنفی الزیادة التی جاء بها الطبرانی والبیهقی عنه رضوان الله تعالی علیه ؛ لأنَّ الحافظ العَلوی کان قد قال :

حدّثنا علیّ بن محمّد بن إسحاق المقری الخزّاز ، أخبرنا أبو زرعة أحمد بن الحسین الرازی ، حدّثنا أبو بکر بن تومردا ، أخبرنا مسلم بن الحجّاج ، حدّثنا إبراهیم بن محمّد بن عرعرة ، حدّثنا معن بن عیسی ، حدّثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذِّن ، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، عن جدّه حفص بن عمر بن سعد ، قال : کان بلال یؤذِّن فی أذان الصبح بحیَّ علی خیر العمل((2)) .

فی حین نری نفس هذا الحدیث قد ورد فی الطبرانی والبیهقی((3)) من طریق یعقوب بن حمید ، عن عبدالرحمن بن سعد ] المؤذّن [ ، عن عبدالله بن محمّد وعمر وعمّار ابنَی حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال : أنّه کان ینادی بالصبح فیقول : « حیَّ علی خیر العمل » ، إلّا أنّ فیما أخرجه الطبرانی والبیهقی زیادة :

فأمره النبیّ صلی الله علیه و آله أن یجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » وترک « حیَّ


1- سبل السلام 1 : 120 ، کتاب المسند للشافعی 31 ، مسند أحمد 3 : 408 ، سنن النسائی 2 : 5 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل 28 . وبتحقیق عزّان 56 . والاعتصام بحبل الله 1 : 290 .
3- المعجم الکبیر 1 : 353 والنصّ عنه ، وفی السنن الکبری 1 : 425 وفیه قال الشیخ : هذه اللفظه لم تثبت عن النبیّ صلی الله علیه و آله فیما علّم بلالاً وأبا محذورة ونحن نکره الزیادة فیه وبالله التوفیق .

ص:186

علی خیر العمل » .

والمتأمِّل فی روایة معن بن عیسی عن عبدالرحمن بن سعد التی أوردها الحافظ العلوی یراها أوثق من روایة یعقوب بن حمید التی أوردها الطبرانی والبیهقی باتفاق الجمیع ؛ لأنَّ معن بن عیسی ثقة ثبت وکذا غیره من رجال السند .

وممّا یحبذ هنا هو أنّ نقوم بتحقیق بسیط عن رجال الإسنادین وما رَوَوه عن بلال وأبی محذورة ، واختلاف النقل عنهما ، کی نتعرف علی ملابسات مثل هذه الأمور فی الشر یعة والأحکام :

وقفة مع الحدیثَین

وقفة مع الحدیثَین((1))

ذکرت کتب الحدیث والتاریخ أسماء أربعة من الذین أذنوا علی عهد رسول الله ، وهم :

1 - بلال بن رباح الحبشی

2 - أبو محذورة القرشی

3 - عبدالله بن أمّ مکتوم

4 - سعد القرظ

وقد أذّن أبو محذورة بعد السنة الثامنة من الهجرة((2)) ، وقیل بعد فتح مکّة((3)) ،


1- أحدهما : الذی رواه الطبرانی والبیهقی بإسنادهما عن عبدالرحمن بن سعد القرظ ، وفیه : کان بلال یؤذّن فی أذان الصبح بحیّ علی خیر العمل ، وأنّ رسول الله أمره أن یجعل مکانها الصلاة خیر من النوم ، وهو یخالف ما رواه الحافظ العلوی من طر یق مسلم بن الحجّاج والذی یخلو من هذه الزیادة . الثانیة : حدیث أبی محذورة المختلف فیه ، والذی رواه رجال الصحاح والسنن لیس فیه « حیّ علی خیر العمل » ، أمّا الحافظ العلوی وأحمد بن محمّد بن السری فقد رَوَیاه وفیه التأذین بحیّ علی خیر العمل ، وهو الذی یتّفق مع مرویّات أهل البیت ، وعلیه إجماع العترة حسبما ستعرف بعد قلیل .
2- سبل السلام 1 : 120 ، کتاب المسند للشافعی 31 ، مسند أحمد3 : 408 ، سنن النسائی 2 : 5 .
3- الطبقات الکبری لابن سعد 5 : 450 .

ص:187

ونقل عن سعد القرظ أنّه کان یؤذّن بِقُبا((1)) .

وربّما تکون روایات الأذان عند المذاهب الأربعة والاختلافات فی فصوله وأعداده ، راجعة إلی اختلاف عمل هؤلاء الصحابة فی الأذان أو اختلاف النقل عنهم ، مضافاً إلی ما جاء عن عبد الله بن زید بن ثعلبة بن عبد ربه فیه .

فالاختلاف أمر ملحوظ فی الأحادیث ، وقد یُنقَل عن الصحابی الواحد نقلان متخالفان ؛ فالتکبیرتان والأربع فی أوّل الأذان مثلاً ورد کلّ منهما عن عبدالله بن زید ، والتثویب وعدمه جاءا عن أبی محذورة ، واختص خبر الترجیع((2)) بأبی محذورة دون غیره من المؤذنین ، فما سبب کلّ هذا الاختلاف والکل ینسب فعله إلی الصحابة ؟

« فمالک والشافعی ذهبا إلی أنّ الأذان مثنی مثنی والإقامة مرّة مرّة ، إلّا أنّ الشافعیّ یقول فی أوّل الأذان ( الله أکبر ) أربع مرات ویرویها محفوظاً عن عبدالله بن زید وأبی محذورة ، وهی زیادة مقبولة والعمل بها فی مکّة ومن تبعهم من أهل الحجاز .

لکن مالکاً وأصحابه ذهبا إلی تثنیة التکبیر ، وقد رووا ذلک من وجوه صحاح من أذان أبی محذورة ومن أذان عبدالله بن زید وعلیه عمل أهل المدینة من آل سعد القرظ »((3)) .


1- تلخیص الحبیر 3 : 199 ، تهذیب الأسماء للنووی 1 : 55 .
2- الترجیع فی الأذان هو تکریر الشهادتین جهراً ، هکذا فسره الصاغانی ، انظر : تاج العروس 5 : 351 .
3- انظر : فتح المالک 1 : 7 . وفتح الباری لابن رجب الحنبلی 3 : 413 .

ص:188

واتفق مالک((1)) والشافعی((2)) علی الترجیع فی الأذان ، لکن الحنابلة((3)) والأحناف((4)) قالوا : لا ترجیع فی الأذان ، وکلٌ استند فیما ذهب إلیه إلی نقله عن بعض الصحابة !!

قال الأثرم : سمعت أبا عبدالله ] یعنی أحمد بن حنبل [ یُسأَلُ : إلی أیّ الأذان یذهب ؟ قال : إلی أذان بلال ...

قیل لأبی عبدالله : ألیس حدیث أبی محذورة بعد حدیث عبدالله بن زید ؛ لأنّ حدیث أبی محذورة بعد فتح مکّة ؟

فقال : ألیس قد رجع النبیّ إلی المدینة فأقرّ بلالاً علی أذان عبد الله بن زید((5)) .

بلی ، إنّ فِعل الصحابی کان هو الحجة رغم الاختلافات ، لکن لنا أنّ نتساءل عن هذا الاختلاف هل أنّه حصل بالفعل فی زمن الصحابی ، أم أنّه من صنع المتأخرین ، وما هی ملابسات هذه الأحادیث المختلفة ؟ بل ما هی قیمة رجال إسنادها ؟!

ونحن إیماناً بضرورة دراسة مثل هذه الأمور سلّطنا بعض الضوء علی رجال خبری بلال وأبی محذورة .

فقد ادّعی فی طریق الطبرانی والبیهقی أنّ رسول الله

صلی الله علیه و آله قال لبلال : « اجعل مکانها الصلاة خیر من النوم » ، مع أنّ هذه الزیادة غیر موجودة فی طریق الحافظ العلوی .


1- فتح المالک 1 : 8 .
2- المجموع للنووی 3 : 90 .
3- المغنی لابن قدامة 1 : 416 . فتح الباری لابن رجب 3 : 414 .
4- المبسوط للسرخسی 1 : 128 ، الهدایة شرح البدایة 1 : 41 باب الأذان .
5- المغنی لابن قدامة 1 : 416 - 417 .

ص:189

وفی روایة أبی محذورة « فاجعل فی آخرها : الصلاة خیر من النوم » ، وهی أیضاً غیر موجودة فی طریق الحافظ العلوی .

فأیّ النقلین هو الصواب إذن ؟!

مع ما رواه الطبرانی والبیهقی عن بلال

قد مرّ علیک قبل قلیل((1)) ما رواه الطبرانی عن شیخه محمّد بن علیّ الصائغ ، والبیهقی بإسناده عن أبی الشیخ الإصفهانیّ - فی کتاب الأذان - عن محمّد بن عبدالله بن رسته ، کلاهما عن یعقوب بن حمید بن کاسب :

حدّثنا عبدالرحمن بن سعد بن عمّار بن سعد القرظ ، عن عبدالله بن محمّد ، وعمر وعمّار ابنَی حفص ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال ...

وفی هذا الإسناد : یعقوب بن حمید بن کاسب ، فهو أبو یوسف ، مدنیّ الأصل ، مکیّ الدار ؛ هذا ما قاله ابن أبی حاتم الرازی ، ثمّ قال : سألت یحیی بن معین عن یعقوب بن کاسب ، فقال : لیس بشیء .

وقال أبو بکر بن خیثمة : سمعت یحیی بن معین یقول وذکر ابن کاسب ، فقال : لیس بثقه ، قلت : من أین قلت ذلک ؟ قال : لأنّه محدود((2)) .

قلت : ألیس فی سماعه ثقة ؟ قال : بلی .

أخبرنا عبدالرحمن ، قال : سمعت أبی یقول : ضعیف الحدیث .

أخبرنا عبدالرحمن قال : سألت أبا زرعة عن یعقوب بن کاسب ، فحرّک رأسه ، قلت : کان صدوقاً فی الحدیث ، قال : لهذا شروط . وقال فی حدیث رواه


1- مَرَّ فی صفحة : 185- 186 .
2- المحدود : من أقیم علیه الحدّ .

ص:190

یعقوب : قلبی لا یسکن إلی ابن کاسب((1)) .

وقال أبو بکر : سمعت یحیی بن معین وذکر ابن کاسب یقول : لیس بثقة ، فقلت له : من أین قلت ذاک ؟ قال : لأنّه محدود ، قلت : ألیس هو فی سماعه ثقة ؟ فقال : بلی ، فقلت له : أنا أعطیک رجلاً تزعم أنّه وجب علیه حدٌّ وتزعم أنّه ثقة ، قال : من هو ؟ قلت : خلف بن سالم ، قال : ذلک إنما شتم بنت حاتم مرّة واحدة ، وما به بأس لولا أنّه سفیه .

قلت لمصعب الزبیری: إنّ یحیی بن معین یقول فی ابن کاسب : إنّ حدیثه لا یجوز لأنّه محدود ، فقال : لیس ما قال ، إنما حدّه الطالبیّون فی التحامل ولیس حدود الطالبیین عندنا بشیء لجورهم ، وابن کاسب ثقة مأمون صاحب حدیث ، أبوه مولی للخیزران ، وکان من أمناء القضاة زماناً((2)) .

وقال الذهبی فی تذکرة الحفاظ : تفرّد بأشیاء وله مناکیر ، حدّث عنه البخاری وابن ماجة وعبدالله بن أحمد وإسماعیل القاضی ، وأبو بکر بن أبی عاصم وطائفة ، ذکره البخاری فقال : لم نرَ إلّا خیراً ، وقال أبو حاتم : ضعیف((3)) .

وفی میزان الاعتدال : قال البخاری : لم نرَ إلّا خیراً ، هو فی الأصل صدوق وشذّ مضر بن محمّد الاسدی فروی عن ابن معین : ثقة ، وروی عبّاس عن یحیی : لیس بثقه((4)) ، فقلت : لم ؟

قال : لأنّه محدود ...

والنسائی : لیس بشیء .


1- الجرح والتعدیل 9 : 206 .
2- التعدیل والتجریح للباجی 3 : 1425 .
3- تذکرة الحفّاظ 2 : 466 .
4- فی تهذیب الکمال 32 : 322 عن عباس الدوری عن ابن معین : لیس بشیء .

ص:191

وأبو حاتم : ضعیف .

قال الذهبی: کان من علماء الحدیث لکن له مناکیر وغرائب ، وحدیثه فی صحیح البخاری فی موضعین : فی الصلح ، وفیمن شهد بدراً ...

قال الحلوانی : رأیت أبا داود السجستانی قد جعل حدیث یعقوب بن کاسب وقایات علی ظهور کتبه ، فسألته عنه ، فقال : رأینا فی مسنده أحادیث أنکرناها ، فطالبناه بالأصول فدافعنا ، ثمّ أخرجها بَعدُ فوجدنا الأحادیث فی الأصول مغیَّرة بخطِّ طَرِیّ ؛ کانت مراسیل فأسنَدَها وزادَ فیها((1)) .

وفی سیر أعلام النبلاء :

« ... وکان من أئمّة الأثر علی کثرة مناکیر له - إلی أنّ یقول - : وقال ابن عدی : لا بأس به وبروایاته ، هو کثیر الحدیث ، کثیر الغرائب ، کتبت مسنده عن القاسم بن عبدالله عنه ، صَنّفه علی الأبواب ، وفیه من الغرائب والنسخ والأحادیث العزیزة ، وشیوخ أهل المدینة ممّن لا یروی عنهم غیره ... »((2)) .

وقال ابن حبّان فی الثقات : مات سنة أربعین أو أحد وأربعین ومائتین، کان ممّن یحفظ وممّن جمع وصنّف ، واعتمد علی حفظه فربّما أخطأ فی الشیء بعد الشیء ، ولیس خطأ الإنسان فی شیء یَهِمُ فیه ما لم یفحش ذلک منه بمُخْرِجِهِ عن الثقات إذا تقدّمت عدالته((3)) .

قلت : کیف یقول ابن حبّان هذا وهو یعلم بأن الخدشة فیه جاءت لکونه محدوداً لا من جهة حفظه ؛ لأنّ الثابت عدم قبول شهادة الفاسق وخصوصاً لو أفحش فی التحامل علی أهل البیت ، وخصوصاً الإمام علیّ بن أبی طالب ، وهذا


1- میزان الاعتدال 7 : 276 - 277 . وانظر : الضعفاء الکبیر للعقیلی 4 : 446 .
2- سیر أعلام النبلاء 11 : 158 وانظر : کلام ابن عدی فی الکامل 7 : 151 .
3- الثقات لابن حبّان 9 : 285 .

ص:192

یشیر إلی نصبه بلا أدنی شک ؛ لأنّ الطالبیین حدّوه لنصبه ، وقد وقفت علی سرّ الحد لقول الزبیری « إنّما حده الطالبیون فی التحامل » وقول ابن معین فی خلف بن سالم « ... إنّما شتم بنت حاتم مرّة واحدة وما به بأس » ، وهما یرشدان إلی أنّ الخدشة جاءت فیه من هذه الجهة ، وهی فسق بلا شک ، لا من جهة نسیانه ، وکیف لا یکون فاسقاً غیر معتمد الروایة وهو یغیر الأصول ویسند المراسیل؟! أضف إلی کلّ ذلک أنّه کان « أبوه مولی للخیزران وکان من أمناء القضاة زماناً » ؟

وأمّا عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد المؤذّن .

فقد قال ابن أبی حاتم عنه: سئل یحیی بن معین عن عبدالرحمن المؤذّن ، فقال : مدینی ضعیف ؛ روی عن أبی الزناد((1)) .

وقال ابن حجر فی تقریب التهذیب : ضعیف من السابعة((2)) .

وقال الشوکانی فی نیل الأوطار : وعبدالرحمن ضعیف((3)) .

وقال ابن أبی عاصم فی الآحاد والمثانی : ضعیف((4)) .

وقال البخاری فی تاریخه الکبیر : عبدالرحمن بن سعد فیه نظر ، مولی بنی مخزوم((5)) .

وقال الماردینی الشهیر بابن الترکمانی فی الجوهر النقی : منکر الحدیث((6)) .

وضعّفه ابن أبی حاتم ، وقال ابن القطان : هو وأبوه وجدّه مجهولو الحال((7)) .


1- الجرح والتعدیل 5 : 238 .
2- تحریر تقریب التهذیب 2 : 321 .
3- نیل الاوطار 3 : 346 .
4- الآحاد والمثانی 1 : 65 .
5- تاریخ البخاری الکبیر 5 : 287 .
6- الجوهر النقی 3 : 286 .
7- الجوهر النقی 1 : 394 .

ص:193

وقال الألبانی فی إرواء الغلیل : عبدالرحمن بن سعد ضعیف وأبوه وجده لا یعرف حالهم((1)) .

وأمّا عبدالله بن محمد فقد ضعفه ابن معین((2)) .

وسئل یحیی بن معین عن عبدالله بن محمّد وعمّار وعمر ابنی حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم کیف حال هؤلاء ؟ قال : لیسوا بشیء((3)) .

وأمّا عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ .

فقد قال ابن معین : لیس بشیء((4)) .

وقال ابن حجر فی تقریب التهذیب: عمر بن حفص بن عمر بن سعد القرظ المدنی المؤذن فیه لین ، من السابعة((5)) .

وأمّا عمار بن حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فهو أخو عمر ، وهو والد محمّد ، روی عنه عبدالرحمن بن سعد((6)) .

قال البخاری : لم یصحّ حدیثه((7)) .

وقال یحیی بن معین : لیس بشیء((8)) .


1- إرواء الغلیل 3 : 120 .
2- الجوهر النقی 1 : 394 ، 3 : 287 .
3- انظر : تاریخ ابن معین ( الدارمی ) 169 ، الکامل فی الضعفاء 5 : 73 ، الضعفاء للعقیلی 2 : 300 - 301 ، والجرح والتعدیل 6 : 103 .
4- الجوهر النقی 3 : 287 الجرح والتعدیل 6 : 102 ، المغنی فی الضعفاء 2 : 464 ، تهذیب الکمال 21 : 302 ، تهذیب التهذیب 6 : 183 .
5- تحریر تقریب التهذیب 3 : 68 .
6- التاریخ الکبیر 5 : 287 .
7- میزان الاعتدال 5 : 211 .
8- لسان المیزان 4 : 271 ، الجرح والتعدیل 6 : 392 .

ص:194

وأمّا حفص بن عمر بن سعد القرظ ، فلم یسمع من جدّه ولا غیره من الصحابة ، وربما نسب إلی جدّه فیتوهّمه الواهم أنّه تابعی((1)) .

وقد علّق ابن الترکمانی علی أحد أحادیث حفص بن عمر فی کتاب صلاة العیدین بقوله: إنّ حفصاً والد عمر المذکور فی هذا السند إن کان حفص بن عمر المذکور فی السند الأوّل فقد اضطربت روایته لهذا الحدیث ، رواه ها هنا عن سعد القرظ ، وفی ذلک السند رواه عن أبیه وعمومته عن سعد القرظ ، فظهر من هذا أنّ الأحادیث التی ذکرها البیهقی فی هذا الباب لا تسلم من الضعف . وکذا سائر الأحادیث الواردة فی هذا الباب ..((2))

وحکی الزیلعی عن « الإمام » : وأهل حفص غیر مُسمَّین ، فهم مجهولون((3)) .

کان هذا حال رجال هذا الإسناد .

مع ما رواه الحافظ العلوی عن بلال

أمّا طریق الحافظ العلوی فهو أحسن من هذا بکثیر ، وإن کان فیه بعض الملابسات ؛ لأنّ الحافظ خرّج حدیثه من طریق مسلم بن الحجّاج ، وإن لم یکن فی صحیحه :

حدثنا إبراهیم بن محمّد بن عرعرة ، حدثنا معن بن عیسی ، حدثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذّن ، عن محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر .

وهم خیر من أولئک .

فمسلم بن الحجّاج ، صاحب الصحیح ، فهو إمام عند القوم .


1- معرفة علوم الحدیث : 70 النوع الخامس عشر .
2- الجوهر النقی 3 : 287 .
3- نصب الرایة 1 : 265 .

ص:195

وأمّا إبراهیم بن محمّد بن عرعرة بن البرند بن النعمان أبو إسحاق البصری فقال عنه ابن أبی حاتم الرازی : سئل أبی عن إبراهیم بن أبی عرعره فقال : صدوق((1)) .

وحکی عن علیّ بن الحسین بن حبّان أنّه قال : وجدت فی کتاب أبی بخطّ یده قلت له - یعنی یحیی بن معین - : أبو عرعرة ؟

فقال : ثقه معروف الحدیث، کان یحیی بن سعید یکرمه ، مشهور بالطلب ، کیّس الکتاب ؛ ولکنه یفسد نفسه ، یدخل فی کلّ شیء((2)) . وجاء فیه بعض التلیین .

وأمّا معن بن عیسی بن یحیی بن دینار الأشجعی مولاهم القزّاز أبو یحیی المدنی ؛ فهو فی طبقة یعقوب بن حمید بن کاسب ، فقد ترجم له المزّی فی التهذیب((3)) ، قال أبو حاتم : أثبتُ أصحاب مالک وأوثقهُم معن بن عیسی ، وهو أحب الیَّ من عبدالله بن نافع الصائغ ومن ابن وهب((4)) .

أمّا عبدالرحمن بن سعد المؤذن فضعیف حسبما عرفت .

وأمّا محمّد بن عمّار بن حفص بن عمر ، فهو أبو عبدالله المدنی مؤذّن مسجد الرسول، ویقال له: کشاکش، وهو مولی الانصار ویقال : مولی عمّار بن یاسر((5)) .

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبیه : ما أری به بأس((6)) ، وقال الدوری عن یحیی بن معین : لم یکن به باس((7)) .


1- الجرح والتعدیل 2 : 130 .
2- تاریخ بغداد 6 : 149 - 151 وفیه : سکن بغداد وحدّث بها عن یحیی بن سعید القطّان وعبدالرحمن بن مهدی ومحمد بن جعفر ومحمد بن بکر البرسانی ومعن بن عیسی ...
3- تهذیب الکمال 28 : 336 .
4- الجرح والتعدیل 8 : 277 - 278 الترجمة 1271 .
5- تهذیب الکمال 26 : 163 ، تهذیب التهذیب 9 : 358 ، التاریخ الصغیر 2 : 183 .
6- العلل لأحمد 2 : 485 ، بحر الدم فیمن مدحه أحمد أو ذمّ 141 .
7- تاریخ بن معین بروایة الدوری 1 : 147 .

ص:196

وقال علیّ بن المدینی : ثقة((1)) .

قال أبو حاتم : شیخ لیس به بأس ، یُکتب حدیثه((2)) .

وقال ابن حجر : لا بأس به ، من السابعة((3)) .

وحفص بن عمر بن سعد القرظ قد عرفت حاله وهو مُتکلَّم فیه ، والخبر موقوف علیه ولیس بحجة .

ومع کلّ هذه الملابسات نری هذا الإسناد أنظف ممّا رواه الطبرانی فی الکبیر والبیهقی عن أبی الشیخ الإصفهانی عن محمّد بن عبدالله بن رُسته فی السنن .

مع ما رواه السری عن أبی محذورة

و یعضد ثبوت الحیعلة الثالثة عن رسول الله ما رواه الحافظ العلوی بطرق متعددة - سیأتیک ذکرها تحت عنوان « تأذین الصحابة وأهل البیت » - عن أبی محذورة وأنّها اتفقت جمیعاً علی ثبوتها .

وأمّا روایة الحافظ العلوی بإسناده الذی فیه أحمد بن محمّد بن السری فإلیک نصّها :

حدّثنا أبو القاسم علیّ بن الحسین العرزمی إملاءً من حفظه ، قال : حدّثنا أبو بکر أحمد بن محمّد بن السری التمیمی ، حدّثنا أبو عمران موسی بن هارون بن عبدالله الجمال ، حدّثنا یحیی ابن عبدالحمید الحمانی ، حدّثنا أبو بکر بن عیاش ، عن عبد العزیز بن رفیع ، عن أبی محذورة ، قال : کنتُ غلاماً صیّتاً ، فأذّنت بین یدی رسول الله

صلی الله علیه و آله


1- لسان المیزان 7 : 369 - 370 ، تهذیب الکمال 26 : 163 .
2- الجرح والتعدیل 8 : 43 .
3- تحریر تقریب التهذیب 3 : 295 .

ص:197

لصلاة الفجر ، فلما انتهیت إلی « حیَّ علی الفلاح » قال النبیّ صلی الله علیه و آله : ألحق فیها « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .

وهذا النص - کما تراه - واضح لا مغمز فی لفظه ولا معناه ، لکنّ المتآخرین من علماء العامّة حرفوا النص عن وجهته فنقلوا الروایة بشکل آخر ، قالوا :

زعم أحمد بن محمد بن السری أنّه سمع موسی بن هارون عن الحمانی عن أبی بکر بن عیاش عن عبدالعزیز بن رفیع عن أبی محذورة ، قال : کنت غلاماً فقال النبیّ : اجعل فی آخر أذانک « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وبناء علی هذا التلاعب قال الحافظ ابن حجر فی خبر السری :

« وهذا حدثنا به جماعة عن الحضرمی عن یحیی الحمانی وإنّما هو : اجعل فی آخر أذانک الصلاة خیر من النوم »((3)) .

لکن کلامه باطل من عدة جهات :

الأولی : أنّ مکان « حیّ علی خیر العمل » عند من یقول بها هی وسط الأذان لا فی آخره ، وأنّها من أصل الأذان لا زیادة فیه کالصلاة خیر من النوم ، وإنّما سوغ لهم هذا التلاعب تحریفهم نص السری عن وجهته ، حیث جعلوا الحیعلة الثالثة فی آخر الأذان ، لیتسنی لهم ادعاء أنّ الروایة وردت بجعل « الصلاة خیر من النوم » فی آخره لا الحیعلة الثالثة .

الثانیة : أنّ زیادة « الصلاة خیر من النوم » جاءت متأخّرة ، وقد قال مالک


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل 15 - 16 .
2- میزان الاعتدال 1 :283 - 284 .
3- لسان المیزان 1 : 268 .

ص:198

عنها أنّها ضلال((1)) ، ورجع الشافعی عن القول بها فی الجدید((2)) ؛ لعدم ثبوت ذلک عن أبی محذورة، وهو مؤشّر علی عدم شرعیّتها فی أصل الأذان ، فلو کان الأمر کذلک فالزیادة مشکوک فیها ولا یمکن الأخذ بها ، وقد جاء فی مصنف ابن أبی شیبة عن الأسود بن یزید قوله وقد سمع المؤذّن یقول « الصلاة خیر من النوم » فقال : لا یزیدون فی الأذان ما لیس سنّة((3)) .

الثالثة : إنّ ما زعمه ابن حجر من وضع حدیث : نار تلتقط مبغضی آل محمّد ، واتّهم به أحمد بن محمّد بن السریّ ، فباطل .

إذ لا شاهد له علی ذلک إلّا استعظامه واستکباره أن یرد مثل هذا الحدیث فی فضل آل محمّد ، ولو أنصف لعلم أنّ مبغضی آل محمّد فی النار وأنّه لا استکبار ولا استعظام . وهناک روایات کثیرة تشیر إلی هذا المعنی ، فقد یکون أحمد بن محمّد بن السری نقل الحدیث بالمعنی ، وهو جائز عند الفریقین ، ومحض الانفراد - لو صحّ - لا یدلّ علی الوضع ، خصوصاً مع أنّ لحدیثه هذا شواهد ومتابعات کثیرة ، وأحمد هذا ثقة بإجماعهم ، ولم یعیبوا علیه إلّا شیئاً لا یصح به قدح .

فأحمد بن محمّد بن السری المعروف بابن أبی دارم المتوفّی 351 ه- قال عنه الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الکوفی ، بعد أنّ أرّخ وفاته : کان مستقیم الامر عامّة


1- انظر : مواهب الجلیل 2 : 83 کتاب الصلاة ، فضل الأذان والإقامة ، حیث صرّح بأن التثویب ضلال ، فتمحّل بعضهم وقالوا إن المراد بالتثویب « حیّ علی خیر العمل » وقال آخر المراد هو التثویب الثانی وهو خنق للحقیقة ، خصوصاً وقد حکی عن مالک تجویزه الحیعلة الثالثة کما سیأتی فی آخر القسم الثالث من هذا الباب فصل « جزئیة حی علی خیر العمل » ، والباب الثانی من هذه الدراسة « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » .
2- الأمّ 1 : 85 .
3- مصنّف ابن أبی شیبة 1 : 189 .

ص:199

دهره ، ثمّ فی آخر أیّامه کان أکثر ما یُقرأ علیه المثالب ، حضرته ورجل یقرأ علیه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّی أسقطت بمحسن .

وفی خبر آخر فی قوله تعالی : {وَجَاءَ فِرْعَوْنُ} عمر : {وَمَنْ قَبْلَهُ} أبوبکر {وَالْمُؤْتَفِکَاتُ} عائشة وحفصة ، فوافقته علی ذلک ؛ ثمّ أنّه حین أذَّن الناس بهذا الأذان الُمحدَث وضع حدیثاً متنه : تخرج نار من عدن((1)) ...

وعلیه فالخدشة فی ابن أبی دارم جاءت لروایته المثالب لا لسوء حفظه واختلاطه بأخَرَة و.. ، بل لروایته أشیاء لا ترضی الآخرین من القول برفس فاطمة ، وشرعیّة حیّ علی خیر العمل ، وأنّ النار تلتقط مبغضی آل محمّد وغیرها .

وقد تلحض مما سبق : إمکان الخدش فی خبرَی أبی محذورة وبلال المُدَّعِیَیْنِ لنسخ الحیعلة الثالثة ، والمُعَارَضَیْنِ بما رواه العلوی . ونلفت نظر القارئ الکریم إلی أنّ هذین الخبر ین بمجردهما قد لا یصلحان لإثبات شرعیة حیّ علی خیر العمل ، بل إن ثبوتها عندنا یرجع إلی ما عندنا من طرق صحیحة فی ذلک ، ویؤیده تأذین أهل البیت والصحابة بذلک ، وهو ما ستعرفه بعد قلیل ، الأمر الذی یتفق مع سیرة بلال وحیاته الفکریة التی ستقف علیها فی الفصل الثانی من هذا الباب « حذف الحیعلة وامتناع بلال عن التأذین ».

مشیرین إلی أنّ الملابسات العلمیة التی تعرضنا لها آنفاً ینبغی أن تحدّ من إسراف من یدّعی النسخ ویلهج بوجود الناسخ بلا دلیل مُرْض ، وهذا هو الذی أشار إلیه الشریف المرتضی ( ت 436 ه- ) بقوله :


1- لسان المیزان 1 : 268 . ودعوی ابن حجر وغیره انّ هذا من مختلقات السری لا یثبت أمام الحقیقة العلمیة ، إذ روی هذا التأویل کثیر من المحدثین ومن کتبوا فی المثالب .

ص:200

وقد روت العامة أنّ ذلک مما کان یقال من بعض أیّام النبیّ وإنّما ادُّعی أنّ ذلک نُسِخَ ورُفِعَ ، وعلی من ادّعی النسخ الدلالة له وما یجدها .

وممّا یضحک الثکلی أنّ البعض أسرف للغایة ؛ حیث رفض جزئیة حیّ علی خیر العمل ، مدّعیاً أنّ الشیعة هم الذین أوجدوها وحشروها فی کتب أهل السنة والجماعة لأنّ بقیّة الفرق الإسلامیّة لا تقول بذلک ، کما أنَّ صحاحهم ومسانیدهم قد خلت من « حیّ علی خیر العمل » .

وأمام احتمال طرح مثل هذه الشبهة ، نقول : إنَّ هذه القضیّة لم تختصّ بالطالبیّین دون غیرهم علی ما ضبطته لنا صفحات تاریخ السنّة والسیرة ، بل أقرّها عدد من الصحابة وعملوا بها ، ویکفینا أن نذکر هنا اسم ابن عمر فقط لأنّه الصحابی الذی کان مورد اعتماد أهل السنة والجماعة فی فترات متعاقبة من التاریخ ، حتّی أنَّ المنصور العبّاسیّ قد وجّه مالکاً حین تدوین کتاب « الموطّأ » بقوله : هل أخذت بأحادیث ابن عمر ؟

قال : نعم .

قال المنصور : خذ بقوله وان خالف علیّاً وابن عباس((1)) .

وعلی ضوء هذا الأمر الحکومی یمکننا القول : إنّ الدولة العبّاسیّة قد اعتبرت فقه ابن عمر معیاراً ومقیاساً شاخصاً لتدو ین السنّة، لأنّه لم یکن شخصاً عادیّاً ، بل کانت شخصیته ذات أبعاد مبطّنة ، وفی هذا المجال رأیناه یضفی علی حیاته هالة من القدسیّة فی اقتفاء آثار النبیّ ومتابعته .

ویتلخص إشکال أهل السنة والجماعة فی ثلاث نقاط :

إشکالهم الأوّل : ادّعاء أنَّ مصادرهم الحدیثیّة المعتبرة قد خلت من الروایات


1- الطبقات الکبری لابن سعد 4 : 147 .

ص:201

التی تؤکّد ثبوت « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، وأنّ السنن الکبری للبیهقیّ ، ومصنّف ابن أبی شیبة - اللَّذین ضمّا بین طیّاتهما مثل تلک الروایات - لیسا من الکتب الرئیسیّة التسعة ، إذ هما من المصادر الثانویّة ، لذا فهم لا یقولون بشرعیّة « حیّ علی خیر العمل » لأنّ صحیحی البخاریّ ومسلم لم یذکرا روایات تؤیّد ذلک !

إشکالهم الثانی : ادعاء أنّ رواة تلک الروایات المثبِتة ل- « حیّ علی خیر العمل » هم من الضعفاء ، فتکون الروایات غیر معتبرة من ناحیة السند .

إشکالهم الثالث : إمکان القول بأنَّ عمل رسول الله هو الحجّة علینا لا عمل الصحابة ، فلا حجّیّة فی التزام ابن عمر الإتیانَ ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانه ، لأنّ المسلم مکلّف باتّباع رسول الله لا غیره !

هذه هی جملة إشکالاتهم

أمّا ما یخصّ إشکالهم الأوّل - من أنّ صحاحهم وسننهم المعتبرة لم تذکر روایات تؤیّد شرعیّة « حیّ علی خیر العمل » وعلی الأخصّ فیما تمّ تدوینه فی کتابی الشیخین البخاریّ ومسلم - فقد أجاب أحد الزیدیّة علیه إجابة نقضیّة بقوله :

« وقالوا إن صحّت فی الأذان الأوّل فهی منسوخة بالأذان الثانی ، لعدم ذکره فیها .

وردّ هذا : بأنّه لا یلزم من عدم ذکره فی الصحیحین عدم صحّته ، ولیس کلّ السنّة الصحیحة فی الصحیحین ، وبأنّه لو کان منسوخاً لما خفی علی علیّ بن أبی طالب وأولاده کما فی مسنداتهم ، وهم السفینة الناجیة بقول جدّهم سیّد البریّة : « أهل بیتی فیکم کسفینة نوح : مَن رَکبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوی » .

وما ذکره فی کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) أنّها کانت ثابتة فی

ص:202

الأذان أیّام النبیّ ، وفی خلافة أبی بکر ، وفی صدر من خلافة عمر ثمّ نهی عنها »((1)) .

وبعد ذکر جواب هذا الزیدیّ علی الإشکال الأوّل ، نقول : إنّ من الثابت المعلوم أَنْ لیس باستطاعة کتبهم التسعة أن تضمّ جمیع الأحادیث والروایات المرویّة علی مرّ التاریخ ، بل ولم یدَّعِ أصحاب تلک الکتب أنفسهم الإلمام بکلِّ ما رُوِی أو جمعهم لکل ما صح عن رسول الله .

بلی ، إنّهم ادعوا أنّ أحادیثهم منتقاةٌ من الأحادیث الصحیحة ، وبهذا المعنی صرح کلٌّ من النسائیّ والبخاریّ وابن ماجة وغیرهم ، فهذا یقول إنَّه انتقی صحیحه من ستمائة ألف حدیث صحیح ، وذاک یقول إنّه أخذها من ثلاثمائة ألف حدیث صحیح .. وهکذا .

وصحیح أنَّهم یصفون الأحادیث التی انتقوها بأنّها صحیحة، ولکنّهم بذات الوقت لا ینکرون صحّة بقیّة الأحادیث المتروکة عندهم - التی لم یشملها تدوینهم - فهم والحال هذه لا ینفون وجود أحادیث صحیحة عند الآخرین .

فلو لاحظت أحادیث عبدالله بن زید الأنصاری المعتمدة عندهم فی تشریع الأذان فلا تجدها فی صحیحی البخاری ومسلم ، ولم یأتِ بهما الحاکم فی مستدرکه ، فما یعنی هذا اذاً ؟

ونحن قد بیّنّا أنّ ثمّة اتفاقاً بین الفریقین علی ثبوت « حیّ علی خیر العمل » فی عهد رسول الله واستمرّ ذلک إلی أن جاء المنع من قبل عمر بن الخطاب ، وبهذا تتأکّد شرعیّة وثبوت « حیَّ علی خیر العمل » إلی أنّ حکم عمر بن الخطّاب بعدم


1- انظر : هامش مسند زید بن علی : 84 عن الأذان بحیّ علی خیر العمل : 63 بتحقیق عزّان . والنص عن طبعة دار الحیاة لمسند الإمام زید .

ص:203

شرعیّتها ، وعلی هذا الأساس فإنّ « حیّ علی خیر العمل » هی السنّة الحقّة وما خالفها لیس من سنّة الرسول المصطفی صلی الله علیه و آله .

أمّا الإجابة علی إشکالهم الثانی فهی غیر مبتورة عن الإجابة علی الإشکال الأوّل، إذ أنّ امتداد الإجابة بمثابة الردّ الفاصل علی إشکالهم الثانی ، لأنّهم یقولون بأنّ الروایات التی وردت فیها الحیعلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » ضعیفة السند، لأنّ أغلب رواتها من الضعاف ... وهنا لابدّ لنا من الخوض فی بحث منهجی مبنائیّ معهم لیکون حدیثنا أکثر علمیّة وأدقّ توجیهاً ، فنقول :

هل ضوابط الجرح والتعدیل المتّبعة فی توثیق وتضعیف الرجال هی ضوابط قرآنیّة ، أو هی مبنیّة علی الهوی والهوس ، أو تتحکّم بها الطائفیّة ، کأن یکون للشافعیّة ضوابطهم الخاصّة بهم ، وکذا للمالکیّة والحنفیة وغیرهم .

فقد خدش ابن معین وأحمد بن صالح فی الإمام الشافعیّ((1)) .

وذکر الخطیب البغدادیّ أسماء الذین ردّوا علی الإمام أبی حنیفة((2)) .

وقال الرازی فی رسالة ترجیح مذهب الشافعیّ ما یظهر منه أنّ البخاری عدّ أبا حنیفة من الضعفاء فی حین لم یذکر الشافعیّ((3)) .

وحکی عن أبی علیّ الکرابیسیّ أنّه کان یتکلم فی الإمام أحمد ، وکذا قدح العراقیّ شیخ ابن حجر فی ابن حنبل ومسنده((4)) .

وذکر الخطیب فی تاریخه أسماء عدّة قد خدشوا فی الإمام مالک((5)) .


1- انظر : هامش تهذیب الکمال 24 : 380 .
2- تاریخ بغداد 13 : 370 وفیه اسم 35 رجلاً تکلّموا فی الإمام أبی حنیفة .
3- طبقات الشافعیة 2 : 118 .
4- انظر : فیض القدیر 1 : 26 .
5- تاریخ بغداد 1 : 224 ، وتهذیب الکمال 24 : 415 .

ص:204

وقد خدشوا فی الإمام البخاری والنسائی وغیرهما .

فما المعتبر فی الجرح والتعدیل اذاً ؟

فی سیاق جوابنا علی إشکالهم الثانی ، نقول أیضاً : لو سلّمنا فرضاً بضعف تلک الروایات ، فإنّ کثرتها وتعدّد طرقها، تجعلها معتبرة ، ویمکن الأخذ بها بناءً علی قاعدة : ( الحدیث الضعیف یقوّی بعضه بعضاً )((1)) . وأنّهم کثیراً ما أخذوا بروایات رجالها ضعفاء ، فمثلاً أنّهم عملوا بقوله صلی الله علیه و آله « علی الید ما اخذت حتّی تودیه »((2))علی رغم ضعف سندها وانحصارها بسمرة بن جندب .

هذا کلّه بصرف النظر عن أنّ هناک جمّاً غفیراً من علماء المسلمین - من طوائف الاثنی عشریة والاسماعیلیة والزیدیة - رووا بطرق صحاح وحسان ثبوت الحیعلة الثالثة فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وعدم نسخها ، وحینئذ فنحن نری انجبار الروایات الضعیفة بهذه الطرق الصحیحة والحسنة .

ویتأکّد لک سبب ندرة الروایات الدالّة علی الحیعلة الثالثة فی مدرسة الخلفاء أو تضعیفهم لرواتها لو سایرت البحث معنا حتّی الفصل الرابع « حیّ علی خیر العمل تاریخها السیاسی والعقائدی » إذ هناک ستقف علی الاسباب السیاسیة الکامنة وراء هکذا أمور فی الشر یعة .

أمّا فیما یتعلّق بالإشکال الثالث من أنَّ عمل النبیّ الأکرم هو الحجّة ولیس


1- نصب الرایة 1 : 93 عن البیهقی أنّه قال : والآثار الضعیفة إذا ضم بعضها إلی بعض أحدثت قوة فیما اجتمعت فیه من الحکم .
2- مسند أحمد 5 : 8 ، 12 ،13 ، سنن الدارمی 2 : 264 باب فی العاریة موداة ، ابن ماجة 2 : 802 باب العاریة ، سنن أبی داود 2 : 115 باب فی الرقبی ، سنن الترمذی 2 : 368 باب ما جاء فی العاریة موداة ، مستدرک الحاکم 2 : 47 ، السنن الکبری للبیهقی 6 : 90 ، 95 ،100 ، السنن الکبری للنسائی 3 : 411 .

ص:205

عمل الصحابة فی المورد المشار إلیه ، فلیس لنا إشکال فی أصل هذا الکلام والمبنی ، لکن فیه علی أهل السنّة إیرادان : نقضیّ وحلّی ؛ إذ أنک تری أهل السنّة یتّبعون عمل الصحابة ویجعلونه معیاراً لهم فی الأحکام الفقهیّة ، ولکنّهم اتّخذوا موقفاً مضادّاً لمنهجیّتهم الفقهیّة فی مسألة « حیّ علی خیر العمل » علی الرغم من دعم عمل الصحابة فیها بالنصوص الکثیرة الصریحة والشواهد التاریخیّة المؤیّدة لها .

فعلی الرغم من التزام الصحابة ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانهم، وعلی رغم کثرة الروایات التی تؤکّد شرعیّتها ، تری بعضهم یستثنون حکم هذه المسألة علی ضوء طریقتهم فیقولون : الحجّة - فی هذه المسألة بالذات - عمل النبیّ الأعظم ولیس عمل الصحابة ، مع أنّ مِن بینهم مَن یقول بأنَّ ( فعل الصحابیّ یخصّص القرآن )((1)) .. وهذا تناقض واضح وصریح من جانبهم !

بینما تراهم فی حین آخر یقولون بأنّ فعل الصحابیّ هو علامة أو انعکاس لفعل النبیّ الأکرم ، ولمّا کان ثمّة خلاف بین فقه علیّ علیه السلام وفقه عمر ، وبین ابن عمر وعمر نفسه ، وبین الصحابة الآخرین فیما بینهم أیضاً ، فإنّ هذا مؤشر یدلّ دلالة واضحة علی وجود مذهبین مختلفین : أحدهما یتبع رسول الله صلی الله علیه و آله والنصوص الواردة ، والآخر یعطی لنفسه الاجتهاد ، ویتعبد بسیرة الشیخین وإن خالفت سنة رسول الله صلی الله علیه و آله .

ولو نقّبت فی الکتب وتتبّعت أقوال المورخین فی ابن عمر لوقفت علی أنّ المشهور عندهم أنّه کان یتحرّی آثار النبیّ الأکرم، وقد سُطِّرَتْ فی کتاب « منع تدوین الحدیث » ثمان وثلاثون حالة اختلف فیها عبدالله بن عمر مع أبیه .

إذ کان ابن عمر فی أغلبها یحاول اتّباع سنّة رسول الله ، لکنّ عمر لم یأبه بکلام ابنه ، ملتزماً برأیه ، عاملاً بالقیاس أو الاستحسان وما شابه ذلک ..


1- المذاهب الإسلامیّة لأبی زُهرة .

ص:206

فبماذا یُفَسَّر إذاً خلاف ابن عمر مع أبیه ؟ نحن لا نرید بکلامنا هذا القول بأنّ ابن عمر کان من اتباع نهج التعبد المحض ، أو أنّه لا یجتهد مقابل النص ، لکن الصبغة الغالبة علیه هی شهرته بتحری أثار رسول الله واتّباع سننه لا الاجتهاد والرأی .

ولمّا کان عمر هو الذی أمر ب- « الصلاة خیر من النوم » ، وهو الذی نهی عن « حیّ علی خیر العمل » ، کان فعل الصحابة فی هذا المورد هو الحاکم وهو الحجّة عندهم بخلاف ما یدّعون من أنَّ فعل النبیّ الأکرم هو الحجة لا غیر .

وبهذا ، فقد عرفنا شرعیة الأذان بحیّ علی خیر العمل ، وانه لم ینسخ من قِبَلِ رسول الله صلی الله علیه و آله کما یقولون ، وما ذُکِر من إشکالات کلّها کانت واهیة لا تناهض الأدلة ، بل وقفتَ علی بعض تحریفات الأمویین ومن اتبعوهم من المتزلفین المتزلفین وکیف حرّفوا قول أبی محذورة ( فلما انتهیت إلی حیّ علی الفلاح قال النبیّ صلی الله علیه و آله : ألحِق فیها حیّ علی خیر العمل ) ، وأبدلوها ب- ( اجعل فی آخر أذانک حیّ علی خیر العمل ) فان هذا الکلام باطل وتحریف صریح للنصوص . لأنّ « ألحِق فیها حیّ علی خیر العمل » یؤکد علی أن مکان الحیعلة الثالثة هو بعد الحیعلتین لا کما تقول الروایة المفتعلة بأنّها فی آخر الأذان ، ف- « الصلاة خیر من النوم » تتفق مع کونها آخر الأذان لتأخر تشریعها ، أما الحیعلة الثالثة فهی بعد الحیعلتین ، إلّا أن یقولوا بأن الحیعلة الثالثة أو الصلاة خیر من النوم - کما فی الروایة الاخری - هو آخر الأذان ، مسقطین بذلک التکبیر والتهلیل عن اخر الأذان وهذا ما لا یقوله أحد .

وعلیه فیکون الصحیح الذی یتفق مع فصول الأذان هو ما رواه الحافظ العلوی بإسناده عن ابی محذورة لا ما حرفه الذهبی وابن حجر ، فتدبر .

ص:207

القسم الثانی: أذین الصحابة وأهل البیت
اشارة

إنّ المطالع فی کتب السیر والتاریخ والحدیث عند المذاهب الإسلامیّة یقف علی أسماء عدة من الصحابة والتابعین وتابعی التابعین وأهل بیت رسول الله صلی الله علیه و آله کانوا یؤذّنون ب- « حیّ علی خیر العمل » وإن کانت بعض تلک النصوص تشیر إلی تأذینهم بها فی الفجر خاصة ، لکنّ هناک نصوصاً أخری تدل علی شمولیتها لجمیع الاوقات .

و إلیک الآن أسماء بعض مَن أذّن بها للرسول الأکرم ، وأسماء بعض کبار الصحابة وأهل بیت النبوة ، جئنا بها من طرق الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة ، وطرق الزیدیة ، والإسماعیلیة وأهل السنة والجماعة ، اعتقاداً منا بضرورة الوقوف علی جمیع الطرق عند جمیع المذاهب الإسلامیة ، کی لا تکون رؤیتنا ضیقة منحصرة بمذهب دون آخر ، بل لتکون شمولیّة موسّعة تکشف عن وجهات نظر الجمیع .

1 - بلال بن رباح الحبشی ( ت 20 ه )

أخرج الطبرانی فی الکبیر والبیهقی فی سننه ، بسندهما عن عمّار وعمر ابنَی حفص بن عمر ، عن آبائهم ، عن أجدادهم ، عن بلال أنّه کان یؤذّن بالصبح فیقول : « حیَّ علی خیر العمل » ، فأمر النبیُّ أن یجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » وترک « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .


1- المعجم الکبیر 1 : 352 ، السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 مجمع الزوائد 1 : 330 کنز العمال 8 : 345/23188 .

ص:208

وقد مَرَّ علیک قبل قلیل کلام الحافظ العلوی وتحقیقنا فی هذه الروایة ، وأن جملة ( فأمره النبیّ ... ) إلی آخره ، لم تکن فی الإسناد الأصلی ، ویؤیّد صحة کلام الحافظ العلوی وروایته ما روی - عندنا - عن أبی بصیر ، عن أحدهما علیهما السلام أنّه قال : إنّ بلالاً کان عبداً صالحاً فقال : لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله ، فتُرِکَ یومئذ « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .

وعن الإمام علیّ علیه السلام أنّه قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : إنّ خیر أعمالکم الصلاة ، وأمر بلالاً أن یوذّن بحیّ علی خیر العمل ؛ حکاه فی الشفاء((2)) .

وفی کنز العمّال : کان بلال یؤذن بالصبح فیقول « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

2 - علی بن أبی طالب ( ت 40 ه )

روی الإمام المؤید بالله الزیدی فی کتابه شرح التجر ید ، من طریق عباد بن یعقوب ، عن عیسی بن عبدالله ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام أنّه قال : سمعت رسول الله یقول : « إن خیر أعمالکم الصلاة » وأمر بلالاً أن یؤذّن بحیّ علی خیر العمل((4)) .

وروی الحافظ العلوی بسنده عن عیسی بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب : حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده ، قال : کان أبی علیّ علیه السلام إذا خرج إلی سفر لا یَکِل الأذان إلی غیره ولا الإقامة ، وکان لا یَدَع أن یقول فی أذانه : حیَّ علی خیر العمل((5)) .


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 284 ، وسائل الشیعة 5 : 418 ، ولنا تحقیق عن بلال فی الفصل الثانی من هذا الباب فراجع .
2- البحر الزخار 2 : 191 ، وانظر : الشفاء 1 : 260 .
3- کنز العمّال 8 : 342 ، ح 23174 .
4- جواهر الأخبار والآثار 2 : 191 ، الاعتصام بحبل الله المتین 1 : 309 .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 94 الحدیث 74 .

ص:209

وقد أخرج الحافظ العلوی ذلک بعدّة طرق عن الإمام علیّ ، منها :

حدّثنا محمّد بن الحسین التیملی قراءة ، حدّثنا((1)) علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا حسن بن حسین ، عن عمرو بن ثابت ، عن محمّد ابن عبدالرحمن ، قال : کان ابن النباح یجیء إلی علیّ علیه السلام حین یطلع الفجر فیقول : حیَّ علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، فیقول علیّ علیه السلام : مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً ، یا ابن النباح : أقم .

حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم ، أخبرنا محمّد بن محمّد بن الحسین((2)) فی لقائه((3)) ، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زکریا ، حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، أخبرنا عمرو بن ثابت ، عن ابن أبی لیلی : بنحوه .

حدّثنا محمّد ، أخبرنا محمّد بن عمّار العجلی ، حدّثنا علیّ بن محمّد بن حنینة((4)) ، حدّثنا عباد بن یعقوب ، أخبرنا عمرو ، عن ابن أبی لیلی : بنحوه .

حدّثنا أحمد بن زید بن بشّار ، وعلیّ بن محمّد ] بن بنان [ الشیبانی ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید الرفّاء المقری ، حدّثنا محمّد بن الحسن بن محسن الطریفی ، حدّثنا الحسن بن یحیی بن عبد الله ، حدّثنی أبو بکر بن أبی أویس((5)) ابن أخت مالک بن أویس ، عن حسین بن عبدالله بن ضمیرة ، عن علیّ بن


1- فی الاعتصام 1 : 291 : نبأنا .
2- فی تحقیق عزّان : بن کنانة ولیس فیها ( فی لقائه ) .
3- فی الاعتصام : فی کتابه .
4- أثبت عزّان فی المتن : نُجیة ، وقال فی الهامش : فی ج : حنیة وفی ط- : علی بن محمد بن حتینة ، والصواب ما أثبته ، انظر : ترجمته فی المعجم ] الذی أعدّه فی آخر الکتاب [ . أما فی الاعتصام : حبیة .
5- أثبت عزّان فی المتن بدل اویس « انس » واحال علی ما ترجمه له فی المعجم . وهو الموجود فی الاعتصام 1 : 292 کذلک وفی آخره الحیعلة مرة واحدة .

ص:210

أبی طالب علیه السلام أنه کان یقول فی أذان الصبح : حیَّ علی خیر العمل ، حیَّ علی خیر العمل .

حدّثنا میمون بن علیّ بن حمید المقری، حدّثنا أبو الحسن أحمد بن الحسن بن الحسین بن عیسی العلوی ، حدّثنا عبدالعزیز بن یحیی ، حدّثنا المغیرة بن محمّد ، حدّثنا إبراهیم بن محمّد وعبدالرحمن((1)) حدّثنا عیسی بن عبدالله و((2))محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده ، قال : کان أبی علیٌّ علیه السلام إذا خرج إلی سفر لا یَکِل الأذان إلی غیره والإِقامة((3)) ، وکان لا یدع أن یقول فی أذانه : حیَّ علی خیر العمل .

حدّثنا((4)) جعفر بن محمّد الجعفری ومحمّد بن عبدالله بن الحسین ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا یعقوب بن یوسف الضبی ، حدّثنا أبو جبارة حصین بن المخارق ، عن یعقوب بن عدی ، عن یحیی بن زید ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام : أنه کان یأمر مؤذنه أن ینادی فی أذانه بحیَّ علی خیر العمل .

حدّثنا((5)) أحمد بن محمّد بن إبراهیم قراءةً ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن زکریّا ، ] حدّثنا [((6)) عبّاد بن یعقوب ، أخبرنا نصر بن مزاحم ، عن سفیان بن إبراهیم الحریری ، عن صباح المزنی ، عن سعید ، عن


1- فی متن عزّان : « بن عبد الرحمن » وقال فی الهامش : وفی ط- : إبراهیم بن عبدالرحمن . وهو الموجود فی الاعتصام 1 : 292 .
2- فی الاعتصام : عبدالله بن محمد .
3- فی نسخة عزّان : ولا الإقامة . وهو الموجود فی الاعتصام 1 : 292 کذلک .
4- فی الاعتصام : أخبرنا .
5- فی نسخة عزّان : اخبرنا ، وقد سقط ما قبله .
6- الزیادة من تحقیق عزّان . والاعتصام 1 : 292 .

ص:211

الأصبغ بن نباتة ، قال : جاء مؤذنو علیّ علیه السلام فحیَّوه بالصلاة ، فقال : مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً . فلما تفرق المؤذّنون خرج علینا ، فقال : حیَّ علی الصلاة ، حیَّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل ، حیَّ علی خیر العمل .

أخبرنا محمّد بن عبدالله بن الحسین قراءة، حدّثنا الحسین بن محمّد الفزاری ، حدّثنا جعفر بن عبدالله المحمّدی ، حدّثنا مصبح بن الهاقان((1)) ، حدّثنا إبراهیم بن محمّد - یعنی ابن أبی یحیی - عن جعفر ، عن أبیه ، ] عن جده [((2)) قال : کان علیّ علیه السلام یقول فی أذانه : حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل ، وذکر الحدیث .

* طریق الإمام الصادق علیه السلام

أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زید بن بشّار ، وعلیّ بن محمّد الشیبانی ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید بن مسلم ، حدّثنا علیّ بن العبّاس وعلیّ بن سلامة ، حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة إبراهیم بن أبی یحیی ، عن جعفر بن محمّد علیه السلام : أن علیّاً علیه السلام کان یقول لکل صلاة : حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل .

* طریق إبراهیم بن محمد

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم قراءة، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق فی کتابه ، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا الحسن بن محمّد المزنی ، حدّثنا هارون بن أبی بروة ، حدّثنی حسین أخی ، عن إبراهیم بن محمّد بن أبی یحیی : أن علیّاً علیه السلام کان


1- فی الاعتصام : الهلقان .
2- الزیادة من الاعتصام .

ص:212

یقول لکل صلاة : حیَّ علی الصلاة حی علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل ، حیَّ علی خیر العمل((1)) .

* طریق الإمام الباقر علیه السلام

أخبرنا محمّد قراءةً ، حدّثنا محمّد ] قراءة [ ((2))، حدّثنا حسن ، حدّثنا حسین ابن نصر ، حدّثنا خالد بن عیسی ، عن عاصم بن جمیل((3))، عن جعفر ، عن أبیه : أنّ علیّاً علیه السلام کان یقول فی الأذان لکل صلاة : حیَّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل .

أخبرنا محمّد ] بن أحمد [ ((4))، أخبرنا محمّد ] بن أبی العباس [ ((5))، أخبرنا محمّد ] بن القاسم [ ((6))، حدّثنا حسن ] بن محمّد المزنی [((7))، حدّثنی هارون ابن أبی بردة ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ] عن جده [ ((8)): أن علیّاً علیه السلام کان یُثنّی الإِقامة کما یُثنّی الأذان ، وأخبرنا أنه إن أذّن فی الصبح قال : حیَّ علی خیر العمل .

أخبرنا ((9)) أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن ] بن [ ((10)) محمّد الرفّا ، حدّثنا


1- وانظر : الاعتصام 1 : 293 .
2- الزیادة من الاعتصام 1 : 293 .
3- فی تحقیق عزّان : بن حمید الخیاط .
4- الزیادة من عزّان .
5- الزیادة من عزّان .
6- الزیادة من عزّان .
7- الزیادة من عزّان .
8- الزیادة من الاعتصام 1 : 293 .
9- فی تحقیق عزّان : حدّثنا .
10- الزیادة من تحقیق عزّان والاعتصام .

ص:213

علیّ بن العبّاس وعلیّ بن الحسین بن سلامة ، قالا : حدّثنا بکّار ، حدّثنا حسن((1)) بن حسین ] العُرنی [ ، عن صالح بن أبی الأسود ، عن أبی الجارود ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : کان فی أذان علیّ علیه السلام : حیّ علی خیر العمل .

.. حدّثنا ابن النحّاس ، حدّثنا علیّ ، حدّثنا بکار بهذا ... وقال: کان فی الأذان حیّ علی خیر العمل .

حدّثنا عبدالله بن مخالد((2)) البجلی ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنی أحمد بن یحیی بن المنذر الحجری ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی ، حدّثنی الحسن بن علیّ الینبعی عن أبیه ، قال : سمعت محمّد بن علیّ علیه السلام یؤذن حیّ علی خیر العمل ، فقلت له : أیش هذا الأذان ؟ قال : هذا أذان خیر البریة بعد النبیّ علیه السلام جدِّک

علیّ بن أبی طالب علیه السلام ((3)) .

وجاء فی حاشیة الدسوقی ما نصه : « کان علیّ علیه السلام یزید « حیَّ علی خیر العمل » بعد « حیَّ علی الفلاح » وهو مذهب الشیعة الآن »((4)) .

ومعنی کلامه أنّه علیه السلام لم یَزِد شیئاً إضافیاً علی فصول الأذان، بل إنّه کان یأتی بأمر لم یعمل به الخلفاء .

طرق أخری

وفی الاعتصام بحبل الله: وقد ذکر الفقیه صالح بن الصدیق النمازی فی شرحه ( الانهار علی اثمار الازهار ) قال ابن الرفعة من أصحاب الشافعی فی مطلبه : قال


1- فی الاعتصام : حسین .
2- فی الاعتصام 1 : 294 : مجالد .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 48 - 53 ، وبتحقیق عزّان من ص 92 - 98 . والاعتصام 1 : 294 .
4- حاشیة الدسوقی 1 : 193 .

ص:214

القاضی حسین فی التعلیق : روی عن علیّ علیه السلام أنّه کان یقول « حیَّ علی خیر العمل » وبه أخذت الشیعة((1)) .

وروی الحافظ العلوی من طریق ابن عبّاس ، عن علیّ بن أبی طالب ، قال : سمعت رسول الله یقول : لمّا انتهی بی إلی سدرة المنتهی ، فرأیت من جلال الله ما رأیت ، قال لی : یا محمّد « حیَّ علی خیر العمل » ، قلت : یا رب وما خیر العمل ؟ قال : الصلاة قربان أمّتک ...((2))

وعن یحیی بن زید ، عن آبائه ، عن علیّ علیه السلام أنّه کان یأمر مؤذّنه أن ینادی فی أذانه بحیّ علی خیر العمل((3)) .

وعن حسین بن عبدالله بن ضمیرة ، عن جدّه ضمیرة ، عن علیّ بن أبی طالب علیه السلام أنّه کان یقول فی أذان الصبح « حیَّ علی خیر العمل حی علی خیر العمل »((4)) .

وروت الزیدیّة عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أنّ علیا علیه السلام کان یثنّی الإقامة کما یثنّی الأذان ، وأخبرنا أنّه إن أذّن فی الصبح قال : حیّ علی خیر العمل .

وعنه أیضاً ، قال : إنّ علیاً علیه السلام کان یقول لکل صلاة « حیّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل »((5)) .

وفی من لا یحضره الفقیه : وکان ابن النبّاح یقول فی أذانه : « حیَّ علی خیر العمل حیَّ علی خیر العمل » فاذا رآه علیّ قال : مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً ((6)) .


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 61 بتحقیق عزّان . والاعتصام بحبل الله 1 : 290 .
3- کتاب الأذان بحیَّ علی خیر العمل : 92 / الحدیث 69 ، بتحقیق عزّان .
4- کتاب الأذان بحیَّ علی خیر العمل : 93 / الحدیث 73 ، بتحقیق عزّان .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 96 الحدیث 77 وقد مر آنفاً .
6- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 ح / 890 وانظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 94 الحدیث 75 .

ص:215

3 - أبو رافع ( کان حیّاً فی عهد الإمام الحسن )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا علیّ بن محمّد ] إسحاق [ ((1)) الخزّاز ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعید المُقرئ ، حدّثنا الحسن بن حیّاس((2))، حدّثنا محمّد بن سلیمان ] لُوَین [ ، حدّثنا شریک ، عن عاصم بن((3)) عبیدالله ، عن علیّ ابن الحسین ، عن أبی رافع ، قال : کان النبیّ صلی الله علیه و آله إذا سمع الأذان قال کما یقول ، فإذا بلغ حیّ علی خیر العمل قال : لا حول ولا قوّة إلّا بالله((4)) .

4 - عقیل بن أبی طالب ( ت فی خلافة معاویة )

روی الحافظ العلوی بسنده عن عبیدة السلمانی : أنّ عقیل بن أبی طالب کان یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » إلی أن فارق الدنیا ((5)) .

5 - الحسن بن علیّ بن أبی طالب ( ت 50 ه )

قال القاسم بن محمّد - وهو من أعلام الزیدیّة - : ذکر فی کتاب السنام ما لفظه : الصحیح أنّ الأذان شرع

بحیّ علی خیر العمل ؛ لأنّه اتفق علی الأذان به یوم الخندق ، ولأنّه دعاء إلی الصلاة ؛ وقد قال صلی الله علیه و آله : خیر أعمالکم الصلاة ، وقد اتّفق أیضاً علی أنّ ابن عمر والحسن والحسین علیهما السلام وبلالاً وجماعة من الصحابة أذّنوا به ،


1- الزیادة من الاعتصام 1 : 289 .
2- تحقیق عزّان : حباش . وفی الاعتصام 1 : 289 : حیاش .
3- فی الاعتصام 1 : 289 : عن .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 28 ، وبتحقیق عزّان : 55 . الاعتصام 1 :289 ، وفیما یلی عن الاعتصام 1 : 294 مثله .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 54 ، وتحقیق عزّان : 109 .

ص:216

حکاه فی شرح الموطأ وغیره من کتبهم((1)) .

وقد روی الحافظ العلوی عن محمّد بن أحمد بن إبراهیم، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الوراق بحرانة ، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا محمّد بن علیّ الکندی ، عن زکریّا بن یحیی ، عن عبدالرحمن بن أبی حمّاد ، عن یوسف بن یعقوب ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : أذانی وأذان آبائی النبیّ صلی الله علیه و آله وعلیّ والحسن والحسین وعلیّ بن الحسین .. حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل((2)) .

وفی الاعتصام 1 : 294 عن الأذان للحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن طلحة الثعالبی ببغداد ، حدّثنا محمّد بن عمر الجعابی القاضی ، حدّثنا إسحاق بن محمّد - یعنی ابن مروان - حدّثنا أبی ، حدّثنا زید بن المعدل ، حدّثنا عبدالله بن یزداد المرادی ، عن النعمان بن قیس ، عن عبیدة السلمانی قال : کان علیّ بن أبی طالب ، والحسن ، والحسین ، وعقیل بن أبی طالب ، وابن عباس ، وعبدالله ابن جعفر ، ومحمّد ابن الحنفیة : یؤذنون إلی أن فارقوا الدنیا فیقولون : حیّ علی خیر العمل ، ویقولون : لم تزل فی الأذان .

6 - أبو محذورة ( ت 59 وقیل 79 ه )

روی محمّد بن منصور فی کتابه الجامع ، بإسناده عن رجال مرضیین ، عن أبی محذورة - أحد موذّنی رسول الله صلی الله علیه و آله - أنّه قال : أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله أن أقول فی الأذان « حیَّ علی خیر العمل »((3)) .


1- الاعتصام بحبل الله المتین 307 - 313 . وانظر : الروض النضیر 1 : 542 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 54 ، وبتحقیق عزّان : 136 الحدیث 171 . والاعتصام 1 : 294 .
3- البحر الزخّار 2 : 192 ، أمالی أحمد بن عیسی 1 : 92 ، وکذلک میزان الاعتدال 1 : 139 ، لسان المیزان 1 : 268 .

ص:217

وروی محمّد بن منصور: أنّ ] أبا [ القاسم علیه السلام أمره أن یؤذّن ویذکر ذلک ] یعنی حیّ علی خیر العمل [ فی أذانه ، قال : إنّ رسول الله أمره به ؛ هکذا فی الشفاء((1)) .

وأخرج الحافظ العلوی من عدّة طرق خبر الحیعلة الثالثة ، منها طریق الحمّانی آنف الذکر ، والأخری :

1 - حدّثنا أبو الطیب محمّد بن الحسین بن النحّاس((2)) قراءة ، حدّثنا علیّ ابن عبّاس البجلی ، ] حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا مخول بن إبراهیم ، عن((3)) محمّد بن بکر ، عن زیاد بن المنذر ، قال : حدّثنی شیخ من أصحابنا ، عن رجل حدّثه عن أبی محذورة ، قال : أمرنی رسول الله أن أقول فی الأذان : حیّ علی خیر العمل((4)) .

2 - أخبرنا أحمد بن علیّ بن العطّار ومحمّد بن الحسین بن عزال قراءة علیهما ، قالا : حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو، حدّثنا محمّد بن المنصور المقری ، حدّثنی أحمد بن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود مثله((5)) .

3 - حدّثنا أحمد بن زید بن یسار ، أخبرنا الحسن بن محمّد بن سعید بن مسلم ] الرفّاء [ ، حدّثنا محمّد بن الحسن الأریسی((6)) ، حدّثنا أحمد بن یحیی الصوفی ، حدّثنا مخول بن إبراهیم ، حدّثنی محمّد بن بکر الأرحبی ، عن أبی الجارود ، قال :


1- جواهر الأخبار والآثار 2 : 191 .
2- فی تحقیق عزّان : النخّاس .
3- الزیادة عن تحقیق عزّان : 51 ح 2 .
4- الاعتصام بحبل الله 1 : 284 .
5- علق عزّان : 51 ح 3 اخرجه محمد بن منصور فی الامالی 1 : 196 ( 234 راب الصدع ) وفیه : امرنی رسول الله ان اقول فی الأذان حیّ علی خیر العمل ... وانظر : الاعتصام بحبل الله 1 : 284 .
6- فی تحقیق عزّان : الاویسی انظر : : 52 ح 4 .

ص:218

حدّثنی یحیی - شیخ من أصحابنا - عن رجل حدّثه عن أبی محذورة قال : أمرنی رسول الله أن أقول فی الأذان : حیَّ علی خیر العمل((1)) .

4 - حدّثنا محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءة، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا عثمان بن سعید الأحول ، حدّثنی هُذیل ابن بلال المدائنی ، قال : سمعت ] ابن [ ((2)) أبی محذورة یقول : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ..

5 - حدّثنا ((3)) أبو الطیب علیّ بن محمّد بن بنان ، حدّثنی أبو القاسم عبدالله ابن جعفر بن محمّد النجّار الفقیه ، حدّثنا العبّاس بن أحمد بن محمود الرازی - قَدِم حاجِّاً فی سنة ثلاث وأربعین وثلاثمائة - حدّثنا أبو جعفر((4)) أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدی بمصر - یعنی الطحاوی الفقیه - حدّثنا یونس بن بکر((5)) ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثنی عثمان ] بن الحکم الجذامی((6)) ، عن ابن جُریج ، عن ابن أبی محذورة ، عن آل أبی محذورة [ ((7))، عن أبی محذورة ، قال : قال رسول الله : اذْهَبْ فأذِّن عند المسجد الحرام وقل : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 284 .
2- من تحقیق عزّان : 54 ح 7 . والاعتصام بحبل الله 1 : 284 - 290 .
3- فی الاعتصام 1 : 289 اخبرنا .
4- فی الاعتصام 1 : 289 أبو هند .
5- فی الاعتصام : بکیر .
6- فی الاعتصام : الحرامی .
7- الزیادة من تحقیق عزّان : 52 ح 5 .

ص:219

العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلّا الله((1)) .

6 - وبهذا الإسناد عن ابن جریج، عن عطاء بن أبی رباح ، قال : تأذین من مضی یخالف تأذینَهم((2)) الیوم ، وکان أبو محذورة یؤذّن علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فأدرکته أنا وهو یؤذن ، وکان یقول فی أذانه بین الفلاح والتکبیر حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل .

وروی الإمام المؤیّد بالله فی شرح التجر ید من طریق أبی بکر المقری ، قال : حدّثنا الطحاوی الفقیه ، قال : حدّثنا أبو بکر، قال : حدّثنا أبو عاصم ، قال : حدّثنا ابن جریج ، قال : حدّثنا عثمان بن السائبة((3)) ، قال : أخبرنی أبی ، عن عبدالملک بن أبی محذورة ، عن أبی محذورة مؤذن النبیّ ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : اذْهَبْ فأذِّن فی المسجد الحرام وقل : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ... إلی أن ذکر « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل »((4)) . وهو نفس خبر الحافظ


1- فی تحقیق عزّان : 53 زیادة ثمّ ارجع فمد صوتک ب- « الله أکبر » إلی أن تنتهی إلی الشهادتین ، ثمّ قل : حیَّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله . وهذه الزیادة موجودة فی الاعتصام 1 : 289 کذلک ، وفی أول الأَذان تکبیرتان .
2- فی الاعتصام 1 : 289 : تاذینکم .
3- فی الاعتصام 1 : 280 : السائب .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 27 وما فی مسند المؤیّد بالله موجود فی معانی الآثار المطبوع ، إلا أنّه سقط منه لفظ « حیّ علی خیر العمل » وهو یعنی أن المو یّد لم یَرو الروایة عن کتاب الطحاوی وإنما رواها عن طر یق أبی بکر المقری عن الطحاوی ، وقد تابعه العبّاس بن أحمد بن محمود الرازی کما هو مذکور ، ویقوّ یه ما أورد الحافظ المرادی ( انظر : حیّ علی خیر العمل لمحمد سالم عزّان : 20 ) . والاعتصام بحبل الله 1 : 280 وفیه علمنی رسول الله الأَذان کما اوذن الآن الله أکبر ، الله أکبر ، وذکر فیها الحیعلة الثالثة ، ثمّ قال : وذکره الهادی بلفظه فی الاحکام والمنتخب ، وقال فی المنتخب الذی صح لنا عن رسول الله هذا .. وروی فی الشفا مثل هذا عن ابن ابی محذورة .

ص:220

العلوی الا أنّ العلوی رواه عن طریق یونس بن بکر ، حدّثنا ابن وهب ، حدّثنی عثمان بن الحکم المدائنی ، عن ابن جریج .

وقال الإمام یحیی بن حمزة من أئمّة الزیدیّة فی الانتصار : الحجّة التالیة ما رواه محمّد بن منصور فی کتاب الجامع بإسناده عن رجال مرضیّین ، عن أبی محذورة أحد مؤذّنی رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال : أمرنی رسول الله ...

وقال الإمام محمّد بن المطهّر فی المنهاج : وروِّینا أنّ أبا محذورة أمره النبیّ أن یقول « حیَّ علی خیر العمل حیَّ علی خیر العمل » .

وروی الحافظ العلوی بإسناده عن طریق یحیی بن حمید الحِمّانی ، قال : حدّثنا أبو بکر بن عیّاش ، عن عبدالعزیز بن رفیع ، عن أبی محذورة ، قال : کنت غلاماً صبیّاً فأذّنت بین یدَی رسول الله لصلاة الفجر ، فلمّا انتهیت إلی حیّ علی الفلاح ، قال النبیّ : ألحِقْ بها « حیَّ علی خیر العمل »((1)) .

7 - الحسین بن علیّ بن أبی طالب ( ت 61 ه )

قال القاسم بن محمّد - وهو من أعلام الزیدیة - : ذکر فی کتاب السنام ما لفظه : الصحیح أنّ الأذان شُرِّع بحیّ علی خیر العمل ؛ لأنّه اتّفق علی الأذان به یوم الخندق ، ولأنّه دعاء إلی الصلاة ؛ وقد قال صلی الله علیه و آله : خیر أعمالکم الصلاة ، وقد اتّفق أیضاً علی أنّ ابن عمر والحسن والحسین علیهما السلام وبلالاً وجماعة من الصحابة أذّنوا به ، حکاه فی شرح الموطا وغیره من کتبهم((2)) .

وقد روی الحافظ العلوی عن محمّد بن أحمد بن إبراهیم ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق بحرانة ، حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا محمّد


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل تحقیق عزّان : 50 . والاعتصام 1 : 283 .
2- الاعتصام بحبل الله المتین 307 - 313 . وانظر : الروض النضیر 1 : 542 .

ص:221

بن علیّ الکندی ، عن زکریا بن یحیی ، عن عبدالرحمن بن أبی حماد ، عن یوسف بن یعقوب ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : أذانی وأذان آبائی النبیّ صلی الله علیه و آله وعلیّ والحسن والحسین وعلیّ بن الحسین : حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل((1)) .

8 - زید بن أرقم ( ت ما بین 66 إلی 68 ه )

حکی الشوکانیّ فی نیل الأوطار، عن المحبّ الطبری فی إحکام الأحکام : أنّ زید بن أرقم کان یؤذّن بحیّ علی خیر العمل((2)) .

9 - عبدالله بن عبّاس ( ت ما بین 68 إلی 70 ه )

روی الحافظ العلوی عن محمّد بن طلحة الثعالبی((3)) ببغداد ، حدّثنا محمّد ابن عمر الجعابی القاضی ، حدّثنا إسحاق بن محمّد - یعنی ابن مروان - حدّثنا أبی ، حدّثنا زید بن المعدلة((4)) ، حدّثنا عبدالله بن نزار المرادی ، عن النعمان بن قیس ، عن عبیدة السلمانی ، قال : کان علیّ بن أبی طالب ، والحسن ، والحسین ، وعقیل بن أبی طالب ، وابن عبّاس ، وعبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفیة ، یؤذنون إلی أن فارقوا الدنیا ، فیقولون : حیّ علی خیر العمل .. ویقولون : لم یَزَل فی الأذان((5)) .


1- الأذان للحافظ العلوی: 54 ، وبتحقیق عزّان : 136 الحدیث171 . وقد مرَّ علیک فی صفحة 215 و 219 ما جاء فی الاعتصام عن الحسن والحسین وغیرهم من الطالبیین.
2- نیل الاوطار 2 : 44 ، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 5 : 283 .
3- بتحقیق عزّان : النعالی .
4- فی تحقیق عزّان : المُعَدِّل .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 54 ، وتحقیق عزّان : 109 وفیه : لم تزل فی الأذان .

ص:222

10 - عبدالله بن عمر ( ت 73 وقیل 74 ه )

اختلفت الروایات عنه، ففی بعضها أنّه کان یقول بحیّ علی خیر العمل دوماً ، وفی أخری أنّه کان یقولها أحیاناً أو فی السفر خاصة . وقد وضّحنا فی کتابنا وضوء النبیّ ( البحث الروائی ) سرّ مثل هذا الاختلاف فی المرویّات ، وسیأتی مزید توضیح إن اقتضی الأمر . فأما الآثار الدالّة علی تأذین ابن عمر بها دوماً ، فهی :

1 - عن محمّد بن سیرین ، عن ابن عمر ، أنّه کان یقول ذلک فی أذانه((1)) .

2 - وفی مصنّف عبدالرزّاق ، عن معمر ، عن یحیی بن أبی کثیر ، عن رجل : انّ ابن عمر کان إذا قال فی الأذان « حیّ علی الفلاح » قال « حیّ علی خیر العمل » ثمّ یقول : الله أکبر الله أکبر لا إله إلّا الله((2)) .

3 - وعن زید بن محمّد ، عن نافع : أنّ ابن عمر کان إذا أذّن قال « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

4 - وعن ابن عون، عن نافع ، قال : کان ابن عمر إذا أذّن قال « حیّ علی خیر العمل » أخرجه المؤیّد بالله((4)) .

وقال الحافظ محمّد بن إبراهیم الوزیر : وروی ابن حزم فی کتاب الإجماع ، عن


1- السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
2- المصنف 1 : 460/ ح 1786 .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 295 . وراب الصدع 1 : 198 وفی الایضاح للقاضی نعمان : 109 و... وفیها بهذا الاسناد ] أی الذی مر فی الکتب الجعفریة [ عن جعفر بن محمد بن نافع ابن عبدالله بن عمر إذا اقام الصلاة فبلغ ( حی علی الفلاح ) قال ( حی علی خیر العمل ) .
4- أخرجه المؤیّد بالله فی شرح التجر ید - مخطوط - من طریق عمّار بن رجاء عن أزهر بن سعد انظر : الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 103 .

ص:223

ابن عمر أنّه کان یقول فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

ثمّ قال: وبحثت عن هذین الاسنادین فی « حیّ علی خیر العمل » فوجدتهما صحیحین إلی ابن عمر وزین العابدین((2)) .

أما الأقوال المشیرة إلی تأذینه بها فی بعض الأحیان ، فهی :

1 - مالک بن أنس ، عن نافع: کان ابن عمر أحیاناً إذا قال « حیّ علی الفلاح » قال علی إثرها : « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

2 - عن اللیث بن سعد ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر لا یؤذّن فی سفره ، وکان یقول : « حیّ علی الفلاح » وأحیاناً « حیّ علی خیر العمل » . ورواه محمّد بن سیرین عن ابن عمر أنّه کان یقول ذلک فی أذانه ، وکذلک رواه نسیر بن ذعلوق عن ابن عمر وقال : فی السفر((4)) .

3 - وعن عبیدالله واللیث بن سعد ، عن نافع، قال : کان ابن عمر ربّما زاد فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((5)) ورواه أیضاً عطاء عن ابن عمر((6)) .

4 - عبدالرزّاق ، عن ابن جریج ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أنّه کان یقیم الصلاة فی السفر یقولها مرّتین أو ثلاثاً یقول « حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی خیر العمل »((7)) .


1- انظر : مراتب الإجماع ، لابن حزم : 27 .
2- الروض النضیر 1 : 542 وانظر : الإحکام لابن حزم 4 : 593 ، ومقدمة الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 14 .
3- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 ؛ الاعتصام بحبل الله 1 : 297 ، 308 ، 312 .
4- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 - 425 ، وانظر : مصنف بن أبی شیبة 1 : 196 .
5- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری لابن رجب الحنبلی 3 : 497 .
6- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 299 ، 310 .
7- مصنّف عبدالرزّاق 1 : 464 / ح 1797 .

ص:224

قال ابن حزم : ولقد کان یلزم من یقول بمثل هذا عن الصاحب - فمثل هذا لا یقال بالرأی - أن یأخذ بقول ابن عمر هذا ، فهو عنه ثابت بأصحّ إسناد((1)) .

وروی الحافظ زین الدین العراقی عن الإمام علاء الدین مغلطای فی کتاب ( التلویح شرح الجامع الصحیح ) أنّه قال ما لفظه : أمّا حیّ علی خیر العمل فذکر ابن حزم أنّه صحّ عن عبدالله بن عمر ، وأبی أمامة بن سهل بن حنیف انهما کانا یقولان فی أذانهما حیّ علی خیر العمل . وقال مغلطای : وکان علیّ بن الحسین یقولها ((2)) .

وقال المحقّق الجلال : وصحّح ابن دقیق العید وغیره أن ابن عمر وعلیّ بن الحسین ثَبَتا علی التأذین بها إلی أن ماتا ((3)) .

وفی المختصر من شرح ابن دقیق العید علی العمدة ما لفظه : وقد صحّ بالسند الصحیح أن زین العابدین وعبدالله بن عمر أذنّا بحیّ علی خَیر العمل إلی أن ماتا ((4)) .

و إلیک الآن بعض الطرق التی ذکرها الحافظ العلوی فی کتابه الأذان بحیّ علی خیر العمل ، عن عبدالله بن عمر بن الخطّاب .

* زید عن نافع

أخبرنا أبو الطیّب محمّد بن الحسین التیملی قراءة ، حدّثنا أبو جعفر محمّد ابن علیّ بن مهدی العطّار ، حدّثنا قاسم بن وهب التمیمی ، حدّثنا قاسم أبو بکر البجلی ، حدّثنا إسماعیل بن هارون الخزّار ، عن عاصم العمری ، عن زید بن محمّد ابن((5)) نافع : أنّ ابن عمر کان إذا أذّن قال : حیّ علی خیر العمل .


1- المحلی 3 : 160 - 161 .
2- الروض النضیر 1 : 541 . والاعتصام بحبل الله 1 : 311 .
3- ضوء النهار 1 : 468 .
4- الروض النضیر 1 : 542 .
5- فی الاعتصام : عن .

ص:225

* محمد بن عجلان عن نافع

حدّثنا محمّد بن حمید بن محمّد ] بن الحسین [ ((1))بن حمید اللخمی ، حدّثنا أبو بکر محمّد بن جعفر الآدمی القاری ، حدّثنا موسی بن إسحاق ، حدّثنا منجاب((2)) بن الحارث ، عن علیّ بن شهر((3)) ، عن حاتم ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، قال : سمعت ابن عمر یقول : حیّ علی خیر العمل .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن المقری ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب ، حدّثنا علیّ بن أحمد بن حاتم ، حدّثنا محمّد ] بن أحمد [((4))بن مروان ، حدّثنا عثمان بن سعید ، عن((5)) حاتم ، بن إسماعیل ، عن محمّد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه کان یقول : حیّ علی خیر العمل .

حدّثنا عبدالله بن بشر بن مخالد((6)) البجلی ، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن سعید، حدّثنا أحمد بن یحیی بن المنذر الحجری ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی ، حدّثنی أبو بکر بن أبی أویس ، عن سلیمان بن بلال ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یؤذّن فیقول : حیّ علی خیر العمل ، ویقول : کانت فی الأذان ، فخاف عمر أن یتکل((7)) الناس عن الجهاد .

أخبرنا محمّد بن طلحة الثعالی البغدادی ببغداد ، وکتبه أبی بخطه ، حدّثنا


1- الزیادة من الاعتصام .
2- فی الاعتصام 1 : 296 : مِنْجَاب ، وضبطه فی الهامش : بکسر النمیم وسکون النون وفتح الجیم التیمی ، أبو محمد الکوفی .
3- فی الاعتصام : مسهر .
4- الزیادة من الاعتصام .
5- فی الاعتصام : حدّثنا بدل عن .
6- فی الاعتصام : مجالد .
7- فی الاعتصام : ینکل .

ص:226

القاضی أبو بکر محمّد بن عمر الجعابی الحافظ ، حدّثنا حامد بن سعید بن زهیر ، حدّثنا شریح بن یونس ، حدّثنا أبو سعید الصنعانی ، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یقول - یعنی فی أذانه - : ] حیّ علی الصلاة [ ((1)) حیّ علی خیر العمل .

أخبرنی محمّد بن طلحة الثعالی ، حدّثنا محمّد بن عمر الجعابی الحافظ ، حدّثنا أحمد المؤمّل ، حدّثنا محمّد بن علیّ بن خلف ، حدّثنا إسماعیل بن أبان ، حدّثنی ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یؤذن فیقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

وقد رواه أیضاً جعفر بن محمّد الطبری عن ابن عمّار ، عن مؤمّل ، عن سفیان، عن ابن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر .

* مالک بن أنس عن نافع

أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زید بن بشار قراءةً ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید المقری ، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی البغدادی ، حدّثنا محمّد بن علیّ بن خلف ، حدّثنا عبدالوهّاب بن عطا الجفاف((2)) ، أخبرنا مالک بن أنس ، عن نافع : أن ابن عمر کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل((3)) .


1- الزیادة من الإعتصام 1 : 296 .
2- فی الاعتصام : الخفاف .
3- وانظر :الاعتصام 1 : 312 فانه وبعد ذکره اسناد البیهقی الشافعی عن مالک بن أنس عن ابن نافع ... قال : ومن طریقهم إلی الطبری الشافعی فی کتابه ( غایة الاحکام فی احادیث الاحکام ) ما لفظه : حدیث الحیعلة بحیّ علی خیر العمل أخرجه سعید بن منصور قال الطبری : ورواه ابن حزم فی کتاب ( الاجماع ) عن ابن عمر : أنّه کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل . انتهی ما ذکره فی التوضیح ، وفی شرح العمدة لابن دقیق العید .

ص:227

* ابن عون عن نافع

حدّثنا میمون بن حمید المقری ، أخبرنا إسحاق بن محمّد المقری ، حدّثنا أبو زید الحسن بن ] محمّد بن [ ((1)) السکن التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد السَّدوسی ، حدّثنا أزهر بن سعدان ، حدّثنا ابن عون ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر إذا أذّن قال : حیّ علی خیر العمل((2)) .

حدّثنا حسن بن حسین بن حبیش المقری ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد ابن أحمد بن مرزوق ، حدثنا أبو زید الحسن بن محمد بن السکن : بهذا .

حدّثنا أبی ، حدّثنا علیّ بن سفیان((3)) بن یعقوب الهمدانی((4)) ، حدّثنا أبو زید الحسن بن محمّد بن السکن : بهذا .

* ابن جریج عن نافع

حدّثنا ((5)) أبو عمر عبدالواحد بن محمّد بن عبدالله بن محمّد بن مهدی البغدادی ، أخبرنا أبو عبدالله محمّد بن إسماعیل الفارسی قراءةً سنة تسع وعشرین وثلاثمائةً ، حدّثنا إسحاق بن إبراهیم بن عبّاد ، حدّثنا عبدالرزاق بن همّام الصنعانی ، عن ابن جریج ، عن نافع : أنّ ابن عمر کان یقول : - یعنی فی الأذان - حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل .


1- الزیادة من الاعتصام .
2- جاء فی الاعتصام 1 : 281 قال المؤید بالله فیه أیضاً : أخبرنا أبو العباس الحسن قال : اخبرنا محمد بن علی الصباغ ، ویوسف بن محمد الکسائی ، وأحمد بن سعید الثقفی قالوا اخبرنا عمار بن رجا قال : حدّثنا ازهر بن سعد عن ابن عون عن نافع عن ابن عمر انه کان یقول فی اذان : حیّ علی خیر العمل ، وهو فی اُصول الاحکام والشفاء .
3- فی الاعتصام : شفیر .
4- فی الاعتصام : الهمذانی .
5- فی الاعتصام : اخبرنا .

ص:228

* عثمان بن مقسم عن نافع

أخبرنا محمّد بن طلحة التعالی((1)) ، حدّثنا محمّد بن عمر بن زیاد بن عجلان ، حدّثنا محمّد بن إِسماعیل الراشدی ، حدّثنا أمیّة بن الحارث ، حدّثنا عثمان بن مقسم ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* عبیدالله بن عمر عن نافع

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إِبراهیم قراءةً ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن الهیثم فی کتابه ، حدّثنا أبو علیّ الخراسانی ، حدّثنا أبو بکر ، حدّثنا أبو أسامة ، حدّثنا عبیدالله ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر ربّما زاد فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

أخبرنا محمّد((2)) بن أبی العبّاس الورّاق ، حدّثنا محمّد بن الحسین بن جعفر((3)) ، حدّثنا عبیدالله ] بن إسماعیل القرشی ، حدّثنا أبو أسامة ، حماد بن أسامة عن عبیدالله [ ((4))، عن نافع ، قال : کان ابن عمر ربّما زاد فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

أخبرنا علیّ بن محمّد الشیبانی ، ومحمّد بن أحمد ] بن إبراهیم [ ((5)) قراءةً علیهما ، قالا : أخبر الحسن بن محمّد بن إسماعیل بن إسحاق فی کتابه ، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی((6)) ، حدّثنا عیسی بن مهران ، أخبرنا عبدالرحمن بن صالح الأزدی ،


1- فی الاعتصام : الثعالبی وبعده : حدّثنا محمد بن عمر الجعابی ، حدّثنا أحمد بن زیاد ابن عجلان ، حدّثنا محمد بن إسماعیل الراشدی ...
2- فی الاعتصام 1 : 298 اخبرنا محمد ، اخبرنا محمد بن العباس .
3- فی الاعتصام : حفص .
4- الزیادة من الاعتصام 1 : 298 .
5- الزیادة من الاعتصام .
6- فی الاعتصام 1 : 298 الجنبی وقال فی الهامش : بفتح الجیم وسکون النون بعدها موحدة اسمه عمرو بن هاشم انتهی من الطبقات .

ص:229

حدّثنا أبو مالک الحسنی ، عن عبیدالله بن عمر ، عن نافع ، قال : کان ابن عمر ربّما قال فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* جوریة بن أسماء عن نافع

أخبرنا علیّ بن محمّد بن بنان فی کتابه، حدّثنی ثوابة بن أحمد بن عیسی بن ثوابة بن مهران((1)) الأسدی الموصلی فی الکوفة فی مجلس السکونی ، حدّثنا أبو یعلی أحمد بن علیّ بن المثنی ، حدّثنا عبدالله((2)) بن محمّد بن أسماء ، حدّثنا جوریة((3)) ، عن نافع : أن ابن عمر کان لا یؤذّن فی السفر ولکن یجعلها إِقامة ویقول : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، مرّتین .

أخبرنا علیّ بن محمّد الشیبانی ، أخبرنی الحسین بن محمّد الرفّاء ، حدّثنی جعفر بن محمّد الحسنی ، حدّثنا عیسی بن مهران ، حدّثنا أبو غسان الهذلی ، حدّثنا جوریة بن أسماء ، ] عن عتبة [ ((4))، عن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، مرتین .

* یحیی بن أبی کثیر عن نافع

أخبرنا عمر بن عبدالواحد بن مهدی البغدادی فی کتابه إلیَّ ، حدّثنا محمّد ابن إسماعیل الفارسی ، حدّثنا إِسحاق بن إِبراهیم بن عبادی((5)) ، حدّثنا عبدالرزاق بن همام ، حدّثنا معمر ، عن یحیی بن أبی کثیر ، عن رجل((6)) : أنّ ابن عمر کان إذا


1- فی الاعتصام : بهران .
2- فی الاعتصام : عبیدالله .
3- فی الاعتصام : جویریة .
4- لم توجد فی الاعتصام 1 : 298 .
5- فی الاعتصام : عباد .
6- لم یذکر اسمه فی الأصل ، وقال عزّان : ویبدو أنّه نافع لأنّ الروایة عنه .

ص:230

قال : فی الأذان : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، قال : حیّ علی خیر العمل ، ثمّ یقول : الله أکبر ، الله أکبر ، لا إِله إلّا الله .

* عطاء عن ابن عمر

أخبرنا محمّد بن طلحة التغالی ، وکتبه إلی بخطّه ، حدّثنا القاضی محمّد بن علیّ((1)) الجعابی الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد - یعنی ابن مروان - حدّثنا أبی ، حدّثنا المغیرة بن عبدالله((2)) ، عن مقاتل بن سلیمان ، عن عطاء ، عن ابن عمر : أنه کان یؤذّن بحیّ علی خیر العمل ، ثمّ ترک ذلک وقال((3)) : أخاف أن یتّکل الناس((4)) .

11 - جابر بن عبدالله ( ت 68 إلی 79 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن جعفر التمیمی مناولةً ، أخبرنا عبدالعزیز بن یحیی الجلودی ، حدّثنا محمّد بن سهل ، حدّثنا عمر بن عبدالجبار ، حدّثنا أبی ، حدّثنا علیّ بن جعفر ، عن أبیه ، عن جده ، عن جابر ، قال : کان علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله یقول المؤذّن بعد قوله « حیّ علی الفلاح » « حیّ علی خیر العمل » ، فلمّا کان عمر بن الخطاب فی خلافته نهی عنه کراهة أن یُنْکَلَ عن الجهاد((5)) ؟


1- فی الاعتصام : عمر .
2- فی الاعتصام : عبیدالله .
3- القائل عمر بن الخطاب .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 55 - 62 . وانظر : الطریق الأخیر فی صفحة 25 من الکتاب نفسه وبتحقیق عزّان من صفحة : 100 - 108 .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 30 ، والاعتصام 1 : 291 .

ص:231

12 - عبدالله بن جعفر ( ت 80 وقیل 90 ه )

روی الحافظ العلوی بسنده عن عبیدة السلمانی : أن عبدالله بن جعفر بن أبی طالب کان یؤذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » إلی أن فارق الدنیا ((1)) .

13 - محمد بن علی بن أبی طالب ( ت ما بین 73 - 93 ه )

روی الحافظ العلوی من طریق علیّ بن حزور ، عن محمّد بن بشر ، قال : جاء رجل إلی محمّد بن الحنفیة ، فقال له : بلغنا أنّ الأذان إنّما هو رؤیا رآها رجل من الأنصار ، فقَصّها علی رسول الله ، فأمر بلالاً فأذّن بتلک الرؤیا ! فقال له محمّد بن الحنفیة : إنّما یقول بهذا الجاهلُ من الناس ، إنّ أمر الأذان أعظم من ذلک ، إنّه لما أسری برسول الله صلی الله علیه و آله سمع ملکاً یقول : « الله أکبر الله أکبر » فقال عزّ وجلّ : أنا کذلک أنا الأکبر لا شیء أکبر منی ، إلی أن قال :

ثمّ قال : « حیَّ علی خیر العمل » ، فقال الله : هی أزکی الأعمال عندی وأحبُّها إلیَّ((2)) .

وروی الحافظ العلوی من طریق عبیدة السلمانی ، عن محمّد بن الحنفیة أنّه کان یؤذّن إلی أن فارق الدنیا فیقول : « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

14 - أنس بن مالک ( ت ما بین 91 إلی 93 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبو الطیّب أحمد بن محمّد بن بنان ، أخبرنا الحسن


1- الأذان للحافظ العلوی : 54 ، وتحقیق عزّان : 109 . والاعتصام 1 : 294 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 57 بتحقیق عزّان ، والخبر طویل اقتطفنا منه بعض المقاطع . والاعتصام بحبل الله 1 : 285 . وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 105 .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 109 الحدیث 107 .

ص:232

بن محمّد بن الحسن الیشکری ، حدّثنی أبو عبدالله الحسن((1)) بن محمّد بن سعید ببغداد ، حدّثنا محمّد بن الغیصی((2)) بدمشق ، حدّثنا إِبراهیم بن عبدالله ، حدّثنی عمّی عبدالرزّاق الإمام ، عن معمر بن((3)) ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : بینا أنا نائم إذ أتانی جبریل فهمزنی برِجله فاستیقظت ، فلم أر شیئاً ، ثمّ أتانی الثانیةَ فهمزنی فاستیقظت فأخذ بضبعی ، فجعلنی فی شیء کوَکر الطیر ، فما أطرفت بصری ] طرفة [ حتّی رجعت إلی الأرض ، فأتی بی مکاناً ، فقال ] لی : أتدری أین أنت ؟ فقلت : لا یا جبریل ، فقال : هذا بیت المقدس ، بیت الله الأقصی ، إلی((4)) المحشر والمنشر ؛ ثمّ قام جبریل فجعل سبابته الیمنی فی أذنه الیمنی ، وأذّن مثنی مثنی ، یقول فی أحدها ((5)) : « حیّ علی خیر العمل » حتّی إذا مضی((6)) أذانه أقام الصلاة مَثنی مَثنی ، وقال فی آخرها : « قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة » ، فبرق نور من السماء ، ففتحت به قبور الأنبیاء ، فأقبلوا من کلّ أوب یُلبّون دعوة جبریل ، فوافی أربعة آلاف نبیّ وأربعمائة وأربعة عشر نبیّاً ، وأخذوا مصافّهم ، ولا أشکّ أنّ جبریل سیتقدّمنا ، فلمّا استَووا فی مصافّهم أخذ جبریل بضبعی فقال لی : تَقدّمْ یا محمّد فَصلِّ بإِخوانک ، فالخاتم أولی من المختوم ، وذکر بقیة الحدیث ...((7))


1- فی الاعتصام 1 : 288 : الحسین .
2- فی الاعتصام : الفیض .
3- فی الاعتصام : عن .
4- فی الاعتصام : إلیه .
5- فی الاعتصام : وقال فی آخرها .
6- فی الاعتصام : قضی .
7- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 26 . والاعتصام 1 : 288 - 289 .

ص:233

15 - علیّ بن الحسین بن علیّ ( ت 94 ه )

جاء فی مصنّفا ابن أبی شیبة وسنن البیهقی ومصادر أخری ، عن حاتم بن إسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : إنّ علیّ بن الحسین علیه السلام کان یؤذّن فإذا بلغ : « حیَّ علی الفلاح » قال : « حیَّ علی خیر العمل » ویقول : هو الأذان الأوّل((1)) .

وقال الحلبی فی سیرته : ونقل عن ابن عمر وعلیّ بن الحسین أنّهما کانا یقولان فی أذانیهما بعد « حیَّ علی الفلاح » ، « حیَّ علی خیر العمل »((2)) .

وجاء فی الاعتصام بحبل الله : ... ومن شرح المختصر لابن دقیق العید علی العمدة ما لفظه : وقد صح بالسند الصحیح أن زین العابدین وعبدالله بن عمر أذّنا بحیّ علی خیر العمل إلی أن ماتا((3)) .

وقد أخرج الحافظ العلوی من عدة طرق أذان علیّ بن الحسین روایةً وإجازةً :

* حدیث حاتم عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین .

أخبرنا أبو الطیب محمّد بن الحسین بن النخاس قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا حسن بن حسین ، عن حاتم بن إسماعیل ،


1- مصنّف ابن أبی شیبة 1 : 195 والنص عنه ، السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 299 ، 308 ،31 وغیرهما . مسند زید بن علی : 83 عن أبیه علیّ بن الحسین علیه السلام أنّه کان یقول ... نحوه .
2- السیرة الحلبیة 2 : 305 باب الأذان ، المحلّی 3 : 160 ، وفیه وقد صح عن ابن عمر وأبی امامة بن سهل بن حنیف أنهم کانوا ... دعائم الاسلام 1 : 145 ، جواهر الأخبار والآثار للصعدی 2 : 192 .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 312 .

ص:234

عن جعفر ، عن أبیه : أن علیّ بن الحسین کان یؤذّن ، فإذا بلغ : « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول((1)) .

حدّثنا محمّد بن عبدالله الجعفی ومحمّد بن الحسین بن غزال ، قالا : حدّثنا محمّد بن عمّار بن محمّد العجلی العطار لفظاً ، حدّثنا الحسین بن الحکم الحبری ، حدّثنا جندل بن ] والف [ ((2))، عن حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، ] عن [((3)) علیّ بن الحسین : أنه کان إذا بلغ فی أذانه « حیّ علی الفلاح » کان یقول : « حیّ علی خیر العمل » ، وکان یقول : هو الأذان الأوّل((4)) .

حدّثنا میمون ، حدّثنا علیّ بن حمید المقری((5))، أخبرنا إسحاق بن محمّد النجار المقری ، حدّثنا أبو زید الحسن بن السکن التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد السدوسی((6)) ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل المدنی((7))، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین إِذا أذن قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل :


1- الاعتصام 1 : 287 .
2- فی تحقیق عزّان : والق .
3- فی تحقیق عزّان : أن .
4- أخرجه ابن أبی شیبة 1 : 195 ح 2239 عن حاتم بن إسماعیل عن جعفر عن أبیه ومن طریق مسلم بن أبی مریم عن علی بن الحسین واخرجه البیهقی 1 : 425 من طریق موسی بن دواد عن حاتم به . والاعتصام 1 : 287 . وفی الإیضاح للقاضی نعمان : 108 وفی الکتب الجعفریة من روایة ابن علی محمد بن محمد بن الأشعث الکوفی عن أبی الحسن موسی بن إسماعیل بن موسی بن جعفر عن أبیه عن جده عن أبی عبدالله جعفر بن محمّد عن أبیه : ان علی بن الحسین ....
5- فی الاعتصام 1 : 287 حدّثنا میمون بن حمید ، اخبرنا إسحاق بن محمد المقری حدّثنا أبو زید .
6- فی الاعتصام 1 : 287 الدوسی .
7- فی الاعتصام : المدینی .

ص:235

حدّثنا حسن بن حسین بن حبیش المقری ، أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد بن ] مرزقی [ ((1)) المقری ، حدّثنا أبو زید الحسن بن السکن : بمثله .

حدّثنا أبی رضی الله عنه ، حدّثنا محمّد ] بن الحسین [ ((2))بن سعید الأزدی ، حدّثنا عبدالله بن زیدان ، حدّثنا محمّد ] بن ثوابة [ ((3))، حدّثنا حفص الهلالی عن حاتم المدنی((4))، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ بن الحسین ، قال : ذُکِر عنده « حیّ علی خیر العمل » ، قال : کان أذان الناس الأوّل .

حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی، حدّثنا عیسی بن مهران ، أخبرنا العبد الصالح مخول بن إبراهیم ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یزید فی أذانه ، إذا قال : « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » . ویقول : یا بُنیّ ، هو الأذان الأوّل .

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إِبراهیم ، أخبرنا أحمد بن محمّد الکندی ، حدّثنا أبو علیّ الخراسانی ، حدّثنا أبو بکر عبدالله بن محمّد العبسی ، حدّثنا حاتم بن إسماعیل المدنی ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أنّ علیّ ابن الحسین کان یؤذن ، فإذا بلغ « حیّ علی الفلاح » ، قال : « حیّ علی خیر العمل » . ویقول : ] هو [الأذان الأوّل ، یعنی أذان النبیّ صلی الله علیه و آله .

] وفیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید [ ((5)).

حدّثنا جعفر بن علیّ بن نجیح، حدّثنا أبو غسان ، حدّثنا حاتم ، عن جعفر ابن


1- فی تحقیق عزّان : المرزوقی .
2- الزیادة من الاعتصام 1 : 287 ، وفی تحقیق عزّان : الحسن .
3- فی الاعتصام 1 : 287 : بن نوار .
4- فی الاعتصام : المدینی .
5- الزیادة من الاعتصام 1 : 300 .

ص:236

محمّد ، ] عن أبیه [ ((1))ومسلم بن أبی مریم : أنّ علیّ بن الحسین کان یؤذّن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

] وفیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید [ ((2))، حدّثنا محمّد بن أحمد بن النضر ، حدّثنا موسی بن داود ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ بن الحسین ، قال : کان یؤذّن فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن المقری ، حدّثنا مسلم التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدی((3))، حدّثنا محمّد بن جمیل، حدّثنا إِبراهیم - یعنی ابن محمّد بن میمون - عن حاتم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول .

حدّثنا علیّ بن محمّد بن بنان، حدّثنا الحسن بن محمّد السَّکونی ، حدّثنا الحضرمی ، حدّثنا محمّد بن عبید النحّاس ، حدّثنا حاتم ، عن جعفر ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإذا بلغ « حیّ علی الصلاة » ، « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

أخبرنا أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر ابن محمّد الأزدی((4))، حدّثنا محمّد بن جمیل ، حدّثنا إِبراهیم بن محمّد بن میمون ، وحدّثنا حاتم : بمثله .


1- من الاعتصام 1 : 300 .
2- الزیادة من الاعتصام .
3- فی الاعتصام 1 : 301 : الاودی .
4- فی الاعتصام 1 : 301 : الاودی .

ص:237

حدّثنا محمّد بن أحمد بن عبدالله قراءةً ، أخبرنا ] أحمد بن [((1)) محمّد بن هارون فی کتابه إلی ، أخبرنا محمّد بن الحسین بن حفص ، حدّثنا محمّد بن عبید ، حدّثنا حاتم ، حدّثنا جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأول ، یعنی أذان النبیّ صلی الله علیه و آله .

أخبرنا محمّد بن أحمد قراءةً ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن هارون فی کتابه إلیَّ ((2))، أخبرنا محمّد بن القاسم بن زکریا ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنا محمّد بن علیّ الکِندی ، حدّثنا زکریا بن یحیی ، حدّثنا عبدالرحمن بن أبی حمّاد ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، أخبرنی جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن علیّ ابن الحسین علیه السلام ، قال : الأذان الأول - یعنی أذان النبیّ صلی الله علیه و آله - « حیّ علی خیر العمل » ، وکان علیّ بن الحسین یقوله فی أذانه .

] قال وفیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید [ ((3))، حدّثنا الحسن بن علیّ بن بویغ((4))، حدّثنا إسماعیل بن أبان ، عن حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان إذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

أخبرنا زید بن جعفر بن حاجب فی کتابه إِلیَّ ، حدّثنا محمّد بن أحمد بن علیّ بن


1- الزیادة من الاعتصام .
2- لیس فی الاعتصام 1 : 301 إلیَّ .
3- الزیادة من الاعتصام 1 : 302 .
4- وفی الاعتصام 1 : 302 : بریع وقال فی الهامش : المشهور فی کتب الحدیث بزیغ یاء ثمّ زای ثمّ غین معجمة وفی نسخة بریع انتهی عن هامش الاصل .

ص:238

الولید ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن عبید المقری ، حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، أخبرنا حاتم ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، ومسلم بن أبی مریم : أن علیّ بن الحسین کان یؤذن ، فإِذا بلغ « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » : ویقول هو الأذان الأوّل .

أخبرنا علیّ بن محمّد بن بنان ، حدّثنا ثوابة بن أحمد بن عیسی بن ثوابة بن مهران ، حدّثنا علیّ بن الحسین المستملی ، وجماعة ، قالوا : حدّثنا جعفر بن محمّد الغربانی((1)) ، حدّثنا قتیبة بن سعد ، حدّثنا حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ابن محمّد ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

حدّثنا زید بن حاجب ، حدّثنا محمّد بن عمّار، حدّثنا الحسین بن الحکم ، حدّثنا جندل بن والف((2)) ، عن حاتم بن إِسماعیل ، عن جعفر ، عن أبیه ، وعن ابن أبی مریم : عن علیّ بن الحسین : أنه کان إذا بلغ فی أذانه « حیّ علی الفلاح » قال : کان یقول : « حیّ علی خیر العمل » ، وکان یقول : هو الأذان الأوّل .

* یحیی بن العلی عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین((3)) .

أخبرنا محمّد بن الحسین بن النحاس قراءةً ، ] حدّثنا [ علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار بن أحمد ، حدّثنا الحسن بن حسین وسعید بن عثمان ، عن أبی یحیی بن العلی((4)) ، عن جعفر ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .


1- فی الاعتصام 1 : 302 : الفریانی .
2- فی الاعتصام 1 : 302 : والق .
3- هذا السطر کتب بالاسود فی الاعتصام .
4- فی الاعتصام : حسن بن حسین ، وسعید بن عثمان عن یحیی بن العلاء .

ص:239

حدّثنا محمّد بن الحسین بن غزال ، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن عمّار العطار ، حدّثنا جعفر بن علیّ بن نجیح ، حدّثنا حسن بن حسین ، عن یحیی بن العلی((1)) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل » ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

* عبدالله بکیر وعمرو بن جمیع عن جعفر عن علی بن الحسین .

أخبرنا محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءةً ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکار ، حدّثنا حسن بن حسین ، حدّثنا عبدالله بن بکیر ، وعمرو بن جمیع ، عن جعفر ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول : « حیّ علی خیر العمل » بعد « حیّ علی الفلاح » .

* حسین بن مخارق عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین علیهم السلام

أخبرنا محمّد بن عبدالله الجعفی قراءةً ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد ابن سعید ، أخبرنا یعقوب بن یوسف بن زیاد الضبّی ، حدّثنا أبو جُنادة حُصین ابن مخارق ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أن علیّ بن الحسین کان یقول : فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، مرّتین .

* سفیان بن السمطّ عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسین الخزّار ، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب ، حدّثنا أحمد بن عیسی العجلی العطّار ، حدّثنا جعفر بن عنبسة الیشکری ، حدّثنا أحمد بن عمر البجلی ، حدّثنا سلام بن عبدالله الهاشمی ، عن سفیان بن السمط ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه ، عن جدّه ، قال : أوّل من أذّن فی السماء جبریل حین أسری بالنبیّ صلی الله علیه و آله فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، فذکره إلی قوله : « حیّ علی خیر


1- فی الاعتصام 1 : 303 : العلا .

ص:240

العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، فقالت الملائکة : أُمِر القوم بخیر العمل ، وأقام الصلاة ، وقال جبریل : یا محمّد ، إن الله أمرنا بالسجود لأبیک آدم فلسنا نتقدم ولده ، فتقدّم رسولُ الله صلی الله علیه و آله فصلّی بالملائکة((1)) .

* مندل بن علی عن جعفر عن أبیه عن علی بن الحسین .

] ومما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب بروایته عن أحمد بن محمّد بن سعید [((2)) ، حدّثنا أحمد بن یوسف ، وأخبرنی مندل بن ] محمّد ، قالا : حدّثنا الحسین بن محمّد ، حدّثنا مندل بن [ ((3)) علیّ - واسمه عمرو بن علیّ - القرنی((4)) ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبیه : أن علیّاً - وهو علیّ بن الحسین - کان یقول : حیّ علی الصلاة ، حیَّ علی الفلاح ، حیَّ علی خیر العمل .

* غیاث بن إبراهیم بن جعفر بن محمد عن أبیه عن علی بن الحسین .

أخبرنا جعفر بن محمّد بن حاجب إجازةً ، عن أحمد بن سعید ، حدّثنی محمّد بن الفضل ، حدثنی أبی ، حدّثنا غیاث ، عن جعفر ، عن أبیه : أن علیّ ابن الحسین کان إذا أذن قال : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل .. یقول : أی بنی هذا الأذان الأول - یعنی ] أذان النبی [ ((5)) - حتّی نهی عنه عمر .

* عن عبدالله بن سنان عن جعفر عن علیّ بن الحسین علیهما السلام

أخبرنا جعفر بن محمّد بن حاجب إجازةً ، عن أبی العبّاس بن سعید ، حدّثنا


1- الاعتصام 1 : 285 ، 304 .
2- الاعتصام 1 : 304 .
3- الزیادة من الاعتصام .
4- فی الاعتصام : العنزی .
5- الزیادة من الاعتصام 1 : 304 .

ص:241

الحسن بن جعفر بن مدرار ، حدّثنا عمی طاهر بن مدرار ، حدّثنا عبدالله بن سنان ، عن جعفر بن محمّد ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل ، ویقول : هو الأذان الأوّل .

* محمّد بن مسلم عن جعفر عن علیّ بن الحسین علیهما السلام

فیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنی الحسن بن جعفر بن مدرار ، حدّثنا العلاء بن رزین ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی عبدالله ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* محمّد بن عبدالله بن علیّ بن الحسین عن جعفر .

فیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، أخبرنی جعفر بن محمّد بن عمر قراءةً ، حدّثنی عبدالله بن جمیل ، حدّثنی عبدالله بن محمّد - یعنی ابن عبدالله بن علیّ بن الحسین - عن أبیه ، عن جعفر ابن محمّد ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی أذانه : حیّ علی خیر العمل .

* أبو العبّاس بن الفضل بن عبدالملک السقّاف عن جعفر بن محمّد .

فیما أجاز لی جعفر بن محمّد بن حاجب ، عن أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا الحسن بن القاسم ، حدّثنا عبدالله بن صالح ، حدّثنی داود بن حصین ، عن أبی العباس ، عن أبی عبدالله ، قال : کان علیّ بن الحسین یقول فی الأذان : حیّ علی خیر العمل .

* أبو مریم عبدالغفّار بن القاسم الأنصاری عن جعفر بن محمّد .

أخبرنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم قراءةً ، أخبرنا محمّد بن محمّد بن هارون فی کتابه ، حدّثنا محمّد بن القاسم بن زکریا ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنا حسن بن سعید ، حدّثنا أبی ، حدّثنا أبو مریم ، حدّثنا جعفر ابن محمّد ، عن علیّ بن

ص:242

الحسین : أنه کان یقول إذا أذّن : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، ویجعل فی آخر أذانه وإِقامته « الله أکبر الله أکبر لا إله إلّا الله » .

* عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب عن أبی جعفر عن علیّ بن الحسین .

حدّثنا عبدالله بن مخالد بن بشر البجلی ، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعید ، حدّثنا أحمد بن یحیی بن المنذر الحجری ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی ، حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن علیّ بن الحسین وأبی جعفر : أنّهما کانا یؤذّنان : حیّ علی خیر العمل .

* أبو الجارود زیاد بن المنذر عن أبی جعفر عن علیّ بن الحسین .

أخبرنا أبو الطیب محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءةً ، حدّثنا علیّ بن العباس ، حدّثنا بکّار((1)) ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن زیاد بن المنذر ، عن أبی جعفر محمّد بن علیّ ، قال : سمعت أبی علیَّ بن الحسین یؤذّن : « حیّ علی الفلاح حیّ علی خیر العمل » فی الأذان والإِقامة .

حدّثنا أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر ابن محمّد الأزدی ، حدّثنا محمّد بن جمیل ، حدّثنا نصر : بنحوه .

حدّثنا محمّد بن عبدالله ومحمّد بن الحسین بن غزال ، قالا : حدّثنا ((2)) الحسین بن محمّد ] بن [((3)) الفرزدق ، حدّثنا جعفر بن عبدالله المحمّدی ، حدّثنا محمّد بن صلة((4))


1- الاعتصام 1 : 286 وفیه : بکار بن أحمد بن أحمد ، حدّثنا علی بن أبی حنیفة ومخول ابن إبراهیم قالا : حدّثنا محمد بن بکر عن زیاد بن المنذر قال : سمعت أبا جعفر یقول کان أبی علی بن الحسین علیه السلام یقول إذا أذن : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، قال : وکانت من الأذان ، وکان عمر لما خاف أن یتثبط الناس عن الجهاد ویتکلوا ؛ امرهم فکفوا عنها .
2- فی الإعتصام 1 : 304 : اخبرنا .
3- الزیادة من الاعتصام 1 : 305 .
4- فی الاعتصام : جیلة .

ص:243

الطحّان ، حدّثنا محمّد بن بکر الأرحبی وعکرمة بن یزید الأحمسی ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر یقول : کان أبی علیّ ابن الحسین((1)) إذا قال : « حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل » ، قال : وکانت فی الأذان الأوّل ، وکان عمر لما خاف أن یَتَثبَّطَ الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة أمرهم أن یکفوا عنها ((2)) .

حدّثنا أحمد بن علیّ العطار ومحمّد بن الحسن((3)) بن غزال قراءةً علیهما ، قالا : حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو ، حدّثنا محمّد بن منصور ، حدّثنی أحمد ابن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر یقول : کان علیّ بن الحسین إذا قال : « حیّ علی الفلاح » ] حیّ علی الفلاح [ ، قال : « حیّ علی خیر العمل » ] حیّ علی خیر العمل [((4))، وکانت فی الأذان فأمرهم عمر أن یکفّوا عنها مخافة أن یتثبّط الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة .

حدّثنا أحمد بن زید بن بشّار ، حدّثنا الحسن بن محمّد الرفّاء المقری ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدی((5))، حدّثنا محمّد بن جمیل ، حدّثنا محمّد بن جبلة ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر یقول : کان أبی علیّ بن الحسین إِذا قال : « حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح » ، قال : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » ، قال : وکانت فی الأذان ، وکان عمر لمّا خاف أن یتثبّط الناس عن الجهاد ، ویتّکلوا علی الصلاة ، أمرهم یکفّوا عنها .


1- فی الاعتصام : أبی الجارود قال : سمعت أبا جعفر یقول کان أبی علیّ بن الحسین ...
2- الاعتصام 1 : 287 ، 305 .
3- فی الاعتصام 1 : 286 : حسین .
4- الزیادة من الاعتصام 1 : 281 وبدل : ان یکفوا عنها ( فکفوا عنها ) .
5- فی الاعتصام 1 : 305 : الاودی .

ص:244

حدّثنا حسین بن محمّد البجلی ، حدّثنا محمّد بن ] مسلم [((1)) بن محمّد بن مسلم التمیمی ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأزدی((2)) ، حدّثنا محمّد بن جمیل : بمثله .

16 - أبو أمامة بن سهل بن حُنیف ( ت 100 ه )

ذکر المحبّ الطبری - إمام الشافعیة فی عصره - فی کتابه المسمّی ب- ( إحکام الأحکام ) ما لفظه : ذکر الحیعلة بحیّ علی خیر العمل عن صدقة بن یسار عن أبی أمامة بن سهل بن حُنیف أنّه کان إذا أذّن قال : « حیّ علی خیر العمل » . أخرجه سعید بن منصور((3)) .

وروی الحافظ العلوی من طریق صدقة بن یسار ، قال : کنت فیما بین مکّة ] والمدینة [ فصحبت رجلاً - صحبته سائر یومی لم أدر مَن هو - فإذا هو أبو أمامة بن سهل بن حنیف ، فسمعته یؤذّن فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((4)) .

وفی الاعتصام بحبل الله ، عن الأذان للعلوی : حدّثنا محمّد ، أخبرنا محمّد ابن أبی العبّاس من کتابه ، قال : حدّثنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن محمّد ، حدّثنا حرب بن حسن المحاربی ، حدّثنا سفیان بن عیینة ، عن صدق ابن یسار المکی ، قال : صحبت ذات یوم أبا امامة بن سهل بن حنیف ، قال : فقال سائر القوم ابن بدری ، قال : فحضرت الصلاة : فسمعته یقول فی اذانه : حیّ علی خیر العمل ، خیر علی خیر العمل((5)) .


1- لا توجد هذه الزیادة فی الاعتصام 1 : 305 .
2- فی الاعتصام 1 : 305 : الاودی .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 309 ، 311 ، الروض النضیر 1 : 541 ، دلائل الصدق 3 : 100 .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 55 بثلاثة طرق ، وصفحه 112 بتحقیق عزّان . والاعتصام بحبل الله 1 : 295 .
5- الاعتصام 1 : 295 .

ص:245

وروی البیهقی : أنّ ذکر « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان رُوی عن أبی أمامة ] ابن سهل بن حنیف [ ((1)).

وقد مرَّ علیک کلام علاء الدین المتقی فی کتاب التلویح فی شرح الجامع الصحیح : وأمّا « حیّ علی خیر العمل » فذکر ابن حزم أنّه قد صحّ عن ابن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف أنّهم کانوا یقولون فی أذانهم « حیَّ علی خیر العمل » .

وما أضافه صاحب التلویح علی قوله هذا : وکان علیّ بن الحسین یقولها((2)) .

وکلام ابن حزم : قد صح عن ابن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف أنّهم کانوا یقولون فی أذانهم « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

17 - محمّد بن علیّ الباقر ( ت 114 ه )

روی الحافظ العلوی بسنده عن أحمد بن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، قال : سمعت أبا جعفر ] الباقر [ قال : کان أبی علیّ بن الحسین إذا قال : « حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح » قال : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل » ، قال : وکانت فی الأذان فأمرهم عمر أن یکفّوا عنها مخافة أن یَثَّبَّط الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة((4)) .


1- سنن البیهقی 1 : 425 . وانظر فتح الباری لابن رجب 3 : 417 عنه .
2- انظر : دلائل الصدق 3 : 100 ، والاعتصام بحبل الله 1 : 311 ، والمحلی 3 : 160 .
3- المحلی 3 : 160 .
4- انظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 22 ، وبتحقیق عزّان : 114 الحدیث 113 وفیه الحَیعَلَتین مرّة مرّة ، وفی ص 21 عن زیاد بن المنذر ، ورأب الصدع للمرادی 1 : 196 الحدیث 235 .

ص:246

وفی الاعتصام عن الأذان للحافظ: أخبرنا أبو الطیب محمّد بن الحسین التملی قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن الحسین الزهری ، وبکار بن أحمد ، قالا : حدّثنا حسن بن حسین ، عن خالد بن إسماعیل المخزومی ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام ، قال : کان أبی إذا أذن بالصلاة قال : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ، ثمّ یقول : یا بنی هذا النداء الاوّل((1)) .

وروی الحافظ العلوی عن الباقر من اثنین وعشرین طریقاً ، منها من طریق جابر الجعفی عن أبی جعفر ، قال : أذانی وأذان آبائی - النبیّ صلی الله علیه و آله ، وعلیّ ، والحسن ، والحسین ، وعلیّ بن الحسین - « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وروی الإمام محمّد بن منصور المرادی المقری ، عن محمّد بن جمیل ، عن نصر بن مزاحم ، عن أبی الجارود ، عن أبی جعفر ، أنّه کان یقول « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان والإقامة((3)) .

وقد مر علیک سابقاً ما أخرجه الشیخ الطوسی فی التهذیب والاستبصار عن ابن أُذینة ، عن زرارة والفضیل بن یسار، عن الإمام الباقر تحت عنوان « أهل البیت وبدء الاذان » .


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 306 .
2- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 54 ، وبتحقیق عزّان : 131 - 136 .
3- رأب الصدع 1 : 197 الحدیث 238 . وانظر : الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 78 - 82 ، وبتحقیق عزّان : 132 الحدیث 160 .

ص:247

18 - زید بن علیّ ( ت 121 ه )

روی الحافظ العلوی من طریق طیبة بن حیان ، قال : کان زید بن علیّ یأمر المؤذّن أن یقول فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » .

ومن طریق یزید بن معاویة بن إسحاق ، قال : کنا بجبّانة سالم وقد أَمِنَّا أهلَ الشام ، فأمر زید بن علیّ معاویةَ بن إسحاق ؛ فقال : أذِّن ب- « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

وروی زید بن علیّ ، عن أبیه علیّ بن الحسین ، أنّه کان یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((2)) .

قال الحافظ أبو عبدالله محمّد بن علیّ بن الحسن بن علیّ فی کتاب « الأذان بحیّ علی خیر العمل » : حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن زید بن بشارة قراءةً ، قال : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید ، حدّثنا الحسن بن محمّد الأوسی ، حدّثنا أحمد بن یزید بن رشد ، حدّثنا أبو معمر سعید بن جنتم((3)) ، قال : سمعت زید ابن علیّ یقول : إن عمر نحَّی من النداء فی الأذان : « حیّ علی خیر العمل » وقد أبلغت العلماء أنّها کان یُؤَذَّن بها رسول الله حتّی قبضه الله عزّ وجلّ إلیه ، وکان یؤذَّن بها لأبی بکر حتّی مات ، وطرفاً من ولایة عمر حتّی نهی عنها ((4)) .


1- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل ، بتحقیق عزّان : 37 الحدیث 172 و173 .
2- مسند الإمام زید : 83 .
3- ما فی المتن هو طبق نسخة الفضیل ، أما فی تحقیق عزّان : حدّثنا أحمد بن زید بن بشار البیسائی ، حدّثنا الحسن بن محمد بن سعید الرَّفاء ، حدّثنا محمد بن الحسن بن عبدالحمید بن محسن الأوسی ، حدّثنا أحمد بن رشد ، حدّثنا أبو معمر سعید بن خثیم قال ...
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 83 وبتحقیق عزّان : 138 وانظر : مسند الإمام زید : 93 ثمّ اخرج هذا الخبر برجاله ومعناه ، وفی أمالی أحمد بن عیسی : فأمرنی أن أقول : « حیّ علی خیر العمل » .

ص:248

19 - یحیی بن زید بن علیّ ( ت 125 ه )

قال الحافظ العلوی ، أخبرنا محمّد بن الحسین النحاس قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکار بن أحمد الهمدانی ، حدّثنا مخول بن إبراهیم ، عن محمّد بن بکر الأرحبی ، عن زیاد ابن المنذر ، قال : حدّثنی حسان ، قال : أذَّنت لیحیی بن زید بخراسان فأمرنی أن أقول « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((1)) .

أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن علیّ بن العطار المقری ومحمّد بن الحسین بن غزال قراءةً علیهما ، قالا : حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو الجنبی، حدّثنا محمّد بن منصور المقری ، حدّثنی أحمد بن عیسی ، عن محمّد بن بکر ، عن أبی الجارود ، عن حسان ، قال : أذّنت لیحیی بن زید بخراسان فأمرنی أن أقول : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل » .

أخبرنا علیّ بن محمّد بن بنان ، حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمّد الرفّا ، حدّثنا جعفر بن محمّد الحسنی ، حدّثنا عیسی بن مهران ، حدّثنا مخول ، حدّثنا صباح المزنی ، قال : أذّن رجل کان مع یحیی بن زید بخراسان ، قال : ما زال مؤذّنهم ینادی ب- « حیّ علی خیر العمل » حتّی قتل((2)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 86 وبتحقیق عزّان : 144 وانظر : أمالی أحمد بن عیسی 1 : 197 الحدیث 236 ، وعنه فی الاعتصام بحبل الله 1 : 281 ، وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 109 کذلک ، وللإمام المهدی محمد بن المطهّر الزیدی فی المنهاج الجلی إسناد آخر لهذه الروایات فراجع .
2- انظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 87 .

ص:249

20 - محمّد بن زید بن علیّ ( لم نقف علی وفاته )

قال الحافظ العلوی: حدّثنا محمّد بن أحمد بن إبراهیم ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الورّاق فی کتابه إلیّ ، قال : حدّثنا محمّد بن قاسم بن وهیب ، عن أحمد بن مفضل ، عن محمّد بن زید بن علیّ ، ] قال : تقول [ فی الأذان مرتین : الله أکبر الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن محمّداً رسول الله أشهد أن محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله .

حدّثنا علیّ بن محمّد بن بنان الشیبانی ، أخبرنا علیّ بن الحسین بن یعقوب الهمدانی ، حدّثنی علیّ بن العبّاس ، حدّثنا قاسم بن وهیب ، حدّثنا أحمد بن مفضل ، قال : سألت محمّد بن زید بن علیّ عن الأذان ، فقال : مرّتین مرّتین الله أکبر الله أکبر فذکر مثل ما قبله((1)) .

21 - محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ( ت 135 ه )

روی الحافظ العلوی ، عن محمّد بن الحسین بن النخاس قراءة ، حدّثنا علیّ ابن العباس ، حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا إسماعیل بن أبان ، عن غیاث بن إبراهیم ، عن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، عن أبیه : أنّه کان یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وجاء فی کتاب الاعتصام بحبل الله : وفی شرح التجر ید قال : والدلیل علی


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 88 ، وبتحقیق عزّان : 146 ح 184 و185 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 84 ، وصفحه 138 بتحقیق عزّان .

ص:250

صحة ما أخبرنا به أبو العبّاس الحسنی رضی الله عنه ، قال : أخبرنا علیّ بن الحسین الظاهری ، قال : حدّثنا محمّد بن محمّد بن عبدالعزیز ، قال : حدّثنا عباد ابن یعقوب ، قال : أخبرنا عیسی بن عبد الله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب قال : حدّثنی أبی ، عن أبیه ، عن جده علیّ : قال : سمعت رسول الله یقول : ( إنّ خیر أعمالکم الصلاة ) وأمر بلالاً أن یؤذّن بحی علی خیر العمل((1)) .

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبی رضی الله عنه ، حدّثنا أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن المحدد العطار ، حدّثنا أبی ، حدّثنا الحسن بن یحیی العلوی ، حدّثنا أبو الطاهر أحمد بن عیسی بن عبدالله ، عن الحسین بن زید ، قال : رأیت محمّد ابن عمر بن علیّ بن أبی طالب یؤذّن بحیّ علی خیر العمل((2)) .

22 - إبراهیم بن عبدالله بن الحسن ( ت 145 ه )

قال الحافظ العلوی : حدّثنا عبدالله بن محمّد بن هشام ، وأبو القاسم میمون ابن علیّ المقری ، قالا : أخبرنا إسحاق بن محمّد المقری ، حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالک ، قال : حدّثنا عبّاد بن یعقوب ، حدّثنا سالم الخزّاز ، قال : کان إبراهیم بن عبدالله بن الحسن یأمر أصحابه إذا کانوا فی البادیة یزیدون فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

حدّثنا الحسین بن محمّد بن الحسن المقری، حدّثنا علیّ بن الحسین بن یعقوب الهمدانی ، حدّثنا علیّ بن إبراهیم بن وهیب القرشی ، حدّثنا عباد عن سالم ، قال :


1- الاعتصام 1 : 281 عن شرح التجرید .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 84 ، وصفحه 138 الحدیث 175 بتحقیق عزّان .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 88 ، وبتحقیق عزّان : 147 ح 186 .

ص:251

کان إبراهیم بن عبدالله یأمرهم إذا کانوا فی البادیة أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

23 - جعفر بن محمّد الصادق ( ت 148 ه )

روی الحافظ العلوی من طریق معاویة بن عمّار ، قال : سمعت جعفر بن محمّد یقول فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وفی الاعتصام بحبل الله عن کتاب الأذان : أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن زید ابن بشار ، وعلیّ بن محمّد الشیبانی ، قالا : حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعید ابن مسلم ، حدّثنا علیّ بن العبّاس وعلیّ بن سلامة ، حدّثنا بکار بن أحمد ، حدّثنا نصر بن مزاحم ، عن الثقة إبراهیم بن أبی یحیی ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام کان یقول لکل صلاة : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل((3)) .

ومن طریق عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله ، قال : سألته عن الأذان ، فذکره وقال فیه « حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح » « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((4)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 89 ، وبتحقیق عزّان : 147 ح 187 .
2- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 85 .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 293 .
4- کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 85 . وبتحقیق عزّان : 141 ، ثمّ قال الحافظ العلوی : وقد روی حدیثَ الأذان عن جعفر بن محمد عن أبیه عن علی بن الحسین علیهما السلام جماعةٌ قد تقدّم أحادیثهم فی باب علیّ بن الحسین . فاستغنینا عن إعادتها هنا ، منهم : هانی بن إسماعیل المدنی ، ومحمد بن عبدالله بن علی بن الحسین ، وعبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ، وأبو مریم الأنصاری ، ومندل بن علی العثربی ، ویحیی بن العلیّ الرازی ، وغیاث بن إبراهیم ، وسفیان بن السمط ، وعبدالله بن بکیر ، وعمرو بن جمیع ، وحصین بن مخارق ، وعبدالله بن سنان ، ومحمد بن المسلم ، وأبو العباس ، وخالد بن إسماعیل المخزومی . ورواه عن حاتم بن إسماعیل عن جعفر عن أبیه عن جدّه جماعةٌ من الثقات منهم : حسن بن حسین المغربی ، ومخول بن إبراهیم ، وأبو غسان مالک بن إسماعیل النهدی ، وإبراهیم بن محمد بن میمون ، ومحمد بن عبید النحّاس ، وأبو بکر بن أبی شیبة ، وعبدالرحمن بن أبی حمّاد ، وإسماعیل بن أبان ، وجندل بن والف ] والق [ الثعلبی ، وجعفر بن محمد السدوسی ، وموسی بن داود وقتیبة بن سعید .

ص:252

وقد روی هذا الخبر الشیخ الطوسی بإسناده عن النضر ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبی عبدالله ] الصادق [ فی التهذیب((1)) والاستبصار((2)) .

وعن الحسین بن سعید ، عن فضالة ، عن حماد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلی بن خنیس ، قال : سمعتُ أبا عبدالله یؤذّن فقال : الله أکبر الله أکبر الله أکبر الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله ، حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله لا إله إلّا الله((3)) .

وعن فضاله ، عن سیف بن عمیرة ، عن أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی ؛ جمیعاً عن أبی عبدالله أنّه حکی لهما الأذان وفیه : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل »((4)) .

24 - الحسین بن علیّ صاحب فَخّ ( ت 169 ه )

کان الحسین یؤذن بها ویأمر أصحابه بالتأذین بها ، قال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن الحسین بن النحّاس قراءة ، حدّثنا علیّ بن العبّاس البجلی ، حدّثنا بکّار ،


1- التهذیب 2 : 59 ح 209 .
2- الاستبصار 1 : 305 ح 1133 .
3- الاستبصار 1 : 306 ح 1136 . وانظر : التهذیب 2 : 61 ح 212 .
4- انظر : التهذیب 2 : 60 ح 211 ، والاستبصار 1 : 306 ح 1135 .

ص:253

حدّثنا عنترة بن حسین العصافی ، قال : کان حسین بن علیّ صاحب فَخّ یقول فی أذانه « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

وروی أبو الفرج الاصفهانی خبر ( صاحب فخ ) مع الوالی العمری ، وفیه : ان الحسین بن علیّ ( صاحب فخ ) ویحیی بن عبدالله بن الحسن « قتل سنة 175 ه- فی حبس الرشید » .

وسلیمان بن عبدالله بن الحسن « قتل بفخ سنة 169 ه- » .

و إدریس بن عبدالله بن الحسن « ت 177 ه- بالمغرب » .

وعبدالله بن الحسن الافطس « قتل ما بین 170 - 178 ه- » .

و إبراهیم بن إسماعیل طباطبا .

وعمر بن الحسن بن علیّ بن الحسن بن الحسین بن الحسن .

وعبدالله بن إسحاق بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن بن علیّ « قتل بفخ 169 ه- » .

وعبد الله بن جعفر بن محمد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب .

وجّهوا إلی فتیان من فتیانهم وموالیهم فاجتمعوا .. سته وعشرین رجلاً من ولد علیّ ، وعشرة من الحاج ، ونفر من الموالی ، فکانوا جمیعاً وراء التأذین العلنی بحیّ علی خیر العمل((2)) .

وسیأتی مزید کلام عنه وما فعله بالوالی العمری بعد قلیل((3)) .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 89 ، وبتحقیق عزّان : 148 ح 188 .
2- انظر : مفصل الخبر فی الفصل الرابع ( حیّ علی خیر العمل تأر یخها العقائدی والسیاسی ) ومقاتل الطالبیین : 443 / 447 .
3- فی الفصل الرابع « حیّ علی خیر العمل ، تاریخها السیاسی والعقائدی » .

ص:254

25 - موسی بن جعفر الکاظم ( ت 183 ه )

سیأتی بعد قلیل((1)) ما رواه الصدوق عنه فی العلل عنه علیه السلام وأنّه أجاب محمّد بن أبی عمیر عن العلة الظاهرة والباطنة ل- « حیّ علی خیر العمل » .

26 - علیّ بن موسی الرضا ( ت 203 ه )

روی الصدوق بإسناده عن الفضل بن شاذان فیما ذکره من العلل عن الرِّضا علیه السلام فی الأذان بالخصوص ، وقال فیما قال :... وإنّما هو نداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ودعاء إلی الفلاح وإلی خیر العمل ، وجعل ختم الکلام باسمه کما فتح باسمه((2)) .

وروی فی العلل وفی عیون أخبار الرضا بأسانید أخری قوله « وإنّما هو نداء إلی الصلاة ، فجعل النداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ، فقدَّم قبلها أربعاً : التکبیرتین والشهادتین ، وأخّر بعدها أربعاً یدعو إلی الفلاح حثّاً علی البرّ والصلاة ، ثمّ دعا إلی خیر العمل مرغباً فیها وفی عملها وفی أدائها ، ثمّ نادی بالتکبیر والتهلیل لیتم((3)) ... » .

27 - علیّ بن جعفر بن محمّد بن علیّ ( ت 210 ه )

قال الحافظ العلوی : حدّثنا أبی رضی الله عنه ، حدّثنا محمّد بن جعفر المُقری ، حدّثنا محمّد بن الحسین الأسنانی((4)) ، حدّثنا أحمد بن جناب ، عن علیّ بن جعفر بن محمّد ، قال : قال فی الأذان : « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل »((5)) .


1- فی الفصل الثالث « حیّ علی خیر العمل ، دعوة للولایة وبیان لاسباب حذفها » .
2- من لا یحضره الفقیه 1 : 300 ح 914 ، علل الشرائع 1 : 259 .
3- علل الشرائع 1 : 259 / الباب 182 . والنصّ عنه ، عیون أخبار الرضا 2 : 104 . علة تشریع الأذان .
4- فی تحقیق عزّان : الاشنانی .
5- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 89 ، وبتحقیق عزّان : 149 .

ص:255

28 - أحمد بن عیسی ( ت 247 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن علیّ العطّار البجلی ، ومحمّد بن علیّ بن الحسین بن غزال الحارثی قراءةً علیهما ، قالا : حدّثنا علی ابن أحمد بن عمرو الحسنی((1)) ، حدّثنا محمّد بن منصور المقری ، قال : سألت أحمد بن عیسی ، قلت : إِذا أذّنت تقول : « حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل » ؟ قال : نعم .

قلت : فی الأذان والإقامة .

قال : نعم ولکنّی أخفیها((2)) .

واخری : قلت لأحمد بن عیسی ، تقول إذا أذنت « حیّ علی خیر العمل » ؟

قال : نعم .

قلت : فی الأذان والإقامة ؟

قال : نعم((3)) .

29 - الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ (ت260 ه )

قال الحافظ العلوی : أخبرنا أبو عبدالله أحمد بن علیّ بن الحسن الهذلی قراءةً ، حدّثنا علیّ بن أحمد بن عمرو الحسنی ، حدّثنا الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ ، قال : أجمع آل رسول الله صلی الله علیه و آله علی أن یقولوا فی الأذان والإِقامة : « حیّ علی


1- فی تحقیق عزّان : الجبان .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 90 ، وبتحقیق عزّان : 149 الحدیث 190 وراب الصدع 1 : 197 الرقم 237 وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 109 وفیه معنی قوله : ( اخفیها ) بمعنی التقیه لان ذلک هو السنة .
3- المصدر السابق .

ص:256

خیر العمل » وأن ذلک عندهم سنّة . وقد سمعنا فی الحدیث أن الله سبحانه وتعالی بعث ملکاً من السماء إلی الأرض بالأذان وفیه « حیّ علی خیر العمل » . ولم یزل النبیّ صلی الله علیه و آله یؤذّن بحیّ علی خیر العمل حتّی قبضه الله ، وکان یُؤذَّن بها فی زمن أبی بکر ، فلمّا ولی عمر قال : دعوا « حیّ علی خیر العمل » لئلاّ یشتغل الناس عن الجهاد ، فکان أوّل مَن ترکها ((1)) .

وبعد کلّ هذا نقول : لو صحّ النسخ فلماذا نری إصرار بعض الصحابة والتابعین وکلّ أهل البیت علی شرعیّتها وضرورة الإتیان بها ؟

وهل یصح أن ینسخ حکم « حیّ علی خیر العمل » ولا یعلمه عبدالله بن عمر وعلیّ بن الحسین وأبو أمامة بن سهل بن حنیف سنوات بعد رسول الله ، فلو کان ثمة نسخ لَمَا خَفِی علیهم ، وما معنی کلام الإمام علیّ بن الحسین : « هذا هو الأذان الاول » ؟ أَلیس المعنیّ به هو الأذان الأول قبل التحریف ؟

إنّ إجماع أهل البیت وتأذین بعض الصحابه ب- « حیَّ علی خیر العمل » لَیؤکّد شرعیّة الإتیان بها وعدم نسخها .


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 91 ، وبتحقیق عزّان : 150 الحدیث 192 .

ص:257

القسم الثالث: إجماع العترة

مرّ علیک سابقاً فی ( تأذین الصحابة وأهل البیت ) أنّ الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام کان یقول ویأمر مؤذّنه أن یقول : حیّ علی خیر العمل .

والمدقق فی حدیث تشریع الأذان الذی رواه الإمام علیّ عن النبیّ یقف علی جزئیة « حیّ علی خیر العمل » فیه ، إذ جاء فی حاشیة الدسوقی ما نصه :

( کان علیّ یزید حیّ علی خیر العمل بعد حیّ علی الفلاح ، وهو مذهب الشیعة الآن )((1)) .

ومعنی کلامه أنّه علیه السلام کان یأتی بأمر أعرض عنه الخلفاء ، وهو فعل أبنائه من بعده کذلک حتّی استقرّت السیرة به عند الشیعة ؛ للاعتقاد بعدم الفصل بین فعل الإمام علیّ ومذهب الشیعة الآن ، لأنّ الشیعة یستقون فقههم وأحکامهم من الإمام علیّ وأبنائه المعصومین علیهم السلام .

وقد روی الحافظ العلوی ( أبو عبدالله ) بإسناده عن عبیدة السلمانی ، قال :

کان علیّ بن أبی طالب ، والحسن ، والحسین ، وعقیل بن أبی طالب ، وابن عباس ، وعبدالله بن جعفر ، ومحمّد بن الحنفیة یؤذنون إلی أن فارقوا الدنیا فیقولون ب- « حیّ علی خیر العمل » ویقولون : لم تزل فی الأذان((2)) .


1- حاشیة الدسوقی 1 : 193 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 109 الحدیث 107 ، الاعتصام 1 : 294 .

ص:258

وعنه کذلک عن الإمام الباقر علیه السلام قوله :

أذانی وأذان آبائی - علیّ ، والحسن ، والحسین ، وعلیّ بن الحسین - حیّ علی خیر العمل حیّ علی خیر العمل((1)) .

وجاء فی معجم الأدباء لیاقوت الحموی فی ترجمة عمر بن إبراهیم بن محمّد المتوفی سنة 539 - من أحفاد الإمام زید الشهید - نقلاً عن السمعانی أنّه قال :

وکان خشن العیش ، صابراً علی الفقر ، قانعاً بالیسیر ، سَمِعتُه یقول : أنا زیدی المذهب ولکنّی أفتی علی مذهب السلطان - یعنی أبا حنیفة - إلی أن یقول السمعانی : وکنت ألازمه طول مقامی بالکوفة فی الکُوَرِ الخمس ، ما سمعت منه طول ملازمتی له شیئاً فی الاعتقاد أنکرته ، غیر أنّی کنتُ یوماً قاعداً فی باب داره وأخرج لی شذرة من مسموعاته وجعلت أفتقد فیها حدیث الکوفیین فوجدت فیها جزءاً مترجماً بتصحیح الأذان بحی علی خیر العمل ، فأخذته لأطالعه ، فأخذه من یدی وقال : هذا لا یصلح لک ، له طالبٌ غیرک ، ثمّ قال : ینبغی للعالم أن یکون عنده کلّ شی ، فإنّ لکلّ نوع طالباً((2)) .

فلو جمعت هذا النص مع الذی مر علیک من أنّ زیداً کان یأمر مؤذنه بالحیعلة الثالثة عندما یأمن أهل الشام ، وکذا من أنّ یحیی بن زید کان یأمر أصحابه بخراسان أن یحیعلوا فما زال مؤذنهم ینادی بها ، ومثله کلام إبراهیم بن عبدالله بن الحسن وانه کان یأمر أصحابه - إذا کانوا بالبادیة - أن یزیدوا فی الأذان حیّ علی خیر العمل((3)) .


1- مقدمة الأذان بحیّ علی خیر العمل لعزّان : 18 .
2- معجم الادباء 15 : 259 .
3- حیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 147 ح 186 و187 .

ص:259

وما قاله أحمد بن عیسی فی جواب من سأله عن التأذین بحیّ علی خیر العمل ؟

قال : نعم ، ولکن أُخفیها ((1)) .

فلو جمعت هذه النصوص بعضها إلی بعض لوقفت علی الظروف التی کان یعیشها الطالبیون ، وهی ظروف لم تکن مؤاتیة لإبداء آرائهم ، حتّی تری عمر بن إبراهیم رغم کونه زیدیاً یفتی علی مذهب السلطان ؛ لأن الفقه السائد یومئذ کان فقه أبی حنیفة ، فلا یرتضی أن یطّلع السمعانی علی الجزء المصحّح بالأذان

بحیّ علی خیر العمل ، فیأخذه منه ویقول له : « هذا لا یصلح لک ، له طالب غیرک » ثمّ یعلل سر وجود مثل هذه الکتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ینبغی « للعالم أن یکون عنده کلّ شیء ، فإن لکل نوع طالباً » لأن عمر بن إبراهیم کان یعرف السمعانی واهتماماته ، وقد أشار السمعانی نفسه إلی توجهاته الشخصیة بقوله : « ... وجعلت أفتقد فیها حدیث الکوفیین فوجدت ... » وفی هذا کفایة لمن أراد التعرف علی ملابسات التشریع وما دار بین الکوفة والشام والحجاز و.. من التخالف والتضاد .

هذا شیء عن ملابسات ( حیّ علی خیر العمل ) ، وهی تدلّ علی دور الحکومة بعدم التأذین بها . والآن مع أقوال بعض العلماء عن إجماع العترة علی التأذین بحیّ علی خیر العمل .

قال الشوکانی فی نیل الأوطار : ( ... والتثو یب زیادة ثابتة فالقول بها لازم ، والحدیث لیس فیه ذکر « حیّ علی خیر العمل » ، وقد ذهبت العترة إلی إثباته وأنّه بعد قول المؤذّن « حیّ علی الفلاح » ، قالوا : یقول مرّتین : حیّ علی خیر العمل ،


1- حیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 150 ح 190 واخرجه محمد بن منصور فی الامالی ] لابن عیسی [ 1 : 194 رقم 237 قال سألت أحمد ... الخ .

ص:260

ونسبه المهدیّ فی البحر إلی أحد قولَی الشافعی ، وهو خلاف ما فی کتب الشافعیّة ، فإنّا لم نجد فی شیء منها هذه المقالة((1)) ، بل خلاف ما فی کتب أهل البیت((2)) .

قال فی الانتصار: إنّ الفقهاء الأربعة لا یختلفون فی ذلک ، یعنی فی أنّ « حیّ علی خیر العمل » لیس من ألفاظ الأذان ، وقد أنکر هذه الروایة الإمام عزّ الدین فی شرح البحر وغیره ممّن له اطّلاع علی کتب الشافعیّة .

« احتج القائلون بذلک » بما فی کتب أهل البیت - کامالی أحمد بن عیسی ، والتجرید ، والأحکام ، وجامع آل محمّد - من إثبات ذلک سنداً إلی رسول الله صلی الله علیه و آله .

قال فی الأحکام : وقد صحّ لنا أنّ « حیّ علی خیر العمل » کانت علی عهد رسول الله یؤذّن بها ، ولم تُطرح إلّا فی زمن عمر . وهکذا قال الحسن بن یحیی ؛ روی ذلک عنه فی جامع آل محمّد .


1- یؤیّد صحّة کلام المهدّی ما قاله القاسم بن محمّد بن علیّ نقلاً عن توضح المسائل للمقری « قد ذکر الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً بالقول به » ، وما قاله الشافعی عن التثو یب وأنّه لم یثبت عن ابی محذورة . ولو جمعنا هذین القولین وضممنا أحدهما إلی الآخر لاتّضح لنا ما نر ید قوله من الملازمة وعدم الفصل بین القول ( بحیّ علی خیر العمل ) وعدم القول ( بالصلاة خیر من النوم ) ، وکذا العکس ، إذ قد ثبت عن ابن عمر تأذینه ب- ( حیّ علی خیر العمل ) وکراهیته للتثویب ، ومثله الأمر بالنسبة إلی الإمام علی ، فالقائل بشرعیة « حیّ علی خیر العمل » لا یقبل شرعیة « الصلاة خیر من النوم » ، والقائل بشرعیة « الصلاة خیر من النوم » ینکر شرعیة « حیّ علی خیر العمل » ، فإنکار الشافعی للتثویب یرجح المنسوب إلیه من القول ب- «حیّ علی خیر العمل » . هذا وقد أشار الإمام المهدی أحمد بن یحیی المرتضی (المتوفی 840 ه-) فی البحر الزخار 2 : 191 إلی أنّ أخیر قولی الشافعی هو القول بالحیعلة الثالثة وذلک بعد أن اشار إلی إجماع العترة بذلک فقال : ( .. العترة جمیعاً ، وأخیر قولی الشافعی حیّ علی خیر العمل ) ، فتامل .
2- هذا قصور أو تقصیر من الشوکانی ، فقد عرفت إجماع العترة علی التأذین ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وکان ینبغی له أن یحقّق فی المسألة قبل أن یقطع برأیه هذا .

ص:261

وبما أخرج البیهقی فی سننه الکبری بإسناد صحیح عن عبدالله بن عمر أنّه کان یؤذّن بحیّ علی خیر العمل أحیاناً .

وروی فیها عن علیّ بن الحسین أنّه قال : هو الأذان الأوّل .

وروی المحبّ الطبری فی أحکامه عن زید بن أرقم أنّه أذّن بذلک ، قال المحب الطبری : رواه ابن حزم ورواه سعید بن منصور فی سننه عن أبی أمامة ابن سهل البدری ، ولم یَروِ ذلک من طریق غیر أهل البیت مرفوعاً ، وقول بعضهم : وقد صحّح ابن حزم والبیهقی والمحبّ الطبری وسعید بن منصور ثبوت ذلک عن علیّ بن الحسین ... »((1)) .

وجاء فی کتاب الاعتصام بحبل الله : ... وفی الجامع الکافی : قال الحسن بن یحیی بن الحسین ] بن زید المتوفّی 260 [ : أجمع آل رسول الله علی أن یقولوا فی الأذان والإقامة ( حیّ علی خیر العمل ) وأن ذلک عندهم سنّة ، قال : وقد سمعنا فی الحدیث أنّ الله سبحانه بعث ملکاً من السماء إلی الأرض بالأذان ، وفیه : حیّ علی خیر العمل .. ولم یزل النبیّ صلی الله علیه و آله یؤذن بحیّ علی خیر العمل حتّی قبضه الله إلیه ، وکان یُؤَذَّنُ بها فی زمان أبی بکر ، فلما وَلِیَ عمر قال : دعوا حیّ علی خیر العمل لا یشتغل الناس عن الجهاد . وکان أوّل من ترکها((2)) .

وقال الاستاذ عزّان فی مقدمة کتاب ( الأذان بحیّ علی خیر العمل ) : ... وقال الإمام المؤیّد بالله أحمد بن الحسین الهارونی ( المتوفی 411 ه- ) : ومذهب یحیی - یعنی الهادی - وعامة أهل البیت التأذین بحیّ علی خیر العمل((3)) .

وقال القاضی زید بن محمّد الکلاری - وهو من أتباع المؤیّد بالله ولم یعاصره - :


1- نیل الاوطار 2 : 43 - 44 .
2- الاعتصام بحبل الله 1 : 278 عن الجامع الکافی مخطوط .
3- شرح التجرید مخطوط .

ص:262

التأذین به - أی بحیّ علی خیر العمل - إجماع أهل البیت لا یختلفون فیه ، ولم یرد عن أحد منهم منعه وإنکاره ، وإجماعهم عندنا حجّة یجب اتّباعها ((1)) .

وقال الإمام محمّد بن المطهر المتوفی 728 ه- : ویؤذن بحیّ علی خیر العمل ، والوجه فی ذلک اجماع أهل البیت((2)) ...

وقال العلاّمة صلاح بن أحمد بن المهدی المتوفی 1048 ه- : أجمع أهل البیت علی التأذین بحیّ علی خیر العمل((3)) .

وقال العلاّمة الشرفی المتوفی 1055 : وعلی الجملة فهو - أی الأذان بحیّ علی خیر العمل - إجماع أهل البیت ، وإنّما قطعه عمر((4)) .

وقال العلاّمة المحقق الحسن بن أحمد الحلال المتوفی 1084ه- - بعد أن ذکر اتفاق العترة علی التأذین بحیّ علی خیر العمل - : وإجماع العترة وعلیّ: ، وهما معصومان عن تعمد البدعة((5)) .

وقال شیخنا((6)) السیّد العلاّمة مجد الدین حفظه الله : وقد صحّ إجماع أهل البیت: علی الأذان بحیّ علی خیر العمل((7)) .

وذکر فی أمالی أحمد بن عیسی : ذهب آل محمّد أجمع إلی أثبات حیّ علی خیر العمل مرّتین فی الأذان بعد حیّ علی الفلاح .


1- شرح القاضی زید للتحریر مخطوط .
2- المنهج الحلی شرح مسند الإمام زید بن علی 1 : 77 مخطوط .
3- شرح الهدایة : 294 .
4- ضیاء ذوی الابصار مخطوط 1 : 61 .
5- ضوء النهار 1 : 469 .
6- الکلام لعزّان .
7- المنهج الاقوم فی الرفع والضم : 35 .

ص:263

وفی شرح الأزهار : ومنهما : حیّ علی خیر العمل ، یعنی أنّ من جملة ألفاظ الأذان والإقامة حیّ علی خیر العمل ؛ للأدلّة الواردة المشهورة عند أئمّة العترة وشیعتهم وأتباعهم وکثیر من الأمّة المحمدیّة التی شحنت بها کتبهم .

قال الهادی إلی الحق یحیی بن الحسن فی الأحکام : وقد صحّ لنا أن حیّ علی خیر العمل کانت علی عهد رسول الله یؤذّنون بها ، ولم تُطرح إلّا فی زمن عمر بن الخطّاب ، فإنه أمر بطرحها وقال : أخاف أن یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد ، وفی المنتخب : وأمّا « حیّ علی خیر العمل » فلم تزل علی عهد رسول الله حتّی قبضه الله ، وفی عهد أبی بکر حتّی مات ، وانما ترکها عمر وأمر بذلک فقیل له : لم ترکتها ؟ فقال : لئلا یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد((1)) . انتهی ما قاله عزّان .

وقال الصنعانی : إن صحّ إجماع أهل البیت - یعنی علی شرعیة حیّ علی خیر العمل - فهو حجة ناهضة((2)) .

وقال المقبلی عن أئمّة الزیدیّة : ولو صحّ ما ادعی من وقوع إجماع أهل البیت فی ذلک لکان أوضح حجّة((3)) .

ونحن فی الفصل الرابع « حیّ علی خیر العمل وتاریخها العقائدی والسیاسی » من هذا الباب سنوکّد هذا الإجماع عند أهل البیت ، وعند الشیعة بفرقها الثلاث ، ونوضّح سیر هذه المسألة وکیف صارت شعاراً لنهج التعبد المحض فی العصور المتأخرة بعد أن أُذِّن بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وکیف صار حذفها وإبدالها


1- الاحکام 1 : 84 ، شرح الازهار 1 : 223 ، البحر الزخار 2 : 191 ، الأذان للعلوی بتحقیق عزّان : 153 .
2- هذا ما حکاه عزّان فی کتابه « حیّ علی خیر العمل بین الشرعیة والابتداع » : 68 عن کتاب منحة الغفار المطبوع بهامش ضوء النهار .
3- انظر : مقدمة الأذان بحیّ علی خیر العمل لعزّان : 17 .

ص:264

ب- « الصلاة خیر من النوم » شعاراً لخصومهم ، وهو دلیل قوی علی ما نر ید قوله من وقوع الملابسات فی هذه الشعیرة الإسلامیة .

مؤکّدین بأنّا ببیاننا لهذه الأقسام الثلاثة أردنا أن نوضح وجهة نظرنا فی جزئیة هذا الفصل من فصول الأذان ، ولا نرید أن نحکّم آراءانا فوق کلام الباری وأقوال الرسول کما یفعله بعض متعصبی المذاهب الذین یرجّحون کلام إمام مذهبهم علی القرآن والسنة المطهرة ، مثل ما فعله الصاوی فی حاشیته علی تفسیر الجلالین إذ قال :

« ولا یجوز تقلید ما عدا المذاهب الأربعة ولو وافق قولَ الصحابة ، والحدیثَ الصحیح ، والآیةَ ، فالخارجُ عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ ، وربّما أدّاه ذلک للکفر ؛ لأنّ الأخذ بظواهر الکتاب والسنة من أصول الکفر »((1)) .

یستبین ممّا سبق أنّ الشیعة لم ینفردوا بهذا القول ، بل هناک نقول عن الشافعی وبعض الأعلام فی القول بجزئیة « حیّ علی خیر العمل » . ومن المفید أن نقف قلیلاً عند هذا الأمر لنؤکد علی صحة ما قلناه من أنّ هذا الفصل « حیّ علی خیر العمل » کان جزءاً من الأذان علی عهد رسول الله إذ أمر النبیّ مؤذّنه بالتأذین به ، لکن المقدرات السیاسیة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله شاءت محوه وإزالته .

وممّا یؤیّد قولنا هذا ما قاله القاسم بن محمّد بن علیّ نقلاً عن « توضیح المسائل » لعماد الدین یحیی بن محمّد بن حسن بن حمید المقرئ ما لفظه : ومنها إثبات حیّ علی


1- حاشیة الصاوی علی تفسیر الجلالین 3 : 10 ط دار احیاء التراث العربی ، وقد رد الشیخ أحمد بن حجر آل بوطامی القاضی الأول بالمحکمة الشرعیة بدولة قطر علی کلام الصاوی فی کتاب أسماه ( تنزیه السنة والقرآن عن کونهما مصدر الضلال والکفران ) هذا ما قاله العلاّمة الخلیلی مفتی سلطنة عمان فی کتابه الحق الدامغ : 10 .

ص:265

خیر العمل ، قال : رواه الإمام المهدی أحمد بن یحیی فی بحره عن أخیر قولَی الشافعی قال : وقد ذکر الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً بالقول به . وقد قال کثیر من علماء المالکیة وغیرهم من الحنفیة والشافعیة إنّه کان « حیّ علی خیر العمل » من ألفاظ الأذان .

قال الزرکشی فی کتابه المسمی بالبحر ما لفظه :

«ومنها ما الخلاف فیه موجود ] فی المدینة [ کوجوده فی غیرها ، وکان ابن عمر - وهو عمید أهل المدینة - یری إفراد الاذان ویقول فیه « حیّ علی خیر العمل » انتهی بلفظه((1)) .

إلی أن قال القاضی یحیی بن محمد بن حسن بن حمید ] المقری [ : فصحّ ما رواه الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً فی إتیان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وفی الروض النضیر : وقد قال کثیر من علماء المالکیة وغیرهم من الحنفیة والشافعیة أنّه کان « حیّ علی خیر العمل » من الفاظ الأذان((3)) .

وفی الاعتصام بحبل الله : وروی الإمام السروجی عن شرح الهدایة للحنفیة أحادیث « حیّ علی خیر العمل » بطرق کثیرة((4)) .

وبعد هذا اتضح سقم ما انفرد به أهل السنة والجماعة من القول بکراهة الإتیان بحیّ علی خیر العمل فی الأذان((5)) ؛ لأنّ فعل ابن عمر وإن قلنا بعدم دوامه فهو بیان


1- الاعتصام بحبل الله المتین 1 : 307 .
2- الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .
3- الروض النضیر 1 : 542 .
4- الاعتصام 1 : 311 .
5- انظر المجموع للنووی 3 : 98 .

ص:266

لجواز الإتیان بها ، وفعل أبی أمامة بن سهل بن حنیف یؤکد جزئیتها وأنّها کانت علی عهد النبیّ صلی الله علیه و آله وکذا تأذین الإمام علیّ وعلیّ بن الحسین ، فهو دلیل علی مشروعیة هذا الفصل ، ویضاف إلیها أقوال العلماء فإنّها تدل فی أقل التقادیر علی عدم حرمة الإتیان بها .

ففی کتاب « الکبر یت الأحمر فی بیان علوم الشیخ الأکبر » علی هامش یواقیت الجواهر للشعرانی ، التصریح بعدم الکراهیة ، قال فیه ] أی الشیخ الأکبر فی الفتوحات المکیة [ : ما عرفتُ مستند مَن کره قول المؤذن « حیّ علی خیر العمل » فإنّه روی أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أمر بها یوم حفر الخندق ...

وحکی الشیخ حسن فخر الدین البلتستانی عن صاحب ( حاشیة منهیة ) من علماء الهند : إنّ ابن تیمیة زعم فی منهاجه علی بدعة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، فهذا تشدّد منه نحن لا نوافق معه فی ذلک((1)) .

وقال مهمّش مراتب الإجماع ما هذا نصه : فلا یکون هذا - حیّ علی خیر العمل - بدعة الروافض کما یزعم ابن تیمیة((2)) .

وبهذا عرفت أنّ « حیّ علی خیر العمل » فصل قد أُذِّن به علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وعمل به الصحابة وأهل البیت ، وذهب بعض الأعلام إلی شرعیته وعدم کراهة الإتیان به .

نعم ، إنّ أتباع النهج الحاکم ترکوه ، ولم یرووا فیه إلّا القلیل ، وقالوا عن الموجود أنّه قد نسخ ؟!


1- حاشیة منهیة : 2 . انظر : کلام ابن تیمیة فی منهاج السنة النبویة 4 : 165 .
2- مراتب الاجماع لابن حزم : 27 ، انظر : منهاج السنة النبویة 6 : 293 - 294 .

ص:267

هذا وقد تمخض من کلّ ما سبق أُمور :

1 - اتفاق الفریقین علی أصل شرعیتها فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوی النسخ ، وقد تحدی السیّد المرتضی أن یأتوه بالناسخ ، بقوله :

وإنّما ادعی أنّ ذلک نُسخ ورفع ، وعلی من ادعی النسخ الدلالة وما یجدها .

2 - ذکرنا فی القسم الثانی الدلیل الثانی من أدلّتنا علی جزئیة الحیعلة الثالثة وهو فعل الصحابة وأهل البیت ، فذکرنا فیه اسم ثلاثین شخصاً أذّنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » من الصحابة والتابعین وأهل البیت .

3 - إجماع العترة واتفاق الشیعة بفرقها الثلاث علی الحیعلة .

4 - واخیراً ختمنا الکلام عن جزئیة الحیعلة الثالثة بما حکی عن الشافعی وبعض الاعلام من القول بجزئیتها . وسوف نُثبت لاحقاً - إن شاء الله - وجود ملازمة بین القول ب- « حیّ علی خیر العمل » وعدم القول ب- « الصلاة خیر من النوم » ؛ لأنّ القائل بشرعیة أحدهما لا یقول بشرعیة الآخر . وحیث ثبت عن الشافعی رجوعه - فی أواخر أیام حیاته - عن التثویب لعدم ثبوت صحة حدیث أبی محذورة عنده یرجح المنسوب من القول ب- « حیّ علی خیر العمل » إلیه ، ومثله الکلام عن مالک وغیرهم من الأحناف والمذاهب الأخری .

ص:268

ص:269

الفصل الثانی: حذف الحیعلة وامتناع بلال عن التأذین ؟

ص:270

ص:271

قبل البدء فی بیان بحوث هذا الفصل لابدّ من معرفة معنی ما قاله أحد الصادِقَیْن((1)) فیما رواه عنه أبو بصیر ، أنّه قال : إنّ بلالاً کان عبداً صالحاً فقال : لا أُؤَذِّنُ لأحد بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فتُرِکَ یومئذ « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

ولو ثبت هذا الخبر وصح الحدیث لصار زمن سقوط حیّ علی خیر العمل من الأذان بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وفی عهد أبی بکر بالذات ، وهذا یخالف المشهور بین الطالبیین والمتّفق علیه عند الشیعة الإمامیة ، والزیدیّة ، والاسماعیلیّة ، فإنّهم جمیعاً قد أطبقوا علی إسقاطها فی عهد عمر بن الخطّاب ، فما یعنی ما رواه أبو بصیر إذاً ؟

الحدیث الآنف هو بصدد التعر یف ببلال الحبشی مؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله وأنّه کان صلب العود شجاعاً فی مبادئه ، وعبداً صالحاً ، ومعناه : لو کان بلال مؤذناً فی العصور اللاَّحقة لما تُرک حیّ علی خیر العمل ؛ وذلک لإیمانه وتقواه وثباته علی العقیدة ، لکن لما ترک بلال - بل اضطُرَّ إلی ترک - الأذان بعد رسول الله صلی الله علیه و آله کان فی ذلک فرصة للآخرین بالزیادة والنقیصة فیه((3)) .

ولک الحقّ أن تسأل عن علّة ترک بلال للأذان بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وعن الأقوال التی قیلت فی ذلک ، وهل یصح حقاً ما نقل عن بلال بأنّه طلب من أبی بکر


1- أی الإمام الباقر أو الإمام الصادق علیهم السلام .
2- من لا یحضره الفقیه باب الأذان والإقامة 1 : 184 ح 872 .
3- کزیادة ( الصلاة خیر من النوم ) فیه أو نقیصة ( حیّ علی خیر العمل ) منه .

ص:272

أن یذهب إلی الشام کی یرابط علی ثغور المسلمین ، أو أنّه قال : لا أطیق أن أؤذّن بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو غیر ذلک ؟

إنّ الدقّة فی معرفة سیر الأحداث تفرض علینا أن نقول : إنّ ترک بلال للأذان لم یکن لمجرّد حالة نفسیة وردّة فعل تجاه وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله ، لأنّ بلالاً کان أتقی وأورع من أن یترک منصباً نصبه فیه رسول الله صلی الله علیه و آله طیلة حیاته ، ذلک لأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لم ینصّبه مؤذِّناً شخصیّاً له ، بل أعطاه دور مؤذّن الإسلام ، فکیف یترک هذا الدَّور الشریف لمجرّد موت النبیّ صلی الله علیه و آله ؟! وهو أعلم الناس بما قاله رسول الله صلی الله علیه و آله فی فضل الأذان والمؤذنین .

بل کیف تعقل صیاغة عذر ترجیحه للجهاد فی الشام علی التأذین للمسلمین ، مع أنّ الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله أمر المسلمین أن ینضووا تحت لواء أُسامة وفیهم أبو بکر وعمر وغیرهما من الصحابة ، ومن الثابت أنّ بلالاً کان مستثنی من هذا الأمر الجهادی ، حیث أطبق التاریخ والمؤرّخون علی أنّه کان عند رسول الله صلی الله علیه و آله یؤذّن له حتّی آخر لحظة من لحظات حیاته الشریفة ، فکیف ترک التأذین ورجّح الجهاد ؟!

إن هذا ما لا یعقل فی حق بلال ، خصوصاً وأنّه لم یُعهد عنه اتخاذه موقفاً مرتبکاً عند موت النبیّ صلی الله علیه و آله کما حدث ذلک لعمر بن الخطّاب((1)) ، بل تلقّی الحادث کباقی المسلمین بألم وأسی ، واضعاً نصب عینیه قوله تعالی : {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِکُمْ} ((2)) ، وقوله تعالی : {إِنَّکَ مَیِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَیِّتُونَ} ((3)) .


1- تاریخ الطبری 3 : 202 - 203 فی أحداث سنة 11 ه- ، وأُسد الغابة 3 : 221 .
2- آل عمران : 144 .
3- الزمر : 30 .

ص:273

فما قیل فی ترک بلال للأذان لمجرّد وفاة النبیّ

صلی الله علیه و آله لا یمکن الرکون إلیه بحال من الأحوال ، خصوصاً وأنّ بلالاً لو بقی علی أذانه لکان ذلک أقوی للمسلمین وأثبت لنفوسهم ، حیث یظلّون یعیشون مع الرسول وذکریاته السماو یة العطرة ، بل یکون ذلک أبْعَثَ للمسلمین علی الجهاد ، لأنّه یذکّرهم بأ یّام کان ینادی فیها بمحضر النبیّ بالصلاة جامعة للجهاد والخروج والقتال .

علی أنّنا نری أنّهم یستعیضون عن بلال بسعد القرظ الذی لم یؤذن علی عهد رسول الله إلّا ثلاث مرّات بقباء - ان صح النقل - وأبی محذورة الذی کان یستهزئ بالأذان وبرسول الله((1)) ، فلماذا لم یخرج سعد القرظ للجهاد إذا کان الجهاد أفضل من التأذین ؟!

و إذا کان بلال قد ترک الأذان لترجیح الجهاد علیه ، فلماذا لا نری له أیّ مشارکة فی قتال المرتدین ؟! ولماذا لم یرد اسمه مع أبی بکر فی حروب الردّة ؟ ونحن نعلم بأنّ حروب الردة قد طالت - بین موت النبیّ صلی الله علیه و آله وبدء فتوح الشام - فاصلة زمنیة تقارب سنة((2)) أو أقل .

ولماذا لم یؤذِّن بلال فی هذه المدّة لأبی بکر ، إذ کان بوسعه أن یؤذّن له ، حتّی إذا بدأت مسیرة جیوش المسلمین للشام ترکه واشتغل بالجهاد ؟

إنّ بقاء بلال فی المدینة ولو فترةً قصیرة لم یؤذّن فیها لأبی بکر ، إنّما یعنی شیئاً ؟ فما هو ؟ حتّی إذا بدأت الجیوش بالزحف نحو الشام ، خرج بلال - طائعاً أو مکرها - إلی الشام وبقی فیها .


1- هذا ما سنوضّحه لک فی الباب الثانی من هذه الدراسة « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » فانتظر .
2- بدأت حروب الردة بعد أربعین أو ستین أو سبعین یوماً من وفاة النبیّ ، وانتهت بمقتل مسیلمة فی ربیع الاول سنة 12 ه- .

ص:274

وعلیه لا یصحّ التبر یر المطروح من ترک بلال الأذانَ ترجیحاً للجهاد علیه ، بل یبدو أنّ هذا العذر والتبریر اختُلِقَ لدعم فکرة حذف الحیعلة الثالثة ترجیحاً للجهاد علیها - وهی فکرة عمر بن الخطّاب التی صرّحت بها روایات عدیدة - بدعوی أنّ الجهاد - لا الصلاة - هو خیر العمل ، ومعنی کلامهم أن بلالاً ترک الأذان ترجیحاً للجهاد علیه !!

فإذا لم یصح هذا التبریر فلنا أن نقول : إنّ هناک أمراً آخر دعاه إلی اتخاذ هذا الموقف . فما هو ؟

یبدو أنّ وراء ترک بلال للأذان سرّاً کامناً ، لأنّه ترک الأذان بمجرّد تسلّم أبی بکر للخلافة ، ویظهر أنّه بقی فی المدینة مدّة یسیرة قد لا تتجاوز وقت وفاة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله أو تتجاوزها بأیام قلائل .

وما قیل من أنّ بلالاً أذّن لأبی بکر مدّة خلافته ، ثمّ رجّح الجهاد فی زمان عمر فهو شیء لا یصحّ ؛ لأنّ بلالاً کانت له مشارکات فی فتوح الشام ، وهذا یعنی أنّه کان مع جیوش المسلمین ، وقد تفطّن ابن کثیر إلی ذلک قائلاً :

ولمّا توفّی رسول الله صلی الله علیه و آله ترک بلال الأذان ، ویقال : أذّن للصدّیق أیّام خلافته ، ولا یصحّ((1)) .

وقد علق النووی فی المجموع علی کلام ابن قسیط الذی قال بأن بلالاً کان یسلم علی ابی بکر وعمر فی آذانه یقول : وهذا النقل بعید أو غلط ، فان المشهور المعروف عند أهل العلم بهذا الفن ان بلالاً لم یؤذن لابی بکر ولا عمر وقیل اذن لابی بکر رضی الله عنهم ، وروایة ابن قسیط هذه منقطعه فانه لم یدرک ابا بکر ولا عمر ولا بلالاً رضی الله عنهم((2)) .


1- البدایة والنهایة 4 : 7/104 احداث سنة عشرین من الهجرة .
2- المجموع 3 : 125 .

ص:275

وکأنّ امتناع بلال من التأذین لأبی بکر بعد النبیّ

صلی الله علیه و آله لم یَرُق لرجال النهج الحاکم ، لأنّه تبدو منه معالم معارضته للخلافة الجدیدة ، من هنا وضعوا شتی المختلقات لتوجیه عدم تأذینه له ، وکأنّ الأقرب للواقع أنّه اضطُرّ إلی ترک المدینة متّجهَّا نحو الشام ، إذ کانت الشام منفی المعارضین ، وکان ستار الجهاد خیر وسیلة لإبعاد المعارضین ، حیث ذهب سعد بن عبادة الأنصاری مکرهاً إلی الشام فقتل هناک غیلة ، ونفی فی زمان عثمان أبو ذر ومالک الأشتر وغیرهما من المعارضین إلی الشام وحبوس معاویة((1)) ، ولا یستبعَد أن یکون بلال قد رأی - نتیجة ضغوط أبی بکر وعمر علیه کما ستعلم - أنّ الذهاب إلی الشام أسلَمَ له ، وأبعد عن عیون السلطة .

و یؤکّد لنا أنّ وراء امتناع بلال من التأذین لأبی بکر أمراً مخفیّاً ، عدمُ امتناعه من التأذین لأهل البیت ، حیث أذَّن لفاطمة الزهراء بعد رسول الله صلی الله علیه و آله مرّة ، وأذّن لولدیها الحسن والحسین علیهما السلام مرّة أخری بعد وفاة فاطمة ، وذلک ما لم یختلف فیه المؤرخون وأرباب السیر .

روی الصدوق : أنّه لما قُبض النبیّ صلی الله علیه و آله امتنع بلال من الأذان وقال : لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله

صلی الله علیه و آله ، وإن فاطمة قالت ذات یوم : إنّی أشتهی أن أسمع صوت مؤذّن أبی بالأذان ، فبلغ ذلک بلالاً فأخذ فی الأذان ، فلمّا قال : « الله أکبر الله أکبر » ذکرت أباها صلی الله علیه و آله وأ یّامه فلم تتمالک من البکاء ، فلمّا بلغ إلی قوله « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » شَهِقت فاطمة شهقةً وسقطت لوجهها وغُشی علیها ، فقال الناس


1- تاریخ الیعقوبی 2 : 172 وفیه نفی أبی ذر إلی الشام ، وتاریخ الطبری 4 : 317 - 326 / احداث سنة 33 وذکر فیه تسیر عثمان جماعة من أهل الکوفة إلی الشام منهم مالک الأشتر .

ص:276

لبلال : أمِسکْ یا بلال ، فقد فارقت ابنةُ رسول الله الدنیا ، وظنّوا أنّها قد ماتت ، فقَطَع أذانه ولم یُتمّه ، فأفاقت فاطمة وسألته أن یُتّم الأذان فلم یفعل ، وقال لها : یا سیّدة النسوان ، إنی أخشی علیک مما تُنزلینه بنفسک إذا سمعتِ صوتی بالأذان ، فأعفته عن ذلک((1)) .

وهذا یدلّ علی وجود بلال فی المدینة قبل وفاة الزهراء 2 ، ولم یکن قد خرج منها بعدُ إلی الشام ، وهذا یؤکد أنّ أبا بکر بقی أربعین یوماً((2)) - علی أقل التقادیر - یدبّر أموره قبل أن یجهز لقتال المرتدین ، وظل یقاتل المرتدین مدّة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزید عن سنة قبل أن یسیِّر الجیوش التی فتحت الشام بعد أن کان جیش أسامة رجع عن وجهة الشام دون قتال .

وقد علمتَ أنّ بلالاً لم یشارک فی قتال المرتدین ، بل صرّحوا بأنّه أقام فی المدینة إلی أن خرجت بعوث الشام((3)) .

کان بلال إذاً فی المدینة ولم یؤذّن لأبی بکر ، فلماذا لم یؤذّن لأبی بکر ؟! إنّه تساؤل یفرض نفسه ، ویبحث عن اجابة .

روی إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن بلال بن أبی الدرداء ، حدثنی أبی محمد بن سلیمان ، عن أبیه سلیمان بن بلال ، عن أم الدرداء ، عن أبی الدرداء ، قال : إنّ بلالاً رأی فی منامه النبیّ صلی الله علیه و آله وهو یقول له : ما هذه الجفوة یا بلال ؟! أما آن لک أن تزورنی یا بلال ؟


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 298 / ح 907 ، وانظر : الدرجات الرفیعة : 365 - 366 .
2- وقیل : ستین یوماً ، وقیل سبعین یوماً ، انظر : تاریخ الطبری 3 : 241 ، والیعقوبی 2 : 127 .
3- انظر : کنز العمّال 13 : 305 ح 36873 ، مختصر تاریخ دمشق 5 : 265 . بل قال ابن أبی حاتم أنّه خرج إلی الشام فی خلافة عمر . انظر : المراسیل : 108 ، وعنه فی تهذیب الکمال 17 : 373 .

ص:277

فانتبه حزینا وجلاً خائفاً ، فرکب راحلته وقصد المدینة ] من الشام [ ، فأتی قبر النبی صلی الله علیه و آله فجعل یبکی عنده ویمرّغ وجهه علیه .

فأقبل الحسن والحسین فجعل یضمّهما ویقبِّلهما ، فقالا له : یا بلال ، نشتهی أن نسمع أذانک الذی کنت تؤذّنه لرسول الله صلی الله علیه و آله فی السَّحَر ، ففعل ، فَعَلا سطح المسجد ، فوقف موقفه الذی کان یقف فیه ، فلمّا أن قال : « الله أکبر الله أکبر » ارتجّت المدینة .

فلما أن قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله » زاد تعاجیجها ، فلما أن قال : « أشهد أن محمّداً رسول الله » خرج العواتق من خدورهنّ ، فقالوا : أبُعِث رسول الله صلی الله علیه و آله ؟! فما رؤی یوماً أکثر باکیاً وباکیة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله من ذلک الیوم((1)) .

لقد ثبت أنّ بلالاً أذّن لفاطمة بعد وفاة رسول الله

صلی الله علیه و آله وقبل خروجه إلی الشام ، وأذّن للحسن والحسین بعد وفاة فاطمة عند رجوعه من الشام لزیارة قبر رسول الله صلی الله علیه و آله ، بل روی أنّه کان یرجع کلّ سنة مرّة إلی المدینة فینادی بالأذان للمسلمین إلی أن مات((2)) ، فلماذا لم یؤذّن للخلیفة الأوّل ، ومن بعده للثانی ؟!

إنّ حقیقة امتناع بلال من التأذین تتجاوز مسألة ترحیله إلی الشام للمشارکة فی الجهاد ، بل إنّ المسألة لَتصل إلی معارضته لأصل خلافة أبی بکر وعمر ولأنّه أبی


1- تاریخ دمشق 7 : 136 ترجمة رقم 493 قال : انبأنا أبو محمد بن الاکفانی ، نا عبدالعزیز بن أحمد ، نا تمام بن محمد ، نا محمد بن سلیمان ، نا محمد بن الفیض ، نا أبو إسحاق إبراهیم بن محمد بن سلیمان بن بلال بن أبی الدرداء ، ثم ذکر باقی الاسناد ، والنص عنه ، ومختصر تاریخ دمشق 4 : 118 ، 5 : 265 ، أسد الغابة 1 : 208 . وانظر : تهذیب الکمال 4 : 289 ، حیث أبدل « الحسن والحسین » ب- « بعض الصحابة » .
2- انظر : الدرجات الرفیعة : 367 ، نقلاً عن کتاب المنتقی .

ص:278

- کما یبدو - أن یؤذّن لهما بالأذان الذی بُدِّل فیه وغُیِّر ، والذی سخّروا له من بعد سعد القرظ مولی قریش ، الذی ظل مؤذّناً حتّی للحجّاج الثقفی ، ولم یکن له أیّ دور فی المدینة فی زمان النبیّ

صلی الله علیه و آله .

قال النووی فی تهذیب الاسماء : جعل النبیّ صلی الله علیه و آله سعد القرظ مؤذناً بقباء ، فلما ولی أبو بکر الخلافة وترک بلالٌ الأذان نقله أبو بکر إلی مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله لیؤذن فیه فلم یزل یؤذن فیه حتّی مات فی أیّام الحجاج بن یوسف الثقفی ، وتوارث بنوه الأذان . وقیل : الذی نقله عمر بن الخطاب((1)) .

ولکنّ بلالاً مع ذلک لم یمتنع عن التأذین لأهل البیت والمسلمین المخلصین - ولذلک قال جعفر بن محمّد : رحم الله بلالاً فإنّه کان یحبنا أهل البیت((2)) - ، بل إنّه امتنع عن التأذین لرجال النهج الحاکم ورؤوس الخلافة وحدهم .

روی الشیخ المفید بسنده عن الصادق علیه السلام أنّه قال : وکان بلال مؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلمّا قبض رسول الله صلی الله علیه و آله لزم بیته ولم یؤذّن لأحد من الخلفاء((3)) .


1- تهذیب الأسماء 1 : 207 .
2- الاختصاص : 73. ویدل علی اختصاص بلال بعلیّ وأهل البیت وعدم إیمانه بشرعیة خلافة أبی بکر ، ما روی فی تفسیر الحسن العسکری : فی ان بلالاً کان یعظّم أمیر المؤمنین علیه السلام ویوقره أضعاف توقیره لأبی بکر ، فقیل له فی ذلک مع أنّ أبا بکر کان مولاه الذی اشتراه واعتقه من العذاب ، فأجاب من ذلک بأحسن جواب ، فکان فیما قال : ان حقَّ علیٍّ أعظم من حقه ، لأنّه أنقذنی من رق العذاب الذی لو دام علیّ وصبرت علیه لصرت الی جنات عدن ، وعلیّ انقذنی من رق العذاب الأبد ، واوجب لی بموالاتی له وتفضیلی إیّاه نعیم الأبد «تفسیر العسکری 621/ ح 365» . هذا وقد بقی بلال إلی آخر لحظات عمره الشریف موالیاً لمحمّد وآل محمّد ، وقد ردد قبل موته نفس الشعار الذی ردده عمار فی صفین من بعد : غداً سنلقی الأحبّة محمّداً وحزبه « مختصر تار یخ دمشق 5 : 267 » .
3- الاختصاص : 73 .

ص:279

وقال المزّی : ویقال : إنّه لم یؤذّن بعد النبیّ صلی الله علیه و آله ، إلّا مرّة واحدة ، فی قَدمة قَدِمها لزیارة قبر النبیّ صلی الله علیه و آله ، وطلب إلیه الصحابة ذلک فأذّن ، ولم یُتمّ الأذان ...((1))

وفی کتاب أصفیاء أمیر المؤمنین ، روی عن ابن أبی البختری ، قال : حدّثنا عبدالله بن الحسن : انّ بلالاً أبی أن یبایع أبا بکر ، وإنّ عمر جاء وأخذ بتلابیبه ، فقال : یا بلال ، إنّ هذا جزاء أبی بکر منک ؟! إنّه أعتقک فلا تجیء تبایعه ؟!

فقال بلال : إن کان أبو بکر أعتقنی لله فلیدعنی له ، وإن کان أعتقنی لغیر ذلک فها أنا ذا((2)) .

وأمّا بیعته فما کنت أبایع أحداً لم یستخلفه رسول الله ، وإنّ بیعة ابن عمّه یوم الغدیر فی أعناقنا إلی یوم القیامة ، فأیّنا یستطیع أن یبایِع عَلَی مولاه ؟

فقال له عمر : لا أمّ لک ، لا تُقِمْ معنا !

فارتَحَلَ إلی الشام((3)) ...


1- انظر کلام المزی فی تهذیب الکمال 4 : 289 ، ومثله ما حکاه الحصنی الشامی « ت 829 ه- » فی کتابه دفع الشبه عن الرسول : 182 عن الحافظ عبدالغنی المقدسی فی کتابه الکمال فی ترجمة بلال - وأنّه قد قال بهذا القول قبل المزّی - . وقد یکون مقصود المزّی والمقدسی من جملة « طلب إلیه الصحابة » هو طلب الحسن والحسین ، إذ لم یقل أحد بأنه أذن للصحابة علی نحو العموم ، وکذا لا یصحّ ما قاله بأن بلالاً لم یؤذّن بعد النبیّ إلّا مرّة واحدة ؛ لثبوت تأذینه لفاطمة الزهراء قبل رحلته إلی الشام .
2- لا یخفی علیک أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله هو الذی اشتری بلالاً وأعتقه ، لکن بواسطة أبی بکر إذ کانت عنده علاقات حسنة مع کفار قریش ولم یکن وَتَرهم .
3- الدرجات الرفیعة : 367 ، عن کتاب أصفیاء أمیر المؤمنین . وقد روی الوحید البهبهانی قریباً من هذا فی التعلیقة ( انظر : معجم رجال الحدیث 4 : 272 ) . .

ص:280

وفی کتاب کامل البهائی - لعماد الدین الطبری((1)) - : إنّ بلالاً امتنع عن بیعة أبی بکر والأذان له((2)) .

فعلی هذا یکون بلال قد عارض خلافة أبی بکر ، وامتنع من التأذین له مع بقائه بالمدینة ، لعدم إیمانه بشرعیة خلافته ، ولأنّه وعمر أرادا منه ما یأباه ، خرج إلی الشام مکرهاً لا ترجیحاً للجهاد علی منصبه النبوی فی التأذین ، ولاردّة فعل منه تجاه وفاة الرسول المصطفی صلی الله علیه و آله .

فإنّ بلالاً لم یبایع لهما ، وبقی معارضاً للغاصبین فی صفّ علیّ وغیره من عیون الصحابة ، وقد أذّن فی هذه المدّة لفاطمة ، وکان علی اتصال بأهل البیت ، ثمّ إنّهم بعد وفاة فاطمة وإجبار علیّ علی البیعة ، ونفی سعد بن عبادة إلی الشام ، وکسرهم سیف الزبیر ، ووو .... أجبروا بلالاً علی مغادرة المدینة تحت غطاء القتال فی جبهات الشام ، وکان قد عاد إلی المدینة لز یارة قبر النبیّ صلی الله علیه و آله ، فأذّن للحسن والحسین .

وبهذا ، فإنّ مختلقة تأذینه لعمر((3)) فی الجابیة بالشام ، قد وضعت للتغطیة علی


1- الذی فرغ من تألیفه سنة 675 ه-.ق .
2- الأربعین للماحوزی : 257 ، نقلاً عن کامل البهائی .
3- وضعت روایات مفادها أنّ بلالاً أذّن لعمر فی الجابیة ، وقد وردت بأربعة طرق : أوّلها : ما رواه الطبری فی تاریخه 4 : 65 / أحداث سنة 17 ه- ، قال : « کتب إلی السری ، عن شعیب ، عن سیف ] بن عمر التمیمی [ ، عن مجالد عن الشعبی » . وهذا الإسناد فیه سیف بن عمر الوضاع المتّهم بالزندقة . ثانیها : ما رواه البیهقی فی سننه 1 : 419 ، وابن عساکر فی تاریخه 10 : 471 ، والذهبی فی سیره 1 : 357 ، وکلها تنتهی إلی « أبی الولید أحمد بن عبدالرحمن القرشی ، حدّثنا الولید بن مسلم ، قال : سألت مالک بن أنس ... » . وهذا الإسناد فیه أحمد بن عبدالرحمن القرشی الذی لم یسمع من الولید بن مسلم قط ، وکان شبه قاصٍّ ، وقالوا عنه : لا تقبل شهادته علی تمرتین . ناهیک عن الولید بن مسلم الذی کان رفّاعاً للحدیث کثیر الخطأ وروی عن مالک عشرة أحادیث لیس لها أصل ، وکان ردیء التدلیس . ثالثها : ما ذکره البخاری فی التاریخ الصغیر والذهبی فی سیرة 1 : 357 والنص عن البخاری : « حدّثنا یحیی بن نشر ، حدّثنا قراد ، أخبرنا هشام بن سعد ، عن زید بن أسلم ، عن أبیه » . وهذا الإسناد فیه هشام بن سعد الذی ضعفه أحمد بن حنبل وابن سعد ویحیی بن معین والنسائی ، وقال أبو حاتم الرازی : لا یحتج به ، وقال ابن حبان : کان ممن یقلب الاسانید وهو لا یفهم ، ویسند الموقوفات من حیث لا یعلم ، وبطل الاحتجاج به . رابعها : ما أخرجه ابن الأثیر فی أسد الغابة عن أولاد سعد القرظ . وفی هذا الإسناد أولاد سعد القرظ المجهولون کما مرّ علیک . ولا یفوتنّک أنّ أولاد سعد القرظ أرادوا التغطیة علی نزاع بلال مع الخلفاء الذی أدّی إلی ترکه الأذان ، حتّی جاءوا بسعد القرظ فجعلوه بدیلاً عن بلال رحمه الله ، واستمرّ التأذین الرسمی فی ذریّته کما عرفت .

ص:281

نزاع بلال مع عمر فی شأن کیفیة توزیع الأراضی المفتوحة وأمثالها ، حیث قام بلال إلی عمر فقال : لتقسمنّها أو لنتضاربَنّ علیها بالسیف((1)) .

ولما أبی عمر ذلک ، ودعا علی بلال ومن معه بالهلاک((2)) ، سألَ بلال عمرَ البقاء فی الشام واعتزال باقی الفتوحات ، ففعل ذلک عمر((3)) ، فبقی بلال فی دمشق إلی أن مات بها .

وقد کان أبو بکر قد أغضب بلالاً فی زمن النبیّ صلی الله علیه و آله ، فأمر النبیّ أبا بکر أن یترضّاه ، قالوا :

مرّ أبو سفیان ببلال وسلمان وصهیب ، فقالوا : ما أخَذَت سیوفُ الله من عُنُق هذا بعدُ مأخذها ، فقال أبو بکر الصدیق : أتقولون هذا لشیخ قریش وسیّدها ؟!

فذهب أبو بکر إلی رسول الله صلی الله علیه و آله فأخبره بذلک ، فقال له النبیّ صلی الله علیه و آله :


1- السنن الکبری للبیهقی 6 : 318 .
2- الروض الأنف 6 : 581 ، المبسوط للسرخسی 10 : 16 .
3- اسد الغابة 2 : 79 ، تار یخ دمشق 16 : 21 ، الاصابة 4 : 72 .

ص:282

یا أبا بکر لعلّک أغضبتهم ، لئن کنت أغضبتهم لقد أغضبت ربّک ، قال : فرجع أبو بکر ، فقال : یا إخوة ، لعلّکم غضبتم . قالوا : یغفر الله لک یا أبا بکر((1)) !

وقد کان بین بلال وعمر اختلاف فی وقت الأذان ، أدّی بهم من بعد أن یختلقوا صحة أذان ابن أم مکتوم الأعمی فی الفجر ، مخطّئین أذان بلال لعدم تشخیصه الفجر الصادق ، لضعف فی بصره !!((2))

روی الأوزاعی أنّ بلالاً أتی عمر بن الخطّاب فقال : الصلاة الصلاة ، فردّدها علیه ، فقال له عمر : نحنُ أعلمُ بالوقت منک ، فقال له بلال : لاَنا أعلم بالوقت منک ، إذ أنت أضلّ من حمار أهلک((3)) !

وفی زحمة هذا التضادّ السیاسی الفقهی بین بلال من جهة ، وأبی بکر وعمر وأتباعهما من جهة ، یبدو أنّهم طلبوا منه حذف « حیّ علی خیر العمل » وإبدالها ب- « الصلاة خیر من النوم » ، فرفض بلال ذلک ، ولذلک رفضوا بلالاً ورفضهم ، ونسبوا إلی بلال ضعف البصر واللثَّغة فی اللسان وغیرها من الأمور الجارحة ، وجاءوا بدله بسعد القرظ وأبی محذورة ، ووضعوا أحادیث نسبوها إلی بلال ، وکأنّه أذّن ب- « الصلاة خیر من النوم » فی زمان النبیّ ، مع أنّ الصحیح نسبته إلی بلال عکس ذلک ، فإنّه اذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » لا الصلاة خیر من النوم .

علی أنّ بلالاً کان هو أقرب المشاهدین لما واجهوا به النبیَّ قبیل وفاته ، وکیف تخلفوا عن جیش أسامة ، وقدّموا أبا بکر للصّلاة .

کان بلال علی علم بما یجری من حوله ، ولذلک اعتزل القوم ونجا بدینه وأذانه


1- مختصر تاریخ دمشق 5 : 261 .
2- هذا ما تقف علیه فی الباب الثانی من هذه الدراسة : « الصلاة خیر من النوم » فراجع .
3- مختصر تاریخ دمشق 5 : 266 - 267 .

ص:283

الذی رواه لنا أهل البیت عن جبرئیل عن الباری والذی لیس فیه « الصلاة خیر من النوم » .

لکنّ عمر بن الخطّاب لمّا استتّب له الأمر ، سعی لتطبیق ما یرجوه ، فحذف الحیعلة الثالثة وأبدلها بالصلاة خیر من النوم ، وهو الواقع الذی رواه الأعلام من المسلمین :

قال سعد التفتازانی فی حاشیته علی شرح العضد ، والقوشجی فی شرح مبحث الإمامة وغیرهم : إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أیها الناس ، ثلاث کُنَّ علی عهد رسول الله أنا أنهی عنهنّ وأحرمهنّ وأعاقب علیهن ، وهی : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحیّ علی خیر العمل((1)) .

وقال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن طلحة النعالی البغدادی ، حدثنا محمّد بن عمر الجعابی الحافظ ، حدّثنا إسحاق بن محمّد ] بن مروان [ ، حدّثنا أبی ، حدّثنا المغیرة بن عبد الله ، عن مقاتل بن سلیمان ، عن عطاء ، حدّثنا أبی ] السائب بن مالک [عن عمر أنّه کان یؤذن

بحیّ علی خیر العمل ، ثمّ ترک ذلک وقال : أخاف أن یتکل الناس((2)) .

وجاء فی کتاب الاحکام - من کتب الزیدیة - : قال یحیی بن الحسین صلوات الله علیه : وقد صحّ لنا أنّ « حیّ علی خیر العمل » کانت علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله یؤذن بها ولم تطرح إلّا فی زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن یتّکل الناس علیها ، وأمر بإثبات « الصلاة خیر من النوم » مکانها .


1- شرح التجرید : 374 ، کنز العرفان 2 : 158 ، الغدیر 6 : 213 ، والبیاضی فی الصراط المستقیم 3 : 277 عن الطبری فی المسترشد : 516 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی ، بتحقیق عزّان : 99 ، وانظر : صفحه 63 منه .

ص:284

قال یحیی بن الحسین رضی الله عنه : والأذان فأصله أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله عُلِّمهُ لیلة المسری ، أرسل الله إلیه ملکاً فعلّمه إیّاه ، فأما ما یقول به الجهال من أنّه رؤیا ...((1)) .

وعن نافع ، عن ابن عمر : أنّه کان یؤذن فیقول : حیّ علی خیر العمل ، ویقول کانت فی الأذان فخاف عمر أن ینکل الناس عن الجهاد .

وعن الباقر قال ، کان أبی علیّ بن الحسین یقول إذا أذّن : حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل . قال : وکانت فی الأذان ، وکان عمر لمّا خاف ان یتثبط الناس عن الجهاد ویتکلوا ، أمرهم فکفوا عنها((2)) .

وعن الإمام زید بن علیّ : أنّه قال : ممّا نقم المسلمون علی عمر أنّه نحی من النداء فی الأذان حیّ علی خیر العمل ، وقد بلغت العلماء أنّه کان یؤذّن بها رسول الله حتّی قبضه الله عزّ وجلّ ، وکان یؤذن بها لأبی بکر حتّی مات ، وطرفاً من ولایة عمر حتّی نهی عنها((3)) .

وعن جعفر بن محمّد قال : کان فی الأذان حیّ علی خیر العمل ، فنقصها عمر((4)) .

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام ، قال : کان الأذان بحیّ علی خیر العمل علی عهد رسول الله ، وبه أمروا أیّام أبی بکر وصدراً من أیّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقیل له فی ذلک فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة


1- الإحکام 1 : 84 .
2- انظر : الأذان بحیّ علی خیر العمل : 79 .
3- الاذان بحی علی خیر العمل : 29 - 30 وهامش السنه للإمام زید : 83 .
4- النصوص عن ابن عمر والباقر ، وزید ، وجعفر بن محمد موجودة فی الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 63 .

ص:285

خیر العمل تهاونوا بالجهاد وتخلفوا عنه . وروینا مثل ذلک عن جعفر بن محمّد ، والعامة تروی مثل هذا ...((1))

وروی القاضی زید الکلاری فی شرح التحر یر ، عن الإمام القاسم بن إبراهیم أنّه قال : فأمّا « حیّ علی خیر العمل » فکانت فی الأذان ، فسمعها عمر یوماً فأمر بالإمساک فیه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضیّعوا الجهاد لموضعها واتّکلوا علیها((2)) .

وقال فی المنتخب : وأمّا « حیّ علی خیر العمل » فلم تَزَل علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی قبضه الله عزّوجلّ ، وفی عهد أبی بکر حتّی مات ، وإنّما ترکها عمر وأمر بذلک ، فقیل له : لم ترکتها ؟

فقال : لئلّا یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد((3)) .

وعن الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ ، قال : لم یَزَل النبیّ صلی الله علیه و آله یؤذن بحیّ علی خیر العمل حتّی قبضه الله ، وکان یؤذّن بها فی زمن أبی بکر ، فلمّا ولی عمر قال : دعوا « حیّ علی خیر العمل » لا یشتغل الناس عن الجهاد ، فکان أوّل من ترکها ((4)) .


1- دعائم الإسلام 1 : 142 ، بحار الأنوار 81 : 156 . وجاء فی کتاب الایضاح للقاضی نعمان المتوفی 363 ه- والمطبوع فی (میراث حدیث شیعه) 10 : 108 :.. فقد ثبت انه اذن بها علی عهد رسول الله حتی توفاه الله تعالی وان عمر اقطعه وقد یزید الله فی فرائض دینه بکتابه وعلی لسان نبیه ما شاء لا شریک له وانا ذاکر ما جاءت به الروایة من الأذان بحی علی خیر العمل - وبدأها بهذا الخبر - : فی کتب ابن الحسین علی بن فرسند ]ورسند[ روایته عن احمد عن الحسین عن لولو عن بشر عن ابی جعفر محمد بن علی قال : اسقط عمر من الأذان حی علی خیر العمل فنهاه علی فلم ینته .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 153 .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل بتحقیق عزّان : 153 . وانظر الایضاح للقاضی نعمان : 108 .
4- الأذان بحیّ خیر العمل ، للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 63 - 64 .

ص:286

وقال الفضل بن شاذان ( المتوفّی 260 ه- ) مخاطباً أهل السنّة : ... ورویتم عن أبی یوسف القاضی - رواه محمّد بن الحسن عن أصحابه - وعن أبی حنیفة ، قالوا : کان الأذان علی عهد رسول الله وعلی عهد أبی بکر وصدراً من خلافة عمر یُنادی فیه « حیّ علی خیر العمل » .

فقال عمر بن الخطاب : إنّی أخاف أن یتّکل الناس علی الصلاة إذا قیل : « حیّ علی خیر العمل » ویَدَعُوا الجهاد ، فأمر أن یطرح من الأذان « حیّ علی خیر العمل »((1)) .

إنّ کل هذه النصوص دالّة علی أنّ إسقاط « حیّ علی خیر العمل » من الأذان کان فی عهد عمر بن الخطّاب ، وأنّ الصحابة کانوا قد أذّنوا بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وعلی عهد أبی بکر ، وصدراً من خلافة عمر ، وأنّ عمر سمعها یوماً فأمر بالإمساک فیه عنها وقال : إذا سمعها الناس ضیّعوا الجهاد .

إنّ عمر نفَّذَ فی أثناء تسلّمه أزمّة الأمور ما کان یطمح إلیه من حذف « حیّ علی خیر العمل » التی کانت فی أذان المسلمین ، وقد سمعت أنّ مما نقمه المسلمون علی عمر حذفه « حیّ علی خیر العمل » .

و یبدو أنّه لم یتسنَّ لعمر أن یحذفها بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه و آله مباشرة وإن حاول ذلک ، وکان الجهاد قائماً علی سوقه أیضاً ، لکنّه نجح فی ذلک عند استلامه الخلافة مسکتاً المعارضین بالقوة والشدة المعهودتین منه .

ومن هنا تعرف أنّ المقصود من کلمة بلال « لا أوذّن لأحد بعد رسول الله » أنّها تعنی : أننی لا أوذّن لأحد اغتصب الخلافة ظلماً بعد رسول الله ، ومن جدّ فی حذف ما یدل علی الإمامة والولایة وإسقاطها من الأذان((2)) .


1- الایضاح : 206 وراجع کتاب العلوم 1 : 92 والاعتصام بحبل الله المتین 1 : 296 ، 299 ، 304 .
2- هذا ما سنبحثه فی الفصل القادم « حی علی خیر العمل دعوة إلی الولایة » .

ص:287

وبهذا فلیس هناک تخالف بین مارواه أبو بصیر وما قالته الشیعة - بفرقها الثلاث - وذلک للدور الذی لعبه عمر بن الخطاب إبّان عهد الخلیفة الأوّل فی رسم الخطوط العامة للحکم الذی یرتضیانه ، إذ أقرّ تلک التطلعات بعد بسط نفوذه فی خلافته ، ممّا دعا بلالا الی أن یترک الأذان ویقول : « لا أوذّن لأحد بعد رسول الله » .

وخلاصة القول : أنّ الحیعلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » کانت علی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله ، وزمن أبی بکر ، وصدراً من خلافة عمر ، ثمّ حذفها عمر فی أیّام حکومته ، وأنّه کان یقصد إلی ذلک منذ حروب الردة ، ثمّ أراد تطبیقها بعد وفاة النبیّ صلی الله علیه و آله ، لکنّه اصطدام بمعارضة بلال مؤذن النبیّ صلی الله علیه و آله الذائع الصِّیت ، الذی رفض أنْ یؤذن لرموز الخلافة المغتصبة ، فأبعدوه وأبدلوه بسعد القرظ ، فتسنی لهم ما أرادوا من بعد ، فتمهّدت لهم الأرضیة لذلک بعد إقصاء بلال عن منصبه الذی وضعه فیه النبیّ صلی الله علیه و آله . وقد دلّت کلّ النصوص والأحداث التاریخیة علی أنّ حذفها کان فی حکومة عمر ، ودلَّ خبرُ أبی بصیر عن أحد الصادقَین - الذی صدّرنا هذا الفصل به - علی أنّ عمر کان قاصداً هذا القصد من قبل ، ثمّ نفّذهُ فی أیّام استخلافه .

هذا من ناحیة ، ومن ناحیة أخری - کما ستعرف فی الباب الثانی « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » - أنّ إضافة « الصلاة خیر من النوم » أیضاً کانت من مبتکرات عمر بن الخطاب ، الذی رفع الحیعلة الثالثة وجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » فسار الأمویّون والمجتهدون من بعده علی مساره ، وأحکموا ما ذهب إلیه عمر ، حتّی صار فی العصور اللاحقة تلازم بین إثبات الحیعلة الثالثة ورفض التثویب عند نهج التعبد ، وفی المقابل ثمّة تلازم بین حذف الحیعلة الثالثة واثبات التثویب عند نهج الاجتهاد والحکومات . وقد تطور الأمر - کما سیأتیک - إلی أن صار ذلک شعاراً سیاسیّاً لکل من طرفَی النزاع .

ص:288

وفی هذا المقام نلحظ ما رواه زید النرسی - فی أصله - عن أبی الحسن الکاظم علیه السلام ، حیث قال : « الصلاة خیر من النوم » بدعة بنی أمیة ، ولیس ذلک من أصل الأذان »((1)) ، فإن الإمام الکاظم کان ناظراً إلی استفحال هذا التثویب وشیوعه واتخاذه طابع العموم والانتشار فی زمن بنی أمیّة الذین ساروا فی هذا المجال علی خطی عمر بن الخطاب ، وأ یّدوا نهج الاجتهاد والرأی فی مقابل نهج التعبد المحض ، وبذلک لا یکون ثمة تخالف بین القول بأنّها بدعة وضعت فی عهد عمر بن الخطاب والقول بأنّها بدعة أمویة ؛ لأن الثانیة حکّمت ما شرّع فی عهد الشیخین .

وبعد هذا نتساءل : هل تصحّ هذه العلّة « أی علّة الخوف من ترک الناس للجهاد » لحذف هذا الفصل من فصول الأذان ، أم أنّ هناک دافعاً آخر وراء هذا الأمر ؟ هذا ما سنوضحه فی الفصل اللاحق .


1- مستدرک الوسائل 4 :44 .

ص:289

الفصل الثالث: حیّ علی خیر العمل دعوة إلی الولایة ، وبیان لأسباب حذفها

اشارة

ص:290

ص:291

ذکرت کتب الحدیث والتاریخ أنّ ل- « حیّ علی خیر العمل » مَعنَیَین : ظاهریّ وباطنیّ :

أمّا المعنی الظاهری لجملة « حیّ علی خیر العمل » فهو : أنّ خیر الأعمال الصلاة والدعوة إلی إتیانها ، وهذا هو الفهم الاوّلی المتبادر للذهن .

وتدلّ علیه روایة الصدوق فی علل الشرائع وعیون أخبار الرضا فیما رواه من العلل عن الإمام الرضا علیه السلام ... فقال : أخبِرنی عن الأذان ، لِم أُمروا به ؟

قال : لعلل کثیرة ، منها : أن یکون تذکیراً للساهی ، وتنبیهاً للغافل ، وتعر یفاً لمن جهل الوقت ... إلی أن یقول : فجعل النداء إلی الصلاة فی وسط الأذان ، فقدّم قبلها أربعاً : التکبیرتین والشهادتین ، وأخّر بعدها أربعاً : یدعو إلی الفلاح حثاً علی البر والصلاة ، ثمّ دعا إلی خیر العمل مرغّباً فیها وفی عملها وفی أدائها ، ثمّ نادی بالتکبیر والتهلیل لیتمّ بعدها أربعاً ...((1)) .

أما المعنی الباطنی المکنون - الذی یعرفه أهل البیت ومن نزل فی بیوتهم الکتاب والوحی - فهو ما رواه الصدوق فی معانی الأخبار وعلل الشرائع ، بإسناده عن محمّد بن مروان ، عن الباقر علیه السلام ، قال : أتدری ما تفسیر « حیّ علی خیر العمل » ؟


1- علل الشرائع : 259 الباب 182 ، عیون أخبار الرضا 2 : 103 .

ص:292

قال ، قلت : لا .

قال : دعاک إلی البرّ ، أتدری بِرُّ مَن ؟

قلت : لا .

قال : دعاک إلی برِّ فاطمة وولدها((1)) .

وقال الحافظ العلوی : أخبرنا محمّد بن أحمد قراءة ، أخبرنا محمّد بن أبی العبّاس الوراق فی کتابه ، أخبرنا محمّد بن القاسم ، حدّثنا حسن بن عبدالواحد ، حدّثنی حرب بن حسن ، حدّثنا الحارث بن زیاد - یعنی الطحان - حدّثنا محمّد بن مروان ، قال : سمعت أبا جعفر وسأله رجل عن تفسیر الأذان قال ، فقال له : الله أکبر ، قال : فهو کما قال الله أکبر من کلّ شیء ... حتّی بلغ : حیّ علی خیر العمل ، قال : أمّا قوله : حیّ علی خیر العمل ، قال : فأمرک بالبر ، تدری برّ مَن ؟

قال الرجل : لا .

قال : بر فاطمة وولدها ((2)) .

وفی خبر آخر عن الصادق علیه السلام : سئل عن معنی « حیّ علی خیر العمل » . فقال : خیر العمل الولایة((3)) .

هذا وقد علّل الإمام الکاظم سببَ حذف عمر بن الخطاب لهذه العبارة من الأذان بسبیین : ظاهری وباطنی .

إذ روی الصدوق فی کتاب علل الشرائع بسنده الحسن بل الصحیح عن ابن أبی عمیر أنّه سأل أبا الحسن ( الکاظم ) عن « حیّ علی خیر العمل » لِمَ ترکت من الأذان ؟


1- معانی الاخبار : 42 ، علل الشرائع : 368 الباب 89 ، وعنهما فی بحار الأنوار 81 : 141 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی بتحقیق عزّان : 135 الحدیث 169 .
3- التوحید للصدوق : 241 ، وعنه فی بحار الانوار 81 : 134 .

ص:293

قال : تر ید العلة الظاهرة أو الباطنة ؟

قلت : أریدهما جمیعاً .

فقال : أمّا العلة الظاهرة فلئلاّ یدع الناس الجهاد اتّکالاً علی الصلاة ، وأمّا الباطنة فإنّ « خیر العمل » الولایة ، فأراد مِن أمره بترک « حیّ علی خیر العمل » من الأذان أن لا یقع حثٌّ علیها ودعاءٌ إلیها((1)) .

فما وجه الترابط بین الصلاة والدعوة إلی برّ فاطمة وولدها ؟

بل ما یُعنی بمجیء الولایة وبرّ فاطمة وولدها فی الأذان للصلاة ؟

وهل حقاً أنّ جملة « خیر العمل » هی الولایة أم أنّها : الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ؟.. وهل هناک تناف بین الرؤ یتین .

وهل یصحّ مضمون الروایة القائلة بأنّ عمر أراد من أمره بترکها أن لا یقع حثٌّ علی الولایة ودعاءٌ إلیها ؟ أم هناک شیء آخر ؟

وما هی المقدّمات التی تساعدنا علی تفهّم مقصود الإمام أبی الحسن الکاظم فی علّة حذف عمر بن الخطاب لعبارة « حیّ علی خیر العمل » .

بل بماذا تفسّر الشیعة هذه المقولة وما جاء عن أبی جعفر الباقر بأن الإسلام بُنی علی خَمس : الصلاة والصوم والزکاة والحجّ والولایة ، ولم یُنادَ بشیء کما نُودی بالولایة((2)) .

بل کیف تکون الولایة أهمّ من کلّ شیء ؟ وهل هی أهمّ من الشهادتین کذلک ؟ ولماذا تُرجع الشیعة کلَّ شیء إلی الولایة ؟

إنّ أئمّة أهل البیت قد أجابوا عن هذه التساؤلات ، وأنّ المعنیّ عندهم ب- « ما


1- علل الشرائع : 368 العلة 89 . وعنه فی بحار الأنوار 81 : 140 .
2- المحاسن 1 : 445 - 446 باب الشرایع ، والکافی 2 : 18 باب دعائم الإسلام ح 1 و3 و8 .

ص:294

نُودی بشیء کالولایة » وأمثالها لا یعنی أنّها أهم من الشهادتین ، بل إنّ أمر الشهادتین مفروغ منه ؛ لأن الإمام قال : ( بنی الإسلام علی خمس ) ومعناه : أنّ الإسلام المؤلّف من الشهادتین قد بنی علی خمس : الصلاة ، الصوم ، الزکاة ، الحج ، الولایة ، وأن الولایة أفضلها ، وما نودی بشیء کالولایة ، لکون الإمامة امتداداً للنبوّة ، لا أنّها قبال النبوة والتوحید - کما یصوّره البعض - فلا یمکن معرفة الله إلّا بالنبی ، ولا یمکن معرفة النبیّ صلی الله علیه و آله والله جل جلاله معرفةً مقبولة صالحة إلّا بالإمام المفترض طاعته ، وهذا ما وضّحته کتب الإمامیة ، وأشار إلیه العلماء فی کتبهم الکلامیة .

إذ الاعتقاد بالإمامة لا یُترک بحال ، فهی لیست کالصلاة والصوم والزکاة والحجّ التی قد یرخّص فی ترکها فی ظروف خاصة ؛ فالحائض مثلاً تترک الصلاة ، والمر یض معفوّ عن الصوم ، والزکاةُ والحجّ ساقطان عن الفقیر ، أما الولایة فهی واجبة علی المکلّف سواء کان صاحیاً أم مر یضاً ، وذا مال أو معسراً((1)) و... لأنّها من الأصول التی یبتنی علیها قوام الشر یعة ، وبها تقام الأحکام ، وقد مرّ علیک کلام الإمام الزیدی یحیی بن الحسین - فی کتابه الأحکام - عن الأذان ، وأنّه من أصول الدین ، إشعاراً منه بمکانة هذه الشعیرة وما تحمله من مفاهیم وأفکار .

فالأذان وإن کان من شعائر الدین ، لکنّ فصوله تنطوی علی أهم أصول الدین ، والاعتقاد بالإمامة عندنا من أصول المذهب ، وقد وضّح الإمام الباقر علیه السلام


1- جاء فی الخصال : 278 ح 21 باب الخمسة بسنده عن أبی حمزة الثمالی قال : « قال أبو جعفر علیه السلام : بنی الإسلام علی خمس : اقام الصلاة ، وإیتاء الزکاة ، وحج البیت ، وصوم شهر رمضان ، والولایة لنا أهل البیت ، فجعل فی أربع منها رخصة ، ولم یجعل فی الولایة رخصة . من لم یکن له مال لم تکن علیه الزکاة ، ومن لم یکن له مال فلیس علیه حج ، ومن کان مریضاً صلی قاعداً وافطر شهر رمضان ، والولایة صحیحاً کان أو مریضاً أو ذا مال أو لا مال له فهی لازمه » .

ص:295

مکانة الإمامة بین العبادات الخمس ، وقد سأله عنها زرارة بقوله : وأیّ شیء من ذلک أفضل ؟

قال : الولایة أفضل ؛ لأنّها مفتاحهنّ ، والوالی هو الدلیل علیهنّ - إلی أن قال - إنّ أفضل الأشیاء ما أنت علیه إذا فاتَکَ لم یکن منه توبة دون أن ترجع إلیه فتؤدّیه ...

وعلیه فمبحث الإمامة والولایة من المسائل المهمة والمختلف فیها بین المسلمین ، بل من المسائل المتجذرة فی تاریخ الإسلام ، وقد کتب فیها الأعلام مصنفات کثیرة ولا یسع هذه الدراسة الإحاطة بجوانبها ، لکننا نکتفی بالإشارة إلی قلیل من مجموع مئات الأدلّة المستدلّ بها علی الإمامة ، نأتی بها کی نوضّح معنی ومقصود الإمام الکاظم ، وکیف : أنّ الولایة خیر من الجهاد والصلاة وسواهما .

بعض أدلّة الولایة

ولیکن الکلام أولاً عن آیة المودّة ؛ مفهومها ومعطیاتها ، وهل تعنی المحبة کما یقولون أم تعنی شیئاً أکثر من مجرّد المحبة ؟

بل هل هناک اختلاف بین قوله : {مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ} ، وقوله : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ؟

وعلی أیّ شیء تدل هذه الآیة الأخیرة بالتحدید ؟

وهل یعقل أن یحصر شخصٌ رسالیٌّ عظیم کرسول الله صلی الله علیه و آله أجرَ رسالته - الّتی ما أوذی نبی مثل ما أوذی صلی الله علیه و آله هو علیها - بحبّ أقربائه وعشیرته ؟

وهل إنّ قرار الرسول هذا جاء لتحکیم أسرته وعشیرته وتقویة الروح القبلیة والنزعة العشائر یة التی کانت سائدة عند العرب فی الجاهلیة - والعیاذ بالله - ؟

أم أنّه صلی الله علیه و آله أراد بذلک أموراً أخری تعبّر عن إرادة السماء ؟

ص:296

ثمّ مَن هم أقرباؤه المعنیّون فی هذه الآیة ؟

المعلوم أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أوجب مودّة قرباه لا لتعظیم الجانب القبلی والعشائری ، إذ الثابت عن رسالة السماء أنّها تخالف هذه النزعة الجاهلیة الضیّقة ؛ حیث ذمّ الباری عمَّ النبیّ وزوجة عمّه فی سورة نزلت فی عمّ رسول الله ، أبی لهب ، دون اعتبار لنسبه منه صلی الله علیه و آله : {تَبَّتْ یَدَا أَبِی لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَی عَنْهُ مَالُهُ وَمَا کَسَبَ * سَیَصْلَی نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِی جِیدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} .

إذاً لا یکون المعنیُّ بالقربی عشیرته وأقرباءَه بما هم أقرباؤه وعشیرته ، بل المعنیّ بذلک فئة خاصة منهم ، لهم سمات وخصائص تجعلهم أمناء علی دین الله وواسطة للفیض الإلهی ، وهؤلاء هم الصادقون والمطهرون الذین أذهب الله عنهم الرجس ، وقد نوّهنا بطرف من منزلتهم فیما مضی .

إذ لا یعقل أن یأمر اللهُ ورسولُه المؤمنین بالتودّد إلی مَن لیس بأهل للمودّة ، وإلی من هو منحرف عن الجادة - والعیاذ بالله - بل إنّ أمره بالتودد إلیهم یشیر إلی أنّ لهؤلاء القربی خصائص یتمیّزون بها لیست للآخرین ، کالعلم والفضل والتقوی والصبر و... وهذه المقوّمات هی التی جعلت من هؤلاء قدوة ، وقد عرّفهم سبحانه فی آیة التطهیر وحصرهم بمن تحت الکساء وهم بعد النبیّ محمَّد صلی الله علیه و آله : علیّ وفاطمة والحسن والحسین .

من یعرف الدین الإسلامی یعلم بأنّ الإسلام یهتم بالقیم والمثل لا العلائق والاتجاهات القبلیة والعشائر یة ، فقد جعل رسولُ الله سلمانَ الفارسی من أهل بیته لما امتلکه من مؤهّلات وخصائص ذاتیة ومعنویة مع عدم امتلاکه أی علائق مع النبیّ صلی الله علیه و آله من الوجهة القبلیة والإقلیمیة .

قال أبو فراس فی هذا المعنی من النَّسب الإیمانی :

کانت مودّةُ سلمان لَهُ رحماً ولم یکن بَینَ نوح وابنِهِ رَحِمُ

ص:297

المسألة إذاً أعظم مما تُصوِّره مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأی من أن الآیة تعنی المحبّة بما هی محبة مجرّدة ، وأنّ رسول الله أراد الاهتمام بعشیرته وأقربائه وذویه ، بل إنّ آیة المودّة تشیر إلی مبدأ آخر واضح للمفکّر اللّبیب ، لأنّ الشارع لا یأمر بمحبة من هو لیس بأهل أو بمحبة الفاسق والفاجر - والعیاذ بالله - بل سبحانه یأمر بمودّة من له خصوصیة أن یکون واسطة للفیض الإلهی وصیانة الأحکام ، وإجراء الحدود علی وجهاتها الصحیحة ، وحفظ الثغور ، وتقسیم الفیء ، وردّ الشبهات ، وغیرها من مستلزمات صیانة الدین الحنیف وحفظه ، وهو دلیل علی سلامة القربی المعنیین فی الآیة من العیب والنقص ، إذ جعلهم عِدلاً للقرآن الذی لا یأتیه ریب ، وعلّق أجر رسالته - التی لاقی الصعاب من أجلها - علی مودتهم .

قال الزمخشری فی الکشاف بعد طرحه سؤالاً وجوابه : وروی أنّها لمّا نزلت ، ] قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی [قیل : یا رسول الله ، من قرابتک هؤلاء الذین وجبت علینا مودّتهم ؟ قال : علیّ وفاطمة وابناهما . ویدل علیه ما روی عن علیّ رضی الله عنه : شکوت إلی رسول الله حسد الناس لی ، فقال : أما ترضی أن تکون رابع أربعة : أوّل من یدخل الجنَّة ، أنا وأنت والحسن والحسین ، وأزواجنا عن أیماننا وشمائلنا ، وذر یّتنا خلف أزواجنا ((1)) .

وعن النبیّ صلی الله علیه و آله : حرمت الجنَّة علی من ظلم أهل بیتی وآذانی فی عترتی . ومَن اصطنع صنیعة إلی أحد من ولد عبدالمطّلب ، ولم یُجازِه علیها ، فأنا أجازیه علیها غداً إذا لقینی یوم القیامة((2)) .


1- انظر : فضائل الصحابة ، لأحمد بن حنبل 2 : 624 ح 1068 وفیه زیادة : وشیعتنا من ورائنا .
2- انظر : مسند زید بن علی : 463 و466 الباب 4 فی فضل الحسنین ( نشر دار الحیاة ) وهذا المطلب غیر موجود فی ما اعتمدناه فی تخریج الروایات عن مسند زید ، فانه ینتهی إلی آخر کتاب الفرائض ، وهو من منشورات دار الکتب العلمیة .

ص:298

وروی أنّ الأنصار قالوا : فَعَلنا وفَعَلنا ؛ کأنّهم افتخروا . فقال عبّاس - أو ابن عبّاس رضی الله عنهما - : لنا الفضل علیکم ، فبلغ ذلک رسول الله فأتاهم فی مجالسهم ، فقال : یا معشر الأنصار ، ألم تکونوا أذلّة فأعزّکم الله بی ؟

قالوا : بلی یا رسول الله .

قال : ألم تکونوا ضُلاّلاً فهداکم الله بی ؟

قالوا : بلی یا رسول الله .

قال : أفلا تجیبونی ؟

قالوا : ما نقول یا رسول الله ؟

قال : ألا تقولون : ألم یخرجک قومک فآویناک ؟ أو لم یکذّبوک فصدّقناک ؟ أو لم یخذلوک فنصرناک ؟

قال : فما زال یقول حتّی جَثَوا علی الرُّکَب ، وقالوا : أموالنا وما فی أیدینا لله ولرسوله ، فنزلت الآیة وقال رسول الله :

من مات علی حبّ آل محمّد مات شهیداً ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستکمل الإیمان ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد بشّره ملک الموت بالجنّة ثمّ منکر ونکیر ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد یُزَفّ إلی الجنَّة کما تُزَف العروس إلی بیت زوجها ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد فُتح له فی قبره باباً إلی الجنّة ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد جعل الله قبره مزار ملائکة الرحمة ، ألا ومن مات علی حبّ آل محمّد مات علی السنة والجماعة ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد جاء یوم القیامة مکتوب بین عینیه « آیس من رحمة الله » ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد مات کافراً ، ألا ومن مات علی بغض آل محمّد لم یَشمَّ رائحة الجنّة » ....((1))


1- تفسیر الکشاف 3 : 403 ، وفی تفسیر القرطبی 16 : 21 - 23 فی ذیل الآیة حکی عن الثعلبی هذه الروایة فذیّله ب- ( ومن مات علی بغض آل بیتی فلا نصیب له من شفاعتی ) .

ص:299

وقد نقل الرازی کلام الزمخشری فی تفسیره معلقاً علیه بقوله :

وروی صاحب الکشّاف أنّه لما نزلت هذه الآیة قیل : یا رسول الله ، مَن قرابَتُک هؤلاء الذین وَجَبت علینا مودّتُهم ؟

فقال : علی وفاطمة وابناهما .

فثبت أنّ هؤلاء الأربعة أقارب النبی ، وإذا ثَبَت هذا وجب أن یکونوا مخصوصین بمزیدِ التعظیم ، ویدل علیه وجوه :

الأوّل : قوله تعالی : {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ووجه الاستدلال به ما سبق .

الثانی : لا شکّ أنّ النبی کان یحبّ فاطمة ، قال صلی الله علیه و آله : فاطمةُ بضعةُ مِنّی یُؤذینی ما یُؤذیها ، وثبَت بالنقل المتواتر أنّه کان یحبّ علیّاً والحسن والحسین .

و إذا ثبت ذلک وجب علی کل الأمة مثله ؛ لقوله : {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُونَ}، ولقوله تعالی : {فَلْیَحْذَرِ الَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ، ولقوله : {قُلْ إِنْ کُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ} ، ولقوله سبحانه : {لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِی رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .

الثالث : إن الدعاء للآل مَنصب عظیم ، ولذلک جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد فی الصلاة ، وهو قوله : « اللهمّ صلّ علی محمد وعلی آل محمد وارحم محمداً وآل محمد » .

وهذا التعظیم لم یوجد فی حقّ غیر الآل ، فکلّ ذلک یدلّ علی أن حبّ آل محمد واجب ، وقال الشافعی رضی الله عنه :

ص:300

یا راکباً قِف

بالُمحصَّبِ مِن مِنی

واهتُفْ بساکنِ خِیفها

والناهضِ

سَحَراً إذا فاضَ

الحجیجُ إلی مِنی

فَیضاً کمُلْتَطَمِ

الفراتِ الفائضِ

إنْ کانَ رَفضاً

حُبُّ آل محمد

فَلْیَشهدِ

الثّقلاَنِ أنّی رافضی((1))

ولو تدبّرت فی خبر أبی عبیدة عن الإمام الصادق - والمروی فی تفسیر علیّ بن إبراهیم القمّی - لعرفت مزیّة فاطمة الزهراء علی عائشة وعلی غیرها من نساء النبیّ ، قال الصادق علیه السلام : کان رسول الله یکثر تقبیل فاطمة 2 ، فغضبت من ذلک عائشة ، وقالت یا رسول الله : إنک تکثر تقبیل فاطمة ! فقال رسول الله :

یا عائشة ، إنه لمّا أسری بی إلی السماء دخلتُ الجنّة فأدنانی جبرئیل من شجرة طوبی وناولنی من ثمارها فأکلته ، فلما هبطت إلی الأرض ، حوّل الله ذلک ماءً فی ظهری ، فلمّا هبطتُ إلی الأرض فواقعتُ بخدیجة فحملت بفاطمة ، فما قبّلتها قطّ إلّا وجدت رائحة شجرة طوبی منها((2)) .

وحسب هذا دلیلاً لمعرفة صحة ما نقول من أنّ مودّتها میزان للإسلام والإیمان .

وعلیه ، فالأجر علی الرسالة لابدّ أن یرتبط بأصل الرسالة ، ولا معنی لما یقال من إرادة التودّد العاطفی البحت لذوی القربی ، بل المعنیّ به هو أنّ هذه النخبة الصالحة هی التجسید الواقعی للدین وصمّام الأمان للرسالة ، وأنّ التودّد إلیهم سیعود بالنفع علی الناس قبل النفع علی القربی ، لأنّها لا تزید القربی مقاماً ومنزلة إذ منزلتهم محفوظة من عند الله ، فهم مستودع العلم وظرف الرسالة ، وهذا ما


1- التفسیر الکبیر للرازی 27 : 166 ، ودیوان الشافعی : 84 .
2- تفسیر علیّ بن إبراهیم کما فی نور الثقلین 3 : 131 ، مجمع الزوائد 9 : 202 ، وانظر : الدّر المنثور 4 : 153 والمستدرک للحاکم 3 : 156 ، والمناقب لابن المغازلی : 357 ، وتاریخ الخمیس 1 : 277 .

ص:301

صرّح به الذکر الحکیم بقوله {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} لا ( المودة للقربی ) ، وفی هذا إیماء لطیف إلی أنّهم غیر محتاجین إلی مودة الناس ، بل إنّ مودّتهم تؤدّی بالناس إلی الخیر والصلاح ، لأنّ التودّد الذی تکون القربی ظرفاً له سیربطهم بالرسالة وصاحبها ارتباطاً وثیقاً ترجع خیراته إلی الناس ، وهو لطف من الله للبشر ، إذ جعل مودّة أهل بیتِ رسولِهِ سبباً لنجاتهم من الهلکة ، وهی من قبیل جعل حب الإمام علیّ وبغضه مقیاساً لمعرفة المؤمن من المنافق ، وقد کان المنافقون من الصحابة یُعرَفُون ببغضهم لعلیّ بن أبی طالب ، فقد ثبت عن أبی سعید الخدری قوله :

« إنّا کنّا نعرف المنافقین - نحن معاشَر الأنصار - ببغضهم علیّ بن أبی طالب »((1)) .

وورد عن عُبادة بن الصامت قوله : کنا نبور أولادنا بحبّ علیّ بن أبی طالب ، فإذا رأینا أحداً لا یحبّه علمنا أنّه لیس منّا وأنّه لغیر رشدة((2)) .

وجاء عن ابن مسعود قوله : ما کنّا نعرف المنافقین علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله إلّا ببغضهم علیّ بن أبی طالب((3)) .

إذاً کان علیّ بن أبی طالب محکًّا للأنصار ولغیرهم((4)) ، وهذا بخلاف قوله صلی الله علیه و آله فی الأنصار ( لا یحبّهم إلّا مؤمن ولا یبغضهم إلّا منافق )((5)) .


1- أُسد الغابة 4 : 30 .
2- الغریبین للهروی 1 : 222 مادة « بور » ، ذکر اول الحدیث ، تاج العروس 3 : 61 مادة ( بور ) ، وغیرهما .
3- الدر المنثور 6 : 66 .
4- ومن هنا أنشأت عائشة تقول فی حق علی علیه السلام : إذا ما التِّبر حُکّ علی محکٍّ تبیّن غشّه من غیر شکِّ وفینا التبر والذهب المصفّی علیّ بیننا شبه المَحکِّ الکنز المدفون للسیوطی : 68 .
5- صحیح مسلم 1 : 85 ح 129 کتاب الایمان .

ص:302

ففی النصّ الأوّل کان شخص علیّ بن أبی طالب هو المعیار لمعرفة المؤمن من المنافق ، بخلاف الأنصار الذین یرجع حبّهم إلی ما فعلوه من نصرتهم لنشر الدین الإسلامی والسعی فی إیواء المسلمین وقیامهم فی مهمّات الدین .

قال النووی فی شرح مسلم ( إنّ من عرف مرتبة الأنصار .... وعرف من علیّ ابن أبی طالب قربه من رسول الله صلی الله علیه و آله وحبّ النبیّ له ، وما کان منه فی نصرة الإسلام وسوابقه ثمّ أحب الأنصار وعلیّاً لهذا ، کان ذلک من دلائل صحّة إیمانه وصدقه فی إسلامه ، لسروره بظهور الإسلام والقیام بما یرضی الله سبحانه وتعالی ورسوله ... )((1)) .

وکلام النووی کما تراه فیه غفلة عن الفرق الشاسع بین الأمر بحب علیّ علیه السلام والأمر بحب الأنصار ، لأن حبّ علیّ علیه السلام مطلوب بذاته ، بخلاف حبّ الأنصار فإنّه مطلوب لسوابقهم ، ویؤکد ذلک أنّ فی الأنصار منافقین ومنحرفین وأصحاب ارتباطات بالیهود - وإن کانت غالبیّتهم من أنصار الإمام علیّ علیه السلام ومخالفین لقریش - فلا یعقل أن یکون حبّهم جمیعاً لذواتهم ، وإنّما کان الحب لهم کمجموعة لها مواقف محمودة .

ومثل الإمام علیّ کانت الصدّیقة فاطمة الزهراء ، إذ علّق الباری عزّ وجلّ رضاه وغضبه علی رضاها وغضبها ؛ لقوله صلی الله علیه و آله : « إنَّ الله یغضب لغضبک ویرضی لرضاک »((2)) ، فصار رضی فاطمة معیاراً لرضی الله ، وهو دلیل علی نزاهتها المطلقة وعصمتها وطهارتها التامّة من کلّ ما یشین ، إذ لا یعقل تعلق رضی الله برضی إنسان غیر معصوم .


1- شرح مسلم 1 - 2 : 423 -424 ، کتاب الایمان / باب 33 .
2- المعجم الکبیر 1 : 108 و22 : 401 ، مجمع الزوائد 9 : 203 ، مستدرک الحاکم 3 : 154 ، الإصابة 8 : 266 .

ص:303

ولا یفوتنّک ما أخرجه الحاکم فی المستدرک عن أبی ذر الغفاری ، قال : قال رسول الله : « من أطاعنی فقد أطاع الله ، ومن عصانی فقد عصی الله ، ومن أطاع علیاً فقد أطاعنی ، ومن عصی علیاً فقد عصانی » .

وقال : هذا حدیث صحیح الاسناد ولم یخرجاه((1)) .

وفی هذا الحدیث دلالة علی کمال الإمام علیّ وعصمته ، لأنا نعلم أن رسول الله لا یداهن ولا یجامل ولا یبالغ ، وبذلک یکون معنی الحدیث أن إرادة الإمام علیّ منبعثة من إرادة الله ولا یمکن أن تتخلف عن إرادته جل وعلا ، وکراهته منبعثة عن کراهة الله ، ولا یمکن أن تتخلف إحداهما عن الأُخری ، إذ لو أمکن التخلّف لکان قوله « من أطاعه فقد أطاع الله » غلطاً ، ولکان قوله : « من عصاه فقد عصی الله » باطلاً ، معاذ الله((2)) ، حیث إن طاعة الرسول هی طاعة لله ، وعصیانه هو عصیان لله ، فیکون من أطاع علیاً فقد أطاع الله ورسوله ، ومن عصاه فقد عصی الله ورسوله ..

وهکذا الحال بالنسبة إلی الإمامین الحسن والحسین ، فهما إمامان قاما أو قعدا ، وسیّدا شباب أهل الجنّة ، فهؤلاء هم القربی المعنیّون فی آیة المودّة .

وعلی هذا فالدعوة إلی المودّة فی القربی ونقل فضائلهم هی مقدِّمة إلی لزوم الأخذ بنهجهم والاهتداء بهداهم ؛ لتعلّق أجر الرسالة بها ، بل هو تعبیر آخر عمّا جاء فی حدیث الثقلین « ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً » لانّ مفهوم السنّة لغة : هو الطریق ، والصراط ، والجادّة ، واصطلاحاً : هو اتّباع الرسول قولاً وفعلاً وتقریراً .


1- المستدرک علی الصحیحین 3 : 121 .
2- الحق المبین : 79 للمرجع الدینی الشیخ الوحید الخراسانی .

ص:304

وقد أرشَدَنا الرسول صلی الله علیه و آله إلی لزوم اتّباع العترة ، فیکون الابتعادُ عن هؤلاء ابتعاداً عن النبیّ صلی الله علیه و آله والإسلام ، وهو عین الضلالة والهلکة ، لأنّه لا هدی إلّا بالقرآن والنبیّ والعترة ، فعلی مع القرآن ، والقرآن مع علیّ « لا یفترقان حتّی یردا علیّ الحوض »((1)) .

ولو تأمّلت فی هذه العبارة لعرفت مکانة الإمام علیّ ولرأیته فی رتبة المعیّة مع القرآن ، وهی نسبة تقوم بطرفین ، ویستحیل أن تقوم بطرف واحد ، وعندما قال النبیّ : « علیّ مع القرآن » ، فقد أثبتها ، فلماذا أعاد إثباتها بصیغة أخری ، فقال : « والقرآن مع علیّ » ؟

حاشا أفصح مَن نطق بالضاد مِن اللغو فی کلامه ، وحاشا أفصح من نطق بالضاد من التکرار فی کلامه ، ] دون معنی متوخّی ، فإنّه صلی الله علیه و آله [ أراد أن یُفهمنا أن مسألة معیّتهما ] هی [ معیّة من نوع خاص ، ویشیر إلی أبعادها العمیقة ، ذلک أن المعیّة بین شیئین أو أکثر ، عندما تطلق ، فیقال : زید مع عمرو ، فهی أعمّ من أن یکون هذا الطرف فی الإضافة متقدّماً رتبة علی ذاک أو متأخّراً عنه ، بل تدلّ علی أنهما معاً بقطع النظر عن رتبة کلّ منهما .

وربّما کان فیها إشارة إلی أنّ المَقْرون أقلّ رتبةً من المقرون به ، لهذا أعاد النبیّ صلی الله علیه و آله صیاغة هذه المعیة ، لیقول للمفکّرین : لا ینبغی أن تفهموا من قولی : « علیّ مع القرآن » أن علیّاً أقلّ رتبة من القرآن ، بل القرآن مع علیّ أیضاً ، فهما وجودان متعادلان »((2)) .

ویؤیّد هذا الاستنتاج ما جاء عن النبیّ : « علیّ منی وأنا من علیّ »((3)) ،


1- المستدرک 3 : 124 قال صحیح ولم یخرجاه ، الجامع الصغیر 2 : 177 ، کنز العمال 11 : 603 .
2- الحقّ المبین : 105 للمرجع الدینی الشیخ الوحید الخراسانی .
3- سنن الترمذی 5 : 300 ح 3803 ، مصنف بن أبی شیبة 7 : 504 ح 58 ، سنن ابن ماجة 1 : 44 ح 119 .

ص:305

وقوله صلی الله علیه و آله لعلیّ : « أنت منی وأنا منک »((1)) .

ولو جمعنا آیة المودة ، مع آیة التطهیر ، مع حدیث الثقلین ، وما جاء فی أهل الکساء ، وقوله : لا یزال الدین عزیزاً حتّی یکون منهم اثنا عشر خلیفة کلهم من قریش((2)) ، وقوله : من مات ولم یعرف إمام زمانه مات میتة جاهلیة((3)) ، وغیرها من الآیات والروایات ، لعرفنا دلالة هذه النصوص علی الولایة التی هی بمعنی الإمامة ، لا بمعنی الصاحب والُمحبّ ، وما شابه ذلک من المفاهیم التی تطرحها مدرسة الخلفاء ونهج الاجتهاد والرأی .

عرفنا إذاً أنّ الخطاب فی آیة المودّة هو لعموم المسلمین الذین آمنوا برسالة النبیّ محمّد صلی الله علیه و آله ، لا لخصوص المشرکین من قریش حسبما قاله البعض ؛ لکون الآیة مدنیة وإن کانت السورة مکیة ، فلا یُعقل أن یخاطب الرسول أعداءه من المشرکین ویطلب منهم أجراً علی رسالته .

وکذا لا یصحّ ما قاله البعض الآخر : من أنّ الآیة تشیر إلی معنی تودّد المسلمین فی التقرّب إلی الله ، ومعنی کلامهم هذا أنّ القربی استعملت بمعنی مطلق التقرّب ، وهذا باطل لغو یاً حیث لم یرد هذا المعنی فی المعاجم .

ویضاف إلیه : کیف یمکن للرسول أن یوقف أجر رسالته علی نفسها ، لأنّ المسلم وباتّباعه الرسالة یحصل له القرب إلی الله ، فلا معنی للتودّد والإلحاح فی القرب إلیه ؛ لأنّه توقیف الشیء علی نفسه ، وإن کان کذلک فلا یکون أجر الرسالة بل هو نتیجة الرسالة .

هذا ، وإنّک لو طالعت التاریخ الإسلامی لعرفت أنّ مفهوم القربی کان فی


1- صحیح البخاری 3 - 4 : 363 - 364 کتاب الصلح / باب کیف یکتب هذا ما صالح فلان ...
2- صحیح مسلم 6 : 4 کتاب الامارة ، سنن بی داود 4 : 106 ح 4280 .
3- وسائل الشیعة 16 : 246 کتاب الامر بالمعروف والنهی عن المنکر .

ص:306

الصدر الأوّل یطلق علی علیّ وفاطمة والحسنین ، ثمّ أطلقت علی أبنائهم المعصومین لاحقاً .

روی الحاکم النیسابوری فی المستدرک عن الإمام الحسن قوله : وأنا من أهل البیت الذین افترض الله مودتهم علی کلّ مسلم فقال تبارک وتعالی : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی وَمَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِیهَا حُسْناً} ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البیت((1)) .

وقال أبو إسحاق السبیعی : سألت عمرو بن شعیب عن قوله تبارک وتعالی : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی }فقال : قربی النبیّ ، رواهما ابن جریر الطبری((2)) .

وعن ابن عبّاس أنّه قال : لما نزلت هذه الآیة : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} قالوا : یا رسول الله من هؤلاء الذین أمر الله بمودّتهم ؟ قال : فاطمة وولدها :((3)) .

وثبت عن علیّ بن الحسین أنّه قال للشامی رداً علی تنکیل الشامی به : أما قرأت کتاب الله عزّوجلّ ؟

قال الشامی : نعم .

فقال علیّ بن الحسین : أما قرأتَ هذه الآیة {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی}.

قال : بلی .


1- المستدرک علی الصحیحین 3 : 173 .
2- تفسیر ابن کثیر 4 : 113 سورة الشوری .
3- تفسیر ابن أبی حاکم 10 : 3277 .

ص:307

فقال له علیّ بن الحسین علیه السلام : فنحن أولئک ، فهل تجد لنا فی سورة بنی إسرائیل حقاً خاصّة دون المسلمین ؟

فقال : لا .

فقال علیّ بن الحسین : أما قرات هذه الآیة : {وَآتِ ذَا الْقُرْبَی حَقَّهُ} ؟

قال : نعم .

قال علیّ بن الحسین : فنحن أولئک الذین أمر الله عزّ وجلّ نبیه أن یؤتیهم حقهم .

فقال الشامی : إنکم لاَنتم هُم ؟

فقال علیّ بن الحسین : نعم ، فهل قرأت هذه الآیة : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَی}.

فقال الشامی : بلی .

فقال علیّ بن الحسین : فنحن ذوو القربی ، فهل تجد لنا فی سورة الأحزاب حقّاً خاصّة دون المسلمین ؟

فقال : لا .

قال علیّ بن الحسین : أما قرأت هذه الآیة : {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً}.

قال : فرفع الشامی یده إلی السماء ثمّ قال : اللّهمّ إنیّ أتوب إلیک - ثلاث مرات - اللّهمّ إنی أتوب إلیک من عداوة آل محمّد ، وأبرأ إلیک ممن قتل أهل بیت محمّد ، ولقد قرأت القرآن منذ دهر فما شعرتُ بها قبل الیوم((1)) .

وهذا النصّ یؤکّد لنا وضوح دلالة هذه الآیات المبارکة ، حیث إنّ الشیخ


1- الاحتجاج : 307 ، وتفسیر ابن کثیر 4 : 122 سورة الشوری .

ص:308

الشامی فهم معانیها بأدنی تأمّل ، وبمجرّد إیضاح الإمام السجّاد علیه السلام له المراد من هذه الآیات . هذا من جهة ، ومن جهة ثانیة یبین هذا النص مدی التعتیم الإعلامی الأموی علی أهل البیت ، وتحریفات السلطة لمعانی هذه الآیات المبارکة ، ولذلک کأنّ الشیخ الشامی من قبل لم یشعر بها وبمعانیها . ولم یعرف المصداق الأکمل لها فی زمانه .

ومثله روی حکیم بن جبیر ، عن حبیب بن أبی ثابت ، قال : کنت أجالس أشیاخاً لنا إذ مر علینا علیّ بن الحسین وقد کان بینه وبین أناس من قریش منازعة فی امرأة تزوّجها منهم لم یرض منکحها ، فقال أشیاخ الأنصار : ألا دعوتنا أمس لما کان بینک وبین بنی فلان ، إنّ أشیاخنا حدّثونا أنّهم أتوا رسول الله صلی الله علیه و آله فقالوا : یا محمّد ، ألا نخرج إلیک من دیارنا ومن أموالنا لِمَا أعطانا الله بک وفضّلنا بک وأکرمنا بک ؟ فأنزل الله تعالی : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ونحن ندلکم علی الناس ، أخرجه ابن منده((1)) .

وجاء فی الکافی فی حدیث طویل عن الباقر علیه السلام فیه قوله : {قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ} یقول : أجر المودة الذی لم اسألکم غیره فهو لکم تهتدون به وتنجون به من عذاب یوم القیامة ، وقال لاعداء الله ، اولیاء الشیطان أهل التکذیب والانکار : {قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَکَلِّفِینَ} ((2)) .

وبعد هذا فلنا أن نحتمل أنّ الله تعالی قد ألمح فی قوله {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ((3)) ، إلی ما تُلاقیه هذه المجموعة الصالحة من قربی الرسول من أمّته بعده .


1- اُسد الغابة 5 : 367 .
2- الکافی 8 : 379/ ح 574 ، البرهان 7 : 79 .
3- سورة الشوری الآیة : 23 .

ص:309

فعن خالد بن عرفطة ، قال : قال رسول الله : إنکم ستُبتَلَون فی أهل بیتی من بعدی((1)) .

وقال الإمام الباقر : بَلیةُ الناس علینا عظیمة ؛ إن دعوناهم لم یستجیبوا لنا ، وإن ترکناهم لم یهتدوا بغیرنا((2)) .

وجاء عن إبراهیم النظّام قوله : علیّ بن أبی طالب محنة علی المتکلم ؛ إن وفی حقَّه غلا ، وإن بخسه حقّه أساء ، والمنزلة الوسطی دقیقة الوزن حادة الشأن صعبة الترقی إلّا علی الحاذق الدین((3)) .

وقال الشعبی : ما ندری ما نصنع بعلیّ ؛ إن أحببناه افتقرنا ، وإن أبغضناه کفرنا((4)) .

واشتهر عن محمّد بن إدریس الشافعی قوله : ماذا أقول فی رجل أخفت أصدقاؤه فضائله خوفاً ، وأخفت أعداؤه فضائله حسداً ، وشاع له من بین ذَین ما ملأ الخافقین((5)) .

من هذا یتبیّن لنا أنّ آیة المودة هی معنیً آخر لقوله تعالی : {یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ} ((6)) والأخیرة صریحة فی نزولها فی حجة الوداع ویوم غدیر خُمّ .


1- کنز العمال 11 : 124/30877 .
2- الإرشاد 2 : 167 ، مناقب آل أبی طالب 4 : 206 ، بحار الأنوار 46 : 288 ح 11 عن الإرشاد .
3- مناقب آل أبی طالب 3 : 215 باب فی حساده .
4- المناقب للخوارزمی : 350 الفصل 19 وعنه فی بحار الأنوار 29 : 481 .
5- حلیة الابرار 2 : 136 ( للبحرانی ) ، مشارق أنوار الیقین للبرسی : 171 ، وقیل هی للخلیل بن أحمد اللغوی الشهیر کما جاء فی ملحقات السیّد المرعشی علی إحقاق الحق 3 : 406 ، 4 : 2 . وقد نسب العلاّمة الحلی هذه المقولة لأحد الفضلاء دون ذکر اسمه انظر : کشف الیقین : 4 .
6- المائدة : 67 .

ص:310

ولا یصحّ ما قالوه من أنّها نزلت فی أوّل البعثة لمّا خاف رسول الله صلی الله علیه و آله من التبلیغ ، فهدّده الله وطمأنه .

أو ما قالوه من أنّها نزلت فی مکّة قبل الهجرة فاستغنی بها النبیّ عن حراسة عمّه أبی طالب .

أو ما قالوه من نزولها فی المدینة فی السنة الثانیة للهجرة بعد غزوة أحد .

لأن القول الأوّل یکذّبه کون السورة مدنیة ؛ فلا یعقل أن یأتی خبرٌ کان فی أوّل البعثة فی آخر سورة من القرآن ، ولو صحّ ذلک القول وما یلیه وأنّ الله کان قد عصم رسول الله صلی الله علیه و آله ، فما معنی صلاة الخوف وما فعله صلی الله علیه و آله مع الأعداء فی السنوات الأخیرة من حیاته الشریفة ؟

وأکثر من ذلک ، هو أنّ الرسول لو کان قد حُمِیَ هذه الحمایة فی بدء الدعوة واستغنی عن حمایة أبی طالب ، فما معنی تلک النصوص الصادرة عنه

صلی الله علیه و آله إلی القبائل والتی یطلب منهم أن یحموه ؟ بل ما معنی هجرته من مکّة إلی المدینة المنوّرة ؟

فالآیة صریحة فی نزولها فی آخر حیاته الشریفة ، وبعد حجة الوداع ، إذ لو کانت فی بدء الدعوة فلا معنی لعبارة {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ} إذ لم ینزل إلیه إلّا الشیء الیسیر ، وهذه الجملة تدلّ علی الماضی الحقیقی وهو یتطابق مع نزولها فی آخر حیاته صلی الله علیه و آله ، وخصوصاً حینما نری توقّف أمر الرسالة علیه {یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} !

وعلیه فالآیتان - آیة التبلیغ وآیة المودّة - دالتان علی شیء واحد مرتبط بأجر الرسالة وتبلیغها ، وهما أمران مَولَویّان من الباری جل شانه {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} و {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} ، وکلاهما یرتبط بأمر الولایة والخلافة الإلهیة ، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان یخاف من رجوع أمّته القهقری

ص:311

- وهی کائنة لا محالة - وذلک لاجتماع قریش علی العصبیة والقبلیة وسعیهم لإبعاد الإمام علیّ عن الخلافة وإمرة المؤمنین ؛ لأنّه وَتَر قریشاً وکَسَر شوکتها وعظمتها .

علی أنّک لو تأمّلت کلمات الأنبیاء: قبل النبیّ محمّد المصطفی صلی الله علیه و آله لرأیتهم یوقفون أجرهم علی الله ، ففی سورة الشعراء حکایة عن قول نوح وهود وصالح ولوط وشعیب قولهم : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ}((1)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((2)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((3)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((4)) .

وقوله : {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَیْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّی لَکُمْ رَسُولٌ أَمِینٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِیعُونِ * وَمَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی رَبِّ الْعَالَمِینَ} ((5)) .

وهکذا نجد أنّ کلمات هؤلاء الأنبیاء الکرام: کانت واحدة متطابقة تعبّر عن معنیً واحد محدّد معلوم ، هو أنّهم لم یطلبوا من الناس أجراً علی الرسالة ، وإنّما أجرهم « علی ربّ العالمین » .


1- الشعراء : 109 .
2- الشعراء : 127 .
3- الشعراء : 145 .
4- الشعراء : 164 .
5- الشعراء : 180 .

ص:312

أما الرسول المصطفی فیقول : {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرَی لِلْعَالَمِینَ} ((1)) وقال تعالی : {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ} ((2)) .

وقال علی لسان نبیّه صلی الله علیه و آله : {قُلْ مَا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلَی رَبِّهِ سَبِیلاً} ((3)) فما یعنی ذلک ، وعلی أیّ شیء یدل ؟

إن المقدمة السابقة قد تکون وضحت جواب هذا الأمر ، خصوصاً بعدما عرفت أنّ رسالة المصطفی هی الرسالة الخاتمة ، فلا یمکن إبقاء هذه الرسالة إِلاَّ ب- {ذِکْرٌ لِلْعَالَمِینَ} و {مَنْ شَاءَ أَنْ یَتَّخِذَ إِلَی رَبِّهِ سَبِیلاً} وهما القرآن والعترة ، وذلک لوجود نصوص کثیرة تشیر إلی أنّ أهل البیت هم ( الذکر ) و( السبیل ) إلی الله ، وهو ما اصطلح علیه فی کلام النبیّ

صلی الله علیه و آله بالثقلین ، فیصیر معنی الآیة وکلام النبیّ لزوم اتّخاذ السبیل إلی الله وهم القربی ، وأنّ اتّخاذ هذا السبیل سیعود نفعه علی الناس ، ( علیکم ) . أمّا أجر رسول الله فهو علی الله لقوله سبحانه فی سورة سبا {قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلاَّ عَلَی اللهِ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیْ ءٍ شَهِیدٌ}((4)) . ومعنی الآیة : أنی قمت بواجبی ، وأدّیت ما علَیَّ ، ولا أسألکم علیه من أجر بعد المودّة إن أجری إلّا علی الله ، لکن لو أردتم الانتفاع من هذه الرسالة والنجاة فاتصلوا بالسبب الممدود بین الأرض والسماء وهو القرآن والعترة .

وبهذا فلا تناف بین قوله : {لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} وبین قوله : {قُلْ مَا سَأَلْتُکُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَکُمْ إِنْ أَجْرِیَ إِلّا عَلَی اللهِ} ((5)) .


1- الانعام : 90 .
2- یوسف : 104 .
3- الفرقان : 57 .
4- سبأ : 47 .
5- للإمام الباقر توضح بهذا الصدد انظر : روضة الکافی 8 : 379 .

ص:313

إنّ هذا لَیقترب بنا من فهم المعنی العمیق ل- « حیّ علی خیر العمل » الذی نصّ علیه أهل البیت: الذین هم أعلم الناس بدین الله بما فازوا به من تطهیر الله تعالی إیّاهم تطهیراً شاملاً ، فی المعرفة والمعتقد ، وفی المواقف والعمل . وهذا المعنی الذی یتضمنه « حیّ علی خیر العمل » هو الولایة أو برّ فاطمة وولدها أو ما شابه ذلک ، لما اتّضح لک فی الصفحات السابقة من أنّ الأذان هو بیان لاُصول العقیدة ، ولمّا کانت الولایة امتداداً للرسالة فلا غرابة فی أن تکون أجر الرسالة ، خصوصاً مع ما نعرف من تأکیدات رسول الله صلی الله علیه و آله علی أهل بیته وقرباه المنتجبین .

لقد أکّد رسول الله علی العترة بدءًا من {وَأَنْذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ} ((1)) .

ومروراً بحجة الوداع التی خطب فیها رسول الله خمس مرات ، وختماً بالکتاب الذی منعوه من کتابته فی آخر حیاته الشریفة .

قال الحلبی فی سیرته : « خطب النبیّ خمس خطب : الأولی یوم السابع من ذی الحجة بمکة ، والثانیة یوم عرفة ، والثالثة یوم النحر ، والرابعة یوم القرّ بمنی ، والخامسة یوم النَّفر الأوّل بمنی »((2)) .

وقد روی مسلم وأحمد وغیرهما - خطبته صلی الله علیه و آله عند مرجعه من حجة الوداع إلی المدینة - عن زید بن أرقم ، قال : قام رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً خطیباً بماء یُدعی خُمّاً بین مکّة والمدینة ، فحمد الله وأثنی علیه ، ووعظ وذکّر ، ثمّ قال : ألا أیّها الناس ، إنّما أنا بشر یوشک أن یأتی رسول ربی فأجیب ، وأنا تارک فیکم ثقلین : أوّلهما کتاب الله منه الهدی والنور فخذوا بکتاب الله واستمسکوا به ، فحث علی کتاب الله ورغّب فیه ، ثمّ قال : وأهل بیتی ، أذکّرکم فی أهل بیتی ، أذکّرکم فی أهل بیتی ، أذکّرکم فی أهل بیتی .


1- الشعراء : 214 ، وانظر : فی تفسیرها کتب التفاسیر والتواریخ اخبار أول البعثة .
2- السیرة الحلبیة 3 : 333 .

ص:314

فقال له حصین : ومن أهل بیته یا زید ؟ ألیس نساؤه من أهل بیته ؟

قال : نساؤه من أهل بیته ؟! ولکنّ أهل بیته من حرم الصدقة بعده .

قال : ومن هم ؟

قال : هم آل علیّ وآل عقیل وآل جعفر وآل عباس .

قال : کلّ هؤلاء حرم الصدقة ؟

قال : نعم((1)) .

وعن أبی هریرة : من صام یوم ثمانی عشرة من ذی الحجة کتب له صیام ستین شهراً ، وهو یوم غدیر خُمّ لمّا أخذ النبیّ بید علیّ بن أبی طالب فقال : ألستُ ولیَّ المؤمنین ؟

قالوا : بلی یا رسول الله .

قال : من کنتُ مولاه فعلیّ مولاه .

فقال عمر بن الخطاب : بخ بخ لک یا ابن أبی طالب ، أصبحت مولای ومولی کلّ مسلم ! فأنزل الله عزّوجلّ {الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الْإِسْلاَمَ دِیناً} ((2)) .

عَود علی بدء

کانت هذه مقدمة أتینا بها کی نوضّح وجه أفضلیة الولایة علی العبادات الأربع الأخری ، إذ الصلاة تترکها الحائض ، والصوم یترکه المریض ، والزکاة والحج ساقطان عن الفقیر ، أمّا الولایة فهی واجبة علی الصحیح والمر یض والغنی والمعسر ، لأنّها مفتاحهنّ ، وبأهل البیت تُعرف الأحکام ، وتُقبل العبادات ، ویُعبد


1- صحیح مسلم 7 : 122 ، مسند أحمد 4 : 367 .
2- تاریخ دمشق 42 : 233 ، الدر المنثور 2 : 259 ، تاریخ بغداد 8 : 290 .

ص:315

الله ، فهم باب الله الذی منه یُؤتی « وبالإمام تمام الصلاة والزکاة والصیام والحج والجهاد ، وتوفیر الفیء والصدقات ، وإمضاء الحدود والأحکام ، ومنع الثغور والأطراف »((1)) لأنّه الضمان الإلهی للشر یعةَ . ونحن نعلم بأن الشر یعة مرت بمرحلتین :

1 - التأسیس علی ید الرسول الأکرم صلی الله علیه و آله .

2 - الصیانة من الانحراف ، وهو دور الأئمة المفترضی الطاعة ، وهو ما کان یؤکّد علیه الرسول للأمة ، یحذّرها من الابتعاد عنهم لأنّ ذلک سیؤدّی بهم إلی الضلال .

وقد کان النهج الحاکم فی تعارض مع هذه الصفوة الطاهرة ، فما من الصفوة إلّا مقتول أو مسموم ، وقد ثبت فی علم السیاسة والاجتماع أنّ جمیع الثورات الفکر یة ، إذا مات زعماؤها ، وتولّی إدارتها غیر الأکفاء انحرفت عن مسارها الذی اختطّه لها صاحبها ، أمّا إذا واصل المسیرة الأکفاء الذین یختارهم صاحب الثورة والتغییر ، فإنها تبقی حیّة نابضة ، ولا تنحرف عن منهاجها الأصلی . هذا عن القسم الأوّل من السؤال .

أمّا ارتباط برّ فاطمة وولدها بالأذان والصلاة - کما فی بعض الروایات - ((2)) فهو معنی تفسیری للجملة ، ومن قبیل بیان المعانی المشکلة والمتشابهة أو الخفیة والمجملة فی القرآن الکریم والسنة المطهرة ، فالإمام قد یکون أراد بتوضیحه ذلک بیان ما هو المقصود فی العلم الالهی ، وبیان ما حدث بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله من عقوق لفاطمة ؛ فبعد إقصاء علیّ علیه السلام عن الخلافة - أی ترک الولایة التی هی خیر العمل -


1- انظر : الکافی 1 : 224 ، کمال الدین وتمام النعمة : 677 ، معانی الأخبار : 97 .
2- کروایة معانی الاخبار : 42 ، وعلل الشرائع 2 : 256 .

ص:316

عقّوا فاطمة فغصبوا منها فدکاً((1)) ، وروّعوها ، وهددوها بحرق دارها((2))حتّی ماتت غاضبة علیهما((3)) ، کما عقّوا ولدها فمضوا مسمومین مقتولین مشرّدین . ولو تمسک القوم بالولایة التی هی خیر العمل لبَرّوا فاطمة وولدها ، ولما خرجت الخلافة من أهلها ، ومن هنا نعلم أن تفسیر الحیعلة الثالثة تارة بالولایة ، وأخری ببرّ فاطمة وولدها ، إنّما هما وجهان لعملة واحدة ، وعبارتان تدلان علی معنی مشترک واحد ، وهو أنّ محمّداً وعلیّاً وأولادهم المعصومین هم خیر البریة .

ولعلّ القارئ الکریم قد وقف علی جذور هذا الأصل الدینی من القرآن والعترة فیما وضّحناه سابقاً فی البحوث التمهیدیة ، من أنّ تشریع الأذان سماویٌّ ، وهو یحمل فی طیاته سمات معنو یة وأسراراً عالیة ، وأنّه بیان لأصول العقیدة وکلیّات الإسلام ، لأنّ الأذان لیس إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، بل إنّ آثاره تجری فی عدة أمور ، فهو بیان لما ابتنی علیه الدین الإسلامی من التوحید والنبوة - والإمامة فی نظر الإمامیة - .


1- انظر : شرح نهج البلاغة 16 : 209 - 253 و17 : 216 ، الاحتجاج 1 : 267 ، الاختصاص : 183 .
2- جاء فی تاریخ الطبری 3 : 202 بسند معتبر ، قال : أتی عمر بن الخطاب منزل علیّ وفیه طلحة والزبیر ورجال من المهاجرین ، فقال : والله لأحرقنّ علیکم أو لتخرجنّ إلی البیعة . وقد کانت فاطمة فی البیت ، فقالوا لعمر : إنّ فی البیت فاطمة ! قال : وإنْ ( انظر الإمامة والسیاسة 1 : 12 ، اعلام النساء 4 : 114 ) .
3- جاء فی صحیح البخاری 2 : 504 کتاب الخمس باب 837 باب فرض الخمس ح 1265 بسنده عن أم المؤمنین عائشة أنّها اخبرته : أن فاطمة علیها السلام ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله سألت ابا بکر الصدیق بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله أن یقسم لها میراثها ما ترک رسول الله ممّا أفاء الله علیه ، فقال لها أبو بکر : إن رسول الله قال : لا نورث ما ترکنا صدقة ، فغضبت فاطمة بنت رسول الله ، فهجرت أبا بکر فلم تزل مهاجرته حتّی توفّیت ، وعاشت بعد رسول الله ستة أشهر .

ص:317

إنْ إکمال الدین وإتمام النعمة لا یکون إلّا بإمامة علیّ وولده ، وهذا ما دلّلت علیه الکتب الکلامیة ، ودلّت علیه الآیات الکریمة التی منها آیة التطهیر وآیة الولایة {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ ...} وآیة المباهلة ، وسورة الدهر ، وغیرها من عشرات الآیات والأحادیث - إن لم نقل المئات - دالّة علیه ، وهذا ما یجب أن یعتقد به کلّ مسلم ؛ إذ عرفتَ أنْ لا صلاة کاملة ومقبولة إلّا بولایتهم .

إنّ عبارة « حیّ علی خیر العمل » الدالة علی الإمامة هی جزء من الأذان ؛ لما تظافرت به روایات الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة ، ولوجودها حتّی فی مصادر أهل السنّة ، وقد أذّن بها کبار الصحابة ، وحکی عن الإمام الشافعی والإمام مالک القول بجزئیتها ، وسنزید المسألة وضوحاً وجلاءً فی الباب الثالث ( أشهد أنّ علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع ) من هذه الدراسة ، ضمن بحثنا عن شرعیة الشهادة الثالثة أو بدعیتها .

ما وراء حذف الحیعلة الثالثة

نصَّ التفتازانی والقوشجی وغیرهما علی دافع الخلیفة عمر بن الخطّاب إلی حذف هذا الفصل من الأذان ، واتّفق الزیدیّة والإسماعیلیّة والإمامیّة علی ثبوت هذا الحذف عنه ، فی حین جری التعتیم علی هذه النقطة فی أغلب کتب أهل السنّة ، علی الرغم من تأکید کثیر من النصوص التاریخیّة والحدیثیة المتناثرة فی المصادر علی حذف عمر لحیّ علی خیر العمل للدافع الذی أعلنه .

إنّ ما ذکر من تعلیل لحذف الحیعلة الثالثة قد یکون وجیهاً عند عمر بن الخطّاب ؛ لانسجامه مع نفسیته ومنهجه فی فهم النصوص ، وللظروف التی کان یعیشها من غزوات وحروب وتوسیع لرقعة الدولة ، وهو ممّا یستوجب بالطبع جمع الطاقات وتوظیفها للغرض المنشود ، وعدم السماح للمتقاعدین فی التشبث بعلل

ص:318

قد تبعدهم عن الجهاد ، من جملتها الاتکال علی الصلاة أو الولایة باعتبارهما خیر العمل .

لکنّ هذا السبب فی منع عمر بن الخطاب ترد علیه عدة أمور :

أوّلها : إنّ الغزوات والحروب کانت أعظم وأکثر علی عهد رسول الله ، وکانت ظروف انبثاق الدولة الإسلامیّة الفتیّة وبدایة انطلاقها لنشر دین الله أدعی إلی حذف هذه الحیعلة من قِبل رسول الله صلی الله علیه و آله - لو صحّ هذا التعلیل - من الظروف التالیة التی عاشها الخلیفة بعد استقرار أمور الدولة بشکلها الذی کانت علیه . فلماذا لم یحذف رسولُ الله صلی الله علیه و آله هذا الفصل وحذفها عمر((1)) ؟!

إنّ هذا لَیثیر تساؤلاً حول صحّة هذا التعلیل الذی فسّر به عمر حذفه هذا ، أو یومئ إلی وجود سبب آخر غیر معلن فی هذا السیاق .

ثانیها : لو قبلنا التعلیل السابق تنزّلاً لصحَّت مشروعیة الحذف لفترة معینة ، لا أنّه یکون تشریعاً لکلّ الأزمان ، ذلک أن سریان المنع إلی یومنا هذا ربّما یشیر إلی أمر آخر .

ثالثها : إنّ هذا التعلیل من قبل الخلیفة لا یتّفق مع ما جاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله من قوله : « اعلموا أنّ خیر أعمالکم الصلاة » وهو لا یتّفق أیضاً مع قوله صلی الله علیه و آله عن الصلاة : « إنّها عمود الدین إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدّ ما سواها » ، فلو صحّ تعلیل الخلیفة وأنّه أراد أن لا یتّکل الناس علی الصلاة ویَدَعُوا الجهاد ، للزم


1- وهذا التعلیل والرد ، ورد نظیرهما فی إتمام عثمان للصلاة بمنی ، بحجّة خوفه أن یظن الناس أنّ صلاة القصر هی المفروضة ، فأجابه الصحابة بأن النبیّ صلی الله علیه و آله کان یقصر الصلاة وینبّه المسلمین علی أنّ ذلک مخصوص بمنی . فلوصح تعلیل عمر ، لکان یمکنه أن یقر الحیعلة الثالثة فی الأذان وینبّه المسلمین علی ضرورة الجهاد ، کما کان رسول الله صلی الله علیه و آله یفعل ذلک . وهذا التشابه فی أدوار الخلیفتین الثانی والثالث یوقفک علی مسار تیار الحکّام المجتهدین .

ص:319

من ذلک تخطئة کلّ النصوص الدالة علی أنّ الصلاة خیرُ موضوع وخیر الأعمال ، وأنّها وسیلة لقبول الأعمال وردّها .

رابعاً : من المعلوم أنّ المسلمین صاروا بعد رسول الله صلی الله علیه و آله نهجین : أحدهما : نهج الخلفاء ، والآخر نهج أهل البیت . وکان هؤلاء علی تخالف فی کثیر من القضایا السیاسیة والفقهیة ، فلمّا منع عمر الحیعلة الثالثة نَسَبَ نهجُ الخلفاء إلی رسول الله صلی الله علیه و آله المنعَ تأییداً للخلیفة عمر بن الخطاب ، حتّی إذا جاء الخلفاء اللاحقون منعوا هذا الفصل من الأذان واستقبحوه من الناس ، ولأجله تری انحسار الروایات الدالة علی الحیعلة فی کتب الجمهور ، لکنّ الطالبیِّین أصرّوا علی الإتیان بها علی الرغم من هذا المنع .

وبذلک تحزّب أبناء السنّة والجماعة لمذهب عمر بن الخطاب وحکموا رأیه فی مقابل موقف الإمام علیّ وأولاده الذین خالفوا هذا المنع وأصرّوا علی الحیعلة الثالثة رغم کلّ الظروف والمشاکل ، کما ستقف علیها لاحقاً .

خامساً : إنّ المطّلع علی مجریات الأحداث فی زمن رسول الله صلی الله علیه و آله ثمّ مَن بعده یقف علی حقیقة جلیة ، هی أنّ قریشاً لم تکن ترضی باجتماع النبوة والخلافة فی بنی هاشم ، وکانت تطمع فی الخلافة من بعده صلی الله علیه و آله ، فکانوا یشترطون علی رسول الله أن یبایعوه بشرط أن یجعل لهم نصیباً فی الخلافة من بعده ، لکنّه صلی الله علیه و آله کان یقول : « إن الأمر لله یجعله حیث یشاء »((1)) ولیس الأمر بیدی .

وجاء عن ابن عباس : إن عمر بن الخطاب قال له فی أوائل عهده بالخلافة : یا عبدالله ، علیک دماء البُدن إن کتَمتَنیها .... هل بقی فی نفسه ] یعنی علیّ بن أبی طالب [شیء من أمر الخلافة ؟


1- انظر : حدیث عامر بن صعصعة فی سیرة ابن هشام 2 : 289 ، وحدیث قبیلة کندة فی سیرة ابن کثیر 2 : 159 ، وهما یدلاّن علی ما نقوله .

ص:320

قلت : نعم .

قال : أیزعم أن رسول الله نصَّ علیه ؟

قلت : نعم . وأزیدک : سألتُ أبی عمّا یدّعیه ، فقال : صَدَق .

قال عمر : لقد کان من رسول الله فی أمره ذَرْوٌ من قول لا یثبت حجّة ولا یقطع عذراً ، وکان یَرْبَعُ فی أمره وقتاً ما ، ولقد أراد فی مرضه أن یصرّح باسمه فمنعتُ من ذلک إشفاقاً وحیطةً علی الإسلام ... فعلم رسول الله أنّی علمت ما فی نفسه فأمسک((1)) .

وقال العینی فی عمدة القاری : واختلف العلماء فی الکتاب الذی هم بکتابته فقال الخطابی : یحتمل وجهین ، احدهما انه اراد أن ینص علی الإمامة بعده فترتفع تلک الفتن العظیمة کحرب الجمل وصفین((2)) .

ولو جمعنا ما جاء عن ابن عباس ، مع ما قاله عمر لرسول الله صلی الله علیه و آله عند مرضه - حینما قال صلی الله علیه و آله : ائتونی بدواة وقلم أکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعدی أبداً ، فقال عمر : إنّ الرجل لَیَهجُر((3)) - مع ما قاله رسول الله لعمر لمّا أتاه بجوامع من التوراة : والذی نفسُ محمّد بیده لو بدا لکم موسی فاتّبعتموه وترکتمونی لَضللتُم((4)) ، مع قول رسول الله فی حدیث الثقلین « ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدی أبداً » ، لو جمعنا کلّ ذلک لوقفنا علی حقائق مذهلة ، ولعرفنا موقف النهج الحاکم بعد رسول


1- شرح ابن أبی الحدید 12 : 21 وقال : ذکر هذا الخبر أحمد بن أبی طاهر صاحب کتاب تاریخ بغداد فی کتابه مسنداً .
2- عمدة القارئ 2 : 171 .
3- وفی نصّ البخاری « إنّ الرجل قد غلب علیه الوجع » ، وکلاهما إساءة للرسول المصطفی .
4- سنن الدارمی 1 : 115 باب ما یتقی من تفسیر حدیث النبی صلی الله علیه و آله ، مسند أحمد 4 : 266 ، المصنف لعبد الرزاق 6 : 113 باب مسألة أهل الکتاب ، أسد الغابة 3 : 127 .

ص:321

الله من أهل بیت الرسالة وموت الزهراء وهی واجدة علی أبی بکر وعمر((1)) . ولعرفنا أیضاً مدی المفارقة بین ترک برّ فاطمة وترک الدعوة للولایة وبین تأکیدات الرسول علی الاهتمام بالعترة تلویحاً وتصریحاً ، مِن مِثل وقوفه صلی الله علیه و آله کلّ یوم - مدة ستة أشهر - علی باب فاطمة بعد نزول آیة التطهیر ینادیها للصلاة بقوله « الصلاة الصلاة ، إنّما یر ید الله لیذهبَ عنکم الرجسَ أهلَ البیت ویطهّرکم تطهیراً »((2)) .

ومما یَحسُن بنا أن نتفطّن له هو أن هذا الموقف من رسول الله إنّما یُنبئ عن وجود ترابط عمیق بین بر فاطمة وولدها ومسألة الصلاة ، وبمعنی آخر بین الولایة والعبادة ، إذ أنّ وقوف الرسول المصطفی علی باب فاطمة لمدة ستة أشهر لا یمکن تصوّره لغواً بأیّ حال من الأحوال ؛ لأنّه صلی الله علیه و آله کان یقف داعیاً المطهَّرین من عترته إلی الصلاة ، مُعلِماً بوجود لون من التواشج بین الصلاة والعترة . ورسولُ الله حلقةُ الوصل والربط بین رکیزة التوحید « الصلاة ،الصلاة » وبین الولایة {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ ...} . ونلحظ فی هذا النص : قول الله « القران » ، وفعل الرسول « الوقوف » ، ونتیجة لزوم الاعتقاد بمنزلة العترة والقربی وأن مودتهما وطاعتهما عبادة منجیة .

سادساً : إن الخلفاء المتآخرین أیضاً أدرکوا سرّ الحیعلة الثالثة فحرصوا أشدّ الحرص علی حذفها ، ولم یرضوا بها ممن خطب لهم ولَبِسَ خِلَعَهم وانضوی تحت


1- صحیح البخاری 5 - 6 : 253 ، کتاب المغازی باب غزوة خیبر ح 704 ، صحیح مسلم 3 : 1379 ، کتاب الجهاد باب قول النبی لا نورث إنما ترکناه صدقة ، تاریخ المدینة لابن شبة 1 : 197 .
2- مسند أحمد 3 : 259 ، 285 ، سنن الترمذی 5 : 351 ح 3205 ، کتاب تفسیر القرآن باب ومن سورة الاحزاب ، المستدرک للحاکم 3 : 158 ، مصنف ابن أبی شیبة 6 : 391 ح 32262 ، کتاب الفضائل باب فی فضل فاطمة علیها السلام .

ص:322

لوائهمَ ، بل أصرّوا علی ضرورة حذفها ؛ لأنّها رمز یشیر إلی بطلان حکوماتهم . وسیأتیک ذلک فی الفصل الرابع لدی الکلام عن تاریخ الحیعلة فی مکّة وحلب سنة 463 ه- . وحسبک منها ما کان من القائم بأمر الله العباسی ، حین أخبره نقیب النقباء أبو الفوارس طرّاد بأنّ محمود بن صالح خطب له بحلب ولبس الخلع القائمیة ، حیث قال له : أیّ شیء تساوی خطبتهم وهم یؤذنون ب- « حیّ علی خیر العمل » !!

کلّ هذه النصوص توکّد أنّ المراد الأساسی من « خیر العمل » هو بر فاطمة وولدها ، والولایة والإمامة التی بها قوام الصلاة والصوم والزکاة والحجّ وسواها ... لا شیء آخر ، فصار الخلیفة - حسب کلام الإمام المعصوم ، والاستقراء التاریخی - لا یرضی أن یقع ( دعاء إلیها وتحر یض علیها ) ، لأن ذلک یعنی التشکیک بشرعیّة خلافته وخلافة مَن قبله ، وهو المعنیّ من کلامه علیه السلام ( ما نودی بشیء کالولایة ) .

وجاء فی الغَیبة للنعمانی عن عبدالله بن سنان أنّه

علیه السلام قال فی معرض کلامه عن علامات ظهور القائم من آل محمّد عجل الله تعالی فرجه الشریف : وأنّه سیکون فی السماء نداء « ألا إنّ الحقّ فی علیّ وشیعته » .

قال علیه السلام ف- {یُثَبِّتُ اللهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} علی الحق وهو النداء الأوّل((1)) ، ویرتاب یومئذ الذین فی قلوبهم مرض ، والمرضُ واللهِ عداوتُنا((2)) .

ولو قرأنا تفسیر الأئمّة لقوله تعالی : {إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ} لعرفنا المنزلة العظیمة للولایة وسبب معاقبة عمر للقائل بها ، لأنّ


1- دون النداء الثانی الذی ینادی به إبلیس لعنه الله .
2- الغیبة للنعمانی 173 - 174 باب ما جاء فی العلامات التی تکون قبل قیام القائم .

ص:323

الکلم الطیّب لو کان قد صعد إلیه سبحانه وتعالی بنفسه ، فما معنی العمل الصالح یرفعه إذن ؟!

روی الکلینی بسنده إلی الإمام الصادق علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی : {إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ} قال : ولایتنا أهل البیت - وأهوی بیده إلی صدره - فمن لم یتولّنا لم یرفع الله له عملاً ((1)) .

وعن الرضا علیه السلام فی قوله تعالی : {إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ} قال : الکلم الطیب هو قول المؤمن : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ ولی الله وخلیفة محمّد رسول الله حقاً حقا وخلفاؤه خلفاء الله » ، والعمل الصالح یرفعه ، فهو دلیله ، وعمله اعتقاده الذی فی قلبه بأنّ هذا الکلام صحیحٌ کما قلته بلسانی((2)) .

وعن فاطمة الزهراء بنت محمّد ، قالت : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا عرج بی إلی السماء صرت إلی سدرة المنتهی {فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَی} فأبصرته بقلبی ولم أره بعینی ، فسمعت أذاناً مثنی مثنی ، واقامة وتراً وتراً ، فسمعت منادیاً ینادی : یا ملائکتی وسکان سماواتی وارضی وحملة عرشی اشهدوا انی لا إله إلّا انا وحدی لا شریک لی ، قالوا : شهدنا وأقررنا ، قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکان سماواتی وارضی وحملة عرشی بأن محمّداً عبدی ورسولی ، قالوا : شهدنا واقررنا ، قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکان سماواتی وارضی وحملة عرشی بأن علیّاً ولیی وولی المؤمنین بعد رسولی ، قالوا : شهدنا وأقررنا ...((3))

وبهذا یفضی بنا البحث إلی أنّ التعلیل الحقیقی لمنع عمر بن الخطاب للحیعلة


1- الکافی 1 : 340 .
2- تفسیر الإمام العسکری 328 ح 184 وعنه فی تأویل الآیات : 469 والنص عنه .
3- تفسیر فرات الکوفی : 342 فی آخر تفسیر سورة الأحزاب .

ص:324

الثالثة هو اطلاعه علی المقصود من عبارة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، ودلالتها علی ولایة أهل البیت ، لصرف الانتباه عنها ، وذلک بکتمانها وحذفها ، فمَنَعها تحت غطاء الحفاظ علی کیان الدولة الإسلامیة وتوسیع رقعتها بالجهاد ، لکن الطالبیین قد أدرکوا هذا الأمر وأصرّوا علی الإتیان بها رغم کلّ الظروف الحالکة ، وهذا ما ستقرأه بعد قلیل إن شاء الله تعالی .

ولذلک کان الإمام علیّ علیه السلام فی أیّام خلافته یلمح ویشیر إلی أنّ حذف « حیّ علی خیر العمل » کان جوراً علیه وعلی الإسلام ، فکان إذا سمع مؤذّنه یقول « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل » قال : مرحباً بالقائلین عدلاً((1)) ، معرّضاً بمن رفعها ، لأنّ علیّاً هو خیر العمل وهو العدل الذی یدور مع القرآن حیثما دار ویدور معه القرآن أیضاً .

والذین ظنّوا أنّ الصلاة تقتصر علی شکلها الظاهری دون المحتوی الذی هو الطاعة((2)) سعوا إلی ترسیخ فکرة أن هل البیت ومودتهم لیست خیر العمل ، فکان لحذفها من الأذان مغزی عرفه أهل البیت فأنکروا حذفها ، کما عرفه مخالفوهم فأصروا علی حذفها .

ومن خلال هذه الدلائل العدیدة استبان لنا أنّ « خیر العمل » کنایة عن إمامة علیّ علیه السلام التی هی امتداد لنبوّة النبیّ ، وامتداد للتوحید ، وهذا ما رواه الباقر والصادق علیهما السلام من أئمّة أهل البیت فی قوله تعالی : {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ


1- الفقیه 1 : 288/ ح 890 .
2- أی طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة ولیّه ، والأخیران منتزعان من الأولی ، وقد مرّ علیک قوله صلی الله علیه و آله : من أطاعنی فقد أطاع الله ومن عصانی فقد عصی الله ، ومن أطاع علیاً فقد أطاعنی ومن عصی علیاً فقد عصانی ، وقوله صلی الله علیه و آله : فاطمة بضعة منی ... فمن آذاها فقد آذانی ومن آذانی فقد آذی الله جلّ وعلا .

ص:325

عَلَیْهَا} قالا : هو « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین ولیّ الله » ، إلی ها هنا التوحید((1)) .

وقد سئل الشریف المرتضی : « هل یجب فی الأذان بعد قول « حیّ علی خیر العمل » « محمّد وعلی خیر البشر » ؟ فأجاب قائلا : « إن قال : محمّد وعلی خیر البشر - علی أنّ ذلک من قوله خارج من لفظ الأذان - جاز »((2)) .


1- تفسیر القمّی 2 : 155 عن الباقر ، ونحوه عن الصادق علیه السلام فی التوحید وبصائر الدرجات . ولا یخفی علیک أن للتوحید مراتب ، فهناک توحید الربوبیة ، وتوحید الألوهیة ، وتوحید الطاعة ، فإنّه سبحانه وتعالی مع کونه : (لَمْ یَکُنْ لَهُ کُفُواً أَحَدٌ( - و (هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ( ، و (خَالِقُ کُلِّ شَیْ ءٍ( ، وهو الذی (یَتَوَفَّی الْأَنْفُسَ حِینَ مَوْتِهَا( ، - فإنّ هذا المعنی غیرُ معارَض بمثل قوله تعالی : (حَتَّی إِذَا جَاءَ أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا(. و إن قوله تعالی : (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ یَشْفِینِ( لا یعارض ما جاء من الشفاء بالقرآن فی قوله تعالی : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ( وبالعسل (فِیهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ(. وکذا قوله : (قُلْ لاَ یَعْلَمُ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَیْبَ إِلاَّ اللهُ( فإنّه لا یعارض قوله : (وَمَا کَانَ اللهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَی الْغَیْبِ وَلٰکِنَّ اللهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشَاءُ( وإلی غیرها من عشرات الآیات . فلا تخالُفَ إذاً بین نسبة الافعال إلی الله جل جلاله ونسبتها فی الوقت نفسه إلی غیره ، فلا یخالف قوله : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِینُ( مع قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِیهَا وَاکْسُوهُمْ( وکلاهما من کلام الباری . ومن هنا تأتی مسألة التوحید ، فتوحید الطاعة هو یعنی لزوم إطاعة من أمر الله بطاعته ، ومن لا یطیع الرسول وأولی الأمر المفروض طاعتهم فانه لم یطع الله لقوله تعالی : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ( وهذا لا یخالف قوله : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِیَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ( فطاعة من أمر الله بطاعته هی طاعة لله ، ومن لم یطع الله ورسوله ومَن أَمر الله بطاعته لم یوحّد الله تعالی حقّ توحیده . وعلیه فطاعة أحدهما جاء علی وجه الاستقلال ، والآخر علی أنّه مظهر أمره سبحانه ، ولیس هذا بشرک أو مغالاة کما یدّعون ، بل هو عین الإیمان وکمال الدین .
2- رسائل المرتضی 1 : 279 ، مسأله 17 ، وجواهر الفقه لابن البراج : 257 مسألة 15 .

ص:326

وهذا یعنی أنّ هذا التفسیر لحی علی خیر العمل کان سائداً فی لسان المتشرعة منذ زمن أهل البیت وحتّی یومنا هذا .

وقد أفتی القاضی ابن البرّاج باستحباب ذکر هذا التفسیر ، فقال : ویستحب لمن أذّن أو أقام أن یقول فی نفسه عند « حیّ علی خیر العمل » : « آل محمّد خیر البریة » ، مرتین((1)) .

وکون علیّ علیه السلام هو المراد من « حیّ علی خیر العمل » ، والنبیّ من « حیّ علی الفلاح » ، وطاعة الرب وعبادته من « حیّ علی الصلاة » ، فیه من وجوه البلاغة ما لا یخفی ، إذ فیه من انواع البدیع ما یسمّی بالتلمیح ، وهو أن یشار فی الکلام إلی آیة من القرآن أو حدیث مشهور أو شعر مشهور أو مثل سائر أو قصة أو معنی معروف ، من غیر ذکر شیء من ذلک صریحاً . وأحسنه وأبلغه ما حصل به زیادة فی المعنی المقصود .

قال الطیبی فی التبیان : ومنه قوله تعالی : {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} قال جارالله الزمخشری : قوله : {وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} فیه دلالة علی تفضیل محمّد صلی الله علیه و آله وهو خاتم الأنبیاء ، وأنّ أمته خیر الأمم ، لأنّ ذلک مکتوب فی الزبور ، قال تعالی : {وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ} ، قال : وهو محمّد صلی الله علیه و آله وأمته((2)) .

فهنا ألمح الله سبحانه وتعالی لعباده بأن الصلاة له لا لغیره ، وأنّ الفلاح الذی قامت به الصلاة هو اتباع رسول الله محمّد صلی الله علیه و آله ، لا الاجتهاد مقابل النص ، وان


1- المهذب لابن البراج 1 : 90 باب الأذان والإقامة وأحکامهما .
2- انوار الربیع 4 : 266 . ومن هذا الباب تلمیح أبی العلاء المعری للشریف المرتضی بقصیدة المتنبی : لک یا منازل فی القلوب منازل . انظر : أنوار الربیع 4 : 292 - 293 . هذا وقد أخذ الطیبی والزمخشری هذا عن تفسیر النسفی 2 : 290 سورة الاسراء .

ص:327

خیر العمل هو الإیمان بالإمامة والولایة لعلی

علیه السلام التی هی امتداد للنبوة والتوحید ، وبها قوام العبادات التی عمودها الصلاة .

وهناک عشرات إن لم تکن مئات الأدلّة علی أنّ خیر العمل ولایة علیّ ، وان ضربته یوم الخندق تعدل عبادة الثقلین ، وأنّ الاعمال لا تُقبل إلّا بولایته ، ومعان أخری متّصلة بهذا الموضوع . وقولنا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » فیه تلمیح لکل تلک المعانی التی صدع بها رسول الله صلی الله علیه و آله فی حق علیّ بن أبی طالب سلام الله علیه .

والواقع أن کون أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب هو خیر البشر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله إنّما هو معنیً قرآنی نطقت به آیة من سورة « البیّنة » المبارکة ، وصرّح به النبیّ صلی الله علیه و آله فی تفسیر الآیة ، وتداولته المصادر السنیّة ، وکان هذا المعنی ممّا آمن به کبار من الصحابة المعروفین ، حتّی صار فی عهد النبیّ صلی الله علیه و آله جزءً من الثقافة الإیمانیّة القرآنیة السائدة .

فقد روی الطبری بإسناده عن محمّد بن علیّ الباقر لما نزل قوله تعالی : {أُولٰئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ} قال النبیّ : أنت یا علیّ وشیعتک((1)) .

والدیلمی فی الفردوس بمأثور الخطاب بإسناده عن جابر بن عبدالله مرفوعاً عن النبیّ صلی الله علیه و آله قال : علیّ خیر البشر من شک فیه فقد کفر((2)) .

وغیرها من عشرات الطرق والأسانید عن الصحابة والتابعین .

وبعد کلّ هذا تعلم أنّ قول « محمّد وآل محمّد خیر البریة » أو « محمّد وعلیّ خیر البشر » عند الحیعلة الثالثة أو بعدها إنّما هو توضیح لمعناها الذی حاول الحکام


1- تفسیر الطبری 30 : 264 ، ورواه السیوطی فی الدر المنثور 6 : 379 ، والحسکانی فی شواهد التنزیل 2 : 459 - 473 ح 1125 - 1148 بأسانید وطرق کثیرة .
2- الفردوس 3 : 62 ح 4175 ، وانظر ترجمة الإمام علیّ لابن عساکر 2 : 457 ح 989 بأسناده عن عائشة .

ص:328

کتمه ، وأن هذا التوضیح والتفسیر ما هو إلّا استلهام من نصوص القرآن والسنّة ، وسیرٌ علی الخطوات الصحیحة التی رسمها رسول الله صلی الله علیه و آله لأمته .

وستعلم بما لا مزید علیه - فی الباب الثالث من هذه الدراسة « اشهد أن علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » - أن إتیان الأئمّة: وأتباعهم بهذه العبارات ما هو إلّا تفسیر لمعنی الحیعلة الثالثة ، وهو من قبیل الإتیان بتفسیر بعض الآیات تفسیراً مرتبطاً بنصّ الآیة ونسقها ، وهذا النوع من التفسیر ممّا تحفل به کتب الفریقین بلا أدنی ریب((1)) ، وهو التفسیر المقبول الذی اصطلح علی تسمیته البعض ب- « التفسیر السِّیاقی » .


1- انظر : قراءه عائشة ، وحفصة ، وأم سلمة للآیة : (حَافِظُوا عَلَی الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَی( هکذا : (حافظوا علی الصلوات والصلاة الوسطی وصلاة العصر وقوموا لله قانتین ) . وحدیث عائشة موجود فی صحیح مسلم ، کتاب المساجد ، باب الدلیل لمن قال : الصلاة الوسطی هی صلاة العصر ، وسنن أبی داود ، کتاب الصلاة ، باب وقت صلاة العصر ، وسنن الترمذی ، کتاب التفسیر ، تفسیر سورة البقرة ، وسنن النسائی ، کتاب الصلاة ، باب المحافظة علی صلاة العصر ، وموطأ مالک ، کتاب الصلاة ، باب صلاة الوسطی ، وتفسیر الآیة فی الدر المنثور 1 : 302 و303 ، وفی فتح الباری 9 : 265 ، ومسند أحمد 6 : 73 و878 منه . أما حدیث حفصة فانظر فیه : موطأ مالک کتاب الصلاة ، باب الصلاة الوسطی ، ومصنف عبدالرزاق ، کتاب الطهارة ، باب صلاة الوسطی ح 2202 ، وتفسیر الطبری 2 : 343 ، والدر المنثور 1 : 302 ، والمصاحف لابن أبی داود : 85 - 86 . أما حدیث أُم سلمة ، فانظر فیه : الدر المنثور 1 : 303 ، والمصاحف لابن أبی داود : 87 . وقد قرأ ابن عباس وابن مسعود وأبیّ بن کعب وعلی بن أبی طالب قوله تعالی : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ إلی أجل مسمی( . وانظر : قراءة ابن عباس فی المعجم الکبیر 10 : 320 ، والسنن الکبری 7 : 205 ، والمستدرک للحاکم 2 : 305 ، والجامع لاحکام القرآن للقرطبی 5 : 130 ، والکشاف 1 : 519 . وفی قراءة ابن مسعود . انظر نیل الأوطار 6 : 274 ، وشرح النووی علی صحیح مسلم 6 : 118 . وفی قراءة أبی بن کعب . انظر جامع البیان للطبری 5 : 19 ، والدر المنثور 2 : 139 . وهی قراءة علی کذلک .

ص:329

الفصل الرابع: حیّ علی خیر العمل تاریخها العقائدی والسیاسی

اشارة

ص:330

ص:331

قد یقترح البعض ضرورة إکثارنا من ذکر مصادر أهل السنة والجماعة حین الکلام عن جزئیة « حیّ علی خیر العمل » وعدم الاکتفاء بما نقلناه ، بل عدم استساغة ما روته طرق الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة وبعض علماء أهل السنّة عن أهل البیت والصحابة ، بزعم أنّ ذلک لیس ملزِماً للآخرین .

هذا الکلام قد یکون له مساغ لو ضربنا بمعطیات التاریخ عرض الجدار ؛ إذ الموقف تجاه المتغیّرات فی التاریخ والحدیث ، وما فعلته ر یشة الحکام بالنصوص والموازین ، وخنقهم لکلّ ما هو أصیل مما لا یعجبهم ، وخصوصاً بعد أن اتّضح لنا دور الأمویین فی التحریف والتعتیم ، کلّ ذلک یدلّک علی سرّ انحسار مثل نصوص الحیعلة الثالثة فی مدرسة الخلفاء .

بل إنّ تصریح الإمام الباقر والإمام زید وغیرهما بأنّ عمر بن الخطاب کان وراء رفع « حیّ علی خیر العمل » إنّما ینم عن الظروف القاسیة العصیبة التی جعلت المعاجم الحدیثیة السنیة تکاد تخلو من أمثال هذه الأحادیث رغم ثبوتها علی عهد رسول الله ؛ فرأینا أنّه لا محیص من الرجوع إلی التاریخ ، للوقوف علی مجریات

ص:332

الأحداث ، ومنها الوقوف علی صحّة وأصالة ما قالته الشیعة وما جاء فی الروایات الیتیمة فی کتب الفقه والحدیث عند أهل السنّة والجماعة ، ومن خلال عرضنا للمسألة من وجهة نظر تاریخیة سیقف القارئ علی جواب القول السابق وأمثاله .

إنّ ثبوت « حیّ علی خیر العمل » لم یقتصر علی العلویین - حسنیین کانوا أم حسینیین - بل تعدّاهم إلی بعض أهل السنة والجماعة ، وقد مرّ علیک ما کان بأیدیهم من بقایا هذا الأذان الأصیل .

ومن المعلوم أنّ المسلمین انقسموا بعد وفاة رسول الله إلی نهجین :

الأوّل : نهج الصحابة .

والثانی : نهج أهل البیت .

وعُرف النهجان بالتخالف فیما بینهما فی کثیر من المسائل ، بحیث تجاوز حدَّ النزاع حول الإمامة والخلافة لیشمل کافّة مجالات الشریعة وأحکامها .

وبمعنی آخر : إنّ الخلاف الحاصل بین النهجین قد تجاوز الصعید السیاسیّ لیشمل أصعدة أخری فکر یّة وعقائدیة واجتماعیة . وفی حال اعتبار مصدر تشریع الأحکام فی الفقه من الأُمور المهمّة والحسّاسة جدّاً ، فلا عجب أن تری بین قادة النهجین أحکاماً فقهیّة متضادّة ، قد تصل إلی حدّ التناقض فی المسألة الواحدة ، فتجد ما یقوله عمر بن الخطاب یخالف ما یقوله علیّ بن أبی طالب تماماً ، فعلی الرغم من التزام وتعبّد علیّ

علیه السلام بمنهج رسول الله فی جواز المتعة مثلاً ، تری اجتهاد عمر شاخصاً أمامک فی قبال شر یعة رسول الله ، محرّما للمتعتین ، قائلاً : « أنا أُحرمهما وأُعاقب علیهما » .

لقد أخذ أهلُ السنّة الکثیرَ من فقههم من مجتهدی الصحابة الاوائل ، وخصوصاً الخلفاء ، وانتهجوا سیرة الشیخین ، ولهذا فإنّ الکثیر من موارد المنع فی فقه أهل السنّة والجماعة یرجع أساساً إلی سنّه عمر بن الخطاب وغیره من مجتهدی

ص:333

الصحابة . وقد تمحّل له علماء هذا النهج فحملوا کلّ ما لا یرتضونه من الروایات والأحکام المغایرة لاجتهادات السلف علی النسخ والوضع . ولکی یضفوا صبغة شرعیة علی تلک الأحکام تراهم ینسبون روایات إلی رسول الله تؤیّد ما ذهبوا إلیه .

وإیماناً منا بضرورة دراسة ملابسات مثل هذه الأمور فی الشر یعة ورفع الستار عنها ، خصصنا هذا الفصل کی نؤکّد علی أن الصراع حول جزئیة « حیّ علی خیر العمل » بین الطالبیین والنهج الحاکم له جذوره وأصوله العقائدیة والتاریخیة ، ولم یکن صراعاً سیاسیاً بحتاً ، وهذا إن دلّ علی شیء فإنما یدّل علی عمق الخلاف بین الفریقین .

إذ أنّ استمرار الصراع العقائدی السیاسی لمدة طو یلة من الزمن ینبئ عن وجود أصل شرعی مُختلَف فیه عندهم .

ولمّا کان النهج الحاکم - علی مرّ العصور - یدعو إلی « الصلاة خیر من النوم » تبعاً للخلیفة الثانی والأمویین من بعده ، ولمّا کان الطالبیون لا یؤمنون بشرعیة هذا الجزء ، فمن المؤکد أن یکون عدم إتیان الحفّاظ والمحدّثین بما یدل علی شرعیّة « حیّ علی خیر العمل » فی الصحاح والسنن قد کان خاضعاً لأمور سیاسیة .

إنّ الطالبیّین قد وقفوا أمام مثل هذه الهجمات بکلِّ قوّة ، وبذلوا کلّ ما یمکنهم فی التعبیر عن عدم الرضوخ أمام تغییر السنّة ، وقد کلّفهم ذلک الکثیر الکثیر ، وتحمّلوا المصاعب العظام من أجل الحفاظ علی سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله ومنها الإتیان ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانهم . وقد جرت بین الطرفین مناوشات کلامیة اتّهم فیها کلّ طرف منهما الآخر بالانحراف والبدعة ، محافظاً علی شعاریّته ، ورافضاً شعاریة الطرف الآخر بکل عنف .

ومن یتصفّح التاریخ یجد بین طیّاته صوراً حیّة لمدی قوّة تمسّک الطالبیّین بهذا الجزء من الأذان ، حتّی وصلت الحال فی بعض الفترات إلی أن یکون هو الشعار المحرِّک للثوار والثورة فی مراحل مختلفة من التاریخ .

ص:334

لقد تمسّک الطالبیّیون ب- « حیّ علی خیر العمل » وقدّموا قرابین نفیسة من أجل إبقائها سنّة حتّی صارت شعاراً للشیعة فی کلّ الأصقاع ، وصبغة عقائدیّة یُمیَّزون بها عن غیرهم ، وقد استمدّوا العزم من مواقف أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام الذی قال حین سمع أذان ابن النبّاح ب- « حیّ علی خیر العمل » : « مرحباً بالذی قال عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وسهلاً »((1)) .

وقد تجلّت مواقف الشیعة بوضوح فی موقف الحسین بن علیّ - صاحب فخّ - وغیره من الطالبیین((2)) الذین أصرّوا علی إعلانها جهاراً فی الأذان .


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 ح 890 ، وانظر : کتاب الأذان بحیّ علی خیر العمل : 48 ، 50 للحافظ العلوی .
2- وإلیک مجمل الحرکات الشیعیّة فی العصر العباسی الأول « 132 - 232 » : 1. حرکة محمّد النفس الزکیّة فی المدینة سنة 145 ه- ، فی عهد المنصور العباسی . 2. حرکة إبراهیم - أخی النفس الزکیة - فی البصرة سنة 145 ه- . 3. حرکة الحسین بن علی ( صاحب فخّ ) فی المدینة سنة 169 ه- ، فی عهد الخلیفة الهادی . 4. حرکة یحیی بن عبدالله - أخی النفس الزکیّة - فی بلاد الدیلم سنة 175 ه- ، فی عهد هارون الرشید . 5. حرکة إدریس بن عبدالله - أخی النفس الزکیّة - فی بلاد المغرب سنة 172 ه- ، فی عهد الرشید . 6. حرکة محمّد بن إبراهیم وأبی السَّرایا فی الکوفة سنة 199 ه- ، فی عهد المأمون . 7. حرکة محمّد بن جعفر الصادق فی مکة سنة 200 ه- ، فی عهد المأمون . 8. حرکة أبی عبدالله ( أخی أبی السرایا ) فی الکوفة سنة 202 ه- ، فی عهد المأمون . 9. حرکة إبراهیم بن موسی بن جعفر بن محمّد علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب فی الیمن سنة 200 ه- ، فی عهد المأمون . 10. حرکة عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالله بن محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب فی الیمن سنة 207 ه- ، فی عهد المأمون . 11. حرکة محمّد بن القاسم بن عمر بن علیّ بن الحسین بن علی بن أبی طالب فی خراسان سنة 219 ه- ، فی عهد المعتصم .

ص:335

وعلیه فلا یصحّ ما قاله البعض من عدم صحّة تلک الأخبار أو نسخها أو ... ، بل الأمر یرجع إلی أمور أعمق مما یقولون ، والحوادث التاریخیة تؤکّد ما قلناه .

إنّ متابعة السیر التاریخیّ للأذان وما آل إلیه فی « حیّ علی خیر العمل » یکشف لنا عن أُمور عدیدة متمادیة الأطراف ترجع جذورها إلی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله . ویمکن تلمّس ذلک بوضوح من خلال دراسة التاریخ والسیرة والحدیث ، وهذه المسألة من الأهمیّة بمکان ، بحیث إنّک کلّما بحثت فی مسألة من مسائلها تفتّحت لک أبواب مسائل أُخری ذات ارتباط عمیق بها ، ولا یمکنک ترکها أو التهاون بها ، فالمسألة أکبر من کون « حیّ علی خیر العمل » شعار الشیعة و« الصلاة خیر من النوم » شعار السنّة .

صحیح أنَّ الحرکات التغییریّة التی قادها الشیعة عبر فترات التاریخ المختلفة تُبیِّنُ أنَّهم قد أظهروا مسألة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان کعنصر تحدٍّ وتعاملوا معها کشعار لهم - کما حصل فی الدولة الفاطمیّة فی مصر ، والدولة الزیدیة فی طبرستان ، والبویهیة فی بغداد ، والحمدانیة فی حلب - إلّا أنَّ ذلک لا یتجاوز ظاهر المسألة .

ذلک أنّ مصادر الحدیث والتاریخ والسیرة تُظِهر لنا بأنّ « حیّ علی خیر العمل» لها ج ذور وأصالة شرعیّة ، فهی أوسع من أن تتضیق فی زاویة کونها شعار فرقة أو طائفة أو مذهب .

نعم ، کان بلال یؤذِّن بها فی عهد رسول الله

صلی الله علیه و آله ، وقد أذّن مرّة أو مرّتین للزهراء والحسنین فی زمن أبی بکر ولم یُتمّ أذانه . ویظهر من جمع الأدلة المارّة وما قلناه أنّه کان یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ولذلک امتنع عن الأذان فی زمن الشیخین أبی بکر وعمر ؛ إذ جاء فی الخطط للمقریزیّ ( ت 845 ه- ) وغیره : ( ... وأنَّ عمر أراده أن یؤذِّن له فأبی علیه )((1)) لماذا ؟!


1- الخطط المقریزیة 2 : 270 . وانظر الفصل الثانی من هذا الباب « حذف الحیعلة ، وامتناع بلال عن التأذین » .

ص:336

إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما ذکره المقریزیّ فی باب ( ذکر الأذان بمصر وما کان فیه من الاختلاف ) وربطنا ذلک بما توصّلنا إلیه من السیر التاریخیّ لمسألة الأذان فیما یخصّ المسألة المبحوثة وشعاریّتها ، وما أُثیر حولها من محاولات عامدة للحؤول دون ترسیخها فی قلوب المسلمین ، وجمعنا ذلک مع ما بحوزتنا من روایاتنا وروایاتهم فسنحصل علی ثمرة یانعة تشفی غلیل المتطّلع الی الحقیقة ، وعلی نتیجة جلیّة لا غبار علیها ، ویستبین عندئذ أنّها لا تتعدَّی کونها فی أصلها شعیرة إلهیّة وشعاراً إسلامیّاً أصیلاً یحمل وراءه نهجاً إسلامیاً فکریاً یتبع « الرمز » القدوة الحسنة الذی دعا القرآن الکر یم إلی الاقتداء به ، ویرمی بعیداً کلّ ما یمتّ بِصلة إلی الاجتهاد بالرأی والاستحسان المقابل لمنهجیّة التعبّد المحض ؛ ذلک أن « حیّ علی خیر العمل » سنّة نبویّة ، أمّا « الصلاة خیر من النوم » فهی دعوة مُستحدَثة لا تمثل جانباً من رؤیة الإسلام .

ولدی مرورنا بالنصوص والأحداث سنوضح - وفق منهجنا - ملابسات المسألة خلال الصراع الأموی العلوی ثمّ الصراع العباسی العلوی ، والسلجوقی البویهی ، والأیوبی الفاطمی ، وکیفیة نشوء الحرکات الشیعیة فی الأمصار ، وذلک فیه التجسیم الحقیقی للصراع بین الرفض والإذعان ، أو قل صراع الأصولیین الإسلامیین ضد الحکّام الأمویین أو العباسیین ومن حذا حذوهم .

لأنّ أصحاب النهج الحاکم - أمویّین وعباسیّین وغیرهم - کانوا یَدْعُون إلی اتّباع سیرة الشیخیین علی نحو الخصوص . أما الثوار والمعارضون من الطالبیین فکانوا یذهبون إلی شرعیة خلافة الإمام علیّ وأولاده المعصومین ویَدْعون الناس إلی اتّباع نهج علیّ وولده .

وقد بدأ الخلاف بین النهجین أولاً فی موضوع الخلافة ومن هو الأحّق بها ، وهل هناک تنصیب من الله ، أم أنّ الأمر شوری بین الأمة - أو أصحاب الحَلّ

ص:337

والعقد منهم - ؟ ثمّ انجرّ هذا الخلاف إلی الشر یعة ، فوجدنا أحکاماً تُغیَّر وأخری تُستحدَث ، إما دعماً لمواقف الخلیفة ، أو للتعرف علی رجال الطالبیین ، أو لغیرهما من العلل والأسباب .

وقد استفحل هذا الخلاف بعد مقتل عثمان بن عفان ، فانقسم المسلمون إلی فئتین کبیرتین :

فجلّ أهل البصرة وأهل الشام کانوا ذوی أهواء عثمانیّة فی الانتماء الفکری والسیاسی ، وأهل الکوفة والأنصار من أهل المدینة وعدد کبیر من أهل الحجاز کانوا علویّی الفکرة والعقیدة .

وبعد استشهاد الإمام علیّ وصلح الإمام الحسن تم استیلاء معاویة بن أبی سفیان علی الحکم ، فغلبت العثمانیّة علی مجریات الأحداث وانحسر الطالبیّون فبدؤوا یعیشون حالة التقیّة .

و إنّما جئنا بهذا الکلام کی نوضح بأن عملنا فی هذا الفصل سیکون فی محورین لا یمکن فصل أحدهما عن الآخر ، لأنهما وجهان لعملة واحدة ، هما :

1 - المحور السیاسی .

2 - المحور التشریعی .

فقد نفرض أن یتغاضی الحاکم الأموی عن شعاریة « حیّ علی خیر العمل » فی بعض الأحیان ، لکن ذلک لا یعنی رضاه وسکوته عن ذلک فی کلّ الحالات ، لأنّ الحیعلة الثالثة کما علمت لها جانبان تشریعی صلاتیّ وعقائدی سیاسی ، فإذا کان الإتیان بها منحصراً فی حدّ المسألة التشریعیة سکت الحکام عنها علی مضض ، وإن اتّخذت طابعها العقائدی السیاسی قامت قیامتهم واستبدّ بهم الغیظ ؛ لأنّ معناها العقائدی السیاسی هو فرع لمعناها التشریعی الصلاتی الذی هو « محمّد وآل محمّد خیر البر یة » و« الولایة » و« بِرّ فاطمة وولدها » ، وهذا

ص:338

البعد التشریعی یتلوه البعد السیاسی الذی یعنی أنّهم أحقّ بالخلافة والحکم من الآخرین .

فلو دعا الإمام الباقر أو الصادق إلی جزئیتها فی العهد الأموی ، أو أتی بها علیّ بن الحسین ، فقد یسکت الحاکم عنه علی مضض ، لکن لیس معنی هذا سکوتهم کذلک عن الطالبیین الثوار لو أذّنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » ؛ لأنّ الأمویّین لو أرادوا معارضة الإمامین الصادق والباقر وقبلهما الإمام علیّ بن الحسین ، لفتحت أمامهم جبهة جدیدة هم فی غنی عنها فی تلک المرحلة من تاریخ المعارضة ، ولدخل الأمر فی إطاره السیاسی قبل أوانه .

ذلک أنّ الأمة الإسلامیة بدأت تعی الأوضاع بعد شهادة الإمام الحسین سنة 61 ه- ، وأخذت تتّضح لها معالم الظلم والمکر الأموی وسعیه لهدم الإسلام ، لأنّ ما فعله یزید بن معاویة بن أبی سفیان بعترة رسول الله واستحلاله المدینة المنورة لثلاثة أیّام وضربه مکّة وغیر ذلک کان کلّ واحد منها کافیاً لإحداث هذا التحول الفکری لدی عامّة الناس .

نعم ، هاجت عواطف الشیعة وغیرهم بمقتل الإمام الحسین ، فتلاوموا وتنادموا لعدم إغاثتهم الإمام علیه السلام ، وقد کانت حصیلة هذا الهیاج الجماهیری هو نشوء حرکة شیعیة باسم حرکة التوّابین ( 61 - 64 ه- )((1)) ثمّ تلتها حرکة المختار ابن أبی عبید الثقفی « 64 - 67 ه- » ثمّ قیام زید بن علیّ « 122 ه- » بالعراق ، وابنه


1- وصف الطبری فی تاریخه 5 : 558 هذه الحرکة بقوله « فلم یَزَل القوم فی جمع آلة الحرب والاستعداد للقتال ، ودعاء الناس فی السرّ من الشیعة وغیرها إلی الطلب بدم الحسین ، فکان یجیبهم القومُ بعد القوم ، والنّفرُ بعد النّفر ، فلم یزالوا کذلک وفی ذلک حتّی مات یزید بن معاویة » عام 64 ه- ، فالثوار قدموا ثورتهم بموته فی حین کان ضمن مخططهم الثورة علی یزید وعلی النظام الحاکم عام 65 ه- ، فلم یفلحوا فی ذلک .

ص:339

یحیی « 125 ه- » بخراسان ، وعبدالله بن معاویة بن عبدالله بن جعفر بن أبی طالب الذی قاد حرکته فی سنة « 128 ه- » فی إصفهان .

فالأمویّون والعباسیّون فی حدود المسألة التشریعیّة لا یمکنهم الوقوف أمام تأذین علیّ بن الحسین ومحمّد الباقر وجعفر الصادق ب- « حیّ علی خیر العمل » ، لوجود أمثال عبدالله بن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف وغیرهما ممن أذّن بها .

علی أنّه یمکن حمل سکوت الأمو یین هذا علی أنّهم استهدفوا من عملهم هذا هدفاً سیاسیاً ، وهو التعرّف علی الطالبیین وتجمّعاتهم ، وقد وضحنا سابقاً فی کتابنا ( وضوء النبیّ ) أنّ الطالبیین هم المعارضون الحقیقیون للحکومتین الأمویة والعباسیة .

واستقراراً علی هدفهم هذا سعوا أن یجمعوا الأمة علی فقه یخالف فقه الإمام علیّ بن أبی طالب ؛ الذی فیه الجهر بالبسملة ، والجمع بین الصلاتین ، وعدم مسح الخفّین ، والمسح علی الارجل ، والتکبیر علی المیت خمساً ، وغیرها من الأمور الشرعیة ذات البُعد الشعاری التی استخدمها النهج الحاکم للتعرف علی جماعات الطالبیین .

وفی هذه الظروف وهذا الخضمّ کان من الطبیعی أن تکون الحیعلة الثالثة من تلک المسائل الشرعیة السیاسیة التی کان للحکام من وراء حذفها ومحاربتها هدف بل أهداف .

وفی قبالة ذلک التیار الجارف نجد أنّ الإمامین الباقر والصادق کانا یدعوان إلی الحیعلة الثالثة ، ویؤکّدان علی شرعیتها بدون خوف واکتراث من السلطة ، لکن الأمر نفسه لم یکن عند الثوار فی ظروف التعبئة السریّة ، بل کانوا یتّقون ویخافون من تعرف السلطة علی مواقعهم العسکر یة وتجمعاتهم الثور یة ، فلم یقولوا ب- « حیّ علی خیر العمل » إلّا فی الصحراء وحین یأمنون مکر السلطة .

ص:340

ومن المعلوم أنّ الدولة العباسیة أُسست علی شعار الرضا من آل محمّد((1)) وأنّهم قد تذرعوا بطلب ثار الشهداء من أبناء فاطمة : الحسین بن علیّ ، زید بن علیّ بن الحسین ، وولده یحیی وسواهم .

لکنّهم سرعان ما قلبوا للعلویین ظهر المجنّ فلم یَفُوا بما عاهدوا علیه الأمة ، ولم یحافظوا علی الدلالة الصادقة لمقولة « الرضا من آل محمّد » ، بل نقضوا ما بایعوا علیه محمّد بن عبدالله بن الحسن « النفس الزکیة » قبل الانتصار .

وبعد خیانة العباسیین لشعار الرضا من آل محمّد ، ادّعَوا أنّهم أولی بالخلافة من العلویین ؛ لمکان العبّاس عم الرسول ، وأنه أولی بالنبی من علیّ وفاطمة وأبنائها ! وهنا کان من الطبیعی أن تغیظهم الحیعلة الثالثة المشیرة إلی أولویة علیّ وأولاده المعصومین بالخلافة من بنی العبّاس وغیرهم .

وبما أنّ الحکومتین الأمویّة والعباسیّة کانتا تقدّمان الشیخین علی الإمام علیّ وتأخذان بسیرتیهما ، فمن المنطقیّ جدّاً أن لا یرتضی العلویّون السکوت عما فعله هؤلاء من ظلم لأهل البیت ومن طمس ل- « خیر العمل » ، فلذلک کان العلویون یقفون أمام الاجتهادات الُمحدَثة من قبَلَ الخلفاء کحذف « حیّ علی خیر العمل » وتشریع صلاة التراو یح ، والتکبیر علی المیّت أربعاً ، وإخفات البسملة . بل ربّما کان العلویّون یبعدون المرمی ویصیبون المقتل فیصرّحون بأنّ السبب الأوّل فی ضیاع حقهم فی الخلافة وضیاع أحکام الدین ما هو إلّا ما فعله الشیخان بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله .

من هنا جَدَّ العلو یّون لإعادة السنّة إلی موضعها - کما کانت فی عهد رسول الله وکما أرادها الإمام علیّ - فأخذوا یعلنون « حیّ علی خیر العمل » علی المآذن ،


1- انظر : تاریخ الطبری 7 : 358 احداث سنة 129 و7 : 390 احداث سنة 130 ه- وغیرهما .

ص:341

ویجهرون بالبسملة ، ویکبّرون علی المیّت خمساً ، وینادون ب- « من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال کله لها » ویصرحّون بالصحیح من دین الله فی عشرات المسائل التی حرّفها المحرّفون .

وجاء فی جامع علی بن اسباط عن الحسن بن جهنم قال : ذکرت لابن عبدالله جعفر بن محمّد علیه السلام ما نحن فیه وما للناس فیه من اذلال بنی العباس قلت : ومتی الفرج ؟ قال : النداء بحی علی خیر العمل علی المنارة((1)) .

وهذا یشیر إلی أنّ الخلاف بین الحکّام والعلویین کان أصولیاً ، ولیس کما یصوّره البعض بأنّه خلاف حول الخلافة بما هی خلافة فقط ، بل إنّ اختلافهم کان علی الشر یعة حکومةً وأحکاماً .

إنّ وقوف الطالبیین أمام الحکام ما هو إلّا انعکاس لنهج أصیل یقف فی مواجهة الخلفاء ، وما جزئیّة « حیّ علی خیر العمل » إلّا نموذج مصغرَّ لهذا الصراع الفکری العقائدی فی الشر یعة ، وإلیک الآن بعض النصوص فی ذلک :

زید بن علیّ بن الحسین « 122 ه »

روی الحافظ العلوی بسنده إلی یزید بن معاویة بن إسحاق ، قال : کنّا بجبّانة سالم((2)) ، وقد أَمِنَّا أهل الشام ، فأمر زیدُ بن علیّ معاویةَ بن إسحاق فقال : أذِّن ب- « حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل »((3)) .


1- الایضاح للقاضی النعمان المطبوع فی « میراث حدیث شبیعه » دفتر دهم صفحة 109 .
2- أهل الکوفة یسمّون مکان دفن الأموات جبّانة ، کما یسمیّها أهل البصرة المقبرة ، وجبانه سالم تنسب إلی سالم بن عمارة بن عبدالحارث ( انظر : معجم البلدان 2 : 99 - 100 ) .
3- الأذان بحیّ علی خیر العمل : 83 للحافظ العلوی .

ص:342

یحیی بن زید بن علیّ بن الحسین « 125 ه »

أخرج الحافظ العلوی بسنده عن زیاد بن المنذر ، قال : حدّثنی حسّان ، قال : أذّنت لیحیی بن زید بخراسان ، فأمرنی أن أقول : حیّ علی خیر العمل ، ] حی علی خیر العمل [ .

وبإسناده عن صباح المزنی ، قال : أذّن رجل کان مع یحیی بن زید بخراسان ، قال : ما زال مؤذنهم ینادی

بحیّ علی خیر العمل حتّی قُتل((1)) .

إبراهیم بن عبدالله بن الحسن « 145 ه »

أخرج الحافظ العلوی باسناده عن سالم الخزاز ، قال : کان إبراهیم بن عبدالله ابن الحسن یأمر أصحابه إذا کانوا فی البادیة أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

الحسین بن علیّ ( صاحب فَخّ ) « 169 ه »

روی أبو الفرج الإصفهانیّ أنّ إسحاق بن عیسی بن علیّ ، وَلِی المدینة فی أیّام موسی الهادی ، فاستخلف علیها رجلاً من ولد عمر بن الخطّاب ، یُعرف بعبد العز یز بن عبدالله ، فحمل علی الطالبیّین ، وأساء إلیهم ، وأفرط فی التحامل علیهم ، وطالبهم بالعرض ] علیه [ کلّ یوم ، وکانوا یعرضون فی المقصورة ، وأخذ کلّ واحد منهم بکفالة قر ینه ونسیبه ، فضمن الحسینُ بن علیّ ، ویحیی ابن عبدالله


1- الأذان بحیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی : 87 وانظر : إمالی أحمد بن عیسی 1 : 97 الحدیث 236 .
2- الأذان بحیّ علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 88 ، 89 ، وبتحقیق عزّان : 147 ح 186 ، 187 .

ص:343

ابن الحسن : الحسنَ بن محمَّد بن عبدالله بن الحسن ، ووافی أوائل الحاجّ ، وقَدِم من الشیعة نحو من سبعین رجلاً فنزلوا دار ابن أفلح بالبقیع وأقاموا بها ، ولقوا حسیناً وغیرَه ، فبلغ ذلک العمریَّ فأنکره ، وکان قد أخذ قبل ذلک الحسن بن محمّد بن عبدالله ، وابن جندب الهذلی الشاعر ، ومولی لعمر ابن الخطاب وهم مجتمعون ، فأشاع أنّه وجدهم علی شراب ، فضرب الحسن ثمانین سوطاً ، وضرب ابن جندب خمسة عشر سوطاً ، وضرب مولی عمر سبعة أسواط ، وأمر بأن یدار بهم فی المدینة مکشّفی الظهور لیفضحهم ، فبعثت إلیه الهاشمیّة - صاحبة الرایة السوداء فی أیام محمّد بن عبدالله - فقالت له : لا ولا کرامة ، لا تشهّر أحداً من بنی هاشم ، وتشنّع علیهم وأنت ظالم ، فکفَّ عن ذلک وخلّی سبیلهم ... إلی أن یقول : ثمّ عرضهم یوم الجمعة ... فدعا باسم الحسن بن محمَّد ، فلم یحضر ؛ فقال لیحیی والحسین بن علیّ : لتأتیانی به أو لأحبسنَّکما ، فإنَّ له ثلاثة أیّام لم یحضر العرض ، ولقد خرج أو تغیَّب ... أر ید أن تأتیانی بالحسن بن محمَّد .

فقال له الحسین : لا نقدر علیه ، هو فی بعض ما یکون فیه الناس ، فابعث إلی آل عمر بن الخطّاب ، فاجمعهم کما جمعتنا ، ثمَّ اعرضهم رجلاً رجلاً ، فإن لم تجد فیهم من قد غاب أکثر من غیبة الحسن عنک ، فقد أنصفتنا .

فحلف ] العمریّ [ علی الحسین بطلاق امراته وحریّة ممالیکه ، أنّه لا یخلّی عنه أو یجیئه به فی باقی یومه ولیلته ، وأنّه إن لم یجئ به لیرکبنّ إلی سویقِهِ فیخرّبها ویحرقها ولیضربنَّ الحسین ألف سوط ...

فوثب یحیی مُغضَباً ، فقال له : أنا أعطی الله عهداً .. ثمّ وجَّهَ ] الحسین [ فجاءهُ یحیی ، وسلیمان ، وإدریس - بنو عبدالله بن الحسن - وعبدالله بن الحسن الأفطس ، وإبراهیم بن إسماعیل طباطبا ، وعمر بن الحسن بن علیّ بن الحسن بن الحسین بن الحسن ، وعبدالله بن إسحاق بن إبراهیم بن الحسن بن الحسن بن علیّ ، وعبدالله بن

ص:344

جعفر بن محمَّد بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب .. ووجَّهوا إلی فتیان من فتیانهم وموالیهم ، فاجتمعوا .. ستّة وعشر ین رجلاً من ولد علیّ ، وعشرة من الحاجّ ، ونفر من الموالی .

فلمَّا أذَّن المؤذِّن للصبح دخلوا المسجد ، ثمَّ نادوا : ( أحد ، أحد ) ، وصعد عبدالله بن الحسن الأفطس المنارة التی عند رأس النبیّ صلی الله علیه و آله ، عند موضع الجنائز ؛ فقال للمؤذِّن : أذِّن ب- « حیَّ علی خیر العمل » ، فلمَّا نظر إلی السیف فی یده أذَّن بها . وسمعه العمریّ ، فأحسَّ بالشرِّ ، ودهش ... وولَّی هارباً ... فصلَّی الحسین بالناس الصبح ؛ ودعا بالشهود العدول الذین کان العمریّ أشهدهم علیه أن یأتی بالحسن إلیه ، ودعا بالحسن ؛ وقال للشهود : « هذا الحسن قد جئت به ، فهاتوا العمریّ وإلّا والله خرجت من یمینی ، وممَّا عَلَیَّ » . ولم یتخلَّف عنه أحد من الطالبیّین((1)) .

غیر أنّهم حرّفوا الخلاف العقائدی السیاسی إلی خلاف سیاسی بحت ، فنراهم یشککون فی أهداف ثورة صاحب فخ ویتّهمونه وکلَّ الثوار بأنّهم ثاروا للدفاع عن شخص سکّیر - والعیاذ بالله - وهو الحسن بن محمّد بن عبدالله بن الحسن ( ابن النفس الزکیة )((2)) !

ومثله قالوا عن ثورة الإمام زید وشککوا فی دواعی ثورته الخالصة ، زاعمین أنّها جاءت علی أثر خلاف مالیّ بینه وبین بعض أعوان السلطة وهو خالد بن عبدالله((3)) أو أنّه وابنی الحسن تخاصما فی وقف لعلی((4)) أو ما شابه ذلک من التهم


1- مقاتل الطالبیّین : 443 - 447 وقد رویناه مختصراً .
2- تاریخ الطبری 8 : 192 ، 193 ، الکامل فی التاریخ 5 : 74 - 75 .
3- تاریخ الطبری 7 : 160 . وقد أجاب الإمام زید عن هذه التهمة وقال لیوسف بن عمر : أنّی یودعنی مالاً وهو یشتم آبائی علی منبره . فارسل ] یوسف [ إلی خالد فاحضره فی عباءة فقال له : هذا زید ، زعمت أنک قد أودعته مالاً ، وقد أنکر . فنظر خالد فی وجههما ثمّ قال : أترید أن تجمع مع إثمک فیّ إثماً فی هذا ! کیف أودعه مالاً وأنا أشتمه وأشتم آباءه علی المنبر ! قال : فشتمه یوسف ، ثمّ رده ، ( تاریخ الطبری 7 : 167 ) .
4- تاریخ الطبری 7 : 163 احداث سنة 121 .

ص:345

الفارغة التی تباین شخصیة هؤلاء الأفذاذ ، وما هذا إلّا کصنیع الأمویین مع النصوص والأحداث .

لقد سعت حکومة عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان والحکومة الأمویّة ، إلی تجرید الحیعلة الثالثة من طابعها السیاسی ، بل حاولوا إدخالها فی إطار اختلاف وجهات النظر والاجتهاد بین الصحابة کما یسمّونه ، لکنّ الأمر أخذ یختلف فی العهد العباسی الأول ثمّ من بعده فی الحکومات اللاحقة ، إذ راح یتبلور أکثر فأکثر کون الحیعلة الثالثة شعاراً دینیَّاً سیاسیاً للثوار ، وأخذت الحکومة تتحسس منه ولا تستطیع خنقه .

فإبراهیم بن عبدالله بن الحسن - أخو النفس الزکیة الذی خرج بالبصرة بعد شهادة أخیه - یأمر أصحابه أن یؤذّنوا بالحیعلة سراً کی لا یقف النهج الحاکم وجواسیسه علیهم . وهکذا حال الحسین صاحب فخ ، فإنّه لم یکن تأذینه وأتباعُهُ بالحیعلة الثالثة إلّا معنی آخر للثورة ولیعلنوا أنهم هم الأولی بالله ورسوله وخلافته .

طبرستان ( سنة 250 ه )

خرج بطبرستان الحسن بن زید بن محمّد بن إسماعیل بن الحسن بن زید ابن الحسن بن علیّ بن أبی طالب .

وکان سبب ظهوره أنّ محمّد بن عبدالله بن طاهر لمّا ظفر بیحیی بن عمر أقطعه

ص:346

المستعین بالله العباسی من ضواحی السلطان بطبرستان قطائعَ ، منها قطیعة قرب ثغر الدیلم وهما کلار وشالوس ، وکان بحذائهما أرض یحتطب منها أهل تلک الناحیة ، وترعی فیها مواشیهم ، لیس لأحد علیها ملک إنّما هی مَوات ، وهی ذات غیاض ، وأشجار ، وکلأ .

فوجّه محمّد بن عبدالله نائبه لحیازة ما أُقطِع ، واسمه جابر بن هارون النصرانی ، فلمّا قَدِم جابر عَمَد فحاز ما اتّصل به من أرض مَوات یرتفق بها الناس .

وکان فی تلک الناحیة یومئذ أخوانِ لهما بأسٌ مذکوران بإطعام الطعام وبالإفضال ، یقال لأحدهما : محمّد ، وللآخر : جعفر ، وهما ابنا رستم ، فانکرا ما فعل جابر من حیازة الموات وکانا مُطاعَین فی تلک الناحیة ، فاستنهضا من أطاعهما لمنع جابر من حیازة ذلک الموات ؛ فخافهما جابر فهرب منهما فلحق بسلیمان بن عبدالله بن طاهر وکان عامل طبرستان یومئذ ، وخاف محمّد وجعفر ومن معهما من عامل طبرستان ، فراسلوا جیرانهم من الدَّیلم یذکّرونهم العهد الذی بینهم ، ثمّ أرسل ابنا رستم ومن وافقهما إلی رجل من الطالبیین - اسمه محمّد بن إبراهیم کان بطبرستان - یدعونه إلی البیعة ، فامتنع ، وقال : لکنّی أدلّکم علی رجل منّا هو أقوم بهذا الأمر منّی ، فدلّهم علی الحسن بن زید وهو بالری ، فوجّهوا إلیه عن رسالة محمّد بن إبراهیم یدعونه إلی طبرستان ، فشخص إلیها ، فأتاهم وقد صارت کلّ الدیلم وأهل کلار وشالوس والرویان علی بیعته ، فبایعوه کلّهم وطردوا عمّال ابن أوس عنهم - وکان هذا من عمال سلیمان بن عبدالله عامل طبرستان - فلحقوا بسلیمان بن عبدالله ، وانضم إلی الحسن بن زید أیضاً جبال طبرستان .

ثمّ تقدم الحسن ومن معه نحو مدینة آمل ثمّ ساریة ، وقیل إنّ سلیمان انهزم اختیاراً لأنّ الطاهریّة کلّها کانت تتشیّع ، فلمّا أقبل الحسن بن زید إلی طبرستان تأثّم سلیمان من قتاله لشدّته فی التشیع ، وقال :

ص:347

نبّئتُ خیل ابن زید

أقبلت خَبَباً

تُریدنا

لتُحَسِّینا ألامَرَّیْنا

یا قَومُ إن کانت

الأنباءُ صادقةً

فالوَیلُ لی ولجمیع

الطاهریّینا

أمّا أنا فإذا

اصطفّت کتائبُنا

أکونُ من بینهم رأَس

المُوَلّینا

فالعُذرُ عند رسول

الله منبسطٌ

إذا احتسبت دماء

الفاطمیّینا

فلمّا التقوا انهزم سلیمان ، فلما اجتمعت طبرستان للحسن وجه إلی « جندا » مع رجل من أهله یقال له الحسن بن زید أیضاً ، فملکها وطرد عنها عامل الطاهریة ، فاستخلف بها رجلاً من العلویین یقال له محمّد بن جعفر وانصرف عنها »((1)) .

وقد جاء فی تاریخ طبرستان لابن اسفندیار الکاتب المتوفّی 613 ه- قوله :

« استقرّ الداعی الکبیر ابن زید فی آمُل ، وأعلن فی أطراف طبرستان وکیلان والدیلم أنّه : قد رأینا العمل بکتاب الله وسنّة رسوله وما صحّ عن أمیر المؤمنین ، وإلحاق حیَّ علی خیر العمل ، والجهر بالبسملة ، والتکبیر خمساً علی المیت ، ومن خالف فلیس منّا »((2)) .

وقد حکی الشیخ أغا بزرک الطهرانی فی الذریعة عن تاریخ طبرستان : 240 أن الداعی إلی الحق الحسن بن زید کتب فی سنة 252 منشورة عن آمل إلی سائر بلاده ، بإعلاء شعائر التشیع من تقدیم أمیر المؤمنین علیه السلام ، والأخذ بما صح عنه فی جمیع الأصول والفروع من قول « حیّ علی خیر العمل » والجهر ب- « بسم الله الرحمن الرحیم » وغیر ذلک((3)) .

هکذا نجح الحسن بن زید فی تکوین هذه الدولة التی تُعرف بالدولة الزیدیة


1- انظر : تفاصیل هذا الامر فی الکامل لابن الأثیر 5 : 314 - 317 حوادث سنة 250 .
2- تاریخ طبرستان لابن اسفندیار الکاتب : 239 وعنه فی تاریخ طبرستان للمرعشی 881 ه- .
3- الذریعة إلی تصانیف الشیعة 17 : 270 .

ص:348

بطبرستان ، واقتطع من ملک بنی العبّاس وآل طاهر طرفاً عظیماً تحمیه جبال طبرستان والدیلم ، واستمرت هذه الحکومة نحو قرن کامل ( 250 - 355 ه- ) تولی فیها :

1 - الحسن بن زید الداعی 250 - 270 .

2 - محمّد بن زید القائم بالحق 270 - 279 .

3 - احتلال الدولة السامیة لطبرستان 279 - 301 .

4 - تولی الحسن الأطروش بن علیّ بن عمر بن زین العابدین 301 - 304 علی طبرستان مرّة أُخری .

5 - الحسن بن القاسم بن علیّ بن عبدالرحمن ومعه أولاد الأُطروش 304 - 355 .

ویبدو أنّ المنشور الذی أعلنه الداعی الکبیر سنة 252 ه- ظل ساری المفعول حتّی نهایة هذه الدولة العلویة الزیدیّة ، فکانت المآذن تؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » لأکثر من قرن ، منبّهین علی أنّ هذا المرسوم صدر فی وقت مبکر جداً من أوائل حکومة هذا الداعی الکبیر ، لما له من هیبة دینیة وبُعد سیاسی ، وما له من أثر فی ترسیخ حکومة تقوم علی أساس الدین من وجهة نظر علویة ، ویؤکد صحةَ هذا ما نراه الیوم وبعد أکثر من ألف عام فی التراث الزیدی ، فلو راجعت کتبهم الفقهیة والحدیثیة القدیمة عرفت ثبوتها عندهم ، وهذا الموقف من الحسن بن زید وغیره هو امتداد لشرعیتها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله .

حمص / مصر / بغداد ( سنة 290 ه )

جاء فی کتاب بغیة الطلب فی أخبار حلب لابن العدیم المتوفی ( 660 ه- ) :

« ... فصار ] صاحب الخال [ إلی حمص ودُعی له بکورها وأمرهم أن یصلوا الجمعة أربع رکعات ، وأن یخطبوا بعد الظهر ویکون أذانهم :

ص:349

أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أن علیّاً ولی الله ، حیّ علی خیر العمل »((1)) .

وجاء فی کتاب « أخبار بنی عبید » لمحمد بن علیّ بن حماد فی ترجمة عبیدالله ( 322 ه- ) - مؤسس الدولة العبیدیة فی مصر - :

... وکان مما أحدث عبیدالله أن قطع صلاة التراویح فی شهر رمضان ، وأمر بصیام یومین قبله ، وقنت فی صلاة الجمعة قبل الرکوع ، وجهر بالبسملة فی الصلاة المکتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح : « الصلاة خیر من النوم » ، وزاد : « حیّ علی خیر العمل » ، « محمد وعلی خیر البشر » ، ونص الأذان طول مدة بنی عبید بعد التکبیر والتشهدین : حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح مرتین ، حیّ علی خیر العمل محمد وعلی خیر البشر مرتین مرتین ، لا إله إلّا الله مرة((2)) .

هذان نصّان أحدهما عن الطالبیین فی حلب والآخر فی مصر ، وهما یؤکدان أنّ النزاع الفکری بین الطالبیین والنهج الحاکم کان مستمراً عبر جمیع القرون ، ولم یختصّ ببلدة دون أخری .

و یدلّ علی أصالة الحیعلة الثالثة ، وامتداد التأذین بها زماناً ، وانتشارها مکاناً ، ما رواه القاضی التنوخی المتوفّی 384 ه- عن أبی فرج الاصفهانی فیما حدث فی بغداد فی نفس تلک الفترة تقریباً ، قال :

أخبرنی أبو الفرج الاصفهانی ( المتوفّی 356 ه- ) قال : سمعت رجلاً من القطیعة((3)) ، یؤذن : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد


1- بغیة الطلب 2 : 944 .
2- اخبار بنی عبید 1 : 50 .
3- رجّح محقق کتاب نشوار المحاضرة أن یکون المقصود من القطیعة هی قطیعة أمّ جعفر ، وهی محلّة ببغداد عند باب التبن وهو الموضع الذی فیه مشهد الإمام موسی ابن جعفر ، لکن ترجیحه لیس براجح بنظرنا ، لأن أبا الفرج لو أراد تلک القطیعة لقال : رجلُ من أهل القطیعة أو رجل من قطیعة أمّ جعفر ؛ وذلک لتمییزها عن القطائع الکثیرة الأخری - والتی ذکرها صاحب معجم البلدان 4 : 376 - کقطیعة إسحاق ، وقطیعة الرقیق ، وقطیعة الربیع ، وقطیعة زهیر ، وقطیعة العجم ، وقطیعة عیسی وغیرها . وحیث لا یمکن الترجیح أو القول بأن القطیعة هی علم لقطیعة أم جعفر فلابدّ من احتمال أن تکون القطیعة هی تصحیف للقطعیة وهی الفرقة التی قطعت بموت موسی ابن جعفر وإمامة علیّ ابن موسی الرضا علیهم السلام ، وهم فی مقابل الواقفیّة التی وقفت علی إمامة موسی بن جعفر الکاظم ولم تقل بإمامة مَن بعده ، ویترجّح احتمالنا حینما نری التنوخی یأتی ب- « خبر أذان رجل من القطیعة » بعد خبر « حجّام یحجم بالنسیّة إلی الرجعة » وکلاهما یرتبط بأمر تقوله الشیعة الإمامیّة الاثنا عشریة . ویتقوی احتمالنا هذا حینما نری الإصفهانی - الزیدی العقیدة - ینقل هذا الخبر ، وهو تأکید لأذان الإمامیة القطعیة فی الکاظمیة ، وأنهم کانوا یؤذّنون بالشهادة الثالثة . ولو أحببت أن تتأکد بأن القطعیة هو اصطلاح للشیعة الاثنی عشریة راجع کتب الشیخ الصدوق ومقالات الإسلامین للأشعری 1 : 17 ، والملل والنحل للشهرستانی 1 : 29 ، وخاتمة المستدرک 4 : 248 عن النوبختی فی کتاب مذاهب فرق أهل الامة . وعلی فرض أن یکون المراد قطیعة أمّ جعفر ، فهی أیضاً کانت من الأماکن التی یقطنها الشیعة الإمامیة الاثنا عشریة ، قال الحموی فی معجم البلدان 4 : 448 ، وأهل الکرخ کلهم شیعة إمامیة لا یوجد فیهم سنیّ ألبتة . وانظر : حول تشیعها الاثنی عشری البدایة والنهایة 11 : 307 / احداث سنة 379 ، وموسوعة العتبات المقدسة « الکاظمیة » 9 : 115 . هذا وقد أضاف المحقق جملة من بعض النسخ تشمئز منها النفوس ولا تتفق مع السیر التاریخی وارتباط هند وابن عمر بمسألة الأذان ، فراجع .

ص:350

أن محمد رسول الله ، أشهد أن علیّاً ولی الله ، محمد وعلی خیر البشر ، فمن أبی فقد کفر ، ومن رضی فقد شکر ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر الله أکبر ، لا إله إلّا الله((1)) ...


1- نشوار المحاضرة للتنوخی 2 : 133 .

ص:351

ولتأکید وجود الخلاف الفقهی العقائدی فی تلک البرهة من التاریخ إلیک کلام المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) عند ذکره مذاهب أهل مصر ونِحَلِهم ، قال :

قال أبو عمر الکندی فی کتاب ( أمراء مصر ) : ولم یَزَل أهل مصر علی الجهر بالبسملة فی الجامع العتیق إلی سنة ثلاث وخمسین ومائتین ( 253 ه- ) ، قال : ومنع أرجون صاحب شرطة مزاحم بن خاقان أمیر مصر من الجهر بالبسملة فی الصلوات بالمسجد الجامع ، وأمر الحسین بن الربیع إمام المسجد الجامع بترکها وذلک فی رجب سنة ثلاث وستّین ومائتین ( 263 ه- ) ، ولم یَزَل أهل مصر علی الجهر بها فی المسجد الجامع منذ الإسلام إلی أن منع منها أرجون .

إلی أن یقول : ... إلی أن قدم القائد جوهر من بلاد إفریقیة فی سنة ثمان وخمسین وثلاثمائة (358 ه-) بجیوش مولاه المعز لدین الله أبی تمیم معدّ وبنی مدینة القاهرة ، فمن حینئذ فشا بدیار مصر مذهب الشیعة ، وعمل به فی القضاء وأنکر ما خالفه ، ولم یبقَ مذهب سواه ، وقد کان التشیّع بأرض مصر معروفاً قبل ذلک .

قال أبو عمر الکندی فی کتاب الموالی ، عن عبدالله بن لهیعة أنه قال : قال یزید بن أبی حبیب : نشأت بمصر وهی علویّة فقلبتُها عثمانیة((1)) .

ثمّ عمد المقریزی إلی شرح الأدوار التی مرت بها الشیعة فی مصر وکیف کانت علویّة وصارت عثمانیّة حتّی یصل إلی صفحة 340 ، وفیها یذکر حوادث سنة ( 353 و356 ه- ) وأن « جوهراً » أعلن حیّ علی خیر العمل وفضّل الإمام علیّاً وأولاده علی غیره وجهر بالصلاة علیه وعلی الحسن والحسین وفاطمة الزهراء رضوان الله علیهم ، ممّا سیأتی فی ما ننقله عن حوادث مصر فی تلک السنة .


1- الخطط المقریزیة 2 : 334 .

ص:352

هذا نموذج بسیط عن مسار الاتجاهین الفکری . وقد أکدنا اکثر من مرّة علی أنّ لکلّ واحد من النهجین قادة وجماهیر .

ولما حکم نهج الاجتهاد والرأی - فی الحکومات الأمویة والعباسیة أو السلجوقیة والأیوبیة - حکّم آراء الخلفاء وفقههم فی الشریعة .

أمّا النهج الشیعی فقد دعا إلی الأخذ بسنة رسول الله عن علیّ وأولاده ، وهؤلاء قد عارضوا النهج الحاکم فی زمن الشیخین وعثمان وطیلة الحکم الاموی والعباسی . ولا ننسی أن شعاریة « حیّ علی خیر العمل » وغیرها قد تجسدت فی العصر العباسی الأوّل والثانی ، أی بنشوء الدول الشیعیة کالدولة الإدریسیة فی المغرب والحمدانیة فی حلب ، والبویهیة فی بغداد ، والزیدیة فی طبرستان ، والفاطمیة فی مصر و...

وقد اتّخذ کلّ اتجاه أُصولا فی عمله ، فأحدهم یمنع من تدوین الحدیث والآخر یصرّ علیه وإن وضعت الصمصامة علی عنقه .

والأوّل یذهب إلی عدم تنصیص النبیّ علی أحد بل ترک الأمّة لتختار لإمامتها من تشاء ، والآخر یعتقد بلزوم الوصایة والخلافة وقد عیّن النبیُّ بالفعل علیاً إماماً وخلیفة من بعده .

والسنیّ یقول باجتهاد النبیّ ، والشیعی لا یرتضی ذلک .. وهلمّ جرّاً .

اذاً یمکن تلمس النهج السنی فی تصرف الدولتین الامویة والعباسیة ، ثمّ بعدهم السلجوقیّة والنوریّة والصلاحیّة والعثمانیّة ، وهذه الدول کانت تسعی لتطبیق ما شُرّع علی عهد الخلفاء وما دوّن لهم فی عهد عمر بن عبدالعزیز - لقول الزهری : ( کنّا نکره تدوین الحدیث حتّی أکرهنا السلطان علی ذلک ، فکتبناه وخفنا أن لا نکتبها للناس ) - وأخذوا بالمذاهب الأربعة فقط ، اعتقاداً منهم بأنّ أقوال أربابها هی الدین الحق ، غافلین عن دور الحکّام فی تأصیل أصول تلک الأحکام الشرعیة ، کتدوین الحدیث ، وحصر المذاهب بالأربعة وسوی ذلک .

ص:353

وفی المقابل نری النهج العلوی بأمرائه وجماهیره وعلمائه وفقهائه یسعون - عند وصولهم إلی الحکم - لتطبیق ما عرفوه من سنة رسول الله ونهج الإمام علیّ ، فیصرّون علی الإتیان بالحیعلة الثالثة مثلاً ویأبَون بِدعیتها ، وهکذا الأمر فی غیرها من المسائل المختلف فیها .

وهذا التخالف بین الجناحین یومئ إلی أنّ الخلاف بین الحکومات العلویّة الشیعیّة والحکومات السنیّة علی مرّ التاریخ کان یدور فی محاور عقائدیّة فکریة استراتیجیّة ، مضافاً لما بینهما من خلاف حول الخلافة ، لأنّ کلّ واحد من الطرفین یستدل علی صحّة عمله بأقوال وأفعال من یعتقد به من الصحابة أو أهل البیت .

وعلیه فلا یجوز أن نتغافل عن جذور الحیعلة الثالثة وأشباهها فی کتب الفقه والحدیث والتاریخ ، بل بذکرنا خلافیات الفریقین یمکن الوقوف علی جواب سؤالنا السابق ، وأن هذه الأمور هی تشریعات ذات أبعاد سیاسیة عقائدیة .

ولا یمکننا أن ننکر أنّ الشیعة قد کانوا یَمَسّون الصحابة فی بعض الأحیان ؛ لما وقفوا علیه فی التاریخ من غصب حقّ الإمام علیّ ، ومنع الزهراء من فدک والهجوم علی بیتها ، ولعن الإمام علیَّ علی المنابر فی زمن معاویة ومَن بعده ، وضیاع أحکام کثیرة من دین الله و...

وهذا یوضح أنّ لکلّ واحد من النهجین شعائره ومقدساته . ویجب أن یتّضح لنا أنّ هذا الموقف من الاعتقاد الشیعی أو ذاک الموقف من الاعتقاد السنّی إنّما یبتنی علی ما یحمله کلّ طرف من المتبنّیات الفکریة الأیدلوجیة والأصول التی اعتمد علیها ، والتی تدلّ علی شرعیّته عنده وأنّه لم یکن ولید ساعته !

إنّ کلامنا هذا یرمی إلی بیان البُنَی التحتیة للفریقین ، دون الخوض فی أصل شرعیة حکم الفاطمیین أو عدم شرعیة حکم العباسیین أو العکس وإلی البحث عن مدی صحّة ما روی عنه صلی الله علیه و آله : اقتدوا باللذین من بعدی أبی بکر وعمر ، أو أن

ص:354

حکم البسملة هو الجهر أم الإخفات ، وهل یجوز المسح علی الخفین أم لا ؟ إذ أن شرعیة هذه الأحکام وعدمها سبقت هذه المرحلة ، وإن دیمومیة هذا الخلاف من قبل الفریقین ینبئ عن وجود أصل مختلف فیه بینهما ، لا کما یصورونه من عدم وجود أصل فیه عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو عن حکومات غیر المتعبّدین .

الأندلس « ما بعد سنة 300 ه »

ذکر ابن حزم الاندلسی فی ( نَقْط العروس فی تواریخ الخلفاء ) تحت عنوان : مَن خَطَب لبنی العبّاس أو لبنی علیّ بالأندلس ، فقال :

عمر بن حفصون خطب فی أعماله بریَّةَ((1)) لإبراهیم بن قاسم بن إدریس بن عبدالله بن حسن بن حسن بن علیّ بن أبی طالب صاحب البصرة ، ثمّ خطب لعبید الله صاحب افریقیة ، وأذّن فی جمیع أعماله « بحیّ علی خیر العمل »((2)) .

حلب / مصر ( سنة 347 ه )

قال المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) : « ... وأوّل مَن قال فی الأذان باللیل : « محمّد وعلیّ خیر البشر »((3)) الحسین المعروف « بأمیر ابن شکنبة » ، ویقال اشکنبة ، وهو اسم اعجمیّ معناه : الکرش ، وهو : علیّ بن محمّد بن علیّ بن إسماعیل بن الحسن بن زید بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب ، وکان أوّل تأذینه بذلک فی أیّام سیف الدولة بن حمدان بحلب فی سنة سبع وأربعین وثلاثمائة ، قاله الشریف محمّد بن أسعد الجوبانی النسّابة .


1- بناحیة اکشونیت .
2- رسائل ابن حزم الاندلسی 2 : 84 الرسالة الثانیة ( نَقط العروس فی تواریخ الخلفاء ) تحقیق احسان عباس بیروت 1987 .
3- هذا اشتباه من الکاتب ، ذلک ان الزیدیة کانت تقول بهذا قبل هذا التاریخ حسبما وضحناه .

ص:355

ولم یزل الأذان بحلب یزاد فیه « حیَّ علی خیر العمل ، ومحمّد وعلیّ خیر البشر » إلی أیّام نور الدین محمود ، فلما فتح المدرسة الکبیرة المعروفة بالحلاویة استدعی أبا الحسن علیّ بن الحسن بن محمّد البلخی الحنفی إلیها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقی بها الدروس ، فلما سمع الأذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الأذان وقال لهم : مُرُوهم یؤذّنوا الأذان المشروع((1)) ، ومن امتنع کُبّوه علی رأسه ، فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به ، واستمر الأمر علی ذلک .

وأمّا مصر فلم یزل الأذان بها علی مذهب القوم ] یعنی الشیعة الفاطمیین [ إلی أن استبدّ السلطان صلاح الدین یوسف بن أیوّب بسلطنة دیار مصر وأزال الدولة الفاطمیة فی سنة سبع وستیّن وخمسمائة ، وکان ینتحل مذهب الإمام الشافعی رضی الله عنه وعقیدة الشیخ أبی الحسن الأشعری ، فأبطل الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وصار یؤذّن فی سائر إقلیم مصر والشام بأذان أهل مکّة ، وفیه تربیع التکبیر وترجیع الشهادتین ، فاستمر الأمر علی ذلک إلی أن بنت الأتراک المدارس بدیار مصر وانتشر مذهب أبی حنیفة فی مصر ، فصار یؤذن فی بعض المدارس التی للحنفیّة بأذان أهل الکوفة ، وتقام الصلاة أیضاً علی رأیهم((2)) ...

ومما یجب الإشارة إلیه أنّ دولة سیف الدولة الحمدانیّ المتوفّی سنة 356 ه- اتّسعت وشملت حلب وانطاکیه وقنّسرین ومنبج وبالس ومعرّة النعمان ومعرّة مصرین ، وسرمین ، وکفر طاب ، وافامیة ، وعزاز ، وحماة ، وحمص ، وطرطوس ، ثمّ تولی بعده أخوه ناصر الدولة . وکانت دولة شیعیة اثنی عشریّة تعلن عن معتقداتها وآراءها بدون عسف وقسر .


1- یعنی به الذی لیس فیه « حیّ علی خیر العمل ، المفسر بمحمد وعلی خیر البشر » !
2- خطط المقریزی 2 : 271 - 272 .

ص:356

روی ابن ظافر فی أحداث سنة أربع وخمسین وثلاثمائة أن سیف الدولة صاهر أخاه ناصر الدولة ، فزّوج ابنیه أبا المکارم وأبا المعالی بابنتَی ناصر الدولة ، وزوج أبا تغلب بابنته « ستّ الناس » وضرب دنانیر کبیرة ، فی کلّ دینار منها ثلاثون دیناراً وعشرون وعشرة علیها مکتوب : « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله . أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب . فاطمة الزهراء . الحسن . الحسین . جبریل : » . وعلی الجانب الآخر « أمیر المؤمنین المطیع لله . الأمیران الفاضلان : ناصر الدولة ، سیف الدولة . الأمیران أبو تغلب وأبو المکارم »((1)) .

وواضح ممّا تقدم أنّ الشیعة کانوا یعلنون عن معتقداتهم بکلّ رصانة وهدوء وبالدلیل والمنطق حین تستقرّ بهم الأمور ، بخلاف مَن أمروا بإلقاء مَن یؤذّن بالحیعلة الثالثة وبفضل محمّد وآل محمّد من علی رأس المنارة !!

وجاء فی الکامل لابن الأثیر وتاریخ الإسلام للذهبی فی حوادث سنة 351 ه- : وفیها کتبت الشیعة ببغداد علی أبواب المساجد : لَعَنَ الله معاویة ، ولَعَنَ من غَصَبَ فاطمةَ حقَّها من فَدَک ، ومَن منع الحَسَن أن یُدفن مع جدّه ، ومن نفی أبا ذَرٍّ . ثمّ إنَّ ذلک مُحی فی اللیل ، فأراد مُعِزُّ الدولة إعادته ، فأشار علیه الوزیر المهلّبی أن یُکتَب مکان ما مُحی : « لعن الله الظالمین لآل رسول الله صلی الله علیه و آله » ، وصرّحوا بلعنة معاویة فقط((2)) .

وفی ثامن عشر ذی الحجّة من سنة اثنتین وخمسین وثلاثمائة ( 352 ه- ) عُمل عید غدیر خُمّ وضُربت الدبادب ، وأصبح الناس إلی مقابر قریش للصلاة هناک ، وإلی مشهد الشیعة((3)) .


1- أعیان الشیعة 8 : 269 .
2- تاریخ الإسلام : 8 حوادث 351 - 380 ه- ، الکامل فی التاریخ 7 : 4 ، المنتظم 14 : 140 .
3- تاریخ الإسلام : 12 حوادث 351 - 380 ه- .

ص:357

القاهرة ( سنة 356 ه )

جاء فی کتاب ( المواعظ والاعتبار فی ذکر الخطط والآثار ) للمقریزی : « ... وفی شهر رمضان سنة ثلاث وخمسین وثلاثمائة أُخذ رجل یعرف بابن أبی اللیث یُنسَب إلی التشیع فضُرب مائتی سوط ودَرّة .

ثمّ ضرب فی شوّال خمسمائة سوط ودَرّة ، وجُعل فی عنقه غِلّ وحُبِس ، وکان یُتفقَّد فی کلّ یوم لئلا یُخفّف عنه ، ویُبصَق فی وجهه ، فمات فی محبسه ، فحُمل لیلاً ودفن .

فمضت جماعة إلی قبره ینبشوه وبلغوا إلی القبر ، فمنعهم جماعة من الاخشیدیّة والکافور یّة فأبَوا وقالوا : هذا قبرُ رافضی ، فثارت فئة ، وضرب جماعة ونهبوا کثیراً حتّی تفرّق الناس .

وفی سنة ستّ وخمسین کتب فی صفر علی المساجد ذکر الصحابة والتفضیل ، فأمر الأستاذ کافور الإخشیدی بإزالته ، فحدّثه جماعة فی إعادة ذکر الصحابة علی المساجد فقال : ما أُحدِث ُفی أیّامی ما لم یکن ، وما کان فی أیّام غیری فلا أز یله ، ثمّ أمر من طاف وأزاله من المساجد کلها .

ولما دخل جوهر القائد بعساکر المعزّ لدین الله إلی مصر وبنی القاهرة أظهر مذهب الشیعة ، وأذّن فی جمیع المساجد الجامعة وغیرها « حیّ علی خیر العمل » وأعلن بتفضیل علیّ بن أبی طالب علی غیره ، وجهر بالصلاة علیه وعلی الحسن والحسین وفاطمة الزهراء رضوان الله علیهم ...

وفی ربیع الأوّل سنة اثنین وستّین عَزّر سلیمانُ بن عروة المحتسب جماعة من الصیارفة ، فشغبوا وصاحوا : معاویة خال علیّ بن أبی طالب ، فهمّ جوهر أن یحرق رحبة الصیارفة لکن خشی علی الجامع ، وأمر الإمام بجامع مصر أن یجهر بالبسملة

ص:358

فی الصلاة ، وکانوا لا یفعلون ذلک ، وزِیدَ فی صلاة الجمعة القنوت فی الرکعة الثانیة ، وأمر فی المواریث بالردّ علی ذوی الأرحام ، وأن لا یرث مع البنت أخ ولا أخت ولا عمّ ولا جدّ ، ولا ابن أخ ولا ابن عم ، ولا یرث مع الولد الذکر أو الأنثی إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا یرث مع الأمِّ إلّا من یرث مع الولد أو الأنثی إلّا الزوج أو الزوجة والأبوان والجدّة ، ولا یرث مع الأم إلّا من یرث مع الولد .

وخاطب أبو الطاهر محمّد بن أحمد - قاضی مصر - القائدَ جوهراً فی بنت وأخ ، وأنه حکم قدیماً للبنت بالنصف وللأخ بالباقی ، فقال : لا أفعل ، فلمّا ألحّ علیه قال : یا قاضی ، هذا عداوة لفاطمة3 !! فأمسک أبو الطاهر فلم یراجعه بعد ذلک ...((1))

القاهرة ( سنة 358 ه )

قال ابن خلّکان فی وفیات الأعیان : أقیمت الدعوة للمعزّ فی الجامع العتیق ، وسار جوهر إلی جامع ابن طولون ، وأمر بأن یؤذّن فیه ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذّن ، ثمّ أذّن بعده بالجامع العتیق ، وجهر فی الصلاة ببسم الله الرحمن الرحیم((2)) .

وقال بعده : وفی یوم الجمعة الثامن من ذی القعدة أمر جوهر بالزیادة عقیب الخطبة : اللّهم صلّ علی محمّد المصطفی ، وعلی علیّ المرتضی ، وعلی فاطمة البتول ، وعلی الحسن والحسین سبطَی الرسول ، الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیرا ، اللّهمّ صلّ علی الأئمّة الطاهرین آباء أمیر المؤمنین((3)) .


1- المواعظ والاعتبار فی ذکر الخطب والأثار للمقریزی 2 : 340 .
2- وفیات الاعیان لابن خلکان 1 : 375 وانظر : أخبار بنی عبید 1 : 84 .
3- وفیات الأعیان ، لابن خلکان 1 : 379 .

ص:359

وجاء فی ( المنتظم ) فی حوادث سنة ثمان وخمسین وثلاثمائة : .. ودخل جوهر إلی مصر یوم الثلاثاء لثلاث عشر لیلة بقیت من شعبان سنة ثمان وخمسین ، وخطب لبنی عبید فی الجامعین بفسطاط مصر وسائر أعمالها یوم الجمعة لعشر لیال بقین من شعبان هذه السنة ، وکان الخاطب فی هذا الیوم عبدالسمیع بن عمر العباسی .

وقد أشار محقّق الکتاب فی الهامش إلی نصّ کتاب جوهر لأهل مصر نقتطف منه مقطع « ... وردّ المواریث إلی کتاب الله وسنّة رسوله ، وأن یقدم من أَمَّ مساجدکم وتزیینها ، وإعطاء مؤذنیها وقومتها ومن یؤمّ بالناس أرزاقهم ، وأن یجری فرض الأذان والصلاة وصیام شهر رمضان وفطره وقنوت لیالیه والزکاة والحج والجهاد علی ما أمر الله فی کتابه وسنّة نبیّه ، وإجراء أهل الذمّة علی ما کانوا علیه »((1)) .

وفی کتاب ( العبر فی خبر من غبر ) : ... وجاءت المغاربة مع القائد جوهر المغربی ، فأخذوا دیار مصر ، وأقاموا الدعوة لبنی عُبید ، مع أنّ دولة معزّ الدولة ] البویهی [ هذه المدة رافضیة ، والشعار الجاهلی یقام یوم عاشوراء ویوم الغدیر((2)) .

وفی ( مآثر الإنافة ) للقلقشندی قال : ... دخل جوهر قائد المعزّ الفاطمی إلی مصر سنة 358 واستولی علیها وأذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » وقطع الخطبة للعباسیین((3)) .

وفی ( تاریخ الخلفاء ) للسیوطی قال : ... لمّا مات کافور الاخشیدی صاحب مصر اختلّ النظام وقلّت الأموال علی الجند ، فکتب جماعة إلی المعزّ ] الفاطمی [


1- المنتظم 14 : 197 .
2- العبر فی خبر من غبر 2 : 316 .
3- مآثر الانافة للقلقشندی 1 : 307 .

ص:360

یطلبون منه عسکراً لیسلّموا إلیه مصر ، فأرسل مولاه جوهراً القائد فی مائة ألف فارس فملکها ... وقطع خطبة بنی العبّاس ولبس السواد وألبس الخطباء البیاض ، وأمر أن یقال فی الخطبة : « اللّهم صلّ علی محمّد المصطفی ، وعلی علیّ المرتضی ، وعلی فاطمة البتول ، وعلی الحسن والحسین سبطی الرسول ، وصلّ علی الأئمة آباء أمیر المؤمنین المعزّ بالله »((1)) .

وفی ( سیر أعلام النبلاء )((2)) و( نهایة الأرب )((3)) والنصّ للأوّل : ... وضربت السکّة علی الدینار بمصر وهی : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیٌّ خیر الوصیین ، والوجه الآخر اسم المعز والتاریخ ، واعلن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ونودی : « من مات عن بنت وأخ وأخت فالمال کلّه للبنت » ، فهذا رأی هؤلاء .

قال الذهبی : ظهر فی هذا الوقت الرفض وأبدی صفحته وشمخ بأنفه فی مصر والحجاز والشام والمغرب بالدولة العبیدیّة ، وبالعراق والجزیرة والعجم ببنی بویه ، وکان الخلیفة المطیع ضعیف الدست والرتبة مع بنی بویه ، وأعلن الأذان بالشام ومصر ب- « حیّ علی خیر العمل » .

وفی ( البدایة والنهایة ) لابن کثیر ... دخل أبو الحسین جوهر القائد الرومی فی جیش کثیف من جهة المعزّ الفاطمی إلی دیار مصر یوم الثلاثاء لثلاث عشر بقیت من شعبان ، فلمّا کان یوم الجمعة خطبوا للمعزّ الفاطمی علی منابر الدیار المصریّة وسائر أعمالها ، وأمر جوهر المؤذنین بالجوامع أن یؤذنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » وان یجهر الأئمّة بالتسلیمة الأولی((4)) .


1- تاریخ الخلفاء : 402 .
2- سیر أعلام النبلاء 15 : 160 وتاریخ الإسلام .
3- نهایة الارب فی فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوک العبیدیون .
4- البدایة والنهایة 11 : 284 .

ص:361

جامع ابن طولون / مصر ( سنة 359 ه )

قال النویری فی ( نهایة الاَرب فی فنون الأدب ) : ... وفی سنة تسع وخمسین وثلاثمائة فی یوم الجمعة لثمان خَلَون من شهر ربیع الآخر ، صلّی القائد جوهر فی جامع ابن طولون وأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وهو أوّل ما أذّن به بمصر ، ثمّ أذن بذلک بالجامع العتیق بمصر فی الجمعة((1)) .

وقال ابن خلدون فی تاریخه : ... دخل جوهر جامع ابن طولون فصلّی فیه وأمر بزیادة « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، فکان أوّل أذان أُذِّن به فی مصر((2)) .

وقال ابن الأثیر فی الکامل : ... وفی جمادی الأولی من سنة تسع وخمسین وثلاثمائة سار جوهر إلی جامع ابن طولون وأمر المؤذن فأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذن بمصر ، ثمّ أذن بعده فی الجامع العتیق وجهر فی الصلاة ببسم الله الرحمن الرحیم((3)) .

وفی ( شذرات الذهب ) لابن العماد الحنبلی : ... فی ثامن عشر من ربیع الآخر سنة 359 صلّی القائد جوهر فی جامع ابن طولون بعسکر کثیر ، وخطب عبدالسمیع بن عمر العباسی الخطیب وذکر أهل البیت وفضائلهم رضی الله عنهم ، ودعا للقائد جوهر ، وجهر بالقراءة ببسم الله الرحمن الرحیم ، وقرأ سورة الجمعة والمنافقین فی الصلاة ، وأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أُذّن به بمصر ... وقنت الخطیب فی صلاة الجمعة ، وفی جمادی الأولی من السنة المذکورة أذنوا فی جامع مصر العتیق ب- « حیّ علی خیر العمل »((4)) .


1- نهایة الارب فی فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوک العبیدیون .
2- تاریخ ابن خلدون 4 : 48 .
3- الکامل فی التاریخ 7 : 31 .
4- شذرات الذهب 3 : 100 .

ص:362

وقال المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) : ... وکان الأذان أولاً بمصر کأذان أهل المدینة وهو الله أکبر ، الله أکبر وباقیه کما هو الیوم ، فلم یزل الأمر بمصر علی ذلک فی جامع عمرو بالفسطاط ، وفی جامع العسکر ، وفی جامع أحمد ابن طولون وبقیّة المساجد إلی أن قَدِم القائد جوهر بجیوش المعزّ لدین الله وبنی القاهرة ، فلمّا کان فی یوم الجمعة الثامن من جمادی الأولی سنة تسع وخمسین وثلاثمائة صلّی القائد جوهر الجمعة فی جامع أحمد بن طولون ، وخطب به عبدالسمیع بن عمر العبّاسی بقلنسوة وسبنی ، وطیلسان دبسیّ ، وأذّن المؤذّنون « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذّن به بمصر .

وصلّی به عبدالسمیع الجمعة ، فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءک المنافقون ، وقنت فی الرکعة الثانیة ، وانحطّ إلی السجود ، ونسی الرکوع ، فصاح به علیّ بن الولید قاضی عسکر جوهر : بطلت الصلاة ، أعد ظهراً أربع رکعات ، ثمّ أذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » فی سائر مساجد العسکر إلی حدود مسجد عبدالله((1)) .

وأنکر جوهر علی عبدالسمیع أنه لم یقرأ بسم الله الرحمن الرحیم فی کلّ سورة ، ولا قرأها فی الخطبة ، فأنکره جوهر ومنعه من ذلک .

ولأربع بقین من جمادی الأولی المذکور أذّن فی الجامع العتیق ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وجهروا فی الجامع بالبسملة فی الصلاة ، فلم یزل الأمر علی ذلک طول مدة الخلفاء الفاطمیین ؛ إلّا أنّ الحاکم بأمر الله فی سنة أربعمائة أمر بجمع مؤذّنی القصر ، وسائر الجوامع وحضر قاضی القضاة مالک بن سعید الفارقی ، وقرأ أبو علیّ العباسی سجلاًّ فیه الأمر بترک « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، وأن یقال فی


1- انظر : قریباً منه فی أخبار بنی عبید 1 : 85 .

ص:363

صلاة الصبح : الصلاة خیر من النوم ، وأن یکون ذلک من مؤذّنی القصر عند قولهم : « السلام علی أمیر المؤمنین ورحمة الله »((1)) .

فامتثل ذلک ، ثمّ عاد المؤذّنون إلی قول « حیّ علی خیر العمل » فی ربیع الآخر سنة أحد وأربعمائة ، ومنع فی سنة خمس وأربعمائة مؤذّنی جامع القاهرة ومؤذّنی القصر من قولهم بعد الأذان : « السلام علی أمیر المؤمنین » وأمرهم أن یقولوا بعد الأذان : الصلاة رحمک الله ... »((2)) .

وفی کتاب ( النجوم الزاهرة فی أعلام مصر والقاهرة ) : ... ثمّ فی شهر ربیع الآخر سنة تسع وخمسین وثلاثمائة أذّنوا بمصر ب- « حیّ علی خیر العمل » واستمرّ ذلک ، ثمّ شرع جوهر فی بناء جامعه بالقاهرة المعروف بجامع الأزهر ، وهو أوّل جامع بنته الرافضة بمصر((3)) .

وفی تاریخ الخلفاء : فی ربیع الآخر سنة 359 أذّنوا بمصر ب- « حیّ علی خیر العمل »((4)) .

دمشق ( سنة 360 ه )

قال الذهبی فی تاریخ الإسلام : ... وفی صفر أعلن المؤذّنون بدمشق « حیّ


1- مرّ علیک أنّ معاویة بن أبی سفیان هو أوّل من ابتدع هذه المقولة ورسّخ أرکانها ( کما عن کتب الأوائل السیوطی : 26 ) . وقد کان لهذا الأمر جذر متجذر فی زمان عمر ، ذلک أنّه لمّا قدم عمر مکّة أتاه أبو محذورة وقد أذّن ، فقال : الصلاة یا أمیر المؤمنین ، حیّ علی الصلاة حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح حیّ علی الفلاح ، قال : ویحک أمجنون أنت ؟! أما کان فی دعائک الذی دعوتنا ما نأتیک حتّی تأتینا . ( مصنف ابن أبی شیبة 1 : 307 ) .
2- المواعظ والاعتبار للمقریزی 2 : 270 - 271 .
3- النجوم الزاهرة 4 : 32 .
4- تاریخ الخلفاء : 402 .

ص:364

علی خیر العمل » بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ بالله ، ولم یجسر أحد علی مخالفته ، وفی جمادی الآخرة أمرهم بذلک فی الإقامة فتألم الناس لذلک فهلک لِعامِهِ والله أعلم((1)) .

وفی ( سیر أعلام النبلاء ) : ... وفی سنة ستین تملّک بنو عبید مصر والشام وأذنوا بدمشق ب- « حیّ علی خیر العمل » وغلت البلاد بالرفض شرقاً وغرباً وخفیت السنة قلیلاً((2)) .

ثمّ قال فی ( ج 16 : 467 ) : ... وقطعت الخطبة العباسیة وألبس الخطباء البیاض وأذنوا ب- « حیّ علی خیر العمل » .

وقال ابن کثیر فی ( البدایة والنهایة ) : ... استقرّت ید الفاطمیین علی دمشق فی سنة 360 ، وأذّن فیها وفی نواحیها ب- « حیّ علی خیر العمل » أکثر من مائة سنة ، وکتب لعنة الشیخین علی أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد .

وفی مصر خطب جوهر لمولاه وقطع خطبة بنی العبّاس ، وذکر فی خطبته الأئمّة الاثنی عشر وأمر فأذّن ب- « حیّ علی خیر العمل »((3)) .

وقال بعد ذلک : وفیها أذن بدمشق وسائر الشام ب- « حیّ علی خیر العمل » ، قال ابن عساکر فی ترجمة جعفر بن فلاح نائب دمشق : وهو أوّل من تأمّر بها عن الفاطمیین :

أخبرنا أبو محمّد الأکفانی ، قال : قال أبو بکر أحمد بن محمّد بن شرام : وفی یوم الخمیس لخمس خَلَونَ من صفر من سنة 360 أعلن المؤذّنون فی الجامع بدمشق وسائر مآذن البلد وسائر المساجد بحیّ علی خیر العمل بعد حیّ علی الفلاح ، أمرهم بذلک جعفر بن فلاح ولم یقدروا علی مخالفته ، ولا وجدوا من المسارعة إلی طاعته بُدّاً .


1- تاریخ الإسلام : 48 حوادث 351 - 380 ه- .
2- سیر أعلام النبلاء 15 : 116 ، تاریخ الخلفاء : 402 .
3- البدایة والنهایة 11 : 284 .

ص:365

وفی یوم الجمعة الثامن من جمادی الآخرة أُمر المؤذّنون أن یُثنّوا الأذان والتکبیر فی الاقامة مَثْنی مَثْنی ، وأن یقولوا فی الإقامة « حیّ علی خیر العمل » ، فاستعظم الناس ذلک وصبروا علی حکم الله((1)) .

وجاء فی ( النجوم الزاهرة ) : ... وهی السنة الثانیة لولایة جوهر ... علی مصر وهی سنة 360 ، وفیها عمل الرافضة المآتم ببغداد فی یوم عاشوراء علی العادة فی کلّ سنة من النَّوح واللطم والبکاء ، وتعلیق المُسوح ، وغلق الأسواق ، وعملوا العید والفرح یوم الغدیر وهو یوم ثامن عشر من ذی الحجّة .

وفی صفر أعلن المؤذّنون ب- « حیّ علی خیر العمل » بأمر القائد جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعزّ الفاطمی ، ولم یجسر أحد علی مخالفته ، ثمّ فی جمادی الآخرة أمرهم ابن فلاح المذکور بذلک فی الإقامة فتألم الناس((2)) .

وقال أیضاً : ... وفیها ( أی سنة 360 ) قتل جعفر بن فلاح وهو أوّل أمیر ولی دمشق لبنی عبید المغربی ، والعجب أن القرمطی أبا محمّد الحسن بن أحمد لمّا قتله بکی علیه ورثاه لأنهما یجمع بینهما التشیّع((3)) .

وقد کتب المقریزی عن المعزّ لدین الله : أنه لمّا دخل مصر أمر فی رمضان سنة اثنین وستّین وثلاثمائة فکتب علی سائر الأماکن بمدینة مصر : « خیر الناس بعد رسول الله أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام »((4)) .


1- البدایة والنهایة 11 : 287 ، وکلام ابن کثیر یشیر إلی عمل أهل السنة والجماعة بالتقیة لو احسوا الضرورة لذلک ، کما یفعله الیوم الخط السلفی واتباع الطالبان ، فلا یرتضی أحد منهم أن یُنسَب إلی ابن لادن خوفاً من القتل والسجن !
2- النجوم الزاهرة 4 : 57 .
3- النجوم الزاهرة 4 : 57 .
4- المواعظ والاعتبار 2 : 340 - 341 .

ص:366

حلب ( سنة 367 ه )

جاء فی زبدة الحلب من تاریخ حلب لابن أبی جرادة الشهیر بابن العدیم المتوفّی سنة 660 : ... وانهزم ( بکجور ) إلی القلعة فاستعصی بها وذلک فی رجب سنة خمس وستّین وثلاثمائة ، ثمّ أقام سعد الدولة یحاصر القلعة مدة حتّی نفذ ما فیها من القوت ، فسلمها ( بکجور ) فی شهر ربیع الآخر من سنة سبع وستین وثلاثمائة .

وولی سعدُ الدولة بکجورَ حمص وجندها ، وکان تقریر أمر بکجور بین سعد الدولة وبینه علی ید أبی الحسن علیّ بن الحسین بن المغربی الکاتب والد الوزیر أبی القاسم .

واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبیّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا فی عمارة الأسوار فی سنة سبع وستین . وغیَّر سعدٌ الأذانَ بحلب وزاد فیه : « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » ، وقیل : أنه فعل ذلک فی سنة تسع وستین وثلاثمائة ، وقیل : سنة ثمان وخمسین . وسیر سعد الدولة فی سنة سبع وستین وثلاثمائة الشریف أبا الحسن إسماعیل بن الناصر الحسنی یهنّئ عضد الدولة بدخوله مدینة السلام((1)) .

وقال أبو الفداء فی ( الیواقیت والضرب فی تاریخ حلب ) : ... وأقام سعد الدولة یحاصر القلعة مدّة حتّی نفذ ما فیها من القوت ، فسلّمها بکجور إلیه فی شهر ربیع الآخر سنة 367 ، وولی سعد الدولة بکجور حمص وجندها . وکان تقریر أمر بکجور بین سعد الدولة وبینه علی ید أبی الحسن علیّ بن الحسین المغربی الکاتب والد الوزیر أبی القاسم .


1- زبدة الحلب من تاریخ حلب لابن العدیم المتوفّی 660ه- 1 : 159 - 160 ، تحقیق سامی الدهان ، ط- المعهد الفرنسی .

ص:367

واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب ، وجدّد الحلبیّون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا فی عمارة الأسوار فی سنة 367 وغیّر سعد الدولة الأذان بحلب وزاد فیه « حیّ علی خیر العمل » ، محمّد وعلیّ خیر البشر ، وقیل أنّه فعل ذلک فی سنة 369 وقیل سنة 58((1)) .

ملتان - الهند (قبل سنة 380 ه)

قال المقدسی المتوفّی ( 380ه- ) فی کتابه ( أحسن التقاسیم فی معرفة الاقالیم ) ضمن حدیثه عن إقلیم السند :

الملتان تکون مثل المنصورة غیر أنّها أعمرة لیست بکثیرة الثمار غیر أنّها رخیصة الأسعار ، الخبز ثلاثون منّاً بدرهم ، والفانید ثلاثة أمنان بدرهم ، حسنة تُشاکل دور سیراف من خشب الساج طبقات ، لیس عندهم زنا ولا شرب خمر ، ومن ظفروا به یفعل ذلک قتلوه ، أو حدّوه ، ولا یکذبون فی بیع ، ولا یبخسون فی کیل ، ولا یخسرون فی وزن ، یحبّون الغرباء ، وأکثرهم عرب ، شربهم من نهر غزیر ، والخیر بها کثیر ، والتجارات حسنه ، والنعم ظاهرة ، والسلاطین عادلة ، لا تری فی الأسواق متجملة ، ولا أحد یحدّثها علانیة ... إلی أن یقول :

وأهل الملتان شیعة یحیعلون فی الأذان ویُثنّون فی الإقامة ، ولا تخلو القصبات من فقهاء علی مذهب أبی حنیفة ولیس به مالکیة ولا معتزلة ، ولا عمل للحنابلة ، إنّهم علی طریقة مستقیمة ، ومذاهب محمودة ، وصلاح وعفّة ، قد أراحهم الله من الغلوّ والعصبیّة والهرج والفتنة((2)) .


1- الیواقیت والضرب لإسماعیل أبی الفداء : 134 ، تحقیق محمد جمال وفالح بکور .
2- احسن التقاسم ومعرفة الاقالیم : 480 وفیه ( یهوعلون ) ویبدو أنّه تصحیف : یحوعلون أو یحیعلون ، ومعناه قولهم ( حیّ علی خیر العمل ) فی الأذان .

ص:368

مصر ( سنة 393 ه )

شرح ابن خلدون حال الحاکم بأمر الله العبیدی الذی ولی الخلافة ( 386 - 411 ) فقال : ... وأمّا مذهبه فی الرافضة فمعروف ، ولقد کان مضطرباً فیه مع ذلک ، فکان یأذن فی صلاة التراویح ثمّ ینهی عنها ، وکان یری بعلم النجوم ویُؤثِره . ویُنقل عنه أنه منع النساء من التصرف فی الأسواق ، ومنع من أکل الملوخیا ، ورفع إلیه أن جماعة من الروافض تعرّضوا لأهل السنّة فی التراویح بالرجم ، وفی الجنائز ، فکتب فی ذلک سجلاً قُرئ علی المنبر بمصر کان فیه : أمّا بعد ، فإنّ أمیر المؤمنین یتلو علیکم من کتاب الله المبین {لَا إِکْراهَ فی الدِّین} ...

إلی أن یقول : یصوم الصائمون علی حسابهم ویفطرون ، ولا یعارض أهل الرؤیة فیما هم علیه صائمون ومفطرون ، صلاة الخمس للدین بها جاءهم فیها یصلون ، وصلاة الضحی وصلاة التراویح لا مانع لهم منها ، ولا هم عنها یُدَفعون ، یخمّس فی التکبیر علی الجنائز المخمّسون ، ولا یمنع من التکبیر علیها المربّعون ، یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » المؤذّنون ، ولا یؤذی من بها لا یؤذنون ... ولا یؤذن من بها لا یؤذنون ... والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته . کتب فی رمضان سنة ثلاث وتسعین وثلاثمائة((1)) .

وقال ابن الأثیر فی الکامل عن سبب قتله « ... وقیل کان سبب قتله أنّ أهل مصر کانوا یکرهونه لما یظهر منه من سوء أفعاله ، فکانوا یکتبون إلیه الرِّقاع فیها سَبّه ، - إلی أن یقول - : منها أنه أمر فی صدر خلافته بسبّ الصحابة رضی الله عنهم ، وأن تکتب علی حیطان الجوامع والأسواق ، وکتب إلی سائر عماله بذلک ، وکان ذلک فی سنة خمس وتسعین وثلاثمائة .


1- تاریخ ابن خلدون 4 : 60 - 61 .

ص:369

ثمّّ أمر فی سنة تسع وتسعین وثلاثمائة بترک صلاة التراویح ، فاجتمع الناس بالجامع العتیق ، وصلّی بهم ] إماماً [ جمیع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم یصلِّ أحد التراویح إلی سنة ثمان وأربعمائة ، فرجع عن ذلک وأمر بإقامتها علی العادة .

وبنی الجامع براشدة ، وأخرج إلی الجوامع والمساجد من الآلات والمصاحف ، والستور والحصر ما لم یر الناس مثله ، وحمل أهل الذمة علی الإسلام ، أو المسیر إلی مأمنهم ، أو لبس الغیار ، فأسلم الکثیر منهم ، ثمّ کان الرجل منهم بعد ذلک یلقاه فیقول له : إنی أرید العود إلی دینی ، فیأذن له ، ومنع النساء من الخروج من بیوتهن ...((1))

وممّا یجب التنویه به هنا هو أن الحکام - بوصفهم حکّاماً - قد یتخذون بعض المواقف لمصلحة ، وقد تتدخل السیاسة فی بعض تصرفاتهم ، ولا أستثنی الفاطمیین من العباسیین أو العکس ، فهم بشر کغیرهم لهم میولاتهم ونزعاتهم ، ولا یمکن النجاة من ذلک إلّا بالإمام المعصوم .

بل الذی ذکرناه أو نذکره ما هو إلّا بیان لامتداد النهجین ، وإن استُغلّ من قبل الحکام فی بعض الحالات .

الیمامة ( سنة 394 ه )

ذکر ناصر خسرو المروزی الملقّب بحجّة المتوفّی سنة 450 ه- فی رحلته وعند حدیثه عن أحوال مدینة الیمامة : ... وأمراؤها علویّون منذ القدیم ، ولم ینتزع أحد هذه الولایة منهم .... ومذهبهم الزیدیّة ، ویقولون فی الإقامة ( محمّد وعلیّ خیر البشر وحیّ علی خیر العمل )((2)) .


1- الکامل فی التاریخ 7 : 305 حوادث سنة 411 .
2- سفر نامه ناصر خسرو : 122 .

ص:370

المدینة / مصر ( سنة 400 ه )

جاء فی ( النجوم الزاهرة ) : أنّ الحاکم بأمر الله العبیدی أرسل إلی مدینة الرسول إلی دار جعفر الصادق مَن فتحها وأخذ منها ما کان فیها من مصحف وسریر والآت . وکان الذی فتحها ختکین العضدی الداعی ، وحمل معه رسوم الأشراف ، وعاد إلی مصر بما وجد فی الدار . وخرج معه من شیوخ العلویة جماعة ، فلمّا وصلوا إلی الحاکم أطلق لهم نفقات قلیلة وردّ علیهم السریر وأخذ الباقی ، وقال : أنا أحقّ به ، فانصرفوا داعین علیه ، وشاع فعله فی الأمور التی خرق العادات فیها ودعی علیه فی أعقاب الصلوات ، وظوهر بذلک فأشفق فخاف ، وأمر بعمارة دار العلم وفرشها ، ونقل إلیها الکتب العظیمة وأسکنها من شیوخ السنّة شیخین یُعرف أحدهما بأبی بکر الأنطاکی ، وخلع علیهما وقرّبهما ورسم لهما بحضور مجلسه وملازمته ، وجمع الفقهاء والمحدثین إلیها وأمر أن یقرأَ بها فضائل الصحابة ، ورفع عنهم الاعتراض فی ذلک ، وأطلق صلاة التراویح والضحی ، وغیَّر الأذان وجعل مکان « حیّ علی خیر العمل » « الصلاة خیر من النوم » ، ورکب بنفسه إلی جامع عمرو بن العاص وصلّی فیه الضحی ، وأظهر المیل إلی مذهب مالک والقول به .. وأقام علی ذلک ثلاث سنین ، وفعل ما لم یفعله أحد .

ثمّ بدا له بعد ذلک فقتل الفقیه أبا بکر الانطاکی والشیخ الآخر وخَلقاً کثیراً من أهل السنّة ، لا لأمر یقتضی ذلک ، وفَعَلَ ذلک کلّه فی یوم واحد ، وأغلق دار العلم ، ومنع من جمیع ما کان فعله((1)) .

وقال المقریزی فی ( المواعظ والاعتبار ) : ... وفی صفر سنة أربعمائة شُهِر جماعة


1- النجوم الزاهرة 4 : 222 - 223 .

ص:371

بعد أن ضربوا بسبب بیع الفقاع والملوخیا ((1))والدلینس والترمس ، وفی تاسع عشر شهر شوّال أمر الحاکم بأمر الله برفع ما کان یؤخذ من الخمس والزکاة والفطرة والنجوی ، وأبطل قراءة مجالس الحکمة فی القصر ، وأمر بردّ التثویب فی الأذان ، وأذّن للناس فی صلاة الضحی وصلاة التراویح ، وأمر المؤذّنین بأسرهم فی الأذان بأن لا یقولوا « حیّ علی خیر العمل » ، وأن یقولوا فی الأذان للفجر : « الصلاة خیر من النوم » ، ثمّ أمر فی ثانی عشر من ربیع الآخر سنة ثلاث وأربعمائة بإعادة قول « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان وقطع التثویب وترک قولهم « الصلاة خیر من النوم » ، ومنع من صلاة الضحی وصلاة التراویح ، وفتح باب الدعوة ، وأعیدت قراءة المجالس بالقصر علی ما کانت ، وکان بین المنع من ذلک والأذان فیه خمسة أشهر .

وضُرب فی جمادی من هذه السنة جماعة وشُهروا بسبب بیع الملوخیا والسمک الذی لا قشر له وشرب المسکرات وتتبّع السکاری فضیّق علیهم((2)) .

وفی السادس والعشرین منه ] من المحرم سنة 401 ه- [ قرئ بجامع مصر سجلّ یتضمن النهی عن معارضة الحاکم فیما یفعله وترک الخوض فیما لا یعنی ، وإعادة « حیّ علی خیر العمل » إلی الأذان وإسقاط « الصلاة خیر من النوم » والنهی عن صلاة التراویح والضحی ...((3))


1- لأنّه کان قد قرئ فی سنة 395 سِجِلٌّ فیه منع الناس من تناول الملوخیا أکلة معاویة ابن أبی سفیان المفضَّلة ومنعهم من أکل البقلة المسماة بالجرجیر المنسوبة إلی عائشة ومن المتوکّلیة المنسوبة إلی المتوکّل ، والمنع من عجین الخبز بالرِّجل ، والمنع من أکل الدلینس ، وکان فی هذا الکتاب أیضاً : المنع من عمل الفقاع وبیعه فی الأسواق ، لما یؤثر عن علی بن أبی طالب رضی الله عنه من کراهیة شرب الفقاع ، وضرب فی الطرقات والأسواق بالجرس ونودی أن لا یدخل أحد الحمام إلّا بمئزر ، ولا تکشف امراة وجهها فی طریق ولا خلف جنازة ولا تتبرج ، ولا یباع شیء من السمک بغیر قشر ولا یصطاده أحد من الصیادین . ( المواعظ والاعتبار 2 : 341 ) .
2- المواعظ والاعتبار 2 : 342 .
3- نهایة الارب فی فنون الادب / الفن 5 / القسم 5 / الباب 12 اخبار الملوک العبیدیون .

ص:372

بغداد ( سنة441 - 442 ه )

ذکر ابن الأثیر فی حوادث هذه السنة : ... وفیها مُنع أهل الکرخ من النَّوح ، وفعل ما جرت عادتهم بفعله یوم عاشوراء ، فلم یقبلوا وفعلوا ذلک ، فجری بینهم وبین السنیّة فتنة عظیمة قُتل فیها وجرح کثیر من الناس ، ولم ینفصل الشرّ بینهم حتّی عبر الأتراک وضربوا خیامهم عندهم فکفّوا حینئذ .

ثمّ شرع أهل الکرخ فی بناء سور علی الکرخ ، فلمّا رآهم السنیّة من القلاّئین ومن یجری مجراهم شرعوا فی بناء سور علی سوق القلاّئین ، وأخرج الطائفتان فی العمارة مالاً جلیلاً ، وجرت بینهما فتن کثیرة ، وبطلت الأسواق وزاد الشر حتّی انتقل کثیر من الجانب الغربی إلی الجانب الشرقی فأقاموا به .

وتقدّم الخلیفة إلی أبی محمّد بن النسوی بالعبور وإصلاح الحال وکفّ الشر ، فسمع أهل الجانب الغربی ذلک فاجتمع السنة والشیعة علی المنع منه ، وأذّنوا فی القلاّئین وغیرها ب- « حیّ علی خیر العمل » وأذّنوا فی الکرخ ب- « الصلاة خیر من النوم » وأظهروا الترحّم علی الصحابة ، فبطل عبوره((1)) .

وفی ( المنتظم ) وضمن بیان حوادث سنة 442 ه- : ... انّه ندب أبو محمّد النسوی للعبور وضبط البلد ، ثمّ اجتمع العامّة من أهلِ الکرخ والقلاّئین وباب الشعیر وباب البصرة علی کلمة واحدة فی أنه متی عبر ابن النسوی أحرقوا أسواقهم وانصرفوا عن البلد ، فصار أهل الکرخ إلی باب نهر القلاّئین ، فصلّوا فیه وأذنوا فی المشهد « حیّ علی خیر العمل » وأهل القلاّئین بالعتیقة والمسجد بالبزّازین ب- « الصلاة خیر من النوم » واختلطوا واصطلحوا وخرجوا إلی زیارة المشهدین مشهد علیّ والحسین((2)) .


1- الکامل فی التاریخ 8 : 53 .
2- المنتظم 15 : 325 .

ص:373

وفی ( تاریخ أبی الفداء ) : ... وقعت الفتنة ببغداد بین السنّة والشیعة ، وعَظُم الأمر حتّی بطلت الأسواق ، وشرع أهل الکرخ فی بناء سور علیهم محیطاً بالکرخ ، وشرع السنّة من القلاّئین ومن یجری مجراهم فی بناء سور علی سوق القلائین ، وکان الأذان بأماکن الشیعة ب- « حیّ علی خیر العمل » وبأماکن السنة « الصلاة خیر من النوم »((1)) .

وفی ( النجوم الزاهرة ) : ... فیها کان من العجائب أنّه وقع الصلح بین أهل السنّة والرافضة وصارت کلمتهم واحدة ، وسبب ذلک : أن أبا محمّد النسوی ولی شرطة بغداد وکان فاتکاً ، فاتّفقوا علی أنّه متی رحل إلیهم قَتَلوه ، واجتمعوا وتحالفوا ، وأُذّن بباب البصرة « حیّ علی خیر العمل » ، وقرئ فی الکرخ فضائل الصحابة ، ومضی أهل السنة والشیعة إلی مقابر قریش ، فعدّ ذلک من العجائب ، فإنّ الفتنة کانت قائمة والدماء تُسکب والملوک والخلفاء یعجزون عن ردّهم حتّی ولی هذا الشرطة ، فتصالحوا علی هذا الأمر الیسیر((2)) .

بغداد ( سنة 443 ه )

قال ابن الأثیر فی ( الکامل ) : ... فی هذه السنة فی صفر تجدّدت الفتنة ببغداد بین السنّة والشیعة وعظمت أضعاف ما کانت قدیماً ، فکان الاتفاق الذی ذکرناه فی السنة الماضیة غیر مأمون الانتقاض لما فی الصدور من الإحن ، وکان سبب هذه الفتنة أن أهل الکرخ شرعوا فی عمل باب السمّاکین ، وأهل القلاّئین فی عمل ما بقی من باب مسعود ، ففرغ أهل الکرخ ، وعملوا أبراجاً کتبوا علیها بالذهب : « محمّد وعلیّ خیر البشر » ؛ وأنکر السنیّة ذلک وادّعوا أنّ المکتوب : « محمّد وعلیّ خیر


1- تاریخ أبی الفداء 1 : 170 .
2- النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة 5 : 49 .

ص:374

البشر ، فمن رضی فقد شکر ، ومن أبی فقد کفر » ؛ وأنکر أهلُ الکرخ الزیادةَ وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فیما نکتبه علی مساجدنا ، فأرسل الخلیفة القائم بأمر الله أبا تمّام نقیب العبّاسیّین ، ونقیب العلویّین وهو عدنان بن الرضی ، لکشف الحال وإنهائه ، فکتبا بتصدیق قول الکرخیّین ، فأمر حینئذ الخلیفة ونوّاب الرحیم بکفّ القتال ، فلم یقبلوا . وانتدب ابن المذهب القاضی ، والزهیریّ ، وغیرهما من الحنابلة أصحاب عبدالصمد بحمل العامّة علی الإغراق فی الفتنة ، فأمسک نوّابُ الملک الرحیم عن کفّهم غیظاً من رئیس الرؤساء لمیله إلی الحنابلة ، ومنع هؤلاء السُّنّة من حمل الماء من دجلة إلی الکرخ ، وکان نهر عیسی قد انفتح بثقُهُ ، فعظم الأمر علیهم ، وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة وحملوا الماء وجعلوه فی الظروف ، وصبّوا علیه ماء الورد ، ونادوا : الماء للسبیل ؛ فأغروا بهم السُّنّة .

وتشدّد رئیس الرؤساء علی الشیعة ، فمحوا : « خیر البشر » ، وکتبوا : « علیهما السلام » ، فقالت السُّنّة : لا نرضی إلّا أن یُقلع الآجرّ الذی علیه « محمّد وعلیّ » وأن لا یؤذَّن : « حیَّ علی خیر العمل » ؛ وامتنع الشیعة من ذلک ، ودام القتال إلی ثالث ربیع الأوّل ، وقُتل فیه رجل هاشمیّ من السنیّة ، فحمله أهله علی نعش ، وطافوا به فی الحربیّة ، وباب البصرة ، وسائر محالّ السُّنّة ، واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثمّ دفنوه عند أحمد بن حنبل ، وقد اجتمع معهم خلق کثیر أضعاف ما تقدّم .

فلمّا رجعوا من دفنه قصدوا مشهد باب التبن فأُغلق بابه ، فنقبوا فی سوره وتهدّدوا البوّاب ، فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما فی المشهد من قنادیل ومحاریب ذهب وفضّة وسُتور وغیر ذلک ، ونهبوا ما فی الترب والدور ، وأدرکهم اللیل فعادوا .

فلمّا کان الغد کثر الجمع ، فقصدوا المشهد ، وأحرقوا جمیع الترب والآراج ، واحترق ضریح موسی ، وضریح ابن ابنه محمّد بن علیّ الجواد ، والقُبّتان الساج

ص:375

اللتان علیهما ، واحترق ما یقابلهما ویجاورهما من قبور ملوک بنی بُوَیْه ، مُعزّ الدولة ، وجلال الدولة ، ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبی جعفر المنصور ، وقبر الأمین محمّد بن الرشید ، وقبر أمّه زبیدة ، وجری من الأمر الفظیع ما لم یجرِ فی الدنیا مثله .

فلمّا کان الغد خامس الشهر عادوا وحفروا قبر موسی بن جعفر ومحمّد بن علیّ لینقلوهما إلی مقبرة أحمد بن حنبل ، فحال الهدم بینهم وبین معرفة القبر ، فجاء الحفر إلی جانبه .

وسمع أبو تمّام نقیب العبّاسیّین وغیره من الهاشمیّین السنیّة الخبرَ ، فجاؤوا ومنعوا عن ذلک ، وقصد أهل الکرخ إلی خان الفقهاء الحنفیّین فنهبوه ، وقتلوا مدرّس الحنفیّة أبا سعد السَّرَخْسیّ ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء . وتعدّت الفتنة إلی الجانب الشرقیّ ، فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بَجّ ، والأساکفة ، وغیرهم .

ولمّا انتهی خبر إحراق المشهد إلی نور الدولة دُبَیْس بن مَزید عَظُم علیه واشتدّ وبلغ منه کلّ مبلغ ؛ لأنّه وأهل بیته وسائر أعماله من النیل وتلک الولایة کلّهم شیعة ، فقُطعت فی أعماله خطبةُ الإمام القائم بأمر الله ، فروسل فی ذلک وعُوتب ، فاعتذر بأنّ أهل ولایته شیعة ، واتّفقوا علی ذلک ، فلم یمکنه أن یَشُقّ علیهم کما أنّ الخلیفة لم یمکنه کفّ السفهاء الذین فعلوا بالمشهد ما فعلوا ، وأعاد الخطبة إلی حالها((1)) .

وقد ذکر ابن الجوزی هذه الحادثة فی ( المنتظم ) إلی أن یقول : ... وفی یوم الجمعة لعشر بقین من ربیع الآخر خطب بجامع براثا وأسقط « حیّ علی خیر العمل » ودق الخطیب المنبر وقد کانوا یمنعون منه ، وذکر العبّاس فی خطبته((2)) .


1- الکامل فی التاریخ 8 : 59 - 60 حوادث سنة 443 .
2- المنتظم فی تاریخ الأمم والملوک 15 : 331 وتاریخ ابی الفداء 2 : 170 - 171 ، وتاریخ الإسلام 30 : 9 .

ص:376

بغداد (سنة 444 - 445 ه )

ذکر ابن الأثیر عدّة حوادث فی هذه السنة ، وقال : « وفیها عُمل محضرٌ ببغداد یتضمّن القدح فی نسب العلویّین أصحاب مصر ، وأنّهم کاذبون فی ادّعائهم النسبَ إلی علیّ علیه السلام ، وعَزَوهم فیه إلی الدَّیصانیّة من المجوس ، والقدّاحیّة من الیهود ، وکتب فیه العلویّون ، والعبّاسیّون ، والفقهاء ، والقضاة ، والشهود ، وعُمل به عدّة نسخ ، وسُیِّر فی البلاد ، وشُیّع بین الحاضر والباد ....

وفیها حدثت فتنة بین السُّنة والشیعة ببغداد ، وامتنع الضبط ، وانتشر العیّارون وتسلّطوا ، وجَبَوا الأسواق ، وأخذوا ما کان یأخذه أرباب الأعمال ، وکان مقدّمهم الطِّقطِقیّ والزَّیْبق ، وأعاد الشیعة الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وکتبوا علی مساجدهم : « محمّد وعلیّ خیر البشر » ؛ وجری القتال بینهم ، وعظم الشرّ((1)) .

ثمّ صدّر حوادث سنة خمس وأربعین وأربعمائة بذکر الفتنة بین السنّة والشیعة ببغداد ، فقال :

فی هذه السنة ، فی المحرّم ، زادت الفتنة بین أهل الکرخ وغیرهم من السُّنّة ، وکان ابتداؤها أواخر سنة أربع وأربعین ] وأربعمائة [ .

فلمّا کان الآن عظم الشرّ ، واطّرحت المراقبة للسلطان ، واختلط بالفریقَیْن طوائف من الأتراک ، فلمّا اشتدّ الأمر اجتمع القوّاد واتفقوا علی الرکوب إلی المحالّ وإقامة السیاسة بأهل الشرّ والفساد ، وأخذوا من الکرخ إنساناً علویّاً وقتلوه ، فثار نساؤه ، ونَشَرنَ شعورهنّ واستَغَثنَ ، فتَبعهنّ العامّة من أهل الکرخ ، وجری بینهم


1- الکامل فی التاریخ 8 : 64 ، وانظر کلام ابن العماد الحنبلی فی حوادث سنة 402 « الشذرات 3 : 162 » .

ص:377

وبین القوّاد - ومَن معهم من العامّة - قتال شدید ، وطَرَح الأتراک النار فی أسواق الکرخ ، فاحترق کثیر منها ، وألحقتها بالأرض ، وانتقل کثیر من الکرخ إلی غیرها من المحالّ .

وندم القوّاد علی ما فعلوه ، وأنکر الإمام القائم بأمر الله ذلک ، وصلح الحال ، وعاد الناس إلی الکرخ ، بعد أن استقرّت القاعدة بالدیوان بکفّ الأتراک أیدیهم عنهم((1)) .

وفی ( تاریخ أبی الفداء ) : ... وفی هذه السنة ( ت 444 ه- ) کانت الفتنة ببغداد بین السنة والشیعة ، واعادت الشیعة الأذان « بحیّ علی خیر العمل » ، وکتبوا علی مساجدهم : « محمّد وعلیّ خیر البشر »((2)) .

بغداد ( سنة 448 ه )

ذکر ابن الأثیر فی حوادث هذه السنة : ... وفیها أمر الخلیفة بأن یؤذّن بالکرخ والمشهد وغیرها : « الصلاة خیر من النوم » ، وأن یترکوا : « حیّ علی خیر العمل » ففعلوا ما أمرهم به خوف السلطنة وقوتها((3)) .

وقال ابن الجوزی فی ( المنتظم ) : ... وفی هذه السنة أقیم الأذان فی المشهد بمقابر قریش ومشهد العتیقة ومساجد الکرخ ب- « الصلاة خیر من النوم » ، وأزیل ما کانوا یستعملونه فی الأذان من « حیّ علی خیر العمل » وقلع جمیع ما کان علی أبواب الدور والدروب من « محمّد وعلیّ خیر البشر » .


1- الکامل فی التاریخ 8 : 65 .
2- تاریخ أبی الفداء 2 : 172 ، البدایة والنهایة 12 : 68 ، العبر فی خبر من غبر 3 : 205 ، تاریخ الإسلام للذهبی 30 : 9 .
3- الکامل فی التاریخ 8 : 79 ، وفی النجوم الزاهرة 5 : 59 مثله .

ص:378

ودخل إلی الکرخ منشدو أهل السنة من باب البصرة فأنشدوا الاشعار فی مدح الصحابة ، وتقدم رئیس الرؤساء إلی ابن النسوی بقتل أبی عبدالله بن الجلاب شیخ البزّازین بباب الطاق ، لِما کان یتظاهر به من الغلو فی الرفض ، فقُتل وصلب علی باب دکانه ، وهرب أبو جعفر الطوسی ونُهبت داره ، وتزاید الغلاء فبیع الکرّ الحنطة بمائة وثمانین دیناراً((1)) .

وفی ( البدایة والنهایة ) : ... وفیها ألزم الروافض بترک الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وأمروا أن ینادی مؤذنهم فی أذان الصبح وبعد حیّ علی الفلاح ، «الصلاة خیر من النوم » مرتین ، وأزیل ما کان علی أبواب المساجد ومساجدهم من کتابة : « محمّد وعلیّ خیر البشر » ، ودخل المنشدون .... ینشدون بالقصائد التی فیها مدح الصحابة ، وذلک أنّ نوءُ الرافضة اضمحلّ ، لأنّ بنی بویه کانوا حکاماً وکانوا یقوونهم وینصرونهم ، فزالوا وبادوا وذهب دولتهم((2)) .

وفی ( السیرة الحلبیة ) : ... وذکر بعضهم أنّ فی دولة بنی بویه کانت الرافضة تقول بعد الحیعلتین « حیّ علی خیر العمل » ، فلمّا کانت دولة السلجوقیة منعوا المؤذنین من ذلک وأمروا أن یقولوا فی أذان الصبح بدل ذلک « الصلاة خیر من النوم »((3)) .

وفی ( النجوم الزاهرة ) : وفیها أقیم الأذان فی مشهد موسی بن جعفر ومساجد الکرخ ب- « الصلاة خیر من النوم » علی رغم أنف الشیعة ، وأُزیل ما کانوا یقولونه فی الأذان من « حیّ علی خیر العمل »((4)) .


1- المنتظم 16 : 7 - 8 .
2- البدایة والنهایة 12 : 73 .
3- السیرة الحلبیة 2 : 305 .
4- النجوم الزاهرة 5 : 59 .

ص:379

وممّا یجب التنبیه علیه أنّ جماعة من السنة ببغداد قد ثاروا فی سنة 447 ه- وقصدوا دار الخلافة وطلبوا أن یسمح لهم أن یأمروا بالمعروف وینهوا عن المنکر فأذن لهم وزاد شرهم ، ثمّ استأذنوا فی نهب دور البساسیری ] ذی المیول الشیعیة الذی أجاز الأذان بالحیعلة الثالثة [ وکان غائباً فی واسط فأذن لهم الخلیفة .

وهی تلک السنة التی وقعت فیها الفتنة بین الشافعیة والحنابلة ببغداد وأنکرت الحنابلة علی الشافعیة الجهر بالبسملة والقنوت فی الصبح والترجیع بالأذان((1)) .

وذکر ابن الأثیر بعض حوادث هذه السنة ، فقال : ... فتبعهم من العامة الجم الغفیر وأنکروا الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ومنعوا من الترجیع فی الأذان ، والقنوت فی الفجر ، ووصلوا إلی دیوان الخلیفة ، ولم ینفصل حال ، وأتی الحنابلة إلی مسجد بباب الشعیر ، فنهوا إمامه عن الجهر بالبسملة فأخرج مصحفاً وقال : أزیلوها من المصحف حتّی لا أتلوها((2)) .

وهذا یشیر إلی أن الخلاف الفقهی بین المسلمین لا ینحصر فی الحیعلة الثالثة ولا ینحصر بالطالبیین ، فقد یذهب بعض أهل السنة إلی خلاف المشهور عندهم لثبوت شرعیتها عنده وهذا ما نرید قوله ، وهو وجود أصل متجذر للمختلف فیه بین المسلمین ، وأن الطالبیین کانوا جادّین فی الحفاظ علی ما تلقوه ورووه من سنة رسول الله صلی الله علیه و آله ، ونهج أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام .

أما عموم اتباع نهج الخلفاء فکانوا یتبعون عمر بن الخطاب وغیره من الخلفاء فیما شرعوه من الأمور التی أشار الامام علی علیه السلام إلیها سابقاً .


1- تاریخ أبی الفداء 2 : 174 .
2- الکامل فی التاریخ 8 : 72 - 73 حوادث سنة (447) .

ص:380

بغداد ( سنة 450 ه )

قال ابن الأثیر فی ( الکامل فی التاریخ ) : .. ثمّ إن البساسیری((1)) وصل إلی بغداد یوم الأحد ثامن ذی القعدة ومعه أربعمائة غلام علی غایة الضر والفقر ، وکان معه أبو الحسن بن عبدالرحیم الوزیر ، فنزل البساسیری بمشرعة الروایا ، ونزل قریش بن بدران وهو فی مائتی فارس عند مشرعة باب البصرة ، ورکب عمید العراق ومعه العسکر والعوام وأقاموا بازاء عسکر البساسیری ، وعادوا وخطب البساسیری بجامع المنصور للمستنصر بالله العلوی صاحب مصر ، وأمر فأذن ب- « حیّ علی خیر العمل » وعقد الجسر وعبر عسکره إلی الزاهر((2)) .

وجاء فی ( النجوم الزاهرة ) : ... ثمّ دخل الأمیر أبو الحارث أرسلان البساسیری بغداد فی ثامن ذی القعدة بالرایات المستنصریة وعلیها ألقاب المستنصر هذا صاحب مصر ، فمال إلی البساسیری أهل باب الکرخ وفرحوا به لکونهم رافضة ، والبساسیری وخلفاء مصر أیضاً رافضة ، فانضموا إلی البساسیری وتشفّوا من أهل السنة وشمخت أنوف المنافقین الرافضة وأعلنوا بالأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ببغداد .

واجتمع خلق من أهل السنة علی الخلیفة القائم بأمر الله العباسی وقاتلوا معه وفشت الحرب بین الفریقین فی السفن أربعة أیّام .

وخطب یوم الجمعة ثالث عشر ذی القعدة ببغداد للمستنصر هذا صاحب


1- کان البساسیری مملوکاً ترکیاً من ممالیک بهاء الدولة بن عضد الدولة ] البویهی [ ، تقلبت به الأمور حتّی بلغ هذا المقام المشهور ، واسمه أرسلان وکنیته أبو الحارث . انظر : الکامل لابن الأثیر 8 : 87 احداث سنة 451 .
2- الکامل فی التاریخ 8 : 83 ، وانظر : البدایة والنهایة 12 : 82 ، تاریخ ابن خلدون 3 : 449 .

ص:381

الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا بحیّ علی خیر العمل ، وعقد الجسر وعبرت عساکر البساسیری إلی الجانب الشرقی((1)) .

وذکر ابن الجوزی فی المنتظم : ... وعاود أهل الکرخ الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وظهر فیهم السرور الکثیر وحملوا رایة بیضاء ونصبوها فی وسط الکرخ وکتبوا علیها اسم المستنصر بالله وأقام بمکانه والقتالُ یجری فی السفن بدجلة .

فلما کان یوم الجمعة الثالث عشر من ذی القعدة دُعی لصاحب مصر فی جامع المنصور ، وزید فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » وشرع البساسیری فی إصلاح الجسر((2)) .

وفی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) عند ذکر استیلاء أبی الحارث البساسیری علی العراق ، قال : ثمّ وصل البساسیری إلی بغداد فی یوم الأحد ثامن ذی القعدة ومعه أربعمائة غلام فی غایة الضر والفقر ، فنزل بمشرعة دار الروایا وکان معه قریش بن بدران وهو فی مائتی فارس ، فنزل مشرعة باب البصرة ورکب عمید العراق ومعه العسکر والعوام وأقاموا بإزاء عسکر البساسیری وعادوا وخطب البساسیری بجامع المنصور للمستنصر العلوی صاحب مصر فأذن « حیّ علی خیر العمل » وعقد الجسر وعبر عسکره إلی الزاهر واجتمعوا فیه وخطب فی الجمعة الثانیة للمصری بجامع الرصافة ...((3))

وفی تاریخ بغداد : ... فلما کان یوم الجمعة الثالث عشر من ذی القعدة دعی


1- النجوم الزاهره 5 : 6 .
2- المنتظم 16 : 32 حوادث 450 .
3- نهایة الارب فی فنون الادب 23 : 227 .

ص:382

لصاحب مصر فی الخطبة بجامع المنصور وزید فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، وشرع البساسیری فی إصلاح الجسر((1)) .

وفی تاریخ الخلفاء للسیوطی : ... ثمّ قدم البساسیری بغداد فی سنة خمسین ومعه الرایات المصریة ، ووقع القتال بینه وبین الخلیفة ، ودعی لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور ، وزید فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، ثمّ خطب له فی کلّ الجوامع إلّا جامع الخلیفة ، ودام القتال شهراً ثمّ قبض البساسیری علی الخلیفة فی ذی الحجة وسیّره إلی غابة وحبسه بها و...((2))

مکة / حلب ( سنة 462 ه )

قال ابن خلدون((3)) والذهبی((4)) والسیوطی((5)) : إنّ محمّد بن أبی هاشم خطب بمکة للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان((6)) ، وأسقط خطبة العلوی صاحب مصر وترک « حیّ علی خیر العمل » من الأذان .

وقال ابن الأثیر : ... وفیها ورد رسول صاحب مکّة محمّد بن أبی هاشم ومعه ولده إلی السلطان ألب أرسلان یخبره بإقامة الخطبة للخلیفة القائم بأمر الله وللسلطان بمکة وإسقاط خطبة العلوی صاحب مصر ، وترک الأذان ب- « حیّ علی


1- تاریخ بغداد 9 : 401 - 402 ، ومثله فی بغیة الطلب فی تاریخ حلب لابن العدیم 3 : 1352 ، والبدایة والنهایة 12 : 84 .
2- تاریخ الخلفاء 1 : 418 .
3- تاریخ ابن خلدون 3 : 470 .
4- سیر أعلام النبلاء 15 : 190 .
5- تاریخ الخلفاء 1 : 421 .
6- ولی هذا خراسان بعد وفاة والده طغری بک دواد سنة 452 ، وداود کان أخ السلطان ضغرلیک السلجوقی المعروف .

ص:383

خیر العمل » ، فأعطاه السلطان ثلاثین ألف دینار وخلعاً نفیسة وأجری له کلّ سنة عشرة الآف دینار((1)) .

ثمّ ذکر فی حوادث سنة 463 کیفیة استیلاء السلطان ألب أرسلان علی حلب ، إلی أن قال : ... وقد وصلها نقیب النقباء أبو الفوارس طِراد بالرسالة القائمیة ، والخلع ، فقال له محمود ؛ صاحب حلب : أسالک الخروج إلی السلطان واستعفائه لی من الحضور عنده ، فخرج نقیب النقباء ، وأخبر السلطان بأنّه قد لبس الخِلَعِ القائمیة وخطب ، فقال : أیّ شیء تساوی خطبتهم وهم یؤذنون « حیّ علی خیر العمل » ؟ ولابد من الحضور ودوس بساطی ، فامتنع محمود من ذلک .

فاشتدّ الحصار علی البلد ، وغلت الأسعار ، وعظم القتال وزحف السلطان یوماً وقرب من البلد ، فوقع حجر منجنیق فی فرسه ، فلما عظم الأمر علی محمود خرج لیلاً ، ومعه والدته منیعة بنت وثّاب النمیری ، فدخلا علی السلطان وقالت له : هذا ولدی فافعل به ما تحبّ ، فتلقاهما بالجمیل وخلع علی محمود وأعاده إلی بلده فأنفذ إلی السلطان مالاً جزیلاً((2)) .

وخطب محمود بن صالح بحلب للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان ... فأخذت العامة حُصُرَ الجامع ، وقالوا : هذه حُصُرُ علیّ بن أبی طالب ، فلیأتِ أبو بکر بحُصُر یصلّی علیها الناس((3)) .

وفی ( النجوم الزاهرة )((4)) عن الشیخ شمس الدین بن قزاوغلی فی المرآة ، قال : ... وضاقت ید أبی هاشم محمّد أمیر مکّة بانقطاع ما کان یأتیه من مصر ،


1- الکامل فی التاریخ 8 : 107 .
2- الکامل فی التاریخ 8 : 109 .
3- الکامل فی التاریخ 8 : 108 .
4- فی أحداث سنة 428 .

ص:384

فأخذ قنادیل الکعبة وسقورها وصفائح الباب والمیزاب ، وصادر أهل مکّة فهربوا ، وکذا فعل أمیر المدینة مهنّأ وقَطَعَاً الخطبة للمستنصر ] الفاطمی [ وخطبا لبنی العبّاس - الخلیفة القائم بأمر الله - وبعثا إلی السلطان ألب أرسلان السلجوقی حاکم بغداد بذلک ، وأنّهما أذّنا بمکة والمدینة الأذان المعتاد وترکا الاذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، فأرسل ألب أرسلان إلی صاحب مکّة أبی هاشم المذکور بثلاثین ألف دینار ، وإلی صاحب المدینة بعشرین ألف دینار ، وبلغ الخبر بذلک المستنصر فلم یلتفت إلیه لشغله بنفسه ورعیته من عظم الغلاء((1)) .

وفی أحداث سنة 464 قال : بعث الخلیفة بأمر الله الشریف أبا طالب الحسن بن محمّد أخا طرَّاد الزینبی إلی أبی هاشم محمّد أمیر مکّة بمال وخلع ، وقال له : غیِّر الأذان وأبطل « حیّ علی خیر العمل » ، فناظره أبو هاشم مناظرة طو یلة وقال له : هذا أذان أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب ، فقال له أخو الشریف : ما صحَّ عنه وإنّما عبدالله بن عمر بن الخطاب روی عنه أنه أذّن به فی بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر ! فأسقطه من الأذان((2)) .

وجاء فی تاریخ الخلفاء بأن الخطبة اُعیدت للعبیدی بمکة فی سنة 467((3)) .

الشام ( سنة 468 ه )

جاء فی ( مآثر الإنافة ) للقلقشندی : ... تغلّب علی دمشق اتسز بن ارتق الخوارزمی المعروف بالاقسیس ، أحد أمراء السلطان ملکشاه السلجوقی ] ابن ألب ارسلان [ فی سنة 468 وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمی وخطب


1- النجوم الزاهرة 5 : 23
2- النجوم الزاهرة 5 : 89 .
3- تاریخ الخلفاء 1 : 423 .

ص:385

للمقتدی((1)) العباسی ، ومنع الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ولم یخطب بعدها بالشام لأحد من الفاطمیین وبقی بها إلی ما بعد خلافة المقتدی((2)) .

وفی ( الکامل ) لابن الأثیر : ... ودخلها هو ] أی الاقسیس [ وعسکره فی ذی القعدة وخطب بها یوم الجمعة لخمس بقین من ذی القعدة للمقتدی بأمر الله الخلیفة العباسی ، وکان آخر ما خطب فیها للعلویین المصریین ، وتغلب علی أکثر الشام ، ومنع الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ففرح أهلها فرحاً عظیماً ، وظلم أهلها وأساء السیرة فیهم((3)) .

وفی ( البدایة والنهایة ) لابن کثیر ، قال : ... الاقسیس هذا هو اتسز بن اوف الخوارزمی ، ویلقب بالملک المعظم ، وهو أوّل من استعاد بلاد الشام من أیدی الفاطمیین وأزال الأذان منها ب- « حیّ علی خیر العمل » بعد أن کان یؤذن به علی منابر دمشق وسائر الشام مائة وست سنین ( 106 سنة ) ، وکان علی أبواب الجوامع والمساجد مکتوب لعنة الصحابة رضی الله عنهم ، فأمر هذا السلطان المؤذّنین والخطباء أن یترضّوا عن الصحابة أجمعین((4)) .

وفی تاریخ الخلفاء : ... خطب للمقتدی العباسی بدمشق وأبطل الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وفرح الناس بذلک((5)) .


1- ولی المقتدی 467 بعد وفاة والده القائم بالله ، ومما یجب التنبیه علیه أنّ الخطبة للعلویین أعیدت بمکة بعد وفاة القائم بالله وقطع خطبة المقتدی وکانت مدة الخطبة العباسیة بمکة أربع سنین وخمسة اشهر ، ثمّ أعیدت فی ذی الحجة سنة ثمان وستین وأربعمائة ( انظر : الکامل فی التاریخ 8 : 121 ) .
2- مآثر الإنافة للقلقشندی 2 : 5 .
3- الکامل فی التاریخ 8 : 122 احداث سنة 468 ه- .
4- البدایة والنهایة 12 : 120 ، 127 .
5- تاریخ الخلفاء 1 : 424 .

ص:386

وفی تاریخ ابن خلدون : ... وخطب فیها اتسز للمقتدی العباسی فی ذی القعدة سنة ثمان وستین ، وتغلّب علی أکثر الشام ، ومنع من الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، ثمّ سار سنة تسع وستین إلی مصر وحاصرها حتّی أشرف علی أخذها ، ثمّ انهزم من غیر قتال ، ورجع إلی دمشق وقد انتقضَ علیه أکثر الشام ، فشکر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة ، وبلغه أنّ أهل القدس وثبوا بأصحابه ...((1))

مصر ( سنة 478 ه )

ولی المستنصر بالله الفاطمی من سنة ( 428 - 487 ه- ) وهو معد أبو تمیم حفید الحاکم بأمر الله ، وقد قرب هذا بدرَ الجمالیَّ لولایة اُمور الحضرة .

قال صاحب ( النجوم الزاهرة ) : ... کان بدر الجمالی أرمنی الجنس فاتکاً جباراً قتل خلقاً کثیراً من العلماء وغیرهم ، وأقام الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وکبّر علی الجنائز خمساً ، وکتب سبَّ الصحابة علی الحیطان ...((2))

وفی ( المنتظم ) : وفی شهر ذی القعدة قبض بدر الجمالی - أمیر مصر - علی ولده الأکبر وأربعة من الأمراء ... ونفی مذکِّری أهل السنة ، وحمل الناس أن یکبّروا خمساً علی الجنائز ، وأن یسدلوا أیمانهم فی الصلاة ، وأن یتختّموا فی الأیمان ، وأن یثوّبوا((3)) فی صلاة الفجر « حیّ علی خیر العمل » ، وحبس أقواماً رووا فضائل الصحابة((4)) .


1- تاریخ ابن خلدون 3 : 473 - 474 .
2- النجوم الزاهرة 5 : 120 .
3- وقد عبّر ابن الجوزی عن الحیعلة الثالثة بالتثویب تساهلاً منه ؛ لأنّها حلّت محلّ « الصلاة خیر من النوم » .
4- المنتظم فی تاریخ الامم والملوک 16 : 242 .

ص:387

مصر ( سنة 524 ه )

ولی الحافظ لدین الله الفاطمی ( عبدالمجید حفید المستنصر بالله ) بعد قتل ابن عمه أبی علیّ منصور الآمر بأحکام الله فی سنة أربع وعشرین وخمسمائة .

قال العلاّمة أبو المظفر فی مرآة الزمان : ... ولما استمر الحافظ فی خلافة مصر ضعف أمره مع وزیره أبی علیّ أحمد بن الأفضل أمیر الجیوش ، وقویت شوکة الوزیر المذکور وخطب للمنتظر المهدی ، وأسقط من الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، ودعا الوزیر المذکور لنفسه علی المنابر « بناصر إمام الحق ، هادی العصاة إلی اتّباع الحق ، مولی الأمم ، ومالک فضیلتی السیف والقلم » فلم یزل حتّی قتل الوزیر((1)) .

وقد تکلّم المقریزی فی ( اتعاظ الحنفاء ) عن أبی علیّ أحمد بن الأفضل ، فقال : وکان إمامیاً متشدّداً فالتفت علیه الإمامیة ولعبوا به حتّی أظهر المذهب الإمامی وتزاید الأمر فیه إلی التأذین فانفعل بهم ، وحسّنوا له الدعوة للقائم المنتظر فضرب الدراهم باسمه ونقش علیها « الله الصمد ، الإمام محمّد » ... إلی أن یقول : ... وکان قد أسقط منذ إقامة الجند ذکر إسماعیل بن جعفر الصادق الذی تنسب إلیه الطائفة الإسماعیلیة ، وأزال من الأذان قولهم فیه « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » ، وأسقط ذکر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً یُدعی به علی المنابر ...((2))

وقال أبو الفداء فی تاریخه : ... ثمّ دخلت سنة ست وعشرین وخمسمائة ، فیها قُتِلَ أبو علیّ بن الأفضل بن بدر الجمالی وزیر الحافظ لدین الله العلوی ، وکان أبو


1- النجوم الزاهرة 5 : 238 .
2- اتعاظ الحنفاء فی تاریخ الائمة الخلفاء 3 : 143 .

ص:388

علیّ المذکور قد حجر علی الحافظ وقطع خطبة العلویین وخطب لنفسه خاصة وقطع من الأذان « حیّ علی خیر العمل » فنفرت منه قلوب شیعة العلویین وثار به جماعة من الممالک وهو یلعب الکرة فقتلوه ونهبت داره((1)) .

وفی ( وفیات الاعیان ) : ... وقبض علی الحافظ المذکور واستقل بالأمر وقام به أحسن قیام ، وردّ علی المصادَرین أموالهم ، وأظهر مذهب الإمامیة وتمسّک بالائمة الاثنی عشر ، ورفض الحافظَ وأهلَ بیته ، ودعا علی المنابر للقائم فی آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر علی زعمهم وکتب اسمه علی السکة ، ونهی أن یؤذّن ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وأقام کذلک إلی أن وثب علیه رجل من الخاصّة بالبستان الکبیر بظاهر القاهرة فی النصف من المحرم سنة ست وعشرین وخمسمائة فقتله ، وکان بتدبیر الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ وبایعوه ولقبوه بالحافظ ودعی له علی المنابر((2)) .

وفی ( بدائع الزهور فی وقائع الدهور ) قوله : ... وکان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِکْرَ اسماعیل بن جعفر الصادق الذی تنسب إلیه الطائفة الإسماعیلیة ، وأزال من الأذان قولهم فیه « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » وأسقط ذکر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً یدعی به علی المنابر((3)) .

وفی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) : قال المؤرخ : لما بویع الحافظ لدین الله ثار الجند الأفضلیة وأخرجوا ابن مولاهم أبا علیّ أحمد بن الافضل الملقب بکتیفات ، وولّوه أمر الجیوش وذلک فی یوم الخمیس السادس من ذی القعدة منها ، فحکم ، واعتقل الحافظ صبیحة یوم بیعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوی أمر ابن الأفضل .


1- تاریخ أبی الفداء 3 : 6 .
2- وفیات الاعیان 3 : 236 . تاریخ ابن خلدون 4 : 71 - 72 .
3- بدائع الزهور فی وقائع الدهور لمحمد بن أحمد بن إیاس الحنفی ط- الهیئة المصریة العامة 1402ه- .

ص:389

وفی سنة خمس وعشرین رتّب أحمد بن الافضل فی الأحکام أربعة قضاة : الشافعیة ، والمالکیة ، والإسماعیلیة ، والإمامیّة ، یحکم کلّ قاضی بمقتضی مذهبه ویورّث بمقتضاه ، فکان قاضی الشافعیة الفقیه سلطان ، وقاضی المالکیة اللبنی ، وقاضی الاسماعیلیة أبو الفضل ابن الأزرق ، وقاضی الإمامیّة ابن أبی کامل .

وسار أحمد بن الأفضل سیرة جمیلة بالنسبة إلی أیام الآمر ، وردّ علی الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر مذهب الإمامیّة الاثنی عشریة ، وأسقط من الأذان قولهم « حیّ علی خیر العمل » وأمر بالدعاء لنفسه علی المنابر بدعاء اخترعه((1)) .

وفی تاریخ ابن خلدون : فأشار علیه الإمامیة بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانیر ، ونقش علیها : « الله الصمد ، الإمام محمّد » وهو الإمام المنتظر . وأسقط ذِکْرَ إسماعیل من الدعاء علی المنابر وذِکْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

وفی ( المواعظ والاعتبار ) : ... ولمّا تغلّب أبو علیّ بن کتیفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمیر الجیوش بدر الجمالی علی رتبة الوزارة فی أیام الحافظ لدین الله أبی المیمون عبدالمجید بن الأمیر أبی القاسم محمّد بن المستنصر بالله فی سادس عشر ذی القعدة سنة أربع وعشرین وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقیّده ، واستولی علی سائر ما فی القصر من الأموال والذخائر ، وحملها إلی دار الوزارة ، وکان إمامیاً متشدّداً فی ذلک ، خالف ما علیه الدولة من مذهب الإسماعیلیة ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان « حیّ علی خیر العمل » وقولهم « محمّد وعلیّ خیر


1- نهایة الارب فی فنون الادب : 7467 .
2- تاریخ بن خلدون .

ص:390

البشر » ، وأسقط ذکر إسماعیل بن جعفر الذی تنتسب إلیه الإسماعیلیة ، فلما قتل فی سادس عشر المحرم سنة ست وعشرین وخمسمائة عاد الأمر إلی الخلیفة الحافظ وأعید إلی الأذان ما کان أُسقط منه((1)) .

وفی بعض کلام المؤرخین هذا خطأ ؛ إذ المعروف عن الإمامیة والثابت عندهم هو جزئیة « حیّ علی خیر العمل » فلا یجوز رفعه إن کان کتیفات هذا إمامیاً بالمصطلح .

وأما الدعاء للإمام المنتظر وإسقاط ذکر إسماعیل بن جعفر من الخطبة فکانت خطوة سیاسیة احتمی بها ابن کتیفات ؛ لأنّه کان سنیّاً لکنّه أظهر التمسّک بالإمام المنتظر .

وهذا ما صرّح به الذهبی فی ( العبر فی خبر من غبر ) بأنّ أبویه کانا سنیّین ، قال : ... فحجر علی الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أکثر ما فی القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبیدیة ، لأنّه کان سنیّاً کأبیه ، لکنّه أظهر التمّسک بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان « حیّ علی خیر العمل » ، وغیرّ قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا علیه((2)) .

وقال الیافعی فی ( مرآة الجنان وعبرة الیقظان ) : ... وأهمل ناموس الخلافة العبیدیة ؛ لأنّه کان سنیاً کأبیه ، لکنّه أظهر التمسّک بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان « حیّ علی خیر العمل » وغیّر قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا علیه ، فرکب للعب الکرة فی المحرم فوثبوا علیه وطعنه مملوک الحافظ بحربة..((3)) .


1- المواعظ والاعتبار للمقریزی 2 : 271 ، وانظر : قصة قتل أبی علی بن کثیفات فی الکامل فی التاریخ 8 : 334 أحداث سنة 526 ه- .
2- العبر فی خبر من غبر 4 : 68 ، شذرات الذهب 2 : 78 ، سیر أعلام النبلاء 19 : 509 - 510 .
3- مرآة الجنان وعبرة الیقظان 3 : 251 .

ص:391

حلب ( سنة 543 ه )

جاء فی ( زبدة الحلب من تاریخ حلب ) : ... وشرع نور الدین((1)) فی تجدید المدارس والرباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إلیها ، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاویین فی سنة ثلاث وأربعین وخمسمائة ، واستدعی برهان الدین علیّ بن الحسن البلخی الحنفی وولاّه تدریسها ، فغیّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذنین من قولهم « حیّ علی خیر العمل » ، وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء وقال لهم : من لم یؤذن الأذان المشروع فألقوه من المنارة علی رأسه ، فأذنّوا الأذان المشروع واستمر الأمر من ذلک الیوم ...((2))

قال الذهبی فی سیرأعلام النبلاء((3)) فی ترجمة علیّ بن الحسن بن محمّد أبی الحسن الحنفی الفقیه : سمع بما وراء النهر وتنتسب إلیه المدرسة البلخیة ویلقب بالبرهان ، وهو الذی أبطل من حلب الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، مات سنة 548 .

وکان المقدسی قد نوه عن إبطال الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، بقوله : ورد الخبر من ناحیة حلب بأنّ صاحبها نور الدین بن أتابک أمر بإبطال « حیّ علی خیر العمل » فی أواخر تأذین الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنکر ذلک إنکاراً شدیداً ، وساعده علی ذلک جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر علی الإسماعیلیة وأهل التَّشَیُّع ..((4))


1- هو نور الدین أبو القاسم محمود بن زنکی بن آقسنقر ، المولود سنة 511 ه- ، وکان حنفی المذهب داعیة إلی مذهبه ، وهو مؤسس الدولة النوریة فی الشام .
2- زبدة الحلب فی تاریخ حلب لابن العدیم 2 : 475 - 476 .
3- سیر أعلام النبلاء 20 :276 .
4- الروضتین فی أخبار الدولتین 1 :202 .

ص:392

وفی ( العبر فی خبر من غبر ) ، قال : أبو الحسن البلخی علیّ بن الحسن الحنفی ... وکان یلقّب برهان الدین ... وهو الذی قام فی إبطال « حیّ علی خیر العمل » من حلب((1)) .

وجاء فی ( البدایة والنهایة ) لابن کثیر : افتتح نور الدین أبو القاسم الترکی السلجوقی وکان حنفی المذهب .. وأظهر السنّة وأمات البدعة ، وأمر بالتأذین ب- « حیّ علی الصلاة حیّ علی الفلاح » ، ولم یکن یؤذن بهما فی دولتی أبیه وجدّه وإنّما کان یؤذن ب- « حیّ علی خیر العمل » لأنّ شعار الرفض کان ظاهراً بها((2)) .

وفی ( النجوم الزاهرة )((3)) وکتاب الروضتین فی أخبار الدولتین((4)) وخطط الشام لمحمد کرد علیّ((5)) وغیرها والنص للثانی : قال أبو یعلی التمیمی : وفی رجب من هذه السنة ] أی 543 ه- [ ورد الخبر من ناحیة حلب بأنّ صاحبها نور الدین بن أتابک أمر بإبطال « حیّ علی خیر العمل » فی أواخر تأذین الغداة ، والتظاهرِ بسب الصحابة ، وأنکر ذلک إنکاراً شدیداً ، وساعده علی ذلک جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر علی الإسماعیلیة وأهل التشیع ، وضاقت له صدورهم وهاجوا له وماجوا ، ثمّ سکنوا وأحجموا للخوف من السطوة النوریة المشهورة والهیبة المحذورة ...


1- العبر فی خبر من غبر 4 : 631 ، الدارس فی تاریخ المدارس 1 : 368 .
2- البدایة والنهایة 12 : 298 .
3- النجوم الزاهرة 5 : 282 .
4- الروضتین فی اخبار الدولتین 1 : 201 - 202 .
5- خطط الشام لمحد کرد علی 2 : 21 .

ص:393

حلب ( سنة 552 ه )

اشتدّ المرض فی شهر رمضان بنور الدین وخاف علی نفسه ، فاستدعی أخاه نصرة الدین أمیر أمیران ، وأسد الدین شیرکوه ، وأعیان الأمراء والمقدمین ، وأوصی إلیهم وقرر أن یکون أخوه نصرة الدین القائم فی منصبه من بعده ویکون مقیماً فی حلب ، ویکون أسد الدین فی دمشق فی نیابة نصرة الدین ... واتّفق وصول نصرة الدین إلی حلب فأغلق والی القلعة مجد الدین فی وجهه الأبواب وعصی علیه ، فثارت أحداث حلب... ، ودخل نصرة الدین فی أصحابه وحصل فی البلد ، وقامت الأحداث علی والی القلعة باللوم والإنکار والوعید ، واقترحوا علی نصرة الدین اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم فی التأذین « حیّ علی خیر العمل ، محمّد وعلیّ خیر البشر » فأجابهم إلی ما رغبوا فیه وأحسن القول لهم والوعد ..((1)) .

وفی ( زبدة الحلب من تاریخ حلب ) : ... ثمّ عاد نور الدین إلی حلب فمرض بها فی سنة أربع وخمسین مرضاً شدیداً بقلعتها ، وأشفی علی الموت ، وکان بحلب أخوه الأصغر نصر الدین أمیر امیران محمّد بن زنکی ، وأرجف بموت نور الدین ، فجمع أمیر امیران الناسَ واستمال الحلبیّ وملک المدینة دون القلعة ، وأذِن للشیعة أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » علی عادتهم من قبل ، فمالوا إلیه لذلک((2)) .


1- الروضتین فی اخبار الدولتین 1 : 347 ، بغیة الطلب فی تاریخ حلب 4 : 2024 .
2- زبدة الحلب من تاریخ حلب لابن العدیم 2 : 486 .

ص:394

مصر ( سنة 565 ه )

جاء فی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) : ... قال المورخ : ولعشر مضین من ذی الحجة سنة خمس وستین وخمسمائة أمر الملک الناصر ] أی صلاح الدین الأیوبی [ أن یسقط من الأذان قولهم « حیّ علی خیر العمل ، محمّد وعلیّ خیر البشر » وکانت أول وصمة دخلت علی الشیعة والدولة العبیدیة ، ویئسوا بعدها من خیر یصل إلیهم من الملک الناصر ، ثمّ أمر أن یذکر فی الخطبة بکلام مجمل ، لیلبس علی الشیعة والعامة : اللّهمّ أصلح العاضد لدینک ...((1))

ونقل أبو شامه عن ابن أبی طی فیما جری فی مصر سنة 566 ه- قوله : فی هذه السنة شرع السلطان - یعنی صلاح الدین - فی عمارة سور القاهرة لأنه کان قد تهدّم أکثره وصار طریقاً لا یردّ داخلاً ولا خارجاً ، وولاّه لقراقوش الخادم ، وقبض علی القصور وسلّمها إلیه ، وأمر بتغییر شعار الإسماعیلیة وقطع من الأذان « حیّ علی خیر العمل » وشرع فی تمهید أسباب الخطبة لبنی العباس((2)) .

وجاء مثله عند ابن کثیر فی البدایة والنهایة((3)) .

وقال ابن الاثیر : کان السبب فی ذلک أن صلاح الدین یوسف بن أیوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفین له وضعف أمر العاضد وهو الخلیفة بها .. کتب إلیه الملک العادل نور الدین محمود یأمره بقطع الخطبة العاضدیة وإقامة الخطبة العباسیة ، فاعتذر صلاح الدین بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلی ذلک لمیلهم إلی العلویین ، فلم یصغ نور الدین إلی قوله وأرسل إلیه یلزمه إلزاماً لا فسحة له فیه((4)) .


1- نهایة الارب فی فنون الادب الفن 5/القسم 5/الباب 12 أخبار الملوک العبیدیون .
2- الروضتین فی اخبار الدولتین 2 : 184 .
3- البدایة والنهایة 12 : 283 .
4- انظر الکامل 9 : 111 وعنه فی الروضتین فی اخبار الدولتین 2 : 190 .

ص:395

مصر ( سنة 567 ه )

جاء فی ( نهایة الأرب فی فنون الأدب ) : ... کان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدین الله ، وذلک فی یوم الجمعة لسبع مضین من المحرم سنة سبع وستین وخمسمائة ، وکان سبب ذلک أنّ صلاح الدین یوسف لمّا ثبتت قدمه فی صلب الدیار المصریة واستمال الناس بالأموال ، قتل مؤتمن الخلافة جوهراً ... ونصب مکانه قراقوس الأسدی الخصی خادم عمّه ، ثمّ کانت وقعة السودان فأفناهم بالقتل ... ثمّ أسقط من الأذان قولهم « حیّ علی خیر العمل » ، وأبطل مجلس الدعوة ، وضعف أمر العاضد معه إلی الغایة ، فعند ذلک کتب الملک العادل نور الدین إلی الملک الناصر صلاح الدین یأمره بالقبض علی العاضد وأقاربه والخطبة للخلیفة المستضی بنور الله ، وکان المستضیء قد راسله فی ذلک فامتنع صلاح الدین ...((1))

وذکر ابن العماد فی الشذرات هذا الموضوع فیما جری فی سنة 569 ، فقال : وفیها مات نور الدین الملک العادل أبو القاسم محمود بن زنکی بن آق سنقر ، تملَّک حلب بعد أبیه ثّم أخذ دمشق فملکها عشرین سنة وکان مولده فی شوال سنة 511 .... وأزال الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وبنی المدارس وسور دمشق((2)) .

حلب ( سنة 570 ه )

وفی هذه السنة عزم صلاح الدین الأیوبی الدخول إلی الشام ] وذلک بعد موت نور الدین [ ، فلما استقرّت له دمشق نهض إلی حلب ونزل علی أنف جبل جوشن ، وکان علی حلب آنذاک ابن نور الدین ، والأخیر جمع أهل حلب وقال لهم : یا أهل


1- نهایة الارب فی فنون الادب الفن 5/القسم 5/ الباب 12 أخبار الملوک العبیدیون .
2- انظر : شذرات الذهب 4 : 228 .

ص:396

حلب ، أنا ربیبکم ونزیلکم ، واللاجئ إلیکم ، کبیرکم عندی بمنزلة الأب ، وشابّکم عندی بمنزلة الأخ ، وصغیرکم عندی یحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته الدمعة ، وعلا نشیجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صیحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا بالبکاء والعویل ، وقالوا : نحن عبیدک وعبید أبیک ، نقاتل بین یدیک ، ونبذل أموالنا وأنفسنا لک . وأقبلوا علی الدُّعاء له ، والترحُّم علی أبیه .

وکانوا قد اشترطوا علی الملک الصَّالح أنه یُعید إلیهم شرقیة الجامع یُصَلُّون فیها علی قاعدتهم القدیمة ، وأن یُجهر ب- « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، والتذکیر فی الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمة الاثنی عشر ، وأن یصلُّوا علی أمواتهم خمس تکبیرات ، وأن تکون عقود الأنکحة إلی الشریف الطَّاهر أبی المکارم حمزة بن زُهْرة الحسینی ، وأن تکون العصبیة مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشیاء کثیرة اقترحوها مما کان قد أبطله نور الدین رحمه الله تعالی ، فأُجیبوا إلی ذلک .

قال ابن أبی طیّ : فأذّن المؤذّنون فی منارة الجامع وغیره ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وصلّی أبی فی الشَّرْقیة مُسْبِلاً ، وصلَّی وجوه الحلبیین خلفه ، وذکروا فی الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا علی الأموات خمس تکبیرات ، وأُذِنَ للشریف فی أن تکون عقود الحلبیین من الإمامیة إلیه ، وفعلوا جمیع ما وقعتِ الأیمان علیه((1)) .


1- الروضتین فی اخبار الدولتین 2 : 348 - 349 ، البدایة والنهایة 12 : 309 وفیه : شرط علیه الروافض . وانظر حاشیة الشیخ اغا بزرک الطهرانی علی مستدرک وسائل الشیعة والمطبوع معه 3 : 8 .

ص:397

مکّة ( سنة 579 ه )

قال ابن جبیر : وللحرم المکی أربعة أئمّة سنیة وإمام خامس لفرقة تسمی الزیدیة ، وأشراف أهل هذه البلدة علی مذهبهم ، وهم یزیدون فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » إثر قول المؤذن « حیّ علی الفلاح » ، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا یجمعون مع الناس إنّما یصلون ظهراً أربعاً ، ویصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها ، فأوّل الأئمّة السنیة الشافعی ، وإنّما قدمنا ذکره لأنّه المقدم من الإمام العباسی وهو أوّل من یصلی وصلاته خلف مقام إبراهیم إلّا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة یصلونها فی وقت واحد مجتمعین لضیق وقتها ، یبدأ مؤذن الشافعی بالإقامة ثمّ یقیم مؤذنوا سائر الأئمّة ، وربما دخل فی هذه الصلاة علی المصلّین سهو وغفلة لاجتماع التکبیر فیها من کلّ جهة ، فربما رکع المالکی برکوع الشافعی أو الحنفی ، أو سلم أحدهم بغیر سلام إمامه ، فتری کلّ أُذُن مصغیة لصوت إمامها أو صوت مؤذّنه مخافَة السهو ، ومع هذا فیحدث السهو علی کثیر من الناس .

ثمّ المالکی وهو یصلی قبالة الرکن الیمانی ...((1))

مکّة ( سنة 582 ه )

وفیها دخل سیف الإسلام أخو صلاح الدین إلی مکّة وضرب الدنانیر فیها باسم أخیه ، ومنع من قولهم « حیّ علی خیر العمل »((2)) .


1- رحلة ابن جبیر 1 : 84 - 85 ، وقد ذکر بعض ما یتعلق بأئمّة المذاهب الأربعة ، وأغفل ما یتعلق بإمام الزیدیة !!
2- النجوم الزاهرة 6 : 103 ، الروضتین فی اخبار الدولتین 3 : 271 .

ص:398

مکّة ( سنة 617 ه )

وفیها توفی الشریف أبو عزیز قتاده بن إدریس الزیدی الحسنی المکّی أمیر مکّة .

کان شیخاً عارفاً مصنفاً ، نقمةً علی عبید مکّة المفسدین ، وکان الحاج فی أیامه فی أمان علی أموالهم ونفوسهم ، وکان یؤذّن فی الحرم ب- « حیّ علی خیر العمل » علی قاعدة الرافضة ، وما کان یلتفتُ إلی أحد من خلق الله تعالی ، ولا وطئ بساط الخلیفة ولا غیره ، وکان یحمل إلیه من بغداد فی کلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره فی مکّة ، وهو یقول : أنا أحق بالخلافة من الناصر لدین الله ، ولم یرتکب کبیرة فیما قیل ...((1))

مکّة ( سنة 702 ه )

جاء فی ( الدرر الکامنة ) قوله : أبطل ] بزلغی التتری حینما کان علی الحج [ الأذان ب- « حیّ علی خیر العمل » وجمع الزیدیة ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام((2)) .

إیران (سنة 707 ه تقر یباً)

کان مذهب أهل السنة والجماعة هو الغالب علی إیران إلّا فی مناطق معینة کطبرستان ، والریّ ، وقم ، وأقسام من خراسان ، وقد ذکر المؤرخون عللاً وأسباباً فی تشیع إیران((3)) ، إلّا أنّ الثابت هو حدوثه فی عهد العلاّمة الحلّی « الحسن


1- النجوم الزاهرة 6 : 249 - 250 .
2- الدرر الکامنة 2 : 9 .
3- طبع موخراً الشیخ رسول جعفریان رسالة الجایتو والتی ألفها باللغة الفارسیة موضحاً فیها أسباب تشیعه فلیراجع .

ص:399

بن یوسف » المتوفی 726 ه- الذی کان السبب فی تشیع السلطان الجایتو محمّد المغولی الملقّب بشاه خدابنده المتوفی 717 أو 719 ه- .

فلما تشیع السلطان أمر فی تمام ممالکه بتغییر الخطبة وإسقاط أسامی الثلاثة عنها ، وبذکر أسامی أمیر المؤمنین علیه السلام وسائر الأئمّة: علی المنابر ، وبذکر « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، وبتغییر السّکّة ونقش الأسامی المبارکة علیها((1)) .

المدینة [ القرن الثامن ]

نقل السمهودی فی ( وفاء الوفاء ) : ... عن ابن فرحون المتوفی سنة 799ه- قوله : وقد تساهل من کان قبلنا فزادوا علی الحجرة الشریفة مقصورة کبیرة ... وکانت بدعة وضلالة یصلی فیها الشیعة ... ولقد کنت أسمع بعضهم یقف علی بابها ویؤذّن بأعلی صوته « حیّ علی خیر العمل » وکانت مواطن تدریسهم وخلوة علمائهم((2)) .

وذکر صاحب التحفة اللطیفة فی ترجمة عزاز ، أحد الاشراف : کان یقف علی باب المقصورة المحیطة بالحجرة النبویة ویؤذّن بأعلی صوته من غیر خوف ولا فزع قائلاً « حیّ علی خیر العمل » ؛ قاله ابن فرحون فی تاریخه((3)) .

القطیف ( سنة 729 ه )

ذکر ابن بطوطة فی رحلته سفره إلی القطیف ، فقال : ثمّ سافرنا إلی مدینة القُطَیف - وضبط اسمها بضم القاف کأنّه تصغیر قَطِیف - وهی مدینة کبیرة حسنة


1- روضة المتقین للعلاّمة المجلسی 9 : 30 احقاق الحق 1 : 11 ، أعیان الشیعة 5 : 396 ، مجالس المؤمنین 2 : 356 . وانظر : خاتمة مستدرک الوسائل للنوری وغیرها .
2- وفاء الوفاء للسمهودی 1 - 2 : 612 الفصل 27 .
3- التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة 2 : 260 الترجمة 2965 .

ص:400

ذات نخل کثیر ، یسکنها طوائف العرب ، وهم رافضیة غلاة ، یظهرون الرفض جهاراً لا یتّقون أحداً ، ویقول مؤذنهم فی أذانه بعد الشهادتین : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » ، ویزید بعد الحیعلتین « حیّ علی خیر العمل » ویزید بعد التکبیر الأخیر : « محمّد وعلیّ خیر البشر من خالفها فقد کفر »((1)) .

مکّة ( سنة 793 ه )

جاء فی صبح الاعشی : ... وولی ابنه صلاح ] بن علیّ بن محمّد [ وتابعه الزیدیة ، وکان بعضهم ینکر إمامته لعدم استکمال الشروط فیه ، فیقول : «أنا لکم ما شئتم إمام أو سلطان» ، ثمّ مات سنة ثلاث وتسعین وسبعمائة ، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزیدیة من بیعته ... إلی أن یقول : قال فی مسالک الأبصار : ولشیعة هذا الإمام فیه حُسْنُ الاعتقاد ، حتّی أنّهم یستشفون بدعائه ، ویُمرُّون یده علی مرضاهم ، ویستسقون به المطر إذا اجدبوا ، ویبالغون فی ذلک کلّ المبالغة ، ثمّ قال : ولا یَکْبُرُ لإمام هذه سیرته - فی التواضع لله ، وحسن المعاملة لخلقه ، وهو من ذلک الأصل الطاهر والعنصر الطیب - أن یجاب دعاؤه ویتقبل منه ، قال : وزیُّ هذا الإمام وأتباعه زیّ العرب فی لباسهم والعمامة والحنک ، وینادی عندهم بالأذان « حیّ علی خیر العمل »((2)) .

صنعاء ( سنة 900ه تقریباً )

ذکر صاحب البدر الطالع فی ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزیدی الیمانی ( المولود 836 والمتوفی 931 ) ما نصّه : لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهاب


1- رحلة ابن بطوطه : 186 / بعد ذکره لمدینة ( البحرین ) .
2- صبح الاعشی 7 : 358 - 359 .

ص:401

صنعاء ومایلیها من البلاد ] کان [ یجلّه ویقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام الناصر الحسن بن عزالدین بن الحسن .

ولما صلّی السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذن أن یسقط من الأذان « حیّ علی خیر العمل » فمنعه محمّد بن الحسن الزیدی ، فالتفت إلیه جمیع من فی المسجد من جند السلطان وهم ألوف مؤلّفة ، وعُدَّ ذلک من تصلّبه فی مذهبه((1)) .

حضرموت ( سنة 1070 ه )

جاء فی کتاب ( سمط النجوم العوالی فی أنباء الاوائل والتوالی ) للعاصمی : قوله :

وفی سنة 1065 جهز الإمام إسماعیل((2)) ابنَ أخیه الإمام أحمدَ بن الحسن علی حضرموت ونواحیها لکونهم لم یخطبوا له ] بعد أن سیطر علی أغلب الیمن [ فالتقی هو والأمیر حسین الرصاص ، لکون بلده أقرب البلدان إلی دولة الإمام إسماعیل ، وحصل منهم قتال ، فلما عجز الإمام أحمد بن الحسن اُرسل إلی قبیلة یافع - وهم قبائل کثیرون - بالأموال خفیة ، وطلبوا منه أن یکونوا معه علی الرصاص ... فتجهزوا علی الرصاص وأتوه علی غرة ... حتّی قتل ... واستولی الزیدیة علی غالب حضرموت .


1- البدر الطالع 2 : 122 .
2- ابن المنصور بالله القاسم بن محمد بن علی بن محمد بن الرشید بن أحمد بن الحسین بن علیّ بن یحیی بن محمد بن یوسف الاشل بن القاسم بن محمد بن یوسف الاکبر بن المنصور بن یحیی بن الناصر بن أحمد بن الهادی إلی الحق یحیی بن الحسین ابن القاسم بن إبراهیم بن إسماعیل بن إبراهیم بن الحسن المثنی بن الحسن بن علیّ بن أبی طالب .

ص:402

ثمّ فی سنة 1070 استولی علی حضرموت کلها ، وأمرهم أن یزیدوا فی الأذان « حیّ علی خیر العمل » وترک الترضی عن الشیخین ... ثمّ لم یزل الإمام إسماعیل قائماً بأعباء الإمامة الکبری إلی أن توفّاه الله تعالی إلی رحمته سنة 1087 ه((1)) .

نجد ( سنة 1224 ه )

قال عبدالحی بن فخر الدین الحسینی ( المتوفی 1341 ه- ) فی ( نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر ) : ... الزیدیة بعد ما خالف الشریف حمود بن محمّد علی أهل نجد سنة أربع وعشرین ومائتین وألف أن یزید أهلها قول « حیّ علی خیر العمل » فی ندائهم للصلوات ویَدَعُوا ما توارثوه من السلف فی أذان الفجر من قولهم « الصلاة خیر من النوم » فإنه کان یراها بدعة إنّما أحدثها عمر رضی الله عنه فی إمرته((2)) .

وأختم حدیثی بما نقله القلقشندی فی صبح الأعشی عن الزیدیة فقال : ... وهم یقولون : إن نَصَّ الأذَانِ بَدَل الحَیْعَلَتینِ((3)) : « حَیّ علی خَیْر العَمَلِ » یقولونها فی أَذانِهم مرّتین بدل الحَیْعلَتَیْن ، وربَّما قالوا قبل ذلک: « محمدٌ وعَلِیٌّ خَیر البَشَر ، وعِتْرتُهما خیر العِتَر » ومن رأَی أنّ هذا بِدعةٌ فقد حاد عن الجَادَّة .

وهم یسوقون الإِمامة فی أوْلاد عَلِیّ کَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة 2 ، ولا یُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة فی غیر بنیهما ؛ إلّا أنَّهم جَوَّزُوا أن یکونَ کلُّ فاطمیِّ عالِم زَاهِد شُجاع خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً واجِبَ الطاعة ، سواء کان من ولد


1- سمط النجوم العوالی 4 : 198 - 200 .
2- نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر : 1646 .
3- هذا غلط من القلقشندی فالزیدیة تقول بالحیعلة الثالثة بعد الحیعلتین لا بدلهما .

ص:403

الحَسَنِ أو الحُسَینِ علیهما السلام ، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ . وهم یَرَوْن أن الإِمام المَهْدِیَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَین دون ولد الحسَن رضی الله عنهما ، ومن خالف فی ذلک فقد أخْطَأ . ومن قال : إِنَّ الشیخین أبا بَکْر وعُمَر أفضلُ من عَلِیٍّ وبَنِیه فقد أخْطأَ عندهم وخالَف زَیداً فی مُعْتَقَدِه. ویقولون : إنّ تَسْلِیم الحَسَنِ الأمْرَ لمعَاویةَ کان لمصْلَحة آقتضاها الحال ، وإن کان الحقُّ له .

قال فی « التعر یف » : وأَیْمانُهم أَیْمانُ أهْلِ السُّنَّة، یعنی فیحلَّفون کما تقدّم ، ویزاد فیها : وإِلاَّ بَرِئْتُ من مُعْتَقَدِ زید بن عَلِیّ ، ورأیتُ أنَّ قَوْلِی فی الأذانِ : « حَیَّ علی خَیْرِ العَمَل » بِدْعةٌ ، وخَلَعتُ طاعة الإِمام المعصوم الواجب الطَّاعة ، وآدّعَیْتُ أن المَهْدِیَّ المنتَظَر لیس من وَلَد الحُسَینِ بن علیّ ، وقلتُ بتَفْضِیل الشیخین علی أمیر المؤمنین عَلِیٍّ وبَنِیه ، وطعَنْتُ فی رَأْی ابنِهِ الحسن لما اقتضته المَصْلَحةُ ، وطعَنتُ علیه فیه((1)) .

النتیجة

وعلیه فشرعیة « حیّ علی خیر العمل » ثابتة عند الشیعة بفرقها الثلاث : - الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة - وعند بعض الصحابة ، وإنّ هذه الجملة هی أصل لما فُسّر فی کلام الأئمّة: ب- « محمّد وعلیّ خیر البشر » و« محمّد وآل محمّد خیر البریة » و« أنّ علیّاً ولیّ الله » ، فتارة کانت الشیعة تصرح بهذا التفسیر ، وأخری لا تصرح به ، نتیجة للظروف القاسیة التی کانت تمر بها .

و یؤکّد التفسیریة التی قلناها ما أجاب به السیّد المرتضی رحمه الله ( ت 436 ه- ) فإنه سئل : هل یجب فی الأذان بعد قول « حیّ علی خیر العمل » :


1- صبح الاعشی فی صناعة الإنشاء للقلقشندی 13 : 231 .

ص:404

« محمّد وعلیّ خیر البشر » ؟ فأجاب : إن قال « محمّد وعلیّ خیر البشر » علی أنّ ذلک من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلک صحیحة ، وإنّ لم یکن فلا شیء علیه((1)) .

وقال ابن البراج ( ت 481 ه- ) فی مهذبه : ویستحب لمن أذّن أو أقام أن یقول فی نفسه عند « حیّ علی خیر العمل » : « آل محمّد خیر البریة » مرتین((2)) .

وکذا یُفهم من کلام الشیخ الصدوق ( ت 381 ه- ) أن الذین کانوا یأتون بهذه الصیغ الثلاث أو الأربع ! کانوا یأتون بها علی أنّها صادرة عن أئمّة أهل البیت ؛ لقوله رحمه الله : « وفی بعض روایاتهم ... ومنهم من روی بدل ذلک ... »((3)) .

فاختلاف الصیغ عند المؤذنین ، وإتیانها فی بعض الأحیان بعد الحیعلة الثالثة وأخری بعد الشهادة الثانیة تشیر إلی عدم جزئیتها وکونها تفسیریة .

إذاً عمل الشیعة وتفسیرهم هذا لم یکن عن هوی ورأی ، بل لما عرفوه ووقفوا علیه فی مرویات ائمتهم الموجودة عندهم ، وهذا لو جمع إلی سیرة المتشرعة من الشیعة فی کل الازمان والاصقاع فی « حیّ علی خیر العمل » وأنّ المعنیَّ به عندهم الولایة لوقفت علی حقیقة أخری لم تنکشف لک من ذی قبل((4)) . وممّا یستأنس به لذلک أذان الشیعة بحلب سنة 367 ه- حیث إنّهم کانوا یقولون فی أذانهم « حیّ علی خیر العمل محمّد وعلیّ خیر البشر » ، وکذلک فی أذانهم بالیمامة سنة 394 ه- ، ففیه « یقولون فی الإقامة : محمّد وعلیّ خیر البشر وحیّ علی خیر العمل » .


1- رسائل الشریف المرتضی 1 : 279 . ومثله جواب القاضی ابن البراج فی جواهر الفقه : 257 .
2- المهذب 1 : 90 .
3- من لا یحضره الفقیه 1 : 188 باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنین ح 35 .
4- سنفصل هذا الأمر بإذن الله تعالی فی الباب الثالث من هذه الدراسة « أشهد أن علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » .

ص:405

ومن هذا الباب ما ذُکر من أنّ الحسین بن علیّ بن محمّد ... بن علی بن أبی طالب - المعروف بابن شکنبة - کان أوّل من جهر فی الأذان ب- « محمّد وعلیّ خیر البشر » فی زمن سیف الدولة الحمدانی سنة 347 ه- ، ولا یخفی علیک بأنّ هذا المؤذّن والحمدانیین شیعة اثنا عشریة ، وقد عرفت بأنّ الأذان بذلک فی حلب کان قبل هذا التاریخ .

ویضاف إلیه ما قلناه قبل قلیل من أن الشیعة الاثنی عشریة ( القطعیة ) أذنوا فی بغداد ( 290 - 356 ه- ) ب- « أشهد أن علیّاً ولی الله » ، وأعلوا هذا الإعلان علی الماذن فی القرن الثامن فی القطیف کذلک ، وغیر ذلک من النصوص ، فکلها تؤکد التفسیریة التی کان یبوح بها الشیعة أیّام قوتهم ، وأنّ کلّ ما کانوا یقولونه مأخوذ من کلمات رسول الله صلی الله علیه و آله وأئمّة أهل البیت : وأنّ ذلک کله تفسیر وتوضیح للحیعلة الثالثة((1))التی حذفها عمر وسار علی نهجه الحذفیّ أتباعُهُ . ولذلک عظم علی الرافضة !! وأهل التشیع حذف الحیعلة الثالثة من الأذان فی سنة 369 ه- من قبل نور الدین عم صلاح الدین الأیوبی .

وبهذا فقد تبیّن لنا من کلّ ما سبق أنّ ل- « حیّ علی خیر العمل » أصلاً شرعیّاً ثابتاً ، لکنَّ الظروف السیاسیّة العصیبة ونهی عمر بن الخطّاب ، لعبا دوراً کبیراً فی طرح شرعیّتها جانباً - وقد مرّت علیک بعض الروایات التی صُرّح فیها بحذف الحیعلة الثالثة للتقیة من الرواة الذین کانوا یخافون علی أرواحهم عند اشتداد سطوة الظالمین - ومع کلّ ذلک العسف تری الصمود الشیعی فی جانب آخر ، لذلک راح أتباع الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّکین بها یدّعون بأنّها منسوخة ، وعلی الرغم من شراسة الحملة


1- وقد تکون الشهادة الثالثة هی تفسیر للشهادة الثانیة کذلک وهذا ما سنوضحه لاحقاً فی الباب الثالث « أشهد أن علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع » .

ص:406

الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعیّ وعنف وقسوة رموزها ، إلّا بأنّ المنصفین لم یتمکّنوا من التجّرؤ والقول بأنَّ « حیّ علی خیرالعمل » بدعة ، وأکثر ما توصّلوا إلیه أن یقولوا عنها : إنّ ذلک الأمر لم یثبت ، و: ما لم یثبت فمن الأولی ترکه وعدم الإتیان به !

ولکن ، هل مال جمیع المسلمین إلی ذلک ؟

أبداً ، فکثیر من الصحابة وکل أهل البیت وعدّة من التابعین أصرّوا إصراراً شدیداً علی التمسّک بالإتیان ب- « حیّ علی خیر العمل » فی أذانهم والتأکید الحازم الجازم علی شرعیّة الإتیان بها ، وأن لیس من عامل شرعیّ قطعیّ دعا إلی طرحها وإسقاطها .. وقد مرّت فی مطاوی البحوث شواهد کثیرة تؤیِّد صحّة ذلک بموضوعیة ، وقد کان هذا الفصل هو الموضّح لکیفیة « تحوّل هذا الأصل الشرعیّ » إلی شعار یمیّز الشیعة عن غیرهم ، وقد اتّضحت بین ثنایاه الدوافع التی دعت أهل السنّة لأن یتّخذوا من ( الصلاة خیر من النوم ) شعاراً لهم، حیث کانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخلیفة عمر! لا سنة رسول الله .

لقد تجسدت شعاریّة هذا الموضوع بوضوح فی العصور المتأخِّرة ، ویمکن القول بأنّها تجلّت واضحة فی العصر العبّاسیّ الأوّل((1)) ، وعلی الخصوص فی زمن أبی جعفر المنصور الدوانیقیّ ، کما وتجسّدت معالم شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » بوضوح أیضاً بعد وفاة المنصور بعد أن صار جلیاً وجود تیّارین متباینین ، أحدهما یصرّ بإلحاح جادّ علی الإتیان ب- « حیّ علی خیر العمل » ، بینما یحاول الآخر منع ذلک بشتی الطرق ولا یرضی بالإتیان بها .


1- هی الفترة السیاسیّة لخلافة بنی العبّاس ؛ من خلافة أبی العبّاس السفّاح إلی خلافة الواثق بالله ، أی خلافة : أبی العبّاس السفّاح ، والمنصور الدوانیقیّ ، والمهدی العبّاسیّ ، والهادی العباسیّ ، وهارون الرشید ، والأمین ، والمأمون ، والمعتصم ، وآخرهم الواثق بالله ، ومن بعد وفاته إلی الغزو المغولیّ لبغداد ، اصطلح علیه بین المؤرّخین بالعصر العبّاسیّ الثانی .

ص:407

وانطلاقاً من هذا الأساس المتشنّج کانت جمیع الحرکات الشیعیّة ودُولها فی حال استلامها لزمام أُمور السیاسة لا تتردّد فی إعلاء « حیّ علی خیر العمل » من علی المآذن فی الأذان إعلاناً عن هویّتهم الحقیقیّة ، بل کان المدّ الجماهیری الشیعی فی أحایین قوته یراهن علی شرعیتها ، ولا یتنازل عن الهویة المحمدیة العلویة .

نعم ، یمکن القول بذلک علی أساس اتّخاذ الشیعة « حیّ علی خیر العمل » شعاراً لهم ، وإن کانت هذه الحیعلة الثالثة جزءاً من الأذان النبوی ، فشرعیتها أقدم من تاریخ شعاریتها بکثیر ، حیث هی مسألة شرعیّة ثابتة منذ عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد بیّنّا ذلک بما فیه الکفایة .

وأمّا فیما یخصّ ذِکر أذان الإمام زین العابدین

علیه السلام الثابت للجمیع ولیس ثمّة منکر له ، فله میزة خاصّة ، وذلک لمکانته بین المسلمین عموماً ، فالإمامیّة والزیدیّة ، بل مختلف فرق الشیعة - باستثناء الکیسانیة المنقرضة - تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهیه الشرعیّة ، ویقرّون له علیه السلام بأنّه إمام للمسلمین وحجّة لله علی خلقه ، وبالنسبة لباقی الفرق فهم یتعاملون معه کأحد علماء المدینة علی أقل ما یقال .. فإتیان الإمام زین العابدین علیه السلام ب- « حیّ علی خیر العمل » یمثِّل - بلا ریب - شرعیّتها وامتداد جذورها إلی عصر الرسالة الأوّل ، وخصوصاً بعد وقوفنا علی قوله علیه السلام « إنّه الأذان الأول » والذی یوضّح بأنّ الأذان شرّع فی الإسراء والمعراج ، وأن « حیّ علی خیر العمل » ، إشارة إلی ولایة الإمام علیّ وولده ، والذی کتب علی ساق العرش .

وکذا الحال بالنسبة إلی فعل ابن عمر ، فإنّ إتیانه بها فی أذانه - وهو فقیه أهل السنة والجماعة - لیؤکد شرعیتها ، ونحن لو أضفنا هذین الموردین إلی ما أورده الدسوقیّ فی حاشیته عن الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام وأنّه کان یأتی بها ، وإلی ما ذُکر عن الإمامین الباقر والصادق: ، لاتّضح لنا ولغیرنا بأنّ هذه المسألة لها أصل

ص:408

أصیل فی الدین ، بل هناک أصل لما نقول به فی کتب أهل السنة والجماعة مستقی عن رسول الله صلی الله علیه و آله بیقین .

ف- « حیّ علی خیر العمل » أصلٌ من الأُصول الثابتة ، ذو جذور عریقة وراسخة تعود إلی عهد رسول الله ، وقد أتی بها الصحابة أیضاً ، إلّا أنَّه قد دبّ الخلاف فیها منذ عهد عمر بن الخطّاب ، وهذا هو ما تثبته الأدلة والشواهد التاریخیّة والروائیّة ، إلّا أنَّ التعصّب الأعمی دفع بالبعض دفاعاً عن اجتهاد عمر قبال السنّة النبویّة المبارکة لأن یدّعی أنَّ الشیعة هم الذین أدخلوا هذه الروایات فی کتبهم ، بل ودفع ذلک التعصب المقیت بالبعض الآخر لأن یدّعی ویزعم أنَّ کتبهم المعتبرة خالیة من مثل هذه الروایات ، ولا ندری ما نقول لمن یرید إخفاء عین الشمس بغربال !

ونحن لو دققنا النظر فی مسألة نهی عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحیّ علی خیر العمل - علی ما أورده القوشجی فی « شرح التجرید » - لانکشف لنا الترابط فیما بین هذه المسائل الثلاث ، وأنّ مسألة « حیّ علی خیر العمل » تعنی ارتباطها بمسألة هامة ترتبط بصمیم الخلافة والإمامة ، وهذا ما أثبتناه بالأرقام فی الصفحات السابقة((1)) ، وقد عرفت کیف تحوّلت الحیعلة الثالثة إلی شعار للطالبیین ولشیعة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب علیه السلام ومحبّی الزهراء البتول 2 عبر القرون ، وأنّ ثبات الشیعة علیها وتمسّکهم بها یمثّل بحثا استراتیجیّاً بین الفریقین وحدّاً فاصلاً بینهما ، ولعلّ ما روی عن الإمام أبی الحسن الکاظم علیه السلام عن تبیان علّتی النهی الظاهرة والخفیة - التی مرّ ذکرها - جاء للکشف عن النوایا والتوجّهات الحکومیة التی أرادت أن تطمس أنَّ خیر العمل هو : « بر فاطمة وولدها » .


1- انظر : الفصل الثالث ( حیّ علی خیر العمل ، دعوة للولایة وبیان لاسباب حذفها ) .

ص:409

وبعد أن بینا تعاریف « خیر العمل » فی روایات أهل البیت: سابقاً ، وانها تعنی : « الولایة » و« بر فاطمة وولدها » ، نصل إلی أنّ نهی الخلیفة یمثّل إعلاناً عن عدم الاعتناء ببر فاطمة ، وهو ما یعود بالنتیجة إلی الولایة والخلافة وأن عمر بن الخطاب لا یرید الإشارة إلی خلافة غیره ، بل إنه لا یرید الإشارة إلی کلّ ما یتعلّق بها .

وممّا یدعم هذا المعنی ما تنطوی علیه العقوبة التی فرضها عمر بن الخطاب علی القائل بها ، فقوله ( أنهی عنها ) أو ( أُعاقِبُ علیها ) بمثابة اعتراف مبدئیّ منه بشرعیّة « حیّ علی خیر العمل » ، واعتراف ضمنی علی ما یجول فی دواخله ، ولذلک فقد ربط نهیه عن « حیّ علی خیر العمل » بنهییه عن متعتَی النساء والحجّ ، اللَّذَیْنِ أکد الإمام علیّ وابن عبّاس ورعیل من الصحابة علی شرعیتها ، بخلاف عمر والنهج الحاکم اللذین دعیا إلی ترکها ، فترک هذه الثلاث عُمَرِیٌّ ، وأمّا لزوم الإتیان بها أو جوازه فهو علوی ، إذاً الأمر لم یکن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متینة بین کلّ الأمور المنهیّ عنها .

لقد ، بلغ النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه فی القرنین الرابع والخامس الهجریّین ، حیث إنّ الصراع الفکریّ والاعتقادیّ فی تلک الفترة الزمنیّة قد اشتدّ کثیراً ، فسیطر علی الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بین الشیعة والسنّة ، کلٌّ یدّعی أنَّ الحقّ فی جانبه ، ولم یصلا لقاسم مشترک یرضی الطرفین فی محاولة للعودة إلی حالة الألفة وعدم التنازع ، فکلٌّ منهما متمسِّک بصلابة بما توصّل إلیه ؛ هؤلاء بأئمتهم ، وأولئک بحکوماتهم .

ولو ألقینا نظرة فاحصة علی النصوص التی مرت فی حوادث سنة 350 - 443 ه- ، ودرسنا وضع شدّة النعرة الطائفیة واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور مسألة « حیّ علی خیر العمل » الذی تزامن طرحها مع مسائل اعتقادیّة أُخری بشکل

ص:410

لا یمکنک التفکیک بینها ، مثل مسألة الغدیر ، ولبس السواد وما إلی ذلک . فلماذا یمنع أهل الکرخ وباب الطاق من النوح یوم عاشوراء ومن تعلیق المسوح ؟ ولماذا تقع الفتنة یوم الغدیر ؟

قال الذهبیّ فی أحداث سنة 389 ه- : ( کانت قد جرت عادة الشیعة فی الکرخ وباب الطاق بنصب القباب وإظهار الزینة یوم الغدیر ، والوقید((1)) فی لیلته ، فأرادت السنّة أن تعمل فی مقابلة هذا أشیاء ، فادّعت أنَّ الیوم الثامن من یوم الغدیر کان الیوم الذی حصل فیه النبیّ وأبو بکر فی الغار ، فعملت فیه ما تعمل الشیعة فی یوم الغدیر ، وجعلت بإزاء یوم عاشوراء یوماً بعده بثمانیة أیّام إلی مقتل مصعب ... )((2)) .

فانظر إلی الأصالة والتحریف معاً ، وکیف تُغیّر الوقائع والأحداث عن مجریاتها وتحرّف عن أصالتها وتوضع باسم الآخرین !

ومن الحوادث التاریخیّة التی برزت فیها شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » کرمز للشیعة والتشیّع ما أورده ابن الجوزیّ فی « المنتظم » فی أحداث سنة 417 ه- ، وما جاء فی « مرآة الجنان » فی أحداث سنة 420 ه- ، حیث ذکرا بإنّ الصراع والصدامات بین الشیعة والسنّة فی بغداد کانت علی أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّی الأسالیب التجرُّؤ علی مکانة الإمام علیّ علیه السلام الرفیعة السامیة ، وبذلوا کلّ ما باستطاعتهم من النیل منه ومحاولة إسقاط مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلی هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسیّ ظاهراً - أحد وعّاظه - إلی مسجد براثا((3))


1- أی إیقاد الشموع والقنادیل والإضاءة .
2- تاریخ الاسلام : 25 حوادث سنة 381- 400 ه- .
3- ومسجد براثا من المساجد العریقة والقدیمة جدّاً ، وکان یومذاک بمثابة معقل الشیعة وحصنهم الحصین ، وتخرّج منه الکثیر من الرجال الذین دخلوا تاریخ عالَم التشیّع ، حتّی قال عنه ابن کثیر فی البدایة والنهایة 11 : 271 حوادث سنة 354 ه- ، إنّه : ( عشّ الرافضة ) ، وکان ابن عقدة یعطی دروسه فیه ، ونقل عنه أنّه کان حافظاً لستمائة ألف حدیث ، ثلاثمائة ألف حدیث منها کانت فی فضائل أهل البیت علیهم السلام ، هذا مضافاً إلی إیواء المسجد لعدد کبیر من علماء الشیعة ، وکانوا علی درجة عالیة من الوعی والصلابة فی الدین ، جعلت من أحد النواصب لأن یسمّیه بغضاً وتعنتاً ب- ( مسجد ضرار ) انظر البدایة والنهایة 11 : 173 .

ص:411

- مسجد الشیعة - فی أحد أیّام الجُمَع ، وراح ینال من شخصیّة الإمام علیّ

علیه السلام بکلّ ما لا یلیق به لا من قریب ولا من بعید ، الأمر الذی أثار الشیعة من الذین کانوا حاضرین فی ذلک المسجد ، فلم یسکتوا علی قباحة ذلک الخطیب ، وحدث لغط وثارت الحمیّة الدینیّة ، فلم یکتفوا بالاعتراض اللفظیّ ، بل رموا ذلک الخطیب بکلّ ما کان قریباً من أیدیهم فأصابوه وکسروا له أنفه((1)) ، فکانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولی التی ألهبت حالة الصدامات فیما بین السنّة والشیعة فی بغداد فی تلک السنة ، وعلی أثر ذلک فقد کتب الشیعة علی أبواب دورهم هذه العبارة : ( محمّد وعلیّ خیر البشر ، فَمَن رضی فقد شکر ، ومَن أبی فقد کفر ) .

ومن خلال هذه الحادثة ومثیلاتها التی حدثت فی بغداد علی مرّ الأ یّام یظهر لنا أنَّ « حیّ علی خیر العمل » أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشیعة ، لأنَّ دیدن الجمیع هو التأکید والترکیز علیها ، وعدم التنازل عنها وذلک للاعتقاد الجازم بجزئیّتها ، بخلاف الحکومات التی خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت علی حذفها ، ولهذا یقول صاحب السیرة الحلبیّة : ( إنَّ الرافضة لم یترکوا « حیّ علی خیر العمل » أیّام البویهیّین إلی أن تملّک السلجوقیّین سنة 448 ه- ، فألزموهم بالترک وإبدالها بالصلاة خیر من النوم )((2)) .


1- البدایة والنهایة 12 : 28 - 29 حوادث سنة 420 ه- .
2- انظر السیرة الحلبیّة 2 : 305 .

ص:412

وقد مرّ علیک تحت عنوان ( مکّة / حلب 462 ه- ) کیف أن نقیب النقباء أبو الفوارس لمّا أبلغ القائم بأمر الله بأن محمود بن صالح ] والی حلب [ لبس الخلع القائمیة وخطب للقائم .

قال له القائم : أیّ شیء تساوی خطبتهم وهم یؤذنون « حیّ علی خیر العمل »((1)) ؟!

کما وقفت علی المناظرة الطو یلة التی ناظرها أبی هاشم أمیر مکّة وقوله لهم :

هذا أذان أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب((2)) .

وجاء فی الایضاح للقاضی النعمان بن محمد بن حیون المتوفی 363 ه- عن ابی سلیم قال اخبرنا عبدالرحمن بن القاسم القطان قال اخبرنا إسماعیل بن إسحاق عن حسن بن حسین عن علی بن القاسم عن بن الربیع عن منصور عن هلال بن سنان عن علقمة بن قیس قال : امر علی بن الصباح أن یلحق فی اذانه : حی علی خیر العمل((3)) .

إذَنْ ، فقد قیّد التاریخ بین صفحاته بأنّ « حیّ علی خیر العمل » کانت شعاراً للشیعة علی مرّ العصور ، ومؤشِّراً علی تشیِّع حکومات وحرکات ثوریة عدیدة ، مضافاً إلی الإجماع القاطع علیها من قَبِل أهل البیت ، وقد مرّ علیک أنّ حجّة شرعیّتها هو إجماع أهل البیت علی الإتیان بها ، وقد نوه الشوکانیّ والأمیر الصنعانیّ وغیرهما إلی حجیة إجماع أهل البیت .

ومن المؤثّرات الأُخری التی یمکن لنا أن نجعلها دلیلاً شاخصاً علی شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » للشیعة هو ما کُتِب علی المساجد والحسینیّات والتکایا


1- الکامل 10 : 64 .
2- النجوم الزاهرة 5 : 92 .
3- الایضاح : 109 المطبوع فی ( میراث حدیث شیعه ) دفتر دهم .

ص:413

القدیمة ، التی هی الیوم من المعالَم الأثریّة والحضاریّة للمسلمین فی مختلف بقاع العالَم ، وحتّی حدیثاً فقد ذکر مؤلف کتاب تاریخ مسجد الکوفة ، بأنَّ أمجد علیّ شاه أمر بکتابة « محمّد وعلیّ خیر البشر ، فمَن رضی فقد شکر ، ومَن أبی فقد کفر » علی مأذنه مسجد الکوفة ، وکذا الحال فی روضة مسلم بن عقیل((1)) ، کما یمکننا ملاحظة شعاریّة « حیّ علی خیر العمل » فی آثار شمال أفریقیّا التاریخیّة فی المغرب والجزائر وتونس ، إذ انتشر التشیّع هناک بعد شهادة محمّد بن عبدالله بن الحسن ذی النفس الزکیّة ، وذلک بعد أن تفرّق الشیعة فی مختلف أرجاء المعمورة ، وراحوا یتنفسون الصعداء بعیداً عن سطوة الحکومات الجائرة .

وبهذا فقد ثبت لک مما سبق وجود اتجاهین عند المسلمین :

أحدهما : یتبع الخلفاء ویتّخذ الاجتهاد والرأی حتّی علی حساب القرآن والسنة فی استنباطه .

والآخر : یأخذ بکلام أهل البیت والنص القرآنی والنبوی ولا یرتضی الرأی .

وکان الاتجاهان علی تضاد فیما بینهما ، فالذی لا یرتضی خلافة الإمام علیّ ابن أبی طالب وولده لا یحبذ شعاریة ( حیّ علی خیر العمل ) .


1- قال الشیخ محمد رضا المظفر فی ترجمته لصاحب جواهر الکلام الشیخ محمد حسن النجفی : ومن آثار الشیخ بناء مأذنة مسجد الکوفة وروضة مسلم بن عقیل... وکان ذلک ببذل ملک الهند أمجد علی شاه وقد أرخ الشیخ ابراهیم صادق ذلک من قصیدة مدح بها الشیخ والملک هذا ، فقال مؤرخاً للمأذنة فی آخرها : واستنار الافق من مأذنه أذن الله بأن ترقی زحل لهج الذاکر فی تأریخها علناً حیّ علی خیر العمل جواهر الکلام 1 :21 .

ص:414

أمّا الذی یعتقد بشرعیة خلافة الأوصیاء ، ویفهم من الحیعلة الثالثة أنّها دعوة إلی بر فاطمة وولدها الذین هم خیر البریة بصریح الکتاب العزیز - أی محمّد وعلیّ والزهراء والحسن والحسین - فیصر علی شعاریتها وإن کلفه ذلک الغالی النفیس .

ولیس من الاعتباط أن نجد ارتباطاً تاریخیاً بین القول بإمامة أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب والقول بشرعیة الحیعلة الثالثة ، وبین رفض إمامة أمیر المؤمنین والقول برفع الحیعلة الثالثة ، فهی إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بین نهج التعبد المحض ، وبین نهج الاجتهاد والرأی .

إنّ ما تنطوی علیه الحیعلة الثالثة من حقیقة الإمامة حینما دخلت الصراع یکشف بلا ریب عن أنّ حلبة هذا الصراع أکبر من کونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما ( حیّ علی خیر العمل ) إلّا نافذة من تلک النوافذ الکثیرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها فی ذلک شأن التکبیر علی الجنائز خمساً أو أربعاً ، وحکم الأرجل فی الوضوء هل هو المسح أو الغسل ، والقول بمشروعیة المتعة وعدمه ، والإرسال أو القبض فی الصلاة ، والتختم فی الیمین أو الشمال ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها ، وعدم شرعیة صلاة التراویح والضحی أو شرعیتها ، وحرمة شرب الفقاع وأکل السمک الذی لا قشر له أو حلیتهما ، وجواز لبس السواد فی محرم والاحتفال بیوم الغدیر أو بدعیتهما وإجراء أحکام المواریث والمناکح طبق هذا المذهب أو ذاک و...

فکل هذه المفردات تشیر إلی وجود نهج یخالف الحکام وما سنوه من سنن تخالف سنة رسول الله صلی الله علیه و آله ، فندرة وجود ما یؤید هذا النهج فی مدرسة الخلفاء لا یخدش فی شرعیتها ، بل یؤکّد أصالتها ، وأنّ ثبوتها وبعد أربعة عشر قرناً - رغم کلّ الظروف التی مرت بها - لیؤکّد ارتباطها واستقاءها من أهل البیت ، وهو الآخر

ص:415

قد وضح لک سر الاختلاف فی الوضوء والأذان وغیرها من عشرات المسائل التی اختلف فیها المسلمون والتی لم یذکرها ابن حزم وغیره بل قبلوها علی أنّها ثابتة لا لبس ولا تنازع فیها .

ومما یجب التأکید علیه هنا هو : أننا حینما نتخذ بعض الحکّام فاطمیین کانوا أم عباسیین کنماذج للنهجین لا نرید أن نعتبرهم القدوة والأسوة ، مادحین هذا أو ماسّین بذاک ، فلا یحق لنا أن نسقط تصوّراتنا علی هذا المذهب أو ذاک طبق ما عرفناه من أعمال هذا الحاکم أو ذاک ، فهؤلاء أناس لهم سلوکیاتهم وتصرفاتهم ، وکلّ ما فی الأمر أنهم یلتزمون نهجاً خاصاً ، فقد یکونون متعبدین بما عرفوه من ذلک النهج ، وقد یکونون متجاوز ین علی أصوله غیر عاملین بأوامره ، فلا یمکن القول بأنّ کلّ حکام هذا الفریق کذا ، وحکام ذاک الفریق کذا ، لأن بعض هؤلاء تخطَّوا الموازین ، کما تخطی الطرف الآخر کذلک ، لکنّ ما نرید بیانه فی هذا الفصل هو وجود اتجاهین عند المسلمین دون النظر إلی سلوکیات الأفراد والحکومات .

ص:416

الخلاصة

اشارة

تلخص ممّا سبق عدة اُمور :

أحدها : شرعیة « حیّ علی خیر العمل » ؛ وذلک لاتفاق الفریقین علی أصل مشروعیتها ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوی النسخ ، وقد أثبتنا عدم وقوع النسخ ، ناقلین کلامَ السید المرتضی :

وقد روت العامة أنّ ذلک ممّا کان یقال فی بعض أیام النبیّ صلی الله علیه و آله ، وإنّما ادّعی أنّ ذلک نسخ ورفع ، وعلی من ادّعی النسخ الدلالة له ، وما یجدها((1)) .

وتأذینَ أکثر من ثلاثین رجل من أهل البیت والصحابة بها ، بل وضّحنا إجماع العترة علی ذلک ، حاکین فی البین ما نقل عن الشافعی وبعض أئمّة المذاهب الأربعة من القول بجزئیتها .

ثمّ عرجنا فی الفصل الثانی لبیان سقوطها علی عهد عمر بن الخطّاب ، متسائلین عن موقف بلال الحبشی فی الحیعلة الثالثة والصلاة خیر من النوم ، وهل أنّه أذن للشیخین أم لا ؟ بل ما هو موقفه اتجاه أهل البیت ، وما موقف أهل البیت اتجاهه ؟ وقد توصلنا إلی کونه لم یؤذن إلّا للزهراء والحسنین ، وأنّ خروجه إلی الشام کان اعتراضاً علی السیاسة الحاکمة .


1- الانتصار : 39 .

ص:417

هذا وقد تکلمنا فی الفصل الثالث عن معنی « حیّ علی خیر العمل » وأنّها دعوة إلی الولایة ، مبینین الأسباب التی دعت عمر بن الخطاب لحذفها ، مشیرین إلی بعض العلل الخفیة فی هذا الأمر ، موضحین ذلک من خلال القرآن المجید والسنة المطهرة وکلام الإمام الکاظم علیه السلام .

أمّا الکلام فی الفصل الرابع فکان عن تاریخها العقائدی والسیاسی وما حدث فی بغداد وغیرها من الفتن ، مشیرین إلی التأذین بها فی حلب ، وبغداد ، ومصر ، وحمص ، والاندلس ، والهند ، وإیران ، ومکّة ، والمدینة ، والیمامة ، والقطیف ، و... علی مر العصور والأ یّام .

کلّ ذلک ضمن بیاننا للسیر التاریخی للأحداث ، والدول التی حکمت البلدان ، فاطمیة کانت أم عباسیة ، بویهیة کانت أم سلجوقیة و.. مؤکدین بأن الحیعلة الثالثة ما هی إلّا نافذة من النوافذ الکثیرة فی التاریخ والشریعة کالجهر بالبسملة والجمع بین الصلاتین وعدم جواز المسح علی الخفین و... والمشیرة إلی وجود اتجاهین بعد رسول الله : أحدهما أتباع أهل البیت ، والآخر أتباع الخلفاء ، وأن « حیّ علی خیر العمل » کانت شعار الشیعة والطالبیین علی مر الدهور ، وکان حذفها وإبدالها ب- « الصلاة خیر من النوم » شعار أهل السنة والجماعة .

وبهذا فقد انتهینا من بیان الباب الأول من هذه الدراسة علی أمل أن نلتقی بالقارئ الکریم عند البابین الآخرین منها :

الباب الثانی : « الصلاة خیر من النوم ، شرعة أم بدعة » .

والباب الثالث : « أشهد أن علیّاً ولی الله ، بین الشرعیة والابتداع » .

نسأل الله أن یوفقنا لإکمالهما وإتمامهما بفضله ومنّه ، آمین رب العالمین .

ص:418

وفی الختام

لابدّ لی أن أشکر کلّ من سایرنی فی هذه الرحلة الفکریة العقائدیة المضنیة ، سواء قرأ لی ، أو أشار علیّ بنکتة علمیة ، أو لفتة أدبیة ، أو ملاحظة فنیة ، أو تخریجة ما ، وأخص بالذکر الباحثین الجلیلین : الاستاذ الشاعر الشیخ قیس العطار ، والاخ الفاضل إبراهیم رفاعة لإبدائهما بعض الملاحظات القیمة .

وکذلک اشکر الأخ الفاضل سمیر الکرمانی الذی ضبط لی النصوص ووحّد المصادر وطبعاتها ، ثمّ اعداده الفهرس النهائی للکتاب . فللله درهم وعلیه أجرهم .

وأخیراً آمل من إخوانی العلماء ومن یعنیه أمر الفکر والعقیدة أن یتحفونی بآرائهم حول الکتاب سلباً أو إیجاباً وصحّة أو سقماً ، ولهم منّا الشکر فی کلتی الحالتین ، فإن وافقونا فسنستمد العزم لمواصلة الطریق ، وإن خالفونا فسنستفید من آرائهم ونجعلها نصب أعیننا فی بحوثنا المقبلة إن شاء الله تعالی .

اللّهم أرنا الحقَّ حقًّا فنتّبعه ، والباطل باطلاً فنجتنبه ، واجعل هوانا فی طاعتک وطاعة نبیک وأولیائک المخلَصین، واهدنا لما اختلف فیه من الحقّ بإذنک إنّک تهدی من تشاء إلی صراط مستقیم .

اللّهم عرّفنا ما نجهل من کتابک ، وعلّمنا ما لا نعلم من سنّة نبیّک ، وبصّرنا بما لا نبصر من أسرار حکمک، واجعلنا أبراراً أتقیاء برحمتک یا أرحم الراحمین ، آمین ربَّ العالمین .

ص:419

ثبت المصادر

1 - القرآن الکریم

2 - اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطمیین الخلفاء 1/3 ( رحلی )

للمقریزی ، أحمد بن علیّ ، تقی الدین أبی العبّاس ( ت 845 ه- )

تحقیق : الدکتور محمّد حلمی محمّد أحمد ، والدکتور جمال الدین الشیال

نشر : لجنة إحیاء التراث الإسلامی ، المجلس الاعلی للشئون الامیة / مصر

3 - الآثار 1/2

للشیبانی ، محمّد بن الحسن ، أبی عبدالله ( ت 189 ه- )

صحّحه وعلق علیه : أبو الوفاء الافغانی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الثانیة 1413 ه- - 1993 م

4 - الآحاد والمثانی

لابن أبی عاصم ( ت 287 ه- )

تحقیق : باسم فیصل أحمد الجوابرة

نشر : دار الدرایة

الطبعة الأولی 1411 ه- - 1991 م

ص:420

5 - الأحادیث المختارة

للمقدسی الحنبلی ، محمّد بن عبدالواحد بن أحمد ، أبی عبدالله ( ت 643ه- )

تحقیق : عبدالملک بن عبدالله بن دهیش

نشر : مکتبة النهضة الحدیثة - مکّة المکرمة

الطبعة الأولی 1410 ه-

6 - الاحتجاج 1/2 ( فی مجلد )

للطبرسی ، أحمد بن علیّ بن أبی طالب ، أبی منصور ( من اعلام القرن السادس الهجری )

تعلیق وملاحظات : السیّد محمّد باقر الموسوی الخرسان

منشورات : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات / بیروت

الطبعة الثانیة 1403 ه- - 1983 م

7 - أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم

للمقدسی ، محمد بن أحمد بن أبی بکر ، شمس الدین ، أبی عبد الله ( ت 414 ه-)

طبع فی مدینة لیدن بمطبعة بریل سنة 1904 م

اُوفسیت دار صادر - بیروت

8 - احقاق الحق وازهاق الباطل 1/32

للتستری ، القاضی نور الله الحسینی المرعشی ( ت 1019 ه- )

مع ملحقات السیّد المرعشی النجفی

نشر : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی ، قم - إیران

9 - الإحکام فی أصول الأحکام 1/8 ( فی مجلدین )

لابن حزم الاندلسی الظاهری ، علیّ بن أحمد بن سعید ، أبی محمّد ( ت 456 ه- )

تحقیق : لجنة من العلماء

ص:421

نشر : دار الجیل ، بیروت - لبنان

الطبعة الثانیة 1407 ه- - 1987 م

10 - الاحکام فی الحلال والحرام

للإمام الهادی إلی الحق ، یحیی بن الحسین الحسینی الحسنی ( ت 566 ه- )

نشر : دار التراث الیمنی

الطبعة الأولی

11 - الأخبار الموفقیات

للزبیر بن بکار ( ت 256 ه- )

تحقیق : الدکتور سامی مکی العانی

نشر : منشورات الشریف الرضی

طبع : مطبعة أمیر - قم - إیران

الطبعة الاولی 1416 ه-

12 - أخبار بنی عبید = أخبار ملوک بنی عبید وسیرتهم

لابن حماد ، محمّد بن علیّ بن حماد ، أبی عبدالله ( ت 628 ه- )

تحقیق : التهامی نقرة - عبدالحلیم عویس

نشر : دار الصحوة - القاهرة

الطبعة الاولی 1401 ه-

13 - الاختصاص

للمفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی ، أبی عبدالله ( ت 413 ه- )

تحقیق : الأستاذ علیّ أکبر غفاری

نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة ، قم - إیران

ص:422

14 - الأذان بحیّ علی خیر العمل

للعلوی ، محمّد بن علیّ بن الحسن ، أبی عبدالله ( ت 445 ه- )

تحقیق : محمّد یحیی سالم عزان

نشر : مرکز النور للدراسات والبحوث والتحقیق - صعدة - الیمن

الطبعة الثانیة 1416ه- - 1995 م

وطبعة ثانیة :

بتحقیق : یحیی عبدالکریم الفضیل

نشر : المکتبة الوطنیة

الطبعة الأولی 1399 ه- - 1979 م

15 - الأربعون حدیثاً فی إثبات إمامة أمیر المؤمنین

للبحرانی ، سلیمان بن عبدالله الماحوزی ( ت 1121 ه- )

تحقیق : السیّد مهدی الرجائی

نشر : المحقق - قم - إیران

الطبعة الاولی 1417 ه-

16 - ارشاد الساری لشرح صحیح البخاری

للقسطلانی ، أحمد بن محمّد ، شهاب الدین ، أبی العبّاس ( ت 923 ه- )

اوفسیت دار إحیاء التراث العربی - بیروت

17 - الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد 1/2

للمفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی ، أبی عبدالله ( ت 413 ه- )

تحقیق : مؤسسة آل البیت

الطبعة الثانیة 1416 ه- قم - إیران

ص:423

18 - إرواء الغلیل فی تخریج أحادیث منار السبیل

للألبانی ، محمّد ناصر ( معاصر )

تحقیق : زهیر الشاو یش

نشر : المکتب الإسلامی - بیروت

الطبعة الثانیة 1405ه- - 1985 م

19 - الاستبصار 1/4

للطوسی : محمّد بن الحسن ، أبی جعفر ( ت 460 ه- )

تحقیق : السیّد حسن الموسوی

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - طهران

الطبعة الرابعة

20 - الاستیعاب فی معرفة الأصحاب 1/4

لابن عبدالبر، یوسف بن عبدالله بن محمّد بن عبدالبر، أبی عمر (ت 368 - 463 ه-)

تحقیق : علیّ محمّد البجاوی

نشر : دار نهضة مصر للطبع والنشر - القاهرة - مصر

21 - أُسد الغابة فی معرفة الصحابة 1/5

لابن الأثیر الجزری ، علیّ بن محمّد ، أبی الحسن ( ت 630 ه- )

دار احیاء التراث العربی - بیروت

22 - الأشعثیات المعروف بالجعفر یات

للأشعث الکوفی ، محمّد بن محمّد الأشعث ، أبی علیّ (من اعلام القرن الرابع الهجری )

المطبوع مع قرب الإسناد للحمیری القمی

نشر : مکتبة نینوی الحدیثة

طهران - إیران

ص:424

23 - الإصابة فی تمییز الصحابة 1/4

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر ، شهاب الدین ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

طبع الکتبخانه الخدیویة المصریة

أوفسیت دار إحیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الأولی سنة 1328 ه-

24 - الاعتصام بحبل الله المتین 1/5

للقاسم بن محمّد ، الإمام الزیدی ( ت / 1029 ه- )

نشر : مطابع الجمعیة ، عمان - الأردن

طبع سنة 1403 ه-

25 - أعیان الشیعة 1/11

للامین ، السیّد محسن العاملی ( ت 1371 ه- )

تحقیق : حسن الأمین

نشر : دار التعارف للمطبوعات - بیروت

26 - إغاثة الطالبین علی حل الفاظ فتح المعین 1/4 فی مجلدین

للسیّد البکری ، أبو بکر بن السید محمد شطا الدمیاطی (ت ه-)

نشر : دار احیاء التراث العربی / بیروت

وطبعة اخری : دار الفکر - بیروت فی اربعة اجزاء

27 - الأغانی 1/24

للاصفهانی ، أبی الفرج ( ت 356 ه- )

شرحه ، کتب هوامشه : عبدعلیّ مهنا

الطبعة الأولی 1407 - 1986

دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

ص:425

28 - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 2/3

أسد حیدر ( ت )

الطبعة الثالثة 1411 ه-

واعادت طباعته مکتبة الصدر - طهران - إیران

29 - الإمامة والسیاسة

للدینوری ، عبدالله بن مسلم بن قتیبة ، أبی محمّد ( ت 276 ه- )

تحقیق : علیّ شیری

نشر : منشورات الشریف الرضی

30 - الأمالی الخمیسیة

للمرشد بالله ، یحیی بن الحسین ( ت 479 ه- )

طبع مصر - أعادته مکتبة المثنی ، بغداد

31 - أمالی الإمام أحمد بن عیسی

أحمد بن عیسی بن زید بن علیّ ( ت 247 ه- )

تحقیق : علیّ بن إسماعیل بن عبدالله المؤید

نشر : دار النفائس ، بیروت

الطبعة الأولی

32 - أمالی الشیخ الطوسی

للطوسی ، محمّد بن الحسن ، أبی جعفر ( ت 460 ه- ) ، وابنه أبو علیّ ( ت بعد سنة 515 ه- )

مؤسسة الوفاء - بیروت

الطبعة الثانیة 1401 - 1981

ص:426

33 - أمالی الصدوق

لابن بابویه القمی ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

قدم له : الشیخ حسین الاعلمی

منشورات الأعلمی للمطبوعات

الطبعة الخامسة 1400 ه- - 1980 م

34 - أنساب الأشراف 1/13

للبلاذری ، احمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه-)

تحقیق : الدکتور سهیل زکار والدکتور ریاض زرکلی

باشراف مکتب البحوث والدراسات

نشر : دار الفکر / بیروت لبنان

الطبعة الاول 1417 ه- - 1996م

35 - أنساب الاشراف

للبلاذری ، أحمد بن یحیی بن جابر ( من أعلام القرن الثالث الهجری )

تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی

نشر : مؤسسة الأعلمی - بیروت

الطبعة الأولی 1394 ه-

36 - الإیضاح

لابن شاذان النیسابوری ، الفضل بن شاذان الأزدی ، أبی محمّد ( ت 26 ه- )

نشر : مؤسسة الاعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الاولی 1402 ه- - 1982 م

ص:427

37 - الإیضاح

للقاضی نعمان بن محمد بن حیون (ت 363ه-) والمطبوع فی المجلد العاشر من (میراث حدیث شیعة)

تحقیق : محمد کاظم رحمتی

نشر : مرکز تحقیقات دار الحدیث / قم إیران سنة 1382 هجری شمسی

38 - البحر الزخار

للإمام المهدی أحمد بن یحیی المرتضی ( ت 840 ه- )

طبع سنة 1316 ه-

39 - بحار الانوار 1/110

للمجلسی ، الشیخ محمّد باقر ( ت 1111 ه- )

نشر : مؤسسة الوفاء - بیروت

الطبعة الثانیة 1403 ه- - 1983 م

40 - النجاری بشرح الکرمانی 1/25 فی تسعه مجلدات

للکرمانی ، (ت ه-)

نشر : دار احیاء التراث العربی / بیروت

41 - بدائع الزهور فی وقائع الدهور

لابن إیاس الحنفی ، محمّد بن أحمد ( ت 930 ه- )

نشر : الهیئة المصریة العامة - القاهرة

الطبعة الأولی 1402 ه-

42 - البدایة والنهایة 1/8

لابن کثیر ، أبی الفداء ( ت 774 ه- )

دقق أصوله وحققه : مجموعة من الأساتذة

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

ص:428

43 - البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع

للشوکانی ، محمّد بن علیّ ( ت 1250 ه- )

نشر : دار المعرفة - بیروت

44 - بذل المجهود فی حل أبی داود 1/20 ( فی عشر مجلدات )

للسهار نفوری ، خلیل أحمد ( ت 1346 ه- )

نشر : مکتبة دار الباز - مکّة المکرمة

45 - بصائر الدرجات فی فضائل آل محمد

للصفار القمی ، محمّد بن الحسن بن فروخ ، أبی جعفر ( ت 290 ه- )

صححه وعلق علیه : الحاج میرزا محسن کوجه باغی التبریزی

منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی

قم - إیران 1404 ه-

46 - بغیة الطلب فی تاریخ حلب 1/12 مع الفهارس

لابن العدیم ، عمر بن أحمد بن أبی جرادة ، کمال الدین ( ت 660 ه- )

حققه وقدم له : الدکتور سهیل زکار

دار الفکر - بیروت

47 - بلاغات النساء

لابن طیفور ، أبی الفضل بن أبی طاهر ( ت 380 ه- )

نشر : مکتبة بصیرتی - قم - إیران

48 - تأویل الآیات الظاهرة فی فضائل العترة الطاهرة

شرف الدین الاسترآبادی ، علیّ بن الحسین الغروی ، السید شرف الدین ( من علماء النصف الثانی من القرن العاشر )

تحقیق : حسین الأستاد ولی

ص:429

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - إیران

الطبعة الثانیة 1417 ه-

49 - تاج العروس من جواهر القاموس 1/30

للزبیدی ، محمّد بن مرتضی الحسین الواسطی ( 1205 ه- )

نشر : دار مکتبة الحیاة - بیروت - لبنان

طبع بالأوفسیت عن الطبعة الاولی للمطبعة الخیریة - مصر سنة 1306 ه-

50 - تاریخ ابن خلدون 1/7

لابن خلدون الحضرمی المغربی ، عبدالرحمن بن محمّد بن خلدون ( ت 808 ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الأولی 1391 ه- - 1971 م

51 - تاریخ ابن معین 1/2

لابن معین ، یحیی معین بن عون المرّی الغطفانی البغدادی (ت 223 ه-)

بروایة عثمان بن سعید الدارمی ( ت 280 ه- )

تحقیق : أحمد محمّد نور سیف

نشر : دار المأمون للتراث - دمشق - سوریا

52 - تاریخ یحیی بن معین بروایة الدوری

لابن معین ، یحیی بن معین بن عون المری الغطفانی البغدادی ( ت 233 ه- )

روایة : العبّاس بن محمّد بن حاتم الدوری البغدادی ( ت 271 ه- )

تحقیق : عبدالله أحمد حسن

نشر : دار القلم - بیروت

ص:430

53 - تاریخ أبی الفداء = المختصر فی أخبار البشر 1/4 ( فی مجلدین )

لأبی الفداء ، إسماعیل بن نور الدین ، عماد الدین ( ت 732 ه- )

مکتبة المتنبی - القاهرة

54 - تاریخ بغداد 1/14

للخطیب البغدادی ، أحمد بن علیّ ، أبی بکر ( ت 463 ه- )

نشر : المکتبة السلفیة ، المدینة المنورة

55 - تاریخ الثقات

للعجلی ، أحمد بن عبدالله بن صالح ، أبی الحسن ( ت 261 ه- )

تحقیق : عبدالمعطی قلعجی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الأولی - 1405 ه- - 1984 م

56 - تاریخ الخلفاء

للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر ( ت 911 ه- )

تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید

نشر : مطبعة السعادة - مصر

الطبعة الاولی 1371 ه- - 1952 م

57 - التاریخ الصغیر

للبخاری ، محمّد بن إسماعیل ، أبی عبدالله ( ت 256 ه- )

تحقیق : محمود إبراهیم زاید

نشر : دار المعرفة - بیروت

الطبعة الأولی 1406 ه-

ص:431

58 - تاریخ طبرستان ( باللغة الفارسیة )

لابن اسفندیار الکاتب ، محمّد بن حسن بن اسفندیار ، بهاء الدین ( ت 613 ه- )

تصحیح : عبّاس إقبال الاشتیبانی

الناشر : پدیده ( خاور )

النشر : 1366 ه- ش

59 - تاریخ الطبری = ( تاریخ الأمم والملوک ) 1/11

للطبری ، محمّد بن جریر ، أبی جعفر ( ت 310 ه- )

تحقیق : محمّد أبو الفضل إبراهیم

نشر : دار التراث ، بیروت - لبنان

60 - التاریخ الکبیر 1/8

للبخاری الجعفی ، محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم ( ت 256 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة ، بیروت - لبنان

61 - تاریخ المدینة المنورة = أخبار المدینة النبویة 1/4

لابن شبّه ، عمر بن شبّه النمیری البصری ، أبی زید ( ت 262 ه- )

تحقیق : فهیم محمّد شلتوت

نشر : دار التراث - بیروت

الطبعة الأولی 1410 ه- - 1990

62 - تاریخ مدینة دمشق المعروف بتاریخ ابن عساکر

لابن عساکر الدمشقی ، علیّ بن محمّد الحسن بن هبة الله الشافعی ، أبی القاسم ( ت 571 ه- )

تحقیق : علیّ شیری

نشر : دار الفکر - بیروت

الطبعة الأولی 1415 ه-

ص:432

63 - تاریخ الیعقوبی 1/2

للیعقوبی ، أحمد بن أبی یعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح ، الکاتب العبّاس ( ت 292 ه- )

دار صادر - بیروت

أوفسیت مؤسسة نشر ثقافة أهل البیت: إیران

64 - تثبیت الإمامة

یحیی بن الحسین بن القاسم ، الإمام الزیدی الیمنی ( ت 298 ه- )

نشر : دار الإمام السجاد - بیروت

الطبعة الثانیة : 1419 ه-

65 - تحریر تقریب التهذیب 1/4

التقریب : للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر ( ت 852 ه- )

والتحریر : لبشار عواد معروف ، شعیب الارنؤوط

نشر مؤسسة الرسالة ، بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1997 م

66 - التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة 1/2

للسخاوی ، شمس الدین ( ت 902 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1414 ه- - 1993 م

67 - تحفة الاحوذی بشرح جامع الترمذی 1/10 ( ومجلد للمقدمة )

للمبارکفوری ، محمّد عبدالرحمن بن عبدالرحیم ، أبی العلا ( ت 1353 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1410 ه- - 1990 م

ص:433

68 - تحفة المحتاج بشرح المنهاج 1/10

69 - تذکرة الحفاظ 1/4 ( فی مجلدین )

للذهبی ، شمس الدین ، أبی عبدالله ( ت 748 ه- )

نشر : دار إحیاء التراث العربی ؛ بیروت - لبنان

الطبعة الأولی 1374 ه-

70 - التعدیل والتجریح

للباجی المالکی ، سلیمان بن خلف بن سعد ، أبی الولید ( ت 474 ه- )

تحقیق : أحمد البزار

71 - تفسیر ابن أبی حاتم 1/12

لابن أبی حاتم ، عبدالرحمن بن محمّد بن إدریس الرازی ( ت 327 ه- )

تحقیق : أسعد محمّد الطیب

نشر : مکتبة نزار مصطفی الباز - مکّة المکرمة - السعودیة

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1997 م

72 - تفسیر البغوی المسمی بمعالم التنزیل 1/4

للبغوی الشافعی ، الحسین بن مسعود الفراء ، أبی محمّد ( ت 516 ه- )

دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1414 ه- - 1993 م

73 - تفسیر الإمام العسکری المنسوب إلی الإمام العسکری

للحسن بن علیّ العسکری علیه السلام أبی محمّد ( ت 260 ه- )

تحقیق ونشر : مدرسة الإمام المهدی علیه السلام - قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه-

ص:434

74 - تفسیر عبدالرزاق 1/3

للصنعانی ، عبدالرزاق بن همام ( ت 211 ه- )

دراسه وتحقیق : دکتور محمود محمّد عبده

منشورات محمّد علیّ بیضون / دار الکتب العلمیة بیروت - لبنان

الطبعة الأولی 1419 - 1999 م

75 - تفسیر فرات

76 - تفسیر القرآن العظیم = تفسیر ابن کثیر 1/4

لابن کثیر الدمشقی ، إسماعیل بن کثیر ، عماد الدین ، أبی الفداء ( ت 774 ه- )

أعادت طبعه بالاوفسیت دار المعرفة - بیروت 1402 ه- - 1982 م

77 - تفسیر العیاشی 1/2

للعیاشی ، محمّد بن مسعود بن عیاش السلمی السمرقندی ، أبی النضر ( ت 320 ه- )

تحقیق : السیّد هاشم الرسولی المحلاتی

نشر : المکتبة العلمیة الإسلامیّة - طهران

78 - تفسیر القرطبی الجامع لأحکام القرآن 1/20

للقرطبی ، محمّد بن أحمد الانصاری ، أبی عبدالله ( ت 671 ه- )

تصحیح : أحمد عبدالعلیم البردونی

أعادت طبعه دار احیاء التراث العربی - بیروت 1405 ه- - 1985 م

79 - تفسیر القمی

للقمی ، علیّ بن إبراهیم ، أبی الحسن ( من اعلام القرنین 3 - 4 ه- )

صححه وعلق علیه : السیّد طیب الموسوی الجزائری

طبع : مطبعة النجف سنة 1387 ه

ص:435

80 - التفسیر الکبیر 1/32 ( فی ستة عشر مجلداً )

للفخرالرازی ، محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسین ( ت 606 ه- )

طبع : دار احیاء التراث العربی بیروت - الطبعة الثالثة

81 - تفسیر الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الاقاویل فی وجوه التأویل 1/4

للزمخشری ، جار الله محمود بن عمر ، أبی القاسم ( ت 538 ه- )

نشر : دار المعرفة بیروت

82 - تفسیر المیزان 1/21

للطباطبائی ، السیّد محمّد حسین ( ت ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الثانیة 1392 ه- - 1972 م

83 - تفسیر نور الثقلین 1/ 5

للحویزی ، عبدعلیّ بن جمعة العروسی ( ت 1112 ه- )

تعلیق : هاشم الرسولی المحلاتی

أوفسیت الحوزه العلمیة - قم - إیران

84 - التلخیص الحبیر فی تخریج الرافعی الکبیر

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ حجر ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت

85 - تلخیص المستدرک = المطبوع بذیل المستدرک للحاکم النیسابوری

للذهبی ، محمّد بن أحمد ، أبی عبدالله ( ت 848 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1398 ه- - 1978 م

ص:436

86 - التمهید

لابن عبدالبر ، یوسف بن عبدالله بن عبدالبر ، أبی عمر ( ت 463 ه- )

تحقیق : مصطفی بن أحمد العلوی - محمّد عبدالکبیر البکری

نشر : وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامیّة - المغرب

الطبعة الاولی 1387 ه-

87 - تنویر الحوالک علی موطأ مالک 1/2 ( فی مجلد )

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن الشافعی ( ت 911 ه- )

نشر : دار الندوة الجدیدة - بیروت

88 - تهذیب الاحکام = التهذیب 1/10

للطوسی ، محمّد بن الحسن ، أبی جعفر ( ت 460 ه- )

حققه وعلق علیه : السیّد حسن الموسوی الخرسان

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - إیران

89 - تهذیب التهذیب 1/12

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

نشر : مجلس دائرة المعارف النظامیة ، حیدرآباد - الهند

الطبعة الاولی 1325 ه-

90 - تهذیب الکمال 1/35

للمزی ، جمال الدین أبی الحجاج یوسف ( ت 742 ه- )

حققه وضبط نصه وعلق علیه : الدکتور بشار عواد

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الاولی 1413 ه- - 1992م

ص:437

91 - التوحید

لابن بابویه القمی ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویه ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

تحقیق : السیّد هاشم الحسینی الطهرانی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی ، قم - إیران

92 - ثقات ابن حبان = ( کتاب الثقات ) 1/9

لابی حاتم البستی ، محمّد بن حبان بن أحمد التمیمی ( ت 354 ه- )

نشر : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة بحیدر آباد الدکن - الهند

الطبعة الاولی

93 - جامع أحادیث الشیعة 1/30

للبروجردی ، السیّد حسین الطباطبائی ( ت 1276 ه- )

تألیف ونشر : الشیخ إسماعیل المعزی الملایری

طبع فی مطبعة مهر / قم - إیران سنة 1413 ه-

94 - جامع البیان فی تفسیر القرآن 1/30 ( فی 12 مجلد )

للطبرسی ، محمّد بن جریر ، أبی جعفر ( ت 310 ه- )

طبع : المطبعة الکبری الامیریة - مصر ، أوفسیت دار المعرفة - بیروت 1409 ه- - 1989م

95 - جامع الأخبار = معارج الیقین فی أصول الدین

للسبزواری ، محمّد بن محمّد ، ( من أعلام القرن السابع الهجری )

تحقیق : علاء آل جعفر

نشر : مؤسسة آل البیت - قم - إیران

الطبعة الاولی 1414 ه-

ص:438

96 - الجامع الصغیر فی أحادیث البشیر النذیر

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن بن أبی بکر ( ت 911 ه- )

نشر : دار الفکر ، بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1401 ه- - 1981 م

97 - الجامع للشرایع

یحیی بن سعید ( ت 690 ه- )

نشر : مؤسسة سیّد الشهداء - قم - إیران

الطبعة الاولی 1405 ه-

98 - الجرح والتعدیل للرازی 1/9

لابن أبی حاتم الرازی ، عبدالرحمن بن أبی حاتم محمّد بن ادریس بن المنذر التمیمی الحنظلی ( ت 327 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی ، بیروت

أوفسیت عن الطبعة الاولی لمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة ، حیدر آباد الدکن - الهند 1373 ه- - 1952 م

99 - جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار

للصعدی ، محمّد بن یحیی بن محمّد بن أحمد ( ت 957 ه- )

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت - لبنان

طبع سنة 1379 ه-

100 - الجواهر الحسان فی تفسیر القران = تفسیر الثعالبی

للثعالبی ، عبدالرحمن ( ت 875 ه- )

حققه وخرج أحادیثه : أبو محمّد الغماری الادریسی الحسنی

طبعه دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 - 1996 م

ص:439

101 - جواهر الفقه

لابن برّاج الطرابلسی ، عبدالعزیز بن برّاج ( ت 481 ه- )

تحقیق : إبراهیم بهادری

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم

الطبعة الاولی 1411 ه-

102 - جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام 1/43

للنجفی ، الشیخ محمّد حسن ( ت 1266 ه- )

تحقیق : الشیخ علیّ الآخوندی والشیخ عبّاس القوجانی وغیرهما

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - طهران - إیران

الطبعة الاولی 1392 ه-

103 - جواهر المطالب فی مناقب الإمام علیّ بن أبی طالب

علیه السلام

للباعونی الشافعی ، محمّد بن أحمد الدمشقی ( ت 871 ه- )

تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی

نشر : مجمع إحیاء الثقافة الإسلامیّة - قم - إیران

الطبعة الاولی 1415 ه-

104 - الجوهر النقی ( بهامش السنن الکبری )

لابن الترکمانی ، علاء الدین بن علیّ بن عثمان الماردینی ( ت 745 ه- )

نشر : دار المعرفة ، بیروت - لبنان

105 - الحاوی الکبیر - وهو شرح مختصر المزنی - 1/18

للماوردی البصری ، علی بن محمد بن حبیب (ت ه-)

تحقیق : الشیخ علی محمد معوض والشیخ عادل احمد عبدالموجود

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1414ه- - 1994م

ص:440

106 - حاشیة الدسوقی علی الشرح الکبیر

للدسوقی ، محمّد بن عرفة ( ت 1230 ه- )

نشر : دار احیاء الکتب العربی ، بیروت لبنان

107 - حاشیة السندی ( المطبوع بهامش سنن النسائی )

للسندی ، نور الدین بن عبدالهادی ، أبی الحسن ( ت 1138 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی

108 - الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة

للبحرانی ، الشیخ یوسف ( ت 1186 ه- )

تحقیق : الشیخ محمّد تقی الایروانی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم - إیران

109 - حلیة الأبرار فی أحوال محمّد وآله الأطهار علیهم السلام

للبحرانی ، السیّد هاشم ( ت 1107 ه- )

تحقیق : الشیخ غلام رضا مولانا البحرانی

نشر : مؤسسة المعارف الإسلامیّة - إیران

الطبعة الاولی 1411 ه-

110 - حلیة الأولیاء وطبقات الأصفیاء 1/10

للاصبهانی ، أحمد بن عبدالله ، أبی نعیم ( ت 430 ه- )

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت

الطبعة الخامسة 1407 ه- - 1987 م

111 - حیّ علی خیر العمل بین الشرعیة والابتداع

لمحمد سالم عزّان ( معاصر )

نشر : النور للدراسات والبحوث والتحقیق - صعدة - الیمن

الطبعة الاولی 1419 ه- - 1999 م

ص:441

112 - الخصال

لابن بابویه القمی ، محمّد بن علیّ بن الحسین ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

صحّحه وعلّق علیه : الاستاذ علیّ أکبر الغفاری

نشر : جماعة المدرسین - قم - إیران

الطبعة الاولی 1403 ه-

113 - خطط الشام 1/6 فی ثلاثة مجلدات

لمحمد کرد علیّ ( ت 1953 ه- )

نشر : مکتبة النوری - دمشق - سوریا

الطبعة الثالثة 1403 ه- - 1983 م

114 - الدارس فی تاریخ المدارس 1/2

للنعیمی الدمشقی ، عبدالقادر بن محمّد ( ت 978 ه- )

تحقیق : إبراهیم شمس الدین

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1410 ه- - 1990 م

115 - الدرجات الرفیعة فی طبقات الشیعة

للشیرازی ، السیّد علیّ خان المدنی ( ت 1120 ه- )

نشر : مکتبة بصیرتی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1397 ه-

116 - الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة

لابی الفضل ، أحمد بن علیّ بن محمّد ( ت 852 ه- )

تحقیق : محمّد عبدالمعید خان

نشر : مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانیة - حیدرآباد - الهند

الطبعة الثانیة 1972 م

ص:442

117 - الدر المنثور 1/6

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن ( ت 911 ه- )

منشورات مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی

قم - إیران ، 1404 ه-

118 - دعائم الإسلام 1/2

للتمیمی المغربی ، النعمان بن محمّد بن منصور بن حیون ، أبی حنیفة ( ت 363 ه- )

تحقیق : آصف بن علیّ أصغر فیضی

نشر : دار المعارف - القاهرة 1383 ه- - 1963 م

119 - الدعوات

للقطب الراوندی ، سعد بن هبة الله ، أبی الحسین ( ت 573 ه- )

تحقیق ونشر : مدرسة الإمام المهدی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1407 ه-

120 - دفع الشبه عن الرسول والرسالة

للحصنی ، أبی بکر بن محمّد بن عبدالمؤمن تقی الدین ( ت 829 ه- )

تحقیق : جماعة من العلماء

نشر : دار إحیاء الکتاب العربی - القاهرة

الطبعة الثانیة 1418

121 - الدیباج

للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر ، أبی الفضل ( ت 911 ه- )

تحقیق : أبو إسحاق الجوینی الأثری

نشر : دار ابن عفان - الخبر - السعودیة

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1996 م

ص:443

122 - دیوان الشافعی

للشافعی ، محمّد بن إدریس ( ت 204 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی

بیروت - لبنان

123 - دیوان الحمانی

للحمانی العلوی الکوفی ، علیّ بن محمّد بن جعفر بن علیّ ( ت 245 ه- )

تحقیق : الدکتور محمّد حسین الاعرجی

طبع : دار صادر فی بیروت

الطبعة الاولی سنة 1998 ه-

124 - الذریعة إلی تصانیف الشیعة 1/26

للطهرانی ، آقا بزرک ( ت 1389 ه- )

نشر : دار الاضواء - بیروت

الطبعة الثانیة 1403 ه-

125 - ذکری الشیعة 1/4

للجز ینی العاملی ، محمّد بن جمال الدین مکی ، المعروف ب- الشهید الاول ، ( ت 786 ه- )

تحقیق : مؤسسة آل البیت: لاحیاء التراث

طبع : مطبعة ستارة - قم

الطبعة الاولی 1419 ه-

126 - رأب الصدع = العلوم

للمرادی المقرئ ، محمّد بن منصور ( ت 290 ه- )

جمع فیه أمالی أحمد بن عیسی مع إضافات حدیثیة

ص:444

تحقیق : علیّ بن إسماعیل بن عبدالله المؤید

نشر : دار النفائس - بیروت - الطبعة الاولی

127 - رحلة ابن بطوطة = تحفة النظار فی غرائب الأمصار وعجائب الأسفار

للواتی الطنجی ، محمّد بن عبدالله بن محمّد بن إبراهیم ( ت 777 ه- )

نشر : دار الکتاب اللبنانی

128 - رحلة ابن جبیر

لابن جبیر ، محمّد بن أحمد بن جبیر الکنانی الأندلسی البلنسی ، أبی الحسین ( 614 ه- )

نشر : دار الکتاب اللبنانی

129 - الرسالة

للشافعی ، محمّد بن إدریس ، أبی عبدالله ( ت 204 ه- )

تحقیق : أحمد محمّد شاکر

القاهرة - مصر 1358 ه- - 1939 م

130 - رسائل الشریف المرتضی 1/3

للشریف المرتضی ، علیّ بن الحسین بن موسی ، أبی القاسم ( ت 436 ه- )

تحقیق : السید مهدی الرجائی

نشر : دار القرآن - إیران

الطبعة الاولی 1405 ه-

131 - روح المعانی 1/30 فی 15 مجلداً

للآلوسی البغدادی ، شهاب الدین السیّد محمود ، أبی الفضل ( ت 1270 ه- )

عنی بنشره وتصحیحه والتعلیق علیه : محمود شکری الالوسی

طبع : ادارة الطباعة المنیریة - اوفسیت دار احیاء التراث العربی - بیروت

ص:445

الطبعة الرابعة 1405 ه- - 1985 م

132 - الروض الأُنف فی تفسیر السیرة النبویة لابن هشام

للسهیلی الخثعمی ، عبدالرحمن بن عبدالله ( ت 581 ه- )

تحقیق : مجدی منصور الشوری

نشر : دار الکتب العلمیة ، بیروت

الطبعة الاولی 1418 ه- - 1997 م

133 - الروض النضیر

للسیاغی ، شرف الدین ، الحسین بن أحمد ( ت 1221ه- )

نشر : مکتبة المؤید - الطائف الطبعة الثانیة

134 - الروضتین فی أخبار الدولتین النوریة والصلاحیة 1/4

لابی شامه المقدسی ، شهاب الدین عبدالرحمن بن إسماعیل بن إبراهیم ( ت 665 ه- )

تحقیق : إبراهیم الزیبق

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الاولی 1997 م

135 - زاد المسیر فی علم التفسیر

للجوزی القرشی ، جمال الدین عبدالرحمن بن علیّ بن محمّد أبی الفرج ( ت 597 ه- )

تحقیق : محمّد بن عبدالرحمن بن عبدالله

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1407 ه-

136 - زبدة الحلب من تاریخ حلب 1/2

ص:446

لابن العدیم ، کمال الدین ، عمر بن أحمد بن أبی جرادة ( ت 660 ه- )

تحقیق : سهیل زکار

نشر : دار الکتاب العربی - دمشق والقاهرة

الطبعة الاولی 1418 ه- - 1997 م

137 - سبل السلام 1/4 فی مجلدین

للصنعانی ، محمّد بن إسماعیل الکحلانی المعروف بالأمیر - ( ت 1182 ه- )

تحقیق : محمّد عبدالعزیز الخولی

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الرابعة 1379 ه- - 1960 م

138 - سبل الهدی والرشاد

للصالحی الشامی ، محمّد یوسف ( ت 942 ه- )

تحقیق : الشیخ عادل أحمد عبدالموجود ، والشیخ علیّ محمّد معوض

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1414 ه-

139 - سعد السعود

لابن طاووس ، علیّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، رضی الدین ، أبی القاسم ( ت 664 ه- )

نشر : المطبعة الحیدریة - النجف

الطبعة الاولی 1369 ه-

140 - سفر نامه حکیم ناصر خسرو قبادیانی ( ت 4530 ه- ) (باللغة الفارسیة)

تصحیح : غنی زاده

ص:447

نشر : انتشارات منوجهری

المطبعة : کلشن السنة : 1372 ه- ش

141 - سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی 1/4

للعصامی المکی ، عبد الملک بن حسین بن عبد الملک الشافعی ( ت 1111 ه- )

تحقیق : الشیخ عادل أحمد عبدالموجود والشیخ علیّ محمّد معوض

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1419 ه- - 1998 م

142 - سنن أبی داود 1/4

للسجستانی الازدی ، سلیمان بن الأشعث أبی داود ( ت 275 ه- )

تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید

نشر : المکتبة العصریة - بیروت

143 - سنن ابن ماجة 1/2

للقزوینی ، محمّد بن یزید أبی عبدالله ( ت 275 ه- )

تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

144 - سنن الترمذی 1/5

للترمذی ، محمّد بن عیسی بن سورة ، أبی عیسی ( ت 297 ه- )

تحقیق وشرح : أحمد محمّد شاکر

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت 1357 ه- - 1938 م

145 - السنن الکبری 1/10 ( رحلی )

للبیهقی ، أحمد بن الحسین بن علیّ أبی بکر ( ت 458 ه- )

ص:448

نشر : دار المعرفة - بیروت

146 - سنن النسائی 1/8 فی أربعة مجلدات

للنسائی ، أحمد بن شعیب بن علیّ بن بحر ، أبی عبدالرحمن ( ت 303 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

147 - سیر أعلام النبلاء 1/25 ( مع الفهارس )

للذهبی ، شمس الدین محمّد بن أحمد بن عثمان ( ت 748 ه- - 1374 م )

تحقیق : شعیب الارنؤوط ، محمّد نعیم العرقسوسی

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت - لبنان

الطبعة الرابعة 1406 ه- - 1986 م

148 - السیرة الحلبیة فی سیرة الأمین المأمون 1/3 ( رحلی )

للحلبی ، علیّ بن برهان الدین ( ت 1044 ه- )

نشر : دار المعرفة - بیروت

الطبعة الاولی 1400 ه-

149 - السیرة النبویة = سیرة ابن هشام 1/4

لابن هشام الحمیری ، عبدالملک بن هشام بن أیوب ( ت 213 ه- أو 218 ه- )

تحقیق : مصطفی السقا ، إبراهیم الابیاری ، عبدالحفیظ شلبی

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت - لبنان

150 - السیرة النبویة = سیرة ابن کثیر

لأبی الفداء ، إسماعیل بن کثیر ( ت 774 ه- )

تحقیق : مصطفی عبدالواحد

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت - لبنان

ص:449

151 - شذرات الذهب فی أخبار من ذهب 1/8 فی أربعة مجلدات

للحنبلی ، عبدالحی ابن العماد ، أبی الفلاح ( ت 1089 ه- )

نشر : دار الافاق الجدیدة - بیروت - لبنان

152 - شرح التجرید

للقوشجی ، علاء الدین ( ت 879 ه- )

نشر : منشورات الرضی - ایران - قم

153 - شرح الأخبار فی فضائل الأئمّة الأطهار 1/3

للتمیمی المغربی ، النعمان بن محمّد أبی حنیفة ( ت 363 ه- )

تحقیق : السیّد محمّد حسین الجلالی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه-

154 - شرح صحیح مسلم للإمام النووی 1/16 فی 8 مجلدات

للنووی الشافعی ، یحیی بن شرف ، محیی الدین ، أبی زکریا ( ت 676 ه- )

راجعه : الشیخ خلیل المیس

نشر : دار القلم - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

155 - الشرح الکبیر ( المطبوع بهامش المغنی ) 1/12

لابن قدامة المقدسی ، عبدالرحمن بن أبی عمر ، شمس الدین ، أبی الفرج ( ت 682 ه- )

طبعة جدیدة بالأوفسیت ، طبع دار الکتاب العربی - بیروت.

156 - شرح الزرقانی علی موطا الإمام مالک 1/4

للزرقانی ، محمد (ت ه-)

ص:450

نشر : دار الجیل - بیروت

157 - شرح المقاصد

للتفتازانی ، مسعود بن عمر بن عبدالله ، الشهیر بسعد الدین ( ت 793 ه- )

تحقیق : عبدالرحمن عمیرة

نشر : منشورات الشریف الرضی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1989 م

158 - شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 1/20 فی عشرة مجلدات

لابن أبی الحدید المدائنی ، عز الدین بن هبة الله بن محمّد بن محمّد بن الحسین بن أبی الحدید ، أبی حامد ( ت 655 ه- أو 656 ه- )

تحقیق : محمّد أبی الفضل إبراهیم

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الثانیة 1385 ه- - 1965 م

159 - الشفا بتعریف حقوق المصطفی

للحصبی ، عیاض ، أبی الفضل ( ت 544 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1988 م

160 - شواهد التنزیل لقواعد التفضیل 1/3

للحسکانی ، عبدالله بن عبدالله بن أحمد المعروف بالحاکم

( من أعلام القرن الخامس )

تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی

نشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی - طهران - إیران

ص:451

الطبعة الاولی 1411 ه- - 1990 م

161 - صبح الاعشی فی صناعة الإنشا 1/14

القلقشندی ، أحمد بن علیّ ( ت 821 ه- )

تحقیق : نبیل خالد الخطیب

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

162 - صحیح ابن حبان بترتیب ابن بلبان

لابن بلبان الفارسی ، علاء الدین علیّ بن بلبان ( ت 739 ه- )

تحقیق : شعیب الارنؤوط

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الثالثة 1418 ه- - 1997 م

163 - صحیح ابن خزیمة 1/4

لابن خزیمة السلمی النیسابوری ، محمّد بن إسحاق بن خزیمة ، أبی بکر ( ت 311 ه- )

حققه وعلق علیه : الدکتور محمّد مصطفی الأعظمی

نشر : المکتب الإسلامی - بیروت

الطبعة الثانیة 1412 ه- - 1992 م

164 - صحیح البخاری 1/9 فی اربعة مجلدات

للبخاری ، محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم ، أبی عبدالله ( ت 256 ه- )

شرح وتحقیق : الشیخ قاسم الشماعی الرفاعی

نشر : دار القلم - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

ص:452

165 - صحیح مسلم 1/4

للقشیری النیسابوری ، مسلم بن الحجاج ، أبی الحسین ( ت 261 ه- )

تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی

نشر : دار الفکر - بیروت

الطبعة الثانیة 1389 ه- - 1978 م

166 - صحیفة الإمام الرضا علیه السلام

تحقیق : الشیخ محمّد مهدی نجف

نشر : المؤتمر العالمی للإمام الرضا علیه السلام

طبع الاستانة الرضویة - مشهد 1406 ه-

167 - الصراط المستقیم إلی مستحقی التقدیم 1/3

للبیاضی ، علیّ بن یونس العاملی النباطی ، أبی محمّد ( ت 877 ه- )

تحقیق : محمّد باقر البهبودی

نشر : المکتبة المرتضویة لاحیاء الاثار الجعفریة - إیران

168 - الصواعق المحرقة

للیهثمی المکی ، أحمد بن حجر ( ت 899 ه- )

نشر : مکتبة القاهرة - مصر

169 - الضعفاء الکبیر 1/4

للعقیلی المکی ، محمّد بن عمرو بن موسی بن حماد أبی جعفر ( ت 322 ه- )

تحقیق : عبدالمعطی أمین قلعجی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الثانیة 1418 ه-

170 - الضعفاء والمتروکین

ص:453

للذهبی الدمشقی ، شمس الدین بن عثمان بن قایماز ( ت 748 ه- )

نشر : دار القلم - بیروت

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

171 - طب الأئمّة

للنیسابوریَّین ، عبدالله بن سابور الزیات ، والحسین بن بسطام ( ت 262 ه- ) النیسابوریین

نشر : منشورات الرضی - قم - إیران

الطبعة - الثانیة 1363 بالاوفسیت عن المطبعة الحیدریة - النجف الاشرف - العراق سنة 1385 ه- - 1965 م

172 - طبقات أعلام الشیعة

للطهرانی ، آغا بزرک ( ت ه- )

تحقیق ولده : علیّ نقی منزوی

نشر : مؤسسة اسماعیلیان ، قم - إیران

الطبعة الثانیة

173 - الطبقات الکبری = طبقات ابن سعد 1/9

لابن سعد ، محمّد بن سعد کاتب الواقدی ( ت 230 ه- )

قدم له : الدکتور إحسان عباس

نشر : دار بیروت للطباعة والنشر - بیروت

1405 ه- - 1985 م

174 - العبر فی خبر من غبر

للذهبی ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قایماز ( ت 748 ه- )

تحقیق : صلاح الدین المنجد

ص:454

نشر : مطبعة حکومة الکویت

الطبعة الثانیة ( مصورة) ، 1948 م

175 - علل الشرایع

للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

قدم له : السیّد محمّد صادق بحر العلوم

نشر : منشورات المکتبة الحیدریة - النجف

الطبعة الثانیة 1385 ه- - 1966 م

أعادت طباعته مکتبة الداوری - قم - إیران

176 - العلل ومعرفة الرجال 1/4

لاحمد بن محمّد بن حنبل ( ت 241 ه- )

تحقیق : وصی الله بن محمّد عباس

نشر : المکتب الإسلامی - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

177 - عمدة القارئ 1/25 فی 12 مجلد

للعینی بدر الدین محمود بن احمد (ت 855 ه-)

نشر : دار الفکر - بیروت 1415 ه 1995 م .

178 - عون المعبود 1/14

شرح سنن ابی داود

للعظیم ابادی ، محمد شمس الحق (ت ه-)

179 - عیون أخبار الرضا 1/2

للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن موسی بن بابویه القمیّ ، أبی جعفر

ص:455

( ت 381 ه- )

من منشورات المطبعة الحیدریة - النجف أوفسیت منشورات الاعلمی - طهران 1390 ه- - 1970 م

180 - الغریبین فی القرآن والحدیث

للهروی ، أحمد بن محمّد صاحب الأزهری - أبی عبید ( ت 401 ه- )

تحقیق : أحمد فرید المزیدی

نشر : المکتبة العصریة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1419 ه- - 1999 م

181 - الغدیر فی الکتاب والسنة والادب 1/11

للأمینی النجفی ، عبدالحسین أحمد ( ت 1392 ه- )

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت - لبنان

الطبعة الثالثة 1387 ه- - 1967 م

182 - الغیبة

للنعمانی ، محمد بن إبراهیم بن جعفر المعروف بابن أبی زینب ( ت 380 ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1403 ه- - 1983 م

183 - فتح الباری بشرح صحیح البخاری 1/13

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن محمّد شافع شهاب الدین ، أبی الفضل ( ت 852 ه- )

طبع : المطبعة البهیة بمصر ، طبعة 1348 ه-

أوفسیت : دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1408 ه- - 1988 م

ص:456

184 - فتح الباری شرح صحیح البخاری 1/7

لابن رجب الحنبلی زین الدین عبدالرحمن بن شهاب الدین البغدادی الدمشقی (ت 795 ه-)

تحقیق : طارق بن عوض الله بن محمد

نشر : دار ابن الجوزی / المملکة العربیة السعودیة

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1996

185 - فتح المعین بشرح قرة العین 1/4 فی مجلدین

للملیباری الشافعی ، زین الدین بن عبدالعزیز (ت ه-)

مطبوع بهامش اغاثة الطالبیین

نشر : دار احیاء التراث العربی / بیروت

186 - فتح المالک علی موطأ الإمام مالک 1/10

لابن عبدالبر النمری القرطبی المالکی ، جمال الدین یوسف بن عمر بن عبدالبر ، أبی عمر ( ت 463 ه- )

تحقیق : الاستاذ الدکتور مصطفی صمیدة

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1418 ه- - 1998 م

187 - الفتوح 1/3

لابن اعثم الکوفی ، أحمد بن أعثم ، أبی محمّد ( ت نحو 314 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1406 ه- - 1986 م

188 - الفتوحات الربانیة علی الأذکار النوویة 1/2

للصدیقی الشافعی ، محمّد بن علان ( ت 1057 ه- )

ص:457

نشر : المکتبة الإسلامیّة ، مصر

أوفسیت دار إحیاء التراث العربی - بیروت - لبنان

189 - الفتوحات المکیة

لابن عربی الحاتمی الطائی ، محمّد بن علیّ ( ت 638 ه- )

نشر : دار صادر - بیروت - لبنان

190 - الفردوس بمأثور الخطاب 1/

للدیلمی الهمدانی ، شیرویه بن شهردار بن شیرویه ، أبی شجاع الملقب « الکیا » ( ت 509 ه- )

تحقیق : السعید بن بسیونی زغلول

دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1406 ه- - 1986 م

191 - فضائل الصحابة 1/2

لاحمد بن حنبل ( ت 241 ه- )

تحقیق : وصی الله محمّد عباس

نشر : مؤسسة الرسالة ، بیروت

الطبعة الاولی 1403 ه- - 1983 م

192 - فضل الصلاة علی النبیّ

للجضمی القاضی المالکی ، إسماعیل بن إسحاق ( ت 282 ه- )

تحقیق : محمّد ناصر الدین الالبانی

المرکز الإسلامی - بیروت

الطبعة الثالثة 1397 ه-

193 - فیض القدیر شرح جامع الصغیر 1/6

ص:458

للمناوی ، محمّد المدعو بعبدالروؤف ( ت 1331 ه- )

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان 1391 ه- - 1972 م

الطبعة الثانیة

194 - الکافی 1/8

للکلینی ، محمّد بن یعقوب بن إسحاق ( أبی جعفر ) ( ت 329 ه- )

صححه وقابله : الاستاذ علیّ أکبر الغفاری

نشر : دار الکتب الإسلامیّة - طهران

الطبعة الثانیة

195 - الکامل فی التاریخ 1/9

لابن الأثیر الجزری ، محمّد بن محمّد بن عبدالکریم بن عبدالواحد الشیبانی ( ت 630 ه- )

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت

الطبعة الثالثة 1400 ه- - 1980 م

196 - الکامل فی ضعفاء الرجال 1/8

لابن عدی الجرجانی ، عبدالله بن عدی ، أبی أحمد ( ت 360 ه- )

تحقیق : سهیل زکار

نشر : دار الفکر - بیروت - لبنان

الطبعة الثالثة 1409 ه- - 1988 م

197 - کشف الخفاء ومزیل الإلباس عما اشتهر من الأحادیث علی ألسنة الناس

للعجلونی ، اسماعیل بن محمّد ( ت 1162 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الثالثة 1408 ه- - 1988 م

ص:459

198 - کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء

لکاشف الغطاء ، الشیخ جعفر النجفی ( ت 1228 ه- )

نشر : انتشارات مهدوی - اصفهان - إیران

طبعة حجریة

199 - کشف الغمة عن جمیع الأمة 1/2

للشعرانی ، عبدالوهاب ( ت 973 ه- - 1565 م )

نشر : المکتبة العلمیة - بیروت

200 - کشف الغمة فی معرفة الأئمّة 1/2

للاربلی ، علیّ بن عیسی بن أبی الفتح ( ت 693 ه- )

تعلیق : هاشم الرسولی

اهتم بطبعة الحاج السیّد علیّ بنی هاشمی

201 - کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین

للحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر ( ت 726 ه- )

تحقیق : حسن الدرکاهی

الطبعة الاولی 1411 ه- - إیران

202 - کفایة الأثر فی النص علی الأئمّة الاثنی عشر

للخزاز القمیّ ، علیّ بن محمّد بن علیّ الخزاز ، أبی القاسم ( من أعلام القرن الرابع )

تحقیق : عبداللطیف الحسینی الکوه کمری النحوی

نشر : انتشارات بیدار - قم - إیران

الطبعة الاولی 1401 ه-

203 - کمال الدین وتمام النعمة

ص:460

لابن بابویه القمّی ، محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویة ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

تعلیق : علیّ أکبر الغفاری

نشر : مکتبة الصدوق - طهران - إیران

204 - کنز العرفان فی فقه القرآن

للسیوری ، جمال الدین المقداد بن عبدالله ( ت 826 ه- )

نشر : المکتبة المرتضویة لاحیاء الأثار الجعفریة - قم - إیران

الطبعة الاولی 1348 ه-

205 - کنز العمال 1/16

للمتقی الهندی ، علاء الدین علیّ المتقی بن حسام الدین البرهان فوری ( ت 975 ه- )

ضبطه وفسر غریبه : الشیخ بکری حیانی

تصحیح : الشیخ صفوة السقا

نشر : مؤسسة الرسالة - بیروت

الطبعة الخامسة 1405 ه- - 1985 م

206 - الکنز المدفون والفلک المشحون

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن ( ت 911 ه- )

نشر : المطبعة الیمینیة - مصر

الطبعة الاولی 1321 ه-

207 - لسان المیزان 1/7

للعسقلانی ، أحمد بن علیّ بن حجر أبی الفضل ( ت 852 ه- )

نشر : مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت - لبنان

ص:461

الطبعة الثالثة 1406 ه- - 1986 م

208 - مآثر الانافة فی معالم الخلافة 1/3

للقلقشندی ، أحمد بن عبدالله ، صاحب کتاب صبح الاعشی ( ت 821 ه- )

تحقیق : عبدالستار أحمد فراج

نشر : عالم الکتب - بیروت

قدم له : صلاح الدین المنجد

209 - المبسوط 1/30 فی 15 مجلد

للسرخسی ، شمس الدین ( ت 490 ه- )

قام بتصحیح الکتاب : جماعة من العلماء

نشر : دار المعرفة - بیروت 1406 ه- - 1986 م

210 - المبسوط فی فقه الإمامیة 1/10

للطوسی ، محمّد بن الحسن بن علیّ ، أبی جعفر ( ت 460 ه- )

صححه وعلّق علیه : السیّد محمّد تقی الکشفی

نشر : المکتبة الرضویة - طهران - أوفسیت عن طبعة المطبعة الحیدریة

الطبعة الثالثة 1387 ه-

211 - مجالس المؤمنین 1/2 ( باللغة الفارسیة )

للشوشتری ، القاضی نور الله المعروف بالشهید الثالث ( استشهد سنة 1010 ه- )

نشر : کتابفروشی اسلامیة ، طهران 1354 ه- ش

212 - المجروحین من المحدثین والضعفاء والمتروکین

للتمیمی البستی ، محمّد بن حبان بن أحمد بن أبی حاتم ( ت 354 ه- )

تحقیق : محمود إبراهیم زاید

ص:462

نشر : دار المعرفة ، بیروت

الطبعة الاولی 1412 ه- - 1992 م

213 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 1/10

للهیثمی ، علیّ بن أبی بکر ، نور الدین ( ت 807 ه- )

وهو بتحریر الحافظین العراقی وابن حجر

نشر : دار الکتاب العربی - بیروت

الطبعة الثالثة 1402 ه- - 1982 م

214 - المجموع شرح المهذب 1/20

للنووی ، محیی الدین بن شرف ، أبی زکریا ( ت 676 ه- )

طبع : دار الفکر - بیروت

215 - المحاسن 1/2

للبرقی ، أحمد بن محمّد بن خالد ، أبی جعفر ( ت 274 ه- أو 280 ه- )

تحقیق : السیّد مهدی الرجائی

نشر : المعاونیة الثقافیة للمجمع العلمی لأهل البیت: - قم - إیران

الطبعة الاولی 1413 ه-

216 - المحرر الوجیز فی کتاب الله العزیز 1/4

لابن عطیة الاندلسی ، عبدالحق بن غالب بن عطیه ، أبی محمّد ( ت 546 ه- )

تحقیق : عبدالسلام عبدالشافی محمّد

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 413 - 1993 م

217 - المحصول فی علم أصول الفقه 1/2

لفخر الدین الرازی ، محمّد بن عمر بن الحسین ( ت 606 ه- )

ص:463

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة 1408 ه- - 1988 م

218 - المحلی 1/11

لابن حزم الاندلسی ، علیّ بن أحمد بن سعید بن حزم ، أبی محمد ( ت 456 ه- )

تحقیق : لجنة احیاء التراث العربی

نشر : دار الافاق الجدیدة - بیروت

219 - مختصر إتحاف السادة المهرة بزوائد المسانید العشرة 1/11

للبوصیری ، أحمد بن أبی بکر بن إسماعیل الکنانی الشافعی ، شهاب الدین ، أبی العبّاس ( ت 840 ه- )

تحقیق : سید کروی حسن

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1417 ه- - 1996 م

220 - مختصر تاریخ دمشق لابن عساکر 1/29

لابن منظور ، محمّد بن مکرم ( ت 711 ه- )

تحقیق : أحمد راتب ومحمّد ناجی العمر

نشر : دار الفکر - دمشق

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1988 م

221 - مدارک الأحکام 1/8

للعاملی ، السیّد محمّد بن علیّ الموسوی ( ت 1009 ه- )

تحقیق : مؤسسة آل البیت: لاحیاء التراث - مشهد المقدسة

طبع فی مطبعة مهر - قم

ص:464

الطبعة الاولی 1410 ه-

222 - مرآة الجنان وعبرة الیقظان 1/4

للیافعی ، عبدالله بن أسعد بن علیّ بن سلیمان الیمنی المکی ( ت 768 ه- )

نشر : منشورات الأعلمی للمطبوعات - بیروت

الطبعة الثانیة 1390 ه- - 1970 م

أوفسیت عن مطبعة دائرة المعارف النظامیة - حیدرآباد - الدکن سنة 1338 ه-

223 - المراسیل

لابن أبی حاتم الرازی ، عبدالرحمن بن محمّد بن إدریس ( 327 ه- )

تحقیق : أحمد عصام الکاتب

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1403 ه- - 1983 م

224 - مروج الذهب ومعادن الجوهر 1/4

للمسعودی ، علیّ بن الحسین بن علیّ ، أبی الحسن ( ت 346 ه- )

وضع فهارسها : یوسف أسعد داغر

الطبعة الثانیة - دار الهجرة - 1404 ه- - 1984 م

أوفسیت عن الطبعة الاولی 1385 ه- - 1965 م

225 - مستدرک سفینة البحار 1/10

للنمازی الشاهرودی ، الشیخ علیّ ( معاصر )

نشر : قسم الدراسات الإسلامیّة فی مؤسسة البعثة

الطبعة الاولی 1409 ه-

226 - المستدرک علی الصحیحین 1/4

للحاکم النیسابوری ، محمّد بن عبدالله ، أبی عبدالله ( ت 405 ه- )

ص:465

نشر : دار الفکر - بیروت

1398 ه- - 1978 م

227 - مستدرک الوسائل 1/18

للطبرسی النوری ، الحاج میرزا حسین ( ت 1320 ه- )

نشر وتحقیق : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - إیران

الطبعة الاولی 1407 ه-

228 - المسترشد فی امامة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام

للطبری ، محمّد بن جریر بن رستم ( ت اوائل القرن الرابع الهجری )

تحقیق : الشیخ أحمد المحمودی

نشر : المؤسسة الثقافیة الإسلامیّة طبع فی قم - إیران

الطبعة الاولی

229 - مسند أبی داود الطیالسی

للطیالسی ، أبی داود ( ت 204 ه- )

نشر : دار الحدیث - بیروت

230 - مسند أبی عوانة

لابی عوانه الاسفرایینی ، یعقوب بن إسحاق ( ت 316 ه- )

تحقیق : أیمن بن عارف الدمشقی

نشر : دار المعرفة - بیروت

الطبعة الاولی 1998 م

231 - مسند أحمد 1/6 ( رحلی )

لاحمد بن حنبل ، ( ت 241 ه- )

نشر : دار صادر - بیروت

ص:466

232 - مسند زید بن علی

لزید بن علیّ بن الحسین بن علیّ بن أبی طالب ( ت 121 ه- )

جمعه : عبدالعزیز بن إسحاق البغدادی

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

233 - مسند الشافعی

للشافعی ، محمّد بن إدریس ، أبی عبدالله ( ت 204 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

اُوفسیت عن مطبعة بولاق الامیریة

234 - مشارق انوار الیقین فی أسرار أمیر المؤمنین

علیه السلام

للبرسی ، رجب ( ت 813 ه- )

نشر : منشورات الشریف الرضی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1414 ه-

235 - المصنّف 1/11

للصنعانی ، عبدالرزاق بن همام ، أبی بکر ( ت 211 ه- )

عنی بتحقیقه وتخریج أحادیثه والتعلیق علیه : الشیخ حبیب الرحمن الأعظمی

من منشورات المجلس العلمی - بیروت

236 - مصنفات الشیخ المفید 1/14

للمفید ، محمّد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی ، أبی عبد الله ( ت 413 ه- )

نشر : المؤتمر العالمی لألفیة المفید

الطبعة الاولی 1413 ه- - قم - إیران

237 - المصنّف فی الأحادیث والآثار 1/9

ص:467

( مصنّف بن أبی شیبة )

لابن أبی شیبة الکوفی العبسی ، عبدالله بن محمّد بن أبی شیبة ، أبی بکر ( ت 235 ه- )

ضبطه وصححه : محمّد عبدالسلام شاهین

دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1995 م

238 - المعارف

لابن قتیبة الدینوری ، عبدالله بن مسلم بن قتیبة ( ت 276 ه- )

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1407 ه- - 1987 م

239 - معانی الأخبار

للصدوق ، محمّد بن علیّ بن الحسین بن بابویة القمیّ ( ت 381 ه- )

عنی بتصحیحه : علیّ أکبر الغفاری

انتشارات اسلامی - قم

الطبعة الثانیة 1379 ه-

240 - معجم الأدباء 1/20 ( فی عشر مجلدات )

للحموی ، یاقوت بن عبدالرومی ( ت 626 ه- )

نشر : دار الفکر

الطبعة الثالثة 1400 ه- - 1980 م

241 - المعجم الاوسط 1/11

للطبرانی ، سلیمان بن أحمد ، أبی القاسم ( ت 360 ه- )

تحقیق : الدکتور محمود الطحان

ص:468

نشر : مکتبة المعارف - الریاض

الطبعة الاولی 1415 ه- - 1995 م

242 - معجم البلدان 1/5

للحموی ، یاقوت بن عبدالله الرومی البغدادی ، شهاب الدین ، أبی عبدالله ( ت 626 ه- )

نشر : دار صادر - بیروت

243 - معجم رجال الحدیث 1/24

للخوئی ، السیّد أبی القاسم الموسوی ( ت 1413 ه- )

الطبعة الخامسة 413 ه- - 1992 م

244 - المعجم الکبیر 1/25

للطبرانی ، سلیمان بن أحمد ، أبی القاسم ( ت 360 ه- )

حققه : حمدی عبدالمجید السلفی

نشر : مکتبة ابن تیمیة - القاهرة

245 - معرفة علوم الحدیث

للحاکم النیسابوری ، محمّد بن عبدالله ( ت 405 ه- )

شرح ومراجعه : سعید محمّد اللحام

نشر : دار ومکتبة الهلال - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1409 ه- - 1989 م

246 - المغنی 1/12

لابن قدامة ، عبدالله بن أحمد بن محمود بن قدامة ، موفق الدین ، أبی محمّد ( ت 630 ه- )

طبعه جدید بالاُوفسیت

ص:469

نشر دار الکتاب العربی - بیروت

247 - المغنی فی الضعفاء 1/2

للذهبی ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قایماز ( ت 748 ه- )

تحقیق : نور الدین عتر

248 - مقاتل الطالبین

للاصفهانی ، أبی الفرج ( ت 356 ه- )

شرح وتحقیق : السیّد أحمد صقر

نشر : دار المعرفة - بیروت

249 - المناقب = مناقب الخوارزمی

للخوارزمی ، الموفق بن أحمد بن محمّد المکی ( ت 568 ه- )

تحقیق : مالک المحمودی

نشر : مؤسسة النشر الإسلامی التابعة لجماعة المدرسین - قم - إیران

الطبعة الثالثة 1417 ه-

250 - المنتخب من مسند عبد بن حمید

لابی محمّد عبد بن حمید ( ت 249 ه- )

تحقیق : صبحی البدری السامرائی - محمود محمّد خلیل الصعیدی

نشر : مکتبة النهضة العربیة

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

251 - من لا یحضره الفقیه 1/4

للصدوق ، محمد بن علیّ بن الحسین بن بابویه القمیّ ، أبی جعفر ( ت 381 ه- )

علق علیه : علیّ أکبر الغفاری

ص:470

نشر : جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة - قم - إیران الطبعة الثانیة

252 - المنتظم فی تاریخ الامم والملوک 1/16

لابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علیّ بن محمّد ابن الجوزی ( ت 597 ه- )

تحقیق : محمّد عبدالقادر عطا - مصطفی عبدالقادر عطا - نعیم زرزور

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت

الطبعة الاولی 1413 ه- - 1992 م

253 - منهاج السنة النبویة

لابن تیمیة الحرانی ، أحمد بن عبد الحلیم بن تیمیة ، أبی العباس ( ت 728 ه- )

تحقیق : محمّد رشاد سالم

نشر : مؤسسة قرطبة - مصر

الطبعة الاولی 1406

254 - المهذب

لابن براج الطبرابلسی ، عبدالعزیز بن البراج ( ت 481 ه- )

تحقیق : الشیخ جعفر السبحانی

نشر : جامعة المدرسین - قم - إیران

الطبعة الاولی 1406 ه-

255 - المواعظ والاعتبار = الخطط المقریزیة 1/2 ( رحلی )

للمقریزی ، أحمد بن علیّ ، تقی الدین ، أبی العبّاس ( ت 745 ه- )

أوفست دار صادر - بیروت

256 - الموطأ

مالک بن أنس ( ت 179 ه- )

تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی

ص:471

نشر : دار إحیاء التراث العربی - بیروت

257 - مواهب الجلیل شرح مختصر خلیل

للحطاب الرعینی ، محمّد بن محمّد بن عبدالرحمن المغربی ، أبی عبدالله ( ت 954 ه- )

تحقیق : زکریا عمیرات

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1995 م

258 - میزان الاعتدال فی نقد الرجال 1/7

للذهبی ، محمّد بن أحمد ، شمس الدین ( ت 748 ه- )

تحقیق : علیّ محمّد معوض ، عادل أحمد عبدالموجود

نشر : دار الکتب العلمیة - بیروت - لبنان

الطبعة الاولی 1416 ه- - 1995 م

259 - النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة

للاتابکی ، یوسف بن تغری بردی ، أبی المحاسن ( ت 874 ه- )

نشر : المؤسسة المصریة العامة - مصر

260 - نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر 1/8

عبد الحی بن فخر الدین الحسینی ( ت 1341 ه- )

قام بمراجعته واکماله : أبو الحسن علیّ الحسنی الندوی - ابن المؤلف

نشر : مطبعة دائرة المعارف العثمانیة بحیدرآباد الدکن الهند 1402 ه-

261 - نشوار المحاضرة وأخبار المذاکرة 1/8

للتنوحی ، المحسن بن علیّ ، أبی علی ( ت 384 ه- )

تحقیق : عبود الشالجی

ص:472

الطبعة الاولی 1391 ه- - 1971 م

262 - النصائح الکافیة لمن یتولی معاویة

لمحمد بن عقیل بن عبدالله بن عمر بن یحیی العلوی ( ت 135 ه- )

الطبعة الاولی 1412 ه- - مطبعة دار الثقافة

نشر : دار الثقافة - قم - إیران

263 - نصب الرایة لأحادیث الهدایة 1/4

للزیلعی الحنفی ، عبدالله بن یوسف ، جمال الدین ، أبی محمّد ( ت 762 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الثالثة 1407 ه- - 1987 م

264 - نظم درر السمطین

للزرندی الحنفی ، محمّد بن یوسف بن الحسن بن محمّد ، جمال الدین ( ت 750ه- )

نشر : مکتبة الإمام أمیر المؤمنین7

الطبعة الاولی 1377 ه- - 1958 م

265 - نهایة الإرب فی فنون الأدب

للنویری ، أحمد بن عبدالوهاب ( ت 733 ه- )

نشر : مطبعة دار الکتب المصریة - القاهرة

الطبعة الاولی 1369 ه- - 1949 م

266 - نیل الأوطار 1/8

للشوکانی ، محمّد بن علیّ بن محمّد ( ت 1255 ه- )

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

الطبعة الاخیرة

ص:473

267 - الهدایة شرح البدایة

للمرغینانی ، علیّ بن أبی بکر بن عبدالجلیل ، أبی الحسین ( ت 593 ه- )

نشر : المکتبة الإسلامیّة - بیروت - لبنان

268 - الوسائل إلی معرفة الاوائل

للسیوطی ، عبدالرحمن ، جلال الدین ( ت 911 ه- )

تحقیق : عبدالرحمن الجوزو

نشر : دار مکتبة الحیاة - بیروت

الطبعة الاولی 1408 ه- - 1988 م

269 - وسائل الشیعة 1/30

للحر العاملی ، الشیخ محمّد بن الحسن ( ت 1104 ه- )

تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث قم - إیران

الطبعة الاولی 1409 ه-

270 - وضوء النبی ( المدخل )

لمؤلف هذا الکتاب

نشر : مؤسسة جواد الأئمّة - مشهد - إیران

الطبعة الثانیة 1417 ه-

271 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفی

للسمهودی ، علیّ بن أحمد المصری ( ت 911 ه- )

تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید

نشر : دار احیاء التراث العربی - بیروت

272 - وقعة صفین

للمنقری ، نصر بن مزاحم ( ت 212 ه- )

ص:474

تحقیق وشرح : عبدالسلام محمّد هارون

نشر : مکتبة آیة الله العظمی المرعشی النجفی - قم - إیران

الطبعة الاولی 1403 ه-

273 - وفیات الأعیان وأنباء أبناء الزمان 1/8

لابن خلّکان ، أحمد بن محمّد بن أبی بکر بن خلکان ، شمس الدین ، أبی العبّاس ( ت 681 ه- )

تحقیق : احسان عباس

نشر : دار الثقافة - بیروت

274 - ینابیع المودة لذوی القربی

للقندوزی الحنفی ، سلیمان بن إبراهیم ( ت 1294 ه- )

تحقیق : علیّ جمال أشرف الحسینی

نشر : دار الأسوة للطباعة والنشر

الطبعة الاولی 1416 ه-

275 - الیواقیت والضرب فی تاریخ حلب

المنسوب إلی إسماعیل أبی الفداء ( ت 732 ه- )

المحقّقان : محمّد کمال وفالح البکور

نشر : دار القلم - حلب - سوریا

الطبعة الاولی 1410 ه- - 1989 م

ص:475

الفهرس

مقدّمة المؤلف 7

بحوث تمهیدیة / 13

الأذان لغة واصطلاحاً 23

تاریخ الأذان 25

بدء الأذان عند أهل السنّة والجماعة 27

أهل البیت وبدء الأذان 41

الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام ( ت 40 ه- ) : 41

الإمام الحسن بن علیّ علیه السلام ( ت 50 ه- ) : 42

الإمام الحسین بن علیّ علیه السلام ( ت 61 ه- ) : 43

محمّد بن علی بن أبی طالب ( ابن الحنفیّة ت 73 - 93 ه- ) : 44

الإمام علیّ بن الحسین زین العابدین علیه السلام ( ت 94 ه- ) وابنه زید : 46

الإمام محمّد بن علیّ الباقر علیه السلام ( ت 114 ه- ) : 47

الإمام جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام ( ت 148 ه- ) : 50

الإمام علیّ بن موسی الرضا علیه السلام ( ت 204 ه- ) : 55

ص:476

وقفة مع أحادیث الرؤیا 59

تحقیق فی ما وراء نظریّة الرؤیا 73

مع الرسول ورؤیاه 83

المجتهدون الأوائل ودورهم فی التشریع : 86

المجتهدون الأوائل والأذان ! 93

الأمویّون والأذان 96

الأمویّون ورسول الله 100

الله جلّ وعلا ورفعه لذکر الرسول صلی الله علیه و آله . 109

أهل البیت ورفع ذکر رسول الله 112

القدرة الإلهیّة وفشل المخطّطات 120

مَنْ هم الثلاثة أو الأربعة ؟ 127

مطلبان 147

1 - الأذان إعلام للصلاة أم بیان لأصول العقیدة ؟ 149

الأذان وآثاره فی الحیاة الاجتماعیة 161

الأذان والمولود 161

الأذان والعقم 162

الأذان والمرض 162

الأذان وسعة الرزق 163

الأذان ووجع الرأس 163

الأذان وسوء الخُلق 163

الأذان وطرد الشیطان 164

الأذان والغول 164

2 - توقیفیّة الأذان 165

الخلاصة 169

ص:477

البابُ الأَوَّل

حیَّ عَلی خَیْرِ العَمَلِ

الشرعیة والشعاریة

الفصل الأول: فی جزئیة حیَّ علی خیر العمل 177

القسم الأوّل : اتّفاق الفریقین علی أصل شرعیّتها 181

وقفة مع الحدیثَین 186

مع ما رواه الطبرانی والبیهقی عن بلال 189

مع ما رواه الحافظ العلوی عن بلال 194

مع ما رواه السری عن أبی محذورة 196

القسم الثانی : تأذین الصحابة وأهل البیت 207

1 - بلال بن رباح الحبشی ( ت 20 ه- ) 207

2 - علی بن أبی طالب ( ت 40 ه- ) 208

3 - أبو رافع ( کان حیّاً فی عهد الإمام الحسن ) 215

4 - عقیل بن أبی طالب ( ت فی خلافة معاویة ) 215

5 - الحسن بن علیّ بن أبی طالب ( ت 50 ه- ) 215

6 - أبو محذورة ( ت 59 وقیل 79 ه- ) 216

7 - الحسین بن علیّ بن أبی طالب ( ت 61 ه- ) 220

8 - زید بن أرقم ( ت ما بین 66 إلی 68 ه- ) 221

9 - عبدالله بن عبّاس ( ت ما بین 68 إلی 70 ه- ) 221

10 - عبدالله بن عمر ( ت 73 وقیل 74 ه- ) 222

11 - جابر بن عبدالله ( ت 68 إلی 79 ه- ) 230

12 - عبدالله بن جعفر ( ت 80 وقیل 90 ه- ) 231

ص:478

13 - محمد بن علی بن أبی طالب ( ت ما بین 73 - 93 ه- ) 231

14 - أنس بن مالک ( ت ما بین 91 إلی 93 ه- ) 231

15 - علیّ بن الحسین بن علیّ ( ت 94 ه- ) 233

16 - أبو أمامة بن سهل بن حُنیف ( ت 100 ه- ) 244

17 - محمّد بن علیّ الباقر ( ت 114 ه- ) 245

18 - زید بن علیّ ( ت 121 ه- ) 247

19 - یحیی بن زید بن علیّ ( ت 125 ه- ) 248

20 - محمّد بن زید بن علیّ ( لم نقف علی وفاته ) 249

21 - محمّد بن عمر بن علیّ بن أبی طالب ( ت 135 ه- ) 249

22 - إبراهیم بن عبدالله بن الحسن ( ت 145 ه- ) 250

23 - جعفر بن محمّد الصادق ( ت 148 ه- ) 251

24 - الحسین بن علیّ صاحب فَخّ ( ت 169 ه- ) 252

25 - موسی بن جعفر الکاظم ( ت 183 ه- ) 254

26 - علیّ بن موسی الرضا ( ت 203 ه- ) 254

27 - علیّ بن جعفر بن محمّد بن علیّ ( ت 210 ه- ) 254

28 - أحمد بن عیسی ( ت 247 ه- ) 255

29 - الحسن بن یحیی بن الحسین بن زید بن علیّ (ت260 ه-) 255

القسم الثالث: إجماع العترة 257

الفصل الثانی: حذف الحیعلة، وامتناع بلال عن التأذین 269

الفصل الثالث: حیّ علی خیر العمل دعوة إلی الولایة 289

بعض أدلّة الولایة 295

عَود علی بدء 314

ما وراء حذف الحیعلة الثالثة 317

ص:479

الفصل الرابع : حیّ علی خیر العمل، تاریخها العقائدی والسیاسی 329

زید بن علیّ بن الحسین « 122 ه- » 341

یحیی بن زید بن علیّ بن الحسین « 125 ه- » 342

إبراهیم بن عبدالله بن الحسن « 145 ه- » 342

الحسین بن علیّ ( صاحب فَخّ ) « 169 ه- » 342

طبرستان ( سنة 250 ه- ) 345

حمص / مصر / بغداد ( سنة 290 ه- ) 348

الأندلس « ما بعد سنة 300 ه- » 354

حلب / مصر ( سنة 347 ه- ) 354

القاهرة ( سنة 356 ه- ) 357

القاهرة ( سنة 358 ه- ) 358

جامع ابن طولون / مصر ( سنة 359 ه- ) 361

دمشق ( سنة 360 ه- ) 363

حلب ( سنة 367 ه- ) 366

ملتان - الهند (قبل سنة 380 ه-) 367

مصر ( سنة 393 ه- ) 368

الیمامة ( سنة 394 ه- ) 369

المدینة / مصر ( سنة 400 ه- ) 370

بغداد ( سنة441 - 442 ه- ) 372

بغداد ( سنة 443 ه- ) 373

بغداد (سنة 444 - 445 ه-) 376

بغداد ( سنة 448 ه- ) 377

بغداد ( سنة 450 ه- ) 380

مکة / حلب ( سنة 462 ه- ) 382

ص:480

الشام ( سنة 468 ه- ) 384

مصر ( سنة 478 ه- ) 386

مصر ( سنة 524 ه- ) 387

حلب ( سنة 543 ه- ) 391

حلب ( سنة 552 ه- ) 393

مصر ( سنة 565 ه- ) 394

مصر ( سنة 567 ه- ) 395

حلب ( سنة 570 ه- ) 395

مکّة ( سنة 579 ه- ) 397

مکّة ( سنة 582 ه- ) 397

مکّة ( سنة 617 ه- ) 398

مکّة ( سنة 702 ه- ) 398

إیران (سنة 707 ه- تقر یباً) 398

المدینة ] القرن الثامن [ 399

القطیف ( سنة 729 ه- ) 399

مکّة ( سنة 793 ه- ) 400

صنعاء ( سنة 900ه- تقریباً ) 400

حضرموت ( سنة 1070 ه- ) 401

نجد ( سنة 1224 ه- ) 402

النتیجة 403

الخلاصة 416

وفی الختام 418

ثبت المصادر 419

الفهرس 475

المجلد 2

اشارة

ص:1

اشارة

المجموعة الکاملة لمؤلّفات السیّد علیّ الشهرستانیّ «13»

الصلاةُ خَیرٌ مِنَ النَّوْم

شرعة أم بدعة

السیّد علی الشهرستانیّ

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

بسم الله الرحمن الرحیم

بعد أن شرعت فی الکتابة عن تاریخ الأذان وتشریعه بمنهجیة جدیدة وبیان الأصیل منه والمحرّف، والذی صدر الکتاب الأوّل منه عام 1417 ه- تحت عنوان «حیَّ علی خیر العمل: الشرعیة والشعاریة» أقدم بعض کتّاب الوهابیّة فی الکتابة علی غرار ما کتبته، فبدأ بکتابه الأوّل «الشهادة الثالثة حقیقةٌ أم افتراء» لکی یفنّد ما سعیت فی تحقیقه فی دراستی حول الأذان دون الإشارة إلی اسمی.

وکان قد قرأ کتابی فی الحیعلة الثالثة «حیَّ علی خیر العمل» وأخذ ببعض أقوالی فی ردّ بعض الشبهات، وعرف بأنّی فتحتُ باباً جدیداً لتوضیح حقیقة الشهادة الثالثة فی الأذان مستدلّا علی محبوبیتها من خلال مشروعیة الحیعلة الثالثة، فأراد أن

ص:6

یسبقنا بهدم ما نرید أن نستدلّ به فی الشهادة الثالثة، مدّعیاً بأنْ لیس للشیعة حدیثٌ واحد عن أئمّتهم - وإن کان ضعیفاً - فی مشروعیته، وأنّ السیرة جاءت فیه متأخّرة عندهم، متجاهلاً تفریق علماء الشیعة بین المحبوبیة والجزئیة.

فالشیعة لم تذهب یوماً مّا إلی جزئیتها ولم تنقل عن رسول الله صلی الله علیه و آله وأبنائه علیهم السلام أنّهم أذّنوا بها علی نحو الجزئیة أو أنّهم أمروا الشیعة بالأذان بها حتّی یُطالَبوا بالدلیل، وأنّ عدم تأذین المعصوم بالشهادة الثالثة لا یعنی عدم محبوبیته عنده بل یؤکّد عدم جزئیتها، لأنّ المعصوم لا یترک أمراً واجباً.

کما لا یمکن نسبة تأذین المفوّضة بالشهادة الثالثة علی نحو الجزئیة إلی الشیعة إذ أخرجهم الشیخ الصدوق رحمه الله من جملة المذهب، بقوله: «کی لا یعرّف المدلّسون أنفسهم فی جملتها».

وعلیه، فما قاله الکاتب لا ینهض بأیّ دلیل، فکما أنّ الإثبات یحتاج إلی دلیل، فالنفی أیضاً یحتاج إلی دلیل. فلا یجوز نسبة شیءٍ إلی أحد بلا دلیل {قُلْ ءآللهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللهِ تَفْتَرُونَ}((1)) {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ صَادِقِینَ}((2)).

إنّ عمل الکاتب دعانی فی الإسراع لإخراج کتابی الثالث «أشهد أنَّ علیّاً ولی الله بین الشرعیة والابتداع» قبل الثانی «الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة»، حتّی أجیب عن بعض الشبهات الواردة علی هذه الشعیرة إلی ذلک الحین.

وبعد فترةٍ وقفتُ علی کتابه الثانی «الصلاة خیر من النوم حقیقة أم اتّهام» ورأیته


1- یونس: 59.
2- البقرة: 111.

ص:7

کالأوّل کتاباً إعلامیّاً ولیس علمیّاً، وأغلب ما قدّمه فی الشهادة الثالثة کرّره فی کتابه الثانی «الصلاة خیر من النوم» مع تعرّضه لأمور خارجة عن البحث لا ترتبط به، ففیه کلّ شیء إلّا ما یتعلّق بالمبحوث عنه، فإنّه ینتقل من موضوع إلی آخر دون أن یشبع الموضوع بحثاً وتحقیقاً بحیث یجعل القارئ یملّ من مطالعة کتابه، ویحسّ بأنّ وقته قد ضاع سُدی.

فالکاتب قد ادّعی فی کتابه الثانی بأنّه یرید إثبات کون «الصلاة خیر من النوم» هی حقیقة نبویة، وأنّ ما نسبه علماء الشیعة إلی عمر بن الخطّاب هو اتّهام وافتراء لکنّه لم یوفّق فی دعواه، إذ إنّ علماء أهل السنّة ومحدّثیهم قد سبقوا الشیعة فی نسبة هذا القول إلی عمر، فانظر کلام مالک بن أنس (ت 179 ه-) فی الموطّأ ((1))، وما رواه ابن أبی شیبة (ت 235 ه-) فی المصنّف((2))، والدارقطنی (ت 385 ه-) فی السنن((3))، وکلام ابن رشد (ت 595 ه-) فی بدایة المجتهد((4))، والسیوطی (ت 911 ه-) فی تنویر الحوالک((5))، والخطیب التبریزی (ت 741 ه-) فی کتاب الإکمال فی أسماء الرجال((6))، وقال الشوکانی (ت 1255 ه-) نقلاً عن البحر الزخّار: أحدثه عمر


1- الموطّأ 1 : 72 /154 - باب ما جاء فی النداء فی الصلاة، وفیه: بلغنا أنّ المؤذّن جاء إلی عمر یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال: الصلاة خیر من النوم، فأمره عمر أن یجعلها فی نداء الصبح.
2- المصنّف لابن أبی شیبة 1 : 189 / ح 2159، وفیه: جاء المؤذّن عمر بصلاة الصبح، فقال: الصلاة خیر من النوم، فأُعجب به وقال للمؤذّن: أَقِرَّها فی أذانک.
3- سنن الدارقطنی 1 : 243 / ح 40، وفیه: عن عمر أنّه قال لمؤذّنه: إذا بلغت «حیّ علی الفلاح» فی الفجر فقل: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم.
4- بدایة المجتهد 1 : 77 سیأتی نصّ کلامه.
5- انظر: تنویر الحوالک 1 : 71 / ح 154 سیأتی نصّ کلامه.
6- الإکمال فی أسماء الرجال: 123 سیأتی نصّ کلامه.

ص:8

فقال ابنه: هذه بدعة((1))، وغیرهم فی غیرها.

فکلّ هؤلاء أقرّوا بنسبة إبداع التثویب إلی عمر فضلاً عمّا هو موجود فی کتب الشیعة الإمامیّة والزیدیة والإسماعیلیة، وإنّی فی هذا الکتاب سأثبت خلاف کلام الکاتب؛ بالنصوص بإذن الله تعالی.

وممّا یجب أن نذکره أیضاً أنّ الکاتب وعد قرّاءه بأنّه سیبحث موضوع الحیعلة الثالثة فی کتابٍ ثالث وقد أسماه «حیّ علی خیر العمل حقیقة أو وهم» لکنّا لم نقف علیه رغم تتبّعنا وبحثنا عنه فی المکتبات العربیة ومواقع التواصل الاجتماعی، وکان یعجبنی أن أقف علی کلامه لأری انتقاداته لنا، وهل هی تشبه انتقاداته للآخرین من أعلامنا، أم لا؟

بلی إنّ ذکر الأذان بمعنی الإعلام والنداء والمستهزئین به قد ورد فی القرآن الکریم فی قوله تعالی: {وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوکَ رِجَالاً وَعَلَی کُلِّ ضَامِرٍ یَأْتِینَ مِنْ کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ}((2))، وقوله تعالی: {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَکْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِی ءٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَرَسُولُهُ}((3))، وقوله تعالی: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذَا نُودِیَ لِلصَّلاَةِ مِنْ یَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَی ذِکْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَیْعَ}((4))، وقوله تعالی: {وَإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَی الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ


1- نیل الأوطار 2 : 18.
2- الحج: 27.
3- التوبة: 3.
4- الجمعة: 9.

ص:9

یَعْقِلُونَ} ((1)).

والآیة الأخیرة تثبت بأنّ تشریع الأذان کان بنصّ الکتاب العزیز لا بما قالوه من تشریعه فی المدینة بمنام رآه عبد الله بن زید الأنصاری((2))، أو عمر بن الخطّاب((3))، أو أبوبکر((4))، أو أُبیّ بن کعب((5))، أو سبعة من الصحابة((6))، أو أربعة عشر منهم((7))، أو أکثر من هذا العدد أو أقل.

والمفسّرون ذکروا فی شأن نزولها عدّة أقوال:

منها ما رواه السدّی: أنّ رجلاً من النصاری کان بالمدینة إذا سمع المؤذن یقول: «أشهد أنّ محمداً رسول الله» یقول: «أحرق الکاذب»، فدخلت خادمته بنار ذات لیلة [لتضیء له الطریق] فتطایرت منها شرارة فی البیت فاحترق البیت واحترق هو وأهله.

وقیل: کان منادی رسول الله صلی الله علیه و آله ینادی للصلاة وقام المسلمون إلیها، فقالت الیهود: قاموا لا قاموا، صلَّوا لا صلّوا! علی طریق الاستهزاء، فنزلت الآیة.


1- المائدة: 58.
2- وهذا هو المشهور عند أهل السنّة والجماعة، وفیه أخبار کثیرة!
3- سنن أبی داود 1 : 134 / ح 498 کتاب الصلاة باب بدء الأذان، السنن الکبری 1 : 390 /1704.
4- مجمع الزوائد 1 : 329 کتاب الصلاة باب بدء الأذان، جامع المسانید 1 : 299، تفسیر القرطبی 6 : 225 - المائدة الآیة 58، شرح الزرقانی علی الموطّأ 1 : 198 عن المعجم الأوسط للطبرانی.
5- الکافی 3: 482 /1، علل الشرائع: 312 /1، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 122 - فی معرض الردّ علیه وتکذیبه.
6- المبسوط للسرخسی 1 : 128 کتاب الصلاة باب بدء الأذان.
7- السیرة الحلبیة 2 : 300 باب بدء الأذان ومشروعیته، وشرح الزرقانی علی موطأ مالک 1 : 36 عن شرح التنبیه، وشرح المعین لشرح قرّة العین - المطبوع فی هامش حاشیة إغاثة الطالبین 1 : 330.

ص:10

وقیل: کان المنافقون یتضاحکون عند القیام إلی الصلاة تنفیراً للناس عنها.

وقیل: قالوا: یا محمّد، قد أبدعت شیئاً لم یُسمَع فیما مضی، فإن کنت نبیّاً فقد خالفت فیما أحدثت جمیع الأنبیاء، فمن أین لک صیاح کصیاح العَیْر؟! فأنزل الله هذه الآیة((1)).

والأهم من کلّ ذلک((2)) هو ما رواه النسائی (ت 303 ه-) ((3)) وابن ماجة (ت 275 ه-) ((4)) بسندهما عن ابن جریج عن عثمان بن السائب عن أبیه، عن أُم عبد الملک بن أبی محذورة، عن أبی محذورة والنصّ للأوّل:

لمّا خرج رسول الله من حنین خرجت عاشر عشرة من أهل مکة نطلبهم فسمعناهم یؤذّنون بالصلاة فقمنا نؤذّن نستهزئ بهم، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : قد سمعت من هؤلاء تأذین إنسان حسن الصوت فأرسل إلینا ....

وقد جاء هذا الخبر فی مسند أحمد (ت 241 ه-): حدّثنا روح بن عبادة، حدّثنا ابن جریج، أخبرنا عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة:

أنّ عبد الله بن محیریز أخبره - وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة((5)) - قال: قلت لأبی محذورة: یا عم، إنّی خارج إلی الشام وأخشی أن أسأل عن


1- انظر البحر المحیط 3: 526- تفسیر سورة المائدة، الآیة 58.
2- لأنّه یرتبط ببحثنا.
3- سنن النسائی 1: 498 /1597، کتاب الأذان، باب الأذان فی الفجر.
4- سنن ابن ماجة 1 : 234 /708، کتاب الأذان والسنّة فیها، باب بدء الأذان.
5- واسم أبی محذورة هو: سَمُرة بن معیر بن لوذان، وقیل أوس بن معیر، وقیل سبرة بن معیر، مشاهیر علماء الأمصار: 31 /160.

ص:11

تأذینک، فأخبرَنی: أنّ أبا محذورة قال له: نعم، خرجتُ فی نفر وکنّا فی بعض طریق حُنین، فقفل رسول الله صلی الله علیه و آله من حنین، فلقینا رسول الله ببعض الطریق، فأذّن مؤذّن رسول الله بالصلاة عند رسول الله، فسمعنا صوت المؤذّن ونحن متنکّبون، فصرخنا نحکیه ونستهزئ به، فسمع رسول الله صلی الله علیه و آله فأرسل إلینا إلی أن وقفنا بین یدیه، فقال رسول الله: أیّکم الذی سمعتُ صوته قد ارتفع؟ فأشار القوم کلّهم إلیَّ وصدقوا، فأرسل کلّهم وحبسنی رسول الله، فألقی علیَّ رسول الله التأذین هو بنفسه، قال: قل: اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، حیّ علی الفلاح، اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، لا إله إلّا الله.

ثمّ دعانی حین قضیتُ التأذین فأعطانی صرّة فیها شیء من فضّة، ثمّ وضع یده علی ناصیة أبی محذورة ... ثمّ قال رسول الله: «بارکَ الله فیک وبارک علیک»، فقلت: یا رسول الله، مرنی بالتأذین بمکّة، فقال: قد أمرتک به ... ((1)).

نعم، إنّ الیهود والنصاری ومشرکی العرب کانوا من الذین یستهزئون بالرسول والرسالة، وإنّ أبا محذورة کان من أولئک المستهزئین برسول الله ومن


1- مسند أحمد 3 : 209 / ح 15417، تفسیر القرآن العظیم لابن کثیر 2 : 74 - سورة المائدة: الآیة 58 والمتن منه.

ص:12

المؤلفة قلوبهم الذین احتضنهم رسول الله، وقد عرف عن رسول الله أنّه قسّم غنائم حنین علی أعدائه ومحاربیه وکانت حصّة أبی محذورة من تلک الغنائم صرّة فضّة، وأنّ هذه الأخلاق السامیة لرسول الله شملت کلّ من اعتصم بالشهادتین من مؤمن أو منافق من الطلقاء وغیرهم.

وهذا الرجل هو الذی نُسبت إلیه أخبار التثویب والترجیع فی الأذان. وأنّه کان أحدَ الثلاثة الذین أخبرهم النبیّ بأنّ آخرهم موتاً هو فی النار((1)). وهو الذی قال فیه الکاسانی فی (بدائع الصنائع):

بأنّه کان حدیث العهد بالإسلام...، فلمّا بلغ إلی الشهادتین خفض بهما صوته!! قالوا: إنّما فعل ذلک مخافة الکفّار، وبعضهم قالوا: بأنّه کان جهوریّ الصوت وکان فی الجاهلیة یجهر بسبّ رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلمّا بلغ الشهادتین استحیی فخفض بهما صوته، فدعاه رسول الله وعرک أذنه، وقال: ارجع وقل: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهدُ أنّ محمّداً رسول الله، ومُدّ بهما صوتَک غیظاً للکفار ... ((2))، وهو ما یصطلح علیه الیوم فی الأذان بالترجیع، وقد نبحثه لاحقاً مع التثویب.

ویضاف إلیه: أنّ الصحابة کانوا یفسّرون النصوص ویشرّعون الأحکام طبقاً لقناعاتهم وفهمهم للملاکات، ومن هنا سری التحریف فی جسد الشریعة تحت مظلّة الرأی والاجتهاد والمصلحة، وموافقات الوحی لفلانٍ وفلان، لأنّه یعرف ملاکات الأحکام وروح التشریع!

ومن هذا المنطلق ذهبوا إلی أنّ تشریع الأذان کان بمنام، ومثله قولهم: إنّ بلالاً


1- تهذیب الکمال 34 : 257.
2- بدائع الصنائع 1 : 148.

ص:13

الحبشیَّ رأی النبی نائماً، فقال: الصلاة خیر من النوم، والنبی أقرّ ذلک فی الأذان! وأمثال هذه الأُمور کثیرة فی الفقه والحدیث.

ونحن قد أشرنا سابقاً إلی جملة من تلک الاجتهادات الباطلة فی دراستنا حول کیفیة «وضوء النبی صلی الله علیه و آله »، وکیف یرید الناس بعقولهم الناقصة وآرائهم الباطلة ومقاییسهم الفاسدة أن یفهموا ملاکات الأحکام ویتعرّفوا علی المصلحة مع وجود النصّ، ومن هنا جاء تأکید أئمّة أهل البیت علیهم السلام علی عدم جواز الإفتاء بالرأی وبالقیاس، مع وجود النصّ.

فقال الإمام الباقر علیه السلام لجابر: یا جابر، لو کنّا نُفتی الناس برأینا وهَو انا لکنّا من الهالکین، ولکنّا نُفتیهم بآثارٍ من رسول الله صلی الله علیه و آله وأُصول [عِلمٍ عندنا]، نتوارثها کابراً عن کابر، نَکْنِزُها کما یکنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم((1)).

وسأل رجلٌ الصادقَ عن مسألةٍ فأجابه فیها، فقال الرجل: أرأیت إن کان کذا وکذا، ما یکون القول فیها؟

فقال له: مَه! ما أجبتک فیه شیء فهو عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، لسنا مِن (أرأیت) فی شیء((2)).

وعن سعید الأعرج قال: قلت لأبی عبد الله (الصادق) علیه السلام : إنّ مَن عندنا ممّن یتفقّه یقولون: یَرِدُ علینا ما لا نعرفه فی کتاب الله ولا فی السنّة، نقول فیها برأینا؟

فقال أبو عبد الله علیه السلام : کذبوا! لیس شیء إلّا قد جاء فی الکتاب وجاءت فیه


1- بصائر الدرجات للصفّار: 320.
2- الکافی 1 : 58 - باب البدع والرأی والمقاییس/ح 21.

ص:14

السنّة((1)).

وفی خبر آخر عن الباقر علیه السلام : إنّ الله علّم نبیّه التنزیل والتأویل، فعلّمه رسول الله صلی الله علیه و آله علیّاً علیه السلام ، وعلّمنا والله ...((2)).

وروی ابن حزم الظاهریُّ (ت 456 ه-) بسنده عن ابن شبرمة أنّ جعفر بن محمّد بن علی بن الحسین الصادق علیهم السلام قال لأبی حنیفة: «اتّقِ الله ولا تَقس؛ فإنّا نقف غداً نحن ومَن خالَفَنا بین یدی الله، فنقول: قال رسول الله صلی الله علیه و آله ، قال الله تبارک وتعالی...، وتقول أنت وأصحابک: سمعنا ورأینا! فیفعل الله بنا وبکم ما یشاء»((3)).

وجاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله : إیّاکم وأصحابَ الرأی، فإنّهم أعیَتْهُم السنن أن یحفظوها فقالوا بالحلال والحرام برأیهم، فأحلّوا ما حرّم الله وحرّموا ما أحلّه الله فَضَلّوا وأضلّوا!((4))

وعن الإمام علی علیه السلام أنّه قال: یا معشرَ شیعتنا: المنتحلین مودّتنا! إیّاکم وأصحابَ الرأی فإنّهم أعداء السنن، تفلّتَت منهم الأحادیث أن یحفظوها، وأعیتهم السنّة أن یعوها - إلی أن یقول -: فسُئلوا عمّا لا یعلمون، فأَنِفوا أن یعترفوا بأنّهم لا یعلمون، فعارضوا الدین بآرائهم، فَضَلّوا وأضلّوا!((5))


1- بصائر الدرجات: 321 - 322، الباب 15 /ح 2، الاختصاص للمفید: 281، أوائل المقالات للمفید: 230، مستدرک وسائل الشیعة 17 : 258 /ح 21279.
2- الکافی 7 : 442 - باب ما لا یلزم من الأیمان والنذور /ح 15، وسائل الشیعة 23 : 224 /ح 29426.
3- الإحکام لابن حزم 8 : 513 - الباب 38، فصل فی إبطال القیاس.
4- عوالی اللآلی 4 : 65 /21، مستدرک وسائل الشیعة 17 : 256 /ح 21272.
5- مستدرک وسائل الشیعة 17 : 309 /ح 21429.

ص:15

وعن حبیب قال: قال لنا أبو عبد الله علیه السلام : ما أحد أحبّ إلیَّ منکم، إنّ الناس سلکوا سبلاً شتّی، منهم من أخذ بِهواه، ومنهم من أخذ برأیه، وإنّکم أخذتم بأمرٍ له أصل((1)).

وأنّک ستقف فی هذه الدراسة علی أنّ الأمر کان أبعد من ذلک وأشدّ، إذ یخترعون أموراً من عند أنفسهم ویصوّرونها حیث قناعاتُهم وأهواؤهم فی حین لیس لتلک الأُمور أصل فی الشریعة.

وهو ممّا أوجد فی الشریعة منهجین:

أحدهما یتعبّد بالنصوص النبویة.

والآخر یشرّع الرأی ویتعرّف علی المصلحة.

وإنّی فی الفصل الأوّل من هذا الکتاب سأُثبت بأنّ «الصلاة خیر من النوم» لم تکن روایةً نبویة حسبما یدّعونه، بل هی رأی شُرِّع فی الأذان متأخّراً، وإن کنت لا أستبعد النداء به کجملة مفردة فی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله لا علی نحو التشریع قبل الفجر؛ لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین، لکنّهم أدرجوها لاحقاً بعد رسول الله صلی الله علیه و آله فی أذان الفجر علی أنّها من الشرع والدین، وهذا من البدعة فی الدین، وقد أشار الشیخ ناصر الدین الألبانی إلی أنّ التثویب یشرّع فی الأذان الأوّل للصبح الذی یکون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقریباً ... إلی أن یقول:

قلت: وإنّما أطلت الکلام فی هذه المسألة لجریان العمل من أکثر المؤذّنین فی البلاد الإسلامیة علی خلاف السنّة فیها أوّلاً، ولقلّة من


1- المحاسن: 156، باب الأهواء /ح 87، الکافی 8 : 146/ح 121.

ص:16

صرّح بها من المؤلّفین ثانیاً، فإنّ جمهورهم - ومن ورائهم السیّد سابق - یقتصرون علی إجمال القول فیها ولا یبیّنون أنّه فی الأذان الأوّل من الفجر کما جاء ذلک صراحة فی الأحادیث الصحیحة خلافاً للبیان المتقدّم من ابن رسلان والصنعانی جزاهما الله خیراً.

وممّا سبق یتبیّن أنّ جعل التثویب فی الأذان الثانی بدعة مخالفة للسنّة، وتزداد المخالفة حین یعرضون عن الأذان الأوّل بالکلّیة ویصرّون علی التثویب فی الثانی، فما أحراهم بقوله تعالیٰ: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَدْنَی بِالَّذِی هُوَ خَیْرٌ} ((1)).

فمسألة التعبّد بکلام الله ورسوله، وفی المقابل اجتهادهم قبال النصِّ کانا جاریین عند بعض الصحابة والتابعین وفقهاء الجمهور علی تفاوتٍ بینهم، وکذا مجیؤُهم بالتأویلات البعیدة دعماً للخلفاء کان جاریاً ولا زال قائماً إلی الیوم.

وقد یکون فی الآیات التی سبقت آیة: {وَإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَی الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً} إشارة إلی لزوم التعبّد بقول من ولّاه الله علینا من رسول ووصی وعدم تحکیم الرأی فی الشریعة، وهو المصرَّح به فی حدیث الثقلین الآمر بالتمسّک بالکتاب والعترة، لأنّ تولّی هؤلاء یجعلهم فی حزب الله الذین هُمُ الغالبون، فقال سبحانه: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ * وَمَنْ یَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِینَ اتَّخَذُوا دِینَکُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِینَ


1- تمام المنّة فی التعلیق علی فقه السنة 1 : 147 - 148.

ص:17

أُوتُوا الْکِتَابَ مِنْ قَبْلِکُمْ وَالْکُفَّارَ أَوْلِیَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ * وَإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَی الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ یَعْقِلُونَ}((1)).

والولی فی اللغة له معنیان مشهوران: أحدهما بمعنی المحبّ والناصر، والآخر بمعنی المتصرّف والأَولی بالأنفس، ولا یمکن فهم المراد وترجیح أحد المعنیین علی الآخر إلّا بقرینة أو دلیل.

وکلمة «إنّما» هی للحصر ومعناها: إنّما خصوص المتصرّف فیکم - أیّها المؤمنون - هو الله ورسول الله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانیة، وهذا ما لم نجده إلّا فی حقّ الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام ، فالآیة مخصوصة به ودالّة علی ولایته وهذا من قبیل العام الذی یراد به الخاص کما هو مقرّر فی علم الأُصول.

فقد رُوی عن أبی ذرّ رضی الله عنه أنّه قال: صلّیت مع رسول الله صلی الله علیه و آله یوماً صلاة الظهر، فسأل سائل فی المسجد فلم یعطه أحد، فرفع السائل یده إلی السماء، فقال: اللّهمّ اشهد أنّی سألت فی مسجد الرسول فما أعطانی أحد شیئاً! وعلی کان راکعاً فأومأ إلیه بخنصره الیمنی، وکان فیها خاتم، فأقبل السائل حتّی أخذ الخاتم بمرأی النبی صلی الله علیه و آله ، فقال: اللّهمّ إنّ أخی موسی سألک فقال: {رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِی...} إلی قوله {وَأَشْرِکْهُ فِی أَمْرِی}((2))، فأنزلتَ قرآناً ناطقاً: {سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِیکَ وَنَجْعَلُ لَکُمَا سُلْطَاناً}، اللّهم وأنا محمّد نبیّک وصفیّک، فاشرح لی صدری، ویسّر لی أمری، واجعل لی وزیراً من أهلی علیاً اشدُدْ به ظهری.


1- المائدة: 55 - 58.
2- طه: 25 - 32.

ص:18

قال أبوذر: فواللهِ ما أتمّ رسول الله هذه الکلمة حتّی نزل جبرئیل فقال: یا محمّد إقرأ: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ} ((1))، کما رُوی هذا المعنی عن عمّار وابن عبّاس وعلی و... ((2)).

وعن عبد الله بن سلام أنّه قال: لمّا نزلت هذه الآیة قلت: یا رسول الله، أنا رأیت علیّاً تصدّق بخاتمه علی محتاج وهو راکع، فنحن نتولّاه، {وَمَنْ یَتَوَلَّ اللهَ


1- التفسیر الکبیر للفخر الرازی 12: 23، سورة المائدة: 55، تفسیر الثعلبی 4: 81، المناقب لابن مردویه: 293 /ح 460، أنساب الأشراف، للبلاذری 2 : 150، تفسیر السمعانی 2: 48، المعجم الأوسط 6: 218 /6232، أسباب النزول، للواحدی: 133، الدرّ المنثور 3: 105، مجمع الزوائد 7: 17، تخریج الأحادیث والآثار 1: 410، جامع الأُصول 9: 478.
2- أتی الأستاذ أمین بن صالح هران الحدّاء فی «فتح ذی الجلال فی نُبذٍ من فضائل الآل: 114» بأهمّ ما ورد من روایات فی أنّ الآیة نزلت فی علی علیه السلام ، کالتالی: حدیث ابن عباس، وقد جاء من طرق: طریق مجاهد: رواه عبد الرزاق - کما ذکر ابن کثیر فی تفسیره 2: 72 - وابن المغازلی: 310 /الرقم (354). طریق الضحّاک: رواه ابن مردویه کما ذکر ابن کثیر فی تفسیره 2: 72، والسیوطی فی الدرّ 3: 104. طریق أبی صالح: رواه ابن مردویه - کما ذکر ابن کثیر فی تفسیره 2: 72، وابن المغازلی: 313 /الرقم 357. طریق أبی عیسی: رواه ابن المغازلی: 312 /الرقم 356. حدیث عمّار: رواه الطبرانی فی الأوسط 6 : 218 /الرقم 6232. حدیث أبی رافع: رواه الطبرانی وابن مردویه کما فی الدرّ المنثور 3 : 105. حدیث علی: رواه أبو الشیخ وابن مردویه کما فی الدرّ المنثور 3 : 106، ورواه ابن المغازلی فی المناقب: 312 /الرقم 355. حدیث أبی ذر: وعزاه ابن حجر فی الکاف الشاف المطبوع بهامش الکشّاف 1 : 649 إلی الثعلبی فی تفسیره 4: 81.

ص:19

وَرَسُولَهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} ... ((1)).

وفی تفسیر الطبری عن غالب بن عبد الله قال: سمعت مجاهداً یقول فی قوله تعالی: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ...} الآیة، قال: نزلت فی علی بن أبی طالب تصدّق وهو راکع((2)).

وقیل: إنّ النبی صلی الله علیه و آله خرج إلی باب المسجد فإذا بمسکین قد خرج من المسجد وهو یحمد الله عزّ وجلّ، فدعاه النبی صلی الله علیه و آله فقال: هل أعطاک أحد شیئاً؟

فقال: نعم یا نبیّ الله.

قال: مَن أعطاک؟

قال: الرجل القائم أعطانی خاتمه - یعنی علیّ بن أبی طالب رضوان الله تعالی علیه - .

فقال النبیّ صلی الله علیه و آله : علی أیّ حال أعطاکَه؟

قال: أعطانی وهو راکع. فکبّر النبیّ وقال: الحمدُ لله الذی خصَّ علیّاً بهذه الکرامة، فأنزل الله عزّ وجل: {...وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ * وَمَنْ یَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا} یعنی علی بن أبی طالب رضی الله عنه {فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} یعنی شیعة الله ورسوله والذین آمنوا هم الغالبون... ((3)).

قال الزمخشری فی قوله: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ ... وَهُمْ رَاکِعُونَ}: وقیل: هو حال من یؤتون الزکاة بمعنی یؤتونها فی حال رکوعهم فی الصلاة، وأنّها نزلت فی علی


1- التفسیر الکبیر 12: 23، مراح لبید 1 : 278.
2- تفسیر الطبری 6 : 289، تفسیر ابن کثیر 2: 72.
3- تفسیر مقاتل 1 : 307.

ص:20

کرّم الله وجهه حین سأله سائل وهو راکع فی صلاته فطرح له خاتمه کأنّه کان مرجأ فی خنصره، فلم یتکلّف لخلعه کثیرَ عمل تفسد بمِثله صلاتُه.

فإن قلت: کیف صحّ أن یکون لعلی رضی الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟

قلت: جیء به علی لفظ الجمع وإن کان السبب فیه رجلاً واحداً لیرغب الناس فی مثل فعله فینالوا مثل ثوابه، ولینبّه علی أنّ سجیة المؤمنین یجب أن تکون علی هذه الغایة من الحرص علی البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء، حتّی إن لزمهم أمر لا یقبل التأخیر وهم فی الصلاة لم یؤخّروه إلی الفراغ منها ((1)).

ولما نزلت الآیة أنشأ حسّان بن ثابت یقول:

أبا

حسن تَفدیک نفسی ومهجتی

وکلُّ

بطیء فی الهدی ومُسارِعِ

أیذهب

مدحیک المحبَّرُ ضائعاً

وما

المدح فی جنب الإله بضائعِ

فأنت

الذی أعطیتَ إذ کنت راکعاً

زکاةً

فدتک النفس یا خیرَ راکعِ

فأنزَلَ

فیک اللهُ خیرَ ولایةٍ

وأثبتها

أثنا کتاب الشرائعِ((2))

إذن هذه الآیة لها دلالة علی الإمامة الإلهیّة، وأنّها لله ولرسوله وللرجل الأکمل من المؤمنین أعنی علیّ بن أبی طالب علیه السلام مع أنّها أُوّلت وفُسّرت بتفسیرات بعیدة کالقول بأنّ «الرکوع» یعنی الخشوع والتذلّل، أو أنّ «الولیّ» تعنی الناصر والمحبّ.

فالله حینما خاطب المؤمنین - ولیس المنافقین والمنحرفین - بقوله: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ ...} دخل فی الخطاب النبیُّ وغیره، ثمّ قال: {وَرَسُولُهُ}، فأخرج نبیّه صلی الله علیه و آله من


1- الکشاف 1 : 681 - 683.
2- روح المعانی 6 : 167 - سورة المائدة تفسیر الآیة 55.

ص:21

ذلک العموم، ثمّ خصَّ الإمام علیّاً علیه السلام بصیغة الجمع تعظیماً له فی قوله: {وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ}، إذ لا یُعقَل أن یکون المقصود من الخطاب جمیع المؤمنین الذین یعطون الزکاة((1)).

کما لا یصحّ ما قالوه بأنّ الرکوع بمعنی الخشوع والتذلّل وما شابه ذلک، إذ لا معنی حین ذاک لجعل ولایته قسیماً لولایة الله وولایة رسوله، إذ هی ستکون لجیمع المسلمین.

فالولایة جاءت فی سیاق واحد وهی ولایتان الأولی وهی بالأصالة والحقیقة، والأُخْرَیان بالتبع، فلا یمکن أخذ أحد المعنیین بمعنی التصرّف والأولویة وأخذ المعنی الآخر بمعنی المحبّة، إذ یلزم منه استعمال اللفظ فی أکثر من معنی وهو غیر جائز عند بعض الأصولیین، وقد یکون لعدم وجود القرینة الصارفة عن ظاهر معنی الولایة الثابتة لله وللرسول فی الآیة، فحفظاً لسیاق الکلام ووحدته یحمل معنی الولایة هنا علی ما حُمل علیه فی الموردین السابقین وما قد یدّعی من القرینة لا یصلح للصارفیة فالأصل بقاء المعنی علی ما کان علیه.

بلی، إنّ الخلفاء وأتباعهم قد استخفّوا بالأذان - وغیره من الأحکام الشرعیّة - واعتبروا تشریعه کان عن منامٍ رآه أحدهم! فی حین أنّ الإمام الحسین علیه السلام قال عنه أنّه وجه الدین((2)). بل تجاوزوا حدود ذلک إلی القول بأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله نام عن صلاة


1- للشیخ الکفعمی فی حاشیة مصباحه بیان لطیف فی الآیة یبیّن فیه کیفیة التخصص بعد التخصیص لعمومات الآیة حتّی ینحصر الأمر فی علی علیه السلام ، فراجع.
2- دعائم الإسلام 1: 142 للقاضی نعمان وفیه: «الوحی یتنزل علی نبیّکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زید والأذان وجه دینکم».

ص:22

الفجر حتی أیقظه بلال، أو أنّه أُسری بروحه إلی السماء لا بجسمه((1))، إلی غیر ذلک من الأفکار المسیئة إلی رسول الله صلی الله علیه و آله .

ففکرة الرؤیا ظهرت فی عهد الصحابة، ثمّ تطوّرت فی عهد معاویة، وأوّل ما یطالعنا فی هذا الأمر هو کلام البَهیّ بن سفیان بن اللیل للإمام الحسن المجتبی علیه السلام بعد صلحه مع معاویة. قال البهیّ بن سفیان: فتذاکرنا عنده الأذان، فقال بعضنا: إنّما کان بدء الأذان رؤیا عبد الله بن زید، فقال له الحسن بن علی: إنّ شأن الأذان أعظم من ذلک، أَذَّنَ جبرئیل...((2)).

وقریب منه جاء عن الإمام الحسین علیه السلام وأنّه سُئل عمّا یقول الناس، فقال: الوحی ینزل علی نبیّکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زید ؟!!((3))

وعن أبی العلاء قال: قلت لمحمّد بن الحنفیّة: إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه.

قال: ففزع لذلک محمّد بن الحنفیة فزعاً شدیداً وقال: عمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم، فزعمتم أنّه کان رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه تحتمل الصدق والکذب وقد تکون أضغاث أحلام؟!((4))


1- وهذا ما جاء فی کلام عائشة ومعاویة، ففی الدر المنثور 4: 157 وتفسیر القرطبی 15: 13 أنّ عائشة کانت تقول ما فقد جسدُ رسول الله ولکن الله أسری بروحه، وانظر: تفسیر القرطبی 10: 209 سورة الإسراء الآیة 1 وما قیل فی معاویة أنظره فی المحرر الوجیز 3: 435، وتفسیر الثعالبی 2: 248.
2- نصب الرایة 1 : 261، عن: المستدرک علی الصحیحین للحاکم 3 : 187 /ح 4798.
3- الجعفریات: 42، مستدرک الوسائل 4 : 17 /4061.
4- السیرة الحلبیة 2 : 300، أمالی أحمد بن عیسی بن زید 1 : 9، الاعتصام بحبل الله 1 : 277.

ص:23

إذن، تذاکر المسلمین فی أمر الأذان کان مُثاراً بعد صلح الإمام الحسن علیه السلام وفی زمن معاویة - علی وجه الخصوص - الذی کان حساساً إلی درجة لا یمکنه أن یسمع اقتران اسم النبیّ محمّد باسم ربّ العالمین((1)).

بلی، إنّ معاویة وعائشة هما اللذان شکّکا بالمعراج الجسمانی، فقالت عائشة: ما فقدتُ جسد رسول الله ولکنّ الله أسری بروحه!((2))

وقال معاویة: کانت رؤیا صادقة!((3))

فلا عجَبَ بعد هذا من: القول بوجود تحریفات من قبل الأمویّین فی الأذان وفی غیره، والقول بحذف عمر للحیعلة الثالثة ووضعه «الصلاة خیر من النوم»، أو القول بإفراد الإقامة أو تثنیتها لحاجة لهم، أو إحداث معاویة وبعده المغیرة بن شعبة دعوةَ المؤذّن للخلیفة بقوله: السلام علی أمیر المؤمنین، الصلاة الصلاة یرحمک الله((4)). وما شابه ذلک من البدع والتحریفات!

وممّا یؤکّد ما قلناه هو استمرار نهج الخلافة وحتّی العصور المتأخّرة بالسلام علی الأُمراء بعد الأذان أو دعوتهم إلی الصلاة، وهو مشعرٌ بأنّهم یریدون استغلال هذه الشعیرة للدلالة علی شرعیة خلافتهم وأنّهم هم الأَولیٰ من غیرهم بهذا المقام!

وقد جئنا فی کتابنا الأوّل من هذه الدراسة «حیَّ علی خیر العمل: الشرعیة والشعاریة» بکلام الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام وإشارتهم إلی التحریفات الواقعة


1- الأخبار الموفقیات: 576، مروج الذهب: 4 : 41، النصائح الکافیة: 123، شرح نهج البلاغة 5 : 130.
2- الدرّ المنثور 5: 227.
3- الدرّ المنثور 5: 227.
4- الوسائل إلی معرفة الأوائل: 26.

ص:24

فی الأذان قبل عهدهم وسؤالهم عمّا تقول العامّة فیه.

مؤکّدین فیه بأنّ فی الأذان ارتباطاً واضحاً بین الشهادات الثلاث والحیعلات الثلاث.

فالشهادتان الأُولَیان صریحتان واضحتان لا غبار علیهما، أمّا الشهادة الثالثة فهی لیست بصریحة وتأتی کنائیة من خلال جملة «حیّ علی خیر العمل».

إذن النهج الحاکم کان علی تصادم مع أهل البیت علیهم السلام ، فلا یعجبهم وجود التلمیح إلی الولایة من خلال الحیعلة، إذ إنّ التلمیح موجود فی القرآن وهو من أنواع البدیع:

«ومنه قوله تعالی: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِیِّینَ عَلَی بَعْضٍ وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} قال جار الله الزمخشری: قوله: {وَآتَیْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} فیه دلالة علی تفضیل محمّد صلی الله علیه و آله وهو خاتم الأنبیاء، وأنّ أُمّته خیر الأُمم، لأنّ ذلک مکتوب فی الزبور، قال تعالی: {وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أَنَّ الْأَرْضَ یَرِثُهَا عِبَادِیَ الصَّالِحُونَ} قال: وهو محمّد صلی الله علیه و آله وأُمّته»((1)).

فهنا قد یکون الله سبحانه وتعالی قد ألمح لعباده بأنّ الصلاة له لا لغیره، وأنّ الفلاح الذی قامت به الصلاة هو اتّباع رسول الله محمّد صلی الله علیه و آله ، لا الاجتهاد مقابل النصّ، وأنّ خیر العمل هو الإیمان بالإمامة والولایة لعلی علیه السلام التی هی امتداد للنبوّة


1- أنوار الربیع 4 : 266. ومن هذا الباب تلمیح أبی العلاء المعرّی للشریف المرتضی بقصیدة المتنبی: لکِ یا منازلُ فی القلوب منازلُ. انظر: أنوار الربیع 4 : 292 - 293. هذا وقد أخذ الطیبی والزمخشری هذا عن تفسیر النسفی 2 : 290 - سورة الإسراء. وانظر: کتابنا حیّ علی خیر العمل «دعوة إلی الولایة وبیان لأسباب حذفها».

ص:25

والتوحید، وبها قِوام العبادات التی عمودها الصلاة.

فالنهج الحاکم کان لا یرتضی وجود هکذا تلمیحات فی القرآن الکریم والسُّنّة المطهّرة إلی أهل البیت علیهم السلام ، وقد صرّح ابن الزبیر بأنّه قطع الصلاةَ علی النبیّ صلی الله علیه و آله فی أربعین جمعة معللاً ذلک بقوله: لا یمنعنی أن أُصلّی علیه إلّا أن تشمخ رجال بآنافها! ویعنی بکلامه أهلَ بیت رسول الله((1)) حسب دعواه.

بلی، إنّهم ادّعوا أنّ الحیعلة الثالثة قد نُسخت من الأذان مع إقرارهم بثبوتها، ولم یأتوا بدلیل علی قولهم إلّا ما حکوه عن بلال والذی أجبنا علیه وفنّدنا ادّعاءهم ذلک((2)).

فالحیعلة الثالثة هی کانت علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ثمّ من بعده، وهی شرعیة، حسبما وضّحناه سابقاً، وفی المقابل نجد أنّ التثویب مشکوک فیه عندهم حسبما ستقف علیه فی هذه الدراسة، والتشکیک جاء علی لسان ابن رشد المالکی، وهل أنّه شُرّع من قِبل رسول الله أو من قِبل عمر بن الخطاب؟!

وهل أنّ مکانه هو فی فصول الأذان أم بعده قبل الإقامة؟ وهل أنّه فی أذان الفجر أم فی أذان اللیل قبل الفجر لإیقاظ النائمین؟ وهل أنّه یشمل أذان الفجر وأذان غیره من الأوقات، أم یختصّ بالصبح فقط؟

مع تأکیدنا علی أنّ أمر التثویب یختلف عن أمر الشهادة الثالثة، فعمر بن الخطّاب حینما أمر المؤذّن أن یضع «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان((3)) کان یعنی بعمله


1- مروج الذهب 3 : 79 - 80، شرح نهج البلاغة 4 : 62.
2- فی کتابنا «حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة».
3- انظر الموطّأ لمالک : 72 / ح 154.

ص:26

التشریعَ فی الدین وإدخاله کجزءٍ فیه، لقوله: «إجعلها فی الأذان»، وهذا الجعل من قِبل عمر یُفهَم منه أمران: الأوّل - أنّه تشریع جعلیّ من عند نفسه، والثانی - أنّه لم یکن موجوداً فی أذان المسلمین قبل ذلک التاریخ وهو الذی دعا ابن رشد المالکی إلی أن یشکّ فی کون «الصلاة خیر من النوم» سنّة أم رأی، لقوله فی «بدایة المجتهد»:

وسبب اختلافهم: هل ذلک قیل فی زمان النبی، أو إنّما قیل فی زمان عمر؟!((1))

بخلاف الإمامیة، فإنّهم حینما یأتون بالشهادة الثالثة یؤکّدون علی عدم جواز الإتیان بها علی نحو الجزئیة، لأنّهم یغیّرون صیغها من بلد إلی آخر، فالشیعة فی الهند یشهدون بالشهادة الثالثة بشکل یختلف عمّا یشهد به أهل العراق وایران ولبنان.

وهذا دلیل علی عدم إتیانهم بالشهادة الثالثة علی نحو الجزئیة، إذ لو کانوا یأتون بها علی نحو الجزئیة لما اختلفوا فی صیغها، فلا تری أحداً یشهد بأنّ أحمداً رسول الله، بل الجمیع یقول فی أذانه: «أشهد أنّ محمّداً رسول الله» ، وهکذا هو حال قولهم: اللهُ أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله. وهذا یعنی أنّ هذه الجمل هی جزء ماهیة الأذان عند جمیع المسلمین سنّةً وشیعة، ومِثله جملة: «حیّ علی خیر العمل» التی تقال عند الشیعة والتی أثبتنا أنّها کانت سنّةَ رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهی التی ألغاها عمر بن الخطّاب.

فإنّ الشیعة بجمیع طوائفها: إمامیّة، وزیدیة، وإسماعیلیة یأتون بها علی هذه الصیغة لا خلاف بینهم فیها، بخلاف الشهادة الثالثة التی یؤتی بها تارة بعد الشهادة


1- بدایة المجتهد 1 : 77، وانظر أیضاً کلام الألبانی فی: تمام المنّة : 147.

ص:27

بالنبوّة، وأخری بعد «حیّ علی خیر العمل»((1)) مع اختلافهم فی صیغها وطریقة أدائها.

وهذا ما لا نراه عند أهل السنّة والجماعة الذین یأتون بجملة «الصلاة خیر من النوم» ولا یبدلونها بجُمل أخری تُشابهها، وإصرارهم علی الإتیان بتلک الجملة لا غیر یعنی قولَهم واعتقادهم بجزئیّتها، وقد رووا روایات ضعیفة فی مشروعیّتها، ونحن فی هذا الکتاب ناقشناها وأثبتنا بطلانها، بل إنّ علماءهم ومحدّثیهم أکّدوا بأنّها لیست بسنّة نبویّة، سواء قالوا بتشریعها فی عهد أبی بکر أو فی عهد عمر أو فی عهد الأمویّین.

وقد قالوا بأنّها شرّعت للتنبیه والإشعار بدخول الوقت فلو کانت کذلک للزم اختلاف صیغتها عن صیغة الأذان الشرعی للفجر، لا أن تکون هی هی بمفرداتها وفصولها.

هذا وإنّ الکاتب الآنف الذکر صرّح فی کتابیه بأنّه یستخدم الهجوم کأفضل وسیلة للدفاع، فقال: «إنّ ما عِبتُموه علینا فی التثویب یوجد مِثله أو نظیره لدیکم فی الشهادة الثالثة، فما قولکم هناک فهو قولنا هنا».

إنّ علماء وشعراء وکتّاب الجمهور بطریقتهم هذه کانوا ولا زالوا یریدون أن یشغلونا بشبهات کنّا قد أجبنا عنها، ولو أراد السائل أن یقف علی جواب سؤاله فعلیه الرجوع إلی ما کتبناه حول الشهادة الثالثة، أو لینظر إلی ذلک الکتاب وهذا الموجود بین یدیک، لکی یقف علی الوجه الفارق بینهما.


1- مرّت علیک النصوص سابقاً فی کتابنا «حیّ علی خیر العمل الشرعیّة والشعاریّة».

ص:28

فهم یقولون بهذه الأقوال لکی یشغلونا بأُمورٍ جانبیّة تارکین الجواب عن أخطائهم وزلّاتهم، أی إنّهم یریدون التشویش علی الآخرین والمغالطة للخروج من المأزق الذی هم فیه، فیذرّون الرماد فی العیون.

وهم یعلمون علم الیقین بأنّ بدعیّة «الصلاة خیر من النوم» عندهم کانت قبل قولنا بالشهادة الثالثة من باب المحبوبیة ورجاء المطلوبیة. والکاتب اعترف بذلک فی کتابیه وقال بأنّ الشهادة الثالثة جاءت عند الشیعة متأخّراً !! أی لمّا صفا الجوّ للشیعة سیاسیّاً وارتفعت عنهم التقیّة جاؤوا یأتون بها، فی حین أنّهم یُصرّحون علی منابرهم وفی کتب فقهائهم بأنّها لیست جزءاً من الأذان، بل إنّهم ینادون بتلک الشهادة لرفع افتراءات المفترین علی الشیعة.

فهم یشهدون بالولایة لعلیّ بن أبی طالب لکی یُخطِّئوا ما افتروه علیهم بأنّهم یعتقدون بأُلوهیّة الإمام علی، أو یعتقدون بخیانة الأمین جبرئیل فی نزول الوحی علی النبیّ محمّد صلی الله علیه و آله والعیاذ بالله، وما شابه ذلک من التُّهم القاسیة الموجّهة إلیهم ظلماً وافتراءً.

فالشیعة یجهرون بالشهادة الثالثة دفعاً لکلّ تلک الاتّهامات وتنویهاً لمقام الإمام علی علیه السلام فی الشریعة والإسلام.

وعلیه، فتشریع الأذان سماویّ ولیس بمنامیّ، وهو یحمل بین فقراته معانیَ سامیة وأصولاً سماویة، وتری بین فصوله تصویراً بلاغیّاً رائعاً.

فالمؤذّن بعد أن یشهد لله بالوحدانیة مرّتین تقابل تلک الشهادة الدعوةُ للصلاة إلی ربّه مرّتین «حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الصلاة» مُعْلِماً بأنّ الشهادة لله لا تکون إلّا من خلال عبادته والصلاة إلیه، لأنّ الصلاة لا تؤدّی إلّا لله.

ص:29

ومثله حال الشهادة الثانیة، فالمؤذن بعد إقراره بالوحدانیة لله وللرسول بالرسالة یدعو الناس إلی اتّباع الفلاح ب- «حیّ علی الفلاح» الذی هو رسول الله وما أتی به. والفلاحُ اسم جنس یشمل: الصلاة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وطاعة الله وطاعة رسوله.

بل إنّ کلّ ما أتی به رسول الله هو الفلاح، وفیه الفوز والنجاح، وبذلک یکون معنی الشهادة الثانیة: هلمَّ إلی اتّباع الرسول بعد طاعة الله وعبادته، ویعنی ذلک عدم جواز الاجتهاد مقابل النصّ.

أمّا الشهادة الثالثة فهی - مع کونها أصلاً إیمانیّاً واعتقادیّاً - یجب الاعتقاد بها لکنّها لیست بواجبة فی الأذان، فهی موجودة فیه کنائیّاً من خلال جملة «حیَّ علی خیر العمل».

ولأجل ذلک تری ارتباطاً وثیقاً بین القول بإمامة أمیر المؤمنین علی علیه السلام والقول بشرعیة الحیعلة الثالثة، وبین رفضهم إمامة أمیر المؤمنین وقولهم بحذف الحیعلة الثالثة، بل هناک ترابط بین حذف الحیعلة الثالثة ووضع «الصلاة خیر من النوم».

فالذی یقول بشرعیة «الصلاة خیر من النوم» لا یرتضی القول بالحیعلة الثالثة والعکس بالعکس، وهذا ما وضّحناه بالأدلّة الواضحة فی کتابنا «حیَّ علی خیر العمل»، مؤکّدین أنّ الحکومات الشیعیة جعلت «حیّ علی خیر العمل» الشرعیّة الواردة شعاراً لها، والحکومات السنّیة جعلت «الصلاة خیر من النوم» البِدعیّة - حسبما سیتّضح فی هذا الکتاب - شعاراً لها، فصار هذا الشعار فی طرفیه شعاراً سیاسیّاً بعد أن کانت الحیعلة نصّاً شرعیّاً ودینیّاً علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ثمّ من بعده.

وعلیه، فالمنظومة الإیمانیة فی الأذان مترابطة کمال الارتباط، وبتر أیّ فصلٍ منها

ص:30

یخلّ بهذه المنظومة الإیمانیة، وقد قال سبحانه: {أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ}((1)).

کما قال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ ءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَی}((2))، وقال سبحانه وتعالی: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}((3))، وغیرها الکثیر من الآیات والروایات.

وروی أحمد فی «فضائل الصحابة»((4))، وأبی حاتِم فی «تفسیره»((5))، بإسنادهما عن عِکْرِمة عن ابن عباس قال:

ما فی القرآن آیة: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا} إلّا أنّ علیّاً شریفها وأمیرها وسیّدها، وما من أصحاب محمّد إلّا قد عُوتب فی القرآن إلّا علیَّ بن أبی طالب، فإنّه لم یُعاتَب فی شیء منه.

وروی ابن المغازلی الشافعیّ بسنده عن المنهال بن عمرو عن عبّاد بن عبد الله قال: سمعتُ علیّاً یقول: ما نزلت آیة فی کتاب الله عزّ وجلّ إلّا وقد علمتُ متی نزلت وفیم أُنزلت، وما من قریش رجل إلّا قد نزلت فیه آیة من کتاب الله تسوقه إلی جنّة أو نار. فقام إلیه رجل فقال: یا أمیر المؤمنین، فما نزل فیک؟

فقال: لولا أنّک ما سألتنی علی رؤوس الملأ ما حدّثتک، أما تقرأ {أَفَمَنْ کَانَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَیَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} رسول الله علی بیّنة من ربّه، وأنا الشاهد منه


1- النساء: 59.
2- الأنفال: 41.
3- التوبة: 105.
4- انظر فضائل الصحابة لأحمد: 2 : 654 / 1114، وفیه: لیس من آیة فی القرآن (یا أیها الذین( إلّا وعلی رأسها وأمیرها وشریفها ولقد عاتب الله أصحاب محمّد فی القرآن وما ذکر علیّاً إلّا بخیر.
5- تفسیر ابن أبی حاتم /الرقمان: 1035 و 3889، وفیهما نحو ما سبق.

ص:31

أتلوه وأتْبعه، واللهِ لَأَن تعلموا ما خصّنا الله عزّ وجلّ به أهلَ البیت أحبُّ إلیَّ ممّا علی الأرض من ذَهبةٍ حمراء أو فضّة بیضاء((1)).

وقال الحافظ أبو نعیم الإصفهانی فی «معرفة الصحابة» معدّداً أسماء الإمام، فقال: «... والهادی والواعی والشاهد وباب المدینة وبیضة البلد ...» ((2)).

ومن خلال معرفتنا الکلیّة هذه نعرف أنّ تعظیم الرسالة لا یمکن إلّا بتعظیم الولایة، کما أنّ الغرض من النداء بالشهادة الثانیة لا یتحقّق إلّا بالنداء بالشهادة الثالثة کنائیّاً من خلال «حیّ علی خیر العمل».

وباعتقادی أنّ الآیات الأربعة الآنفة الذکر فی سورة المائدة فیها نحو ارتباط بین الولاء والبراءة، وکذا فیها وصایا للذین آمنوا بأن لا یتّبعوا الذین اتّخذوا دین الله هُزواً.

فإنّ تلک الآیات الأربعة لو جُمعت مع الآیتین 56 و 57 من سورة الأحزاب: {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً * إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً}، مع الآیة 3 من سورة البراءة (التوبة): {وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ یَوْمَ الْحَجِّ الْأَکْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِی ءٌ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَرَسُولُهُ}، وخصوصاً بعد معرفتنا خلفیّات الآیة الأخیرة وأنّها ترتبط بأبی بکر وعلی بن أبی طالب، لَاتّضح لنا سرّ حذف عمر


1- مناقب علیّ بن أبی طالب: 270 - 271 /318، وانظر: الدرّ المنثور 4: 410، شرح نهج البلاغة 2: 287، 6: 138، 7: 220، تفسیر الطبری 12 : 15، کنز العمال 2: 185 /4429، وغیرها.
2- معرفة الصحابة 1: 84 / الرقم 331، وانظر ص 88 /الرقم 347، وفیه: وکان علی رضی الله عنه یسمی بمکة بیضة البلد.

ص:32

ابن الخطّاب فصل الأذان «حیّ علی خیر العمل» ووضعِه «الصلاة خیر من النوم» مکانه، وقولِه للأنصار: یا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أنّ رسول الله أمر أبابکر أن یصلّی بالناس؟

قالوا: بلی.

قال: فأیّکم تطیب نفسه أن یتقدّم أبابکر؟

قالوا: نعوذ بالله أن نتقدّم أبابکر((1)).

أجل، فَعَلُوا کلّ ذلک مضادّةً لنهج الإمام علی، لأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله کان لا یرتضی الصلاة علیه بالصلاة البتراء((2))، بل کان یؤکّد بأن لا یُذکَر إلّا مع أهل بیته، مؤکّداً فی کلامه صلی الله علیه و آله بأنّ من آذی فاطمة فقد آذاه((3))، وقد عرفنا بأنّ فاطمة الزهراء ماتت وهی واجدة علی أبی بکر وعمر((4)). وقد هجرت أبابکر، فلم تزل مهاجرته حتّی تُوفّیت((5)).

وفی «صحیح البخاری» باب غزوة خیبر: فوجدت فاطمة علی أبی بکر فی ذلک، فهجرته فلم تکلّمه حتّی توفّیت((6)).


1- سنن النسائی (المجتبی) 2: 74 / الرقم 777، مسند أحمد 1: 21 /الرقم 133.
2- الصواعق المحرقة 2 : 430، حاشیة الطحاوی علی مراقی الفلاح 1: 8، السنن والمبتدعات: 240، 291، القول البدیع للسخاوی: 35، رشفة الصادی للحضرمی: 29، أرجح المطالب للآمر تسری: 318.
3- انظر سنن البیهقی 10 : 201 /20651، شرح مشکل الآثار 13 : 208 /5212.
4- شرح ابن أبی الحدید 6 : 50.
5- صحیح البخاری 3 : 1126 /2926 باب فرض الخمس.
6- صحیح البخاری 4 : 1549 /3998، ومسلم 3 : 1380 /1759.

ص:33

وفی موضع آخر: فهجرته فاطمة فلم تکلّمه حتّی ماتت((1)).

إذن، فالآیات الآنفة تحمل معها معانی سامیة، خصوصاً الآیة 57 من سورة الأحزاب التی تلت آیة الأمر بالصلاة علی النبیّ صلی الله علیه و آله ، فهی تلعن الذین یؤذون الله ورسوله فی أهله ویستهزئون بدینه ویغیّرون أحکامه رأیاً واستحساناً وما شابه ذلک، وهی ترتبط بما جاء عن الإمام الباقر علیه السلام بأنّ معنی «حی علی خیر العمل» هو «برّ فاطمة وولدها».

فنحن لو أردنا أن ندرس هذه الأُمور مع ما جری علی رسول الله فی الأُسبوع الأخیر من عمره الشریف: بدءاً من بعثه جیش أُسامة، ولعنِه مَن تخلّف عنه، ومروراً برزیّة یوم الخمیس، وأخیراً صلاة أبی بکر مکان رسول الله لرأینا کلّ هذه الأُمور مترابطة فیما بینها، وهی ترتبط أیضاً بنحو وآخر بموضوعنا.

إذ إنّهم أرادوا أن یستفیدوا من صلاة أبی بکر للدلالة علی إمامته، قبالاً لما هو موجود فی إمامة علی ووُلده، فالاستدلال علی إمامة أبی بکر لا یتّفق مع تخلّف الأوّل عن جیش أُسامة ونسبة الثانی الهَجْر والهذیان إلی رسول الله - والعیاذ بالله - إذ إنّ مَن تخلّف عن جیش أُسامة وقال بما قال فی یوم الخمیس لا یحقّ لهما أن یکونا إماماً للمسلمین، ولا یعقل أن یعیّن رسول الله الأوّل إماماً للصلاة مکانه، وقد شمله لعنُ رسول الله فیمَن لعَنَ مَن تخلّف عن جیش أُسامة!

بل ماذا یعنی خروج رسول الله إلی المسجد مع شدّة مرضه واتّکاؤه علی رجُلین من أهل بیته وعدم قدرته علی المشی - کلّ ذلک بعد تنصیبه أبابکر للصلاة مکانه


1- صحیح البخاری 6 : 2474 /6346 باب لا نُورّث ما ترکناه صدقة!

ص:34

حسبما یقولون!! -

بل لماذا لا تصرّح عائشة باسم هذین الرجلین اللذَین اتّکأ علیهما رسول الله عند خروجه إلی المسجد بل تُبهِمُهُما؟

وهل یرتبط ذلک ببغضها وحسدها لأمیر المؤمنین علیه السلام ، ولو کان ذلک فبماذا نفسّر المرویّ فی «صحیح مسلم» عن علی أنّه قال: إنّه لعهد النبیّ الأُمّی ألّا یحبّنی مؤمن ولا یبغضنی إلّا منافق((1))؟! وقوله تعالی: {إِنَّ الْمُنَافِقِینَ فِی الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ}((2))!

بل ماذا یعنی ابتعاد أبی بکر عن مکانه وتسلیم المصلّی لرسول الله والصلاة بصلاته، وصلاة المسلمین بصلاة أبی بکر؟!

ولماذا لم یصلِّ صلی الله علیه و آله خلف أبی بکر کما صلّی خلف عبد الرحمن بن عوف - علی زعمهم - ؟!

بل ما هو التقارب بین بعث رسول الله أبابکر ثمّ إرساله الإمام علیّاً علیه السلام لأخذ الآیات العشر من سورة براءة منه مع تنصیب رسول الله أبابکر للصلاة ثمّ عدوله عن رأیه؟! إنّها أسئلة ما تزال تبحث عن أجوبة لها.

فقد أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل فی «زوائد المسند» وأبو الشیخ وابن مردویه عن علی رضی الله عنه أنّه قال: لمّا نزلت عشر آیات من براءة علی النبی صلی الله علیه و آله دعا أبا بکر رضی الله عنه لیقرأها علی أهل مکّة، ثمّ دعانی، فقال لی: أدرک أبابکر،


1- صحیح مسلم 1 : 86 /الرقم 78.
2- النساء: 145.

ص:35

فحیثما لقیتَه فخذ الکتاب منه.

ورجع أبوبکر [باکیاً] رضی الله عنه فقال: یا رسول الله، نزل فیَّ شیء؟ قال: لا، ولکنّ جبرئیل جاءنی فقال: لا یؤدّی عنک إلّا أنت أو رجل منک((1)).

وفیه أخرج ابن مردویه عن سعد بن أبی وقّاص رضی الله عنه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله بعث أبابکر رضی الله عنه ببراءة إلی أهل مکّة، ثمّ بعث علیّاً رضی الله عنه علی أثره فأخذها منه، فکأنّ أبابکر وجد فی نفسه، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله : یا أبابکر، إنّه لا یؤدّی عنّی إلّا أنا أو رجل منّی((2)).

وفیه أخرج ابن مردویه عن أبی رافع رضی الله عنه قال: بعث رسول الله صلی الله علیه و آله أبابکر رضی الله عنه ببراءة إلی الموسم، فأتیٰ جبرئیل علیه السلام فقال: إنّه لا یؤدّیها إلّا أنت أو رجل منک. فبعث علیّاً رضی الله عنه علی أثره حتّی لحقه بین مکّة والمدینة فأخذها، فقرأها علی الناس فی الموسم((3)).

وعن عروة بن الزبیر، وأبی هریرة، وأنس، وأبی رافع، وزید بن نفیع، وابن عمر، وابن عباس، واللفظ له: أنّه لما نزل: {بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ}، إلی تسع آیات أنفذ النبیّ صلی الله علیه و آله أبابکر إلی مکّة لأدائها، فنزل جبرئیل وقال: إنّه لا یؤدّیها إلّا أنت أو رجل منک، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله لأمیر المؤمنین: ارکب ناقتی العضباء والحقْ أبابکر وخُذ براءة من یده.

قال: ولما رجع أبوبکر إلی النبیّ صلی الله علیه و آله جزع وقال: یا رسول، إنّک أهّلتنی لأمر


1- مجمع الزوائد 7 : 29.
2- الدرّ المنثور 4 : 123.
3- الدرّ المنثور 4 : 124.

ص:36

طالت الأعناق فیه، فلمّا توجهتُ إلیه رددتَنی منه؟

فقال صلی الله علیه و آله : الأمین هبط إلیَّ عن الله تعالی: إنّه لا یؤدّی عنک إلّا أنت أو رجل منک؛ وعلیّ منّی ولا یؤدّی عنّی إلّا علی((1)).

فجملة «لا یؤّدی عنک إلّا أنت أو رجل منک» تتّفق مع الآیات الآنفة ومع قوله تعالی: {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ} الواردة فی النبیّ محمّد والإمام علی علیهما السلام .

فإنّ عزل رسول الله - أو قل الله تعالی - أبابکر وتولیة علیٍّ مکانه لإبلاغ آیات البراءة یقارب ما قالوه من أمر رسول الله أبابکر بالصلاة مکانه فی مرض موته، ثمّ عدوله عن رأیه والذهاب إلی المسجد للصلاة بهم.

فنحن لو جمعنا هذه الأُمور مع النصوص التی جاءت فی کتب القوم من أنّ رسول الله لم یعیّن أحداً مکانه، بل قال لیصلِّ بهم أحدهم، أو ما جاء فی «سنن أبی داود»: مروا مَن یصلّی بالنّاس. فخرج عبد الله بن زمعة فإذا عمر فی الناس وکان أبوبکر غائباً، فقلت: یا عمر، صلّ بالنّاس، فتقدّم فکبّر ... ((2))، إلی غیرها من الأخبار لعرفت کثیراً من الأشیاء.

کما أنّ آیة {وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ}، وحدیث: «لا یؤّدی عنک إلّا أنت أو رجل منک» یقاربان قوله تعالی فی الأنبیاء: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ


1- مناقب ابن شهرآشوب 1: 391، إرشاد المفید 1: 65، وانظر مسند أحمد 1: 151 /1296، وفیه عن حنش عنه علیه السلام ، وفضائل الصحابة 2: 703 /1203، وتاریخ دمشق 42: 348، تفسیر ابن کثیر 2: 334 /1151، تخریج الأحادیث والآثار 2: 50، المستدرک علی الصحیحین 3: 53 /4374، مجمع الزوائد 7: 29.
2- سنن أبی داود 4 : 215 /4660، فی استخلاف أبی بکر.

ص:37

عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِینَ * ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ}((1))، وأنّ الرسالة والوصایة ذرّیة بعضها من بعض، کما أنّه یوضّح أیضاً معنی کلام الإمام الباقر علیه السلام حینما سأل محمّد بن مروان: أتدری ما تفسیر «حیّ علی خیر العمل»، قال: قلت: لا. قال علیه السلام : دعاک إلی البِرّ، أتدری بِرّ مَن؟ قلت: لا. قال: دعاک إلی برّ فاطمة ووُلدها علیهم السلام ((2)).

وعن الصادق علیه السلام قوله: خیر العمل: الولایة((3)).

وعن ابن أبی عمیر أنّه سأل الکاظم علیه السلام عن حیّ علی خیر العمل: لم تُرِکت من الأذان ... فقال علیه السلام : فإنّ خیر العمل الولایة، فأراد مَن أمر بترک «حیّ علی خیر العمل» من الأذان أن لا یقع حثٌّ علیها ودعاء إلیها((4)).

إذن، فإثارة الأئمّة لموضوع «برّ فاطمة» فی معنی الحیعلة الثالثة فیها إشارة إلی ظلم الخلفاء الحُکّام لها، إذ إنّهم عقّوا فاطمة وأغضبوها وآذوها کما عقّوا وُلدَها ولم یؤدّوا ما أراده الله منهم فی قوله تعالی: {قُلْ لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی}((5)).

فلو جمعنا: آیة التطهیر، مع آیة الولایة، مع آیة البلاغ، مع آیة المباهلة، مع آیة المودّة، مع سورة الدهر وسورة الکوثر، وآیة الصلاة علی النبیّ صلی الله علیه و آله مع عدم جواز الصلاة البتراء علیه، لعرفنا: سرّ منعهم للحیعلة الثالثة ووضعهم «الصلاة خیر من


1- آل عمران: 33 - 34.
2- معانی الأخبار: 42 /3، علل الشرائع: 368 - الباب 89 /5.
3- التوحید: 241 - الباب 34 /2.
4- علل الشرائع 2 : 368 - الباب 89 /4.
5- الشوری: 23.

ص:38

النوم» مکانها.

وسرّ ارتباط ادّعاء استخلاف أبی بکر للصلاة مکان رسول الله فی صبیحة موته صلی الله علیه و آله .

وسرَّ عدم تأذین بلال لأبی بکر وعمر، مع استجابته للزهراء والحسن والحسین علیهم السلام فی أن یؤذّن لهم.

وسرّ جعل الأذان منامیّاً ولیس سماویّاً فی الإسراء والمعراج! فکلّ هذه الأُمور تعنی أنّ الحکّام ومن سار علی نهجهم قد اتّخذوا آیات الله هزواً، مرجّحین اجتهادهم مقابل النصوص.

وقد شغلت بالی هذه الأُمور ومنذ زمن بعید وأنا أبحث فی موضوع الأذان ولا أری له جواباً إلّا ما قُلتُه من دور الخلفاء الحکّام فی تحریف أُصول الشریعة بالرأی والاستحسان والقیاس وما شابه ذلک، وتشریع البدیل مکانه، إذ وضَّحنا فیما سبق أنّ إمامة أمیر المؤمنین علیٍّ وأولاده الکرام قد جاءت فی القرآن عموماً وفی الأذان علی وجه الخصوص کنائیّاً، مع تأکیدنا علی وجود الشهادة بالتوحید والنبوّة فی الأذان صراحةً، فأبدلو إمامة أمیر المؤمنین علی ابن أبی طالب علیه السلام إلی إمامة أبی بکر کنائیّاً حسب التوضیح الذی سنقوله من معنی «الصلاة خیر من النوم».

والذی یختلج فی الذهن هو أنّ الناس جمیعهم سواسیة أمام تعالیم السماء، وأنّ الأحکام الصادرة عن الله ورسوله هی واحدة للجمیع، فلا یمتاز إنسان علی آخر بحکم یختصّ به إلّا الرسول فی بعض الأُمور التی جاء فیها نصّ خاصّ له، فالسؤال: کیف إذن نری فی موضوع صلاة الفجر: أذانَین، ومؤذّنین، وإمامَین

ص:39

لصلاةٍ واحدة؟!

إنّ هذا من عجیب الرأی وغریب الکلام، وهو ما نرید أن نبسطه ونوضّحه فی هذه الدراسة، وبقناعتنا هو یرتبط بموضوع عقائدی، وهو صلاة أبی بکر مکان رسول الله صلی الله علیه و آله ، ولأجله قالوا بوجود إمامین لتلک الصلاة.

فالأذان الأوّل قد یکون جاء لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین، لکنّهم أدرجوه فی أذان الفجر لعللٍ مذکورة فی کتابنا هذا.

بل کیف یتحیّر رسول الله ولا یعرف حکم الأذان مع اتّصاله بالوحی، حتّی یخبره عبد الله بن زید بن ثعلبة برؤیاه؟!((1))

وکیف یؤذّن بلال الصاحی البصیر ب- «لیل»، ویؤذّن ابن أمّ مکتوم الأعمی «للصبح» بعد أن یقال له: أصبحتَ أصبحت؟!((2))

ولماذا تختصّ أخبار الترجیع بأبی محذورة وسعد القرظ، ولا تراه فی أذان بلال وأذان ابن أُمّ مکتوم وأذان عبد الله بن زید الأنصاری إن کان صادراً عن رسول الله؟!

وهکذا الحال بالنسبة إلی السلام علی الأمراء فی الأذان أو بعده، فیرجع سببه إلی أبی محذورة وسعد القرظ، لماذا؟!

إنّهم بعد أن عرفوا ارتباط مسألة الحیعلة الثالثة بمسألة الخلافة والحکم


1- سنن أبی داود 1 : 134 - 139 کتاب الصلاة، باب بدء الأذان، الجامع الصحیح للترمذی 1 : 358 /189، الموطّأ 1 : 67، مصنّف عبد الرزاق 1 : 455 - 456 /1774، 1775 من باب بدء الأذان، وانظر ص 460 /1787، کنز العمال 8 : 155 /23140، جامع المسانید 1 : 299، مجمع الزوائد 1 : 329.
2- المصنّف لعبدالرزاق 1 : 472 / ح 1820 .

ص:40

وتنصیب الشارع لعلی بن أبی طالب من خلال الآیات القرآنیّة والسُّنَّة النبویّة، جَدّت فی تحریف الأذان بما یدلّ علی إمامة أبی بکر کنائیّاً أیضاً، وهذا ما تراه فی روایات کتاب الأذان من «صحیحَی البخاری ومسلم» وغیرهما من الکتب الحدیثیة، إذ تجد قسماً من روایات التثویب تُشیر إلی صلاة أبی بکر مکان رسول الله مع تشریع «الصلاة خیر من النوم».

وبذلک یکون بحثنا فی هذه الدراسة فی جانبین:

1 . الجانب الفقهی والحدیثی.

2 . الجانب الکلامی.

وإنّی کنت قد قدّمتُ الحدیث عن الجانب الکلامی فی رسالة أسمیتها «الصلاة خیر من النوم الوجه الآخر»، وها أنا الآن أبحث فی الجانب الفقهی، ثمّ أردفه بما کتبته فی الجانب الکلامی.

وقد رسمتُ الجانب الفقهی فی أربعة فصول:

الفصل الأوّل: التعریف بالتثویب لغةً واصطلاحاً، وبیان وقته ومحلّه، وما هو التثویب القدیم والتثویب المحدَث، والأذان الأوّل والأذان الثانی فی الفجر، ونظرة المذاهب الإسلامیة إلی التثویب.

الفصل الثانی: وفیه بیَّنتُ جملة «الصلاة خیر من النوم»، هل هی روایة عن رسول الله أم هی رأی لبعض الصحابة، وقد ناقشتُ فیه ما حُکی عن رسول الله فی الصحاح والسنن من روایات مجملة ومصرّحة، مفسّراً من خلاله خلفیّة اختصاص الصبح بأذانین دون غیره من المواقیت.

کما ناقشتُ مدّعیات أخری، وهل یصحّ ما قالوه عن بلال وأنّه کان یؤذّن بلیل،

ص:41

أم أنّه کان یؤذّن بصبح.

الفصلان الثالث والرابع: لم یُدَوّنا بعد، وسیختصّان إن شاء الله بالخلفیّات العقائدیّة عند النهجین وارتباطهما بمسألة «الصلاة خیر من النوم»، ثمّ بیان السیر الفقهی والتاریخی لاختلاق هذه المقولة وکیفیة تعامل المذاهب الأربعة معها بین الأمس والیوم، لکنّ اهتمامی بجمع شتات ما کتبته جعلنی اکتفی بطبع الموجود منه ثمّ إکماله فی وقتٍ آخر فی طبعة أخری من هذا الکتاب، إن شاء الله تعالی.

والله أسأل أن یتقبّل عملی ویجعله خالصاً لوجهه الکریم

وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربّ العالمین

علی الشهرستانی

یوم الجمعة 26 شعبان المعظّم

سنة 1437 هجریة

ص:42

ص:43

الجانب الفقهی والحدیثی

اشارة

ص:44

ص:45

ویقع الکلام فیه فی أربعة فصول:

الفصل الأول: التعریف بالتثویب وبمفاهیم أخری مرتبطة به

الفصل الثانی: فی بیان جملة «الصلاة خیر من النوم» هل هی روایة عن رسول الله، أم هو رأی لبعض الصحابة؟

وکیف یکون هناک أذانان ومؤذّنان وإمامان لصلاةٍ واحدة؟

الفصل الثالث:

بیان الخلفیات العقائدیة عند النهجین و ارتباطها بمسألة الصلاة خیر من النوم

الفصل الرابع: بیان السیر الفقهی والتاریخی لاختلاق هذه المقولة وکیفیة تعامل المذاهب الأربعة معها بین الأمس والیوم

ص:46

ص:47

الفصل الأوّل:التعریف بالتثویب وبمفاهیم أخری مرتبطة به

اشارة

· التثویب لغةً

· التثویب اصطلاحاً

· وقت التثویب ومحلّه

· التثویب القدیم والتثویب المحدث

· الأذان الأوّل والأذان الثانی فی الفجر

· المذاهب الإسلامیة والتثویب

ص:48

ص:49

التعریف بالتثویب
اشارة

ما هو التثویب لغة ؟ وعلی أی شی یطلق اصطلاحاً ؟

وهل هو قول المؤذّن فی أذان الفجر « الصلاة خیر من النوم »، أم أنّه قوله: «حیَّ علی خیر العمل » فی الفجر وغیره ؟

وهل یصح أن ندّعی أنّ قول المؤذن أو المقیم: «حیَّ علی الصلاة »، أو «قد قامت الصلاة» هو التثویب، أم أن التثویب هو جملة «الصلاة خیر من النوم» فقط؟

وهل التثویب هو جزء الأذان داخلٌ فیه، أم أنّه یأتی بعده قبل الاقامة ؟

وهل هو مختصّ بأذان الفجر، أم یتجاوزه إلی العصر والعشاء کذلک ؟

بل متی شُرّع التثویب ؟

هل فی عهد رسول الله ، أم من بعده ؟

وإذا کان من بعده ، فمن کان وراءه ؟

هل کان وراءه أبو بکر ، أم عمر بن الخطاب ، أم الأمویون، أم بنو العباس؟!

ص:50

وهل تشریعه إلهی ورد نصه فی الکتاب العزیز، أم أنّه بیانٌ نبوی تواتر النقل عنه صلی الله علیه و آله ؟ أم أنّه رأی قد شُرّع فی عهد الشیخین ثمّ تبنّته جهات سیاسیّة أخری دعماً لتوجّهات الخلفاء ؟ أم أنّه غیر هذا وذاک ؟

هذه تساؤلات - ومعها غیرها - طرحناها فی هذه الدراسة ؛ لنرفع الستار عنها وعن مسائل أخری تنطوی علیها هذه المسألة، وإلیک الکلام عنها فی نقاط:

معنی التثویب لغة

هو العود إلی الإعلام بعد الإعلام، وهو مأخوذ من ثاب إلی الأمر إذا رجع إلیه؛ کأنّ المؤذن أو المقیم لما یقول «الصلاة خیر من النوم» أو «قد قامت الصلاة» مثلاً، قد رجع إلی ما کان قد دعا إلیه من جُملٍ فی الأذان سابقاً بقوله: «حیَّ علی الصلاة، حی علی الصلاة » ، والمثابة : هی الموضع الذی یثاب إلیه مرة بعد أخری ومنه سُمِّی المنزل (مَثاب)، ومنه جاء قوله تعالی: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَیْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ} أی یترددون ویرجعون إلیه((1)).

ومن هذا الباب سُمّی الثواب ثواباً؛ لأنّ منفعة عمل المکلف تعود إلیه. ویقال: ثاب إلی المریض نَفَسُه، إذا برئ، فهو عود إلی الإعلام بعد الإعلام الأول((2)).

ومنه: ثاب إلی السکران عقله، إذا صحا من سُکره ورجع إلی ما کان علیه((3)).


1- فتح الباری فی شرح صحیح البخاری لابن رجب الحنبلی 3 : 425 - الباب 4، فصل التأذین /الرقم 608. والآیة فی سورة البقرة : 125 .
2- أُنظر: المبسوط للسرخسی 1 : 130 - باب الأذان.
3- أُنظر: معجم لغة الفقهاء : 121.

ص:51

وفی (النهایة) لابن الاثیر:... والأصل فی التثویب أن یجیءَ الرجل مستصرخاً فیلوّح بثوبه لیُری ویشتهر، فسُمّی الدعاء تثویباً لذلک، وکلُّ داعٍ مُثوّبٌ.

وقیل: إنّما سُمّی تثویباً مِن ثاب یثوب إذا رجع، فهو رجوع إلی الأمر بالمبادرة إلی الصلاة، وأنّ المؤذّن إذا قال « حیَّ علی الصلاة » فقد دعاهم إلیها، وإذا قال بعدها « الصلاة خیر من النوم » فقد رجع إلی کلامٍ معناه المبادرة إلیها ((1)).

والراجح عند أغلب العلماء أنّ معنی التثویب هو الرجوع والعود للإعلام بعد الإعلام((2))، لا الاستغاثة - کما ادّعاه ابن الأثیر بأنّه الأصل فیه - کما لا یصحّ قول الآخر: وأنّ الرجل یلوّح بثوبه عند الفزع لِیُعلِم أصحابَه، لأنّه لو صحّ [کونه بهذا المعنی] لکان تسمیة الأذان تثویباً أحقّ من الإقامة((3)).

وقد قیل بأنّ التثویب هو الأذان والإقامة؛ لأنّهما أوّل دعوة وصرخةٍ للصلاة، وفیها تکرار التکبیر والشهادتین والحیعلات، ومعناه أنّها إعلام بعد إعلام.

التثویب اصطلاحاً

اختلف العلماء فی المعنیّ بالتثویب اصطلاحاً علی عدة أقوال:

الأول: هو قول المؤذن فی أذان الفجر خاصة « الصلاة خیر من النوم »، وهو قول ابن المبارک وأحمد والخطّابی وغیرهم((4)). وهذا القول أشهر الأقوال وهو المعتمد عندهم.


1- النهایة 1 : 226 - باب الثاء مع الواو، وعون المعبود 2 : 170 - عن: النهایة .
2- أُنظر علی سبیل المثال: تحفة الأحوذی 1 : 505 - الباب 32، البحر الرائق 1 : 274، 3 : 125، الهدایة شرح البدایة 1 : 41، شرح فتح القدیر 1 : 346.
3- أُنظر: فتح الباری لابن رجب الحنبلی 3 : 426 .
4- أُنظر: عون المعبود 2 : 170 - باب فی التثویب الرقم 538، فتح الباری لابن حجر 2 : 86.

ص:52

قال ابن الأنباری: « الصلاة خیر من النوم » سُمّی تثویباً ؛ لأنّه دعاءٌ ثانٍ إلی الصلاة، وذلک أنّه لما قال: « حی علی الصلاة » دعاهم إلیها، ثمّ لما قال « الصلاة خیر من النوم » دعا إلیها مرة أخری((1)).

الثانی: هو قول المؤذن بین الأذان والإقامة: « قد قامت الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح »((2)). من جهة التذکیر وحثَّ الناس علی المبادرة للصلاة.

وزعم بعض الکوفیین أنّ المراد بالتثویب هذا لا غیر، حکی ذلک ابن المنذر عن أبی یوسف عن أبی حنیفة، وزعم أنّه تفرّد به، لکن فی (سنن أبی داود) عن ابن عمر أنّه کره التثویب بین الأذان والإقامة، وهذا یدلّ علی أنّ له سلفاً فی الجملة((3)).

وهو الذی عرّفه بعض فقهاء الجمهور بالسلام علی الأمراء بعد الأذان وقبل الإقامة، « وهذا یسمّی نداء الأمراء، وبعضهم یسمّیه التثویب، ورخص فیه بعضهم، وکرّهه أکثر العلماء »((4)).

الثالث: قیل هو الإقامة ؛ لأنّ التثویب مِن ثاب إذا رجع، ومقیم الصلاة راجع إلی الدعاء إلیها، فإنّ الأذان دعاء إلی الصلاة والإقامة دعاء إلیها، فهو رجوع إلی الصلاة بعد أن دعاهم إلیها فی الأذان ب- «حی علی الصلاة»، أی إنّه إعلام بإقامة الصلاة بقوله: «قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة». ومنه ما رُوی عن أبی هریرة أنّ رسول الله قال: إذا نُودی للصلاة أدبر الشیطان وله ضراط حتی لا یسمع


1- البخاری بشرح الکرمانی 5 : 7 .
2- عون المعبود 2 : 170 - باب فی التثویب / الرقم 538 .
3- فتح الباری لابن حجر 2 : 86. وانظر: سنن أبی داود 1 : 148 - الباب 45 فی التثویب / ح 538.
4- أُنظر: منهاج السنة النبویة لابن تیمیة 6 : 294، الإنصاف للمرداوی 1 : 414 - باب الأذان.

ص:53

التأذین، فإذا قُضیَ النداء أقبَل، حتّی إذا ثُوّب بالصلاة أدْبَرَ، حتّی إذا قُضیَ التثویب أقبل...((1)).

وأخرج مالک بسنده أنّ أبا هریرة قال: إذا ثُوّب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تَسعَون وائتوها وعلیکم السکینة، فما أدرکتم فصلوا وما فاتکم فأتموا، فإنّ أحدکم فی صلاة ما کان یعمد إلی الصلاة((2)).

وقال الجمهور: المراد بالتثویب فی الحدیثین الإقامة، وبذلک جزم أبو عوانة فی صحیحه، والخطّابی والبیهقی، وغیرهم((3)).

الرابع: قیل: إنّه قول المؤذن « حیَّ علی خیر العمل »((4))، لأنّ الدعوة إلی الصلاة قد تمت ب- «حیَّ علی الصلاة»، ولما دُعِیَ ب- «حیَّ علی خیر العمل» فالمراد منها حیَّ إلی تلک الصلاة التی دُعیتَ إلیها قبل قلیل.

وقیل: إنّ تکرار التکبیر والشهادتین والحیعلات هو مما یُسمّی تثویباً، لأنّها إعلام بعد إعلام.


1- البخاری بشرح الکرمانی 5 : 7، وفتح الباری للعسقلانی 2 : 86، وتنویر الحوالک 1 : 67 / ح 150، و 69 / ح 152، شرح الزرقانی 1 : 204، 209، عون المعبود 2 : 150، عمدة القارئ 5 : 112، التمهید لابن عبدالبر 18 : 308، 310، و 20 : 231، شرح النووی علی مسلم 4 : 92 - باب فضل الأذان و 5 : 100، والکل فسّروا التثویب فی هذا الحدیث بالإقامة.
2- موطَّأ مالک 1 : 68 / ح 150. وانظر: التمهید 20 : 231، وفیه أنّ التثویب المذکور فی الحدیث هو الإقامة، وأمّا قوله: فلا تأتوها وانتم تسعون، فالسعی هاهنا فی هذا الحدیث المشی بسرعة والاشتداد فیه والهرولة.
3- عون المعبود 2 : 150 .
4- مواهب الجلیل 1 : 432، وفیه : وقیل: إنّ التثویب هو قول المؤذن (حیّ علی خیر العمل) ؛ لأنّها کلمة زادها مَن خالف السنّة من الشیعة .

ص:54

ثم إنّ التثویب فی کل بلدة تکون علی ما یتعارفونه: إمّا بالتنحنح، أو بقوله: «الصلاة، الصلاة»، أو: «قامت، قامت»، أو: «با یک نماز با یک» کما یفعل أهل بُخاری ؛ لأنه إعلام، والإعلام إنما یحصل بما یتعارفونه((1)).

ولا تَنسَ أنّ البعض أطلق علی الترجیع((2)) اسم التثویب((3))، لأنه مأخوذ من ثاب إذا رجع، وهو تکرار الشهادتین دفعتین.

قال ابن إدریس - وهو من علماء الشیعة الإمامیّة - فی (السرائر): اختلف أصحابنا فی التثویب، ما هو ؟ فقال قوم منهم: هو تکرار الشهادتین دفعتین، وهذا هو الأظهر، لأنّ التثویب مشتقّ من ثاب الشیء إذا رجع، وأنشد المبرَّد لما سُئل عن التأکید فقال:

لو رأینا التأکیدَ خطةَ عجزٍ ما شفَعْنا الأذانَ بالتثویبِ((4))

هذه هی أهم الأقوال فی التثویب، وهناک أقوال أخری ترکناها لکونها أقوالاً لا یُعتدّ بها، ونحن فی مطاوی بحوثنا سنشیر إلی ما نختاره من هذه الأقوال.


1- بدائع الصنائع 1 : 149 . وما نراه الیوم فی بعض البلدان الإسلامیة من قولهم بعد الأذان (عجِّلوا بالصلاة)، هو ضرب من التثویب لغة لا فی اصطلاح الفقهاء.
2- الترجیع فی الأذان : تکرار الفصول زیادة علی الموظَّف، وقیل : هو تکرار التکبیر والشهادتین فی أول الأذان، وهو مخرج تمسک به بعض الشافعیة للجمع بین قولَی الشافعی فی القدیم والجدید مجمع البحرین 4 : 334، اعانة الطالبین 1 : 236، السراج الوهّاج للغمراوی 1 : 37، قال: الترجیع وهو أن یأتی بالشهادتین سرّاً قبل أن یأتی بهما جهراً.
3- قال الوحید البهبهانی فی (مصابیح الظلام 6 : 542): وظاهر «النهایة» کون التثویب هو الترجیع المشهور، أی تکریر التکبیر والشهادتین. أُنظر: نهایة الإحکام للعلّامة 1 : 414.
4- السرائر، لابن إدریس 1 : 212 ، والشعر لأبی تمام کما فی المنتظم لابن الجوزی 11 : 133 /ت 1305.

ص:55

وقته ومحله

اختلف الأعلام فی محلّ التثویب ووقته، فقال بعضهم: إنّه شُرّع فی الصبح خاصة دون العصر والعشاء((1))، وأکّد النووی فی (المجموع) أنّ التثویب فی الأخیرین بدعة((2)).

وذهب آخرون إلی أنّه لیس بمستحب، لکنهم لم یقولوا ببدعیّته((3)).

وقال الحسن بن صالح بن حیّ: إنّه یستحب فیه [ أی فی العشاء ] وفی الفجر علی حدٍّ واحد((4)).

ومثل ذلک اختلافهم فی محل التثویب، فقال بعضهم: إنّ مَحِلّه وسط الأذان.

وقال بعض آخر: بعده قبل الإقامة.

وفصّل ثالث التثویب إلی أوّلٍ وثان، فعنی بالأول الذی یأتی به المؤذن فی وسط أذان الفجر خاصة، وبالثانی ما یقوله المؤذن بعد الأذان قبل الإقامة.

وقال رابع: إنّ التثویب الأوّل هو المشروع، وکلّ ما أُحدث للعصر والعشاء وغیرهما فهو تثویب ثان بدعی لا یجوز العمل به.


1- هذا هو القول المشهور بین فقهاء أهل السنة والجماعة .
2- المجموع للنووی 3 : 105 - 106، قال: یُکرَه التثویب فی غیر الصبح، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، دلیلنا حدیث عائشة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال: من أحدث فی أمرنا هذا ما لیس منه فهو رَدّ.
3- الهدایة 1 : 41، قال: والتثویب فی الفجر (حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح) مرّتین بین الاذان والإقامة حسن ... وکُره فی سائر الصلوات، شرح فتح القدیر 1 : 346 .
4- المجموع 3 : 105، نیل الاوطار 2 : 18، المحلی 3 : 161.

ص:56

أمّا وقته فقد اختلفوا فی الوقت الذی یجوز فیه من اللیل علی خمسة أوجه:

الأوّل: من نصف اللیل، وهو قول أکثر الشافعیة.

والثانی: قُبیل طلوع الفجر فی السحر، وهو المنقول عن بلال وابن أم مکتوم.

والثالث: یؤذن فی الشتاء لسُبعٍ یبقی من اللیل، وفی الصیف لنصفِ سُبع.

والرابع: أن یؤذن بعد وقت العشاء، وهو ثلث اللیل فی قولٍ ونصفُه فی قول.

والخامس: جمیع اللیل وقت لأذان الصبح، حکاه إمام الحرمین((1)).

التثویب القدیم والمُحدَث

فصّل فقهاء اهل السنة التثویب إلی قدیم ومحدث ؛ فقالوا عن « الصلاة خیر من النوم » فی الصبح خاصة أنّه التثویب القدیم وهو شرعی عندهم ((2))؛ لأنّه جاء - حسب ادعائهم - فی الروایات المأثورة عن النبی، وقد عمل جمهورهم به من العصر الأول إلی یومنا هذا.

أمّا التثویب المحدث فهو الذی أحدثه الناس بین الأذان والإقامة، وهو «بدعة وضلال »((3)) هذا ما قالوه، لکنّ الروایات والنصوص المنقولة عن أئمّة المذاهب الأربعة تشیر إلی شیء آخر حسبما سنفصّله لاحقاً.

الأذان الأوّل والأذان الثانی فی الفجر

الأذان الأوّل عند المذاهب الأربعة هو الذی یُؤذَّن به قبل الفجر لإیقاظ النائم


1- أُنظر: المجموع 3 : 88.
2- وکذا أُطلق علی الاقامة تثویب قدیم. أُنظر: تحفة الأحوذی 1 : 505، عون المعبود 2 : 170.
3- عون المعبود 2 : 182 .

ص:57

وإرجاع الغائب، أمّا الأذان الثانی فهو أذان الفجر.

واستدلّوا علی شرعیة الأذان الأوّل بما رووه عن النبی قوله: ( لا یمنعنّ أحدَکم

- أو واحداً منکم - أذانُ بلال من سحوره، فإنه یؤذّن - أو ینادی بلیل - لیرجع غائبکم، ولینتبه نائمکم ).

وشرعیة الأذان الثانی نصوصه معلومة، أهمُّها خبر عبد الله بن زید الأنصاری الذی أُری الأذان عندهم.

کما أنّ المذاهب الأربعة اتفقت علی عدم جواز الأذان قبل الوقت إلّا فی الصبح خاصة ؛ لأنّه وقت غفلة ونوم، ولنا لاحقاً وقفة مع الأخبار التی قالت بوجود أذانین للصبح خاصّة ومع ما حُکی عن بلال علی وجه التحدید، وهل أنّه أذّن للمسلمین الأذان الأول، أم أنّه کان یؤذّن الأذان الثانی ؟

فعلی مشهور رأی اهل السنة والجماعة أنّه رحمه الله کان یؤذّن بلیل، وقد روی هذا البخاری ومسلم من روایة ابن عمر، وهناک روایة لابن خزیمة والبیهقی وغیرهما من روایة عائشة وغیرها أنّ النبی قال: إنّ ابن أمّ مکتوم ینادی بلیل، فکلوا واشربوا حتّی ینادی بلال.

قال البیهقی وابن خزیمة: إن صحت هذه الروایة فیجوز أن یکون بین ابن أم مکتوم وبلال نُوَبٌ، فکان بلال فی نوبة یؤذن بلیل، وکان ابن أم مکتوم فی نوبة یؤذن بلیل.

قال: وإن لم تصحَّ روایة من روی تقدیم أذان ابن أم مکتوم فقد صحّ خبر ابن

ص:58

عمر وابن مسعود وسمرة وعائشة أنّ بلالاً کان یؤذن بلیل، والله أعلم((1)). وبذلک یکون معنی کلامهم هو عدم نطق بلال ب- «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان الشرعی للفجر، لکنّ مدرسة الخلافة سَعَت أن تجعله هو الذی شرّع ذلک برأیه، فی حین قد خالفه فی ذلک أبوبکر وعمر. فهم یجدّون أن یجعلوا هذه الجملة تقال فی أذان الفجر لا فی أذان اللیل، ومعنی کلامنا أنّ ما رووه فی الأذان لا یُثْبت مدعاهم.


1- المجموع 3 : 83.

ص:59

المذاهب الإسلامیّة والتثویب
التثویب عند الحنفیة

قال محمّد بن الحسن الشیبانی (ت 189 ه-) فی کتاب (الآثار): أخبرنا أبو حنیفة، عن حماد، عن إبراهیم، قال: سألته عن التثویب، قال: هو مما أحدثه الناس، وهو حسن مما أحدثوا. وذکر أنّ تثویبهم کان حین یفرغ المؤذن من أذانه: (الصلاة خیر من النوم)، قال محمد: وبه نأخذ وهو قول أبی حنیفة((1)).

وقال فی کتاب (الصلاة)، قلت: أرأیت کیف التثویب فی صلاة الفجر ؟ قال: کان التثویب الاول بعد الأذان: (الصلاة خیر من النوم)، فأحدث الناس هذا التثویب، وهو حسن((2)).

وقال فی کتاب ( الحُجّة علی أهل المدینة ):

قال أبو حنیفة: کان التثویب فی صلاة الصبح بعد ما فرغ المؤذن من الأذان:


1- الآثار للشیبانی 1 : 101 / خ 60، ولم یخرج هذا الخبر أبو یوسف فی (آثاره) ، وقال الشیبانی فی (الجامع الصغیر : 83) : والتثویب فی الفجر حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، مرّتین بین الأذان والإقامة حسن ذِکرُه فی سائر الصلوات، فقال أبو یوسف: لا أری بأساً أن یقول المؤذن: السلام علیک أیّها الأمیر ورحمة الله وبرکاته: حی ... .
2- کتاب الصلاة للشیبانی .

ص:60

(الصلاة خیر من النوم)، وأهل الحجاز((1)) یقولون: (الصلاة خیر من النوم) فی الأذان حین یفرغ المؤذن من «حی علی الفلاح» أخبرنا إسرائیل بن یونس، قال: حدثنا حکیم بن جبیر، عن عمران بن أبی الجعد، عن الأسود بن یزید أنّه سمع مؤذناً أذنّ، فلمّا بلغ «حی علی الصلاة» [ کذا ] قال: (الصلاة خیر من النوم)، قال الأسود: ویحَک! لا تزد فی أذان الله.

قال: سمعت الناس یقولون ذلک.

قال: لا تفعل((2)).

وقال الإمام محمد بن الحسن فی (موطّئه) - بعد أن نقل عن عمر جعل «الصلاة خیر من النوم» فی نداء الصبح، وبعدما حکی عن ابن عمر أنه کان أحیاناً إذا قال: حی علی الصلاة، قال علی أثرها: حی علی خیر العمل -: الصلاة خیر من النوم یکون فی نداء الصبح بعد الفراغ من النداء، ولا نحب أن یُزاد فی النداء ما لم یکن منه((3)).

وعلق فقهاء الأحناف اللاحقون علی کلام الشیبانی، وما حکی عن أبی حنیفة وفسروه طبق ما یرتضونه...

فقال الکاسانی فی (بدائع الصنائع): وأمّا التثویب فالکلام فیه فی ثلاثة مواضع:

أحدها: فی تفسیر التثویب فی الشرع.

والثانی: فی المحل الذی شُرِّع فیه.


1- قال السیّد البکری فی حاشیة (إعانة الطالبین 1 : 236): جرت عادة أهل مکة بتخصیصه [ أی قول المؤذن: الصلاة خیر من النوم ] بالأذان الثانی؛ لیحصل التمییز بینه وبین الأول .
2- کتاب الحجة للشیبانی : 84 - 85.
3- هامش الآثار للشیبانی 1 : 102 عنه ص 84 .

ص:61

والثالث: فی وقته.

أمّا الأوّل فقد ذکر محمد فی کتاب الصلاة، قلت: أرأیتَ کیف التثویب فی صلاة الفجر؟ قال: کان التثویب الأول بعد الأذان الصلاة خیر من النوم، فأحدث الناس هذا التثویب [أی قول حی علی الصلاة حی علی الفلاح مرتین] وهو حسن. وفسّر [الشیبانی] التثویب وبیّن وقته ولم یفسّر التثویب المحدث ولم یبیّن وقته، وفسّر ذلک فی (الجامع الصغیر) وبیّن وقته، فقال: التثویب الذی یضعه الناس بین الأذان والإقامة فی صلاة الفجر « حی علی الصلاة، حی علی الفلاح » مرتین حسن.

وإنما سماه محدثاً، لأنه أُحدث فی زمن التابعین، ووصفه بالحسن، لأنّهم استحسنوه، وقد قال: ما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون قبیحاً فهو عند الله قبیح((1)).

وأمّا محلّ التثویب: فمحلّ الأول هو صلاة الفجر عند عامّة العلماء، وقال بعض الناس بالتثویب فی صلاة العشاء أیضاً، وهو أحد قولی الشافعی فی القدیم وأنکر التثویب فی الجدید رأساً ... إلی أن یقول:

وأمّا التثویب المحدث فمحله صلاة الفجر ووقته ما بین الأذان والإقامة، وتفسیره أن یقول حی علی الصلاة حی علی الفلاح علی ما بیّن فی (الجامع الصغیر)، غیر أنّ مشایخنا قالوا: لا بأس بالتثویب المحدث فی سائر الصلوات؛ لفرط غلبة


1- بدائع الصنائع 1 : 148. والخبر تراه فی: مسند أبی داود الطیالسی : 33 / 246، وهذا النَّصّ خرّجه العجلونی فی: کشف الخفاء 2 : 245 / 2214 أیضاً، وعلق علیه بقوله : قال الحافظ ابن عبدالهادی؛ مرفوعاً عن أنس بإسناد ساقط، والأصح وقفه علی ابن مسعود .

ص:62

الغفلة علی الناس فی زماننا وشدة رکونهم إلی الدنیا وتهاونهم بأمور الدین، فصار سائر الصلوات فی زماننا مثل الفجر فی زمانهم فکان زیادة الإعلام من باب التعاون علی البرّ والتقوی، فکان مستحسناً، ولهذا قال أبو یوسف: لا أری بأساً أن یقول المؤذن: السلام علیک أیّها الأمیر ورحمة الله وبرکاته، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، الصلاة یرحمک الله، لاختصاصهم بزیادة شغل بسبب النظر فی أمور الرعیة، فاحتاجوا إلی زیادة إعلام نظراً لهم!

ثمّ التثویب فی کلّ بلدة علی ما یتعارفونه: إمّا بالتنحنح، أو بقوله: الصلاة الصلاة، أو: قامت قامت، أو: با یک نماز با یک کما یفعل أهل بخاری، لأنّه الإعلام، والإعلام إنّما یحصل بما یتعارفونه((1)).

وفی (المبسوط) للسرخسی: وکان التثویب الأول فی الفجر بعد الأذان (الصلاة خیر من النوم) مرتین فأحدث الناس هذا التثویب [حی علی الصلاة حی علی الفلاح مرتین] وهو حسن ... إلی أن یقول: قوله «فأحدث الناس هذا التثویب إشارة إلی تثویب أهل الکوفة، فإنّهم ألحقوا الصلاة خیر من النوم بالأذان، وجعلوا التثویب بین الأذان والإقامة حی علی الصلاة حی علی الفلاح مرتین((2)).

وقال أیضاً: والتثویب فی کلّ بلدة ما یتعارفونه: إما بالتنحنح، أو بقوله: الصلاة الصلاة، أو بقوله: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، لأنّه للمبالغة فی الإعلام.

إلی أن یقول: وإنّما یُستحسَن التثویب لأنّ الدعاء إلی الصلاة فی الأذان کان بهاتین


1- بدائع الصنائع 1 : 148.
2- المبسوط 1 : 310.

ص:63

الکلمتین فیستحسن التثویب بهما أیضاً. هذا اختیار المتقدمین، وأما المتأخرون فاستحسنوا التثویب فی جمیع الصلوات، لأنّ الناس قد ازداد بهم الغفلة وقلّما یقومون عند سماع الأذان فیستحسن التثویب للمبالغة فی الإعلام، فمثل هذا یختلف باختلاف أحوال الناس. وقد روی عن أبی یوسف أنّه قال: لا بأس بأن یُخَصَّ الأمیر بالتثویب، فیأتی بابه فیقول: السلام علیک أیها الأمیر ورحمة الله وبرکاته، حیّ علی الصلاة مرتین حی علی الفلاح مرتین یرحمک الله، لأنّ الأمراء لهم زیادة اهتمام بأشغال المسلمین ورغبة فی الصلاة بالجماعة، فلا بأس بأن یُخَصّوا بالتثویب. وقد رُویَ عن عمر أنّه لما کثر اشتغاله نَصَب من یحفظ علیه صلاته، غیر أنّ محمداً رحمه الله کره هذا ((1)).

وقال ابن نجیم فی (البحر الرائق): التثویب: وهو نوعان: قدیم وحادث.

فالأول: الصلاة خیر من النوم، وکان بعد الأذان إلّا أنّ علماء الکوفة ألحقوه بالأذان.

والثانی: أحدثه علماء الکوفة بین الأذان والإقامة: حیّ علی الصلاة مرتین، حیَّ علی الفلاح مرتین. إلی أن یقول:

فعلی هذا إذا أحدث الناس إعلاماً مخالفاً لما ذُکر جاز، کذا فی (المجتبی). وأفاد أنّه لا یخص صلاة بل هو فی سائر الصلوات، وهو اختیار المتأخرین لزیادة غفلة الناس وقلّما یقومون عند سماع الأذان. وعند المتقدمین هو مکروه فی غیر الفجر، وهو قول الجمهور کما حکاه النووی فی (شرح المهذّب) لما رُوی أنّ علیاً رأی مؤذناً یثوّب فی العشاء قال: اخرجوا هذا المبتدع من المسجد، وعن ابن عمر مثله ...


1- المبسوط 1 : 131.

ص:64

ولحدیث الصحیحین: مَن أحدث فی أمرنا هذا ما لیس منه فهو رَدّ((1)).

وقال القاضی خان فی (شرح الجامع الصغیر): والتثویب القدیم « الصلاة خیر من النوم » فی روایة البلخی وأبی یوسف عن أصحابنا فی نفس الأذان، والأصح أنه کان بعد الأذان ؛ لأنه مأخوذ من الرجوع، والعود إما یکون بعد الفراغ. وأفاد أنّه لا یخصّ شخصاً دون آخر، فالأمیر وغیره سواء وهو قول محمّد، لأنّ الناس سواسیة فی أمر الجماعة. وخصّ أبو یوسف الأمیرَ وکلّ مَن کان مشتغلاً بمصالح المسلمین کالمفتی والقاضی والمدرس بنوع إعلام....

وقال أبو الوفاء الأفغانی - محقّق کتاب (الآثار) للشیبانی -:

وذکر أبو الحسن القدوری فی (شرح مختصر الکرخی) فی حق التثویب - بعد ما نقل عبارة الأصل وأنه بعد الأذان لا فی صلبه((2))، وبعد ما نقل عن کتاب (الآثار)، أثر إبراهیم هذا وقول الإمام محمد فیه: (وبه نأخذ وهو قول أبی حنیفة) -:

... قال الحسن فی کتاب (الحجة): قال أبو حنیفة: التثویب إذا فرغ من الأذان قال: الله أکبر، الله أکبر، ثم قال: «الصلاة خیر من النوم» مرتین، قال الحسن: وفیها قول آخر أنّه یؤذّن ویمکث ساعة ثمّ یقول « حی علی الصلاة » مرتین، قال: وبه ناخذ.

قال أبو یوسف فی (الجوامع): التثویب بین الأذان والإقامة لا یجعله فی صلب


1- البحر الرائق 1 : 452.
2- أُنظر: شرح معانی الآثار 1 : 137 - الباب 3.

ص:65

الأذان((1)). وذکر الطحاوی فی التثویب الأول أنه یقوله فی نفس الأذان، وذکر ابن شجاع عن أبی حنیفة أنّ التثویب الأول یقوله فی نفس الأذان، والثانی - أی حی علی الصلاة حی علی الفلاح الذی أحدثه الناس بعد الأذان - فیما بین الأذان والإقامة.

وأما وجه ظاهر الروایة التی جعلت التثویب الأول بعد الأذان، فروی أبو یوسف عن کامل بن العلاء عن أبی صالح أبی محذورة قال: کان التثویب مع الأذان « الصلاة خیر من النوم » مرتین.

وعلق الأستاذ أبو الوفاء الأفغانی علی النَّصِّ السابق بقوله: وقوله معه((2)) لا یُفهَم أنه کان مفعولاً فیه، وکان خبر بلال رضی الله عنه أنه یؤذن فإذا فرغ من أذانه مشی إلی رسول الله وقال: الصلاة خیر من النوم، فلما أقر صلی الله علیه و آله فعله بعد الأذان وجب أن یکون هناک موضعه، لأنّه کان بعد الأذان فهو أبلغ فی الإعلام. ثمّ ختم الأستاذ کلامه بالقول:

قلت [والکلام للأفغانی]: أما مذهب الإمام وصاحبه - کما عُلم من الروایات التی نقلت من عیون کتب المذهب: أن قوله «الصلاة خیر من النوم» بعد الأذان، فوالله أعلم متی هجر، وصار تعامل الأمة علی خلافه، وقواعد المذهب مصرِّحة بأن لا یفتی إلّا بقول الإمام إلّا إذا صار تعامل القوم بخلافه فإنّه حینئذ لا یفتی به، صرح به فی (البحر الرائق) فی بحث الشفق بعد المغرب..

وأما ما نقله عن الطحاوی فهو فی (شرح معانی الآثار) قال فیه: وهو قول


1- أُنظر: مواهب الجلیل 1 : 431.
2- اشارة إلی کلام أبی محذورة : کان التثویب مع الأذان : الصلاة خیر من النوم مرتین .

ص:66

أبی حنیفة وأبی یوسف، ومحمد((1))، فوالله أعلم من أین له قولهم، وکتب القوم مشحونة بخلافه، وکذا قول القاضی خان فی روایة البلخی وأبی یوسف من أین جُعلت له، ومن أصحابنا ها هنا حتی رویا عنهم، فکان ینبغی له أن یقول: رویا عن أبی حنیفة لا عن أصحابنا، لأن أصحابنا: الإمام، وصاحباه، وزفر، والحسن((2)).

وبهذا فقد عرفت أن السیرة جرت عند الأحناف علی الأخذ بالتثویب فی الأذان رغم عدم ثبوته عند أبی حنیفة والشیبانی وأبی یوسف، بل تصریحهم بأنّه مما أحدثه الناس لاحقاً وفی زمن التابعین علی وجه الخصوص.

التثویب عند المالکیة

استند الإمام مالک بن انس (ت 179 ه-) علی شرعیة التثویب بخبر أبی محذورة، فقال فی (المدونة الکبری):

أخبرنی ابن وهب عن عثمان بن الحکم بن جریح، قال: حدثنی غیر واحد من آل أبی محذورة أن أبا محذورة قال: قال لی رسول الله: «اذهب فأذّن عند المسجد الحرام».

قال: قلت: کیف أؤذن ؟

قال: فعلمنی الأذان: الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، ثم قال: ارجع وامدد من صوتک أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، حیّ علی


1- شرح معانی الآثار 1 : 137 - الباب 3.
2- أُنظر کلام الافغانی فی هامش: الآثار للشیبانی 1 : 103 - 104 .

ص:67

الفلاح، الصلاة خیر من النوم فی الأولی من الصبح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله((1)).

فقیَّدَ الإمام مالک کغیره جملة: ( الصلاة خیر من النوم ) بالأولی من الصبح، وعلق محقق المدونة علی قوله: ( فی الأولی من الصبح ) بقوله:

یحتمل أن تکون الثانیة هی الإقامة، والأولی هی أذان الصبح، أی ما فعل فی المرة الأولی وهو الأذان، ویحتمل أن الأولی هو الأذان الأول من أذانَی الصبح((2)) - أی لصلاة اللیل المتقدم علی أذان الصبح - لما فی الحدیث: إن بلالاً ینادی بلیل فکلوا واشربوا حتی ینادی ابن أمّ مکتوم. وکان ابن أمّ مکتوم رجلاً أعمی لا ینادی حتی یقال له: أصبحتَ أصبحت.

وقد اختلف المسلمون فی عهد الإمام مالک فی شرعیة التثویب والترجیع حتی نقل ابن وهب عن ابن جریج أنّه قال: قال عطاء: ما علمت تأذین من مضی یخالف تأذینهم الیوم، وما علمت تأذین أبی محذورة یخالف تأذینهم الیوم، وکان أبو محذورة یؤذن علی عهد النبی حتی أدرکه عطاء وهو یؤذن((3)).

وفی موطّأ الإمام مالک، عن عمه أبی سهل بن مالک عن أبیه، قال: ما أعرف


1- المدونة الکبری 1 : 57 - 58، باب ما جاء فی الأذان .
2- المشهور عند أهل السنة بأن للفجر أذانین: أحدهما لایقاظ النائم ویؤتی به فی الثلث الأخیر من اللیل والآخر إعلاماً لدخول الوقت، فقد یکون مقصود الإمام مالک هو الاتیان به لما قبل الفجر، لوحدة التعلیل مع العلة، وأن جملة الصلاة خیر من النوم مع ایقاظ النائم وتوجهه للعبادة هی اقرب من أذان الفجر، لأن الإنسان عند ذلک لیس بنائم حتی یقال له «الصلاة خیر من النوم» .
3- المدونة الکبری 1 : 58 .

ص:68

شیئا مما أدرکت الناس علیه إلّا النداء بالصلاة((1)).

ونقل الحطاب الرعینی عن مالک بأنّه یجیز ترک قول (الصلاة خیر من النوم) لو کان فی ضیعة لوحده بعیداً عن الناس، وردّه صاحب (الطراز)، فقال الرعینی: (الصلاة خیر من النوم) یعنی أنّه یثنیها وهذا مذهب المدونة وهو المشهور، ومقابله لابن وهب یفردها.

قال فی (التوضیح): والمشهور قولها لمن یؤذّن فی نفسه ... انتهی، ویشیر إلی قول مالک فی مختصر ابن شعبان: فیمن کان فی ضیعة متحیّزاً عن الناس فترک ذلک؟ أرجو أن یکون فی سعة.

وحمله اللخمی علی الخلاف، قال: وهذا القول أحسن، لأنّه إنما یزید ذلک فی الأذان لإمکان أن یسمعه من کان فی مضجعه فینشط للصلاة، وأمّا من کان وحده أو معه من لیس بنائم فلا معنی لذلک، انتهی.

ورده صاحب (الطراز) وقال: هذا فاسد، فإنّ الأذان یتّبع علی ما شُرِّع، ألا تراه یقول: حی علی الصلاة، وإن کان وحده وکان ینبغی له أن یستحسن ترک ذلک أیضاً ولا قائل به؟ ثمّ قال: ومجمل ما فی (المختصر) علی أنّه لا یبطل الأذان بترک ذلک لا أنّه ینبغی له ترکه، انتهی.

تنبیه: واختلف فی مشروعیة هذا اللفظ فی (الموطّأ) أنّ المؤذّن جاء یؤذن عمر بن الخطاب للصلاة فوجده نائماً، فقال: الصلاة خیر من النوم، فقال له: اجعلها فی نداء الصبح.


1- موطأ مالک .

ص:69

وقیل: أمر بها رسول الله، رواها أبو داود والنسائی فی حدیث أبی محذورة. قاله فی (الطراز) واقتصر فی (التوضیح) علی الثانی فقال: أعلّق أنّ قول المؤذّن: الصلاة خیر من النوم صادر عنه علیه الصلاة والسلام ذکره صاحب (الاستذکار) وغیره وقول عمر: اجعلها فی نداء الصبح إنکار علی المؤذن أن یجعل شیئاً من ألفاظ الأذان فی غیر محله کما ذکر مالک التلبیة فی غیر الحج، انتهی والله أعلم((1)).

أقول: لو صحّ کلام صاحب (الاستذکار) وغیره وأنّه مثل التلبیة فی غیر الحج، فهل یجوز قول: لبیک فی غیر الحج، وقول: الصلاة خیر من النوم فی غیر الصبح أم لا؟ فإن قال بعدم جوازها فکیف یجیز مالک وأمثاله ذلک مع عدم إنکارهم له، وإن قال بجوازه فمعناه أن لا لبس بین أن یأتی بهذه الجملة فی محله وفی محل آخر.

المهم أنّ الحطاب الرعینی ذکر نسبة تشریع التثویب إلی رسول الله بصیغة التمریض فقال: «وقیل أمر بها رسول الله». وهذا یشیر إلی عدم اطمئنانه بالصدور عن رسول الله، أی أن رأیه مثل رأی الإمام الشافعی الذی یشکّ فی شرعیته، ولأجله أفرد التنبیه لیجلب رأی القارئ إلی موضوع حساس مع رعایته لحال العامة من الناس واشتهار التثویب عندهم.

وقال ابن رشد المالکی فی (بدایة المجتهد ونهایة المقتصد):

واختلفوا فی قول المؤذن فی صلاة الصبح: «الصلاة خیر من النوم» هل یقال فیها أم لا ؟ فذهب الجمهور إلی أنه یقال ذلک فیها.

وقال آخرون: إنّه لا یقال، لأنّه لیس من الأذان المسنون، وبه قال الشافعی،


1- مواهب الجلیل للحطاب الرعینی 2 : 73.

ص:70

وسبب اختلافهم: هل قیل ذلک فی زمان النبی صلی الله علیه و آله أو إنما قیل فی زمان عمر بن الخطاب((1)).

وعلیه فالمالکیة تقول بالتثویب فی أذان الصبح خاصّة، مع تشکیک البعض منهم فی شرعیته وشرعیة الترجیع.

ومما احتمله بهذا الصدد أن یکون المعنیّ بجملة فی (الأولی من الصبح) والذی مرّ عن (المدوّنة) للإمام مالک قبل قلیل هو ما یؤتی به لایقاظ النائمین، ویتأکّد لک هذا المعنی بعد قلیل فیما یحکیه أحمد بن حنبل عن شعیب بن حرب عن مالک بن أنس... فانتظر.

التثویب عند الشافعیة

للشافعی قولان: کرهه فی (الأم)، واستحبه فی (مختصر البویطی)((2)) والقدیم.

فقال فی (الأم):... ولا أحبّ التثویب فی الصبح ولا غیرها ؛ لأنّ أبا محذورة لم یحکِ((3)) عن النبی أنّه أمره بالتثویب، فأکره الزیادة فی الأذان وأکره التثویب بعده((4)).


1- بدایة المجتهد 1 : 77 .
2- هذا ما حکاه عنه الشیخ الطوسی فی (الخلاف 1 : 286)، والمجموع 3 : 101.
3- إنّ جملة الشافعی ( لأنّ أبا محذورة لم یحکِ عن النبی أنّه أمره بالتثویب ) لَتشیر إلی تشکیک الشافعی فی نسبة التثویب إلی رسول اللّه وإن کان أبو محذورة قد فعله، فیکون معنی کلامه أنّ تشریع التثویب لم یکن شرعیاً لعدم انتساب الفعل إلی رسول الله صلی الله علیه و آله وإن فعل أبو محذورة ذلک، لأنّ فعله لیس بملزم للآخرین، وبذلک یکون التثویب عند الشافعی سیرة شُرِّعت من قبل اللاحقین، لم تَرِد من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله ، والشافعی لا یری ضرورة اتّباع ما لم یأمر به رسول الله، ولم تثبت حکایة أبی محذورة عنه صلی الله علیه و آله .
4- الأُم، للشافعی 1 : 85 .

ص:71

وقال المزنی فی (مختصره):... قد قال فی القدیم: یزید فی أذان الصبح التثویب وهو: « الصلاة خیر من النوم »((1)) مرّتین، ورواه عن بلال مؤذن النبی صلی الله علیه و آله وعن علی علیه السلام ((2))، وکرهه فی الجدید((3))، لأنّ أبا محذورة لم یحکه عن النبی صلی الله علیه و آله ، قال المزنی: وقیاس قولیه أنّ الزیادة أولی به فی الأخبار((4))، کما أخذ فی التشهد بالزیادة وفی


1- أجمل الشافعی مقصوده من التثویب، لکن المزنی جاء ووضحه بأنّه هو : «الصلاة خیر من النوم» !! کما أنّ جملة (یزید فی أذان الصبح التثویب) قد تشعر بأنّ التثویب هی زیادة لم تکن فی الأذان، فلو کانت هی جزء الأذان لم یقل (یزید فی أذان الصبح) إذ الإتیان بها فی صلاة الفجر مشروع!
2- انفرد المزنی بهذا القول، فلم ینقل أحد من المحدّثین والعلماء عن الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام فی تشریع التثویب روایة، نعم ادعی ابن تیمیة فی (شرح العمدة 4 : 109) بأنّ الشافعی رواه عن الإمام علی فی القدیم، وکأن مستند کلامه قول المزنی لا غیر، فافهم . بلی توجد روایات عن بلال عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی کتب السنن تشیر إلی التثویب، لکن طرقها ضعیفة حسبما ستقف علیه لاحقاً فی الفصل الثانی من هذا الکتاب تحت عنوان : « الصلاة خیر من النوم، روایةٌ أم رأی » .
3- من الثابت عند جمیع العقلاء فضلاً عن المسلمین هو الأخذ بالرأی الأخیر للشخص حینما یُنقَل عنه قولان، والشافعی نُقل عنه قولان فی هذه المسألة، فی حین نری الشافعیة یخالفون هذه القاعدة العقلیة والشرعیة فی عدة مسائل أخذوها من الإمام الشافعی - منها مسألة التثویب - فیرجّحون رأیه القدیم علی الجدید، لماذا ؟ إنها مسألة تحتاج إلی بحث ودراسة !! أُنظر: فتاوی ابن الصلاح 1 : 225، إعلام الموقّعین 4 : 239.
4- هذا الکلام غیر صحیح من المزنی أیضاً، لأنّ الشافعی صرح بکراهته للزیادة فی الأذان والتثویب بعده ؛ لقوله «فأکره الزیادة فی الأذان وأکره التثویب بعده»، ومعنی کلامه هو ردّه علی ثبوت هذه الزیادة عن رسول اللّه أو عن أبی محذورة !! بل فی کلامه ما یشیر إلی وقوفه علی خیوط خفیّة فی هذا الأمر لا یرید البوح عنها؛ لأن العدول عن رأی إلی رأی آخر لا یمکن تصوّره إلّا بعد تأنٍّ طویل واطمئنان راسخ. وأما قوله «وقیاس قولیه أن الزیادة أولی به فی الأخبار، کما أخذ فی التشهد بالزیادة وفی دخول النبی البیت بزیادة ...» فهو غیر صحیح أیضاً، لأنّ الشافعی قال بالزیادة فی تلک الموارد علی أساس روایات کانت موجودة عنده دالة علی ما ذهب إلیه، أما فیما نحن فیه فالأمر خلاف ذلک وحیث یختلف عنه اختلافاً جذریّاً.

ص:72

دخول النبی البیت بزیادة أنه صلی الله علیه و آله صلّی فیه وترک من قال لم یفعل...((1))

وقد فصّل الرافعی فی (فتح العزیز) هذه المسألة وقال:

فیه قولان:... القدیم أنه یثوّب والجدید أنه لا یثوّب. والثانی: القطع بأنه یثوّب، وبه قال مالک وأحمد لما روی عن بلال رضی الله عنه قال: قال رسول الله: لا تثوّبنّ فی شیء من الصلاة إلّا فی صلاة الفجر... وإنما کرهه فی الجدید معلّلاً بأن أبا محذورة لم یحکِه، وقد ثبت عن أبی محذورة أنه قال: علّمنی رسول الله الأذان وقال: إذا کنت فی أذان الصبح فقلت «حی علی الفلاح» فقل «الصلاة خیر من النوم» مرتین. فیحتمل أنّه لم یبلغه عن أبی محذورة وبنی التثویب فی القدیم علی روایة غیره((2))، ویحتمل أنه بلغه فی القدیم ونسیه فی الجدید، وعلی کل حال فاعتماده فی الجدید علی خبر أبی محذوره وروایته فکأنه قال: مذهبی ما ثبت فی حدیثه((3)).

وقال النووی فی (المجموع): وأمّا التثویب فی الصبح ففیه طریقان: الصحیح


1- مختصر المزنی : 12 .
2- سنثبت لاحقاً أنّ کلّ ما استدلوا به علی شرعیة «الصلاة خیر من النوم» فی أذان الصبح الشرعی ضعیف، سواء فی ذلک ما ورد عن بلال أو ما ورد عن أبی هریرة، وحتی ما نُقل عن أبی محذورة، فالذی یجوز قوله فیه هو: أنّ أولاد أبی محذورة وسعد القرظ هم الذین وضعوا هذه الأخبار ونسبوها إلی آبائهم، أما ما انفرد به المزنی عن الإمام علی فلم نعثر علیه فی المعاجم الحدیثیة رغم تتبّعنا الکثیر له.
3- فتح العزیز 3 : 169 - 171.

ص:73

الذی قطع به المصنف والجمهور أنه مسنون قطعاً لحدیث أبی محذورة. والطریق الثانی فیه قولان:

أحدهما هذا ((1)) وهو القدیم، ونقله أبو الطیب وصاحب الشامل عن نص الشافعی فی البویطی، فیکون منصوصاً فی القدیم والجدید، ونقله صاحب التتمة عن نص الشافعی فی عامة کتبه.

والثانی وهو الجدید أنه یکره، وممن قطع بطریقة القولین الدارمی، وادّعی إمام الحرمین أنها أشهر، والمذهب أنّه مشروع، فعلی هذا هو سنة لو ترکه صح الأذان وفاتته الفضیلة، هکذا قطع به الأصحاب((2)).

وعلیه فالسیرة جرت عند الشافعیة علی التأذین به فی الفجر خاصة رغم رجوع الشافعی فی الجدید عما کان یفتی به فی القدیم، وهذا یدلّ علی شیء مّا، یجب تفصیله وبسط الکلام فیه.

التثویب عند الحنابلة

قال الترمذی فی (سننه): قد اختلف أهل العلم فی تفسیر التثویب، فقال بعضهم: التثویب أن یقول فی أذان الفجر « الصلاة خیر من النوم »، وهو قول ابن المبارک وأحمد.

وقال إسحاق فی التثویب غیر هذا، قال: هو شی أحدثه الناس بعد النبی صلی الله علیه و آله ، إذا أذّن فاستبطأ القوم، فقال بین الأذان والإقامة « قد قامت الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح ». وهذا الذی قاله إسحاق هو التثویب الذی کرهه أهل


1- أی ما حُکی عن الشافعی فی القدیم .
2- المجموع للنووی 3 : 101.

ص:74

العلم والذی أحدثوه بعد النبی صلی الله علیه و آله ، والذی فسّر ابن المبارک وأحمد أن التثویب أن یقول المؤذن فی أذان الفجر «الصلاة خیر من النوم» وهو قول صحیح ویقال له التثویب أیضاً، وهو الذی اختاره أهل العلم ورأوه((1)).

وقال أحمد بن حنبل: حدّثنا شعیب بن حرب، قال: قلت لمالک بن أنس: إنّ الصبح ینادی لها قبل الفجر ؟ فقال: قال رسول الله: إنّ بلالاً یؤذن بلیل فکلوا واشربوا، قلت: ألیس قد أمره النبی أن یعید الأذان ؟ قال: لم یزل الأذان عندنا بلیل.

وقال أبو بکیر: قال مالک: لم یزل الصبح ینادی بها قبل الفجر فأما غیرها من الصلاة فإنا لم نر ینادی بها إلّا بعد أن یحل وقتها ((2)).

قال الخرقی فی (مختصره): ویذهب أبو عبدالله إلی أذان بلال وفیه یقول فی أذان الصبح « الصلاة خیر من النوم » مرتین((3)).

وقال ابن قدامة فی (المغنی):

ولنا ما روی النسائی وأبو داود عن أبی محذورة قال: قلت: یا رسول الله علمنی سنة الأذان. فذکره إلی أن قال بعد قوله حی علی الفلاح: فان کان فی صلاة الصبح قلت «الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم» الله أکبر الله أکبر، لا إله إلّا الله. وما ذکروه قال إسحاق: هذا شیء أحدثه الناس.. وقال الترمذی: وهو التثویب الذی کرهه أهل العلم.


1- سنن الترمذی 1 : 380 - 381، الباب 45.
2- تنقیح التحقیق للحنبلی 1 : 285 / الرقم 417، التحقیق فی احادیث الخلاف لابن الجوزی 1 : 310 /الرقم 380، الموطّا لمالک : 72، القبس فی شرط موطّأ مالک بن أنس 1 : 178.
3- مختصر الخرقی 1 : 23 . وأنت تعلم بأنّ أذان بلال کان بلیل حسب روایاتهم، فلا یمکن تشریعه للصبح، فتأمل .

ص:75

ویُکره التثویب فی غیر الفجر سواء ثوّب فی الأذان أو بعده ؛ لما روی عن بلال قال: أمرنی رسول الله أن اثوّب فی الفجر ونهانی أن اثوّب فی العشاء، رواه ابن ماجة((1)).

وقال المرداوی فی (الإنصاف)، قوله: «ویقول فی أذان الصبح: الصلاة خیر من النوم مرتین». لا نزاع فی استحباب قول ذلک، ولا یجب علی الصحیح من المذهب، وعلیه جماهیر الأصحاب، وعنه: یجب ذلک. جزم به فی (الروضة)، واختاره ابن عبدوس فی (تذکرته)، وهو من المفردات...

ویکره التثویب فی غیر أذان الفجر، ویکره بعد الأذان أیضاً، ویکره النداء بالصلاة بعد الأذان، والأشهر فی المذهب: کراهة نداء الأمراء بعد الأذان وهو قوله « الصلاة یا أمیر المؤمنین » ونحوه. قال فی (الفصول): یکره ذلک لأنه بدعة، ویحتمل أن یخرجه عن البدعة لفعله زمن معاویة!!((2))

وخلاصة الکلام أن الحنابلة تقول بالتثویب فی صلاة الصبح خاصّة، مستدلّین علی ذلک بروایة بلال وأبی محذورة، وحیث إنّ بلالاً کان یؤذن بلیل حسب نصوصهم فلا یمکن الاستدلال به للصبح خاصّة. وأمّا روایة أبی محذورة فلم تثبت حکایته ذلک عن رسول الله حسبما مَرَّ علیک قول الشافعی فیه قبل قلیل، وقد یکون لأجل هذا قال المرداوی: لا نزاع فی استحباب قول ذلک، ولا یجب علی الصحیح من المذهب.


1- المغنی 1 : 245، وانظر: سنن ابن ماجة 1 : 237 / ح 715.
2- الإنصاف 1 : 413 - 414 .

ص:76

التثویب عند الإمامیّة الاثنی عشریة

قال الشیخ الطوسی فی (الخلاف): لا یستحب التثویب فی حال الأذان ولا بعد الفراغ منه، وهو القول ب- « الصلاة خیر من النوم » فی جمیع الصلوات((1)).

وفی (النهایة): ولا یجوز التثویب فی الأذان ... ولا یجوز قول «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان، فمن فعل ذلک کان مبدعاً((2)).

کما قال الشیخ فی (المبسوط)((3)) والمرتضی فی (الانتصار)((4)) بکراهته، وقال ابن البراج فی (جواهر الفقه): بدعة وخلاف السنة((5)).

وقال ابن الجنید: لا بأس به فی أذان الفجر خاصة((6)).

وقال الجعفی: تقول فی أذان صلاة الصبح بعد قولک: حی علی خیر العمل، حی علی خیر العمل «الصلاة خیر من النوم» مرتین ولیستا من أصل الأذان((7)).

وقال ابن إدریس فی (السرائر)((8)) وابن حمزة الطوسی فی (الوسیلة)((9)) بالتحریم، وهو ظاهر اختیار الشیخ فی (النهایة)((10)). سواء فی ذلک أذان الصبح وغیره.


1- الخلاف 1 : 286 - المسألة 30.
2- النهایة : 67.
3- المبسوط 1 : 95.
4- الانتصار : 137، وقال فی الناصریات : 183، والرسائل 1 : 279: بدعة.
5- جواهر الفقه : 257، وانظر: المهذب 1 : 89.
6- نقله عنه فی: الذکری : 169 .
7- انظر: الذکری 3 : 238 - الفصل 13، مدارک الأحکام 3 : 291.
8- السرائر 1 : 212، وفیه: لا یجوز التثویب فی الأذان.
9- الوسیلة : 92 وفیه: عُدّ التثویب من المحظورات إلّا إذا أراد تنبیه قوم.
10- النهایة : 67 .

ص:77

وقال المحقق الحلی فی (المعتبر) و(المختصر) بکراهة القول فی أذان الصبح وغیرها «الصلاة خیر من النوم»((1)). وقال محمد بن السعید الحلی فی (الجامع): بدعة((2)).

وقال العلاّمة الحلی فی (تذکرة الفقهاء): التثویب عندنا بدعة، وهو قول «الصلاة خیر من النوم»((3)). وقال: بتحریمه فی (التبصرة)((4)). وکذا ابن العلامة فی (الإیضاح)((5)). وعن الشهید الأول فی (البیان): الأقرب التحریم إلّا للتقیة((6)). وفی (الذکری) قال بالکراهیة((7))، وذهب ابن فهد إلی الکراهیة أیضاً ((8)). وقال الکرکی بالتحریم((9)). والشهید الثانی والمحقق الاردبیلی: بدعة((10)).

وقال السیّد العاملی فی (مدارک الأحکام): واختلف الأصحاب فی حکم التثویب فی الأذان - الذی هو عبارة عن قول: «الصلاة خیر من النوم» - بعد اتفاقهم علی إباحته للتقیة، والمعتمد التحریم ؛ لنا أن الأذان عبادة متلقاة من صاحب الشرع، فیُقتصَر فی کیفیتها علی المنقول، والروایات المنقولة عن أهل البیت


1- المعتبر 2 : 144، المختصر النافع : 28.
2- الجامع للشرایع : 71.
3- تذکرة الفقهاء 3 : 47 / المسألة 60، وانظر: إرشاد الأذهان 1 : 251، نهایة الأحکام 1 : 415.
4- تبصرة المتعلمین : 45.
5- إیضاح الفوائد 1 : 96.
6- البیان : 71.
7- الذکری : 175.
8- المهذب البارع 1 : 315.
9- جامع المقاصد 2 : 189.
10- روض الجنان: 246، مجمع الفائدة 2 : 177.

ص:78

خالیة من هذا اللفظ، فیکون الإتیان به تشریعاً محرماً ((1)).

وحکی المحقق فی (المعتبر): أن فی کتاب أحمد بن محمد بن أبی نصر البزنطی من أصحابنا قال: حدثنی عبدالله بن سنان، عن أبی عبدالله الصادق علیه السلام قوله:... إذا کنت فی أذان الفجر فقل «الصلاة خیر من النوم» بعد «حی علی خیر العمل»، وقل بعده «الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله»، ولا تقل فی الإقامة «الصلاة خیر من النوم» إنما هو فی الأذان.

ثمّ نقل عن الشیخ فی (الاستبصار) أنه حمل ذلک علی التقیة، ثم قال: لست أری هذا التأویل شیئاً، فإنّ فی جملة الأذان «حی علی خیر العمل» وهو انفراد الأصحاب، فلو کان للتقیة لما ذکره، لکن الوجه أن یقال: فیه روایتان عن أهل البیت أشهرهما ترکه((2)).

ویمکن الجواب عنه: بأنّه لیس فی الروایة تصریح بأنّه یقول: حی علی خیر العمل جهراً، فیحتمل أن یکون المراد أنّه قال ذلک سرّاً، یقول بعده «الصلاة خیر من النوم» لکن هذه الروایة مخالفة لما علیه الأصحاب من تربیع التکبیر فی أول الأذان وتثنیة التهلیل فی آخره، وکیف کان فالمذهب ترک التثویب مطلقاً.

وقال المحقق الکرکی فی (جامع المقاصد): وعلی کل حال فالتثویب حرام فی الأذان والإقامة. وبینهما، فی أذان الصبح وغیره علی الأصح ؛ لأنّ الأذان والإقامة متلقیان من الشرع کسائر العبادات التی لا مدخل للعقل فیها، فالزیادة فیها تشریع فتکون محرمة((3)).


1- مدارک الأحکام 3 : 291 .
2- المعتبر 2 : 144 - 145، وانظر الروایتین فی: وسائل الشیعة 5 : 426 - الباب 22/ ح 6994، 6995.
3- جامع المقاصد 2 : 190. ولنا تحقیق فی هذه الروایة وأمثالها، راجع کتابنا (أشهد أنّ علیاً ولی الله).

ص:79

وفی صحیحة معاویة بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عن التثویب الذی یکون بین الأذان والإقامة؟ فقال: ما نعرفه((1)).

وإنا إن شاء الله سنوضّح رأی مدرسة أهل البیت فی بدعیتها((2))، وعدم جواز الأذان بها لا فی الصبح ولا فی غیره إلّا تقیة.

التثویب عند الزیدیة

جاء فی کتاب (الاحکام): قال یحیی بن الحسین (ت 298 ه-): وقد صح لنا أنّ «حیّ علی خیر العمل » کانت علی عهد رسول الله یُؤذَّن بها، ولم تُطرح إلّا فی زمن عمر بن الخطاب، فإنّه أمر بطرحها وقال: أخاف أن یتّکل الناس علیها، وأمر بإثبات « الصلاة خیر من النوم »((3)).

وقال الإمام المؤید بالله أبو طالب یحیی بن الحسین الهارونی (ت 424 ه-) فی کتاب (التحریر)، قال القاسم: الصلاة خیر من النوم محدث ضعیف، أحدثوها فی زمان عمر ((4)).

وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة الحسنی (ت 614 ه-): لا ترجیع فی الأذان ولا تثویب، وهو قوله: الصلاة خیر من النوم((5)).


1- الفقیه 1 : 188 /895، الکافی 1 : 303 /6، وسائل الشیعة 5 : 426 /6994.
2- فی فصلٍ خاص لم یدوّن بعد.
3- الإحکام فی الحلال والحرام 1 : 84 .
4- التحریر
5- المهذب

ص:80

وقال الإمام أحمد بن المرتضی ( ت 840 ه-) فی (شرح الأزهار): والتثویب بدعة((1)).

وقال الإمام الزیدی القاسم بن محمد (ت 1029 ه-) فی کتابه «الاعتصام بحبل الله» وفی «شرح التجرید»: وروی بن أبی شیبة قال: حدثنا عبدة بن سلیمان، عن هشام بن عروة، عن رجل یقال له إسماعیل قال: جاء المؤذن یؤذن عمر بصلاة الفجر فقال: الصلاة خیر من النوم، فأُعجب عمر بها، وأمر المؤذّن أن یجعلها فی أذانه، وهو فی (أصول الأحکام) وفی (الشفا).

وفیه أیضا: ورُویَ عن ابن جریج قال: أخبرنا عمر بن حفص أنّ جده سعد القرظ أول من قال: «الصلاة خیر من النوم» بخلافة عمر، وبتوفی أبی بکر، فقال عمر: بدعة، وهو فی (أصول الأحکام)، وفی (الشفا).

وفی (شرح التجرید)...: وروی أبو بکر بن أبی شیبة، قال: حدثنا وکیع، عن إسرائیل، عن حکیم بن جبیر، عن عمران بن أبی الجعد، عن الأسود بن یزید أنّه سمع موذناً یقول فی الفجر «الصلاة خیر من النوم» فقال: لا تزیدوا فی الأذان ما لیس فیه، وهذا فی (أصول الأحکام)، وفی (الشفا).

وفی (الشفا) أیضاً: سُئل طاووس، وحسن بن مسلم جالس عنده، فقال له رجل: یا أبا عبدالرحمن، متی قیل «الصلاة خیر من النوم» ؟ فقال طاووس: أما إنّها لم تُقَل علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، قال: فثبت أنّه مُحدَث کما قاله القاسم - إلی أن یقول -:

قلت وبالله التوفیق: وکفی بهذا جرحاً عن رفعه إلی النبی، لأنّ إنکارهم


1- شرح الازهار 1 : 224 .

ص:81

متضمن لتکذیب مَن رفعه، والله الهادی((1)).

وقال أحمد بن قاسم العیسی الیمانی الزیدی فی «التاج المُذهَّب لأحکام المذهب»: فصل: وهما (أی الأذان والإقامة) مَثنی، إلّا التهلیل فی آخرهما فإنّه مرة واحدة، ومنهما (حیَّ علی خیر العمل). یعنی أن من جملة ألفاظ الأذان والإقامة (حیَّ علی خیر العمل) بعد: حیَّ علی الفلاح.

والتثویب عندنا بدعة، سواءً کان فی أذان الفجر أو فی غیره، ومحلّه فی الأذان فقط بعد «حی علی الفلاح» قول المؤذّن «الصلاة خیر من النوم»((2)).

وجاء فی (نیل الأوطار) للشوکانی((3)):... وذهبت العترة والشافعی فی أحد قولیه إلی أن التثویب بدعة، قال فی (البحر): أحدثه عمر، فقال ابنه: هذه بدعة، وعن علی حین سمعه: لا تَزیدوا فی الأذان ما لیس منه، ثم قال بعد أن ذکر حدیث أبی محذورة، وبلال:

قلنا: لو کان لِما أنکره علی وابن عمر وطاووس، سلّمنا، فأمرُنا به إشعاراً فی حال لا شرعاً، جمعاً بین الآثار((4)).

وعلیه، فالثابت الذی لا خلاف فیه أنّ الزیدیة مثل الإمامیة تری بدعیة «الصلاة خیر من النوم» فی الفجر وغیره.


1- الاعتصام بحبل الله 1 : 282 .
2- التاج المذهَّب لأحکام المذهب 1 : 88 - الفصل 43.
3- علی القول بأنّه استمرّ علی مذهب الإمام زید ولم یستقل بالاجتهاد.
4- نیل الأوطار 2 : 18 - عن البحر . وانظر: السیل الجرار 1 : 206 وفیه کلام آخر.

ص:82

التثویب عند الإسماعیلیة

قال القاضی نعمان بن محمد بن حیّون الاسماعیلی (ت 363 ه-) فی (الإیضاح): اختلف الرواة عن أهل البیت - صلوات الله علیهم - فی التثویب فی أذان الفجر، وما بین الأذان والإقامة، ففی کتاب (الصلاة) من روایة أبی ذر أحمد بن الحسین بن أسباط، عن معاویة بن وهب قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد عن التثویب الذی بین الأذان والإقامة، فقال: ما أعرفه.

وفی کتاب (یوم ولیلة) و(الجامع) من کتب طاهر بن زکریا، و(جامع الحلبی)، وکتاب (الصلاة) من روایة أبی ذر أحمد بن الحسین بن أسباط عن أبی عبد الله جعفر ابن محمد.

وفی کتاب حمّاد بن عیسی((1)) عن أبی جعفر فیما حُکیت من هذه الکتب من کیفیة الأذان أنّ الرواة فیها قالوا عمن ذکرته من الائمة: إنّ المؤذن یقول فی صلاة الفجر فی الأذان بعد قوله: « حی علی خیر العمل » «الصلاة خیر من النوم»، وقالوا: لیس هو من الأذان، وقال بعضهم: هو التثویب، وقال بعضهم: وإن شئت أن تقول موضع « الصلاة خیر من النوم » «حی علی الصلاة، حی علی الفلاح» یعنی بین الأذان والإقامة فافعل. فأما ما جاء من قول المؤذن: « الصلاة خیر من النوم » فالعمل علی ترکه((2)).


1- روایته عن حریز عن زرارة بن أَعین .
2- الإیضاح - المطبوع فی مجموعة میراث حدیث شیعه 10 : 123؛ وانظر: الحبل المتین للشیخ البهائی : 204 - فصول الأذان والإقامة، ووسائل الشیعة 5 : 426 - الباب 22 / ح 6994.

ص:83

خلاصة واستنتاج

بهذا فقد اتضح لک أنّ السیرة العملیة عند أتباع المذاهب الأربعة کان الإیتان ب- «الصلاة خیر من النوم» فی الصبح خاصة، وإن کان أئمة المذاهب الأربعة لا یرتضون ذلک فی کتبهم، وقد مَرّ علیک کلام بعضهم ما یدلّ علی عدم شرعیتها عندهم. بخلاف نظر الشیعة بفرقها الثلاث، فقد اتفقت: الإمامیة الاثنا عشریة، والزیدیة، والإسماعیلیة علی جزئیة «حی علی خیر العمل» وبدعیة «الصلاة خیر من النوم» ، وفی هذا الاتفاق تأکید علی تخالف النهجین فی الفقه، وکون ما تذهب إلیه مدرسة الإمامة هو سنة رسول الله صلی الله علیه و آله ، ویؤیّده ما وضّحناه من کلام أئمّة المذاهب الأربعة.

إذ إنّ فی کلام أبی حنیفة النعمان بن ثابت (ت 150 ه-) وتلمیذه محمد بن الحسن الشیبانی (ت 189 ه-) التصریح بأنّ التثویب کان بعد الأذان «الصلاة خیر من النوم»، فأحدث الناس تثویباً آخر [حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، مرتین مرتین]»((1)).

وقد حکی الشیبانی أیضاً عن أهل الحجاز = (مکة) أنّهم کانوا یقولون «الصلاة خیر من النوم» بعد فراغ المؤذن من «حی علی الفلاح»، وأنّ الأسود بن یزید سمع مؤذناً أذّن بذلک، فقال له: «ویحک لا تزد!».

وقال أبو یوسف القاضی (ت 182 ه-): التثویب بین الأذان والإقامة لا تجعله


1- هذا ما حکاه الشیبانی قبل قلیل عن أبی حنیفة فی (موطّئه) وفی کتاب (الآثار) و(الصلاة).

ص:84

فی صلب الأذان.

وبهذا تری أنّ أبا حنیفة وتلمیذیه لا یعتقدان بشرعیة «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان الشرعی، ومعناه: أنّ التثویب کان یُؤتی به للأذان الاول - قبل الفجر - لا لأذان الفجر، ثمّ أُدخل تدریجاً شیئاً فشیئاً فی أذان الفجر، وذلک لاتحاد التعلیل مع العلة - عند الفقهاء !! -، لأنّ ما عللوه للأذان الأول قبل الفجر بأنّه شرّع لإیقاظ النائم وتنبیه الغافل، یتفق مع تعلیل وضع جملة «الصلاة خیر من النوم» لإیقاظ النائمین، ویؤید هذا ما قیل فی کراهة التثویب فی غیر الفجر، واختصاص الفجر بأذانین، وهو ما فهمناه من نصوص الحنفیة.

أمّا الإمام محمد بن إدریس الشافعی (ت 204 ه-) فکان یذهب فی القدیم إلی القول بها جریاً مع فهم جمهور الناس لها، لکن لمّا أتضح له عدم حکایة أبی محذورة التثویبَ عن رسول الله صلی الله علیه و آله رجع عن رأیه فی الجدید بقوله: «أکره الزیادة فی الأذان وأکره التثویب بعده».

أمّا الإمام مالک بن أنس (ت 179 ه-) فقد استدلَّ علی شرعیة التثویب بروایة أبی محذورة، لکنه حصر التثویب فی «الاولی من الصبح»، وحیث نعلم بأنّ الجمهور خصوا الفجر بأذانین: الاول لإیقاظ النائم، والثانی للفجر الصادق، فیکون معنی کلام مالک بن أنس هو قوله بعدم ثبوتها لأذان الصبح، وذلک لتخصیصه ب- «الاولی من الصبح»، أی إن هذا الأذان مشروع للأذان الاول فی اللیل لا للصبح.

أما ما قالوه عن جملة مالک وأنّها تعنی الأذان الشرعی قیاساً مع الإقامة الذی هو الثانی للفجر، فهذا الکلام باطل، لان الإقامة لا تسمی أذاناً هذا أوّلاً.

وثانیاً: قد یمکن تصحیح ما احتملوه لو أخذنا الأمور بعیداً عن ملابساتها، فی

ص:85

حین مر علیک کلام محمد بن ادریس الشافعی والنعمان بن ثابت وغیرهم من أن المعنی بالأذان الأول هو ما یؤذّن به قبل الفجر لا فیه.

وبذلک یکون معنی کلامنا أنّ أئمّة المذاهب: النعمان بن ثابت، والشافعی، وحتّی مالکاً کانوا لا یقولون بشرعیة التثویب فی أذان الفجر.

وأما الإمام أحمد (ت 241 ه-) فقد استدل علی شرعیة التثویب بروایة أبی محذورة وما جاء عن بلال، وقد فنّدناهما فی هذه الدراسة.

ولا أدری کیف استدل أحمد علی حصر التثویب بالصبح خاصة مستدلاً بفعل بلال الحبشی مع وقوفه علی تصریح مالک بن أنس بأن بلالاً کان یؤذن بلیل !!

وعلی هذا فلا یجوز لأحمد أن یستدل علی شرعیة التثویب بالروایتین((1)).

فأما روایة أبی محذورة فلم تثبت حکایته عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهذا ما قاله الشافعی قبل قلیل، مع أنّ أحمد حکی تلک الروایة عن أبی محذورة - کما روتها الکتب الستة أیضاً - عن عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة ولیس فیها «الصلاة خیر من النوم»، وهذه الروایة خیر من اخواتها الروایات الأخری الموجودة فی مسنده والمرویة بأسانید متصلة.

وعلیه((2))، نفهم أنّ جملة «الصلاة خیر من النوم» هی مما کان یؤتی بها «فی الاولی من الصبح» أی قبل الفجر ؛ أمّا أصحاب المذاهب الأربعة فکانوا یریدون الذهاب إلی شرعیتها فی الصبح خاصة، فی حین أنّ روایة أبی محذورة لا یمکن الاستدلال بها لهذا


1- أی 1- روایة أبی محذورة 2- روایة بلال.
2- حسب روایة مالک آنفة الذکر.

ص:86

الغرض.

وأمّا روایة بلال فهی الأخری لا یمکنه الاستدلال بها أیضاً، لأنّ الثابت المشهور عندهم هو أنّ بلالاً کان یؤذن بلیل وأنّ ابن أم مکتوم کان یؤذن للصبح، ومعنی کلامهم عدم مشروعیة «الصلاة خیر من النوم» فی الصبح، لعدم ثبوت اذان ابن أم مکتوم بها . وحتّی لو صح الخبر عن بلال فلا یمکن الاستدلال به؛ لأنّه ثبت أنّه کان یأتی بها فی اللیل قبل الفجر((1)).

ویضاف إلی ذلک أنّ الألبانی نقل عن الصنعانی فی (سبل السلام) قال ابن ارسلان:... وصحح هذه الروایة ابن خزیمة.

قال: فشرعیة التثویب إنما هی فی الأذان الأول للفجر لأنّه لإیقاظ النائم، وأمّا الأذان الثانی فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلی الصلاة، انتهی من «تخریج الزرکشی لأحادیث الرافعی» ومثل ذلک فی «سنن البیهقی الکبری» عن أبی محذورة: أنّه کان یثوب فی الأذان الأول من الصبح بأمره صلی الله علیه و آله .

قلت: وعلی هذا لیس «الصلاة خیر من النوم» من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلی الصلاة والإخبار بدخول وقتها، بل هو من الألفاظ التی شُرِّعت لإیقاظ النائم، فهو کألفاظ التسبیح الأخیر الذی اعتاده الناس فی هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأول»((2)).


1- سنتعرض لما رُوی عن بلال وغیره فی الفصل اللاحق إن شاء الله تعالی .
2- تمام المنة فی التعلیق علی فقه السنّة 1 : 146- 147، وانظر: سبل السلام 1 : 120 .

ص:87

وبهذا نکون قد عرفنا - حسب النصوص السابقة والروایات التی نقلها أهل السنة فی کتبهم الحدیثیة والفقهیة - أنّ هذه الجملة مرت بعدة مراحل، منها:

1 - أن «الصلاة خیر من النوم» کانت تقال فی اللیل قبل الفجر لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین لا أنّهم کانوا یقولون بها علی أنّها سنّة، أی أنّها جاءت فی اللیل للتنبیه فقط.

2 - ثم أتوا بها بعد الأذان وقبل الإقامة لا علی أنّها سنة رسول الله لا للدعوة إلی الصلاة.

3 - فی بعض النصوص تقف علی أنّ عمر بن الخطاب کان قد أدخلها فی أذان الفجر ووضعها بدیلاً عن (حی علی خیر العمل) لحاجة فی نفسه ! وهذا یوضح دور الرأی فی تثبیت هذه الشعیرة.

4 - ثم أُدخلت فی وقت متأخر - فی مکّة - فی الأذان الشرعی، أی فی أذان الفجر، وقد اعترض الأسود بن یزید علی ذلک.

5 - فی زمن التابعین أتوا بجملة «حی علی الصلاة، حی علی الفلاح» کتثویب ثان بعد الأذان.

6 - زیدت جملة: الصلاة یا أمیر المؤمنین والسلام علی الأمراء بعد الأذان فی عهد معاویة، وقیل قبل ذلک فی عهد عمر بن الخطاب علی وجه الخصوص.

کان هذا خلاصة ما جاء فی هذا الفصل، وسیتّضح لک تفصیل هذه الأمور أکثر فأکثر فی الصفحات القادمة إن شاء الله تعالی.

ص:88

ص:89

الفصل الثانی: الصلاة خیر من النوم روایة أم رأی؟

اشارة

ص:90

ص:91

ویقع الکلام فیه فی قسمین:

القسم الأول: مناقشة ما حکی عن رسول الله صلی الله علیه و آله .

القسم الثانی: تفسیر ظاهرة اختصاص الصبح بأذانین دون غیره من المواقیت، وهل أنّ بلالاً أذن بلیل أم بصبح ؟

وکیف یمکن تصوّر إمامَین لصلاةٍ واحدة؟!

ص:92

ص:93

القسم الأوّل: مناقشة الروایات النبویة
اشارة

هی علی نوعین:

1. المجملة

2. المصرّحة

ص:94

ص:95

استدلّ أعلام أهل السنة والجماعة علی شرعیة « الصلاة خیر من النوم » فی اذان الفجر بنوعین من الروایات:

النوع الأول: الروایات المجملة، وهی الروایات التی لم یصرّح فیها الراوی بالمقصود من کلمة «ثوّبْ فی الفجر»، أو «لا تثوِّبنَّ.. إلّا فی الفجر»، أو «أمرنی رسول الله أن أثوّب» وأمثالها، وهل أنّه یرید منها جملة: «الصلاة خیر من النوم»، أو جملة: «قد قامت الصلاة»، أو غیرها من الأقسام الأربعة التی ذکرناها قبل قلیل فی معنی التثویب اصطلاحاً... مع معرفتنا بأنّ المشهور عندهم بالتثویب هو قول المؤذن فی أذان الفجر «الصلاة خیر من النوم» لا غیر.

النوع الثانی: الروایات المصرِّحة بأنّ «الصلاة خیر من النوم» هی جزء من الأذان الشرعی فی الصبح خاصّة.

والآن فلنناقش الروایات المجملة أوّلاً - سنداً ودلالة - ثمّ نأتی بعدها إلی مناقشة الروایات المصرّحة بأنّها «الصلاة خیر من النوم» لا غیر.

ص:96

ص:97

النوع الأوّل: مناقشة الروایات المجملة
اشارة

ص:98

ص:99

وهی المرویّة: إمّا عن بلال الحبشی، أو عن أبی محذورة.

فأمّا المرویة عن بلال فهی مرویة من خلال ثلاثة طرق:

1- طریق عبد الرحمن بن أبی لیلی عنه.

2- طریق عطاء عن سوید عن بلال.

3- طریق طلحة عن سوید عن بلال.

وأمّا المرویّة عن أبی محذورة فهی مرویّة من طریق واحد، وهو عطاء بن أبی رباح. وإلیک الآن هذه المناقشة:

1 - روایات بلال الحبشی
ما رواه عبدالرحمن بن أبی لیلی عنه

الإسناد الأوّل

· ابن ماجة: حدثنا أبو بکر بن ابی شیبة، حدثنا محمد بن عبدالله الاسدی، عن ابی اسرائیل، عن الحکم، عن عبدالرحمن بن ابی لیلی عن بلال، قال:

أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله أن أثوّب فی الفجر ونهانی أن أثوّب فی العشاء((1)).


1- سنن ابن ماجة 1 : 237 /ح 751، مسند البزار 4 : 208 / ح 1373، وفیه: وهذا الحدیث لا نعلم رواه عن الحکم إلّا أبو إسرائیل. وانظر: مسند الرویانی 2 : 20 / ح 760، المعجم الکبیر 1 : 358 /ح 1093 .

ص:100

المناقشة

فی هذا الاسناد إسماعیل بن خلیفة العبسی أبو اسرائیل بن ابی إسحاق الملائی، قال إبراهیم بن یعقوب الجوزجانی: مفترٍ زائغ((1)).

وقال النسائی: ضعیف((2))، وفی آخر: لیس بثقه((3)).

وقال البخاری: تَرَکه ابن المهدی، وضعّفه أبو الولید((4)).

وقال العقیلی: فی حدیثه وهمٌ واضطراب، وله مع ذلک مذهب سوء ، وقال ابن سعد: یقولون: إنّه صدوق، وقال حسین الجعفی: کان طویل اللحیة أحمق((5)).

وسُئل ابن معین عنه فقال: أصحاب الحدیث لا یکتبون حدیثه، وفی موضع آخر قال: سمعت یحیی یقول: أبو إسرائیل ضعیف((6)).

وقال إسحاق بن منصور عن یحیی بن معین: صالح الحدیث، وقال معاویة ابن صالح عن یحیی [بن معین]: ضعیف((7)).

قال ابن حِبّان: کان رافضیاً یشتم أصحاب محمد، ترکه ابن مهدی وحمل علیه


1- تهذیب الکمال 3 : 80 / ت 440 .
2- تهذیب الکمال 3 : 80 / ت 440 .
3- کتاب الضعفاء والمتروکین : 18 / ت 43.
4- التاریخ الکبیر 1 : 346 / ت 1091، الضعفاء الصغیر: 15 / ت 15.
5- تهذیب التهذیب 1 : 256 / ت 545.
6- الضعفاء للعقیلی 1 : 76 / ت 80 .
7- تهذیب الکمال 3 : 78 / ت 440، وتهذیب التهذیب 1 : 256 / ت 545، وعن الدوری أنّه وثّقه أنظر: تاریخه 3 : 270 / ت 1278.

ص:101

أبو الولید الطیالسی حملاً شدیداً، وهو مع ذلک مُنکَر الحدیث((1)).

وقال أبو حاتِم: حسن الحدیث ، جیّد اللقاء وله أغالیط ، لا یُحتَجّ بحدیثه، ویکتب حدیثه ، وهو سیّئ الحفظ ((2)).

وقال سبط ابن العجمی فی ( التبیین لأسماء المدلِّسین ): أبو إسرائیل الملّائی واسمه إسماعیل بن أبی إسحاق متکلّم فیه، وخرّج الترمذی من طریقه عن الحکم عن عبدالرحمن بن أبی لیلی عن بلال حدیث «لا تُثوّبنّ فی شیء من الصلوات إلّا فی صلاة الفجر».

قال الترمذی: لم یسمع أبو إسرائیل هذا الحدیث من الحکم، یقال: إنّما رواه عن الحسن بن عمارة عنه((3)).

وقال البخاری فی (تاریخه الکبیر): یضعّفها أبو الولید، قال: سألته عن حدیث ابن أبی لیلی عن بلال (ت ق) وکان یرویه عن الحکم فی الأذان، فقال: سمعته من الحکم أو الحسن بن عمارة((4)).


1- کتاب المجروحین 1: 124 /ت 41. أُنظر إلی الشناعة التی یتمسکون بها فی التجریح: (کان رافضیاً) وفی قول الذهبی: (شیعیاً بغیضاً) فکیف یکون رافضیاً وشیعیاً بغیضاً ویروی جملة الصلاة خیر من النوم التی لا تتفق مع الفکر الشیعی لا فقهاً ولا عقیدةً، وقد صرّح أبو داود بأنّ: حدیثه لیس من حدیث الشیعة ولیس فیه نکارة [عندهم].
2- الجرح والتعدیل 2 : 166 / ت 559.
3- التبیین لأسماء المدلّسین : 253 / ت 93، طبقات المدلّسین : 52 / ت 130 . وانظر تهذیب التهذیب 1 : 256 / ت 545، وفیه قال الترمذی : لیس بالقوی عند أصحاب الحدیث، سنن الترمذی 1 : 379 / ذیل الحدیث 198 .
4- تهذیب الکمال 3 : 709 - عن: تاریخ البخاری الکبیر.

ص:102

وقال الذهبی:.. ضعّفوه، وکان شیعیاً بغیضاً من الغلاة الذین یکفّرون عثمان((1)).

وقال أبو داود: لم یکن یکذب، حدیثه لیس من حدیث الشیعة، ولیس فیه نکارة،((2)) حدّث عنه الثوری بحدیث بالیمن، وقال أبو أحمد الحاکم: متروک الحدیث، وقال ابن حزم: ضعیف جداً بلیةٌ من البلایا((3)). وقد وثّقه یعقوب بن سفیان((4)).

کان هذا مجمل أقوال الرجالیین فی أبی إسرائیل الملّائی، وهم بین قادح ومادح مع قدح، لکن الأغلب هو القدح فیه لا المدح، وقد أعرض الفقهاء عن روایاته، خصوصاً لو لاحظنا وجود عبدالرحمن بن أبی لیلی فی تلک الأسانید، إذ هناک کلام کثیر فی سماعه من عمر، وبلال((5)).

وإذا أحببتَ الوقوف علی آراء العلماء والفقهاء فی روایات أبی إسرائیل فتابع معنا الإسنادین الثانی والثالث، ففیهما ما یکفیک.

أمّا دلالة الخبر ففیها إجمال: لأنّ التثویب هو أعم ممّا یریدونه وهو الرجوع والعود إلی ما قاله المؤذّن، فقد تکون جملة «قد قامت الصلاة»، وقد تکون «الصلاة خیر من النوم»، وقد تکون شیئاً آخر.

ولا اختصاص للتثویب بلفظ «الصلاة خیر من النوم»، لأنّ هذه الجملة لا یمکن أن


1- میزان الاعتدال 7 : 326 / ت 9965 .
2- تهذیب التهذیب 1 : 294 / ت 545 .
3- اکمال مغلطای 2 : 165 /ت 480، وانظر: المحلّی 11 : 86 وفیه: فهو بلیة عن بلیة .
4- المعرفة 3 : 207 .
5- انظر فی ذلک: المراسیل لابن أبی حاتم: 126 / ت 453.

ص:103

تقال فی مثل الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذ إنّها لیست بجملة عامّة، بل هی من مختصّات الصبح، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ هذه الأوقات الأربعة هی: وقت العمل والتجارة والزراعة لا وقت النوم، فقد یمکن تصوّر التثویب فیها لتنبیه الغافلین لکن بجمل أخری مثل «الصلاة الصلاة» أو «عجّلوا بالصلاة» أو «قد قامت الصلاة» أو «الصلاة خیر من التجارة والزراعة»، وما شابه ذلک لا ب- «الصلاة خیر من النوم».

الإسنادان الثانی والثالث

· مسند أحمد: حدثنا حسن بن الربیع وأبو أحمد قالا: حدثنا بن إسرائیل، قال أبو أحمد فی حدیثه: حدّثنا الحکم عن عبدالرحمن بن أبی لیلی عن بلال، قال: أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله أن لا أثوّب فی شیء من الصلاة إلّا فی صلاة الفجر، وقال أبو أحمد فی حدیثه: قال لی رسول الله صلی الله علیه و آله : إذا أذنت فلا تثوّب((1)).

· الترمذی: حدثنا أحمد بن منیع، حدثنا أبو أحمد الزبیری، حدثنا أبو إسرائیل، عن الحکم، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی، عن بلال، قال:

قال لی رسول الله: لا تثوّبنّ فی شیء من الصلوات إلّا فی صلاة الفجر. وفی الباب عن أبی محذورة.

قال أبو عیسی [الترمذی]: حدیث بلال لا نعرفه إلّا من حدیث أبی إسرائیل الملّائی، وأبو إسرائیل لم یسمع هذا الحدیث من الحکم بن عتیبة، قال: إنما رواه عن الحسن بن عمارة، عن الحکم بن عتیبة، وأبو إسرائیل اسمه إسماعیل بن أبی إسحاق،


1- مسند أحمد 6 : 14 / ح 23958 .

ص:104

ولیس هو بذلک القوی عند أهل الحدیث((1)).

المناقشة

نکتفی فی التعلیق علی هذین الخبرین بما قاله بعض أعلام الجمهور:

فقد قال النووی (ت 676 ه-) فی (المجموع):... ورُویَ عن عبدالرحمن بن أبی لیلی التابعی عن بلال رضی الله عنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا تثوّبن فی شیء إلّا فی صلاة الفجر، رواه الترمذی، وضعّف إسناده، وهو مع ضعف إسناده مرسل ؛ لأنّ ابن أبی لیلی لم یسمع بلالاً ((2)).

وقال ابن الملقّن (ت 804 ه-) فی «خلاصة البدر المنیر»: حدیث بلال: قال لی رسول الله: لا تثوّبن فی شیء من الصلاة ... رواه أحمد والترمذی وضعّفه، وخالف ابن الجوزی فمال إلی تصحیحه((3)).

وقال ابن حجر (ت 852 ه-) فی «التلخیص الحبیر»:

حدیث بلال «قال لی رسول الله: لا تثوّبن فی شیء من الصلاة إلّا فی صلاة الفجر»، الترمذی وابن ماجة وأحمد من حدیث عبدالرحمن بن أبی لیلی عن بلال، وفیه أبو إسماعیل الملّائی، وهو ضعیف مع انقطاعه بین عبدالرحمن


1- سنن الترمذی 1 : 378 /ح 198، تلخیص الحبیر 1 : 202 / ح 296، قال ابن السکن : لا یصح إسناده، مشکاة المصابیح 1 : 204 / ح 646.
2- المجموع 3 : 106 .
3- خلاصة البدر المنیر 1 : 103 / ح 326، وانظر: التحقیق فی أحادیث الخلاف لابن الجوزی 1 : 131 /ح 381.

ص:105

وبلال((1)).

وقال ابن السکن: لا یصح اسناده، ثمّ إنّ الدارقطنی رواه من طریق آخر عن عبدالرحمن، وفیه أبو سعد البقّال، وهو نحو أبی إسماعیل فی الضعف((2)).

نقل القارئ (ت 1014 ه-) فی «المرقاة» قول ابن حجر وتضعیفه لهذا الخبر: وقول ائمتنا یُکرَه التثویب فی غیر الصبح، لم یأخذوه من هذا الحدیث لما تقرر أنّه ضعیف ولا یُحتَجّ به فی الکراهة، بل فی قوله علیه السلام فی الحدیث الصحیح: مَن أحدث فی أمرنا هذا ما لیس منه فهو رَدّ((3)).

وقال الصنعانی (ت 1182 ه-) فی «سبل السلام»:

( قصة قول بلال فی أذان الفجر: الصلاة خیر من النوم ) روی الترمذی، وابن ماجة، وأحمد من حدیث عبدالرحمن بن أبی لیلی عن بلال قال: قال لی رسول الله صلی الله علیه و آله : لا تثوّبن فی شیء من الصلاة إلّا فی صلاة الفجر. إلّا أن فیه ضعفاً، وفیه انقطاع أیضاً. وکان علی المصنّف أن یذکر ذلک علی عادته((4)).

وقال البغوی (ت 516 ه-) فی «شرح السنّة» بعد ذکره لهذا الحدیث عن بلال: ضعیف((5)).


1- إذ إنّ عبدالرحمن بن أبی لیلی لا یمکنه أن یروی عن بلال، لأنّه وُلد سنة 17 وتُوفی سنة 83 ه-، وبلال توفی سنة 20 أو 21 ه- ، أنظر: نیل الأوطار للشوکانی 2 : 42.
2- تلخیص الحبیر 1 : 202 /ح 296، وانظر: فیض القدیر 6 : 389 .
3- مرقاة المفاتیح 2 : 316 / ح 646.
4- سبل السلام شرح غایة المرام، لابن حجر العسقلانی 1 : 120 .
5- شرح السنة، للبغوی 2 : 264 /ذیل الحدیث 408 من باب التثویب .

ص:106

وعلی هذا فحدیث بلال من طریق أبی إسرائیل الملّائی ساقط لا محالة، هذا مع غض النظر عن الانقطاع بین ابن أبی لیلی وبلال الذی یوجب سقوط الروایة أیضاً.

الإسنادان الرابع والخامس

· مسند البزّار: حدثنا علی بن حرب الموصلی، قال: أخبرنا أبو مسعود عبدالرحمن بن الحسن الزجاج، قال: أخبرنا أبو سعد عن بن أبی لیلی عن بلال قال: أمرنی رسول الله أن أثوّب فی الفجر. هذا الحدیث لا نعلمه رواه عن أبی سعد إلّا أبو مسعود الزجّاج((1)).

· سنن الدارقطنی: حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالعزیز، حدثنا عبدالله بن عمر بن أبان، حدثنا عبدالرحمن بن الحسن أبو مسعود الزجاج، عن أبی سعید، [البقال]، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی عن بلال قال:

أمرنی رسول الله أن أثوّب فی الفجر ونهانی أن أثوّب فی العشاء((2)).

المناقشة

فیه أبو سعد البقال ( سعید بن المرزبان العبسی )، قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبیه، قال: وما رأیت سفیان بن عُیَینة أملی علینا إلّا حدیثاً واحداً، حدیث أبی سعد البقال، فإنّه أملاه علینا إملاءً قلت: لِمَ ؟ قال: لضعف أبی سعد عنده((3)).

وقال عباس الدوری، وأحمد بن سعد بن أبی مریم، عن یحیی بن معین: لیس


1- مسند البزار 4 : 208 / ح 1372 .
2- سنن الدارقطنی 1 : 243 / 41، وفیه عن أبی سعید، وهو خطأ .
3- العلل لأحمد بن حنبل 3 : 383 /ح 5683.

ص:107

بشیء، زاد ابن أبی مریم: لا یُکتَب حدیثه.

وقال أبو داود، عن یحیی بن معین: لیس بشیء، وکان أعور، وکان من قراء الناس.

وقال عمرو بن علی: ضعیف، متروک الحدیث. وقال عمر بن حفص بن غیاث: تَرَک أبی حدیثَ أبی سعد البقال((1)).

وقال الآجری عن أبی داود: لیس بثقة، قال الآجری: قلت: لِمَ ترک حدیثه ؟ قال: انسان یرغب عنه سفیان الثوری أیش یکون حدیثه((2))؟!

وقال أبو زرعة: لیّن الحدیث صدوق مدلّس((3)).

وقال أبو حاتم: لا یُحتجّ بحدیثه، وقال النسائی: ضعیف، وقال فی موضع آخر: لیس بثقه ولا یُکتَب حدیثه((4)) .

وقال البخاری: مُنکَر الحدیث((5)).

وقال یعقوب بن سفیان: ضعیف لا یُفرَح بحدیثه((6)).

وقال البرقانی عن الدارقطنی: متروک... وضعّفه العقیلی وابن الجوزی والذهبی وابن حجر. ولا عبرة بمن وثّقه((7)).


1- تهذیب الکمال 11 : 52 /ت 2351، تهذیب التهذیب 4 : 70 /ت 137، الضعفاء للعقیلی 2 : 115 /ت 588.
2- سؤالات الآجری 1 : 141 /ت 99.
3- المغنی فی الضعفاء 1 : 266 /ت 2453، 3 : 228 /ت 3274.
4- تهذیب التهذیب 4 : 70 /ت 137، الضعفاء للنسائی : 52 /ت 270.
5- الضعفاء لابن الجوزی 1 : 325 /ت 1473.
6- المعرفة والتاریخ 3 : 160.
7- سؤالات البرقانی : 32 /ت 176، وانظر: هامش تهذیب الکمال 11 : 55.

ص:108

وقال ابن حبان: کثیر الوهم، فاحش الخطأ، ضعّفه یحیی بن معین((1)).

قال ابن حجر: قال العقیلی: وثّقه وکیع، وضعّفه ابن عیینة، قلت [والقائل ابن حجر]: الحکایة التی حُکیت عن وکیع لا تدل علی أنه وثّقه، وقد ذکرها الساجی عن محمود بن غیلان قال: سُئل وکیع عن أبی سعد البقال، فقال: أحمَدُ الله، کان یروی عن أبی وائل، وأبو وائل ثقة((2)).

وقال العجلی: ضعیف((3)).

وقال ابن عدی:.. هو فی جملة ضعفاء الکوفة، الذی یُجمَع حدیثهم ولا یترک، وکان قاسم المطرّز قد جمع حدیثه یملیه علینا((4)).

وقال الذهبی: ترکه الفلاس، وقال ابن معین: لا یُکتب حدیثه، وقال أبو زرعة: صدوق مدلِّس، وقال البخاری: مُنکَر الحدیث((5)).

قال البیهقی : أبو سعد البقال غیر قوی، غیر محتجّ به، وقال النووی: ضعیف باتفاق الحفاظ. قال ابن القیسرانی: سعید لیس بشیء فی الحدیث، وقال فی موضع آخر: منکر الحدیث، وقال الزیلعی: فیه لین((6)).

إذن هذه الروایة کسابقتها ساقطة عن الاعتبار ولا یمکن اعتمادها؛ لضعف أبی


1- المجروحین لابن حبان 1 : 317 /ت 389.
2- تهذیب التهذیب 4 : 70 /ت 137 .
3- معرفة الثقات للعجلی 1 : 404 /ت 614.
4- الکامل لابن عدی 3 : 383 /ت 811 .
5- میزان الاعتدال 3 : 228 / 3274.
6- السنن الکبری 3 : 355 / 5814، السنن الصغری 7 : 111 / 3130، الأذکار النوویة : 65 / 214، ذخیرة الحفاظ 1 : 386 / 471، 2 : 1219 / 2609، نصب الرایة 4 : 366 / 9.

ص:109

سعد البقال، ولانقطاعه بین ابن ابی لیلی وبلال.

الإسناد السادس

· عبدالرزّاق: عن الحسن بن عمارة، عن الحکم، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی، عن بلال قال: أمرنی رسول الله أن أثوّب فی الفجر، ونهانی أن أثوّب فی العشاء((1)).

المناقشة

وفیه الحسن بن عمارة البجلی، مولاهم کان علی قضاء بغداد فی عهد المنصور. قال البخاری: قال لی أحمد بن سعید: سمعت النضر بن شمیل عن شعبة قال: أفادنی الحسن بن عمارة عن الحکم، قال أحمد: أحسبه قال سبعین حدیثاً فلم یکن لها أصل.

وعن أبی داود الطیالسی قال شعبة: إئت جریر بن حازم فقل له: لا یحلّ لک أن تروی عن الحسن بن عمارة فإنّه یکذب ... ترکه ابن المبارک وابن حجر.

وقال علی بن الحسن بن شقیق : قلت لابن المبارک : لِمَ ترکت أحادیث الحسن بن عمارة ؟ قال: جرّحه عندی سفیان الثوری، وشعبة بن الحجاج ؛ فبقولهما ترکت حدیثه((2)).

قال ابن عدی: قال أحمد بن سعد بن أبی مریم عن یحیی بن معین: لا یُکتب حدیثه.


1- مصنف عبدالرزاق 1 : 473 / ح 1823، المعجم الکبیر 1 : 357 / ح 1092. وفی مصنف عبدالرزاق 1 : 473 / ح 1824: عبدالرزاق عن معمَّر عن صاحب له عن الحکم بن عتیبة عن عبدالرحمن بن أبی لیلی : إن رسول اللّه أمر بلالاً أن یثوّب فی صلاة الفجر ولا یثوّب فی غیرها، وفی ذخیرة الحفاظ لابن القیسرانی 1 : 490 / ح 719، والحسن [بن عمارة]: هذا متروک الحدیث.
2- التاریخ الکبیر 2 : 303 / 2549، تهذیب الکمال 6 : 264 / 1252، تهذیب التهذیب 2 : 264 / 532، تقریب التهذیب 1 : 162 / 1264.

ص:110

وقال معاویة بن صالح عن یحیی: ضعیف.

وقال عمرو بن علی: ... متروک الحدیث.

وقال أبو طالب أحمد بن حُمید: سمعتُ أحمد بن حنبل یقول: الحسن بن عمارة متروک الحدیث، قلت له: کان له هویً ؟ قال: لا، ولکن کان منکر الحدیث، وأحادیثه موضوعة، لا یُکتب حدیثه((1)).

قال ابن المدینی: ما احتاج إلی شعبة فیه، أمره أبین من ذلک، قیل له: أکان یغلط؟ فقال: إیش یغلط ؟ وذهب إلی أنّه کان یضع الحدیث((2)).

وقال أبو حاتم، ومسلم، والنسائی، والدارقطنی: متروک الحدیث((3)).

وقال زکریا بن یحیی الساجی: أجمَعوا علی ترک حدیثه((4)).

وقال إبراهیم بن یعقوب الجُوزَجانی: ساقط، وقال أبوبکر بن أبی خثیمة عن یحیی بن معین: لیس حدیثه بشیء، وقال صالح بن محمد البغدادی: لا یُکتب حدیثه((5)).

وفی (الزوائد من سنن ابن ماجة) - وبعد أن أتی بخبر: لا یغتسلنّ أحدکم بأرض فلاة - قال : إسناده ضعیف ؛ لاتّفاقهم علی ضعف الحسن بن عمارة، وقیل:


1- الکامل فی الضعفاء لابن عدی 2 : 283 / 445.
2- میزان الاعتدال 2 : 265 / 1921.
3- الجرح والتعدیل 3 : 27 / 116، سنن الدارقطنی 1 : 325 / 5، ضعفاء ابن الجوزی 1 : 207 / 848، وفیه: قال أحمد والرازی والنسائی والفلاس ومسلم بن الحجاج ویعقوب بن شیبة وعلی بن الجنید والدارقطنی: متروک.
4- ضعفاء ابن الجوزی 1 : 207 / 848.
5- تهذیب الکمال 6 : 272 /من الترجمة 1252 لابن عمارة، وانظر: أحوال الرجال للجوزجانی : 52 / 35.

ص:111

أجمعوا علی ترک حدیثه((1)).

وقال ابن سعد فی (الطبقات): وکان ضعیفاً فی الحدیث، ومنهم من لا یَکتب حدیثه((2)).

قال أبو حاتم: کانت بلیة الحسن بن عمارة أنه کان یدلّس عن الثقات ما وضع علیهم الضعفاء، کان یسمع من موسی بن مطیر وأبی العطوف وأبان بن أبی عیاش وأضرابهم ثمّ یُسقط أسماءهم ویرویها عن مشایخهم الثقات، فلما رأی شعبة تلک الأحادیث الموضوعة التی یرویها عن أقوام ثقات أنکرها علیه وأطلق علیه الجرح، ولم یعلم أنّ بینه وبینهم هؤلاء الکذابین، فکان الحسن بن عمارة هو الجانی علی نفسه بتدلیسهم عن هؤلاء وإسقاطهم من الأخبار حتی التزقت الموضوعات به((3)).

هذا، وقد ضعفه الترمذی((4))، وأبو زرعة الرازی((5))، والعقیلی((6))، والذهبی((7))، والدارقطنی((8))، والبیهقی((9))، وغیرهم فلا یحتاج إلی الإطالة

فی نقل الأقوال.


1- سنن ابن ماجة 1 : 201 .
2- الطبقات الکبری 6 : 368.
3- المجروحین لابن حبان 1 : 229 / 205.
4- سنن الترمذی 3 : 30 / ح 638.
5- انظر تهذیب الکمال 6 : 274 .
6- الضعفاء للعقیلی 1 :237 / 286 .
7- میزان الاعتدال 2 : 265 / 1921 .
8- سنن الدارقطنی 1 : 161، ح 1، و 2 : 258 / ح 99، وفیه الحسن بن عمارة متروک الحدیث، علل الدارقطنی 4 : 514 .
9- سنن البیهقی الکبری 1 : 221 / ح 997، و 222 / ح 998، وفیه الحسن بن عمارة لا یُحتَجّ به، و 2 : 160 / ح 2723 وفیه الحسن بن عمارة متروک.

ص:112

وعلی هذا، فالحدیث - بهذا الطریق - موضوع حسب الصناعة وساقط بالمرّة، مضافاً إلی أنّه منقطع بین ابن أبی لیلی وبلال کما عرفت.

الأسانید: السابع والثامن والتاسع والعاشر

7 · مسند أحمد: حدثنا أبو قطن، قال: ذکر رجل لشعبة بن الحکم عن بن أبی لیلی عن بلال: فأمرنی أن أثوّب فی الفجر ونهانی عن العشاء، فقال: شعبة والله ما ذکر بن أبی لیلی ولا ذکر إلّا إسناداً ضعیفاً، قال: أظن شعبة، قال: کنت أراه رواه عن عمران بن مسلم((1)).

8 · مسند أحمد: حدثنا علی بن عاصم، عن أبی زید عطاء بن السائب عن عبدالرحمن بن أبی لیلی عن بلال قال: أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله أن لا أثوّب إلّا فی الفجر((2)).

9 · البیهقی: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ وأبو سعید بن أبی عمرو، قالا: ثنا أبو العباس محمد بن یعقوب، ثنا یحیی بن ابی طالب، ثنا عبدالوهاب بن عطاء، انا شعبة، عن الحکم بن عتیبة، عن عبدالرحمن بن ابی لیلی، قال:

أمر بلال أن یثوب فی صلاة الصبح ولا یثوب فی غیرها((3)).

10 · البیهقی: أخبرنا علی بن محمد بن بشران، اخبرنا أبو جعفر الرزاز، حدثنا یحیی بن جعفر، اخبرنا علی بن عاصم، حدثنا عطاء بن السائب عن عبدالرحمن بن


1- مسند أحمد 6 : 15 / ح 23960.
2- مسند أحمد 6 : 14 / ح 23959 .
3- السنن الکبری 1 : 424 /ح 1839 .

ص:113

ابی لیلی عن بلال قال:

أمرنی رسول الله أن لا أثوّب إلّا فی الفجر.

ورواه الحجاج بن أرطاة عن طلحة بن مصرف وزبید عن سوید بن غفلة: إنّ بلالاً کان لا یثوب إلّا فی الفجر، فکان یقول فی أذانه: حیَّ علی الفلاح، الصلاة خیر من النوم((1)).

المناقشة

وقد عرفتَ حال أسانید هذه الروایات وأنّها مخدوشة بالانقطاع، وذلک لعدم سماع عبدالرحمن بن أبی لیلی من بلال.

کما ینفرد السند التاسع بوجود یحیی بن ابی طالب [یحیی بن جعفر بن الزِّبرقان] فیه، الذی خطَّ أبو داود سلیمان بن الاشعث علی حدیثه، وقال موسی بن هارون: أشهد أنّه یکذب((2)).

وفیه أیضاً: عبدالوهاب بن عطاء المجروح الذی روی المیمونی عن أحمد قوله فیه: ضعیف الحدیث مضطرب((3)). وقال عنه البعض : صدوق!


1- السنن الکبری 1 : 424 /ح 1839 .
2- تاریخ بغداد 14 : 220 / 7512، تاریخ الإسلام 20 : 489 / 4، میزان الاعتدال 7 : 191 / 9555، لسان المیزان 6 : 262 / 921 وفیها زیادة، قال موسی بن هارون: أشهد أنّه یکذب عنّی فی کلامه ولم یُعِنْ فی الحدیث والله أعلم. قال الذهبی: لم یطعن فیه أحد بحجة، لا بأس به عندی، وقال فی موضع آخر: مشهور وثقه الدارقطنی وغیره. انظر: المغنی فی الضعفاء 2 : 732 / ت 6946 و 738 / ت 6993.
3- انظر ترجمته فی: میزان الاعتدال 4 : 435 / 5327، الضعفاء الصغیر البخاری : 77 / 233، قال: لیس بالقوی عندهم.

ص:114

والذی أورده العقیلی فی الضعفاء وقال: ... حدّثنا عبدالملک بن الحمید، قال: سمعت أحمد بن حنبل، قال: عبدالوهاب بن عطاء الخفّاف ضعیف الحدیث مضطرب، وقال الذهبی فی (المغنی): ضعّفه أحمد((1)).

وفی السند العاشر: علی بن عاصم الواسطی مولی قریبة بنت محمد بن أبی بکر، اشتهر بواسط ودفن فیها ((2))، قال البخاری فی (التاریخ الکبیر) و(الضعفاء الصغیر): لیس بالقوی عندهم، وعن خالد الحذاء: کذاب فاحذروه! وقال فی (التاریخ الصغیر): أمّا أنا فلا أکتبه، یعنی حدیث علی بن عاصم((3)).

وقال النسائی: علی بن عاصم ضعیف((4)).

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: حدثنی أبی، قال: حدثنا وکیع، وذکر علی بن عاصم فقال: خذوا من حدیثه ما صحّ ودعوا ما غلط أو ما أخطأ فیه.

قال أبو عبدالرحمن: کان أبی یحتج بهذا وکان یقول: کان یغلط ویخطئ، وکان فیه لجاج ولم یکن متّهَماً بالکذب((5)).

وعن عثمان بن أبی شیبة أنّه قال: کنا عند یزید بن هارون أنا وأخی أبو بکر، فقلنا: یا أبا خالد علی بن عاصم: أیش حاله عندک ؟ قال: حسبکم، ما زلنا نعرفه


1- الضعفاء للعقیلی 3 : 77 / 1043، المغنی فی الضعفاء 2 : 413 / 3895، بحر الدم فیمن مدحه أحمد أو ذمّ: 104 / 658.
2- تاریخ بغداد 11 : 446 / 6348.
3- التاریخ الکبیر 6 : 290 / 2435، الضعفاء الصغیر : 62 / 254، التاریخ الصغیر 2 : 269.
4- الضعفاء والمتروکین للنسائی : 76 / 430.
5- العلل لاحمد 1 : 156 / 70 .

ص:115

بالکذب!

وعن سهل بن أحمد الواسطی قال: حدثنا أبو حفص عمرو بن علی قال: وعلی ابن عاصم فیه ضعف....

وعن أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز قال: سمعت یحیی بن معین یقول: کذاب، علی بن عاصم لیس بشیء.

وعن محمد بن أحمد بن یعقوب قال: حدثنا جدی قال: سألت یحیی بن معین عن علی بن عاصم فقال: لیس بشیء ولا یُحتَجّ به، قلت: وما أنکرتَ منه؟ قال: الخطأ والغلط، قلت: ثمّ شیء غیر هذا ؟ قال: لیس ممّن یُکتَب حدیثه.

وعن الزعفرانی، قال: حدثنا أحمد بن زهیر قال: قیل لیحیی بن معین: إنّ أحمد ابن حنبل یقول: إن علی بن عاصم لیس بکذاب، قال: لا، والله ما کان علی عنده قط ثقة، ولا حدّث عنه بحرف قط، فکیف صار عنده الیوم ثقة؟

وعن أبی أحمد بن فارس قال: حدثنا البخاری قال: قال وهب بن بقیة: سمعت یزید بن زریع، قال: حدثنا علی [بن عاصم] عن خالد بسبعة عشر حدیثاً، فسألنا خالداً عن حدیث فأنکره، ثمّ آخر فأنکره، ثمّ ثالث فأنکره، فاخبرناه، فقال: کذّاب فاحذروه!

وعن أحمد بن الفرات قال: حدثنا أبو داود قال: سمعت شعبة یقول: لا تکتبوا عنه - یعنی علی بن عاصم -.

وقال ابن المدینی: کان کثیر الغلط، وکان إذا غلط فَرُدّ علیه لم یرجع!

ص:116

وقال محمد بن غیلان: أسقطه أحمد وابن معین وأبو خثیمة((1)).

وفیه أیضاً عطاء بن السائب((2))، قال علی بن المدینی عن یحیی بن سعید القطان: ما سمعت أحداً من الناس یقول فی عطاء بن السائب شیئاً قط فی حدیثه القدیم...

وقال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: من سمع منه قدیماً کان صحیحاً، ومن سمع منه حدیثاً لم یکن بشیء، وسمع منه قدیماً شعبة وسفیان، وسمع منه حدیثاً جریر وخالد بن عبدالله، و إسماعیل، وعلی بن عاصم((3)).

وقال الدوری عن یحیی بن معین: کان عطاء بن السائب قد اختلط، فقلت لیحیی: فما سمع منه جریر وذووه، ألیس هو بصحیح؟ قال: لا ... إلّا من سمع منه قدیماً، قال یحیی: وقد سمع أبو عوانة من عطاء فی الصحّة وفی الاختلاط جمیعاً((4)).

وقال أبو أحمد بن عدی: أخبرنا ابن أبی عصمة، قال: حدثنا أحمد بن أبی یحیی قال: سمعت یحیی بن معین یقول: لیث بن أبی سلیم ضعیف مثل عطاء بن السائب، وجمیع من روی عن عطاء روی عنه بعد الاختلاط إلّا شعبة وسفیان((5)).

وقال ابن عدی أیضاً: وعطاء اختلط فی آخر عمره، فمن سمع منه قدیماً مثل الثوری وشعبة فحدیثه مستقیم، ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحادیثه فیها بعض النکرة((6)).


1- تهذیب الکمال 20 : 504 - 519 / 4049، تهذیب التهذیب 7 : 302 / 572، سیر أعلام النبلاء 9 : 249 / 72.
2- کما فی الإسنادین الثامن والعاشر .
3- وهذا یعنی سقوط هذه الروایة عند أحمد بن حنبل .
4- تاریخ ابن معین 3 : 328 / 1577.
5- الکامل فی الضعفاء 6 : 87 / 1617.
6- الکامل فی الضعفاء 5 : 361 / 1522.

ص:117

وقال أحمد بن عبدالله العجلی: کان شیخاً ثقة قدیماً، روی عن ابن أبی أوفی، ومن سمع منه قدیماً فهو صحیح الحدیث، منهم: سفیان الثوری، فأما من سمع منه بأخَرَة فهو مضطرب الحدیث، منهم: هُشَیم، وخالد بن عبدالله الواسطی، إلّا أن عطاء بأَخَرَة کان یتلقن إذا لقنوه فی الحدیث، لأنّه کان غیر صالح الکتاب، وأبوه تابعی ثقه((1)).

وقال أبو حاتم: کان محله الصدق قدیماً قبل أن یختلط، صالح مستقیم الحدیث، ثمّ بأخرة تغیر حفظه، وفی حدیثه تخالیط کثیرة، وقدیم السماع من عطاء: سفیان، وشعبة، وفی حدیث البصریین الذین یحدّثون عنه تخالیط کثیرة، لأنّه قَدِم علیهم فی آخر عمره((2))...

وقال ابن علیّة: هو أضعف عندی من لیث، ولیث ضعیف((3)).

قلت:

وهذا الطریق - أی الطریق العاشر للبیهقی فی التثویب عن عطاء بن السائب - لم یکن عن شعبة وسفیان، بل هو عن علی بن عاصم الذی صرح ابن حنبل - قبل قلیل - بأنّه سمع منه حدیثاً، أی بعد الاختلاط.

وقال ناصر الدین الألبانی فی «إرواء الغلیل»:

ثمّ أخرج البیهقی وأحمد عن علی بن عاصم، عن أبی زید عطاء بن


1- انظر جمیع ما قلناه إلی هنا فی تهذیب الکمال 20 : 86 /ت 3934 وانظر: تاریخ ابن معین ( الدوری ) 1 : 241 /ت 1577، معرفة الثقات 2 : 135 / 1237.
2- الجرح والتعدیل 6 : 333 / 1848.
3- الطبقات الکبری 6 : 338 .

ص:118

السائب، عن عبدالرحمن بن أبی لیلی به بلفظ: أمرنی رسول الله أن لا أثوّب إلّا فی الفجر.

وهذا ضعیف من أجل عطاء وابن عاصم، وعلَّه البیهقی بالانقطاع فقال: هذا مرسل، فإنّ عبدالرحمن بن أبی لیلی لم یَلقَ بلالاً.

قلت [والکلام للألبانی]: فعاد الحدیث من جمیع الوجوه إلی أنه منقطع وهو علَّة الحدیث((1)).

وقال النووی فی «المجموع»:

عن عطاء [بن السائب] ضعیف لا یُحتجّ به. وفی آخر: مُختلَف فیه، وفی ثالث: ضعّفه الأکثرون، وفی رابع: اختلط فی آخر عمره، وفی رابع: مختلَف فیه((2)).

وقال الماردینی فی «الجوهر النقی»:

عطاء متکلّم فیه، وقد اختلط فی آخر عمره((3)).

وقال ابن قدامة فی «الشرح الکبیر»: وقد قیل: عطاء اختلط فی آخر عمره، قال أحمد: مَن سمع منه قدیماً فهو صحیح، ومن سمع منه حدیثاً لم یکن بشیء((4)).

وبناءً علی هذا فالحدیث بهذا الطریق أو بالطرق السابقة التی سردناها علیک ساقط عن الاعتبار بیقین، بل هو بمقتضی الصناعة وبالنظر إلی قوانین علم الدرایة ومعاییر علم الرجال منحول مصنوع، ولا وجه لاعتباره.


1- إرواء الغلیل 1 : 253 / ح 235، وانظر: 3 : 165 / ح 710 کذلک .
2- انظر: المجموع 4 : 158، و 5 : 55، و 5 : 218، و 8 : 72.
3- الجوهر النقی 5 : 85 .
4- الشرح الکبیر 1 : 192 .

ص:119

2 - ما روی عن أبی محذورة، وسوید بن غفلة عن بلال
اشارة

وهو ینحصر فیما رواه عطاء بن أبی رباح - مفتی مکة فی زمانه - عن أبی محذورة.

الإسنادان الأول والثانی

· ابن أبی شیبة: حدّثنا حفص بن غیاث، عن حجّاج، عن عطاء، عن أبی محذورة. وعن عطاء عن سوید عن بلال: أنّه کان آخر تثویبهما: الصلاة خیر من النوم ((1)).

· ابن أبی شیبة: حدّثنا حفص، عن حجاج، عن عطاء، عن أبی محذورة، وعن طلحة عن سوید عن بلال: أنّهما کانا لا یثوّبان إلّا فی الفجر((2)).

المناقشة

الملاحظ فی هذین الإسنادین أنّهما مرویّان عن صحابیَّین:

1 - أبی محذورة.

2 - بلال الحبشی.

فأمّا الروایة عن أبی محذورة، فطریقها واحد - کما قلنا - : «عطاء عن أبی محذورة»، لکنّ المروی عن بلال جاء بطریقین فی مصنّف ابن أبی شیبة.


1- المصنَّف لابن أبی شیبة 1 : 236 / ح .
2- المصنَّف لابن أبی شیبة 1 : 237 / ح .

ص:120

أحدهما: عطاء عن سوید عن بلال.

ثانیهما: طلحة عن سوید عن بلال.

فنحن نناقش أولاً ما روی عن أبی محذورة، ثمّ ما روی عن بلال بطریقَیه، فنقول:

أ - ما روی عن أبی محذورة

وفیه عطاء بن أبی رباح مولی آل أبی خیثم الفهری القرشی، عامل عمر بن الخطاب علی مکة، من کبار رجال الفقه الحاکم، وُلد لعامین مضیا من عهد عثمان، قال ابن سعد: کان من مولَّدی الجند.

قال أبو عبید الآجری، عن أبی داود: کان عطاء بن أبی رباح أبوه نوبیّ، وکان یعمل المکائل، وکان عطاء أعور، أشلّ، أفطس، أعرج، أسود، ثمّ عَمِی بعد، وعطاء قُطعت یده مع ابن الزبیر.

روی العلاء بن عمرو الحنفی، عن عبدالقدوس، عن حجاج، قال عطاء: وددت أنی أُحسن العربیة! قال: وهو یومئذ ابن تسعین سنة((1)).

وکان عطاء مفتی أهل مکة فی زمانه((2))، وفقیه بنی أمیة ؛ قال عبدالله بن إبراهیم ابن عمر بن کیسان عن أبیه: أذکرهم فی زمان بنی أمیة یأمرون فی الحج صائحاً یصیح: لا یُفتی الناسَ إلّا عطاء بن أبی رباح((3)).


1- انظر ترجمة تهذیب الکمال 20 : 69 - 84 / 3933، تهذیب التهذیب 7 : 179 / 385، تاریخ دمشق 40 : 366 / 4705 .
2- معرفة الثقات للعجلی 2 : 135 / 1236 .
3- تهذیب الکمال 20 : 71، صفة الصفوة 2 : 213 /من الترجمة 209.

ص:121

وقد غلا بعض الرواة فی عطاء ورجّحوه علی ابن عباس وعبد الله بن عمر، إذ حکی عمر بن سعید عن أمه: أنّها أرسلت إلی ابن عباس تسأله عن شیء، فقال: یا أهل مکة، تجتمعون عَلَیّ وعندکم عطاء ؟! ((1))

وقال قبیصة، عن سفیان عن عمر بن سعید، عن أُمّه: قدم ابن عمر مکة فسألوه، فقال: أتجمعون لی یا أهل مکة المسائل وفیکم ابن أبی رباح ؟! سید المسلمین عطاء بن أبی رباح.

وقال أبو عاصم الثقفی: سمعت أبا جعفر [الباقر] یقول للناس وقد اجتمعوا علیه: علیکم بعطاء، هو واللهِ خیر لکم منی.

وقال محبوب بن محرز القواریری، عن حبیب بن جزء، قال لنا أبو جعفر: خذوا من حدیث عطاء ما استطعتم.

وقال أسلم المنقری، عن أبی جعفر: ما بقی علی ظهر الأرض أحد أعلم بمناسک الحج من عطاء((2))، إلی غیرها من الأقوال المادحة لعطاء((3)).

أسالک بالله هل تصدّق ما قالوه ونسبوه إلی ابن عباس وابن عمر والباقر من آل البیت، خصوصاً لو ألقیتَ نظرة تحقیقیة عابرة إلی سیرته وحیاته وأقواله وقربه من الأمویین.

بل کیف یحیل ابن عباس وابن عمر - وهما من الصحابة - إلی تابعی لا یُحسن العربیة؟!


1- تاریخ دمشق 40 : 381، سیر أعلام النبلاء 5 : 81.
2- تهذیب الکمال 20 : 72، الجرح والتعدیل 6 : 330.
3- تهذیب الکمال 20 : 77 - 78.

ص:122

ألا یستلزم الإفتاء إلی التضلّع بقواعد العربیة ووجوه التأویل والتفسیر ؟

فکیف بمولی یرید استنطاق النصوص - قرآنیةً کانت أم نبویة - وهو یعترف بأنّه لا یحسن العربیة؟!

وکیف بأهل السنة والجماعة یقبلون بهذا الکلام وهم یعتقدون أیضاً بترجیح إفتاء الصحابی وحدیثه علی افتاء التابعی وحدیثه؟! بل سیرتهم هو أخذ التابعی عن الصحابی لتاخره رتبةً عن الصحابی، ولأنّ الله سبحانه وتعالی یقول فی الذکر الحکیم: ﴿وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾.

بل کیف یمکن قبول ما نُسب افتراءً إلی محمد بن علی الباقر قوله: «ما بقی علی ظهر الأرض أحد أعلم بمناسک الحج من عطاء»، وهو الراوی لصفة حج رسول الله صلی الله علیه و آله عن جابر بن عبدالله الأنصاری عن رسول الله، وحدیثه علیه السلام هو المعوّل علیه فی مناسک الحج عند جمیع المسلمین، ومنهم أهل السنة والجماعة؟!

إنّها تساؤلات تکشف عن أمر غامض فی عطاء، ووجود تَبنٍّ حکومی له ولفتاواه، علی وجه الخصوص، وهو یدعونا إلی التشکیک فی مرویاته!

قال الذهبی فی (سِیر أعلام النبلاء):

... روی علی، عن یحیی بن سعید القطان، قال: مرسلاتُ مجاهد أحبُّ إلیّ من مرسلات عطاء بکثیر، کان عطاء یأخذ من کل ضرب.

الفضل بن زیاد، عن أحمد بن حنبل، قال: لیس فی المرسلات شیء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبی رباح، کانا یأخذان عن کل أحد، ومرسلات ابن المسیب أصح المرسلات، ومرسلات إبراهیم النخعی لا بأس بها.

ص:123

وروی محمد بن عبدالرحیم، عن علی بن المدینی قال: کان عطاء [اختلط] بأخرة، ترکه ابن جریج وقیس بن سعد.

قلت: [والکلام للذهبی] لم یَعنِ علی بقوله: ترکه هذان، الترکَ العرفی، ولکنه کبر وضعفت حواسه، وکانا قد تکفیا منه وتفقّها وأکثرا عنه، فَبَطَّلا، فهذا مراده بقوله: ترکاه.

ولم یکن یحسن العربیة، روی العلاء بن عمرو الحنفی، عن عبدالقدوس، عن حجاج، قال عطاء: وددت أنی أحسن العربیة، قال: وهو یومئذ ابن تسعین سنة((1)).

انظر إلی کلام الذهبی وتمعّن فیه، کیف یقول ما یقول وهو معترف بأنّ عطاءً قال قولته تلک: «وددت أنّی أُحسن العربیة» وهو یومئذ ابن تسعین سنة؟!! أی انتهی عمره ولم یعرف العربیة!!

أجل، لو تأملتَ فی نصّ عطاء الآتی لعرفت أنّه یرید بقوله أن یدافع عما نَسَبَه إلی أبی محذورة من أذان لا یتفق مع أذان المسلمین، إذ فیه التثویب والترجیع اللذان تشکّک فی شرعیتهما بعض المذاهب.

فقد جاء فی (المدونة الکبری) - وبعد أن ذکر ما رواه ابن وهب عن عثمان بن الحکم بن جریج، قال: حدثنی غیر واحد من آل أبی محذورة أنّ أبا محذورة أذّن بأمر من رسول الله - قال ابن وهب: قال ابن جریج:


1- سیر أعلام النبلاء 5 : 86 - 87، میزان الاعتدال 5 : 90 / 5646. وفی تاریخ دمشق 40 : 404 عن سلیمان بن أبی شیخ قال: حدثنی بعض الکوفیین قال : کان عطاء بن أبی رباح من المُرجِئة .

ص:124

قال عطاء: ما علمت تأذین من مضی یخالف تأذینهم الیوم، وما علمت تأذین أبی محذورة یخالف تأذینهم الیوم ((1)).

هذا بعض الشیء عن عطاء بن أبی رباح، والآن مع راوٍ آخر فی السند نفسه، وهو حجّاج بن أرطأة، ووجود هذا الشخص فی السند یؤکّد تبنّی الحکومة لهکذا نصوص.

قال عبدالله بن علی بن المدینی: سمعت أبی یقول: کان یحیی لا یحدّث عن الحجاج بن أرطأة، کان یرسل، کان قاضیاً بالکوفة - لأبی جعفر - وبالبصرة((2)).

وعن أبی قلابة، قال: سمعت أبا عاصم یقول: أول من وَلیَ القضاء لبنی العباس بالبصرة الحجاج بن أرطأة. وعن الأصمعی أنّه قال: أوّل من ارتشی من القضاة بالبصرة الحجاج بن أرطاة((3)).

قال ابن سعد:... وکان فی صحابة أبی جعفر فضمّه إلی المهدی، فلم یزل معه حتی توفّی بالری، والمهدیّ بها یومئذ، فی خلافة أبی جعفر، وکان ضعیفاً فی الحدیث((4)).

وقال الجوزجانی: کان یروی عن قوم لم یَلْقَهم ... فیثبت فی حدیثه((5)).

وقال الدارقطنی فی کتاب (العلل): لا یُحتجّ به، وذکر الخطیب بسنده إلی أبی بکر


1- أنظر: المدوّنة الکبری 1 : 57 - 58، باب ما جاء فی الأذان والإقامة .
2- تاریخ بغداد 8 : 234 .
3- تاریخ بغداد 8 : 233.
4- طبقات ابن سعد 6 : 359.
5- أحوال الرجال للجوزجانی : 78 / 100.

ص:125

ابن خلاد الباهلی أن یحیی بن سعید کان سیّئَ الرأی فیه جداً، ما رأیته أسوأ رأیا فی أحد منه فی حجاج ومحمد بن إسحاق ولیث وهمام، لا یستطیع أحد أن یراجعه فیهم((1)).

وقال أبو زرعة: صدوق مدلّس، وقال أبو حاتم: صدوق یدلّس عن الضعفاء، یُکتَب حدیثه..((2)).

قال یحیی بن یعلی المحاربی: أمرَنا زائدة أن نترک حدیث الحجاج بن أرطأة.

وقال أحمد بن حنبل: سمعت یحیی بن سعید یذکر أنّ حجاج بن أرطأة لم یَرَ الزهری، وکان سیّئ الرأی فیه جداً... وقال أبو الحسن الدارقطنی وغیره: لا یُحتَجّ بحجّاج، قلت [والکلام للذهبی]: قد یترخص الترمذی ویصحّح لابن أرطأة، ولیس بجید ((3)).

وقال عبدالله بن إدریس: کنت أری الحجاج بن أرطأة یفلی ثیابه، ثمّ خرج إلی المهدی، ثمّ قدم معه أربعون راحلة علیها أحمالها ...

وقال أحمد بن حنبل: کان حجّاج یدلس، فإذا قیل له: مَن حدثک ؟ یقول: لا تقولوا هذا، قولوا: من ذکرت ؟

وروی عن الزهری ولم یره.. . وعن عیسی بن یونس قال: کان حجاج بن أرطأة لا یحضر الجماعة، فقیل له فی ذلک فقال: أحضر مسجدکم حتّی یزاحمنی فیه الحمّالون؟!((4))


1- تهذیب الکمال 5 : 422 .
2- سِیَر أعلام النبلاء 7 : 68 .
3- سِیَر أعلام النبلاء 7 : 72 لکنه قال فی: تاریخ الإسلام 9 : 100 / 4: أحد الأئمّة الاعلام علی لین فی حدیثه، وهو فی طبقه أبی حنیفة الإمام فی العِلم .
4- سیر اعلام النبلاء 7 : 73 - 74 .

ص:126

وعن ابن إدریس قال: کنّا نأتی الحجاج بن أرطأة فنجلس علی بابه حتی تطلع الشمس فلا یخرج إلی صلاة فی جماعة، فترکته((1)).

وعن عمار بن أبی مالک الجنبی قال: حدثنا أبی، قال: خرج حجاج بن أرطاة ومعه بعض أصحابه فمرّ بمساکین علی الطریق فسلّم صاحبه علی المساکین، فقال له الحجاج: إنّه لا یُسلَّم علی أمثال هؤلاء ((2)).

قال محمد بن أحمد بن یعقوب: حدثنا جدّی، قال: سمعت أبا عبید القاسم بن سلام یقول: ناظرت یحیی بن سعید القطان - یعنی فی حجاج بن أرطاة - وظننت أنه ترکه، یعنی لا یروی عن الحجاج من أجل لبسه السواد، فقلت: لم ترکته ؟ فقال: للغلط، قلت: فی أی شیء ؟ فحدّث یحیی بغیر حدیث ((3)).

... وسُئل یحیی مرةً عن الحجاج بن أرطاة فقال: ضعیف، وقال یحیی: الحجاج ابن أرطاة یدلّس ((4)).

وقال ابن المبارک: کان الحجّاج یدلس، فکان یحدثنا بالحدیث عن عمرو بن شعیب مما یحدثه العرزمی متروک ((5)).

وقال البزار: کان حافظاً مدلّساً، وکان معجباً بنفسه... وقال مسعود السجزی عن الحاکم: لا یُحتجّ به، وکذا [ قال ] الدارقطنی...


1- الضعفاء للعقیلی 1 : 282 .
2- الضعفاء للعقیلی 1 : 282 .
3- تاریخ بغداد 8 : 235 .
4- المصدر نفسه، وفی: المجروحین لابن حبان 1 : 225 / 204 سُئل یحیی بن معین عن الحجاج فقال : ضعیف، ضعیف .
5- التاریخ الکبیر للبخاری 2 : 378 / 2835، تهذیب الکمال 2 : 173.

ص:127

وقال ابن حبان: ترکه ابن المبارک وابن مهدی ویحیی القطان ویحیی بن معین وأحمد بن حنبل...

وقال إسماعیل القاضی: مضطرب الحدیث لکثرة تدلیسه، وقال محمد بن نصر: الغالب علی حدیثه: الإرسال، والتدلیس، وتغییر الألفاظ!((1))

قال أبو حاتم: کان الحجاج مدلّساً عمن رآه وعمن لم یره((2)).

وقال الآجری فی سؤالاته من أبی داود: سمعت أبا داود یقول: کان الحجاج بن أرطاة یُطعَن فی نسبه((3)).

وقال الألبانی فی (تمام المنة) - بعد أن ذکر حدیث ابن عباس -:... فیه الحجاج ابن أرطاة وهو ضعیف مدلّس وقد عَنْعَنه، وهو مخرج عندی فی الأحادیث الضعیفة((4)).

وفی حدیث الأذان هنا عنعن الحجاج عن عطاء ولم یصرح بالسماع ؛ فتکون روایته کالمنقطعة. هذا من جهة،

ومن جهة أخری ستعرف لاحقاً بأن جملة «الصلاة خیر من النوم» صارت شعاراً سیاسیّاً للحکام الأمویین والعباسیین، وقد وُضِعَت قبال جملة «حی علی خیر العمل» الدالة علی إمامة علیّ وأولاده المعصومین علیهم السلام حسبما بینّاه فی کتابنا (حی علی


1- تهذیب التهذیب 2 : 174 .
2- المجروحین لابن حبان 1 : 225 / 204 .
3- سؤالات الآجری : 198 / 216 .
4- تمام المنة : 305، وقال فی صفحة 345 : وقد رواه الحجاج بن أرطاة المدلس عن محمد بن علی لم یجاوزه .

ص:128

خیر العمل).

والحجاج بن أرطأة، رغم کونه قاضیاً ومقرَّباً من السلطان، إلّا أنّه کان یخاف من کتابة وتدوین حدیثه، لأنّه سیثیر العلماء والناس ضدّه، لروایته فی بعض الأحیان ما یخالف الثوابت الدینیة عند المسلمین.

عن عبدالله بن الأسود الحارثی، قال: کان الحجاج بن أرطاة یقیم علی رؤوسنا غلاماً له أسود فیقول: من رأیته یکتب فخُذْ برجله، فقام إلیه رجل فقال: سوءةً لک یا أبا أرطاة، یأتیک نظراؤک وأبناء نظرائک من أبناء القبائل ثمّ تأمر هذا الأسود بما تأمره! فلم یأمره بعد ذلک((1)).

وعن علی بن عثمان بن علی قال: کان للحجاج بن أرطاة غلام قائم علی رأسه یضرب من یکتب، إلّا حفص بن غیاث فإنّه کان من العشیرة فلا یمنع((2)).

وبهذا تکون قد عرفت أن الحجاج کان مدلّساً یخاف من کتابة وتدوین أقواله، کما أنّه کان فقیه الدولة العباسیة، وقد کانت له قطیعة ببغداد فی الربض تُعرف بقطیعة حجاج((3)).

وأما حفص بن غیاث، فهو کاتب حجّاج بن أرطاة والمجاز فی الکتابة عنه فقط! فقد وثقه البعض، لکن ورد فیه بعض التلیین، إذ ولیَ القضاء ببغداد من قِبل


1- تاریخ بغداد 8 : 233 .
2- ضعفاء العقیلی 1 : 281.
3- أنظر تاریخ بغداد 8 : 230 / 4341.

ص:129

الرشید ثم عزله واستقضاه علی الکوفة، وکان آخر القضاة بالکوفة.

قال بشار عواد: أخبار حفص کثیرة، وقد وثقّه ابن سعد والعجلی، ولکن ذُکر عنه شیء من التدلیس، وتغیّر قلیل فی حفظه بأخرة، کما ذکره الآجری عن أبی داود، وهو علی کل حال من الثقات الأثبات، روی له الجماعة!!((1))

وحکی عبدالله عن أبیه أحمد بن حنبل: قال أبی: رأیت مقدَّم فم حفص بن غیاث مضبّبةً أسنانُه بالذهب((2)).

وقال ابن حبان: کان یهم فی الأحادیث((3)).

وفی میزان الاعتدال:... وقال أبو زرعة: ساء حفظه بعدما استُقضی، فمن کتب عنه من کتابه فهو صالح، وقال ابن معین: جمیع ما حدّث به حفص ببغداد والکوفة إنّما هو مِن حفظه، کتبوا عنه ثلاثة الآف أو أربعة الآف من حفظه، وقال داود بن رشید: حفص بن غیاث کثیر الغلظ...((4)).

وفی (طبقات المدلّسین): وصفه أحمد بن حنبل والدارقطنی بالتدلیس((5)).

وبهذا فقد اخذتَ فکرة إجمالیة عن رواة سند أبی محذورة، وأنّهم کانوا من قضاة وأذناب بنی أمیة وبنی العباس، وأتباع النهج الحاکم المخالف للعترة فی التثویب وفی غیره، وهؤلاء کانوا یهدفون بروایتهم أمثالَ هذه الأخبار إلی تحکیم مدرسة


1- أنظر تهذیب الکمال 7 : 56 / 1415، قال ابن أبی شیبة ولی قضاء الکوفة ثلاث عشره سنة وبغداد سنتین.
2- العلل لأحمد بن حنبل 3 : 307 / 523.
3- مشاهیر علماء الأمصار : 172 / 1370 .
4- میزان الاعتدال 2 : 331 / 2163 .
5- طبقات المدلسین1 : 20 / 9، تهذیب التهذیب 2 : 359 .

ص:130

الشیخیین فی مقابل مدرسة أهل البیت المخالفة لها فی التثویب، حسبما سنوضح ذلک لاحقاً.

ب - ما روی عن بلال

قلنا قبل قلیل: إنّ المروی عن بلال الحبشی - فی عدم جواز التثویب إلّا فی الفجر - قد روی بطریقین:

1- عطاء عن سوید عن بلال،

2- طلحة عن سوید عن بلال.

ونحن - وإن کان بإمکاننا إدراج هذین الطریقین فی المبحوث عن روایات بلال((1)) سابقاً، لکنّا آلینا البحث فیهما ودراستهما هنا لقربهما مع ما مرّ عن أبی محذورة نصّاً.

أمّا السند الأوّل (أعنی عطاءً عن سوید) فلم تذکر الکتب الستة عطاءً فیمن روی عن سوید((2)).

وأمّا الثانی: (أعنی طلحة بن مصرف عن سوید عن بلال) فقد جاء فی کتاب (العلل) لأحمد بن حنبل: قال عبدالله: قال أبی: أهل الکوفة یفضّلون علیّاً علی عثمان إلّا رجلین طلحة بن مصرف وعبدالله بن إدریس((3)).


1- العشرة التی مرّة فی صفحة 97 - 117.
2- انظر: تهذیب الکمال 12 : 265 / 2647، تهذیب التهذیب 4 : 244 / 488 .
3- العلل لأحمد بن حنبل 2 : 535 / 3532، وانظر فی عثمانیته: تهذیب الکمال 13 : 433 / 2982، عن أبی داود فی سؤالات الآجری : 140 / 97، والعجلی فی ثقاته 1 : 479 / 797 .

ص:131

وطلحة کان قد عُدّ من قراء الکوفة، وهو کان علی عداء مع مَنْ سمّاهم بالرافضة والشیعة((1))، وقد شهد معرکة الجماجم وقال: لَوددتُ أنّ هذه سقطت ها هنا ولم أکن شهدتها ((2))، ومعناه أنّه کان عثمانیّاً فقهاً وسیاسةً، والعثمانی یتقاطع مع أهل البیت فکراً وعقیدةً.

وأمّا سوید فهو ابن غفلة بن عوسجة، وأدرک الجاهلیة، وشهدَ فتحَ الیرموک، وخطبةَ عمر بالجابیة. سکن الکوفة، وقد قیل عنه بأنّه من موالی الإمام علی ومن أصحاب الإمام الحسن المجتبی علیهما السلام ، وقد شهد صفین، وروی عن ابن مسعود((3)).

وقال الشیخ المفید: سئل الفضل بن شاذان عمّا روته الناصبة عن أمیر المؤمنین علیه السلام أنّه قال: لا أُؤتی برجل یفضّلنی علی أبی بکر وعمر إلّا جلدته جلد المفتری!

فقال: إنّما روی هذا الحدیثَ سوید بن غفلة، وقد أجمع أهل الآثار علی أنّه کان کثیر الغلط((4)).


1- تهذیب الکمال 13 : 433 . الطبقات الکبری لابن سعد 6 : 308 .
2- أنظر: سیر أعلام النبلاء 5 : 192، تاریخ الإسلام 7 : 388.
3- أنظر: تهذیب الکمال 12 : 265 / 2647، تهذیب التهذیب 4 : 244 / 488. قال البرقی فی رجاله : 4 : إنّه فی أولیاء أمیر المؤمنین علیه السلام ، وخلاصة الأقوال للعلّامة الحلّی : 163 / 475، ورجال ابن داود: 107 / 739.
4- الفصول المختارة : 167، وانظر: معجم رجال الحدیث 9 : 340 / 5618، والسید الخوئی لم یقبل بأنّ سویداً کان کثیر الغلط، فقال معترضاً : أقول: هذه روایة مرسلة لا یُعتمَد علیها، وکیف یصح ذلک وقد اعتمد الفضل بنفسه علی روایة سوید کما عرفت ...

ص:132

حکی القرطبی فی تفسیره (الجامع لأحکام القرآن) دفاع ابن عبدالبر عن عمر ابن الخطاب وتشریعه ل- «الصلاة خیر من النوم» فقال:

روی وکیع عن سفیان عن عمران بن مسلم عن سوید بن غفلة أنّه [أی عمر] ارسل إلی مؤذنه إذا بلغتَ «حی علی الفلاح» فقل: «الصلاة خیر من النوم» فإنه اذان بلال ! ومعلوم أنّ بلالاً لم یؤذن قط لعمر ولا سُمع بعد رسول الله إلّا مرة بالشام إذ دخلها((1)).

ومعنی کلامه هو استمرار التاذین ب- «الصلاة خیر من النوم» منذ عهد رسول الله إلی عهد عمر بن الخطاب، لأنّ عمر کان یوصی مؤذنّه بالأذان به لأنّه کان أذان بلال!

وحیث علمنا بأنّ بلال بن رباح هو مؤذّن رسول الله ولیس بمؤذن أبی بکر ولا عمر، فیکون الأذان عندهم بالصلاة خیر من النوم نبویّاً ولیس بعمری حسب زعمه.

أمّا نحن فنقول جواباً عن هذا القول: إذا صحَّ ما تقولون، فلماذا یشکّ علماؤکم کالشافعی وابن رشد وغیرهما بکونه سنّة نبویّة؟!

ولماذا لا نراه فی أذان عبد الله بن زید الأنصاری الذی أخذ بلال الأذان عنه کما تقولون؟!

بل لماذا لا نراه فی روایات تشریع الأذان فی الإسراء والمعراج ، بل کیف یتطابق


1- تفسیر القرطبی 6 : 229 عن الاستذکار 1 : 398. وانظر: المجلّد الأوّل من هذه الموسوعة تحت عنوان «حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة» .

ص:133

ذلک مع المعروف عن بلال أذانُه ب- «حی علی خیر العمل»((1)) لا «الصلاة خیر من النوم» مع تأکیدنا علی أنّ ما قالوه ونسبوه إلی بلال وإلی رسول الله وأنّه صلی الله علیه و آله قال له: إجعل مکان «حیّ علی خیر العمل» «الصلاة خیر من النوم» هو ادّعاءٌ مشکوک بل موضوع((2)).

وقد یکون ضمیر (أنّه) فی خبر ابن عبد البر یرجع إلی سوید لا إلی عمر بن الخطاب، وأنّه ارسل إلی مؤذنه أن یقول بالصلاة خیر من النوم، وفی بعض النصوص ما یؤیّد هذا الاحتمال إذ لیس فیها زیادة (أنّه أذان بلال).

حدثنا أبو بکر قال: حدثنا وکیع بن سفیان عن عمران بن مسلم عن سوید بن غفله أنه أرسل إلی مؤذّنٍ له یقال له رباح أن لا یثوّب إلّا فی الفجر((3)).

وبهذا فتکون هذه الإضافة فی خبر ابن عبد البرّ جاءت متأخّرة، وفی زمن التابعین علی وجه الخصوص، ولم ترتبط بعهد عمر بن الخطاب وشخصه ولا یتخالف هذا مع صدوره عن عمر وفی عهده للروایات الأخری وقد یمکن جمع هذه الأقوال مع المروی عن بلال وأنّه کان یؤذّن باللیل أی أنّ أذانه کان فی الأذان


1- مرّ علیک ما رواه أبو بصیر عن أحد الصادقین: أنّ بلالاً کان عبداً صالحاً، فقال: لا أُؤذّن لأحد بعد رسول الله، فترک یومئذ حیّ علی خیر العمل. (مَن لا یحضره الفقیه 1 : 184 / ح 872، وانظر المعجم الکبیر 1: 352، والسنن الکبری للبیهقی 1: 425، وما قلناه بهذا الصدد فی کتابنا «حیّ علی خیر العمل: 181 - 196 و ص 208» أیضاً.
2- وقد أثبتنا بطلان ذلک فی کتابنا «حیَّ علی خیر العمل».
3- مصنف ابن أبی شیبة 1 : 190 / 2172، وفی نص آخر، فیه : فإنّه أذان بلال 1 : 189 / 2158.

ص:134

الأوّل للتنبیه والإشعار لا فی الأذان الشرعی للفجر.

وهذا الاحتمال الأخیر یجب أخذه بنظر الاعتبار أیضاً فی دراستنا، لأنّا قد ألزمنا أنفسنا أن ندرس القضیة مع جمیع ملابساتها وبتجرّد، مع الأخذ بنظر الاعتبار روایات أهل البیت بهذا الصدد أیضاً، لأنّ فی روایاتهم توضیحَ الکثیر من المبهمات، وفیها بیاناً للتحریفات الواقعة علی الشریعة.

وعلیه فقد انتهینا من ذکر الروایات المجملة، وعرفت عدم ثبوتها عن بلال وأبی محذورة، وأنّها إن صحّت فلا تعنی ما یریدونه.

والآن مع مناقشة الروایات المصرِّحة بأنّ معنی التثویب هو: «الصلاة خیر من النوم» لاغیر، سواء حُکیت هذه الکلمة عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو أنّها أُثرت عن بعض الصحابة.

ص:135

النوع الثانی: مناقشة الروایات المصرّحة
اشارة

ص:136

ص:137

فی هذا القسم سنناقش ما رواه المؤذنون، سواء ما رواه المؤذن عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو ما روی عن الصحابی المؤذّن بواسطة أولاده وأحفاده، حتّی نقف علی أنّ هذا النصّ المنقول هل یصحّ نسبته إلی رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو أنّه رأی للصحابی نفسه، وقبله نؤکّد علی وجود ادعاءَین مهمَّین فی هذا المجال:

أحدهما: لعبد الله بن زید بن عبد ربه الأنصاری الذی قیل عنه بأنّه هو الذی أُری الأذان فی المنام، فهذا ادّعی - أو ادُّعیَ علی لسانه - بأنّ رسول الله أمر بلالاً أن یأخذ الأذان منه.

والثانی: لأبی محذورة الذی ادّعی - أو ادُّعیَ علی لسانه - أنّ رسول الله علّمه الأذان.

ولو تأمّلت فی أخبار الأذان الواردة عن عبد الله بن زید الأنصاری فإنّک لا تری التثویب فیها، کما شکَّ الإمام الشافعی فی ورودها عن أبی محذورة حسبما نفصّله لاحقاً، وإن کنا لا نستبعد صدورها عن أبی محذورة لما قیل عنه بأنّه من

ص:138

الطلقاء والمؤلّفة قلوبهم فی الإسلام بعد مکّة وقد استهزأ بالنبیّ قبل إسلامه وأنّ رسول الله قال له ولأبی هریرة ولسمرة بن جندب((1)): آخرکم موتاً فی النار((2)).

وإلیک الآن أسماء أشهر المؤذّنین علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله

من الصحابة، وهم:

1- بلال بن رباح الحبشی.

2- أبو محذورة.

3- سعد القرظ.

4- ابن أُم مکتوم.

وإلیک روایات هؤلاء حسب الترتیب المذکور، وإن کانت روایات سعد غالباً مّا تندرج ضمن روایات بلال وتناقش هناک.

مؤکّدین بأنّ عبد الله بن زید بن عاصم بن ثعلبة بن عبد ربّه الأنصاری وإن کان قد أُری الأذان بزعمهم، لکنّه لم یکن من المؤذّنین، وأخباره الأذانیة موجودة فی الصحاح والسنن یمکن الوقوف علیها، إمّا عن طریق بلال أو عن طریق غیره .

فروایاته التی جاءت عن طریق بلال لیس فیها التثویب، لکن النهج الأموی جدَّ فی نسبة التثویب إلی بلال معتبرینه هو الحاکی الأوّل لهذه المقولة، وأنّها شُرّعت علی أثر قوله، لأنّه رأی النبیّ نائماً فقال: الصلاة خیر من النوم، ورسول الله أقرّ کلامه فی الأذان.

فإنّ تناقل هکذا أخبار علی لسان بلال هو من وضع الأمویین حسب تصوّرنا واعتقادنا ولنا شواهد علی ما نقول.


1- علی اختلاف بینه وبین شخص آخر.
2- انظر ترجمة سمرة فی: الاستیعاب، والإصابة وغیرهما، ولنا وقفة معه فی هذا الکتاب.

ص:139

وعلیه فأخبار التثویب لا تصح لعدّة أسباب:

أحدها عدم وجودها فی روایات عبد الله بن زید الأنصاری الذی أُریَ الأذان فی المنام.

ولا فی المنقول عن ابن أُمّ مکتوم.

ولشکّ الشافعی فی المحکی عن أبی محذورة.

ولوجود أخبار عن سعد القرظ عن عبد الله بن زید الأنصاری وبلال الحبشی لیس فیهما التثویب((1))، وهذه الأخبار تخالف ما روی عنهما فی التثویب.

وحتّی أنّک لا تری التثویب فیما رواه البزّار عن الإمام علی علیه السلام ((2)).

وفیما رواه أبو داود فی سننه عن معاذ بن جبل((3)).

وما رواه ابن أبی شیبة عن ابن عمر((4)).

وبهذا فکلّ ما جیء من أخبار فی التثویب فهی محکیّة عن أولاد أبی محذورة وأولاد سعد القرظ وتدور علیهم فقط دون من سواهم، وهؤلاء لیسوا بشیء عند علماء الجرح والتعدیل.

وإلیک الآن روایات التثویب ومناقشتنا لها.


1- انظر: المعجم الکبیر 6 : 40 وفیه: فألقاه علیه الأنصاری: اللهُ أکبر ... إلخ. وفی الأوسط لابن المنذر 3 : 93، عن عمّار بن سعد عن أبیه یقول: إنّ هذا الأذان أذان بلال ... .
2- مسند البزّار 2 : 146، الدرّ المنثور 5 : 219، مجمع الزوائد 1 : 328، شرح فتح القدیر 1 : 241.
3- سنن أبی داود 1 : 140، المسند للشاشی 4 : 83.
4- انظر مصنّف ابن أبی شیبة 1 : 185.

ص:140

الروایات التی فیها التثویب
اشارة

هی إمّا مرویّة عن بلال الحبشی أو عن أبی محذورة الجمحی وروایات سعد القرظ غالبها مرویّة عن بلال وتناقش هناک.

1 - روایات بلال الحبشی
اشارة

جاءت الروایات عن بلال الحبشی من عدة طرق:

1- ما رواه سعید بن المسیب عنه.

2- ما رواه سعید بن المسیب عن أبی هریرة أن بلالاً ...

3- ما رواه سعید بن المسیب عن عبد الله بن زید الأنصاری قال: جاء بلال ...

4- ما رواه ابن قسیط عن أبی هریرة، جاء بلال إلی النبی ...

5- ما روته عائشة أن بلالاً ...

6- ما رواه حفص بن عمر عن آبائه عن بلال ...

7- ما رواه عبد الله بن محمّد بن عمّار عن آبائه عن بلال ...

8- ما رواه عبد الرحمن بن أبی لیلی عن بلال ...

وإلیک نصوص تلک الروایات:

1- ما رواه سعید بن المسیب عنه

الأسانید: الأول والثانی والثالث والرابع والخامس

ص:141

· ابن ماجة: حدثنا عمر بن رافع، حدثنا عبدالله بن المبارک، عن معمَّر، عن الزهری، عن سعید بن المسیب عن بلال أنّه أتی النبیَّ یؤذنه بصلاة الفجر فقیل: هو نائم، فقال: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی تأذین الفجر فثبت الأمر علی ذلک.

فی (الزوائد): اسناده ثِقات، إلّا أن فیه انقطاعاً، سعید بن المسیب لم یسمع من بلال((1)).

· عبدالرزاق فی مصنفه: عن معمر عن ابن المسیب أنّ رسول الله قال: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فمن أراد الصوم فلا یمنعه أذان بلال حتی یؤذن ابن أم مکتوم. قال: وکان أعمی فکان لا یؤذن حتی یقال له: أصبحت.

فلما کان ذات لیلة أذن بلال، ثم جاء یؤذن النبی، فقیل له: إنّه نام، فنادی بلال: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی الصبح ((2)).

· الطبرانی: حدثنا إسحاق بن إبراهیم الدیری، عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهری، عن سعید بن المسیب: أنّ بلالاً أتی النبیَّ یؤذنه بالصلاة مرة، فقیل: إنّه نائم، فنادی: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی صلاة الفجر((3)).

· مصنّف ابن أبی شیبة: حدثنا أبو بکر، أخبرنا عبده عن محمد بن إسحاق عن الزهری عن سعید بن المسیب قال: جاء بلال إلی النبی یؤذنه بالصلاة، فقیل له: إنّه


1- سنن ابن ماجة القزوینی 1 : 237 / ح 716 .
2- المصنف لعبدالرزاق 1 : 472 / ح 1820 .
3- المعجم الکبیر للطبرانی 1 : 354 / 1078.

ص:142

نائم. فصرخ بلال بأعلی صوته «الصلاة خیر من النوم»، فأُدخلت فی الأذان ((1)).

· البیهقی: أخبرنا أبو سعید بن أبی عمر وأنبانا أبو محمد المزنی، أنبأ علی بن محمد بن عیسی، حدثنا أبو الیمان، أخبرنی شعیب، عن الزهری، قال: حدثنی سعید ابن المسیب (فذکر قصة عبدالله بن زید ورؤیاه، إلی أن قال):

ثمّ زاد بلال فی التأذین «الصلاة خیر من النوم»، وذلک أنّ بلالاً أتی بعدما أذن التأذینة الأولی من صلاة الفجر لیؤذن النبی بالصلاة، فقیل له: إنّ النبی نائم. فأذن بلال بأعلی صوته «الصلاة خیر من النوم»، فأُقرّت فی التأذین لصلاة الفجر ((2)).

المناقشة

نلاحظ فی هذه الاسانید روایة «سعید بن المسیب عن بلال» وسعید لم یسمع من بلال کما مرَّ عن زوائد ابن ماجة.

قال الهیثمی فی «مجمع الزوائد»: سعید بن المسیب عن بلال، ولم یسمع سعید مِن بلال((3)).

وقال ابن حجر فی «التلخیص الحبیر»:

وروی ابن ماجة من حدیث ابن المسیب عن بلال أنه أتی النبیَّ یؤذنه لصلاة الفجر، فقیل: هو نائم، فقال: الصلاة خیر من النوم - مرّتین، فأُقرّت فی تأذین


1- مصنف بن أبی شیبة 1 : 189 / ح 2162 .
2- السنن الکبری للبیهقی 1 : 422 / 1834.
3- مجمع الزوائد 4 : 113 .

ص:143

الفجر، فثبت الأمر علی ذلک. وفیه انقطاع مع ثقة رجاله.

وذکر ابن السکن من طریق آخر عن بلال، وهو فی الطبرانی من طریق الزهری عن حفص بن عمر عن بلال، وهو منقطع أیضاً.

ورواه البیهقی فی (المعرفة) من هذا الوجه، فقال:

عن الزهری، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن أنّ سعداً کان یؤذن، قال حفص:فحدثنی أهلی أن بلالاً، فذکره.

وروی ابن ماجة من حدیث عبدالرحمن بن إسحاق، عن الزهری، عن سالم، عن أبیه، فذکر قصة اهتمامهم بما یجمعون به الناس قبل أن یشرع الأذان، وفی آخره: وزاد بلال فی نداء صلاة الغداة «الصلاة خیر من النوم»، فأقرّها رسول الله. وإسناده ضعیف جدّاً((1)).

أمّا ما رواه عبدالرزاق عن معمر عن ابن المسیب، فإنّ معمَّراً لم یسمع ابن المسیب، لکن الطبرانی وصل الخبر فی (المعجم الکبیر)، فقال: عن معمَّر عن الزهری عن ابن المسیب.

والمروی فی (المصنف لابن أبی شیبة) ففیه محمد بن إسحاق الذی مدحه علی ابن المدینی، ووثّقه ابن معین، وأخذ عنه سفیان وشعبة وابن عُیَینة وحماد بن زید وحماد بن سلمة وابن المبارک وابراهیم بن سعد، وحسّنه أحمد بن حنبل.

وقال عنه مالک: دجّال من الدجاجلة!

وقال الحافظ أبو بکر:... وقد أمسک عن الاحتجاج بروایات ابن إسحاق


1- تلخیص الحبیر 1 : 201 .

ص:144

غیرُ واحد من العلماء، لأسباب منها أنّه کان یتشیع ویُنسَب إلی القدر ویدلّس فی حدیثه ((1)).

وقد یکون الطریق إلی الطعن فی روایة ابن إسحاق هذه هو روایة بالعنعنة مع کونه مدلّساً ولم یصرّح بالسماع والقاعدة المقرّرة تقضی هذا القسم من روایات المدلّس.

وقال سلیمان التیمی: هو کذّاب!

وقال یحیی بن سعید القطان: ما ترکت حدیثه إلّا لله، أشهد أنّه کذاب، فقال له وهیب بن خالد: إنّه کذاب.

قلت لوهیب: ما یدریک؟

قال: قال لی مالک بن أنس: أشهد أنّه کذاب.

قلت لمالک: ما یدریک ؟

قال: قال لی هشام بن عروة: أشهد أنّه کذاب.

قلت لهشام: ما یدریک؟

قال: حدّث عن امراتی فاطمة بنت المنذر، وأُدخلت علَیَّ وهی بنت تسع سنین، وما رآها رجل حتی لقیت الله.

قال أحمد بن حنبل: یمکن أن تکون خرجت إلی المسجد فسمع منها.

وقال یحیی بن معین: هو ثقة لیس بحجة. وقال مرة: لیس بالقوی فی الحدیث،


1- أنظر: تهذیب الکمال 24 : 405 / 7057 .

ص:145

وکذلک قال النسائی، وقال علی: یحدّث عن المجهولین بأحادیث باطلة ((1)).

هذا ویجب علینا لفت نظر الباحثین إلی نکتة مهمة موجودة فی روایتی عبدالرزاق والبیهقی، وهی قولهم:

إنّ بلال الحبشی کان یؤذن بلیل، یعنون به نداءه فی اللیل لتنبیه الغافلین وإیقاظ النائمین، أی فی الأذان الأوّل وقبل الفجر، لقول الراوی فی خبر عبدالرزاق «فمن أراد الصوم فلا یمنعه أذان بلال حتی یؤذن ابن أم مکتوم... فلما کان ذات لیلة أذن بلال، ثم جاء یؤذن النبیَّ فقیل له: إنّه نائم. فنادی بلال: «الصلاة خیر من النوم»، فأُقرّت فی الصبح».

وفی روایة البیهقی تری جملة أخری تعطی نفس المعنی الذی مرَّ فی خبر عبد الرزّاق، وفیه: «ثم زاد بلال فی التأذین «الصلاة خیر من النوم»، وذلک أن بلالاً أتی بعدما أذّن التأذینة الأولی من صلاة الفجر لیؤذن النبیَّ بالصلاة، فقیل له: إنّ النبی نائم، فأذن بلال بأعلی صوته «الصلاة خیر من النوم»، فأُقرّت فی التأذین لصلاة الفجر».

وعلیه - طبقاً لهذه النصوص - فإنّ هذه الجملة إن زیدت فقد زیدت فی الأذان الإعلامی الأول، لکنّهم سعوا أن یدخلوها فی أذان الفجر فی الزمن اللاحق.

أی إنّ الزیادة - حسب قولهم - لم تکن مِن قبل الله أو جبرئیل أو رسول الله ، بل کانت من قبل بلال فی أذان اللیل، لأنّه جاء النبیّ ذات لیلة بعد أن أذّن لإیقاظ النائمین لیدعو النبیَّ لصلاة الفجر، فقیل له: إنّه نائم، فنادی بلال: «الصلاة خیر


1- الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی 3 : 41 / ح 2883 .

ص:146

من النوم»... إلی آخر الخبر.

فمعناه أنّ هذه الزیادة لم تکن فی اذان الفجر ثمّ شُرّعت فیه، فعدم وجودها فی الأذان ثابت، وما قالواه عن إقرار النبیّ لذلک لا یعلم، وهذه الدراسة ترید إثبات هذا القسم من البحث.

2- ما رواه سعید بن المسیب عن أبی هریرة أن بلالاً...

الإسنادان: الاول والثانی

· الطبرانی: حدثنا علی، قال: نا سلمة بن الخلیل الکلاعی الحمصی، قال: نا مروان بن ثوبان قاضی حمص، قال: نا النعمان بن المنذر، عن الزهری، عن سعید بن المسیب، عن أبی هریرة أنّ بلالاً أتی النبی صلی الله علیه و آله عند (الأذان فی الصبح) فوجده نائماً، فناداه: الصلاة خیر من النوم، فلم ینکره رسول الله صلی الله علیه و آله وأدخله فی الأذان، فلا یؤذَّن لصلاةٍ قبل وقتها غیر صلاة الفجر.

لم یرو هذا الحدیث عن الزهری إلّا النعمان، تفرّد به مروان((1)).

· الطبرانی: حدثنا علی بن سعید الرازی، ثنا سلمة بن الخلیل الکلاعی الحمصی، ثنا مروان بن ثوبان قاضی حمص، ثنا النعمان بن المنذر، عن الزهری، عن سعید بن المسیب عن أبی هریرة أنّ بلالاً أتی النبی صلی الله علیه و آله عند الأذان الاول من الصبح فوجده نائماً، فناداه: الصلاة خیر من النوم، فلم یکره رسول الله صلی الله علیه و آله وأدخله فی


1- المعجم الأوسط للطبرانی 4 : 267، وفی مجمع الزوائد 1 : 330 : رواه الطبرانی فی (الأوسط) وقال: تفرد به مروان بن ثوبان، قلت: ولم أجد مَن ذکره .

ص:147

الأذان، فلا یؤذَّن لصلاة قبل وقتها غیر صلاة الفجر((1)).

المناقشة

فی هذین الخبرین النعمان بن المنذر الغسانی الشامی الذی قال عنه أبو داود: کان داعیة فی القَدَر، وضع کتاباً یدعو فیه إلی قول القدر، قول النسائی: لیس بذاک القوی.

وقال أبو عبید الآجری: سمعت أبا داود یقول: ضرب أبو مسهر علی حدیث النعمان بن المنذر، فقال له یحیی بن معین: وفقک الله((2)).

کما فیه مروان بن ثوبان، وسلمة بن الخلیل الکلاعی الحمصی المهملان((3)).

وأمّا علی بن سعید الرازی فمتکلم فیه أیضاً، وقد حدّث بأحادیث لم یُتابَع علیها((4))، هذا عن سند الخبرین.

أمّا عن دلالته، فهو صریح بأنّه زِیْدَ متأخّراً ولم یکن فی الأذان الشرعی الذی کان یؤذّن به بلال فی الفجر منذ تشریعه، أی إنّ هذه الزیادة شُرّعت بعد أذانه


1- مسند الشامیین للطبرانی 2 : 236 / ح 1254 .
2- تهذیب الکمال 29 : 461 / 6449، الکشف الحثیث : 267 / 807، تهذیب التهذیب 10 : 408 / 830.
3- قال الهیثمی فی (مجمع الزوائد 1 : 330): مروان بن ثوبان: لم أجد فی ذکره، وقال السمعانی فی (الأنساب 2 : 58): مروان بن ثوبان کان قاضیاً علی حمص. وأما سلمة بن الخلیل الکلاعی فقد ذکره الذهبی فی (تاریخ الإسلام 18 : 286)، قائلاً: لم یذکره ابن أبی حاتم وما علمت فیه ضعفاً.
4- سؤالات حمزة : 244 / 348، قال الدارقطنی: حدّث بأحادیث لم یُتابَع علیها. ثمّ قال: فی نفسی منه وقد تکلم فیه أصحابنا بمصر وأشار بیده وقال هو کذا وکذا! کأنّه لیس هو ثقة، لسان المیزان 4 : 231 / 615، میزان الاعتدال 5 : 160 / 5856.

ص:148

باللیل، أی عندما وجد النبیَّ نائماً بعد تهجّده باللیل وقبل الفجر - کما جاء فی سند الطبرانی الثانی لقول أبی هریرة: فلا یؤذّن لصلاة قبل وقتها غیر صلاة الفجر - أو بعد الأذان الأول، وقبل أذان الصبح - کما فی السند الأول للطبرانی - أترک القارئ مع النصوص لکی یتأمّل فیها بعض الشیء وینتزع ما یرید.

3- ما رواه سعید بن المسیب عن عبدالله بن زید الأنصاری قال: جاء بلال...

الإسنادان: الأول والثانی

· أبو الشیخ: عن سعید بن المسیب عن عبدالله بن زید الأنصاری قال: جاء بلال ذات غداة إلی صلاة الفجر فقیل له: إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله نام. فصرخ بأعلی صوته «الصلاة خیر من النوم».

قال سعید: فأُدخلت هذه الکلمة فی التأذین إلی صلاة الفجر. (أبو الشیخ) ((1)).

وفی (السنن الکبری) عن سعید بن المسیّب: ثمّ زاد بلال فی التأذین «الصلاة خیر من النوم»، وذلک أنّ بلالاً أتی بعدما أذّن التأذینة الأولی من صلاة الفجر لیؤذن النبی بالصلاة، فقیل له: إنّ النبیّ نائم. فأذّن بلال بأعلی صوته: «الصلاة خیر من النوم»، فأُقرّت فی التأذین لصلاة الفجر((2)).

وقد جاء فی (الأُم) للشافعی:

الأذان للمکتوبات، ولم یَحفظ عنه أحد عَلِمتُه أنّه أُمر بالأذان لغیر


1- کنز العمال 8 : 167 / ح 23248 .
2- السنن الکبری 1 : 422.

ص:149

المکتوبة، وإذا کان فکان یقال: «الصلاة خیر من النوم» لا الأذان بفصوله((1)).

أُنظر إلی هذه الزیادة، فهی تؤکّد أنّ الجملة فقد کانت تقال علی نحو الإعلام وعلی سبیل الرخصة لا العزیمة، کما یریدون الذهاب إلیه، نعم إنّ الاتجاه الحاکم وبعد وفاة رسول الله أدخلوها فی أذان الفجر لأهداف کانوا یرجونها، وسعید بن المسیب صرّح بذلک بعبائر مختلفة، منها الذی مرَّ، ومنها قوله:

فکان بلال - مولی أبی بکر - یؤذّن بذلک ویدعو رسول الله إلی الصلاة، قال: فجاءه ذات غداة إلی صلاة الفجر، فقال، فقیل له: إنّ رسول الله نائم. قال: فصرخ بلال بأعلی صوته «الصلاة خیر من النوم». قال سعید بن المسیب: فأُدخِلت هذه الکلمة فی التأذین بصلاة الفجر((2)).

· ابن شبة النمیری: حدثنا میمون بن الأصبغ قال حدثنا الحکم بن نافع، عن شعیب بن أبی حمزة، عن الزهری، عن سعید بن المسیب قال: أتی عبدالله بن زید النبیَّ صلی الله علیه و آله فأخبره بما رأی من التأذین فی النوم، فوجد النبیَّ

صلی الله علیه و آله قد أمر بالتأذین، فقال النبی صلی الله علیه و آله : یا بلال قم فأذّنْ. وکان بلال یؤذن بإقامة الصلاة، ثم أمرهم النبی صلی الله علیه و آله بالتأذین قبل الإقامة، ثم زاد بلال «الصلاة خیر من النوم».


1- الأُم 1 : 82 باب جماع الأذان.
2- التمهید لابن عبد البر 24 : 22، ومختصر الأحکام 1 : 460 (مستخرج الطوسی علی جامع الترمذی).

ص:150

وذلک أن بلالاً أتی بعدما أذّن التأذینة الاولی من صلاة الفجر لیؤذن النبی صلی الله علیه و آله فقیل له: إنّ النبی صلی الله علیه و آله نائم، فأذن بلال بأعلی صوته: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی التأذین فی صلاة الغداة.

ثم تُوفی رسول الله صلی الله علیه و آله وأمرُ التأذین علی هذا، وأبو بکر وعمر، ثم کثر الناس فأمر عثمان بتأذین الجمعة الثالث، فثبتت السنّة علی ذلک، فلا یؤذن تأذیناً ثالثاً إلّا فی الجمعة منذ سنها عثمان ((1)).

المناقشة

سنده حسن إلّا أنّ فیه انقطاعاً، فسعید بن المسیب لم یسمع من بلال، لأن بلالا توفی بین سنة 17 أو 18 وقیل 20 ه- وفی سیر أعلام النبلاء : وروی عن أبی بن کعب مرسلا ، وبلال کذلک ((2))

ولا من عبد الله بن زید بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاری، لأنّ الأنصاری قد اختلف فی تاریخ وفاته فذهب البعض إلی انه استشهد فی احد، قال الحافظ فی تهذیب التهذیب 5 / 224: قلت : وقال ابن عدی : لا نعرف له شیئا یصح عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم إلا حدیث الأذان . انتهی . و هذا یؤید کلام البخاری ، و هو المعتمد . و قد وجدت له أحادیث غیر الأذان جمعتها فی جزء . و اغتر الأصبهانی بالأول فجزم به ، و تبعه جماعة فوهموا . وقال الحاکم : الصحیح


1- تاریخ المدینة لابن شبة النمیری 2 : 98 / 1649 .
2- سیر أعلام النبلاء 1 : 218 .

ص:151

أنه قتل بأحد ، و الروایات عنه کلها منقطعة . کذا قال ، و فی ترجمة عمر بن عبد العزیز من " الحلیة " بسند صحیح عن عبید الله ابن عمر العمری قال: دخلت ابنة عبد الله بن زید بن عبد ربه علی عمر بن عبد العزیز فقالت: أنا ابنة عبد الله بن زید ، شهد أبی بدرا و قتل بأحد ، فقال : سلینی ما شئت ، فأعطاها . اه- .

وقیل توفی سنة 32 ه- وقیل: صلی علیه عثمان بن عفان ، وسعید بن المسیّب توفی بعد سنة 90 کما فی التهذیب . وکیف یجمع بین القول والأخیر.

ویضاف إلیه ما قلناه مکرّراً من أنّ التثویب هو «الصلاة خیر من النوم»، وهو لم یرد فی الروایات المحکیة عن عبدالله بن زید بن ثعلبة المازنی الأنصاری، إذ أخرج البخاری ذلک عنه فی (خلق أفعال العباد)((1)).

والترمذی ((2)) والدارمی ((3)) وابن ماجة ((4)) وأبی داود ((5)) فی سننهم، وعبدالرازق ((6)) وأحمد((7)) وابن أبی عاصم ((8)) وابن خزیمة ((9)) وابن حبان ((10))


1- خَلق أفعال العباد للبخاری : 45 .
2- سنن الترمذی 1 : 358 - باب ما جاء فی بدء الأذان / ح 189 .
3- سنن الدارمی 1 : 286 - باب وقت اذان الفجر / 1187، 1188، 1189 .
4- سنن ابن ماجة 1 : 232 - کتاب الأذان والسنة / 706 .
5- سنن أبی داود 1 : 135 ، 140 - باب کیف الأذان / ح 449، ح 507 .
6- مصنف عبدالرزاق 1 : 455، 461 - باب بدء الأذان / ح 1774، ح 1788 .
7- مسند أحمد 4 : 42، 43 / ح 1654، ح 16525 .
8- الآحاد والمثانی 3 : 475 / ح 1937 .
9- صحیح ابن خزیمة 1 : 191 / ح 370 .
10- صحیح ابن حبان 4 : 572 / 1679 .

ص:152

والطبرانی ((1)) وغیرهم ((2)) خبرُ الأذان وما رآه فی المنام، ولیس التثویب فی شیء منها، ولا أنّ بلالاً کان قد أخذ الأذان عنه، فلو کان التثویب موجوداً فی أذان عبد الله لکان فی أذان بلال أیضاً.

فهم یقرّون بأنّ التثویب لم یکن فیما علّم عبد الله بن زید بلال الحبشی، لکنّهم فی الوقت نفسه یدّعون بأنّ بلال هو الذی زادها فی الأذان فکیف یزیدها، أو کیف بنا أن نقبل مشروعیّته مع مشکوکیة أمر الرسول بها.

إنّها إشکالیة یجب أن توضّح، ومعنی هذا الکلام إنْ صحَّ فیجب أن یکون أذان بلال للإعلام ولإیقاظ النائمین فقط، وأنّ النبی لو کان قد أجاز ذلک فقد أجازه للإشعار والتنبیه قبل الفجر خاصّة، لا فی أذان الفجر.

إذ لا نقبل تصوّر نوم رسول الله صلی الله علیه و آله بعد طلوع الفجر، ولو تصورنا نومه صلی الله علیه و آله فهو ینام فی اللیل، وحتّی فی اللیل لا ینام کلّه، لأنّه صلی الله علیه و آله کان مأموراً بالتهجّد وإقامة اللیل ﴿نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِیلاً﴾((3)).


1- المعجم الکبیر 6 : 40 .
2- السنن الکبری للبیهقی 1 : 390 / 1705 - باب بدء الأذان و 1 : 414 / 1817 - باب من قال بإفراد قوله: قد قامت الصلاة و 1 : 415 / 1818، 1819 - باب من قال بإفراد: قد قامت الصلاة، والسنن الصغری للبیهقی 1 : 200 / ح 276، 277، معرفة السنن والآثار 1 : 445 / 592، 593، المنتقی لابن الجارود : 49 - ما جاء فی الأذان / ح 158، مسند أبی حنیفة : 148، الأحادیث المختارة 9 : 375 / 346.
3- المزّمّل : 3 .

ص:153

4- ما رواه ابن قسیط عن أبی هریرة: جاء بلال إلی النبیّ...

الإسناد

· الطبرانی: حدثنا محمد بن عبدالله بن رسته، ثنا عبدالله بن عمران، نا عبدالله بن نافع: حدثنی معمَّر بن عبدالرحمن عن ابن قسیط عن أبی هریرة قال:

جاء بلال إلی النبی صلی الله علیه و آله یؤذنه بصلاة الصبح، فقال: مُروا أبا بکر فَلْیصلِّ بالناس. فعاد إلیه فرأی منه ثقلة، فقال: مروا أبا بکر فلیصل بالناس. فذهب فأذّن فزاد فی أذانه «الصلاة خیر من النوم».

فقال [له] النبی صلی الله علیه و آله : ما هذا الذی زدت فی أذانک؟! قال: رأیت منک ثقلة فأحببت أن تنشط.

فقال: اذهب فزده فی أذانک، ومُرْ أبا بکر فلیصل بالناس.

لم یرو هذا الحدیث عن ابن قسیط إلّا معمّر، ولا عن معمّر إلّا عبدالله بن نافع((1)).

المناقشة

هذا الخبر یؤکّد وجود ترابط بین وضع «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان مع ما یریدون قوله فی إمامة أبی بکر للمسلمین من خلال صلاة أبی بکر مکان رسول الله((2)).

کما أنّه یشیر إلی کون هذه الزیادة إن جاءت فقد جاءت من بلال الحبشی لا من


1- المعجم الأوسط للطبرانی 7 : 290 .
2- سنوضّح خلفیات هذا الأمر فی القسم الثانی من هذه الدراسة تحت عنوان «أذانان، مؤذّنان، إمامان لصلاةٍ واحدة» ، فراجع فیما بعد.

ص:154

رسول الله، وأنّ رسول الله کان قد أمضی هذه الزیادة، فی حین أنّ هذا الخبر کلّه موضوع ومفتعل حسبما سنوضّحه لاحقاً، وقد ذکره الهیثمی فی (مجمع الزوائد) وقال: رواه الطبرانی فی الأوسط وفیه عبدالرحمن بن قسیط، ولم أجد مَن ذکره((1)).

5- ما روته عائشة أنّ بلالاً جاء النبی....

الإسناد

· الطبرانی: حدثنا محمد بن إبراهیم بن عامر، حدثنا أبی، عن جدی، حدثنا عمرو بن صالح الثقفی، حدثنا صالح بن أبی الأخضر، عن الزهری، عن عروة، عن عائشة، قالت: جاء بلال إلی النبی صلی الله علیه و آله یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی أذان الصبح.

· لم یرو هذا الحدیث عن الزهری إلّا صالح بن أبی الاخضر، ولا عن صالح إلّا عمرو بن صالح، تفرد به عامر بن إبراهیم((2)).

المناقشة

الخبر صریح بأنّ هذه الجملة وُضِعت من قبل بلال - لا من قبل رسول الله - ثمّ أُقرّت من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله فی أذان الصبح، فی حین أنّ هذه الطرق المرویة عن بلال جمیعها باطلة وضعیفة فی نظرنا، وإنّک ستقف علی مواطن افتعالها وأسرار


1- مجمع الزوائد 1: 330.
2- المعجم الاوسط، للطبرانی 7 : 309 وعنه فی کنز العمال 8 : 167/23249 . وانظر: مجمع الزوائد 1 : 330.

ص:155

نسبتها إلی بلال تحکیماً لمدرسة الخلافة((1))، وإلیک ما قالوه عن رجال تلک الطرق سنداً نأتی به کمقدّمة لما نرید قوله فی البحث الکلامی.

ففی هذا الخبر صالح بن أبی الاخضر الیمامی مولی هشام بن عبدالملک، نزل البصرة، فعن یحیی بن معین: صالح بن الاخضر لیس بالقویّ، وقال فی موضع آخر: ضعیف.

وقال معاویة بن صالح عن یحیی بن معین: صالح بن الأخضر بصریٌّ ضعیف، زَمْعَة بن صالح أصلح منه.

وقال عباس الدوری، عن یحیی بن معین: صالح بن أبی الأخضر لیس بشیء، قدم علیهم البصرة وکان یمامیاً ((2)).

وقال احمد بن عبدالله العجلی: یُکتَب حدیثه ولیس بالقویّ((3)).

وقال الجوزجانی: اتُّهِم فی أحادیثه((4)).

وقال ابن حجر فی (التهذیب): قال البخاری وأبو حَاتم: لیّن((5))، وقال البخاری فی موضع آخر: ضعیف((6)).


1- انظر ذلک فی القسم الثانی: «أذانان، مؤذّنان، إمامان لصلاة واحدة».
2- تهذیب الکمال 13 : 8 / 2795، تهذیب التهذیب 4 : 333 / 650، تاریخ ابن معین 4 : 286، 291 / ت 4415، 4451.
3- معرفة الثقات للعجلی 1 : 463 / ت 745 .
4- احوال الرجال : 113 / 182 .
5- الضعفاء الصغیر للبخاری : 61 /ت 164، التاریخ الکبیر 4 : 273 /ت 2778، الجرح والتعدیل 4 : 364 /ت 1727 .
6- تهذیب الکمال 3 : 8 /ت 2795، الکامل لابن عدی 4 : 64 / ت 913.

ص:156

وفی ثالث: لیس بشیء، عن الزهری. وقال النسائی: ضعیف. وقال الترمذی: یضعف فی الحدیث، ضعّفه یحیی القطان وغیره. وسئل أبو زرعة عن صالح بن أبی الأخضر فقال: ضعیف((1)).

وسئل أبو داود - سلیمان بن الاشعث - عن صالح بن أبی الأخضر، فقال: کان یحیی بن سعید لا یحدّث عنه((2)).

وقد أورده ابن حبان فی (المجروحین)، وقال: یروی عن الزهری أشیاء مقلوبة، روی عنه العراقیون، اختلط علیه ما سمع من الزهری بما وجد عنده مکتوباً، فلم یکن یمیز هذا من ذاک((3)).

وقال ابن عدی فی (الکامل): علی بن المدینی یقول: سمعت ابن عدس أو معاذ ابن معاذ یقول: ألححنا علی صالح بن أبی الأخضر فی حدیث الزهری، فقال: منه ما سمعت، ومنه ما عرضت، ومنه ما لم أسمع فاختلط علَیَّ((4)).

قال أبو زرعة: ضعیف الحدیث، کان عنده عن الزهری کتابان أحدهما عَرْضٌ


1- تهذیب التهذیب 4 : 333 / ت 650 - عن: الضعفاء الصغیر للبخاری : 58 / ت 164، التاریخ الکبیر 4 : 473 / ت 2778، الجرح والتعدیل 4 : 394 / ت 1727، الضعفاء والمتروکین للنسائی : 57 / ت 302، وانظر: تعلیقة الترمذی فی سننه 5 : 319 ذیل الحدیث 3163.
2- سؤالات الآجری لابن داود : 327 / ت 511.
3- المجروحین لابن حبان 1 : 368 / ت 490.
4- الکامل لابن عدی 4 : 64 / ت 913.

ص:157

والآخر مناولة، فاختلطا جمیعاً، فلا یعرف هذا من هذا((1)).

وقال الذهبی فی (الکاشف): مولی بنی أمیة، کان یخدم الزهری، لَیَّنه البخاری، وضعّفه النسائی((2)).

وقال فی (میزان الاعتدال): صالح الحدیث، ضعّفه ابن معین والنسائی والبخاری، قال ابن عدی: هو من الضعفاء الذین یُکتب حدیثهم.

وقال ابن حبان: هو مولی هشام بن عبدالملک الأموی بالحری ألّا یحتج به.

وقال العجلی: یُکتب حدیثه، ولیس بالقوی.

وقال الجوزجانی: اتُّهم فی أحادیثه.

وقال أبو زرعة: ضعیف الحدیث.

وقال أبو حاتم: لین الحدیث.

وقال الترمذی: یضعف فی الحدیث، ضعّفه یحیی القطان وغیره((3)).

وقال سبط ابن العجمی: صالح الحدیث، ضعّفه ابن معین والبخاری والنسائی، وروی عباس وعثمان عن ابن معین: لیس بشیء، وفیه مقال غیر ذلک. وقال الجوزجانی: اتُّهِم فی أحادیثه، فقوله هذا، أی یکذب فیها أو یوضعها یحتمل، ولهذا الاحتمال ذکرته فیهم، والله اعلم((4)).


1- الجرح والتعدیل 4 : 364 / ت 1727 .
2- الکاشف 1 : 493 / ت 2325.
3- میزان الاعتدال 3 : 395 / ت 3774.
4- الکشف الحثیث : 134 / ت 341.

ص:158

وقال ابن حجر: ضعیف یعتبر به من السابعة((1)).

وقال السیوطی: ضعیف فی الزهری وفی غیره((2)).

6- ما رواه حفص بن عمر عن آبائه عن بلال

الإسناد الاول والثانی والثالث والرابع

· الدارمی: أخبرنا عثمان بن عمر بن فارس، حدَّثنا یونس عن الزهری، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن أنّ سعداً کان یؤذن فی مسجد رسول الله، قال حفص:حدثنی أهلی أنّ بلالاً أتی رسولَ الله یؤذنه لصلاة الفجر، فقالوا: إنّه نائم. فنادی بلال بأعلی صوته: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی اذان صلاة الفجر((3)).

· البیهقی: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ وأبو بکر أحمد بن الحسن القاضی قالا: ثنا أبو العباس محمد بن یعقوب، ثنا الحسن بن مکرم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا یونس عن الزهری، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن أنّ سعداً کان یؤذن لرسول الله، قال حفص:فحدثنی أهلی أنّ بلالاً أتی رسول الله لیؤذنه بصلاة الفجر، فقالوا: أنّه نائم. فنادی بلال بأعلی صوته «الصلاة خیر من النوم»،


1- تقریب التهذیب 1 : 271 / ت 2844 .
2- تنویر الحوالک فی شرح موطّأ مالک 1 : 225، وقال فی مکان آخر 1 : 269: غیر صالح، وهو کثیر الخطأ ضعیف .
3- سنن الدارمی 1 : 289 / 1192.

ص:159

فأُقرّت فی صلاة الفجر ((1)).

· (معرفة السنن والآثار): أخبرناه أبو عبدالله الحافظ، حدثنا أبو العباس محمد ابن یعقوب، أخبرنا الحسن بن مکرم، حدثنا عثمان بن عمر، أخبرنا یونس عن الزهری، عن حفص بن عمر بن سعد المؤذّنَین أنّ سعداً کان یؤذن لرسول الله صلی الله علیه و آله ، قال حفص:فحدثنی أهلی أنّ بلالاً أتی رسول الله صلی الله علیه و آله لیؤذنه بصلاة الفجر، فقالوا: إنّه نائم. فنادی بأعلی صوته: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی صلاة الفجر...((2)).

· (المراسیل) لأبی داود: حدثنا هارون بن سعید الأیلی، حدثنا ابن وهب ح وحدّثنا مخلَّد بن خالد، حدثنا عثمان بن عمر عن یونس عن ابن شهاب، أخبرنی حفص بن عمر بن سعد المؤذن أنّ بلالاً أتی النبیَّ صلی الله علیه و آله فی صلاة الصبح، فقیل له: إن رسول الله

صلی الله علیه و آله نائم، فقال بلال: الصلاة.

قال مخلد فی حدیثه: بأعلی صوته: الصلاة خیر من النوم، فأُقرّت فی أذان صلاة الفجر.

وقال عن حفص بن عمر بن سعد: حدّثنی أهلی أنّ بلالاً...((3)).

المناقشة

فهذه الأسانید کسابقتها فیها حفص بن عمر بن سعد القرظ، وقد قال الحاکم النیسابوری فی (معرفة علوم الحدیث) - فی النوع الخامس عشر: معرفة أتْباع التابعین


1- السنن الکبری للبیهقی 1 : 422 / ح 1833 .
2- معرفة السنن والآثار 1 : 448 / ح 596 .
3- المراسیل لأبی داود 1 : 82 / ح 22 .

ص:160

...: ومنهم حفص بن عمر بن سعد القرظ، وسعد صحابی، وحفص لم یسمع من جده ولا غیره من الصحابة، وربما نُسب إلی جده فیتوهمه الواهم بأنه تابعی((1)).

وقد أورده الذهبی فی «میزان الاعتدال»، وقال: حفص بن عمر بن سعد القرظ، تفرّد عنه الزهری((2)).

وعلّق الأستاذ بشار عواد علی کلام ابن حجر فی «تقریب التهذیب» حینما قال: مقبول من الثالثة، بقوله:

بل مجهول تفرّد بالروایة عنه الزهری، ولم یوثّقه سوی ابن حبان، لذلک ساقه الذهبی فی «المیزان»((3)).

وقال الزیلعی: وحدیث آخر: روی البیهقی فی (المعرفة) عن الحاکم بسنده إلی الزهری عن حفص بن عمر بن سعد المؤذن: أنّ سعداً کان یؤذن لرسول الله، قال حفص:فحدّثنی أهلی أنّ بلالاً أتی النبیَّ یؤذنه لصلاة الفجر، فقالوا: إنّه نائم. فنادی بأعلی صوته « الصلاة خیر من النوم »، فأُقرّت فی صلاة الفجر، انتهی. وقال: هذا مرسل حسن، والطریق له صحیح، قال فی الامام: وأهل حفص غیر مسمَّین، فهم مجهولون((4)).

وقد سأل الدارمیُّ ابنَ معین عن أهل حفص وأحفاد سعد القرظ بقوله: قلت: فعبد الله بن محمد بن عمار بن سعد، وعمار وعمر ابنا حفص بن سعد عن آبائهم عن


1- معرفة علوم الحدیث : 47 .
2- میزان الاعتدال 2 : 322 / ت 2132.
3- تقریب التهذیب 1 : 172 /ت 1413 .
4- نصب الرایة 1 : 265 .

ص:161

أجدادهم، کیف حال هؤلاء ؟

فقال: لیسوا بشیء((1)).

الإسناد الخامس

· الطبرانی: حدثنا محمد بن علی الصائغ المکی، حدثنا یعقوب بن حمید، حدثنا عبدالله بن وهب، عن یونس بن یزید، عن الزهری، عن حفص بن عمر، عن بلال أنّه أتی النبی یؤذنه بالصبح فوجده راقداً، فقال: « الصلاة خیر من النوم » مرتین، فقال النبی: ما أحسن هذا یا بلال، اجعله فی أذانک((2)).

المناقشة

فهذا الإسناد مضافاً إلی وجود حفص بن عمر فیه، ذلک الرجل الذی لا یمکنه أن یرویَ عن بلال، والذی مرّ علیک کلام الحاکم النیسابوری فی «معرفة علوم الحدیث» فیه((3)) ... کما فیه أیضاً یونس بن یزید الایلی - صاحب الزهری - الذی وثقه الکثیر، لکنّ ابن سعد قال عنه: لیس بحجّة، وقال وکیع: سیّئ الحفظ((4)).

قال ابن أبی حاتم: نا أبی قال: سمعت مقاتل بن محمد قال: سمعت وکیعاً یقول: لَقِیتُ یونس بن یزید الإیلی فذاکرتُه بأحادیث الزهری المعروفة، فجَهِدتُ أن


1- تاریخ ابن معین الدارمی : 169 / ت 606، الضعفاء للعقیلی 2 : 300 / ت 875، الکامل لابن عدی 5 : 73 / ت 1252.
2- المعجم الکبیر 1 : 355 / 1081 .
3- معرفة علوم الحدیث 1 : 47 .
4- انظره فی: میزان الاعتدال 7 : 320 / ت 9932.

ص:162

یقیم لی حدیثاً فما أقامه((1)).

قال ابن حجر فی (التقریب)، مولی آل أبی سفیان، ثقة إلّا أنّ فی روایته عن الزهری وهماً قلیلاً وفی غیر الزهری خطأ ((2)).

وقال الأثرم أیضاً: أنکر أبو عبدالله [ یعنی به أحمد بن حنبل ] علی یونس بقوله: کان یجیء عن سعید بأشیاء لیست من حدیثه، وضعَّفَ أمرَ یونس، وقال: لم یکن یعرف الحدیث، وکان یکتب: أری أوّل الحدیث فینقطع الکلام، فیکون أوّله عن سعید وبعضه عن الزهری فیشتبه علیه.

قال أبو عبدالله: ویونس یروی أحادیث عن رأی الزهری یجعلها عن سعید، قال أبو عبدالله: یونس کثیر الخطأ عن الزهری، وعقیل أقلّ خطأً منه. وقال أبو الحسن المیمونی: سُئل أحمد: مَن أثبت فی الزهری ؟ قال: معمَّر، فقیل له: یونس، قال: روی أحادیث منکرة((3)).

کما فیه یعقوب بن حمید بن کاسب، الذی بدّل روایة محمد بن عمار بن حفص ابن عمر عن جده حفص بن عمر بن سعد، «وکان بلال یؤذّن فی أذان الصبح ب- «حیّ علی خیر العمل»، بدلّها وأضاف: فیها «فأمره أن یجعل مکانها: الصلاةُ خیر


1- الجرح والتعدیل 9 : 247 / ت 1042.
2- تقریب التهذیب 1 : 614 / ت 7919.
3- بحر الدم فیمن مدحه أحمد أو ذمّ : 180 / ت 1207 ، وانظر تهذیب الکمال 32 : 551 / ت 7188، وتهذیب التهذیب 11 : 395 / ت 770.

ص:163

من النوم، وترک حیَّ علی خیر العمل» ((1)).

وقال ابن أبی حاتم الرازی: سألت یحیی بن معین عن یعقوب بن کاسب فقال: لیس بشیء. وقال مرة اخری: لیس بثقة، لأنّه محدود. حدّه الطالبیون فی التحامل علی الإمام علیّ وشتمِه إیّاه.

وقال أبو بکر بن خیثمة: اخبرنا عبدالرحمن، قال: سمعت أبی یقول: ضعیف الحدیث.

وقال: أخبرنا عبدالرحمن، قال: سألت أبا زرعة عن یعقوب بن کاسب، فحرّک رأسه، قلت: کان صدوقاً فی الحدیث ؟ قال: لهذا شروط، وقال فی حدیث رواه یعقوب: قلبی لا یسکن علی ابن کاسب!((2))

وقال الذهبی: تفرّد بأشیاء، وله مناکیر... وقال أبو حاتم: ضعیف((3)).

وقال النسائی: لیس بشیء((4)).

وقال الحلوانی: رأیت ابا داود السجستانی صاحب أحمد بن حنبل قد ظاهر بحدیث یعقوب بن کاسب وجعله وقایات علی ظهور کتبه، فسألته عنه، فقال: رأینا


1- مرّ تفصیل ذلک فی المجلد الاول من هذه الموسوعة تحت عنوان «حیَّ علی خیر العمل: الشرعیة والشعاریة» : 186 - 193، فراجع.
2- الجرح والتعدیل 9 : 206 / ت 861، والتعدیل والتجریح 3 : 1248 / ت 1533، تهذیب التهذیب 11 : 336 / ت 646.
3- تذکرة الحفاظ 2 : 466 / ت 477 .
4- الضعفاء والمتروکین للنسائی : 106 / ت 616، والضعفاء والمتروکین لابن الجوزی 3 : 215 / ت 3821، وزاد فیه: قال الأزدی: ضعیف الحدیث.

ص:164

فی مسنده أحادیث أنکرناها، فطالبناه بالأصول فدافَعَنا، ثمّ أخرجها بعدُ فوجدنا الأحادیث فی الأصول مغیّرةً بخطٍّ طریّ! کانت مراسیل فأسندها وزاد فیها ((1)).

کان هذا عن إسناد هذه الأخبار، أمّا دلالتها فقد مرّ بعض الشیء عنها وسیأتی المزید فیه.

7- ما رواه عبدالله بن محمد بن عمار عن آبائهم عن بلال
اشارة

الإسناد

· الطبرانی: حدثنا محمد بن علی الصائغ المکی، حدثنا یعقوب بن حمید کاسب، حدّثنا عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد عن عبد الله بن محمد وعمر وعمار ابنی حفص عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال أنه کان یؤذّن بالصبح فیقول « حی علی خیر العمل »، فأمر رسول الله أن یجعل مکانها « الصلاة خیر من النوم » وترک «حی علی خیر العمل»((2)).

· البیهقی: أخبرنا أبو بکر أحمد بن محمد بن الحارث الفقیه، حدثنا أبو محمد بن حیان أبو الشیخ الاصفهانی، حدثنا محمد بن عبدالله بن رسته، حدثنا یعقوب بن حمید بن کاسب، حدثنا عبدالرحمن بن سعد المؤذن، عن عبدالله بن محمد بن عمار، وعمار وعمر ابنی حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال أنّه کان ینادی بالصبح فیقول « حی علی خیر العمل »، فأمره النبیّ أن یجعل مکانها


1- ضعفاء العقیلی 4 : 446 / ت 2075، میزان الاعتدال 7 : 276 / ت 9818.
2- المعجم الکبیر 1 : 325 / ح 1701 . وفی مجمع الزوائد 1 : 330 رواه الطبرانی فی (الکبیر) وفیه عبدالرحمن المتقدم وقد ضعّفه ابن معین .

ص:165

«الصلاة خیر من النوم » وترک «حی علی خیر العمل».

قال الشیخ: وهذه اللفظة لم تثبت عن النبی فیما علَّم بلالاً وأبا محذورة، ونحن نکره الزیادة فیه، وبالله التوفیق((1)).

المناقشة

إنّ خبر الطبرانی قد تکلّمنا فی إسناده أمّا خبر البیهقی ففیه عبدالله بن محمد بن عمار الذی ضعفه ابن معین((2))، وفی آخر: سُئل ابن معین عن هؤلاء الثلاثة - عبدالله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنی حفص بن عمر بن سعد القرظ عن آبائهم عن اجدادهم -: «قلت لابن معین: فعبدالله بن محمد بن عمار بن سعد وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن آبائهم عن أجدادهم، کیف حال هؤلاء ؟

فقال: لیسوا بشیء»((3)).

وقد استند الزیلعی((4)) والماردینی((5)) والعظیم آبادی((6)) وغیرهم علی تضعیف ابن معین له بقوله فیه: لیس بشیء.


1- السنن الکبری 1 : 425 / ح 1845 . وانظر: کنز العمال 8 : 162 / ح 23188 .
2- انظر: لسان المیزان 3 : 337 / ت 1386، المغنی فی الضعفاء للذهبی 1 : 354 / ت 3339 و 2 : 458 / ت 4373 .
3- تاریخ ابن معین للدارمی : 169 / ت 606، وانظر: الضعفاء للعقیلی 2 : 300 / ت 375، الضعفاء والمتروکین لابن الجوزی 2 : 140 ، 201 / ت 2113، و 2413، الجرح والتعدیل للرازی 5 : 157 / ت 725، میزان الاعتدال 4 : 182 / ت 4555.
4- نصب الرایة 1 : 264، 2 : 218 .
5- الجوهر النقی 1 : 394، 3 : 287 .
6- عون المعبود 4 : 9 .

ص:166

وفیه أیضاً عبدالرحمن بن سعد بن عمار، فقد روی ابن ابی خیثمة عن یحیی بن معین انه ضعیف((1)).

وقال البخاری فی ترجمة عمارة بن حفص بن عمر بن سعد أنه سمع من عبدالرحمن بن سعد: وأما عبدالرحمن فلم یَصحَّ حدیثه((2)).

وعلّق ابن عدی فی (الکامل) علی الروایة التی رواها عبدالرحمن فی أذان الفجر بقوله: وعبدالرحمن بن سعد هذا لا أعرف له من الحدیث غیر ما ذکرت، وإذا کان له شیء آخر فإنما یسقط الیسیر مما لم أذکره((3)).

وقال ابن حجر: ضعیف من السابعة((4)).

وفی (زوائد سنن ابن ماجة) للشهاب البوصیری((5))، قال: فی إسناده عبدالرحمن بن سعد أجمعوا علی ضعفه، وأما أبوه فقال ابن القطان: لا یُعرَف حاله ولا حال أبیه((6)).

وفی مکان آخر: وإسناد المصنف ضعیف لضعف أولاد سعد. وفی ثالث: إسناده ضعیف لضعف أولاد سعد وأبیه عبدالرحمن((7)).


1- تهذیب الکمال 17 : 132 / ت 3828، الجرح والتعدیل للرازی 5 : 237 / ت 1123 .
2- التاریخ الکبیر 6 : 504 / ت 3123، وفی تهذیب التهذیب 6 : 166 / ت 370، والتحفة اللطیفة 2 : 129 / ت 2434: قال البخاری : فیه نظر .
3- الکامل لابن عدی 4 : 313 / ت 1143 .
4- تقریب التهذیب 1 : 341 / ت 3873 .
5- أحمد بن أبی بکر بن إسماعیل بن سلیم المحدث شهاب الدین، وُلد سنة 762 ه- وتُوفّی سنة 840 ه-، له مصنفات منها: زوائد سنن ابن ماجة، زوائد سنن البیهقی، زوائد المسانید العشرة علی الکتب الستة.
6- سنن ابن ماجة 1 : 350، وانظر 1 : 407، 411، 412 کذلک .
7- انظر ذیل الأحادیث فی (سنن ابن ماجة 1 : 350 / ح 1104، و 236 / ح 710، و 241 / ح 731، و 352 / ح 1107).

ص:167

وقال الماردینی: إنّ عبدالرحمن بن سعد بن عمار منکر الحدیث. وفی (الکمال) سُئل ابن معین فقال: ضعیف((1))، وقال فی مکان آخر: عبدالرحمن هذا ضعّفه ابن أبی حاتم. وقال ابن القطان: هو وابوه وجده مجهولو الحال، وقال صاحب (المیزان): عبدالله بن محمد بن عمار ضعّفه ابن معین((2)).

وقال فی ثالث: قلت: عبدالرحمن هذا ومشایخه الثلاثة ضعّفه ابن معین((3)).

مع التنبیه علی أنّ هؤلاء الثلاثة قد رووا أیضاً عن جدهم سعد القرظ أذان بلال، ولیس فیه «الصلاة خیر من النوم»، فما یعنی ذلک، وبأیهما یجب الأخذ؟

الروایات التی لیس فیها التثویب عن سعد

وإلیک تلک الروایات التی لیس فیها التثویب لتعرف حقیقة ما نقول:

· (المعرفة والتاریخ): حدثنا ابو بکر الحمیدی، حدثنا عبدالرحمن بن سعد ابن عمار بن سعد بن عائذ القرظ قال حدثنی عبدالله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمار بن سعد عن أبیه سعد القرظ أنّه سمعه یقول: إنّ هذا الأذان أذان بلال الذی أمره به رسول الله صلی الله علیه و آله وإقامته، وهو: الله أکبر الله أکبر الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله...((4)).


1- الجوهر النقی 3 : 286 .
2- الجوهر النقی 1 : 394، وانظر: میزان الاعتدال 4 : 286 / ت 4879.
3- الجوهر النقی 3 : 300 .
4- المعرفة والتاریخ 1 : 120 .

ص:168

· الدارقطنی: حدثنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق ح وثنا أبو بکر الشافعی ومحمد بن أحمد بن الحسن قالا:

نا بشر بن موسی قالا: ثنا الحمیدی قال: ثنا عبدالرحمن بن سعد بن عمار ابن سعد بن عائذ القرظ: حدثنی عبدالله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمر بن سعد عن أبیه سعد القرظ أنّه سمعه یقول: إنّ هذا الأذان أذان بلال الذی أمره رسول الله صلی الله علیه و آله وإقامته، وهو: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح، حیَّ علی الفلاح، الله أکبر الله أکبر، لا إله إلّا الله، والإقامة واحدة واحدة، ویقول: قد قامت الصلاة مرّة واحدة...((1)).

· البیهقی: أخبرنا أبو سعید یحیی بن محمد بن یحیی الإسفرائینی بنیسابور، أنا أبو بحر محمد بن الحسن بن کوثر البربهاری، ثنا بشر بن موسی الأسدی، ثنا عبدالله بن الزبیر الحمیدی، ثنا عبدالرحمن بن سعد بن [عمار بن] سعد بن عائذ القرظ، حدثنی عبدالله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمار بن سعد عن أبیه سعد القرظ أنّه سمعه یقول: إنّ هذا الأذان أذان بلال الذی أمر به رسول الله صلی الله علیه و آله وإقامته، وهو: الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا


1- سنن الدارقطنی 1 : 236 / ح 1 .

ص:169

الله... وذکر باقی الحدیث بطوله((1)).

· البیهقی: أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الفضل القطان ببغداد، أنا عبدالله بن جعفر بن دُرُسْتَوَیه، ثنا یعقوب بن سفیان، ثنا أبو بکر الحمیدی، ثنا عبدالرحمن بن سعد بن عمار بن سعد بن عائذ القرظ، قال: حدثنی عبدالله بن محمد بن عمار وعمار وعمر ابنا حفص بن عمر بن سعد عن عمار بن سعد عن أبیه القرظ أنّه سمعه یقول: إنّ هذا الأذان - یعنی أذان بلال - الذی أمره به رسول الله صلی الله علیه و آله وإقامته، وهو: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر... کذا فی الکتاب وغیره یرویه عن الحمیدی فیذکر التکبیر فی صدر الأذان مرتین ثم یرویه الحمیدی فی حدیث أبی محذورة أربعاً، ونأخذ به لأنه زاوئد ((2)).

کان هذا بعض الشیء عن هذا الاسناد بکلا نَقلَیه:

1- ما رووه عن جدهم من أذان بلال، والذی لیس فیه «الصلاة خیر من النوم».

2- وما نقلوه أیضاً عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال وأنّه کان ینادی بالصبح فیقول: «حیَّ علی خیر العمل»، فأمره النبی أن یجعل مکانها «الصلاة خیر من النوم» وترک «حیَّ علی خیر العمل».

وقد تکلمنا عن الخبر الأخیر فی الباب الاول من هذه الدراسة « حی علی خیر


1- سنن البیهقی الکبری 1 : 415 / ح 1821 .
2- سنن البیهقی الکبری 1 : 394 / ح 1717 .

ص:170

العمل الشرعیة والشعاریة »، فمن أحَبّ المزید فلیراجع ما کتبناه هناک((1)).

8- ما رواه عبد الرحمن بن أبی لیلی عن بلال

الإسناد

· (السنن الکبری) للبیهقی: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعید بن أبی عمرو قالا: ثنا أبو العباس محمد بن یعقوب، ثنا یحیی بن أبی طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، انا شعبة عن الحکم بن عتیبة عن عبد الرحمن بن أبی لیلی قال: أُمر بلال أن یثوّب فی صلوة الصبح ولا یثوب فی غیرها ((2)).

· وفیه أیضاً: وأخبرنا علی بن محمد بن بشران، انا أبو جعفر الرزاز، ثنا یحیی بن جعفر، انا علی بن عاصم، ثنا عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبی لیلی عن بلال قال: أمرنی رسول الله صلی الله علیه و آله أن لا أثوّب إلّا فی الفجر((3)).

المناقشة

وهذا الخبر أیضاً مرسل، فإنّ عبد الرحمن بن أبی لیلی لم یَلقَ بلالاً حسبما ثبت فی کتب الرجال والحدیث.

وبهذا فقد تمّ ما کُنّا نرید بیانه مما رُویَ عن بلال بلفظة «أمرنی أن أثوّب»، أو قوله: « لا تُثوّبنّ فی الفجر » وأمثالها من کلمات مجملة.


1- حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة : 191 - 195.
2- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424.
3- السنن الکبری للبیهقی 1 : 424.

ص:171

بعد الانتهاء من الأخبار المنسوبة إلی بلال الحبشی لابدّ من دراسة المرویّ عن أبی محذورة بلفظ «التثویب» أو بدونه، أی مجملاً أو مصرّحاً.

2 - روایات أبی محذورة
اشارة

اختلفت الروایات عن أبی محذورة، ففی بعضها توجد کلمة التثویب، وفی بعضها الآخر لا یوجد إلّا جملة «الصلاة خیر من النوم» وهی التثویب اصطلاحاً.

والإمام الشافعی جزم فی (الأم) بعدم صحة ما یُحکی عن أبی محذورة فی التثویب بقوله:

... ولا أحب التثویب فی الصبح ولا غیرها، لأن أبا محذورة لم یحک عن النبی أنّه أمر بالتثویب ، فأکره الزیادة فی الأذان، وأکره التثویب بعده ((1)).

هذا هو کلام الإمام الشافعی فی الجدید، لکن المزنی حکی عنه کلاماً آخر کان قد قاله فی القدیم، إذ إنّه کان یقول بالجواز ثمّ عدل عنه، فقال المزنی:

... قد قال فی القدیم فی أذان الصبح بالتثویب، وهو «الصلاة خیر من النوم» مرتین، ورواه عن بلال مؤذن النبی وعن علی.

وکرهه فی الجدید، لأنّ أبا محذورة لم یحکه عن النبی.

قال المزنی: وقیاس قولیه أنّ الزیادة أَولی به فی الأخبار کما أُخذ به فی


1- الأم 1 : 104، وانظر: المجموع 3 : 99 .

ص:172

التشهد بالزیادة، وفی دخول النبی البیت بزیادة أنّه صلی فیه وترک مَن قال لم یفعل ((1)).

وقال النووی: وکره ذلک فی الجدید، قال أصحابنا: یسنّ ذلک قولاً واحداً، وإنّما کره فی الجدید لأن أبا محذورة لم یحکه، وقد صح ذلک فی حدیث أبی محذورة ... إلی أن یقول: فعلی هذا هو سُنّة، لو ترکه صحّ الأذان وفاته الفضیلة ((2)).

وقال أبوبکر بن المنذر: هذا القول سهو من الشافعی ونسیان حین سطّر هذه المسألة، فإنّه حکی ذلک فی الکتاب العراقی عن أبی محذورة.

وقفة مع المزنی

قبل الشروع فی نقل روایاتٍ عن أبی محذورة لمعرفة الصحیح والسقیم منه، لابد من وقفه قصیرة مع کلام المزنی ونقله عن (القدیم) و(الجدید) معاً، فنقول:

أوّلاً: قد تقدّم منّا آنفاً أنّ من المعلوم عند الجمیع أنّ آخر کلام الشخص هو المعتمد والحکم الفصل خصوصاً فی الخلافیات، وقد اعترف المزنی بأنّ الشافعی جزم فی الجدید (أی فی کتابه «الأُمّ») بأن أبا محذورة لم یَحکِ عن النبی أنّه أمر بالتثویب. لکنه مع ذلک حکی عن الشافعی کلاماً آخر فی القدیم، وهو قوله بالجواز، تبعاً لما رواه عن بلال والإمام علی.

فی حین نحن قد ناقشنا سابقا المروی عن بلال، وقلنا بأنّه کان من المؤذّنین


1- مختصر المزنی : 12 .
2- المجموع شرح المهذب 3 : 90 - 92.

ص:173

ب- «حیّ علی خیر العمل» ولم یثبت عنه غیره((1)) إذ جاء فی کتاب (من لا یحضره الفقیه):

أنّ رسول الله أمر بلالاً أن یؤذّن بها [أی ب- «حیّ علی خیر العمل»] فلم یزل یؤذّن بها حتّی قبض الله رسوله ((2)).

وفیه أیضاً عن أبی بصیر عن أحد الصادقَین:

أنّ بلالاً کان عبداً صالحاً، فقال: لا أؤذن لأحد بعد رسول الله. فتُرک یومئذٍ «حیَّ علی خیر العمل» ((3)).

ومعنی ذلک أنّ بلالاً الحبشی کان یصرّ علی الأذان بالحیعلة الثالثة، وکان لا یقبل إبدالها ب- (الصلاة خیر من النوم)، فأُبعِد من قبل الخلفاء عن الأذان، أو ابتعد هو عن التأذین لهم، ولذلک تُرکت الحیعلة الثالثة.

ولنا وقفة أُخری مع مرویات بلال فی القسم الثانی من الفصل الثانی من هذا المجلّد «أذانان، مؤذّنان، إمامان لصلاةٍ واحدة»؛ لنوضّح هذه المدّعیات الثلاث، مؤکّدین بأنّا قد أثبتنا فی کتابنا (حیَّ علی خیر العمل: الشرعیة والشعاریة) بطلان زیادة الطبرانی والبیهقی فی ما رَوَیاه عن بلال، والذی جاء فیه: (فأمر النبیُّ أن یجعل مکانها: الصلاة خیر من النوم، وترک حیَّ علی خیر العمل) ((4)) وهذه الروایة


1- انظر ما قلناه فی «حیّ علی خیر العمل الشرعیّة والشعاریّة: 181 - 196 و ص 207».
2- من لا یحضره الفقیه 1 : 284 ح / 8729 - وعنه: وسائل الشیعة 5 : 416، الاستبصار 1 : 306 ح / 2134، الأذان بحی علی خیر العمل : 90.
3- من لا یحضره الفقیه 1 : 184 / ح 872.
4- حی علی خیر العمل: الشرعیة والشعاریة : .

ص:174

تخالف ما رواه الحافظ العلوی من طریق مسلم بن الحجّاج القُشَیری((1))، والتی لیس فیها هذه الزیادة.

ولمخالفتها أیضاً للروایات الأخری المرویة عنه، وأنّه کان یؤذن بلیل وأنّ ابن أُم مکتوم کان یؤذن للصبح، ومعنی کلامهم هو أنّ بلالاً الحبشی لم یؤذن ب- «الصلاة خیر من النوم» فی أذان الفجر بتاتاً، لأنّهم یقولون بشرعیّة التثویب فی أذان الصبح لا النداء به فی اللیل، وبلال لم یؤذن حسب نقلهم لأذان الصبح بل کان یؤذن بلیل.

وکذا الحال بالنسبة إلی ما حکوه عن الإمام علی علیه السلام ، فإنه لم یَثْبت أنّه أذّن ب- «الصلاة خیر من النوم» قطّ، إذ أخرج البزار فی مسنده عن الإمام علی علیه السلام ((2)) الأذان ولیس فیه التثویب، وجاء فی (صحیفة الإمام الرضا علیه السلام ) عن آبائه ما یماثله ولیس فی ذلک الأذان التثویب((3)).

وجاء فی (البحر): وقال الإمام علی عندما سمع ذلک [أی: الصلاة خیر من النوم] : لا تزیدوا فی الأذان ما لیس منه((4)).

وهو یؤکّد بأنّ أذان الإمام وأذان وُلده علیه وعلیهم السَّلام کان ب- «حیّ علی خیر العمل» لا غیر، وهی سیرتهم حتی هذا الیوم.


1- انظر: «حیّ علی خیر العمل» لنا : 184 و 193، و«الأذان بحیّ علی خیر العمل» للحافظ العلوی: 28.
2- مسند البزار 2 : 146، نصب الرایة 1 : 260، مجمع الزوائد 1 : 328، الدرّ المنثور 5 : 219، فتح الباری لابن رجب 3 : 396.
3- صحیفة الإمام الرضا علیه السلام : 65 ح/ 115 - وعنها: بحار الأنوار 81 : 151، وانظر: الإیضاح للقاضی نعمان: 106 المطبوع فی: میراث حدیث شیعة دفتر دهم، وکذا رأب الصدع 1 : 196.
4- البحر الزخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار 2 : 192، وکذلک القول عن طاووس بذلک.

ص:175

کما اشتهر عن الإمام علی علیه السلام حینما کان یسمع ابن التیاح یقول فی أذانه «حی علی خیر العمل»، کان یقول: «مرحباً بالقائلین عدلاً، وبالصلاة أهلاً وسهلاً».

وهذا التهلیل من قبل الإمام للمؤذّن یشیر إلی حبّه فی سماع الحیعلة الثالثة، وإلی عدم تجویزه وتجویز وُلده علیهم السلام النداءَ ب- «الصلاة خیر من النوم» فی الصبح علی نحو التشریع.

ویذکّرنی هذا الأمر بما جاء فی «المغنی» لابن قدامة:

قیل لأحمد: ألیس حدیث أبی محذورة بعد حدیث عبد الله بن زید، لأن حدیث أبی محذورة بعد فتح مکة؟

فقال: ألیس قد رجع النبی إلی المدینة فأقر بلالاً علی أذان عبد الله بن زید ((1)).

وفی هذا الکلام دلالات کثیرة تؤیّد مدّعانا وما نرید قوله هنا وأنّ أذان بلال هو الأذان الأصیل الذی لیس فیه التثویب.

ثانیاً: إن الروایات المحکیة عن عبدالله بن زید بن ثعلبة الأنصاری - الذی أُری الأذان بزعمهم - وابن أُم مکتوم وغیرهما کالإمام علیّ، ومعاذ، وابن عمر، لیس فیها جملة (الصلاة خیر من النوم)، وهذا یزید الشک فی المروی عن أبی محذورة فی التثویب، خصوصاً بعد أن وقفتَ علی کلام ابن قدامة وغیره قبل قلیل بأنّ أذان بلال قد أُقر فی المدینة بدون تثویب وذلک بعد رجوع رسول الله من مکّة، ویؤکّده ما قاله الشافعی من عدم صحة المحکی عن أبی محذورة فی التثویب.


1- المغنی لابن قدامة 1 : 416 - 417.

ص:176

ثالثاً: قال صاحب (البحر الزخار): نُجیب: هذا [یعنی حدیث أبی محذورة وبلال] لو کان «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان لَما منع علی وابن عمر وطاووس ذلک فی الأذان.

رابعاً: عدم استقرار المروی عن أبی محذورة علی شکل واحد بل نلحظ التناقض فیه، ففی بعضها یوجد التثویب، وفی بعضها الآخر لا یوجد.

وکذا النصوص فهی مختلفة، ففی بعضها تری تثنیة التکبیر فی أَوَّل الأذان، وفی بعضها الآخر تربیعه.

أو أنّک تری تقدیم التهلیل علی التکبیر فی آخر الأذان فی بعض روایات أبی محذورة((1)) - خلافاً للمشهور عند المسلمین - وأمثال ذلک کلّه تقلل من قیمة المروی عن أبی محذورة فی التثویب، بل تشیر إلی أنّ التثویب والترجیع غیر ثابتة وقد یکونان مفتعلین علی لسانه، وذلک لعدم وجودهما قبل فتح مکة، أو فی مرجعه یوم حنین فی السنة الثامنة للهجرة، وهما المکان والزمان اللذان تعلّم فیهما أبو محذورة الأذان من رسول الله صلی الله علیه و آله .

بل نری فی جمیع الطرق التی یرویها الحافظ العلوی عن أبی محذورة، سواء: التی رواها ابنه عنه((2)).

أو رواها عثمان بن الحکم عن أبی جریج عن أبی محذورة((3)).


1- فتح الباری لابن رجب الحنبلی 3 : 413.
2- انظر: «حی علی خیر العمل» لنا : 215.
3- حیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی بتحقیق عزّان: 52 /ح 5، وانظر: «حی علی خیر العمل» لنا : 217.

ص:177

أو ابن جریج عن عطاء بن أبی رباح عنه((1)).

أو أبو بکر بن عیاش عن عبد الله بن رفیع((2))، أو غیرها.

وجودَ الأذان بالحیعلة الثالثة لا ب- «الصلاة خیر من النوم» فتأمّل.

خامساً: إن قول المزنی (وقیاس قولَیه أنّ الزیادة أَولی به فی الأخبار) غیر صحیح، بل الصحیح خلافه، لأنّ الزیادة مشکوک فیها، فلا یجوز الأخذ بها، بل یجب الاکتفاء بالقَدْر المتیقَّن وترک الزائد المشکوک.

والشافعی أکّد ذلک بقوله: (فأَکرهُ الزیادة فی الأذان وأکره التثویب بعده)، لأنّه عرف بأنّ التثویب زیادة مُحدَثة لا یقبلها کثیر من الصحابة والتابعین.

فعن الأسود بن یزید أنّه سمع المؤذن یقول: الصلاة خیر من النوم، فقال: لا تزیدوا فی الأذان ما لیس منه ((3)).

وعن أبی اسامة عن ابن عوف عن محمد [ابن سیرین] قال: لیس مِن السُّنّة أن یقول فی صلاة الفجر: الصلاة خیر من النوم ((4)).

فإذا کان الأمر کذلک فلا یجوز الأخذ بالزیادة المشکوکة، بل إنّ ما رُوی عن ابن سیرین صریح بأن روایات التثویب لم تکن منتشرة فی عهده، لتشکیکه بکونها سنّة، ومعنی کلامه أنّها بدعة محدثة لا غیر.


1- الاعتصام 1 : 289، وانظر: «حی علی خیر العمل»: 218.
2- الأذان ب: حیّ علی خیر العمل للحافظ العلوی: 15، وانظر المحرّف فیه فی: میزان الاعتدال 1 : 283، ومناقشتنا للخبر فی کتابنا: «حی علی خیر العمل»: 195.
3- المصنف لابن أبی شیبة 1 : 189 / ح .
4- المصنف لابن أبی شیبة 1 : 236 / ح .

ص:178

سادساً: نحن من باب الملازمة وعدم الفصل بین القول بوضع «الصلاة خیر من النوم» ورفع «حی علی خیر العمل»، أو بالعکس - مِن قبل الحکومات والساسة - یمکننا أن ندّعی بأن الشافعی کان یرید الذهاب إلی القول بمشروعیة «حی علی خیر العمل» أیضاً، وذلک لأنّه لم یَرَ أیّة شرعیةٍ ل- «الصلاة خیر من النوم» وقد شکَّ فی المحکی عن أبی محذورة، وقد قال أحمد بن یحیی المرتضی الزیدی الشهیر بالإمام المهدی (ت 840 ه-) فی (البحر الزخار): (... العترة جمیعاً وأخیر قولَی الشافعی: حیَّ علی خیر العمل) ((1)).

وکان الشوکانی قد حکی ما یقارب قولنا عنه إذ قال:

«والتثویب زیادة ثابتة، فالقول بها لازم، والحدیث لیس فیه ذکر «حی علی خیر العمل»، وقد ذهبت العترة إلی إثباته وأنّه بعد قول المؤذن: حیَّ علی الفلاح قالوا مرتین حی علی خیر العمل، ونسَبَه المهدی فی (البحر) إلی أحد قولی الشافعی وهو خلاف کتب الشافعیة فإنّا لم نجد فی شیء منها هذه المقالة..((2))

وفی (الاعتصام بحبل الله): (... إلی أن قال القاضی یحیی بن محمد بن حسن بن حمید [المقری] فصَحّ ما رواه الرویانی أنّ للشافعی قولاً مشهوراً فی إثبات: حیَّ علی خیر العمل) ((3)).

وفی (تسهیل القاری شرح صحیح البخاری): ذهب الشافعی فی قوله


1- البحر الزخار 2 : 191 .
2- نیل الاوطار .
3- الاعتصام بحبل الله 1 : 308 .

ص:179

الجدید إلی کراهة تثویب: الصلاة خیر من النوم، وکذلک روایةً عن أبی حنیفة فی ذلک((1)).

وفی (التسهیل) أیضاً: ذهب العترة والإمام الشافعی فی قول إلی أنّ التثویب فی الأذان بدعة((2)).

فإذا صحّ هذا الاستدلال فیمکننا أن نحتمل هذا الأمر أیضاً فی ابن عمر، الثابت تأذینه ب- «حی علی خیر العمل»((3)) وکراهته للتثویب.

ومثله الأمر بالنسبة إلی الإمام علی علیه السلام القائل بالحیعلة الثالثة الرافض لشرعیة أیّ شیء بدلها ک: الصلاة خیر من النوم.

سابعاً: المروی عن أبی محذورة فی کتب أهل السنة والجماعة لا یتفق مع ما رواه الحافظ العلوی الزیدی بإسناده عن أبی محذورة، إذ فی إسناد الحافظ العلوی:

فلما انتهیتُ إلی: حیَّ علی الفلاح، قال النبی ألحِقْ فیها: حیَّ علی خیر العمل((4)).

لکن ابن حجر ادعی أنّ فی سیاق الحدیث الذی رواه بإسناده إلی تلک الروایة:


1- تسهیل القاری فی شرح صحیح البخاری 2 : 309.
2- تسهیل القاری فی شرح صحیح البخاری 2 : 310.
3- جاء فی السیرة الحلبیة 2 : 305: ونُقل عن ابن عمر وعلی بن الحسین أنّهما کانا یقولان فی أذانَیهما بعد حیّ علی الفلاح: حیّ علی خیر العمل. والمحلی 3 : 160، وفیه: وقد صحّ عن ابن عمر وأبی أمامة بن سهل بن حنیف أنّهم کانوا یقولون فی أذانهم «حیَّ علی خیر العمل» ... وانظر: دعائم الإسلام 1 : 145، وجواهر الأخبار والآثار للصعدی 2 : 192، السنن الکبری للبیهقی 1: 425، الاعتصام بحبل الله 1 : 295 و 308 ، المصنّف لعبد الرزّاق 1 : 460 / 1786، رأب الصدع 1 : 198.
4- الأذان بحی علی خیر العمل: 15 - 16 .

ص:180

اجعل فی آخر أذانک «حی علی خیر العمل»، وفی إسناد آخر عنه: اجعل فی آخر أذانک «الصلاة خیر من النوم».

وهذا الذی رواه ابن حجر باطل من جهتین:

أولاً: لأنّ مَن یعتقد بشرعیة الحیعلة الثالثة یعتقد بأن مکانها فی وسط الأذان لا فی آخره، وأنها من أصل الأذان لا زیادة فیه.

ثانیاً: أنّ جملة «الصلاة خیر من النوم» هی مما قد شک الشافعی فی کونها من الأذان التعلیمی لأبی محذورة، وقد قال مالک عن التثویب: «إنّها ضلال».

کانت هذه بعض القرائن المؤیدة لما قاله الشافعی فی (الأُمّ) وأنّه لم یَثْبت عن أبی محذورة حکایتُه التثویب عن رسول الله صلی الله علیه و آله جئنا بها لنفنّد القول المشهور عندهم. وکلامنا هذا لا یعنی بأنّنا نرید الدفاع عن أبی محذورة، بل إنّ سیاقات البحث وأقوال العلماء تدعونا للقول بعدم صدور النصّ عنه، وقد یکون النصّ قد صدر عنه لکن قد أسیء فهمه وقد یکون هو من ورائه لأنّه کان من المؤلّفة قلوبهم والذی استهزأ بالإسلام فی بدء ظهوره والنبیّ قال فیه وفی أخوة له کلمة تُنبئ عن استمرار النفاق وسوء العاقبة لهؤلاء الثلاثة وخصوصاً بأنّ آخرهم موتاً هو فی النار.

آخرهم موتاً فی النار

هذه هی مقولة رسول الله صلی الله علیه و آله فی أبی محذورة وفی زمیلیه أبی هریرة وسمرة بن جندب، وقد قالها النبیّ علی أثر واقعة خاصّة حدثت، ومن الوفاء لساداتنا ومشایخنا

ص:181

وعلمائنا أن نأتی بکلام السیّد العلّامة شرف الدین بهذا الصدد، فإنّه رحمه الله قد أشار فی خاتمة کتابه «أبو هریرة» إلی اشتراک هؤلاء الثلاثة فی إنذار النبی لهم، إذ قال لهم یوماً وهم جلوس: «آخرکم موتاً فی النار»، فقد قال السیّد شرف الدین ما نصّه:

وهذا أسلوب حکیم من أسالیبه فی إقصاء المنافقین عن التصرّف فی شؤون الإسلام والمسلمین، فإنّه صلی الله علیه و آله لما کان عالماً بسوء بواطن هؤلاء الثلاثة أراد أن یُشْرِب فی قلوب أُمّته (الرِّیبة) فیهم والنُّفرة منهم، إشفاقاً علیها أن ترکن إلی واحد منهم فی شیء ممّا یناط بعدول المؤمنین وثقاتهم.

فنَصَّ بالنار علی واحد منهم وهو آخرهم موتاً، لکنّه أجمل القول فیه علی وجهٍ جعله دائراً بین الثلاثة علی السواء، ثمّ لم یُتْبِع هذا الإجمال بشیء من البیان. وتمضی الأیّام واللیالی علی ذلک، ویَلحق صلی الله علیه و آله بالرفیق الأعلی ولا بیان، فیُضطَرّ أولو الألباب من أُمّته إلی إقصائهم جمیعاً عن کلّ أمر یناط بالعدول والثقات من الحقوق المدنیّة فی دین الإسلام لاقتضاء العلم الإجمالی ذلک بحکم القاعدة العقلیة فی الشبهات المحصورة، فلولا أنّهم فی وجوب الإقصاء علی السواء لاستحال علیه - وهو سیّد الحکماء - عدم البیان فی مثل هذا المقام.

فإنْ قلت:

لعلّه بیّن هذا الإجمال بقرینةٍ خَفِیَت علینا بتطاول المدّة.

قلنا:

لو کان ثمة قرینة ما کان کلٌّ من هؤلاء فی الوجل من هذا الإنذار علی السواء.

علی أنّک قد عرفتَ ممّا سبق أنّه لا فرق فی هذه المشکلة بین عدم البیان واختفائه

ص:182

بعد صدوره لاتّحاد النتیجة فیهما بالنسبة إلینا، إذ لا مندوحة لنا عن العمل بما یقتضیه العلم الإجمالی من تنجیز التکلیف فی الشبهة المحصورة علی کلا الفرضین کما بیّناه آنفاً.

فإن قلت:

إنّما کان المنصوص علیه بالنار مجملاً قبل موت الأوّل والثانی منهم وبسبقهما إلی الموت، تبیّن وتعیّن أنّه إنّما هو الباقی بعدهما بعینه دون سابقیه، وحینئذٍ لا إجمال ولا إشکال.

قلنا:

أوّلاً: ... إنّ الأنبیاء علیهم السلام کما یمتنع علیهم ترکُ البیان مع الحاجة إلیه یستحیل علیهم تأخیره عن وقت الحاجة، وعلمتَ أیضاً أنّ وقت الحاجة هنا متّصل بصدور هذا الإنذار لو کان لأحد الثلاثة شیء من الاعتبار، لأنّهم منذ أسلموا کانوا محلّ ابتلاء المسلمین فی الحقوق المدنیة الدینیة کما بیّناهُ آنفاً، فلولا وجوب إقصائهم عنها لما أخّر البیان اتّکالاً علی صروف الزمان، وحاشا رسول الله صلی الله علیه و آله أن یُقصیَ أحداً عن حقّه طَرفة عین، ومعاذ الله أن یُخزیَ مَن لا یستحقّ الخزی ثمّ یبقیه علی خزیه حتّی یموت مخزیّاً إذ لا تُعرَف براءته - بناء علی هذا الفرض الفاسد - إلّا بموته.

وثانیاً: إنّا - شهد الله - بذَلْنا الطاقة بحثاً وتنقیباً، فلم یکن فی الوسع أن نعلم أیّهم المتأخّر موتاً؛ لأنّ الأقوال فی تاریخ وَفَیاتهم بین متناقض متساقط وبین مجمل متشابه لا یُرکَن إلیها کما یعلمه متتبعوها.

وثالثاً: لم یکن من خُلق رسول الله صلی الله علیه و آله وهو العزیز علیه عَنَتُ المؤمنین، الحریص علیهم الرؤوف بهم الرحیم لهم، أن یجابِه بهذا القول - آخرکم موتاً فی النار

ص:183

- مَن یحترمه، وما کان {وَإِنَّکَ لَعَلَی خُلُقٍ عَظِیمٍ} لیفاجئ به (أو بقوله: لَضرسُ أحدکم فی النار) غیر مستحقّیه، ولو أنّ فی واحد من هؤلاء الثلاثة (أو من أولئک) خیراً ما أشرَکَه فی هذه المفاجأة القاسیة والمجابهة الغلیظة، لکنِ اضطرّه الوحی إلی ذلک نصحاً لله تعالیٰ وللأُمّة {وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی}.

علی أنّ أحوال هؤلاء الثلاثة کلّها قرائن قطعیّة علی ما قلناه حول إنذارهم هذا، کما أنّ أحوال أولئک أدلّة ما قلناه فیهم.

وحسبک من أبی هریرة ما تبوّأه من مقعده.

ویکفیک من سَمُرة إسرافُه الفظیع فی دماء المسلمین [الذین] یقیمون الصلاة ویؤتون الزکاة، وبیعه الخمر علانیة، ومضارّته للأنصاری، وتمرّده علی ما دعاه النبیّ صلی الله علیه و آله یومئذٍ إلیه من الصلح، وزهده فی الجنّة علی وجه یستفاد منه عدم إیمانه، وشجّه رأس ناقة النبیّ استخفافاً وامتهاناً، إلی غیر ذلک من بوائقه.

وناهیک من أبی محذورة أنّه من الطلقاء والمؤلّفة قلوبهم، دخل فی الإسلام بعد فتح مکّة، وبعد أن قفل رسول الله صلی الله علیه و آله من حُنَین منتصراً علی هوازن، ولم یکن شیء أکره إلی أبی محذورة یومئذٍ من رسول الله صلی الله علیه و آله

ولا ممّا یأمره به، وکان یسخر بمؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله فیحکیه رافعاً صوته استهزاءً، لکنّ صرّة الفضة التی اختصّه بها رسول الله صلی الله علیه و آله ، وغنائم حنین التی أسبغها علی الطلقاء من أعدائه ومحاربیه، وأخلاقَه العظیمة التی وسعت کلّ من اعتصم بأوّل الشهادتین من أولئک المنافقین، مع شدّة وطأته علی من لم یعتصم بها، ودخول العرب فی دین الله أفواجاً، کلّ ذلک ألجأ أبا محذورة وأمثاله إلی الدخول فیما دخل فیه الناس، ولم یهاجر حتّی مات فی

ص:184

مکّة، والله یعلم بَواطنَه((1)).

ثمّ ذکر السیّد العلّامة شرف الدین تأویل ابن عبد البر لهذا الحدیث ثمّ مناقشته له، فراجع.

وبعد کلّ ما قدمناه، إلیک الآن تلک المرویات عن أبی محذورة سواء التی ذکر فیها التثویب أو التی لم یذکر فیها التثویب، لتعرف أیّها أجدر بالاتّباع والألصق برسول الله صلی الله علیه و آله .


1- أبوهریرة: 215 - 218.

ص:185

روایات أبی محذورة التی ذکر فیها التثویب
اشارة

الإسناد الأوّل

المدونة الکبری: أخبرنی ابن وهب عن عثمان بن الحکم عن ابن جریج قال: حدثنی غیر واحد من آل أبی محذورة أنّ أبا محذورة قال: قال لی رسول الله: اذهب فأذّنْ عند المسجد الحرام.

قال: قلت: کیف أُؤذّن یا رسول الله؟

قال: فعلمنی الأذان: الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله.

ثم قال: ارجع وامدد من صوتک: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح، حیَّ علی الفلاح، الصلاة خیر من النوم فی الاول من الصبح: الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((1)).


1- المدونة الکبری :

ص:186

المناقشة

فی هذا النَّصِّ مواطن للتعلیق علیه.

أوّلاً: قال المدینی: بنو أبی محذورة الذین یحدّثون عن جدهم، کلّهم ضِعاف لیسوا بشیء ((1)).

ثانیاً: کیف یأمر رسول الله شخصاً أن یُؤذن فی مکان مهم مثل المسجد الحرام قبل أن یعلّمه الأذان، أو قبل أن یطمئن من أدائه الصحیح؟!

ولماذا یختلف هذا الخبر - الذی یرویه (غیر واحد من آل أبی محذورة) - عما رواه عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة، إذ فی هذا الخبر: تثنیة التکبیر، وفی خبر ابن محیریز: تربیع التکبیر؟!

ثالثاً: انّ المروی فی (المدونة الکبری) یخالف ما رواه الحافظ العلوی بسنده قال:

أبو الطیّب علی بن محمّد بن بنان، حدّثنی أبو القاسم عبد الله بن جعفر بن محمّد النجّار الفقیه، حدّثنا العباس بن أحمد بن محمود الرازی - وقد کان حاجّاً فی سنة ثلاث وأربعین وثلاثمائة - ، حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة الأزدی بمصر - یعنی الطحاوی الفقیه - ، حدثنا یونس بن بکیر [بکر]، حدثنا أبو وهب، حدثنی عثمان ] بن الحکم الجذامی عن ابن جریج عن ابن أبی محذورة عن آل أبی محذورة] عن أبی محذورة، وفیه: اذهبْ فأذّنْ عند المسجد الحرام، وقل: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنْ لا إله إلّا


1- سؤالات ابن أبی شیبة للمدینی : 119 .

ص:187

الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، حیّ علی الفلاح، حیّ علی خیر العمل، حیّ علی خیر العمل، اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، لا إله إلّا الله ((1)).

رابعاً: إن أخبار الترجیع المتمثلة بقوله: (ثم قال: ارجع وامدد من صوتک: أشهد...)((2)) لم ترد إلّا فی المروی عن أبی محذورة وسعد القرظ، وهذا یشککنا فی حجیته لأنّهما من متأخّری الصحبة، متسائلین:

لماذا لم ترد أخبار الترجیع فی أخبار عبدالله بن زید بن عبد ربه بن ثعلبة الأنصاری - الذی أُری الأذان بزعمهم - .

وفی أخبار بلال بن رباح، وابن أُم مکتوم، مع أنّک کنتَ قد وقفت علی تشکیک الإمام الشافعی فی المحکی عن أبی محذورة فی التثویب، وهو یشککنا فی قبول أصل الروایة.

فلا ندری کیف یشرّعون التثویب مع شکّ إمامهم فیه! بل کیف یأخذون بالترجیع فی الأذان طبقاً لخبر أبی محذورة مع أنّه قد قرنه بالتثویب الذی شکّ فیه الشافعی!

وأیّ هذین هو المقدّم، هل التشکیک فی مشروعیة التثویب أو مشروعیة الترجیع؟


1- حی علی خیر العمل، لمحمد سالم عزان : 19 .
2- والموجودة فی خبر (المدونة الکبری) وغیرها.

ص:188

وباعتقادی أنّ ذلک یرجع إلی أمر مهم کانوا هم علیه وهو الزیادة فی العبادات وقد صرّحوا بذلک فی أبواب کثیرة من الفقه بذلک، وإنّی فی کتابی (وضوء النبی) ذکرتُ بأنّهم استعانوا بالرأی لتشریع الوضوء الغَسلی، حیث صرّح الزمخشری بأنّ الغسل هو مسح وزیادة والزیادة فی العبادات هو مبدأ فقهی لهم قد ابتنی علی الرأی ولیس له أصل شرعیّ.

إذ قال ابن عابدین الحنفی فی حاشیته (ردّ المحتار علی الدر المختار) وحین تعلیقته علی قوله:

«وفعله أولی» فی الأذان: لأنّه اختلفت الروایات فی قضائه صلی الله علیه و آله ما فاته یوم الخندق، ففی بعضها أنّه أمر بلالاً فأذّن وأقام للکل، وفی بعضها أنّه اقتصر علی الإقامة فیما بعد الأولی، فالأخذ بالزیادات أولی خصوصاً فی باب العبادات وتمامه فی الإمداد((1)).

وفی سنن البیهقی بعد أن ذکر إسناد خبر سعد القرظ وأنّه قال بأنّ هذا الأذان الذی یؤذّن به [والذی کان فیه الترجیع] هو أذان بلال، فقال البیهقی:

کذا فی الکتاب وغیره یرویه عن الحمیدی، فیذکر التکبیر فی صدر الأذان مرّتین ثمّ یرویه الحمیدی فی حدیث أبی محذورة أربعاً ونأخذ به لأنّه زائد((2)).


1- ردّ المحتار علی الدر المختار 1 : 262.
2- السنن الکبری للبیهقی 1 : 394.

ص:189

خامساً: إنّ قوله (فی الأول من الصبح) قد یراد منه الأذان الشرعی الذی تعقبه الإقامة، وقد یراد منه الأذان الأول فی اللیل، أی الأذان للصبح لا أذان الصبح، ویؤید القول الأخیر ما قالوه عن أذان بلال، وأنّه کان یؤذّن بلیل.

کما یرجّحه ما جاء فی کتاب (المدونة): قال ابن القاسم وقال مالک:

لا یُنادی بشیء من الصلوات قبل وقتها إلا الصبح، وقد قال رسول الله: إنّ بلالاً ینادی بلیل فکلوا واشربوا حتّی ینادی ابن أُم مکتوم. وقال: وکان ابن أُم مکتوم رجلاً أعمی لا ینادی حتّی یُقال له: أصبحتَ أصحبت، قال: ولم یبلغنا أنّ صلاةً أُذّن لها قبل وقتها إلّا الصبح، ولا ینادی لغیرها قبل دخول وقتها لا الجمعة ولا غیرها ((1)).

وقفة مع أخبار الترجیع

بما أنّ الخبر الآنف یتضمّن الترجیع فلابدّ من وقفة قصیرة معه فی کتب فقهاء الجمهور، ثمّ نواصل البحث فی الأسانید المتبقّیة بعد ذلک إن شاء الله تعالی.

الترجیع: هو أن یخفض صوته بالشهادتین ثمّ یرجع فیرفعه بهما. وقد اختلفت المذاهب الأربعة فی مشروعیّته:

فذهبت الشافعیة والمالکیة إلی مشروعیته، استناداً لخبر أبی محذورة.

لکنّ الحنفیة والحنابلة أنکروا ذلک لعدم وجوده فی خبر عبد الله بن زید وما رُوی من أذان بلال وابن أُمّ مکتوم. وحتّی ما رووه عن أبی محذورة هو - علی فرض


1- المدونة الکبری 1 : 60 .

ص:190

صحّته - إنّما کان فی ابتداء إسلامه وعدم إتمام إیمانه، وأنّ عمل أبی محذورة لا یساوی تعلیم رسول الله لبلال وما حکاه عبد الله بن زید، وبلال آکدُ ملازمةً لرسول الله من أبی محذورة.

وإلیک الآن أدلّة الطرفین لتقف علی حقیقة الحال وأنّه یفیدنا فی بحث التثویب أیضاً:

قال النووی فی (المجموع):

قال الشافعی رحمه الله: أدرکت إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة یؤذّن کما حکی ابن محیریز - یعنی بالترجیع - قال: وسمعته یحدّث عن أبیه عن ابن محیریز. وقال الشافعی: فی القدیم الروایة فی الأذان تکلُّف، لأنّه خمس مرات فی الیوم واللیلة فی المسجدین - یعنی مسجدَی مکّة والمدینة - علی رؤوس المهاجرین والأنصار، ومؤذّنو مکّة آل أبی محذورة، وقد أذّن أبو محذورة للنبیّ صلی الله علیه و آله وعلمه الأذان، ثمّ وُلده بمکّة، وأذن آل سعد القرظ منذ زمن رسول الله صلی الله علیه و آله وأبی بکر رضی الله عنه، کلّهم یحکی الأذان والإقامة والتثویب ووقت الفجر کما ذکرنا، فإن جاز أن یکون هذا غلطاً من جماعتهم والناس بحضرتهم ویأتینا من طرف الأرض من یعلّمنا ذلک، جاز له أن یسألنا عن عرفة ومنی ثمّ یخالفنا، ولو خالَفَنا فی المواقیت لکان أجوز له من مخالفتنا فی هذا الأمر الظاهر المعمول به.

روی البیهقی عن مالک قال: أذّن سعد القرظ فی هذا المسجد فی زمن عمر بن الخطّاب رضی الله عنه وأصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله

متوافرون فلم ینکره أحد منهم، وکان سعد وبنوه یؤذّنون بأذانه إلی الیوم، فقیل له: کیف أذانهم؟ فقال: یقول: اللهُ أکبر، الله

ص:191

أکبر، الله أکبر، الله أکبر ... فذکره بالترجیع، قال: والإقامة مرّة مرّة، قال أبو عبد الله محمّد بن نصر: فأری فقهاء أصحاب الحدیث قد أجمعوا علی إفراد الإقامة واختلفوا فی الأذان، یعنی إثبات الترجیع وحذفه، والله أعلم((1)).

هذا ما قاله النووی، وقد کان لخّص أدلة الشافعیة علی الترجیع قبل ذلک فی أربع نقاط، إذ قال: واحتجّ أصحابنا بحدیث أبی محذورة، قالوا: هو مقدّم علی حدیث عبد الله بن زید لأوجه:

أحدها: أنّه متأخّر.

والثانی: أنّ فیه زیادة، وزیادة الثقة مقبولة.

والثالث: أنّ النبیّ لقّنه إیّاه.

والرابع: عَمل أهل الحرمین بالترجیع، والله أعلم((2)).

قلتُ:

یمکننا أن نردّ جمیع تلک الوجوه فنقول:

أمّا الأوّل فقد أجاب عنه الإمام أحمد - حسبما حکاه الأثرم - عنه، والذی سیأتی بعد قلیل.

وأمّا الثانی فزیادة الثقة مقبولة لکن بعد الفراغ من کون الروایة صحیحة وثابتة الصدور عن النبی، وقد أثبتنا ضعف تلک الروایة سنداً.


1- المجموع 3 : 96 - 97.
2- المجموع 3 : 93.

ص:192

وأمّا الثالث فلم یثبت تلقین رسول الله لأبی محذورة، وعلی فرض صحّته فإنّه قال له علی وجه الخصوص ولیس لجمیع المسلمین، وهذا هو من أدلّة الأحناف.

وأمّا الرابع فلا حجّة لعمل أهل الحرمین علی جمیع المسلمین، وذلک لترکهم کثیراً من الأحکام الشرعیة اجتهاداً من عند أنفسهم، وقد أکّد ابن حزم فی کتابه هذا المعنی کثیراً، فراجع.

وممّا قاله النووی أیضاً بعد ذلک:

وقد اتفقنا نحن وأصحاب أبی حنیفة علی أنّ حدیث أبی محذورة هذا لا یُعمَل بظاهره؛ لأنّ فیه ترجیعاً وتثنیة الإقامة، وهم لا یقولون بالترجیع ونحن لا نقول بتثنیه الإقامة، فلابدّ لنا ولهم من تأویله، فکان الأخذ بالإفراد أولی لأنّه الموافق لباقی الروایات والأحادیث الصحیحة کحدیث أنس وغیره ممّا سبق فی الإفراد((1)).

قلتُ:

کیف یأخذ النووی جانباً من الخبر ویترک الجانب الآخر منه، فلو کان الخبر صحیحاً وجب علیه الأخذ بجمیعه، وإن کان ضعیفاً فعلیه ترک جمیعه، کما فعله الأحناف، ولا ترجیح لأحدهما علی الآخر.

وعلّل صاحب (عون المعبود) الترجیع بعللٍ، فقال:

قال بعضهم: کان ما رواه أبو محذورة تعلیماً، فظُنّ ترجیعاً. وقال الطحاوی فی (شرح الآثار): یُحتمَل أنّ الترجیع إنّما کان لأنّ أبا محذورة لم یمدّ بذلک صوته کما


1- المجموع 3 : 95.

ص:193

أراده النبیّ، فقال علیه السلام : إرجع فامدد صوتک((1))، انتهی.

وقال ابن الجوزی فی (التحقیق): إنّ أبا محذورة کان کافراً قبل أن یسلم، فلمّا أسلم ولقّنه النبیّ أعاد علیه الشهادة فکررها لیثبت عنده ویحفظها ویکررها علی أصحابه المشرکین، فإنّهم کانوا ینفرون منها خلاف نفورهم من غیرها، فلمّا کررها علیه ظنّها من الأذان، فعدّه تسع عشرة کلمة، انتهی((2)).

کان هذا هو خلاصة أدلّة الشوافع والمالکیة، وللإمام مالک سند إلی خبر أبی محذورة مذکور فی (المدوّنة الکبری):

أخبرنی ابن وهب عن عثمان بن الحکم بن جریر، قال: حدّثنی غیر واحد من آل أبی محذورة، أنّ أبا محذورة قال: قال لی رسول الله: إذهب فأذّن عند المسجد الحرام، قال: قلت: کیف أؤذّن؟ قال: فعلّمنی الأذان: اللهُ أکبر، اللهُ أکبر ... ثمّ ارجع وامدد من صوتک: أشهد أن لا إله إلّا الله ... إلی أن یقول: الصلاة خیر من النوم فی الأولی من الصبح: اللهُ أکبر الله أکبر لا إله إلّا الله((3)).

وفیه أیضاً: قال ابن وهب: قال ابن جریج: قال عطاء: ما علمتُ تأذینَ مَن مضی یخالف تأذینهم الیوم، وما علمت تأذین أبی محذورة یخالف تأذینهم الیوم، وکان أبو محذورة یؤذّن علی عهد النبیّ صلی الله علیه و آله حتّی أدرکه عطاء وهو یؤذّن((4)).


1- وهذا یتّفق مع ما ذکره السرخسی فی: المبسوط 1 : 128.
2- عون المعبود 2 : 134 - 137.
3- المدونة الکبری 1 : 57.
4- المدونة الکبری 1 : 58.

ص:194

أمّا الحنفیة والحنابلة فقد أجابوا عمّا استدلّت به المالکیة والشافعیة، ففی (ردّ المحتار علی الدرّ المختار) لابن عابدین:

الترجیع أن یخفض صوته بالشهادتین، ثمّ یرجع فیرفعه بهما، لاتّفاق الروایات علی أنّ بلالاً لم یکن یرجّع، وما قیل أنّه رجّع لم یصح، ولأنّه لیس فی أذان المَلَک النازل بجمیع طرقه، ولِما فی أبی داود عن ابن عمر قال: إنّما کان الأذان علی عهد رسول الله مرّتین مرّتین، والإقامة مرّة مرّة، الحدیث. ورواه ابن خزیمة وابن حبّان، قال ابن الجوزی: وإسناده صحیح، وما روی من الترجیع فی أذان أبی محذورة یعارضه ما رواه الطبرانی عنه أنّه قال: ألقی عَلَیَّ رسول الله الأذان حرفاً حرفاً: اللهُ أکبر الله أکبر ... إلی آخره، ولم یذکر ترجیعاً وبقی ما قدّمناه بلا معارض وتمامه فی الفتح((1)).

وفی (عمدة القاری): وحجّة أصحابنا حدیث عبد الله بن زید من غیر ترجیع فیه، وکأنّ حدیث أبی محذورة لأجل التعلیم، فکرّره فظنّ أبو محذورة أنّه الترجیع وأنّه فی أصل الأذان. روی الطبرانی فی (معجمه الأوسط) عن أبی محذورة أنّه قال: ألقی علیَّ رسول الله الأذان حرفاً حرفاً: اللهُ أکبر، اللهُ أکبر ... إلی آخره ولم یذکر فیه ترجیعاً، وأذان بلال بحضرة رسول الله سفراً وحضراً، وهو مؤذّن رسول الله بإطباق أهل الإسلام إلی أن توفّی رسول الله ومؤذّن أبی بکر إلی أن توفّی من غیر ترجیع((2)).


1- رد المحتار علی الدر المختار 1 : 259.
2- عمدة القاری 5 : 108.

ص:195

وفی (المغنی): «مسألة: قال أبو القاسم: ویذهب أبو عبد الله رحمه الله إلی أذان بلال رضی الله عنه وهو: اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، حیّ علی الفلاح، اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، لا إله إلّا الله.

وجملة ذلک أنّ اختیار أحمد رحمه الله من الأذان أذان بلال رضی الله عنه، وهو کما وصف الخرقی، وجاء فی خبر عبد الله بن زید وهو خمس عشرة کلمة لا ترجیع فیه، وبهذا قال الثوری وأصحاب الرأی.

وقال مالک والشافعی ومَن تبعهما من أهل الحجاز: الأذان المسنون أذان أبی محذورة، وهو مثل ما وصفنا إلّا أنّه یسنّ الترجیع، وهو أن یذکر الشهادتین مرّتین مرّتین یخفض بذلک صوته ثمّ یعیدهما رافعاً بهما صوته، إلّا أنّ مالکاً قال: التکبیر فی أوّله مرّتان حسب، فیکون الأذان عنده سبع عشرة کلمة، وعند الشافعی تسع عشرة کلمة».

إلی أن یقول: ... ولنا حدیث عبد الله بن زید والأخذ به أَولی، لأنّ بلالاً کان یؤذّن به مع رسول الله دائماً سفراً وحضراً، وأقرّه النبیّ علی أذانه بعد أذان أبی محذورة.

قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله [یعنی أحمد بن حنبل] یُسأل: إلی أیّ الأذان یذهب؟ قال: إلی أذان بلال ... قیل لأبی عبد الله: ألیس حدیث أبی محذورة بعد حدیث عبد الله بن زید، لأنّ حدیث أبی محذورة بعد فتح مکّة؟

قال: ألیس قد رجع النبیّ إلی المدینة فأقرّ بلالاً علی أذان عبد الله بن زید؟

ص:196

وهذا من الاختلاف المباح، فإن رجع فلا بأس نصّ علیه أحمد، وکذلک قال إسحاق، فإنّ الأمرین کلاهما قد صحّ عن النبی، ویحتمل أنّ النبی إنّما أمر أبا محذورة بذکر الشهادتین سرّاً لیحصل له الإخلاص بهما، فإنّ الإخلاص فی الإسرار بهما أبلغ من قولهما إعلاناً للإعلام. وحضّ أبا محذورة بذلک لأنّه لم یکن مقرّاً بهما حینئذٍ، فإنّ فی الخبر أنّه کان مستهزئاً یحکی أذان مؤذّن النبیّ، فسمع النبیّ صوته فدعاه، فأمره بالأذان، قال: ولا شیء عندی أبغض من النبی ولا ممّا یأمرنی به! فقصد النبیّ نطقه بالشهادتین سرّاً لِیُسلم بذلک، ولا یوجد هذا فی غیره، ودلیل هذا الاحتمال کون النبی لم یأمر بلالاً ولا غیره ممّن کان مسلماً ثابت الإسلام، والله أعلم.

وبهذا فقد وقفنا علی ما قاله أئمّة المذاهب الأربعة، وعلمائهم ولهم الحق فی أن یختلفوا فیه لاختلاف النصوص عن أبی محذورة: ففی بعضها تری النبیَّ یُلقی علیه الأذان هو بنفسه ویأمره بأن یمدّ صوته بعد أن أتی بالشهادتین تارةً أخری((1)).

وفی أخری یعلّمه الأذان تسع عشرة کلمة والإقامة سبع عشرة کلمة، ولیس فیها الترجیع((2)).

الإسناد الثانی

مسند أحمد: ثنا عبدالرزاق، أخبرنی ابن جریج، حدثنی عثمان بن السائب


1- مصابیح السنّة 1 : 268.
2- مصابیح السنّة 1 : 269.

ص:197

مولاهم، عن أبیه السائب مولی أبی محذورة وعن أُمّ عبدالملک بن أبی محذورة أنّهما سمعاه من أبی محذورة، قال أبو محذورة: خرجت فی عشرة فتیان مع النبی وهو أبغض الناس إلینا، فأذّنوا، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم... وقال: قل: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر... وإذا أذّنتَ بالأوّل من الصبح فقل: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، وإذا أقمتَ فقلها مرّتین: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة ((1)).

المناقشة

یوقفنا هذا النَّصّ علی نقطتین:

الأولی: وجود عثمان بن السائب مولی أبی محذورة فیه، وهو غیر معروف کما قال ابن القطّان ((2)).

وقال الماردینی فی (الجوهر النقی): قلت: عثمان وأبوه وأُم عبدالملک مجهولٌ حالهم((3)).

وقال الزیلعی فی (نصب الرایة):... قال فی الإمام، وبهذا الإسناد رواه ابن


1- مسند أحمد 3 : 408 / ح 15413، وهو موجود فی مصنَّف عبدالرزاق 1 : 457 / ح 1779، المعجم الکبیر 7 : 173 / ح 6734، سنن أبی داود 1 : 121 / ح 501، صحیح ابن خزیمة 1 : 200 .
2- تهذیب الکمال 19 : 374، تهذیب التهذیب 7 : 108، لسان المیزان 4 : 142، میزان الاعتدال 8 : 157 .
3- الجوهر النقی 1 : 392 .

ص:198

خزیمة فی صحیحه، وهو معلول بجهالة حال ابن سائب وأبیه وأُم عبدالملک ((1)).

الثانیة: إنّ فی هذا الخبر - تربیع التکبیر - بخلاف ما ورد فی (المدونة الکبری) والذی فیه (الله أکبر، الله أکبر)، وأنّ الأذان کان بالأوّل من الصبح، والذی بیّنّا معناه وسنبیّنه لاحقاً أکثر، وأنّه لو کان لکان فی الأذان للصبح لا فی أذان الصبح.

الإسناد الثالث

(سنن أبی داود): حدّثَنا مسدد، ثنا الحارث بن عبید، عن محمد بن عبدالملک بن أبی محذورة عن أبیه، عن جده، قال: قلت: یا رسول الله، علِّمْنی سُنّة الأذان، قال: فمسح مقدّم رأسی وقال تقول: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، ترفع بها صوتک ثم تقول: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، تخفض صوتک ثم ترفع صوتک بالشهادة: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، حی علی الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، حی علی الفلاح، فإن کان فی صلاة الصبح، قلت: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((2)).


1- نصب الرایة 1 : 363 .
2- سنن أبی داود 1 : 121 / ح 500، صحیح ابن حبان 4 : 578 / ح 1682، موارد الظمآن إلی زوائد ابن حِبّان 1 : 95 / ح 289، المعجم الکبیر للطبرانی 7 : 174 / ح 6735، السنن الصغری للبیهقی 1 : 204 / ح 286، السنن الکبری للبیهقی 1 : 421 / ح 1831 .

ص:199

المناقشة

فی هذا الإسناد محمد بن عبدالملک، وقد ترجم له ابن حجر فی (تهذیب التهذیب) فقال:

محمد بن عبدالملک بن أبی محذورة الجُمَحی المکی المؤذن، روی عن أبیه عن جده فی الأذان، وعنه الثوری وأبو قدامة الحارث بن عبید، ذکره ابن حبان فی (الثقات).

قلت: وقال عبدالحق: لا یُحتَجّ بهذا الاسناد، وقال ابن القطّان: مجهول الحال، لا نعلم روی عنه إلّا الحارث ((1)).

وفی (میزان الاعتدال): محمد بن عبدالملک بن أبی محذورة فی الأذان لیس بحُجّة، یُکتَب حدیثه اعتباراً ((2)).

وفی (سؤالات ابن أبی شیبة) للمدینی: سمعت علیّاً یقول: بنو أبی محذورة الذین یحدّثون عن جدهم کلُّهم ضعیف، لیس بشیء((3)).

وفی (الجوهر النقی): قال محمد بن عثمان بن أبی شیبة: سمعت علی بن المدینی یقول: بنو محذورة الذین یحدّثون کلّهم ضعیف، لیس بشیء، ولهذا قال عبدالحق: لا یُحتَجّ بهذا الإسناد ((4)).

وفی (المغنی فی الضعفاء): محمد بن عبدالملک بن أبی محذورة فی الأذان عن أبیه،


1- تهذیب التهذیب 9 : 282 /ت 525 .
2- میزان الاعتدال 6 : 241 /ت 7894 .
3- سؤالات ابن أبی شیبة : 119 .
4- الجوهر النقی للماردینی 1 : 393 .

ص:200

فیه لین ((1)).

کما فی السند أیضاً الحارث بن عبید، قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبیه: مضطرب الحدیث.

وقال أبو طالب أحمد بن حمید: سألت أحمد بن حنبل عنه فقال: لا أعرفه، قلت: یروی عن هود بن شهاب قال: لا أعرفه ((2))... قال أبو حاتم: لیس بالقوی، یُکتَب حدیثه ولا یُحتجّ به ((3)).

وقال ابن حبان: کان ممن کثر وهمه حتی خرج عن جملة من یُحتجّ بهم إذا انفردوا ((4)).

وقال أحمد بن سعید بن أبی مریم: سألت یحیی بن معین عن الحارث بن عبید الإیادی فقال: لیس بشیء ولا یُکتَب حدیثه ((5)).

الإسناد الرابع

(سنن أبی داود): حدثنا النفیلی، ثنا إبراهیم بن إسماعیل بن عبدالملک بن أبی محذورة، قال: سمعت جدی عبدالملک بن أبی محذورة یذکر أنّه سمع أبا محذورة یقول: ألقی علَیَّ رسول الله الأذان حرفاً حرفاً: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر،


1- المغنی فی الضعفاء 2 : 610 /ت 5782 .
2- تهذیب الکمال 5 : 258 /ت 1029 .
3- الجرح والتعدیل 3 : 81 /ت 381 .
4- تهذیب التهذیب 2 : 120 .
5- الکامل فی ضعفاء الرجال 2 : 188 /ت 372 .

ص:201

أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله،أشهد أنّ محمّداً رسول الله، [أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله] ((1))، حی علی الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، حی علی الفلاح. قال: وکان یقول فی الفجر: الصلاة خیر من النوم ((2)).

المناقشة

وفی هذا الإسناد إبراهیم بن إسماعیل بن عبدالملک بن أبی محذورة الذی قال فیه ابن حجر فی (تقریب التهذیب): إبراهیم بن إسماعیل بن عبدالملک بن أبی محذورة مجهول، وضعّفه الأزدی من السابعة ((3)).

وقال فی (تهذیب التهذیب): إبراهیم بن إسماعیل بن عبدالملک بن أبی محذورة، روی عن جده وعنه أبو جعفر النفیلی، قلت: ضعّفه الأزدی ((4)).

وقال فی (لسان المیزان): إبراهیم بن أبی محذورة، قال الأزدی: هو وإخوته یُضعَفّون... هکذا أورده المؤلف، ویحتمل أن یکون إبراهیم بن عبدالملک بن أبی محذورة ((5)).


1- هذا هو ما یسمّی الترجیع والذی مرّ التعریف به.
2- سنن أبی داود 1 : 137 / ح 504، الکنی والأسماء لمسلم بن الحجاج القشیری 1 : 156 / ح 310، معرفة السنن والأثار للبیهقی 1 : 420 / ح 552 .
3- تقریب التهذیب 1 : 52 /ت 147 .
4- تهذیب التهذیب 1 : 91 /ت 182 .
5- لسان المیزان 1 : 127 /ت 383 .

ص:202

الإسناد الخامس

البیهقی: أخبرنا أبو سعید یحیی بن محمد بن یحیی الأسفرایینی، أخبرنا أبو بحر البربهاری، حدثنا بشر بن موسی، حدثنا الحمیدی، حدثنا أبو إسماعیل إبراهیم بن عبدالعزیز بن عبدالملک بن أبی محذورة، قال: سمعت جریر بن عبدالله بن أبی محذورة یحدّث عن أبیه أبی محذورة أنّ النبی ألقی هذا الأذان علیه: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حی علی الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، حی علی الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله.

وفی روایة محمد بن عبدالملک عن أبیه عن جده قال: قلت: یا رسول الله، علِّمنی سُنّة الأذان، قال: فمسح مقدم رأسی قال تقول: فذکر، وقال: فإن کان صلاة الصبح قلتَ: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، الله أکبر، الله أکبر، لا إلا إلّا الله.

المناقشة

فی هذا الإسناد أبو بحر البربهاری الذی سُئل الدارقطنی عنه فقال: کان له أصل صحیح وسماع صحیح وأصل ردیّ مُحدَث بذا و بذاک فأفسده، وسمعت أبا الفتح محمد بن أبی الفوارس یقول: أبو بحر بن کوثر شیخ فیه نظر.

وقال ابن السرخسی: سأُریکم أنّ هذا الشیخ کذّاب! فقال لأبی بحر: أیها الشیخ، فلان بن فلان بن فلان کان ینزل فی الموضع الفلانی، هل سمعت منه، فقال

ص:203

أبو بحر: نعم قد سمعت منه. فقال أبو بکر البرقانی: وکان ابن السرخسی قد اختلق ما سأله عنه ولم یکن للمسألة أصل.

وقال محمد بن أبی الفوارس: مولد أبی بحر فی سنة ست وستین ومائتین، وکان مخلِّطاً، وله أصول جیاد وله أشیاء ردیة...((1))

کما فیه أبو إسماعیل إبراهیم بن عبدالعزیز بن عبدالملک بن أبی محذورة، فقد قال ابن حجر فی ترجمته: نُقل عن ابن معین تضعیفه، وذکره ابن حبان فی (ثقاته) وقال: یُخطئ، وقال الأزدی: إبراهیم بن أبی محذورة واخوته یضعفون ((2)).

وقال الذهبی فی ترجمته: قال ابن حبان فی (الثقات): یخطئ، وحکی صاحب (الحافل) عن الأزدی أنّه قال: إبراهیم بن أبی محذورة واخوته یُضَعّفون فلا أدری أراد إبراهیم هذا أم غیره.((3))

وقال ابن الجوزی فی (الضعفاء والمتروکین): إبراهیم بن أبی محذورة، قال أبو الفتح الأزدی: هو وأخوته یُضعّفون ((4)).

أمّا جریر بن عبدالله بن أبی محذورة فلم أجد مَن ذکره، ولیس له غیر هذه الروایة روایة أخری حسب علمی.

أمّا أبوه: عبدالله بن أبی محذورة فلم أجد من ذکره، ولیس له سوی روایة


1- تاریخ بغداد 2 : 209 /ت 642 .
2- تهذیب التهذیب 1 : 123 /ت 252 .
3- میزان الاعتدال 8 : 19 /ت 31، وانظر: میزان الاعتدال 1 : 206 /ت 260 - 280 - 289 أیضاً .
4- الضعفاء والمتروکین 1 : 62 /ت 143 .

ص:204

أوردها الهیثمی فی (موارد الظمآن) ولیس فیها «الصلاة خیر من النوم».

کما أنّها تخالف الروایة الآنفة، لأنّ النبی علّم أبا محذورة الأذان تسع عشرة کلمة، فلا یمکن تصوّر ورود التثویب مع الترجیع، لأنّه لو ورد معها لصار 21 کلمة، وإلیک ما رواه الهیثمی:

أخبرنا الحسن بن سفیان، حدثنا أبو بکر بن أبی شیبة، حدثنا عفان، حدثنا همام عن عامر الأحول أنّ مکحولاً حدّثه أنّ عبدالله بن أبی محذورة حدثه أن أبا محذورة حدثه قال: علّمَنی رسول الله الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة، قلت: فذکر الأذان کما فی مسلم [ولیس فیه: الصلاة خیر من النوم]...((1))

الإسناد السادس

(شرح مشکل الآثار): حدثنا إبراهیم بن داود، حدثنا قیس بن حفص الدارمی، حدثنا معتمر بن سلیمان، حدثنی أبو الجراح المهری عن النعمان بن راشد عن عبدالملک بن أبی محذورة عن عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة، قال:

لمّا افتتح رسول الله مکة وأراد أن یسیر إلی حنین نزل البطحاء، قال: فجئنا فأذّنّا، قال: فبعث رسول الله الخیل فأحاطت بنا، فذهب بنا إلی النبی، قال: أذِّنوا، فأذّنتُ فسمعت للخیل من صوتی صلصلة، فقال لی رسول الله: إن الله قد أراد بک خیراً، فکن مع عتاب بن أُسَید فأذّنْ له، فإذا بلغتَ فی الأذان: حی علی الصلاة، حی علی


1- موارد الظمآن 1 : 95 /ت 288 .

ص:205

الفلاح، قل: الصلاة خیر من النوم، الله أکبر، الله أکبر، لا إلا إلّا الله.

وهذا الحدیث من أحسن ما یُروی فی هذا الباب، وأبو الجراح الذی رواه اسم [ه] النعمان ابن أبی شیبة ((1)).

المناقشة

فی هذا النَّصّ مواطن للتعلیق علیه:

أوّلاً: أنّ المروی هنا یختلف عمّا جاء فی الروایات الأُخری عن أبی محذورة، بعض الشیء.

وأبو محذورة أذّن بأمر النبی بمکّة وهو کاره له صلی الله علیه و آله أو مجامل لأعدائه، لأنّه خفض بصوته حین الشهادة بالنبوّة، ولأجله خصّ العلماء خبر الترجیع به، وقالوا بأنّ الشهادتین الأُولَیین کانتا لإسلامه، أما الاخیرتان فکانتا هی الأذان الشرعی.

فما قالوه لا یتّفق مع ما حَکَوه عن رسول الله من قوله (فقال لی رسول الله: إنّ الله قد أراد بک خیراً، فکن مع عتاب بن أسید) فهو إمّا یکون قد أحاط به الخیل وذهب به إلی النبیّ أو قد یکون رسول الله قال له: «قد أراد بک خیراً».

ثانیاً: فی الخبر قیس بن حفص الدارمی الذی ذکره ابن حبان فی (الثقات) - مع تساهله - وقال عنه: یغرب ((2)).

کما فیه المعتمر بن سلیمان الذی قال عنه یحیی بن سعید القطان: إذا حدّثکم


1- شرح مشکل الآثار 15 : 362 / ح 6079 .
2- الثقات 9 : 15 /ت 14927 وفیه: روی عنه أهل البصرة، یغرب .

ص:206

المعتمر بشیء فاعرضوه، فإنّه سیّئ الحفظ ((1)).

وقال ابن خراش عنه: صدوق یُخطئ مِن حفظه، وإذا حدّث مِن کتابه فهو ثقة ((2)).

کما فیه النعمان بن راشد الجزری، قال علی بن المدینی: ذکر یحیی بن سعید القطان النعمانَ بن راشد فضعّفه جدّاً.

وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت أبی عنه فقال: مضطرب الحدیث، روی أحادیث مناکیر!

وقال معاویة بن صالح عن یحیی بن معین: ضعیف، وکذلک قال عباس الدوری عن یحیی، وقال فی موضع آخر: لیس بشیء، وقال البخاری: فی حدیثه وهم کثیر، وهو صدوق فی الأصل...((3)).

وأدخله البخاری فی کتابه (الضعفاء)... وقال النسائی: ضعیف کثیر الخلط، وقال فی موضع آخر: أحادیثه مقلوبة! ((4))

ثالثاً: سنوضح لاحقاً بأنّ المحفوظ عن ابن محیریز هو عدم ثبوت التثویب فی الأذان لا التثویب.

رابعاً: عرفتَ فیما سبق أنّ الشافعی یشکک فی کلّ الأخبار التی حُکیت عن أبی محذورة فی التثویب.


1- تهذیب التهذیب 10 : 204 /ت 417، التعدیل والتجریح 2 : 763 /ت 714 .
2- میزان الاعتدال 6 : 465 /ت 8654، 4889 .
3- تهذیب الکمال 29 : 445 - 449، ضعفاء العقیلی 4 : 268 /ت 1875 .
4- المصدر السابق .

ص:207

الإسناد السابع

(شرح معانی الآثار): حدثنا علی، قال: ثنا الهیثم بن خالد بن یزید، قال: ثنا أبو بکر بن عیاش، عن عبدالعزیز بن رفیع، قال: سمعت أبا محذورة، قال: کنت غلاماً صبیاً، فقال لی رسول الله: قل: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم.

قال أبو جعفر: فلمّا علّم رسول الله ذلک أبا محذورة کان ذلک زیادة علی ما فی حدیث عبدالله بن زید ووجب استعمالها، وقد استعمل ذلک أصحاب رسول الله من بعده ((1)).

(شرح مشکل الآثار): وحدثنا علی بن معبد، حدثنا الهیثم بن خالد بن یزید، حدثنا أبو بکر بن عیاش عن عبدالعزیز بن رفیع، قال: سمعت أبا محذورة یقول: کنت غلاماً صبیّاً فقال لی النبی: قل: الصلاة خیر من النوم ((2)).

(المعجم الکبیر): حدّثنا محمد بن عبدالله الحضرمی والحسین بن إسحاق التستری قالا: ثنا یحیی الحمانی، ثنا أبو بکر بن عیاش، ثنا عبدالعزیز بن رفیع قال: سمعت أبا محذورة یقول: کنت غلاماً صبیاً فأذّنت بین یدی النبی یوم حُنَین، فلمّا انتهیتُ إلی حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح، قال لی النبی: ألحِق: الصلاة خیر من النوم ((3)).


1- شرح معانی الآثار لأحمد بن محمد بن سلمه 1 : 137 .
2- شرح مشکل الآثار للطحاوی 15 : 361 / ح 6078 .
3- المعجم الکبیر 7 : 175 .

ص:208

المناقشة

لم یثبت عن رسول الله صلی الله علیه و آله أنّه قال لأبی محذورة: ألحق (الصلاة خیر من النوم) بعد حیّ علی الفلاح، وقد شکّ الشافعی فی ذلک فقال: (... ولا أحب التثویب فی الصبح ولا غیرها، لأنّ أبا محذورة لم یحکِ عن النبی أنّه أمره بالتثویب، فأکره الزیادة فی الأذان، وأکره التثویب بعده) ((1))، هذا أولاً.

وثانیاً: إنّ ما جاء فی (المعجم الکبیر) یخالف ما رواه الحافظ ابو علی العلوی من طریق [ابن هارون عن] یحیی بن الحمید الحمانی، قال: حدثنا أبو بکر بن عیاش عن عبدالعزیز بن رفیع عن أبی محذورة: قال النبی: ألحق فیها: حی علی خیر العمل.

وقد علق محمد سالم عزّان فی کتابه (حی علی خیر العمل) علی هذه الروایة الأخیرة بالقول:

وهذه دعوی ینقصها الدلیل، إذ ترجیح روایة الحضرمی علی روایة ابن هارون یحتاج إلی مُرجِّح مقبول، خصوصاً وأنّه قد رُویَ من طرق عدة أنّ جملة «الصلاة خیر من النوم» لم تُضَف إلی الأذان إلّا فی أیام عمر بن الخطاب، وعلی ذلک روایة الإمام مالک فی (المؤطّأ) ((2)).

ومن الثابت المعلوم عند الجمیع أنّ الإمام مالکاً حینما قال: (بَلَغَنا أنّ عمر قال لمؤذّنیه) کان لا یرید تشویه سمعة عمر ولا التنقیص من منزلته عن المسلمین، بل إنّه


1- الأم 1 : 104، وأنظر المجموع 3 : 99 .
2- حیَّ علی خیر العمل لعزّام : 23 .

ص:209

أراد الأشارة إلی حقیقة تاریخیة وقف علیها، لیس إلّا.

وبهذا فقد اتّضح لک أنّ الروایات التی فیها التثویب أغلبها ضعیفة لا یمکن الاعتماد علیها، بخلاف التی لیس فیها التثویب والتی ستأتی بعد قلیل، فهی أصحّ إسناداً من التی ورد فیها التثویب.

ولأجل ذلک شک الشافعی فی نسبة المحکی عن أبی محذورة عن النبی فی التثویب، ومع ذلک تری أتباعه یعملون علی خلاف فتوی إمامهم!

أجل، إنّ الروایات الخالیة من التثویب قد وردت فی الکتب المعتمدة والصحاح، مثل: صحیح مسلم، والکنی والأسماء له، وسنن أبی داود السجستانی، وسنن ابن ماجة، ومسند الطیالسی، وسنن الترمذی، وسنن الدارمی، وفی المجتبی للنسائی والسنن الکبری له، ومسند أبی عوانة، وصحیح ابن خزیمة، وصحیح ابن حبان، والمعجم الکبیر، والمعجم الأوسط، ومسند الشامیین - کلها للطبرانی -، وشرح معانی الآثار لأحمد بن محمد بن سَلَمة، والآحاد والمثانی للضحاک، ومسند ابن أبی شیبة، وغیرها من الکتب المعتمدة التی مرّ التخریج عنها.

علماً بأنّ فی بعض تلک الروایات جاء ذکر الأذان مفصلاً، لکن مع ذلک لیس فیها جملة (الصلاة خیر من النوم).

وفی أُخری جاء مجملاً، کأن یقول أبو محذورة مثلاً: علّمَنی رسول الله الأذان تسعة عشر حرفاً، والإقامة سبعة عشر حرفاً، ومع ذلک لیس فیه التثویب، فنحن نفسر الروایات المجملة طبقاً لما فسّروه عن أبی محذورة، وأنّ أذانه کان فیه الترجیع دون التثویب.

ص:210

لکنّ إشکالنا هنا هو: لو کان فی أذانه التثویب لَلزِم أن یکون واحداً وعشرین حرفاً لا تسعة عشر حرفاً حسبما حکوه عن أبی محذورة فی روایات أخری.

وإلیک الآن نصوص تلک الروایات لتقف بنفسک علی حقیقة ما نقوله.

ص:211

مرویات أبی محذورة التی لیس فیها التثویب
1- عامر الأحول عن مکحول عن عبد الله بن محیریز:

مصنف ابن أبی شیبة: قال: نا عفان، نا همام بن یحیی عن عامر الأحول أنّ مکحولاً حدّثه أنّ عبدالله بن محیریز حدثه أنّ أبا محذورة حدثه قال: علّمَنی النبی الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة:

الأذان: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حی علی الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، حی علی الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((1)).

وفی مسند أحمد: ثنا عفان، ثنا همام، ثنا عامر الأحول، حدثنی مکحول أنّ عبدالله بن محیریز حدثه أن أبا محذورة حدثه أنّ رسول الله علّمه الأذان تسع عشرة


1- مصنف ابن أبی شیبة 1 : 185 / ح 2119 وفی مسند ابن أبی شیبة 2 : 330 / ح 828: حدثنا عفان قال: حدثنا همّام بن یحیی عن عامر الأحول أنّ مکحولاً حدّثه أنّ عبدالله بن محیریز حدثه أن أبا محذورة حدثه قال: علّمنی رسول اللّه الأذان تسع عشرة کلمة و ... وفی مسند الطیالسی (ت 204 ه-) قال: حدثنا همام عن عامر الأحول عن مکحول عن بن أبی محذورة عن أبیه قال: علّمنی رسول الله الأذان تسعة عشر حرفاً ...

ص:212

کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة، الأذان: الله أکبر ،...((1)).

وفی سنن الدارمی: أخبرنا سعید بن عامر عن همام عن عامر الأحول عن مکحول عن ابن محیریز عن أبی محذورة أنّ رسول الله أمر نحواً من عشرین رجلاً فأذّنوا، فأعجبه صوت أبی محذورة فعلّمه الأذان: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر،...((2)).

وفی صحیح مسلم: حدثنی أبو غسان المسمعی مالک بن عبدالواحد وإسحاق ابن إبراهیم، قال أبو غسان: حدثنا معاذ، وقال إسحاق: أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائی، وحدثنی أبی عن عامر الأحول عن مکحول عن عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة أنّ نبیّ الله صلی الله علیه و آله علمه هذا الأذانّ: الله أکبر، أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أن محمّداً رسول الله، حیَّ علی الصلاة مرتین، حیَّ علی الفلاح مرتین، زاد إسحاق: الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله((3)).

وفی الکنی والأسماء لمسلم بن الحجاج القشیری: حدثنا همام أن عامر الأحول حدثه أنّ مکحولاً الشامی حدثه أن عبدالله بن محیریز حدثه أنّ أبا محذورة حدثه أنّ النبی صلی الله علیه و آله قال: الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة ((4)).


1- مسند أحمد 3 : 409 / ح 15418، وکذا فی مسند أحمد 6 : 410 / ح 27293: ثنا عبدالصمد، قال: ثنا همام ...
2- سنن الدارمی 1 : 291 الباب 7 / ح 1196 و 1197 عن أبی الولید الطیالسی وحجاج بن المنهال قال: حدثنا همام ...
3- صحیح مسلم 1 : 287 - الباب 3 / ح 379 .
4- الکنی والأسماء 1 : 157 / ح 311 .

ص:213

وفی سنن أبی داود: حدثنا الحسن بن علی، ثنا عفان و سعید بن عامر وحجاج، والمعنی واحد، قالوا: ثنا همام، ثنا عامر الأحول، حدثنی، مکحول أنّ ابن محیریز حدثه أن أبا محذورة حدثه أن رسول الله صلی الله علیه و آله علّمه الأذان تسع عشرة کلمة،

والإقامةُ سبع عشرة کلمة: الأذان: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر،... کذا فی کتابه فی حدیث أبی محذورة ((1)).

وفی سنن ابن ماجة: حدثنا أبو بکر بن أبی شیبة، ثنا عفان، ثنا همام بن یحیی، عن عامر الأحول، أنّ مکحولاً حدثه، أن عبدالله بن محیریز حدثه، أن أبا محذورة حدثه، قال: علّمنی رسول الله صلی الله علیه و آله الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة، الأذان: «الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر،...((2)).

وفی سنن الترمذی: حدثنا أبو موسی محمد بن المثنی، حدثنا عفان، حدثنا همام عن عامر بن عبدالواحد الأحول عنه مکحول عن عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة أنّ النبی صلی الله علیه و آله علمه الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة. قال أبو عیسی هذا حدیث حسن صحیح ((3)).

وفی الآحاد والمثانی للضحاک: حدثنا أبو بکر بن أبی شیبة، نا عفان، ثنا همام عن عامر الأحول، نا مکحول أنّ عبدالله بن محیریز حدثه عن أبی محذورة قال: علّمنی رسول الله صلی الله علیه و آله الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة، الآذان: الله أکبر،


1- سنن أبی داود 1 : 137 / ح 502 .
2- سنن ابن ماجة 1 : 235 / ح 709 وهو نحو حدیث مسلم، ذکر فیه عدد فصول الأذان والإقامة وأیضاً قول: الله أکبر أربعاً، ومثله فی: مصنّف ابن أبی شیبة .
3- سنن الترمذی 1 : 367 / ح 192 .

ص:214

الله أکبر، فذکر نحوه ((1)).

وفی المجتبی للنسائی: أخبرنا إسحاق بن إبراهیم قال: أنبأنا معاذ بن هشام قال: حدثنی أبی عن عامر الأحول عن مکحول عن عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة قال: علمنی رسول الله

صلی الله علیه و آله الأذان فقال: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر...((2)).

کانت هذه بعض طرق روایات عامر الأحول عن مکحول عن عبدالله بن محیریز عن أبی محذورة، وهی موجودة أیضاً فی (المنتقی) لابن الجارود ((3))، وصحیح ابن خزیمة((4))، ومسند أبی عوانة((5))، والأوسط لابن المنذر ((6))، وشرح معانی الآثار((7))، وصحیح ابن حبان ((8))، والمعجم الکبیر((9)) ومسند الشامیین ((10)) کلاهما للطبرانی، وشعار أصحاب الحدیث لابن إسحاق الحاکم((11))، وسنن الدارقطنی((12)


1- أی حدیث ابن جریج عن عبدالعزیز بن عبدالملک بن أبی محذورة عن ... (الآحاد والمثانی للضحاک 2 : 95 / ح 792 ).
2- سنن النسائی المجتبی 2 : 4 / ح 631 . والسنن الکبری له 1 : 497 / ح 1595 .
3- المنتقی لابن الجارود 1 : 50 / ح 162 .
4- صحیح ابن خزیمة 1 : 195 / ح 377 .
5- مسند أبی عوانة 1 : 275 / ح 964 .
6- الأوسط لابن المنذر 3 : 491 / ح 1119 .
7- شرح معانی الآثار لأحمد بن محمد بن سلمة 1 : 130 .
8- صحیح ابن حبان 4 : 577 / ح 1681 .
9- المعجم الکبیر 7 : 170 / ح 6728 .
10- مسند الشامیین 3 : 236 / ح 2160 و 3 : 237 / ح 2161 و 4 : 360 / ح 3557 و 4 : 60 / ح 3558 و 4 : 360 / ح 3559 .
11- شعار أصحاب الحدیث : 39 - 40 .
12- سنن الدارقطنی 1 : 237 / ح 3 و 1 : 238 و 1 : 243 / ح 43 .

ص:215

والفوائد((1)) ، وحلیة الأولیاء ((2)) والمسند المستخرج علی صحیح مسلم ((3)) کلاهما لابی نعیم الأصبهانی، ومعرفة السنن والآثار ((4))، والسنن الکبری کلاهما للبیهقی ((5)).

ولم تر فی أیٍّ منها ورود جملة «الصلاة خیر من النوم»، لأنّ کون الأذان تسع عشرة کلمة، یعنی وجود الترجیع فی أذان أبی محذورة دون التثویب، وقد جئنا سابقاً بکلام الحنابلة والأحناف فی ردّ ما قالوه، وأنّ أذان عبد الله بن زید لیس فیه الترجیع والتثویب، وهو مقدّم علی أذان أبی محذورة.

فإذا کان الأمر کذلک - وهو کذلک - فکیف ینسبون التثویب إلی رسول الله علی لسان أبی محذورة! ولا یأخذون بکلام الإمام الشافعی فی الجدید؟!

2- ابن جریج عن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة

· وإلیک الآن طریق آخر یُروی عن عبدالله بن أبی محیریز مذکور فی مصادر مهمة أخری، مثل: جزء ابن جریج (ت 150 ه-)، ومسند الإمام الشافعی، وکتابه الأم، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وسنن أبی داود، والمجتبی للنسائی، والآحاد


1- الفوائد لتمّام الرازی 2 : 159 / ح 1419 .
2- حلیة الأولیاء 5 : 147 .
3- المسند المستخرج علی صحیح مسلم لأبی نعیم الأصبهانی 2 : 4 / ح 835 .
4- معرفة السنن والآثار للبیهقی 1 : 423 / ح 558 .
5- السنن الکبری للبیهقی 1 : 392 - الباب 70 / ح 1713 و 1 : 416 - الباب 99 / ح 1822 و ح 1823 .

ص:216

والمثانی للضحاک، وصحیح ابن خزیمة، ومعجم الطبرانی، وغیرها، ولیس فی أیٍّ من هذه المصادر جملة: «الصلاة خیر من النوم»، وإلیک نصوصها:

جزء ابن جریج: قال: أخبرنا عبدالعزیز بن عبدالملک بن أبی محذورة، أنّ عبدالله ابن محیریز أخبره وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة بن معیر حین جهزه إلی الشام، قال: فقلت لأبی محذورة: أیْ عمّ، إنی خارج إلی الشام وأخشی أن أُسأل عن تأذینک، فأخبرنی.

قال: نعم، خرجت فی نفر فکنا ببعض طریق حنین، فأذّن مؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله بالصلاة عند رسول الله صلی الله علیه و آله فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنکّبون، فصرخنا نحکیه ونستهزئ به! قال: فسمع رسول الله صلی الله علیه و آله الصوت فأرسل إلینا، إلی أن وقفنا بین یدیه، فقال النبی صلی الله علیه و آله : أیکم الذی سمعتُ صوته قد ارتفع ؟

فأشار القوم إلیَّ، فأرسلهم کلهم وحبسنی، فقال: قم فأذن بالصلاة. فقمت، ولا شیء أکره إلیَّ مِن رسول الله صلی الله علیه و آله ولا مما یأمرنی به، فقمت بین یدی رسول الله صلی الله علیه و آله فألقی علَیَّ التأذین هو نفسه، فقال: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، «ثم قال»: ارجع فامدد من صوتک وقل: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح، حیَّ علی الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله، ثمّ دعانی حین قضیت التأذین، فأعطانی صُرّةً من فضة.

ثمّ وضع یده علی ناصیة أبی محذورة، ثم أَمَرّها علی وجهه، ثم من بین یدیه علی

ص:217

کبده، ثم بلغت ید رسول الله صلی الله علیه و آله سرة أبی محذورة، ثم قال رسول الله صلی الله علیه و آله : «بارک الله فیک، وبارک علیک».

فقلت: یا رسول الله، مُرْنی بالتأذین بمکة، فقال: قد أمرتک به. وذهب کلّ شیء کان لرسول الله صلی الله علیه و آله من کراهة، وعاد ذلک کله محبةً لرسول الله صلی الله علیه و آله ، فقدمت علی عتاب بن أسید عامل رسول الله صلی الله علیه و آله بمکة، فأذّنتُ معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلی الله علیه و آله . وأخبرنی ذلک من أدرکت من أهلی ممن أدرک أبا محذورة علی نحو ما أخبرنی عبدالله بن محیریز ((1)).

ولیس فی هذا النَّصّ جملة: «الصلاة خیر من النوم» علی رغم طول الخبر وذکر تفاصیل الحادثة.

وفی مسند الشافعی: قال: أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جریج قال: أخبرنی عبدالعزیز بن عبدالملک بن أبی محذورة أنّ عبدالله بن محیریز أخبره، وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة حین جهزه إلی الشام، قال: فقلت لأبی محذورة...((2)) إلی آخره.

وفی الأُم: بنفس الإسناد، إلّا أنّ فیه: فسمعنا صوت المؤذن ونحن متکئون، فصرخنا نحکیه ونستهزئ به... فقمت ولا شیء أکره إلیَّ من رسول الله صلی الله علیه و آله ولا مما أمرنی به...، فقال: قل: الله أکبر، الله أکبر،... وفیهما زیادة: فی قول ابن جریج: فأخبرنی ذلک مَن أدرکتُ من أهل أبی محذورة علی نحو مما أخبرنی ابن محیریز، وأدرکت إبراهیم بن عبدالعزیز بن عبدالملک بن أبی محذورة یؤذن کما حکی ابن


1- جزء ابن جریج 1 : 69 .
2- مسند الشافعی : 30 - 31 .

ص:218

محیریز، (قال الشافعی:) وسمعته یحدث عن أبیه عن ابن محیریز عن أبی محذورة عن النبی صلی الله علیه و آله معنی ما حکی ابن جریج ((1)).

قلت:

هذا الحدیث وما سبقه یضعّف ما رُوی عن إبراهیم بن عبدالعزیز بن عبدالملک ابن أبی محذورة قبل قلیل فی التثویب، لأن الثابت عن ابن محیریز فی الصحاح عدم ثبوت التثویب عنه، کما أنّ الإمام الشافعی شک بأن یکون رسول الله قد أمر أبا محذورة بالتثویب.

وعلیه یکون معنی قول الشافعی أنّه أدرک إبراهیم بن عبدالعزیز بن عبدالملک ابن أبی محذورة یؤذن، کما أنّه سمع إبراهیم بن عبد العزیز یحدّث عن أبیه، عن ابن محیریز الأذان الخالی من التثویب.

وفی مسند أحمد: ثنا روح بن عبادة، ثنا ابن جریج ومحمد بن بکر أنّ ابن جریج قال: أخبرنی عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة أنّ عبد الله بن محیریز أخبره وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة قال روح بن معین ولم یقله ابن بکر حین جهزه إلی الشام قال: فقلت لأبی محذورة ... الحدیث (وفیه التثنیة والترجیع من دون التثویب)((2)).

وفی سنن ابن ماجة: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن یحیی، قالا: ثنا أبو عاصم، أنبأنا ابن جریج. أخبرنی عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة، عن عبد الله بن محیریز، وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة بن معیر، حین جهزه إلی الشام، فقلت لأبی


1- الأُم 1 : 84 .
2- مسند أحمد 3 : 409 / ح 15417.

ص:219

محذورة: أَیْ عم! إنّی خارج إلی الشام، وإنی أُسأل عن تأذینک. فأخبرنی أن أبا محذورة قال: ... (مثله) ((1)).

قال فی (الزوائد): هذا الحدیث ثابت فی غیر صحیح البخاری. لکن فی روایة المصنف زیادة، وإسنادها صحیح، ورجالها ثقات.

وفی سنن أبی داود: حدثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم، ثنا ابن جریج، أخبرنی ابن عبد الملک بن أبی محذورة - یعنی عبد العزیز - عن ابن محیریز، عن أبی محذورة، قال: ... (مثله لکنه رواه مختصراً) ((2)).

وفی المجتبی للنسائی: قال: أخبرنا إبراهیم بن الحسن ویوسف بن سعید - واللفظ له - قالا: حدثنا حجاج عن بن جریج قال: حدثنی عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة أنّ عبد الله بن محیریز أخبره - وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة حتّی جهزه إلی الشام - قال: قلت لأبی محذورة: إنّی خارج إلی الشام وأخشی أن أُسأل عن تأذینک. فأخبَرَنی أنّ أبا محذورة قال: ... ((3)).

وفی السنن الکبری له: أنبأ سوید بن نصر قال: أنبأ عبد الله عن همام بن یحیی عن عامر بن عبد الواحد، قال: ثنا مکحول عن عبد الله بن محیریز عن أبی محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله علّمه الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة کلمة، عَدّهُنّ


1- سنن ابن ماجة 1 : 234 / ح 15417.
2- سنن أبی داود 1 : 137 / ح 503. وانظر: أخبار مکة للفاکهی 2 : 138 / ح 1310، والآحاد والمثانی للضحاک 2 : 93 / ح 791.
3- المجتبی للنسائی 1 : 497.

ص:220

أبو محذورة تسع عشرة وسبع عشرة ((1)).

وفی صحیح ابن خزیمة: أخبرنا أبوطاهر، نا أبوبکر، نا بندار، نا أبو عاصم، أخبرنا ابن جریج، أخبرنی عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة عن عبد الله بن محیریز، وحدثناه یعقوب بن إبراهیم الدورقی، نا روح، نا ابن جریج: أخبرنی عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة أنّ عبد الله بن محیریز أخبره - وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة ابن معیر حین جهزه إلی الشام - فقلت لأبی محذورة: إنّی خارج إلی الشام وإنّی أُسأل عن تأذینک. فذکر الحدیث بطوله ... إلّا أن بنداراً قال فی الخبر من أول الأذان: وألقی علیَّ رسول الله صلی الله علیه و آله التأذین هو نفسه، فقال قل: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، ثمّ ذکر بقیة الأذان مثل خبر مکحول عن ابن محیریز ولم یذکر اشتراطاً، وزاد فی الحدیث زیادة کثیرة قبل ذکر الأذان وبعده، وقال الدورقی: قال فی أوّل الأذان: الله أکبر، الله أکبر، وباقی حدیثه مثل لفظ بندار. وهکذا رواه روح عن ابن جریج عن عثمان بن السائب عن أم عبد الملک بن أبی محذورة عن أبی محذورة قال فی أول الأذان: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، لم یقله أربعاً، قد خرّجته فی باب التثویب فی أذان الصبح. ورواه أبو عاصم وعبد الرزاق عن ابن جریج وقالا فی أول الأذان: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، قال أبوبکر: فخبر ابن أبی محذورة ثابت صحیح من جهة النقل.

قلت: حدیث عبد العزیز بن عبد الملک الذی رواه الدورقی عنه لیس فیه التثویب، علی خلاف حدیث عثمان بن السائب الذی رواه أیضاً الدورقی عنه حیث


1- السنن الکبری للنسائی 1 : 497.

ص:221

فیه التثویب.

وفی شرح معانی الآثار: قال: حدثنا علی بن شیبة وعلی بن معبد قالا: ثنا روح قال: ثنا ابن جریج قال: أخبرنی عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة أنّ عبد الله ابن محیریز حدثه - وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة - قال: أخبرنی أبو محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال له: قمْ فأذّنْ بالصلاة. فقمت بین یَدَی رسول الله صلی الله علیه و آله فألقی عَلیَّ التأذین هو بنفسه، ثمّ ذکر مثل التأذین الذی فی الحدیث الأول ((1)).

قال أبو جعفر (الطحاوی): فذهب قوم إلی هذا فقالوا: هکذا ینبغی أن یُؤذَّن. وخالفهم آخرون فی موضعین: أحدهما ابتداء الأذان، فقالوا: ینبغی أن یقال فی أول الأذان: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، واحتجوا فی ذلک بما حدثنا أبو بکرة وعلی بن عبد الرحمن، واللفظ لأبی بکرة، قالا: ثنا عفان بن مسلم الصفار، قال: ثنا همام بن یحیی، قال: ثنا عامر الأحوظ، قال: حدثنی مکحول أنّ عبد الله بن محیریز حدثه أنّ النبی صلی الله علیه و آله علّمه الأذان تسع عشرة کلمة: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، ثمّ ذکر بقیة الأذان علی ما فی الحدیث الأول.

ذکر الشافعی فی القدیم حدیث ابن جریج الذی علیه اعتمدت فی الحدیث ...((2)).

وفی صحیح ابن حبان: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدی قال: حدثنا إسحاق بن إبراهیم قال: أخبرنا محمد بن بکر، قال: أخبرنا ابن جریج، قال: أخبرنی عبد العزیز


1- یقصد حدیث ابن جریج عن عثمان بن السائب الذی مرّ سابقاً، وفیه ذکر الأذان فقط، وفیه تکبیرتان بدل أربعة.
2- شرح معانی الآثار، لأحمد بن محمد بن سلمة 1 : 130.

ص:222

ابن عبد الملک بن أبی محذورة أنّ عبد الله بن محیریز أخبره - وکان یتیماً فی حجر أبی محذورة حین جهزه إلی الشام - قال: قلت لأبی محذورة ... ((1)) (وفیه التربیع والترجیع من دون ذکر التثویب).

لا أرید أن آتی بکلّ ما رواه ابن جریج عن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة عن أبی محذورة، بل أردت أن أشیر إلی بعض الکتب المهمة التی ذکرت الخبر عنها، منها: السنن المأثورة ((2))، والمعجم الکبیر ((3))، وسنن الدارقطنی ((4))، وحلیة الأولیاء ((5))، والسنن الکبری للبیهقی((6))، ومعرفة السنن والآثار ((7))، والاستیعاب((8))، ودلائل النبوة للأصبهانی ((9))، ومصباح الزجاجة للبوصیری ((10)).

3- نافع بن عمر عن عبد الملک بن أبی محذورة عن ابن محیریز

· وهناک طریق ثالث مروی عن عبد الله بن محیریز رواه نافع بن عمر الجمحی


1- صحیح ابن حبان 4 : 574 / ح 1680.
2- السنن المأثورة 1 : 289.
3- المعجم الکبیر 7 : 172 / ح 6731.
4- سنن الدارقطنی 1 : 233 / ح 1.
5- حلیة الأولیاء 5 : 147.
6- السنن الکبری للبیهقی 1 : 393 / ح 1714 و 1 : 419 / ح 1827.
7- معرفة السنن والآثار للبیهقی 1 : 422 / ح 555 - 556.
8- الاستیعاب 4 : 1752.
9- دلائل النبوة للأصبهانی 1 : 178.
10- مصباح الزجاجة 1 : 89 / ح 264.

ص:223

عن عبد الملک بن أبی محذورة أخبره عن عبد الله بن محیریز الجمحی، عن أبی محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله علّمه الأذان یقول: الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ...

قال المصنّف: ثمّ ذکر مثل أذان حدیث ابن جریج عن عبد العزیز بن عبد الملک ومعناه. [إذ لیس فیه: الصلاة خیر من النوم].

4- عثمان بن السائب عن أبیه وأُم عبد الملک عن أبی محذورة

· أمّا الذی رواه ابن جریج عن عثمان بن السائب عن أبیه وأم عبد الملک عن أبی محذورة فغالبه فیه التثویب، وقد مرت علیک بعض نصوصه، لکن هناک روایات قلیلة لیس فیها التثویب، مثل هذا الخبر:

شرح معانی الآثار: حدثنا علی بن معبد وعلی بن شیبة قالا: ثنا روح بن عبادة ((1)) ح، وحدثنا أبو بکرة قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا بن جریج، قال: أخبرنی عثمان بن السائب، قال أبو عاصم فی حدیثه: أخبرنی أبی وأم عبد الملک بن أبی محذورة - یعنی عن أبی محذورة - قال روح فی حدیثه عن أم عبد الملک بن أبی محذورة عن أبی محذورة قال:


1- هناک ثلاثة طرق مرویة عن روح بن عبادة، وفیها جملة «الصلاة خیر من النوم» خلافاً لهذه الروایة: أحدها فی (شرح معانی الآثار) لأحمد بن محمد بن سلمة: حدثنا علی بن معبد، حدثنا روح بن عبادة ... والثانیة: مرویة فی (السنن الکبری) للبیهقی: ... نا أحمد بن عبد الله النرسی، نا روح بن عبادة ... والثالثة: فی (صحیح ابن خزیمة): ... نا یعقوب بن إبراهیم الدورقی، نا روح ...

ص:224

علّمنی رسول الله صلی الله علیه و آله الأذان کما تؤذنون الآن: الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد محمّداً رسول الله، حی علی الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، حی علی الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله.

وقال روح فی حدیثه: أخبرنی عثمان هذا الخبر کلّه عن أم عبد الملک بن أبی محذورة أنّها سمعت ذلک من أبی محذورة.

وقال أبو عاصم فی حدیثه: قال وأخبرنی هذا الخبر کلّه عثمان بن السائب عن أبیه وعن أم عبد الملک بن أبی محذورة أنّهما سمعا ذلک من أبی محذورة ((1)).

نصب الرایة: قال الحازمی (ت 584 ه-) فی کتابه (الناسخ والمنسوخ):

اختلف أهل العلم فی هذا الباب، فذهبت طائفة إلی أنّ الإقامة مثل الأذان مَثنیً مثنی، وهو قول أبی حنیفة وأهل الکوفة واحتجوا بما أخبرنا.

وأسند عن أحمد بن شعیب، ثنا إبراهیم بن الحسن، ثنا حجاج عن ابن جریج عن عثمان بن السائب قال: أخبرنی أبی وأم عبد الملک بن أبی محذورة عن أبی محذورة قال: لما خرج رسول الله صلی الله علیه و آله من حنین خرجتُ عاشر عشرة من أهل مکة اطلبهم ... فعلّمنی: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، ... حی علی الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله.

وهذا الخبر أیضاً (لیس فیه: الصلاة خیر من النوم) ((2)).


1- شرح معانی الآثار 1 : 130.
2- نصب الرایة 1 : 272.

ص:225

أقول:

طرق هذه الأحادیث معلولة بجهالة عثمان بن السائب الذی قال عنه القطان فی ترجمته عبارات، مثل: (غیر معروف)، (لا یُعرَف)، (مجهول الحال)، قال الذهبی: «أبوه السائب لا یعرف».

وأم عبد الملک لیس لها روایة سوی هذه، ولا یخفی أنّ عبارة (غیر معروف) أو (لا یُعرف) تعنی کون الراوی مجهولَ العین والشخص.

فقد جاء فی (الشذی الفیاح) تعریف ذلک إذ قال: (القسم الثالث: هو مجهول العین، الذی لم یَروِ عنه إلّا راوٍ واحد، وفیه خمسة أقوال، أصحها - وعلیه الأکثر - أنّه لا یُقبَل ...

وقال أبو الحسن المأربی فی (إتحاف النبیل): ومن کان مجهول العین فهو لا یصلح فی الشواهد والمتابعات إلّا إذا کثرت الطرق کثرة یترجح لدی الباحث صحّة الحدیث وثبوته) ((1)).

فانظر أین یقع حدیث ابن جریج عن عثمان السائب عن أبیه عن أم عبد الملک ابن أبی محذورة بعد کل ما قدّمناه ؟!

5- إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة

· وأمّا ما رواه إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة عن أبیه عن جده عن أبی محذورة فهو فی المصادر الآتیة:


1- الشذی الفیاح 1 : 248، وإتحاف النبیل : 39.

ص:226

سنن الترمذی: حدثنا بِشر بن مُعاذ البصری، حدثنا إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة قال: أخبرنی أبی وجدی جمیعاً عن أبی محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أقعده وألقی علیه الأذان حرفاً حرفاً. قال إبراهیم: مِثل أذاننا، قال بشر: فقلت له: أعِدْ علَیَّ، فوصف الأذان بالترجیع.

قال أبو عیسی: حدیث أبی محذورة فی الأذان حدیث صحیح، وقد رُویَ عنه من غیر وجه، وعلیه العمل بمکة، وهو قول الشافعی.

قال الشافعی فی (الأم) و (المسند) : ... قال ابن جریج فأخبرنی ذلک من أدرکت من آل أبی محذورة علی نحو مما أخبرنی ابن محیریز، وأدرکت إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة یؤذن کما حکی ابن محیریز ( قال الشافعی ) وسمعته یحدث عن أبیه عن ابن محیریز عن أبی محذورة عن النبی صلی الله علیه وسلم معنی ما حکی ابن جریج ((1)).

المجتبی للنسائی: أخبرنا بشر بن معاذ قال: حدثنی إبراهیم - وهو ابن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة - قال: حدثنی أبی عبد العزیز وجدی عبد الملک عن أبی محذورة أنّ النبی صلی الله علیه و آله أقعده فألقی علیه الأذان حرفاً حرفاً. قال إبراهیم: هو مِثل أذاننا هذا، قلت له: أعِدْ عَلَیَّ، قال: الله أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله - مرتین، أشهد أنّ محمّداً رسول الله - مرّتین. ثم قال بصوت دون ذلک الصوت یسمع


1- سنن الترمذی 1 : 366، 279، والأم 1 : 104، والمسند 1 : 31. وابن محیریز لم یذکر التثویب عند حکایته صیغة الأذان.

ص:227

من حوله: أشهد أن لا إله إلّا الله - مرّتین، أشهد أنّ محمّداً رسول الله - مرّتین، حیَّ علی الصلاة - مرّتین، حی علی الفلاح - مرّتین، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((1)).

المجتبی للنسائی: أخبرنا بشر بن معاذ قال: حدثنی إبراهیم - وهو ابن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة - قال: حدثنی أبی عبد العزیز وجدی عبد الملک عن أبی محذورة أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أقعده فألقی علیه الأذان حرفاً حرفاً. قال إبراهیم: هو مثل أذاننا هذا، قلت له: أعِدْ علَیَّ، قال: الله أکبر، الله أکبر، ... حیّ علی الفلاح - مرّتین، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((2)).

صحیح ابن خزیمة: أخبرنا أبوطاهر، نا أبوبکر، نا بشر بن معاذ العقدی، نا إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة مؤذّن مسجد الحرام: حدثنی أبی عبد العزیز وحدثنی عبد الملک جمیعاً عن أبی محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أقعده فألقی علیه الأذان حرفاً حرفاً. قال بشر: قال لی إبراهیم: هو مِثل أذاننا هذا، فقلت له: أعِدْ عَلَیَّ، فقال: ... ((3)).

سنن الدارقطنی: حدثنا عثمان بن أحمد، نا حنبل بن إسحاق ح، وحدثنا محمد ابن عبد الله بن إبراهیم ومحمد بن أحمد بن الحسن قالا: حدثنا بشر بن موسی قال: نا الحمیدی، ثنا أبو إسماعیل إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة قال: سمعت جدی عبد الملک بن أبی محذورة یحدث عن أبیه أبی محذورة أنّ


1- المجتبی للنسائی 2 : 3.
2- المجتبی للنسائی 2 : 3 ، 4. وروایته لیس فیها التثویب.
3- صحیح ابن خزیمة 1 : 195 - 196، مثل حدیث النسائی، لیس فیه التثویب.

ص:228

النبی صلی الله علیه و آله ألقی هذا الأذان علیه: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر ... حی علی الفلاح، حی علی الفلاح، الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((1)).

ولیس فی هذه النصوص عن أبی محذورة جملة (الصلاة خیر من النوم).

6- روایة إبراهیم عن جریر بن عبد الله بن أبی محذورة

· أمّا ما رواه إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة، عن جریر بن عبد الله بن أبی محذورة عن أبیه (أبی محذورة) فهو فی:

معرفة السنن والآثار: قال أخبرناه أبو سعید یحیی بن محمد بن یحیی الإسفرائینی، أخبرنا أبو بحر البربهاری، حدثنا بشر بن موسی، حدثنا الحمیدی، حدثنا أبو إسماعیل إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة قال: سمعت جریر بن عبد الله بن أبی محذورة یحدث عن أبیه أبی محذورة أنّ النبی صلی الله علیه و آله ألقی هذا الأذان علیه: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، ... ((2)).

وفی الجوهر النقی للماردینی: حدیث إبراهیم بن عبد العزیز بن أبی محذورة عن عبد العزیز بن أبی رواد عن نافع عن ابن عمر موصولاً وحکم علیه بأنّه ضعیف لا یصح.

قلت: إبراهیم روی له الترمذی وصحّح حدیثه، وذکره البیهقی فیما بعد فی باب الترغیب فی التعجیل بالصلوات، وقال: هو مشهور، وذکره ابن حبان فی


1- سنن الدارقطنی 1 : 235.
2- معرفة السنن والآثار 1 : 420 / ح 552، لیس فیه: الصلاة خیر من النوم.

ص:229

(الثقات) ...((1)).

وفیما رواه إبراهیم بن عبد العزیز بن أبی محذورة عن جریر بن عبد الله بن أبی محذورة لیس فیه: الصلاة خیر من النوم.

7- روایة إبراهیم عن جدّه عبد الملک بن أبی محذورة

وأمّا ما رواه إبراهیم بن إسماعیل بن عبد الملک بن أبی محذورة عن جده عبد الملک بن أبی محذورة أنّه سمع أبا محذورة، فلیس فیه: الصلاة خیر من النوم، وإلیک نصوص تلک الأخبار:

المعجم الأوسط للطبرانی: حدثنا أحمد قال: حدثنا أبو جعفر قال: حدثنا إبراهیم بن إسماعیل بن عبد الملک بن أبی محذورة قال: سمعت جدی عبد الملک بن أبی محذورة أنّه سمع أبا محذورة یقول: ألقی علیَّ رسول الله صلی الله علیه و آله الأذان حرفاً حرفاً: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر ...((2)) (مثل حدیث إبراهیم بن عبد العزیز المار آنفاً إلّا أنّ فیه تربیع الأذان، ولم یذکر فیه الترجیع ولا التثویب فیه).

المعجم الکبیر للطبرانی: حدثنا الحسین بن منصور الرمانی المصیصی وجعفر بن محمد الفریابی وأحمد بن عبد الرحمن بن عقال، قالوا: ثنا أبو جعفر النفیلی، ثنا إبراهیم بن إسماعیل بن عبد الملک بن أبی محذورة قال: سمعت جدی عبد الملک بن أبی محذورة یذکر أنّه سمع أبا محذورة یقول: ألقی علیَّ رسول الله صلی الله علیه و آله الأذان


1- الجوهر النقی 1 : 383.
2- المعجم الأوسط 2 : 23 / ح 1106.

ص:230

حرفاً حرفاً: الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر، الله أکبر،((1)) (فیه التربیع والترجیع ولیس فیه التثویب).

المعجم الکبیر للطبرانی: (زاد المصنف فی ذیل الحدیث السابق): حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج المصری، ثنا یحیی بن بکیر، ثنا إبراهیم بن أبی محذورة عن أبیه عن جده أنّ النبی صلی الله علیه و آله أمر جده أبا محذورة ثمّ ذکر مثله ((2)).

8- روایة داود القرشی عن مالک بن دینار عن ابن أبی محذورة

· وأمّا ما رواه داود بن أبی عبد الرحمن القرشی عن مالک بن دینار عن بن أبی محذورة فهو:

المعجم الکبیر للطبرانی: حدثنا علی بن عبد العزیز، ثنا مسلم بن إبراهیم، ثنا داود بن أبی عبد الرحمن القرشی، ثنا مالک بن دینار قال: قعدت إلی ابن أبی محذورة فوق المسجد الحرام بعدما أذّن، فقلت له: أخبرنی عن أذان لرسول الله صلی الله علیه و آله ، فقال: کان یبدأ فیکبّر فیقول: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ... حتّی یأتی إلی آخر الأذان: الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله ((3)).

سنن الدارقطنی: حدثنا القاضی أبو عمر، ثنا علی بن عبد العزیز، ثنا مسلم، ثنا


1- المعجم الکبیر 7 : 173 / ح 6732.
2- المعجم الکبیر 7 : 173 / ح 6732.
3- المعجم الکبیر 7 : 174 / ح 6736.

ص:231

داود بن أبی عبد الرحمن القرشی، ثنا مالک بن دینار، قال: صعدت إلی ابن أبی محذورة فوق المسجد الحرام بعدما أذّن فقلت له: أخبرنی عن أذان أبیک لرسول الله صلی الله علیه و آله ، قال: کان یبدأ فیکبّر ثمّ یقول: أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله... حتّی یأتی علی آخر الأذان: الله أکبر، الله أکبر، لا إله إلّا الله، تفرّد به داود ((1)).

وقد ذکر أبو داود فی ذیل حدیث عبد الملک بن أبی محذورة عن عبد الله بن محیریز الجمحی عن أبی محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله علمه الأذان یقول: الله أکبر، الله أکبر ... (لیس فیه: الصلاة خیر من النوم)، قال:

قال أبو داود: وفی حدیث مالک بن دینار قال: سألت ابنَ أبی محذورة قلت: حدِّثْنی عن أذان أبیک عن رسول الله صلی الله علیه و آله . فذکر فقال: الله أکبر، الله أکبر، قط. وکذلک حدیث جعفر بن سلیمان عن ابن أبی محذورة عن عمّه عن جده، إلّا أنّه قال: ثمّ ترجع فترفع صوتک: الله أکبر، الله أکبر.

* * *

وبهذا نلخّص أدلّة القائلین بشرعیّة «الصلاة خیر من النوم»، وأنّها کانت تقال علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله فی أربع نقاط أساسیة:

منها: قال الزهری: وزاد بلال فی نداء صلاة الغداة: «الصلاة خیر من النوم»، فأقرّها النبیّ صلی الله علیه و آله .... الحدیث.


1- سنن الدارقطنی 1 : 243.

ص:232

ومنها: ما یُدّعی من أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله أمر بلالاً أن یقول: «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان.

ومنها: ما یدّعی أیضاً بأنّ بلالاً أتی النبیّ صلی الله علیه و آله فوجده راقداً، فقال: «الصلاة خیر من النوم»، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله : ما أحسن هذا، اجعلْه فی أذانک.

ومنها: ما جاء عن أبی محذورة أنّه قال: قلت: یا رسول الله، علّمنی سنّة الأذان، قال: فمسح مقدّم رأسی وقال: تقول: اللهُ أکبرُ .... إلی آخره .

أمّا جواب الأوّل: فحَسْبک فی بطلانه أنّه من حدیث محمّد بن خالد بن عبد الله الواسطی الذی قال فیه یحیی: کان رجلَ سَوء! وقال مرة: هو لا شیء.

وقال ابن عَدِی: أشدّ ما أنکر علیه أحمد ویحیی روایته عن أبیه، ثمّ له مناکیر غیر ذلک.

وقال أبو زرعة: ضعیف، وقال یحیی بن معین: محمّد بن خالد بن عبد الله کذّاب، إن لقیتموه فأضْعِفُوه.

وأمّا جواب الثانی: فهو غیر صحیح لا یقرّه التحقیق وذلک لأنّ الذی روی عن بلال هو عبد الرحمن بن أبی لیلی، وهو لم یسمع من بلال، لأنّ ولادة عبد الرحمن کانت سنة 17 من الهجرة النبویة((1)) وتوفّی سنة 83، ووفاة بلال کانت سنة 20 من الهجرة، فکیف یصحّ أن یروی عن بلال وعمره ثلاث سنین؟ هذا شیء غریب!

وأمّا جواب الثالث: فلا یصحّ أیضاً؛ لأنّ الراوی هو عبد الرحمن بن زید بن


1- انظر: تهذیب الأسماء واللغات لمحیی الدین النووی 1 : 303.

ص:233

اسلم (ت 282 ه-) عن أبیه زید بن اسلم عن بلال.

وعبد الرحمن ضعیف الحدیث لا یُعتَمد علیه کما نصّ علی ذلک: أحمد، وابن المدینی، والنسائی، وغیرهم.

هذا من جهة، ومن جهة أخری فإنّ زیداً لم یسمع من بلال، لأنّ ولادة زید کانت سنة 66 للهجرة ووفاته سنة 126 للهجرة((1)).

فکیف یصحّ سماعه من بلال وهو لم یولد إلّا بعد وفاة بلال بست وأربعین سنة!!!

وأمّا جواب الرابع: فإنّ أبا داود أخرج عن أبی محذورة خبر التثویب من ثلاثة طرق، وکلّها باطلة لا یحتجّ بها.

أحدها عن محمّد بن عبد الملک بن أبی محذورة عن أبیه عن جدّه.

ومحمّد عبد الملک هذا ممّن لا یحتجّ به بنصّ الذهبی کما قال فی (میزان الاعتدال).

وثانیها: عن عثمان بن السائب عن أبیه.

وأبوه من النکرات المجهولة بنصّ الذهبی کما اعترف به فی (المیزان)، علی أنّ مسلماً أخرج هذا الحدیث بلفظ عن أبی محذورة نفسه ولا أثر فیه لقولهم: «الصلاة خیر من النوم».


1- انظر: تذکرة الحفّاظ للذهبی 1 : 123، وتهذیب الأسماء واللغات 1 : 200، والخلاصة للخزرجی: 131، وغیرها من کتب التراجم والرجال.

ص:234

وثالثها: إبراهیم بن إسماعیل بن عبد الملک.

وإبراهیم قد مرّ الکلام عنه فی الإسناد الرابع من روایات أبی محذورة التی فیها التثویب.

وممّا یجب التنویه به أنّ السجستانی کان قد أخرج فی (سننه) تسع روایات فی: باب کیف الأذان کان من بینها تلک الثلاثة فی التثویب فی حین سبقت تلک الروایات روایة أولی عن محمّد بن عبد الله بن زید بن عبد ربّه [الذی أُری الأذان] وقد صدّر الباب به ولیس فی تلک الروایة التثویب.

کما فیه روایتان أُخرَیان خرجتا تحت الرقمین: 506 و 507، ترتبطان برؤیا عبد الله بن زید أیضاً، ولیس فیها التثویب کذلک.

وأمّا الروایات الست الباقیة:

فاثنتانِ منها قد رُوِیتا عن عبد الله بن محیریز، وقد روی إحداهما مکحول عنه((1)).

والأخری عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة((2))، ولیس فیهما التثویب


1- والتی أُدرجت تحت الرقم 502، ویضاف إلی ذلک أنّ روایة مکحول عن ابن محیریز هی الروایة الوحیدة التی أخرجها مسلم فی (صحیحه) کما أخرجها النسائی فی (سننه) فی: (کیف الأذان)، وفی (سنن النسائی 2 : 4 باب کم الأذان من کلمة) قریباً من ذلک، إذ فیه أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال: الأذان تسع عشرة کلمة، والإقامة سبع عشرة، وهما لا یتّفقان مع وجود التثویب فی الأذان..
2- والذی خُرّج تحت الرقم 503، وفی (المجتبی للنسائی 2 : 3): أخبرنا بشر بن مُعاذ قال: حدّثنی إبراهیم - وهو ابن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة - ، قال: حدّثنی ابن عبد العزیز وجدّی عبد الملک عن أبی محذورة أنّ النبیّ أقعده فألقی علیه الأذان حروفاً، ولیس فیه التثویب.

ص:235

أیضاً.

بقی فی (سنن أبی داود السجستانی) أربع روایات مرویّة عن أبناء وأحفاد أبی محذورة.

فإحداها((1)) رواها نافع بن عمر عن عبد الملک بن أبی محذورة، أخبره عن عبد الله بن محیریز الجمحی عن أبی محذورة أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله علّمه الأذان یقول: اللهُ أکبر، الله أکبر، أشهد أن لا إله إلّا الله، أشهد أن لا إله إلّا الله. ثمّ ذکر مثل أذان ابن جریج عن عبد العزیز بن عبد الملک، ومعناه أن لیس فیه «الصلاة خیر من النوم».

والثانیة((2)) رواها إبراهیم بن إسماعیل بن عبد الملک بن أبی محذورة، قال: سمعت جدّی عبد الملک بن أبی محذورة یذکر أنّه سمع أبا محذورة یقول ... وفیها: وکان یقول فی الفجر: «الصلاة خیر من النوم».

والثالثة عن محمّد بن عبد الملک بن أبی محذورة عن أبیه عن جدّه قال: قلت: یا رسول الله، علّمنی سُنّة الأذان ... وفیها: فإن کان صلاة الصبح قلت: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، اللهُ أکبر، اللهُ أکبر، لا إله إلّا الله.

والرابعة فیها توضیحُ موضوعٍ ما، وهو (أنّه کان فی الأُولی من الصبح)، وقد رواها ابن جریج قال: أخبرنی عطاء بن السائب، أخبرنی أبی وأُم عبد الملک بن أبی


1- والتی خُرّجت تحت الرقم 505.
2- المخرّجة تحت الرقم 504.

ص:236

محذورة عن أبی محذورة، وفیها: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، فی الأولی من الصبح.

علی أنّ أبا محذورة إنّما کان من الطلقاء والمؤلَّفة قلوبهم فی الإسلام بعد فتح مکّة، وبعد أن قفل رسول الله صلی الله علیه و آله من حُنَین منتصراً علی هوازن، لم یکن بشیء أکره إلی أبی محذورة یومئذ من رسول الله صلی الله علیه و آله ولا ممّا یأمر به! وقد مرّ علیک کلام السیّد شرف الدین فیه((1)).


1- فی صفحة 182 من هذا الکتاب.

ص:237

الحصیلة

وعلی هذا یکون عدد الطرق التی رُویت عن أبی محذورة فی الأذان من دون ذکر «الصلاة خیر من النوم» هی الأکثر والأصح، وهی توجد فی المصادر المعتبرة والمهمة مثل: صحیح مسلم، وسنن أبی داود، وسنن الترمذی، والمجتبی للنسائی، وسنن الدارمی، ومسند أحمد، وکتاب الأم للشافعی ومسنده، وغیرها من الکتب المعتبرة. وهی تُثْبت عدم صحّة الأخبار المحکیّة عنه عن رسول الله فی التثویب، ولأجل ذلک شکّ الإمام الشافعی فی حکایة التثویب عنه!

وقد قال الإمام مالک عن روایات التثویب بأنّها ضلال، ولم تذهب الأحناف إلی شرعیتها ولا شرعیة الترجیع فی الأذان، بل قالوا بأنّها تکون بعد الأذان وقبل الإقامة، بحیث اقتصر الأمر فی التثویب علی نقل أحمد بن حنبل، ثم زِید فیه زیادات، فقد قال أبو عیسی الترمذی فی (سننه):

وقد اختلف أهل العلم فی تفسیر التثویب:

قال بعضهم: التثویب أن یقول فی أذان الفجر: الصلاة خیر من النوم، وهو قول ابن المبارک وأحمد.

وقال اسحاق فی التثویب غیر هذا، قال: التثویب المکروه هو شیء أحدثه الناس بعد النبی إذا أذّن المؤذن فاستبطأ القوم قال بین الأذان والإقامة: قد قامت الصلاة، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح((1)).


1- سنن الترمذی 1 : 127 - أبواب الصلاة، باب ما جاء فی التثویب فی الفجر.

ص:238

وهذا الکلام لا یعنی أنّا نرید إنکار النداء بجملة (الصلاة خیر من النوم) قبل الفجر فی الصدر الإسلامی الأوّل أو بعده لتنبیه الغافل ولإیقاظ النائم بتاتاً، ولکنّه فی الوقت نفسه لا یعنی شرعیته فی أذان الفجر قطعاً.

فالأذان للفجر بما یماثله من ألفاظ وجمل شیء، والأذان والنداء لتنبیه الغافل قبل الفجر وخصوصاً فی شهر رمضان شیء آخر.

وکان العینی قد صرح بأنّ الأذان فی اللیل مشروع فی جمیع الأزمان لا فی شهر رمضان خاصّة؛ وذلک فی قوله:

إنّه [غیر] مختص بشهر رمضان، والصوم غیر مخصوص به [أی بشهر رمضان]، فکما أنّ الصائم یحتاج إلی الإیقاظ لأجل السحور کذلک الصائم فی غیره، بل هذا أشد، لأنّ من یحیی لیالی رمضان أکثر ممن یحیی لیالی غیره، فعلی قوله: إذا کان أذان بلال للصلاة، کان ینبغی أن یجوز أداء صلاة الفجر به، بل هم [أی الأحناف] یقولون أیضاً بعدم جوازه، فعلم أنّ أذانه إنّما کان لأجل إیقاظ النائم ولإرجاع القائم.

ومِن أقوی الدلائل علی أنّ أذان بلال لم یکن لأجل الصلاة ما رواه الطحاوی من حدیث حماد بن سلمة عن أیوب عن نافع عن ابن عمر أنّ بلالاً أذّن قبل الفجر فأمره أن یرجع فینادی: ألا إنّ العبد نام فرجع فنادی، ألا إنّ العبد نام ....

فالسؤال هو: إذا کان الأذان ب- «الصلاة خیر من النوم» قد شُرّع لتنبیه الغافل ولم یکن لأجل الصلاة، وأنّ بلالاً کان یؤذّن به فی اللیل، فلماذا لا نراه الیوم فی أذانهم باللیل، بل نسمعه فی أذان الفجر فحسب، وماذا تعنی هذه المفارقة بین

ص:239

المحکی فی الکتب وبین الواقع العملی المعاصر عند المسلمین الیوم، وهل یصحّ ما قالوه فی أذان بلال باللیل؟!

توضیح ذلک

هناک احتمالان یمکن بیانهما فی هذا الإطار:

الاحتمال الأول:

بما أنّ المشهور فی کتب الجمهور أنّ بلالاً کان یؤذن بلیل وأنّ ابن أم مکتوم الأعمی کان یؤذّن للصبح، فیجب حمل الروایة القائلة بأنّ بلالاً الحبشی جاء إلی النبی ورآه نائماً وقوله «الصلاة خیر من النوم» بأنّها کانت فی الأذان الإعلامی الأوّل فی اللیل لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین لا فی أذان الصبح، لأنّ النبی لا یمکن أن ینام عن صلاة الصبح، وأنّ نومه لو افتُرِض فیجب أن یکون فی بعض اللیل ﴿قُمِ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِیلًا﴾ لا أنّه نام حتّی طلع الفجر، وذلک لتفانیه فی ذات الله، والنصوص المؤیّدة لهذا الاحتمال کثیرة:

منها النصّ الذی جاء فی (صحیح البخاری): أنّ رسول الله قال: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا حتّی ینادی ابن أُمّ مکتوم. قال البخاری: وکان رجلاً أعمی لا ینادی حتّی یقال له: أصبحتَ أصبحت((1)).

کما جاء فی (صحیح البخاری) أیضاً عن ابن مسعود عن النبیّ أنّه قال: لا یَمنعنّ أحدَکم - أو: أحداً منکم - أذان بلال من سحوره، فإنّه یؤذّن - أو: ینادی -


1- صحیح البخاری 1 : 160 - باب أذان الأعمی.

ص:240

بلیل لیُرجع قائمَکم، ولینبّه نائمکم((1)).

وفی (سنن النسائی) عن ابن مسعود عن النبی أنّ بلالاً یؤذّن بلیل لیوقظ نائمکم ولیرجع قائمکم، ولیس أن یقول هکذا یعنی فی الصبح((2)).

الاحتمال الثانی:

إنّ من الثابت المشهور عند المسلمین أنّ بلالاً الحبشی کان مؤذن رسول الله فی جمیع الأوقات فی المدینة وفی غزواته وحروبه، فلا یُعقَل أن یُستثنی عن أذان الصبح خاصة، وهو الصاحی والمجاهد فی سبیل الله، وابن أم مکتوم هو الأعمی والمغمور فی الإسلام، إلّا أن نقول بأنّ الأمویین، ولعلل خاصة! قلبوا الاسمَین أحدهما مکان الآخر بحیث التبس الأمر علی العلماء والمحدّثین لاحقاً، فاستنصر أحدهم لهذا القول والآخر لذلک الرأی، وهذا ما جاء فی أخبار أهل البیت.

والأذان قبل الصبح للصبح وفی الساعات الأولی من اللیل هو من مقترحات عمر بن الخطاب، وهذا یتطابق مع تشریعه للصلاة خیر من النوم فی الأذان، لقوله: عجِّلوا الأذان للصبح، یُدلج المدلج ویخرج العائرة((3)). فی حین أنّه لو جاز ذلک النداء فهو قد جاز فی شهر رمضان خاصة وبقدر أن یصعد هذا المؤذن وینزل ذاک لا قبل الصبح بساعات کثیرة من أذان الفجر کما هو المشهود الیوم فی البلدان الإسلامیة وخصوصاً فی الحرمین الشریفین.


1- صحیح البخاری 1: 224/ 596 الأذان قبل الفجر تحقیق الدکتور مصطفی دیب البغا.
2- سنن النسائی 2 : 11 الأذان فی غیر وقت الصلاة.
3- السنن الکبری 1 : 384.

ص:241

نحن فی کتابنا الأول (حی علی خیر العمل) أکّدنا بأنّ الحیعلة الثالثة هذه تعنی فی روایات أهل البیت أنّها بِرّ فاطمة ووُلدها، وأنّ عمر بن الخطاب سعی فی رفعها وحذفها، وهو هنا أراد أن یجعل مکانها: «الصلاة خیر من النوم» تحکیماً للخلافة مقابل الإمامة.

والأمویون ومن تبعهم من الحکومات السنّیة - بإصرارهم علی وضع «الصلاة خیر من النوم» ورفع الحیعلة - قد طبقوا ما أراده الخلفاء قبلهم.

وبذلک فعبارة «الصلاة خیر من النوم» هی بدعة عُمریة وأُمویة فی آن واحد، لاتّباع السلف الخَلَف، ولم تکن تشریعاً نبویّاً قطّ، بل هی من المسائل السیاسیة الحادثة بعد رحیل رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد رُسّخت من قِبل هؤلاء الخلفاء والحکومات الموالیة لهم علی مرّ العصور.

ویؤکّد هذا روایة الزهری((1)) - مندیل الأُمراء حسب وصف عمرو بن عبید إیّاه - فی ذیل روایة رواها عن محمد بن خالد حیث قال: وزاد بلال فی نداء الغداة (الصلاة خیر من النوم) فأقرّها رسول الله ((2)).

أی إنّ هذه الزیادة - حسب ادّعائهم - هی من رأی بلال لکنّ النبیّ أقرّه فی حین سنثبت لک عدم صحّة ما ادّعوه ولو کان فهو شیء آخر أی للتنبیه والإشعار لا فی أذان الفجر.


1- سنن النسائی 2 : 11 الأذان فی غیر وقت الصلاة.
2- سنن ابن ماجة 1: 233 / 707 - کتاب الأذان والسنة فیها. وفی (الزوائد): فی إسناده محمد بن خالد، ضعّفه أحمد وابن معین وأبو زرعة وغیرهم.

ص:242

السیر التاریخی لاختلاف مقولة الصلاة خیر من النوم

کما إنّهم رووا ما یدلّ علی کون نداء «الصلاة خیر من النوم» کان عن رأیٍ حدث فی زمن أبی بکر، فأخذه بلال عن رجل، وأنّ عمر کان یرید رفعه لکنّه نسی!

بلال أخذها من رجل غیر مؤذّن بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله

ففی (کنز العمال) عن ابن جریج: أخبرنی حسن بن مسلم أنّ رجلاً سأل طاووس: متی قیل: الصلاة خیر من النوم؟

قال: أما إنّها لم تُقَل علی عهد رسول الله، ولکنّ بلالاً سمعها فی زمان أبی بکر بعد وفاة رسول الله یقولها رجل غیر مؤذن، فأخذها منه فأذّن بها، فلم یمکث أبوبکر إلّا قلیلاً حتّی إذا کان عمر قال: لو نَهینا بلالاً عن هذا الذی أحدث! وکأنّه نسیه وأذّن بها الناس حتّی الیوم ((1)).

أُنظر کیف یریدون أن یلقوا تبعة تشریع «الصلاة خیر من النوم» علی بلال، مع إیمانهم وإقرارهم أنّها لم تکن فی أذان عبد الله بن زید - الذی أُری الأذان بزعمهم والذی أخذ بلال الأذان منه - ، کما أنّها لم تکن من تشریعات النبی وسُننه الدائمة، بل کلّ ما عندهم هو أنّ النبیّ سمح بأن تقال فی النداء للفجر لا فی أذان الفجر - علی فرض صحّة تلک الروایات عندهم -، وهی تُشیر أیضاً إلی أنّ القوم کانوا جادّین فی إبعاد هذا الأمر عن عمر بن الخطاب والقول بأنّه إحداث سبق عهده، إذ یقول الراوی: «فلم یمکث أبوبکر إلّا قلیلاً حتّی إذا کان عمر قال: لو نَهینا بلالاً


1- کنز العمال 8 : 357 / 23251 و 23252، المصنف لعبد الرزاق 1 : 474 / 1827 و 1828 و 1829.

ص:243

عن هذا الذی أحدث! وکأنّه نسیه وأذّن بها الناس حتّی الیوم».

فمعناه أنّ عمر کان یری بِدعیّةَ التثویب لکنّه نسی أن یُذکّر بلالاً الحبشی به، أو نسی أن یسعی لرفع هذا التثویب فبقی إلی یومنا هذا.

إذن بدعیّة التثویب تعود إلی عمر لا إرادیّاً لأنّه نسی أن یذکّر المسلمین به، ممّا دعاهم إلی الاستمرار بالأذان به إلی یومنا هذا.

عمر لا یرتضی الزیادة فی الأذان

ویُضاف إلی هذا ما جاء فی (مصنف ابن أبی شیبة) عن مجاهد:

لمّا قَدِم عمر مکة أتاه أبو محذورة وقد أذّن، فقال: الصلاة یا أمیر المؤمنین، حی علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح، قال [عمر]: ویحک! أمجنون أنت؟! إن کان فی دعائک الذی دعوتنا ما نأتیک حتّی تأتینا.

ومعناه: أنّ عمر کان لا یرتضی الزیادة فی الأذان، وفی الوقت نفسه لا یمنع من أن یکون هو وراء تشریع وإقرار جملة «الصلاة خیر من النوم» قبل ذلک إرادیّاً أو لا إرادیّاً، فهو لا یرتضی الزیادة علی التثویب فی الصبح، أو تعمیمه علی جمیع الصلوات أو القول بأشیاء أخری تشابهه مع أنّه کان وراء تشریعه فی الصبح خاصّة.

وفی اعتقادی أنّ ما رُوی عن طاووس هو الآخر وُضع لرفع ما اشتهر بین الناس من تبنّی عمر للتثویب، والقول بأنّ ل- «الصلاة خیر من النوم» جذوراً أخری تعود إلی عهد أبی بکر وما دار بین بلال الحبشی ورسول الله، فی حین نحن قد وضّحنا سابقاً وسنؤکّد لاحقاً بأنّ بلالاً لم یؤذن لأبی بکر ولا لعمر، حتی یقال بأنّه أخذ ذلک من رجل غیر مؤذّن وأدخله فی الأذان.

وحتّی أنّ ما نسبوه إلیه من مشاهدته النبی نائماً وقوله «الصلاة خیر من النوم»

ص:244

هو مرتبطٌ بمؤذن عمر بن الخطاب لا بمؤذن رسول الله بلال الحبشی رضوان الله تعالی علیه.

وکلّ ما نُسب إلی بلال ورسول الله هو أحری أن یُنسب إلی عمر وإلی مؤذنه، لأنّ عین الرسول تنام لکنّ قلبه لا ینام، وذلک لتفانیه صلی الله علیه و آله فی ذات الله، فکیف یمکن تصوّر نومه وهو هو! وفی المقابل لا یُستبعَد أن ینام عمر وغیره من الناس ویأتیه المؤذّن لیوقظه للصلاة.

نسبة الأُمور إلی بلال ورسول الله زوراً

بلی، إنّهم یسعون فی أن یعتبروا بعض الأحکام الصادرة عن رسول الله أمراً اجتهادیاً عائداً إلیه، وأنّها لیست أمراً توقیفیاً من قِبل الله، وهذا الاعتقاد هو الذی سمح لهم بالزیادة والنقصان فی فصول الأذان والتغییر فی الشریعة.

ومن هذا القبیل جاءت دعواهم فی کون تشریع الأذان منامیّاً ولیس سماویّاً! فی حین أنّنا نعتقد خلاف ذلک تماماً.

فعقیدتنا هی أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لا یأتی بشیء من عند نفسه، بل کان ینتظر قدوم الوحی علیه لإبلاغه الأحکام جزئیِّها وکلّیها، أی أنّه کان رسولاً نبیاً ولیس مجتهداً متأوّلاً أو عاملاً بالرأی کما یقولون، إذ ﴿مَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَی﴾ ((1)). فدعوی استحسان النبی نداءَ بلال وإقراره لذلک لا یتطابق مع أخذه الأحکام عن الله جل جلاله، أو نومه عن الصلاة، وما شابه ذلک.

والباحث المنصف لو أراد أن یقف علی جذور الأُمور وخلفیّاتها فعلیه الوقوف


1- النجم : 3 - 4.

ص:245

أوّلاً علی تاریخ الحیعلة الثالثة = «حی علی خیر العمل» و«الصلاة خیر من النوم» معاً وموقف بلال منهما، لأنّهما مترابطان ارتباطاً جذریاً وحقیقیاً.

فلو کان تأذین أحدهم ب- «الصلاة خیر من النوم» فلا معنی لتأذینه ب- «حی علی خیر العمل».

وکذا لو ثبت أذانهم ب- «حی علی خیر العمل» فلا تراهم یؤذنون ب- «الصلاة خیر من النوم» .

بل قبل کل ذلک علینا أن نسأل: هل کان بلال قد أذّن للشیخین بعد رسول الله، أم لا؟

وإذا جاء الجواب بالنفی، فلماذا لم یؤذّنْ لهما؟!

وهل یصح ما حکوه عنه من طلبه من أبی بکر الذهاب إلی الشام للمرابطة علی ثغور المسلمین، وقوله: لا أُطیق الأذان بعد رسول الله؟ أم أنّه أُبعد أو ابتعد هو عن الأحداث لعلل سیاسیة دینیة؟

بل ما هو موقفه من أهل بیت الرسالة، بل ما هو موقفهم منه؟

ولماذا یؤذن بطلب من السبطین الحسن والحسین وفاطمة الزهراء علیهم السلام

((1))، ولا یؤذّن لأبی بکر وعمر - وهما حاکما المسلمین آنذاک - وقد عاش فی المدینة المنورة قرابة عام بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ؟


1- تاریخ دمشق 7 : 136 /ت 493، ومختصره 4 : 118، 5 : 265، أُسد الغابة 1 : 208، وانظر: تهذیب الکمال 4 : 289، حیث أبدل «الحسن والحسین» بکلمة «بعض الصحابة». ومن لا یحضره الفقیه 1 : 298 /ح 907.

ص:246

وهل کان خروجه إلی الشام اعتراضاً علی سیاسة النهج الحاکم أم إقصاءً وتبعیداً له من قِبلهم ؟

وهل یصحّ ما حکوه عن أذانه لعمر بالجابیة؟((1)) ولماذا لم یؤذن لهم؟ بل ما الذی کان یریدونه منه فی الأذان؟ هل الصلاة خیر من النوم أم سبباً آخر؟ بل ما یعنی حذف عمر للحیعلة الثالثة؟

وهل إدراج «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان الشرعی، ورفع «حی علی خیر العمل» کان منه أو من رسول الله؟

علّة ترک بلال الأذان للشیخین؟

نحن وضّحنا هذه الأمور فی الفصل الثانی من کتابنا «حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة» مؤکّدین أنّ ترک بلال الأذان للشیخین لم یکن للمرابطة علی الثغور ولا للمشارکة فی الجهاد کما یقولون، بل کان اعتراضاً علی استلابهما الخلافة الشرعیّة.

فهو لم یکن علی وفاق مع نهج الخلافة بعد رسول الله، حیث لم نقف علی اسمه ضمن الذین قاتلوا أصحاب من حُورِبوا بما سَمّوها بحروب الردة!! بعد رسول الله، مع أنّ تلک الحروب طالت - ما بین وفاة النبی وبدء فتوح الشام - ما یقارب عاماً، فلماذا لم یؤذن بلال لأبی بکر مع بقائه فی المدینة، حتّی إذا بدأت الجیوش زحفها إلی الشام خرج بلال - طائعاً أو مکرهاً - إلی الشام وبقی فیها حتّی توفّاه الله.


1- أُنظر: حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة : 285.

ص:247

ونحن کنا فی ذلک الکتاب قد نقلنا نصوصاً عن النووی وابن کثیر والمقریزی وغیرهم تؤکّد ترک بلال للأذان فی عهدهما ممّا أجبرهما علی أن یأتیا بسعد القرظ من قبا إلی المدینة لکی یؤذّن فی المسجد النبوی، فعدم تأذینه لهما یعنی عدم صحّة إلقاء تبعة التثویب علیه بعد یقیننا بأنّ التثویب لم یکن علی عهد رسول الله، کما یعنی عدم صحّة قول الراوی: «فلم یمکث أبوبکر إلّا قلیلاً حتی إذا کان عمر قال: لو نَهَینا بلالاً عن هذا الذی أحدث! وکأنّه نسیه ...».

فالسؤال: لماذا لم یؤذن بلال للخلفاء فی حین أذّن للصدیقة فاطمة الزهراء؟((1))

بل ما هو وجه الترابط بین رفع الحیعلة الثالثة ووضع التثویب مکانها؟

وما هو وجه الترابط بین القول بإمامة أمیر المؤمنین علی والقول بشرعیة الحیعلة الثالثة، وبین رفض إمامته والقول برفع الحیعلة الثالثة؟

ولماذا یصر الخلفاء: أمویون وسلجوقیون وعثمانیون، علی وضع (الصلاة خیر من النوم) ورفع الحیعلة الثالثة، وعلی أیّ شیء یدلّ هذا الاهتمام؟ إنّها مسائل خطیرة تحتاج إلی بحث وتحقیق.

إنّ التأکید علی اسم بلال المؤذن فی التثویب کان لتحکیم موضع الخلفاء فیه والقول بأنّ للتثویب جذوراً منذ عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فی حین قد عرفت أنّ التثویب أمرٌ طارئ علی الشریعة، وأنّ بلالاً کان بعیداً عنه کل البعد، وحتّی ما قالوه من ندائه باللیل هو قول لا ینفعهم، لأنّهم أرادوا تشریعه والنداء به فی صلاة الصبح،


1- أُنظر: من لا یحضره الفقیه 1 : 298 / ح 907.

ص:248

وبلال لم یؤذّن لأبی بکر ولا لعمر حتّی نعلم بمشروعیّته أو عدم مشروعیته، بل إنّ عدم تأذینه فی عهدهما دعا إلی ترک الأذان ب- «حیّ علی خیر العمل» حسب روایات أهل البیت فقد جاء عن أبی بصیر عن أحد الصادقَین((1)) أنّه قال: إنّ بلالاً کان عبداً صالحاً فقال: لا أُؤذّنُ لأحد بعد رسول الله، فتُرِک یومئذ حیَّ علی خیر العمل((2)).

وقد مَرّ علیک کلام النووی بأنّ أبابکر لما وَلیَ الخلافة وترک بلال الأذان له، دعا سعد القرظ من قبا لکی یؤذن فی مسجد رسول الله فی المدینة، فلم یزل یؤذن فیه حتّی مات.

وعلیه، فدعوی کون التثویب هو رأی لبلال الحبشی - سواء أخذه عن رجل فی عهد أبی بکر أو کان رأیاً خاصّاً به ذهب إلیه لمّا رأی رسول الله نائماً - لا أری هذه الدعوی صحیحةً وإن دلّت علیه بعض الأخبار عندهم، فقد یکون ذلک الرأی الوارد فی کتبهم یعود إلی أبی بکر وعمر ومن نَصّبوه للتأذین بعد بلال الحبشی کسعد القرظ أو غیره ...

وقد یکون راجعاً إلی حکومة الأمویین والحکومات التی تلتها.

نعم، إنّ سعداً وأمثاله کانوا یأتون ب- (الصلاة خیر من النوم) فی بعض الأحیان ویترکونها فی أحیان أخری حتی یتطبع المسلمون علیها.

أی إنّ هذا الأمر أخذ یتشکل شیئاً فشیئاً بعد رسول الله یُراد به أن یصبح شرعیاً ودینیاً فی العصور اللاحقة، ولأجل هذا تری اختلاف النصوص عنهم: فتارةً فیه


1- أی الإمام محمد الباقر أو الإمام جعفر الصادق علیهما السلام .
2- من لا یحضره الفقیه 1 : 184 / ح 782 باب الأذان والإقامة.

ص:249

الترجیع والتثویب، وأخری لیس فیهما ذلک.

أو قُلْ: إنّ جملة «الصلاة خیر من النوم» تارةً کان یؤتی بها فی أذان اللیل، وأخری فی الأذان الشرعی عند الفجر، وثالثةً فیهما معاً، ورابعةً بعد الأذان قبل الإقامة، وخامسةً بإضافة المؤذّن: حیَّ علی الصلاة، حیَّ علی الفلاح - مرتین مرتین، وسادسةً بالسلام علی الأمراء ... وهکذا، حتّی قال إمام الحرمین:

إنّ التثویب یُشرَّع فی کلّ أذان للصبح سواء ما قبل الفجر وبعده.

وقال صاحب (التهذیب): إن ثُوِّب فی الأذان الأول لم یُثوَّب فی الثانی فی أصح القولین((1)).

وفی (المجموع) أیضاً: قال أصحابنا: السنّة أن یؤذّن مرّتان: أحدهما للفجر، وأخری عُقَیب طلوعه، لقوله صلی الله علیه و آله : إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا حتّی یؤذّن ابن أُم مکتوم. إلی أن قال:

وجاز أن یکون بعض الکلمات قبل الفجر وبعضها بعده إذا لم یَطُل بینهما فصل((2)).

وقال النووی أیضاً فی (روضة الطالبین):

ثمّ إطلاق الغزالی وغیره أنّ التثویب یشمل الأذان الذی قبل الفجر والذی بعده، وصرح فی (التهذیب) بأنّه إذا ثُوّب فی الأذان الأول لا یُثَوَّب فی الثانی علی الأصح. ثمّ إنّ التثویب لیس بشرط، هکذا


1- المجموع 3 : 92.
2- المجموع 3 : 89.

ص:250

صرّح به الأصحاب، وقال إمام الحرمین فی اشتراطه احتمال، وهو بالخلاف أَولی من الترجیع((1)).

عمر ومؤذّنه هما وراء تشریع التثویب

بلی أخذت الأحداث تسری فی الأذان شیئاً فشیئاً، وأخذت أشکاله وأنماطه تتغیر من شکل إلی آخر((2))، والکلّ یُرجع تلک الصور والإحداثات إلی بلال ثم إلی تقریر رسول الله لها! قال العظیم آبادی فی ضمن کلامه حول تربیع التکبیر فی أول الأذان أو تثنیته:

وکان أمر الأذان یُنقَل من حال إلی حال وتدخله الزیادة والنقصان، ولیس أمورُ کلّ الشرع ینقلها رجل واحد، ولا کان وقع بیان کلّها ضربة واحدة ...((3)).

ویؤکّد مُدّعانا أنّ أغلب الذین رووا التثویب هم من أبناء سعد القرظ وأبی محذورة وعمومة عبد الله بن زید بن عبد ربّه، وکلّ هؤلاء کانوا من الذین نَصّبهم الخلفاء للأذان ولم یکونوا بشیء.

قال ابن جریج: أخبرنی عمرو بن حفص أنّ سعداً (المؤذّن) أوّل من قال: «الصلاة خیر من النوم» فی خلافة عمر، فقال عمر: بدعة! ثمّ


1- روضة الطالبین 1 : 310.
2- الفصل الرابع یرتبط ببیان السَّیر الفقهی والتاریخی لاختلاق هذه المقولة، وکیف تعاملت المذاهب الأربعة معها بین الأمس والیوم، نأمل أن نوفّق فی الکتابة عنه.
3- عون المعبود 2 : 133.

ص:251

ترکه، وإنّ بلالاً لم یؤذّن لعمر((1)).

فهذا النَّصّ کسابقه یرید أن یلقی تبعة التثویب علی آخَرین مثل بلال وسعد القرظ، معتبرین عمر بن الخطاب من المخالفین له ومن الذین یَرَونه بدعة.

وإنّک تری فی النَّصّ الأول أنّ عمر نسی أن یذکّر بلالاً مما دعا الناسَ أن یؤذنوا بالتثویب حتّی الیوم. وفی هذا النص أیضاً: أنّ سعد القرظ هو أوّل من قال «الصلاة خیر من النوم» فی خلافة عمر، وأنّ عمر کان یراها بدعة ثم ترک القائل بها ناسیاً أو عامداً!

وقد یکون کلام الراوی هنا صحیحاً بعض الشیء، وأنّ عمر فی أوائل خلافته کان یراها - کغیره من المسلمین - بدعةً فی الفجر؛ وذلک لادّعائه أنّ الرسول أمر بلالاً أن یجعلها فی أذانه للفجر لا فی أذان الفجر، وأنّه رآها بعد ذلک تُقال فی أذان الفجر وأراد رفعها لکنّه نسی، وأخیراً نراه ما مات حتّی ذهب إلی ما ذهب إلیه غیره، فاقرأ ما جاء فی (موطّأ) مالک:

حَدَّثنی عن مالک: أنّه بلغه أنّ المؤذن جاء إلی عمر بن الخطاب یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خیر من النوم، فأمره عمر أن یجعلها فی نداء الصبح((2)).

بلی، إنّ المؤذن قد یکون سعد القرظ((3)) لأنّه أول من قال «الصلاة خیر من


1- المصنّف لعبد الرزاق 1 : 474 / 1828.
2- موطأ مالک : 68 - باب ما جاء فی النداء للصلاة.
3- مؤذن الشیخین فی قبا ثمّ فی المسجد النبوی.

ص:252

النوم» فی عهد عمر((1)) حسبما جاء فی بعض الأخبار.

وعلیه فأغلب علماء الجمهور یشهدون بتبنّی عمر للتثویب، ولم ینفرد به مالک حسبما قاله بعض مُدّعی العلم فی کتابه، فاقرأ ما جاء فی (المجموع) وفی غیره:

وممن قال بالتثویب: عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصری وابن سیرین والزهری والثوری وأحمد وإسحاق وأبوثور، ولم یقل أبو حنیفة علی هذا الوجه((2)).

إذن التثویب هو مذهب عمر بن الخطّاب وابنه عبد الله وأنس دون غیرهم، فلو کان التثویب ثابتاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله وممّا یقول به غیر هؤلاء من کبار الصحابة، أمثال: ابن مسعود وأبی سعید الخدری وعلی بن أبی طالب وأُبیّ بن کعب فلا معنی لاختصاص النووی بعضَ الصحابة بالذکر دون البعض الآخر، أو لإتیانه بأسماء فلانٍ وفلانٍ من الصحابة وأسماء فلانٍ وفلانٍ من التابعین دون غیرهم، فإنّ الإتیان بأسماء هؤلاء یؤکّد أنّ التثویب هو موقوف علیهم دون غیرهم.

کما یؤکّد أنّ التثویب لیس بسنّةٍ نبویة، فلو کان سنة نبویة لما ترکها البعض الآخر من الصحابة ولما أجازوا السماح بترکها.

فإنّ ترکه لم یأتِ إلّا لعدم اعتقادهم بمشروعیّته، أو لخوفهم من الوقوع فی البدعة.

نعم سری التطرّف - بعد موقف عمر فی التثویب فی الصبح - إلی بعض صحابة


1- کنز العمال 8 : 357.
2- المجموع 3 : 94.

ص:253

رسول الله وأنصار الخلیفة فأخذوا یزیدون أنواعاً من التثویب، ویعممونه إلی الظهر والعصر والعشاء خلافاً لما أراده أبوبکر وعمر فی الصبح خاصّة، فأخذوا ینادون ب- «الصلاة خیر من النوم» أو ما شابه ذلک فی الصلوات الأخری، ممّا دعا بعض الصحابة إلی الوقوف أمامهم مثل عبد الله بن عمر.

فقد أخرج أبو داود السجستانی فی «سننه» بسنده عن مجاهد قال: کنت مع ابن عمر فثوّب رجل فی الظهر أو العصر، قال: أُخرجْ بنا فإنّ هذه بدعة((1)).

وفی (مصنّف عبد الرزاق) عن مجاهد قال: کنت مع ابن عمر فسمع رجلاً یثوّب فی المسجد، فقال: اخرجْ بنا من [عند] هذا المبتدع((2)).

السّلام علی الأُمراء تطوّر آخر فی التثویب

ثمّ سری الإحداث والابتداع مع شیء من الزیادة یفوق ما سبقه فی الأزمان السابقة، کالسلام علی الخلفاء والأُمراء، ممّا أساء بعضَهم. وکان هذا قد بدأت أوّلیاته فی زمان عمر بن الخطّاب، فقد قال الفاکهی فی «أخبار مکة» - بعد نقله اعتراض عمر علی أبی محذورة لمّا سلّم علیه بعد الأذان وقوله له: ویحک! أمجنون أنت؟! - :

وأمّا أذان الصبح فلیس هو ببلد إلّا بمکة یُؤذَّن به إذا بقی من اللیل ثلثه، وهو الذی کان العمل علیه بمکة ویتناولون قول النبی لیلاً: ألا


1- سنن أبی داود 1 : 148 / 138.
2- المصنف لعبد الرزاق 1 : 475 / 1832، کنز العمال 8 : 357 / 23250.

ص:254

إنّ بلالاً ینادی بلیل، فکلوا واشربوا حتّی ینادی ابن أم مکتوم. فکان علی الأذان الأول وحده حتّی کان عبد الله بن محمّد بن داود (أمیر مکة 239 - 241) فأخذهم فیه بالأذان الآخر عند طلوع الفجر، فثبت إلی الیوم بمکة ورأوه موافقاً للناس، فهم علیه إلی الآن، إلّا أنّهم لا یؤذّنون الأذان الأول فی شهر رمضان مخافة أن یمتنع الجاهل من السحور ویظنّ أنّه الأذان الآخر الذی یُؤذَّن مع الفجر((1)).

وفی (تاریخ دمشق) عن یزید بن هارون أنا حریز بن عثمان قال: رأیتُ مؤذّنی عمر بن عبد العزیز یسلّمون علیه فی الصلاة: السّلام علیک یا أمیر المؤمنین ورحمة الله، حیّ علی الصلاة، حیّ علی الفلاح، الصلاة قد قاربت((2)).

وفی (تنویر الحوالک): سُئل مالک عن تسلیم المؤذن علی الإمام ودعائه إیاه للصلاة، ومَن أول من سُلِّم علیه، فقال: لم یبلغنی أنّ التسلیم کان فی الزمن الأول((3)).

قال الباجی: أی لم یکن فی زمن النبی وأبی بکر وعمر وعثمان وعلی رضی الله عنهم وإنّما کان المؤذّن یؤذن، فإن کان الإمام فی شغل جاء المؤذن فأعلمه باجتماع الناس للصلاة دون تکلّفٍ ولا استعجال.


1- أخبار مکة للفاکهی 2 : 145 / ح 1327.
2- تاریخ دمشق 12: 13.
3- تنویر الحوالک : 91 باب ما جاء فی النداء ، وانظر: القبس فی شرح موطأ ابن أنس 1 : 186، وموطأ مالک : 71.

ص:255

فأما ما یُتکلَّف الیوم من وقوف المؤذن بباب الأمیر والسلام علیه والدعاء للصلاة بعد ذلک فإنّه من المباهاة والتکبر، والصلاة تُنزَّه عن ذلک. وقد قال القاضی أبو اسحاق فی (مبسوطه) عن عبد الملک ابن الماجشون: إنّ کیفیة السلام: السلام علیک أیّها الأمیر ورحمة الله وبرکاته، الصلاة یرحمک الله.

وقد قال الشیخ أبو إسحاق: رُویَ أن عمر أنکر علی أبی محذورة دعاءه إیاه إلی الصلاة، وأوّل من فعله معاویة بن أبی سفیان، انتهی.

وقال ابن عبد البرّ: أول من فعل ذلک معاویة، أمر المؤذّن أن یُشعره ویُنادیَه فیقول: السلام علی أمیر المؤمنین، الصلاةَ یرحمک الله، وقیل: المغیرة بن شعبة أول من فعل ذلک، قال: والأول أصح((1)).

وفی «الخطط» للمقریزی: قال الواقدی وغیره: کان بلال یقف علی باب رسول الله فیقول: السلام علیک یا رسول الله، الصلاة یا رسول الله.

فلمّا وَلیَ أبوبکر کان سعد القرظ یقف علی بابه فیقول: السلام علیک یا خلیفة رسول الله، الصلاة یا خلیفه رسول الله.

فلما ولیَ عمر ولُقّب بأمیر المؤمنین کان المؤذّن یقف علی بابه ویقول: السلام علیک یا أمیر المؤمنین، ثمّ إنّ عمر أمر المؤذن فزاد فیها: رحمک الله.

ویقال: إنّ عثمان زادها، وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلّموا علی الخلفاء وأمراء الأعمال ثم یقیمون الصلاة بعد السلام، فیخرج الخلیفة أو الأمیر فیصلی بالناس


1- الاستذکار 1: 394 ، شرح الزرقانی 1 : 148.

ص:256

هکذا کان العمل مدة أیام بنی أمیة، ثم مدة أیام بنی العباس، حتی ترک الخلفاء الصلاة بالناس فتُرک ذلک. انتهی.

وفی «الأوائل» للعسکری من طریق الواقدی عن ابن أبی ذئب، قال: قلت للزهری: مَن أوّل من سُلّم علیه، فقیل: السلام علیک یا أمیر المؤمنین ورحمة الله وبرکاته، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، الصلاة یرحمک الله؟

فقال: معاویة بالشام، ومروان بن الحکم بالمدینة.

وقریب من هذا تراه فی (مواهب الجلیل) ((1)).

کما روی ابن سعد فی (طبقاته) عن محمد بن سعد القرظ قال: کنا نؤذّن علی [عهد] عمر بن عبد العزیز فی داره للصلاة فنقول: السلام علیک أیها الأمیر ورحمة الله وبرکاته، حی علی الصلاة، حی علی الفلاح، وفی الناس الفقهاء فلا یُنکِرون ذلک((2)).

وبعد هذا کلّه تعرف عدم صحّة ما فی (المواعظ والاعتبار = خطط المقریزی)، ممّا نقله عن الواقدی وغیره:

کان بلال یقف علی باب رسول الله بعد الأذان ویقول: السلام علیک یا رسول الله، إلی آخر کلامه.

وقال الدسوقی فی «حاشیته» عن الصلاة والسلام علی النبیّ فی الأذان:

إنّ «أول حدوثها زمن الناصر صلاح الدین یوسف بن أیوب سنة إحدی


1- مواهب الجلیل 2: 83.
2- شرح الزرقانی 1 : 148.

ص:257

وثمانین وسبعمائة فی ربیع الأول، وکانت أولاً تُزاد بعد أذان العشاء لیلة الاثنین ولیلة الجمعة فقط، ثمّ بعد عشر سنین زِیدت عقب کل أذان إلا المغرب.

کما إنّ ما یفعل لیلاً من الاستغفار والتسابیح والتوسلات هو بدعة حسنة، کذا ذکر بعضهم، والذی ذکره العلامة الشیخ أحمد البشیشی فی رسالته المسماة ب- (التحفة السَّنیّة فی أجوبة الأسئلة المرضیة): هو أنّ أوّل ما زیدت الصلاة والسلام علی النبی بعد کل أذان علی المنارة زمن السلطان المنصور حاجی بن الأشرف شعبان بن حسین بن الناصر محمد بن المنصور قلادوون ذلک فی شعبان سنة إحدی وتسعین وسبعمائة، وکان قد حدث قبل ذلک فی أیام السلطان یوسف صلاح الدین بن أیوب أن یقال قبل أذان الفجر فی کل لیلة بمصر والشام (السلام علی رسول الله). واستمرّ ذلک إلی سنة سبع وسبعین وسبعمائة، فزیدت فیه بأمر المحتسب صلاح الدین البرنسی أن یقال: الصلاة والسلام علیک یا رسول الله، ثم جُعل ذلک عقب کلّ أذان سنة إحدی وسبعین وسبعمائة»((1)).

وفی کتاب (الدّر المختار): فائدة: التسلیم بعد الأذان حدث فی ربیع الآخر سنة سبعمائة وإحدی وثمانین فی عشاء لیلة الاثنین، ثم یوم الجمعة ثم بعد عشر سنین حدث فی الکل إلّا المغرب، ثمّ فیها مرتین، وهو بدعة حسنة!

وقد کان المصنّف قد قال قبلها بأسطر:

ویُثوَّب بین الأذان والإقامة فی الکل للکل بما تعارفوه إلا فی المغرب، وعلّق ابن


1- حاشیة الدسوقی 1 : 193.

ص:258

عابدین فی (ردّ المحتار) ((1)) (علی قوله سنة 781) کذا فی (النهر) عن (حُسن المحاضرة) للسیوطی، ثم نقل عن (القول البدیع) للسخاوی أنّه فی سنة 791 وأنّ ابتداءه کان فی أیام السلطان الناصر صلاح الدین بأمره.

(قوله: ثم فیها مرتین) أی فی المغرب کما صرح به فی (الخزائن)، لکن لم ینقله فی (النهر) ولم أره فی غیره، وکأنّ ذلک کان موجوداً فی زمن الشارح، أو المراد به ما یُفعَل قبل أذان الظهر یوم الجمعة، ولم أر مَن ذکره أیضاً.

(قوله: وهو بدعة حسنة) قال فی (النهر) عن (القول البدیع): والصواب من الأقوال أنّها بدعة حسنة، وحکی بعض المالکیة الخلاف أیضاً فی تسبیح المؤذنین فی الثلث الأخیر من اللیل، وأنّ بعضهم منع من ذلک وفیه نظر، انتهی ملخّصاً.

فائدة أخری:

ذکر السیوطی أنّ أول من أحدث أذان اثنین معاً بنو أمیة، قال الرملی فی (حاشیة البحر): ولم أر نصاً صریحاً فی جماعة الأذان المسمی فی دیارنا بأذان الجوق، هل هو بدعة حسنة أو سیئة! وذکره الشافعیة بین یدی الخطیب واختلفوا فی استحبابه وکراهته.

وأمّا الأذان الأول فقد صرّح فی «النهایة» بأنّه المتوارَث، حیث قال فی شرح قوله: «وإذا أذّن المؤذنون الأذان الأول [فی یوم الجمعة] ترک الناس البیع» ذکر المؤذنین بلفظ الجمع إخراجاً للکلام مخرج العادة، فإنّ المتوارث فیه اجتماعهم لتبلیغ أصواتهم إلی أطراف المصر الجامع، انتهی.


1- ردّ المحتار 1: 261.

ص:259

ففیه دلیل علی أنّه غیر مکروه، لأنّ المتوارث لا یکون مکروهاً((1)).

وبذلک تکون قد عرفت أنّ ما حکاه الإمام مالک عن عمر لم یکن من متفرداته، بل النصوص التی نقلها الرواة هی التی سبقته، وکذلک الأحداث المتتالیة التی جاءت بعده من قبل الخلفاء والأمراء العباسیین والسلجوقیین وغیرهم هی التی وثقت صدوره عن عمر، وأنّ تلک النصوص هی التی یعتمد علیها الشیعة وغیرهم للطعن فی شرعیة التثویب.

بل إنّ إجماع الفرق الشیعیة الثلاث: زیدیة، وإسماعیلیة، وإمامیة اثنی عشریة، علی رفع عمر للحیعلة الثالثة ووضعه مکانها: الصلاة خیر من النوم فی الأذان، ممّا یؤکّد وجود ترابط عقدی بین رفع الحیعلة ووضع التثویب عند عمر بن الخطاب وأنصاره.

کما أنّ فکرة التثویب أخذت تتطور شیئاً فشیئاً وأنّ کلّ شیء أخذ یتغیّر بعدما تصدّی الخلفاء للخلافة تارکین عترة الرسول (أحد الثقلین)، وقد صحّ ما تنبأ به الإمام علی علیه السلام فی الخطبة الشِّقْشِقیة من اقتحام الأُمّة الإسلامیة المهالک لاتخاذهم الرأیَ وابتعادهم عن النَّصّ الشرعی، فقال علیه السلام : فَمُنِیَ الناسُ - لَعَمْرُ اللهِ - بِخَبْطٍ وشِماس، وتَلَوُّنٍ واعتراض ... ((2)) .

بلی، إنّ الذی یرید اتّهام الشیعة فی التقوّل علی عمر علیه أوّلاً اتهام الإمام مالک ابن أنس قبل ذلک، متسائلین هذا المتَّهِم هل إنّ الإمام مالکاً کان ثقة عنده أم لا؟


1- ردّ المحتار لابن عابدین الحنفی .
2- نهج البلاغة / الخطبة 3، وانظر: منع تدوین الحدیث لنا : 288.

ص:260

فإن قال: لیس بثقة، فنقول له: کیف تجیزون التعبد بمذهب شخص غیر ثقة؟

وإن قال: إنّه ثقة وإمام مشهور یؤخذ بقوله لکن البلاغ فی کتابه لا یدلّ علی شیء.

فنقول له: لماذا لا یدلّ علی شیء؟ هل فی ما نقله ما ینافی العقل والفطرة والدین، أم إنّ فی المنقول ما لا یوافق سیرة الخلیفة فی الأحکام وفی غیره؟ مع إقرارهم وقولهم بأنّ عمر بن الخطّاب کان مجتهداً، وأنّ الصحابی له أن یجتهد، والمجتهد إن أصاب له أجران وإن أخطأ فله أجر واحد((1))، وعمر علی ضوء هذا التخریج یکون قد اجتهد فی هذه المفردة إن لم نقل قد ابتدع وشرّع حکماً قِبال سنّة رسول الله صلی الله علیه و آله ، لأنّه رأیناه قد اجتهد أمام النص کما فی قضیة المؤلّفة قلوبهم وغیرها فلا یستبعد أن یجتهد فی الأذان مصلحةً کذلک!!

فالإمام مالک بحکایته ذلک البلاغ لم یقصد تشویه سمعة عمر أو الانتقاص من منزلته عند المسلمین، بل جاء بها لیُبیّن حقیقةً تاریخیة عرفها ممّن سبقه من الرواة کما عرفها آخرون من فقهاء المذاهب کالشافعی.

إذن، فالنَّصّ یوضح وجود من یتهم عمر بن الخطّاب - من قبل فقهائهم - بوضع التثویب فی الأذان قبل علماء الشیعة ومحدّثیهم أمثال الکوفی وابن شاذان و...

بعد هذا فلا یجوز کمُّ الأفواه بدعوی أنّ الشیعة ترید الحط من قدر الصحابة والقدح فیهم، لاسیما القدح فی عمر بن الخطاب الفاروق!! فاتح فارس!!! حسب


1- صحیح البخاری 1 : 160 - باب أذان الأعمی.

ص:261

عبارات المتهجم.

کما عرفتَ الفرق بین شرعیة التثویب عند الجمهور ومحبوبیة الشهادة الثالثة عند الشیعة الإمامیة.

فالجمهور ینسبون التثویب وما یلیه من بدع وإحداثات إلی رسول الله - حاشاه - وإلی بلال الحبشی مباشرة کلّ ذلک زوراً وبهتاناً، بخلاف الشیعة الذین یأتون بالشهادة الثالثة معترفین بعدم کونها جزءاً علی عهد رسول الله وفی عهد علی بن أبی طالب وأنّ عدم إتیان الأئمّة من ولده، یؤکّد عدم جزئیة الشهادة الثالثة لا عدم محبوبیّتها أو بدعیّتها، لأنّ النبیّ والإمام لا یترکان أمراً واجباً، وعلیه فالشیعة حینما یأتون بها یأتون بها من باب المحبوبیة ورجاء المطلوبیة لا غیر.

إذن، فبلاغ مالک عن عمر، وما نقلناه قبل قلیل عن أذان سعد القرظ بالتثویب، وعدم تأذین بلال للشیخین، کلّ هذه الأُمور تؤّکد عدم شرعیة التثویب علی عهد رسول الله، وأنّه لو أُتی به علی عهد أبی بکر وعمر فقد أُتی به عن رأی شخصی لرجل علی عهدهما، وهو لیس بنصّ شرعی، ویؤکّده ما اشتهر عن الإمام الشافعی من شکّه فی ما حکوه عن أبی محذورة عن رسول الله صلی الله علیه و آله .

فلو کان التثویب معروفاً ومحفوظاً ومتسالماً علیه لما اختلف المسلمون فیه، ثمّ إنّ الأذان به فی مکة والمدینة وسماع الصحابة بذلک النداء لا یعنی جزئیته، فأهل مکّة والمدینة قد تغاضوا عن أُمورٍ کثیرة وفعلوا أُموراً أُخری لم تکن فی الشریعة، والتثویب کغیره من فصول الأذان قد وقع الاختلاف فیه بین المسلمین، والاختلاف یعنی عدم تسالمهم علیه.

ص:262

والباحث یعلم أنّ الشافعیة تذهب إلی تربیع التکبیر بخلاف المالکیة القائلة بتثنیته.

وهکذا الأمر فی مفردات خلافیة أذانیة کثیرة لا نُرید إعادتها أو جمع مفرداتها فکتب الفقه تتکفّل هذه المهمّة، ونحن کُنّا قد ناقشنا فی کتابنا (حی علی خیر العمل) ما قاله ابن حزم عن الأذان فی مکّة والمدینة وأنّه منقول نقل الکافّة موضّحین ملابسات هذا الأمر.

إذن (الصلاة خیر من النوم) لم تصبح سنة جاریة علی عهد الخلفاء الثلاثة وإن کانت أوّلیاتها قد رُسِمت فی عهد الشیخین، وکان أنصار الخلیفة یسعون فی جعلها سُنّةً مُتّبَعة، لکن لم یکن یؤذَّن بها دائماً، فتارةً کان یؤذّن بها قبل الفجر وأخری بعده قبل الإقامة، ولهذا أجازوا ترکها وترک الترجیع وقالوا عنها: «سنّة لو ترکه صحّ الأذان وفاته الفضیلة»((1)).

وجاء عن الإمام مالک جواز ترکها إن کان لوحده، ومعناه أنّها لم تکن جاریة ولا معمولاً بها علی عهد أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب، فلو أُذِّن بها فی عهده أو مِن بعده مِن قِبل وُلده وشیعته - فی بعض الأحیان - فکان یراد منها الإعلام وتنبیه النائمین فقط، لا علی أنها سنة رسول الله یجب الاتیان بها، أو یؤجر الآتی بها.

وعلیه فإنّ أئمة أهل البیت لا یمانعون الإتیان بها إعلاماً وتنبیهاً - بشرط أن لا تکون علی نحو الجزئیة - .


1- المجموع 3 : 92.

ص:263

فلو کان التثویب قد شُرّع فصلاً ورکناً فی الأذان علی عهد الشیخین لوقف الإمام أمیر المؤمنین علی أمامه، ولذکره ضمن إحداثات مَن سبقه من الخلفاء، لکنّهم کانوا یأتون بها بقصد الإعلام والتنبیه لا بجمل خاصّة لا علی نحو الأذان الشرعی، وهذا ما کان یفعله أهل البیت وبعض الصحابة أیضاً وهو جائز شرعاً.

فالتثویب إذاً لم یکن سنة للشیخین یُتَعبَّد بها فی عهدهما، ولم یُدافَع عنها کالتراویح والنهی عن المتعتین وأمثالها من الأمور التی عدّت ضمن سیرتهما وسنّتهما، بل بقیت مشکوکة یمکن مخالفتها، وکانت کاجتهادات بدائیة یمکن أن تصیر سنة فی العصور اللاحقة، وقد لا یحالفها الحظّ فی ذلک.

فلو کانت تلک الجملة عندهم قد صارت سنّة لردّها الإمام بفهم الصحابة علی عدم سنّیتها علی عهد رسول الله، - خصوصاً عند خلافته الظاهریة فی الکوفة - وذلک لقرب عهدهم بالنبیّ صلی الله علیه و آله ولسعیه علیه السلام رفع البدع التی سبقت عهده.

وعلیه فإنّ سکوت الإمام عن التثویب یؤکّد بأنّ ما أراده الشیخان لم یَلقَ القبول عند الصحابة آنذاک، إذ لم تکن سیرة مستمرّة للناس علی عهدهما، فتارة کانوا یأتون بها وأُخری یترکونها، فالتثویب لم یکن شائعاً بینهم بل هو أمر مشکوک خصوصاً مع عدم تأذین بلال لهما.

فالإمام علیه السلام کان یهلّل حینما یسمع أذان ابن التیاح ب(حیّ علی خیر العمل) فیقول: مرحباً بالذی قال عدلاً، وبالصلاة مرحباً وسهلاً((1)). لکنّا لم نقف علی نصٍّ


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 / ح 890.

ص:264

له فی التثویب المخالف للحیعلة فقهیّاً وسیاسیّاً.

نعم، إنّ الحکومتین الأمویة والمروانیّة قد تبنت مسألة التثویب فی العصور التالیة مستفیدة مما کان یریده الشیخان، مع علم کثیر من الصحابة والتابعین أنّ ذلک لیس بسنّةٍ لرسول الله صلی الله علیه و آله .

جاء فی (المصنف) لابن أبی شیبة عن ابی اسامة عن ابن عون عن محمد [ابن سیرین] قال: لیس من السنة أن یقول فی صلاة الفجر: الصلاة خیر من النوم((1)).

وهذا النَّصّ - علی لسان ابن سیرین - صریح بأنّ التثویب فی الصبح لیس بسنّة، بل قد ینفع الاستدلال بهذا النَّصّ فی إثبات کونه بدعةً أیضاً، هذا أولاً.

وثانیاً: إنّ النَّصّ الآنف یُثْبت عدم صحة روایات التثویب المنسوبة إلی النبی عند ابن سیرین.

وثالثاً: مذهب ابن سیرین فی التثویب یخدش اجماع الجمهور فی کونه سُنّة، لأنّه من کبار الفقهاء التابعین من أهل السنّة وخلاف مثله یقدح فی الاتفاق قطعاً.

ورابعاً: یظهر من النَّصّ أنّ ظاهرة التثویب لم تکن منتشرة فی عهد التابعین، ودلیل ذلک أنّ ابن سیرین لم یکن یعلم بالتثویب علی ما یبدو، أو لم یثبت عنده، کما أنّه لم تثبت عند الإمام الشافعی وغیره من بعده شرعیةُ ذلک حسبما حکیناه.

وإنّ حکایة أبی حنیفة کلامَ حماد عن إبراهیم النخعی فی شرعیة الکلام فی


1- مصنف ابن ابی شیبة 1 : 236.

ص:265

الأذان وعدمه یشیر إلی أنّ الناس کانوا یریدون أن یقولوا بشرعیة «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان من خلاله، فجاء فی (الآثار) للشیبانی:

قال محمد: أخبرنا أبو حنیفة قال: حدثنا حماد عن إبراهیم أنّه قال فی المؤذن: یتکلّم فی أذانه؟ قال: لا آمره ولا أنهاه.

قال محمّد: وأما نحن فنری أن لا یفعل، وإن فَعَل لم ینقض ذلک أذانَه، وهو قول أبی حنیفة رضی الله عنه ((1)).

وعلیه، فصار هناک اتجاهان فی التثویب:

أحدهما: اتجاه النهج الحاکم، وقد تبنّاه بنو أمیة وأتباعهم.

والآخر: اتّجاه الطالبیین وبنی هاشم وکثیر من الصحابة، وهم الذین کانوا لا یرتضون التثویب، ویجهرون ب- «حیّ علی خیر العمل». وهذا ما نراه فی موقف صاحب فخ الحسین بن علی ((2))، والذی اتخذه شعاراً لثورته.

بلی، قد جری الحال علی هذا المنوال فی العهد العباسی من النزاع والتخاصم بین مدرسة أهل البیت والجمهور فی التثویب والحیعلة الثالثة، بل تطوّر الأمر من کونه خلافاً فقهیاً بین الصحابة إلی کونه میزاناً سیاسیاً توزن به الأطراف، فکانت الحیعلة الثالثة والتثویب هما المعیار فی الموازنة، وکلّ واحدة من الدول الشیعیة والسنیة المتعاقبة علی البلدان الإسلامیة کانت تُعرَف بهذا أو ذاک، وکان هذا یعتمد الحیعلة والآخر یعتمد التثویب.


1- الآثار 1 : 100، وأخرجه أبو یوسف فی آثاره : 19.
2- أُنظر: مقاتل الطالبیین : 443 - 447، وانظر کتابنا (حی علی خیر العمل).

ص:266

إذن، نَهجُ الخلفاء الثلاثة فی عهدهم ومَن بعدهم دورَ الحکومتین الأمویة والعباسیة کان وراء ترسیخ قضیة التثویب حدیثیّاً وفقهیّاً، واعتباره أصلاً شرعیاً یجب الأخذ به.

إذ عرفت سابقاً أنّ عمر بن الخطاب أمر مؤذنه أن یجعلها فی أذانه، ثم نُسب ذلک إلی رسول الله بأنّه صلی الله علیه و آله قال لبلال: «اجعلها فی أذانک».

فهم ینسبون هذه المقولة إلی رسول الله کی یجعلوها شرعیة، فی حین لو کان التثویب ثابتاً فی أذان بلال لکان فی الأذان الأول الذی یُنادی به فی اللیل، وهو غیر الزامی ولا شرعی حسب أصولهم وروایاتهم، بل هو إعلامی تنبیهی فقط، ومعناه یمکن أن یُنادی به ویمکن أن لا ینادی به، بخلاف الأذان والإقامة الشرعیَّین واللّذَینِ لا یُشرّعان لغیر الصلوات الخمس((1)).

ومن المعلوم أنّ النداء بلیل لیس بأحد تلک الأقسام الخمسة علی وجه الیقین، إلّا أن نقول بأنّهم یعنون بکونه سنّة أنّه من سنّة الخلفاء، وهو ما عنوه فی صلاة التراویح، قال الکاسانی فی (بدائع الصنائع):

التراویح سنة إلّا أنّها لیست بسنة رسول الله، لأنّ سنة رسول الله ما واظب علیه ........... ((2))

وعلیه، فالخلفاء الثلاثة وأبناء الطلقاء کانوا وراء تثبیت التثویب فی أذان الصبح


1- المجموع 3 : 77.
2- بدائع الصنائع 1: 288.

ص:267

نزولاً عند رغبة عمر بن الخطاب، ولقوله لمؤذنه: «اجعلها فی أذانک» ولعلل رجوها فی أنفسهم، فعمموا ما أراده عمر بن الخطّاب إلی الأمصار حتّی صار شعاراً سیاسیاً یمیّز به مَن یوالی عمر بن الخطّاب ممّن یبغضه، والتاریخ الصحیح یؤیّد ما نقوله. والتثویب والحیعلة الثالثة صارتا فی الأزمنة المتأخرة إحدی السمات التی یُعرف بها العُمَری من العلوی، کما أصبحتا إحدی مقومات الصراع علی الهویة بین النهجین.

وبهذا فقد ثبت لک عدم کون التثویب سنةَ رسول الله، کما ثبت لک أیضاً أنّ نسبتها إلی الخلفاء الثلاثة وخصوصاً إلی عمر بن الخطاب لیست بفریة أو اتّهامٍ من قِبل الشیعة، بل هی حقیقة اعترف بها کثیر من علماء الجمهور، أمثال: الإمام مالک، والإمام الشافعی، وابن رشد وغیرهم، فلا یمکن تضعیفها بعدم وجودها فی کتب فقهاء الشیعة، إذ ما یعنی وجودها فی کتب قدماء وفقهاء الشیعة أو عدم وجودها؟

بل ما یعنی التصریح باسم القائل بها فی کتبهم أو عدم ذکر اسمه، فذکر الأسماء وعدمها لیس له مدخلیة فی تثبیت الابتداع وعدمه، وإن کان له أثر إلی حدٍّ ما فی إثباته تاریخیاً.

فمنهج الفقهاء هو الاشارة إلی المسألة بما فیها من الأدلة والإشارة إلی أصل البدعة والإحداث دون ذکر الأسماء، فإذا صرّح علماء الشیعة باسم المبدع قالوا: إنّه اتّهم فلاناً، أو افتری علی فلان، وإن تغافل عن ذکر اسمه وترکه لأمثال الإمام مالک لکی یصرّح باسمه قالوا: لماذا لم یذکره قدماء الشیعة؟!

فنحن لا نری تنافیاً بین أن تکون بدعة التثویب هی بدعة عمریة أو بکریة، وفی الوقت نفسه أن تکون بدعة أمویة أیضاً، وذلک لتبنی اللاحق سیرة من سبقه من

ص:268

الخلفاء .

ولیس فی خبر زید النرسی عن أبی الحسن الکاظم((1)) ما ینفی بدعیتها عن عمر ابن الخطّاب، بل الخبر عن الإمام الکاظم أنّها بدعة أمویة یؤکّد بأنّ الأمویین کانوا وراء ترسیخها وبثّها ، فهی عمریة المنشأ وأمویة التثبیت والبقاء بامتیاز.

وعلیه فالتثویب لیس من الأذان فی شیء، ولا بأس للرجل - إذا أراد أن ینبّه الناس للصلاة - أن ینادی بها لکنّه یجب أن لا یجعلها فی أصل الأذان، لأنّها لیست فیه حسب تعبیر الإمام.

وقد روی عن الصادق علیه السلام جواز تکرار کلمات الأذان لجمع الناس - لا علی نحو الجزئیة - فقال: لو أنّ مؤذناً عاد فی الشهادة أو فی: حیّ علی الصلاة، أو: حیّ علی الفلاح مرتین أو الثلاث أو أکثر من ذلک إذا کان إماماً یرید القوم لیجمعهم لم


1- روی النرسی عن أبی الحسن علیه السلام قوله: الصلاة خیر من النوم بدعة بنی أُمیّة، ولیس ذلک من أصل الأذان ولا بأس إذا أراد الرجل أن ینبّه الناس للصلاة أن ینادی بذلک ولا یجعله من أصل الأذان، فإنّا لا نراه أذاناً (أصل زید النرسی: 54، کما فی مستدرک الوسائل 4: 44 باب عدم جواز التثویب فی الأذان والإقامة وهو قول الصلاة خیر من النوم). وفیه أیضاً: عن أبی الحسن موسی علیه السلام أنّه سمع الأذان قبل طلوع الفجر، فقال (شیطان) ثمّ سمعه عند طلوع الفجر، فقال: الأذان حقّاً (أصل زید النرسی: 54، وعنه فی مستدرک الوسائل 4: 45). وفیه: عن أبی الحسن علیه السلام قال: سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر، فقال: لا، إنّما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما یطلع. قلت: فإن کان یرید أن یؤذّن الناس بالصلاة وینبّههم قال: فلا یؤذّن ولکن فلیقل وینادی بالصلاة خیر من النوم الصلاة خیر من النوم یقولها مراراً.

ص:269

یکن به بأس ((1)).

فعلی الأستاذ البصیر - بعد کلّ هذا - إن کان بصیراً أن یفی بما قاله:

ونحن - وأیمُ الحق - نحترم الدلیل، ونستضیء بنور البرهان، ونُجلّ الأحادیث النبویة، ونحتجّ بها فی إثبات آرائنا کافة، وقد ثبت عندنا أنّ هذه العبارة لم تکن علی زمن رسول الله وأنّ عمر قد أضافها إلی الأذان، لذا قلنا بذلک وصرّحنا به من دون خوف أو وجل، کما قلنا بأنّ عثمان هو من أضاف الأذان الثالث یوم الجمعة.

فعلاء الدین البصیر کان قد اعترف قبل صفحات من کلامه هذا بأنّ التثویب لم یکن فی صدر الإسلام وبَدْء الأذان، وهو ما قد شُرّع لاحقاً، ثم قال بعد ذلک معلقاً علی کلام محقق (بحار الأنوار):

أقول: إنّ المحقق أراد بهذا الهامش أن یدلّس علی القارئ ویوهمه بأنّ هذه الأحادیث خالیة من عبارة «الصلاة خیر من النوم»، وذلک من خلال إشارته إلی الأحادیث التی ذکر فیها فصول الأذان عند بدء تشریع الأذان، وهذا صحیح فهی خالیة من عبارة «الصلاة خیر من النوم» لأنّ تشریع عبارة «الصلاة خیر من النوم» جاءت متأخرة حالها حال کثیر من الأحکام التی شُرِّعت فی الإسلام خلال مدة 23 سنة.

ونحن نسأله: متی شُرّعت تلک إذن؟ وفی أی سَنة؟ فإنّه بکلامه هذا قد اعترف


1- تذکرة الفقهاء 1 : 5.

ص:270

بعدم تشریعها علی عهد رسول الله - أوّل دخوله صلی الله علیه و آله المدینة- وأنّ هذه الجملة لم تکن فی روایات فصول الأذان عند بدء تشریعه، کما أنّه یعلم بأنّ التثویب لم یرد فی روایات الأذان التی حکاها زید بن عبد الله بن عبد ربه، فمتی شُرّعت إذن؟!

فإن أراد القول بأنّها شُرّعت فی أخریات حیاته المبارکة صلی الله علیه و آله وما جاء عن أبی محذورة وأنّ رسول الله صلی الله علیه و آله علّمه الأذان بعد منصرفه من حنین فی سنة 8 للهجرة. فالشافعی قد شکّک فی حکایته عن رسول الله، وإن أُرید الاستدلال بالخبر المفتعل علی لسان بلال: «اجعلها فی أذانک»، فهو الآخر قد فنّدناه وقد یکون أراد شیئاً ثالثاً ورابعاً لا نعرفه؟

بلی، لیس علیه إلّا أن یقول بتشریعه بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، بل فی أیام أبی بکر وعمر بالتحدید ومِن قِبلِهما، وأنّها سنّة الشیخین ولیست بسنّة رسول الله، فلو ثبت ذلک فلا یمکن أن یُعدّ ذلک تشریعاً إسلامیاً، بل یکون ذاک رأیاً واستحساناً ارتضاه الناس بأهوائهم ثمّ تسالموا علیه.

کما عرفت أنّ الإمام مالکاً قال عن هذه الجملة ب- «أنّها ضلال»، ومالک هو فقیه أهل المدینة، ونسبة کتاب «الموطأ» إلیه لا خلاف فیها، و«الموطأ» فی الرتبة الثالثة بعد صحیحَی مسلم والبخاری علی ما هو الأصح((1)).

والبلاغ الموجود فیه یؤکّد أنّ عمر بن الخطاب کان وراء التثویب لا رسول الله، وما قالوه بأنّ بلاغات مالک هی بحکم المرسَل، لا یصح، إذ إنّ غالب الفقهاء


1- الرسالة المستطرفة : 13.

ص:271

یأخذون بمراسیل مالک.

قال السیوطی: ما فی کتاب مالک من المراسیل، فإنّها مع کونها حُجّةً عنده وعند من وافقه من الأئمة من الاحتجاج بالمرسَل، هی أیضاً حجة عندنا؛ لأنّ المرسل عندنا حجة إذا اعتضد، وما من مرسل فی (الموطّأ) إلّا وله عاضد أو عواضد، فالصحیح اطلاق انّ الموطأ صحیح لا یستثنی منه بشیء، اُنظر حاشیته علی (الموطأ).

وقال الشیخ صالح الفلانی فی بعض طرره علی ألفیة السیوطی فی المصطلح بعد نقله کلاماً لابن حجر ما نصه:

قلت: وفیما قاله الحافظ من الفَرْق بین بلاغات (الموطأ) ومعلقات البخاری نظر، فلو أمعن النظر فی الموطأ کما أمعن النظر فی البخاری لعلم انّه لا فرق بینهما، وما ذکره من انّ مالکاً سمعها کذلک غیر مسلَّم، لأنّه یذکر بلاغاً فی روایة یحیی مثلاً أو مرسلاً فیرویه غیره عن مالک موصولاً سنداً، وما ذکر من کون مراسیل الموطأ حجة عند مالک ومَن تبعه دون غیرهم مردود بأنّها حجة عند الشافعی وأهل الحدیث لاعتضادها کلّها بمسند کما ذکره ابن عبد البر والسیوطی وغیرهما، وما ذکره العراقی أنّ من بلاغاته ما لا یُعرَف مردود بأنّ ابن عبد البر ذکر أنّ جمیع بلاغاته ومراسیله ومنقطعاته کلّها موصولة بطرق صحاح إلّا أربعة، وقد وصل ابن الصلاح الأربعة بتألیف مستقل، وهو عندی وعلیه خطه، فظهر بهذا انّه لا فرق بین الموطأ والبخاری، وصح أنّ

ص:272

مالکاً أول من صنف فی الصحیح کما ذکره ابن العربی وغیرهم فافهم((1)).

وقال الکتانی فی (الرسالة المستطرفة) عن البخاری و(موطّأ) مالک:

... وأول من صنّف فی الصحیح المجرد علی ما قاله غیر واحد الإمام أبو عبد الله البخاری، وکانت الکتب قبله مجموعة ممزوجاً فیها الصحیح وغیره، ولا یرد علی هذا (موطأ) مالک، فإنّها قبل البخاری وهی مخصوصة بالصحیح أیضاً، لأنّ مالکاً أدخل فیها المرسل والمنقطع والبلاغات، ولیست من الصحیح علی رأی جماعة خصوصاً المتأخرین.

ولا یقال بأنّ صحیح الإمام البخاری کذلک أیضاً، لأنا نقول ما فی الموطأ هو کذلک مسموع لمالک غالباً، وهو حجة عنده وعند من یقلده، وما فی البخاری حذف اسناده عمداً اما لقصد التخفیف إن کان ذکره فی موضع آخر((2)) وأمّا لقصد التنویع ...

هذا مضافاً إلی أنّ بلاغات مالک قد وصلها ابن عبد البر فی التمهید وأحمد بن الصدّیق فی کتابه الذی عمله فی ذلک.

*

* *

إذن الخبر مروی فی کتابٍ حدیثی لأحد أئمة المذاهب الأربعة، وهو صریح فی أنّ التثویب لم یکن علی عهد رسول الله، بل إنّ عمر بن الخطاب هو الذی أمر مؤذّنه


1- الرسالة المستطرفة : 5 - 6.
2- الرسالة المستطرفة : 4 - 5.

ص:273

بأن یضعه فی الأذان.

کما اعترف ابن رشد المالکی (520 - 595 ه-) بهذه الحقیقة، وأنّ بعض الناس کانوا یعتقدون بأنّه لم یکن یقال فی زمن رسول الله، وإنّما قیل فی عهد عمر بن الخطاب، إذ قال فی (بدایة المجتهد):

واختلفوا فی قول المؤذن فی صلاة الصبح (الصلاة خیر من النوم)، هل تقال فیها أم لا؟

فذهب الجمهور إلی أنّه یقال ذلک فیها، وقال آخرون: إنّه لا یقال لأنّها لیست من الأذان المسنون، وبه قال الشافعی، وسبب اختلافهم: هل قیل فی زمان النبی أو إنّما قیل فی زمان عمر؟((1))

فلماذا لا یقول ابن رشد: إنّما قیل (فی زمن أبی بکر)، أو (فی زمن معاویة)، أو فی زمن غیرهم، بل خصّه بزمن عمر!! ألا یعنی کلامه بأنّه کان لعمر دور فی التثویب وأنّه وأنصاره کانوا وراءَ ذلک؟!

وهو مما یمکن أن نفهمه من کلام الإمام الشافعی أیضاً، وتشکیکه فیما حکوه عن أبی محذورة عن رسول الله صلی الله علیه و آله فی التثویب.

ومثله ما حکوه عن أبی حنیفة والشیبانی وغیرهما من علماء و فقهاء الحنفیة، وأنّهم کانوا یعتقدون بأنّ التثویب بدعة حادثة.

وصرّح بذلک وحید الزمان - وهو من علماء الهند - فی کتابه (أنوار اللغة)


1- بدایة المجتهد

ص:274

بقوله: ... فأمَرَه عمر أن یجعله فی نداء الصبح((1)).

وقال عالم آخر من علماء الهند المتأخّرین، وهو عبد الکریم الثمر، فی مقالته فی أوّلیات عمر ما ترجَمتُه: أضاف عمر بن الخطّاب «الصلاة خیر من النوم» فی أذان الفجر فی خلافته((2)).

هذا من جهة.

وهناک روایات فی مسند أحمد بن حنبل وغیره من المجامیع الحدیثیة تشیر إلی عدم شرعیة التثویب، لکن أحمد وغیره من المحدّثین وتلامیذ الشافعی وأبی حنیفة - مع ضعف تلک الأخبار عندهم - کانوا یأخذون بها عملاً، لأنّ الاتّجاه العام کان یصبّ فی دعمه.

إذن، فکتاب (الموطأ) لمالک لیس بکتاب مجهول أو مهمل عندهم حتی یمکن تناسیه أو ترکه، وخبر جعل عمر للصلاة خیر من النوم لم یؤخذ من کتب التاریخ حتّی یشکّکوا فی حجّیته، بل أُخذ اعتماداً علی کتب الحدیث ونقل الفقهاء.

و(موطّأ) مالک هو أحد الکتب الستة عند جماعة من علماء الجمهور، وعلیه مدار الفقه عند المالکیة، ووجود قول عمر لمؤذّنه فیه کافٍ للدلالة علی محبوبیته عند مالک، مع عدم إنکارنا لمحبوبیّة التثویب عند اتباع المذاهب الأربعة أیضاً لثبوته عن عمر.


1- أنوار اللغة 1 : 37 - طبع أحمدی لاهور.
2- انظر مجلة چتان الشهریة الپاکستانیة فی عددها الصادر فی 18نومبر 1963، ومجلة المنتظر النصف شهریة الپاکستانیة الصادرة فی لاهور فی 5 اپریل 1963 /العدد 3 صفحة 16.

ص:275

هذا مع الإشارة إلی أنّ کتاب «الموطأ» هو أقدم من (کتاب من لا یحضره الفقیه) و(الهدایة) للشیخ الصدوق (306 - 381 ه-)، و(المقنعة) و(الإعلام بما اتفق علیه الأعلام) للشیخ المفید (336 - 413 ه-)، و(الانتصار) و(المسائل المیافارقیات) للسید المرتضی (355 - 436 ه-)، و(التهذیب) و(المبسوط) للشیخ الطوسی (385 - 460 ه-)، و(المنتهی) و(التذکرة) للعلامة الحلی (726 ه-)، وأن وجود هذا الخبر فیه، وتشکیک ابن رشد المالکی (ت 595 ه-) فی کون التثویب سنّة لرسول الله یعنی أقدمیة وجود هذا الاتهام لعمر عندهم قبل أن یکون صادراً عنّا معاشر الإمامیة.

وکلامی لا یعنی عدم وجوده فی کتبنا، فأوّل من أشار من أعلامنا إلی کون التثویب بدعة عمریة هو أبو القاسم علی بن أحمد الکوفی (ت 352 ه-) إذ قال فی (الاستغاثة):

أثبت عمر فی الأذان «الصلاة خیر من النوم» مرتین ولم یکن هذا علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ((1)).

کما أشار الفضل بن شاذان (ت 260 ه-) فی «الإیضاح» إلی الاختلاف الفقهی عند القوم، وکان من جملته التثویب بقوله:

وأعجب منکم مَن یقول فی اذان الفجر والعشاء بین الأذان والإقامة بعد «حیّ علی الفلاح»: «الصلاة خیر من النوم»، ومنکم من لا یقول ذلک، ولا یُنکر بعضکم علی


1- الاستغاثة 1 : 26.

ص:276

بعض!((1))

وقد مرّ علیک کلام القاضی النعمان بن محمّد بن حیون المغربی (ت 363 ه-) فی الإیضاح عن التثویب ((2)).

وأیضاً کلام الشوکانی سابقاً عن (البحر الزخار):

وذهبت العترة والشافعی فی أحد قولَیه إلی أنّ التثویب أحدثه عمر، فقال ابنه أی (عبد الله بن عمر): هذه بدعة!

وعن الإمام علی حین سمع التثویب قال: لا تزیدوا فی الأذان ما لیس منه!

ثمّ ذهب الشوکانی إلی کونه أمراً ثابتاً عن النبی، وأنّ ابن عمر والإمام علیّاً لم ینکراه مطلقاً إلّا فی صلاة الظهر، ونحن ناقشنا کلام الشوکانی فی کتابنا (حی علی خیر العمل)، فراجع.

نعم، لقد تطور الابتداع فی الأذان، وأخذ یزداد علی وجوهٍ مختلفة، واضعین أحادیث علی لسان الرسول فی تأیید کلّ واحد من هذه الأمور.

فقد روی عن أبی حنیفة کما فی (جامع المسانید) عنه عن حماد عن إبراهیم قال: سألته عن التثویب؟

فقال: هو ممّا أحدثه الناس، وهو حسن ممّا أحدثوه!

وذکر أنّ تثویبهم کان حین یفرغ المؤذّن من أذانه: إنَّ الصلاة خیر من


1- الإیضاح لابن شاذان : 203.
2- تقدم فی الصفحة 82 83.

ص:277

النوم - مرتین -. قال: أخرجه الإمام محمّد بن الحسن (الشیبانی) فی (الآثار) فرواه عن أبی حنیفة، ثمّ قال محمّد: وهو قول أبی حنیفة رضی الله عنه وبه نأخذ((1)).

ونقل ابن قدامة عن اسحاق أنّه قال بعد أن نقل روایة أبی محذورة:

هذا شیء أحدثه الناس، وقال أبو عیسی: هذا التثویب الذی کرهه أهل العلم، وهو الذی خرج منه ابن عمر من المسجد لمّا سمعه((2)).

ألم یکن مالک، والشافعی، وأبو حنیفة، وابن رشد، وابن جریج، وطاووس، وعبد الرزاق بن همام، وغیرهم، من جهابذة العلماء ونقدة الحدیث! فما یعنی تشکیک هؤلاء أو عدم تصحیحهم بعضَ وجوه التثویب، بل تصریح بعضهم بأنّ عمر بن الخطاب کان وراء إحداثه، وأنّه لم یکن علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله .

ولکی أوضّح الأمر أکثر أنقل تعلیق الخطابی علی حدیث ابن عمر، وکیف أراد أن یستفید من خطأ بلال فی الأذان - علی فرض صحّة الخبر - للقول بأنّ رسول الله فی أخریات حیاته سحب عنه مهمّة الأذان للصبح وأعطاها لابن أُم مکتوم الأعمی، فقال:

إنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر، فأمره النبی أن یرجع فینادی: ألا إنّ العبد قد نام، ألا انّ العبد قد نام... فإنّ الثابت عن بلال أنّه کان فی أواخر أیام رسول الله یؤذن بلیل ثم یؤذن بعده ابن أم مکتوم مع


1- جامع المسانید 1 : 296.
2- المغنی 1 : 419 - 420.

ص:278

الفجر((1)).

ومثله تری احتدام الصراع بین التابعین وتابعی التابعین فی هذه المسألة، لأنّ الناس لا یمکنهم أن یقبلوا کلّ شیء یقال لهم، فلهم أن یعترضوا علی بعض الأقوال، فلو تأمّلت فی الحوار الذی دار بین شعیب بن حرب ومالک بن أنس لوقفت علی مصداقیة کلامنا، إذ أخرج البیهقی بسنده:

أخبرنا أبو الحسین بن بشران العدل ببغداد، ثنا أبو عمرو بن السمّاک، ثنا اسحاق، حدثنی أبو عبد الله - یعنی أحمد بن حنبل -، ثنا شعیب بن حرب قال: قلت لمالک بن أنس: ألیس قد أمر النبی بلالاً أن یعید الأذان؟ فقال: قال رسول الله: إنّ بلالاً یؤذن بلیل، فکلوا واشربوا.

قلت: ألیس قد أمره أن یعید الأذان؟

قال: لا، لم یزل الأذان عنده بلیل((2)).

ومعنی هذا النَّصّ أنّ شعیباً کان یرید أن ینقد الروایة المشهورة «انّ بلالاً یؤذّن بلیل»، لأنّه لو کان أذانه بللیل فلا داعی لقول رسول الله «ارجع إلی مقامک وناد: ألا إنّ العبد قد نام».

فمالکٌ عاد وکرّر الحدیث المختلَف فی صحّته وجعله دلیلاً علی مدّعاه، فأجابه شعیب بأنّ أمر رسول الله بالاعادة یؤکّد تعلّقه بأمرٍ شرعی ومهم کالأذان قبل الوقت فی الفجر.


1- عون المعبود 2 : 177 - عن الخطّابی.
2- انظر السنن الصغیر للبیهقی 1 : 121 / 207 208.

ص:279

فمالک بن أنس یستدلّ بالسیرة فی کلامه، وشعیب بأمر رسول الله صلی الله علیه و آله .

ثمّ إنّ تشکیک مالک والشافعی فی شرعیة التثویب علی عهد رسول الله لا یعنی عدم قبولهم أیضاً بالنداء ب- «الصلاة خیر من النوم» فی اللیل، فهم یذهبون إلی شرعیته قبل الفجر لا فی الفجر:

قال مالک: لم یزل الصبح ینادی بها قبل الفجر، فأمّا غیرها من الصلوات فإنا لم نَرَها ینادی بها إلا بعد أن یحلّ وقتها....

وقال الشافعی: لا یؤذَّن لصلاة غیر الصبح إلّا بعد وقتها، لأنّی لم أعلم أحداً حکی عن رسول الله أنّه أذن الصلاة قبل وقت غیر الفجر، ولم نر المؤذنین عندنا یؤذنون إلا بعد دخول وقتها إلا الفجر((1)).

وعلیه، فعدم ذکر المفید والصدوق والسیّد المرتضی وغیرهم من علماء الإمامیة اسم الخلفاء الثلاثة فی مبدعی التثویب لا یعنی عدم قبولهم بأنّ الخلفاء الثلاثة کانوا وراء بدعة التثویب، لأنّهم بتأکیدهم علی عدم کونه شرعیّاً علی عهد رسول الله یعنی بدعیّته فی عهد الشیخین، وأنّ تأکیدهم علی رفع عمر للحیعلة الثالثة ووضعه ل- «الصلاة خیر من النوم» فی کتب أُخری هو دلیل کافٍ لإیصال المقصود.

فهؤلاء الأعلام حینما یشیرون فی کتبهم الفقهیة والکلامیة إلی البدع لا یریدون أن یستقصوها جمیعاً، بل یشیرون إلی نماذج منها، لأنّ الاستقراء والإحصاء هما من مهامّ الباحثین الجدد الذین یبحثون عنها عند هذا وذاک.


1- السنن الکبری للبیهقی 1 : 385.

ص:280

فمهمّة المحدّثین هو نقل الأحادیث، ومهمّة الفقهاء هو ذکر کلیات البدع، تارکین الأمر للباحثین لکی ینتزعوا مصادیق هذه الأُمور من الکتب.

ونحن انطلاقاً من هذه القاعدة قد أثبتنا فی کتابنا «وضوء النبی صلی الله علیه و آله » بدعة عثمان للوضوء الغسلی.

فکلامی لا یعنی أنّی أتیت بشیء لا یرتضونه أو أنّ أدلتی غیر موجودة فی کتب علمائنا فقهاً وحدیثاً وتاریخاً.

فهم ذکروا النصوص الصریحة والبدع المشتهرة بین القوم، لا المنتزعة فکریاً أو المستنبطة عقلیاً والموجودة وثائقیّاً.

وبهذا فالفقهاء القدامی حینما تعرضوا لمسألة التثویب أشاروا إلیها علی أنّها مسألة فقهیة خلافیة بین الفریقین دون الإشارة إلی من أحدثها وأبدعها، أی إنّهم بحثوها من الوجهة الفقهیة الاستدلالیة لا التاریخیة والکلامیة.

وعلیه فلا یمکن إنکار کون عمر من الذین شرعوا التثویب بعد رسول الله بهکذا دعاوی فارغة، وهذه حقیقة لا یمکنهم إنکارها، خصوصاً لو دُعِمت هذه الحقیقة بإجماع الفرق الشیعیة الثلاث فی اتهام عمر بأنّه کان وراء رفع الحیعلة الثالثة ووضع: «الصلاة خیر من النوم» مکانها، إذ الشیعة جزء من المسلمین وأنّ التاریخ یرسم بهم وبغیرهم، فعلینا النظر إلی هذه المسألة من الزاویتین معاً.

أما ما سأله علاء الدین البصیر عن الفوائد التی جناها عمر بن الخطاب من اضافة هذه الجملة فی الأذان، وکذا سؤاله عن الفائدة التی جناها الصحابة وعلماء أهل السنة فی اتباع عمر، فهی فی نظرنا کثیرة، أهمّها إثبات خلافة أبی بکر وعمر

ص:281

حسبما وضّحناه وسنکمله فی الجانب الکلامی من هذه الدراسة.

وإنّا کنّا قد أشرنا وسنشیر لاحقاً إلی أبعاد وأسباب اختصاص أذانَین ومؤذّنَین فی أذان الفجر خاصّة، فهو یُرشدنا إلی وجود ارتباط مّا بأمر عقدی، ألا وهو ارتباطه بصلاة أبی بکر مکان رسول الله.

فاتضح إذن بأنّ الأذان الأول باللیل یُمیَّز عن الأذان الثانی للإیذان بدخول الوقت بطریقتین:

أحدهما: بالصوت، وذلک من خلال اختلاف صوت بلال عن صوت ابن أم مکتوم.

والثانی: بزیادة جملة فی النداء بلیل - لا فی الصبح - یتناسب مع المقصود - وهو نوم الناس - وهو ما أقره رسول الله فی أذان بلال حسب زعمهم.

کما ثبت لک بأنّ التثویب لم یرد فیما روی عن عبد الله بن زید بن عبد ربه الذی اُرِی الأذان، ولا فی المشرَّع فی السماء حسبما جاء فی مسند البزّار عن الإمام علی علیه السلام ، بل الذی نقف علیه هو وجود هذه الزیادة فی ذیل بعض الروایات المحکیة عن بلال وأنّ الزهری قال: وزاد بلال فی نداء الغداة الصلاة خیر من النوم فأقرها رسول الله.

وجاء مثله أیضاً فی روایة أحمد عن الزهری عن سعید بن المسیب بعد أن ذکر رؤیا عبد الله بن زید وقولَه: فلمّا أصبحتُ أتیت رسول الله ... قال: سعید بن المسیب: فأُدخلتْ هذه الکلمة فی التأذین إلی صلاة الفجر ((1)).


1- مسند أحمد 4 : 42.

ص:282

فالزهری فی روایة ابن ماجة، وسعید بن المسیب فی روایة أحمد، قالا:

إنّ بلالاً قالها ورسول الله أقرها فی أذانه، وهی صریحة بأنّها لم تکن فی رؤیا عبد الله بن زید بن عبد ربه وقد حدثت لاحقاً، ومن هنا التبس الأمر علی بعض الکتاب هل أنّه تشریع أم تنبیه فقط؟

والأکثر علی أنّ التثویب زیادة من الصحابة لا من رسول الله.

وعلیه فالروایات الأذانیة الخالیة من التثویب هی الأکثر والأقوی عند المسلمین، فلا یمکن الرکون إلی (التثویب) لأنّه أمر مشکوک فیه بینهم، خصوصاً إذا دار الأمر بین سنّیّته وبدعیّته، فیجب ترک الأخذ بکونه سنّة خوفاً من الوقوع فی البدعة.

لأنّ السنّة إذا تُرکت لیس فیه عقاب، بخلاف البدعة إذِ الإتیان بها یوجب العقاب، وعلیه فالاحتیاط فی الدین یدعو المکلَّف إلی ترک المشکوک، فکیف لو کان هناک قرائن وشواهد، بل هنالک أدلة تدلّ علی بدعیته؟!

وهنا نختم کلامنا الفقهی الحدیثی بکلام فقهائنا.

کلام بعض فقهاء الشیعة فی التثویب

فقد قال السید المرتضی فی (الانتصار)((1)) و(الناصریات)((2)) والنص عن الأوّل:


1- الانتصار : 128.
2- الناصریات 44 : 183، وانظر: ریاض المسائل 2 : 340. قال الشیخ فی (النهایة) وعنه أخذ العلّامة فی (المختلف) وفی (السرائر 1 : 212) بعدم جواز التثویب فی الأذان، وذلک بعد نقلهم کلام السید المرتضی فی (الانتصار) و(الناصریات).

ص:283

لو کان مشروعاً [أی التثویب] لوجب أن یقوم دلیل شرعی علی ذلک، ولا دلیل علیه! وإنّما یرجعون إلی أخبار آحاد ضعیفة، ولو کانت قویة لما أوجبت إلّا الظن. وقد دللنا فی غیر موضع علی أنّ اخبار الآحاد لا توجب العمل کما لا توجب العلم، وأیضاً فلا خلاف فی أنّ مَن ترک التثویب لا ذم علیه، لأنّه إمّا أن یکون [التثویب] مسنوناً علی مذهب بعض الفقهاء، أو غیر مسنون علی مذهب قوم آخرین، وعلی کلا التقدیرین لا ذمَّ علی ترکه، وما لا ذم فی ترکه ویُخشی فعلُه أن یکون معصیةً وبدعة فالأحوط فی الشرع ترکه.

وقال العلامة فی (المختلف): لا خلاف عندنا فی أنّ التثویب والترجیع زیادةٌ غیر مشروعة، فیکون بدعةً وکلُّ بدعة حرام، إذ الحکم باستحباب ما لم یثبت استحبابه باطل((1)).

وقال الشهید الثانی فی (روض الجنان): والتثویب بدعة وهو قول «الصلاة خیر من النوم» ... إلی أن یقول:

وإنّما کان بدعة لأنّ الأذان کیفیة متلقاة عن الشارع ولا مدخل للعقل فیها، فالزیادة فیها تشریع فتکون محرمة. وما یوجد فی بعض الأخبار من أنّ التثویب من السنّة فهو مع شذوذه محمول علی التقیة، وذهب جماعة من الأصحاب إلی کراهته، وإنما یتجه مع اعتقاد أنّه کلام خارج عن الأذان لا مع اعتقاد توظیفه ومشروعیته هذا کلام مع عدم التقیة، أمّا معها فلا حرج فی قوله، لا فی اعتقاده. وذهب الشیخ


1- المختلف 2 : 121.

ص:284

فی (النهایة) وتبعه ابن ادریس إلی أنّ التثویب تکرار الشهادتین دفعتین وَحَرَّماه، وهو مناسب للتثویب الذی هو الرجوع إلی الشیء بعد الخروج منه((1)).

وقال المیرزا القمی فی (الغنائم): یحرم التثویب - بمعنی: الصلاة خیر من النوم - فی الأذان مع اعتقاد الجزئیة، لکونه من بدع عمر، والظاهر أنّه لا نزاع فیه واتفاق بین الفرقة، کما أنّه لا خلاف فی جوازه مع التقیة، أما بدونها فالأظهر الحرمة أیضاً ((2)).

وقال الخوانساری فی (جامع المدارک): فإذا کان بعنوان الجزئیة یکون تشریعاً محرَّماً، وإن کان بقصد التنبیه فمقتضی الأصل جوازه. وقد ذُکر فی بعض الأخبار نفی البأس مع إرادة تنبیه الناس مع عدم جعله من أصل الأذان((3)).


1- روض الجنان : 246.
2- غنائم الأیام 2 : 419.
3- جامع المدارک 1 : 319 ، وانظر کلام الهمدانی فی (مصباح الفقیه 2 : 226)، جواهر الکلام 9 : 111 - 114 أیضاً.

ص:285

القسم الثانی: أذانان، مؤذّنان، إمامان لصلاةٍ واحدة
اشارة

ص:286

ص:287

منذ سنوات ومسألة تراود فکری ولم أهتدِ إلی توجیهٍ مقنع لها، وهی:

کیف یکون فی الشریعة أذانان لفریضة واحدة، أحدهما قبل الوقت والآخر بعد الوقت؟!

بل کیف یُسَنّ الأذان لغیر الفریضة؟!

بل ماذا یعنی وجود إمامین لصلاة واحدة؟! وغیر ذلک.

هذه الأسئلة وغیرها معها أخذت حیّزاً کبیراً من تفکیری، بحیث دعتنی إلی البحث والتنقیب فیها.

فقد طرحوا هذه المسائل فی کتب الفقه والعقیدة بکلّ هدوء، کأنْ لم یکن فیها شیء یثیر الانتباه له والاهتمام به، بل کأنّه هو شیء مسلَّم، فقالوا معلّلین ذلک بأنّ الأذان الأوّل هو قبل الفجر وقد شُرّع لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین، والأذان الثانی هو لصلاة الفجر، مع علمنا وعلم جمیع المسلمین بعدم جواز الأذان لغیر الفریضة، فماذا یعنی أذانهم باللیل؟

أجل، إنّهم لمّا قالوا بمسنونیة وجود أذانین فی الشریعة، قالوا بعد ذلک بلزوم وجود مؤذّنین لهما لکی یُمیَّز أحدهما عن الآخر، فقالوا بأنّ بلال الحبشی الصاحی

ص:288

البصیر کان یؤذّن باللیل، وابن أُمّ مکتوم الأعمی یؤذّن بالصبح.

کیف یمکن تصوّر هذا؟ إنّها إشکالیّة یجب توضیحها.

وأخیراً قالوا بوجود إمامین لصلاة واحدة فی الیوم الأخیر من حیاة رسول الله، أعنی صباح الإثنین: أحدهما رسول الله، والآخر أبوبکر بن أبی قحافة، وأنّ أبابکر صلّی بصلاة رسول الله والناس صلّوا بصلاة أبی بکر!

فنتساءل: کیف یمکن تصوّر هذه الثنائیة فی إمامة أمر عبادی کالصلاة؟ وماذا یعنی طرح هکذا أُمور مقرونة مع مرض رسول الله وعند احتضاره علی وجه الخصوص؟

بل متی وُجِد هذان الأذانان، هل شُرّعا أو أُقرّا علی عهد رسول الله، أم حَدَثا من بعده؟ وإذا قُرّرا فی أذان الفجر خاصّة فهل بقیا علی ما أراده رسول الله صلی الله علیه و آله أم غُیِّرا وبُدِّلا إلی شیءٍ آخر؟

ومن کان المشرّعُ لهما، هل رسول الله، أم الناس؟

فلو کان المشرّع هو رسول الله صلی الله علیه و آله فلابدّ أن یتواتر النقل عنه فلا یقع الاختلاف بین المسلمین فی مشروعیّته.

وإن کان هو مِن وضع الناس واستحسانهم، فهل أقرّه رسول الله، أم لم یقرّه؟

بل کیف یصحّ قول رسول الله: کلوا واشربوا حتّی یؤذّن ابن أُمّ مکتوم (الأعمی)، ولا یقول: کلوا واشربوا حتّی یؤذّن بلال (الصاحی البصیر)؟!

وماذا یعنی أذان (البصیر) بلال باللیل، وأذان (الأعمی) ابن أُمّ مکتوم بالفجر؟ ألا یحتاج أذان الفجر إلی التحرّی والمشاهدة علی خلاف أذان اللیل؟

وهل هناک أُمور من وراء الکوالیس ینبغی علینا أن نعلمها؟!

ص:289

وهل ترتبط تلک الأُمور بالعقیدة والإمامة والخلافة، أم أنّ الأمر جاء عفویّاً من قِبل مدرسة الخلفاء عن غیر قصد؟

بل ماذا یعنی تشریع السَّلام علی الأمراء بعد الأذان فی عهد الأمویّین ومن بعدهم؟

وهل کان تشریع هذا فی الزمن المتأخّر لیؤکّد وجود ترابط فی الأذان بین الشهادات الثلاث والحیعلات الثلاث منذ التشریع الأوّل وفی الإسراء والمعراج، فأبدلوا الإمامة الإلهیّة بالخلافة السلطویة الظاهریة؟!

ولما کنتُ عرفت - من خلال بحثی فی الحیعلة الثالثة - أنّهم شرّعوا أصل الأذان بالمنام، لم أستبعد أن یشرّعوا الأذان باللیل - بالشکل الذی یرغبون إلیه - من عند أنفسهم أیضاً.

کما لم استبعد أن یتجاوز مدّعاهم فینسبوا إلی رسول الله أُموراً کثیرةً ویقولوا بأنّ النبیّ کان نائماً، وأنّ بلالاً جاء لِیُعْلمَه بالصلاة، فرآه نائماً فقال: الصلاة خیر من النوم، والنبیّ قال: «اجعلها فی أذانک»، وأمثال ذلک.

فالأمویون تبنّوا التثویب، وربطوا الأذان بالخلافة کنائیّاً بعد أن عرفوا ارتباطه بالإمامة لعلیّ کنائیّاً.

فنسبوا إلی أمیر المؤمنین علی علیه السلام قوله فی أبی بکر ومشروعیّة صلاته مکان رسول الله: «مَنِ ارتضاهُ رسول الله لدیننا کیف لا نرتضیه لدنیانا».

فأرادوا من خلال هذه المقولة الاستدلال علی إمامة أبی بکر وأحقّیّته بالخلافة من أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام .

کما أرادوا من خلال القول ب- «الصلاة خیر من النوم» - والذی یرتبط بأبی بکر -

ص:290

القولَ بأنّه الأجدر فی حیازة منصب الخلافة من الإمام علی بن أبی طالب صاحب «حیّ علی خیر العمل».

وأنت تراهم حینما یحکون کلام الإمام علی یحکونه علی نحو القیاس «من ارتضاه رسول الله لدیننا کیف لا نرتضیه لدنیانا»، فی حین أنّ من قال لکم أنّ رسول الله رضی أبابکر لدیننا حتّی تقولون من باب الأولویة فکیف لا نرضاه لدنیانا؟ فإنّ حدیث الثقلین والسفینة یدفع قولکم مضافاً إلی أنّ أصل هذه الصلوات غیر ثابتة وقد نفاها ابن الجوزی فی (آفة أصحاب الحدیث)، فراجع.

وعلیه فإنّ هذا الأُسلوب یوضّح أنّ دلیلهم قد قُرّر وشُرّع علی مذاقهم وأُصولهم الفکریة ولم یَمتَّ إلی مدرسة أهل البیت بأیّ صلة، إذ جمیع الناس یعلمون خطأ هذا الاستدلال عند الإمامیة وعند غیرهم، فلیس کلّ من ارتضاه رسول الله لدیننا هو صالح لإدارة أمور الحکم والحیاة، فهم یخطّئون رسول الله صلی الله علیه و آله فی الموضوعات الخارجیة کتأبیر النخل، فکیف ینسبون إلی أمیر المؤمنین هذه المقولة وأمثالها؟

وحتّی شیخهم ابن تیمیة لا یرضی بهذا الاستدلال العقیم، فممّا قاله:

«إنّ النبیّ استخلف غیر واحد [فی حیاته]، ومنهم من لا یصلح للخلافة بعد موته صلی الله علیه و آله ، کما استعمل ابن أُمّ مکتوم الأعمی فی حیاته وهو لا یصلح للخلافة بعد موته، وکذلک بشیر بن عبد المنذر وغیره»((1)).


1- منهاج السنّة 4 : 91.

ص:291

أجل، هذا ما أرادوا الذهاب إلیه، والذی عرفنا جذوره وملابساته من خلال السنخیة الموجودة بین رفع الحیعلة الثالثة ووضع الصلاة خیر من النوم، فی حین أنّ التحقیق أثبت سقم ما ادّعوه من أدلّة، إذ التثویب = الصلاة خیر من النوم لم یکن سنّة نبویة حسبما قدّمنا، ولو کان لکان رأیاً من قبل أبی بکر وعمر وأمثالهما من الصحابة، وقد تطوّر الرأی فیه حتّی وصل الأمر إلی تبنّی الأمویین له، وصیرورته بدعة أمویة حسب قول الإمام الکاظم علیه السلام .

وإلیک الآن بعض نصوص علمائهم فی کلّ واحدة من هذه الأُمور الثلاثة، لکی تقف علی حقیقة الأمر وأنّه لم یکن شرعیّاً، وقد شُرّع لاحقاً لعلل وأسباب ذکروا بعضها:

ص:292

ص:293

1 - أذانان

من المعلوم أنّ الأذان قد شُرّع للإعلام بأوقات الفرائض، فلا یجوز النداء به قبل وقتها، وإنّ ما جاء فی کتب الإمامیة وغیرهم لیس هو أذان بل هو نداء یجوز النداء به للتنبیه والإشعار، أمّا الأذان قبل الوقت یعدّ کذباً وخیانةً بالأمانة، والمؤذّن مؤتمن علی لسان رسول الله لإعلامه المؤمنین بالوقت، فهؤلاء - مع معرفتهم بهذه الحقیقة الدینیّة - قد أجازوا الأذان فی الصبح خاصّة، معلّلین ذلک بعلل.

فالسؤال: ما المبرّر لذلک؟ وهل یصحّ ما قالوه وعللوه؟

أم وراء ذلک شیء آخر؟ وهل هو تشریع نبویّ، أم هو رأی لبعض الصحابة؟ أم أنّه کان شرعیّاً ثمّ حرّفوا حدوده لعلل سیاسیة وعقائدیة.

نحن نتکلّم أوّلاً عن مشروعیّة الأذان للنوافل (أی الأذان بلیل) لکی نتعرّف بعد ذلک علی ما قالوه فی بلال، وهل أذّن بلیل، أم لا؟

وأخیراً سیکون کلامنا حول الشقّ الثالث من هذا القسم، أعنی حجّیّة وجود إمامین لصلاة واحدة.

وکیف وقع الالتباس فی هذه الأُمور مع وضوحها، وما هو الصحیح والغلط منه؟

وإن کنّا نعلم بعدم جدوائیة الکلام حول عدم مشروعیّة الأذان للنوافل لإجماعهم علی عدم شرعیته إلّا للصبح خاصّة، وأنّ مجیء هذا القید کافٍ لجلب

ص:294

أنظارنا إلی ضرورة بیان خلفیّات هذه المسألة، ونحن بنقلنا کلام بعض العلماء سنرفع الستار عن هذا المجهول بإذن الله تعالیٰ.

قال الکاسانی فی (بدائع الصنائع): الأذان شُرّع للإعلام بدخول الوقت، والإعلام بالدخول قبل الدخول کذب، وکذا هو من باب الخیانة فی الأمانة، والمؤذّن مؤتمن علی لسان رسول الله، ولهذا لم یَجُزْ فی سائر الصلوات. ولأنّ الأذان قبل الفجر یؤدّی إلی الضرر بالناس، لأنّ ذلک وقتُ نومهم خصوصاً فی حقّ من تهجّد فی النصف الأوّل من اللیل، فربّما یلتبس الأمر علیهم، وذلک مکروه.

ورُویَ أنّ الحسن البصری کان إذا سمع مَن یؤذّن قبل طلوع الفجر قال: علوج فراغ لا یصلّون إلّا فی الوقت، لو أدرکهم عمر لأدّبهم((1)).

وفی (المدوّنة الکبری) لمالک: قال ابن القاسم وقال مالک: لا یُنادیٰ بشیءٍ من الصلوات قبل وقتها إلّا الصبح، وقد قال رسول الله: إنّ بلالاً ینادی بلیل، فکلوا واشربوا حتّی ینادی ابن أُمّ مکتوم. وقال: وکان ابن أُمّ مکتوم رجلاً أعمی لا ینادی حتّی یقال له: أصبحت، أصبحت. قال: ولم یبلغنا أنّ صلاةً أُذّنَ لها قبل وقتها إلّا الصبح، ولا یُنادی لغیرها قبل دخول وقتها، لا الجمعة ولا غیرها((2)).

وفیه أیضاً: ابن وهب عن عبد الله بن عمر، وأُسامة بن زید عن نافع، أنّ عبد الله بن عمر کان لا یؤذّن فی السفر بالأولیٰ، ولکنّه کان یقیم الصلاة ویقول: إنّما التثویب بالأولی فی السفر مع الأُمراء الذین معهم الناس لیجتمع الناس إلی


1- بدائع الصنائع 1 : 154.
2- المدوّنة 1 : 60.

ص:295

الصلاة((1)).

وقال ابن قدامة الحنبلی فی (المغنی): قال بعض أصحابنا: ویجوز الأذان للفجر بعد نصف اللیل، وهذا مذهب الشافعی، لأنّ بذلک یخرج وقت العشاء المختار ویدخل وقت الدفع من المزدلفة، ووقت رمی الجمرة وطواف الزیارة ... ((2)).

وفی (الشرح الکبیر): وأمّا الفجر فیُشرع له الأذان قبل الوقت، وهو قول مالک والأوزاعی والشافعی وإسحاق.

وقال الثوری وأبو حنیفة ومحمّد: لا یجوز؛ لما روی ابن عمر أنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر، فأمره النبیّ أن یرجع وینادی: ألا إنّ العبد نام، فرجع فنادی: ألا إنّ العبد نام.

وعن بلال أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال له: لا تؤذّن حتّی یستبین لک الفجر هکذا، ومدّ یده عرضاً، رواهما أبو داود.

وقالت طائفة من أهل الحدیث: إذا کان له مؤذّنان یؤذّن أحدهما قبل طلوع الفجر والآخر بعده فلا بأس، وإلّا فلا، لأنّ الأذان قبل الفجر یفوّت المقصود من الإعلان بالوقت، فلم یَجُز کبقیة الصلوات((3)).

وقال المقدسی فی (الشرح الکبیر علی المقنع):

وینبغی لمن یؤذّن قبل الوقت أن یجعل أذانه فی وقت واحد من اللیالی کلّها


1- المدوّنة 1 : 61، تنویر الحوالک 1 : 88 و 95، فتح المالک 2 : 17، 25، 29.
2- المغنی 1 : 457.
3- الشرح الکبیر 1 : 441.

ص:296

لیعرف الناس ذلک من عادته، فلا یُغْتَرَّ بأذانه. ولا یؤذّن فی الوقت تارةً وقبله أخری فیلتبس علی الناس ویغترّون به، فربّما صلّی بعض مَن سمعه الصبح قبل وقتها ویمتنع من سحوره والمتنفّل من تنفّله إذا لم یعلم حاله، ومَن علم حاله لا یستفید بأذانه لتردّده بین الاحتمالین((1)).

وقال ابن رجب فی (فتح الباری):

فهذه الأحادیث المخرجة فی هذا الباب کلّها لیس فیها دلالة صریحة علی أنّ النبیّ لم یکن یُؤذَّن له إلّا بعد طلوع الفجر، وغایة ما یدلّ بعضها علی أنّه کان یؤذَّن له بعد طلوع الفجر، وذلک لا ینفی أن یکون قد أُذّن قبل الفجر أذانٌ أوّل.

والأحادیث التی فیها أنّ بلالاً کان لا یؤذّن إلّا بعد طلوع الفجر أسانیدها غیر قویّة، ویمکن أن تُحمَل - علی تقدیر ثبوتها - علی أنّه کان یؤذّن بعد طلوع الفجر الأوّل وقبل طلوع الفجر الثانی.

ویدلّ علی ذلک ما روی ابن وهب قال: حدّثنی سالم بن غیلان أنّ سلیمان بن أبی عثمان التجیبی حدّثه عن حاتم بن عدی المحصی، عن أبی ذر، أنّه صلّی مع النبیّ صلی الله علیه و آله لیلةً - فذکر الحدیث - قال: ثمّ أتاهُ بلالٌ للصلاة، فقال: أفعلتَ؟ فقال: نعم. قال: إنّک یا بلالُ مؤذّن إذا کان الصبح ساطعاً فی السماء، ولیس ذلک الصبح، إنَّما الصبح هکذا إذا کان معترضاً، ثمّ دعا بِسَحُوره فتسحّر.

خرّجه بقی بن مخلد فی مسنده ویونس بن یعقوب القاضی فی کتاب الصیام.

وخرّجه الإمام أحمد - بمعناه - من روایة رشدین بن سعد، عن عمرو بن


1- الشرح الکبیر علی المقنع 1 : 443.

ص:297

الحارث، عن سالم بن غیلان، ومن طریق ابن لهیعة، عن سالم بن غیلان - أیضاً.

وقد اختُلف فی هذا الإسناد.

فقال البخاری فی تاریخه: هو إسنادٌ مجهول.

وقال الدارقطنیّ - فیما نقله عنه البرقانی - فی هؤلاء الثلاثة: سالم وسلیمان وحاتم: مصریّون متروکون، وذکر أنّ روایة حاتم عن أبی ذر لا تثبت.

وخالفه فی ذلک آخرون... ((1)).

وقال ابن العربی الأندلسی المالکی فی «القبس فی شرح موطّأ ابن أنس»:

فائدة: الأذان إنّما وُضع - کما قدّمناه - للإعلام بالوقت، فلا یکون إلّا عند دخول الوقت، ولم یُشرَّع الأذان فی الدین للنوافل وإنّما شُرّع للإعلام بوقت الفرائض خلا الصبح، فإنّها یُنادیٰ لها قبل وقتها بقلیل لیتأهّب الناس لها قبل وقتها، ویوقعها فی وقتها إذ تصادفهم علی غفلة وفی وقت یشقّ علیهم القیام.

وقد غلا بعض الرواة فی ذلک فقال: نؤذّن للصبح عند الفراغ من صلاة العتمة، وقیل: یُؤذَّن بها إذا انتصف اللیل أو بثلث، وذلک کلّه ضعیف، لأنّه لیس فی هذه الأوقات صلاة فریضة وإنّما هی أوقات فضیلة ولم یُشرَّع لها أذان، فلا ینبغی أن یلتفت إلی ذلک((2)).

وفی شرح الزرقانی: «قال مالک: لم تزل صلاة الصبح ینادی لها قبل الفجر» فی أوّل السدس الأخیر من اللیل، قاله ابن وهب وسحنون، وقال ابن حبیب: نصف


1- فتح الباری لابن رجب 3 : 510 .
2- القبس فی شرح موطّأ ابن أنس 1 : 181.

ص:298

اللیل. وحجّة العمل المذکور حدیث ابن عمر الآتی: إنّ بلالاً ینادی بلیل. وبه قال الجمهور والأئمّة الثلاثة.

فقال أبو حنیفة وطائفة: لا یُؤذَّن لها حتّی یطلع الفجر (فأمّا غیرها من الصلوات فإنّا لم نرها ینادی لها إلّا بعد أن یحلّ وقتها) لحرمته قبل الوقت فی غیر الصبح.

قال الکرخی من الحنفیة: کان أبو یوسف یقول بقول أبی حنیفة: لا یُؤذَّن لها، حتّی أتی المدینة فرجع إلی قول مالک وعلم أنّه عملُهم المتّصل.

قال الباجی: یظهر لی أنّه لیس فی الأثر ما یقتضی أنّ الأذان قبل الفجر لصلاة الفجر، فإن کان الخلاف فی الأذان ذلک الوقت، فالآثار حجّة لمن أثبته، وإن کان الخلاف فی المقصود به فیحتاج إلی ما یبیّن ذلک من إبطال الأذان إلی الفجر أو غیر ذلک ممّا یدلّ علیه.

(مالک أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلی عمر بن الخطّاب یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً، فقال: الصلاة خیر من النوم، فأمره عمر أن یجعلها فی نداء الصبح!).

هذا البلاغ أخرجه الدارقطنی فی «السنن» من طریق وکیع فی مصنّفه عن العمری عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر.

وأخرجه أیضاً عن سفیان عن محمّد بن عجلان عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر أنّه قال لمؤذّنه: إذا بلغتَ: حیّ علی الفلاح فی الفجر، فقل: الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم.

فقصّر ابن عبد البرّ فی قوله:

«لا أعلم هذا رُوی عن عمر من وجه یُحتَجّ به وتُعلَم صحّته، وإنّما أخرجه ابن

ص:299

أبی شیبة من حدیث هشام بن عروة عن رجل یقال له إسماعیل، لا أعرفه!

قال: والتثویب محفوظ فی أذان بلال وأبی محذورة فی صلاة الصبح للنبیّ، والمعنی هنا أنّ نداء الصبح موضع قوله لا هنا، کأنّه کره أن یکون منه نداء آخر عند باب الأمیر کما أحدثته الأُمراء، وإلّا فالتثویب أشهر عند العلماء والعامّة من أن یُظَنّ بعمر أنّه جهل ما سنَّ رسول الله وأمر مؤذّنَیه بلالاً بالمدینة وأبا محذورة بمکّة، انتهی.

ونحو تأویله قول الباجی: یحتمل أنّ عمر قال ذلک إنکاراً، لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان فی غیره، وقال له: اجعلها فیه، یعنی لا تقلها فی غیره. انتهی.

وهو حسن متعیّن، فقد روی ابن ماجة من طریق ابن المسیّب عن بلال أنّه أتی النبیَّ یؤذنه لصلاة الفجر، فقیل: هو نائم، فقال: «الصلاة خیر من النوم» مرّتین، فأُقرَّت فی تأذین الفجر، فثبت الأمر علی ذلک.

وروی بَقِیُّ - بموحّدة - بن مَخْلَد عن أبی محذورة قال: کنت غلاماً صبیّاً فأذّنتُ بین یدی رسول الله الفجر یوم حُنَین، فلمّا انتهیت إلی: حیّ علی الفلاح قال: ألحِقْ فیها: الصلاة خیر من النوم.

وقال مالک فی مختصر ابن شعبان: لا یترک المؤذن قوله فی نداء الصبح: الصلاة خیر من النوم - فی سفر ولا حضر، ومن أذّن فی ضیعته متنحّیاً عن الناس فترکه فلا بأس، وأَحبُّ إلینا أن یأتی به...

(مالک عن عمّه أبی سهیل أنّه قال: ما أعرف شیئاً ممّا أدرکتُ علیه الناس)، یعنی الصحابة (إلّا النداء بالصلاة) فإنّه باقٍ علی ما کان علیه لم یدخله تغییر ولا تبدیل بخلاف الصلاة، فقد أُخّرت عن أوقاتها وسائر الأفعال، ودخلها التغییر، فأنکر أکثر أفعال أهل عصره، والتغییر یمکن أن یلحق صفة الفعل کتأخیر الصلاة،

ص:300

وأن یلحق الفعل جملةً کترک الأمر بکثیر من المعروف والنهی عن کثیر من المنکر مع علم الناس بذلک کلّه، قاله الباجی).

وقال ابن عبد البرّ فیه: إنّ الأذان لم یتغیّر عمّا کان علیه، وکذا قال عطاء: ما أعلم تأذینهم الیوم یخالف تأذین من مضی، وفیه تغییر الأحوال عمّا کانت علیه زمن الخلفاء الأربعة فی أکثر الأشیاء.

واحتجّ بهذا مَن لم یَرَ عمل أهل المدینة حجّةً وقال: لا حجّة إلّا فیما نُقل بالأسانید الصحاح عن النبیّ أو عن الخلفاء الأربعة ومَن سلک سبیلهم((1)).

نعم، إنّهم علّلوا عملهم هذا بعلل، منها قولهم: وحکمته أنّ الفجر یدخل وفی الناس الجُنب والنائم، فجاز - بل نُدب - تقدیمه لیتهیّؤوا لإدراک فضیلة أوّل الوقت((2)).

أقول:

لو صحّ تعلیلهم هذا وصحّت الحکمة التی قالوها، لَلزِمهم النداء به بجمل تختلف عن النداء الشرعی، مثل: «قوموا من رقدتکم أیّها النیام وهلمّوا إلی الصلاة»، «عجّلوا بالصلاة»، أو «الصلاة مندوبة»، وما شابه ذلک، لا أن یُشهَد بمثل الأذان الشرعی بفصوله وألفاظه بحیث یتوهّم النائم بأنّه أذان لصلاة الفجر.

فعدم النداء بتلک العبارات یجعل المکلّف فی حیرة من أمره، إذ إنّ نداء التهجّد والتنبیه أصبح یشبه أذان الفجر، فی حین أنّ ذلک لا یجوز، وفقهائنا لو أجازوا النداء للفجر فقد أجازوه فی حدود أن تکرّر جملة «حیّ علی خیر العمل» ثلاث مرّات لا أن


1- شرح الزرقانی 1 : 149 - 150.
2- إعانة الطالبین 1 : 220 وحاشیته 1 : 236، مغنی المحتاج 1 : 136.

ص:301

یؤتی بالتکبیر والشهادتین و.... إلی آخره. وقد عرفتَ أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله أمر بلالاً أن یرجع وینادی: ألا أنّ العبد نام!! لِکَی یرتفع الالتباس الواقع علی الناس((1)). فکیف یُشرَّع التوهیم من قِبل رسول الله - حاشاه - ؟! إنّ هذا شیء عجیب!

وقد مرَّ علیک خبر النرسی وما رواه عن الإمام الکاظم قال: سألته عن الأذان قبل طلوع الفجر، فقال: لا إنّما الأذان عند طلوع الفجر أوّل ما یطلع.

قلت: فإن کان یرید أن یؤذّن الناس بالصلاة وینبّههم؟

قال: فلا یؤذّن، ولکن فلیقل وینادی بالصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم، یقولها مراراً ((2)).

وفی آخر عن أبی الحسن الکاظم قال:

الصلاة خیر من النوم بدعة بنی أُمیّة ولیس ذلک من أصل الأذان، ولا بأس إذا أراد الرجل أن ینبّه الناس للصلاة أن ینادی بذلک، ولا یجعله من أصل الأذان، فإنّا لا نراه أذاناً((3)).

وعلیه فقد أجاز لهم الشارع ذلک إذا کانوا لوحدهم ولیسوا فی جماعة، فقد روی الکلینی فی الکافی بسنده عن عمران بن علی قال: سألتُ أبا عبد الله [الصادق] عن الأذان قبل الفجر، فقال: إذا کان فی جماعة فلا، وإذا کان وحده فلا بأس((4)).


1- هل کان أذان الفجر أو الأذان للفجر.
2- أصل زید النرسی: 54، وعنه فی مستدرک الوسائل 4: 25.
3- أصل زید النرسی: 54، وعنه فی مستدرک الوسائل 4: 44.
4- الکافی 3 : 306 /23، وتهذیب الأحکام 3 : 53 /176، ومستطرفات السرائر: 93 - عنهم: وسائل الشیعة 5 : 39 /6882، وهذا هو بعکس ما أراده الجمهور فی أقوالهم.

ص:302

کما جاء عن ابن سنان أنّه قال لأبی عبد الله [الصادق]: إنّ لنا مؤذّناً یؤذّن بلیل، أمّا أنّ ذلک ینفع الجیران لقیامهم إلی الصلاة، وأمّا السنّة فإنّه ینادی مع طلوع الفجر ولا یکون بین الأذان والإقامة إلّا الرکعتان((1)).

وفیه أیضاً عن فضالة عن ابن سنان، قال: سألته عن النداء قبل الفجر؟ قال: لا بأس، وأمّا السنّة مع الفجر، وإنّ ذلک لینفع الجیران - یعنی قبل الفجر((2)).

وعلیه فهذه النصوص تشیر إلی جواز النداء فی اللیل شریطة أن یکون نداءً خاصّاً، لکنّهم لم یراعوا ذلک، فبعضهم اعتبره نداءً والآخر أذاناً شرعیّاً أمر به رسول الله صلی الله علیه و آله .

وبهذا فقد عرفت أنّهم تلاعبوا بالأذان وجعلوه یشابه الأذان الشرعی، فسؤالنا: لماذا هذا الفارق الکبیر الیوم بین وقت الأذانین، وهل یجوز الأذان قبل وقته؟ ولو جاز فلماذا یماثل الأذان الشرعی شکلاً وفصلاً دون جملة «الصلاة خیر من النوم» ألا یعد ذلک ایهاماً وتدلیساً؟

قال القسطلانی فی «إرشاد الساری» فی باب حکم الأذان قبل الفجر:

هل هو مشروع أم لا، وهل یکتفی به عن الذی بعد الفجر أم لا؟

واحتجّ بعضهم لذلک بأنّ أذان بلال کان نداءً کما فی الحدیث «أو ینادی» لا أذاناً.

وأُجیب: بأنّ للخصم أن یقول: هو أذان قبل الصبح أقرّه الشارع، وأنّ


1- تهذیب الأحکام 2 : 53 /177- عنه: وسائل الشیعة 5 : 390 /6883.
2- تهذیب الأحکام 2 : 53 /178، وسائل الشیعة 5 : 391 /6884.

ص:303

کونه للصلاة أو لغرض آخر، فذلک بحث آخر.

وأمّا روایة «ینادی» فمعارضة بروایة «یُؤذَّن» والترجیح معنا، لأنّ کلّ أذان نداء، ولا عکس.

فالعمل بروایة یؤذّن عمل بالروایتین وجمع بین الدلیلین، وهو أولیٰ من العکس، إذ لیس کذلک.

لا یقال إنّ النداء قبل الفجر لم یکن بألفاظ الأذان وإنّما کان تذکیراً أو تسحیراً کما یقع للناس الیوم، لأننا نقول بأنّ هذا محدث قطعاً، وقد تظاهرت الطرق علی التعبیر بلفظ الأذان، فحملُه علی معناه الشرعیّ مقدّم((1)).

وقال العظیم آبادی فی «عون المعبود» بعد أن نقل خبر أبی داود عن زیاد الصدائی وأنّه أذّن قبل طلوع الفجر:

قلت: هذا الحدیث یدلّ علی مسألتین:

المسألة الأولی: أنّه یکتفی بالأذان قبل الفجر عن إعادة الأذان بعد الفجر، لأنّ فیه أنّه أذّن قبل الفجر بأمر النبیّ صلی الله علیه و آله وأنّه استأذنه فی الإقامة فمنعه إلی أن طلع الفجر فأمَرَه فأقام.

والمسألة الثانیة: أنّ من أذّن فهو یقیم ...

ثمّ جاء العظیم آبادی فی باب «الأذان قبل دخول الوقت» لینقل کلام الحافظ ابن حجر، فقال:


1- إرشاد الساری 2 : 12.

ص:304

قلت: وحدیث ابن عمر وعائشة الذی أخرجه البخاری ولفظه: «إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا حتّی یؤذّن ابن أُمّ مکتوم» یدلّ علی عدم الاکتفاء [بالأذان قبل الفجر، بل لزوم التأذین مرّة أخریٰ]، وإلی هذا مَیل البخاری کما یلوح من کلام الحافظ.

وفیه أیضاً: أخرج أبوداود عن زهیر بن حرب، حدّثنا وکیع، حدّثنا جعفر بن برقان، عن شدّاد مولی عیاض بن عامر، عن بلال أنّ رسول الله قال له: لا تؤذّن حتّی یستبین لک الفجر هکذا - ومَدَّ یده عرضاً.

قال العظیم آبادی: «قال له» أی لبلال، «حتّی یستبین» أی یتبیّن، «ومدّ یدیه» أی النبیّ، وهو بیان لهکذا، وهذا الحدیث یدلّ علی أنّه لا یجوز الأذان قبل الفجر.

قلت: فیه الانقطاع کما قال المؤلّف، فشدّاد لم یُدرِک بلالاً، ومع ذلک لا یقاوم الحدیث الذی أخرجه البخاری وفیه: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا... ((1)).

وکلام العظیم آبادی واضح وجمیل، لکنّه هو أدلّ علی أن یکون أذانه للوقت الشرعی ولوقت الفضیلة منه، من تنبیه الغافل وإیقاظ النائم، لأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال له: لا تؤذّن حتّی یستبین لک الفجر هکذا ومدّ یده عرضاً. وهذا الخبر أولیٰ ممّا أخرجه البخاری أنّ بلالاً یؤذّن بلیل فکلوا واشربوا.

إذ من الأَولی أن یُکلَّف بلال بأذان الصبح لا بالتأذین للصبح - إن صحّت فی


1- عون المعبود: 2 : 178.

ص:305

ذلک روایاتهم -((1)) خصوصاً بعد معرفتنا أنّه رجل سالم وبصیر، ویمکنه أن یقف علی وقت الصبح بنفسه ولا یحتاج لأن یُقالوا له: أصبحتَ أصبحت.

وبلال هو الذی أذّن لرسول الله فی جمیع صلواته ولسنوات کثیرة فی المدینة، وفی حروبه وغزواته وکان لا یؤخر الأذان عن وقته.

جاء فی (سنن ابن ماجة): حدّثنا محمّد بن المثنّی، نا أبو داود، ثنا شریک عن سمّاک ابن حرب، عن جابر بن سَمُرة، قال: کان بلال لا یؤخّر الأذان عن الوقت، وربّما أخّر الإقامة شیئاً ((2)).

قلت:

وفی هذا إشارة أیضاً إلی أنّ بلالاً کان یؤذّن للأوقات الشرعیّة الثابتة لا للصلوات المسنونة کالأذان لصلاة اللیل، کما جاء فی بعض النصوص.

بلی، إنّ مدرسة الخلفاء سعت لتنال من بلال الحبشی بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وذلک لعدم تعاطفه مع أصحاب السقیفة، فکالوا له التهم وانتقصوه، ساعین لإلقاء تبعة کلّ إحداث جدید وقع فی الأذان علی عهدته.

أو قل: أرادوا أن یصحّحوا الإحداثات الجدیدة من قِبل الخلفاء وأنصارهم بنسبتها إلیه، أو القول - وعلی لسانه - بأنّ رسول الله أقرّها له ولهم.

یقولون بذلک مع أنّهم یستنقصونه فی لسانه وبصره، حتّی جاء عن رسول الله دفاعاً عنه: إنّ سین بلال عند الله شین، وإنّ الخطأ فی تشخیص الوقت قد یحصل


1- لا یخفی إنّ هذا الإشکال إنّما یرد علی روایة القوم لوقوع القلب فیها وأمّا علی ما رویناه نحن فلا یرد لأنّ ابن أُمّ مکتوم کان یؤذّن بلیل.
2- سنن ابن ماجة: 236.

ص:306

لضعیف البصر وقویه، فهم قد استغلوا هذه الأُمور للتعریض ببلال بصورة بشعة.

فی حین أنّ تلک النصوص تخطّئ نفسها بنفسها، ثمّ إنّ النفس الإنسانیّة والعقل السلیم لا یطمئنّانِ لما ادّعوه من أنّ أذان ابن أُمّ مکتوم الأعمی للصبح ((1))، وأذان البصیر بلال بلیل.

ولو صحَّ ذلک لکان أقوی دلیل لما نرید قوله، بأن یکون قد جاء ذلک من قبل بلال نداءً لا أذاناً شرعیّاً.

ومثله نسبتهم إلیه أنّه شاهد رسول الله نائماً فقال: الصلاة خیر من النوم، فقال صلی الله علیه و آله : «إجعلها فی أذانک» أی فی ندائک باللیل.

وبذلک یکون «الصلاة خیر من النوم» مثل «قوموا من رقدتکم أیّها النیام»، أو قول المؤذّن - قبل الأذان بدقائق - فی أسحار لیالی شهر رمضان «إشرب الماء وعجّل فقد لاحَ الصباح» وأمثال ذلک.

إذن، فالأذان باللیل لم یکن تشریعاً نبویّاً علی نحو الوضوء، بل أنّه مباح وقد کان ابن أُمّ مکتوم یؤذّن بلیل؟ لا ما تقولونه بأنّه مؤذّن الصبح وأنّ اقتراح الأذان بلیل کان من قبل عمر بن الخطّاب لقوله: عجّلوا الأذان بالصبح، یدلج المدلج وتخرج العاهرة((2)).

وأنّه یجب أن یؤتی به بغیر صیغة الأذان الشرعیّ. وبواسطة غیر بلال الحبشی، لأنّ بلالاً هو مؤذّن رسول الله للفرائض لا للنوافل، لا بالعکس.


1- بدائع الصنائع 1 : 151.
2- السنن الکبری 1 : 383.

ص:307

فعن شدّاد مولی عیاض قال: جاء بلال إلی النبیّ وهو یتسحّر، فقال: لا تؤذّن حتّی تری الفجر، ثمّ جاءه من الغد فقال: لا تؤذّن حتّی یطلع الفجر، ثمّ جاءه من بعد غد فقال: لا تؤذّن حتّی تری الفجر، وجمع بین یدیه ثمّ فرّق بینهما، وهذا مرسل.

قال أبو داود السجستانی: شدّاد مولی عیاض لم یذکر بلالاً ((1)).

ومن هذا النصّ یُفهَم أنّ بلالاً الحبشی کان یؤذّن فی الصبح، وأنّ النبیّ أکّد علیه لزوم التحرّی والدقّة فی الوقت، وأن لا یؤذّن قبله.

وروی البیهقی بسنده عن أبی بکر بن إسحاق الفقیه قال: سمعتُ أبابکر المطرّز یقول: سمعتُ محمّد بن یحیی یقول: حدیث حمّاد بن سلمة عن أیّوب عن نافع عن ابن عمر أنّ بلالاً أذّن قبل طلوع الفجر، شاذٌّ غیر واقعٍ علی القلب، وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر.

(قال الشیخ) وقد رواه معمَّر بن راشد، عن أیّوب، قال: أذّن بلال مرّة بلیل فذکره مرسلاً، ورُویَ عن عبد العزیز بن داود، عن نافع موصولاً، وهو ضعیف لا یصحّ((2)).

وقال ابن أبی شیبة فی «المصنّف»: ثنا جریر عن منصور، عن أبی إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: ما کان یؤذّنون حتّی ینفجر الفجر، وهذا سنده صحیح.

وفی «التمهید»: روی زبید الأیامی عن إبراهیم قال: کانوا إذا أذّن المؤذّن بلیل


1- السنن الکبری 1 : 383.
2- السنن الکبری 1 : 383.

ص:308

أتوه فقالوا له: اتّقِ الله وأعدْ أذانک((1)).

فکلّ هذه الأخبار تشیر إلی أنّ الأذان یجب أن یکون فی الوقت، ولو أذّن إنسان قبله قیل له: إتّق الله وأعد أذانک، أو یقال له: إرجع وذکّر الناس بأنّ الوقت لم یدخل بعد، کلّ ذلک حرصاً من الشارع علی عدم اختلاط الوقت مع غیره.

بعد هذا، کیف یجیز الشارع اتّحاد صیغ النداء للتهجّد مع صیغ الأذان الشرعی؟! ألا یعدّ ذلک تدلیساً علی الناس والعیاذ بالله؟!

نحن لا نرید أن ننفی جواز النداء باللیل أو مناداة بلال ب- «الصلاة خیر من النوم» أو «حیّ علی الفلاح» ثلاث مرّات للتنبیه والإشعار، لکنّا نرید أن نقول بأنّ نداءه باللیل یجب أن لا یکون ذاک الأذان الشرعیّ الذی یقال فی الفجر بفصوله وأجزائه.

نقول بهذا مع اعتقادنا بعدم المنافاة بین الأحادیث الآنفة وما روی عن بلال وأنّه أذّن بلیل.

قال ابن القطّان: لأنّ ذلک کان فی رمضان.

وقال الطحاوی: ویحتمل أن بلالاً کان یؤذّن فی وقت یری أنّ الفجر قد طلع فیه، ولا یتحقّق ذلک لضعف بصره.

ثمّ ذکر الطحاوی بسندٍ جیّد عن أنس أنّه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا یغرنّکم أذان بلال، فإنّ فی بصره شیئاً((2)).

وعلیه فاعتقادنا أنّ نداء ابن أُمّ مکتوم إلی الصبح هو الأَولی والأقرب إلی العقل


1- التمهید 10 : 60.
2- السنن الکبری 1 : 385.

ص:309

والعقلاء وهو الذی یتفق مع روایات مدرسة أهل البیت، لأنّ الکلّ یعلم أنّ أذان البصیر للصبح أفضل من أذان الضریر، شریطة عدالته وتحرّیه للوقت.

ولأنّ الضریر لا علم له بدخول الوقت، ومَن لا علم له بدخول الوقت متعذّر علیه الإعلام، فیجب تقدیم البصیر العادل علی الأعمی.

والشیخ الطوسی روی عن عبد الله بن علی أنّه رأی بلالاً الحبشی وسأله عمّا سمعه من رسول الله ، وجاء فیما رواه وقاله ما یشیر إلی تحریفهم بعض النصوص، فیه:

... وکان لرسول الله مؤذّنان: أحدهما بلال والآخر ابن أُمّ مکتوم، وکان ابن أُمّ مکتوم أعمی وکان یؤذّن قبل الفجر، وکان بلال یؤذّن بعد الصبح، فقال النبیّ صلی الله علیه و آله : إنّ ابن أُمّ مکتوم یؤذّن بلیل، فإذا سمعتم أذانه فکلوا واشربوا حتّی تسمعوا أذان بلال. فغیّرت العامة هذا الحدیث عن جهته، [وادّعَوا] أنّه علیه السلام قال: إنّ بلالاً لا یؤذّن بلیل، فإذا سمعتم أذانه فکلوا واشربوا حتّیٰ تسمعوا أذان ابن أُمّ مکتوم((1)).

کما روی الکلینی بسنده عن الحلبی عن أبی عبد الله الصادق علیه السلام أنّه قال: کان بلال یؤذّن للنبی وابن أُم مکتوم، وکان أعمی یؤذّن بلیل، ویؤذّن بلال حتّی یطلع الفجر((2)).

وفی روایة أخری عن زرارة عن أبی عبد الله أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال: هذا ابن أُمّ مکتوم وهو یؤذّن بلیل، فإذا أذّن بلال فعند ذلک فأمسک، یعنی فی الصوم((3)).


1- مَن لا یحضره الفقیه 1 : 194 /905.
2- الکافی 4 : 98 /3.
3- الکافی 4 : 98 /1.

ص:310

هذه هی النصوص الموجودة فی مدرسة أهل البیت علیهم السلام ، وهی تخالف ما یحکونه عن بلال فی کتبهم.

أُنظر إلی المفارقة بین الأذانین والمؤذّنین، وابحث عن سرّ تأکیدهم علی جعل ابن أُمّ مکتوم مؤذّناً للصبح فی عهد رسول الله دون بلال، مع اعتقادهم بکراهة أذان الأعمی.

فالذی أرجّحه أنّ بلالاً الحبشی کان یؤذّن علی عهد رسول الله ب- «حیّ علی خیر العمل» فی الصبح وغیره، ولم یثبت عنه الأذان ب- «الصلاة خیر من النوم»، وأنّ ما ادّعوه من مشاهدته لنوم النبیّ جاءت لتصحیح نسبة «الصلاة خیر من النوم» عن رسول الله عن طریق بلال، وکذا قولهم بأذانه فی اللیل - قبل دخول وقت الفجر - ، جاء لعدم ثبوت ندائه بالتثویب فی أذان الفجر، وأمثال ذلک.

وعلیه فممّا یمکن قوله هنا أنّ مقتضی الأصل هو جواز النداء باللیل ببعض الکلمات والجمل شریطة أن یقصدوا به الإشعار والتنبیه ولإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین، مع عدم اعتبارهم ذلک من أصل الأذان وجزءاً منه، وجواز اکتفائهم بجمل خاصّة به تمیّزه عن الأذان الکامل الشرعی بحیث لا یلتبس ذلک علی المؤمنین ((1)).

فقد جاء فی (التهذیب) بسنده عن محمّد بن مسلم عن أبی جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال: کان أبی (أی الصادق علیه السلام ) ینادی فی بیته ب- «الصلاة خیر من النوم»، ولو ردّدت ذلک لم یکن به بأس((2)).

وفی صحیحة زرارة قال أبو جعفر الباقر علیه السلام : إن شئت زدت علی


1- جواهر الکلام 9 : 111 - 114، مصباح الفقیه 2 : 226، النهایة للشیخ الطوسی، جامع المدارک للخوانساری.
2- تهذیب الکلام 2 : 63 / ح 222.

ص:311

التثویب «حی علی الفلاح» مکان «الصلاة خیر من النوم».

قال الشیخ [الطوسی]: فلو کان ذکر «الصلاة خیر من النوم» من السنّة لما سوّغ له تکرار اللفظ والعدول عمّا هو السنّة إلی تکرار اللفظ، وتکرار اللفظ إنّما یجوز إذا أرید به تنبیه إنسان علی الصلاة أو انتظار آخر أو ما أشبه ذلک. یبیّن ذلک ما رواه محمّد بن یعقوب، عن محمّد بن یحیی، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن علی بن أبی حمزة، عن أبی بصیر، عن أبی عبد الله علیه السلام قال: لو أنّ مؤذّناً أعاد فی الشهادة وفی «حیَّ علی الصلاة» أو «حیَّ علی الفلاح» المرّتین والثلاث وأکثر من ذلک إذا کان إماماً یرید جماعة القوم لیجمعهم، لم یکن به بأس((1)).

فالإمامان الصادق والباقر علیهما السلام کانا معاصرَین لمالک وأبی حنیفة، فالإمام الباقر یجیز الإتیان بجملة «الصلاة خیر من النوم» إذا کان وحده، أو یرید أن یجمع الناس للصلاة، فیجوز له أن یقول ذاک مع «حیَّ علی الفلاح» دون غیره من الفصول الأذانیة، أمّا لو أُرید إدخاله فی الأذان فلا یجیزه، بل هو حرام عنده بخلاف مالک الذی أجاز إدخال هذه الجملة فی الأذان الشرعی، وحُکی عن الشافعی أنّه لم یکن یؤذّن بها حتّیٰ جاء المدینة فأخذ یؤذّن بها، وهذا الخلاف المشهود بین التابعین یؤکّد عدم استقرار المسلمین علیه.

إذن، فالذی احتمله وأذهب إلیه أنّ «الصلاة خیر من النوم» وأمثاله ک- «حیّ علی الفلاح» أو «انهضوا إلی الصلاة» أو «إشرب الماء وعجّل» - فی شهر رمضان


1- تهذیب الکلام 2 : 63 / ح 224 و 225.

ص:312

خاصّة - کان ینادی بها کجمل مستقلّة لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین، وهی أُمور جائزة الإتیان بها شرعاً، لکنّهم بعد وفاة رسول الله سعوا إلی أن یدرجوها ویدخلوها فی الأذان الشرعیّ، وهذا هو الذی اختلف المسلمون فی شرعیّته.

وأمّا ما رووه بأنّه کان فی أصل الأذان فهو غیر صحیح؛ سواء المروی عند الجمهور أو فی بعض أخبارنا، إذ صرّح علماؤنا بأنّ تلک الأخبار عندنا محمولة علی التقیّة لمخالفتها للأُصول والأخبار الأُخری.

أمّا المرویّة عندهم فقد ناقشناها سنداً ودلالةً مبیّنین ملابسات صدورها وخلفیّات الأُمور فیها، وقد أتینا بأسماء بعض علمائهم ومحدّثیهم، وإلیک الآن ما جاء فی «مصنّف» عبد الرزّاق عن ابن جریج قال:

سألت عطاء بن أبی رباح: متی قِیل: الصلاة خیر من النوم؟ قال: لا أدری((1)).

ومثله جاء عن طاووس بن کیسان((2)).

وقد مرّ علیک کلام ابن رشد المالکی فی «بدایة المجتهد»((3)).

وکلام الشافعی وقوله: لا أحبّ التثویب فی الصبح ولا غیرها، لأنّ أبا محذورة لم یَحکِ عن النبیّ أنّه أمر بالتثویب((4)).

وأمثال ذلک من أقوال علمائهم، فکلّ هذه النصوص توضح وقوع تحریف وتغییر فی الأذان.


1- مصنّف عبد الرزاق 1 : 474 /ح 1828.
2- انظر: مصنّف عبد الرزاق 1 : 474 /ح 1827.
3- بدایة المجتهد 1 : 77.
4- الأُم 1 : 104.

ص:313

2 - مؤذّنان
اشارة

الکلّ یعلم انْ کان هناک إعلامان فلابدّ من أن یُمیَّز أحدهما عن الآخر حتّی لا یقع اللبس بینهما، والمؤذّنون علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله أربعة، کما یقولون:

أهمّهم وأشهرهم: بلال الحبشی.

وثانیهم: عمرو بن قیس بن زائدة القرشی العامری، ویقال اسمه عبد الله، واسمه الأوّل أکثر وأشهر، والمعروف ب- «ابن أمّ مکتوم»، وهو ابن خال خدیجة بنت خویلد، وهو الأعمی المذکور فی القرآن فی قوله: {عَبَسَ وَتَوَلَّی * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَی}((1))، هاجر إلی المدینة قبل مقدم النبیّ، واستخلفه صلی الله علیه و آله علی المدینة ثلاث عشرة مرّة، شهد القادسیة وقُتِل بها شهیداً، قال الواقدی: رجع من القادسیة إلی المدینة فمات، ولم یُسمَع له بذکر بعد عمر بن الخطّاب((2)).

وثالثهم: سَمُرة - أو أوس أو سلمة أو سلمان - بن معیر بن لوذان بن وهب، المعروف ب- «أبی محذورة»، وهذا هو الذی رُویت عنه أخبار التثویب والترجیع، وقد عرّفناه قلیلاً فی مقدّمة هذه الدراسة.

ورابعهم: سعد بن عائذ القرظ، قال أبو عمر بن عبد البرّ:

جعله رسول الله مؤذّناً بقُبا، فلمّا مات رسول الله وترک بلال الأذان نقل أبوبکر


1- عبس: 1 - 2.
2- تهذیب الکمال 22 : 26 - ترجمة عمرو بن زائدة، وانظر إرشاد الساری 2 : 12 أیضاً.

ص:314

سعد القرظ هذا إلی مسجد رسول الله، فلم یزل یؤذّن فیه إلی أن مات، وتوارث عنه بنوه الأذان فیه إلی زمان مالک بن أنس وبعده أیضاً.

وقیل: إنّ الذی نقله من قبا إلی المدینة للأذان هو عمر بن الخطّاب.

وقال یونس بن یزید عن الزهری: أخبرنی حفص بن عمر بن سعد أنّ جدّه کان یؤذّن علی عهد رسول الله لأهل قبا حتّی انتقله عمر بن الخطّاب فی خلافته وأذّن له بالمدینة فی مسجد النبیّ صلی الله علیه و آله ((1)).

وبما أنّ أبا محذورة کان یؤذّن بمکّة وسعد القرظ بقبا - کما قالوا - فقد انحصر الأذان بالمدینة ببلال الحبشی وابن أُمّ مکتوم.

وحیث ثبت عن بلال أذانه ب- «حیّ علی خیر العمل» وعدم تأذینه للشیخین، وأنّ الشیخین أتیا بسعد القرظ من قبا - لمّا امتنع بلال من الأذان لهما - لکی یؤذّن فی مسجد النبیّ، فمعنی کلّ ذلک: أنّ بلالاً الحبشی لم یؤذّن ب- «الصلاة خیر من النوم» التی ابتُدِعَت فی عهد الشیخین، والتی تبنّاها الأمویون لاحقاً. وأنت قد وقفتَ فی الکتاب الأوّل من هذه المجموعة «حیَّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة» علی أنّ الأذان بهاتین «الحیعلة الثالثة والتثویب» صارتا شعاراً سیاسیّاً للحکومات التی تلت عصر الرسالة.

فالحکومات الموالیة لأهل البیت علیهم السلام کانت تجهر بالحیعلة الثالثة فی أذانها مع توضیح معناها بأنّها تعنی الولاء لمحمّدٍ وآل محمّد.

أمّا الحکومات السنّیة فقد کانت تکتفی بإزاحة الحیعلة الثالثة عن الأذان وتصرّ


1- تهذیب الکمال 10 : 276.

ص:315

علی الإتیان بالتثویب مکانها فی الصبح خاصّة.

فلا یُستبعَد بعد هذا أن تُنسب إلی بلال أُمور لم یقلها؛ دعماً لموقفهم الفقهی.

بل الأنکی والأشدّ من کلّ ذلک هو إصرارهم علی جعل بلال مؤذّنَ اللیل، ناسبین لرسول الله صلی الله علیه و آله قوله: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا حتّیٰ یؤذّن ابن أُمّ مکتوم فأمسکوا. هذا ما حکاه النووی فی «المجموع» قائلاً: ولم یکن بینهما إلّا أن ینزل هذا ویرقی هذا، رواه البخاری ومسلم من روایة ابن عمر وعائشة، وهذا لفظ مسلم((1)).

قالوا بذلک وهم یعلمون بکراهة أذان الأعمی، وأنّ بلالاً هو المؤذّن لرسول الله فی جمیع الأوقات، فلماذا یبعدونه عن الأذان فی الصبح خاصّة؟!

إنّ وراء هذا شیئاً یجب کشفه وتوضیحه.

فی (التلخیص الحبیر)، المطبوع مع (المجموع): حدیث أنّ النبیّ کان له مؤذّنان: بلال وابن أُمّ مکتوم، متّفق علیه من حدیث القاسم عن عائشة.

وروی ابن السکن والبیهقی من حدیث عائشة أنّه کان له ثلاثة مؤذّنین، ذکرهما مع أبی محذورة.

وجمع بینهما البیهقی بأنّ الأوّل المراد به بالمدینة، والثانی المراد به بانضمام مکّة.

قلت: وعلی هذا کان ینبغی أن یصیروا أربعة، لأنّ سعد القرظ کان یؤذّن له بقبا حسب بعض الأخبار.

وروی الدارمی وغیره فی حدیث أبی محذورة أنّ النبیّ أمر نحواً من عشرین


1- المجموع 3 : 105.

ص:316

رجلاً فأذّنوا ((1)).

وفی (فتح الباری) لابن رجب: وروی وکیع فی کتابه عن إسرائیل، عن جابر، عن عامر: کان لرسول الله صلی الله علیه و آله ثلاثة مؤذّنین: بلالٌ وأبو محذورة وابن أُمّ مکتوم، فإذا غاب واحدٌ أذّن الآخر. وقال رسول الله صلی الله علیه و آله : لقد هممتُ أن أجعل المؤذّنین ستّةً. قال: فإذا أُقیمت الصلاة اشتدّوا فی الطرق، فآذنوا الناس بالصلاة.

هذا مرسلٌ ضعیف؛ فإن جابراً هو الجعفی.

وأبو محذورة لم یکن یؤذّن للنبیّ صلی الله علیه و آله بالمدینة.

ثمّ أتی ابن رجب بعد ذلک بما خرّجه البیهقی فی (سننه)((2)) عن عائشة أنّها قالت: کان للنبیّ صلی الله علیه و آله ثلاثة مؤذّنین: بلال، وأبو محذورة، وابن أُمّ مکتوم.

وقال: قال أبوبکر - یعنی ابن إسحاق - : هو صحیح.

ولیس کما قال ابن إسحاق.

هذا فی کتاب ابن أبی شیبة «المصنَّف».

والصحیح: حدیث وکیع، عن إسرائیل، عن جابر الجعفی، عن الشعبی مرسلاً.

وروی الإمام أحمد: ثنا إسماعیل: ثنا یونس بن أبی إسحاق، عن أبی إسحاق، عن الأسود، عن عائشة قالت: کان للنبیّ صلی الله علیه و آله مؤذّنانِ: بلال وعمرو بن أُمّ مکتوم. وهذه الروایة أصحّ.


1- التلخیص الحبیر 3 : 199، وانظر ص 123 کذلک.
2- سنن البیهقی 1: 429.

ص:317

وخرّج الدارقطنی من روایة أولاد سعد القرظ، عن آبائهم عن جدّهم سعد، أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله قال له: یا سعد، إذا لم تَرَ بلالاً معی فأذّن. وفی إسناده ضعف((1)).

إذن، فالمؤذّنان فی المدینة وفی مسجد رسول الله هما اثنان: بلال وابن أُمّ مکتوم، لا ثالث لهما، إذ إنّ أبا محذورة کان یؤذّن بمکّة، وسعد القرظ بقبا.

والآن، وبعد هذه المقدّمة البسیطة عن المؤذّنین وأنّ الأذان کان یدور فی المدینة بین بلال الحبشی وابن أُمّ مکتوم ولا ثالث لهما، لابدّ من کشف حقیقة ما قالوه فی تعاقب هذین المؤذّنَین، وأیّهما کان یؤذّن بلیل والآخر بصبح، مع إقرارنا - حسبما جاء فی الروایات - بلزوم تمییز کلّ نداء وإعلام عن الآخر.

فالمسألة واضحة ولا تحتاج إلی مزید نقاش، والعقل والدین یؤکّدان علی لزوم کون البصیر العادل بلال الحبشی مؤذّناً للصبح لا غیر، فهدفنا من نقل هذه النصوص إیقاف القارئ معنا علی کیفیة تفسیرهم وتأویلهم للأقوال، أی إنّک تراهم یقفون علی نقاط مهمّة ثمّ یتجاوزونها بتأویلات وتعلیلات علیلة.

قال العسقلانی فی «فتح الباری» عن ابن أُمّ مکتوم وأنّه کان یستعین ببعض الثقات لتعیین الوقت: (قوله: أصبحتَ أصبحت)، أی دخلتَ فی الصبح، هذا ظاهره.

واستُشکِل: لأنّه جعل أذانه غایةً للأکل، فلو لم یؤذّن حتّی یدخل فی الصبح للزم منه جواز الأکل بعد طلوع الفجر، والإجماع علی خلافه إلّا من شذَّ کالأعمش.

وأجاب ابن حبیب وابن عبد البرّ والأصیلی وجماعة من الشرّاح بأنّ المراد:


1- فتح الباری لابن رجب 3 : 484 - 485.

ص:318

«قاربتَ الصباح»، ویُعکَّر علی هذا الجواب أنّ فی روایة الربیع التی قدمناها: ولم یکن یؤذّن حتّی یقول له الناس حین ینظرون إلی بزوغ الفجر: أذِّن.

وأبلغ من ذلک أنّ لفظ روایة المصنّف - أی البخاری - التی فی الصیام (حتّی یؤذّن ابن أُمّ مکتوم، فإنّه لا یؤذّن حتّی یطلع الفجر).

إنّما قلت (أبلغ) لکون جمیعه من کلام النبی، وأیضاً فقوله: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، یُشعِر أنّ [أذان] ابن أُمّ مکتوم بخلافه، ولأنّه لو کان قبل الصبح لم یکن بینه وبین بلال فرق؛ لِصدق أنّ کلاً منهما أذّن قبل الوقت، وهذا الموضع عندی فی غایة الإشکال!

وأقرب ما یقال فیه: أنّ أذانه جُعل علامة لتحریم الأکل والشرب، وکأنّه کان له مَن یرعی الوقت بحیث یکون أذانه مقارناً لابتداء طلوع الفجر، وهو المراد بالبزوغ، وعند أخذه فی الأذان یعترض الفجر فی الأفق.

ثمّ ظهر لی أنّه لا یلزم منه کون المراد بقولهم: أصبحتَ، أی قاربت الصباحَ وقوعَ أذانه قبل الفجر؛ لاحتمال أن یکون قولهم ذلک یقع فی آخر جزء من اللیل، وأذانه یقع فی أوّل جزء من طلوع الفجر، وهذا - وإن کان مستبعداً فی العادة - فلیس بمستبعد من مؤذّن النبیّ المؤیَّد بالملائکة، فلا یشارکه فیه مَن لم یکن بتلک الصفة((1)).

وقال الزرقانی فی شرحه علی الموطّأ:

وادّعی ابن عبد البرّ وجماعة من الأئمّة أنّه [أی حدیث بلال وابن أُم مکتوم] مقلوب، وأنّ الصواب حدیث الباب.


1- فتح الباری للعسقلانی 2 : 79، وانظر: الزرقانی أیضاً فی شرحه علی الموطّأ 1 : 155.

ص:319

قال الحافظ: وقد کنت أمیل إلی ذلک إلی أن رأیت الحدیث فی صحیح ابن خزیمة من طریقین آخرین عن عائشة، وفی بعض ألفاظه ما یبعد وقوع الوهم فیه، وهو قوله: إذا أذّن عمرو [یعنی ابن أُمّ مکتوم] فإنّه ضریر البصر فلا یغرّنّکم، وإذا أذّن بلال فلا یطعمنَّ أحد، وأخرجه أحمد.

وجاء عن عائشة أیضاً أنّها کانت تنکر حدیث ابن عمر وتقول: إنّه غلط. أخرج ذلک البیهقی من طریق الدراوردی عن هشام عن أبیه عنها مرفوعاً، أنّ ابن أُمّ مکتوم یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا حتّی یؤذّن بلال. قالت عائشة: وکان بلال لا یؤذّن حتّی یبصر الفجر، وقال: وکانت عائشة تقول: غلط ابن عمر! انتهی.

وهذا ممّا یقضی منه العجب، ففی (صحیح البخاری) من طریق القاسم بن محمّد عن عائشة عن النبیّ أنّه قال: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل فکلوا واشربوا حتّی ینادی ابن أُمّ مکتوم، فإنّه لا یؤذّن حتّی یطلع الفجر، وکذا أخرجه مسلم، فقد جاء عنها فی أرفع الصحیح - مثل روایة ابن عمر - فکیف تغلّطه؟! فالظاهر أنّ تلک الروایة وهمٌ من بعض الرواة عنها، واللهُ أعلم.

قال الحافظ عقب ما مرّ: وقد جمع ابن خُزَیمة والصبغی بین الحدیثین باحتمال أنّ الأذان کان نوباً بین بلال وبین أُمّ مکتوم، فکان النبیّ یُعْلِم الناس أنّ الأذان الأوّل منهما لا یحرّم علی الصائم شیئاً ولا یدلّ علی دخول وقت الصلاة بخلاف الثانی، وجزم ابن حِبّان بذلک ولم یُبْده احتمالاً، وأنکر ذلک علیه الضیاء وغیره....

قال الحافظ: وقیل لم یکن نوباً وإنّما کان لهما حالتان مختلفتان، فإنّ بلالاً کان فی أوّل ما شُرّع الأذان یؤذّن وحده ولا یؤذّن للصبح حتّی یطلع الفجر، وعلی ذلک

ص:320

تُحمَل روایة عروة عن امرأة من بنی النجّار قالت: کان بلال یجلس علی بیتی وهو أعلی بیت فی المدینة، فإذا رأی الفجر، تَمطّأ ثمّ أذّن، أخرجه أبو داود وإسناده حسن.

وروایة حمید عن أنس: أنّ سائلاً سأل عن وقت الصلاة، فأمر صلی الله علیه و آله بلالاً فأذّن حین طلع الفجر، الحدیث، أخرجه النسائی وإسناده صحیح.

ثمّ أردف بابن أُمّ مکتوم فکان یؤذّن بلیل، فاستمرّ بلال علی حالته الأولی، وعلی ذلک تنزل روایة أنیسة وغیرها، ثمّ فی آخر الأمر أُخّر ابن أُمّ مکتوم لضعفه، ووُکِّل به مَن یراعی له الفجر، واستقرّ أذان بلال بلیل، وکان سبب ذلک: ما رُوی أنّه کان ربّما أخطأ الفجر فأذّن قبل طلوعه وأنّه أخطأه مرّة، فأمره علیه السلام أن یرجع فیقول: ألا إنّ العبد نام. یعنی أنّ غلبة النوم علی عینیه منعته من تبیّن الفجر، وهو حدیث أخرجه أبو داود وغیره من طریق حمّاد بن سلمة عن أیّوب عن نافع، عن ابن عمر موصولاً مرفوعاً، ورواته ثِقات حُفّاظ.

لکنِ اتّفق أئمّة الحدیث: علی بن المدینی، وأحمد، والبخاری، والذهلی، وأبو حاتِم، وأبو داود، والترمذی، والأثرم، والدارقطنی، علی أنّ حمّاداً أخطأ فی رفعه، وأنّ الصواب وقفه علی عمر بن الخطّاب أنّه هو الذی وقع له ذلک مع مؤذّنه، وأنّ حمّاداً انفرد برفعه.

ومع ذلک فقد وُجد له متابع، أخرجه البیهقی من طریق سعید بن زَرْبیّ - بفتح الزای وسکون الرای بعدها موحدّة ثمّ بیاء النسبة - فرواه عن أیّوب موصولاً، لکنّ سعیداً ضعیف.

ورواه عبد الرزّاق عن معمَّر عن أیّوب أیضاً، لکنّه أعضله فلم یذکر نافعاً ولا ابن عمر، وله طریقٌ آخر عن نافع عن الدارقطنی وغیره اختُلف فی رفعها ووقفها أیضاً.

ص:321

وأخری مرسلة من طریق یوسف بن عبید وغیره عن حمید بن هلال، وأخری من طریق سعید بن قتادة مرسلة، ووصلها أبو یوسف عن سعید بذکر أنس.

فهذه طرق یُقوّی بعضها بعضاً قوّة ظاهرة، فلهذا - والله أعلم - استقرّ بلال یؤذّن الأذان الأوّل. انتهی((1)).

وقال ابن رجب فی (باب أذان الأعمی إذا کان له مَن یُخبره) بعد أن أتی بما حدّثه عبد الله بن مسلمة عن مالک، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبیه، أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال: إنّ بلالاً یؤذّن بلیل، فکلوا واشربوا حتّی ینادی ابن أُمّ مکتوم. وکان رجلاً أعمی، لا ینادی حتّی یقال له: أصبحتَ أصبحت.

کذا روی القعنبیّ هذا الحدیث عن مالک، ووافقه ابن أبی أویس وابن مهدی وعبد الرزاق وجماعة.

وهو فی «الموطّأ» عن ابن شهاب، عن سالم - مرسلاً، وکذا رواه الشافعیّ، والأکثرون عن مالک.

ورواه سائر أصحاب الزهریّ، عنه، عن سالم، عن أبیه - مسنداً -.

وقد خرّجه مسلم من روایة اللیث ویونس عن ابن شهاب کذلک، ولم یخرجه من طریق مالک.

ورواه معمَّر وابن إسحاق عن الزهری، عن ابن المسیّب مرسلاً أیضاً.

وقوله فی آخر الحدیث: «وکان رجلاً أعمی» قد أدرجه القعنبی فی روایته عن مالک فی حدیثه الذی خرّجه عنه البخاریّ، وکذا رواه أبو مسلم الکجی عن القعنبی.


1- شرح الزرقانی علی موطّأ مالک 1 : 154 - 155.

ص:322

وکذا رواه عبد العزیز بن [أبی] سلمة بن الماجشون، عن الزهریّ، عن سالم، عن أبیه، وأدرجه فی الحدیث.

وخرّج البخاریّ حدیثه فی موضع آخر.

والحدیث فی الموطّأ کلّه، عن ابن شهاب، عن سالم مرسلاً، فالذی فی آخره یکون من قول سالم حینئذٍ.

وقد بیّن جماعة من رواة (الموطّأ) أنّه من قول ابن شهاب، منهم: یحیی بن یحیی الأندلسی.

وقد رواه الجماعة عن القعنبیّ عن مالک، فأسندوا الحدیث، وجعلوا قوله: «وکان رجلاً أعمیٰ» إلی آخره من قول الزهری، منهم: عثمان بن سعید الدارمی والقاضی إسماعیل وأبو خلیفة الفضل بن الحُباب وإسحاق بن الحسن.

وروی هذا الحدیث ابن وهب، عن اللیث ویونس، عن ابن شهاب، عن سالم، عن أبیه فذکر الحدیث، وزاد: قال یونس فی الحدیث: وکان ابنُ أُمّ مکتوم هو الأعمی الذی أنزل الله فیه {عَبَسَ وَتَوَلَّی}، کان یؤذّن مع بلال.

قال سالم: وکان رجلاً ضریر البصر، ولم یکن یؤذّن حتّی یقول له الناس حین ینظرون إلی بزوغ الفجر: أذِّن. خرّجه البیهقی وغیره((1)).

أقول:

وعلیه، فقد عرفت أنّ القوم سعوا - وبجهدهم الجهید - أن یُلقوا تبعة «الصلاة خیر من النوم» علی بلال، لأنّه هو المؤذّن الشرعی لرسول الله، ولا خلاف فیه.

وبما أنّ بلالاً کان یؤذّن للأوقات جمیعاً ومنها وقت الصبح، وقد أخطأ مرّة فی


1- فتح الباری لابن رجب 3 : 498 - 499.

ص:323

تشخیص الوقت - کما یقولون - فقال له صلی الله علیه و آله : لا تؤذّن حتّی یستبین لک الفجر. فقد استغلّوا ذلک الخطأ للادّعاء بوجود ضعف فی بصره، فی حین أنّ الأمر لم یکن کما قالوا، بل هو اتّهام یعرفه من وقف علی تاریخ الوقائع والأحداث، إذ لم یکن بلالٌ علی وفاق مع الشیخین، حسبما وضّحناه فی الکتاب الأوّل من هذه الدراسة «حی علی خیر العمل»((1)).

ثمّ إنّ أذانه وأذان غیره - کعبد الله بن زید بن عبد ربّه الأنصاری وابن أُمّ مکتوم - لم یکن فیه «الصلاة خیر من النوم»، وإنّ النهج الحاکم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله کان یسعی لإضافة هذه الجملة فی الأذان، وبلال لا یمکنه مسایرتهم، فلزم بیته ولم یؤذّن لأحدٍ من الخلفاء((2))، حتّی جاء عن الإمام الصادق قوله: رحم الله بلالاً، فإنّه کان یحبّنا أهل البیت.

وقد روی أبو بصیر عن أحد الصادِقَین (الباقر أو الصادق علیهما السلام ) أنّ بلالاً کان عبداً صالحاً، فقال: لا أُؤذّن لأحد بعد رسول الله، فتُرک یومئذٍ «حیّ علی خیر العمل»((3)).

وفی (تهذیب الأسماء) للنووی: فلمّا وُلّی أبوبکر الخلافة وترک بلال الأذان، نقله [أی نقل سعدَ القرظ] أبوبکر إلی مسجد رسول الله لیؤذّن فیه، فلم یزل یؤذّن فیه حتّی مات فی أیّام الحجّاج بن یوسف الثقفی، وتوارث بنوه الأذان، وقیل: الذی نقله عمرُ بن الخطّاب((4)).


1- انظر الفصل الثانی منه «حذف الحیعلة وامتناع بلال عن التأذین».
2- انظر: الاختصاص للمفید: 73.
3- مَن لا یحضره الفقیه 1 : 184 / ح 872.
4- تهذیب الأسماء 1 : 207.

ص:324

وقال المزّی: ویقال: إنّه لم یؤذّن بعد النبیّ إلّا مرّة واحدة فی قُدمةٍ قَدِمها لزیارة النبی ... ((1)).

نعم، إنّهم اعتبروا ابنَ أُمّ مکتوم مؤذّنَ الفجر، لکی یصحّحوا سرّ عدم اشتهار تأذین بلال ب- «الصلاة خیر من النوم»!

فأبعدوا بلالاً عن مجریات الوقائع، أو قل: هو ابتعد، فنفوا عنه أذانه فی الصبح وحصروه فی غیره من الأوقات الشرعیّة، لأنّ أذان الصبح صار من حصّة الأعمی، قالوا بذلک وهم یعلمون بکراهة أذان الأعمی وعدم إحراز الاطمئنان بأذانه إلّا عن طریق إخبار الثقة إیّاه.

فنحن نسایرهم ونقول لهم: إنّا لو قبلنا کلامکم هذا ، وأنّ بلالاً کان یؤذّن بلیل، فمعناه عدم شرعیّة «الصلاة خیر من النوم» عنده، لأنّ الأذان باللیل الذی نسمعه الیوم عند المسلمین لیس فیه تثویب، بل التثویب هو فی أذان الفجر، وهذا یؤکّد أنّ هذه الإضافة لم تکن فی الأذان الشرعی.

فإن قلتم إنّه کان فی أذان بلال علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، لکنّه رُفع عن أذان اللیل وأُدخل فی أذان الفجر.

قلنا: هل أُدخِل فی عهد رسول الله أم بعده؟

فلو کان فی عهده، فهل بعد منصرفه من حُنین کما جاء عن أبی محذورة، أو فی أخریات حیاته؟

فلو قیل بالأوّل فقد عرفت بأنّ الکثیر من علماء أهل السنّة کمالک والشافعی وابن رشد وغیرهم قد شکّوا فی المرویّ عن أبی محذورة!


1- تهذیب الکمال 4 : 289، وانظر: دفع الشبهة عن الرسول للحصنی الشافعی: 182.

ص:325

وإن قیل بأنّه شُرّع من بعده فهو إبداع وإحداث فی الدین، وهذا ما وصلنا إلیه وثبّتناه.

نعم، لا نستبعد أذان بلال فی اللیل علی نحو الإشعار والتنبیه ، وذلک هو نداء ولیس بأذان شرعی.

الأعمی وکراهة أذانه

قال العسقلانی فی (فتح الباری): وعلی هذا القید یُحمَل ما روی ابن أبی شیبة وابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبیر وغیرهما، أنّهم کرهوا أن یکون المؤذّن أعمی.

وأمّا ما نقله الثوری عن أبی حنیفة وداود أنّ أذان الأعمی لا یصحّ، فقد تعقّبه السروجی بأنّه غلط علی أبی حنیفة، نعم فی (المحیط) للحنفیة أنّه یُکره ... ((1)).

ونقل النووی عن أبی حنیفة أنّ أذان الأعمی لا یصح، قلت: هذا غلط، لم یقل به أبو حنیفة وإنّما ذکر أصحابنا أنّه یُکره، ذکره فی (المحیط) وفی (الذخیرة) و(البدائع) غیرُه أحبّ، فکأنّ وجه الکراهة لأجل عدم قدرته علی مشاهدته دخول الوقت، وهو فی الأصل مبنیٌّ علی المشاهدة((2)).

وفی (المغنی) لابن قدامة قال عن المؤذّن وما یجب أن یکون فیه: أن یکون عالماً بالأوقات لیتحرّاها فیؤذّن فی أوّلها، ولأنّه إذا لم یکن عالماً لا یُؤمَن منه الغلط والخطأ. ویستحبّ أن یکون بصیراً، لأنّ الأعمی لا یعرف الوقت فربّما غلط.


1- فتح الباری للعسقلانی 2 : 79.
2- عمدة القاری 5 : 128.

ص:326

وکره أذان الأعمی: ابن مسعود، وابن الزبیر، وعن ابن عباس أنّه یُکره إقامته وإن أذّن صحّ أذانه، لأنّ ابن أُمّ مکتوم ... ((1)).

وفی (ردّ المحتار علی الدر المختار) المعروف ب- (حاشیة ابن عابدین): (قوله: وأعمی) لا یَرِد علیه أذان ابن أُمّ مکتوم الأعمی، فإنّه کان معه من یحفظ علیه أوقات الصلاة، ومتی کان ذلک یکون تأذینه وتأذین البصیر سواء، ذکره شیخ الإسلام معراج، وهذا بناءً علی ثبوت الکراهة فیه، وقد مرَّ الکلام فیه، وإلّا فلا ورود((2)).

* * *

وبهذا نکون قد عرفنا أنّ أذان الأعمی لوقت الفجر، أو الأذان قبل الفجر، فیه کلام کثیر بین فقهاء الجمهور، وهو یشیر إلی وجود صراع فقهی بین المسلمین فی هذه المسألة، فالبعض یجیزه والآخر ینفیه علی تفاوتٍ فی الأقوال، فبعضها معقولة وأخری متطرّفة.

وإنّ ما نسبوه إلی بلال وقوله «الصلاة خیر من النوم» - إن صحّ - فقد کان مقطعیّاً وللتنبیه والإشعار، ویؤیّده قول الشافعی فی کتابه «الأُم» باب جماع الأذان:

الأذان للمکتوبات، ولم یحفظ عنه أحد علمتُه أنّه أمر بالأذان لغیر المکتوبة، وإذا کان فکان یقال: «الصلاة خیر من النوم» لا فی الأذان بفصوله((3)).

أی إنّه کان یؤذّن للصبح بلیل؛ لیدلج المدلج وینتبه النائم فیتأهّب لحضور الصلاة ((4)).


1- الشرح الکبیر 1 : 429.
2- حاشیة ابن عابدین 1 : 262.
3- الأُم 1 : 82 - باب جماع الأذان.
4- الأُم 1 : 73.

ص:327

3 - إمامان لصلاةٍ واحدة!
اشارة

إنّ صلاة أبی بکر مکان رسول الله هی أحد أهمّ الأدلّة العقائدیة للجمهور علی إمامته وخلافته، وقد جیء بها لمعارضة ما یستدلّ به الشیعة الإمامیة علی إمامة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام من قرآن وسُنّة.

وإنّی لا أُرید أن أدخل فی مناقشة هذه المسألة، وإن کانت فی نظری هی جدیرة بالبحث والدراسة بشکلٍ عمیق، لکنّی أکتفی بما یرتبط بموضوعی مؤکّداً أنّ مسألة التثویب = ترتبط بمسألة صلاة أبی بکر، ولا یمکن فهم إحداهما إلّا بعد فهم الأخری.

فأغلب النصوص فی صلاة أبی بکر توحی أنّ عائشة کان لا یعجبها أن یکون أبوها ممّن یخلف رسول الله فی الصلاة، بدعوی أنّه رجل أسیف ورقیق القلب ولا یمکنه أن یقوم مقام رسول الله، وإذا قام وقرأ غلبه البکاء ولا یسمع الناس قراءتَه!

وفی بعض النصوص تراها تقترح علی رسول الله صلی الله علیه و آله أن یبدّل أباها بعمر بن الخطّاب وتطلب من حفصة أن تعینها لتحقیق أمنیّتها، لکنّ رسول الله لم یقبل اقتراحهنّ وقد ردّهنّ بحیث إنّ هذا الأمر أغاض حفصة فقالت لعائشة: ما کنت لِأُصیبَ منکِ خیراً! ((1))


1- صحیح البخاری 1 : 172 - 173، باب الرجل یأتمّ بالإمام ویأتمّ الناس بالمأموم، صحیح مسلم 2 : 22 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، سنن ابن ماجة 1 : 389 /1232 - باب ماجاء فی صلاة رسول الله فی مرضه، سنن النسائی (المجتبی) 2 : 77 - 78 - باب الائتمام بالإمام یصلّی قاعداً، مسند أحمد 6 : 224 /حدیث عائشة، الطبقات الکبیر - باب ذکر الصلاة التی أمر بها رسول الله صلی الله علیه و آله أبابکر عند وفاته، أنساب الأشراف 1 : 557 / 1131 - باب أمر رسول الله صلی الله علیه و آله حین بُدِئ.

ص:328

وفی نصوص أخری عن عائشة یتبیّن منها أنّ سبب سعیها کان لإرجاع النبیّ عن رأیه، فتقول:

وما حملنی علی کثرة مراجعته إلّا أنّه لم یقع فی قلبی أن یُحبّ الناس بعده رجلاً قام مقامه أبداً، ولا کنت أری أنّه لن یقوم أحد مقامه إلّا تشاءم الناس به، فأردتُ أن یعدل ذلک رسول الله صلی الله علیه و آله عن أبی بکر((1)).

وفی نصّ آخر: فراجعتُه مرّتین أو ثلاثاً لیصلّی بالناس أبوبکر، [فقال:] فإنکنَّ صواحب یوسف.

إذن تکرار هذه الجملة لحفصة وعائشة «فإنکنّ صواحب یوسف» یؤکّد عدم ارتیاح النبیّ من فعلهنّ، وقد یکون فیه إشارة إلی مکرهنّ وأنّهنّ کنّ وراء مخطّط تنصیب ابن أبی قحافة للصلاة فی مرض النبی صلی الله علیه و آله .

فلو کان الرسول هو الذی عیّن أبابکر للصلاة لَما رجع باللوم علیهنّ، ولا بادر إلی الخروج إلی المسجد وهو علی تلک الحال.

إذن، فجملة «فإنکنّ صواحب یوسف» وأمثالها لیست کما فسّروها، لأنّ ما قالوه یعنی أنّ النبیّ وضع المَثل - وحاشاه - فی غیر موضعه! مع أنّه إمام الفصاحة والبیان، والقائل: «أُوتیتُ جوامعَ الکَلِم»، فلا یُعقل أن یکون هذا النص صادراً عن رسول الله لعدم امتثالهنّ لأوامره فی تعیین أبی بکر للصلاة، بل الأمر هو


1- صحیح مسلم 2 : 22 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، الطبقات الکبیر 2 : 18 - باب ذکر أمر رسول الله أبابکر یصلّی بالناس فی مرضه، السنن الکبری للبیهقی 8 : 152 - باب ما جاء فی تنبیه الإمام علی من یراه أهلاً للخلافة بعده، مسند أبی عوانة 2 : 152 - باب الصلاة.

ص:329

عکس ذلک، فإنّ صویحبات یوسف کنّ یردن إطاعة یوسف لهن فیما أردن، مع أنّ ذلک کان فیه معصیة الله.

وقد تکون الجملة صدرت من النبی لتواطئهما علی تنصیب أبی بکر للصلاة دون رضاه، وهذا هو الذی حکاه ابن أبی الحدید عن شیخه أبی یعقوب بن إسماعیل اللمعانی حول ما دار بین أمیر المؤمنین وعائشة، جاء فیه:

«... وکان علی علیه السلام یذکر هذا لأصحابه فی خلواته کثیراً، ویقول: إنّه لم یقل صلی الله علیه و آله : «إنّکنّ لَصُوَیحبات یوسف» إلّا إنکاراً لهذه الحال وغضباً منها، لأنّها [أی عائشة] وحفصة تبادرتا إلی تعیین أبوَیهما، وأنّه استدرکها بخروجه وصَرَفَه عن المحراب، فلم یُجْدِ ذلک ولا أثَّرَ، مع قوّة الداعی الذی کان یدعو إلی أبی بکر ویمهّد له قاعدة الأمر؛ وتقرّر حاله فی نفوس الناس ومَنِ اتّبعه علی ذلک من أعیان المهاجرین والأنصار....

فقلت له رحمه الله: أفتقول أنت: إنّ عائشة عیّنت أباها للصلاة ورسول الله صلی الله علیه و آله لم یعیّنه؟

فقال: أمّا أنا فلا أقول ذلک، ولکنّ علیّاً کان یقوله، وتکلیفی غیر تکلیفه، کان حاضراً ولم أکن حاضراً...» ((1)).

بل هناک نصوص أخری تشیر إلی أنّ هناک محاولة من جهات خاصّة لتنصیب آبائهم هذا المنصب ورسول الله لا یریده، بل یؤکّد طلبه صلی الله علیه و آله علی دعوة الإمام علی


1- شرح نهج البلاغة 9 : 197 - 198.

ص:330

إلیه، وسنأتی بتلک الأخبار فی آخر الکتاب إن شاء الله تعالی.

وفی (سنن ابن ماجة) بسنده عن الأرقم بن شرحبیل عن ابن عباس قال:

لمّا مرض رسول الله صلی الله علیه و آله مرضه الذی مات فیه، کان فی بیت عائشة، فقال: ادعوا لی علیّاً.

قالت عائشة: یا رسول الله، ندعوا لک أبابکر؟ قال: ادعوه.

قالت حفصة: یا رسول الله ندعوا لک عمر؟ قال: ادعوه.

قالت أُمّ الفضل: یا رسول الله ندعوا لک العبّاس؟ قال: نعم.

فلمّا اجتمعوا رفع رسول الله صلی الله علیه و آله ، فنظر فسکت، فقال عمر: قوموا عن رسول الله. ثمّ جاء بلال یؤذنه بالصلاة، فقال: مُروا أبابکر فلیصلِّ بالنّاس((1))... إلی آخر الروایة التی فیها قول عائشة فی أبیها أنّه: رجل رقیق ومتی لا یراک یبکی... إلی أن تقول: فخرج یُهادیٰ بین رجلین، ورجلاه تَخطّان الأرض ... فکان أبوبکر یأتمّ بالنبیّ صلی الله علیه و آله والناس یأتمون بأبی بکر!

وفی بعض الروایات قال صلی الله علیه و آله : ادعوا لی أخی - کما جاء عن عبد الله بن عمرو: أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قال فی مرضه: ادعوا لی أخی، فدعوا أبابکر فأعرض عنه.

ثمّ قال: ادعوا لی أخی، فدعوا له عمر فأعرض عنه. ثمّ عثمان کذلک.

ثمّ قال: ادعوا لی أخی. فدَعَوا له علیّاً فسرّه بثوبه وانکبّ علیه، فلمّا خرج قیل: یا أبا الحسن، ماذا قال لک؟ قال: علّمنی ألف باب، یفتح کلُّ باب ألفَ باب((2)).


1- سنن ابن ماجة 1 : 391 /1235 ما جاء فی صلاة النبی، وانظر: مشکل الآثار 2 : 27، المعتصر من المختصر من مشکل الآثار 1 : 39، تاریخ الطبری 1 : 1810 و 3 : 196..
2- تاریخ الإسلام 3 : 311، البدایة والنهایة 7 : 369، مختصر تاریخ دمشق 5 : 411.

ص:331

وأنت تری فی هذه النصوص أنّ عائشة وحفصة - وأمّ الفضل فی روایة - کنّ یُرِدْنها لآبائهنّ.

وفی (صحیح البخاری): کانت عائشة زوج النبی صلی الله علیه و آله تحدّث أنّ رسول الله صلی الله علیه و آله لمّا دخل بیتی واشتدَّ به وجعُه قال: أهریقوا عَلیَّ مِن سبع قِرب لم تحلل أو کیتُهُنّ لعلی أعهَدُ إلی الناس.

فأجلسناه فی مخضبٍ لحفصة زوج النبی صلی الله علیه و آله ، ثمّ طفقنا نَصُبُّ علیه من تلک القِرب حتّی طفقَ یشیر إلینا بیده: إنْ قد فعلتُنّ! قالت: ثمّ خرج إلی الناس فصلّی لهم [خ ل: بهم] وخطبهم... ((1)).

فهذا النصّ وغیره فیه تنویه وتصحیح لمدّعانا، وکما فیه إشارة إلی مؤامرة کانت حِیکت علی الرسول والرسالة، ویؤکّد ذلک تضاربُ الأخبار عندهم، وضعف استدلالهم فی کثیر من الموارد، فإنّه لو صحّ استدلالهم علی خلافة أبی بکر من خلال إمامة الصلاة لاستدلّ به کثیر من أصحاب رسول الله أمثال: أُسامة بن زید، وعبد الرحمن بن عوف، وابن أُمّ مکتوم((2))، وصهیب الذی قدّمه عمر للصلاة مکانه بالمهاجرین والأنصار.

وقد وقفتَ علی کلام ابن تیمیة سابقاً، مع التنویه علی أنّ إمامة الصلاة عندهم لیس فیها مزید شرف وفضیلة للإمام، لأنّهم یجیزون الصلاة خلف کلّ بَرّ وفاجر!

فلو صحَّ کلامهم هذا، فما فائدة استدلالهم علی الخلافة الظاهریة لأبی بکر من


1- صحیح البخاری 6 : 14 - باب مرض النبیّ صلی الله علیه و آله ووفاته.
2- سنن أبی داود 1 : 98 - باب إمامة الأعمی.

ص:332

خلال الصلاة بالمسلمین؟!

والسؤال الذی یرد هنا: هل الإمام فی تلک الجماعة هو أبوبکر أم رسول الله؟ أو إنّهما کانا إمامین معاً علی وجه الاشتراک کما یقولون؟!

فإن قیل بالرأی الأوّل وأنّ الإمام هو أبوبکر والمأموم هو النبیّ، فذلک یعنی وجود مَن هو أفضل من النبی فی أُمّته! وهو کلام باطل لا یقبله أیُّ أحدٍ من المسلمین!!

وإن قیل بالرأی الثانی وأنّ الإمام هو رسول الله والمأموم أبوبکر، فلا تُثْبت تلک الصلاة أیّة فضیلة لأبی بکر کما لا تثبت له الخلافة، فهو کغیره من المسلمین الذین حضروا الصلاة، بل إنّ تنحّیه عن مکانه وإعطاء المکان لرسول الله صلی الله علیه و آله قد یُفهَم منه عدم تکلیفه من قبل رسول الله وعدم صلاحیّته لإمامة الصلاة!

لأنّ الکلّ یعلم أنّ تلک الصلاة کانت الأخیرة لرسول الله، ثمّ بعدها فارق الحیاة صلی الله علیه و آله ، وکان خروجه وهو بتلک الحال یشیر إلی عدم رضاه بإمامة أبی بکر للصلاة.

وإن قیل بالرأی الثالث، فمعناه جواز أن یکون لکلّ صلاة إمامان، لأنّه فِعلُ رسول الله، وإنّ فعل رسول الله هو حجّة علی المسلمین، بینما وجود إمامین لصلاة واحدة أمرٌ لا یقول به أحد.

إنّ ما نحن فیه یرتبط بالوجه الثالث، ونحن نرید أن نناقشه لکی نبیّن من خلاله کیفیة وقوع اللَّبس عندهم، وکیف صار هذا المدّعی أصلاً عندهم یؤخذ به فی العقائد ولا یُعمَل به فی الفقه!

ونحن ندرس أفکار ومبتنیات هذه المدرسة لا اعتقاداً منّا بوقوع الصلاة وصحّته، بل نبحثها تماشیاً مع مرتکزات الآخرین وإن کانت تخالف معتقداتنا وما نذهب إلیه.

فنحن لا یمکننا أن نقبل بإمامة أبی بکر للصلاة، لأنّه فی اعتقادنا قد تخلّف عن

ص:333

جیش أُسامة الذی أمر رسول الله بتجهیزه قبل مرضه وموته، وقد لعن النبیُّ صلی الله علیه و آله

المتخلّفین عن جیش أُسامة، فالنصوص التاریخیة تؤکّد أنّ کبار الصحابة - ومن جملتهم أبوبکر وعمر - کانوا ضمن البعث. فإذا کانا ضمن البعث فرجوعهم إلی المسجد والصلاة بالمسلمین یعنی تخطّیهم أوامر رسول الله صلی الله علیه و آله .

قال ابن حجر العسقلانی فی (فتح الباری - باب بعث النبی أسامة فی مرضه الذی تُوفّی فیه):

... کان تجهیز أُسامة یوم السبت قبل موت النبی بیومین، فبدأ برسول الله وجعه فی الیوم الثالث، فعقد لأسامة لواءً بیده، فأخذه أُسامة فدفعه إلی بُرَیدة وعسکر بالجرف.

وکان ممّن انتدب مع أُسامة کبارَ المهاجرین والأنصار، منهم أبوبکر وعمر وأبو عبیدة وسعد وسعید وقَتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم، فتکلّم فی ذلک قوم ... (إلی أن قال:) ثمّ اشتدّ برسول الله

صلی الله علیه و آله وجعه، فقال: أنفذوا بعث أُسامة.

وقد روی ذلک عن الواقدی: ابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزی، وابن عساکر((1)).

هذا أوّلاً.

وثانیاً: إنّ نصوصاً أُخری وردت فی المصادر الحدیثیة والتاریخیة تؤکّد أنّ أبابکر کان غائباً حینما قال رسول الله: مُروا أبابکر فلیصلِّ بالناس. وإنّ غیابه هذا هو الذی


1- فتح الباری 8 : 124. وفی بعض المصادر، مثل: شرح المواقف 8 : 376، والملل والنحل للشهرستانی 1: 29: لعن الله مَن تخلّف عن بعث أُسامة! بدل : (أنفذوا بعث أُسامة).

ص:334

دعا عبدَ الله بن زمعة أن یُعیّن عمرَ بن الخطّاب.

ففی (سنن أبی داود): لمّا استُعِزَّ برسول الله صلی الله علیه و آله وأنا عنده فی نفر من المسلمین، دعاه بلال إلی الصلاة، فقال: مروا من یصلّی بالناس. فخرج عبد الله بن زمعة، فإذا عمر فی الناس، وکان أبوبکر غائباً، فقلت: یا عمر، قم فصلّ بالناس. فتقدّم فکبَّر، فلمّا سمع رسول الله صلی الله علیه و آله صوته، وکان عمر رجلاً مُجْهِراً، قال صلی الله علیه و آله : فأین أبوبکر؟ یأبی الله ذلک والمسلمون، یأبی الله ذلک والمسلمون. فبعث إلی أبی بکر فجاء بعد أن صلّی عمر الصلاة، فصلّی بالناس((1)).

وفی خبر آخر: «فأرسلنا إلی أبی بکر».

وفی ثالث: «قال عبد الله بن زمعة لعمر: لمّا لم أر أبابکر رأیتُک أحقَّ من غیره بالصلاة»((2)).

وفی (الطبقات الکبری) قال:

«عدتُ رسول الله صلی الله علیه و آله فی مرضه الذی تُوفّی فیه، فجاءه بلال یؤذّنه بالصلاة، فقال لی رسول الله صلی الله علیه و آله : مُرِ الناس فلیصلّوا، قال عبد الله: فخرجت فلقیت ناساً لأُکلّمهم، فلمّا لقیت عمر بن الخطاب لم أبغِ من وراءه، وکان أبوبکر غائباً، فقلت


1- سنن أبی داود 2 : 519 - فی استخلاف أبی بکر، مسند أحمد بن حنبل 4 : 322 /حدیث عبد الله ابن زمعة، المستدرک علی الصحیحین 3 : 640 - 641، ذِکر عبد الله بن زمعة بن الأسود، البدایة والنهایة 5 : 231 - 232، أحداث 11 ه-، الاستیعاب 3 : 969 - 970، تاریخ مشق 31 : 48 - عتیق، أبوبکر.
2- الطبقات الکبری 2 : 20 - 21، ذکر أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أبابکر، أنساب الأشراف 1 : 554 - 555 /1126 - باب أمر رسول الله صلی الله علیه و آله حین بُدِئ، تاریخ دمشق 31 : 48 - 49، عتیق، أبوبکر، نهایة الإرب 18 : 370 - 371 - عن: الطبقات.

ص:335

له: صلّ بالناس یا عمر. فقام عمر فی المقام، فقال عمر: ما کنت أظنّ حین أمرتنی إلّا أنّ رسول الله أمرک بذلک، ولولا ذلک ما صلّیتُ بالناس! فقال عبد الله: لمّا لم أرَ أبابکر رأیتک أحقّ من غیرک بالصلاة»((1)).

فمع ثبوت کون ابن أبی قحافة فی بعث أُسامة لا یتّفق أمر رسول الله أبابکر بالصلاة مکانه مع تخلّفه عن جیش أُسامة! ثمّ إنّ خروجه صلی الله علیه و آله وحضوره الصلاة وهو متّکئ علی رَجُلین من أهل بیته وقوله لعائشة وحفصة: «إنْ قد فَعَلتُنّ!» لیشیر إلی أنّ أمر إمامة الصلاة لأبی بکر لم یکن بعلمه فضلاً عن أنّه لم یکن بأمره، بل کان ذلک من فعلهنّ!

ولبیان أبعاد هذه المسألة لابدّ من إعطاء صورة مختصرة عن المسجد النبوی الشریف وموقع بیوت النبیّ صلی الله علیه و آله فیه.

المسجد النبوی، وحجرة النبی وبیوت أزواجه

إنّ النبیّ الأعظم صلی الله علیه و آله حینما هاجر إلی یثرب = المدینة المنوّرة کان أوّل ما فعله هو بناء المسجد فیه، ثمّ بنی علی یسار المسجد حجرتین: إحداهما لابنته فاطمة الزهراء علیها السلام والأخری لفاطمة بنت أسد أُم أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام ، ثمّ بنی بعد ذلک فی قبلة المسجد بیوتاً لأزواجه علی أن لا تدخل إحداهنّ فی بیت الأخری إلّا بإذنها، وقد جاء ذکر تلک البیوت فی القرآن الکریم إذ قال سبحانه: {وَقَرْنَ فِی بُیُوتِکُنَّ ... * وَاذْکُرْنَ مَا یُتْلَی فِی بُیُوتِکُنَّ مِنْ آیَاتِ اللهِ وَالْحِکْمَةِ ...}((2)).


1- الطبقات الکبری 2 : 220.
2- الأحزاب: 33 - 34.

ص:336

کما أنّه سبحانه أمر المؤمنین بعدم دخول بیوت النبیّ إلّا بإذنه وإذن أزواجه، فقال سبحانه: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُیُوتَ النَّبِیِّ إِلاَّ أَنْ یُؤْذَنَ لَکُمْ}((1)).

إذن، فبیت فاطمة الزهراء علیها السلام کان أوّل بیت بناه رسول الله بعد مسجده، وقد اختصَّ هذا البیت بنفسه بعد أن انتقلت الصدّیقة الطاهرة فاطمة الزهراء إلی بیت بعلها أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب، فکان هذا البیت محلّ عبادة رسول الله صلی الله علیه و آله ومناجاته لربّه، وهو محلّ لمن یرید أن یخلو به من المؤمنین، ولم یُسکِن فیه أحداً من أزواجه، وصار هذا البیت محلاً لدفنه بوصیّة منه.

وبعد وفاة رسول الله وفاطمة الزهراء انتقلت عائشة من بیتها الذی هو فی قبلة المسجد إلی هذا البیت، وهذا هو الذی فسح لها المجال أن تدفن فیه الشیخین بدون استئذان أحد من نسائه أو أولاده وأسباطه وأحفاده، بل منعت الحسن السبط علیه السلام من الدفن بجوار جدّه رسول الله صلی الله علیه و آله ممّا أساء بعضَ الصحابة وأهل البیت خصوصاً ابن عبّاس((2)).

وممّا یؤکّد کلامنا، وأنّ حجرة عائشة کانت فی قبلة المسجد، هو النصوص المحکیّة، فقد جاء عن أنس بن مالک بطرق متعدّدة، وکذا جاء عن غیره، منه ما هو مرویّ فی (صحیح البخاری) عن عقیل عن ابن شهاب، قال: أخبرنی أنس قال:

بینما المسلمون فی صلاة الفجر، لم یَفْجأْهم إلّا رسول الله صلی الله علیه و آله کشف سِتْر حُجرة عائشة، فنظر إلیهم وهم صفوف، فتبسّم یضحک ونکص


1- الأحزاب: 53.
2- انظر تفاصیل ما قلناه فی کتاب «أین دُفن النبی؟» لمحمّد علی بُرو.

ص:337

أبوبکر رضی الله عنه علی عقبیه لیصل له الصف، فظنّ أنّه یرید الخروج، وهمَّ المسلمون أن یفتتنوا فی صلاتهم، فأشار إلیهم: أتمّوا صلاتکم. فأرخی الستر وتُوفیّ من آخر ذلک الیوم((1)).

وفیه أیضاً عن شعیب عن الزهری:

فکشف النبیّ صلی الله علیه و آله ستر الحجرة ینظر إلینا وهو قائم کأنّ وجهه ورقة مصحف، ثمّ تبسّم یضحک، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤیة النبیّ صلی الله علیه و آله فنکص أبوبکر علی عقبیه لیصل الصفّ .... ((2)).

فهذه النصوص وأمثالها تُفهِم وبوضوح أنّ حجرة عائشة کانت فی قبلة المسجد لا علی یساره کما یقولون، لأنّ النبیّ حینما کشف الستر أخذ ینظر إلی المسلمین وینظرون إلیه بحیث أمکنهم أن یصفوه «... وهو قائم کأنّ وجهه ورقة مصحف»، وهذا لا یکون إذا تصوّرنا کون بیت عائشة علی یسار المسجد، إذ لا یجوز للمسلم أن یلتفت فی صلاته إلی الیمین أو الشمال أو الخلف، إلّا أن نقول بأنّهم کانوا قد رأوه قبل أن یبدؤوا بالصلاة، هذا من جهة.


1- صحیح البخاری 1 : 181 - باب هل یُلتفَت لأمر ینزل به، التاریخ الصغیر 1 : 27 - باب وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله ، الثقات لابن حبّان 2 : 129 - 130، مسند أحمد بن حنبل 3 : 163، و ج 3 : 196، و ج 3 : 197، مسند أنس بن مالک! مسند أبی عوانة 2 : 129 - 130 کتاب الصلاة، سیرة ابن هشام 4 : 302 - 303 باب تمریض رسول الله فی بیت عائشة، تاریخ الطبری 3 : 198 - أحداث سنة 11 ه-.
2- صحیح البخاری 1 : 164 - کتاب الصلاة، باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة، صحیح مسلم 2 : 24 - باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، التاریخ الصغیر 1 : 27 - باب وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله ، الطبقات الکبیر 2 : 17 - 18.

ص:338

ومن جهة أخری فإنّ خبر أنس الآنف لا یتّفق مع الأخبار الأخری المرویّة عن عائشة وعن غیرها، فإنّه صلی الله علیه و آله خرج إلی المسجد وهو متّکئ علی العباس ورجلٍ آخر.

فلا ندری أنأخذ بخبر أنس أو بخبر عائشة، أو بخبر غیرهما؟!

فهناک اضطرابٌ کبیر مشهود فی روایات صلاة أبی بکر، فلا ندری ما الذی یصحّ فیه:

هل هو المتواتر المشهور عندهم وأنّ رسول الله قال: مُروا أبابکر فلیصلِّ بالناس. وعائشة تخالف وتشاکس کلامه.

أو الموجود فی النصوص الأخری بأنّه صلی الله علیه و آله لم یعیّن أحداً وترک الأُمّة لشأنها، وأنّ عبد الله بن زمعة اختار عمر بن الخطاب لعدم وجود أبی بکر!

لا ندری ما الصحیح، فإذا کان رسول الله قد عیّن أبابکر للصلاة فلماذا یکون سؤاله فی مرضه: أصلّی الناس؟ وسماعه لجواب نسائه: لا، هم ینتظرونک لثلاثة مرّات. ثمّ طلب الرسول أن یضعوا له ماء فی المخضب مرّة أخری لیغتسل وهم یفعلون ذلک، فیغمی علیه ثمّ یفیق ویسأل السؤال السابق ویسمع الجواب بنفسه، وأخیراً حینما سمع بصلاة أبی بکر وجد فی نفسه خفّة خرج بین رجلین إلی المسجد، فلمّا رآه أبوبکر ذهب لیتأخّر، فأومأ النبیّ بأن لا یتأخّر وقال:

أجلِسانی إلی جنبه. فأجلساه إلی جنب أبی بکر، فجعل أبوبکر یصلّی قائماً وهو یأتمّ بصلاة النبیّ والناس بصلاة أبی بکر، والنبی قاعد((1)).


1- مسند أحمد بن حنبل 2 : 52 - 53، و ج 7 : 152 - 153 مسند عبد الله بن عمر، صحیح البخاری 1 : 166 - 167 کتاب الصلاة، صحیح مسلم 2 : 20 - 21 باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، سنن النسائی (المجتبی) 2 : 78 - 79 باب الائتمام بالإمام یصلّی قاعداً، سنن الدارمی 1 : 230 - 231 /1260 باب فیمن یصلّی خلف الإمام والإمام جالس.

ص:339

وفی آخر عن عائشة: وخرج النبی صلی الله علیه و آله یُهادَی بین رجلین کأنّی أنظر إلیه یَخُطُّ برجلیه الأرض، فلمّا رآه أبوبکر ذهب یتأخّر، فأشار إلیه أنْ صلّ، فتأخّر أبوبکر وقعد النبیّ صلی الله علیه و آله إلی جنبه، وأبوبکر یُسمع الناس التکبیر((1)).

وفی ثالث: ... فلمّا رآه أبوبکر ذهب لیتأخّر، فأومأ إلیه رسول الله صلی الله علیه و آله بیده، فأتی برسول الله صلی الله علیه و آله حتّی أُجلس إلی جنبه، فکان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی بالناس، وأبوبکر یُسمعهم التکبیر((2)).

وفی رابع: ... حتی دخل المسجد، فلمّا سمع أبوبکر حِسَّه ذهب أبوبکر یتأخّر، فأومأ إلیه رسول الله

صلی الله علیه و آله [قم مکانک]، فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی جلس عن یسار أبی بکر، فکان أبوبکر یصلّی قائماً، وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی قاعداً، یقتدی أبوبکر بصلاة رسول الله صلی الله علیه و آله والناس مقتدون بصلاة أبی بکر((3)).

إذن فالأخبار متشابکة، وقد تکون فی بعض الأحیان متضاربة! وأنا لست بصدد مناقشتها وإن کنتُ أبحث بینها عمّا أرید أن أُثبته وادعمه فی دراستی هذه، فالذی أستفیده من مجموع الروایات أنّ أغلب ما استُدِلّ به علی صلاة أبی بکر کان


1- صحیح البخاری 1 : 172 - باب من أسمع الناس التکبیر، سنن البیهقی 3 : 94 - باب من أباح الدخول فی صلاة الإمام بعد ما افتتحها، مسند أبی عوانة 2 : 126 - 127 کتاب الصلاة.
2- مسند أبی عوانة 2 : 126 - 127 کتاب الصلاة.
3- صحیح البخاری 1 : 172 - 173 باب الرجل یأتمّ بالإمام ویأتمّ الناس بالمأموم، صحیح مسلم 2 : 22 - 23 باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، سنن ابن ماجة 1 : 389 /1232 - باب ما جاء فی صلاة رسول الله فی مرضه، سنن النسائی (المجتبی) 2 : 77 - 78 باب الائتمام بالإمام یصلّی قاعداً، مسند أحمد بن حنبل 6 : 224 /حدیث عائشة، أنساب الأشراف 1 : 557 /1131 - باب أمر رسول الله صلی الله علیه و آله حین بُدِئ، السنن الکبری للبیهقی 3 : 304 - باب صلاة المریض.

ص:340

من روایات عائشة، وأنّ ما رُوی عن غیرها من الصحابة قد أُخِذ عنها أو حُکی عن لسانها.

فتلک الأخبار تارةً تشیر إلی أنّ النبیّ نظر إلیهم من الحجرة ولم یخرج إلیهم، وأخری أنّه خرج إلیهم وهو متّکئ علی العباس ورجل آخر، وفی خبرٍ آخر: علی بریرة ورجل آخر، وفی ثالث: علی نومة وبریرة((1)).

وتارةً تراه صلی الله علیه و آله یکشف الستر وهم فی صلاة الظهر، وأخری وهم فی العشاء الآخرة، وثالثة فی الصبح.

وخامسة: تری رسول الله لم یعیّن لهم شخصاً، وأخری: یعیّن أبابکر.

وسادسة: تری أسماءَ: عمرَ والعباس وأبی بکر وعلی فی ضمن المرشّحین للصلاة مکانه.

وسابعة: تقف علی اقتراح عائشة علی النبیّ بأن یعیّن أبابکر مکانه، وفی أخری: تری الرسول هو المُقترِح وعائشة لا ترضی!

وفی نصوص ثامنة تری أبابکر صلّی مع رسول الله، وفی أخری أنّ رسول الله صلّی معه.

وفی نصوص تاسعة أنّه صلّی مع أبی بکر رکعة والباقی مع نفسه!

وهکذا دوالیک النصوص المختلفة، کلّها تشیر إلی عدم ثبوت وقوع الحادثة، وأنّها لو کانت قد وقعت فقد تدارکها رسول الله صلی الله علیه و آله بفعله وخروجه إلی المسجد منبّهاً علی تحریفهم للحقیقة وأنّ ذلک لم یکن برضاه، لکنّهم سعوا لتنصیع وجه


1- تاریخ دمشق 31 : 46 - 47 عتیق، أبوبکر.

ص:341

الخلافة وما فعلته نساء النبیّ صلی الله علیه و آله والإجابة عن التساؤلات باختلاف النصوص.

نصوص موهمة بوجود إمامین لصلاة واحدة

لمّا وصل الأمر بنا إلی هنا لابدّ أن ننقل النصوص التی استغلّوها للدلالة علی إمامة أبی بکر وهی بالنظر البدوی تُشیر إلی وجود إمامین لهذه الصلاة، فی حین أنّک ستقف لاحقاً إلی أنّ الإمام للصلاة کان واحداً وهو النبیّ الأکرم لکنّ الآخرین جعلوا تکبیرة أبی بکر للصلاة أنّها إمامة له وهو أحقّ من غیره بالخلافة:

فقد جاء فی (صحیح البخاری) بسنده عن عمر بن حفص بن غیاث قال: حدّثنی أبی قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهیم، عن الأسود قال:

«کنّا عند عائشة... فخرج أبوبکر فصلّیٰ، فوجد النبیّ صلی الله علیه و آله من نفسه خفّةً فخرج یُهادیٰ بین رجُلین کأنّی أنظر رِجلَیه تخطّان [الأرض] من الوجع، فأراد أبوبکر أن یتأخّر فأومأ إلیه النبیّ صلی الله علیه و آله أنْ مکانَک. ثمّ أُتِیَ به حتّی جلس إلی جَنْبه.

قیل للأعمش: وکان النبیّ صلی الله علیه و آله یصلّی وأبوبکر یصلّی بصلاته والناسُ یصلّون بصلاة أبی بکر؟ فقال: نعم((1)).

وفیه أیضاً: حدّثنا قُتیبة بن سعید، قال: حدّثنا أبو معاویة، عن الأعمش، عن إبراهیم، عن الأسود، عن عائشة، قالت:

لمّا ثقل رسول الله صلی الله علیه و آله جاء بلال یؤذّنه بالصلاة، فقال: مروا أبابکر أن یصلّی


1- صحیح البخاری 1 : 160 - باب حدّ المریض أن یشهد الجماعة، والخبر موجود فی مسند أبی عوانة 2 : 126 - 127 کتاب الصلاة، والبدایة والنهایة 5 : 232 - أحداث سنة 11 ه-، والسیرة النبویّة لابن کثیر 4 : 460 عن البخاری.

ص:342

بالناس .... إلی أن تقول:

فلمّا دخل فی الصلاة وجد رسولُ الله فی نفسه خفّة، فقام یُهادی بین رجلین ورجلاه تخطّان فی الأرض حتّی دخل المسجد. فلمّا سمع أبوبکر حسّه ذهب أبوبکر یتأخّر، فأومأ إلیه رسول الله صلی الله علیه و آله [قم مکانک]، فجاء رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی جلس عن یسار أبی بکر، فکان أبوبکر یصلّی قائماً وکان رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی قاعداً، یقتدی أبوبکر بصلاة رسول الله، والناس مقتدون بصلاة أبی بکر((1)).

وفی ثالث بسنده عن أحمد بن یونس، قال زائدة عن موسی بن أبی عائشة، عن عبید الله بن عبد الله بن عتبة، قال: دخلت علی عائشة فقلت: ألا تحدّثینی عن مرض رسول الله صلی الله علیه و آله ، قالت:

... ثمّ إنّ النبیّ صلی الله علیه و آله وجد من نفسه خفّة فخرج بین رجُلَین أحدهما العباسُ لصلاة الظهر وأبوبکر یصلّی بالناس، فلمّا رآه أبوبکر ذهب لیتأخّر، فأومأ إلیه النبیّ صلی الله علیه و آله بأنْ لا یتأخّر، قال: أجلِسانی إلی جنبه. فأجلساه إلی جنب أبی بکر... فجعل أبوبکر یصلّی قائماً [أو: وهو قائم] وهو یأتمّ بصلاة النبیّ صلی الله علیه و آله والناس بصلاة أبی بکر، والنبی قاعد((2)).

وفی (سنن النسائی) بسنده عن موسی بن أبی عائشة، قال: سمعت عبید الله بن


1- صحیح البخاری 1 : 172 - 173 باب الرجل یأتمّ بالإمام ویأتم الناس بالمأموم، وانظر: صحیح مسلم 2 : 22 - 23 باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.
2- صحیح البخاری 1 : 166 - 167 باب إنّما جُعل الإمام لیُؤتّم به، وصلّی النبیّ فی مرضه الذی تُوفّی فیه بالناس وهو جالس، صحیح مسلم 2 : 20 - 21 باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، سنن النسائی (المجتبی) 2 : 78 - 79 باب الائتمام بالإمام یصلّی قاعداً، مسند أحمد 2 : 52 - 53 مسند عبد الله بن عمر، سنن الدارمی 1 : 230 - 231 /5141 - باب فیمن یصلّی خلف الإمام والإمام جالس، المصنّف لابن أبی شیبة المغازی - باب ما جاء فی وفاة النبی صلی الله علیه و آله .

ص:343

عبد الله یحدّث عن عائشة:

أنّ رسول الله

صلی الله علیه و آله أمر أبابکر أن یصلّی بالناس، قالت: وکان النبیّ صلی الله علیه و آله بین یدی أبی بکر، فصلّی قاعداً، وأبوبکر یصلّی بالناس، والناس خلف أبی بکر((1)).

وعن أبی إسحاق، عن الأرقم بن شرحبیل، عن ابن عباس، قال:

لمّا مرض رسول الله صلی الله علیه و آله أمر أبابکر أن یصلّی بالناس، ثمّ وجد خفّة فخرج، فلمّا أحسّ به أبوبکر أراد أن ینکص، فأومأ إلیه النبی صلی الله علیه و آله ، فجلس إلی جنب أبی بکر عن یساره، واستفتح من الآیة التی انتهی إلیها أبوبکر((2)).

وقال ابن إسحاق: وحدّثنی أبوبکر بن عبد الله بن أبی مُلَیکة، قال:

لمّا کان یوم الإثنین خرج رسول الله عاصباً رأسَه إلی الصبح، وأبوبکر یصلّی بالناس، فلمّا خرج رسول الله صلی الله علیه و آله تفرّج الناس، فعرف أبوبکر أنّ الناس لم یصنعوا ذلک إلّا لرسول الله صلی الله علیه و آله ، فنکص عن مصلّاه، فدفع رسولُ الله فی ظهره وقال: صلِّ بالناس. وجلس رسول الله صلی الله علیه و آله إلی جنبه فصلّی قاعداً عن یمین أبی بکر((3)).


1- سنن النسائی (المجتبی) 2 : 65 - 66 باب الائتمام بمن یأتمّ بالإمام، مسند أحمد 6 : 249 - حدیث عائشة، مسند أبی عوانة: 124 کتاب الصلاة.
2- مسند أحمد بن حنبل 1 : 231 - 232 مسند عبد الله بن عباس، الطبقات الکبیر 2 : 21 - 22، و ج 1: 130 - ذِکر أمر رسول الله صلی الله علیه و آله أبابکر یصلّی بالناس فی مرضه، أنساب الأشراف 1 : 560 /1136 - باب أمر رسول الله صلی الله علیه و آله حین بُدِئ، سنن ابن ماجة 1 : 391 /1235.
3- سیرة ابن هشام 4 : 303 - 304 باب تمریض رسول الله فی بیت عائشة، تاریخ الطبری - أحداث سنة 11 ه-، الطبقات الکبیر 2 : 17 - باب ذِکر أمر رسول الله أبابکر أن یصلّی بالناس فی مرضه.

ص:344

ما نذهب إلیه

والآن لنُعطِ وجه جمع بین تلک الوجوه، ونظرُنا أنّ تلک الواقعة لو کانت قد وقعت فالنبیّ صلی الله علیه و آله أراد بخروجه أن یبیّن عدم صلاحیّة أبی بکر للخلافة والإمامة، وکان فَعَل ذلک معه سابقاً حینما خرج إلی بنی عمرو بن عوف، فإنّهم یذکرون ذلک الخبر ویجعلونه منقبة له مع تخلّفه عن أمر رسول الله - حسب زعمهم - وحمده لله وهو فی الصلاة لأنّ رسول الله قال له: أن أمکث مکانک، فقد جاء فی (فتح الباری):

«إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله ذهب إلی بنی عمرو بن عوف لیصلح بینهم فحانت الصلاة، فجاء المؤذّن إلی أبی بکر فقال: أتصلّی للناس فأقیم؟ قال: نعم. فصلّی أبوبکر، فجاء رسول الله والناس فی الصلاة، فتخلّص حتّی وقف فی الصف، فصفّق الناس، وکان أبوبکر لا یلتفت فی صلاته، فلمّا أکثر الناس التصفیق التفت فرأیٰ رسولَ الله صلی الله علیه و آله ، فأشار إلیه رسول الله أن امکث مکانک. فرفع أبوبکر یدیه فحمد الله علی ما أمره به رسول الله من ذلک، ثمّ استأخر أبوبکر حتّی استوی فی الصف، وتقدّم رسول الله صلی الله علیه و آله فصلّی، فلمّا انصرف قال: یا أبابکر، ما منعک أن تثبت إذ أمرتک؟ فقال أبوبکر: ما کان لابن أبی القحافة أن یصلّی بین یدی رسول الله»((1)).

المهم أنّ الجمیع یعلم أنّ رسول الله لم یعیّن أبابکر مباشرة، بل کلّ ما وقفنا علیه من نصوص هو حکایة الآخرین فی تعیین رسول الله له، وأنّ خروجه إلی المسجد وهو بتلک الحال یؤکّد عدم صحّة ما نقلوه عن رسول الله، وأنّ ما قالوه من صلاة أبی بکر بصلاة رسول الله وصلاة الناس بصلاة أبی بکر لا یمکن تصوّره، إنّما یعنی


1- فتح الباری 2 : 133.

ص:345

أنّه کان المکبر لتلک الصلاة، والناس کانوا یصلّون بصلاة أبی بکر، بمعنی أنّهم یصلّون بتکبیره وإعلامه لحرکات النبی أی حکایةً لفعل رسول الله، وهو ما یؤکّده حدیث ابن مُسْهِر:

فأُتی برسول الله صلی الله علیه و آله حتّی أُجلس إلی جنبه، وکان النبیّ صلی الله علیه و آله یصلّی بالناس وأبوبکر یُسمعهم التکبیر.

وفی حدیث عیسیٰ:

فجلس رسول الله صلی الله علیه و آله یصلّی وأبوبکر إلی جنبه، وأبوبکر یُسمع الناس((1)).

وفی (صحیح البخاری) و(مسند أبی عوانة) بسندهما عن إبراهیم، عن الأسود، عن عائشة: ... فتأخّر أبوبکر وقعد النبیّ صلی الله علیه و آله إلی جنبه، وأبوبکر یُسْمِع الناسَ التکبیر((2)).

وإذا قست هذه الأخبار مع ما یقولونه فی علم الکلام لعرفت عدم صحّة إمامة أبی بکر بل أنّه کان یسمعهم التکبیر ویحکی لهم أفعال رسول الله لا غیر.

المهمّ أنّ هذه المسألة راودت فکری وشغلتنی ومنذ زمن، وأراها تحتاج إلی مزید


1- صحیح البخاری 1 : 172 - 173 باب الرجل یأتم بالإمام ویأتم الناس بالمأموم، صحیح مسلم 2 : 22 - 23 باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر.
2- صحیح البخاری 1 : 172 - باب من أسمع الناس التکبیر، سنن البیهقی 3 : 94 - باب من أباح الدخول فی صلاة الإمام بعد ما افتتحها، مسند أبی عوانة 2 : 126 - 127 کتاب الصلاة، وانظر: سنن البیهقی 3 : 304 باب صلاة المریض، أنساب الأشراف 1 : 557 /1131 باب أمر رسول الله صلی الله علیه و آله حین بُدِئ.

ص:346

بحثٍ ودراسة، خصوصاً بعد معرفتنا ارتباطها بمسألة الخلافة والإمامة بعد رسول الله، ومرض الرسول وصلاة أبی بکر مکانه، وإن کنّا سنبحثها تارة أُخری بعد قلیل فی الجانب الکلامی.

کان هذا بعض أقوال علماء أهل السنّة والجماعة فی مسألة مشروعیة الأذان قبل الفجر وعدمه، ووجود مؤذّنین وقد وقفت علی ما طرحناه من وجهٍ فی الجمع بین مشهور قول الجمهور وما یتّفق مع الأُصول الدینیة إذ قلنا بأنّ ما یعنون به الأذان الأوّل هو النداء والإعلام لا غیر، فلو کان فلا یجوز أن یکون بصیغ الأذان الشرعی، بل یُکتفی بالقول «الصلاة خیر من النوم» وأمثاله.

وکذا هو الحال بالنسبة إلی وجود مؤذّنَین، فالأمر جاء للتمییز بینهما، ولو کان بلال أحدَهما لکان یجب أن یکون مؤذّن الصبح لا اللیل، ولمّا لم یثبت عنه أذانه ب- «الصلاة خیر من النوم» المعمول بها الیوم فی أذان الفجر أحالوا أذانه إلی اللیل.

وهکذا هو الحال بالنسبة إلی وجود إمامَین لصلاةٍ واحدة!

فهذه الأُمور طُرحت قدیماً ولم تُبحَث موضوعیّاً وعلمیّاً، والباحث لو قارن بین ما قرأه وعَلِمه - من وجود مؤذّنَین لصلاة الفجر، مع ما قالوه من وجود إمامین لصلاة الفجر عند مرض رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأنّ الناس صلّوا بصلاة أبی بکر وأبو بکر صلّی بصلاة رسول الله، والسلام علی الأُمراء فی العهد الأموی والعباسی ومشروعیّته أو بدعیّته، لَعَرف ارتباط مسألة التثویب بما رُویَ عن أئمّة أهل البیت فی معنی «حیّ علی خیر العمل»، وأنّ الإمامة الإلهیّة منظورة فی الأذان بجنب التوحید والنبوّة والشهادة، لکنّهم حرّفوها إلی خلافة الخلفاء.

ص:347

الجانب الکلامی

اشارة

ص:348

ص:349

«الصلاة خیر من النوم» هی جملة تُردَّد فی أذان الفجر خاصّة، وقد اختلف الأعلام فی تفسیر معناها ودلالتها، وهل «الألف» و «اللام» فیها للجنس أم للعهد ، وقد ذهب الأغلب منهم إلی أنّها إشارة إلی جنس «الصلاة» وجنس «النوم» ، لکنّهم مع ذلک شکّوا فی انسجام لحاظ الخیریة بین الصلاة التی هی عبادة والتی هی {لَکَبِیرَةٌ إِلَّا عَلَی الْخَاشِعِینَ} ، والنوم الذی هو راحة ودَعَة.

فقد فسر ابن عابدین هذه الجملة مُریداً حلّ هذه الإشکالیة بقوله :

«الصلاة خیر من النوم» إنّما کان النوم مشارکة للصلاة فی أصل الخیریة ، لأنّه قد یکون عبادة کما إذا کان وسیلة إلی تحصیل طاعة أو ترک معصیة، أو لأنّ النوم راحة فی الدنیا والصلاة راحة فی الآخرة فتکون أفضل ((1)).

قال الصنعانی فی (سبل السلام) : «قلت : وعلی هذا لیس الصلاة خیر من النوم من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلی الصلاة والإخبار بدخول وقتها ، بل هو من الألفاظ التی شُرِّعت لإیقاظ النائم، وهو کألفاظ التسبیح الأخیر الذی اعتاده الناس فی هذه الأعصار المتأخّرة عوضاً عن الأذان الأوّل» .


1- حاشیة ردّ المحتار علی الدرّ المختار 1 : 418.

ص:350

فإذا عرفت هذا هان علیک ما اعتاد علیه الفقهاء من الجدال فی التثویب ، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا ؟ وهل هو بدعة أو لا ؟ ثمّ ما المراد من معناه الیقظة للصلاة خیر من النوم ، أی من الراحة التی یعتاضونها فی الأجل خیر من النوم؟ ولنا کلام فی هذه الکمة اودعناه رسالة لطیفة ((1)).

إذن فُسِّرت هذه الجملة بتفاسیر متعدّدة ، وکُتبت فیها رسائل لطیفة !! استساغها بعض واستهجنها بعض آخر ، لعدم تناغمها مع الفصول الأخری فیه ، إذ لا معنی للمقارنة بین الخیریة الملحوظة فی الصلاة والخیریة الملحوظة فی النوم ، علماً أنّ الأذان هو أمر إسلامی وقد شُرّع فی الإسراء والمعراج، وفیه تنسیق بین الشهادات والحیعلات .

فکما أنّ الشهادة الأولی - أشهد أن لا إله إلّا الله - تعنی التوحید ، فلابدّ أن تکون الحیعلة الأولی مرتبطة بالتوحید وطاعة الله وعبادته ، ولأجله جاءت الدعوة إلی العبودیة من خلال جملة «حیّ علی الصلاة» لأنّ الصلاة لا تکون إلّا لله جلّ وعلا.

ومثلها حال الشهادة الثانیة - أشهد أنّ محمّداً رسول الله - فهی تعنی الإقرار بکلّ ما أتی به الرسول من أحکام وسنن وأخلاق ، لأنّ النبیّ بدأ دعوته تدریجاً بعد قوله : «قولوا: لا إله إلّا الله، تُفلحوا» ثمّ أعقبتها تعالیمه فی الصلاة والزکاة فقال سبحانه: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَکَّی}، وقال : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ}.

فالفلاح هو کلّ ما جاء به رسول الله من أحکام وغیره ، وقد وصف سبحانه


1- سبل السلام 1 : 120.

ص:351

الذین اتبعوا رسول الله بالمفلحین فی قوله تعالیٰ: {فَالَّذِینَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِی أُنْزِلَ مَعَهُ أُولٰئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

إذن ف- «حیّ علی الفلاح» تعنی اتباع سنّة رسول الله بعد عبادة الله .

وهذا یرشدنا إلی الترابط الأُصولی بین فصول الأذان، الشهادات والحیعلات .

لکنّا لا نشاهد هذا الترابط بین الخیریة الملحوظة فی الصلاة والخیریة فی النوم .

وعلیه فالإنسان لو نظر إلی الأذان نظرة معرفیة وقِیمیة، وعرف أنّه لیس إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، بل هو بیان لأُصول العقیدة وأرکان الدین من التوحید والنبوّة وغیرهما، وقد شُرّع هذا الأمر فی الإسراء والمعراج، لا فی المُدّعی أحسّ بالتهافت الملحوظ بین هذه الجملة وبین الفصول الأخری الموجودة فی الأذان بناء علی التفسیر الساذج الذی ذهب إلیه أغلب العامّة.

ولنعرف أیضاً: أنّ التقلیل من شأن الأذان ومکانته، وجَعْلَه منامیاً جاء من قبل أتباع الشجرة الملعونة فی القرآن الذین رآهم رسول الله فی منامه ینزون علی منبره نزو القردة، فساءه ذلک وأنزل سبحانه فیهم قوله : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ}.

وهؤلاء کانوا یحسدون محمّداً وآل محمّد صلوات الله علیهم ویسعون فی طمس ذکرهم، لکنّ الله أبی إلّا أن یرفع ذکرهم فی قوله تعالیٰ: {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} وقوله : {یُرِیدُونَ أَنْ یُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَیَأْبَی اللهُ إِلاَّ أَنْ یُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ}.

إذن الصراع بین الحقّ والباطل والنفاق والإیمان والتحریف والأصالة، کان ولا یزال قائماً، وقد أتینا فی مقدّمة هذا الکتاب بآیات البراءة والولاء إشارة إلی هذا

ص:352

الأمر.

وإنّی فی هذا الجانب أُرید أن أُفسّر هذه الجملة من وجهة نظر عقائدیة لا فقهیة، کاشفاً الوجه الآخر لها ، لأنّهم غالباً ما یشیرون إلیٰ المعنی الظاهری لهذه الجملة وأنّ الصلاة هی أفضل وأحسن من النوم دون بیان خلفیات المسألة العقائدیة والفکریة ، فما جئت به هنا هو وجهة نظر جدیدة ، قد ترضی بعضاً وقد تغیض آخرین ، أطرحها للنقاش والمداولة ، لارتباطها بمسألة مهمّة ، وهی مسألة الإمامة والخلافة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، مؤکّداً أنّ الإمامة الإلهیّة ملحوظة فی کثیرمن الأحکام الشرعیة ، لکن المؤسف حقّاً أنّ ید التحریف قد طالت أُصولها وقوائمها وحرفتها عن أُصولها وجاءت بالبدیل عنها ، کما طالت أُموراً أخری غیرها فی الشریعة والتاریخ .

توطئة

من المباحث الأساسیة والمهمّة فی علم الکلام وأصول العقیدة: مبحث الإمامة ، وهل الإمامة هی إمامة إلهیة، أم هی إمامة سیاسیّة واجتماعیة ویأتی تعیین الإمام علی ید الأمّة لا من قبل الله؟

ذهبت الإمامیّة الاثنا عشریة إلی القول الأوّل ، والآخرون إلی القول الثانی . وقد استدلّ الشیعة الإمامیّة علی عقیدتهم بأدلّة من القرآن والسنّة المطهرة ویعضدهما الدلیل العقلی ، کما استدلّ الآخرون بأدلّة أخری ، هی ألصق بالمصادرات والتبرّعات .

وإنّی فی هذا الجانب أُرید أن أُؤکّد علی زاویة جدیدة فی عملنا العقائدی الکلامی ، وهی بیان الاقتران العقلی والشرعی بین أصل الإمامة ومسائل الفقه ،

ص:353

فإن لم یکن هذا الاقتران علی سبیل الفرض دلیلاً برأسه لإثبات سماویة الإمامة إلّا أنّه یمکن الاستفادة منه کشاهد وموّید لما نقوله ونعتقد به .

فإنّ ممّا لا سبیل إلی إنکاره هو أنّ للإمامة مدخلیّةً مباشرة فی کثیر من الأحکام الشرعیة ، وقد لا نغالی إذا اعتقدنا أنّ علاقة الإمامة بفروع الدین وأحکامه کعلاقة الروح بالبدن ، بل عدم جدوائیة ظاهر طاعة الله ورسوله مع إبطان بغض علیّ علیه السلام وآله، فصلاة الجمعة والعیدین مثلاً لا تَجبان إلّا عند حضور الإمام المعصوم أو من نَصَبَه الإمام ((1)) .

وکذا الأراضی المفتوحة عنوةً، هی مشروطة بإذن المعصوم ، وکذلک تقسیم السبایا وأحکام الفروج والغنائم ، وإقامة الحدود ، وتحلیل الخمس للشیعة لتطیب موالیدهم ، مع غیرها من عشرات الأحکام المنوطة بإذن الإمام .

ومثلها لزوم ذکر أسماء الأئمّة فی خطب الجمعة ، وإجمال ذکر أسمائهم فی تشهّد الصلاة بذکر جملة : «اللَّهمَّ صَلِّ علی محمّدٍ وآل محمّد» .

فما تعنی هذه الأمور ؟ بل ماذا یعنی المرویّ عنهم علیهم السلام : «الجمعة لنا والجماعة لشیعتنا»؟((2)) أو قوله علیه السلام : «لا صلاة یوم الفطر والأضحی إلّا مع إمام» ((3)).

فهل هناک تلازم بین الإمامة ومسائل الفقه، أم الأمر جاء عفویاً وغیر ملحوظ فیه هذا الأمر؟

بل لماذا لا تصح صلاة الجماعة إلّا بإمام عادل عندنا ؟ وما السرّ فی أن یکون


1- انظر: وسائل الشیعة 7 : 309 - الباب 5 .
2- أنظر: جواهر الکلام 11 : 158 ، نقله عن رسالة ابن عصفور .
3- وسائل الشیعة 7 : 421 - الباب 2 / ح 2 .

ص:354

المقدَّم والأَولی فی إمامة الجماعة هاشمیّاً ؟

ولماذا یؤکّد الشارع علی الإمامة فی کلّ شیء حتّی لو کانوا ثلاثة فلابدّ أن یکون أحدهم إماماً ؟

بل ماذا تعنی العدالة فی إمام الجماعة عند الإمامیّة وعدم جواز الصلاة خلف الفاسق الفاجر ؟ وهل هذه المسألة تشیر إلی مسالة جوهریة عندهم ؟ ألا تدلّ کلّ هذه الأمور علی مکانة الإمامة وأنّها إمامة اجتماعیة ودینیة ، تؤخذ أصولها من القرآن والسنّة ؟

بل علی أیّ شیء یدلّ قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ}((1)) ؟!

وماذا یعنی إِخبار الباری سبحانه بأنّه وملائکته یصلّون علی النبیّ فی قوله تعالی : {إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَی النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً} ((2)) ؟!

فسبحانه لم یخبرنا عن ماضی فعله وأنّه قد صلّی علی النبیّ فی الزمن الغابر ، بل أخبرنا عمّا هو وملائکته فیه ، وأنّهم یصلّون علی النبیّ فی الحال والمستقبل إلی قیام یوم الدین .

ولم یکتف سبحانه وتعالی بهذا ، بل أمرنا أن نصلّی علیه وأن نُسَلِّم للأئمّة علیهم السلام ((3)


1- الانشراح : 4 .
2- الأحزاب : 56 .
3- کما ورد فی تفسیرَی: القمی 2 : 196 و 1 : 142 ، وفرات الکوفی : 342 / ح 467، وانظره فی: تفسیر العیاشی : 255 / ح 182 ، والاحتجاج 1 : 377 ، ومعانی الأخبار : 367 / ح 1 ، والمحاسن 1 : 271 / ح 363، وغیر هذه المصادر .

ص:355

وذلک بقوله تعالی : {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً}.

والصحابة کانوا یعرفون السلام علی رسول الله صلی الله علیه و آله ولا یعرفون الصلاة علیه ، فسألوه صلی الله علیه و آله عن ذلک، جاء فی مسند أحمد عن أبی مسعود عقبة بن عمرو ، قال :

«أقبل رجل حتّی جلس بین یدی رسول الله صلی الله علیه و آله ونحن عنده ، فقال : یا رسول الله ، أمّا السلام علیک فقد عرفناه ، فکیف نصلّی علیک إذا نحن صلّینا فی صلاتنا صلّی الله علیک ؟

قال : فصمت رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی أحببنا أنّ الرجل لم یسأله ، فقال : إذا أنتم صلّیتم عَلَیَّ فقولوا : وعلی آل محمّد کما صلّیت علی إبراهیم وآل إبراهیم، وبارک علی محمّد النبیّ الأمّی کما بارکت علی إبراهیم وعلی آل إبراهیم، إنّک حمید مجید»((1)) .

ثمّ ماذا یعنی قوله تعالی بعد الآیة السابقة: {إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِیناً}.

إذن، من خلال بیان رسول الله والآیة القرآنیّة نعرف أنّ الله سبحانه صلّی علیهم وأمرنا بالصلاة علیهم فی الصلاة وفی غیرها ، بل نهانا الرسول عن الصلاة علیه بالصلاة البتراء((2))، بأن نذکره ولا نذکر آله معه .


1- مسند أحمد 4 : 119 ، وانظروه فی: صحیح البخاری 3 : 1233 ، عن کعب بن عجره و 5 : 2338 / ح 5916 ، سنن ابن ماجة 1 : 293 / ح 904 ، سنن الترمذی 2 : 52 - 353 الباب 351 /ح 3483 ، سنن النسائی 3 : 47 ، 9 الباب 50 / ح 1286 ، 1293 مسند أحمد 3 : 47 ، 4 : 241 .
2- أورده الطحاوی فی: حاشیته علی مراقی الفلاح 1 : 8 من دون ذکر الإسناد ، وأخرج الدارقطنی والبیهقی حدیث : مَن صلی عَلیّ ولم یُصلِّ علی أهل بیتی لم تُتقبَّل منه ، انظر: مقدَّمّة مسند الإمام زید : 33 ، ورواه أبو القاسم حمزة بن یوسف بن إبراهیم السهمی (ت 437) فی: تاریخ جرجان: 148 - ط- حیدر آباد : حدثنا أبو إبراهیم إسماعیل بن إبراهیم العلوی بواسط ، حدثنا الحسن بن الحسین الجرجانی الشاعر ، حدثنی أحمد بن الحسین ، حدثنی الفضل بن شاذان النَّیسابوری بإسناد له ]ویبدأ من الإمام الرضا عن آبائه[ رفعه عن علی بن الحسین ، عن أبیه ، عن جده ، قال : إنّ الله فرض علی العالم الصلاةَ علی رسول الله وقرَنَنا به ، فمَن صلّی علی رسول الله صلی الله علیه و آله ولم یُصَلِّ علینا لقیَ اللهَ وقد بتر الصلاة علیه وترک أوامره .

ص:356

وهذا یعنی أنّ الصلاة علی النبی وآله غدت من الضروریات فی الأحکام الشرعیة والأدعیة المأثورة وزیارات المعصومین ، وهو لَیؤکّد علی مکانتهم ومنزلتهم فی المنظومة الإلهیة ، وهذا ما جزم به الإمام الشافعی فی قوله :

یا

أهل بیتِ رسول الله حُبُّکُمُ

فَرْضٌ

من اللهِ فی القرآنِ أنزلَهُ

کفاکُمُ

من عظیمِ القَدْرِ أَنَّکُمُ

من

لم یُصَلِّ علیکم لا صلاةَ لَهُ((1))

أجل، إنّ الرسول الأعظم سأل جبرئیل عن کیفیّة رفع الذِّکر فی قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ}، فقال جبرئیل : قال الله : «إذا ذُکِرْتُ ذُکِرْتَ معی»((2)) .

وفی (دفع الشبه عن الرسول) للحصنی الدمشقی فی قوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ} قال ابن عباس رضی الله عنهما : «المراد الأذان والإقامة، والتشهّد، والخطبة علی المنابر ، فلو أنّ عبداً عبد الله وصدّقه فی کلّ شیء ولم یشهد أنّ محمّداً رسول الله لم یُسمَع منه ولم یَنتفع بشیء، وکان کافراً!»((3)) .

وقال ابن کثیر فی (البدایة النهایة) : «{وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ}، فلیس خطیب ولا


1- دیوان الشافعی : 102 ، مرقاة المفاتیح 1 : 67 ، إعانة الطالبین 1 : 171، وفی بعض المصادر: (کفاکمُ مِن عظیم الشأنِ أنّکمُ) .
2- دفع الشُّبَه عن الرسول للحصنی : 134 .
3- دفع الشبه عن الرسول صلی الله علیه و آله : 134 .

ص:357

شفیع ولا صاحب صلاة إلّا ینادی بها : أشهد أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله ، فقَرَن الله اسمه باسمه فی مشارق الأرض ومغاربها، وجعل ذلک مفتاحاً للصلاة المفروضة»((1)) .

أبوبکر وأهل البیت علیهم السلام

روی السیوطی عن ابن مَردَوَیه ، عن أنس بن مالک وبریدة قالا : «قرأ رسول الله هذه الآیة {فِی بُیُوت أَذِنَ الله أَن تُرْفَعَ} فقام إلیه رجل فقال : أیّ بیوت هذه یا رسول الله ؟ قال : بیوت الأنبیاء. فقام إلیه أبو بکر فقال : یا رسول الله، هذا البیتِ منها - وأشار إلی بیت علیّ وفاطمة -، قال : نعم، مِن أفاضلها»((2)) .

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال : «هی بیوت الأنبیاء، وبیت علیّ منها»((3)) .

فماذا یعنی أن یأذن الله برفع اسمه فی بیت علیّ وفاطمة ، وعلی أیّ شیء یدلّ ذلک ؟ ألا یدلّ هذا علی رتبة لعلی وفاطمة هی من جنس رتبة الأنبیاء؟! ثمّ ألا یدلّ هذا علی السیادة والإمامة لهم من بعد رسول الله؟!

ولقائلٍ أن یقول : إنّ هذه الروایات هی روایات شیعیة!

فنجیبهم : ماذا تقولون فیما رواه البخاری بإسناده عن أبی بکر وقوله : «ارقبوا محمّداً فی أهل بیته»((4))، وعلی أیّ شیء یدلّ هذا الخطاب من أبی بکر للناس ؛ خاصّة


1- البدایة والنهایة 6 : 283 - باب القول فیما أُعطیَ إدریس علیه السلام ، إمتاع الأسماع 4 : 194 .
2- الدر المنثور 6 : 203 ، تفسیر الثعلبی (الکشف والبیان) 7 : 107 .
3- تفسیر القمی 2 : 104 - عنه: بحار الأنوار 23 : 327 /ح 6 .
4- صحیح البخاری 3 : 1361 - فضائل الصحابة، باب مناقب قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله /ح 3509 .

ص:358

إذا ضُمّ إلیه ما ورد فی أهل البیت علیهم السلام عن الله ورسوله صلی الله علیه و آله ؟

قال ابن حجر : «فالمراقبة للشیء: المحافظة علیه ، ومعنی قول الصدیق: اِحفَظُوه فیهم فلا تُؤذوهم ولا تُسیئوا إلیهم»((1)) .

وقال النووی : «ومعنی (ارقبوا) راعوه واحترموه وأکرموه»((2)) .

ألم یکن فی تأکید الله علی الصلاة علی الرسول والآل دلالةٌ واضحة علی قربهم من الله ؛ بل إمامتهم المطلقة کما جزم بذلک الاقترانُ بین الکتاب وأهل البیت علی ما هو صریح حدیث الثقلین؟!

مِن هذا المنطلق نقرأ وصیّة أبی بکر : «ارقبوا محمّداً فی أهل بیته»((3)) ؛ فنحن لا نشکّ فی أنّه یعلم جیّداً مکانة أهل البیت السماویة عند الله ورسوله ، یرشدک إلی ذلک إصرار أبی بکر علی الاعتذار من فاطمة لترضی عنه ، لکنّها صلوات الله علیها ماتت وهی واجدة علیه وعلی عمر - کما فی البخاری((4)) - ولم یُصَلِّ علیها أبو بکر ولم یُؤْذَنْ هو ولا عمر بحضور جنازتها ، وذلک بوصیة منها((5)) .

ومن ذلک قوله أیضاً : «لیتنی لم أکشف عن بیت فاطمة»((6)) .


1- فتح الباری 7 : 79 - باب مناقب قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله .
2- ریاض الصالحین للنووی :81 - الباب 43 /ح 347 .
3- انظر: صحیح البخاری 3 : 1361 / ح 3509 ، 3 : 137 / ح 3541 .
4- صحیح البخاری 4 : 154 / ح 2998 ، وانظر أیضاً فی 3 : 1126 / ح 2926 ، وفیه : فغضبت فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله فهجرت أبا بکر، فلم تزل مُهاجرته حتی تُوفِّیت .
5- صحیح البخاری 4 : 1549 / ح 3998 ، مصنف عبدالرزاق 5 : 472 / ح 9774 .
6- انظر: تاریخ الیعقوبی 2 : 137 ، وفیه قول أبی بکر آسفاً عند احتضاره: لیتنی لم أُفتش بیت فاطمة بنت رسول الله وأُدخله الرجالَ ولو کان أُغلِق علی حرب ، وشرح النهج 2 : 47 و 20 : 24 والمتن عنه.

ص:359

فهذا وما سبقه، لو ضُمَّ إلی ما رواه مسلم وغیره عن زید بن أرقم الذی قال : «قام رسول الله یوماً فینا خطیباً بماء یُدعی خُمّاً بین مکة والمدینة ، فحَمِد الله وأثنی علیه ووعظ وذَکَّر ثمّ قال :

«أمّا بعد، ألا أیّها الناس، فإنّما أنا بشر یُوشِک أن یأتی رسولُ ربّی فأُجیب ، وأنا تارک فیکم ثقلین : أوّلهما کتاب الله فیه الهدی والنور، فخذوا بکتاب الله واستمسکوا به»، فحثَّ علی کتاب الله ورغب فیه ، ثمّ قال : وأهلُ بیتی، أُذکّرکمُ اللهَ فی أهل بیتی ، أذکّرکم الله فی أهل بیتی ، أذکرکم الله فی أهل بیتی ...» الحدیث((1)) .

لَثبت أنّ أبابکرٍ کان یعرف مکانة أهل البیت الدینیة ، وقد خاف من عقبی مخالفته إیّاهم ، لوقوفه علی قول النبی صلی الله علیه و آله : «فاطمة بَضعةٌ منّی، فمن أغضبها أغضبنی»((2)) ، والباری جلّ وعلا یقول فی کتابه العزیز : {إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِی الدُّنْیَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِیناً}((3)) .

کما وقف علی قوله صلی الله علیه و آله : «إنّ الله یغضب لغضب فاطمة ویرضی لرضاها»((4)) ،


1- صحیح مسلم 4 : 1873 ، مسند أحمد 4 : 366 ، سنن البیهقی 2 : 148 .
2- صحیح البخاری 3 : 1361 / ح 3510 ، 3 : 1374 / ح 3556 ، مصنف ابن أبی شیبة 6 : 388 / ح 32269. وفی نص آخر فی: صحیح البخاری 5 : 2004 / ح 4932 ، صحیح مسلم 2 : 1902 / ح 2449 ، سنن أبی داود 2 : 226 / ح 2071 ، سنن ابن ماجة 1 : 642 / ح 1998 ، سنن الترمذی 5 : 698 / ح 3867 ، الأحادیث المختارة 9 : 315 / ح 275 : فإنّما هی بَضعة منّی، یُریبنی ما أرابها، ویُؤذینی ما آذاها .
3- الأحزاب : 57 .
4- کنز العمال 12 : 51 / ح 34237 ، الدیلمی عن الإمام علی .

ص:360

وقوله

صلی الله علیه و آله لفاطمة : «یا فاطمة، إنّ الله عزّوجلّ لَیغضب لغضبکِ، ویرضی لرضاکِ»((1)) .

وفی (صحیح البخاری) قول النبی صلی الله علیه و آله : «فاطمة بضعة منی فمن أغضبها أغضبنی»((2)) .

فمَن کانت لها هذه المنزلة بحیث إنّ الله یغضب لغضبها ویرضی لرضاها یکون إیذاؤها وإغضابها یؤذی اللهَ ویغضبه ، فکان علی أبی بکر أن یوصی بأن ( یرقبوا محمداً فی أهل بیته ) .

وهذا هو معنی قول الإمام الباقر علیه السلام فی معنی «حیَّ علی خیر العمل» أنّه برّ فاطمة وولدها.

قال النووی عند شرحه لهذا الحدیث : «قال العلماء: سُمِّیا ثقلَین لِعِظمهما وکِبَر شأنهما ؛ وقیل : لِثقل العمل بهما»((3)) .

«واتّباع القرآن واجب علی الأمّة، بل هو أصل الإیمان ، وهُدَی الله الذی بعث به رسوله ، وکذلک أهل بیت رسول الله، تجب محبتهم وموالاتهم ورعایة حقهم ، وهذان الثقلان اللذان وصّی بهما رسول الله»((4)) .

قال ابن تیمیة فی (مجموع الفتاوی) : «وکذلک آل بیت النبی لهم من


1- معجم أبی یعلی 1 : 190 / ح 220 ، مستدرک الحاکم 3 : 167 / ح 4730 ، قال هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه ، مجمع الزوائد 9 : 203 ، قال رواه الطبرانی واسناده حسن .
2- صحیح البخاری 3 : 374 کتاب فضائل الصحابة - باب مناقب فاطمة علیها السلام / ح 3556 .
3- شرح صحیح مسلم للنووی 15 : 180 .
4- هذا کلام ابن تیمیة فی: مجموع الفتاوی 28 : 491 ، کما فی: العقیدة فی أهل البیت بین الإفراط والتفریط للدکتور السحیمی 1 : 225 .

ص:361

الحقوق ما یجب رعایتها، فإنّ الله جعل لهم حقاً فی الخُمس والفیء ، وأمر بالصلاة علیهم فی الصلاة علی رسول الله»((1)) .

قال فخر الدین الرازی :

«جعل الله تعالی أهل بیت النبیّ مُساوِین له فی خمسة أشیاء :

أحدها : المحبة ، قال الله تعالی: {فَاتَّبِعُونِی یُحْبِبْکُمُ اللهُ}((2)) ، وقال لأهل بیته : {قُل لاَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی} ((3)) .

والثانیة : تحریم الصدقة ؛ قال صلی الله علیه و آله : لا تحلّ الصدقة لمحمّد ولا لآل محمّد، إنّما هی أوساخ الناس .

والثالثة : الطهارة ؛ قال الله تعالی : {طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَی} ((4)) أی یا طاهر ، وقال لأهل بیته : {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً}((5)) .

والرابعة : فی السلام ؛ قال : «السلام علیک أیّها النبیّ» ، وقال لأهل بیته : {سَلاَمٌ عَلَی إِلْ یَاسِینَ }((6)).

والخامسة : فی الصلاة علی النبیّ وعلی الآل فی التشهّد»((7)) .


1- مجموع الفتاوی 3 : 407 .
2- آل عمران : 31 .
3- الشوری : 23 .
4- طه : 1 - 2 .
5- الأحزاب : 33 .
6- الصافّات: 130 .
7- نقل کلام الفخر الرازی هذا: ابن حجر الهیثمی الشافعی فی: الصواعق المحرقة 2 : 436 - 437 ، والمناوی الشافعی فی: فیض القدیر 2 : 174 ، والزرندی الحنفی فی: نظم درر السمطین : 239 - 240 ، والقندوزی الحنفی فی: ینابیع المودة 2 : 435 /ح 198 .

ص:362

ألا تدلّ هذه المقارنات والمساواة بین النبی وأهل بیته علی کون بعضهم من بعض ، وأنّ لهم منزلة من الله لا ینالها غیرهم من هذه الأمة؟!

ولذلک صرّح أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب بذلک قائلاً : «لا یُقاس بآل محمد صلی الله علیه و آله من هذه الأُمّة أَحَدٌ» ((1)) .

وقد خلطهم النبی صلی الله علیه و آله بنفسه فقال : «نحن أهلُ بیتٍ لا یُقاس بنا أحد» ((2)) .

وقال الإمام الصادق علیه السلام : «إنّا أهلُ بیتٍ لا یقاس بنا أحد» ((3)) ، ومثله ورد عن الإمام الباقر علیه السلام ((4)) .

وردّ ابن قدامة قول مَن أنکر سهم ذوی القربی فقال : «فهو مخالف لظاهر الآیة ، فإنّ الله تعالی سمّی لرسوله وقرابته شیئاً ، وجعل لها (أی القرابة) فی الخمس حقّاً کما سمّی للثلاثة الأصناف الباقیة ، فمَن خالف ذلک فقد خالف نصّ الکتاب»((5)) .

وقال ابن حزم - فی من قال بعدم استحقاق ذوی القربی - :

«هذه الأقوال فی غایة الفساد لأنّها خلاف القرآن نصّاً وخلاف السنن


1- نهج البلاغة 1 : 30 / خ 2 .
2- ذخائر العقبی للمحبّ الطبری الشافعی : 17 .
3- معانی الأخبار : 179 / ح 2 .
4- نوادر المعجزات : 124 .
5- انظر: المغنی لابن قدامة 6 : 315 .

ص:363

الثابتة»((1)) .

وقال ابن قدامة : «لا نَعْلَمُ خلافاً فی أنّ بنی هاشم لا تحلّ لهم الصدقة المفروضة»((2)) .

وقال النووی : «إنّ الزکاة حرام علی بنی هاشم وبنی المطلب بلا خلاف»((3)).

والآن: لماذا لا تحلّ الصدقة علی آل محمّد ؟((4)) بل هی محرمة علیهم.

ولماذا یمیزهم الله ورسوله عن غیرهم من المسلمین ؟

وما هو الترابط بین محمّد وآله ؟

وماذا تعنی روایة البخاری «أما علمتَ أنّ آل محمّد لا یأکلون الصدقة»((5)) .

ألا تدلّ هذه النصوص علی منزلتهم العالیة فی المنظومة الإلهیة والتشریع الإسلامی؟!

قال النووی : قوله

صلی الله علیه و آله : «إنّما هی أوساخ الناس» تنبیه علی العلة فی تحریمها علی بنی المطّلب ، وأنّها لکرامتهم وتنزیههم عن الأوساخ ، ومعنی أوساخ الناس أنّها تطهیر لأموالهم ونفوسهم کما قال الله تعالی : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَکِّیهِم بِها} ((6)) فهی کغُسالة الأوساخ((7)) .


1- انظر المحلی 7 : 226 .
2- المغنی 2 : 274 .
3- المجموع 6 : 218 .
4- صحیح مسلم بشرح النووی 7 : 179 - کتاب الزکاة، باب ترک استعمال آل النبی علی الصدقة .
5- صحیح البخاری مع الفتح - کتاب الزکاة، باب أخذ صدقة التمر 2 : 541 / ح 1414 .
6- التوبة : 103 .
7- شرح صحیح مسلم للنووی 7 : 179 .

ص:364

وعلیه، فکلّ هذه النصوص المارّة والأحکام الفقهیة التی أشرنا إلی بعضها لَتدلّ علی عظمة هذا البیت الشریف ، وأنّ لهم سماتٍ لا تکون عند الآخرین ، حتّی أنّ أبابکر کان یعلم بالصلة الموجودة بین أهل البیت وبیوت الأنبیاء ، وإلّا لا معنی لأن یسأل أبو بکر عن بیت علی وفاطمة هل هو من بیوت الأنبیاء ، إلّا أن یکون سؤاله منطویاً علی معرفته بمکانتهما وأنّها من وزانٍ واحدٍ عند ربّ العالمین .

فکما أنّ النظر إلی الکعبة عبادة((1)) ، ففی الخبر أیضاً : «النظر إلی وجه علیّ عبادة»((2)) .

وکما أنّ لرسول الله أن یبیت جُنُباً فی المسجد، فلِعلیٍّ أن یبیت جُنُباً فی المسجد أیضاً((3)) .

فهذه الأمور تؤکّد وجود خصوصیة ومکانة عُلیا لعلی بن أبی طالب لا تکون


1- أخبار مکة للأزرقی 2 : 8 عن یونس بن خبّاب و 2 : 9 عن مجاهد ، أخبار مکة للفاکهی 1 : 200 عن مکحول ، الفردوس بمأثور الخطاب 4 : 293 / ح 6864 عن عائشة .
2- المعجم الکبیر 10 : 76 ، المستدرک للحاکم 3 : 152 / ح 4681 قال : هذا حدیث صحیح الإسناد وشواهده عن عبدالله بن مسعود صحیحة ، مجمع الزوائد 9 : 119 ، قال : رواه الطبرانی وفیه أحمد بن بدیل الیامی، وثّقه ابن حبان وقال: مستقیم الحدیث ، وابن أبی حاتم قال : وفیه ضعف وبقیة رجاله رجال الصحیح ، تاریخ دمشق 40 : 9 ، 42 : 335 - 355 ، رواه عن عدة من الصحابة منهم : أبو بکر ، عثمان بن عفان ، ابن مسعود ، مُعاذ بن جبل ، جابر بن عبدالله ، أنس بن مالک ، ثوبان ، حُمران بن الحصین، وللسیّد عبد العزیز بن السدیق الغماری جزء فی تصحیح هذا الحدیث باسم (الإفادة بطرق حدیث النظر إلی وجه علی عبادة) طُبع فی مجلة علوم الحدیث، فلیراجع .
3- عن أبی سعید الخدری قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله لعلی : یا علیّ، لا یحل لأحد یُجنب فی هذا المسجد غیری وغیرک . سنن الترمذی 5 : 639 / ح 3727 عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لا ینبغی لأحدٍ أن یجنب فی هذا المسجد إلّا أنا وعلی ، المعجم الکبیر 23 : 373 / ح 881 ، تخریج الأحادیث والآثار 1 : 325 / ح 333 .

ص:365

لغیره من الصحابة ، وهذا هو الذی بُیِّن فی کلام الإمام الرضا عن جدّه الإمام الباقر علیه السلام فی تفسیر قوله تعالی : {فِطْرَتَ الله الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا}((1)) أنّه قال : «هو لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیرالمؤمنین ، إلی هاهنا التوحید»((2)) .

وفیما أخرجه الکلینی بسنده عن أبی بصیر عن أبی جعفر الباقر علیه السلام فی قوله تعالی : {فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً} ((3)) قال: «هی الولایة»((4)) .

وفی روایة أخری فی (الکافی) : «أَثافیُّ الإسلام ثلاثة: الصلاة والزکاة والولایة ، لا تصحّ واحدة منهنّ إلّا بصاحبتَیها»((5)) .

فما علاقة التوحید بولایة علیّ علیه السلام ؟

وکیف تکون ولایة علیّ هی الوسیلة الوحیدة للمعرفة الحقّة للتوحید ؟

الجواب : إنّ طاعة الإمام علیّ علیه السلام والإقرار له بالولایة یستلزمان الإقرار الصحیح والاعتقاد السلیم بالرسول والرسالة وبالتوحید والعبودیة لله .

والقیامُ بالحنیفیة فی قوله تعالی : {فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً} هو إقامة الوجه لله عبر الولایة والإقرار لولیّ الله ، ولا یصلح أحدهما أن یحلّ محلّ الآخر ، وذلک لا یُتَصوَّر إلّا أن یقال بأنّ الولایة هی الصراط المستقیم للنبوّة والمنهج القویم


1- الروم : 30 .
2- تفسیر القمی 2 : 155، وانظر بحار الأنوار 3: 276 باب (الدین الحنیف والفطرة وصبغة الله) .
3- الروم : 30 .
4- الکافی 1 : 419 / ح 35 ، تفسیر القمی 2 : 154 ، وفی بیان ذلک انظر کتابنا: أشهد أنّ علیّاً ولی الله : 476 .
5- الکافی 2 : 18 - باب دعائم الاسلام /ح4 .

ص:366

للتوحید ، وهو معنی آخر لما خلّفه رسول الله فی أمّته من خلال حدیث الثقلین ، وکونهم علیهم السلام حبلَ الله الذی أُمرنا بالاعتصام به((1)) .

ولیس هو کما یلقیه الخصم من أنّ الشیعة تعتقد بأنّ الولایة هی أهمّ من الشهادتین ، لما روی عن أبی جعفر الباقر قوله : «بُنیَ الإسلام علی خمس : الصلاة والصوم والزکاة والحجّ والولایة، ولم یُنادَ بشیء کما نُودیَ بالولایة»((2)) .

فأئمة أهل البیت أجابوا عن هذا بأنّه لا یتقدّم علی الشهادتین شیء - لا الولایة ولا غیرها - ، بل إنّ أمر الشهادتین مفروغ عنه ، ومعنی : «بُنی الإسلام علی خمس» أی إنّ الإسلام المؤلَّف من الشهادتین قد بُنیَ علی رکائز خمس هی الصلاة ، الصوم ، الزکاة ، الحج ، الولایة ، وانّ الولایة أفضلها ، وما نودی بشیء کالولایة ، لأنّها امتداد للنبوّة لا أنّها قبال النبوّة والتوحید - کما یُصَوِّر بعضهم - فلا یمکن معرفة الله إلّا بالنبیّ ولا یمکن معرفة النبیّ والله جلّ جلاله معرفةً مقبولة صالحة إلّا بالإمام المفترض الطاعة .

إذن الاعتقاد بالإمامة لا یُترک بحال، بل لا یمکن تصوّر ذلک ؛ فالإمامة لیست کالصلاة والصوم والزکاة والحجّ التی قد یرخّص فی ترکها فی ظروف خاصّة .

فالحائض مثلاً تترک الصلاة ، والمریض معفوّ عن الصوم ، والزکاة والحج ساقطان عن الفقیر وغیر المستطیع ، أمّا الولایة فهی واجبة علی المکلف سواءً کان


1- انظر: تفسیر القمی 1 : 108 والأمالی للشیخ الطوسی : 272 - المجلس 10 /ح510، وتفسیر العیّاشی 1 : 194 /ح122 و123 .
2- المحاسن 1 : 286 / ح 429 - باب الشرائع ، والکافی 2 : 18 - باب دعائم الاسلام / ح 1 و3 و8 .

ص:367

صحیحاً أم مریضاً، وذا مال أم معسراً . وهذا ما قاله الإمام الباقر علیه السلام توضیحاً لهذه المسألة((1)) .

مضادة قریش مع الرسول وآله

أجل، إنّ قریشاً سعت بکلّ قواها للوقوف أمام دین الإسلام ، لکنّ الله أبی إلّا أن یتمّ نوره ویرفع ذِکرَ محمّد وآل محمّد ولو کره الکافرون الذین {یُرِیدُونَ أَن یُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}((2))، وقد جئنا أکثر من مرّة فی بحوثنا بقول معاویة بن أبی سفیان وقوله لمّا سمع المؤذن یشهد بأن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله : «إلّا دفناً دفناً» ، کلّ ذلک محادّةً منه لقوله تعالی : {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ}((3)) ، ومحاولة لطمس هذا الذکر الشریف .

فهم حسدوا أهل البیت لما آتاهم الله من الفضل ، کما فی تفسیر قوله تعالی : {أَمْ یَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِه}((4)) والتی نزلت فی علیّ علیه السلام وما خصّ به من العلم((5)) .

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام فی نص آخر : «نحن الناس المحسودون علی ما آتانا اللهُ من الإمامة دون خَلقِ الله أجمعین» ((6)) .


1- یراجع: الخصال : 278 /ح21 باب الخمسة، بسنده عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر الباقر علیه السلام .
2- التوبة : 32 .
3- الانشراح : 4 .
4- النساء : 54 .
5- شرح نهج البلاغة 7 : 220 .
6- الکافی 1 : 205 / ح 1 .

ص:368

وروی الحاکم النیسابوری بإسناده إلی أبی سعید الخدری قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : «والذی نفسی بیده، لا یُبغضنا أهلَ البیت أحد إلّا أدخله الله النار»((1)) .

بعد هذا العرض السریع نقول : لو جمعنا بین الآیتین القرآنیتین: {وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ}((2)) وقوله تعالی: {فِی بُیُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ وَیُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَیْعٌ عَن ذِکْرِ الله وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِیتَاءِ الزَّکَاةِ}((3)) والتی قال الإمام الباقر علیه السلام فی تفسیرها : «نحن أولئک»((4)) ... مع المروی عن أبی جعفر الباقر عن آبائه علیهم السلام عن جدّه رسول الله صلی الله علیه و آله قوله للإمام علیّ علیه السلام : «وما أکرمنی الله بکرامة إلّا وقد أکرمک بمِثلها»((5)) ... مع المروی من طرق أبناء العامّة عن رسول الله صلی الله علیه و آله قوله للإمام علیّ علیه السلام : «أُحبّ لک ما أحبّ لنفسی، وأکره لک ما أکره لنفسی»((6)) .

وعرفنا معنی رفع الذِّکر مِن قِبل الله ، وکون بیت علی وفاطمة علیهما السلام من تلک البیوت المرفوعة ، وأنّ الأنبیاء والأوصیاء هم الذین رفع الله ذکرهم ، وبهم یُعرَف الله ... لَعرَفنا أنّ الله تعالی رفع ذکر الرسول وأهل بیته رغم حسد الحاسدین وکید الکائدین ، وما


1- المستدرک للحاکم 3 : 162 / ح 4717 قال : حدیث صحیح الإسناد علی شرط مسلم ولم یخرجاه، وسکت عنه الذهبی فی (تلخیصه) وأورده فی (السِّیر 2 : 123 - ترجمة فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله ) .
2- الانشراح : 4 .
3- النور : 36 ، 37 .
4- الکافی 6 : 256 - باب ما ینتفع به من المیتة... / ح 1 .
5- أمالی الصدوق : 583 - المجلس الرابع والسبعون /ح 13 .
6- سنن الترمذی 2 : 72 / ح 282 ، السنن الکبری للبیهقی 3 : 212 / ح 5581 ، مصنف عبدالرزاق 2 : 144 / ح 2836 ، مسند احمد 1 : 146 / ح 1243 .

ص:369

من مکرمة لرسول الله إلّا وهی ممنوحة لعلی أیضاً باستثناء النبوّة کما یشیر إلیه حدیث المنزلة : «أنت منّی بمنزلة هارون من موسی إلّا أنّه لیس نبیّ بعدی»((1))... وغیرها من الأحادیث الصحیحة والمعتبرة وحتّی المرسلة کمرسلة الاحتجاج : «من قال: محمّد رسول الله، فلیقل: علیّ أمیرالمؤمنین»((2)) ، لأنّ علی بن أبی طالب هو نفس رسول الله بشهادة نصّ آیة المباهلة، وأخوه بنص حدیث المؤاخاة .

وبذلک یکون ذکرهم هو من ذکر الله کما جاء صریحاً فی موثقة أبی بصیر عن أبی عبد الله [الصادق] أنّه قال : «ما اجتمع فی مجلس قوم لم یذکروا الله عزّ وجلّ ولم یذکرونا إلّا کان ذلک المجلس حسرةً علیهم یوم القیامة» ، ثمّ قال [قال] أبوجعفر : «إنّ ذِکرنا مِن ذِکر الله، وذکر عدوّنا من ذکر الشیطان»((3)) .

وقال الإمام الحسن علیه السلام لمعاویة لما استنقص علیّاً وحاول الحط من ذکره :

«أیّها الذاکر علیّاً ، أنا الحسن وأبی علیّ ، وأنت معاویة وأبوک صخر ، وأمّی فاطمة وأمّک هند ، وجدّی رسول الله صلی الله علیه و آله وجدّک حرب ، وجدّتی خدیجة وجدّتک قتیلة ، فلعن الله أخمَلَنا ذِکراً ، وألأمَنا حَسَباً ، وشرّنا قَدَماً ، وأقدمنا کفراً ونفاقاً» ، فقال طوائفُ من أهل المسجد : «آمین»((4)) .


1- صحیح البخاری 4 : 1602 / ح 4154 ، صحیح مسلم 4 : 1870 / ح 2404 وفیه : إلّا أنّه لا نبیّ بعدی .
2- الاحتجاج 1 : 231 .
3- الکافی 2 : 496 / ح 2 - باب ما یجب من ذکر الله فی کل مجلس و 186 / ح 1 - باب تذاکر الإخوان ، وسائل الشیعة 7 : 152 / ح8981 .
4- مقاتل الطالبیین : 46 ، شرح نهج البلاغة 16 : 47 .

ص:370

والعقیلة زینب علیها السلام قد أشارت إلی هذه الحقیقة أیضاً لدی مخاطبتها یزید بقولها :

«کِدْ کیدک ، واسْعَ سعیک ، واجهد جهدک ، فوَ اللهِ الذی شرّفنا بالوحی والکتاب، والنبوّة والانتخاب ، لا تُدرِک أَمَدَنا ، ولا تَبلُغ غایتنا ، ولا تمحو ذِکرَنا ، ولا تمیت وحینا ، ولا یُرْحَضُ عنک عارُها ...»((1)) .

إذن، سعی القومُ لإطفاء نور الله وتحریف الشریعة ، بضرب جذورها - وهم الأئمّة مفاتیح معرفة التوحید والنبوّة والقرآن - ، لکنّ الله أتمّ نوره وأکرم نبیّه بکرامات کثیرة .

وقد مَرَّ علیک دلالة القرآن الکریم والحدیث النبویّ الشریف وأدعیة المعصومین علی التقارن الطولی بین اسمه تبارک وتعالی واسم نبیّه واسم أوصیائه ، ومنه قوله تعالی : {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ}((2)) .

وقوله تعالی : {یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأَمْرِ مِنْکُمْ} ((3)) .

وقوله تعالی : {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَیْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی


1- الاحتجاج 2 : 37 - عنه: بحار الأنوار 45 : 160 .
2- نزلت فی الإمام علیّ علیه السلام ، انظر: تفسیر الطبری 6 : 286 ، تفسیر القرطبی 6 : 221 ، مرقاة المفاتیح 11 : 246 ، شرح المقاصد فی علم الکلام للتفتازانی 2 : 288 قال : نزلت باتّفاق المفسرین فی علی ابن أبی طالب. وهی الآیة 55 من سورة المائدة .
3- النساء : 59 .

ص:371

الْقُرْبَی}((1)) .

وقوله تعالی : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}((2)) .

وغیرها عشرات الروایات بل مئات الروایات من کتب جمیع فرق المسلمین .

إذن هناک ترابط طولی بین الولایات الثلاث - لله ولرسوله ولأولی الأمر الذین ذکرهم الله فی کتابه وعلی لسان نبیّه - فلا یمکن لأحد أن یعرف الله حقّ معرفته غیر رسوله وأهل بیته المعصومین ، ولا یعرف النبیَّ صلی الله علیه و آله أحدٌ حقّ معرفته إلّا الله وأهل البیت ، ولا یعرف أهل البیت حقّ معرفتهم إلّا الله ورسوله ، فجاء فی مختصر (بصائر الدرجات) عن رسول الله صلی الله علیه و آله قوله : «یا علی، ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفنی إلّا الله وأنت ، وما عرفک إلّا الله وأنا»((3)) .

وفی (کتاب سلیم بن قیس) عن رسول الله صلی الله علیه و آله : «یا علی، ما عُرف الله إلّا بی ثمّ بک ، مَن جحد ولایتک جحد اللهَ ربوبیتَه»((4)) .

إذن فأهل البیت علیهم السلام مذکورون فی القرآن الحکیم والسنّة المطهّرة ، وقد بُنیت أحکام فقهیة تدور مدارهم خاصّة بهم ، تشریفاً لهم ، وتعظیماً لحقّهم ، کما فی الخمس وغیره ؛ لأنّهم کما قال الإمام علی علیه السلام : «نحن الشعار والأصحاب، والخزنة والأبواب ، ولا تُؤتی البیوت إلّا من أبوابها ، فمَن أتاها من غیر أبوابها


1- الأنفال : 41 .
2- التوبة : 105 .
3- مختصر بصائر الدرجات : 125 .
4- کتاب سلیم بن قیس : 378 - عنه: بحار الأنوار 22 : 148 /ح 141 .

ص:372

سُمِّی سارقاً»((1)) .

ومن هذا المنطلق لا نستبعد أن یکون أئمّة النهج الحاکم قد سعوا فی تحریف کلّ ما یَمتّ إلیهم علیهم السلام بِصلةٍ فی الشریعة والتاریخ، ثمّ الإتیان بما یشابهه فی آخرین ، لأنّ من المعلوم أنّ الأشیاء القیّمة والثمینة یحاک ویصنع ما یشابهها وعلی مِثلها، کما فی هذا المورد الذی نحن بصدد دراسته.

إمامة أهل البیت فی الأذان

وعلیه، فموضوع الإمامة لم یکن من الأمور الاجتماعیة البسیطة التی یناط أمرها إلی الناس ، بل هی من المواضیع الأساسیة المهمّة فی بناء الدین : أصولاً وفروعاً ، مظهراً وجوهراً ، فموضوعنا هو دراسة جملتین مرتبطتین بموضوع الإمامة بنحو من الأنحاء:

إحداهما : ما تلهج به الشیعة الإمامیة وتَدین به تبعاً لرسول الله وجملة من الصحابة وجمیع أهل البیت ، وهی جملة : «حیَّ علی خیر العمل» .

وثانیتهما : ما یلهج به أبناء العامّة تبعاً للمحکی عندهم عن رسول الله ، والمشکوک النسبة إلی بلال وأبی محذورة ، وهی جملة : «الصلاة خیر من النوم» .

فنرید هنا أن نسلّط الضوء علی ما تنطوی علیه هاتان الجملتان من معنی عقائدی، وبالإضافة إلی التفسیر الشرعی المتضمَّن فیهما ؛ إذ ما المقصود من جملة «حیّ علی خیر العمل» ... وهل هی الولایة والإمامة والدعوة إلی بِرّ فاطمة


1- من کلام لأمیر المؤمنین علیه السلام ، انظر: نهج البلاغة /الخطبة 154 .

ص:373

ووُلدها علیهم السلام حقّاً - کما جاء فی بعض الأخبار((1)) - ، أم هی الصلاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر وأشباهها ؟

بل ماذا تعنی جملة «الصلاة خیر من النوم» ، هل تعنی ما یفهمه الجمیع ، أم فیها معنی باطن مکنون یُقابل ما جاء عن أهل البیت فی تفسیر معنی «حیّ علی خیر العمل» ؟ والتفسیر المکنون لم یَبُحْ به الخصم بل یجب اکتشافه .

وبعبارة أوضح : هل الألف واللام فی «الصلاة» و فی «النوم» فی جملة : «الصلاة خیر من النوم» هی لجنس الصلاة والنوم ، أم إنّ «الألف» و«اللام» للعهد ؛ أی لصلاة خاصّة ونوم خاص معهودَین عندهم ؟

ثمّ ما هو سرّ حذف الحیعلة الثالثة «حیَّ علی خیر العمل» واستبدالها فی أذان الصبح خاصّة ب- «الصلاة خیر من النوم» ، ولماذا لا تستبدل بجملة غیر هذه الجملة ؟

وهل هناک دافع مطویٌّ فی تشریعها للصبح خاصّة دون الأوقات الأخری کالظهر والعصر والمغرب والعشاء ؟

وإذا قبلنا بأنّ الصبح وقت غفلة ونوم ، فالظهر وقت غفلة وتجارة أیضاً ، وقد ترک الصحابة رسول الله یوم الجمعة وانفضّوا إلی اللهو وإلی التجارة((2)) ، فلماذا لم


1- التوحید للشیخ الصدوق : 241 - الباب 34 /ح 2 ، معانی الأخبار : 41 /ح 1، مناقب آل أبی طالب لابن شهرآشوب 3 : 107 - عنه: بحار الأنوار 43 : 44 / ح 44 .
2- فی مناقب آل أبی طالب 1 : 407 عن تفسیر مجاهد وأبی یوسف یعقوب بن أبی سفیان فی سبب نزول هذه الآیة : فانفضّ الناس إلّا علیّاً والحسن والحسین وفاطمة علیهم السلام وسلمان وأبا ذر والمقداد وصهیب ، وترکوا النبی صلی الله علیه و آله قائماً یخطب علی المنبر ، فقال النبی صلی الله علیه و آله : لقد نظر الله یوم الجمعة إلی مسجدی ، فلولا الفئة الذین جلسوا فی مسجدی لأُضرمت المدینة علی أهلها ناراً ، وحُصبوا بالحجارة کقوم لوط! ونزل فی الجالسین قوله تعالی: (رِجَالٌ لاَ تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللهِ( [النور: 37]. وفی منتخب مسند عبد بن حمید : 335 / ح 1111 عن جابر بن عبدالله : قَدِمَت عِیر فانفضوا إلیها، فلم یبق إلّا اثنا عشر رجلاً . وهو فی صحیح ابن خزیمة 3 : 161 .

ص:374

یأمر عمر منادیه أن یقول فی صلاة الظهر أو صلاة الجمعة «الصلاة خیر من اللهو ومن التجارة» مثلاً ؟

فلو وُضعت الأولی لایقاظ النائمین وتنبیه الغافلین فالثانیة کذلک .

وهل هناک ترابط عقدی بین رفع الحیعلة الثالثة ووضع «الصلاة خیر من النوم» مکانها، أم جاء الأمر عفویاً ؟

وإذا کان عفویاً، فلماذا نری أنّ من یقول بشرعیة «حیّ علی خیر العمل» لا یقول بشرعیة «الصلاة خیر من النوم»، والعکس بالعکس ؟

بل لماذا نری الحکومات الشیعیة عندما تحکم تسعی لتحکیم «حیّ علی خیر العمل» فی الأذان وحذف «الصلاة خیر من النوم» منها((1)) ، علی خلاف الحکومات السنّیة التی تفعل العکس فتضع «الصلاة خیر من النوم» وتحذف الحیعلة الثالثة من الأذان((2)) ، فماذا یعنی فعلهم هذا وعلی أیّ شیء یدل ؟


1- انظر فی ذلک: أخبار بنی عبید 1 : 50 ، 84 ، الخطط للمقریزی 2 : 340 ، 342 ، وَفَیات الأعیان 1 : 375 ، سِیر أعلام النبلاء 15 : 160 ، تاریخ ابن خلدون 4 : 60 ، 480 ، الکامل لابن الأثیر 7 : 31 ، 8 : 83 ، المنتظم 16 : 32 - حوادث سنة 450 ه-، تاریخ بغداد 9 : 401 .
2- الخطط للمقریزی 2 : 271 وفیه : وقرا أبو علی العباسی سجلاً فیه بترک «حی علی خیر العمل» فی الأذان وأن یقال فی صلاة الصبح «الصلاة خیر من النوم» ، وفی النجوم الزاهرة 4 : 222 ، 5 : 59: وغُیِّر الأذان وجُعل مکان «حی علی خیر العمل» «الصلاة خیر من النوم» ، الکامل 8 : 59 - حوادث سنة 443 ه-، وفی 8 : 79 ، 107 - حوادث سنة 462 ه-، المنتظم 15 : 331 ، تاریخ أبی الفداء 2 : 170 ، تاریخ الإسلام 30 : 9 ، البدایة والنهایة 12 : 73 ، السیره الحلبیة 2 : 305 .

ص:375

ألا یدلّ علی أنّ الأمر أکبر مما یقولونه ویفسرونه فی معنی الخیریة بین «الصلاة» و «النوم» ؟

فی اعتقادنا أنّ هناک ترابطاً عقائدیاً کبیراً بین عقیدة الولایة و «حی علی خیر العمل» ، وبین حکومات «الخلافة الانتخابیة» و «الصلاة خیر من النوم» .

أما عند الشیعة الإمامیة فالأمر واضح، فقد ورد فی أخبارنا المعتبرة من أنّ «حیّ علی خیر العمل» تعنی الولایة ، لکنّ ، ما ینبغی التأکید علیه وإماطة اللثام عنه هو غفلة أبناء العامة عن بیان البعد العقائدی لجملة «حی علی خیر العمل» وجملة «الصلاة خیر من النوم» مکتفین فی تسلیط الضوء علی أنّ الثانی شُرِّع لإیقاظ النائمین وتنبیه الغافلین فحسب، ولم یشیروا إلی الدوافع العقائدیة التی حدت بعمر بن الخطاب وغیره إلی الإصرار علی رفع الحیعلة الثالثة !

وعلیه فالبحث فی «الصلاة خیر من النوم» أو «حی علی خیر العمل» لا یقتصر علی البعد الفقهی الخلافی ، بل فیه الإشارة إلی تأسیس اتجاه خاص بالخلفاء یقابل مدرسة أهل البیت ، وهذا ما تفرضه تداعیات الصراع بین النهجین، وهو ما نصطلح علیه هنا ب- «الوضع» بعد «الرفع» ، فغالباً ما یُستعاض عن الشرع الصحیح بما هو بدعة ، وقد جاء هذا صریحاً فی کلام ابن عباس الذی قال : ترکوا السنة من بغض علی!((1))


1- الأحادیث المختارة 10 : 378 / ح 403 ، المستدرک علی الصحیحین 1 : 636 / ح 1706 قال الحاکم: هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخیین ولم یخرجاه .

ص:376

کما جاء هذا المفهوم فی کلام عمر بن الخطاب نفسه، وقد ذکره له سعد التفتازانی (ت 793 ه-) فی (شرح المقاصد) فی علم الکلام وفی (حاشیته علی شرح العضد) ، وکذا القوشجی (ت 789 ه-) فی (شرح التجرید) فی مبحث الإمامة ، حیث قالوا :

«إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس فقال : أیّها الناس، ثلاث کُنَّ علی عهد رسول الله أنا أنهی عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب علیهنّ ، وهی : متعة النساء، ومتعة الحجّ، وحیّ علی خیر العمل»((1)) .

فماذا، یعنی هذا التقارن والترابط؟! ولماذا نری أنّ الذی یدّعی شرعیة «الصلاة خیر من النوم» لا یقول بوجود النص علی إمامة علیّ بن أبی طالب ، ومن یقول ب- «حیّ علی خیر العمل» یری النصّ علی ولایة علیّ بن أبی طالب وخلافته ؟

ثمّ علی أیّ شیء یدلّ قول الإمام الصادق علیه السلام : «لیس منا من لم یؤمن بکرَّتنا ، و[لم] یستحلَّ متعتنا»((2))، أو قوله : «مَن لم یستیقن أنّ واحدة من الوضوء تُجزیه لم یُؤجَر علی الثنتین»((3)) .

وهل صدرت هذه الأقوال من قبلهم علیهم السلام للوقوف أمام ما سنّه الخلفاء من الأمور الباطلة وسعیهم فی إماتة السُّنّة الصحیحة الثابتة عن رسول الله ؟

بل لماذا تتوجّه أصابع الاتّهام إلی عمر بن الخطاب علی وجه الخصوص ؟


1- شرح المقاصد 2 : 294 .
2- من لا یحضره الفقیه 3 : 458 / ح 4583 - عنه: وسائل الشیعة 21 : 8 - باب إباحة المتعة / ح 10 وفیه : ولم یستحل متعتنا ، وکذا فی مستدرک الوسائل 14 : 451 ، باب اباحة المتعة / ح 4 ، رواه عن الهدایة للصدوق : 266 .
3- الاستبصار 1 : 71 / ح 218 ، تهذیب الأحکام 1 : 81 / ح 213 ، وسائل الشیعة 1 : 436 - باب إجزاء الغرفة الواحدة فی الوضوء وحکم الثانیة والثالثة / ح 4 .

ص:377

عمر وموضوع الإمامة فی الأذان

جاء فی (علل الشرائع) عن عِکْرِمة قال : قلت لابن عباس : أخبرْنی لأیّ شیء حُذف من الأذان «حیّ علی خیر العمل» ؟ قال : أراد عمر بذلک ألّا یتّکل الناس علی الصلاة ویَدَعُوا الجهاد، فلذلک حذفها من الأذان((1)) .

وفی کتاب (الأحکام) - من کتب الزیدیة - قال یحیی بن الحسین :

وقد صحّ لنا أنّ «حیّ علی خیر العمل» کانت علی عهد رسول الله یؤذَّن بها، ولم تُطرَح إلّا فی زمن عمر بن الخطاب، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخاف أن یتّکل الناس علیها. وأمَرَ باثبات «الصلاة خیر من النوم» مکانها((2)) .

وعن الإمام الباقر علیه السلام عن أبیه علیّ بن الحسین أنّه قال : کانت فی الأذان الأوّل، فأمرهم عمر فکفّوا عنها مخافة أن یتثبط الناس عن الجهاد ویتّکلوا علی الصلاة((3)) .

وعن الإمام زید بن علیّ أنّه قال :

ممّا نَقَم المسلمون علی عمر أنّه نحّی من النداء فی الأذان «حیّ علی خیر العمل» ، وقد بَلَغَ العلماءَ أنّه کان یُؤذَّن بها لرسول الله حتّی قبضه الله عزّوجلّ ، وکان یؤذَّن بها لأبی بکر حتّی مات ، وطرفاً من ولایة عمر حتّی نهی عنها((4)) .

وعن أبی جعفر الباقر علیه السلام : کان الأذان ب- «حیّ علی خیر العمل» علی عهد


1- علل الشرائع للصدوق 2 : 368 - الباب 89 نوادر علل الصلاة / ح 3 .
2- الأحکام لیحیی بن الحسین 1 : 84 .
3- الأذان بحی علی خیر العمل للعلوی : 79 / ح 84 .
4- الأذان بحیّ علی خیر العمل للعلوی : 29، وانظر هامش: مسند زید : 93 .

ص:378

رسول الله صلی الله علیه و آله ، وبه أُمروا فی أیّام أبی بکر ، وصدراً من أیّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقیل له فی ذلک ، فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة خیر العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه» .

وروینا مثل ذلک عن جعفر بن محمّد ، والعامّة تروی مثل هذا((1)) .

وقد روی الصدوق فی (علل الشرائع) بسنده عن ابن أبی عُمَیر أنّه سأل أبا الحسن الکاظم علیه السلام عن سبب ترک «حیّ علی خیر العمل» فقال : أمّا العلّة الظاهرة فلِئلّا یَدَعَ الناس الجهاد اتّکالاً علی الصلاة ، وأمّا الباطنة فإنّ خیر العمل الولایة ، فأراد مَن أمر بترک حیّ علی خیر العمل من الأذان [عمر] أن لا یقع حثّ علیها ودعاءٌ إلیها((2)) .

وقال ابن أبی عبید : «إنّما أَسقط «حیّ علی خیر العمل» مَن نهی عن المتعتین ، وعن بیع أمّهات الأولاد ، خشیة أن یتّکل الناس بزعمه علی الصلاة ویَدَعُوا الجهاد، قال : وقد رُوی أنّه نهی عن ذلک کلّه فی مقام واحد»((3)) .

وقال العلاّمة الشرفی (ت 1055ه-) من علماء الزیدیة : وعلی الجملة فهو - أی الأذان بحیّ علی خیر العمل - إجماع أهل البیت، وانّما قطعه عمر((4)) .


1- دعائم الإسلام 1 : 142 - عنه: بحار الأنوار 81 : 156 / ح 54 ، وفی کتاب (الإیضاح) للقاضی نعمان (ت 363ه-) : فقد ثبت أنّه أُذِّن بها علی عهد رسول الله حتّی توفّاه الله، وأنّ عمر قطعه !..
2- علل الشرائع 2 : 368 - الباب 89 من نوادر علل الصلاة / ح 4 - عنه: بحارالأنوار 81 : 140 - باب معنی الأذان / ح 34 .
3- البحر الزخار الجامع لمذهب علماء الأمصار 2 : 192 ، ذکری الشیعة 3 : 215 ، وانظر: شرح الأزهار 1 : 223 ، شرح العضدی علی المختصر الأصولی لابن الحاجب بحاشیة السعد التفتازانی 2 : 41 - 42 .
4- ضیاء ذوی الأبصار (مخطوط) 1 : 61 .

ص:379

وفی (المنتخب) من کتب الزیدیة : وأمّا «حیّ علی خیر العمل» فلم تزل علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله حتّی قبضه الله ، وفی عهد أبی بکر حتّی مات ، وإنّما ترکها عمر وأمر بذلک، فقیل له : لِم ترکتَها ؟ فقال : لئلّا یتّکل الناس علیها ویترکوا الجهاد((1)) .

فنتساءل: لِمَ قطَعَها ورفعها عمر من الأذان ؟ وهل یصحّ ما علّله فی هذا الأمر وهو خوف الاتکّال علیها وتقاعس الناس عن الجهاد؟!

الجواب : کلّا، فإنّ التعلیل علیل ، لأنّ الجهاد والغزوات والحروب کانت أعظم وأکبر علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وهی أدعی إلی حذف الحیعلة الثالثة من قِبَلِ رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلماذا لم یحذفها رسول الله صلی الله علیه و آله وحذفها عمر ؟

ثمّ إنّ تعلیل عمر یشبه ما علّله عثمان فی إتمام الصلاة بمنی، وأنّه یخاف أن یَظنّ الناس أنّ صلاة القصر هی المفروضة ، فأجابه الصحابة بأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله کان یقصّر الصلاة وینبّه علی أنّ ذلک مخصوص بمنی .

فلو صحّ تعلیل عمر لکان یمکنه أن یقرّ الحیعلة الثالثة وینبّه المسلمین علی ضرورة الجهاد، کما کان رسول الله یفعل ذلک ، هذا أوّلا .

وثانیاً : لو قَبِلنا التعلیل السابق تنزّلاً لصحّت مشروعیّة الحذف لفترة معیّنة لا أن یکون تشریعاً حتّی زماننا الحاضر !


1- حی علی خیر العمل : 36 - عن کتاب: المنتخب للإمام الهادی إلی الحق : 30 ، الأحکام 1 : 84 ، تحریر الأفکار : 541 ، وقد مرّت هذه النصوص فی کتابنا «حی علی خیر العمل».

ص:380

وثالثاً : إنّ ما علّله عمر لا یتّفق مع قوله صلی الله علیه و آله : «إنّ خیر أعمالکم الصلاة»((1))، وقوله : «الصلاة عمود الدین، فمَن ترکها فقد هدم الدین»((2)) .

فلو صحّ تعلیل عمر لَلزِمه ضربُ کلّ هذه النصوص !

ورابعاً : إنّ التحزّب الموجود بین المسلمین فی هذه المفردة إلی یومنا هذا یرشدنا إلی تخالف فکریّ بین النهجین :

أحدهما - یصرّ علی الإتیان بها علی الرغم من کلّ المصاعب .

والآخر - یجدّ لتضعیف الحیعلة الثالثة والقول بأنّها لم تکن علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، أو أنّ رسول الله أبدلها بجملة «الصلاة خیر من النوم» ، وإنّ هذا لیشیر إلی أنّ السبب لیس کما قالوه وعلّلوه ، بل یُومی إلی أنّ هناک هدفاً غیر معلن سُتِرَ تحت مزعمة الخوف من اتکّال المسلمین علی الصلاة وترک الجهاد .

وفی اعتقادی أنّ الأمر هو کما قال ابن عباس : ترکوا السنة من بُغض علیّ((3)) ، فالأمر یعود إلی إمامة الإمام علیّ علیه السلام إذ کلّ الناس یعلمون أنّ عمر کان لا یرتضی اجتماع النبوة والخلافة فی بنی هاشم((4)) ، وقد ثبت عنه أنّه کان من الناهین عن تدوین وروایة شأن النزول مع التنزیل فی المصاحف ، وکما أنّه کان ینهی عن کتابة حدیث رسول الله بدعوی خوفه من اختلاطه بالقرآن((5)) ، ومعناه أنّه کان لا یرتضی


1- سنن ابن ماجة 1 : 101 / ح 277 ، سنن الدارمی 1 : 174 / ح 655 .
2- غوالی اللآلی 1 : 322 / ح 55 ، شرح نهج البلاغة 10 : 206 .
3- الأحادیث المختارة 10 : 378 ، سنن النسائی (المجتبی) 5 : 253 / ح 3006 .
4- المسترشد : 617 ، 684 ، شرح نهج البلاغة 1 : 189 ، 12 : 53 .
5- انظر: مصنَّف عبد الرزاق 11 : 257 /ح 20484، تقیید العلم : 49 - 51 ، المدخل إلی السنن الکبری 1 : 407 /ح 731 .

ص:381

ما جاء فی مصاحف الصحابة أمثال: ابن مسعود، وجابر بن عبدالله الأنصاری، وأُبیّ بن کعب، وغیرهم من القُراّء من أُمور تفسیریة وتوضیحیة، کما لم یکن یرتضی قراءاتهم الدالة علی تلک الأُمور .

وخلاصة القول : أننا اذا أخذنا یمیناً أو شمالاً فلن نجد إلّا ما قاله ابن عباس ، وهو أنّ علّة ترک السنة هو بغض علیّ أو بغض إمامته أو بغض خصائصه ومناقبه وأفضلیّاته .

فعن مُرّة قال : کان عبدالله بن مسعود یقرأ: {وَکَفَی اللهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتَالَ} بعلیّ، {وَکَانَ اللهُ قَوِیّاً عَزِیزاً}((1)) ، فهل تتوقع أن یرضی خصوم علی بمثل ذلک ؟!

وجاء عنه أیضاً أنّه کان یقرأ آیة البلاغ: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِن رَبِّکَ} أنّ علیّاً مولی المومنین {وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَه}((2)) .

وعن شقیق ، قال : قرأت فی مصحف عبدالله بن مسعود: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ} وآلَ محمّدٍ {عَلَی الْعَالَمِینَ} ((3)) .

وعن جابر بن عبدالله الأنصاری أنّه قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله قرأ {فَإِنَّا


1- شواهد التنزیل 2 : 7 /ح 629 - 632 ، تاریخ دمشق 42 : 360 ، الإکمال 7 : 53 - سورة الأحزاب /الآیة 25 وفی الدر المنثور 6 : 590 قال: أخرجه ابن أبی حاتِم وابن مردَویه وابن عساکر عن ابن مسعود، ومثله عن ابن عباس، شواهد التنزیل 2 : 10 / ح 633 - الآیة 25 من سورة الأحزاب .
2- الدر المنثور 2 : 298 - عنه: بحارالأنوار 37 : 190 - الآیة 67 من سورة المائدة .
3- العمدة : 55 /ح 55 ، شواهد التنزیل 1 : 152 - 153 /ح 165 و 166 - الآیة 33 من سورة آل عمران .

ص:382

مِنْهُم مُنتَقِمُونَ} فقال : بعلیّ بن أبی طالب((1)) .

وعن عمرو وعبدالله بن مسعود وأبیّ بن کعب، أنّهم قرأوا: {وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الأَقْرَبِینَ} ورهطَک المُخلَصین((2)) .

فأمثال هذه القراءات کانت لا تعجب عمر بن الخطاب ، فحذفها مع قراءات أخری لآیات أخری لصحابة آخرین ، أو قل: مَنَعَ الأخذ بمصاحف الصحابة لِما فیها من أسباب النزول ، أو لأنّها دُوّنت طبقاً للتنزیل ، فکانت لا تعجبه ، فحذفها ومنعها بدعوی اختلاطها مع القرآن ، والأمر نفسه فیما نحن فیه ، فقد رفع «حیّ علی خیر العمل» بدعوی مخالفةِ تَباطؤ الناس عن الجهاد، ووَضَعَ «الصلاة خیر من النوم» بدعوی تنبیه النائمین.

فهل هذه التعالیل صحیحة وواقعیة، أم ادعائیة سیاسیة ؟! فنحن لو جمعنا ما رواه مسلم قبل قلیل عن زید بن أرقم عن رسول الله فی غدیر خم وقوله : «إنّی تارک فیکم ثقلین ... أُذکّرُکمُ اللهَ فی أهل بیتی»((3))، مع ما جاء فی روایة الترمذی : «إنّی تارک فیکم ما إن تمسّکتم بهما لن تضلوا بعدی ، أحدهما أعظم من الآخر: کتاب الله حبل ممدود من السماء إلی الأرض ، وعترتی أهل بیتی ، ولن یتفرقا حتّی


1- المحرَّر الوجیز 5 : 56، وانظر: تفسیر النیسابوری 6 : 93 - الآیة 41 من سورة الزخرف.
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام 2 : 209 فی مصحف عبدالله بن مسعود وأبیّ بن کعب ، وأنظر: تفسیر الطبری 19 : 121 فی قراءة عمرو بن مرة ، وفیه : ورهطَک منهمُ المخلصین ، وکذا فی: صحیح البخاری 4 : 1902 / ح 4687، وصحیح مسلم 1 : 193 / ح 208 - والآیة 214 من سورة الشعراء.
3- صحیح مسلم 4 : 1873 / ح 2408 .

ص:383

یَرِدا عَلیَّ الحوض ، فانظروا کیف تُخْلفونی فیهما»((1)) .

مع وصیته الأخری فی أهل بیته صلی الله علیه و آله لمّا حضرته الوفاة، ومنعِ عمر کتابةَ ذلک الکتاب ، بدعوی أنّ النبیّ غلبه الوجع وعندنا کتاب الله((2)) .

وقول ابن عباس : الرزیة کلّ الرزیة ما حال بین رسول الله وبین کتابه!!((3))

وقول عمر لابن عباس : إنّ رسول الله أراد أن یَذْکُرَه للأمر فی مرضه، فصددتُه عنه خوفاً من الفتنة وانتشار أمر الإسلام! فعلم رسول الله ما فی نفسی وأمسک ، وأبی الله إلّا إمضاءَ ما حتم!((4))

فإذا جمعنا کلّ ذلک عرفنا مغزی حذف الحیعلة الثالثة وإضافة الصلاة خیر من النوم مکانها!

یضاف إلی ذلک ما جاء فی (الطبقات الکبری) لابن سعد عن جابر بن عبدالله الأنصاری قوله : لمّا کان فی مرض رسول الله الذی تُوفّیَ فیه دعا بصحیفة لیکتب فیها لأمّته کتاباً لا یضلون ، قال : فکان فی البیت لَغَطٌ وکلام ، وتکلّم عمر بن


1- سنن الترمذی 5 : 663 / ح 3788 .
2- صحیح البخاری 1 : 54 / ح 114 - من کتاب العلم باب کتابة العلم ، وکتاب المغازی باب مرض النبیّ ووفاته 3 : 317 / ح 871 و / ح 872، وکتاب المرض والطب باب قول المریض : قوموا عنّی 5 : 2146 / ح 5345، وکتاب الاعتصام بالکتاب والسنّة باب کراهیة الخلاف 6 : 2680 / ح 6932 .
3- صحیح البخاری 1 : 54 / ح 114 ، 4 : 1612 / ح 4169 ، 5 : 2146 / ح 5345 ، 6 : 2680 / ح 6932 .
4- شرح نهج البلاغة 12 : 79 ، بحار الأنوار 30 : 555 - الطعن الأوّل.

ص:384

الخطاب ، قال : فرفضه النبیّ ...((1)) .

فنحن لو جمعنا هذه النصوص مع ما جاء عن ابن عباس وأنّ عمر بن الخطاب سأل ابنَ عبّاس فی أوائل حکومته عمّا فی نفس علیّ بن أبی طالب بقوله : أیزعم أنّ رسول الله نَصَّ علیه ؟

أجابه ابن عباس : نعم ، وأزیدک : سألت أبی عمّا یدعیه (أی من أمر الخلافة) فقال : صدق .

قال عمر : لقد کان من رسول الله فی أمره ذَرْوٌ من قول لا یُثْبت حجّة ولا یقطع عذراً ، ولقد کان یَرْبَعُ فی أمره وقتاً ما ، ولقد أراد فی مرضه أن یصرّح باسمه فمنعتُ عن ذلک اشفاقاً وحیطة علی الإسلام ... فعلم رسول الله أنّی علمت ما فی نفسه فأمسک((2)) .

وقال العینی فی (عمدة القاری) : واختلف العلماء فی الکتاب الذی همّ النبیّ بکتابته ، فقال الخطابی : یحتمل وجهین: أحدهما أنّه أراد أن ینصّ علی الإمامة من


1- الطبقات الکبری 2 : 243، وفی مسند أحمد 3 : 346 / ح 14768 أنّ النبیّ دعا عند موته بصحیفة لیکتب فیها کتاباً لا یضلون بعده ، قال : فخالف علیه عمر بن الخطاب حتّی رفضها. بل سعی هو وأنصاره من الأمویین أن یضعوا ما یضادّه، فجاء فی: مسند أحمد 8 : 115، وکنز العمال 6 : 264 عن عائشة قولها: لمّا ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبی بکر: اِئْتِنی بکتف ولوح حتی أکتب لأبی بکر کتاباً لا یُختلَف علیه! فلمّا ذهب عبد الرحمن لیقوم قال: أبی الله والمؤمنون إلّا أن یختلف علیک یا أبابکر!
2- شرح نهج البلاغة 12 : 21 عن أحمد بن أبی طاهر (ت 280 ه-) فی کتابه: تاریخ بغداد فی أخبار الخلفاء والأمراء وأیّامهم .

ص:385

بعده فترتفع تلک الفتن العظیمة کحرب الجمل وصفین ...((1)) .

وقال العینی فی مکان آخر : نسبة مثل هذا إلی النبیّ (أی الهَجْر) لا یجوز ، لأنّ وقوع مثل هذا الفعل عنه صلی الله علیه و آله مستحیل لأنّه معصوم فی کلّ حالة فی صحّته ومرضه ، لقوله تعالی : {وَمَا یَنطِقُ عَنِ الْهَوَی}((2))، ولقوله : إنی لا أقول فی الغضب والرضیٰ إلّا حقاً .

وقد تکلّموا فی هذا الموضع کثیراً ، وأکثره لا یجدی ، والذی ینبغی أن یقال : انّ الذین قالوا «ما شأنه أهَجَرَ، أو: هَجَرَ!» بالهمزة وبدونها ، هم الذین کانوا قریبی العهد بالإسلام ، ولم یکونوا یبالون بأنّ هذا القول لا یلیق أن یقال فی حقّه ، لأنّهم ظنّوا أنّه مثل غیره من حیث الطبیعة البشریة ، إذا اشتدّ الوجع علی واحد منهم تکلّم من غیر تحرٍّ فی کلامه ، ولهذا قالوا : استفهموه ، لأنّهم لم یفهموا مراده .

ومن أجل ذلک وقع بینهم التنازع حتّی أنکر علیهم النبیّ بقوله: «ولا ینبغی عند نبی التنازع»، وفی الروایة الماضیة «ولا ینبغی عندی تنازع». ومن جملة تنازعهم ردُّهم علیه، وهو معنی قول الراوی: «فذهبوا یردّون علیه»((3)) .

قال الغزالی : ولما مات رسول الله قال قبل وفاته بیسیر : اِئْتونی بدواة وبیاض لأکتب لکم کتاباً لا تختلفوا فیه بعدی . فقال عمر : دَعُوا الرجل فإنّه لَیهجر!!((4))

فنحن لو جمعنا هذه النصوص بعضها إلی بعض ، وعرفنا وفاة الصدّیقة الزهراء


1- عمدة القاری 2 : 171 .
2- النجم : 3 .
3- عمدة القاری 18 : 62 .
4- سر العالمین : 18 .

ص:386

وهی واجدة علی أبی بکر وعمر((1)) فی القضیة المعروفة ، وکذلک هجوم عمر علی باب بیتها وإسقاط جنینها وغیر ذلک من المظالم التی جرت علیها ، لعرفنا سرّ ترک الظالمین ل- «برّ فاطمة» ، وترک الدعوة للولایة والبِرّ ب- «حیّ علی خیر العمل» .

وفی المقابل عرفنا أیضاً معنی ما قاله الإمامان الباقر والصادق علیهما السلام بأنّ «حیّ علی خیر العمل» هو برّ فاطمة ووُلدها .

إنّ وقوف الرسول صلی الله علیه و آله کلّ یوم علی باب فاطمة الزهراء ولمدة ستّة أشهر بعد نزول آیة التطهیر ، وقوله لأهل بیت الرسالة : «الصلاةَ الصلاة، إنّما یرید الله لیُذهب عنکم الرجس أهلَ البیت ویطهّرکم تطهیراً»((2)) لَیؤکّد علی وجود ترابط بین التوحید والنبوة والإمامة فی کلّ شیء ، وکأنّ الرسول هو حلقة الوصل والرابط بین رکنی التوحید والعترة فی قوله تعالی: {إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ} ((3)) .

وعمر بن الخطاب ومِن قَبله أبوبکر، وأئمّة النهج الحاکم کانوا قد عرفوا هذا الارتباط بین الرسول وأهل بیته فی المنظومة الدینیة ، وأنّ ولایة الإمام علیّ هی خیر العمل ، وأنّ ضربته یوم الخندق تعدل عبادة الثقلین((4)) ، وأنّ آیة المباهلة والتطهیر


1- أنظر: صحیح البخاری 3 : 1126 - باب فرض الخُمس /ح 2926 ، وفیه : فهجَرَت أبا بکر فلم تزل مُهاجرتَه حتّی تُوفِّیت ، و 4 : 1549 ، باب غزوة خیبر / ح 3998 ، شرح النهج 6 : 50 .
2- الدر المنثور 6 : 606 ، أخرجه ابن جریر وابن مردویه عن أبی الحمراء ، تفسیر الطبری 22 : 6 ، الاستیعاب 4 : 1542 /ت 2691 لهلال بن الحمراء ، المطالب العالیة 15 : 124 / ح 3686 ، شرح الأخبار 3 : 4 / ح 915 .
3- الأحزاب : 33 .
4- المواقف 3 : 628، شرح المقاصد 2 : 301 ، وجاء فی الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 455 / ح 5406 ، والمستدرک علی الصحیحین 3 : 34 / ح 4327 قول رسول الله صلی الله علیه و آله : «لَمبارزةُ علی بن أبی طالب لعَمرو بن وَدّ یومَ الخندق أفضلُ من أعمال أمّتی إلی یوم القیامة» ، وکذا فی: کشف الغمة 1 : 148 ، وانظر: شرح النهج 19 : 60 .

ص:387

وسورة الدهر وقوله عزّ وجلّ: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا}((1))، وغیرها من عشرات الآیات أنّها نزلت فی علیّ وفی أهل بیته ، فَسَعَوا إلی تحریف المسائل المرتبطة بالعترة واضعین مکانها مسائل تخصّ المخالفین ، وإلیک بعض التحریفات فی الأذان ناهیک عن تحریفاتهم الأخری فی عموم الشریعة .

التحریفات فی خصوص الأذان

لو ألقی الباحث نظرة سریعة علی أخبار الأذان عند الفریقین ، وما یرتبط به من مباحث کمبحث الإسراء والمعراج ((2))، لوقف علی عمق الخلاف الفکری بین النهجین والتحریفات الواقعة فیه .

فأغلب الجمهور یعتبرون تشریع الأذان کان مَنامیّاً ، رآه أحد الصحابة - عبدالله بن زید ، أو عمر بن الخطاب ، أو أُبیّ بن کعب أو غیرهم - ثمّ أخذ عنه بلال ذلک الأذان بأمر رسول الله .

أمّا أهل البیت علیهم السلام فیرون تشریعه فی الإسراء والمعراج ویسخّفون ذاک الرأی ویبدّعونه .

فالذین اعتبروه مناماً من الأمویین وغیرهم کانوا یریدون أن یشکّکوا أو یقلّلوا من


1- المائدة : 55 .
2- والذی مرّ فی المجلّد الأوّل من هذه الدراسة (حی علی خیر العمل).

ص:388

قیمة الرؤیا التی أراها الله لنبیّه فی بنی أمیّة وأنّهم یَنْزون علی منبره الشریف نزو القردة((1)) ، وذلک ما نزل فیه قوله تعالی: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ}((2)) .

کما أنّ القائلین بالتشریع المنامی - من أهل الرأی الأموی - سعوا للتقلیل من مکانة الإسراء والمعراج وقالوا بأنّه کان بالروح لا بالجسد ، أی أنّه کان فی المنام لا فی الیقظة ، مستدلّین بما روته عائشة وطَبَّل له معاویة !!

ولا ینطلی علی الباحث المحقق أنّ الأمویین وقفوا أمام انتشار ذکر محمّد وآله فی الأذان والتشهد والخطبة، بل فی کلّ شیء .

وحرّفوا مکان الإسراء من شِعب أبی طالب((3))، أو من بیت خدیجة((4))، أو من بیت أمّ هانی بنت أبی طالب((5)) أخت الإمام علیّ ، فجعلوه من بیت عائشة ، وأغفلوا وجود اسم الإمام علی ضمن المضطجعین مع النبیّ عند العروج أو البعثة ، وغیّروا اسم الإمام علی الموجود علی ساق العرش إلی أبی بکر کما جاء فی روایة القاسم بن معاویة الذی قال للصادق علیه السلام : هؤلاء یَرْوُون حدیثاً فی معراجهم أنّه لمّا أُسریَ برسول الله صلی الله علیه و آله رأی علی العرش: «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق» .


1- مسند أبی یعلی 11 : 348 ح 6461 ، المطالب العالیة 18 : 279 ، مجمع الزوائد 5 : 244 ، تاریخ الخلفاء 1 : 13، التفسیر الکبیر للفخر الرازی وکذلک تفسیر الدرّ المنثور للسیوطی الشافعی - فی ظلّ الآیة 60 من سورة الإسراء، وغیرها .
2- الإسراء : 60 .
3- فتح الباری 7 : 204 ، الدر المنثور 5 : 227 .
4- التفسیر الکبیر للرازی 4 : 16 ، المجموع للنووی 9 : 235 ، شرح الازهار 1 : 199 .
5- تفسیر الطبری 15 : 2 ، الدر المنثور 5 : 209 ، فتح الباری 7 : 204 .

ص:389

فقال : سبحان الله !! غیّروا کلّ شیء ، حتّی هذا !

قلت : نعم .

فقال الصادق علیه السلام - ما ملخصه - انّ الله تعالی لمّا خلق العرش ، والماء ، والکرسی ، واللوح ، وإسرافیل ، وجبرائیل ، والسماوات والأرضین ، والجبال ، والشمس ، والقمر، کتب علی کلّ منها : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین»، ثمّ قال علیه السلام : فإذا قال أحدکم: لا إله إلّا الله، محمّد رسول الله، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین ولیُّ الله ((1)) .

وما رواه القاسم بن معاویة عن الإمام الصادق علیه السلام - وکذلک رواه العامة فی مصادرهم عن أنس بن مالک حیث قال - قال النبیّ صلی الله علیه و آله : لما عُرِج بی رأیت علی ساق العرش مکتوباً : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أیّدته بعلیّ ، ونصرته بعلیّ»((2)) .

وعن جابر بن عبدالله الأنصاری قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : مکتوب علی باب الجنة قبل أن یخلق الله السماوات والأرض بألفی عام «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أیّدته بعلی»((3)) .


1- أنظر الاحتجاج 1 : 231 ، بحارالأنوار 27 : 1 - 2 /ح 1 .
2- الدر المنثور 5 : 219 ، الخصائص الکبری للسیوطی 1 : 13 ، تاریخ دمشق 42 : 360 والنص منه، کفایة الطالب للکنجی الشافعی: 234 - الباب 62، تاریخ بغداد 11: 173 /الرقم 58756 - عن أنس بن مالک، ذخائر العقبی: 69 - عن أبی الحمراء، أغلبهم استدلالاً بقوله تعالیٰ: (هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ( [سورة الأنفال: 62] .
3- تاریخ دمشق 42 : 336 ، شواهد التنزیل 1 : 296 ح302 ، کنز العمال 11 : 287 / ح 33042 .

ص:390

وعن أبی الحمراء - خادم الرسول - قال : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا أُسریَ بی إلی السماء نظرت إلی ساق العرش الأیمن فإذا علیه : «لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أیّدته بعلیّ، ونصرته بعلیّ»((1)) .

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال : إنّا أوّل أهل بیت نَوَّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادیاً فنادی : أشهد أن لا إله إلّا الله - ثلاثاً ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله - ثلاثاً ، أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین حقّاً - ثلاثاً((2)) .

وکنّا قد وضّحنا فی المجلّد الأول من موسوعة (الأذان بین الأصالة والتحریف) بأنّ أطروحة کون حقیقة الأذان منامیة ولیست سماویة هی أطروحة أمویّة طرحت بعد صلح الإمام الحسن علیه السلام ، وکانت تهدف إلی استنقاص الرسول الأعظم صلّی الله علیه وآله الکرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا فی هذا السیاق کان فی عهد معاویة ، وهو لسفیان بن اللیل الذی قال :

لمّا کان من أمر الحسن بن علیّ ومعاویة ما کان ، قدمتُ علیه المدینة وهو جالس فی أصحابه ... فتذاکرنا عنده الأذان ، فقال بعضهم : إنّما کان بدء الأذان برؤیا عبدالله بن زید ، فقال له الحسن بن علیّ : إنّ شأن الأذان أعظم من ذلک ، أذَّن جبرائیل فی السماء مثنیً مثنی وعلّمه رسولَ الله ...((3)) .


1- المعجم الکبیر 22 : 200 /ح 256 ، تاریخ دمشق 16 : 456 و42 : 336 ، 360 ، حلیة الأولیاء 3 : 27 ، معجم الصحابة 3 : 202 /ت 1180 لأبی الحمراء السلمی .
2- الکافی 1 : 441 / ح 8 .
3- نصب الرایة 1 : 261 ، المستدرک 3 : 187 /ح 4798 ، وأورده الجصّاص فی: أحکام القرآن 4 : 103 - باب الأذان من طریق آخر .

ص:391

وجاء عن الإمام الحسین علیه السلام أنّه سُئل عن هذا الأمر کذلک فقال : الوحی یتنزّل علی نبیّکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید ؟! والأذان وَجْهُ دینکم((1)) .

وجاء عن أبی العلاء قال : قلت لمحمد بن الحنفیة : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه ، قال : ففزع لذلک محمّد بن الحنفیة فزعاً شدیداً وقال : عَمَدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الاسلام ومعالم دینکم ، فزعمتم أنّه إنّما کان من رؤیا رجلٍ من الأنصار فی منامه ، تحتمل الصدق والکذب ، وقد تکون أضغاث أحلام ؟!

قال : فقلت : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس ؟

قال : هذا واللهِ هو الباطل ، ثمّ قال: ...((2))

وفی (الکافی) خاطب الإمام الصادق عمرَ بن أُذینة بقوله : یا عمر بن أُذینة، ما تروی هذه الناصبة ؟

قال : قلت: جُعِلت فداک فی ماذا ؟

قال : فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم .

فقلت : إنّهم یقولون: إنّ أُبیّ بن کعب رآه فی النوم .

قال : کذبوا! فانّ دین الله عزّ وجلّ أعزّ من أن یُری فی النوم ...((3)) .


1- دعائم الاسلام 1 : 142 ، وأنظر: مستدرک الوسائل 4 : 17 - الباب 1 / ح 1 .
2- السیرة الحلبیة 2 : 300 ، أمالی أحمد بن عیسی 1 : 90 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 277 ، والنصّ والاجتهاد : 337 - عن: السیرة الحلبیة .
3- الکافی 3 : 482 - باب النوادر / ح 1 ، وعلل الشرائع 2 : 314 - باب علل الوضوء والأذان / ح 1 - عنه: بحار الأنوار 18 : 354 / ح 66 و 79 : 239 / ح 1 .

ص:392

* *

*

نستخلص ممّا سبق عدّة أمور :

أحدها : أهمیّة مسألة الإمامة فی المعتقد الإسلامی ، وأنّها منحة ربّانیة ولیس سلطةً تکون لمن غلب ، سواء کان الغالب فاسقاً أم مؤمناً - کما یقولون - فالله تعالی یقول: {... وَمِنْ ذُرِّیَتِی قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ} ((1)) .

ثانیها : أنّ جملة «حیَّ علی خیر العمل» هی جزء الأذان ، وکان یؤتی بها علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وأبی بکر شطراً من عهد عمر.

ثالثها : أنّ جملة «حیّ علی خیر العمل» فی الأذان ترمز إلی الإمامة حسب تعبیر الإمام الباقر علیه السلام ((2)) والإمام الصادق علیه السلام ((3)) والإمام الکاظم علیه السلام ((4)) ، وقد فهم هذا المعنی بعض الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب ؛ إذ مر علیک قول عمر لابن عباس:

«هل بقی فی نفس علی شیء من أمر الخلافة» ، وکذا قوله لابن عباس أیضاً : «أراد [أی النبیّ صلی الله علیه و آله ] أن یذکره [أی یذکر علیّاً علیه السلام ] للأمر [أی للخلافة] فی مرضه فصددته عنه خوفاً من الفتنة ....» .

إذن المانعون لحی علی خیر العمل کانوا لا یریدون أن یکونَ حثٌّ علی الولایة


1- البقرة : 124 .
2- معانی الأخبار : 42 - باب معنی حروف الأذان والإقامة / ح 3 ، علل الشرائع : 368 - الباب 89 / ح 5 - عنهما: بحار الأنوار 81 : 141 / ح 35 ، فلاح السائل : 15 ، الأذان بحیّ علی خیر العمل : 135 / ح 169 .
3- التوحید للصدوق : 241 - الباب 34 / ح 2 - عنه: بحارالأنوار 81 : 134 .
4- علل الشرائع : 368 - الباب 89 / ح 4 - عنه: بحارالأنوار 81 : 140 / ح 344 .

ص:393

ودعاء إلیها حسب تعبیر الإمام الکاظم علیه السلام ، أی أنّ الظالمین أرادوا دفع الخلافة عن الإمام علی ووُلده فسعوا إلی رفع کل ما یمتّ إلی الإمامة بصلة ومنه الحیعلة الثالثة فی الأذان .

رابعها : أکّدت النصوص المارّة عن الزیدیة والاسماعیلیّة والإمامیّة بأنّ عمر ابن الخطاب حذف جملة «حیّ علی خیر العمل» من الأذان لارتباطها بالإمامة بالنحو الذی بیّناه ، وفی کلام القوشجی والتفتازانی من العامة ما یشیر إلی هذا المخطط، حیث نَقَلا أنّه منع معها متعة النساء ومتعة الحج اللَّتَینِ کان یجوزهما الإمام علی علیه السلام .

خامسها : وجود ترابط بین الشهادات الثلاث والحیعلات الثلاث فی الأذان ، والتأکید فی القرآن والسنّة علی الولایة: لله، ولرسوله، ولأهل بیته وعلی رأسهم أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، وإنّ هذا التأکید حدا بمرضی النفوس لأن یحسدوا أهل البیت علی ما آتاهم الله من فضله .

وإنّ جملة «حی علی خیر العمل» التی تعنی برّ فاطمة ووُلْدها ، یفسّرها موقف الظالمین من فاطمة وإیذاؤهم لها وإسقاطهم محسناً - کما قلنا قبل قلیل - وإنّ هؤلاء کانوا هم أنفسهم وراء حذف الحیعلة الثالثة الدالة علی الإمامة ، وإنّ الزهراء سلام الله علیها ماتت وهی واجدة علی أبی بکر وعمر حسب روایة البخاری الآنفة الذکر((1)) .


1- صحیح البخاری 3 : 1126 - باب فرض الخمس / ح 2926 ، و 4 : 1549 - باب غزوة خیبر / ح 3998 .

ص:394

إذا اتّضح هذا أمکن أن یقال بأنّ وضع جملة «الصلاة خیر من النوم» من قِبل عمر بن الخطاب جاء فی سیاق ترسیخ قواعد خلافة أبی بکر ، لأنّ نفسه التحرریة فی الاجتهاد فی مقابل النص من جهة ، ومحاولة دفع ولایة أهل البیت من جهة أخری ، ودفاعه المستمیت عن خلافة أبی بکر من جهة ثالثة .

کلّ هذا دعاه إلی أن یقول بهذا الأمر ، وقد یکون من الصعب القبول بهذا الاحتمال لأنّه مُبْتَنٍ علی دلیل غیر منصوص ، لکنَّ مجموع القرائن والملابسات تجعله قریباً من المعقول علی بُعده عند من لا یرتضیه ، إذ قد یلحظ العقل السنخیة بین الرفع والوضع فی مثل هذه الأمور ، فبما أنّ عمر رفع الحیعلة الثالثة - حسب النصوص السابقة - کی لا یکون هناک دعاءٌ إلیها وحثّ علیها ، فلا یُستبعَد أن یضع «الصلاة خیر من النوم» للدلالة علی خلافة أبی بکر ؛ لأنَّ ذلک محور النزاع بین المسلمین فی الصدر الأول ، وکان المسلمون قد انقسموا فی الخلیفة هل هو الإمام علی أو أبو بکر ، ولأجل عمق هذا الصراع تری الأمویین ینتحلون کلّ ما هو للإمام علی علیه السلام لأبی بکر ظلماً وعدواناً وکذباً وزوراً .

فقد لقبوا أبا بکر ب- «الصدیق» وعمر ب- «الفاروق» وعائشة ب- «الصدّیقة»! فی حین أنّ الصدیق والفاروق هو الإمام علی علیه السلام ، والصدیقة هی فاطمة الزهراء علیها السلام حسب اتفاق الفریقین .

ففی (سنن ابن ماجة) عن الإمام علیّ علیه السلام أنّه قال : أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، وأنا الصدّیق الأکبر، لا یقولها بعدی إلّا کذّاب ، صلّیتُ قبل الناس بتسع سنین .

وفی (الزوائد) : هذا إسناد صحیح ، رجاله ثقات ، رواه الحاکم فی: المستدرک

ص:395

عن المنهال وقال : صحیح علی شرط الشیخین((1)) .

وفی (تاریخ دمشق) وغیره : انّ أباذر وسلمان قالا : أخذ رسول الله صلی الله علیه و آله بید علیٍّ فقال : أَلاَ إنّ هذا أوّل من آمن بی ، وهذا أوّل من یصافحنی یوم القیامة ، وهذا الصدیق الأکبر ، وهذا الفاروق یفرق بین الحقّ والباطل((2)) .

وعن ابن عباس أنّه قال : سمعت رسول الله وهو آخذ بید علیّ ... وهو فاروق هذه الأمّة، یفرق بین الحقّ والباطل ... وهو الصدّیق الأکبر((3)) .

کما أنّهم نسبوا إلی رسول الله أنّه قال فی أبی بکر : لو کنت متخذاً خلیلاً لاتّخذتُ أبابکر خلیلاً! قبالاً لأحادیث مؤاخاة رسول الله لعلیّ الثابتة عند الفریقین((4)) .

وقوله

صلی الله علیه و آله : سدّوا الأبواب إلّا خوخة أبی بکر((5)) ، فی مقابل قوله صلی الله علیه و آله : سدّوا


1- سنن ابن ماجة 1 : 44 ، مصباح الزجاجة 1 : 22 ، السیرة النبویة لابن کثیر 1 : 431 ، المصنف لابن أبی شیبة 7 : 498 ، الآحاد والمثانی للضحاک 1 : 148 ، السنّة لابن أبی عاصم : 584 ، السنن الکبری للنسائی 5 : 106 ، تهذیب الکمال 22 : 514 ، شرح النهج 13 : 200 .
2- تاریخ دمشق 42 : 41 ، 42 المعجم الکبیر 6 : 269 / ح 618 ، مسند البزّار 9 : 342 / ح 3898 - عن أبی ذر .
3- تاریخ دمشق 42 : 43، واقرأ کتابنا (مَن هو الصدّیق ومَن هی الصدّیقة) أیضاً .
4- صحیح البخاری 1 : 177 - کتاب الصلاة، باب الخوخة والممر فی المسجد / ح 454 و 3 : 1337 - کتاب بدء الخلق، باب قول النبیّ : سدّوا الأبواب إلّا باب أبی بکر / ح 3454 ، وهو أیضاً فی 3 : 1338 / ح 3457 و 3 : 1417 / ح 3691 عن صحیح البخاری ، صحیح مسلم 4 : 1854 - 1856 کتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبی بکر / ح 2382 ، 2383 ، سنن ابن ماجة 1 : 36 / ح 93 ، سنن الترمذی 5 : 606 / ح 3655 .
5- صحیح البخاری 1 : 178 / ح 455 ، 3 : 1417 / ح 3691 ، 3 : 337 / ح 3454 ، صحیح مسلم 4 : 1854 / ح 2382 ، سنن الترمذی 5 : 608 / ح 3660 .

ص:396

الأبواب إلّا باب علیّ((1)) .

ومن تلک الموضوعات روایتهم حدیث : لو أُتی بأبی بکر فوُضِع فی کفّة، وجیء بجمیع أمّتی فوُضِعوا فی کفّة رجح أبو بکر((2)) قبالاً لما ثبت عن رسول الله من قوله فی علیّ : لَمبارزة علیّ یوم الخندق أفضل من أعمال أمّتی إلی یوم القیامة((3)) .

وفی مقابل حدیث ردّ الشمس لعلیّ علیه السلام ((4)) قالوا : إنّ الشمس توسَّلت بأبی بکر((5)) ، وجاءوا أمام حدیث الطائر المشوی((6)) بخبر الکبد المشوی لأبی بکر((7)) .


1- سنن الترمذی 5 : 641 ، باب 1 / ح 3732 7 مسند أحمد 1 : 175 / ح 1511 ، 1 : 330 / ح 3062 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 135 / ح 4631 ، ومن وجه آخر فی 3 : 143 / ح 4652 ، وقال عنهما : صحیح الإسناد ولم یخرجاه . وانظر: مجمع الزوائد 9 : 120 ، قال : رجال أحمد رجال الصحیح غیر أبی بلج الفزاری وهو ثقة فیه لین ، وانظر: توضیح الأفکار 1 : 191 ، والقول المسدد فی الذبّ عن مسند أحمد 1 : 17 ، 18 ، وقد ذکرا فیه طرق الحدیث وردَّا من ضعفه .
2- فضائل الصحابة 1 : 194 / ح 211 ، مسند الحارث 2 : 890 / ح 962 ، وانظر: مجمع الزوائد 9 : 59 حیث ذکر طرق هذا الحدیث واعلها بالضعف ، وکذا فی: الموضوعات لابن الجوزی : 328 ، وتنزیه الشریعة 2 : 15 .
3- تاریخ بغداد 13 : 18 /ت 6978 ، ترجمة لؤلؤ بن عبدالله ( أبو محمّد القیصری) ، الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 455 / ح 5406 ، عن معاویة بن حیدة ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 34 .
4- المعجم الکبیر 24 : 1244 / ح 382 ، و 24 : 152 / ح 391 ، الذریة الطاهرة : 91 / ح 164، مجمع الزوائد 8 : 297 ، قال : رواه الطبرانی کله باسانید ورجال أحدهم رجال الصحیح .
5- ذکره الأمینی فی الغدیر 7 : 237 - عن: کتاب عمدة التحقیق فی بشائر آل الصدّیق ، للشیخ إبراهیم العبیدی المالکی 2 : 184 ، وانظر: هامش صفحة 184 لروض الریاحین للیافعی المطبوع بمصر سنة 1315 ه- .
6- سنن الترمذی 5 : 636 / ح 3721 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 141 / ح4650 قال: حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ، المطالب العالیة 16 : 108 / ح3935 ، الخصائص للنسائی : 29 ، مجمع الزوائد 9 : 125 ، مسند أبی حنیفة : 234 ، معرفة علوم الحدیث : 6 .
7- الریاض النضرة 2 : 135 ، مرآة الجنان 1 : 68 /أحادیث السنة الثالثة عشرة .

ص:397

وفی (مصنّف عبد الرزّاق) و(فضائل الصحابة) لأحمد (والنصّ عن الثانی)، عن معمَّر قال: سألت الزهریَّ مَن کان کاتب الکتاب یوم الحدیبیة؟ فضحک وقال: هو علی، ولو سألتَ هؤلاء - یعنی بنی أُمیّة - قالوا: عثمان!((1))

وأشار الحاکم النیسابوری فی (المستدرک) إلی التحریف الواقع فی قاتل عمرو بن عبد وَدّ مع اشتهاره بین المسلمین بأنّه علی بن أبی طالب((2))، فقال:

قد ذکرت فی مقتل عمرو بن عبدّ ود من الأحادیث المسندة عن عروة بن الزبیر وموسی بن عقبة ومحمّد بن إسحاق بن یسار ما بلغنی، لیقرّر عند المنصف من أهل العلم أنّ عمرو بن عبد ود لم یقتله ولم یشرک فی قتله غیر أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب، وإنّما حملنی علی هذا الاستقصاء فیه قول من قال من الخوارج: أنّ محمد بن سلمة أیضاً ضربه ضربة وأخذ بعض السلب، وواللهِ ما بلَغَنا هذا عن أحد من الصحابة أو التابعین، وکیف یجوز هذا وعلی رضی الله عنه یقول ما بلغنا: إنّی ترفّعتُ عن سلب ابن عمّی فترکته، وهذا جوابه لأمیر المؤمنین عمر بن الخطّاب بحضرته((3)).

وقال الحاکم أیضاً - بعد أن نقل قول مصعب بن عبد الله المنکر لولادة غیر حکیم بن حزام فی الکعبة! - :

وهم مصعب فی الحرف الأخیر، فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد


1- مصنّف عبد الرزاق 5 : 343 / 9722، فضائل الصحابة 2 : 591.
2- صحیح مسلم 3 : 1433 / 1807.
3- المستدرک علی الصحیحین 3 : 36 /الرقم 4331، وانظر: 3 : 349 / 5875.

ص:398

ولدت أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب فی جوف الکعبة((1)).

وقد روی ابن عساکر بسنده إلی الهیثم بن عَدِی خلافاً للمتواتر بین المسلمین بأنّ المقصود من آیة المباهلة هم أهل بیت رسول الله، قال: سمعتُ جعفر بن محمّد عن أبیه فی هذه الآیة {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَی الْکَاذِبِینَ}، قال: فجاء بأبی بکر ووُلده وبعُمر وولده وبعثمان وولده وبعلیٍّ وولده!!((2))

إلی عشرات الروایات والأخبار الموضوعة ، المذکورة فی کتب الموضوعات لأبناء العامّة .

فلنا أن نحتمل - بحسب هذا المنهج التحریفی - عدم اکتفاء عمر بن الخطاب برفع الحیعلة الثالثة ، بل سعیٰ لوضع «الصلاة خیر من النوم» مکانها انطلاقاً من أنّه رائد مدرسة الاجتهاد فی مقابل النص ، وانطلاقاً من أنّه اتّهم النبیَّ بالهَجْر فی مرض موت الرسول = رزیة الخمیس ، لأنّه أراد ان یصرّح باسم الإمام علی خلیفةً له من بعده ، إلی غیر ذلک مما هو معروف عنه ..

ثمّ کان استمرار سیاسة التحریف والتحکیم فی العهد الأموی ودعوة معاویة إلی الروایة فی فضائل عثمان((3)).

ولمّا فشا وضع الحدیث فی فضل عثمان، کتب معاویة إلیهم:

فإذا جاءکم کتابی هذا فادعوا الناس إلی الروایة فی فضائل الصحابة والخلفاء


1- المستدرک للحاکم 3 : 55 / 6044.
2- تاریخ دمشق 39 : 177.
3- شرح نهج البلاغة 11 : 44 - فی ذکر ما مُنیَ به آل البیت من الأذی والاضطهاد، الاحتجاج 2 : 17.

ص:399

الأوّلین، ولا تترکوا خبراً یرویه أحد من المسلمین فی أبی تُراب إلّا وتأتونی بمناقض له فی الصحابة، فإنّ هذا أحبّ إلیّ وأقرّ لعینی، وأَدحضُ لحجّة أبی تراب وشیعته وأشدّ علیهم من مناقب عثمان وفضله((1)).

هذه الثوابت تقوّی احتمال أن یکون عمر بن الخطاب لم یرفع الحیعلة الثالثة دفعاً لولایة علی فحسب ، بل کان یرید أن یضع مکانها شیئاً آخر .

خاصّة وأنّ جوهر الصراع بین عُمَر وأهل البیت علیهم السلام کان فی الخلافة والإمامة وقد جاء عمر هذا برفع «حی علی خیر العمل» والمنع من تدوین السنّة الصحیحة - خاصّة تلک الروایات الدالة علی إمامة علی وفضائله وأهل البیت وفضائلهم علیهم السلام - فکان لا یکتفی بهذا الرفع والمنع ، بل سعی إلی إثبات مدّعیات عقائدیة أخری تعارضها ، أهمّها هی خلافة أبی بکر ، وترسیخ قواعدها ، وهذا الأمر ثابت غیر قابل للإنکار ؛ فإنّ ذلک یساهم مساهمة فعالة فی تهمیش ولایة الإمام علی تماماً ، وفی الجملة : فهذا ما حصل بالفعل کما ینطق به تراث عمر وفکر أصحابه .

فمنهج عمر فی خطّه العام لا یکتفی بالرفع فقط ، بل یرید أن یؤصّل للمنهج الآخر ، فبعد ثبوت معنی الولایة فی الأذان من خلال جملة «حی علی خیر العمل» سعی لإبدال شعاریة الحیعلة بشعاریة أخری للآخرین ، وهذا ما نلاحظه فی الحکومات المتعاقبة علی البلدان الاسلامیة ، واتّخاذ «الصلاة النومیة» شعاراً لهم مقابل «الحیعلة الثالثة» ، فهذا یضع (الصلاة خیر من النوم) والآخر یرفعها ، وهکذا العکس فی (حی علی خیر العمل) .


1- شرح نهج البلاغة 11 : 45.

ص:400

وکلّنا یعلم أنّ الخلاف العقائدی کان متأصّلاً بین الفریقین ، وأنّ القوم کانوا یستصغرون الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی عمره وکفاءته ولا یرتضونه إماماً علیهم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله .

حتّی جاء فی کلام أبی عبیدة بن الجرّاح لعلیٍّ یوم السقیفة: یا ابنَ العمّ، إنّک حَدَث السن، وهؤلاء مشیخة قریش قومک، لیس لک مِثلُ تجربتهم ومعرفتهم بالأُمور، ولا أری أبابکر إلّا أقوی علی هذا الأمر منک وأشدّ احتمالاً واطّلاعاً، فسلّمْ لأبی بکر هذا الأمر وارضَ به، فإنّک إن تعش ویطل عمرک فأنت لهذا الأمر خلیق وحقیق فی فضلک ودینک وعلمک وفهمک وسابقتک ونسبک وصهرک((1)).

وجاء عن عمر قوله لابن عباس: أما والله ما فعلنا عن عداوة، ولکن استصغرناه وخشینا أن لا تجتمع علیه العرب وقریش لِما وَترَها.

قال ابن عباس: فأردتُ أن أقول له: کان رسول الله یبعثه فی الکتیبة فینطح کبشها فلم یستصغره، أفتستصغره أنت وصاحبک؟((2))

کما أنّهم لم یرتضوا إمامة أسامة بن زید فی الجیش لصغره ، وفی المقابل کانوا یؤکّدون علی لزوم التمسک بسنّة الشیخین رغم مخالفة بعضها للقرآن الکریم والحدیث الصحیح عندهم .

وکلّنا یعرف أنّ الخلافة زُوِیَت عن أمیر المؤمنین فی شوری عمر؛ لأنّهم أرادوا


1- شرح نهج البلاغة 2 : 5.
2- الغدیر 7 : 389 - عن: المحاضرات للراغب الاصفهانی 2 : 213، وقریب منه فی: شرح نهج البلاغة 2 : 18 و 20 : 115.

ص:401

إجباره علی أن یعمل بسنة الشیخین ، فرفض هو وقَبِل عثمان .

ولو تدبّرت الخلاف الدائر بین الفریقین - علی مرّ التاریخ - لعرفت بأنّه لم یقتصر علی الصراع السیاسی أو الکلام فیمن هو الأَولی بالخلافة ، بل کانت سمات الاختلاف ترجع فی کثیر من الأحیان إلی ما اجتهده أبوبکر وعمر أو ما قاله الإمام علیّ بن أبی طالب علیه السلام فی العقائد والأحکام .

حتّی إنّ الاختلاف مع اجتهادات الشیخین کان یرجع إلی عدم معرفتهما بسنّة رسول الله واصرار أتباع الشیخین علی الأخذ بقولهما وإن خالف سنة رسول الله، وهذا ما کان لا یقبله بعض الصحابة والتابعین .

فتری بعضَ الصحابة یقول : «لا أترک سنة أبی القاسم لقول أحد - ویعنی به عمر -»((1))، والآخر یقول : «أفسُنّة عمر تُتَّبَع أم سنّة رسول الله؟!»((2)) ، ویقول ثالث : «فَعَلَها أبو القاسم وهو خیر من عمر»((3)) .

وهکذا الحال بالنسبة إلی مخالفی الإمام علیّ علیه السلام : کمعاویة وابن الزبیر، فإنّهم سعوا إلی مخالفة سنة رسول الله بغضاً لعلی بن أبی طالب ولتحکیم سیرة الشیخین فی الأحکام ، لکنّ بعض الصحابة - وعلی رأسهم ابن عباس - کان یصر علی الأخذ بما أتی به الإمام علی؛ لأنّه علیه السلام هو التابع الأوّل والمخلص لرسول الله صلی الله علیه و آله .

فعن سعید بن جبیر قال : کنّا مع ابن عباس بعرفة ، فقال لی : یا سعید، ما لی


1- انظر قول أبی بن کعب فی تهذیب الکمال 2 : 276 ، وتاریخ دمشق 7 : 325 .
2- انظر البدایة والنهایة 5 : 141 ، مسند أحمد 2 : 95 ح5700 ، السنن الکبری للبیهقی 5 : 21 ح8658 .
3- انظر سنن الدارمی 2 : 55 ح1814 ، ومسند البزار 4 : 65 / ح1232 .

ص:402

لا أسمع الناس یلبّون ، فقلت : یخافون من معاویة ، قال : فخرج ابن عباس من فسطاطه فقال : لبیک اللّهمَّ لبیک وإن رَغُم أنفُ معاویة! اللّهمَّ العنْهم فإنّهم ترکوا السنّة مِن بغض علیّ بن أبی طالب!!((1))

وقال الفخر الرازی فی تفسیره : إنّ علیاً کان یبالغ فی الجهر بالتسمیة ]أی البسملة [فی الصلاة ، فلمّا وصلت الدولة إلی بنی أمیّة بالغوا فی المنع من الجهر سعیاً فی إبطال آثار علیّ !...((2)) .

وجاء عن ابن أبی هریرة((3)): إنّ الجهر بالتسمیة إذا صار فی موضعٍ شعاراً للشیعة فالمستحب هو الإسرار بها مخالفةً لهم!((4))

وقال ابن الزبیر لابن عباس : انّی لأکتم بُغضکم أهلَ هذا البیت منذ أربعین سنة!((5))

وروی المسعودی وغیره أنّ ابن الزبیر مکث أیّام حکومته أربعین جمعة لا یصلی فیها علی النبیّ ویقول : لا یمنعنی ذِکرُه إلّا أن تشمخ رجال بآنافها ، وفی روایة : إنّ


1- السنن الکبری للبیهقی 5 : 113 / ح9230 ، وانظر: مستدرک الحاکم 1 : 464 / ح1706 قال : صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ، الأحادیث المختارة 10 : 378 / ح403 ، صحیح ابن خُزَیمة 4 : 260 / ح2830 ، سنن النسائی - المجتبی 5 : 253 / ح3006 .
2- التفسیر الکبیر للرازی 1 : 169 .
3- هو أبو علی الحسن بن الحسین بن أبی هریرة ، فقیه شافعی انتهت إلیه إمامة العراقیین، وکان معظَّماً عند السلاطین والرعایا إلی أنّ تُوفّی سنة 345 ه- . أُنظر: وفیات الأعیان 25 : 75 .
4- انظر: فتح العزیز 5 : 233 - 234 .
5- شرح نهج البلاغة 4 : 62 و20 : 148 ، وسمط النجوم العوالی 3 : 237 ، 239 .

ص:403

له أُهَیلَ سوء ینغضون رؤوسهم عند ذکره((1)) .

وفی (علل الشرایع) عن أبی إسحاق الأرجائی رفعه عن الصادق علیه السلام انّه قال : أتدری لم أُمِرتُم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ؟ فقلت : لا أدری .

فقال : إنّ علیّاً علیه السلام لم یکن یَدین اللهَ بِدینٍ إلّا خالف علیه الأمّةُ إلی غیره ، إرادةً لإبطال أمره ، وکانوا یسألون أمیر المؤمنین علیه السلام عن الشیء الذی لا یعلمونه ، فإذا افتاهم جعلوا له ضداً من عندهم لِیَلبِسوا علی الناس!((2))

وعن الإمام الصادق علیه السلام : واللهِ إنّ بنی هاشم ]أی العباسیین [وقریشاً لَتَعرفُ ما أعطانا الله ، ولکنّ الحسد أهلکهم کما أهلک إبلیس ، وإنّهم لَیأتوننا إذا اضطُرّوا وخافوا علی أنفسهم ، فیسألونا فنوضح لهم ، فیقولون : نشهد أنکم أهل العلم ، ثم یخرجون فیقولون : ما رأینا أضلَّ ممّن تَبِع هؤلاء ویَقبل مقالتهم((3)) .

فقد یکون فی قوله تعالی : {وَأَنَّ هذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَتَتَّبِعُوا السُّبُلَ}((4))، إشارةٌ إلی لزوم الاقتداء بالمنهج العلوی النبوی دون غیره من السبل ، وذلک لتأکیده صلی الله علیه و آله علی جملة «الضلال» فی أخباره، والتی تعنی الابتعاد عن جادة الصراط .

وقد مرّ علیک قوله صلی الله علیه و آله فی حدیث الثقلین: «إنّی تارک فیکم الثقلین: کتابَ الله


1- تاریخ الیعقوبی 2 : 261 ، شرح نهج البلاغة 4 : 62 والمتن منه، وانظر فیه أیضاً: 19 : 92 و20 : 127 ، ومروج الذهب 3 : 79 وغیرها .
2- علل الشرائع : 2 : 531 / ح1 - عنه: وسائل الشیعة 27 : 116 / ح 24 .
3- کامل الزیارات : 543 / ضمن الحدیث 830 - الباب 108 .
4- الأنعام: 153.

ص:404

وعترتی، ما إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدی أبداً»، والتی قالها صلی الله علیه و آله فی أکثر من مورد منها حجة الوداع((1)) ، وقوله: «أُذکّرکم فی أهل بیتی ، أُذکّرکم فی أهل بیتی ، أُذکّرکم فی أهل بیتی» والذی مر تخریجه أیضاً .

وکذا فیما قاله رسول الله صلی الله علیه و آله فی رزیّة الخمیس: «ائْتُونی بدواة أکتبْ لکم کتاباً لن تضلّوا بعدی أبداً»((2))، وفیما قالوه علیهم السلام فی لزوم ترک موافقة العامة جاء کل ذلک لإصرارهم علی مخالفة الحق فی کلّ شیء.

نتساءل: ما ارتباط تلبیة الحج ، والبسملة ، والصلاة علی محمّد وآله ، بل کلّ شیء من الشرع الأصیل بعلیّ بن أبی طالب ؟

بل لماذا سَعَوا لإبطال آثار الإمام علیّ حتی فی صغریات الأمور الشرعیة، ومخالفة آرائه ؟

ألا تدلّ کل هذه المخالفات علی أنّ کل شیء مرتبط بالإمامة، وأنّهم لا یرتضون أن یستحکم منهج الإمام علی بن أبی طالب فی الفقه والعقائد قبال منهج الشیخین وما اصطلحوا علیه بسنّة الشیخین؟! ألا یرشدنا قول رسول الله فی حدیث الثقلین إلی أنّ مَن یخالف نهج العترة فی الأحکام والعقائد یعدّ ضالاً عن الطریق لقوله صلی الله علیه و آله : «ما إن أخذتم بهما لن تضلّوا: کتاب الله، وعترتی أهل بیتی» .


1- مسند أحمد 3 : 59 / ح 11578 ، سنن الترمذی 5 : 662 - باب مناقب أهل البیت / ح 3786 ، المعجم الأوسط 5 : 89 / ح 4757 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 118 / ح 4577 .
2- صحیح البخاری 4 : 1612 - باب مرض النبی ووفاته / ح 4168 ، صحیح مسلم 3 : 1259 - باب ترک الوصیة / ح 1637 .

ص:405

وعلیه، فمفردة «حی علی خیر العمل» و «الصلاة خیر من النوم» ما هما إلّا نافذتان من تلک النوافذ الکثیرة فی الشریعة ، شأنهما فی ذلک: شأن التکبیر علی الجنائز خمساً أو أربعاً((1)) ، وشأن حکم الأرجل فی الوضوء المسح أو الغسل((2)) ، وجواز المسح علی الخُفَّین - دون برد ومطر - وعدمها((3))، والقول بمشروعیة المتعة وعدمه((4)) ، والإرسال والقصر فی الصلاة((5)) ، والتختّم بالیمین


1- مسند أحمد 4 : 370 ، شرح معانی الآثار 1 : 494 وفیه: قال زید بن أرقم : صلّیتُ خلف أبی القاسم خلیلی فکبّر خمساً فلا أترکها أبداً . وفی مسند أحمد 5 : 406 / ح 23495 ، شرح معانی الآثار 1 : 494 ، تاریخ بغداد 11 : 142 - ترجمة عیسی البزاز المدنی /الرقم 5840 ، مجمع الزوائد 3 : 34 : صلّیتُ مع عیسی مولی حُذَیفة بن الیمان علی جنازة فکبر علیها خمساً، ثمّ التفت إلینا فقال : ما وهمتُ ولا نسیت، ولکن کبرت کما کبر مولای وولیّ نعمتی - یعنی حذیفة بن الیمان - صلی علی جنازة فکبر علیها خمساً ثم التفت إلینا فقال : ما وهمت ولا نسیت ولکنی کبرت کما کبر رسول الله ، وفی تاریخ ابن خلدون 4 : 60 حکی عن الحاکم بأمر الله العبیدی فی مصر بأنّه کتب سجلاً قُرئ علی المنبر فیه : یصوم الصائمون علی حسابهم ویفطرون، ولا یعارض أهل الرویة فیما هم علیه صائمون ومفطرون ... وصلاة الضحی وصلاة التراویح لا مانع لهم منها ولا هم عنها یُدفَعون ، یخمِّس فی التکبیر علی الجنائز المخمِّسون ، ولا یُمنَع من التکبیر علیها المرِّبعون ، یؤذِّن ب- «حی علی خیر العمل» المؤذنون، ولا یؤذّن مَن بها لا یؤذّنون ...
2- انظر کتابنا (وضوء النبی) بمجلداته الخمس .
3- المصنف لابن أبی شیبة 1 : 165 / ح 1892 ، 18944 و 1 : 164 / ح 1883 و 1888 و 1890 و 1 : 169 / ح 1946 قول الإمام علی و ح 1947 ، 1949 قول ابن عباس ، مسند الإمام زید : 74 ، التهذیب 1 : 361 / ح 1089 ، المصنف لعبدالرزاق 1 : 207 / ح 799 ، زوائد الهیثمی 1 : 156 ، المعجم الکبیر للطبرانی 11 : 436 / ح 12237 .
4- انظر کلام المُجیزین مثل: ابن عباس فی: مسند أحمد 1 : 327 ، زاد المعاد 1 : 121 - 213 ، سنن الترمذی 2 : 295 . وابن عمر فی: سنن الترمذی 2 : 159 / ح 823 ، إرشاد النقّاد للصنعانی : 25 . وسعد بن أبی وقاص فی: السنن الکبری للبیهقی 5 : 17 ، زاد المعاد 1 : 179 ، سنن الدارمی 2 : 35 . وأبی موسی الأشعری فی صحیح مسلم 2 : 896 / ح 157 ، مسند أحمد 1 : 50 ، سنن النسائی المجتبی 5 : 153 ، السنن الکبری للبیهقی 5 : 20 ، سنن ابن ماجة 3 : 992 / ح 2979 ، تیسیر الوصول 1 : 340 / ح 30 . وعمران بن الحصین فی: صحیح مسلم 2 : 899 / ح 169 ، وشرح مسلم للنووی 7 - 8 : 456 . وکلام المانعین، مثل: عمر بن الخطاب فی: أحکام القرآن للجصّاص 2 : 152، وعثمان بن عفان فی: سنن النسائی (المجتبی) 5 : 152 ، المستدرک علی الصحیحین 1 : 472 ، مسند أحمد 1 : 57 ، الموطّأ 1 : 336 .
5- انظر ما کتبناه حول القبض والارسال فی کتاب مستقل سیطبع لاحقاً إن شاء الله تعالی .

ص:406

أو الشمال((1)) ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها((2)) ، وعدم شرعیة صلاة التراویح والضحی أو شرعیتها((3)) ، وحرمة شرب الفُقاع وأکل السمک الذی لا قشر له أو


1- کشف الأسرار 4 : 55 ، التمهید لابن عبدالبر 6 : 81 ، فیض القدیر 5 : 201 .
2- انظر: تفسیر الفخرالرازی 1:206 وأحکام البسملة للرازی: 45، 76، والأُمّ 1: 108، وتاریخ طبرستان لابن اسفندیار الکاتب:239 وفی الخطط المقریزیة 2 : 334 (ومنع أرجون صاحب شَرَطة مزاحم بن خاقان أمیر مصر من الجهر بالبسملة فی الصلوات بالمسجد الجامع ، وانظر أیضاً: شذرات الذهب 3 : 100 - حوادث 359 ه- ، اعتقاد أهل السنة للالکائی 1 : 154 / ح 314 ، دعائم الإسلام 1 : 260 ، مصباح المتهجد : 788 ، الأُمّ 1 : 108 ، سنن الدارقطنی 1 : 311 / ح 33 و 34 ، السنن الکبری للبیهقی 2 : 49 / ح 2239 و 2237 ، التدوین فی أخبار قزوین 1 : 154 ، فتح الباری 2 : 270 ، 457 ، وعون المعبود 3 : 45 ، نیل الأوطار 2 : 266 ، مسند أحمد 4 : 94 ، مجمع الزوائد 2 : 156 ، المستدرک علی الصحیحین 1 : 357 / ح 851 ، مصنف عبدالرزاق 3 : 259 ، 2 : 92 / ح 2618 ، وَفَیات الأعیان 1 : 375 ، الخطط المقریزیة 2 : 340 ، أخبار بنی عبید 1 : 50 .
3- مصنف ابن أبی شیبة 2 : 34 / ح 6149 ، الطبقات الکبری 2 : 281 ، تاریخ الطبری 2 : 570 ، فتح الباری 4 : 253 ، تنویر الحوالک 1 : 105 ، تهذیب الأحکام 3 : 71 / ح 227 ، کتاب سُلَیم : 262 ، وعن سُلَیم فی: الکافی 8 : 59 / ح 21 ، وانظر: نهج البلاغة 1 : 99 /الخطبة 5 ، احتجاج الطبرسی 1 : 392. وفی کتاب: أخبار بنی عبید 1 : 50 - فی ترجمة عبیدالله (322 ه-) مؤسس الدولة العبیدیة فی مصر - : ... وکان مما أحدث عبیدالله أن قطع صلاة التراویح فی شهر رمضان وأمر بصیام یومین قبله ، وقنت فی صلاة الجمعة قبل الرکوع ، وجهر بالبسملة فی الصلاة المکتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح : «الصلاة خیر من النوم» ، وزاد : «حیّ علی خیر العمل» ... .

ص:407

حلّیتهما((1)) ، وجواز لبس السواد فی محرم والاحتفال بعید الغدیر أو بدعیّتهما((2)) ، وإجراء أحکام المواریث((3)) والمناکح والعَوْل والتعصیب أو بطلانهما، وما شابه ذلک من الأمور الدالّة علی توجه والتزام هذا المذهب أو ذاک .

وقد جاء فی مقدمة کتاب (تذکرة الحفاظ) عن شعیب بن جریر أنّه طلب من سفیان الثوری أن یحدّثه بحدیث السنّة، فقال :

اکتب: بسم الله الرحمن الرحیم ، القرآن کلام الله غیر مخلوق.. إلی أن


1- فی المواعظ والاعتبار = الخطط المقریزیة 2 : 341 قرأ الحاکم بأمر الله العبیدی فی سنة 395 سجلاً فیه : المنع من عمل الفقاع وبیعه فی الاسواق لما یُؤْثَر عن علی بن أبی طالب من کراهیة شرب الفقاع ... ولا یباع شیء من السمک بغیر قشر ولا یصطاده أحد من الصیّادین ، وفی جمادی من سنة 401 ضُرب جماعة وشُهِروا بسبب بیع الملوخیا والسّمک الذی لا قشر له وشرب المسکرات، وتتبّع السکاری وضیق علیهم. أنظر أحادیث النهی فی: تهذیب الأحکام 9 : 5 / ح 12 ، الاستبصار 4 : 590 / ح 5 ، غوالی اللآلی 3 : 464 / ح 9 .
2- ذکر ابن الأثیر فی الکامل 8 : 53 - حوادث سنة 441 - 442 : وفیها مُنع أهل الکرخ من النَّوح وفعل ما جرت عادتهم بفعله یوم عاشوراء ، فلم یقبلوا وفعلوا ذلک، فجری بینهم وبین السنة فتنة عظیمة قُتل فیها وجرح کثیر من الناس. وانظر حوادث مشابهة لهذه القضیة فی مصر وغیرها ، النجوم الزاهرة 4 : 57 - حوادث 536 ه-، العبر فی خبر من غبر 2 : 316 .
3- الخطط المقریزیة 2 : 340 - حوادث سنة 356 ، المنتظم 14 : 1970 - حوادث سنة 358 ه-، و 15 : 325 سیر أعلام النبلاء 15 : 160 ، النجوم الزاهرة 4 : 57 ، الکامل 8 : 53 .

ص:408

قال : یا شعیب، لا ینفعک ما کتبتَ حتّی تری المسح علی الخفَّین ، وحتی تری أنّ اخفاء بسم الله أفضل من الجهر به ، وحتی تؤمن بالقدر ، وحتی تری الصلاة خلف کلّ بَرٍّ وفاجر ...((1)) .

هکذا هو إصرار بعضهم علی الأخذ بسنّة الشیخین، وهو یعنی جعل تلک الأحکام شعاراً لهم ، لیمتاز مُشایعهم عن الشیعی الذی یأخذ بکلام الإمام علیّ علیه السلام ، ولهذا تراهم یُرجِعون علة الأخذ والرد بأنّ هذا صار شعاراً للروافض فیجب ترکه ، ولو تأملنا قلیلاً وجدنا أنّ مرد کلّ هذا الصراع إلی الموقف من الإمامة .

إذن أُخضعت عقیدة الإمامة لمعترک الصراع الفقهی من زاویة التأکید علی فقه هذا أو ذاک ، کما أنّ منعهم من نشر فضائل أهل البیت جاء للحدّ من اتّباع الأمّة للإمامة والأخذ برأی الأئمّة علیهم السلام ، لأنّ نقل الفضائل مقدّمة للأخذ بأقوالهم والسیر علی هداهم والدعوة إلی امامتهم ، وهذا ما لا یرتضیه الآخرون .

وبهذا فقد اتّضح - ولحدّ ما - هدفنا من الکتابة فی هذا الجانب من البحث، وهو فهم جذور الصراع العقائدی فی الإمامة من خلال المفردات الفقهیة عموماً ومفردة «الصلاة خیر من النوم» علی وجه الخصوص، وهذا ما لم یبحث فی الدراسات المقارنة.

فالباحثون سنة وشیعة - ولحدّ هذا الیوم - کانوا یتعاملون مع مفردة «الصلاة خیر من النوم» علی أنّها مسألة فقهیة خلافیة تُدرَس فی عالم الفقه فحسب .


1- تذکرة الحفاظ 1 : 206 ، اعتقاد أهل السنة 1 : 152 ، تحفة الأحوذی 2 : 48 .

ص:409

وهذا - وإن کان صحیحاً دون شک - إلّا أنّه اتّضح أنّ لهذه المفردات أبعاداً عقائدیة خطیرة جداً ، وذلک لدخولها ساحة الصراع العقائدی بین المدرستین من أوسع الأبواب .

ص:410

ص:411

رؤیتنا

اشارة

بعد أن انتهینا من بیان کلیات البحث ، وأنّ الإمامة هی إمامة إلهیة ، وأنّها تُعیَّن من قبل الله لا من قبل الأمّة ، وأنّ الله أخبر فی کتابه بأنّه رفع ذکر النبیّ وآله ، وأنّ الرسول قد نهانا عن الصلاة علیه وحده دون ذکر آله ، تأکیداً علی إمامتهم .

کما ذکرنا أیضاً وجود أحکام مختصة بأهل البیت: کالخُمس ، وحرمة الصدقة علیهم ، ووجوب مودّتهم، وغیرها ، وکلّها تشیر إلی منزلتهم العظیمة .

وقد أسلفنا أیضاً أنّ أبابکر وعمر کانا یعلمان هذه الأمور واختصاصها بأهل البیت علیهم السلام ، وأنّ بیت علیّ وفاطمة من البیوت التی أذن الله أن تُرفع ویُذکر فیها اسمه - کما رواه أئمّة الحدیث والذی نقلناه عن السیوطی سابقاً - وأنّ أبابکر بعد اختلافه مع الصدّیقة الزهراء فاطمة علیها السلام فی قصة فدک وغیرها خاف أن یموت وفاطمة الزهراء واجدة علیه وغاضبة منه ، فطلب من الإمام علیّ أن یلتقی بها لیستلّ غضبها فی قصة معروفة ، فالتقی بها فلم ترضَ عنها وماتت وهی واجدة علیه((1)) کما أنّ عمر عرف بأنّ النبیّ أراد فی رزیة الخمیس أن ینصّ علی الإمام علیّ، فمنعه ، وعرفنا أنّ عمر أبدل جملة «حیّ علی خیر العمل» ب- «الصلاة خیر من النوم» کی لا یکون حثٌ علی الولایة ودعوة إلیها - کما جاء فی روایة الإمام الکاظم علیه السلام .

وقد وضّحنا سابقاً سبب تأکیدهم علی جملة «الصلاة خیر من النوم» فی الصبح


1- کما فی البخاری وغیره.

ص:412

لا غیر، فلو کان للتنبیه والإشعار لإیقاظ الهمّة للنهوض فیجب أن یکون عامّاً ولیبدلوها ب- «حیّ علی القیام للصلاة» أو «هیا إلی العبادة» أو ما شابه ذلک .

کما أنّ هذا التعلیل منهم یمکن أن یرد بأنّ القول فی صلاة الظهر أو الجمعة «الصلاة خیر من اللهو ومن التجارة» مثلاً هو الأهم ، لأنّه وقت اللهو بالتجارة أخذاً بمفهوم الآیة الشریفة .

هذا ، مع التأکید علی أنّ الإنسان لو کان نائماً فلا یستیقظ بجملة أو جملتین سواء قال فیها المؤذّن «الصلاة خیر من النوم» أو «حیّ علی الصلاة» أو أیّ شیء آخر .

أمّا لو کان منتبهاً - أو کسلاناً - فیفیق بسماعه أقلّ شیء ؟

إذن فما المعنی المراد من «الصلاة خیر من النوم» ؟ هل هو المعنی السطحی الذی یعرفه الجمیع ، أم کان لواضعها قصد آخر ؟

الظاهر أنّه قصد معناها الظاهری المأنوس فهمه للجمیع ، وهو الاستیقاظ لصلاة الفجر خیر من المکوث فی فراش النوم ، لکن لو ضُمَّت هذه الجملة الصادرة عن عمر إلی ما عرفناه من سیرته وأهدافه فی رفع الحیعلة الثالثة وسعیه لإزواء الإمام علیّ عن الإمامة ، ودوره فی تحکیم خلافة أبی بکر ، واتّخاذه الاجتهاد مقابل النص منهجاً ، فلا یُستبعَد أن یکون مقصودُه شیئاً آخر ، إذ إنّ القضایا الخلافیة والمصیریة لا یمکن دراستها من وجهة نظر واحدة بعیداً عن ملابساتها ، بل یجب علی الباحث أن یقف - مع ما عنده - علی أقوال الآخرین وما بحوزتهم من مستندات وأدلّة .

وبما أنّ مستندات هذه المسألة منقسمة وموجودة عند مجموعتین من المسلمین ،

ص:413

فلابدّ من النظر فیهما معاً ، وعدم الاکتفاء بالنظر إلی أدلّة بعض دون أدلّة البعض الآخر ، إذ إنّ النظرة الضیّقة وعدم الانفتاح علی أدلة الآخرین یوصدان أبواب التفاهم وتلاقح الأفکار، فنُحرَم فی النهایة من الاستنتاج الموضوعی السلیم .

مع العلم بأنّ أحد محوری النزاع یرتبط بالتراث الشیعی - بفرقه الثلاث : الإمامیة والزیدیة والإسماعیلیة - فهؤلاء جمیعاً یذهبون إلی أنّ جملة «حیّ علی خیر العمل» کانت فی الأذان وقد أذّن بها الرسول والصحابة ولا یؤمنون بنسخها ، مفنّدین ما قدّمته مدرسة الخلفاء من أدلة ، ومعتقدین بأنّ عمر بن الخطاب هو الذی قطعها وحذفها معلِّلاً فعله بعلة ظاهریة ، وهو خوفه من اتّکال المسلمین علی الصلاة وترکهم للجهاد ، وهو تعلیل باطل ((1)).

لکن هناک علة مکنونة فی هذا الأمر لم یَبُحْ بها عمر بن الخطاب فی حین أنّ أئمة أهل البیت کشفوها لنا ، فقالوا بانّه کان لا یحبّ سماع الدعوة إلی الولایة فی الأذان من خلال الحیعلة الثالثة ، أی أنّ الأئمّة کانوا یریدون أن یقولوا لنا بأنّ الحذف من قِبَل عمر کان لغرض سیاسیّ عقائدیّ مهمّ عنده ، ولم یکن بالأمر السطحی الذی یصوِّره الناس الیوم ، إذ لو اتّضح هدفه فی الحیعلة الثالثة لاتّضح هدفه النهائی فی «الصلاة خیر من النوم» أیضاً .

وثانی محورَی النزاع : یرتبط بتراث الجمهور ، حیث إنّهم سعوا إلی اعتبار جملة «الصلاة خیر من النوم» سنة نبویّة ، وقد مرّ علیک فی الفصل الثانی من هذه الدراسة أنّها لیست بسنّة نبویّة ، بل إنّها رأی لعمر بن الخطاب ووافقه من هو علی


1- وضحنا ذلک فی کتابنا «حیّ علی خیر العمل» فراجع .

ص:414

نهجه ، فوضعوها قبالاً لما عرفوه من سنّة النبیّ فی الحیعلة الثالثة .

والملاحظ فی نصّ (موطّأ) مالک (ت 179 ه-) أنّ جملة «الصلاة خیر من النوم» وُضعَت من قِبل عمر فی أیّام حکومته ، وبعد رفع الحیعلة الثالثة ، إذ إنّه قال لمؤذنه : اجعلها بعد «حیّ علی الفلاح» ، وهذا یُفهِمُ بأنّه وضعها فی عهده ، ولم یکن لها أثر قبل هذا التاریخ ، بخلاف «حیّ علی خیر العمل» التی مرّت بمراحل کانت نهایتها علی عهد عمر بن الخطاب .

الهدف من الرفع والوضع

والآن نتساءل : هل یُعقَل أن یضع عمر شیئاً مکان شیء ، بدون هدف أو قصد ؟

کلّا، لیس من المعقول أنّ عمر لم یکن قاصداً وهادفاً من فعله ذاک ، أو أنّه عنی المعنی السطحی للکلمة ، وأنّها وُضعت لتنبیه الغافلین ولإیقاظ النائمین فقط کما یقولون .

فالذی یعرف خلفیات مسألة الإمامة وإرهاصاتها ، وما عنت جملة «حیّ علی خیر العمل» فی الأذان ، والأهداف التی دعت عمر لحذفها ، لا یمکنه أن یقبل صدور جملة «الصلاة خیر من النوم» من قبل عمر دون أیّ قصد عقائدیّ .

علی أنّ حصر معنی «الصلاة خیر من النوم» عند القوم بمعناها الساذج السطحیّ ، وعدم ذکرهم لاحتمالاتها الأخری ، یشکّک الباحثَ الناقد فی الأهداف والمقاصد الکامنة وراء ذلک ، ویدعوه لدراسة تلک النصوص بروح تحقیقیة عالیة. ومن هنا جاءت دراساتنا تهدف إلی تسلیط الضوء علی مثل هذه الأمور الخطیرة فی

ص:415

الشریعة ، ونحن علی علم بأنّ دراسة قضیة مهمّة کهذه تحتاج إلی مثابرة وجهد لکشف المجهول ، لأنّها تارة ترتبط بالفقه ، وأخری بالعقائد ، وثالثة بالتاریخ ، ورابعة بالتفسیر ، وخامسة باللغة ، وسادسة بالنحو و ... .

فإنّ دراسة کلّ هذه الأمور تحتاج إلی تَأَنٍّ وصبر ومثابرة ، خصوصاً حینما نری وحدة تسلسل حلقات القضیة عند الطرفین ، ووحدة الحدث المختلف فیه ، وهو الأذان برفع الحیعلة الثالثة منه ووضع الصلاة خیر من النوم مکانها ، ووحدة مبتدع ذلک وهو عمر بن الخطاب فی کلا الطرفین .

فالنصوص الموجودة بین أیدینا بعضها واضح ، وبعضها الآخر مبهم یمکن استنطاقه ، وهذا یدعونا إلی الموضوعیة والشمولیة فی الاستقراء والبحث أکثر .

غیر مکتفین بنقل وجهة نظر واحدة وإهمال وجهات النظر الأخری ، لأنّ التراث الإسلامی هو مِلک للجمیع ، وأنّ بعضه یفسّر بعضه الآخر ، فلا یمکن إهمال نصوص بعض المسلمین لعدم اعتبارها عند الآخرین ، لأنّ القول بهذا المنهج الضیقِّ یحدّدنا ویخرجنا من الموضوعیة والشمولیة فی البحث ، إلی دراسة الأمور بنظرة ضیقة ، وهذا ما نتحاشاه ونخشاه .

فنحن انطلاقاً من هذه الکلیة التی رسمناها سندرس الأهداف التعویضیة عند عمر وما قیل عنه بهذا الصدد فی کتب الفریقین ، آخذین بنظر الاعتبار کلّ ما قالوه، سواء وافَقَنا أم خالفنا .

فأحد وجهَی العملة یرتبط بما تقوله الشیعة فی أسباب المنع من «حیّ علی خیر العمل» وهو موجود فی کتبهم ، وقد مرّ علی القارئ ما فیه الکفایة فلا نعیده .

أمّا الوجه الآخر، وهو فهم المقصود من جملة «الصلاة خیر من النوم» فمغفول

ص:416

عنه فی کتب الآخرین ؛ إذ قد اکتفوا بذکر معناه الظاهری فقط ، فی حین أنّ الواقف علی خلفیات الأحداث وملابساتها یمکنه معرفة أهداف الرفع والوضع بشکل آخر إن کان موضوعیاً فی بحثه ، کما یمکنه الوقوف علی أهداف الوضّاعین وتاریخ وضع تلک الأخبار .

لأنّ الباحث حینما یأتی ببعض الأخبار ، تارة یأتی بها للاستدلال ، وهذا یجب أن یکون من الأخبار الصحیحة .

وتارة یأتی بالخبر الموضوع للوقوف علی أهداف الوضّاعین فی تلک الفترة من تاریخ الاسلام التی وُضع فیها هذا الخبر أو ذاک ودواعی انتشارها وإن لم یُستدَلّ بالخبر الموضوع .

وإنّک قد ترانا نستدلّ بعمل الحکومات السنیة أو الشیعیة لتحکیم رؤیتنا ، وذلک لا للاستدلال الشرعی، بل للإشارة إلی وجود اتّجاه خاص له تاریخه وجذوره یتبنی الرأی الفلانی .

وهناک اتجاه آخر له تاریخه وجذوره یتبنّی الرأی الآخر ، فمقصودنا من ذلک هو الوقوف علی امتدادات هذین الفریقین واتّصالها بصدر الإسلام ورجاله لنمیّز بین الأصیل والمحرف من الاعتقادات والأحکام.

مخالفة الخلفاء مع منهج أهل البیت علیهم السلام

وطبقاً لهذه الکلیة أقول : مما لا خلاف فیه أنّ الحکومتین الأمویة والعباسیة کانتا امتداداً لحکومة الشیخین وعثمان ، وتیاراً معارضاً لنهج الإمام علیّ النبوی ، فلا یَبعُد أن یکون عمل هؤلاء مؤشّراً عن نوایا ومُتَبَنَّیات مَنْ سبقهم من الخلفاء ،

ص:417

وقد مرّ علیک ما قاله معاویة لعمّاله بأن لا یترکوا خبراً یرویه أحد من المسلمین فی أبی تراب إلّا ویأتوا بمناقض له فی الصحابة((1)) .

ومعاویة ترک السنّة بغضاً للإمام علی علیه السلام ، وقد حَذَف البسملة من الحمد والسور ، مع علمه بأنّها صادرة من الله ورسوله صلی الله علیه و آله ، وأنّ علیّاً لم یصر علیها إلّا لأنّه المدافع الغیور عن حرم الله ورسوله الذاب عنهما الباذل مهجته فیهما ، وأنّ المنهج العلوی النبوی یعتبر الجهر بها من علائم المؤمن ، فلا یُستبعَد أن یکون اهتمامهم بجعل «الصلاة خیر من النوم» بدل «حیّ علی خیر العمل» فی الأذان جاء طمساً لذکر الله ومخالفةً لعلی علیه السلام ، لکنّ الله مُتِمّ نوره.

قال الشیخ محمد أبو زهرة : لابدّ أن یکون للحکم الأموی أثر فی اختفاء کثیر من آثار علیّ فی القضاء والإفتاء ، لأنّه لیس من المعقول أن یلعنوا علیّاً فوق المنابر وأن یترکوا العلماء یتحدّثون بعلمه وینقلون فتاواه وأقواله، خصوصاً ما یتصل بأُسس الحکم الاسلامی((2)) .

أقول : لما عرفنا انتهاج المسلمین فی الخلافة نهجین: أحدهما یدعو إلی أبی بکر، والآخر إلی علی بن أبی طالب، فمن غیر المعقول أن لا یکون لمعاویة وأترابه أثر فی ترسیخ حکومة أبی بکر مقابل إمامة الإمام علی ، خصوصاً بعد معرفتنا هذا التقابل بدلالة «حی علی خیر العمل» علی الولایة .

وعلی هذا الاساس لنا أن نحتمل أنْ کان من أهداف معاویة وأترابه من التزام


1- أنظر: شرح نهج البلاغة 11 : 44 - 45 ، 4 : 63 .
2- تاریخ المذاهب الإسلامیة : 285 - 286 .

ص:418

وضع جملة «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان هو الإشارة إلی حکومة أبی بکر فی قبال إمامة أمیر المؤمنین علی علیه السلام .

کان هذا مجمل ما نرید قوله فی تفسیر «الصلاة خیر من النوم» ، فنحن لو ضممنا الموجود عن أئمة أهل البیت فی معنی «حیّ علی خیر العمل» ، وما قالوه علیهم السلام فی سبب حذف عمر بن الخطاب للحیعلة الثالثة ، لرجح ما یمکننا قوله فی المقصود من جملة «الصلاة خیر من النوم» ، وهو رأی فی نظرنا قابل للنقاش؛ لأنّه مُبتن علی قرائن وشواهد کثیرة وقفنا علیها من هنا وهناک ، وهی بمجموعها قد تعطی للنفس بعض الاطمئنان برؤیتنا ، لکنّها لا ترتقی الی الدلیلیة القاطعة والنصّ الصریح الذی لا محید عن لزومه والأخذ به ، فوجهة نظرنا هذه فی تفسیر «الصلاة خیر من النوم» لیست بمنزلة الأدلة التی سقناها عن أهداف عمر فی رفع الحیعلة الثالثة من خلال نصوص أهل البیت، فتلک النصوص ثابتة وهذه رؤیة محتملة راجحة، بل هی حقیقة نسبیة بنظرنا إلی لم یقم دلیلٌ علی ردّها وتفنیدها .

وعلیه فلا یمکن الجزم بما نقوله فی تفسیر معنی «الصلاة خیر من النوم» علی وجه القطع والیقین ، بل کلّ ما نطرحه هنا هو علی سبیل الاحتمال والاستفسار ، فالمأمول من اخواننا العلماء أن یعطوا رأیهم فیما کتبناه ویناقشونا فیما حررناه بعلمیة وحیادیة ، فیُوقفونا علی نقاط الضعف والقوة فیه ، شاکرین توجههم لمطالعة أمثال هکذا بحوث خلافیة ، داعین لهم بما أمرنا الله ورسوله من الدعاء لإخواننا المؤمنین، وجزاهم عنّا خیر جزاء المحسنین .

ص:419

احتمالات ثلاثة

وإلیک الآن الاحتمالات التی یمکن افتراضها فی معنی «الصلاة خیر من النوم» ، وکلّها تتفق فی ارتباط کلمة «الصلاة» بصلاة أبی بکر ، لکن بفارق فی تفسیر معنی «النوم» فیها ، وهل أُرید به نوم النبیّ أو نوم علیّ أو شیء آخر .

والاحتمالات المتصوّرة فی هذه الجملة المثارة الحساسة هی :

صلاة أبی بکر خیرٌ من نوم علی .

صلاة أبی بکر خیر من نوم النبی.

الصلاة العبادیة هی خیر من نوم علی.

الصلاة العبادیة هی خیر من نوم النبی.

صلاة النبی خیر من نومه صلی الله علیه و آله وأمثالها.

وإنّی أُرکز البحث علی ثلاثة احتمالات منها فقط :

الاحتمال الأول :

وهو الذی جاء فی کتاب «نور البراهین» للسیّد الجزائری (ت 1112 ه-) حیث قال :

« ... وربما قصدوا به أنّ صلاة أبی بکر فی الغار خیر من نوم علیّ علی فراش رسول الله لیلة الغار »((1)) .


1- نور البراهین 2 : 22 .

ص:420

ذکر المؤلف ذلک علی سبیل الاحتمال دون الإشارة إلی ما یؤیده من الأخبار ، ولم نعهد أحداً استدلّ بصلاة أبی بکر أو بکثرة صلاته فی الغار علی خلافته ، وهذا ما یجعلنا نترک هذا الاحتمال ، ولعل کاتبه کان یقصد ما نرید قوله فی الاحتمال الثالث فسها قلمه وقال بصلاة أبی بکر فی الغار لا صلاة أبی بکر مکان رسول الله .

أمّا الاحتمالان الآخران فهما قریبان إلی الواقع ، وإن کان الثالث منهما هو الأرجح فی نظرنا .

الاحتمال الثانی :

أن تکون الجملة السابقة إشارة إلی وجود اتجاهین فی الشریعة بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله :

أحدهما یعتقد بعمق الرسالة ومکانة الرسول صلی الله علیه و آله ، ولزوم طاعته وعدم جواز مخالفته ، لدلالة آیات کثیرة علی ذلک ، منها قوله تعالی : {إِنَّمَا کَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِینَ إِذَا دُعُوا إِلَی اللهِ وَرَسُولِهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ أَن یَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنَا وَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}((1)) ، وقوله تعالی : {وَمَا کَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَی اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن یَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِیناً}((2)) ، وقوله تعالی : {فَلاَ وَرَبِّکَ لاَ یُؤْمِنُونَ حَتَّی یُحَکِّمُوکَ فِیَما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لاَ یَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا تَسْلِیماً}((3)) .

والآخر : یتعامل معه کإنسان عادیّ یصیب ویخطئ ، ویقول فی الغضب ما لا


1- سورة النور : 51 .
2- سورة الأحزاب : 36 .
3- سورة النساء : 65 .

ص:421

یقوله فی الرضیٰ ، وهؤلاء هم الذین رفعوا أصواتهم فوق صوت النبی((1)) ، واخذوا یناقضون النبی ویناقضهم((2))، ویلمزونه فی الصدقات((3))، وهم الذین إذ راوا تجارة أو لهواً انفضوا إلیها وترکوه قائماً((4))، ومنهم من رمی فراش الرسول بالإفک((5)) وتواطؤوا علی اغتیاله لیلة العقبة((6))، وکانوا یؤذون النبی((7)) حتی نزل فیهم {إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله}((8)).

وهؤلاء هم الذی لم یمتثلوا لأمر الرسول فی مرض موته حینما قال لهم : «ائتونی بکتف ودواة أکتب لکم کتاباً لن تضلوا بعدی أبداً» ، وأخذوا بثوب النبی لمّا أراد الصلاة علی المنافق ، فهؤلاء هم الذین قیل عنهم اجتهدوا مقابل النص فی حین لم


1- فی قوله تعالی : (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْض أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ( /الآیة 2 من سورة الحجرات .
2- کما فی قصة عبدالله بن عمرو بن العاص ومناقضته للنبی فی مدة قراءة القرآن وصیام الدهر ، أُنظر: الطبقات الکبری 4 : 264 ، وتعلیقة الذهبی فی سِیر أعلام النبلاء 3 : 85 - 86 علی کلامه ، ثمّ انظر کتابنا: وضوء النبی 2 : 492 .
3- أُنظر أقوال المفسرین فی تفسیر الآیة 58 من سورة التوبة .
4- أُنظر ما جاء فی الآیة 11 من سورة الجمعة عند المفسرین .
5- اُنظر ما جاء فی الآیة 11 من سورة النور عند المفسرین .
6- التوبة : 74 ، واُنظر شرح النووی علی مسلم 7 : 125 ، المعجم الأوسط 4 : 146 / ح 3831 ، 8 : 102 / ح 8100 ، الأحادیث المختارة 8 : 220 / ح 260 ، وقال اسناده صحیح ، مجمع الزوائد 1 : 110 ، البدایة والنهایة 5 : 20 ، ورواه مسلم مختصراً فی صحیحه 4 : 243 / ح 2779 ، السنن الکبری للبیهقی 8 : 198 ، مسند أحمد 4 : 319 / ح 18905 ، تاریخ الإسلام 2 : 648 ، مسند البغوی 2 : 307 .
7- لقوله تعالی فی سورة التوبة 61 : (وَمِنْهُمُ الَّذِینَ یُؤْذُونَ النَّبِیَّ(.
8- سورة الأحزاب: 57.

ص:422

یؤمنوا ویعتقدوا بما جاء به رسول الله لوقوفهم أمام أقواله .

فرجال هذا الاتّجاه کانوا یریدون أن یقولوا بأنّ ما أتی به الرسول من عند الله هو أهمّ من نفس الرسول ، فالصلاة أهمّ من النوم ، أی کان حال قولهم : اترکوا رسول الله وشأنه عند مرض موته ، واقدموا علی ما دعاکم إلیه من الاهتمام بالعبادات مثل : الصلاة ، الصوم ، الزکاة ، الحج ، ف«الصلاة خیر من النوم» .

والأنکی من ذلک أنّ هذا الاتجاه کان یعتقد بأنّ النبی کغیره من الناس قد یغلب علیه النوم حتی تطلع الشمس، وأنّهم کانوا یقولون بأکثر من ذلک!

فقد أخرج ابن أبی عاصم (ت 287 ه-) فی کتاب (الآحاد والمثانی) عن یزید بن صالح الرحبی ، حدثنی ذو مخبر أنّهم کانوا فی سفر مع رسول الله صلی الله علیه و آله ، فانصرف النبی صلی الله علیه و آله فأسرع السیر فتقطّع الناس وراءه ، فقال قائل :

یا رسول الله، تقطع الناس وراءک! فجلس حتی تکامل الناس إلیه .

فقال رسول الله صلی الله علیه و آله - أو قال قائلهم - : لو هجعت بنا هجعة ، أو قال النبی صلی الله علیه و آله : هل لکم بهجعة هجعة ؟ فوافق ذلک منهم فقالوا : نعم جعلنا الله عزوجل فداک ، فنزل فنزلوا .

فقال النبی صلی الله علیه و آله : من یَکْلَؤنا اللیلة؟ فقال ذو مخبر : أنا یا رسول الله جعلنی الله عزوجل فداک. فأعطانی ناقته فقال : هاک لا تکونا لکعاً .

قال : وأخذت بخطام الناقة فتنحّیت غیر بعید ، فأنا أحترس وهما ترعیان ، فأخذنی النوم ، فلم أستیقظ حتی وجدت حر الشمس علی وجهی ، فنظرت یمیناً وشمالاً فإذا الراحلتان غیر بعید ، فقمت إلیهما

ص:423

فأخذت بخطامهما ، فأتیت القوم فإذا هم نیام ، فأیقظت الأدنی وقلت : صلّیتم؟ قال : لا .

فأقام بعضهم بعضاً، حتّی قام النبی صلی الله علیه و آله فقال : یا بلال هل فی المِبْیَضة ماء؟ قال : نعم ، جعلنی الله فداک . فتوضّأ وضوءاً لم یلت منه التراب ، فقام فرکع رکعتین غیر معجِّل ، ثم أمر بلالاً فأذن فثوّب، فصلی بهم غیر عَجِل ، فقال قائل : یا رسول الله فرطنا ، فقال : قبض الله عزوجل أرواحنا ثم ردها إلینا وقد صلّینا((1)).

انظر کیف أقام المسلمون بعضهم بعضاً وکان النبی آخرهم قیاماً للصلاة !

إنّها مهزلة، واستنقاص بالرسول وأیّما استنقاص بحیث تراه لا یفیق من المنام إلّا بعد ان تشرق الشمس علی وجوه المسلمین ، وسبحانه یخاطبه وهو غارق فی عبادته: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَیْکَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَی} ((2)).

فی حین هناک اتجاه آخر لا یرتضی هذا الفهم ، بل یعتقد بأنّ أوامر الرسول والحفاظ علی نفسه صلی الله علیه و آله هو أهمّ من الصلاة ، ومن هؤلاء الإمام علیّ الذی لم یتحرّک للصلاة فی أوّل وقتها ، لأنّ رسول الله کان رأسه فی حجر علیّ ، والوحی کان ینزل علیه ، فبقی الإمام علی علی هذه الحالة امتثالا لأمر الله ورسوله حتّی کادت الشمس أن تغیب ، وفاتَه أن یصلی فی وقت الفضیلة من قیام ، فجازاه الله سبحانه بردّ الشمس علیه((3)) .


1- الآحاد والمثانی 5 : 123 / ح 2664 .
2- سورة طه: 1، 2.
3- قرب الإسناد : 175 / ح 644 ، علل الشرائع 2 : 352 / ح 3 ، من لا یحضره الفقیه 1 : 203 / ح 610 ، تهذیب الأحکام 2 : 277 / ح 1 ، المعجم الکبیر 24 : 144 / ح 382، مجمع الزوائد 8 : 297 ، قال : رواه الطبرانی بأسانید ورجال أحدها رجال الصحیح عن إبراهیم بن حسن وهو ثقه، الذرّیة الطاهرة للدولابی: 91 /ح 164، جامع الأحادیث للسیوطی 4: 341 /ح 8246، مناقب علی لابن المغازلی الشافعی: 96 - 99 /ح 140 و 141، المناقب للخوارزمی: 313 - 315 /ح 314، وقد أورد العلّامة الأمینی فی موسوعته: الغدیر 3: 126 - 141 أربعین مصدراً فی ردّ الشمس کلّها من مصادر الجمهور، ویراجع کتاب: کشف اللَّبس عن ردّ الشمس للسیوطی، ومُزیل اللبس عن ردّ الشمس للشامی الصالحی وغیرها من الکتب المؤلفة فی هذا المجال .

ص:424

إذن، کان بین الصحابة من یعتبر أمر رسول الله أهمّ من الصلاة ، وعلی خلافهم کانت مجموعة أخری تری أداء الصلاة أهمّ من أمر الرسول ، فی حین أنّ رسول الله نفسه کان یعتبر أمره أهمَّ من الصلاة ؛ إذ فی البخاری وغیره أنّ أبا سعید بن المعلی الأنصاری کان فی الصلاة ، فدعاه رسول الله فکان منه التباطؤ حتی أکمل صلاته ثمّ جاء إلی رسول الله ، فوبّخه رسول الله صلی الله علیه و آله علی هذا التباطؤ بقوله : ألم تسمع قوله تعالی: {یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ}((1)) .

فعمر - ومن شاکله من القرشیین - قد وقفوا أمام من منع من تدوین حدیثه بدعوی أنّه یقول فی الرضی ما لا یقوله فی الغضب، ولزوم الاکتفاء بالقرآن دون سُنّته ، فقال صلی الله علیه و آله : ألا وإنّی قد أُوتیت الکتاب ومِثلَه معه ((2)).


1- سورة الأنفال : 24 . وقد ذکر الخبر البخاری فی صحیحه 5: 146، 199، 222، من کتاب تفسیر القرآن، و 6: 103 من کتاب فضائل القرآن، ومسند أحمد 3: 450، 4: 211، سنن أبی داود 1: 328 /1458، سنن النسائی 2: 139، صحیح ابن حبان 3: 56، المعجم الکبیر 22: 303، وفی سنن الترمذی 4: 231 /3036، مسند الحاکم 1: 558، سنن البیهقی الکبری 2: 276.
2- مسند أحمد 4 : 130 / 17213 و 132 /17233، سنن ابن ماجة 1 : 6 /12 - باب تعظیم حدیث رسول الله صلی الله علیه و آله ، سنن أبی داود 4 : 200 /4604 - باب فی لزوم السنّة، السنن الکبری للبیهقی 9 : 331 /19252، الکفایة للخطیب: 23.

ص:425

فقد یکون فی اهتمام الخلفاء الأمویین والعباسیین والسلجوقیین بالصلاة خیر من النوم حتّی اعتبروه شعاراً لهم فیه، إشارة إلی انقسام المسلمین فی الأذان وغیره إلی نهجین عند وفاة رسول الله ثمّ من بعده .

وبما أنّ النهج الحاکم کان من الذین یأخذون بظواهر الأمور ، ومخالفوهم یأخذون بالاتّجاه الآخر ، لذلک جعلت مدرسة الخلافة شعار : «الصلاة خیر من النوم» فی الصبح خاصة شعاراً ممیّزاً لها عن غیرها .

وقد یمکننا أن نؤید هذا التقسیم الثنائی بعد رسول الله بما بدر من عمر من تقدیمه الصلاة العبادیة علی النّبی.

ففی سنن النسائی (المجتبی) عن عطاء ، قال : سمعت ابن عباس یقول : أعتم رسول الله ذات لیلة العتمة حتی رقد الناس واستیقضوا ، ورقدوا واستیقظوا ، فقام عمر فقال : الصلاة الصلاة((1)) .

وفی (صحیح البخاری) عن سهل بن سعد الساعدی : إنّ رسول الله ذهب إلی بنی عمرو بن عوف لیصلح بینهم ، فحانت الصلاة ، فجاء المؤذن إلی أبی بکر فقال : أتصلّی للناس فأُقیم ؟ قال : نعم. فصلی أبو بکر ، فجاء رسول الله والناس فی الصلاة ...((2))

فها هو أبو بکر وعمر ، یتقدّم أولّهما علی الرسول للصلاة بالمسلمین حتّی إذا


1- سنن النسائی (المجتبی) 1 : 265 / ح 531 ، صحیح مسلم 1 : 444 / ح 642 مثله .
2- صحیح البخاری 1 : 242 / ح 652 .

ص:426

أتی الرسول صلی الله علیه و آله تنحّی لیترک المصلّی له ، ویحاول الثانی تعلیمه صلی الله علیه و آله ، وکأنّه صلی الله علیه و آله لا یعلم الصلاة ولا مواقیتها!

ألم یکن الأَولی أن ینتظروا رسول الله صلی الله علیه و آله وهو واسطة التشریع الإلهی ومصدره ، وأن لا یتقدموا علیه! لأنّه من غیر المعقول أن یترک رسول الله الصلاة فی أُوّل وقتها ، فالتقدم علیه من غیر إذنه تجاوز وخروج عن الأدب والدین ، وهو لا یقل سوء أدب عن رفع صوته بمحضر النبی صلی الله علیه و آله ((1)).

وفی (کتاب الوصیة) عن الإمام الکاظم علیه السلام : إعلم أنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لمّا ثقل فی مرضه دعا علیّاً علیه السلام فوضع رأسه فی حِجره وأُغمی علیه ، وحضرت الصلاة فأُذّن بها ، فخرجت عائشة فقالت : یا عمرُ اخرج فصلِّ بالناس ، فقال : أبوکِ أَولی بها منّی ... قالت ]عائشة[ : مع أنّ محمداً مغمیً علیه لا أراه یُفیق منها ، والرجل مشغول به لا یَقْدر أن یفارقه - ترید علیاً - فبادِرْ بالصلاة مِن قبل أن یُفیق، فإنّه إن أفاق خِفتُ أن یأمر علیّاً بالصلاة!((2))

کما أنّ الشیخین وأتباعهما ، ورؤوس الأنصار ، ترکوا رسول الله وهو علی فراش الموت وذهبوا یتنازعون فیمن یکون له الأمر ، وظلّ الإمام علیٌّ مع النبی صلی الله علیه و آله ، لأنّهم کانوا یعتقدون بأنّ أمر الخلافة أهم من الرسول وموته وتغسیله وتکفینه ، لکنّ علیّاً علیه السلام کان یری أنّ النبیّ هو الأهم .


1- یراجع تفسیر الآیتین الأولی والثانیة من سورة الحجرات.
2- کتاب الوصیة : 142، وانظر الطرف للسیّد ابن طاووس أیضاً .

ص:427

فحین أحتج أمیر المؤمنین علی المهاجرین والأنصار وکانت معه فاطمة علیها السلام ، کانوا یقولون لها :

یا بنت رسول الله، قد مَضَت بیعتنا لهذا الرجل ]أی لأبی بکر[ ، ولو أنّ زوجک وابن عمک سبق إلینا قبل أبی بکر ما عَدَلْنا به .

فقال علی علیه السلام : «أفکنتُ أدَعُ رسول الله صلی الله علیه و آله فی بیته لم أدفنه ، وأخرج أنازع الناس سلطانه!».

وقالت فاطمة علیها السلام : «ما صنع أبو الحسن إلّا ما کان ینبغی له ، ولقد صنَعوا ما اللهُ حسیبهم وطالبهم»((1)) .

إذن، کان علی وفاطمة علیهما السلام ورهط من الصحابة یرون أنّ ذات النّبی المقدسة هی أهم من کل العبادات ، خلافاً للذین یأخذون بالظواهر والقشور ویترکون اللّبّ .

لهذا فلیس من المستبعد - بل هو من القریب جدّاً - أن یکون أبو بکر وعمر المتبنَّینِ والواضعَین ل- «الصلاة خیر من النوم» دفعاً لمساءةِ ترکِهما النبی واشتغالهما بالصلاة وأمور الحکم .

فیکون الأوّل - أبو بکر - قد أسس المقولة أو أُسّس ذلک فی عهده ، ورسّخها الثانی، وقنّنها بنو أمیة بأحادیث مفتعلة مرویةٍ عن الصحابة والتابعین إلی الأبد ؛ لأنّ هؤلاء یسیرون علی نفس المنهج الذی یهتم بظواهر الأُمور العبادیة فیحفظون آیات الذکر الحکیم تارکین العمل بها، ویدعون إلی تلاوة القرآن تارکین الرسول وسنّته .


1- الإمامة والسیاسة 1 : 19 .

ص:428

وعلیه، ف- «الصلاة خیر من النوم» هی بیان للکلیة التی یعتقدون بها وإشارة إلی المنحی الفکری الذی یَدْعون الناس إلیه بعد رسول الله ، لأنّهم فی منهجهم هذا قد حددوا عصمة النبی - بل عصمة الأنبیاء - فی اطارِ ما أتوا به من عند الله ، لأنّ الله سبحانه قال : {بِمَا أَرَاکَ اللهُ} ، {وَمَا یَنْطِقُ عَنِ الْهَوَی * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ یُوحَی} أی إنّه معصوم فی إطار التشریع والأحکام ولم ینزّهوهم إلّا فیما جاؤوا به من الوحی ، وهذا یعنی وجوب اتّباعهم فیما أتوا به من الله فحسب ، ولأجل ذلک تراهم لا یحترمون النّبی محمّداً صلی الله علیه و آله بقَدْر ما یهتمون بظواهر الإسلام کالصلاة وتلاوة القرآن و ... ، فلا یقصدون المدینة المنورة إلّا للصلاة فی مسجد النبی ، بخلاف بلال الذی قصدها لزیارة رسول الله بعد منام رأی فیه النبیَّ وهو صلی الله علیه و آله یقول له: ما هذه الجفوة یا بلال ؟! أما آن لک أن تزورنی یا بلال ؟

فانتبه حزیناً وَجِلاً خائفاً ، فرکب راحلته وقصد المدینة ]من الشام[ ، فأتی قبر النبی صلی الله علیه و آله فجعل یبکی عنده ویمرّغ وجهه علیه((1)) .

وفی (مستدرک) الحاکم : أقبل مروان یوماً فوجد رجلاً واضعاً وجهه علی القبر، فأخذ برقبته وقال له : أتدری ما تصنع ؟ قال : نعم ، فأقبل علیه فإذا هو أبو أیوب الأنصاری، فقال : جئت رسولَ الله صلی الله علیه و آله ولم آتِ الحجَر ، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : لا تبکوا علی الدین إذا وَلِیَه أهلُه، ولکن ابکوا علیه إذا ولیه غیرُ


1- تاریخ دمشق 7 : 136 /ت 493 ، تاریخ الإسلام 17 : 67 ، أسد الغابة 1 : 208 ، التحفة اللطیفة 1 : 221 .

ص:429

أهله. هذا حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه((1)) .

حتّی وصل الأمر بمحمد بن عبدالوهاب أو بعض أصحابه أن یستنقص الرسول فیقول : عصایَ خیر من محمّد بن عبد الله ، لأنّها تفیدنی ورسول الله مسلوب المنفعة عنه الیوم ، لأنّه میت لیس له ارتباط بعالم الدنیا والعیاذ بالله .

مع أنّهم یقرؤون فی القرآن والأحادیث ما یُلزمهم التسلیم علیه صلی الله علیه و آله فی الصلاة ، فلو کان میتاً لا یفقه - والعیاذ بالله - فما یعنی التسلیم علیه فی الصلاة والتوجّه إلیه بلفظ الخطاب «السلام علیک أیّها النبیّ ورحمة الله وبرکاته».

وعلیه، فهذا الاعتقاد الفاسد قد یسوق الآخرین للقول بأنّ المسیحیّ والبوذیّ لو عَمِلا بالاحکام الشرعیة الإسلامیة فهی منجیه لهما وإن لم یتشهّدا بالشهادتین ، لأنّ المهم عند هؤلاء الأعمال لا الایمان .

تأیید الوجه الثانی

وقد یمکن تأیید هذا الاحتمال الثانی بالخبر الذی جئنا به عن (المعجم الأوسط) للطبرانی ، عن بلال وأنّه سمع قول النبی «مرو أبا بکر فلیصلِّ بالناس»، فذهب واذن وزاد فی أذانه «الصلاة خیر من النوم»، فقال النبی له : ما هذا الذی زِدتَ فی أذانک؟! قال : رأیت فیک ثقلةً فأحببت أن تنشط ، فقال : اذهب فزده فی أذانک ومروا أبا بکر فلیصلِّ بالناس .


1- مستدرک الحاکم 4 : 560 ، تاریخ دمشق 57 : 250 ، سبل الهدی والرشاد 12 : 398 . ورواه أحمد أیضاً فی مسنده 5 : 422 / ح 23633 ، ولیس فیه : فأخذ برقبته .

ص:430

تأمل فی هذا النص لتعرف هدف الوضّاعین وما یریدون قوله فی رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأنّ بلالاً الحبشی رأی فیه ثقلة وأحب أن ینشط رسول الله فقال «الصلاة خیر من النوم» ، وهذا الکلام من هؤلاء یشبه کلام عمر : «إن الرجل لَیَهجُر!» ، وفی نص آخر : «غلَبَه الوجع» .

وعلی کلّ حال، یمکننا تلخیص الاحتمال الثانی بأن الاتجاه الحاکم یرید أن یُعلم الآخرین بأن الاهتمام بالعبادات أهم من نفس النبی الأکرم صلی الله علیه و آله ، فکیف لا یکون أهم مما یستتبعه فی الأصول والفروع کولایة علی وفاطمة و ... ، وهو معنی آخر ل- «حَسْبنا کتاب الله»، أو «حسبکم القرآن» حسب تعبیر عائشة ، فهم قد ضربوا قدسیة النبی ، وبضربهم هذه القدسیة ضربوا کل ما یستتبع هذه القدسیة ، ولأجل ذلک تری عمر یقول لمن أخبره بوجود فاطمة الزهراء علیها السلام فی بیت علی - حینما هجم علی ذلک البیت وهَمّ بإحراقه فقیل له: إنّ فی الدار فاطمة - ، قال عمر : وإن!!((1))

وفی ذلک یقول شاعر النیل ((2)):

وقولة

لعلیٍّ قالها عمر

أکرم

بسامعها أنعم بمُلقیها

حرّقتُ

دارک لا أُبقی علیک بها

إن

لم تبایع وبنتُ المصطفی فیها

ما

إنّ غیرَ أبی حفصٍ یفوه بها

أمام

فارسِ عدنانٍ وحامیها

وهم یقولون بتشریع الأذان فی المنام، فکیف لا یقولون من عند أنفسهم ب- «الصلاة خیر من النوم» !


1- الإمامة والسیاسة : 19 .
2- دیوان حافظ إبراهیم 1 : 75، دار الکتب المصریة - القاهرة.

ص:431

تشریع الأذان منامیاً أو وحیانیاً

لقد مرّ علیک سابقاً أنّهم جعلوا تشریع الأذان منامیاً استنقاصاً بالنبی وبالرؤیا التی راها فی بنی أُمیة فی قوله تعالی : {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِی الْقُرْآنِ}((1))، ومن خلال هذه المفردات تعرف عمق الخلاف الدائر بین أهل البیت وبنی أُمیة ، ولماذا یصرّ الآخرون علی کون تشریع الأذان علی أثر منامٍ لأحدهم! بخلاف أهل البیت علیهم السلام الذین یصرّون علی تشریعه عند الأسراء والمعراج، ویقولون عن أُولئک بأنّهم عمدو إلی أعظم شیء فی الدین فحرّفوه .

أجل، إنّ هؤلاء کانوا هم الامتداد القائل بأنّ النبی کان یرید أن یرفع بضبع ابن عمه علی ، وإن الإمامة لیست بإمامة إلهیة عندهم ، بل هی حکومة ظاهریة ومنصب یحصل علیه الانسان بالشوری والغلبة .

وإنّ قول عمر لرسول الله فی رزیة الخمیس «حَسْبُنا کتاب الله» دالٌّ علی هذا الأمر، وأنّه کان یرید بکلامه هذا أن یقول بأن ظاهر القرآن ونصه مقدم علی نفس رسول الله ، فکیف فی قوله عند مرض وفاته !

فی حین أنّ هذا القرآن - الذی یُرجِعون الناس إلیه - هو نفسه أمرهم بلزوم اتّباع الرسول، وأنّ کلامه لا یختلف عن القرآن لقوله صلی الله علیه و آله : «وإنّی قد أُوتیت الکتاب ومِثلَه معه»، وعلیه فیجب التعبّد بقوله وفعله، وعدم الخروج عن أوامره سلیماً کان أم مریضاً .

وعلیه، فإنّ وضع جملة «الصلاة خیر من النوم» عند هؤلاء تعنی أنّ الصلاة -


1- الأسراء : 60 .

ص:432

والتی هی رأس العبادات - خیر من نفس النبی ، وإذا کانت هی خیراً من النبی فی حالة صحوه فکیف لا تکون خیراً منه فی حالة نومه وغلبة الوجع علیه !!! - والعیاذ بالله ، ما أکبرها من کلمة تخرج من عقولهم وأفواههم !!! -

أی إنّ الألف واللام فی هذا الاحتمال یکونان للجنس مع لحاظ خصوصیة نوم النبی صلی الله علیه و آله .

وفی اعتقادی - طبقاً للنصوص - أنّ جملة «الصلاة خیر من النوم» قد وُضعت - فی أذان الفجر - بعد وفاة رسول الله وفی عهد أبی بکر ، لکن لما کانت فترة حکومته قصیرة ومملوءة بالحروب الداخلیة ، ثبتت هذه المقولة فی الأذان بجهود عمر وفی عهده ، ویتّفق هذا مع ما قاله الإمام مالک فی (الموطّأ) .

فعمر کان جریئاً وله أوّلیات فی الشریعة والتاریخ، وهو أوّل من اتّهم الرسول بالهَجْر ، ومنَعَه من کتابة الکتاب ، وکان زعیمَ الاتجاه الذاهب إلی کون العبادات - وعلی رأسها الصلاة - هی أهم من نفس النبیّ صلی الله علیه و آله ، وبذلک تکون «الصلاة» عنده خیراً من «النوم» علی هذا التفسیر .

الاحتمال الثالث :

وهی رؤیتنا ، ویمکن التدرّج فی طرحها وتلخیصها فی نقاط :

صلاة أبی بکر أهم ما استُدلّ به علی خلافته

أولاً : من المعلوم بأنّ الجمهور استدلّوا علی إمامة أبی بکر بعدّة أمور ؛ منها : صلاة أبی بکر بالناس بأمر النبیّ ، مدَّعین أنّ مَن ارتضاه رسول الله لدِیننا نرتضیه

ص:433

لدنیانا ، ناسبین هذه المقولة إلی الإمام أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام ((1)) .

لکنّ الواقع یکذّب ما قالوه وما نسبوه إلی الإمام علیّ علیه السلام عنوة ؛ لأنّ علیّاً لم یترک مناسبة إلّا وأعلن سخطه وإدانته لأبی بکر ، وأنّ أبابکر غصب الخلافة منه ، فکیف یَستدِلّ هو لصحة تلک الخلافة المزعومة بأمثال هکذا استدلالات باطلة .

نحن لسنا بصدد ردّ هذه المقولة لوضوح کذبها ولمضادّتها ومصادمتها مع العقل السلیم والمنطق، لکنّا نأتی بما قالوه لنؤکّد أنّ القوم استدلوا بصلاة أبی بکر علی خلافته . وإلیک تلک النصوص :

فعن الحسن البصری أنّه قال : أمر رسول الله أبا بکر وهو مریض أن یصلّی بالناس . ثم قال الحسن : لِیُعْلمهم والله مَن صاحبهم بعده((2)) .

وفی خبرٍ آخر : بعث عمرُ بن عبد العزیز محمدَ بنَ الزبیر الحنظلی إلی الحسن البصری وسأله : هل کان رسول الله استخلف أبا بکر ؟

فقال الحسن : أَوَ فی شکّ صاحبُک ؟ واللهِ الذی لا إله إلّا هو استخلفه حین أمره بالصلاة دون الناس ، ولَهُو کان أتقی لله من أن یتوثَّب علیها((3)) .

وقال أبو عوانة (ت316 ه-) فی (مسنده) - بعد أن نقل بعض أحادیث صلاة أبی بکر - :

إنّ هذه الأحادیث بیان خلافة أبی بکر، لقول النبی : لِیَؤُمَّکم أقرأُکم ، وقد


1- انظر: التمهید لابن عبد البر 22 : 129 ، تاریخ دمشق 30 : 265 ، الاستیعاب 3 : 971 ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة 7 : 1295 .
2- أنساب الأشراف 2 : 233 .
3- أنساب الأشراف 2 : 234 - عنه: سبل الهدی والرشاد 12 : 317 .

ص:434

کان فی أصحابه مَن هو أقرأ منه ، وفیهم من هو أرفع وأبین صوتاً منه ... فدل قوله فی خبر أبی مسعود حیث قال : «ولا یؤمّن رجل فی سلطانه» أنّه الخلیفة علیهم بعده((1)) .

وقال ابن کثیر - بعد ایراد تلک الأحادیث - :

والمقصود أنّ رسول الله قَدَّم أبا بکر الصدیق إماماً للصحابة کلّهم فی الصلاة التی هی أکبر أرکان الإسلام العملیة((2)) .

وفی (شرح نهج البلاغة) : إنّ عویم بن ساعدة قال - لما نصّب الأنصار سعداً -:

فوَ اللهِ ما هلک رسول الله حتّی عرفنا أنّ أبا بکر خلیفة حین أمره أن یصلّی بالناس ، فشتمه الأنصار وأخرجوه ...((3)) .

وهذه النصوص تؤکّد أنّ الاستدلال بصلاة أبی بکر کانت من الأدلّة التی استند علیها سلف العامة للدلالة علی خلافة أبی بکر ، وأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله هو الذی استخلفه بهذه الصلاة، وقد مرّ علیک ما قلناه فی «أذانان، مؤذّنان إمامان لصلاة واحدة» .

استدلال عمر علی خلافة أبی بکر بفضیلة الغار

ثانیاً : من المعروف - والذی لا خلاف فیه - أنّ عمر بن الخطاب کان من الداعمین لخلافة أبی بکر فی یوم السقیفة وبعدها .


1- مسند أبی عوانة 1 : 447 .
2- تاریخ ابن کثیر 5 : 236 .
3- شرح نهج البلاغة 6 : 19 .

ص:435

فعن سالم بن عبید قال : لما تُوفّی رسول الله وقالت الأنصار : منّا أمیر ومنکم أمیر ، أخذ عمر بید أبی بکر وقال : سیفانِ فی غمد واحد ؟! إذاً لا یصلحان ، ثمّ قال : مَن له هذه الثلاث : {ثَانِیَ اثْنَیْنِ إِذْ هُمَا فِی الْغَارِ} مَن هما ؟ {إِذْ یَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَتَحْزَنْ} من صاحبه ؟ {إِنَّ اللهَ مَعَنَا} مع مَن؟ ثمّ بسط یده إلی أبی بکر فبایعه الناس أحسن بیعة وأجملها((1)) .

إذن، ففضیلة الغار کانت من أهمّ الفضائل التی استُدِلَّ بها لأبی بکر ، وإنّ عمر ابن الخطاب کان من أولئک المستدلّین بها له فی یوم السقیفة ، فلا یستبعد أن یستفید منها عمر فی هدفه التعویضی فی الأذان ، وإنّ دعوته موذِّنَه بأن یجعل بعد «حی علی الفلاح» «الصلاة خیر من النوم» مرتین قد تشیر إلی أنّه کان یرید التأکید علی خلافة أبی بکر کنائیاً ، أی إنّه کان یهدف إلی بیان ما یقصدونه من وضعهم لهذه الجملة ، وأنّها تضاهی وتُقابل ما قاله أئمّة أهل البیت فی المعنی المکنون ل- «حی علی خیر العمل» .

ومعنی کلامنا أنّه حینما أمر موذِّنه بوضع جملة «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان کان لا یعنی جنس الصلاة وجنس النوم فقط ؛ لانّ الاقتصار علی هذا الفهم یسیء إلی واضعها ، فعنی المعنی المکنون والباطنی فیها ، وقد جاء هذا فیما استدل به علی الأنصار فی السقیفة ، وهو استدلاله بصلاة أبی بکر وفضیلة الغار معاً ، واللَّتین اعتُبِرتا فی العصور المتأخرة من أدلة خلافة أبی بکر.


1- شرح نهج البلاغة 6 : 38 ، السنن الکبری للنسائی 4 : 263 / ح 7119 ، 5 : 7 / ح 8109 .

ص:436

وإنّ استدلال معاویة بفضیلة الغار والمضادة مع فضیلة المبیت مما لا یمکن إنکاره، بل الأکثر من ذلک أنّه حرّف شأن نزول الآیات الواردة فی الإمام علی علیه السلام وجعلها فی شأن أرذل الناس ابن ملجم وصهیب وأمثالهما .

قال أبو جعفر [الإسکافی] : وقد رُویَ أنّ معاویة بذل لسَمُرة بن جُندب مائة الف درهم حتی یروی أنّ هذه الآیة نزلت فی علی بن أبی طالب : {وَمِنَ النَّاسِ مَن یُعْجِبُکَ قَوْلُهُ .... إلی قوله : وَإِذَا تَوَلَّی سَعَی فِی الأَرْضِ لِیُفْسِدَ فِیهَا وَیُهْلِکَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لاَ یُحِبُّ الْفَسَادَ} ، وأنّ الآیة الثانیة نزلت فی ابن ملجم وهی قوله تعالی: {وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ} ، فلم یقبل، فبذل له مائتی ألف درهم فلم یقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم یقبل ، فبذل له أربعمائة ألف فقَبِل ، وروی ذلک((1)) .

تأمل فی موقف معاویة کیف یرید أن یحرّف شأن نزول الآیة {وَمِنَ النَّاسِ مَن یَشْرِی نَفْسَهُ}، والتی نزلت فی مبیت الإمام علی، إلی نزولها فی عدوّه ابن ملجم، لکی لا یستدل الشیعة بها فی زمانه وبعد شهادته علیه السلام .

أضف إلی ذلک أنّ معاویة حینما کتب إلی عمرو بن العاص یستمیله علی قتال أمیر المؤمنین علی علیه السلام ، جاء فی کتابه إلی عمرو : فلن یَخفی علیک احتراقُ قلوب المؤمنین وفجعتهم بقتل عثمان وما ارتکبه جارُه [یعنی علی] بغیاً وحسداً، وامتناعه عن نصرته وخذلانه إیّاه .

فأجابه عمرو : أما علمتَ أنّ أبا الحسن بذل نفسه بین یَدَی رسول الله وبات


1- شرح نهج البلاغة 4 : 73 ، وانظر: الغدیر 11 : 30، والآیات فی سورة البقرة: 203 - 206 .

ص:437

علی فراشه، فهو صاحب السَّبق إلی الإسلام والهجرة، وقال فیه رسول الله: هو منّی وأنا منه، وهو منّی بمنزلة هارونَ مِن موسی إلّا أنّه لا نبیَّ بعدی. وقال فیه یوم الغدیر : من کنت مولاه فعلیٌّ مولاه ... (وذکر جملةً من الأحادیث النبویة فی فضائل الإمام علیّ علیه السلام ، ثمّ قال:) وکتابک یا معاویةُ الذی هذا جوابه، لیس مما ینخدع به مَن له عقل ودین، والسلام ((1)) .

وحین جاء سبعة رهط إلی ابن عباس ووقعوا فی علیّ علیه السلام قام ابن عباس ینفض ثیابه ویقول : أن وُتّف! وقعوا فی رجل له عشرة .

ثمّ ذکر حدیث الرایة ، وتبلیغ براءة ، وحدیث بیعة العشیرة ، وکونَه أُوّلَ من أسلم ، وآیة التطهیر ، وأنّه شری نفسه ولبس ثوب النبی ثم نام مکانه ، فکان المشرکون یرون أنّه رسول الله ، فجاء أبو بکر وعلی نائم ، وکان أبو بکر یحسب أنّه رسول الله، فقال له علی : إن نبی الله قد انطلق نحو بئر میمون فأدرِکْه ، فانطلق أبو بکر فدخل معه الغار ... وذکر حدیث المنزلة ، وحدیث: أنت ولیُّ کلِّ مؤمن بعدی ، وسدّ الأبواب إلّا بابه ، وحدیث الغدیر ((2)) .

فلا یُستبعَد أن یکون عمر - ثمّ من بعده معاویة وأتْباعه - أرادوا بهذه الجملة الإشارة إلی فضلیتَی الصلاة والغار فی الأذان معاً کی یربطوا أوّل الادّعاء بنهایته ، أو قل : أرادوا أن یربطوا ما نقلوه من فضائل لأبی بکر - قبالاً لما ورد من أخبار الفضائل فی الإمام علی - فی أوّل الدعوة بما استدلوا به من الصلاة مکان رسول الله


1- بحار الأنوار 33 : 51 - 53 / 954 ، کشف الغمة 1 : 258 .
2- المستدرک علی الصحیحین 3 : 143 / ح 4652 ، مسند أحمد 1 : 330 / ح 3062 ، السنن الکبری للنسائی 5 : 113 / ح 8409 ، المناقب للخوارزمی : 126 ، ذخائر العقبی: 87 - 88 .

ص:438

علی خلافته فی آخر الدعوة ، والقول بأنّ فضیلة الغار عندهم هی أهم من فضیلة المبیت علی فراش رسول الله لعلی علیه السلام .

وکذا أنّ صلاة أبی بکر مکان رسول الله هی أهم مما یُستدَل به علی إمامة علی علیه السلام أمثال قوله صلی الله علیه و آله لعلی یوم الغدیر «مَن کنت مولاه فهذا علیّ مولاه» .

أی : یمکن أن یکون عمر - ومِن خلفه الأمویّون - قد أرادوا أن یقولوا بأنّ صلاة أبی بکر خیر من نوم علی علی فراش رسول الله .

وهذا الاحتمال قد یترجّح ویتأکد فیما نقدّمه من نصوص وشواهد لاحقاً .

وهو الذی احتمله ابن شهرآشوب المازندرانی فی «مثالب النواصب» بقوله: وسمعت أنّهم یَعْنون لذلک أنّ صلاة أبی بکر بقول عائشة فی المسجد خیر من نوم علیٍّ علیه السلام علی فراش النبی وقت الهجرة((1)).

استدلال عمر بصلاة أبی بکر علی خلافته

ثالثاً : أخرجت کتب التاریخ والطبقات عن زِرّ بن حُبَیش عن عبدالله بن مسعود أنّه قال :

لمّا قُبض رسول الله ، قالت الأنصار : منّا أمیر ومنکم أمیر .

قال : فأتاهم عمر فقال : یا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أنّ رسول الله أمر أبابکر أن یصلّی بالناس ؟

قالوا : بلی .


1- مثالب الوصیّة (مخطوط) : القسم الثانی، فصل فی (بدع هامان)، وقیل أنّه موجود فی المنضود والمعد للطبع: 5 : 102.

ص:439

قال : فأیکم تطیب نفسه أن یتقدَّم أبابکر ؟

قالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبابکر((1)) .

وفی هذا دلیل أیضاً علی أنّ عمر بن الخطاب کان یستدلّ علی خلافة أبی بکر بتلک الصلاة بجنب استدلاله بفضیلة الغار .

لحاظ السِّنْخِیة بین الرفع والوضع

رابعاً : إنّ السنخیة - فی مثل هذه الأمور العقدیة - مضافاً لما قدمناه من نصوص عن علماء الجمهور وأهل البیت، تدعونا للقول بأنّ عمر بن الخطاب کان وراء وضع جملة (الصلاة خیر من النوم) بدل (حیّ علی خیر العمل) النصّ الثابت تشریعه علی عهد رسول الله ، والتی أذّن بها الصحابة((2))، ثمّ حرّفه ومحاه وأبدله ب- «الصلاة خیر من النوم» لیدلّ علی خلافة ابن أبی قحافة بدل إمامة الإمام علیّ علیه السلام وأهل بیته .

وقد مرّ علیک کلام القوشجی والتفتازانی وعلماء الزیدیة والإسماعیلیة والإمامیة فی أنّ عمر بن الخطاب کان وراء منع جملة «حیّ علی خیر العمل» .

کما جاء فی کتبنا وکتب الزیدیة والإسماعیلیة أنّه هو الذی جعل مکانها جملة


1- أنساب الأشراف 2 : 260 ، طبقات ابن سعد 2 : 223 ، شرح نهج البلاغة 6 : 39 ، الأحادیث المختارة 1 : 336 / ح229 قال : اسناده حسن .
2- انظر: السنن الکبری للبیهقی 1 : 424 / ح1842 و1 : 425 / ح1844 ، مصنف ابن أبی شیبة 1 : 195 / ح2239 و1 : 196 / ح2240 وانظر: کتابنا «حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة» .

ص:440

«الصلاة خیر من النوم» ، کی لا یکون دعاءٌ إلیها وحثٌّ علیها .

ویؤیّد ذلک نصّ الإمام مالک والذی فیه :

أنّه بلغه أنّ المؤذن جاء إلی عمر بن الخطاب یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً فقال : الصلاة خیر من النوم ، فأمره عمر أن یجعلها فی نداء الصبح((1)) .

وبعد هذا البیان، لیس من المستهجن التأکید علی ما ادّعیناه من أن جملة : «الصلاة خیر من النوم» وُضعت مقابلةً لجملة «حی علی خیر العمل» الدالة علی إمامة أهل البیت علیهم السلام ، لأنّ عمر بن الخطاب علی أَثر بغضه لأهل البیت سعی لتضعیف إمامتهم الإلهیّة، وذلک برفع الحیعلة الثالثة من الأذان واضعاً مکانها جملة «الصلاة خیر من النوم» حباً بأبی بکر وتقویةً لخلافته ، لأنّه من خلال هذه الخلافة ستستحکم خلافته بعد أبی بکر لا محالة .

ونحن قد رسمنا خارطة هذه الفکرة وأصولها علی ضوء أقوال الإمام الکاظم علیه السلام وبیانه لأسباب منع عمر من الحیعلة الثالثة ، وقد وضحنا سابقاً دواعی (الرفع) و (الوضع) وأنّهما متلازمان ، لکونهما وجهَین لعملة واحدة ، فلا یمکن أن نقتصر علی رأی فئة دون النظر إلی آراء الفئة الأخری بل علینا أن ندرسهما معاً ، فکانت حصیلة ذلک هذه الأُطروحة .


1- الموطأ 1 : 72 - باب ما جاء فی النداء للصلاة / ح154 .

ص:441

الصلاة خیر من النوم لیست بسُنّة

خامساً : نحن شککنا فی الفصل الثانی من هذا المجلّد فی کون هذه الجملة سنَّةً نبویة ، ثمّ توصّلنا إلی أنّها رأی تبنّته مجموعة بعد رسول الله علی رأسها عمر بن الخطاب ، ثمّ نشره بنو أمیّة فی الزمن المتأخر ، مؤیدین کلامنا بنقل تشکیک بعض القدماء والمعاصرین فی کونها سنة لرسول الله صلی الله علیه و آله .

فقد سأل رجل طاووسَ بن کیسان (ت 106 ه-) فقال: یا أبا عبد الرحمن، متی قیل الصلاة خیر من النوم؟

فقال طاووس: أما إنّها لم تُقَل علی عهد رسول الله، ولکنّ بلالاً سمعها فی زمان أبی بکر بعد وفاة رسول الله یقولها رجل غیر مؤذّن فأخذها منه فأذّن، فلم یمکث أبوبکر إلّا قلیلاً حتّی إذا کان عمر قال: لو نهینا بلالاً عن هذا الذی أحدث، وکأنّه نسیه فأذّن به الناس حتّی الیوم ((1)).

وفی (مصنّف ابن أبی شیبة) عن محمّد بن سیرین : لیس من السنّة أن یقول فی صلاة الفجر : الصلاة خیر من النوم ((2)).

وفی (مصنّف عبد الرزاق) عن ابن جریج قال: سألت عطاء بن أبی رباح (ت 117 ه-): متی قیل: الصلاة خیر من النوم؟ قال: لا أدری((3)).

وقال ابن رشد المالکی (ت595 ه-) فی کتابه (بدایة المجتهد) :


1- مصنّف عبد الرزاق 1 : 474 /ح 1827.
2- مصنّف ابن أبی شیبة 1 : 189 /ح 2169.
3- مصنّف عبد الرزّاق 1 : 474 /ح 1828.

ص:442

«وسبب اختلافهم: هل ذلک قیل فی زمان النبی، أو إنّما قیل فی زمان عمر؟!»((1)) .

وقریب من هذا رأی الشیخ ناصر الدین الألبانی فی کتابه (تمام المنة فی التعلیق علی فقه السنّة) - وذلک بعد أن أورد کلام السید سابق وروایة أبی محذورة - قال :

«قلت : إنّما یُشرَّع التثویب فی الأذان الأول للصبح الذی یکون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقریباً ، لحدیث ابن عمر، قال : «کان فی الأذان الأول بعد: حیّ علی الفلاح : «الصلاة خیر من النوم - مرّتین»((2)) ، وإسناده حسن، کما قال الحافظ ، وحدیث أبی محذورة مطلق وهو یشمل الأذانین ، لکنّ الأذان الثانی غیر مراد لأنّه جاء مقیداً فی روایة أخری بلفظ : «وإذا أذّنتَ بالأول من الصبح فقل : الصلاة خیر من النوم ، الصلاة خیر من النوم»((3)) ، فاتّفق حدیثه مع حدیث ابن عمر ، ولهذا قال الصنعانی فی (سبل السلام 1 : 167 - 168) عقب لفظ النسائی : وفی هذا تقیید لما أطلقته الروایات ، قال ابن رسلان : وصحَّحَ هذه الروایة ابنُ خُزَیمة .

قال : فشرعیة التثویب إنّما هی فی الأذان الأول للفجر ، لأنه لإیقاظ النائم ، وأما الأذان الثانی فإنّه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلی الصلاة . انتهی من تخریج الزرکشی لأحادیث الرافعی ، ومثل ذلک


1- بدایة المجتهد 1 : 77 .
2- رواه البیهقی فی السنن الکبری 1 : 423 ، وکذا الطحاوی فی: شرح المعانی 1 : 82 .
3- أخرجه: أبو داود والنسائی والطحاوی وغیرهم، وهو مخرَّج فی: صحیح أبی داود : 510 - 516 .

ص:443

فی (سنن البیهقی الکبری) عن أبی محذورة : أنّه کان یثوّب فی الأذان الأول من الصبح بأمره صلی الله علیه و آله .

قلت: وعلی هذا لیس «الصلاة خیر من النوم» من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلی الصلاة ، والإخبار بدخول وقتها ، بل هو من الألفاظ التی شُرِّعت لإیقاظ النائم ، فهو کألفاظ التسبیح الأخیر الذی اعتاده الناس فی هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأول .

قلت ]والکلام للألبانی[: وإنما أطلتُ الکلام فی هذه المسألة لجریان العمل من أکثر المؤذنین فی البلاد الإسلامیة علی خلاف السنة فیها أوّلاً ، ولقلة مَن صرّح بها من المؤلِّفین ثانیاً ، فإنّ جمهورهم - ومن ورائهم السیّد سابق - یقتصرون علی إجمال القول فیها ولا یُبیّنون أنّه فی الأذان الأول من الفجر کما جاء ذلک صراحة فی الأحادیث الصحیحة خلافاً للبیان المتقدم من ابن رسلان والصنعانی.

ومما سبق یتبیّن أنّ جعل التثویب فی الأذان الثانی بدعة مخالفة للسنّة ، وتزداد المخالفة حین یعرضون عن الأذان الأول بالکلّیّة ویصرّون علی التثویب فی الثانی ، فما أحراهم بقوله تعالی : {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَدْنَی بِالَّذِی هُوَ خَیْرٌ}((1)) .

وقال الأمیر الصنعانی : «قلت: وعلی هذا لیس «الصلاة خیر من النوم» من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلی الصلاة والإخبار بدخول وقتها ، بل هو من


1- تمام المنة فی التعلیق علی فقه السنة 1 : 146 - 148 .

ص:444

الألفاظ التی شُرّعت لإیقاظ النائم ؛ فهو کألفاظ التسبیح الأخیر الذی اعتاده الناس فی هذه الأعصار المتأخرة عوضاً عن الأذان الأوّل ، ثمّ قال : وإذا عرفت هذا هان علیک ما اعتاده الفقهاء من الجدال فی التثویب: هل هو من ألفاظ الأذان أو لا ، وهل هو بدعة أو لا؟!»((1)) .

وقال الشوکانی نقلاً عن «البحر الزخار» : أحدثه عمر، فقال ابنه : هذه بدعة! وعن علیّ حین سمعه : لا تزیدوا فی الأذان ما لیس منه((2)) .

وقال المعدّ لکتاب «الصلاة خیر من النوم حقیقة أم اتهام» المطبوع حدیثاً :

إنّ الأذان للفجر((3)) فی زمن الرسول کان یُنادی به مرَّتَین ، إحداها قبل الوقت والآخر للوقت ، ولذلک ذهب جمهور من العلماء إلی جواز النداء والأذان للفجر قبل دخول وقته ، وهو ما یسمی بأذان الفجر الأوّل، یکون امتداد شرعیته وجواز النداء به بعد منتصف اللیل وحتی طلوع الفجر ، وأما الغرض من هذا الأذان فإنما کان للتنبیه وإشعار الناس بقرب حلول الفجر ، فیتحضروا له ویستعدوا لأدائه. إلی أن یقول :

وعلی هذا فالصلاة خیر من النوم فقط مشروع فی الأذان للفجر ، ومحله فی الأذان الأول ، وهو أذان مشروع من الرسول ، ولمّا لم یعد هناک أذان أوّل فی بعض البلدان استُعمِل هذا اللفظ فی الأذان الثانی للدلالة علی التنبیه والتحذیر((4)) .


1- سبل السلام 1 : 120 .
2- نیل الاوطار 2 : 18 .
3- أی أنّه یرید أن یقول بأنّها لم تُشرَّع فی أذان الفجر، بل وُضعت فی الأذان للفجر وهو الأذان الأول، فتأمّل.
4- الصلاة خیر من النوم حقیقة أم اتهام، لعلاء الدین البصیر .

ص:445

الدور الحکومی فی أخبار التثویب والترجیع

سادساً : إنّ اختصاص روایات الترجیع((1)) والتثویب عند الجمهور بسعد القرظ وأبی محذورة ، بل وجود روایات مکذوبة علی لسان بلال الحبشی فی التثویب ، لَیُرشدنا إلی وجود اتّجاه حکومیّ تبنّیٰ مسألة التثویب ، لأنّه لو صحّ قول رسول الله : إنّ بلالاً ینادی بلیل، فکُلُوا واشربوا حتّی ینادی ابن أم مکتوم . والذی رواه البخاری ومسلم((2)) ، لَدلّ علی أنّ بلالاً کان یؤذّن باللیل ، ومن المعلوم بأنّ أذان اللیل - الیوم - لیس فیه: الصلاة خیر من النوم ، وما یُراد أن یُستدَلَّ به هو کونها فی أذان الفجر ، وهذا ما لا یستفاد من هذه الأخبار. یضاف إلیه أنّ «الصلاة خیر من النوم» غیر موجودة فی أذان ابن أم مکتوم وعبد الله بن زید الأنصاری، ولا فی الأذان المشرّع فی السماع والذی أذّن به جبرئیل .

کما عرفت بأنّ روایة أبی محذورة المستدلّ بها علی التثویب قد شکّ الشافعی فیها ، وأخبر مالک فی (موطّأه) : بأنّ عمر بن الخطّاب هو الذی قال لمؤذّنه : اجعلها فی أذانک ، ومعناه أنّها لم تکن قبل عهده .

وبذلک فقد اختصت أحادیث التثویب بسعد القرظ ، ذلک الرجل الذی بقی مؤذّناً هو ووُلده إلی زمان الحجّاج بن یوسف الثقفی ، وهذا یدعونا إلی القول بوجود أصابع أُمویة فی ترسیخ التثویب والترجیع .

إنّ عدم وجود التثویب فی أحادیث عبد الله بن زید وبلال الحبشی، واختصاصه


1- الترجیع فی الأذان هو تکریر الشهادتین جهراً بعد إخفاتهما، هکذا فسّره الصاغانی ، تاج العروس 21: 76 .
2- صحیح البخاری 1 : 224 باب الأذان بعد الفجر / ح 595 ، صحیح مسلم 2 : 768 .

ص:446

بسعد القرظ وأبی محذورة، أو قل: بأولاد الأخیرَین دون الأولَّین، لأنّ هؤلاء کانوا ضمن المؤذّنین فی العهدین الأموی والعباسی، لیدلّ علی أنّ أذان هؤلاء المؤذّنین بتوجّهاتهم الفقهیة والعقائدیة یختلف عن أذان النهج الحکومی الممتد إلی زمان وضعها فی عهد عمر بن الخطّاب، ثمّ امتداد ذلک إلی عصر الحجاج بن یوسف الثقفی .

کما یشیر إلی أنّ عدم روایة أبناء عبدالله بن زید ، وبلال ، وابن أم مکتوم : «الصلاة خیر من النوم» عن آبائهم فیه دلالة علی عدم ارتضاء الآباء بأذان الحکام ؟ ولهذا أُقصی الأولاد من مهمّة الأذان .

مع علمنا بأن روایات عبدالله بن زید وابن أم مکتوم لیس فیها : «الصلاة خیر من النوم» ! فعلی أی شیء یدل هذا الإقصاء إذن إن لم یصحَّ ما قلناه ؟

ولماذا تختص روایات التثویب بأولاد سعد وأبی محذورة الذین عُیِّنُوا من قِبل الحکومات المتعاقبة ؟

وماذا کان فی أذان هؤلاء ، ولم یکن فی أذان أولئک ؟

بل لماذا نری الجمهور یأخذون بأخبار التثویب المرویة عن أبی محذورة وسعد القرظ ولا یأخذون بأخبار الترجیع الواردة عنهما ؟

ولماذا نری الترجیع متروکاً فی الأذان عندهم إلی الیوم ، بخلاف التثویب الذی یصرّون علی الإتیان به رغم کل الظروف والملابسات ؟

وعلی أیّ شیء یدلّ إصرارهم علی الأخذ بهذا والسماح بترک ذاک ؟

ألم یکن الإصرار علی الأخذ ب- «الصلاة خیر من النوم» وجعلها سنّةً هو لکونها صارت علی مر العصور والأزمان شعاراً سیاسیاً وعقائدیاً للحکام، ثمّ ظلَّ ساریاً

ص:447

إلی یومنا هذا ؟

وهکذا الحال بالنسبة إلی التسلیم علی الامراء بعد الأذان ، فلماذا یختصّ بأبی محذورة ، وسعد القرظ ؟ وعلی أیّ شیء یدلّ کلّ هذا ؟ إنّها أسئلة تبحث عن إجابات ؟

السیاسة وتحریف الأحادیث

سابعاً : ذکرنا فی الصفحات السابقة دور الأمویین فی ترسیخ فقه الشیخین وعثمان والمخالفة لفقه الإمام علیّ ونقل فضائله علیه السلام ، کما أشرنا إلی دور الحکومات السنیّة فی ترسیخ شعاریة «الصلاة خیر من النوم» بدل «حیّ علی خیر العمل» وهذا لیدلّ علی کونهما مؤشِّرَین إلی خلافة وإمامة الطرفین .

وفی اعتقادی أنّ الخبر الآتی عن عبدالله بن رسته عن مشایخه - والمذکور فی (المعجم الأوسط) - لیشیر إلی جمع الراوی بین المُدَّعیَیَنِ فی خبر واحد ، أی أنّهم أرادوا فی القرنین الثالث والرابع الهجریَّین التأکید علی خلافة أبی بکر من خلال جملتی «مروا أبابکر فلیصلّ بالناس» واقترانها مع «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان .

ص:448

الخلاصة

اشارة

کان هذا ملخّص کلامنا بهذا الصدد ، فهم أبدلوا الألف واللام فی «الصلاة» من الجنس إلی العهدیة ، مریدین بذلک أن یُذکّروا المسلمین بصلاة أبی بکر لا بکلّ صلاة یصلّونها ، لتزامن هذه الصلاة مع صلاة الفجر .

ولکون المشرکین قد قرروا الهجوم علی رسول الله عند الفجر ، وکان مبیت الإمام علی علی فراشه صلی الله علیه و آله من اللیل حتّی الفجر .

وبسبب تزامن هذین الحادثین قرروا تصویب هذا الشعار للإشارة إلی الواقعتین ، أی أنّهم أرادوا أن یُدْخِلوها من الأذان الأوّل ((1)) إلی أذان الفجر ، وهذا یعنی أنّ هذه الجملة کانت تقال فی اللیل علی عهد رسول الله لإیقاظ النائمین لا علی أنّها سنة رسول الله ، بل إنّها مِثل المناجاة التی یناجی بها المؤمنون فی بعض البلدان الإسلامیة قبل الفجر .

لکنّها وبعد وفاة رسول الله أخذت منحیً آخر ، واستُغلّت استغلالاً مخطَّطاً له ، فصار لها بُعْدٌ عقدیٌّ ، ووضعت الأخبار الدالة علیها .

ولو تأملت فیما یرویه الطبرانی فی (الأوسط) لوافقتنا علی مدّعانا ، فهم أرادوا أن یجمعوا بین شرعیّتها علی عهد رسول الله وارتباطها بخلافة أبی بکر فی آن واحد ، والتعلیق علی هذا الخبر قد یفیدنا لتقریب الفکرة ، فإلیک النصّ :

قال الطبرانی : حدثنا عبدالله بن رسته ، ثنا عبدالله بن عمران ، ثنا


1- والذی کان یقال قبل ربع ساعة من الفجر - حسب قول الألبانی الآنف - .

ص:449

عبدالله بن نافع ، حدثنی معمَّر بن عبدالرحمن ، عن ابن قسیط ، عن أبی هریرة ، قال : جاء بلال إلی النبی یؤذنه بصلاة الصبح ، فقال : مروا أبا بکر فلیصلِّ بالناس. فعاد إلیه فرأی منه ثقلة ، فقال : مروا أبا بکر فلیصل بالناس. فذهب فأذّن فزاد فی أذانه «الصلاة خیر من النوم» ، فقال ]له [النبیّ : ما هذا الذی زدت فی أذانک ؟! قال : رأیتُ منک ثقلة فأحببت أن تنشط ، فقال : اذهب فزِدْه فی أذانک ، ومر أبا بکر فلیصلِّ بالناس((1)) .

ولا أُرید أن أتعامل مع هذه الروایة أو تلک من الجانب الدرائی والرجالی فقط ، وأنّ فی هذه الروایة مجهول ، أو أنّ رواة تلک الروایة جمیعها ثقات .

وأنّ ما فی (موطّأ) مالک من خبر عمر: هل هو مسند أو مرسل؟ لأنّ فیه کلمة «بَلَغَه» الدالة علی الإرسال ، إذ لا نعلم من هو الذی أبلغ مالکاً بمقولة عمر؟ أو ما شابه ذلک من بحوث صناعیة مخصوصة .

بل نرید أن نتعامل مع هذه النصوص علی أنّها نصوص تاریخیّة صادرة فی القرون المتقدِّمة ، أی لا خلاف فی صدور هذه الأخبار فی تلک الفترة ووجودها فی (موطّأ) مالک الذی کُتب فی القرن الثانی الهجری .

أو هو موجود فی (المعجم الأوسط) للطبرانی (ت 360 ه-) .

أو فی سنن الدارقطنی (ت 385 ه-) ، أو فی التمهید لابن عبدالبر (ت 463 ه-)، أو فی کتب محدّثی الشیعة الإمامیة أو الزیدیة أو الإسماعیلیة القائلین بأنّ عمر


1- المعجم الأوسط 7 : 290 / ح7524 ، مجمع الزوائد 1 : 330 .

ص:450

حذف الحیعلة الثالثة ووضع مکانها «الصلاة خیر من النوم» ، بصرف النظر عمّن هو الذی أبلغ مالکاً ، أو الذی نقل الخبر السابق عن أبی هریرة ، أو ما شابه ذلک .

فإنّ ما رواه الطبرانی یرشدنا إلی وجود من یقول بقولنا من رواة وعلماء الجمهور ، وأنّه لم یکن من متفرداتنا ، إذ إنّ التألیف والجمع بین الجملتین «مُروا أبابکر فلیصلِّ بالناس» و «الصلاة خیر من النوم» فی خبر واحد یرویه عبدالله بن رسته ، عن عبدالله بن عمران ، عن عبدالله بن نافع ، عن معمر بن عبدالرحمن ، عن ابن قسیط ، عن أبی هریرة، وله دلالة علی استدلالهم ب- «الصلاة خیر من النوم» علی خلافة أبی بکر .

وذلک لمجیء جملة : «مروا أبابکر فلیصل بالناس» ثلاث مرات فی الخبر ، فی أوّله وفی وسطه وفی آخره ، وهذا له دلالاته ، خصوصاً عندما نقف علی أنّ الزیادة ادُّعِیَ أنَّها کانت من قِبل بلال ، وأنّه زادها بعد سماعه من رسول الله قوله «مروا أبابکر فلیصل بالناس» ، وأنّ النبیّ أقرّ «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان ثمّ قال : «مروا أبابکر فلیصل بالناس» .

إذن ما نرید قوله یمکن أن نراه عند الآخرین ، بفارق أنّ أولئک یریدون أن ینسبوا تشریع «الصلاة خیر من النوم» إلی رسول الله لا إلی عمر .

أمّا نحن فنعتقد أنّ «الصلاة خیر من النوم» لم تکن فی الأذان الشرعی علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، بل وُضِعت من بعده حسبما وضحناه .

ثمّ أحدث بعدها آخرون التثویت الثانی الذی ذهب الجمیع إلی بِدعیّته ، وهذا ما قاله الأمیر الصنعانی والشوکانی وناصر الدین الألبانی، وعلاء الدین البصیر، وغیرهم .

ص:451

کما نعتقد أنَّ عین الرسول الأکرم تنام وقلبه لا ینام((1)) وأنَّ وجوده المبارک متفانٍ فی ذات الله ، فکیف والحال هذه یمکننا تصوّر وقبول حکایة الثقلة أو نومه المزعومة ومجیء بلال إلیه ... إلی آخر ما فی القصّة من مفارقات تتعارض مع ما نعتقده فی الرسول والرسالة ، کلّ ذلک مع أخذنا بنظر الاعتبار سعی الأمویین فی استنقاص رسول الله ، وجعلهم تشریع الأذان منامیاً ، کل ذلک مضادةً مع الرؤیا التی راها رسول الله فیهم .

إذن، ما نقول به له جذور فی کتب القوم، ویمکن البحث عن خیوطه عندهم فی القرون الأولی ، لکنّهم یخافون التصریح به وربطه بالإمامة ، مدّعین أنّهم یقصدون بکلامهم ما قلناه عنهم ، لأنّه سیدعوهم إلی القول بما اتّهمونا من البدعیة فی الأذان وأخذنا بالتأویلات البعیدة ، فهم قد فعلوا ما نحن بُرآء منه إذ أوّلوا أخبار الأذان وقالوا بکذا وکذا فیه .وعرض هذه المسألة علی بساط النقاش سیکشف عن عمق نوایا عمر ومدرسة الخلفاء ومضادّتهم مع النهج النبویّ العلویّ .

مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّهم لو قالوا بما قلناه لأقرّوا بصحّة أخبارنا ومقاربتها للواقع ، فهم تحاشیاً من کلّ ذلک لم یصرحوا بالبعد العقائدی لهذه الجملة فی کتبهم ، ولم یکشفوا المکنون فیها ، بل أشاروا إلی معناها الظاهری فقط ، وهذا مما


1- وهو ما رواه کثیر من العامّة ، فقد قال النبیّ صلی الله علیه و آله للیهود حین سألوه عن علامات النبی : تنام عیناه ولا ینام قلبه . مسند أحمد 1 : 274 . وانظر: صحیح مسلم 1 : 528 / ح 762 ، الأحادیث المختارة 10 : 670 / ح 60 ، 61 . وفی صحیح البخاری 4 : 168 قول أنس بن مالک عن حدیث الاسراء : والنبی نائمة عیناه ولا ینام قلبه ، وکذلک الأنبیاء تَنام أعینهم ولا تنام قلوبهم .

ص:452

دعا بعضهم لأن یستهجن تفسیرهم لجملة «الصلاة خیر من النوم» لعدم تناغمها مع الفصول الأخری فی الأذان .

أجل، إنّ المؤذّن حینما یقول «الصلاة خیر من النوم» لا یعرف تفسیرها ومعناها وإلی أی شیء ترمز هذه الجملة ، فهو یرددها کالببغاء ، لکننا وبتحلیلنا لهذه المسألة قد وضحنا أهدافهم ، وما ارادو به من مفاهیم لهذه الجملة .

وکلامنا جاء وفقاً للقرائن والشواهد التی وقفنا علیها وقدّمناها بین یدی القارئ .

المهم أنّ هذه المسألة لم تُبحَث فی کتبنا وکتب غیرنا قبلنا ، بصورة واضحة وعمیقة، وأنّ الشواهد والقرائن التی قدمناها تخرجنا من التفرّد بالرأی .

إذ إنّ علماءهم وفقهاءهم لم یدّعوا بأنّهم عرفوا کل الأشیاء ووقفوا علی جذور جمیع الأمور وملابساتها .

فهم یعلمون بأنّ مجهولاتهم أکثر من معلوماتهم ، وأنّهم لم یوضّحوا کثیراً من الأُمور للناس ، مع علمهم بأنّ الأیام ستکشف ما هو مخبّأ ومجهول .

أمّا منهجنا - فی هذا الکتاب کما هو فی غیره - فهو السعی فی الوقوف علی الملابسات والعلل والأسباب الکامنة فی الوقائع والأحداث ، وهذا هو المنهج الذی یجب أن نتبعه فی أبحاثنا ، وقد اتبعناه بالفعل فی أکثر من دراسة ، ومن خلاله کُشِفَت لنا بعض الخیوط الخفیّة فی هذا الابداع أو ذاک ((1))، وهو یساعدنا أیضاً علی کشف المجهول منه .


1- مثل: تاریخ اختلاف المسلمین فی الوضوء، وقد بینّا الدواعی المنظورة فیه .

ص:453

وبهذا فقد اتضح لنا بأنّ عمر کان یرید صرف الخلافة عن الإمام علیّ علیه السلام وفی المقابل أن یدعو إلی خلافة أبی بکر ، وهذا هو الذی عرفه أئمّة أهل البیت علیهم السلام عنه وبیّنوه لنا ، کما أنّ عمر بن الخطاب عرف بأنّ أهل البیت یعرفون ذلک منه ، وللتأکّد سأل ابن عباس بقوله :

یا ابن عباس، أتدری ما منع قومُکم منکم بعد محمّد ؟ قال ابن عباس : فکرهت أن أُجیبه، فقلت : إن لم أکن أدری فأمیر المؤمنین یُدْرینی .

فقال عمر : کرهوا أن یجمعوا لکم النبوة والخلافة فتبَجّحوا علی قومکم بجحاً بجحاً ، فاختارت قریش لأنفسها فأصابت ووُفِّقت .

فقلت : یا أمیر المؤمنین، إن تأذن لی فی الکلام وتُمِطْ عنّی الغضب تکلّمت .

فقال : تکلم یا ابن عباس .

فقلت : أمّا قولک یا أمیر المؤمنین : اختارت قریش لأنفسها فأصابت ووُفِّقت ، فلو أنّ قریشاً اختارت لأنفسها حیث اختار الله عزّ وجلّ لها لکان الصواب بیدها غیر مردود ولا محسود ، وأمّا قولک : إنّهم کرهوا أن تکون لنا النبوة والخلافة ، فإنّ الله عزّ وجلّ وصف قوماً بالکراهیة فقال : {ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهمْ} .

فقال عمر : هیهات والله یا ابن عباس! قد کانت تبلغنی عنک أشیاءُ کنتُ أکره أن أُقرّک علیها فتُزیلَ منزلتک منی .

فقلت : وما هی یا أمیر المؤمنین ؟ فإن کانت حقّاً فما ینبغی أن تزیل منزلتی منک ، وإن کانت باطلاً فمِثلی أماط الباطل عن نفسه .

فقال عمر : بلغنی أنّک تقول : إنّما صرفوها عنّا حسداً وظلماً .

ص:454

فقلت : أما قولک یا أمیر المؤمنین: (ظلماً) فقد تبین للجاهل والحلیم ، وأمّا قولک (حسداً) فإن إبلیس حسد آدم فنحن وُلدُه المحسودون .

فقال عمر : هیهات! أبَتْ واللهِ قلوبُکم یا بنی هاشم إلّا حسداً ما یحول ، وضِغْناً وغِشّاً ما یزول .

فقلت : مهلاً یا أمیر المؤمنین! لا تصفْ قلوب قوم أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً بالحسد والغِش ، فإنّ قلب رسول الله صلّی الله علیه ] وآله [ وسلّم من قلوب بنی هاشم .

فقال عمر : إلیک عنّی یا ابن عباس .

فقلت : أَفْعَل .

فلما ذهبت لأقوم استحیا منّی ، فقال : یا ابن عباس مکانَک ، فو الله إنّی لَراعٍ لحقک محبٌّ لما سَرَّک ، فقلت : یا أمیر المؤمنین إنّ لی علیک حقاً ...((1)) .

إذن التوجّه إلی أمر الإمامة کان ملحوظاً فی أفعال وأقوال عمر بن الخطاب ، وإنّ الصراع بین بنی هاشم وعمر ، والعلویین وبنی أمیّة کان ملحوظاً فیه ذلک .

إذ إنّ أدلة الإمامة موجودة فی القرآن والسنّة النبویة، لکنّ القوم أرادوا التغاضی عنها، وکانوا یکرهون سماع ما أنزل الله فی کتابه ودعا إلیه رسولَه .


1- تاریخ الطبری 2 : 578 - حوادث سنة 23 ، الکامل فی التاریخ 2 : 458. وفی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 12 : 53 - 54 توضیحٌ وتفسیرٌ أکثر، فلیراجع .

ص:455

وضع عمر للتثویب حقیقة أم اتّهام

من المعلوم أنّ أهل البیت - والشیعة تبعاً لهم - لم یتّهموا عمر بن الخطاب جزافاً فی وضعه ل- «الصلاة خیر من النوم» فی الأذان ، بل إنّهم نقلوا نصوصَ القوم فی ذلک ، غیر مکتفین بنقل نصٍّ صَدَر فی القرن الثانی الهجری عن مالک بن أنس فی (موطّئه) ، بل أَتَوْا بالنصوص الأخری التی جاء بها الدار قطنی (ت 385ه-) وغیره قال :

حدثنا محمد بن مخلَّد ، ثنا محمد بن إسماعیل الحسّانی ، ثنا وکیع ، عن العَمْری ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر .

ووکیع ، عن سفیان ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر أنّه قال لمؤذّنه : إذا بلغتَ «حیّ علی الفلاح» فی الفجر فقل «الصلاة خیر من النوم، الصلاة خیر من النوم»((1)) .

والذی أخرجه ابن أبی شیبة (ت 235 ه-) فی مصنّفه :

قال : نا عبدة بن سلیمان ، عن هشام بن عروة ، عن رجل یقال له إسماعیل ، قال : جاء المؤذنُ عمرَ بصلاة الصبح ، فقال : «الصلاة خیر من النوم» ، فأُعجب به عمر وقال للمؤذن : أَقِرَّها فی أذانک((2)) .

کلّ هذه النصوص لَتؤکّد علی أنّ الشیعة وعلماءهم لم یکونوا هم الذین اتهموا عمر بوضع «الصلاة خیر من النوم» ، بل المحدِّثون من أبناء العامة - فی القرون


1- سنن الدار قطنی 1 : 243 / ح40 .
2- مصنف ابن أبی شیبة 1 : 189 / ح2159 .

ص:456

الأولی - هم الذین نقلوا لنا هذه النسبة إلی عمر .

وقد حاول بعض أولئک المحدثین والعلماء - بإتیانهم بتلک الأخبار - أن یدافعوا عن عمر ، ولکنّا من خلال مناقشاتهم فیما بینهم نفهم أنّ هذا الاتّهام کان موجوداً بینهم ، وأنّ بعضهم یقبل ورود هذه النسبة فی حقّ عمر وبعضهم الآخر یردها .

قال الخطیب التبریزی (ت741 ه-) فی کتاب (الإکمال فی أسماء الرجال) : ما جاء عنه ] أی عن عمر [ فی إحداثه فی الدین :

وفی الباب أحادیث صحیحة کثیرة ، منها ما رواه مالک فی الصلاة : عن مالک أنّه بلغه أنّ المؤذّن جاء إلی عمر بن الخطاب یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً ، فقال : «الصلاة خیر من النوم»، فأمره عمر أن یجعلها فی نداء الصبح ...

وقد جاء فی کلام أمیرالمؤمنین علیّ بن أبی طالب کرم الله وجهه أنّه قال : قد عَمِلتِ الولاة قبلی أعمالاً خالفوا فیها رسول الله صلی الله علیه و آله متعمّدین لخلافه، ناقضین لعهده، مغیّرین لسنّته((1)) .

أما الإمام القرطبی (ت671ه-) فإنّه أراد أن یردّ ما جاء فی (موطّأ) مالک ، وذلک بعد أن نقل کلام أبی عمرو بن عبد البر (ت463 ه-) ، وما رواه عن ابن أبی شیبة (ت235ه-) ، قال :

فما أعلم أنّ هذا رُویَ عن عمر من جهةٍ یُحتَجّ بها وتُعلم صحتها ، وإنّما فیه حدیث هشام بن عروة عن رجل یقال له إسماعیل لا أعرفه ، قال :


1- الإکمال فی اسماء الرجال : 123 .

ص:457

والتثویب محفوظ معروف فی أذان بلال وأبی محذورة فی صلاة الصبح للنبیّ((1)) .

قلت : هذا أوّل الکلام ، فلیس التثویبُ محفوظاً عن النبیّ ، إذ عرفتَ بأنّ الشافعی شکّک فیما نُسِب إلی أبی محذورة ، وکذّب ما نُسِب إلی بلال ، وأنا لا أرید هنا أن أدخل فی سجال ونقاش مع القرطبی ومَن هو علی شاکلته ، بل أرید أن أُؤکّد للقارئ بأنّ نسبة وضع «الصلاة خیر من النوم» إلی عمر لم یکن من مخترعات الشیعة ، ولا هو ولید العصور المتأخرة علی لسان أعلامنا ، کما یریدون أن یتّهمونا بذلک ، بل إنّها دعوی جرت علی لسان فقهائهم ومحدّثیهم فی العصور الماضیة المتقدّمة .

نعم، إنّ علماء الشیعة - بفِرقها الثلاثة: الإمامیة الاثنی عشریة، والزیدیة، والإسماعیلیة - کانوا یؤکّدون علی ابتداع عمر بن الخطاب للتثویب، وقد مرّت علیک نصوصهم .

کما أکّد أبو القاسم الکوفی (ت 352 ه-) فی کتابه (الاستغاثة فی بِدع الثلاثة) علی أنّ عمر أثبت فی الأذان «الصلاة خیر من النوم» مرّتَین ، فی حین أنّ هذا لم یکن علی عهد رسول الله((2)) .

وفی (نهج الحق) تری تأکید العلامة الحلی (ت 726 ه-) علی زیادة عمر «الصلاة خیر من النوم» بعد موت النبیّ((3)) ، وهکذا الحال بالنسبة إلی کلمات غیرهم


1- الجامع لأحکام القرآن 6 : 228 - 229 .
2- انظر: الاستغاثة: 60.
3- نهج الحق : 351 .

ص:458

من الأعلام .

إذن، فزیادةُ عمر لهذه الجملة فی الأذان أمرٌ مفروغ منه عندنا وعندهم ، والتاریخ والحدیث یساعداننا علی القول به ، وقد أدْلَینا بِدَلْونا وأعطینا بعض أدلتنا ، وهناک قرائن وشواهد أخری نتغاضی عن ذکرها تجنّباً للإطالة ، ولعدم وجود ضرورةٍ لذکرها هنا بعد هذا البحث الطویل.

مدی اعتبار روایة موطّأ مالک

أمّا الکلام حول بلاغات مالک فی (موطّئه) - والتی وصفها بعضهم بالإرسال ، والآخر بالانقطاع ، وثالث بالإعضال - فقد وَصَل ابنُ عبدالبر فی التمهید ما فی المؤطأ من المرسل والمنقطع والمعضل إلّا أربعة أحادیث منها .

ثم جاء بعده ابن الصلاح ووصل الأربعة الباقیة فی جزء خاص .

ولابن الصدّیق الغماری کتاب (البیان والتفصیل لوصل ما فی المؤطّأ من البلاغات والمراسیل) .

وقال الزرقانی فی (شرح الموطأ) بعد أن ذکر بلاغ مالک :

هذا البلاغ أخرجه الدارقطنی فی (السنن) عن طریق وکیع فی (مصنّفه) ، عن العمری ، عن نافع ، عن ابن عمر عن عمر ، وأخرجه أیضاً سفیان ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن عمر ... إلی أن قال : فقَصَّر ابنُ عبدالبر فی قوله : لا أعلم هذا رُویَ

ص:459

عن عمر من وجهٍ یُحتَجّ به وتُعلَم صحته ...((1)) .

وقال فی موضع آخر من شرحه : قال الأئمة : بلاغاتُ مالک صحیحة((2)) .

وفی موضع آخر قال : مراسیل مالک صحیحة عند البخاری((3)) .

ولأخینا المحقّق السیّد محمد رضا الجلالی مقالة قیّمة فی العدد الرابع من السنة الثانیة من مجلة (علوم الحدیث) تحت عنوان (البلاغات من أسالیب الأداء للحدیث الشریف فی التراث الإسلامی) فلتراجع .

کان هذا بعض الشیء عن کیفیة حذفهم لمفردة الأذان الشرعیة «حیّ علی خیر العمل» ، وإبدالها ب- «الصلاة خیر من النوم» .

وفی اعتقادی أنّنا بهذا التحقیق الواسع قد کشفنا الستار عن تحریفهم لهذه المفردة المهمة فی العقیدة والفقه، فأمکننا ذلک أن نضیف تحریفاً جدیداً کان مغفولاً عنه إلی تحریفاتهم الأخری فی الأذان .

فإنّهم لمّا عرفوا مسألة الإمامة وارتباطها بکلّ شیء فی الشریعة ومنها الأذان - الذی هو شعار الإسلام والمسلم من خلاله یبیّن معتقده - سعوا إلی تحریفه إلی ما یریدون.

عمر ودوره فی إبعاد أهل البیت عن الخلافة

ویتأکّد کلامنا فی ارتباط هذه الجملة وأمثالها بالإمامة ، إذا ألقینا نظرة سریعة


1- شرح الزرقانی 1 : 217 .
2- شرح الزرقانی 2 : 283 .
3- شرح الزرقانی 4 : 226 .

ص:460

علی مجریات الأحداث بعد رسول الله، خصوصاً عند مرضه صلی الله علیه و آله ، فإنّه صلی الله علیه و آله قد طلب فی مرضه أن یأتوه بکتف ودواة کی یکتب کتاباً لن یضلوا به بعده ، فحال عمر بن الخطاب دون کتابة ذلک الکتاب وقال : إنّ الرجل لَیَهجُر! أو : إنّ الرجل قد غلَبَه الوجع! وما شابه ذلک ، ثمّ أعقب کلامه ب- «حَسْبُنا کتاب الله!» ، فماذا یعنی عمله هذا وتشکیکه بسلامة عقل الرسول - والعیاذ بالله - والاکتفاء بالکتاب دون السنّة ؟!

نقل الکرمانی فی باب «کتابة العلم من شرحه علی البخاری» عن الخطّابی قوله فی رزیّة الخمیس :

هذا یُتأوَّل علی وجهین : أحدهما : أنّه صلی الله علیه و آله أراد أن یکتب اسم الخلیفة بعده لئلّا یختلف الناس فیتنازعوا فیؤدیّهم ذلک إلی الضلال .

والآخر : أنّه صلی الله علیه و آله قد همّ أن یکتب لهم کتاباً یرتفع معه الاختلاف بعده فی أحکام الدین شفقةً علی أمّته وتخفیفاً عنهم ، فلمّا رأی ...((1)) .

وقال الخفاجی فی «نسیم الریاض فی شرح الشفا للقاضی عیاض» :

«فصل فیما وقع له صلی الله علیه و آله فی مرض موته» ... (فقال بعضهم) هو عمر رضی الله تعالی عنه کما سیأتی (أنّ رسول الله قد غلبه) أی اشتدّ وقوی علیه (الوجع) أی ألم مرضه ، وهذا هو محل الشبهة والسؤال ، لأنّه یقتضی أنّه صلی الله علیه و آله فی حال مرضه قد یصدر عنه ما یخالف الواقع ، وقد تقدم أنّه صلی الله علیه و آله معصوم فی مرضه وصحّته وسائر


1- البخاری بشرح الکرمانی 2 : 127 باب کتابة العلم .

ص:461

أحواله ...

وقیل : إنّه ظهر لعمر رضی الله تعالی عنه أنّ ما أراد کتابتَه ما فیه إرشادهم للأصلح وما لم یجب لانّه صلی الله علیه و آله لم یترک مما یجب تبلیغه شیئاً ، وقد قال تعالی {مَا فَرَّطْنَا فِی الْکِتَابِ مِن شَیْء} . وقیل : أراد کتابة أمور شرعیة علی وجه یرفع الخلاف بینهم ، وقال سفیان : أراد أن یبیّن أمر الخلافة بعده حتّی لا یختلفوا فیها ...((1)) .

وأخیراً نختم الکلام باحتمالین وردا فی کتب الشیعة الإمامیة :

أحدهما فی (إرشاد القلوب) للدیلمی، والآخر فی (الاستغاثة فی بدع الثلاثة) للکوفی.

فقد جاء فی (إرشاد القلوب) عن حُذَیفة بن الیمان فی خبر طویل ، قال: واشتدّت علّة رسول الله صلی الله علیه و آله فدَعَت عائشة صهیباً ، فقالت : امضِ إلی أبی بکر وأعلمه أنّ محمّداً فی حال لا یُرجی ، فهلمّ إلینا أنت وعمر وأبو عبیدة ومَن رأیتم أن یدخل معکم ، ولیکن دخولکم المدینة فی اللیل سرّاً ! فدخل أبوبکر وعمر وأبو عبیدة لیلاً المدینة ، ورسول الله قد ثقل ...

قال : وکان بلال مؤذّن رسول الله صلی الله علیه و آله یؤذّن بالصلاة فی کلّ وقت صلاة ، فإن قَدَر صلی الله علیه و آله علی الخروج تحامل وخرج وصلّی بالناس ، وإن هو لم یقدر علی الخروج أمر علیَّ بن أبی طالب فصلّی بالناس ، وکان علی بن أبی طالب والفضل بن العبّاس لا یزایلانه فی مرضه ذلک .


1- نسیم الریاض فی شرح الشفا 4 : 276 .

ص:462

فلمّا أصبح رسول الله من لیلته تلک التی قَدِم فیها القوم الذین کانوا تحت یدَی أُسامة ، أذّن بلال ، ثمّ أتاه یخبره کعادته ، فوجده قد ثقل ، فمُنع من الدخول إلیه .

فأمرت عائشة صهیباً أن یمضی إلی أبیها فیُعْلمَه أنّ رسول الله قد ثقل ولیس یُطیق النهوض إلی المسجد ، وعلی بن أبی طالب قد شُغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس ، فاخرجْ أنت إلی المسجد فصلِّ بالناس ، فإنّها حالة تُهیِّئُک، وحجّةٌ لک بعد الیوم!

قال : فلم یشعر الناس - وهم فی المسجد ینتظرون رسولَ الله صلی الله علیه و آله أو علیّاً علیه السلام یصلّی بهم کعادته التی عرفوها فی مرضه - إذ دخل أبوبکر المسجد وقال : إنّ رسول الله قد ثقل، وقد أمرنی أن أُصلّیَ بالناس ...

ثمّ نادی الناس بلالاً ، فقال : علی رسلکم رحمکم الله، لأستأذن رسولَ الله فی ذلک . ثمّ أسرع حتّی أتی الباب ... فقال :

إنّ أبابکر دخل المسجد وتقدّم حتّی وقف فی مقام رسول الله ، وزعم أنّ رسول الله أمره بذلک .

فقال [الفضل] : أَوَ لیس أبوبکر مع أُسامة فی الجیش؟! هذا واللهِ هو الشرّ العظیم !!

وأُخبِر رسول الله الخبر ، فقال صلی الله علیه و آله : أقیمونی أقیمونی ، أخرجونی إلی المسجد ، والذی نفسی بیده قد نزلت بالإسلام نازلةٌ وفتنةٌ عظیمة من الفتن !

ثمّ خرج معصوبَ الرأس یتهادی بین علی والفضل بن العباس ، ورِجلاه تجرّان فی الأرض حتّی دخل المسجد ، وأبوبکر قائم فی مقام رسول الله ، وقد

ص:463

طاف به عمر وأبو عبیدة وسالم وصهیب والنفر الذین دخلوا...

وتقدّم رسول الله فجذب أبابکر من ردائه فنحّاه عن المحراب ، وأقبل أبوبکر والنفر الذین کانوا معه فتوارَوا خلف رسول الله صلی الله علیه و آله ، وأقبل الناس فصَلَّوا خلف رسول الله صلی الله علیه و آله وهو جالس ، وبلال یُسمِع الناسَ التکبیرَ حتّی قضیٰ صلاتَه .

ثمّ التفت صلی الله علیه و آله فلم یر أبابکر ، فقال :

«أیّها الناس، ألا تعجبون مِن ابن أبی قحافة وأصحابِه الذین أنفَذْتُهم وجعلتهم تحت یدَی أُسامة ، وأمرتهم بالمسیر إلی الوجه الذی وُجّهوا إلیه ، فخالفوا ذلک ورجعوا إلی المدینة ابتغاء الفتنة ، ألا وإنّ الله قد أرکسهم فیها ... الحدیث ((1)).

وفی (الاستغاثة فی بدع الثلاثة) بعد ذکر الکوفی لروایات أبناء الجمهور فی صلاة أبی بکر وإرجاع النبی إیّاه ، قال :

وأمّا روایة أهل البیت علیهم السلام فی تقدیمه للصلاة ، فإنّهم رووا أنّ بلالاً صار إلی باب رسول الله فنادی : الصلاة ، وکان قد أغمی علی رسول الله صلی الله علیه و آله ورأسه فی حِجر علی علیه السلام ، فقالت عائشة لبلال : مُرِ الناس أن یقدّموا أبابکر لیصلّیَ بهم ، فإنّ رسول الله مشغول بنفسه . فظنّ بلال أنّ ذلک عن رسول الله صلی الله علیه و آله ، فقال للناس : قدّموا أبابکر فیصلّی بکم .

فتقدّم أبوبکر ، فلمّا کبّر أفاق رسول الله صلی الله علیه و آله من غشوته ، فسمع صوته ، فقال علی علیه السلام : ما هذا؟ قالت عائشة : أمرتُ بلالاً یأمر الناس بتقدیم أبی بکر یصلّی


1- إرشاد القلوب للدیلمی 2 : 204 - 206.

ص:464

بهم ، فقال صلی الله علیه و آله : أسندونی ، أما إنّکُنَّ کصُوَیحبات یوسف ... فجاء صلی الله علیه و آله إلی المحراب بین الفضل وعلی ، وأقام أبابکر خلفه ((1)).

فهذه النصوص لو جُمِعَ بعضها إلی بعض لأوصَلَتِ القارئ معنا إلی أنّ النهج الحاکم کان یرید رسم أُصوله علی ضوء الثوابت، وقد عرفتَ بأنّ عمر بن الخطاب غیّر الحیعلة الثالثة ب- «الصلاة خیر من النوم» لأهداف سیاسیة لم یَبُح بها، فظلّت فی مکنون نفسه ، لکنّها واضحة للباحث اللبیب ، یقف علیها من خلال تعرّفه علی تسلسل حلقات القضیة الموجودة بین ثنایا التراث الإسلامی - للسُّنّة وللشیعة - ووحدة الحدث من قبل عمر بن الخطاب رفعاً ووضعاً ، کما تعرّفه النتیجة المرجوة من ذلک .

فأَتباعُ عمر بن الخطاب - ولحدّ هذا الیوم - یعتقدون بأن صلاة أبی بکر هی خیر من نوم علیّ ، وأنّ فضیلة الغار ترجح علی فضیلة المبیت علی فراش رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلا یستبعد أن یکون هذا الفهم کان مستمدّاً من الاستدلالات التی استدل بها عمر بن الخطاب فی السقیفة وبعدها ، لأنّ هذین الاستدلالین کانا استدلالَیْ عمر بن الخطاب علی الأنصار ، أی أنّ عمر صرّح بما کان یرید أن یستدل به یوم السقیفة ، فلا یُستبعَد أن یکونا هما أیضاً فی قرارة نفسه عندما أمر مؤذنه ب- «الصلاة خیر من النوم» ، ویتأکد هذا الأمر حینما نقف علی استهجان بعض أبناء الجمهور لهذه الجملة الباهتة - قبل الشیعة - وتشکیکهم فی معنی خیریة (الصلاة) علی (النوم) إن لم یُؤخذ المعنی بالوجه الذی قلناه .


1- الاستغاثة فی بدع الثلاثة : 117.

ص:465

أجل، إنّ القوم حیث لم یکن لهم نصّ فی الإمامة کما تنقله الشیعة لعلیّ فی یوم الغدیر ، أرادوا أن یؤسسوا نصاً علی خلافة أبی بکر ، فنقلوا ما جاء علی لسان عمر بن الخطاب فی خلافة أبی بکر - زُوراً وبهتاناً وکذباً وافتراءً - علی لسان الإمام علیّ علیه السلام کی یحکّموا حکومة أبی بکر أکثر ممّا هم علیه ، وهذا ما یفعلونه کثیراً فی بحوثهم .

متناسین أنّ تحریفهم هذا سیهدّم بنیانهم ، وذلک لعدم توافق النهجین فی کثیر من الأمور ، ولوقوف الباحث المحقّق - قبل ذلک - علی تحریفاتهم الکثیرة فی الشریعة والتاریخ ، إذ کیف یصحّ القول المدّعی وأمثاله من الأقوال الموضوعة علی أمیر المؤمنین علی وهو القائل : «أما والله لقد تقَمَّصَها ابنُ أبی قحافة ...» إلی غیرها من کلماته الدالة علی سخطه وإدانته لأبی بکر فی أکثر من قضیة ، وإلیک تلک الأخبار الموضوعة علی لسان الإمام علیّ علیه السلام .

بعض ما استُدلّ به علی خلافة أبی بکر

فعن الحسن البصری قال: قال علیّ: لمّا قُبض رسول الله نظرنا فی أمرنا فوجدنا النبیّ قد قدّم أبا بکر فی الصلاة، فرَضِینا لدنیانا مَن رضیَ به رسول الله لدیننا، فقدَّمْنا أبابکر((1)).

وعن أنس قال : قال علیّ : مرض رسول الله فأمر أبا بکر بالصلاة وهو یری مکانی ، فلمّا قُبِضَ اختار المسلمون لدنیاهم مَن رَضِیَه رسول الله لدینهم، فولَّوا أبا


1- أنساب الأشراف 2 : 231 .

ص:466

بکر ، وکان واللهِ لها أهلاً! وماذا کان یؤخّره عن مقامٍ أقامه رسول الله فیه((1)) .

بهذه النصوص الموضوعة عن لسان أمیر المؤمنین علیه السلام ، والتی تدعم نُقُول عمر السابقة، أرادوا ترسیخ خلافة أبی بکر ، فی حین أنّ أدلة الجمهور علی أفضلیة أبی بکر لا تختص بصلاته أیام مرض رسول الله ، بل هناک فضائل أخری یذکرونها له ، کقصة الغار التی استدلّ بها عمر بن الخطاب علی الأنصار - والذی مرّ علیک قبل قلیل نصّه - فلو جمعنا ذاک مع قوله الآخر عن إمامته فی الصلاة - والذی رواه ابن مسعود - کما فی (الطبقات) و(أنساب الأشراف) - وأنّ عمر بن الخطاب قال للأنصار :

یا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أنّ رسول الله أمر أبا بکر أن یصلّی بالناس؟ قالوا : بلی ، قال : فأیّکم تطیب نفسه أن یتقدم أبا بکر ، قالوا : نعوذ بالله أن نتقدم أبابکر .

لأمکننا القول بأنّ إبدال عمر الحیعلة الثالثة ب- «الصلاة خیر من النوم» یعنی ربط القوم أوّل الادّعاء بآخره ، والقول بأنّ صلاة أبی بکر ؛ والتی اعتُبِرت دلیلاً علی إمامته بأَخرة ، خیر من نوم علیّ علی فراش رسول الله والذی کان فی أول الدعوة ، أی أنّهم أرادوا أن یربطوا دلیلهم المتأخّر بأوّل فضیلة لأبی بکر فی أوّل الدعوة ! وذلک للتقارب الزمانی بین الحدثین - المبیت والغار - وارتباطهما بأبی بکر وعلی .

فواقعة الغار یسبقها النوم علی فراش رسول الله من قبل الإمام علی .

وقضیة صلاة أبی بکر تسبقها رزیة یوم الخمیس ، والتی أراد النبیّ أن ینصّ


1- انساب الأشراف 2 : 233 - 234 .

ص:467

فیها علی إمامة الإمام علیّ ، وقد تقدم أن عمر عرف ذلک فقال : «أن الرجل لیهجر حسبنا کتاب الله» .

وهذا التقدیم والتأخیر یلفت انتباهنا إلی قضیة مهمّة فی التشریع ، ألا وهی سبق کلّ تحریف بشیء صحیح وثابت فی الشرع ، أی أنّهم حیث لا یمکنهم رد الأصیل یلجؤون إلی قبوله ، ثم الادّعاء بأنّه منسوخ أو مُعارَض ، أو له وجه آخر أو ... ، وهذا کثیراً ما نراه فی المسائل الخلافیة بین الشیعة والسنة . کالمسح علی الأقدام ((1))، والتکبیر علی الجنازة أربعاً ((2))، ونکاح المتعة ((3))، وفسخ الحجّ إلی عمرة((4)) ، وعدم الوضوء من مس الفرج ((5)).

وخلاصة الکلام:

إنّ التثویب سواء کان منشائه قول رجل علی عهد أبی بکر ، أو أنّه قول عمر لمؤذّنه ، أو أنّه قول المؤذّن علی عهد عمر ، أو أنّه قول فلان وفلان فهو یجوز ترکه - علی ضوء جمیع المذاهب الأربعة - لأنّه لیس برکن ولا شرط فی الأذان ویتأکّد ذلک لو عرفنا بأنّه کان یقال فی الأذان الأوّل قبل الفجر للتنبیه والإشعار لا علی أنّه من فصول الأذان .


1- الإحکام لابن حزم 4 : 510، اختلاف الحدیث: 485، عون المعبود 1 : 119 عن الطحاوی وابن حزم.
2- شرح النووی علی صحیح مسلم 7 : 26.
3- فتح الباری 12 : 334، جواهر العقود 2 : 22.
4- فتح الباری 3 : 432.
5- انظر المحلی 1 : 238 - 239 طبعة دار الفکر.

ص:468

قال الرافعی (ت 623 ه-) فی «فتح العزیز» عن الترجیع أنّه مستحب ولو ترکه لم یضرّ کالتثویب((1)).

ثمّ قال: ... ثمّ المشهور فی التثویب القطع بأنّه لیس برکن فی الأذان((2)).

وقال النووی فی المجموع: فعلی هذا هو سنّة لو ترکه صحّ الأذان وفاته الفضیلة هکذا قطع به الأصحاب((3)).

انتهی ما أردنا بیانه بهذا الصدد.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین


1- المجموع 3 : 68.
2- المجموع 3 : 172.
3- المجموع 3 : 92.

ص:469

ثبت المصادر

بعد القرآن الکریم

1 - الآحاد والمثانی : للشیبانی أبی بکر ، أحمد بن عمرو بن الضحاک (ت 287 ه-) ، تحقیق : د . باسم فیصل أحمد الجوابرة ، دار الرایة ، الطبعة الأولی - الریاض 1411 ه- - 1991 م .

2 - الأحادیث المختارة : للمقدسی ، محمد بن عبدالواحد بن محمد الحنبلی (ت 643 ه-) ، تحقیق : عبدالملک بن عبدالله بن دهیش ، مکتبة النهضة ، الطبعة الاولی - مکة المکرمة 1410 ه- .

3 - الاحتجاج علی أهل اللجاج : للطبرسی ، أحمد بن علی بن أبی طالب (من اعلام القرن السادس الهجری) ، تحقیق : محمد باقر الخرسان ، مؤسسة الأعلمی ، الطبعة الثانیة - لبنان 1403 ه- .

4 - الإحکام فی أصول الأحکام : لابن حزم الأندلسی ، علی بن أحمد بن حزم (ت 456 ه-) ، دار الحدیث ، الطبعة الأولی - القاهرة 1404 ه- .

5 - الأحکام فی الحلال والحرام : لیحیی بن الحسین بن القاسم بن إبراهیم الزیدی (ت 298 ه-) ، تحقیق وتجمیع : أبو الحسن علی بن أحمد بن أبی حریصة ، الطبعة الأولی 1410 ه- - 1990 م .

ص:470

6 - أحکام القرآن : للجصاص ، أحمد بن علی الرازی (ت 370 ه-) ، تحقیق : محمد الصادق قمحاوی . دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1405 ه- .

7 - أخبار مکة فی قدیم الدهر وحدیثه : للفاکهی ، أبی عبدالله ، عبدالله ، محمد بن إسحاق بن العباس ، (من أعلام القرن الثالث للهجرة) ، تحقیق : د . عبدالملک عبدالله دهیش ، دار خضر ، الطبعة الثانیة - بیروت 1414 ه- .

8 - أخبار مکة وما جاء فیها من الأثار : للازرقی ، محمد بن عبدالله بن أحمد (ت 244 ه-) ، تحقیق : رشدی الصالح ملحس ، دار الأندلس للنشر - بیروت 1416 ه- - 1996 م .

9 - اختلاف الحدیث : للشافعی ، محمد بن إدریس أبی عبدالله ، تحقیق : عامر أحمد حیدر ، مؤسسة الکتب الثقافیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1405 ه- - 1985 م .

10 - أسد الغابة فی معرفة الصحابة : لابن الأثیر ، بی الحسن علی بن أبی الکرم الشیبانی (ت 630 ه-) ، نشر : اسماعیلیان - طهران ، بالاوفسیت عن دار الکتاب العربی - لبنان

11 - الأذان بحی علی خیر العمل : للعلوی أبی عبدالله ، محمد بن علی بن الحسن (ت 445 ه-) ، تحقیق : محمد یحیی سالم عزان ، مرکز للدراسات والبحوث ، الطبعة الثانیة - الیمن 1416 ه- . وطبعة ثانیة : بتحقیق : یحیی عبدالکریم الفضیل ، المکتبة الوطنیة ، الطبعة الثانیة 1399 ه- .

12 - الاستبصار فیما اختلاف من الأخبار : للطوسی ، محمد بن الحسن (ت 460 ه-) ، تحقیق : السید حسن الخرسان ، دار الکتب الإسلامیة ، الطبعة

ص:471

الرابعة ، طهران 1390 ه- .

13 - الاستغاثة فی بدع الثلاثة : للکوفی ، أبی القاسم ، علی بن أحمد بن موسی (ت 352 ه-) .

14 - الاستیعاب فی معرفة الأصحاب : لابن عبدالبر ، یوسف بن عبدالله بن محمد (ت 463 ه-) ، تحقیق : علی محمد البجاوی ، دار الجیل ، الطبعة الأولی - بیروت 1412 ه- .

15 - الإمامة والسیاسة : لابن قتیبة ، أبی محمد ، عبدالله بن مسلم الدینوری (ت 276 ه-) ، تحقیق : طه محمد الزینی ، نظر : مؤسسة الحلبی وشرکاه .

16 - الاعتصام بحبل الله المتین : للقاسم بن محمد ، الإمام الزیدی (ت 1029 ه-) ، مطابع الجمعیة الملکیة - الأردن 1403 ه- .

17 - الإکمال = الإکمال فی رفع الارتیاب عن المؤتلف والمختلف فی الأسماء والکنی : لابن ماکولا ، علی بن هبة الله بن أبی نصر (ت 475 ه-) دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1411 ه- .

18 - الإکمال فی أسماء الرجال : للخطیب التبریزی ، ولی الدین أبی عبدالله محمد بن عبدالله (ت 741 ه-) ، تحقیق : أبی أسد الله بن الحافظ محمد عبدالله الأنصاری ، مؤسسة أهل البیت علیهم السلام - قم .

19 - امالی الإمام أحمد بن عیسی بن بابویة القمی ، (ت 381 ه-) ، تحقیق : قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة ، نشر مؤسسة البعثة ، الطبعة الأولی - قم 1417 ه- .

20 - الأمالی : للصدوق ، محمد بن علی بن الحسین بن بابویة القمی ، (ت

ص:472

381 ه-) ، تحقیق : قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة ، نشر مؤسسة البعثة ، الطبعة الاولی - قم 1417 ه- .

21 - الأمالی : للطوسی ، محمد بن الحسن ، أبی جعفر (ت 460 ه-) ، تحقیق : قسم الدراسات الإسلامیة ، نشر مؤسسة البعثة ، الطبعة الأولی - قم 1414 ه- .

22 - الانتصار : للشریف المرتضی ، علی بن الحسین الموسوی البغدادی (ت 436 ه-) ، تحقیق : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1415 ه- .

23 - انساب الأشراف : للبلاذری ، أحمد بن یحیی بن جابر البلاذری (ت 279 ه-) ، تحقیق : د . سهیل زکار / د . ریاض زرکلی ، دار الفکر ، الطبعة الأولی ، بیروت 1417 ه- - 1996 م .

24 - بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار : للمجلسی ، الشیخ محمد باقر (ت 1111 ه-) ، مؤسسة الوفاء ، الطبعة الثانیة - بیروت 1403 ه- .

25 - البحر الرائق شرح کنز الدقائق : لابن نجیم المصری ، زین الدین بن إبراهیم بن محمد الحنفی (ت 970 ه-) ، دار المعرفة ، الطبعة الثانیة - بیروت .

26 - البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الأمصار : لاحمد ، بن یحیی المرتضی (ت 840 ه-) ، طبع سنة 1316 ه- .

27 - بدایة المجتهد ونهایة المقتصد : لابن رشد ، محمد بن أحمد بن محمد القرطبی ، (ت 595 ه-) ، دار الفکر - بیروت .

28 - البدایة والنهایة : لابن کثیر ، إسماعیل بن عمر بن کثیر القرشی (ت 774 ه-) ، مکتبة المعارف - بیروت .

29 - بصائر الدرجات فی فضائل آل محمد : للصفار ، محمد بن الحسن بن

ص:473

فروخ القمی (ت 290 ه-) ، الحاج میرزا حسن کوجه باغی ، منشورات الأعلمی 1404 ه- - طهران .

30 - بغیة الباحث عن زوائد مسند الحارث = زوائد الهیثمی : للهیثمی ، علی بن أبی بکر (ت 807 ه-) ، تحقیق : د . حسین أحمد صالح الباکری ، مرکز خدمة السنة والسیرة النبویة ، الطبعة الأولی - المدینة المنورة 1413 ه- .

31 - التبصرة فی اصول الفقه : لإبراهیم الشیرازی ، إبراهیم بن علی بن یوسف الفیروزآبادی الشیرازی (ت 476 ه-) ، تحقیق : د . محمد حسن هیتو ، الطبعة الاولی ، دار الفکر - دمشق 1403 ه- .

32 - التحفة اللطیفة فی تاریخ المدینة الشریفة : للسخاوی ، أبی الخیر ، محمد شمس الدین (ت 902 ه-) ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الاولی - بیروت 1414 ه- - 1993 م .

33 - تاریخ الإسلام : للذهبی ، شمس الدین محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه-) ، تحقیق : د . عمر عبدالسلام تدمری ، دار الکتاب العربی ، الطبعة الأولی - بیروت 1407 ه- - 1987 م .

34 - تاریخ بغداد : للخطیب البغدادی ، أبی بکر، أحمد بن علی (ت 463 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت .

35 - تاریخ الخلفاء : للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) ، تحقیق : محمد محی الدین عبدالحمید ، مطبعة السعادة - مصر 1371 ه- - 1952 م .

36 - تاریخ المذاهب الإسلامیة فی السیاسة والعقائد : لمحمد أبی زهرة ، دار الفکر العربی 1989 م .

ص:474

37 - تاریخ دمشق : لابن عساکر ، أبی القاسم ، علی بن الحسن بن هبة الله بن عبدالله الشافعی (ت 571 ه-) ، تحقیق : محب الدین أبی سعید عمر بن غرامة العمری ، دار الفکر - بیروت 1995 م .

38 - تاریخ الیعقوبی : أحمد بن أبی یعقوب بن جعفر بن واضح (ت 284 ه-) ، دار صادر - بیروت .

39 - تخریج الأحادیث والآثار الواقعة فی تفسیر الکشاف للزمخشری : للزیعلی ، جمال الدین عبدالله بن یوسف بن محمد (ت 762 ه-) ، تحقیق : عبدالله بن عبدالرحمن السعد ، دار ابن خزیمة ، الطبعة الأولی - الریاض 1414 ه- .

40 - تحریر الأفکار : للحوثی ، السیّد بدر الدین ، تحقیق : السید جعفر الحسینی ، بالتعاون مع رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامیة ، المجمع العالمی لأهل البیت علیهم السلام الطبعة الأولی - قم 1417 ه- - 1997 م .

41 - تشیید المطاعن لکشف الضغائن : للکنتوری ، السید محمد قلی الموسوی الکهنوی (ت 1260 ه-) ، تحقیق : برات علی سخی داد / میر أحمد غزنوی / غلام نبی بامیانی .

42 - تعلیقة الوحید البهبهانی علی کتاب منهج المقال للاسترآبادی (المطبوع فی أوله) : للبهبهانی ، المولی محمد باقر الوحید البهبهانی (ت 1205 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث ، الطبعة الأولی - قم 1422 ه- .

43 - تفسیر الثعلبی = الکشف والبیان فی تفسیر القرآن : للثعلبی ، أبی إسحاق ، أحمد بن محمد بن إبراهیم النیسابوری (ت 427 ه-) ، تحقیق : أبی محمد بن عاشور / نظیر الساعدی ، دار احیاء التراث العربی ، الطبعة الأولی ، بیروت

ص:475

1422 ه- .

44 - تفسیر الطبری = جامع البیان عن تأویل آی القرآن : للطبری ، محمد بن جریر بن یزید بن خالد ت 310 ه-) ، دار الفکر - بیروت 1405 ه- .

45 - تفسیر العیاشی : للعیاشی ، محمد بن مسعود السلمی (ت 320 ه-) ، تحقیق : السیّد هاشم المحلاتی ، المکتبة العلمیة الإسلامیة - طهران .

46 - تفسیر القرطبی = الجامع لاحکام القرآن : لأبی عبدالله القرطبی ، محمد بن أحمد الأنصاری (ت 671 ه-) ، دار الشعب - القاهرة .

47 - تفسیر القمی : للقمی ، أبی الحسن ، علی بن إبراهیم (من اعلام القرنین الثالث والرابع الهجری) ، تحقیق : السید طیب الموسوی الجزائری ، دار الکتاب للطباعة والنشر ، الطبعة الثالثة - قم 1404 ه- .

48 - التفسیر الکبیر = مفتاح الغیب : للفخرالرازی ، محمد بن عمر التمیمی الشافعی (ت 606 ه-) ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1421 ه- - 2000 م .

49 - تفسیر النیسابوری = تفسیر غرائب القرآن ورغائب الفرقان : للنیسابوری ، لنظام الدین الحسن بن محمد بن حسین القمی (ت 728 ه-) ، تحقیق : زکریا عمیرات ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1416 ه- - 1996 م .

50 - تقیید العلم : للخطیب البغدادی ، أحمد بن علی (ت 463 ه-) ، دار إحیاء السنة النبویة .

51 - تمام المنة فی التعلیق علی فقه السنة : للالبانی ، محمد ناصر الدین ، دار

ص:476

الرایة - الریاض ، المکتبة الإسلامیة ، الطبعة الثانیة - عمان 1409 ه- .

52 - التمهید لما فی الموطأ من المعانی والأسانید : لابن عبدالبر ، أبی عمر ، یوسف بن عبدالله بن عبدالبر النمری (ت 463 ه-) ، تحقیق : مصطفی بن أحمد العلوی ، محمد عبدالکبیر البکری ، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامیة - المغرب 1387 ه- .

53 - تنزیه الشریعة المرفوعة عن الأخبار الشنیعة الموضوعة : لابن عراق ، علی بن محمد بن علی بن عراق الکنانی أبو الحسن (ت 963 ه-) ، تحقیق : عبدالوهاب عبداللطیف ، عبدالله محمد الصدیق الغماری ، دار الکتب العلمیة، الطبعة الأولی - بیروت 1399 ه- .

54 - التوحید : للصدوق ، أبی جعفر ، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : السید هاشم الحسینی الطهرانی ، ط جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم - إیران .

55 - توضیح الأفکار لمعانی تنقیح الأنظار : للصنعانی ، محمد بن إسماعیل الأمیر الحسنی الصنعانی (ت 1182 ه-) ، تحقیق : محمد محی الدین عبدالحمید ، المکتبة السلفیة - المدینة المنورة .

56 - تهذیب الأسماء واللغات : للنووی ، محی الدین بن شرف (ت 676 ه-) ، تحقیق : مکتب البحوث والدراسات ، دار الفکر ، الطبعة الأولی ، بیروت - 1996 م .

57 - تهذیب الکمال : للمزی ، یوسف بن الزکی عبدالرحمن أبو الحجاج (ت 720 ه-) ، تحقیق : د . بشار عواد معروف ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولی ،

ص:477

بیروت 1400 ه- - 1980 م .

58 - جواهر العقود ومعین القضاة والموقعین والشهود : للأسیوطی ، شمس الدین ، محمد بن أحمد المنهاجی الأسیوطی (القرن التاسع الهجری) ، تحقیق : مسعد عبدالحمید ، دار الکتب العلمیة - بیروت .

59 - جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام : للنجعفی ، الشیخ محمد حسن (ت 1266 ه-) ، تحقیق : الشیخ عباس القوجانی ، الشیخ علی الآخوندی ، دار الکتب الإسلامیة ، الطبعة الأولی - طهران 1392 ه- .

60 - الجوهر النقی / المطبوع فی ذیل سنن البیهقی : للماردینی ، علاء الدین بن علی بن عثمان ، الشهیر «بابن الترکمانی» (ت 745 ه-) ، دار المعرفة - بیروت .

61 - حاشیة الطحطاوی علی مراقی الفلاح : للطحطاوی ، أحمد بن محمد بن إسماعیل الحنفی (ت 1231 ه-) ، المطبعة الکبری الأمیریة ببولاق ، الطبعة الثالثة - مصر 1318 ه- .

62 - حلیة العلماء فی معرفة مذاهب الفقهاء : للشاشی ، سیف الدین ، أبی بکر ، محمد بن أحمد الشاشی القفال (ت 507 ه-) ، تحقیق : د . یاسین أحمد إبراهیم درادکة ، مؤسسة الرسالة / دار الأرقم ، الطبعة الأولی - بیروت / عمان 1980 م .

63 - حی علی خیر العمل : لمحمد سالم عزان ، مطبعة المفضل للأوفست ، الطبعة الأولی - الیمن 1419 ه- - 1999 م .

64 - خصائص النسائی = خصائص أمیر المؤمنین : للنسائی ، أبی عبدالرحمان ، أحمد بن شعیب الشافعی (ت 303 ه-) ، تحقیق : محمد هادی الأمینی ، مکتبة نینوی الحدیثة - طهران - إیران .

ص:478

65 - الخصال : للصدوق ، أبی جعفر ، محمد بن علی بن الحسین بن بابویة القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : علی أکبر غفاری ، جماعة المدرسین ، الطبعة الأولی - قم 1403 ه- .

66 - الدر المنثور : للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن بن الکمال (ت 911 ه-) ، دار الفکر - بیروت - 1993 م .

67 - دعائم الإسلام : للقاضی النعمانی المغربی ، النعمان بن محمد بن منصور بن حیون التمیمی (ت 363 ه-) ، تحقیق : آصف بن علی ، دار المعرفة القاهرة 1383 ه- .

68 - دفع الشبه عن الرسول صلی الله علیه و آله : للحصنی الدمشقی ، أبی بکر بن محمد بن عبدالمؤمن (ت 829 ه-) ، تحقیق : جماعة من العلماء ، دار احیاء الکتاب العربی ، الطبعة الثانیة - القاهرة 1418 ه- .

69 - ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی : لمحب الدین الطبری ، أحمد بن عبدالله (ت 694 ه-) ، دار الکتب المصریة - مصر .

70 - الذریة الطاهرة النبویة : للدولابی ، محمد بن أحمد (ت 310 ه-) ، تحقیق : سعد المبارک الحسن ، الدار السلفیة ، الطبعة الأولی - الکویت 1407 ه- .

71 - ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة : للشهید الأول ، محمد بن جمال الدین مکی العاملی (ت 786 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1419 ه- ، الطبعة الأولی .

72 - ریاض الصالحین من کلام سید المرسلین : للنووی ، أبی زکریا ، یحیی بن شرف (ت 676 ه-) ، دار الفکر ، الطبعة الثالثة - بیروت 1421 ه- - 2000 م .

ص:479

73 - الریاض النضرة فی مناقب العشرة : للطبری ، أبی جعفر ، أحمد بن عبدالله بن محمد (ت 694 ه-) ، تحقیق : عیسی عبدالله محمد مانع الحمیری ، دار الغرب الإسلامی ، الطبعة الأولی - بیروت 1996 م .

74 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحکام : للأمیر الصنعانی ، محمد بن إسماعیل الصنعانی الأمیر (1182 ه-) ، تحقیق : محمد عبدالعزیز الخولی ، دار إحیاء التراث العربی ، الطبعة الرابعة - بیروت 1379 ه- .

75 - سبل الهدی والرشاد : للصالحی الشامی ، محمد بن یوسف (ت 942 ه-) ، تحقیق وتعلیق : الشیخ عادل أحمد عبدالموجود / الشیخ علی محمد معوض ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1414 ه- - 1993 م .

76 - سر العالمین وکشف ما فی الدارین : للغزالی ، أبی حامد محمد بن محمد الغزالی (ت505 ه-) ، تحقیق : محمد حسن محمد حسن إسماعیل وأحمد فرید المزیدی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1424 ه- - 2003 م .

77 - سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی : للعاصمی ، عبدالملک بن حسین بن عبدالملک الشافعی المکی (ت 1111 ه-) ، تحقیق : عادل أحمد عبدالموجود / علی محمد معوض ، دار الکتب العلمیة - بیروت 141 ه- - 1998 م .

78 - السنة : لابن أبی عاصم ، عمرو بن أبی عاصم الضحاک الشیبانی (ت 287 ه-) ، تحقیق : محمد ناصر الدین الألبانی ، المکتب الإسلامی ، الطبعة الأولی - بیروت 1400 ه- .

79 - سنن ابن ماجة : لأبی عبدالله القزوینی ، محمد بن یزید (ت 275 ه-) ،

ص:480

تحقیق : محمد فؤاد عبدالباقی ، دار الفکر - بیروت .

80 - السنن الکبری : للبیهقی ، أبی بکر ، أحمد بن الحسین بن علی بن موسی (ت 458 ه-) ، تحقیق : محمد عبدالقادر عطا ، مکتبة دار الباز - مکة 1414 ه- - 1994 م .

81 - سنن الترمذی = الجامع الصحیح : للترمذی ، أبی عیسی ، محمد بن عیسی بن سورة (ت 279 ه-) ، تحقیق : أحمد محمد شاکر وآخرون ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1357 ه- .

82 - سنن الدارقطنی : للدارقطنی ، أبی الحسن ، علی بن عمر البغدادی (ت 385 ه-) ، تحقیق : السید عبدالله هاشم یمانی المدنی ، دار المعرفة - بیروت 1386 ه- - 1966 م .

83 - سنن الدارمی : للدارمی ، أبی محمد ، بن عبدالرحمن (ت 255 ه-) ، تحقیق : فواز أحمد زمرلی ، خالد السبع العلمی ، دار الکتاب العربی ، الطبعة الأولی - بیروت 1407 ه- .

84 - السنن الکبری للنسائی : للنسائی ، أبی عبدالرحمان ، أحمد بن شعیب (ت 303 ه-) ، تحقیق : د . عبدالغفار سلیمان البنداری / سید کسروی حسن ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1411 ه- - 1991 م .

85 - سنن النسائی = المجتبی من السنن : للنسائی ، أبی عبدالرحمن أحمد بن شعیب (ت 303 ه-) ، تحقیق : عبدالفتاح أبو غدة ، مکتب المطبوعات الإسلامیة ، الطبعة الثانیة - حلب 1406 ه- - 1986 م .

86 - سیر اعلام النبلاء : للذهبی ، محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز (ت 748

ص:481

ه-) ، تحقیق : شعیب الأرناؤوط / محمد نعیم العرقسوسی ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة التاسعة - بیروت 1413 ه- .

87 - السیرة الحلبیة فی سیرة الأمین المأمون : للحلبی ، علی بن برهان الدین الحلبی (ت 1044 ه-) ، دار المعرفة - بیروت 1400 ه- .

88 - شرح الأخبار فی فضائل الأئمّة الأطهار : للقاضی النعمان المغربی ، أبی حنیفة النعمان بن محمد التمیمی (ت 363 ه-) ، تحقیق : السیّد محمد الحسینی الجلالی ، مؤسسة النشر الإسلامی ، الطبعة الثانیة - قم 1414 ه- .

89 - شرح الأزهار : لأحمد المرتضی (ت 840 ه-) مکتبة غمضان ، صنعاء الیمن .

90 - شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الکتاب والسنة وإجماع الصحابة : للالکائی ، أبی القاسم ، هبة الله بن الحسن بن منصور (ت 418 ه-) ، تحقیق : د . أحمد سعد حمدان ، دار طیبة - الریاض 1402 ه- .

91 - شرح صحیح البخاری : للکرمانی ، شمس الدین ، محمد بن یوسف بن علی (ت 786 ه-) ، دار احیاء التراث العربی ، الطبعة الثانیة - بیروت 1401 ه- .

92 - شرح المقاصد فی علم الکلام : للتفتازانی ، سعد الدین ، مسعود بن عمر بن عبدالله (ت 793 ه-) ، دار المعارف النعمانیة - باکستان ، الطبعة الأول 1401 ه- - 1981 م .

93 - شرح النووی علی صحیح مسلم : للنووی ، أبی زکریا ، یحیی بن شرف بن مری (ت 676 ه-) ، دار إحیاء التراث العربی ، الطبعة الثانیة - بیروت 1392 ه- .

ص:482

94 - شرح نهج البلاغة : لابن أبی الحدید ، عز الدین بن هبة الله بن محمد (ت 656 ه-) ، تحقیق : محمد أبو الفضل إبراهیم ، دار احیاء الکتب العربیة ، الطبعة الأولی - 1378 ه- .

95 - شواهد التنزیل لقواعد التفضیل : للحاکم الحسکانی ، عبیدالله بن عبدالله بن أحمد (من أعلام القرن الخامس ، تحقیق : الشیخ محمد باقر المحمودی ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الإسلامی ، الطبعة الأولی - طهران 1411 ه- .

96 - الصارم المنکی فی الرد علی السبکی : لابن قدامة المقدسی ، محمد بن عبدالهادی أبو عبدالله الدمشقی (ت 744 ه-) ، تحقیق : إسماعیل بن محمد الأنصاری ، مکتبة التوعیة الإسلامیة - القاهرة .

97 - صحیح البخاری : للبخاری ، أبی عبدالله ، محمد بن إسماعیل الجعفی (ت 256 ه-) ، تحقیق : د . مصطفد دیب البغا ، دار ابن کثیر ، الیمامة ، الطبعة الثالثة ، بیروت 1407 ه- - 1987 م .

98 - صحیح مسلم : للقشیری النیسابوری ، أبی الحسین ، مسلم بن الحجاج (ت 261 ه-) ، تحقیق : محمد فؤاد عبدالباقی ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت .

99 - الصواعق المحرقة : لابن حجر الهیثمی ، أبی العباس أحمد بن محمد بن علی (ت 973 ه-) ، تحقیق : عبدالرحمن بن عبدالله الترکی / کامل محمد الخراط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولی - لبنان 1417 ه- - 1997 م .

100 - ضیاء ذوی الأبصار (مخطوط) :

101 - الطبقات الکبری لابن سعد : محمد بن سعد بن منیع البصری الزهری

ص:483

(ت 230 ه-) ، دار صادر - بیروت .

102 - العقیدة فی أهل البیت بین الافراط والتفریط : للدکتور سلیمان بن سالم السحیمی ، دار اضواء السلف الریاحی ، الطبعة الأولی 1425 ه- - 2004 م .

103 - علل الشرائع : للصدوق ، أبی جعفر ، محمد بن علی بن الحسین بن بابویة القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : السیّد محمد صادق بحر العلوم ، المکتبة الحیدریة - النجف الأشرف 1385 ه- .

104 - العمدة = عمدة عیون صحاح الأخبار فی مناقب امام الابرار : لابن البطریق ، یحیی بن الحسن الأسدی (ت 600 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1407 ه- .

105 - عمدة القارئ شرح صحیح البخاری : للعینی ، بدر الدین محمود بن أحمد (ت 855 ه-) ، دار إحیاء التراث العربی بیروت .

106 - عوالی اللئالی العزیزیة فی الأحادیث الدینیة : لابن أبی جمهور الاحسائی ، محمد بن علی بن إبراهیم (ت 895 ه-) ، تحقیق : الحاج آقا مجتبی العراقی ، مطبعة سید الشهداء ، الطبعة الأولی - قم 1403 ه- .

107 - عون المعبود شرح سنن أبی داود : للعظیم آبادی ، أبی الطیب ، محمد شمس الحق (ت 1329 ه-) ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الثانیة - بیروت 1995 م .

108 - عیون الأخبار : للدینوری ، عبدالله بن مسلم بن قتیبة (ت 276 ه-) ، تحقیق : د . یوسف الطویل ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الثالثة - بیروت 1424 ه- - 2003 م .

ص:484

109 - الغدیر فی الکتاب والسنة والأدب : للامینی ، عبدالحسین بن أحمد (ت 1392 ه-) ، دار الکتاب العربی ، الطبعة الرابعة - بیروت 1397 ه- .

110 - فتح الباری شرح صحیح البخاری : للعسقلانی ، أحمد بن علی بن حجر (ت 852 ه-) ، تحقیق : محب الدین الخطیب ، دار المعرفة - بیروت .

111 - فتح العزیز = الشرح الکبیر : للرافعی ، عبدالکریم (ت 623 ه-) ، نشر دار الفکر .

112 - الفردوس بمأثور الخطاب : للدیلمی ، أبی شجاع شیرویه بن شهردار بن شیرویه الهمذانی ، الملقب : ب (إلکیا) (ت 509 ه-) ، تحقیق : السعید بن بسیونی زغلول ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1406 ه- - 1986 م .

113 - فضائل الصحابة : لأحمد بن حنبل الشیبانی (ت 341 ه-) ، تحقیق : د . وصی الله محمد عباس ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولی - بیروت 1403 ه- - 1983 م .

114 - فیض القدیر شرح الجامع الصغیر : للمناوی ، عبدالرؤوف محمد بن علی الشافعی (ت 1031 ه-) ، المکتبة التجاریة الکبری ، الطبعة الأولی - مصر 1356 ه- .

115 - القول المسدد فی الذب عن المسند ، للإمام أحمد : لابن حجر العسقلانی ، أحمد بن علی أبی الفضل (ت 852 ه-) ، تحقیق ونشر : مکتبة ابن تیمیة ، الطبعة الأولی - القاهرة 1401 ه- .

116 - الکافی : للکلینی ، محمد بن یعقوب بن إسحاق (ت 329 ه-) ،

ص:485

تصحیح وتعلیق :، علی اکبر الغفاری ، دار الکتب الإسلامیة ، الطبعة الخامسة - طهران 1363 ه-. ش .

117 - کامل الزیارات : لابن قولویة ، أبی القاسم ، جعفر بن محمد القمی (ت 368 ه-) ، تحقیق : الشیخ جواد القیومی ، مؤسسة نشر - قم 1417 ه- .

118 - الکامل فی التاریخ : لابن الأثیر ، أبی الحسن ، علی بن أبی الکرم محمد بن محمد بن عبدالکریم الشیبانی (ت 630 ه-) ، تحقیق : عبدالله القاضی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الثانیة - بیروت 1415 ه- .

119 - کتاب سلیم بن قیس : لسلیم بن قیس الهلالی (ت 76 ه-) ، تحقیق : محمد باقر الأنصاری الزنجانی .

120 - کتاب الموضوعات : لابن الجوزی ، أبی الفرج ، عبدالرحمن بن علی بن محمد القرشی (ت 579 ه-) ، تحقیق : توفیق حمدان ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1415 ه- - 1995 م .

121 - کشف الأسرار عن اصول البرذوی : لعلاء الدین عبدالعزیز بن أحمد البخاری (ت 730 ه-) ، تحقیق : عبدالله محمود محمد عمر ، دار الکتب العلمیة ، بیروت 1418 ه- - 1997 م .

122 - کشف الغمة فی معرفة الأئمّة : للأربلی ، علی بن عیسی بن أبی الفتح (ت 693 ه-) ، دار الاضواء - بیروت 1405 ه- .

123 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للهیثمی ، نور الدین علی بن أبی بکر (ت 807 ه-) ، دار الریان للتراث ، دار الکتاب العربی - القاهرة ، بیروت 1407 ه- .

124 - المجموع شرح المهذب : للنووی ، محیی الدین بن شرف (ت 676

ص:486

ه-) ، دار الفکر - بیروت .

125 - مجموع الفتاوی = کتب ورسائل وفتاوی شیخ الإسلام ابن تیمیة : لابن تیمیة الحرانی ، أبی العباس أحمد عبدالحلیم بن (ت 728 ه-) ، تحقیق : عبدالرحمن بن محمد النحدی ، مکتبة ابن تیمیة ، الطبعة الثانیة .

126 - المحاسن : للبرقی ، أبی جعفر أحمد بن محمد بن خالد (ت 274 ه-) ، تحقیق : السید جلال الدین الحسینی ، دار الکتب الإسلامیة - طهران 137 ه- .

127 - المحرر الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز : لابن عطیة الاندلسی ، أبی محمد عبدالحق بن غالب (ت 546 ه-) ، تحقیق : عبدالسلام عبدالشافی محمد ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - لبنان 1413 ه- - 1993 م .

128 - المحلی : لابن حزم الأندلسی ، أبی محمد ، علی بن أحمد بن سعید بن حزم الظاهری (ت 456 ه-) ، تحقیق : لجنة إحیاء التراث العربی ، دار الآفاق الجدیدة - بیروت .

129 - مختصر بصائر الدرجات : للحلی ، عز الدین الحسن بن سلیمان (من اعلام القرن التاسع) ، نشر الطبعة الحیدریة ، الطبعة الأولی - النجف الأشرف 1370 ه- .

130 - مرقاة المفاتیح شرح مشکاة المصابیح : للقاری ، علی بن سلطان محمد (ت 1014 ه-) ، تحقیق : جمال عیتانی ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی ، بیروت - 1422 ه- - 2001 م .

131 - المدخل إلی السنن الکبری : للبیهقی ، أحمد بن الحسین بن علی بن أبی بکر (ت 458 ه-) ، تحقیق : د . محمد ضیاء الرحمن الأعظمی ، دار الخلفاء

ص:487

للکتابب الإسلامی - الکویت 1404 ه- .

132 - مروج الذهب ومعادن الجوهر : للمسعودی ، أبی الحسن ، علی بن الحسین بن علی (ت 346 ه-) ، وضع فهارسه : یوسف أسعد داغر ، دار الهجرة ، الطبعة الثانیة - قم ، اوفسیت عن الطبعة الأولی 1385 ه- بیروت - لبنان .

133 - المستدرک علی الصحیحین : للحاکم النیسابوری ، محمد بن عبدالله ، أبی عبدالله (ت 405 ه-) ، تحقیق : مصطفد عبدالقادر عطا ، دار الکتب العلمیة ، الطبعة الأولی - بیروت 1411 ه- - 1990 م .

134 - مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل : للنوری الطبرسی ، الشیخ حسین (ت 1320 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث ، الطبعة الأولی المحققة - قم 1408 ه- .

135 - مسند أبی عوانة : للاسفراینی ، أبی عوانة ، یعقوب بن إسحاق (ت 316 ه-) ، دار المعرفة - بیروت .

136 - مسند أبی یعلی : لأبی یعلی الموصلی ، أحمد بن علی بن المثنی التمیمی (ت 307 ه-) ، تحقیق : حسین سلیم أسد ، دار المأمون للتراث ، الطبعة الأولی - دمشق 1404 ه- - 1984 م .

137 - مسند أبی حنیفة : للأصبهانی ، أبی بن عبدالله بن أحمد ، (ت 430 ه-) ، تحقیق : نظر محمد فاریابی ، الطبعة الأولی ، مکتبة الکوثر - الریاض 1415 ه- .

138 - مسند أحمد : لأحمد بن حنبل ، أبی عبدالله الشیبانی (ت 241 ه-) ، مؤسسة قرطبة - مصر .

139 - مسند البزار : للبزاز ، أبی بکر ، أحمد بن عمرو بن عبدالخالق (ت 292

ص:488

ه-) ، تحقیق : د . محفوظ الرحمن زین الله ، مؤسسة علوم القرآن / مکتبة العلوم والحکم ، الطبعة الأولی - بیروت ، المدینة 1409 ه- .

140 - مسند زید بن علی : لزید بن علی بن الحسین بن أبی طالب 4(ت 122 ه-) ، منشورات دار الحیاة - بیروت .

141 - المسترشد فی إمامة أمیر المؤمنین للطبری ، محمد بن جریر بن رستم (الشیعی متوفی اوائل القرن الرابع الهجری) تحقیق : الشیخ أحمد المحمودی ، مؤسسة الثقافة الإسلامیة لکوشانبور ، الطبعة الأولی - قم 1415 ه- .

142 - مصباح الزجاجة فی زوائد ابن ماجه : للبویصری ، أحمد بن أبی بکر بن إسماعیل الکنانی (ت 840 ه-) ، تحقیق : محمد المنتقی الکشناوی ، دار العربیة - بیروت ، الطبعة الثانیة 1403 ه- .

143 - المصنف : للصنعانی ، أبی بکر ، عبدالرزاق بن همام (ت 211 ه-) ، تحقیق : حبیب الرحمن الأعظمی ، المکتب الإسلامی ، الطبعة الثانیة - بیروت 1403 ه- .

144 - مصنف ابن أبی شیبة : لأبی بکر بن أبی شیبة الکوفی ، عبدالله بن محمد (ت 235 ه-) .

145 - مناقب بن شهرآشوب = مناقب آل أبی طالب : لابن شهرآشوب ، مشیر الدین أبی عبدالله بن علی (ت 588 ه-) تحقیق : لجنة من استاذة النجف الأشرف ، المجتبة الحیدریة - النجف 1376 ه- .

146 - المنتخب من مسند عبد بن حمید : للکعبی أبی محمد (ت 249 ه-) ، تحقیق : صبحی البدری / محمود محمد خلیل ، مکتبة السنة ، الطبعة الاولی -

ص:489

القاهرة 1408 ه- - 1988 م .

147 - المطالب العالیة : للعسقلانی الشافعی ، ابن حجر ، أحمد بنس علی (ت 852 ه-) ، تحقیق : د . سعد بن ناصر ، دار العاصمة / دار الغیث ، الطبعة الاولی - السعودیة 1419 ه- .

148 - معانی الأخبار : للصدوق ، محمد بن علی بن الحسین بن بابویة القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1379 ه- .

149 - معجم أبی یعلی : أحمد بن علی بن المثنی الموصلی (ت 307 ه-) ، تحقیق : إرشاد الحق الأثری ، ادارة العلوم الأثریة ، الطبعة الاولی - فیصل آباد 1407 ه- .

150 - مقتل الشهید عثمان : للمالقی ، محمد بن یحیی بن أبی بکر المالقی الأندلسی (ت 741 ه-) ، تحقیق : د . محمود یوسف زاید ، دار الثقافة ، الطبعة الاولی - قطر 1405 ه- .

151 - معجم الصحابة : لابن قانع ، عبدالباقی بن قانع (ت 351 ه-) ، تحقیق : صلاح بن سالم المصرانی ، مکتبة الغرباء الأثریة ، الطبعة الاولی - المدینة المنورة 1418 ه- .

152 - المعجم الکبیر : للطبرانی ، سلیمان بن أحمد بن أیوب (ت 360 ه-) ، تحقیق : حمدی بن المجید السلفی ، مکتبة الزهراء ، الطبعة الثانیة - الموصل 1983 ه- .

153 - المغنی فی فقه الإمام أحمد بن حنبل الشیبانی : للمقدسی ، ابن قدامة ، عبدالله بن أحمد (ت 620 ه-) ، دار الفکر ، الطبعة الاولی ، بیروت 1405 ه- .

ص:490

154 - مقاتل الطالبیین : لابی الفرج الاصفهانی (ت 356 ه-) ، تحقیق : کاظم المظفر ، منشورات المکتبة الحیدریة ، الطبعة الثانیة - النجف الأشرف 1965م .

155 - من لا یحضره الفقیه : للصدوق ، محمد بن علی بن الحسین بن بایویة القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی ، الطبعة الثانیة - قم .

156 - المواقف : للأیجی ، عضد الدین عبدالرحن بن أحمد (ت 756 ه-) ، تحقیق : عبدالرحمن عمیرة ، دار الجیل ، الطبعة الاولی ، لبنان 1997 م .

157 - نسیم الریاض فی شرح الشفا للقاضی عیاض : للخفاجی ، أحمد شهاب الدین (ت 1069 ه-) ، دار مجتبی ، الطبعة الاولی ، قم 1404 ه- .

158 - نصب الرایة الأحادیث الهدایة : للزیعلی ، عبدالله بن یوسف أبی محمد الحنفی (ت 762 ه-) ، تحقیق : محمد یوسف البنوری ، دار الحدیث - مصر 1357 م .

159 - نظم درر السمطین : للزرندی الحنفی ، جمال الدین محمد بن یوسف المدنی (ت 750 ه-) ، مکتبة أمیر المؤمنین العامة ، الطبعة الاولی ، النجف الأشرف 1958 م .

160 - نهج البلاغة : (ما جمعه الشریف الرضی (ت 406 ه-) من کلام أمیر المؤمنین علیه السلام ، تحقیق : الشیخ محمد عبده ، دار الذخائر - إیران 1412 ه- .

161 - نهج الحق وکشف الصدق : للعلامة الحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر (ت 726 ه-) ، تقدیم : السید رضا الصدر / تعلیق : الشیخ عین الله الارموی ، دار الهجرة - قم 1421 ه- .

ص:491

162 - نیل الأوطار من أحادیث سید الأخبار شرح منتقی الأخبار : للشوکانی ، محمد بن علی بن محمد (ت 1250 ه-) ، دار الجیل - بیروت 1973 م .

163 - نور البراهین = أنیس الوحید فی شرح التوحید : للجزائری ، السیّد نعمة الله الموسوی (ت 1112 ه-) ، تحقیق : السید مهدی الرجائی ، مؤسسة النشر الإسلامی، الطبعة الاولی - قم 1417 ه- .

164 - نوادر المعجزات : لابن جریر الطبری ، محمد بن جریر بن رستم (المتوفی فی اوائل القرن الرابع الهجری) تحقیق ونشر : مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام الطبعة الاولی - قم 1410 ه- .

165 - وضوء النبی .

166 - وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة : للحر العاملی ، الشیخ محمد بن الحسن (ت 1104 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث ، الطبعة الثانیة - قم 1414 ه- .

167 - وفیات الأعیان وانباء ابناء الزمان : لابن خلکان ، أبی العباس ، أحمد بن محمد بن أبی بکر (ت 681 ه-) تحقیق : احسان عباس ، دار الثقافة - لبنان .

168 - الهدایة فی الاصول والفروع : للصدوق ، أبی جعفر ، محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة الإمام الهادی ، الطبعة الأولی - قم 1418 ه- .

169 - ینابیع المودة لذوی القربی : للقندوزی ، الشیخ سلیمان بن إبراهیم الحنفی (ت 1294 ه-) ، تحقیق : سید علی جمال أشرف الحسینی ، دار أسوة للطباعة والنشر ، الطبعة الأولی 1416 ه- .

ص:492

ص:493

فهرس الموضوعات

المقدمة 5

الجانب الفقهی والحدیثی / 43

الفصل الأوّل: التعریف بالتثویب وبمفاهیم أخری مرتبطة به 47

التعریف بالتثویب 49

معنی التثویب لغة 50

التثویب اصطلاحاً 51

وقته ومحله 55

التثویب القدیم والمُحدَث 56

الأذان الأوّل والأذان الثانی فی الفجر 56

المذاهب الإسلامیّة والتثویب 59

التثویب عند الشافعیة 59

التثویب عند الحنفیة 59

التثویب عند المالکیة 66

التثویب عند الحنابلة 73

التثویب عند الإمامیّة الاثنی عشریة 76

التثویب عند الزیدیة 79

التثویب عند الإسماعیلیة 82

ص:494

خلاصة واستنتاج 83

الفصل الثانی: الصلاة خیر من النوم روایة أم رأی؟ 89

القسم الأوّل: مناقشة الروایات النبویة 93

النوع الأوّل: مناقشة الروایات المجملة 97

1 - روایات بلال الحبشی 99

ما رواه عبدالرحمن بن أبی لیلی عنه 99

2 - ما روی عن أبی محذورة، وسوید بن غفلة عن بلال 119

أ - ما روی عن أبی محذورة 120

ب - ما روی عن بلال 130

النوع الثانی: مناقشة الروایات المصرّحة 135

1 - روایات بلال الحبشی 140

1- ما رواه سعید بن المسیب عنه 140

2- ما رواه سعید بن المسیب عن أبی هریرة أن بلالاً... 146

3- ما رواه سعید بن المسیب عن عبدالله بن زید الأنصاری قال: جاء بلال 148

4- ما رواه ابن قسیط عن أبی هریرة: جاء بلال إلی النبیّ... 153

5- ما روته عائشة إنّ بلالاً جاء النبی.... 154

6- ما رواه حفص بن عمر عن آبائه عن بلال 158

7- ما رواه عبدالله بن محمد بن عمار عن آبائهم عن بلال 164

8- ما رواه عبد الرحمن بن أبی لیلی عن بلال 170

2 - روایات أبو محذورة 171

وقفة مع المزنی 172

آخرهم موتاً فی النار 180

روایات أبو محذورة التی فیها التثویب 185

ص:495

وقفة مع أخبار الترجیع 189

مرویات أبو محذورة التی لیس فیها التثویب 211

1- عامر الأحول عن مکحول عن عبد الله بن محیریز: 211

2- ابن جریج عن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة 215

3- نافع بن عمر عن عبد الملک بن أبی محذورة عن ابن محیریز 222

4- عثمان بن السائب عن أبیه وأُم عبد الملک عن أبی محذورة 223

5- إبراهیم بن عبد العزیز بن عبد الملک بن أبی محذورة 225

6- روایة إبراهیم عن جریر بن عبد الله بن أبی محذورة 228

7- روایة إبراهیم عن جدّه عبد الملک بن أبی محذورة 229

8- روایة داود القرشی عن مالک بن دینار عن ابن أبی محذورة 230

النتیجة 237

القسم الثانی: أذانان، مؤذّنان، إمامان لصلاةٍ واحدة 285

1 . أذانان: 293

2 . مؤذّنان: 313

الأعمی وکراهة أذانه 325

3 - إمامان لصلاةٍ واحدة! 327

المسجد النبوی، وحجرة النبی وبیوت أزواجه 335

نصوص تشیر إلی وجود إمامین لصلاة واحدة 341

ما نذهب إلیه 344

الجانب الکلامی / 347

أبوبکر وأهل البیت 357

مضادة قریش مع الرسول وآله 367

إمامة أهل البیت فی الأذان 372

ص:496

عمر وموضوع الإمامة فی الأذان 377

التحریفات فی خصوص الأذان 387

رؤیتنا 411

الهدف من الرفع والوضع 414

مخالفة الخلفاء مع منهج أهل البیت علیهم السلام . 416

احتمالات ثلاث 419

تأیید الوجه الثانی 429

تشریع الأذان منامیاً أو وحیانیاً 431

صلاة أبی بکر أهم ما استدلّ به علی خلافته 432

استدلال عمر بفضیلة الغار علی خلافة أبی بکر 434

استدلال عمر بصلاة أبی بکر علی خلافته 438

لحاظ السنخیة بین الرفع والوضع 439

الصلاة خیر من النوم لیست بسنُة 441

الدور الحکومی فی أخبار التثویب والترجیع 445

السیاسة وتحریف الأحادیث 447

الخلاصة 448

وضع عمر للتثویب حقیقة أم اتّهام 455

مدی اعتبار روایة موطّأ مالک 458

عمر ودوره فی إبعاد أهل البیت عن الخلافة 459

بعض ما استدلّ به علی خلافة أبی بکر 465

ثبت المصادر 469

فهرس الموضوعات 493

المجلد 3

اشارة

ص:1

اشارة

المجموعة الکاملة لمؤلّفات السیّد علیّ الشهرستانیّ «14»

أشهَدُ أَنَّ عَلِیَّاً وَلیُّ اللّه

بین الشرعیّة والابتداع

السیّد علی الشهرستانی

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

مقدمة المؤلف:

تساؤل یطرح نفسه بین الحین والآخر وهو : ما هذا الاختلاف فی الأذان ؟ وهل الذی تؤذّن به الشیعة الإمامیة هو الصحیح أم ما یؤذّن به الآخرون ؟ ولماذا نری أذان الآخرین یختلف عن أذان الشیعة الإمامیة ؟ وأیّهما هو المشروع وأیّهما المبتدع ؟

وهل یصح ما قاله الآخرون عن الشیعة من أن أذانهم مبتدع ؟ أم أنّه شرعی .

وإذا کان أذان الإمامیة شرعیاً ، فهل أذّن به رسول الله والإمام علی والأئمّة من ولده أم لا ؟

وإذا کانوا قد أذّنوا به ، فهل قالوا : « أشهد أن علیّاً ولی الله » تحدیداً بهذه الصیغة ، أم قالوها بصیغ أُخری ؟

إنه تساؤل مطروح یبحث عن جواب .

ولا یخفی علیک أنّ هذا التساؤل یردُ أیضاً علی المذاهب الأربعة وغیرها ، فلماذا اختلفت المذاهب الأربعة فی صیغ الأذان وعدد فصوله مع اعتقادهم بأنّ الأذان منقول نقلَ کافَّة بمکّة والمدینة والکوفة ؟

و إذا کان منقولاً ومنذ عهد الرسول الأعظم ، فلماذا تربّع الشافعیة التکبیر((1)) بخلاف المالکیّة القائلة بالتثنیة((2)) ؟


1- انظر المهذب لأبی إسحاق الشیرازی 1 : 54 ، والاقناع للشربینی 1 : 139 ، المجموع 3 : 100 .
2- انظر المدونة الکبری 1 : 57 ، الکافی لابی عبدالبر 1 : 37 ، کفایة الطالب 1 : 318 .

ص:6

بل لماذا لا تری الحنفیة التثویب = « الصلاة خیر من النوم » إلّا بعد أذان الفجر((1)) ، فی حین تراه المذاهب الأُخری مشروعاً فی اذان الفجر ؟ وهکذا الحال بالنسبة إلی إفراد أو تثنیة الإقامة عند المذاهب الأربعة ، فهم مختلفون فی ذلک !!

نعم ، قد جمع ابن حزم بین تلک الوجوه بقوله : « ... کلُّ هذه الوجوه قد کان یُؤذَّنُ بها علی عهد رسول الله بلا شکّ ، وکان الأذان بمکّة علی عهد رسول الله یسمعه إذا حجّ ، ثم یسمعه أبو بکر وعمر ، ثمّ عثمان بعده .. فمن الباطل ... » . إلی آخر کلامه المار ذکره سابقاً((2)) .

هذا بعض الاختلاف فی الأذان عند المذاهب الأربعة ، وهم لیسوا من الشیعة الإمامیّة ، فما هو السرّ فی هذا الاختلاف فی شعار کان یتکرّر بمرأی ومسمع النبی صلی الله علیه و آله والصحابة مراراً عدیدة کلّ یوم ؟!

والآن فلنقرر السؤال السابق بطرح سؤال آخر وهو : هل الإمام علی بن أبی طالب ذُکر اسمه فی القرآن أم لا ؟ فإذا کان الجواب بالإیجاب ، فأین ذُکِرَ ؟ وإن کان بالنفی ، فکیف یمکن الاستدلال علی إمامته فی حین لم ینصّ القرآن علی هذا الموضوع المهم ؟

لقد نزلت فی علی أکثر من خمسمائة آیة ، وروی عن ابن عباس أنّه قال : ما نزل فی أحد من کتاب الله ما نزل فی علی((3)) .

وفی آخر عنه رضی الله عنه أنه قال : نزلت فی علی ثلاث مائة آیة((4)) .


1- المبسوط للسرخسی 1 : 130 ، تحفة الفقهاء 1 : 110 ، بدائع الصنائع 1 : 148 .
2- المحلی 3 : 154 ، وقد کانت لنا وقفة علمیة مع هذا الکلام فی الکتاب الأول من هذه الدراسة ، والمطبوع تحت عنوان « حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة » الباب الأول ص 19 .
3- تاریخ دمشق 42 : 363 شواهد التنزیل 1 : 52 ، السیرة الحلبیة 2 : 474 ، تاریخ الخلفاء : 171 ، بحار الأنوار 36 : 117 ، عن کشف الیقین للعلاّمة الحلی : 356 .
4- البدایة والنّهایة 7 : 359 ، الصواعق المحرقة 2 : 373 .

ص:7

وعن مجاهد ، قال : نزلت فی علی سبعون آیة لم یشرکه فیها أحد((1)) .

إنّ البحث فی خصائص علی وما نزل فیه من الذکر الحکیم کانت من البحوث الشائعة فی القرون الثلاثة الحسّاسة : الثالث والرابع والخامس الهجری .

فقد ألف الحسین بن الحکم بن مسلم الحبری المتوفی 281 ه کتاباً باسم « ما نزل فی القرآن فی علی »((2)) .

وکذا ألف إبراهیم بن محمّد بن سعید الثقفی الکوفی المتوفی 283 ه کتاباً سماه « ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین »((3)) .

ولابن أبی الثلج البغدادی المتوفی 325 کتاب بعنوان « أسماء أمیر المؤمنین فی کتاب الله عزّ وجلّ »((4)) .

وکتب عبدالعزیز بن یحیی الجلودی المتوفی 332 ه « ما نزل فی علی من القرآن »((5)) .

ولأبی الفرج الاصفهانی المتوفّی 356 ه « التنز یل فی أمیر المؤمنین وآله علیهم السلام »((6)) .

ولمحمّد بن عمران المرزبانی الخراسانی المتوفی 378 ه « ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین »((7)) .


1- شرح الأخبار 2 : 570 ، 574 ، شواهد التنزیل 1 : 52 .
2- المطبوع باسم تفسیر الحبری بتحقیق صدیقنا المحقق السیّد محمّد رضا الجلالی حفظه الله تعالی واخبرنی سماحته بأنّه رجّح فی تحقیقه الجدید للکتاب ان وفاته سنة 281 بدل 286 ه- کما هو موجود فی تاریخ الإسلام للذهبی 21 : 158 وغیره .
3- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 17 / ت 19 والذریعة 19 : 28 .
4- الذر یعة 11 : 75 وانظر ج 19 : 28 و4 : 454 فقد ذُکر باسماء اخری .
5- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 241 / ت 639 ، الذریعة 19 : 28 وله کتاب آخر بعنوان ( ما نزل فی الخمسة ] اصحاب الکساء [ ) انظر ترجمته .
6- معالم العلماء : 141 ، وانظر الذر یعة 19 : 28 .
7- معالم العلماء : 118 ، الذریعة 19 : 29 .

ص:8

ولأبی نُعَیْم الأصفهانی المتوفی 430 ه « ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین »((1)) .

ولابن الفحّام النیسابوری المتوفّی 458 ه « الآیات النازلة فی أهل البیت علیهم السلام »((2)) .

وقد نوّه النجاشی فی رجاله عند ترجمته لبعض الأعلام إلی أسماء بعض تلک المصنّفات ، ففی ترجمة ابن الجُحام محمّد بن العَبّاس بن علی البزاز ذکر أن له کتاباً بعنوان « ما نزل من القرآن فی أهل البیت »((3)) .

وفی ترجمة الحسن بن أحمد بن القاسم ذکر أن له کتاباً بعنوان « خصائص أمیر المؤمنین من القرآن »((4)) .

وفی ترجمة محمّد بن أورمة القمّی نسب إِلیهِ کتاب « ما نزل من القرآن فی أمیر المؤمنین » له((5)) .

وفی ترجمة أبی موسی المجاشعی ذکر أنّ له کتاباً بعنوان « ما نزل من القرآن فی علی »((6)) .

وفی ترجمة أبی العباس الإسفرائینی « المصابیح فی ذکر ما نزل من القرآن فی أهل البیت »((7)) .

ونحن لا نرید التفصیل فی الجواب عن السؤال الثانی بقدر ما نرید الإشارة إلی إمکان تأذین الرسول والأئمّة بالولایة وعدمه، إذ لم ینکر أحد صلة الإمام علی


1- معالم العلماء : 25 ، الذریعة 19 : 28 .
2- لسان المیزان 2 : 251 معجم المؤلفین 3 : 292 .
3- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 379 / ت 1030 .
4- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 65 / ت 152 وانظر الذریعة 2 : 65 .
5- رجال النجاشی : 330 ت 891 وانظر الذر یعة 19 : 29 .
6- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 439 ت 1182 .
7- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 93 ت 231 .

ص:9

بالقرآن والقرآن بعلی ، فعلیّ مع القرآن والقرآن مع علی((1)) ، لأنّه الوحید الذی علم بتنزیل القرآن وتأویله((2)) . وعلم بنزول الآیات فی لیل أو نهار ، وفی سهل أو جبل((3)) . وقد ذکره رسول الله عدلاً للقرآن ، وأحد الثقلین اللذین تصان بهما الأمة وتُحفظ من الضلال .

لکننا قد نواجه إشکالاً مفادُهُ : أننا لا نری أنّ اسمه ورد صریحاً فی القرآن الکریم ، لماذا ؟

لیس من الضرورة أن یذکر القرآن کلّ شیء ، وقد اجاب عمران بن حصین لمن قاله له : تَحَدَّثْ بالقرآن واترک السنّة ، قال له : أرایت لو وکلت انت واصحابک إلی القران ، أکنت تجد فیه صلاة العصر أربعاً وصلاة الظهر أربعاً ، وأکنت تجد الطواف بالبیت سبعاً والرمی سبعاً ((4)) ...

فالقرآن یبین الکلّیات التی تقف علیها الشریعة أصولاً وفروعاً ، فالصلاة مثلاً ذکرها الله وترک تفاصیلها للرسول الأکرم((5)) صلی الله علیه و آله وهکذا الحال بالنسبة إلی غیرها


1- أمالی الطوسی : 479 / ح 1045 ، المعجم الصغیر للطبرانی 1 : 255 ، الجامع الصغیر للسیوطی 2 : 177 / ح 5594 .
2- الکافی 1 : 213 / باب إن الراسخین فی العلم هم الأئمّة علیهم السلام / ح 1 ، 2 ، 3 . وانظر فیض القدیر 4 : 369 .
3- انظر تفسیر الصنعانی 3 : 241 ، طبقات ابن سعد 2 : 338 ، التاریخ الکبیر 8 : 165 ، تاریخ دمشق 27 : 100 ، 42 : 398 ، المواقف 3 : 627 ، منح الجلیل 9 : 648 ، ینابیع المودة 1 : 223 ، وانظر تفسیر أبی حمزة الثمالی : 104 .
4- انظر الکفایة فی علم الروایة : 15 ، المطالب العالیة 12 : 734 .
5- جاء فی الکافی 1 : 286 / باب ما نص الله عزّ وجلّ ورسوله علی الأئمة علیهم السلام واحداً فواحد / ح 1 ، عن أبی بصیر أنّه قال قلت لأبی عبدالله ] الصادق [ أن الناس یقولون فما له لم یسم علیاً وأهل بیته فی کتاب الله عزّوجلّ فقال : قولوا لهم : أن رسول الله صلی الله علیه و آله نزلت علیه الصلاة ولم یسم الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتی کان رسول الله هو الذی فسر ذلک لهم ، ونزلت علیه الزکاة ولم یسم ... إلی آخر الخبر .

ص:10

من الامور الشرعیة .

إن القولَ بعدم ذکر الشهادة بالولایة صریحاً فی الأذان ، هو مساوق للقول بعدم ورود اسم الإمام علی صریحاً فی القرآن ، مع أنّ فی الأذان والقرآن الکریم ما یدل علی الولایة والإمامة لأمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ؟!

ونحن فی دراستنا هذه لا نرید أن نذهب إلی جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان حتی یلزمنا القول بأن الرسول أو الإمام علی وأولاده المعصومین قد أذّنوا بهذا الأذان .

فجملة « حی علی خیر العمل » فی الأذان دالة علی الإمامة والرسول والصحابة کانوا یؤذنون بها ، وقد سمح الإمام الکاظم بفتحها والأخذ بتفسیرها معها بل دَعا إلی الحث علیها .

کما أن هناک آیات کثیرة دالة علی الإمامة ، وکان من منهج بعض الصحابة أن یبیّنوا آیات الذکر الحکیم ویأتوا علی تفسیرها السیاقی وشأن نزولها وسرّ تشریعها معها ، کما هو المشاهد فی قراءة ابن مسعود التفسیریة لآیة البلاغ { بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ } أنّ علیّاً مولی المؤمنین { وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }((1)) .

وقرأ کذلک : {وَکَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتَالَ } بعلی بن أبی طالب((2)) .

وکان اُبیّ بن کعب یقرأ : { النَّبِیُّ أَوْلَیٰ بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } وهو أبٌ لهم((3)) .


1- شواهد التنزیل 1 : 257 ، الدر المنثور 2 : 298 ، وعنه فی بحار الأنوار 37 : 190 .
2- شواهد التنزیل 2 : 3 الاکمال 7 : 53 ورواه ابن عساکر فی ترجمة أمیر المؤمنین علی من تاریخ دمشق 42 : 360 الحدیث 919 ، والدر المنثور 5 : 192 ، 6 : 590 ، کفایة الطالب : 234 ، غایة المرام : 420 .
3- الدر المنثور 6 : 567 ، مصنف عبدالرزاق 10 : 181 / ح 1874 ، وفیه : « وهو أبوهم » ، وهی فی قراءة ابن مسعود کذلک ; انظر الکشاف 3 : 532 .

ص:11

وقرأ ابن عباس : { مِنْ أَنفُسِهِمْ } وهو أبٌ لهم { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ }((1)) .

وجاء عن اُبی أنّه کان یقرأ : { إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجَاهِلِیَّةِ } ولو حمیتم کما حموا لفسد المسجد الحرام { فَأَنزَلَ اللَّهُ سَکِینَتَهُ عَلَیٰ رَسُولِهِ } ((2)) .

وعن عمرو ، وعبدالله بن مسعود ، وأُبیّ بن کعب ، أنهم قرأوا : { وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ } ورهطک المُخْلَصین((3)) .

وعن عبدالرحمن بن عوف ، قال : قال لی عمر : ألسنا کنا نقرأ فیما نقرأ{ وَجَاهِدُوا فِی اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ } فی آخر الزمان کما جاهدتم فی أوّله ((4)) .

قال ابن عطیّة الأندلسی ( ت 546 ه ) فی المحرر الوجیز : روی أنّ ابن مسعود کتب فی مصحفه أشیاء علی جهة التفسیر فظنّها قوم من التلاوة فتخلط الأمر فیه ، ولم یسقط فیما ترک معنی من معانی القران ؛ لأنّ المعنی جزء من الشریعة ، وإنّما ترکت ألفاظ معانیها موجودة فی الذی أثبت ...((5)) .

وقال ابن السرّاج القاضی القونوی الحنفی ( ت 777 ه ) فی شرح المعتمد : ومن أسباب اختلاف الفقهاء اختلافهم فی الاحتجاج بالروایة الشاذة من القران الکریم ، فقد کان بعض الصحابة یکتب فی مصحفه کلمات علی سبیل التفسیر والبیان ، فرواها الناس عنه علی أنها قراءة ، مثال ذلک زیادة ابن مسعود کلمة


1- المحرر الوجیز 4 : 370 .
2- المستدرک للحاکم 2 : 225 ، کنز العمال 2 : 568 و594 ، الدر المنثور 6 : 79 ، سیر اعلام النبلاء 1 : 397 .
3- تفسیر الطبری 19 : 121 فی قراءة عمرو ، عیون اخبار الرضا 2 : 209 فی مصحف عبدالله بن مسعود وقراءة أُبی بن کعب .
4- الدر المنثور 4 : 371 و5 : 197 ، کنز العمال 2 : 480 .
5- المحرر الوجیز 1 : 48 .

ص:12

« متتابعات » عقب قوله تعالی { فَصِیَامُ ثَلَاثَةِ أَیَّامٍ } فی سورة المائدة ((1)) .

وقال أبو حیّان الأندلسی ( ت 745 ه ) فی البحر المحیط عن الآیة { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا یَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ فَأْوُوا إِلَی الْکَهْفِ... } : وفی مصحف عبدالله « وما یعبدون من دوننا » ... إنما أُرید به تفسیر المعنی وأنّ هؤلاء الفتیة اعتزلوا قومهم وما یعبدون من دون الله ولیس ذلک قرآناً ...((2)) .

وفی المحرّر الوجیز : وفی مصحف عبدالله « ملاقوها » مکان { مُوَاقِعُوهَا }الواردة فی الآیة 54 من سورة الکهف((3)) ، فقال الاندلسی فی تفسیر البحر المحیط : الأَولی جعله تفسیراً لمخالفة سواد المصحف((4)) .

وفی تفسیر البحر المحیط أیضاً عن الآیة 36 سورة یوسف : وفی مصحف عبدالله : { وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّی أَرَانِی أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِی } ثریداً { تَأْکُلُ الطَّیْرُ مِنْهُ } ، وهو أیضاً تفسیر لا قراءة((5)) .

وبناءً علی هذه التَقْدُمَة یمکننا أن نقول : إنّ الشهادة بالولایة جاءت فی الأذان کنایة وتفسیراً ، وذلک لنفس الظروف التی ساقت إلی عدم ذکر اسم الإمام علیّ فی القرآن .

إنّها جملة « حی علی خیر العمل » التی تعنی الولایة والإمامة ، کما فی روایات أهل البیت .

ونحن قد أثبتنا فی الباب الأوّل من هذه الدراسة((6)) وجود هذا الفصل فی الأذان


1- انظر شرح المعتمد ، لابن السراج القاضی / القول 119 ، من اسباب اختلاف الفقهاء .
2- البحر المحیط 6 : 103 .
3- المحرر الوجیز 3 : 524 .
4- البحر المحیط 6 : 131 .
5- البحر المحیط 5 : 308 .
6- المطبوع تحت عنوان « حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة » .

ص:13

علی عهد رسول الله ، وتأذین الصحابة وأهل البیت به ، ثمّ انفراد العامّة فی العهود اللاحقة بدعوی النسخ فیه ، وذلک بعد إقرارهم بشرعیّته علی عهد رسول الله ، وقد تحدّاهم السیّد المرتضی بأن یأتوه بالناسخ ولم یفعلوا ! .

وهذا یعرّفنا بأنّ من یقول بالحیعلة الثالثة « حیّ علی خیر العمل » یمکنه الاعتقاد برجحان الشهادة بالولایة فی الأذان ، لأنّها جاءت مفسَّرة من قبل المعصومین بذلک ، فالنبیُّ والإمامُ علیٌّ والأئمّة من ولده کانوا یؤذّنون بحیّ علی خیر العمل بلا أدنی ریب ، فلا یستبعد اعتقادهم بجواز الإتیان بتفسیرها معها لا علی الشطریة ، وهو الملاحظ الیوم عند المسلمین ، فالذی یعتقد بشرعیة الحیعلة الثالثة یمکنه أن یُخرج الشهادة الثالثة مخرجاً شرعیّاً ، والذی لا یقول بالحیعلة الثالثة فهو لا یقبل الشهادة بالولایة من باب الأَوْلی .

نعم ، نحن لو قلنا بتاذین الرسول وأهل البیت بها لصارت جزءاً ، وهذا ما لا نرید قوله ، وان عدم ورودها فی الروایات البیانیة الصادرة عن المعصومین فی الأذان أو عدم فعلهم علیهم السلام لها یوکد عدم جزئیتها لا عدم محبوبیتها ، وان الأئمة علیهم السلام قد یکونوا ترکوا اموراً جائزة أو مستحبة تقیة ، فالذی نرید أن نقوله أنّه قد ثبت بالقطع والیقین أن الأئمّة کانوا یقولون « حیّ علی خیر العمل » فی اذانهم ، وثبت عنهم أیضاً بما لا یقبل التردید أنّهم فسّروها بمعنی الولایة کما فی کلام الأئمّة المعصومین کالباقر((1)) والصادق((2))


1- علل الشرائع 2 : 368 الباب 89 / ح 5 ، معانی الاخبار : 42 وفیهما : قال : اتدری ما تفسیر ( حی علی خیر العمل ) قلت : لا . قال : دعاک إلی البر ، اتدری بر من ؟ قلت : لا . قال : دعاک إلی بر فاطمه وولدها .
2- التوحید للصدوق:241، فلاح السائل:148 - 150 مناقب بن شهرآشوب 3 : 107 .

ص:14

والکاظم((1)) علیهم السلام والإمام الکاظم قد اجاز الاتیان بتفسیرها وبیان معناها معها ، وهو دلیل علی محبوبیتها عندهم علیهم السلام ، ونحن نأتی بها بهذا العنوان لا غیر .

بل فی کلام الإمام علی بن الحسین « إنّه کان فی الأذان الأولّ » ((2)) ما یؤکد تشریع « حیّ علی خیر العمل » فی الإسراء والمعراج ، ودلالته علی وجود عنوان الولایة فی السماء وعلی ساق العرش ، لکنّ الآخَرین حرّفوه وغیّروه . ومن هنا حدثت المشکلة بین نهج أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ونهج الصحابة فی الأذان .

هذا ، وإنّ فی ما رواه الفضل بن شاذان - باسناد معتبر عند جملة من الاعلام((3)) ، ما یؤکّد وجود عنوان الولایة فی الأذان ، إذ جاء فیه : ... « ویکون المؤذّن بذلک داعیاً إلی عبادة الخالق ومرغباً فیها ، مقراً بالتوحید ، مجاهراً بالایمان ، معلناً بالإسلام ... » ((4)) .


1- علل الشرائع 2 : 368 وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 420 . قال الشیخ یوسف البحرانی فی رسالته (الصوارم القاصمة لظهور الجامعین بین ولد فاطمة) المطبوعة فی الدرر النجفیة ، قال «ولا یخفی علی العارف بطریقة الصدوق فی جملة کتبه ومصنّفاته أنّه لا یذکر من الاخبار إلاّ ما یعتمده ، ویحکم بصحته متناً وسنداً ویفتی به ، وإذا اورد خبراً بخلاف ذلک ذیّله بما یشعر بالطعن فی سنده أو دلالته ونبه علی عدم قوله بمضمونه وهذه طریقته المالوفة وسجیته المعروفة ، وهذا المعنی وان کان لم یصرح به إلاّ فی صدر کتابه (من لا یحضره الفقیه) إلاّ ان المُتتبع لکلامه فی کتبه ، والواقف علی طریقته لا یخفی علیه صحة ما ذکرناه» . وبما ان الصدوق لم یذیل ما رواه فی العلل وغیره بالطعن فی متن أو سند الحدیث نعلم ان مضمون تلک الاخبار مقبولة عنده .
2- لا یخفی علیک بأنّ لیس للشیعة اذانان کما هی للعامة فی اذان الفجر ، وبذلک فلا معنی للأذان الاول فی کلام الإمام علیه السلام إلاّ ما قلناه .
3- منهم السید الحکیم فی المستمسک 8 : 344 - 346 والسیّد الخمینی فی المکاسب المحرمة 2 : 55 والشیخ حسین آل عصفور فی تتمة الحدائق 2 : 143 ومستند الشیعة 5 : 435 مسالک الأفهام 2 : 23 ، ذخیرة المعاد 1 : 510 .
4- علل الشرائع 1 : 258 ، وسائل الشیعة 5 : 418 ، الفقیه 1 : 295 / ح 914 ، والذی احتمله فی کلام الإمام علیه السلام هو التقدیم والتأخیر فی کلمة الإسلام والایمان فیه ، وتکون العبارة : مجاهراً بالإسلام ومعلناً بالایمان ، وهذا ما یؤکده ذیل الخبر .

ص:15

وحین سأل إبراهیم بن طلحة بن عبیدالله الإمام السجادَ ، لما قدم وقد قتل الحسین بن علی صلوات الله علیه ، قائلاً : یا علی بن الحسین من غَلَب ؟ اجابه الإمام علیه السلام : إذا اردت ان تعلم من غَلَبَ ، ودَخَلَ وقت الصلاة ، فأذِّنْ ثمَّ أقِمْ ((1)) .

وهذا یعنی أَنَّ الإمام السجاد اراد أن یقول لإبراهیم إِنَّ الأئمّة هم امتداد للشهادة بالرسالة وکما قال رسول الله حسین منی وانا من حسین((2)) .

وکذا فی کلام الإمام الهادی الآتی ، وبیانه لمعنی ( نداء الصوامع ) المذکور فی شعر الحِمّانی ، للمتوکل العباسی((3)) .

وقد یکون قبل ذلک فی مرسلة القاسم بن معاویة فی الاحتجاج عن الصادق علیه السلام ما یدل علی ذلک ، لأنّ العارف بلسان وظروف الأئمّة وما کانوا یعیشون فیه من التقیّة ، یعرف بأنّ الإمام قد یأتی بالعموم ویرید الخصوص ، والأذان هو الأهم إن سنحت الظروف للجَهْر به .

إنّ مبحث « حیّ علی خیر العمل » هو النافذة التی نرید الإطلالة من خلالها علی الشهادة الثالثة ، وهو المیدان الأساسیّ الذی کتبنا عنه سابقاً ((4)) ، کما أنّه الانطلاقة العلمیة والتأسیسیة التی نرید الدخول عبرها إلی الشهادة الثالثة ؛ لنُشید به هذا الصرح العقائدی والفقهی ، وذلک للتقارب والتجانس الملحوظ بینهما - حسبما سیتّضح لاحقاً - لأنّ الکلام فی شرعیة الحیعلة الثالثة ومشروعیتها یوصلنا إلی


1- أمالی الطوسی : 677 / ح 1432 ، وعنه فی بحار الأنوار 45 : 177 / ح 27 .
2- سنن الترمذی 5 : 658 / ح 3775 ، قال الترمذی : هذا حدیث حسن ورواه غیر واحد عن عبدالله بن عثمان ، سنن ابن ماجه 1 : 51 / ح 143 ، مسند أحمد 4 : 172 / ح 1759 .
3- الأمالی ، للشیخ الطوسی 287 / ح 557 ، وانظر دیوان علی الحمّانی : 81 ، ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 510 . والذی سیأتی فی صفحة 212 .
4- تحت عنوان ( حی علی خیر العمل ، الشرعیة والشعاریة ) المطبوع فی بیروت ، مؤسسة الأعلمی ، وهو یقع فی 496 صفحه .

ص:16

رجحان الشهادة الثالثة ، والذی جئنا به تقو یة لما استدلّ به الفقهاء من مرسلة الاحتجاج ، والعمومات ، وقاعدة التسامح فی أدلة السنن ، وما یماثلها .

إنّ موضوع الشهادة الثالثة فی الأذان من المواضیع الحسّاسة والهامّة التی لم تحظ بعنایة الباحثین والمحقّقین بالشکل المطلوب ، وهی لم تکن من المواضیع المُحْدَثة والولیدة فی العصور اللاّحقة حسب ما صوّره بعض الکتّاب ، بل هی قدیمة بقدم تاریخ التشیّع ، سارت معه جنباً إلی جنب ، فما قاله البعض من أنّها قد شرعت فی عهد الشاه إسماعیل الصفوی المتوفی 930 ه وکذا قول الاخر أنّها بدعة محدثة هو جُرأةٌ علی العلم وتجاوز علی الحقائق التاریخیة((1)) ، خصوصاً وأنّ نصوص هذه المسألة مذکورة وموجودة فی کتب القدماء والمتأخّرین ، لکنّها متناثرة بین طیات کتب الحدیث ، والفقه ، والتاریخ ، تحتاج إلی بحث وتتبّع ومثابرة واسعة ، والسابرُ لکلمات الفقهاء ، وأخبار المؤرّخین ، وروایات المحدّثین ، یقف علی هذا الکمّ الهائل الدال علی هذه الشهادة ، إمّا تصریحاً ، أو تلمیحاً ، أو إیماءً أو إشارة .

وان ما حکاه الشیخ الطوسی بورود شواذ الأخبار فیها کافیة لاثبات المحبوبیة والمشروعیة ، لان صحّة عمل ما ، لا یتوقف علی فعلهم علیهم السلام له، بل یکفی تصریحهم بجوازه وصحته ، أو تقریرهم لفاعله .

إنّ دعوی کونها بدعة لترک المعصوم لها کلام غیر واقعی وغیر صحیح فکما أنّ الإثبات یحتاج إلی دلیل فالنفی هو الاخر یحتاج إلی دلیل ، فلیأتِنا القائل بالحرمة علی أنّ النبی أو الأئمّة لم یفعلوها علی نحو الجزم والیقین ، أو لیأتونا بدلیل عن نهی


1- انظر کلام الدکتور حسین المدرسی الطباطبائی فی « تطور المبانی الفکریة للتشیع فی القرون الثلاثة الأوّل » صفحة 73 ، والسیّد موسی الموسوی فی « الشیعة والتصحیح » : 105 ، و« المتآمرون علی المسلمین الشیعة » : 170 ، والسیّد حسن الامین فی « مستدرکات أعیان الشیعة » 2 : 64 . بهذا الصدد وقارنه بما قلناه فی الفصل الاول من هذه الدراسة .

ص:17

الرسول صلی الله علیه و آله فی القول بالشهادة الثالثة فی حین ان الأمر عکس ذلک ، فهناک ادلة کثیرة صدرت عن النبی والأئمة من ولده علی محبوبیة الشهادة بالولایة فی الأذان وفی غیره ، لکن ظروف التقیة لم تسمح لهم بالاجهار بها مما جعلتها اخباراً شاذة فی الأذان لا یعمل بها .

نعم ، إنّ تلک النصوص مذکورة فی کتبنا وکتب الآخرین ، لکن لا یستدلّ بها الفقهاء علی الشهادة الثالثة ، لکونها نصوصاً غیر صریحة ، بل مذکورة بصورة کنائیة أو تفسیریة ، وذلک فی مثل « حیّ علی خیر العمل » الدالة علی الإمامة ، کما جاء فی روایات أهل البیت ، والتی ذکرها الشیخ الصدوق رحمة الله فی معانی الاخبار((1))والتوحید((2))وهذا ما نرید توضیحه فی دراستنا هذه ((3)) .

کما أن هناک نصوصاً صریحة فی اقرار الإمام ، وأنّه علیه السلام لا یترک الأمة سدی ، بل یقف أمام ما یزیده الناس أو ینقصونه ، قد یمکن التمسک به عند البعض کدلیل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة ، وهذا ما لم یوظف من قبل فقهاءنا فی مبحث الشهادة الثالثة ، فقد جاء فی العلل بسند صحیح عن أبی بصیر عن أبی عبدالله قال : إن الله لم یدع الأرض إلّا وفیها عالم یعلم الزیادة والنقصان فی الأرض ، وإذا زاد المؤمنون شیئاً ردهم ، وإذا نقصوا أکمله لهم فقال : خذوه کاملاً ، ولولا ذلک لالتبس علی المؤمنین امورهم ، ولم یفرقوا بین الحق والباطل((4)) .

وهناک طائفة ثالثة هی نصوص صریحة ذکرت متناً دون إسناد ، کما هو المشاهد فی کلام الشیخ الصدوق رحمة الله فی «الفقیه»((5)) ، والسیّد المرتضی فی «المسائل المیافارقیات» ،


1- معانی الأخبار : 41 / باب معنی حروف الأذان والاقامة / ح 1 ، و42 / ح 3 .
2- التوحید ، للصدوق : 241 / باب تفسیر حروف الأذان والاقامة / ح 2 .
3- بحثنا ذلک فی القسم الاول من الفصل الاول « الدلیل الکنائی » : 159 من کتابنا هذا .
4- انظر بحار الأنوار 23 : 27 ، 21 ، 39 .
5- من لا یحضره الفقیه 1 : 290 / ح 897 .

ص:18

وابن البرّاج فی « المهذَّب » ، والشیخ الطوسی فی « النّهایة » و« المبسوط » ، وهی متون معتمدة ، لأنّ کتب القدماء - وحسب تعبیر السیّد البروجردی رحمة الله وغیره - هی متونُ روایات وبمنزلة الأُصول المتلقّاة عن المعصومین علیهم السلام وهو ما نبحثه فی القسم الثالث من الفصل الاول من هذا الباب((1)) .

ورابعة : هی عمومات بعض الأخبار ، وقواعد فی الروایة والحدیث ، یستعین بها الفقیه فی الاستنباط ، کروایة الاحتجاج : « فإذا قال أحدکم لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فلیقل علی أمیر المؤمنین »((2))، أو قاعدة التسامح فی أدّلة السنن ، أو استدلالهم ببیان الحیثیات الثلاث للأذان ( الذکر + الشعار + الدعاء ) ، أو أنّه استحباب ضمن استحباب إلی غیرها من المؤ یّدات التعضیدیة الموجودة فی الآیات والأخبار وهو ما یبحث فی ضمن کلمات الفقهاء .

وخامسة : بیان سیرة المتشرّعة ، وربط هذه السیرة بسیرة الشارع المقدّس ، إلی غیر ذلک من التقسیمات والوجوه التی یمکن أن تلحظ ویستدل بها للشهادة الثالثة .

نحن لا نرید أن نُفَصِّل هذه المحاور کلَّ محور علی حدة ، بل نرید أن ندرسها متمازجة بشکل لا یحس المطالع بالضجر والملل إن شاء الله .

وبهذا سیأخذ البحث تارة بعداً تاریخیاً ، واُخری فقهیاً ، وثالثةً درائیاً وحدیثیاً ، وهکذا یتغیّر من شکل إلی آخر حَسَب الحاجة العلمیة ، وبذلک تکون هذه الدراسة مترابطة ومتجانسة بین أجزائها ، للخروج بوجه فقهی یقبله الجمیع ، أو یحدّ من استقباحه عند من یراه بدعة ، بدعوی أنّها لم تکن فی النصوص الصادرة عن المعصومین ، أو أنّها زُجَّتْ فی الدین لظروف خاصة .


1- انظر الصفحة 245 من هذا الکتاب .
2- الاحتجاج 1 : 231 ، من روایة القاسم بن معاویة ، قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم ....

ص:19

ومن المؤسف ان غالب الشبهات المطروحة حول الشهادة الثالثة تدور مدار الجزئیة وبتصور أنّا نأتی بها علی أنّها جزء الأذان ، فی حین أن فقهاء الطائفة ومنذ عصر السیّد المرتضی والشیخ الطوسی إلی یومنا هذا یؤکدون علی عدم جزئیتها بل یأتون بها لمحبوبیتها ، وقالوا عن الآتی بها للمحبوبیة غیر مأثوم ، وأن فعلهم لم یکن بدعة کما یرید الاخرون تصویره ، لکن الاخرین لا یریدون أن یقبلوا هذا الامر أو تراهم یتناسونه فی کلامهم ، وإنی فی هذه الدراسة اُرید أن أوکد علی وجه محبوبیة هذا الأمر عندنا لا جزئیته ، عسی أن أکون قد ساهمت فی رفع بعض الشبهات المطروحة فی هذا الصدد وسعیت فی تحکیم هذا الصرح وتثبیت العقیدة .

وبما أنّ غالب البحوث المطروحة حول الشهادة الثالثة لم تشف غلیلی ولم تف بمطلوبی - لأنّ فقهاءنا الأقدمین وحتی المعاصرین منهم لم یُولوا البحث الأهمیة القصوی ، ولم یفردوا له دراسة معمّقة مستقلة ، ولم یدرسوا الروایات فیه دراسة شاملة ، مکتفین ببعض التعلیقات والتوضیحات ، مع أنّهم قد کتبوا رسائل مستقلّة وبحوثاً مشبعة فی مسائل دونها فی الأهمیة - رأیت أن أکتب دراسة مستقلّة وافیة فیه - لأنّ بحثاً بهذه الأهمیة لا یمکن الاکتفاء فیه ببعض الأسطر والتعلیقات المتناثرة بین ثنایا الکتب ، بل یجب أن یقف الدارس المحقّق عنده وقفة فقیه متأمّل متدبّر ، فلا یأخذ نصوص السابقین علی ظاهرها ، ویحکم بأنّ فلانا منع من الشهادة الثالثة ، أو أن فلاناً لا یستسیغها ، أو أنّ ثالثاً یقول ببدعیّتها ، دون دراسته للظروف التی کان یعیش فیها أولئک الفقهاء والمحدّثین ، والأماکن التی کانوا یسکنون فیها .

فإنّ مراعاة الزمان والمکان ، والشروط المحیطة بالراوی ، یساعد الفقیه علی فهم شروط وظروف صدور النصّ عن الشیخ الصدوق والسیّد المرتضی ، والشیخ الطوسی ، وابن البراج ، وأمثالهم رضوان الله تعالی علیهم أجمعین .

ص:20

کما لابدّ من ملاحظة أنّ مبنی کلامهم هل هو حدسی وأمر اجتهادی لا یجب اتّباعه ، أم أنّه نصّ تعبدی شرعی یجب الإیمان والأخذ به ؟

فالفقهاء یأخذون بإطلاق مرسلة الاحتجاج للطبرسی : « من قال محمّد رسول الله فلیقل علیٌ أمیر المؤمنین » - مع أنّ الطبرسی متأخّر عن الشیخ الصدوق رحمة الله بعدّة قرون - ویترکون مرسلة الصدوق رحمة الله فی الفقیه الخاصّة بالأذان ، والتی ذکر فیها الصیغ الثلاث للشهادة الثالثة ، وکذا تراهم یترکون ما یمکن أن یستند علیه فی الاستنباط من اقرار الإمام المعصوم للشهادة الثالثة وخصوصاً لو قُرنَت بسیرة المتشرعة .

کما أنّهم یجهدون أنفسهم لتصحیح الشهادة الثالثة بالعمومات ، وقاعدة التسامح بأدلة السنن ، والشعاریة ، ورجاء المطلوبیة ، فی حین أن فی حیازتهم روایات صحیحة دالة - بنحو من انحاء الدلالة - علی الولایة فی الأذان بالخصوص ک- « حی علی خیر العمل » المصرَّح فیها من قبل الأئمّة علی ذلک ، کما فی روایة الصدوق فی « التوحید » ، و« معانی الاخبار » .

ألم یکن فیما رواه ابن أبی عمیر - فی التوحید ومعانی الأخبار - عن الإمام الکاظم ما یفیدنا للاستدلال فی الشهادة الثالثة .

وألم یکن نص الصدوق - فی التوحید ومعانی الأخبار - أقدم من نص الاحتجاج تاریخیاً وأثبت منه روائیاً .

فلماذا یترک هذا النص ویؤخذ بمرسلة الاحتجاج ، إن هذه الأمور لم تبحث بشکلها الدقیق فی کتب القدماء فضلاً عن کتابات فقهائنا المتأخّرین . وحتی متاخّری المتأخرین .

وأمّا کتابات العقود الخمسة الماضیة فهی الأُخری لا تُسمن ولا تغنی من جوع ؛ لأن أغلب أولئک المؤلّفین اکتفوا بنقل فتاوی الأعلام دون ذکر أدلتهم .

ص:21

نحن لا ننکر بأنّ الفتاوی کافیة للمکلّفین ، لکنّها لا تُرضی الباحثین والمحقّقین . نعم ، صدر أخیراً کتابان یمکن أن تصنفا ضمن الکتابات المقبولة إلی حدٍّ ما ، لکنّ ذلک لا یدعو إلی وقف حرکة البحث العلمی عند العلماء ، لان التوسّع فی هکذا دراسات یَفتح آفاق البحث العلمی عندهم ، ویدعو الأساتذة والطلاب إلی الحرکة والنشاط لکشف المجهول ، وإثراء المکتبة الإسلامیة بما یُحتاج إلیه من بحوث فکریة عقائدیة فقهیة قیّمة ، لأ نّ هذا البحث مرتبط بموضوع حسّاس ومهم ، وشعار لمذهب یعتنقه مئات الملایین من المسلمین ، وفی الوقت نفسه هو سؤال لملایین المسلمین فی جمیع البلدان ، فإنّ موضوعاً کهذا لَحَرِیٌّ أن یدرس من قبل العلماء وبکتابات حدیثة معاصرة یفهمها الجمیع .

کل هذا هو الذی دعانی لأن أدلو بدلوی معطیاً رأیی فی هذا المجال ، غیر مدّع بأنی قد أوفیت البحث حقّه ، بل هو مبلغ وسعی وغایة جهدی ، ومن الله أرجو التوفیق .

موکِّداً للقارئ العزیز بأنّ ما سأطرحه هنا هو عرض لوجهة نظر - جل أو کلّ - الإمامیة وبیان لما قاله فقهائهم وأعلامهم .

ولا أرید أن أُثبت شرعیّة الشهادة الثالثة لمن یختلف معنا فی المذاهب ، لا لصعوبة الأمر ، بل لعدم الضرورة لبحث کهذا الآن ، إذ أنّ إثبات الشهادة الثالثة وما یماثلها سهل وفق أُصولهم الفقهیة والأُصولیة والروائیة ؛ وذلک لأنّ غالبیّتهم یقولون بعدم توقیفیّة الأذان ، وأنّه شُرّع وفق منام رآه أحد الصحابة ، وفی آخر : أنّه شُرّع طبق استشارة من النبیّ مع أصحابه ، وقیل : بأنّ الأذان شرّع أَوّلاً بقول المؤذّن : « الصلاة الصلاة » ، ثم أُضیفت إلیه الشهادة بالتوحید ، وأنّ عمر بن الخطاب أضاف إلیه الشهادة بالنبوّة .

ص:22

ولهم اُصول اُخری کالقول بأنّ الحَسَنَ هو ما حَسَّنه الناس((1))، وکالقول بالمصلحة وأشباهها .

کلّ هذه الأُصول تسهّل الأمر للقول بشرعیّتها عندهم ، لکنّا الآن فی غنیً عن ذلک ، بل الذی نرید الإشارة إلیه هو عرض سریع لما جری علی الأذان بعد رسول الله صلی الله علیه و آله من التغییرات والزیادات ، لأنّ بیان موضوع کهذا یحدّ من هجمة الآخرین علینا ، ویوقفهم عند حدودهم .

وقبل عرضی لما جری بعد رسول الله صلی الله علیه و آله لابدّ من نقل کلام الاستاذ خلیل عزمی فی کتابه « بین الشیعة والسنة » صفحة 90 طبعة بغداد ؛ إذ قال : « زیادتهم علی الأذان جملة « وأشهد أنّ علیاً ولی الله » باعتبار أنّها لم تکن داخلة ضمن الأذان بعهد رسول الله ، فأیّ ضرر یتأتّی من إضافة هذه الجملة طالما استحسنها جمهور من المسلمین کما استحسن جمهور آخر إدخال کلمات لم تکن ضمن الأذان فی عهد رسول الله مثل « الصلاة خیر من النوم » فی الأذان »((2)).

ذکرت کتب السیر والتاریخ خبر الأسود العنسی - عبهلة بن کعب - فی الیمن ، وظهوره متزامناً مع مسیلمة الکذاب فی الیمامة ، وادعائهما النبوّة ، وأنّ رسول الله کتب إلی معاذ بن جبل ومن معه من المسلمین وأمرهم أن یحثّوا الناس علی التمسّک بدینهم ، وعلی النهوض إلی حرب الأسود ، فقتله فیروز الدیلمی علی فراشه((3)).


1- الآثار ، لمحمّد بن الحسن الشیبانی : 81 کتاب الأذان / ح 59 ، عن حماد بن إبراهیم أنّه سال ابا حنیفة عن التثویب ؟ قال : هو ما احدثه الناس ، وهو حسن مما احدثوه .
2- الاعمی فی المیزان : 2 ، عن کتاب : بین الشیعة والسنة : 90 ، والقسطاس المستقیم فی ولایة أمیر المؤمنین للسیّد محمّد علی بن محمّد باقر الموسوی الکاظمی : 135 - 136 طبع مطبعة المعارف / بغداد سنة 1376 ه- عنه .
3- تاریخ الخمیس 2 : 156 .

ص:23

وفی التنبیه والاشراف : أنّ النبی کان کاتب الفرس أن یقتلوه ، فقتلوه ، فأَخبر النبیَّ أصحابَهُ : مقتله((1)).

وفی غرر الخصائص الواضحة للوطواط المتوفّی 718 ه : قال عبدالله بن عمر : أتانا الخبر من السماء إلی رسول الله فی اللیلة التی قتل فیها ، فقال : قتل العنسی ، فقیل : من قتله ؟ قال : رجل مبارک من أهل بیت مبارک ، قیل : من هو ؟ قال : فیروز ، وفی صبیحة تلک اللیلة قبض رسول الله((2)).

وفی تاریخ الطبری ، وتاریخ دمشق وغیرهما: فلمّا طلع الفجر نادوا بشعارهم الذی بینهم ثم بالأذان وقالوا فیه : « نشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّ عبهلة کذاب » ، وشنّوها غارة، وتراجع أصحاب رسول الله إلی أعمالهم ، وکتبوا إلی رسول الله بالخبر ، فسبق خبر السماء إلیه ، فخرج قبل موته بیوم أو لیلة ، فأخبر الناس بذلک ، ثمّ ورد الکتاب ورسولُ الله قد مات((3)) .

وفی فتوح البلدان احتز قیس بن هبیرة رأس الأسود المتنبئ ، ثم علا سور المدینة حین أصبح فقال : « الله اکبر ! الله اکبر ! . أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، وإن الاسود العنسی عدو الله »((4)).

وهذه النصوص التاریخیة جوّزت الزیادة فی الأذان فی عهد الرسول وأوائل رحلته صلی الله علیه و آله ، بدعوی أنّها حالة نبعت من واقع المسلمین وإحساسهم بنشوة النصر علی الکافرین ، وأنّ الأذان عندهم هو الإعلام ، فیمکن الإعلام عن عودة المُلک إلی المسلمین ودحر الکافرین والمتنبئین .


1- التنبیه والاشراف : 241 .
2- غرر الخصائص الواضحة : الفصل الثالث من الباب السابع ، فیمن ارتقی بادعائه النبوة مرتقی صعباً ، معارج القبول 3 : 146 ، المنتظم 4 : 20 ، احداث سنة إحدی عشر للهجرة .
3- تاریخ الطبری 2 : 250 ، البدایة والنِّهایة 6 : 310 ، تاریخ دمشق 49 : 488 ، تاریخ الإسلام 3 : 19 .
4- فتوح البلدان 1 : 114 .

ص:24

وبعد زمن النبیّ صلی الله علیه و آله رووا بأنّ التثویب الثانی - أی قول المؤذن بعد الانتهاء من الأذان : « السلام علیک یا أمیر المؤمنین الصلاة الصلاة یرحمک الله » - قد شرّع علی عهد أبی بکر((1))، وفی آخر : فی عهد عمر بن الخطاب((2))، وقال ثالث : فی عهد عثمان((3))، ورابع : فی عهد معاویة((4)).

ولا نری خلافاً بیّناً بین هذه النصوص ، وذلک لتبنّی اللاّحق ما جاء به السابق من التثویب الثانی ، وأنّهم کانوا لا یرون ضیراً فی مثل هذه الزیادات فی الأذان ، فیمکن أن یقال : إنّ معاویة ، أو عثمان ، أو عمر قال به .

أنا لا أُرید أن أُثبت هذا التشریع لهذا أو أنفیه عن ذاک ، المهمّ عندی أنّهم جوّزوا هذا التثویب فی العصور السابقة ، فلا یحقّ لأمثال هؤلاء الاعتراض علی الآخرین بقولهم بالشهادة الثالثة فی الأذان من باب المحبوبیة أو رجاء المطلوبیة .

ویضاف إلی ذلک ما ذکره التفتازانی والقوشجی وغیرهما من أنّ عمر ابن الخطاب منع من متعة النساء ، ومتعة الحج ، ورفع حی علی خیر العمل من الأذان((5)).

وفی موطأ مالک : إنّ المؤذّن ، جاء إلی عمر بن الخطاب یؤذنه لصلاة الصبح فوجده نائماً ، فقال : الصلاة خیر من النوم ، فأمره عمر أن یجعلها فی نداء الصبح((6)).


1- انظر تنویر الحوالک 1 : 71 ، وفیه : کان المؤذن یقف علی بابه فیقول : السلام علیک یا خلیفة رسول الله ، الصلاة یا خلیفة رسول الله .
2- انظر شرح الزرقانی 1 : 216 ، وفیه : کان المؤذن یقف علی بابه ویقول : السلام علیک یا أمیر المؤمنین ، ثم أن عمر أمر المؤذن فزاد فیها ( رحمک الله ) . ویقال : إن عثمان هو الذی زادها .
3- انظر شرح الزرقانی 1 : 216 ، وفیه : ویقال إن عثمان هو الذی زادها .
4- انظر مواهب الجلیل 1 : 431 ، الذخیرة 2 : 47 .
5- شرح المقاصد فی علم الکلام 2 : 294 ، وشرح التجرید / باب بحث الإمامة .
6- موطأ مالک 1 : 72 .

ص:25

ولا ینکر أحد من المسلمین بأن عثمان بن عفان هو الذی أضاف الأذان الثالث یوم الجمعة ((1)) .

نعم ، إنّهم قالوا بشرعیة الأذان الثالث یوم الجمعة وما یماثله من جهة المصالح المرسلة ، مع اعتقادهم بعدم شرعیته علی عهد رسول الله ، ونحن یمکننا إلزاماً لهم إثبات الشهادة الثالثة وغیرها طبق المصالح المرسلة وما یماثلها عندهم .

هذا هو خلاصة ما یمکننا قوله مع القائلین بعدم توقیفیة الأذان عند العامة وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم .

کما یمکننا أن نثبت لهم شرعیة الشهادة بالولایة من جهة شرعیة « حیّ علی خیر العمل » علی عهد رسول الله ، وأنّ الصحابة کانوا قد أذّنوا بها ، وأنّ عمر حذفها لأسباب معروفة عند مدرسة أهل البیت ، وقد أکّد الإمام الکاظم علی هذه الحقیقة ، بقوله : إنّ « حیّ علی خیر العمل » دعوة للولایة ، وإنّ عمر کان لا یرید دعاءً إلیها ولا حثّاً علیها ((2)).

وهذا نص له قیمته التاریخیة والشرعیة ، لأنّه صدر فی القرن الثانی الهجری وعلی لسان أحد أئمّة أهل البیت علیهم السلام وقریب منه موجود فی کتب الزیدیة والإسماعیلیة مما یؤکد اجماع مدرسة أهل البیت علی هذا المعنی عندهم .

ومن المعلوم بأنّ جملة : « حیّ علی خیر العمل » لیس لها ظهور فی الإمامة والولایة ، وإن فهمها بعض الصحابة من خلال الآیِ الکریمِ والأحادیثِ المتواترةِ عن رسول الله .

وکلامُ الإمام « أنّ حیّ علی خیر العمل دعوة للولایة وإنّ عمر کان لا یرید دعاءً إلیها ولا حثاً علیها » یشیر إلی أن بعض الصحابة کانوا یفتحونها بجمل دالة علی


1- صحیح البخاری 1 : 309 / ح 870 / باب الأذان یوم الجمعة .
2- أنظر علل الشرائع 2 : 368 ، وعنه فی وسائل الشیعة 5 : 420 / ح 6977 .

ص:26

الإمامة والولایة ، توضیحاً وتفسیراً ، کقولهم بعد « حیّ علی خیر العمل » - علی سبیل المثال لا الحصر - : « محمّد وعلی خیر البشر » ، أو « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، أو « علی وأولاده المعصومون حجج الله » ، وغیرها من الصیغ الدالة علی الإمامة والولایة ، وأنّ عیون عمر کانوا یخبرونه بفعل هذا النزر من الصحابة .

فعمر بن الخطاب أراد أن لا یکون حثٌ علیها ولا دعاءٌ إلیها ، فمنعها تحت طائلة أنّ البعض من الصحابة سیترکون الجهاد بدعوی أنّهم یؤدّون خیر العمل وهو الصلاة ، فلا صلاة مع احتیاج الأمّة إلی الجهاد ، إلی غیر ذلک من الکلام الذی مرّ بعضه فی الباب الأول من الدراسة « حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة »((1))، وسیأتی البعض الآخر منه فی الفصل الأوّل من هذا الباب .

ومما مرّ تعرف أن البحث مع الاخرین سهل لیس بالعسیر المتعب کما یتصورّه البعض .

نحن نترک البحث مع العامة فی هذا المجال ، ونقصر الکلام علی أدلة الشیعة ، ونتناولها بأسلوبنا ومنهجنا الخاص ، لتتضح الأ دّلة لمن خفیت علیه ویقف علیها من لم یکن قد وقف علیها من قبل .

الشهادة الثالثة بین الأذان والإقامة

هذا ، وقد تصور البعض أن مبحث الأذان یختلف عن الإقامة ، لکون الأول خارجاً عن حقیقة الصلاة والثانی داخل فیها ، فتجوز الزیادة والنقصان فی الأوّل ولا تجوز فی الثانی ، لکون الأذان إعلاماً فقط ، أما الإقامة فهی من الصلاة .


1- کتابنا « الأذان بین الاصالة والتحریف » یقع فی ثلاثة أبواب ، صدر الباب الاول منه تحت عنوان : « حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة » أما الباب الثانی فهو « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » وهو قید التدوین ، أما الباب الثالث فهو ما بایدینا .

ص:27

وقد بارک لی أحد الإِخوة دراستی هذه عن الشهادة الثالثة موکّداً الاکتفاء بمبحث الأذان دون الإقامة ، لاعتقاده بأنّ الإقامة من الصلاة ، للروایات الواردة فی ذلک ، فأجبته بأنّ الأمر لم یکن کما تتصوَّره ، إذ الفقهاء قد اختلفوا فی ذلک ، فالنزرُ القلیل اعتبروها من الصلاة ، والجُلُّ الأعظم جعلوها خارجة عنها .

بل نقول بأکثر من ذلک أنّ الأذان والإقامة خارجان عن حقیقة الصلاة جزءً وشرطاً ، إذ النداء للشیء غیر نفس الشیء ، بل فی بعض فصولهما کالحیعلات الثلاث ما یدل علی عدم إرتباطهما بالصلاة أصلاً ، لکونهما لیسا أذکاراً ، والصلاة إنّما هی الذِّکر .

والفرق بینهما أنّ الأذان هو نداء ودعوة للغائبین ، والإقامة هی تنبیه للحاضرین المجتمعین فی المسجد ، وذلک لإمکان اشتغالهم بالکلام والأُمور الحیاتیة الاُخری ، فربّما لا یلتفتون إلی قیام الصلاة إلّا بعد قول الإمام « قد قامت الصلاة » .

و یؤ ید ما قلناه ورودهما معاً فی بعض الأخبار ، فقد یسمّی الأذان إقامة ، والإقامة أذاناً فی الأخبار الواردة عن الأئمّة المعصومین ، بل إنّ إطلاق النداء علی الإقامة یؤکّد معنی الإعلامیة فیهما معاً .

إنّ کونهما نداءً ، دلیل علی خروجهما عن حقیقة الصلاة وعدم تقوّمها بهما ، فلا یمکن لأحد أن یفتی ببطلان الصلاة لو وقعت بدونهما أو بدون أحدهما .

نعم ، لا ننکر وجود فروق بینهما ، لکنها لا تکون بحدٍّ توجب القول بأن الإقامة جزء من الصلاة ، فإنّ القول بعدم جواز الالتفات فی الإقامة وجوازه فی الأذان ، أو لزوم الطهارة والوضوء فی الإقامة بخلاف الأذان ، أو جواز الفَصْل بین الأذان والإقامة وعدم جواز الفصل بین الإقامة والصلاة ، أو لزوم التوجّه إلی القبلة فی الإقامة دون الأذان ، إلی غیرها من الأمور الکثیرة الملحوظة فی الإقامة دون الأذان ، لا توجب حکماً شرعیاً وتَقَوُّماً ذاتیّاً آخر بحیث تعدّ الإقامة من الصلاة دون الأذان .

ص:28

إذ روی الشیخ عن محمّد الحلبی ، قال : سألتُ أبا عبدالله عن الرجل یتکلم فی أذانه أو فی إقامته ؟ قال : لا باس((1)) .

وعن الحسن بن شهاب ، قال : سمعت أبا عبدالله یقول : لا باس أن یتکلّم الرجل وهو یقیم الصلاة ، وبعدما یقیم إن شاء((2)) .

وعن حماد بن عثمان ، قال : سألت أبا عبدالله عن الرجل یتکلم بعدما یقیم الصلاة ، قال : نعم((3)) .

وعن عبید بن زرارة قال : سألتُ أبا عبدالله ، قلت : أیتکلم الرجل بعدما تقام الصلاة ؟ قال : لا باس((4)) .

وفی ما رواه الشیخ عن عبید بن زرارة ، عن أبیه ، قال : سألتُ أبا جعفر عن رجل نسی الأذان والإقامة حتّی دخل فی الصلاة ، قال : فلیمض فی صلاته ، فإنّما الأذان سنّة ((5)) .

فلو کانت الإقامة من الصلاة فلا وجه لتعلیل المضیّ فی الصلاة مع نسیانه الإقامة .

هذه الروایات وغیرها تحدّ من روایة عمرو بن أبی نصر((6)) وأبی هارون المکفوف((7))، ومحمّد بن مسلم((8))، الناهیة عن التکلّم حین الإقامة.

ومقتضی الجمع بین الطائفتین هو حمل الروایات الناهیة علی الکراهة، مضافاً إلی


1- الاستبصار 1 : 301 / ح 1113 ، تهذیب الأحکام 2 : 54/ح 186 ، وسائل الشیعة 5 : 395/ ح 6900 .
2- الاستبصار 1 : 301 / ح 1115 ، تهذیب الاحکام 2 : 55 / ح 188 .
3- الاستبصار 1 : 301 / ح 1114 .
4- الحدائق الناضرة 7 : 427 ، عن ابن إدریس فی مستطرفات السرائر : 601 .
5- الاستبصار 1 : 304 / ح 1130 ، تهذیب الأحکام 2 : 285 / ح 1140 .
6- الکافی 3 : 304 / ح 10 ، من باب بدء الأذان .. الاستبصار 1 : 301 / ح 1110 .
7- الکافی 3 : 306 / ح 20 ، وعنه فی الاستبصار 1 : 301 / ح 1111 .
8- الاستبصار 1 : 301 / ح 1112 ، تهذیب الاحکام 2 : 55 / ح 191 .

ص:29

أنّ مناسبة الحکم والموضوع تقتضی الحکم بالکراهة، لأنّ المقیم لیس بداخل فی الصلاة واقعاً حتی ینبغی له ترک الکلام .

وقد تکون حرمة الکلام((1)) مختصة علی أهل المسجد رعایةً لمصالح الجماعة ، لروایة ابن أبی عمیر ، قال : سألتُ أبا عبدالله عن الرجل یتکلّم فی الإقامة ؟ قال : نعم ، فإذا قال المؤذن « قد قامت الصلاة » ، فقد حرم الکلام علی أهل المسجد ، إلّا أن یکونوا قد اجتمعوا من شتی ولیس لهم إمام ، فلا باس أن یقول بعضهم لبعض : تقدم یا فلان((2)) .

وقد ورد فی روایات أهل البیت بأنّ مفتاح الصلاة التکبیر وتحلیلها التسلیم((3))، فلو کانت الإقامة جزءاً أو شرطاً لکان اللاّزم القول أنّ مفتاحها الإقامة .

وقد سُئل الصادق عن الرجل ینسی تکبیرة الافتتاح ، قال علیه السلام : یعید الصلاة ((4)) .

وعن علی بن یقطین ، قال : سألت أبا الحسن عن الرجل ینسی أن یفتتح الصلاة حتی یرکع ، قال : یعید الصلاة((5)) ، إلی غیرها من الروایات الکثیرة فی هذا الباب .

وبعد هذا ، فلا یمکن لأحد أَن یحتاط فی عدّ الإقامة جزءاً ؛ بمجرّد ملاحظة الفوارق الموجودة بینها وبین الأذان ، إذ أنّا نجد غالب هذه الفوارق مجتمعة فی التکبیرات السبع المستحبّة قبل تکبیرة الإحرام ، وفی دعاء التوجّه إلی الصلاة ، وعند القیام إلیها ، لکنّا لا نری أحداً من الفقهاء یقول بجزئیّتها فی الصلاة مع


1- ومعناها الکراهة هنا .
2- الاستبصار 1 : 302 / ح 1116 .
3- اُنظر تهذیب الاحکام 3 : 270 / ح 755 ، تفسیر الإمام العسکری : 521 وفیه : مفتاح الصلاة الطهور ، وتحریمها التکبیر ، وتحلیلها التسلیم ... وعنه فی وسائل الشیعة 1 : 398 / ح 1039 .
4- الکافی 3 : 347 / ح 1 ، وسائل الشیعة 6 : 12 / ح 7218 ، منتهی المطلب 1 : 267 .
5- الاستبصار 1 : 352 / ح 1329 ، وسائل الشیعة 6 : 13 / ح 7222 .

ص:30

اشتراطهم فیها الطهارة ، والاستقبال ، وعدم جواز الالتفات ، وعدم الفصل بینها وبین الصلاة ، إلی غیرها من الامور السابقة .

ونحن فصّلنا بعض الشیء عن هذا ، لأ نّا رأینا البعض یرید التشکیک فی شرعیّة الشهادة الثالثة من خلال الإقامة والتی تختلف بزعمه عن الأذان .

والکلّ یعلم بأنّهما حقیقتان خارجتان عن الصلاة جزءاً وشرطاً ؛ سمّیت إحداهما أذاناً والأُخری إقامة .

فالأذان علی نحوین((1)) :

1 - الأذان الإعلامی : وهو ما شرّع لإعلام البعید ، وهو المعروف الیوم والذی یطلق علیه لفظ « الأذان » .

2 - الأذان الصلاتی أو الفرضی : وهو ما شرّع لإعلام القریب الجالس فی المسجد بإیذان وقت الصلاة ، وهو ما یسمّی الیوم بالإقامة .

وکلاهما حقیقة واحدة ولیسا بواجبین لا استقلالیاً ولا شرطیاً للجماعة ، أو لأصل کل صلاة ((2))، إذ أنّ القول بالوجوب مساوقٌ للقول بوجوب الجماعة ، وهو ما لا یقوله أحد من أصحابنا .

قال السیّد بحر العلوم فی منظومته :

وما له الأذان فی الأصل رُسِمْ شیئان إعلامٌ وفرضٌ قد عُلِمْ

ولنا تعلیق علی کلامه رحمة الله لیس هنا محلّه ، مؤکّدین بأنّا لا نرید تسلیط الضوء علی الأذان الصلاتی « أی الإقامة » بقدر ما نرید توضیح الأذان الإعلامی ، وکیف أمکن لهذا الإعلام أن یحظی بدور یمکّنه أن یصیر شعاراً لمذهب یعتنقه مئات


1- أنظر تقریرات السیّد البروجردی بقلم المرحوم الشیخ فاضل اللنکرانی .
2- وأمّا وجوب أذان واحد کفایة لجمیع البلد ، فهو خارج عن محل بحثنا .

ص:31

الملایین ، ویکون صَرْحاً عقائدیّاً لأ مّة مجاهدة .

فالکلام عن الأذان الإعلامی أسهل من الکلام عن الأذان الصلاتی عند من یعتقد بأنّ الإقامة من الصلاة ، لکنّه خطأ ، فهما سیّان بنظرنا ولا تمایز أساسیّاً بینهما ، وإن کان بحثنا یدور فی الأعمّ الأغلب عن الأذان الإعلامی .

هذا وإنی جعلت دراستی هذه فی ثلاثة فصول :

الفصل الاول : وفیه نبیّن النصوص والمبانی الدالّة علی شرعیّة الشهادة الثالثة ، وهی تنقسم إلی ثلاثة اقسام :

القسم الأوّل : النص الکنائی الدالّ علی الولایة لعلی ، وهی جملة « حیّ علی خیر العمل » مع بیاننا لاقوال الأئمة وسیرة المتشرّعة من عهد الرسول إلی عصر الشیخ الصدوق رحمة الله المتوفی 381 ه فی ذلک .

القسم الثانی : وفیه نبیّن اقرار المعصوم - وهو الإمام الحجة الغائب فی عصرنا - لما تفعله الشیعة علی مر الأزمان بالشهادة الثالثة ؛ لأنّه علیه السلام لو کان منکراً لهذا العمل لکان علیه - بمقتضی وظیفته المقدسة - تصحیحه ، ولما لم نقف علی انکاره علمنا ان فعل ذلک جائز ، منوهین بأن ذلک متوقف علی تمامیة اجماع الطائفة علی الجواز .

القسم الثالث : وفیه نذکر النصوص الصریحة والمجملة الموجودة فی کتب أصحابنا ، والدالة علی الشهادة الثالثة ، بدءاً بکلام الشیخ الصدوق المتوفی 381 ه ، ومروراً بکلام السیّد المرتضی والشیخ الطوسی وابن البراج وختماً بکلام یحیی ابن سعید الحلی والعلّامة الحلی المتوفی 726 ه ، مع بیاننا لسیرة المتشرّعة فی هذه العصور .

الفصل الثانی : نقل أهمّ أقوال فقهائنا المتأخّرین ومتأخری المتأخرین وانتهاءً بالمعاصرین مع وقوفنا عند کلامهم تعلیقاً وتوضیحاً إن اقتضی الأمرُ .

الفصل الثالث : بیان القرائن التعضیدیة التی یمکن أن تصیر أدلة فیما بعد ،

ص:32

کبعض العمومات ، مثل أن « ذکر علی عبادة » ، وأنّ هذا لیس من الکلام الباطل المخلّ بالأذان ؛ وذلک لوجوده فی أُمور عبادیة أُخری ، کوروده بعد تکبیرة الإحرام ، وعند افتتاح الصلاة ، وفی خطبة الجمعة ، وقنوت العیدین ، وقنوت الوتر ، وفی التشهد والتسلیم ، وما جاء فی استحباب تطابق الأذان وحکایة السامع له ، وغیرها کما فی تلقین المیت ...

باحثین کلّ هذه الامور ضمن الکلام عن الشعاریة ، والتی هی مستند فقهاءنا المعاصرین .

مقدمین لبحثنا بعض البحوث التمهیدیة عن نشأة الغلوّ ، ومنهج القمیّین والبغدادیّین فی العقائد والرجال ، وتعریف البدعة لغة وشرعاً ، وبیان موقع الشهادة بالولایة منها .

منبهین القارئ الکریم علی أن الکتاب مترابط ترابطاً وثیقاً فلا یمکن النظر إلی الأدلة نظرة احادیة مجتزءةً ، فلا یحق للقارئ النظر إلی دلیل دون دلیل آخر بل علیه النظر إلی مجموع الأدلة بما هی مجموع کوحدة متکاملة حتی لا یأخذ فکرة خاطئة عن نظام الاستدلال عندنا .

وختاماً اسال الله جلّ شأنه أن یتقبّل هذا القلیل ، ویجعله فی حسناتی ، مکفّراً به عن سیّئاتی ، آملاً ممّن قرأ کتابی هذا ووقف فیه علی ما لا یرضیة من قولی أن یُوقفنی علی رأیه ، فإنّی طالب علم ، باحث عن الحقیقة ، وأمّا الذی یستحسن ما کتبته فأرجوه أن یُحسنَ لی بالدُّعاء بطلب المغفرة وحسن العاقبة . وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمین .

المؤلف

الاربعاء 15 شعبان 1428 ه

Email: info@shahrestani.org

http://www.shahrestani.org

ص:33

بحوث تمهیدیّة

اشارة

— الشهادة الثالثة بین التفویض والتقصیر .

— منهج القمیین والبغدادیین فی العقائد والرجال.

— الشهادة الثالثة شرع أم بدعة ؟

— الأقوال فی المسألة .

ص:34

ص:35

توطئة

قبل الخوض فی تفاصیل هذه الدراسة لابدّ من الوقوف عند کلام الشیخ الصدوق رحمة الله لأنّه کلام صدر فی القرن الرابع الهجری وعلی لسان شیخ المحدثین ، إذ قال رحمة الله فی ( من لا یحضره الفقیه ) بعد أن ذکر حدیث أبی بکر الحضرمی وکلیب الاسدی - والذی لیس فیه الشهادة الثالثة - :

هذا هو الأذان الصحیح لا یزاد فیه ولا ینقص منه ، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا فی الأذان « محمّد وآل محمّد خیر البریة » مرّتین ، وفی بعض روایاتهم بعد أشهد أن محمّداً رسول الله ، « أشهد أنّ علیّاً ولیُّ الله » مرّتین ، ومنهم من روی بدل ذلک : « أشهد أن علیّاً أمیر المؤمنین حقّاً » مرّتین ، ولا شک أنّ علیّاً ولیّ الله ، وأنّه أمیر المؤمنین حقاً ، وأنّ محمّداً وآله خیر البریة ، ولکنّ ذلک لیس فی أصل الأذان ، وإنّما ذکرت ذلک لیُعرف بهذه الزیادة المتّهمون بالتفویض المدلِّسون أنفسهم فی جملتنا((1)) .

وهذا النص یحمل فی طیاته ثلاث دعاوی أساسیة یجب الوقوف عندها وتوضیحها .

الأُولی : أنّ الشهادة الثالثة هی من فعل المفوّضة الملعونة ، لقوله : « والمفوّضة لعنهم الله » .

الثانیة : أنّ المفوّضة « قد وضعوا أخباراً » فی الشهادة الثالثة . ومن المعلوم أنّ الروایة الموضوعة غیر الروایة الضعیفة .

الثالثة : قوله : « وزادوا » ، یَدُلُّ علی أنّهم أتوا بتلک النصوص علی نحو الجزئیة ، والشیخ لا یرتضیها لقوله : « ولکن ذلک لیس فی اصل الأذان » .


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 289 / ح 897 ، وسائل الشیعة 5 : 422 .

ص:36

إذن علینا توضیح مغزی کلام الصدوق ببعض البحوث التمهیدیة لکی نری هل أنّ کلامه رحمة الله صدر عن حِسٍّ حتی یلزمنا الأخذ به ، أم کان عن حدس یجوز ترکه ، بل إلی أیّ مدی یمکن الاعتماد علی قناعاته واجتهاداته رحمة الله ، وخصوصاً أنّه کان یعیش فی ظروف صعبة .

إنّ الواقف علی مجریات الأحداث بعد رسول الله صلی الله علیه و آله یعلم ما جری علی آل بیت الرسالة من مظالم من قِبَلِ الحکّام ، وأنَّ الرواة وحتّی الصحابة والتابعین والفقهاء کانوا یتّقون السلطة فی نشر روایاتهم وبیان آرائهم ، فلا یمکن معرفة أبعاد صدور أیّ نص منهم ، خصوصاً فی العصر الأموی والعصر العباسی الأوّل أو الثانی ، إلّا بعد معرفة الظروف المحیطة به .

ونحن نظراً لحساسیة کلام الشیخ رحمة الله بدأنا هذه الدراسة بثلاثة مواضیع أساسیة کتمهید لها :

الأُولی : ارتباط الغلوّ والتفویض بالشهادة الثالثة ، وهل حقاً أنّ ما یُؤتی به فی الشهادة الثالثة فیه فکر تفویض أم لا ؟ بل کیف نشأت فکرة الغلو والتفویض ؟ وهل هما مختصان بالشیعة أم أنّهما ظاهرتان أصابتا البشریّة جمعاء ، وجمیع الأدیان والمذاهب ؟ وما هو موقف أهل البیت منها ؟ وهل حقاً أنّ البغدادیین غلاةٌ ، والقمیّین مقصّرةٌ ؟

الثانیة : أشرنا فی منهج القمیّین والبغدادیین فی العقائد والرجال إلی ثلاث نقاط أساسیة ، مؤکّدین بأنّ بعض هذه النقاط هی التی أدّت إلی صدور مثل هذا الکلام عن الشیخ الصدوق رحمة الله .

الثالثة : مناقشة دعوی الزیادة من قبل القائلین بها ، وهل حقاً أنّ هذه الزیادة من وضع المفوّضة ، وقد جاء من قبلهم علی نحو الجزئیة ، أم أنّها کانت موجودة فی الروایات وتقال علی نحو التفسیریة وبقصد القربة المطلقة وأمثالها ؟

ص:37

والذی ینبغی التنبیه علیه هو أن دعوی صدورها عن المفوِّضة وأنّهم وضعوا أخباراً علی نحو الجزئیة فیها هی دعوی مجملة ، إذ لا یستطیع أحد بالنظر البدوی الجزم بمقصود الشیخ الصدوق النهائی إلّا بعد بحث وتمحیص ، وهذا ما یدعو الباحث الموضوعی إلی الوقوف عندها ودراستها بروح علمیة نزیهة ، بعیداً عن التقدیس ، لکی یری مدی تطابقها مع الواقع أو بعدها عنه ، وهذا ما نرید توضیحه ضمن النقاط الثلاث اللاحقة ، مع الإشارة إلی غیرها من البحوث الدخیلة فی فهم المسألة .

مؤکّدین علی أنّ المنهج المتَّبع عند فقهاء ومتکلِّمی مدرسة أهل البیت هو مناقشة الأقوال ، فلا یصان أحد عندهم إلّا المعصوم ، ولیس لهم کتاب صحیح بالکامل إلّا کتاب الله المنزل علی رسوله ، فهم یناقشون أقوال علمائهم واجتهاداتهم وإن کان قد وُلِدَ بعضُهُم - کشیخنا الصدوق رحمة الله - بدعاء الإمام الحجة علیه السلام ، مع اعتقادهم الکامل فیه بأنّه الإمام الثقة ، والصدوق فی القول والعمل ، والحامل إلیهم علوم آل محمّد ، لکنّ هذا کلَّهُ لا یمنعهم من الدخول معه فی نقاش علمیّ منطقیّ رزین ، لأنّه رحمة الله لا یدّعی العصمة لنفسه کما أَنّا لا نقول بعصمته ، وبذلک یکون کلامه رحمة الله عرضةً للخطأ والصواب ، وهو کغیره من الفقهاء، قد یعدل عمّا کان یقول به ویفتی بشیء آخر غیر ما کان یذهب إلیه .

وعلیه فالشیخ رحمة الله لم یتّهم قائل الشهادة الثالثة بالتفویض بل قال : بأنّ المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا فی الأذان ، وبین الامرین فرق واضح .

وهذا الکلام من الشیخ الصدوق لا ینفی وجود نصوص صریحة عنده صدرت عن الإمام الباقر والصادق والکاظم علیهم السلام دالّة علی وجود معنی الولایة والإمامة فی الأذان((1)) لا علی نحو الزیادة والجزئیة ، بل علی نحو التفسیریة کما جاء فی تفسیر معنی « حیّ علی خیر العمل » عن المعصومین ، إذ أراد الإمام الکاظم علیه السلام حثّاً


1- وهذا ما سنوضحه لاحقاً ضمن کلامنا عن الدلیل الکنائی فی الشهادة الثالثة : 159 .

ص:38

علیها ودعوة إلیها فی الأذان ، غیرَ محدِّد علیه السلام لصیغها ، فقد تکون : « أشهد أنّ علیاً ولی الله » وقد تکون : « محمّد وعلی خیر البشر » وقد تکون : « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، وقد تکون شیئاً آخر یرد عنهم علیهم السلام أو یأذنون به ، لکنّها کلّها تتضمن معنی الولایة .

وعلی هذا ، کیف یُتَصَوَّرُ اتّهام شیخنا الصدوق رحمة الله القائلین بما یدلّ علی الولایة فی الأذان بالتفویض ، مع علمه بوجود فصل « حیّ علی خیر العمل » الدالّ علی الولایة لعلیّ ولزوم البرّ بفاطمة وولدها فی الأذان ؟!

وعلیه ، فمع وجود نصٍّ صریح واضح من قبل الأئمّة بأنّ « حیّ علی خیر العمل » هی الولایة ، ووقوفِ الصدوق علی ذلک النص وروایته له - وهو المحدّث المتتبّع - یفهمنا بأنّه رحمة الله یعنی بکلامه القاصدین للجزئیة علی نحو الخصوص لقوله رحمة الله : « لکن ذلک لیس فی أصل الأذان » .

فهل یعقل أن لا یسمح الشیخ للقائلین بها أن یفتحوها بعبارات دالّة علیها - مع التأکید علی أنّها لیست جزءً - دفعاً لاتّهام المتَّهِمِین وافتراءات المُفتَرِین ، أو رفعاً لمنزلة الإمام علیّ عند شیعته وعند غیرهم - المحظور آنذاک - ؟! إِنّ الجواب عن ذلک لا یمکن أن یُتَصَوَّرَ فی هذا المجال إلّا من خلال أحد دوافع ثلاثة دفعت الشیخ لهذا القول . وهی إمّا ظروف التقیة التی کان یعیشها الشیخ ، فإنه رحمة الله قد یکون قالها حقناً لدماء البقیة الباقیة من الشیعة ، خصوصاً وأنّ الشیخ کتب «من لا یحضره الفقیه» بقصبة بلخ من أرض ایلاق الواقع حالیاً شمالی افغانستان.

أو أنّه قالها تبعاً لمشایخه القمیین .

أو أنّه قالها بعد أن وجد المفوِّضة - الطائفة المنحرفة عن الأمة - هم أکثر الناس تبنّیاً علنِیّاً لهذا الشعار ، وأنَّ قولهم لها کان علی نحو الشطریة والجزئیة لقوله رحمة الله « ولکن ذلک لیس فی أصل الأذان » ، وهذا ممّا لا یسمح به الشرع .

و إلیک الآن توضیح النقاط الثلاثة الآنفة :

ص:39

علاقة الغلوّ والتفویض بالشهادة الثالثة

اشارة

«تمهید»

الغلو فی اللّغة : هو تجاوز الحدّ والخروج عن القصد((1)) ، ومنه : غلا السعر یغلو غلاءً ، وغلا الرَّجُلُ غُلُوّاً ، وغلا بالجاریة لحمُها وعظمُها : إذا أسرعت الشباب وتجاوزت لِداتها .

وفی المصطلح : هو الإفراط غیر المرضیّ بالعقیدة ، وهو کأنْ یقول شَخْصٌ بأُلوهیّة النبی((2)) ، أو الإمام((3)) ، أو مشارکته فی العبودیة أو الخلق والرزق ، وأنّ الله تعالی قد حلّ فیهم أو اتّحد بهم ، أو أنّهم یعلمون الغیب بغیر وحی ، أو إلهام ، أو فضل من الله ، أو القول فی الأئمّة أنّهم کانوا أنبیاء ، أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلی بعض ، أو القول بأنّ معرفتهم تغنی عن جمیع الطاعات والعبادات ، ولا تکلیف معها بترک المعاصی .

والاعتقاد بکلّ منها إلحادٌ وکفرٌ وخروج عن الدین ، کما دلّت علیه الأدلة العقلیة ، والآیات ، والأخبار .

والتفویض : هو أن یکون العبد مستقلاًّ فی الفعل بحیث لا یقدر الربّ علی صرفه ، وأنّ الله بعد أن خلق الأئمّة فوّض إلیهم خلق العباد ورزقهم ، وهذا هو الآخر کفر والحاد تَبَرَّأ الأئمّة منه .

قال الشیخ المفید فی تصحیح الاعتقاد : والمفوِّضة صنف من الغلاة ، وقولهم


1- مفردات الراغب : 377 ، لسان العرب 6 : 329 .
2- قال ابن تیمیة فی الجواب الصحیح 3 : 384 ، ظن طائفة من غلاة المنتسبین إلی الإسلام وغیرهم ، أنّ الاشیاء خلقت منه [ أی من النبی صلی الله علیه و آله ] حتی قد یقولون فی محمّد صلی الله علیه و آله من جنس قول النصاری فی المسیح .
3- قال المفید فی تصحیح الاعتقاد : 238 الغلاة من المتظاهرین بالإسلام ، نسبوا إلی أمیر المؤمنین والأئمة من ذریته الألوهیة والنبوة ، ووصفوهم من الفضل فی الدین والدنیا ما تجاوزوا فیه الحدّ وخرجوا عن القصد .

ص:40

الذی فارقوا به من سواهم من الغلاة : اعترافهم بحدوث الأ ئمّة وخلقهم ، ونفی القدم عنهم ، وإضافة الخلق والرزق مع ذلک إلیهم ، ودعواهم أنّ الله سبحانه وتعالی تفرّد بخلقهم خاصّة ، وأنّه فَوَّضَ إلیهم خلق العالم بما فیه وجمیع الأفعال((1)) .

وقال العلّامة المجلسی : وأمّا التفویض فیطلق علی معان ، بعضها منفیُّ عنهم علیهم السلام ، وبعضها مثبت لهم ، فالأول التفویض فی الخلق والرزق والتربیة والإماتة والإحیاء ، فإنّ قوماً قالوا : إنّ الله تعالی خلقهم وفَوَّضَ إلیهم أمر الخلق ، فهم یخلقون ویرزقون ویمیتون ویحیون ، وهذا الکلام یحتمل وجهین :

أحدهما أن یقال : إنّهم یفعلون جمیع ذلک بقدرتهم وإرادتهم وهم الفاعلون حقیقةً ، وهذا کُفرٌ صریح دلّت علی استحالته الأدلة العقلیة والنقلیة ، ولا یستریب عاقل فی کفر من قال به .

وثانیهما : إنّ الله تعالی یفعل ذلک مقارِناً لإرادتهم ، کشقِّ القمر ، وإحیاء الموتی ، وقلب العصا حیة ، وغیر ذلک من المعجزات ، فإنّ جمیع ذلک إنّما تحصل بقدرته تعالی مقارناً لإرادتهم لظهور صدقهم ، فلا یأبی العقل عن أن یکون الله تعالی خلقهم وأکملهم وألهمهم ما یصلح فی نظام العالم ، ثمّ خلق کلّ شیء مقارناً لإرادتهم ومشیتهم .

وهذا وإن کان العقل لا یعارضه کِفاحاً ، لکنّ الأخبار السالفة((2)) تمنع من القول به فیما عدا المعجزات ظاهراً بل صُراحا ، مع أنّ القول به قولٌ بما لا یُعْلَمُ ، إذ لم یرد ذلک فی الأخبار المعتبرة فیما نعلم ... إلی آخر کلامه رحمة الله ((3)) .


1- تصحیح اعتقادات الإمامیة : 134 ، وعنه فی خاتمة المستدرک 5 : 234 ، وبحار الأنوار 25 : 345 .
2- وهی الاخبار التی ذکرها المجلسی قبل هذا الکلام .
3- بحار الأنوار 25 : 347 .

ص:41

نعم ، وردت الأخبار فی تفویض الأحکام إلی النبیّ والأئمّة . ولهذا مبحث مفصل مذکورٌ فی مظانّه .

إنّ فکرة الغلوّ لم تکن ولیدة العصور المتأخّرة ، بل هی قدیمة بقدم تاریخ الإنسان .

فالناس لما أُرسل إلیهم الرُّسل کانوا یتصوّرون لزوم کونهم ملائکة وأنّهم لیسوا من أصناف البشر ، والله سبحانه یؤکّد فی کتابه مراراً بأنّ المرسلین هم أُناس یأکلون ویمشون فی الأسواق ، وهم بشر کغیرهم من الناس ولیس لهم الخلد ، فقال سبحانه : { وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن یُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَیٰ إِلَّا أَن قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً * قُل لَّوْ کَانَ فِی الْأَرْضِ مَلَائِکَةٌ یَمْشُونَ مُطْمَئِنِّینَ لَنَزَّلْنَا عَلَیْهِم مِّنَ السَّمَاءِ مَلَکًا رَّسُولاً }((1)) .

وقال تعالی : { وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَیْهِ مَلَکٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَکًا لَّقُضِیَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا یُنظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَکًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَیْهِم مَّا یَلْبِسُونَ }((2)) .

وقوله تعالی { مَّا الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّیقَةٌ کَانَا یَأْکُلَانِ الطَّعَامَ}((3)) ، وقوله تعالی : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَکَ مِنَ الْمُرْسَلِینَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَیَأْکُلُونَ الطَّعَامَ وَیَمْشُونَ فِی الْأَسْوَاقِ }((4)) ، وقول نبی الله أَیَّوب کما حکاه القرآن : { وَأَیُّوبَ إِذْ نَادَیٰ رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنِیَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ }((5)) ، وقوله تعالی : { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِکَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * کُلُّ نَفْسٍ


1- الاسراء : 94 - 95 .
2- الانعام : 9 .
3- المائدة : 75 .
4- الفرقان : 20 .
5- الأنبیاء : 83 .

ص:42

ذَائِقَةُ الْمَوْتِ }((1)) ، وقوله تعالی مخبراً عن رسول الله : { أَفَإِن ماتَ أَوْ قُتِلَ }((2)) ، إلی غیرها من الآیات .

بلی ، إنّ الیهود والنصاری فرَّطوا وأفرطوا فی هذه الروح الإنسانیة ، حیث فَرّط الیهود فی عیسی حتّی قذفوا مریم ، وأفرطوا فقالوا عزیر بن الله((3)) ، والنصاری غلوا فی عیسی حتی جعلوه ربّاً ((4)) .

وعلیه فالناس کانوا علی ثلاث طوائف :

1 - طائفة تستبعد أن یکون للإنسان - النبی - القدرة علی الارتباط بعالم الغیب ، کما جاء علی لسان قوم شعیب علیه السلام حیث قالوا له : { وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّکَ لَمِنَ الْکَاذِبِینَ }((5)) .

2 - طائفة کانت تُأَلِّه الأَنبیاء ، إذ قال سبحانه : { لَّقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ }((6)) وقال تعالی : { لَّقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ یَنتَهُوا عَمَّا یَقُولُونَ لَیَمَسَّنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ }((7)).

3 - طائفة ثالثة وهم المؤمنون الذین انتهجوا منهج الأنبیاء القائلین : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُکُمْ یُوحَیٰ إِلَیَّ أَنَّمَا إِلَٰهُکُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِیمُوا إِلَیْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَیْلٌ


1- الأنبیاء : 34 ، 35 .
2- آل عمران : 144 .
3- قال سبحانه فی سورة التوبة : 30 { وَقَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَی الْمَسِیحُ ابْنُ اللَّهِ} .
4- قال سبحانه فی سورة المائدة { لَّقَدْ کَفَرَ الَّذِینَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِیحُ ابْنُ مَرْیَمَ } . وقال سبحانه فی سورة النساء : 172 { لَّن یَسْتَنکِفَ الْمَسِیحُ أَن یَکُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ } .
5- الشعراء : 186 .
6- المائدة : 17 ، 72 .
7- المائدة : 73 .

ص:43

لِّلْمُشْرِکِینَ }((1)) ، وقوله تعالی : { قُل لَّا أَقُولُ لَکُمْ عِندِی خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَلَا أَقُولُ لَکُمْ إِنِّی مَلَکٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَیٰ إِلَیَّ }((2)) .

والإمامُ علیُّ أوضح حال المجتمع الإسلامی فی عهده ثمّ من بعده ، وأنّه لا یخرج عن هذه الاتّجاهات الثلاثة :

1 - من یقصّر فی دین الله .

2 - من یغالی فی دین الله .

3 - من ینتهج المنهج الصحیح ویتّخذ الطریقة الوسطی .

فقال علیه السلام : دین الله بین المقصّر ، والغالی ، فعلیکم بالنمرقة الوسطی ، فبها یلحق المقصّر ، ویرجع إلیها الغالی((3)) .

وفی نص آخر عنه علیه السلام : علیکم بالنمرقة الوسطی ، فإلیها یرجع الغالی ، وبها یلحق التالی((4)) .

وأَوْف ولا تَسْتَوفِ حَقَّکَ کُلَّهُ وصافِحْ فَلَم یَسْتَوفِ قَطُّ کَرِیمُ

ولا تَغْلُ فی شیء من الأَمرِ وآ قْتَصِدْ کِلا طَرَفی قَصْدِ الأُ مُورِ ذَمِیمُ((5))

وعن الإمام السجاد علیه السلام : وذهب آخرون إلی التّقصیر فی أمرنا واحتجّوا بمتشابه القرآن ، فتأوّلوه بآرائهم واتّهموا مأثور الخبر ممّا استحسنوا ((6)).


1- الکهف : 110 .
2- الانعام : 50 .
3- انظر الغدیر 7 : 70 عن ربیع الأبرار للزمخشری باب الدین وما یتعلق به من ذکر الصلاة والصوم والحج ...
4- جمهرة الامثال للعسکری 1 : 20 والصفحة 419 ، المثل / رقم 700 ، دار الفکر ط- 2 .
5- عن تفسیر القرطبی 6 : 21 ، والشعر للخطابی ذکره فی کتابه العزلة : 99 . باختلاف إذ قال : تسامح ولا تستوف حقک کُلَّهُ وأبق فلم یستوف قط کریم
6- کشف الغمة 2 : 311 . وعنه فی بحار الأنوار 27 : 193 / ح 52 .

ص:44

ومما لا شکّ فیه هو أنّ التقصیر کان عنواناً للعامّة فی الأعمّ الأغلب ، ثم أُطلِقَ علی بعض الخاصّة بدعوی أنّهم لا یدرکون مقامات الأئمّة .

والغلوّ هو فیمن یرفع النبی والإمام عن مستواهما الإنسانی ویدّعی الربوبیة والخلق والرزق لهما .

والطریقة الوسطی هی اتّباع منهج التشیّع المحمّدی العلویّ الأصیل .

والباحث فی کتب الرجال یقف علی اسماء عدد غیر قلیل ممن عاصروا الأئمة وصفوا بالغلوّ والتفویض ، فقد ذکر الشیخ الطوسی فی رجاله اسماء بعض معاصری الأئمّة الموصوفین بالغلوّ .

فذکر رحمة الله فی أصحاب السجاد علیه السلام : فرات بن الأحنف العبدی ، یرمی بالغلوّ والتفریط فی القول((1)) .

وفی أصحاب االکاظم علیه السلام : ذکر محمّد بن سلیمان البصری الدیلمی قائلاً : له کتاب ، یرمی بالغلوّ((2)) .

وفی أصحاب الرضا علیه السلام : ذکر طاهر بن حاتم ، وعمر بن فرات ، ومحمّد بن جمهور العمیّ ، ومحمّد بن الفضیل الأزدی الصیرفی ، ومحمّد ابن صدقة ، ورماهم بالغلوّ((3)) .

وفی أصحاب الجواد علیه السلام : ذکر الحسن بن علی بن أبی عثمان السجادة مع وصفه له بالغلوّ له ، کما ذکره فی أصحاب الإمام الهادی علیه السلام بنفس الوصف((4)) .


1- رجال الشیخ : 119 / ت 1206 ، وقال الغضائری : غال کذاب ، یروی عن الإمام السجاد والباقر والصادق علیهم السلام ، رجال بن داود : 266 / ت 290 .
2- رجال الشیخ : 343 / ت 5109 .
3- راجع رجال الشیخ : 359 / ت 5314 ، الطاهر بن حاتم ، والصفحة 362 / 5363 ، لعمر بن فرات ، والصفحة 364 / ت 5404 ، لمحمّد بن جمهور العمی ، والصفحة 365 / ت 5423 ، لمحمّد بن فضیل الازدی ، والصفحة 366 / ت 5448 ، لمحمّد بن صدقة .
4- رجال الشیخ : 375 / ت 5548 ، والصفحة 385 / ت 5675 .

ص:45

کما ذکر فی أصحاب الإمام الهادی علیه السلام : أحمد بن هلال العبرتائی ، وإسحاق بن محمّد البصری ، والحسین بن عبید الله القمی ، والحسن بن بابا القمی ، وعلی بن یحیی الدّهان ، وفارس بن حاتم القزو ینی ، وعروة بن یحیی الدهقان ، والقاسم الشعرانی الیقطینی ، ومحمّد بن عبدالله بن مهران الکرخی ، وأبا عبدالله المغازی((1)) .

وممن عدّهم الشیخ من الغلاة فی أصحاب العسکری علیه السلام : محمّد ابن موسی السریعی((2))، ومحمّد بن الحسن بن شمون ، وغیرهما((3)) .

فهنا نتساءل : کیف یمکن تصوّر هکذا حالة فی أصحاب الأئمّة ومعاصریهم((4)) ، أو بین الفقهاء والمحدّثین ممن لهم علاقة بهم علیهم السلام ، مع وقوف الکلّ علی منهج الأئمّة وذمّهم للغلاة والمفوّضة((5)) .

وهل أنّ هذه التهم المتراشقة بین الأطراف هی عناو ین حقیقیة وواقعیة ، أم أنّها تصوّرات واحتمالات أُطلقت من هذا الطرف ضدّ ذاک حرصاً علی المذهب وتحاشیاً من دخول الأجنبیّ ؟

الحقیقة هی أنّا رأینا حین البحث أنّ بعض تلک العناو ین واقعیة ، کما هی فی أبی الخطاب وبنان بن سمعان وآخرین ، وأُخری لم تکن کذلک ، لرجوع القائلین بها عن قولهم أو لأنّ التحقیق العلمی أثبت خلاف المنسوب إلیهم ، کما فی أحمد بن محمّد بن خالد البرقی وأمثاله .


1- رجال الشیخ : 384 - 393 .
2- وفی بعض النسخ « الشریعی » .
3- رجال الشیخ : 402 / ت 5901 ، لمحمّد بن موسی السریعی ، و5903 ، لمحمّد بن الحسن بن شمون .
4- سنتعرض بعد قلیل فی «منهج القمیین والبغدادیین» من صفحة 77 - 128 نماذج من هذا فانتظر .
5- انظر مثلا مقباس الهدایة للمامقانی 2 : 403 - 416 .

ص:46

وعلیه فالغلوّ هو عنوان مشکَّکٌ یطلق تارة علی مدّعی الربوبیة لأشخاص بالخصوص حقیقةً ، وقد تکون تهمةً ، إذ أنّ الأمر لیس کذلک ؛ لأنّ الله قد منح لبعض من اصطفاهم من عباده أشیاءً خاصة من قبیل إحیاء الموتی بإذن الله وإبراء الأکمه بإذنه ، ومن هنا بَدَأَ الصراع بین الاتجاهات الثلاثة عقائدیاً .

فمنهم من یری کذبها ؛ لعدم تحمّل عقولهم لها ، ومنهم من یری أنّهم آلهة أو مفوَّضین من قبل الله سبحانه وتعالی حقّاً ، وکثیر من هؤلاء التبس علیهم الأمر أوّلاً ثمّ رجعوا عما کان یقولون به لمّا اتّضح لهم وجه الأمر .

ومنهم من لا یری سوی أنّهم عبیدٌ اصطفاهم الله سبحانه وتعالی لطهارة أصلهم ، یقدرون علی ما لا یقدر علیه عامة البشر ، بإذن الله لا غیر ، ولو شاء الله لسلبهم هذه القدرة بطرفة عین ..

قال الشیخ المفید : إنّ الأئمّة من آل محمّد صلی الله علیه و آله قد کانوا یعرفون ضمائر بعض العباد ویعرفون ما یکون قبل کونه ، ولیس ذلک بواجب فی صفاتهم ولا شرطاً فی إمامتهم ، وإنّما أکرمهم الله تعالی به وأعلمهم إیّاه للّطف فی طاعتهم والتّمسّک بإمامتهم ، ولیس ذلک بواجب عقلاً ولکنّه وجب لهم من جهة السّماع . فأمّا إطلاق القول علیهم بأنّهم یعلمون الغیب فهو منکر بیّن الفساد ، لأنّ الوصف بذلک إنّما یستحقّه من عَلِمَ الأشیاء بنفسه لا بعلم مستفاد ، وهذا لا یکون إلّا الله عزّ وجلّ ، وعلی قولی هذا جماعة أهل الإمامیة إلّا من شذّ عنهم من المفوّضة ومن انتمی إلیهم من الغلاة((1)) .

وعلیه فإنّ الاختلاف الملحوظ بین العلماء یرجع إلی فَهْمَیْن لطائفة من الروایات یتمسّک بها کلّ واحد فی ما یرید الوصول إلیه وما یعتقد أنه المراد


1- أوائل المقالات : 67 المطبوع ضمن مجموعة الشیخ المفید ج 4 .

ص:47

الصحیح من تلک الروایات((1))، ولیس رمیُ بعض لبعض للعداوة أو للجُزاف کما قد یتصوّره البعض ، علی أنّنا فی الوقت نفسه لا ننکر تسرّع البعض فی إطلاق الأحکام علی الآخر ین قبل التروّی والتأنّی .

وبذلک یکون سلاح التفویض والتقصیر ذا حَدَّین یستخدم من کلّ جانب للاطاحة بالآخر ، وکلا الطرفین یستخدمه حرصاً علی الإسلام ومتبنّیاته العقائدیة .

فنحن لو تناسینا الاتّجاهین المقصِّر والغالی الواقعیَّین ، فإنّ النَّمرقة الوسطی ( الاتّجاه الثالث ) کان خائفاً من دخول أفکار هذین الاتّجاهین ضمن کلام محدّثیهم ورواتهم .

فالبغدادیون المتَّهمون بالغلوّ لیسوا بغلاة ولا مقصِّرة ، کما أنّ الشیعة القمیّین لیسوا کذلک أیضاً ؛ لکن مع ذلک نری صراعاً بین المدرستین البغدادیة والقمّیّة ، واتّهامَ کُلِّ واحد منهما للآخر بالتفویض والتقصیر ، مع اعتقادهما سو یّةً بأنّ الأئمّة سلام الله علیهم بشرٌ معصومون لا قدرة لهم علی شیء إلّا ما أعطاهم الله علی نحو الاصطفاء والاجتباء ، علی منوال المسیح عیسی بن مریم سلام الله علیه الذی کان یحیی الموتی ویُبرئُ الأکمَه بإذنه تعالی . ولا یمکن احتمال شیء فی هذا الصراع سوی الخوف علی المذهب من قِبَل کِلا المدرستین .

فالمدرسة القمیّة تشدّدت فی بعض الأفکار ، وعلی بعض الرواة ، خوفَ الوقوع فی مهلکة التفویض والغلوّ ، والمدرسة البغدادیة أرادت تحریر العقیدة من ذاک التشدید ، خوفَ الوقوع فی زنزانة التقصیر والتفریط بمقامات الأئمّة سلام الله علیهم .

ولو تأ مّلت فی روایات وأقوال الطرفین لصدّقتنا فی مدّعانا ، لأنّک قد تری ما یستشم منه الغلوّ فی مرو یّات القمیین - المتهجّمین علی الغلاة - لأنّ الأصول المعرفیة التی رواها القمیون فیها الکثیر من المعارف التی لا یتحمّلها بعض البشر ، فمثلاً روی


1- انظر علی سبیل المثال ما جاء فی علم الإمام فی الکافی 1 : 239 ، 255 ، 223 ، 228 ، 221 ، 240 ، 241 ، 256 ، 258 ، 253 ، 274 ، 294 ، 297 .

ص:48

ابن قولو یه والکلینی وغیرهما فی إحدی زیارات الإمام الحسین علیه السلام ، ما قد یتخیّل منه الغلوّ کقوله : ( إرادة الربّ فی مقادیر أموره تهبط الیکم وتصدر من بیوتکم )((1)) .

ونحوها الزیارة الجامعة الکبیرة التی فیها غالب مقامات الأئمّة وصفاتهم وکمالاتهم والتی لم یروها إلّا القمیّون ، والشیخ الطوسی رواها عن الصدوق رحمهما الله((2)) ، والصدوق رواها معتقِداً بصحّة جمیع فصولها ، لأنّه کان قد قال فی أوّل الفقیه : « لم أقصد فیه قصد المصنّفین فی إیراد جمیع ما رووه ، بل قصدت إلی إیراد ما أُفتی به وأحکم بصحّته ، وأعتقد فیه أنّه حجّة فیما بینی وبین ربی » .

فعدم روایة الصدوق((3)) المقطع السابق فی زیارة الإمام الحسین - وبشهادة کثرة روایاته فی مقامات الأئمّة العظیمة - لا یعنی أنّه کان من المقصّرة والآخرون من الغلاة . بل یروی أو لا یروی لصحة تلک الروایات عنده أو ضعفها .

إذن ماذا تعنی روایتهم لهذا المقطع مع ما عرف عنهم من وقوفهم أمام الغلاة والمفوِّضة ؟ وعلی أیّ شیء یدل ذلک ؟ وکذا الحال بالنسبة إلی المتّهمین بالتفویض ، فتراهم یروون أحادیث قد تکون ذریعةً لرمیهم بالتقصیر کذلک .

إنّ تشدّد القمیّین لا یعنی اتّهام جمیع البغدادیین بالغلوّ والتفویض ، وکذا الحال بالنسبة إلی القمیین حیث لا یعنی أنّهم کانوا مقصّرین حقاً ، بل إنّ مواقفهم نبعت من حرصهم العمیق علی العقیدة .

وقد أَخرج أحمدُ بن محمّد بن عیسی الأشعری بالفعل، البرقیَّ ، وسهلَ بن زیاد الآدمیَّ ، وغیرهما عن قم ، وهو یشیر إلی وجود عقائد یمکن للمتشدّد تصنیفها


1- انظر کامل الزیارات لابن قولویه : 366 / الباب 790 / ح 616 ، والکافی 4 : 577 / ح 1 ، من باب زیارة قبر أبی عبدالله الحسین علیه السلام ، وعنه فی التهذیب 6:55 / ح 131.
2- تهذیب الاحکام 6 : 95 / الباب 46 / ح 177 ، وانظر روایة الصدوق فی من لا یحضره الفقیه 2 : 609 / ح 213 .
3- الفقیه 2 : 596 .

ص:49

ضمن الغلوّ فی قم ، وإن لم تکن کذلک فی واقع الحال ، وکذا الحال بالنسبة إلی بغداد ، فقد یکون فیها عقائد یمکن تصنیفها فی إطار التقصیر ، مع أنّها لیست کذلک فی واقع الأمر ، وهذا ما سنوضّحه بعد قلیل تحت العنوان الثانی من بحوثنا التمهیدیة ( منهج البغدادیین والقمیین فی الرجال والعقائد ) .

وهو یؤکّد لنا أنّ علماء الشیعة الإمامیة - سواء کانوا فی قمّ أو بغداد أو الریّ أو خراسان أو غیرها - قد حافظوا علی تراث أهل البیت وجَدُّوا فی إیصاله إلی الأجیال اللاّحقة مع کامل الحیطة والحذر من إدراج الدخیل والمزوّر ضمن الأحادیث ، وتمحیصها من الزائف واللصیق ، کی تکون روایاتنا بعیدة عن الغلوّ والتقصیر .

هل الغلو من عقائد الشیعة أم ...

وبعد کلّ هذا نرجع إلی موضوع الشهادة الثالثة ، لکی نری هل أنّه یرتبط بهذا النحو من التفکیر ، أم ذاک ؟ وذلک بعد بیان جملة من المسائل حول الغلو والتفویض .

فمن الثابت المعلوم أنّ الإمام علیاً علیه السلام رجل اتّفق علیه الجمیع ، فالعامّة لا تشکّ فی لیاقته للإمامة وکونه من الخلفاء الراشدین ، والشیعة الإمامیة تعتبره وصیّ رسول ربّ العالمین وخلیفته بلا فصل . فقد ولد الإمام علی فی الکعبة((1)) ، واستشهد فی محراب العبادة((2)) ، وهو المطهر الذی سکن مسجد رسول الله((3)) ، وهو الصدّیق الذی آمن بالله وآدم بین الروح والجسد((4)) ، وهو الذی لم یسجد


1- مستدرک الحاکم 3 : 550 / ح 6044 ، مروج الذهب 2 : 349 ، السیرة الحلبیة 3 : 498 ، خصائص الأئمة : 39 ، نهج الایمان : 660 / الفصل 47 .
2- طبقات ابن سعد 3:33، مشاهیر علماء الامصار:6 ، المعجم الکبیر 1:97 / ح 168.
3- مسند أحمد 1 : 175 / ح 1511 ، تاریخ دمشق 42 : 238 / 165 ، القول المسدد : 18 ، ذخائر العقبی : 76 ، مناقب بن شهرآشوب 2 : 37 ، العمدة : 180 .
4- الأمالی للمفید : 6 / المجلس الاول / ح 3 ، الأمالی للطوسی : 626 / ح 1292 ، بحار الأنوار 39:240 .

ص:50

لصنم قط((1)) ، وهو أولّ القوم إسلاماً ((2)) ، وأسبقهم إیماناً ((3)) لم یسبقه إلی الصلاة إلّا رسول الله((4)) ، وهو أخو الرسول((5)) بل نفسه((6)) ، وزوج البتول((7)) ، وأبو السبطین الحسن والحسین ، وهو الذی بذل مهجته فی نصرة دین الله وحمایة رسول رب العالمین((8)) ، ونام علی فراشه صلی الله علیه و آله ((9)) واقیاً له بنفسه ، وکان صاحب رایته فی


1- تاریخ إربل 1 : 101 ، ایضاح الفوائد 1 : 6 ، بحار الأنوار 42 : 283 ، فتح المغیث 2:184.
2- مسند أحمد 1 : 330 / ح 3062 ، 4 : 368 / ح 19300 ، مسند البزار 9 : 322 / ح 3872 ، الاوائل للطبرانی : 78 / باب أول من أسلم علی بن أبی طالب / ح 51 و53 ، الاوائل لابن أبی عاصم : 79 / ح 70 و74 و107 ، طبقات ابن سعد 3 : 21 .
3- المعجم الکبیر 1 : 95 / ح 163 ، 6 : 269 / ح 6184 ، مسند البزار 9 : 342 / ح 3898 / ح 19303 ، مجمع الزوائد 9 : 102 ، عن الطبرانی ورجاله رجال الصحیح ، الاستیعاب 3 : 1091 ، 1095 ، 4 : 1820 .
4- نهج البلاغة 2 : 13 / الخطبة 131 ، الطبقات الکبری 3 : 21 ، مسند أحمد 4 : 368 ، سنن الترمذی 5 : 305 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 500 ، قال: صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه ، مجمع الزوائد 9 : 103 ، قال : رجاله رجال الصحیح عدا حبة العرنی وقد وثقاه، مصنف بن أبی شیبة 8 : 43 ، سنن ابن ماجه 1 : 44 / ح 120 .
5- سنن الترمذی 5 : 636 / ح 3720 ، مسند أبی یعلی 1 : 437 / ح 445 ، 1 : 401 / ح 528 ، 4 : 266 / ح 2379 ، مسند أحمد 1 : 230 / ح 2040 ، معجم الشیوخ 144 / ح 97 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 15 / ح 4288 ، المعجم الکبیر 12 : 420 / ح 13549 الاصابة 4 : 565 ، تاریخ بغداد 7 : 387 .
6- تفسیر السمعانی 1:327، تفسیر ابن کثیر 1:372، تفسیر البغوی 1:310، المستدرک علی الصحیحین 3:163 / ح 4719 ، قال صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه.
7- سنن أبی داود 2 : 240 ، سنن النسائی 6 : 129 ، 130 ، مسند أحمد 1 : 80 ، مسند البزار 2 : 110 ، تاریخ دمشق 42 : 124 ، البدایة والنّهایة 7 : 342 .
8- اُنظر کلام أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة 1 : 105 ، الخطبة 56 ، و1 : 200 ، الخطبة 104 وما ذکره ابن اعثم فی کتاب صفین : 315 ، 520 ، انظر تاریخ الطبری 2 : 65 ، الأغانی 15 : 187 .
9- تفسیر الطبری 9 : 228 ، الدر المنثور 4 : 51 ، 53 ، المصنف عبدالرزاق 5 : 389 ، المعجم الکبیر 11 : 407 .

ص:51

الحروب((1))وصاحب عَلَمِهِ((2))، وأحبّ الخلق إلیه((3)) ، وأمینه((4))، ووزیره((5))، ووصیه((6))، والمؤدّی عنه دینه((7)) ، والمؤمن الذی لم ینقلب علی عقبیه((8))، والمنتظِر الذی لم یبدّل تبدیلاً ((9)) .


1- اُنظر تاریخ الطبری 2 : 20 ، و2 : 50 ، و2 : 113 ، تاریخ خلیفة : 67 .
2- اُنظر المعجم الکبیر 11 : 65 / ح 11061 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 137 ، 138 ، التفسیر الکبیر 3 : 137 ، 138 ، 8 : 20 ، شرح المقاصد 2 : 300 ، ینابیع المودة 1 : 137 ، 2052 ، 220 ، 222 ، وغیره .
3- اُنظر سنن الترمذی 5 : 636 / ح 3721 ، المعجم الکبیر 1 : 253 / ح 730 ، و7 : 82 / ح 6437 ، و10 : 282 / ح 10667 ، سنن النسائی الکبری 5 : 107 / ح 8398 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 141 / ح 4650 ، و3 : 142 / ح 4651 ، علل الشرائع 1 : 61 ، الفصول المختارة : 96 ، کنز الفوائد : 228 ، الأمالی للطوسی : 253 ، و333 ، و558 ، الاحتجاج للطبرسی 1 : 173 ، و174 و190 .
4- مسند البزار 3 : 105 / ح 891 ، السنة لابن أبی عاصم 2 : 599 / ح 1330 ، المطالب العالیة 8 : 384 / ح 1685 ، مجمع الزوائد 9 : 156 ، خصائص علی للنسائی 1 : 90 / ح 73 .
5- السنن الکبری للنسائی 5 : 126 / ح 8451 ، المعجم الکبیر 12 : 321 ، الذیل علی جزء بقی بن مخلد : 126 ، عیون اخبار الرضا 1 : 16 / ح 30 ، وسائل الشیعة 27 : 186 / ح 33560 ، شرح الاخبار 1 : 121 / ح 48 .
6- بصائر الدرجات : 186 / ح 19 ، علل الشرائع 1 : 170 / ح 1 ، 2 ، کنز الفوائد : 185 ، أمالی الطوسی : 58 / ح 83 ، المعجم الکبیر 3 : 57 / ح 2675 ، شرح النهج 13 : 211 ، تاریخ الطبری 2 : 63 ، جواهر المطالب 1 : 80 .
7- عیون أخبار الرضا 1 : 13/ح 23 ، الخصال : 415/ح 5 ، أمالی الصدوق : 250 / ح 275 ، کفایة الأثر : 121 ، کتاب السنة لابن أبی عاصم:551 / ح 1189 ، السنن الکبری للنسائی 5 : 107 / ح 8397 ، 5 : 134 / ح 8479 ، وخصائصه : 101 ، تاریخ دمشق 42 : 49 .
8- المعجم الکبیر 1 : 107 / ح 176 ، مجمع الزوائد 9 : 134 ، سنن النسائی الکبری 5 : 125 / ح 8450 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 136 / ح 4635 ، مناقب الکوفی 1 : 339 / ح 265 ، العمدة : 444 / ح 927 .
9- الخصال : 376 ، الاختصاص : 174 ، بحار الأنوار 31 : 349 ، و35 : 450 ، و38 : 178 ، و64 : 190 ، ینابیع المودة 1 : 285 .

ص:52

إنّ شخصاً کعلی بن أبی طالب اختصّه الله بأُمور لا تکون عند الآخرین لحریٌ أن یقع محطاً للإفراط والتفریط ، حتّی قال هو عن نفسه : یهلک فیّ اثنان ولا ذنب لی : محبّ مفرط ومبغض مفرّط ، وإنّا لنبرأ إلی الله عزّوجلّ ممن یغلو فینا ، فیرفعنا فوق حدّنا ، کبراءة عیسی ابن مریم من النصاری ، قال تعالی { وَإِذْ قَالَ اللَّهُ یَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَٰهَیْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَکَ مَا یَکُونُ لِی أَنْ أَقُولَ مَا لَیْسَ لِی بِحَقٍّ إِن کُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِی وَلَا أَعْلَمُ مَا فِی نَفْسِکَ إِنَّکَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُیُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِی بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّی وَرَبَّکُمْ وَکُنتُ عَلَیْهِمْ شَهِیدًا مَّا دُمْتُ فِیهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّیْتَنِی کُنتَ أَنتَ الرَّقِیبَ عَلَیْهِمْ وَأَنتَ عَلَیٰ کُلِّ شَیْءٍ شَهِیدٌ }((1)) .

بلی ، قد وصل الأمر بالبعض أن یرفع علیاً علیه السلام إلی حدّ الربوبیة ، وبالبعض الآخر أن ینکر فضائله التی هی أظهر من الشمس وضوحاً عند الجمیع بغضاً وعناداً ((2)) .

ولا یمکن تصوّر وجود حالة « مبغض مفرّط » بین الأصحاب من الشیعة ؛ نعم ، رُبَّ غلوّ وتفو یض قد سری عند البعض منهم نتیجة لظروف مُعَیَّنة وملابسات خاصَّة ، واللافتُ هنا هو أنَّ المخالفین یعمّمون هذا الطعن إلی جمیع الشیعة ، مع أنّا لو تحرَّینا الأَمرَ بدقَّة وتجرُّد لرأینا فقهاءنا قاطبة یقولون بنجاسة


1- عیون أخبار الرضا 1 : 217 وعنه فی بحار الأنوار 25 : 135 / ح 6 ، وانظر نهج البلاغة 2 : 8 / الخطبة 127 ، الغارات 2 : 589 ، شرح الاخبار 2 : 405 / ح 748 . والآیات من 116 = 117 من سورة المائدة آیة 116 - 117 .
2- انظر قول الشافعی فی حلیة الأبرار للبحرانی 2 : 136 ، إذ قیل له : ما تقول فی علی ؟ فقال : وماذا اقول فی رجل أخفت أولیاؤه فضائله خوفاً ، وأخفت اعداؤه فضائله حسداً ، وشاع من بین ذین ما ملأ الخافقین .

ص:53

الغلاة((1)) ، وعدم جواز التزاوج معهم((2)) ، وعدم حلّیة ذبائحهم((3)) ، وعدم جواز تغسیلهم((4))والصلاة علیهم((5)) ، وعدم جواز توریثهم((6)) ، وقال العلّامة الحلی بخروجهم عن الإسلام وإن أقرّوا بالشهادتین((7)) .

والعجیب أنّ الآخرین یتهموننا بالغلو فی حین لا ندری ما رأیهم بقول عمر بن الخطّاب - المعصوم عند ابن العربی((8)) - بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله : « إنَّ رجالاً من المنافقین یزعمون أنَّ رسول الله توفّی ، وإنَّ رسول الله ما مات ولکنّه ذهب إلی ربِّه کما ذهب موسی بن عمران فغاب عن قومه أربعین لیلة ثمَّ رجع بعد أن قیل : مات ؛ والله لیرجعنَّ رسول الله فلیقطعنَّ أیدی رجال وأرجلهم یزعمون أنَّ رسول الله مات »((9)) ؟


1- منتهی المطلب 1 : 148 / البحث الرابع من المقصد الاول من کتاب الطهارة ، تذکرة الفقهاء 1 : 68 ، شرائع الإسلام 1 : 12 ، 13 ، والرسائل التسع : 277 الذکری للشهید الاول 1 : 109 ، العراض الثامن من الفصل الاول من باب الطهارة ، الرسائل العشر لابن فهد الحلی : 146 ، فی النجاسات وأحکامها ، جامع المقاصد 1 : 160 ، مسالک الأفهام 1 : 23 .
2- کشف اللثام 2 : 19 .
3- قواعد الاحکام ، العلّامة الحلی 3 : 318 .
4- قواعد الاحکام 1 : 223 ، شرائع الإسلام 1 : 30 .
5- تذکرة الفقهاء 2 : 25 .
6- قواعد الأحکام 3 : 344 ، تحریر الأحکام 2 : 171 .
7- منتهی المطلب 1 : 152 .
8- الفتوحات المکّیة 1 : 200 . الباب الثلاثون « فی معرفة الطبقة الاولی والثانیة من الاقطاب » ... الخ .
9- تاریخ الطبریّ 2 : 232 ، سیرة ابن هشام 6 : 75 ، الاکتفاء بما تضمنه من مغازی رسول الله 2 : 433 ، السیرة الحلبیة 3 : 475 ، وفی صحیح البخاریّ 3 : 1341 / ح 3467 / الباب الخامس ، قول النبی صلی الله علیه و آله لو کنت متخذاً خلیلاً ، عن عائشة قالت : فقام عمر یقول : والله ما مات رسول الله ، قالت : وقال عمر : والله ما کان یقع فی نفسی إلاّ ذاک ولیبعثنّه الله فلیقطعنّ أیدی رجال وأرجلهم .

ص:54

وفی آخر : « من قال : إنّه مات ، علوت رأسه بسیفی ، وإنّما ارتفع إلی السماء » ((1)).

قال شاعر النیل حافظ إبراهیم :

یصیح : من قال نفس المصطفی قبضت

علوت هامته بالسیف أبریها((2))

وقال إمام الحرمین فی کتابه ( الشامل ) - کما فی ( جامع کرامات الاولیاء ) للنبهانی - : أن الأرض زلزلت فی زمن عمر رضی الله عنه فحمد الله وأثنی علیه ، والأرض ترجف وترتجّ ، ثمّ ضربها بالدرّة وقال : قَرِّی ، ألم أعدل علیک ؟ فاستقرّت من وقتها .

قال : وکان عمر رضی الله عنه أمیر المؤمنین علی الحقیقة فی الظاهر والباطن ، وخلیفة الله علی أرضه ، فهو یعزّر الأرض ویُؤَدِّبُها بما یصدر منها ، کما یعزّر ساکنیها علی خطئاتهم((3)).


1- تاریخ أبی الفداء 1 : 219 ، الغدیر 7 : 74 ، وانظر تاریخ الطبری 2 : 233 وفیه کان عمر یتوعد الناس بالقتل .
2- من ابیات القصیدة العمریة لحافظ إبراهیم . انظر دیوانه 1 : 81 .
3- جامع کرامات الاولیاء : 156 - 158 المکتبة الشعبیة بیروت لبنان ط- سنة 1974 م . وفی التفسیر الکبیر 21 : 74 - 75 فی تفسیر قوله تعالی { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْکَهْفِ } : روی أن نیل مصر کان فی الجاهلیة یقف فی کلّ سنة مرة واحدة ، وکان لا یجری حتی یُلقَی فیه جاریة واحدة حسناء ، فلما جاء الإسلام کتب عمرو بن العاص بهذه الواقعة إلی عمر ، فکتب عمر علی خرقه : أیّها النیل إن کنت تجری بأمر الله فاجر ، وإِن کنت تجری بأمرک فلا حاجة بنا إلیک ، فألقیت تلک الخرقه فی النیل فجری ولم یقف بعد ذلک . الثالث : وقعت الزلزلة فی المدینة فضرب عمر الدرة علی الأرض وقال : اسکنی بإذن الله ، فسکنت وما حدثت الزلزلة بالمدینة بعد ذلک . وقد کان الفخرالرازی قد ذکر قبل ذلک : انّ عمر بن الخطاب بعث جیشاً وأمّر علیهم رجلاً یدعی ساریة بن الحصین ، فبینما عمر یوم الجمعة یخطب جعل یصیح فی خطبته وهو علی المنبر : یا ساریة ، الجبلَ ، الجبلَ ، فوصل الصوت إلی ساریة وهو فی المعرکة ، فأسند ظهره بالجبل فهزم الله الکفار ببرکة ذلک الصوت . وله حکایات أخری للصحابة من احب فلیراجعها فی تفسیره عند ذیل هذه الآیة .

ص:55

هذا هو الغلو ، فذاک غلو فی النبیّ من عمر ، وهذا غلو فی عمر من أتباعه ، لأنّ الزلازل تحکمها قوانین الطبیعة طبقاً لتدبیر الله ، ولو کانت الأرض قد تأدّبت بتعزیر عمر لما حدث زلزال بعد عمر !

بلی ، إنّه غلوّ وتشدّد من عمر حتّی تجاوز حدِّ التنز یل فی صریح قوله تعالی : { إِنَّکَ مَیِّتٌ وإِنَّهُم مَّیِّتُونَ}((1)) .

وقوله : { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَیٰ أَعْقَابِکُمْ... }((2)) ، وبعد سماع عمر لصریح الآیة المبارکة ، قال : « فلکأنّی لم أقرأها إلّا یومئذ »((3)) !

ونحوه ما حکاه العبیدی المالکی فی عمدة التحقیق ص 134 : عن الشیخ زین العابدین البکری أنّه لمّا قُرِئَتْ علیه قصیدة جدِّه محمّد البکری ومنها :

لئن کان مدح الأوَّلین صحائفاً فإنَّا لآیات الکتابِ فواتحُ

قال المراد : بأوَّل الکتاب : { الم * ذَٰلِکَ الْکِتَابُ } فالألف أبو بکر ، واللام الله ، والمیم محمّد((4)) .

وفی السیرة الحلبیة : روی أنّ أبا بکر رضی الله عنه لمّا حضرته الوفاة قال لمن حضره إذا أنا مت وفرغتم من جهازی فاحملونی حتی تقفوا بباب البیت الذی فیه قبر النبی صلی الله علیه و آله ، فقفوا بالباب وقولوا : السلام علیک یا رسول الله ، هذا أبو بکر یستأذن ، فإن أذن لکم - بأن فتح الباب وکان الباب مغلقاً بقفل - فأدخلونی وادفنونی ، وإن لم یفتح الباب فأخرجونی إلی البقیع وادفنونی به ، فلمّا وقفوا علی الباب وقالوا ما ذکر سقط


1- الزمر : 30 .
2- آل عمران : 144 .
3- سنن ابن ماجه 1 : 520 / ح 1627 ، تفسیر القرطبی 4 : 223 ، السیرة الحلبیة 3 : 474 .
4- الغدیر للامینی 8 : 49 ط- 3 دار الکتاب العربی بیروت .

ص:56

القفل وانفتح الباب وسمع هاتف من داخل البیت : أَدْخِلُوا الحبیبَ إلی الحبیب ، فإنّ الحبیب إلی الحبیب مشتاق((1)) .

إنّ ما حکی من موافقات الوحی لعمر ، کلّها حطّ لمقام النبوة علی حساب رفع مقام عمر ، وأنّها أعلی مصادیق الغلوّ فی الصحابة ، ففی تلک الروایات تری عمر أکثر غَیرةً علی العِرْضِ من النبی((2)) ، وتراه أعرف بحکم الصلاة علی المنافق من رسول الله((3)) ، إلی غیرها من الموافقات المغالیة الاخری .

وفی قبال نظرة عمر المغالیة فی النبی نری مواقِفَ للأئمّة الأطهار علیهم السلام وأصحابهم تخالف مثل هذه التوجّهات التی لا تمتّ إلی روح وجوهر الشریعة بشیء ، وقد سجّلت الکتب أمثال هذه المواقف المتعلّقة فی أبواب الفقه فی مسائل النواصب الغلاة ، إضافةً إلی أنّ لأهل البیت روایات أُخری بَیِّنة للردّ علیهما مذکورة ضمن مسائل الفقه والأحکام الشرعیّة الأُخری .

والذی یهمّنا الآن هو : أنّا لا نقول إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله رُفِعَ إلی السماء ، بل نقول جازمین : إنّه مات کما جزم به القرآن الکریم ، وقد حکت الروایة الآتیة تفاصیل مفردات هذا المعنی بکلِّ بیان ووضوح :

لمَّا هَمَّ علیٌّ بغسل النبیّ سمعنا صوتاً فی البیت : إنّ نبیَّکم طاهرٌ مُطَهَّرٌ ، فقال علیُّ : غَسّلُوه ... والله إنّه أمرنی بغسله وکفنه وذلک سُنَّة ، قال : ثمّ نادی مناد آخر « یا علی ! استر عورة نبیک ولا تنزع القمیص »((4)) .


1- السیرة الحلبیة 3 : 493 ، التفسیر الکبیر 21 : 74 فی قوله تعالی : { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْکَهْفِ } ، والروایة کذلک فی تاریخ دمشق 30 : 436 ، والخصائص الکبری 2 : 492 ، وکنز العمال 12 : 241 ، إلّا أنّها فی المصادر الثلاثة الاخیرة روایات منکرة وغریبة .
2- تاریخ الخلفاء : 122 ، 116 ، فضائل الصحابة لاحمد : 11 .
3- تاریخ الخلفاء : 122 - 4 .
4- التهذیب 1 : 468 / ح 1535 ، وسائل الشیعة 2 : 477 / ح 2691 ، مناقب بن شهرآشوب 2 : 88 ، وانظر سنن أبی داود 3 : 196 / ح 3141 ، وسنن ابن ماجة 1 : 471 / ح 1466.

ص:57

فمن الطبیعی جدّاً أن یغسّل النبیّ صلی الله علیه و آله ؛ إذ التغسیل من الأحکام الشرعیة الجاریة علی جمیع المکلّفین المسلمین علی حدّ سواء ولا یستثنی منه نبی أو وصی ، ولو رجعت إلی کتب علمائنا فی العقائد لرأیتهم یخالفون من أخذ بقول بعض شیوخ الأخباریة والشیخیة من القول بطهارة دم الإمام((1))، وذلک لاعتقادنا بجریان الأحکام علی الجمیع من غیر استثناء ؛ إذ أنّ إطلاق نجاسة الدم تشمل دم المعصوم وغیره ، وقد کانوا علیهم السلام یعملون بهذا الحکم ویرفعون الدم عن أجسامهم وملابسهم .

وقد سئل جدّی - من جهة الأُم - الشیخ محمّد علی الکرمانشاهی - ابن الوحید البهبهانی - فی کتابه ( مقامع الفضل ) فأفتی بعدم الطهارة ((2)) ، وادّعی علیه الشهرة من الخاصّة والعامّة .

ومثل الغلوّ ، القول بالتفویض ، فإنّه لم یکن مختصّاً بالشیعة ، فهناک طوائف من العامة تقول بذلک ، ففی کتاب ( التنبیه والردّ علی أهل الأهواء والبدع ) قال : ومن


1- ذهب بعض العامة کالشافعی وبعض الحنفیة والمالکیة وبعض الخاصة کالفاضل الدربندی فی ( اسرار الشهادة ) إلی طهارة دم المعصوم ، مستدلین بآیة التطهیر ، وما روی عن أبی طیبة الحجام من أنه شرب دم النبی صلی الله علیه و آله ، فقال له صلی الله علیه و آله : ما حملک علی ذلک ؟ قال : أتبرک به . قال : اخذت أماناً من الأوجاع والأسقام والفقر والفاقة ولا تمسَّک النار . وغیرها من الروایات الدالة علی فضیلة التبرک بدم النبی والإمام . اُنظر تبیین الحقائق شرح کنز الدقائق ( فی الفقه الحنفی ) 4 : 51 ، والموافقات فی أصول الفقه ( الفقه المالکی ) 4 : 68 الاقناع للشربینی ( فقه شافعی ) 1 : 89 . فالمسالة خلافیة عند المسلمین ولا أثر عملی لها الیوم فی عصر غیبة الإمام المهدی سلام الله علیه ، وإذا اردت المزید یمکنک مراجعة کتاب اللمعة البیضاء : 84 ، للمولی محمّد علی بن أحمد القراجة داغی التبریزی الانصاری ، حیث جمع فیه اراء العلماء وفتاواهم فی هذه المسألة ، نترک الکلام عنها مکتفین بهذا التعلیق .
2- مقامع الفضل 1 : 283 ، مسألة / رقم 275 .

ص:58

القدریة صِنْفٌ یقال لهم المفوّضة زعموا أنّهم یقدرون علی الخیر کلّه بالتفویض الذی یذکرون دون توفیق الله وهداه ، تعالی الله عما یقولون علوّاً کبیراً ((1)) .

فإذن الغلوّ والتفویض هما موجودان عند الآخرین کما هما موجودان عندنا ، فاتّهام طرف دون آخر تجاوزٌ علی المقاییس العلمیة ، وکیل بمکیالین ، ونظر إلی الأمور بنظرة أحادیة ضیّقة غیر موضوعیة .

إنّ وجود مجموعة أو شخصیّات مغالیة داخل مذهب معیّن لا یجیز لنا اتّهام الجمیع بالتطرّف والغلوّ ، لأنّ التطرّف والغلوّ یصیبان الأفراد والجماعات معاً ، ولا یختصان بطائفة دون أخری أو مذهب ودین دون آخر ، والغلو مرفوض من قبل المسلمین الواعین ، وکان الأئمة من أهل البیت هم الأوائل من المسلمین الذین رفضوا فکرة الغلوّ ، فجاء عن ابن خلدون الناصبی قوله : وقد کفانا مؤونة هؤلاء الغلاة أئمّة الشیعة فإنّهم لا یقولون بها ویبطلون احتجاجاتهم علیها ((2)) .

و إلیک الآن بعض الروایات عن أهل البیت ، لتعرف موقفهم من الغلاة والمفوّضة وتأکیدهم علی نفی الغلوّ عن أنفسهم وأنّهم لیسو بآلهة ولا أنبیاء((3)) ، ولیس بیدهم الخلق والرزق ، ولا یعلمون الغیب علی نحو الاستقلال ، وهم بشر


1- التنبیه والرد علی أهل الأهواء والبدع 1 : 174 .
2- مقدمة ابن خلدون : 199 .
3- قال الصادق : من قال إنّا أنبیاء فعلیه لعنة الله ، ومن شکّ فی ذلک فعلیه لعنة الله ، رجال الکشی 2 : 590 / الرقم 540 ، وعنه فی بحار الأنوار 25 : 296 / الرقم 57 . وفی آخر قال الصادق : یا أبا محمّد ابرأ ممن یزعم أنّا أرباب ، قلت : برئ الله منه ، فقال : ابرأ ممن زعم أنّا أنبیاء ، قلت : برئ الله منه ، رجال الکشی 2 : 587 / الرقم 529 ، وعنه فی بحار الأنوار 25 : 297 / الرقم 60 . وفی خبر ثالث عن الصادق علیه السلام أنّه قال : جاء رجل إلی رسول الله فقال : السلام علیک یا ربی ، فقال : مالک لعنک الله ، ربّی وربک الله ، أما والله لکنت ما علمتک لجباناً فی الحرب ، لئیماً فی السلم ، رجال الکشی 2 : 589 / الرقم 534 ، وعنه فی بحار الأنوار 25 : 297 / الرقم 61 .

ص:59

یأکلون ویشربون ویحتاجون فی أُمورهم إلی الآخرین :

فعن مالک الجهنی ، قال : کنّا بالمدینة حین أُجلِیَتِ ] أُجلبت [ الشیعة ، وصاروا فرقاً ، فتنحَّینا عن المدینة ناحیةً ، ثمّ خلونا فجعلنا نذکر فضائلهم وما قالت الشیعة ، إلی أن خطر ببالنا الربوبیة ، فما شعرنا بشی ، إذا نحن بأبی عبدالله علیه السلام واقف علی حمار ، فلم ندر من أین جاء ، فقال : یا مالک ویا خالد متی أحدثتما الکلام فی الربوبیة ؟

فقلنا : ما خطر ببالنا إلّا الساعة .

فقال : آ عْلَما أنّ لنا ربّاً یکلاُنا باللّیل والنهارِ نعبده . یا مالک ویا خالد ، قولوا فینا ما شئتم واجعلونا مخلوقین ، فکرَّرها علینا مراراً وهو واقف علی حماره((1)) .

وعن خالد بن نجیح الجوّاز ، قال : دخلت علی أبی عبدالله علیه السلام وعنده خلق ، فقنّعت رأسی وجلست فی ناحیة وقلت فی نفسی : ویْحَکُمْ ما أغفلکم ؟ عند من تَکَلَّمُون ، عند رب العالمین ؟

قال : فنادانی : ویحک یا خالد ، إنیّ والله عبدٌ مخلوق ، لی ربٌّ أعبده ، إن لم أعبده واللهِ عذّبنی بالنار .

فقلت : لا والله لا أقول فیک أبداً إلّا قولک فی نفسک((2)) .

وعن إسماعیل بن عبدالعزیز ، قال : قال أبو عبدالله : یا إسماعیل لا ترفع البناء فوق طاقته فینهدم ، اجعلونا مخلوقین وقولوا فینا ما شئتم ، فلن تبلغوا .

فقال إسماعیل : وکنت أقول : إنّه .... وأقول ، وأقول((3)) .

وعن سلیمان بن خالد ، قال : کنت عند أبی عبدالله ] الصادق [ وهو یکتب کتباً


1- کشف الغمة 2 : 415 وعنه فی بحار الأنوار 25 : 289 / ح 45 ، وانظر بحار الأنوار 47 : 148 .
2- بصائر الدرجات : 261 / ح 25 ، وعنه فی بحار الأنوار 47 : 341 / ح 25 .
3- بصائر الدرجات :256 / ح 5 ، وعنه فی بحار الأنوار 25 : 279 / ح 22 .

ص:60

إلی بغداد ، وأنا أُرید أن أُودّعه ، فقال : تجیء إلی بغداد ؟ قلت : بلی .

قال : تعین مولای هذا بدفع کتبه ، ففکرّت وأنا فی صحن الدار أمشی ، فقلت : هذا حجة الله علی خلقه ، یکتب إلی أبی أیّوب الجزری ، وفلان ، وفلان یسألهم حوائجه !! فلمّا صرنا إلی باب الدار صاح بی : یا سلیمان ، ارجِعْ أنت وحدک ، فرجعت ، فقال : کتبت إلیهم لأخبرهم أنّی عبدٌ ولی إلیهم حاجة((1)) .

وفی کشف الغمة : عن أیوب ، قال : قال فتح بن یزید الجرجانی : ضمّنی وأبا الحسن ] الهادی علیه السلام [ الطریقُ منصرَفی من مکّة إلی خراسان ، وهو صائر إلی العراق - والحدیث طویل نقتطف منه بعض إخبارات الإمام لفتح عمّا یختلج فی صدره - فقال علیه السلام : ... وأمّا الذی أختلج فی صدرک فإن شاءَ العالمُ أنباک ، إنّ الله لم یظهر علی غیبه أحداً إلّا من ارتضی من رسول ، فکُلُّ ما کان عند الرسولِ کان عند العالم ، وکلُّ ما اطلَّع علیه الرسولُ فقد أَطْلَعَ أوصیاءَهُ علیه ، لئلّا تخلو أرضه من حُجّة ، یکون معه علم یدلُّ علی صدق مقالته ، وجواز عدالته .

یا فتح ، عسی الشیطان أراد اللبس علیک ، فأوهمک فی بعض ما أودعتک ، وشکّک فی بعض ما أنبأتک حتی أراد إزالتک عن طریق الله وصراطه المستقیم ... معاذ الله ، إنّهم مخلوقون مربوبون لله ؛ مطیعون ، داخرون راغبون ، فإذا جاءک الشیطان من قِبَلِ ما جاءک فاقمعه بما أنباتک به .

فقلت له : جعلت فداک فرّجت عنی ، وکشفت ما لبّس الملعونُ عَلَیَّ بشرحک ، فقد کان أوقع فی خَلَدی أنّکم أرباب .

قال : فسجد أبو الحسن وهو یقول فی سجوده : راغماً لک یا خالقی داخراً خاضعاً .

قال : فلم یزل کذلک حتی ذهب لیلی .


1- الخرائج والجرائح 3 : 639 / ح 44 وعنه فی بحار الأنوار 47 : 107 / ح 137 والمتن منه .

ص:61

ثم قال : یا فتح ، کدتَ أن تَهْلِکَ وتُهْلِکَ ، وما ضرَّ عیسی علیه السلام إذا هلک من هلک ، فاذهب إذا شئت رحمک الله .

قال : فخرجت وأنا فرح بما کشف الله عنّی من اللبس ، بأنّهم هم ؛ وحمدت الله علی ما قدرت علیه ، فلمّا کان فی المنزل الآخر دخلت علیه وهو مُتَّک وبین یدیه حنطة مقلوّة یعبث بها ، وقد کان أوقع الشیطان فی خَلَدِی أنّه لا ینبغی أن یأکلوا ویشربوا إذ کان ذلک آفة ، والإمامُ غیرُ مَؤُوف((1)) ، فقال : اجلس یا فتح ، فإنّ لنا بالرسل أسوة ، کانوا یأکلون ویشربون ویمشون فی الأسواق ، وکلُّ جسم مَغْذُوٌّ بهذا إلّا الخالق الرازق .. والحدیث طو یل((2)) .

وعن ابن المغیرة ، قال : کنت عند أبی الحسن علیه السلام أنا ویحیی بن عبدالله بن الحسن علیه السلام ، فقال یحیی : جعلت فداک ، إنّهم یزعمون أنّک تعلم الغیب ، فقال : سبحان الله ، ضع یدک علی رأسی ، فوالله ما بقیت فی جسدی شعرة ولا فی رأسی إلّا قامت ، قال : ثمّ قال : لا والله ما هی إلّا روایة عن رسول الله((3)) .

وعن سدیر ، قال : قلت لأبی عبدالله : إنّ قوماً یزعمون أنّکم آلهةٌ ... قال : یا سدیر ، سمعی وبصری وشعری وبشری ولحمی ودمی من هؤلاء بُراءٌ ، برئَ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء علی دینی ودین آبائی ، والله لا یجمعنی الله وإیّاهم یوم القیامة إلّا وهو علیهم ساخط .

قال : قلت : فما أنتم جعلت فداک ؟

قال : خزّان علم الله ، وتراجمةُ وحی الله ، ونحن قوم معصومون ، أمر الله بطاعتنا ، ونهی عن معصیتنا ، نحن الحجّة البالغة علی من دون السماء وفوق


1- أی لا یصاب بآفة .
2- کشف الغمة 3 : 179 - 182 ، وعنه فی بحار الأنوار 50 : 177 / الرقم 56 .
3- انظر رجال الکشی 2 : 587 / 530 .

ص:62

الأرض((1)) .

وعلیه ، فإنّ مسألة وجود الغلوّ والغلاة والتفویض والمفوّضة کانت موجودة عند الطرفین، وإنّها نشأت من المتطرّفین لا المعتدلین والمتفهّمین ، وکذا الأمر بالنسبة إلی المقامات ، فقد یُرمَی بعضُ العارفین بالتفویض أو الغلو لعدم تحمّل الآخرین سماع تلک المقامات ، وقد تستغلّ تلک المقامات وتُعطَی للاخرین زوراً وبهتاناً ، کل هذه الأمور جعلت من الغلو والمعرفة سلاحاً ذا حدَّین ، وخلاصة کلامنا هو : إنّ فکرة الغلو لا تختص بها الشیعة ، فهناک فرق ومذاهب فیها اتّجاهات مغالیة کذلک .

فقد روی ابن الجوزی فی مناقب أحمد ، قال : حدّثنی أبو بکر بن مکارم ابن أبی یعلی الحربی - وکان شیخاً صالحاً - قال : قد جاء فی بعض السنین مطر کثیراً جدّاً قبل دخول رمضان بأ یّام ، فنمت لیلة فی رمضان ، فرأیت فی منامی کأنّی جئت علی عادتی إلی قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره ، فرأیت قبره قد التصق بالأرض مقدار ساف - أی صف من الطین أو الَّلبِن - أو سافین ، فقلت : إنّما تمّم هذا علی قبر الإمام أحمد من کثرة الغیث ، فسمعته من القبر وهو یقول : لا بل هذا من هیبة الحقّ عزّوجلّ قد زارنی ، فسألته عن سرّ زیارته إیّای فی کلّ عام ، فقال عزّ وجلّ : یا أحمد لأنّک نصرت کلامی فهو یُنشَر ویُتلی فی المحاریب .

فأقبلت علی لحده اُقبّله ، ثمّ قلت : یا سیّدی ما السرّ فی أنّه لا یُقَبَّل قبرٌ إلّا قبرک ؟

فقال لی : یا بُنیّ لیس هذا کرامة لی ولکن هذا کرامة لرسول الله صلی الله علیه و آله ، لأنّ معی شعرات من شعره صلی الله علیه و آله ، ألا ومَن یحبّنی یزورنی فی شهر رمضان ، قال ذلک


1- انظر رجال الکشی 2 : 594 / 551 .

ص:63

مرّتین((1)) .

وقال ابن الجوزی فی ( الیاقوت فی الوعظ ) : إنّ الله خصّ أبا حنیفة بالشریعة والکرامة ، ومن کرامته أنّ الخضر علیه السلام کان یجیء إلیه کل یوم وقت الصبح ، ویتعلّم منه أحکام الشریعة إلی خمس سنین ، فلمّا توفی أبو حنیفة ، دعا الخضر علیه السلام ربّه فقال : یا رب إن کان لی عندک منزلة فَأْذَن لأبی حنیفة حتّی یعلّمنی من القبر علی عادته ، حتّی أعلّم الناس شریعة محمّد صلی الله علیه و آله علی الکمال لیحصل لی الطریق ، فأجابه ربّه إلی ذلک ، وتمّت للخضر صلی الله علیه و آله دراسته علی أبی حنیفة وهو فی قبره فی مدّة خمسة وعشرین سنة((2)) .

وقد حدّث المقدسی فی ( أحسن التقاسیم ) دخوله إلی أصفهان بقوله : وفیهم بَلَهٌ وغلوٌّ فی معاویة ، ووصف لی رجل بالزهد والتعبّد ، فقصدته وترکت القافلة خلفی ، فبتّ عنده تلک اللیلة ، وجعلت أسائله إلی أن قلت : ما قولک فی الصاحب ؟ فجعل یلعنه .

قلت : ولِمَ ؟

قال : إنّه أتی بمذهب لا نعرفه .

قلت : وما هو ؟

قال : إنّه یقول أنّ معاویة لم یکن مرسلاً .

قلت : وما تقول أنت ؟

قال : أقول کما قال الله عزّوجلّ : { لا نُفرِّقُ بینَ أحد مِنْ رُسُلِهِ } ، أبو بکر کان مرسلاً ، وعمر کان مرسلاً ، حتّی ذکر الأربعة ، ثمّ قال : ومعاویة کان مرسلاً .


1- مناقب أحمد : 454 .
2- الیاقوت فی الوعظ ، لأبی فرج علی بن الجوزی : 48 . وهذا الکلام مصداق لقول القائل : حدّث العاقل بما لا یلیق فان صدقک فلا عقل له .

ص:64

قلت : لا تفعل ، أمّا الأربعة فکانوا خلفاء ، ومعاویة کان مَلِکاً ، وقال النبیّ صلی الله علیه و آله : « الخلافة بعدی إلی ثلاثین ثمّ تکون مُلکاً » فجعل یُشنّع علیَّ ، وأصبح یقول للناس : هذا رجل رافضیّ .

قال المقدسی : فلو لم أهرب وأدرکت القافلة لبطشوا بی((1)) .

وعلیه إنّ القول باختصاص الشیعة بالغلوّ دون الآخرین فیه مجازفة وبهتان وابتعاد عن الحقیقة والواقع .

نعم، توجد مجموعة مغالیة دسّت نفسها بین الشیعة، واُخری مالت إلی التفویض ، وعندما أراد الإمام علیّ إحراق الغلاة ، خنقاً بالدخان ، قالوا : هذه من وظائف الرب ، إذ لا یعذب بالنار إلّا ربّ النار((2)) . لکنّ الأئمة کانوا یعارضون تلک الأفکار الفاسدة ویصحّحون لمن التبس الأمر علیهم، ویَدعونهم إلی الجادة الوسطی .

فعن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال : إنّ علیّاً لمّا فرغ من قتال أهل البصرة أتاه سبعون رجلاً من الزطّ فسلّموا علیه وکلّموه بلسانهم ، فردّ علیهم بلسانهم ، ثم قال لهم : إنّی لست کما قلتم أنا عبدالله مخلوق ، فأبوا علیه وقالوا له : أنت هو .

فقال لهم : لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم فیّ وتتوبوا إلی الله عزّوجلّ لأقتلنّکم ، فأبوا أن یرجعوا ویتوبوا ، فأمر أن یُحفَرَ لهم آبار ، فحفرت ، ثمّ خرق بعضها إلی


1- أحسن التقاسیم : 339 ، طبعة القاهرة 1411 ه- - 1991م ، «مکتبة مدبولی» .
2- جاء فی رجال الکشی 1 : 323 / الرقم 170 ، عن الإمام الباقر أنه قال : إنّ عبدالله بن سبا کان یدّعی النبوّة ویزعم أنّ أمیر المؤمنین علیه السلام هو الله ( تعالی عن ذلک ) . فبلغ ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام فدعاه وسأله فأقرّ بذلک ، وقال : نعم أنت هو ، وقد کان اُلقی فی روعی أنّک أنت الله وأ نّی نبیّ . فقال له أمیر المؤمنین علیه السلام : ویلک قد سخر منک الشیطان فارجع عن هذا ثکلتک اُمّک وتب ، فأبی ، فحبسه واستتابه ثلاثة أیّام فلم یتب ، فأحرقه بالنّار ، وقال : إنّ الشیطان استهواه فکان یأتیه ویلقی فی روعه ذلک .

ص:65

بعض ثمّ قذفهم ] فیها [ ، ثمّ خَمَّر رؤوسها ، ثمّ أُلِهبت النار فی بئر منها لیس فیها أحد منهم ، فدخل الدخان علیهم فیها فماتوا ((1)) .

وروی عن الإمام الرضا علیه السلام أنّه قال فی جواب من سأل عن معنی { غَیْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَیْهِمْ وَلَا الضَّآلِّینَ} : بأنّ من تجاوز بأمیر المؤمنین العبودیة فهو من المغضوب علیهم ومن الضالین .

ثمّ راح الإمام یصف ربَّ العالمین ، فقال الرجل : بأبی أنت وأمّی یا بن رسول الله ، فإنّ معی من ینتحل موالاتکم ویزعم أنّ هذه کلّها صفات علیّ علیه السلام ، وأنّه هو الله ربّ العالمین .

قال : فلمّا سمعها الرضا علیه السلام ارتعدت فرائصه وتصبّب عرقا ، وقال : سبحان الله سبحان الله عمّا یقول الظالمون ، والکافرون ، أو لیس کان علیّ علیه السلام آکِلاً فی الآکلین ، وشارِباً فی الشاربین ، وناکحاً فی النّاکحین ، ومُحْدِثاً فی المحدثِین ؟ وکان مع ذلک مصلّیاً خاضعاً بین یدی الله ذلیلاً ، وإلیه أوّاهاً منیباً ، أفمن کان هذه صفته یکون إلهاً ؟!

فإن کان هذا إلهاً فلیس منکم أحد إلّا وهو إله ، لمشارکته له فی هذه الصفات الدالاّت علی حدث کلّ موصوف بها ...

فقال الرجل : یابن رسول الله إنّهم یزعمون أنّ علیّاً لمّا أظهر من نفسه المعجزات الّتی لا یقدر علیها غیر الله تعالی دلّ علی أنّه إله ، ولمّا ظهر لهم بصفات المحدَثِین العاجزین لبّس بذلک علیهم وامتحنهم لیعرفوه ، ولیکون إیمانهم به اختیاراً من أنفسهم .

فقال الرضا علیه السلام : أوّل ماههنا أنّهم لا ینفصلون ممّن قَلَبَ هذا علیهم فقال : لمّا ظهر منه الفقر والفاقة دلّ علی أنّ مَن هذه صفاته وشارکه فیها الضعفاء المحتاجون


1- الکافی 7 : 259 / ح 23 / من باب حد المرتد ، من لا یحضره الفقیه 3 : 150 / 3550 ، وانظر مناقب بن شهرآشوب 1 : 227 ، وبحار الأنوار 25 : 285 / ح 38 عن المناقب ، و25 : 287 / ح 43 عن الکشی ، و40 : 301 / ح 77 عن الکافی .

ص:66

لا تکون المعجزات فعله ، فعلم بهذا أنّ الّذی ظهر منه من المعجزات إنّما کانت فعل القادر الّذی لا یشبه المخلوقین ، لا فعل المحدَث المحتاج المشارک للضعفاء فی صفات الضعف ...

ثمّ قال الرضا علیه السلام : إنّ هؤلاء الضُّلاّل الکفرة ما أُتُوا إلّا من جهلهم بمقادیر أنفسهم حتّی اشتدّ إعجابهم بها ، وکثر تعظیمهم لما یکون منها ، فاستبدّوا بآرائهم الفاسدة ، واقتصروا علی عقولهم المسلوک بها غیر سبیل الواجب ، حتّی استصغروا قدر الله ، واحتقروا أمره ، وتهاونوا بعظیم شأنه ، إذ لم یعلموا أنّه القادر بنفسه ، الغنیّ بذاته الّذی لیست قدرته مستعارة ، ولا غناهُ مستفاداً ، والّذی من شاء أفقره ، ومن شاء أغناه ، ومن شاء أعجزه بعد القدرة وأفقره بعد الغنی .

فنظروا إلی عبد قد اختصّه الله بقدرته لیبیّن بهذا فضله عنده ، وآثره بکرامته لیوجب بها حجّته علی خلقه ، ولیجعل ما آتاه من ذلک ثوابا علی طاعته ، وباعثاً علی اتّباع أمره ، ومؤمناً عباده المکلّفین مِنْ غلط مَنْ نصبه علیهم حجّة ولهم قدوة ...((1))

بلی ، إنّ الکرامات التی ظهرت من الأئمّة هی التی دعت هؤلاء أن یغلوا فیهم ، لأنّهم لم یکونوا أُناساً عادیین ، لأنّ الله قد منحهم وأعطاهم أشیاءً لم یعطها لآخرین ، فتصوّروا أنّها من فعلهم علی نحو الاستقلال ، فی حین أنّ هذه الامور لم تکن من فعلهم علی وجه الاستقلال ، بل هی فعل القادر المتعال ، الذی لا یشبه فعله فعل أحد من الناس . فتصوّروا أنّهم آلهة فی حین أنّهم { عِبَادٌ مُّکْرَمُونَ * لَا یَسْبِقُونَهُۥ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ }((2)) .

وأمّا أهل التفویض فإنّهم لا یذهبون إلی کون النبیّ أو الإمام إلهاً کالغلاة ،


1- تفسیر العسکری : 52 - 58 وعنه فی الاحتجاج للطبرسی 2 : 232 - 234 وعنه فی بحار الأنوار 25 : 273 / ح 20 .
2- الأنبیاء : 26 ، 27 .

ص:67

لکنّهم یضفون علیه بعض صفات الأُلوهیَّة ، کالخالقیة والرازقیة والغافریة وتدبیر أمر الخلق وما شابه ذلک علی نحو الاستقلال .

فالغلاة کفرة ، والمفوِّضة مشرکون ، والغلاة حسب تعبیر الأئمّة : یصغّرون عظمة الله ویدّعون الربوبیة لعباد الله((1)) ، والمفوِّضة لیسوا بأقلّ من أُولئک .

الشهادة الثالثة بین التفویض والتقصیر

لا یسعنا إلّا أن نؤکّد أنّ ثمة صراعاً قد حدث بین بعض المحدِّثین والمتکلّمین فی هذه المسألة فی العصور اللاحقة ، حیث نسب المحدّثون بعض الأُمور إلی أنّها نحوُ من أنحاء الغلوّ ، فی حین ذهب المتکلّمون إلی أنّ عدم الاعتقاد بها من التقصیر بمقامات هؤلاء الخُلّص من عباد الله ، ولیست هی من الغلو والتفویض فی شیء ، لکونها ، لیست إلّا ملکات خاصة أعطاها الله للنبی والأئمة المعصومین من ذریته ، وقالوا للآخرین : إنّ ما تقفون علیه فی بعض الأخبار ما هو إلّا ذرّة من بحر ، وحیثما لا یمکنکم استیعاب ما منح الله للمعصومین من أشیاء فی عالم الوجود والخلق ، أنکرتموها وقلتم أنّها موضوعة أو ضعیفة((2)) .

إنّ الصراع الدائر بین بعض المحدِّثین من جهة ، وبعض المتکلّمین من جهة أُخری ، حول مسألة الغلو والتفویض ، تعود إلی القرن الثانی الهجری وأوائل القرن الثالث ، وهو لیس بالأمر الهیِّن ، إذ یمتاز بالعمق والحسَّاسیة ، ولا ینبغی التعامل معه بهامشیّة ، والبحث فیه بحاجة ماسَّة إلی دراسة مستفیضة لمدرسة القمیّین


1- أمالی الطوسی : 650 / ح 1349 وعنه فی بحار الأنوار 25 : 265 ح 6 / باب نفی الغلو ...
2- انظر ذلک فی بحار الأنوار 25 : 345 - 350 ، مستدرک سفینة البحار 8 : 17 ، وکتب الشیخ المفید والسیّد المرتضی .

ص:68

والبغدادیین الکلامیة ، ثمّ الإشارة إلی المعاییر الرجالیة فی الجرح والتعدیل عندهما ، وبیان حدود وخصائص کلّ واحد منهما علی انفراد .

وذلک لأنّ جملة الشیخ الصدوق رحمة الله فی الشهادة الثالثة : « والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا اخباراً وزادوا فی الأذان » یجب النظر إلیها بشیء من التحلیل مع بیان ملابسات الظروف المحیطة به عند بیاننا لکلامه رحمة الله .

فهل هذه المفردة هی من وضعهم حقّاً ، أم أنّه ادَّعاء ، إذ أنّهم عملوا بشیء صحّ صدوره أو تقریره عن الشارع المقدس ، فاتُّهِموا بالوضع ؟

مما لا شکّ فیه أنّهم لو قالوا فی أذانهم : أشهد أن علیّاً محیی الموتی ورازق العباد ، وأشباههما لصحّ کلام الصدوق رحمة الله ، لکنّ الحال لم یکن کذلک .

فکل ما نقف علیه هو الشهادة بالولایة والإمرة لعلی ، وهذا بنحو عام یقبله الجمیع ولا یختلف فیه اثنان ؛ فالاختلاف والبحث وقع فی معناها الخاص وورودها أو عدم ورودها فی خصوص الأذان .

بل ما الذی یستفیده المفوّضة من وضع هکذا أخبار :

1 - محمّد وآل محمّد خیر البریة .

2 - علیٌّ أمیر المؤمنین حقاً .

3 - علیٌّ ولی الله .

فهل نَقْلُ هکذا روایات تساعدهم لإثبات فکرة التفویض ؟ وهل فیها ما یثبت بأنّ الله قد فّوض أمر الخلق إلی علیٍّ وأولاده المعصومین ؟

فلو کان فی هذه الجمل ما یدل علی التفویض ، لکان لقائل أن یقول أنّ الشهادة للنبی بالرسالة هو الآخر من علائم التفویض ؟ لان فیه جعله أمیناً علی الرسالة ؟

ولو صحّ کلام الصدوق رحمة الله فلماذا لا تکون الروایات الاُخری - والتی أفتی بها

ص:69

هو((1)) ، وما جاء فی الکتاب المنسوب إلی والده((2)) فی دعاء التوجّه إلی الصلاة ، والتشهد والتسلیم ، وخطبة الجمعة ، وکلّها فیها ما یدلّ علی الإقرار بالشهادة بالولایة - هی من وضع المفوّضة ؟

إنّها تساؤلات یجب بحثها لاحقاً بکلّ هدوء وتروِّ ، مراعین التجرّد والإنصاف .

وممّا یؤسف له حقّاً أنّ بعض الکتّاب الجُدُد أرادوا الخدش والطعن فی بعض الروایات الصحیحة المعتبرة ، باتّهام رواتها بالغلوّ والتفویض والوضع ؛ لأنّهم رووا بعض العقائد التی لا تتحملها عقولهم((3)) ، جریاً مع من سبقهم ، فی حین أنّ بیان هکذا مقامات لهؤلاء العباد المخلصین لا تقتصر علی الشیعة ، فثمّة مجموعة لا یستهان بها من الفرق الاُخری کأتباع ابن العربی أو غیره ، لهم عقائد فی الأولیاء والصالحین ، قد یعدّها من یخالفهم غلواً ، وهم یروون نصوصاً یستدلّون بها علی عقائدهم ، ولو رجعت إلی کتب الصوفیة لرأیتهم یعتبرون آل البیت هم الأقطاب والأولیاء الحقیقیین لهذه الأمّة .

نحن لا نرید أن نصحّح أعمال الصوفیة أو أن نوحی بأنّا مؤمنون بها ، بقدر ما نرید الإشارة إلیه من سموّ مکانة هؤلاء الأئمة المنتجبین الصالحین عند جمیع المسلمین .

ولا یخفی علیک بأن بعض الکُتَّاب ذهبوا إلی أنَّ ما رواه الصدوق « خُلِقُوا من فضل طینتنا »((4)) وما یشابهها ، ما هی إلّا من وضع المفوّضة !

إنَّ إثبات صحّة أو بطلان مثل هذه العقائد بحاجة إلی دراسة شاملة ، لأنّه لیس من الصواب الانصیاع إلی حکم عائم کهذا دون مراجعة مجموعة أقوال


1- المقنع : 93 ، 96 الفقیه 1 : 304 / ح 916 ، والصفحة 319 / ح 945 .
2- فقه الرضا : 104 ، 108 ، 109 .
3- انظر کلام الدکتور حسین المدرسی الطباطبائی فی (المبانی الفکریة للتشیع) الفصل الثانی .
4- أمالی الصدوق : 66 / المجلس الرابع / ح 32 ، عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه و آله ، وانظر فضائل الاشهر الثلاثه للصدوق : 105 / ح 95 ، عن أبی الحسن علیه السلام . روضة الواعظین : 296 ، وفیه « من فاضل طینتنا » ، وسائل الشیعة 25 : 136 / ح 31438 ، عن أبی الحسن الرضا علیه السلام وفیه : « من طینتنا » .

ص:70

المعصومین ، فالعقل یدعو إلی تبیان الدلیل فی حال نسبة هذا العمل إلی المفوّضة وذاک إلی الغلاة ، وإلّا فالأمر سوف لا یتعدَّی سیاق المهاترات ، والحال هذه .

لقد أکدنا قبل قلیل بأن الله اصطفی واجتبی بعض عباده ، وأنّ علم الغیب یختص به تعالی ، لکنّه منح ذلک لمن ارتضاهم ، لقوله : { عَٰلِمُ الْغَیْبِ فَلَا یُظْهِرُ عَلَیٰ غَیْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَیٰ مِن رَّسُولٍ }((1)) ، وقوله تعالی : { وَمَا کَانَ اللهُ لِیُطْلِعَکُمْ عَلَی الْغَیْبِ وَلَٰکِنَّ اللهَ یَجْتَبِی مِن رُّسُلِهِ مَن یَشَآءُ }((2)) .

وقد أعطی بالفعل لوطا ((3)) وسلیمان((4)) وداود((5)) علماً ، وهو سبحانه القائل : { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}((6)) .

وقال سبحانه : { قَالَ الَّذِی عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْکِتَابِ أَنَا آتِیکَ بِهِ قَبْلَ أَن یَرْتَدَّ إِلَیْکَ طَرْفُکَ }((7)) ، وقال سبحانه : { وَلَقَدْ آتَیْنَا لُقْمَانَ الْحِکْمَةَ أَنِ اشْکُرْ لِلَّهِ }((8)) .

وکلّ ذلک یوصلنا إلی أنّ الله سبحانه قادر علی أن یعطی علمه للأنبیاء والأوصیاء والصالحین من عباده ، وحتی أنّه یمکنه أن یعطیها لبعوضة ، والأنبیاء والأئمّة هُم أکرم عندالله من بعوضة((9)) ، وقد اعطی هذا العلم بالفعل لکثیر من الأنبیاء والأوصیاء وعباده المصطفین .

وعلیه ، فإنّ ما قلناه هو إعلام من الله ولیس عِلْمَ غیب استقلالیّاً کما یتخیّله


1- الجن : 26 .
2- آل عمران : 179 .
3- الأنبیاء : 74 .
4- الأنبیاء : 79 ، النمل : 15 .
5- النمل : 15 .
6- الکهف : 65 .
7- النمل : 40 .
8- لقمان : 12 .
9- ورد هذا المعنی عن الإمام الجواد ، انظر بحار الأنوار 50 : 100 / ح 12 ، عن عیون المعجزات .

ص:71

بعض الناس ، وهو لیس شرطاً فی نبوتهم أو إمامتهم ، بل هو لطف من الله تعالی فی طاعتهم .

فقد قال بعض أصحاب الإمام علی علیه السلام له : لقد أُعطیت یا أمیر المؤمنین علم الغیب .

فضحک علیه السلام ، وقال للرجل وکان کلبیاً : یا أخا کلب لیس هو بعلم غیب ، وإنّما هو تَعَلُّمٌ من ذی علم ، وإنّما علم الغیب علم الساعة وما عَدَّدَ الله سبحانه بقوله { إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ }((1)) ... فیعلم سبحانه ما فی الأرحام من ذکر وأنثی ، وقبیح أو جمیل ، وسخیّ أو بخیل ، وشقی أو سعید ، ومن یکون فی النار حطباً ، أو فی الجنان للنبیین مرافقاً ، فهذا علم الغیب الذی لا یعلمه أحد إلّا الله ، وما سوی ذلک فعلم عَلَّمهُ الله نبیَّهُ فعلَّمنیه ، ودعا لی بأن یعیه صدری ، وتضطَّم علیه جوانحی((2)).

وقد أکّد نبیّ الله هود لقومه بأنّه لیس عنده خزائن الله ولا یعلم الغیب ولا یقول أنّه ملک ، کما فی قوله تعالی : { وَلَا أَقُولُ لَکُمْ عِندِی خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَیْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّی مَلَکٌ }((3)).

وقد قال عیسی لقومه : { أَنِّی أَخْلُقُ لَکُم مِّنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَکْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْیِی الْمَوْتَیٰ بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُکُم بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِی بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِی ذَٰلِکَ لَآیَةً لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ }((4)).

فإذا کان بین البشر من یطلعه الله علی الغیب ، ویحیی الموتی ویُبرئُ الأکمه بإذنه ، فهو إعلام من الله للناس بذلک ، وفضل منه إلیه ، فلا غرابة أن یکلّم النبیُّ


1- لقمان : 34 .
2- نهج البلاغة 2 : 11 ، من کلام له علیه السلام فیما یخبر به من الملاحم بالبصرة ، وعنه فی بحار الأنوار 26 : 103 / ح 6 ، و32 : 250 ، و41 : 335 .
3- هود : 31 .
4- آل عمران : 49 .

ص:72

أو الإمامُ الحیوانات بفضل الله کما فی نبی الله سلیمان علیه السلام .

وما جاء فی الکشی عن الفضل بن شاذان((1)) من أنّه کان ینکر علم الإمام بضمائر الناس وتکلّمه مع الحیوانات بلغاتهم وغیرها ، إنّما کان إنکارهم لعلمهم بتلک الأمور علی نحو الاستقلال لا من باب اللُّطف والفضل ، فإنّ هذا ممّا لا یمکن لأحد إنکاره .

وعلیه فلا یستبعد أن یکون هؤلاء الأئمّة هم الذین یحیون الموتی ویطّلعون علی ضمائر الناس ، لکن لا علی نحو الاستقلال ، ولا من باب استجابة الدعاء الذی یلحظ للصالحین والأبرار من عباد الله ، بل لأنَّ مرتبتهم المفاضة فوق تلک المراتب ، وإن الله تعالی یمکنه أن یسلبهم ما أفاض علیهم بطرفة عین ؛ لأنّه منبع القدرة ، ولا إله غیره .

وفی الجملة : إنّا لا ننکر وجود الغلاة والمفوّضة بین عموم المسلمین ، ولکنْ ما هو الدلیل علی أنّ الروایات الفلانیة هی من وضعهم ؟ وکیف یتسنَّی لنا معرفة کون هذا القول أو العمل أو ذاک من الغلوّ والتفویض ، أو لیس منهما ؟ فهذه مسألة حسّاسة ، ولیس من الصحیح ما یعمله البعض من إلصاق الحدیث الفلانیّ بابن سبأ والسبئیّة وأنّه موضوع ، مع أنّه ثابت فی الأصول الحدیثیة ، فالوصایة لعلی ، والرجعة وغیرها من العقائد الإسلامیة الحقّة هی ثابتة بالقرآن والسنة ، ولا یمکن نفیها بدعوی أنّها قر یبة لأفکار ابن سبا المزعوم . کلّ ذلک دون امتلاک أیّ دلیل أو حجَّة قاطعة علیه .

إنّ المتحاملین بنوا صرح مواقفهم المضادّة ضدّ الشیعة والتشیُّع علی شفا جرف هار من الادّعاءات والتخرّصات التی تطلق علی عواهنها ، فی حین أنَّ نظرة الشیعة مخالفة لتلک الأمور الملصقة بهم تماماً ، إذ أقوالهم وعقائدهم مبتنیة علی الذکر


1- الکشی 2 : 818 / الرقم 1026 ،انظر بحار الأنوار / الباب 16 وانهم یعلمون منطق الطیر والبهائم وقارنه بما قاله الدکتور حسین المدرسی فی ( تطور المبانی الفکریة للتشیع ) .

ص:73

الحکیم ، والسنة المطهرة ، والعقل السلیم ، والإجماع ، والتاریخ الصحیح ، فصحیح أنّهم یقولون : قال جعفر بن محمّد الصادق ، لکن الإمام علیه السلام لا یتقاطع مع القرآن « فعلی مع القرآن والقرآن مع علی » ، والأئمة من ولده هم عدل القرآن کما فی حدیث الثقلین ، فلا یقولون بشیء یخالف آیات القرآن الکریم ، وما أقرّته وصدَّقته السُّنَّة النبو یَّة ، وإنّ منهجیّة أهل بیت النبوّة کانت مبتنیة علی هذه الأُصول ، ولذلک فإنّ الإمام محمّد بن علی الباقر ، والإمام جعفر بن محمّد الصادق وباقی الأئمة أمروا شیعتهم بعرض ما یدّعی أنّه کلامهم علی الکتاب العزیز فما وافقه أخذوا به وما خالفه طرحوه((1)) ، وقالوا : ما خالف کتاب الله فهو زخرف((2)) . وهذا منهج یقبله العقل والفطرة السلیمة .

وعلیه ، فالشیعة ترفض الأقوال العائمة من قبل المغرضین أیاً کان قائلها ، لأنّها لا تستند إلی آیة مبارکة أو حدیث صحیح أو عقل عملی أو اجماع محصَّل .

و إذا کنّا نرید التعامل مع البحث بموضوعیّة فلابدّ من النظر إلیه وفق الأُصول الشرعیّة ، لأنّه لا یمکننا القول بإنّ کلَّ ما رواه وعمل به الغلاة فهو من وضعهم حتّی لو کان له أصل فی القرآن أو السنة !

لقد کان للغلاة والمفوّضة وجود ، فی عصر الأئمّة ثم من بعدهم ، وکان المحدِّثون القمیّون - تبعاً لأئمتهم - یخالفونهم بشدّة ، ویصرُّون علی عدم نقل أیّ حدیث أو روایة عنهم ، ویأسفون لوجود طائفة من الروایات منقولة عنهم ، حتّی وصل الأمر بأهل قم أن یخرجوا من مدینتهم عدَّة من جهابذة الحدیث المعتبرین ،


1- انظر المحاسن 1 : 226 / ح 150 ، الکافی 1 : 69 / ح 1 / باب الأخذ بالسنة وشواهد الکتاب ، الأمالی للصدوق : 449 / ح 608 .
2- انظر المحاسن 1 : 221 / ح 128 ، الکافی 1 : 69 / ح 3 ، وسائل الشیعة 27 : 111 / ح 33347 ، مستدرک الوسائل 17 : 304 / ح 21417 و21418 ، بحار الأنوار 2 : 242 / ح 37 .

ص:74

کأحمد بن محمّد بن خالد البرقیّ - صاحب کتاب المحاسن - لروایته أحادیث لا تحتملها عقولهم((1)) ، فی حین نری تلک الروایات منذ ذلک الیوم مدوّنة فی کتبنا المعتبرة کالکافی ، والتهذیب ، ودَلَّ علی صحتها القرآن والسنة .

إذاً ینبغی دراسة هذه المسألة وما یماثلها بدقّة ، لنری ما هو مدی صواب موقف الأعلام القمّیّین فی تخطئة هؤلاء ، وهل حقاً أنّهم من الغلاة أو المفوّضة أم لا ؟ ولو بحثت عن ترجمة سهل بن زیاد مثلاً ، أو حسین بن عبید ، أو أبی سهیل محمّد بن علیّ القرشیّ ، وآخرین ممَّن طُعِنُوا فی اعتقاداتهم بالتفویض أو الغلوّ ، کأبی جعفر محمّد بن أُرومة القمّیّ ، لرأیت أن تجریحهم لأولئک یبتنی علی أُمور أثبت التحقیق أنّها باطلة .

ونموذج ذلک أنّهم کانوا یتعقَّبون ( ابن أورمة القمی ) وأمثاله کی یقتلوه ، اعتقاداً منهم بأنّه کغالب الغلاة والمفوّضة الذین لا یُؤَدُّون الصلاة ، ولکن حین أتوا إلیه ورأوه یؤدی الصلاة ترکوه وشأنه ، ووقع مثل ذلک فی غیر ابن أورمة ، حیث کانوا یتّهمونهم بالغلوّ والتفویض ، لکنهم إذا رأوا صلاتهم وعبادتهم ، رجعوا عن ذلک الاتّهام وترکوهم وشأنهم((2)) .

وعلی هذه الحالة والمِنوال اتُّهمَت طائفة بالتفویض وأُخری بالغلو تبعاً لمتبنَّیات


1- رجال ابن الغضائری : 39 / ت 10 ، وعنه فی الخلاصة للعلاّمة : 63 / ت 7 .
2- رجال ابن الغضائری : 96 / ت 158 ، فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 329 / ت 891 ، الخلاصة للعلاّمة : 397 / ت 28 ، رجال ابن داود : 270 / ت 431 ، معجم رجال الحدیث 16 : 124 / ت 10314 . قال المیرداماد فی الرواشح السماویة : 182 ثم ان ابن الغضائری مع أنّه فی الأکثر مسارع إلی التضعیف بأدنی سبب قال فی محمّد بن اورمه : اتهّمه القمیّون بالغلوّ وحدیثه نقیّ لا فساد فیه ، ولم أر شیئاً ینسب إلیه تضطرب فیه النفس إلاّ أوراقاً فی تفسیر الباطن وأظنّها موضوعة علیه ، ورایت کتاباً خرج عن أبی الحسن إلی القمیین فی براءته مما قذف به .

ص:75

خاطئة ، وربّما کان بین أُولئک من یعتقد بعض الاعتقادات الخاصّة ، ولکن لیس بذلک الحدّ الذی یستحقّون فیه تلک الشدَّة من تعامل القمّیّین معهم أو إخراجهم من المذهب ، لأنَّ اعتقاداتهم تلک یقرّها - أو لا تنافی - القرآن والسنة المطهرة ، فکیف یجوز والحال هذه إخراجهم من المذهب ، وعلی الأخص إذا علمنا أنّ عقائدهم تلک لم تکن فی حدود الغلوّ أو التفویض ، بل من المعرفة والإیمان ، وهؤلاء الرجال وقعوا بین مطرقة الإفراط وسندان التفر یط ، ولکنّ شدّة حساسیة القمیّین إزاء هذا الموضوع جعلتهم عرضة لأُمور قد أثّرت علی تاریخهم وحیاتهم فیما بعد . والآن مع دراسة منهج القمّیین والبغدادیین فی العقائد وبیان نماذج من أُصول الجرح والتعدیل عندهم .

ص:76

ص:77

منهج القمیین والبغدادیین فی العقائد والرجال

اشارة

بغداد وقم مدینتان مستحدثتان بنیتا فی العهد الإسلامی ، إذ بنی المنصور ( 136 ه - 158 ه ) بغداد عام 144 ه- بعد أن کانت سوقا للادیرة التی حولها ، ونقل عن الإمام علی علیه السلام أنّه قد مر بها لما رجع من وقعة الخوارج کاشفاً فیها عن العین التی نبعت لمریم علیها السلام ((1)) .

وارتباط بغداد بالتشیع قدیم قِدَم وجودها ، ونزول الإمام علی فیها مرجَعهُ من النهروان ، وقد نما فیها التشیع وازدهر عند قیام الدولة العباسیة واطمئنان الشیعة فی بادئ الأمر ، ثم ترسّخ فیها التشیع عند حلول الإمام الکاظم علیه السلام والإمام الجواد علیه السلام فی الکرخ ، مضافاً إلی قربها من النجف وکربلاء حیث فیها الإمام علی والإمام الحسین علیهما السلام وسامراء التی شرفت بالعسکریین علیهما السلام ، ولوجود النواب الاربعة فیها إلی غیر ذلک من السمات والممیزات التی اختصت بها بغداد دون غیرها .

وأما قم ، فقیل : إنّها مصّرت قبل ذلک التاریخ عند فتح الجبل وإصفهان ، إذ کان سعد بن عامر الاشعری مع أبی موسی الاشعری فی تلک الغزوة ، فبقی سعد ابن عامر فی منطقة الجبل - والتی کانت من ضمنها مدینة قم الحالیة - مع أولاده ، وهؤلاء توالدوا مع القادمین والسکان الاصلیین ، وقیل : إنّها مُصِّرت فی أیّام الحجّاج بن یوسف الثقفی سنة 83 ه- بعد أن اخفقت ثورة عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث بن قیس علی الحجّاج ، فرجع عبدالرحمن إلی کابل منهزماً ، وکان معه فی جیشه خمسة أخوة من أولاد سعد بن عامر الأشعری وقعوا إلی ناحیة قم واستوطنوها ، واجتمع إلیهم بنو أعمامهم والهاربون من جور بنی أُمیة .


1- لمعرفة المزید انظر : أمالی الطوسی : 200 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 101 ، عنه وفی بحار الأنوار 14 : 310 ، 33 : 438 ، 99 : 28 .

ص:78

وکان کبیر هؤلاء الأخوة : عبدالله بن سعد ، وکان لعبدالله ولد قد تربّی بالکوفة ، فانتقل منها إلی قم وکان إمامیاً ، وقیل عنه أنّه هو الذی نقل التشیع إلی قم((1)) .

وهناک أقوال أُخری فی تمصیر قم ، لا نری ضرورة لذکرها .

والأشعریون هم قوم من أهل الیمن من ولد نبت بن أُدد ، سُمِّی بالأشعر لأنّ أُمه ولدته وهو أشعر ، منهم رجال کثیرون ، کالصحابی أبی موسی الأشعری .

وقد ذکر النجاشی فی رجاله اسم خمسة وثلاثین رجلاً - من ضمنهم ستة عشر من أصحاب الأئمّة : الصادق ، والکاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادی ، والعسکری علیهم السلام - کلّهم من أهل قّم ، وغالبهم من الأشعریین .

فالقمّیّون کانوا علی اتّصال بأئمّة أهل البیت وراوین لآثارهم ، وقد وردت روایات کثیرة عنهم علیهم السلام فی مدح قمّ واهلها وأنّها من البلدان التی سبقت إلی قبول الولایة ، وأنّها عشّ آل محمّد ومأوی شیعتهم((2)) ، وأنّه إذا عمّت البلدان الفتن فعلیکم بقمّ وحوالیها فإنّ البلاء مدفوع عنها((3)) ، وأنّ الملائکة لتدفع البلایا عن قم وأهلها((4)) ، وما قصدها جبّار بسوء إلّا قصمه قاصم الجبّارین((5)) ، وأنّه لولا القمّیّون لضاع الدین((6)) ، وأنّ قمّ بلدنا وبلد شیعتنا((7)) ، وغیرها من الروایات .

إن مفاخر أهل قمّ کثیرة منها : أنّهم وَقَفُوا المزارع والعقارات علی الأئمّة ، وهم


1- معجم البلدان 4 : 397 ، اللباب فی تهذیب الأنساب 3 : 56 ، وانظر بحار الأنوار 57 : 220 ، أعیان الشیعة 1 : 194 ، تاریخ الکوفة للبراقی : 228 .
2- بحار الأنوار 57 : 214 / الباب 36 / ح 31 .
3- بحار الأنوار 57 : 214 ، 215 ، 217 ، 228 / الباب 39 / ح 26 ، 31 ، 44 ، 61 .
4- مستدرک سفینة البحار 8 : 597 .
5- مستدرک سفینة البحار 8 : 597 .
6- بحار الأنوار 57 : 217 / الباب 36 / ح 43 .
7- الکنی والالقاب 3 : 87 ، مستدرک سفینة البحار 8 : 600 .

ص:79

أوّل من بعثوا الخمس إلیهم ، وأنّ الأئمّة أکرموا جماعة منهم بالهدایا والأکفان ، کأبی جریر زکریا بن إدریس ، وزکرّیا بن آدم ، وعیسی بن عبدالله بن سعد وغیرهم ممن یطول بذکرهم الکلام ، وهذا فضل لا یحصل علیه إلّا المؤمنون المخلصون((1)) .

وقد کانت قم لتشیّعها الأصیل واستعصائها علی الأمویین والعباسیین خیر مأوی للطالبیین وغیرهم من المجاهدین .

ولا یخفی علیک بأنّ إحدی سمات الفکر الشیعی هی عدم ارتضائه جور السلطان وذهابه إلی وجوب الخروج علیه أمراً بالمعروف وناهیاً عن المنکر عند تهیّؤ الظروف((2)) ، بخلاف الآخرین الذین یحرّمون الخروج علی السلطان الجائر حتّی ولو کان ظالماً فاسقاً((3)) ، وقد جاء فی تاریخ قم أنّهم کانوا لا یسمحون للولاة الظلمة أن یستقرّوا فی البلدة ، فکان الولاة یحکمونها من الخارج((4)) .

وقد ذکرت کتب السیر والتواریخ بعض أخلاقیّاتهم ، وأنّهم کانوا یماطلون الحکومة فی إعطاء الخراج ، حتی قیل عنهم أنّهم طلبوا من المأمون أن یقلل نسبة الخراج عنهم کما فعل مع أهل الری ، لکنّه ردّ ذلک ، فامتنعوا من إعطائه الأموال ، وهو مما أَدَّی إلی إرسال المأمون جیشه لمواجهتهم فخرّب الجیش السور وقتل الناس وکان من بینهم : یحیی بن عمران وکیل الإمام الجواد هناک((5)) .

وعلل بعض الکُتّاب تزویج المأمون ابنته من الإمام الجواد علیه السلام لاجل الحدّ من


1- ذکره المجلسی فی بحار الأنوار 57 : 220 / الباب 36 عن تاریخ قم . ونقله أیضاً الأمین عن تاریخ قم فی أعیان الشیعة 10 : 159 .
2- انظر وسائل الشیعة 15 : 50 / أبواب جهاد العدو / الباب 13 .
3- شرح النووی علی صحیح مسلم 2 : 38 ، الإبانة 1 : 31 ، التیسیر بشرح الجامع الصغیر 1 : 426 .
4- نشوار المحاضرة 8 : 260 .
5- تاریخ الطبری 7 : 183 حوادث سنة 210 ه- ، الکامل فی التاریخ 6 : 399 ، مناقب ابن شهرآشوب 4 : 397 وانظر تاریخ الموصل للدکتور جاسم حسین : 367 .

ص:80

ثورة القمیّین علیه فی مسألة الخراج .

ونقل مؤلّف کتاب « تاریخ قم » عن أحد ولاة قمّ قوله : إنّی ولیت علیها لعدة سنوات ولم أر إمرأة فیها((1)) ، وهذا دلیل علی عفّة نساء الشیعة فی قمّ وشدّة غَیْرَة رِجالها ، وهو یشبه ما جاء فی کتاب ( آثار البلاد واخبار العباد ) عن المدائن وأن أهلها فلاحون ، شیعة امامیة ، ومن عادتهم أنّ نساءهم لا یخرجن نهاراً أصلاً((2)) وقریب من هذا الکلام ورد فی نساء الشیعة فی سجستان((3)) والدیلم((4)) .

وقد روی الکلینی فی الکافی خبراً یؤکّد علی أنّ قمّ کانت معروفة ومشهورة بالرفض عند النّاس ، بعکس همدان المعروفة بالتسنن((5)) .

وقد حکی السبکی فی الطبقات عن أبی سعید الاصطخری - قاضی قم - أنّه ترک قمّ هارباً إلی همدان علی أَثر واقعة حدثت له ، وهی : أنّه مات بها رجل وترک بنتاً وعمّاً فتحاکموا إلیه فی المیراث ، فقضی علی رای العامة - للبنت النصف والباقی للعم - فقال أهل قم : لا نرضی بهذا القضاء ، أَعْطِ البنت کلّه ، فقال أبو سعید : لا یحلّ هذا فی الشریعة ، فقالوا : لا نترکک هنا قاضیا ، قال : فکانوا یتسوّرون داری باللّیل ویحوّلون الأَسِرَّة عن أماکنها وأنا لا أشعر ، فإذا أصبحت عجبت من ذلک .

فقال أولیائی : إنّهمُ یُرُونَکَ أنّهم إذا قدروا علی هذا قدروا علی قتلک ، فخرجت منها هارباً ((6)) .


1- تاریخ قم : 285 باللّغة الفارسیة .
2- آثار البلاد وأخبار العباد : 453 ، المقدمة الثالثة فی اقالیم الأرض / الاقلیم الرابع : المدائن .
3- آثار البلاد وأخبار العباد : 202 ، المقدمة الثالثة فی اقالیم الأرض / الاقلیم الثالث : سجستان .
4- أحسن التقاسیم 2 : 457 .
5- الکافی 1 : 521 - 522 .
6- طبقات الشافعیة الکبری 3 : 233 . وانظر المواعظ والاعتبار للمقریزی 2: 340، سیر اعلام النبلاء 15: 160، وتاریخ الإسلام ونهایة الارب، الفن 5، القسم 5، الباب 12، أخبار الملوک ففیها قضایا مشابهة لما حدث فی قم فی مسألة الإرث.

ص:81

ومما یمکن أن ننقله فی هذا السیاق کذلک هو تعلیقة الوحید البهبهانی علی صحیحة الحلبی عن أبی عبدالله ] الصادق [ ، وما قاله لزکریا بن آدم ، إذ قال البهبهانی : إنّ أهل قمّ ما کانوا مبتلین بذبیحة المخالف((1)) أصلاً حتّی تتحقق لهم التقیة أو عسر رفع الید عن الأکل ، لأنّ ذبیحتهم کلّها کانت من الشیعة((2)) ، وهذا یعنی أنّ کلّ أهلها کانوا شیعة .

قال المقدسی فی « أحسن التقاسیم » : وأهل قم شیعة غالیة((3)) . وقال الشریف الإدریسی : والغالب علی أهل قم التشیع ، وأهل قاشان الحشویة((4)) . وقال ابن الأثیر الجزری : وهی بلدة بین إصفهان وساوة کبیرة ، وأکثرها شیعة((5)) .

وممّا یمکن أن یقال فی سبب انتقال مدرسة أهل البیت من الکوفة وبغداد إلی قمّ هو الضغط الشدید الذی کان یلاقیه فقهاء الشیعة وعلماؤهم من الحکّام الأمویّین والعباسیین فی العراق وغیرها ، وقد تغیّر الحال زمن البو یهیین ، فصارت بغداد ملتقی العلماء والمحدّثین ، فسافر إلیها ابن داود القمّی ، وابن قولویه ، وابنا بابو یه ، والکلینی وغیرهم من أعلام المحدّثین .

هذا عرض سریع لتاریخ هاتین المدینتین ، قم وبغداد ، ولابدّ من التمهید إلی ما نرید قوله بهذا الصدد ، وهل هنالک منهجان عند قدماء محدثی وفقهاء الشیعة أم هما منهج واحد یختلفان فی بعض النقاط ؟


1- المقصود من المخالف هنا الناصبی ، للاجماع علی جواز أکل ذبیحة المخالف من أهل السنة .
2- حاشیة مجمع الفائدة والبرهان : 653 .
3- احسن التقاسیم 1 : 267 .
4- نزهة المشتاق 2 : 676 .
5- اللباب فی تهذیب الانساب 3 : 55 .

ص:82

التشیّع فی العراق وقم
اشارة

التشیع فی اللّغة هو المحبّة والموالاة والاتّباع لمنهج معیّن ، وکانت تطلق هذه الکلمة علی شیعة علی وشیعة عثمان ، ثم اختصت اللفظة بشیعة علی علیه السلام ومؤ یدیه والقائلین بامامته واتخذ العامّة فی الأزمنة اللاحقة مصطلحی ( الرفض ) و( التشیع ) للتمییز بینهما ، فأطلقوا الأوّل علی الذین یقدّمون علیاً علی أبی بکر وعمر وعثمان مع اعتقادهم عدم استحقاق الشیخین وعثمان للخلافة ، والثانی علی الذین یقدّمون علیاً علی عثمان مع عدم مساسهم بالشیخین .

ففی « مسائل الامامة » : أن أهل الحدیث فی الکوفة - مثل : وکیع بن الجراح ، وفضل بن دکین - یزعمون أنّ أفضل الناس بعد النبی أبو بکر ثم عمر ثمّ علی ثم عثمان ، یقدّمون علیاً علی عثمان ، وهذا تشیّع أصحاب الحدیث من الکوفیّین ویثبتون إمامة علی ... بخلاف أصحاب الحدیث من أهل البصرة الذین یقولون أن أفضل الأمة بعد النبی أبو بکر ثمّ عمر ثم عثمان ثم علی ، ثم یساوون بین بقیة أهل الشوری((1)) .

وقال الذهبی بعد أن اتّهم محمّد بن زیاد - من مشایخ البخاری - بالنصب : بلی ، غالب الشامیین فیهم توقّف عن أمیر المؤمنین علی رضی الله عنه .. کما إنّ الکوفیّین إلّا من شاء ربک فیهم انحراف عن عثمان وموالاة لعلی وسلفهم شیعته وأنصاره ... ثم خلقٌ من شیعة العراق یحبّون علیّاً وعثمان ، لکن یفضّلون علیّاً علی عثمان ولا یحبّون من حارب علیاً مع الاستغفار لهم ، فهذا تشیّع خفیف((2)) .

وهو یشیر إلی أنّ التشیع - فی الاعم الاغلب - فی بغداد والکوفة لم یکن ولائیّاً


1- مسائل الإمامة ، المنسوب إلی الناشیء الأ کبر ( ت 293 ه- ) تحقیق فان اس ط- 1971 م .
2- میزان الاعتدال 6 : 153 .

ص:83

عصمتیاً کما هو المصطلح الیوم ، بل کان فیهم من یحب ، أبا بکر وعمر کذلک ، وبذلک یکون تشیّع أهل الحدیث فی الکوفة أعمّ من الولائی والفضائلی ، ولأجل هذا لم نَرَ أسماء بعض هؤلاء الذین حسبوا علی الشیعة فی کتب رجال الشیعة .

وعلیه فإنّ تشیّع أهل العراق کان أعمّ من تشیع أهل قمّ الذی کان ولائیّاً خالصاً ، بمعنی أنّهم کانوا یقولون بعصمة علیّ والأئمّة الأحد عشر من أولاده ومن أولاد رسول الله ، ولا یرتضون أن یخالطهم من یخالفهم فی العقیدة .

نعم ، قد اشتهر القمّیّون بتصلّبهم فی العقیدة وتشدّدهم علی کلّ متهّم بالانحراف عنها ، وقد توجّهوا فی العصور الأُولی إلی التالیف فی احوال الرواة ، واضعین أصول علم الرجال والدرایة انطلاقاً من تلک الشدة حتی لا تختلط مرو یّات المنحرفین والمتّهمین بمرو یّات الموثوقین من الشیعة ، المعتدلین فی تشیعهم وعقائدهم .

فکانوا هم من أوائل الجهابذة الذین رسموا أصول علم الرجال الشیعی ، ولو رجعت إلی ترجمة محمّد بن أحمد بن داود ( ت 368 ه- ) فی « الفهرست » للشیخ الطوسی لرأیته قد ألفّ کتاباً فی الممدوحین والمذمومین((1)) . وهو من القمیین .

وهناک کتاب آخر للقمیین فی علم الرجال وهو للبرقی یسمی : « رجال البرقی » ، وهذا الکتاب سواء کان لأحمد بن محمّد البرقی ( ت 274 ه- ) ، أو لأبیه محمّد بن خالد البرقی ، أو لابنه عبدالله بن أحمد ، فکلّهم قد عاشوا قبل الکشّی ( المتوفی فی النصف الأول من القرن الرابع الهجری ) ، والنجاشی ( ت 450 ه- ) ، والشیخ الطوسی ( ت 460 ه- ) ، وابن الغضائری (ت 411 ه-) ، ومحمّد بن الحسن أبی عبدالله المحاربی((2)) ، وغیرهم ممّن نص أصحاب الفهارس علی أنّهم ألّفوا


1- الرجال للنجاشی : 384 / ت 1045 ، الفهرست : 211 / ت 603 .
2- الرجال للنجاشی : 350 / ت 943 .

ص:84

فی أحوال الرجال فی القرن الثالث أو الرابع الهجری .

وبعد هذا لنا الآن أن نتساءل : لو کان هذا هو وضع بغداد وقم عقائدیاً ، فکیف یمکن أن ننسب الغلوّ والتفویض إلی البغدادیین ؟! مع ما عرفنا عنهم من أنّهم اقرب إلی العامّة مکاناً وفکراً ، وذلک لمخالطتهم لأفکار المعتزلة والمرجئة وغیرها من الأفکار السائدة آنذاک فی بغداد .

وفی المقابل کیف یمکننا تصوّر التقصیر فی أهل قمّ ؟! مع وقوفنا علی کثرة المرویّ من قِبَلِهِمْ فی مقامات الأئمّة ، واهتمامهم المفرط بالأخذ عن الثقات . والتعریفُ بکتاب « بصائر الدرجات » لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّی ( ت 290 ه- ) من أصحاب الإمام العسکری ، کاف لإعطاء صورة عن المنزلة المعرفیّة لأهل قمّ ، إذ قد یتصور أن فکرة الغلوّ والتفویض هی أقرب إلی القمیین من البغدادیین ، وذلک لوضوح الارتفاع فی مرو یاتهم عن الأئمّة ، فی حین أنّ الأمر ینعکس فیما یقال عن البغدادیین - أو قل عن غیر القمیین - أنّهم غلاة !!

فقد ذکر الصفار فی کتابه أحادیث کثیرة فیما أخذ الله من مواثیقَ لأئمّة آل محمّد((1)) ، وأن رسول الله والأئمّة یعرفون ما رأوا فی المیثاق((2)) ، وأنّ الله خلق طینة شیعة آل محمّد من طینتهم((3)) .

وقد روی کذلک 16 حدیثاً فی أنّهم یعرفون رجال شیعتهم وسبب ما یصیبهم ، و12 حدیثاً فی أنّهم یحیون الموتی ویبرؤون الأکمه والأبرص بإذنه تعالی ، و19 حدیثاً فی أنّ الأئمّة یزورون الموتی وأنّ الموتی یزورونهم ، و14 حدیثاً فی أنّهم یعرفون متی یموتون ویعلمون ذلک قبل أن یأتیهم الموت .


1- بصائر الدرجات : 99 / الجزء الثانی / الباب : 11 .
2- بصائر الدرجات : 100 / الجزء الثانی / الباب : 12 .
3- بصائر الدرجات : 36 / الباب : 9 .

ص:85

وفی علم الإمام بمنطق الطیر والحیوانات ذکر الصفار 43((1)) حدیثاً فی ثلاثة أبواب ، کان لأحمد بن محمّد البرقی 16 حدیثاً منها .

وأنّ الأعمال تعرض علی رسول الله صلی الله علیه و آله والأئمّة علیهم السلام احیاءً کانوا أم امواتا((2)) ، إلی غیرها من الاخبار الدالة علی المکانات العالیة للأئمّة .

إنّ روایة هکذا أحادیث معرفیّة فی العترة المعصومة عن رواة من أهل قمّ یؤکد بأنّهم کانوا مستعدّین لقبول مقامات الأئمّة ونقلها وروایتها ، وأنّ ما رواه أحمد بن محمّد البرقی عن مشایخه لیؤکّد علی تقبّل القمیین لمثل هکذا أخبار ، وأنّها لیست بغلوّ فی اعتقادهم ، وهو الآخر یوضّح بأنّ إخراج أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری لأحمدَ بن محمّد بن خالد البرقی لم یکن لما طرحه من عقائد فی کتابه بل لأمور أخری ، کالقضایا السیاسیة المطروحة آنذاک ، ولظروف التقیة القاهرة التی کانت تحیط به - والتی سنوضح بعض معالمها لاحقاً - ولکونه هو الوحید فی مشایخ قمّ الذی کان له ارتباط مع السلطان((3)) وان ابن عیسی بارتباطه بالحاکم کان یرید تقدیم خدمة شرعیة جلیلة لمدینة قم ، وقد حققها بالفعل .

والمطالع بمقارنة بسیطة بین کتاب « بصائر الدرجات » للصفار « والمحاسن » للبرقی یقف فی کتاب البصائر علی روایات أشدّ ممّا فی المحاسن ، فلماذا یُطِردُ أحمدُ ابن محمّد بن عیسی الأشعریُّ ، أحمد بن محمّد البرقیَّ ولا یطرد الصفارَ الّذی روی عن البرقی ؟ لا یمکن الجواب عن ذلک إلّا بما قلناه الآن وبما سنوضحه لاحقاً .


1- انظر الجزء السابع / الباب 14 و15 و16 من صفحة 341 إلی 354 .
2- انظر الجزء التاسع / الباب 4 و5 و6 و7 و8 و9 و10 من صفحة 424 إلی 438 .
3- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 82 / ت 198 ، خلاصة الاقوال ، للعلاّمة : 64/ ت 67 .

ص:86

إنّ روایة القمیّین أحادیث عن المفضّل بن عمر ، ومحمّد بن سنان ، وسعد الإسکاف ، والنوفلیّ - المتهّمین بالغلوّ والتفویض - بجنب الرجال الذین لا کلام فیهم من أصحاب الأئمّة ، لیؤکّد أنّهم لم یختلفوا مع تلک الروایات وما جاء فیها من افکار ، بل إنّ اختلافهم کان لأصول رسموها لأنفسهم فی الجرح والتعدیل انطلاقاً من حرصهم وتشدّدهم المبرّر للحفاظ علی تراث المذهب ، أو لظروف التقیة التی کانوا یعیشون فیها ، وبعبارة أخری : خاف علماء قم من نشر الروایات التی یعسر فهمها علی غیر العلماء حتی لا تترتب مفاسد علمیة وعقائدیة فی المجتمع الشیعی ، لأن اساءة فهم هذه الروایات ، قد یستغل من قبل اعداء المذهب للطعن فیه .

إذن المنع لم یکن لبطلان تلک الاخبار أو لمخالفتها لأصول المذهب بل کان لاعلانها والجهر بها بین عامة الناس ، أو لمخالفتها لاصول لا یفهمون ابعادها فیسیئون فهمها ، ولاجل ذلک تری المحدثین کالصدوق والکلینی رحمهما الله لم لم یتداولاها بشکل واسع فی مصنفاتهم وانحصرت ببصائر الدرجات وأمثال ذلک فی العصور اللاحقة .

وعلیه فإن أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعریَّ لما أعاد البرقیَّ أراد أن یوقفنا علی أنّ القرار کان مقطعیاً بتصور ان البرقی لم یتثبّت فی نقل الروایة أو لأی شی اخر ، والان قد ارتفعت ، فقد ذکر السیّد بحر العلوم فی رجاله((1)) والخوانساری فی الرّوضات((2)) أن الاشعری مَشی حافیاً فی جنازة البرقی کی یصحح موقفه وکی لا یلتبس الامر علی الاخرین وغرضه من ذلک قدس سره توثیق البرقی حتی لا تضیع روایاته التی هی معتمد المذهب ؛ وفی الوقت نفسه التأکید علی حرصه علی المذهب


1- الفوائد الرجالیة 1 : 339 .
2- روضات الجنات 1 : 44 - 45 وهو فی خلاصة الاقوال : 62 / القسم الاول / ت 73.

ص:87

وخوفاً من اساءة فهم النصوص أو استغلالها من قبل المغرضین ، فإنّه رحمة الله أراد التأکید علی امرین معاً 1 - وثاقة البرقی 2 - حرصه علی المذهب وخوفه من اساءة فهم نصوصه من قبل المغرضین والجاهلین . ولاجل ذلک لم تره یطرد امثال الصفار بل اقتصر طرده علی امثال البرقی ، ثم رجوعه عن ذلک ، کل ذلک من اجل الحیطة والحذر علی روایاتنا وأحادیثنا .

کلّ هذا یدعونا لأن نقف وقفةَ متأمِّل علی غرار اصحابنا الرجالیین فی أحکام القمیین علی الرواة والروایة ، وأن أحکامهم کانت مقطعیة ولم تکن استمراریة لکلّ الأزمان ، ونحن بعملنا هذا نرید أن ننتزع بعض تلک الأصول المتبنّاة عندهم ولا نرید أن نقول أنّها عامة وجاریة فی کلّ المجالات ، لأنّهم وحین جرحهم لأولئک الأُناس تراهم یذکرون العلة التی جرحوهم من أجلها ، کالغلوّ ، أو روایته عن الضعفاء ، أو اعتماده المجاهیل وغیرها ، فلنا أن نسأل عن تلک الجروح ، هل هی جارحة حقّاً أم لا ؟ وما هو مدی اعتبارها ، وهل هی أُصول معتبرة عندنا الیوم أم أنّها متروکة ؟

و إنما قدمنا هذا الکلام وأشرنا إلی هذه البحوث ، لنقف من بعد علی بعض ملابسات کلام الشیخ الصدوق رحمة الله الآتی ، وما یمکن ان یکون مستند القمیین فی جروحهم ، ولکن قبل کلّ شیء لابدّ من الاشارة إلی مبتنی المدارس الفکریة فی المجتمعات الإسلامیة ومنها الشیعیة الإمامیة آنذاک .

فهناک مدرستان عند الشیعة الإمامیة :

1 - مدرسة العقل ، وهی المدعومة غالباً بالنقل ، فقد تواجدت فی بغداد المعتزلة وتکاملت علی ید الشیخ المفید والسیّد المرتضی والشیخ الطوسی رحمهم الله ومنه انتقلت إلی النجف ، والحلة ، وجبل عامل .

2 - مدرسة النقل ، وهی التی تاسست فی المدینة المنورة لتنتقل إلی بغداد

ص:88

الأشاعرة وقم المحدّثین ، وکربلاء الاخباریة فی عهد الشیخ أحمد الاحسائی والشیخ یوسف البحرانی ، وامثالهم ثم تحولها إلی الاصولیة فی عهد الوحید البهبهانی وصاحب الریاض وأمثالهم .

وبما أن بحثنا یرتبط بشیء وآخر بالمحدّثین والمتکلمین ، فلابد من توضیح أمر یتعلق بالمحدثین من الشیعة والسنة کذلک ، وأنّهم علی قسمین :

قسم قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحیح الحدیث من سقیمه ، ولذلک رحلوا إلی الأمصار فی سماع الحدیث وجمع طرقه وطلب الأسانید العالیة فیه ، دون التفقّه فیما یخالفها وکیفیّة الجمع بین الروایات .

وقسم آخر : المتفقهة ، وهم الذین أضافوا إلی جمع الحدیث التدبّر فیه ومقایسته مع الأحادیث الأُخری وعرضه علی القرآن الحکیم للوقوف علی وجوه الجمع والتأویل فیها .

وقد یسمّی القسم الأوّل من هؤلاء المحدّثین بالحشو یة ، لأنّهم لا یتدبّرون فی المتون بقدر ما یتدبّرون فی الأسانید ، وقد یطلق علی هؤلاء أحیاناً ( المقلّدة ) و( أصحاب الحدیث ) و( الأخباریون ) ، علماً بأنّ لفظة ( الحشویة ) أُطلقت أوّلا علی المحدثین من العامّة وخصوصاً الحنابلة منهم((1)) - وإن سعی ابن تیمیة لإبعاد هذا اللقب عنهم((2)) ، لکنه لم یوفق فی عمله - ثم أُطلقت فی الزمن المتأخرّ علی بعض محدّثی الشیعة ، لروایتهم أحادیث فی التشبیه والتجسیم ، أو لنقلهم أحادیث ضعیفة فی مسألة تحریف القرآن((3)) أو لنقلهم الغثّ والسمین والذی عبّر عنهم


1- انظر علی سبیل المثال : البرهان فی اصول الفقه ، للزرکشی 1 : 392 ، التحفة المدنیة فی العقیدة السلفیة : 164 ، الوافی بالوفیات 27 : 192 ، الدارس 1 : 201 ، منادمة الاطلال : 100 .
2- انظر مجموع الفتاوی لابن تیمیة 3 : 186 ، العقود الدریة فی مناقب شیخ الإسلام أحمد بن تیمیة ، للمقدسی : 254 .
3- الذخیرة فی علم الکلام للسیّد المرتضی : 361 .

ص:89

الشیخ المفید : أنّهم لیسوا بأصحابِ نظر وتفتیش ولا فکر فی ما یروونه ولا تمییز((1)) .

وقال أیضاً فی رسالة ( عدم سهو النبی ) : فلیس یجوز عندنا وعند الحشویة المجیزین علیه السهو أن یکذب النبی صلی الله علیه و آله متعمّداً ولا ساهیاً ((2)) .

وقد اتّبع السیّد المرتضی أُستاذه فی ردّ المحدثین فکتب رسائل فی ذلک کرسالة الرد علی أصحاب العدد ، ورسالة فی إبطال العمل بأخبار الآحاد ، واتّهم القمیین کافّة بالتجسیم ، إذ قال :

أنّ القمّیّین کلّهم من غیر استثناء لأحد منهم - إلّا أبا جعفر ابن بابویه - بالأمس کانوا مشبِّهةً مجبِّرةً ، وکتبهم وتصانیفهم تشهد بذلک وتنطق به ، فلیتَ شعری أیُّ روایة تخلص وتسلم من أن ] لا [ یکون فی أصلها وفرعها واقفٌ ، أو غال ، أو قمی مشبهٌ ، والاختبار بیننا وبینهم التفتیش ، ثمّ لو سَلِمَ خبرُ أحدهم من هذه الأُمور ، لم یکن راویه إلّا مقلدٌ بحت معتقدٌ لمذهبه بغیر حجّة ودلیل((3)) ....

وقد کتب العلّامة الفتونی العاملی المتوفی 1138 ه- رسالة باسم ( تنزیه القمّیّین ) فی جواب السیّد المرتضی ، وقد طبعت هذه الرسالة فی مجلة تراثنا ، العدد ( 52 ) ، الرابع للسنة الثالثة عشر / شوال 1418 ه- .

وقد سمّی الشیخ المفید فی الفصول المختارة هؤلاء الشیعة : ... جماعة من معتقدی التشیّع غیر عارفین فی الحقیقة ، وإنّما یعتقدون الدیانة علی ظاهر القول ، بالتقلید والاسترسال دون النظر فی الأدّلة والعمل علی الحجّة ...((4)) .


1- هذا هو کلام الشیخ المفید فی المسائل السرویة ، المسألة الثامنة : 72 .
2- عدم سهو النبی صلی الله علیه و آله : 23 المطبوع ضمن مصنفات المفید / ج 10 .
3- رسائل المرتضی 3 : 310 .
4- الفصول المختارة : 112 طبع ضمن مصنفات المفید / ج 2 .

ص:90

ووصف الشیخ الطوسی هؤلاء المقلّدة فی أصول الدین ، بقوله : إذا سُئلوا عن التوحید أو العدل أو صفات الله تعالی أو صحّة النبوة قالوا : کذا رو ینا ، ویروون فی ذلک کلّه الأخبار((1)) .

ومن خلال ما سبق اتضح لنا وجود بعض التخالف بین منهج القمّیّین ومنهج البغدادیّین فی العقائد والفقه - أو قل اختلاف المبانی والسلائق بینهم - إذ ان المنهج الاول غالباً ما یعتمد علی الأحادیث تبعاً لمشایخهم دون لحاظ ما یعارضه بعمق ، وأمّا المنهج الثانی یری لزوم التدبر فیما یروونه بعمق ، والسعی لرفع التعارض بین الاخبار ، وخصوصاً فی المسائل العقائدیة .

وبعبارة أُخری : إنّ القمّیّین قد یکونون أُصیبوا بردّة فعل ، بسبب الصراع بین عقیدتهم الصحیحة فی أهل البیت وبین نزعة الحشویة المتفشیّة عند بعضهم - أی نزعة الجمود علی الأخبار - وذلک لابتعادهم عن الحرکة العقلیة التی کان یحظی بها البغدادیون فی طریقة الجمع بین الاخبار ، ولوقوفهم علی أخبار دالّة علی النهی من الأخذ بالرأی فی الأحکام من قبل الأئمّة ، فواجهوا مشکلة ، فمن جهة وقفوا علی وجود هکذا أخبار فی مرو یّاتهم ، ومن جهة أُخری وقفوا علی نصوص أُخری دالّة علی شرعیّة الاعتماد علی العقل ، وجواز الاجتهاد فی دائرة النصوص ، فاکتفوا بتوثیقات مشایخهم الثقات ووقفوا علیها ، فأخذوا یتشدّدون فی أخذ الأخبار إلّا عن الثقات وما رواه مشایخهم ، خوفاً من دخول الفکر الأجنبی فی صلب العقیدة . وخوفاً من تزندق المتزندقة الذین یحاولون التشکیک بکل شیء ، إذ أن مصنفات الشیخ الصدوق قدس سره ناطقة ببراعته العقلیة العظیمة ، وأنّه رحمة الله وکذلک مدرسة قم هم أهل نزعة عقلیة ظاهرة ممزوجة مع فهم روائی ، غایة الامر أنّ الظروف التی کانت تحیط بهم تمنعهم من فتح هذا الباب علی مصراعیه


1- العدة للشیخ الطوسی 1 : 133 .

ص:91

خوفاً علی المذهب .

أمّا البغدادیون فکانوا یرون لأنفسهم مناقشة النصوص تبعاً لقول أئمتهم فی لزوم عرض کلامهم علی القران والسّنّة المتواترة القطعیّة والعقل وترک ما یُخالف سیرة المتشرّعة ، فکانوا لا یأخذون العقل دلیلاً مستقلاً دون النص ، بل کانوا یفهمون النص علی ضوء العقل ، وبذلک صار القمّیّون ألصق بنزعة الحدیث منها إلی نزعة العقل ؛ حفاظاً منهم علی تراث العصمة وأنّه هو المقدم فی عملیات الاستدلال والاستنباط باعتبار أنّ الظروف المحیطة بهم آنذاک تدفعهم للوقوف بوجه من یرید الکید بالمذهب الحق وتشو یه صورته .

وإلیک الآن بیان بعض تلک المسائل الخلافیة التی یمکننا فی ضوءها توضیح بعض المتبنیات الفکریة للطرفین ، نطرحها کمحاولة فی هذا المجال ولا ندعیها قواعد عامة واصول لا یمکن تخطیها ، بل هی نقاط توصلنا إلیها وفق التتبع الاولی لمواقفهم ومرویاتهم ، مؤکدین بأن البت فی اُصول منهجهم لا یتحقق إلّا بعد الاستقراء التام لمرویاتهم وما قیل عنهم ، وإلیک تلک النقاط الثلاث .

1 - البغدادیون یأخذون بتوثیقات القمّیین لتشدّدهم ویترکون طعونهم لتسرعهم
اشارة

اشتهر عن القمّیین تشددهم فی الأخذ عن الرجال ، جرحاً وتعدیلاً ، وقد ثبت عند علماء الرجال سنة((1)) وشیعة((2)) الأخذ بتوثیقات المتشدّدین وعدم الاعتناء بطعونهم ، لأنّهم یجرحون الرجال بأدنی کلمة ، فلو ترضّوا علی أحد صار توثیقاً له ، ودلیلاً علی سلامة معتقده ، وعلیه یکون توثیقهم قد جاء بعد الفحص الشدید


1- انظر فتح المغیث ، للسخاوی 3 : 358 ، عن الذهبی ، والرفع والتکمیل : 274 مثلاً .
2- انظر کلام السیّد حسن الصدر فی نهایة الدرایة : 382 مثلاً .

ص:92

والتنقیب العالی ، فمن اعتمده القمیون فقد جاوز القنطرة ((1)) .

هذا وقد عدّ الرجالیون اعتماد القمّیّین وروایتهم عن شخص ، أحدَ أسباب المدح والقوة وقبول الروایة((2)) .

l قال النجاشی : إبراهیم بن هاشم ، أبو إسحاق القمّی ، أصله کوفی انتقل إلی قم ...((3))

وأضاف الشیخ فی الفهرست : وأصحابنا یقولون : إنه أوّل من نشر حدیث الکوفیین بقمّ ، وذکروا أنّه لقی الرضا ((4)) .

قال السیّد الخوئی فی المعجم : لا ینبغی الشک فی وثاقة إبراهیم بن هاشم ویدل علی ذلک عدة امور :

منها : أنّه أوّل من نشر حدیث الکوفیین بقمّ ، والقمّیّون قد اعتمدوا علی روایاته ، وفیهم من هو مستصعب فی أمر الحدیث ، فلو کان فیه شائبة الغمز لم یکن یتسالم علی أخذ الروایة عنه وقبول قوله((5)) .

l ومثله الکلام عن إبراهیم بن محمّد الثقفی ، أبی إسحاق ( صاحب الغارات ) ، قال عنه المجلسی الأوّل فی شرح مشیخة الفقیه : أصله کوفیّ ، وانتقل أبو إسحاق هذا إلی إصفهان وأقام بها ، وکان زیدیّاً أوّلاً ، ثمّ انتقل إلینا ، ویقال : إن جماعة من القمیین - کأحمد بن محمّد بن خالد - وفدوا إلیه وسألوه الانتقال ] إلی قم [ فأبی .

وکان سبب خروجه من الکوفة أنّه عمل کتاب ( المعرفة ) وفیه المناقب المشهورة والمثالب ، فاستعظمه الکوفیّون وأشاروا علیه بأن یترک الکتاب ولا یخرجه للناس ،


1- انظر کلام المحقق البحرانی فی الحدائق الناضرة 3 : 354 وصاحب الجواهر فی جواهره 4 : 8 .
2- منتهی المقال 1 : 91 ، عدة الرجال 1 : 134 .
3- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 16 / ت 18 .
4- الفهرست : 35 / ت 6 .
5- معجم رجال الحدیث 1 : 291 .

ص:93

فقال : أی البلاد أبعد من الشیعة ؟

فقالوا : أصفهان ، فحلف : لا أروی هذا الکتاب إلّا بها ، فانتقل إلیها ، ورواه بها ((1)) .

قال الذهبی فی ترجمة إبراهیم الثقفی : بَثَّ الرَّفْضَ ، وطلَبَهُ أهلُ قمّ لیأخذوا عنه فامتنع ، ألّف فی المغازی ، وخبر السقیفة ، وکتاب الردّة ، ومقتل عثمان ، وکتاب الشوری ، وکتاب الجَمَل وصفّین ، وسیرة علیّ ، وکتاب المصرع وغیرها ((2)) .

قال الوحید البهبهانی فی تعلیقته علی منهج المقال : إنّ معاملة القمیّین المذکورة ربّما تشیر إلی وثاقته ، یُنَبِّهُ علی ذلک ما یأتی فی إبراهیم بن هاشم((3)) .

l وقال التستری فی القاموس عن محمّد بن عبدالله الهاشمی : عنونه النجاشی قائلاً : له کتاب یرویه القمیّون ... وهو یدل علی حسنه ، لأنّ مسلکهم التدقیق ، ولولا أنّ غرضه ذلک لما خصّ روایته بهم((4)) .

هذا بعض الشیء عن منهج الرجالیین فی التعدیل فتراهم یوثّقون شخصاً لأنّه « أول من نشر أخبار الکوفیّین بقم » أو « أنّ أهل قمّ دعوه » ، أو «له کتاب یرویه القمیون» ویعتبرون أمثال هذه النصوص توثیقاً لهؤلاء الرجال أو مشعرة بالتوثیق ، فی حین أنّک لو رجعت إلی أقوال الرجالیین کالکشی ، والنجاشی ، والشیخ ، وغیرهم فلا تراهم یصرّحون بتوثیق إبراهیم بن هاشم ، وإبراهیم الثقفی ، ومحمّد ابن عبدالله الهاشمی وغیرهم إلّا من خلال تلک القاعدة العامة المذکورة المأخوذ بها عند الرجالیّین شیعة وسنة ، فإنّ هؤلاء یأخذون بتوثیق المتشدد ، لأنّه جاء وفق استقراء وتتبّع ، ویترکون الاعتناء بجروحه إلّا أن تکون تلک الطعون نصوصاً


1- روضة المتقین 14 : 36 .
2- تاریخ الإسلام للذهبی 21 : 112 - 113 .
3- انظر تعلیقة البهبهانی ( منهج المقال ) 1 : 350 .
4- قاموس الرجال 9 : 393 .

ص:94

صریحة صادرة عن المعصومین .

والعامّة یشترطون فی الجرح أن یکون مفسّراً ، ولا یقبلون بجرح الأقران فیما بینهم ، ومن یختلفان فیما بینهما فی العقیدة والمذهب . والکل یتّفق علی لزوم التّأنّی والتدبّر فیما یقوله المتشدّد وعدم الأخذ بکُلّ ما یقوله ؛ وذلک لتسرّع المتشددین فی إطلاق الأحکام علی الأشخاص بمجرّد التهمة ، وقبل تمام التحقیق عنه ، فتراهم ینسبون إلی الآخرین أشیاء عظیمة وربّما أمروا بقتل بعض المؤمنین - کما فی محمّد بن آورمه - بمجرّد شیوع الخبر الذی مفاده أنّ عنده أوراقاً فی الباطن ، أو لمجرد روایته خبراً یخالف معتقد الاخرین .

وقد أضافت العامّة قانوناً فی الجروح العامّة ، وهو جرح بعض العلماء لأهل بعض البلاد ، أو بعض المذاهب ، بأنْ لا یُؤخذ بتلک الجروح إلّا بعد أن ینقّح الأمر فی ذلک الجرح ، کجرح الذّهبی وابن تیمیة لکثیر من الصوفیة وأولیاء الأمة((1)) ، أو مبالغة الذهبی فی نقد الأشاعرة ، والدارقطنی والخطیب البغدادی فی جرحهما أبا حنیفة وأصحابه .

فالواجب علی العالم أن لا یبادر إلی قبول أقوالهم بدون تنقیحها ، ومن قلّدهم من دون الانتقاد ، ضَلَّ وأوقع العوامَّ فی الفساد((2)) .

ومن هنا نقف علی قیمة الطعون العامة الصادرة من الاطراف المشددة ، فلا یمکن الاعتماد علیها لأنّها نصوص متطرفة .

قال الشیخ الصدوق فی اعتقاداته : وعلامة المفوِّضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشایخ قمّ وعلمائهم إلی القول بالتقصیر((3)) .


1- الیواقیت والجواهر 1 : 8 .
2- انظر علم رجال الحدیث للدکتور تقی الدین الندوی المظاهری : 118 ، وانظر کذلک طبقات الشافعیة الکبری 1 : 190 .
3- اعتقادات الصدوق : 101 .

ص:95

وقد علّق الشیخ المفید البغدادی فی شرح عقائد الصدوق بقوله : وأمّا نصّ أبی جعفر رحمة الله بالغلوّ علی مَن نَسَبَ مشایخ القمیین وعُلماءهم إلی التقصیر ، فلیس نسبةُ هؤلاء القوم إلی التقصیر علامةً علی غلوّ الناس ، إذ فی جملة المشار إلیهم بالشیخوخة والعلم من کان مقصّراً ، وانّما یجب الحکم بالغلوّ علی من نسب المحقِّقین إلی التقصیر ، سواء کانوا من أهل قمّ أو من غیرها من البلاد وسائر الناس .

وقد سمعنا حکایة ظاهرة عن أبی جعفر محمّد بن الحسن بن الولید رحمة الله لم نجد لها دافعاً فی التقصیر ، وهی ما حکی ] عنه [ أنّه قال : أوّل درجة فی الغلوّ نفیُ السهوِ عن النبیّ والإمام .

فإن صحّت هذه الحکایة عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القمیین ومشیختهم .

وقد وجدنا جماعة وردوا إلینا من قمّ یقصّرون تقصیراً ظاهراً فی الدِّین ، ویُنزلون الأئمّة علیهم السلام عن مراتبهم ، ویزعمون أنّهم کانوا لا یعرفون کثیراً من الأحکام الدینیة حتی ینکت((1)) فی قلوبهم ، ورأینا من یقول : أنّهم یلتجئون فی حکم الشریعة إلی الرأی والظنون ، ویدّعون مع ذلک أنّهم من العلماء . وهذا هو التقصیر الذی لا شبهة فیه((2)) .

قال الوحید البهبهانی : ثمّ اعلم أنّه ] أی أحمد بن محمّد بن عیسی [ وابن الغضائری ربّما ینسبان الراوی إلی الکذب ووضع الحدیث أیضاً بعدما نسباه إلی الغلوّ ، وکأنّه لروایته ما یدل علیه ، ولا یخفی ما فیه((3)) .


1- ینکت فی قلوبهم : أی یلقی فی روعهم ویلهمون من قبل الله تعالی الهاماً ، یقال : اتیته وهو ینکت ، أی یفکر ، کأ نّما یحدث نفسه .
2- تصحیح الاعتقاد : 135 .
3- الفوائد الرجالیة : 38 - 39 ، المطبوع بآخر رجال الخاقانی .

ص:96

وقال أیضاً : وقد حققنا علی رجال المیرزا ضعف تضعیفات القمیّین ، فإنّهم کانوا یعتقدون - بسبب اجتهادهم - اعتقادات من تعدّی عنها نسبوه إلی الغلوّ - مثل : نفی السهو عن النبی أو التفویض ، مثل تفو یض بعض الاحکام إلیه - أو إلی عدم المبالاة فی الروایة والوضع ، وبأدنی شیء کانوا یتّهمون - کما نری الان من کثیر من الفضلاء والمتدیّنین - وربّما یخرجونه من قم ویؤذونه وغیر ذلک((1)) .

وقال الشیخ محمّد ابن صاحب المعالم : إنّ أهل قمّ کانوا یخرجون الراوی ] من البلدة [ بمجرّد توهّم الریب فیه((2)) .

فإذا کانت هذه حالتهم وذا دیدنهم ، فکیف یعول علی جروحهم وقدحهم بمجرده ، بل لابد من التروی والبحث عن سببه والحمل علی الصحّة مهما أمکن .

قال العلّامة بحر العلوم فی رجاله ، وعنه نقل المحدّث النوری فی خاتمة المستدرک : وفی الاعتماد علی تضعیف القمیّین وقدحهم فی الأُصول والرجال کلام معروف ، فإنّ طریقتهم فی الانتقاد تخالف ما علیه جماهیر النقّاد ، وتسرّعهم إلی الطعن بلا سبب ظاهر ، مما یریب اللبیب الماهر ، ولا یلتفت أحد من أئمّة الحدیث والرجال إلی ما قاله الشیخان المذکوران ] یعنی ابن الولید وابن بابویه [فی هذا المجال ، بل المستفاد من تصریحاتهم وتلو یحاتهم تخطئتهما فی ذلک المقال ] أی الطعن فی أصل زید النرسی [ ((3)).


1- حاشیة مجمع الفائدة والبرهان للوحید البهبهانی : 700 .
2- استقصاء الاعتبار فی شرح الاستبصار 4 : 77 .
3- الفوائد الرجالیة لبحر العلوم 2 : 369 ، وعنه فی خاتمة المستدرک 1 : 65 .

ص:97

نماذج أخری من تشدّد القمّیین

l قال الکشی فی الحسین بن عبیدالله ] المحرر [ : أنّه أُخرج من قم فی وقت کانوا یخرجون منها من اتهموه بالغلو((1)) .

l وروی الکشی ، عن جعفر بن معروف القمی ، قال : صرت إلی محمّد بن عیسی ] العبیدی [ لاکتب عنه ، فرأیته یتقلنس بالسوداء ، فخرجت من عنده ولم أعد إلیه ، ثمّ اشتدّت ندامتی لِما ترکت من الاستکثار منه لمّا رجعت ، وعلمت أنِّی قد غلطت .

وعن علی بن محمّد القتیبی ، قال : کان الفضل یحبُّ العبیدی ویثنی علیه ویمدحه ویمیل إلیه ویقول : لیس فی أقرانه مثله((2)) .

ولو راجعت ترجمة القاسم بن یقطین القمی((3)) والحسن بن محمّد المعروف بابن بابا ((4)) تری فی ترجمتهما ما یظهر اعتبار محمّد بن عیسی العبیدی عند الإمام الهادی والعسکری علیهما السلام ، لان محمّد بن عیسی العبیدی قال : کتب إلّی أبو الحسن العسکری ] وفی آخر العسکری [ ابتداء منه((5)) .

قال أبو العباس بن نوح : وقد أصاب شیخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الولید فی ذلک کله وتبعه أبو جعفر بن بابو یه علی ذلک إلّا فی محمّد بن عیسی بن عبید ، فما أدری مارابه فیه !! لأنّه کان علی ظاهر العدالة والثقة((6)) .


1- رجال الکشی 2 : 799 / رقم 990 .
2- رجال الکشی 2 : 817 / رقم 1022 ، التحریر الطاووسی : 527 / الرقم 387 .
3- رجال الکشی 2 : 787 / رقم 996 .
4- رجال الکشی 2 : 787 / رقم 999 وفی ابن أبی الزرقاء ما یظهر منه اعتباره کذلک .
5- رجال الکشی 2 : 804 / الرقم 996 .
6- فهرست مصنفات أصحابنا المعروف برجال النجاشی : 348 / ت 939 ، خلاصة الأقوال: 431 / الفائدة الرابعة .

ص:98

وقال النجاشی : ورأیت أصحابنا ینکرون هذا القول ویقولون : مَن مِثل أبی جعفر محمّد بن عیسی ؟! سکن بغداد((1)) .

وشخص کهذا هو ممن اتّهم عند القمیین بالغلوّ فلم یرووا عنه ، لما قیل عنه : إنّه کان یذهب مذهب الغلاة((2)) .

l وقد تسرّعوا کذلک فی محمّد بن موسی بن عیسی السمّان والقول فیه أنّه وضع کتابی زید النرسی وزید الزّراد، ولو راجعت ترجمة زید النرسی وزید الزراد لوقفت علی قول ابن الغضائری : قال أبو جعفر بن بابویه : إنّ کتابهما موضوع، وضعه محمّد بن موسی السمان ؛ وغلط أبو جعفر فی هذا القول، فإنّی رأیت کتبهما مسموعة من محمّد بن أبی عمیر((3)) .

قال النجاشی : محمّد بن موسی بن عیسی ، أبو جعفر الهمدانی السمان ، ضعفه القمیّون بالغلوّ ، وکان ابن الولید یقول : إنّه کان یضع الحدیث ، والله أعلم .

له کتاب ما روی فی أیّام الأسبوع ، وکتاب الردّ علی الغلاة .

أخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمّد بن یحیی ، عن أبیه ، عنه بکتبه((4)) .

کیف یقول الصدوق ذلک تبعاً لابن الولید ، والنجاشی یقول فی رجاله : حدّثنا علی بن إبراهیم بن هاشم ، عن أبیه ، عن ابن أبی عمیر ، عن زید النرسی بکتابه((5)) .


1- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 333 / ت 896 .
2- الفهرست : 216 / ت 611 .
3- رجال ابن الغضائری : 62 / ت 53 ، وعنه فی خلاصة الاقوال : 347 / الفصل 10 / الباب 1 / ت 4 .
4- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 338 / ت 904 . وقد یکون فیما کتبه فی الرد علی الغلاة کان دفاعاً عن نفسه ضد التهمة الموجهة إلیه .
5- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 176 / ت 460 : وانظر کلام الشهید فی الرعایة : 90 ، والوافی 1 : 5 - 6 ، والحدائق 1 : 90 ، ینظر إلی کلام الشیخ فی عدة الاصول 1 : 147 / الفصل الخامس / فی ذکر القرائن التی تدل علی صحة اخبار الآحاد أو علی بطلانها وما ترجح به الأخبار بعضها علی بعض ، وحکم المراسیل .

ص:99

ونصّ شیخ الطائفة فی الفهرست علی روایة ابن أبی عمیر لکتاب زید النرسی کما ذکره النجاشی ، ثم ذکر فی ترجمة ابن أبی عمیر طرقه المعتبرة الصحیحة التی تنتهی إلیه((1)) .

وقال الشیخ فی العدّة عن ابن أبی عمیر : إنّه لا یروی ولا یرسل إلّا عمّن یوثق به . وهذا توثیق عامّ لمن روی عنه((2)) ] وفیه روایته لکتاب زید النرسی [ ولا معارض له ها هنا .

قال السیّد بحر العلوم : وفی کلام الشیخ تخطئة ظاهرة للصدوق وشیخه فی حکمهما بأنّ أصل زید النرسی من موضوعات محمّد بن موسی الهمدانی ، فإنه متی صحّت روایة ابن أبی عمیر إیّاه عن صاحبه ، امتنع إسناد وضعه إلی الهمدانی المتأخّر العصر عن زمن الراوی والمرویّ عنه .

وأمّا النجاشی فقد عرفت مما نقلناه عنه روایته لهذا الأصل فی الحسن کالصحیح - بل الصحیح علی الأصح - عن ابن أبی عمیر عن صاحب الأصل ، وقد روی أصل زید الزراد عن المفید ، عن ابن قولو یه ، عن أبیه وعلی بن بابو یه ، عن علی بن إبراهیم ، عن محمّد بن عیسی بن عبید ، عن ابن أبی عمیر ، عن زید الزراد . ورجال هذا الطریق وجوه الأصحاب ومشایخهم((3)) ، ولیس فیهم من یتوقّف فی شأنه سوی العبیدی ، والصحیح توثیقه .

وقد اکتفی النجاشی بذکر هذین الطریقین ولم یتعرّض لحکایة الوضع فی شیء من الأصلین ، بل أعرض عنها صفحاً ، وطوی عنها کشحاً ، تنبیهاً علی غایة فسادها مع دلالة الإسناد الصحیح المتّصل علی بطلانها ، إلی أن یقول رحمة الله :


1- انظر الفهرست : 130 / ت 300 ، وفهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 174 / ت 460 .
2- عدة الأُصول 1 : 154 .
3- وغالب هؤلاء من القمیین .

ص:100

و یشهد لذلک أیضاً أنّ محمّد بن موسی الهمدانی - وهو الذی ادُّعی علیه وضع هذه الاُصول - لم یتّضح ضعفه بعد ، فضلاً عن کونه وضّاعاً للحدیث ، فإنّه من رجال نوادر الحکمة ، والروایة عنه فی کتب الأحادیث متکرّرة ، ومن جملة روایاته : حدیثه الذی انفرد بنقله فی صلاة عید الغدیر ، وهو حدیث مشهور ، أشار إلیه المفید رحمة الله فی « المقنعة » ، وفی « مسار الشیعة »((1)) ، ورواه الشیخ رحمة الله فی التهذیب((2)) ، وأفتی به الأصحاب ، وعوّلوا علیه ، ولا رادّ له سوی الصدوق((3)) وابن الولید ، بناء علی أصلهما فیه .

والنجاشی ذکر هذا الرجل فی کتابه ولم یضعّفه ، بل نسب إلی القمیّین تضعیفه بالغلوّ ، ثمّ ذکر له کتباً منها کتاب الرّد علی الغلاة ، وذکر طریقه إلی تلک الکتب ، قال رحمة الله : وکان ابن الولید رحمة الله یقول : إنّه کان یضع الحدیث ، والله أعلم((4)) .

وابن الغضائری وإن ضعّفه ، إلّا أنّ کلامه فیه یقتضی أنّه لم یکن بتلک المثابة من الضعف ، فإنّه قال فیه : إنّه ضعیف ، یروی عن الضعفاء ، ویجوز أن یخرج شاهداً ، تکلّم فیه القمّیّون فیه بالرد فأکثروا ، واستثنوا من نوادر الحکمة ما رواه((5)) ، وکلامه ظاهر فی أنّه لم یذهب فیه مذهب القمّیّین ، ولم یرتضِ ما قالوه ، والخطب فی تضعیفه هیّن ، خصوصاً إذا استهانه .

وقد فصّل سیدنا بحر العلوم الکلام عن أصل زید النرسی فی رجاله بحیث کفی


1- المقنعة : 204 ، مسار الشیعة : 39 ضمن المجلد السابع من مصنّفات الشیخ المفید .
2- التهذیب 3 : 143/ باب صلاة الغدیر / ح 317 .
3- الفقیه 2 : 90 / ذیل الحدیث 1817 .
4- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 348 / ت 904 ، الفوائد الرجالیة 2 : 376 / ترجمة زید النرسی .
5- حکاها عنه العلّامة فی الخلاصة : 401/ ت 44 .

ص:101

الآخرین مؤونة الکلام عنه((1)) .

ومن الطریف أنّ الشیخ الصدوق قد روی عن ابن أبی عمیر فی کتاب ثواب الأعمال باب ( ثواب غسل الرأس بورق السدر ) عن زید النرسی بهذا الاسناد :

أبی رحمة الله ، قال : حدثنی علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن زید النرسی ، عن بعض أصحابه ، قال : سمعت ابا عبدالله یقول : کان ...((2)) الخبر .

وفی من لا یحضره الفقیه - کتاب الوصیة ، باب ضمان الوصی لِما یغیره بما اوصی به المیّت - :

وروی محمّد بن أبی عمیر ، عن زید النرسی ، عن علی بن مزید((3)) صاحب السابری ، قال : ... الخبر((4)) .


1- انظر ترجمته فی الفوائد الرجالیه 2 : 360 - 376 ، وکلام المحدث النوری فی خاتمة مستدرک الوسائل 1 : 62 .
2- ثواب الأعمال : 20 والحدیث موجود فی أصل زید النرسی کذلک .
3- فی الکافی 7 : 21 ح 1 علی بن فرقد وکلاهما مجهول .
4- من لا یحضره الفقیه 4 : 207 / 5482 .

ص:102

نتیجة ما تقدّم

وبعد کلّ هذا فلیس من البعید أن یکون شیخنا الصدوق رحمة الله قد تأ ثّر بمشایخه وتسرّع فی حکمه علی الذین رووا الشهادة بالولایة لعلی فی الأذان واتّهمهم بالوضع والغلوّ ؛ لعدم وجود ما یروونه عند مشایخه ، أو لعدم تطابقه مع عقائدهم ، فالصدوق اتّبع شیخه ابن الولید فی نسبة الوضع لکتابی النرسی والزراد إلی أبی جعفر الهمدانی السمّان فی حین عرفت أنّ ابن الغضائری قال : إنّی رایت کتبهما ] أی کتب زید النرسی وزید الزرّاد [مسموعة من محمّد بن عمیر .

وعلیه فلا یمکن الاعتماد علی جروح القمیّین بلا تمحیص ، لأنّ المشهور عنهم أنّهم إذا وجدوا روایة علی خلاف معتقدهم رَمَوها بالضعف ووصفوا راو یها بالجعل والدسّ .

وبذلک فقد تبیّن لک - علی سبیل المثال - أنّ القمیّین جزموا بضرس قاطع بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، فی حین أنّ الطرق الصحیحة إلیه((1)) أکّدت أنّه لیس بموضوع ؛ إذ الطریق إلیه صحیح معتبر لا شک فی ذلک ولا ریب ، وهذا یدعونا لأن نشکک فیما یقطع به شیخنا الصدوق قدس سره خصوصاً إذا انفرد بالقول بالوضع کما فی أخبار الشهادة الثالثة .

فقد یکون جَزْمُ الصدوق قدس سره بضرس قاطع بأنّ أخبار الشهادة الثالثة من وضع المفوِّضة هو من قبیل جزمه بأنّ أصل الزرّاد موضوع ، وما یدرینا فلعلّ شأن أخبار الشهادة الثالثة ستکون شأن أصل الزراد ، بل یمکن القول أنّ حکم الشیخ الصدوق رحمة الله بالوضع عموماً وفی أخبار الشهادة الثالثة بنحو خاصّ لا یمکن الاعتماد علیه ، خاصّة حینما نراه ینفرد فی مثل هذا الحکم ولم یتابعه علیه أحد من


1- کطریق ابن الغضائری والمفید والطوسی والنجاشی رحمهم الله .

ص:103

قدماء الأصحاب بوضع الأخبار .

وبالجملة : یظهر أنّ مثل هذا الحکم وما یجری مجراه لیس عن حسّ وشهود ، بل مستنده الحدس والاستنباط ، وقراءة المتون والروایات ، والسماع من المشایخ الثقات ، مع لحاظ قناعاتهم وخلفیاتهم الفکریة التی تمیل إلی جانب التشدید غیر العلمی علی الروایة والرواة ، ومثل هذه الشهادة لا تکون حجة لا فی التضعیف ولا فی التوثیق .

نعم ، نحن فی الوقت الذی نقول بهذا ، لا نستبعد أن یکون الغلاة قد وضعوا أخباراً دالّة علی جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان ، وأنّ الشیخ الصدوق رحمة الله قد سمعها منهم ، فیکون ما قاله رحمة الله قد صدر منه عن حسٍّ ویقین ، فلو ثبت هذا الاحتمال فنحن نتبرأ ممن یضع الأخبار علی لسان الأئمّة ویزید فی الأذان ما لیس فیه ، وهذا ما سنوضّحه أکثر عند دراستنا لکلام شیخنا الصدوق لاحقاً إن شاء الله تعالی((1)) .

2 - الروایة عن الضعفاء وأصحاب المذاهب الأُخری واعتماد المراسیل
اشارة

قرّر المحدّثون من أهل قم إقصاء من یروی عن الضعفاء ویأتی بالمراسیل ، مع أنّ الروایة عن الضعفاء لا تقتضی تضعیف الراوی ولا تضعیف الروایة بنحو مطلق عند جمیع المحدّثین سنة وشیعة ، وأنّ روایة الثقات عن کثیر من الضعفاء وحتّی المنتحلین للمذاهب الباطلة ممّا لا یکاد یدفعه أحد ، وکذا اعتماد المراسیل فإنّها مسألة اجتهادیة قد بحثت فی کتب علمی الدرایة واصول الفقه .

قال الشیخ الطوسی فی أول الفهرست : إنّ کثیراً من مصنّفی أصحابنا ، وأصحاب الأُصول ، کانوا ینتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن کانت کتبهم


1- انظر صفحة 249 إلی 287 .

ص:104

معتمدة ((1)).

وقال فی ترجمة إبراهیم بن إسحاق الأحمری : کان ضعیفاً فی حدیثه ، متّهماً فی دینه ، وصنّف کتباً جملتها ، قریبة من السداد((2)) .

وقال عن حفص بن غیاث القاضی : عامّیّ المذهب ، له کتاب معتمد((3)) .

وقال عن طلحة بن زید : عامیّ المذهب إلّا أنّ کتابه معتمد((4)) .

علی بن الحسن الطاطری : کان واقفیاً شدید العناد فی مذهبه ، صعب العصبیة علی من خالفه من الإمامیة ، وله کتب کثیرة فی الفقه ، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروایاتهم((5)) .

وقال النجاشی : الحسین بن عُبیدالله السعدی ، ممّن طعن علیه ورمی بالغلوّ ، له کتب صحیحة الحدیث((6)) .

قال الشیخ الحرّ العاملی فی الفائدة السادسة من خاتمة کتابه « وسائل الشیعة » وعند کلامه عن صحّة أحادیث الکتب الأربعة وأمثالها والتی اعتمدها الأصحاب علی ما فیها : ومثله یأتی فی روایة الثقات الاجلاء - کأصحاب الإجماع ونحوهم - عن الضعفاء ، والکذابین ، والمجاهیل ، حیث یعلمون حالهم ، ویروون عنهم ، ویعملون بحدیثهم ، ویشهدون بصحته ...((7)) .

فانظر إلی عمل الطائفة فإنّهم یعملون بأخبار هؤلاء الاشخاص وامثالهم مع أنّهم


1- الفهرست : 32 .
2- الفهرست : 39 / ت 9 .
3- الفهرست : 116 / ت 242 .
4- الفهرست : 149 / ت 372 .
5- الفهرست : 156 / ت 390 .
6- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 42 / ت 86 .
7- وسائل الشیعة ( الخاتمة ) 30 : 206 .

ص:105

ممّن ینتحلون المذاهب الفاسدة ، وأنّهم فی غایة البعد عنّا ، وأ نّا مأمورون بالتنفرّ والتباعد عنهم، لأنّ عدم أخذنا عنهم یعنی ترکنا لجملة من الآثار ، قال الشیخ الحر العاملی فی الخاتمة عن الواقفة :

وأمّا هؤلاء المخذولون فلم یکن لأصحابنا الإمامیة ضرورة داعیة إلی أن یسلکوا معهم علی ذلک المنوال وخصوصاً الواقفة ، فإنّ الإمامیّة کانوا فی غایة الاجتناب لهم ، والتباعد عنهم - حتی أنّهم کانوا یسمونهم ( الممطورة ) أی الکلاب التی أصابها المطر - وائمتنا علیهم السلام کانوا ینهون شیعتهم عن مجالستهم ومخالطتهم ، ویأمرونهم بالدعاء علیهم فی الصلاة ویقولون : إنّهم کفار ، مشرکون ، زنادقة ، وإنّهم شرّ من النواصب ، وإن من خالطهم فهو منهم . وکتب أصحابنا مملوءة بذلک کما یظهر لمن تصفّح کتاب الکشّی وغیره((1)) .

وإنّک لو تأملت فی تعلیل القمیّین لمن أقصوا من المحدّثین فلا تراهم یتّهمونهم لروایتهم الأحادیث الموضوعة ، بل للروایة عن الضعفاء فیما یقولون ، أو بسبب الروایة عن أهل المذاهب الفاسدة ، أو بسبب روایة المراسیل ، وهناک فرق بین الأمرین لا یخفی علی العالم البصیر .

l قال ابن الغضائری فی أحمد بن محمّد بن خالد البرقی : طعن القمّیّون علیه ، ولیس الطعن فیه إنّما الطعن فیمن یروی عنه ، فإنّه کان لا یبالی عمّن یأخذ علی طریقة أهل الأخبار((2))، وکان أحمد بن محمّد بن عیسی أبعده عن قمّ ثم أعاده إلیها واعتذر إلیه((3)).

وقال النجاشی عنه : أصله کوفی وکان جدّه محمّد بن علی حبسه یوسف بن عمر


1- وسائل الشیعة ( الخاتمة ) 30 : 204 .
2- أی أنّه لم یتبع منهج القمیین فی الاخذ بالاخبار .
3- رجال ابن الغضائری : 39 / ت 10 .

ص:106

- والی العراق - بعد قتل زید علیه السلام ثم قتله ، وکان خالد صغیر السن فهرب مع أبیه عبدالرحمن إلی برق روذ ، وکان ثقة فی نفسه یروی عن الضعفاء واعتمد المراسیل((1))، وقریب من هذا تراه فی الفهرست للشیخ الطوسی((2)) .

وقال ابن داود الحلی : أقول : وذکرته فی الضعفاء لطعن ابن الغضائری فیه ، ویقوی عندی ثقته ، مشی أحمد بن محمّد بن عیسی فی جنازته حافیاً حاسراً تنصّلاً ممّا قذفه به((3)) .

وقال العلّامة فی الخلاصة : وجدت کتاباً فیه وساطة بین أحمد بن محمّد بن عیسی وأحمد بن خالد ، ولمّا توفّی مشی أحمد بن محمّد بن عیسی فی جنازته حافیاً حاسراً لیبّرئ نفسه ممّا قذفه به ، وعندی أنّ روایته مقبولة((4)) .

فابنُ الغضائری لم یطعن فیه ، بل ردَّ الطعن إلی طعن القمّیّین علیه ، ثم ردّ ذلک بأنّ الطعن لیس فیه بل فی من یروی عنه ، وقد فعل مثل ذلک ابن داود ؛ إذ لم یذکره فی الضعفاء إلّا من أجل طعن ابن الغضائری ، ولم یعبأ به لأنّه معلوم المستند عن القمّیّین .

هذا ، وقد وقع البرقی فی طریق الصدوق إلی إسماعیل بن رباح((5))، والحارث ابن المغیرة النصری((6))، وحفص بن غیاث((7))، وحکم بن حکیم((8))، ولیس لهذا معنی إلّا افتراض اعتراف القمّیّین العملی - ومنهم الشیخ الصدوق قدس سره - بأنّ منهجهم کان


1- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 76 / ت 182 .
2- الفهرست : 62 / ت 65 .
3- رجال ابن داود : 43 / ت 122 ، وانظر رجال بحر العلوم 1 : 345 - 347 .
4- خلاصة الاقوال : 63 / ت 7 .
5- من لا یحضره الفقیه 4 : 442 ( المشیخة ) .
6- من لا یحضره الفقیه 4 : 456 ( المشیخة ) .
7- من لا یحضره الفقیه 4 : 473 ( المشیخة ) .
8- من لا یحضره الفقیه 4 : 428 ( المشیخة ) .

ص:107

بشکل عام شدیداً ، وفی شأن البرقی بنحو خاص .

إذن الروایة عن الضعفاء واعتماد المراسیل لیسا قدحاً فی الراوی أو الروایة ؛ إذ جرت سیرة المحدّثین من الفریقین فی الأخذ بالحدیث المرسل والضعیف ، وکذلک روایة أهل المذاهب الإسلامیة الفاسدة بشرط الاعتماد .

وقد روی أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری نفسه عن عدّة من الضعفاء ، فقد روی محمّد بن یعقوب عن محمّد بن یحیی عن أحمد بن محمّد بن عیسی عن علی بن حدید((1)) .

وروی أیضاً عن محمّد بن یحیی ، عنه ، عن إسماعیل بن سهل ، عن حماد ، عن ربعی((2)) .

وروی أیضاً عن محمّد بن یحیی ، عنه ، عن بکر بن صالح ، عن الجعفری((3)) .

وهذا یعنی عدول القمیّین عن منهجهم المتشدّد ؛ وذلک لعلمهم - وهم العلماء الجهابذة - بأن الحدیثَ الضعیفَ غیرُ متروک لوجود احتمال تصحیحه بالشواهد والمتابعات والقرائن الأخری ، وهذا معناه أنّ منهج القمیین فی مجال الأخبار کان شدیداً فی عصر من العصور ، وهو ما یجعلنا نتوقّف فی أحکامهم علی الروایة والرواة .

وانی اثناء البحث لفت انتباهی شیء وهو خلاف ما اعرفه عن أحمد بن محمّد البرقی وأنّه من أصحاب الجواد والهادی علیهما السلام کما هو المصرح عند الشیخ فی رجاله((4))، لأنّ الصدوق روی فی کتاب التوحید : حدثنا أبی ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید رحمهما الله ، قالا : حدّثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدثنا أحمد بن


1- الکافی 1 : 59 / باب الرد إلی الکتاب والسنة / ح 1 .
2- الکافی 2 : 427 ، باب الاعتراف بالذنوب / ح 7 .
3- الکافی 6 : 338 ، باب البان الابل / ح 1 ، وانظر ج 6 : 380 باب فضل الماء / ح 1 .
4- رجال الشیخ : 373 / الرقم 5521 و382 / الرقم 5645 .

ص:108

محمّد بن عیسی ، عن علی بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد البرقی ، عن أبی عبدالله فی قول الله عزّوجلّ { وَسَیَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَکُمْ... } الخبر((1)) .

إذ أنّ روایة والده محمّد بن خالد غیر ثابتة عن الصادق((2)) فضلاً عن روایة ابنه أحمد ، مع أنّ أباه محمّد بن خالد هو من أصحاب الکاظم والرضا والجواد((3)) .

اذن أحمد بن محمّد لا یمکنه أن یروی عن الصادق ( المتوفی 148 ) ، لأنّه توفی 273 ه- حسبما حکاه أحمد بن الحسین ، أو 280 ه- حسبما قاله ماجیلویه ، فهو قطعاً مات قبل أحمد بن عیسی الأشعری ؛ لأن الاشعری هذا مشی فی جنازة أحمد البرقی ، وهو متوفی فی أواخر القرن الثالث الهجری یقیناً ، وهذا مما یوجب الوهنَ فیما رواه الصدوق ، والحکمَ بالارسال علیه ، إن کان هو ذلک البرقی المعروف ، وإلّا فلا .

فالقمّیّون یجرحون من یروی عن المجاهیل ویعتمد المراسیل ، وهنا الشیخ الصدوق روی المراسیل ، حسبما یحتمل فی اسناد کهذا .

إذن فالروایة عن الضعفاء لا یمکن عدها طعناً ، بل إنّه المنهج المتّبع عند جمیع المحدّثین قدیماً وحدیثاً ، إلّا ما شاهدناه عند أهل قمّ فی العصور الأُولی حیث کانوا یلزمون الآخرین بالاخذ بمعاییرهم وترک غیرها ، مع أنّ للمحدّث أن یروی الحدیث الضعیف - لا الموضوع - وهو ما یمکن الاستفادة منه فی الشواهد والمتابعات .


1- التوحید ، للصدوق : 351 / ح 16 .
2- هناک روایة فی الروضة من الکافی 8 : 183 ح 208 : علی بن إبراهیم عن أحمد بن محمّد بن خالد عن أبیه عن أبی عبدالله قوله تعالی : { وَکُنتُمْ عَلَیٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَکُم مِّنْهَا } ( بمحمّد ) ، قال : هکذا والله نزل بها جبرئیل علی محمّد .
3- رجال الشیخ : 343 / الرقم 5121 ، 363 / الرقم 5391 ، 377 / الرقم 5585 وانظر رجال البرقی فی أصحاب الکاظم والرضا والجواد علیهم السلام .

ص:109

منهج القمّیین الالتزام والتبریر

فی الحقیقة یمکننا أن نبرّر للقمیّین ما اتّخذوه من مواقف ضدّ بعض المحدّثین ، لأنّ الشیعة فی الغیبة الصغری وما بعدها کانوا یعیشون تحت هجومَین : الهجوم العسکری المتمثّل بالحکومة العباسیة .

والهجوم العلمی بقسمیه ، الداخلی والخارجی ، فالهجوم العلمی الداخلی هو الهجوم من داخل المجموعة الشیعیة ، اعنی من قبل الزیدیة ، والإسماعیلیة ، ومن انصار الشلمغانی ، والحلاج ، والقرامطة ، وما کانوا یطرحونه من أفکار .

والهجوم العلمی الخارجی هو الهجوم من خارج المجموعة کشبهات وافکار القدریة والمرجئة والزنادقة .

فالقمیّون ولحساسیة المرحلة التی کانوا یعیشون فیها أرادوا تحصین المعرفة الإسلامیة الخالصة حتّی لا تکون عرضةً للتلویث ، وذلک بالضغط علی المحدّثین ، ومما یمکن قوله بهذا الصدد هو : أنّ أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری قد یکون طرد البرقیَّ لا لروایته عن الضعفاء ولا لشیء آخر مما ذکر آنفاً ، بل لِما کان یحیط به من أُمور سیاسیة والتی وضحنا بعضها سابقاً ، وأنّه کان یرید غلق الأبواب التی یریدها أعداء الفکر الشیعی من مثل الشلمعانی وغیره ، حیث کان هؤلاء یریدون الطعن فی الإسلام وتشو یه حقیقة التشیّع الصحیحة بواسطة الموضوعات والمکذوبات ، وقد لا نغالی إذا قلنا بأنّ الشیخ الطوسی قدس سره لو کان یعیش فی قمّ تحت وطأة تلک الظروف التی رزح تحتها أحمد بن محمّد بن عیسی أو الشیخ الصدوق رحمهما الله لما وسعه إلّا التشدد حفظاً علی أحادیث المعصومین علیهم السلام من التحریف والدّس .

وعلیه ، فالروایة عن الضعفاء واعتماد المراسیل لیست طعناً فی الراوی ولا فی الروایة ؛ لجریان سیرة المحدثین بنقل تلک الروایات وإمکان تصحیحها بشواهد

ص:110

ومتابعات من روایات أُخری ، وهذا مما لا یخفی علی مثل أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری .

فما یقوله المحدث : حدثنی فلان ، لا یعنی تصدیقه لمن أخبره فیما یقول ، أو أنّه ملتزمٌ بما رواه ، بل غایة الأمر هو نقل قوله دون القبول أو الجرح وهذا جانب آخر ، والبحث فیه له مجال ثان ، فهو من قبیل قول الله سبحانه { وَقَالَتِ الْیَهُودُ عُزَیْرٌ ابْنُ اللهِ } .

وکذا الحال بالنسبة إلی اعتماد المراسیل ؛ فإن أُرید العمل بها فتلک وظیفة الفقیه لا المحدّث ، وان أُرید نقله للروایة دون إسناد فهذا قد فعله الکثیر من المحدّثین فی مجامیعهم الحدیثیة ، ولا یعتبر ذلک جرحاً لهم حسب قواعد الصناعة المتعارفة عند المحدّثین .

وبذلک نخلص من مجموع ما قلناه : أنّ القمیّین من جهة ابتعادهم عما یجری فی العراق والحرکة العقلیة فیها رسموا لانفسهم معاییر علمیة للتعامل مع الروایة والراوی ، وقد تکون بعض تلک الضوابط شدیدة لا یومن بها غیرهم ، کما فعلوه بالبرقی لمجرّد روایته عن الضعفاء ، وهذا الموقف مخالفٌ فی المبدأ لطریقة کلّ علماء الحدیث فی أُمة الإسلام ؛ فالحدیثُ الضعیف لا یسوغ ترکه لمجرّد ضعفه عند علماء الأُمة ، لاحتمال اعتباره بشاهد مثله یرفعه إلی درجة الحجّیة ، وهذه النقطة کسابقتها تشکّکنا بحکم القمیّین علی الروایة والراوی ، کما أنّهما ناهضتان للتشکیک بسلامة حکم الشیخ الصدوق رحمة الله علی أخبار الشهادة الثالثة بالوضع ، وبهذا فقد یمکن أن یکون ذلک تسرعاً أو تشدداً منه . غیر متناسین ما قلناه عن تشدد القمیین بأنّه کان لغلق الابواب بوجه المغرضین .

وعلیه فتشدد القمیین أما لابتعادهم جغرافیاً عن الحرکة العقلیة فی العراق أو خوفاً من استغلال الجاهلین لبعض الحقائق التی لا تدرکها افهام عامة الناس .

ص:111

3 - الغلو عند القمیین ، نقل الفضائل أم ترک الضروریات ؟
اشارة

هناک رؤیتان عند الفقهاء والرجالیین ، فالبعض منهم کالوحید البهبهانی یعتقد بأنّ القمّیّین کانوا یرمون الآخرین بالغلوّ لنقلهم المعاجز والکرامات العالیة للأئمّة بحیث ینتزع من بعضها رائحة الغلوّ ، فی حین لم یکن الأمر کذلک عند السَّبْرِ والتحقیق .

وذهب فریق آخر منهم إلی أنّ معیار الغلوّ عند القمیّین هو ترک الفرائض والضروریّات ، کالصلاة والزکاة ، لقول الغلاة أنّ معرفة الإمام تکفی عن العمل ولا داعی للإتیان بالواجبات لو عرفنا الإمام حقَّ معرفته ، ومثّلوا لذلک بما فعله أهل قمّ مع محمّد بن أورمة ، الّذی امتحنوه بالصلاة ، وکذا امتُحِنَ المفضّل بن عمر بالصلاة((1)) ، وعنون الکشی جمعاً من الغلاة کان من بینهم علی بن عبدالله بن مروان وقال أنّه سأَ لَ العیاشیَّ عنهم ، فقال : وأمّا علی بن عبدالله بن مروان ، فإنّ القوم ] یعنی الغلاة [ تُمتَحَنُ فی أوقات الصلوات ، ولم أحضره وقت صلاة((2)) . وإلیک الآن بعض النصوص عن الفریقین .

l قال الوحید البهبهانی فی تعلیقاته علی منهج المقال :

اعلم أنّ الظاهر أنّ کثیراً من القدماء - سیما القمّییّن منهم والغضائری - کانوا یعتقدون للأئمّة علیهم السلام منزلةً خاصة من الرفعة والجلالة ، ومرتبة معیّنة من العصمة والکمال بحسب اجتهادهم ورأیهم ، وما کانوا یجوّزون التعدّی عنها ، وکانوا یعدّون التعدّی عنها ارتفاعاً وغلوّاً علی حسب معتقدهم ، حتّی أنّهم جعلوا مثل نفی السهو عنهم علیهم السلام غلوّا ، بل ربّما جعلوا مطلق التفویض إلیهم - أو التفویض


1- اکلیل المنهج فی تحقیق المطلب للکرباسی : 381 ، وانظر الکشی کذلک .
2- رجال الکشی 2 : 813 / الرقم 1014 ، وانظر قاموس الرجال 1 : 51 للتستری .

ص:112

الذی اختُلف فیه ، أو المبالغة فی معجزاتهم ، ونقل العجائب من خوارق العادات عنهم ، أو الإغراق فی شأنهم وإجلالهم وتنز یههم عن کثیر من النقائص ، وإظهار کثیر قدرة لهم ، وذکر علمهم بمکنونات السماء والأرض - ارتفاعاً أو مورثاً للتهمة به ، سیّما من جهة أنّ الغلاة کانوا مختفین فی الشیعة مخلوطین بهم مُدَلَّسین .

وبالجملة : الظاهر أنّ القدماء کانوا مختلفین فی المسائل الأُصولیة أیضاً ، فربّما کان شیء عند بعضهم فاسداً أو کفراً أو غلوّاً أو تفویضاً أو جبراً أو تشبیهاً أو غیر ذلک ، وکان عند آخر ممّا یجب اعتقاده ، أو لا هذا ولا ذاک .

وربّما کان منشأُ جرحهم بالأُمور المذکورة وجدانَ الروایة الظاهرة فیها منهم - کما أشرنا آنفاً - أو ادّعاء أرباب المذاهب کونه منهم ، أو روایتهم عنه . وربما کان المنشأ روایتهم المناکیر عنه ، إلی غیر ذلک .

فعلی هذا ربّما یحصل التأمّل فی جرحهم بأمثال الأُمور المذکورة .. إلی أن یقول رحمة الله :

وللتفو یض معان ، بعضها لا تأمّل للشیعة فی فساده ، وبعضها لا تأمّل لهم فی صحّته ، وبعضها لیس من قبیلهما ، والفساد کفراً کان أو لا ، ظاهر الکفر یة أو لا ... ثم ذکر الاقسام السبعة للتفو یض((1)) .

وقال المامقانی فی مقباس الهدایة عند کلامه عن الفرق الضالّة من الغلاة :

ولکن لا یخفی علیک أنّه قد کثر رمی رجال بالغلو ، ولیسوا من الغلاة عند التحقیق ، فینبغی التأمّل للاجتهاد فی ذلک ، وعدم المبادرة إلی القدح بمجرّد ذلک ، ولقد أجاد المولی الوحید حیث قال - ثم أتی بمقاطع من کلامه رحمة الله - ثمّ قال :

فظهر أنّ الرّمی بما یتضمّن عیباً فضلاً عن فساد العقیدة مما لا ینبغی الأخذ به بمجرّده ، بل لا یجوز لما فی ذلک من المفاسد الکثیرة العظیمة ، إذ لعلّ الرّامی قد


1- راجع تعلیقة الوحید ( منهج المقال ) 1 : 130 - 132 ، والفوائد الرجالیة : 38 - 42 .

ص:113

اشتبه فی اجتهاده ، أو عوّل علی من یراه أهلاً فی ذلک ، وکان مخطئاً فی اعتقاده ، أو وجد فی کتابه أخباراً تدلّ علی ذلک وهو بریء منه ولا یقول به ، أو ادّعی بعض أهل تلک المذاهب الفاسدة أنّه منهم وهو کاذب ، أو روی أخباراً ربّما تُوهِمُ - من کان قاصراً أو ناقصاً فی الإدراک والعلم - أنّ ذلک ارتفاع وغلوُّ ولیس کذلک ، أو کان جملة من الاخبار یرو یها ویحدّث بها ویعترف بمضامینها ویصدّق بها من غیر تحاش واتّقاء من غیره من أهل زمانه ، بل یتجاهر بها لا تتحمّلها أغلب العقول فلذا رمی((1)) . هذا خلاصة الرأی الأوّل .

l أمّا الرأی الثانی فهو القائل بأنّ الغلوَّ عند القمیّین هو ترک الضروریّات أو الإفراط فیها ، ولأجله تراهم یهمّون بقتل محمّد بن أورمة ، ویأمرون بعدم الأخذ عن سهل بن زیاد الآدمی ، إلی غیر ذلک ، إذ الهمّ بالقتل وطرد المؤمن ، والأمر بعدم الأخذ عنه ، کلّها من الاُمور الجارحة والّتی یجب أن یکون لها مستند شرعی ، والقمّیّون هم أهل الورع والتُّقی ، وخصوصاً مشایخهم کأحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری رحمة الله ، فلا یمکن حمل عملهم إلّا علی عدم اعتقاد الآخر بالضروریات ، لأنّ الافراط فی حبّ آل محمّد کان متفشّیاً عند الشیعة فی قمّ وغیرها ، وخصوصاً بعد مقتل الإمام الحسین علیه السلام حیث ادّعی البعض منهم أنّ الإمام الحسین لم یقتل بل شُبِّه لهم ذلک((2)) وغلت طائفة أُخری فی أخیه محمّد ابن الحنفیة وقالت فیه أنّه لم یمت بل غاب فی جبل رضوی ، وأنّه سیظهر لاحقاً ((3)) .

وقد أکد الإمام زین العابدین لشیعته لزوم رعایة الاعتدال فی طرح أفکار کهذه


1- مقباس الهدایة 2 : 397 - 402 .
2- بحار الأنوار 44 : 270/ ح 1 ، عن علل الشرائع 1 : 227 / باب 162 / ح 1 ، وانظر الاحتجاج 2 : 283.
3- وهو قول « الکربیة » أصحاب « أبو کرب الضریر » ، وهی فرقة من فرق الکیسانیة ، ( الفرق بین الفرق : 27 مقالات الإسلامیین : 19 ) .

ص:114

فقال علیه السلام : یا معشر أهل العراق ، یا معشر أهل الکوفة ، أحبّونا حب الإسلام ولا ترفعونا فوق حقّنا ((1)) .

وفی آخر عنه علیه السلام : إنّ قوماً من شیعتنا سیحبّونا حتّی یقولوا فینا ما قالت الیهود فی عزیر ، وما قالت النصاری فی عیسی بن مریم ، فلا هم منّا ولا نحن منهم((2)) .

وقد تحقّق بالفعل ما تنبّأ به الإمام ، ففشت ظاهرة الغلوّ والکذب علی الأئمّة بعد واقعة کربلاء ، فعن الإمام الرضا أنّه قال : کان بیان بن سمعان یکذب علی علی بن الحسین ، والمغیرة بن سعید یکذب علی أبی جعفر ] الباقر [ ، ومحمّد بن بشیر یکذب علی أبی الحسن موسی ، وأبو الخطّاب یکذب علی أبی عبدالله ] الصادق [ ، فأذاقهم الله حرَّ الحدید ، والذی یکذبُ عَلَیّ محمَّدُ بن فرات((3)) .

وروی الکشی بسنده عن محمّد بن عیسی بن عبید ، عن یونس بن عبدالرحمن أنّ بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر ، فقال له : یا أبا محمّد ما أشدَّکَ فی الحدیث وأکثر إنکارک لما یرو یه أصحابنا ، فما الّذی یحملک علی ردِّ الأحادیث ؟

فقال : حدّثنی هشام بن الحکم أنّه سمع أبا عبدالله علیه السلام یقول : لا تقبلوا علینا حدیثاً إلّا ما وافق القرآن والسنة ، أو تجدون معه شاهداً من أحادیثنا المتقدِّمة ، فإنّ المغیرة بن سعید لعنه الله دسّ فی کتب أصحاب أبی أحادیث لم یحدّث بها أبی ، فاتّقوا الله ولا تقبلوا علینا ما خالف قول ربنا تعالی وسنة نبینا صلی الله علیه و آله ، فإنّا إذا حدّثنا ، قلنا : قال الله عزّ وجلّ ، وقال رسول الله صلی الله علیه و آله .

وقال یونس : وافیتُ العراقَ فوجدتُ بها قطعةً من أصحاب أبی جعفر علیه السلام ،


1- حلیة الاولیاء 3 : 137 ، عن خلف بن حوشب ، مستدرک الحاکم 3 : 196 / ح 4825 ، عن یحیی بن سعید باختلاف یسیر .
2- رجال الکشی 1 : 336 / الرقم 191 .
3- رجال الکشی 2 : 591 / الرقم 544 ، مسند الإمام الرضا علیه السلام 2 : 446 / ح 42 .

ص:115

ووجدتُ أصحابَ أبی عبدالله متوافر ین ، فسمعت منهم وأخذت کتبهم ، فعرضتها من بعد علی أبی الحسن الرضا ، فأنکر منها أحادیث کثیرة أن تکون من أحادیث أبی عبدالله علیه السلام ، وقال لی : إنّ أبا الخطّاب کذب علی أبی عبدالله ، لعن الله أبا الخطاب ، وکذلک أصحاب أبی الخطاب یدسّون هذه الأحادیث إلی یومنا هذا فی کتب أصحاب أبی عبدالله ، فلا تقبلوا علینا خلاف القرآن ، فإنّا إن تحدّثنا حدّثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة ، إنّا عن الله ورسوله نحدِّث ، ولا نقول قال فلان وفلان فیتناقض کلامنا ، إنّ کلام آخرنا مثل کلام أوّلنا ، وکلام أوّلنا مصدِّقٌ لکلام آخرنا ، فإذا أتاکم من یحدّثکم بخلاف ذلک فردُّوه علیه ، وقولوا : أنت اعلم وما جئت به ! فإنّ مع کلِّ قول منّا حقیقة وعلیه نوراً ، فما لا حقیقة معه ولا نور علیه فذلک من قول الشیطان((1)) .

بلی حقّ للقمیّین أن یخافوا علی الشریعة ، وأن یحتاطوا فی الدین ، وأن لا یأخذوا إلّا ممّن یثقون به ، لکنّ ما یتجاوز عن حدّه ینقلب إلی ضده ، فنحن لا ننکر بأنّ المغیرة بن سعید ، وبیان بن سمعان ، وأبا الخطّاب ، وأمثالهم ، قد دسّوا أخباراً فی روایات الأئمّة ، والأئمّة کانوا لا یرتضون ما یرو یه هؤلاء وأمثالهم .

لکنّ هذا لا یجیز لهم طعنهم فی یونس بن عبدالرحمن - راوی الخبر الآنف الذکر وأمثاله - والذی قال عنه الرضا علیه السلام : یونس فی زمانه کسلمان الفارسی فی زمانه((2)) ، وهو الذی ضمن له علیه السلام الجنة ثلاث مرات((3)) .

قال أبو جعفر الجعفری : ادخلت کتاب یوم ولیلة الذی ألّفه یونس بن عبدالرحمن علی أبی الحسن العسکری فنظر فیه وتصفّحه کلّه ، ثم قال : هذا دینی


1- رجال الکشی 2 : 489 / الرقم 401 ، وعنه فی بحار الأنوار 2 : 249 / الرقم 62 .
2- رجال الکشی 2 : 781 / الرقم 919 ، 2 : 782 / الرقم 926 .
3- رجال الکشی 2 : 779 / الرقم 911 .

ص:116

ودین آبائی ، وهو الحقّ کله((1)) ، وعن أبی جعفر علیه السلام مثله((2)) .

وقد عدّه الشیخ فی رجاله من أصحاب الکاظم قائلاً : من أصحاب أبی الحسن موسی ، مولی علی بن یقطین ، طعن علیه القمیّون ، وهو عندی ثقة((3)) .

وعنون له فی الفهرست قائلاً : مولی آل یقطین - إلی أن قال - وقال أبو جعفر بن بابویه ] محمّد بن علی بن الحسین [ : سمعت محمّد بن الحسن بن الولید رحمة الله یقول : کُتب یونس بن عبدالرحمن التی هی بالروایات ، کلها صحیحة یعتمد علیها ، إلّا ما یتفرّد به محمّد بن عیسی بن عبید((4)) عن یونس ولم یروه غیره ، فإنّه لا یُعتَمدُ علیه ولا یُفتَی به((5)) .

قال أبو عمرو الکشی : فلینظر الناظر فیتعجب من هذه الأخبار التی رواها القمیّون فی یونس ، ولیعلم أنّها لا تصحّ فی العقل ، وذلک أنّ أحمد بن محمّد بن عیسی ، وعلی بن حدید ، قد ذکر الفضل من رجوعهما عن الوقیعة فی یونس ، ولعلّ هذه الروایات کانت من أحمد قبل رجوعه ، ومن علی مداراةً لأصحابه ، فأمّا یونس بن بهمن : فمِمَّن کان أخذ عن یونس بن عبدالرحمن أن یُظهر له مثلبة فیحکیها عنه ، والعقل ینفی مثل هذا ، إذ لیس فی طباع النّاس إظهار مساو یهم بألسنتهم علی نفوسهم ، وأمّا حدیث الحجّال الذی رواه أحمد بن محمّد فإنّ أبا الحسن علیه السلام أجلّ خطراً وأعظم قدراً من أن یسبّ أَحداً صراحاً ، وکذلک آباؤه علیهم السلام من قبله وولده من بعده ، لأنّ الروایة عنهم بخلاف هذا ، إذ کانوا قد نهوا عن


1- رجال الکشی 2 : 780 / الرقم 915 .
2- رجال الکشی 2:780 / الرقم 916 ، وانظر 913 ، عن أحمد بن أبی خلف قریباً منه.
3- رجال الشیخ : 368 / الرقم 5478 .
4- تکلمنا سابقاً بعض الشیء عن العبیدی ، وهو راوی الخبر الانف عن یونس فتأمل .
5- الفهرست : 266 / الرقم 813 .

ص:117

مثله ، وحثّوا علی غیره ممّا فیه الزین للدین والدنیا ((1)) .

هذا ، وقد حدّث محمّد بن عیسی بن عبید عن أخیه جعفر بن عیسی ما کان یلاقیه یونس من الناس آنذاک ، فقال جعفر بن عیسی : کُنا عند أبی الحسن الرضا علیه السلام وعنده یونس بن عبدالرحمن إذ استاذن علیه قوم من أهل البصرة ، فأومئ أبو الحسن ] الرضا [ إلی یونس : ادخل البیت - فإذا بیت مسبل علیه ستر - وإیّاک أن تتحرّک حتّی یؤذنَ لک ، فدخل البصریّون وأکثروا من الوقیعة والقول فی یونس ، وأبو الحسن مطرق ، حتّی إذا اکثروا وقاموا فودّعوا وخرجوا : أذن لیونس بالخروج ، فخرج باکیاً فقال : جعلنی الله فداک ، أنا أحامی عن هذه المقالة وهذه حالی عند أصحابی !! فقال له أبو الحسن علیه السلام : یا یونس ، وما علیک ممّا یقولون إذا کان إمامک عنک راضیاً ، یا یونس حدّث الناس بما یعرفون ، واترکهم ممّا لا یعرفون ، کأنّک ترید أن تکذب علی الله فی عرشه .

یا یونس وما علیک أن لو کان فی یدک الیمنی درّة ثمّ قال الناس : بعرة ، أو بعرة فقال الناس : درة ، هل ینفعک ذلک شیئاً ؟

فقلت : لا .

فقال : هکذا أنت یا یونس ، إذا کنت علی الصواب وکان إمامک عنک راضیاً لم یضرک ما قال الناس((2)) .

وعن أبی جعفر البصری - وکان ثقةً فاضلاً صالحاً - قال : دخلت مع یونس بن عبدالرحمن علی الرضا فشکی إلیه ما یلقی من أصحابه من الوقیعة ؟

فقال الرضا علیه السلام : دارِهِمْ فإنّ عقولهم لا تبلغ((3)) .

وعن الفضل بن شاذان ، قال : حدّثنی عبدالعزیز بن المهتدی - وکان خیرَ قمّیٍّ


1- رجال الکشی 2 : 788 / الرقم 954 .
2- رجال الکشی 2 : 781 / الرقم 924 .
3- رجال الکشی 2 : 783 / الرقم 929 .

ص:118

رأیته ، وکان وکیل الرضا علیه السلام وخاصته - فقال : إنِّی سألته علیه السلام فقلت : إنِّی لا أقدر علی لقائک فی کلّ وقت ، فعن من آخذ معالم دینی ؟ فقال : خذ من یونس بن عبدالرحمن((1)) .

وهذه منزلةٌ عظیمة لیونس ، ونحوه عند الکشّیّ عن الحسن بن علی بن یقطین((2)) .

فمن کان هذا حاله ، فهل من مُبَرِّر للتوقف فیما یرویه، بدعوی ما یتفرد به محمّد ابن عیسی بن عبید عن یونس وأنّه غیر صحیح؟! فی حین عرفت حال محمّد بن عیسی واعتباره عند الإمامین الهادی والعسکری، وعرفت ما جاء من أخبار فی یونس بن عبدالرحمن وأنّ ما عنده هو الحقِّ کلّه.

کان غرضنا من سرد هذه الأخبار التنبیه علی حقیقة أنّ کثیراً من الشیعة قد لا تبلغ عقولهم مقاصد الأئمة علیهم السلام المطویة فی أحادیثهم الشریفة ، ومن هنا یسهل للبعض رمی الآخرین بالغلوّ .

وقد یمکننا مرة أخری تبریر تشدد علماء قم بالقول : إنهم کانوا یخافون علی عقول بعض الشیعة من تلک الأخبار الصحیحة التی لا تدرکها عقولهم ، وعلی سبیل المثال فإنّ بعض الطعون التی قیلت فی حقّ محمّد بن سنان من قبل القدماء - لا بسبب ضعفه - بل لأنّه لم یلتزم بهذه القاعدة ، وکان یروی عن المعصومین أخباراً صحیحة صعبة ادراکها من بعض الشیعة وهذا منهی عنه فی الشرع حسبما تقدم .

وبالجملة : فیمکن تبریر تشدد القمیین هو خوفهم علی عقول بعض الشیعة ، علاوة علی الأسباب الأخری التی ذکرناها والظروف القاهرة التی کانوا یعیشون فیها ، وهذا التشدد قد أفرز افراطاً سلبیاً فی الحکم علی الروایة والرواة .


1- رجال الکشی 2 : 779 / الرقم 910 .
2- رجال الکشی 2 : 784 / الرقم 935 ، معجم رجال الحدیث 21 : 209 .

ص:119

نماذج أخری من تشدّد القمّیین :

والآن لنرجع تارة أُخری إلی جروح القمیّین وحال بعض من اتّهموا بالغلو ، لنری هل حقّاً أنَّ من اتُّهم بالغلوِّ هو غال ، أم أنَّ ذلک قد ابتنی علی مقدِّمات غیر صحیحة .

l قال ابن الغضائری : محمّد بن أورمة ، أبو جعفر القمّی ، اتَّهمه القمیّون بالغلوّ وحدیُثُه نقیُّ لا فساد فیه ، ولم أر شیئاً ینسب إلیه ، تضطرب فی النفس إلّا أوراقاً فی تفسیر الباطن ، وما یلیق بحدیثه ، وأظنها موضوعة علیه ، ورأیت کتاباً خرج من أبی الحسن علی بن محمّد ] الهادی [ إلی القمیین فی براءته ممّا قذف به ] وحسن عقیدته ، وقرب [ منزلته ، وقد حدّثنی الحسن بن محمّد بن بندار القمّی ، قال : سمعت مشایخی یقولون : إنّ محمّد بن أورمة لمّا طعن علیه بالغلوّ ] اتّفقت [الاشاعرة لیقتلوه ، فوجدوه یصلّی اللّیل من أوّله إلی آخره لیالی عدیدة فتوقفوا عن اعتقادهم((1)) .

وقال النجاشی : محمّد بن أورمة ، أبو جعفر القمی ، ذکره القمیّون وغمزوا علیه ورموه بالغلوّ حتّی دُسَّ علیه من یفتک به ، فوجده یصلی من أوّل اللّیل إلی آخره ، فتوقفوا عنه ، وحکی جماعة من شیوخ القمیّین عن ابن الولید أنّه قال : محمّد بن أورمة طعن علیه بالغلوّ ، وکلّ ما کان فی کتبه مما وجد فی کتب الحسین بن سعید وغیره فَقُلْ بِهِ ، وما تفرّد به فلا تعتمده ، وقال بعض أصحابنا : أنّه رأی توقیعاً من أبی الحسن الثالث إلی أهل قمّ فی معنی محمّد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به ، وکتبه صحاح إلّا کتاباً ینسب إلیه ترجمته تفسیر الباطن فإنّه مخلّط ...((2)) .

وقال الشیخ فی الفهرست : ... قال محمّد بن علی بن الحسین ] بن بابویه [ : محمّد


1- رجال ابن الغضائری : 93 / ت 133 ، وانظر مجمع الرجال 5 : 160 .
2- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 329 / الترجمة 891 .

ص:120

ابن أورمة طعن علیه بالغلوّ ، فکلّ ما کان فی کتبه ممّا یوجد فی کتب الحسین بن سعید وغیره فإنّه یعتمد علیه ویُفتی به ، وکلّ ما تفرّد به لم یجز العمل علیه ولا یعتمد((1)) .

فتأمّل فی کلام القمیّین فإنّهم کانوا یخافون أن یکون ابن أورمة من الغلاة الباطنیة الذین یعتقدون ان الصلاة والزکاة والحج وصوم رمضان ، کلُّ منها إنّما هو رجل ، بل کلّ فریضة فرضها الله تبارک وتعالی علی عباده هو رجل ، وقد أشار الإمام الصادق علیه السلام إلی تلک الأفکار الباطلة فی جواب کتاب للمفضل بن عمر ، فقال معترضاً : « وأن من عرف ذلک الرجل فقد اکتفی بعلمه من غیر عمل ... وأنّهم ذکروا أنّ من عرف هذابعینه وثبت فی قلبه جاز له أن یتهاون ، فلیس علیه أن یجتهد فی العمل ، وزعموا أنّهم إذا عرفوا ذلک الرجل فقد قبلت منهم هذه الحدود لوقتها وإن هم لم یعملوا بها ... ، فأُخبرک أنّه من کان یدین الله بهذه الصفة التی کَتَبْتَ تسألُنی عنها فهو عندی مشرک بالله بیّن الشرک ، لا شک فیه((2)) .

بلی أنّ هناک روایات تشیر إلی أنّ الأعمال متوقفة علی الاعتقاد بإمامة الأئمة ، وأنّ الصلاة والصوم والحج لا تقبل إلّا بولایتهم ، لکن هذا لا یعنی أنّهم لو تولوا الأئمّة لسقطت عنهم الصلاة والصیام والحج ، فالولایة هو شرط قبول الأعمال لا سقوط الأحکام ، ومن خلاله یتضح الفرق بین الشیعی والمغالی .

فلو کان الغلوّ عندهم بهذا المعنی فلا اختلاف بین المسلمین فی أنّه کفر ، قال المجلسی الأوّل : واعلم أنّ الظاهر أنّ ابن عیسی أخرج جماعة من قُمّ باعتبار روایتهم عن الضعفاء وإیراد المراسیل فی کتبهم ، وکان اجتهاداً منه فی ذلک ، وکان


1- الفهرست : 202 / الترجمة 620 .
2- بصائر الدرجات : 546 / ح 1 . وانظر دعائم الإسلام 1 : 45 - 56 / باب ذکر منازل الأئمّة ، وعنه فی مستدرک الوسائل 1 : 138 .

ص:121

الجماعة یروون للتأیید((1)) ، ولکنّها فی الکتب المعتبرة ، والظاهر خطأ ابن عیسی فی اجتهاده ، ولکن لمَا کان رئیسَ قمّ والناسُ مع المشهورین إلّا من عصمه الله ... إلی آخر کلامه رحمة الله ((2)) .

وعلیه : فابن أورمة ومن علی شاکلته من المؤمنین کانوا من المتعبّدین المتهجّدین الّذین یصلّون صلاة اللیل ، فکیف یمکن أن یتصوّر بأنّ هؤلاء کانوا تارکین للفرائض ، ولیس لنا إلّا ان نقول بأن الأمر قد یرجع إلی اختلافهم مع الاخرین فی معنی الایمان إذ یعتقد بعض المسلمین بأن الاعمال العبادیة هی من لوازم الایمان لا أنه الایمان بعینه وقال بعض آخر من محدثی ومتکلمی المسلمین أنّه الإیمان بعینه ، وهذا یرشدنا إلی وجود اختلاف بین المدارس الإسلامیة فی ان الایمان هل هو اعتقاد فی الجنان ، واقرار باللسان وعمل بالارکان ، أم أن العمل بالارکان ، هو من لوازمه لا من ماهیته ؟ ولهذا تری اختلاف فی ذلک بین الشیخ المفید وبنو نوبخت فی هذه المسألة((3)) . وقد قال الصدوق رحمة الله - فیما املاه فی دین الإمامیة بالایجاز والاختصار - : بالقول الاول إذ قال : « والاقرار بالإسلام هو الاقرار بالشهادتین ، والإیمان هو اقرار باللسان وعقد بالقلب وعمل بالجوارح ولا یکون الإیمان إلّا هکذا »((4)) .

فقد یحتمل أن یکون أمثال ابن أورمة من المعتقدین بأن الاعمال لیست من أصل الإیمان بل من لوازمه - خلافاً لامثال الصدوق - وبذلک یکون تاخیر الصلاة عن وقت فضیلته ، أو عدم اتیانه بالصلاة لا یعنی انکاره لضروری من ضروریات الدین ، بحیث یوجب قتله . وهذا یعنی بأنّ القمیّین - أو بعضهم - کانوا یتسرّعون


1- أی من باب المتابعات والشواهد لما ورد أولاً ، وهی طریقة مشهورة لدی المحدثین ، واستخدمها المحمّدون الثلاثة کثیراً سنّةً وشیعةً .
2- روضة المتقین 14 : 262 ، باختلاف یسیر .
3- انظر أوائل المقالات، للشیخ المفید المطبوع ضمن « مصنفات الشیخ المفید 4 : 83 - 84 » .
4- أمالی الصدوق : 510 / المجلس الثالث والتسعون .

ص:122

فی إطلاق الأحکام بمجرّد ورود التهمة علی شخص ، بأنه لا یصلی ، هذا ولا یخفی علیک بأن ابن اورمة اتهم بالغلوّ لِما نسب إلیه من أوراق فی تفسیر الباطن والتی لا تلیق بحدیثه وحسب تعبیر ابن الغضائری : ( وأظنّها موضوعة علیه ) !!

l ومثل هذا تراه فی سهل بن زیاد الآدمی ، فقد أخرجه أحمد بن محمّد بن عیسی من قمّ ، وأظهر البراءة منه ، ونهی عن السماع منه والروایة عنه ؛ لأنّه یروی المراسیل ویعتمد المجاهیل((1)) .

وقال النجاشی والشیخ فی ترجمة محمّد بن أحمد بن یحیی : واستثنی ابن الولید من روایات محمّد بن أحمد بن یحیی فی جملة ما استثناه عن سهل بن زیاد الآدمی ، وتبعه علی ذلک الصدوق وابن نوح ، فلم یعتمدوا علی روایة محمّد بن أحمد بن یحیی عن سهل بن زیاد((2)) .

وهذا التجریح آت إمّا من غلوّه أو من روایته المراسیل واعتماده المجاهیل .

فأمّا نسبة الغلوّ فلا تخرج من احتمالین ، أحدهما روایته أخباراً غالیة فی الأئمّة ، وهذا ما لم نقف علیه فی المعاجم الحدیثیّة التی بین أیدینا الیوم ، أو لروایته أخباراً تدعو إلی إنکار الفرائض ، وکلاهما منقوض بالسیرة العلمیة والعملیة القطعیة لسهل ابن زیاد ، لأن سهلاً کان یعلّم الأحکام الشرعیة للمؤمنین فضلاً عن العمل بها .

وإذا راجعت الکافی والتهذیب تجد لسهل من أوّل کتاب الطهارة إلی کتاب الدیات فی أکثر الأبواب خبراً أو أزید فیما یتعلّق بأحکام الدین ، أکثرها سدیدة مقبولة ، وأخذها المشایخ عنه وضبطوها فی الجوامع مثل الکافی الذی ذکر فی أوله ما ذکر ] أنّ الآثار التی فیه صحیحة عن الصادقین [((3)) ، ومع ذلک کله کیف یجوز نسبة الغلو إلیه((4)) .


1- انظر ذلک فی رجال العلّامة : 229 .
2- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 348 / الترجمة 939 .
3- مقدمة الکافی 1 : 7 .
4- خاتمة مستدرک الوسائل 5 : 245 .

ص:123

قال النجاشی عن سهل بن زیاد : کان ضعیفاً فی الحدیث غیر معتمد فیه ، وکان أحمد بن محمّد بن عیسی یشهد علیه بالغلوّ والکذب وأخرجه من قمّ إلی الریّ وکان یسکنها ، وقد کاتب أبا محمّد العسکری علی ید محمّد بن عبدالحمید العطار للنصف من شهر ربیع الأوّل سنة خمس وخمسین ومائتین ، ذکر ذلک أحمد بن علی بن نوح وأحمد بن الحسن رحمهما الله ، له کتاب التوحید ، رواه أبو الحسن ....((1)) .

وروی الصدوق فی کتاب التوحید عن أحمد بن محمّد بن یحیی العطار رحمة الله ، عن أبیه ، عن سهل بن زیاد، قال : کتبت إلی أبی محمّد علیه السلام سنة خمس وخمسین ومائتین : قد اختلف یا سیدی أصحابنا فی التوحید ، فمنهم من یقول هو جسم ، ومنهم من یقول صورة ، فإن رأیت یا سیدی أن تعلمنی من ذلک ما أقف علیه ولا أجوزه فعلت متطولاً علی عبدک ، فوقع علیه السلام بخطّه : سألتَ عن التوحید ، وهذا عنکم معزول ، الله تعالی واحد ، صمد ، لم یلد ولم یولد ، ولم یکن له کفواً أحد ، خالق ولیس بمخلوق ، یخلق تبارک وتعالی ما یشاء من الأجسام وغیر ذلک ، ویصوَّر ما یشاء ، ولیس بمصوَّر ، جل ثناؤه وتقدّست أسماؤه وتعالی عن أن یکون له شبیه ، هو لا غیره لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر((2)) .

نحن لا نرید أن ندرس هذه الشخصیات بقدر ما نرید أن ندرس مواقف القمیین منهم ، فقد ضعّف سهل بن زیاد عند النجاشی وابن الغضائری ، وهو أحد قولی الشیخ والمفید ، لکنّ الآخرین وثّقوه کالسیّد بحر العلوم ، حیث قال : والأصح توثیقه وفاقاً لجماعة من المحقّقین ، لنص الشیخ علی ذلک فی کتاب الرجال ] فی باب أصحاب الهادی علیه السلام ] ولاعتماد أجلاّء أصحاب الحدیث کالصدوقین والکلینی وغیرهم علیه ، واکثارهم الروایة عنه ، مضافاً إلی کثرة روایاته فی الأصول والفروع ، وسلامتها من وجوه الطعن والضعف ، خصوصاً عمّا غُمِزَ به من الارتفاع والتخلیط ، فإنّها خالیة عنها ، وهی أعدل شاهد علی براءته عمّا قیل فیه ، مع أنّ الأصل فی تضعیفه - کما یظهر


1- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 185 / الترجمة 490 .
2- التوحید ، للصدوق : 101 / ح 14 .

ص:124

من کلام القوم - هو أحمد بن محمّد بن عیسی الأشعری ، وحال القمیّین - سیما ابن عیسی - فی التسرّع إلی الطعن والقدح والإخراج من قمّ بالتهمة والریبة ، ظاهر لمن راجع الرجال ، ولو کان الأمر فیه علی ما بالغوا به من الضعف والغلوّ والکذب ، لورد عن الأئمّة علیهم السلام ذمّه وقدحه والنهی عن الأخذ عنه والرجوع إلیه کما ورد فی غیره من الضعفاء المشهورین بالضعف ، فإنّه کان فی عصر الجواد والهادی والعسکری علیهم السلام وروی عنهم ، ولم نجد له فی الأخبار طعناً ، ولا نقل ذلک أحد من علماء الرجال ، ولولا أنّه بمکان من العدالة والتوثیق ، لما سلم من ذلک((1)) .

l وهکذا غیره ممّن اتّهم بالغلوّ کمحمّد بن سنان . قال المحدث النوری فی المستدرک : إنّ الذی یظهر من تتبع الأخبار - خصوصاً ما ورد فی تراجم الغلاة وما ذکروه فی مقالات ارباب المذاهب ، وصریح التوقیع المتقدم - : أنّ الغلاة لا یرون تکلیفاً ، ولا یعتقدون عبادة ، بل ولا حلالاً ولا حراماً ، وقد مرّ فی ترجمة محمّد بن سنان أنّه لما سألَ الحسینُ بن أحمدَ عن أحمد بن هلیل الکرخیّ : أخبرنی عما یقال فی محمّد بن سنان من أمر الغلوّ ؟ قال : معاذ الله ، هو والله علّمنی الطهور ، وحبس العیال ، وکان متقشّفاً متعبّداً ((2)) .

وجاء فی کتاب الخلاصة للعلاّمة الحلّی عن الغضائری أنّه قال فی الحسین بن شاذویه: یروی أنّه قمّی، زعم القمّیون أنّه کان غالیاً، وقال: رأیت له کتاباً فی الصلاة سدیداً ((3)) .

قال السیّد بن طاووس فی فلاح السائل عن الطعون التی وردت فی محمّد بن سنان : أقول : فمن جملة أخطار الطعون علی الأخیار أن یقف الإنسان علی طعن ولم یستوفِ النظر فی أخبار المطعون علیه کما ذکرناه عن محمّد بن سنان رحمة الله علیه ، فلا یعجل طاعن فی شیء مما أشرنا إلیه .


1- رجال السیّد بحر العلوم 3 : 21 - 30 .
2- خاتمة المستدرک 5 : 245 .
3- الخلاصة : 119 ت 295 الحسین بن شاذویه .

ص:125

هذا وقد کان رحمة الله قد قال قبل ذلک : أقول : وسمعت من یذکر طعناً علی محمّد ابن سنان لعله لم یقف علی تزکیته والثناء علیه ، وکذلک یحتمل أکثر الطعون ... ثم أتی بخبر الشیخ المفید فی کتاب « کمال شهر رمضان » عن علی بن الحسین بن داود قال : سمعنا أبا جعفر علیه السلام یذکر محمّد بن سنان ویقول : رضی الله عنه برضائی عنه ، فما خالفنی ولا خالف أبی قطّ((1)) .

وعلیه : فإنّ الغلوَّ المعنیَّ فی کلام القمیّین کان هو الثانی ، وأنّهم کانوا یخافون ممن یعتقد أنّ معرفة الإمام مسقطةٌ للفرائض ، فکانوا یتبرّؤون منهم ، ویمتحنونهم بالصلاة وأمثالها من الضروریات ، فإن ادوها ترکوهم کما رأیتهم مع ابن أورمة ، وما قاله أحمد بن هلیل الکرخی فی محمّد بن سنان « معاذ الله ، هو والله علمنی الطهور »، وما حکاه الغضائری عن الحسین بن شاذویه بأنّه رأی له کتاباً فی الصلاة سدیداً، لان الغلو لا یجتمع مع العبادة وتعلیمها ، وهذه المواقف جدیرة بالتقدیر ، لأنّ الاعتقاد بمثل هذه الأمور تستوجب القتل أو الطرد ، وذلک لإنکارهم ضروریّات الدین الحنیف وهذا لا غبار علیه ، لکنّ الاشکالیة التی کانت تؤخذ علیهم هی أنّهم کانوا یتسرّعون فی إطلاق الأحکام علی الأفراد بمجرّد التهمة ، وهذا ما لا نرتضیه .

أمّا دعوی أنّ القمیّین اعتقدوا منزلة خاصّة من الرفعة أو أنّهم کانوا مقصّرین فی حقّ الأئمّة فهو غیر صحیح ، لأنّ أغلب المعارف الولو یة ( الولائیة ) قد جاءت بأسانیدهم وفی کتبهم ، وأنّ حدود 70 % من رواتنا منهم ، فلو کان هؤلاء الرواة الاعاظم لا یدرکون کلمات ومقامات الأئمّة فمن یدرکها اذن ؟ وکیف وصلت إلینا تلک المعارف عن الأئمة ألم تکن بواسطتهم ؟

فالزیارة الجامعة الکبیرة التی فیها عمدة مقامات الأئمّة وصفاتهم وکمالاتهم لم یروها أحد غیر القمیون ، والشیخ رواها عن الصدوق رحمة الله ، والصدوق رواها


1- فلاح السائل : 12 - 13 طبعة النجف .

ص:126

معتقداً بجمیع فصولها ودلالاتها فی « الفقیه » الذی صرّح فی مقدّمته : « قصدت إلی إیراد ما أُفتی به وأحکم بصحّته وأعتقد فیه أنّه حجّة فیما بینی وبین ربّی » .

إذن معرفة القمیّین بالأئمّة إن لم تکن أرسخ من معرفة البغدادیین فهی لیست بأقل منها قطعاً ، وإن ولائهم للأئمّة مما لا یمکن المزایدة علیه ، وهی حقیقة ثابتة ، نعم یمکن مؤاخذتهم فی عدم التأنّی فی صدور الأحکام والاستعجال برمی الآخرین بالوضع أو التفویض ؛ إذ وقفت سابقاً علی کلام الصدوق رحمة الله تبعاً لشیخه ابن الولید بأن أصل زید النرسی وضعه محمّد بن موسی الهمدانی فی حین ثبت لک عکس ذلک .

إذ أنّ ابن الغضائری رغم تجریحه لکثیر من المحدّثین قد قوّی من ضعفه القمیّون جمیعاً ؛ کأحمد بن الحسین بن سعید ، والحسین بن شاذو یه ، وزید الزّراد ، وزید النرسی ، ومحمّد بن أورمة ، لأنّه رأی کتبهم وأحادیثهم صحیحة ، ویشهد علی ذلک ما قاله فی محمّد ابن أُورمة وأنّه نظر فی کتبه وروایاته کلّها فوجدها نقیّة لا فساد فیها ، إلّا أوراقاً فی الباطن ظَنَّها مکذوبة علیه .

وهذا یشیر إلی أنّ منهج ابن الغضائری رحمة الله کان یختلف عن منهج القمیّین ؛ لأنّه کان یلحظ أرجحیّة الروایة ، فی حین کان القمیّون ینظرون إلی وثاقة الراوی . وبذلک تکون توثیقات المتشدد من الرجالیین فی أعلی مراتب الاعتبار ، وخصوصاً من قِبَل ابن الغضائری لکونها قلیلة ، والذی قال عنه المحقق الداماد : قلّ أن یسلم أحد من جرحه أو ینجو ثقةٌ من قدحه .

وکذا کلامه رحمة الله فی اعتقاداته : من علائم التفویض والغلوّ أنّهم یتّهمون علماء قمّ بالتقصیر .

فإنّ هذین النصیّن وأمثالهما یؤکدان تَسرُّعَ القمیین فی إطلاق الأحکام علی الآخرین وعلی روایاتهم تبعاً لذلک ، وبمقایسة بسیطة بین کلامی الشیخ الصدوق القمّی فی « الفقیه » وبین الشیخ الطوسی البغدادی فی « المبسوط » حول فی الشهادة

ص:127

الثالثة تقف بوضوح علی ما قلناه من افتراق هذین المنهجین .

فالصدوق رحمة الله یرمی القائلین بالشهادة بالولایة بالغلوّ والتفویض بمحض الادّعاء ؛ إذ لیس فی کلامهم ما یدل علی ذلک ، لان الصیغ الثلاث التی أتی بها الصدوق رحمة الله لیس فیها ما یدلّ علی التفویض والغلوّ ، لأنّ المؤذّن یشهد بالولایة لعلی وهو حقّ عند الصدوق ، فلا تراه یقول : أشهد أنّ علیاً محی الموتی ورازق العباد ، حتّی یُنتزَع منه الغلوّ والتفویض .

وسیأتی فی بحوث لاحقة أنّ القائل بالشهادة الثالثة قد یدفعه لذلک أمرٌ آخر غیر الجزئیة((1)) ؛ فقد یکون القائل بها قالها لکی یبیّن للمفترین علی الشیعة أنّه لا یقول بِأُلوهیّة علیّ ، وکذا لا یقول بأنّ معرفته بالإمام تسقط عنه التکالیف الشرعیة . لأنّه یشهد لله بالوحدانیة، وللنبی بالنبوة ، ولعلی بالولایة والإمامة داعیاً المؤمنین لادی الفرض الإلهی.

وفَرضُ سماعِ الشیخ الصدوق ، أو أحد مشایخه القول بالشهادة الثالثة فی الأذان من أحد القائلین بها ، لا یعنی أنّهم وضعوها إذ قد یکونون قالوها من باب القربة المطلقة ، أو لرفع ذکر علی ، أو لدفع تهم المتهمین للشیعة بأنّهم غلاة ، أو لغیر ذلک من الأسباب المحتملة فی مثل هذا الأمر((2)) .

وأمّا الشیخ الطوسی رحمة الله فلم یرمِ القائلین بالشهادة الثالثة بالوضع ، بل أخبرنا بوجود أخبار شاذة لا یُعمل بها عند الطائفة ، لکن لو فعلها انسان وعمل بها لم یأثم ، وهو منهج صحیح یقبله کل فقیه - أو متفقه - فی بت الأحکام ، فهو قد اعتبرها أخباراً صحیحة وفی نفس الوقت لم یر العمل بها ، لعدم عمل الطائفة بها ، لکن لو أتی بها آت بنیّة رجاء الورود أو لمجرّد إظهار الاعتراف والإذعان بما یعتقده فی خلیفة رسول الله ، أو للعمومات وغیرها ، « فلا یأثم » .

ونحن بکلامنا هذا لا نرید أن نُخَطِّئَ شیخنا الصدوق رحمة الله ، بل نرید الإشارة إلی


1- انظر صفحة 150 إلی152 .
2- ذکرنا غالب هذه الامور حین مناقشتنا لکلام الشیخ الصدوق من 249 إلی 287 من هذا الکتاب .

ص:128

ان الاحکام الصادرة من قبله رحمة الله جاءت شدیدة علی الأفراد والمجامیع ، وکذا لا نرید أن نُبَرِّیءَ ذمّة الغلاة والمفوّضة الّذین دسوا أحادیث فی الشریعة ، لکن فی الوقت نفسه نقول أنّ الجزم بوضع المفوضة والغلاة لهذه الاخبار تطرف من الشیخ الصدوق رحمة الله ، ولنا أن نقول کذلک : أنّ القائلین بالشهادة الثالثة إنّما قالوها دفاعاً عمّا اتُّهموا به ، فقالوا بأنّ علیاً ولی الله وهو حجّته ولیس بإله ولا نبی ، وهذا أبعد عن الغلوّ والتفویض .

وعلیه فإن ثبت تَسَرُّعُه فی الحکم بالوضع فیما حکم علیه - کما فی الأمور التی مضت علاوة علی أخبار الشهادة الثالثة - فیجب ترک کلامه والأخذ بالأمر المعتدل ، وهو مخرج تمسّک به بعض الفقهاء .

و إن ثبت صحّة کلامه وأنّ المفوّضة قد وضعوا فی الأذان وزادوا من عند أنفسهم علی نحو الجزئیة فنحن مع أئمّتنا ومع شیخنا الصدوق قدس سره نلعن من یضع الأحادیث علی لسان الأئمّة ویُدخِل فی الدین ما لیس منه ، وهذا مما یجب بحثه فی الفصول الثلاثة القادمة إن شاء الله تعالی .

ص:129

الشهادة الثالثة شرع أم بدعة ؟

البدعة فی اللّغة : هو إحداث شیء لم یکن له من قَبْلُ خَلْقٌ ، ولا ذکرٌ ، ولا معرفة((1)) .

وفی الاصطلاح : إدخال ما لیس من الدین فی الدین، قاصداً التشریع .

والبدعة قد تأتی من ترک السنّة ، لقول علی بن أبی طالب : ما أُحدثت بدعة إلّا ترک بها سنة ، فاتّقوا البدع ، والزموا المهیع ، إنّ عوازم الأُمور أفضلها ، وإنّ محدثاتها شرارها ((2)).

ومثالها : هو ابتداع « الصلاة خیر من النوم » فی أذان الصبح وترک « حی علی خیر العمل » ، فجاء عن أبی الحسن الکاظم علیه السلام قوله : « الصلاة خیر من النوم بدعة بنی امیة » ((3))، وفی موطا مالک ان عمر هو الّذی قد شَرَّعها .

وقد سأل رجل الإمام علیّاً علیه السلام عن السنة والبدعة ، والفرقة والجماعة ، فقال علیه السلام : أما السنة فسنة رسول الله ، وأما البدعة فما خالفها ، وأمّا الفرقة : فأهل الباطل وإن کثروا ، وأما الجماعة : فأهل الحق وإن قلوا ((4)) .

وروی عن ابن مسعود أنّه قال : خطّ رسول الله صلی الله علیه و آله خطاً بیده ثم قال : هذا سبیل الله مستقیماً ، ثم خط خطوطاً عن یمین ذلک الخط وعن شماله ثم قال : وهذه


1- العین 2 : 54 فی مادة : بدعَ .
2- نهج البلاغة 2 : 28 ، من کلام له علیه السلام / الرقم 145 ، والمَهْیَع ، کالمقعد : الطریق الواضح .
3- الأصول الستة عشر : 54 ، الاصل الرابع لزید النرسی ، وعنه فی مستدرک الوسائل 4 : 44 / ح 4140 ، وبحار الأنوار 81 : 172 / ح 76 .
4- تحف العقول : 211 ، بحار الأنوار 75 : 49 / ح 69 .

ص:130

السبل ، لیس منها سبیل إلّا علیه شیطان یدعو إلیه ، ثم قرأ { وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَن سَبِیلِهِ }((1)) .

وقال الإمام علی : أیّها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحکام تبتدع ، یخالف فیها کتاب الله ، یقلّد فیها رجال رجالاً((2)) .

ولاجل کثرة هذه السبل لا یدری المسلم العادی هل أنّ رسول الله قبض یده فی الصلاة أم أرسلها ؟ وهل أنّه شرّع المتعة أم منعها ؟ وهل التکبیر علی المیت هو أربع تکبیرات أم خمس ؟ وهل الطلاق ثلاثاً یقع فی تطلیقة واحدة أم لا ؟ وهل یصح القول حسبنا کتاب الله ، مع أنّه سبحانه قد جعل تبیین الأحکام لرسوله الامین بقوله : { لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیْهِمْ } ؟

قال الشیخ المجلسی فی بحار الأنوار : البدعة فی الشرع ما حدث بعد الرسول صلی الله علیه و آله ولم یرد فیه نصٌّ علی الخصوص ، ولا یکون داخلاً فی بعض العمومات ، أو ورد نهی عنه خصوصاً أو عموماً ... إلی أن یقول عن صلاة التراویح :

ولما عیّن عمر رکعات مخصوصة علی وجه مخصوص فی وقت معیّن صارت بدعةً .

وکما إذا عیّن أحدٌ سبعینَ تهلیلةً فی وقت مخصوص علی أنّها مطلوبةٌ للشارع فی خصوص هذا الوقت بلا نصّ ورد فیها ، کانت بدعة .

وبالجملة : إحداث أمر فی الشریعة لم یرد فیها نصٌّ بدعة ، سواء کانت أصلها مبتدعاً أو خصوصیّتها مبتدعة((3)) . کأن یقول بأن الشارع أمرنا ان نقول کذا .


1- مسند أحمد 1 : 435 / ح 4437 ، سنن الدارمی 1 : 78 / ح 202 ، الدر المنثور 3 : 385 ، والمتن منه .
2- المحاسن 1 : 208 ، 218 / ح 74 ، 114 ، عن أبی جعفر علیه السلام ، بحار الأنوار 2 : 315/ح 83 ، عنه ، ونهج البلاغة 1 : 99 ، من کلام له علیه السلام / الرقم 50 .
3- بحار الأنوار 71 : 202 ذیل الحدیث 41 ، من باب البدعة ومعناها .

ص:131

وقال الشیخ یوسف البحرانی فی الحدائق الناضرة - عن صلاة التراویح - لا ریب فی أنَّ الصلاةَ خیرُ موضوع ، إلّا أنّه متی اعتقد المکلّف فی ذلک أمراً زائداً علی ما دلَّت علیه هذه الدلالة من عدد مخصوص ، وزمان مخصوص ، أو کیفیّة خاصة ؛ ونحو ذلک ، ممّا لم یقم علیه دلیل فی الشریعة ، فإنَّه یکون محرَّماً ، وتکون عبادته بدعة ، والبدعیّة لیست من حیث الصلاة ، وإنَّما هی من حیث هذا التوظیف الذی اعتقده فی هذا الوقت ، والعدد ، والکیفیة ، من غیر أن یَرِدَ علیه دلیل((1)) .

وهذان النصّان صریحان فی بدعیة أی عمل یُؤتی به بقصد التشریع ولم یکن موظَّفاً قبل ذلک فی الشرع ، لأن الأُمور العبادیة هی أُمور توقیفیة لا یصحّ الأخذ بها إلّا بنص من الشارع ، ولا یصحّ الزیادة والنقصان فیها بأیّ حال من الأحوال ، أمّا لو أتی بعمل طبق روایة غیر معمول بها أو قل ضعیفة ، أو أتی بها بقصد القربة المطلقة ، أو للعمومات الواردة من قبل الشارع ، أو اتی بها علی أنّها عمل مستحب - له دلیله - ضمن عمل مستحب اخر لا علی نحو الجزئیة فلا یسمی هذا بابتداع ، لأنّ المکلّف کان فی عمله هذا قد اتبّع دلیلاً عامّاً أو کنائیاً ((2)) أو مستحباً له دلیله الخاص ضمن المستحب أی انه اتبع نصاً ودلیلاً أو اعتمد واجتهد طبق مبنی ، خصوصاً لو صَرَّح الإنسان بأنّه لا یأتی بالشهادة الثالثة مثلاً علی أنّها من أصل الأذان ، بل للعمومات الواردة فی الولایة ، لاقتران الشهادات الثلاث معاً فی جمیع المشاهد وعلی لسان الرسول والأئمة ، ولوحدة الملاک بین النداء باسم علی فی السماء مع النداء باسمه فی الأرض ، ولرجاء المطلوبیة ، ولکون ذکر علی عبادة وما یشابهها . إذ لکل هذه الامور ادلة من الشرع ، فالمؤمن لو اتی بالشهادة الثالثة طبقاً لهذه الاخبار لم یکن مأثوماً لان عمله جاء عن دلیل لا رای ، فیجب ان یبحث عن


1- الحدائق الناضرة 6 : 80 .
2- هذا ما سنبحثه بعد قلیل تحت عنوان الدلیل الکنائی : 159 .

ص:132

دلیلته هذا الدلیل لا ان یرمی بالبدعة وادخاله فی الدین ما لیس من الدین ولنقرب المسألة بشکل آخر ، فنقول :

روی الکلینی((1)) والصدوق((2)) والبرقی((3)) عن النوفلی ، عن السکونی، عن أبی عبدالله ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال أمیر المؤمنین : السنّة سنّتان : سنّة فی فریضة ، الأخذ بها هدی وترکها ضلالة ، وسنّة فی غیر فریضة ، الأخذ بها فضیلة ، وترکها إلی غیر خطیئة .

وفی روایة المحاسن : وترکها إلی غیرها غیر خطیئة .

وروت العامة هذا الخبر عن أبی هریرة - بتغییر فی العبارة - قال : قال رسول الله : السنة سنتان : سنة فی فریضة ، وسنّة فی غیر فریضة ، السنة التی فی الفر یضة أصلها فی کتاب الله ، أخذها هدی وترکها ضلالة ، والسنة التی لیس اصلها فی کتاب الله ، الأخذ بها فضیلة وترکها لیس بخطیئة((4)) .

وحکی السرخسی عن مکحول أنّه قال : السنة سنتان سنة أخذها هدی وترکها ضلالة ، وسنة أخذها حسن وترکها لا بأس به .

فالأول : نحو صلاة العید ، والأذان والإقامة ، والصلاة بالجماعة ، ولهذا لو ترکها قوم استوجبوا اللوم والعتاب ، ولو ترکها أهل بلدة وأصروا علی ذلک قوتلوا علیها لیأتوا بها .

والثانی : نحو ما نقل من طریقة رسول الله صلی الله علیه و آله فی قیامه وقعوده ولباسه ورکوبه .


1- الکافی 1 : 71 / ح 12 / باب الأخذ بالسنّة ، شرح اصول الکافی للمازندرانی 2 : 354 .
2- الخصال : 48 / ح 54 ، مستدرک سفینة البحار 5 : 182 .
3- المحاسن 1 : 224 ، وفی تحف العقول : 57 عن رسول الله صلی الله علیه و آله .
4- المعجم الاوسط 4 : 215 / ح 4011 ، وعنه فی مجمع الزوائد 1 : 172 .

ص:133

وسننه فی العبادات متبوعة أیضاً ، فمنها ما یکره ترکها ، ومنها ما یکون التارک مسیئاً ، ومنها ما یکون المتّبع لها محسناً ولا یکون التارک لها مسیئاً إلی اخر کلام السرخسی((1)) .

والآن لنقف هنیئة عند روایة مدرسة آل البیت علیهم السلام الآنفة عن علی ، لنری مدی دلالتها ، وهل تحتاج إلی تعلیق أم لا ؟ إذ المعلوم بأنّ السنّة التی جاءت عن النبی هی علی شاکلتین :

إحداهما : سنة فی فریضة ، وهی واجبةُ الإتیانِ بها ، مثل السبع رکعات التی أضافها النبی إلی العشر المأمور بها سابقاً فی صلاة الفریضة من قبل ربّ العالمین والمصرّح بکون هذه الزیادة سنة ، کما فی روایة زرارة .

والثانیة : سنّة مستحبّة ، ترکها إلی غیرها غیر خطیئة - کما جاء فی روایة المحاسن - وهی مثل اختلاف صیغ أذکار النبیّ فی الصلوات وما شابهها ، فإنّ ترکَ إحداها إلی الأُخری لیس فیه خطیئة .

ومن هذا الباب لا یجوز إبدال « الله أکبر » ب- « سبحان الله » أو « الله أعظم » لانها بدعة لا خلاف فیه ، لأنّ « الله اکبر » هو ممّا اتّفق الجمیع علی جزئیته وکونه من الأذان ، فهو فصل لا یمکن تبدیله والتغییر فیه ، فهو کالواجب فیه وإن کان الأمر تعلّق بما هو مستحبّ کالأذان ، لأنّ الذی یرید أن یقولها فهو قد اتّبع إجماع الأمّة علی جزئیّتها ، وبذلک یکون الأخذ بها هدی وترکها ضلالة .

أمّا اعتبار تربیع التکبیر فی الإقامة أو تثنیته کما ورد فی روایات الصدوق والشیخ الطوسی رحمهما الله وغیرهما ، ومثله فی غیرها من الأحکام التخییریة ، فإنّ الإتیان بکلّ واحدة منها جائز ، لورود النصوص فی کل واحدة منهما ، وإنّ العمل باحدی


1- اصول السرخسی 1 : 114 ، وانظر المبسوط له 1 : 133 .

ص:134

أقسامها لا یخدش فی ترک الأُخری منها ، لقوله علیه السلام : « وترکها غیر خطیئة » وخصوصاً إذا کانت الروایة المعمول بها صحیحة ، وبذلک یکون الاختلاف بین الأصحاب فی سنیّة هذه السنة ، لا الاختلاف فی الفریضة حتی یقال أنّه مذموم .

وبمعنی آخر : إنّ الذی جاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله هو علی نحوین: إما هو فی سنة ثابتة لا خلاف فیها ، فیکون بمنزلة الفریضة وترکها إلی غیرها خطیئة کما فی ابدال کلمة « الله أکبر » .

وإمّا أن لا تکون السنة محددة فی فرد معیّن ، وذلک لتعدد النصوص عنه صلی الله علیه و آله فیها ، فیکون الأخذ بإحداها جائزاً وترک الآخر منها لیس فیه خطیئة ، ومن هذا القبیل یکون الحدیث الشاذ عند علماء الدرایة ، فهو خبر یشبه الروایات التخییریة بفارق ان الثانی له الحجیة الفعلیة اما الأخبار الشاذة فحجیتها اقتضائیة وذلک لعدم عمل الأصحاب بها .

ولنوضح هذا الامر بمثال فی الأذان ، إذ ورد الاجتزاء بجملة واحدة منه فی موارد ، منها : أذان المسافر((1)) ، وعند العجلة((2)) ، وفی المرأة((3)) بل ورد فی أذان المرأة الاکتفاء بالتکبیر والشهادتین دون الحیعلات((4)) ، وفی بعض الروایات الاکتفاء


1- التهذیب 2 : 62 / ح 219 ، الاستبصار 1 : 308 / ح 1143 عن برید بن معاو یة عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : الأذان یقصر فی السفر ، کما تقصر الصلاة ، والأذان واحدا واحدا والإقامة واحدة واحدة .
2- التهذیب 2 : 62 / ح 216 ، الاستبصار 1 : 307 / ح 1140 عن أبی عبیدة الحذاء قال : کان ابا جعفر علیه السلام یکبر واحدة واحدة فقلت له : لم تکبر واحدة واحدة ، فقال : لا بأس به إذا کنت مستعجلاً فی الأذان .
3- وسائل الشیعة 5 : 406 / ح 6939 ، عن جمیل بن درّاج قال : سألت ابا عبدالله علیه السلام عن المرأة أعلیها أذان وإقامة ؟ فقال : لا .
4- تهذیب الاحکام 2 : 58 / ح 202 ، وسائل الشیعة 5 : 405 / ح 6937 ، وفیه عن عبدالله بن سنان قال : سألت ابا عبدالله علیه السلام عن المرأة تؤذن للصلاة ؟ فقال : حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها ان تکبر ، وأن تشهد أن لا إله إلاّ الله ، وأن محمّداً رسول الله ، وانظر منتهی المطلب 1 : 257 .

ص:135

بالشهادتین فقط((1)) ، وجاء عن ابن عباس أنّه کان یکتفی بالشهادتین عند المطر((2)) ، وأجیز للمؤذن أن یقول « حی علی الصلاة » أو « حی علی الفلاح » أکثر من مرتین((3)) إذا کان إماماً یرید به جماعة القوم لیجمعهم . وهذه هی الروایات التخییریة ومنها نفهم التوسعة فی أمر الأذان ، أی انّ المکلّف لو أتی بواحدة من هذه الأُمور فأذانه صحیح وقد أخذ بالسنة ، وإن کان قد ترک بفعله سنة اخری .

وعلیه فلا یمکن تصوّر البدعة فی امر موسع کالأذان - وحسب تعبیر صاحب الجواهر : « والامر فیه سهل » - إلّا بعد معرفة السنّة ، لأنّ البدعة أمر مرکّب مؤلّف من عقدین : عقد إیجابی وعقد سلبی ، وکما قال الإمام علی « أما السنّة فسنة رسول الله ، وأما البدعة فما خالفها » فبعد ثبوت السنّة یأتی دور ما یخالفها وهی البدعة .

وفی ما نحن فیه ، لابدّ لمدّعی نفی الشهادة الثالثة - من الأذان والإقامة مطلقاً حتی بعنوان الاباحة - أن یثبت أنّها خلاف السنة علی نحو التصادم والتعارض ، وما ادّعوه من عدم ذکرها فی روایات المعصومین لا ینقضه ، لعدة جهات :

الأولی : أنّه لا ملازمة بین عدم الذکر وبین البدعیة التی تستلزم الحرمة ، فالحکم بالاباحة والحلّیّة والطهارة والجواز فیما لا نص فیه ، لیس بدعةً باجماع المسلمین ،


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 298 / ح 909 علل الشرائع 2 : 355 / ح 1 ، من الباب 68 وفیه عن زرارة بن اعین ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : المرأة علیها أذان وإقامة ؟ فقال : ان کانت تسمع اذان القبیلة فلیس علیها شیء ، وإلاّ فلیس علیها اکثر من الشهادتین ...
2- سنن ابن ماجه 1 : 302 / ح 939 ، عن عبدالله بن لحارث بن نوفل قال : ان بن عباس امر المؤذن ان یؤذن یوم الجمعة وذلک یوم مطیر ، فقال : الله اکبر الله اکبر ، أشهد أن لا إله إلاّ الله ، أشهد أن محمّد رسول الله ، ثم ناد فی الناس فلیصلوا فی بیوتهم ، فقال له الناس ما هذا الذی صنعت ، قال : فعل هذا من هو خیر منی ...
3- الکافی 3 : 308 ح 34 ، وسائل الشیعة 5 : 428 / ح 6999 عن أبی بصیر عن أبی عبدالله علیه السلام قال : لو أن مؤذناً اعاد فی الشهادة وفی حی علی الصلاة أو حی علی الفلاح المرتین والثلاث واکثر من ذلک إذا کان إنما یرید به جماعة القوم لیجمعهم لم یکن به بأس .

ص:136

فرکوب الطائرة مثلاً مباح بالإجماع لأصالة البراءة ولیس ببدعة ، وقد یکون مستحبّاً لتسریع المقصد وحفظ الوقت .

ومن هذا القبیل مسألة الشهادة الثالثة فعدم وجود نص علی تشریعها لا یعنی بدعیّتها بکلّ تقدیر حتی بتقدیر الإباحة والمحبوبیة المطلقة ، وخصوصاً مع معرفتنا بالظروف السیاسیة التی حکمت الشیعة فی العصور الاولی وسیأتی فی الفصل الاول أن هناک نصوصاً فی فصول الأذان قد حکاها الشیخ بهذا الشان((1)) .

الثانیة : إنّ المطالع سیقف بعد قلیل علی أنّ الشهادة بالولایة فی معناها العام الشامل - وأنّها شرط الإیمان - کانت علی عهد رسول الله ، وأن النبی صلی الله علیه و آله والأئمّة من ولده ، کالباقر ، والصادق، والکاظم، والرضا، والهادی علیهم السلام قد أکدوا علی هذه الحقیقة تصریحاً وتلویحاً وایماءً واشارةً ، وهذا یؤکّد علی محبوبیّة الشهادة بالولایة مطلقاً فی کل حال . واقصی ما یمکن قوله فی عدم ذکر الأئمة لها هو عدم جزئیتها لا عدم محبوبیتها .

الثالثة : صرّح الشیخ الطوسی ، والشهید ، والعلّامة ، ونقلاً عنهم المجلسی ، وصاحب الجواهر ، وغیرهم بوجود أخبار دالة علی الشهادة الثالثة ، فقال المجلسی : لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة فی الأذان ؛ لشهادة الشیخ ، والعلّامة ، والشهید ، وغیرهم بورود الأخبار بها((2)) .

وقال صاحب الجواهر : لا بأس بذکر الشهادة بالولایة ، لا علی سبیل الجزئیة ، عملاً بالخبر المزبور((3)) .

ووجود هذه الاخبار تخرج موضوع الشهادة الثالثة من البدعیة .


1- انظر صفحة 307 من هذا الکتاب .
2- بحار الأنوار 81 : 111 .
3- جواهر الکلام 9 : 87 وهو خبر القاسم بن معاو یة المروی عن احتجاج الطبرسی عن الإمام الصادق علیه السلام : إذا قال احدکم لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین . انظر احتجاج الطبرسی 1 : 231 .

ص:137

الرابعة : یمکن التوسعة فی معنی السنّة - وحسب تعبیر الإمام علیّ - والقول - فیما نحن فیه - : بأنّ الروایات الناصّة علی أن فصول الأذان هی اثنان واربعون فصلاً ، والتی رواها الصدوق فی ( الهدایة )((1)) وأشار إلیها الطوسی فی النهایة((2)) إنّما هی ناظرة إلی ادخال الشهادة الثالثة فی الأذان ، وإن کان الشیخ الطوسی - فیما رواه - قد صوّر ذلک بشکل یخرج الشهادة الثالثة عنها ؛ لظروف التقیة التی کان یعیش فیها ، أو لأی شیء آخر ، فقال رحمة الله :

ومن روی اثنین وأربعین فصلاً ، فإنه یجعلُ فی آخر الأذان التکبیر أربع مرات ، وفی أوّل الإقامة أربع مرّات ، وفی آخرها أیضاً مثل ذلک أربع مرات ، ویقول : ( لا إله إلّا الله ) مرّتین فی آخر الإقامة ، فإن عمل عامل علی إحدی هذه الروایات لم یکن مأثوماً ((3)) .

فالشیخ رحمة الله وبقوله الآنف أراد بیان صورة الزیادة الفارقة بین الروایات المشهورة والمعمول بها عند الأذان والإقامة ، أعنی 35 فصلاً مع ما روی فی کونها 42 فصلاً بالتصویر التالی :

1 - زیادة مرتین « الله اکبر » فی آخر الأذان ، وبه یصیر التکبیر فی آخرها أربعاً .

2 - زیادة مرتین « الله اکبر » فی أول الإقامة ، وبه یصیر التکبیر فی أول الإقامة أربعاً .

3 - زیادة مرتین « الله اکبر » فی آخر الإقامة ، وبه یصیر التکبیر فی آخر الإقامة اربعاً .

4 - زیادة مرة اخری « لا إله إلّا الله » فی آخر الإقامة .

وهذه الزیادات السبعة لو اضیفت إلی الفصول المشهورة والتی هی 35 فصلاً لصارت 42 فصلاً .


1- الهدایة : 141 / الباب 42 ، الأذان والإقامة .
2- النّهایة فی مجرد الفقه الفتاوی : 69 .
3- النهایة : 69 ، وانظر مصباح المتهجد : 26 کذلک .

ص:138

لکننا نحتمل الأمر بشکل آخر مصورین فی ذلک الروایات الشاذة التی حکاها الشیخ الطوسی ویحیی بن سعید الحلی والعلّامة الحلی علی نحوین :

الأول : ما رواه الشیخ الطوسی وصوره آنفاً قبل قلیل .

الثانی : أن نجمع بین الروایات التی وصفها الشیخ الصدوق بالوضع والشیخ الطوسی بالشذوذ بالشکل الاتی :

نحن لو أخذنا بروایة أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی ، والتی أکدّ الشیخ الصدوق علی صحتها ، ولم یرتضی الزیادة والنقصان فیها ، والتی کانت فصولها 36 فصلاً لقوله رحمة الله : « والإقامة کذلک » ، واضفنا إلیها الشهادة بالولایة مرتین فی الأذان ، ومرتین فی الإقامة ، وقلنا ب- « قد قامت الصلاة » مرتین فی الإقامة ؛ لان الشیخ الصدوق لم یذکرها فیما رواه عن أبی بکر الحضرمی وکلیب .

وبهذا التصویر صحّ إدّعاء وجود الشهادة الثالثة فی الأذان والإقامة فی الروایات التی وصفها الشیخ الطوسی بالشاذّة ، والتی افتی بأنّ العامل بها غیر مأثوم . إذ لا یمکن تصور شیء آخر فی الاخبار الشاذة إلّا کما قلناه ، لان فصول الأذان والإقامة لم تزد عند الشیخ الطوسی علی 42 فصلا ، وبذلک یکون أما ما صوره رحمة الله وإما ما تصورناه واحتملناه .

هذا وقد قال الشیخ محمّد تقی المجلسی فی روضة المتقین ، بأنّ الأخبار التی جاءت فی عدد فصول الأذان هی أکثر مما قیلت فقال رحمة الله :

... مع أنّ الأخبار التی ذکرنا فی الزیادة والنقصان وما لم نذکره کثیرة ، والظاهر أنّ الأخبار بزیادة هذه الکلمات أیضاً کانت فی الأُصول ، وکانت صحیحة أیضاً ، کما یظهر من المحقّق والعلّامة والشهید رحمهم الله ، فأنّهم نسبوها إلی الشذوذ ، والشاذُّ ما یکونُ صحیحاً غیرَ مشهور ...((1)) .


1- هکذا جاء فی روضة المتقین 2 : 245 والصحیح لزوم ابدال کلمة « المحقق » بالشیخ الطوسی .

ص:139

وفی الجملة إنّ مجموع الجهات الأربع وخصوصاً الأُولیین منها یوقفنا علی خطأ دعوی بدعیّة الشهادة الثالثة ، بمجرّد عدم مجیئها فی کلام الأئمة ، إذ قد تبیّن أنّ الأصل هو الإباحة ، والإباحة ، بضمیمة عمومات کثیرة أُخری ترتفع إلی مرتبة الاستحباب، خاصّة مع ملاحظة الأخبار الصحیحة غیر المشهورة فی رجحان الإتیان بها کما جزم به المجلسیّ وغیره ، والّتی وُصِفَتْ بالشذوذ .

وقد یقال هنا بإمکان إثبات الجزئیة الواجبة لها فضلاً عن الاستحبابیة ، لأنّه لو قیل بعدم تمامیتها فی الجزئیة الواجبة ، فلا یمکن الخدش فی دلالتها علی الجزئیة الاستحبابیة ، لقاعدة التسامح فی أدلة السنن أو بقصد القربة علی اختلاف المبنیین، وکذلک للعمومات الواردة فی لزوم مقارنة الرسالة بالوصایة فی کل شیء : « من قال محمّد رسول الله فلیقل علی أمیر المؤمنین » و« أینما ذُکرتُ ذُکرتَ معی » وغیرها من الأدلة العامّة التی سیأتی بحثها .

وعلیه ، فإنّ التوقیفیة فی العبادات لا یمنع من الإتیان بالشهاة الثالثة حسب البیان الذی قلناه ، وبرجاء المطلوبیة استناداً إلی الأخبار التی أشار إلیها الصدوق والطوسی رحمهما الله ومن تبعهما فی ذلک کالعلّامة ویحیی بن سعید رحمهما الله ، وطبقاً للعمومات التی جاءت فی الشریعة ، إلی غیرها من الأدلّة التی ذکرها فقهاؤنا الأقدمون .

والملاحظ أنّ غالب الشیعة الإمامیة لا تأتی بالشهادة الثالثة علی أنّها جزءٌ ، بل بقصد القربة المطلقة وأمثالها ، فانهم لو کانوا یقولون بالجزئیة لما اختلفت الصیغ الدالّة علی الشهادة الثالثة عندهم : « أشهد أن علیّاً ولی الله » ، ومنهم من روی « محمّد وآله خیر البریة » ، و« محمّد وعلی خیر البشر » .

فإنّ اختلاف هذه الصیغ فی الأذان ، ومجیئها تارة بعد ( حی علی خیر العمل ) وأُخری قبلها ، یؤکّد عدم قولهم بالجزئیّة ، ویشیر إلی أنّهم یأتون بهذه النصوص فی

ص:140

الأذان علی أنّها تفسیریة لمعنی الولایة دون اعتبارها من أصل الأذان .

وبسبب القول بعدم الجزئیّة أکّد غالب الفقهاء فی رسائلهم العملیة علی أن الشهادة الثالثة هی لیست من أصل الأذان ، ومن أراد أن یأتی بها فله أن یأتی بها من باب الحصول علی المثوبة والتبرّک بذکر علیّ علیه السلام ، الذی هو عبادة - طبق النصوص الشرعیة - لأن العبادات لا تقبل إلّا بهم کما هو مفاد کثیر من العمومات .

وبهذا ، فقد عرفنا أنّ الشیعة وبعملهم هذا قد استندوا فی إتیانهم بالشهادة الثالثة علی أدلّة شرعیّة کانت موجودة عندهم ، وأنّ ظروف التقیّة الّتی کانوا یعیشونها هی التی حدّت من انتشارها ، فإنّ تصریح فقهائهم بلزوم الإتیان بها لمحبوبیتها الذاتیة ، أو بقصد القربة یؤکّد علی أنّهم لا یقولون بأنّها من فصول الأذان ، حتی یقال بأنّهم أدخلوا فی الدین ما لیس منه ، قاصدین بعملهم التشریع المحرم .

ص:141

الأقوال فی المسألة

قبل الدخول فی الفصول الثلاثة وأصل الدراسة لابدّ من الإشارة إلی أمرین :

أحدهما : إنّ بعض الفقهاء وحین بحثهم عن الشهادة الثالثة قد خلطوا بین النصوص الأذانیة والنصوص الإیمانیة الواردة فی علی بن أبی طالب فی الإسراء والمعراج والأدعیة وتقارن ذکر الولایة مع ذکر النبّوة فی کلّ الشریعة .

فلو أراد الفقیه الاستدلال علی الجزئیة الواجبة لما أمکنه التمسک بهذه الأدلة الإیمانیة وحدها ، بل علیه أن یأتی بنصّ خاص قد ورد فی الأذان ، وأمّا الذی یرید الإشارة إلی محبوبیّتها والتأکید علی رجحانها النفسیّ فیمکنه الاستدلال بذلک من باب وحدة الملاک وبقصد القربة المطلقه .

وثانیهما : الإشارة إلی حقیقة الأمر المرکّب وأنّه یتألف من أجزاء متعدّدة ، والجزء فیه لا یخلو من وجهین :

1 - إما أن یکون جزءاً واجباً ، ویسمّی ب- « جزء الماهیة » .

2 - وإما أن یکون جزءاً مستحبّاً ، ویسمی ب- ( جزء الکمال أو الفرد ) وقد عبرنا عنها بالجزئیة تسامحاً .

والجزء الواجب هو ما یُقوّم ماهیة المُرکّب ولا یتحقّق المرکَّبُ بدونه ، بمعنی أنّ أمر الشارع یتعلّق بالمرکّب دون الأجزاء ، لأن الجزئیة من الأحکام الوضعیّة لا التکلیفیة ، وهی من الأمور غیر القابلة للجعل((1)) ، فالنزاع فیها لم یکن لفظیّاً


1- بحث الأصولیون هذه المسألة فی الاستصحاب ، انظر فوائد الأصول تقریرات المرحوم النائینی بقلم الشیخ محمّد علی الکاظمی 4 : 380 - 402 فی بیان الأحکام الوضعیة وتفصیل أقسامها حیث صرّحوا بأن الجزئیة والشطریّة غیر قابلتین للجعل وأنّ الأمر یتعلّق بالکلّ لا بجزئه .

ص:142

حتّی یمکن تصحیحه ، وعلیه فالأمر یتعلّق بالکلِّ بما هو کلٌّ ، فمثلاً الحجُّ مؤلّفٌ من الإحرام ، والطواف ، والسعی ، والوقوف بعرفات ، ورمی الجمار و...

ولا یتحقّق الحجُّ إلّا بإتیان جمیع هذه الأجزاء ، ولا یمکن التخلّی عن بعضها ، فلو نقصَ واحدة من هذه الأجزاء عُدَّ حجّه باطلاً .

وأمّا الجزء المستحبّ فهو الجزء غیر الضروری بل الکمالی فیه ، فلو فعله المکلّف لکان منه فضیلة ، ولو ترکه فهذا لا یوجب الإخلال بأصل العمل .

مثاله : القنوت ، فهو مستحبُّ سواء فی الصلاة أو فی غیرها ، وکذا الاستغفار فهو مستحب سواء فی الصلاة أو فی غیرها ، وقد ورد استحبابه بعد التسبیحات فی الرکعتین الثالثة والرابعة ، فإنّ الإتیان به فضیلة ، لکن ترکه لا یضرّ بالصلاة . بل کلُّ ما فی الأمر هو عدم حصوله علی الثواب الکامل المرجوّ من عبادته ، ومن هذا القبیل قوله صلی الله علیه و آله : لا صلاة لجار المسجد إلّا فی المسجد((1)) .

ولا تختلف الجزئیة الواجبة بین أن تکون ضمن الصلاة الواجبة أو الصلاة المستحبة ، فمثلاً : الرکوع هو جزء واجب فی الصلاة سواء کانت الصلاة واجبة أو مستحبة ، أی أنّ المکلّف لو لم یأت بالرکوع فصلاته باطلة ، سواء کانت الصلاة واجبة أم مستحبة ، وهکذا الحال بالنسبة إلی الطواف ، فهو جزء واجب فی الحج سواء للعمرة المفردة أو لحجّة الإسلام .

والآن لنأتی إلی موضوع الشهادة الثالثة ، فالبعض یری استحباب الإتیان بها لأنّها شرط الایمان ، أو أنّه مستحب ضمن مستحب، والآخر یری جزئیَّتها ضمن الأذان والإقامة .

والذین یرون جزئیتها ، البعض منهم یری جزئیتها الواجبة والاخر یری


1- سنن الدارقطنی 1 : 419 / ح 1 / باب الحث لجار المسجد علی الصلاة فیه ، و1 : 420 / ح 2 ، مستدرک الحاکم 1 : 373 / ح 898 ، وانظر قرب الاسناد : 145 / ح 522 .

ص:143

جزئیتها المستحبّة ، بمعنی أنّ الذین یرون جزئیتها الواجبة یعتقدون بأنّ الشهادة بالولایة فی الأذان والإقامة هی من الاجزاء المقوّمة للماهیة وبدونه لا یتحقّق الأذان ، أی أنّ الدلیل علی شرعیّة الأذان حینما صدر عن الشارع کان متضمّناً للشهادة الثالثة ، فلا یمکن أن یتحقق الأذان بدونها ، وهذا هو رأی نزر قلیل من علمائنا .

أمّا القائلون بجزئیتها الندبیّة - أی ما یتحقق به الکمال - وهم الأکثر بین فقهائنا ، فیرونها کالقنوت فی الصلاة .

وهناک من یری حرمة أو کراهة الاتیان بها حسب تفصیل قالوا به .

و إلیک الآن الأقوال المطروحة فیها ، ثمّ بیان ما نرید قوله بهذا الصدد ، والأقوال فی المسألة ، هی :

1 - إنّ الشهادة الثالثة هی شرط الإیمان لا جزء الأذان ؛ لکونها مستحبّاً نفسیاً وعملاً راجحاً بالأصالة ، وهو عمل حسن لا یختص بالأذان فحسب ، بل هو ما یجب الاعتقاد به قلباً ، فالمسلم یمکنه أن یأتی بالشهادة الثالثة علی أمل الحصول علی الثواب المرجوّ من إعلانها ، بقصد القربة ، لا بعنوان الجزئیة الواجبة أو الاستحبابیة ، بل إعلاماً لما یعتقد به قلباً من الولایة لعلی وأبنائه المعصومین .

فإذا کان کذلک فلیکن واضحاً صریحاً معلناً فی الأذان ، وذلک للعمومات الکثیرة الواردة فی القرآن الحکیم ، کقوله تعالی : { أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنکُمْ } وقوله : { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَیٰ } وقوله : { مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَیٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَیٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَیٰ } ، والأحادیث النبویة المتواترة فی علی وما جاء عن المعصومین ، ومنها ما جاء فی روایة القاسم بن معاویة عن الصادق علیه السلام ؛ « إذا قال أحدکم لا إله إلّا الله ، محمّد رسول

ص:144

الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین ] ولی الله [ » ((1)).

وهذا هو الرأی المشهور عند أصحابنا رضوان الله تعالی علیهم .

قال العلّامة بحر العلوم :

وصورةُ الأذان والإقامه

هذا الشِّعار رافعاً أعلامه

أو سنّة لیس من الفصولِ

وإن یکن من أعظم الأُصولِ

وأکمل الشهادتین بالتی

قد أکمل الدین بها فی الملّةِ

وإنّها مثل الصلاة خارجه

عن الخصوص بالعموم والِجَه

2 - إنّ الشهادة الثالثة هی شطر الأذان وجزء منه کسائر الأجزاء((2)) ، یجب الإتیان بها ، وإن تَرَکَها أخلّ بالأذان ، فلا یتحقّق الأذان بدونها ، وبهذا تکون جزءاً واجباً لابدّ من الإتیان به حتّی یتحقّق الأذان .

وقد اراد الشیخ عبدالنبی النجفی العراقی الذهاب إلی هذا الرای فی رسالته المسماة « الهدایة فی کون الشهادة بالولایة فی الأذان والاقامة جزء کسائر الاجزاء »((3)) لکنه لم یجرا وقال بکلام هو أقل من ذلک ، وهو قریب من کلام صاحب الجواهر ، لکن السید محمّد الشیرازی فی کتابه « الفقه »((4)) ورسالته العملیة قال بالجزئیة .

قال العراقی - ملخّصاً رأیه فی آخر رسالته ، غیر مفت بالجزئیة الواجبة - قال : فإنّ مقتضی القاعدة الأوّلیّة وجوب الشهادة فیهما ] أی الأذان والإقامة [ کما فصّلنا ، لکنّ دعوی الشهرة علی الخلاف یمنعنا عن القول بالوجوب ، فلابدّ أن نقول بها


1- انظر الاحتجاج 2 : 230 ، وبحار الأنوار 81 : 112 ، والاضافة الاخیرة من نسخة المجلسی للاحتجاج ، انظر بحار الأنوار 27 : 1 و2 .
2- فلما کانت ( لا إله إلاّ الله ) جزءاً و( محمّد رسول الله ) جزءاً ، لذا فانَّ ( علی ولی الله ) جزءٌ کسائر الأجزاء .
3- المطبوع فی إیران سنة 1378 ه- مطبعة الحکمة / قم فی 52 صفحة .
4- الفقه 19 : 331 - 335 .

ص:145

وأنّه مشروع فیهما بنحو الجزئیة الندبیة دون الاستحباب النفسیّ أیضاً فضلاً عن الطریقی ، لعدم مقاومة الأدلّة معه((1)) .

وکان قد قال العراقی قبل ذلک :

وعلیه ، لولا دعوی تسالم ] صاحب [ الجواهر من شهرتهم علی عدم کونها من الأجزاء الواجبة فیهما ، لکنّا نقول بها فیهما ، علی النحو الذی نقول بها فی غیرها من الجزئیة الواجبة ، لأنّ وزان أدلّتها یکون وزان أدلّة سائر الأجزاء ، فدلالتها علی أصل المشروعیة للشهادة بالولایة بعد الرسالة فیهما ممّا لا غبار فیه ، غایةُ الأمر ادُّعی - کما عن الجواهر - قیام الشهرة المنقولة علی عدم کونها من الأجزاء الواجبة((2)) ، فلو تمَّ حینئذ فتکون من الأجزاء المستحبة ، إذ هو مقتضی الجمع بین الدلیلین ...((3)).

3 - إنّ الشهادة الثالثة جزءٌ مستحبٌّ فی الأذان ، کالقنوت فی الصلاة ، والسلام علی النبیّ فی الصلاة ، وما یماثلها من أحکام عبادیة ، وهی أُمور یستحبّ الإتیان بها ، کما لا ضیر فی ترکها .

وقد ذهب کثیر من فقهائنا ومحدّثینا إلی هذا القول کالشیخ المجلسی((4)) ، وصاحب الجواهر((5))، وصاحب الحدائق((6))، وغیرهم .

4 - إنّ الشهادة الثالثة یؤتی بها من باب : الاحتیاط ، لأنّه طریق النجاة ، وهو


1- الهدایة ، للعراقی : 49 .
2- لیس فی الجواهر من ذکر لمصطلح الجزء الواجب أو الجزء المستحب ; فهو رحمة الله قد ذکر الجزئیة بلا قید الواجب أو المستحب انظر جواهر الکلام 9 : 87 .
3- الهدایة ، للعراقی : 46 .
4- بحار الأنوار 81 : 111 .
5- جواهر الکلام 9 : 87 .
6- الحدائق الناضرة 7 : 404 .

ص:146

حسنٌ فی کلّ الأحوال ، أی أنّ رجحانها عندهم طریقیُّ ولیس بنفسی ، ولذا تراهم یجوّزون الإتیان بها احتیاطاً لا باعتبارها جزءاً من الأذان ، وذلک لقوّة أدلة الشطریّة عندهم وعدم وصولها إلی حدٍّ یمکنهم طبقَها الإفتاء بالجزئیة ، فیأتون بها احتیاطاً .

وقد قال الشیخ عبدالنبی العراقی - فی رسالته آنفة الذکر - عنهم : وهم الأکثرون بالنسبة إلی القائلین بالشطریة الواجبة ، والأقلّون بالنسبة للقائلین بالجزئیة الاستحبابیة((1)) ، قال بهذا ولم یذکر أسماءهم .

5 - وهناک رأی خامس یدّعی أنّ الإتیان بالشهادة الثالثة هو عمل مکروه ، وذلک لعدم ثبوت النصوص الدالّة علی الشهادة الثالثة عنده ، هذا من جهة ، ومن جهة أُخری یعتقد بأنّ الکلامَ فی الأذان غیر جائز ، وبذلک تدخل الشهادة الثالثة عنده فی باب التکلّم المنهیّ عنه((2)) ، قال الوحید البهبهانی فی «حاشیة المدارک» : ومما ذکرنا ظهر حال « محمّد وآله خیر البریة » و« أشهد أن علیّاً ولی الله » بأنهما حرامان بقصد الدخول والجزئیة للأذان ، لا بمجرد الفعل .

نعم ، توظیف الفعل فی أثناء الأذان ربّما یکون مکروهاً ، لکونه مغیراً لهیئة الأذان بحسب ظاهر اللفظ ، أو لکونه کلاماً فیه ، أو للتشبّه بالمفوضة ، إلّا أنّه ورد فی العمومات : أنه متی ذکرتم محمّداً فاذکروا آله أو متی قلتم : محمّد رسول الله فقولوا : علی ولی الله ، کما رواه فی الاحتجاج ...((3)) ، مع العلم بأنّ الکثیر من الفقهاء قد أجازوا الکلام فی الأذان . وحتی فی الإقامة .

وقد ذهب إلی هذا الرأی الفیض الکاشانی فی کتابه « مفاتیح الشرائع » فقال : وکذا غیر ذلک من الکلام وإن کان حقّاً ؛ بل کان من أحکام الإیمان ، لأنّ ذلک کلّه


1- الهدایة ، للعراقی : 10 .
2- انظر فی ذلک مستند الشیعة 4 : 487 .
3- حاشیة المدارک 2 : 410 طبعة مؤسسة آل البیت علیهم السلام .

ص:147

مخالف للسنّة ، فإِنِ اعتقده شرعاً فهو حرام((1)) ، ومال إلیه آخرون .

6 - القول برجحان الشهادة الثالثة ، لأنّها صارت شعاراً للشیعة .

وهذا ما قاله السیّد الحکیم((2)) والسیّد الخوئی((3)) وآخرون((4)) .

l وهناک ثلاثة آراء أُخری تدّعی الحرمة ، ذکرت کل واحدة منها ببیان وتعلیل خاص به .

7 - فقال البعض بحرمة الإتیان بها ، لعدم ورودها فی النصوص الشرعیة عن المعصومین ، فیکون الإتیان بها بدعة ، لأنّه إدخال ما لیس من الدین فی الدین ، إذ أنّ الأذانَ أمرٌ توقیفیّ ، وحیث لم تثبت هذه الجملة فیما جاء عن الأ ئمّة فی الأذان فیجب ترکها .

وقد ادّعی الشیخ الصدوق قدس سره بأن هذه الزیادة هی من وضع المفوِّضة لعنهم الله ، ومعنی کلامه : أنّ قول « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، و« أنّ علیّاً أمیر المؤمنین » ، لیس من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة((5)) ، فی حین ستقف لاحقاً علی أنّ بعض الشیعة کانوا یؤذّنون بهذا الأذان فی عهد الرسول ، والأئمّة ، وقبل ولادة الصدوق رحمة الله لمحبوبیتها وللحدّ من أهداف الحکام ، ولنا معه رحمة الله وقفة طویلة لاحقاً ((6)) فانتظر .


1- مفاتیح الشرائع 1 : 118 / المفتاح 35 ، باب ما یکره فی الأذان والإقامة .
2- مستمسک العروة 5 : 544 . وسنشرح کلامه فی آخر الکتاب «الشعاریة» .
3- اُنظر کتاب الصلاة 2 : 287 ، مستند العروة الوثقی 13 : 259 - 260 .
4- کالسیّد محمّد مهدی الصدر الکاظمی فی بغیة المقلدین : 52 ، والشیخ محمّد رضا آل یاسین فی حاشیته علی رسالة الصدر الکاظمی : 35 ، والعم - أبو زوجتی - المرحوم الشیخ حسن علی مروارید ، انظر ملحق سر الإیمان للمقرم : 94 وغیرهم .
5- مستند الشیعة 4 : 486 .
6- من صفحة 245 إلی 282 .

ص:148

هذا ، وقد مال إلی هذا الرأی المحقّق السبزواری فی «ذخیرة المعاد»((1)) ، والشهید الثانی فی «روض الجنان»((2)) وغیرهما((3)) .

8 - ومنهم من ذهب إلی حرمتها ، لتوهمّ الجاهل بأنّها جزء ، وذلک لإصرار المؤذّنین علی الإتیان بها علی المآذن ، وعدم ترکهم لها لمرّة واحدة ؛ فإنّ هذا الإصرار من المؤذنین یوهم الجاهلین بأنّها جزء من الأذان ، فیجب ترکه حتّی لا یقع الجاهل فی مثل هکذا توهّم .

وقد أشار الوحید البهبهانی إلی هذا الرای فی شرح مفاتیحه((4)) ، ورَدَّهُ .

لأن توهمُّ الجزئیّة لا یوجب الحرمة ، لأنَّ التوهمُّ إما أن یکون من قِبَلَ الجاهل أو من قبل العالم ؟ وتصوّر وقوع التوهّم من قِبَلِ العالِم بعید جدّاً ، فطالما أکَّد العلماء فی مؤلّفاتهم وصرّحوا بأقوالهم بأنَّ الشهادة الثالثة لیست جزءاً مِنَ الأذان ودعموا أقوالهم بالأدلّة .

وأمّا توهّم الجاهل فقد جزم الوحید البهبهانی بأنّه لیس من وظیفة العلماء رفع هذا التوهّم عنهم((5)) ، لان الجهال قد فوّتوا کثیراً من الأُمور علیهم لجهلهم وقصور فهمهم ، وما علی العالم إلّا البلاغ وبیان الأمور ، وعلی المکلّف أن یسعی لتعلّم أحکام دینه ، وإلّا فسیکون مقصِّراً ، وبذلک یکون هو المدان أمام حکم الله لا العالم .

وأیُّ توهّم یمکن تصوّره مع وقوفنا علی الصیغ المختلفة لهذه الشهادة : « أشهد أنَّ علیّاً ولیُّ الله » ، « أشهد أنَّ علیّاً أمیر المؤمنین وأولاده المعصومین حجج الله » ، ( أشهد أن علیاً حجة الله ) ، و( أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین ولی الله ) عند الأصحاب .

کلّ هذه الصیغ تُظهر بأنّها لیست جزءاً من الأذان ، وقد أشار الشیخ


1- ذخیرة المعاد 2 : 254 .
2- روض الجنان : 242 .
3- کالشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کشف الغطاء 3 : 145 ، والعلّامة فی نهایة الاحکام 1 : 412 .
4- مصابیح الظلام فی شرح مفاتیح الشرائع ، للوحید البهبهانی 7 : 33 .
5- مصابیح الظلام 7 : 34 .

ص:149

الصدوق رحمة الله إلی بعضها إذ قال : أنَّ البعض یقول : « أشهد أنَّ علیّاً ولیُّ الله » ، والبعض الآخر یقول : « أشهد أنّ محمّداً خیر البریَّة » وثالث : « محمّد وآل محمّد خبر البریة مرتین ، وفی بعض روایاتهم بعد أشهد ان محمّداً رسول الله أشهد أن علیاً ولی الله مرتین ، ومنهم من روی بدل ذلک : أشهد ان علیاً أمیر المؤمنین حقاً مرتین » وحکی السیّد المرتضی بأن هناک من یقول « محمّد وعلی خیر البشر » وکلُّ هذا یدلّ علی أنّه لم یُؤتَ بالشهادة الثالثة بعنوان أنّها جزء من الأذان ، بل یؤتی بها علی أنّها عمل محبوب وذکر فیه فضیلة عامّة وهی من شروط الإیمان .

9 - وهناک من یقول بحرمتها أو کراهتها ((1)) ، لأجل فوت الموالاة بین فصول الأذان ، وبذلک تکون حرمتها أمراً وضعیاً وهی بطلان الأذان بها ، لأنّ الّذی أَتی بالشهادة الثالثة فقد فوَّت الموالاة بزعمهم من جهتین :

1 - من جهة فوت شرطیة الاتّصال - بین محمّد رسول الله ، وبین حیّ علی الصلاة .

2 - ومن جهةِ حصول المانع بعدَ فوت الموالاة من جهة مانعیّة الانفصال .

ولو دقّقنا النظر بهذا الأمر لوجدنا أن لیس ثمّة علاقة له بالموالاة ، وقد ذهب صاحب المستند وآخرون إلی عدم لزوم الموالاة فی الأذان((2)) ، وقالوا بجواز التکلّم فی الأذان ، بل جوّزوا فیه حتّی الکلام الباطل ، فکیف والحال هذه إذا کان التکلم أثناء الأذان بکلام محبوب وله رجحان ذاتیُّ وبالأصالة ، ألا وهو الشهادة بالولایة لعلی بن أبی طالب .

فإذا کان الکلام العادیّ جائزاً وغیر مخلٍّ بالأذان ، فهل یعقل أن یکون التشهد بالولایة کلاماً مخلاً وغیر جائز فیه .

إن فوت الموالاة لیس بمخل بالأذان ، لأنّ العامّة لا تعتقد بإخلال جملة :


1- الحاشیة علی مدارک الاحکام 2 : 410 ، وانظر المستند ، للنراقی 4 : 486 .
2- مستند الشیعة 4 : 486 .

ص:150

« الصلاة خیر من النوم » بالموالاة ، وکذلک جمهور الشیعة فانها لا تعتقد أنّ الشهادة بالولایة مخلة ، وهی عندهم - مع الفارق - نظیر ما فعله أمیر المؤمنین مع ذلک السائل واعطاءه خاتمه وهو فی الصلاة .

فإذا کان اعطاء الصدقة لا یخل بالصلاة الواجبة ، فکیف یخل الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان المستحب ؟

وزبدة القول : لمَّا لم یکن فی البین ثمّة کلام باطل مضاف ، فإنَّ الأذان سوف لا یخرج عن صیغته السلیمة ، وهو نحو مشی المتوضّئ عدّة أقدام ثم مسحه علی قدمیه ، وهذا لا یُّعد إخلالاً بالموالاة فی الوضوء عند المتشرِّعة یقیناً .

وبهذا فقد وقفنا علی أهمّ الأقوال وأشهرها وإلیک الآن قولاً آخر یمکن إضافته إلی الأقوال السابقة ، وهو :

10 - من المعلوم شرعاً أنّ الامور المستحبّة أو المباحة هی مما یجوز ترکها ، لکن قد تحرم فی بعض الأحیان ، وقد تجب فی حالات أُخری ، فمثلاً شرب الماء مباحٌ ، ولکنه قد یجب عند العطش الشدید والخوف من الهلاک ، وقد یحرم عند نهی الطبیب من شربه .

والأمر المستحبّ مثل ذلک ، فقد یحرم الاتیان به إذا استلزم الضرر البالغ ، وقد یجب الإصرار علیه لو رأینا الاخرین یریدون محوه ، وقد یجب الاتیان به من باب الشعاریة کما هو دیدن الفقهاء فیما لو دعت إلیه المصلحة الشرعیة القطعیة أو دفع المفسدة القطعیة ، ولا شک فی أن الشهادة بالولایة لعلی من هذا القبیل الیوم .

لأنّ ذکر الإمام علی وآل بیته الأطهار محبوبٌّ علی کلّ حال - وبشکل مطلق - لکن من دون قصد التشریع ، مؤکّدین بأنّ جزمنا بمحبوبیتها فی کل حال لا یلزمنا القول بتشریعها أو أنّها أحد أجزاء الأذان ، نعم قد یمکن القول بمطلوبیتها والاصرار علیها فی الازمنة المتأخرة ، وذلک لارتفاع التقیّة - إلی حد ما - ولأنّها صارت شعاراً لمذهب الحق ، یبیّن فیه الشیعی إیمانه بالله واقراره بنبوة رسول الله ، ومکانة الإمام علی .

ویشتدّ ضرورة توضیح هذا الأمر خصوصاً بعد أن اتّهمونا خصومنا ونسبوا إلینا

ص:151

الکثیر من الاکاذیب ؛ « کقولنا بأُلوهیّة الإمام علیّ » ، أو « اعتقادنا بخیانة الأمین جبرئیل، بدعوی ان الله بعث جبرئیل إلی علیّ فغلط ونزل علی النبیّ محمّد » ، وغیرهما، فکلّ هذه الأکاذیب تدعونا لأن نجهر بأصواتنا : « أشهد أن لا إله إلّا الله » نافین بذلک کوننا من الغلاة القائلین بأُلوهیّة الإمام علی ، بل نحن نوحّد الله ونعبده . وکذا یجب علینا أن نقول : « أشهد أن محمّداً رسول الله » التزاماً بالشرع ، واعلاناً باتباعنا للنبی صلی الله علیه و آله واوامره ونواهیه ولکی ننفی ما افتروه علینا من مقولة « خان الامین » .

وبعد کل ذلک علینا الجهر ومن علی المآذن والمنابر وفی کلّ اعلان ب- : « أشهد أن علیّاً ولی الله » دفعاً لاتّهامات المتَّهِمین وافتراءات المفتَرِین ، وإن علیّاً واولاده المعصومون عندنا ما هم إلّا حجج رب العالمین علی عباده أجمعین - مؤکدین من خلال رسائل فقهائنا العظام - بأن ما نشهد به لیس جزءً داخلاً فی الأذان ، بل هو شعار نتخذه لبیان توحیدنا لله رب العالمین ، والإشادة برسوله الأمین محمّد ، وأنّ علیّاً واولاده المعصومین عبیدالله واولیائه وحججه علی عباده .

نقول بذلک إعلاءً لذکرهم ، الذی جدّ القوم لاخماده هذا من جهة . ومن جهة أُخری قد یمکننا أن نعدّ ترک الشهادة الثالثة حراماً الیوم ، وذلک مقارنة بأُمور مستحبّة أُخری ، لأ نّا قلنا قبل قلیل بأن بعض الأُمور المباحة والمستحبّة قد تصیر واجبة أو محرّمة بالعنوان الثانوی ، کأن نری البعض یؤکّد علی إبعاد سنّة ثابتة((1)) أو یُحرّم امراً مباحاً ، فیجب علی المسلم أن یحافظ علی هذه السنة وأن یصر علی الاتیان بها ، وقد یصیر فی بعض الاحیان ذلک الأمر المستحب أو المباح واجباً بالعنوان الثانوی .

ومن الأمثلة علی ذلک ما رواه الفریقان سنة وشیعة عن أمیر المؤمنین علی أنّه رأی


1- کما فی قول الأئمة : «لیس منّا من لم یؤمن بالمتعة» ، مع أنّها مستحبة ، لکن محاولة اعداء أهل البیت تحریمها ، جعل الاعتقاد باستحبائها أو جوازها واجباً .

ص:152

ضرورة شرعیة لأن یشرب الماء واقفاً فی رحبة مسجد الکوفة((1)) ؛ دفعاً لتوهم کثیر من المسلمین حرمة الشرب واقفاً ، وکذلک من هذا القبیل ما ورد عن بعض المعصومین علیهم السلام أنّه شرب الماء أثناء الطعام مع أنّه منهی((2)) عنه ؛ دفعاً لتوهم حرمة شرب الماء أثناء الطعام ، ومن هذا القبیل أیضاً ترک النبی صلی الله علیه و آله لنوافل بعض أیام شهر رمضان((3)) خوفاً علی الأمة من الوقوع فیما هو عسیر .

وکذا الحال بالنسبة إلی ترک المستحبّ ، فقد یکون حراماً فی بعض الحالات، فمثلاً الکلّ یعلم بأن بناء المساجد لیس واجباً ، وکذا الصلاة فیها، أمّا تخریبها وعدم الصلاة فیها فهی محرمة یقینا لقوله تعالی { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ وَسَعَیٰ فِی خَرَابِهَا }((4)) ، ومثلها البناء علی المشاهد المشرِّفة فهی لیست بواجبة أما تهدیم القبور فهی حرام قطعاً ، لأن فی ذلک توهیناً واضعافاً للعقیدة والمذهب ، وهکذا الحال بالنسبة للأمور المستحبّة الأُخری ، والتی یسعی الخصم لمحوها ، فینبغی الحفاظ علیها، وقد أکدّ الفقهاء علی لزوم المحافظة علی الأُمور المباحة، التی حُرِّمت من قبل الآخرین ، کلّ ذلک إصراراً وثباتاً علی الحکم الإلهی .

فلو کان هذا فی الأمر المباح ، فکیف بالأمر المحبوب فی نفسه الذی أکدّ علیه الشرع وجاءت به الأدلّة الکثیرة التی ستقف علیها لاحقاً .


1- انظر سنن النسائی (المجتبی) 1 : 69 / باب عدد غسل الیدین / ح 95 ، مصنف عبدالرزاق 1 : 38 - 40 / ح 122 / ح 123 . وانظر الکافی 6 : 382 / باب شرب الماء من قیام .
2- الکافی 6 : 382 / باب آخر فی فضل الماء من کتاب الاشربة / ح 4 ، وعنه فی وسائل الشیعة 25 : 236 / ح 31781 .
3- صحیح البخاری 1 : 313 / ب 7 / ح 882، و2:707/ح 1908 صحیح مسلم 1:524 / باب الترغیب فی قیام شهر رمضان / ح 761، سنن أبی داود 2:49/ح 1373.
4- البقرة : 114 .

ص:153

تلخّص مما سبق :

1 - إنّ الدعاوی الثلاث التی قالها الشیخ الصدوق لا یمکن الاعتماد علیها ، وذلک :

أ - لأن دعوی التفویض لا تتفق مع ما کان یقول به من سمّاهم الصدوق بالمفوِّضة ، لأنَّ کلماتهم هی کلمات حقّة اعترف الصدوق رحمة الله بصحتّها ، وإن ما حُکی عنهم لا یتّفق مع المنهیّ عنه فی الشریعة ، لأنّ المعروف عن المفوِّضة أنّهم یعتقدون بأنّ للأئمّة حق الخلق ، والرزق ، والإحیاء ، والإماتة علی وجه الاستقلال ، بحیث لا یقدر الربّ علی صرفهم عنه ، وهذا ما لا نراه فی صیغ أذان من سموا بالمفوِّضة !! لأنّهم لا یقولون : أشهد أن علیاً محی الموتی ورازق العباد ، وأشباهها حتی ینطبق علیهم کلام الشیخ الصدوق بل نری أن شهادتهم بالولایة هی ألصق بالاعتقاد الصحیح وأبعد عن التفویض ، فقد یکونوا شهدوا بهذه الشهادة لکی یبعدوا عن انفسهم ، شبهة الغلوّ والتفویض ، وقد یکون المفوضة استغلوا ما جاء فی العمومات والروایات التفسیریة لمعنی الحیعلة الثالثة وحرفوا معناها إلی معنی أنّ مطلق الإیمان بالولایة مسقط للتکالیف ، فلذلک حمل علیهم الصدوق رحمة الله حملته الشدیدة .

وقد یکون الشیخ الصدوق قالها خوفاً من وقوع الشیعة فی مهلکة التفویض المنهی عنه ، وقد یکون قالها تقیّةً ، وقد یکون قالها لأمور اُخری .

ب - أما ما ادعاه من أنّهم « وضعوا أخباراً » هو الآخر لا نقبله ، وذلک لما بیّنّا من اختلاف المنهجین القمّی والبغدادی فی العقائد والرجال .

ص:154

فالصدوق تبعاً لشیخه ابن الولید رحمة الله قد اتهّم محمّد بن موسی الهمدانی السمان بوضع کتابی زید النرسی وزید الزراد ، فی حین إنک قد وقفت علی وجود طرق صحیحة للنجاشی والمفید والطوسی رحمهم الله تعالی إلی هذین الکتابین ، وکان رجال تلک الطرق من وجوه الأصحاب وهی تجزم بأنّ الکتاب لزید النرسی ، فلا یستقیم بعد هذا قول الشیخ الصدوق رحمة الله بأنّه من وضع موسی الهمدانی ؛ إذ کیف تکون من وضعه مع أن هناک طرقاً صحیحة عن زید وکتابه ، وهذا ما اکد علیه رجالیو الشیعة وفقهائهم فی مصنفاتهم . وهی تشکّکنا فی قبول کلامه رحمة الله علی ظاهره ، بل تدعونا أن ندرسها مع ظروفها الموضوعیة الحقیقیة ، لنری هل یمکننا الأخذ بکلامه ، أم أن ما قاله عن المفوّضة کان تقلیداً لمشایخه أو تسرّعاً منه فی إطلاق الأحکام ، وهذا ما سنفصّله عند دراستنا لکلامه رحمة الله لاحقاً ((1)) .

ج - ان دعوی زیادة من قال بالصیغ الثلاث فی الأذان بقصد الجزئیة دعوی کبیرة ، ولا نوافقه علیها ، خصوصاً مع اختلاف صیغ الأذان عند المذاهب الشیعیة المختلفة فی العقیدة والمتّفقة فی جواز إتیان هذه الجمل فی الأذان ، فمنهم من یقول بها بعد الحیعلة الثالثة = « حی علی خیر العمل » ، والاخر قبلها ، وثالث بعد الشهادة بالرسالة .

والبعض منهم یقول : « أشهد أنّ علیاً ولی الله » والآخر : « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، وثالث « محمّد وعلی خیر البشر » ، ورابع ، وخامس .

کلُّ هذه الأمور تشکّکنا فی قبول کلام شیخنا الصدوق بأنّهم یأتون بها علی أنّها أجزاءٌ ، بل الثابت عنهم أنّهم یأتون بها بقصد القربة المطلقة أو للتیمن والتبرک ، ولمحبوبیتها الذاتیة .


1- فی القسم الثالث من الفصل الاول الاتی فی صفحة 245 .

ص:155

2 - أشرنا فی آخر البحوث التمهیدیة إلی عشرة أقوال فی المسألة وهی :

1 - یؤتی بها علی أنّها شرط الإیمان لا جزء الأذان .

2 - یؤتی بها علی أنّها شطر الأذان وجزءٌ منه کسائر الأجزاء .

3 - یؤتی بها لأنّها مستحبّة فی نفسها ، فهی کالقنوت والاستغفار المستحبان فی نفسهما ، ولکن یمکن أن یؤتی بهما فی الصلاة کذلک .

4 - یؤتی بها من باب الاحتیاط ، لقوّة أدلّة الشطریة عندهم من جهة ، وعدم وصولها إلی حدّ یمکن معه الإفتاء بالشطریة من جهة أخری ، فیفتون بالإتیان بها احتیاطاً .

5 - القول برجحان الإتیان بها ، لأنّها صارت شعاراً للشیعة .

6 - یکره الإتیان بها ، لعدم ثبوت ورود الروایات فیها من جهة ، ومن جهة أُخری ثبوت کراهة الکلام فی الأذان عندهم .

7 - حرمة الإتیان بها ، لتوهّم الجزئیة فیها .

8 - حرمة الإتیان بها ، لعدم ورودها فی صیغ الأذان البیانیة الواردة عن المعصومین .

9 - حرمتها أو کراهتها لفوات الموالاة بین فصولها .

10 - مطلوبیة الإتیان بها دفعاً لافتراءات المفترین علی الشیعة من باب الشعاریة ، وأنّه ذکر محبوب لا أنّه جزء من الأذان وإنّ ذِکرنا له إنّما هو علی غرار الصلاة علی محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانیة ، والغرض هو نفی الالوهیة الملصقة باطلاً بأمیر المؤمنین علیه السلام وللتاکید علی انه علیه السلام عبدالله وحجته وولیه وتلمیذ الرسول محمّد صلی الله علیه و آله ، لأن اعداء الشیعة قد اشاعوا عنا بأنا نقول بألوهیة الإمام علی ، وخیانة الأمین جبرئیل فی إنزال الوحی . فکل هذه الاکاذیب تدعونا لأن نقول من علی المآذن : « أشهد أن لا إله إلّا الله » نافین بذلک دعوی ألوهیة الإمام علی ، بل التأکید علی توحید الله وعبودیته .

وکذا یجب علینا أن نقول : « أشهد أن محمّداً رسول الله » کی ننفی ما نسبوه إلینا

ص:156

من اکاذیب .

وبعد کل ذلک علینا أن نجهر بأصواتنا ، ومن علی المآذن : « أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین ولیّ الله وحجته » دفعاً لاتّهامات المتّهمین وافتراءاتهم ، نقول بذلک إعلاءً لذکرهم ، الّذی جد القوم لطمسه .

نحن عرضنا هذه الأقوال کی تکون مدخلاً لمبحث الشهادة الثالثة ، وإلیک الآن تفصیل رؤیتنا ضمن الفصول الثلاثة الآتیة :

ص:157

الفصل الأول: الأدلّة الشرعیّة

اشارة

وهو فی ثلاثة اقسام :

ص:158

ص:159

القسم الأوّل : الدلیل الکنائیّ

اشارة

ما روی عن الإمام الکاظم علیه السلام :

حی علی خیر العمل = الولایة

أثبتنا فی الباب الاول من هذه الدراسة ، شرعیة « حی علی خیر العمل »((1)) ، وأنّها کانت تقال علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد أذّن بها بعض الصحابة کبلال ((2)) ، وابن عمر((3)) ، وأبی رافع((4)) ، وأبی محذورة((5)) ، وزید ابن أرقم((6)) ، وعبدالله بن عباس((7)) ، وجابر بن عبد الله الأنصاری((8)) ، وأنس بن مالک((9)) ، وأبی أُمامة بن


1- وهو الکتاب الأوّل من هذه المجموعة ، وقد طبع فی بیروت مؤسسة الأعلمی عام 1424 ه- تحت عنوان ( حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة ) فی 496 صفحة .
2- المعجم الکبیر 1 : 352 / ح 1071 ، السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 / ح 1845 ، مجمع الزوائد 1 : 330 ، کنز العمال 8 : 161 / ح 23174 ، وسائل الشیعة 5 : 418 / ح 6972 . وانظر تحقیقنا عن هذه الروایة فی کتابنا المشار إلیه فی الهامش الآنف .
3- المصنف لعبد الرزاق 1 : 464 / 1797 ، السنن الکبری للبیهقی 1:424 / ح 1842، الاعتصام بحبل الله 1:308 ولنا تحقیق فی ذلک راجع کتابنا (حی علی خیر العمل).
4- الأذان بحی علی خیر العمل ، للحافظ العلوی : 28 ، الاعتصام 1 : 289 .
5- البحر الزخار 2 : 192 ، أمالی أحمد بن عیسی 1 : 92 ، جواهر الأخبار والآثار 2 : 191 ، الاعتصام 1 : 284 .
6- نیل الاوطار 2 : 19 ، مسند زید بن علی : 94 ، الإمام الصادق والمذاهب الاربعة 5 : 283 .
7- الأذان بحی علی خیر العمل : 54 .
8- الأذان بحی علی خیر العمل : 30 ، الاعتصام 1 : 291 .
9- الاعتصام 1 : 288 ، الأذان بحی علی خیر العمل : 26 .

ص:160

سهل بن حنیف((1)) ، والإمام علی((2)) ، والحسن((3)) ، والحسین((4)) ، وعقیل بن أبی طالب((5)) وعبدالله بن جعفر((6)) ، وعلی بن الحسین((7)) ، وزید بن علی((8)) وغیرهم((9)) من آل البیت علیهم السلام .

لکن العامة - کلهم أو بعضهم - ادعوا نسخها ، فتساءلنا کیف نسخت ، وأین ومتی ؟ ولم نسخت هذه الفقرة بالخصوص من الأذان ؟ بل لماذا نری غالب المسائل الخلافیة یقال عنها : إنّها نسخت ، مثل : « حی علی خیر العمل » فما هو الناسخ یا تری ؟

قال السیّد المرتضی من الإمامیة : وقد روت العامة أن ذلک ] حی علی خیر العمل [ مما کان یقال فی بعض أیام النبی ، وإنما أدعی أن ذلک نُسخ ورفع ، وعلی من ادّعی النسخ الدلالة له ، وما یجدها ((10)) .


1- الاعتصام 1 : 309 ، المحلّی 3 : 160 ، الإحکام 4 : 593 ، فتح الباری لابن رجب 3 : 417 ، کتاب الصلاة / باب الأذان مثنی مثنی / ح 606 ، الروض النضیر 1 : 541 .
2- الاعتصام 1 : 309 ، جواهر الأخبار والآثار 2 : 191 .
3- الاعتصام بحبل الله : 307 . وانظر الروض النضیر 1 : 542 .
4- الاعتصام بحبل الله : 307 . وانظر الروض النضیر 1 : 542 .
5- الأذان بحی علی خیر العمل : 54 .
6- الأذان بحی علی خیر العمل : 30 .
7- المحلّی 3 : 160 ، السیرة الحلبیة 2 : 305 ، دعائم الإسلام 1 : 145 ، جواهر الأخبار والآثار للصعدی 2 : 192 ، المصنّف لابن أبی شبیة 1 : 195 / ح 2239 ، السنن الکبری للبیهقی 1 : 425 / ح 1844 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 299 ، 308 .
8- حاشیة مسند الإمام زید المطبوعة ضمن مسند الإمام زید ، دار الحیاة ، بیروت : 93 عن کتاب الأذان بحی علی خیر العمل : 37 / الحدیثان 172 و173 .
9- انظر تفصیل ذلک فی الفصل الأول من دراستنا المطبوعة تحت عنوان ( حی علی خیر العمل ) الشرعیة والشعاریة من صفحة 177 إلی 258 .
10- الانتصار : 137 .

ص:161

وقد نقلنا سابقاً ما حکاه صاحب « الروض النضیر » عن کتاب السنام للزیدیة ، وما قاله ابن عربی فی « الفتوحات »((1)) ، وما روی « فی من لا یحضره الفقیه »((2)) ، و« الاستبصار »((3)) ، وما جاء فی کتاب « الأذان بحی علی خیر العمل » للحافظ العلوی((4)) ، من أن رسول الله صلی الله علیه و آله أمر بلالاً أن یؤذّن بها فلم یزل یؤذن بها حتی قبض الله رسوله .

وفی « علل الشرائع » عن عکرمة ، قال : قلت لابن عباس : أخبرنی لأیّ شیء حذف من الأذان « حی علی خیر العمل » ؟ قال : أراد عمر بذلک ألا یتّکل الناس علی الصلاة ویَدَعُوا الجهادَ ، فلذلک حذفها من الأذان((5)) .

وفی کتاب « الأحکام » - من کتب الزیدیة - قال یحیی بن الحسین صلوات الله علیه : وقد صحّ لنا أنّ « حی علی خیر العمل » کانت علی عهد رسول الله یؤذّن بها ولم تطرح إلّا فی زمن عمر بن الخطاب ، فإنّه أمر بطرحها وقال : أخافُ أن یتّکل الناس علیها ، وأمر بإثبات « الصلاة خیر من النوم » مکانها ((6)) .

وعن الباقر ، قال : کان أبی علی بن الحسین یقول : کانت فی الأذان الأول ، فأمرهم عمر فکفّوا عنها مخافة أن یتثبّط الناس عن الجهاد ویتّکلوا ، أمرهم فکفّوا عنها ((7)) .

وعن الإمام زید بن علی أنّه قال : ممّا نقم المسلمون علی عمر أنّه نحّی من النداء


1- الفتوحات المکیة 1 : 400 .
2- من لا یحضره الفقیه 1 : 284 / ح 872 .
3- الاستبصار 1 : 306 / ح 1134 .
4- الأذان بحی علی خیر العمل : 91 .
5- علل الشرائع ، للصدوق 2 : 367 / باب 89 نوادر علل الصلاة .
6- الاحکام 1 : 84 .
7- الأذان بحی علی خیر العمل : 79 .

ص:162

فی الأذان « حی علی خیر العمل » ، وقد بلغت العلماء أنّه کان یؤذّن بها لرسول الله حتّی قبضه الله ، وکان یؤذن بها لأبی بکر حتی مات ، وطرفاً من ولایة عمر حتی نهی عنها ((1)).

وعن أبی جعفر الباقر ، قال : کان الأذان ب- « حی علی خیر العمل » علی عهد رسول الله وبه أُمروا أیّام أبی بکر ، وصدراً من أیّام عمر ، ثمّ أمر عمر بقطعه وحذفه من الأذان والإقامة ، فقیل له فی ذلک ، فقال : إذا سمع الناس أنّ الصلاة خیر العمل تهاونوا بالجهاد وتخلّفوا عنه ، ورو ینا مثل ذلک عن جعفر بن محمّد ، والعامّة تروی مثل هذا ((2)).

وروی الصدوق فی « علل الشرائع » بسنده عن ابن أبی عمیر أنّه سأل أبا الحسن الکاظم عن سبب ترک « حی علی خیر العمل » فذکر العلة الظاهرة والباطنة لهذا الامر ، فقال :

أمّا العلّة الظاهرة ، فلئلّا یدع الناس الجهاد اتّکالاً علی الصلاة .

وأمّا الباطنة فإنّ « خیر العمل » الولایة ، فأراد ] عمر [ من أمرِهِ بترک « حی علی خیر العمل » من الأذان أن لا یقع حثٌّ علیها ودعاء إلیها ((3)).


1- الأذان بحی علی خیر العمل : 29 ، وانظر هامش السنة للإمام زید : 83 .
2- دعائم الإسلام 1 : 142 ، بحار الأنوار 81 : 156 . وجاء فی کتاب الإیضاح للقاضی نعمان المتوفّی 363 ه- ، والمطبوع فی تراث الحدیث الشیعی 10 : 108 ، قال : فقد ثبت أنه أذنّ بها علی عهد رسول الله حتی توفّاه الله وأنّ عمر قطعه ، وقد یزید الله فی فرائض دینه بکتابه وعلی لسان نبیه ما شاء لا شریک له ، وأنا ذاکر ما جاءت به الروایة من الأذان بحی علی خیر العمل ...
3- علل الشرائع 2 : 368 / 89 من نوادر علل الصلاة / ح 4 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 140 / باب معنی الأذان / ح 34 ، ولا یخفی علیک بأنّ الإمام الکاظم لیس بباطنی بل أنّه أراد أن یوضح المعنیین الظاهری والخفی الذی حدا بعمر أن یحذفها ، إذ أنّ البعض کانوا یتوجّهون إلی ظواهر الأشیاء ولا یتأمّلون فی بطنها من معنی ، حیث یقولون بأن لله یداً ، وبأ نّه جالس علی عرشه لقوله تعالی : { یَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } وقوله تعالی : { مَطْوِیَّاتٌ بِیَمِینِهِ } وقوله : { الرَّحْمَٰنُ عَلَی الْعَرْشِ اسْتَوَیٰ } ، ولا یتدبّرون فی معناها وأ نّهاالقوة والبأس والإحاطة . ولو أرادوا أخذ الأمور علی ظواهرها فعلیهم أن یقولوا بضلالة الأعمی فی الآخرة لقوله تعالی : { وَمَن کَانَ فِی هَٰذِهِ أَعْمَیٰ فَهُوَ فِی الْآخِرَةِ أَعْمَیٰ وَأَضَلُّ سَبِیلًا} فی حین لا یقول أحد من الأمّة بذلک ، ولأجل ذلک تهجّم کثیر من العلماء علی الظاهریة والباطنیة فی وقت واحد ، والإمام کان لا یرید إلاّ بیان المعنیین - الخفیّ والظاهر منه - کی لا یلتبس الأمر علی الآخرین ، ولکی یقف المؤمن علی السبب الخفیّ فی محو تشریع الحیعلة الثالثة وما دعا عمر لأن یحذفها ، لان السائل سأل عن سبب الترک ، والإمامُ وضّحها لأنّ عمر حذفها کی لا یقف المسلمون علی تفسیرها معها ، فحذفها خوفاً من مستلزماتها .

ص:163

الحیعلة الثالثة معیار الانتماء ومحک الاختلاف

قال سعد التفتازانی المتوفّی 793 ه- ، فی شرح المقاصد فی علم الکلام وفی حاشیته علی شرح العضد ، وکذا القوشجی المتوفّی 879 ه- فی شرح التجر ید فی مبحث الإمامة ، وغیرهما : إنّ عمر بن الخطاب خطب الناس وقال : أیّها الناس ، ثلاثٌ کُنَّ علی عهد رسول الله أنا أنهی عنهنّ وأحرّمهنّ وأعاقب علیهنّ ، وهی : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحیّ علی خیر العمل((1)) .

وقال المجلسیّ الأوّل فی روضة المتّقین : أنّه روی العامّة أنّ عمر کان یباحث = ] یجادل [ مع رسول الله فی ترک حیّ علی خیر العمل ، ویجیبه ] الرسول [ بأنّها من وحی الله ، ولیست منّی وبیدی ، حتی قال عمر : ] أیام خلافته [ : ثلاث کنّ فی عهد رسول الله وأنا أحرّمهن وأعاقب علیهنّ : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وقول حی علی خیر العمل ، رواه العامة فی صحاحهم((2)) .

فهنا سؤال یرد علی الأذهان ، وهو : ما وجه الترابط بین المنع عن المتعتین وبین رفع حی علی خیر العمل من الأذان ؟ وعلی أیّ شیء یدل ؟ ولماذا نری الذی یقول


1- شرح المقاصد فی علم الکلام 2 : 294 ، شرح التجرید : 374 ، کنز العرفان 2 : 158 . وانظر الغدیر 6 : 213 ، والصراط المستقیم 3 : 277 ، والمسترشد : 516 .
2- انظر روضة المتقین 2 : 227 - 228 .

ص:164

بشرعیّة « الصلاة خیر من النوم » لا یقول بإمامة علی بن أبی طالب ، ومن یقول ب- « حی علی خیر العمل » یری شرعیة الولایة لعلی بن أبی طالب ؟

وهل حقاً أنّ « حی علی خیر العمل » یرتبط بموضوع الإمامة والخلافة ؟ وإذا کان فکیف یستدلّ به ؟

وهل من الصدفة فی شیء أن یکون الإمام علیٌّ هو محور هذه الفقرات الثلاث ؟

إنّ موضوع « حی علی خیر العمل » ما هو إلّا نافذة واحدة من النوافذ الکثیرة إلی الفقه الأصیل والفقه المحرَّف ، وإنّ شأنه فی مفردات الفقه الخلافیّ شأنُ التکبیر علی المیّت أربعاً أم خمساً ، وشأن حکم الأرجل فی الوضوء هل هو المسح أو الغسل ؟ وأنّ المتعة جائزة أم حرام ؟ والتختّم فی الیمین أو الشمال ؟ والمصلی هل علیه القبض أو الارسال ؟ وهل أن الجهر بالبسملة سنة أم الإخفات بها هو السنة ؟ وأن صلاة الضحی والتراو یح شرعیة أم بدعیة ؟ وهکذا عشرات المسائل فی الفقه المقارن .

فالذی یکبّر علی المیّت خمساً یقول : لا أترکها لقول أحد((1)) ، والقائل بالمسح علی الأرجل یراها موافقه للذکر الحکیم ، حیث لا یوجدُ فی کتاب الله إلّا غسلتان ومسحتان((2)) ، وأمّا الذی یمنع من المتعة فیستدلُّ بمنع عمر لها ((3)) ، وهکذا الحال بالنسبة إلی غیرها من الأُمور الخلافیّة عند الطرفین ، فالبعض یستدلّ بالنصّ القرآنیّ والحدیث المتواتر النبویّ ولا یرتضی استبدالهما بقول أحد ، وهناک من یأخذ بسیرة الشیخین معیاراً للنفی والإثبات .

إذن هناک سنّة لرسول الله ، وهناک سنّة للشیخین ، فالبعض کان لا یرتضی ترک


1- أنظر مسند أحمد 4 : 370 / 19319 ، وشرح معانی الأثار 1 : 494 عن زید بن أرقم .
2- سنن الدارقطنی 1 : 96 / ح 5 ، سنن البیهقی الکبری 1 : 72 / ح 345 عن ابن عباس .
3- مسند أحمد 3 : 325 / ح 14519 ، وانظر 1 : 52 / ح 369 ، معرفة السنن والآثار 5 : 345 / ح 4237 ، سنن سعید بن منصور 1 : 252 / ح 853 ، مسند أبی عوانة 2 : 338 / ح 3349 .

ص:165

سنّة رسول الله لقول أحد ، والآخر یری الخلیفة هو الأعلم بالأحکام وروح التشریع فیجب اتّباعه حتّی لو خالف سنّة النبیّ الثابتة .

إنّ ربط عمر بن الخطاب بین هذه المسائل الثلاث - المتعتین وحیَّ علی خیر العمل - یعنی فی آخر المطاف ارتباط الأمر بالخلافة والإمامة ومنزلة الهاشمیّین ، لأنّ هذه المسائل الثلاث أبرز عناوین مدرسة التعبّد المحض التی تری وتعتقد بإمامة علی علیه السلام ، وقول عمر : « أنهی عنها » أو « اعاقب علیها » بمثابة اعتراف مبدئیّ منه بشرعیة « حیّ علی خیر العمل » واعتراف ضمنیّ کاشفٌ عمّا یجول فی دواخله ، ولذلک ربط نهیه عن « حی علی خیر العمل » بنهیه عن متعتی النساء والحج اللَّتین أکّد الإمام علی((1)) وابن عباس((2)) ورعیل من الصحابة علی شرعیّتهما((3)) ، بخلاف عمر والنهج الحاکم اللذین دعیا إلی ترکهما .

فترک هذه الثلاث عمری ، وأمّا لزوم الاعتقاد بشرعیّتها فهو علوی ونبوی ، إذاً


1- صحیح البخاری 2 : 567 / ح 1488 ، مسند أحمد 1 : 57 / ح 402 ، سنن النسائی ( المجتبی ) 5 : 152 / ح 2733 ، المستدرک علی الصحیحین 1 : 644 / ح 1735 ، الموطّأ 1 : 336 / ح 742 .
2- صحیح البخاری 2 : 568 / ح 1492 ، مسند أحمد 1 : 52 / ح 369 ، و1 : 236 / ح 2115 و1 : 337 / ح 3121 ، صحیح مسلم 2 : 885 / ح 1217 .
3- کسعد بن أبی وقاص; انظر سنن الترمذی 3:185 / ح 823، موطأ مالک 1:344 / ح 763، سنن النسائی ( المجتبی ) 5:152 / ح 2734، مسند أحمد 1:174 / ح 1503. وکابنِ عمر ; انظر سنن الترمذی 3 : 185 / ح 824 ، معجم الشیوخ : 276 - 277 ، شرح سنن ابن ماجة 1 : 214 / ح 2978 . وکأبی موسی الأشعری ; انظر صحیح مسلم 2 : 896 / ح 1222 ، مسند أحمد 1 : 50 / ح 351 ، سنن النسائی ( المجتبی ) 5 : 153 / ح 2735 ، السنن الکبری للبیهقی 5 : 20 / ح 8654 ، الجمع بین الصحیحین 1 : 313 / ح 469 ، باب المتفق علیه من مسند أبی موسی الاشعری ، سنن ابن ماجة 2 : 992 / ح 2979 . وکعمران بن حصین ; انظر صحیح مسلم 2 : 898 / ح 1226 ، شرح صحیح مسلم للنووی 8 : 205 / باب جواز التمتع / ح 1226 ، سنن النسائی ( المجتبی ) 5 : 155 / ح 2739 ، الجمع بین الصحیحین 1 : 349 / ح 548 من المتفق علیه من حدیث عمران بن الحصین .

ص:166

الأمر لم یکن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متینة بین کلّ الأُمور المنهیّ عنها متأخراً والمعمول بها عند الرعیل الأول، ولأجل هذا نری ارتباطاً تاریخیّاً وثیقاً بین القول بامامة علیّ والقول بشرعیّة الحیعلة الثالثة ، وبین رفض الولایة والإمامة لعلیّ والقول برفع « حی علی خیر العمل » .

قال ابن أبی عبید : إنّما أسقط « حی علی خیر العمل » مَنْ نهی عن المتعتین ، وعن بیع أمّهات الأولاد ، خشیةَ أن یتّکل الناس بزعمه علی الصلاة ویَدَعُوا الجهاد ، قال : وقد رُوی أنّه نهی عن ذلک کلّه فی مقام واحد((1)) .

وثبت أیضاً أنّ رسول الله أذّن ، وکان یقول : « أشهد أنِّی رسول الله » ، وتارة یقول : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » ، وأنکر العامّة أذانه

صلی الله علیه و آله ((2)) .

نعم ان النهج الحاکم طرح مفاهیم وتبنی افکاراً تصب فیما یهدفون إلیه ، منها تشکیکهم فی أذان الرسول ؛ لعدم ارتضاء الشیخین التأذین بها فی خلافتهما ، فأرادوا القول بعدم أذان رسول الله ، لکی یعذروا الشیخین ولکی یقولوا بأنّهم اقتدوا برسول الله فی عدم أذانه !!


1- البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار 2 : 192 ، وشرح الأزهار 1 : 223 . وانظر شرح العضدی علی المختصر الأصولی لابن الحاجب بحاشیة السعد التفتازانی 2 : 41 - 42 .
2- الکلام السابق وما بعده نقلناه عن ذکری الشیعة 3 : 215 للشهید الأوّل رحمة الله ، والروایة موجودة فی « من لا یحضره الفقیه » 1:297 / ذیل الحدیث 905، ووسائل الشیعة 5:418 / ح 6974 عن الفقیه ، وانظر حاشیة الجمل علی شرح المنهاج 1:387.

ص:167

إِبعادُ قریش آلَ البیت عن الخلافة !!

لا شکّ - نظراً لروایة الإمام الکاظم علیه السلام الآنفة - فی أنّ موضوع الخلافة والإمامة یرتبط بنحو وآخر بمسألة الحیعلة الثالثة فی الأذان ، وأنّ عمر أراد أن لا یکون حَثٌّ علیها کی یوقف مستلزماتها وتوالیها معها ، وأنّ البحث عن دواعی إبعاد عمر أهل البیت عن الخلافة له ارتباط وثیق مع تصریحات رسول الله عن آل البیت وأنّهم عترته وخلفاؤه من بعده ، وهم القربی المأمور بمودّتهم فی القرآن ، والمؤکَّد علی اتّباعهم فی سنّة رسول الله ، لقوله صلی الله علیه و آله : « أذکّرکم الله فی أهل بیتی ، أذکّرکم الله فی أهل بیتی ، أذکّرکم الله فی أهل بیتی »((1)) .

وبما أنّ الإمام علیّاً هو أعلم الناس وأقضاهم((2)) ، وهو خیر البشر((3)) ، وإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین((4)) ، وأنّ عمر کان قد عرف بأنْ لیس بین هذه النصوص وبین التصریح باسم علیّ إلّا خطوات ، سعی لإبعاده وإبعاد کلّ شیء


1- صحیح مسلم 4 : 1873 / ح 2408 ، سنن الدارمی 2 : 524 / ح 3316 ، مسند أحمد 4 : 366 / 19285 .
2- الکافی 7 : 408 / ح 5 ، الخصال : 551 ، سمط النجوم العوالی 2 : 407 ، أحکام القرآن لابن العربی 4 : 43 ، 45 ، تاریخ دمشق 51 : 300 . انظر المستدرک علی الصحیحین 3 : 145 / ح 4656 ، وفیه عن ابن مسعود قال : کنّا نتحدّث أن اقضی أهل المدینة علی بن أبی طالب ، صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه . وروی عن عمر قوله : أقضانا علی ... ، المعجم الأوسط 7 : 357 ، طبقات ابن سعد 2 : 339 ، أخبار المدینة 1 : 374 .
3- تاریخ بغداد 7 : 421 / ت 3984 ، تاریخ دمشق 42 : 372 ، 373 ، حدیث خیثمة : 201 ، وانظر الدرّ المنثور 8 : 589 .
4- المستدرک علی الصحیحین 3: 148 / ح 4668 ، المعجم الصغیر 2 : 192 / ح 1012 ، حلیة الأولیاء 1 : 63 ، ورواه ابن حجر فی الإصابة 4 : 6 / ت 4531 ، مبتوراً ، الإصابة 4 : 6 / ت 4531 ، الخصال : 116 / ح 94 ، أمالی الصدوق : 434 / ح 573 ، مستدرک الوسائل 16 : 171 / ح 19483 .

ص:168

یَمُتُّ إلیه .

ومن المعلوم أنّ عمر بن الخطّاب کان لا یرضی باجتماع النبوّة والخلافة فی بنی هاشم ، لذلکَ سأل ابنَ عبّاس عمّا فی نفس علیّ بن أبی طالب بقوله : أیزعم أنّ رسول الله نصّ علیه ؟

قال ابن عباس : نعم ، وأزیدک : سألت أبی عما یدّعیه ، فقال : صدّق ، قال عمر : لقد کان من رسول الله فی أمره ذَروٌ من قول لا یثبت حجّة ، ولا یقطع عذراً ، کان یَرْبَعُ فی أمره وقتاً ما ، ولقد أراد فی مرضه أن یصرّح باسمه فمنعتُ من ذلک إشفاقاً وحیطةً علی الإسلام ... فعلم رسولُ الله أنّی علمت ما فی نفسه فأمسک((1)) .

وقال العینی فی عمدة القاری : واختلف العلماء فی الکتاب الذی هَمَّ النبیّ بکتابته ، فقال الخطّابی : یحتمل وجهین ، أحدهما أنّه أراد أن ینصّ علی الإمامة بعده فترتفع تلک الفتن العظیمة کحرب الجمل وصفین((2)) .

وقد تناقل أصحاب کتب التاریخ والسیر أنّ عمر بن الخطاب منع من تدو ین حدیث رسول الله ، کی لا یختلط التنزیل مع أسباب النزول ، ونحن فصّلنا البحث عن هذا الأمر فی کتابنا ( منع تدو ین الحدیث ) فلیراجع .

قال المعلمی - من علماء العامّة - تعلیقاً علی مرسلة ابن أبی مُلیکة فی منع أبی بکر لحدیث رسول الله : إنْ کان لمرسل ابن أبی مُلیکة أصل فکونه عقب الوفاة یشعر بأنّه یتعلّق بأمر الخلافة .

کأنّ الناس عقب البیعة بقوا یختلفون یقول أحدهم : أبو بکر أهلها ، لأنّ النبی


1- شرح النهج 12 : 21 ، عن أحمد بن أبی طاهر ( ت 280 ه- ) فی کتابه « تاریخ بغداد فی أخبار الخلفاء والأمراء وأ یّامهم » .
2- عمدة القارئ 2 : 171 .

ص:169

قال : کیت وکیت ، فیقول آخر : وفلان ] أی علی [ قد قال له النبی : کیت وکیت .

فأحبّ أبو بکر صرفهم عن الخوض فی ذلک وتوجیههم إلی القرآن((1)) .

فقریش کانت لا ترتضی أن تکون الخلافة فی علیّ وولده ، بل کانت ترید مشارکة الرسول فی الوصایة والخلافة ، وقد اشترطت علی رسول الله بالفعل أن یشرکها فی أمر الخلافة ، وأنّهم لا یبایعوه إلّا أن یجعل لهم فی الأمر نصیباً ، فنزل فیهم قوله تعالی : { یَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَیْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ لِلَّهِ }((2)) ، مؤکداً سبحانه وتعالی لهم بأن لیس بیده صلی الله علیه و آله شیء ، فإنّ الله هو الذی ینصب الخلیفة .

لکنّهم کانوا یتصوّرون أنّ بمقدورهم التلاعب بالذکر الحکیم وتغییر الآی الکریم .

وممّا قیل بهذا الصدد : أنّ ضیفین نزلا قریة انطاکیة ، فأبی أهلها أن یضیّفوهما ، فنزل فیهم الوحی ، وصار هذا عاراً وشناراً علیهم ، فأرادوا أن یغیّر الرسول ما نزل فیهما بإبدال حرف الباء فی ( أبوا ) ویجعلها تاءاً ( أتوا ) فی قوله تعالی : { حَتَّیٰ إِذَا أَتَیَا أَهْلَ قَرْیَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن یُضَیِّفُوهُمَا}((3)) فجاؤوه بأحمال الذهب والفضة والحریر کرشوة له صلی الله علیه و آله فی مقابل ما یریدونه ، لکنّه أبی مستنکِراً فعلهم((4)) .

إنّ قبائل العرب - وخصوصاً قریشاً - کانوا لا یعلمون بأنّ دین الله خالصٌ نقیٌّ ، ورسوله مُطهّرٌ زکیٌّ مصطفی ، بعیدٌ عن الأهواء والمغریات ، ولاجل هذا نزل الوحی موضحاً لهم ، بأنّه صلی الله علیه و آله { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِیلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ * فَمَا مِنکُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِینَ }((5)) ، وأنّه { مَا


1- الأنوار الکاشفة للمعلمی : 54 .
2- سورة آل عمران : 154 .
3- سورة الکهف : 77 .
4- انظر التفسیر الکبیر 21 : 134 وفیه : قیل ان اسم تلک القریة الأیلة .
5- سورة الحاقة : 44 - 47 .

ص:170

یَکُونُ لِی أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِی إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَیٰ إِلَیَّ إِنِّی أَخَافُ إِنْ عَصَیْتُ رَبِّی عَذَابَ یَوْمٍ عَظِیمٍ }((1)).

فنحن لو جمعنا ما مرّ عن ابن عباس آنفاً ، وما قاله عمر بأنّه عرف مقصود رسول الله ، وأنّه أراد أن یصرّح باسم الإمام علیّ وأن ینصّ علیه بالإمامة ، فمنعه إشفاقاً علی الإسلام ، کلّ ذلک لو جمعناه مع قوله « إن الرجل لیهجر »((2)) أو « إنّ النبی غلبه الوجع وعندنا کتاب الله حسبنا »((3))، لعلمنا أنّ تلک النصوص قیلت تعریضاً بالنبیّ وآله ، لأنّه وحسب کلامه کان قد عرف تأکیدات النبی علی أهل البیت فی حجّة الوداع « أُذکّرکم الله فی أهل بیتی ، أُذکّرکم الله فی أهل بیتی ، أُذکرکم الله فی أهل بیتی »((4))، وفی حدیث الثقلین « کتاب الله وعترتی أهل بیتی ما إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدی أبدا » ، وفی عشرات بل مئات الأحادیث الأخری .

فإنّ تأکید النبیّ علی العترة ، وأنّ ترکهم یعنی الضلال عن الجادّة ، یفهمنا بارتباط أمر آل البیت بالشریعة ، لا بالمحبّة فقط کما یصوّره البعض .


1- سورة یونس : 15 .
2- تذکرة الفقهاء 2 : 469 ، المسترشد : 553 / ح 234 ، شرح أصول الکافی 12 : 412 فی شرح الحدیث 454 ، وفیه « إنّ الرجل لیهذر » ، المنتقی فی منهاج الاعتدال : 347 . وانظر الجمع بین الصحیحین للحمیدی 2 : 9 - 10 / ح 980 ، وفیه : قالوا : ما شأنه هجر استفهموه ، من المتفق علیه من حدیث ابن عباس .
3- صحیح البخاری 1 : 54 / ح 114 ، و4 : 1612 / ح 4169 ، و6 : 2680 / ح 6932 ، مسند أحمد 1 : 324 / ح 2992 ، الطبقات الکبری 2 : 244 . وانظر البدایة والنهایة 5 : 227 وفیه فقال بعضهم : إنّ النبی صلی الله علیه و آله غلبه الوجع ...
4- صحیح مسلم 4 : 1873 / ح 2408 ، مسند أحمد 4 : 366 / ح 19285 ، سنن الدارمی 2 : 524 / ح 3316 .

ص:171

فنحن لو جمعنا کلّ هذه المفردات ، وطابقناها مع مواقف النهج الحاکم بعد رسول الله من أهل بیت الرسالة ، وموت الزهراء وهی واجدة علی أبی بکر وعمر((1)) ، لعرفنا مدی المفارقة بین ترک بِرِّ فاطمة وترک الدعوة للولایة ب- « حیّ علی خیر العمل » فی الأذان ، ولماذا جاء تفسیر « حیّ علی خیر العمل » فی کلام الإمامین الباقر والصادق ب- « بر فاطمة وولدها » وغیرها من النصوص الأخری .

إنّ وقوف الرسول کل یوم علی باب فاطمة ولمدّة ستة أشهر بعد نزول آیة التطهیر ، وقوله لأهل بیت الرسالة : « الصلاة ، الصلاة إنّما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیراً »((2)) یؤکّد علی وجود ترابط بین التوحید والنبوّة والإمامة فی الأذان وکذا فی الصلاة ، بل فی کلّ شیء ، وقد کان الرسول الأکرم هو حلقة الوصل والرابط بین رکیزتی التوحید ( الصلاة ) والعترة { إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا }((3)) .

وکان القوم قد عرفوا هذا الارتباط من خلال الآیات الکثیرة النازلة فی حقّ أهل البیت ، وتأکیدات الرسول المتوالیة علیهم ، فأرادوا إبعادهم عما خصهم به الله ورسوله حسداً وازوراراً ، وهم یعلمون بهذه الحقیقة ، وأنّ موضوع آل البیت ولزوم اتّباع عترته کان من موارد الابتلاء والفتنة التی أخبر بها رسول الله أُمّته ،


1- سنن الترمذی 4 : 157 / ح 1609 ، صحیح البخاری 4 : 1549 / ح 3998 ، وانظر 6 : 2474 / ح 6346 ، صحیح مسلم 3 : 1380 / ح 1759 .
2- الفضائل لأحمد بن حنبل 2 : 761 / ح 1340 ، ذخائر العقبی 1 : 24 ، سیر أعلام النبلاء 2 : 134 ، المستدرک علی الصحیحین 3 : 172 / ح 4748 ، سنن الترمذی 5 : 352 / ح 3206 ، المصنف لابن أبی شیبة 6 : 388 / ح 32272 ، المعجم الکبیر 3 : 56 / ح 2672، الدرّ المنثور 6 : 605 .
3- سورة الاحزاب : 33 .

ص:172

وقد نقلنا سابقاً ما جاء عن أبی سفیان((1)) ومعاویة((2)) فی الأذان وأنّهما کانا لا یحبّان أن یذکر اسم النبی محمّد فی الأذان .

بل إنّ معاویة((3)) ، وعثمان((4)) حذفا اسمه صلی الله علیه و آله من آخر الأذان .

وجاء فی مجمع الزوائد عن عبدالرحمن بن أبی لیلی ، قال : کان علی ابن أبی طالب إذا سمع المؤذّن یؤذّن ، قال کما یقول ، فإذا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله .

قال علی : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ، وأنّ الذین جحدوا محمّداً هم الکاذبون((5)) .

وفی هذا الکلام من الإمام علی معنی لطیف وتنو یه ظریف إلی الجاحدین بنبوّة محمّد من القرشیّین وغیرهم من الکاذبین .

لکن لا یتسنی لأولئک الذین أسلموا والسیفُ علی رقابهم فی فتح مکة أن یجحدوا النبوة بصراحة أو أن یجحدوا ارتباط القربی بالرسول والرسالة ، لذلک عمدوا إلی أن لا یذکر النبیّ فی الأذان ، ومع کلّ هذا الصلف والحقد کیف یرضون بذکر وصیه وخلیفته من بعده علی بن أبی طالب ، فیما لو تصوّرنا ثبوت التشریع بذکره فی الأذان ؟! وقس علی ذلک بترهم الآل من الصلاة علی محمّد وآل محمّد ،


1- انظر الباب الأوّل من هذه الدراسة المطبوعة تحت عنوان ( حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة : 105 ) .
2- انظر الباب الأوّل من هذه الدراسة المطبوعة تحت عنوان : ( حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة : 107 ) .
3- بحار الأنوار 81 : 170 عن العلل لمحمّد بن علی بن إبراهیم بن هاشم . وانظر ( حی علی خیر العمل ) لنا صفحة 125 .
4- من لا یحضره الفقیه 1 : 299 / ح 913 .
5- مسند أحمد 1 : 119 / ح 965 ، مجمع الزوائد 1 : 332 .

ص:173

وغیر ذلک .

وجاء فی ( الفقیه ) عن الصادق أنّه قال : من سمع المؤذّن یقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ، فقال مصدقاً محتسباً : « وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله ، أکتفی بهما عن کل من أبی وجحد ، وأعین بهما من أقرَّ وشهد » ، کان له من الأجر عدد من أنکر وجحد ، وعدد من أقرَّ وشهد((1)).

نعم ، إنّ مسألة اصطفاء النبی محمّد من بین ولد آدم ، واصطفاء أهل بیت الرسول من بین قریش ، دعت الناس أن یحسدوهم { عَلَیٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} ، فسعوا لیطفئوا نور الله بأفواهم ، محرّفین ومزوّرین کلامه جلّ جلاله .

فهم أوّلاً أرادوا أن یکون التحریف علی لسان رسوله الأمین - کما مرّ علیک فی قضیّة أهل أنطاکیة - ولمّا علموا عدم إمکان ذلک سعوا إلی التحریف المعنویّ وسلکوا شتی من الطرق الملتویة التی کانوا یرونها مناسبة ، لکن الحقیقة بقیت واضحة لا غبار علیها رغم کلّ محاولات التضلیل والإیهام من القرشیّین ، وعلی سبیل المثال - لا الحصر - فإنّ عبدالله بن الزبیر مکث أیّام خلافته أربعین جمعة لا یصلّی علی النبیّ صلی الله علیه و آله فی صلاة الجمعة ، فقیل له فی ذلک ، فقال : لا یمنعنی من ذکره إلّا أن تشمخ رجال بآنافها ؛ إنّ له أُهیل بیت سوء ینغضون رؤوسهم عند ذکره((2)) !


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 / ح 891 ، مکارم الاخلاق : 298 .
2- تاریخ الیعقوبی 2 : 261 ، شرح النهج لابن أبی الحدید 4 : 62 والنصّ من الاخیر .

ص:174

الاسراء والمعراج ، الهاشمیون والقرشیون

فلنأخذ مثالاً علی ذلک ، وهو موضوع الإسراء والمعراج ؛ لأنّه یرتبط بموضوع الأذان ، والمطالع فیما قلناه سابقاً یقف علی الأقوال التی قیلت فی مکان الإسراء ، فهو : إمّا من شعب أبی طالب((1)) ، أو من بیت خدیجة((2)) ، أو من بیت أُمّ هانی بنت أبی طالب((3)) - أُخت الإمام علیّ - هذه هی الأقوال المشهورة ، وکلّها ترتبط بنحو ما بآل أبی طالب .

لکنّهم حرَّفوا الأمر وجعلوه من بیت عائشة ، فی حین یعلم المحقّق الخبیر وبتأمّل بسیط بأنّ هذا تحریف للحقائق ؛ لأنّ المعروف عن عائشة أنّها کانت صغیرة لم تشاهد ، ولا حدثت عن النبی ، وکذا معاویة فإنّه کان کافراً فی ذلک الوقت غیر مشاهد للحال ولم یحدث عن النبی ، هذان الشخصان هما مَن روی بأنّ إسراء رسول الله کان فی المنام ، لا فی الیقظة ، فی حین أنّ الباری جلّ شأنه یقول فی محکم کتابه : { سُبْحَانَ الَّذِی أَسْرَیٰ بِعَبْدِهِ لَیْلًا} والعرب لا تقول للنائم : ( أَسْرَی ) وخصوصاً لو جاء مع قوله : ( بعبده ) والذی هو عبارة عن مجموع الروح والجسد((4)) .

نعم ، قد یمکن أن یقال للذی یری الأُمور فی المنام أنّها ( رؤیا ) لا إسراء ، وهذا ما کانت بنو أُمیّة ترید التأکید علیه فی موضوع الإسراء ، والأذان المشرّع فیه ، إذ القول بأنّ الإسراء کان مناماً ینسف إعجازه ، ومن ثمّ یتسنی لهم الطعن والتلاعب بالأذان المشرّع فیه ، لذلک کان أئمّة مدرسة أهل البیت یصرّون علی أنّ الإسراء کان جسمانیاً ، وأنّه معجز ربّانیّ فوق الفهم الإنسانی ، ولیس کما تقوله بنو أُمیّة .


1- فتح الباری 7 : 204 ، الدر المنثور 5 : 227 .
2- التفسیر الکبیر للرازی 4 : 16 ، المجموع للنووی 9 : 235 ، شرح الازهار 1 : 199 .
3- تفسیر الطبری 15 : 2 ، الدر المنثور 5 : 209 ، فتح الباری 7 : 204 .
4- انظر تفسیر القرطبی 10 : 209 ، والتفسیر الکبیر 20 : 121 ، واضواء البیان 3 : 3 .

ص:175

وقد اعترف بعض العامة بذلک ؛ فقال ابن کثیر : ... فلو کان مناماً لم یکن فیه کبیر شیء ولم یکن مستعظَماً ، ولَمَا بادرت قریش إلی تکذیبه ، ولما ارتدّت جماعة ممّن کان قد أسلم((1)) .

وأجاب ابن عطیة عن دعوی عائشة ومعاویة ، بقوله : .. واعتُرِضَ قولُ عائشة بأنّها کانت صغیرة لم تشاهد ، ولا حدّثت عن النبی ، وأمّا معاویة فکان کافراً فی ذلک الوقت ، غیر مشاهد للحال ، صغیراً ، ولم یحدّث عن النبی((2)) .

بلی ، إنّهم بتشکیکهم هذا أرادوا أن یقولوا بأنّ الأذانَ لم یُشرّع فی السماء بل شُرّع فی المنام((3)) ، وأنَّ بعض الصحابة قد شُرّف بهذا المنام الوحیانی الذی لم یُحْظَ به رسول الله ، إذ سمع النداءَ السماویَّ : عبدُالله بن زید ، أو عمرُ ، أو معاذُ ، ولم یسمعه رسول الله ، فأمر صلی الله علیه و آله بلالاً أن یأخذ الأذان من عبدالله بن زید !!

وجاءت روایات أُخری تقول : إنّ رسول الله استشار بعض الصحابة فی هذا الحکم الإلهیّ ، فأشاروا علیه بأشیاء استقبح الرسول بعضها ، ورضی بالآخر منها .

وفی آخر : إنّ عمر أضاف الشهادة بالنبوّة فی الأذان((4)) ، إلی غیرها من التمحّلات الکثیرة التی أُسْقِطَتْ علی الأذان وحرّفته عن وجهته الحقیقیة .

فی حین قد وقفت سابقاً علی کلام الإمامین الحسن والحسین وکلام محمّد بن


1- تفسیر ابن کثیر 3 : 24 ، سورة الاسراء : 1 .
2- المحرر الوجیز 3 : 435 ، تفسیر القرطبی 10 : 209 .
3- سنن أبی داود 1 : 134 / باب بدء الاذان / ح 498 ، الجامع الصحیح للترمذی 1 : 358 / باب ما جاء فی الاذان / ح 189 ، الموطّأ 1 : 67 / ح 147 ، مصنف عبدالرزاق 1 : 455 / ح 1774 ، کنز العمال 7 : 283 / ح 20952 .
4- روی ابن خزیمة عن ابن عمر أنّ بلالاً کان یقول أول ما أذن : أشهد أن لا إله إلّا الله ، حی علی الصلاة ، فقال له عمر : قل فی أثرها أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله : قل ما أمرک عمر . صحیح ابن خزیمة 1 : 188 / ح 362 ، کنز العمال 8 : 157 / ح 231504 .

ص:176

الحنفیة وغیرهم فی بدء الأذان وعدم قبولهم لما طُرح من قبل الامو یّین فی هذا الأمر ، مؤکِّدین بأنّ الله سبحانه رفع ذکر الرسول فی الصلاة والتشهد والأذان((1)) ، فلا حاجة بعد ذلک لمدح المادحین ولا خوف من جحود الضالّین المعاندین .

وممّا یجب التنبیه علیه کذلک هو أنّ قریشاً کانت تقول لمن مات الذکور من أولاده : أبتر ، فلمّا مات أبناء الرسول صلی الله علیه و آله : - القاسم وعبدالله بمکة ، وإبراهیم بالمدینة - قالوا : بُتِرَ ، فلیس له من یقوم مقامه((2)) .

فنزلت سورة الکوثر ردّاً علی من عابه بعدم الأولاد ، فالمعنی أنّه جل شأنه یعطیه نسلاً یبقون علی مرّ الزمان .

قال الفخر الرازی : فانظُرْ کم قُتِلَ من أهل البیت ثم العالم ممتلئ منهم ، ولم یبق من بنی أُمیّة فی الدنیا أحد یُعبأ به .

ثم انظُر کم فیهم من الأکابر من العلماء کالباقر ، والصادق ، والکاظم ، والرضا ، والنفس الزکیة وأمثالهم((3)) .

تحریفات مقصودة

إنّ أُطروحة کون حقیقة الأذان منامیّة ولیست سماو یّة هی اُطروحة أمو یة طُرحت بعد صلح الإمام الحسن مع معاویة للاستنقاص من الرسول ومن آله الکرام ، لأنّ أوّل نصّ وصلنا فی ذلک هو لسفیان بن اللیل ، إذ قال :


1- انظر تفسیر قوله تعالی : { وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ } ، فی تفسیر الطبری 30 : 235 ، والتفسیر الکبیر 32 : 6 ، والکشاف 4 : 775 ، وکذلک فی مسند الشافعی : 233 / کتاب الرسالة إلاّ ما کان معاداً ، ومصنّف بن أبی شیبة 6 : 311 / ح 31689 ، وسنن البیهقی الکبری 3 : 209 / باب ما یستدل به علی وجوب ذکر النبی / ح 5562 .
2- التفسیر الکبیر 32 : 124 ، تفسیر القرطبی 20 : 223 . وانظر طبقات ابن سعد 3 : 7 .
3- التفسیر الکبیر 32 : 117 .

ص:177

لمّا کان من أمر الحسن بن علی ومعاویة ما کان ، قدمتُ علیه المدینة وهو جالس فی أصحابه ... فتذاکرنا عنده الأذان ، فقال بعضنا : إنّما کان بدء الأذان برؤ یا عبدالله بن زید ، فقال له الحسن بن علی : إنّ شأن الأذان أعظمُ من ذلک ، أذَّن جبرائیل فی السماء مثنی مثنی وعلَّمَهُ رسول الله ... الخبر((1)) .

وجاء عن الإمام الحسین أنّه سئل عن هذا الأمر کذلک ، فقال : الوحیُ یتنزّل علی نبیّکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبدالله بن زید ؟! والأذان وَجْهُ دینکم((2)) .

وجاء عن أبی العلاء قال : قلت لمحمّد بن الحنفیة : إنّا لنتحدث أنّ بدء هذا الأذان کان من رؤیا رآها رجل من الأنصار فی منامه .

قال : ففزع لذلک محمّد بن الحنفیة فزعاً شدیداً ، وقال : عمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم ، فزعمتم أنّه إنّما کان من رؤ یا رآها رجل من الأنصار فی منامه ، تحتمل الصدق والکذب ، وقد تکون أضغاث أحلام ؟

قال : فقلت ] له [ : هذا الحدیث قد استفاض فی الناس !

قال : هذا والله هو الباطل ، ثم قال : وإنما أخبرنی أبی : أنّ جبریل ... الخبر((3)) .

إذاً الأمر یتعلّق بالأمویین وأنّهم یریدون أن یشکّکوا فی قوله تعالی { وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْیَا الَّتِی أَرَیْنَاکَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ }((4)) وفی منام الرسول الأکرم


1- نصب الرایة 1 : 261 ، المستدرک للحاکم 3 : 187 / ح 4798 ، کتاب معرفة الصحابة .
2- دعائم الإسلام 1 : 142 ، ورواه الاشعث الکوفی فی الجعفریات (المطبوع ضمن کتاب قرب الاسناد للحمیری ) : 42 ، ولیس فیه ( والأذان وجه دینکم ) ، وعنه فی مستدرک الوسائل 4 : 17 / ح 4061 .
3- أحکام القرآن للجصاص 4 : 103 ، السیرة الحلبیة 2 : 300 - 301 ، أمالی أحمد بن عیسی بن زید 1 : 90 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 277 ، النص والاجتهاد : 237 .
4- سورة الاسراء : 60 .

ص:178

الّذی شاهد فیه بنی أمیة ینزون علی منبره الشریف نزو القردة((1)) ، وربط هذا المنام بخبر الإسراء والمعراج ، والذی جاء فی صدر هذه السورة المبارکة .

فأبو سفیان ، ومعاویة ، ویزید کانوا یریدون طمس ذکر محمّد ، فکیف بذکر علیّ وآل محمّد ، والذی مرَّ علیک کلامهم((2)) .

وحکی الأبشیهی فی ( المستطرف فی کلّ فنّ مستظرف ) عن الإمام ] علی بن [ الحسین أنّه دخل یوماً علی یزید بن معاویة ، فجعل یزید یفتخر ویقول : نحن ونحن ، ولنا من الفخر والشرف کذا وکذا ، و] علی ابن [الحسین ساکت ، فأذّن المؤذّن ، فلمّا قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قال ] علی بن [ الحسین : یا یزید جَدُّ من هذا ؟ فخجل یزید ولم یردَّ جواباً((3)) .

وروی صاحب الأغانی بسنده إلی یحیی بن سلیمان بن الحسین العلوی ، قال :

کانت سکینة فی مأتم فیه بنتٌ لعثمان ، فقالت بنتُ عثمان : أنا بنت الشهید ، فسکتت سکینة ، فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قالت سکینة : هذا أبی أو أبوکِ ؟


1- مسند أبی یعلی 11 : 348 / ح 6461 ، المطالب العالیة 18 : 279 ، مجمع الزوائد 5 : 244 ، تاریخ الخلفاء 1 : 13 ... وغیره .
2- انظر کلام أبی سفیان فی قصص الأنبیاء للراوندی : 293 بالإسناد عن الصدوق ، جاء فیه ، قال ابن عباس : لقد کنا فی محفل فیه أبو سفیان وقد کف بصره ، وفینا علی علیه السلام فأذن المؤذن ، فلما قال أشهد أن محمّداً رسول الله صلی الله علیه و آله قال أبو سفیان : ههنا من یحتشم ؟ قال واحد من القوم : لا ، فقال : لله در أخی بنی هاشم أنظروا این وضع اسمه ، فقال علی علیه السلام : أسخن الله عینک یا ابا سفیان ، الله فعل ذلک بقوله عزّ من قائل : { وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ } ، فقال أبو سفیان : أسخن الله عین من قال لی : لیس ههنا من یحتشم ، وعنه فی بحار الأنوار 31 : 523 ، وکلام معاویة فی الموفّقیات للزبیر بین بکار : 576، وعنه فی کشف الغمة 2 : 46 ، وشرح النهج 5 : 130 ، ومروج الذهب 3 : 454 .
3- المستطرف فی کل فنّ مستظرف 1 : 289 / باب فی الفخر والمفاخرة .

ص:179

فقالت العثمانیة : لا جَرَمَ ، لا أفخر علیکم أبدا ((1)) .

وهذا معناه أنّ القرشیین کانوا یتحینون الفرص للحطّ من شأن قربی الرسول وأهل بیته علاوة علی أمیر المؤمنین علی الذی هو علی رأس هذا البیت المقدس ، وهذا یوقفنا علی أنّ الشهادة بالولایة لعلی مع افتراض تشریعها أو محبوبیة ذکرها أو جواز ذکرها من باب التفسیر سیعارض الاتّجاه القرشی أقوی معارضة ، ولهذا وأدلّة أخری احتملنا أنّ الشهادة بالولایة لعلی فی الأذان لم ینشرها النبیّ بنحو الجزئیة خوفاً علی الأمّة من التقهقر ؛ إذ بالنظر لمجموع الأدلة فی الشهادة الثالثة - علاوةً علی اعتراف الشیخ الطوسی بوجود أخبار شاذّة فیها ، وأنّ الشاذّ - کما عرفه المجلسی - هو الصحیح غیر المعمول به ، وذهاب طائفة عظیمة من فقهاء الأصحاب إلی محبوبیّتها - یمکن احتمال أنْ یکون ملاک التشریع موجوداً فیها لکنّ المانعَ أیضاً موجود آنذاک .

ومما یدل علی ان القوم کانوا بصدد اخماد ذکر محمّد صلی الله علیه و آله هو ما جاء فی شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید : أن فاطمة الزهراء لامت الإمام علیّاً علی قعوده ، وأطالت عتابَهُ ، وهو ساکت حتی أذّن المؤذّن ، فلمّا بلغ إلی قوله : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » قال لها : أتحبّین أن تزول هذه الدعوة من الدنیا ؟

قالت : لا .

قال : فهو ما أقول لک((2)) .

وفی نص آخر : قد روی عن علیّ أنّ فاطمة حرّضته یوماً علی النهوض والوثوب ، فسمع صوت المؤذّن « أشهد أن محمّداً رسول الله » فقال لها : أیسرک زوال هذا النداء من الأرض ؟

قالت : لا .


1- الأغانی 16 : 150 .
2- شرح النهج 20 : 326 / الرقم 735 .

ص:180

قال : فإنّه ما أقول لک((1)) .

فقریش کانت لا ترید الجهر باسم الرسول الأکرم ، فکیف ترضی الجهر باسم وصیّه وخلیفته من بعده ؟! وحسبک أنّ أبا محذورة المؤذن خفض صوته بالشهادة الثانیة استحیاءً من أهل مکة ، لأنّهم لم یعهدوا ذکر اسم رسول الله بینهم جهراً ، ففرک رسول الله أذُنه وقال : ارفع صوتک((2)) . فماذا یمکن أن نتوقّع لو ذکر اسم علی فی الأذان علی سبیل الجزئیة کل یوم ؟!

بلی ان بلالاً کان لا یستحی من قریش ولا یداهن فکان یجهر ویصیح بأعلی صوته : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » من علی بیت أبی طلحة((3)) .

ونقل الواقدی قصة فتح مکة ، وفیه : إنّ رسول الله أمر بلالاً أن یؤذّن فوق ظهر الکعبة ... فلمّا أذّن وبلغ إلی قوله « أشهد أن محمّداً رسول الله » رفع صوته کأشدّ ما یکون ، فقالت جو یریة بنت أبی جهل : قد لعمری « رفع لک ذکرک » ... وقال خالد بن سعید بن العاص : الحمد لله الذی اکرم أبی فلم یدرک هذا الیوم .

وقال الحارث بن هشام : واثکلاه ، لیتنی مت قبل هذا الیوم ، قبل ان اسمع بلالاً ینهق فوق الکعبة !((4)) .

وغیرها من النصوص الکثیره الدالة علی وجود مجموعتین إحداهما تحرص علی إعلاء ذکر محمّد ، والأُخری تسعی لإخماده ، وهذا هو الذی کان یدعو آل البیت لأن یشیدوا بهذه المفخره أمامَ من ینکرونها .

ولأجل هذا وغیره نری النصوص الحدیثیة تؤکّد علی لزوم رفع الصوت


1- شرح النهج 11 : 113 .
2- انظر المبسوط للسرخسی 1 : 128 - 129 .
3- أخبار مکة للازرقی 1 : 275 ، شرح النهج 17 : 284 ، إمتاع الإسماع 1 : 396 ، سبل الهدی والرشاد 5 : 249 .
4- شرح النهج 17 : 284 ، إمتناع الإسماع 1 : 396 ، و13 : 385 ، السیرة الحلبیة 3 : 54 .

ص:181

بالصلاة علی محمّد وآل محمّد ؛ وأنّه یبعد النفس عن النفاق((1)) .

ومن خلال کلما مضی تعرف أنّ سمات الولایة یجب أن تظهر ملامحها بصورتها الکنائیة فی الأذان وهو المعنی فی کلام الفقهاء بالشعاریة وان تاکیدهم علی القول بالشهادة الثالثة جاء من هذا الباب .

أذان النبی یتضمّن ولایة علی

لقد أکّد الإمام علی بن الحسین علیه السلام علی أنّ « حی علی خیر العمل » کانت فی الأذان الأوّل((2)) ، ویعنی بکلامه أنّه قد شُرّع فی الإسراء والمعراج ، وأنّ جبرئیل قد أذّن بها هناک ، وهذه الحقیقة قد وضّحها الإمام الباقر کذلک بقوله :

إنّ رسول الله لما أُسری به إلی السماء نزل إلیه جبرئیل ومعه محملة من محامل الرب عزّ وجلّ ، فحمل علیها رسول الله إلی السماء ، فأذّن جبرئیل فقال : الله اکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن ... - إلی أن قال - حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل ...((3)) .

وروی عن جعفر بن محمّد الصادق ، عن أبیه ، عن جده ، أنّه قال : أوّل من أذّن فی السماء جبرئیل حین أُسری بالنبی ، فقال : الله أکبر ... - إلی أن قال - فقال : حی علی خیر العمل ، حی علی خیر العمل ، فقالت الملائکة : أُمِرَ القوم بخیر


1- الکافی 2 : 394 / ح 13 ، وعنه فی وسائل الشیعة 7 : 193 / ح 9088 ، ثواب الاعمال : 59 ، وعنه فی بحار الأنوار 91 : 59 / ح 41 .
2- مصنف بن أبی شیبة 1 : 195 / ح 2239 ، سنن البیهقی الکبری 1 : 425 / ح 1844 ، المسترشد : 517 ، نیل الاوطار 2 : 19 / باب صفة الأذان .
3- الأذان بحی علی خیر العمل للحافظ العلوی : 83 ، الاعتصام بحبل الله 1 : 286 ، وکذا فی الکافی 8 : 121/ ح 93 ، وتهذیب الاحکام 2 : 60 / ح 210 ، والاستبصار 1:305 / ح 1134 ، ووسائل الشیعة 5 : 414 / ح 6964 .

ص:182

العمل((1)) .

وقد ثبت قبل کلّ هذا عن الإمام علی أنّه کان یقول حینما یسمع المؤذن ابن النباح((2)) یقول فی أذانه : « حیّ علی خیر العمل ، حی علی خیر العمل » : « مرحباً بالقائلین عدلاً ، وبالصلاة مرحباً وأهلاً »((3)) .

وجاء عن محمّد بن الحنفیة أنّه ذکر عنده خبر بدء الأذان ، فقال : لمّا أُسری بالنّبی إلی السماء وتناهز إلی السماء السادسة ... ثم قال : حی علی خیر العمل ، فقال الله جل جلاله : هی أفضل الأعمال وأزکاها عندی ...((4)) .

وهذه النصوص عن الأئمة : السجاد ، والباقر ، والصادق وقبلهم عن أمیر المؤمنین علی علیهم السلام وعن محمّد بن الحنفیة کلّها تؤکّد تشریع الحیعلة الثالثة فی الأذان الأوّل وعند الإسراء والمعراج .

ولا شکَّ أنّ الإمام علیاً بکلامه السابق کان یشیر إلی الجاحدین لرسالة الرسول والمنکرین لوصایته ، خصوصاً بملاحظة سیاق الروایة ، حیث إنّه کان یقول عند سماعه الشهادتین : « وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأنّ الّذین جحدوا محمّداً هم الکاذبون » ، وعند سماعه الحیعلة الثالثة : « مرحباً بالقائلین عدلاً » ، کلّ ذلک تعریضاً بمن جحدوها ورفعوها بغضاً وعناداً .

فعلی بن أبی طالب هو خیر العمل کما نصّت علیه حسنة ابن أبی عمیر عن


1- الأذان بحی علی خیر العمل : 20 . وانظر الباب الاول من هذه الدراسة ( حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة ) صفحة 53 .
2- أو ابن التیّاح .
3- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 / ح 890 ، وسائل الشیعة 5 : 418 / ح 6973 ، وقعة صفین : 330 ، الفتوح لابن أعثم 3 : 85 ، شرح النهج 8 : 14 .
4- معانی الأخبار : 42 / ح 4 ، وعنه فی بحار الأنوار 18 : 344 / ح 53 ، ومستدرک الوسائل 4 : 70 / 4188 .

ص:183

الکاظم علیه السلام الآنفة ، وهی مؤ یدَّة بعشرات الأدلّة التی منها أنّ ضربةً واحدةً منه یوم الخندق عدلت عبادة الثقلین((1)) ، فکیف بمن کان کلّ وجوده عدلاً وعملاً صالحاً ، وهو خیّر البریة وخیر البشر بعد الرسول بلا منازع .

وعن حذیفة ، عن رسول الله أنّه قال : لو علم الناس متی سُمّی علی أمیر المؤمنین ما أنکروا فضله ، تسمّی أمیرَ المؤمنین وآدمُ بین الروح والجسد ؛ قال الله تعالی { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِن بَنِی آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَیٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ } ؟ قالت الملائکة : بلی ، فقال : أنا ربکم ، محمّد نبیّکم ، علیّ أمیرکم((2)) .

إن أئمة النهج الحاکم قد عرفوا مغزی « خیر العمل » ، وأنَّ الله قد أنزل أکثر من ثلاثمائة آیة فی علی وأهل بیته ، منها آیة التطهیر ، والمباهلة ، وسورة الدهر ، وقوله { إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا }((3))، و { أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنکُمْ }((4))و { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَیٰ }((5))، و { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِن کُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }((6))و { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِکُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }((7))، و { وَالَّذِی جَاءَ


1- عوالی اللآلی 4 : 86 / ح 102 ، الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 455 / ح 5406 ، والمستدرک علی الصحیحین 3 : 34 / 4327 ، وفیهما : لمبارزة علی بن أبی طالب لعمرو بن عبد ود یوم الخندق أفضل من أعمال أمتی إلی یوم القیامة ، المواقف 3 : 628 ، 637 ، شرح المقاصد فی علم الکلام 2 : 301 .
2- الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 354 / ح 5066 ، الیقین لابن طاووس : 231 ، 284 ، من طریق آخر . أمثال هذه الروایات سنتعرض لها فی آخر الکتاب « الشهادة الثالثة الشعار والعبادة » .
3- المائدة : 55 .
4- النساء : 59 .
5- الانفال : 41 .
6- النحل : 43 ، الأنبیاء : 7 .
7- الرعد : 7 .

ص:184

بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ }((1))، و { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَیٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن یَنتَظِرُ }((2))، و{ وَکُونُوا مَعَ الصَّادِقِینَ }((3))و { وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ }((4))، وغیرها من النصوص النبو یة المتواترة فیه وفی عترته الطاهرین ، فأرادوا الحدّ من نشر فضائل علی علیه السلام کی لا یقف المسلمونَ علی کُنْهِ مکانته ، بل جدّوا لِسَبِّه((5))، وحذفوا الصلاة علی النبی محمّد من الخطبة بدعوی أنّ للرسول أبناء سوء یشمخون بأُنوفهم عند سماعهم أسم جدّهم یعلو علی المنابر((6))، فکیف بهم لو سمعوا بذکر علی ؟!

فالقوم وبقولهم أنّ الأذانَ منامیٌّ جدّوا لتحریف الحقائق ، وأنکروا أن یکون تشریعه فی الإسراء والمعراج - الدال علی أنّه سماوی - لأنّ القول بذلک یستتبع ذکر أُمور اُخری ؛ کوجود اسم الإمام علی علی ساق العرش ، وأن مثاله موجود فی الجنة ، وأنّ النّبی نودی وکُلِّم بصوت علیّ ، وغیرها من الأمور .

ولمّا صرّح النّبی صلی الله علیه و آله بذلک وشاع وذاع حاولوا معارضة تلک المنازل المعراجیة بمنازل مختلقة لآخرین ، فذکروا أن لبلال خشخشة فی الجنة ، ولم یذکروا وجود اسم الإمام فی الجنة ، لا حباً ببلال ، بل کرهاً للإمام علی ، وقالوا أن اسم أبا بکر کان علی ساق العرش بدل اسم الإمام علی .


1- الزمر : 33 .
2- الاحزاب : 23 .
3- التوبة : 119 .
4- الأنعام : 153 .
5- مسند أحمد 6 : 323 / ح 26791 ، ورجاله رجال الصحیح ، مسند أبی یعلی 2 : 114 / ح 777 ، المستدرک علی الصحیحین 1 : 541 / ح 1419 ، مسند سعد : 189 / ح 112 ، مجمع الزوائد 9 : 130 ، الکامل فی التاریخ 3 : 278 ، و4 : 439 ، بغیة الطلب 7 : 3033 .
6- اشارة إلی ابن الزبیر وقد مر آنفاً .

ص:185

اقتران ذکر علی بالنبیّ فی الإسراء

روی القاسم بن معاویة ، قال : قلت لأبی عبدالله الصادق :

هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لمّا أُسری برسول الله رأی علی العرش مکتوباً : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق » .

فقال : سبحان الله !! غیّروا کلَّ شیء ، حتّی هذا !!

قلت : نعم .

فقال الصادق - ما ملخّصه - : إنّ الله تعالی لمّا خلق العرش ، والماء ، والکرسی واللوح ، وإسرافیل ، وجبرائیل ، والسماوات والأرضین ، والجبال ، والشمس ، والقمر ، کتب علی کل منها : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین » ، ثمّ قال علیه السلام : فإذا قال أحدکم « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله » فلیقل « علی أمیر المؤمنین »((1)) .

و یؤیّد المروی عن الإمام الصادق بما جاء عن أنس بن مالک ، قال : قال النبیّ صلی الله علیه و آله : لمّا عُرِجَ بی رأیت علی ساق العرش مکتوباً : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أیّدته بعلیّ ، نصرته بعلیّ »((2)) .


1- الاحتجاج 1 : 231 ، بحار الأنوار 38 : 318 / ح 26 ، و81 : 112 / ح 7 .
2- کفایة الأثر : 74 ، شواهد التنزیل 1 : 293 ; الدر المنثور 5 : 219 ، الخصائص للسیوطی 1 : 13 ، کنز العمال 11 : 287 / ح 33042 رواه عن جابر الأنصاری . مناقب الکوفی 1 : 210 / ح 130 ، رواه عن ابن عباس . روضة الواعظین : 42 ، تاریخ دمشق 42 : 360 ، خصائص الوحی المبین : 190 / ح 135 ، الدر المنثور 4 : 100 ، الجمیع عن أبی هریرة . ورواه أیضاً حذیفة فی کفایة الأثر : 138 . وأبو امامة فی کفایة الأثر : 105 ، ومناقب بن شهرآشوب 1 : 254 . وأبو الخمیس کما فی ذخائر العقبی 1 : 69 . وأمّا ما روی عن أئمّة أهل البیت علیهم السلام فقد رواه فرات الکوفی فی مناقبه 1: 209، عن الإمام علی بن الحسین زین العابدین علیه السلام ورواه أیضاً الخزار القمی فی کفایة الأثر : 245 ، عن الإمام محمّد بن علی الباقر علیه السلام .

ص:186

وعن جابر بن عبدالله الأنصاری ، قال : قال رسول الله : مکتوب علی باب الجنة قبل أن یُخُلِق السماوات والأرض بألفی عام : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أیّدته بعلی »((1)) .

وعن أبی الحمراء - خادم الرسول - قال : قال رسول الله : لمّا أُسری بی إلی السماء نظرت إلی ساق العرش الأیمن فإذا علیه : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أیّدته بعلی ، ونصرته بعلی »((2)) .

و یؤکد هذا الکلام ما رواه فرات الکوفی ، عن علی بن عتاب معنعناً ، عن فاطمة الزهراء أنّها قالت : قال رسول الله : لمّا عرج بی إلی السماء صرت إلی سدرة المنتهی { فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَیٰ } فأبصرته بقلبی ، ولم أره بعینی ، فسمعت أذاناً مثنی مثنی وإقامة وتراً وتراً .

فسمعت منادیاً ینادی : یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی اشهدوا أنّی لا إله إلّا أنا وحدی لا شریک لی ، قالوا : شهدنا وأقررنا .

قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی أنّ محمّداً عبدی ورسولی ، قالوا : شهدنا وأقررنا .

قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی أنّ علیّاً ولیّی ، وولیّ رسولی ، وولیّ المؤمنین من بعد رسولی ، قالوا : شهدنا وأقررنا ((3)) .


1- تاریخ دمشق 42 : 336 ، شواهد التنزیل 1 : 296 / ح 302 ، کنز العمال 11 : 287 / ح 33042 .
2- المعجم الکبیر 22 : 200 / ح 256 ، تاریخ دمشق 16 : 456 ، و42 : 336 ، 360 ، وشواهد التنزیل 1 : 296 / ح 303 ، شرح الاخبار 1 : 210 / ح 179 و2 : 380 / ح 735 ، أمالی الصدوق : 284 فضائل ابن شاذان : 168 ، معجم الصحابة لابن قانع 3 : 202 ، حلیة الاولیاء 3 : 27 ، مجمع الزوائد 9 : 121 ، مناقب الکوفی 1 : 240 ، کنز العمال 11 : 287 / ح 3304 و33041 .
3- تفسیر فرات الکوفی : 242 فی ذیل الآیة 72 من سورة الأحزاب ، وبحار الأنوار 23 : 282 / ح 28 .

ص:187

ومما یحتمل أن یقال جمعاً واستنتاجاً لاخبار الاسراء والمعراج فی الأذان هو إن غالب روایات ذکر اسم علی بعد اسم النبی کانت عند سدرة المنتهی وفی السماء السابعة ، ولم ترد روایة بذلک فی السماوات التی دون الرابعة ، وإذا ثبت أن الأذان قد شرّع فی السماء الثانیة أو الثالثة((1)) ، فإن معنی ذلک ان الشهادة الاقتضائیة لعلی بالولایة ذکرت فی السماء الثانیة أو الثالثة ثم ابلغت الملائکة بذلک ، ولذلک شهدت الملائکة بالشهادة الثالثة عند السماء السابعة ، وفی هذا ما یمکن أن یستند علیه القائل بالجزئیة ، فی حین إنا نستفید منها علی أنّها محبوبة للشارع لا غیر .

وکذا أن روایة القاسم بن معاویة الآنفة هی من الأدلّة التی استدلّ بها بعض فقهاء الإمامیة علی جواز ذکر الشهادة الثالثة فی الأذان وفی غیره . لکن لا ینبغی أن تفرد هذه الروایة بالاستدلال عندهم ، لأنّ مجموع تلک الروایات تثبت التقارن بین علی والنبی فی الذکر مطلقاً ، وعلی هذا الأساس أفتی بعض الفقهاء بالاستحباب الشرعیّ فضلاً عن الجواز والإباحة ؛ من دون اعتقاد الجزئیة ، والشهادة الثالثة تکون حینئذ ذکراً محبوباً فی الأذان وفی غیره یراد منه التیمّن والتبرّک ویؤتی بها بقصد القربة المطلقة ؛ إذ عمومات وإطلاقات الاقتران تتناول الأذان وغیره ، خصوصاً إذا جمع مع حسنة ابن أبی عمیر عن الکاظم الاتیة بعد قلیل والداعیة إلی الحث علی الولایة فی الأذان .

وعلیه فإن ما جاء فی تفسیر فرات یوضّح الارتباط الوثیق بین الشهادات الثلاث ، لأنّ الفاء فی « فسمعتُ » إن أُخذت علی أنّها تفسیریة کان النداء الذی سمعه رسول الله من جملته الشهادة بالولایة ، وهذا یکون نصّاً علی وجود الشهادة


1- انظر روایة عمر بن اذینه عن الصادق فی الکافی 3 : 482 - 486 / 1 وعلل الشرائع 2 : 312 / باب علل الوضوء والأذان والصلاة / ح 1 ، وعنه فی بحار الأنوار 18 : 354 / ح 66 و79 : 237 / ح 1 .

ص:188

بالولایة لعلیٍّ فی الأذان .

أمّا لو لم تکن ضمن الأذان - المسموع للنبی - بل کان المنادی قد نادی بها بعد الأذان ، فهذا الترتیب أیضاً یدلّ علی الترابط الملحوظ بین الشهادات الثلاث فی کلِّ شیء ویؤکّد علی محبوبیة الإجهار به .

وقد یکون ذلک معنی آخر لما قاله الإمام علی بن الحسین عن الحیعلة الثالثة وأنّها کانت فی الأذان الأوّل . وانّ الملائکة أتو بالحیعلة مع تفسیرها.

کلّ هذه النصوص تؤکّد وجود شیء دالّ علی الإمامة والولایة فی الأذان ، وخاصّة حسنة ابن أبی عمیر عن الإمام الکاظم علیه السلام التی جزمت بأنّ صیغة « حیّ علی خیر العمل » تدلّ علی معنی الولایة .

صحیحة ابن اذینة تقرن ذکر علی بالنبیّ

والآن مع خبر آخر أخرجه الکلینی بسند صحیح وکذلک الصدوق - بأکثر من طریق - عن سدیر الصیرفی ومحمّد بن النعمان الأحول مؤمن الطاق وعمر بن اذینة مستفیضاً عن الإمام الصادق أنّه قال: یا عمر بن أُذینة، ما تروی هذه النّاصبة؟

قال : قلت : فی ماذا ؟

قال : فی أذانهم ورکوعهم وسجودهم .

قال : قلت : إنّهم یقولون أنّ أبیّ بن کعب رآه فی النوم .

قال : کذبوا ، فإنّ دین الله عزّوجلّ أعزّ من أن یُری فی النوم .

قال : فقال له سدیر الصیرفی : جعلت فداک فأَ حْدِثْ لنا مِن ذلک ذِکراً ، فبدا الإمام الصادق ببیان عروج الرسول إلی السماوات السبع ، وذکر لهم خبر الأذان والصلاة هناک بکلّ تفاصیله .

وإلیک بعض الفقرات الحساسة منه : فقال جبرئیل : الله أکبر ، الله أکبر ، ثم فتحت أبواب السماء واجتمعت الملائکة فسلّمت علی النبی صلی الله علیه و آله أفواجاً ، وقالت :

ص:189

یا محمّد کیف أخوک ، إذا نزلت فَأَقْرِئْهُ السلام .

قال النبی صلی الله علیه و آله : أفتعرفونه ؟

قالوا : وکیف لا نعرفه وقد أخذ میثاقک ومیثاقه منّا ، ومیثاق شیعته إلی یوم القیامة علینا ، وإنّا لنتصفح وجوه شیعته فی کلّ یوم ولیلة خمساً ] یعنون فی کل وقت صلاة [ وإنّا لنصلّی علیک وعلیه .

- إلی أن یقول - فقال جبرئیل : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله .

فاجتمعت الملائکة وقالت : مرحباً بالأوّل ، ومرحباً بالآخر ، ومرحباً بالحاشر ، ومرحباً بالناشر ، محمّد خیر النبیین ، وعلیّ خیر الوصیین ... إلی آخر خبر الإسراء والمعراج((1)) .

وجاء فی العلل لمحمّد بن علی بن إبراهیم بن هاشم أنه قال : علّة الأذان أن تکبّر الله وتعظّمه ، وتقرّ بتوحید الله وبالنبوّة والرسالة ، وتدعو إلی الصلاة ، وتحثّ علی الزکاة .

ومعنی الأذان : الإعلام ؛ لقوله تعالی { وَأَذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَی النَّاسِ } أی إعلام ، وقال أمیر المؤمنین : کنت أنا الأذان فی الناس بالحجّ ، وقوله : { وَأَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ } أی أعلمهم وادْعُهُمْ((2)) .

وفی « من لا یحضره الفقیه » عن الإمام الرضا أنّه قال فی علل الأذان : ... إنما امر الناس بالأذان لعلل کثیره ، منها أن یکون تذکیراً للناسی ، وتنبیهاً للغافل ، وتعریفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه ، ویکون المؤذن بذلک داعیاً لعبادة الخالق ومرغباً فیها ، ومقراً لله بالتوحید مجاهراً بالإیمان معلناً بالإسلام((3)) مؤذناً لمن ینساها


1- الکافی 3 : 482 باب النوادر / ح 1 ، وعلل الشرائع 2 : 314 / باب علل الوضوء والأذان / ح 1 ، وعنه فی بحار الأنوار 18 : 354 / ح 66 و79 : 239 / ح 1 .
2- بحار الأنوار 81 : 169/ ح 73 عن کتاب العلل لمحمّد بن علی بن إبراهیم بن هاشم ، وعنه فی مستدرک الوسائل 4 : 74 / ح 4193 .
3- وفی علل الشرائع 1 : 258 ، مقراً له بالتوحید ، مجاهراً بالایمان ، معلناً بالإسلام ، مؤذناً لمن یتساهی .

ص:190

إلی أن یقول : وجعل بعد التکبیر الشهادتان لأن أول الإیمان هو التوحید والإِقرار لله تبارک وتعالی بالوحدانیة والاقرار للرسول صلی الله علیه و آله بالرسالة وأن اطاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأن أصل الإیمان إنّما هو الشهادتان فجعل شهادتین شهادتین کما جعله فی سایر الحقوق شاهدان فإذا أقر العبد لله عزّ وجلّ بالوحدانیة وأقر للرسول صلی الله علیه و آله بالرسالة فقد أقر بجملة الإیمان ، لأن أصل الإیمان إنما هو ] الشهادة [ بالله وبرسوله وإنما جعل بعد الشهادتین الدعاء إلی الصلاة ، لأن الأذان إنما وضع لموضع الصلاة وإنما هو نداء إلی الصلاة فی وسط الأذان والدعاء إلی الفلاح وإلی خیر العمل ، وجعل ختم الکلام باسمه کما فتح باسمه((1)) .

موثقة طریف تقرن الشهادة بالولایة مع الشهادة بالرسالة

وروی الکلینی عن سهل بن زیاد ، عن محمّد بن الولید ، قال : سمعت یونس ابن یعقوب ، عن سنان بن طریف ، عن أبی عبدالله الصادق ، قال : إنّا أوّل بیت نوّه الله بأسمائنا ، إنّه لمّا خلق السماوات والأرض أمر منادیاً فنادی :

أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، ثلاثاً .

أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، ثلاثاً .

أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین حقّاً ، ثلاثاً((2)) .

وقد أخرجها الشیخ الصدوق فی أمالیه ، قال : حدثنا محمّد بن علی بن


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 299 - 300 / 914 ، وسائل الشیعة 419 / ح 6974 .
2- الکافی 1 : 441 / ح 8 ، وعنه فی بحار الأنوار 16 : 368 / ح 78 . والروایة موثّقة لکون محمّد ابن الولید - والذی هو الخزاز الثقة - فطحیاً علی قول ، کما أنّ سنان بن طریف وجه من شخصیات الطائفة الجلیلة ; الحجة بالاتّفاق ، وأما یونس فمجمع علی وثاقته وقبول روایاته ، إلاّ أنّه فطحیّ علی احتمال ، وأمّا سهل بن زیاد فمختلف فیه ، والأقوی عندنا وثاقته . والحاصل : فالروایة حسنة أو موثّقة .

ص:191

ماجیلویه رضی الله عنه ، قال : حدثنا محمّد بن یحیی العطار ، قال : حدثنی سهل بن زیاد ... ، وساق ما أخرجه الکلینی سنداً ومتناً ((1)) .

وروی الصدوق فی « کمال الدین » بسند متّصل إلی ابن أبی حمزة الثمالی ، عن الصادق ، عن أبیه ، عن آبائه ، قال : قال رسول الله : حدّثنی جبرئیل عن رب العزة جل جلاله أنّه قال : « من علم أن لا إله إلّا أنا وحدی ، وأنّ محمّداً عبدی ورسولی ، وأنّ علی بن أبی طالب خلیفتی ، وأنّ الأئمة من ولده حُججی » أدخلته الجنّة برحمتی ، ونجّیته من النار بعفوی ، ومَن لم یشهد أن لا إله إلّا أنا وحدی أو شهد بذلک ولم یشهد أنّ محمّداً عبدی ورسولی أو شهد بذلک ولم یشهد أنّ الأئمّة من ولده حججی فقد جحد نعمتی وصغّر عظمتی وکفر بآیاتی ...((2)) .

فإذا کان الله قد أمر ملکاً بأن ینادی بهذه الشهادات الثلاث ، فهو یعنی محبوبیتها وکمال الحسن فی الإتیان بها عنده ، لأنّ الله لا یأمر بشیء عبثاً إلّا وفیه مصلحة ، فکیف یُشکَل علی العامل بها فی الحیاة الدنیا ، لا علی أنّها أمر من الله سبحانه واجبٌ فی خصوص الأذان ، بل لأنّها محبوبة عنده سبحانه وتعالی بنحو مطلق ، أی من دون اعتقاد الجزئیة .

فإِذَنْ مضمون الشهادة بالولایة فی الأذان لم یکن منافیاً للشریعة حتّی یقال بحرمة الإجهار بها ، بل هو جاء ضمن السیاق المأمور به فی الشریعة .

فلو ثبت جواز ذکرها - فضلاً عن استحبابها قاصداً بعمله امتثال امر الباری - فکیف یجوز نسبة الحرمة إلی الله .


1- أمالی الصدوق : 701 / ح 956 ، وعنه فی بحار الأنوار 37 : 259 / ح 10 .
2- إکمال الدین : 258 / ح 3 ، من الباب 24 ، وأخرجه الخزّار القمی بسنده عن علی بن أبی حمزة عن الإمام الصادق علیه السلام کما فی کفایة الأثر : 144 / باب فی النصوص علی الأئمة الاثنی عشر . وهو فی الاحتجاج للطبرسی 1 : 87 .

ص:192

الم یکن ذلک تحریماً للحلال ، وهو الداخل ضمن قوله تعالی : { ءَآللهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللهِ تَفْتَرُونَ } .

إن البدعة هو ادخال فی الدین ما لیس منه تحلیلاً وتحریماً ، فکما ان تحلیل الحرام غیر جائز . فتحریم الحلال هو حرام بإجماع المسلمین .

ان الإتیان بذکر علی من الذکر الجائز ، وقیل انه مستحب لمجیئه فی شواذ الاخبار ، فلو کان جائزاً فلا یجوز منعه خصوصاً بعد علمنا بأن القوم منعوا من الجهر بالبسملة ، والمُتعتین ، وحیّ علی خیر العمل ، وغیرها من المسائل الخلافیة إخماداً لسنّة رسول الله وبغضاً لعلی، والذی وضّحناها فی کتابنا « منع تدوین الحدیث » وان اعمالهم تلک هی اماتة للدین وتحریف للشریعة وهو مصداق لقوله تعالی { وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُکُمُ الْکَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَی اللهِ الْکَذِبَ إِنَّ الَّذِینَ یَفْتَرُونَ عَلَی اللهِ الْکَذِبَ لَا یُفْلِحُونَ } .

وعلی ضوء ما سبق نقول : إنّ الله ورسوله قد أعلنا عن ولایة علی فی کتابه وسنته تصریحاً وتلمیحاً ، وإنّ الأذان المشرّع فی الإسراء والمعراج کان فیه : « حی علی خیر العمل » الدالة علی الولایة ، ونحن ناتی بتفسیرها معها لا علی أنّها جزءُ بل لمحبوبیتها عند رب العالمین ، ولمعرفتنا بأن القوم غیروا اسم الإمام علی الذی کان مکتوباً علی ساق العرش إلی أبی بکر ، وشکّکوا فی کون الإسراء جسمانیاً ، إذ ذهب کُلٌّ من عائشة ومعاویة إلی القول بأنّ الإسراء کان منامیّاً ، وذلک مثل ما قالوه فی الأذان وأنه منامیّ ، کل ذلک للحدّ من تناقل فضائل الإمام علی الظاهرة فی السماوات والأرض ، فی حین قد عرفت أنّ آل البیت کانوا یرفضون فکرة تشریع الأذان فی المنام وما اتی به القوم من تحریفات .

إذن التحر یف والز یادة والنقصان فی الدین جاءت من قِبَلِهِم وکانت هی سجیَّتهم ، وقد طالبوا الرسول أن یحرّف الکتاب العزیز فأبی صلی الله علیه و آله أن یغیّر ( فأبوا )

ص:193

إلی ( فأتوا ) ، لکنّ عثمان ما رأی بأساً فی أن یزید الأذان الثالث یوم الجمعة((1)) ، وعمر ما رأی ضیراً فی أن ینقص الحیعلة الثالثة من أصل الأذان ویضیف : « الصلاة خیر من النوم » فی أذان صلاة الصبح((2)) .

کل ذلک وهم یتهموننا بالزیادة فی الدین وأنی فی کتابی « وضوء النبی » وضحت بأنهم زادوا فی الوضوء علی ما فرض الله علی عباده ، فغیروا صریح الآیة من المسح إلی الغسل .

وعلیه لا وجه للترابط بین المنع من المتعتین ورفع الحیعلة الثالثة من قبل عمر ، إلا أن نقول أنهما مرتبطتان بالولایة والخلافة ، لان الروایة فی فضائل علی یعنی لزوم الاتباع له ، أی ان لتلک الروایات الطریقیة للاخذ عن علی . لان نقل الفضائل هو مقدمة لاخذ الدین عنه ، وبما أنّ الطالبیّین کانوا یتبنون فکر ومنهج الإمام علی وخصوصاً فی هذه المفردات الثلاث - تبعاً له علیه السلام - ، ولهذا تری التخالف قائم بین المدرستین فی هذه المفردات إلی یومنا هذا ولا یمکن تصوّر شیء آخر غیر هذا ؟

وإلّا فما هو سّر حذف الحیعلة الثالثة واستبدالها فی أذان الصبح بالتثویب ؟ وهل هما یرتبطان بموضوع الخلافة والإمامة کذلک ؟ انه تساءل یمکن أن تقف علی جوابه فی الباب الثانی من هذه الدراسة: « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة » .

وبعد کلّ هذا نقول : یمکننا أن نستدلّ علی رجحان الشهادة بالولایة من خلال وجود الحیعلة الثالثة فی الأذان الأوّل ، کما یمکننا أن نستدلّ علی رجحانها أیضاً من


1- انظر صحیح البخاری 1 : 309 / ح 870 من باب الأذان یوم الجمعة .
2- سنن الدراقطنی 1 : 243 / ح 40 من باب ذکر الإقامة ، سنن البیهقی الکبری 1 : 423 / ح 1838 ، من باب التثویب فی أذان الصبح .

ص:194

خلال أمر الإمام الکاظم علیه السلام بالحث علیها مطلقاً ، مضافاً إلی الاستدلال علی رجحانها بأخبار الاقتران المعتبرة حین العروج برسول الله إلی السماء ، وأنّها کانت تعنی الإمامة والولایة لعلی ، کما جاء فی روایات أهل البیت ، وتمّ التوصّل إلیه خلال الصفحات السابقة ، لکن من دون اعتقاد الجزئیة .

وقفة مع ما رواه الصدوق فی العلل

لنتوقف هنا قلیلا عند ما رواه الشیخ الصدوق فی علله : حدثنا عبدالواحد ابن محمّد بن عبدوس النیسابوری رضی الله عنه ، قال : حدثنا علی بن ] محمّد ابن [ قتیبة ، عن الفضل بن شاذان قال : حدثنی محمّد بن أبی عمیر : أنّه سأل أبا الحسن ] الکاظم [ علیه السلام عن « حی علی خیر العمل » لِمَ تُرکتْ من الأذان ؟ فقال : ... فإنّ خیر العمل الولایة ، فأراد مَنْ أمر بترک « حی علی خیر العمل » من الأذان ] وهو عمر کما فی روایات اُخری [ إلّا یقع حَثٌّ علیها ودعاءُ إلیها((1)) .

والخبر مسند کما تراه ، ووجود عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس فیه لا یخدشه ، لأنّه من مشایخ الصدوق ، وقد ترضّی علیه کثیراً ((2)) ، قال الوحید البهبهانی : وأکثر الروایة عنه ، مترضّیاً ، وحسَّنَهُ خالی((3)) ، ولم یرد فیه قدح من أحد .


1- علل الشرائع للصدوق 2 : 368 / ح 4 ، وعنه فی بحار الأنوار 81 : 140 / ح 34 والوسائل 5 : 420 / ح 6977 .
2- التوحید : 242 / ح 4 ، 269/ ح 6 ، 416/ ح 16 ، عیون أخبار الرضا 2 : 119/ ح 27 و2 : 124/ ح 34 ، 2 : 187/ ح 1 .
3- هذا کلام الوحید فی تعلیقته : 235 ، وانظر حاوی الأقوال 3 : 21/ الترجمة 774 ، وتحریر الأحکام 2 : 110 ومسالک الإفهام 2 : 23 ، ومدارک الأحکام 6 : 84 ، ومنتهی المقال 1 : 94 ، 4 : 275 .

ص:195

وکذا علی بن محمّد بن قتیبة ، فقد اعتمده الکشّی ، وروی عنه کثیراً ، والعلّامة حکم بصحة روایته((1)) وقد أدرجه فی القسم الأول من رجاله ، وکذلک ابن داود ، بل قد جزم الجزائری بوثاقته حیث أدرجه فی قسم الصحاح ، وکذلک جزم به الکاظمی فی هدایة المحدّثین ، وقال الشیخ عنه : « فاضل » ، وهو مدح للرجل((2)) .

قال الشهید الثانی عن بن عبدوس : وهو مجهول الحال مع انه شیخ ابن بابویه، وهو قد عمل بها ، فهو فی قوة الشهادة له بالثقه ، ومن البعید أن یروی الصدوق رحمة الله عن غیر الثقه بلا واسطة واعلم أن العلامة فی التحریر فی باب الکفارات شهد بصحة الروایة وهو صریح فی التزکیة لعبد الواحد((3)) .

وقال المحقق السبزواری فی ذخیرة المعاد : ولا یخفی أن عبدالواحد بن عبدوس وان لم یوثق صریحاً لکنه من مشایخ الصدوق المعتبرین الذین اخذ منهم الحدیث ، وفی ذلک اشعار بالاعتماد علی ما نقله علی ان الظاهر انه من مشایخ الاجازة من المصنفین والنقل من کتاب بعض الرواة المتقدمة علیه فلا یتوقف الاعتماد علی الروایة علی حسن حاله ، وفی طریق الروایة علی بن محمّد القتیبی ولم یوثقوه لکن مدحه الشیخ فی کتاب الرجال بأنه فاضل وذکر النجاشی فی ترجمته أن علیه اعتمد أبو عمرو الکشی فی کتاب الرجال وانه صاحب الفضل بن شاذان ومن روایة کتبه وفی ذلک اشعار بحسن حاله((4)) .

وقد نقل الشیخ یوسف البحرانی عن بعض مشایخه قوله : صحّح العلامة فی


1- خلاصة الأقوال : 177 / ت 16 .
2- رجال الطوسی : 429 / ت 6159 .
3- مسالک الافهام 2 : 23 .
4- ذخیرة المعاد 1 : 510 ط- قدیم .

ص:196

الخلاصة فی ترجمة یونس بن عبد الرحمن طریقین فیهما علی بن محمّد بن قتیبة واکثر الکشی الروایة عنه فی کتابه المشهور فی الرجال ، فلا یبعد الاعتماد علی حدیثه لأنه من مشایخه المعتبرین الذین اخذ الحدیث عنهم((1)) . وللشیخ یوسف البحرانی کلام جمیل آخر عن طریقة الشیخ الصدوق فی جمیع کتبه ومصنفاته، وأنّه لا یذکر من الأخبار إلّا ما یعتمده ویحکم بصحّته متناً وسنداً ویفتی به، واذا أورد خبراً بخلاف ذلک ذیّله بما یشعر بالطعن فی سنده ودلالته ونبّه علی عدم قوله بمضمونه((2)). والصدوق فیما رواه هنا فی «العلل» عن الإمام الکاظم لم یذیّله بطعن فی السند أو المتن فهو یشعر بقبوله له.

وعلیه فالروایة حسنة علی أقّل تقدیر .

وإنّ قوله علیه السلام : « فإنّ خیر العمل الولایة » یفهم بأنّ عمر بن الخطاب کان لا یرید أن یقع حثٌّ علی الولایة ودعوةٌ إلیها ، وهو ما یفنّد قول من یدّعی أنّ الضمیر فی ( علیها ) أو ( فیها ) راجع إلی الصلاة ، إذ لا یعقل أن یکون عمر لا یرید حثاً علی الصلاة والدعوة إلیها لان منصبه یمنعه من ذلک ، مع أنّ الدعوة إلی الصلاة ، وإلی الفلاح قد کانت موجودة فی الفصلین السابقین ، فلا معنی لحذفها ، فلم یبق إلّا أن نقول بأنّ ل- « حی علی خیر العمل » معنیً آخر غیر الصلاة والفلاح ، وهذا هو الصحیح ، ویتأکّد ذلک لکلّ من یتأمل قلیلاً فی لغة العرب ، إذ من غیر الطبیعی أن یأتی العربی بالکنایة بعد التصریح ، فالمؤذّن حینما یقول وبلسان عربی فصیح : « حیّ علی الصلاة » فلا معنی لإتیانه بمعناها الکنائیّ ثانیة .


1- الحدائق الناظرة 6 : 47 - 48 و13 : 221 - 222 وانظر مستند الشیعة 5 : 435 - 436 ، وجواهر الکلام 16 : 270 .
2- انظر ما مرّ بالهامش «3» من الصفحة «13» وکلامه موجود فی رسالته: «الصوارم القاصمة لظهور الجامعین بین ولد فاطمة».

ص:197

نعم قد یمکن أن یأتی بالکنایة أولاً ثم یصرّح بالمقصود ، کل هذا یرشدنا إلی أنّ المعنیَّ فی جملة « حی علی خیر العمل » شیءٌ غیر الصلاة ، وهو الّذی وضّحه آل بیت الرسالة .

وعلیه ، فالمعنیُّ بالحیعلة الثالثة - وحسب کلام الإمام الکاظم - هو الولایة ، لأنّ الأذان - وکما وضّحنا سابقاً ((1)) - هو بیان لأُصول العقیدة من التوحید ، والنبوة ، والإمامة حسب نظر الإمامیة ، لا أنّه مختصّ ببیان وقت الصلاة کما یفهمه الآخرون .

دفعُ دَخْل

لکن هنا سؤال یطرح نفسه ، وهو : کیف تکون الحیعلة الثالثة حثاً علی الولایة ودعوة إلیها ، فی حین نعلم أنّ جملة « حیَّ علی خیر العمل » لیس لها ظهور فی الولایة ، بل ظاهرها یشمل کلّ عمل صالح من صلاة وغیرها .

الجواب :

إنّا لو ألقینا نظرة سریعة إلی أسباب النزول لاتّضح لنا جواب هذا السؤال وغیره ، إذ من المعلوم أنّ الصحابة کانت لهم مصاحف وقراءات مختلفة ، والبعض منهم کان یدرج شأن النزول مع الآیة ، والآخر یذکر تفسیرها - من المعصوم - معها ، وثالث یأتی بها بصورة ثالثة ، فمثلاً جاء عن جابر بن عبدالله الأنصاری ، قال : سمعت رسول الله قرأ { فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } ، فقال : بعلی بن أبی طالب((2)) .

وعن شقیق ، قال : قرأتُ فی مصحف عبدالله بن مسعود { إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَیٰ آدَمَ


1- انظر الکتاب الأوّل من هذه الدراسة ( حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریّة ) صفحة 149 .
2- المحرر الوجیز 5 : 56 . وانظر تفسیر النیسابوری 6 : 93 ، من سورة الزخرف : الآیة : 41 .

ص:198

وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ } وآل محمّد { عَلَی الْعَالَمِینَ }((1)) .

وعن زبید الیامی ، عن مرّة ، قال : کان عبدالله بن مسعود یقرأ { وَکَفَی اللَّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتَالَ } بعلیّ { وَکَانَ اللَّهُ قَوِیًّا عَزِیزًا }((2)) .

وفی مصحف عائشة وحفصة وأُم سلمة ، وأُبیّ ، وابن عمر ، وابن عباس أنّهم قرؤوا الآیة { حَافِظُوا عَلَی الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَیٰ }هکذا : ( حافظوا علی الصلوات والصلاة الوسطی وصلاة العصر وقوموا لله قانتین )((3)) .

وفی قراءة أُبیّ بن کعب للآیة 11 من سورة الرعد : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَیْنِ یَدَیْهِ } ورقیب من خلفه { یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ }((4)) .

وقرأ أُبیّ قوله تعالی { فَمَن کَانَ مِنکُم مَّرِیضًا أَوْ عَلَیٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَیَّامٍ أُخَرَ وَعَلَی الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْکِینٍ } : ( فعدّة من أیام اُخر متتابعات )((5)) .

وفی مصحف أُبی : ( وإذا أردنا أن نهلک قریة بعثنا أکابر مجرمیها ) . بدل قوله


1- العمدة : 55/ ح 55 ، شواهد التنزیل 1 : 152 / ح 165 ، وقرا بمثلها ابن عباس کما فی شواهد التنزیل 1 : 153 / ح 166 ، من سورة آل عمران : الآیة 33 .
2- شواهد التنزیل 2 : 7 / ح 630 ، 631 ، 632 ، بطرق عدیدة ، الدر المنثور 6 : 590 ، قال : أخرجه ابن أبی حاتم ، وابن مردویه ، وابن عساکر عن ابن مسعود . ومثله عن ابن عباس ، انظر شواهد التنزیل 2 : 10 / ح 633 ، وجاء أیضاً من طریق زبید الیامی عن مرة ، عن ابن مسعود ، کما فی : تاریخ دمشق 42 : 360 ، الاکمال 7 : 53 ، سورة الاحزاب : الآیة 25 .
3- صحیح مسلم 1 : 437 / ح 629 ، مسند أحمد 6 : 178 / ح 25489 ، سنن أبی داود 1 : 112 / ح 410 ، سنن الترمذی 5 : 217 / ح 2982 ، عن عائشة . وصحیح ابن حبان 14 : 228 / ح 6323 ، عن حفصة . ومصنف عبدالرزاق 1 : 578 / ح 2202 ، وتفسیر الطبری 2 : 555 ، ومصنف ابن أبی شیبة 2 : 244 / ح 8600 ، عن أُم سلمة . وأما عن الباقین فانظر الکشاف 1 : 316 ، والدر المنثور 1 : 723 - 727 ، وتفسیر الطبری 2 : 555 - 564 فی معرض تفسیره لسورة البقرة : الآیة 238 .
4- تفسیر الطبری 13 : 116 ، المحرر الوجیز 3 : 302 ، الدر المنثور 4 : 614 ، من سورة الرعد : الآیة 11.
5- التفسیر الکبیر 12 : 65 ، الکشاف 1 : 252 ، الدر المنثور 1 : 464 ، سورة البقرة : الآیة 184 .

ص:199

{ وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِکَ قَرْیَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِیهَا فَفَسَقُوا فِیهَا فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ لْقَوْلُ }((1)) .

وقرأ کذلک قوله تعالی { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِیرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِیَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَیٰ أَهْلِهِ } : ( فتحریر رقبة مؤمنة لا یجزئ فیها صبی )((2)) .

وفی مصحفه أیضاً : ( یا أیّها الناس انّ { اللَّهُ أَسْرَعُ مَکْرًا } وإنّ رسله لدیکم { یَکْتُبُونَ مَا تَمْکُرُونَ }((3)) .

وجاء فی مصحف عبدالله بن مسعود : ( وربائبکم اللاتی دخلتم بأ مّهاتهم ) بدل قوله { وَأُمَّهَاتُ نِسَائِکُمْ وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُم مِّن نِّسَائِکُمُ اللَّاتِی دَخَلْتُم بِهِنَّ }((4)) .

وفی مصحف عبدالله بن مسعود : ( ما یکون من نجوی ثلاثة إلّا الله رابعهم ، ولا أربعة إلّا الله خامسهم ، ولا خمسة إلّا الله سادسهم ولا أدنی من ذلک ولا أکثر إلّا هو معهم إذا أَخَذُوا فی التناجی )((5)) .

وفی مصحفه أیضاً عن الآیة 79 من سورة النساء : ( فمن نفسک وأنا قضیتها علیک ) ، وقرأ بها ابن عباس ، وحکی أبو عمرو أنّها فی مصحف ابن مسعود ( وأنا کتبتها ) وروی أنّ أُبیّاً وابن مسعود قرآ ( وأنا قدرتها علیک )((6)) .

وفی مصحف ابن مسعود بدل قوله تعالی { إِنَّهُ عَمَلٌ غَیْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا


1- المحرر الوجیز 3 : 444 ، تفسیر الثعالبی 2 : 335 ، تفسیر القرطبی 10 : 234 .
2- مصنف عبدالرزاق 9 : 179 / ح 16831 ، الدر المنثور 2 : 617 ، سورة النساء : الآیة 92 .
3- المحرر الوجیز 3 : 112 ، بدل قوله : { قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَکْرًا إِنَّ رُسُلَنَا یَکْتُبُونَ مَا تَمْکُرُونَ } سورة یونس : الآیة 21 .
4- الدر المنثور 2 : 474 ، سورة النساء : الآیة 23 .
5- التفسیر الکبیر 29 : 231 ، الکشاف 4 : 489 ، المحرر الوجیز 5 : 276 ، بدل قوله : { مَا یَکُونُ مِن نَّجْوَیٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَیٰ مِن ذَٰلِکَ وَلَا أَکْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ مَا کَانُوا ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ ... } ، المجادلة : الآیة 7 .
6- المحرر الوجیز 2 : 82 ، تفسیر الثعالبی 1 : 393 ، بدل قوله : { ... وَمَا أَصَابَکَ مِن سَیِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِکَ وَأَرْسَلْنَاکَ... } .

ص:200

لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ } : ( إنّه عمل غیر صالح أَنْ تسأَلَنی ما لیس لک به علم )((1)) .

وفی مصحفه أیضاً : ( تبیَّنتِ الإنس أنّ الجنّ لو کانوا یعلمون الغیب ) بدل قوله { فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ کَانُوا یَعْلَمُونَ الْغَیْبَ مَا لَبِثُوا فِی الْعَذَابِ الْمُهِینِ }((2)) .

وغیرها الکثیر ، فتری الصحابیَّ یذکر فی بعضها ما یظهر فضائل أهل البیت ، وفی بعضها الآخر مثالب الآخرین ، وفی ثالث یذکرها توضیحاً لبعض الأحکام ، وکان عمر بن الخطاب قد منع هذا النوع من التفسیر والبیان مع القرآن ، بدعوی اختلاطه مع القرآن((3))؛ کما أنّه منع من الأخذ بالقرآن المفسّر الذی جمعه علی بن أبی طالب عن رسول الله لأنّه وجد فیه الکثیر من التفسیر السیاقی والبیانی والذی یکشف فیه فضائحهم ، ویبیّن منزلة المطّهرین من آل البیت((4))، ویکشف جهل الخلفاء بالأحکام الشرّعیة وعلوم السماء .

قال سلیم الکوفی : فلمّا رأی علیٌّ غدرهم لزم بیته وأقبل علی القرآن یؤلفه ویجمعه فلم یخرج من بیته حتی جمعه ... ثم خرج إلی الناس وهم مجتمعون مع أبی بکر فی مسجد رسول الله ، فنادی علیٌّ بأعلی صوته :

یا أیّها الناس ، إنّی لم أزل منذ قبض رسول الله صلی الله علیه و آله مشغولاً بغسله ، ثم بالقرآن حتی جمعته کلّه فی هذا الثوب الواحد ، فلم ینزل الله تعالی علی رسول الله آیة إلّا وقد جمعتها ، ولیست منه آیة إلّا وقد أقرأنیها رسول الله صلی الله علیه و آله وعلّمنی تأویلها ... ثم قال لهم علی علیه السلام : لئلّا تقولوا یوم القیامة أنّی لم أدعکم إلی نصرتی ولم أُذُکّرکم حقّی ،


1- المحرر الوجیز 3 : 177 ، معانی القرآن للجصاص 3 : 355 ، سورة هود : الآیة 46 .
2- تفسیر بن أبی حاتم 9 : 2914 ، والمحرر الوجیز 4 : 412 ، تفسیر البغوی 3 : 553 ، فی قراءة ابن مسعود وابن عباس ، وکذا فی تفسیر القرطبی 14 : 279 ، سورة سبأ : الآیة 14 .
3- مصنف عبدالرزاق 11 : 257 / ح 20484 ، تقیید العلم : 49 ، 50 ، 51 ، المدخل إلی السنن الکبری 1 : 407 / ح 731 .
4- انظر الکافی 2 : 633 / ح 23 / باب النوادر وقد وضّحنا ذلک فی کتاب «جمع القرآن».

ص:201

ولم أدعکم إلی کتاب الله من فاتحته إلی خاتمته .

فقال عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عمّا تدعونا إلیه((1)) .

وفی مناقب ابن شهرآشوب : انه ] أی علی [ آلی أن لا یضع رداءه علی عاتقه إلّا للصلاة حین یؤلف القرآن ویجمعه ، فانقطع عنهم مدة إلی أن جمعه ، ثم خرج إلیهم به فی ازار یحمله وهم مجتمعون فی المسجد ، فانکروا مصیره بعد انقطاع مع البته ، فقالوا : الأمر ما جاء به أبو الحسن ، فلما توسطهم وضع الکتاب بینهم ثم قال : ان رسول الله قال : انی مخلف فیکم ما ان تمسکتم به لن تضلوا ، کتاب الله وعترتی أهل بیتی ، وهذا الکتاب وانا العترة .

فقام إلیه الثانی فقال له : ان یکن عندک قرآن فعندنا مثله فلا حاجة لنا فیکما ، فحمل الکتاب وعاد بعد ان الزمهم الحجة ((2)).

وفی الاحتجاج : فلمّا فتحه أبو بکر خرج فی أوّل صفحة فتحها فضائح القوم ، فوثب عمر وقال : یا علی اردده فلا حاجة لنا فیه((3)) .

وقیل : بأنّ الإمام علیّاً أرسل مصحفه إلی عثمان لمّا أراد جمع القرآن فردّه((4)) .

نعم ، إنّهم ردّوا مصحف علی المفسّر ، وهو أعلم الناس بتنز یله وتأویله ، وکذا


1- کتاب سلیم : 147 الحدیث الرابع ، وعنه فی بحار الأنوار 28 : 256 / ح 45 / الباب الرابع ، و89 : 41 / باب ما جاء فی کیفیة جمع القران . وفی اصول الکافی 2 : 633 ان الصادق علیه السلام اخرج مصحف علی وقال : اخرجه علی علیه السلام إلی الناس حین فرغ منه وکتبه فقال لهم : هذا کتاب الله عزّوجلّ کما انزله الله علی محمّد صلی الله علیه و آله وقد جمعته من اللوحین ، فقالوا : هو ذا عندنا مصحف جامع فیه القرآن لا حاجة لنا فیه . فقال : اما والله ما ترونه بعد یومکم هذا ابدا انما کان علیّ أن اخبرکم حین جمعته لتقرؤوه .
2- مناقب ابن شهرآشوب 1 : 319 .
3- الاحتجاج 1 : 228 ، وعنه فی بحار الأنوار 89 : 40 / ح 1 / باب ما جاء فی کیفیة جمع القرآن .
4- انظر الکافی 2 : 633 / ح 23 .

ص:202

ترکوا قراءة ابن مسعود ذلک الغلام المُعَلّم((1)) حسب تعبیر الرسول والذی أمر صلی الله علیه و آله بالقراءة وفق مصحفه بقوله : ( اقرؤوا بقراءة ابن أُمّ عبد ) ((2)) ، وأیضاً لم یأخذوا بقراءة عبدالله بن عباس وهو حبر الأمة فی کثیر من الآیات ، بل لم یکتفوا بذلک حتی نسبوا إلیه الإسرائیلیات فی التفسیر ، ولم یکن ذلک إلّا اتّباعاً للسیاسة المسنونة المشؤومة .

إنّها سیاسة الحکّام وبنی أمیّة وقریش فی ردّ ما هو مرتبط بأهل البیت وذو یهم ، والاستنان بسنّة الخلفاء ، وقد أکّدت الصدّیقة فاطمة الزهراء علی هذه الحقیقة فی خطاب وجّهته إلی نساء المهاجرین والأنصار ، قالت فیه : « ویعرف التالون غب ما أسّس الأوّلون ... »((3)).

اذن قضیة الأذان لا تختلف عن القرآن ، فالخُلّص من الصحابة کانوا یفتحون بعض جمله کالحیعلة الثالثة ، لکونهم قد عرفوا معناها ، أو لدفع تهمة الغلوّ عنهم ، أو لرفع شأن ومنزلة الإمام علی عند المنکرین لها ، وهذا هو الذی دعا عمر للوقوف ضدّه ، ورفع الحیعلة الثالثة من الأذان .

والأفصح من ذلک ما جاء فی کتاب الفضائل لابن شاذان بإسناده إلی المقداد بن الأسود الکندی ، قال : کنّا مع سیّدنا رسول الله وهو متعلّق بأستار الکعبة وهو یقول : اللَّهم أعضدنی واشدد أَزْری ، واشرح صدری ، وارفع ذکری ، فنزل علیه جبرئیل علیه السلام وقال : اقرأ یا محمّد .

قال : وما أقرأ ؟


1- المعجم الکبیر 9 : 79 / ح 8457 ، تاریخ دمشق 33 : 70 ، 72 ، سیر اعلام النبلاء 1 : 465 ، النَّهایة فی غریب الاثر ، للجزری 3 : 292 : غُلیم معلَّم ، أی ملهم للصواب والخیر .
2- سنن ابن ماجه 1 : 49 / ح 138 ، مسند أحمد 1 : 7 / ح 35 .
3- معانی الأخبار : 355 ، بلاغات النساء : 20 ، أمالی الطوسی : 376 .

ص:203

قال : اقرأ { أَلَمْ نَشْرَحَ لَکَ صَدْرَکَ * وَوَضَعْنَا عَنکَ وِزْرَکَ * الَّذِی أَنقَضَ ظَهْرَکَ * وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ } مع علی بن أبی طالب صهرک .

فقرأها النبیّ وأثبتها عبدالله بن مسعود فی مصحفه ، فأسقطها عثمان ابن عفان حین وحّد المصاحف ولا إشکال فی ذلک لأنّها لیست من القرآن المقروء ((1)) .

فالمعیة فی قوله ( مع علی بن أبی طالب صهرک ) صریحة فی لزوم رفع ذکر الوصی مع رفع ذکر النبی ، فتکون هذه الروایة وما کان علی شاکلتها فیما یمکن أن یقال استناداً للعموم الآنف بمحبوبیّة ذکر علیّ بعد النبیّ بنحو مطلق ، وهو بالتالی من الأدلّة علی اقتران ذکر علی بذکر النبیّ .

وفی اُخری عن عبدالله بن مسعود أنّه کان یقرأ قوله تعالی { وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ } بعلی بن أبی طالب صهرک((2)) .

والباء فی ( بعلی ) للسببیة ، أی بسبب علی بن أبی طالب سیبقی ذکرک وأنّه سیحفظ شریعتک من الضلال ، وأنّ کلمة ( صهرک ) فیها إشارة إلی دیمومیة النهج النبوی بواسطة علی وفاطمة وآل البیت الطاهرین المطّهرین ، وهو معنی آخر لقوله صلی الله علیه و آله : « خلفائی اثنا عشر کلّهم من قریش »((3)) وهم علیّ والأحد عشر من ولد فاطمة ، وهو کذلک بیان ضمنیّ لمعنی « لا تصلّوا عَلَیَّ الصلاة البتراء » ، بل قولوا : « اللهم صَلِّ علی محمّد وآل محمّد » و« حسین منّی وأنا من حسین ، أحبّ


1- الفضائل لابن شاذان : 151 ، وعنه فی بحار الأنوار 36 : 116 / ح 63 / الباب 39 ، وفیه « بعلی صهرک » .
2- نفس الرحمن فی فضائل سلمان للنوری : 463 عن الفضائل المنتخبة عن سلمان ، عن النبی أنّه قال : أوحی الله تعالی إلیّ لیلة المعراج : یا محمّد رفعت ذکرک بعلی صهرک . وانظر الروضة لابن شاذان : 168 کذلک .
3- صحیح البخاری 6 : 2640 / ح 6796 ، صحیح مسلم 3 : 1452 / ح 1821 .

ص:204

الله من أحبّ حسیناً »((1)) و« أنا وعلیّ أبوا هذه الأمة »((2)) ، و« فاطمة أم أبیها »((3)) ، وغیرها من الأحادیث الکثیرة الدالة علی الاقتران ووحدة الملاک بین الرسالة والإمامة ، وهی التی جاءت نصّاً وإجمالاً فی کثیر من الأمور العبادیة والأدعیة فی أطار الصلاة علی محمّد وآل محمّد .

وبما أنّ الله رفع ذکر الرسول فی الأذان ، والتشهد ، والخطبة - کما فی روایات العامة والخاصة ، ولمناسبة الحکم والموضوع بین النبی والوصی ، ولوحدة الملاک الموجود فی اقتران الشهادات الثلاث معاً ، ولمدخلیّة موضوع الولایة فی العبادات - یمکن القول بحقیقة اقتران ذکر علیّ عند ذکر النبیّ فی مواطن الذکر العامّة ، وأنّ مثل هذا الاقتران محبوب بنحو مطلق فی الشریعة ، لکن ننبّه علی أنّ مثل هذه المحبوبیة عند مشهور فقهاء الإمامیة لا تؤسّس حکماً شرعیاً یجعل من ذکر علی فی الأذان جزءاً واجباً ، بل ولا مستحباً ، کلّ ما یمکن استفادته بأنّ ذکره محبوب فی الأذان وفی غیره للاقتران ؛ لکن لا بعنوان الجزء الواجب أو المستحب فی خصوص الأذان .

ومما تجب الإشارة إلیه هنا هو استظهار بعض الأفاضل بأنّ ذکر علیّ فی الأذان راجحٌ للاقتران فی الواجبات ، فالاقتران ملاحظ فی التشهّد والخطبة فی صلاة الجمعة وغیرها ؛ وبما أنّ الموردین الاخیرین ( أی التشهد والخطبة ) علیهما روایات کثیرة فی کتبنا ، یبقی الأذان هو الذی یجب الانتصار له ، وطبق قاعدة الاقتران العقلیّ والشرعیّ


1- سنن ابن ماجة 1 : 51 / ح 144 ، سنن الترمذی 5 : 658 / ح 3775 قال : حدیث حسن ، وإنّما نعرفه من حدیث عبدالله بن عثمان بن خثیم ، وقد رواه غیر واحد عنه . ورواه الحاکم فی المستدرک 3 : 194 ، قال : حدیث صحیح الإسناد ولم یخرجاه .
2- المفردات فی غریب القرآن : 7 ، اتّفاق المبانی وافتراق المعانی : 233 ، علل الشرائع 1 : 127 ، الغارات 2 : 717 ، 745 .
3- المعجم الکبیر 22 : 397 / 985 ، المقتنی فی سرد الکنی 2 : 167 ، الاستیعاب 4 : 1899 ، تاریخ دمشق 3 : 158 ، الإصابة 8 : 53 / الترجمة 11583 ، لفاطمة الزهراء سلام الله علیها .

ص:205

قد یسوّغ القول برجحان الإتیان بالشهادة الثالثة فیه ، وهذا ما أراد البعض الذهاب إلیه فی بحوثه ، إذ من المناسب أن تکون النصوص الشرعیة التی تجیز ذکر الإمام علیّ فی التشهّد والخطبة تنطوی علی ملاک ذکره فی الأذان بحسب أصول تنقیح المناط العقلیة ، وهذا الکلام وإن کنّا قد لا نقبله علی عمومه ، لکنّه قول کان علینا ذکره .

ومن الروایات التی تؤکّد علی وحدة المناط بین الرسول والوصی ، ما جاء فی أمالی الصدوق : حدّثنا علی بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبی عبدالله البرقی رضی الله عنه ، قال : حدثنا أبی ، عن جدّه ، عن أبی عبدالله البرقی ، عن أبیه محمّد بن خالد البرقی ، قال : حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسی ، قال حدثنا محمّد بن منصور ، عن عبدالله بن جعفر ، عن محمّد بن فیض بن المختار ، عن الفیض بن المختار ، عن أبی جعفر علیه السلام ، عن آبائه ، عن جدّه رسول الله صلی الله علیه و آله ] فی علیّ علیه السلام [ : وما أکرمنی الله بکرامة إلّا وقد أکرمک بمثلها ((1))، وفی آخر : ما ذُکرتُ إلّا ذُکرتَ معی((2)). وقد روت العامّة عن رسول الله قریباً من هذا ، إذ قال الرسول لعلی : ما سألتُ ربّی شیئاً فی صلاتی إلّا أعطانی ، وما سألتُ لنفسی شیئاً إلّا سالتُ لک((3)) .


1- أمالی الصدوق : 582 / ، المجلس الرابع والسبعون / ح 16 .
2- جاء فی الرسالة العملیة للشیخ زین العابدین خان الکرمانی ( الموجز فی احکام الطهارة والصلاة والصوم ... ) صفحة 174 ط- مطبعة السعادة ، ببلدة کرمان فی سنة 1350 ه- ، فصل کیفیة الأذان : روی عن أبی سلیمان ، عن رسول الله ، قال : سمعت رسول الله یقول لیلة اسری بی إلی السماء قال لی الجلیل جل جلاله - وساق الحدیث إلی ان قال- ثم اطلقت الثانیة فاخترت منها علیاً وشققت له اسماً من اسمائی فلا أذکر فی موضع إلاّ ذکر معی فانا الاعلی وهو علی .
3- المعجم الأوسط 8 : 47 / ح 7917 ، مجمع الزوائد 9 : 110 ، أمالی المحاملی : 204 ، 368 / ح 185 ، 418 ، السنة لابن أبی عاصم 2 : 596 / ح 1313 ، شرح مذاهب أهل السنة ، لابن شاهین : 191 / ح 135 ، سنن النسائی الکبری 5 : 151 / ح 8532 ، خصائص علیّ : 156 / ح 147 ، 148 ، سنن الترمذی 2 : 72 / ح 282 ، وفیه قوله صلی الله علیه و آله لعلی علیه السلام : أحب لک ما أحب لنفسی وأکره لک ما أکره لنفسی ، وکذا فی سنن البیهقی الکبری 3 : 212 / ح 5581 ، ومصنف عبدالرزاق 2 : 144 / ح 2836 ، ومسند أحمد 1 : 146 / ح 1243 ، وغیره .

ص:206

و یمکن تقریب الاستدلال بخبر الأمالی ، فنقول : إنّ النکرة فی سیاق النفی تفید العموم ، وکذا مقتضی مفهوم الحصر ، یفید بأنّ کلّ مکرمة لرسول الله هی ممنوحة لعلی کذلک ، بعضها علی نحو التشریع وبعضها علی نحو التشریف ، وبما أنّ الشهادة بالرسالة فی الأذان والإقامة هی مکرمة لرسول الله ، فیمکن أن نأتی بذکر علیّ مع الأذان لا علی نحو الجزئیة بل لمحبوبیتها النفسیة ؛ امتثالاً لما جاء فی مرسلة الاحتجاج من قوله علیه السلام : « من قال محمّد رسول الله فلیقل علی أمیر المؤمنین » . تحصیلاً للمثلیّة التشریفیّة لا التشریعیّة .

وقد جاء عنهم علیهم السلام : « ذکرنا عبادة » أو : « ذکر علیٍّ عبادة »((1)) ، وفی موثّقة أبی بصیر عن أبی عبدالله ، قال : « ما اجتمع قوم فی مجلس لم یذکروا الله ولم یذکرونا إلّا کان ذلک المجلس حسرة علیهم یوم القیامة » ثمّ ، قال : قال أبو جعفر : « إنّ ذکرنا من ذکر الله ، وذکر عدوّنا من ذکر الشیطان »((2)) .

تلخّص من جمیع ما قلناه لحدّ الآن أنّ الدلیل الکنائی الآنف لا یثبت سوی الاقتران وأنّ ذکر علی مقترن بذکر النبی بنحو عام ؛ بالنظر للعمومات والإطلاقات الآنفة عن الروایات والأخبار الصحیحة والمعتبرة ، ولازم ذلک أنّ ذکر علی محبوب فی نفسه بنحو مطلق فی الأذان وفی غیره ، لکنّ هذا لا یثبت حکماً شرعیاً - عند مشهور فقهاء الإمامیة - لا جزءاً واجباً ولا جزءاً مستحبّاً . وبالجملة : فکلّ ما یثبته هذا الدلیل هو أنّ ذکر علیّ محبوب بعد ذکر النبیّ فی الأذان وفی غیره من دون اعتقاد الجزئیة .


1- الفردوس بمأثور الخطاب 3 : 244 / ح 3151 ، عن عائشة ، وعنه فی کنز العمال 11 : 276 / ح 32894 ، تاریخ دمشق 42 : 356 ، سمط النجوم العوالی 3 : 64 .
2- الکافی 2 : 496 / ح 2 ، وص 186 / ح 1 ، وسائل الشیعة 7 : 153 / ح 8981 .

ص:207

الشهادة بالولایة علی عهد الرسول والأئمّة المعصومین

حکی الشیخ عبدالنبی العراقی - عن المرحوم المیرزا هادی الخطیب الخراسانی فی النجف((1)) - وغیره عن الشیخ محمّد طه نجف أنّه سمع مَن یثق بدینه أنّه قد وقف علی کتاب ( السلافة فی أمر الخلافة ) للشیخ عبدالله المراغی المصری من علماء القرن السابع الهجری فی مکتبة المدرسة الظاهریة بدمشق((2)) ، وفیه : أن أبا ذرٍّ ، وفی آخر : سلمان : قد شهدا بالولایة لعلیٍّ فی أذانهما بعد واقعة الغدیر ، وقد سمع ذلک بعض الصحابة ونقلوه إلی رسول الله ، وهم علی اعتقاد بأنّ النبیّ سیستنکر هذا الفعل ویوبّخهما ، لکنّهم هم الذین لاقوا التأنیب والتوبیخ من قبل رسول الله ؛ إذ قال لهم بما مضمونه : أما وعیتم خطبتی یوم الغدیر لعلی بالولایة ؟ وما قلته قبل ذلک فی أبی ذر وأنّه أصدق ذی لهجة ؟ وإنّی قد عنیت بکلامی أمراً ، وخصوصاً حینما جمعتکم فی ذلک الحر الشدید والصحراء الملتهبة عند غدیر خُمّ . ویکون معنی کلامه صلی الله علیه و آله إنّی أحبّ أن یُؤتی بهذا ، ولکن لا ألزمکم به .

أنا لا ارید أن استدل بهذا الکلام فی بحثی ، لأنّه کلام رجل عامی ومرسل لا یمکن الاعتماد علیه فی الاستدلال ، وذلک لوجود قرائن وأدلة قو یة تعیننی للوصول إلی ما ارید قوله مستغناً عن هذه الحکایة وامثالها ، لکنی فی الوقت نفسه لا استبعد صدور هذا النص عن سلمان وأبی ذر ، لأنّهما کان بمقدورهما التعرف علی ملاکات الأحکام وروح التشریع ، لکونهما من خلص أصحاب الرسول وحواری الإمام علی .

وقد جاء فی کتاب الاحتجاج عن عبدالله بن الصامت ، قال : رأیت أبا ذر


1- الهدایة فی کون الشهادة بالولایة جزء کسائر الاجزاء : 45 .
2- أخبرنی غیر واحد بأ نّهما سمعا من أشخاص کانوا قد شاهدوا الکتاب فی المکتبة الظاهر یة ، لکنّی لم أقف علی الکتاب رغم بحثی عنه أخیراً .

ص:208

الغفاری آخذاً بحلقة باب الکعبة مقبلاً علی الناس بوجهه وهو یقول : أیّها الناس ، من عرفنی فقد عرفنی ، ومن لم یعرفنی فسأنبئه باسمی ، أنا جُندَب بن ] جنادة بن [ السکن بن عبدالله ، أنا أبو ذر الغفاری ، أنا رابع أربعة ممّن أسلم مع رسول الله صلی الله علیه و آله ... إلی أن قال : أَیَّتُها الأمّة المتحیّرة بعد نبیّها ، لو قدّمتم من قدّمه الله ، وأ خّرتم من أخّره الله ، وجعلتم الولایة حیث جعلها الله ، لما عال ولیّ الله ، ولما ضاع فرض من فرائض الله . ولا اختلف اثنان فی حکم من أحکام الله((1)) .

وما جاء عنه أیضاً : أیّها الناس ، إنّ آل محمّد صلی الله علیه و آله هم الأسرةُ من نوح ، والآلُ من إبراهیم ، والصفوة والسلالة من إسماعیل ، والعِترَةُ الطیبة الهادیة من محمّد ، فأَ نْزِلوا آل محمّد بمنزلة الرأس من الجسد ، بل بمنزلة العینین من الرأس ، فإنّهم فیکم کالسَّماء المرفوعة ، وکالجبال المنصوبة ، وکالشمس الضاحیة ، وکالشجرة الزیتونة ، أضاء زیتها ، وبورک وقدها ((2)).

وقد جاء عن سلمان فی آل البیت أکثر مما قاله أبو ذر عنهم ، وقد اعتبر سلمان من آل البیت لولائه وشدّة معرفته بمقامهم ، وهو الذی قال عنه رسول الله : سلمان منّا أهل البیت((3)) ، ومن أحبّ الوقوف علی مکانة سلمان فلیراجع کتاب ( نفس الرحمن فی فضائل سلمان ) .

وهذه النصوص تتلائم تماماً مع سیرة النبی صلی الله علیه و آله حیث کان یقف دوماً فی وجه المعترضین علی إمامة الإمام علیّ ، ویُعلِمهم بأنّه علیه السلام منه ، وهو منه ، وأنّهما خلقا من نور واحد ، وإلیک حدیثاً آخر فی هذا السیاق :


1- الاحتجاج 1 : 158 . وانظر معانی الاخبار : 178 قریب منه .
2- البصائر والذخائر لابن حیان 3 : 35 ، عن کتاب « الرتب » .
3- المستدرک علی الصحیحین 3 : 691 / ح 6539 ، المعجم الکبیر 6 : 21 / ح 6040 ، تهذیب الکمال 11 : 251 ، طبقات ابن سعد 4 : 83 ، و7 : 318 ، وغیره .

ص:209

عن عمران بن الحصین فی الصحیح ، قال : بعث رسول الله سریّة وأ مّر علیها علی بن أبی طالب ، فأحدث شیئاً ((1)) فی سفره ، فتعاقد أربعة من أصحاب محمّد أن یذکروا أمره إلی رسول الله .

قال عمران : وکنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلمنا علیه ، قال : فدخلوا علیه ، فقام رجل منهم ، فقال : یا رسول الله إنّ علیّاً فعل کذا وکذا ، فأعرض عنه .

ثم قام الثانی ، فقال : یا رسول الله إن علیّاً فعل کذا وکذا ، فأعرض عنه .

ثم قام الثالث ، فقال : إن علیّاً فعل کذا وکذا .

ثم قام الرابع فقال : یا رسول الله إن علیّاً فعل کذا وکذا .

فأقبل رسول الله علی الرابع وقد تغیّر وجهه ، فقال : دعوا علیّاً ، دعوا علیّاً ، دعوا علیّاً ، إنّ علیّاً منّی وأنا منه ، وهو ولیّ کلّ مؤمن بعدی((2)).

فتأمّل فی جملة « دعوا علیّاً ، دعوا علیّاً ، دعوا علیّاً » ، وهو معنی آخر لقوله صلی الله علیه و آله فیما رواه مسلم فی الصحیح : « أذکرکم الله فی أهل بیتی ، أُذکرکم الله فی أهل بیتی ، أُذکرکم الله فی أهل بیتی » ، لأنّه صلی الله علیه و آله کان یعلم بأنّ القوم یبغضون علیّاً ویوشُونَ به فی حیاته صلی الله علیه و آله فکیف بعد مماته ، وان جملته : « إنّه منّی وأنا منه وهو ولیّ کلّ مؤمن بعدی » تحمل معانیَ کثیرة وعالیة .

وممّا یؤکّد تنصیص النبیّ علی علیّ وأهل بیته ومحاولة بعض الصحابة بالنیل منه علیه السلام هو ما جاء عن الإمام الکاظم من قوله : إنّ عمر لا یرید الحث علی الولایة والدعوة إلیها ، وقد اتّضح لک سابقاً بأنّ جملة « حیّ علی خیر العمل » لیس لها


1- وهو أنّه علیه السلام کان قد اصطفی جاریة من خمس السبی .
2- مسند أحمد 4 : 437 / ح 19942 ، فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل 2 : 605 / ح 1035 ، تاریخ دمشق 42 : 197 والمتن منه ، البدایة والنّهایة 7 : 345 .

ص:210

ظهور فی الإمامة والولایة إلّا إذا فسرت بعبارات أخری ، وقد کان هذا الأمر سیرة لبعض الصحابة والتابعین فی عهده صلی الله علیه و آله ثم من بعده . وهو یوضح امکان الاتیان بالشهادة بالولایة لا علی نحو الجزئیة فی الأذان ، وقد کان بعض خلص الصحابة یأتون بها علی عهد عمر ثم من بعده إلی عصر الإمام الکاظم علیه السلام ، وان کلام الإمام ینبیء عن وجود هذه السیرة عند المؤمنین من عهد عمر إلی عصره الشریف .

نعم لا یمکن البتّ تاریخیاً فی أنّ الصیغ - المحکیة فی مرسلة الفقیه وشواذ الأخبار عند الطوسی - کانت توتی بعد الحیعلة الثالثة أو بعد الشهادة بالنبوة ؟

وکذا العبارات التی کان یأتی بها الشیعة فی عصر الصحابة والتابعین ما هی ؟

لا نعلمها بتفاصیلها ، بل الذی نعلمه ومن خلال کلام الإمام الکاظم هو أن الإمام کان لا یرتضی فعلة عمر ویراه مخالفاً للشریعة وأن مثل الأذان عنده مثل منع عمر للمتعتین وغیرها من احداثاته ، وبذلک یکون مفهوم کلام الإمام هو التأکید علی محبوبیة هذا الفعل عنده فی الأذان ، والحث علیها والدعوة إلیها ، أی انا نفهم من ذلک شرعیتها ومحبوبیتها عند الأئمّة ومنذ عهد عمر بن الخطاب ، أو قل منذ عهد رسول الله والصحابة ، لوجود معنی الحیعلة الثالثة معها أینما کانت وفی أی زمان .

وبهذا ، فقد عرفنا أن سیرة المتشرّعة کانت علی القول بجزئیة ( حیّ علی خیر العمل ) وأن بعض الصحابة والتابعین حتی عصر الإمام الکاظم المتوفی 183 ه- کانوا یفسرونها بالولایة ، والإمام حبذ ذلک وتهجم علی من رفعها ودعا إلی عدم الدعوة إلیها .

ومن الطریف أنی وحین نقلی لأقوال أهل البیت فی بدء الأذان((1)) لم أتِ بکلام للإمام الکاظم فی ذلک الحین مع إنی ذکرت أقوال جمیع الأئمّة إلی الإمام الرضا ، وأری فیما أتیت به هنا کان ملئ للفراغ الذی قد یشاهده الباحث فی الکتاب الأول


1- والذی مر فی کتابنا ( حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة ) .

ص:211

من هذه الدراسة ( حی علی خیر العمل ، الشرعیة والشعاریة ) .

وبهذا فقد أتضّح لک أن للسیاسة دوراً فی تحریف بعض الأحکام الشرعیة واستبدالها بأخری غیرها ، فلا یستبعد أن یکون بعض الرواة ترکوا ما جاء فی البیان السیاقی للحیعلة الثالثة من قبل الأئمة تقیة لأنّها هی الاشد من ذکر الحیعلة الثالثة والتی ترکها الراوی فیما رواه عن الإمام علی فی تفسیر الفاظ الأذان حسبما رواه الصدوق فی التوحید ومعانی الاخبار((1)) .

فالرواة فیما یحتمل بقوة حذفوا الحیعلة الثالثة - والتی جاءت بیاناً سیاقیاً من بعض الروایات - تقیّةً مع شدّة حرصهم وتمسکهم بالاتیان بها .

ومثله ما حکی عن بعض أئمّة أهل البیت وأنّهم کانوا یقولون: ( الصلاة خیر من النوم ) وحمل الفقهاء والمحدّثون ذلک علی التقیّة ، وبعد هذا فلا یستبعد أن یترک الأئمّة والروایة عنهم روایات الشهادة الثالثة التفسیریة تقیة أیضاً .

وقد تمخّض البحث إلی الآن عن أنّ الحیعلة الثالثة لیس لها ظهور فی الولایة إلّا بضمیمة نصوص أُخری دالّة علیها وهی نصوص الاقتران المارة ، والنصوص المفسِّرة لها علی نحو التفسیر السیاقی ، کلّ هذا یضاف إلی أنّ خُلّص الشیعة فی حلب وحمص وبغداد والقاهرة وفی القرون الثلاثة الأُولی - الثالث والرابع والخامس بالتحدید - کانوا یأتون بالشهادة الثالثة ، لأنّ الأئمة قد أجازوا لهم ذلک ، مضافاً إلی محکیّة تأذین أبی ذرّ أو سلمان بها فی زمان رسول الله صلی الله علیه و آله وأنّ مثله فی الأحکام مثل الآیات المقروءة مع شأن نزولها فی مصاحف الصحابة ، وأنّهم کانوا یقرؤونها لا اعتقاداً منهم بأنّها من القرآن((2)) ، بل لإثبات الحقائق ، وکذلک


1- التوحید : 238 / ح 1 ، باب تفسیر حروف الأذان ، معانی الأخبار : 40 / ح 1 ، باب معنی حروف الأذان .
2- مر علیک بعض تلک القراءات انظر صفحة10 ، 11 ، 12 ، 197 إلی 200 .

ص:212

حال الأذان ، فالصحابة والتابعون وأمثالهم کانوا یأتون بها لا علی نحو الشرّطیّة والجزئیّة ، بل یأتون بها أوّلاً لأنّها جملةٌ تفسیر یّة مباح الإتیان بها ، بل محثوثٌ علی الإتیان بها ، وثانیاً لمحبوبیّتها الذاتیّة ورجحانها النفسیّ ، أو لإحقاق حقوق الأئمّة ، والوقوف أمام مطامع الحکّام والسلاطین ، شریطة أن یأمنوا من مکر السلطان وبطشه .

وقفة عند معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام

أ کّدت معتبرة الفضل بن شاذان المرو یّة فی عیون أخبار الرضا عن الإمام الرضا بأنّ الأذان دعوة إلی الإیمان لقوله صلی الله علیه و آله : « ... ویکون المؤذّن بذلک داعیاً إلی عبادة الخالق ، مرغّباً فیها ، مقرّاً له بالتوحید ، مجاهراً بالإیمان ، معلناً بالإسلام » - إلی أن یقول - : « لأنّ أوّل الإیمان إنّما هو التوحید والإقرار لله عزّ وجلّ بالوحدانیة ، والثانی الإقرار للرسول بالرسالة ، وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان ، ولأنّ أصل الإیمان إنّما هو الشهادة ، فجعل الشهادتین فی الأذان ... فإذا أقرّ ] العبد [ لله بالوحدانیة ، وأقرّ للرسول بالرسالة ، فقد أقرّ بجملة الإیمان ، لأنّ أصل الإیمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله ... » ((1)).

وهنا لابدّ من توضیح بسیط لهذه الروایة ، فأقول :

من المحتمل قو یاً عندی وجود تقدیم وتأخیر فی کلمتی الإسلام والإیمان من قبل الراوی ، فتکون العبارة هکذا : « مجاهراً بالإسلام ومعلناً بالإیمان » وهذا ما یؤکّده ذیل الخبر ، لأنّ الإقرار بالشهادتین - وحسب قول الإمام -


1- عیون أخبار الرضا 2 : 103 / باب 34 / ح 1 ، قال الصدوق فی آخر باب 35 ( ج 2 : 126 ) بعد ان روی ثلاثة طرق لما کتبه الرضا علیه السلام للمامون فی محض الإسلام وشرائع الدین : وحدیث عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس رضی الله عنه عندی اصح ولا قوة إلاّ بالله .

ص:213

إقرار بجملة الإیمان لا کُلِّه وتفصیله ، وإن کنت لا أنکر أن یراد من « بجملة للإیمان » کلیّة الشیء وهو الشهادتان ، لکنْ هناک احتمال آخر یجب أخذه بنظر الاعتبار ، وهو أنّه علیه السلام أراد الإشارة إلی الولایة کذلک ، لأنّ الإیمان حقیقته أخص من الإسلام ، فقد یکون الإنسان مسلماً لکنّه لیس بمؤمن ، کما نراه فی قوله تعالی : { قَالَتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَکِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا یَدْخُلِ الاْیمَانُ فِی قُلُوبِکُمْ }((1)) فقد یکون الإمام أراد الإشارة إلی هذه الحقیقة بالخصوص .

و یؤکّد قولنا ما قاله علیه السلام : « لأنّ أوّل الإیمان هو التوحید ، والإقرار لله بالوحدانیة ، والثانی الإقرار للرسول بالرسالة » ففی کلامه تلو یح إلی وجود حقیقة ثالثة یکمل بها الإیمان ، وهی الولایة .

وقد احتمل التقیّ المجلسی هذا الأمر قبلنا فی شرحه علی « من لا یحضره الفقیه » ، إذ قال : ویمکن أن یکون الإیمان إشارة إلی الشهادة بالولایة المفهومة من شهادة الرسالة ( مُؤذناً ) أی معلناً ( لمن ینساها ) والمرجع ] أی الضمیر فی ینساها یرجع إلی [ المذکورات من قبل ، من التوحید والإیمان والإسلام((2)) .

إذن روح الإیمان هی ولایة الإمام علیّ وإن کان أصله ومنبته وأوله وأساسه الإقرار بالله وبرسوله ، ولولاها لما وصلنا إلی الکمال فی الدین .

فعن حمران بن أعین أنّه سأل الإمام الباقر علیه السلام ، قال : قلت : أرایت من دخل فی الإسلام ألیس هو داخلاً فی الإیمان ؟

فقال : لا ، ولکنّه قد أضیف إلی الإیمان وخرج من الکفر ، وسأضرب لک مثلاً تعقل به فضل الإیمان علی الإسلام ، أرأیت لو بصرت رجلاً فی المسجد أکنت تشهد


1- الحجرات : 14 .
2- روضة المتقین 2 : 261 .

ص:214

أنّک رأیته فی الکعبة ؟

قلت : لا یجوز لی ذلک ، قال : فلو بصرت رجلاً فی الکعبة أکنت شاهداً أنّه قد دخل المسجد الحرام ؟

قلت : نعم .

قال : وکیف ذلک ؟

قلت : إنّه لا یصل إلی دخول الکعبة حتی یدخل المسجد .

فقال : قد أصبت وأحسنت ، ثمّ قال : کذلک الإیمان والإسلام((1)) .

وعن فضیل بن یسار ، قال : سمعت أبا عبدالله یقول : إنّ الإیمان یشارک الإسلام ولا یشارکه الإسلامُ ، إنّ الإیمان ما وقر فی القلوب ، والإسلام ما علیه المناکح ، والمواریث ، وحقن الدماء ، والإیمانُ یشرکُ الإسلامَ والإسلامُ لا یشرکُ الإیمانَ ((2)).

ولو تأ مّلت فیما رواه الفضل بن شاذان عن محمّد بن أبی عمیر أنّه سأل ابا الحسن الکاظم عن معنی « حیَّ علی خیر العمل » وقوله : « إنّها الولایة ، وإنّ عمر أراد أن لا یکون حثٌّ علیها ودعاء إلیها » ، وجمعته مع ما جاء عن الإمام الرضا الآنفة ، لعرفتَ وجود مفهوم الإمامة والولایة فی الأذان فی القرن الثانی الهجری .

ومن کلّ ما مرّ یتّضح لک أنّ معنی الولایة موجود فی الأذان وهو المصرَّح به من قبل الأئمّة : الباقر ، والصادق ، والکاظم علیهم السلام ، وکذلک الإمام الرضا بقوله : ( مجاهراً بالإیمان ) کما قررناه آنفاً .

وعلیه فالنداء بالحیعلة الثالثة هو نداء المؤمنین المعتقدین بولایة علی أمیر المؤمنین ، ومن خلاله یمکن أن نقول برجحان الشهادة بالولایة فی الأذان بتقریب


1- الکافی 2 : 27 / ح 5 ، من الباب نفسه .
2- الکافی 2 : 26 / ح 3 ، من الباب نفسه .

ص:215

أنّ الإمام الرضا علیه السلام من جهة قال : إنّ المؤذن مجاهراً بالإیمان إذا ما دعا إلی الله ، والإیمان هو الذی یدور مدار الولایة ، بخلاف الإسلام الذی یدور مدار الشهادتین فقط ، ومن جهة اخری فإنّ الإمام الکاظم علیه السلام فی حسنة ابن أبی عمیر حثّ علی الولایة من خلال حیّ علی خیر العمل ، ونتیجة ذلک محبوبیة المجاهرة بالولایة فی الأذان ، لکن لا علی أنّها جزء فیه وفصل من فصوله بل لمجرّد الذکر المحبوب الذی یدور مدار الإیمان الذی لا یتحقّق إلّا بالولایة علاوة علی الشهادتین .

ونحن إن شاء الله سنُفصّل قولنا هذا أکثر فأکثر فی الفصل الثالث « الشهادة الثالثة شعار وعبادة » والذی سنثبت فیه الترابط المعرفی بین الشهادات الثلاث ، وإن فی الأذان لفّاً ونشراً مرتَّباً بین الشهادات الثلاث ، والحیعلات الثلاث ، وهذا یؤکّد کونه تشریعاً سماویاً ولیس بمنامیّ .

ص:216

الأذان فی زمن الإمام الهادی علیه السلام

لقد مشت هذه السیرة - السیرةُ الأذانیة - عند الشیعة ، حتّی عهد المتوکّل العباسی الذی أراد الإزدراء بالإمام الهادی ، لکنّه ازدری بنفسه وبأسیاده القرشیین والأمویین حینما ذکّره الإمام علیه السلام مفتخراً علی الجمیع بأنّ الجوامع والمساجد تأتی باسم جده أحمد وأبنائه المطهَّرین ، وهو فضلٌ اختصّهم الله به ، یشهد بذلک کلّ مسلم فی أذانه ، وإن کانوا أهل البیت سکوتاً مطاردین من قبل الحکّام .

فقد جاء فی أمالی الطوسی : أنّ الإمام علیاً الهادی علیه السلام دخل یوماً علی المتوکّل ، فقال له المتوکل : یا أبا الحسن مَن أشعر الناس ؟ وکان قد سأل قبله علیّ بن الجهم ، فذکر شعراء الجاهلیة وشعراء الإسلام ، فلمّا سأل الإمامَ أجابه علیه السلام : الحمانی ؛ حیث یقول :

لقد فاخَرَتْنا من قریش عصابةٌ بمطّ خُدود وامتدادِ أصابعِ

فلمّا تَنازَعنا القضاءَ قضی لنا علیهم بما نهوی نداءُ الصَّوامعِ

قال المتوکّل : وما نداء الصوامع یا أبا الحسن ؟ ] کی یقف علی مقصود الشاعر من نداء الصوامع ، هل هی الجمل التفسیریة فی علیّ أم شی آخر ، إذ لا یعقل أن لا یعرف المتوکّل معنی الصوامع حتی یسأل الإمام عنها [ ؟

قال : « أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله » جدّی أم جدّک ؟ فضحک المتوکّل ثمّ قال : هو جدّک لا ندفعک عنه((1)). وقد أفصح الحمّانی عن ذلک بتتمة البیتین فقال :

تَرانا سُکوتاً والشهیدُ بفضلِنا تَراهُ جَهیرَ الصوتِ فی کلِّ جامعِ


1- أمالی الطوسی : 287 / ح 557 .

ص:217

بأنّ رسولَ اللهِ أحمدَ جدُّنا ونحن بَنُوهُ کالنجومِ الطَّوالعِ((1))

قال ابن اسفندیار فی تاریخ طبرستان عن المتوکّل : وإنّه کان مولعاً بقتل آل الرسول ، کما کان المترفون مولعین بالعبید والملاهی .

وقد جاء فی تاریخ بغداد فی ترجمة ( الحسن بن عثمان الزیادی ) أنّ المتوکّل وجّه من سامراء بسیاط جدد ، وأمر بضرب عیسی بن جعفر بن محمّد بن عاصم - صاحب خان عاصم - ألف سوط ، لأنّه شهد علیه الشاهدون أنّه یشتم أبا بکر وعمر ویقذف عائشة ، فضرب بالسیاط وترک فی الشمس حتی مات ، ثم رُمی به فی دجلة((2)).

وفی معالم العلماء فی ترجمة علی بن محمّد بن عمار البرقی ، وهو من شعراء أهل البیت المجاهرین ، قال : حرقوا دیوانه وقطعوا لسانه((3)).

فإذا کان المتوکّل یقطع لسان شاعر ینشد فی فضل علی ، أو یضرب ألف سوط لشتم أبی بکر وعمر ، ویهدم قبر الحسین ، فهل من المعقول أن یسمح فی الاجهار بولایة علی من علی المآذن ؟ الجواب : لا وألف لا ، فالکلّ تراهم سکوتاً ، لکنّ الشهادة بفضلهم - کنایة أو تصریحاً - من الأوّلیات فی کلّ جامع .

والمتامل فی تاریخ الشیعة یقف علی شدّة الخوف الذی کان یحیط بهم ، فکانوا یخافون حتّی من أصدقائهم ، وقد نقل یاقوت الحموی فی ترجمة عمر بن إبراهیم - المتوفّی 539 ه- ، وهو من أحفاد الإمام زید الشهید - أنّه لم یُطْلِعِ السمعانی الحنفیّ المذهب علی الجزء المصحّح بالأذان بحیّ علی خیر العمل ، وأخذه منه وقال له : هذا


1- اُنظر : دیوان علیّ الحمّانی 81 ، ومناقب ابن شهرآشوب 3 : 510 وفیه : « علیهم » بدل : « تراه » .
2- انظر تاریخ بغداد 7 : 357 ، تاریخ دمشق 13 : 135 ، المنتظم 11 : 283 .
3- معالم العلماء : 182 ، وأعیان الشیعة 8 : 328 .

ص:218

لا یصلح لک ، له طالب غیرک((1))، ثمّ عَلَّلَ سرّ وجود مثل هذه الکتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ینبغی للعالم أن یکون عنده ، کلّ شیء ، فإنّ لکلّ نوع طالباً .

کلّ ذلک لأنّ الفقه الحاکم آنذاک کان فقه أبی حنیفة وأن السمعانی کان منهم ، وعمر بن إبراهیم وغیره من الطالبیین کانوا یخافون بطش السلطان .

ومثله کلام إبراهیم بن عبدالله بن الحسن المار ذکره فی الدراسة السابقة عن ( حیَّ علی خیر العمل ) وأنّه کان یأمر اصحابه إذا کانوا بالبادیة أن یزیدوا فی الأذان « حیَّ علی خیر العمل »((2)).

ولمّا سئل أحمد بن عیسی عن التأذین بحیّ علی خیر العمل ، قال : نعم ، ولکن أخفیها ((3)).

فلو کانت التقیة تجری مع إظهار « حی علی خیر العمل » الحاملة لمعنی الولایة کنایة ، فکیف باظهار الشهادة الثالثة علناً وجهاراً ؟!

بل کیف یعقل أن یأمر الله ورسوله بالشهادة الثالثة فی الأذان ، وهما یعلمان بانقلاب الأمّة بعد رسول الله ؟!

إنّ الإمام علیّاً وشیعته قد اضطهدوا فی جمیع العصور ، بدءاً بغصب الخلافة بعد رسول الله ، ومروراً بسبّ الإمام علی من علی المنابر فی عهد معاویة ، وسم الحسن ، وأن لا صلاة إلّا بلعن أبی تراب((4))، وانتهاءً بلا نهائیة الظلم والجور .


1- معجم الادباء 4 : 428 ، تاریخ الإسلام للذهبی 36 : 516 ، ذیل تاریخ بغداد لابن النجار 5 : 10 .
2- الأذان بحی علی خیر العمل للحافظ العلوی بتحقیق عزان : 147 / ح 186 .
3- الأذان بحی علی خیر العمل بتحقیق عزان : 150 / ح 190 ، وأخرجه محمّد بن منصور فی الأمالی لابن عیسی 1 : 194 / رقم 237 .
4- شرح نهج البلاغة 7 : 122 ، وانظر تاریخ دمشق 11 : 291 ، وکتاب اخبار وحکایات للغسانی : 52 ، حیث ذکروا أن فی عهد هشام بن عبدالملک کانت مجالس الذکر لبعض الشامیین تختم بلعن علی بن أبی طالب علیه السلام ، تقرباً إلی الله !

ص:219

وقد أمر معاویة بحرمان من عرف منه موالاة علیّ من العطاء وإسقاطه من الدیوان والتنکیل به ، وهدم داره ، وأن لا یجیزوا لأحد من شیعة علی الشهادة ((1))، والإمامُ الحسین فی رسالته إلی معاویة ذکّره ببعض تعلیماته لزیاد وأنّه أمره بتسمیل العیون ، وقطع الأیدی والأرجل ، وتعلیق الناس علی النخیل ، وقتل من کان علی دین علی ...((2)).

وقد خاطب السائب بن مالک الاشعری - من قادة جیش المختار - أهل الکوفة بقوله : ویحکم یا شیعة آل رسول الله ، إنّکم قد کنتم تُقْتَلُون قبل الیوم ، وتقطع أیدیکم وأرجلکم من خلاف ، وتُسمل أعینکم ، وتصلبون أحیاءً علی جذوع النخل ، وأنتم إذ ذاک فی منازلکم لا تقاتلون أحداً ، فما ظنّکم الیوم بهؤلاء القوم إن ظهروا علیکم((3)) ...

وأبشع من کلّ ذلک قتل الحسین ، وسبی النساء مع علی بن الحسین ، وقد وضّح الإمام الباقر بعض ما جری علی الشیعة فی کلام له لبعض اصحابه ، حیث قال علیه السلام : ما لقینا من ظلم قریش إیّانا وتظاهرهم علینا ، وما لقی شیعتنا ومحبّونا من الناس ، إنّ رسول الله صلی الله علیه و آله قبض وقد أخبر أنّا أولی الناس بالناس ، فتمالأت علینا قریش حتی أخرجت الأمر من معدنه ... إلی أن قال : ثمّ لم نزل نُستَذَلُّ ونُستضامُ ونُقصی ونُمتهن ونُحرم ونُقتل ونخاف، ولا نأمن علی دمائنا ... الخ((4)).

قال دعبل الخزاعی :


1- انظر شرح نهج البلاغة 11 : 44 ، والاحتجاج للطبرسی 2 : 17 ، عن کتاب سلیم بن قیس : 318 .
2- انظر انساب الاشراف 5 : 128 ، والإمامة والسیاسة : 156 .
3- الفتوح 6 : 237 .
4- شرح نهج البلاغة 11 : 43 - 44 .

ص:220

إنّ الیهودَ بحبّها لنبیِّها

أمنت بوائِقَ دهرها الخوَّانِ

وکذا النصاری حُبَّهُم لنبیِّهم

یمشونَ زهواً فی قری نجرانِ

والمسلمونَ بِحُبِّ آلِ نبیِّهم

یُرْمَونَ فی الآفاق بالنیرانِ((1))

هذا من جهة .

ومن جهة أخری فإنّ بنی أمیّة - وکما قلنا - سعوا لتحریف اُمور کثیرة فی الأذان ، وقد وقفت علی بعضها ، وکان الطالبیون لا یستطیعون الجهر بالحیعلة الثالثة من علی المآذن فی عهدهم ، فکیف بالشهادة الثالثة ؟!

لذلک اکتفوا - عند عدم المانع أیضاً - بالإجهار ب- « حیّ علی خیر العمل » الحاملة لمعنی الولایة ، وفی حالات خاصّة کانت تفتح بجمل دالّة علیها ؛ إن أمنوا من مکر السلطان ، أو إذا أرادو إظهار فضل آل البیت ، أو التصریح بموقفهم السیاسی والعقائدی فی الخلافة .

ف- « حیّ علی خیر العمل » و« محمّد وعلیّ خیر البشر » و« محمّد وآل محمّد خیر البریة » وأمثالها کانت شعارات دالة علی الاعتقاد بولایة علیّ وأهل البیت ، یستعینون بها فی الأذان وغیره لإظهار أحقیّة ((2))وفضل علی واولاده المعصومین فإنّهم کانوا یقولون بها ، لأنّهم قد وقفوا علی شرعیّتها من قبل أئمتهم .

إنّ الحیعلة الثالثة کانت تقال علی عهد رسول الله صلی الله علیه و آله ، وقد فُتح مدلولها بالفعل من قبل بعض الصحابة ، لکنّ فتحها لم یکن حالة سائدة وشعاراً لکل الشیعة فی جمیع الأصقاع ، بل کان یقولها بعض الخُلّص من الصحابة العارفین بمکانة أهل البیت التی أنزلهم الله فیها .

وإنّ الإمام الکاظم بقوله آنف الذکر أراد الإشارة إلی هذه الحقیقة الشرعیة


1- انظر دیوان دعبل الخزاعی : 173 ، وروضة الواعظین : 251 .
2- کما فی التأذین ب- « حیّ علی خیر العمل » فی ثورة صاحب فخ .

ص:221

التأریخیة ، وأنّ هذا العمل هو ممّا کان یعمل علیه فی العصر الأوّل ، لکنّ عمر لم یرتضِ شیوع هذه الثقافة عند المسلمین ، فجدّ لحذفها ؛ بدعوی أنّ الناس سیترکون الجهاد تعو یلاً علی الصلاة .

إنّ قول « حیّ علی خیر العمل » - وکما قلنا - بظاهره لا یفهم منه الدعوة إلی الولایة ، إلّا إذا فُسّر ووضّح من قبل الصحابة والتابعین بجمل ولائیة ، وقد أکّدنا مراراً علی أنّ الإمام الکاظم فسّرها بالولایة ودعا إلی الحث علیها ، وقد جیء بها وبتفسیرها معها فی عصر الغیبة الصغری وقبل ولادة الشیخ الصدوق فی حلب ، أمّا اعتقاد الصدوق بوضع المفوضة لها فلا یوافقه علیه السیّد المرتضی والشیخ الطوسی حسبما سنوضّحه لاحقاً ، بل أفتیا بعدم الإثم فی الإتیان بها ، وقالا بورود أخبار شاذّة علیها ، وهذا یؤکّد عدم قبولهما دعوی الوضع من قبل المفوّضة لتلک الأخبار ، بل یرون لتلک الأخبار الحجیّة الاقتضائیة لا الفعلیة .

وعلیه فالشیعة وعبر التاریخ - وبحسب الادلة الواصلة إلیهم - کانوا یأتون بها لا علی نحو الشطریة والجزئیة بل علی نحو التفسیریّة ، والمحبوبیة الذاتیة ، والذکر المطلق ، ولأجل هذا لم یمنعهم أو ینهاهم النبی - والأئمة من ذریته - بل حبذّوا ذلک ، إذ کان فیه بقاءُ الحقّ وشیوع مذهبهم ، حتی صار الیوم شعاراً لهم .

وبهذا فقد اتّضح لنا أنّ للحیعلة معنی کنائیاً ، قد عرفه بعض الصحابة والتابعین ، فمنهم من دعا إلیها ، والآخر عارضها ، فتری أمثال : أبی ذر ، وسلمان ، کانا یدعوان إلیها وإلی الشهادة الثالثة - کما فی المحکیّ عن کتاب السلافة - أما عمر بن الخطاب وأتباعه ، فکانوا ینهون عنها ، ولا یریدون حثّاً علیها ودعوة إلیها .

وکذا الحال فی العصور التی تلت عهد عمر وعثمان ، فالإمام علی کان یُشید بهذا

ص:222

الموقف الصحیح من مؤذنه ابن النباح ، ویقول : أهلاً بالقائل عدلاً ((1)).

وقد مرَّ علیک موقف الإمامین الحسن والحسین ، وأخیهما محمّد بن الحنفیة ومعارضتهم لفکرة الأمویین فی بدء الأذان .

وکذا قول الإمام علی بن الحسین عن الحیعلة الثالثة أنّها کانت فی الأذان الأول .

وفی شعر خالد بن یزید بن معاویة بن أبی سفیان إشارة إلی من کان یرفع الآل مع ذکر الرسول - بعد واقعة الطف - إذ قال :

نقمت علیّ بنو أمیة أنّنی

أبغی النجاة وللنّجاةِ أریدُ

أهوی علیّاً والحسینَ وصنوه

عهدی بذلک مبدئٌ ومعیدُ

لو أنّنی یوم الحسین شهدته

لنصرته ربِّی بذاک شهیدُ

یا لیت لم یکُ لی معاویةٌ أبا

فی العالمین ولا الشقیُّ یزیدُ

والله یُخرجُ من خبیث طَیِّباً

جاء القُران بذاک وهو وَکیدُ

یا هاشمُ ، المبعوثُ فینا أحمدٌ

إنّ المطیفَ ببعضکم لسعیدُ

فی کلّ یوم خمسة مفروضة

یعلو الأذان بذکرکم ویشیدُ

ولکم مساکنه وأهل جواره

ومرافقوه وحوضه المورودُ

وإذا تشاء سقیتم من شئتُمُ

وعدوّکم عن ورده مردود((2))

إنّ حکایة الإمام الباقر للإسراء والمعراج وتشریع الأذان فیه - بما فیه الحیعلة الثالثة((3)) - وما قاله الإمام الصادق عن القوم وأنّهم غیروا اسم الإمام علی الموجود علی ساق العرش إلی ابی بکر ، إلی غیرها من الحقائق التی اتضحت لنا ، وسنقف


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 288 / ح 890 ، وسائل الشیعة 5 : 418 / ح 6973 .
2- العقد النضید والدر الفرید ، لمحمّد بن حسن القمی : 163 - 164 .
3- وسائل الشیعة 5 : 414 / ح 6964 .

ص:223

علی المزید منها لاحقاً ، کُلّها حجج مؤ یّدة لما قلناه .

وها هو الآن أمامک کلام الإمام الکاظم ، وقد جاء ظاهراً صریحاً وامتداداً للسیرة والشرع ، مذّکراً علیه السلام ومنوهاً إلی أنّ معنی الحیعلة الثالثة هو بیان ل- « محمّد وعلی خیر البشر » و« أشهد أن علیاً ولی الله » و« محمّد وآل محمّد خیر البریة » لا غیر ، وأنّ القوم لا یریدون الإشادة بذکر علی وأولاده المعصومین .

ومفهوم کلامه علیه السلام : « أنّ عمر أراد أن لا یکون حثٌّ علیها ودعاء إلیها » أی إلی الولایة ، یعنی أنّ الإمام علیه السلام یجیز هذا الأمر ویدعو إلیه ، قال بهذا الکلام وهو قابع فی سجون الرشید ، کلّ ذلک للإشادة بالحقّ والحقیقة الضائعة بین ثنایا الأمة .

کان هذا عرضاً سریعاً لسیرة الشارع فی الشهادة بالولایة ، وکذا لموقف المتشرّعة فیها إلی عهد الکاظم علیه السلام ، وتراه واضحاً صریحاً لیس فیه غموض .

نعم کان هذا الأمر بین الشدّة والفتور فی عهد الإمام الرضا وأبنائه المعصومین حتّی غیبة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف فی سنة 261 ه- ، ومن الطریف أنّ البعض یطالبنا لإثبات الشهادة الثالثة بالأخبار المتواترة فیه ، وهو الواقف علی مجریات الأحداث بعد رسول الله وما لاقی الشیعة من الظلم والاضطهاد لحبّهم الإمام علی علیه السلام ، فکیف یمکن الجهر بالولایة لعلی بن أبی طالب وبنو أمیة راحت تلعنه علی المنابر قُرابة قرن ؟

بل کیف یمکن تناقل تلک الروایات الداعیة إلی الشهادة الثالثة ، وانت تری الرواة لا یمکنهم أن یحدّثوا عن علی إلّا بالتکنیة : قال الحسن البصری : لو أردنا أن نروی عن علی لقلنا قال أبو زینب ؟

بل هل فکر أولئک بالتضحیات التی قدمها رجالنا حتّی وصلت إلینا تلک الأخبار الشاذة علی لسان الطوسی والحلیّین ؟

وعلیه فالحیعلة الثالثة شرعت علی عهد الرسول ، واذن بها علی عهد علی

ص:224

والصحابة ، وان الإمام علی کان یشجع القائل بالحیعلة ، وروی عن الإمام السجاد أنّه قال أنّها کانت فی الأذان الاول ، وأخبر الباقر والصادق أنّها کانت فی الاسراء والمعراج وقالا بأنّ معناها هو الولایة ، وجاء عن الإمام الکاظم جواز فتح معناها معها ، والإمام الرضا أشار إلی وجود معنی الولایة فی الأذان وأخیراً الکلام عن وجود معنی الولایة فی أذان الشیعة علی عهد الإمام الهادی .

وإلیک الآن نصّین یمکن الاستشهاد بهما فی زمن الغیبة الصغری :

نصّان فی الغیبة الصغری

قال ابن اسفندیار الکاتب المتوفّی 613 ه- ، فی کتابه ( تاریخ طبرستان ) : استقرّ الداعی الکبیر ] وهو الحسن بن زید بن محمّد بن إسماعیل [ بن زید فی آمل ] سنة 250 ه- [ ، وأعلن فی أطراف طبرستان ، وگیلان ، والدیلم أنّه : قد رأینا العمل بکتاب الله وسنّة رسوله ، وما صحَّ عن أمیر المؤمنین ، وإلحاق « حیّ علی خیر العمل » ، والجهر بالبسملة ، والتکبیر خمساً علی المیّت ، ومن خالف فلیس منّا ((1)).

وجاء فی کتاب بغیة الطلب فی أخبار حلب لابن العدیم المتوفّی 660 ه- : « ... عن أبی بکر الصولی أنّه لمّا جلس أحمد بن عبدالله((2)) علی سدة الحکم سار إلی حمص ودُعِیَ له بها وبکورها، وأمرهم أن یصلّوا الجمعة أربع رکعات، وأن یخطبوا بعد الظهر ویکون فی أذانهم: أشهد أن محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ علیّاً ولیّ المؤمنین ، حیّ علی خیر العمل »((3)) .

وهذان النصان هما قبل ولادة الشیخ الصدوق یقیناً ، وتری الشیعة یؤذّنون بهذا


1- تاریخ طبرستان لابن اسفندیار الکاتب : 239 ، وعنه فی تاریخ طبرستان للمرعشی المتوفی 881 ه- .
2- وهو الخارج بالشام فی أیّام المکتفی بالله، وکان ینتمی إلی الطالبیین، وهو المعروف بصاحب الخال ، والذی قتل بالدکّة فی سنة إحدی وتسعین ومائتین ] 291 ه[ .
3- بغیة الطلب 2 : 944 .

ص:225

الأذان ، لأنّ له مخرجاً شرعیاً عندهم ، لکن لم یصبح بعد شعاراً سائداً عندهم ، وذلک لما کانوا یلاقونه من جور وتعسّف من قبل الحکّام العباسیّین وقبلهم الأمویین ، فلا یمکنهم التصریح به إلّا إذا سیطروا علی مکان وأمنوا من مکر السلطان .

ومجمل القول : إنّ الشیعة - فیما أعتقد - کانت تری ، فیما تری - رجحان الإتیان بالشهادة بالولایة لعلی فی الأذان طبقاً لجزئیة الحیعلة الثالثة فیها ؛ فکانوا یفتحون دلالتها بصیغ متفاوتة ، وقد تختلف تلک العبارات ؛ فتارة : « محمّد وعلی خیر البریة » ، وثانیة : « محمّد وعلی خیر البشر » ، وثالثة : « أشهد أنّ علیاً ولی الله » ، ورابعة : « أنّ علیاً أمیر المؤمنین حقاً » وخامسة ، وسادسة ، وذلک لما فی مفهوم کلام الإمام الکاظم وغیره من الأئمّة من دلالات ، وأنّه علیه السلام - بکلامه الانف الذکر - أراد أن یعیّن المصداق والمناط فی کل ذلک وهو الولایة لآل البیت ، علی وبنیه والسماح لهم بالبیان عن ذلک بأی شکل کان ، وفی المقابل أراد بیان السبب الخفی لمنع عمر لها .

أی ، أنّ المکلّف لمّا کان یعلم بأنّ الولایة هی مطلوب الشارع سواء من جملة « حی علی خیر العمل » أو من العمومات الکثیرة الأُخری الدالة علیه ، أو من غیرها ، فإنّه یقف علی رجحانها من باب تنقیح المناط ووحدة الملاک حسب تعبیر الفقهاء ، وهو : ضرورة الدعوة للولایة بعد الدعوة للرسالة فی کلّ مورد ، وهذا هو ما یستفاد من روایة الإمام الکاظم علیه السلام فی سبب حذف عمر لها .

و یتأکد هذا ویستحکم خصوصاً حینما نقف علی أقوال الأئمّة ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلّا بولایتهم ، وأنّهم هم مفتاح قبول الصلاة ، والزکاة ، والصیّام ، والحجّ ، أی أنّ أیّ عمل وإن کان صحیحاً فإنه لا یقبل إلّا بولایتهم ، فهم شرط قبول الأعمال عندنا ((1)).


1- افرد العلّامة المجلسی فی البحار باباً تحت عنوان ( إنه لا تقبل الاعمال إلاّ بالولایة )، وغایة المرام / ب 46 و47 ، وجامع الأحادیث 1 : 19 ، انظر بحار الأنوار 27 : 166 / الباب 7 . وقد نفتح هذا الأمر فی الفصل الثالث من هذه الدراسة .

ص:226

وبهذا فقد انتهینا من بیان المرحلتین الاولیین من مراحل الشهادة بالولایة فی الأذان وهی الشهادة لعلی کنائیاً من خلال حملة «حی علی خیر العمل» لان الظروف والاستعداد النفسی لقریش لم یسمح لتشریع الشهادة الثالثة فی الأذان صریحاً وقد مر علیک بعض الظلم الذی اصاب أهل البیت وشیعتهم فقد بقت الشهادة بالولایة بمعناها الکنائی إلی اواخر العهد الاموی ، اما اوائل العهد العباسی فکان الانفتاح شیئاً ما ، فجاء عن القاسم بن معاویة انه اخبر الصادق عما یرویه الناس فی حدیث معراجهم وتغییرهم وجود اسم الإمام علی علی ساق العرش إلی اسم أبی بکر وهذا مما دعی الإمام الصادق إلی بیان ما شاهده رسول الله فی الاسراء والمعراج وان اسم الإمام علی کان موجوداً لما خلق الله السماوات والأرض ، وجبرئیل واسرافیل إلی آخر الخبر .

وان الإمام الصادق - کما فی خبر عمر بن اذینه ومحمّد بن النعمان الاحول وسدیر الصیرفی - سأل عمر بن اذینه عما یقوله الناس فی اذانهم ورکوعهم وسجودهم فقال عمر بن اذینه انهم یقولون ان الأذان کان بمنام راه أبی بن کعب فانبری الإمام معترضاً واخذ یذکر ما شاهده رسول الله فی الاسراء والمعراج وفیه ان جبرئیل لما قال أشهد أن محمّداً رسول الله اجتمعت الملائکة وسلمت علی رسول الله وسالته عن أخیه فقال صلی الله علیه و آله هل تعرفونه ، قالوا : کیف وقد اخذ الله میثاقه ومیثاقک منا .

وهذین النصین یشیران إلی الانفتاح شیئاً ما فی بیان خبر الأذان ، ویؤکد ذلک ما رواه ، الفضل بن شاذان عن ابن أبی عمیر عن الکاظم وقوله وان الذی امر بحذفها أراد أن لا یکون حثاً علیها ودعوة إلیها ، وما جاء فی معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام وفیه ما یشیر إلی وجود معنی الولایة فی الأذان ، وعلیه فکل هذه النصوص تؤکد علی محبوبیة الأتیان بالشهادة بالولایة فی الأذان لا علی نحو الجزئیة .

ص:227

سؤال وجواب

وهنا سؤال لابدّ من الإجابة علیه ، وهو : إذا کان الأذان یحمل معنی الولایة - کما قلت - من خلال « حیّ علی خیر العمل » ، فما الدّاعی للحثّ علی الولایة والإتیان بجملة « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » فی الأذان تارة أخری ؟! خصوصاً مع عدم ورود ذلک ضمن فصول الأذان المحکی عن الأئمة علیهم السلام ؟

الجواب :

نحن وضّحنا سابقاً أنّ الأحکام المباحة وحتّی الاستحبابیة قد تصیر واجبةً بعنوانها الثانوی ، بمعنی أنّ شرب الماء المباح قد یصیر واجباً لو توقّف إنقاذ النفس المحترمة علیه ، ومن تلک الأمور التی قد تجب هو ما نحن فیه ، لأنّ الإمام الکاظم وببیانه لعلّة حذف عمر بن الخطاب ل- « حیّ علی خیر العمل » أکّد بأنّ عمر کان لا یرید الحثّ علی الولایة والدعوة إلیها ، بمعنی أنّه حذف الحیعلة الثالثة خوفاً من توالیها ومستلزماتها ، والإمام کان یرید الدعوة إلیها ، فلو لم یکن الإمام علیه السلام یرید الدعوة إلیها لکان کلامه لغواً ، لأنّه علیه السلام قالها بعد أن فسر معنی الحیعلة الثالثة بالولایة .

نعم ، إنّ عمر بن الخطاب بعمله هذا حذف فصلاً ثابتاً من فصول الأذان ، لیُمیت مفهومه ، والإمام علیه السلام بدوره أراد احیائها والدعوة إلی الولایة وبرّ فاطمة کما فی حسنة ابن أبی عمیر عن الکاظم ، وعلیه فإنّ فعل الإمام جاء فی سیاق الحفاظ علی السنّة والقِیَم ، وهو مما یجب أن یفعله کلّ مسلم ، لأنّ الآخرین کانوا یریدون إماتة الفرائض والسنن ، والإمام کان یرید أن یحییها بالإتیان بها ، وهو یدلّ علی شرعیة ذلک الإتیان .

وعلیه فإنّ الإتیان بجملة : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » أو « محمّد وآل محمّد خیر البریة » وأمثالهما قد تتأکد مطلوبیتها بالعنوان الثانوی ، وذلک لسعی الحکّام لحذفها وإماتتها ، وهذا ما وضّحناه فی دراستنا عن « حیّ علی خیر العمل » ؛ إذ أنّ

ص:228

الحکومات الخلفائیة والأمویة والعباسیة والسلجوقیة وأمثالها کانت تسعی لحذف الحیعلة الثالثة مع ما جاء فی تفسیرها وذلک حینما یستقرّ الأمر لهم ، بعکس الحکومات الفاطمیة والحمدانیة والطبرستانیة وغیرها ، فإنّهم کانوا یأتون بالحیعلة الثالثة مع تفسیرها ، فیقولون « حیّ علی خیر العمل محمّد وآل محمّد خیر البریة » .

بلی ، قد یتأکد الإتیان بالشهادة بالولایة والإصرار علیها فی هذه الأزمنة بالعنوان الثانوی کذلک ، لأنّ خصومنا یتّهموننا بأنّا نعتقد بأُلوهیّة الإمام علی ، أو أنّا نقول بخیانة الأمین جبرئیل ، فعلینا الجهر ب- « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » دفعاً لاتّهامات المتَّهِمین وافتراءات المفترین ، مؤکّدین فی أذاننا وإعلامنا بأنّا نشهد أن « لا إله إلّا الله » نافین فی شهادتنا وجود الشریک لله ، ثم نشهد بنبوّة محمّد بن عبدالله معلِمِین الجمیعَ بأنّا نتّبعه وهو رسول رب العالمین للناس أجمعین ، وأخیراً نشهد بأنّ علیّاً وأولاده المعصومین ما هم عندنا إلّا حجج رب العالمین . نافین بذلک کل ما اتهمونا به ولنقول بأنّ الإمام علی بن أبی طالب لیس بإله ولا نبیّ ، بل هو ولیّ رب العالمین وحجّته علی خلقه أجمعین .

وعلیه ، فإنّ الإتیان بالشهادة الثالثة لمحبوبیتها لا یتقاطع مع جملة « حیّ علی خیر العمل » لأنّه تفسیر وتلمیح وبیان لهذه الجملة ، وقد حثّ علیها الإمام الکاظم ودعا إلیها ، وقد یتأکد هذا المحبوب بالعنوان الثانوی ؛ لأنّ الآخرین کانوا یریدون حذفها ، والإمام ببیانه لعلّة حذف عمر للحیعلة الثالثة أراد إیقافنا علی ضرورة الإتیان بما یدلّ علی الولایة فی الأذان وعدم الاکتفاء بالحیعلة الثالثة ، لأنّ هدف عمر یجب أن لا یتحقق بل یجب ان یقابل بمشروع یضادّه ، وهذا ما أراده الإمام الکاظم علیه السلام فی حسنة ابن أبی عمیر .

ومعنی کلامنا هو أنّ الإصرار العمریّ وبعده الأموی والعبّاسی علی إماتة ذکر علی علیه السلام - الذی هو عبادة - فی الأذان من خلال حذف الحیعلة الثالثة کان داعیاً للقول بعدم کفایة الإتیان ب- « حی علی خیر العمل » فی الأذان فی هذه الأزمنة

ص:229

المتأخّرة ، بل یتأکّد الجهر بالشهادة بالولایة لعلی - ولو بعنوانها الثانوی - معها أو قبلها رعایة للترتیب بین الشهادات الثلاث المأتیة فی الاخبار ، وقد یقال بجواز الإتیان بها بعنوانها الأوّلی لأنّها محبوبة عند الإمام کما فی حسنة ابن أبی عمیر ، وکما دلّت علیه باقی الروایات الموجودة فی شواذّ الأخبار التی حکاها الطوسی .

وعلیه فالمحبوبیة کانت موجودة علی عهد الباقر والصادق علیهم السلام وإن لم یصرّحا بها فی کلامهما لظروف التقیة ، إذ أنّ المحبوبیّة التی کانت عند الإمام الکاظم هی استمرار لمحبوبیتها فی زمن الإمام علی والحسن والحسین والسجاد ، وأنّ الإمامین الصادقین کانا واقِفَین علی دواعی حذفها من قبل الحکّام ، لکنّ ظروف التقیّة لم تسمح لهما بنشرها ، وهی التی سمحت للإمام الکاظم بنشرها .

وعلیه فإنّا لا ناتی ب- « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » علی أنّها جزءً من الأذان ، وبذلک فلا تخالف من الإتیان بها لمحبوبیّتها الذاتیة أو للشعاریة مع عدم وجودها فی الروایات المحکیّة عن الأئمة فی فصول الأذان ، لأنّ تلک الروایات ظاهرة فی جزئیّتها ونحن نأتی بها لمحبوبیتها .

سؤال آخر

وهنا سؤال آخر یطرح نفسه وهو : کیف تأتون بالمفسَّر قبل المفسِّر ، أی تقولون ب- « أشهد أن علیّاً ولی الله » قبل الإتیان بجملة « حی علی خیر العمل » وهذا لا یصح فی الأدب العربی ؟

الجواب : کلامکم غیر صحیح ، إذ ان ذلک یصح فی لغة العرب ولنا شواهد کثیرة علیه ، نترک ذکرها خوفاً من الاطالة ، ولعدم ضرورة الأخذ باللّغة فی حکم شرعی یتوقف علی أمر الشارع فیه ، هل أنّه جائز أم لا ؟ لان الحقیقه الشرعیة غالبة علی المعنی والاصل اللغوی فی الامور الشرعیة ، وبما أن غالب الروایات عندنا جاءت مراعیة للترتیب بین الشهادات الثلاث - الشهادة بالتوحید ، ثم الشهادة

ص:230

بالنبوة ، ثم الشهادة بالولایة - فی جمیع العوالم التی جاء فیها ذکر الإمامة ، والتی سیأتی بعضها فی الفصل الثالث من هذه الدراسة : « الشهادة الثالثة الشعار ، العبادة » .

اذن الشیعة کانت تأتی بالشهادة بالولایة بعد الشهادة بالنبوة رعایة للترتیب الملحوظ بین الشهادات الثلاثة ، فی روایات أهل البیت والتی جاءت فی عالم الذر والمیثاق وغیرها ، ولان الإمام الکاظم لم یحدد مکان الإتیان بها هل هو بعد الحیعلة الثالثة أم قبلها ، بل انه علیه السلام حبّذ الدعوة إلیها والحث علیها ، وعلیه فالشیعة تأتی بالشهادة الثالثة فی مکانها الملحوظ الیوم نظراً لتلک الروایات ، ولعدم تحدید الإمام الکاظم مکانها .

وبهذا ، فقد انتهینا من بیان حکم الشارع فی الشهادة بالولایة وسیرة المتشرّعة فیها إلی ما قبل ولادة الشیخ الصدوق ؛ وکذا اتَّضح لنا أنّهم کانوا یعیشون فی أعلی مراتب التقیّة ، فاکتفوا بقول الحیعلة الثالثة وبیان دلالتها فی حالات خاصّة ، ثمّ استقرّ الأمر بهم - بعد الأمن والاستقرار - علی شکلها الجدید المشهور الآن .

والآن مع القسمین الثانی والثالث کی نبین فیهما تقریر الإمام الحجة فی عصر الغیبة ، ولکی نواصل امتداد هذه السیرة من عصر الشیخ الصدوق إلی ما بعده ، حتّی نقف علی ما نحن بصدد إثباته ، أی إلی أن صارت الشهادة الثالثة شعاراً یعرف به المسلم الشیعی من غیره . کلّ ذلک بعد تلخیص ما مَرَّ فی نقاط :

ص:231

تلخص ممّا سبق :

1 - إنّ قریشاً سعت لتحریف الشریعة وطلبت من الرسول تحریف الذکر الحکیم ، لکنّ الوحی نزل بقوله { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الأَقَاوِ یلِ * لأَ خَذْنَا مِنْهُ بِالْیَمِینِ ... }((1)) .

2 - جدّت قریش لطمس ذکر الرسول محمّد صلی الله علیه و آله ، إذ مر علیک مواقف أبی سفیان ومعاویة ویزید من الرسول وآل بیته حین الدعوة ثم من بعده((2)) ، وکذا عرفت أنّ أبا محذورة استحی من أهل مکّة أن یرفع ذکر النبیّ ففرک الرسول أذنه وقال : « ارفع صوتک » ، وقد جاءت الروایات صریحة فی لزوم رفع الصوت بالصلاة علی محمّد وآله ولأنّه یبعد النفاق ، وقد وقفت کذلک علی موقف عبدالله ابن الزبیر وترکه ذکر الصلاة علی النبیّ لکی لا تشمخ أنُوف أبنائه .

کل هذه النصوص تؤکّد وجود مجموعتین إحداهما تجهر بذکر النبیّ - وحتی الوصیّ - والأُخری لا ترضی ذلک ، وهو ما شاهدناهُ کذلک فی التحدیث عن رسول الله فطائفة تحدّث وإن وضعت الصمصامة علی أعناقها ، والأخری لا تحبّ التحدیث والتدو ین بل تسعی جادّة لطمس معالم دینه ودفنه ، وقد مر علیک کلام معاویة « إلّا دفناً دفناً » .

وفی المقابل تری الآل علیهم السلام کانوا یسعون لرفع ذکر الرسول استجابةً للذکر الحکیم ، وقد کان الإمام علیّ علیه السلام یقول - حین یسمع الشهادتین فی الأذان - : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله وأن الذین جحدوا محمّداً هم الکاذبون » ، وکذلک کان یقول حینما یسمع « حیّ علی خیر العمل » : « أهلاً


1- الحاقة : 44 ، 45 .
2- والشیعة تخاطب الإمام علی فی زیارتهم له یوم الغدیر : اوضحت السنن بعد الدروس والطمس .

ص:232

بالقائل عدلاً وبالصلاة أهلاً وسهلا » ، وفی هذین النصیین تعریض بالمخالفین لمحمّد وآله الطاهرین .

3 - لمّا یَئِسَت قریش من تحریف الکتاب العزیز سعت لتحریف مفاهیم الإسلام ، فقالت أنّ الإسراء والمعراج کانا مَنامِیَّیْنِ ، وأنّ الأذان کان منامیّاً ؛ کل ذلک لتقلیل شأن الرؤیا التی رآها الرسول فی بنی امیة . فی حین أنّ المتأ مّل یری ذکر الإمام علیّ موجوداً علی ساق العرش وجبهة إسرافیل وغیرها ، والقوم أبدلوها إلی أبی بکر ، وهذا ما ساء الإمام الصادق علیه السلام ودعاه أن یذکر کلّ ما جاء فی ذلک من فضائل لعلی علیه السلام .

4 - استمرار التحریف والابتداع فی الأذان بعد رسول الله ، حیث أضاف عمر ابن الخطاب « الصلاة خیر من النوم » فی أذان الفجر ، واضاف عثمان الأذان الثالث یوم الجمعة ، وقیل بأنّ الشهادة بالنبوّة لم تکن علی عهد رسول الله فأضافها عمر بن الخطاب ، إلی غیرها من الأمور .

5 - إنّ « حیّ علی خیر العمل » هو فصل ثابت موجود علی عهد رسول الله والشیخین ، وقد أذّن بها بعض الصحابة والتابعین ، وادّعی القوم نسخها من طرف واحد ، وهذا هو الذی دعا السیّد المرتضی أن یطالبهم أن یأتوا بالناسخ لها ، وتحدّاهم بأنّهم ما یجدونه .

6 - إنّ موضوع الحیعلة الثالثة ما هو إلّا نافذة من النوافذ الکثیرة المختلف فیها فی الشریعة ، وشأنه شأن المتعتین والتکبیر علی المیت أربعاً أم خمساً ، وصلاة التراو یح ، وغیرها .

7 - ارتباط موضوع الحیعلة الثالثة بأمر الخلافة ، فعمر بن الخطاب لا یرتضی ذکرها کما کان لا یرتضی أن یکتب الرسول کتاباً فی شأن علیّ یوم رزیّة الخمیس ، فکیف یرضی هو وأتباعه الإتیان بذکر علیّ ولو کنائیّاً فی الأذان ؟!

ص:233

8 - إنّ معنی الحیعلة الثالثة تعنی الولایة کما جاء صریحاً فی کلام الأئمة الباقر ، والصادق والکاظم علیهم السلام .

9 - إنّ فتح معنی « حیّ علی خیر العمل » محبوبٌ عند الأئمة کما جاء فی کلام الإمام الکاظم لأنّ کلامه علیه السلام ناظر إلی رفعه من قبل عمر بن الخطاب .

10 - وجود الحیعلة الثالثة فی الأذان الأوّل - أی فی الإسراء - کما جاء فی کلام الإمام السجاد علیه السلام ، وقد عضّدنا ذلک بروایات الکلینی فی الکافی والصدوق فی العلل تدل علی وجود اسم الإمام علی عندما خلق السماوات، وهم اول أهل بیت نوه الله باسمائهم .

کلّ هذه النقاط تعلن بوضوح عن سرّ جعل دلیل الشهادة بالولایة لعلی کنائیّاً من قبل الشارع ؛ لأنّ القوم کانوا یقابلون الأدلّة الکنائیة المختصة بالإمامة بالحذف والتحریف ، فکیف بالأدلّة الصریحة والواضحة ؟! إنّهم کانوا لا یرتضونها من باب الأولی . وقد وقفت علی کلام الإمام علیّ للزهراء : أتحبیّن أن تزول دعوة أبیک من الدنیا ؟! فقالت : لا ، فقال علیه السلام : هو ما أقول لکِ .

وعلیه فإنّ فی الأذان فصلاً ثابتاً دالاًّ علی الولایة وهی الحیعلة الثالثة ، لکنّ الظروف لم تسمح بتفسیره والحثّ علیه ، وإن سمحت فمن الجائز الاتیان بتفسیرها معها لا علی أنّها جزءاً من الأذان ، وإنّ عدم ذکر الشهادة بالولایة صریحاً فی الأذان هو مثل عدم ذکر الإمام علی صریحاً فی القرآن ، لأنّ القوم لا یطیقون أن یسمعوا الشهادة للرسول بالنبوة ، فکیف یرضون سماع الشهادة لعلی بالولایة ؟!

وقد اوضحت السیده فاطمة الزهراء فی خطبتها فی المسجد هذه الحقیقة بأن القوم جدّوا لکتمان الحق بعد الصدع به ، لقولها وهی تعرف القوم : « منکرة لله مع عرفانها » وأنّهم اسروا بمفاهیم الدعوة بعد اعلانها وکتموا الحق بعد معرفته لقولها علیها السلام : « واسررتم بعد الاعلان » وفی هذین النصین معنی ظریف وتنبیه عظیم

ص:234

علی ما فعلته قریش مع الرسالة والرسول ، فکیف مع الجهر بذکر أهل بیته المعصومین فی الأذان .

ولا یخفی علیک بأنّ هناک روایات شاذّة دالّة علی وجود ملاک التشریع فی القول بالولایة ، لکنّنا غیر مامورین بالأخذ بها ، لعدم وجودها فی الروایات البیانیة عن المعصومین فی الأذان ولمخالفتها للمعمول علیه عند الطائفة .

ص:235

القسم الثانی: تقریر الإمام علیه السلام

بعد أن انتهینا من ذکر أقوال الشارع المقدّس مدعومةً بسیرة المتشرّعة فیها ، وقبل أن نواصل البحث عن بیان هذه السیرة فی عهد الشیخ الصدوق ت 381 ه- إلی عهد العلّامة الحلی ت 726 ه- ، علینا تسلیط الضوء علی موقف المعصوم فی عصر الغیبة ، لأنّه الدلیل الأقوی فی هکذا مسألة .

وموقف المعصوم ینکشف من حدیثه الذی هو قوله وفعله وتقریره کما لا یخفی .

والقول هو الدلیل الشرعی اللفظی الذی یُستَنَدُ إلیه فی عملیة الاستنباط ، وما قیل بأن لیس لدینا دلیل شرعی لفظیّ علی الشهادة الثالثة - لخلوّ الروایات البیانیّة الصادرة عن المعصومین من ذلک - یردّه حکایة الشیخ الطوسی والعلّامة ویحیی بن سعید الحلی بورود شواذ الاخبار فیه ، وهو کاف لإثبات الحجیة الاقتضائیة للشهادة الثالثة لا الفعلیة علی التفصیل الآتی فی القسم الثالث .

وفعلُ المعصوم دلالتُهُ صامتةٌ ، أی لیس للفعل لسانٌ لیُتَمَسَّکَ بظهوره کما هو الشأن فی الدلیل الشرعی اللفظی ، فلابدّ من الاقتصار علی القدر المتیقّن فی أفعال الإمام والقول بالاباحة فیما یفعله علیه السلام ، وقیل بالاستحباب إذا کان الفعل الصادر منه علیه السلام عبادة .

وما ترکه علیه السلام أو سکت عنه فإنّ سکوته عنه یدل علی عدم وجوب الفعل عنده ، وعلی عدم الاستحباب علی بعض المبانی ، وقیل : إنّ سکوته علیه السلام هو إمضاء لفعل الآخرین ، لأنّ المعصوم مکلّف کغیره من الناس ، فلو کان السلوک الذی یراه عند

ص:236

المؤمنین مخالِفاً للشرع کان علیه النهی عنه لأنّه نهی عن المنکر ، فإذا لم ینه عنه علمنا أنّه لیس منهیّاً عنه ولیس بمنکر ، لأنّ المعصوم لا یترک المأمور به یقیناً ولا یرتکب المنهیّ عنه .

وللمعصوم خصوصیة أُخری غیر التکلیف ، وهی ائتمانه علی ودائع النبوة فلا یعقل أن یفوّت الحافظ للدین والامین علی الشریعة غرضه کما هو المشاهد فی الشهادة الثالثة ، فلو لم یکن سلوکهم مرضیاً عنده علیه السلام لنهی عنه ، لأنّه تهدید فعلی لأغراض الشریعة التی جاء من أجلها، کل ذلک بناءً علی تمامیة اجماع الطائفة علی جواز الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان .

وأمّا ما قیل من عدم إمکان الاستفادة من هذا فیما نحن فیه : « لأنّ سکوت المعصوم فی غیبته لا یدلّ علی إمضائه . . . فلأنّه غیر مکلّف فی حالة الغیبة بالنهی عن المنکر وتعلیم الجاهل ، ولیس الغرض بدرجة من الفعلیّة تستوجب الحفاظ علیه بغیر الطریق الطبیعی الذی سبب الناس انفسُهُم إلی سَدِّهِ بالتسبیب إلی غیبته »((1))فلا نقبله ؛ لأنّ الإمام هو حجة الله فی الأرض وبمقدوره إیصال ما یریده الله سبحانه عن طریق نوابه الفقهاء وأُمناء الله علی حلاله وحرامه وعن طریق الصالحین وغیرها من الطرق الصحیحة ، وخصوصاً أنّه میزان الشرع الذی لولاه لضاع الدین ، ولا یخفی علیک بأنّ الله قد أعدّ لهذا الدین من ینفی عنه تحریف الغالین ، لقوله علیه السلام : إنّ فینا أهل البیت فی کلّ خلف عُدُولاً ینفون عنه تحریف الغالین ، وانتحال المبطلین ، وتأویل الجاهلین((2)) .


1- دروس فی علم الاُصول 1 : 235 .
2- الکافی 1 : 32 / ح 2 ، وعنه فی الوسائل 27 : 78 ، وانظر بحار الأنوار 27 : 222 ، و89 : 254 ، ومستدرک الوسائل 17 : 313 / ح 21444 ، وأنظر مسند الشامین : 344 ، مشکاة المصابیح 1 : 82 ، الفوائد لتمام الرازی 1 : 350 .

ص:237

وعلیه فإنّ المعصوم لا یسکت عن الزیادة والنقصان فی الدین ، فیما لو کان هناک إطباق علی الزیادة أو النقیصة أو إجماع علی الخطأ عند الطائفة ، بل إنّ وظیفته ردّ أهل الدین إلی الحقّ ، ولولا ذلک لما عرف الحقّ من الباطل ، ولالتبست علی المؤمنین أمورهم ، وخصوصاً لو کانت الأمور المأتیة من قبل الناس تأخذ طابعاً جماعیّاً شعاریاً وارتکازاً عرفیّاً کما هو المشاهد فی الشهادة الثالثة ..

إنّ الأقوال الشاذّة عند بعض الفقهاء فی حرمتها أو القول بجزئیتها الواجبة لا ینقض الإجماع العملی عند الإمامیة علی الجواز - بناء علی تمامیته - من باب القربة المطلقة وحرمتها من باب الجزئیة ، وإلیک الآن بعض الروایات فی ذلک .

1 - روی الصدوق فی علل الشرائع عن أبیه ، عن سعد بن عبدالله ، عن محمّد بن عیسی بن عبید ، عن محمّد بن سنان وصفوان بن یحیی وعبدالله ابن المغیرة وعلی بن النعمان ؛ کلُّهم عن عبدالله بن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : إنّ الله لا یدع الأرض إلّا وفیها عالم یعلم الزیادة والنّقصان ، فإذا زاد المؤمنون شیئاً ردّهم ، وإذا نقصوا أکمله لهم ، فقال : خذوه کاملاً ، ولولا ذلک لالتبس علی المؤمنین أمرهم ، ولم یُفرّق بین الحقّ والباطل((1)) .

وهذه الروایة صحیحة .

2 - وفی العلل کذلک : أبی ، عن سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ابن عیسی ومحمّد بن الحسین بن أبی الخطّاب ومحمّد بن عیسی بن عبید ، عن محمّد بن سنان وعلیّ بن النعمان ، عن عبدالله بن مسکان ، عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : إنّ الله عزّ وجلّ لم یدع الأرض إلّا وفیها عالم یعلم الزیادة والنقصان فی الأرض ، فإذا زاد المؤمنون شیئاً ردّهم ، وإذا نقصوا أکمله لهم ، فقال : خذوه


1- علل الشرائع 1 : 196 / الباب 153 / ح 4 . ورواه أیضاً الصفار عن محمّد بن عیسی بن سنان کما فی بصائر الدرجات : 351 / الباب 10 / ح 1 .

ص:238

کاملاً ، ولولا ذلک لالتبس علی المؤمنین أمورهم ، ولم یفرّقوا بین الحق والباطل((1)) .

وهذه الروایة صحیحة .

3 - وفی العلل کذلک : أحمد بن محمّد ، عن أبیه ، عن أحمد بن محمّد ابن عیسی ومحمّد بن عبدالجبار ، عن عبدالله بن محمّد الحجّال ، عن ثعلبة ابن میمون ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : إنّ الأرض لا تخلو من أن یکون فیها من یعلم الزیادة والنقصان ، فإذا جاء المسلمون بزیادة طرحها ، وإذا جاءوا بالنقصان أکمله لهم ، فلولا ذلک اختلط علی المسلمین أُمورهم((2)) .

وفی بصائر الدرجات : محمّد بن عبدالجبار ، عن الحجّال ، مثله((3)) .

وفیه أیضاً : حدثنا محمّد بن عیسی ، عن ابن أبی عمیر ، عن منصور بن یونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبی عبدالله ، مثله((4)) .

وهذه الطرق صحیحة عند المشهور علی کلام فی أُستاذ الصدوق : أحمد بن محمّد ابن یحیی القمی .

4 - وفی العلل کذلک : حدثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدثنا الحسین ابن الحسن ابن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر بن سوید ، عن یحیی بن عمران الحلبی ، عن شعیب الحذاء ، عن أبی حمزة الثمالی ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : إنّ الأرض لا تبقی إلّا ومنّا فیها من یعرف الحق ، فإذا زاد الناس ، قال : زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، ولولا أنّ ذلک کذلک لم یُعْرَف الحقّ من الباطل((5)) .


1- علل الشرائع 1 : 199 / الباب 153 / ح 22 .
2- علل الشرائع 1 : 199 / الباب 153 / ح 24 .
3- بصائر الدرجات : 351 / الباب 10 / ح 3 .
4- بصائر الدرجات : 351 / الباب 10 / ح 2 .
5- علل الشرائع 1 : 200 / الباب 153 / ح 26 .

ص:239

ومثله فی بصائر الدرجات عن أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن النضر ابن سوید ، عن محمّد بن عبدالرحمن((1)) .

وروایة العلل صحیحة بناءً علی وثاقة أو قبول روایات ابن أبان ، وأمّا روایة بصائر الدرجات فهی معتبره کذلک .

5 - وفی العلل کذلک : أبی ، حدثنا علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن یحیی ابن أبی عمران الهمدانی ، عن یونس ، عن إسحاق بن عمار ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبی جعفر ، قال : إنّ الله لم یدع الأرض إلّا وفیها عالم یعلم الزیادة والنقصان من دین الله تعالی ، فإذا زاد المؤمنون شیئاً ردّهم ، وإذا نقصوا أکمله لهم ، ولولا ذلک لالتبس علی المسلمین أمرهم((2)) .

ومثله فی بصائر الدرجات عن إبراهیم بن هاشم((3)) .

فالروایة صحیحة بناءً علی وثاقة یحیی بن أبی عمران الهمدانی ، وهو الاظهر .

6 - وفی العلل کذلک : أبی ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن عبدالجبار ، عن محمّد بن خالد البرقی ، عن فضالة بن أیوب ، عن شعیب ، عن أبی حمزة ، قال ، قال أبو عبدالله علیه السلام : لن تبقی الأرض إلّا وفیها من یعرف الحق ، فإذا زاد الناس فیه قال : قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، وإذا جاؤوا به صدقهم ، ولو لم یکن کذلک لم یُعرَف الحقّ من الباطل((4)) .

ومثله فی بصائر الدرجات عن محمّد بن عبدالجبار((5)) .

والروایة معتبرة .


1- بصائر الدرجات : 352 / الباب العاشر من الجزء السابع / ح 5 .
2- علل الشرائع 1 : 200 / الباب 153 / ح 27 .
3- بصائر الدرجات : 352 / الباب 10 / ح 6 .
4- علل الشرائع 1 : 199 / الباب 153 / ح 25 .
5- بصائر الدرجات : 351 / الباب 10 / ح 4 .

ص:240

7 - وفی إکمال الدین للصدوق : حدّثنا أبی ، ومحمّد بن الحسن ، قالا : حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر ، قالا : حدثنا محمّد بن عیسی ، عن یونس ابن عبدالرحمن ، عن أبی الصباح ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : إنّ الله تبارک وتعالی لم یدع الأرض إلّا وفیها عالم یعلم الزیادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شیئاً ردّهم ، وإذا نقصوا شیئاً أکمله لهم ، ولولا ذلک لالتبست علی المؤمنین أمورهم((1)) .

وهذا الخبر صحیح بناءً علی وثاقة محمّد بن عیسی الیقطینی، وهو الصحیح .

8 - وفی العلل کذلک : أبی ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، عن یعقوب ابن یزید ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن منصور بن یونس ، عن إسحاق ابن عمار ، عن أبی عبدالله علیه السلام قال : سمعته یقول : إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفیها عالم کلّما زاد المؤمنون شیئاً ردّهم وإن نقصوا شیئاً تمَّمه لهم((2)) .

وفی إکمال الدین : حدّثنا أبی ومحمّد بن الحسن ، قالا : حدثنا عبدالله ابن جعفر الحمیری ، عن محمّد بن الحسین ، عن علی بن اسباط ، عن سلیم مولی طربال ، عن إسحاق بن عمار ، مثله((3)) .

وفی بصائر الدرجات : أحمد بن محمّد ، عن الحسین بن سعید ، عن ابن أسباط ، مثله((4)) . وهذه الطرق معتبرة وموثّقة بمنصور بن یونس .

9 - وفی الکافی للکلینی : علی بن إبراهیم ، عن أبیه ، عن محمّد بن أبی عمیر ، عن منصور بن یونس وسعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمار - عن أبی عبدالله علیه السلام


1- اکمال الدین واتمام النعمة : 203 / الباب 21 / ح 12 .
2- علل الشرائع 1 : 199 / الباب 153 / ح 23 .
3- اکمال الدین واتمام النعمة : 221 / الباب 22 / ح 6 .
4- بصائر الدرجات : 352 / الباب 10 / ح 7 .

ص:241

- قال : سمعته یقول : إنّ الأرض لا تخلو إلّا وفیها إمام ، کیما إن زاد المؤمنون شیئاً ردّهم ، وإن نقصوا شیئاً أتمّه لهم((1)) .

وهذه الروایة معتبرة .

10 - وفی العلل کذلک : أبی ، قال : حدثنا سعد بن عبدالله ، قال : حدثنا محمّد ابن عیسی بن عبید ، عن علی بن إسماعیل المیثمی ، عن ثعلبة بن میمون ، عن عبدالأعلی مولی آل سام - عن أبی جعفر علیه السلام قال - سمعته یقول : ما ترک الله الأرض بغیر عالم ینقص ما زاد الناس ، ویزید ما نقصوا ، ولولا ذلک لاختلط علی الناس أُمورهم((2)) .

وفی إکمال الدین : حدثنا محمّد بن الحسن ، قال حدثنا سعد بن عبدالله ، وعبدالله بن جعفر الحمیری جمیعاً ، عن محمّد بن عیسی ... مثله((3)) .

وفی بصائر الدرجات : حدثنا عبدالله بن جعفر ، عن محمّد بن عیسی ، مثله((4)) .

وهذه الروایة صحیحة إلی عبدالأعلی مولی آل سام .

11 - وفی العلل کذلک : حدثنا محمّد بن الحسن ، قال : حدثنا الحسین ابن الحسن ابن أبان ، عن الحسین بن سعید ، عن علی بن أسباط ، عن سلیم مولی طربال ، عن إسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام یقول : إنّ الأرض لن تخلو إلّا وفیها عالم کلّما زاد المؤمنون شیئاً ردّهم ، وإذا نقصوا أکمله لهم ، فقال : خذوه کاملاً ، ولولا ذلک لالتبس علی المؤمنین أُمورهم ، ولم یفرّقوا بین الحقّ والباطل((5)) .

فالروایة صحیحة بناءً علی وثاقة أو قبول روایات ابن أبان ، والقول بوثاقة رواة


1- الکافی 1 : 178 / باب ان الأرض لا تخلو من حجة / ح 2 .
2- علل الشرائع 1 : 201 / الباب 153 / ح 32 .
3- اکمال الدین واتمام النعمة : 205 / الباب 21 / ح 16 .
4- بصائر الدرجات : 352 / الباب 10 / ح 8 .
5- علل الشرائع 1 : 200 / الباب 153 / ح 28 .

ص:242

کامل الزیارات ، لأنّ سلیماً - أو سلیمان - مولی طربال هو ممن روی عنه ابن قولویه .

12 - وفی إکمال الدین : حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید ، قال : حدثنا محمّد بن الحسن الصفار وسعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحمیری جمیعاً ، عن إبراهیم بن مهزیار ، عن علی بن حدید ، عن علی بن النعمان و] الحسن بن علی [ الوشّاء جمیعاً ، عن الحسن بن أبی حمزة الثمالی ، عن أبیه ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام یقول : لن تخلو الأرض إلّا وفیها رجل منّا یعرف الحقّ ، فإذا زاد الناس فیه قال قد زادوا ، وإذا نقصوا منه قال : قد نقصوا ، وإذا جاؤوا به صدّقهم ، ولو لم یکن ذلک کذلک لم یعرف الحقّ من الباطل .

قال عبدالحمید بن عوّاض الطائی : بالله الذی لا إله إلّا هو لسمعت هذا الحدیث من أبی جعفر علیه السلام ، بالله الذی لا إله إلّا هو لسمعته منه((1)) .

والسند معتبر علی کلام فی علی بن حدید .

وعلیه فلو کان ما تفعله الشیعة - عبر القرون الماضیة - غلوّاً وانتحالاً وتأویلاً ، لکان علی الإمام أن ینفی ذلک عن الدین ، بل إنّ فی سکوت الإمام وخصوصاً فی أمر مقدّمیٍّ عبادیّ کالأذان مما یشیر إلی جواز الإتیان بهذا الفعل عنده ، لأنّه ذکر وعبادة فلو کان فی الواقع حراماً وممّا یوجب الخلل فی الدین والتعدّی علی قِیَمِهِ لکان علیه علیه السلام نهی الناس عنه وردعهم بطریقة من الطرق خلال أُمناء الشریعة من الفقهاء الصائنین لأنفسهم ، المطیعین لأمر مولاهم ، وخصوصاً مع معرفتنا باستمرار هذه السیرة عند المتشرّعة إلی عصر الأئمة علیهم السلام لان عمر بن الخطاب حینما حذف الحیعلة الثالثة = الولایة کان لا یرید حثاً علی الولایة ودعوة إلیها ، ومعناه ان الأئمة المعاصرین للخلفاء بدءاً من الإمام علی حتی الإمام الکاظم - الذی ذکّرنا بهذا الأمر - کانوا یحبذون الإتیان بها لا علی نحو الجزئیة ، وهو الاخر یشیر إلی أنّ بعض


1- اکمال الدین واتمام النعمة : 223 / الباب 22 / ح 12 .

ص:243

الأمة کانت تأتی بها علی عهد الصحابة حسبما جاء فی محکی السلافة عن أبی ذر وسلمان .

وعلیه فالشیعة فی غالب الازمان وفی کثیر من البلدان کانوا یأتون بما یدل علی الولایة ، ولم نقف علی مدرکه عندهم ، وهذا یکشف عن رضا المعصوم فی حدود الجواز .

وهنا کلام للمرحوم الشیخ عبدالنبی العراقی یَجدر بنا نقله فإنّه رحمة الله قال : فلو کان حراماً وبدعة ، بل لم یکن مشروعاً وراجحاً فیهما ، أَفَتَرَی أنّ أمثال الشیخ محمّد بن الحسن العاملی ، والمجلسیّ ، والبهبهانیّ ، والاسترآبادیّ ، والمقدّس الأردبیلیّ ، والسیّد بحر العلوم ، والشیخ الأنصاریّ ، وأمثالهم - المشرَّفین بلقاء الحجّة روحی له الفداء - وغیرهم من الأساطین والأکابر فی کلّ دورة وکورة ... یرون أنّها بدعة وحرام ومع ذلک کلّه کانوا ساکتین عنها وعن ردعها ؟! وترکوا الجهال علی حالهم بلا رادع ولا مانع ؟! فکیف ؟! ولم ؟! ومتی ؟! فعلی الإسلام السلام ، فأین تبقی حجیّة للسیرة العقلائیة التی لا زال فی الفقه یتمسکون بها ...((1))إلی اخر کلامه رحمة الله .

وعلیه فیمکننا أن نستفید من سکوت الإمام الحجّة تقریره لفعل أُولئک الشیعة ورضاه بما یأتون به ، لأن ما یأتون به هو راجح فی نفسه وغیر مخلٍّ بالأذان .

ولا یخفی علیک بأن شأن الشهادة الثالثة لم تکن ک- ( حی علی خیر العمل ) لأنّ حکم الأوّل هو الجواز والثانی اللزوم ، أی أنّ الأوّل لیس من فصول الأذان، اما الثانی فهو من ماهیة الأذان واصوله المقومة لها . فیجوز ترک ما هو جائز ولا ضرورة لاطباق الأمة واجماعهم علی أمر جائز بعکس الأمر اللازم فیجب اطباق الأمة علیه فی جمیع العصور وشیوعه بین الأمة .

وعلیه فإن سکوت الإمام وعدم ورود نهی عنه دلیل علی جوازه ، فلو کان بدعة


1- الهدایة فی کون الشهادة بالولایة جزء کسائر الاجزاء : 34 - 35 بتصرف .

ص:244

وحراما لوجَبَ التنبیه علیه من خلال وکلائه والصالحین من فقهاء العباد ، وخصوصاً حینما نری عدم وجود ضیق فی بیان هذا الأمر لهم ، لأنّه قد استمرّ - القول بالجواز - عند الشیعة لعدة قرون بدءاً من عهد عمر بن الخطاب الذی حذف الحیعلة الثالثة إلی یومنا هذا ، فلو کان ما تأتی به الشیعة منکراً لوصلنا نهیه عن ذلک وحیث لا نهی ، فلا حرمة .

کان هذا مختصر الکلام عن تقریر الإمام المعصوم وسأعود إلیه فی ثنایا البحث إن اقتضی الأمر .

ص:245

القسم الثالث: النّصوص الدالّة علی الشّهادة الثّالثة

اشارة

عَرِفنا ممّا سبق أنّ الظروف لم تکن مؤاتیة للشیعة للاجهار بالشهادة بالولایة إلّا بمعناها الکنائی الکامن فی صیغة « حیّ علی خیر العمل » ، فهم کانوا یقولونها فی عهد الرسول ، وفی عهد الشیخین ، وفی العهد الأموی ، وفی العهد العباسی الأوّل ، خفیّةً بعیداً عن أنظار الحکّام ، لا علی نحو الجزئیة ، لأنّها لو کانت جزءاً عندهم لما جاز لهم ترکها ، ولما اختلفوا فی صیغها ، وقد رأیت أنّهم یذکرونها إمّا علی أنّها جملة تفسیریة ، وإمّا لمحبوبیتها المطلقة المستفادة من عمومات اقتران الرسالة والولایة بالذکر ، کما هو مفاد کثیر من النصوص النبو یة والولویة .

وقد حکی عن مجموعة من المفوِّضة ، أو المتَّهمة بالتفویض - والتی قد ظهرت فی أیّام الغیبة - أنّها تدّعی لزوم الإتیان بها علی نحو الشطریة والجزئیة وکونها من فصول الأذان وداخلة فی ماهیته ، ورووا فی ذلک أخباراً ، وهذا هو الذی ألزم بعض الفقهاء والمحدّثین کالشیخ الصدوق رحمة الله للوقوف أمامهم ، لأنّه لیس بین ثنایا الأخبار الواصلة إلینا ما یدعو إلی وجوب ذکر الشهادة بالولایة فی الأذان علی نحو الجزئیة ، وبذلک فنحن لا نُخْرِجُ کلام شیخنا الصدوق رحمة الله من أحد ثلاث احتمالات :

ص:246

أن یکون هجومه علی المفوّضة جاء لاعتقادهم بالجزئیة ، أو أنّه رحمة الله قالها تبعاً لمشایخه القمیین ، وقد یکون نص الفقیه قد صدر عنه تقیةً ، وهذا الاحتمال الأخیر تؤکّده بعض فقرات النص الآتی .

نحن لا نتردّد فی أنّ الصدوق رحمة الله ، هو الفقیه الورع ، ولا یمکنه بحسب قواعد الاستنباط المتّفق علیها بین الأمّة أن یفتی بعدم جواز الإتیان بالشهادة بالولایة ، بقصد القربة المطلقة ، أو لمحبوبیتها الذاتیة ، أو التفسیریة .

نعم ، نحن مع شیخنا الصدوق فی عدم جواز الإتیان بها علی نحو الجزئیة الواجبة ، وقد عرفت بأن أغلب الشیعة الزیدیة والإسماعیلیة والإمامیة الاثنی عشریة لا یأتون بها علی نحو الجزئیة .

ولعلّ ترک الزیدیة والإسماعیلیة فی العصور اللاّحقة قول « محمّد وعلیّ خیر البشر » أو « محمّد وآل محمّد خیر البریة » بعد « حیّ علی خیر العمل » یؤکد علی أنّهم لا یقصدون جزئیتها مع الحیعلة الثالثة ، فهم یأتون بها فی بعض الأحیان ویترکونها فی أحیان أخری ، وهو المقصود بنحو عام من التفسیریة والمحبوبیة الذاتیة ، والقربة المطلقة ، والأمور الثلاثة الأخیرة لا تعترضها شبهة التشریع المحرّم والبدعة ، وعلی هذا الأساس نحن لا نشک ولا نتردد فی أنّ الشیخ الصدوق قدس سره لم یقصد هذه المعانی ؛ إذ یبعد ذلک منه جدّاً بعد وقوفه علی أدلّة الجواز ، لذلک نراه یشدّد النکیر فقط علی من شرّعها طبقاً لروایات اعتقدها الشیخ موضوعة .

وعلیه : فکلامه رحمة الله لا یعنی کلّ زیادة - بما أنّها زیادة علی الموجود - لأنّه قد وقف علی روایات فیها زیادات علی ما رواه الحضرمی وکلیب الأسدی ، وبذلک فإنّه رحمة الله یعنی بکلامه الزیادات الجدیدة الموضوعة التی لم ترد فی الأخبار الأذانیة من قِبَلِ المعصومین .

ص:247

أمّا لو کانت هناک روایات أو عمومات یُرادُ الأخذ بها لا علی نحو الجزئیة فلا یمانعه الشیخ الصدوق .

إذن فالشیخ الصدوق رحمة الله لا یعنی هؤلاء یقیناً ، بل اعترض رحمة الله علی الأخبار الموضوعة من قبل المفوّضة المفیدة للجزئیة ؛ إذ لا یعقل أن یلعن الشیخ قدس سره من اجتهد من الشیعة وأفتی بمحبوبیتها العامة وأنّها لیست بجزء ، من خلال العمومات وشواذ الأخبار والأدلّة الاُخری الدالّة علی ذلک .

وممّا یؤکد ذلک أنّ الشیخ الصدوق لا یعترض علی مضمون ما یقوله المفوضة ، وفی الوقت نفسه لا یرضی قولها علی نحو الجزئیة وأنّها من أصل الأذان لقوله فی آخر کلامه :

( لا شکّ أنّ علیّاً ولی الله ، وأنّه أمیر المؤمنین حقّاً ، وأنّ محمّداً وآله خیر البریة ، ولکن لیس ذلک فی أصل الأذان ) .

نعم ، المطالع فی کلمات اللاّحقین یقف علی ما هو دالّ علی الشهادة الثالثة - علی نحو القربة المطلقة ، ولمحبوبیّتها الذاتیة ، ولرجاء المطلوبیّة - من قبل الشیعة ، وهی موجودة فی أصول أصحابنا ، بحیث یمکن الاستدلال بها تارة بالدلالة التطابقیة - وهذا ما فعله الشیخ الطوسی وابن البرّاج رحمهما الله تعالی ومن تبعهما کالمجلسی - وأُخری بالدلالة الالتزامیة ، کمرسلة الصدوق فی « من لا یحضره الفقیه » ، وفتاوی السیّد المرتضی ، والشیخ الطوسی ، وابن البراج ، ویحیی بن سعید الحلی ، والعلّامة الحلی ، ونحن خصصنا هذا القسم لتفسیر کلامهم رحمهم الله وبیان الملابسات التی لازمتها ؛ لأنّ اللاحقین کثیراً ما یکتفون بنقل فتاوی هؤلاء الأعلام دون التعریف بملابساتها وظروفها الحقیقیة والموضوعیة ، وعلی کلّ تقدیر فکلمات هؤلاء الأعلام نابعة من روح العقیدة وعلیها تدور رحی الاجتهاد .

ص:248

ص:249

1 - مرسلات الصدوق ( 306 ه - 381 ه )

1 - مرسلات الصدوق((1)) ( 306 ه - 381 ه )

روی الشیخ الصدوق بسنده عن أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی عن الإمام الصادق فصول الأذان فقال : الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر ، الله أکبر .

أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله .

أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله .

حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الصلاة .

حیّ علی الفلاح ، حیّ علی الفلاح .

حیّ علی خیر العمل ، حیّ علی خیر العمل .

الله أکبر ، الله أکبر .

لا إله إلّا الله ، لا إله إلّا الله .

والإقامة کذلک ، ولا بأس أن یقال فی صلاة الغداة علی إثر « حیّ علی خیر العمل » ، « الصلاة خیر من النوم » . مرّتین للتقیّة .

وقال مصنف هذا الکتاب ] أی الصدوق [ : هذا هو الأذان الصحیح لا یزاد فیه ولاینقص منه ، والمفوِّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا فی الأذان « محمّد وال محمّد خیر البریة »


1- أخبار الصدوق فی الفقیه مسندة ، وانما عنوناها بالمرسلات لأنّه رحمة الله ذکر متوناً روائیة عن المفوضة ولم یأت بأسانیدها . وقد عبر الفقهاء عن تلک المتون بالمراسیل ، قال صاحب الجواهر 9 : 86 ، عن المجلسی : أنّه لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الاجزاء المستحبّة فی الأذان استناداً إلی هذه المراسیل التی رمیت بالشذوذ ، انظر بحار الأنوار 81 : 111 / باب « الأقوال فی أشهد أنّ علیاً ولی الله » کذلک .

ص:250

مرتین ، وفی بعض روایاتهم بعد « أشهد أن محمّداً رسول الله » « أشهد أن علیاً ولیّ الله » مرتین ، ومنهم من روی بدل ذلک : « أشهد أنّ علیّاً أمیر المومنین حقّاً مرتین .

ولا شکّ فی أنّ علیاً ولیّ الله ، وأنّه أمیر المؤمنین حقاً ، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله علیهم خیر البریة ، ولکن لیس ذلک فی أصل الأذان ، وإنّما ذکرت ذلک لیُعرَفَ بهذه الزیادة المتَّهمون بالتفویض المدلِّسون أنفسَهم فی جملتنا ((1)) .

ولنا مع شیخنا الصدوق رحمة الله عدة وقفات لشرح ما تضمن کلامه :

الاُولی : إنّ الخبر السابق والذی حکم الشیخ الصدوق رحمة الله بصحته بقوله : « هذا هو الأذان الصحیح لا یزاد فیه ولا ینقص منه » هو خبر شاذّ لا یعمل به أصحابنا الیوم ، لأنّ فیه اتّحاد عدد فصول الأذان والإقامة ، لقوله رحمة الله : « والإقامة کذلک » وهو قول شاذّ لا یوافقه علیه أحد .

وکذا لم یُذکر فیه جملة : « قد قامت الصلاة » مرّتین فی الإقامة ، ومعنی کلامه هو أنّ الإقامة مثل الأذان فی فصوله حتی فصل « لا إله إلّا الله » فی آخر الأذان ، إلّا أنّه یؤتی بها قبل إقامة الصلاة .

ولو کان رحمة الله یرید وجود : « قد قامت الصلاة » مرّتین فی الإقامة لکان علیه أن یقول((2)) کما قال الطوسی فی النهایة : والإقامة مثل ذلک ، إلّا أنّه یقول فی أول الإقامة مرتین : « الله أکبر ، الله أکبر » ، یقتصر علی مرّة واحدة : « لا إله إلّا الله »


1- من لا یحضره الفقیه 1 : 289 - 291 / باب الأذان والإقامة وثواب الموذنین / ح 897 .
2- روی الشیخ فی التهذیب 2 : 60 / باب عدد فصول الأذان / ح 210 . بسنده عن عمر ابن اذینه عن زرارة والفضیل بن یسار عن أبی جعفر وفیه : والإقامة مثلها إلاّ أنّ فیها قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة بعد حی علی خیر العمل ، حی علی خیر العمل .

ص:251

فی آخره ، ویقول بدلاً من التکبیرتین فی أوّل الأذان : « قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة » بعد الفراغ من قوله : « حیّ علی خیر العمل ، حی علی خیر العمل »((1)) فی حین أن الشیخ الصدوق لم یقل بهذا .

وکذا قوله رحمة الله « ولا بأس أن یُقال فی صلاة الغداة علی إثر حیّ علی خیر العمل : الصلاة خیر من النوم ، مرتین للتقیة » لا یمکن تصوّره والقول به ، لأنّ المؤذّن لو کان فی حال التقیة فلا یمکنه أن یجهر ب- « حی علی خیر العمل » ، وإن لم یکن فی حال التقیّة فلا یجوز له أن یقول : « الصلاة خیر من النوم »((2)) ، إلّا أن نقول أنّه کان یعیش فی تقیّه عالیة فأفتی بالقول بالحیعلة سرّاً وبالتثویب علناً ، جمعاً بین الأمرین ، أو لعلّ هناک ملابسات أخری سنوضّحها لاحقاً .

الوحید البهبهانی ومقصود الصدوق من مثلیة الأذان والإقامة

قال الوحید البهبهانی وبعد أن ذکر روایة الحضرمی والأسدی : فلعل المراد أنّ الإقامة کذلک غالباً ، إلّا فیما ندر ، وهو تثنیة التکبیر فی الأوّل ، ووحدة التهلیل فی الآخر ...

فیحتمل أن یکون المراد من کون الإقامة مثل الأذان ، أنّها مثله فی کونها مثنی مثنی ، ردّاً علی العامة القائلین بکونها مرّة مرّة مطلقاً ...

والصدوق فی « الفقیه » لم یذکر إلّا هذه الروایة ، ثمّ قال : هذا هو الأذان الصحیح لا یزاد فیه ولا ینقص ...

فلو لم یکن ما ذکرناه هو المراد من هذه الروایة ، ولم یکن ذلک ظاهراً علیهم ، لم یکن لما ذکره الشیخ وما ذکره الصدوق وجه ، لأنّ ظاهر هذه الروایة مخالف


1- النهایة : 68 .
2- هذا ما قاله الشیخ المجلسی فی کتابه «لوامع صاحبقرانی».

ص:252

للمُجمع علیه ، إذ لم یرضَ أحد أن تکون الإقامة مثل الأذان ، لأنّ فیها « قد قامت الصلاة » یقیناً دون الأذان ... وأمّا أن یکون المراد غیره ولا قرینة أصلاً علی تعیین ذلک ...

فکیف لم یجعلها الشیخ معارَضَةً ، ولا توجّه إلی وجه الحمل ورفع التعارض بإبداء المراد ؟

والصدوق کیف ردّ بها المذاهب النادرة الّتی هی خارجة عن مذهب الشیعة ، ولم یتعرّض لردّ ما هو المذهب المشهور فی الشیعة ، لو لم یکن متّفقاً علیه ؟!

ولو لم یکن هو المشهور ، فلا أقل من کونه مذهباً مشهوراً منهم ، ولو لم یکن کذلک فلا أقلّ من کونه مذهب بعض منهم ، وأین هذا من مذهب من هو خارج من الشیعة ؟

هذا ، مع أنّه لم یبیّن : أیُّ شیء اُرید من هذه الروایة ؟ فظاهرها بدیهیّ الفساد لا یرتکبه أحد ، فضلاً أن یکون مثل الصدوق .

وخلاف الظاهر تتوقّف معرفته علی سبیل التعیین ، فإنّ تألیفه ( الفقیه ) لمن لا یحضره الفقیه ، فمن لا یحضره الفقیه کیف یعرف الاحتمال المخالف للظاهر علی سبیل التعیین من غیر معیِّن ؟! بل من یحضره الفقیه لا یمکنه ذلک فضلاً عمّن لا یحضره .

وخلاف الظاهر ، إمّا أن یکون المراد أنّها مثل الأذان ، إلّا زیادة « قد قامت الصلاة » مرتین ، أو تکون هذه الزیادة مکان التکبیر مرّتین فی أوّل الأذان ، فیصیر عددها وفصولها سواء ، وهو أقرب إلی قوله : والإقامة مثل ذلک((1)) . انتهی کلام الوحید البهبهانی .

فکیف یمکن - علمیاً - أن یعارِضَ خبرٌ شاذّ غیر معمول به ، الأخبارَ الصحیحة


1- مصابیح الظلام 6 : 509 - 512 . وانظر کلامه فی الحاشیة علی مدارک الاحکام 3 : 280 کذلک .

ص:253

الاُخری فی الأذان والإقامة والتی عمل بها الشیعة حتی صارت سیرة لهم ؟!

أضف إلی ذلک أنّ الأصحاب الّذین أجازوا العمل بالروایات المختلفة فی الأذان والإقامة ، سواء کانت 35 فصلاً ، أو 37 ، أو 38 ، أو 42 أو غیرها ، قالوا بذلک لصحّة تلک الروایات عندهم ، فکیف یصحّ أن یقول الشیخ الصدوق : « هذا هو الأذان الصحیح لا یزاد فیه ولا ینقص منه » ، مُغفِلاً الروایات الاُخری المعمول بها عند الآخرین ؟! إذن لا سبیل لحلّ هذا الإشکال إلّا بأن نقول کما قال الوحید قدس سره ، أو نقول: إنّها محمولة علی التقیة، وهذا ما استظهره الشیخ یوسف البحرانی فی قوله :

والأظهر عندی أنّ منشأ هذا الاختلاف إنّما هو التقیة ، لا بمعنی قول العامة بذلک ، بل التقیة بالمعنی الذی قدّمناه فی المقدمة الاولی من مقدمات الکتاب((1)) .

والمقصود هو أنّ المعصوم کان یتعمّد إلقاء الخلاف بین شیعته حتی لا یکون هو والدین غرضین للأعداء ؛ إذ لو عرف الأمو یون والعباسیون منهج آل البیت وشیعتهم بوضوح لسهل علیهم الفتک بهم والقضاء علیهم نهائیاً .

وبنحو عام وبغضّ النظر عن کیفیة تفسیر التقیة ؛ فإنّ الملاحظ أنّ الصدوق رحمة الله وإن کان معاصراً للدولة البو یهیة الشیعیة إلّا أنّه مع ذلک یعتقد جازماً بلزوم التقیّة حتی خروج القائم فلا یخلو منها عصر من العصور ؛ وذلک جلیٌّ فی قوله رحمة الله :

والتقیة واجبة لا یجوز ترکها إلی أن یخرج القائم سلام الله علیه ، فمن ترکها فقد دخل فی نهی الله ونهی رسوله والأئمّة صلوات الله علیهم((2)) .

الثانیة : نظراً لقرینة أخری یمکن حمل ما رواه الشیخ الصدوق عن أبی بکر


1- انظر الحدائق الناضرة 7: 402. وسنأتی بکلامه رحمة الله عند بیاننا لکلام الشیخ الطوسی بعد قلیل فی ص 319 فانتظر.
2- الهدایة للصدوق : 53 .

ص:254

الحضرمی وکلیب الاسدی علی التقیّة ؛ لقوله بعدم البأس بالإتیان ب- « الصلاة خیر من النوم » مرّتین تقیةً .

و یؤکّد احتمال التقیة ما رواه الشیخ فی التهذیب((1)) والاستبصار((2)) والذی لیس فیه هذه الزیادة ، ممّا یؤکّد بأن ما قاله الشیخ الصدوق کان للتقیة .

ولا یخفی أنّ ما جاء فی بعض الأخبار عن الإمام الباقر أو الصادق علیهما السلام من أنّهما کانا یؤذّنان بالصلاة خیر من النوم لا یمکن جعله دلیلاً علی الکلام الآنف ؛ لأنّهما کانا یأتیان بذلک للإشعار والإعلام - حسب ما صُرِّح فی بعض الأخبار((3)) - لا علی أنّه من فصول الأذان ، وهی محمولة علی التقیة((4)) ، وهذا یختلف عن قول الشیخ بعدم الباس وخصوصاً بعد « حی علی خیر العمل » ، فإن قوله هذا یخضع لملابسات نذکرها فی الوقفة الثالثة عشر إن شاء الله تعالی .

الثالثة : إنّ الجروح التی تصدر عن القمیّین لا یمکن الوثوق بها والاعتماد علیها - إذا ما انفردوا بها - لأنّها قد تکون لمجرّد التشدّد ، أو لتصوّرهم فساد عقیدة الراوی حیث یروی حدیثاً لا یعتقدون به ، وکلاهما لیس بشیء .

قال الوحید البهبهانی : ثمّ اعلم أنّه ] أحمد بن محمّد بن عیسی [ وابن الغضائری ربّما ینسبان الراوی إلی الکذب ووضع الحدیث أیضاً بعد ما نسباه إلی الغلو وکأنّه لروایته ما یدلّ علیه ، ولا یخفی ما فیه((5)) .

وقال الوحید فی حاشیته علی مجمع الفائدة والبرهان : وقد حقّقنا ]فی تعلیقاتنا[ علی رجال المیرزا ضعف تضعیفات القمیّین ، فإنّهم کانوا یعتقدون - بسبب


1- التهذیب 2 : 60/ ح 211 ، وسائل الشیعة 5 : 416 / ح 6970 .
2- الاستبصار 1 : 306/ ح 1135 .
3- التهذیب 2 : 63 / ح 222 ، الاستبصار 1:308 / ح 1146 ، وسائل الشیعة 5 : 427 .
4- انظر کشف اللثام 3 : 386 والحدائق الناضرة 7 : 420 .
5- الفوائد الرجالیة : 39 .

ص:255

اجتهادهم - اعتقادات من تعدّی عنها نسبوه إلی الغلوّ ، مثل نفی السهو عن النبی ، أو إلی التفویض ، مثل تفو یض بعض الأحکام إلیه ، أو إلی عدم المبالاة فی الروایة والوضع ، وبأدنی شیء کانوا یتهّمون - کما نری الآن من کثیر من الفضلاء والمتدیّنین - وربّما یخرجونه من قمّ ویوذونه وغیر ذلک((1)) .

وقال الشیخ محمّد ابن صاحب المعالم : إنّ أهل قمّ کانوا یخرجون الراوی بمجرّد توهّم الریب فیه((2)) .

فإذا کانت هذه حالتهم وذا دیدنهم ، فکیف یعوّل علی جروحهم وقدحهم بمجرده ، بل لابدّ من التروّی والبحث عن سببه والحمل علی الصحّة مهما أمکن((3)) .

والمطالع فی رجال قمّ وتاریخها یقف علی أسماء بعض المحدّثین الذین نقم علیهم أهل قمّ لاتّهامهم بالغلّو ، والّذی مرّ علیک سابقاً سقم کلامهم ، کما فعلوه مع محمّد بن أورمة الذی أشاعوا عنه بأنّ عنده أوراقاً فی تفسیر الباطن ، والذی قال عنها ابن الغضائری : أظنّها موضوعة علیه((4)) ، وقد بَرَّأَ الإمام أبو الحسن علیه السلام ابنَ أورمة من هذا الاتّهام وکتب إلی القمیّین ببراءته .

بناءً علی ذلک فلیس من البعید أن یکون شیخنا الصدوق قدس سره قد اتّهم القائلین بالشهادة بالولایة فی الأذان بالوضع ، وذلک لنقلهم ما لا یتّفق مع مبناه ومبنی مشایخه المحدّثین ، فهم کانوا إذا وجدوا روایة علی خلاف معتقدهم وصفوها بالضعف ، وراو یها بالجعل والدس ، وهذا الاعتقاد یوجب إخراج کثیر من


1- حاشیة مجمع الفائدة والبرهان : 700 .
2- استقصاء الإعتبار فی شرح الاستبصار 4 : 77 .
3- مقباس الهدایة : 49 .
4- رجال ابن الغضائری : 93 / ت 133 .

ص:256

الروایات واتّهام کثیر من المشایخ بالکذب ، قال الشیخ الصدوق فی ( الاعتقادات فی دین الإمامیة ) : وعلامة المفوّضة والغلاة وأصنافهم ] الیوم [ نسبتهم مشایخ قمّ وعلماءهم إلی القول بالتقصیر((1))، هذا مع ملاحظة تفرّد الشیخ الصدوق قدس سره بأنّ الأخبار موضوعة إذ لم یقل أحد بذلک قبله .

الرابعة : لعلّ الشیخ الصدوق اتّهم المفوّضة بوضع أخبار ؛ لأنّهم تجاوزوا حد ما کانت تعمل به بعض الشیعة آنذاک من قبیل : « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، و« علیّ خیر البشر » قاصدین بها الجزئیة ، ثم أتی بنصوص دالّة علی الشهادة الثالثة بإرسال ، دون ذکر أسانیدها ، مؤکّداً بکلامه علی تعدّد طرقها ومتونها ، وهی صریحة بأنّ ما وقف علیه الشیخ الصدوق رحمة الله عند من سمّاهم المفوّضة لیس خبراً واحداً ، بل هی أخبار کثیرة ، لذلک قال : ( وفی بعض روایاتهم ) ثم أردف ذلک قائلاً : ( ومنهم من روی بدل ذلک ) ، وهاتان العبارتان تؤکدان بوضوح تعدّد تلک الروایات ، وتکثّر طرقها ، واختلاف صیغها علی غرار المعمول علیه عند بعض الشیعة من الزیدیة والإسماعیلیة الذین کانوا یأتون بها علی نحو التفسیریة أو القربة المطلقة ؛ لأنّ تعدّد الصیغ ینبئ عن عدم الجزئیة عندهم .

فکأنّ المفوّضة - حسب اعتقاد الصدوق رحمة الله - وضعوا أخباراً مسندةً بتلک الصیغ المعمول بها عند بعض الشیعة لیلزموا الآخرین بالإجهار بها ، وهذه الزیادة - وعلی نحو الجزئیة - لا یرتضیها الشارع المقدّس ولا یقبلها الشیخ الصدوق ولا غیره من علماء الإمامیة إذا کان مستندها تلک الأخبار الموضوعة - فیما لو ثبت وضعها ، فهذا العمل من أبطل الباطل - لکنّ الکلام لیس فی الکبری بل فی الصغری ، وهی أنّ هذه الأخبار کانت موضوعة فعلاً ؟ وأنّ رواتها هُمُ المفوّضة أم المتّهمون بالتفویض


1- الاعتقادات : 101 .

ص:257

أم لا ؟ إلی غیرها من الاحتمالات .

وهو الآخر لا یعنی مخالفته رحمة الله للذین یأتون بها لمحبوبیّتها الذاتیّة للقربة المطلقة ، بل فی کلامه رحمة الله - وکذا فی کلام الإمام الکاظم علیه السلام من قبله - ما یشیر إلی امکان تعدّد الصیغ الدالّة علی الشهادة بالولایة إلی أکثر من صیغة وأنّها مجازة شرعاً إن لم یأت بها الإنسان علی نحو الجزئیة ، ولذلک ذکر الشیخ الصدوق ثلاث صیغ منها ، کدلالة علی تکثّرها ، تلک الدلالة التی تعنی أنّ مستند الإتیان بالشهادة الثالثة لیس الأخبار الموضوعة ، ولا أنّها جزء توقیفیّ فیها ، بل تعنی المحبوبیّة العامّة لا غیر .

وعلی أیّ حال ، فإن ما أشار إلیه الصدوق رحمة الله من روایات الشهادة الثالثة یدلّ من ناحیة أخری علی تناقلها فی عصره ، وستقف لاحقاً علی أنّ بعض الشیعة فی حلب وبغداد کانوا یؤذّنون بها فی عصر الصدوق ومن قبله ، وهذا یوقفنا أیضاً علی أنّ مخالفته کانت مع الذین یضعون الأخبار ویزیدون فیها علی نحو الجزئیة لا غیر ذلک ، وإلّا فمن الصعب علی العقل احتمال أن یتّهم الشیخ الصدوق بالتفویض کلَّ من قال بالشهادة الثالثة فی الأذان حتّی من باب القربة المطلقة ، فعبارته کالنصّ فی أنّه یقصد مَنْ وَضَعَ الأخبار ومن استند إلیها علی نحو الجزئیة لا غیر . لقوله « وضعوا اخباراً وزادوا فی الأذان » وقوله « ولکن ذلک لیس من اصل الأذان » .

الخامسة : إنّ اختلاف الصیغ وتعدّدها لا معنی له سوی تأکید أنّهم کانوا لا یأتون بها علی أنّها جزء من الأذان ، بل قد تکون تفسیریة لجملة « حی علی خیر العمل » ، وقد تکون لمحبوبیّتها الذاتیة ورجحانها النفسی وما ذکرناه من تنقیح المناط ووحدة الملاک فی الشهادات الثلاث .

فإنَّ الإتیان بها تارة بعد الحیعلة الثالثة ، واُخری بعد الشهادة بالنبوة لَیُؤَکِّد بأنّ القائلین بها لا یأتون بها علی نحو الجزئیة والشطریة حتی یکون القائلون بها مصداقاً للتدلیس وأنّهم ادخلوا ما لیس من الدین فی الدین . إلّا أن نقول أن الشیخ

ص:258

الصدوق عنی المفوضة القائلین بها علی وجه الخصوص ، أو أنّ قوله السابق قد صدر عنه تقیّةً .

السادسة : إنّ الشیخ الصدوق قد ذکر متن بعض تلک الروایات دون ذکر سندها - وهو دیدنه فی کثیر من الأبواب الفقهیة - لکنّ الفقیه والمحدِّث قد یری سند تلک الروایات فی المجامیع الحدیثیة الاُخری کالتهذیب والکافی وغیرهما . فلماذا لا نقف علی اسناد تلک الروایات الدالّة علی الشهادة الثالثة اذن ؟

الجواب: شروط التقیّة التی کانوا یعیشونها.

ویضاف إلی ما مرّ: أنّه من المعلوم أنّ وثاقة الراوی لا تکفی لحجیّة الروایة ما لم تسلم من الشذوذ والعلّة ، ولأجل ذلک نری الأئمّة یؤکّدون علی شیعتهم لزوم عرض أقوالهم علی الکتاب المجید ، للأخذ بالصحیح وترک الزخرف منه .

لکنّ الصدوق رحمة الله وغیره من القمیّین کانوا یعتمدون وثاقة الشیخ أو الراوی أکثر من راجحیة الروایة ، فقد نقل الشیخ الطوسی فی ترجمة سعد بن عبدالله الأشعری عن الصدوق قوله : وقد رویت عنه کلّ ما فی المنتخبات مما أعرف طریقه من الرجال الثقات((1)) .

وقال فی الفقیه : وأمّا خبر صلاة یوم غدیر خمّ ، والثواب المذکور فیه لمن صامه ، فإنّ شیخنا محمّد بن الحسن کان لا یصحّحه ... إلی أن قال : فهو عندنا متروک غیر صحیح((2)) .

وقد مرّ علیک اعتراض أبی العباس بن نوح علی الصدوق وشیخه فی استثنائهما محمّد بن عیسی بن عبید من نوادر الحکمة بقوله : « فلا أدری ما رابه فیه ، لأنّه کان


1- الفهرست : 136 ت 316 .
2- من لا یحضره الفقیه 2 : 90 ذیل الحدیث 1817 ، والسبب فی ذلک وجود محمّد بن موسی الهمدانی فی السند ، وهو غیر ثقة عنده .

ص:259

علی ظاهر العدالة والثقة » . ویفهم من کلامه أنّ أبا العباس بن نوح وابن الولید والصدوق رحمهم الله یعتبرون الوثاقة فی الراوی دون أرجحیة الروایة .

نعم ، قد یأتی الصدوق بکلام الواقفیّ وغیره ، وخصوصاً لو جاء فی کتب أحد مشایخه ، لکونها موجودة فی أُصول الرجال الثقات .

والشیخ هنا ترک ذکر اسانید تلک الروایات لأنّها موضوعة بنظره تبعاً لمشایخه ، علماً ان مشایخه الکرام اخبروا بحذف «حی علی خیر العمل» من الروایات تقیة .

فکیف لا یُحذف أو یُترک ما فیه دلالة علی رجحان الشهادة بالولایة فی الأذان ؟

وکلامنا هذا لا یوحی بأنا نذهب إلی الجزئیة ، لان ترک الأئمّة علیهم السلام یحمل بین طیاته معانی کثیرة ، وعلیه فشیخنا الصدوق رحمة الله کان یروی عن من یخالفه فی المعتقد ، وفاسدی العقیدة کالواقفیة ، لأنّها جاءت فی اُصول أصحابنا الثقات ، وأمّا فیما نحن فیه فلا نراه یهتمّ بوجهة نظر الآخرین ، ولم یروِ ما روته المفوضة لانهم بمنزلة الکفار والمشرکین عنده وعند مشایخه ، وعندنا کذلک ، وربّما لثقته العالیة بأن الشهادة الثالثة بعنوان الجزئیة هی من موضوعاتهم ، لقوله « لیعرف المدلسون انفسهم فی جملتنا » وبذلک یختلف الفعل عنده ، فتارة یتکلم عن الضعیف وآخر عن الوضاع ، فیأتی بما رواه الأوّل ولا یذکر ما رواه الثانی ، ویؤکّد مقولتنا هذه ما قاله رحمة الله فی ( باب الصلاة فی شهر رمضان ) تعقیباً علی من روی الزیادة فی التطوّع فی شهر رمضان - زرعة عن سماعة وهما واقفیان - قال :

قال مصنف هذا الکتاب : إنّما أوردت هذا الخبر فی هذا الباب مع عدولی عنه وترکی لاستعماله لیعلم الناظر فی کتابی هذا کیف یُروَی ومن رواه ، ولیعلم من اعتقادی فیه أنّی لا أری

ص:260

بأساً باستعماله((1)).

وعلیه فالشیخ رحمة الله یأخذ بالخبر الضعیف لا الموضوع ، لأن الاخیر ساقط بنظره ومتروک لسقوط راویه ، وإن کان منهج القدماء یدعوه للاخذ به ، لأن الاصل فی الأخبار عندهم صحة المضمون لا السند ، وما اتی به صحیح المضمون بلا خلاف ، لکنه ترک ذلک لاعتقاده بوضع المفوضة لها .

وکون روایات المفوضة موضوعة حسب اعتقاده لا یلزم منه عدم تجویز الإتیان بها لا علی نحو الجزئیة .

السابعة : ممّا لا شکّ فیه أنّ المفوّضة والغلاة من شرّ خلق الله ، لکنّ مجرّد عمل المفوّضة بشیء لا یمکن اعتباره معیاراً للترک وأنّه من الباطل ؛ فقد یکون لدی المفوّضة أدلّة علی شرعیة ما یفعلونه غیر تلک الأخبار الموضوعة التی قصدها الشیخ رحمة الله ؛ لاحتمال أنّه وقف علیها فقط ولم یقف علی غیرها مما هو غیر موضوع ، ویکون مثالهم فی الشهادة الثالثة نظیر العامّة القائلین بالحیعلتین الاُولیین ، المتطابقتین مع المرویّ عندنا فی الأذان الصحیح وإن کان رواتهما بنظرنا غیر ثقات ، فهل یمکننا أن نقول بترکهما لموافقتها للعامة ؟ إنّ هذا قول عجیب ، ولا یقول به أحد منّا .

لکنّ الأمر لم یکن کذلک ، وذلک فیما نعتقد لعدم وجود روایات دالّة علی الجزئیة فی الأذان ، نعم هناک شواذ اخبار وعمومات یمکن القول من خلالها برجحان الشهادة بالولایة کما جاء فی حسنة ابن أبی عمیر ومرسلة الاحتجاج : « من قال محمّد رسول الله فلیقل علی أمیر المؤمنین » وخصوصاً لو دمج ذلک مع سیرة المتشرّعة قبل ولادة الشیخ الصدوق ، وأنّهم کانوا یأتون بصیغ مختلفة دالّة علی الولایة فی أذانهم تصریحاً أو تلمیحاً ، واقرار الإمام الحجة المنتظر لفعلهم وعدم ورود نهی عنه فی ذلک ، فکلّ هذا یدعونا للقول بعدم الضیر بالإتیان بها فی الأذان ،


1- من لا یحضره الفقیه 2 : 139 ، ذیل الحدیث 1967 .

ص:261

بشرط أن لا تکون علی نحو الجزئیة ، - کما کان معمولاً علیه فی عهد الأئمة((1)) - وهذا ما کان یلحظ فی عمل أصحابنا ، والذی یدلّ علیه ویؤکّده کلام کُلٍّ من الأئمّة : الکاظم ، والرضا ، والهادی علیهم السلام .

وهنا یمکن القول بأنّ ذهابنا إلی رجحان الشهادة بالولایة فی الأذان ومن دون اعتقاد الجزئیة إنّما هو لتلک العمومات وما جاء تلمیحاً واشارة لا لما رواه المفوّضة ، فلا تأتی بعد ذلک شبهة العمل بأخبارهم الباطلة لعنهم الله .

الثامنة : إنّ إتیان الشیخ الصدوق بصیغ الزیدیة والإسماعیلیة وبعض الإمامیّة - ضمن هجومه علی المفوّضة - « المدلسون انفسهم فی جملتنا » لا یعنی أنّه رحمة الله کان یعتقد بأنّ هؤلاء کانوا یأتون بها استناداً لأخبار المفوّضة الموضوعة ، بل کانوا یتداولونها لما عندهم من العمومات ، یوضّح ذلک أنّه لم یلعن غیر المفوّضة .

فالزیدیة کانوا یقولون بها بعد الحیعلة الثالثة - قبل ولادة الصدوق - بصیغة « محمّد وعلی خیر البشر »((2)) ، ولم نجد فی کلّ کلمات الصدوق أنّه لعنهم لذلک .

والإسماعیلیة کانوا یأتون بها بصیغة : « محمّد وآل محمّد خیر البریة »((3)) ، ولم یلعنهم لذلک أو یذمّهم .

والإمامیة رعایة للترتیب الملحوظ فی جمیع الروایات الصادرة عن أهل البیت قالوها بعد الشهادة بالنبوة لرسول الله .


1- إذ مرَّ علیک فی کلام الإمام الکاظم علیه السلام علی وجود السیرة فی ذلک ، لقوله علیه السلام : «وان الذی أمر بحذفها اراد أن لا یکون حث علیها ودعاء إلیها» وهذا الکلام واضح بأن هناک نهج لا یرتضی ذکر ما یأتی فی تفسیر الحیعلة بخلاف الإمام الکاظم الذی حبّذ الحث علیها والدعوة إلیها ، وعلیه فالسیرة قائمة علی الشهادة بالولایة بالجواز لا اللزوم فلا یصحّ ما یقال: لماذا ترکها الإمام المعصوم أو ترکها اتباعهم کالشیخ المفید والعمانی وابن الجنید وامثالهم .
2- سفر نامه ناصر خسرو : 141 ، 142 ، صبح الأعشی فی صناعة الإنشا 13 : 230 .
3- انظر الإسماعیلیة ، لاحمد إسماعیل : 55 .

ص:262

لکن الشیخ الصدوق رحمة الله تسامح فی عبارته ، فتصوّر الکثیرون بأنّ جمیع هذه الصیغ تقال بعد الشهادة بالنبوة فقط ، وهی جمیعها للمفوضة الملعونة ! ، ولا یقول بها غیرهم ، وأنّ مستندها فقط الأخبار الموضوعة ، فی حین أن صیغتین منها تقال بعد الحیعلة الثالثة وهی للزیدیة والإسماعیلیة ، أما الصیغة الثالثة فتقال بعد الشهادة الثانیة ، وهی للإمامیة الاثنی عشریة ، فعدم تحدید الشیخ الصدوق لأماکن ورودها ومن یقولها ، هو تسامح منه رحمة الله .

التاسعة : احتمل بعض الأفاضل أنّ عدم ارتضاء الصدوق رحمة الله للشهادة الثالثة یرجع إلی معارضتها لروایة أبی بکر الحضرمی وکلیب الأسدی ، والتی لیس فیها الشهاده بالولایة .

لکنّ هذا الاحتمال مردودٌ بأنّ روایة الحضرمی والأسدی لا تقوی علی المعارضة ؛ لأنّ فیها تربیع التکبیر فی الإقامة ، ووجود « لا إله إلّا الله » مرتین فی آخرها ، وهو مما لا تعمل به الإمامیة باتّفاق ، فکیف یرید الشیخ الصدوق قدس سره أن یعتمدها مع أنّها روایة شاذة تخالف المعمول به عند الإمامیة قاطبة ؟! ویعتبرها معارضة للاخبار الشاذّة الاخری التی حکاها الشیخ الطوسی والتی فیها الشهادة بالولایة لعلی .

فلو کانت تلک الأخبار فی الشهادة الثالثة شاذّة ، فهذه هی الاُخری شاذة بل متروکة ، فکیف یعتمد الشیخ الصدوق هذه ویترک تلک ؟!

إِلّا أن نقول بما قاله هو عن تلک الأخبار من أنّها من وضع المفوّضة ، وفیه جواب ما احتمله البعض من وجود التعارض، بل الأمر عند الصدوق هو وجود اخبار لها قابلیة التصحیح وأخبار موضوعة فی ماهیة الأذان ، مع الاشارة إلی أنّه رحمة الله کان یعمل بالأخبار الشاذّة ، وإنّ طعنه فی تلک الروایات لا لشذوذها بل لوضع المفوّضة لها ودعواهم بجزئیتها ، لقوله رحمة الله : « والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا

ص:263

أخباراً » ، وهو مثل قول الإمام الصادق : « المغیرة بن سعید لعنه الله دسّ فی کتب أصحاب أبی أحادیث لم یحدّث بها أبی »((1)) أو « کان المغیرة بن سعید یتعمّد الکذب علی أبی »((2)) ، فسبب لعن الإمام ولعن الصدوق هما لأمر واحد ، وهو وضع الأحادیث علی لسان الأئمّة لا لشی آخر . وعلیه فإن الاخبار التی لیس فیها الشهادة بالولایة لا تعنی حرمة الإتیان بها بل تنفی جزئیتها لیس إلّا .

ولا یخفی علیک أنّ تفریق الشیخ التستری فی ( النجعة فی شرح اللمعة )((3)) بین الأذان والإقامة غیر صحیح لإمکان إطلاقها علی الإقامة کذلک فی لسان الأئمة والفقهاء . هذا أوّلاً .

وثانیاً : احتملنا سابقاً إنّ روایة الحضرمی صدرت عنه تقیّةً ، فلا وجه لهذا الاحتمال .

وثالثاً : إنّ الشهادة بالولایة - لا علی نحو الجزئیة - کانت سیرة لمجموعة کبیرة من المتشرعة ولم تکن لمجموعة صغیرة من هذا المذهب أو ذاک ، بل هی عمل لسیرة متشرّعة ، علی اختلاف اعتقاداتهم زیدیة ، إسماعیلیة ، إمامیة اثنی عشریة واماکن تواجدهم - إن أمنوا مکر السلطان - فمنهم فی بغداد ، وآخر فی القاهرة ، وثالث فی حمص ، ورابع فی الریّ ، وخامس فی شمال العراق ، فإنّ دعوی الوضع لعمل قطاعات کثیرة من الشیعة ، وفی بلدان مختلفة بعیدةٌ جدّاً .


1- رجال الکشی 2 : 489 / الرقم 401 ، وعنه فی بحار الأنوار 2 : 250 / ح 62 ، رجال ابن داود : 279 / الترجمة 510 .
2- رجال الکشی 2 : 491 / الرقم 402 ، وعنه فی بحار الأنوار 2 : 250 . وقد روی عن الإمام الصادق علیه السلام کذلک قوله ( ان المغیرة بن سعید کذب علی أبی فسلبه الله الإیمان ) رجال الکشی 2 : 491 ، و: ( المغیرة بن سعید کذب علی أبی واذاع سره فاذاقه الله حدید النار ) تحف العقول : 311 ، وغیرها من الاخبار الصادرة عنه علیهم السلام .
3- قال الشیخ محمّد تقی التستری فی ( النجعة 2 : 205 ، الجزء الأوّل من قسم الصلاة ) - بعد أن اتی بما قاله الصدوق قال : قلت : والمفهوم منه ان الازدیاد من المفوضة إنما کان فی الأذان دون الإقامة وازدیاد المصنف للإقامة إنما حصل فی الاعصار الاخیرة بعد الصدوق .

ص:264

فالصدوق رحمه الله لا یرید اتّهام الجمیع بالتفویض أو الغلوّ ، بل کان یتهم فقط الذین یوجبون الاتیان بها علی نحو الشطریة ؛ راو ین فی ذلک روایات مکذوبة عن المعصومین .

العاشرة : ذکرنا سابقاً بعض موارد الاختلاف بین القمیّین والبغدادیّین فی الأُصول الرجالیة والعقائدیة ، وکذا تخالف منهج المحدّثین مع منهج المتکلّمین والفقهاء ، فلا نری شیخنا الصدوق - فی مجامیعه الحدیثیة - یتهجّم علی أحد أو مجموعة کما تهجّم علی المفوضة فی مبحث الشهادة الثالثة ، فهو رحمة الله مُتَّزِنُ القلم ، ورقیق التعبیر ، متین رصین فی کلامه ، فلم أقف علی کلمة « لعنهم الله » أو « أخزاهم الله » أو « خذلهم الله » وأمثالها عند بیاناته الاُخری ، بل وقفت علی ترحّمه علی من لم یلتقِ معهم فی المذهب ، وذلک دلیل علی رزانته ومتانته ومرونته وتسامحه وبعده عن العصبیة .

وبعد هذا فلیس لی أن أخرج عبارته هنا إلّا من خلال محمل التقیة ، أو أنّه عنی الّذین یأتون بالشهادة الثالثة علی نحو الجزئیة اعتماداً علی الأحادیث الموضوعة ، ولا ثالث فی البین غیر هذین الاحتمالین ؛ لأنّ وصف جمیع الشیعة القائلین بالشهادة الثالثة باللعنة مستحیل ، خصوصاً ونحن نراه یروی روایات عن أئمّة أهل البیت یمکن الاستدلال بها علی محبوبیة الشهادة الثالثة فی أماکن أخری من مجامیعه الحدیثیة ؛ ولسنا بعیدین عمّا رواه رحمة الله بسند معتبر فی الأمالی عن الإمام الصادق بأنّ الله نوّه باسم علیّ فی سماواته((1)) .

ومن المعلوم عند الجمیع أنّ کلام المعصوم ] الصادق [ - فی الأمالی مثلاً - یقدَّم علی غیره ، وأنّ نقله عن الإمام مقدّم علی اجتهاده ، وبذلک یکون مقتضی القاعدة فی تفسیر خبر الأمالی استمراریة الشهادة بالولایة فی الأرض کذلک ، ویؤ ید ذلک ما رواه الکلینی قدس سره فی الموثّق أنّ الله أمر منادیاً ینادی بالشهادات الثلاث لمّا خلق


1- انظر الأمالی : 701 / ح 956 .

ص:265

السماوات والأرض((1)) .

وبعد هذا فلا أستبعد صدور نص الفقیه عنه إمّا تقیّة - وهو الجازم بلزوم العمل بها حتی ظهور القائم علیه السلام - وإمّا ردّاً علی وضع المفوّضة فیما یعتقد هو انهم وضعوها ، ویشهد لذلک اضطراب عبارته رحمة الله ، فمرّة قال : « والمفوضة لعنهم الله » وبعد أسطر قال مرّة اُخری « والمتهمون بالتفویض » ، وکلّ هذا وغیره یرجّح احتمال أنّه عنی باللّعن القائلین بالجزئیة اعتماداً علی الأخبار التی یعتقد هو أنّها موضوعة ، لا عموم القائلین بها - من الأدلّة العامّة - کما سیتّضح أکثر بعد قلیل .

الحادیة عشر : مرّ علیک قبل قلیل أنّ الشیخ الصدوق بعد إخباره بأنّ الشهادة الثالثة من وضع المفوضة عاد وقال عنهم : « المتّهمون بالتفویض » ، فنتساءل : هل هم من المفوّضة بضرس قاطع ، أم هم من « المتّهمین بالتفویض المدلّسین أنفسهم فی جملتنا » ؟

إنّ الشیخ الصدوق رحمة الله لمّا لم یمکنه إثبات کونهم من المفوّضة یقیناً ، عاد واحتاط فی کلامه فقال « المتهمون بالتفویض » ، وهذا یؤکّد عدم جزمه بأنّهم من المفوّضة ، وأنت تعلم بأنّ ما قاله هو مدرکی اجتهادی یمکن الخدش فیه لا حِسِّیٌّ غیر قابل للردّ .

بل لا یبعد أن یتولّد لدینا اعتقاد راسخ بأنّ الشیخ الصدوق قد قسّم القائلین بالشهادة الثالثة إلی قسمین :

القسم الأول : هم من قال عنهم : « والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً وزادوا فی الأذان ... » .

والقسم الثانی : هم من قال عنهم : « وإنّما ذکرت ذلک لیعرف بهذه الزیادة المتّهمون بالتفویض » .

وحاصل ذلک: أنّ الذی یأتی بما یدلّ علی رجحان الشهادة بالولایة لیس مفوّضاً


1- الکافی 1 : 441 / ح 8 ، من باب مولد النبی صلی الله علیه و آله ووفاته .

ص:266

علی الحقیقة بل هو متّهم بالتفویض ؛ آیة ذلک أنّه لم یلعنه ، وهذا هو الصحیح ؛ لأنّ من یستحقّ اللعن هو الّذی یضع حدیثاً لتلک الزیادة ، لا لمجرّد الزیادة مع احتمال قیام أدلّة الاقتران والشعاریة علی إثباتها ؛ وفی مجموع کلمتیه إشارة واضحة لهذه المسألة ، وقد یُتَصوّر من کلمة « المدلسین » أنّ الشیخ الصدوق رحمة الله اُبتلی ببعض المتسلّلین إلی جماعة الشیعة من غیرهم ، وکانوا یقومون بما یشوّه السمعة عند الأکثرین ، فأراد رحمة الله التخلّص منهم ، ولیس حدیثه عن الشیعة المعتقدین الذین یلتزمون بالولایة بحسن قصد .

وعلیه ، فالصدوق رحمة الله شأنه شأن باقی علماء الاُمّة سنة وشیعة ؛ قد یفتی بشیء اعتقاداً منه أنّه شرعی ومجاز من خلال العمومات وادلّة اقتران ذکر الولایة بالنبوة ، فی حین أنّه هو لا یرتضی الافتاء إذا کان مستندها لیس مشروعاً ، کالحدیث الموضوع مثلاً .

والشیخ رحمة الله اورد روایة التطوع فی الزیادة فی التطوع فی الصلاة فی شهر رمضان مع عدوله عنه وترکه لاستعماله((1)) إلی اخر کلامه رحمة الله لأنّه حدیث ضعیف ولیس بموضوع.

وعلیه : أنّ الجزم بالوضع متفرّع علی الجزم بالتفویض عنده ، ولمّا لم یمکن الجزم بالتفویض فلا یمکن الجزم بالوضع کذلک . وهذا من قبیل الحکم بالوضع - من قبل العامة - علی روایة صحیحة عندهم لمجرّد شبهة الرفض فضلاً عن الجزم به ، فلربّما - وهو احتمال قائم فی معترک البحث فی هذه المسألة - حَکَمَ الشیخ الصدوق بوضع الأخبار لمجرّد تهمة التفویض ؛ وهذا هو شان القمیّین وتسرعهم فی بت الاحکام ؛ فهم طردوا البرقی لمجرّد التهمة وبلا دلیل .

لکن قد یقال : بأنّ هذا الکلام صحیح فیما لو جزمنا بتلک الملازمة فی کلمات


1- والذی مرّ فی صفحة 259 .

ص:267

الشیخ الصدوق ، لکن دون ذلک خرط القتاد .

أمّا أولاً : فلأن الشیخ قسّم القائلین بالشهادة الثالثة إلی قسمین ، والقسم الثانی ینافی الملازمة ؛ فمجرّد الزیادة لا تعنی الوضع کما لا تعنی التفویض واستحقاق اللعن .

وأمّا ثانیاً : فلا یتّجه القول بأنّ تشدّد القمیّین یستدعی الحکم بالوضع والتفویض واستحقاق اللعن مع احتمال التقیّة .

وبذلک فالخدش والضعف لیس فی الإسناد ، بل لروایة المفوّضة الساقطة تماماً وعملهم بذلک ، وإنّک قد عرفت - وستعرف أکثر من ذلک بعد قلیل - بأنّ الشهادة بالولایة فی الأذان بعنوانها الذکر المحبوب ولمطلق القربة العامّ لم تکن من وضع المفوّضة ، بل کانت عند جمیع المذاهب الشیعیة ، وهی مأخوذة من الأدلة العامة ، وقد عمل بها - بالنظر لذلک بعض الخاصة ، وقال الشیخ الطوسی بعدم إثم فاعلها - وإن کانوا قد ترکوها فی بعض العصور جریاً مع ظروف عایشوها .

الثانیة عشر : إنّ علماء بغداد وغیرهم اتّهموا الشیخ الصدوق ومشایخه من أهل قمّ بالتقصیر فی أمر الأئمّة ، وأنّهم لا یدرکون مکانتهم علیهم السلام کما هی ، ولذلک کتب الشیخ المفید کتاباً فی تصحیح عقائد الصدوق.

ونحن لا نوافق البغدادیین فیما اتّهموا به أهل قمّ بهذه البساطة ، لأنّ فی « الفقیه » وغیره من کتب الصدوق وسائر کتب القمیّین ما یدلّ علی ارتفاع مستواهم المعرفی ورقیّ مرتبتهم العقائدیة فی المعصومین سلام الله علیهم ، وکُلُّ ما قالوه کان خوفاً من دخول روایات المفوّضة والغلاة ضمن أصولنا الحدیثیة .

فالصدوق رحمة الله هو صدوق هذه الأمّة وثقة وعدل ، وقد روی روایات کثیرة فی مقامات الأئمّة ، ویجب الأخذ بکلامه فی مواطن الأخذ واعتباره فی مواطن الاعتبار ، لکنّه فیما عدا ذلک فهو قدس سره لیس بمعصوم ، وما یقوله من رأیٍ واجتهاد لا یلزم الفقهاء من أهل الفتوی عبر الأزمان اتباعه ، نعم هو محدث وفقیه وأمین علی

ص:268

ودائع بیت النبوة ، وناشر لعلمهم ، ولیس فی کلامه ما یلزم الآخرین من المجتهدین من معاصریه ومن غیرهم التعبد به بنحو مطلق .

ونحن قد توصلنا وفق الصفحات السابقة إلی أنّ الشیخ الصدوق لا یقصد بکلامه القائلین بالشهادة الثالثة من باب القربة المطلقة ، بل یقصد القائلین بالجزئیة ، لسنا ملزمین بالأخذ بقوله رحمة الله إذا قصد القائلین بالشهادة الثالثة من باب القربة المطلقة ، وإن کان هذا الاحتمال غیر ممکن تصوّره فی حقّ الشیخ الصدوق ؛ إذ هو قدس سره - بالنظر للعمومات - قد جزم بأنّ علیّاً ولیّ الله حقّاً ، وروی روایات کثیرة فی ذلک .

الثالثة عشر : إنّ الشیخ الصدوق کان یعتقد بصحّة بعض أقسام التفویض ، کالتفویض فی التشریع من النبی صلی الله علیه و آله .

قال الشیخ المجلسی فی البحار بعد نقله لکلام الصدوق فی صفة وضوء رسول الله :

« ولعلّ الصدوق إنّما نفی المعنی الأوّل - من المعانی التی قیلت فی التفویض - حیث قال فی الفقیه : وقد فوض الله سبحانه إلی نبیّه أمر دینه ولم یفوض إلیه تعدّی حدوده . وأیضاً هو رحمة الله قد روی کثیراً من أخبار التفویض فی کتبه ولم یتعرّض لتأویلها »((1)) .

وقال الصدوق فی کتابه الاعتقادات : وقد فوّض الله إلی نبیّه أمر دینه ؛ فقال عزّ وجل { وَمَآ اَتَاکُمُ الرَّسُوُل فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ }((2)) ، وقد فوض ذلک إلی الأئمّة((3)) .

وفی الفقیه : قال زرارة بن أعین : قال أبو جعفر ] الباقر [ علیه السلام : کان الذی فرض الله علی العباد عشر رکعات ، وفیهن القراءة ولیس فیهن وَهَمٌ - یعنی السهو - فزاد رسول الله سبعاً ، وفیهنّ السهو ولیس فیهنّ القراءة((4)) .


1- بحار الأنوار 25 : 349 / فصل فی بیان التفو یض ، وانظر قول الشیخ الصدوق فی من لا یحضره الفقیه 1 : 41 / ح 82 .
2- الحشر : 7 .
3- اعتقادات الصدوق : 101 / باب الاعتقاد فی نفی الغلّو والتفو یض .
4- من لا یحضره الفقیه 1 : 201 / ح 605 / باب فرض الصلاة .

ص:269

إنّ اعتقاد الصدوق ببعض أقسام التفویض وعدم نفیه لجمیعها وکون التفویض عنده وعند غیره علی قسمین : تفو یض مشروع ، وتفو یض محرّم ، وأنّ هذا القسم یرشدنا إلی لزوم دراسة موضوع التفویض أکثر ممّا مضی ، ولکی نعرف ما الذی یعنیه الصدوق من التفویض ، وهل حقّاً إنّه یرتبط بالشهادة الثالثة ، أم لا ؟ فلو کانت الشهادة بالولایة فی معناها العام من التفویض ، کان علینا القول بأنّ جمیع فقهاء الإمامیة ومنهم الشیخ الصدوق من المفوّضة أو الغلاة ، وهذا ما لا یجرؤُ علی قوله أحد من الشیعة بل هو مستحیل منطقیاً .

ویضاف إلیه : أنّ روایة الشیخ الصدوق لأخبار دالّة علی وجود الشهادة بالولایة بعد تکبیرة الإحرام ، وحین دعاء التوجّه إلی الصلاة((1)) ، وفی قنوت الصلاة ((2))، وفی التشهد((3))، وفی تعقیبات صلاة الزوال((4))، کلها تؤکّد بأنّ الشهادة الثالثة هی من الذکر المحبوب الوارد فی الشریعة، وهو یدعونا أن نحتمل مرة أخری علاوة علی ما سبق : أن نصّ الفقیه فی الأذان قد صدر عنه تقیةً ، أو أنّه عنی المفوضة بالخصوص لزیادتهم أخباراً موضوعة دالّة علی وجوبها . بل قد یکونا معاً لشهادة الشیخ بأنه والمذهب یعیشان ظروف التقیة حتّی ظهور القائم ، هذا من جهة .

ومن جهة أخری کان یری قدس سره - وهذا هو الحقّ - الوقوف بوجه الکذّابین الوضّاعین الذین یریدون تشویه صورة المذهب وحقیقته من خلال الأذان وغیره .

و یقوی احتمال التقیة حینما تقف علی أخذه الروایة عن کثیر من أعلام العامّة


1- المقنع : 93 ، من لا یحضره الفقیه 1 : 302 - 304 / ح 916 . وانظر فقه الرضا المنسوب لوالد الصدوق : 105 .
2- الفقیه 1 : 493 / ح 1415 .
3- فقه الرضا ، المنسوب لوالد الصدوق : 108 .
4- المقنع : 96 ، الفقیه 1 : 319 / ح 944 .

ص:270

وقراءته علیهم بعض روایاته متجنّباً مشایخه من الشیعة، فقد شدّ الرحال إلی مختلف الحواضر العلمیة آنذاک کبغداد، والکوفة، والریّ، وخراسان، ونیسابور، ومرو الروذ ، وهمذان ، واستراباد، وجرجان ومکة، والمدینة، لتحمّل الحدیث عنهم.

وقد خرج بالفعل إلی ما وراء النهر ومرّ ب- « سمرقند » ، وسمع بها من أبی أسد ، وعبد الصمد بن عبد الشهید ، وعبدوس بن علی الجرجانی فی سنة 368 ه((1)) ، و« ایلاق » ، وسمع فیها من أبی نصر محمّد بن الحسن الکرخی الکاتب ، وأبی الحسن محمّد بن عمرو بن علی البصری فی سنة 368 ه((2)) ، و« فرغانة » ، وسمع فیها من أبی أحمد ، محمّد بن جعفر بن بندار الشافعی ، وتمیم بن عبد الله بن تمیم القرشی((3)) ، وغیرهما .

وکان بین مشایخه ومن روی عنهم من النواصب ، فقد روی الصدوق عن أحمد ابن الحسین بن أحمد بن عبید الضبیّ ، أبی نصر فی کتاب العلل ، والمعانی ، والعیون ، وقال فیه : ما لقیت انصب منه ، وبلغ من نصبه أنّه کان یقول : « اللّهمّ صلّ علی محمّد » فرداً ، ویمتنع من الصلاة علی آله((4)) .

وقد کتب کتابه « من لا یحضره الفقیه » فی بلخ((5)) ، وقد أحصی المحدّث النوری


1- الخصال : 45 ، 220 ، عیون أخبار الرضا 1 : 12 ، فضائل الأشهر الثلاثة : 65 .
2- الخصال : 208 ، عیون أخبار الرضا 1 : 155 ، اکمال الدین واتمام النعمة : 292 .
3- الخصال : 28 ، 268 ، التوحید: 353 .
4- عیون أخبار الرضا 1 : 312 ح 3 ، باب ذکر البرکات التی ظهرت من مشهد الرضا علیه السلام ، معجم رجال الحدیث 1 : 70 .
5- وقد سمع فیها من أبی عبدالله ، الحسین بن أحمد الاشنائی الرازی ( انظر معانی الاخبار : 205 / ح 1 ، من باب معنی قول النبی لعلی ... ) ، والحسین بن أحمد الاسترآبادی ( انظر الخصال : 311 / ح 87 ) ، وأبی الحسن محمّد بن سعید بن عزیز السمرقندی ( انظر التوحید : 96 / ح 1 ، باب معنی التوحید والعدل ) ، وغیرهم .

ص:271

فی خاتمة مستدرکه أسماء مشایخه ، وقد تجاوز عددهم عن المائتین((1)) .

وفی مثل تلک الظروف والرحلات والمشاهدات ، نستطیع استقراب أن تکون جملته الأخیرة : « وإنما ذکرت لتُعرف ذلک بهذه الز یادة المتهمون بالتفویض المدلّسون أنفسهم فی جملتنا » قیلت تقیةً ، لأن الشیخ کان یری بعض الشیعة یجهرون بالشهادة الثالثة ، وهو ما لا یرتضیه غالب العامّة ، وهم الأغلبیة فی جمیع البلدان ، فأراد الشیخ بجملته السابقة الحفاظ علی أرواح البقیة الباقیة منهم ، من خلال البراءة من القائلین بالشهادة الثالثة ونفی هذا القول من جملة الشیعة ظاهراً ، وقد مرّ تنبیهنا علی أنّ الشیخ الصدوق قد لوّح فی عبارته فی الفقیه إلی وجود قسمین یشهدون بالشهادة الثالثة ، فقسم مفوّضة ملعونون بسبب الوضع ، وقسم ثان غیر وضّاعین بل متّهمون فقط ، إذاً لا معنی لذلک من هذه الجهة غیر التقیة علی الأرجح .

الرابعة عشر : إنّ رواة خبر الشهادة الثالثة فی المعراج ، وکون اسم علیّ علیه السلام مکتوباً علی ساق العرش ، وأنّ نوره علیه السلام کان مع الأنوار ، وأنّ الله أخذ المیثاق علی ولایته فی عالم الذرّ ، وما یماثلها من الروایات ، کان راووها وناقلوها یعتقدون برجحانها ، ویأتون بها فی أذانهم لوحدة الملاک الملحوظ بینها وبین الأذان وهو دلیل الشعاریة الذی استند علیه بعض الفقهاء ، لکنّ الشیخ الصدوق رحمة الله وغیره من المنکرین لفعل المفوّضة ، اکتفوا بالاتّهام دون بیان أدلّتهم ، مع أنّهم کانوا فی مقام الاستدلال ، فلو صحّ اتّهام التفویض کان علیهم أن یأتوا باسم راو واحد من المفوّضة کان یؤذّن بهذا الأذان .

نعم قد یقال بأنّ الشیخ قالها عن حسٍّ وهو کاف فی الجواب عن هذا ، وهذا لم یثبت ؛ لاعتماده کثیراً علی اقوال مشایخه والذی اثبت التحقیق خطائهم فی بعض


1- انظر خاتمة المستدرک 5 : 466 - 488 / فصل فی ذکر مشایخ الصدوق .

ص:272

القرارات ، هذا من جهة .

ومن جهة اُخری : من المعلوم درائیاً عند جمیع المسلمین - وخصوصاً عند العامّة - أنّ الجرح لا قیمة له إذا عارض التعدیل إلّا إذا کان جرحاً مفسّراً .

وطبق هذه القاعدة الدرائیة نقول : إنّ الشیخ الصدوق اتّهم رواة الشهادة الثالثة بالتفویض ، وهو جرح مجمل غیر مفسّر ، لتعدد معانی التفویض - عنده - ولعدم ثبوت کون هذا الفعل هو عمل المفوضة الغلاة .

وبما أنّه غیر مفسّر فلنا ترک ما قاله شیخنا الصدوق رحمة الله ، لأنّه مبنیّ علی اجتهاد تفرّد به وحده وهو مجمل غیر مفسّر ، ولأنّ شهادته رحمة الله لا تکون بالنسبة لنا عن حسٍّ فی مثل هذه الموارد ، لأ نّنا لا نعلم کیفیّة وصوله إلی تلک القناعة ، وهل قالها لِما رآه وعرفه ، أم اتّباعاً لمشایخه المحدّثین وعلی رأسهم ابن الولید ؟

فلو کان الاحتمال الثانی فقد قال بهذا القول بدون فحص ودلیل بل تقلیداً لشیخه الثقة ، والذی صرّح مراراً بأنّه لا یتعدّی کلامهم .

وبذلک فتکون شهادته حدسیة لا حسیة ، فلا تکون حجّة علینا ، وخصوصاً مع تشدّد ابن الولید وباقی مشایخه ، وتأکّد کون الصدوق مقلّداً لمشایخه فی الصحیح والضعیف ، وهذا ما رأیناه فی بحثنا السابق : « منهج القمّیین والبغدادیین » من اتّباعه لابن الولید فی القول بأنّ محمّد بن موسی الهمدانی هو الذی وضع أصل زید الزرّاد وزید النرسی .

فقد یکون الشیخ الصدوق هنا قد اعتمد علی مقولة هؤلاء المشایخ واتّهم القائلین بالشهادة بالولایة بالوضع .

أمّا لو قلنا بأنّه رحمة الله عنی خصوص القائلین بالجزئیة - الواضعین حدیثاً فی ذلک - فکلامه صحیح .

إن الشیخ الصدوق اتُّهم بالتقصیر فی حقّ الأئمّة لقوله : « بأنّ من لم یقل بسهو

ص:273

النبی فهو من الغلاة »، أو قوله: « بأنّ من قال بأنّ للنبیّ صلی الله علیه و آله الزیادة فی العبادات فهو من الغلاة »، فی حین لم نر أحداً من علماء الشیعة یوافقه فی کلامه ، وقد اعترضوا علی اعتقاده .

وقد نقل بعض المعاصرین عن الشیخ الصدوق انه لم یقل بجزئیة الصلاة علی النبی وآله فی التشهّد ، لأنّه لم یروِ فی الفقیه فی باب « التشهد وآدابه وأدعیته »((1)) ما یدل علی ذلک ، خلافاً لغالب المذاهب الإسلامیة القائلین بجزئیّتها .

لکنا لا نقبل هذا الکلام ، لأمور :

أوّلاً : لأنّ الشیخ رحمة الله لم یعتمد تلک الروایة ؛ لقوله رحمة الله : « وروی عن زرارة » وهو یؤکّد عدم اعتماده علیها .

وثانیاً : لأنّ وجود جملة « سلام علی الأئمّة الراشدین المهدیین » هو معنی آخر للصلاة علی النبیّ وآله .

وثالثاً : لأنّ الشیخ روی فی کتاب الصوم « باب الفطرة » عن حماد بن عیسی ، عن حریز ، عن أبی بصیر وزرارة ، قالا : قال أبو عبد الله : کما أنّ الصلاة علی النبیّ من تمام الصلاة ... ولا صلاة له إذا ترک الصلاة علی النبی وآله ...((2)) وهو یعنی جزئیتها ، لکنه اتی بها فی غیر بابها .

والحاصل : فمن یقف علی تاریخ الشیعة وما لاقوه من الخلفاء یعرف جواب کثیر من الملابسات دون أدنی تأمل ، إذ أنّ المقتضی کان موجوداً للتأذین بالشهادة الثالثة ، لکن المانع هو الآخر کان موجوداً فلا یمکن البوح بها ، نعم لا دلیل علی امکان اعتبارها جزءاً ومن أصل الأذان ، لأنّ الأذان أمرٌ توقیفیّ ، فلا تجوز الزیادة فیه أو النقصان منه .


1- الفقیه 1 : 300 / ح 944 ، مثلاً وانظر مقدمة المحقق کذلک .
2- الفقیه 2 : 183 / ح 2085 .

ص:274

الخامسة عشر : المشهور شهرة عظیمة عند غالب أبناء الطائفة عدم اعتقاد جزئیة الشهادة الثالثة ولا أنّها من فصول الأذان ، لکن هذا لا یعنی عدم جواز الإتیان بها من باب التیمّن والتبّرک ، ومن باب رجاء المطلوبیة ، والمحبوبیة النفسیة ، والقربة المطلقة وغیر ذلک ، فلماذا ینسب إلی الشیخ الصدوق رحمة الله بأنّه یتّهم جمیع القائلین بها بالتفویض والبدعة ، مع احتمال أن یکونوا قد أتوا بها من باب القربة المطلقة ولمحبوبیتها الذاتیة ، وخصوصاً حینما وقفَ الشیخ الصدوق نفسه علی اختلاف الصیغ فیها ، وأماکن ورودها ، تارة بعد الحیعلة الثالثة ، واُخری بعد الشهادة الثانیة .

ولماذا یرید البعض أن یستفید من کلام الشیخ الصدوق الحرمة ولا یحتمل قوله رحمة الله بالجواز ، حسبما وضحناه فی النقاط السابقة .

إنّ اختلاف العبارات عند الشیعة علی مرّ التاریخ یؤکّد أنّهم کانوا لا یأتون بها علی نحو الشطریة ، وبذلک فلا یتصوّر فی الأمر إلّا احتمالان : أحدهما أنّه عنی المفوّضة الذین قالوا بجزئیتها فقط لقوله «وذلک لیس من اصل الأذان» .

أو أنّه رحمة الله قالها تقیّةً للحفاظ علی البقیة الباقیة من الشیعة ، لا بالمعنی المعروف عن التقیّة وهو موافقة العامة ، بل بالمعنی الذی قاله صاحب الحدائق فی المقدّمة الأولی من کتابه ، أی أنّ التقیة قد تکون من نفس الشیعة حتی لا یجتمع رأیهم علی شیء واحد ، ولکی یسخفهم ویسحقهم الحکام ((1))، ولو فعلوها فسیبقی التشیّع سالماً من کلّ محاولات اغتیاله .

السادسة عشر : یمکن لقائل أن یقول علی سبیل المدارسة والبحث والإلمام بأطرافه : إنّ المراجع لکتاب ( حجیة الإجماع ) للشیخ أسد الله الدزفولی((2)) ( الأنوار


1- والذی سیأتی فی الصفحة 321.
2- کشف القناع عن وجوه حجیة الإجماع : 209 مثلاً ، وهناک عشرات الموارد غیر ما ذکرناه یجب البحث عنها فی الکتاب المزبور .

ص:275

النعمانیة ) للسید نعمة الله الجزائری ، وکتاب ( التنبیه علی غرائب الفقیه ) للصیمری ، وغیرها من الکتب ، یقف علی مسائل کثیرة أخطأ الصدوق رحمة الله فی استنباطها ، فهو لا یختلف عن غیره من الفقهاء والمحدّثین ، قد یخطأ وقد یصیب ، وقد یعدل عما أفتی به ، فالعلماء مکلّفون أن یقبلوا بروایته ولا یقبلون باجتهاده ودرایته ، خصوصاً إن خالف المتواتر والسیرة القطعیة وما علیه دلیل من الکتاب والسنة .

ویضاف إلیه أنّ ما قاله الشیخ الصدوق « والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا ... » لیس من البدیهیات الشرعیة ، والمسلّمات الإسلامیة حتی یلزمنا القبول به ، بل إنّه من النظریات القابلة للقبول والرد .

قال الشیخ عبدالنبی العراقی بعد أن ذکر إعراض الصدوق عمّا ذکره من الأخبار :

لم یقل أحد من الإمامیة [ان من] ، حجیّة الخبر هو عمل الصدوق أو عدم ارتضائه ، فلیس لعمله ولا لإعراضه دخل فی مسألة حجیة الخبر الواحد ، علی مسالکهم العدیدة ، فإنَّ له فتاوی نادرة کثیرة لم یوافقه أحد من الفقهاء فیها ((1)).

وخصوصاً حینما تری غالب الفقهاء یقولون بجواز الإتیان بالشهادة الثالثة إن لم تکن علی نحو الجزئیه ، وقد جرت سیرتهم علی ذلک من قدیم الزمان إلی یومنا هذا .

هذا ، وقد مرّ علیک أنّ علماء بغداد کانوا لا یرتضون بعض اعتقادات الشیخ الصدوق رحمة الله ومقرّرات شیوخه من أهل قمّ لاختلاف مبانی الطرفین ، فقد طعن ابن الغضائری علی الصدوق وشیخه لطعنهما فی أصلی زید الزراد وزید النرسی ، وقولهما


1- الهدایة : 39 .

ص:276

بأنّ أصلیهما موضوعان من قبل محمّد بن موسی الهمدانی((1)) .

وکذا النجاشی ، فقد روی عن شیخه أبی العباس بن نوح طعنه فی الصدوق ؛ لاستثنائه روایات محمّد بن أحمد الأشعری من روایات محمّد ابن عیسی بن عبید ، تبعاً لشیخه محمّد بن الحسن بن الولید((2)) .

ولو أحببت الوقوف علی تخطئات العلماء للصدوق فراجع الکتابین الآنفی الذکر ، وکتاب ( الهدایة ) للشیخ عبدالنبی العراقی ، وکلمات الشهیدین الأول((3)) ، والثانی((4))، والمحقق الکرکی((5))، وابن فهد الحلی((6))، والسبزواری((7))، والفاضل الهندی((8))، صاحب الحدائق((9))، وصاحب الجواهر((10))، وصاحب الریاض((11))، وغیرهم .

فما نرید قوله هنا : هو أنّ الکلمات الآنفة لا تقتضی طعناً فی الصدوق رحمة الله ولا فی علمه بل یثبت عدم عصمته ، لأنّ الکثیر من العلماء قد یسوقهم اجتهادهم الی الخطأ، غایة ما فی الأمر أنّ علی الباحث أن لا یتناسی جوانب البحث مدحاً وقدحاً


1- رجال ابن الغضائری : 61 / ت 52 و53 ، خلاصة الأقوال : 347 / ت 4 ، نقد الرجال 2 : 284 / ت 2129 ، الفهرست : 130 / ت 299 و300 .
2- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 348 / ت 939 .
3- الدروس 1 : 108 ، و3 : 406 .
4- شرح اللمعة 1 : 278 ، و9 : 190 ، روض الجنان : 108 ، 208 .
5- جامع المقاصد 13 : 370 .
6- المهذب البارع 1 : 190 ، و3 : 387 .
7- کفایة الأحکام 2 : 111 ، 203 .
8- کشف اللثام 8 : 338 ، و9 : 343 ، 471 ، و10 : 454 .
9- الحدائق الناضرة 8 : 456 .
10- جواهر الکلام 2 : 366 ، و10 : 353 ، و39 : 120 .
11- ریاض المسائل 1 : 171 ، 282 ، و2 : 203 ، 207 ، و3 : 166 ، 179 ، 189 ، 245 ، 464 ... وغیرها .

ص:277

حتّی یکون موضوعیاً ، وبالتالی فهذه النقطة یجب أخذها بنظر الاعتبار للوقوف علی نزعة الصدوق رحمة الله فی الفتوی وفی الأخبار ، لاحتمال أنّ یکون فی الوقوف علی تخطئات العلماء له دخلاً علمیاً فی تثبیت أو نقض قوله فی الشهادة الثالثة.

ومهما کان الأمر فالملاحظ أنّ أغلب علماء الطائفة - إن لم نقل کلّهم - قد خالفوا الشیخ الصدوق فی تلک المسائل ، وهو ممّا یؤکد بأنّه کغیره من المجتهدین یخطئُ ویصیب ، ولیس فی قوله ما یلزم الآخرین التعبد به .

السابعة عشر : لا ملازمة بین التأذین بالشهادة الثالثة والتفویض ، فتأذین المفوّضة بالشهادة الثالثة لیس دلیلاً علی أنّه قد شرّع من قبلهم ، فإنّهم وإن کانوا من أهل النار لکن قد یکونون محقّین فی هذه المفردة ، وذلک لأخذهم بأمر شرعی ورد فی الأخبار التی وصفها الشیخ الطوسی بالشاذّة - غیر الأخبار الموضوعة التی عناها الصدوق .

وبذلک یکون النداء بالشهادة الثالثة جائز للعمومات الدالّة علی محبوبیتها الذاتیة العامة ، ولا یمکننا ترک عمل مشروع لمجرّد عمل المفوضة أو العامة به ، کلُّ ما فی الأمر أنّ الشیخ الطوسی قدس سره وصف تلک الأخبار بالشذوذ ، لا الوضع ، ومعنی الشاذ فی علم الدرایة هو أنّ للخبر قابلیة ان یکون صحیحاً ، وهذا یفتح باباً شرعیاً لاحتمال أنّ یکون بعض ما عند المفوّضة لیس من وضعهم بل مستقیً عن غیرهم .

وقد أثبتنا سابقاً بأنّ الشهادة بالولایة بمعناها الکنائیّ المطویّ فی فصل : « حی علی خیر العمل » کانت سیرة لبعض الشیعة علی عهد رسول الله ثم من بعده ، حتی وصل الأمر إلی آل بویه الذین کانوا یقولون بها - کنایة أو تصریحاً فی بعض الأحیان - ولا یمنعون من الجهر بها فی بغداد ، والریّ ، وشمال العراق((1)) ، فنسأل شیخنا


1- انظر عن ذلک فی کتاب (آل بویه واوضاع زمان ایشان) باللغة الفارسیة لعلی اصغر فقیهی : 458 .

ص:278

الصدوق : هل أنّ آل بو یه - الذین یعرفهم جیداً - هم من المفوّضة ؟

الجواب قطعاً یأتی بالنفی ، وهو یقوّی ما احتملناه من صدور النص عن الصدوق إمّا تقیة بالمعنی الذی قاله الشیخ یوسف البحرانی ، وإمّا أن یکون مقصوده المفوّضة الواضعین لتلک الأخبار فقط ؛ لأنّ المشهور عند فقهاء الإمامیة فی حجیّة الخبر هو حجیّة المضمون وموافقته للکتاب والسنة ، وهی عندهم مقدّمة علی صحّة الصدور ، ویکتفون فی الموافقة بالموافقة الإجمالیة للکتاب والسنة ، وهی حاصلة هنا .

فإذا تبیّن ذلک نقول : بأنّ مضمون الشهادة بالولایة مطابق لأصول المذهب ، لکونها من أُصول الإیمان ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلّا بولایتهم ، وقد قررّنا سابقاً((1))بأن الأذان هو إعلام لأُصول العقیدة من التوحید ، والنبوة ، والإمامة بحسب أدلّة الاقتران الماضیة ، وحسنة ابن أبی عمر عن الکاظم سلام الله علیه الداعیة إلی الحثّ علیها ، وغیر ذلک من الأدلة التی تدلّ علی المحبوبیة ورجاء المطلوبیة والتی حثّت علی ذکر علیّ مطلقاً وفی کل حال ، فنحن نأتی بها لمحبوبیّتها مؤکّدین بأنّها لیست جزءً .

وبعد کلّ ذلک فلا یمکن لأحد أن ینکر وجود الموافقة الإجمالیة وحتی التفصیلیة - فی بعض الأحیان - فیها ، لأنّ الروایات التی نقلناها عن الباقر ، والصادق ، والکاظم ، وحتی الرضا علیهم السلام عن الحیعلة الثالثة وعلل الأذان ، کلّها نصوص تؤکّد وجود معنی الولایة فی الأذان ، وقد سُمِحَ من قِبَلِهِم علیهم السلام بتفسیرها بالولایة وبرّ فاطمة کما فُسِّرت الآیات القرآنیة مع شأن نزولها علی عهد الصحابة.

الثامنة عشر : قال الصدوق فی باب معرفة الأئمّة من کتابه ( الهدایة فی الأُصول والفروع ) عند حدیثه عن الإمام المهدی علیه السلام : « وهو الذی یظهر الله


1- فی مبحث ( حی علی خیر العمل الشرعیة الشعاریة ) صفحة 149 - 160 .

ص:279

عزّ وجلّ به دینه علی الدین کلّه ولو کره المشرکون ، وإنّه هو الذی یفتح الله عزّ وجلّ علی یدیه مشارق الأرض ومغاربها حتی لا یبقی فی الأرض مکان إلّا ینادی فیه بالأذان ، ویکون الدّین کلّه لله »((1)) ، فممّا یمکن أن یفهم من هذه الجملة ، وبقرینة المهدی : « یقوم بأمر جدید وسنّة جدیدة »((2)) أنّ الأذان فی عهده علیه السلام سیکون غیر الأذان المعمول علیه الآن ، لأنّ الشیعة آنذاک یخرجون من بوتقة التقیة ویتعاملون مع الأحکام بواقعیة ، ولعلّ صلاة عیسی بن مریم خلف المهدی علیه السلام یرشدنا إلی إمامته فی ذلک الزمان ، فقد یکون الأذان فی ذلک الزمان مصرّحاً بذکر أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب علیه السلام بغضّ النظر عن جزئیته أو مجرّد ذکره للتبرک .

فلو صحّ هذا ، یمکن تاکید دعوی احتمال کون الشهادة بالولایة موجودة فی القرار الإلهی من بدء الخلقة إلی آخرها فی أرضها وسمائها ، وجائز الإتیان بها مع الأذان إن سنحت الظروف . اقول بهذه النقطة علی نحو الفرض والاحتمال لا القطع والیقین .

التاسعة عشر : إنّ الشیخ الصدوق قد عاصر تأسیس بعض الدول الشیعیة ، کالدولة العبیدیة = الفاطمیة فی مصر ، وآل بویه فی العراق ، والحمدانیة فی الشام ، وقبلها الدیالمة فی إیران ، وإنّه قد وقف علی أعمال هذه الدول ، وسعیهم لتحکیم منهج الإمام علیّ فی الأحکام وإعادة الدین إلی مجراه الصحیح ، وقد مرّ علیک ما عمله الداعی الکبیر لمّا استقر فی آمل سنة 250 ه- من الجهر بالبسملة فی الصلاة ، وجعل التکبیر علی المیت خمساً ، مع إعادة حیّ علی خیر العمل إلی الأذان الصحیح ، وموضوع الشهادة بالولایة بعد الحیعلة الثالثة جاء فی سیاق عملهم


1- الهدایة للصدوق : 42 .
2- انظر کتاب الغیبة للنعمانی : 235 / الباب 11 / ح 22 .

ص:280

الاصلاحی لتطبیق الشریعة ، وإلیک هذا النص وما بعده عن العبیدیین والحمدانیین لترسیخ هذه النقطة .

نصّان تاریخیان

l قال محمّد بن علی بن حماد (ت 628 ه-) فی کتابه أخبار بنی عبید = أخبار ملوک بنی عبید وسیرتهم : ... وکان مما أحدث عبیدالله ] مؤسس الدوله العبیدیة المتوفیّ 322 ه((1)) [ أن قطع صلاة التراویح فی شهر رمضان ، وأمر بصیام یومین قبله ] للاختلاف الموجود بین النهجین فی ثبوت الهلال [ ، وقنت فی صلاة الجمعة قبل الرکوع ، وجهر بالبسملة فی الصلاة المکتوبة ، وأسقط من أذان صلاة الصبح « الصلاة خیر من النوم » وزاد : « حی علی خیر العمل » « محمّد وعلی خیر البشر » ، ونصّ الأذان طول مدّة بنی عبید بعد التکبیر والتشهدین : حی علی الصلاة ، حی علی الفلاح مرتین ، حی علی خیر العمل محمّد وعلی خیر البشر مرتین ، لا إله إلّا الله مرة((2)) .

وکتب المقریزی عن المعزّ لدین الله : أنه لمّا دخل مصر أمر فی رمضان سنة اثنتین وستین وثلاثمائة فکتب علی سائر الأماکن بمدینة مصر : « خیر الناس بعد رسول الله أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب »((3)).

l وقال قبل ذلک عن علی بن محمّد بن علی بن إسماعیل بن الحسن ابن زید بن الحسن بن علی بن أبی طالب : وکان أوّل تأذینه بذلک فی أیّام سیف الدولة بن حمدان بحلب فی سنة سبع وأربعین وثلاثمائة ، قاله الشریف محمّد بن أسعد الجویانی النسابة .


1- انظر إلی سنة وفاته فانه توفی وشیخنا الصدوق فی اوائل شبابه ، لأنّه رحمة الله ولد فی سنة 306 ه- وتوفی 381 ه- علی الارجح .
2- أخبار بنی عبید : 50 .
3- المواعظ والاعتبار 2 : 340 - 341 .

ص:281

ولم یزل الأذان بحلب یزاد فیه : « حی علی خیر العمل ومحمّد وعلی خیر البشر » إلی أیّام نور الدین محمود ، فلمّا فتح المدرسة الکبیرة المعروفة بالجلاو یة استدعی أبا الحسن علی بن الحسن بن محمّد البلخی الحنفی إلیها ، فجاء ومعه جماعة من الفقهاء ، وألقی بها الدروس ...((1)) إلی آخر الخبر .

وجاء فی زبدة الحلب فی تاریخ حلب ، لابن أبی جرادة الشهیر بابن العدیم المتوفی سنة 660 ه- : واستقرّ أمر سعد الدولة بحلب وجدّد الحلبیون عمارة المسجد الجامع بحلب ، وزادوا فی عمارة الأسوار فی سنة سبع وستین ] وثلاثمائة [ ، وغیّر سعد الأذان بحلب ، وزاد فیه : « حی علی خیر العمل محمّد وعلی خیر البشر » ، وقیل : إنّه فعل ذلک فی سنة تسع وستین وثلاثمائة ، وقیل : ثمان وخمسین((2)) .

l وقال التنوخی المتوفَّی 384ه- : أخبرنی أبو الفرج الاصفهانی ( المتوفَّی 356 ه- ) ، قال : سمعت رجلاً من القطیعة ] أو القطعیة [((3)) یؤذن : الله أکبر ، الله أکبر ، أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ علیّاً ولی الله ، محمّد وعلی خیر البشر فمن أبی فقد کفر ، ومن رضی فقد شکر ، حیّ علی الصلاة ، حیّ علی الفلاح ، حیّ علی خیر العمل ، الله أکبر ، الله أکبر ، لا إله إلّا الله((4)) ... .

کل هذه النصوص تؤکد تخالف المنهجین فی کثیر من المفردات الفقهیة وأن الأمر لم یختص بالشهاة الثالثة ومحبوبیتها ، والحیعلة الثالثة وشرعیتها ، فالأمر أکبر من ذلک .


1- المواعظ والاعتبار 2 : 271 - 272 .
2- زبدة الحلب فی تاریخ حلب 1 : 159 - 160 تحقیق سامی الدهان ، ط- المعهد الفرنسی .
3- القطعیة هم الشیعة الإمامیة الاثنی عشریة ، الذین قطعوا بإمامة الإمام الرضا ثم الأئمّة من بعده قبالاً للواقفة الذین وقفوا عند الکاظم علیه السلام ، وهذا ما رجحناه من نص التنوخی ، ویمکن أن تقرا القطیعة ، وهی الأرض المعهودة فی بغداد التی یسکنها الإمامیة الاثنی عشریة ، راجع کتابنا : حی علی خیر العمل : 360 .
4- نشوار المحاضرة ، للتنوخی 2 : 132 .

ص:282

العشرون : ثبت علمیاً وتاریخیاً تخالف منهج الخلفاء مع منهج أهل البیت فی کثیر من الأحکام((1)) الشرعیة ، وأن العلویین عندما کان یحکمون کانوا یسعون لتطبیق ما عرفوه عن ابائهم من سنة رسول الله بالطرق الصحیحة ، وقد مر علیک قبل قلیل ان عبیدالله مؤسس الدولة الفاطمیة أمر بقطع صلاة التراویح فی شهر رمضان وأمر بالجهر بالبسملة فی الصلاة المکتوبة ، والقنوت فی صلاة الجمعة قبل الرکوع واسقط من اذان الصبح الصلاة خیر من النوم ، وزاد حی علی خیر العمل مع تفسیرها محمّد وعلی خیر البشر بعد أن کان قد رُفع من قبل الخلفاء لورودها فی الروایات الصحیحة عند أهل البیت علیهم السلام .

وقد کان هذا عمل الحکومات الشیعیة الأخری فی البلدان الأخری ، فالبعض حرّم شرب الفقاع ((2))، وأکل السمک الذی لا قشر له((3)) ، وجوّز لبس السواد فی محرم((4))والاحتفال بعید الغدیر((5)) والاخر نظراً لظروفٍ امکنه تطبیق اُمور اخری إلی غیرها من عشرات المسائل .

إذن الشهادة الثالثة وما جاء فی تفسیر معنی ( حیّ علی خیر العمل ) لا یمکن إفرادها عن اخواتها ، فمن المؤکد أن تکون هناک أدلّة علیها عند هؤلاء وقد وصلت للشیخ الصدوق ، لکن النزاع السیاسی بین العباسیین والعلو یین لم یکن یسمح للصدوق وغیره من المحدّثین بنشرها ، لأنّ الشهادة الثالثة تعنی بطلان شرعیة حکوماتهم ، وهذا ما فهموه من الروایات وما کانت تأتی به الشیعة ، وهو ما فهمه اسلافهم کعمر من الحیعلة الثالثة ، لأن اعتقاد کون ولاء الإمام علی هو خیر العمل


1- راجع کتابنا منع تدوین الحدیث .
2- المواعظ والاعتبار 2 : 342 .
3- المواعظ والاعتبار 2 : 342 ، وانظر تاریخ ابن خلدون 4: 60.
4- النجوم الزاهرة 4 : 57 ، العبر 2: 316.
5- النجوم الزاهرة 4 : 57 .

ص:283

یساوی بطلان خلافة الاخرین ، وبما أن الشیخ الصدوق کان یعیش تحت وطاة العباسیین فمن غیر البعید أن یبرر الشهادة بالولایة بالوضع - وخصوصاً مع نداء بعض المفوّضة به - خوفاً علی نفسه وعلی المذهب لئلا یقتل الشیعة بحجة التآمر مع الدول الشیعیة القائمة آنذاک ، تلک الدول المناهضة للعباسیین .

نتیجة ما تقدّم

تلخص من کلّ ما سبق : أنّ الشیخ الصدوق لا یقصد فی هجومه کل من الشیعة حتّی الذین أتوا بالشهادة الثالثة بقصد القربة المطلقة ورجحانها الذاتی العامّ أو بعنوان التفسیریة ، بل عنی فقط المفوّضة الملعونین لوضعهم تلک الأخبار ، والقائلین بالجزئیة تبعاً للأخبار الموضوعة ، إذ عرفت بأنّ الشهادة الثالثة کان عملاً لسیرة مجامیع ایمانیة تابعة لآل البیت ، أتی بها العبیدیون فی مصر ، والحمدانیون فی الشام ، والبویهیون فی العراق ، وغیرهم فی الریّ ، وقم ، وشمال العراق ، ممّا یؤکد استمرار سیرة المتشرّعة فی التأذین بها إلی عهده ، وأنّهم لم یأتوا بها عن هوی ورأی ، بل لما وقفوا علیه من دلیل فی روایات أهل البیت عند الإمامیة الاثنی عشریة ، والزیدیة ، والإسماعیلیة ، وهذا لیس ببدعة وادخال فی الدین ما لیس منه فلا سبیل إلّا أن نقول بأنّ تهجمه قد یکون جاء تقیة ، للحفاظ علی أرواح الشیعة آنذاک .

وبذلک فقد اتضّح لنا أنّ الشیخ الصدوق رحمة الله لم یعنی بکلامه نفی محبوبیة الشهادة بالولایة ، بل کان بصدد نفی جزئیتها ردّاً علی المفوّضة القائلین بها ؛ لأن قوله : « زادوا فی الأذان » و« لیس ذلک من أصل الأذان » یفهم منه أنه رحمة الله یرید أن ینفی جزئیتها المستندة علی الأخبار الموضوعة ، لا محبوبیتها ، لأنّ محبوبیتها العامّة - لا فی خصوص الأذان - من المسلّمات الشرعیة التی لا ینکرها الشیخ الصدوق ولا غیره من الشیعة ، بل حتی فی الأذان لما جاء فی حسنة ابن أبی عمیر المتقدمة عن الإمام الکاظم والتی رواها الشیخ فی التوحید ومعانی الأخبار ، وللشیخ روایات کثیرة

ص:284

دالّة علی محبوبیّتها فی کتبه الحدیثیة((1))، وقد أکّد علیها بقوله : « لا شک أنّ علیّاً ولی الله ، وأنّه أمیر المؤمنین ، وأنّ محمّداً وآله خیر البریة ، ولکن لیس ذلک فی أصل الأذان »((2)) .

وبهذا فقد ثبت سقم من یدعی أن الشیخ الصدوق رحمة الله عنی کل زیادة فی الأذان سواء جاءت بقصد الجزئیة أو بقصد القربة المطلقة .

نعم صحیح ان الشیخ الصدوق أشار إلی جانب تارکاً الجانب الآخر منه ، لکن هذا لا یعنی عدم قبوله بالتفصیل بین الامرین لأنّه حقیقة ثابتة عند جمیع الفقهاء وقد افتوا علی طبقه ، ولو تاملت فی فتاوی من جاء بعده بدءاً من السیّد المرتضی والشیخ الطوسی وابن البراج وغیرهم لرایتهم یفرقون بین الجزئیة والمحبوبیة ، والشیخ الصدوق لا تختلف فتاواه عنهم حسبما بیناه ، إلّا أنّه وجه سهامه إلی القائلین بالجزئیة فی زمانه تارکاً الکلام عن الاتین بها بقصد القربة المطلقة ، لقوله : « المدلسون انفسهم فی جملتنا » .

وعلیه فالشیخ الصدوق رحمة الله لا یعنی الذین ذکروها إعظاماً لأمیر المؤمنین ، أو دفعاً لاتّهام المتهمین للشیعة - فی تلک العصور وحتّی من بعدهم - بأنّهم : یقولون بألوهیة الإمام علیّ ، أو أنّهم یدّعون خیانة الأمین جبرئیل فی مأموریته ، وأنه کان مکلّفاً فی إنزل الوحی علی علی بن أبی طالب ، لکنه - والعیاذ بالله - خان ونزل علی النبیّ محمّد صلی الله علیه و آله ، إلی غیرها من التّهم الموجّهة جُزافاً إلی الشیعة .

فلو أتی الشیعی بالشهادة الثالثة لکی ینفی هذه التهم عنه ، ولیقول : بأنّ الله هو الإله الواحد الذی نعبده ولا نشرک به ، وأنّ محمّداً هو الرسول الذی جاء من


1- منها حسنة ابن أبی عمیر .
2- من لا یحضره الفقیه 1 : 290 .

ص:285

عنده ، وأنّ الإمام علیاً لیس إلّا ولیّ لله وحجّته علی عباده.

فإنّ الشیخ لا یمانع من ذلک ؛ لأن الأدلّة الشرعیّة هی مع القائل بها ، ولا نری مانعاً من أن یأتی المکلّف بالشهادة الثالثة لهذا الغرض .

وبهذا ، فنحن نوافق الصدوق فی هجومه علی الذین یأتون بها علی نحو الجزئیة - استناداً للأخبار الموضوعة - وفی الوقت نفسه لا نتردّد فی أنّ الشیخ الصدوق علی منوال جمیع الأصحاب قائل بمحبوبیتها الذاتیة العامّة ؛ لأنّ ذلک لا بأس به بالنظر للمعاییر الفقهیة والحدیثیة العامّة .

وباعتقادی أنّ الشیخ کان یری رجحان الإتیان بها فی الأذان لعموم الأدلة التی کانت عنده لکنْ لا بقصد الجزئیة . ولعلّه قد فهم من المفوّضة أنّهم کانوا یأتون بها علی نحو الجزئیة ، ولأجله تهجّم علیهم .

ونحن نعتقد وکذا الشیخ قبلنا - طبقاً للروایات التی بحوزتنا - ، بأنّ هؤلاء الأئمة هم وسائط الفیض الالهی ، وقد منحهم ربّ العالمین هذه القدرة ، ولیس کلّ ما یذکر لهم من منازل عالیة فی کتب الحدیث والعقائد یستتبعه القول بالغلوّ أو التفویض ، فهم عباد مکرمون من البشر لا یسبقونه بالقول وهم بأمره یعملون ، وهؤلاء الأئمة قالوا عن أنفسهم : « لا ترفعوا البناء فوق طاقتنا فینهدم ، اجعلونا عبیداً مخلوقین وقولوا فینا ما شئتم »((1)) وفی آخر : « لا تتجاوزوا بنا العبودیة ، ثم قولوا فینا ما شئتم ، ولن تبلغوا ، وإیّاکم والغلوّ کغلو النصاری فإنّی بریءُ من الغالین »((2)) ، فمقامهم عالی وهو مقام لا یمکن لأحد أن یصل إلیه ویعرف کنهه ، فإنّ الشیخ هو الذی روی لنا صحیحاً ، حدیثَ : « إنّ حدیثنا صعب مستصعب لا


1- بصائر الدرجات : 261 / ح 22 .
2- تفسیر الإمام العسکری : 50 ، الاحتجاج للطبرسی 2 : 233 ، بحار الأنوار 25 : 273 - 274 / ح 20 / باب نفی الغلو ، عنهما .

ص:286

یحتمله إلّا ملک مقرَّب أو نبی مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للإیمان أو مدینة حصینة »((1)) .

وبعد کل هذا نقول : یمکننا بناءً علی کلّ ما تقدّم الأخذ بمرسلة الصدوق فی الفقیه بعنوان أنّها تتضمّن الشهادة بالولایة وأنّها محبوبة ذاتاً بنحو عامّ ، کما جزم به رحمة الله فی قوله : « ولا ریب فی أنّ علیّاً ولی الله حقاً » ، لا بعنوان أنّها مستند للجزئیة .

وکذا یمکننا اعتبار هذه الصیغ الثلاث التی أتی بها الشیخ الصدوق إحدی الأدلّة علی محبوبیة الشهادة الثالثة فی الأذان لا علی نحو الجزئیة ، وذلک لموافقتها مع سیرة المتشرّعة من عصر الرسول إلی عصرنا الحالی((2)) ولامضاء المعصوم لها - أعنی الإمام الحجة علیه السلام - .

فنحن لا نقول بالجزئیة کما لا یقول بها الشیخ الصدوق رحمة الله ، کما إنّنا قائلون بالمحبوبیّة الذاتیة وکذلک أنّ الصدوق رحمة الله یقول بذلک فی جزمه الآنف فی مرسلته ، وفی ما رواه عن ابن أبی عمیر عن الکاظم الصریحة فی المحبوبیة .

وعلیه فالأخذ بمرسلة الصدوق فی الفقیه مساوِقٌ للأخذ بمرسلة القاسم بن معاویة المرویة فی الاحتجاج أو أقوی منها ؛ لعمل الشیعة بها ، وکذا لوجودها فی شواذ الاخبار التی حکاها الشیخ الطوسی والعلّامة ویحیی بن سعید الحلی .

وعلیه فإن نقل الصدوق للصیغ الثلاثة فی الأذان مع إرساله للخبر - وهو من القدماء المتثبّتین - أولی بالأخذ به من الأخذ بمرسلة الطبرسی المتأخّر عنه بعدة قرون .


1- الأمالی : 52 / ح 6 ، الخصال : 208 / ح 27 ، معانی الاخبار : 188 / ح 1 / باب معنی المدینة الحصینة ، وفیه : أنّ أبا عبدالله سُئل عن معنی لمدینة الحصینة ، فقال علیه السلام : هو القلب المجتمع . قال المجلسی : المراد بالقلب المجتمع : القلب الذی لا یتفرق بمتابعة الشکوک والأهواء ، ولا یدخل فیه الأوهام الباطلة ، والشبهات المضلة ... ، بحار الأنوار 2 : 183 ، ذیل الحدیث الأوّل من الباب السادس والعشرین .
2- حیث کانوا یأتون بها تفسیراً للحیعلة الثالثة ، ولمجیئها فی شواذ الأخبار علی نحو التفسیریة کذلک.

ص:287

وکذا الاخذ بحسنة ابن أبی عمیر عن الکاظم الحاثة علی الاتیان بأمر الولایة فی خصوص الأذان أولی من الاخذ بمرسلة الاحتجاج العامة فی کل شیء « من قال محمّد رسول الله فلیقل علی ولیّ الله » .

وان تقریر الإمام المعصوم - بناء علی تمامیة اجماع الطائفة - أولی من الاخذ باحادیث « من بلغ » وهذه النقاط الثلاث نرید أن نلفت نظر الأعلام إلیه .

وبهذا ، قد اتّضح للجمیع ضرورة توضیح هکذا أمور فی الشریعة ، وأنّ الفقیه لا یمکنه الحکم علی ظاهر نصوص السابقین بعیداً عن الوقوف علی الظروف التی کان یعیش فیها هؤلاء الفقهاء والمحدّثون والأماکن التی کانوا یسکنونها ، وهذا ما أکّدنا علیه فی مقدّمة هذا المبحث .

وبه ارتفعت الإشکالیة المثارة حول کلام الشیخ الصدوق فی بعض الکتب من أنّ الشیخ الصدوق یعارض القول بالشهادة الثالثة دون توضیحهم الفرق بین الإتیان بها علی نحو الجزئیة أو من باب القربة المطلقة .

ص:288

ص:289

2 - الشیخ المفید ( 336 - 413 ه )

من المعلوم أنّ الشیخ المفید من کبار فقهاء الإمامیة ومتکلّمیهم ، وقد اختلف بالفعل مع الشیخ الصدوق - ومع غیره من علماء الإمامیة - فی مسائل ذکرها فی کتابه ( تصحیح الاعتقاد ) و( أوائل المقالات ) .

والآن نتساءل : لماذا لا نراه رحمة الله یعترض علی الصدوق فیما قاله فی الشهادة الثالثة ؟ وهل أنّ عمله هذا یعدّ تأییداً له فی هذه المفردة ؟ أم هناک ملابسات اُخری یجب توضیحها ؟

الجواب : نعم ، إنّ الشیخ المفید ومعاصِرَیْه « ابن الجنید((1)) والعمانی((2)) » لم یتعرضوا إلی الشهادة الثالثة فی فتاویهم لا سلباً ولا إیجاباً ، بل اکتفی المفید فی المقنعة بالقول فی باب « عدد فصول الأذان والإقامة » :

والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً : الأذان ثمانیة عشر فصلاً ، والإقامة سبعة عشر فصلاً ((3)) .

وکلامه هذا یقتضی أنّه لا یتّفق مع الصدوق فیما ادّعاه فی صحّة ما رواه أبو بکر الحضرمی وکلیب الأسدی((4)) والذی فیه تربیع التکبیر وتثنیة التهلیل فی الإقامة ، وبه تصیر الإقامة عند الصدوق 20 فصلاً ((5))، وهذا ما لا یتبنّاه المفید فی « المقنعة » ، هذا أوّلاً .


1- انظر مجموعة فتاوی ابن الجنید للاشتهاری : 55 .
2- انظر رسالتان مجموعتان من فتاوی العلمین : 31 .
3- المقنعة : 100 .
4- قال الصدوق : « هذا هو الأذان الصحیح الذی لا یزاد فیه ولا ینقص » ، من لا یحضره الفقیه 1 : 290 / ح 897 .
5- فرّق الشیخ محمّد تقی التستری فی « النجعة فی شرح اللمعة »، وقد مرَّ کلامه فی: 259 فلاحظ.

ص:290

وثانیاً : إنّ الشیخ المفید قد اختلف مع شیخه الصدوق رحمة الله فی المسائل الکلامیّة الضروریّة والتی تمسّ أصل العقیدة ، أمّا قول الشهادة الثالثة فی الأذان وعدمه فهی مسألة فقهیّة تتعلّق بأمر مستحب لا واجب ، ومعناه أنّ ترکها لا یضرّ بالدین بالعنوان الأوّلیّ فی تلک الازمان ، وهذا ممّا لا یختلف علیه جمهور الشیعة .

إنّ تبنّی المفید لروایة غیر روایة الحضرمی تؤکّد وجود روایات صحیحة أُخری تعمل بها الشیعة الإمامیة « تزید أو تنقص » عمّا رواه الحضرمی والأسدی ، خصوصاً وأنّ مذهب أکثر فقهائنا قدیماً وحدیثاً هو أنّ فصول الأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً .

وبعبارة اُخری : إنّ الشیخ المفید کان لا یرید الدخول فی اُمور فقهیة جزئیة اجتهادیة ، وخصوصاً حینما لا تکون تلک الأمور شائعة ورائجة عند جمیع الشیعة ، وکان یری فی إتیان بعض الخلّص من الشیعة بما یدلّ علی الولایة فی أذانهم ما فیه الکفایة للمحافظة علی شعاریّتها واستمرار شرعیّتها ، ولا داعی بعد ذلک للإفتاء بشیء - کالشهادة الثالثة - إذ الإفتاء بذلک قد یسبّب مشکلة للشیعة فی وقت هم فی أمسّ الحاجة فیه إلی الاستقرار .

أی إنّ الشیخ کان یریٰ کفایة الحیعلة الثالثة للدلالة علی وجود معنی الولایة فی الأذان بحسب حسنة ابن أبی عمیر عن الکاظم علیه السلام ، ولا ضرورة للإجهار ب- « أشهد أن علیاً ولی الله » فی تلک الأزمان المفعمة بالاضطرابات السیاسیة والعقائدیة .

وثالثاً : إنّ الشیخ المفید وطبق منهجه أکد علی شرعیة الحیعلة الثالثة فی کتاب ( الإعلام فیما اتّفقت علیه الإمامیة ) ، فقال :

واتّفقت الإمامیة علی أنّ من ألفاظ الأذان والإقامة للصلاة : حی علی خیر العمل ، وأنّ من ترکها متعمّداً فی الإقامة والأذان

ص:291

من غیر اضطرار فقد خالف السنّة ، وکان کتارک غیرها من حروف الأذان ، ومعهم فی ذلک روایات متظافرة عن رسول الله وعن الأئمة من عترته علیهم السلام .

وأجمعت العامّة فیما بعد أعصار الصحابة علی خلاف ذلک وأنکروا أن تکون السنة فیما ذکرناه((1)) .

وجملة « ومعهم فی ذلک روایات متظافرة ... » و« أجمعت العامة فیما بعد أعصار الصحابة ... » لتؤکّدان اهتمامه بالثوابت الفقهیة والعقدیة العامّة عندنا ، وسعیه لتحکیمها ، مع تأکیده علی الدور التحریفی للعامّة فی العصور اللاحقة ، متغاضیاً عن الإشارة إلی الفصول غیر الواجبة والتکمیلیة کالشهادة الثالثة .

ورابعاً : إنّ الفترة التی عاش فیها المفید فی بغداد - وهی عاصمة الدولة العباسیة السنیة - کانت طافحة بالصراع السنی الشیعی ، لأنّ کلّ واحد من الطرفین کان یسعی لتحکیم موقفه الفقهیّ والسیاسیّ .

ولأنّ الشیعة أخذوا قبال الدولة العباسیّة یشکّلون ویؤسسون الدول ، والمفید رحمة الله کان فی مأزق حقیقی ، لأنّه کان یعیش فی بغداد عاصمة أهل السنّة آنذاک ، ومن المعلوم أنّ الذی یعیش فی وسط محیط کهذا ، لابدّ له أن یحترم آراء الآخرین ، ویکون مسالماً متقیاً ، وخصوصاً مع علمه بأنّ له أعداء کثیرین یریدون أن یقفوا علی رأی متطرف منه - حسب اعتقادهم - حتّی یمکنهم النیل منه .

جاء فی البدایة والنهایة : أنّ عبید الله بن الخفاف المعروف بابن النقیب لمّا سمع بموت المفید سجد شکراً لله ، وجلس للتهنئة ، وقال : لا أُبالی أیّ وقت متّ بعد أن شاهدت موتَ ابن المعلم((2)) ، هذا من جهة .


1- الإعلام : 22 ، تحقیق : الشیخ محمّد الحسون .
2- البدایة والنهایة 12 : 18 ، تاریخ بغداد 10 : 282 / ت 5553 ، النجوم الزاهرة 4 : 261 .

ص:292

ومن جهة أُخری فانّ الشیخ المفید رأی الدول الشیعیة آنذاک فی تنام مستمرّ ، فعبیدالله ( المتوفّی 322 ه- ) قد أسّس الدولة العبیدیة فی مصر ، وسیف الدولة الحمدانی ( المتوفّی 356 ه- ) أسس الدولة الحمدانیة فی حلب ، وقبل کلّ ذلک حَکَمَ الداعی الکبیر طبرستان فی إیران، والبویهیّون فی - بغداد وإیران وغیرها - مائة وثلاث عشرة سنة ، بدءاً من وفاة آخر سفراء الإمام المهدی بأربع سنوات إلی أواسط عصر الشیخ الطوسی ، أی من سنة 334 ه- إلی 447 ه- ، فإنّ وجود انشقاقات کهذه فی الدولة العباسیة یزید فی الطین بلّة ، ویُعقّد الأمور أکثر فأکثر علی الشیخ المفید .

لقد انتهج البویهیّون - أیّام حکمهم - سیاسة التوازن بین الطوائف ، فکانوا یریدون أن یعیش الشیعة بدون تقیّة ، والآخرون یحکمون بحرّیّة ، وکان ممّا قرّر فی عهد بهاء الدولة - وزیر القادر - هو نظام النقابة للعلو یین ، وقد عیّن بالفعل والد الشریفین : الرضی والمرتضی لهذا المنصب((1)) .

لکنّ الخلیفة القادر العباسی - الذی حکم بین سنة 381 ه- إلی 422 ه- - سحب هذه النقابة من والد الشریفین فی سنة 394 ه- ، لملابسات کثیرة مذکورة فی کتب التاریخ ، ساعیاً لإعادة مجد الحکم السنی للخلافة ، وذلک لاختلافه مع البویهیّین ، ولنشوء دول شیعیة فی مصر والشام ، وهذه الأعمال کانت تشدّد الأزمة بین البویهیین والعباسیین .

فأوّل عمل عمله القادر العباسی هو أن أعدّ - فی سنة 402 ه- - مذکّرة موقّعة من قبل علماء بارزین من الشیعة والسنة یشکّکون فیها بنسب الخلفاء الفاطمیّین فی مصر ، ویفنّدون فیها الباطنیة ، إلی غیرها من الاُمور التی شددت الصدام بین الفریقین((2)) .

وکان مما حکاه ابن الجوزی هو : ان بعض الهاشمیّین من أهل باب البصرة قصدوا أبا


1- الکامل فی التاریخ 8 : 30 .
2- الکامل فی التاریخ 7 : 448 .

ص:293

عبدالله محمّد بن النعمان ، المعروف بابن المعلم ، وکان فقیه الشیعة فی مسجده بدرب رباح ، وتعرّض به تعرضاً امتعض منه أصحابه ، فساروا واستنفروا أهل الکرخ ، وصاروا إلی دار القاضی أبی محمّد بن الأکفانی وأبی حامد الإسفراینی فسبّوهما وطلبوا الفقهاء لیوقِعُوا بهم ، ونشأت من ذلک فتنة عظیمة ، واتّفق أنّه أَحضر مصحفاً ذکر أنّه مصحف ابن مسعود وهو یخالف المصاحف ، ] لان فیه التفسیر السیاقی للآیات [ فجمع الأشراف والقضاة والفقهاء فی یوم الجمعة للیلة بقیت من رجب ، وعرض المصحف علیهم ، فأشار أبو حامد الإسفراینی والفقهاء بتحریقه ، ففُعل ذلک بمحضرهم .

فلمّا کان شهر شعبان کُتب إلی الخلیفة بأنّ رجلاً من أهل جسر النهروان حضر المشهد بالحائر لیلة النصف ودعا علی من أحرق المصحف وسّبه ، فتقدم بطلبه ، فأُخِذَ فرُسِمَ قتله ، فتکلّم أهل الکرخ فی هذا المقتول لأنّه من الشیعة ، ووقع القتال بینهم وبین أهل باب البصرة وباب الشعیر والقلاّئین ...((1)) .

وقد علل الشیخ المفید سبب ظهور مصحفی أُبیّ وابن مسعود ] السیاقیین [ عند الناس واستتار مصحف أمیر المؤمنین ، بأنّ السبب فی ذلک عظم وطأة أمیر المؤمنین علی ملوک الزمان وخفّة وطأة أُبیّ وابن مسعود علیهم - إلی أن قال - فصل : مع أنّه لا یثبت لأُبیّ وابن مسعود وجود مصحفین منفردین ، وإنّما یذکر ذلک من طریق الظنّ وأخبار الآحاد ، وقد جاءت بکثیر مما یضاف إلی أمیر المؤمنین من القرّاءِ أخبارُ الآحادِ الّتی جاءت بقراءة أُبیّ وابن مسعود علی ما ذکرنا((2)) .

وبهذا ، فلا یستبعد أن یکون الشیخ المفید أراد أن یبتعد عن الاختلاف الطائفی لأنّه فی غنی عنه ، لأنّ الاحداث کانت تجری باتّجاه آخر ، والشیخ رحمة الله لا یرید تشدید الأزمة ، وخصوصاً بعد أنّ وقف علی أن بعض الشیعة فی مصر ، وحلب ،


1- المنتظم 7 : 237 أحداث سنة 398 ه- .
2- المسائل العکبریة : 119 المطبوع ضمن مصنفات الشیخ المفید / ج 6 .

ص:294

وبغداد ، کانوا یأتون ب- « محمّد وعلی خیر البشر » بعد الحیعلة الثالثة ، والذی نقلنا خبرهما سابقاً ، وأنّ الحسین المعروف بأمیر بن شکنبه کان یقولها فی مصر((1)) .

والشیخ کان لا یرید أن یبین نفسه بأنّه یتّفق مع هؤلاء ، لأن الشهادة بالولایة من خلال جملة « حیّ علی خیر العمل » کانت تعنی بطلان خلافة الاخرین الذین غصبوا خلافة الإمام علی الذی هو خیر البریة وأنّ ولایته خیر العمل .

وبذلک صارت الحیعلة الثالثة شعاراً سیاسیاً بصرف النظر إلی کونها حکماً شرعیاً ، وعلماءُ الشیعة - فی تلک الأزمان - کانوا یریدون الحفاظ علی الأمور الثابتة دون تأجیج الخلاف فی المختلف فیه من المسائل التی لم تکن ضروریة وإلزامیة ، کالشّهادة الصریحة بولایة الإمام علیّ فی الأذان .

قال المقریزی : وإنّ جوهراً - القائد لِعساکر المعز لدین الله - لمّا دخل مصر سنة 356 ه- وبنی القاهرة أظهر مذهب الشیعة ، وأذّن فی جمیع المساجد الجامعة وغیرها ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وأعلن بتفضیل علی ابن أبی طالب علی غیره ، وجهر بالصلاة علیه وعلی الحسن والحسین وفاطمة رضوان الله علیهم((2)) .

وکذا جاء فی حوادث سنة 358 ه- من وفیات الأعیان : أُقیمت الدعوة للمعزّ فی الجامع العتیق ، وسار جوهر إلی جامع ابن طولون ، وأمر بأن یؤذّن فیه ب- « حیّ علی خیر العمل » وهو أوّل ما أذّن ، ثم أذّن بعده بالجامع العتیق ، وجهر فی الصلاة ببسم الله الرحمن الرحیم((3)) .

وقال ابن خلّکان بعد الخبر السابق : وفی یوم الجمعة الثامن من ذی القعدة أمر


1- المواعظ والاعتبار = خطط المقریزی 2 : 271 - 272 ، بغیة الطلب فی تاریخ حلب 6 : 2702 . وفیه : المعروف بأمیرکا بن شکنبه ، قمّی قدم حلب سنة 346 ه- وافداً علی سیف الدولة أبی الحسن بن حمدان ، وتوفّی فی عهده أی قبل سنة 356 ه- .
2- المواعظ والاعتبار = خطط المقریزی 2 : 340 .
3- وفیات الاعیان 1 : 375 ت 145 ، وانظر اخبار بنی عبید : 85 .

ص:295

جوهر بالزیادة عقب الخطبة : اللّهم صلّ علی محمّد المصطفی ، وعلی علیّ المرتضی ، وعلی فاطمة البتول ، وعلی الحسن والحسین سبطی الرسول ، الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیرا ، اللّهم صل علی الأئمة الطاهرین ..((1)) .

فالإعلان بتفضیل علیّ علی غیره ((2))، والجهر بالصلاة علیه - بعد ابن عمّه - وعلی فاطمة وعلی الحسن والحسین ((3))، وکذا الجهر ببسم الله الرحمن الرحیم ((4))، وحیّ علی خیر العمل ((5))، والصلاة علی الخمسة أهل الکساء ((6))، کلّها اُمور تصحیحیة تبنّاها الفاطمیون .

والشیعة آنذاک کانوا یهتمون بتطبیق ما هو الاهم تارکین ما هو المهم .

ولا ینکر الشیخ المفید ولا غیره من فقهائنا بأنّ الصلاة علی محمّد وآله قد جاءت فی التشهّد ، والتسلیم ، وخطبة صلاة الجمعة ، وفی غیرها من عشرات الموارد التی سنذکرها لاحقاً إن شاء الله تعالی((7))، فکان اعتقاد فقهاء الإمامیة هو أنّ عمل هؤلاء کاف للحفاظ علی الشرعیة والشعاریة فی أمر الولایة فی مثل هذه الأمور .

وقد مرّ علیک سابقاً بأنّ الشیعة - فی سنة 347 ه- - زادوا فی حلب « حیَّ علی خیر العمل محمّد وعلی خیر البشر »((8))، وضربوا علی دنانیرهم : « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب ، فاطمة الزهراء ، الحسن ،


1- وفیات الاعیان 1 : 379 ، تاریخ الخلفاء : 402 .
2- المواعظ والاعتبار 2 : 340 ، وفیات الاعیان 1 : 379 ، تاریخ الخلفاء : 402 .
3- المواعظ والاعتبار 2 : 340 ، وفیات الاعیان 1 : 379 ، تاریخ الخلفاء : 402 .
4- وفیات الاعیان 1 : 375 ، اخبار بنی عبید 1 : 84 ، شذرات الذهب 3: 100.
5- انظر مصادر ذلک فی کتابنا «حی علی خیر العمل الشرعیّة والشعاریّة» .
6- تاریخ الخلفاء : 402 .
7- کان من المقرر بحثها لکنا ترکناها خشیة الاطالة .
8- خطط المقریزی 2 : 271 - 272 .

ص:296

الحسین ، جبرئیل »((1)) .

نعم إنّ أعمالاً کهذه فی مصر والشام وغیرها کانت تثیر حفیظة العباسیین فی بغداد وغیرها من البقاع التی کانت تحت سلطنتهم ، فمن المنطقیّ جدّاً أن یترک الشیخ المفید فی کتبه ذِکْرَ الشهادة بالولایة لعلیّ تخفیفاً لحدّة النزاع الدائر آنذاک ؛ لما فیها من حساسیة مذهبیة ؛ ولأنّها لیست جزءاً واجباً فی الأذان تلزمه الإتیان بها فی کل الظروف .

قال الذهبی : إنّ الرافضة شمخت بأنفها فی مصر ، والحجاز ، والشام ، والمغرب بالدولة العبیدیة ، وبالعراق والجزیرة والعجم ببنی بویه ... وأعلن الأذان بالشام ومصر ب- « حی علی خیر العمل »((2)) .

وقال ابن کثیر : ... استقرّت ید الفاطمیّین علی دمشق فی سنة 360 ه- وأذّن فیها وفی نواحیها ب- « حی علی خیر العمل » أکثر من مائة سنة ، وکتب لعنة الشیخین علی أبواب الجوامع بها وأبواب المساجد ..((3)) .

ومر علیک أیضاً ما حکاه أبو الفرج الاصفهانی المتوفی 356 عن أذان رجل من القطیعة فی بغداد ، وفیه : أشهد أنّ علیّاً ولی الله ، محمّد وعلی خیر البشر .

والآن استمع لما یحکیه ناصر خسرو المروزیّ الملّقب بالحجّة المتوفّی سنة 450 ه- عما شاهده فی رحلته إلی الیمامة سنة 394 ه- ، وحدیثه عن أحوال مدینتها ، قال : ...

وأُمراؤها علویّون منذ القدیم ، ولم ینتزع أحد هذه الولایة منهم ... ومذهبهم الزیدیة ، ویقولون فی الإقامة : « محمّد وعلی خیر البشر » ، و« حی علی خیر العمل »((4)) .

إذن الشیخ المفید کان لا یرید تشدید الخلاف بین المسلمین، لکن هذا لا یعنی أنّه


1- أعیان الشیعة 8 : 269 . وقد یکون فی هذا إشارة إلی قصة أصحاب الکساء .
2- سیر أعلام النبلاء 15 : 160 ، وانظر 17 : 507 .
3- البدایة والنهایة 11 : 267 .
4- سفرنامه ناصر خسرو : 142 .

ص:297

کان یری القائلین بالشهادة الثالثة فی الأذان أنّهم من المفوضة حسبما صرّح به الصدوق رحمة الله ، بل کان یری جواز الإتیان بالشهادة بالولایة فی مفتتح الصلاة ((1))، وقنوت الوتر((2))، والتسلیم((3)) للروایات الصحیحة الواردة فیها .

و إذا لاحظنا أخبار محبوبیة الاقتران بین الشهادات الثلاث فی غالب الاُمور العبادیة أمکننا أن نمیل إلی أنّ الشیخ المفید کان یذهب إلی القول بإمکان وجودها فی الأذان کذلک ؛ وذلک للإطلاق فی جمیع الموارد ، لکنّ ظروف التقیّة وما لاقاه الشیعة من الظلم والاضطهاد جعلهم یبتعدون عن الجهر بها ((4)).


1- المقنعة : 103 وفیه یقول : وجّهت وجهی للذی فطر السماوات والأرض حنیفاً مسلماً علی ملّة إبراهیم ودین محمّد وولایة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب وما أنا من المشرکین ... الخ .
2- انظر المقنعة : 130 .
3- المقنعة : 114 .
4- وقد احتمل بعض الأعلام هذا المعنی أیضاً ، فقال الشیخ محمّد تقی المجلسی رحمه الله فی روضة المتقین 2 : 246 : والأولی أن یقوله علی أنّه جزءٌ الایمان لا جزء الأذان ، ویمکن أن یکون واقعاً ویکون سبب ترکه التقیة کما وقع فی کثیر من الأخبار ترک « حی علی خیر العمل » تقیة . وقال الشیخ محمّد رضا النجفی رحمه الله ، جد الشیخ محمّد طه نجف فی العدة النجفیة شرح اللمعة الدمشقیة : الذی یقوی فی النفس أنّ السرّ فی سقوط الشهادة بالولایة فی الأذان إنّما هو التقیة ، ومعه فقد یکون هو الحکمة فیطرّد . وحکی عن السید المیرزا إبراهیم الاصطهباناتی رحمه الله أنّه قال : إنّها جزء واقعاً لولا الظروف التی لم تسمح ببیان ذلک . وقال السیّد علی مدد القائنی رحمه الله : أنّ العارف بأسالیب کلام المعصومین علیهم السلام لا یفوته الجزم بأنّ غرض الإمام الصادق الإشارة إلی جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان الذی یکرّره الإنسان فی الیوم واللیلة ، ولکن لمّا أوصد سلطان الضلال الأبواب علی الأئمة - کما تشهد به جدران الحبوس وقعر السجون المظلمة - لم یجد الإمام بدّاً من اختیار هذا النحو من البیان لعلمه بتاثیر کلامه فی نفوس الشیعة وقیامهم بما یأمرهم به فی کلّ الأحوال ، وأهمُّها الأذانُ . وقال المرحوم السیّد عبدالاعلی السبزواری رحمه الله فی « مهذب الأحکام » 6 : 21 معلقاً علی کلام السیّد الیزدی فی العروة بقوله : لعدم التعرض لها فی النصوص الواردة فی کیفیة الأذان والإقامة ولکنّ الظاهر أنّه لوجود المانع لا لعدم المقتضی ویکفی فی اصل الرجحان جملة من الأخبار - ثم ذکر مرسلة الاحتجاج وخبر سنان بن طریف وما جاء فی أول الوضوء من الشهادة بالولایة لعلی ، وقال : إلی غیر ذلک من الاخبار التی یقف علیها المتتبع الواردة فی الموارد المتفرقة التی یستفاد من مجموعها تلازم تشریع الشهادات الثلاث مع استظهار جمع من الاساطین کالشهید والشیخ والعلّامة رجحانه فی الأذان ، وهذا المقدار یکفی بعد التسامح فی ادلة السنن، وهم یتسامحون فی الحکم بالاستحباب فی جملة من الموارد باقل قلیل من ذلک کما لا یخفی ، قد صارت الشهادة بالولایة فی الأذان والإقامة من شعار الإمامیة خلفاً عن سلف من العلماء وطریق الاحتیاط الاتیان بها رجاءً - ثم ذکر بحثاً مشبعاً عن معنی الخلافة وکیفیة جعلها انظر صفحة 22 إلی 28 من کتابه .

ص:298

ویتقوّی هذا الاحتمال حینما نعلم أنّ الشیخ المفید یجیز الکلام فی الأذان ؛ لقوله فی المقنعة : وإن عرض للمؤذّن حاجة یحتاج إلی الاستعانة علیها بکلام لیس من الأذان فلیتکلّم به ، ثمّ یصله من حیث انتهی إلیه ما لم یمتدّ به الزمان ، ولا یجوز أن یتکلّم فی الإقامة مع الاختیار((1)) .

وقال قدس سره فی المقنعة أیضاً : ولیفتتح الصلاة ... ویقول : وجّهت وجهی للذی فطر السماوات والأرض حنیفاً مسلماً علی ملة إبراهیم ، ودین محمّد ، وولایة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب وما أنا من المشرکین((2)) .

وقال أیضاً : ویستحبّ أن یقنت فی الوتر بهذا القنوت - وهو طو یل نقتطف منه بعض الجمل - : اللّهم صلّ علی محمّد عبدک ورسولک وآله الطاهرین ، أفضل ما صلّیت علی أحد من خلقک ، اللّهم صلّ علی أمیر المؤمنین ووصیّ رسول رب العالمین ، اللّهم صلّ علی الحسن والحسین سبطی الرحمة وإمامی الهدی ، وصلّ علی الأئمة من ولد الحسین : علی بن الحسین ، ومحمّد بن علی ، وجعفر بن محمّد ، وموسی بن جعفر ، وعلی ابن موسی ، ومحمّد بن علی ، وعلی بن محمّد ، والحسن ابن علی ، والخلف الحجة علیهم السلام ، اللّهمّ اجعله الإمام المنتظر القائم الذی به ینتصر ،


1- المقنعة : 98 / الباب السابع «الأذان والإقامة» .
2- المقنعة : 104 / الباب التاسع «کیفیة الصلاة وصفتها» .

ص:299

اللّهمّ انصره نصراً عزیزاً و...((1)) .

وقال أیضاً : فلیقل فی التشهّد والسلام الأخیر : بسم الله وبالله والحمد لله ... أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شریک له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحقّ بشیراً ونذیراً بین یدی الساعة ، أشهد أنّ ربّی نعم الربّ ، وأنّ محمّداً نعم الرسول ، وأنّ الجنة حقّ ، والنار حقّ ، وأنّ الساعة آتیة لا ریب فیها ، وأنّ الله یبعث من فی القبور ، اللّهمّ صلّ علی محمّد وآل محمّد ، وبارک علی محمّد وآل محمّد ، وارحم محمّداً وآل محمّد ، وتحنّن علی محمّد وآل محمّد ، کأفضل ما صلّیت وبارکت وترحّمت وتحنّنت علی إبراهیم وآل إبراهیم إنّک حمید مجید ، السلام علیک أیُّها النبّی ورحمة الله وبرکاته . ویومئُ بوجهه إلی القبلة ویقول : السلام علی الأئمّة الراشدین ، السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین((2)) .

وعلی ضوء ما تقدّم قد یترجّح القول بمحبوبیة الشهادة الثالثة فی الأذان عند الشیخ المفید قدس سره ، وذلک لوجودها فی التشهّد والتسلیم وافتتاح الصلاة ، وللعمومات الموجودة فی الشریعة ، ولأنّ ذکر علیّ عبادة لا یخلّ بالأذان ، ولکون الشیعة لا یأتون بها علی نحو الجزئیة ، کلّ ذلک مع معرفتک بالظروف الاستثنائیة التی کانت تحیط به رحمة الله .

و یمکننا بلا تردید أن نحتمل احتمالاً معقولاً بأنّ الشیخ المفید یفتی بجواز الشهادة الثالثة فی الأذان ، ولذلک قرینتان ، بل دلیلان .

الأُولی : إنّ الشهادة الثالثة کان یؤذَّن بها فی عهده فی الشام ((3))، وبغداد ((4)


1- المقنعة : 130 / من نفس الباب .
2- المقنعة : 113 / من نفس الباب .
3- سیر اعلام النبلاء 15: 116 ، تاریخ الخلفاء : 402 ، البدایة والنهایة 11:284، زبدة الحلب 1: 159.
4- نشوار المحاضرة 2 : 133 .

ص:300

ومصر((1))، والیمامة((2))، وهذا فعل مبتلیً به ینبغی علی الفقیه تناوله فی رسالته العملیة ، لکن الشیخ المفید سکت عنه .

وکُلُّنا یعلم بأنّ الرسائل العملیة یجب أن یوضح فیها المسائل المبتلی بها عند الناس وأن لا تسکت فی الغالب عن حاجیات المؤمنین إلّا أن تکون من أوضح الواضحات عند عموم المکلفین أو أنّها غیر مبتلی بها أساساً ، أو لأن الظروف لا تسمح ببیانها ، وهذا معناه أنّ التأذین بالولایة کان جوازه الشرعیّ من أوضح الواضحات حیث لا یمکن القول بأنّها غیر مبتلی بها لتأذین الشیعة فی الشام وبغداد ومصر والیمامة بذلک.

نعم یمکن القول بأن المفید کان فی غنی ان یشغل نفسه باُمور جائز ترکها، وعلی کلا التقدیرین فإن عدم ذکره ، له مخرج معقول .

وملخص الکلام ان موقفه السکوتیّ فی الشهادة الثالثة لا یعنی موافقته للشیخ الصدوق رحمة الله .

والقرینة الثانیة للدلالة علی الجواز هی قول السیّد المرتضی بجوازها بعد أن سُئل من قبل أهل الموصل - الّذین لم یکونوا یشکّون بجوازها ، وأنّ جوازها کانت عندهم من أوضح الواضحات - لذلک لم یسألوه عن مشروعیتها بل سالوه عن وجوبها ، والسیّد أرجعهم إلی الواضح عندهم وهو الجواز وأفتی به دون الوجوب ، ومعنی هذا الکلام ان أهل الموصل لو لم یسألوه لما وصلتنا فتواه رحمة الله بالجواز .

فحال الشیخ المفید هو مثل حال السیّد المرتضی ، فلو سُئِلَ لأجاب بالجواز خاصّة ، لأنّه معتقد أغلب الشیعة فی ذاک العصر .


1- الخطط للمقریزی 2 : 272 ، الکامل فی التاریخ 7 :4 ، 31، المنتظم 1: 140 ، وفیات الاعیان 1 : 375 ، 379، تاریخ ابن خلدون 4: 48 .
2- شعر نامه ناصر خسرو : 122.

ص:301

3 - الشریف المرتضی (355 ه - 436 ه)

قد اتّضح من عبارة الشیخ الصدوق الآنفة ، وممّا حکیناه من سیرة المتشرّعة فی تلک الفترة وما بعدها : أنّ الشیعة فی حمص((1))، وبغداد((2))، ومصر((3))، وحلب((4))، والیمامة((5))، والشام((6))، کانوا یؤذّنون بالشهادة الثالثة بعد الحیعلة الثالثة أو بعد الشهادة الثانیة ، بصیغ متفاوتة دالة علی الولایة ، وکان جامعها المشترک أنّ محمّداً وعلیّاً هما خیر البشر ، لأنّ الخیریّة الملحوظة فی خیر العمل هی عنوان لإمام المتّقین ، وقائد الغرّ المحجّلین علیّ أمیر المؤمنین ، والذی هو نفس رسول الله ، وأخوه ، ووصیّه ، وخلیفته من بعده ، وهو خیر البشر وخیر البریّة حسب تعبیر الروایات المتظافرة عن المعصومین وخصوصاً النبی صلی الله علیه و آله الموجودة فی کتب الفریقین .

والآن لنواصل امتداد هذه السیرة فی عهد السیّد المرتضی رحمة الله لنری بعض ملامحها ظاهرةً فی شمال العراق ، وبالتحدید فی مدینة میافارقین القریبة من مدینة الموصل العراقیة .

فقد سأل جمعٌ من الشیعة هناک مرجعهم وعالمهم ذا الحسبین السیّد الشریف علی بن الحسین الشهیر بالمرتضی بست وستین مسألة ، وکان السؤال الخامس عشر منه هو :


1- بغیة الطلب 2 : 944 .
2- نشوار المحاضرة 2 : 133 .
3- المصدر نفسه . وانظر المواعظ والاعتبار 2 : 340 ، ووفیات الأعیان 1 : 375 ، وأخبار بنی عبید : 50 ، والمنتظم 14 : 197 .
4- الیواقیت والضرب ، لإسماعیل أبی الفداء : 134 تحقیق محمّد جمال وفالح بکور . بغیة الطلب 6 : 2071 ، تاریخ الإسلام 38 : 18 .
5- سفرنامه ناصر خسرو : 142 .
6- البدایة والنهایة 11 : 284 .

ص:302

المسألة الخامسة عشر : هل یجب فی الأذان - بعد قول حیّ علی خیر العمل - محمّد وعلیّ خیر البشر ؟

الجواب : إن قال : محمّد وعلیّ خیر البشر ، علی أنّ ذلک من قوله خارج من لفظ الأذان ، جاز ، فإنّ الشهادة بذلک صحیحة ، وإن لم یکن فلا شیء علیه((1)) .

قبل کلّ شیء ینبغی التذکیر بأنّ هذا النص یدلّ دلالة ظاهرة واضحة علی أنّ الشیعة لم یکونوا قائلین ومعتقدین بأنّ صیغ ذکر الولایة فی الأذان داخلة فی ماهیّته وأنّها جزء واجب فیه ، بل هم کانوا فی شکّ من ذلک وإلّا لما سألوا ، وهذا معناه أنّ القول بالجزئیة لیس دیدن الشیعة فی ذلک العصر ، بل دیدنهم الذکر من منطلق المحبوبیة العامة ، هذا شیء .

والشیء الآخر هو أنّ هذا بحدّ ذاته دلیل علی أنّ المتیقَّن عند عامّة الشیعة محبوبیّة هذا الذکر عندهم ، وأمّا وجوب ذکر الشهادة الثالثة فمشکوک عندهم وإلّا لما سألوا السیّد المرتضی عنه ، ویترتّب علی ذلک أنّ غالب الشیعة فی عهد الصدوق رحمة الله لم یکونوا یعتقدون بوجوب الذکر لعلی فی الأذان وأنّه جزء واجب داخل فی ماهیته ، وإلّا لو کانوا کذلک لما جاء من بعدهم وشکَّ فی الوجوب فی زمن السیّد المرتضی قدس سره ، فلاحظ هذا بدقّة .

والحاصل : هو أنّ هذا النص ینبئ عن عمل مجموعة من الشیعة آنذاک به ، وممارستهم له ، ووضوح مشروعیته العامة دون الخاصة لدیهم ، لکنّ سؤالهم کان عن لزوم الإتیان به ؟

فالسیّد المرتضی رحمة الله أجاب وبصراحة : « إن قال : محمّد وعلی خیر البشر ، علی أنّ


1- المسائل المیافارقیات المطبوع مع کتاب جواهر الفقه : 257 المسأله 15 ، والمطبوع کذلک ضمن المجموعة الأولی من رسائل السیّد المرتضی 1 : 279 المسألة 15 .

ص:303

ذلک من قوله خارج لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلک صحیحة » ، وهذا الکلام لا یحتاج إلی توضیح وتعلیق وذلک لوضوحه .

نعم قوله « وإن لم یکن فلا شیء علیه » فهو غیر واضح ، إذ قد یعنی رحمة الله أحد معنیین :

أحدهما : أنّ القائل لو قالها علی أنّها جزء ماهیة الأذان ومن فصوله فلا شیء علیه .

فلو صحّ هذا الاحتمال فهو دلیل علی أنّ السیّد المرتضی کان یعتقد بصحّة الروایات الدالّة علی الشهادة بالولایة - والتی حکی بعضها الصدوق بقوله : « ومنهم من رویٰ » - لأنّ الإفتاء متفرّع علی اعتبار تلک الروایات عنده ، وهو بمثابة القرینة الموجِبة للوثوق بصدور ما حکاه الصدوق أو روایات أُخری عن الأئمة .

ثانیها : قد یرید السیّد المرتضی بکلامه الآنف الإشارة إلی عدم لزوم الإتیان بها ، لعدم جزئیّتها عنده ، مع اعترافه بأنّ الشهادة بها صحیحة ، أی أنّ الإنسان لو لم یأتِ بها فلا شیء علیه ، وهو مثل کلام الشیخ الطوسی الآتی عن الشهادة بالولایة .

ولو تأمّلت فی سؤال السائل لرأیته محدَّداً - وهو الإتیان بمحمّد وعلی خیر البشر بعد حیّ علی خیر العمل - وهذا یفهم بأنّهم کانوا لا یأتون بها علی نحو الجزئیة ولا یعتبرونها من أصل الأذان ، وهی الأُخری لم تکن ضمن الصیغ التی أتی بها الشیخ الصدوق ، کلّ ذلک یؤکّد بأنّ أهل الموصل لا یقولون بجزئیّتها بل یقولون بمحبوبیّتها الجائزة .

إنّ فتوی السیّد المرتضی بجواز القول ب- « محمّد وعلی خیر البشر » فی الأذان هی دعم حقیقی لسیرة الشیعة فی بغداد ، وشمال العراق ، ومصر ، والشام ، وإیران ، وهی من ناحیة أُخری تصریح بأنّ ما یقوله الحمدانیون والفاطمیون والبویهیون

ص:304

لیس شعاراً فقط بل هو دین وشرع أجازه الدین والأئمة من آل البیت ، لأنّک قد عرفت بأنّ هذه الصیغ لا تقتصر علی الزیدیة والإسماعیلیة بل هی شعار لدی الشیعة الإمامیة کذلک .

وقد یمکننا من خلال هذا النص أن ندعم ما قلناه عن شیخنا الصدوق رحمة الله سابقاً وأنّه کان ینهی عن الإتیان بها علی نحو الجزئیة ، أمّا علی نحو المحبوبیّة فلا یمانعه ، والسیّد المرتضی سار علی منوال الصدوق ؛ إذ أنّ السیّد المرتضی حکم بأنّ من لم یأت بها فلا شیء علیه ، وهذه قرینة علی أنّ الصدوق کان یقصد باللعن القائلین بوجوب الإتیان بها علی أنّها جزء .

فالملاحظ أنّ کلاًّ من المرتضی والصدوق رحمهما الله نفیا الجزئیة والوجوب ؛ إذ القول بالوجوب لیس من دین الله ، وهذا هو الذی دفع الصدوق لأَنْ یلعن القائلین به ، وأمّا الجواز لا بعنوان الجزئیة فالمرتضی قائل به وکذلک الصدوق علی ما قدّمنا !

وهو یفهم أیضاً بأنّ هذه الصیغ موجودة فی شواذّ الأخبار - وربّما فی أخبار أخری - وکذا أنّها موجودة فی العمومات التی ذکرنا بعضها فی هذا الکتاب لا المحکیّة عن روایات المفوّضة . وإنّما المفوّضة ، کانت قائلة بالوجوب بحسب أخبار موضوعة لا الجواز.

ولو کانت الصیغ الثلاث هی من موضوعات المفوّضة لَمَا أفتی السیّد المرتضی والشیخ الطوسی وابن البراج رحمهم الله تعالی بجواز الإتیان بها فی الأذان من دون قصد الجزئیة .

وهذا یؤکّد استمرار الشیعة من بدایة الغیبة الکبری إلی عهد السیّد المرتضی فی التأذین بها استناداً للروایات التی کانت عندهم .

کخبر الفضل ابن شاذان عن ابن أبی عمیر عن أبی الحسن الکاظم - والذی مر

ص:305

علیک آنفاً - المجیزة لفتح دلالة حیّ علی خیر العمل فی الأذان .

وما رواه عمر بن ادینه ومحمّد بن النعمان الاحول مؤمن الطاق وسدیر الصیرفی عن الصادق والذی فیه بأن الملائکة سالوا رسول الله عن علی فقال صلی الله علیه و آله اتعرفونه قالوا : کیف لا وقد اخذ الله المیثاق منا لک وله . وانا نتطلع کل یوم خمس مرات - اشارة إلی اوقات الصلاة((1)) - إلی اخر الخبر وغیرها .

فالسیّد المرتضی لم یتعامل مع موضوع الشهادة بالولایة کما تعامل مع موضوع التثویب حیث اعتبر الأوّل جائزاً والثانی بدعة وحراماً ، فقد قال فی جواب مسالة 16 :

المسألة السادسة عشر : من لفظ أذان المخالفین ، یقولون فی أذان الفجر : « الصلاة خیر من النوم » ، هل یجوز لنا أن نقول ذلک أم لا ؟

الجواب : مَن قال ذلک فی أذان الفجر فقد أبدع وخالف السنّة ، وإجماعُ أهل البیت علیهم السلام علی ذلک((2)) .

ففتواه ببدعیة « الصلاة خیر من النوم » رغم ورودها فی بعض روایاتنا ، وفتوی بعض المتقدمین بجوازها عند التقیة ، یؤکّد بأنّ موضوع الشهادة بالولایة عند السیّد المرتضی لم یکن کالتثویب ، بل أنّه رحمة الله بالنظر لفتواه بالجواز کان یأخذ بتلک الروایات ؛ روایات الاقتران التی تفید المحبوبیة أو التفسیریة ولا یراها بدعة ، وإلاّ لما أفتی بالجواز من دون قصد الجزئیة ، بل ربّما وصلت إلیه روایات أخری فی هذا المضمار .

فلو کانت الشهادة بالولایة بدعة کالصلاة خیر من النوم لما قال : « جاز ، فإنّ الشهادة بذلک صحیحة » .


1- والذی مرّ فی صفحة 189 .
2- مسائل میافارقیات المطبوع مع کتاب جواهر الفقه : 257 المسأله 16 ، والمطبوع کذلک ضمن المجموعة الاولی رسائل السیّد المرتضی 1 : 279 المسألة 16 .

ص:306

وقد قال رحمة الله فی جواب المسائل الموصلیّات أکثر من ذلک فی جملة « حی علی خیر العمل » الدالّة علی الإمامة والولایة ، فقال :

استعمال « حی علی خیر العمل » فی الأذان ، وان ترکه کترک شیء من ألفاظ الأذان .

والحجّة أیضاً اتّفاق الطائفة المحقّة علیه ، حتّی صار لها شعاراً لا یدفع ، وعلماً لا یجحد((1)) .

کان هذا بعض الشیء عن الشهادة بالولایة فی عهد السیّد الشریف المرتضی رحمة الله ، وقد رأیت عدم تخطئته للذین یأتون بها ، فی حین خطّأَ السیّد علم الهدی الذین یأتون بالتثویب فی أذان الصبح ، وهو دلیل علی رجحان الإتیان بها عنده ، وخصوصاً لو کان فی ذلک ما یُنفَی به افتراءات المفترین علی الشیعة ، أو یعلو به ذکر الإمام علی ، لکن لا علی نحو الشطریة والجزئیة ، بل لرجاء المطلوبیّة ، وهذا ثابت لمن تعقّب السیرة .


1- رسائل السیّد المرتضی 1 : 219 ، المسألة الثالثة عشر فی وجوب « حی علی خیر العمل » فی الأذان ، وانظر جمل العلم والعمل : 57 .

ص:307

4 - الشیخ الطوسی (385 ه - 460 ه)

قال الشیخ الطوسی فی کتاب الصلاة من المبسوط :

... والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلاً : ثمانیة عشر فصلاً الأذان ، وسبعة عشر فصلاً الإقامة ... ومن أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان ، وزاد فیها : قد قامت الصلاة مرتین ، ومنهم من جعل فی آخرها التکبیر أربع مرات ، فأمّا قول : أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین ، وآل محمّد خیر البریة علی ما ورد فی شواذّ الأخبار فلیس بمعمول علیه فی الأذان ، ولو فعله الإنسان لم یأثم به ، غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله((1)) .

وقال رحمة الله فی کتاب النهایة ، بعد أن عدّ الأذان والإقامة خمسة وثلاثین فصلاً :

وهذا الذی ذکرناه من فصول الأذان هو المختار المعمول علیه ، وقد رُوی سبعة وثلاثون فصلاً فی بعض الروایات ، وفی بعضها ثمانیة وثلاثون فصلاً ، وفی بعضها اثنان وأربعون((2)) .


1- المبسوط 1 : 148 طبعة جامعة المدرسین - قم المقدسة . وفی طبعة المکتبة المرتضویة 1 : 99 توجد کلمة « یأثم به » بدل « لم یاثم به » وهو خطا بیّن ، لأنّ العلّامة الحلی المتوفی 726 ه- حکی فی منتهی المطلب 4 : 381 وکذا الشهید ( ت 786 ه- ) فی البیان : 73 والدروس 1 : 162 عن الشیخ قوله ( فإن فعله لم یکن آثماً ) وکذا حکی غیرهم من متأخری المتأخرین کالمجلسی فی البحار 81 : 111 ، والبحرانی فی الحدائق 7 : 403 ، والمیرزا القمّی فی الغنائم 2 : 423 ، وغیرهم ذلک عن الشیخ . وانّ الاستثناء الموجود فی ذیل کلام الشیخ « غیر أنّه لیس ... » یؤکد بأ نّه لا یصلح إلاّ بعد بیان الحکم ، ومعناه الاستدراک علی شیء قد مضی ، فلو کان الشیخ یفتی بالحرمة لما صحّ الاستدراک ، وبذلک ثبت خطأ تحقیق السیّد محمّد تقی الکشفی لهذه الجملة ، ولا یستبعد أن یکون الخطأ من الطبّاع أو المطبعة .
2- النهایة فی مجرد الفقه والفتاوی : 68 . وأنظر «نکت النهایة» 1 : 293 للمحقق الحلی کذلک .

ص:308

ثم جاء رحمة الله یصور تلک الأقوال ، فقال :

فإن عمل عامل علی إحدی هذه الروایات ، لم یکن مأثوماً .

وأمّا ما رُوی فی شواذّ الأخبار من قول : «أشهد أنّ علیاً ولی الله ، وآل محمّد خیر البریة» فممّا لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة ، فمن عمل بها کان مخطئاً ((1)) .

وقد یتصوّر المطالع أنّ الشیخ قد عارض نفسه ، لأنّه قال فی المبسوط : « ولو فعله الإنسان لم یأثم به » ، وفی النّهایة : « فمن عمل بها کان مخطئاً » .

لکنّ هذا التوهّم بعید جداً حسب قواعد العلم ومعاییر الاجتهاد ، لأنّ الشیخ رحمة الله عنی بقوله الأوّل : الإنسان لو فعلها بقصد القربة المطلقة ولمحبوبیتها الذاتیة « لم یأثم به » ، وأمّا لو فعلها بقصد الجزئیة « کان مخطئاً » بحسب أصول الاجتهاد ، لأنّ الشیخ الطوسی لا یأخذ بالأخبار الشاذّة إذا عارضت ما هو أقوی منها ، وسیأتی أنّ بعض العلماء - کالمجلسی وغیره - تمسّکوا بشهادة الشیخ ، فأفتوا بموجب ذلک باستحباب الشهادة الثالثة فی الأذان ، باعتبار أنّ الشاذ هو الحدیث الصحیح غیر المشهور ، فی حین ان الشاذ لم یکن کذلک بل هو ممّا یؤخذ فیه انواع الحدیث الاربعة، منه الصحیح ، ومنه الضعیف ، وما بینهما عند الکثیر.

واحتمل الآخر جمعاً بین القولین : بأن الشیخ رحمة الله عنی بقوله فی النهایة ، الذی یأتی بها علی نحو الجزئیة ، فإنه لا یأثم وإن کان مخطئاً بحسب الصناعة ، لأنّه بذل وسعه وتعرف علی الحکم وإن کان مخطئاً فی اجتهاده ، لأخذه بالمرجوح وترک الراجح . وهو کلام بعید عن الصواب لا نلتزمه .

أمّا لو قلنا بأن معنی الشاذ عند الشیخ الطوسی هو الضعیف الذی لا یعمل به ، فالشیخ صرح بأن العامل به لا یأثم .


1- النهایة فی مجرد الفقه والفتاوی : 69 وانظر نکت النهایة 1 : 293 للمحقق الحلی کذلک .

ص:309

وعلی کل التقادیر والاحتمالات فی معنی الشاذ عند الشیخ الطوسی یکون العامل بالشهادة الثالثة غیر مأثوم .

ولکی نفهم کلام الشیخ أکثر لابدّ من توضیح بعض الأمور :

الأمر الأول : تفسیر معنی الشاذ عنده وعند غیره من علماء الدرایة والفقه ، فنقول : اختلفت تعابیر علمائنا وعلماء العامة فی معنی الشاذّ مع اتّفاقهم علی معناه اللّغویّ وهو الانفراد عن الجماعة .

فقال البعض : هو ما رواه الثقة ، مخالفاً للمشهور((1)) ، أو للأکثر((2)) ، أو لجماعة الثقات ، والمعنی فی جمیعها متقارب .

وقال الآخر : هو ما یتفرّد به ثقة من الثقات ، ولیس للحدیث أصل متابع لذلک الثقة((3)) .

وقال الشافعی : لیس الشاذّ من الحدیث أن یروی الثقة ما لا یرویه غیره ، هذا لیس بشاذ ، إنّما الشاذ أن یروی الثقة حدیثاً یخالف فیه الناس((4)) .

إذن الشاذّ فی الأغلب عندنا وعند العامّة هو ما یقابل المشهور والمحفوظ ، وقد یطلق الشاذّ عندنا خاصّة علی ما لم یعمل بمضمونه العلماء وإن صح إسناده ولم یعارضه غیره . وحکی عن الإمام البروجردی قوله : کلما ازداد ]الشاذ[ صحةً ازداداً ضعفاً((5)) وذلک لترک الطائفة العمل به .


1- انظر شرح البدایة فی علم الدرایة ، للشهید الثانی : 39 .
2- الرعایة فی علم الداریة : 115 ، وصول الأخبار : 108 ، الرواشح السماویة : 163 ، الراشحة السابعة والثلاثون .
3- معرفة علوم الحدیث للحاکم النیسابوری : 119 ، وصول الاخیار : 106 .
4- معرفه علوم الحدیث للحاکم النیسابوری : 119 .
5- راجع المنهج الرجالی للسیّد البروجردی للسیّد محمّد رضا الجلالی حفظه الله تعالی .

ص:310

قال ابن فهد الحلّیّ فی المهذّب البارع : ومنها المشهور ... ویقابله الشاذّ والنادر ، وقد یطلق علی مرویّ الثقة إذا خالف المشهور((1)) .

والمراد من « المجمع علیه » الوارد فی مقبولة عمر بن حنظلة - المرویّة فی کتب المشایخ الثلاثة((2)) : - .. لیس ما اتّفق الکلّ علی روایته ، بل المراد ما هو المشهور بین الأصحاب فی مقابل ما لیس بمشهور ، ویوضح ذلک قول الإمام علیه السلام : « ویترک الشاذّ النادر الذی لیس بمشهور عند أصحابک »((3)) .

ومعنی کلام الإمام أنّ الشاذّ النادر قد یکون من أقسام الحدیث الصحیح الذی لا یعمل به ، لوجود ما هو أقوی منه ، أو أنّه صدر لظروف التقیة ونحوها .

إذن الشذوذ فی الغالب هو وصف للمتن لا للسند ، فهو مقابل الضعف الذی یأتی غالباً للسند دون المتن ، ولو تأ مّلت فی منهج الشیخ رحمة الله فی الاستبصار لرأیته یسعی للجمع بین الأخبار ورفع التعارض فیما بینها بعد أن ییأس من الأخذ بالراجح ، وإنّ جمعه بین الأخبار الشاذّة والمعمول بها فی بعض الأَحیان یُفهِمُ بأنّه رحمة الله لا یحکم علی الأخبار الشاذّة بأنّها دخیلة وموضوعة ، بل یری لها نحو اعتبار عنده وهی داخله عنده ضمن انواع الحدیث الاربعة ؛ أی أنّ حجیّتها عنده اقتضائیة ، بمعنی أنّها حجّة عنده لولا المعارضة .

ولتوضیح المسألة إلیک خمسة نماذج أخذناه من المجلّد الاول من کتابه ( الاستبصار فیما اختلف من الأخبار ) تیمناً بالخمسة من آل العبا :


1- المهذب البارع 1 : 66 .
2- منها قوله علیه السلام : ینظر إلی ما کان من روایتهم عنّا فی ذلک الذی حکما به ، المجمع علیه من أصحابک ، فیؤخذ به من حکمنا ، ویترک الشاذّ الذی لیس بمشهور عند أصحابک ، فإنّ المجمع علیه لا ریب فیه . الکافی 1 : 68 / باب اختلاف الحدیث / ح 10 .
3- المهذب للقاضی ابن براج 2 : 8 .

ص:311

1 - قال الشیخ فی « باب البئر یقع فیها الکلب والخنزیر وما أشبههما » - بعد أن أورد عدّة روایات کان آخرها ما رواه غیاث بن کلوب ، عن إسحاق بن عمار ، عن جعفر ، عن أبیه : إنّ علیاً رحمة الله کان یقول : الدجاجة ومثلها تموت فی البئر ینزح منها دلوان أو ثلاثة ، وإذا کانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة - :

فلا ینافی ما قدّمناه ، لأنّ هذا الخبر شاذّ وما قدّمناه مطابق للأخبار کلّها ، ولأ نّا إذا عملنا علی تلک الأخبار نکون قد عملنا علی هذه الأخبار ، لأنّها داخلة فیها ، وإن عملنا علی هذا الخبر احتجنا أن نسقط تلک جملةً ، ولأنّ العلم یحصل بزوال النجاسة مع العمل بتلک الأخبار ولا یحصل مع العلم بهذا الخبر((1)) .

فالشیخ لا یمنع العمل بالخبر الشاذّ مطلقاً إلّا إذا امتنع الجمع ، وهذا یفهم بأنّ دلالة الشاذ عنده بنحو الاقتضاء والقابلیة ؛ أی أنّه بنفسه حجّة لولا المعارضة ، لأنّ الترجیح فرع الحجّیّة الاقتضائیّة کما یقولون .

2 - ونحوه قال الشیخ فی (باب المصلی یصلی وفی قبلته نار) :

فأما ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی عن الحسن بن الحسین بن عمرو عن أبیه عمرو بن إبراهیم الهمدانی رفع الحدیث ، قال قال : أبو عبدالله علیه السلام ، لا بأس أن یصلی الرجل والنار والسراج والصورة بین یدیه ، ان الذی یصلی له اقرب إلیه من الذی بین یدیه .

فهذه الروایة شاذة مقطوعة الاسناد وهی محمولة علی ضرب من الرخصة وان کان الافضل ما قدمناه((2)) .


1- الاستبصار 1 : 38 / ح 105 .
2- الاستبصار 1 : 396 / ح 1512 .

ص:312

3 - وقال الشیخ فی باب « من فاتته صلاة فریضة فدخل علیه وقت صلاة أُخری فریضة » :

فأمّا ما رواه سعد بن عبدالله ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو ابن سعید المدائنی ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار الساباطی ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : سألته عن الرجل یفوته المغرب حتی تحضر العتمة ، فقال : إِن حضرت العتمة وذکر أنَّ علیه صلاة المغرب فإن أحبَّ أن یبدأ بالمغرب بدأ وإن أحبّ بدأ بالعتمة ثم صلّی المغرب بعدها .

فهذا خبر شاذّ مخالف للأخبار کلّها ، لأنّ العمل علی ما قدمناه من أنّه إذا کان الوقت واسعاً ینبغی أن یبدأ بالفائتة ، وإن کان الوقت مضیّقاً بدأ بالحاضرة ، ولیس هاهنا وقت یکون الإنسان فیه مخیّراً ، ویمکن أن یحمل الخبر علی الجواز والأخبار الأوّلة علی الفضل والاستحباب((1)) .

انظر إلی الشیخ کیف یسعی للجمع بین الخبر الشاذّ وغیره ، فلو لم یکن للخبر الشاذ حجیّة اقتضائیّة عنده - أو قل صحیحاً عنده لدرجة مّا - لما سعی للجمع بینه وبین الأخبار الأخری ؛ یشهد لذلک أنّه أفتی بمضمونه حیث قال : « یحمل الخبر علی الجواز » ؛ أی جواز الابتداء بصلاة المغرب أو العتمة ، مع أنّ المشهور الروائی ینصّ علی أن یبتدئ بالعتمة ویقضی المغرب ، وصلاة العتمة هی صلاة العشاء .

4 - وقال الشیخ الطوسی فی أبواب « ما ینقض الوضوء وما لا ینقضه » باب مس الحدید : وأمّا ما رواه محمّد بن أحمد بن یحیی ، عن أحمد بن الحسن بن علی بن فضال ، عن عمرو بن سعید المدائنی ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسی ، عن أبی عبدالله علیه السلام فی الرجل إذا قصّ أظفاره بالحدید ، أو جزّ من شعره أو


1- الاستبصار 1 : 288 / ح 1055 .

ص:313

حلق قفاه : فإنّ علیه أن یمسحه بالماء قبل أن یصلی :

سُئل : فإن صلّی ولم یمسح من ذلک بالماء ؟ قال : یعید الصلاة لأنّ الحدید نجس ، وقال : لأنّ الحدید لباس أهل النار والذهب لباس أهل الجنّة .

فالوجه فی هذا الخبر أن نحمله علی ضرب من الاستحباب دون الإیجاب ؛ لأنه خبر شاذّ مخالف للأخبار الکثیرة ، وما یجری هذا المجری لا یعمل علیه علی ما بیّنّاه((1)) .

فالشیخ رحمة الله حمل الخبر الشاذ هنا علی ضرب من الاستحباب ، وهو یؤکّد أخذه بمضمونه .

5 - وقال الشیخ فی « باب البئر یقع فیها الدم القلیل والکثیر » :

فأمّا ما رواه الحسین بن سعید ، عن محمّد بن زیاد ، عن کردویه ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن البئر یقع فیها قطرة دم أو نبیذ مسکر أو بول أو خمر ؟ قال : ینزح منها ثلاثون دلواً .

فهذا الخبر شاذّ نادر ، وقد تکلّمنا علیه فیما تقدّم ؛ لأنّه تضمّن ذکر الخمر والنبیذ المسکر الذی یوجب نزح جمیع الماء ، مضافاً إلی ذکر الدم ، وقد بیّنّا الوجه فیه ، ویمکن أن یحمل فیما یتعلّق بقطرة دم أن نحمله علی ضرب من الاستحباب ، وما قدّمناه من الأخبار علی الوجوب لئلا تتناقض الأخبار((2)) .

وهذا أیضاً رقم آخر یؤکّد ما قلناه من أنّ الشیخ یفتی بمضمون الشاذ نظراً لدلالته الاقتضائیة .

ونحوه ما رواه الشیخ فی التهذیب عن محمّد بن إسماعیل بن بزیع قال : سالت


1- الاستبصار 1 : 96 / ح 311 .
2- الاستبصار 1 : 45 / ح 125 .

ص:314

الرضا علیه السلام عن المذی فأمرنی بالوضوء منه ، ثم أعدت علیه فی سنة أخری فأمرنی بالوضوء منه وقال : ان علی بن أبی طالب علیه السلام أمر المقداد بن الاسود أن یسأل النبی صلی الله علیه و آله واستحیا أن یسأله فقال : فیه الوضوء .

فهذا خبر ضعیف شاذ والذی یکشف عن ذلک الخبر المتقدم الذی رواه إسحاق بن عمار عن أبی عبدالله علیه السلام وذکر قصة أمیر المؤمنین علیه السلام مع المقداد وانه لما سأل النبی صلی الله علیه و آله عن ذلک فقال : لا بأس به ، وقد روی هذا الراوی بعینه انه یجوز ترک الوضوء من المذی ، فعلم بذلک ان المراد بالخبر ضرب من الاستحباب((1)) .

وقد ذکر الشیخ المفید فی المقنعة عدة انواع من الاستخارات وقال :

وهذه الروایة شاذة لیست کالذی تقدم ، لکنا اوردناها للرخصة دون تحقیق العمل بها((2)) .

وعلق المحقق فی المعتبر علی ما رواه الشیخ بسنده عن الحسن بن محبوب عن العلاء قال سألت أبا عبدالله علیه السلام عن الرجل یصیب ثوبه الشیء فینجسه فنسی أن یغسله ویصلی فیه ثم تذکر أنه لم یکن غسله أیعید الصلاة قال : «لا یعید قد مضت صلاته وکتبت له» .

قال الشیخ هذا خبر شاذ لا یعارض به الأخبار التی ذکرناه ویجوز أن یکون مخصوصاً بنجاسة معفو عنها . وعندی إن هذه الروایة حسنة والأصول یطابقها لأنه صلی صلاة مشروعة مأمور بها فیسقط بها الفرض ویؤید ذلک قوله صلی الله علیه و آله عفی لأمتی


1- تهذیب الاحکام 1 : 18 / ح 42 .
2- المقنعة : 219 .

ص:315

عن الخطا والنسیان لکن القول الاول اکثر والروایة اشهر((1)) .

وقال أیضاً فی بعض اقوال زکاة الذهب والفضة :

والجواب عما احتج به بعض الأصحاب ، إنما ذکرناه أشهر فی النقل ، وأظهر فی العمل ، فکان المصیر إلیه أولی . وقال الشیخ رضی الله عنه فی الخلاف : وقد تأولنا الروایة الشاذة ، وأشار إلی هذه الروایة ، وقال فی التهذیب : «یحمله قوله «ولیس فیما دون الاربعین دیناراً شیء» علی أن المراد بالشیءِ دینار ، لان لفظ الشیء یصح أن یکنی به عن کل شیء» . وهذا التأویل عندی بعید ولیس الترجیح إلّا بما ذکرناه((2)) .

کان هذا بعض الشیء عن الخبر الشاذّ عند القدماء وطریقة تعامل الشیخ الطوسی رحمه الله معه .

الطوسی بین الفتوی بالجواز وشذوذ أخبار الشهادة

تبیّن من الأمثلة التی سقناها آنفاً أنّ الشیخ الطوسی لا یعمل بالشاذ إذا ما استحکمت المعارضة مع ما هو مشهور ، لکن إذا أمکنه الجمع فإنه لا یترک الشاذّ ویفتی بمضمونه ، فقد مرّ أنّ الشاذّ عند الشیخ - خلال الأمثلة الآنفة - یکون دلیلاً علی الجواز کما فی خبر من فاتته صلاة المغرب حتی دخل وقت صلاة العتمة ، وهذا معناه أنّ الخبر الشاذ عند الشیخ قد یصل إلی مرحلة الحجّیّة الفعلیة مع إمکانیة الجمع ولا یقف علی الحجیة الاقتضائیة فقط .

وبناءً علی ذلک نقول : إنّ الشیخ وصف أخبار الشهادة الثالثة بأنّها شاذّة لکنّه


1- المعتبر 1 : 441 .
2- المعتبر 2 : 524 ، وانظر کذلک کلام الفاضل الآبی فی کشف الرموز 1 : 363 و2 : 257 .

ص:316

مع ذلک قال بجواز الإتیان بها حین جزم قائلاً : « لم یأثم به » ، ولیس لهذا معنی إلّا أنّه أفتی بمضمونها . وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تنهض لإثبات جزئیّة الشهادة الثالثة فی الأذان لشذوذها ، ولأنّ روایات الأذان المشهورة المعوّل علیها عند فقهاء المذهب لم تذکر ذلک ، لکن مع ذلک یمکن الجمع والفتوی بالجواز ، وعلی هذا الأساس یمکن للفقیه الفتوی بالجواز بالنظر لذلک ، وهذا بغضّ النظر طبعاً عن الأدلّة الأخری التی تؤدِّی إلی الاستحباب .

الأمر الثانی : من خلال المقارنة بین عبارتی الشیخ فی « المبسوط » و« النهایة » نحتمل بأنه رحمة الله کان یفتی بجواز العمل بمضمون الروایات المتضمنة للشهادة الثالثة ، لأنّ قوله فی المبسوط بعدم إثم من یقول ب- « أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین » ، و« آل محمّد خیر البریة » ، هو معنی آخر لما قاله عن اختلاف الروایات فی فصول الأذان ، وأنّ العامل علی إحدی هذه الروایات لم یکن مأثوماً ، أمّا لو أراد القائل أن یقول بالجزئیة فیها استناداً لبعض هذه الروایات فسیکون مأثوماً ومخطئاً ، لشذوذها وقد مر علیک ما احتمله البعض بأنّه لیس بمأثوم وإن کان مخطئاً ، لأنّه بذل وسعه للحصول علی الحکم وإن کان مخطئاً فیما توصل إلیه ، وبهذا لا یکون تلازم بین الاثم والخطا ، فتأمل .

توضیح ذلک : أنّ الشیخ یجیز الإتیان بها لا علی نحو الجزئیة ، لأنّه لم یعتبر الشهادة بالولایة من فصول الأذان لقوله بأنّه لیس : « فضیلة الأذان ولا من کمال فصوله » ، وهو معنی آخر لما قاله فی النّهایة من أنّ العامل بها کان مخطئاً ، وبذلک یکون نهیه من الاتیان بها إنّما هو الإتیان بها علی نحو الجزئیة ، لکونها لیست من أصل الأذان وأنّ العامل بها علی نحو الجزئیة یکون مخطئاً .

أمّا لو أتی بها لمحبوبیّتها أو بقصد القربة المطلقة ، فالشیخ لا یمانع من الفتوی بالجواز ، کما جزم فی قوله : « ولو فعله لم یأثم به » ، وکلام الشیخ هنا یجری مجری

ص:317

کلام الشیخ الصدوق رحمة الله وما ذهب إلیه السیّد المرتضی رحمة الله ، فکلّهم لا یرتضون الإتیان بها علی نحو الجزئیة لعدم مساعدة النصوص علی القول بها ، وهذا یعنی عند هؤلاء الأعلام الثلاثة أنّه لا توجد روایات ناهضة للقول بجزئیتها ، ولقد تقدّم فی الأمثلة التی سردناها عن الشیخ الطوسی بأنّ الشیخ یری حجیّة الشاذّ بنحو الاقتضاء - بل الفعلیة فیما لو أمکن الجمع - ولذلک أفتی بمقتضی هذا المبنی بالاستحباب ، فقد قال فی ردّ مضمون الخبر المصرّح بضرورة غسل موضع قصّ الأظافر بالحدید : « فالوجه فی هذا الخبر ( الشاذ ) أن نحمله علی ضرب من الاستحباب » .

ومن کلّ ذلک نقف علی نتیجة مهمّة ، وهی أنّ الشیخ لم یکن یری الحجیّة الفعلیة فی أخبار الشهادة الثالثة للقول بجزئیتها أو للفتوی بالاستحباب ، فالشیخ لم یقل بحملها علی ضرب من الاستحباب هنا کما فعل بالخبر الشاذّ المصرِّح بوجوب غسل موضع قص الاظافر بالحدید ، وهذا معناه أنّ أخبار الشهادة الثالثة لا تمتلک حجیّة فعلیة فی خصوص ذلک ، لکن یبدو کما احتملنا قو یّاً بأنّ الشیخ یری أنّ لها حجیّة فعلیة لتکون دلیلاً للفتوی بالجواز ؛ یشهد لذلک أنّه قال : « لم یأثم به » فالتفِتْ لذلک فهذا التفضیل قد غاب فی کلمات العلماء .

هذا مع الإشارة إلی أنّ القول برجحان أو عدم رجحان الشهادة الثالثة لا یقف عند هذا الحدّ ؛ إذ هناک أدلّة أخری لم یتعرّض لها الشیخ الطوسی ، کالعمومات ، وموثقة سنان بن طریف وحسنة ابن أبی عمیر ، وغیر ذلک مما یثبت الرجحان المطلق کما اتضح وسیتّضح أکثر .

الأمر الثالث : قال الشیخ الطوسی فی مقدمة کتابه المبسوط :

وکنت علی قدیم الوقت عملت کتاب النهایة ، وذکرت جمیع ما رواه أصحابنا فی مصنّفاتهم وأُصولها من المسائل ، وفرّقوه فی کتبهم ، ورتّبته ترتیب الفقه ، وجمعت من النظائر ، ورتّبت فیه

ص:318

الکتب علی ما رتّبت للعلّة التی بیّنتها هناک ، ولم أتعرّض للتفریع علی المسائل ولا لتعقید الأبواب وترتیب المسائل وتعلیقها والجمع بین نظایرها ، بل أوردت جمیع ذلک أو أکثره بالألفاظ المنقولة حتّی لا یستوحشوا من ذلک((1)) .

هذا وقد عُرِفَ عن السیّد البروجردی رحمة الله - وغیره - أنّه کان یصرّح فی دروسه بأنّ کتب المتقدّمین هی بمنزلة الأصول المتلقّاة عن المعصومین ، وأنّها متون روائیة ، وأنّ جمیع کتاب « النهایة » أو أکثره نصوص روایات منقولة عن المعصومین ، وفیها ما یرتبط بالأذان والإقامة ، والشهادة بالولایة ، ومعناه : أنّ ما فیها لم یکن من وضع المفوِّضة ، وخصوصاً مع تأکید الشیخ فی « النهایة » بأنّ أخبار الشهاده بالولایة جاءت ضمن روایات قد وقف علیها((2)) .

وهذا قد یؤکّد وجود روایات موجودة فی أُصول أصحابنا لا أُصول المفوّضة لعنهم الله ، غایة ما فی الأمر أنّ الشیخ لم یتوصّل إلی إمکانیّة حجیّتها الفعلیّة للفتوی بالاستحباب وإن تَوَصَّلَ لإمکانیّة الحجّیّة الفعلیّة للفتوی بالجواز حسبما بیّنّا .

ولابد لی أن أشیر هنا إلی أنّ البعض یطالبنا بلزوم تواتر الأخبار لإثبات الشهادة الثالثة ، وهذا طلب عجیب منهم ، مع أنّ هذا البعض یعلمُ بأنّ الشیعة قد مرّت بظروف قاسیة أدّت إلی إزهاق أرواح الکثیر من علمائها ، وأنّ وصول هذه الأخبار الشاذّة قد کلّفنا الکثیر من التضحیات ، فکیف یطلبون منّا لإثبات أمر إعلامیّ کهذا بالتواتر لهم ؟!

ألم یکن ذلک من التعسّف بحقّ علمائنا ورواتنا ؟!


1- المبسوط 1 : 2 .
2- النهایة : 69 ، والمبسوط 1 : 148 .

ص:319

نعم ، نحن بکلامنا هذا لا نرید القول بجزئیّتها ، لأن لیس بحوزتنا ما یدلّ علی ذلک ، لکن فی الوقت نفسه نرید التأکید علی عدم استبعاد وجود روایات علی ذلک ، وهذا ما نعبّر عنه بالحجیة الاقتضائیة لأخبار الشهادة بالولایة .

فعلی سبیل المثال ، قال الشیخ محمّد باقر المجلسی ( ت 1110 ه- ) فی بحار الأنوار مذیِّلاً عبارة الصدوق : « لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة فی الأذان والإقامة ، لشهادة الشیخ والعلّامة والشهید وغیرهم بورود الاخبار بها »((1)). وهذا یعنی عدم الشکّ فی وجود روایات فی أصول أصحابنا ؛ دالة علی الشهادة الثالثة .

وهذا هو ما جزم به المجلسیّ الأول فی روضة المتّقین ؛ حیث قال :

والظاهر أنّ الأخبار بزیادة هذه الکلمات أیضاً کانت فی الأصول وکانت صحیحة أیضاً کما یظهر من الشیخ والعلّامة والشهید رحمهم الله ، فإنّهم نسبوها إلی الشذوذ ، والشاذّ ما یکون صحیحاً غیر مشهور ...((2)) .

وقال الشیخ حسین العصفور البحرانی فی ( الفرحة الانسیة ) : « واما الفصل المرویّ فی بعض الأخبار المرسلة وهو : « أشهد أن علیاً ولی الله » فممّا نفاه الأکثر ، وظاهر الشیخ فی المبسوط ثبوته وجواز العمل به ، وهو الاقوی »((3)) .

الأمر الرابع : إنّ ما حکاه الشیخ من ورود أخبار شاذّة فی الشهادة الثالثة لا یعارضه مع ما حکاه الصدوق عن المفوِّضة ، فقد تکون الأخبار الشاذّة وما عند المسمَّین بالمفوِّضة مقصودة من قبل الأئمّة حتی لا یقف الخصم علی رأیهم علیهم السلام فی


1- بحار الأنوار 84 : 111 .
2- روضة المتقین 2 : 245 . وفی النص بدل « الشیخ » « المحقّق » وهو خطأ علی التحقیق بنظرنا ، فأبدلناه بالشیخ للقرائن التی سقناها سابقاً ، فلاحظ .
3- الفرحة الانسیة 2 : 16 .

ص:320

الشهادة الثالثة ، وهو أحد الوجوه التی یمکن قولها فی مفهوم التقیّة ، وأنّها لا تقتصر علی الخوف من الحکّام ، أو النظر إلی رأی العامّة ، أو ما شابه ذلک فقد تکون التقیّة من الشیعة ، لأ نّا نعلم أنّ الإمام قد أجاب شیعته فی بعض الموارد بأجوبة مختلفة فی المسألة الواحدة ، ولم یکن هناک أحد یخاف منه ، أو أنّ ما رواه أو قاله لیس فیه ما یوافق رأی السلطة ، بل قالها لأجل عدم إیقاف الخصم علی رأی الأئمّة فی ذلک الموضوع .

بمعنی : أنّ ملاک تشریع الشهادة الثالثة موجودٌ لکن اقتضاءً وإن لم تُشرَّع فعلیاً ، أی أنّ الإمام ذکرها علی نحو الاقتضاء وما له إمکانیة التشریع لا بنحو العلّة التامّة ، وأودعها عند بعض اصحابه ولم یرضَ بالبوح بها فی ذلک الزمان((1)) ، لإمکان تشریعهم لها((2)) ، أی أنّ المقتضی کان موجوداً وکذا المانع وهو الذی مرَّ فی کلام بعض فقهائنا ، ولا ریب فی أنّ المانع ، کفیل بعدم التشریع ، خصوصاً للحفاظ علی دماء الشیعة ورقابهم ، وهو نظیر قوله صلی الله علیه و آله : « لولا أن أشقّ علی أمّتی لأخّرت العشاء إلی ثلثی اللیل »((3)) ، أو قوله صلی الله علیه و آله لعائشة : « لولا أنّ قومَک حدیثو عهد بجاهلیة لنقضت البیت ولبنیته کما بناه إبراهیم »((4)) وهو ظاهر فی أن ملاک


1- انظر المحاسن ، للبرقی 1 : 397 باب التقیة ، وفیها 27 حدیثاً ، منها قول الصادق لسلیمان بن خالد : یا سلیمان إنّکم علی دین من کتمه أعزّه الله ، ومن أذاعه أذلّه الله .
2- إذ جاء عن رسول الله أنّه ترک صلاة نافلة اللیل فی المسجد کی لا تفرض علیهم ، انظر صحیح البخاری 1 : 255 / ح 696 ، ، و1 : 380 / ح 1077 ، و6 : 268 / ح 6860 ، صحیح مسلم 1 : 524 / ح 769 ، 761 ، صحیح ابن حبان 6 : 284 - 286 / ح 2543 ، 2544 ، 2545 ، سنن أبی داود 2 : 49 / ح 1373 ، الجمع بین الصحیحین 4 : 66 / 3178 ، باب المتّفق علیه من مسند عائشة .
3- الکافی 3 : 281 / ح 13 / باب وقت المغرب والعشاء . وانظر من لا یحضره الفقیه 1 : 273 / ح 986 .
4- العمدة لابن البطریق : 316 ، 317 ، الجمع بین الصحیحین للحمیدی 4 : 43 / باب المتّفق علیه من مسند عائشة .

ص:321

نقض البیت وإعادة بنائه موجود ، لکن لم یؤسس النبی علیه حکماً ، لوجود مانع ، وهو حداثة عهد الصحابة بالجاهلیة ، وکذا الحال بالنسبة إلی تأخیر العشاء ؛ فقد ترکه لأنّه إحراج للأ مّة .

وعلی هذا الأساس یمکننا القول بأنّ الاحتمال السابق یقوّی استدلال القائلین برجحان ذکر الشهادة بالولایة فی الأذان ، وذلک لارتفاع المانع الیوم من ذکرها ، ولا خوف الیوم علی الشیعة منها ، بل صارت شعاراً ورمزاً للتشیّع ، فلا یُستبعد ضرورة التمّسک بها ، کما هو مذهب السّیّدین الحکیم والخوئی ومذهب غیرهما من الفقهاء قدّس الله أرواحهم .

وفی الجملة : فإنّ الشارع المقدّس وإن کان یدور تشریعه مدار الملاکات والمصالح والمفاسد إلّا أنّ الموانعَ مأخوذةٌ أیضاً فی عملیة التشریع ، ومن ذلک ما روته الأمّة عن النبیّ أنّ ملاک تشریع وجوب صلاة اللیل فی لیالی شهر رمضان موجود لکنّ النبیّ مع ذلک لم یشرّع ذلک لمانع وهو خوفه علی الأمة من عدم الامتثال ثمّ الوقوع فی المعصیة ، ومن هذا القبیل الشهادة الثالثة ، فیمکن القول أنّ النبی لم یشرّعها مع وجود ملاکها خوفاً علی الأمة من التخبط والتقهقر .

ومهما یکن ، فقد ورد عن أئمّة أهل بیت العصمة فی ذلک روایات ظاهرة فی أنّ الملاک لا یؤسّس حکماً شرعیاً لو کان اقتضائیاً ما لم یرتفع المانع ، وهو هنا الخوف علی دماء الشیعة .

و إلیک الآن بعض الروایات الدالّة علی أنّ الأئمّة هم الّذین یوقعون الاختلاف بین الشیعة کی لا تعرف السلطات رأیهم ونظرهم فی بعض الأحکام کما أشرنا .

فمن ذلک ما رواه فی الکافی((1)) فی الموثّق عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام قال : « سألته عن مسألة فأجابنی ، ثمّ جاءه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابنی ،


1- الکافی 1 : 65 / ح 5 ، باب اختلاف الحدیث .

ص:322

ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابنی وأجاب صاحبی ، فلمّا خرج الرجلان قلت : یا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شیعتکم قدما یسألان ، فأجبت کلّ واحد منهما بغیر ما أجبت به صاحبه !!

فقال : یا زرارة ، إنّ هذا خیر لنا وأبقی لنا ولکم . ولو اجتمعتم علی أمر واحد لصدَّقکم الناس علینا ، ولکان أقلَّ لبقائنا وبقائکم .

قال : ثمّ قلت لأبی عبدالله [الصادق علیه السلام [ : شیعتکم لو حملتموهم علی الأسنّة أو علی النار لمضوا ، وهم یخرجون من عندکم مختلفین ، قال : فأجابنی بمثل جواب أبیه .

قال الشیخ یوسف البحرانی فی الحدائق : فانظر إلی صراحة هذا الخبر فی اختلاف أجوبته علیه السلام فی مسألة واحدة فی مجلس واحد ، وتَعَجُّب زرارة ، ولو کان الاختلاف إنّما وقع لموافقة العامّة لکفی جواب واحد بما هم علیه ، ولما تعجّب زرارة من ذلک ، لعلمه بفتواهم علیهم السلام أحیاناً بمّا یوافق العامة تقیّة .

ولعلّ السرّ فی ذلک أنّ الشیعة إذا خرجوا عنهم مختلفین ، کلٌّ ینقل عن إمامه خلاف ما ینقله الآخر ، هان مذهبهم علی العامّة ، وکذّبوهم فی نقلهم ، ونسبوهم إلی الجهل وعدم الدین ، وقَلُّوا وتشتَّتوا فی نظرهم ، بخلاف ما إذا اتّفقت کلمتهم وتعاضدت مقالتهم ، فانّهم یصدّقونهم ویعلمون أنّهم طائفة کبیرة ذات خطر فیشتدّ بغضهم لهم ولإمامهم ومذهبهم ، ویصیر ذلک سبباً لثوران العداوة ، ویکون دافعاً لاستئصالهم ومحو شوکتهم وإلی ذلک ، یشیر قوله علیه السلام : « ولو اجتمعتم علی أمر واحد لصدّقکم الناس علینا وکان أقلّ لبقائنا وبقائکم »((1)) .

ومن ذلک أیضاً ما رواه الشیخ فی التهذیب((2)) فی الصحیح - علی الظاهر - عن سالم أبی خدیجة ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : « سأله إنسان وأنا حاضر فقال : ربّما


1- أنظر الحدائق الناضرة 1 : 60 من المقدمة الاولی بتصرف .
2- تهذیب الأحکام 2 : 252 / ح 37 باب المواقیت .

ص:323

دخلت المسجد وبعض أصحابنا یصلّی العصر ، وبعضهم یصلّی الظهر ؟ فقال : أنا أمرتهم بهذا ، لو صلّوا علی وقت واحد لعُرِفُوا فأُخذوا برقابهم » ، وهو أیضاً صریح فی المطلوب ، إذ لا یخفی أنّه لا تطرُّقَ للحمل هنا علی موافقة العامّة ، لاتّفاقهم علی التفر یق بین وقتی الظهر والعصر ومواظبتهم علی ذلک((1)) .

ومن ذلک أیضاً ما رواه الشیخ فی کتاب العدّة((2)) مرسلا عن الصادق علیه السلام : أنه « سئل عن اختلاف أصحابنا فی المواقیت ؟ فقال : أنا خالفت بینهم » .

وما رواه الصدوق رحمة الله فی علل الشرائع((3)) بسنده عن ] محمّد بن بشیر و[حریز ، عن أبی عبدالله علیه السلام قال : ( قلت له : إنّه لیس شیء أشدّ علیّ من اختلاف اصحابنا ، قال : ذلک من قِبَلِی » .

وما رواه أیضاً عن الخزاز ، عمّن حدثه ، عن أبی الحسن علیه السلام ، قال : « اختلاف أصحابی لکم رحمة ، وقال علیه السلام : إذا کان ذلک جمعتکم علی أمر واحد » .

وسئل عن اختلاف أصحابنا فقال علیه السلام : « أنا فعلت ذلک بکم ، ولو اجتمعتم علی أمر واحد لأُخِذَ برقابکم »((4)) .

کان هذا عن المسائل المتباینة فی الأحکام ، أمّا ما نحن فیه فلا تباین فی أخبار الأذان ، بل بینهما إجمال وتفصیل ، ممّا یمکن الجمع بینها ، وخصوصاً بعد أن عرفنا أنّ الاختلاف فی الروایة هو خیر للأئمّة وأبقی لشیعتهم ، لانه علیه السلام قال : « ولو اجتمعتم علی أمر واحد لصدَّقَکم الناس علینا » . ثم یکیدون بنا ، وهذا ما لا یریده الأئمّة قطعاً .


1- کما لا یخفی أنّ ملاک تشریع الجمع أرجح لکنّ المانع هو جملة الإمام علیه السلام « لاخذوا برقابهم » .
2- عدة الأصول 1:130 / الفصل 4 ، فی مذهب الشیخ فی جواز العمل بالخبر الواحد.
3- علل الشرائع 2 : 395 / الباب 131 / ح 14 ، وعنه فی بحار الأنوار 2 : 236 / الباب 29 / ح 22 .
4- علل الشرائع 2 : 395 / ح 15 / وعنه فی بحار الأنوار 2 : 236 / الباب 29 / ح 23 .

ص:324

وعلی هذا الأساس یمکن القول أیضاً بناء علی ذلک الاحتمال : أنّ روایات الشهادة الثالثة - التی وصفها الشیخ الطوسی بالشاذّة - قد صدرت عن الأئمّة فعلاً ، لکنّها صدرت لا علی نحو التشریع ؛ إذ لا تمتلک ملاکاً تامّاً للتشریع والفتوی بالاستحباب والقول بالجزئیة ، بل صدرت عنهم علیهم السلام باعتبار أنّ الملاک هنا اقتضائی لا غیر .

وهنا لابدّ من التاکید إلی أنّ الشیخ قد یحتجّ - کما مّر - بالشاذّ ، فیحمل مضمونه تارة علی الجواز ، وتارة علی ضرب من الاستحباب ، ولکنّه هنا لم یفعل ، کما هو مقتضی الجمع بین الشاذّ وغیره سوی أنّه أفتی بالجواز بقوله : « لم یأثم » ، ومعلوم أنّ الجواز لا یتقاطع مع مفهوم التقیّة ، ولقد بَیَّنَّا سابقاً أنّ ما أسماها أخباراً شاذة لها حجیّة فعلیّة فی الجواز ، اقتضائیة فیما عداه من الاستحباب . ونحتمل أنَّ الشیخَ لم یفت بالاستحباب طبق ما أسماه بشواذّ الأخبار لِما قلناه من أنّ الملاک عنده اقتضائیّ ولم یرتق لأن یکون علّة تامّة للحکم ، وعلیه فلا یمکن القول بالجزئیة .

الأمر الخامس : کما قُلنا بأنّ الشیخ الطوسی لا یری تعارضاً مستقرّاً بین الروایات التی فیها الشهادة بالولایة مع التی لیس فیها ذلک - وأنّ إفتاءه بعدم الإثم فی العمل بها یؤکّد بأنّه رحمة الله یری لها نحوَ اعتبار علی ما بینّاه سابقاً - کذلک یمکننا القول بأنّ الشیخ الطوسی لَحَظَ أدلّة المحبوبیة المطلقة الأخری التی تدعوه للقول بالجواز ، وأنّه یراها مشابهةً لما ورد من الأخبار فی اختلاف فصول الأذان والإقامة 35 ، 37 ، 38 ، 42 فصلاً .

وقد أراد البعض أن یستفید من عدم وجود نصوص دالة من المعصومین علی الشهادة الثالثة أو عدم فعل المعصومین له الحرمة ، فقالوا أنّ المعصوم لو أراد الجزئیة لکان علیه بیان ذلک ، ولمّا لم یذکرها عرفنا أنّها غیر مطلوبة للشارع .

فی حین أنّ المستدل علی الجزئیّة یجیبه بأنّ من الثابت علمیّاً أنّ إحدی مقدّمات

ص:325

الحکمة ، هی امکان البیان ، بمعنی أنّه یصحّ استدلالهم علی نفیها فیما لو کان الإمام یمکنه أن یقولها لکنّه لم یَقُلْها .

لکنّ الواقع خلاف ذلک ، لأنّ المطّلع علی مجریات الأحداث بعد رسول الله صلی الله علیه و آله یعلم بأنّ الإمام کان لا یمکنه قولها ، لأنّ شیعته سیفهمون من کلامه الجزئیة - لأنّ کلامه علیه السلام نصٌّ شرعیٌّ یجب التعبد به - ولصارت سبباً لإهدار دماء کثیرة ، وهذا ما لا یریده الإمام علیه السلام أیضاً فکلامه علی غرار قول النبی صلی الله علیه و آله : « لولا أن أشقّ علی اُمتی لأخّرت العشاء إلی ثلثی اللیل » ولکون الاتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان أمر جائز ولیس بواجب حتی یلزم للإمام ان یبینه مثل «حی علی حی العمل» .

لأنّ الشهادة بالولایة فی الأذان لم تکن کغیرها من الأمور المعرفیّة التی یمکن الإسرار بها والاحتفاظ بها عند الخواص من أصحابه ، بل انّه أمرٌ إعلامیّ یجب الجهر به ، والجهر بالولایة فی مثل تلک الظروف یساوق قتل المعصوم وقتل شیعته ، ولأجل ذلک لم یلزم الشارع المقدس المسلمین للقول بها ، فکان ترکها وعدم إیجابها رحمة للمؤمنین ، وسعة لشیعة أمیر المؤمنین .

وعلیه فلا تحقُّقَ للإطلاق المقامیّ هنا ، لعدم قدرة الإمام علی بیانه ، لما فی هذا البیان من عواقب تستوجب هدر الدماء ، کلُّ ذلک مع توفّر الملاکات فی ذلک لکنّ الجعل غیر میسور ، وبمعنی آخر : المقتضی موجود ، والمانع موجود کذلک .

ویمکن أن یجاب کلامهم بنحو آخر وهو : إنّ عدم الذکر أعمّ من عدم الجعل ، فقد یکون الأمر مجعولا شرعیّاً لکنّ الشارع أخّر بیانه لأمور خاصة ، وهذا یتّفق مع مرحلیّة التشریع وأنّ الأحکام لم یؤمر بها المکلّف دفعةً واحدة فی بدء التشریع ، بل نزلت تدریجاً ، بل قد یکون الحکم مُودَعاً عند الأئمة موکولاً إلی وقت رفع المانع عنه ، وهذا ما رأیناه فی عصر النبی صلی الله علیه و آله والأئمة ، فکم حکم اتّضح حاله بعد رفع المانع ، وهناک أحکام أُخری مخفیّة ستظهر بعد ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالی

ص:326

فرجه الشریف ، وهو معنی لما قیل بأنّه سیأتی بأمر جدید((1)) .

الأمر السادس : ان الشیخ الطوسی کثیراً ما یتعرّض فی التهذیب والاستبصار((2)) والمبسوط والعدّة لآراء مَن قَبْلَهُ ، وخصوصاً لآراء امثال الشیخ الصدوق ؛ قال فی العدة : إنّا وجدنا الطائفة میزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثّقت الثقات منهم وضعّفت الضعفاء ، وفرّقوا بین من یعتمد علی حدیثه وروایته ومن لا یعتمد ... إلی أن قال : وصنّفوا فی ذلک الکتب واستثنوا الرجال من جملة ما رووهُ من التصانیف فی فهارسهم ، حتّی أنّ واحداً منهم إذا انکر حدیثاً نظر فی إسناده وضعّفه بروایته ، هذه عادتهم علی قدیمِ الوقت وحدیثِهِ لا تنخرم((3)).

وقول الشیخ : « واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانیف فی فهارسهم » منصرف إلی الشیخ الصدوق وشیخه ابن الولید اللذین استثنیا کثیراً من رواة نوادر الحکمة لمحمّد بن أحمد بن یحیی الأشعری ، قال النجاشی فی ترجمة محمّد بن أحمد بن یحیی :

... وکان محمّد بن الحسن ابن الولید یستثنی من روایة محمّد بن أحمد بن یحیی ما رواه عن محمّد بن موسی الهمدانی ، وما رواه عن رجل أو یقول : بعض أصحابنا ...

وأخذ النجاشی یعدّد الأسماء حتی وصلت إلی 25 اسماً ، ثم قال : قال أبو العباس ابن نوح : وقد أصاب شیخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الولید فی ذلک کلّه - وتبعه أبو جعفر بن بابویه رحمة الله علی ذلک - إلّا فی محمّد بن عیسی بن عیسی ، فلا


1- انظر کتاب الغیبة للنعمانی : 200 وعنه فی بحار الأنوار 52 : 135 / الباب 22 / ح 40 .
2- انظر مثلا الاستبصار 1 : 237 ، 380 ، 433 ، ج 3 : 70 ، 146 ، 214 ، 214 ، 261 ، ج 4 : 118 ، 130 ، 150 وغیرها .
3- العدة : 366 .

ص:327

أدری ما رابه فیه ، لأنّه کان علی ظاهر العدالة والثقة((1)) .

أمّا فیما نحن فیه فقد عنی الشّیخُ الطوسیُّ الشیخَ الصدوقَ کذلک ، لأنّه قال فی النهایة : وأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار من قول « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله ، وآل محمّد خیر البریة » ... ، وقال فی المبسوط : فأمّا قول : أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین ، وآل محمّد خیر البریة علی ما ورد فی شواذّ الأخبار ...

وکلامه رحمة الله ناظر إلی کلام الشیخ الصدوق - فیما احتمل قویّاً - ، لأنّ العبارات الثلاث التی أتی بها الشیخ هی نفس عبارات الصدوق .

1 - محمّد وآل محمّد خیر البریة .

2 - أشهد أن علیاً ولی الله .

3 - أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین حقّاً .

فهذه الجمل الثلاث التی وردت فی « النّهایة» و« المبسوط » هی نفس ما حکاه الصدوق فی « الفقیه » ، لکن بفارق جوهریّ هو أنّ الشیخ الصدوق ادّعی وضعها من قبل المفوّضة ، والشیخ الطوسی رحمة الله کان یراها روایات شاذّة غیر معمول بها لظروف التقیة ، وکان کلاهما متّفقین علی عدم لزوم الاخذ بها ، لکنّ الشیخ الطوسی أفتی بجواز فعلها لا علی نحو الجزئیة لقوله : « ولو فعله الإنسان لم یأثم به » .

فلو کان الشیخ الطوسی لا یعنی الصدوق لأتی بالجملة التی کانت تقال فی الموصل علی عهد أُستاذه السیّد المرتضی : « محمّد وعلی خیر البشر » مع الجمل الثلاث الأخری ، دون اختصاصه بالجمل الثلاث التی اتی بها الصدوق :

إنّ الشیخ الطوسیّ بعد أن عدّ الأقوال فی صیغ الأذان والإقامة وأنّها : خمسة وثلاثون فصلاً ، وروی سبعة وثلاثون فصلاً فی بعض الروایات ، وفی بعضها ثمانیة


1- فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی : 348 / الترجمة 939 .

ص:328

وثلاثون فصلاً ، وفی بعضها اثنان وأربعون ، قال :

فإن عمل عامل علی إحدی هذه الروایات لم یکن مأثوماً ، وأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار منها قول « أشهد أنّ علیاً ولی الله » و« آل محمّد خیر البریة » فممّا لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة ، فمن عمل بها کان مخطئاً .

وقال فی المبسوط : وفی أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فیها : « قد قامت الصلاة » مرتین ، ومنهم من جعل فی آخرها التکبیر أربع مرّات ، فأما قول : « أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین » و« آل محمّد خیر البریة » علی ما ورد فی شواذّ الأخبار فلیس بمعمول علیه فی الأذان ، ولو فعله الإنسان لم یأثم به ، غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولاکمال فصوله .

وهذان النصّان یوقفاننا علی أنّ أخبار الشهادة بالولایة معتبرة عند الشیخ الطوسی إلی حدٍّ ما وهو حد الاقتضاء دون الفعلیة ، وهو ما سوّغ له فیما احتملنا قو یّاً إفتاؤه بالجواز وعدم الإثم بموجب اقتضائیّتها ، وهذا یقارب قوله: « لم یکن مأثوماً » فی العمل طبق أخبار اختلاف عدد فصول الأذان.

هذا التقارب یجعلنا نحتمل قو یّاً أنّ الشیخ جوّز ذکر الشهادة الثالثة فی الأذان اعتماداً علی الأخبار الشاذّة ، لکن فی مرحلتها الاقتضائیة دون الفعلیة .

وقد یمکن أن یقال أنّ الشیخ کان یری الحجیة الکاملة لشواذّ الأخبار لقوله « فإن عمل عامل علی احدی هذه الروایات لم یکن مأثوماً » لأنّه رحمة الله لم یقل « کان مصیباً » بل قال « لم یکن مأثوماً » فمعناه أن العامل بتلک الاخبار لم یکن مأثوماً وإن کان مخطئاً بنظر الشیخ الطوسی ؛ لأنّه عمل باخبار شاذة مع وجود الأذان المحفوظ عندهم وعملهم به فتأمل !!!

وقد یکون الشیخ اعتبر تلک الأخبار شاذة لتصوره أنّها قد وردت عن الأئمة علی نحو الجزئیة ، وأن عدم عمل الطائفة بتلک الأخبار جعلتها شاذة .

ص:329

أمّا لو اعتبرنا ورود تلک الأخبار علی نحو التفسیریة والبیانیة من قبل المعصومین فلا معنی لاعتبارها اخباراً شاذة وذلک لعدم معارضتها مع الروایات البیانیة الصادرة عن المعصومین فی صیغ الأذان .

وبهذا فلا یجوز الاخذ بالأخبار الشاذة أن اخذت علی نحو الجزئیة ، أمّا إذا اعتبرت من قبیل التفسیر والاتیان بالمستحب ضمن المستحب کما هو الحال فی استحباب الصلاة علی الرسول کلما ذکر اسمه فی الأذان أو فی غیره لا یجعلها جزءاً من الأذان والإقامة ولا یبقی مانع من الاخذ بتلک الاخبار والعمل بها .

وعلیه فالشیخ الطوسی فیما یحتمل قویّاً کان قد عنی بکلامیه الانفین الشیخ الصدوقَ ، وذلک لاتّحاد النصّ الموجود فی « الفقیه » مع ما قاله الشیخ فی « النهایة » و« المبسوط » .

الأمر السابع : من المعلوم أن الشیخ الطوسی قد وقف علی کتب لم یقف علیها غیره، منها مکتبتین عظیمتین : أولاهما : مکتبة أبی نصر سابور وزیر بهاء الدولة البویهی((1)) ، والذی قال عنها یاقوت الحموی : « ولم یکن فی الدنیا أحسن کتباً منها ، کانت کلّها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحرّرة ... »((2)).

وثانیتهما مکتبة أستاذه السیّد المرتضی الثمانینی - والذی لقّب بهذا اللقب لأنّ مکتبته کانت تحتوی علی أکثر من ثمانین ألف کتاباً سوی التی أهدیت إلیه من الرؤساء والأشراف والتجّار ، وله ثمانون قریة ، وتوفّی وعمره ثمانون عاماً - وقد کان السیّد المرتضی شیخ الشیعة فی وقته وموضع اهتمام الجمیع .

وقد استفاد الشیخ الطوسی من هاتین المکتبتین کثیراً قبل دخول السلاجقة بغداد


1- الذی ولد فی شیراز 336 ه- وتوفی سنة 416 ه- .
2- معجم البلدان 1 : 534 ، خطط الشام 6 : 185 .

ص:330

عام 447 ه- وإسقاط الدولة البویهیة وحرقهم لمکتبة أبی نصر سابور وغیرها من الدور الشیعیة فی الکرخ .

قال ابن الجوزی فی حوادث سنة 448 ه- : وهرب أبو جعفر الطوسی ونهبت داره((1)) . ثم قال فی حوادث سنة 449 ه- :

وفی صفر من هذه السنة کبست دار أبی جعفر الطوسی متکلم الشیعة بالکرخ ، وأُخِذَ ما وجد من دفاتره ، وکرسیٌّ کان یجلس علیه للکلام ، وأُحرِقت مکتبته((2)) .

فیحتمل قو یّاً أن یکون الشیخ الطوسیّ رحمة الله - قبل هجوم السلاجقة علی بغداد - قد وقف علی أخبار دالّة علی الشهادة الثالثة فی أُصول أصحابنا ، لکنّها کانت أخباراً آحاداً لا تقوی علی معارضة غیرها ، ونظراً لاعتقاده بحجیّتها الاقتضائیّة دون الفعلیة علی ما فصّلنا سابقاً ، وأنّها حجّة عنده ، لفتواه بالجواز وعدم الإثم - خلافاً لأُستاذه المرتضی وتلمیذه ابن إدریس فی خبر الاحاد - کان علیه أن یأخذ بها ، ولمّا لم نره یأتِ بأسانیدها فی کتبه فلیس لنا إلّا أن نقول أنّه ترکها لمخالفتها لما اشتهر عند الأصحاب من أنّ الشهادة بالولایة لیست جزءً فی الأذان ، أو للتقیّة لأنّ الشیخ لم یأتِ بتلک الأخبار وأسانیدها للظروف التی کان یعیشها ؛ لأنّه مرّ بظروف قاسیة جدّاً .

وممّا حُکی بهذا الصدد أنّه وُشی بالشیخ الطوسی إلی الخلیفة العباسی بأنّه وأصحابه یسبّون الصحابة ، وکتابَهُ المصباح یشهد بذلک ؛ لما فی دعاء زیارة عاشوراء : « اللّهمّ خصَّ أنتَ أوَّل ظالم باللعن منی ... » .

فأجاب الشیخُ الخلیفَة بأنّ المراد بالأول قابیل قاتل هابیل ، وهو أوّل من سنّ القتل والظلم . وبالثانی عاقر ناقة صالح . وبالثالث قاتل یحیی . وبالرابع عبدالرحمن بن ملجم قاتل علی بن أبی طالب .


1- المنتظم 8 : 173 .
2- أنظر المنتظم 8 : 179 .

ص:331

فرفع الخلیفة عنه العقوبة((1)) .

فتلّخص ممّا سبق : أنّه لیس هناک تعارضٌ بین قولی الشیخ فی النهایة والمبسوط ، لأنّه رحمة الله عنی بقوله الأوّل الذین یأتون بها علی نحو الجزئیة وهؤلاء مخطئون حسب قواعد الاستنباط ، وأمّا الذین یأتون بها لجوازها فی نفسها فلا إثم علیهم .

ولا یخفی علیک أنّ الشیخ قال فی النهایة : « کان مخطئاً » ولم یقل : « کان مبدعاً » کما قاله فی الذین یأتون بجملة « الصلاة خیر من النوم » ، والفرق بین الأمر ین واضح .

وممّا یجب التنبیه علیه هنا هو أنّ الشیخ ألّف کتابه « النهایة » قبل « المبسوط » ، لأنّه رحمة الله ذکر النهایة والتهذیب فی مقدّمة الاستبصار وفی مشیخته ولم یذکر غیرهما من کتبه ، وهو یؤکّد بأنّ النهایة والتهذیب قد أُلِّفا قبل الاستبصار .

وبمراجعة لکتاب الخلاف والمبسوط والعدّة وغیرها من کتبه نری الشیخ ذکر « الاستبصار » فیهما ، وهذا یعلمنا بأنّ المبسوط قد أُلِّف بعد الاستبصار ، ومنه نفهم بأنّ نص النّهایة هو الأوّل ثم یتلوه نصّ المبسوط الذی نفی فیه الإثم .

وهو الآخر یرشدنا إلی أنّ القول الأوّل للشیخ فی « النّهایة » کان قریباً إلی الصدوق حیث أنّهما کانا یعنیان بکلامهما الآتِینَ بالشهادة الثالثة بقصد الجزئیة المسمَّین بالمفوَّضة ، ولکنّ الشیخ فی « المبسوط » عنی الذین یأتون بها لمحبوبیّتها الذاتیة ، ولذلک لیسوا هم بآثمین .

وفی هذین النصَّین إشارة إلی حدوث نقلة نوعیة فی کلامه رحمة الله ؛ لأنّه فی نصّ « النهایة » کان یتصوّر - کالشیخ الصدوق - أنّ القائلین بالشهادة بالولایة غالبهم ممن یقولون بها علی نحو الجزئیة ، وأنّ تهمة التفویض المحرّم تدور مدارهم ،


1- قاموس الرجال 9 : 208 ، عن مجالس المؤمنین 1 : 481 . ومن أراد المزید مما کان یمرّ به الشیخ الطوسیّ من ظروف عصیبة فلیطالع حیاته السیاسیة والعلمیة فی مظانّها .

ص:332

ولأجله خَطَّأَهُم ولم یشر إلی الرأی الآخر ، لکنّه فی « المبسوط » تحقق له أنّ عمل غالب الشیعة - الذین یأتون بها آنذاک - لم یکن علی نحو الجزئیّة ، بل أنّهم کانوا یأتون بها لمبحوبیّتها الذاتیّة ولرجاء المطلوبیة فأشار إلی الحکم الآخر فی المسألة وقال بعدم الإثم فی العمل بها .

و یؤیّد ذلک ما ورد عن السیّد المرتضی بعد أن سُئل عن قول القائل : « محمّد وعلی خیر البشر » ، بعد : « حی علی خیر العمل » ، فقال :

إن قال : « محمّد وعلی خیر البشر » علی أن ذلک من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، وإن لم یکن فلا شیء علیه .

إذن فالسیّد المرتضی والشیخ الطوسی رحمهما الله تعالی هما أوّل من فکّکا بین الأمرین : الجزئیة والمحبوبیّة الذاتیة ، والشیخ لا یقول باستحباب الشهادة بالولایة فی الأذان ، علاوة علی عدم القول بجزئیّتها تبعاً لما ورد فی شواذّ الأخبار ، لأنّه لا یأخذ بالخبر الشاذّ إلّا إذا سلم من المعارِض ، کالعمومات ، والإجماع ، والأخبار المتواترة ، لأنّ أمثال هذه الأمور لا یجوز تخصیصها بمثل الشاذّ النادر .

وعلیه : فالشیخ یری فی شواذّ الأخبار الحجیّة الاقتضائیة لا الفعلیة ، وهذا هو الذی دعاه أن لا یقول باستحبابها ، لقوله : « غیر انه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله » لعدم عمل الطائفة بها ، لکنّه فی الوقت نفسه - حسب ما احتملناه سابقاً - یری حجیّتها الفعلیة فی مرحلة الجواز ، ولذلک أفتی بعدم الإثم بفعلها لو قیلت علی غیر الجزئیة کالمحبوبیة الذاتیة أو بقصد القربة المطلقة ، وهو یؤکّد وجود عمومات أخری یمکن الاستدلال بها علی الجواز .

ص:333

5 - ابن البراج الطرابلسی 400 ه - 481 ه

القاضی عبدالعزیز بن البراج الطرابلسی ، هو من کبار تلامذة الشیخ المفید والسیّد المرتضی رحمهما الله تعالی ، ویعدّ فی مرتبة الشیخ الطوسی ، وعلی أثر تتبّعی لکتابات أعلامنا حول الشهادة الثالثة لم أقف فی کتب ابن البراج المطبوعة - بصرف النظر عن المفقودة - علی شیء یدل علی الشهادة بالولایة لآل البیت فی الأذان غیر ما جاء فی کتابه « المهذب » .

فإنّه رحمة الله لم یُسأل فی ( جواهر الفقه ) عن فصول الأذان والإقامة حتّی یجیب ، لکنّه فی ( شرح جمل العلم والعمل )((1)) شرَحَ کلام أستاذه المرتضی فی فصل الأذان ، ولم یتعرّض إلی موضوع الشهادة الثالثة لا من قریب ولا من بعید .

وهکذا کان حال معاصریه : أبی الصلاح الحلبی((2)) ( 374 ه- - 447 ه- ) ، وأبی یعلی حمزة بن عبدالعزیز الدیلمی((3)) المتوفی 448 ه- ، وسلمان بن الحسن بن سلیمان الصهرشتی ( من أعلام القرن السادس )((4))، فهم وإن تعرّضو إلی الأذان والإقامة وأنّهما خمسة وثلاثون فصلاً ، لکنّهم لم یتعرّضوا إلی الشهادة الثالثة لا من باب التفسیریة ولا من باب المحبوبیة الذاتیة ، مع أنّ أبا الصلاح قد أشار فی ( الکافی ) إلی ما یفتتح به الصلاة من التکبیر والدعاء وذکر فیه أسماء الأئمّة الاثنی عشر واحداً بعد واحد .


1- شرح جمل العلم والعمل ، لابن البراج : 78 .
2- الکافی ، لأبی الصلاح الحلبی : 120 - 121 .
3- المراسم العلویة فی الأحکام النبویة : 67 .
4- اصباح الشیعة بمصباح الشریعة ، المطبوع ضمن سلسلة الینابیع الفقهیة / ج 4 : 616 .

ص:334

والآن مع ما قاله ابن البراج فی المهذب :

ویستحبّ لمن أذّن أو أقام أن یقول فی نفسه عند « حی علی خیر العمل » : « آل محمّد خیر البریة » ، مرّتین ، ویقول فی نفسه إذا فرغ من قوله « حیَّ علی الصلاة » : « لا حول ولا قوّة إلّا بالله » ، وکذلک یقول عند قوله « حیَّ علی الفلاح » ، وإذا قال : « قد قامت الصلاة » قال : « اللّهمّ أقمها وأدمها واجعلنی من خیر صالحی أهلها عملاً » ، وإذا فرغ من قوله « قد قامت الصلاة » قال : « اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة ، والصلاة الدائمة ، أَعْطِ محمّداً سؤله یوم القیامة ، وبلّغه الدرجة والوسیلة من الجنّة وتقبّل شفاعته فی أُمّته »((1)) .

إنّ هذا النصّ یوقفنا علی أمرین :

أحدهما : صحّة ما قاله الشیخ الطوسی فی مقدّمة المبسوط من أنَّ الأصحاب کانوا یستوحشون من الفتوی بغیر ألفاظ الروایات ، وأنّ غالب کتب القدماء هی متون روایات وبمنزلة الأُصول المتلقّاة عن المعصومین ، لأنّ الفتوی بالاستحباب من قبل ابن البرّاج متفرِّع علی وجود روایة فی الباب وخصوصاً حینما یقیّدها بعدد کمرتین .

ویؤیّد ذلک أنّ الأذکار الموجودة فی کلام ابن البراج إنّما هی مرویة فی روایات أهل البیت وجاءت فی کلمات الفقهاء ، ولعل ترتیب ذکر الأذکار من تقدیم الحیعلة الثالثة علی الحیعلتین « حیَّ علی الصلاة » و« حیَّ علی الفلاح » کان کذلک فی أصل الروایة ولذلک قدمها بالذکر .


1- المهذب لابن البراج 1 : 90 .

ص:335

الثانیة : وقوف ابن البرّاج علی تلک الروایات ووصولها لدیه ؛ فقد یقال بأن قوله رحمة الله باستحباب قول « محمّد وآل محمّد خیر البریة » فی النفس هو لفک الحیعلة الثالثة ، وذلک کاستحباب حکایة ما یقول المؤذن عند سماع الأذان .

فقد روی الشیخ فی « المبسوط » والعلّامة فی « التذکرة » مرسلاً بقولهما :

وروی أنّه إذا سمع المؤذن یقول « أشهد أن لا إله إلّا الله » أن یقول : وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شریک له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، رضیت بالله ربا وبالإسلام دیناً ، وبمحمّد رسولاً وبالأئمة الطاهرین ائمة ، ویصلی علی النبی وآله((1)) .

فقد یکون ابن البراج من جهة یری شرعیّة القول ب- « آل محمّد خیر البریة مرتین » ، لتلک الروایات الدالة علی فک معنی الحیعلة ، فیکون کلامه رحمة الله معنی آخر لحسنة ابن أبی عمیر الآنفة عن الإمام الکاظم علیه السلام الصریحة فی الولایة .

ومن جهة أخری کان یخاف من الجهر بها لظروف التقیّة التی کان یعیش فیها ولذلک ذهب إلی قولها سراً ، ومعناه : إنّ المقتضی موجودٌ للقول بها وکذا المانع وهو الخوف علی النفس ، فسعی للجمع بین الأمرین فأفتی باستحباب أن یقولها المؤذّن سرّاً فی نفسه عند « حیَّ علی خیر العمل » ، خلافاً للصدوق الذی نفاها تقیّةً ، أو لاعتقاده أنّها من وضع المفوّضة یقیناً ، أو لعدم ارتضاء مشایخه لها ، وکذا خلافاً للشیخ الطوسی الذی لم یذهب إلی استحباب القول بها ، لکونها وردت فی شواذّ الأخبار ، المخالفة للمعمول علیه عند الطائفة ، فالشیخ أفتی بجواز العمل بها لکنّه لم یقل باستحبابها لعدم اعتبار الأخبار الشاذّة عنده إن عارضت ما هو أقوی منها .

وأمّا ابن البرّاج فقد قال باستحباب قولها سرّاً للروایات التی وقف علیها ،


1- المبسوط 1 : 97 ، تذکرة الفقهاء 3 : 84 .

ص:336

وبهذا تری فی فتوی ابن البراج نقلة نوعیّة وفقهیّة أُخری فی تطوّر سیر هذه المسألة الفقهیة بعد السیّد المرتضی والشیخ الطوسی رحمهما الله تعالی .

و إنّ تقیید ابن البرّاج الحکم بمرّتین صریح فی أنّه أخذه من روایات کانت موجودة عنده تجزم بالمرتین ، وإلّا لما ساغ له أن یجزم فی فتواه بهذا القید الشرعی الذی لا یمکن التفوّه به لفقیه من دون أصل من الأخبار .

وقد یظهر جلیاً فی ان ابن البرّاج قد وقف علی خبر أو اخبار غیر التی وقف علیها الشیخ الصدوق ، وذلک لتقیید الذکر هنا بالاخفات فی النفس ، وهذا ما لم نجده عند الصدوق ، مع ان محکی الشیخ الصدوق تدل علی الجزئیة ، وهذه الروایة ظاهرة فی أنّها مجرد ذِکْر ولیست جزءاً ، وعلیه تکون هذه الروایة غیر مراسیل الصدوق رحمة الله المحکیة فی « الفقیه » .

قال الشهید فی الذکری - : المسألة الرابعة عشر من باب فیما یؤذّن له وأحکام الأذان - : قال ابن البرّاج رحمة الله : یستحبّ لمن أذّن أو أقام أن یقول فی نفسه عند « حی علی خیر العمل » : « آل محمّد خیر البریة » مرّتین .

وهذا النص من الشهید الأوّل یفهم بأنّه یقرّ بما أفتی به ابن البرّاج رحمة الله ، وقد یکون فهم من فتوی ابن البرّاج أنّ الشهادة بالولایة لآل محمّد هی من أذکار الأذان المندوبة بالندب الخاصّ لا جزء فصوله - کما قدمنا - لأنّه رحمة الله قال بعدها : ویقول أیضاً فی نفسه إذا فرغ من قوله « حی علی الصلاة » : لا حول ولا قوة إلّا بالله ، وکذلک یقول عند قوله : « حی علی الفلاح » ، وإذ قال : « قد قامت الصلاة » قال : « اللهم أَقِمْها وأَدِمْها ، واجعلنی من صالحی أهلها عملاً » ، وإذا فرغ من قوله : « قد قامت الصلاة » قال فی نفسه : « اللّهمّ ربّ الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، أَعط محمّداً صلواتک علیه وآله سؤله یوم القیامة ، وبلّغه الدرجة والوسیلة

ص:337

من الجنة ، وتقبّل شفاعته فی أمّته »((1)). وهذه هی نفس العبائر التی جاءت فی المهذب((2))لابن البراج . وکلها تشیر إلی أنّها ذِکْر ولیست جزءاً .

وعلاوةً علی ما تقدّم یمکننا القول بأنّ ابن البرّاج قال بذلک لعلمه بأن « حی علی خیر العمل » معناها الولایة ، ویجوز تفسیرها بجمل دالّة علیها تدعو لها وتحث علیها حسبما اتّضح فی الدلیل الکنائی ، کمحمّد وآل محمّد خیر البریة ، لأنّه قیّد الاستحباب للمؤذّن والمقیم لا للسامع ، لأنّ النداء وظیفة المؤذّن ویتلوه المقیم .

إنّ الصیغة التی أفتی بها ابن البرّاج : « آل محمّد خیر البریة » هی إحدی الصیغ الثلاث التی قالها الشیخ الطوسی وغیره من الأعلام بعد الصدوق .

فابن البراج قال بشرعیة « آل محمّد خیر البریة ، مرتین » حین الحیعلة وفی نفسه ومن باب الذکر .

والسیّد المرتضی ذهب إلی شرعیة « محمّد وعلی خیر البشر » .

والشیخ الطوسی أشار إلی الصیغ الثلاث التی جاء بها الصدوق فی الفقیه .

ففی « النهایة » أشار إلی صیغتین منها : 1 - أشهد أنّ علیاً ولیّ الله ، 2 - آل محمّد خیر البریة .

وفی « المبسوط » أکّد علی وجود أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین وآل محمّد خیر البریة فی شواذّ الأخبار .

فالسیّد المرتضی وضّح جواز الشهادة بالولایة لأهل الموصل فی العراق ، وقد یکون الشیخ الطوسی أشار فی کلامه إلی تأذین أهل بغداد وحوالیها بالشهادات الثلاث ، وفی کلام ابن البرّاج إشارة إلی تأذین أهل حلب وضواحیها بصیغة « محمّد وآل محمّد خیر البریة » وقد یمکن أن نقول ان شیعة حلب اذنوا بذلک تبعاً


1- ذکری الشیعة 3 : 241 .
2- المهذب لابن البراج 1 : 90 / من باب الأذان والإقامة واحکامها .

ص:338

لمن یقلدونهم من الفقهاء کابن البرّاج والسیّد المرتضی والشیخ الطوسیّ رحمهم الله تعالی ، وهو الصحیح الذی لا خلاف فیه .

إذن فصیغة « محمّد وعلی خیر البشر » و« أشهد أنّ علیاً ولی الله » أو « أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین » أو « آل محمّد خیر البریة » کانت صیغاً تقال فی الموصل وبغداد وحلب وحمص ، وجمیعها تدلّ علی أنّها کانت تقال بعد الحیعلة الثالثة ، أو قبلها ، وهذا هو الذی کان عمر بن الخطاب لا یرید فتحها والإتیان بتفسیرها معها ، وحسب تعبیر الإمام الکاظم « أراد أن لا یکون حثٌّ علیها ودعاءٌ إلیها » .

ولقد أکثرنا القول بأنّ حذف عمر بن الخطاب ل- « حیّ علی خیر العمل » کان بسبب تفسیرها ، وأنّ الحکومات الموالیة لعمر والتی جاءت بعده کانت حساسة تسعی لرفع هذا الشعار الشرعی النبوی ومحوه من المآذن ، وتسعی جاهدة لإخماده خوفاً من إعلاءِ ذکر علیّ علیه السلام من بعده ؛ ولأنّه یدل علی بطلان حکومة من یخالف الإمام علی ، لأن المؤذن حینما یقول « حی علی خیر العمل » یعنی بکلامه - تبعاً لتفسیر الأئمة - أن الإمام علی هو خیر البریة ، وخیر البشر ، وبما ان انصار النهج الحاکم کانوا یعتقدون بأن هذا الفصل فیه تعریض بخلفائهم وتخطئة لمنهجهم فجدّوا لحذف الحیعلة خوفاً من توالیه ، ولذلک تری الصراع قائماً ودائماً بین العلو یین وبین الامویین والعباسیین فی شعاریة هذه المفردة الفقهیة العقائدیة السیاسیة ، کما هو ظاهر فی تخالف النهجین فی مفردات فقهیة اخری ، وهذا ما أکّدناه بالأرقام فی الباب الأول من هذه الدراسة : ( حی علی خیر العمل والشعاریة )((1)) .


1- طبع هذا الکتاب قبل اعوام ، وجدد طبعه لمرات عدیدة فی لبنان ، والیمن ، والعراق ، ومصر ، وهو فی طریقه إلی الترجمة إلی اللغات الانکلیزیة ، والاردو ، والفارسیة .

ص:339

6 - یحیی بن سعید الحلی ( ت 689 ه )

7 - العلّامة الحلی ( ت 726 ه )

اتّضح ممّا سبق أنّ قوّة الظنّ حاصلة برجحان القول بالشهادة بالولایة فی کل شیء ومنها الأذان بغیر قصد الجزئیة ، إن لم نقل الشهرة متحقّقة فی ذلک قبل الشیخ الطوسی رحمة الله ، لأنّک قد وقفت فی القسم الأوّل من هذا الفصل علی محبوبیّة ذکر الولایة فی الأذان من خلال تفسیر الإمام الکاظم علیه السلام ل- « حیَّ علی خیر العمل » ، ولِما روی عن الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام بأنّ الحیعلة الثالثة هی معنی کنائی للشهادة الثالثة ، ولِما روی الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا أنّه أشار إلی وجود معنی الولایة فی الأذان .

وهذه الروایات عن الأئمة لتؤکّد علی وجود معنی الولایة فی الأذان وجواز التعبیر عنها بأی لفظ شاء ، وکما جاء فی حسنة ابن أبی عمیر من قوله علیه السلام : « وإنّ الّذی أمر بحذفها أراد أن لا یکون حثٌّ علیها ودعاءٌ إلیها » . المفهمة بمحبوبیّة ذکر معناها معها عند مدرسة أهل البیت علیهم السلام .

وکذا وقفت علی تأذین الشیعة بها فی بلدان مختلفة قبل ولادة الشیخ الصدوق ، وفی عصره ، ثم من بعده ، وهو مؤشّر آخر علی محبوبیة الإتیان بهذا الأمر عند الشیعة آنذاک واستمراره إلی عهد الصادقین علیهما السلام أو قل إلی عصر رسول الله صلی الله علیه و آله لما حکی عن کتاب السلافة .

و إن ما حکاه الشیخ الطوسی من وجود روایات شاذّة ، وإفتاء ابن البرّاج باستحباب قولها سرّاً بقید المرّتین الدالّ علی وجود روایة بذلک ، کلّها تؤکّد ما نرید قوله من أنّ هناک مستنداً روائیّاً فی أصول أصحابنا سوّغ للشیخ الطوسی والسیّد المرتضی الإفتاء بالجواز وعدم الإثم ، کما سوّغ لابن البرّاج الإفتاء باستحباب «محمّد وآل محمّد خیر البریة » مرتین .

ص:340

ولمّا کان غالب فقهائنا اللاّحقین((1)) - مضافاً إلی الأدلّة الشرعیة - یستندون فی أقوالهم علی فتاوی مَن سبقهم ، والشهرة قبل الشیخ الطوسی هی المعتمدة فی الاستنباط لا بعده ، قال الشیخ حسن بن زین الدین العاملی فی « معالم الأصول » :

... وبأنّ الشّهرة الّتی تحصل معها قوّة الظّنّ ، هی الحاصلة قبل زمن الشّیخ رحمة الله لا الواقعة بعده ، وأکثر مایوجد مشهوراً فی کلامهم حدَثَ بعد زمان الشیخ ، کما نبّه علیه والدی رحمة الله فی کتاب الرّعایة((2)) الّذی ألّفه فی روایة الحدیث ، مُبیِّناً لوجهه ، وهو أنّ أکثر الفقهاءِ الّذین نَشَؤُوا بعد الشیخ ، کانوا یتّبعونه فی الفتوی تقلیداً له ، لکثرة اعتقادهم فیه وحسن ظنّهم به ، فلمّا جاء المتأخّرون ، ووجدوا أحکاماً مشهورة ، قد عمل بها الشّیخ ومتابعوه ، فحسبوها شهرة بین العلماءِ ، وما دروا أنّ مرجعها إلی الشّیخ ، وأن الشّهرة إنّما حصلت بمتابعته .

قال الوالد رحمة الله : وممّن اطّلع علی هذا الّذی تبیّنته وتحققّته ، من غیر تقلید : الشیخ الفاضل المحقّق سدید الدّین محمود الحمصی ، والسیّد رضی الدّین بن طاوس وجماعة . وقال السیّد فی کتابه المسمّی ب- (البهجة لثمرة المهجة) : أخبرنی جدّی الصّالح ورّام بن أبی فراس ، أنّ الحمصی حدّثه أنّه لم یبق للإِمامیّة مفت علی التّحقیق ، بل کلّهم حاک ، وقال السیّد عقیب ذلک : والآن فقد ظهر أنّ الّذی یُفتَی به ویُجاب ، علی سبیل ما حُفِظ من کلام العلماءِ المتقدّمین((3)) .


1- والذی ستقف لاحقاً علی أقوالهم فی الفصل التالی : 355 .
2- انظر الرعایة فی علم الدرایة ، للشهید الثانی : 92 ، الحقل الرابع فی العمل بالخبر الضعیف .
3- معالم الأصول : 204 ، تحقیق الدکتور مهدی محقق .

ص:341

وما قلناه سابقاً یؤکّد لک بأنّ السیرة فی الشهادة بالولایة لم تکن قد نشأت فی عهد الشیخ الطوسی رحمة الله ، أو من بعده ، بل هی کانت سیرة المتشرعة عند أغلب الطوائف الشیعیة : زیدیة ، وإسماعیلیة ، واثنی عشریة ، مختلفة فی صیغ الأداء فیها ، فبعضهم یقول : « محمّد وعلی خیر البشر » ، والآخر « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، وثالث « أنّ علیاً ولی الله » أو أن « علیاً أمیر المؤمنین » وأن هذه الصیغ هی التی حکاها الشیخ الصدوق فی الفقیه والطوسی فی المبسوط والنَّهایة ، وهو مما ینبأ بأن السیرة کانت قائمة علی التأذین بها قبل عهد الصدوق عملاً وروایة .

لکن لم تکن هذه السیرة إلزامیّة علی جمیع المؤمنین ، ولم یؤت بها علی نحو الجزئیة حتّی نقول بتحقیق الشهرة فیها ، بل هی کانت تؤتی فی بعض البقاع دون أُخری ، وقد تکون فی البقعة الواحدة یأتی بها البعض ویترکها الآخر لعدم کونها جزءاً من الأذان وهو ما نعنیه بکلمة الجواز .

فالذی نرید أن نؤکّد علیه هنا هو أنّ هذه السیرة لم یکن مرجعها الشیخ الطوسی حتی یقال فیها ما یقال ، وأنّ الفقهاء من بعده لم یکونوا یتّبعونه فی الفتوی بجواز الاتیان بالشهادة بالولایة فی الأذان تقلیداً ، وإن کانوا یعیرون إلیه کمال الاهتمام ، ویأخذون بقوله ویستندون علی فتاواه ، مع ما لهم من أدلّة أُخری کالعمومات ونحوها .

إذن ما ینبغی أن یقال : هو أنّ السیرة فی رجحان الشهادة بالولایة مقرونة بتسالم الفقهاء بعدم الإثم فی الإتیان بها ، شریطةَ أن لا تکون علی نحو الجزئیة والشطریة ، وقد أفتی بذلک السیّد المرتضی ، والشیخ الطوسی ، وابن البراج رحمهم الله تعالی وغیرهم ، وإنّ ترک الفقهاء من بعد الشیخ الطوسی التعرض لموضوع الشهادة بالولایة فی کتبهم، لا یعنی عدم قولهم بمحبوبیتها بل لتسالمهم علی عدم جزئیتها.

ص:342

وعلی سبیل المثال ، نری الشهید الثانی قدس سره جمع بین المطلبین فی الروضة بقوله : « ولا یجوز اعتقاد شرعیّة غیر هذه الفصول فی الأذان والإقامة ، کالتشهّد بالولایة لعلیّ وأنّ محمّداً وآله خیر البریة أو خیر البشر وإن کان الواقع کذلک ، فما کلّ واقع حقّاً یجوز إدخاله فی العبادات الموظّفة شرعاً المحدودة من الله تعالی ، فیکون إدخال ذلک فیها بدعةً وتشریعاً .. ، ولو فعل هذه الزیادة أو إحداها بنیّة أنّها منه أَثِمَ فی اعتقاده ، ولا یبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقاد ذلک لا حرج »((1)) .

أمّا عدم إشارة البعض إلی حکم من یقول : « محمّد وآل محمّد خیر البریة » و« علیاً ولی الله » وأمثالها فی اذانه ، فقد یعود لعدم شیوع هذا الأمر فی ذلک الزمان الذی کانوا یعیشون فیه ، وقد یکون ترکهم جاء خوفاً من السلطان الجائر . وقد یکون لجوازه وانه لا یلزم الفقیه الاشارة إلیه .

وکذا الحال بالنسبة إلی الذی قد أفتی بالحرمة کالشیخ عبدالجلیل القزو ینی صاحب کتاب ( النقض ) باللّغة الفارسیة والذی کتبه فی سنة 560 ه- ، فقد أفتی بالحرمة لأنّه رأی بعض الناس فی عهده یقولون بالشهادة بالولایة علی أنّها جزء الأذان ، ولأجل ذلک تهجّم علیهم ولعنهم وقال بلزوم إعادة الأذان((2)) .

وعلیه فالاشارة من الفقهاء تأتی لتعدیل حالة الافراط والتفریط فی الأمة ولبیان الاحکام الواجبة والمحرمة ، وقد یشار إلی الأمور المکروهة والمستحبة ، أمّا الأمور المباحة فلیست هی من وظائف الفقیه .

وأمّا ابن زهرة الحلبی((3)) ( 511 - 585 ه- ) ، والفضل بن الحسن


1- شرح اللمعة 1 : 571 .
2- النقض : 97 .
3- غنیة النزوع : 72 .

ص:343

الطبرسی((1)) ( ت 548 ه- ) ، وابن إدریس الحلی((2)) ( ت 598 ه- ) ، وابن حمزة ( محمّد بن علی الطوسی ) ( ت حدود 585 ه- )((3)) ، وابن أبی المجد الحلبی ( من فقهاء القرن السادس )((4)) . والمحقّق الحلی((5)) ( 602 ه- - 676 ه- ) ، والمحقق الآبی ، المعروف بالفاضل ( من أعلام القرن السابع )((6)) ، وفخر المحقّقین محمّد بن الحسن بن یوسف ( ابن العلّامة الحلی ) ( 682 - 771 ه- )((7)) ، فإنّهم لم یتعرّضوا إلی موضوع الشهادة بالولایة فی الأذان ، مع أنّهم قد اشاروا إلی الأذان والإقامة وأنّ فصولهما خمسة وثلاثون فصلاً .

نعم ، قال یحیی بن سعید الحلی ( 601 ه- - 690 ه- ) فی « الجامع للشرائع » :

والمرویّ فی شاذّ الأخبار من قول « أنّ علیّاً ولی الله » ، و« آل محمّد خیر البریّة » فلیس بمعمول علیه((8)) .

وهذا النص من یحیی بن سعید الحلّیّ یشیر إلی وقوفه علی ذلک الخبر لأنّه لم یحکه عن الشیخ ، وهو یؤکّد بأنّه رحمة الله لم یقل ذلک تقلیداً واتّباعاً للشیخ رحمة الله ، وإن کان نظره یتّفق مع الشیخ فی لزوم ترک الخبر الشاذّ إذا خالف المعمول علیه .

وکذا قال العلّامة الحلّیّ ( ت 726 ه- ) فی « منتهی المطلب » :

وأمّا ما روی فی الشاذ من قول « أنّ علیّاً ولیّ الله » ، و« آل محمّد


1- المؤتلف من المختلف بین ائمة السلف 1 : 88 .
2- السرائر 1 : 213 .
3- الوسیلة إلی نیل الفضیلة : 91 .
4- اشارة السبق : 90 .
5- شرائع الإسلام 1 : 59 ، المختصر النافع : 28 ، المعتبر 2 : 139 - 141 .
6- کشف الرموز فی شرح المختصر النافع 1 : 145 ، انتهی من تالیفه 671 ه- .
7- ایضاح الفوائد 1 : 94 .
8- الجامع للشرائع : 73 .

ص:344

خیر البریّة » فممّا لا یعوّل علیه ، قال الشیخ فی المبسوط : فإن فعله لم یکن آثماً ، وقال فی النهایة : کان مخطئاً((1)) .

وهذا النصّ من العلّامة قد یفهم بأنّه قد وقف علی تلک الأخبار لأنّه لم یحکها اتّباعاً وتقلیداً للشیخ رحمة الله .

بخلاف ما جاء عنه فی ( تذکرة الفقهاء ) ، حیث قال :

قال الشیخ : ولو عمل عامل بذلک لم یکن مأثوماً ، فأمّا ما رُوی فی شواذّ الأخبار من قول : « أنّ علیّاً ولی الله » ، و« آل محمّد خیر البریة » فممّا لا یعمل علیه فی الأذان ، فمن عمل به کان مخطئاً((2)) .

کانت هذه هی النصوص التی وصلتنا من کتب العلماء فی أواخر القرن السابع الهجری وحتی أوائل القرن الثامن الهجری ، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ العلّامة لم یشر إلی هذه الحقیقة إلّا فی کتابیه المعنیَّین بأمور الخلاف مثل : « منتهی المطلب » و« تذکرة الفقهاء » ، وأمّا فی کتبه الأخری کالتحریر((3)) والمختلف((4)) والتبصرة((5)) وارشاد الاذهان((6)) والقواعد((7)) وتلخیص المرام((8)) فلم یشر إلی ما جاء فی شواذّ الأخبار ، وإن ذکر الأذان والإقامة وأنّ فصولهما خمسة وثلاثون فصلاً علی الأشهر .

فعدم تعرّضه إلی موضوع الشهادة بالولایة فی الأذان ، فی الکتب المعنیّة


1- منتهی المطلب 4 : 381 .
2- تذکرة الفقهاء 3 : 45 .
3- تحریر الاحکام الشرعیة 1 : 223 ط- مؤسسة الإمام الصادق .
4- مختلف الشیعة 2 : 150 ط- مکتب الاعلام الإسلامی .
5- تبصرة المتعلمین : 25 .
6- ارشاد الاذهان 1 : 250 .
7- قواعد الاحکام 1 : 265 ط- مؤسسة النشر الإسلامی .
8- تلخیص المرام : 25 .

ص:345

بالاستدلال والإفتاء - داخل دائرة المذهب الواحد - لیشیر إلی عدم صیرورة الشهادة بالولایة شعاراً عامّاً لکلّ الشیعة فی ذلک الزمان ، وذلک لعدم جزئیته لا لعدم مشروعیته ، إذ الشیعة لم یکن بمقدورهم أن یأتون بها جهاراً من علی المآذن ، وإن کان البعض من خلّص الشیعة یأتی بها سرّاً .

فالقول بالجواز شیء ، والقول بالاستحباب أو کونه جزءاً شیء آخر .

بلی ، ان العلّامة الحلی قد اشار فی المسألة (84) من کتابه «مختلف الشیعة» وبعد نقله کلام الشیخ فی عدم جواز الاستنشاق قبل المضمضة ، وکلام ابن حمزة فی استحباب الابتداء بالمضمضة قال : وها هنا بحث لابد من تحقیقه وهو : أن کیفیّات الافعال المندوبة إذا غیّرت هل یکون حراماً أم لا ؟

الوجه : أن المغیِّر إن اعتقدّ مشروعیتها علی الوجه الذی غیّره کان ماثوماً فی اعتقاده إذا لم یستند فیه إلی دلیل ، وان لم یعتقد المشروعیة فالوجه أن الفعل یقع لاغیاً لا اثم علیه ولا ثواب فیه((1)) .

وما نحن فیه یمکن أن یکون من هذا القبیل مع التأکید علی ان الاتی بالشهادة الثالثة لا یأتی بها علی نحو الجزئیة حتی یکون مأثوماً بل یأتی بها لرجاء المطلوبیة ولمحبوبیتها الذاتیة وله دلیل علیها ، إذ صرح الشیخ الطوسی بوجود أخبار شاذة قد وقف علیها ، وأن عدم عمل الأصحاب بها قد تکون لتقیة وقد تکون لشی آخر .

وبهذا فقد عرفنا أن الشیخ وابن البرّاج ، والعلّامة رحمهم الله تعالی ، وغیرهم کانوا یخالفون من یأتی بها کجزء فی الأذان ؛ لعدم الدلیل عندهم علیها ، فی حین أنّهم یجیزون الاتیان بها لمطلق القربة لأدلّة أخری عندهم ، وقد وضّح العلّامة الحلی الشق الأوّل ] وهو نفی الجزئیة [ فی ( نهایة الأحکام ) تارکاً الشق الاخر إذ قال :

ولا یجوز قول ( أنّ علیّاً ولیّ الله ) و( آل محمّد خیر البریة ) فی


1- مختلف الشیعة 1 : 135 ط منظمة الاعلام الإسلامی .

ص:346

فصول الأذان ، لعدم مشروعیته((1)) .

وهذا الکلام یقارب کلام الشیخ الطوسی فی النهایة : «فمن عمل بها کان مخطئاً» ، مع أنّه قد صرح فی المبسوط بأنّه لو أتی بالشهادة الثالثة لم یأثم به .

کما انّ الشهید الثانی قد ذهب إلی ما ذهب إلیه الشیخ الطوسی والعلّامة حسبما مر علیک قبل قلیل کلامهما .

وعلیه فیحیی بن سعید الحلی والعلّامة الحلی رحمهما الله تعالی لم یکونا مقلِّدَین للشیخ الطوسی فیما حکاه من الأخبار الشاذّة ، بل یفهم من کلام التقی المجلسی ( ت 1070 ه- ) أنّهما وقفا علی تلک الأخبار ، لعدّ المجلسی : الشیخ والعلّامة والشهید فی مرتبة واحدة ، إذ قال :

والظاهر أنّ الأخبار بزیادة هذه الکلمات أیضاً کانت فی الأصول ، وکانت صحیحة أیضاً ، کما یظهر من الشیخ والعلّامة والشهید رحمهم الله فإنّهم نسبوها إلی الشذوذ ، والشاذّ ما یکون صحیحاً غیر مشهور((2)) .

ولو ألقیت نظرةً سر یعةً علی تاریخ تلک الفترة وما فیها من صراعات دامیة فی الموصل والشام ومصر ، وما قام به صلاح الدین الأ یّوبی مع الفاطمیین والعلویین لوقفت علی سرّ عدم تعرّض الأعلام((3)) إلی ما یدلّ علی رجحان الشهادة بالولایة فی الکتب الموجودة بین أیدینا .

وبذلک فقد أمکننا وبهذا العرض السریع إعطاء فکرة بسیطة عن سیر هذه المسألة الفقهیة الکلامیة ، وما یمکن أن یستند علیه فی الأحکام الشرعیّة عند


1- نهایة الاحکام 1 : 412 .
2- روضة المتقین 2 : 245 . فی المصدر المحقق بدل ( الشیخ ) .
3- ما بین ابن البراج ( ت 481 ه- ) ویحیی بن سعید الحلی ( ت 689 ه- ) أی بمدة قرنین

ص:347

القدماء والمتأخّرین .

وکذا اتّضح للقارئ أنّ الشهادة بالولایة لم تکن سیرة شائعة عند جمیع الشیعة وفی جمیع فتراتها ، وان عدم شیوعها لا ینفی محبوبیّتها وجوازها، بل إنّ فی ترک بعض الشیعة لها فی بعض الأحیان دلالة قو یّة علی عدم قولهم بجزئیتها ، وکذا فی عمل البعض الآخر منهم دلالة علی محبوبیّتها ، إذ من غیر المعقول أن تُطبِق أغلبُ الدول الشیعیة علی الإتیان بها خصوصاً فی ظروف خاصة لا تسمح لهم بالإجهار بها ، فما من حاکم شیعی مبسوط الید إلّا أتی ب- « حی علی خیر العمل » مع ما لها من تفسیر عن الأئمّة .

ونحن إن شاء الله فی الفصل القادم سنواصل بیان هذه السیرة مقرونة مع بیان تسالم الفقهاء علی جواز الإتیان بها بقصد القربة المطلقة أو لمحبوبیّتها الذاتیة بحسب أخبار اقتران الشهادات الثلاث المارة المعتبرة سنداً . وهو ما یؤکّد جواز الاتیان بهذا العمل المحبوب ان لم تعقبه مخاطر تودّی إلی إراقة الدماء .

وقد یصیر الإتیان بهذا العمل مطلوباً بنحو أکید بالعنوان الثانوی خصوصاً مع دفع اتّهامات المتَّهمین وافتراءات المفترِین الذین یریدون أن ینسبوا الغلوّ إلی شیعة أمیر المؤمنین ، فیجب علی الشیعة أن یجهروا بالتّوحید والنبوة مقرونة بالولایة لأمیر المؤمنین علی حتی یدفعوا ومن علی المآذن تلک الافتراءات ، وهم یعلمون ویؤکّدون فی رسائلهم العملیة بأنّها لیست من أصل الأذان أو جزءً داخلاً فی ماهیته .

ص:348

الخلاصة

سبق أن وضحنا فی القسم الأوّل وجود فصل فی الأذان دالّ علی الولایة لأمیر المؤمنین علیّ علیه السلام کنائیاً وهو الحیعلة الثالثة ، وکذا فهمنا من فحوی کلام الإمام الکاظم علیه السلام أنه یحبّ الحثّ علیها والدعوة إلیها ، أی یرید الإتیان بتفسیرها معها .

وفی القسم الثانی بیّنّا موضوع سکوت وتقریر الإمام الحجّة فی عصر الغیبة ، وأنّه قد یمکن التمسّک به عند البعضِ کدلیل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة إن ثبت إجماع الطائفة علی الجواز .

أمّا القسم الثالث فکان الکلام فیه عن بیان مغزی کلام فقهائنا الأقدمین من الشیخ الصدوق ( ت 381 ه- ) إلی العلّامة الحلی( ت 726 ه- ) .

l فقد ورد عن الشیخ الصدوق رحمة الله لعنه المفوّضة ، لوضعهم أخباراً فی زیادة الشهادة الثالثة فی الأذان ، لکنّه ترک لعن المتّهمین بالتفویض ، وهذا یشیر إلی احتمال تفریقه بین الأمرین ، فهو رحمة الله قد ترحم علی من لم یلتق معهم فی المذهب وروی عنهم ولم یلعنهم ، وهذا لیؤکّد أنّه عنی بمن لعنهم الأئمّة صراحةً کالمفوّضة القائلین بالجزئیة علی نحو الخصوص ، وقد احتملنا فی صدور موقف الصدوق رحمة الله ثلاثة احتمالات :

الأوّل : أنّه عنی القائلین بالجزئیة الواضعین الأخبار فیها ، أمّا القائلون بمحبوبیّتها النفسیّة فلا یعنیهم فی کلامه ، لأنّ من الصعب أن یلعن رحمة الله من اجتهد من الشیعة وأفتی بمحبوبیّتها ، لأنّ رجحان ذلک لا غبار علیه ، خصوصاً وهم یؤکدون أنّهم یأتون بها لا علی نحو الجزئیة الواجبة لأنّها لو کانت جزءاً لاتّحدت

ص:349

الصیغ عندهم ، ولما اختلفت ، فتارة یروون « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، وأخری « أشهد أن علیّاً ولی الله » .. وثالثة ورابعة ، وتارة یأتون بها بعد الحیعلة الثالثة ، وأُخری بعد الشهادة الثانیة .

وقد یکون الذین سُمُّوا بالمفوِّضة عند الصدوق لم یأتوا بها للأخبار الموضوعة من قبل المفوِّضة ، بل لما وجدوها فی العمومات الواردة فی رجحان الشهادة الثالثة فی کلّ شیء ، وبذلک یکون مثلهم مثل العامّة الآتین بأشیاء موجودة فی أخبارنا ، فنحن نأخذ بها لورودها فی أخبارنا لا لعمل العامّة بها .

الثانی : أنّه قالها تقیةً ، لإقراره رحمة الله بأنّ التقیة واجبة إلی قیام یوم الدین ، ولکون بعض مشایخه من العامّة وقیل بأن بعضهم کان من النواصب ، فقد روی الصدوق عن أحمد بن الحسین الضبّی الذی بلغ من نصبه أنه کان یقول : اللهم صل علی محمّد فرداً ، ویمتنع من الصلاة علی آله .

وکذلک قوله رحمة الله « ولا باس أن یقال فی صلاة الغداة علی إثر « حی علی خیر العمل » : الصلاة خیر من النوم مرتین للتقیة » فإنّه یشیر بوضوح إلی صدور النص عنه تقیةً ، لأنّ المؤذّن لو کان فی حال التقیة فلا یمکنه أن یجهر ب- « حیّ علی خیر العمل » ، وإن لم یکن فی حال التقیة فلا یجوز له أن یقول « الصلاة خیر من النوم » ، وقد یکون تشدّد فی الشهادة الثالثة للحفاظ علی أرواح البقیة الباقیة من الشیعة ، والبراءة الشکلیّة ممن یقولونها ، لأنّ الشهادة بالولایة لم تکن واجبة حتی یصرَّ علیها ، مع أنّ کثیراً من الأحکام تترک تقیة ، فکیف لا یجوز ترک ما هو جائز الإتیان به ؟

بعکس المفوّضة فهم من الشیعة المتطرفین الذین لا یتّقون ولا یهابون الحکّام والموت ، فکانوا یجهرون بها تحدیّاً للسلطان والمنهج المنحرف عن آل البیت ، والشیخ الصدوق کان لا یرتضی إقدامهم وتهورهم ولهذا تهجّم علیهم .

ص:350

الثالث : أنّه اتّبع مشایخه الثقات الذین تسرّعوا فی الحکم بالوضع علی بعض الأخبار والأصول ، کما شاهدناه فی اتّباعه لشیخه ابن الولید بالحکم بوضع موسی الهمدانی لأَ صْلَی زید الزراد والنرسی ، فی حین اجمع الأصحاب علی خطأ هذا الحکم من قبل ابن الولید ومن تبعه کالشیخ الصدوق رحمة الله ، ومثل هذا یشکّکنا فیما یجتهد فیه ودعانا التأمّل بحکمه بوضع أخبار الشهادة الثالثة ومن قبل المفوّضة .

l وفی عصر الشیخ المفید ( ت 413 ه- ) تساءلنا عن سبب ترکه رحمة الله الاعتراض علی الصدوق فی هذه المفردة ، مع أنّه صحّح اعتقاداته فی کتاب آخر ، وهل یعنی ذلک تأییده له أم لا ؟ فقلنا : إنّ الشیخ لم یقبل ما رواه الصدوق فی فصول الأذان ، والشهادة الثالثة لم تکن عنده بتلک الأهمیة ؛ لاعتقاده بعدم کونها من أصل الأذان ، بمعنی جواز فعلها أو ترکها ، وأنه رحمة الله کان لا یرید الدخول فی أُمور جزئیة اجتهادیة مع الآخرین ، لأنّ الإفتاء بشیء حسّاس کالشهادة الثالثة - وإن کان بالجواز - قد یسبّب مشکلة بین الشیعة أنفسهم ، فی حین هم بأمس الحاجة إلی وحدة الکلمة ، لأنّ الحکومات الشیعیة کانت فی تصاعُد وتَنَام فی عهده ، وکانوا یؤذّنون ب- « محمّد وعلی خیر البشر » فی مصر وحلب وبغداد والیمامة ، وکان الشیخ المفید لا یرید أن یبیّن أنّه یتّفق مع هذه الحکومات أو یختلف معهم ، المُهِمُّ أنّه رأی الکفایة فیما تأتی به بعض الشیعة للدلالة علی الجواز ولا داعی للإفتاء صریحاً بذلک ، وخصوصاً أنّه رحمة الله لم یُسْئَل - کتلمیذه المرتضی - حتی یجیب .

والخلاصة : أنّ الشیخ اکتفی ببیان الضروری فی الأذان وهو جزئیّة الحیعلة الثالثة ، وفی مطاوی کلامه تری ما یدلّ علی قوله بالجواز ، لأنّه لا یری بأساً بالکلام فی الأذانِ ، والشهادةُ بالولایة من الکلام قطعاً فلا یخلّ بالأذان حسب قوله ومبناه ، بل إنّ سکوته هو إمضاء لفعل الشیعة فی حدود قولهم بالجواز ، أمّا لو اعتقدوا بالجزئیة وأتوا بها علی هذا الاعتقاد فمن البعید أن یسکت الشیخ المفید علی خطائهم .

ص:351

ومن هنا نفهم بأنّ الشیخ المفید لا یتّفق مع الشیخ الصدوق فی إتّهام القائلین بالشهادة الثالثة بالوضع والزیادة ، لأنّه کان یری جواز فعلها لأنّها من الکلام الراجح والمحبوب ، وکان یعلم بأنّ الناس فی عهده لا یأتون بها علی أنّها جزء ، لاختلاف الصیغ المُؤَدّاة من قبلهم ، إذ أنّ البعض منهم یأتی بها بعد الحیعلة الثالثة والآخر بعد الشهادة الثانیة .

فی حین أنّ الشیخ الصدوق کان یعتقد أنّهم یأتون بها علی نحو الجزئیة واضعین فی ذلک الأخبار ولاجل ذلک تهجم علیهم .

l وأمّا السیّد المرتضی ( ت 436 ه- ) ، فهو أوّل من أعلن فتوائیّاً الجواز بالشهادة بالولایة فی الأذان ب- جملة « محمّد وعلی خیر البشر » ، وذلک بعدما سئل من قبل أهل الموصل فقال رحمة الله : « إن قال : محمّد وعلی خیر البشر ، علی أنّ ذلک من قوله خارجٌ من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلک صحیحة ، وإن لم یکن فلا شیء علیه » .

فالفقرة الأولی من کلامه رحمة الله واضحة لا تحتاج إلی تعلیق ، والفقرة الأخیرة « وان لم یکن فلا شیء علیه » ، فالظاهر فی « یکن » هنا التامة لا الناقصة ، أی أنّ المؤذن إذا لم یقلها فلا شی علیه ، ویحتمل أن یکون معناها أنّ المؤذّن لو قالها علی أنّها جزء فلا شیء علیه ، وهو احتمال مرجوح بنظرنا ، والسیاق یأباه تماماً .

إنّ فتوی السیّد المرتضی بجواز القول ب- « محمّد وعلی خیر البشر » دعم حقیقی لسیرة الشیعة آنذاک فی بغداد ، وشمال العراق ، ومصر ، والشام ، وإیران ، والسیّد المرتضی أیضاً نفی الجزئیة والوجوب علی منوال الصدوق ، وأمّا الجواز فالمرتضی قائل به ، وکذلک الصدوق حسبما استظهرناه .

ومن هنا نعلم بأنّ هذه الصیغ موجودة فی شواذّ الأخبار - وربما فی أخبار اخری - وفی العمومات لا فی روایات المفوّضة ، وهذا یؤکّد استمرار الشیعة من بدایة الغیبة

ص:352

الکبری إلی عهد السیّد المرتضی فی التأذین بها ، استناداً لما رواه الفضل بن شاذان عن ابن ابی عمیر عن ابی الحسن الکاظم المار سابقاً ولغیر ذلک من الأدلّة ، وأنّه رحمة الله لم یتعامل مع الشهادة الثالثة کما تعامل مع « الصلاة خیر من النوم » حیث اعتبر الأولی جائزة والثانیة بدعة وحراماً .

l أفتی الشیخ الطوسی ( ت 460 ه- ) بعدم إثم من قال بالشهادة الثالثة ، لان الشهادة بالولایة عنده أمر مباح جائز الفعل والترک ، وهو لیس بمستحبّ « ولا من کمال فصوله » کالقنوت .

الشیخ رحمة الله لا یمنع العمل بالأخبار الشاذّة إلّا إذا امتنع الجمع ، وهو یفهم بأنّ الشاذّ عنده له حجیّة بنحو الاقتضاء لا الفعلیة ، لأنّ الترجیح فرع الحجیة الاقتضائیة .

واللاّفت للنظر هو أنّ الشیخ أول من صَرَّح بوجود أخبار شاذّة فی الشهادة بالولایة ، دون أن یرمیها بالوضع کما فعل الصدوق رحمة الله ، وهو یتضمّن إمکانیة اعتبارها فی مرتبة ما من مراتب الاعتبار الشرعی ، والمراجع لکتاب الاستبصار یری أنّ الشیخ لا یترک الأخبار الشاذّة بالمّرة وإن أمکنه الحمل علی الجواز أو الاستحباب حَمَلها علی ذلک ، وقد مر علیک بأنّه رحمة الله قد حکم بالشذوذ علی الروایة التی أوجبت الوضوء من قص الأظافر بالحدید وترک العمل بها ، لکنّه لم یترک القول باستحباب الوضوء جمعاً بین الأدلة .

فالّذی نحتمله هنا أنّ الشیخ تعامل مع روایات الشهادة الشاذّة علی منوال روایة الوضوء من الحدید ، فأفتی بالجواز استناداً لذلک .

هذا ، وإنّ فتواه رحمة الله تکشف عن سیرة بعض المتشرّعة فی عصره - فی حدود من یرجع له بالفتوی - وأنّها امتداد للسیرة التی کانت فی عصر المرتضی رحمة الله ، وهذا یعنی بأنّ لهذه السیرة وجوداً فی العصور المتأخرة تدور مدار المرتضی والطوسی وغیرهما ممن أفتی بالجواز ، وهم مشهور الطائفة .

ص:353

وعلیه فغالب العلماء بدءً من الصدوق والمفید والسیّد المرتضی والشیخ الطوسی وختماً بالفقهاء المتأخرین ومتأخّری المتأخّرین لا یرتضون جزئیّتها ، وفی الوقت نفسه یذهبون إلی جوازها .

و إنّ مطالبة البعض بنقل تواتر الأخبار واشتهاره بین الفقهاء فی کلّ الأزمان حتّی تصیر سیرة متصلة بعصر النص ممّا یأباه العقل ، لأنّ الحکومات الظالمة کانت تقتلنا وتدفننا أحیاءً بین الجدران وأنّ وصول أمثال هذه الروایات الشاذّة قد کلَّفنا الکثیر ، فکیف یرید هذا البعض نقل التواتر علی ما ندّعیه وخصوصاً نحن لا نرید إثبات الجزئیة ؟!

l أمّا ابن البرّاج ( ت 481 ه- ) فهو أوّل من أفتی باستحباب الشهادة بالولایة ولکن علی نحو قَوْلها فی النفس ، وفی مثل هذه الفتوی نقلةٌ نوعیّة من فتوی الجواز عند السیّد المرتضی والشیخ الطوسی إلی القول بالاستحباب بها فی النفس ، والمناطُ واحد فی الجمیع وهو التبرّک والتیمّن .

والمثیر للانتباه أنّ ابن البرّاج قیّد الشهادة الثالثة بالعدد أعنی المرَّتین ، ومعلوم بأنّ مثل هذا القید یستبعد أن یکون عن حدس واجتهاد ، بل هو مبتَن علی وجود روایة قد شاهدها ابن البراج عن حِسٍّ ، إذ یلوح من التقیید بعدد مخصوص التوقیفیَّةُ ، والتوقیفیّةُ لا یناسبها إلّا الأخبار والروایات ، یشهد لذلک أنّ جملة « محمّد وآل محمّد خیر البریة » هی عینها التی جزم الشیخ الطوسی بورود الأخبار الشاذّة بها ، وشهادة الصدوق بأنّها موضوعة ، ومعنی هذا أنّ هذه الأخبار لیست بشاذّة عند ابن البراج ولا موضوعة .

وممّا یجب التنبیه علیه أنّ الاستحباب عند ابن البراج لا علاقة له بماهیة الأذان إلّا للتبرّک والتیمّن ، بقرینة الشهادة بها فی النفس ، بل نحتمل قویّاً أنّ کلامه قدس سره کان ناظراً إلی أمثال حسنة ابن أبی عمیر ، فأراد تفسیر الحیعلة الثالثة بما أفتی به .

ص:354

l أمّا حکایة یحیی بن سعید الحلی ( ت 689 ه- ) والعلّامة الحلی ( ت 726 ه- ) لشواذّ الأخبار ، فهی لتشیر إلی وقوف الحلیین علی تلک الأخبار بعد الشیخ الطوسی ، وذلک لعدم حکایتهما ذلک عن الشیخ الطوسی ، وهو الأخر یؤکّد بأنّ هذه السیرة عند الشیعة لم یکن مرجعها الشیخ الطوسی ، بل کانت قبله واستمرت من بعده ، وأنّ الفقهاء من بعد الشیخ لم یتّبعوه فی الفتوی بالجواز تقلیداً بل لوقوفهم علی تلک الأخبار ، والتی کانت موجودة إلی عهد العلّامة الحلی .

ص:355

الفصل الثانی: بیان أقوال الفقهاء المتأخّرین ، ومتأخّری المتأخّرین ، وبعض المعاصرین

اشارة

ص:356

ص:357

بعد أن انتهینا من بیان أقوال الشارع المقدّس وروایات المعصومین ، وسیرة المتشرّعة فی عصر القدماء إلی أول المتأخرین - اعنی العلّامة الحلی رحمة الله والنصوص التی وقف علیها قدماء أصحابنا الی أول المتأخرین، - نرید الآن أن نقف علی أقوال وآراء متأخّری الأصحاب الناطقة بمحبوبیّة الإتیان بالشهادة بالولایة فی الأذان من باب القربة المطلقة مع إصرارهم وتأکیدهم علی عدم جزئیتها ، ومخالفتهم لمن أتی بها علی نحو الجزئیة ، وإنّک من خلال عرضنا لأقوال هؤلاء الفقهاء ستری بأنّا لا نخرج عن إجماعهم - أو مشهورهم الأعظم - فی ما قالوه عن الشهادة الثالثة ؛ لأنّهم یتّفقون علی حقیقة واحدة هی رجحانها الذاتیّ ، وأنّ ما نسب إلی البعض من أنّه یذهب إلی تحریم کلّ زیادة فی الأذان وإن کانت لرجاء المطلوبیّة ، فهو - فی أحسن تقادیره - رأی شاذّ لا یقاومُ الإجماعَ أو الشهرة العظیمة التی کادت أن تکون إجماعاً ؛ لأ نّنا وبوقوفنا علی کلام متأخّری الأصحاب سنوضح مواضع الالتباس الذی وقع للبعض فی تفسیره وسوء فهمه لکلماتهم ، إذ غالب هؤلاء الفقهاء - ان لم نقل کلّهم - لا یریدون نفی المشروعیّة والمحبوبیّة ، بل یریدون نفی الجزئیّة ، وهذا هو منهجهم فی التعامل مع هذه المسألة من عصر القدماء إلی یومنا هذا .

و إلیک الآن سیر هذه المسألة فی القرن الثامن الهجری ، ثمّ القرون التی تلته إلی یومنا هذا .

ص:358

ص:359

القرن الثامن الهجری

8 - الشهید الأوّل ( 734 ه - 786 ه )

قال الشهید الأوّل محمّد بن مکی العاملی الجزینی فی « ذکری الشیعة » :

الرابعة : قال الشیخ : وأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار من قول : « أنّ علیّاً ولی الله » و« آل محمّد خیر البریة » ، مما لا یعمل علیه فی الأذان ، ومن عمل به کان مخطئاً .

وقال فی المبسوط : لو فعل لم یأثم به .

وقال ابن بابویه : والمفوّضة رووا أخباراً وضعوها فی الأذان : « محمّد وآل محمّد خیر البریة » ، و« أشهد أنّ علیّاً ولی الله » ، وأنّه أمیر المؤمنین حقّاً حقّاً ، ولا شکّ أنّ علیّاً ولیّ الله ، وأنّ آل محمّد خیر البریّة ، ولیس ذلک من أصل الأذان((1)) .

وقال فی « البیان » :

قال الشیخ : فأمّا قول : أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله ، وأنّ محمّداً خیر البریة علی ما ورد فی شواذّ الأخبار فلیس بمعمول علیه فی الأذان ، ولو فعله الإنسان لم یأثم به ، غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله((2)) .


1- ذکری الشیعة 3 : 202 - 203 / باب ما روی فی شواذّ الأخبار من قول « أنّ علیاً ولیّ الله وأن محمّداً خیر البریة » فی الأذان .
2- البیان : 73 ، ط- حجری . وفی تحقیق الشیخ محمّد الحسون للکتاب : 144 : أشهد أن علیاً أمیر المؤمنین وآل محمّد خیر البریة .

ص:360

وقال فی « الدروس الشرعیة » :

قال الشیخ : أمّا الشهادة لعلی علیه السلام بالولایة وأنّ محمّداً وآله خیر البریة فهما من أحکام الإیمان لا من ألفاظ الأذان ، وقطع فی النّهایة بتخطئة قائله ، ونسبه ابن بابویه إلی وضع المفوّضة ، وفی المبسوط : لا یأثم به((1)) .

فالشهید الأوّل فی هذه النصوص حکی کلام الشیخ الطوسی ، ولیس فی کلامه رحمة الله ما یشیر إلی أنّه قد وقف علی تلک الأخبار بنفسه - کما استظهرنا ذلک من کلام یحیی بن سعید الحلی ، والعلّامة الحلی واحتملناه بقوّة ، مؤکّدین أنّ الأخیرین وقفا علی أخبار الشهادة الثالثة کالشیخ رحمة الله .

لکنّ الشیخ التقیّ المجلسی((2)) عد الشهید الأوّل مع الشیخ الطوسی والعلّامة ضمن من وقفوا علی تلک الأخبار ، وهذا لا یمکن استفادته من « الذکری » و« البیان » بوضوح ، فقد یکون الشهید صرّح بما یشیر إلی وقوفه علیها ضمن کتبه المفقودة ، أو أنّ المجلسیّ عدّه مع الشیخ الطوسی لتبنّیه قول الشیخ وأخذه به فی کتابَیْه « ذکری الشیعة » و« البیان » .

وأمّا ما قاله رحمة الله فی « الدروس » : « فهما من أحکام الإیمان لا من ألفاظ الأذان » ، فهذا ما لا نخالفه ، بل إنّا نقول بما قاله الشیخ الطوسی من عدم الإثم فی الإتیان بها ، وأمّا کونها من ألفاظ وفصول الأذان فلا نقول به .

والحاصل : أنّ الذی یظهر من الشهید الأوّل هو أنّه یفتی بعدم إثم قائل الشهادة الثالثة فی الأذان بشرط عدم اعتقاد الجزئیة فیها ، علی غرار فتوی الشیخ الطوسی ،


1- الدروس الشرعیة فی فقه الإمامیة 1 : 162 ، تحقیق مؤسسة النشر الإسلامی .
2- روضة المتقین 2 : 245 ، والذی مر علیک قبل قلیل فی صفحة 339.

ص:361

ویشیر إلی ذلک نقله لقول الشیخ الطوسی وعدم تعلیقه علیه بشیء ، وهذا یعنی التزامه به ، وإلّا فمن غیر المعقول أن تکون کتبه « الذکری » و« الدروس » و « البیان » ، وهی تجمع فتاویه ساکتة عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة فقهیة لها علاقة وثیقة بالعقیدة ، وقد تکون التقیّة العامل الاقوی فی ذلک ، لأنّ الشهید استشهد بأیدی العامة .

وفی الجملة فنقل العالِمِ لقول فی کتبه الفتوائیة وسکوته عن التعلیق علیه یدلّ علی التزامه به ، خاصّة إذا اخذنا بنظر الاعتبار ان کتبه قد صُنّفت علی أساس البحث والتمحیص والنقض والإبرام .

القرنان التاسع والعاشر الهجریَّان

اشارة

یوجدُ فی هذین القرنین علماء ، وفقهاء ، ومحدّثون ومتکلّمون ، عظام ، لکنّ غالب کتب هؤلاء العلماء مفقودة ، والموجود منها بأیدینا لم یصرّح بما یرتبط ببحثنا ، فاقتصرنا علی ذکر من وقفنا علی کتبهم ، وخصوصاً البارزین منهم :

فقد ذکر ابن فهد الحلی((1)) ( ت 757 - 841 ه- ) ، والمقداد السیوری الحلی((2))( ت 826 ه- ) ، وشمس الدین محمّد بن شجاع القطان((3)) الحلی ( کان حیّاً عام 832 ه- ) مبحث الأذانَ والإقامةَ فی کتبهم ، ولم یتعرضوا لموضوع الشهادة بالولایة أصلاً .


1- المهذب البارع 1 : 349 ، المقتصر فی شرح المختصر : 73 . الموجز : 71 ، المحرر : 153 ، مصباح المبتدی : 291 ، والثلاث الاخیرة مطبوعة ضمن الرسائل العشر لابن فهد الحلی .
2- التنقیح الرائع لمختصر الشرائع 1 : 189 - 190 .
3- معالم الدین فی فقه آل یاسین 1 : 103 .

ص:362

9 - الشهید الثانی ( 911 - 965 ه )

وأما الشیخ الجلیل زین الدین بن علی العاملی الشهیر ب- « الشهید الثانی » فلم یتعرّض إلی الأذان فی کتابه « المقاصد العلیّة فی شرح الألفیة » ، لکنّه أشار إلی الاختلاف الواقع فی فصوله فی ( حاشیة المختصر النافع )((1)) و( فوائد القواعد )((2)) و( حاشیة شرائع الإسلام )((3)) دون الإشارة إلی الشهادة بالولایة لأمیر المؤمنین علی .

وقال فی ( الفوائد الملیة لشرح الرسالة النفلیة ) :

( والدُّعاء عند الشهادة الأولی ) .

بقوله : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّداً رسول الله ، أُکفی بها عن کُلِّ من أبی وجحد ، وأُعِینُ بها من أَقَرَّ وشهد » ، لیکون له من الأجر عدد الفریقین ؛ روی ذلک عن الصادق علیه السلام .

ولیقل عند سماع الشهادتین : وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شریک له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، رضیت بالله ربّاً ، وبالإسلام دیناً ، وبمحمّد رسولاً ، وبالأئمّة الطاهرین أئمّةً ، اللّهّم صل علی محمّد وآل محمّد ، اللّهّم ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آتِ محمّداً الوسیلةَ والفضیلةَ ، وابعثه المقامَ المحمود الذی وعدته ، وارزقنی شفاعته یوم القیامة . وإسرارُ المتّقی بالمتروک . لا ترکُهُ ، إذ لا تقیة فی الإِسرار ، نعم لو خافَ من التلفّظ به - وإن کان سراً بسبب ظهور حرکة شفتیه أو طول زمانه - أجراه علی قلبه((4)) .


1- حاشیة المختصر النافع : 32 .
2- فوائد القواعد : 167 .
3- حاشیة شرائع الإسلام : 87 .
4- الفوائد الملیة : 152 .

ص:363

وکان قد قال قبله : ( وروی التعمیل ) . وهو ( حیّ علی خیر العمل ) مرّتین قبلها ، أی قبل ( قَد قامت ) ، لأنّ مؤذّنهم لم یقل ذلک((1)) .

وقال بعدها : وترک ( الحیعلتین بین الأذان والإقامة ) لأنّه بدعة أحدثها بعض العامّة ، وهذا إذا لم یعتقد توظیفها وإلّا حرم ( والکلامُ فیهما مطلقاً ) أی بعد قوله : « قد قامت الصلاة » وقبلها ((2)) .

وهذه النصوص الثّلاثة توحی لنا ما کان یعیشه هو والشیعة آنذاک من ظروف قاسیة ونزاعات تؤدّی إلی التقیة ، فهو رحمة الله لم یتعرّض إلی الشهادة الثالثة إلّا فی کتابیه ( شرح اللمعة الدمشقیة ) و( روض الجنان ) ، وقد ذکرهما بلحن اعتراضی شدید ؛ إذ قال فی « اللمعة » ما نصه :

( ولا یجوز اعتقاد شرعیّة غیر هذه ) الفصول ( فی الأذان والإقامة کالتشهّد بالولایة ) لعلی علیه السلام ( وأنّ محمّداً وآله خیر البریة ) أو خیر البشر ( وإن کان الواقع کذلک ) فما کلّ واقع حقّاً یجوز إدخاله فی العبادات الموظَّفه شرعاً ، المحدودة من الله تعالی ، فیکون إدخال ذلک فیها بدعةً وتشریعاً ، کما لو زاد فی الصلاة رکعة أو تشهّداً ، أو نحو ذلک من العبادات ، وبالجملة فذلک من أحکام الإیمان لا من فصول الأذان .

قال الصدوق : إنّ إدخال ذلک فیه من وضع المفوّضة ، وهم طائفة من الغلاة ، ولو فعل هذه الزیادة ، أو إحداها بنّیة أنّها منه أثم فی اعتقاده ، ولا یبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقادِ ذلک لا حرج((3)) .


1- الفوائد الملیة : 142 .
2- الفوائد الملیة : 155 .
3- شرح اللمعة الدمشقیة 1 : 571 تحقیق السیّد الکلانتر .

ص:364

وقال رحمة الله فی ( روض الجنان فی شرح إرشاد الأذهان ) :

وأمّا إضافة « أنّ علیاً ولیّ الله » و« آل محمّد خیر البریة » ونحو ذلک فبدعة ، وأخبارُها موضوعة وإن کانوا خیرَ البریة ؛ إذ لیس الکلام فیه ، بل فی إدخاله فی فصول الأذان المتلقَّی من الوحی الإلهی ، ولیس کلُّ کلمةِ حقٍّ یسوغ إدخالها فی العبادات الموظّفة شرعاً((1)) .

وقال فی ( مسالک الإفهام ) - معلّقاً علی کلام صاحب ( شرائع الإسلام ) « وکذا یکره قول الصلاة خیر من النوم » - :

بل الأصحّ التحریم ، لأنّ الأذان والإقامة سنّتان متلقَّیتان من الشرع کسائر العبادات ، فالزیادة فیهما تشریع محرّم ، کما یحرم زیادة « محمّد وآله خیر البریة » وإن کانوا علیهم السلام خیر البریة ، وما ورد فی شذوذ أخبارنا من استحباب « الصلاة خیر من النوم » محمولٌ علی التقیة((2)) .

فنحن نوافق الشهید الثانی فیما قاله معترضاً علی الذین یأتون بها علی أنّها جزءٌ ، لأنّه « لیس کلّ کلمة حقّ یسوغ إدخالها فی العبادات الموظّفة شرعاً » ، لکن لو قالها من دون اعتقاد الجزئیة ولمطلق القربة لکونها کلمة حق فی نفسها فلا حرج فی ذلک عند الشهید الثانی ؛ لقوله : « وبدون اعتقادِ ذلک لا حرج » ، وهذا ما نرید التأکید علیه ، لأنّ الأذان أمرٌ توقیفیّ وشرعیّ فلا یجوز إدخال شیء فیه بقصد التشریع .

لکن یبقی قوله رحمة الله « وأخبارها موضوعة » أو « فذاک من أحکام الإیمان لا من


1- روض الجنان 2 : 646 تحقیق مرکز الابحاث والدراسات الإسلامیة التابعة لمنظمة الإعلام الإسلامی / قم .
2- مسالک الإفهام 1 : 190 .

ص:365

فصول الأذان » ، وهذا القول لا نرتضیه علی عمومه ، وذلک لاعتبار الشیخ الطوسی تلک الأخبار شواذَّ لا موضوعة ، أی عدم استبعاد العمل به وعدم اثم فاعلها .

إذن دعوی الشهید الثانی بکون تلک الأخبار موضوعة وجزمه بها فی غایة الإشکال ، إلّا أن نقول أنّه جزم بذلک تبعاً للشیخ الصدوق والذی وضّحنا کلامه وما یمکن أن یردّ علیه .

وعلی هذا ، فما یجب أخذه بنظر الاعتبار هو ورود أخبار کثیرة دالّة علی محبوبیة الشهادة بالولایة تلو یحاً وإیماء وإشارة ، کما جاء عن الأئمة فی معنی «حی علی خیر العمل» وفی علل الأذان ، وما قلناه من اقتران الشهادات الثلاث فی الأدعیة والأذکار وسائر الأحکام ، ولحاظ وحدة الملاک بین الشهادة بالنبوّة والشهادة بالولایة ، إلی غیرها من العمومات التی ذکرناها ، والتی فیها جملة : « أشهد أن علیاً ولی الله » « ومحمّد وآل محمّد خیر البریة » ونحوها .

فإن أتی شخص بجملة : « علی ولی الله » أو « آل محمّد خیر البریة » طبقاً لامثال هذه الروایات التی حکاها الشیخ الطوسی فی باب فصول الأذان ، أو طبقاً لما جاء فی تفسیر معنی الحیعلة الثالثة عن المعصومین فلا یجوز القول عنها بأنّه عمل بروایات موضوعة ، إذ الروایات فی هذا المجال عامة - وقد تکون خاصة - وردت عن الأئمّة فی جواز القول بها مقرونة مع النبوة ، ولا یمکن انتسابها إلی الوضع .

ثمّ إنّ ما قاله رحمة الله عن الشهادة بالولایة وأنّها من « أحکام الإیمان لا من فصول الأذان » فهو کلام سدید ، لکنّه فی الوقت نفسه لم یمنع الشهید الثانی أن یفتی بجواز أن یأتی المکلّف بأمر إیمانیّ فی الأذان لا بقصد الجزئیة ، فالاستغفار أو القنوت مثلاً هما أمران مستحبّان ، ویا حبّذا أن یُؤتی بهما فی الصلاة کذلک ، لا باعتبارهما جزءاً من الصلاة ، بل لمحبوبیّتهما النفسیة ، وهذا ما التزم به رحمة الله فی قوله فی الروضة :

ص:366

« ولو فعل هذه الزیادة ، أو إحداها بنیّة أنّها منه أثم فی اعتقاده ، ولا یبطل الأذان بفعله ، وبدون اعتقاده لا حرج » .

علی أننا لا یمکن أن نغفل احتمال کون الشهید الثانی قد قالها انسیاقاً مع مجریات الأحداث الّتی أدّت إلی شهادته ، أو أنّه قالها لوحدة الکلمة بین المسلمین ، أو أنّه عنی الذین قالوها علی نحو الجزئیة ، لکنّ المتیقّن حسبما جزم به نفسه هو أنّه لا حرج من قولها بدون اعتقاد .

10 - المولی أحمد الأردبیلی ( ت 993 ه )

وهکذا هو الحال بالنسبة إلی نصّ المقدّس الأردبیلی الآتی ، فإنّ الأردبیلی لم یحکم بحرمة الإتیان بها إذا جیء بها من باب المحبوبیّة الذاتیة ، بل أشار رحمة الله إلی قضیة موضوعیة یجب أخذها بنظر الاعتبار مع الموافق والمخالف ، فإنّه رحمة الله وبعد أن نقل کلام الصدوق فی الفقیه قال :

فینبغی اتّباعه لأنّه الحقّ ] أی کلام الصدوق حقّ [ ، ولهذا یُشَنَّع علی الثانی بالتغییر فی الأذان الذی کان فی زمانه صلی الله علیه و آله ، فلا ینبغی ارتکاب مثله مع التشنیع علیه .

ولا یتوهّم عن المنع الصلاة علی النبیّ صلی الله علیه و آله فیه ، لظهور خروجه منه وعموم الأخبار الدالّة بالصلاة علیه مع سماع ذکره ، ولخصوص الخبر الصحیح المنقول فی هذا الکتاب عن زرارة الثقة :

وصَلِّ علی النبیّ صلی الله علیه و آله کلّما ذکرته ، أو ذکره ذاکر عنده فی أذان أو غیره ، ومثله فی الکافی فی الحسن ( لإبراهیم ) کما مر((1)) .

فالمقدّس الأردبیلی لا یتعامل مع الشهادة الثالثة کما تعامل مع مسالة « الصلاة


1- مجمع الفائدة 2 : 181 - 182 .

ص:367

خیر من النوم » ، حیث قال فی الأخیرة :

والعمدة أنّه تشریع ، وتغییر للأذان المنقول ، وزیادة بدل ما هو ثابت شرعاً ، فیکون حراماً ، ولو قیل من غیر اعتقاد ذلک ، بل مجرّد الکلام ، فلا یبعد کونه غیر حرام((1)) .

ولا ریب فی أنّ کلمة المقدّس الأردبیلی تصبّ فی مجری ما استظهرناه عن الشهیدین الأوّل والثانی رحمهما الله تعالی علاوة علی الشیخ الطوسی ، فالتشنیع منه یدور مدار القول بالجزئیة ، وفیما عدا ذلک لا تشنیع ، فالمقدّس الأردبیلی صرّح فی خصوص التثویب بقوله : ولو قیل من غیر اعتقاد الجزئیة بل بمجرد الکلام فلا یبعد کونه غیر حرام ، وهو المقصود والمفتی به عند علمائنا قدیماً وحدیثاً .

فلو کان هذا هو کلامه رحمة الله فی التثویب فمن الطبیعی أن یجیز الاتیان بالشهادة الثالثة أو ما یقال فی تفسیر معنی الحیعلة الثالثة علی نحو المحبوبیة ورجاء المطلوبیة من باب أولی ، لأن غالب الفقهاء یأتون بها من غیر اعتقاد الجزئیة بل لمجرد أنّه کلام حق « فلا یبعد أن یکون غیر حرام » حسب تعبیر المقدس الاردبیلی .

القرن الحادی عشر الهجری

اشارة

وفق تتبّعی ورصدی لأقوال الفقهاء فی هذه المسألة لم أقف - فیما بین یدی من التراث الفقهی لفقهائنا العظام فی القرن العاشر الهجری - علی ما یدل علی الشهادة بالولایة لعلیّ فی الأذان ، وقد یعود ذلک إلی أنّ غالب الکتب المصنّفة فی هذا القرن هی شروح علی کتب لم یتطرّق أصحابها إلی هذه المسألة . وقد یعود اهمالهم لذکرها هو تجنب اثارة الحکومة العثمانیة والتی کانت تسعی للحصول علی احجیة لاثارة العامة ضدّ الشیعة .

فمثلاً الشیخ مفلح الصیمری البحرانی هو من أعلام القرن التاسع والعاشر


1- مجمع الفائدة 2 : 178 .

ص:368

الهجریین لا نراه یشیر إلی موضوع الشهادة بالولایة فی کتابه ( غایة المرام فی شرح شرائع الإسلام )((1)) .

وکذلک فی کتابه الآخر ( تلخیص الخلاف )((2)) مع أنّه قد ذکر مضمون الأذان وما فیه من مسائل فقهیة وخلافیة .

ومثله المحقّق الکرکی ( ت 940 ه- ) ، الذی لم یتعرّض لهذه المسألة فی کتابه ( جامع المقاصد فی شرح القواعد )((3)) ، و( حاشیة المختصر النافع )((4)) ، و( حاشیة شرائع الإسلام )((5)) ، و( حاشیة إرشاد الأذهان )((6)) .

ونحو ذلک السیّد محمّد بن علی الموسوی العاملی ( ت 1009 ه- ) فی ( مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام )((7)) وغیرهم من فقهاء القرن العاشر الهجری .

لکنّ هذا لا یشیر إلی أنّ موضوع الشهادة بالولایة فی الأذان لم یکن منتشراً ورائجاً عند الشیعة آنذاک .

إذ فیما حکاه المجلسیّ الأوّل ممّا دار بینه وبین أستاذه الملاّ عبدالله ما یؤکّد بأن هذه السیرة کانت منتشرة بأعلی صورها فی ذلک العصر لأن شیوع أمر الشهادة - أو أی امر آخر - لا یمکن أن یکون ولید ساعته ، بل لابدّ أن تکون له جذور سابقة من القرون الماضیة وهذا ما اکدنا ونؤکد علیه .

قال المجلسیّ الأوّل ما ترجمته :


1- انظر غایة المرام فی شرح الشرائع الإسلام 1 : 139 .
2- انظر تلخیص الخلاف 1 : 95 .
3- جامع المقاصد 2 : 181 .
4- حاشیة المختصر النافع : 145 ، المطبوع ضمن (حیاة المحقق الکرکی وآثاره ج 7) .
5- حاشیة شرائع الإسلام : 143 ، المطبوع ضمن (حیاة المحقق الکرکی وآثاره ج 10) .
6- حاشیة ارشاد الاذهان : 79 ، المطبوع ضمن (حیاة المحقق الکرکی وآثاره ج 9) .
7- مدارک الأحکام 3 : 254 - 304 .

ص:369

وبناءً علی هذا ، فالقولُ بأنّ هذه الأخبار موضوعة أمرٌ مشکل ، إلّا أن یَرِدَ ذلک عن أحد المعصومین علیهم السلام ، وإذا قال بها بعنوان التیمّن والتبرّک فلا بأس به ، وإن لم یقلها کان أَفْضَلَ ]حتی لا یتوهّم فیها الجزئیة] إلاّ أن یخاف من عدم ذکرها ، لأنّ الشائع فی أکثر البلدان ] ذکرها [ ، وقد سمعتُ کثیراً أنّ من ترکها قد اتُّهِمَ بأنّه من العامّة((1)) .

وأمّا القرن الحادی عشر الهجری فقد عاش فیه فقهاء وحکماء ومتکلّمون کُثُرٌ ، فمن کبار الفقهاء والمحدّثین الذین عاشوا فی هذا العصر الشیخ حسن بن زین الدین العاملی « ابن الشهید الثانی » ( ت 1011 ه- ) صاحب ( منتقی الجمان )((2)) ، وابنه الشیخ محمّد بن الحسن ( ت 1030 ه- ) صاحب ( استقصاء الاعتبار فی شرح الاستبصار )((3)) ، والشیخ البهائی ( ت 1031 ه- ) صاحب المصنفات المتعدّدة والکثیرة ، منها ( الحبل المتین )((4)) ، و( الإثنا عشریة )((5)) ، و( الجامع العباسی )((6)) ، و( مفتاح الفلاح )((7)) وغیرها ، فإنّ هؤلاء الأعاظم لم یتعرّضوا إلی الشهادة بالولایة فی کتبهم السابقة رغم أنّهم تعرّضوا إلی الأذان والإقامة وفصولهما وأحکامهما .

لکنّ هناک فقهاء آخرین ، کالشیخ محمّد تقی المجلسیّ ( ت 1070ه- ) ،


1- لوامع صاحبقرانی 3 : 566 .
2- منتقی الجمان 1 : 502 .
3- استقصاء الاعتبار 5 : 36 - 84 .
4- انظر الحبل المتین 2 : 263 - 302 .
5- انظر الاثنا عشریة : 38 / الفصل الرابع الأفعال اللسانیة المستحبة .
6- الجامع العباسی : 35 .
7- انظر مفتاح الفلاح : 112 ، صورة الأذان .

ص:370

والمحقّق السبزواری ( ت 1090 ه- ) ، والفیض الکاشانی ( ت 1091 ه- ) ، قد أشاروا إلی موضوع الشهادة بالولایة فی الأذان ضمن ما کتبوه ، بفارق أنّ التقیّ المجلسی قال بعدم اثم فاعلها من دون قصد الجزئیة ، وقد یکون بنظره أنّها شرعت واقعاً وترکت تقیة ، والمحقق السبزواری والفیض الکاشانی کانا مخالِفَین فی الإتیان بها ، وإلیک الآن قول المولی محمّد تقی المجلسی وبیاننا حوله .

11 - الشیخ محمّد تقی المجلسی (ت 1070 ه )

قال المولی محمّد تقی المجلسی فی ( روضة المتّقین فی شرح من لا یحضره الفقیه ) معلّقاً علی کلام الصدوق :

الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشکلٌ ، مع ان الأخبار الّتی ذکرنا فی الزیادة والنقصان ، وما لم نذکره کثیرةٌ ، والظاهر أنّ الأخبار بزیادة هذه الکلمات أیضاً کانت فی الأُصول ، وکانت صحیحةً أیضاً ، کما یظهر من المحقّق((1)) والعلّامة والشهید رحمهم الله ، فإنّهم نسبوها إلی الشذوذ ، والشاذُّ : ما یکون صحیحاً غیر مشهور ، مع أنّ الذی حکم بصحّته أیضاً شاذٌّ کما عرفت ، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة علی شیء لا یمکن الجزم بعدم ذلک ، أو الوضع إلّا أن یرد عنهم صلوات


1- قال بهذا هنا ، وفی شرحه علی الفقیه بالفارسیة « لوامع صاحبقرانی » 3 : 566 مصرحاً بأنّ المحقّق قالها فی المعتبر ، لکنّا لم نر ما یدل علی ذلک فی کتب المحقّق إلاّ ما نقله فی ( نکت النهایة ) عن الشیخ ، فلعلّ المجلسی الأوّل أراد ب- (المحقق) الشیخ الطوسیّ أو وقع سهو من قلمه الشریف فقال « المحقق » ، ویؤ یّد مدعانا ما حکاه المجلسیّ الثانی عن الشیخ والعلّامة والشهید ، ولم یحکه عن المحقّق ، فتأمل .

ص:371

الله علیهم ما یدلّ علیه ، ولم یَرِدْ ، مع أنّ عمل الشیعة کان علیه فی قدیم الزمان وحدیثه .

والظاهر أنّه لو عمل علیه أحدٌ لم یکن مأثوماً إلّا مع الجزم بشرعیّته فإنّه یکون مخطئاً ، والأَولی أن یقوله علی أنه جزء الإیمان لا جزء الأذان ، ویمکن أن یکون واقعاً ، ویکون سبب ترکه التقیّة ، کما وقع فی کثیر من الأخبار ترک « حیّ علی خیر العمل » تقیة .

علی أنّه غیر معلوم أنّ الصدوق ، أیَّ جماعة یرید من المفوِّضة ، والذی یظهر منه - کما سیجیء - أنّه یقول : کلُّ من لم یقل بسهو النبی فإنّه [من] المفوّضة ، وکلّ من یقول بزیادة العبادات من النبیّ فإنّه من المفوّضة ، فإن کان هؤلاء ، فهم کلُّ الشیعة غیرَ الصدوق وشیخه ، وإن کانوا غیر هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتی ننسب إلیهم الوضع واللعن ، نعم کلّ من یقول بأُلوهیة الأئمة أو نبوّتهم فإنّهم ملعونون((1)) .

وقال فی کتابه الآخر ( حدیقة المتقین ) باللغة الفارسیة ما ترجمته :

یکره تکرار الفصول زیادة علی القدر الوارد من الشارع المقدّس فیه ، وهکذا قول « الصلاة خیر من النوم » ، وقال البعض : إنّه حرام ؛ لأنّه غیر متلقّی من الشارع المقدّس ، وهکذا قول « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله ، ومحمّد وعلیّ خیر البشر» وأمثالها ؛


1- روضة المتقین 2 : 245 - 246 . وقریب منه فی شرحه علی ( من لا یحضره الفقیه ) والمسمی ب- ( لوامع صاحبقرانی ) 3 : 566 بالفارسیة فراجع .

ص:372

لأنّها لیست من أصل الأذان وإن کان علیّاً ولی الله ، ومحمّدٌ وعلیٌّ خیرَ الخلائق ، لکن لا کلّ حق یجوز إدخاله فی الأذان .

ولو أتی بها شخص اتّقاءً من الجَهَلَة أو تیمّناً وتبرّکاً وهو یعلم أنّه لیس من فصول الأذان فذاک جائز ، ونقل بعض الأصحاب ورودها فی بعض الأخبار الشاذّة علی أنّها جزء الأذان ، فلو ثبت ذلک عند الشارع وعمل بها أحدٌ فلا بأس وإلاّ فالإتیان بها من باب التیمّن والتبرّک أفضل((1)) .

نلخص کلام التقی المجلسی رحمة الله فی نقاط ، نظراً لاهمیته ولاشتماله علی فوائد متعددة :

1 - عدم قبوله بجزم الصدوق ومن تبعه بکون الأخبار موضوعة .

2 - وجود اخبار کثیرة فی الزیادة والنقصان فی فصول الأذان والإقامة ، وفی غیرها .

3 - وجود هذه الزیادات فی اصول اصحابنا .

4 - کون هذه الزیادات صحیحة ، لأن الشاذّ بتعریف الشیخ المجلسی هو ما یکون صحیحاً غیر مشهور ، وما حکم به الصدوق بالصحة هو خبر شاذّ کذلک .

5 - عمل المفوّضة أو العامّة لا یعنی عدم الورود أو الوضع إلّا أن یرد عن الأئمّة ما یدل علی ذلک ، ولم یرد .

6 - إنّ سیرة الشیعة کانت قائمة علی الأذان بالولایة من قدیم الزمان إلی عهد الشیخ المجلسی الأوّل رحمة الله لا علی نحو الجزئیة ، ولا یمکن نقض دعواه بکلام


1- حدیقة المتقین مخطوط ، الرقم 791 ، ص181 ، مؤسسة کاشف الغطاء ، قال الملا محمّد باقر المجلسی فی تعلیقته علی « حدیقة المتقین » ، بالفارسیة - مخطوط یحمل / الرقم 786 ، ص98 ، مکتبة کاشف الغطاء - قال : عدل المصنف عن هذا الرأی فی أواخر عمره ، وصار یعتبرها من الفصول المستحبّة فی الأذان .

ص:373

الصدوق والشهید الثانی والمولی الاردبیلی وغیرهم لأنّهم ینکرون قولها علی نحو الجزئیة لا بقصد القربة .

7 - إنّ الآتی بالشهادة الثالثة فی الأذان لم یکن مأثوماً وإن کان مخطئاً بصناعة الاستنباط ، لأنّه بذل وسعه وعمل باخبار شاذة تارکاً المحفوظ والمعمول علیه عند الأصحاب .

8 - الاولی باعتقاد الشیخ المجلسی أن یاتی بالشهادة بالولایة علی أنّها جزء الإیمان لا جزء الأذان ، وإن أمکن القول بوجودها واقعاً وترکها للتقیّة کما وقع فی کثیر من الأخبار ترک « حیّ علی خیر العمل » تقیّة .

9 - ثبت أنّ للتفویض معانی عدیدة فلذلک تساءل المجلسی رحمة الله : أی جماعة یریده الصدوق من المفوّضة ، فلو أراد القائلین بعدم سهو النبیّ أو ان للنبیّ الزیادة فی العبادات وامثالها فهو ما یقول به « کل الشیعة غیر الصدوق ] وشیخه ابن الولید [ ، وان کانوا غیر هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتی ننسب إلیهم الوضع واللعن ، نعم کل من یقول بالوهیة الأئمّة أو نبوتهم فإنهم ملعونون » .

10 - انّ تکرار فصول الأذان مکروه ، وقیل یحرم فی « الصلاة خیر من النوم » لأنّه غیر متلقی من الشارع المقدّس ، ولا یجوز ادخال الشهادة بالولایة فی الأذان لأنّها لیست من أصل الأذان ، نعم لو اتی بها شخص - بدون اعتقاد الجزئیة - اتقاءً من جهلة الشیعة الذین یرمونه بالنصب أو تیمناً وتبرکاً فذاک جائز وخصوصاً مع ورودها فی شواذ الأخبار ، ثم لخص کلامه بالقول : « فلو ثبت ذلک عند الشارع وعمل بها أحد فلا باس ، وإلّا فالإتیان بها من باب التیمن والتبرک أفضل » مع التاکید علی أنّها لیست من اصل الأذان .

ص:374

12 - الملا محمّد باقر السبزواری ( ت 1090 ه )

قال المحقق السبزواری فی « ذخیرة المعاد فی شرح الارشاد » :

وأمّا اضافة ان علیاً ولی الله وآل محمّد خیر البریة وامثال ذلک ، فقد صرح الأصحاب بکونها بدعة وان کان حقاً صحیحاً ، إذ الکلام فی دخولها فی الأذان ، وهو موقوف علی التوقیف الشرعی ، ولم یثبت((1)) .

ولا یخفی أنّ حاصل عبارته رحمة الله أنّ الشهادة الثالثة لا یمکن أن تدخل فی ماهیة الأذان حتی تصیر جزءاً منه ؛ لأنّ مثل هذا یحتاج إلی دلیل شرعیّ معتبر ، ولم یثبت ، فالمحقّق السبزواری تحدّث عن جهة ، وسکت عن الجهة الثانیة ؛ وهی جواز الشهادة الثالثة من باب التیمّن والتبرّک وبقصد القربة المطلقة .

فبعض الفقهاء کانوا یشیرون إلی الجهة المانعة للشهادة بالولایة فقط خوفاً من وقوع الناس فی ذلک دون الإشارة إلی الجهة الأُخری الجائزة لهم ، لکن منهج غالب الفقهاء ابتداءً من الشیخ الطوسی حتّی یومنا هذا کان الإشارة إلی الأمرین معاً ، فهم یشیرون إلی الجهتین فی کلامهم .


1- ذخیرة المعاد 2 : 254 وصفحة 254 من الطبعة الحجریة ، لکنه لم یشر فی « کفایة الفقه » المشتهر ب- « کفایة الأحکام » إلی موضوع الشهادة بالولایة ، راجع صفحه 87 - 88 ، من المجلد الأول ، ط- جامعة المدرسین / قم .

ص:375

13 - الفیض الکاشانی ( ت 1091 ه )

قال الفیض الکاشانی فی المفتاح 135 من ( مفاتیح الشرائع ) : « ما یکره فی الأذان والإقامة » :

وکذا التثویب سواء فُسِّر بقول « الصلاة خیر من النوم » أو بتکریر الشهادتین دفعتین ، أو الإتیان بالحیعلتین مثنی بین الأذان والإقامة ، وکذا غیر ذلک من الکلام وإن کان حقّاً ، بل کان من أحکام الإیمان ، لأنّ ذلک کلّه مخالف للسنة ، فإن اعتقده شرعاً فهو حرام((1)) .

فالفیض الکاشانی قال بهذا فی ( مفاتیح الشرائع ) ولم یقله فی کتابه ( النخبة فی الحکمة العملیة والأحکام الشرعیة )((2)) ، مع أنّه کان قد أشار فی ( النخبة ) إلی الأذان والإقامة واستحباب حکایتهما وعدد فصولهما .

بلی ، علّق الفیض فی ( الوافی ) علی ما جاء فی ( التهذیب ) عن أبی عبدالله : سئل عن الأذان هل یجوز أن یکون من غیر عارف ؟

قال علیه السلام : لا یستقم الأذان ولا یجوز أن یؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف ، فإن عَلِمَ الأذان فأذّن به ولم یکن عارفاً لم یجزئ أذانه ولا إقامته ولا یقتدی به .

قال رحمة الله : المراد بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة کما مرّ مراراً فإنّه بهذا المعنی فی عرفهم علیهم السلام ، ولعمری إنّ من لم یعرف هذا الأمر لم یعرف شیئاً کما فی الحدیث النبوی : من مات ولم یعرف إمام زمانه


1- مفاتیح الشرائع 1 : 118 .
2- النخبة : 108 . وانظر مفاتیح الشرائع 1 : 116 / المفتاح 132 .

ص:376

مات میتة جاهلیة ، ومن عرفه کفاه به معرفةً إذا عرفه حقّ معرفته ...((1))

فکلامه فی ( الوافی ) کان عن شرائط المؤذّن ، وأمّا وجود معنی الولایة فی فصول الأذان وعدمه فهو مما لم یتطرّق إلیه فیه .

ولا یفوتنک أنّ عبارات المجلسی والسبزواری والفیض الکاشانی وان اختلفت فی الظاهر لکنّها جاءت فی إطار واحد وهو حرمة الإتیان بالشهادة بالولایة علی نحو الجزئیة والشطریة (ومن اعتقده شرعاً فهو حرام) ، لأن الأذان أمرٌ توقیفیٌّ .

أمّا لو أتی بها تیمّناً وتبرّکاً فالظاهر أنّ هذا ما یقبله المحقّق السبزواری والفیض الکاشانی ، لأنّک لو تأمّلت فی عباراتهم لرأیتهم یؤکّدون علی بدعیة وحرمة الإتیان بها جزءاً ، لقول السبزواری « إضافة » « بدعة » « إذ الکلام فی دخولها فی الأذان وهو موقوف علی التوقیف الشرعیّ ولم یثبت » ، وقول الفیض الکاشانی « فإن اعتقده شرعاً فهو حرام » وکلّ هذه التعابیر تشبه ما جزم به الشهید الثانی والمقدّس الأردبیلی وغیرهما حیث ذکروا جواز الإتیان بها بشرط أن لا تکون علی نحو الجزئیّة ، فالعبارات واحدة المؤدّی عند کلّ العلماء ابتداءً من الشیخ الطوسی حتّی الفیض الکاشانی .

نعم ، فی کلام السیّد عبدالله بن نور الدین الجزائری ( ت 1114 ه- ) - عند شرحه لکلام الفیض فی کتابه ( التحفة السنیة فی شرح النخبة المحسنیة ) - ما یفهم منه بأنّ بعض فقهاء الشیعة فی عصره کانوا یأتون بها علی أنّها جزءٌ ، ولأجله قال رحمة الله : زلّة العالِم زلّةُ العالَم((2)) .


1- الوافی 7 : 591 .
2- التحفة السنیة فی شرح النخبة المحسنیة : 129 ، (مخطوط) ، مکتبة الحضرة الرضویة .

ص:377

فی حین لو تأ مّلت فیما قلناه سابقاً ، لعرفت بأنّ غالب الشیعة لم یأتوا بهذه الصیغ علی أنّها جزءٌ وشطرٌ فی الأذان ، بل کانوا یأتون بها علی نحو الذکر المحبوب تیمّناً وتبرّکاً ، وأنّ اختلاف الصیغ الرائجة عند الشیعة آنذاک ، ومنذ عهد الصدوق إلی یومنا هذا ، یؤکّد بأنّهم لا یأتون بها إلّا علی المحبوبیة ، وقد صرّح الفقهاء بذلک من قدیم الزمان إلی یومنا هذا فی رسائلهم العملیة .

فلا تخالف إذن بین من یقول بجوازها وبین من یقول بحرمتها وبدعیتها حسب التوضیح الّذی قلناه .

القرن الثانی عشر الهجری

اشارة

وهو قرن حافل بالأعلام والفقهاء العظام ، ولو راجعت کتاب « طبقات أعلام الشیعة » لوقفت علی أسمائهم ، وفی هذا القرن لم یتعرّض الفاضل الهندی ( ت 1137 ه- ) فی ( کشف اللثام )((1)) ، ولا جدّی السیّد محمّد إسماعیل المرعشی الشهرستانی فی ( المقتضب )((2)) ، ولا الحرّ العاملی ( ت 1104 ه- ) فی ( هدایة الامة )((3)) إلی موضوع الشهادة بالولایة فی الأذان ، وإن کان المحدّث الحرّ العاملی قد أشار إلی هذا الموضوع تلویحاً بعد أن ذکر الروایات المختلفة فی عدد فصول الأذان والإقامة ، وأنه : 37 أو 38 أو 42 ، فقال :

وهنا اختلافٌ غیر ذلک ، وهو من أمارات الاستحباب((4)) .

لکنّ بعض الأعلام فی هذا القرن تطرّقوا إلی موضوع الشهادة الثالثة فی کتبهم


1- کشف اللثام 3 : 375 .
2- وهو أول عَلَم من أعلام أُسرتنا جاور الحائر الحسینی ، وکتابه مخطوط ومحفوظ فی خزانة العائلة فی کربلاء المقدّسة .
3- هدایة الأ مّة إلی احکام الأئمّة 2 : 258 .
4- هدایة الأ مّة 2 : 259 .

ص:378

ورسائلهم العملیة بشیء من التفصیل ، وهو یشیر إلی جواز هذا العمل عندهم وعدم لزومه ، وأنّ اشارة هؤلاء إلی هذه المسألة کاف للدلالة علی امتداد السیرة بالشهادة بالولایة فی هذا القرن ، وهم :

14 - علی بن محمّد العاملی (ت 1103 ه ) سبط الشهید الثانی

أتی الشیخ علی بن محمّد بن الحسن العاملی « سبط الشهید الثانی » - فی حاشیته علی شرح اللمعة الدمشقیة لجدّه الشهید الثانی ، المسمی : ب- ( الزاهرات الرویّة فی الروضة البهیة ) - بکلام الشیخ فی المبسوط ، ثمّ قال :

وأطلق عدم الإثم به ، أی لم یقیّده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نیّة أنّه منه ، وفی البیان : قال الشیخ : فأمّا قول أشهد أنّ علیّاً ولی الله ... وفی الذکری نقل عدم الإثم عن المبسوط بعد قول الشیخ : ومن عمل به کان مخطئاً((1)) .

فالشیخ العاملی أراد من مجموع کلامه السابق الإشارة إلی جواز الإتیان بها ، لکن ربّما یظهر من عبارته أنّه فهم من کلام الشیخ الطوسی أنّ القائل بالشهادة الثالثة بنیّة أنّها جزء الأذان جائز لقوله رحمة الله : « واطلق عدم الاثم به ، أی لم یقیده بعدم الاعتقاد ، أو بعدم نیة أنّه منه » .

لکن یردّه أن الشیخ حکم بخطأ ذلک فی النّهایة ، بحسب الجمع بین قولیه والذی تقدّم التفصیل فیه .

والحاصل : أنّ سبط الشهید الثانی قائل بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان ، وأنّ من


1- الزهرات الرویة فی الروضة البهیة ، نسخة خطیة برقم 801 . مؤسسة کاشف الغطاء العامة - النجف الأشرف ، وهذا الکتاب قد طبع بتحقیق الشیخ الشهید بید الدواعش الشیخ مشتاق الزیدی رحمه الله وصدر عن دار المورّخ العربی 1435 / 2014 م، لکنّا لم نقف علی مبحث الأذان والإقامة فیه حتّی نخرّج منه ولأجله خرجنا من المخطوط.

ص:379

عمل بشواذ الأخبار هنا لیس مأثوماً وان کان مخطئاً للأخذه بالمرجوح وترک الراجح .

15 - الشیخ محمّد باقر المجلسی (ت 1111 ه )

قال الشیخ محمّد باقر المجلسی فی ( بحار الأنوار ) :

لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشیخ والعلّامة والشهید وغیرهم بورود الاخبار بها .

قال الشیخ فی المبسوط : فأمّا قول «أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین» ، و«آل محمّد خیر البریة» علی ما ورد فی شواذّ الأخبار ، فلیس بمعمول علیه فی الأذان ، ولو فعله الإنسان لم یأثم به ، غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله .

وقال فی النّهایة : فأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار من قول : « أنّ علیاً ولی الله » و«أنّ محمّداً وآله خیر البشر » ، فمما لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة ، فمن عمل به کان مخطئاً .

وقال فی المنتهی : وأمّا ما روی فی الشاذّ من قول : « ] أشهد [ أنّ علیاً ولی الله » ، و« آل محمّد خیر البریة » ، فمما لا یعوّل علیه .

و یؤ یّده ما رواه الشیخ أحمد بن أبی طالب الطبرسی رحمة الله فی کتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاویة ، قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لمّا اُسری برسول الله رأی علی العرش لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، أبو بکر الصدّیق .

فقال : سبحان الله !! غیرّوا کلّ شیء حتّی هذا ؟!

قلت : نعم .

ص:380

قال : إنّ الله عزّ وجلّ لمّا خلق العرش کتب علیه « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علی أمیر المؤمنین » ، ثمّ ذکر کتابة ذلک علی الماء ، والکرسی ، واللوح ، وجبهة إسرافیل ، وجناحی جبرئیل ، وأکناف السماوات والأرضین ، ورؤوس الجبال والشمس والقمر ، ثم قال علیه السلام : « فإذا قال احدکم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » ، فیدلّ علی استحباب ذلک عموماً ؛ والأذان من تلک المواضع ، وقد مرّ أمثال ذلک فی أبواب مناقبه علیه السلام ، ولو قاله المؤذّن أو المقیم لا بقصد الجزئیّة ، بل بقصد البرکة ، لم یکن آثِماً ، فإنّ القوم جوّزوا الکلام فی أثنائهما مطلقاً ، وهذا من أشرف الأدعیة والأذکار((1)) .

ولا یخفی ان الشیخ المجلسی کان لا یستبعد القول بأنّها من الاجزاء المستحبة لورود الأخبار الشاذه بها لقوله فی بدایة کلامه : ( لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الاجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشیخ والعلّامة وغیرهم بورود الأخبار بها ) وأنّ فتواه فی قوله « فیدل علی استحباب ذلک عموماً » مبنیّ علی أساس قاعدة التسامح فی أدلّة السنن الّتی تسوّغ لبعض الفقهاء أن یحتجوا بالأخبار المرسلة ، کمرسلة القاسم بن معاویة الآنفة .

أترک کلامه بدون أی تعلیق لوضوحه.


1- بحار الأنوار 81 : 111 - 112 وانظر تمام الخبر فی الاحتجاج 1 : 230 .

ص:381

16 - السیّد نعمة الله الجزائری (ت 1112 ه)

قال السیّد نعمة الله الجزائری فی ( الأنوار النعمانیة ) معلّقاً علی خبر القاسم بن معاویة :

و یستفادُ من قوله علیه السلام : « إذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فلیقل علی أمیر المؤمنین » عمومُ استحباب المقارنة بین اسمیهما علیهما السلام إلّا ما أخرجه الدلیل کالتشهّدات الواجبة فی الصّلوات ، لأنّها وظائف شرعیة ، وأمّا الأذان فهو وإن کان من مقدّمات الصلاة إلّا أنّه مخالف لها فی أکثر الأحکام ، فلا یبعد القول من هذا الحدیث باستحباب لفظ « علی ولی الله » أو « أمیر المؤمنین » أو نحو ذلک فی الأذان ، لأنّ الغرض الإتیان باسمه کما لا یخفی .

ثم ذکر السیّد الجزائری مناماً بهذا الصدد فقال :

فلمّا تیقّظت رأیت ذلک الدعاء فی بعض الکتب وفیه اسم علی علیه السلام ، والّذی یأتی علی هذا أن یذکر اسم علی علیه السلام فی الأذان وما شابهه ، نظراً إلی استحبابه العامّ ولا یقصد أنّه وظیفة شرعیة فی خصوص هذا الموضع ، وهکذا الحال فی أکثر الأذکار ، مثلاً « قول لا إله إلّا الله » مندوب إلیه فی کلّ الأوقات ، فلو خُصّ منه عدد فی یوم معیّن لکان قد ابتدع فی الذکر((1)) ، وکذا سائر العبادات المستحبّة ، فتأمّل((2)) .


1- نعم هذا الابتداع لو کان بقصد الورود لکان حراماً ممنوعاً ، لکن تحدیده ورداً لنفسه غیر مدعی صدوره عن الشارع فلا مانع .
2- الأنوار النعمانیة 1 : 169 .

ص:382

فالملاحظ أنّ الجزائری قدس سره قد أفتی باستحباب الشهادة الثالثة فی الأذان لا بعنوان أنّها وظیفة شرعیة فیه ، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه ، غایة ما فی الأمر هو استحباب الاقتران العامّ فی ذکر علیٍّ بعد ذکر النبیّ استناداً لخبر القاسم بن معاویة ، وهذا یعنی أنّ الاستحباب علی قسمین :

الأوّل : أن یبتنی علی نصّ خاصّ فی خصوص الأذان ، وهو مفقود فی المقام إلّا ما ذکره الشیخ الصدوق والشیخ الطوسی ، وقد تقدّم البحث فی ذلک .

والثانی : ینطلق من منطلق الاستحباب النفسی للشهادة بالولایة ، وهذا ثابت لا کلام فیه .

وقیل أنّ هذا الاستحباب یمکن تعمیمه لکن بشرط أن لا یدخل فی ماهیّة العبادات الأخری ؛ وعلی هذا الأساس فالشهادة بالولایة مستحبّة فی کلّ حال ، لکنّها لیست جزءاً من الأذان ؛ أی لیست داخلة فی ماهیّته ، وعلی هذا الأساس یتفرّع التفصیل : فإن کانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهی بدعة عند السیّد الجزائری ، وإذا دارت مدار الثانی فهی مستحبة لعموم الاقتران لا غیر ، ولا دخل لها فی الأذان ، ألا کونها مما ینطبق علیها ذلک العموم لا غیر .

17 - محمّد بن حسین الخونساری (ت 1112 ه)

قال آقا جمال الدین محمّد بن حسین الخونساری فی ( آداب الصلاة ) :

ویکره الکلام فی أثنائهما ، وخصوصاً فی الإقامة بعد الإتیان ب- « قد قامت الصلاة » ، وإذا أتی شخص بعد الشهادتین - بقصد التیمّن والتبرّک ، ولتجدید الإیمان لا اعتقاداً منه أنّها جزء الأذان ، مرة أو مرتین - ب- « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » ، فلا اشکال فیه((1)) .


1- آداب الصلاة باللغة الفارسیة ، المطبوع ضمن « رسائل / ست عشرة رسالة » : 421 .

ص:383

ولا ریب فی أنّ زبدة فتواه هی الجواز ، لکن لا بعنوان الجزئیة بل بعنوان التیمّن والتبرّک وتجدید الإیمان ، وقد مرّ علیک کلام المجلسی الثانی الذی أکّد بأنّ ذکر علی مقترناً بذکر النبیّ من أشرف الأذکار ، لِما فی ذلک من التیمّن والتبرّک والثبات علی الإیمان .

18 - الشیخ یوسف البحرانی (ت 1186 ه )

قال الشیخ یوسف البحرانی - بعد أن نقل بعض الروایات فی الباب وبیاناته علیها ، وما ذکره الصدوق قدس سره من قوله : « والمفوضة لعنهم الله » ، وتعلیقة شیخنا المجلسی فی البحار علیه - قال :

انتهی ] کلام المجلسی [ ، وهو جیّد ، أقول : أراد بالمفوّضة هنا القائلین بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض خلق الدُّنیا إلی محمّد صلی الله علیه و آله وعلیّ علیه السلام ، والمشهور بهذا الاسم إنّما هم المعتزلة القائلون بأنّ الله عزّوجلّ فوّض إلی العباد ما یأتون به من خیر وشر((1)) .

وأشار فی آخر کلامه إلی بعض الأمور المهمّة التی تتعلّق بأصل الأذان وأنّه وحیٌّ لا منام عند أهل البیت ، نزل به جبرئیل علی رسول الله ، وأنّ جبرئیل أذّن له به فی صلاته بالنبیّین والملائکة فی حدیث المعراج ، ثمّ ناقش الشیخ البحرانی ما قالته العامّة من أنّ الأذان کان برؤ یا ، وأخیراً نقل ما رواه الصدوق فی کتاب « العلل » و « العیون » عن الفضل بن شاذان فی العلل فی معنی الحیعلة ، وجاء بما روی عن الإمام الکاظم عن معناها وأنّها الولایة ، وفی کلّ هذه الأمور التی ذکرها إشارات إلی محبوبیّة ذکر الولایة فی الأذان عنده .

والحاصل : أنّ المحقق البحرانی یذهب إلی ما ذهب إلیه المجلسی قدس سره ، حیث علق علی کلامه بقوله : « وهو جیّد » ، أی أنّ البحرانی قائل علی غرار ما قاله المجلسی .


1- الحدائق الناضرة 7 : 404 .

ص:384

القرن الثالث عشر الهجری

اشارة

و إلیک الآن کلمات علماء هذا القرن حول الشهادة بالولایة مع بعض تعلیقاتنا علیها .

19 - الوحید البهبهانی ( 1117 - 1205 ه )

قال جدّی الأمی((1)) المولی محمّد باقر الوحید البهبهانی - معلّقاً علی قول صاحب المدارک : « فتکون الزیادة فیه تشریعاً محرماً » - :

التشریع إنَّما یکون إذا اعتقد کونه عبادة مطلوبة من الشرع من غیر جهة ودلیل شرعیِّ ، والترجیعُ علی ما حقّقه لیس إلّا مجرّد فعل وتکرار ، أمّا کونه داخلاً فی العبادة ومطلوباً من الشارع فلا ، فیمکن الجمع بین القولین بأنّ القائل بالتحریم بناؤه علی ذلک ، والقائل بالکراهة بناؤه علی الأوّل ، وکونُهُ مکروهاً لأنّه لغوٌ فی أثناء الأذان وکلامٌ ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم ، فتأمّل .

وممّا ذکرنا ظهر حال « محمّد وآله خیر البریّة » و« أشهد أنّ علیاً ولی الله » بأنّهما حرامان بقصد الدخول والجزئیة للأذان لا بمجرّد الفعل .


1- أنا علی بن عبدالرضا بن زین العابدین بن محمّد حسین بن محمّد علی الحسینی المرعشی الشهرستانی ، وقد تزوج جدّی السیّد محمّد علی فاطمة ابنة الشیخ أحمد بن محمّد علی بن محمّد باقر البهبهانی ، فأنا سبط الوحید وهو جدّی من جهة الأمّ ، وعن طریقه نرتبط بشیخنا المفید ، لأنّ الوحید من أحفاده حسبما ذکرته کتب التراجم ، وبالتقی المجلسی ، لان ام الوحید هی بنت آمنة بنت المجلسی الاول والتی تزوجها ملا صالح المازندرانی - شارح الکافی - .

ص:385

نعم ، توظیف الفعل فی أثناء الأذان ، ربّما یکون مکروهاً ( بکونه مغیِّراً لهیئة الأذان )((1)) بحسب ظاهر اللفظ ، أو کونه کلاماً فیه ، أو للتشبّه بالمفوّضة ، إلّا أنّه ورد فی العمومات : أنّه متی ذکرتم محمّداً فاذکروا آله ، أو متی قلتم : محمّد رسول الله ، فقولوا : علی ولی الله ، کما رواه فی الاحتجاج((2)) ، فیکون حاله حال الصلاة علی محمّد وآله بعد قوله : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » فی کونه خارجاً عن الفصول ومندوباً إلیه عند ذکر محمّد ، فتأ مّل جدّاً((3)) .

وقال فی ( مصابیح الظلام فی شرح مفاتیح الشرائع ) :

السابع : قد عرفت کیفیّة الأذان والإقامة وهیئتهما ، وأنّه لیس فیهما « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » ، ولا « محمّد وآله خیر البریّة » وغیر ذلک ، فمن ذکر شیئاً من ذلک ، بقصد کونه جزء الأذان ، فلا شکّ فی حرمته ، لکونه بدعة .

وأمّا من ذکر لا بقصد المذکور ، بل بقصد التیمّن والتبرّک ، کما أنّ المؤذّنین یقولون بعد « الله أکبر » ، أو بعد « أشهد أن لا إله إلّا الله » : جلَّ جلاله ، وعَمَّ نواله ، وعظم شأنه ، وأمثال ذلک تجلیلاً له تعالی ، وکما یقولون : صلّی الله علیه وآله بعد « محمّد رسول الله » ، لِما ورد من قوله علیه السلام : «من ذکرنی فلیصلّ علیّ »((4)) ، وغیر


1- قال محقق الکتاب : بدل ما بین القوسین فی « ب » و« ج » و« د » : من کونه بغیر هیئة الأذان .
2- انظر الاحتجاج 1 : 231 ، البحار 81 : 112 .
3- حاشیة المدارک 2 : 410 .
4- لاحظ وسائل الشیعة 5 : 451 / الباب 42 / فی وجوب الصلاة علی النبی کلّما ذکر فی أذان أو غیره .

ص:386

ذلک ممّا مرّ فی شرح قول المصنّف : « والصلاة علی النبی صلی الله علیه و آله ، إذ لا شکّ فی أنّ شیئاً من ذلک لیس جزءً من الأذان » .

فإن قلت : الصلاة علی النبی وآله علیهم السلام ورد فی الأخبار((1)) ، بل احتُمِل وجوبهما ، لما مرّ ، بخلاف غیره .

قلت : ورد فی الأخبار مطلوبیّتهما عند ذکر اسمه صلی الله علیه و آله ، لا أنّهما جزء الأذان ، فلو قال أحد بأنّه جزء الأذان ، فلا شکّ فی حرمته ، وکونه بدعة ، وإن قال بأنّه لذکر اسمه صلی الله علیه و آله فهو مطلوب .

وورد فی « الاحتجاج » خبر متضمّن لمطلوبیّة ذکر « علیّ ولیّ الله » ، فی کلّ وقت یذکر محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله ((2)) ، مضافاً إلی العمومات الظاهرة فی ذلک .

مع أنّ الشیخ صرّح فی ( النّهایة ) بورود أخبار تتضمّن ذکر مثل « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » فی الأذان((3)) .

والصدوق أیضاً صرّح به ، إلّا أنّه قال ما قال((4)) . ومرّ فی بحث کیفیّة الأذان ، فأیّ مانع من الحمل علی الاستحباب ؟ موافقاً لما فی « الاحتجاج » ، و] ما [ ظهر من العمومات ، لا أنّه جزء الأذان ، وإن ذکر فیه .

ألا تری إلی ما ورد من زیادة الفصول ، وحملوه علی الاستحباب


1- لاحظ وسائل الشیعة 5 : 451 / الباب 42 / فی وجوب الصلاة علی النبی کلّما ذکر فی أذان أو غیره .
2- الاحتجاج 1 : 230 .
3- النّهایة للشیخ الطوسی : 69 .
4- من لا یحضره الفقیه 1 : 290 / ذیل الحدیث 897 .

ص:387

والمطلوبیّة فی مقام الإشعار وتنبیه الغیر((1)) علی ما مرّ ، مضافاً إلی التسامح فی أدلّة السنن .

وغایة طعن الشیخ علی الأخبار المتضمّنة لما نحن فیه أنّها شاذّة((2)) ، والشذوذ لا ینافی البناء علی الاستحباب ، ولذا دائماً شغل الشیخ بحمل الشواذّ علی الاستحباب .

منها صحیحة ابن یقطین الدالّة علی استحباب إعادة الصلاة مطلقاً عند نسیان الأذان والإقامة((3)) ، وروایة زکریّا بن آدم السابقة((4)) ، مع تضمّنها ما لم یقل به أحد ، بل وحرام ، من قوله : « قد قامت الصلاة » فی أثناء الصلاة ، وغیر ذلک من الحزازات التی فیها وعرفتها .

وبالجملة : کم من حدیث شاذّ ، أو طعن علیه بالشذوذ ، أو غیره ، ومع ذلک عمل به فی مقام السنن والآداب ، بل ربّما یکون حدیث مطعون علیه عند بعض الفقهاء والمحدّثین غیر مطعون علیه عند آخرین ، فضلاً عن الآخر ، سیّما فی المقام المذکور .

والصدوق وإن طعن علیها بالوضع من المفوّضة((5)) . لکن لم یُجْعَلْ کلّ طعن منه حجّة ، بحیث یرفع الید من جهته عن


1- تهذیب الأحکام 2 : 63 / ذیل الحدیث 225 ، الاستبصار 1 : 309 / ذیل الحدیث 1148 .
2- النّهایة للشیخ الطوسی : 69 ، المبسوط 1 : 99 .
3- تهذیب الأحکام 2 : 279 / الحدیث 1110 ، الاستبصار 1 : 303 / الحدیث 1125 ، وسائل الشیعة 5 : 433 / الحدیث 7012 .
4- تهذیب الأحکام 2 : 278 / الحدیث 1104 ، وسائل الشیعة 5 : 435 / الحدیث 7018 .
5- من لا یحضره الفقیه 1 : 290 / ذیل الحدیث 897 .

ص:388

الحدیث ، وإن کان فی مقام المذکور . ومن هنا تری الشیخ لم یطعن علیها بذلک أصلاً .

علی أنّا نقول : الذکر من جهة التیمّن والتبرّک ، لا مانع منه أصلاً ، ولا یتوقّف علی صدور حدیث ، لأنّ التکلّم فی خلالهما جائز ، کما عرفت ، فإذا کان الکلام اللغوُ الباطلُ غیرَ مضرٍّ ، فما ظنّک ربمّا یفید التبرّک والتیمّن ؟

لا یقال : ربّما یتوهّم الجاهل کونه جزءَ الأذان ، إذا سمع الأذان کذلک ، فیفسّر فیقول علی سبیل الجزئیّة .

لأ نّا نقول : ذکر « صلّی الله علیه وآله » فی الأذان والإقامة ، والالتزام به أیضاً ، ممّا یصیر منشأً لتوهّم الجاهل الجزئیّة ، بل کثیر من المستحبّات والآداب فی الصلاة وغیرها من العبادات یتوهّم الجاهل کونها جزء .

وکان المتعارف من زمان الرسول صلی الله علیه و آله إلی الآن یرتکب فی الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل ، فإنّ التقصیر إنّما هو من الجاهل ، حیث لم یتعلّم فتخرب عباداته ، ویترتّب علی جهله مفاسد لا تحصی ، منها استحلاله کثیراً من المحرّمات من جهة عدم فرقه بین الحرام من شیء والمباح منه . وربّما یعکس الأمر .. إلی غیر ذلک من الأحکام .

هذا ؛ مع أنّه یمکن تعبیره بنحو یرتفع توهّم المتوهّم ، بأن یذکر مرّة ، أو ثلاث مرّات ، أو یجعل من تتمّته صلی الله علیه و آله ، وغیر ذلک((1)) .

وشیخنا الوحید البهبهانی قدس سره أراد بکلامه فی ( حاشیة المدارک ) و( مصابیح


1- مصابیح الظلام 7 : 31 - 34 .

ص:389

الظلام ) نفی الجزئیة عن الشهادة الثالثة ، لأنّ الإتیان بها بهذا القصد بدعة محرمة ، لکنّه فرّق بین الإتیان بالترجیع وبین الإتیان بالشهادة بالولایة ، فقال بکراهة الأوّل ، لأنّه لغو فی أثناء الأذان ، وأنّه کلام آدمی ، أو للتشبّه بالعامة أو ببعضهم ، بعکس الشهادة بالولایه لعلی فهی مستحبّة ومندوبة لما دلّت علیه أدلّة الاقتران ، لقوله رحمة الله فی حاشیة المدارک : « إلّا أنّه ورد فی العمومات : أنّه متی ذکرتم محمّداً فاذکروا آله ، أو متی قلتم : محمّد رسول الله فقولوا : علی ولی الله کما رواه فی الاحتجاج فیکون حاله حال « الصلاة علی محمّد وآله » بعد قوله : أشهد أنّ محمّداً رسول الله فی کونه خارجاً عن الفصول ومندوباً إلیه عند ذکر محمّد صلی الله علیه و آله ) .

ثمّ ذکر الوحید البهبهانی هذا الأمر بتفصیل أکثر فی ( مصابیح الظلام ) متعرّضاً للشبهات التی قیلت أو یمکن أن تقال فی الشهادة بالولایة ، کشبهة توهّم الجزئیة للمکلّفین وفوت الموالاة و ... ، وَرَدَّ جمیعَ تلک الشبهات ، وهو یؤکّد بنحو الجزم ذهابه إلی رجحان الإتیان بها لا بقصد الجزئیة . لأنّه ذکر مستحب فی نفسه للاقتران المذکور .

20 - السیّد مهدی بحر العلوم ( 1155 - 1212 ه )

قال السیّد بحر العلوم فی منظومته المسمّاة ( الدرة النجفیة ) فی الفصل المتعلّق بالأذان والإقامة « السنن والاداب » :

صلِّ إذا ما اسمُ محمَّد بدا

علیه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا

وأکمِلِ الشَّهادتین بالَّتی

قد أُکمِل الدّینُ بها فی الملَّةِ

وإنّها مثل الصلاة خارِجَه

عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه((1))

فالسیّد بکلامه هنا اعتبر الشهادة بالولایة مکمّلة للشهادتین فی الأذان ؛ استناداً


1- الدرة النجفیة : 112 ، منشورات مکتبة المفید .

ص:390

لقوله تعالی { الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَ تْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِیناً } وجریاً مع الصلوات علی محمّد وآل محمّد ، والذی فیه التوحید والنبوة والإمامة ، لأنّ جملة « اللّهمّ صَلِّ علی محمّد وآل محمّد » فیه طلب ودعاء من الله لنزول الرحمة علی النبی محمّد وعلی آله الطیبین الطاهرین .

فقوله :

صلِّ إذا ما اسمُ محمَّد بدا علیه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا

هو إشارة إلی هذه المقارنة بین الشهادة بالولایة فی الأذان مع الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمه .

فکما یستحبّ للمؤذن عند قوله « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » أن یقول : « اللّهمّ صلّ علی محمّد وآله » ، فکذلک یُستحبّ أن یقول : « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » بعد إکمال الشهادتین.

وکما أنّ الصلاة علی محمّد وآله عند شهادة المؤذّن بالرسالة لا تخلّ بالأذان ، فکذلک الشهادة لعلیّ لا تخلّ فیه لأنّه ذکر محبوبٌ دعا إلیه الشارع من خلال العمومات الواردة فی الذکر الحکیم والحدیث النبویّ الشریف .

وعلیه فالسیّد بحر العلوم رحمة الله عدّ الشهادة الثالثة من کمال فصول الأذان خلافاً للشیخ الطوسی ، وکان القائل بکونها مکملة للشهادتین یلزم من کلامه کونها جزءاً مستحباً ، فلو ثبتت هذه الملازمة فسیکثر القائلون بالجزئیة المستحبة .

هذا وإنی راجعت کتاب السیّد بحر العلوم « مصابیح الاحکام المخطوط » للوقوف علی رأیه فی الشهادة الثالثة فلم اجد فیه شیئاً عنها مکتفیاً بالقول: یستحبّ الأذان فی الفرائض الیومیّة والجمعة استحباباً مؤکداً فی حقّ الرجال وخصوصاً فی الجماعة، وصلاتی الغداة والمغرب کما هو المشهور .

ص:391

21 - الشیخ محمّد علی الکرمانشاهی ( ت 1216 ه )

قال جدّی الأمّیّ الشیخ محمّد علی الکرمانشاهی بن محمّد باقر البهبهانی المعروف ب- « الوحید البهبهانی » فی ( مقامع الفضل ) ما ترجمته :

لا مانع أن یقول القائل بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » مرتین ، والأولی أن یقولها بقصد التبرّک لا بقصدِ الأذان .... والإقامة مثل الأذان((1)) .

وقد یستفاد من کلمة « والاولی » امکان الاتیان بها بقصد الجزئیة المستحبة ، وان کان الاولی قولها بقصد التبرک ، وعلیه فهو من المجیزین للاتیان بها فی الأذان والإقامة لا المانعین .

22 - الشیخ حسین البحرانی ( ت 1216 ه )

قال الشیخ حسین البحرانی فی کتابه ( الفرحة الأُ نْسیّة فی شرح النّفحة القُدسیّة فی فقه الصّلوات الیومیّة ) :

وأمّا الفصل المرویّ فی بعض الأخبار المرسلة وهو « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » أو « محمّداً وآله خیر البریة » فممّا نفاه الأکثر ، وظاهر الشیخ فی المبسوط ثبوته وجواز العمل به وإن کان غیرَ لازم ، وهو الأقوی ، والطعنُ فیه بأنّه من أخبار المفوّضة والغلاة کما وقع للصّدوق فی الفقیه ممّا یشهد بثبوته وهو غیر محقّق فلا باس بما ذهب إلیه الشیخ ، ولیس من البِدَعِ کما زعمه الأکثر ، ویؤیّده وجود أخبار عدیدة آمرة بأنّه کلّما ذُکِرَ محمّد صلی الله علیه و آله وشهد له بالنبوة فلیُذْکَر معه علیٌّ علیه السلام ویُشهَد له


1- مقامع الفضل 2 : 203 .

ص:392

بالولایة((1)) .

فالشیخ البحرانی رحمة الله استفاد من ظاهر الشیخ فی المبسوط ثبوته وجواز العمل به وان کان غیر لازم وهو الاقوی عنده .

ثم جاء لیرد الطعن الوارد فیه بأنّه من اخبار المفوّضة والغلاة بأن طعن الصدوق یشهد بالثبوت ، لان الطعن فرع الورود والثبوت ولذلک قال : « وهو غیر محقق » أی طعن الصدوق غیر محقق .

23 - حسین آل عصفور البحرانی ( ت 1226 ه )

قال الشیخ حسین بن محمّد آل عصفور البحرانی - ابن أخ الشیخ یوسف صاحب الحدائق فی ( سداد العباد ورشاد العُبّاد ) ما نصه :

وأمّا قول : « أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین » أو « ولیّ الله » و« أنّ آل محمّد خیر البریة» علی ما ورد فی بعض الأخبار ، فلیس بمعمول علیه فی الاشهر ، وفاعله لا یأثم ، غیر أنّه لیس من فصولهما المشهورة - وإن حصل به الکمال ، ولیس من وضع المفوّضة - سیّما إذا قصد التبرُّک بضمّ هذه الفصول((2)) .

فالشیخ آل عصفور أراد بکلامه هذا ، التعلیق علی ما قاله الشیخ الطوسیّ فی المبسوط : « غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله » ، وکذا التعلیق علی کلام الشیخ الصدوق القائل بأنّها من وضع المفوّضة ، والقول بأنّ الشهادة الثالثة وإن حصل بها کمال الأذان إلّا أنّها مع ذلک لیست جزءاً واجباً داخلاً فی ماهیته .

وعلیه فإنّه رحمة الله وإن کان یقول بمثل کلام الشیخ الطوسی بعدم إثم فاعلها ، إلّا


1- الفرحة الأنسیة : 227 - 228 .
2- سداد العباد ورشاد العباد : 87 / البحث الثالث : فی الکیفیة والترتیب وبیان الفصول .

ص:393

أنّه لا یقول بها من خلال الأخبار الشاذّة بل للعمومات ، ولا سیّما إذا قصد بعمله التبرّک والتیمّن .

24 - الشیخ جعفر کاشف الغطاء ( ت 1228 ه )

قال الشیخ جعفر کاشف الغطاء فی کتابه ( کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء ) ما نصه :

وروی : أنّه ] أی الأذان [ عشرون فصلاً ؛ بتربیع التکبیر فی آخره((1)) .

( والمرویّ عن النبیّ صلی الله علیه و آله مرّة قول : « أشهد أنّ محمّداً » - واُخری : أنّی - رسول الله »((2)) ، والظاهر نحوه فی الإقامة ، والتشهّد )((3)) .

ولیس من الأذان قول : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » أو « أنّ محمّداً وآله خیر البریّة » ، و« أنّ علیّاً أمیر المؤمنین حقّاً » مرّتین مرّتین ؛ لأنّه من وضعِ المفوّضة - لعنهم الله - علی ما قاله الصدّوق((4)) .

ولما فی النّهایة : أنّ ما روی أنّ منه : « أنّ علیّاً ولیّ الله ، و« أنّ محمّداً وآله خیر البشر أو البریة » من شواذّ الأخبار ، لا یعمل علیه((5)) .

وفی المبسوط : قول : « أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین علیه السلام » و« آل محمّد خیر البریّة » من الشّاذّ لا یعول علیه((6)) .

وما فی المنتهی : ما روی من أنّ قول : « إنّ علیّاً ولیّ الله ، و« آل


1- مصباح المتهجد : 26 ، النهایة للشیخ الطوسی : 68 ، الوسائل 4 : 648 / أبواب الأذان والإقامة ب 19 / ح 22 ، 23 .
2- الفقیه 1 : 297 / ح 905 ، الوسائل 5 : 418 / أبواب الأذان والإقامة / ح 6974 .
3- ما بین القوسین لیس فی «م» ، «س» .
4- الفقیه 1 : 290 .
5- النّهایة : 69 .
6- المبسوط 1 : 99 .

ص:394

محمّد خیرالبریّة » من الأذان من الشاذّ لا یعوّل علیه((1)) .

ثمّ إنّ خروجه من الأذان من المقطوع به ( لإجماع الإمامیّة من غیر نکیر ، حتّی لم یذکره ذاکرٌ بکتاب ، ولا فاه به أحد من قدماء الأصحاب )((2)) .

ولأنّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإیمان ، ( ولذا ترک فیه ذکر باقی الأئمّة علیهم السلام )((3)) .

ولأنّ أمیر المؤمنین علیه السلام حین نزوله کان رعیّة للنبیّ صلی الله علیه و آله ، فلا یذکر علی المنابر .

( ولأ نّ ثبوت الوجوب للصّلاة المأمور بها موقوف علی التوحید والنبوّة فقط )((4)) .

علی أنّه لو کان ظاهراً فی مبدأ الإسلام ، لکان فی مبدأ النبوّة من الفترة ما کان فی الختام ، وقد أُمِرَ النبیّ صلی الله علیه و آله مکرّراً فی نصبه للخلافة ، والنبیُّ صلی الله علیه و آله یستعفی حذراً من المنافقین ، حتّی جاءه التشدید من ربّ العالمین .

ومَن حاول جعله من شعائر الإیمان ، لزمه ذکر الأئمّة علیهم السلام ، ( ولأنّه لو کان من فصول الأذان ، لنُقل بالتواتر فی هذا


1- منتهی المطلب 4 : 381 .
2- ما بین القوسین لیس فی «س» ، «م» .
3- ما بین القوسین زیادة فی الحجریّة .
4- ما بین القوسین زیادة فی الحجریّة .

ص:395

الزمان ، ولم یخفَ علی أحد من آحادِ نوع الإنسان)((1)) .

و إنّما هو من وضع المفوّضة الکفّار ، المستوجبین الخلود فی النّار ، کما رواه الصدوق ، وجعله الشیخ والعلّامة من شواذّ الأخبار کما مرّ .

وروی عن الصادق علیه السلام : « أنّه من قال : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین »((2)) .

ولعلّ المفوّضة أرادوا أنّ الله تعالی فوّض الخلقَ إلی علیّ علیه السلام ، فساعَدَهُ علی الخلق ، فکانَ ولیّاً ومُعیناً .

فمَن أتی بذلک قاصداً به التأذین ، فقد شرّع فی الدّین . ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان فی الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وکذا کلُّ ما انضمّ إلیه فی القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما عداه .

ومن قصد ذِکر أمیر المؤمنین علیه السلام ( لرجحانه فی ذاته ، أو مع ذکر سیّد المرسلین )((3)) أُثیب علی ذلک .

لکنّ صفة الولایة لیس لها مزید شرفیّة ( إذا لم تُقرن مع الله ورسوله فی الآیة الکریمة ؛ لحصول القرینة فیها )((4)) لأنّ جمیع المؤمنین أولیاء الله ، فلو بدّل ب- « الخلیفة بلا فصل » ، أو بقول :


1- ما بین القوسین لیس فی «س» ، «م» .
2- الاحتجاج 1 : 231 .
3- بدل ما بین القوسین فی «ح» : لإظهار شأنه أو لمجرد رجحانه بذاته ، أو مع ذکر ربّ العالمین ، أو ذکر سیّد المرسلین ، کما روی ذلک فیه وفی باقی الأئمّة الطاهرین ، أو الردّ علی المخالفین ، وإرغام أنوف المعاندین .
4- بدل ما بین القوسین فی «ح» : لکثرة معانیها ، فلا امتیاز لها إلاّ مع قرینة إرادة معنی التصرّف والتسلّط فیها ، کالاقتران مع الله ورسوله والأئمّة فی الآیة الکریمة ونحوه .

ص:396

« أمیر المؤمنین » ، أو بقول : « حجّة الله تعالی » ، أو بقول : « أفضل الخلق بعد رسول الله صلی الله علیه و آله » ونحوها ، کان أولی((1)) .

ثمّ قول : « وإنّ علیّاً ولیّ الله » ، مع ترک لفظ « أشهد » أبعد عن الشُبهة ، ولو قیل بعد ذکر رسول الله : « صلی الله علی محمّد سیّد المرسلین ، وخلیفته بلا فصل علیّ ولیّ الله أمیر المؤمنین » لکان بعیداً عن الإیهام ، وأجمع لصفات التعظیم والاحترام((2)) .

و یجری فی وضعه فی الإقامة نحو ما جری فی الأذان .

و یجری فی جمیع الزیادات هذا الحکم ، کالترجیع ، وهو زیادة الشّهادة بالتوحید مرّتین ، فیکون أربعاً ، أو تکریر التکبیر ، والشّهادتین فی أوّل الأذان ، أو تکرار الفصل زیادة علی الموظّف ، أو تکرار الشّهادتین جهراً بعد إخفاتهما ، وفی تکریر الحیعلات ، أو « قد قامت الصّلاة » ، وجمیع الأذکار المزادة فیه ، فیختلف حکمها باختلاف القصد ، ولا بأس بها ما لم یقصد بها الجزئیّة أو التقریب بالخصوصیة ما لم یحصل فصل مخلّ بهیئة الأذان((3)) .

قد یتصور البعض بأنّ الشیخ کاشف الغطاء بکلامه هذا کان یعتقد بصحة کلام الشیخ الصدوق ، وذلک لقوله : ولیس من الأذان قول : « أشهد أن علیّاً ولی


1- فی «ح» زیادة : وأبعد عن توهّم الأعوام أنّه من فصول الأذان .
2- فی «ح» زیادة : ثمّ الذی انکر المنافقون یوم الغدیر ، وملأ من الحسد قلوبهم النصّ من النبیّ صلی الله علیه و آله علیه بإمرة المؤمنین . وعن الصادق علیه السلام : من قال : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام .
3- کشف الغطاء 3 : 143 - 145 .

ص:397

الله » ... إلی آخره ، ثم قوله بعد ذلک : « وإنما هو وضع المفوضة الکفار ، المستوجبین الخلود فی النار ، کما رواه الصدوق ، وجعله الشیخ والعلّامة من شواذّ الأخبار کما مر » ، وهذا التصوّر غیر صحیح ؛ وذلک لأمور :

الأوّل : إنّ ما قاله رحمة الله کان حکایة عن قول الصدوق ولیس تبنّیاً منه لذلک ؛ لقوله رحمة الله : « علی ما قاله الصدوق » وفی الآخر : « کما رواه الصدوق ، وجعله الشیخ والعلّامة من شواذّ الأخبار » .

الثانی : إنّ الشیخ کاشف الغطاء قد أتی بغالب الصیغ التی قیلت فی الشهادة الثالثة وأضاف علیها المزیدَ ؛ لقوله رحمة الله : « لکنّ صفة الولایة لیس لها مزید شرفیّة ، لأنّ جمیع المؤمنین أولیاء الله ، فلو بدّل بالخلیفة بلا فصل له ، أو بقول : أمیر المؤمنین ، أو بقول : حجّة الله تعالی ، أو بقول : أفضل الخلق بعد رسول الله صلی الله علیه و آله ، ونحوها کان اولی » .

الثالث : إنّ الشیخ کاشف الغطاء رحمة الله مع الشیخ الصدوق رحمة الله إن صحّ وضعها من قبل المفوّضة ، کما نحن وجمیع المسلمون معه ، لأنّها لیست من أصل الأذان ، لکنّ إفتاء الشیخ بالصیغ المحکیّة عن الصدوق ، وإضافته جُمَلاً جدیدة علیها تؤکّد سماحه بالإتیان بها لا علی نحو الجزئیّة ؛ لقوله : « ومن قصد ذکر أمیر المؤمنین علیه السلام لرجحانه فی ذاته أو مع ذکر سیّد المرسلین أثیب علی ذلک » .

أمّا قوله رحمة الله «لأنّه وضع لشعائر الإسلام ، دون الإیمان » فهو صحیح أیضاً إن کان یعنی الإسلام الصحیح الکامل وهو المتمثل بالشهادة بالولایة لعلی ، لان لیس هناک إسلام صحیح کامل دون الولایة باعتقاد الشیخ تبعاً لائمته ، وقد وقفت سابقاً علی اعتراض الإمام الحسین علیه السلام لمن اعتبر الأذان رؤیا بقوله علیه السلام : « الأذان وجه دینکم » ، فلا یتحقق الوجهیة للدین إلّا من خلال الولایة ، ولا معنی للدین عند الأئمة إلّا مع الولایة ، ولاجل ذلک نری الإمام الرضا حینما یروی حدیث

ص:398

السلسلة الذهبیة یقول : « بشرطها وشروطها وأنا من شروطها » .

فقد یکون الشیخ رحمة الله أراد الوقوف امام الذین یریدون ادخال الشهادة الثالثة علی نحو الجزئیة ، وان قوله الانف جاء لهذا الغرض ، لأنّه رحمة الله وحسبما عرفت لا یخطا من یأتی بها لرجحانها فی ذاته أو مع ذکر سید المرسلین بل یعتقد بأن الذی یأتی بها یثاب علی فعله رحمة الله ، لقوله « فمَن أتی بذلک قاصداً به التأذین ، فقد شرّع فی الدّین . ومَن قصدَهُ جزءاً من الأذان فی الابتداء ، بطل أذانه بتمامه ، وکذا کلُّ ما انضمّ إلیه فی القصد ، ولو اختصَّ بالقصد ، صحّ ما عداه . ومن قصد ذِکر أمیر المؤمنین علیه السلام ... ».

وعلیه فالإسلام لا یتحقّق ولا یکمل إلّا بالولایة لعلی ، لأنّ { فِطْرَتَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا }((1)) تشهد بذلک ، وذلک لما روی عن الباقر والصادق علیهما السلام فی تفسیر قوله تعالی { فِطْرَتَ اللَّه } قالا : هو لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین ولی الله ، إلی ها هنا التوحید((2)) .

فإذن الولایة هی کالتوحید والنبوة ؛ إذ لا یمکن فهم الإسلام إلّا من خلال الاعتراف بالله ورسوله وولیه ، وقد مرّ علیک أنّ الشارع المقدّس کان یحبّذ الدعوة إلی الولایة مع الشهادتین فی الأذان ، لما جاء فی العلل عن ابن أبی عمیر أنّه سال أبا الحسن « الکاظم » عن « حیّ علی خیر العمل » « لم ترکت ؟ ... فقال علیه السلام أن الذی أمر بحذفها ] أی عمر [ لا یرید حثاً علیها ودعوةً إلیها » .

فالشیخ رحمة الله بکلامه لا یرید المنع من المحبوبیة بل یرید المنع من الجزئیة ، ومعنی کلامه أن الأذان بدون ذکر الولایة لا یخل به ولا یبطله .

بل یمکننا أن نتجاوز هذا الکلام ونقول بأکثر من ذلک وهو إمکان لحاظ معنی


1- الروم : 30 .
2- تفسیر القمی 2 : 155 ، وعنه فی بحار الأنوار 3 : 277 . وهذا ما سنتکلم عنه فی الفصل الثالث من هذه الدراسة تحت عنوان « الشهادة الثالثة الشعار والعبادة » .

ص:399

الولایة فی الأذان لأنّه إعلام وإشعار للصلاة ولا یتحقّق الأذان الصحیح إلّا من المؤمن الموالی .

ویؤیّد ذلک ما جاء عن الإمام الرضا : « من أقرّ بالشّهادتین فقد أقر بجملة الإیمان » لا کلّه ، وسبق أن قلنا بأنّ فی کلامه علیه السلام إشارة إلی أنّ فی الأذان معنی الولایة ، وبه یکون الأذان هو شعار الإسلام والإیمان معاً ، وقد استظهر هذا - من الروایة - قَبْلَنا جدُّنا من جهة الأُم التقیّ المجلسی رحمة الله الذی مرّ علیک کلامه سابقاً .

ومن هنا أُثیرت مسألة بین الفقهاء : هل الأذان إعلام ، أم شهادة ، أم ذکر ، أم ... فذهب البعض منهم إلی أنّها إعلام ، فجوّزوا أذان الکافر لو کان مأموناً ، وذهب البعض الآخر إلی أنّها شهادة ، فاختلفوا : هل یجوز تأذین الکافر أم لا ؟ وعلی فرض أنّ الکافر شهد الشهادتین فی الأذان فهل یعتبر مسلماً بهذه الشهادة أم لا ؟ فغالب الفقهاء اختاروا العدم((1)) لکون ألفاظ الشهادتین فی الأذان غیر موضوعة لأَنْ یُعتقد بها ، بل الأذان للإعلام بوقت الصلاة ، وإن کان هذا الإعلام فی غالب الأحیان یقترن بالاعتقاد ویصدر من المعتقِد، وکذا تشهّد الصلاة لم یوضع لذلک ، بل لأنّه جزء من العبادة ، ولو صدرت عن غافل عن معناها صحّت صلاته لحصول الغرض المقصود منها ، بخلاف الشهادتین المجرّدتین ، فإنّهما موضوعتان للدلالة علی اعتقاد قائلهما .

وقد اشترط البعض لزوم اشتراط الإیمان فی المؤذّن ، لما روی فی التهذیب عن أبی عبدالله علیه السلام أنّه سئل عن الأذان : هل یجوز أن یکون من غیر عارف ؟ قال علیه السلام : لا یستقیم الأذان ولا یجوز أن یؤذّن به إلّا رجل مسلم عارف ، فإن علم الأذانَ فأذّن به ولم یکن عارفاً لم یجزئ أذانه ولا إقامته ولا یُقتدی به((2)) .


1- انظر فی ذلک روض الجنان : 242 .
2- تهذیب الاحکام 2 : 277 / باب الأذان والإقامة / ح 1101 .

ص:400

وقد مرَّ علیک تعلیق الفیض الکاشانی علی هذا الخبر بقوله : المراد بالعارف ، العارف بإمامة الأئمّة ، فإنّه بهذا المعنی فی عرفهم علیهم السلام ، ولعمری إنّ من لم یعرف هذا الأمر لم یعرف شیئاً کما فی الحدیث النبوی : من مات ولم یعرف إمام زمانه ...((1))

کلّ هذه النصوص تؤکّد لحاظ معنی الولایة ضمن الأذان ، وإن لم یشرّع من قبل الأئمّة علیهم السلام علی نحو الجزئیة .

أمّا قوله : « لأنّ أمیر المؤمنین حین نزوله کان رعیَّةً للنبیّ فلا یذکر علی المنابر » فهذا ینقضُهُ ذکر الرسول علیّاً من علی المنابر وفی أکثر من مناسبة ، وحسبک واقعة الغدیر فی حجّة الوداع واجتماع أکثر من مائة وعشرین ألف مسلم ، وخطاب الرسول فیهم خیر دلیل علی وجود ذکر علیّ فی عهد رسول الله من علی المنابر .

وکونه رعیّةً للنبیّ الأکرم لا ینافی ذکره فی الأذان ، کما أنّ کون النبیّ عبداً لله لا ینافی ذکره فی الأذان .

فلو ثبت ذکر الرسول صلی الله علیه و آله لعلی - وهو واقع یقیناً - من علی المنابر ، فما المانع أن یذکره الصحابة فی عهده صلی الله علیه و آله أو من بعده صلی الله علیه و آله لا علی نحو الجزئیة ، وقد کان مثلُهُ ممّا یعمل به بعض الصحابة مثل کدیر الضبیّ الذی کان یسلّم علی النبی والوصی فی صلاته((2)) ، وهناک روایات کثیرة أخری فی مرو یّات أهل البیت تُلْزِمُ بذکر الأئمة واحداً بعد الآخر فی خطبة الجمعة ، کما یشترط الفقهاء ذکر الصلاة علی النبیّ والآل فی تشهد الصلاة ، وفی أمور عبادیّة اخری ، وکل هذه الأمور تؤکد محبوبیة هذا الأمر ومعروفیته وإعلانه عندهم ، وبذلک فلا مانع من ذکر اسمه المبارک علی المنابر مع کونه رعیّةً للنبی صلی الله علیه و آله .


1- الوافی 7 : 591 .
2- الإصابة 5 : 576 / ت 7391 لکدیر الضبی ، والمعرفة والتاریخ 3 : 102 ، مناقب الکوفی : 386 / ح 305 .

ص:401

وقد قال الشیخ کاشف الغطاء فی مبحث التشهّد ما یؤکّد وجود معنی الولایة فی الصلاة بقوله :

... وهو وإن کان بالنسبة إلی المعنی الأصلیّ یحصل بإحدی الشهادتین ، إلّا أنّ المراد منه فی لسان الشارع والمتشرّعة مجموع الشهادتین بلفظ : « أشهد أن لا إله إلّا الله » والاحوط قول : « أشهد أن محمّداً رسول الله » من غیر واو ، ثمّ الصلاة علی النبی وآله بلفظ « اللّهم صلی علی محمّد وآله » .

ثم الأقرب منهما إلی الاحتیاط قول : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، وحده لا شریک له ، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، اللّهمّ صَلِّ علی محمّد وآل محمّد » محافظاً علی العربیة ، والترتیب والموالاة((1)) .

کلّ هذا یؤکّد عدم اقتصار الصلاة المأمور بها علی التوحید والنبوّة ، بل لابدّ من ذکر الولایة معهما ، وإن أجمل المکلّف ما أمر به بالصلاة علی محمّد وآل محمّد((2)) کان أفضل وأحسن((3)) .


1- کشف الغطاء 1 : 216 .
2- اشارة إلی ما رواه الشیخ فی التهذیب 2 : 131 / ح 506 ، والصدوق فی الفقیه 1 : 317 / ح 938 عن ابان بن عثمان عن الحلبی أنّه قال لأبی عبدالله ] الصادق علیه السلام [ : أسمی الأئمة علیهم السلام ؟ فقال : أجملهم .
3- من خلال البحوث المتقدّمة وتبیین کلمات علماء الطائفة ، ومن خلال عرضنا وتقییمنا لکلام کاشف الغطاء ، یتبین عدم صحة ما قال به الدکتور حسین الطباطبائی المدرسی فی کتابه « تطوّر المبانی الفکریّة للتشیّع فی القرون الثلاثة الأولی » ، حیث ادّعی - نقلاً عن المیرزا محمّد الأخباری فی رسالة ( الشهادة بالولایة ) - أنّ فقیه الشیعة الکبیر الشیخ جعفر کاشف الغطاء ( ت 1228 ه- ) أرسل إلی فتح علی شاه القاجاری ( 1212 - 1250 ه- ) یطلب منه منع الشهادة الثالثة فی الأذان . ثم حاول الدکتور أن یضفی علی کلامه الصبغة العلمیة فقال : توجد نسخة من رسالة کاشف الغطاء هذه فی قم تحت اسم ( رسالة فی المنع من الشهادة بالولایة فی الأذان ) ، وکتبَ : راجع فهرست ( مائة وستون نسخة خطّیّة ) لرضا أستادی : 55 . وبعد التتبّع ، والوقوف علی الفهرست المذکور ، لم نقف لرسالته المدّعاة هذه ، وبعد الاتّصال بسماحة الشیخ رضا الاستادی والاستفسار منه نفی وجود مثل ذلک عنده فضلاً عن أن یکون مذکوراً فی فهرسته . وبعد بحث فی الفهارس والسؤال من المختصّین لم أقف علی رسالة کاشف الغطاء المزعومة . علی أنّ المدرسی انتهج فی کلامه حول الشهادة الثالثة منهج التشویش وعدم دقة العبارات ، والانتقائیة فی نقل أقوال الفقهاء ، والبتر للنُصوص المنقولة ، وتحکیم بعض الآراء تَحَکُّماً علی الآراء الأخری فأحال إلی کلام الشیخ فی النّهایة : 69 : «کان مخطئاً» ولم ینقل کلامه رحمة الله فی المبسوط 1 : 248 : «ولو فعله الإنسان لم یأثم به» وأحال إلی کتاب النقض للقزوینی والمعتبر للمحقق ولم یأت بکلام السیّد المرتضی فی « المسائل المیارفارقیات » وابن البراج فی « المهذب » ویحیی بن سعید فی «الجامع للشرائع » مع أنّه یعلم بأن القزوینی والمحقق والشهیدین فی « الذکری » و« روض الجنان » و« اللمعة » و« الروضة البهیة » والاردبیلی فی « مجمع الفائدة والبرهان » والمجلسی فی « لوامع صاحب قرانی » والسبزواری فی « الذخیرة » والفیض فی المفاتیح وکاشف الغطاء فی « کشف الغطاء » وغیرهم لا یمنعون من الاتیان بالشهادة بالولایة ان جیء بها بقصد القربة المطلقة . فالشهید الأوّل حکی فی « الذکری » و « البیان » کلام الشیخ الطوسی فی عدم الاثم من الاتیان بها ، ولم یعلق علیها ، وهذا یعنی التزامه به ، إذ من غیر المعقول ان تخلو کتبه الفتوائیة عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة ابتلائیة یعمل بها الشیعة فی عهده وقبل عهده . وکذا الحال بالنسبة إلی کلام الشهید الثانی فقد صرح بعدم جواز الاتیان بها علی نحو الجزئیة أما الاتیان بها لمطلق القربة فلا حرج عنده لقوله رحمة الله : « وبدون اعتقاد ذلک لا حرج » وکذا کلام الاخرین أترک تفصیله إلی کتابی هذا فلیراجعه . فأسال الدکتور لماذا تحیل إلی کتب الشهیدین والسبزواری والاردبیلی ولا تحیل إلی جواهر الکلام ، وکتب الوحید البهبهانی ، والمجلسیین ، والخوانساری ، والشیخ یوسف البحرانی ، والنراقی ، والسیّد علی صاحب الریاض وغیرهم ، وما یعنی هذا الامر الانتقائی من قبلک ؟ ولولا أنّه ادّعی علی کاشف الغطاء ما ادّعی لأعرضنا عنه صفحاً ولطو ینا عنه کشحاً .

ص:402

25 - المیرزا القمی ( 1152 - 1231 ه )

قال المیرزا أبو القاسم القمّی فی کتابه ( غنائم الأ یّام فی مسائل الحلال والحرام ) :

وأمّا قول « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » و« أنّ محمّداً وآله خیر البریّة » فالظاهر الجواز .

ص:403

قال الصدوق : والمفوّضة - لعنهم الله - قد وضعوا أخباراً وزادوا فی الأذان « أنّ محمّداً وآل محمّد خیر البریّة » مرتّین ، وفی بعض روایاتهم بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » مرتین ، ومنهم من روی بدل ذلک « أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین حقّاً » مرتّین ، ولا شکّ فی أنّ علیّاً ولیّ الله ، وأنّه أمیر المؤمنین حقّاً ، وأنّ محمّداً وآله صلوات الله علیهم خیر البریّة ، ولکن لیس ذلک فی أصل الأذان((1)) .

وقال الشیخ فی النّهایة : وأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار من قول « أنّ علیّاً ولیّ الله » ، و« أنّ محمّداً وآله خیر البشر » ، فمما لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة ، فمن عمل به کان مخطئاً((2)) ، وتقرب من ذلک عبارة المنتهی((3)) .

وکذلک قال فی المبسوط ما یقرب من ذلک ، ولکنّه قال : ولو فعله الإنسان لم یأثم به ، غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله((4)) .

و یظهر من هؤلاء الأعلام ورود الروایة ، فلا یبعد القول بالرجحان ، سیّما مع المسامحة فی أدلّة السنن ، ولکن بدون اعتقاد الجزئیة .

وممّا یؤ یّد ذلک ما ورد فی الأخبار المطلقة : « متی ذکرتم محمّداً صلّی الله علیه وآله فاذکروا آله ، ومتی قلتم : محمّد رسول الله ،


1- الفقیه 1 : 290 / ح 897 بتفاوت یسیر ، الوسائل 5 : 422 / باب کیفیة الأذان والإقامة / ح 6986 .
2- النّهایة : 69 .
3- المنتهی للعلاّمة 1 : 255 / باب فی الأذان والإقامة .
4- المبسوط 1 : 99 / الأذان والإقامة وذکر فصولها .

ص:404

فقولوا : علیّ ولیّ الله »((1)) والأذان من جملة ذلک .

ومن جملة تلک الأخبار ما رواه أحمد بن أبی طالب الطبرسی فی الاحتجاج عن الصادق علیه السلام ، وفی آخره : « فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین »((2)) .

وقال فی « مناهج الأحکام » :

ومما ذکرنا یظهر حال « أشهد أن علیّاً ولی الله » ، و« أن محمّداً خیر البریة » .

نعم ، یمکن القول فیه بالاستحباب إذا لم یقصد الجزئیة ، لما ورد فی الأخبار المطلقة « متی ذکرتم محمّداً صلی الله علیه و آله فاذکروا آلَهُ ، ومتی قلتم : محمّد رسول الله ، فقولوا : علی ولی الله » ، کما نقل عن الاحتجاج ، فیکون مثل الصلاة علی محمّد وآله بعد الشهادة بالرسالة((3)) .

وقال فی ( جامع الشتات ) ما ترجمته :

سؤال : أوجب بعض الفضلاء قولَ « علی ولی الله » فی الأذان مرة واحدة ، وقال : لا تترکوه ، لأنّ علیّاً هو روح الصلاة ، وبدونه لا تتحقّق صورة الصلاة .

الجواب :

« أشهد أن علیّاً ولی الله » لیس جزء الأذان ولا جزء الإقامة ، لکن لا نمانع من قوله فی الأذان بقصد التیمّن والتبرّک ، أو لما ورد فی الإتیان بذکر الولایة عقیب ذکر الرسالة ، والأحوط


1- انظر البحار 81 : 112 .
2- غنائم الأیام 2 : 422 - 423 ، الاحتجاج 1 : 231 .
3- مناهج الأحکام ( کتاب الصلاة ) : 180 .

ص:405

ترکها فی الإقامة لمنافاة ذلک مع الحَدْر والتوالی فی الإقامة .

أما ما قالوه من الإتیان بها مرّةً فی الأذان فذلک لکی یختلف ما هو الأذان عن غیره ولکی لا یتوّهم فیها الجزئیة ، أما ما قالوه من أنّ صورة الصلاة لا تتحقّق إلّا بذکر اسمه فهو غیر صحیح((1)) .

و یظهر من مجموع کلام المیرزا القمی قوله برجحان الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان ، وجواز فعلها عنده سیما مع المسامحة فی ادلة السنن ، وقد یمکن القول باستحبابها إذا لم یقصد الجزئیة لما ورد فی الأخبار المطلقة ، ملخصاً کلامه «ولکن لا نمانع من قوله فی الأذان بقصد الیتمن والتبرک ، ولما ورد فی الاتیان بذکر الولایة عقیب ذکر الرسالة» ثم أفتی بترکها من باب الاحتیاط الوجوبیّ فی الإقامة ، لمنافاتها للموالاة والحَدْر فیها .

وعلّة ذلک : أنّ بعض العلماء - وهم قلیلون - یتشدّدون فی أحکام الإقامة لأنّها من الصلاة فی بعض الروایات ، وقال البعض بوجوبها الملزِم نظراً لتلک الروایات ، وهو قول نادر خلاف ما علیه المشهور الأعظم من الفقهاء .

وقد قال رحمة الله قبل ذلک بجواز الزیادة فی آخر الإقامة لا بقصد الجزئیة بقوله :

وفی بعض الأخبار ما یدل علی ان الإقامة مثل الأذان ونقل عن بعض الأصحاب أیضاً القول بأن الإقامة مثل الأذان إلّا فی زیادة «قد قامت الصلاة» ولهذا قیل : لو زید فی آخر الإقامة لا بقصد الجزئیة لعدم القائل به فلا باس ، وهذا الکلام یجری فی تربیع التکبیر فی اوله أیضاً ((2)) .


1- جامع الشتات « فارسی » 1 : 122 ، السؤال / رقم 280 .
2- مناهج الأحکام : 174 .

ص:406

26 - السیّد علی الطباطبائی (ت 1231 ه )

قال السیّد علی بن السیّد محمّد علی الطباطبائی فی ( ریاض المسائل فی تحقیق الأحکام بالدلائل ) وحین کلامه عن مکروهات الأذان :

( و) من الکلام المکروه ( الترجیع ) کما علیه معظم المتأخّرین ، بل عامتهم عدا نادر((1)) ، وفی المنتهی وعن التذکرة أنّه مذهب علمائنا((2)) .

وهو الحجّة ؛ مضافاً إلی الإجماع فی الخلاف علی أنّه غیر مسنون((3)) ، فیکره لأمور : قلّة الثواب علیه بالنسبة إلی أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه ، وفصله بأجنبیّ بین أجزائه ، وکونه شبه ابتداع .

وقال أبو حنیفة : إنّه بدعة((4)) ، وعن التذکرة : هو جیّد((5)) ، وفی السرائر وعن ابن حمزة : أنّه لا یجوز((6)) .

وهو حسن إن قصد شرعیّته ، کما صرّح به جماعة من المحقّقین((7)) ، وإلّا فالکراهة متعیّن ؛ للأصل ، مع عدم دلیل


1- وهو صاحب المدارک 3 : 290 .
2- المنتهی 4 : 377 ، انظر تذکرة الفقهاء 3 : 45 / المسألة 159 ، وفیه : یکره الترجیع عند علمائنا .
3- الخلاف 1 : 288 / المسألة 32 .
4- شرح سنن ابن ماجة 1 : 52 / باب الترجیع ، جاء فیه : وعند أبی حنیفة لیس بسنة ، وتذکرة الفقهاء 3 : 45 / المسألة 159 ، قال العلّامة : وربما قال أبو حنیفة : بدعة .
5- التذکرة 3 : 45 / المسألة 159 .
6- السرائر 1 : 212 ، ابن حمزة فی الوسیلة : 92 .
7- منهم : المحقق الثانی فی جامع المقاصد 2 : 188 ، وصاحب المدارک 3 : 290 ، والسبزواری فی الذخیرة : 257 ، وصاحب الحدائق 7 : 417 .

ص:407

علی التحریم حینئذ ، عدا ما قیل : من أنّ الأذان سنّة متلقّاة من الشارع کسائر العبادات ، فتکون الزیادة فیه تشریعاً محرّماً ، کما تحرم زیادة : « أنّ محمّداً وآله خیر البریة » ، فإنّ ذلک وإن کان من أحکام الإیمان إلّا أنّه لیس من فصول الأذان((1)) .

وهو کما تری ، فإنّ التشریع لا یکون إلّا إذا اعتقد شرعیّته من غیر جهة أصلاً .

ومنه یظهر جواز زیادة : « أنّ محمّداً وآله » - إلی آخره - وکذا « علیّاً ولیّ الله » ، مع عدم قصد الشرعیّة فی خصوص الأذان ، وإلّا فیحرم قطعاً . ولا أظنّهما من الکلام المکروه أیضاً ؛ للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهی عنه إلیهما بحکم عدم التبادر ، بل یستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولایة بعد الشهادة بالرسالة((2)) .

أراد السیّد الطباطبائی رحمة الله بکلامه نفی الجزئیة عن الشهادة الثالثة وهو ما یذهب إلیه عامة فقهاء الإمامیة ، أمّا لو أراد المؤذّن الزیادة مع عدم قصد الجزئیة فهی جائزة عنده ، لقوله : « ومنه یظهر جواز زیادة : أنّ محمّداً وآله - إلی آخره - وکذا علیّاً ولی الله مع عدم قصد الشرعیة فی خصوص الأذان ، وإلّا فیحرم قطعاً » ، ثمّ جاء السیّد الطباطبائی لیفرّق بین الشهادة الثالثة وبین الترجیع ، فقال عن الترجیع : « لأنّه غیر مسنون فیکره لأمور : قلّة الثواب علیه بالنسبة إلی أجزاء الأذان ، وإخلاله بنظامه وفصله بأجنبی بین أجزائه ، وکونه شبه ابتداع » .

فی حین قال عن الشهادة بالولایة وعن « أنّ محمّداً وآله خیر البریة » : « ولا


1- المدارک 3 : 290 .
2- ریاض المسائل 3 : 96 - 98 .

ص:408

أظنّهما من الکلام المکروه أیضاً ، للأصل ، وعدم انصراف إطلاق النهی عنه إلیهما بحکم عدم التبادر ، بل یستفاد من بعض الأخبار استحباب الشهادة بالولایة بعد الشهادة بالرسالة » .

وهناک أمر ثالث یمکننا أن ننتزعه من نصّ صاحب ( ریاض المسائل ) وهو اتیان بعض الشیعة بجملة « أنّ محمّداً وآله خیر البریة » فی الأذان فی عصره ، وهذا یؤکّد ما نقوله من أنّ الشیعة کانوا لا یأتون بهذهِ الصیغة علی أنّها جزءٌ ، لان المعلوم من الجزئیة هو الوقوف علی صیغة واحدة لا صِیَغ متعدّدة .

27 - الشیخ محسن الأعسم ( ت 1238 ه )

قال الشیخ محسن بن مرتضی الأعسم فی کتابه ( کشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام ) المخطوط ما نصه :

تنبیه : لا یجوز اعتقاد شرعیّة غیر هذه الفصول کالتّشهّد بالولایة للأمیر علیه السلام وأولاده ، وبأنّ محمّداً وآله خیر البریة ، وإن کان الواقع کذلک ، فإنّه لا تلازم بین الواقع وجواز إدخاله فی الموظَّف حتَّی لو کان من العقائد اللاّزمة کمحلِّ البحث ؛ قال ] الصدوق [ : المفوّضة وضعوا أخباراً وزادوا فی الأذان « محمّد وآله خیر البریة » ، وفی بعض ] الروایات [بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بأنّ علیاً ولیّ الله ، ومنهم من روی بدل ذلک « أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین حقاً » مرّتین .

وفی البحار : لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة الشیخ والعلّامة وغیرهما بورود الأخبار بذلک ، وأمّا قول « أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین » و« آل محمّد خیر البریة » علی ما ورد فی شواذّ الأخبار فإنّه لا یعمل

ص:409

علیه فی الأذان والإقامة .

وفی المنتهی نسبة قائل هذا إلی الخطأ ؛ قال المجلسی : ویؤ یدّه الخبر : « قلت له علیه السلام : إنّ هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه صلی الله علیه و آله لما أُسری به إلی السماء رأی علی العرش : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله وأبو بکر الصدیق ، فقال علیه السلام : سبحانَ الله ! غیَّروا کلّ شیء حتّی هذا ؟! إنّ الله کتب علی العرش والکرسی واللوح وجبهة إسرافیل ، وجناحی جبرئیل ، وأکناف السماوات والأرض ، ورؤوس الجبال : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین ، فیدلّ علی استحباب ذلک عموماً فی الأذان ، فإنّ القوم جوّزوا الکلام فی أثنائهما ، وهذا من أشرف الأدعیة والأذکار» ، انتهی ]کلام المجلسی[ .

وبعد ما سمعت من رمیِ الأساطین لذلک ، وأنّها من روایات المفوّضة - کما سمعت عن الصدوق رحمة الله - ونحوه غیره من حَمَلَةِ الأخبار التابعین للآثار ] کالشیخ الطوسی [ ، فلا وجه للاستدلال بما ذکر حتّی العموم فی الخبر المزبور ، وإِن احتمل أنّه فی الأصل مشروعٌ وسقط للتقیّة((1)) .

سلک الشیخ الأعسم قدس سره مسلکاً آخر فی الکلام عن الشهادة الثالثة کما تری ، وهو ما احتملناه فی بعض البحوث الآنفة ، فهو قدس سره یقول : « وإن احتمل أنّه فی الأصل مشروع وسقط للتقیة » ، ومعنی کلامه أنّ اقتضاء وملاک ومصلحة تشریع الشهادة


1- کشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام للاعسم مخطوط برقم 91 الصفحة 142 وموجود فی مؤسسة کاشف الغطاء .

ص:410

الثالثة فی الأذان موجودة ، لکنّ الخوف علی دماء الشیعة والحفاظ علی المذهب مانعٌ من فعلیّة هذا التشریع ، وهذا وإن کان صحیحاً بنفسه إلّا أنّه یتمّ علی فرض الذهاب إلی القول بالجزئیة ، فیقال : أنّ الشارع لم یشرّع الجزئیة لمانع وهو التقیة ، لکنّه لا یتم بدون اعتقاد الجزئیة - وهو المعمول عندنا الیوم - إذ الشهادة الثالثة علی الفرض الأخیر لا تعدو کونها ذِکْراً مستحبّاً لا دخل له فی ماهیّة الأذان ، بل یؤتی بها لمجرّد التبرّک والتیمّن وکونه کلاماً حقاً خارجاً یقال فی الأذان أو لحصول ثواب وفضیلة غیر اذانیه ، وهذا لا یتنافی مع المنع من الإتیان بها بقصد الجزئیة والاذانیة .

28 - الشیخ محمّد رضا جدّ محمّد طه نجف ( ت 1243 ه )

قال الشیخ محمّد رضا فی ( العدّة النجفیة فی شرح اللمعة الدمشقیة ) عند ذکر الأذان :

الذی یقوی فی النفس أنّ السرّ فی سقوط الشهادة بالولایة فی الأذان إنّما هو التقیّة ، ومعه فقد یکون هو الحکمة فیطّرد ، نعم لو قیل لا بقصد الجزئیة لم یبعد رجحانه((1)) .

فالشیخ لم یستبعد رجحان الاتیان بالشهادة الثالثة - لا بقصد الجزئیة - وقد قوی ان یکون السر فی سقوط الشهادة بالولایة فی الأذان إنما هو التقیة .

29 - المولی أحمد بن محمّد مهدی النّراقی ( ت 1245 ه )

قال الشیخ أحمد بن محمّد مهدی النّراقی فی کتابه ( مستند الشیعة فی أحکام الشریعة ) :

صرّح جماعة - منهم الصدوق((2)) ، والشیخ فی المبسوط((3)) - بأنّ


1- الکتاب مخطوط فی تسع مجلدات بید حفیده ، اُنظر الذریعة 15 : 213 ، معجم المؤلفین 9 : 317 .
2- الفقیه 1 : 290 .
3- المبسوط 1 : 99 .

ص:411

الشهادة بالولایة لیست من أجزاء الأذان والإقامة الواجبة ولا المستحبّة .

وکرهها بعضهم مع عدم اعتقاد مشروعیّتها للأذان ، وحرّمها معه((1)) .

ومنهم من حرّمها مطلقاً ؛ لخلوّ کیفیّتهما المنقولة((2)) .

وصرّح فی المبسوط بعدم الإثم وإن لم یکن من الأجزاء((3)) ، ومفاده الجواز .

ونفی المحدّث المجلسی فی البحار البُعد عن کونها من الأجزاء المستحبة للأذان((4)) .

واستحسنه بعض من تأخّر عنه((5)) .

أقول : أمّا القول بالتحریم مطلقاً فهو ممّا لا وجه له أصلاً ، والأصل ینفیه ، وعمومات الحثّ علی الشهادة بها تردّه .

ولیس من کیفیّتهما اشتراطُ التوالی وعدم الفصل بین فصولهما حتّی یخالفها الشهادة ، کیف ؟! ولا یحرم الکلامُ اللّغو بینهما فضلاً عن الحقّ .

وتوهُّمُ الجاهلِ الجزئیةَ غیرُ صالح لإثبات الحرمة کما فی سائر ما


1- مفاتیح الشرائع 1 : 118 .
2- الذخیرة : 254 .
3- المبسوط 1 : 99 ، وفیه التصریح بأ نّه لو فعله الإنسان یأثم به ، ولکن الصحیح : لم یأثم به بقرینة ما بعده ، ویؤ یّده ما حکاه المجلسی فی البحار 81 : 111 نقلاً عن المبسوط : « ولو فعله الإنسان لم یأثم به » . وعموماً فکل من نقل من العلماء کلام الشیخ فإنما نقلها بالنفی ، وهو یورث الجزم بنفی الإثم عن مبسوط الشیخ .
4- البحار 81 : 111 .
5- کصاحب الحدائق 7 : 404 حیث قال - بعد نقل ما قاله المجلسی فی البحار - : وهو جید .

ص:412

یتخلّل بینهما من الدعاء ، بل التقصیر علی الجاهل حیث لم یتعلّم .

بل وکذا التحریم مع اعتقاد المشروعیّة ، إذ لا یتصوّر اعتقادٌ إلّا مع دلیل ، ومعه لا إثم ، إذ لا تکلیف فوق العلم ، ولو سلّم تحقّق الاعتقاد وحرمته فلا یوجب حرمة القول ولا یکون ذلک القول تشریعاً وبدعةً کما حقّقنا فی موضعه .

وأمّا القول بکراهتها : فإن اُرید بخصوصها ، فلا وجه لها أیضاً .

و إن اُرید من حیث دخولها فی التکلّم المنهیّ عنه فی خلالهما ، فلها وجه لولا المعارِض ، ولکن تعارضه عمومات الحثّ علی الشهادة مطلقاً ، والأمر بها بعد ذکر التوحید والرسالة بخصوصه کما فی المقام ، رواه فی الاحتجاج عن الصادق علیه السلام : قال : « فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام »((1)) بالعموم من وجه ، فیبقی أصل الإِباحة سلیماً عن المزیل ، بل الظاهر من شهادة الشیخ والفاضل والشهید((2))- کما صرّح به فی البحار((3)) - ورود الأخبار بها فی الأذان بخصوصه أیضاً .

قال فی المبسوط : وأمّا قول : أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین علیه السلام ،


1- الاحتجاج 1 : 231 .
2- الشیخ فی النّهایة : 69 ، المبسوط 1 : 99 ، الفاضل فی المنتهی 3 : 380 / المسألة الخامسة ، الشهید حیث نسبه إلی الشیخ فی الذکری 3 : 202 ، البیان : 144 .
3- البحار 81 : 111 .

ص:413

علی ما ورد فی شواذّ الأخبار فلیس بمعمول علیه .

وقال فی النّهایة قریباً من ذلک .

وعلی هذا فلا بُعْد فی القول باستحبابها فیه ؛ للتسامح فی أدلّته .

وشذوذ أخبارها لا یمنع عن إثبات السنن بها ، کیف ؟! وتراهم کثیراً یجیبون عن الأخبار بالشذوذ ، فیحملونها علی الاستحباب((1)) .

فالشیخ النراقی وبعد عرضه لأهمّ الأقوال فی المسألة فَنّدَ جمیع الأقوال المطروحة التی لا تتّفق مع رأیه ، سواء القائلة بالحرمة ، لتوهّم الجاهلین الجزئیة ، أو لفوت الموالاة ، أو لکونها لم ترد فی الأذان البیانی المنقول عن الأئمّة ، وهکذا الحال بالنسبة إلی القائلین بالکراهة ، فإنه رحمة الله قرّر کلامهم وردّه فی سطر واحد ، ثم ختم کلامه بإعطاء وجهة نظره ، فقال : « وعلی هذا فلا بعد فی القول باستحبابها فیه ، للتسامح فی أدلّته ، وشذوذُ أخبارها لا یمنع عن إثبات السنن بها ، کیف ؟! وتراهم کثیراً یجیبون عن الأخبار بالشذوذ ، فیحملونها علی الاستحباب » .

ثم جاء رحمة الله فی کتابه ( رسائل ومسائل ) یستنصر لقول شیخه کاشف الغطاء القائل بعدم جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان ، مؤ یِّداً ما اقترحه فی استبدال جملة « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » ب- « أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین وخلیفته بلا فصل وانه افضل الناس بعد رسول الله » ، مستشکلاً علی کلام المجلسی الثانی فی « بحار الأنوار » الذی لم یستبعد أنّها من الأجزاء المستحبة فی الأذان ، فقال :

وتحقیق ما أفاده شیخنا الاعظم ومخدومنا الأفهم أدام الله أیّام إفاداته ، ومتّع أهل الإسلام بطول حیاته : من أنّه لیس من الأذان


1- مستند الشیعة 4 : 486 - 487 .

ص:414

قول « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » وأمثاله ، فهو کذلک ، والأحادیث الواردة فی بیان الأذان وتعداد فصوله عن أئمّتنا الطاهرین یرشد إلیه ، والإجماعُ المحقّق قطعاً یدلّ علیه ، وعدّ جماعة من فحول فقهائنا الأخبارَ المتضمّنة له من الشواذّ غیر المعمول بها ، ونسبتها إلی الوضع یؤکّده ، والشواهد التی ذکرها شیخنا الفرید یؤ یّده ، ولم أعثر علی من یجوّز کونه من الأذان .

نعم قال شیخنا المجلسی قدس سره فی البحار بعد نقل قول الصدوق : « ولا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان ، لشهادة الشیخ والعلّامة به بورود الأخبار بها » ، ثمّ نقل عبارات النهایة والمبسوط والمنتهی الّتی نقلها شیخنا أدام الله بقاءه ، وزاد فی عبارة النهایة : « ومن عمل بها کان مخطئاً » ، وهو مردود بأنّه ...

کیف یسمع شهادته بوجود الخبر ولا یسمع بکونه شاذّاً غیر معمول به ، بل یکون العمل به خطأً ، وأیّ حجّة فی نقل ذلک الخبر الذی لا یُعلَمُ سنده ولا متنه لینظر فی حاله ودلالته ، مع کونه مخالفاً للإجماع المقطوع به وتصریح الصدوق بکونه موضوعاً ومع معارضته مع سائر الأخبار المشهورة بل الصحیحة أیضاً الواردة فی فصول الأذان ، ولم یقل أَحَدٌ بحجیّة مثل ذلک الخبر .

و إن کان نظره إلی التسامح فی أدلّة السنن ، ففیه أنّه إذا لم یکن لها معارض من إجماع وغیره ، وأمّا معه فلا یبقی دلیل حتّی یتسامح ، مع أنّه کما صرّح به جماعة أنّ التسامح فیها إنّما هو إذا کان الدلیل

ص:415

مظنونَ الصدق أو غیرَ مظنون الکذب . ویدلّ علیه أنّ معظم دلیل التسامح الأخبار المستفیضة المصرّحة بأنّه « من بلغه شیء من الثواب ففعله التماس ذلک الثواب أو رجاءه فله أجره » ولا یتحقّق التماس الثواب ولا رجاؤه مع ظنّ الکذب . ولا شکّ فی حصول الظنّ بالکذب مع تصریح مثل الصدوق بالوضع ، وشهادة الجماعة بالشذوذ ، بل یحصل العلم بالمخالفة للواقع بملاحظة الإجماع القاطع .

ثمّ ما أفاده شیخنا المحقّق دام ظله من قوله : « ومن قصد ذکر أمیر المؤمنین علیه السلام لإظهار شأنه ، أو لمجرّد رجحانه لذاته ، أو مع ذکر ربّ العالمین ، أو ذکر سید المرسلین ، کما روی ذلک فیه وفی باقی الأئمة الطاهرین ، أو الردّ علی المخالفین وإرغام أنوف المعاندین ، أُثیب علی ذلک » . فهو أیضاً مما لا ریب فیه ولا شبهة تعتریه ، وبملاحظة الدلیلین الأول والآخر یظهر أولویّة التبدیل الذی أفاده ، وذلک لأنّ الولایة وإن کانت من المراتب العظیمة والصفات العلیّة إلّا أنّ لفظها یستعمل فی معان کثیرة أحدها المحبّ ، فلا یدلّ علی المطلوب إلّا مع القرینة .

ولو سلّمنا ظهوره فی المطلوب فإنّما نسلّمه فی الصدر ] الأوّل [ قبل ورود النصّ بولایة أمیر المؤمنین علیه السلام ، وأمّا بعده فلمّا ثقل ذلک علی المخالفین المنافقین ذکروا للفظ الولیّ المعانی الکثیرة وأثبتوها فی کتبهم المضلّة ، وأذاعوا بین الناس ، بحیث یمکن أن یقال

ص:416

بصیرورة المعنی المطلوب مهجوراً عندهم ، بل الظاهر أنّهم فی أمثال هذا الزمان - سیّما عوامّهم - لا یفهمون المعنی المطلوب ، فلا یحصل به أمرٌ عامُّ الفهم ولا إظهار شأن مولانا أمیر المؤمنین علیه السلام ، بل من الأخبار الواردة فی ذکر مولانا مع ربّ العالمین وذکر سیّد المرسلین ما یأمر بذکر أمیر المؤمنین ، کما رواه الشیخ أحمد بن أبی طالب الطبرسی فی الاحتجاج عن القاسم بن معاویة ، عن أبی عبدالله علیه السلام ، انه قال : فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین .

بل لا یبعد أن یستفاد أولو یّة التبدیل فی هذا الزمان ممّا ذکره بعض العلماء فی وجه امر النّبی بشهادة « ان لا إله إلّا الله » دون « انّ الله موجود » ، من أنّه لم یکن أحد نافیاً لوجود الصانع ، بل کانوا یثبتون الشریک ، فلو أمر بشهادة الوجود لکان یوهم الخلاف فیه .

فیمکن أن یقال أنّه لمّا کان الشائع فی هذا الزمان عند عوامّ المخالفین بل الکفّار من الیهود والنصاری أنّ معنی الولیّ المحبّ ، فالإذعان بشهادته یمکن أن یوهم الخلاف بین المسلمین فی کونه محبّاً لله .

وبالجملة : ما أفاده شیخنا سلّمه الله تعالی موافقٌ للاعتبار ، نابع من عین شدّة الخلوص والحرص علی إظهار شأن إمام الأخیار ، وإرغام أنوف مخالفیه عند الخواصّ والعوامّ ، وقد سمعتُ استبعادَ بعض لذلک بل الطعن فیه ، وهو إمّا لعدم الاطّلاع علی کلام الشیخ الأجلّ الأوحد ، أو للعناد((1)) ...


1- رسائل ومسائل 3 : 155 - 157 .

ص:417

وهذا الکلام یدلّنا علی أنّ فقهاءنا یتعاملون مع المسائل بروح علمیة موضوعیة بعیداً عن الطائفیة ، فیناقشون المشایخ من قبلهم ، ولا یهابون أن یقولوا بعدم حجیّة الأخبار الشواذّ عندهم ، وذلک لأنّ محبوبیّتها الذاتیّة والإتیان بها لمطلق القربة تبعاً للعمومات ما لا ینکره أحد .

فالشیخ النراقی أراد الإشارة إلی إمکان القول باستحبابها فی السنن ، أمّا القول بکونها جزءاً مستحباً فبعید جداً عنده .

هذا ، ونحن لا نرتضی استدلال الشیخین کاشف الغطاء والنراقی رحمهما الله فی حذف کلمة ( الولایة ) من الأذان ، لأنّ کلمة الولایة وردت فی غالب روایاتنا ، فلا یمکننا أن نتغاضی عما فیها من دلالات ومفاهیم عرفها المتشرّعة ، أو نرفع الید عنها ، لأنّ معناها معروف عندنا - بل وعند العامّة - بمعنی الأولی بالمؤمنین من أنفسهم ، لقوله صلی الله علیه و آله : فی یوم عید الغدیر عن علی علیه السلام : « هو أولی بکم من أنفسکم »((1)) ، وإن کان الآخرون یریدون أن یتغافلوا عن معناها أو یستفیدوا منها شیئاً آخر ، فهذا لا یعنینا بل یعنیهم ؛ فالمؤذّن الشیعی حینما یقول هذه الجملة فی أذانه یرید أن یبوح بما یعتقد به فی أئمته ، وهی الرئاسة والزعامة والخلافة المنصوبة من قبل الله للأئمّة المعصومین علیٍّ والأَحد عشر من أولاد رسول الله ، وإن کان الآخرون یحاولون التنکُّر لها ، لکنّهم یعرفون معناها تماماً علی الأقلّ من وجهة نظر الإمامیة ، وذلک کاف فی إظهار شأنه علیه السلام ورجحانه الذاتی ، وردّ المخالفین وإرغام أنوف المعاندین .

فلو أذعنّا لِما یتأوّله المعاندون ، ویحرّفه المحرّفون للزمنا أن نرفع الید عن غالب المشترکات اللفظیة الاخری ، کلفظة « الإمام » المخصوصة عندنا بالمعصومین من


1- المستدرک علی الصحیحین للحاکم 3 : 13 / ح 6272 ، قال صحیح الاسناد ولم یخرجاه ، قال الذهبی فی تعلیقه : صحیح .

ص:418

آل الرسول ، مع أنّها لغةً یصحّ إطلاقها علی کُلّ من أَمَّ جماعة قوم ؛ حقّاً أو باطلاً ، وحسبک قوله تعالی { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }((1)) ، وقوله تعالی { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ }((2)) ، فهذا لا یمنع من استعمالها فی خُصوص الإمام المعصوم ومعرفة غیر الإمامیة بذلک ، بعد استقرار استعمالهم لها فی ذلک ، حتّی صارت مصطلحاً فی الإمام المعصوم ، بحیث لا یتبادر للذهن عند استعمالنا لها إلّا ذلک ، ولو أردنا استعمالها فی غیر ذلک لزم علینا نصب قرینة مقالیة أو حالیة ، وکذلک بالضبط لفظ « المولی » و« الولیّ » .

ومن الطریف أن أنقل هنا قصّة حدثت لأحد أعلامنا فی القرن الأخیر وهو السیّد الکلبایکانی رحمة الله ، حیث إنّ الاشتراک اللفظی فی کلمة « الولی » قد أنقذه من الفتک به وبالحجاج الشیعة فی بلد الله الحرام ؛ إِذ شرح هو قصته فی کتابه ( نتائج الأفکار فی نجاسة الکّفار ) فقال : وقد وقعت - فی المرّة الأولی من تشرّفی لحجّ بیت الله الحرام - قضیة لطیفة یناسب ذکرها فی المقام ، وهی : إنّه عندما تشرّفنا بالمدینة الطیّبة لزیارة قبر النبیّ الأقدس وقبور الأئمة علیهم السلام ، فقد سمحت لنا الظروف وساعدنا الأمر فکنّا نصلّی بالناس جماعة فی مسجد النبیّ صلی الله علیه و آله ، وأذّن مؤذّننا وأجهر بشهادة الولایة ، فأفضی المخبِر الدولیّ هذه القضیة إلی قاضی القضاة وأخبره أنّ مؤذّن جماعة الشیعة قال فی أذانه : « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » ، ولکنّ القاضی أجابه : وأنا أیضاً أقول : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » ! فهل أنت تقول : « أشهد أنّ علیّاً عدو الله » ؟! فأجابه بقوله : لا والله وأنا أیضاً أقول أنّه ولی الله ، وعلی الجملة فقاضیهم أیضاً قد صَرَّح بأن نقول أنّه ولیّ الله ، غایة الأمر أنّا لا نقول به فی الأذان ، وبذلک فقد قضی علی الأمر وأُطفِئت نار الفتنة((3)) .


1- الأنبیاء : 73 .
2- القصص : 41 .
3- نتائج الأفکار فی نجاسة الکفّار : 243 بقلم الشیخ علی الکریمی الجهرمی .

ص:419

30 - حجة الإسلام الشفتی ( ت 1260 ه )

قال السیّد محمّد باقر الشفتی المشهور ب- « حجّة الإسلام الشفتی » فی کتابه « مطالع الأنوار فی شرح شرائع الإسلام » .

فعلی هذا ظهر لک أنّ الشهادة بثبوت الولایة لمولانا الأمیر علیه السلام لیس من جزء الأذان ، نعم هو من أعظم الإیمان ، قال فی « الفقیه » بعد أن أورد حدیث الحضرمی والاسدی المتقدم : « هذا هو الأذان الصحیح لا یزاد فیه ولا ینقص منه ، والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا بها فی الأذان « محمّد وآل محمّد خیر البریة » مرتین ، وفی بعض روایاتهم بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » مرتین ، ومنهم من روی بدل ذلک « أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین حقاً » مرتین ، قال : ولا شکّ فی أنّ علیّاً ولیّ الله ، وأنّه أمیر المؤمنین حَقاً ، وأنّ محمّداً وآل محمّد صلوات الله علیهم أجمعین خیر البریة ، ولکن لیس ذلک فی أصل الأذان » .

وعن النهایة : وأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار من قول أن علیّاً ولی الله حقاً وأنّ محمّداً وآله خیر البشر فممّا لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة ، فمن عمل به کان مخطئاً .

وبالجملة : لم أجد فی الأصحاب من ذهب إلی أنّ الشهادة بالولایة من الأجزاء المقوِّمة للأذان ولا المستحبّة له ، عدا ما یظهر من العلّامة المروّج السّمِیِّ المجلسی ؛ قال فی البحار : لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاءِ المستحبّة للأذان ، لشهادة الشیخ والعلّامة والشهید وغیرهم بورود الأخبار بها ،

ص:420

قال الشیخ فی المبسوط : « وأمّا قول أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین وآل محمّد خیر البریة علی ما ورد فی شواذّ الأخبار ، فلیس بمعمول علیه فی الأذان ، ولو فعله الإنسان لم یأثم به ، غیر أنّه لیس من فضیلة الأذان ولا کمال فصوله » .

قال فی النهایة : « فأمّا ما روی فی شواذّ الأخبار من قول أنّ علیّاً ولی الله وأنّ محمّداً وآله خیر البشر ، فممّا لا یعمل علیه فی الأذان والإقامة ، فمن عمل به کان مخطئاً » .

وقال فی المنتهی : « وأمّا ما روی من الشاذّ من قول أنّ علیّاً ولی الله وأنّ محمّداً وآل محمّد خیر البریة فمما لا یعوّل علیه » .

قال : ویؤ یّده ما رواه الشیخ أحمد بن أبی طالب الطبرسی فی کتاب الاحتجاج ، عن القاسم بن معاویة ، قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لمّا أُسری برسول الله صلی الله علیه و آله رأی علی العرش لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بکر الصدیق ، فقال : سبحان الله ! غیّروا کلّ شیء حتی هذا ؟! قلت : نعم ، قال : إنّ الله عزّوجلّ لمّا خلق العرش کتب علیه « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علی أمیر المؤمنین » ، ثم ذکر علیه السلام کتابة ذلک علی الماءِ ، والکرسیّ ، واللّوح ، وجبهة إسرافیل ، وجناحی جبرئیل ، وأکناف السماوات والأرضین ، ورؤوس الجبال ، والشمس والقمر ، ثمّ قال علیه السلام : « فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله ، محمّد رسول ، الله فلیقل : علی أمیر المؤمنین . فیدلّ علی استحباب ذلک عموماً ، والأذان من تلک المواضع ، انتهی کلامه أعلی الله مقامه .

ص:421

وفی التأیید ما لا یخفی ؛ إذ ذکره فی الأذان من حیث کونه فرداً من أفراد العموم رجحانه ممّا لا ریب فیه ، وإنّما الکلام فی إیراده فی الأذان من حیث الخصوصیّة .

ومما ذکر یظهر أنّ مَن جمع بین الشهادة بالإمارة والولایة فیقول : « أنّ علیّاً أمیر المؤمنین ولی الله » کان أولی ، لیحصل الامتثال بکلا النصیّن ، فتأمل((1)) .

وقال فی « تحفة الأبرار » بالفارسیة ما ترجمته :

وأمّا الشهادة بالولایة لعلیّ فلیست من الأجزاء اللاّزمة ولا الأجزاء المستحبة ، وعلیه إطباق الفقهاء إلّا العلّامة المجلسی فی بحار الأنوار ؛ حیث ادّعی أنّها من الأجزاء المستحبّة ، لکنّ الإنصاف أنّ الحکم بالجزئیة ضعیف ، لکنّ بما أنّ فی الاحتجاج حدیثاً مضمونه أنّ من قال لا إله إلّا الله محمّد رسول الله فلیقل علیّاً ولی الله ، فلو شهد أحد بالولایة لعلیّ بعد الشهادة بالرسالة لمحمّد بن عبدالله بقصد امتثال هذا الحدیث لا بقصد أنّه جزء الأذان فقد أتی بعمل مستحبّ وراجح مطلقاً ، لا بعنوان الأذان .

لکنّ بعض الأعاظم مثل الشیخ الطوسی والعلّامة الحلیّ قالا بورود أخبار شاذّة فی الشهادة بالولایة لعلیّ ، فلو قال المؤذّن بعد شهادته بالنبوّة لمحمّد : « أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین ولیّ الله » جمعاً بین الخبرین المحکیَّین لکان کلامه موافقاً لتلک الأخبار ، لکن لا بقصد الجزئیة ، بل بقصد امتثال الخبرین


1- مطالع الأنوار فی شرح شرائع الإسلام 1 : 249 .

ص:422

الآنفین((1)) .

أقول : وکلامه صریح فی المطلوب ؛ فهو قدس سره جزم بأنّ الإنصاف یقضی بضعف القول بالجزئیة ، کما یقضی بأنّ الشهادة الثالثة لیست من فصول الأذان ؛ إذ لا دلیل واضح علی ذلک ، لکنّ هذا لا یمنع أنّ تکون الشهادة الثالثة مستحبة دائماً وراجحة مطلقاً حسبما جزم به قدس سره أیضاً ، بقوله : « وفی التایید ما لا یخفی اذ ذکره فی الأذان من حیث کونه فرداً من افراد العموم رجحانه مما لا ریب فیه » والسبب فی ذلک هو وجود أدلّة منها خبر القاسم ابن معاویة الذی ینفع لإثبات الاستحباب المطلق انطلاقاً من أنّ الأخذ بالحدیث الضعیف برجاء الثواب أمرٌ لا یعترض علیه کلّ علماء الإسلام ، سنّة وشیعة ، نعم لا یمکن التمسّک به للقول بالجزئیة ، وهذا هو معنی کلامه .

وعلیه ، فلو تعبّد المسلم بهذا الحدیث بقصد الامتثال ورجاءً للثواب فقط ، لا بقصد التشریع وتأسیس الأحکام ، أُثیب علی ذلک .

31 - المیرزا إبراهیم الکرباسی ( ت 1261 ه )

قال المیرزا إبراهیم الکرباسی فی ( المناهج ) عند ذکر کیفیة الأذان :

الشهادة بالولایة لیست من أجزاء الأذان والإقامة ، ولکن لو شهد بها بقصد رجحانها بنفسها أو بعد ذکر الرسول کان حسناً((2)) .

وللفقیه الکرباسی رسالة عملیة باسم ( النخبة ) علّق علیها جمع من الأعلام ، کالشیخ الانصاری ، والمیرزا الشیرازی ، والسیّد إسماعیل الصدر ، والشیخ المیرزا


1- تحفة الابرار الملتقط من اثار الأئمة الاطهار 1 : 432 - 433 .
2- سر الایمان ، للمقرم : 52 .

ص:423

حسین الخلیلی ، ومحمّد تقی الشیرازی ، والآخوند ملا کاظم الخراسانی ، والشیخ زین العابدین الحائری ، وولده الشیخ حسین وغالب هؤلاء امضوا ما قاله الکرباسی .

32 - الشیخ محمّد حسن النجفی (ت 1266 ه )

قال الشیخ محمّد حسن النجفی فی ( جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام ) بعد أن ذکر کلام الشیخ الطوسی فی النّهایة ، وکلام الصدوق فی الفقیه :

قلت : وتبعهما غیرهما علی ذلک ، ویشهد له خلوّ النصوص عن الإشارة إلی شیء من ذلک ، ولعلّ المراد بالشواذّ فی کلام الشیخ وغیره ما رواه المفوّضة ، لکنْ ومع ذلک کلّه فعن المجلسی أنّه لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان استناداً إلی هذه المراسیل التی رُمیت بالشذوذ وأنّه ممّا لا یجوز العمل بها ، وإلی ما فی خبر القاسم بن معاویة المرویّ عن احتجاج الطبرسی ، عن الصادق علیه السلام : « إذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » وهو کما تری ، إلّا أنّه لا بأس بذکر ذلک لا علی سبیل الجزئیة عملاً بالخبر المزبور ، ولا یقدح مثله فی الموالاة والترتیب ، بل هی کالصلاة علی محمّد صلی الله علیه و آله عند سماع اسمه ، وإلی ذلک أشار العلّامة الطباطبائی فی منظومتهعند ذکر سنن الأذان وآدابه ، فقال :

صلِّ إذا ما اسمُ مُحمَّد بدا علیهِ والآلَ فَصلِّ لِتُحْمدا

وأَ کْمِلِ الشَّهادتینِ بالَّتی قد أُکمِل الدِّینُ بها فی الملَّةِ

ص:424

وأنّها مثلُ الصّلاةِ خارِجَة عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَة

بل لو لا تسالم الأصحاب لأمکن دعوی الجزئیة بناءً علی صلاحیة العموم لمشروعیة الخصوصیّة ، والأمر سهل((1)) .

وفی ( نجاة العباد ) قال :

یستحبُّ الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمه ، وإکمالُ الشهادتین بالشهادة لعلیٍّ بالولایة للهِ وإِمرةِ المؤمنین فی الأذان وغیره((2)) .

وقد أمضی هذه الفتوی الأخیرة کلُّ من علّق علی ( نجاة العباد ) من الأعلام ، کالشیخ مرتضی الأنصاری ، والسیّد المیرزا حسن الشیرازی ، والسیّد إسماعیل الصدر ، والسیّد محمّد کاظم الیزدی ، والمیرزا محمّد مهدی الشهرستانی .

وذکر صاحب الجواهر عین هذه الفتوی فی رسالته العملیة باللغة الفارسیة المطبوعة فی إیران سنة 1313 ، والتی علیها حاشیة الشیخ مرتضی الأنصاری ، والمیرزا الشیرازی ، والحاج میرزا حسین الخلیلی ، وکلّهم أمضوا الفتوی بلا تعقیب .

33 - الشیخ مرتضی الأنصاری ( ت 1281 ه )

لم یتعرّض الشیخ الأنصاری فی کتاب الصلاة إلی بحث الأذان ، فلذلک لم نقف علی نظره فیه ، لکنّ الموجود فی رسالته العملیة باللّغة الفارسیة المسماة ب- ( النخبة )


1- جواهر الکلام 9 : 86 .
2- نجاة العباد نسخة خطبة برقم 1478 ، الصفحة 101 ، موجودة فی مؤسسة کاشف الغطاء العامة / النجف الاشرف ، وقریب منه فی مجمع الرسائل ( المحشی لصاحب الجواهر ) 1 : 334 ، وانظر صفحة 226 منه کذلک .

ص:425

ما ترجمته :

الشهادة بالولایة لعلیّ لیست جزءاً من الأذان ، ولکن یستحب أن یؤتی بها بقصد الرجحان أمّا فی نفسه أو بعد ذکر الرسول ، أمّا لو قالها بقصد الجزئیة فحرام((1)) .

34 - الشیخ مشکور الحولاوی ( ت 1282 ه )

قال الشیخ مشکور فی ( کفایة الطالبین ) :

ویستحبّ الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمه ، وإکمال الشهادتین بالشهادة لعلی علیه السلام بالولایة لله تعالی وإمرة المؤمنین فیالأذان وغیره((2)) .

وأمضی ذلک ولده الشیخ محمّد جواد المتوفّی 1334 ه- فیما علقه علی تلک الرسالة .

35 - المُلاّ آقا الدربندی ( ت 1285 ه )

قال الشیخ الملاّ آقا الدربندی وهو من تلامذة شریف العلماء فی رسالته الفارسیة المطبوعة أیّام حیاته ما ترجمته :

لا بأس بالشهادة لعلیّ بأمرة المؤمنین وقول «أن محمّداً وآله خیر البریة» إذا لم یکن بقصد الجزئیة ، أما لو قالها بقصد الجزئیة فإنّه وإن کان حراماً إلّا أنّه لا یبطل الأذان به .

ونحن نفهم من کلامه بأنّ جملة « انّ محمّداً وآله خیر البریة » کانت تقال علی


1- النخبة : 52 .
2- کفایة الطالبین : 87 .

ص:426

عهده ، وأنّ شعار الشیعة لم یقتصر علی « أشهد أن علیّاً ولی الله » ، وهو یفهمنا ویؤکّد لنا أنّهم کانوا یأتون بها لا علی نحو الجزئیة لاختلاف صیغها عندهم منذ تشریعها وحتی أواخر القرن الثالث عشر الهجری .

36 - الشیخ علی الزنجانی ( ت 1290 ه )

قال الشیخ الملاّ علی الزنجانی فی شرحه علی القواعد :

وأما الشهادة علی ولایة علی علیه السلام فلیست منه ] أی من الأذان [ إجماعاً من المسلمین إلّا بعض المفوّضة کما حکاه فی الفقیه ، نعم إطلاق المرویّ عن الاحتجاج : « إذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » وما یدلّ علی استحبابها دائماً وکونها ذکراً لمن ذکره وزینة للمجالس - حتّی باعتراف عائشة کما روی عنها عن النّبی صلی الله علیه و آله - ناهضٌ علی استحبابها هنا أیضاً فی أیّ موضع منه کان ، وإن کان بعد الشهادة علی الرسالة أولی ، وکذا فی الإقامة مضافاً إلی الحُسْنِ العقلیّ((1)) .

37 - السیّد محمّد علی المرعشی الشهرستانی ( ت 1290 ه )

أتی السیّد الجدّ محمّد علی بن محمّد حسین بن محمّد إسماعیل المرعشی الحسینی الشهرستانی فی کتابه ( شرح التبصرة ) بکلام الصدوق فی الفقیه ، وکلامَی الشیخ فی النّهایة والمبسوط ، وکلام العلّامة فی التذکرة ، ثمّ قال :


1- نظام الفرائد : 327 .

ص:427

ویجوز الإتیان بالشهادة بالولایة لأمیر المؤمنین فی الأذان لا علی نحو الجزئیة ، بل لما لها من المحبوبیة تیمّناً وتبرّکاً .

38 - السیّد علی بحر العلوم ( ت 1298 ه )

قال السیّد علی بن السیّد رضا بن السیّد بحر العلوم فی ( البرهان القاطع فی شرح المختصر النافع ) :

وأ ما قول « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » و«أمیر المؤمنین » وما أشبه ذلک مما یفید الشهادة بولایة الأئمّة بعد الشهادة بالرسالة ، فلیس من فصول الأذان والإقامة باتّفاق الفتوی ، بل النصّ ، ما عدا شاذّ مرویّ عن المفوّضة ، واعترف بشذوذه الشیخ فی المبسوط ، ولعلّ مراده مَن یقول بتفویض الله سبحانه إلی علیّ علیه السلام لأنّهم الذین یروون هذا الحدیث دون المفوّضة المعهودة فی مقابل المجبّرة .

لکنْ فی البحار بعد حکایتها قال : لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبة للأذان ؛ لشهادة الشیخ والعلّامة والشهید وغیرهم بورود الأخبار بها ، قال : ویؤ یّده ما رواه فی الاحتجاج عن القاسم بن معاویة فی حدیث عن الصادق علیه السلام فی ذیله « إذا قالأحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علیٌّ أمیر المؤمنین » فیدلّ ذلک علی استحباب ذلک عموماً ، والأذان من تلک المواضع ، واستجوده فی الحدائق .

ومراد المجلسیّ رضی الله عنه من الاستناد بالأخبار - التی اعترف بها الشیخوالعلّامة وغیرهما - أنّها وإن کانت شاذّة وهم قالوا « من

ص:428

عمل بهاکان مخطئاً » لکنه من اجتهادهم ، وتؤخذ روایتهم وتطرح درایتهم ؛ إذ لا بأس بالاستناد إلی الشاذّ فی المستحبّات تسامحاً . لکنّ التسامح ممنوعٌ فی مثله ممّا منعه جُلُّ الأصحاب بل کلّهم .

واجود منه ما فی الجواهر من أنّه لو لا تسالم الأصحاب لأمکن دعوی الجزئیة بناءً علی صلاحیّة العموم لمشروعیّة الخصوص ، ومراده من العموم نحو روایة القاسم لورود مثلها فی أخبار أُخر کما أومأ المجلسی رضی الله عنه إلیه بقوله : وقد مرّ امثال ذلک فی مناقبه علیه السلام . لکن فیه أیضاً أنّ العمومات غیر صالحة لشرع الجزئیة ،بل غایتها استحباب التلفّظ بالشهادة بالولایة حیثما ذَکَرَ الشهادتین ، وهو أعمّ من کونه جزءاً ، بل سبیل تلک الاخبار سبیل الوارد بأنّه « کلّما ذکر اسم محمّد صلی الله علیه و آله قل : اللهمّ صل علی محمّد وآل محمّد » ، وکلما ذکر الله سبِّحه وقدِّسه کما ورد فی خصوص الأذان والإقامة ، ولم یقل أحد بجزئیة التسبیح المذکور أو الصلاة علی محمّد .

وبالجملة : بالنظر إلی ورود تلک العمومات یستحبّ کلّما ذُکِرَ الشهادتان ذکر الشهادة بالولایة وإن لم ینصّ باستحبابه فی خصوص المقام ؛ إذ العمومات کافیة له ، ومنه الأذان والإقامة ، فیستحبّ الشهادة بالولایة بعد الشهادتین فیهما لا بقصد جزئیّتها منهما لعدم الدلیل علی الجزئیة ، وفاقاً للدرّة حیث قال :

صلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا علیه والآل فصلِّ تُحْمَدا

و أَکمِلِ الشَّهادتین بالّتی قد أُکمل الدین بها فی الملة

ص:429

و إِنّها مثل الصلاة خارجه عن الخصوصِ بالعموم والجِه

أی داخلة بالعموم المذکور وإن خرج عن خصوص حقیقته ، وبملاحظة الخروج عن الحقیقة لا یثبت المرجوحیة الثابتة لعموم الکلام فی خلالهما ، وهذه منه بعد الخروج ؛ ضرورة استثنائها بتلک العمومات المشار إلیها ، مضافاً إلی قوّة دعوی عدم انصراف إطلاق الکلام إلیها((1)) .

39 - السیّد حسین الکوهکمری الترک ( ت 1299 ه )

قال السیّد الجلیل السیّد حسین الترک فی رسالته العملیة باللّغة الفارسیة طبعة إیران ما ترجمته :

ویستحبّ بعد الشهادة بالرسالة ، الشهادة لعلی بالولایة .

وقال فی رسالة أخری له تحت عنوان ( سوال وجواب ) باللّغة الفارسیة ما ترجمته :

هذه الکلمة الطیّبة لیست جزءً من الأذان والإقامة ، ولکنّها تذکر تیمّناً وتبرکاً باسمه الشریف .

وبعد هذا العرض السریع لأقوال الفقهاء الذین توفّوا فی القرن الثالث عشر الهجری أرید أن اشیر إلی أنّی قد ترکت الإشارة إلی الکتب التی أُلّفت کشروح علی الکتب التی لم تذکر فیها الشهادة بالولایة مثل ( مفتاح الکرامة فی شرح قواعد العلّامة ) للعاملی المتوفی ( 1226 ه- ) ، لأنّ ترک امثال هؤلاء لموضوع الشهادة بالولایة له مبرّره الخاص . إذ عدم وجود ذکر الشهادة الثالثة فی الأصل لا یلزمنا مراجعة ما کتب فی شرحه.

وقد حکی الشیخ علی النمازی فی ( مستدرک سفینة البحار ) عن السیّد محمّد قلی


1- برهان الفقه 3 : 110 .

ص:430

خان المَعْنِیّ ( ت 1260 ه- ) - والد صاحب العبقات - أنّ له رسالة فی أنّ الشهادة بالولایة جزءٌ من الأذان((1)) .

وهذا یدلّ علی أنّ الشهادة بالولایة کان لها أنصارها من الفقهاء والعلماء فی ذلک العصر حتّی ذهب البعض منهم إلی القول بجزئیّتها کوالد صاحب العبقات .

وقد حُکی عن جدّی السیّد محمّد حسین بن محمّد إسماعیل المرعشی الشهرستانی - صهر المیرزا مهدی الشهرستانی احد المهادی الاربعة - أنّه لمّا سافر إلی الهند - فی أوائل القرن الثالث عشر - سمع أذاناً وفیه الولایة لعلیّ بصورة مختلفة عمّا کان یسمعها فی العراق وإیران ، وأَ حْتَمِلُ أنّه سمع ما أنا سمعته فی العام المنصرم حین سفری إلی الهند سنة 1427 ه- وهو : « أشهد أنّ أمیر المؤمنین وإمام المتّقین علیّاً ولیُّ الله ووصیُّ رسول الله وخلیفته بلا فصل » .

إنّ اختلاف صیغ الأذان فی العراق وإیران والهند وعلی مرّ العصور والأزمان والبلدان یؤکّد أنّهم کانوا لا یأتون بها علی أنّها جزء ، بل کانوا یأتون بها من باب المحبوبیة وبقصد القربة المطلقة . ومن هذا القبیل ما نسمع به من اذکار ومقدمات دعائیة قبل الأذان وبعده فی بعض البلدان الشیعیة .

فالبعض یستفتح الأذان بهذه الجمل : اعوذ بالله من شر الشیطان الرجیم ، بسم الله الرحمن الرحیم : « ان الله وملائکته یصلون علی النبیّ یا أیّها الذین امنوا صلوا علیه وسلموا تسلیما » اللهم صلّی علی محمّد وآل محمّد ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله اکبر .

فهذه الجمل الدعائیة لیست زیادات فی الأذان کما یرید أن یصوره البعض ، بل هی خارجة عن الأذان صورة وحکماً .

وبهذا فقد انتهینا من بیان سیر هذه المسألة فی هذا القرن ، ولا أری ضرورة


1- مستدرک سفینة البحار 5 : 266 باب السین .

ص:431

ملزِمة لمتابعة المسار کما تابعناه سابقاً علماً علماً ونصّاً ونصّاً - فی القرنین الرابع عشر والخامس عشر الهجریین - لأنّها صارت حقیقة معروفة عند الجمیع ولا یمکن تجاهلها ، بل أکتفی بنقل عبارات بعض أعلام هذین القرنین غیر معلِّق علیها ، لأنّ فتاوی الأعلام فی هذین القرنین کثیرة جداً ، وأنّ وظیفتی فی هذه الدراسة کانت إیصال سفینة البحث إلی یومنا هذا وقد وصلت بحمد الله تعالی بشکل علمی مُرضی ، رافعین من خلاله کلّ العقبات التی کانت تعیق هذه الدراسة ، معطین صورة توافقیة بین من یقول بالمنع أو الجواز أو الاستحباب ؛ لأنّ رسم أصول المصالحة بین الأطراف فی مسألة حساسة کهذه تستوجب الاستقراء والاستدلال وهو ما سعینا لتطبیقه فی بحثنا .

القرن الرابع عشر الهجری

40 - السیّد المیرزا محمود البروجردی ( ت 1300 ه )

قال السیّد المیرزا محمود بن الآقا المیرزا علی نقی بن السیّد جواد - أخ السیّد مهدی بحر العلوم - الطباطبائی البروجردی فی کتابه ( المواهب السنیة فی شرح الدرة الغرویّة ) من نظم عمّ والده السیّد مهدی بحر العلوم :

« وأکمل الشهادتین » شهادتی التوحید والرسالة « بالتی » بالشهادة التی « قد أکمل الدین بها فی الملة » وتمّت علی أهله النعمة کالشهادة بالولایة لعلیّ أمیر المؤمنین علیه السلام ، وکذا آل محمّد صلی الله علیه و آله خیر البریة ، لا لأنّ ذلک من أجزاء الأذان وداخل فی ماهیته ؛ للإجماع الظاهر من کلمات الأصحاب المحکیّ عن صریح جماعة حیث حصروا فصول الأذان فی غیره ، وللأخبار الماضیة الواردة فی بیانها ، مع أنّ تشریع الأذان کان قبل ظهور

ص:432

ولایته علیه السلام وهذا ممّا لا إشکال فیه ...

وکیف کان فلا إشکال فی عدم دخول ذلک فی ماهیة الأذان ، والأقوی أنّه لیس جزءً مستحبّاً له أیضاً ؛ لعدم الدلیل علی الجزئیة مطلقاً ، فالإتیان به بقصدها بدعة وتشریع ؛ خلافاً لما عن البحار واستجوده فی الحدائق .

قلت ، والخبر ( أی خبر الاحتجاج ) لا تأیید فیه لجزئیة هذه الشهادة کما لا دلالة فیه ، والتحقیق أن یقال : «أنّها مثل الصلاة » علی النبیّ صلی الله علیه و آله فی بین الأذان والإقامة « خارجة » « عن الخصوص »ولا تدخل فی ماهیتهما علی وجه الجزئیة اصلا لا وجوباً ولا ندباً ،ولکن « بالعموم » المستفاد من خبر الاحتجاج وغیره ممّا لایحصی ممّا دلّ علی فضل ذکره علیه السلام وإظهار ولایته وإمارته وسایر مناقبه صلوات الله علیه « والجه » وداخلة ، منها النبوی صلی الله علیه و آله : «إنّ الله تبارک وتعالی جعل لأخی فضائل لا یحصی عددَها غیرُهُ ، فمن ذکرفضیلة من فضائله مقرّاً بها غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ولوأتی فی القیامة بذنوب الثقلین ، وفی آخر زینوا مجالسکم بذکرعلی بن أبی طالب »((1)) .

وخبر الاحتجاج لا یفید أزید من الرجحان العامّ کما فی غیره من غیر خصوصیّة للأذان والإقامة أصلا .

وأمّا شهادة الأجلاّء بورود الأخبار فلا تجدی مع رمیهم لها بالشذوذ أو الوضع وفی الشوارع((2)) : إنّ الأصحاب بین محرِّم


1- المناقب للخوارزمی : 2 ، مائة منقبة : 177 ، تأویل الآیات : 888 .
2- لعلّه شوارع الاحکام للکلباسی صاحب الإشارات ( م 1261 ) ولیست نسخته عندنا .

ص:433

وغیر محرِّم ، مع ردّ کلّهم الاخبار الدالّة علیه بالشذوذ والوضع ، وعدم حمل أحد منهم إیّاها علی الاستحباب ، مع أنّ عادتهم ذلک ، وذکرهم مستحبات کثیرة له ولو بأخبار ضعاف وهجرهم ذلک رأساً بحیث یظهر إجماعهم علی خلافه .

فما فی کلام بعض محدّثی الأواخر من أنّه لا یبعد أن یکون من الأجزاء المستحبّة له ، فیه ما فیه ، ثمّ نفی البعد عن اختیار ما اخترناه لخبر الاحتجاج وغیره وربّما یلوح من آخر کلام البحار ما رجّحناه ، ویمکن التأویل علی بُعْد فی صدر کلامه ، وهذا مستثنی من کراهة الکلام فی الأثناء ، وفی «الشوارع» ما سبق من الحکم بکراهة الکلام فی خلال الأذان ، فقد عرفت عدم الدلیل علیه إلّا التسامح مع عدم شموله لمثله ، انتهی . واعلم : أنّه ینبغی للآتی بهذه الشهادة أن یأتی بها بحیث لا یوهم الجزئیة ولا یوقع الناس فی وهمها ، فیأتی بها تارة ویترکها أُخری ، ولا یکررها کالأُخریین مرتین ، ویسقط لفظة «أشهد» ، وفی جعلها فی خلال الصلاة علی النبیّ صلی الله علیه و آله وإدراجها فیها کما نبّه علیه فی کشف الغطاء جمعٌ بین الحقّین والوظیفتین((1)) .

41 - الشیخ جعفر التُّستری ( ت 1303 ه )

قال الشیخ جعفر التُّستری فی رسالته باللغة الفارسیة «منهج الرشاد» ما تعریبه :

إنّ الشهادة بالولایة لیست جزءً من الأذان ، ولکن یستحبّ


1- المواهب السنیة 3 : 328 - 329 .

ص:434

الإتیان بها تیمّناً وتبرّکاً للرجحان المطلق((1)) .

42 - المیرزا محمّد حسن القمی ( ت 1304 ه )

قال المیرزا محمّد حسن القمی - وهو من تلامذة الشیخ الانصاری - فی کتابه « مصباح الفقاهة » بعد أن نقل کلام الشیخ الصدوق رحمة الله .

وعن المجلسی قدس سره : أنّه لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة استناداً إلی ما عرفت ، وإلی خبر القاسم بن معاویة المرویّ عن احتجاج الطبرسی عن الصادق ... وفیه ما لا یخفی ، إلّا أنّه لا باس بذکر اسمه الشریف لا علی سبیل الجزئیة((2)) .

43 - الشیخ محمّد الایروانی ( ت 1306 ه )

قال الشیخ الایروانی فی رسالته باللغة الفارسیة « نجاة المقلّدین » ما تعریبه :

من الجائز القول ب- « أشهد ان علیّاً ولی الله » و« ان آل محمّد خیر البریة » فی الأذان والإقامة ، لکن بدون قصد الجزئیة ، والأحوط الاکتفاء بمرّة واحدة فی هذه الشهادة((3)) .

44 - الشیخ زین العابدین الحائری المازندرانی ( ت 1309 ه )

أجاب الشیخ فی رسالته باللغة الفارسیة « ذخیرة المعاد » بعد أن سئل هل


1- منهج الرشاد : 175 ط- بمبی سنة 1318 ه- وعلیه حاشیة السیّد إسماعیل الصدر ، وقد أمضی السیّد الصدر ما أفتی به الشیخ التستری ، انظر سرّ الإیمان للمقرم : 55 . وعبارة الشیخ تدل علی ان الاستحباب لیس لاصل الأذان بل هو للرجحان المطلق مطلوباً وذکراً محبوباً .
2- مصباح الفقاهة 3 : 76 ، وانظر « کلمات الاعلام حول الشهادة الثالثة » ضمن الرسائل العشر للشیخ الاستادی : 400 ، وسر الایمان للمقرم کذلک : 56 .
3- سر الإیمان ، للمقرم : 56 .

ص:435

الشهادة بالولایة فی الأذان والإقامة جائز الإتیان بها أم یجب ترکها ؟ قال رحمة الله :

لا بأس بالشهادة بالولایة بقصد الاستحباب لا بقصد الجزئیة((1)) .

45 - المیرزا محمّد حسن الشیرازی ( ت 1312 ه )

قال المیرزا الشیرازی فی رسالته « مجمع الرسائل » باللغة الفارسیة والتی علیها حاشیة للسیّد إسماعیل الصدر العاملی ، ما تعریبه :

الشهادة بالولایة لعلیّ لیست جزءاً من الأذان ، ولکن یؤتی بها إمّا بقصد الرجحان فی نفسه ، وإمّا بعد ذکر الرسالة ، فإنه حَسَنٌ ولا بأس به((2)) .

46 - ملا محمّد بن محمّد مهدی الأشرفی البارفروشی (ت 1315 ه )

قال الشیخ البارفروشی فی « شعائر الإسلام » ما تعریبه :

الشهادة بالولایة کأن یقول بعد «أشهد أن محمّداً رسول الله» : «أشهد أن علیّاً ولی الله» ، والشهادة بالإِمْرَةِ کأن یقول : «أشهد أن علیّاً أمیر المؤمنین» ، وکلاهما لیسا بجزء واجب ولا مندوب ، لکن إذا قالهما أحد مجتمعاً « أشهد أن علیّاً أمیر المؤمنین ولی الله » بدون واو العطف وبقصد القربة المطلقة والرجحان النفسی للأمر کان


1- انظر « کلمات الاعلام حول الشهادة الثالثة » : 400 وسر الإیمان للمقرم : 56 وقال بمثل هذا فی رسالته الاخری المسماة ب- « مختصر زینة العباد » : 124 طبع ایران سنة 1281 ه- .
2- مجمع الرسائل المحشّاة : 98 طبع بمبی سنة 1315 ه- من قبل السیّد إسماعیل الصدر ، والآخوند الخراسانی ، والمیرزا حسین الخلیلی ، والسیّد کاظم الیزدی ، والشیخ محمّد تقی الاصفهانی المعروف ب- «آغا نجفی» وغیرهم ، انظر کلمات الأعلام ، وسر الإیمان .

ص:436

مثاباً ومأجوراً وقد أُعطی ثواب الشهادة بالإِمرة والولایة((1)) .

47 - السیّد محمّد حسین الشهرستانی ( ت 1315 ه )

إنّ لجدی السیّد محمّد حسین المرعشی الشهرستانی کتاب «شوارع الأعلام فی شرح شرائع الإسلام» لا أدری هل أنّه تعرّض للشهادة بالولایة فیه أم ترکها تبعاً للمحقّق، لکنّ السیّد عبدالرزاق المقرّم نقل عن حاشیة له رحمة الله علی «نجاة العباد» لصاحب الجواهر امضائه لفتوی صاحب الجواهر بالاستحباب((2)) .

48 - الشیخ محمّد علی بن محمّد باقر « صاحب الحاشیة علی المعالم » ( ت 1318 ه )

أمضی الشیخ فی حاشیته علی « مجمع الرسائل » للسیّد المیرزا حسن الشیرازی الکبیر ما قاله المجدّد الشیرازی فی رجحان الشهادة بإمرة المؤمنین لعلی((3)) .

49 - السیّد إسماعیل الطبرسی النوری ( ت 1321 ه )

قال السیّد فی « شرح نجاة العباد » :

أقول : من تصفّح وتتبّع ما ورد فی الروایات فی فضائله ومناقبه علیه السلام یحصل له القطع بمحبوبیة اقتران اسمه المبارک والشهادة بولایته و إمارته باسم الله سبحانه وتعالی ورسوله کلما یذکران نطقاً وذکراً وکتابة ، ولا معنی للاستحباب إلّا رجحانه


1- شعائر الإسلام المعروف بالسؤال والجواب : 182 ، وانظر کلمات الاعلام للأستادی : 400 ، وسر الإیمان للمقرم : 57 ، کذلک عن رسالته بالفارسیة : 63 ، طبع بمبی سنة 1283 ه- .
2- سر الإیمان للمقرم : 57 .
3- سر الإیمان للمقرم : 58 .

ص:437

الذاتی ومطلوبیته النفسالأمری ، إلّا أن یقال بأنّ غایة ذلک استحبابه العقلی وهو غیرالاستحباب التعبدی ، فتأمّل((1)) .

50 - الشیخ محمّد الشربیانی ( ت 1322 ه )

له حاشیة علی رسالة السیّد حسین الترک ، وله حاشیة أُخری علی رسالة الشیخ محمّد الأشرفی ، وقد أمضی ما أفتی به العلمان الآنفان من رجحان الشهادة بالولایة واستحبابها .

51 - آغا رضا الهمدانی ( ت 1322 ه )

حکی الشیخ الهمدانی فی کتابه « مصباح الفقیه » کلام الشیخ الصدوق فی « الفقیه » والشیخ فی « النهایة » والعلّامة فی « المنتهی » وقال :

أقول : ولولا رمی الشیخ والعلّامة لهذه الأخبار بالشذوذ وادّعاء الصدوق وضعها ، لأمکن الالتزام بکون ما تضمّنته هذه المراسیل - من الشهادة بالولایة والإمارة وأنّ محمّداً وآله خیر البریّة - من الأجزاء المستحبّة للأذان والإقامة ، لقاعدة التسامح ، کما نفی عنه البُعْدَ المحدّثُ المجلسی فی محکیّ البحار تعو یلاً علی هذه المراسیل ، وأ یّده بما فی خبر القاسم ابن معاویة - المرویّ عن احتجاج الطبرسی - عن أبی عبدالله علیه السلام : « إذا قال أحدکم : لا إله إلاّالله ، محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین »((2)) وغیره من العمومات


1- وسیلة المعاد فی شرح نجاة العباد : 231 ، وانظر « کلمات الاعلام حول الشهادة الثالثة للأستادی » : 401 ، و« سر الإیمان » للمقرم : 58 .
2- الاحتجاج : 158 .

ص:438

الدالّة علیه((1)) .

ولکنّ التعو یل علی قاعدة التسامح فی مثل المقام - الذی أخبر مَنْ نقل إلینا الخبر الضعیف بوضعه أو شذوذه - مشکل ، فالأولی أن یشهد لعلیّ علیه السلام بالولایة وإمرة المؤمنین بعد الشهادتین قاصداً به امتثال العمومات الدالّة علی استحبابه ، کالخبر المتقدّم((2)) ، لا الجزئیّة من الأذان أو الإقامة ، کما أنّ الأولی والأحوط الصلاة علی محمّد وآله بعد الشهادة له بالرسالة بهذا القصد ، والله العالم((3)) .

52 - الشیخ محمّد طه نجف ( ت 1323 ه )

للشیخ حاشیة علی « نجاة العباد » لم یعلّق فیها علی ما أفتی به صاحب الجواهر ، ومعناه أنّه أمضی ما أفتی به صاحب الجواهر((4)) .

53 - الشیخ حسن المامقانی ( ت 1323 ه )

أفتی الشیخ المامقانی فی رسالته العملیة باللغة الفارسیة باستحباب الصلاة علی محمّد وآله والشهادة بالولایة لعلی بإمرة المؤمنین بعد ذکر الشهادة بالرسالة لکن لا بقصد الجزئیة((5)) .


1- بحار الأنوار 84 : 111 - 112 ، وحکاه عنه البحرانی فی الحدائق الناضرة 7 : 403 - 404 .
2- أی : خبر القاسم بن معاویة .
3- مصباح الفقیه 11 : 313 - 314 وانظر کلامه رحمة الله عن کراهة الترجیع فی صفحة 342 کذلک .
4- سر الإیمان ، للمقرم : 59 .
5- سر الإیمان للمقرم : 59 ، وانظر رسالته کذلک : 155 ، المطبوع فی إیران سنة 1307 ه- .

ص:439

54 - السیّد محمّد بحر العلوم ( ت 1326 ه )

قال صاحب « بلغة الفقیه » فی رسالته « الوجیزة » عند ذکر فصول الأذان والإقامة :

ویستحبّ فیهما إکمال الشهادتین بالشهادة بالولایة لعلیّ وإن کانت خارجة عن فصولهما((1)) .

55 - المیرزا حسین الخلیلی ( ت 1326 ه )

للشیخ الخلیلی حواش وتعلیقات علی رسائل مَنْ قَبْلَهُ مثل « نجاة العباد » لصاحب الجواهر ، و« مجمع الرسائل » للمیرزا المجدد الشیرازی ، و« النخبة » للمیرزا الکرباسی ، فقد أمضی فتاوی من سبقه باستحباب الشهادة بالولایة لعلی فی الأذان((2)) .

56 - الآخوند محمّد کاظم الخراسانی«صاحب کفایة الأصول» (ت1329ه )

قال الآخوند فی « ذخیرة العباد » ما تعریبه :

الشهادة بالولایة لأمیر المؤمنین لیست جزءاً من الأذان ، ولکن لا بأس بذکرها بقصد القربة المطلقة بعد ذکر الشهادة لرسول الله((3)) .

57 - الشیخ عبدالله المازندرانی ( ت 1330 ه )

لم یعلّق الشیخ بالخلاف علی ما أفتی به الملاّ محمّد الأشرفی من استحباب الشهادة بالولایة لعلی علیه السلام ((4)) .


1- سر الإیمان ، للمقرم : 59 ، عن الوجیزة : 89 ، طبع سنة 1324 ه- .
2- سر الإیمان ، للمقرم : 59 .
3- ذخیرة العباد : 53 ، طبع بمبی ، سنة 1327 ، وانظر سر الإیمان للمقرم : 60 .
4- سر الإیمان ، للمقرم : 60 .

ص:440

58 - الشیخ محمّد تقی ( حفید صاحب الحاشیة علی المعالم ) المعروف بآقا نجفی ( ت 1332 ه )

قال الشیخ فی رسالته العملیة له باللغة الفارسیة ، ما تعریبه :

الشهادة بالولایة لعلی لیست جزءاً من الأذان ، ولکن یستحبّ أن یؤتی بها بقصد الرجحان ، اما فی نفسه أو بعد ذکر الرسول((1)) .

59 - الملا محمّد علی الخونساری الإمامی ( ت 1332 ه )

قال رحمة الله فی رسالته باللغة الفارسیة :

الشهادة لعلی لیست جزءاً بل یؤتی بها بقصد الرجحان إمّا فی نفسه ، أو لما ورد بعد ذکر الرسول((2)) .

60 - المیرزا أبو القاسم الأُوردبادی ( ت 1333 ه )

قال الشیخ الأَوردبادی فی کتابه الاستدلالی فی الفقه - مخطوط - وکان من تلامذة النهاوندی والفاضل الایروانی :

لقد ورد الإقرار بأنّ علیاً أمیر المؤمنین کلّما أُقِرَّ بالتوحید والرسالة ، وهو بعمومه یقتصی الاستحباب فی الأذان والإقامة((3)) .

61 - الشیخ محمّد علی المدرس الجهاردهی ( ت 1334 ه )


1- سر الإیمان ، للمقرم : 59 .
2- سر الإیمان ، للمقرم : 9 .
3- سر الإیمان ، للمقرم : 61 .

ص:441

قال الشیخ فی رسالته « زبدة العبادات » باللغة الفارسیة ، ما تعریبه :

الشهادة بالولایة لیست جزءاً من الأذان والإقامة ، بل یؤتی بها بعد الشهادة بالرسالة بعنوان الرجحان المطلق لدلالة الروایات علیها بعد الرسالة فی کل وقت((1)) .

62 - الشیخ محمّد جواد بن الشیخ مشکور الحولاوی ( ت 1334ه )

له حاشیة علی رسالة والده المسماة ب- « کفایة الطالبین » ، وقد أمضی فیها ما أفتی به والده((2)) . وکان والده المتوفّی سنة 1282 ه- قد قال فی رسالته المذکورة : ویُستحب الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمه ، وإکمال الشهادتین بالشهادة لعلیّ علیه السلام بالولایة لله تعالی وإمرة المؤمنین فی الأذان وغیره((3)) .

63 - السیّد محمّد مهدی بن أحمد بن حیدر الکاظمی ( ت 1336 ه )

له رسالة عملیة طبعت فی بمبی الهند سنة 1327 ه- مع حاشیة المیرزا النائینی قال فیها :

ویستحبّ الشهادة لعلی بالولایة لله وامرة المؤمنین بعد الشهادتین لا بعنوان الجزئیة((4)) .

64 - السیّد محمّد کاظم الیزدی ( ت 1337 ه )

قال السیّد الیزدی فی « العروة الوثقی » :


1- سر الإیمان ، للمقرم : 61 .
2- سر الإیمان ، للمقرم : 61 .
3- سرّ الإیمان ، للمقرم : 54 .
4- سر الإیمان ، للمقرم : 61 .

ص:442

ویستحبّ الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمه ، وأمّا الشهادة لعلی بالولایة وإمرة المؤمنین فلیست جزءاً منهما((1)) .

وقد علق الشیخ محمّد حسین کاشف الغطاء ( ت 1373 ه- ) علیها بقوله : ویمکن استفادة کون الشهادة بالولایة والصلاة علی النبی أجزاء مستحبة فی الأذان والإقامة من العمومات .

وقال السیّد الیزدی فی « طریق النجاة »((2)) : الشهادة لعلیّ بالولایة لم تکن جزءاً من الأذان ، وبعنوان القربة حَسَنٌ .

وقد عرفت موافقته علی الاستحباب فی حواشیه علی « نجاة العباد » وغیرها .

65 - السیّد إسماعیل الصدر ( ت 1338 ه )

قال السیّد فی رسالته « أنیس المقلّدین » :

الشهادة لعلی بالولایة وإمرة المؤمنین فی الأذان والإقامة بقصد القربة لا بقصد الجزئیة لا إشکال فیه .

وقال أعلی الله مقامه فی رسالته « مختصر نجاة العباد » :

و إکمال الشهادتین بالشهادة لعلیّ بالولایة لله وإمرة المؤمنین لا بأس به((3)) .

66 - المیرزا محمّد تقی الشیرازی ( ت 1338 ه )

قال الشیخ فی رسالته العملیة :


1- العروة الوثقی 2 : 412 .
2- طریق النجاة : 28 ، طبع بغداد سنة 1330 ه- ، وانظر سر الإیمان للمقرم : 61 .
3- انیس المقلدین : 15 ، طبع بمبی سنة 1329 ، ومختصر نجاة العباد : 44 طبع بمبی سنة 1318 ه- . وانظر سر الإیمان للمقرم : 62 .

ص:443

و یستحبّ الصلاةُ علی محمّد وآله عند ذکر اسمه الشریف ، وإکمالُ الشهادتین بالشهادة لعلی بالولایة وإمرة المؤمنین فی الأذان وغیره((1)) .

67 - شیخ الشریعة الاصفهانی ( ت 1339 ه )

قال الشیخ فی « الوسیلة » بالفارسیة ما تعریبه :

والشهادة بالولایة لعلیّ لیست جزءاً من الأذان ، وبقصد القربة بعد الشهادة بالرسالة حَسَنٌ جیّدٌ((2)) .

68 - الشیخ أحمد کاشف الغطاء ( ت 1344 ه )

قال الشیخ فی « سفینة النجاة » :

ویستحبّ فی الأذان والإقامة إکمال الشهادتین بالشهادة بالولایة لعلیّ مرتین وإن کانت خارجةً عن فصولهما((3)) .

69 - الشیخ عبدالله النوری ( ت 1344 ه )

وهو من تلامذة المیرزا المجدّد الشیرازی ، له تعلیقة علی رسالة أستاذه ( مجمع الرسائل ) ، وافق فیها أستاذه علی الفتوی بالاستحباب((4)) .


1- رسالته العملیة : 60 ، المطبوعة فی مطبعة الاداب بغداد سنة 1328 ه- . وانظر تعلیقته علی ذخیرة المعاد للشیخ زین العابدین المازندرانی وذخیرة العباد لیوم المعاد کذلک (سر الإیمان : 62) .
2- الوسیلة : 68 ، طبع تبریز سنة 1337 ه- . وانظر سر الإیمان : 63 .
3- سفینة النجاة 1 : 206 ، المطبعة الحیدریة سنة 1338 ه- ، وانظر کلمات الاعلام للأستادی ، وسر الإیمان للمقرم کذلک .
4- سر الإیمان ، للمقرم : 63 .

ص:444

70 - السیّد المیرزا محمّد علی الشهرستانی ( ت 1344 ه )

ذهب عمّ والدی السیّد المیرزا محمّد علی الشهرستانی فی کتابیه « التذکرة فی شرح التبصرة » و« نصرة الشریعة فی الاستنصار لمذهب الشیعة » إلی استحباب القول بالشهادة الثالثة فی الأذان والإقامة .

71 - الشیخ البارفروشی ( ت 1345 ه )

قال الشیخ فی « سراج الأمّة » :

ولا یجوز اعتقاد شرعیّة غیر هذه الفصول فی الأذان والإقامة ، کالتشهد بالولایة لعلی علیه السلام ، وأنّ محمّداً وآله خیر البریة ، أو خیر البشر ، أو نحو ذلک وإن کان الواقع کذلک ، ولیس کل ما هو حق مطابق للواقع ونفس الأمر یجوز إدخاله فی العبادات التوقیفیّة المحدودة من الله بحدود لا یزید ولا ینقص .

نعم ، ورد فی بعض الأخبار الشهادة ] بالولایة [ ولکن قد قیل أنّها من وضع المفوّضة .

ثم ذکر الشیخ البارفروشی کلام العلّامة فی المنتهی والصدوق فی الفقیه ثم قال :

وبالجملة أنّ ذلک من أحکام الإیمان لا من فصول الأذان ، نعم قد عرفت سابقاً عن المجلسی أنّه نفی البعد عن کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ استناداً إلی هذه المراسیل التی رمیت بالشذوذ وأنّه مما لا یجوز العمل بها ، وإلی ما فی خبر القاسم بن معاویة ... وتبعه فی جواهر الکلام ونفی البأس بذکر ذلک لا علی سبیل الجزئیة عملاً بالخبر المزبور .

وأنت خبیر بأنّ العمل بالخبر یقتضی الجزئیة وإلاّ فلیس عملاً

ص:445

بالخبر ، ثمّ أنّه لو فعل هذه الزیادة أو أحدها بنیّة أنه منه علی تقدیر أنّه لیس منه أثم فی اعتقاده ولکن لا یبطل الأذان بفعله ، ولا یقدح مثل ذلک فی الترتیب والموالاة کما ذکر فی جواهر الکلام تبعاً للطباطبائی فی المنظومة ، لکونه حینئذ کالصلاة علی محمّد عند سماع اسمه((1)) .

72 - السیّد محمّد الفیروزابادی ( ت 1346 ه )

قال السیّد فی « ذخیرة العباد » بالفارسیة ، ما تعریبه :

الشهادة بالولایة لعلیّ لیست جزءاً من الأذان ، والإتیان بها بعد الشهادة بالرسالة بقصد القربة جید((2)) .

73 - الشیخ شعبان الرشتی ( ت 1347 ه )

قال الشیخ فی رسالته « وسیلة النجاة » الفارسیة ما تعریبه :

الشهادة بالولایة لم تکن جزءاً من الأذان ، ولکن یؤتی بها بقصد القربة المطلقة بعد الشهادة لرسول الله((3)) .

74 - الشیخ عبدالله المامقانی ( ت 1351 ه )

قال الشیخ فی « مناهج المتقین فی فقه أئمّة الحقّ والیقین » :

ولو أتی بالشهادة بولایة علی صلوات الله علیه مرتین بعد الشهادة بالرسالة تیمّناً بقصد القربة المطلقة لا بقصد الجزئیة لم


1- سراج الامة 2 : 355 ، کما فی کلمات الاعلام للأستادی : 402 .
2- ذخیرة العباد : 62 ، المطبعة الحیدریة سنة 1342 ه- ، کما فی سر الإیمان للمقرم : 63 .
3- وسیلة النجاة : 78 ، المطبعة الحیدریة سنة 1346 ه- ، کما فی سر الإیمان : 63 .

ص:446

یکن به بأس بل کان حسناً((1)) .

75 - الشیخ محمّد رضا الدزفولی ( ت 1352 ه )

قال الشیخ فی کتابه « کلمة التقوی » :

ولیست الشهادة بالولایة جزءاً لأحدهما ، نعم لا بأس بها((2))تبرکاً ، بل أداءً للاستحباب المطلق((3)) .

76 - السیّد حسن الصدر الکاظمی ( ت 1354 ه )

قال السیّد فی « المسائل المهمة » :

و یستحبّ الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمهالشریف ، وإکمالُ الشهادتین بالشهادة لعلی بالولایة وإمرة المؤمنین فی الأذان وغیره((4)) .

77 - المیرزا محمّد حسین النائینی ( ت 1355 ه )

قال الشیخ النائینی فی « وسیلة النجاة » :

یستحبّ الصلاة علی محمّد وآله عند ذکر اسمه الشریف ، وإکمال الشهادتین بالشهادة لعلی علیه السلام بالولایة وإمرة المؤمنین فی الأذان وغیره((5)) .


1- مناهج المتقین : 62 ، ط- مؤسسة آل البیت للطباعة والنشر (حجری) .
2- أی بالإتیان بها .
3- کلمة التقوی : 170 ، کما فی کلمات الاعلام : 402 .
4- المسائل المهمة : 22 ، طبع صیدا سنة 1339 ه- ، کما فی سر الإیمان : 64 .
5- وسیلة النجاة : 56 ، المطبعة الحیدریة سنة 1340 ه- ، وانظر کلمات الاعلام : 403 ، وسر الإیمان : 64 کذلک .

ص:447

78 - الشیخ محمّد حسین الاصفهانی (المعروف بالکمپانی) (ت 1361 ه)

أدخل الشیخ الکمپانی حواشیه فی أصل کتاب « وسیلة النجاة » وقال بنفس ما قاله الشیخ النائینی رحمة الله ((1)) .

79 - السیّد أبو الحسن الاصفهانی ( ت 1365 ه )

قال السیّد فی « ذخیرة العباد » بالفارسیة ما هذا تعریبه :

والشهادة بالولایة لعلی علیه السلام لیست جزءاً من الأذان ، ولکن إذا أتی بها بعد الشهادة بالرسالة بقصد القربة کان حَسَناً((2)) .

80 - السیّد حسین القمّی ( ت 1366 ه )

قال السیّد فی « مختصر الأحکام » بالفارسیة ما تعریبه :

ویستحبّ الصلاة علی محمّد وآله بعد الشهادة بالرسالة فی الأذان والإقامة ، ومن کمال الشهادتین الشهادة بالولایة وإمرة المؤمنین لعلی((3)) .

81 - الشیخ محمّد رضا آل یاسین ( ت 1370 ه )


1- سر الإیمان ، للمقرم : 65 .
2- سر الإیمان ، للمقرم : 65 ، وانظر ذخیرة العباد : 112 ، مطبعة الراعی فی النجف سنة 1366 ه- .
3- مختصر الاحکام : 26 ، المطبعة العلمیة سنة 1355 ه- ، ومثله فی رسالته ذخیرة العباد : 107 ، طبع المطبعة العلمیة سنة 1366 ه- . وانظر سر الإیمان : 65 .

ص:448

له رحمة الله حاشیة علی « بغیة المقلدین » للسیّد محمّد مهدی الصدر - خطیة - وافق فیها السیّد علی ما أفتی به من الاستحباب((1)) .

82 - السیّد صدر الدین الصدر ( ت 1373 ه )

له رحمة الله حاشیة علی « منتخب المسائل » للسیّد حسین القمّی ، وافق فیها السیّد علی قوله : « وأمّا الشهادة بالولایة لعلیّ فلیست جزءً من الأذان ، ولو أتی بها بقصد القربة بعد الرسالة کان حسناً»((2)) .

83 - الشیخ مرتضی آل یاسین

کتب الشیخ فی جواب من سأله عن هذه المسالة بما هذا نصه :

لا ینبغی الإشکال فی استحباب الشهادة لعلی علیه السلام بالولایة عقیب ذکر الشهادتین فی کلّ من الأذان والإقامة إذا لم یقصد بها الجزئیة کما علیه سیرة المؤذّنین من أبناء الشیعة الإمامیة فی کلّ زمان وکلّ مکان ، وذلک للأخبار الدالّة بکلّ صراحة علی استحباب القِران بین الشهادتین : الشهادة للنبی صلی الله علیه و آله بالرسالة والشهادة لعلی أمیر المؤمنین علیه السلام بالولایة .

ودعوی لزوم التشریع مِن ذکرها - زیادة علی الفصول المعتبرة فی الأذان والإقامة - مدفوعةٌ بعدم لزومه قطعاً مع عدم قصد الجزئیة فیهما کما هو المفروض .

وأمّا الأخبار الدالّة علی کراهة التکلّم فی الأذان والإقامة فلا


1- سر الإیمان للمقرم : 65 .
2- منتخب المسائل : 72 ، طبع دار النشر والتالیف سنة 1365 ه- ، وانظر سر الإیمان ، للمقرم : 65 .

ص:449

تصلح معارضاً لتلک الأخبار الدالّة علی استحباب القران بین الشهادتین مطلقاً ، لأنّ مورد الکراهة حسبما هو المستفاد من أدلّتها مختصّ بالتکلم بعد إقامة الصلاة ، أی بعد قول المقیم : « قد قامت الصلاة » ، أو فیما بین الأذان والإقامة فی خصوص صلاة الغداة ، ولیس فیها ما یدلّ علی کراهته فی الإقامة قبل إقامة الصلاة ، کما لیس فیها ما یدل علی کراهته فی الأذان مطلقاً کما لا یخفی ذلک علی من راجع أخبار الباب ، هذا بعد تسلیم کون الشهادة الثالثة من الکلام الخارج عن عنوان الکلام المرخّص فیه شرعاً فی مثل الصلاة فضلا عن غیرها من الوظائف الشرعیة کالتکلّم بذکر الله جل شأنه وذکر النبی صلی الله علیه و آله ، مع أنّ للمنع من خروجه عن هذا العنوان مجالاً واسعاً .

أمّا أولاً : فلإِمکان دعوی انصراف الکلام المحکوم علیه بالکراهة أو الحرمة عن مثل الشهادة بالولایة لعلیّ علیه السلام کما اعترف به غیر واحد من أهل العلم .

وأمّا ثانیاً : فلما دلّ علی أنّ ذکره وذکر الأئمة من ولده علیهم أفضل الصلاة والسلام من ذکر الله تعالی ، وذلک ما رواه فی الکافی عن أبی بصیر ، عن أبی عبدالله علیه السلام : ما اجتمع قوم فی مجلس لم یذکروا الله ولم یذکرونا إلّا کان ذلک المجلس حسرة علیهم یوم القیامة ، ثم قال : قال أبو جعفر علیه السلام : إنّ ذکرنا من ذکر الله ، وذکر عدونا من ذکر الشیطان((1)) ، وهذا التنزیل المستفاد صریحاً من هذه الروایة الشریفة یقضی بخروج ذکرهم


1- بحار الأنوار 72 : 468 .

ص:450

صلوات الله علیهم عن دائرة الکلام المکروه والمحرّم ولحوقه بذکر الله سبحانه وتعالی فی جمیع ما رُتِّب علیه من الأحکام ، وقد جاء فی روایة الحلبی عن أبی عبدالله علیه السلام : کل ما ذکرت الله عزّوجلّ به والنبی فهو من الصلاة ، ومن هنا یظهر لک وجه القول بجواز ذکر الشهادة الثالثة فی الصلاة فضلاً عن الأذان والإقامة والله العالم((1)) .

84 - السیّد عبد الحسین شرف الدین ( ت 1377 ه )

قال السیّد فی « النص والاجتهاد » :

و یستحبّ الصلاة علی محمّد وآل محمّد بعد ذکره صلی الله علیه و آله ، کما یستحبّ إکمال الشهادتین بالشهادة لعلی بالولایة لله تعالی وإمرة المؤمنین فی الأذان والإقامة ، وقد أخطأ وشذّ من حرّم ذلک ، وقال بأنّه بدعة ، فإنّ کلّ مؤذّن فی الإسلام یقدّم کلمة للأذان یوصلها به ، کقوله : الحمد لله الذی لم یتّخذ ولداً ... الآیة أو نحوها ، ویلحق به کلمة یوصلها بها کقوله : الصلاة والسلام علیک یا رسول الله أو نحوها ، وهذا لیس من المأثور عن الشارع فی الأذان ، ولیس ببدعة ، ولا هو محرّم قطعاً ، لأنّ المؤذّنین کلّهم لا یرونه من فصول الأذان ، وإنّما یأتون به عملاً بأدلّة عامّة تشمله ، وکذلک الشهادة لعلیّ بعد الشهادتین فی الأذان ، فإنّما هی عمل بأدلّة عامّة تشملها ، علی أن الکلام القلیل من سایر


1- سر الإیمان للمقرم : 78 .

ص:451

کلام الادمیین لا یبطل به الأذان ولا الإقامة ولا هو حرام فی أثنائهما ، فمن أین جاءت البدعة والحرام ...((1)) .

85 - الشیخ محمّد صالح السمنانی

قال الشیخ ما ترجمته :

یجوز الشهادة بالولایة لأمیر المؤمنین بعد الشهادة بالرسالة بقصد استجابة النداء بالولایة ، وبقصد قبول الشهادتین وصحّة الأعمال ، لا بقصد الجزئیة وورودها فی الأذان التوقیفی من قبل الله ، فلا یجوز إدخال شیء فی فصول الأذان ، کأن یقول : أشهد أنّ أشرف الأنبیاء محمّداً رسول الله ، أو : أشهد أنّ الله أجلّ وأکبر ، نعم یجوز أن یأتی بها بعد إکمال الفصل ، کأن یقول : الله اکبر جل جلاله ربّی ، أو : أشهد أنّ محمّداً رسول الله صلّی الله علیه وآله((2)) .

وله فی کتابه « توضیح المسائل » کلام طویل آخر فی هذه المسألة جدیر بمراجعتها لما فیها من بعض الغرائب .

86 - السیّد حسین البروجردی ( ت 1380 ه )

قال السیّد فی رسالته « توضیح المسائل » الفارسیة :

«أشهد أنّ علیاً ولیّ الله » لیست جزءاً من الأذان ، ولکن من المحبّذ أن یؤتی بها بعد « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » بقصد


1- النص والاجتهاد : 143 .
2- ذخیرة العباد : 77 ، وانظر کلمات الاعلام ، للأستادی : 405 .

ص:452

القربة((1)) .

وقال رحمة الله فی « أنیس المقلّدین » فی جواب من سأله عن حکم من شهد بالولایة وإمرة المؤمنین لعلیّ فی الأذان ؟

قال رحمة الله : إذا قالها بقصد القربه لا بقصد الجزئیة لا إشکال فیه((2)) .

وما أفتی به السیّد البروجردی فی رسائله العملیة لا یتّفق مع ما ادّعاه الشیخ محمّد واعظ زاده الخراسانی علی السیّد البروجردی من عدم قبوله ذلک .

87 - السیّد علی مدد القائنی ( ت 1384 ه )

قال السیّد فی جواب من استفتاه عن الشهادة الثالثة :

لا ریب ولا إشکال فی رجحان الشهادة بالولایة لعلی ابن أبی طالب فی الأذان والإقامة لا بقصد الجزئیة ؛ للأصل وعدم المانع ، والأخبارِ المطلقة الآمرة بذکر الآل بعد ذکر الرسالة ، وما رواه فی الاحتجاج من اقتران الشهادة بإمرة المؤمنین لعلیّ علیه السلام بعد الشهادتین ، والأخبارِ الخاصةِ التی شهد بها الصدوق والشیخ الطوسی ، ولأجلها ذهب المجلسیّ وبعض من تأخّر عنه إلی استحباب الشهادة الثالثة فی الأذان ولو بقصد الجزئیة ، وبعد اعتراف هذین العلمین - الصدوق والطوسی - بوجود الاخبار الآمرة بالشهادة الثالثة فی الأذان لا وجه لرفع الید عنها .


1- توضیح المسائل للسیّد البروجردی : المسالة 928 .
2- انیس المقلدین : 22 .

ص:453

وأمّا رمیهم لها بالشذوذ فیردّه ما تسالم علیه العلماء من جبر الخبر الضعیف بالتسامح فی أدلة السنن ، مع أنّ مسألة الولایة من کمال الدین ، کما نص علیه الکتاب { الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ } ، ومما بُنی علیها الإسلام ، فقد ورد فی الحدیث : بنی الإسلام علی خمس وعد منها الولایة ، ولم یناد بشیء کما نودی بالولایة .

أمّا روایة الاحتجاج « إذا قال احدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » ، وإن کان لسانها العموم فتشمل حتی الأذان إلّا أنّ العارف بأسالیب کلام المعصومین لا یفوته الجزم بأنّ غرض الإمام علیه السلام الإشارة إلی جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان الذی یکرره الإنسان فی الیوم واللیلة ، ولکن لمّا أوصد سلطان الضلال الأبواب علی الأئمة علیهم السلام - کما تشهد به جدران الحبوس وقعر السجون المظلمة - لم یجد الإمام بدّاً من اختیار هذا النحو من البیان لعلمه بتأثیر کلامه فی نفوس الشیعة وقیامهم بما یأمرهم به فی کلّ الأحوال ، وأهمّها حال الأذان ، لأنّه وجه العبادة ومفتاح الأصول إلی ساحة الجلال الإلهی ، وهذا لطفٌ من إمام الأمة علیه السلام بشیعته لینالوا الدرجات العالیة وأقصی المثوبات ، ومن هنا یمکن دعوی اتّصال سیرة العلماء والمتدیّنین علی الجهر بالولایة فی الأذان فی صلواتهم بزمان المعصوم علیه السلام ، وهذه السیرةمن العلماء مع العمومات الآمرة بالولایة فی کلّ الأحوال فی السرّوالعلانیة تصدّ دعوی البدعة ، فالشهادةُ بالولایة لأمیر

ص:454

المؤمنینفی الأذان والإقامة ممّا لا ریب فی رجحانه((1)) .

88 - السیّد الحکیم ( ت 1390 ه )

قال السیّد الحکیم فی « المستمسک » :

الظاهر من المبسوط إرادة نفی المشروعیة بالخصوص ، ولعلّه أیضاً مراد غیره ، لکنّ هذا المقدار لا یمنع من جریان قاعدة التسامح علی تقدیر تمامیتها فی نفسها ، ومجرّد الشهادة بکذب الراوی لا یمنع من احتمال الصدق الموجب لاحتمال المطلوبیة ، کما أنّه لا بأس بالإتیان به بقصد الاستحباب المطلق ؛ لما فی خبر الاحتجاج «إذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین» ، بل ذلک فی هذه الأعصار معدود من شعائر الإیمان ورمز إلی التشیع ، فیکون من هذه الجهة راجحاً شرعاً ، بل قد یکون واجباً ، لکن لا بعنوان الجزئیة من الأذان ، ومن ذلک یظهر وجه ما فی البحار من أنّه لا یبعد کون الشهادة بالولایة من الأجزاء المستحبّة للأذان ؛ لشهادة الشیخ والعلّامة والشهید وغیرهم بورود الأخبار بها ، وأُید ذلک بخبر القاسم بن معاویة ...((2)) .

وقال رحمة الله فی « منهاج الصالحین » :

وتستحبّ الصلاةُ علی محمّد وآله عند ذکر اسمه الشریف ،


1- سر الإیمان ، للمقرم : 75 - 76 .
2- مستمسک العروة الوثقی 5 : 545 .

ص:455

وإکمالُ الشهادتین لعلیّ بالولایة وإمرة المؤمنین فی الأذان وغیره((1)) .

89 - السیّد الخمینی ( ت 1409 ه )

قال السیّد الخمینی فی « الآداب المعنویة » :

قد ورد فی بعض الروایات غیر المعتبرة أن یقال بعد الشهادة بالرسالة فی الأذان : أشهد أن علیّاً ولیّ الله ، مرّتین وفی بعض الروایات : أشهد أن علیّاً أمیر المؤمنین حقاً مرّتین ، وفی بعض آخر : محمّد وآل محمّد خیر البریة ، وقد جعل الشیخ الصدوق رحمة الله هذه الروایات من موضوعات المفوّضة وکذّبها ، والمشهور بینالعلماء رضوان الله علیهم عدم الاعتماد بهذه الروایات ، وجعلبعض المحدّثین هذه الشهادة جزءاً مستحبّاً من جهة التسامح فیأدلّة السنن ، وهذا القول لیس ببعید عن الصواب وإن کان أداؤهابقصد القربة المطلقة أولی وأحوط ، لأنّه یستحب بعد الشهادة بالرسالة الشهادة بالولایة وإمارة المؤمنین کما ورد فی حدیثالاحتجاج عن قاسم بن معاویة ؛ قال : « قلت لأبی عبدالله : هؤلاءیروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لما أسری برسول الله رأی علی العرش مکتوباً : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بکر الصدّیق ، فقال : سبحان الله غیّروا کل شیء حتی هذا ؟! قلت نعم ، قال : ان الله عزّ وجل لما خلق العرش کتب علیه : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علیّ أمیر المؤمنین ، ولما خلق


1- منهاج الصالحین : 129 الطبعة السابعة .

ص:456

الله عزّوجلّ الماء کتب فی مجراه : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله علیّ أمیر المؤمنین ، ثمّ تذکر الروایة کتابة هذه الکلمات علی قوائم الکرسی واللوح وعلی جبهة إسرافیل وعلی جناحی جبرائیل وأکناف السماوات وأطباق الأرضین ورؤوس الجبال وعلی الشمس والقمر ، ثم قال : فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین » .

وبالجملة هذا الذکر الشریف یستحبّ بعد الشهادة بالرسالة مطلقاً ، وفی فصول الأذان لا یبعد استحبابه بالخصوص وإن کان الاحتیاط یقتضی أن یؤتی به بقصد القربة المطلقة لا بقصد الخصوصیة فی الأذان ؛ لتکذیب العلماء الأعلام تلک الروایات((1)) .

90 - السیّد الخوئی ( ت 1413 ه )

قال السیّد الخوئی فی « المستند فی شرح العروة الوثقی » - وبعد أن نقل کلام الشیخ الصدوق فی الفقیه والشیخ فی النهایة والمبسوط - :

ونحوه ما فی المنتهی ، وغیره من کلمات الأصحاب ، هذا وربّما یتمسّک لإثبات الاستحباب بقاعدة التسامح نظراً إلی ما سمعته من ورود الشهادة الثالثة فی شواذّ الأخبار ، وفیه - مضافاً إلی أنّ القاعدة غیر تامّة فی نفسها ، إذ لا یثبت بها إلّا الثواب دون الاستحباب ، لتکون الشهادة من فصول الأذان وأجزائها


1- الآداب المعنویة : 264 - 265 .

ص:457

المستحبة کما فصّلنا البحث حوله فی الاُصول - ((1)) أنّه علی تقدیر تسلیمها فهی خاصّة بصورة بلوغ الثواب فحسب لا بلوغه مع بلوغ عدمه کما فی المقام ، حیث إنّ الراوی وهو الشیخ الصدوق قد بلغنا عنه القطع بکذب تلک الروایة وعدم الثواب علی الشهادة .

أضف إلی ذلک : أنّها لو کانت جزءاً من الأذان لنقل ذلک عن المعصوم علیه السلام ولفعله ولو مرّة واحدة ، مع أنّ الروایات الحاکیة للأذان خالیة عن ذلک بتاتاً .

نعم ، قد یقال : إنّ روایة الاحتجاج تدلّ علیه بصورة العموم ، فقد روی الطبرسی فی الاحتجاج عن القاسم ابن معاویة ، عن الصادق علیه السلام « أنّه إذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین »((2)) ، لکنّها لضعف سندها غیر صالحة للاستدلال إلّا بناءً علی قاعدة التسامح ، ولا نقول بها کما عرفت .

ولعلّ ما فی البحار من کون الشهادة من الأجزاء المستحبة((3)) مستند إلی هذه الروایة ، أو ما عرفته من شهادة الصدوق والشیخ وغیرهما بورود النصوص الشاذّة .

هذا ، ولکنّ الذی یهوّن الخطب أنّنا فی غنی من ورود النص ، إذ لا شبهة فی رجحان الشهادة الثالثة فی نفسها بعد أن کانت الولایة من متمّمات الرسالة ومقوّمات الإیمان ، ومن کمال


1- مصباح الاُصول 2 : 319 .
2- الاحتجاج 1 : 366 / 62 .
3- البحار 81 : 111 .

ص:458

الدین بمقتضی قوله تعالی : { الْیَومَ أکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ }((1)) ، بل من الخمس التی بنی علیها الإسلام ، ولا سیّما وقد أصبحت فی هذه الأعصار من أجلی أنحاء الشعار وأبرز رموز التشیع وشعائر مذهب الفرقة الناجیة ، فهی إذن أمر مرغوب فیه شرعاً وراجح قطعاً فی الأذان وغیره ، وإن کان الإتیان بها فیه بقصد الجزئیة بدعة باطلة وتشریعاً محرّماً حسبما عرفت ، ویستدل له بروایة أبی بصیر ، عن أبی عبدالله علیه السلام « قال : لو أنّ مؤذّناً أعاد فی الشهادة أو فی حیّ علی الفلاح المرتین والثلاث وأکثر من ذلک إذا کان إماماً یرید به جماعة القوم لیجمعهم لم یکن به بأس »((2)) .

وقال السیّد فی جواب له علی سؤال وُجِّه إلیه :

وقد جرت سیرة العلماء الأبرار علی الشهادة بالولایة فی الأذان والإقامة لا بقصد الجزئیة منذ عهد بعید من دون نکیر من أحدهم ، حتی أصبح ذلک شعاراً للشیعة وممیّزاً لهم عن غیرهم ، ولا ریب فی أنّ لکل أمّة أن تأخذ ما هو سائغ فی نفسه بل راجح فی الشریعة المقدّسة شعاراً لها((3)) .

هذا ، وقد أفتی غالب من عاصرناهم من الفقهاء کالسیّد المیلانی ، والسیّد الشاهرودی ، والسیّد الکلبایگانی ، والسیّد الخونساری وغیرهم بما قاله من سبقهم


1- المائدة 5 : 3 .
2- مستند العروة الوثقی 13 : 259 - 260 ، والخبر فی الوسائل 5 : 428 / أبواب الأذان والإقامة ب 23 / ح 1 .
3- شرح رسالة الحقوق 2 : 127 کما فی الشهادة الثالثة للشیخ محمّد السند : 339 .

ص:459

من الأعلام بجواز الإتیان بها بقصد القربة المطلقة ولرجاء المطلوبیة وللتیمّن والتبرّک ، ولإمتثال الأخبار الواردة فی الاتیان بالشهادة بالولایة بعد الشهادة بالرسالة ، أمّا القول بالجزئیة فالکلّ ینفونه .

ولا نری ضرورة فی التفصیل اکثر من هذا فی نقل اقوال فقهاءنا العظام ، ففیما نقلناه عنهم کفایة وغنیً إن شاء الله .

ص:460

الخلاصة

تلخص مما سبق أنّ فقهاء الإمامیة وعبر جمیع القرون کانوا یجیزون الإتیان بالشهادة الثالثة : إمّا لمحبوبیتها الذاتیة ، أو بقصد القربة المطلقة ، أو لامتثال العمومات والأخبار الواردة فی اقتران الشهادات الثلاث ، أو لکونها صارت شعاراً ورمزاً للشیعة ، إلی غیرها من التخاریج الفقهیة التی صرّحوا بها فی مصنفاتهم .

وفی الوقت نفسه أنکر الجمیع الإتیان بها بقصد الجزئیة ، وحتّی المتشدّدین من الإمامیة فی أمر الولایة کالشیخ أحمد الاحسائی ( ت 1241 ه- ) والشیخ محمّد کریم خان الکرمانی ( ت 1288 ه- ) ، والشیخ زین العابدین الکرمانی ( ت 1360 ه- ) وغیرهم من الذی سماهم الخالصی بمفوضة هذا العصر ، کانوا لا یجیزون الإتیان بها بقصد الجزئیة .

نعم ، بعض المتأخّرین من أتباع محمّد حسن گوهر ( ت 1257 ه- ) وهم الأسکوئیة الیوم ، وبعض أتباع محمّد کریم خان الکرمانی ، قالوا بالجزئیة لکنّ ذلک رأی لا یعتدّ به .

وعلیه فالقول بالجزئیة رای شاذ متروک لا یعمل به اصحابنا وحتی المتشددین کالشیخ أحمد الاحسائی والکرمانی .

ولا یخفی علیک أنّ بعض الکتّاب الجدد استظهروا من کلام بعض فقهائنا القدماء والمتأخّرین أنّهم کانوا ینکرون الشهادة الثالثة ، فی حین أنّ هذا النقل عنهم لیس بدقیق ، لأنّ هؤلاء الفقهاء قد أشاروا إلی وجه من المسألة تارکین الوجه الآخر منه ، إذ الإتیان بها بقصد القربة المطلقة - أو لما فیها من الرجحان الذاتی - لا یمکن لأحد إنکاره ، فالشیخ فی « النّهایة » ، أو الشهید فی « روض الجنان » أو المقدّس الأردبیلی فی « مجمع الفائدة والبرهان » ، أو الشیخ جعفر فی « کشف الغطاء » ، أشاروا إلی جانب من المسألة تارکین الوجه الآخر منه .

ص:461

قال الشیخ أحمد الأحسائی ( ت 1241 ه- ) فی رسالته العملیة المسماة ب- « الحیدریة » :

وأمّا قول « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » ، و« محمّد وآل محمّد خیر البریة » فی الأذان فلا یعمل علیه ولیس من فصول الأذان وإن کان حقّاً ، بل قال ابن بابویه : إنّه من موضوعات المفوّضة((1)) .

وقال الشیخ محمّد کریم خان الکرمانی فی « الجامع لأحکام الشرائع » بعد أن ذکر عدد فصول الأذان وأنّها ثمانیة عشر فصلاً ، قال :

وروی أنّه عشرون فصلاً بزیادة تکبیرتین بعد التکبیرتین الأخیرین ، وروی سبعة عشر بجعل التهلیل مرّة ، والکلّ موسّع ، والإقامة سبعة عشر علی ما هو المعروف ، وروی أنّها عشرون بزیادة التکبیرتین بعد الأوّلتین ، وروی أنّها اثنان وعشرون بجعل التکبیرتین الأخیرتین أیضاً أربعاً ، والکلّ موسّع .

وفصول الأذان : التکبیر ، والشهادة بالتوحید والرسالة والحیعلات الثلاث ، والتکبیر ، والتهلیل ، ویزاد فی الإقامة : « قد قامت الصلاة » ، والشهادة بالولایة بنفسها مستحبة مطلقاً بعد ذکر التوحید والرسالة ویشهد بأمرة المؤمنین »((2)) .

وقال فی کتابه الاخر « فصل الخطاب » :

أمّا ورود الروایة فثبت لإقراره((3)) ، وأمّا کونهم مفوّضة وکون روایاتهم مجعولة فیحتاج إلی تامّل وتثبّت ، ولا شکّ أنّ الروایات لا تنافی کتاباً ولا سنة ، مع انّ الیوم بناء الشیعة قاطبة علی العمل بها بحیث من ترکها سمّوه سنیّاً .


1- حکی ذلک الشیخ عبدالرضا الابراهیمی - أحد علماء الشیخیة فی العصر الاخیر - قائلاً : نسخة من هذه الرسالة موجودة فی مکتبتی بخط الشیخ الاحسائی ، انظر « شهادت ثالثة » : 47 لعبد الرضا الإبراهیمی .
2- الجامع لاحکام الشرائع : 115 الطبعة الاولی فی سنة 1367 ه- مطبعة السعادة / کرمان إیران .
3- الضمیر یعود للصدوق رحمة الله .

ص:462

أمّا ابنه الشیخ محمّد بن محمّد کریم خان ( ت 1324 ه- ) فقد ذهب إلی الجزئیة ، فقال فی رسالته باللغة الفارسیة « الوجیزة فی الأحکام الفقهیة » :

فصول الأذان أن تقول الله أکبر أربع مرّات ، وأشهد أن لا إله إلّا الله مرتین ، وأشهد أن محمّداً رسول الله مرّتین ، وأشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین ولی الله مرّتین ، حیّ علی الصلاة مرتین ، حیّ علی الفلاح مرتین ، حیّ علی خیر العمل مرتین ، والإقامة مثلها إلّا أن تقول فی أوّلها التکبیر مرتین وفی آخرها لا إله إلّا الله مرة واحدة((1)) .

أمّا زین العابدین بن محمّد کریم خان ( ت 1360 ه- ) فقد کتب رسالته العملیة بعد وفاة أخیه محمّد ، واسمها « الموجز فی أحکام الطهارة والصلاة والصوم والاعتکاف والخمس والزکاة » والذی طبع فی مطبعة السعادة ببلدة کرمان سنة 1350 ه- ، جاء فیها :

فصل فی کیفیة الأذان : الأخبارُ فی فصول الأذان والإقامة مختلفة ، والکلّ موسّع ، إلّا أنّ المشهور أنّها خمسة وثلاثون ، ففی الأذان أربع تکبیرات ، ثمّ أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، حیّ علی الصلاة ، حی علی الفلاح ، حی علی خیر العمل ، الله أکبر ، لا إله إلّا الله کلها مثنی مثنی فهی ثمانیة عشر ، وفی الإقامة سبعة عشر بنقص تکبیرتین من الأوّل وتهلیلة من الآخر ، وزیادة « قد قامت الصلاة » مرّتین قبل التکبیرتین الأخیرتین .

روی عن أبی سلمان ((2)) راعی رسول الله صلی الله علیه و آله ، قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله یقول : لیلةَ أُسری بی إلی السماء قال لی الجلیل جل جلاله .. وساق الحدیث


1- الوجیزة فی الأحکام الفقهیة : 75 ، لمحمّد بن محمّد کریم خان طبعة حجریة لم یذکر فیها تاریخ الطبع والمطبعة التی طبعتها إلاّ أن فی آخرها : وقد حصل الفراغ من تسویدها قبل الظهر یوم الخمیس ثالث عشر من شهر شعبان 1297 ه- .
2- کذا فی المطبوع ، والصواب «أبی سلمی» . انظر قاموس الرجال 11 : 354 وتقریب التهذیب 2 : 409 .

ص:463

إلی أن قال : ثمّ اطلعت الثانیة فاخترت منها علیاً ، وشققت له اسما من أسمائی ، فلا أُذْکَرُ فی موضع إلّا ذُکِرَ معی ، فأنا الأعلی وهو علیّ علیه السلام الحدیث .

وعن القاسم بن معاویة بن عمار عن أبی عبدالله علیه السلام فی حدیث ذکر فیه أنّ الله عزّوجلّ لمّا خلق العرش کتب علی قوائمه « لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام » وکذا علی الماء والکرسی واللوح وإسرافیل وجبرئیل والسماوات والأرضین والجبال والشمس والقمر ، إلی ان قال : فإذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلی الله علیه و آله ، فلیقل : علیّ أمیر المؤمنین علیه السلام .

أقول : فذکرُ علیٍّ أمیر المؤمنین علیه السلام بنفسه مستحبّ مندوبٌ إلیه أینما ذکر التوحید والرسالة ، ولا نحکم بأنّه من أجزاء الأذان ، ونفی المجلسی رحمة الله والمحدث البحرانی البعد من أن یکون من الأجزاء المستحبة للأذان ؛ لشهادة الشیخ والعلّامة والشهید وغیرهم بورود الأخبار بها ، وقال شیخ الجواهر : لولا تسالم الأصحاب لأمکن دعوی الجزئیة ، وعن العلّامة الطباطبائی فی منظومته عند ذکر سنن الأذان وآدابه :

وأکمل الشهادتین بالّتی

قد أُکمل الدین بها فی الملّةِ((1))

وقال الشیخ المیرزا حسن الأسکوئی فی « أحکام الشیعة » : فصول الأذان ثمانیة عشر ومع الشهادتین عشرون .. إلی أن یقول : الشهادة الثالثة وهی « أشهد أن علیّاً أمیر المؤمنین ولی الله » ولو أنّها ظاهراً لیست من فصول الأذان والإقامة وأجزائهما ولکنّها رکن الإیمان وکمال الدین ورمز التشیع فلا ینبغی ترکها بنیّة الزینة والاستحباب .

بل أقول کما قال صاحب الجواهر فی جواهره : لولا تسالم الأصحاب لأمکن


1- الموجز : 174 - 175 .

ص:464

ادّعاء جزئیتها بناءً علی صلاحیة العموم فی مشروعیة الخصوص . لقول أبی عبدالله الصادق علیه السلام المروی عن قاسم فی احتجاج الطبرسی « إذا قال أحدکم : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » وغیره من الأخبار .

وقال المرحوم أخی المعظم فی رسالته العملیة « منهاج الشیعة » : ولولا الاتّفاق علی عدم جزئیّتها لأمکن القول بها لعموم بعض الأخبار « من قال محمّد رسول الله فلیقل علی ولی الله » ... کما أنه من قال : لا إله إلّا الله ، فلیقل : محمّد رسول الله ، بل اسم علیّ علیه السلام توأم مع اسم أخیه محمّد صلی الله علیه و آله ، کلّما یذکر اسمه أو یکتب فی الألواح ، والأشباح ، والسماوات ، والأرضین ، بل والدنیا والآخرة ، فاسم أخیه وابن عمه وصهره علی علیه السلام مذکور ومکتوب معه ... کما فی الاحتجاج عن القاسم بن معاویة ابن عمار ، قال : قلت لأبی عبدالله علیه السلام : هؤلاء یروون حدیثاً فی معراجهم أنّه لمّا أسری برسول الله صلی الله علیه و آله رأی علی العرش : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله أبو بکر الصدیق ، فقال علیه السلام سبحان الله !! غیّروا کل شیء حتی هذا ؟! قلت نعم ... إلی آخر الخبر((1)) .

وعلیه فالمشهور بین الإمامیة بجمیع أطیافها وتشعبّاتها هو حرمة الإتیان بها بقصد الجزئیة ، وجواز ما عدا ذلک .


1- أحکام الشیعة 2 : 34 .

ص:465

ص:466

الفصل الثالث: الشهادة الثالثة ، الشعار والعبادة

اشارة

ص:467

ص:468

یقع الکلام فی هذا الفصل فی عدة مراحل :

الأولی : توضیح معنی الشّعاریّة لغة واصطلاحاً وبیان بعض تطبیقاتها .

الثانیة : وجوب الحفاظ علی الشعائر ، لأنّها طاعة لله ولرسوله ، ولأَولی الأمر المفروض علینا طاعتهم .

الثالثة : کون ولایة علی من الشّعائر الإیمانیة .

الرابعة : کیفیة ذکر هذه الشعیرة فی الأمور العبادیة ومنها الأذان .

فالشعار والشعیرة والشعائر لغةً بمعنی العلامَةِ ، وهی کُلُّ ما اُشعر إلی البیت أو المسجد أو الطریق ، ولکلِّ ما جُعِل علماً لطاعة الله ، قال الخلیل : ومنه لیت شعری ، أی عِلْمِی ، وما یشعرک وما یدریک . ومنهم من یقول : شَعَرْتُهُ : عقلته وفهمته((1)) .

وقال الجوهری : ... والمشاعر الحواسّ ، والشعار : ماوَلِیَ الجسدَ من الثیاب ، وشعار القوم فی الحرب : علامتهم لیعرف بعضهم بعضاً((2)) .

وقال الفیروزآبادی : وأشعره الأمر وبه أعلمه ، وأشعرها : جعل لها شعیرة ، وشعار الحجّ : مناسکه وعلاماته ، والشعیرة والشعارة والمشعر : معظمها ، أو شعائره : معالمه التی ندب الله إلیها وأمر بالقیام بها ((3)) .


1- العین 1 : 251 : مادة : شعر .
2- الصحاح 2 : 699 ، مادة : شعر .
3- القاموس المحیط 1 : 534 .

ص:469

وقال ابن فارس : الشعار : الذی یتنادی به القوم فی الحرب لیعرف بعضهم بعضاً ، والاصل قولهم شَعَرت بالشیء ، إذا علمته وفطنت له((1)) .

وشرعاً : ما یؤدّی من العبادات علی سبیل الاشتهار بحیث یکون علامة لطاعة الله وإعلاماً لدینه . « وهی ماخوذة من الاشعار وهی الاعلام من جهة الاحساس ومنه مشاعر البدن وهی الحواس ، والمشاعر أیضاً هی المواضع التی قد اشعرت بالعلامات » ((2)) .

« وشعائر الله یُعنی بها هی جمیع متعبّدات الله التی أشعرها الله ، أی جعلها أعلاماً لنا ، وهی کلّ ما کان من موقف أو مسعی أو مذبح ، وإنما قیل : شعائر الله ، لکلّ عَلَم تعبد به ، لأنّ قولهم : شعرت به ، علمته ، فلهذا سمّیت الأعلام التی هی متعبّدات للهِ شعائر » ((3)) ، وقال الحسن : شعائر الله دین الله تعالی((4)) .

وهذه الشعائر بعضها منصوصة فی الذکر الحکیم کالبُدْن((5)) ، والصفا والمروة((6)) والمشعر((7)) ، وأخری موجودة کقواعد کلیة فی الذکر الحکیم وکلام سیّد المرسلین وأولاده المعصومین ، کالحبّ لله والبعض لله ، والحبّ فی الله والبغض فی الله ، وجاءت فی مواطن عدیدة وعلی لسان الشارع المقدس بحیث یستفاد منها هذه


1- مقاییس اللغة 3 : 194 .
2- أحکام القرآن للجصاص 2 : 299 .
3- التهذیب ، للأزهری 1 : 266 .
4- عمدة القارئ 9 : 285 .
5- { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاَها لَکُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَکُمْ فِیَها خَیْرٌ } ( الحج : 36 ) .
6- { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَیْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَیْهِ أَن یَطَّوَّفَ بِهِمَا } ( البقرة : 158 ) .
7- { فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَات فَاذْکُرُواْ اللهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } ( البقرة : 198) .

ص:470

الکلیة ومن تلک المواضیع الاشهاد بالولایة لعلی بن أبی طالب ، مصداقاً لقول الصادق علیه السلام : رحم الله من أحیا أمرنا((1)) .

وعلیه فالبحث فی الشعائر ، تارة یکون عن شعائر الإسلام ، وأُخری عن شعائر الإیمان .

إذن الشعار لغة : العلامة الممیزة لکل دین أو طائفة أو معتقد ، بل لکل حزب وشریحة اجتماعیة أو وطنیة ، ولاجل هذا نری لکل دولة ، ومؤسسة ثقافیة ، أو اجتماعیة ، أو خیریة ، أو وطنیة شعاراً خاصاً بها یحمل هویتها ویمیزها عن غیرها ، وقد یلحظ هذا داخل الدین الواحد أو الحزب الواحد أو المؤسسة الواحدة .

فهنا سؤال یطرح نفسه : هل الإسلام غیر التشیع والتشیع غیر الإسلام ، فما یعنی التفریق بین الامرین والقول هذا من شعائر الایمان وذاک من شعائر الإسلام ؟

الجواب :

کلا ، التشیع هو الإسلام الصحیح الناصع ، وشعارنا هو شعار الإسلام ، لکن القوم اردوا تحریفه بغضاً لعلی الذی جعله الله علماً لهذا الدین ، وان دعوتنا - بل دعوة رب العالمین - الزمتنا إلی أن نمیز انفسنا عن الذین حرفوا هذا الدین ، بدعوی أنّهم خلفاء الرسول والامناء علی الشریعة والأمة .

فعن الصادق علیه السلام أنّه قال : أتدری لم أُمرتم بالأخذ بخلاف ما تقول العامة ؟ فقلت: لا أدری فقال : إن علیاً لم یکن یدین الله بدین إلّا خالفت علیه الأمة إلی غیره إرادة لإبطال أمره ، وکانوا یسألون أمیر المؤمنین عن الشیء الذی لا یعلمونه ، فإذا افتاهم ، جعلوا له ضداً من عندهم ، لیلبسوا علی الناس((2)) .


1- قرب الإسناد : 36 / ح 117 ، اختصاص المفید : 29 ، أمالی الطوسی : 135 / ح 218 .
2- علل الشرائع : 531 / 1 وعنه فی وسائل الشیعة 27 : 116 .

ص:471

وعن الباقر علیه السلام : الحکم حکمان حکم الله عزّوجلّ وحکم أهل الجاهلیة ، وقد قال الله عزّوجلّ : {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُکْماً لِّقَوْم یُوقِنُونَ} وأشهد علی زید بن ثابت لقد حکم فی الفرائض بحکم الجاهلیة((1)) .

وعن محمّد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر ]الباقر[ یقول : لیس عند أحد من الناس حق ولا صواب ولا أحد من الناس یقضی بقضاء حق إلّا ما خرج من عندنا أهل البیت ، وإذا تشعبت بهم الأمور کان الخطا منهم والصواب من علی((2)) .

بلی إن القوم سعوا إلی تحریف کل ما یمت إلی علی وآله بصلة ، فحذف عمر الحیعلة الثالثة ، وادّعوا أن تشریع الأذان کان منامیاً لا سماویاً للتشکیک فیما نقل به من مشاهدات لرسول الله عند الاسراء والمعراج ، وقالوا بأن اسم أبی بکر موجود علی ساق العرش بدل اسم الإمام علی ، کل هذه التحریفات والاحقاد دعتنا للاصرار علی ما حذفوه ، والاتیان بکل ما یمت إلی الدین بصلة .

ومن ذلک أنّهم جعلوا شعارهم لختمة القران : « صدق الله العظیم » حصراً دون غیره ، متناسین ما قاله الله عن نفسه { لَهُ مَا فِی السَّماوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ }((3)) وقوله تعالی : { وَلاَ یَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِیمُ } ((4)) کل ذلک بغضاً لعلی ، أو اعتقاداً منهم بأن الشیعة تعتقد بالوهیة الإمام علی بن أبی طالب إلی غیرها من الترهات ، مع أن جملة (العلی العظیم) موسعة علی المسلم وواردة فی الذکر الحکیم رفضوها بغضاً له علیه السلام لیس إلّا ، وإلیک الآن بعض النصوص علی ترک العامّة للسنة النبویة مخالفة لعلی ولنهجه :


1- الکافی 7 : 407 / ح 1 التهذیب 6 : 217 / ح 512 ، وعنهما فی وسائل الشیعة 27 : 23 .
2- الکافی 1 : 399 / ح 1 ، وعنه فی وسائل الشیعة 27 : 68 .
3- الشوری : 4 .
4- البقرة : 255 .

ص:472

عن سعید بن جبیر ، قال : کنت مع ابن عباس بعرفات فقال لی : مالی لا اسمع الناس یلبون ؟

قلت : یخافون من معاویة .

فخرج ابن عباس من فسطاطه ، فقال : لبیک اللهم لبیک لبیک فإنهم ترکوا السنة من بغض علی((1)) .

وقال الإمام الرازی فی تفسیره : أن علیاً کان یبالغ فی الجهر بالتسمیة فی الصلاة ، فلما وصلت الدولة إلی بنی امیة بالغوا فی المنع من الجهر ، سعیاً فی إبطال آثار علی((2)) .

قال ابن أبی هریرة : أن الجهر بالتسمیة ]أی البسملة[ إذا صار فی موضع شعاراً للشیعة فالمستحب هو الاسرار بها ، مخالفة لهم((3)) .

قال المناوی - عند شرحه خطبة السیوطی فی الجامع الصغیر والتی فیها الصلاة علی محمّد وعلی آل محمّد - : قلت : نعم ، وهی الإشارة إلی مخالفة الرافضة والشیعة ؛ فإنّهم مطبقون علی کراهة الفصل بین النبی وآله بلفظ «علی» وینقلون فی ذلک حدیثاً ...((4)) .

وقال ابن حجر فی فتح الباری : وتکره الصلاة فی غیر الأنبیاء لشخص مفرد بحیث یصیر شعاراً کما یفعله الرافضة ، فلو اتفق وقوع ذلک مفرداً فی بعض الأحایین من غیر أن یکون شعاراً فلا بأس به((5)) .


1- سنن النسائی ( المجتبی ) 5 : 253 / ح 3006 ، وهو فی صحیح بن خزیمة 4 : 260 / ح 2830 ، وفی مستدرک الحاکم 1 : 636 / ح 1706 ، قال : هذا حدیث صحیح علی شرط الشیخین ولم یخرجاه .
2- تفسیر الرازی 1 : 206 .
3- فتح العزیر 5 : 233 - 234 .
4- فیض القدیر 1 : 24 .
5- فتح الباری 11 : 146 .

ص:473

وقال ابن أبی هریرة أیضاً : الأفضل الآن العدول من التسطیح فی القبور إلی التسنیم ؛ لأنّ التسطیح صار شعاراً للروافض ، فالأولی مخالفتهم وصیانة المیت وأهله عن الاتهام بالبدعة((1)) .

ونقل المیرداماد فی تعلیقاته علی الکشی عن بعض شراح صحیح مسلم قوله : إنّما ترک القول بالتکبیرات الخمس فی صلاة المیت إلی القول بالأربع ؛ لأنّه صار علماً للتشیع((2)) .

وقال ابن أبی هریرة : ویستحب ترک القنوت فی صلاة الصبح ؛ لأنّه صار شعار قوم من المبتدعة ؛ إذ الاشتغال به تعریض النفس للتهمة((3)) .

وفی شرح الزرقانی علی المواهب اللدنیة : لما صار إرخاء العذبة من الجانب الایمن شعاراً للإمامیة فینبغی تجنبه((4)) .

وقال الغزالی : تسطیح القبور عند الشافعی أفضل من تسنیمها ، لکن التسنیم الآن أفضل مخالفة لشعار الروافض ، حتی ظن ظانون إن القنوت إن صار شعاراً لهم کان الأولی ترکه ، هذا بعید فی إبعاض الصلاة ، وإنما نخالفهم فی هیئات مثل التختم فی الیمین وأمثاله((5)) .

وقال الحلوانی عن صدر الإسلام : وجب التحرز عن التختم بالیمین لأنه من شعار الروافض((6)) .

وقال الشربینی لبس الخاتم سنة سواء أکان فی الیمین أم فی الیسار ، لکن الیمین


1- فتح العزیز 5 : 231 - 232 .
2- رجال الکشی 1 : 167 .
3- فتح العزیز 3 : 435 .
4- شرح المواهب اللدنیة للزرقانی 5 : 13 .
5- الوسیط 2 : 389 .
6- کشف الاسرار 4 : 55 .

ص:474

أفضل علی الصحیح ، وقیل الیسار أفضل لان الیمین صار شعاراً للروافض((1)) .

هذه بعض النماذج الممیزة لنهج التعبد المحض عن نهج الاجتهاد والرای((2)) ذکرناها کی یعرف القارئ أن ما نقوله لیس إدعاءً طائفیاً بل بیاناً لحقیقة تاریخیة ثابتة ، وهو الاخر توضیح لما قاله الأئمة من أهل البیت فی لزوم ترک مرویات العامة ، لان الرشد فی خلافهم((3)) .

وعلیه فشعائر الإیمان هو ما یعتبر شاخصاً وممیزاً للمؤمن عن غیره ، وهذا ما یطلبه کل مسلم خصوصاً فی المسائل الخلافیة والحاکیه عن العقائد الحقة .

أمّا شعائر الإسلام فهی متعبدات الله ، وهی کل ما نصبه الله للعبادة کالصفا والمروة .

إذن بیان شعائر الإیمان یرتبط بنحو وآخر بعلم الکلام والعقائد ، وهو یبحث فی الفقه الکلامی .

أمّا شعائر الإسلام فهو ما یبحث فی الفقه الخاص بکل مذهب وتدور مدار الفروع وما یترتّب علیها من أحکام عبادیة .

وقد خلط بعض الکتاب بین الأمرین ، فبحثوا ما هو أمر اعتقادی إیمانی فی أمر أذانیّ شرعیّ ، واتخذوه کدلیل مستقل لاثبات جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان مثلاً ، وهذا غیر صحیح . نعم ان تلک النصوص لها دلالة علی المحبوبیة والشعاریة فقط .

ومثال شعائر الإسلام : الفرائض والسنن الشرعیّة ، کالصّلاة ، والصّوم ، ودفع الزّکاة ، وأداء الحج ، وأمثال ذلک .

ومثال شعائر الإیمان : کأصول العقائد الأساس من قبیل ما یتعلّق بالاعتقاد


1- مغنی المحتاج 1 : 392 .
2- وضحنا آفاق هذین النهجین فی کتابنا (منع تدوین الحدیث) فراجع .
3- انظر احادیث الباب 9 من کتاب القضاء فی وسائل الشیعة 27 : 118 .

ص:475

بالإمامة - عندنا - وما یستتبعها من الطّاعة للمعصوم ، بل کلّ أمر حَبَّذَهُ الشارع ودعا إلیه ، مثل : الجهر بالبسملة فی الفرائض ، والصلاة إحدی وخمسین ، والتختّم بالیمین ، وتعفیر الجبین ، وزیارة الأربعین ، وهی الخمس اللاتی عُدَّت من علامات المؤمن((1)) ، وکذا المسح علی القدمین وعدم جواز غسلهما ، وعدم الاتّقاء فی المسح علی الخفین((2)) ، والقول بجواز المتعتین((3)) والقول بحرمة الفقّاع((4)) ، وجعل یوم الغدیر - وهو الثامن عشر من ذی الحجة - عیداً ((5))، وجعل یوم عاشوراء یوم حزن((6)) ، إلی غیرها من الأمور التی تختص بها الشیعة الإمامیة .

وقد اعتبرت العامة صلاة التراو یح جماعة((7))، وتسنیم القبور((8))، والتختم بالیسار((9))، من شعائر الإیمان والإسلام .

ولا یخفی علیک بأنّ الشعائر ممّا یجب الحفاظ علیها وإقامتها ، لقوله تعالی : { لِیُقِیمُواْ الصَّلاَةَ } ومثله الحج ؛ لقوله تعالی : { یَا أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللهِ ، وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْیَ وَلاَ الْقَلاَئِدَ وَلاَ ءَآمِّینَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ } ، ولقوله تعالی : { وَأَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْ تُوکَ رِجَالاً وَعَلَی کُلِّ ضَامِر یَأَتِینَ مِن کُلِّ فَجٍّ


1- انظر : تهذیب الطوسی 6 : 52 / ح 122 .
2- الکافی 3 : 32 / باب مسح الخفّ / ح 2 .
3- من لا یحضره الفقیه 3 : 459 / باب المتعة / ح 4583 ، وسائل الشیعة 16 : 216 / ح 21396 .
4- الکافی : 415 / باب من اضطر إلی الخمر للدواء أو للعطش أو للتقیة / ح 12 .
5- اقبال الاعمال 2 : 279 ، مستدرک الوسائل 6 : 276 / ح 6841 .
6- مسار الشیعة : 43 ، الحدائق الناظرة 7 : 118 وارشاد العباد إلی استحباب لبس السواد : 29 .
7- انظر نیل الأوطار 3 : 60 / باب صلاة التراویح ، وانظر أیضاً شرح النووی علی مسلم 6 : 39 / 750 .
8- اقتضاء الصراط ، لابن تیمیة : 136 ، 138 ، منهاج السنة النبویة 4 : 136 .
9- منهاج السنة النبویة 4 : 137 ، الشمائل الشریفة : 278 .

ص:476

عَمِیق } إلی قوله تعالی { ذَلِکَ وَمَن یُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَیْرٌ لَّهُ عِندَ رّبِّهِ } لأنّ الدین لا یزال قائماً ما قامت الکعبة((1)) .

وعن الإمام الصادق علیه السلام قوله : أَما إنَّ الناس لو ترکوا حجّ هذا البیت لنزل بهم العذاب وما نوظِرُوا ((2)) .

وقد أفرد الحرُّ العاملیُّ فی وسائل الشیعة باباً تحت عنوان « وجوب إجبار الوالی الناس علی الحجّ وزیارة الرسول صلی الله علیه و آله والإقامة بالحرمین کفایةً ، ووجوب الإنفاق علیهم من بیت المال إن لم یکن لهم مال »((3)) .

وقد قال الشیخ البهائی((4)) من الشیعة ، والعینی((5)) من العامة ، وغیرهما ((6)) : إنّ أهل بلدة إذا اجتمعوا علی ترک الأذان فإنّ الإمام یقاتلهم ، وجاء فی صحیح مسلم والبخاری ان رسول الله کان یغیر إذا طلع الفجر وکان یستمع الأذان فإذا سمع اذاناً امسک وإلاّ أغار((7)) وکذلک کلّ شیء من شعائر الإسلام ، کلُّ ذلک لأنّها شعائر یجب الحفاظ علیها .

والأذان والإقامة - حسب النصّ السابق - هما من شعائر الله ، وممّا یجب الحفاظ علیهما بأیّ شکل من الأشکال((8)) ، لکنّ الکلام فی مطلوبیة الإتیان بالشهادة الثالثة


1- الکافی 4 : 271 / باب انه لو ترک الناس الحجّ لجاءهم العذاب / ح 4 ، الفقیه 2 : 243 / ح 2307 .
2- علل الشرائع 2 : 522 / الباب 298 / ح 4 .
3- وسائل الشیعة 11 : 23 / الباب الخامس .
4- انظر الحبل المتین : 133 .
5- عمدة القارئ 1 : 182 .
6- الاستذکار 1 : 371 ، 5 : 27 ، التمهید 13 : 277 ، 279 ، 280 .
7- صحیح البخاری 1 : 221 / باب ما یحقن بالأذان من الدماء ، صحیح مسلم 1 : 288، شرح النووی علی مسلم 4 : 84 ، فتح البارئ 2 : 90 ، مصنف ابن أبی شیبة 6 : 477 ، مسند أحمد 3 : 448 ، نیل الاوطار 8 : 69 ، تحفة الاحوذی 5 : 203 .
8- انظر فی ذلک تحفة الاحوذی 5 : 203 ، النبوات 1 : 197 .

ص:477

أو جوازه فیها من باب الشعاریة فی هذه الأعصار ، هل یجوز ذلک أم لا ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لابدّ من توضیح المرحلة الثالثة من مراحل البحث ، وهو کون ولایة الإمام علی من أهمّ الشعائر الدینیة ، وأنّ القوم سعوا لطمس ذکره وذکر آله حقداً وحسداً وحاولوا محوه ، ولأجل ذلک ترحّم الإمام علیه السلام علی من أَحْیا أمرهم ، وأنّ الحوراء زینب خاطبت یزید بقولها « فوالله لا تمحو ذکرنا » موضحة أهداف القوم وأنّهم یریدون طمس ذکر محمّد وآله صلی الله علیه و آله .

وعلیه فإنّ کلّ ما یؤدِّی لطاعة الله ویکون إعلاماً لدینه فهو من شعائر الله ، وإنّ الشهادة بالتوحید لله وبالنبوة لرسوله فی الأذان من أسمی أنواع الاظهار والإقرار بالعبودیة لله والإقرار برسالة رسوله محمّد ، فسؤالنا هو : هل یمکن ذکر ما هو أمرٌ إیمانیّ کالشهادة بالولایة لعلی فی أمر عبادیّ کالأذان جنباً إلی جنبِ ذکرِ التوحید والشهادة بالرسالة أم لا ؟

نحن لا ننکر أنّ ولایة علی بن أبی طالب علیه السلام وأولاده المعصومین أولی الشعائر الإیمانیة لمذهب الحقّ وعصابة الصدق ؛ الإمامیة الاثنی عشریة ، وأنّ هذه الولایة الشریفة هی عنوان کامل لحقیقة مذهب الحق ؛ وشعار عظیم له ؛ وأنّ المذهب متوقّف علیها کتوقف الأربعة علی الزوجیة بنص النبی صلی الله علیه و آله المتواتر فی حدیث الثقلین وغیره .

ولا کلام فی ذلک ؛ إذ الکلام فی کیفیة جعله شعاراً عبادیاً للمذهب بعد الاعتقاد بکونه أمراً إیمانیّاً له ؛ وهو ما نرید أن نبیّن وجه مشروعیته ، والمسوّغ الشرعیّ لذکره فی الإذان .

فهل تکفی الشّعاریة الإیمانیّة للولایة للقول بأنّها شعار عبادیّ یسوغ ذکره فی الأذان شرعاً ؟ أم إننّا بحاجة لدلیل شرعیّ یثبت هذه الشّعاریة فی الأذان علی وجه الخصوص ؟

ص:478

بالطبع لا تکفی الأدلّة الإیمانیة وحدها لإثبات الأحکام الشرعیة العبادیة ، لأنّ الشهادة الثالثة هی من لوازم الإیمان لا من أحکام الإسلام الظاهریة ، کما قال بعض الأعاظم .

نعم دلّت الأدلّة علی رجحان الشهادة بالولایة - رجحاناً ذاتیاً فی نفسه - وکذا محبوبیة التعبّد بها مطلقاً سواء فی الأذان أو فی غیره من دون اعتقاد الجزئیة ، نظراً للأدلّة التی تقدمت .

وبعض الفقهاء لم یکتفوا فی إثبات جواز الشهادة بالولایة فی الأذان من خلال المحبوبیّة والعمومات ، بل أضافوا إلیها دلیلاً آخر أطلقوا علیه اسم «الشعاریّة» ، وهو ما تمسک به السیّد الحکیم فی المستمسک ، والسیّد الخوئی قدس الله سِرَّیْهما فی مستند العروة ، إذ قال السیّد الحکیم :

... بل ذلک فی هذه الأعصار معدود من شعائر الإیمان ، ورمزٌ إلی التشیع ، فیکون من هذه الجهة راجحاً ، بل قد یکون واجباً ، لکن لا بعنوان الجزئیة من الأذان((1)) .

وقال السیّد الخوئی قدس سره : وممّا یهوّن الخطب أنّنا فی غنیً عن ورود النص ؛ إذ لا شبهة فی رجحان الشهادة الثالثة بعد أن کانت الولایةمن متمِّمات الرسالة ومقوِّمات الإیمان ومن کمال الدین بمقتضی قوله تعالی : { الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی ... }((2)) ، بل من الخَمْس التی بنی علیها الإسلام لا سیّما وقد أصبحت فی هذه الأعصار من أجلی أنحاء الشعائر ، وأبرز رُموز التشیع ، وشعار مذهب الفرقة الناجیة ؛ فهی إذن أمرٌ مرغوب فیه شرعاً وراجح قطعاً


1- مستمسک العروة الوثقی 5 : 545 .
2- المائدة : 3 .

ص:479

فی الأذان وفی غیره((1)) .

لکن قد یقال - علی سبیل التوهّم - بأنّ هذا الاستدلال من قبل فقهاء کبار کالسیّد الحکیم والسیّد الخوئی قُدِّس سِرَّهما غریب ؛ إذ ما هو الدلیل الشرعیّ الذی یسوّغ أن یقال أَنَّ الشهادةَ الثالثة أمرٌ مرغوبٌ فیه شرعاً وراجحُ قطعاً ، فی الأذان وفی غیره کما جزم به السیّد الخوئی رحمة الله ، أو : « قد یکون واجباً » کما احتمله السیّد الحکیم رحمة الله ، انطلاقاً من الشعاریة ؟

والأغرب من ذلک أنّ السیّد الخوئی قدس سره یقول : « نحن فی غنیً عن ورود النص » ؛ إذ ما الذی سوّغ له الإفتاء بجواز الشهادة الثالثة فی الأذان بلا نصّ ؛ انطلاقاً من الشعاریة فقط ؟ بل ماذا تعنی الشعاریة عندهم بحیث تأخذ هذه القیمة الشرعیة فی هذه الأزمان ؟

یبدو أنّ الامامین الحکیم والخوئی ، ومن قبلهما ومن بعدهما من فقهاء الطائفة - قدّس الله أسرارهم - قد جعلوا من الشعاریة دلیلاً أقوی للفتوی بالجواز بل الاستحباب .

لکن من أین تأَ تَّت شرعیة الشعاریة عندهم حتی یجعل منها دلیلاً أقوی من مرسلة الاحتجاج ، وحسنة ابن أبی عمیر المتقدّمتین ، وسیرة المتشرعة ؟

الحقیقة هی أنّ السیّد الخوئی قدس سره أجاب عن کلّ ذلک إجابة مجملة بما یلائم مقام بحثه ، فی قوله : « لا شبهة فی رجحان الشهادة الثالثة باعتبارها من متمِّمات الرسالة ... » ، وهذا هو ما نرید توضیحه، لأنّ الاجابة الإجمالیة لا تغنی غیر العلماء ولا تُشبِع إلّا الفقهاء ، وهو الذی دعانا لتفصیل الکلام فی هذا الإجمال ، لتعمّ الفائدة لکل القرّاء .

وکذا لوجود شبهة مفادها : أن الاستدلال بالشعاریّة لإثبات الشهادة الثالثة فی


1- مستند العروة الوثقی 13 : 259 .

ص:480

الأذان هو مصداق من مصادیق الرأی المذموم والظنّ الذی لا یغنی من الحق شیئاً ، وهو کإثبات عمر بن الخطاب لجملة « الصلاة خیر من النوم » فی الأذان ؛ إذ ما الفرق بین الإثباتین ، ولماذا تنکرون علی عمر فعله وتعملون بعمله وهو الذی جاء فی کلام الأردبیلی فیما سبق ؟!

لکن یجاب عن هذا الإشکال والتوهّم بافتراق الأمر کلیاً بین الأمرین ، لانّ عمر ابن الخطاب حینما أمر المؤذّن أن یضعها فی الأذان((1)) کان یعنی بعمله التشریع فی الدین وإدخاله کجزء لقوله : « اجعلها فی الأذان » ، وهو الذی دعا ابن رشد أن یشکّ فی کون « الصلاة خیر من النوم » سنة رسول الله ، لقوله فی بدایة المجتهد : وسبب اختلافهم :

هل ذلک قیل فی زمان النبی صلی الله علیه و آله أو إنّما قیل فی زمان عمر((2)) ؟

وهذا یختلف عما تأتی به الإمامیة ، فإنّهم حینما یأتون بالشهادة الثالثة یؤکّدون علی عدم جواز الاتیان بها علی نحو الجزئیّة ، والفرق واضح بین الأمرین ، فذاک إدخال فی الدین ما لیس فیه بلا دلیل شرعی اتباعاً للرأی((3)) ، وهذا بیان لوجه مشروعیّة جواز الإتیان بالشهادة الثالثة من منطلق القربة المطلقة والمحبوبیة الذاتیة وأدلّة الاقتران ، والعمومات ، والأخبار الشاذّة ، وأخیراً الشعاریة مع التأکید علی عدم جزئیّتها وعدم کونها من أصل الأذان .

وبما أنّا قد تکلّمنا بعض الشیء عما یدل علی محبوبیّتها ، فالآن نرید أن نوضّحها من خلال کونها شعاراً للإیمان ، وأنّ الشهادة بالولایة لعلی هی علامة للخطّ


1- موطأ مالک : 72 / ح 154 .
2- بدایة المجتهد 1 : 77 وانظر کلام الالبانی فی تمام المنة : 146 - 149 کذلک .
3- انظر ما کتبناه فی الباب الثانی من هذه الدراسة ( الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة ) والذی أثبتنا فیه أنّها لیست بسنة رسول الله بل أنّها بدعة محدثة حسب تصریح الأعلام وخصوصاً الحنفیة .

ص:481

الصحیح ، والمنهج القویم ، وصراط الله المستقیم ، بل لا توجد حقیقة فی دین الإسلام - من بعد الشهادتین - ناهضة لتکون علامة للمنهج الصحیح أجلی من الشهادة الثالثة ، وهذا ما یجب أن یعتقد به المؤمن قلباً ، وأمّا الإتیان بها لساناً فی الأذان فهو ما یجب أن یبحث عن دلیله .

أمّا کونها من أصل الأذان وأنّها جزء منه ، فلا دلیل علیه إلّا الأخبار الشاذّة التی حکاها الشیخ الطوسی والعلّامة ویحیی بن سعید الحلی ، والتی لم یعمل بها الأصحاب ، ورمی الصدوق لها بأنّها من وضع المفوّضة .

و إمّا الإتیان بها من باب القربة المطلقة والمحبوبیة الذاتیة وأدلّة الاقتران ، فقد مرّ البحث فیها سابقاً . والآن مع أدلّة جواز الإتیان بها من باب الشعاریة ، والبحث فیه یقع فی مقامین :

الأول : إثبات کونها شعاراً من شعائر المذهب والدین الحنیف .

والثانی : التخریج الفقهی لجواز الإتیان بها فی الأذان لا بقصد الجزئیة .

شعاریّة الشهادة بالولایة

و إلیک أُ مّهات الأدلّة علی کون الشهادة بالولایة لعلی هی من أسمی الشعائر الإسلامیة الإیمانیة :

l ما أخرجه الکلینی قدس سره عن علی بن إبراهیم ، عن یعقوب بن یزید ، عن ابن أبی عمیر ، عن أبی الربیع القزاز ، عن جابر ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : لمَّ سمی أمیر المؤمنین ؟ قال : « الله سمّاه وهکذا أنزل فی کتابه { وإِذْ أَخَذَ رَبُّکَ مِن بَنِیء ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّ یَّتَهُمْ وَأَ شْهَدَهُمْ عَلَی أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّکُمْ } وأنّ محمّداً رسولی وأنّ علیاً أمیر المؤمنین »((1)) .


1- الکافی 1 : 412 / باب نادر / ح 4 .

ص:482

والرواة ثقات إلّا أبا ربیع القزاز فهو مجهول الحال ، لکنّ الروایة مع ذلک صحیحة عندنا من وجهین ؛ فهی أوّلاً من روایة ابن أبی عمیر الذی لا یحکی إلّا عن ثقة بالاتّفاق ، وثانیاً أنّ ابن أبی عمیر ممّن أجمعت العصابة علی تصحیح ما یصحّ عنه ، والحاصل : لا ریب فی صحّة هذه الروایة . ثمّ إنّ دلالتها واضحة علی أنّ هناک غرضاً عظیماً لأنْ یُشهِدَ اللهُ سبحانه وتعالی عمومَ بنی آدم ، ومنهم الأنبیاء والمرسلین والأولیاء والصدّیقین والملائکة أجمعین بأنّه - جلّت قدرته - لا إله إلّا هو ربّ العالمین ، وأنّ محمّداً رسول الله ، وأنّ علیاً ولیّ الله .

وقد کان هذا الإشهاد فی عالم الذرّ ، وهو العالم الذی کان بعد عالم الأنوار الذی خلق فیه نور محمّد وعلی من نوره لمّا کان آدم بین الروح والجسد . وقد جاء هذا صریحاً فی قول الرسول صلی الله علیه و آله : خُلِقتُ أنا وعلی بن أبی طالب من نور واحد قبل أن یخلق الله آدم ، فلما خلق الله آدم أَسْکَنَ ذلک النور فی صلبه إلی أن افترقنا فی صلب عبدالمطلب ، فجزء فی صلب عبدالله وجزء فی صلب أبی طالب((1)) .

وعلیه فنور رسول الله خُلِقَ قبل خَلق آدم ، ولم یولد علیه السلام بشراً إلّا بعد انقضاء 124 ألف نبی ، فإنّ مجیء رسول الله خاتماً للأنبیاء وعلی خاتماً للأوصیاء وهما الأوّلان فی عالم الأنوار یرشدنا إلی عظیم مکانتهما فی المنظومة الإلهیّة والسنّة الربانیة .

ولا ریب فی أنّ الإشهاد لا معنی له إلّا الجزم بأنّ جملة « أشهد أنّ علیاً ولی الله » هی الشعار للصراط الصحیح المطوی فی جملة « أشهد ان لا إله إلّا الله » ، والتی لا یمکن الاهتداء إلیها إلّا بواسطة « أشهد أنّ محمّداً رسول الله » والشهادة الثانیة ترشدنا إلی عظم مرتبة الإشهاد بالشهادة الثالثة .


1- انظر فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل 2 : 662 / ح 1130 ، الفردوس بمأثور الخطاب للدیلمی 2 : 191 / ح 2952 ، 3 : 283 / ح 4851 .

ص:483

وهذا الترتیب بین الشهادات الثلاث فی ذلک الیوم ؛ یوم المیثاق العظیم ، بمحضر الأنبیاء والمرسلین والأولیاء والصدّیقین والملائکة والناس أجمعین ، یدلّ دلالة واضحة علی أنّ الله سبحانه وتعالی جعل من الشهادة الثالثة شعاراً ومفتاحاً وعلامة لأخذ المیثاق من المخلوقات المکلّفة .

وان ما قاله الإمام الباقر فی الحدیث الانف هو نحو من انحاء التفسیر السیاقی الذی جوّز العمل به عند الصحابة والتابعین ، والذی ذکرنا نماذج علیه فیما سبق((1)) .

و إذا ثبت هذا فلا یمکن الارتیاب فی إمکانیة اتّخاذه شعاراً وعلامة فی الأمور الدینیة الأُخری علی مستوی العقیدة وعلی مستوی التشریع بسواء بل من باب أولی .

وعدم الارتیاب هذا هو الذی دعا السیّد الخوئی قدس سره للجزم بأنّ شعار الشهادة بالولایة : « راجح قطعاً فی الأذان وفی غیره » ، لأن الشهادة بالولایة اعتقاداً بجنب الشهادة بالتوحید والشهادة بالنبوّة من الضروریّات عندنا ، وأنّها کالصلاة والحج - أو قل إنّها أَهم من تلک - لتوقف قبول الأعمال علیها ، وهذا المعنی یغنینا عن ورود نص جدید فی ذلک .

وبعبارة أُخری : إنّ القطع الذی جزم السیّد الخوئی قدس سره من خلاله برجحان الشهادة الثالثة فی الأذان وفی غیره إنّما حصل علیه من مجموعة الأخبار المعبترة بل المتواترة التی ولّدت عنده وعند باقی الأصحاب القطع بالرجحان .

l ومن تلک الأدلة المعتبرة موثّقة سنان بن طریف التی تقدم الحدیث عنها فی الدلیل الکنائی ، فقد ورد فیها ..

أنّ الإمام الصادق علیه السلام قال : « إنّا أوّل أهل بیت نَوَّه الله بأسمائنا ، إنّه لما خلق السماوات والأرض أمر منادیاً فنادی :

أشهد أنّ لا إله إلّا الله ، ثلاثاً .


1- انظر صفحة 11 ، 12 ، 197 إلی 200 وفی مبحث حیّ علی خیر العمل.

ص:484

أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، ثلاثاً .

أشهد أنّ علیاً أمیر المؤمنین حقّاً ، ثلاثاً»((1)) .

وتقریب الاستدلال من هذه الموثّقة یکون علی نحو ما تقدّم فی صحیحة أو مصححة ابن أبی عمیر السابقة ، لأنّ الله سبحانه وتعالی - بعد أن فرغ من خلق السماوات والأرض - أمر منادیاً ینادی بالشهادات الثلاث بمحضر کلّ من الملائکة ، ومَنْ خلق مِنْ خلقه ، وهذا النداء لا معنی له إلّا أن یفترض منطقیاً بأنّ الشهادة الثالثة تنطوی علی ما یریده الله ، وأنّها شعار وعلامة لدینه القویم ومنهجه الصحیح المنطویة فی : « أشهد ان محمّداً رسول الله » ، وأنّ الشهادة الثانیة لا تتحقق إلّا من خلال الإتیان بالشهادة الثالثة ، کما أنّ الأُولی متوقّفة علی الثانیة ، وبعبارة أخری : إنّ غرض الله سبحانه وتعالی من خلق السماوات والأرض لا یتحقّق إلّا بمثل هذا النداء الثلاثیّ ، کما فی قوله تعالی { أَطِیعُواْ اللهَ وَأَطِیعُواْ الرَّسُولَ وَأُ وْلِی الأَمْرِ مِنکُمْ } ((2)) وقوله { إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَا لَّذِینَ ءَامَنُواْ } ((3)).

و إذا ثبت هذا فلا یمکن الشک فی ضرورة اتّخاذه شعاراً لما یریده الله سبحانه وتعالی - فیما دون خلق السماوات والأرض - وبدون افتراض ذلک نقع فی محذور اللَّغْوِ یّة من قبل رب العالمین - والعیاذ بالله - وصدور الکلام الخالی من المعنی - عنه جل شانه - أی نقع فی محذور لغو یة النداء بالشهادات الثلاث ، لأنّه لا فائدة من هذا الإشهاد ، إذا لم یترتب علیه شیء فی عالم الدُّنیا .

لا یقال : بأنّه یکفی أن تترتّب علیه فائدة توکید الولایة ، لأنّ ذلک یردّه : أنّه ما فائدة ذکر الشهادتین بالتوحید وبالرسالة إذا کان المقصود توکید الولایة فقط ؟


1- أمالی الصدوق : 701 / ح 956 ، الکافی 1 : 441 / باب مولد النبی صلی الله علیه و آله / ح 8 .
2- النساء : 59 .
3- المائدة : 55 .

ص:485

ولماذا لم ینتظر الله سبحانه وتعالی عالم الدنیا فیؤکّده ؟ ولماذا الإمام علیٌّ دون بقیّة البشر ؟!!

ولا یتوهّم متوهِّمُ بأننا نرید اثبات جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان من خلال هذا الاستدلال !!! لوضوح أنّ ما نقدّمه لا یثبت أکثر من کونها شعاراً شرعیّاً عند المولی ، وهو لا ینهض لاثبات الجزئیة .

بلی ، إنّ رجحان الإتیان بها فی الأذان وفی غیره یمکن اعتباره من منطلق : « الندائیة » أو قل « الإشهادیة » وذلک لمّا امر الله سبحانه المنادی أن یشهد بالولایة لعلی ؛ استناداً للموثّقة الآنفة ولغیرها من الأدلّة الصحیحة والمعتبرة ، وهذا ما ذهب إلیه الأصحاب الذین جعلوا من الشعاریة أو الندائیة أو الاشهادیة دلیلاً لجواز الإتیان بها فی الأذان ومنهم السیّد الخوئی قدس سره .

ومنه یمکننا الجواب عن شبهة قد ترد علی بعض الأذهان مفادها : إذا ثبت أنّ الشهادة بالولایة عندکم غیر واجبة ، فلماذا لا تخفتون التلفظ بها ، کی تُمَیَّزَ عن غیرها ؟

قلنا : إنّ أدلّة الشعاریة - ومنها موثّقة سنان بن طریف الآنفة - قد ساوت بالجهر فی کلّ من الشهادات الثلاث بسواء ؛ لقوله : « امر منادیاً أن فنادی » ، والنداء معناه الجهر بلا خلاف ، علی أنّ إطلاقات أدلّة الاقتران بین الشهادات الثلاث آبیة عن التقیید بإخفات خصوص الشهادة الثالثة ؛ إذن نحن نجهر فی أذاننا بالولایة لعلیّ کما نجهر بالشهادة لله ولرسوله انطلاقاً من موثقة سنان بن طریف ، لکن بفارق أنّ فقهاءنا یؤکّدون علی جزئیة الشهادتین وفی الوقت نفسه یؤکّدون علی عدم جزئیة الشهادة بالولایة فی رسائلهم العملیة ، وهو کاف لرفع تَوَهُّم من یتوهّم جزئیّتها .

ومن الجدیر بالذکر هنا الإجابة عن إشکالین طرحهما البعض علی ما تقوله الشیعة .

ص:486

اشکالان :

أورد بعض من یدّعی العلم إشکالین علی خبر الاحتجاج .

احدهما : إذا صحّ الالتزام بخبر الاحتجاج فعلیکم التقید بالنص الوارد فیه : « من قال : محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » ، فلماذا تقولون : «أشهد أن علیّاً ولی الله» وتضیفون إلیه : «وأولاده المعصومین حجج الله» ، ألیست هذه الإضافة وهذا التغییر هو عدم تَعَبُّد بالنص ؟!

ثانیهما : إذا اخذتم بخبر الاحتجاج فعلیکم أن تقولوها مرّة واحدة ، لأنّ التکلیف یسقط به ، فما السرّ فی الإتیان بها مرّتین فی الأذان .

أما الجواب عن الإشکال الأول ، فیکون من عدة وُجُوه :

الأوّل : قد یصحّ ما قلتموه إذا اعتبرنا ذلک من أجزاء الأذان ، لکنّنا أثبتنا فی الصفحات السابقة أنّا لا نأتی بها علی نحو الجزئیة بل نأتی بها لمحبوبیّتها عند الشارع ورجحانها عنده .

الثانی : إنّ الصفة الغالبة فی الروایات التی جاءت فی أمیر المؤمنین علیّ بن أبی طالب تحمل کلمة « ولی الله » ، فنحن نأتی بهذا القید فی الأذان تعبداً بتلک النصوص .

الثالث : إنّ حسنة ابن أبی عمیر ، عن الکاظم علیه السلام ، سمحت لنا بفتح جملة « حیّ علی خیر العمل » بأیّ شکل کان مع حفظ المضمون ، وقد فتحت بصیغ مختلفة عند الشیعة علی مرّ الأزمان ، فأهل الموصل کانوا یقولون « محمّد وعلی خیر البشر »((1)) ، وهو عمل الشیعة فی مصر أیّام الدولة الفاطمیة((2)) ، وأهل حلب أیّام


1- المسائل المیافارقیات للسیّد المرتضی المطبوع مع کتاب جواهر الفقه لابن البراج : 257 المسألة 15 .
2- اخبار بنی عبید : 50 .

ص:487

الدولة الحمدانیة ((1)) .

أما أهل قطیعة أمّ جعفر فی بغداد - کما حکاه التنوخی عن أبی الفرج الأصفهانی - فکانوا یقولون «أشهد ان علیّاً ولی الله» ، و«محمّد وعلی خیر البشر»((2)) وقد افتی ابن البراج لمن یقلده من أهل حلب باستحباب القول مرتین « آل محمّد خیر البریة »((3)) .

الرابع : إنّ النصوص الصادرة عن المعصومین فی معنی الحیعلة الثالثة وفی غیرها لم تختص ب- « أشهد أنّ علیّاً أمیر المؤمنین » حتی یلزمنا التعبّد بها ، بل جاءت الصیغ الثلاث الآنفة فی شواذّ الأخبار التی حکاها الشیخ الطوسی ویحیی بن سعید ، وهی الموجودة فی مرسلة الصدوق کذلک .

وأمّا الجواب عن الإشکال الثانی : فإنّ العدد مرتبط بالإشهاد ، فإن شهد لله بالتوحید وللرسول بالرسالة مرّة فعلیه أن یشهد لعلی بالولایة مرة ، ومن شهد لله وللرسول مرتین فله أن یشهد لعلی بالولایة مرتین ، لقوله علیه السلام : « من قال : محمّد رسول الله ، فلیقل : علی أمیر المؤمنین » ، أی أنّ المثلیة فی العدد ملحوظة فی النصّ ، ومن هذا الباب تری الإشهاد لله ولرسوله ولعلی ثلاثاً فی موثقة سنان بن طریف الانفة ((4)).

إذن المثلیّة ملحوظة بین فعل الشرط وجزائه ، کما هو ملحوظ فی الترتیب بین الشهادات الثلاث ، فتکون الشهادة لله بالوحدانیة أوّلاً ، ثم الشهادة للرسول بالنبوة ثم الشهادة لعلی بالولایة ، ومن هنا تعرف معنی ما جاء فی تفسیر القمی


1- زبدة الحلب فی تاریخ حلب 1 : 159 - 60 .
2- نشوار المحاضرة ، للتنوخی 2 : 132 .
3- المهذب لابن البراج 1 : 90 .
4- مرّت فی الصفحة 190 و482.

ص:488

« إلی ها هنا التوحید » .

وبهذا البیان ارتفع ما أشکله البعض بهذا الصدد .

* * *

ولنرجع إلی أصل الموضوع ونقول:

l ومما یدلّ علی الشعاریة کذلک مرسلة الحسین بن سعید ، عن حنان بن سدیر ، عن سالم الحنّاط ، قال : قلت لأبی جعفر الباقر علیه السلام : أخبرنی عن قول الله سبحانه وتعالی : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِینُ * عَلَی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنذِرِینَ * بِلِسَان عَرَبِیٍّ مُبِین } فقال علیه السلام : هی الولایة((1)) .

إذ من المعلوم أنّ ما نزل علی قلب النبی هو القرآن وشریعة الإسلام ، فلا معنی للتفسیر بالولایة إلّا إذا اعتقدنا بأنّ الولایة هی اکمال للدین ، والعلامَةُ للتعریف بذلک المُنْزَل ، وهذا ما نعنی به من الشعاریة ، وهی تدعونا إلی النداء بها ، والدعوة إلیها ، والإجهار بألفاظها ، حسبما یستفاد من موثقة سنان بن طریف ، وحسنة ابن أبی عمیر ، وصحیحة أبی الربیع القزاز ..

لقد تقدّم الکلام فیما یخصّ حسنة ابن أبی عمیر عن الکاظم علیه السلام فی الدلیل الکنائی((2)) ، وأنّ : « حیّ علی خیر العمل » تعنی الولایة ، وأنّ عمر بن الخطاب حذفها من الأذان کی لا یکون حثٌّ علیها ودعاءٌ إلیها ، وأنّ الإمام الکاظم علیه السلام لم یکن بصدد بیان الأمر المولوی بها فی الأذان علی نحو الوجوب والجزم ، بل أراد الإشارة إلی جذورها ومعناها الکامن فیها ، وأنّ هناک دوراً تخریبیاً من النهج الحاکم لها ، وهذا الکلام بلا شکّ ینطوی علی رجحان الدعوة لشعاریّتها ، والدعاء


1- الکافی 1 : 412 / باب فیه نکت ونتف من التنزیل فی الولایة / ح 1 . وقد رویت بعدة طرق .
2- فی صفحة 159 .

ص:489

إلیها ، والحثّ علیها فی الأذان خاصّة ، وفی غیره عامّة قبالاً لطمسها ، لکن لمّا لم یصلح هذا لإثبات الجزئیة، لعدم صدور النص عنه علیه السلام مولویاً بل کان إخباریّاً وإرشادیاً لم یبق إلّا الاعتقاد بأنّ الإمام یرید اتّخاذها شعاراً علی المستو یَیْن العقائدی الکلامی والفقهی العبادی .

أی یرید اعلامنا بامکان ذکرها فی الأذان بحکمها الثانوی ، وخصوصاً فی هذه الازمان التی کثرت فیها الشبهات علی الشیعة ، ووقوفنا علی هم الاعداء فی اماتة الحق لکن { اللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ }((1)) .

l ویؤ ید ذلک ما أخرجه الکلینی بسنده عن أبی بصیر ، عن أبی جعفر علیه السلام فی قوله تعالی : { فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفاً } ، قال : هی الولایة((2)) .

إذ لا معنی لأن یفسّر إقامة الوجه للدین الحنیف بالولایة ؛ إذ القیام قیامٌ لله ، والولایة ولایة وإقرار لولی الله ، ولا یصلح أحدهما أن یحلّ محل الاخر ، إلّا بأن یقال : بأنّ الولایة امتداد للتوحید والنبوّة ، وهو معنی آخر لحدیث الثقلین ، وحبل الله الذی أمرنا بالاعتصام به ، وهو الذی جاء عن المعصوم فی تفسیر قوله تعالی { وَا عْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ } : التوحید والولایة((3)) .

وفی تفسیر العیاشی عن الباقر علیه السلام : آل محمّد حبل الله المتین((4)) .

وعن الصادق علیه السلام : نحن الحبل((5)) ، وفی روایة أخری فی الکافی عنه علیه السلام : أثافی الإسلام ثلاثة : الصلاة والزکاة والولایة ، ولا تصحّ واحدة منهنّ إلّا


1- الصف : 8 .
2- الکافی 1 : 419 / باب فیه نکت ونتف ... / ح 35 ، وفی هذا المعنی أخرج الکلینی وغیره روایات جمّة بطرق کثیرة کلها معتبرة ، وقد اغنانا هذا عن البحث فی السند .
3- تفسیر القمی 1 : 108 .
4- تفسیر العیاشی 1 : 194 / ح 123 .
5- الأمالی للشیخ : 272 / المجلس 10 / ح 510 .

ص:490

بصاحبتیها ((1)) .

وعن الکاظم علیه السلام : علی بن أبی طالب حبل الله المتین((2)) .

وقد مرّ علیک فی « حیّ علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة » بأنّ الإمام الحسین اعترض علی القائلین بأنّ الأذان قد شرّع مناماً فقال علیه السلام : الوحی ینزل علی نبیّکم وتزعمون أنّه أخذ الأذان عن عبد الله بن زید والأذان وجه دینکم ((3)).

وجاء قریبٌ منه عن محمّد بن الحنفیّة : عمدتم إلی ما هو الأصل فی شرائع الإسلام ومعالم دینکم فزعمتم .... ((4)).

نعم ، إنّ انحصار السبیلیة فی الولایة لعلی وأهل بیته ، یعنی کونها شعاراً راجحاً تعاطیه فی کلّ مفردات الشریعة ، وهو الملاحظ فی الاشهادات الثلاث فی کتب الادعیة وأنّ الأئمّة قد أکدوا علیها، وأنّ ذکر الشهادة الثالثة فی الأذان من باب الشعاریة لا یستلزم تشریعها فیه وکونها جزء داخل فی ماهیته کما نبّهنا علیه کثیراً .

کما ننبّه علی أنّ الاستدلال بالشعاریة لا یقتصر علی الشهادة الثالثة فی الأذان ، فقد استفاد منها الفقهاء لبیان أحکام أُخری تتوقّف علیها العقیدة واصل الدین ، وذلک لورود الأخبار الصحیحة والمعتبرة فیها ، إذ لا معنی لهذه الأخبار ولا لصدورها غیر ذلک .

l وإلیک خبر آخر فی هذا السیاق : أخرج علی بن إبراهیم القمی رضی الله عنه فی تفسیره بسنده عن الرضا ، عن جده الباقر علیه السلام فی قوله : { فِطْرَتَ اللهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا } فقال : هو لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علی أمیر المؤمنین ، إلی ها هنا


1- الکافی 2 : 18 / باب دعائم الإسلام / ح 4 .
2- تفسیر العیاشی 1 : 194 / ح 122 .
3- دعائم الإسلام 1 : 142.
4- السیرة الحلبیة 2 : 300 - 301.

ص:491

التوحید((1)) .

هذه الروایة لها دلالة واضحة علی أنّ إقامة الدین لا تتم إلّا بهذه الاصول الثلاثة ، کما أنّ التوحید لا یمکن تحقّقه أفعالیاً فی الخارج - کما أراده الله - إلّا من خلال هذه الشهادات الثلاث التی نصّت علیها الروایة .

لکن نتساءل : ما علاقة التوحید بولایة علی ؟ وکیف تکون ولایة علیّ هی نهایة التوحید والمعنی المتمّم له ، مع أنّهما حقیقتان متغایرتان ؟!

الجواب علی ذلک : أنّهما حقیقتان دالّتان علی أمر واحد ، لأنّ ولایة الإمام علی والاقرار له بالولایة هو اقرار لله بالتوحید وللرسول بالرسالة ، إذ أنّ طاعة علی من طاعة الله ، ولا یوجد من تفسیر وتوجیه للخبر الآنف إلّا التزام الشعاریة ، إذ المعنی من الشعاریة هنا هو الإقرار بعد الاعتقاد ، لأنّ المسلم وبعد أن اعتقد بوحدانیة الله ورسالة النبی محمّد صلی الله علیه و آله وولایة علی ابن أبی طالب علیه السلام علیه أن یحمد الله وأن یسبحه وأن یصلی علی النبی وآله ، أی علیه أن یذکر الله ذکر قلب واعتقاد لا لقلقة لسان ، فالاذکار والتسبیحات هی أقرار بالمعتقد الذی آمن به .

والروایة السابقة من هذا القبیل وهی تشیر إلی ان فطرة الله التی فطر الناس علیها ما هی إلّا الشهادات الثلاث ، وما علی المؤمن إلّا ان یتوجه إلیها من خلال الذکر والصلاة والتسبیح ، لأنّ الاقرار الیومی بتلک الاصول هی بمثابة تثبیت العقیدة والهویة فی النفس .

ولو تأملت فی الأحادیث الواردة عن المعصومین لرایتها مفعمة بهذه الشهادات الثلاث وکذا الشهادة بغیرها من المعتقدات ، اذن الإقرار هو «الاشهاد» و«النداء» و«الشعار» ، وإلیک فقرة من دعاء العشرات ، والذی یستحب أن یقرأه المؤمن فی کل صباح ومساء نأتی به توضیحاً لما نقوله ، وفیه :


1- تفسیر القمی 2 : 155 .

ص:492

اللّهُمَّ إنّی اُشهِدُکَ وَکَفَی بِکَ شَهیداً وَأشهِدُ مَلآئکَتَکَ وَاَنْبِیائَکَ وَرُسُلَکَ وَحَمَلَةَ عَرْشِکَ وَسُکّانَ سَماواتک وَأرضک وَجَمیَع خَلْقِکَ بِآنَّکَ اَنْتَ اللهُ لا اِلهَ إلّا اَنْتَ وَحْدَکَ لا شَرَیکَ لَکَ وَاَنَّ مُحمَّداً صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَالِهِ عَبْدُکَ وَرَسُولُکَ وَاَنَّکَ عَلی کُلِّ شَیء قَدیرٌ تُحیْی وَتُمیِتُ وَتُمِیتُ وَتُحیْی وَاَشْهَدُ اَنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النّارَ حَقٌّ ، وَالنُّشُورَ حَقٌّ ، وَالسّاعَةَ اتِیَةٌ لا رَیْبَ فِیها وَاَنَّ الله یَبْعَثُ مَنْ فی القُبُورِ وَاَشْهَدُ اَنَّ عَلِیَّ بْنَ أبی طالب اَمیرُ المُؤْمِنینَ حَقّاً حَقّاً وَاَنَّ الأَئِمَةَ مِنْ وُلْدِهِ هُمُ الأَئِمَّةُ الهُداةُ الْمَهْدِیّونَ غَیْرُ الضَّالینَ وَلاّ الْمُضِلِّیْنَ وَاَنَّهُمْ اَوْلِیائُکَ المُصْطفَوْنَ وَحِزْبُکَ الغالِبُونَ وَصِفْوَتُکَ وَخِیَرتُکَ مِنْ خَلْقِکَ وَنُجَبآئُکَ الّذَینَ اَنتَجَبْتَهُمْ لِدینِکَ وَاخْتَصَصْتَهُمْ مِنْ خَلْقِکَ واصْطَفَیْتَهُمْ عَلی عِبادِکَ وَجَعَلْتَهمْ حُجَّةً عَلَی العالَمینَ صَلَواتُکَ عَلَیَّهِمْ والسَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَکاتُهُ اَللّهُمَّ اکْتُب لی هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَکَ حَتّی تُلَقِّنیها یَوْمَ القیامَةِ وَاَنْتَ عَنّی راض اِنَّکَ عَلی ما تَشآءُ قَدیرٌ .

هذا هو الإقرار بالمعتقد والذی یسمی بالاشهاد کذلک وهو الذی یجدر بالمؤمن تکراره کل یوم لان فیه ترجمان عقائدنا وهویتنا ، وان التاکید علی الصلاة علی آل محمّد ، وعدم ارتضاء الرسول الصلاة البتراء علیهم هو معنی اخر للشعاریة کل ذلک للحفاظ علی الهویة فی مسائل الفقه والعقیدة ، وبه تکون ولایة علیّ الشعار الذی یعرّفنا بالتوحید الصحیح النقیّ من الشوائب ؛ ذلک التوحید الذی عرَّفنا به سید الأنبیاء محمّد صلی الله علیه و آله ، کما أنّ التوحید الخالص یظهر جلیاً من خطب الإمام ورسائله وکلماته علیه السلام ، لأنّه الوحید - من أصحاب رسول الله - الذی لم یسجد لصنم قط . وهو الذی ولد فی الکعبة ، واستشهد فی المحراب ، وفی هاتین النکتتین - الولادة والشهادة - معنی لطیف وظریف ، ویترتب علیه محبوبیة تعاطی الشهادة بالولایة شعاریاً فی غالب الأمور المعرفیة باعتبارها مفتاح رسالة النبیّ صلی الله علیه و آله ومفتاح معرفة التوحید الصحیح ، فمع ثبوت هذه الحقیقة لا مناص من القول برجحانها فی کلّ عبادة لدلیل الإباحة وخلّو المعارض .

ص:493

l وممّا یدلّ علی ذلک أیضاً ما أخرجه الکلینی بسند صحیح عن زرارة ، عن أبی جعفر علیه السلام ، قال : بُنی الإسلام علی خمسة أشیاء : علی الصلاة والزکاة والحجّ والصوم والولایة ، فقلت : أیّ شیء من ذلک أفضل ؟ قال علیه السلام : « الولایة أفضل لأنّها مفتاحهنّ ؛ والوالی هو الدلیل علیهنَّ ... »((1)) .

فقوله علیه السلام : «الولایة مفتاح الصلاة والصوم ...» ، وقوله علیه السلام الآخر : « الوالی هو الدلیل علیهنّ » ظاهر فی الشعاریة بلا أدنی کلام ؛ لأنّ الإمام الباقر علیه السلام جعل الولایة مفتاحاً لغالب الأمور العبادیة وعلی رأسها الصلاة والصوم والزکاة والحج ، ومعنی کلامه علیه السلام أنّ الولایة تنطوی علی ملاک عبادیّ وتشریعی ؛ إذ لا معنی لکون الولایة دلیلاً ومفتاحاً للعبادات إلّا أن یکون معنی من معانیها عبادة .

وقد جاء فی تفسیر القمّی فی قوله تعالی { إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَا لْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ } ، قال : کلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض ، والولایةُ ترفع العمل الصالح إلی الله .

وعن الصادق علیه السلام أنّه قال : الکلم الطیب قول المؤمن « لا إله إلّا الله ، محمّد رسول الله ، علی ولی الله وخلیفة رسول الله » وقال : والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند الله لا شک فیه من رب العالمین((2)) .

فلو کان مصداق الکلم الطیب هو کلمة التوحید ، والإیمان بما جاء به رسوله ، ومنها لزوم الولایة لعلی علیه السلام ، ألا یحق أن تصعد هذه الولایة إلی السماء کما نزلت إلینا عن طریق الروایات الکثیرة المتواترة ؟

l روی الحاکم النیسابوری والسیوطی عن ابن مردویه ، عن أنس بن مالک وبریدة ، قالا : قرأ رسول الله هذه الآیة { فِی بُیُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ } ، فقام إلیه رجل


1- الکافی 2 : 18 / باب دعائم الإسلام / ح 5 .
2- تفسیر القمّی 2 : 208 .

ص:494

فقال : یا رسول الله أی بیوت هذه ؟ فقال بیوت الأنبیاء ، فقام إلیه أبو بکر فقال : یا رسول الله هذا البیت منها - لبیت علی وفاطمة - قال : نعم من أفاضلها ((1)).

وعن أبی جعفر الباقر أنّه قال : هی بیوت الانبیاء ، وبیت علی منها ((2)).

وذکر ابن البطریق فی « خصائص الوحی المبین » ما جری بین قتادة والإمام الباقر علیه السلام ، وفیه : فقال قتادة لمّا جلس بین یدی الإمام الباقر : لقد جلست بین یدی الفقهاء وقدّامَ ابن عباس فما اضطرب قلبی قُدّامَ واحد منهم ما اضطرب قُدَّامَکَ .

قال له أبو جعفر الباقر علیه السلام : ویحک أتدری أین أنت ؟ أنت بین یدی { بُیُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ ویُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیهَا بِآ لْغُدُوِّ وَالأَ صَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِیهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَیْعٌ عَن ذِکْرِ اللهِ وإِقَامِ الصَّلاَةِ وإِیتَآءِ الزَّکَاةِ }فأنتَ ثَمَّ ، ونحن أُولئک((3)) .

وهذه الأحادیث تؤکّد بوضوح علی أن بیت علی وفاطمة هو من بیوت الأنبیاء ، إذ لا معنی لأن یسال أبو بکر عن موقع بیت علی وفاطمة بین تلک البیوت إلّا أن یکون ذلک معلوماً عنده أو مشکوکاً ، لأنّ سؤاله یدعونا للقول بهذا ، وعلیه فکلامه لیؤکّد بأنّ بیتهما هو امتداد لبیوت الله وبیوت الأنبیاء ، وأنّ الشهادة بالولایة لعلی هی امتداد لطاعة الله ، لأنّ المؤذّن بشهادته فی الأذان یبیّن الصلة بین علی وبین الله ورسوله ، وأنّ الإمام علیّاً ما هو إلّا ولیٌّ لله تعالی ، لا أنّه یرید أن یقول أنّ علیاً هو الخالق والرازق والمحیی والمییت . حتّی یقال أنّه من الشرک والتفویض وأمثال ذلک ، وقد قلنا مراراً بأن ما تشهد به الشیعة فی الأذان لیس أجنبیّاً عن الأخبار


1- شواهد التنزیل 1 : 33 - 535 / ح 566 ، 567 ، 568 ، الدر المنثور 6 : 203 ، تفسیر الثعلبی 7 : 107 . وانظر تفسیر فرات الکوفی 286 / ح 386 ، وبحار الأنوار 23 : 325 - 328 ، وشرح إحقاق الحق 3 : 558 ، 9 : 137 ، 14 : 422 ، 18 : 515 ، 20 : 73 والعمدة لابن البطریق : 291 . والحدیث فی الروضة فی فضائل أمیر المؤمنین لشاذان بن جبرئیل : 42 عن ابن عباس .
2- تفسیر القمی 2:104 ، بحار الأنوار 23 : 327 / باب رفعة بیوتهم المقدسة ... / ح 6.
3- خصائص الوحی المبین: 18 - 19 .

ص:495

والآیات .

ونحن لو جمعنا بین الآیتین القرآنیتین { وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ } مع { فِی بُیُوت أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ ویُذْکَرَ فِیهَا } ، لعرفنا الترابط الملحوظ بین التوحید والنبوة والإمامة ، ولأجل هذا جُعل ذکرهم من ذکر الله وأنّهم السبیل إلیه ، وأنّ فطرة الله مبتنیة علیه ، وبذلک یتّضح تماماً معنی کلام الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام فی معنی ( حی علی خیر العمل ) : « أنّه برّ فاطمة وولدها »((1)) .

لأنّ القوم کانوا یفترون علی الله الکذب ویریدون طمس ذکرهم ؛ قال تعالی : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَی عَلَی اللهِ الْکَذِبَ وَهُوَ یُدْعَی إِلَی الاِْسْلاَمِ وَاللهُ لاَ یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ * یُرِیدُونَ لِیُطْفِئُواْ نُورَ اللهُ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهِ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ }((2)) .

l روی الکلینی بسنده عن محمّد بن الفضیل - عن أبی الحسن علیه السلام - قال : سألته عن قول الله تعالی { یُرِیدُونَ لِیُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَ فْوَاهِهِمْ } قال : یریدون لیطفئوا ولایة أمیر المؤمنین بأفواههم قلت : « والله متم نوره » ، قال : یقول : والله متم الإمامة ، والإمامة هی النور ، وذلک قوله عزّ وجلّ { فَأَمِنُواْ بِآللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِی أَنزَلْنَا } ، قال : النور هو الإمام((3)) .

هذا ، وقد أخرج الحاکم الحسکانی فی شواهد التنزیل((4)) ، والحاکم النیسابوری


1- انظر علل الشرائع 2 : 368 / باب 89 / ح 5 ، معانی الاخبار : 42 / ح 3 ، فلاح السائل : 148 ، التوحید 241 ، المناقب لابن شهرآشوب 3 : 326 وکلام المجلسی فی روضة المتقین 2 : 237 .
2- الصف : 7 ، 8 .
3- الکافی 1 : 195 ، 432 ، شرح اصول الکافی للمازندرانی 5 : 182 و7 : 119 و10 : 87 ، الغیبه للنعمانی : 85 - 86 ، مناقب ابن شهرآشوب 2 : 278 ، و2 : 270 .
4- شواهد التنزیل 2 : 223 / ح 855 .

ص:496

فی معرفة علوم الحدیث((1)) ، وابن عساکر فی ترجمة أمیر المؤمنین من تاریخ دمشق((2)) ، والخوارزمی فی مناقبه((3)) ، فی تفسیر قوله تعالی ، { وَاسْأَ لْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِکَ مِن رُّسُلِنَا }((4)) عن الأسود ، عن عبدالله بن مسعود ، قال ، قال النبی : یا عبدالله أتانی الملک فقال : یا محمّد { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِکَ مِن رُّسُلِنَا } علی ما بعثوا ؟ قلت : علی ما بعثوا ؟ قال : علی ولایتک وولایة علی بن أبی طالب .

فتنز یل الآیة فی التوحید وفی تقریر الرسل علی أنّهم بعثوا للدعوة إلی وحدانیة الله وعبادته ، وأنّه لا معبود سواه ، وتأویلها فی تقریر الرسل علی رسالة المصطفی وولایة المرتضی .

وبعد کلّ هذا لابدّ من توضیح حقیقة أخری فی هذا السیاق ، وهی : أنّ کثیراً من النصوص الثابتة الصادرة عن ساحة النبوة والعصمة لا یمکن فهمها وقرائتها علمیاً إلّا من خلال الإیمان بأنّ للقرآن والسنة المطهرة ظهراً وبطناً ، وأنّ القراءة السطحیة للأمور عند البعض غیر قادرة للوقوف علی الکنوز المعرفیة الکامنة فی القرآن الحکیم والسنّة المطهرة ، ولأجل ذلک جاء عن المعصومین « إنّ حدیثنا صعب مستصعب لا یحتمله إلّا ملک مقرب أو نبی مرسل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للایمان »((5)) لأنّ معرفة کلامهم أو ما جاء فی مقاماتهم من الصعب المستصعب تحمّله علی عامة الناس ، ولعلّ من هذا المنطلق نُسِب البعض إلی الغلوّ ولم یکن غالیاً فی الحقیقة .

نعم ، وظیفة المسلم التعبّد بهذه النصوص الصحیحة والانقیاد والتسلیم لها ، لکن مع ذلک ینبغی تفسیرها بما یتلائم مع ثوابت الدین الأخری لکی لا یتصوّر أنّها


1- معرفة علوم الحدیث : 95 .
2- تاریخ دمشق 42 : 241 .
3- مناقب الخوارزمی : 312 / ح 312 ، وانظر غایة المرام 2 : 293 ، وبشارة المصطفی : 249 کذلک .
4- الزخرف : 45 .
5- افرد الکلینی باباً کاملاً فی هذا الشأن انظر الکافی 1 : 401 - 402 .

ص:497

غلو أو تفویض وخروج عن الدین ؛ وقد تقدّم علیک أنّ حدّ التوحید هو ولایة أمیر المؤمنین علی علیه السلام - کما جاء فی تفسیر القمی - ولا ریب فی أنّ فهم هکذا أمور لیس بسهل ، خصوصاً إذا قرأناها طبقاً للمنهج البسیط الذی لا یری أبعد من قدمیه ؛ إذ یبدو للمطالع العادی عدم وجود علاقة بین التوحید وولایة علی ؟

فی حین أنّ المعرفة الأصیلة الکاملة - حسب أخبارنا - جازمة بأنّه لیس من أحد علی وجه الأرض یعرف الله حق معرفته غیر رسول الله والإمام علی وأولاده المعصومین ، ولیس هناک منهج صحیح یعرّفنا بالله ورسوله غیر منهج أهل البیت الذین طهّرهم الله من الرجس ، ولأجل ذلک جاء فی بعض مصادرنا کمختصر بصائر الدرجات : عن النبی قوله : یا علی ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفنی إلّا الله وأنت ، وما عرفک إلّا الله وأنا((1)) . وفی کتاب سلیم بن قیس : یا علی ، ما عُرف الله إلّا بی ثم بک ، من جحد ولایتک جحد الله ربوبیته((2)) .

وجاء فی الزیارة الجامعة الکبیرة : « بموالاتکم علَّمنا الله معالمَ دیننا » .

وعلیه فالتوحید الصحیح لا یتحقق إلّا عن طریق أهل البیت ، کما لا یمکن الاهتداء إلیه إلّا بواسطة هذا السراج والشعار والعلامة .

وبهذا نقول : إنّ معنی الشعاریة ، والإشهادیة ، والندائیة لیس بکلام جدید کما قد یتوهّمه البعض ، بل هو منهج علمی استُظهِر واتُّخِذ من الأخبار المتواترة ، فلا یوجد أحد من المؤمنین - یؤمن بالله حق الإیمان - یمکنه أن ینکر مقام الإمام علی ، وأنّه سیّد عباد الله الصالحین ، وأنّ اسمه موجود فی السماء وفی الأرض ، وفی عالم الذر ، والبرزخ ، وفی تلقین المیت وامثالها ، وأنّ الإمام علی بن أبی طالب علیه السلام أکّد علی هذه الکلیة وأنه هو الشعار لهذا الدین ، بقوله علیه السلام : « نحن الشعار


1- مختصر بصائر الدرجات ، للحسن بن سلیمان الحلی : 125 .
2- کتاب سلیم بن قیس : 378 .

ص:498

والأصحاب ، والخزنة والأبواب ، لا تُؤتی البیوت إلّا من أبوابها ، فمن أتاها من غیر أبوابها سُمّی سارقاً»((1)) .

إنّ مضمون الشهادة بالولایة - فی الأذان وفی غیره - لم یکن منافیاً للشریعة ، حتی یقال بحرمة الإجهار به ، بل هو مضمون ثابت فی العقیدة ، ولا أعتقد بأنّ مسلماً یشکّ فی صوابیّته ومطابقته للواقع حسبما اوضحناه وذکرنا بعض نصوصه سابقاً((2)) ، وقد أقرّ الشیخ الصدوق وغیره من العلماء بصحّة مضمون الشهادة الثالثة بقوله رحمة الله « بأن لا شکّ بأنّ علیّاً ولی الله وأنّ محمّداً وآله خیر البریة » ، لکنّ کلامهم فی وضع المفوّضة أحادیث لها علی نحو الجزئیة فی الأذان ، وهو ما لا یقبله الشیخ الصدوق رحمة الله کما لا نقبله نحن ، لکنّ دعوی کون التوقیفیة مانعة من الإتیان بالشهادة بالولایة فی الأذان بأیّ نحو کان غیر صحیح ، لأنّ المعروف عن الشیعة فی هذه الأزمان وحتی فی العصور الماضیة أنّهم لم یکونوا یأتون بها علی أنّها جزءٌ حتی یقال أنّها مانعة ، وعلی نحو التضاد مع التوقیفیة ، بل أنّهم کانوا یأتون بها بقصد القربة المطلقة واستجابةً لأمر الباری بأن یُنادی بالشهادة بالولایة لعلی ، وبذلک تکون الشهادة بالولایة لعلی عبادة محبوبة لله ، فلو صار هذا الإشهاد محبوباً صار عبادیاً یمکن الإتیان به فی الأذان لا علی نحو الجزئیة بل علی نحو الإشهاد ، والشعاریة ، والندائیة .

والعلماء کانوا قد عرفوا معنی قوله تعالی : { یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِنَ رَّبِّکَ وإِنْ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } لکنّهم تساءلوا لکی یفهموننا ما مغزی هذه


1- نهج البلاغة 2 : 43 - 45 خطب الإمام ، وفی عیون الحکم والمواعظ لعلی بن محمّد اللیثی الواسطی : 499 - 500 ، نحن الشعار والأصحاب والسدنة والخزنة والأبواب ولا تؤتی البیوت .... الخ .
2- قد یقال ان بعض العامة لا تقبل بعض المعانی المتصورة فی الولایة والحجة و... نقول لهم : إنّ عدم اعتقاد اولئک بعدم صوابیة ما نقول به لا یضرّنا ، لأنّ أدلّتنا معنا ، وهی مذکورة فی کتب الکلام ، وأنّ البحث عنه له مجال آخر .

ص:499

الآیة ، وهو : کیف یتساوی تبلیغ الرسالة بأجمعها - خلال ثلاث وعشرین سنة - بتبلیغ ولایة علی خلال ساعة من نهار ، إلی درجةِ أنّ تبلیغ الرسالة لا قیمة له من دون تبلیغ هذه الولایة ؟

إن العلماء کلّهم علی اختلاف ألفاظهم وتعدّد صیاغاتهم مجمعون علی تعاطی الشعاریة لحلّ أمثال هکذا أمور فی الشریعة والعقیدة ، لأنّ الله جعل الأئمّة من أهل البیت علیهم السلام معیاراً للإیمان ومیزاناً لقبول الأعمال ، وسفنَ نجاة للبریة ومعالم للدین .

وهذا المنهج یدعونا لإثبات بعض الأحکام العبادیة علاوة علی الإیمانیة ، لأنّ هناک نصوصاً عبادیة کثیرة تری ذکر علیّ فیها ، کخطبة الجمعة ، وقنوت الجمعة ، وقنوت الوتر ، والتشهد فی الصلاة ، ودعاء التوجّه قبل تکبیرة الإحرام ، وقد سئل الإمام الصادق علیه السلام عن تسمیة الائمة فی الصلاة ؟ فقال علیه السلام : أجْملِهْم((1)) ، وهو یؤکّد بأن لا رسالة بلا ولایة ، بنص الآیة .

وعلیه فلا یمکن تعظیم الرسالة إلّا بتعظیم الولایة ، کما لا یتحقّق الغرض من النداء بالشهادة الثانیة إلّا بالنداء بالشهادة الثالثة ، کما أوضحت موثقة سنان بن طریف وغیرها ، وأنّ الله لا یکتفِ بالشهادة لنفسه حتی أردفها بالشهادة لرسوله ، ولم یکتف بالشهادة لرسوله حتی أردفها بالشهادة لولیه .

مفهماً - جلّ شانه - بأنّ الشهادة بالنبوّة لمحمّد لا تکفی إلّا إذا اتّبعوه واخذو عنه امور دینهم ، وهکذا الأمر بالنسبة إلی الشهادة بالولایة لعلیّ فهو لم یکن لغواً بل فیه اشارة إلی امتداد خلافة الله فی الأرض عبر أولاد علیّ المعصومین ووجود بقیة الله فی الارضین وهو الإمام الحجة المهدی المنتظر عجل الله فرجه بین ظهرانینا الیوم .

وعلیه فالشهادة لعلی یحمل مفهوماً إیمانیاً وفقهیاً .


1- مستند الشیعة 5 : 332 ، وسائل الشیعة 6 : 285 / ح 7981 .

ص:500

أمّا إیمانیاً وعقائدیاً فلا شک فی لزوم الاعتقاد بأنّه الوصی والخلیفة ، وأمّا عبادیاً وفقهیاً ، فقد ورد اسمه واسم الأئمة من ولده فی کثیر من الأمور العبادیة - کخطبة الجمعة - وهذا یدعونا لعدم الشک فی ان ذکر علی عبادة وخصوصاً بعد أن أضحت الولایة أهمّ من الصلاة والزکاة والحج ، وأنّ الأعمال لا تقبل إلّا بها ، وبعد أن أضحی تبلیغ الولایة والإعلان عنها خلال ساعة من نهار یعدل تبلیغ الرسالة برمّتها خلال ثلاث وعشرین سنة ، ولمناداة الملائکة بأمر من الله ب- « أشهد ان علیّاً ولی الله » .

فالمسلم لو أراد أن یشهد بالولایة مع أذانه لا علی أنّها جزءاً منه ، بل لعلمه بأنّها دعوة ربانیة ومحبوبة عند الشارع ، فقد أتی بعبادة ترضی الله ، لأنّ الله لم یکتف بالدعوة إلی ولایة علی فی السماوات حتی ألزم رسوله أن یبلغها فی ذلک الحر الشدید ، وهو یعنی أنّه یریدها شعاراً للمسلمین فی جمیع مجالات الحیاة إلّا أنّه لا یجوز إدخالها الماهویّ الجزئی فی الأذان، ولا الاستحباب الخاصّ - عند البعض - وذلک لعدم ورود النص الخاصّ فیها .

وبعبارة أخری : یمکن لحاظ الشعاریة فی کلّ مفاصل الدین الإسلامی ومفرداته شریطة عدم وجود دلیل واضح علی المنع من قبل الشارع ، ومع عدم الدلیل یکفی دلیل الجواز علی أقل التقادیر . أمّا فی خصوص الأذان فلیس لدینا دلیل شرعی یمنع من الإتیان بالشهادة الثالثة شعاریاً ، نعم التوقیفیة تمنع من إدخالها الماهوی والجزئی ، وأمّا الشعاری فیکفیه دلیل الجواز ، والندائیة فی السماوات ، وأخذ المیثاق علیها .

وقد تقدم ما رواه فرات الکوفی بسنده عن فاطمة الزهراء علیها السلام أنّها قالت : قال رسول الله صلی الله علیه و آله : لمّا عرج بی إلی السماء صرت إلی سدرة المنتهی ... ، فسمعت منادیاً ینادی : یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی ، اشهدو أنی لا إله إلّا أنا

ص:501

وحدی لا شریک لی ، قالوا : شهدنا وأقررنا .

قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی أنّ محمّداً عبدی ورسولی ، قالوا : شهدنا وأقررنا .

قال : اشهدوا یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی أنّ علیّاً ولیّی وولیّ رسولی ، وولی المؤمنین بعد رسولی ، قالوا : شهدنا وأقررنا((1)) .

فلو تأملنا قلیلاً فی هذا النص فإننا بین خیارین ؛ فإمّا أن نطرحه جانباً ونقول أنّه مجرد ذکر فضیلة لأمیر المؤمنین علی ، وإما أن نقول بأنّه لا یقتصر علی بیان الفضیلة فحسب ، بل یعنی الولایة للأئمة علی الأموال والأنفس ولزوم اتباع أقوالهم فقهاً واعتقاداً لمجیء کلمة « ولیّی وولی رسولیّ وولی المؤمنین بعد رسولی » .

وعلی الأول تأتی إشکالیة اللَّغویة ؛ إذ ما معنی أن ینادی الله - عزت أسماؤه - بنفسه ویقول : اشهدوا یا ملائکتی وسکّان سماواتی وأرضی وحملة عرشی أنّ علیاً ولیی ... ، ثم إجابة الملائکة : شهدنا وأقررنا ؟

فلو کان الأمر مجرّد ذکر فضیلة لاکتفی الله سبحانه بالقول : بأنّ علیاً ولیی فقط ، لکنّ نداء الله وإشهاد الملائکة بأنّ علیاً ولیه وولی رسوله وولی المؤمنین بعد رسوله یعنی شیئاً آخر غیر بیان الفضیلة ، وهو أنّ لعلی دوراً فی التشریع لاحقاً ، وأنّه امتداد لتوحید الله وسنة نبیّه ، کما هو الاخر یعنی أن الشعاریة لعلی محبوبة عند الله وإلّا لما امر بالاشهاد له ، إذ أنّ الإشهاد والإقرار والإظهار وما یماثلها تحمل مفاهیم أکثر من المحبوبیة ، بل حتّی لو قلنا بأنّها بیان للفضائل ، فبیان الفضائل بهذا النحو هو مقدمة للأخذ بأقوال هؤلاء المعصومین ، لأنّهم معالم الدین وأعلامه .

وعلیه فذکر الفضائل فیه طریقیة للانقیاد لهم ورفع ذکرهم ، لکن الأمة لم تعمل


1- تفسیر فرات : 343 ، 452 .

ص:502

بوصایا الرسول وانکرت مکانة أهل البیت الذین اقرهم الله فیها وقد عاتب الإمام علی علیه السلام الناس بقوله : أَلا وإنّکم قد نفضتم أیدیکم من حبل الطاعة ، وثلمتم حصن الله - المضروب علیکم - بأحکام الجاهلیة ، فإن الله سبحانه قد امتنَّ علی جماعة هذه الأمة فیما عقد بینهم من حبل هذه الأُلفة التی ینتقلون فی ظلها ، ویأوون إلی کنفها ، بنعمة لا یعرف أحد من المخلوقین لها قیمة ، لأنّها أرجح من کلّ ثمن ، وأجلّ من کلّ خطر ... إلی أن یقول : أَلاَ وقد قطعتم قید الإسلام وعطّلتم حدوده وأمتّم أحکامه ...((1))

وقال علی بن الحسین علیهما السلام : إلی من یفزع خلف هذه الأمة ، وقد درست أعلام الملّة ، ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف ، یکفّر بعضهم بعضاً .. فمن الموثوق به علی ابلاغ الحجّة ؟ وتأویل الحکمة ؟ إلّا أهل الکتاب وأبناء ائمة الهدی ، ومصابیح الدجی ، الذین احتجّ الله بهم علی عباده ، ولم یدع الخلق سدیً من غیر حجة .

هل تعرفونهم أو تجدونهم إلّا من فروع الشجرة المبارکة ، وبقایا الصفوة الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهیراً ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم فی الکتاب((2)) .

إذن لا یوجد طریق علمی وشرعی لقراءة مثل هذه النصوص إلّا القول بالشعاریة ، وهو المعنیُّ بالنداء والإشهاد والشعاریة ، إذ ما یعنی أمر الله بالمناداة لو لم یکن ما قلناه ، ولماذا یشهد بها الملائکة أمام الخلائق أجمعین ، لو لم تکن العلامة الوحیدة لمعرفة الله ورسوله ؟

l وعلی غرار الروایات الآنفة آیة البلاغ فی قوله سبحانه : { بَلِّغْ } والتی تنطوی


1- نهج البلاغة 2 : 154 - 156 / من خطبة له علیه السلام تسمی القاصعة .
2- کشف الغمة 2 : 310 ، الصحیفة السجادیة : 524 / الرقم 219 من دعاوه علیه السلام وندبته اذ تلا هذه الآیة : { یَا أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَکُونُواْ مَعَ الصَّادِقِینَ } .

ص:503

علی معنی الشعاریة کذلک ؛ إذ الملاحظ أنّ القرآن قد وصف وظیفة النبی صلی الله علیه و آله بالبیان والتبیین کما فی قوله تعالی : { لِتُبَیِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَیْهُمْ } ، لکن لمّا وصلت النوبة إلی إعلان ولایة علی علیه السلام قال سبحانه وتعالی { بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِن رَّبِّکَ وإِنّ لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ }((1)) ، ولم یقل بیّن . ولا یخفی علیک بأن معنی الشعاریة منطویة فی کلمة { بَلِّغْ } اکثر وأعمق من لفظة : { لِتُبَیِّنَ } ، إذ البیان للعقیدة والتشریع قد فعله النبی صلی الله علیه و آله للناس ونشره للأمّة علی أحسن وجه ، ولم یبق إلّا التأکید علی المعنی المطوی فی لفظ { بَلِّغْ } وهو إعلانه أنّ علیاً ولیّ الله وولیّ رسوله ، وأنّه الشعار والنور الذی تهتدی به الأمّة من خلاله .

l ولندعم الشعاریة بدلیل آخر من القرآن ، وهو فی سورة المائدة - بعد أن ذکر الکافرین وأهل الکتاب - مخاطباً المؤمنین بقوله : { إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ ءَامَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَةَ ویُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ * وَمَن یَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَا لَّذِینَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ * یَا أَیُّهَا الَّذِینَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِینَ اتَّخَذُواْ دِینَکُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِینَ أُوتُواْ الْکِتَابَ مِن قَبْلِکُمْ وَا لْکُفَّارَ أَوْلِیَآءَ وَا تَّقُواْ اللهَ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ * وإِذَا نَادَیْتُمْ إِلَی الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً ولَعِباً ذَلِکَ بأنّهمْ قَوْمٌ لاَّ یَعْقِلُونَ }((2)) .

فالآیة الأُولی نزلت فی الإمام علیّ حین تصدّق بخاتمه وهو راکع ، وهی ترشدنا إلی الترابط بین الشهادات الثلاث فی الولایة الإلهیة ، ومن أراد التأکد من کلامنا فلیراجع کتب التفاسیر فی ذیل الآیة الآنفة((3)) .


1- المائدة : 67 .
2- المائدة : 55 ، 56 ، 57 ، 58 .
3- الکشاف 1 : 681 ، تفسیر البغوی 2 : 47 ، تفسیر الطبری 6 : 287 ، تفسیر السمرقندی 1 : 424 ، تفسیر السمعانی 2 : 47 ، تفسیر القرطبی 6 : 221 ، التسهیل لعلوم التنزیل 1 : 181 ، زاد المسیر 2 : 382 - 383 ، الدر المنثور 3 : 104 ، واخرجه الخطیب فی المتفق عن ابن عباس .

ص:504

أمّا الآیة الثانیة فهی تعنی لزوم موالاة الله ورسوله والذین آمنوا ، أی أنّ الآیة الأُولی جاءت للإخبار بأنّ الولایة إنما هی لله ولرسوله وللذین آمنوا ، ثمّ اتت بمصداق للذین آمنوا - وهو الإمام علی - وفی الآیة الثانیة أکّد سبحانه علی لزوم موالاة الله ورسوله والذین آمنوا ، مخبراً بأنّ من تولی هذه الولایات الثلاث معاً فهو من حزب الله { ألا انَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

فقد جاء عن الإمام علی علیه السلام أنّه قال : قال لی رسول الله : یا علی أنت وصیّی ، وخلیفتی ، ووزیری ، ووارثی ، وأبو ولدی ، شیعتک شیعتی ، وأنصارک أنصاری ، وأولیاؤک أولیائی ، وأعداؤکَ أعدائی ... قولک قولی ، وأمرک أمری ، وطاعتک طاعتی ، وزجرک زجری ، ونهیک نهی ، ومعصیتک معصیتی ، وحزبک حزبی ، وحزبی حزب الله { وَمَن یَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَا لَّذِینَ ءَامَنُوا فَإِنَ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }((1)) .

ومن خطبة للإمام الحسن علیه السلام أیام خلافته : نحن حزب الله الغالبون ، وعترة رسوله الأقربون ، وأهل بیته الطیبون الطاهرون ، وأحد الثقلین الذین خلفهما رسول الله ...((2)) ، وجاء قریب منه عن الإمام الحسین علیه السلام ((3)) . وقد سئل زید بن علی بن الحسین عن قول رسول الله صلی الله علیه و آله : من کنت مولاه فعلی مولاه ، قال : نصبه علماً لیعلم به حزب الله عند الفُرْقة((4)) .

وعلیه فالله - سبحانه وتعالی - بعد ان ذکّر المؤمنین - فی الآیتین الأولی والثانیة - بأن


1- الأمالی للشیخ الصدوق : 410 / المجلس 53 ، بشارة المصطفی : 97 ، بحار الأنوار 39 : 93 ، 40 : 53 ، ینابیع المودة 1 : 370 / الباب 41 .
2- الأمالی للمفید : 348 - 350 ، مروج الذهب 2 : 431 ، جمهرة خطب العرب 2 : 17 ، الأمالی للشیخ الطوسی : 121 - 122 ، 691 - 692 ، بحار الأنوار 43 : 359 .
3- مناقب آل أبی طالب 3 : 223 ، الاحتجاج 2 : 22 ، وسائل الشیعة 27 : 195 .
4- الأمالی للصدوق : 186 / ح 192 . المجلس 26 .

ص:505

الولایة لله ولرسوله وللذین آمنوا جاء فی الآیة الثالثة لیحذّرهم بأن لا یتخذوا الکفّار وأهل الکتاب أولیاء ، لأنّهم اتخذوا دین الله هزواً ولعبا أی أنّه جلّ وعلا لحظ الولاء والبراءة معاً.

ومن الطریف أن تری ذکر الأذان یأتی فی القرآن بعد الآیتین السابقتین - أی بعد ذکر التولّی والتبری - موکداً سبحانه بأنّ الکفار وأهل الکتاب اتّخذوا هذه الشعیرة هزواً ولعباً ، فعن ابن عباس : إنّ الذین اتّخذوا الأذان هزوا : المنافقون والکفّار((1)) ، وقیل : الیهود والنصاری((2)) .

وفی مسند أحمد : قال أبو محذورة : خرجت فی عشرة فتیان مع النبی ، وهو ] یعنی النبی [ ابغض الناس إلینا ، فأذّنوا فقمنا نؤذن نستهزی بهم ، فقال النبی : ائتونی بهؤلاء الفتیان ، فقال : أذنوا ، فأذنوا ، فکنت أحدهم ، فقال النبی : نعم ، هذا الذی سمعت صوته اذهب فأذّن لأهل مکة ...((3)) .

قال ابن حبان : قدم النبی صلی الله علیه و آله مکة یوم الفتح فراه ] أی ابا محذورة [یلعب مع الصبیان یؤذن ویقیم ویسخر بالإسلام ...((4)) .

وفی سنن الدار قطنی عن أبی محذورة ، قال : لمّا خرج النبی إلی حنین خرجتُ عاشر عشرة من أهل مکة أطلبهم ، قال : فسمعناهم یؤذّنون للصلاة فقمنا نؤذن نستهزئُ بهم ، فقال النبی : لقد سمعت فی هؤلاء تأذین إنسان حسن الصوت ، فأرسل إلینا فأذنا رجلاً ...((5))


1- الدر المنثور 4 : 256 ، والکشاف 1 : 683 ، المحرر الوجیز 2 : 209 ، تفسیر الطبری 6 : 289 .
2- التفسیر الکبیر 12 : 28 ، الدر المنثور 3 : 107 .
3- مسند أحمد 3 : 408 / ح 1513 ، ومثله فی سنن الدارقطنی 1 : 235 / ح 4 ، والسیل الجرار 1 : 199 .
4- مشاهیر علماء الأمصار لابن حبان : 31 .
5- سنن الدارقطنی 1 : 234 / باب فی ذکر الأذان / ح 3 .

ص:506

ولا یخفی علیک بأن الأذان المحرّف هو الذی فیهما « الصلاة خیر من النوم » والترجیع ، وهما مما رواه أبو محذورة ((1))، ومنه وقع الاختلاف بین المسلمین فی هذین الأمرین ؛ هل أنّهما سنة أم لا .

بلی ان القوم قد حرفوا خبر المعراج المرتبط بالأذان - کما فی روایة عمرو بن أذینه - وجعلوا اسم أبا بکر الصدّیق علی ساق العرش بدل « علی أمیر المؤمنین » . ولو أردنا استقراءه هذه الموارد لصار مجلداً ، مکتفین بما مر وما جاء فی کتب القوم أنّهم جعلوا ابن أمّ مکتوم الأعمی یؤذن لصلاة الفجر ، وبلالاً یؤذّن الأذان الأوّل - أی قبل الفجر - کل ذلک لأنّ بلالاً لم یصح عنه أنّه قال فی صلاة الصبح : « الصلاة خیر من النوم » .

قال أبو محذورة : کنت أنا وسمرة وأبو هریرة فی بیت ، فجاء النبی فأخذ بعضادتی الباب ، فقال : آخرکم موتاً فی النار ، قال أوس بن خالد : فمات أبو هریرة ثم مات سمرة((2)) ، وقیل بأن أبا محذورة کان آخر الثلاثة موتاً .

هذا بعض ما یمکن أن یستدل به علی الشعاریة ، نترک باقی الکلام عنه إلی البحوث الکلامیة المطروحة فی کتب أعلامنا ، ولنأتِ إلی بیان التخریج الفقهی للشعاریة فی خصوص الأذان ، معتذرین سلفاً مما نقوله فی بیان وجهة نظر الفقهاء ، لأنّه لم یبحث بالشکل المطلوب فی مصنّفاتهم ، وأنّ ما نقوم به هو فهمناه لفحوی کلامهم قدس الله اسرارهم ، وهی محاولة بسیطة منا فی هذا السیاق نأمل تطویرها وتشییدها من قبل الفضلاء والأساتذة .


1- وقد أشرنا إلی هذا الأمر فی کتابنا « الصلاة خیر من النوم شرعة أم بدعة ».
2- مسند ابن أبی شیبة 2 : 329 ، جزء اشیب : 58 ، شرح مشکل الاثار 14 : 485 ، 487 ، 488 .

ص:507

التخریج الفقهی للشّعاریّة

اشارة

لقد تقدم بین ثنایا الکتاب بعض الأدلّة علی جواز الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان من دون اعتقاد الجزئیة ، أبرزها الدلیل الکنائی ودلیل الاقتران . وفی هذا الفصل نرید البحث فی التخریج الفقهی الذی أفتی علی أساسه أکثر الفقهاء بجواز أو استحباب الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان .

فقد یقول القائل : إنّ الشهادة بالولایة من الله سبحانه تعالی یوم المیثاق ، ومروراً بالملائکة ، وانتهاءً ببنی آدم فی عالم الذر ... ، لا ینهض لجواز الفتوی بدخول الشهادة الثالثة فی الأذان ؛ فما هو التخریج الفقهی إذن ؟

هناک ثلاثة أو أربعة تخاریج یمکن للفقیه أن یستند إلیها للإفتاء بجواز أو استحباب الشهادة الثالثة فی الأذان بالخصوص .

التخریج الأول : أصالة الجواز

ومجری هذا الاصل لو شک المکلف فی الحکم هل هو الجواز أم المنع ، فمقتضی الاصل جواز الفعل فی مورد فقدان الدلیل علی حرمته ، وفیما نحن فیه لم یقم دلیل معتبر علی حرمة الشهادة الثالثة بدون قصد الجزئیة ، فیکون مجری اصالة الجواز .

وقد یرد هنا سؤال وهو : لا یمکنکم التعبد باصالة الجواز هنا وذلک لخلو الروایات البیانیة الواردة عن المعصومین من وجود الشهادة بالولایة لعلی فیها ، فکیف تجیزونها فی الأذان ؟

الجواب : هذا صحیح فی الجملة وهو تام لو کان ذکرنا للشهادة الثالثة فی الأذان ذکراً جزئیّاً وماهویّاً ، لکن إذا کان إتیاننا لها شعاریاً فالأمر مختلف تماماً .

توضیح ذلک : أنّ « أشهد أن علیّاً ولی الله » لیست من فصول الأذان ولا من أجزائه ولا من مقوّمات ماهیته المتوقّفة علی نص الشارع ، غایة ما فی الأمر أنّا نأتی

ص:508

بها علی أنّها شعار للحقِّ ، وعَلَمُ للإیمان الکامل الصحیح ، وترجمة للنبوة والتوحید کما هو مفاد النصوص المارّة .

وحیث لا یوجد دلیل شرعی یمنعنا من الإتیان بالشهادة الثالثة فی الأذان من باب الشعاریة جاز فعله ، لأنّ دلیل التوقیفیة لا یمنع إلّا الإدخال الماهویّ الجزئیّ فی الأذان ، وعلیه فلا مانع من الإتیان بها شعاریاً بمعونة أصالة الجواز .

وهذه هی الشریعة بین أیدینا لیس فیها ما یمنع من الإتیان بها شعاریاً ، بل إنّ الإمام علیه السلام - کما فی حسنة ابن أبی عمیر المتقدّمة - أمرنا بالدعاء إلیها والحثّ علیها بحی علی خیر العمل ، لأنّ الذی أمر بحذفها - أی عمر - أراد أن لا یکون حَثٌّ علیها ودعاء إلیها ، ومقتضی الإطلاق فی الدعوة إلیها هو جوازها فی الأذان وفی غیره جوازاً شعاریاً ، أما الدخول الماهویّ فلا یجوز لمانع التوقیفیة کما اتضح .

وهناک نصوص شرعیة أخری أکّدت علی محبوبیّة النداء بالولایة کما جاء صریحاً فی کلام الإمام الباقر علیه السلام بقوله : « ما نودی بشیء مثل ما نودی بالولایة » ولا ریب فی أنّ مقتضی الاطلاق فی قوله علیه السلام : « ما نودی » یصحّح ذکره فی الأذان وفی غیره شعاریاً .

لکن قد یقال بأنّ هذا التخریج یوصل للقول بجواز ذکر الشهادة الثالثة فی الأذان لا استحبابه ، فما هو مستند فتاوی أمثال السیّد الخوئی قدس الله أسرارهم بالاستحباب إذن ؟

قلنا : المستند هو أنّ الدلیل مرکّب من أمرین :

الأول : هو أنّ نفس جواز الذکر تم بمعونة أصالة الجواز بعد فقدان المانع ، والمسألة بناء علی ذلک من صغریات الشک فی التکلیف ؛ فهی مجری لأصالة الجواز بلا شبهة .

والأمر الثانی : إنّ الشهادة بالولایة مستحبّة نفسیّاً ومطلوبة ذاتیاً .

ص:509

ومن مجموع الأمرین أمکن القول باستحبابها فی الأذان عند امثال السیّد الخوئی قدس سره ؛ لاستحبابها النفسی ؛ غایة ما فی الأمر هو أنّ ذکرها فی الأذان یحتاج إلی دلیل ، وأصالة الجواز تجیز ذکرها بحسب البیان المتقدم . فإذا نهض دلیل الجواز لإتیان ما هو مستحب فی عبادة ما ، أمکن الفتوی بالاستحباب فیه کذلک ، مع الالتفات إلی أنّ الاستحباب هنا هو الاستحباب الشعاری دون التکلیفی الخاصّ کاستحباب القنوت فی الصلاة ؛ فالثانی یحتاج إلی دلیل خاصّ وهو مفقود ، أمّا الأول فأدلته هی المارة من قبیل : « ما نودی بشیء مثل ما نودی بالولایة » وغیرها من النصوص الصحیحة التی سردنا بعضها فی هذا الفصل .

ولابد هنا من الإشارة إلی نقطة مهمّة أخری ، وهی : هل أنّ الإتیان بالذکر الشعاری للشهادة الثالثة فی العبادات الأخری غیر الأذان یکفیه الاستدلال المتقدم . کأنْ ندخل جملة « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » فی الصلاة الواجبة ، بین آیات الفاتحة أثناء القراءة للصلاة - أکثر من مرة - فهل تسوّغ أصالة الجواز مثل هذا الذکر الشعاری ؟

الجواب : لا یسوغ ذلک علی الأشبه فی مثل المثال الآنف ؛ لانعدام هیئة الصلاة ، ومحو صورتها حینئذ ، وهذا مانع قویّ من التمسک بأصالة الجواز فی هذا الفرض ، ولا یقاس هذا بالذکر الشعاری فی الأذان ؛ إذ المسلمون جلّهم أو کلّهم - مَنْ منع الشهادة الثالثة ومن لم یمنع - سواء کانوا من السنة أم من الشیعة ، لم یروا أنّ الذکر الشعاری یمحو صورة الأذان ، أمّا السنّة فواضح ؛ إذ أنّ جمهورهم لم یقل بمحو صورة الأذان حتی مع إدخال جزء بدعی فیها وهو « الصلاة خیر من النوم » .

وأمّا الشیعة فمشهورهم الأعظم لا یری فی الذکر الشعاری مَحْواً لصورة الأذان الشرعیة کما تری ذلک واضحاً فی سیرة الفقهاء ، وقد تقدمت کلماتهم فی ذلک .

ص:510

نعم یمکن افتراض محو صورة الأذان الشرعی لو کان ادخال الشهادة الثالثة فی الأذان ماهویّاً ، لکنّا وفاقاً للمشهور لا نأتی بها علی أنها جزء داخل فی الأذان بل ناتی به علی أنّه کلام خارج یذکر مع الأذان تحت عنوان الشعاریة دفعاً لاتهامات المتهمین ورفعة لشأن أمیر المؤمنین .

والحاصل : فالذکر الشعاری دون الماهوی للشهادة الثالثة فی خصوص الأذان لا مانع منه ، ودلیل التوقیفیة یمنع من الإدخال الماهوی فیه فقط ؛ ولا دلیل علی منع الذکر الشعاری فی خصوص الأذان لا عند السنة ولا عند الشیعة ، وبالتالی أمکن للسیّد الخوئی وأمثاله من الأعاظم الفتوی باستحبابها الشعاری ؛ للجزم باستحبابها النفسی ورجحانها الذاتی بمعونة اصالة الجواز علی ما اتّضح .

التخریج الثانی : تنقیح المناط

لا ریب - بالنظر للأخبار الصحیحة بل المتواترة التی أوردنا بعضها فی هذا الفصل - فی وجود تلازم غیر منفک بین الشهادات الثلاث 1 - الشهادة بالتوحید 2 - والشهادة بالرسالة 3 - والشهادة بالولایة .

فالتوحید مفهوما غیر الرسالة ، والرسالة غیر الولایة ؛ لکن یبدو من خلال النصوص الصحیحة أنّه لا توجد مصداقیة للایمان بالتوحید من دون رسالة سیّد الخلق محمّد صلی الله علیه و آله ، کما لا یمکن تصوّر وجود مصداقیة للایمان بالرسالة المحمّدیة من دون ولایة أمیر المؤمنین علی ، وخبر الغدیر المتواتر خیر شاهد علی ذلک وکذلک آیة الولایة وغیرها .

وهنا نتساءل : کیف یمکن تحقیق المصداقیة الخارجیة لولایة علی علیه السلام ؟

أعلنت النصوص الشرعیة بأنّه لا یمکن تحقیق هذه المصداقیة عملاً وإیماناً إلّا من خلال الشعاریة ؛ لأنّه السبیل الوحید لتوفیر المصداقیة الخارجیة للایمان بولایة

ص:511

أمیر المؤمنین علی علیه السلام . وإذا تمّ ما قلناه تحقّق الغرض الإلهیّ من التلازم غیر المنفکّ بین الشهادات الثلاث .

نعم ، لقد تقدمت بعض الأدلّة الصحیحة علی هذا المقدار من ضرورة التلازم بین الشهادات الثلاث : التوحید ، النبوة ، الولایة ، لکن کیف یمکن جعلها شعاراً ، بناء علی التلازم غیر المنفک ؟ وبالتالی کیف تتحقق لها مصداقیة خارجیة ؟!

فالإشهاد الثلاثی اذن ینطوی علی ملاک إلهی عظیم ، وغرض ربّانی کبیر ، کما هو ملاحظ فی کتب الادعیة ، وإلّا لا معنی لأن یعلن الله بنفسه تقدّست أسماؤه الشهادة الثالثة بعد الشهادتین لولا تعلق ارادته سبحانه وتعالی استمرار الاستخلاف فی الأرض بولایة علی علیه السلام .

وما ینبغی أن نتساءل عنه هنا هو القول بوجود ملاک تشریعها فی الأذان ؛ إذ ما دخل اعلان الله سبحانه وتعالی للشهادة الثالثة فی ذلک العالم ؛ الذی لیس هو بعالم تکلیف وتشریع وأحکام ... ، ومقایسته بعالمنا عالم التکلیف ؟

فقد یقال بأنّ هذا من القیاس الباطل الذی لا یغنی من الحق شیئاً ؟

لکن یجاب عنه أنّ هذا وان کان صحیحاً ، لکنّ العبرة لیست بمجرد شهادة الله سبحانه وتعالی بالولایة فیما هو خارج عن عالم التکلیف حتی نقول ببطلان القیاس وبعدم وجود الملاک فی عالم التکلیف بناء علی ذلک ..

إذ العبرة کل العبرة بالنصوص الشرعیة المعتبرة الصادرة فی عالم التکلیف ؛ بمعنی أنّ الإمام الصادق أخبرنا فی عالمنا هذا - عالم التکلیف - أنّ الله شهد لعلی بالولایة یوم المیثاق العظیم ..

وهنا نتساءل لماذا یخبرنا الإمام بذلک وما یعنی اخباره هذا ؟ لا جواب إلّا أن نعتقد بوجود ملاکاً عظیماً فیما فعله الله سبحانه وتعالی حتی فی عالم التکلیف ، وإلاّ

ص:512

لا معنی لأن یخبرنا الإمام والنبی والقرآن فی الروایات المتواترة والآیات الواضحة وفی حسنة بن أبی عمیر بذلک ، لولا أنّ فی المجموع ملاکاً له مدخلیة فی کثیر من التشریعات ولو فی الجملة !!

ولا یقال : بأنّ غایة اخبار الإمام والنبی والقرآن هو بیان فضیلة أمیر المؤمنین علی فقط ؟

فلقد قلنا سابقاً أنّ هذا لا یصار إلیه لاستلزام اللغویة ؛ فلو کان المقصود هو هذا لاکتفی المعصوم بالقول : أنّ علیّاً أمیر المؤمنین فقط ، ولا حاجة به لان یفصل الکلام ویخبر عن ملابسات ذلک الیوم وغیر ذلک مما هو لغو فی ظاهره ، وکلام المعصوم منزّه عن ذلک .

وزبدة القول : هو أنّ فی شهادة الله سبحانه وتعالی بالولایة ملاکاً عظیماً ، وهذا الملاک تراه ملحوظاً فی کلام الإمام فی عالم التکلیف ، وإلاّ لما أخبر به المعصوم فی أکثر من مناسبة ، ویکفی مثل هذا الملاک للقول بجواز ذکر الشهادة فی الأذان شعاریاً .

إذ قد أجمع فقهاء الأمّة علی إمکانیة الفتوی فیما لا نصّ فیه بعد إحراز الملاک إحرازاً معتبراً یسوغ التعبد به ، ولا ریب بالنظر للروایة الآنفة وغیرها من الروایات والآیات من وجود هذا الملاک وإلّا کان الإشهاد الإلهی یوم المیثاق لغواً ، ولا یلتزم به مسلم .

لکن سؤالنا : هل یکفی مثل هذا الملاک لإدخالها الماهویّ والجزئی فی الأذان ، أم ما یدل علیه إنّما هو الشعاریّة لا غیر ؟

شذّ البعض وقال بالجزئیة بناء علی تلک النصوص وغیرها ، وهو مشکل بنظرنا ؛ إذ الصحیحة الآنفة وخبر الغدیر وأمثالها یکشف عن ملاک الشعاریّة فقط ولا یکشف عن ملاک القول بالجزئیة .

وبعبارة اُخری : إنّ قوله : « ما نودی بشیء مثل ما نودی بالولایة » یکشف عن شرعیة شعار یة النداء بالولایة ، وهو القدر المتیقّن منه ، ولا یکشف عن شرعیة

ص:513

جزئیتها إلّا من باب الظن الذی لا یغنی من الحق شیئاً ، هذا علاوة علی أنّ دلیل التوقیفیة مانع من القول بالجزئیة حسبما تقدّم .

وعلیه فکل ما فی تلک النصوص یدلنا علی إمکان اتخذها شعاراً عملیاً فی الخارج ولیس اعتقاداً نظریاً فی القلب فقط ، أی أن للشهادة بالولایة فی الجملة ملاکاً قطعیاً للقول بأنّها من الاحکام العبادیة بشرط عدم المانع ولیست من أحکامه الإیمانیة فقط .

والذی یدعونا لهذا القول علاوة علی الملاک القطعی فی الشعاریة وأنّ ولایة علی من أعظم شعائر الله بل أعظم شعائر الله علی الاطلاق من بعد الرسالة - بشهادة آیة البلاغ - هو ضرورة توفیر المصداقیة الخارجیة لها فی الأذان وفی غیره ، وهذا هو ما یریده الله سبحانه وتعالی من الإشهاد بها بعد الشهادتین یوم المیثاق العظیم ، وإلاّ لا معنی لان یخبرنا المعصوم بما لا دخل له بعالم التکلیف کما عرفت .

وبعبارة ثالثة :

نحن نعلم بأن المنظومة المعرفیة الالهیة مترابطة کمال الارتباط ، إذ شاهدت التلازم بین الشهادات الثلاث فی القرآن الکریم وسنة سید المرسلین ، والآن لنطبق ما نرید قوله فی شعیرة الأذان .

فالأذان وحسبما وضحناه سابقاً((1)) لم یکن إعلاماً لوقت الصلاة فحسب ، بل هو بیان لکلیات الإسلام وأُصول العقیدة والعقائد الحقة من التوحید والنبوة والإمامة - بنظر الإمامیة - فلو کان الأذان إعلاماً لوقت الصلاة فقط لاکتفی الشارع بتشریع علامة لأداء هذا الفرض الإلهی ، کما هو المشاهد فی الناقوس عند النصاری ، والشبّور عند الیهود ، وإشعال النار عند المجوس .

فی حین أنّا لا نری أمثال هذه العلائم فی هذه الشعیرة ، بل نری الإسلام اسمی من کل ذلک فهو یشیر فی إعلامه إلی کلیّات الشریعة وأصول الدین الأساسیة قولاً


1- فی کتابنا « حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة » : 149 .

ص:514

وعملاً ، وهذا ما لا نشاهده عند الأدیان الأخری ، فهو الدین السماوی الوحید الذی یلخّص أصول عقیدته کلّ یوم عدة مرات - فی هذه الشعیرة - لتکون تذکرة لمتّبعیه ، وإعلاماً للآخرین بأصول هذا الدین .

فالأذان إذن یحمل فی طیّاته معانی سامیة ، وله آثار کثیرة فی الحیاة الاجتماعیة غیر الإعلام بوقت الصلاة ، کالتأذین فی أُذن الصبی عند ولادته ، ولإِبعاد المرض عن المبتلین ، ولطرد الجنّ ، ولرفع عسر الولادة والسقم ، ولسعة الرزق ، ولرفع وجع الراس ، وسوء الخلق ، ولمشایعة المسافر .. إلی غیرها من عشرات المسائل التی ورد فیها نصّ خاص بالتأذین فیها .

وبما أنّ تشریع الأذان سماویّ ولیس بمنامیٍّ - حسبما فصلناه سابقاً - ((1)) وأنّه لیس إعلاماً لوقت الصلاة فقط ، فلابدّ أن یحمل بین فقراته معانی سامیة واُصولاً سماو یة لا یرقی إلیها شکٌّ قد أقرّها النبی وأهل بیته والقرآن ، ولأجل ذلک تری منظومة العقائد الإلهیّة مترابطة فی الأذان ترابطاً وثیقاً فی المفاهیم والأعداد .

وکذا بین فصوله تری تصویراً بلاغیاً رائعاً ، فالمؤذّن بعد أن یشهد لله بالوحدانیة مرتین : « أشهد أن لا إله إلّا الله ، أشهد أن لا إله إلّا الله » تقابلها الدعوة له بالصلاة لربه مرتین : « حی علی الصلاة ، حی علی الصلاة » معلماً الشارع المکلّف فی الفقرة الثانیة بأن الشهادة لله لا تکفی إلّا من خلال عبادته وطاعته ، لأنّ الصلاة لا تؤدَّی إلّا لله .

وانّ اللفّ والنشر الملحوظ بین الشهادة الأولی والصلاة لله یعلمنا بأنّ الله هو الأول والآخر فی کل شیء ، تشریعاً وتکو یناً ، لأنّ بدء الأذان بکلمة « الله » وختمه بکلمة « الله » لیؤکّد بأنّ کل الأمور مرجعها إلی الله ، وأنّ کل ما أُعطی


1- فی کتابنا « حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة » : 59 وما بعده .

ص:515

لرسوله محمّد أو لغیره إنّما هو من عنده جل وعلا .

وبعد الإقرار بالوحدانیة لله یأتی دور الشهادة لرسوله الأمین مرتین : « أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، أشهد أنّ محمّداً رسول الله » وقبال هذه الشهادة توجد حیعلتان « حی علی الفلاح ، حی علی الفلاح » والتی تدعو إلی لزوم اتّباع الرسول .

ومن المعلوم أنّ الفلاح اسم جنس یشمل الصلاة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ، وطاعة الله ، وطاعة رسوله ، بل إنّ کل ما أتی به الرسول هو الفلاح وفیه الفوز والنجاح .

لأنّ رسول الله بَدَأَ دعوته بقوله : « قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا » فربط بذلک الشهادة بالتوحید بالشهادة بالنبوّة والرسالة ، ثمّ جاءت النصوص الواحدة تلو الأُخری معلنة بأن ما أتی به الرسول هو الفلاح کما فی قوله تعالی : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَکَّی }((1)) ، و{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤمِنُونَ * الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ }((2)) ، و{ إِنَّمَا کَانَ قَوْلُ الْمُؤْمِنِینَ إِذَا دُعُواْ إِلَی اللهِ وَرَسُولِهِ لِیَحْکُمَ بَیْنَهُمْ أَن یَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَ طَعْنَا وَأُ وْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }((3)) ، و{ وَا لَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِکَ وَبِالأَخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ * أُوْلَئِکَ عَلَی هُدًی مِن رَّبِّهِمْ وَأُ وْلَئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }((4)) وقوله تعالی { الِّذینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِیَّ الأُمِّیَّ الَّذِی یَجِدُونَهُ مَکْتُوباً عِنَدَهُمْ فِی التَّوْرَاةِ وَالإِنجِیلِ یَأْ مُرُهُم بِأْ لْمَعْرُوفِ ویَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنکَرِ ویُحِلُّ لَهُمُ الطَّیِّبَاتِ ویُحَرِّمُ عَلَیْهِمْ الخَبَائِثَ ویَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ فَآ لَّذِینَ ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَا تَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِی أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِکَ


1- الاعلی : 14 .
2- المؤمنون : 2 .
3- النور : 51 .
4- البقرة : 4 ، 5 .

ص:516

هُمُ الْمُفْلِحونَ }((1)) إلی غیرها من عشرات الآیات .

وعلیه فالفلاح هو کُلُّ ما جاء به الرسول من فرائض أو سنن ، وبذلک یکون معنی الحیعلة الثانیة فی الواقع ، هو : هلمّوا إلی اتّباع الرسول وعدم الأخذ عن غیره .

ففی معانی الأخبار عن أبی عبدالله علیه السلام ، قال : لما أُسری برسول الله وحضرت الصلاة فاذن جبرئیل علیه السلام ، فلمّا قال : الله اکبر ، الله أکبر ، قالت الملائکة : الله اکبر ، الله اکبر ، فلمّا قال : أشهد أن لا إله إلّا الله ، قالت الملائکة : خلع الأنداد ، فلما قال : أشهد أنّ محمّداً رسول الله ، قالت الملائکة : نبی بُعِث ، فلما قال : حی علی الصلاة ، قالت الملائکة : حثّ علی عبادة ربه ، فلما قال حی علی الفلاح قالت الملائکة : قد أفلح من اتّبعه((2)) .

وفی التوحید عن الإمام الحسین علیه السلام عن أبیه الإمام علی علیه السلام فی تفسیر فصول الأذان : ( حی علی الفلاح ) فانه یقول : سابقوا إلی ما دَعَوْتُکُم إلیه وإلی جزیل الکرامة وعظیم المنة وسَنِیِّ النعمة والفوز العظیم ونعیم الأبد فی جوار محمّد فی مقعد صدق عند ملیک مقتدر((3)) .

وفی الکافی عن علی بن إبراهیم ، بإسناده عن أبی عبدالله علیه السلام فی معنی قوله تعالی { وَا تَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِی أُنزِلَ مَعَهُ } - والذی مر قبل قلیل - قال : النور فی هذا الموضع علیٌّ أمیر المؤمنین والأئمة علیهم السلام ((4)) .

وفی علل الشرائع عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال لعمر بن أُذینة : ما تری هذه الناصبة فی اذانهم - إلی أن یقول - فقال جبرئیل : حی علی الصلاة ، حی علی


1- الأعراف : 157 .
2- معانی الاخبار : 387 / باب معنی نوادر المعانی / ح 21 .
3- التوحید : 238 - 241 / الباب 34 / ح 1 .
4- الکافی 1 : 194 / باب ان الأئمة علیهم السلام نور الله / ح 2 .

ص:517

الصلاة ، حی علی الفلاح ، حی علی الفلاح ، فقالت الملائکة : صوتین مقرونین ، بمحمّد تقوم الصلاة وبعلی الفلاح ، فقال جبرئیل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، فقالت الملائکة : هی لشیعته أقاموها إلی یوم القیامة((1)) .

هذا وممّا یجب الإشارة إلیه بأنّ الشیعة أیّام رسول الله والأئمّة کانوا یُعرَفُون بکثرة صلاتهم ، وأنّ القوم کانوا یتعرّفون علیهم من خلال الصلاة ، وعن جابر الجعفی ، عن أبی جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال : ... وما کانوا یعرفون یا جابر إلّا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وکثرة ذکر الله والصوم والصلاة والبر بالوالدین والتعهّد للجیران من الفقراء ...((2)) .

وبهذا فقد اتّضح لنا معنی الحیعلتین الأُولیین ، فالحیعلة الأُولی فیها إشارة إلی طاعة الله ، والحیعلة الثانیة إشارة إلی لزوم اتّباع سنة رسوله ، فما معنی الحیعلة الثالثة إذن ؟

مرّ علیک سابقاً ما جاء عن الأئمة : الباقر والصادق والکاظم بأنّ معناها الولایة ، وأنَّ هناک ارتباطاً وثیقاً بین القول بإمامة الإمام علی والقول بشرعیة الحیعلة الثالثة ، وبین رفض إمامة أمیر المؤمنین والقول برفع الحیعلة ، بل هناک ترابط بین حذف الحیعلة ووضع « الصلاة خیر من النوم » مکانه ، فالذی یقول بشرعیة « الصلاة خیر من النوم » لا یرتضی القول بالحیعلة الثالثة ، والعکس بالعکس .

وعلیه فالمنظومة المعرفیّة فی الأذان مترابطة کمال الارتباط ، وإنّ بَتْرَ حلقة منها یخلّ بأصل المنظومة ، وذلک للارتباط الوثیق بین الشهادات الثلاث { أَطِیعُواْ اللهَ


1- علل الشرائع 2 : 312 - 315 .
2- صفات الشیعة ، للصدوق : 12 ، والکافی 2 : 74 / باب الطاعة والتقوی / ح 3 .

ص:518

وَأَطِیعُواْ الرَّسُولَ وَأُ وْلِی الأَمْرِ مِنکُمْ }((1)) ، و{ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَیْء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِی الْقُرْبَی }((2)) ، و{ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَیَرَی اللهُ عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ والْمُؤمِنُونَ }((3)) .

نعم ، إنّ المشرع فیما هو محتمل - ولظروف التقیة - اکتفی بالبیان الکنائی للولایة فی الحیعلة الثالثة مع الإشارة إلی وجود الأهلیّة والملاک لتشریعها کشهادة ثالثة وان لم تشرّع علی أنّها جزء بعد الشهادتین رحمة للعالمین . أو قل : شرعت فی اللوح المحفوظ ولم تصلنا لأی سبب کان ؛ التقیة أو غیرها .

ومن هذا المجموع المنظّم نصل إلی أنّ أصول الإسلام بکامله متجسدة فی الأذان ، وإنّ تکرار الحیعلات توحی لنا بأنّ المراد من الأذان هو بیان کلّیات العقیدة ، إذ النظرة البدویة الأولیّة تنبئُ عن أنّها دعوة للصلاة ، ولکن بما بیّنّاه عرفنا أنّ الأمر أسمی من ذلک بکثیر ، وهو إشارة إلی الأصول الأساسیة فی الشریعة من التوحید والنبوة والإمامة - بنظر الإمامیة - ومن هنا تعرف معنی قول المعصوم : « إلی ها هنا التوحید » .

إذن فی الأذان معانی ومفاهیم کثیرة سامیة تَلْحَظ بین أجزائها ارتباطاً فکریاً عقائدیاً منسجماً یتکون من مجموع الشهادات الثلاث ، أما الشهادتان الاولی والثانیة فلا کلام فیهما ، وأما الشهادة الثالثة ، فلما مر فی الدلیل الکنائی وأنّ الإمام اراد حث علیها ودعا إلیها بعامة ، وفی الأذان بخاصة .

وهذا هو الذی دعانا للقول بأنّ هناک مناطاً صحیحاً لذکر الولایة فی الأذان من باب الشعاریة .


1- النساء : 59 .
2- الانفال: 41 .
3- التوبة : 105 .

ص:519

وقد مرّ فی اخر الدلیل الکنائی مطلوبیة الإتیان بالشهادة الثالثة - خصوصاً فی هذه الأزمنة - مع اقرارنا بوجود معنی الولایة فی الأذان من خلال جملة « حیّ علی خیر العمل » ولو احببت راجع((1)) .

التخریج الثالث : وجود المصلحة

قبل البحث فی هذه المسألة لابد من القول بأنّ دعوی المصلحة لتأسیس حکم شرعی لیست صالحة فی کل الفروض ؛ فما لم یُقطع بوجود المصلحة قطعاً حقیقیاً أو تعبدیاً لا یجوز تأسیس حکم علیها ونسبته إلی الشارع ؛ لأنّه حینئذ من التشریع المحرّم الذی یدور مدار الظنّ الذی لا یغنی من الحق شیئاً ؛ وعلی هذا الأساس رفض مذهبنا العمل بالاستحسان ، وکذلک الشافعی فی قوله : « من استحسن فقد شرّع »((2)) .

والتاریخ أنبأنا أنّ الاستحسان أبدعه عمر بن الخطاب ؛ وإنّما صار الاستحسان أحد مصادر التشریع الإسلامی عند بعض العامة اتباعاً لعمر وانقیاداً لما فعل - وان استندوا علیه بآیات وروایات - فی حین ان تلک الآیات والروایات لا تصحح ما یقولون به ، وعلی سبیل المثال فإنّ نافلة لیالی شهر رمضان قد صلاّها رسول الله صلی الله علیه و آله والصحابة فُرادی ، لکنّ عمر استحسن أن تُصلّی جماعة واستقبح أن تکون فرادی ، والأخبارُ الصحیحة فی جامع البخاری وغیره جزمت بأنّ النبیّ خشیة أن تفرض علیهم فیعجزوا صلی الله علیه و آله نهاهم عن ذلک((3)) ، لکن لمّا وصلت الخلافة إلی عمر أصرّ علی


1- صفحة 223 وصفحة 149.
2- المغنی 6 : 151 ، التقریر والتحبیر 3 : 296 ، أدب الطلب : 211 .
3- صحیح البخاری 1 : 313 / ح 882 ، 1 : 380 / ح 1077 ، 2 : 708 / ح 1908 ، صحیح مسلم 1 : 524 / ح 761 ، مسند أحمد 6 : 169 / ح 25401 ، 6 : 177 / ح 25485 .

ص:520

الجماعة مستحسناً إیّاها حتی قال : نِعْمَ البدعة هذه((1)) ؛ فعمر قد استحسن ما قبّحه النبی ، وقبّح ما جاء عن النبی صلی الله علیه و آله .

وفی الحقیقة فهذه المرتبة أقبح مراتب البدعیة فی الدین ؛ لوجود نهی نبوی فی ذلک . بل حتی مع عدم وجود مثل هذا النهی ، فالشریعة لا تجیز لنا الاستحسان ولا ما یسمّی بالمصالح المرسلة والرأی بنحو عامّ ، لوجود نهیٍّ فوقانیّ قرآنی یمنعنا من العمل بالظن لأنّه لا یغنی من الحق شیئاً .

وفیما نحن فیه ، فقد یقال بأنّ إدخال الشهادة الثالثة فی الأذان هو تشریع قام علی أساس الاستحسان أو المصالح المرسلة أو الرأی ...، ممّا هو باطل بأصل الشرع ، بل إنّ بطلانه من ضروریات المعرفة الإسلامیة المستقاة عن النبیّ صلی الله علیه و آله وأهل البیت علیهم السلام .

وتقریب ذلک : أنّ الأذان اُصوله معروفة ، وأجزاؤه معدودة معینة ، وروایات الأذان التی علیها العمل وإن اختلفت فی عدد الفصول - کما ذکر الشیخ الطوسی - إلّا أنّها متّفقة علی عدم دخول الشهادة الثالثة فی أجزائه ، وإذا کان الأمر کذلک - وهو کذلک - لم یبق من مسوّغ للإتیان بها إلّا المصلحة الظنیة ، وهو باطل ؛ لما عرفنا من أنّ کلّ هذه العملیة تدور مدار الظن غیر الشرعی الذی لا یغنی من الحقّ شیئاً . وبناء علی ذلک لا یجوز ذکر الشهادة الثالثة فی الأذان !!

ویجاب عن ذلک بأنّ أصل الإشکال صحیح ، لکنّه مجمل ، إذ لم یفرق الإشکال بین الذکرین الشّعاری والماهویّ ، ومعنی ذلک أنّ الإدخال الماهوی قد قام علی أساس المصلحة فیه ، ویکفی أنّها ظنّیة لتندرج فیما هو محرم ؛ إذ لیست المصلحة هنا ناهضة


1- صحیح البخاری 2 : 707 / ح 1906 ، صحیح بن خزیمة 2 : 155 / ح 1100 ، الجمع بین الصحیحین 1 : 131 / ح 57 ، من افراد البخاری .

ص:521

لتشریع جزئیة الشهادة الثالثة فی الأذان وأنّها داخلة فی ماهیته ، وحتی مَن استقرب الجزئیة من الأصحاب لم یقبل بنهوض هذه المصلحة للقول بالجزئیة إلّا أن یستدل علی ذلک بشیء آخر غیر المصلحة کالأخبار وغیرها ، وهو أیضاً غیر مقبول کما مرّ من قبل .

فتحصل : أنّ دعوی وجود المصلحة فی تشریع الشهادة الثالثة فی الأذان علی أنّها جزء منه وداخلة فی ماهیته من الباطل بمکان ؛ إذ لم یدّع أحد من الأصحاب ذلک اکتفاءً بالمصلحة الظنیة ، وقد یکفی هذا للقول بالبطلان .

إذا تمّ هذا نقول : هل تعدم المصلحة فی ذکر الشهادة الثالثة ذکراً شعاریاً ؟

وهل أنّ التشریع الشعاری یقوم علی أساس الاستحسان والمصالح المرسلة والرأی المحرَّم علی غرار التشریع الماهوی آنف الذکر أَم لا ؟

وقبل ذلک ما هی الأدلّة علی وجود المصلحة الشعاریة فی الأذان للشهادة بالولایة ؟

للجواب عن السؤال الثالث نقول : حسبنا الأدلة الصحیحة المارة ، بل حسبنا حدیث الغدیر النبوی الظاهر فی وجود المصلحة الشعاریة للشهادة بالولایة ؛ فکلنا یعلم بأنّ النبی جمع کل المسلمین ممّن حضر معه صلی الله علیه و آله حجّة الوداع أثناء عودته إلی المدینة وهم 000,120 ألفاً ، ثمّ رفع ید علی بن أبی طالب حتی بان بیاض إبطیهما صلی الله علیه و آله ، وکان الجوّ حاراً قاسیاً ثم قال : « ألست أولی بکم من أنفسکم » ؟ قالوا : بلی یا رسول الله ، قال صلی الله علیه و آله : « فمن کنت مولاه فعلی مولاه اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله »((1)) .


1- مناقب الکوفی 2 : 415 / ح 896 ، وروی المقدسی حدیث الولایة هذا بطرق عدة وباسانید صحیحة وبعضها حسنة ، انظر الأحادیث المختارة 2 : 87 ، 105 ، 106، 74 / ح 381 ، 479 ، 480 ، 481 ، 553 ، و3 : 139 ، 151 ، 207 ، 274/ ح 937 ، 948 ، 1008 ، 1078 . ورواه الحاکم بسبعة طرق انظر المستدرک 3 : 118 ، 119 ، 126 : 143، 419 ، 613 وصحّح الذهبی فی ملخصه منها اثنان وسکت عن ثلاثة وضعف اثنان .

ص:522

وهنا نتساءل : ما معنی أن یجمع النبی صلی الله علیه و آله المسلمین لإخبارهم بذلک ؟ ولماذا یرفع بضُبْع علی بن أبی طالب حتی یبین بیاض إبطیهما علیه السلام ؟

أما کان له صلی الله علیه و آله أن ینتظر حتی یصل المدینة ویخبرهم بذلک بدل أن یجمعهم فی ذلک الجوّ القاسی ؟ وعدا هذا وذاک ما معنی أن تنزل آیة قبل وصوله صلی الله علیه و آله إلی الغدیر تتوعّد النبی صلی الله علیه و آله إن لم یبلّغ ویعلن ویُشْهِدْ بولایة علیّ فإنّه ما بلّغ الرسالة التی ناءَ بکاهلها ثلاث وعشرین سنة ؟ إذ ما معنی حصر نزول قوله تعالی : { یَا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَیْکَ مِنَ رَّبِّکَ وإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ }((1)) بالتبلیغ بولایة علی إعلاناً وإشهاداً بمحضر کلّ من کان مع النبی آنذاک ؟

وما معنی نزول قوله تعالی : { الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دِینَکُمْ وَأَ تْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَکُمُ الإِسْلاَمَ دِیناً }((2)) بمجرّد أن بلّغ النبی المسلمین بولایة علی فی غدیر خم ؟

بل ما معنی أن ینزل قوله تعالی : { سَأَلَ سَآئِلُ بِعَذَاب وَاقِع }((3)) فی الفهری الذی شکّک واعترض علی عملیة تبلیغ النبی بولایة علی حتی ورد فی الأخبار الصحیحة أنّ الله رماه بحجر بسبب اعتراضه ؟ کل ذلک یلفت النظر إلی أنّ الله سبحانه وتعالی لم یرض لنا دین الإسلام - کما هو صریح آیة إکمال الدین وإتمام النعمة - إلّا بولایة علیّ ، فما معنی هذا ؟

بل یظهر أنّ دین الإسلام - طبق آیة البلاغ - ناقص لا یکمل إلّا بالتبلیغ بولایة علی والإعلان عنها ، فما معنی کلّ ذلک ؟

یستحیل أن یجاب عن هذه الاسئلة وعشرات غیرها من دون الجزم بوجود مصلحة قطعیة فی عملیة التبلیغ النبویة والقرآنیة للولایة ، کما یستحیل أن یجاب


1- المائدة : 67 .
2- المائدة : 3 .
3- المعارج : 1 .

ص:523

بوجود هذه المصلحة من دون الالتزام بأنّها ذات مصلحة شعار یة ؛ إذ هذا هو معنی الأمر بالتبلیغ بها ، بحبس الصحابة فی ذلک الجو القاسی فی غدیر خم ، وهذا هو معنی بروز بیاض إبطی النبی صلی الله علیه و آله لما رفع بضبعی علیّ علیه السلام ، وهذا هو معنی أنّ الله لا یرتضی الإسلام من أحد من دون التبلیغ بالولایة والإعلان عنها ، وهذا معنی أنّ الدین کمل بالنظر لذلک ، وأنّه ناقص لولا أنّ النبیّ بلّغ بها بأحسن وجه وأتمّ بیان فی طول تبلیغ الشریعة المقدّسة .

إنّ کل هذا یکشف عن وجود مصلحة شعاریة قطعیة ، لا شک فیها ولا شبهة ، ناهضة للفتوی باستحباب أو جواز ذکر الشهادة بالولایة مع الأذان ومع غیره بشرط عدم المانع الشرعی ؛ من منطلق الجزم بوجودها یوم الغدیر ، ومن منطلق أنّ الله لا یرتضی إسلام المسلم کاملاً من دونها ، بل من منطلق التبلیغ بها والإعلان عنها أسوة بالنبی صلی الله علیه و آله فی یوم الغدیر ؛ ولا ریب فی أنّ التأسی بالنبیّ صلی الله علیه و آله فی عملیة التبلیغ بالولایة انطلاقاً من وجود المصلحة من أعظم الأعمال وأشرف الطاعات .

مع ملاحظة أنّ التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله فیما نحن فیه إنّما هو التأسی الشعاری بدلیل وجود المصلحة المقطوع بها ، علی ما تبیّن من محبوبیة الإعلان والتبلیغ والإشهاد بالولایة ، ولیس هو التأسی به صلی الله علیه و آله فی الأحکام والماهیّات العبادیة المنصوص علیها بأدلّة خاصّة ؛ إذ یکفی لإثبات التأسی الشعاری أمثال نص الغدیر ، وموثّقة سنان ابن طریف ، وحسنة ابن أبی عمیر ، وأضراب ذلک من الروایات .

وبهذا یندفع الإشکال القائل : بأنّ النبیّ صلی الله علیه و آله لم یؤذّن بالشهادة الثالثة فی الأذان ، فعلینا التأسی به صلی الله علیه و آله وترک الشهادة الثالثة فی الأذان !!

نعم ، هذا صحیح إذا أتینا بالشهادة الثالثة فی الأذان علی نحو الجزئیة فلکم القول بلزوم ترکه تأسّیاً برسول الله ، أمّا فیما نحن فیه فإنّا نتأسی بالرسول شعاریاً

ص:524

لأنّه اکد علیها واجازها وإن لم یأت بها ، فلا ینبغی خلط هذا بذاک .

أضف إلی ذلک ما قد ثبت فی النصوص الصحیحة التی رواها الفریقان من أنّ النبی کان لا یأتی ببعض المباحات بل ببعض المستحبات خوفاً علی الأمّة من الفتنة أو خوفاً من أن یؤاخذ الله الأمّة بذلک ، فعلی سبیل المثال ترک النبی صلاة نافلة شهر رمضان فی مسجده الشریف خوفاً علیهم من أن تفرض ، ومن هذا القبیل ما مرَّ علیک قوله صلی الله علیه و آله : لولا قومک حدیثو عهد بالجاهلیة . فقد ترک صلی الله علیه و آله ارجاع مقام إبراهیم إلی البیت خوفاً من الاختلاف وعدم قبولهم حکمه .

والحاصل : فکما أنّ النبی صلی الله علیه و آله بلّغ بولایة علی وإمامته یوم غدیر خمّ ، وترک النصّ علیها فی رزیّة یوم الخمیس خوفاً علی الأمّة من الهلاک والسقوط ، فهذا بعینه یجری فیما نحن فیه حذو القذة بالقذة ؛ فالنبی صلی الله علیه و آله قد أشهد الصحابة فی غدیر خمّ بولایة علیّ وأعلن عنها وبلغ بها ، لکنّه لم یؤذِّن بها شعاریّاً لنفس المانع من النص بها فی رزیة یوم الخمیس ، لأنّه لو أذّن بها لاستظهر منها الوجوب، وعدم عملهم یدعو إلی الهلاک والسقوط ، وقد استمرّ عدم تأذین الأئمة لنفس الشروط والظروف والأسباب ، فالأئمة وقبلهم النبیّ صلی الله علیه و آله اکتفوا بالتأکید علی ولایة علی وأنّها شعار یجب الأخذ به فی کلّ الأمور .

وبهذا یتضح جواب إشکال القائل بضرورة التأسی بالنبیّ صلی الله علیه و آله فیما لم یفعله ؛ أی أنّه صلی الله علیه و آله لم یؤذّن بالشهادة الثالثة وینبغی علی المسلمین اتّباعه ؛ ولنضیف علی ذلک أموراً أخری :

أولاً : بأنّه لیس کلّ ما ترک فعله النبیّ صلی الله علیه و آله کان واجبَ الترک ؛ فهناک ما هو جائز الترک أیضاً ، وما کان کذلک یجوز الإتیان به ؛ لأنّ سبیله سبیل المباحات کما هو معلوم ، والأمثلة علی ذلک لا تحصی ، ولقد تقدّم أنّ النبی ترک التنفّل جماعةُ فی

ص:525

بعض لیالی شهر رمضان کما فی صحیح البخاری خشیةً علی الأمة من الهلاک ، ولیس معنی ذلک إسقاط النافلة من التشریع بالإجماع .

وثانیاً : إنّ ترک النبی للشهادة الثالثة فی الأذان تجری مجری العلّة التی دفعت به صلی الله علیه و آله لأن لا یکتب کتابه فی علیّ فی رزیة یوم الخمیس ، إذ نص صلی الله علیه و آله بقوله : « قوموا عنّی ولا ینبغی عندی التنازع » ، وهی خاصة بشأنه المقدس فیما یلوح من النص « عندی التنازع » .

وکلّنا یعلم بأنّ النبی قد ترک قتل من حاول اغتیاله لیلة العقبة خوفاً علی الأمة من الهلاک ، مع أنّ الشرع جازم باستحقاقهم القتل ، وکذلک الفرار من الزحف فی یوم أحد ؛ فالنبی صلی الله علیه و آله ترک معاقبتهم ؛ مع أنّهم یستحقونها بالإجماع ، وعلة الترک هی الحفاظ علی بیضة الدین ، ترک الإتیان بهذا مع التنبیه علی أنّ سکوته حجّة فی التأسی به فی عدم التأذین بالشهادة الثالثة من باب أنّها جزء فقط ، أمّا غیر ذلک فلا ، أی ان سکوته وترکه لها ینفی جزئیتها لا مشروعیتها ومحبوبیتها ، کما سیتوضح فی النقطة الاتیة .

وثالثاً : لا یستقیم الإشکال من الأساس ؛ فلیس معیار التأسی بالنبی صلی الله علیه و آله أنّه ترک العمل بشعاریة الشهادة الثالثة فی خصوص الأذان ؛ ولا أنّه ترک التبلیغ بولایة علی فی رزیة یوم الخمیس ؛ إذ الأصل لیس هذا بعد الجزم بأنّه صلی الله علیه و آله بلّغ بولایة علی وأشهد الناس علیها یوم غدیر خم ؛ فالمعیار هو أصل التبلیغ والإعلان والإشهاد ؛ وهذا قد حصل قطعاً وجزماً ، والقطع بوجود الملاک والمصلحة بذلک التبلیغ والإشهاد حاصل لکل المسلمین بلا شبهة ولا کلام وإلّا استلزم لغویّة ما فعله النبیّ ولا یقول به مسلمٌ .

والحاصل : فنحن نتأسی بالنبی صلی الله علیه و آله فی أصل التبلیغ والإشهاد والإعلان مما هو معلوم بالضرورة عنه صلی الله علیه و آله ، ونشهد بالولایة لعلی مع الأذان لا علی أنّها جزء بل لأنّها محبوبة عند النبی صلی الله علیه و آله وخصوصاً مع عدم ورود نهی خاص فیها عن المعصومین

ص:526

للقول بها فی الأذان .

رابعاً : یمکن القول بأنّ النبیّ خارج عن دائرة الإشهاد بها فی الأذان تخصّصاً لأنّه صلی الله علیه و آله اکد بأن الولایة لعلی تکون من بعده ، ومعناه لا ولایة لعلی فی عهده ، لأنه النبی والإمام ، وخصوصاً مع علمنا بأن الشهادة الثالثة لیست جزءاً من الأذان فلا ضرورة لذکرها والاجهار بها فی عهد رسول الله .

نعم هو صلی الله علیه و آله أوضح لنا بأنّ الشهادة بالولایة فی الأذان وغیره شعار یجب التمسک به والحفاظ علیه ؛ فقوله الشریف : « من کنت مولاه فهذا علی مولاه » یشیر إلی أنّ الخطّ المحمّدیّ الأصیل سیستمر بعلیّ عقیدة وشعاراً ، بشهادة ما جاء فی مصحف ابن مسعود « ورفعنا لک ذکرک » بعلی ابن أبی طالب صهرک((1)) .

ولا یخفی أنّ أبرز مصادیق رفع الذکر فی العبادات الإسلامیة ، خطبة الجمعة ، والتشهد ، والأذان ، کما أثر عن ابن عباس وغیره ، وعلی هذا الأساس لا یستبعد أن تکون الشهادة بالولایة لعلیّ فی الأذان - من باب الشعاریة - لها مصلحة قطعیة ، وخصوصاً بعد أن وقفنا علی أنّ ربَّ العالمین أشهد الملائکة علی هذه الشهادة ، ووجود اسمه علیه السلام علی ساق العرش ، والکرسی ، وعلی جبهة إسرافیل ، وغیرها من الأمور التی جاءت فی مرسلة القاسم بن معاویة ، کلّ هذه الأمور تؤکّد وجود مصلحة للإجهار بها مع الأذان من باب الشعاریة ، إذ لو لم یکن هناک مصلحة قطعیة فیها لما دعا الإمام الکاظم إلی الحثّ علیها والدعوة إلیها .

فالإمام فی کلامه اشار إلی اهداف الذی حذف الحیعلة الثالثة ، داعیاً إلی الحث علیها ، منوهاً فی إمکان الاستفادة منه فی الازمان المتاخرة وخصوصاً فی هذه الازمان والتی تکالبت علیناً الأعداء بالتهم والافتراءات ، لان اعدائنا رمونا بتألیه


1- الروضة فی الفضائل : 168 ، فضائل لابن شاذان : 151 .

ص:527

الإمام علی ، أو اعتقادنا بخیانة الامین جبرئیل فی انزال الوحی ، فکل هذه الامور تدعونا للجهر بالولایة لعلی دفعاً لاتهامات المتهمین وافتراءات المفترین ، ولما فی ذکر علی من مصلحة قطعیة .

وعلیه فالأذان لیس اعلاماً للصلاة ودخول الوقت فقط ، بل هو کذلک شعار وعلامة لحقائق الإسلام والإیمان ، کما جاء فی معنی ( حی علی خیر العمل ) ، وما جاء فی روایة سنان بن طریف بأن الله امر منادیاً ان ینادی ، وفی الروایات القائلة بأنّ الاعمال لا تقبل إلّا بالولایة ، وما جاء فی علی أنّه الأذان یوم الحج الأکبر وغیرها ؛ فقد روی حکیم بن جبیر ، عن علی بن الحسین علیه السلام فی قوله تعالی : { وَأَ ذَانٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ } قال : الأذان أمیر المؤمنین((1)) .

وفی روایة أخری عن أبی عبدالله علیه السلام قال : إنّ الله سمّی علیّاً من السماء أَذانا ، لأنّه الذی أدّی عن رسول الله براءةَ : أنّه اسم نَحَلَهُ الله من السماء إلی علیّ((2)) .

وجاء عن علی علیه السلام أنّه قال : وکنت أنا الأذان فی الناس((3)) ، وفی آخر : أنا المؤذّن فی الدنیا والآخرة((4)) .

إذن فالإمام علی هو عین الدین والاعلام الحقیقی له ، کما أنّه هو نفس الرّسول فی آیة المباهلة { وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَکُمْ } ونری هذه العینیة تنطبق فی إبلاغ سورة براءة ، فقد قال رسول الله لأبی بکر حینما سأله عن سرّ ارجاعه عن تبلیغ سورة براءة بقوله : قیل لی : إنّه لا یبلّغ عنک إلّا أنت أو رجل منک((5)) .


1- تفسیر القمّی 1 : 282 .
2- انظر معانی الاخبار : 298 / باب معنی الأذان من الله ورسوله / ح 2 .
3- علل الشرائع 2 : 442 / الباب 188 / ح 1 .
4- معانی الأخبار : 59 ، فی خطبة خطبها علیه السلام فی الکوفة بعد منصرفه فی النهروان .
5- انظر الخصال : 369 ، 558 ، 578 ، المسترشد : 302 .

ص:528

وبذلک فقد عرفنا من کلّ ما تقدم وجود فصل ثابت فی الأذان دالّ علی الولایة ، وهو الحیعلة الثالثة ، وعمر بن الخطاب سعی لحذفه مما دعا الإمام الکاظم علی لزوم الحثّ علی الولایة والدعوة إلیها ، أی أنّ الدعوة جاءت للحفاظ علی السنّة النبویة فی الحیعلة مع بیان مفاهیمها ، بأن معنی الولایة کان موجوداً فی الأذان ومنه تشریعه فی الاسراء والمعراج بصورته الکنائیة « حی علی خیر العمل » وان التأکید علی الحث علیها کان مما یریده الإمام الصادق کذلک ، ولاجل ذلک تری اتباع ابنی الإمام الصادق - أی اتباع الإمام الکاظم وهم نحن ، واتباع إسماعیل بن الصادق وهم الاسماعیلیة - کانوا یؤذنون بالحیعلة الثالثة مع تفسیرها .

وکذا ان فتح معنی الحیعلة کان مرضیاً للإمام الباقر والإمام السجاد ، ذلک لأن الزیدیة تجیز فتح معنی الحیعلة الثالثة وقد صرح الإمام السجاد بأن جملة « حیّ علی خیر العمل » کان فی الأذان الاول ، ومن کل هذا السیر التاریخی تعرف معنی تشجیع الإمام علی للقائل بالحیعلة الثالثة : «مرحباً بالقائلین عدلاً» کل ذلک تعریضاً بعمر الذی حذفها .

وعلیه فالنهج الحاکم کان فی تضاد مع کل ما یمت إلی أهل البیت بصلة وهذا یدعونا إلی مطلوبیة الاصرار والإجهار بها فی هذه الأزمنة لکی یُمَیَّزَ بها المؤمن عن غیره ، وهذه النقطة هی التی دعتنا إلی افراد هذا التخریج عن سابقه ؛ وهذا التخریج ناظر للخارج والعناو ین الثانو یة ، دون التخریج الثانی الناظر للعنوان الأولی والجزم بوجود الملاک بحسب التلازم بین الشهادات الثلاث الوارد فی الأخبار المتواترة معنی فهذا فی طول ذلک ؛ والغرض منه تأکید المحبوبیة والمطلوبیة .

ص:529

التخریج الرابع : دفع المفسدة

قد یلحق صناعیاً مثل هذا التخریج بالتخریج الثالث الآنف ؛ باعتبار أنّ البحث یدور مدار الملاک وعدمه ، وإنّما أفردنا له عنواناً خاصاً بعنایة دفع المفسدة علاوة وجود الملاک والمصلحة ، فلقد تقدّم وجود ملاک سماوی فی عملیة التبلیغ والإشهاد بالولایة من قبل النبی صلی الله علیه و آله ، ومثل هذا ناهض لجواز التبلیغ بها شعاریاً ، بأیّ طریقة کانت وبأی صیغة ، فی الأذان وفی غیره .

لکنّ هناک أمراً آخر ، وهو دفع المفسدة عن الدین وأهله شعاریاً ؛ وأصل ذلک ثابت فی القرآن الکریم وسنة النبیّ صلی الله علیه و آله ، وبلا تطو یل حسبنا بعض آیات الکتاب العزیز تدلیلاً علی هذه المسألة ، فلقد ذکر القرآن الکریم عن الأنبیاء سلام الله علیهم بأنّهم یأکلون الطعام ویمشون فی الأسواق ، وبالطبع فإنّه لا معنی لاِن یدرج مثل هذا الکلام فی کتاب مقدس مثل القرآن إلّا لغرض واحد هو إیقاف الأمم علی حقیقة أنّ الأنبیاء مهما علت درجاتهم وتقدّست مادّتهم وطهرت أنفسهم فهم لیسوا إلّا بشراً یأکلون الطعام ویمشون فی الأسواق ؛ کنایة عن ما یلازم البشر یة من لوازم المادة ؛ لینفی الله عنهم شبهة الألوهیة واحتمال الربانیة أو الملائکیة أو غیرها من التوهمات المخرجة لهم عن مجرّد البشریة ؛ ولقد أخبرنا التاریخ أنّ بعض البشر - وهم کثیر - قد یقعون فی براثن هذه الشبهة بقصد وبغیر قصد ، والقرآن والأنبیاء وقفوا بالمرصاد لذلک ؛ حفظاً للحدود المقدّسة بین الربوبیة والعبودیة .

وهذا هو الذی یفسّر لنا ما دفع بالنبی صلی الله علیه و آله لأن یقول فی شأن علی علیه السلام : « یهلک فیک رجلان ، محبّ غال ومبغض قال » ، فالمبغض القال هو الناصبّی الذی یضمر العداء والبغض لمن أمر الله بمودّتهم من أهل البیت الذی طهرهم الله من الرجس تطهیراً .

ص:530

والمحب المفرط بمقتضی الحدیث لا یقل خطورة علی الدین وأهله من الناصبّی ؛ فالمحبّ المفرط هو الذی یعطی مقاماً لأمیر المؤمنین علیّ علیه السلام لا یرتضیه الله ورسوله وولیّه وبقیة أهل العصمة علیهم السلام ، ولقد ذکر لنا التاریخ أنّ هناک مَن أَلَّه علیّاً علیه السلام ففتقوا فی الدین فتقاً أثّر کثیراً فی مسیرة الدین الإسلامی الصحیح ؛ الأمر الذی حدا بالنّواصب لأن یصطادوا فی الماء العکر ویتّهموا أهل الحق من شیعة أمیر المؤمنین بأنّهم لیسوا من الإسلام والقرآن فی شیء ، وأنّهم مشرکون وکفرة ، وأنّ جبرائیل - سلام الله علیه - خان الأمانة ، إلی غیر ذلک من التّهم والتُرَّهات التی ما زالت تلاک فی ألسنة بقایا النواصب وذراری أعداء أهل البیت سلام الله علیهم أجمعین .

وبذلک نکاد نقطع بأنّ ثبات الشیعة علی مرّ العصور علی صیغة : « أشهد أنّ علیّاً ولیّ الله » أو « حجّة الله » دون صیغ الشعاریة الأخری التی من قبیل « محمّد وآل محمّد خیر البریّة » جاءت لدفع المفسدة عن مذهبهم الحق ، ولکی لا یُرموا بالغلو والتفویض ، وإشارة إلی أنّ علیّاً مهما بلغ من الفضیلة والقدسیّة فلا یعدو - صلوات الله علیه - کونه حجّة الله وولی الله وأشرف عبیدالله من بعد النبی صلی الله علیه و آله ، وأنّ هاتین الصیغتین أصرح وأوضح للدلالة علی الولایة من غیرهما .

وهذا معناه أنّ شعاریة الشهادة الثالثة لا تقف علی القطع بوجود المصلحة فی عملیة التبلیغ بها کما تواتر عن النبیّ صلی الله علیه و آله فقط ، بل أیضاً علی القطع بدفع مفسدة شبهة الألوهیة الملقاة علی عاتق الشیعة من قبل النواصب وأعداء أهل البیت علیهم السلام زوراً وبَهْتاً .

وان الشیعة استحباباً تأتی بالشهادة الثالثة بعنو انها الثانوی ، أی لردّ هجمات الخصوم علیها ولکونه کلاماً حقاً وشعاراً مطلوباً ومحبوباً للشارع مؤکدة بعدم جواز الإتیان بها بقصد الجزئیة .

ص:531

ولیس من الاعتباط فی شیء أن نحتمل قو یّاً أنّ أغلب الشیعة قد ثبتوا علی صیغة « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » دون غیرها من الصیغ لوردوها فی الأحادیث المتواترة فی غیر الأذان ، مراعین ذکر ترتیبها بعد الشهادتین ، کما جاءت فی الأخبار ، ولإِعلام الآخرین أنّهم یعتقدون بأن الله هو الواحد الاحد ولا إله غیره ، وأنّ نبیّه ورسوله هو محمّد بن عبدالله بن عبدالمطلب . کلّ ذلک لدفع هذه الشبهة وهذه المفسدة ، ولو تأملّنا قلیلاً فی الأمر أکثر ، لوجدنا أنّ إصرار الشیعة علی هذه الصیغة بالخصوص لم یکن منشؤه النواصب وأعداء أهل البیت علیهم السلام فقط ، بل کان هناک أیضاً المفوّضة - لعنهم الله - الذین أعطوا للأئمة علیهم السلام صفات خاصّة فوق حدهم تمسّ بمقام الربوّبیة .

ولا بأس بالتنویه هنا إلی أنّ فقهاء العامة قد قبلوا من عمر بن الخطاب زیادة « الصلاة خیر من النوم » فی الأذان بدعوی دفع مفسدة ترک صلاة الفجر بسبب النوم ولکونه شعاراً لتعظیم حق الصلاة ، وقد یتخیل لذلک وجه شرعیّ بنظرهم أو بنظر الباحث الموضوعی ؟ لکنّ السبب الذی جعله یخترعها مما لا یمکن قبوله ، وکیفیة الجعل أیضاً تنافی وتجافی الدلیل ؛ لأنّه جعلها جزءاً داخلاً فی ماهیة الأذان ، وهذا أوّل البدعة هذا أوّلاً .

وثانیاً : إنّه حذف صیغة « حیّ علی خیر العمل » من الأذان بعد ثبوتها علی عهد رسول الله وتأذین الصحابة بها وهذه بدعة ثانیة .

وعلی هذا لا یصح أن یقال من أنّ هذا الفعل هو کفعل عمر ، ومقایسة الشهادة الثالثة فی الأذان بما فعله عمر من حذف الحیعلة الثالثة وإدخال « الصلاة خیر من النوم » ، فنحن لم ندخلها فی ماهیة الأذان ، بل نؤکد علی جواز الإتیان بها شعاریاً ، أی عدم الضیر بالقول بها مع الأذان .

نعم قد نؤکد علی مطلوبیة الإتیان ؛ لکثرة هجمات الخصوم علینا ، وفقهائنا قد

ص:532

أکدوا علی عدم جزئیة الشهادة الثالثة ولم یعدوه ضمن الفصول الثابتة ، ولو راجعت رسائلهم العملیة لرأیت الأذان ثمانیة عشر فصلاً والإقامة سبعة عشر فصلاً عندهم ، ولیس فی هذه الفصول الشهادة بالولایة لعلی ، وهو خیر دلیل علی نفیهم للجزئیة ، وبعد هذا فلا یصح نسبة الابتداع إلی الشیعة فی الأذان لأنهم یؤکدون علی نفی جزئیتها لکنهم فی الوقت نفسه یسمحون للقول بها - ویؤکدون علی مطلوبیتها بعنوانها الثانوی - من باب الشعاریة وأمثالها من التخاریج الفقهیة .

کان هذا مجمل ما أردنا بیانه بهذا الصدد ، وقد سعینا أن لا نخرج عن قول المشهور الأعظم من أصحابنا ، رافعین التساؤلات والشبهات المطروحة عنه ، غیر مدّعین بأنّا قد وفّینا البحث حقه ؛ بل نعتقد بأنّ ما قدّمناه هو مبلغ وسعنا وعلمنا وأنّ مبحثاً حساساً ومهماً کهذا یحتاج إلی جهد أکثر مما قدمناه ، تارکین تکمیله وتطویره لإخواننا الفقهاء والأساتذة والفضلاء ، سائلین المولی سبحانه أن یتقبّل هذا القلیل ویجعله فی حسناتی ، مکفّراً به عن سَیِّئاتی ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمین .

وقد وقع الفراغ منه فی یوم السبت 3 جمادی الاخرة 1429 ه-

یوم شهادة الصدیقة الطاهرة فاطمة الزهراء

مشهد الإمام الرضا علیه السلام / إیران

ص:533

ص:534

الخلاصة

بدأنا الحدیث فی هذا الفصل عن معنی الشعاریّة لغة واصطلاحاً ، ووجوب الحفاظ علی الشعائر لأنّها طاعة لله ولرسوله ، وفیها أثبتنا أنّ الولایة لعلی من أسمی الشعائر الإیمانیة ، لأنّ الله أمر منادیاً أن ینادی بالشهادة الثالثة ، ولم یکتفِ سبحانه وتعالی بالمناداة بالشهادتین حتّی ثلَّثهما ، وأنّ النداء بهذا فی ذلک العالم - قبل عالم التکلیف - لیشیر إلی أهمیة هذا الموضوع عنده سبحانه بحیث یریده أن یصَبح شعاراً ومعلماً له فی عالم الدنیا .

إنّ الروایات التی قدّمناها ومعها أکثر منها کانت هی أدلتنا علی کون الشهادة لعلی من شعائر الإیمان وأنّها محبوبة عند الشارع ، ثم تساءلنا عن مدی إمکان ذکر هذه الشعیرة الإیمانیة فی أمر عبادی کالأذان ، موضحین من خلاله کلام السیّدین الحکیم والخوئی رحمهما الله تعالی ، وأنّ هناک أربعة تخاریج استند علی أساسها الفقهاء للقول بالجواز ، أو استحباب التأذین بالشهادة الثالثة من باب الشّعاریّة ، علاوة علی التخاریج الآنفة فی الفصول السابقة ، والتخار یج الاربع هی :

1 - أصالة الجواز : بعد ثبوت وجود ملاک النداء والاعلان بالشهادة الثالثة فی ذلک العالم ، وجواز الحثّ علیها والدعوة إلیها من قبل الإمام الکاظم علیه السلام فی عالم الدنیا ، ومع ورود شواذّ الأخبار من قبل الأئمة فی الشهادة بالولایة ، وعدم علمنا سبب ترک الأصحاب لها وقد یکون تقیة ، فإنّ أصالة الجواز ناهضة للقول بجواز الإتیان بالشهادة الثالثة حسبما وضّحناه سابقاً ، خصوصاً لو کان ذکرنا لها شعاریاً لا ماهویاً وجزئیاً .

2 - تنقیح المناط والقطع بالملاک : وهذا التخریج مبنیٌّ علی عدم وصول النوبة إلی الأصول العملیة کأصالة الجواز وغیرها ، إذ نقطع بوجود مصلحة للشهادة بها والنداء لها ، کما هو ظاهر صحیحة أبی الربیع القزاز ، وموثقة سنان بن طریف ، وحسنة ابن أبی عمیر ، وهذا کاف لجواز الإتیان بها من دون قصد الجزئیة خصوصاً فی هذه الازمنة ، بتقریب : أنّ الملاک ناهض لتأسیس حکم حتی لو لم یرد ذکره فی الشرع - إذا

ص:535

قطع بوجوده حقیقة أو تعبداً - والحکم حینئذ حجّة ، کالحجیة المستفادة من الملازمات والمفاهیم والأولویّة ؛ فإذا قطعنا بوجود الملاک بالنداء حینما خلق الله السماوات ، ویوم المیثاق ، ویوم غدیر خم وغیرها ، أمکن الجزم بعدم البأس بالإتیان بها فی العبادات مع عدم المانع ، ولا یوجد مانع إلّا التوقیفیة ، وهو خاصّ بالإتیان الماهویّ لا الشعاریّ .

3 - وجود المصلحة : والفرق بین هذا التخریج وما قبله هو أنّ الثانی اعتمد علی الملاک المنتزع من النصوص المتواترة والحقائق الشرعیة الثابتة ، وهذا التخر یج الثالث ابتنی علاوة علی ما سبق علی البعد التاریخی ولحاظ شرائط الزمان والمکان والمصلحة المستفادة من الشعاریة، ولأجل ذلک قیّد السیّد الحکیم فتواه : ( بل ذلک فی هذه الأعصار معدود من شعائر الإیمان ورمز إلی التشیع فیکون من هذه الجهة راجحاً ) ، ونحوه جاء کلام السیّد الخوئی الذی جمع بین التخریجین الثانی والثالث .

4 - دفع المفسدة : وهذا التخر یج قد یدخل ضمن ما سبق ، وإنّما أفردناه بعنوان مستقل ، لأنّ المصلحةَ غیر المفسدة ، وبما أنّ خصومنا یتّهموننا بأُلوهیة الإمام علیّ ، وقولنا بخیانة الأمین جبرئیل ، فعلینا ودفعاً لکلّ هذه الأکاذیب أن نجهر بأصواتنا ب- « أشهد أنّ علیّاً ولی الله » بعد الشهادتین - بالتوحید لله وبالرسالة لمحمّد صلی الله علیه و آله - کی نؤکّد بأن الإمام علیّاً علیه السلام ما هو عندنا إلّا ولیاً لله ، نتّخذه شعاراً لبیان توحیدنا لربّ العالمین ، والاشادة برسوله الأمین ، وأنّ علیّاً وأولاده المعصومین ما هم إلّا حجج رب العالمین ، نقول بذلک إعلاءً لذکرهم الذی جدّ القوم لطمسه وحذفه من الأذان .

ولا بأس بالتنویه إلی أنّ هذه التخاریج الأربعة کلّها تصبّ فی مصبّ واحد وان کان التخریجان الأوّلان هما الأصل لمبحث الشعاریة ، وأنّ من یقول بالشعاریة یلحظ هذه الأُمور جمیعاً .

کما لا تنبغی الغفلة عن أنّ القول بالجواز هنا لا ینفی الأدّلة المارّة ، کأدلة الاقتران ، وفتوی المشهور الأعظم علی الجواز ، بل هو فی طولها أو مما یضاف إلیها .

ص:536

وفی الختام

بعد أن انتهیت من کتابة الباب الثالث من دراستی حول الأذان المرتبط بموضوع الشهادة الثالثة ، أحببت الوقوف علی رأی القرّاء فیه ، لأنّه بحث جدید لم یبحث بهذه الصیغة من ذی قبل ، وبخاصة التخریجات الفقهیة لدلیل الشعاریة وموضوع تقریر الإمام ، ولحاظ الترابط بین الحیعلة الثالثة والشهادة الثالثة ، وبیان مغزی کلام فقهائنا الأقدمین - وبخاصة الشیخ الصدوق والشیخ الطوسی - وسیرة المتشرّعة فی هذا الأمر منذ عهد عمر بن الخطاب - الذی منع من الحیعلة الثالثة - إلی یومنا هذا .

فالقارئ غیر الکاتب قد یقف علی ما لا یقف علیه الکاتب ، وإنّی وإن لم أخرج عن مشهور کلام الفقهاء لکنّ باب النقاش العلمی والحوار الموضوعی واحتمال الملاحظة البناءة وارد فی عملی استدلالاً واستنتاجاً ، کل ذلک خدمة للعلم والعقیدة .

و إنَّی من هنا أشکر کل من قرأ لی - أو سیقرأ أن یتحفنی برأیه - لا سیما عزیزیّ الفاضلین الجلیلین حجّتی الإسلام الشیخ باسم الحلّی ، والشیخ قیس العطار لإبدائهم ملاحظات مفیدة انتفعت ببعضها .

کما أشکر الأخ الفاضل سمیر الکرمانی لمراجعته النصوص التی نقلنا عنها واعداده الفهرست النهائی للکتاب .

وکذلک أشکر الأخ مجید اللّامی لتحمّله أعباء صف هذا الکتاب وإخراجه بهذه الحلّة القشیبة ، وآخر دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمین .

ص:537

ص:538

ثبت المصادر

بعد القرآن الکریم

1 - الإبانة عن أصول الدیانة :

لأبی الحسن الأشعری ، علی بن إسماعیل بن أبی بشر (ت 324 ه-) ، تحقیق : د. فوقیة حسین محمود ، دار الأنصار - القاهرة 1397 ه- ، الطبعة :الأولی .

2 - اتفاق المبانی وافتراق المعانی :

للدقیقی ، سلیمان بن بنین النحوی (ت 613 ه-) ، تحقیق : یحیی عبدالرؤوف جبر ، دار عمار - الأردن - 1405 ه- ، 1985 م ، الطبعة : الأولی .

3 - آثار البلاد واخبار العباد :

للقزوینی ، زکریا بن محمّد بن محمود (ت 682 ه-) ، دار صادر - بیروت .

4 - الاثنا عشریة فی الصلاة الیومیة :

للشیخ البهائی، محمّد بن الحسین بن عبدالصمد الحارثی (ت1030 ه-)، تحقیق : الشیخ محمّد الحسون ، مکتبة السیّد المرعشی - قم 1409 ه- ، ط اولی .

5 - الأحادیث المختارة :

للمقدسی ، محمّد بن عبدالواحد بن محمّد الحنبلی (ت 643 ه-) ، تحقیق : عبد الملک بن عبد الله بن دهیش ، مکتبة النهضة - مکة المکرمة 1410 ه- ، ط الاولی .

6 - الاحتجاج :

الطبرسی ، أحمد بن علی بن أبی طالب (من اعلام القرن السادس الهجری) ، تحقیق : محمّد باقر الخرسان ، مؤسسة الاعلمی - لبنان 1403 ه- ، الطبعة : الثانیة .

ص:539

7 - أحسن التقاسیم فی معرفة الأقالیم (مختارات) :

للمقدسی ، محمّد بن أحمد بن أبی بکر (ت 414 ه-) ، تحقیق : غازی طلیمات ، وزارة الثقافة والارشاد القومی - دمشق 1980م .

8 - احقاق الحق وازهاق الباطل :

للقاضی نور الله التستری (ت 1019 ه-) مع ملحقات السیّد المرعشی النجفی، تصحیح: السیّد إبراهیم المیانجی، مکتبة المرعشی النجفی - قم - إیران .

9 - الإحکام فی أصول الأحکام :

لابن حزم ، علی بن أحمد بن حزم الأندلسی (ت 456 ه-) ، دار الحدیث - القاهرة 1404 ه- ، الطبعة : الأولی .

10 - أحکام الشیعة :

للاسکوئی ، میرزا حسن الحائری ، نشر : مطبعة الشفق - تبریز .

11 - أحکام القرآن :

لابن العربی ، محمّد بن عبدالله بن العربی (ت 546 ه-) ، تحقیق : محمّد عبدالقادر عطا ، دار الفکر للطباعة والنشر - لبنان .

12 - أحکام القرآن :

للجصاص ، أحمد بن علی الرازی (ت 370 ه-) ، تحقیق : محمّد الصادق قمحاوی . دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1405 ه- .

13 - أخبار وحکایات :

لأبی الحسن الغسانی ، کان حیاً سنة 460 ه- ، تحقیق : رشدی الصالح ملحس ، دار الأندلس للنشر - بیروت 1996 م - 1416 ه- .

14 - أخبار مکة وما جاء فیها من الأثار :

للازرقی ، محمّد بن عبدالله بن أحمد (ت 244 ه-) ، تحقیق : رشدی الصالح

ص:540

ملحس ، دار الأندلس للنشر - بیروت 1996 م - 1416 ه- .

15 - أخبار ملوک بنی عبید وسیرتهم :

لابن حماد ، محمّد بن علی بن حماد (ت 628 ه-) ، تحقیق : د. التهامی نقرة ، د. عبد الحلیم عویس ، دار الصحوة - القاهرة - 1401 ه- .

16 - الاختصاص :

للشیخ المفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری (ت 413 ه-) ، تحقیق : علی اکبر غفاری ، السیّد محمود الزرندی ، دار المفید - بیروت 1414 ه- ، ط ثانیة .

17 - الآداب المعنویة للصلاة :

للإمام الخمینی ، عرّبه وشرحه : السیّد أحمد الفهری ، دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر - دمشق 1984 م ، الطبعة الاولی .

18 - ادب الطلب ومنتهی الأدب :

للشوکانی ، محمّد بن علی (ت 1255 ه-) ، تحقیق : عبدالله یحیی السریحی ، دار ابن حزم - بیروت 1419 ه- - 1998م ، الطبعة : الأولی .

19 - الأذان بحی علی خیر العمل :

لابی عبدالله العلوی ، محمّد بن علی بن الحسن (ت 445 ه-) ، تحقیق : محمّد یحیی سالم عزان ، مرکز النور للدراسات والبحوث ، الیمن 1416 ه- ، الطبعة الثانیة ، وطبعة ثانیة : بتحقیق : یحیی عبدالکریم الفضیل ، المکتبة الوطنیة 1399 ه- ، الطبعة الثانیة .

20 - ارشاد الاذهان إلی أحکام الإیمان :

للعلامة الحلی ، أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) ، تحقیق : الشیخ فارس الحسون ، مؤسسة النشر الإسلامی ، قم 1410ه- ، الطبعة الاولی .

21 - إرشاد العباد إلی لبس استحباب السواد .

ص:541

لحفید صاحب الریاض ، السیّد میرزا جعفر الطباطبائی الحائری (ت 1321 ه-) ، تحقیق : السیّد محمّد رضا الجلالی .

22 - الاستبصار فیما اختلف من الاخبار :

للشیخ الطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) ، تحقیق : السیّد حسن الموسوی الخرسان ، دار الکتب الإسلامیة ، طهران 1390 ه- ، الطبعة الرابعة .

23 - استقصاء الاعتبار فی شرح الاستبصار :

لحفید الشهید الثانی ، محمّد بن جمال الدین الحسن بن زین الدین (ت 1030 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث - مشهد 1419 ه- ، الطبعة الاولی .

24 - الاستیعاب فی معرفة الأصحاب :

لابن عبدالبر ، یوسف بن عبدالله بن محمّد (ت 463 ه-) ، تحقیق : علی محمّد البجاوی ، دار الجیل - بیروت - 1412 ، الطبعة الأولی .

25 - اشارة السبق :

لابن أبی المجد الحلبی ، علی بن الحسن (من اعلام القرن السادس) ، تحقیق : الشیخ إبراهیم بهادری ، مؤسسة النشر الإسلامی ، قم 1414 ه- ، الطبعة الاولی .

26 - إقبال الأعمال :

لابن طاووس ، رضی الدین ، علی بن موسی بن جعفر (ت 664 ه-) ، تحقیق : جواد القیومی الاصفهانی ، مکتب الاعلام الإسلامی - قم 1414 ه- ، الطبعة الاولی .

27 - اقتضاء الصراط المستقیم مخالفة أصحاب الجحیم :

لابن تیمیة الحرانی ، أحمد بن عبدالحلیم ، (ت 728 ه-) ، تحقیق : محمّد حامد الفقی ، مطبعة السنة المحمّدیة - القاهرة - 1369 ه- ، الطبعة : الثانیة .

ص:542

28 - اکمال الدین واتمام النعمة :

للشیخ الصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی ، قم 1405 ه- ، الطبعة الاولی .

29 - أمالی الصدوق :

للشیخ الصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة ، نشر مؤسسة البعثة ، قم 1417 ه- ، الطبعة الاولی .

30 - أمالی المحاملی (بروایة ابن یحیی البیع) :

للمحاملی ، الحسین بن إسماعیل الضبی (ت 330 ه-) ، تحقیق : د. إبراهیم القیسی ، المکتبة الإسلامیة ، دار ابن القیم - عمان - الأردن ، الدمام 1412 ه- ، الطبعة : الأولی .

31 - الإصابة فی تمییز الصحابة :

لابن حجر ، أحمد بن علی العسقلانی الشافعی (ت 852 ه-) ، تحقیق : علی محمّد البجاوی ، دار الجیل - بیروت - 1412 ه- - 1992م ، الطبعة : الأولی .

32 - أصول السرخسی :

لمحمّد بن أحمد بن أبی سهل السرخسی ، (ت 483 ه-) ، دار المعرفة - بیروت .

33 - الاصول الستة عشر :

لمجموعة من أصحاب الأئمة ، دار الشبستری للمطبوعات ، قم 1405 ه- ، الطبعة الثانیة .

34 - أضواء البیان فی إیضاح القرآن بالقرآن :

للشنقیطی ، محمّد الأمین بن محمّد بن المختار الجکنی (ت 1393 ه-) ، تحقیق : مکتب البحوث والدراسات ، دار الفکر للطباعة والنشر - بیروت 1415 ه- -

ص:543

1995م .

35 - الاعتصام بحبل الله :

للقاسم بن محمّد ، الإمام الزیدی (ت 1029 ه-) ، مطابع الجمعیة الملکیة ، عمان - الأردن ، 1403 .

36 - اعتقادات الصدوق = الاعتقادات فی دین الإمامیة :

للشیخ الصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : عصام عبدالسید ، دار المفید ، بیروت 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

37 - أعیان الشیعة :

للسید محسن الأمین ، (ت 1371 ه-) ، تحقیق : حسن الامین ، دار التعارف - بیروت .

38 - الأغانی :

لأبی فرج الاصفهانی ، علی بن الحسین بن الهیثم القرشی (ت 356 ه-) ، تحقیق : عبدعلی مهنا ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1407 ه- ، الطبعة الاولی .

39 - الإقناع فی حل ألفاظ أبی شجاع :

لمحمّد الشربینی الخطیب ، (ت 977 ه-) ، تحقیق : مکتب البحوث والدراسات - دار الفکر ، دار الفکر - بیروت 1415 ه- .

40 - الإکتفاء بما تضمنه من مغازی رسول الله والثلاثة الخلفاء :

لأبی الربیع سلیمان بن موسی الکلاعی الأندلسی ، (ت 634 ه-) ، تحقیق : د . محمّد کمال الدین عز الدین علی ، عالم الکتب - بیروت 1417 ه- ، ط اولی .

41 - الإکمال = الإکمال فی رفع الارتیاب عن المؤتلف والمختلف فی الأسماء والکنی :

لابن ماکولا ، علی بن هبة الله بن أبی نصر (ت 475 ه-) دار الکتب العلمیة - بیروت - 1411 ه- ، الطبعة : الأولی .

ص:544

42 - اکلیل المنهج فی تحقیق المطلب :

محمّد جعفر بن محمّد طاهر الخراسانی الکرباسی (ت 1175 ه-) ، تحقیق : السید جعفر الحسینی الاشکوری ، دار الحدیث ، قم 1425 ه- ، الطبعة الاولی .

43 - الإمام الصادق والمذاهب الأربعة :

لأسد حیدر ، تحقیق : ونشر : نشر الفقاهة - قم 1427 ه- ، الطبعة الاولی .

44 - الإمامة والسیاسة :

لابن قتیبة ، أبی محمّد ، عبدالله بن مسلم الدینوری (ت 276 ه-) ، تحقیق : طه محمّد الزینی ، نشر مؤسسة الحلبی وشرکاه .

45 - أمالی الإمام أحمد ین عیسی :

لأحمد ، بن عیسی بن زید بن علی (ت 247 ه-) ، تحقیق : علی بن إسماعیل بن عبدالله المؤید ، دار النفائس ، بیروت ، الطبعة الاولی .

46 - أمالی الطوسی :

لمحمّد بن الحسن ، أبی جعفر الطوسی (ت 460 ه-) ، تحقیق : قسم الدراسات الإسلامیة ، نشر مؤسسة البعثة ، قم 1414 ه- ، الطبعة الاولی .

47 - أمالی المفید :

للشیخ المفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه-) ، تحقیق : حسین الاستاد ولی ، علی اکبر الغفاری ، دار المفید - بیروت 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

48 - امتاع الاسماع بما للنبی من الاحوال والاموال والحفدة والامتاع :

للمقریزی ، تقی الدین أحمد بن علی بن عبدالقادر بن محمّد (ت 845 ه-) ، تحقیق : محمّد عبدالحمید النمیسی ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1420 ه- ، الطبعة الاولی .

49 - أنساب الأشراف :

ص:545

للبلاذری ، أحمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه-) ، تحقیق : د. سهیل زکار - د. ریاض زرکلی ، دار الفکر - بیروت 1417 ه- - 1996 م ، الطبعة الاولی .

50 - الأنوار النعمانیة (طبعة حجریة) :

لنعمة الله الجزائری (ت 1112 ه-) ، طبع فی إیران 1319 ه- .

51 - الأوائل لابن أبی عاصم :

لأحمد بن عمرو بن أبی عاصم الشیبانی (ت 287 ه-) ، تحقیق : محمّد بن ناصر العجمی ، دار الخلفاء للکتاب الإسلامی - الکویت .

52 - الأوائل للطبرانی :

سلیمان بن أحمد الطبرانی (ت 360 ه-) ، تحقیق : محمّد شکور بن محمود الحاجی أمریر ، مؤسسة الرسالة ، دار الفرقان - بیروت - 1403 ه- ، الطبعة : الأولی .

53 - اوائل المقالات :

للشیخ المفید ، أبی عبدالله ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه-) ، تحقیق : الشیخ إبراهیم الانصاری ، دار المفید - بیروت 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

54 - الانتصار :

للشریف المرتضی ، علی بن الحسین الموسوی البغدادی (ت 436 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1415 ه- .

55 - الایضاح :

للقاضی نعمان بن محمّد بن حبون (ت 363 ه-) ، المطبوع فی المجلد العاشر من کتاب (میراث حدیث شیعة - فارسی) ، تحقیق : محمّد کاظم رحمتی ، مرکز تحقیقات دار الحدیث - قم 1382 ه- ش .

56 - إیضاح الفوائد فی شرح اشکالات القواعد :

ص:546

لابن العلامة ، أبی طالب محمّد بن الحسن بن یوسف بن المطهر الحلی (ت 771 ه-) ، تحقیق : محمّد کاظم رحمتی ، مرکز تحقیقات دار الحدیث - قم 1382 ه- ش .

57 - بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الأئمة الاطهار :

للعلامة المجلسی ، الشیخ محمّد باقر (ت 1111 ه-) ، مؤسسة الوفاء ، بیروت 1403 ه- ، الطبعة الثانیة .

58 - البحر الزخار الجامع لمذاهب أهل الأمصار :

لاحمد ، بن یحیی المرتضی (ت 840 ه-) ، طبع سنة 1316 ه- .

59 - بدائع الصنائع فی ترتیب الشرائع :

لعلاء الدین الکاسانی (ت 587 ه-) ، دار الکتاب العربی - بیروت 1982م ، الطبعة : الثانیة .

60 - بدایة المجتهد ونهایة المقتصد :

لابن رشد ، محمّد بن أحمد بن محمّد القرطبی ، (ت 595 ه-) ، دار الفکر - بیروت .

61 - البدایة والنهایة :

لابن کثیر ، إسماعیل بن عمر بن کثیر القرشی (ت 774 ه-) ، مکتبة المعارف - بیروت .

62 - البرهان فی اصول الفقه :

للزرکشی ، محمّد بن بهادر بن عبدالله ، (794 ه-) ، تحقیق : محمّد أبو الفضل إبراهیم ، دار المعرفة - بیروت 1391 .

63 - برهان الفقه = البرهان القاطع فی شرح المختصر النافع :

لبحر العلوم ، السیّد علی بن السید رضا (ت 1298 ه-) .

64 - بشارة المصطفی لشیعة المرتضی :

ص:547

للطبری الشیعی ، أبی جعفر محمّد بن أبی القاسم (من علماء الإمامیة فی القرن السادس) ، تحقیق : جواد القیومی الاصفهانی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1420 ه- ، الطبعة الاولی .

65 - بصائر الدرجات فی فضائل آل محمّد :

للصفار ، محمّد بن الحسن بن فروخ القمی (ت 290 ه-) ، الحاج میرزا حسن کوجه باغی ، منشورات الاعلمی - طهران 1404 ه- .

66 - البصائر والذخائر :

لابی حیان التوحیدی ، علی بن محمّد بن العباس (ت 414 ه-) ، تحقیق : الدکتورة وداد القاضی ، دار صادر - بیروت 1408 ه- - 1988م ، الطبعة الاولی .

67 - بغیة الطلب فی تاریخ حلب :

لابن أبی جرادة ، کمال الدین عمر بن أحمد (ت 660 ه-) ، تحقیق : د. سهیل زکار ، دار النشر : دار الفکر .

68 - بغیة المقلدین فی أحکام الدین (رسالة عملیة فارسیة) :

للسید محمّد مهدی بن السیّد إسماعیل صدر الدین العاملی الکاظمی ، طبع فی حیدر آباد - الهند .

69 - بلاغات النساء :

لابن طیفور، أبی الفضل بن أبی طاهر (ت 380 ه-)، مکتبة بصیرتی قم.

70 - البیان (طبعة حجریة) :

للشهید الاول ، محمّد بن جمال الدین مکی العاملی (ت 732 ه-) ، مجمع الذخائر الإسلامیة - قم .

71 - تاریخ أبی الفداء = المختصر فی اخبار البشر :

لابی الفداء ، إسماعیل بن نور الدین (ت 762 ه-) ، مکتبة المتنبی - القاهرة .

ص:548

72 - تاریخ إربل :

للاربلی، شرف الدین بن أبی البرکات (ت 637 ه-)، تحقیق: سامی بن سید خماعد الصقار ، وزارة الثقافة والإعلام - العراق 1980م.

73 - تاریخ الإسلام :

للذهبی ، شمس الدین محمّد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه-) ، تحقیق : د. عمر عبدالسلام تدمری ، دار الکتاب العربی - لبنان / بیروت - 1407 ه- - 1987م ، الطبعة : الأولی .

74 - تاریخ بغداد :

للخطیب البغدادی ، أحمد بن علی أبو بکر (ت 463 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت .

75 - تاریخ خلیفة بن خیاط :

لخلیفة بن خیاط اللیثی العصفری (ت 240 ه-) ، تحقیق : د. أکرم ضیاء العمری ، دار القلم ، مؤسسة الرسالة - دمشق ، بیروت - 1397 ه- ، الطبعة : الثانیة .

76 - تاریخ دمشق :

لابن عساکر ، أبی القاسم علی بن الحسن إبن هبة الله بن عبدالله الشافعی (ت 571 ه-) ، تحقیق : محب الدین أبی سعید عمر بن غرامة العمری ، دار الفکر - بیروت - 1995 م .

77 - تاریخ الخمیس :

للدیار بکری ، الشیخ حسین بن محمّد بن الحسن (ت 966 ه-) ، مؤسسة شعبان للنشر والتوزیع - بیروت .

78 - تاریخ الخلفاء :

للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) ، تحقیق : محمّد محی الدین

ص:549

عبدالحمید ، مطبعة السعادة - مصر - 1371 ه- - 1952 م .

79 - تاریخ الطبری = تاریخ الامم والملوک :

لأبی جعفر محمّد بن جریر الطبری (ت 310 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت .

80 - تاریخ قم (باللغة الفارسیة) :

للاشعری القمی ، الحسن بن محمّد بن الحسن بن السائب ، (ت 378 ه-) ، ترجمها إلی الفارسیة : حسن بن بهاء الدین علی بن حسن القمی (ت 805 ه-) ، تحقیق : محمّد رضا الانصاری القمی ، مکتبة المرعشی النجفی - قم 1427 ه- ، الطبعة الاولی .

81 - التاریخ الکبیر :

للبخاری ، محمّد بن إسماعیل بن إبراهیم أبو عبدالله الجعفی (ت 256 ه-) ، تحقیق : السید هاشم الندوی ، دار النشر : دار الفکر .

82 - تاریخ الکوفة :

للبراقی ، حسین بن أحمد النجفی ، (ت 1332 ه-) ، تحقیق : ماجد بن أحمد العطیة ، انتشارات المکتبة الحیدریة - 1424 ه- ، الطبعة الاولی .

83 - تاریخ المدینة المنورة = أخبار المدینة النبویة :

لابن شبه ، عمر بن شبة النمیری البصری (ت 262 ه-) ، تحقیق : علی محمّد دندل ، یاسین سعد الدین بیان ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1417 ه- - 1996 م .

84 - تاریخ الیعقوبی :

لأحمد بن أبی یعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الیعقوبی (ت 292 ه-) ، دار النشر : دار صادر - بیروت .

85 - تبصرة المتعلمین فی أحکام الدین :

للعلامة الحلی ، الحسن بن یوسف المطهر الحلی (ت 726 ه-) ، تحقیق : الشیخ

ص:550

حسین الاعلمی ، السید أحمد الحسینی، الشیخ هادی الیوسفی ، انتشارات فقیه - طهران 1368 ه- ش ، الطبعة الاولی .

86 - تبین الحقائق شرح کنز الدقائق :

للزیعلی ، فخر الدین عثمان بن علی الحنفی (ت 743 ه-) ، دار الکتب الإسلامی - القاهرة 1313 ه- .

87 - التحریر الطاووسی ( المستخرج من کتاب الاشکال ، لابن طاووس المتوفی 673 ه- ) :

للشیخ حسن بن زین الدین (صاحب المعالم) ، (ت 1011 ه-) ، تحقیق : فاضل الجوهری ، مکتبة المرعشی - قم 1411 ه- ، الطبعة الاولی .

88 - تحفة الابرار الملتقط من اثار الأئمة الاطهار :

للشفتی ، السید محمّد باقر (ت 1260 ه-) ، تحقیق : مکتبة مسجد السیّد - اصفهان ، 1409 ، الطبعة الاولی .

89 - تحفة الفقهاء :

لعلاء الدین السمرقندی (ت 639 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1405 ه- - 1984 م ، الطبعة الأولی .

90 - تحف العقول عن آل الرسول :

لابن شعبة الحرانی ، الحسن بن علی بن الحسین (من اعلام القرن الرابع) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1404 ه- ، الطبعة الثانیة .

91 - تحریر الاحکام الشرعیة علی مذهب الإمامیة :

العلامة الحلی ، أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) ، تحقیق : الشیخ إبراهیم البهادری ، مؤسسة الإمام الصادق - قم 1420ه- ، الطبعة الاولی .

ص:551

92 - التحفة المدنیة فی العقیدة السلفیة :

لال معمر ، الشیخ حمد بن ناصر بن عثمان (ت 1255 ه-) ، تحقیق : عبدالسلام ابن برجس بن ناصر آل عبدالکریم ، دار العاصمة للنشر والتوزیع - الریاض - 1413 ه- ، الطبعة : الأولی .

93 - تذکرة الفقهاء :

للعلامة الحلی ، أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1414 ه- ، الطبعة الاولی .

94 - التسهیل لعلوم التنزیل :

الغرناطی ، محمّد بن أحمد بن محمّد الکلبی (ت 741 ه-) ، دار الکتاب العربی - لبنان - 1403 ه- - 1983م ، الطبعة : الرابعة .

95 - تصحیح اعتقادات الإمامیة :

للشیخ المفید ، محمّد بن أحمد بن محمّد الکلبی (ت 741 ه-) ، دار الکتاب العربی - لبنان - 1403 ه- - 1983م ، الطبعة : الرابعة .

96 - تطور المبانی الفکریة للتشیع فی القرون الثلاثة الاولی :

للدکتور حسین الطباطبائی المدرسی ، ترجمة : الدکتور فخری مشکور ، طبع فی قم - إیران .

97 - تعلیقة الوحید البهبهانی علی کتاب منهج المقال للاسترابادی (المطبوع فی أوله) :

المولی محمّد باقر الوحید البهبهانی (ت 1205 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1422 ه- ، الطبعة الاولی .

98 - تفسیر الإمام العسکری = (المنسوب إلیه علیه السلام ) (ت 260 ه-) ، مدرسة الإمام الهادی - قم 1409 ه- ، الطبعة الاولی .

ص:552

99 - تفسیر ابن کثیر = تفسیر القرآن العظیم :

لإسماعیل بن عمر بن کثیر الدمشقی أبو الفداء (ت 774 ه-) ، دار الفکر - بیروت - 1401 ه- .

100 - تفسیر أبی حمزة الثمالی :

لثابت بن دینار الثمالی (ت 148 ه-) ، تحقیق : عبدالرزاق محمّد حسین حرز الدین ، الشیخ محمّد هادی معرفة ، دفتر نشر الهادی - قم 1420 ه- ، الطبعة : الاولی .

101 - تفسیر البحر المحیط :

لأبی حیان الاندلسی ، محمّد بن یوسف (ت 745 ه-) ، تحقیق : الشیخ عادل أحمد عبدالموجود - الشیخ علی محمّد معوض ، دار الکتب العلمیة - لبنان / بیروت - 1422 ه- - 2001 م ، الطبعة : الأولی .

102 - تفسیر البغوی :

للحسین بن مسعود الفراء البغوی الشافعی ، (ت 516 ه-) ، تحقیق : خالد عبدالرحمن الک ، دار المعرفة - بیروت .

103 - تفسیر الثعالبی = الجواهر الحسان فی تفسیر القران :

لعبد الرحمن بن محمّد بن مخلوف الثعالبی (ت 875 ه-) ، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت .

104 - تفسیر الثعلبی = الکشف والبیان فی تفسیر القران :

لأبی إسحاق الثعلبی ، أحمد بن محمّد بن إبراهیم النیسابوری (ت 427 ه-) تحقیق : أبی محمّد بن عاشور ، نظیر الساعدی ، دار احیاء التراث العربی - بیروت 1422 ه- ، الطبعة الاولی .

105 - تفسیر الحبری :

ص:553

لأبی عبدالله الکوفی ، الحسین بن الحکم بن مسلم (286 ه-) ، تحقیق : السید محمّد رضا الحسینی الجلالی ، مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث - قم 1408 ه- ، الطبعة الاولی .

106 - تفسیر السمرقندی = بحر العلوم :

لأبی اللیث السمرقندی ، نصر بن محمّد بن أحمد (ت 383 ه-) ، تحقیق : د. محمود مطرجی ، دار الفکر - بیروت .

107 - تفسیر السمعانی = تفسیر القرآن :

لأبی المظفر منصور بن محمّد بن عبدالجبار السمعانی (ت 489 ه-) ، تحقیق : یاسر بن إبراهیم وغنیم بن عباس بن غنیم ، دار الوطن - الریاض 1418 ه- - 1997م ، الطبعة : الأولی .

108 - تفسیر الصنعانی :

لعبد الرزاق بن همام الصنعانی (ت 211 ه-) ، تحقیق : د. مصطفی مسلم محمّد ، مکتبة الرشد - الریاض 1410 ، الطبعة : الأولی .

109 - تفسیر الطبری = جامع البیان عن تأویل آی القرآن :

لمحمّد بن جریر بن یزید بن خالد الطبری (ت 310 ه-) ، دار الفکر - بیروت 1405 ه- .

110 - تفسیر العیاشی :

لمحمّد بن مسعود بن عیاش السلمی (ت 320 ه-) ، تحقیق : السیّد هاشم المحلاتی ، المکتبة العلمیة الإسلامیة - طهران .

111 - تفسیر فرات الکوفی :

لفرات بن إبراهیم (ت 352 ه-)، تحقیق: محمّد کاظم، مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الإسلامی - طهران 1410 ه-، الطبعة الاولی .

112 - تفسیر القرطبی = الجامع لاحکام القرآن :

ص:554

لأبی عبدالله القرطبی ، محمّد بن أحمد الأنصاری (ت 671 ه-) ، دار الشعب - القاهرة .

113 - تفسیر القمی :

لأبی الحسن القمی ، علی بن إبراهیم (من اعلام القرنین الثالث والرابع الهجری) ، تحقیق : السید طیب الموسوی الجزائری ، دار الکتاب للطباعة والنشر - قم 1404 ه- ، الطبعة الثالثة .

114 - التفسیر الکبیر = مفتاح الغیب :

للفخرالرازی ، محمّد بن عمر التمیمی الشافعی (ت 606 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1421 ه- - 2000م ، الطبعة : الأولی .

115 - تفسیر النیسابوری = تفسیر غرائب القرآن ورغائب الفرقان :

لنظام الدین الحسن بن محمّد بن حسین القمی النیسابوری (ت 728 ه-) ، تحقیق : زکریا عمیرات ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1416 ه- - 1996 م ، الطبعة الاولی .

116 - تقریرات السید البروجردی فی اصول الفقه :

لعلی بناه الاشتهاردی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1417 ه- ، الطبعة الاولی .

117 - التقریر والتحبیر فی علم الأصول :

لابن أمیر الحاج ، محمّد بن محمّد الحلبی الحنفی (ت 879 ه-) ، دار الفکر - بیروت 1417 ه- - 1996م .

118 - تقیید العلم :

للخطیب البغدادی ، أحمد بن علی (ت 463 ه-) ، دار إحیاء السنة النبویة .

119 - تلخیص الخلاف وخلاصة الاختلاف :

ص:555

لراشد الصیمری ، مفلح بن الحسن (الحسین) البحرانی (ت حدود 900 ه-) ، نشر مکتبة المرعشی النجفی - قم 1408 ه- .

120 - تلخیص المرام فی معرفة الاحکام :

العلامة الحلی : الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه-) ، تحقیق : هادی القبیسی ، مرکز النشر الإسلامی - قم 1421 ه- ، الطبعة الاولی .

121 - تمام المنة فی التعلیق علی فقه السنة :

للالبانی ، محمّد ناصر الدین ، دار الرایة - الریاض ، المکتبة الإسلامیة - عمان 1409 ه- ، الطبعة الثانیة .

122 - التنبیه والاشراف :

للمسعودی ، أبی الحسن علی بن الحسین بن علی المسعودی ، (ت 346 ه-) .

123 - التنبیه والرد علی أهل الأهواء والبدع :

لأبی الحسن الملطی ، محمّد بن أحمد بن عبدالرحمن الشافعی (ت 377 ه-) ، تحقیق : محمّد زاهد بن الحسن الکوثری ، المکتبة الأزهریة للتراث - مصر 1418 ه- - 1997م .

124 - التنقیح الرائع لمختصر الشرائع :

للفاضل المقداد السیوری ، جمال الدین المقداد بن عبدالله (ت 826 ه-) ، تحقیق : السید عبداللطیف الحسینی الکوهکمری ، مکتبة المرعشی النجفی - قم 1404 ه- ، الطبعة الاولی .

125 - تنویر الحوالک شرح موطأ مالک :

للسیوطی ، عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) ، المکتبة التجاریة الکبری - مصر 1389 ه- - 1969م .

126 - تهذیب الاحکام :

للشیخ الطوسی ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) ، تحقیق : السید حسن

ص:556

الموسوی الخرسان ، دار الکتب الإسلامیة - طهران 1364 ه- ش ، الطبعة الثالثة .

127 - التوحید :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) تحقیق ، السید هاشم الحسینی الطهرانی ، ط- جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم - إیران .

128 - تهذیب اللغة :

للازهری ، أبی منصور محمّد بن أحمد (ت 370 ه-) ، تحقیق : محمّد عوض مرعب ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت 2001 م ، الطبعة : الأولی .

129 - التیسیر بشرح الجامع الصغیر :

للمناوی ، زین الدین عبدالرؤوف (ت 1031 ه-) ، مکتبة الإمام الشافعی - الریاض - 1408 ه- - 1988م ، الطبعة : الثالثة .

130 - ثواب الاعمال وعقاب الاعمال :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : السید محمّد مهدی حسن الخرسان ، الشریف الرضی - قم 1368 ه- ش ، الطبعة الثانیة .

131 - الجامع لاحکام الشرائع :

للحاج محد کریم خان الکرمانی ، نشر مطبعة السعادة - کرمان 1367 ه- ، الطبعة الاولی .

132 - جامع الشتات (فارسی) :

للمیرزا القمی ، أبی القاسم بن الحسن الجیلانی الجابلاقی القمی (ت 1231 ه-) ، تحقیق : مرتضی مرتضوی ، مؤسسة کیهان - طهران 1371 ه- ش ، الطبعة الاولی .

ص:557

133 - الجامع للشرائع :

للحلی ، محمّد بن سعید (ت 689 ه-) ، تحقیق : الشیخ جعفر السبحانی ، مؤسسة سید الشهداء - قم 1405 ه- ، الطبعة الاولی .

134 - الجامع الصغیر فی احادیث البشیر النذیر :

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) ، دار الفکر - بیروت 1401 ه- ، الطبعة الاولی .

135 - جامع المقاصد فی شرح القواعد :

للمحقق الکرکی ، الشیخ علی بن الحسین (ت 940 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1408 ه- ، الطبعة الاولی .

136 - جزء اشیب :

لأبی علی الاشیب ، الحسن بن موسی البغدادی (ت 209 ه-) ، تحقیق : خالد ابن قاسم ، دار علوم الحدیث - الفجیرة 1410 ه- - 1990م ، الطبعة : الأولی .

137 - الجمع بین الصحیحین البخاری ومسلم :

لمحمّد بن فتوح الحمیدی (ت 1095 ه-) ، تحقیق : د. علی حسین البواب ، دار النشر : دار ابن حزم - لبنان / بیروت 1423 ه- - 2002م ، الطبعة : الثانیة .

138 - جمهرة الأمثال :

لأبی هلال العسکری (ت 395 ه-)، دار الفکر بیروت 1408ه- - 1988م.

139 - جمهرة خطب العرب :

لأحمد زکی صفوت ، دار النشر : المکتبة العلمیة - بیروت .

140 - الجواب الصحیح لمن بدل دین المسیح :

لأبن تیمیة ، أحمد عبدالحلیم بن عبدالسلام (ت 728ه-) ، تحقیق : علی سید صبح المدنی ، مطبعة المدنی - القاهرة .

ص:558

141 - جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار :

للصعدی ، محمّد بن یحیی بن محمّد بن أحمد (ت 957 ه-) ، مؤسسة الرسالة - بیروت 1379 ه- .

142 - جواهر الفقه :

للقاضی ابن براج الطرابلسی ، عبدالعزیز بن براج (ت 481 ه-) ، تحقیق : إبراهیم بهادری ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1411 ه- ، الطبعة الاولی .

143 - جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام :

للشیخ محمّد حسن النجفی (ت 1266 ه-) ، تحقیق : الشیخ عباس القوجانی ، الشیخ علی الآخوندی ، دار الکتب الإسلامیة - طهران 1392 ه- ، الطبعة الاولی .

144 - جواهر المطالب فی مناقب الإمام علی بن أبی طالب :

للباعونی الشافعی ، محمّد بن أحمد الدمشقی (ت 871 ه-) ، تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی ، مجمع احیاء الثقافة الإسلامیة - قم 1415 ه- ، الطبعة الاولی .

145 - حاشیة الشیخ سلیمان الجمل علی شرح المنهج (لزکریا الأنصاری ت 926 ه-) :

لسلیمان الجمل ، سلیمان بن عمر بن منصور العجیلی الازهری (ت 1204 ه-) ، دار الفکر - بیروت .

146 - حاشیة شرائع الإسلام :

للشهید الثانی ، زین الدین بن علی بن أحمد العاملی (ت 965 ه-) ، مکتب الاعلام الإسلامی - قم - إیران .

147 - الحاشیة علی مدارک الاحکام :

للمولی محمّد باقر الوحید البهبهانی (ت 1205 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل

ص:559

البیت لإحیاء التراث ، مشهد 1419 ه- - الطبعة الاولی .

148 - حاشیة مجمع الفائدة والبرهان :

للمولی محمّد باقر الوحید البهبهانی (ت 1205 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة العلامة المجدد الوحید البهبهانی ، قم 1417 ه- ، الطبعة الاولی .

149 - الحبل المتین :

للبهائی العاملی ، محمّد بن الحسین بن عبدالصمد الحارثی (ت 1030 ه-) ، مکتبة بصیرتی - قم .

150 - الحدائق الناضرة فی أحکام العترة الطاهرة :

للشیخ یوسف البحرانی (ت 1186 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم .

151 - حلیة الأولیاء وطبقات الأصفیاء :

لأبی نعیم الأصبهانی ، أحمد بن عبدالله (ت 430 ه-) ، دار الکتاب العربی - بیروت 1405 ه- ، الطبعة : الرابعة .

152 - حی علی خیر العمل الشرعیة والشعاریة = الأذان بین الأصالة والتحریف :

للسید علی الشهرستانی، دار الغدیر قم 1426 ه- 2006 م، ط- الاولی.

153 - حیاة المحقق الکرکی وآثاره :

للشیخ محمّد الحسون ، دار الاحتجاج - قم 1423 ه- ، الطبعة الاولی .

154 - حلیة الابرار فی احوال محمّد وآله الاطهار :

للسید هاشم البحرانی (ت 1107 ه-) ، تحقیق : الشیخ غلام رضا مولانا البروجردی ، مؤسسة المعارف الإسلامیة - قم 1411 ه- ، الطبعة الاولی .

155 - خاتمة المستدرک = خاتمة مستدرک الوسائل :

للمیرزا النوری ، الشیخ حسین النوری الطبرسی (ت 1320 ه-) ، تحقیق

ص:560

ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1415 ه- ، ط- الاولی .

156 - الخصال :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : علی اکبر غفاری ، جماعة المدرسین - قم 1403 ه- ، الطبعة الاولی .

157 - خصائص الأئمة :

للشریف الرضی ، أبی الحسن محمّد بن الحسین بن موسی الموسوی البغدادی (ت 406 ه-) ، تحقیق : الدکتور محمّد هادی الأمینی ، مجمع البحوث الإسلامیة - الاستانة الرضویة - مشهد 1406 ه- .

158 - خصائص علی = خصائص أمیر المؤمنین :

للنسائی ، أبی عبدالرحمان ، أحمد بن شعیب الشافعی (ت 303 ه-) ، تحقیق : محمّد هادی الامینی ، مکتبة نینوی الحدیثة - طهران - إیران .

159 - الخصائص الکبری :

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن أبی بکر (ت 911 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1405 ه- - 1985م .

160 - خصائص الوحی المبین :

لابن البطریق ، یحیی بن الحسن الأسدی الربعی الحلی (ت 600 ه-) ، تحقیق: الشیخ مالک المحمودی ، دار القرآن الکریم / قم 1417 ه-، ط- الأولی.

161 - خلاصة الأقوال فی معرفة الرجال = رجال العلامة :

للعلّامة الحلی ، أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الاسدی (ت 726 ه- ) ، تحقیق : الشیخ جواد القیومی ، مؤسسة نشر الفقاهة - قم 1417 ه- ، الطبعة الاولی .

162 - الخلاف :

ص:561

للشیخ الطوسی ، أبی جعفر ، محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) ، جماعة المدرسین - قم 1407 ه- .

163 - الدارس فی تاریخ المدارس :

للنعیمی ، عبدالقادر بن محمّد الدمشقی (ت 927 ه-) ، تحقیق : إبراهیم شمس الدین ، دار الکتب العلمیة - بیروتن 1410 ه- ، الطبعة : الأولی .

164 - الدر المنثور :

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن بن الکمال (ت 911 ه-) ، دار الفکر - بیروت - 1993 م .

165 - الدرة النجفیة :

للسید مهدی بحر العلوم (ت 1212 ه-) ، تقدیم : الشیخ محمّد هادی الامینی ، مکتبة المفید - النجف الاشرف 1405 ه- .

166 - الدروس الشرعیة فی فقه الإمامیة :

للشهید الأول ، شمس الدین محمّد بن مکی العاملی (ت 786 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1412 ه- ، الطبعة الاولی .

167 - دعائم الإسلام :

للقاضی النعمان المغربی ، النعمان بن محمّد بن منصور بن حیون التمیمی (ت 363 ه-)، تحقیق: آصف بن علی، دار المعرفة القاهرة 1383 ه-.

168 - ده رساله = عشرة رسائل - فارسی - :

لرضا استادی ، مکتب النشر الإسلامی - قم 1380 ه- .

169 - دیوان دعبل الخزاعی :

لدعبل بن علی بن الخزاعی (ت 246 ه-) ، شرح وضبط : ضیاء حسین الأعلمی ، مؤسسة الاعلمی - بیروت 1417 ه- ، الطبعة الاولی .

ص:562

170 - دیوان علی الحمانی :

لعلی بن محمّد بن جعفر العلوی (ت 245 ه-) ، تحقیق : الدکتور محمّد حسین الاعرجی ، دار صادر - بیروت 1998 ه- ، الطبعة الاولی .

171 - ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی :

لمحب الدین الطبری ، أحمد بن عبدالله (ت 694 ه-) ، دار الکتب المصریة - مصر .

172 - الذخیرة :

للشریف المرتضی ، علم الهدی علی بن الحسین الموسوی البغدادی (ت 436 ه-) ، مؤسة النشر الإسلامی - قم 1411 ه- .

173 - الذخیرة فی علم الکلام :

للشریف المرتضی ، علم الهدی علی بن الحسین الموسوی البغدادی (ت 436 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1411 ه- .

174 - ذخیرة المعاد فی شرح الارشاد (طبعة حجریة) :

لملا محمّد باقر السبزواری (ت 1090 ه-) ، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم .

175 - الذریعة إلی تصانیف الشیعة :

للشیخ اغا بزرک طهرانی (ت 1389 ه-) ، دار الاضواء - بیروت 1403 ه- ، الطبعة الثالثة .

176 - ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة :

للشهید الأول ، محمّد بن جمال الدین مکی العاملی (ت 786 ه-)، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1419 ه-، الطبعة الاولی .

177 - ذیل تاریخ بغداد :

لابن النجار البغدادی ، محمّد بن محمود بن الحسن (ت 643 ه-) ، تحقیق :

ص:563

مصطفی عبدالقادر یحیی ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1417 ه- ، الطبعة الاولی .

178 - الذیل علی جزء بقی بن مخلد (ما روی فی الحوض والکوثر) :

لابن بشکوال ، خلف بن عبدالملک بن مسعود (ت 578 ه-) ، تحقیق : عبدالقادر محمّد عطا صوفی ، مکتبة العلوم والحکم - المدینة المنورة 1413 ، الطبعة : الأولی .

179 - رجال ابن داود :

لتقی الدین الحسن بن علی بن داود الحلی (ت 707 ه-) ، تحقیق : السید محمّد صادق ال بحر العلوم ، المطبعة الحیدریة - النجف ، دار الرضی - قم 1392 ه- .

180 - رجال ابن الغضائری :

لاحمد بن الحسین بن عبیدالله بن إبراهیم البغدادی (من أعلام القرن الخامس الهجری) ، تحقیق : السید محمّد رضا الحسینی الجلالی ، دار الحدیث - قم 1422 ه- ، الطبعة الأولی .

181 - رجال بحر العلوم = الفوائد الرجالیة :

للسید محمّد المهدی بحر العلوم (ت 1212 ه-) ، تحقیق : محمّد صادق بحر العلوم ، حسین بحر العلوم ، مکتبة الصادق - طهران 1363 ه- ش ، الطبعة الأولی .

182 - رجال الشیخ = رجال الطوسی :

لأبی جعفر محمّد بن الحسن الطوسی (ت 460 ه-) ، تحقیق : جواد القیومی الاصفهانی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1415 ه-) ، الطبعة الأولی .

183 - رجال الکشی = اختیار معرفة الرجال :

لأبی جعفر محمّد بن الحسن الطوسی (ت 460 ه-) ، مع تعلیقات میرداماد

ص:564

الاستربادی ، تحقیق : السید مهدی الرجائی ، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1404 ه- .

184 - فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشی :

لأبی العباس أحمد بن علی بن أحمد بن العباس الأسدی الکوفی (ت 450 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی ئ - قم 1416 ه- ، الطبعة الخامسة .

185 - الرسائل التسع :

للمحقق الحلی ، أبی القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن (ت 676 ه-) ، تحقیق : رضا استادی ، مکتبة المرعشی النجفی - قم 1413 ه- ، الطبعة الأولی .

186 - رسائل الخونساری :

لجمال الدین محمّد بن حسین الخونساری (ت 1122 ه-) ، تحقیق : علی اکبر زمانی نجاد ، نشر : مؤتمر المحقق الخونساری - قم ، الطبعة الأول .

187 - الرسائل العشر :

لأبن فهد الحلی ، أحمد بن محمّد بن فهد الحلی (ت 841 ه-) ، تحقیق : السید مهدی رجائی ، السید محمود المرعشی ، مکتبة المرعشی النجفی - قم 1409 ه- ، الطبعة الأولی .

188 - رسائل الشریف المرتضی :

لعلی بن الحسین بن موسی (ت 436 ه-) ، تحقیق : السید أحمد الحسینی ، دار القران - قم 1405 ه- .

189 - رسائل ومسائل (فارسی) :

للنراقی ، ملا أحمد النراقی (ت 1245 ه-) ، تحقیق : رضا استادی ، نشر المؤتمر العالمی لإحیاء ذکری الملا مهدی والملا أحمد النراقی قم 1380.

190 - الرعایة فی علم الدرایة :

ص:565

للشهید الثانی ،زین الدین علی بن أحمد الجعبی العاملی (ت 965 ه-) ، تحقیق : عبدالحسین محمّد علی البقال ، مکتبة المرعشی النجفی - قم 1408 ه- ، الطبعة الثانیة .

191 - الرفع والتکمیل فی الجرح والتعدیل :

للکنوی ، محمّد عبدالحی الهندی (ت 1304 ه-) ، تحقیق : عبدالفتاح أبو غدة ، مکتب المطبوعات الإسلامیة - حلب 1407 ه- ، الطبعة : الثالثة .

192 - الرواشح السماویة :

للمیرداماد ، محمّد باقر الحسینی الاسترآبادی (ت 1041 ه-) ، تحقیق : غلام حسین قیصریه ها ، نعمة الله الجلیلی ، دار الحدیث للطباعة والنشر - قم 1422 ه- ، الطبعة الأولی .

193 - روض الجنان فی شرح الاذهان (طبعة حجریة) :

للشهید الثانی ، زین الدین علی بن أحمد الجعبی العاملی (ت 965 ه-) ، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم .

194 - الروض النضیر :

للسیاغی ، شرف الدین الحسین بن أحمد (ت 1221 ه-) ، مکتبة المؤید - الطائف ، الطبعة الثانیة .

195 - روضات الجنات فی احوال العلماء والسادات :

للخوانساری ، المیرزا محمّد باقر الموسوی الاصبهانی (ت 1313 ه-) ، نشر مؤسسة إسماعیلیان - قم .

196 - الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة :

للشهید الثانی ، زین الدین الجبعی العاملی (ت 965 ه-) ، تحقیق : السید محمّد کلانتر ، مکتبة الداوری - قم 1410 ه- ، الطبعة الأولی .

ص:566

197 - روضة الواعظین :

للفتال النیسابوری ، محمّد بن الفتال النیسابوری (ت 508 ه-) ، تحقیق : السید محمّد مهدی حسن الخرسان ، دار الشریف الرضی - قم .

198 - روضة المتقین فی شرح من لا یحضره الفقیه :

للمجلسی الاول ، محمّد تقی بن مقصود علی الاصفهانی (ت 1070 ه-) ، تحقیق : السید حسین الموسوی الکرمانی ، الشیخ علی بناه الاشتهاردی ، السید فضل الله الطباطبائی ، المؤسسة الثقافیة الإسلامی لکوشانبور - قم 1406 ه- ، الطبعة الثانیة .

199 - ریاض المسائل :

للسید علی الطباطبائی (ت 1231 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1412 ه- ، الطبعة الأولی .

200 - زاد المسیر فی علم التفسیر :

لابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علی بن محمّد الجوزی (ت 597 ه-) ، المکتب الإسلامی - بیروت 1404 ، الطبعة : الثالثة .

201 - سداد العباد ورشاد العباد :

لآل عصفور البحرانی ، الحسین بن محمّد (ت 1216 ه-) ، تحقیق : محسن آل عصفور ، نشر محلاتی - قم 1412 ه- ، الطبعة الأولی .

202 - سر الإیمان :

للمقرم ، عبدالرزاق الموسوی (ت 1391 ه-) ، نشر سید الشهداء - قم 1412 ه- ، الطبعة الثالثة .

203 - السرائر :

لابن إدریس الحلی ، أبی جعفر محمّد بن منصور بن أحمد (ت 589 ه-)، مؤسسة

ص:567

النشر الإسلامی - قم 1410 ه- ، الطبعة الثانیة .

204 - سفرنامه ناصر خسرو :

لناصر خسرو قبادیانی (ت 481 ه-) ، تحقیق : الدکتور یحیی الخشاب ، دار الکتاب الجدید - بیروت 1983م ، الطبعة الثالثة .

205 - سمط النجوم العوالی فی أنباء الأوائل والتوالی :

للعاصمی ، عبدالملک بن حسین بن عبدالملک الشافعی المکی (ت 1111 ه-) ، تحقیق : عادل أحمد عبدالموجود - علی محمّد معوض ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1419 ه- - 1998م .

206 - سنن أبی داود :

لأبی داود السجستانی ، سلیمان بن الأشعث الأزدی (ت 275 ه-) ، تحقیق : محمّد محیی الدین عبدالحمید ، دار الفکر - بیروت .

207 - سنن ابن ماجة :

لأبی عبدالله القزوینی ، محمّد بن یزید (ت 275 ه-) ، تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی ، دار الفکر - بیروت .

208 - سنن البیهقی الکبری :

لأبی بکر البیهقی ، أحمد بن الحسین بن علی بن موسی (ت 458 ه-) ، تحقیق : محمّد عبدالقادر عطا ، مکتبة دار الباز - مکة 1414 ه- - 1994م .

209 - سنن الترمذی = الجامع الصحیح :

لأبی عیسی الترمذی السلمی، محمّد بن عیسی بن سورة (ت 279 ه-) ، تحقیق : أحمد محمّد شاکر وآخرون ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1357 ه- .

210 - سنن الدارقطنی :

لعلی بن عمر أبو الحسن الدارقطنی البغدادی ، تحقیق : السید عبدالله هاشم

ص:568

یمانی المدنی ، دار النشر : دار المعرفة - بیروت - 1386 - 1966 .

211 - سنن الدارمی :

لأبی محمّد الدارمی ، عبدالله بن عبدالرحمن (ت 255 ه-) ، تحقیق : فواز أحمد زمرلی ، خالد السبع العلمی ، دار الکتاب العربی - بیروت - 1407 ، الطبعة : الأولی .

212 - سنن سعید بن منصور :

لسعید بن منصور الخراسانی (ت 227 ه-) ، تحقیق : حبیب الرحمن الأعظمی ، الدار السلفیة - الهند 1403 ه- - 1982م ، الطبعة الأول ، وطبعة ثانیة ، تحقیق : د. سعد بن عبدالله بن عبدالعزیز آل حمید ، دار العصیمی - الریاض 1414 ه- ، الطبعة الأولی .

213 - السنن الکبری للنسائی :

لأبی عبدالرحمن النسائی ، أحمد بن شعیب (ت 303 ه-) .

تحقیق : د. عبدالغفار سلیمان البنداری ، سید کسروی حسن ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1411ه- - 1991م ، الطبعة الأولی .

214 - السنة لابن أبی عاصم :

لعمرو بن أبی عاصم الضحاک الشیبانی (ت 287 ه-) ، تحقیق : محمّد ناصر الدین الألبانی ، المکتب الإسلامی - بیروت 1400 ه- ، الطبعة الأولی .

215 - سنن النسائی (المجتبی من السنن) :

لأبی عبدالرحمن النسائی ، أحمد بن شعیب (ت 303 ه-) ، تحقیق : عبدالفتاح أبو غدة ، مکتب المطبوعات الإسلامیة - حلب 1406 ه- - 1986م ، الطبعة الثانیة .

216 - سیر اعلام النبلاء :

ص:569

للذهبی ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قایماز (ت 748 ه-) ، تحقیق : شعیب الأرناؤوط ، محمّد نعیم العرقسوسی ، مؤسسة الرسالة - بیروت - 1413 ه- ، الطبعة التاسعة .

217 - السیرة الحلبیة فی سیرة الأمین المأمون :

لعلی بن برهان الدین الحلبی ( ت 1044 ه- ) ، دار المعرفة - بیروت - 1400 ه- .

218 - السیرة النبویة لابن هشام = سیرة ابن هشام :

للحمیری المعافری ، عبدالملک بن هشام بن أیوب ، (ت 218 ه-) ، تحقیق : طه عبدالرؤوف سعد ، دار الجیل - بیروت 1411 ه- ، الطبعة الأولی .

219 - السیل الجرار المتدفق علی حدائق الأزهار :

للشوکانی ، محمّد بن علی بن محمّد (ت 1255 ه-) ، محمود إبراهیم زاید ، دار الکتب العلمیة - بیروت - 1405 ه-) ، الطبعة الأولی .

220 - شرائع الإسلام فی مسائل الحلال والحرام :

للمحقق الحلی ، أبی القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن (ت 676 ه-) ، تحقیق : السید صادق الشیرازی ، مؤسسة الوفاء - بیروت 1403 ، الطبعة الثالثة .

221 - شرح الاخبار فی فضائل الأئمة الاطهار :

للقاضی النعمان المغربی ، أبی حنیفة النعمان بن محمّد التمیمی (ت 363 ه-) ، تحقیق : السید محمّد الحسینی الجلالی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

222 - شرح الأزهار :

لأحمد المرتضی (ت 840 ه-) ، مکتبة غمضان ، صنعاء - الیمن .

223 - شرح اصول الکافی :

ص:570

للمازندرانی ، المولی محمّد صالح (ت 1081 ه-) ، تحقیق : المیرزا أبو الحسن الشعرانی ، السید علی عاشور ، دار احیاء التراث العربی - بیروت 1421 ه- ، الطبعة الأولی .

224 - شرح البدایة فی علم الدرایة :

للشهید الثانی ، زین الدین بن علی بن أحمد العاملی (ت 965 ه-) ، تحقیق : عبدالحسین محمّد علی البقال ، مکتبة جهل ستون العامة - اصفهان 1402 ه- ، الطبعة الأولی المحققة .

225 - شرح التجرید :

للقوشجی ، علاء الدین (ت 879 ه-) ، منشورات الرضی ، قم - إیران .

226 - شرح الزرقانی علی موطأ مالک :

للزرقانی ، محمّد بن عبدالباقی بن یوسف (ت 1122 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1411 ه- ، الطبعة الأولی .

227 - شرح العضدی علی المختصر الاصولی لابن الحاجب :

لعضد الدین الایجی ، عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالغفار الشیرازی الشافعی (ت 756 ه-) ، صحیحه : أحمد رامز ، طبع حسن حلمی 1307ه- .

228 - شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدین والتمسک بالسنن :

لأبی حفص ، عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهین (ت 385 ه- ، تحقیق : عادل بن محمّد ، مؤسسة قرطبة للنشر والتوزیع 7 1415 ه- - 1995م ، الطبعة الأولی .

229 - شرح مشکل الآثار :

لأبی جعفر الطحاوی ، أحمد بن محمّد بن سلامة (ت 321 ه-) ، تحقیق : شعیب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة - بیروت 1408 ه- - 1987م ، الطبعة الأولی .

230 - شرح معانی الآثار :

ص:571

لأبی جعفر الطحاوی ، أحمد بن محمّد بن سلامة (ت 321 ه-) ، تحقیق : محمّد زهری النجار ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1399 ه- ، الطبعة الأولی .

231 - شرح المعتمد :

لأبی السراج القاضی ، محمود بن أحمد بن مسعود القونوی الحنفی (ت 770 ، 777 ه-) .

232 - شرح المقاصد فی علم الکلام :

للتفتازانی ، سعد الدین مسعود بن عمر بن عبدالله (ت 793 ه-) ، دار المعارف النعمانیة - باکستان 1401 ه- - 1981 م ، الطبعة الأولی .

233 - شرح نهج البلاغة :

لأبن أبی الحدید ، عز الدین بن هبة الله بن محمّد (ت 656 ه-) ، تحقیق : محمّد أبو الفضل إبراهیم ، دار احیاء الکتب العربیة - 1378 ه- ، الطبعة الأولی .

234 - شرح النووی علی صحیح مسلم :

لأبی زکریا ، یحیی بن شرف بن مری النووی (676 ه-) ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت 1392 ه- ، الطبعة الثانیة .

235 - الشمائل الشریفة :

للسیوطی ، جلال الدین عبدالرحمن بن أبی بکر (ت 911 ه-) ، تحقیق : حسن ابن عبید باحبیشی ، دار طائر العلم للنشر والتوزیع .

236 - شواهد التنزیل لقواعد التفضیل :

للحاکم الحسکانی ، عبیدالله بن عبدالله بن أحمد (من أعلام القرن الخامس ، تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الإسلامی - طهران 1411 ه- ، الطبعة الأولی .

237 - الشهادة الثالثة :

ص:572

للشیخ محمّد السند ، قرره : الشیخ علی الشکری البغدادی ، طهران 1385 ه- ، الطبعة الأولی .

238 - الشهادة الثالثة (فارسی) :

لعبد الرضا الابراهیمی ، نشر مطبعة السعادة - کرمان .

239 - صبح الأعشی فی صناعة الإنشا :

للقلقلشندی ، أحمد بن علی بن أحمد الفزاری (ت 821 ه-) ، تحقیق : عبدالقادر زکار ، وزارة الثقافة - دمشق - 1981م .

240 - صحیح ابن حبان (بترتیب ابن بلبان الفارسی) :

لأبی حاتم التمیمی البستی ، محمّد بن حبان بن أحمد (ت 354 ه-) ، تحقیق : شعیب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة - بیروت 1414 ه- - 1993م ، الطبعة الثانیة .

241 - صحیح ابن خزیمة :

لأبی بکر السلمی النیسابوری ، محمّد بن إسحاق بن خزیمة (ت 311 ه-) ، تحقیق : د. محمّد مصطفی الأعظمی ، المکتب الإسلامی - بیروت 1390 ه- - 1970م .

242 - صحیح البخاری :

لأبی عبدالله البخاری ، محمّد بن إسماعیل الجعفی (ت 256 ه-) ، تحقیق : د. مصطفی دیب البغا ، دار ابن کثیر ، الیمامة - بیروت 1407ه- - 1987م ، الطبعة الثالثة .

243 - صحیح مسلم :

لأبی الحسین القشیری النیسابوری ، مسلم بن الحجاج (ت 261 ه-) ، تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت .

ص:573

244 - الصحیفة السجادیة :

للإمام زین العابدین علیه السلام (ت 94 ه-) ، تحقیق : السید محمّد باقر الموحد الابطحی الاصفهانی ، مؤسسة الإمام المهدی - قم 1411ه- ، الطبعة الأولی .

245 - الصراط المستقیم إلی مستحقی التقدیم :

للبیاضی العاملی ، علی بن یونس النباطی أبی محمّد (ت 877 ه-) ، تحقیق : محمّد باقر البهبودی ، المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة - إیران 1384 ه- ، الطبعة الأولی .

246 - صفات الشیعة :

للشیخ الصدوق : أبی محمّد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، مرکز عابدی للنشر - طهران .

247 - الصواعق المحرقة :

لابن حجر الهیثمی، أبی العباس أحمد بن محمّد بن علی (ت 973 ه-) ، تحقیق : عبدالرحمن بن عبدالله الترکی - کامل محمّد الخراط ، مؤسسة الرسالة - لبنان 1417 ه- - 1997م ، الطبعة الأولی .

248 - طبقات ابن سعد = الطبقات الکبری :

لمحمّد بن سعد بن منیع البصری الزهری (ت 230 ه-) ، دار النشر : دار صادر - بیروت .

249 - طبقات الشافعیة الکبری :

للسبکی ، تاج الدین بن علی بن عبدالکافی (ت 756 ه-) ، تحقیق : د. محمود محمّد الطناحی د. عبدالفتاح محمّد الحلو ، دار النشر : هجر للطباعة والنشر والتوزیع - 1413 ه- ، الطبعة : ط 2 .

250 - عدة الاصول = العدة فی اصول الفقه :

ص:574

للشیخ الطوسی ، أبی جعفر محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) ، تحقیق : محمّد رضا الانصاری ، مطبعة ستارة - قم 1417 ه- ، الطبعة الأولی .

251 - عدة الرجال :

للاعرجی ، السید محسن بن الحسن الحسینی الکاظمی (ت 1227 ه- ) ، تحقیق : مؤسسة الهدایة لإحیاء التراث ، نشر مؤسسة إسماعیلیان - قم 1415 ه- .

252 - العزلة :

للخطابی ، أبی سلیمان حمد بن محمّد بن إبراهیم البستی (ت 388 ه-) ، المطبعة السلفیة - القاهرة 1399 ه- ، الطبعة الثانیة .

253 - العقد النضید والدر الفرید فی فضائل أمیر المؤمنین وأهل البیت :

للقمی ، محمّد بن الحسن (من أعلام القرن السابع) ، تحقیق : علی أواسط الناطقی ، دار الحدیث للطباعة والنشر - قم 1423 ه- ، الطبعة الأولی .

254 - علل الشرائع :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : السید محمّد صادق بحر العلوم ، المکتبة الحیدریة - النجف الأشرف 1385 ه- .

255 - العمدة = عمدة عیون صحاح الاخبار فی مناقب امام الابرار :

لأبن البطریق ، یحیی بن الحسن الأسدی (ت 600 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1407 ه- .

256 - عمدة القارئ شرح صحیح البخاری :

للعینی ، بدر الدین محمود بن أحمد (ت 855 ه-) ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت .

257 - عوالی اللئالی العزیزیة فی الأحادیث الدینیة :

لابن أبی جمهور الاحسائی ، محمّد بن علی بن إبراهیم (ت 895 ه-) ، تحقیق :

ص:575

الحاج آقا مجتبی العراقی ، مطبعة سید الشهداء - قم 1403 ه- ، الطبعة الأولی .

258 - عیون أخبار الرضا :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بایویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : الشیخ حسن الاعلمی ، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات - بیروت 1404 ه- .

259 - عیون الحکم والمواعظ :

للواسطی ، الشیخ کافی الدین أبی الحسن علی بن محمّد اللیثی (من اعلام الإمامیة فی القرن السادس) ، تحقیق : الشیخ حسین الحسینی البیرجندی ، دار الحدیث - قم ، الطبعة الاولی .

260 - الغارات :

للثقفی ، أبی إسحاق إبراهیم بن محمّد الکوفی (ت 283 ه-) ، تحقیق : السید جلال الدین المحدث ، طبع بالاوفسیت فی مطابع بهمن .

261 - غایة المرام فی شرح شرائع الإسلام :

لراشد الصیمری ، مفلح بن الحسن (ت حدود 900 ه-) ، تحقیق : جعفر الکوثرانی العاملی ، دار الهادی - بیروت 1420 ه- ، الطبعة الأولی .

262 - الغدیر فی الکتاب والسنة والادب :

للامینی ، عبدالحسین بن أحمد الامینی (ت 1392 ه-) ، دار الکتاب العربی - بیروت 1397 ه- ، الطبعة الرابعة .

263 - غرر الخصائص الواضحة :

للوطواط ، محمّد بن إبراهیم الأنصاری الکتبی، (ت 718 ه- - 1318م) .

264 - غنائم الأیام فی مسائل الحلال والحرام :

للمیرزا أبو القاسم القمی (ت 1221 ه-) ، تحقیق : الشیخ عباس تبریزیان ،

ص:576

مکتب الاعلام الإسلامی - قم 1417 ه- ، الطبعة الأول .

265 - غنیة النزوع إلی علمی الأصول والفروع :

لابن زهرة الحلبی ، حمزة بن علی (ت 585 ه-) ، تحقیق : الشی إبراهیم البهادری ، مؤسسة الإمام الصادق - ق 1417 ه- ، الطبعة الأولی .

266 - الغیبة :

لابن أبی زینب النعمانی ، أبی عبدالله محمّد بن إبراهیم بن جعفر الکاتب من علماء القرن الرابع الهجری ، تحقیق : فارس حسون کریم ، انوار الهدی - قم 1422ه- ، الطبعة الأولی .

267 - فتح الباری شرح صحیح البخاری :

لابن حجر العسقلانی ، أحمد بن علی بن حجر أبو الفضل الشافعی (ت 852 ه-) ، تحقیق : محب الدین الخطیب ، دار المعرفة - بیروت .

268 - فتح العزیز = الشرح الکبیر :

للرافعی ، عبدالکریم (ت 623 ه-) ، نشر دار الفکر .

269 - فتح المغیث شرح ألفیة الحدیث :

للسخاوی ، شمس الدین محمّد بن عبدالرحمن (ت 902 ه-) ، دار الکتب العلمیة - لبنان - 1403 ه- ، الطبعة الأولی .

270 - الفتوح :

لابن اعثم الکوفی ، أبی محمّد أحمد بن اعثم (ت 314 ه-) ، تحقیق : علی شیری ، دار الاضواء - بیروت 1411 ه- ، الطبعة الأولی .

271 - فتوح البلدان :

للبلاذری ، أحمد بن یحیی بن جابر (ت 279 ه-) ، تحقیق : رضوان محمّد رضوان ، دار الکتب العلمیة - بیروت - 1403 ه- .

ص:577

272 - الفتوحات المکیة :

لابن العربی ، أبی عبدالله محمّد بن علی (ت 638 ه-) ، دار صادر - بیروت .

273 - الفرحة الانسیة فی شرح النفحة القدسیة :

لآل عصفور البحرانی ، الحسین بن محمّد (ت 1216 ه-) ، طبعة بیروت .

274 - الفردوس بمأثور الخطاب :

للدیلمی ، أبی شجاع شیرویه بن شهردار بن شیرویه الهمذانی ، الملقب : ب- (إلکیا) (ت 509 ه-) ، تحقیق : السعید بن بسیونی زغلول ، دار النشر : دار الکتب العلمیة - بیروت 1406 ه- - 1986 م ، الطبعة : الأولی .

275 - الفرق بین الفرق وبیان الفرقة الناجیة :

لابن طاهر البغدادی ، عبدالقاهر بن طاهر بن محمّد (ت 429 ه-) ، دار الآفاق الجدیدة - بیروت 1977م ، الطبعة الثانیة .

276 - الفصول المختارة :

للشیخ المفید ، أبی عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه-) ، تحقیق : السید علی میر شریفی ، دار المفید - بیروت 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

277 - فضائل ابن شاذان = الروضة فی فضائل أمیر المؤمنین :

لسدید الدین شاذان بن جبرئیل القمی (ت 660 ه-) ، تحقیق : علی الشکرجی ، الطبعة الأولی 1423 ه- .

278 - فضائل الاشهر الثلاثة (رجب ، شعبان ، رمضان) :

للشیخ الصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : میرزا غلام رضا عرفانیان ، دار المحجة البیضاء - بیروت 1412 ه- ، الطبعة الثانیة .

279 - فضائل الصحابة :

ص:578

لأحمد بن حنبل الشیبانی (ت 241 ه-) ، تحقیق : د. وصی الله محمّد عباس ، مؤسسة الرسالة - بیروت 1403 - 1983 ، الطبعة الأولی .

280 - فقه الرضا :

لابن بابویه القمی ، علی بن الحسین (ت 329 ه-) ، تحقیق : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث ، نشر المؤتمر العالمی للإمام الرضا - مشهد 1406 ه- ، الطبعة الأولی .

281 - الفقیه = من لا یحضره الفقیه :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم ، الطبعة الثانیة .

282 - فلاح السائل :

لابن طاووس ، أبی القاسم علی بن موسی بن جعفر (ت 664 ه-) ، مکتب الإعلام الإسلامی - قم .

283 - فوائد الاصول :

للشیخ محمّد علی الکاظمی الخراسانی (ت 1365 ه-) ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1404 ه- .

284 - الفوائد الرجالیة للبهبهانی (المطبوع بآخر رجال الخاقانی) :

للمولی محمّد باقر الوحید البهبهانی (ت 1205 ه-) ، تحقیق : السید محمّد صادق بحر العلوم ، مکتب الاعلام الإسلامی - قم 1404 ه- ، الطبعة الثانیة .

285 - الفوائد الملیة لشرح الرسالة النفلیة :

للشهید الثانی ، زین الدین بن علی بن أحمد العاملی (ت 966 ه-) ، تحقیق : محمّد حسین المولوی ، مرکز النشر الإسلامی - قم 1420 ه- ، الطبعة الأولی .

286 - الفهرست :

ص:579

للشیخ الطوسی ، أبی جعفر محمّد بن الحسن (ت 460 ه-) ، تحقیق : الشیخ جواد القیومی ، مؤسسة نشر الفقاهة - قم 1417 ه- ، الطبعة الأولی .

وطبعة أخری : تحقیق : أحمد عبدالسلام ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1415 ه- ، الطبعة الأولی .

287 - فیض القدیر شرح الجامع الصغیر :

للمناوی ، عبدالرؤوف محمّد بن علی الشافعی (ت 1031 ه-) ، المکتبة التجاریة الکبری - مصر - 1356 ه- ، الطبعة الأولی .

288 - قاموس الرجال :

للتستری ، الشیخ محمّد تقی ، مؤسسة النشر الإسلامی - 1419 ه- ، الطبعة الأولی .

289 - قرب الاسناد :

للحمیری ، أبی العباس عبدالله بن جعفر القمی (من اعلام القرن الثالث) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1413 ه- .

290 - قصص الأنبیاء :

لقطب الدین الراوندی ، سعید بن هبة الله (ت 573 ه-) ، تحقیق : غلام رضا عرفانیان ، مؤسسة الهادی 1418 ه- ، الطبعة الأولی .

291 - القول المسدد فی الذب عن المسند للإمام أحمد :

لابن حجر العسقلانی ، أحمد بن علی أبی الفضل (ت 852 ه-) ، تحقیق ونشر : مکتبة ابن تیمیة - القاهرة 1401 ، الطبعة الأولی .

292 - قواعد الاحکام :

للعلامة الحلی ، أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الأسدی (ت 726 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1413 ه- ، الطبعة الأولی .

ص:580

293 - الکافی :

للکلینی ، محمّد بن یعقوب بن إسحاق (ت 329 ه-) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، دار الکتب الإسلامیة - طهران 1363 ش ، الطبعة الخامسة .

294 - الکافی فی فقه أهل المدینة :

لابن عبدالبر ، أبی عمر یوسف بن عبدالله القرطبی (ت 463 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1407 ه- ، الطبعة الأولی .

295 - الکافی فی الفقه :

لأبی الصلاح الحلبی (ت 447 ه-) ، تحقیق : رضا استادی ، مکتبة أمیر المؤمنین علی العامة - اصفهان .

296 - کامل الزیارات :

لابن قولویه القمی ، أبی القاسم جعفر بن محمّد (ت 368 ه-) ، تحقیق : الشیخ جواد القیومی ، مؤسسة نشر الفقاهة - قم 1417 ه- ، الطبعة الأولی .

297 - الکامل فی التاریخ :

لابن الأثیر ، أبی الحسن علی بن أبی الکرم محمّد بن محمّد بن عبدالکریم الشیبانی (ت 630 ه-) ، تحقیق : عبدالله القاضی ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1415ه- ، الطبعة الثانیة .

298 - کتاب الآثار :

لأبی یوسف القاضی ، یعقوب بن إبراهیم الأنصاری (ت 182 ه-) ، تحقیق : أبو الوفا ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1355 ه- .

299 - کتاب سلیم بن قیس :

لسلیم بن قیس الهلالی (ت 76 ه-) ، تحقیق : محمّد باقر الانصاری الزنجانی .

300 - کتاب الصلاة (التنقیح فی شرح العروة الوثقی) :

لعلی التبریزی الغروی ، دار الهادی للمطبوعات - قم 1410 ه- ، الطبعة

ص:581

الثالثة .

301 - کتاب العین :

الفراهیدی ، الخلیل بن أحمد (ت 175 ه-) ، تحقیق : د مهدی المخزومی ، د إبراهیم السامرائی ، دار ومکتبة الهلال .

302 - الکشاف عن حقائق التنزیل وعیون الأقاویل فی وجوه التأویل : للزمخشری ، أبی القاسم محمود بن عمر الخوارزمی (ت 583 ه-) ، تحقیق : عبدالرزاق المهدی ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت .

303 - کشف الاسرار عن أصول البزدوی :

لعلاء الدین عبدالعزیز بن أحمد البخاری (ت 730 ه-) ، تحقیق : عبدالله محمود محمّد عمر ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1418 ه- - 1997م .

304 - کشف الرموز فی شرح المختصر النافع :

للفاضل الآبی ، زین الدین أبی علی الحسن بن أبی طالب ابن أبی المجد الیوسفی ، کان حیا سنة (672 ه-) ، تحقیق : علی بناه الاشتهاردی ، الحاج اغا حسین الیزدی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1408 ه- .

305 - کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء (طبعة حجریة) :

للشیخ جعفر کاشف الغطاء (ت 1228 ه-) ، نشر مهدوی - اصفهان .

306 - کشف الغمة فی معرفة الأئمة :

للأربلی ، علی بن عیسی بن أبی الفتح (ت 693 ه-) ، دار الاضواء - بیروت 1405 ه- .

307 - کشف اللثام عن قواعد الاحکام :

للفاضل الهندی ، بهاء الدین محمّد بن الحسن الاصفهانی (ت 1137 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1416 ه- ، الطبعة الأولی .

308 - کشف الیقین فی فضائل أمیر المؤمنین :

ص:582

للعلامة الحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر (ت 726 ه-) ، تحقیق : حسین الدرکاهی ، الطبعة الأولی 1411 ه- .

309 - کفایة الأثر فی النص علی الأئمة الاثنی عشر :

للخزاز القمی ، أبی القاسم علی بن محمّد بن علی الرازی (من علماء القرن الرابع) ، تحقیق : السید عبداللطیف الحسینی الکوه کمری ، نشر بیدار - قم 1401ه- .

310 - کفایة الأحکام = کفایة الفقه :

للسبزواری ، المولی محمّد باقر (ت 1090 ه-) ، تحقیق : الشیخ مرتضی الواعظی الاراکی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم ، 1423 ه- ، الطبعة الثانیة .

311 - کفایة الطالب :

للکنجی ، محمّد بن یوسف الشافعی (ت 658 ه-) ، طبعة النجف الأشرف .

312 - کفایة الطالب الربانی لرسالة أبی زید القیروانی :

لأبی الحسن المالکی ، علی بن ناصر الدین الشاذلی (ت 939 ه-) ، تحقیق : یوسف الشیخ محمّد البقاعی ، دار الفکر - بیروت 1412 ه- .

313 - الکفایة فی علم الروایة :

للخطیب البغدادی ، أحمد بن علی بن ثابت أبی بکر (ت 436 ه-) ، تحقیق : أبو عبد الله السورقی ، إبراهیم حمدی المدنی ، المکتبة العلمیة - المدینة المنورة .

314 - کنز العرفان فی فقه القرآن :

للفاضل المقداد السیوری ، جمال الدین المقداد بن عبدالله (ت 826 ه-) ، الطبعة الأولی - قم .

315 - کنز العمال فی سنن الاقوال والافعال :

للمتقی الهندی ، علاء الدین علی المتقی بن حسام الدین الهندی (ت 975 ه-) ، تحقیق : محمود عمر الدمیاطی ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1419 ه- - 1998م ، الطبعة الأولی .

ص:583

316 - کنز الفوائد (طبعة حجریة) :

لأبی الفتح الکراجکی ، محمّد بن علی (ت 449 ه-) ، مکتبة المصطفوی - قم ، الطبعة الثانیة 1369 ش .

317 - اللباب فی تهذیب الأنساب :

لابن الأثیر الجزری ، أبی الحسن علی بن أبی الکرم محمّد بن محمّد الشیبانی (ت 630 ه-) ، دار صادر - بیروت 1400 ه- - 1980 م .

318 - لسان المیزان :

لابن حجر العسقلانی ، أحمد بن علی بن حجر أبو الفضل الشافعی (ت 852 ه-) ، تحقیق : دائرة المعارف النظامیة - الهند ، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت 1406 ه- - 1986 م ، الطبعة الثالثة .

319 - اللمعة البیضاء فی شرح خطبة الزهراء :

للتبریزی ، المولی محمّد علی بن أحمد القراجه داغی الانصاری (ت 1310 ه-) ، تحقیق : السید هاشم المیلانی ، مکتب الهادی للنشر - قم 1418 ه- ، الطبعة الأولی .

320 - لوامع صاحبقرانی = شرح الفقیه :

للمجلسی الاول محمّد تقی (ت 1070 ه-) ، دار النشر مؤسسة اسماعیلیان - قم 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

321 - المبسوط :

للسرخسی ، محمّد بن أحمد بن أبی سهل (ت 483 ه-) ، دار النشر : دار المعرفة - بیروت .

322 - المبسوط فی فقه الإمامیة :

للشیخ الطوسی ، أبی جعفر محمّد بن الحسن بن علی (ت 460 ه-) ، تحقیق : السید محمّد تقی الکشی ، المکتبة الرضویة لإحیاء آثار الجعفریة - طهران 1387 ش .

ص:584

323 - مجالس المؤمنین :

للشوشتری ، القاضی نور الله الشهید (ت 1019 ه-) ، المکتبة الإسلامیة - طهران 1365 ش .

324 - مجمع الرجال :

للقهبائی ، المولی عنایة الله بن علی (ت بعد سنة 1126 ه-) ، تحقیق : السید علاء الدین الشهیر بالعلامة الاصفهانی ، مؤسسة اسماعیلیان - قم .

325 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :

للهیثمی ، نور الدین علی بن أبی بکر (ت 807 ه-) ، دار الریان للتراث ، دار الکتاب العربی - القاهرة ، بیروت 1407 ه- .

326 - مجمع الفائدة والبرهان فی شرح ارشاد الاذهان :

للاردبیلی ، أحمد (ت 993 ه-) ، تحقیق الشیخ مجتبی العراقی ، الشیخ علی بناه الاشتهاری ، الحاج اغا حسین الیزدی ، منشورات جماعة المدرسین - قم .

327 - المجموع شرح المهذب :

للنووی ، محیی الدین بن شرف (ت 676 ه-) ، تحقیق : محمود مطرحی ، دار الفکر - بیروت 1417 ه- - 1996م ، الطبعة الأولی .

328 - مجموعة فتاوی ابن الجنید :

للشیخ علی بناه الاشتهاردی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1416 ه- ، الطبعة الأولی .

329 - المحاسن :

للبرقی ، أبی جعفر أحمد بن محمّد بن خالد (ت 274 ه-) ، تحقیق : السید جلال الدین الحسینی ، دار الکتب الإسلامیة - طهران 1370 ه- .

330 - المحرر الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز :

لابن عطیة الاندلسی ، أبو محمّد عبدالحق بن غالب (ت 546 ه-) ، تحقیق :

ص:585

عبدالسلام عبدالشافی محمّد ، دار الکتب العلمیة - لبنان 1413 ه- - 1993م ، الطبعة الأولی .

331 - المحلی :

لابن حزم الاندلسی ، علی بن أحمد بن سعید بن حزم الظاهری ، أبو محمّد (ت 456 ه-) ، تحقیق : لجنة إحیاء التراث العربی ، دار الآفاق الجدیدة - بیروت .

332 - مختصر بصائر الدرجات :

للحلی ، عز الدین الحسن بن سلیمان (من اعلام القرن التاسع) ، نشر الطبعة الحیدریة - النجف الأشرف 1370 ه- ، الطبعة الأولی .

333 - المختصر النافع فی فقه الإمامیة :

للمحقق الحلی ، أبی القاسم نجم الدین جعفر بن الحسن الحلی (ت 676 ه-) ، قسم الدراسات الإسلامیة فی مؤسسة البعثة - طهران 1410 ه- ، الطبعة الثالثة .

334 - مختلف الشیعة :

للعلامة الحلی ، أبی منصور الحسن بن یوسف بن المطهر الأسدی (ت 726 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1413 ه- ، الطبعة الثانیة .

335 - مدارک الأحکام فی شرح شرائع الإسلام :

للعاملی ، السید محمّد بن علی الموسوی (ت 1009 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1410 ه- ، الطبعة الأولی .

336 - المدخل إلی السنن الکبری :

للبیهقی ، أحمد بن الحسین بن علی أبی بکر (ت 458 ه-) ، تحقیق : د. محمّد ضیاء الرحمن الأعظمی ، دار الخلفاء للکتاب الإسلامی - الکویت 1404 ه- .

337 - المدونة الکبری :

ص:586

لمالک بن أنس (ت 179 ه-) ، دار النشر : دار صادر - بیروت .

338 - المراسم العلویة فی الأحکام النبویة :

لسالار بن عبدالعزیز ، الشیخ أبی یعلی حمزة بن عبدالعزیز الدیلمی (ت 448 ه-) ، تحقیق : السید محسن الحسینی الامینی ، المعاونیة الثقافیة للمجمع العالمی لأهل البیت - قم 1414 ه- .

339 - مروج الذهب ومعادن الجوهر :

للمسعودی ، أبی الحسن علی بن الحسین بن علی (ت 346 ه-) ، وضع فهارسه : یوسف أسعد داغر ، الطبعة الثانیة ، دار الهجرة 1404 ه- إیران - قم ، اوفسیت عن الطبعة الأولی 1385 ه- بیروت - لبنان .

340 - المسائل السرویة :

للشیخ المفید ، محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه-) ، تحقیق : صائب عبدالحمید ، دار المفید - بیروت 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

341 - مسالک الافهام إلی تنقیح شرائع الإسلام :

للشهید الثانی ، زین الدین بن علی العاملی (ت 965 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة المعارف الإسلامیبة - قم 1413 ه- ، الطبعة الأولی .

342 - مستدرک الحاکم = المستدرک علی الصحیحین :

للحاکم النیسابوری ، محمّد بن عبدالله أبو عبدالله (ت 405 ه-) ، تحقیق : مصطفی عبدالقادر عطا ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1411 ه- - 1990م ، الطبعة الأولی .

343 - مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل :

للمیرزا النوری ، الطبرسی ، حسین (ت 1320 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1408 ه- ، الطبعة الأولی المحققة .

ص:587

344 - مستدرکات أعیان الشیعة :

لحسن الامین ، دار التعارف للمطبوعات - بیروت 1418 ه- ، الطبعة الثانیة .

345 - المسترشد فی امامة أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب :

للطبری الامامی ، محمّد بن جریر بن رستم (توفی اوائل القرن الرابع) ،تحقیق : الشیخ أحمد المحمودی ، مؤسسة الثقافة الإسلامیة لکوشانبور - قم 1415 ه- ، الطبعة الأولی المحققة .

346 - المستطرف فی کل فن مستظرف :

للابشیهی ، شهاب الدین محمّد بن أحمد الفتح (ت 850 ه-) ، تحقیق : مفید محمّد قمیحة دار الکتب العلمیة - بیروت 1406 ه- / 1986م ، الطیعة الثانیة .

347 - مستطرفات السرائر :

لابن إدریس الحلی ، أبی جعفر محمّد بن منصور بن أحمد ( ت 598 ه- ) ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1411 ه- ، الطبعة الثانیة .

348 - مستمسک العروة الوثقی :

للسید محسن الحکیم (ت 1390 ه-) ، نشر مکتبة المرعشی - قم 1404 ه- ، ( بالاوفسیت عن مطبعة الآداب - النجف الاشرف 1391 ه- ) ، الطبعة الرابعة .

349 - مستند الشیعة فی أحکام الشریعة :

للنراقی ، المولی أحمد بن محمّد بن مهدی (ت 1245 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - مشهد 1415ه- ، الطبعة الأولی .

350 - مستند العروة الوثقی :

تقریرات السید أبو القاسم الموسوی الخوئی (ت 1413 ه-) ، بقلم : الشیخ مرتضی البروجردی .

351 - مسند ابن أبی شیبة :

ص:588

لأبی بکر ، عبدالله بن محمّد بن أبی شیبة (ت 235 ه-) ، تحقیق : عادل بن یوسف العزازی ، وأحمد بن فرید المزیدی ، دار الوطن - الریاض - 1997م ، الطبعة الأولی .

352 - مسند أبی عوانة :

للاسفراینی ، أبی عوانة یعقوب بن إسحاق (ت 316 ه-) ، دار المعرفة - بیروت .

353 - مسند أبی یعلی :

لأبی یعلی الموصلی ، أحمد بن علی بن المثنی التمیمی (ت 307 ه-) ،تحقیق : حسین سلیم أسد ، دار المأمون للتراث - دمشق 1404 ه- - 1984 م ، الطبعة الأولی .

354 - مسند أحمد :

لأحمد بن حنبل ، أبی عبدالله الشیبانی (ت 241 ه-) ، مؤسسة قرطبة - مصر .

355 - مسند الرضا :

للغازی ، داود بن سلیمان (ت 203 ه-) ، تحقیق : السید محمّد جلال الحسینی الجلالی ، مکتب الاعلام الإسلامی - قم 1418 ه- ، الطبعة الأولی .

356 - مسند البزار :

لأبی بکر البزار ، أحمد بن عمرو بن عبدالخالق (ت 292 ه-) ، تحقیق : د. محفوظ الرحمن زین الله ، مؤسسة علوم القرآن ، مکتبة العلوم والحکم - بیروت ، المدینة 1409 ه- ، الطبعة الأولی .

357 - مسند زید بن علی :

لزید بن علی بن الحسین بن أبی طالب (ت 122 ه-) ، منشورات دار الحیاة - بیروت .

ص:589

358 - مسند سعد بن أبی وقاص :

لأبی عبدالله الدورقی ، أحمد بن إبراهیم بن کثیر (ت 246 ه-) ، تحقیق : عامر حسن صبری ، دار البشائر الإسلامیة - بیروت 1407 ه- ، الطبعة الأولی .

359 - مشاهیر علماء الانصار :

لأبن حبان البستی ، محمّد بن حبان بن أحمد أبی حاتم التمیمی (ت 354 ه-) ، تحقیق : م . فلایشهمر ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1959 م .

360 - مصابیح الظلام فی شرح مفاتیح الشرائع :

للوحید البهبهانی ، المولی محمّد باقر (ت 1205ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة العلامة المجدد الوحید البهبهانی ، الطبعة الأولی 1324 ه- .

361 - مصباح الفقیه :

للشیخ اغا رضا بن محمّد هادی الهمدانی (ت 1322 ه-) .

تحقیق : المؤسسة الجعفریة لإحیاء التراث ، دار الفکر - 1424 ه- .

362 - مصباح المتهجد :

للشیخ الطوسی ، أبی جعفر محمّد بن الحسن بن علی بن الحسن (ت 460 ه-) ، مؤسسة فقه الشیعة - بیروت 1411 ه- ، الطبعة الأولی .

363 - المصنف :

للصنعانی ، أبی بکر عبدالرزاق بن همام (ت 211 ه-) ، تحقیق : حبیب الرحمن الأعظمی ، المکتبب الإسلامی - بیروت 1403 ه- ، الطبعة الثانیة .

364 - مصنف ابن أبی شیبة :

لأبی بکر بن أبی شیبة ، عبدالله بن محمّد الکوفی (ت 235 ه-) ، تحقیق : کمال یوسف الحوت ، مکتبة الرشد - الریاض 1409 ه- ، الطبعة الأولی .

365 - مصنفات الشیخ المفید :

ص:590

لأبی عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه-) ، نشر : المؤتمر العالمی لألفیة الشیخ المفید ، الطبعة الأولی 1413 ه- .

366 - المطالب العالیة :

لأبن حجر العسقلانی ، أحمد بن علی الشافعی (ت 852 ه-) ، تحقیق : د. سعد ابن ناصر بن عبدالعزیز الشتری ، دار العاصمة / دار الغیث - السعودیة 1419 ه- ، الطبعة الأولی .

367 - مطالع الأنوار فی شرح شرائع الإسلام (طبعة حجریة) :

للشفتی ، السید محمّد باقر (ت 1260 ه-) .

368 - معارج القبول :

للحکمی ، حافظ بن أحمد بن علی (ت 1377 ه-) ، تحقیق : عمر بن محمود أبو عمر ، دار ابن القیم - الدمام 1410 ه- - 1990 م ، الطبعة الأولی .

369 - معالم العلماء :

لابن شهرآشوب، مشیر الدین أبی عبدالله محمّد بن علی (ت 588 ه-) ، قم - إیران .

370 - معانی الاخبار :

للشیخ الصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1379 ه- .

371 - معانی القرآن الکریم :

لأبی جعفر النحاس (ت 338 ه-) ، تحقیق : محمّد علی الصابونی ، جامعة أم القری - مکة المکرمة -1409 ه- ، الطبعة الأولی .

372 - المعتبر فی شرح المختصر :

للمحقق الحلی ، نجم الدین أبی القاسم جعفر بن الحسن (ت 676 ه-) ، تحقیق ، عدة من الافاضل ، مؤسسة سید الشهداء - قم 1364 ش .

ص:591

373 - معجم الأدباء = إرشاد الأریب إلی معرفة الأدیب :

للحموی ، یاقوت بن عبدالله الرومی (ت 626 ه-) ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1411 ه- - 1991م ، الطبعة الأولی .

374 - المعجم الأوسط :

للطبرانی ، أبی القاسم سلیمان بن أحمد الطبرانی (ت 360 ه-) ، تحقیق : طارق ابن عوض الله بن محمّد ، عبدالمحسن بن إبراهیم الحسینی ، دار الحرمین - القاهرة - 1415 ه- .

375 - معجم البلدان :

لیاقوت الحموی ، أبی عبدالله (ت 626 ه-) ، دار الفکر - بیروت .

376 - معجم رجال الحدیث وتفصیل طبقات الرجال :

للسید أبو القاسم الخوئی (ت 1411 ه-) ، طبع مرکز نشر الثقافة الإسلامیة ، الطبعة الخامسة ، منقحة ومزیدة 1413 ه- - إیران .

377 - معجم الشیوخ :

للغسانی الصیداوی ، محمّد بن أحمد بن جمیع أبی الحسین (ت 402 ه-) ، تحقیق : د. عمر عبدالسلام تدمری ، مؤسسة الرسالة ، دار الإیمان - بیروت ، طرابلس 1405 ه- ، الطبعة الأولی .

378 - معجم الصحابة :

لابن قانع ، عبدالباقی بن قانع أبی الحسین (ت 351 ه-) ، تحقیق : صلاح بن سالم المصراتی ، مکتبة الغرباء الأثریة - المدینة المنورة 1418 ه- ، الطبعة الأولی .

379 - المعجم الصغیر :

للطبرانی ، سلیمان بن أحمد بن أیوب أبی القاسم (ت 360 ه-) ، تحقیق : محمّد شکور محمود الحاج أمریر ، المکتب الإسلامی ، دار عمار - بیروت ، عمان 1405ه-

ص:592

- 1985م ، الطبعة الأولی .

380 - المعجم الکبیر :

للطبرانی ، سلیمان بن أحمد بن أیوب أبی القاسم (ت 360 ه-) ، تحقیق : حمدی ابن المجید السلفی ، مکتبة الزهراء - الموصل 1404 ه- - 1983 م ، الطبعة الثانیة .

381 - معجم المؤلفین (تراجم مصنفی الکتب العربیة) :

لعمر کحالة ، مکتبة المثنی - بیروت ، دار احیاء التراث العربی - بیروت .

382 - المعرفة والتاریخ :

للفسوی ، أبی یوسف یعقوب بن سفیان (ت 280 ه-) ، تحقیق : خلیل المنصور ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1419 ه- - 1999م .

383 - معرفة علوم الحدیث :

للحاکم النیسابوری ، أبی عبدالله محمّد بن عبدالله (405 ه-) ، تحقیق : السید معظم حسین ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1397 ه- - 1977م ، الطبعة الثانیة .

384 - مغنی المحتاج إلی معرفة ألفاظ المنهاج :

للشربینی ، محمّد الخطیب الشربینی (ت 977 ه-) ، دار الفکر - بیروت .

385 - المغنی فی فقه الإمام أحمد بن حنبل الشیبانی :

لابن قدامة الحنبلی ، عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسی (ت 620 ه-) ، دار الفکر - بیروت 1405 ه- ، الطبعة الأولی .

386 - مفاتیح الشرائع :

للفیض الکاشانی ، المولی محمّد محسن (ت 1091 ه-) ، تحقیق : السید مهدی الرجائی ، مجمع الذخائر الإسلامیة - قم 1401 ه- .

387 - مفتاح الفلاح فی عمل الیوم واللیلة :

للشیخ البهائی العاملی (ت 1031 ه-) ، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات -

ص:593

بیروت .

388 - المفردات فی غریب القرآن :

للراغب الاصفهانی ، أبی القاسم الحسین بن محمّد (ت 502 ه-) ، تحقیق : محمّد سید کیلانی ، المعرفة - لبنان .

389 - مقامع الفضل :

للکرمانشاهی ، محمّد علی بن الوحید البهبهانی (ت 1216 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة العلامة البهبهانی - قم 1421 ه- ، الطبعة الأولی .

390 - مقالات الإسلامیین واختلاف المصلین :

لأبی الحسن الاشعری ، علی بن إسماعیل (ت 330 ه-) ، تحقیق : هلموت ریتر ، دار إحیاء التراث العربی - بیروت ، الطبعة الثالثة .

391 - مقباس الهدایة فی علم الدرایة :

للمامقانی ، الشیخ عبدالله المامقانی (ت 1351 ه-) ، تحقیق : الشیخ محمّد رضا المامقانی ، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1411 ه- ، الطبعة الأولی المحققة .

392 - المقتصر فی شرح المختصر :

لابن فهد الحلی ، جمال الدین أحمد بن محمّد الأسدی (ت 841 ه-) ، تحقیق : السید مهدی الرجائی ، مجمع البحوث الإسلامیة - مشهد 1410 ه- ، الطبعة الأولی .

393 - المقتنی فی سرد الکنی :

لأبی عبدالله الذهبی ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قایماز (ت 748 ه-) ، تحقیق : محمّد صالح عبدالعزیز المراد ، الجامعة الإسلامیة بالمدینة - المدینة المنورة - السعودیة 1408 ه- ، الطبعة الأولی .

ص:594

394 - المقنع :

للصدوق ، محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة الإمام الهادی - قم 1415 ه- .

395 - المقنعة :

للمفید ، أبی عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان العکبری البغدادی (ت 413 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1410 ه- ، الطبعة الثانیة .

396 - مکارم الأخلاق :

لابن أبی الدنیا ، أبی بکر عبدالله بن محمّد بن عبیدالقرشی البغدادی (ت 281 ه-) ، تحقیق : مجدی السید إبراهیم ، مکتبة القرآن - القاهرة 1411 ه- - 1990م .

397 - منادمة الأطلال ومسامرة الخیال :

لابن بدران ، عبدالقادر بدران الحنبلی (ت 1346 ه-) .

تحقیق : زهیر الشاویش ، المکتب الإسلامی - بیروت 1985م ، الطبعة الثانیة .

398 - المناقب :

للموفق الخوارزمی ، الموفق بن أحمد بن محمّد المکی (ت 568 ه-) ، تحقیق : الشیخ مالک المحمودی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

399 - مناقب بن شهرآشوب = مناقب آل أبی طالب :

لابن شهرآشوب ، مشیر الدین أبی عبدالله بن علی (ت 588 ه-) ، تحقیق : لجنة من اساتذة النجف الاشرف ، المکتبة الحیدریة - النجف 1276 ه- .

400 - مناقب الکوفی = مناقب أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب :

للکوفی ، محمّد بن سلیمان القاضی (من اعلام القرن الثالث) ، تحقیق : الشیخ محمّد باقر المحمودی ، مجمع احیاء الثقافة الإسلامیة - قم 1412 ه- ، الطبعة الأولی .

ص:595

401 - المنتظم :

لابن الجوزی ، عبدالرحمن بن علی بن محمّد أبو الفرج (ت 597 ه-) ، دار صادر - بیروت - 1358 ه- ، الطبعة : الأولی .

402 - منتقی الجمان فی الأحادیث الصحاح والحسان :

للشیح حسن (صاحب المعالم) ، أبی منصور الحسن بن زین الدین الشهید (ت 1011 ه-) ، تحقیق : علی اکبر الغفاری ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1362 ش ، الطبعة الأولی .

403 - المنتقی من منهاج الاعتدال فی نقض کلام أهل الرفض والاعتزال :

للذهبی ، أبی عبد الله محمّد بن عثمان (ت 748 ه-) ، تحقیق : محب الدین الخطیب .

404 - منتهی المطلب فی تحقیق المذهب : للعلامة الحلی ، الحسن بن یوسف بن المطهر (ت 726 ه-) ، تحقیق ونشر : مجمع البحوث الإسلامیة - مشهد 1412 ه- ، الطبعة الأولی .

405 - منتهی المقال فی أحوال الرجال :

لأبی علی الحائری : الشیخ محمّد بن إسماعیل المازندرانی (ت 1216 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1416 ه- ، الطبعة الأولی .

406 - منح الجلیل علی مختصر الشیخ خلیل :

لمحمّد علیش ، أبی عبدالله محمّد بن أحمد بن محمّد المالکی (ت 1299 ه-) ، دار الفکر - بیروت - 1409 ه- - 1989م .

407 - منهاج السنة النبویة :

لابن تیمیة الحرانی ، تقی الدین أبی العباس أحمد بن عبدالحلیم الحرانی (ت 728 ه-) ، تحقیق : د. محمّد رشاد سالم ، مؤسسة قرطبة 1406 ه- ، الطبعة الأولی .

ص:596

408 - منهج المقال فی تحقیق احوال الرجال :

للاسترابادی ، المیرزا محمّد بن علی (ت 1028 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لاحیاء التراث - قم 1422 ه- ، الطبعة الاولی .

409 - المهذب البارع فی شرح المختصر النافع :

لابن فهد الحلی ، أبی العباس أحمد بن محمّد بن فهد (ت 841 ه-) ، تحقیق : الشیخ مجتبی العراقی ، مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1407 ه- .

410 - مهذب الأحکام فی بیان الحلال والحرام :

للسید عبدالاعلی السبزواری ، ط- النجف العراق .

411 - المهذب :

للقاضی ابن البراج ، عبدالعزیز بن البراج الطرابلسی (ت 841 ه-) ، تحقیق : مؤسسة سید الشهداء العلمیة ، نشر : مؤسسة النشر الإسلامی - قم 1406 ه- .

412 - المهذب فی فقه الإمام الشافعی :

لأبی إسحاق الشیرازی ، إبراهیم بن علی بن یوسف (ت 481 ه-) ، دار النشر : دار الفکر - بیروت .

413 - المواعظ والاعتبار فی معرفة الخطط والآثار ، المعروف بالخطط المقریزیة :

للمقریزی ، تقی الدین أبی العباس أحمد بن علی (ت 845 ه-) ، دار صادر - بیروت .

414 - الموافقات فی أصول الفقه :

للشاطبی ، إبراهیم بن موسی اللخمی الغرناطی المالکی (ت 790 ه-) ، تحقیق : عبدالله دراز ، دار المعرفة - بیروت .

415 - المواقف :

لعضد الدین الایجی ، عبدالرحمن بن أحمد (ت 756 ه-) ، تحقیق : عبدالرحمن

ص:597

عمیرة ، دار الجیل - لبنان - بیروت 1417 ه- - 1997م ، الطبعة الأولی .

416 - مواهب الجلیل لشرح مختصر خلیل :

للحطاب الرعینی ، محمّد بن عبدالرحمن المغربی (ت 954 ه-) ، دار الفکر - بیروت 1398 ه- ، الطبعة الثانیة .

417 - الموجز :

لزین العابدین خان الکرمانی (ت 1288 ه-) ، نشر مطبعة السعادة - کرمان 1350 ه- .

418 - موطا الإمام مالک :

لمالک بن أنس ، أبی عبدالله الأصبحی (ت 179 ه-) ، تحقیق : محمّد فؤاد عبدالباقی ، دار إحیاء التراث العربی - مصر .

419 - الموفقیات :

للزبیر بن بکار (ت 256 ه-) ، طبع فی بغداد ، سنة 1972م .

420 - میزان الاعتدال فی نقد الرجال :

للذهبی ، شمس الدین محمّد بن أحمد (ت 748 ه-) ، تحقیق : الشیخ علی محمّد معوض ، والشیخ عادل أحمد عبدالموجود ، دار الکتب العلمیة - بیروت 1995 م ، الطبعة الأولی .

421 - نتائج الافکار فی نجاسة الکفار (تقریر ابحاث آیة الله الکبایکانی) :

لعلی الکریمی الجهرمی ، دار القرآن - قم 1314 ه- ، الطبعة الأولی .

422 - النجعة فی شرح اللمعة :

للشیخ محمّد تقی التستری (ت 1416 ه-) ، مکتبة الصدوق - طهران 1406 ه- - الطبعة الأولی .

423 - النجوم الزاهرة فی ملوک مصر والقاهرة :

ص:598

لابن تغری بردی ، جمال الدین أبی المحاسن یوسف الأتابکی (ت 874 ه-) ، وزارة الثقافة والإرشاد القومی - مصر .

424 - النخبة فی الحکمة العملیة والأحکام الشرعیة :

للفیض الکاشانی ، محمّد بن مرتضی الفیض الکاشانی (ت 1091 ه-) .

تحقیق : مهدی الانصاری القمی ، مرکز الطباعة والنشر لمنظمة الاعلام الإسلامی الطبعة الثانیة 1418 ه- .

425 - نزهة المشتاق فی اختراق الآفاق :

للشریف الادریسی ، أبی عبدالله محمّد بن عبدالله بن ادریس الحمودی الحسنی (ت 560 ه-) ، عالم الکتب - بیروت 1409 ه- ، الطبعة الأولی .

426 - نشوار المحاضرة :

للتنوخی ، المحسن بن علی (ت 384 ه-) ، تحقیق : عبود الشالجی ، الطبعة الاولی 1391 ه- .

427 - النص والاجتهاد :

للسید شرف الدین ، عبدالحسین شرف الدین الموسوی (ت 1377 ه-) ، تحقیق ونشر : أبو مجتبی ، قم 1404 ه- ، الطبعة الأولی .

428 - نصب الرایة لأحادیث الهدایة :

للزیلعی ، عبدالله بن یوسف أبی محمّد الحنفی (ت 762 ه-) ، تحقیق : محمّد یوسف البنوری ، دار الحدیث - مصر 1357م .

429 - نظام الفرائد :

للشیخ علی الزنجانی (ت 1290 ه-) ، طبع فی طهران ، سنة 1332 ه- .

430 - نفس الرحمن فی فضائل سلمان :

للمیرزا النوری ، الطبرسی (ت 1320 ه-) ، تحقیق : جواد القیومی

ص:599

الاصفهانی ، مؤسسة الآفاق - طهران 1411 ه- ، الطبعة الأولی .

431 - النقض ، المعروف ب- (بعض مناقب النواصب) فی نقض (بعض فضائح الروافض) - فارسی - :

لنصیر الدین عبدالجلیل القزوینی الرازی ، صححه جلال الدین المحدث الارموی ، طبع ضمن سلسلة انتشارات مجمع التراث الوطنی / الرقم (143) ، إیران .

432 - نقد الرجال :

للتفرشی ، السید مصطفی بن الحسین الحسینی (من اعلام القرن الحادی عشر) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1418 ه- ، الطبعة الأولی .

433 - نهایة الإحکام فی معرفة الأحکام :

للعلامة الحلی ، الحسن بن یوسف بن علی المطهر الحلی ( ت 726 ه- ) ، تحقیق : السید مهدی الرجائی ، مؤسسة اسماعیلیان - قم 1410 ه- ، الطبعة الثانیة .

434 - نهایة الدرایة :

للسید حسن الصدر ، (ت 1351 ه-) ، تحقیق : ماجد الغرباوی ، نشر المشعر - قم .

435 - النهایة فی غریب الحدیث والأثر :

لابن الاثیر ، أبی السعادات المبارک بن محمّد الجزری (ت 606 ه-) ، تحقیق : طاهر أحمد الزاوی - محمود محمّد الطناحی ، المکتبة العلمیة - بیروت 1399 ه- - 1979م .

436 - النهایة فی مجرد الفقه والفتاوی :

للشیخ الطوسی ، أبی جعفر محمّد بن الحسن بن علی (ت 460 ه-) ، منشورات قدس محمّدی ، قم - إیران .

437 - نهج الایمان :

لابن جبر ، زین الدین علی بن یوسف بن جبر (من اعلام القرن السابع) ، تحقیق :

ص:600

السید أحمد الحسینی ، مجمع الإمام الهادی - مشهد 1418 ه- ، الطبعة الأولی .

438 - نهج البلاغة :

جمعه الشریف الرضی (ت 406 ه-) ، تحقیق : الشیخ محمّد عبده .

439 - نیل الأوطار من أحادیث سید الأخیار شرح منتقی الأخبار :

للشوکانی ، محمّد بن علی بن محمّد (ت 1250 ه-) ، دار الجیل - بیروت 1973م .

440 - الهدایة فی الاصول والفروع :

للشیخ الصدوق ، أبی جعفر محمّد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی (ت 381 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة الإمام الهادی - قم 1418 ه- ، الطبعة الاولی .

441 - هدایة الامة إلی احکام الائمة :

للحر العاملی ، محمّد بن الحسن بن علی (ت 1104 ه-) ، تحقیق ونشر : مجمع البحوث الإسلامیة - مشهد 1412 ه- ، الطبعة الاولی .

442 - الهدایة فی کون الشهادة بالولایة جزء کسائر الاجزاء :

تقریرات عبدالنبی العراقی (ت 1385 ه-) ، بقلم : محمّد حسین آل طاهر الحمینی ، نشر مطبعة الحکمة - قم 1378 ه- .

443 - الوافی :

للفیض الکاشانی ، محمّد محسن بن الشاه مرتضی بن الشاه محمود (ت 1091 ه-) ، تحقیق : ضیاء الدین الحسینی الاصفهانی ، مکتبة أمیر المؤمنین - اصفهان 1406 ه- ، الطبعة الأولی .

444 - الوافی بالوفیات :

للصفدی ، صلاح الدین خلیل بن أیبک (ت 764 ه-) ، تحقیق : أحمد الأرناؤوط ، وترکی مصطفی ، دار إحیاء التراث - بیروت 1420 ه- - 2000 م .

445 - الوجیزة فی الاحکام الفقهیة (فارسی) :

ص:601

لمحمّد بن محمّد کریم خان الکرمانی (ت 324 ه-) ، طبعة حجریة تم الفراغ منها سنة 1297 ه- .

446 - وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة :

للحر العاملی ، الشیخ محمّد بن الحسن (ت 1104 ه-) ، تحقیق ونشر : مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث - قم 1414 ه- ، الطبعة الثانیة .

447 - الوسیط :

للغزالی ، أبی حامد محمّد بن محمّد (ت 505 ه-) ، تحقیق : أحمد محمود إبراهیم ، محمّد محمّد تامر ، دار السلام - القاهرة 1417 ه- ، الطبعة الأولی .

448 - وفیات الأعیان وانباء أبناء الزمان :

لابن خلکان ، أبی العباس شمس الدین أحمد بن محمّد بن أبی بکر (ت 681 ه-) ، تحقیق : احسان عباس ، دار الثقافة - لبنان .

449 - وقعة صفین :

للمنقری ، نصر بن مزاحم (ت 212 ه-) ، تحقیق : عبدالسلام محمّد هارون ، المؤسسة العربیة الحدیثة - القاهرة 1382 ه- ، الطبعة الثانیة .

450 - الیقین بإختصاص مولانا علی بإمرة المؤمنین :

للسید ابن طاووس ، رضی الدین علی بن طاووس (ت 664 ه-) ، مؤسسة دار الکتاب - قم 1413 ه- ، الطبعة الأولی .

451 - الینابیع الفقهیة :

لعلی أصغر مروارید ، نشر مؤسسة فقه الشیعة - بیروت 1410 ه- ، الطبعة الأولی .

452 - ینابیع المودة لذوی القربی :

للقندوزی ، الشیخ سلیمان بن إبراهیم الحنفی (ت 1294 ه-) ، تحقیق : سید

ص:602

علی جمال أشرف الحسینی ، دار أسوة للطباعة والنشر ، الطبعة الأولی 1416ه- .

ص:603

بعض المصادر الخطّیة :

1 - التحفة السنیة فی شرح النخبة المحسنیة :

لمحمّد بن مرتضی الفیض الکاشانی (ت 1091 ه-) ، مکتبة الحضرة الرضویة ، مشهد - إیران .

2 - العدة النجفیة فی شرح اللمعة الدمشقیة :

الشیخ محمّد رضا جد الشیخ طه نجف (ت 1243 ه-) / مکتبة العائلة .

3 - نجاة العباد :

للشیخ محمّد حسن النجفی (ت 1266 ه-) ، مؤسسة کاشف الغطاء العامة - النجف الأشرف .

4 - کشف الظلام عن وجوه شرائع الإسلام :

للشیخ محسن بن مرتضی الاعسم (ت 1238 ه-) ، مؤسسة کاشف الغطاء العامة - النجف الأشرف .

5 - الزهرات الرویة فی الروضة البهیة :

لعلی بن محمّد بن الحسن العاملی (ت 1103 ه-) ، مؤسسة کاشف الغطاء العامة - النجف الاشرف .

6 - تعلیقة المجلسی علی حدیقة المتقین :

للعلامة محمّد باقر المجلسی (ت 1111 ه-) ، مؤسسة کاشف الغطاء العامة - النجف الأشرف .

7 - حدیقة المتقین :

للعلامة محمّد تقی المجلسی (الاول) (ت 1070 ه-) ، مؤسسة کاشف الغطاء العامة - النجف الأشرف .

ص:604

ص:605

الفهرس

مقدمة المؤلف 5

بحوث تمهیدیّة

توطئة 35

q علاقة الغلوّ والتفویض بالشهادة الثالثة 39

هل الغلو من عقائد الشیعة أم ... 49

الشهادة الثالثة بین التفویض والتقصیر 67

q منهج القمیین والبغدادیین فی العقائد والرجال 77

التشیّع فی العراق وقم 82

الاخذ بتوثقات المتشددین وترک طعوناتهم 91

نماذج من تشدّد القمّیین 97

نتیجة ما تقدّم 102

الروایة عن الضعفاء واعتماد المراسیل 103

منهج القمّیین الالتزام والتبریر 109

الغلو عند القمیین ، نقل الفضائل أم ترک الضروریات ؟ 111

نماذج اخری من تشدّد القمّیین 119

q الشهادة الثالثة شرع أم بدعة 129

q الأقوال فی المسألة 141

الخلاصة 153

الفصل الأول/ الادلة الشرعیة ، وهی فی ثلاثة اقسام

القسم الأوّل : الدلیل الکنائی 159

الحیعلة الثالثة معیار الانتماء ومحک الاختلاف 163

إبعاد قریش آلَ البیت عن الخلافة 167

ص:606

الاسراء والمعراج ، الهاشمیون والقرشیون 174

تحریفات مقصودة 176

أذان النبی یتضمّن ولایة علی 181

اقتران ذکر علی بالنبیّ فی الإسراء 185

صحیحة ابن اذینة تقرن ذکر علی بالنبیّ 188

موثقة طریف تقرن الشهادة بالولایة مع الشهادة بالرسالة 190

وقفة مع ما رواه الصدوق فی العلل 194

دفعُ دَخْل 197

الشهادة بالولایة علی عهد الرسول والأئمّة المعصومین 207

وقفة عند معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام 212

الأذان فی زمن الإمام الهادی علیه السلام 216

نصّان فی الغیبة الصغری 224

سؤال وجواب 227

سؤال آخر 229

تلخص ممّا سبق 231

القسم الثانی: تقریر الإمام 235

القسم الثالث: النصوص الدالة علی الشهادة الثالثة 245

مرسلات الصدوق ( 306 ه- - 381 ه- ) 249

الشیخ المفید ( 336 - 413 ه- ) 289

الشریف المرتضی (355 ه- - 436 ه-) 301

الشیخ الطوسی (385 ه- - 460 ه-) 307

ابن البراج الطرابلسی 400 ه- - 481 ه- 333

یحیی بن سعید الحلی ( ت 689 ه- ) 339

العلّامة الحلی ( ت 726 ه- ) 339

الخلاصة 348

ص:607

الفصل الثانی / بیان اقوال الفقهاء المتأخرین ومتأخری المتأخرین

الشهید الأوّل ( 734 ه- - 786 ه- ) 359

الشهید الثانی ( 911 - 965 ه- ) 362

المولی أحمد الأردبیلی ( ت 993 ه- ) 366

الشیخ محمّد تقی المجلسی (ت 1070 ه-) 370

الملا محمّد باقر السبزواری ( ت 1090 ه- ) 374

الفیض الکاشانی ( ت 1091 ه- ) 375

علی بن محمّد العاملی سبط الشهید الثانی (ت 1103 ه-) 378

الشیخ محمّد باقر المجلسی (ت 1111 ه-) 379

السیّد نعمة الله الجزائری (ت 1112 ه-) 381

محمّد بن حسین الخونساری (ت 1112 ه-) 382

الشیخ یوسف البحرانی (ت 1186 ه-) 383

الوحید البهبهانی ( 1117 - 1205 ه- ) 384

السیّد مهدی بحر العلوم ( 1155 - 1212 ه- ) 389

الشیخ محمّد علی الکرمانشاهی ( ت 1216 ه- ) 391

الشیخ حسین البحرانی ( ت 1216 ه- ) 391

حسین آل عصفور البحرانی ( ت 1226 ه- ) 392

الشیخ جعفر کاشف الغطاء ( ت 1228 ه- ) 393

المیرزا القمی ( 1152 - 1231 ه- ) 402

السیّد علی الطباطبائی (ت 1231 ه-) 406

الشیخ محسن الأعسم ( ت 1238 ه- ) 408

الشیخ محمّد رضا جدّ محمّد طه نجف ( ت 1243 ه- ) 410

المولی أحمد النّراقی ( ت 1245 ه- ) 410

حجة الإسلام الشفتی ( ت 1260 ه- ) 419

المیرزا إبراهیم الکرباسی ( ت 1261 ه- ) 422

صاحب الجواهر (ت 1266 ه-) 423

الشیخ مرتضی الأنصاری ( ت 1281 ه- ) 424

ص:608

الشیخ مشکور الحولاوی ( ت 1282 ه- ) 425

المُلاّ آقا الدربندی ( ت 1285 ه- ) 425

الشیخ علی الزنجانی ( ت 1290 ه- ) 426

السیّد محمّد علی المرعشی الشهرستانی ( ت 1290 ه- ) 426

السیّد علی بحر العلوم ( ت 1298 ه- ) 427

السیّد حسین الکوهکمری الترک ( ت 1299 ه- ) 429

القرن الرابع عشر الهجری 431

السیّد المیرزا محمود البروجردی ( ت 1300 ه- ) 431

الشیخ جعفر التُّستری ( ت 1303 ه- ) 433

المیرزا محمّد حسن القمی ( ت 1304 ه- ) 434

الشیخ محمّد الایروانی ( ت 1306 ه- ) 434

الشیخ زین العابدین الحائری المازندرانی ( ت 1309 ه- ) 434

المیرزا محمّد حسن الشیرازی ( ت 1312 ه- ) 435

ملا محمّد بن محمّد مهدی الأشرفی البارفروشی (ت 1315 ه-) 435

السیّد محمّد حسین الشهرستانی ( ت 1315 ه- ) 436

صاحب الحاشیة علی المعالم ( ت 1318 ه- ) 436

السیّد إسماعیل الطبرسی النوری ( ت 1321 ه- ) 436

الشیخ محمّد الشربیانی ( ت 1322 ه- ) 437

آغا رضا الهمدانی ( ت 1322 ه- ) 437

الشیخ محمّد طه نجف ( ت 1323 ه- ) 438

الشیخ حسن المامقانی ( ت 1323 ه- ) 438

السیّد محمّد بحر العلوم ( ت 1326 ه- ) 439

المیرزا حسین الخلیلی ( ت 1326 ه- ) 439

الآخوند محمّد کاظم الخراسانی ( ت 1329 ه- ) 439

الشیخ عبدالله المازندرانی ( ت 1330 ه- ) 439

حفید صاحب الحاشیة علی المعالم ( ت 1332 ه- ) 440

الملا محمّد علی الخونساری الإمامی ( ت 1332 ه- ) 440

ص:609

المیرزا أبو القاسم الأُوردبادی ( ت 1333 ه- ) 440

الشیخ محمّد علی المدرس الجهاردهی ( ت 1334 ه- ) 440

الشیخ محمّد جواد بن الشیخ مشکور الحولاوی ( ت 1334ه- ) 441

السیّد محمّد مهدی بن أحمد بن حیدر الکاظمی ( ت 1336 ه- ) 441

السیّد محمّد کاظم الیزدی ( ت 1337 ه- ) 441

السیّد إسماعیل الصدر ( ت 1338 ه- ) 442

المیرزا محمّد تقی الشیرازی ( ت 1338 ه- ) 442

شیخ الشریعة الاصفهانی ( ت 1339 ه- ) 443

الشیخ أحمد کاشف الغطاء ( ت 1344 ه- ) 443

الشیخ عبدالله النوری ( ت 1344 ه- ) 443

السیّد المیرزا محمّد علی الشهرستانی ( ت 1344 ه- ) 444

الشیخ البارفروشی ( ت 1345 ه- ) 444

السیّد محمّد الفیروزابادی ( ت 1346 ه- ) 445

الشیخ شعبان الرشتی ( ت 1347 ه- ) 445

الشیخ عبدالله المامقانی ( ت 1351 ه- ) 445

الشیخ محمّد رضا الدزفولی ( ت 1352 ه- ) 446

السیّد حسن الصدر الکاظمی ( ت 1354 ه- ) 446

المیرزا محمّد حسین النائینی ( ت 1355 ه- ) 446

الشیخ محمّد حسین الاصفهانی ( ت 1361 ه- ) 447

السیّد أبو الحسن الاصفهانی ( ت 1365 ه- ) 447

السیّد حسین القمّی ( ت 1366 ه- ) 447

الشیخ محمّد رضا آل یاسین ( ت 1370 ه- ) 447

السیّد صدر الدین الصدر ( ت 1373 ه- ) 448

الشیخ مرتضی آل یاسین 448

السیّد عبد الحسین شرف الدین ( ت 1377 ه- ) 450

الشیخ محمّد صالح السمنانی 451

السیّد حسین البروجردی ( ت 1380 ه- ) 451

ص:610

السیّد علی مدد القائنی ( ت 1384 ه- ) 452

السیّد الحکیم ( ت 1390 ه- ) 454

السیّد الخمینی ( ت 1409 ه- ) 455

السیّد الخوئی ( ت 1413 ه- ) 456

الخلاصة 460

الفصل الثالث / الشهادة الثالثة الشعار والعبادة

الشعار لغة وشرعاً 468

لزوم الحفاظ علی الشعائر الالهیة 470

ولایة علی من اسمی الشعائر الالهیة 481

اشکالان 486

التخریج الفقهی للشّعاریّة 507

التخریج الأول : أصالة الجواز 507

التخریج الثانی : تنقیح المناط 510

التخریج الثالث : وجود المصلحة 519

التخریج الرابع : دفع المفسدة 529

الخلاصة 534

وفی الختام 536

ثبت المصادر 538

فهرس الموضوعات 605

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.