سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -
عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.
مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .
مشخصات ظاهری : 10ج.
شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :
یادداشت : عربی.
یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.
یادداشت : نمایه .
مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.
عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.
موضوع : اصول فقه شیعه
موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction
رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 3846970
عیون الأنظار / الجزء الأول
- المؤلف: محمد علی البهبهانی
- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978
- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978
- الطبعة الأولی
- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش
- السعر: 30000
- عدد النسخ: 1000
ص: 1
الإهداء إلی:
حجّة المعبود و عزیز مصر الوجود، سیدی و مولای الحجة بن الحسن العسکری (عجل الله تعالی فرجه) علیه آلاف التحیة و الثناء؛ و روحی و ارواح العالمین لتراب مقدمه الفداء.
«یا أَیهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَینا إِنَّ اللّهَ یجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ»
ص: 2
عُیُونُ الأنظار
(الجزء الأول)
مبادئ علم الأصول
ص: 3
ص: 4
مقدمة المؤلف...
التمهید:
المقدمات الخمس /
المقدمة الأولی: فائدة علم الأصول و تعریفه
التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور.
التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره)
التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره)
التعریف الرابع: مختار المحقّق النائینی (قدس سره)
التعریف الخامس: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.
التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره)
التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات...
المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم
القول الأول:
القول الثانی:
القول الثالث:
القول الرابع:
ص: 5
المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم
المقدمة الرابعة: موضوع علم الأصول
القول الأول: لبعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله)..
القول الثانی:
القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره) .
القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره) .
المقدمة الخامسة: فی تقسیم مبادی علم الأصول
1) المبادی التصوریة اللغویة:
2) المبادی التصدیقیة اللغویة:
3) المبادی التصوریة الأحکامیّة:
4) المبادی التصدیقیة الأحکامیة: .
البحث الأوّل: المبادی التصوریة اللغویة لعلم الأصول /
الفصل الأوّل: فی الوضع /
الأمر الأوّل: حقیقة الوضع.
القول الأوّل: المناسبة الذاتیة.
القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره)
القول الثالث: نظریّة التعهّد عن المحقق النهاوندی و الحائری و الخوئی (قدس سرهم) .
القول الرابع: نظریّة وسطیة الوضع بین التکوین و الاعتبار عن المحقّق النائینی..
القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی عن بعض الحکماء و الأصولیین.
القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره)
القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.
النظریّة المختارة من بین الأقوال:
الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع.
التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی..
التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع.
القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص...
القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام.
القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص...
ص: 6
القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام.
تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی
الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة /
الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة.
القول الأوّل: علامیّة الحروف..
القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره)
القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره)
القول الخامس: نظریّة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس...
القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار
القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)..
التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟.
التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی..
الثمرة الأولی:
الثمرة الثانیة:
الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار /
الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة.
النظریة الأولی: مبنی المشهور
النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره)
النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو الأصحّ.
النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره)
الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء.
النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)
النظریة الثانیة:
النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)
النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره)
النظریة الخامسة:
النظریة السادسة: و هی الرأی الصحیح.
ص: 7
الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات /
معانی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات...
النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره)
النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی المختار.
النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره)
الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة /
مقدمة فی أنّ أقسام الدلالة ثلاثة.
القسم الأوّل: الدلالة التصوریة.
القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأولی..
القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة.
هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟.
النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره):
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز /
علائم الحقیقة و المجاز.
العلامة الأولی: التبادر
العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب...
المقام الأوّل: فی الحمل الأولی الذاتی..
المقام الثانی: فی الحمل الشائع الصناعی..
العلامة الثالثة: الاطّراد.
بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
البحث الثانی: المبادی التصدیقیّة اللغویّة لعلم الأصول /
الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة /
المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة.
المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟.
النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره)
ص: 8
الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة
أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة.
تنبیه: فی ثمرة هذا البحث
الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم /
المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة.
النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)
النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟.
الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم.
الدلیل علی لزوم وجود الجامع:
استدلال علی عدم لزوم الجامع:
الجامع عند الصحیحی و الأعمی..
ما الجامع عند الصحیحی؟
النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره)
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
1) أمّا الجامع الذاتی..
2) أمّا الجامع العنوانی [المرکب]:
3) أمّا الجامع العنوانی البسیط:
4) أمّا الجامع الاعتباری..
5) أمّا الجامع الترکیبی التشکیکی..
6) أمّا الجامع الترکیبی المختار لمراتب صلاة:
ما الجامع عند الأعمی؟
التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره)
التصویر الثانی: ما نسبه الشیخ الأنصاری (قدس سره) إلی المشهور.
التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم.
ص: 9
القول الأوّل: مختار الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) ..
القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة.
أدلة القول بالصحیح خمسة:
القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم.
أدلة القول الثالث:
الدلیل الأول:
الدلیل الثانی:
القول الرابع: و هی نظریتنا
تنبیه: فی ثمرة البحث...
الثمرة الأولی: جریان البراءة أو الاشتغال.
القول الأوّل: نظریة المحقق القمی و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ..
القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ..
القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره)
الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی
المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات للصحیحة أو الأعم؟.
الأمر الأوّل: فی وضع أسامی المعاملات للأسباب أو المسببات..
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره)
النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی و بعض الأعلام من تلامیذه .
الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات أو لا؟
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) ..
النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله)..
الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً علی القولین
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور:
الفصل الثالث: فی الاشتراک /
فی إمکان الاشتراک أقوال ثلاثة.
ص: 10
القول الأوّل: وجوب الاشتراک..
القول الثانی: استحالة الاشتراک..
القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار.
تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم.
الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد /
مقدمة:
أدلة القائلین بالاستحالة.
الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)
الدلیل الثانی: ما أفاده أیضاً صاحب الکفایة (قدس سره)
الدلیل الثالث:
الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة
تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟
الفصل الخامس: المشتق /
مقدمات ثلاث...
المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق..
البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی..
البحث الثانی: تعمیم المشتقّ الأصولی لبعض المصادیق..
المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان.
المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة
المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول.
المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس...
المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة
الاحتمال الأوّل: زمان النطق..
الاحتمال الثانی: حال النطق..
الاحتمال الثالث: زمان النسبة.
الاحتمال الرابع: حال النسبة
الاحتمال الخامس: زمان التلبس
الاحتمال السادس: حال التلبس
المقصود فی الموضوع له للمشتق..
الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی..
الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة.
ص: 11
أما الأصل اللفظی العقلائی..
و أما الأصل العملی..
الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة.
الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق..
المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی..
النظریة الأولی:ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره)
الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هو المختار.
الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق..
المقام الثانی: فی البحث الإثباتی..
استدلال القائلین بالوضع لخصوص المتلبس:
الدلیل الأوّل: التبادر.
الدلیل الثانی: صحة السلب...
الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم.
أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة:
الدلیل الأوّل: التبادر.
الدلیل الثانی:
الدلیل الثالث:
تنبیهات مسألة المشتق..
التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟
المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة.
القول الأوّل: البساطة الإدراکیة.
القول الثانی: البساطة التحلیلیة.
المطلب الثانی: فی استدلال القائلین بالبساطة و الترکیب...
الأدلة علی بساطة المشتق خمسة:
الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره)
الدلیل الثانی علی بساطة المشتق:
الدلیل الثالث علی بساطة المشتق: من المحقق النائینی (قدس سره)
الدلیل الرابع علی بساطة المشتق: من المحقق الشیرازی (قدس سره)
الدلیل الخامس علی بساطة المشتق:
الاستدلال علی ترکّب المشتق..
الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان.
ص: 12
الوجه الثانی: البرهان.
التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ
التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره)
التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
التنبیه الثالث: ملاک الحمل.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):
نظریة صاحب الفصول (قدس سره):
التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات..
البحث الثالث: المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول /
الفصل الأوّل: حقیقة الحکم /
الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته.
أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی..
القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی..
القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی..
البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی (قدس سره):
البیان الثانی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):
القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب...
بیان المحقق العراقی (قدس سره):
بیان المحقق البروجردی (قدس سره):
القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه.
القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة.
أما انقسامات الحکم التکلیفی:
الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته.
أما انقسامات الحکم الوضعی:
نظریة العلّامة الأنصاری (قدس سره): انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة.
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): التفصیل بین أقسام ثلاثة.
ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی:
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
ص: 13
الفصل الثانی: مراتب الحکم /
القول الأول: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً.
المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً.
المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً.
المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته.
القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
القول الرابع: نظریتنا
الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة
البحث الرابع: المبادی التصدیقیّة الأحکامیة /
الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها /
النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):
الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة:
فهرس العناوین تفصیلاً..
ص: 14
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله الذی هدانا بفیوضات الرسالة النبویة (صلی الله علیه و آله و سلم) و جذبات الولایة العلویة (علیه السلام) وإشراقات العصمة الفاطمیة (علیها السلام) و لمعات أنوار الأئمّة الإلهیة (علیها السلام) و أنار قلوب عباده بمعالم العلوم الربانیة الصادرة من منبع العترة المصطفویة (علیهم السلام) و أظهر لهم بواطن العلوم الشرعیة و وصلهم إلی عمق الظواهر النقلیة و أنعم علیهم ببیان حقائق دینه و أحکام شریعته و هداهم للوصول إلی معرفة الفروع و الأصول، و أرشدهم إلی أصولٍ تقتبس منها الأحکام بمعرفة مسائل الحلال و الحرام و أوجب علیهم تفریع المسائل للأنام، من علوم العترة الکرام (علیهم السلام)، فاتخذناهم فی الشریعة أسوة، و فی الاستنارة من شمس الحقیقة قدوة، و جعلنا عتبة روضتهم الشریفة باب معالم أصولنا و فروعنا، لا نرضی بغیرهم أبداً و لانبغی عنهم مدی الأعمار و الأعصار حولاً.
و الصلاة و السلام علی من اصطفاه الله علی العالمین و أشرف سفرائه المقربین و سید المرسلین و خاتم النبیین (صلی الله علیه و آله و سلم) و أهل بیته الطیبین و الطاهرین و المعصومین، الأئمّة الهداة و حماة الدین (علیهم السلام)، سیّما الکهف الحصین و غیاث المضطرّ المستکین،
ص: 15
بقیة الله فی الأرضیین (عجل الله تعالی فرجه)، و لعنة الله علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین.
فقد طلب منّی غیر واحد من الأصدقاء الأعزّاء من الأفاضل و الإخوة المحقّقین منهم: سماحة حجّة الإسلام و المسلمین الشیخ علی الأعلائی و سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ محمد الجوادی دامت بقائهما أن أباحث بحثاً اصولیاً حاویاً للأنظار منقّحاً للأفکار فی جمع من الإخوة الأفاضل، فأجبتهم و قمت بهذه المهمّة، و باحثت معهم دورة کاملة من علم الأصول و کتبت الأبحاث.
فهذه دورة کاملة من مباحث علم الأصول تندرج معالیها علی مستوی الخارج کمّاً و کیفاً فیعطی لطالب الاجتهاد استیعاب المطالب و العناوین الأصولیة و الأنظار الفنّیة الرئیسة علی أساس آراء أعلام المبتکرین للمناهج القویمة مثل مدرسة الشیخ الأعظم الأنصاری و مدرسة المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و مدرسة الأعلام الثلاثة بالنجف الأشرف و هم المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی (قدس سرهم) و أشرنا ضمن بعض المباحث إلی مدرستی المحقق الحائری و المحقق البروجردی (قدس سرهما) و هنا مکاتب قویمة و ذات المغزی المتّخذة من آراء و أنظار و ابتکارات تلک المدارس الحدیثة الأصولیة، مثل منهج المحقق الخوئی (قدس سره) المتّخذ من مدرسة العلمین المحققین النائینی و الإصفهانی (قدس سرهما) و لذلک استندنا إلی أقوال هؤلاء الأعاظم و سلکنا طریقتهم العلمیة بین النقل و النقد و التحقیق.
و لم نجد من الضروری علی مستوی دروس الخارج، استیعاب کلّ الأدلة التی یستدل بها علی الأقوال بل نؤثر الأدلة الفنیة فی کل مسألة أصولیة من أجل تکوین رأی نهائی بعد فحص کامل و قد أشرنا إلی الرأی المختار من بین
ص: 16
الأنظار، إمّا بالتصریح و إمّا بنقد أدلّة سائر الأقوال؛ و أهملنا بیان الأدلّة الضعیفة التی لا محصّل له من الناحیة الفنیة و العلمیة.
و ما بیّنّاه من الآراء و الأنظار لیس إلا ما تلقّیناه من إفادات و محاضرات الأساتیذ الأجلّاء الکرام و المراجع العظام، أساطین الفقه و أرکان الأصول، و ما لاحظناه من الأفکار علی الأنظار إنما هی تأملات و ملاحظات انقدحت فی أذهاننا، کالبذرة التی تحتاج إلی سقیهم و رعایتهم حتی تنمو و تثمر، فالفضل لهم علینا.
هذه المجلدات العشر تجمع المطالب الرئیسة المهمّة التی تنبغی الإشارة إلیها و دراستها فی مستوی الدرس الخارج و تألیف هذه المجموعة بمثابة مرجع فنّی للباحثین للإطّلاع علی بحار المطالب و عیون الأنظار؛ زینّاه بالفرائد و جرّدناه و هزّبناه عن الزوائد، و رتّبناه و بوّبناه علی النهج الحدیث لعلم الأصول الذی أبدعه العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره)، فیشتمل علی لبّ الأصول و مغزاه، و یندرج فیه مفاهیمه و فحواه، مع الدقّة العلمیة و العمق الفکری.
و الغرض من تعلّم أصول قواعد الاستنباط لیس إلا دراسة فقه أهل البیت (علیهم السلام)، و انتشاره فی العالم بین شیعة آل الرسول (علیهم السلام). ثمّ إنّ الکتب الدراسیة لعلم الأصول باللغة العربیة الأصیلة و لیست علی أسالیب التعبیر الحدیث و نحن أیضاً سلکنا هذا المنهج و ذلک لأنّا نتلقّی ثقافتنا العربیة من الکتب الأصیلة القدیمة فی الصرف و النحو و معانی البیان و أساس دراساتنا فی اللغة العربیة بأسالیبها الأصیلة القدیمة لا الثقافة الحدیثة.
و کتابة تلک الرسالة القویمة لا یغنی عن تقریر الفضلاء الأمجاد للمباحث، فینبغی لهم أن یحاولوا تقریر الأبحاث و استیعاب المطالب حتّی تنمو لدیهم
ص: 17
ملکة النقد و التحقیق و یبلغوا استعداد الاجتهاد و قوة التألیف و تنظیم المباحث و کتابة المسائل العلمیة و لکی یترسّخ فی ذهنهم سیر مباحث الأصول و مدارجها.
و فی الختام نتقدم بالشکر الجمیل و الامتنان الجزیل لجمیع الفضلاء المحققین الکرام الذین بذلوا جهودهم فی إنجاز هذا الکتاب و تحقیقه و تصحیحه و تقویم النصوص و تنسیق المتون و إیراد العلائم المساعدة علی القراءة و لا سیّما یسرُّنا هنا أن نقدّم بجزیل الشکر إلی سماحة المحقق الفاضل حجة الإسلام و المسلمین السید جواد البرکچیان دام ظلّه حیث قام بتحقیقها و تصحیحها بنحو روعیت فیه الجوانب الفنّیة و بذل غایة جهده فی التعلیق علیها بکلّ دقّة و عنایة، و إلی سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ مرتضی الإسلامی فإنّه تصدّی لتنضید الحروف و تصحیح الأخطاء و تنظیم الصفحات و إخراجها علی أحسن صورة و قد جدّ و اتعب نفسه فی إعدادها للطبع، و إلی سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ محمد الداوری حیث تصدّی لتنضید الحروف لأکثر مجلّدات هذا الأثر، کما لایفوتنی تقدیم خالص شکری و تقدیری لسماحة حجة الإسلام و المسلمین السید حسن الیوسفی و سماحة حجة الإسلام و المسلمین مجتبی الفاضل دام بقائهم حیث قاما للتصحیح و التقویم و إیراد العلائم، و لقد تظافرت جهود هذه المجموعة من الفضلاء و العلماء لتحقیق الکتاب بدقّة عمیقة و تأمّل علمیة و فکر عالیة.
و فی نهایة المطاف نحن نقدّم خالص شکرنا لهؤلاء الأفاضل و کافّة الإخوة الذین ساهموا فی إنجاز هذا المشروع و إخراج هذا الکتاب الجلیل، راجین من الله تبارک و تعالی لهم التوفیق و السداد و الأجر و الثواب.
ص: 18
وأرجو و ألتمس من الأساتذة الکرام و القرّاء الأعزاء أن یمنّوا و یتفضّلوا علی بالصّفح و الإغماض عمّا یبدو لهم من خطأ و نقصان، و أن یتحفونی بتوجیهاتهم و أن یدعوا لی بالخیر و التوفیق و العافیة فی الخلوات، و فی مظانّ الإجابة و الدعوات.
«خِتَامُهُ مِسْکٌ وَ فِی ذَلِکَ فَلْیتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»
«وَ آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ»
محمد علی البهبهانی
ص: 19
ص: 20
التمهید:
السیر التاریخی و تطوّرات علم الأصول فی الأدوار
إنّ علم الأصول قد نشأ من مأثورات أهل البیت (علیهم السلام) و قد تطوّر فی الأدوار المختلفة إلی العصور المتأخرة، حتّی قد فتحت فی تلک الأدوار آفاق جدیدة من مسائل علم الأصول و استحکم مبانیه، و حدثت نظریات و تطورات جدیدة فی مختلف أبواب هذا العلم حتی صار أصول الفقه علماً جامعاً للمبانی الرائقة التی تنحلّ بها مستحدثات مسائل الفقه بمناهج الاستدلال، رغم تطوّرات الحیاة المعاصرة و اتّساع آفاقها.
و اجتاز علم الأصول من لدن تأسیسه إلی زماننا السیر التاریخی فی الأدوار المختلفة و نحن فی هذا المجال بصدد بیان أعصار تطورات هذا العلم، و نتصدّی لعدّ أعلام الأصول فی کلّ دورة منها و لکلِّ من هؤلاء الأعلام من زعماء الأدوار الأصولیة منهجیة خاصّة، فنشیر إلی تلک الأدوار علی سبیل الإجمال:
الدورة الأولی: عصر التأسیس
إنّ أول من أشار إلی قواعد علم الأصول أمیر المؤمنین (علیه السلام)، و قد روی عنه أنّ
ص: 21
الراوی لابدّ له من العلم بهذه القواعد التی هی الناسخ و المنسوخ و العام و الخاصّ و المحکم و المتشابه.((1))
ص: 22
و من جهة أخری ذهب العلامة السید حسن صدر (قدس سره) إلی أنّ مدوّن علم الأصول الإمام الباقر (علیه السلام) و الإمام الصادق (علیه السلام)، فقال فی کتاب تأسیس الشیعة:
«الفصل الخامس فی تقدم الشیعة فی علم أصول الفقه: فاعلم أن أوّل من فتح بابه و فتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علی الباقر (علیه السلام) و بعده ابنه أبو عبد الله الصادق (علیه السلام) و قد أملیا فیه علی جماعة من تلامذتهما قواعده و مسائله جمعوا من ذلک مسائل رتبها المتأخرون علی ترتیب مباحثه ککتاب «أصول آل الرسول» و کتاب «الفصول المهمة فی أصول الأئمة (علیه السلام) » و کتاب «الأصول الأصلیة» کلها بروایات الثقات مسندة متصلة الإسناد إلی أهل البیت (علیهم السلام)».((1))
و یستفاد ذلک ممّا ورد فی حجّیة الخبر الواحد و حجّیة الأصول العملیة الشرعیة، فإنّ إلقاء تلک الروایات و جمعها فی أصول الأربعمأة و سائر الکتب دلیل علی تدوین قواعد الأصول فی عصر الأئمّة(، و أیضاً یظهر ذلک من ما روی عن الأئمّة(((2)) فی الحثّ علی الفتیا بالنسبة إلی بعض خواصّ أصحابهم
ص: 23
مثل أبان حیث أنّهم لا یفتون إلا بإعمال القواعد المذکورة.
الدورة الثانیة: عصر أصحاب الأئمة (علیهم السلام)
الأول: أول من صنّف فی علم الأصول، هو هشام بن الحکم الشیبانی الکوفی، ألّف کتاب «الالفاظ و مباحثها» و هو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) و الإمام الکاظم (علیه السلام)، له مصنفات عدیدة فی علم الکلام. توفی هشام سنة 199 ه- ق ببغداد.
الثانی: یونس بن عبد الرحمن، حیث صنّف کتاب «اختلاف الحدیث» الذی یشتمل مبحث تعارض الأدلّة أی التعادل و التراجیح و رواه عن الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) . قال النجاشی فی حقّه: کان وجهاً فی أصحابنا، مُتقدماً، عظیم المنزلة، ولد فی أیام هشام بن عبد الملک، و رأی [الإمام] جعفر بن محمد (علیهما السلام) بین الصفا والمروة و لم یرو عنه، و روی عن [الإمام] أبی الحسن موسی و [الإمام] الرضا (علیهما السلام)، و کان [الإمام] الرضا (علیه السلام) یشیر إلیه فی العلم والفُتیا.
و لذلک قال العلامة السید حسن الصدر (قدس سره): «و أول من أفرد بعض مباحثه بالتصنیف هشام بن الحکم شیخ المتکلمین تلمیذ أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) صنّف کتاب «الألفاظ و مباحثها» هو أهم مباحث هذا العلم.
ثم یونس بن عبد الرحمن مولی آل یقطین تلمیذ الإمام الکاظم موسی بن جعفر (علیه السلام) صنّف کتاب «اختلاف الحدیث» و هو مبحث تعارض الدلیلین و التعادل و الترجیح بینهما.»((1))
ص: 24
فلا وجه لما یقوله ابن خلدون: «کان اوّل من کتب فیه (فی علم الأصول) الشافعی، أملی فیه رسالته المشهورة تکلم فیها فی الأوامر و النواهی».((1)) و هکذا ظهر خطأ محمد ابو زهره: «اعلم أن نسبة الشافعی إلی علم الأصول کنسبة ارسطو إلی علم المنطق کنسبة الخلیل بن احمد إلی علم العروض».((2))
الدورة الثالثة: عصر الفقهاء الأقدمین (و القدیمَین)
و فی هذه الدورة بعض أعلام الإمامیة (علیهم السلام) من عصر الغیبة الکبری (أی منتصف القرن الثالث الهجری) ألّفوا کتباً مستقلّة فی بعض أبواب علم الأصول مثل: باب «العام و الخاص» و «حجّیة خبر الواحد» و «إبطال القیاس» و «تعارض الأدلّة».
أمّا معاریف مؤلّفی علم الأصول فی هذه الدورة:
الأول: الحسن بن موسی النوبختی (علیه السلام) (القرن الثالث ه- ق).
قال النجاشی فی حقّه: «شیخنا المتکلم المُبرّز علی نظرائه فی زمانه قبل الثلاثمائة و بعدها».
و قال ابن الندیم فی الفهرست: «متکلم، فیلسوف، کان یجتمع إلیه جماعة من النَقَلة لکتب الفلسفة، مثل أبی عثمان الدمشقی و إسحاق بن ثابت و غیرهم».
له تصنیفان فی علم الأُصول و هما: «کتاب الخصوص والعموم» و «کتاب فی خبر الواحد والعمل به».
الثانی: أبی سهل إسماعیل بن علی بن إسحاق النوبختی (علیه السلام) (القرن الثالث ه- ق).
ص: 25
من أعظم متکلمی الإمامیة فی القرن الثالث، صنَّف فی مختلف الفنون، و له مصنفات عدیدة فی الأصول و هی: «کتاب الخصوص و العموم»، «ابطال القیاس» «نقض اجتهاد الرأی».
الثالث: الحسن بن علی بن أبی عقیل العُمّانی الحذّاء (قدس سره) (القرن الثالث ه- ق).
فقیه متکلم، فی القرن الثالث الهجری، و هو أوّل من صنّف کتاب الفقه الاجتهادی و الاستنباطی فی الإمامیة و أدرج فیه المباحث الأُصولیة سمّاه «المتمسک بحبل آل الرسول (علیهم السلام)».
الرابع: محمد بن أحمد بن الجنید أبو علی الکاتب الإسکافی (قدس سره) (م: 381 ه- ق).
من أعیان علماء الإمامیة، له مصنفات کثیرة، و له مصنف فی الأُصول و هو «کتاب کشف التمویه والالتباس فی إبطال القیاس». [و المراد من القدیمین عند الفقهاء، هما: ابن أبی عقیل عمانی و ابن الجنید الإسکافی].
الخامس: أبو منصور الصرَّام النیسابوری (قدس سره) (القرن الرابع ه- ق).
و هو من مشایخ الشیخ الطوسی (قدس سره) و هو مدحه فی الفهرس، کان متکلماً بخراسان، و له تصانیف عدیدة، و ذکر الشیخ الطوسی (قدس سره) له کتاباً فی الأُصول سماه «بیان الدین» و «کتاب إبطال القیاس».
الدورة الرابعة: تصنیف الکتب الکاملة لعلم الأصول
إنّ هذه الدورة ابتدئت من الشیخ المفید و السید المرتضی و الشیخ الطوسی (قدس سرهم)، ثمّ توقّف نمو الفقه و الأصول طیلة قرن کامل و استمرّ ذلک إلی القرن السابع و هو عصر المحقق الحلّی و تلمیذه و ابن أخته العلامة الحلّی (قدس سرهم) .
الأول: الشیخ المفید محمد بن محمد النُّعمان العُکْبَری البغدادی (قدس سره) (م:413 ه- ق).
ص: 26
و هو أعظم الفقهاء و المتکلّمین و زعیم الشیعة فی أواخر القرن الرابع و بدایات القرن الخامس الهجری القمری، و عاش ببغداد، توفّی ببغداد سنة 413 ه- ق، و هو أوّل من صنّف کتاباً یتضمن جمیع مباحث علم الأُصول، و أدرجه الشیخ أبوالفتح الکراجکی (م 449 ه- ق) فی «کتاب کنز الفوائد» وسمّاه: «المختصر فی أُصول الفقه».
الثانی: السید المرتضی علی بن الحسین الموسوی (قدس سره) (م: 436 ه- ق).
تلمّذ عند الشیخ المفید (قدس سره) و صار بعده زعیم الشیعة و من أعظم الفقهاء و المتکلّمین، و هو أیضاً عاش ببغداد، توفی عام 436 ه- ق، و ألّف فی الأصول کتاباً جامعاً سمّاه: «کتاب الذریعة إلی أُصول الشریعة».
الثالث: الشیخ محمد بن الحسن الطوسی (قدس سره) (م:460 ه- ق).
زعیم الإمامیة بعد السید المرتضی (قدس سره) و أعظم الفقهاء و المتکلمین فی عصره، صنّف کتاب «العُدَّة فی أُصول الفقه».
الرابع: حمزة بن عبد العزیز، المعروف بسلّار (قدس سره) (م: 448 یا 463 ه- ق).
و هو مصنّف کتاب «التقریب».
الخامس: سدید الدین محمود بن علی الحمصی الرازی (قدس سره) (م: القرن 6 ه- ق).
مؤلّف کتابی«المصادر» و «التبیین و التنقیح فی التحسین و التقبیح».
السادس: أبی المکارم حمزة بن علی بن زهره (قدس سره) (م: 585- ه ق).
صنّف کتاباً فی الفقه یشتمل علی المباحث الأصولیة و هی کتاب «غنیة النزوع إلی علمی الاصول و الفروع».
السابع: محمد بن احمد بن ادریس حلّی (قدس سره) (م: 598 ه- ق).
و هو من أجلّاء الإمامیة، ألّف کتاب سرائر.
ص: 27
الدورة الخامسة: عصر المحقق الحلی و العلامة الحلی (قدس سرهما) و بعده
الأول: نجم الدین جعفر بن الحسین المحقّق الحلّی (قدس سره) (م 676 ه- ق).
«نهج الوصول الی معرفة الاصول» و «معارج الاحکام».
الثانی: حسن بن یوسف بن علی بن مطهر العلامة الحلی (قدس سره) (م: 726 ه- ق).
ألّف کتباً فی مختلف العلوم و منها کتبه الأصولیة و قد ذکر منها تلک العناوین: «تهذیب الوصول إلی علم الأصول» و «مبادی الوصول إلی علم الأصول» و «نهایة الوصول إلی علم الأصول» و «غایة الوصول و ایضاح السبل» و «شرح غایة الوصول فی علم الاصول» (و هو شرح کتاب غایة الوصول للغزالی)، و «النکت البدیعة فی تحریر الذریعة» و «منتهی الوصول إلی علمی الکلام و الأصول» و «نهج الوصول إلی علم الأصول»
الثالث: محمد بن الحسن، فخر المحقّقین ابن العلامة الحلّی (قدس سره) (م: 771 ه- ق).
صنّف کتابی «غایة السؤل فی شرح تهذیب الاصول» و «شرح المبادی» فی علم الأصول.
الرابع: ضیاء الدین؛ عبد اللّه بن مجد الدین محمد بن الاعرج حسینی (قدس سره) .
ابن أخت العلّامه الحلی (قدس سره) و هو مؤلف کتاب «منیة اللبیب فی شرح التهذیب».
الخامس: رکن الدین جرجانی (قدس سره)، تلمیذ العلّامه الحلی (قدس سره) .
و هو مؤلّف «غایة البادی فی شرح المبادی».
السادس: الشهید محمد بن مکی العاملی الشهید الأول (قدس سره) (م 786ه- ق).
جمع قواعد الأصول فی أول کتابه الذکری و صنّف کتاب القواعد فی القواعد
ص: 28
الفقهیة و بعض القواعد الأصولیة علی ترتیب لم یسبق إلیه.
السابع: الفاضل المقداد السیوری (قدس سره) (م: 826 ه- ق).
و هو صنّف کتاب «شرح مبادی الأصول».
الدورة السادسة: عصر الشهید الثانی و صاحب المعالم و الشیخ
البهائی (قدس سره)
و هذا العصر افتخرت بتدوین «معالم الأصول» فیها، و هو من أجلّ الکتب الدراسیة، و علت هذه الدورة بوجود أساطین العلم منهم:
الأول: زین الدین بن نور الدین الجبعی العاملی الشهید الثانی (قدس سره) (م: 966- 965 ه- ق).
صنّف «تمهید القواعد» و هذا الکتاب مجموعة من القواعد الأصولی و الأدبی.
الثانی: محمد حسن بن الشهید الثانی، المشتهر بصاحب المعالم (قدس سره) (م: 1011 ه- ق).
ألّف «معالم الأصول» عکف علیها العلماء و هو من الکتب الدراسیة، فصارت المعالم المعوّل فی التدریس.
الثالث: محمد بن الحسین الجبعی العاملی الشیخ البهائی (قدس سره) (م: 1031 ه- ق).
صنّف «زبدة الاصول» و جمع فیه مباحث الأصول.
الدورة السابعة: عصر سلطان العلماء و الفاضل التونی (قدس سرهما) و غلبة الأخباریین
و أظنّ أنّ أهمّ ما کتب فی هذه الدورة حاشیة المعالم لسلطان العلماء (قدس سره) و الوافیة للفاضل التونی (قدس سره) .
و فی هذه الدورة وقعت هجمة علمیة من الأخباریین علی علم الأصول و ألّف
ص: 29
المولی محمد أمین الأسترآبادی (م: 1033 ه- ق) کتاب «الفوائد المدنیة» و شنّع علی الأصولیین و أنکر علیهم طریقتهم.
و لهذا دوّنت مجامیع روائی مثل الوافی للفیض الکاشانی (قدس سره) (م: 1091ه- ق)، و وسائل الشیعة، للشیخ حر العاملی (قدس سره) (م: 1104ه- ق)، بحار الأنوار للعلامة المجلسی (قدس سره) (م: 1110 ه- ق).
و مع ذلک لم یذهب صولة الأصولیین و قاموا بتدوین الکتب علی منهجهم و أرکان هذه الدورة هم:
الأول: الفاضل الکاظمی (قدس سره) (م: قرن 11 ه- ق).
ألّف «غایة المأمول فی شرح زبدة الأصول».
الثانی: سلطان العلماء (قدس سره) (م: 1064 ه- ق).
ألّف «حاشیة المعالم» و «حاشیة زبدة الأصول» و «حاشیه زبدة الأصول».
الثالث: الفاضل التونی (قدس سره) (م:1071 ه- ق).
و هو صنّف کتاب الوافیة و لذا یسمّی بصاحب الوافیه.
الرابع: المولی صالح مازندرانی (قدس سره) (م: 1081 ه- ق).
مؤلّف «شرح زبدة الأصول الشیخ البهائی» و «حاشیه معالم الأصول».
الخامس: المولی خلیل القزوینی (قدس سره) (م: 1089 ه- ق).
مؤلّف «شرح عدة الأصول».
السادس: محمد بن الحسن شیروانی (قدس سره) (م: 1098 ه- ق).
«حاشیه معالم الأصول».
ص: 30
الدورة الثامنة: الوحید البهبهانی (قدس سره) (م 8-1205 ه ق)
و هذا المحقق محمد باقر الوحید البهبهانی (قدس سره) و هو یسمّی معلّم البشر و أستاذ الکلّ، لأنّه زرع بذر علم الأصول فی قلوب الأجلّاء من تلامذته، کالسید بحر العلوم (قدس سره) و کاشف الغطاء (قدس سره) و السید الطباطبایی (قدس سره) و أمثال هؤلاء الأعاظم.
تلمّذ لدی السید محمد الطباطبائی البروجردی (قدس سره) و السید صدر الدین الرضوی القمی (قدس سره) فنمی علم الأصول علی ید هذا الأصولی المجدّد و فی مدرسته إلی التعمیق و التوسّع و التطوّر العلمی، فقاوم قبال الحرکة الأخباریة بکلّ جدّ، و قد خلّف لنا عصارة أفکاره الأصولیة فی تعالیق و شروحه علی المعالم و الوافیة، أو الفوائد الحائریة التی أفردها بالتألیف.
الدورة التاسعة: تلامذة الوحید البهبهانی (قدس سره)
الأول: المولی مهدی النراقی (قدس سره) (م: 1209 ه- ق).
و هو من المهادی الأربعة(و هم السید مهدی بحر العلوم و السید مهدی الشهرستانی و السید مهدی الخراسانی و المولی مهدی البراقی (قدس سرهم))، تلمّذ عند العلامة الوحید البهبهانی و صاحب الحدائق و المولی إسماعیل الخاجوئی (قدس سرهم) . ألّف کتاب تجرید الأصول.
الثانی: السید محمد مهدی بحر العلوم (قدس سره) (م: 1212ه- ق).
و هو من أرکان الطائفة، تلمّذ علی الأستاذ الأکبر الوحید البهبهانی، و السید الأجل الخاتون آبادی، و العلّامة الفیلسوف السید المیرزا الإصفهانی، و الفقیه المحقق الشیخ یوسف البحرانی (قدس سرهم)، و من مؤلّفاته الفوائد الأصولیة.
الثالث: السید جواد العاملی (قدس سره) صاحب مفتاح الکرامة (م: 1226 ه- ق).
ص: 31
تلمّذ عند الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی و السید البحرالعلوم و صاحب الریاض و الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء (قدس سرهم)، ومن أشهر تلامیذه صاحب الجواهر (قدس سره)، له شرح الوافیة فی الأصول و تعلیقة علی تهذیب الأصول للعلامة الحلّی (قدس سره) و رسالة فی البرائة.
الرابع: الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره) (م: 8-1227ه- ق).
تلمّذ عند الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی (قدس سره) و عند السید الأجل العلامة بحر العلوم (قدس سره)، و ألّف کتاب کشف الغطاء، و من أشهر تلامیذه صاحب الجواهر و صاحب مفتاح الکرامة، و الشیخ أسد الله الکاظمی صاحب المقابیس، و صاحب هدایة المسترشدین و المحقق الکلباسی (قدس سرهم) . ألف کتاب غایة المأمول فی علم الأصول. و أشهر أولاده الشیخ موسی و الشیخ علی و الشیخ حسن (قدس سرهم)، و له خمس بنات، و أصهاره کلهم من أجلاء العلم و هم: صاحب المقابیس؛ و صاحب هدایة المسترشدین؛ و السید صدر الدین العاملی؛ و المولی محمد علی الهزار جریبی؛ و الشیخ محمد و هو والد الشیخ الرازی (قدس سرهم) .
الخامس: المیرزا أبی القاسم القمّی (قدس سره) (م: 3 - 1231 ه- ق).
مؤلّف «قوانین الأصول» و هذا الکتاب طار صیتها فی الآفاق و صار من أهم الکتب الدراسیة، و له الدور الأساسی الرائد فی تطویر و تعمیق علم الأصول و فی الروضات: إنه کانت بینه و بین السید علی الطباطبائی (قدس سره) صاحب الریاض مخالفات و منافرات کثیرة فی المسائل العلمیة.
السادس: السید علی الطباطبائی صاحب الریاض (قدس سره) (م: 1231ه- ق).
و هو ابن أخت الوحید البهبهانی (قدس سره) و صهره، و جدّه الأمی المجلسی الأول (قدس سره)، لأنّ أمّه هی أخت الوحید البهبهانی (قدس سره) و والدتهما بنت نور الدین ابن
ص: 32
المولی صالح المازندرانی صهر المجلسی الأول (قدس سره) .
تلمّذ عند الوحید البهبهانی و صاحب الحدائق (قدس سرهما) و من أشهر تلامیذه صاحب المقابیس و صاحب مفتاح الکرامة و الشیخ أبی علی صاحب صاحب منتهی المقال و السید الشفتی و شریف العلماء (قدس سرهم) و ولده العلامة السید محمد المجاهد (قدس سره) صاحب مفتاح الأصول.
السابع: الشیخ محمّد تقی بن عبد الرحیم النجفی الإصفهانی (قدس سره) (م: 8-1247 ه- ق).
صنّف حاشیة المعالم المسمّی هدایة المسترشدین، و هو صهر الشیخ جعفر کاشف الغطاء، تلمّذ عند الوحید البهبهانی (قدس سره) و السید البحرالعلوم (قدس سره) و الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره)، و من أشهر تلامیذه المولی هادی السبزواری (قدس سره) مؤلف شرح المنظومة.
الدورة العاشرة: ابنی کاشف الغطاء و السید المجاهد إلی صاحب الفصول (قدس سرهم)
و بعض هؤلاء و إن أدرکوا العلامة الوحید البهبهانی (قدس سره) و لکنّهم یعدّون من تلامذة تلامذته (قدس سرهم)، لأنّ أکثر دراساتهم عند تلامیذ الأستاد الکلّ و هم:
الأول: الشیخ موسی کاشف الغطاء (قدس سره) (م:1241ه- ق).
هو الولد الأکبر للشیخ جعفر الکبیر (قدس سره) . و بعد الشیخ جعفر الکبیر حازت المرجعیة الدینیة، و من أشهر تلامیذه الشیخ الأنصاری (قدس سره) .
الثانی: سید محمد بن علی الطباطبائی (قدس سره) (م: 1242 ه- ق).
المشتهر بالسید المجاهد لحکمه بالجهاد مع الروس فی زمان فتحعلی شاه القاجار، تلمّذ عند والده صاحب الریاض (قدس سره) و السید الأجلّ بحرالعلوم (قدس سره) و
ص: 33
الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره)، و من أشهر تلامیذه شریف العلماء (قدس سره)، صنّف «مفاتیح الأصول» و هو کتاب جامع فی علم الأصول.
الثالث: شریف العلماء المازندرانی الحائری (قدس سره) (م: 1245ه- ق).
تلمذ عند المیرزا القمی و صاحب الریاض و السید المجاهد و هو من أساتیذ الشیخ الأنصاری (قدس سرهم)، و له رسالة فی باب الأوامر. و اشتغل بالتدریس و کان یحضر درسه فی کربلا ما یزید علی ألف طالب.
الرابع: مولی أحمد بن محمد مهدی نراقی (قدس سره) (م 5-1244ه- ق).
تلمّذ لدی الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی و السید بحرالعلوم و صاحب الریاض و الشیخ جعفر کاشف الغطاء، و من أشهر تلامیذه الشیخ الأنصاری (قدس سرهم) .
ألّف مفتاح الأصول، و مناهج الأصول إلی علم الأصول، و عین الأصول، و له شرح کبیر علی کتاب تجرید الأصول الذی ألّفه والده العلامة.
الخامس: الشیخ علی الکاشف الغطاء (قدس سره) (م: 1254أو1253 ه- ق).
الولد الثالث للشیخ کاشف الغطاء و هو أستاذ الشیخ الأنصاری (قدس سره)، انتهت إلیه الزعامة والإفتاء و کان من أساتذة الشیخ مرتضی الأنصاری.
کان إذا أتته الحقوق الکثیرة فرّقها لساعتها و لا ینال منها شیئاً و یطوف لیلاً علی الفقراء و یفرّق علیهم حقوقهم دون أن یعرفهم نفسه.
السادس: محمد إبراهیم الکلباسی الإصفهانی (قدس سره) (م: 1262 أو1261 ه- ق)
و هو مؤلف کتاب «اشارات الأصول»، تلمّذ عند أعلام تلامذة الوحید البهبهانی (قدس سره)، مثل السید بحرالعلوم (قدس سره)، و المیرزا القمی (قدس سره)، و النراقی (قدس سره)، و
ص: 34
صاحب الریاض، و تلمّذ فی العلوم العقلیة لدی الحکیم الآغا محمد البید آبادی (قدس سره) و المولی علی النوری (قدس سره) .
السابع: محمد حسن بن عبد الرحیم صاحب الفصول (قدس سره) (م:1261 ه- ق).
و هو أخو الشیخ محمد تقی النجفی الإصفهانی (قدس سره) صاحب هدایة المسترشدین، صنّف کتاب «الفصول فی علم الأصول».
الثامن: الشیخ محمّد حسن النجفی (قدس سره) صاحب جواهر الکلام (م: 1266ه- ق)
من رجال هذه الدورة، حضر درس الشیخ جعفر کاشف الغطاء، و عند ولده الشیخ موسی، و عند صاحب مفتاح الکرامة السید جواد العاملی (قدس سرهم)، و بعده استقلّ بالتدریس و یحضر مجلس درسه قرابة ستّین مجتهداً، و انتهت إلیه المرجعیة فی عصره.
الدورة الحادی عشر: الشیخ الأعظم الأنصاری (قدس سره) و تلامیذه
و هم: المیرزا أبوالقاسم الکلانتر والمیرزا المجدد الشیرازی و المیرزا حبیب الله الرشتی و صاحب الکفایة (قدس سرهم)، و ألحق بهم: السید محمد الفشارکی و المیرزا محمد تقی الشیرازی (قدس سرهما) .
الأول: الأستاذ الأعظم الشیخ مرتضی الأنصاری (قدس سره) (م: 1281ه- ق).
و درّس عند السید المجاهد الطباطبایی، و شریف العلماء، و الشیخ موسی و الشیخ علی کاشف الغطاء و المولی أحمد النراقی (قدس سرهم)، و ارتفع معالی علم الأصول بیمنه إلی أوج السماء و تبلغ ذروتها من التطویر و العمق، و له مدرسة علمیة علیّة و تخرَّج علی یده جمّ غفیر من کبار الفقهاء و الأصولیین الّذین تتعمّقوا و تتطوّروا مدرسته، و ألّفوا آثاراً علمیة قیمة فی الفقه و الأصول.
ص: 35
الثانی: الشیخ محمد حسین الفاضل الأردکانی (قدس سره) (م: 5-1302ه- ق).
إنّ المحقق الأردکانی کان معاصراً للشیخ الأنصاری (قدس سره)، ولد فی أردکان و هاجر إلی یزد و بعده إلی قزوین فتلمّذ عند المولی محمد صالح البرغانی الشهید الثالث (قدس سره) فی الفقه و عند المولی الآقا الحکمی فی الحکمة ثمّ هاجر إلی النجف الأشرف و التحق بدرس شریف العلماء (قدس سره) و بعد ارتحال شریف العلماء (قدس سره) حضر أبحاث السید إبراهیم القزوینی (قدس سره) صاحب ضوابط الأصول و هو سمّاه الفاضل، و بعد ارتحال أستاذه توطّن فی کربلا و اشتغل بالتدریس و من أشهر تلامیذه المیرزا محمد تقی الشیرازی و السید محمد الفشارکی و الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سرهم) .
الثالث: المیرزا ابو القاسم الکلانتر (قدس سره) (م:1292ه- ق).
من تلامیذ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و مقرّر أبحاثه و سمّاه «مطارح الانظار».
الرابع: السید المجدّد المیرزا محمد حسن الشیرازی (قدس سره) (م: 1312 ه- ق).
السید المجدّد محمد حسن الشیرازی (قدس سره) صاحب فتوی تحریم التنباک، تلمّذ فی إصفهان لدی بعض الأجلّاء منهم: المحقق محمد إبراهیم الکلباسی (قدس سره) ثمّ هاجر إلی النجف الأشرف و حضر درس صاحب الجواهر (قدس سره) و الشیخ حسن کاشف الغطاء (قدس سره) و السید إبراهیم القزوینی (قدس سره) و بعد ذلک التحق بحوزة الشیخ الأنصاری (قدس سره) و صار من أرکان درسه حتّی أنّه نقل: أنّ الشیخ المرتضی الأنصاری (قدس سره) یعظّمه و کان یقول: «إنّی أباحث لثلاثة رجال من تلامیذی: المیرزا محمد حسن الشیرازی، و المیرزا حبیب اللّه الرشتی، و الآغا حسن الطهرانی (قدس سرهم) »
و بعد ارتحال الشیخ الأنصاری (قدس سره) اجتمع تلامذته فی بیت میرزا حبیب اللّه الرشتی (قدس سره) و تأمّلوا فی أمر المرجعیة و اتّفقت کلمتهم علی تقدیم المیرزا الشیرازی (قدس سره) للمرجعیة. من أشهر تلامیذه: المولی محمد کاظم الخراسانی صاحب
ص: 36
الکفایة و السید محمد کاظم الیزدی صاحب العروة و المیرزا محمد تقی الشیرازی و المحقق النائینی و الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سرهم) .
الخامس: میرزا حبیب اللّه الرشتی (قدس سره) (م: 1312 ه- ق).
من مبرّزی تلامیذ الشیخ الأنصاری (قدس سره) صنّف بدایع الأفکار.
قال صاحب الذریعة: «قد کتب من تقریر بحث أستاذه العلامة الأنصاری عدة مجلدات فی الفقه و الأصول، ... و منها مجلدان فی تمام دورة الأصول من المباحث اللفظیة و الأدلة العقلیة.»،((1)) و الشیخ الأنصاری (قدس سره) یعلی سموّ مرتبته فی العلم بمحضر طلابه.
السادس: الشیخ محمد کاظم الخراسانی (قدس سره) (م: 1329ه- ق).
تلمّذ لدی الشیخ الأنصاری و المیرزا الشیرازی و الشیخ الرازی النجفی و السید علی الشوشتری (قدس سرهم) . و من أشهر تلامیذه المحقق الحائری و المحقق العراقی و المحقق الإصفهانی و السید المحقق أبی الحسن الإصفهانی و المحقق البروجردی (قدس سرهم) و ألّف کفایة الأصول، قال السید محسن الأمین (قدس سره): «شیخنا و أستاذنا الشیخ ملا کاظم الخراسانی النجفی أشهر المدرسین فی الأصول فی عصرنا هذّب مطالبه و اختصرها، له حاشیة علی رسائل الشیخ مرتضی (قدس سره) مدونة و له «الکفایة فی الأصول» جمع فیها جمیع مطالبه باختصار فصار مع المعالم و القوانین و الرسائل المعوّل فی التدریس و فی عصرنا الیوم هجرت القوانین و صار المعوّل علی المعالم و الرسائل و الکفایة.» و له أیضاً کتابی: «فوائد الاصول» و «التعلیقة علی الرسائل».
السابع: السید محمد الفشارکی (قدس سره) (م: 1316ه- ق).
ص: 37
من أعظم تلامیذ الفاضل الأردکانی و السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سرهما) . اعتزل عن الریاسة و اجتنب عن الإفتاء و المرجعیة. له رسائل فی الفقه و الأصول.
الثامن: المیرزا محمد تقی الشیرازی (قدس سره) (م: 1338ه- ق).
صاحب فتوی الجهاد و هو أیضاً من أرکان تلامیذ الفاضل الأردکانی و السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سرهما) . و هو یباحث الدروس مع السید الفشارکی (قدس سره) .
الدورة الثانی عشر: عصر النائینی و العراقی و الإصفهانی و الحائری (قدس سرهم)
الأول: المیرزا محمد حسین النائینی (قدس سره) (م: 1355 ه- ق).
تلمّذ عند المیرزا المجدّد الشیرازی و السید محمد الفشارکی (قدس سرهما) و تلمّذ فی الحکمة لدی جهانگیر خان القشقائی (قدس سره) و اختلف فی تلمّذه عند صاحب الکفایة (قدس سره) و المشهور عدم تلمّذه عنده، بل تصدّی جواب استفتائاته، و فتخرّج من معهد بحثه و مجلس درسه کثیر من العلماء و المجتهدین و ألّفوا تقریرات بحثه، منها: «فوائد الأصول» و «أجود التقریرات».
الثانی: شیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سره) (م: 1355 ه- ق).
هو الزعیم الأعظم و مؤسّس الحوزة العلمیة بقم المقدّسة، تلمّذ لدی الفاضل الأردکانی و المیرزا المجدد السید محمد حسن الشیرازی و السید محمد الفشارکی و المیرزا محمد تقی الشیرازی و محمد کاظم الخراسانی صاحب الکفایة (قدس سرهم)، و ألف «درر الفوائد» فی علم الأصول.
الثالث: الآقا ضیاء الدین العراقی (قدس سره) (م:1361 ه- ق).
من تلامیذ المیرزا حبیب الله الرشتی و صاحب الکفایة و السید محمد
ص: 38
الفشارکی و السید الیزدی صاحب العروة (قدس سرهم) و هو مؤلّف «مقالات الأصول»، و من أشهر تقریرات بحثه «نهایة الأفکار».
الرابع: الشیخ محمد حسین الإصفهانی (قدس سره) (م: 1361 ه- ق).
تلمّذ عند صاحب الکفایة و السید محمد الفشارکی و فی الحکمة لدی العلامة محمد باقر الإصطهباناتی (قدس سرهم)، فصار من أعلام المحققین و کشف غوامض مسائل علم الأصول و قد حضر عنده کبار المراجع و العلماء، حیث وجدوا فی أبحاثه الجمع بین منهج الإستناد إلی المفاهیم العرفیة و إعمال الدقّة العمیقة العقلیة، منهم: المحقق الخوئی و المحقق المیلانی و الأستاذ المحقق محمد تقی البهجة و العلامة المظفر (قدس سرهم) . من تألیفاته «نهایة الدرایة فی شرح الکفایة»، و «الأصول علی نهج الحدیث».
ص: 39
ص: 40
المبادی التصور یة و التصدیقیة
لعلم الأُصول
فیه مقدمات و أربع أبحاث
البحث الأوّل: المبادی اللغویة التصوریة لعلم الأُصول
البحث الثانی: المبادی اللغویة التصدیقیة لعلم الأُصول
البحث الثالث: المبادی الأحکامیة التصوریة لعلم الأُصول
البحث الرابع: المبادی الأحکامیة التصدیقیة لعلم الأُصول
ص: 41
ص: 42
إنّ علم الأصول أسّس لمعرفة القواعد الأصولیة و هی مبادٍ تصدیقیّة لعلم الفقه المتکفّل لتشخیص الحکم الشرعی و الوظیفة الفعلیة فی کل مورد بالنظر و الدلیل.
القسم الثانی: ما یوجب العلم التعبدی و هو علی نوعین:
الأول: الصغریات التی کبراها مسلّمة، فإنّ کبرویّة حجیة الظهور متسالم علیها بین العقلاء و هی القواعد التی یستفاد منها ظهورات الألفاظ و هی إمّا((1)) ظهور الألفاظ فی حدّ ذاتها مثل العموم و الإطلاق و إما ظهور الألفاظ مع ملاحظة أمر خارجی مثل سرایة إجمال المخصّص إلی العام.
الثانی: الکبریات التی هی مباحث الحجج مثل حجیة خبر الواحد و الشهرة الفتوائیة و الإجماعات المنقولة و ...
القسم الثالث: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة الشرعیة. ((2))
ص: 44
القسم الرابع: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة العقلیة ((1)) مثل الاحتیاط و البراءة العقلیین و الظنّ الانسدادی علی الحکومة.
إنّ فائدة علم الأصول هو تحصیل العلم الوجدانی أو التعبدی بالأحکام الشرعیة أو تعیین الوظیفة الشرعیة أو العقلیة فی مقام العمل الذی هو موجب لحصول الأمن من العقاب.
و بتعبیر أصحّ إنّ فائدة علم الأصول تحصیل الحجة علی حکم العمل.((2))
قد ذکروا لعلم الأصول تعاریف متعدّدة، لابدّ من ذکرها، و بیان ما هو الصحیح منها.
التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور (3)
و هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة.
ص: 45
صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات((1)) و لکن أفاد فی المحاضرات تعریفاً آخر کما سیأتی إن شاء الله تعالی.
إنّه یدخل فی التعریف قواعد علم الرجال و مسائله، مثل وثاقة الراوی و لذلک اعتبر المحقق النائینی (قدس سره) فی القاعدة الأصولیّة أن تکون کبرویة.
((1))
إنّ «قید الممهّدة» یوجب خروج مباحث علم الرجال لأنّها لیست ممهّدة لاستنباط الحکم بل هی ممهّدة لتشخیص حال الخبر من حیث الصحّة و الصدق و الکذب وإن کان الخبر مرتبطاً بأصول الدین أو الاعتقادیّات أو الأخلاق.
((1))
إنّ القواعد الفقهیة فی الشبهات الحکمیة بل بعض القواعد الفقهیة فی الشبهات الموضوعیة داخلة فی التعریف مثل قاعدة «البیّنة علی المدّعی و الیمین علی من أنکر» فإنّ تشخیص المدعی و المنکر غیر میسور للمقلّد فإنّ المدّعی إمّا هو من إذا تَرک تُرِک، أو الذی قوله خلاف الظاهر أو الذی قوله خلاف الأصل.
ص: 48
التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))
هو صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل.
إنّ الحجّیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) المنجّزیة و المعذّریة، و المنجّزیة إما ذاتیة مثل منجزیة القطع و إما جعلیة مثل منجزیة الحجج الشرعیة، فعلی هذا یلزم خروج جمیع الحجج الشرعیة عن علم الأصول فإنّ للقطع حیثیتین:
1. انکشاف الواقع
2. صحة المؤاخذة و العقاب
و لکن الحجج الشرعیة لاتوجب انکشاف الواقع علی مبنی تفسیر الحجیة بالمنجزیة و المعذریة فحینئذ لایوجب خبر الواحد استنباط الحکم الشرعی بل یوجب صحة المؤاخذة و العقاب.
إنّ إثبات الحجیّة بمعنی المنجزّیة، هی المرتبة الأخیرة من مراتب الحکم الشرعی و هی مرحلة التنجز و الوصول و لذا یتحقّق به استنباط الحکم الشرعی، فإنّ صدق الاستنباط لایدور مدار مبنی الطریقیة، بل القائل بالمنجزیة أیضاً یستنبط الحکم علی حدّ ما یلزمه من ترتّب العقاب أو العذر عنه فالحکم
ص: 49
المستنبط عنده ما یترتّب العقاب علی مخالفته أو ما یکون معذوراً بالنسبة إلیه.
إنّ استنباط الحکم بمعنی إثباته لکن التنجیز و التعذیر یوجبان تنجّز الحکم لا إثبات الحکم فإنّ تنجیز الحکم فی ما إذا کان الحکم موجوداً فی الواقع و العذر عنه فی ما إذا لم یکن موجوداً، لیس إثباتاً للحکم و استنباطاً له، فإنّ الحکم الشرعی علی هذا المبنی مشکوک الوجود واقعاً و تعبداً، إلا أنّه مع فرض وجوده یکون منجزاً و مع فرض عدمه یکون معذّراً.
إنّ مبانی الحجیة مختلفة و یختلف بذلک قیاس الاستنباط و علی مبنی الطریقیّة لایترتّب علی القیاس المتشکّل من تلک الکبریات استنباط الحکم الشرعی.
توضیحه: إنّه قال: قیاس الاستنباط هکذا «الشیء الفلانی مما قام علی وجوبه خبر الثقة و کل ما قام علی وجوبه خبر الثقة یجب» فیستنتج من تألیف القیاس وجوب الشیء الفلانی و هذا لایلائم مبنی الطریقیة بل یلائم مبنی إنشاء الحکم المماثل.
فإنّ الکبری فی مبنی جعل الحکم المماثل «کل ما قام الخبر علی وجوبه فهو واجب». و الکبری فی مبنی المنجزیة و المعذریة «کل ما قام الخبر علی وجوبه فوجوبه منجّز». و الکبری فی مبنی الطریقیة «کل ما قام الخبر علی وجوبه فهو معلوم الوجوب تعبداً».
و من هنا یقع الإشکال علی مبنی التنجیز و التعذیر فی وجه الفتوی بالوجوب أو الحرمة أو الاستحباب أو الکراهة.
إنّ لازم مبنی الطریقیة انتساب الحکم الذی هو معلوم تعبّداً إلی الشارع، فیصدق إثبات الحکم تعبداً، فیصحّ أن یقال: هذا حکم شرعی، و یصدق حینئذ استنباط الحکم الشرعی.
له صیاغتان فی تعریف علم الأصول:
أما صیاغته الأولی للتعریف: «القواعد الممهّدة لتحصیل الحجة علی الحکم
ص: 52
الشرعی».((1))
أما صیاغته الثانیة للتعریف: «القواعد التی تقع فی طریق إقامة الحجة علی حکم العمل».((2))
قال المحقق الخوئی (قدس سره):((3)) لا حاجة لنا إلی تأویل لفظ الاستنباط بمعنی تحصیل الحجّة (التی معناه المنجّزیّة و المعذّریّة) لیدخل فیه البراءة العقلیة و وجوب دفع الضرر المحتمل و التخییر العقلی.
أولاً: إنّه لا ملزم له لأنّ تعمیم الحکم للواقعی و الظاهری یوجب دخول البراءة العقلیة و التخییر العقلی فلا إشکال علی تعریف المشهور.
ثانیاً: إنّ ذلک خلاف ظاهر لفظ الاستنباط و کلامنا فی توجیه تعریف المشهور
ثالثاً: إنّ ذلک یتمّ فی ما کان الحکم إلزامیاً أما فی الإباحة فلا معنی لتحصیل المعذر و المنجز.
أمّا إیراده الأوّل فلایتمّ حیث قلنا: إنّه علی مسلک التنجیز لایستنبط الحکم الشرعی لا ظاهراً و لا واقعاً.
و إیراده الثانی أیضاً غیر تام حیث لا جمود علی تعریف القوم فإنّ تعریف
ص: 53
المحقق الإصفهانی (قدس سره) أحسن من تعبیرهم باستنباط الحکم الشرعی.
و إیراده الثالث أیضاً مخدوش فإنّ بعض الأصولیین اختاروا فی الحجیة مبنی آخر غیر مبنی التنجیز و التعذیر، مع أنّه لابدّ من إقامة الحجّة علی حکم الإباحة علی مبنی المنجّزیة و المعذّریة أیضاً، فإن کان العمل فی الواقع حراماً، فالدلیل الذی أقاموه علی حکم الإباحة یکون حجة، بمعنی أنّه معذّر عن الحکم الواقعی (و هو الحرمة).
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی التعریف الأول أحسن من التعریف الثانی حیث یشتمل علی قوله «الممهّدة» و بهذا القید یخرج القواعد التی تقع فی قیاس الاستنباط و لکن لیست ممهّدة لذلک مثل الصرف و النحو و الرجال فإنّ قواعد علم الرجال لیست ممهّدة لاستنباط الحکم بل تفید فی الروایات المرتبطة بأصول الدین أیضاً و التعریف الثانی أحسن من الأول حیث قال: فی طریق إقامة الحجة علی حکم العمل و لم یقل: الحکم الشرعی و بهذا القید یدخل فی التعریف الأصول العملیة العقلیة التی تعیّن وظیفة المکلف.
فمقتضی التحقیق فی تعریف علم الأصول هو أن یقال: «القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة علی حکم العمل.»
التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره) (1)
علم الأصول هی القواعد الخاصّة التی تعمل فی استخراج الأحکام الکلّیة
ص: 54
الإلهیّة أو الوظائف العملیّة الفعلیّة عقلیّة کانت أم شرعیّة.
إنّ ما ورد علی صاحب الکفایة (قدس سره) یجیء هنا، حیث إنّه یلزم أن یکون علم الأصول علمین، لوجود غرضین و هما استنباط الأحکام و تعیین الوظیفة العملیّة.
علم الأصول هو العلم بالقواعد التی تقع بنفسها فی طریق استنباط الأحکام الشرعیة الکلیة الإلهیّة من دون حاجة إلی ضمیمة کبری أو صغری أصولیّة أخری إلیها.
قوله «استنباط الأحکام الشرعیة» لإخراج القواعد الفقهیّة حیث إنّها من باب التطبیق لا الاستنباط.
إنّه یلزم خروج الأصول العملیة الشرعیة لأنّها أیضاً من باب تطبیق
ص: 55
مضامینها علی مصادیقها و یلزم أیضاً خروج الأصول العملیة العقلیة و الظن الانسدادی علی الحکومة لأنّهما لاتنتهیان إلی استنباط حکم شرعی.
إنّ الإشکال یصح فی ما إذا أردنا من «الاستنباط» الإثبات الحقیقی بعلم أو علمی و لکن الاستنباط عندنا الإثبات الجامع بین أن یکون وجدانیاً أو شرعیاً أو تنجیزیاً أو تعذیریاً، و الأصول العملیة الشرعیة و العقلیة و الظن الانسدادی کلها تقع فی طریق الاستنباط لأنّها تثبت التنجیز و التعذیر.
((1))
إنّ هذا الجواب غیر مجدٍ حیث قلنا: إنّ التنجیز و التعذیر یوجب تنجّز الحکم لا إثبات الحکم فإنّ تنجیز الحکم فی ما إذا کان الحکم موجوداً فی الواقع و العذر عنه فی ما إذا لم یکن موجوداً، لم یصدق علیه استنباط الحکم، فإنّ الحکم الشرعی علی هذا المبنی مشکوک الوجود واقعاً و تعبداً، غایة الأمر مع فرض وجوده یکون منجزاً و مع فرض عدمه یکون معذّراً.
ص: 56
لو تنزّلنا و فرضنا أنّ الأصول العملیّة الشرعیّة من باب التطبیق فلانسلّم أنّها خارجة عن علم الأصول، لوجود خصوصیة فیها لیست تلک الخصوصیة موجودة فی القواعد الفقهیّة، لأنّها أحکام کلیّة لمتعلّقاتها استنبطت من أدلّتها ثمّ تنطبق علی مواردها.
إنّه مخدوش أیضاً، لأنّه عدول من تعریفه إلی تعریف صاحب الکفایة (قدس سره) و یرد علیه الإیرادان المذکوران هناک.
قوله «من دون حاجة إلی ضمیمة کبری أو صغری أصولیة إلیها» هو لإخراج المباحث اللغویة مثل بحث المشتق و الصحیح و الأعم و وضع أداة العموم و مباحث الرجال و ... عن الأصول حیث إنّها تحتاج إلی ضمّ کبری أصولیة إلیها حتی یقع فی قیاس الاستنباط.((1))
ص: 57
و ثانیاً: إن کان ملاک تمایز العلوم هو الموضوع الجامع یلزم أن یکون کلّ باب من العلم علماً برأسه. ((1))
إنّ ملاک تمایز العلوم هو الاختلاف فی المحمول.
إنّ وجود المحمول الجامع أیضاً فی بعض العلوم ممّا لایمکن تحقّقه، کما صرّح بذلک بعض الأعلام فقال:
إنّ جمیع محمولات علم الفقه و بعض محمولات علم الأصول من الأمور
ص: 59
الاعتباریة و کما لایعقل وجود جامع مقولی بین الأمر الاعتباری و الأمر التکوینی، لایعقل وجوده بین أمرین اعتباریین أو أمور اعتباریة((1)) و هذا دلیل علی عدم إمکان الجامع المقولی فی ناحیة المحمول.
من الأقوال.((1))
قال بعضهم: إنّ الغالب هو الامتیاز بالغرض و لکن قد یکون ملاک الامتیاز الموضوع الجامع و هو فی ما إذا کان العلم للتحقیق حول الموضوع المعیّن.
إنّ هذا أیضاً یرجع إلی أنّ ملاک الامتیاز هو الغرض، لأنّ الغرض هنا هو التحقیق حول هذا الموضوع.
و هنا أقوال أخری لانطیل الکلام بذکرها ((2))
ص: 61
ص: 62
ص: 63
إنّ المشهور بین الأعلام هو لزوم الموضوع لکل علم و لکن خالفهم بعض الأجلّة مثل المحقق الإصفهانی((1)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .
الطبیعیة فضلاً عن الوحدة الاعتباریة فإنّ الاعتباریات لاتقبل التأثیر و التأثّر. ((1))
ثانیاً: إنّها لو جرت لدلّت علی حیثیة الوحدة فی جمیع العلوم التی هی دخیلة فی حصول غرض الاستنباط سواء کانت داخلة فی الأصول أم خارجة مثل علم الرجال و النحو و الصرف و غیر ذلک فلاتدلّ علی وجود الموضوع الواحد لعلم الأصول.
((2))
إنّ لزوم الموضوع لکل علم، إن کان بملاحظة أنّ کل علم مرکب اعتباری من قضایا متشتّتة و لابدّ فی کل مرکب من جهة وحدة إما حقیقة کما فی المرکب الحقیقی کالمرکب من مادة و صورة، و إما اعتباریة کما نحن فیه.
ففیه: أنّ جهة الوحدة کما تنحفظ بالموضوع الجامع کذلک بالمحمول الجامع و بالغرض الجامع فلا تعیّن للموضوع.
و إن کان بملاحظة أنّ إفراد کل مرکب اعتباری عن مرکب اعتباری آخر و تسمیة کل منهما علماً و فنّاً متوقف علی الموضوع الجامع و لذا اشتهر أنّ تمایز
ص: 65
العلوم بتمایز الموضوعات و لو بالحیثیات، ففیه: أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فنّ عن فنّ و إلا لکان بابان من فنّ واحد فنّین و کذلک المحمول الجامع فتنحصر جهة الامتیاز من حیث الفنّیة و العلمیة فی الغرض الجامع.
و إن کان بملاحظة أنّ تأثیر القضایا المتشتّتة فی غرض واحد یقتضی وحدة القضایا و لاتکون واحدة إلا برجوع موضوعاتها إلی موضوع جامع و محمولاتها إلی محمول جامع، ففیه: أنّ الغرض الجامع واحد بالعنوان لا بالحقیقة لیجری فیه البرهان و هو استحالة تأثیر الأمور المتباینة أثراً واحداً.
((1))
إنّ وجود الجامع المقولی و الذاتی فی بعض العلوم محال عقلاً لأنّه فی علم الفقه مثلاً موضوع بعض مسائله من مقولة الجوهر، مثل الماء و الدم و المنی فی بحث الطهارة و موضوع بعضها من مقولة الوضع، مثل القیام و السجود و الرکوع و بعضها من مقولة الکیف المسموع، مثل القراءة و بعضها من الأمور العدمیة، مثل التروک فی کتاب الصوم و الحج.
و تحقّق الجامع الذاتی بین الجوهر و العرض و العدم محال.
((2))
من البیّن أنّه لا جامع لموضوعات مسائله لکن الذی یهوّن الخطب أنّ
ص: 66
القائلین بلزوم الموضوع الجامع یکتفون بکل جامع ذاتیاً کان أم عرضیاً کما صرّح بذلک المحقق الطوسی (قدس سره) فی شرح الإشارات فقال:
«و الأشیاء الکثیرة قد تکون موضوعات لعلم واحد بشرط أن تکون متناسبة و وجه التناسب أن یتشارک ما هو ذاتی کالخط و السطح و الجسم إذا جعلت موضوعات للهندسة فإنّها تتشارک فی الجنس أعنی الکم المتصل القار الذات و إما فی عرضی کبدن الإنسان و أجزائه و أحواله و الأغذیة و الأدویة و ما یشاکلها إذا جعلت جمیعاً موضوعات علم الطب فإنّها تتشارک فی کونها منسوبة إلی الصحة التی هی الغایة فی ذلک العلم».((1))
و بنظیره یمکن أن یقال: إنّ جمیع موضوعات المسائل مشترکة فی أنّها منسوبة إلی الغایة المطلوبة من تلک المسائل و هی إقامة الحجة علی حکم العمل.
ص: 67
هنا أقوال أربعة:
لایمکن تحقق الموضوع الجامع الذاتی لعلم الأصول((1)) والوجه فی ذلک هو أنّ الموضوع فی بحث الإجزاء الإتیان بالمأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟) هو إتیان المأمور به و المحمول هو الاقتضاء و إتیان المأمور به قد یکون أمراً وجودیاً و قد یکون أمراً عدمیاً مثل تروک الإحرام.
و الموضوع فی بحث مقدمة الواجب (وجوب ذی المقدمة هل یقتضی وجوب المقدمة أو لا؟) هو الوجوب الاعتباری و المحمول هو الاقتضاء و الموضوع فی هذه المسألة اعتباری و فی المسألة السابقة تکوینی.
و الموضوع فی بحث حجیة الخبر، هو حجیة الخبر الأعمّ من القولی و الفعلی و الموضوع فی بحث الاستصحاب هو الیقین السابق الملحوق بالشک و الموضوع فی بحث حجیة الشهرة هو الشهرة.
و الموضوع الجامع الذاتی بین هذه الأمور لایتحقّق أبداً کما أفاده المحقّق
ص: 68
الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله).
و أما الموضوع الجامع العنوانی((1)) و إن لم یکن بمحال و لکن لا دلیل علی لزوم وجوده.
و القول الأوّل هو الحق کما بینّاه سابقاً.
بعض الأعلام مثل صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) قالوا بوجود الموضوع لعلم الأصول و اختلفوا فی تعیینه و لما لم یتیسّر لهم ذلک قالوا: وجود الموضوع بحکم البرهان ثابت و لکن هو غیر معلوم و غیر مبیّن لنا.
قد قلنا ببطلان ما استدلّ علی لزوم الموضوع الجامع بل قد یکون مستحیلاً فی الجامع الذاتی و مع عدم تعیین الموضوع الجامع لا دلیل علی وجوده و قاعدة الواحد لاتجری هنا حتّی یستدلّ بها علی لزوم الموضوع الجامع.
ص: 69
القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره)((1))
إنّ موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هی أدلة.
أما القول الثالث و الرابع فقد نوقش فیهما بأنّه لیس موضوعاً جامعاً.
بیان المناقشة:((3)) إنّ السنّة إما نفس قول المعصوم و فعله و تقریره و إما الأعم منها و من الحاکی عنها.
أما بناء علی کونها الأعم فیخرج کثیر من المباحث من علم الأصول مثل
ص: 70
الملازمات العقلیة (وجوب المقدمة، اجتماع الأمر و النهی و بحث الضد) و مباحث الإطلاق و التقیید و العام والخاص و ظهور الأمر فی الوجوب و الفور و التراخی و المرة و التکرار.
و أما بناء علی کونها الأخص فیخرج مبحث حجیّة الخبر و التعارض، مضافاً إلی المباحث التی قلنا بخروجها مبنیاً علی کون السنّة أعمّ من الحاکی و المحکی.
علم الأصول أیضاً لأنّ الثبوت الواقعی مفاده مفاد کان التامة و البحث عن مفاد کان التامة لیس بحثاً عن عوارض الشیء.
و إن أراد الثبوت التعبدی فهذا الثبوت و إن کان من عوارض الشیء إلا أنّه لیس من عوارض السنة بل حجیة الخبر حینئذ من عوارض الخبر.
((1))
إنّ الثبوت التعبدی و إن کان من عوارض الخبر إلا أنّ الخبر وجود تنزیلی للسنة فحینئذ تثبت السنة بالتعبد.
إنّ ما أفاده یتمّ علی بعض مبانی الحجّیة مثل تتمیم الکشف أو جعل المؤدّی منزلة الواقع و أما علی مبنی إنشاء الحکم المماثل فمفاد الخبر لیس تنزیلاً للواقع الذی هو وجود السنة و أیضاً علی مبنی التنجیز حیث إنّ المنجز هو الخبر و الخبر علی هذا المبنی لیس حکایة تعبدیة عن السنة.
فعلی هذا، إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) بأنّ الخبر لیس وجوداً تنزیلیاً للسنة علی جمیع مبانی الحجیة تامّ، کما أشرنا.
ص: 72
إنّ المسائل الأصولیة مبادٍ تصدیقیة لعلم الفقه و لکن لعلم الأصول أیضاً مبادٍ تصوریة و تصدیقیة، و المبادی التصوریة مرتبطة بحدود القضایا الأصولیة موضوعاً و محمولاً و المبادی التصدیقیة هی العلوم التی یتوقف علیها التصدیق بثبوت محمولات المسائل الأصولیة لموضوعاتها. ((1))
مبادی علم الأصول أربعة:
المبادی هنا إما تصوریة و إما تصدیقیة و کل منهما إما لغویة و إما أحکامیة.((2))
تنبیه:
إنّ العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری((1)) أنّ البحث عن المشتق من مسائل علم الأصول، حیث إنّه علی القول بالوضع للأعم یستفاد بقاء الحکم و علی القول بالوضع لخصوص المتلبّس ینتج ارتفاع الحکم لانتفاء المبدأ.
و لکن یلاحظ علیه: أنّ ذلک یرجع إلی تحقّق موضوع الحکم و عدمه و سعته و ضیقه و ذلک جارٍ فی جمیع المباحث اللغویة من حیث إنّه موضوع للحکم فلو صحّ هذا الاستدلال یلزم اندراج جمیع المباحث اللغویة فی المسائل الأصولیة.
المبادی التصوریة الأحکامیّة:((2))
و هی بحث حقیقة الحکم و ماهیته، مبادی الحکم، مراتب الحکم و جعله، متعلق الحکم و موضوعه، تقسیمات الحکم التکلیفی و الوضعی، أقسام الحکم التکلیفی و أقسام الحکم الوضعی، الواجب المطلق و المشروط، الواجب المعلق
ص: 75
و المنجز، الواجب النفسی و الغیری، الواجب التعیینی و التخییری، الواجب العینی و الکفائی، الواجب الموسع و المضیّق، الواجب التعبدی و التوصلی.
ص: 77
ص: 78
الفصل الأول: حقیقة الوضع
الفصل الثانی: المعانی الحرفیة
الفصل الثالث: الخبر و الإنشاء
الفصل الرابع: أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات
الفصل الخامس: تبعیّة الدلالة للإرادة
الفصل السادس: الحقیقة و المجاز
ص: 79
ص: 80
الأمر الأوّل: حقیقة الوضع
الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع
تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی
ص: 81
ص: 82
قال المشهور: إنّ دلالة اللفظ علی المعنی إنّما هی بالوضع؛ نعم قیل: إنّ دلالة اللفظ علی المعنی لیست بالوضع بل هی بالمناسبة الذاتیة.
ثم إنّ الوضع: إمّا حقیقی و إمّا اعتباری و إمّا أمر وسط بینهما.
القول الأوّل: المناسبة الذاتیة (1)
دلالة الألفاظ علی معانیها بالمناسبة الذاتیة و لیست بالوضع و أیّدوه بما حکی عن المیرداماد (قدس سره) حیث اختبره رجلان من أهل العلم عن معنی لفظ قبیح
ص: 83
فهو أخبرهما عن المعنی و دعا علیهما لجسارتهما علیه و الحکایة غیر مستندة و ادّعوا أیضاً أنّ هناک ألفاظاً خاصّة یشترک فیها جمیع الأمم مثل الألفاظ التی یطلق علی الأمّ.
أولاً: إنّه لایعقل إلّا فی لسان واحد.
ثانیاً: لو التزمنا بهذه المقالة فی اللسان العربی فلابدّ من أن یتمکّن بعض
ص: 84
الأدباء و النوابغ من فهم هذه المناسبة الذاتیة کما أنّ الواضع فهمها و لذا جعل اللفظ بإزاء المعنی لوجود هذه المناسبة الذاتیة، مع أنّا لم نر أحداً ادّعی ذلک، فلا سبیل إلی إحراز ذلک فیبقی فی وعاء الإمکان.
ثالثاً: إنّ الالتزام بالمناسبة الذاتیة لایوجب عدم الوضع،((1)) کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) التزم بالمناسبة الذاتیة إجمالاً مع أنّه قائل بتحقّق الوضع.
رابعاً: علی فرض ثبوت المناسبة الذاتیّة، تعمیم تلک المناسبة لجمیع الألفاظ لم یثبت بل یمکن الوضع البشری فی سائر الألفاظ، کما هو الواقع فی
ص: 85
الألفاظ المستحدثة. ((1))
القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره). (2)
توضیحه: إنّ الوضع من الأمور الواقعیّة لا بمعنی أنّها من إحدی المقولات الجوهریة أو العرضیة بل بمعنی أنّها من الملازمات التی سببها الجعل و الاعتبار
ص: 86
و هذه الملازمة نظیر الملازمة نفس الأمریة التی بین تعدد الآلهة و فساد العالم فی قوله تعالی: (لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتَا).((1))
و جعل الوضع بهذا البیان من الأمور الواقعیة مبنی علی تفسیره بالمعنی اسم المصدری حیث إنّه الحاصل من الوضع الخارجی المصدری؛ نعم إنّ مقتضی التحقیق هو اتّحاد المعنی المصدری مع المعنی اسم المصدری وکلاهما أمران اعتباریان.
أوّلاً: إنّ هذه الملازمة نفس الأمریة لیست بحقیقة الوضع بل هی متفرّعة
ص: 87
علی الوضع و متأخّرة عنه،((1)) فإنّ الوضع کما سیأتی هو جعل اللفظ بإزاء المعنی حتّی یکون وجوداً للمعنی أو یکون علامة علیه و الملازمة بین اللفظ و المعنی تتحقّق بعد ذلک.
ثانیاً: إنّها أمر اعتباری و لا خارجیة لها و ستأتیک زیادة التوضیح عند بیان الأقوال الاعتباریة.
و الوجه فی التعبیر بالملازمة هو أنّ حضور اللفظ یستتبع حضور المعنی و هکذا بالعکس حضور المعنی مستتبع لحضور الألفاظ الذهنیة.
القول الثالث: نظریّة التعهّد (2) عن المحقق النهاوندی و الحائری و الخوئی (قدس سرهم)
إنّ الوضع من الأمور الواقعیة و هو التعهد و الالتزام علی ذکر اللفظ عند
ص: 88
إرادة تفهیم المعنی (و هذا البیان علی نظریة المحقق النهاوندی (قدس سره)). ((1))
أو هو التعهد علی تفهیم المعنی باللفظ أو إبراز المعنی باللفظ عند إرادة تفهیم المعنی (و هذا البیان علی نظریة المحقق الحائری((2)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما)).
ص: 89
و لهذا المبنی خصوصیات خمس:((1))
الخصوصیّة الأولی: الوضع علی هذا المبنی لیس أمراً اعتباریاً بل هو فعل نفسانی.
الخصوصیّة الثانیة: علی هذا المبنی لابدّ أن یکون کل مستعمل واضعاً و بعبارة أخری کل مستعمل هو متعهّد بذلک فهو الواضع (أی المتعهد بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی) فإنّ التعهد و الالتزام لایتعلّق بفعل الغیر بل یتعلّق بفعل نفسه نعم الواضع یطلق عرفاً علی من لم یکن تعهده مسبوقاً بتعهّد قبله. ((2))
الخصوصیّة الثالثة: إنّ تقسیم الوضع إلی التعیینی و التعیّنی باعتبار أنّ التعهد تارةً مسبوق بکثرة الاستعمال و تارةً غیر مسبوق بها. ((3))
ص: 90
الخصوصیّة الرابعة: إنّ الدلالة إمّا تصوریة و إمّا تصدیقیة، و التصدیقیة إمّا علی المراد الاستعمالی و إمّا علی المراد الجدی.
أمّا الدلالة التصوریة فلاتستند إلی العلقة الوضعیة علی هذا المسلک بل إلی أنس الذهن، لأنّ العلقة الوضعیة مختصّة بما إذا قصد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ فالدلالة التصوریة حیث إنّها غیر قصدیة فهی خارجة عن محدودة العلقة الوضعیة أمّا القائلون بأنّ الوضع أمر اعتباری فیقولون: إنّ الدلالة التصوریة أیضاً مستندة إلی الوضع. نعم إطلاق الدلالة علیها محل الکلام لأنّ الدلالة تابعة للإرادة.((1))
الخصوصیّة الخامسة: قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات:((2)) إنّ المعنی الموضوع له لیس هو ذات المعنی بل إرادة تفهیم المعنی.
لکن ما أفاده فی محاضرات((3)) ینافی ذلک حیث قال: الإرادة التفهیمیّة لم تؤخذ فی المعنی الموضوع له بل أخذت فی الوضع، بمعنی أنّ العلقة الوضعیة تختص بما إذا أراد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ.((4))
ص: 91
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد إبطال سائر الآراء قال: فالنتیجة علی ضوئها هی أنّ حقیقة الوضع لیست عبارة إلّا عن التعهد و الالتزام النفسانی.((1))
لیس حصر عقلی فی البین حتی یستدلّ لإثبات نظریة ببطلان غیرها، مع ما سیجیء إن شاء الله تعالی من صحّة نظریة أخری ممّا أبطلها السیّد المحقق الخوئی (قدس سره) علی حسب رأیه الشریف.
ص: 92
الرجوع إلی الوجدان و التأمّل فیه أقوی شاهد علیه.((1))
إنّه سیأتی إن شاء الله ما هو مقتضی الوجدان فی حقیقة الوضع، بعد أسطر.
الغرض الباعث علی الوضع، قصد تفهیم المعنی و إبراز المقاصد بالألفاظ و هذا القصد لازم ذاتی للوضع بمعنی التعهّد و الالتزام، فلابدّ للإنسان أن یتعهد بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی حتی یحصل الغرض.((2))
إنّ الوضع علی مقتضی التحقیق هو جعل اللفظ بإزاء المعنی حتی یکون علامة علیه و یکون وجوداً اعتباریّاً تنزیلیّاً للمعنی و الغرض منه هو تفهیم المعنی فی مقام الاستعمال و یترتّب علی الجعل المذکور، الارتباط والملازمة الاعتباریّة بین حضور اللفظ و حضور المعنی، فحینئذٍ لابدّ من ذکر اللفظ عند ارادة المعنی حتی یحصل الغرض و هو التفهیم و التفهّم و هذه اللابدّیة داعیة إلی ذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی، من دون وجود تعهّد و التزام نفسانی، مع أنّ الوضع و العلقة الوضعیة قد تحقّقت قبل ذلک.
ص: 93
فتحقّق الوضع فی الرتبة الأولی و وقوع العلقة الوضعیّة و الارتباط و الملازمة المذکورة فی الرتبة الثانیة و أمّا لابدیّة رعایتها لحصول الغرض فهی فی الرتبة الثالثة.
و هذه الأمور کافیة لتحقّق الغرض و حصوله من دون احتیاج إلی تعهّد من أحد من الناس، بل إن قلنا بتحقق الالتزام النفسانی و وجوده فی ضمیر المستعملین فإنّه أمر متأخّر عن العلقة الوضعیة و اللابدیّة المذکورة و هذا الالتزام النفسانی یکون فی الرتبة الرابعة.
و لعلّ منشأ هذا التوهّم هو أنّ الواضع قد یبرز اعتبار وضع اللفظ علی المعنی (الذی هو الوضع عندنا) بتعهّده و التزامه بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی، حیث یقول بعد الاعتبار الوضعی وجعل اللفظ بإزاء المعنی: إنّی أتعهّد و ألتزم بذکر اللفظ عند إرادة المعنی، و قد خفی الاعتبار المذکور عنهم و لذا توهّموا أنّ الوضع هو التعهّد المبرز و هذا نظیر من اعتبر أن یکون اسم طفله کذا، و أبرز ذلک باستعمال هذا الاسم، مثل قوله: «أعطنی ولدی علیاً».
إنّ الوضع بذلک المعنی (التعهد) موافق للمعنی اللغوی حیث إنّه فی اللغة بمعنی الجعل و الإقرار و منه وضع اللفظ و منه وضع القوانین فی الحکومات الشرعیة و العرفیة فإنّه بمعنی التزام تلک الحکومة بتنفیذها فی الأمّة. ((1))
ص: 94
((1))
إنّه لایمکن استبدال کلمة الجعل بکلمة الوضع((2)) فی موارد استعمالها کما فی قوله تعالی: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)((3))
إنّ للوضع معانی متعدّدة و هو قد یکون بمعنی الجعل کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی و لاینافی ذلک استعماله بمعنی آخر فی سائر الموارد.
قوله تعالی: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)((1)) عبارة عن الإیجاد و الخلق.
و قال أیضاً:((2))
الجعل فی قوله تعالی: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)((3)) یجری مجری أوجَدَ.
و ثانیاً: ما أفاده من أنّ «الجعل یقابله التقریر» ممّا لایمکن المساعدة علیه، بل الجعل بمعنی الإیجاد مساوق للتقریر، سواء کان الإیجاد تکوینیاً أم اعتباریاً.
إنّ الوضع فی ما إذا استعملت بمعنی الجعل، لایفید معنی التعهّد و الالتزام بل التعهّد أمر متأخّر عنه.
ص: 96
و هو أنّ الوضع وسط بین التکوین و الاعتبار.
ملخّص بیانه (قدس سره) علی ما فی الدراسات:((1)) إنّ الأمور إمّا لها تحقّق اعتباری بالجعل و الاعتبار من الله کالأحکام الشرعیة و هذا یحتاج إلی بعث الرسل و إنزال الکتب لتبلیغ ذلک إلینا و إمّا لها تحقق تکوینی بالإرادة التکوینیة مثل خلقة الجواهر و الأعراض الخارجیة و إمّا یکون حدّاً وسطاً بینهما مثل الوضع و ذلک بأنّ الله تعالی ألهم واضع کل لغة أن یضع کل لفظ خاص علی معنی مخصوص لوجود المناسبة بینهما مناسبة ذاتیة تکوینیة مجهولة عندنا و هذا معنی کونه تعالی واضعاً.
إشکالات ثلاثة علی القول الرابع:((2))
إنّ ادّعاء المناسبة الذاتیة المجهولة رجم بالغیب.((3))
إنّه فی خصوص اللغة العربیة نحتمل قویاً وجود تلک المناسبة فی اللغات الأصلیّة القدیمة، کما أنّه قد یستفاد من الآیة الشریفة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)((4))
أنّه بوضع الله تعالی و بإلهامه بلا احتیاج إلی الوضع البشری و یؤیّده دقائق علم الحروف، فما أفاده لیس رجماً بالغیب بل هو استنباطه من الأدلّة الشرعیّة، نعم إنّ
ص: 97
دعوی المناسبة الذاتیّة فی جمیع اللغات لاتخلو عن التعسّف و لایمکن الالتزام بها.
إنّ الشیء إذا کان من الموجودات الحقیقیة بحیث لاتتوقف علی اعتبار المعتبر فهو أمر تکوینی و إلّا فهو من الأمور الاعتباریة فما تصوّره من الحد الوسط بین التکوین و الاعتبار غیر معقول.((1))
((2))
إنّ الاعتبار الإلهی أو اعتبار الواضع البشری من عالم الاعتبار و لکن الإلهام أمر تکوینی خارجی حیث إنّه تعلیم و العلم أمر حقیقی خارجی و لعلّ مراده من الحدّ الوسط بین التکوین و الاعتبار وجود العناصر التکوینیة (الإلهام الإلهی) و الاعتباریة (الاعتبار الإلهی أو اعتبار الواضع البشری) فی حقیقة الوضع.
إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) من المناسبة الذاتیة و إن کان محتملاً فی خصوص المقام و لکن لم یذکر دلیل علیه فی کلماته.
مع أنّ عبارته مضطربة حیث إنّه تارة یقول: إنّ لکلّ لغة واضعاً (حیث قال:
ص: 98
واضع کل لغة) و أخری یقول: إنّه تعالی واضع و ثالثة یقول بوجود مناسبة ذاتیة تکوینیة بین اللفظ و المعنی و رابعة یقول بأنّ الوضع ربما فسّر بنفس العلقة و الاختصاص، کما أنّه قال: علی ما فی تقریرات درسه((1)) «و ربما فسّر الوضع بمعناه الاسم المصدری الذی هو عبارة عن نفس العلقة و الاختصاص الحاصل تارة من التعهد و أخری من کثرة الاستعمال».
القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی (2) عن بعض الحکماء و الأصولیین
إنّ بعض الحکماء مثل المحقق الطوسی (قدس سره) و بعض الأصولیین مثل المحقق الإیروانی و العلامة المظفر (قدس سرهما) اعتقدوا بهذه النظریة.
ص: 99
قال المحقق الطوسی (قدس سره) فی شرح منطق الإشارات: «إنّ الوضع عبارة عن اعتبار وجود اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی فهو هو فی عالم الاعتبار».((1))
و نظر المستعمل إلی اللفظ آلی و إلی المعنی استقلالی، بحیث إنّه لایری إلّا المعنی، فاللفظ فانٍ فی المعنی و لذا حسن المعنی و قبحه یسری إلی اللفظ و بهذا البیان تری أنّ الحکماء یعدّون للشیء وجوداً عینیاً و ذهنیاً و وجوداً کتبیاً و لفظیاً.
((1))
إنّ الغرض الداعی إلی الوضع هو استعمال اللفظ فی المعنی الموضوع له حتّی یدلّ علیه و یفهم منه معناه، فالوضع مقدمة للاستعمال و الدلالة و من الواضح أنّ الدلالة اللفظیة إنّما تکون بین شیئین أحدهما دالّ و الآخر مدلول فاعتبار الوحدة بینهما بأن یکون وجود اللفظ وجوداً للمعنی أیضاً لغو و عبث.((2))
إنّ الدلالة لاتبتنی علی التعدّد الحقیقی کما ورد «یا مَنْ دَلَّ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِه» و «بِکَ عَرَفْتُکَ وَ أَنْتَ دَلَلْتَنِی»،((3)) مع أنّ اللفظ و المعنی متعدّدان حقیقةً و الوحدة بینهما اعتباریّة.
ص: 101
إنّ التنزیل و إن کان خفیف المؤنة إلّا أنّه لایحسن إلّا فیما کان بین المنزّل و المنزَّل علیه مناسبة تامّة مثل تنزیل الرجل الشجاع منزلة الأسد و لا مناسبة بین اللفظ و المعنی.((1))
هذا فی التنزیل الذی منشأه الأمر الخارجی و لکن التنزیل فی الوضع، أمر اعتباری، من دون منشأ خارجی. (بخلاف تنزیل الرجل لوصف الشجاعة).
((2))
التنزیل لابدّ و أن یکون بلحاظ آثار المنزَّل علیه علی المنزَّل، و فی المقام لایثبت
ص: 102
شیء من خواصّ المعنی لللفظ، مثلاً لفظ العدم بعد الوضع لایکون محالاً.
صفات المعنی تسری إلی اللفظ مثل الحسن و القبح و أمّا مثال العدم، فیرد علیه أنّ مفهوم العدم و معناه لیس مستحیلاً بل مصداقه مستحیل و اللفظ وُضع للمعنی لا للمصداق.
إنّ مقتضی التحقیق هو أنّ حقیقة الوضع أمر متقدّم علی ما ادّعوه من الوجود التنزیلی و لکن بعد تحقّق الوضع یتفرّع علیه هذا التنزیل الاعتباری.
قد تقدّم أنّ المحقق العراقی (قدس سره) اختار النظریّة الثانیة و لکن قد توهّم أنّه یقول بالنظریّة الخامسة لأنّه یقول فی ابتداء کلامه ما یوهم ذلک حیث قال:((1))
إنّ هذه العلقة هی نحو من الارتباط الحاصل بین المرآة و المرئی بحیث لایلتفت إلی اثنینیّتهما و یحسب أحدهما قالباً للآخر و نحو وجود له و کانا بنحو یکون الانتقال إلی أحدهما عین الانتقال إلی الآخر و ربّما تسری صفات أحدهما إلی الآخر، فقبح المعنی ربّما تسری إلی اللفظ کما أنّ تعقید اللفظ قد یسری إلی المعنی و بذلک تمتاز نسبة الألفاظ إلی معانیها عن نسبة العلامات إلی ذیها.
و لکن قال بعد ذلک بواقعیتها و خارجیتها((2)) قال: إنّه لیست تلک العلاقة و
ص: 103
الارتباط الخاص من سنخ الإضافات الخارجیة کالفوقیة و التحتیة و لا من سنخ الاعتباریات التی لایکون صقعها إلّا الذهن کما فی النسب بین الأجزاء التحلیلیة فی المرکبات العقلیة مثل الإنسان و الحیوان الناطق، بل و إنّما هی متوسطة بین هاتین فکانت سنخها من قبیل الاعتباریات التی کان الخارج موطن منشأ اعتبارها، کما فی الملکیة و الزوجیة و نحوهما من الاعتباریات مما لایکون الخارج موطن نفسها بل موطن مصحّح اعتبارها من الإنشاء القولی أو الفعلی.
و لکن مع ذلک لها واقعیة بمعنی أنّ صقعها قبل وجود اللفظ فی الخارج و إن لم یکن إلّا الذهن، إلّا أنّها بنحو ینال العقل خارجیّتها عند وجود طرفیها تبعاً لها بنحو القضیّة الحقیقیة بأنّه لو وجد اللفظ وجد العلاقة و الارتباط بینه و بین المعنی، نظیر الملازمات کالملازمة بین النار و الحرارة، فکما أنّ صقع هذه الملازمة قبل وجود النار فی الخارج لایکون إلّا الذهن و بوجود النار و تحققها تصیر الملازمة تبعاً لوجود طرفیها خارجیة؛ کذلک تلک العلاقة و الارتباط الخاص بین اللفظ و المعنی فإنّ العلقة الحاصلة بینهما بالجعل لما کانت بین الطبیعتین یعنی طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی فقبل وجود طرفیها خارجاً لایکون صقعها إلّا الذهن و لکن بعد وجود طرفیها تبعاً لهما، تصیر الملازمة بینهما أیضاً خارجیّة، فکلما وجد اللفظ فی الخارج یتحقق العلقة و الارتباط بینه و بین المعنی و یکفی فی خارجیّتها کون الخارج ظرفاً لمنشأ انتزاعها.
اللفظ و طبیعی المعنی، لا الوجود الخارجی أو الذهنی من اللفظ و المعنی بل طبیعی المعنی لایوجد فی الخارج لاعتباریّة الطبائع و الماهیّات.
نعم لیست اعتباریة محضة کأنیاب الأغوال بل لها واقعیة فی وعاء الاعتبار، مثلاً إذا تنازع رجلان فی ملکیة دار، کان أحدهما مالکاً واقعاً فی وعاء الاعتبار و الآخر لیس بمالک.
و لاینبغی التعبیر بخارجیة العلقة الوضعیة و الارتباط الموجود بینه و بین المعنی بعد وجود اللفظ فی الخارج.
ثم إنّه -علی تفسیر الوضع بالمعنی المصدری- هو أمر اعتباری عند هذا المحقق فی الوضع التعیینی أمّا علی تفسیره بالمعنی اسم المصدری أیضاً فالأولی عدّ نظریته فی عداد القائلین بالاعتباریة لأنّه عنده کالملکیة الاعتباریة.
القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره) ((1))
إنّ الوضع لیس مجعولاً تشریعیاً و لا اعتباریاً، بل هو أمر تکوینی بمعنی أنّ الواضع یمارس عملیة الاقتران بین اللفظ و المعنی بشکل أکید بالغ و هذا الاقتران إذا کان علی أساس العامل الکمّی (کثرة التکرار) سمّی بالوضع التعیّنی
ص: 105
و إذا کان علی أساس العامل الکیفی سمّی بالوضع التعیینی.
و بذلک نشأت العلقة الوضعیة أعنی السببیة و الاستتباع بین ذلک الصوت المخصوص و المعنی المخصوص.
بیان ذلک: إنّ الله تعالی جعل الإحساس بالشیء سبباً فی انتقال الذهن إلی صورته و هذا قانون تکوینی و یوجد قانونان تکوینیّان آخران:
أحدهما: قانون انتقال صورة الشیء إلی الذهن عن طریق إدراک المشابه.
ثانیهما: قانون انتقال صورة الشیء إلی الذهن عن طریق إدراک الذهن لما وجده مقترناً بذلک الشیء علی نحو أکید بلیغ مثلاً نسمع صوتاً مشابهاً لزئیر الأسد فبحکم القانون التکوینی الأوّل ینتقل هذا الصوت إلی الذهن بسبب الإحساس السمعی به ثم ینتقل الذهن إلی صوت زئیر الأسد نتیجة المشابهة بینهما بحکم القانون التکوینی الثانی.
ثم ینتقل الذهن إلی نفس صورة الأسد الملازم خارجاً مع صوته بحکم القانون التکوینی الثالث و قد حاول الإنسان أن یستفید من القانون التکوینی الثالث لوضع اللفظ المخصوص و جعله مقترناً و مشروطاً بمعنی مخصوص اقتراناً أکیداً فنشأت العلقة الوضعیة.
عملیة الاقتران المذکور فی وضع الألفاظ لمعانیها لیست إلّا اعتبار الواضع فهی لیست عملیة تکوینیة حتی یقال: «إنّ الوضع أمر تکوینی، لا مجعول اعتباری» بل وعاء عملیة الاقتران المذکور لیس إلّا عالم الاعتبار ثم أبرزه
ص: 106
الواضع (أی أبرز الاعتبار) ببیانه.
لایقال: إنّ الوضع بالمعنی المصدری عملیة ذهنیة للواضع.
لأنّه یقال: هل وعاء هذه العملیة وعاء الوجودات الذهنیة أو إنّها عملیة بمعونة الذهن فی وعاء عالم الاعتبار لا عالم الوجودات الذهنیة و هذا الأمر الثانی معنی اعتباریة الوضع بالمعنی المصدری.
هذا کلّه علی تفسیر الوضع بالمعنی المصدری.
العلقة الوضعیة (التی هی الوضع بالمعنی اسم المصدری) أیضاً لیس أمراً تکوینیاً.
إنّه قال: العلقة الوضعیة أعنی السببیة و الاستتباع بین ذلک الصوت المخصوص و المعنی المخصوص فیقال: هل یکون الاقتران المذکور بین الوجودین الخارجیین للفظ و المعنی أو الوجودین الذهنیین أو بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی؟
و الحق هو أنّ الارتباط بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی، لا الموجود منهما خارجاً أو ذهناً، فإنّ الارتباط المذکور ثابت و لو لم یتلفّظ بلفظ و لم یوجد مفهومه فی الذهن.
فهذه العلقة و الارتباط أمر فی وعاء الاعتبار.
التعبیر بالاقتران و الاشتراط أیضاً لیس تعبیراً تامّاً و سیجیء التعبیر الصحیح التامّ فانتظر (و هو التعبیر بالعَلَم أو العلامة).
ص: 107
القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و هو المختار
إنّ الوضع هو اعتبار وضع اللفظ علی المعنی فیختصّ به((2)) و تتحقّق الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی عند الملتفت إلی الاعتبار المزبور.
و لاریب فی ارتباط اللفظ بالمعنی و اختصاصه به و إنّما الإشکال فی حقیقة هذا الاختصاص و الارتباط و أنّه معنی مقولی أو أمر اعتباری.
تحقیق الکلام فیه: إنّ حقیقة العلقة الوضعیة لایعقل أن تکون من المقولات الواقعیة و لا الاعتبارات الذهنیة((3)) حیث إنّ الاختصاص الوضعی بین طبیعی اللفظ و المعنی دون الموجود الذهنی منهما أو الخارجی منهما.
و إنّما نقول باعتباریّته لأنّ الموضوع و الموضوع له، طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی، لا الموجود الذهنی أو الخارجی منهما.((4))
ثم إنّ الاختصاص الوضعی لا حاجة فی وجوده إلّا إلی اعتبار من الواضع و اعتبار کل معتبر قائم به بالمباشرة لا بالتسبیب کی یتسبب إلی اعتبار نفسه بقوله: «وضعتُ».
و حیثیة دلالة اللفظ علی معناه و کونه بحیث ینتقل من سماعه إلی معناه مثل حیثیة سائر الدوال کالعَلَم المنصوب علی رأس الفرسخ -فإنّه ینتقل من النظر
ص: 108
إلیه إلی أنّ هذا الموضع رأس الفرسخ- فشأن الواضع اعتبار وضع لفظ خاص علی معنی خاص.
و ظهر أنّ الاختصاص و الارتباط و الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی عند الملتفت إلی الاعتبار الوضعی کلّها من لوازم الوضع لا عینه.
و مسلک العَلامیّة لبعض الأساطین (حفظه الله) قریب من هذه النظریة بل یمکن أن یقال بأنّه یستفاد من هذه النظریة، و لهذا القول منشأ روائی، لما ورد عن علی بن موسی الرضا (علیه السلام) فی جواب السؤال عن معنی السّمة فی «بسم الله»، فقال (علیه السلام): «هِی الْعَلَامَة».((1))
((1))
فیه ما لایخفی بل إنّه تحلیل للعمل المتداول العرفی.
إنّ الوضع فی العَلَم علی رأس الفرسخ له ثلاثة أرکان: الموضوع و الموضوع علیه و الموضوع له و لکن الوضع الاعتباری بین اللفظ و المعنی له رکنان: الموضوع و الموضوع له.
((2))
إنّ کلامه فی اتحاد حیثیة الدلالة فی وضع الألفاظ و وضع سائر الدوال مثل
ص: 110
العلم المنصوب من حیث العلامیّة، لا اتحاد الأرکان فإنّ الدلالة هی بین الموضوع بعنوان الدالّ و بین الموضوع له بعنوان المدلول و مع وجود الموضوع علیه هو أیضاً مدلول حیث إنّ رأس الفرسخ یکون من موضعه فالإشکال غیر تامّ.
إنّ المختار من بین الأقوال((1)) هو القول السابع، فعلی هذا لابدّ أن یقال:
«الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنی، حتّی یکون علامة علیه»، ثمّ یتحقّق الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی و بعد ذلک یکون اللفظ وجوداً اعتباریّاً تنزیلیّاً للمعنی و ذلک لشدّة الأنس بین اللفظ و المعنی.
ص: 111
ص: 112
إنّ الوضع قد یکون شخصیاً و قد یکون نوعیاً و الوضع الشخصی هو أن یتصوّر الواضع شخص اللفظ و یضعه للمعنی و الوضع النوعی هو أن
ص: 113
ص: 114
لایتمکّن الواضع من تصویر شخص اللفظ بل یتصوّره بوجهه و بالجامع العنوانی.((1))
إنّ المشهور قائل بکونها نوعیة و هو المختار.
ص: 115
((1))
التحقیق أنّ جوهر الکلمة و مادتها (أعنی الحروف الأصلیة المترتبة الممتازة عن غیرها ذاتاً أو ترتیباً) أمر قابل للحاظ الواضع بنفسه، فیلاحظ بوحدته الطبیعیة و یوضع لمعنی، بخلاف هیأة الکلمة فإنّ الزنة لمکان اندماجها فی المادة لایعقل أن تلاحظ بنفسها لاندماجها غایة الاندماج فی المادة، فلا استقلال لها فی الوجود اللحاظی کما فی الوجود الخارجی کالمعنی الحرفی، فلایمکن تجریدها (و لو فی الذهن) عن المواد فلذا لا جامع ذاتی لها کحقائق النسب، فلامحالة یجب الوضع لأشخاصها بجامع عنوانی، کقولهم: کلّما کان علی زنة فاعل و هو معنی نوعیة الوضع أی الوضع لها بجامع عنوانی لا بشخصیتها الذاتیة.((2))
ص: 116
إنّ الهیئات بمثابة هیأة البیت، فإنّه شکل عارضٌ علی الموادّ و الشکل عرض مستقل فی التصور و إنّما یحتاج فی وجوده إلی وجود الموضوع کما هو تعریف العرض فالحق هو أنّ الوضع فی الموادّ و الهیئات وضع شخصی.
إنّ العرض له معنی اسمی مستقل فی التصور (هذا بحسب الحمل الأولی) أمّا استقلال تصور مصداق العرض (بحسب الحمل الشائع) من دون ملاحظة شیء آخر فهو غیر میسور و لذا لایمکن لحاظ الهیئات إلّا بوجهها و عنوانها.
اختاره بعض الأساطین (حفظه الله) و قد تقدم ما فی هذا القول.
ص: 117
إنّ المعنی الملحوظ حین الوضع إمّا خاصّ و إمّا عامّ و الموضوع له أیضاً إمّا خاصّ و إمّا عامّ.
و ذلک مثل وضع الأعلام الشخصیة.
و ذلک مثل وضع أسماء الأجناس.
العام الشأنی هو ذات المعنی القابل للوجود و العدم و الإطلاق و التقیید المعرّاة من جمیع هذه الخصوصیات (الماهیة المهملة).
ص: 118
ص: 119
و العام الفعلی هو المعنی مع جمیع الخصوصیات مع لحاظ اللابشرطیة بالنسبة إلی جمیع الخصوصیات (الماهیة المطلقة).
إنّه - بناء علی کون الموضوع له الماهیة المطلقة- الدلالة علی الإطلاق وضعیة.
و أمّا بناء علی کون الموضوع له الماهیة المهملة، فالدلالة علی الإطلاق تکون بمقدمات الحکمة.
و اختار بعض الأساطین (حفظه الله) نظریة سلطان العلماء و هو أن الموضوع له الماهیّة
ص: 120
المهملة و استدلّ علیه((1)) بأنّا نحمل علی تلک الماهیة کلاً من التقیید و الإطلاق و نقسّم الماهیة إلی المهملة و المطلقة و المقیّدة.
القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص ((2))
إنّ المعنی الملحوظ حین الوضع -فی هذا القسم- عام و لکن یوضع اللفظ علی کل فرد من أفراده.
والوجه فی إمکانه أنّ العام وجه لأفراده و معرفة وجه الشیء معرفته بوجه فالعام یکون مرآة لملاحظة أفراده.
إنّ المفهوم یحکی عن نفسه فقط لا عن مفهوم آخر مباین له و المفهوم العام
ص: 121
یقبل الصدق علی الکثیرین و المفهوم الخاص یأبی عن الصدق علی الکثیرین، و من جهة أخری إنّ الخاص له خصوصیة شخصیّة فکیف یحکی العام عنه؟ و الخاص بدون تلک الخصوصیة لیس خاصّاً فإن حکی العام عن الخاص بدون خصوصیّته، فهذا لیس من باب حکایة العام عن الخاص، بل هی حکایة العام عن العام.
((1)) بالتفصیل بین المفاهیم:
إنّ المفاهیم الکلیة المتأصلة کمفاهیم الجواهر و الأعراض- کالحیوان و الإنسان و البیاض و السواد- لاتحکی إلّا عن أنفسها و هی الجهة الجامعة بین الأفراد و المصادیق فهذه المفاهیم لاتحکی عن غیرها.
أمّا العناوین الکلیة التی تنتزع من الأفراد و الخصوصیات الخارجیة کمفهوم الشخص و الفرد و المصداق فهی تحکی عن الأفراد و المصادیق بنحو الإجمال.
إنّ الکلی یقبل الصدق و الانطباق علی کثیرین و هذا ممّا لا ریب فیه و إن کان مفهوماً کلیاً متأصّلاً و لا ملزم فی الحکایة عن الشیء الحکایة عن جمیع خصوصیاته بل الحکایة عن الجهة الموجودة فیه تکفی فی الصدق و إن کانت جهة مشترکة فیما بینه و بین سائر الأفراد؛ نعم إنّها حکایة إجمالیة و لکن الإجمالیة لاتضرّ بالصدق و الحمل.
ص: 122
فیه لیست موجودة فی العام، بخلاف العام فإنّ الحقیقة الموجودة فیه موجودة فی جمیع أفراده.
و قد ذهب بعض الأعلام مثل المحقق الرشتی فی بدائع الأفکار((1)) و المحقق الحائری فی درر الأصول((2)) و المحقق الجزائری (قدس سرهم) فی منتهی الدرایة إلی إمکان هذا القسم.
إذا تری شبحاً من بعید و علمت أنّه حیوان و لکن لم تمیّز أنّه من أی نوع من
ص: 124
الحیوانات فهذا المتصور أمر جزئی و لکن کان مرآة للعام حیث لم یحک إلّا عن العام الذی هو الحیوان. ((1))
((2))
إنّ المتصور هنا الأمر الکلی الموجود فی المصداق الجزئی و هذا بمثابة الوضع العام و الموضوع له العام لعدم تصور الخصوصیة.
إنّ التصور التحلیلی للخاصّ یستلزم تصور العام إجمالاً و التصور الإجمالی کافٍ فی الوضع. ((3))
إنّه بعد التحلیل یتصوّر الأجزاء التحلیلیة، فالعام متصوّر بنفسه بعد تحلیل
ص: 125
الخاص فهذا من الوضع العام و الموضوع له العام.
ص: 126
((1))
1. هل استعمال اللفظ فی المعنی بحیث یکون اللفظ فانیاً فی المستعمل فیه فلایلتفت إلی اللفظ أصلاً کما فی المرآة؟ فاللفظ حینئذ مغفول عنه و یکون فانیاً فی المعنی.((2))
2. أو بحیث یکون اللفظ ملتفتاً إلیه استقلالاً کالاستعمالات الکنائیة التی
ص: 127
یلتفت إلی اللازم و الملزوم فیها و إلّا فکیف ینتقل الذهن إلی المعنی الکنائی؟ فحال اللفظ أیضا کذلک فهو ملتفت إلیه و غیر مغفول عنه و لایکون فانیاً فی المعنی.((1))
3. أو بحیث یکون ملتفتاً إلیه طریقیاً و آلیاً مع عدم الغفلة عنه((2)) فهو لیس بمثابة المرآة التی لایلتفت إلیها و لذا تری أنّ الأدیب -مضافاً إلی التفاته إلی حسن المعانی و لطافة ترکیبها- یتوجه إلی الألفاظ المستعملة من جهة حسنها و جمالها و تناسب بعضها مع بعض.
4. أو إنّه أمر بین النظریة الأولی و الثالثة فإنّ مقام الاستعمال و التخاطب قد یقتضی الالتفات إلی اللفظ مثل المجالس الأدبیة و الوعظ و أمثالها و قد لایقتضی ذلک بل تمام التوجه إلی المعنی.
و الحق هو الأخیر و یظهر ذلک بعد أدنی تأمل فی المقام.
ص: 128
التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟
التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی
ص: 129
ص: 130
اختلفوا فیها علی أقوال، فبعضهم أنکروا المعنی الحرفی بل قالوا بعلامیّة الحروف و هو القول الأوّل و بعضهم اختاروا اتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی و هم افترقوا علی قولین و نشیر إلی نظریّتهم فی القول الثانی و الثالث و بعضهم قالوا بنسبیّة المعنی الحرفی و هؤلاء أیضاً افترقوا علی أقوال، فلابدّ من البحث حول جمیع الأقوال:((1))
القول الأوّل: علامیة الحروف.
القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره) و هو کون الوضع و الموضوع له عاماً و
ص: 131
المستعمل فیه خاصاً.
القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هو کون الوضع و الموضوع له و المستعمل فیه عاماً و الخصوصیة من ناحیة الاستعمال و لحاظ الآلیة.
القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) و هو أنّ الهیئات و بعض المعانی الحرفیة و أن کان مفادها مفاد النسبة ولکن بعض مفاد بعض المعانی الحرفیة مفاد الأعراض النسبیة، فالوضع عامّ و الموضوع له عامّ.((1))
القول الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و هو أنّ للحروف معانی إیجادیّة لا إخطاریّة و الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له عامّ أیضاً و المستعمل فیه خاصّ.((2))
القول السادس: نظریة المحقق الاصفهانی (قدس سره) و هو أنّ المعانی الحرفیة مفاد الوجود الربطی، فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ. ((3))
القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هو أنّ المعانی الحرفیّة لتضییق
ص: 132
المعانی الاسمیة و تحصیصها فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ.((1))
القول الأوّل: علامیّة الحروف ((2))
إنّ الحروف وضعت بوزان الحرکات الإعرابیة حیث إنّها لم توضع لمعنی خاص بل هی علامة و قرینة علی أنّ لمدخولها خصوصیة مثل الظرفیة أو کونه مبدوّاً به.
ص: 133
((1))
إنّ الخصوصیّات التی دلّت علیها الحروف هی معانٍ للحروف حیث إنّ هذه المعانی تفهم من الجملة و الدالّ علیها إمّا الأفعال و إمّا الأسماء و إمّا الحروف أمّا الأفعال و الأسماء فلا تدلّان علیها، فالدال علیها نفس الحروف فکأنّهم لم یتفطّنوا أنّ تلک الخصوصیات التی اعترفوا بعلامیّة الحروف لها، هی بنفسها تعدّ من المعانی إلّا أنّها معانٍ حرفیة لا اسمیّة.
القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره) (2)
و هو أنّ الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له أیضاً عامّ و المستعمل فیه خاصّ و هذا القول یشترک مع قول صاحب الکفایة (قدس سره) فی أنّ معانی الحروف معانٍ اسمیة و لکن یفترقان من حیث المستعمل فیه.
ص: 134
لا ریب فی وجود خصوصیة اللحاظ الآلی فی المعانی الحرفیة إلّا أنّ تلک الخصوصیة کما أنّها لیست فی الموضوع له، کذلک لیست فی المستعمل فیه، و الدلیل علی عدم کونها فی المستعمل فیه وجوه ثلاثة:
ص: 135
الوجه الأوّل:((1)) إنّ المعنی المستعمل فیه لابدّ أن یلاحظ حین الاستعمال و هذا اللحاظ لحاظ آلی؛ فإن قلنا بأنّ هذا اللحاظ الآلی جزء للمعنی المستعمل فیه، فیلزم أحد الأمرین:
إمّا أن یکون لحاظ المعنی المستعمل فیه عین اللحاظ الآلی المأخوذ فی المعنی المستعمل فیه فیلزم حینئذ تقدم الشیء علی نفسه لأنّ المعنی المستعمل فیه متقدم علی لحاظه مع أنّ لحاظ المستعمل فیه صار جزءً للمستعمل فیه قبلاً.
و إمّا أن یکون لحاظ المعنی المستعمل فیه غیر اللحاظ الآلی فیلزم تعدد اللحاظ الآلی، أحدهما جزء المعنی المستعمل فیه و الآخر مقوّم للاستعمال، لأنّه لابدّ من ملاحظة المعنی حین الاستعمال و هو خلاف الوجدان.
الوجه الثانی:((2)) إنّ اللحاظ الآلی إذا أخذ جزءً فی المعنی المستعمل فیه یوجب صیرورته کلیاً عقلیاً، لأنّ موطن اللحاظ هو العقل و حینئذٍ لایصدق علی الخارجیات، حیث إنّ موطن الکلی العقلی هو الذهن فامتثال «سر من البصرة» ممتنع إلّا بإلغاء الخصوصیة.
الوجه الثالث:((3)) إنّ اللحاظ الآلی فی الحروف مثل اللحاظ الاستقلالی فی الأسماء، فکما لایکون اللحاظ الاستقلالی فی المستعمل فیه فی الأسماء لایکون اللحاظ الآلی فی المستعمل فیه فی الحروف.
ص: 136
الخراسانی (قدس سرهما) ((1)) و هو اتّحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی، و أنّ الوضع فی الحروف عام و الموضوع له عام و المستعمل فیه أیضاً عام.
فإنّ المعنی فی «من» و لفظ «الابتداء» واحد، لأنّ المعنی الحرفی عین المعنی الاسمی فی الموضوع له و المستعمل فیه.
إن قلت: علی هذا لابدّ من صحّة استعمال کلّ منهما موضع الآخر مع أنّه باطل قطعاً.
قلت: الفرق بینهما إنّما هو فی اختصاص کل منهما بوضع حیث وُضع الاسم لیراد منه معناه بما هو هو و فی نفسه و وُضع الحرف لیراد منه معناه لا کذلک بل بما هو حالة لغیره.((2))
ص: 138
و هذا الکلام فسّر بنحوین: ((1))
((2))
إنّ خصوصیة اللحاظ الآلی من شرط الواضع حیث إنّه اشترط علی المستعملین أن یستعملوا لفظة «من» فی ما یراد معناه حالة لغیره و «الابتداء» فی
ص: 139
ما یراد معناه بما هو هو و فی نفسه.
الوضع محدود بغایته، فمحدودة العلقة الوضعیة فی کلمة «من» هو الموارد التی تستعمل فیها حالة لغیره فاستعمال کلمة «الابتداء» مکان کلمة «من» و بالعکس استعمال اللفظ فی ما هو خارج عن محدودة العلقة الوضعیة.
((1))
أوّلاً: إنّ تحدید عملیة الوضع و العلقة الوضعیة بحسب موارد الاستعمال بعید عن عمل العقلاء و دیدنهم و المتداول خلاف ذلک (و إن لم یکن مستحیلاً).
ثانیاً: علی هذا استعمال لفظة «من» بدل کلمة «الابتداء» و بالعکس و إن کان استعمالاً خارجاً عن محدودة العلقة الوضعیة و لکن أنس لفظة «من» بکلمة «الابتداء» یوجب خطور معنی الابتداء بالذهن و مع هذا الخطور لابدّ أن یصحّ المعنی (معنی الجملة) فیما إذا جعلنا لفظة «من» بدل کلمة «الابتداء» و إن کان الاستعمال غلطاً مع أنّا نری عدم صحة معنی الجملة حینئذٍ.
مضافاً إلی أنّ الاستعمال أیضاً -علی هذا القول- لابدّ أن یکون صحیحاً، لأنّ حال هذا الاستعمال لیس بأسوء من الاستعمال المجازی، حیث إنّ المجاز هو استعمال اللفظ فی غیر الموضوع له و المصحّح للاستعمال المجازی هو المناسبات التی ذکروها، مع أنّ تبدیل لفظة «من» و «الابتداء» أولی من ذلک، لأنّ ما یخطر بالذهن من لفظ «من» هو بعینه معنی کلمة «الابتداء»، و لکن بطلان معنی الجملة و عدم صحته، لایستقیم و لایناسب صحة الاستعمال.
ص: 141
القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ((1))
إنّ بعض الحروف وضعت للنسبة مثل حروف التمنّی و الترجّی و سائرالحروف وضعت للأعراض النسبیة الإضافیة مثل من و إلی و فی، کما أنّ الهیئات وضعت للنسب الربطیة و الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له أیضاً عامّ.
قبل بیان ذلک لابدّ من تمهید مقدّمة و هی أنّ الموجودات الإمکانیّة الخارجیة علی ثلاثة أقسام:
الأوّل: ما یکون وجوده فی نفسه لنفسه (الجوهر).
الثانی: ما یکون وجوده فی نفسه لغیره (العرض).
و العرض علی قسمین: ما یحتاج فی تحققه إلی موضوع واحد فی الخارج (الکم و الکیف) و ما یحتاج فی تحققه إلی موضوعین فی الخارج (العرض الأینی مثل الأین الابتدائی و یدلّ علیه کلمة «مِن» و مثل الأین الظرفی و یدلّ علیه کلمة «فی»).
الثالث: ما یکون وجوده فی غیره (الوجود الربطی).
أمّا بیان نظریّته:
إذا اتّضح أقسام الموجودات الخارجیّة، فلابدّ من وضع الألفاظ بإزاء کلّ منها، لأنّ العقلاء احتاجوا إلی وضع الألفاظ للمعانی فوضعوا الأسماء للجواهر و عدّة من الأعراض و وضعوا الهیأة من المرکّبات و المشتقّات للنسب الربطیة و وضعوا الحروف للأعراض النسبیة.
مثلاً لفظ «فی» یدلّ علی العرض الأینی العارض علی «زید» فی مثل قولنا:
ص: 142
«زید فی الدار»، و هیأة مثل عالم و أبیض و مضروب تدلّ علی ارتباط العرض بموضوعٍ مّا و کذلک بقیة الحروف تدلّ علی إضافة خاصة و ربط مخصوص بین المفاهیم الاسمیة.
ثم إنّه فصّل بین الحروف فقال هی علی قسمین:
القسم الأوّل: ما هو موضوع للنسبة مثل حروف التمنّی و الترجّی فهی موضوعة لنسبة تشوّق المترجّی إلی المترجَّی و المتمنّی إلی المتمنَّی مثل لیت و لعلّ.
القسم الثانی: ما هو موضوع للأعراض النسبیّة و هو سائر الحروف مثل «من» و «إلی» و «فی».((1))
((2))
الوجه الأوّل: إنّ ما أفاده فی معنی الهیئات و بعض الحروف مثل حروف التمنّی و الترجّی فی غایة المتانة، و لکن ما أفاده بعده من أنّ سائر الحروف تدلّ
ص: 143
علی الأعراض النسبیّة ممّا لایمکن المساعدة علیه، فإنّ مقولة الأین هی الهیأة القائمة بالکائن فی المکان و تلک الهیأة ذات نسبة و لذا تسمّی بالأعراض النسبیّة و فرق بین الهیأة الحاصلة للشیء فی المکان و نسبة الشیء إلی المکان و ما هو مفاد معنی کلمة «فی» فی المثال المذکور نسبة زید إلی مکان الدار، ضرورة أنّ کلمة «فی» لاتدلّ علی هیأة حاصلة لزید من جهة کونه فی المکان حتّی یکون عرضاً نسبیّاً.((1))
الوجه الثانی:((2)) إنّا نقطع بعدم کون الحروف موضوعة للأعراض النسبیة الإضافیة لصحة استعمالها فی ما یستحیل فیه تحقق عرض نسبی کما فی صفات الواجب تعالی و الاعتبارات و الانتزاعیات، مع أنّ الحروف یصح استعمالها فی الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد بلا لحاظ عنایة و تجوّز فیها.((3))
الوجه الثالث:((4)) لم نجد وجود العرض النسبی فی حروف التشبیه و العطف و النداء فأین العرض النسبی فی مثل «کأنّ زیداً أسد» و مثل «یا زید»؟
ص: 144
الوجه الرابع:((1)) إنّ العرض النسبی نفسه معنی اسمی کما قال صدر المتألهین: إنّ مقولة الأین هی الهیأة الحاصلة للشیء و الهیأة معنی اسمی مع أنّ المعنی الحرفی غیر المستقل فی قبال المعنی الاسمی الذی هو مستقل مفهوماً.((2))
إنّ للحروف معانی إیجادیة فی قبال المعانی الاسمیة التی هی إخطاریة و أوّل من اختار هذه النظریّة فی ما نعلم هو المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) فإنّه یقول بأنّ معانی بعض الحروف إیجادیة.
قال المحقق النائینی (قدس سره):((3))
إنّ الحروف لها معانٍ و هی فی حدّ کونها معانی (أی فی عالم التجرّد العقلانی) معانٍ غیر مستقلة، بخلاف المعانی الاسمیة فإنّها فی عالم التجرّد العقلانی بجواهرها و أعراضها معان استقلالیة، کما أنّ الجوهر لایحتاج فی وجوده إلی موضوع بخلاف الأعراض، فإنّها فی وجودها (لا فی حدّ ذاتها و کونها معانی) تحتاج إلی موضوع.
ص: 145
و قال: إذا عرفت ذلک فالحق أنّ الموضوع له فیها کالوضع عام، فإنّ المفاهیم الحرفیة لاتحتاج فی مقام مفهومیّتها إلی خصوصیّة الطرفین بل فی مقام استعمالاتها، فالموضوع له فیها هو المعنی الواحد بالهویّة المشترکة بین جمیع موارد الاستعمالات و الخصوصیّة إنّما نشأت من ناحیتها.
و توضیح ذلک: إنّ المفاهیم الحرفیة کما عرفت قائمة بالمفاهیم الاسمیة نظیر قیام الأعراض بموضوعاتها فکما أنّ الخارجیات لها جواهر و أعراض فکذلک المفاهیم؛ فالمفاهیم الاسمیة بأنواعها معان استقلالیة جوهریة و المعانی الحرفیة معان عرضیّة قائمة بالمعانی الاسمیة فی مقام وجودها فی عالم الاستعمال و إن کانت غیر محتاجة إلی المعانی الاسمیة فی مقام مفهومیّتها.
ثم إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أوضح مختاره بمقدمات خمس ثم بیّن حاصل الفرق بین المعنی الحرفی و الاسمی ضمن أرکان أربعة.
إنّ المعانی إمّا إخطاریة فإنّ الأسماء بجواهرها و أعراضها یخطر معانیها فی الذهن عند التکلّم بها و لو لم تکن فی ترکیب کلامی.
و إمّا غیر إخطاریة فإنّ الحروف لاتوجب خطور معانیها ما لم تکن فی ضمن ترکیب کلامی.
إنّ المعانی غیرَ الإخطاریة إمّا إیجادیة مثل حروف التشبیه و النداء و التمنّی و غیرها فإنّ الحروف الموضوعة لها فی مقام الاستعمال یوجد فی الخارج فرد لها
ص: 146
بحیث یصدق علی الموجود خارجاً أنّه فرد من التشبیه أو النداء أو التمنّی.
و إمّا نسبیّة مثل النسب الخاصّة التی بین الأعراض و معروضاتها، فبین الأعراض و موضوعاتها نسب خاصة و الحکیم کما یضع الألفاظ للمفاهیم الاستقلالیة لابدّ له أن یضع الألفاظ لإفادة هذه المعانی أیضاً، و هذه المعانی هی المعانی الربطیة.
إنّ اللفظ الموضوع للنسب تارةً فی مقام لفظه مستقل کلفظة «من» و أخری فی مقام لفظه غیر مستقل کالهیئات الخاصّة، فیکون الموضوع کالموضوع له فی حدّ ذاتها غیر مستقل.
و الهیأة فی الجملة الاسمیة:
الحمل فیها ذاتی تارة مثل «زید إنسان» و النسبة فیه تنزیلیّة بمعنی أنّه یلحظ الموضوع عاریاً عن ذاته ثم یحمل نفس الذات علیه.
و غیر ذاتی أخری مثل «زید قائم» و وجود النسبة فیها واضح.
و الهیأة فی الجملة الفعلیة:
تارة تدلّ علی النسبة الأوّلیّة و هی نسبة قیام العرض بموضوعه مثل الفعل المعلوم. و أخری تدلّ علی النسبة الثانویة و هی النسبة التی بین الفعل و ملابساته مثل الفعل المجهول.
إنّ بعض الحروف لبیان النسبة الأوّلیة و الثانویة کلتیهما مثل کلمة «فی» و هی قد یکون لبیان النسبة الأوّلیة (و هی إفادة قیام العرض بموضوعه) فی مثال «زید
ص: 147
فی الدار» و هیأة «کائنٌ فی الدار» عرض و موضوعه زید و قد یکون لبیان النسبة الثانویة فی مثال «ضربت فی الدار» حیث إنّها تدلّ علی نسبة الضرب إلی الدار زیادة علی نسبته إلی موضوعه.
و أمّا بعض الحروف فلبیان النسبة الثانویة فقط کبقیّة الحروف.
إنّ معانی الحروف بأجمعها إیجادیة، نسبیةً کانت أم غیرها، فإنّها لم توضع إلّا لأجل إیجاد الربط بین مفهومین لا ربط بینهما، کلفظ زید و الدار فکلمة «فی» هی الرابط بینهما فی الکلام فی مقام الاستعمال.
فالموجد للربط الکلامی هو الحرف و الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیة لا النسب الخارجیة.
و لا منافاة بین کون المعانی الحرفیة إیجادیة و أن تکون للنسبة الحقیقیة واقعیة و خارجیة قد تطابق النسبة الکلامیة فتکون صادقاً و قد تخالفها فتکون کاذباً و الفرق بین النسبة بالمعنی الحرفی و النسبة بالمعنی الاسمی هو الفرق بین المصداق و المفهوم.
ثمّ قال المحقق النائینی (قدس سره):((1)) حاصل الفرق بین المعانی الاسمیة و الحرفیة مبتن علی أرکان أربعة:
الرکن الأوّل: إنّ المعانی الحرفیة بأجمعها إیجادیة.
الرکن الثانی: إنّ لازم کون المعانی الحرفیة إیجادیة أن لا واقع لها فی غیر التراکیب الکلامیة بخلاف المفاهیم الاسمیة فإنّها مفاهیم متقرّرة فی عالم
ص: 148
مفهومیتها.
الرکن الثالث: قد عرفت عدم الفرق بین الهیئات فی الإخبار و الإنشاء فی أنّ معانیها إیجادیة.
و المحقق النائینی (قدس سره) یفصّل بین إیجادیّة الإنشاء و الحروف بأنّ الإنشائیّات توجد معانیها فی وعاء الاعتبار و الحروف توجدها فی وعاء الاستعمال و الترکیب الکلامی.
الرکن الرابع: إنّ المعنی الحرفی حاله حال الألفاظ حین استعمالاتها، فکما أنّ المستعمل حین الاستعمال لایری إلّا المعنی و لایلتفت إلی الألفاظ، کذلک المعنی الحرفی لایُلتفت إلیه حال الاستعمال بل الملتفَت إلیه هی المعانی الاسمیة الاستقلالیة.
المناقشة الأولی:
إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال: «المعانی الحرفیة معان عرضیّة قائمة بالمعانی الاسمیة» و علی هذا تنحصر المعانی الحرفیة فی المقولات العرضیّة.
ص: 149
و لازمه عدم جواز استعمال الحروف بالنسبة إلیه تعالی، مضافاً إلی أنّ کونها معانی عرضیة ینافی ما أفاده من أنّ الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیّة.
المناقشة الثانیة:
إنّ المعانی الحرفیة عنده معان إیجادیة و هی النسب الکلامیة و هذا یقتضی أن لایکون لها مفاهیم مستقلّة فی اللحاظ، لأنّه لا ماهیة للنسبة الحقیقیة الکلامیة و
ص: 150
واقعها، بل لها ذات تعلّقی و معنی غیر مستقلّ کما هو الأمر فی النسبة الحقیقیة الخارجیة، و النسبة بالمعنی الاسمی لیست مفهوماً للنسبة الحقیقیة الکلامیة بل هی عنوان لها، فلابدّ أن لایکون لها معنی واحد، فحینئذ یلزم أن یکون الموضوع له فی الحروف خاصّاً و لکنّه یقول بأنّ الموضوع له فی الحروف معنی واحد بالهویة المشترکة بین جمیع موارد الاستعمالات و لذا یقول: إنّ الموضوع له فی الحروف عامّ و هذا أیضاً من موارد التنافی فی لوازم مبناه.
المناقشة الثالثة:
إنّ إیجادیة معنی الحروف بمعنی أنّ الحروف هو السبب فی وجود المعنی و موجده فی وعاء الاستعمال و الترکیب الکلامی، و لازم ذلک إشراب معنی الوجود فی مفاد الحروف حیث إنّ الإیجاد و الوجود متحدان حقیقة و مختلفان بالاعتبار، مع أنّ وجود النسبة و ما هو سببه خارجان عن الموضوع له و بعبارة أخری إنّ الوجود خارج عن الموضوع له، لأنّ الموضوع له فی الحرف هو طبیعی المعنی، لا وجوده، کما أنّ الموضوع له فی الأسماء أیضاً الطبائع لا الوجودات.
المناقشة الرابعة:((1))
ما قال من أنّ النسبة بین المعنی الاسمی و الحرفی نسبة المفهوم إلی المصداق غیر صحیح، فإنّ المفهوم و المصداق متّحدان و حقیقتهما واحدة و الاختلاف بینهما من حیث الوجود مع أنّ النسبة بین المعنی الاسمی و الحرفی نسبة العنوان إلی المعنون، فإنّ المعنی الحرفی یختلف مع المعنی الاسمی فی الذات و الحقیقة.
ص: 151
المناقشة الخامسة:((1))
ما قال فی الرکن الرابع من أنّ المعنی الحرفی غیر ملتفت إلیه فی مقام الاستعمال مخدوش بل قد یکون النظر إلی تفهیم المعنی الحرفی.
المناقشة السادسة:((2))
إنّ حکمة الوضع تقتضی وجود الحاکی عن النسبة الربطیة لأنّه فی قولنا: «زید فی الدار» لفظ «زید» یحکی عن معناه و لفظ «الدار» هکذا، فلابدّ أن یکون لفظ «فی» أیضاً دالّاً علی النسبة و الربط بینهما، فهو حاک عن النسبة.
القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (3) و هو المختار
نذکر هذه النظریة فی ضمن عناوین أربعة:
إنّ الحروف وضعت لذات النسبة الحقیقیة التی هی النسبة بالحمل الشائع
ص: 152
بأنحائها من النسبة الابتدائیة و النسبة الظرفیة و یعبّر عن وجود تلک النسبة بالوجود الربطی و لکنّ الموضوع له فی الحروف هو ذاتها التعلّقی لا وجودها الربطی لأنّ الألفاظ بطبیعتها وضعت لطبیعی المعنی من دون دخل للوجود الذهنی أو الخارجی فی المعنی الموضوع له فإنّ الکلام یتشکّل من المعانی الاسمیة التی لا ارتباط بینها، فنحتاج إلی ما یربطها و لیس هو إلّا الحروف أو الهیآت فمفاد الحروف هو المعانی الربطیة.
فالمعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات، لا اشتراک بینهما فی طبیعی معنی واحد.
ص: 153
و البرهان علی ذلک هو أنّ الاسم و الحرف لو کانا متّحدی المعنی و کان الفرق بمجرد اللحاظ الاستقلالی و الآلی، لکان طبیعی المعنی الوحدانی قابلاً لأن یوجد فی الخارج علی نحوین بالوجود المستقل و غیر المستقل، کما یوجد فی الذهن علی طورین [علی مبنی صاحب الکفایة (قدس سره) حیث یقول: إنّ طبیعة المعنی الواحد یوجد فی الذهن تارة مع اللحاظ الآلی و أخری مع اللحاظ الاستقلالی] مع أنّ المعنی الحرفی کأنحاء النسب و الروابط لایوجد فی الخارج إلّا علی نحو واحد و هو الوجود لا فی نفسه و لایعقل أن توجد النسبة فی الخارج بوجود نفسی.((1))
((2))
لو قلنا بأنّ وجود الرابط وجود فی نفسه یلزم عدم ثبوت المحمول للموضوع فی القضیة الحملیة و یلزم الموجودات غیرُ المتناهی فیها لأنّ القضیة الحملیّة تحتاج إلی وجود رابط بین محموله و موضوعه فإذا فرضنا أنّ الرابط أیضاً وجود مستقل فیلزم وجود رابط آخر بینه و بین موضوع القضیة و رابط ثالث بینه و بین محمول القضیة و لکل من هذین الرابطین أیضاً وجود نفسی حسب الفرض فیحتاج کل منهما إلی رابطین و هکذا یتسلسل و لمّا کان التسلسل باطلاً یلزم عدم الرابط بین الموضوع و المحمول فی هذه السلسلة فلایمکن الحمل.
ص: 154
إنّ ما هو واقع النسبة، ذاته تعلّقی، کما أنّ وجوده أیضاً تعلّقی، فإنّ کل ممکن زوج ترکیبی فله حیثیة الوجود و هی الأصیل و حیثیة الذات.
أمّا الوجود الربطی فلا ماهیة له، حیث إنّ الماهیة هی ما یقال فی جواب ما هو؟ و لذا تطلق علیها المقولة، فإنّ المقولة لابدّ أن تقع فی جواب ما هو؟ فلابدّ لها من استقلال فی التصوّر حتّی تقع بعنوان محمول القضیة (فی جواب ما هو؟)؛ مع أنّ الوجود الربطی ذاته غیر مستقلّ فی التصوّر و لذا لایطلق علیه المقولة و الماهیّة.((1))
ص: 155
و لذلک نری أنّ هذا المحقق عبّر عن الوجود الرابط بأنّ ذاته تعلّقی کما أنّ وجوده أیضاً تعلقی.
ثمّ قال:((1)) إنّ النسبة الواقعیة هی الوجود الرابط فقط و الأعراض النسبیة لیست نفس النسب، بل هیئات و أکوان خاصة ذات نسبة.
((2))
لیس للنسبة الحقیقیة وجود نفسی محمولی لا عیناً و لا ذهناً بل وجودها بعین وجود طرفیها ذهناً و عیناً فهی کالموجود بالقوة بالإضافة إلی الموجود بالفعل، و کالموجود بالعرض بالإضافة إلی الموجود بالذات و حیث إنّ فعلیتها بالعرض بتبع فعلیة الطرفین بالذات فلذا تکون کالآلة لوقوع طرفیها موقع الظرفیة و المظروفیة، فإنّ هذین العنوانین الاسمیین لا ثبوت لهما إلّا بإضافة أحدهما إلی الآخر فتلک الإضافة هی آلة وجودهما بالفعل و بهذا الاعتبار یقال: الحرف ما أوجد معنی فی غیره، فکون معناه فی غیره (أی لا نفسیة له) شرح حقیقة معناه و کونه موجداً لمعنی فی غیره لازم حقیقته کما عرفت، و لیس تمام حقیقته إیجاد النسبة الکلامیة، بل له مع قطع النظر عن الکلام مقام کالاسم و لیس له مع قطع النظر عن الطرفین مقام. ((3))
ص: 156
إنّ الموضوع له للحروف هل یکون هو نفس هذا الوجود الربطی أو ذاته التعلقیة؟
قلنا فی مبحث الوضع: إنّ الألفاظ وضعت لذات المعنی و طبیعیّه، فالوضع و العلقة الوضعیة بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی من دون دخل الوجودین الذهنی و العینی نعم هذه النسبة محتاجة إلی الطرفین وجوداً و تصوراً.
و هنا نکتة أخری أکّد علیها المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی أنّ الواضع کیف یتصوّر ذات النسبة فی مقام الوضع مع أنّه لیست لها ماهیة کلیة و جامع ذاتی حتی تکون هی الموضوع له؟ و أمّا ذات کل نسبة حقیقیة فهی و إن أمکن کونها الموضوع له إلّا أنّه کیف یشار إلیها و یوضع اللفظ لها مع أنّ کل نسبة فی کل قضیة لابدّ أن تکون الموضوع له و لکن کثرتها فوق حدّ الإحصاء؟
و الجواب هو أنّ النسبة الاسمیة و إن کانت تغایر النسبة الحقیقیة ذاتاً إلّا أنّها تکون عنواناً للنسب الحقیقیة، فالمعنی المتصوّر حین الوضع المعنی الاسمی و الموضوع له ذات النسب الحقیقیة و هذا هو المراد من قولهم: إنّ الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له خاصّ.
ص: 157
((1)) بالنسبة إلی الاستدلال علی وجود الرابط((2))
إنّ الوجود الرابط لا أصل له خلافاً للفلاسفة، لأنّ ما برهنوا علیه مخدوش حیث إنّ أساس استدلالهم هو أنّ الیقین و الشک لایتعلّقان بشیء واحد فی آنٍ واحد من جهة واحدة، فلابدّ أن یتعدد متعلقهما و متعلق الیقین وجود الجوهر و العرض و متعلق الشک الربط بینهما و لکن هذا الأساس باطل لأنّه إذا علمنا بوجود إنسان فی الدار و لکن شککنا أنّه زید أو عمرو فمتعلق الیقین و الشک هو الکلی و فرده مع أنّ وجود الکلی و الفرد موجودان بوجود واحد.
و هکذا إذا أثبتنا أنّ المبدأ واجب و لکن شککنا فی أنّه مرید أو لا؟ مع أنّ صفاته عین ذاته.
لکن الشک متعلق بالخصوصیات الفردیة التی لیست شیء منها فی الطبیعی، و وجود زید غیر وجود عمرو بالقطع و الیقین و إن شئت قلت: إنّ الشک متعلق بأنّ هذا الوجود هل هو وجود زید أو وجود عمرو فمتعلق الشک هذان الوجودان، مع أنّا لانستدلّ علی وجود الرابط بهذا التعدد، بل الدلیل علی وجود الرابط فی الخارج هو لزوم وجود الربط بین العرض و موضوعه و کما أنّه لابدّ من تصویر وجود الرابط فی القضیة الکلامیة أیضاً.
إنّه قد نسب إلی السیّد السیستانی (حفظه الله) إنکار الوجود الرابط خارجاً، تبعاً للحکیم آقا علی المدرس و إلیک نصّ عبارة مقرّره فی الرافد:((1))
إنّ الموجود شیء واحد فی الخارج إلّا أنّه یعیش حرکة تطوّریة تکاملیّة و الأعراض ما هی إلّا أنحاء وجوده التطوّری و ألوان حرکته التکاملیّة المتجدّدة، لا إنّها وجودات محمولیة أخری ترتبط بوجوده و تنضمّ إلیه و قد رتّبنا علی هذه النظریة کثیراً من البحوث الفلسفیّة، منها عدم الحاجة لدعوی واقعیة الوجود الرابط خارجاً کما هو المشهور فی الفلسفة باعتبار أنّنا إنّما نحتاج للقول بالوجود الرابط نتیجة تعدّد الموجود و لکن مع وحدته لانری حاجة
ص: 159
لوجود رابط متعلق بطرفین.
أوّلاً: لأنّ دلیل إثبات الوجود الرابط لاینحصر فی النسبة الخارجیة بین الجوهر و العرض، لأنّ النسبة الکلامیة أیضاً وجود رابط((1))، بل الوجودات الإمکانیة بأسرها وجودات ربطیّة علی ما أفاده صدر المتألّهین (قدس سره) .
مع أنّ المبنی القائل باتحاد وجود العرض و الجوهر باطل فإنّ الحرکة إما جوهریة و إما عرضیة. و ما أفاده من أنّ الأعراض هی أنحاء الحرکة التطوریة خلط بین الحرکة الجوهریة و الحرکة العرضیة فإنّ الحرکة الجوهریة تکون فی نفس وجود الشیء و أما الحرکة العرضیة فهی خارجة عن ذات الشیء. و لها وجود آخر غیر وجود الشیء و ینتزع عنه الماهیة العرضیة.
ثانیاً: إنّ ما أفاده فی الحقیقة إنکار الوجود النفسی للعرض خارجاً، لأنّ النظر الدقیق یقتضی بقاء وجود النسبة و لو قلنا باتحاد العرض و الجوهر، لأنّ الأعراض النسبیة کمقولة الوضع و الأین و المتی هی الهیئات الخاصّة التی تکون ذات نسبة، ففی مثال «زید فی الدار» مقولة الأین هی الهیأة القائمة بزید من حیث نسبته إلی مکان الدار و اتحاد تلک الهیأة مع شخص زید، لایوجب انتفاء نسبته إلی المکان المزبور، فعلی هذا بعد انتفاء وجود العرض علی هذه النظریة یبقی وجود رابط و نسبة متقوّمة بوجود الجوهر.
ص: 160
((1))
علی تقدیر تسلیم أنّ للنسبة و الرابط وجوداً فی الخارج فی مقابل الجوهر و العرض، لانسلّم أنّ الحروف و الأدوات موضوعة لها، لما بیّناه سابقاً من أنّ الألفاظ موضوعة لذوات المفاهیم و الماهیات، لا للموجودات الخارجیة و الذهنیة. ((2))
((3))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح بوضع الألفاظ لطبیعة المعنی من دون ملاحظة وجوده الخارجی أو الذهنی کما ذکرنا. و المعنی الحرفی علی هذا المسلک من المفاهیم غیر مستقلة.
ص: 161
((1))
إنّا نقطع بأنّ الحروف لم توضع لأنحاء النسب و الروابط لصحة استعمالها بلا عنایة فی موارد یستحیل فیها تحقق نسبة ما حتی بمفاد هل البسیطة فضلاً عن المرکبة، فلا فرق بین قولنا الوجود للإنسان ممکن و لله تعالی ضروری و لشریک الباری ممتنع، فإنّ کلمة اللام فی جمیع ذلک تستعمل فی معنی واحد و هو تخصص مدخولها بخصوصیة ما فی عالم المعنی علی نسق واحد بلا عنایة فی شیء منها و بلا لحاظ أیّة نسبة فی الخارج حتی بمفاد کان التامة فإنّ تحقق النسبة بمفاد کان التامة إنّما هو بین ماهیة و وجودها کقولک: «زید موجود» و أمّا فی الواجب تعالی و صفاته و فی الانتزاعیّات و الاعتباریّات فلایعقل تحقق أیّة نسبة أصلاً.
إنّ الحرف وضع لذات النسبة و تحقّق النسبة بین الموضوع و المحمول فی الهلیّة البسیطة فی القضیة الکلامیة ممّا لا سبیل إلی إنکاره و بهذا الاعتبار یتکلّم
ص: 162
عن الله تعالی و شریک الباری و أمثال ذلک و عدم تحقّق النسبة خارجاً بین الله تعالی و وجوده و أسمائه و صفاته لایضرّ بالمقام لأنّ الموضوع له لیس النسبة بوجودها الخارجی بل ذاتها و حقیقتها هی الموضوع له.
إنّ الحروف علی قسمین:
ما یدخل علی المرکبات الناقصة و المعانی الإفرادیة کمِن و إلی و علی و نحوها.
ما یدخل علی المرکبات التامّة و مفاد الجملة کحروف النداء و التشبیه و التمنّی و الترجّی و غیرها.
یقع الکلام الآن فی القسم الأوّل:
إنّ هذا القسم من المعانی الحرفیة یباین الاسمیة ذاتاً فإنّ المعانی الاسمیة مستقلات فی أنفسها و المعانی الحرفیة متدلّیات بها بحدّ ذاتها، فهو موضوع
ص: 163
لتضییق المفاهیم الاسمیة فی عالم المفاهیم و تقییدها بقیود خارجة عن حقائقها فإنّ للمفاهیم الاسمیة إطلاقاً بالنسبة إلی الحالات التی تحتها و بالنسبة إلی الحصص المنوّعة أو المصنفة أو المشخصة.
و غرض المتکلم فی مقام التفهیم و التفهّم کما یتعلّق بتفهیم المعنی علی إطلاقه وسعته کذلک یتعلّق بتفهیم حصّة خاصّة منه، فیحتاج الواضع إلی وضع ما یدلّ علیها و لیس ذلک إلّا الحروف و الأدوات و ما یشبهها من الهیئات الدالّة علی النسب الناقصة کهیئات المشتقّات و هیأة الإضافة و التوصیف.
فکلمة «فی» وضعت لسنخ التضییق الأینی و کلمة «علی» لسنخ التضییق الاستعلائی و کلمة «من» لسنخ التضییق الابتدائی.
و علی هذا یصحّ استعمال الحروف فی صفات الواجب تعالی و الانتزاعیّات کالإمکان و الاعتباریّات کالأحکام الشرعیة بلا عنایة و مجاز، مع أنّ تحقّق النسبة فی تلک الموارد حتی بمفاد هل البسیطة مستحیل.
إیجادیة الحروف علی هذا المبنی هی بمعنی أنّها تحدث الضیق فی مقام الإثبات و الدلالة و إلّا لبقیت المفاهیم الاسمیة علی إطلاقها و سعتها و هذا غیر کون معانیها إیجادیة علی رأی المحقق النائینی (قدس سره) فمعانیها لیست بإیجادیة علی المصطلح الأصولی.
فإنّ معانی الحروف لا إیجادیة و لا إخطاریة بل حکائیة لأنّ ملاک إخطاریة المعنی هو الاستقلال الذاتی فی عالم المفاهیم، و المعانی الحرفیة فاقدة لهذا الملاک و ملاک حکائیة المعنی نحو ثبوت فی عالم المعنی و المعانی الحرفیة واجدة لهذا الملاک.
ص: 164
أما امتیازه عن القول بإیجادیة الحروف فهو أنّ المعنی الحرفی علی مسلک الإیجادیة لیس له واقع فی أی وعاء عدا التراکیب الکلامیة و أمّا علی هذا الرأی فالمعنی الحرفی له واقع و هو ثبوته التعلقی فی عالم المفهوم.
و امتیازه عن القول بوضع الحروف بإزاء النسب أنّ المعنی الحرفی علی رأیهم سنخ وجود خارجی((1)) لا فی نفسه و لذا یختص بالجواهر و الأعراض و لایعمّ الواجب و الممتنع و أمّا علی هذا الرأی فالمعنی الحرفی سنخ مفهوم ثابت فی عالم المفهوم و یعمّ الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد.
و امتیازه عن القول بأنّ الموضوع له هی الأعراض النسبیة أنّ المعنی الحرفی علی نظریة المحقق العراقی (قدس سره) مستقل بالذات و علی هذا الرأی غیر مستقل بالذات.
و المعنی الحرفی علی رأی المحقق العراقی (قدس سره) سنخ معنی یختصّ بالجواهر و الأعراض و لایعمّ غیرهما و علی هذا الرأی سنخ معنی یعمّ الجمیع.
توضیحه: إنّ الجمل إمّا إنشائیة و هی موضوعة لإیجاد المعنی فی الخارج علی القول المشهور و موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم((2)) إبراز أمر نفسانی غیر
ص: 165
قصد الحکایة عند إرادة تفهیمه و إما خبریة و هی موضوعة للدلالة علی ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها.
فحرف النداء (مثل یا) وضع لإبراز قصد النداء و توجیه المخاطب إلیه و حروف الاستفهام وضعت لإبراز طلب الفهم و حروف التمنّی وضعت لإبراز التمنّی و حروف الترجّی وضعت لإبراز الترجّی و کذا حروف التشبیه و غیرها.
((1))
قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص.
أمّا فی القسم الأوّل فلأنّ الحروف لم توضع بإزاء مفاهیم التضییقات و التحصصات لأنّها معان اسمیة بل لواقعها و حقیقتها((2))و لا جامع ذاتی بین أفراد التضییق و أنحائه و أمّا مفهوم التضییق و التحصص فمفهوم اسمی و هو عنوان جامع لا جامعٌ ذاتی و بهذا الجامع نشیر إلی أفراد التضییق فالموضوع له خاص.
أمّا فی القسم الثانی فأیضاً کذلک حیث إنّ الحروف لم توضع لمفهوم التمنّی و الترجّی و التشبیه و نحوها بل وضعت لما هو بالحمل الشائع إبراز للتمنّی و الترجّی و الاستفهام و لا جامع ذاتی بین مصادیق الإبراز و أفراده فإنّ الواضع یتصوّر حین الوضع مفهوماً عاماً لإبراز التمنّی فیضع کلمة لیت بإزاء أفراده، فالموضوع له فی هذا القسم أیضاً خاصّ.
ص: 166
((1))
المناقشة الأُولی:
إنّ التضییق فی القسم الأوّل من الحروف مسبّب عن النسبة الواقعة بین المفهومین الاسمیّین و الموضوع له فی الحروف هو تلک النسبة و التضییق مسبّب عنه.
و الدلیل علی ذلک هو أنّه لو قلنا بوضع الحرف للتضییق فإمّا أن یوضع لمفهوم التضییق أو لمصداقه و کلاهما باطل.
أمّا بطلان الوضع لمفهوم التضییق فلأنّ مفهوم التضییق لایفهم من الحروف و أمّا بطلان الوضع لمصداق التضییق فلاستحالته لأنّ مصداق التضییق أمر وجودی و اللفظ موضوع لطبیعی المعنی، لأنّ الغرض من الوضع انتقال المعنی إلی الذهن و الوجود الخارجی لاینتقل إلی الذهن لأنّ المقابل لایقبل المقابل و الوجود الذهنی أیضاً لاینتقل إلی الذهن لأنّ المماثل لایقبل المماثل (کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی بحوث فی الأصول). ((2))
ص: 167
المناقشة الثانیة:((1))
إنّه ادّعی فی الدلیل الثانی الذی دعاه إلی القول المذکور أنّ نظریته توجب صحة استعمال الحروف فی الواجب و الممکن و الممتنع حقیقة بلا عنایة و مجاز مع أنّ سائر الأقوال عاجز عن ذلک.
و نوقش علیه: بأنّ التضییق الخاص یتوقف علی ثبوت خصوصیة و ارتباط بین المفهومین الاسمیین و بعبارة أخری إنّ قولنا: «الوجود لله واجب» یحتاج إلی ثبوت النسبة بین الوجود و الذات المقدسة حتی یصح فرض التضییق فی الوجود و نسبته إلی الله تعالی.
((2))
الدلیل الأوّل: بطلان سائر الأقوال.
الدلیل الثانی: إنّ المعنی الذی ذکره مشترک بین جمیع موارد استعمال الحروف من الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد و لیس فی الأقوال الأخر ما یکون کذلک.
الدلیل الثالث: إنّ مختاره فی حقیقة الوضع (مبنی التعهد) ینتج الالتزام بهذا القول، ضرورة أنّ المتکلم إذا قصد تفهیم حصّة خاصّة فبأی شیء یبرزه، إذ لیس المبرز له إلّا الحرف أو ما یقوم مقامه.
الدلیل الرابع: موافقة هذا القول للوجدان و مطابقته لما ارتکز فی الأذهان.
ص: 168
أمّا الوجه الأوّل فیلاحظ علیه: أنّ مقتضی القاعدة تمامیة مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره) و صحته فی المقام، مع أنّ بطلان سائر الأقوال لایوجب الالتزام بقول خاص إلّا عند الحصر.((1))
أمّا الوجه الثانی فبطلانه ظهر من المناقشة الثانیة التی ذکرناها قبل أسطر.((2))
أمّا الوجه الثالث:((3)) فإنّ الالتزام بمبنی التعهّد فی حقیقة الوضع، لایقتضی وضع اللفظ لهذا المعنی، مع أنّ مبنی التعهد باطل کما ذکرنا و کون الوضع للتضییق أیضاً باطل لما تقدّم فی المناقشة الأولی.((4))
ص: 169
أمّا الوجه الرابع: فإنّه ادعاء بلا دلیل بل منشؤه الخلط بین اللازم و الملزوم.((1))
إنّ الحروف تنقسم إلی أقسام ثلاثة: ((2))
القسم الأوّل: الحروف التی تدلّ علی النسبة و تستعمل فی موارد الأعراض النسبیة مثل «فی» فإنّها موجدة للربط بین المفاهیم بما لها من الحکایة عن الواقع فالنسبة موجودة حقیقة (و مختار الأستاذ المحقّق (قدس سره) فی هذا القسم هو مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره)).
القسم الثانی: الحروف غیرُ الحاکیة عن النسب مثل حرف النداء و هی موجدة
ص: 170
للنسبة وفاقاً للمحقق النائینی (قدس سره) فإنّه لا نسبة بین المنادی و المنادی حتی تحکی عنها حرف «یا»، بل حرف «یا» یوجد النسبة بین المنادی و المنادی.
القسم الثالث: الحروف التی لاتدلّ علی النسبة و لاتوجده، مثل اللام التی للعهد الذهنی.
إنّ ما أفاده فی القسم الأوّل صحیح، کما قلنا: إنّ الحروف وضعت لذات النسبة (علی مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره)).
و أمّا ما أفاده فی القسم الثانی فیرد علیه: أنّ الکلام فی المعنی الموضوع له و هی النسبة الحقیقیة سواء کانت النسبة موجودة من قبل أم کان الحرف هو الموجد لها، فإنّ وجود النسبة و ما هو سببه خارجان عن المعنی الموضوع له، فحرف النداء تدلّ علی النسبة الندائیة.
و أمّا ما أفاده فی القسم الثالث فیرد علیه: أنّ «ال» التی للعهد الذهنی أیضاً تدلّ علی النسبة بین مدخوله و بین الأمر المعهود السابق و مدخول «ال» یکسب التعریف لمکان هذه النسبة.((1))
ص: 171
ص: 172
إنّ التفتازانی (قدس سره) و بعض الأعلام مثل المحقق الخراسانی و المحقق العراقی و المحقق النائینی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (حفظه الله) قالوا بأنّ الوضع عام و الموضوع له عام و لکن بعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) ذهبوا إلی أنّ الوضع عام و الموضوع له خاص.
و قد اتّضح سابقاً وجه ما ذهب إلیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو الصحیح فی المقام.
و القائلون بعموم الموضوع له فهم بین من یقول بأنّ المعنی الحرفی متحد مع المعنی الاسمی و من یقول بأنّ المعنی الحرفی من الأعراض النسبیة و من ذهب إلی أنّ المعنی الحرفی إیجادی.
و مبنی المحقق الخراسانی (قدس سره) یقتضی حکمه بعموم الموضوع له، لاتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی عنده و هکذا مبنی المحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الأعراض النسبیة من المعانی الاسمیة، ولذا قال فی مقالات الأصول:((1))
«إنّ الموضوع له هی الحیثیة السنخیة المحفوظة فی ضمن أنحاء النسب الشخصیة من الابتدائیة و الانتهائیة و الظرفیة و غیرها».
و أمّا مبنی المحقق النائینی (قدس سره) فلایناسب مختاره فی المقام حیث قال بعموم الوضع و الموضوع له و صرّح بذلک فی فوائد الأصول،((2)) فقال:
ص: 173
الحق هو کلیة المعنی الحرفی و کون الموضوع له فی الحروف عاماً کالوضع و لو کان المعنی جزئیاً، لکان ما یوجد بقولک: «سرت من البصرة» مبایناً لما یوجد بقولک «سرت من الکوفة» کمباینة زید و عمرو، بداهة تباین الجزئیات بعضها مع بعض و حیث نری أنّه لایکون هناک اختلاف و تباین فی النسب الابتدائیة التی توجدها لفظة «من» فی جمیع موارد الاستعمالات، فیعلم أنّ لفظة «من» موضوعة للقدر الجامع بین ما یوجد فی تلک الموارد و لانعنی بکلیة المعنی الحرفی إلّا ذلک.
ملاحظة علی المحقق النائینی (قدس سره):
إنّ النسبة الحقیقیة متقوّمة بالغیر وجوداً و ذاتاً، فلایمکن وجود القدر الجامع الحقیقی بینها، فمقتضی ما أفاده من أنّ المعنی الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیة، هو أن یکون الموضوع له خاصّاً، فما قال من أنّ لفظة «من» موضوعة للقدر الجامع فی جمیع موارد الاستعمالات، لایتصوّر إلّا بالعنوان الجامع الذی هو معنی اسمی و هذا ینافی ما اختاره فی المعنی الحرفی.
ص: 174
((1))
الثمرة الأولی:((2))
إن قلنا بکلیّة معانی الحروف و أنّ الموضوع له فیها عام فهی قابلة للإطلاق و التقیید، فیمکن التمسّک بإطلاقها کما أنّه یمکن تقییدها، فإذا علمنا باشتراط أمر الشارع بشرط و شککنا فی رجوع الشرط إلی الهیأة أو إلی المادّة فحینئذ رجوع القید إلی الهیأة خال عن الإشکال، لأنّ المعنی الکلی مطلق فیقبل التقیید.
و إن قلنا بشخصیّتها فیشکل الأمر من حیث إنّ الجزئی غیر قابل للتقیید، و حینئذ إذا قیّدت جملة صلّ فیرجع القید إلی المادة و یکون شرط الواجب لا
ص: 175
شرط الوجوب لاستحالة تقیید الهیأة.
نعم بعضهم أجابوا((1)) عن هذا الإشکال و قالوا: یمکن القول بتعلیق الهیأة - و إن کان تقیید الهیأة مستحیلاً لخصوصیته و جزئیته- علی حصول الشرط و إن کانت المعانی الحرفیة شخصیة.
ص: 176
إنّ مفهوم الشرط یتقوّم بانتفاء سنخ الحکم عند انتفاء الشرط و أمّا انتفاء شخص الحکم فهو بانتفاء موضوعه فلایجدی فی تحقق مفهوم الشرط.
فإن قلنا حینئذ بجزئیة المعانی الحرفیة و خصوصیّتها و بأنّ الموضوع له فیها خاصّ، فالجملة الشرطیة لاتدلّ علی مفهوم الشرط، لأنّه ینتفی شخص الحکم هنا بانتفاء الشرط.
و إن قلنا بأنّ معانی الحروف کلیة و الموضوع له فیها عام فحینئذ یتحقق المفهوم للجملة الشرطیة، لانتفاء سنخ الحکم بانتفاء الشرط.
نعم بناءً علی ما اخترنا من جواز تعلیق المعنی الحرفی علی حصول الشرط، یمکن ثبوت مفهوم الشرط و إن قلنا بخصوصیة المعنی الحرفی.((1))
ص: 177
ص: 178
الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة
الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء
ص: 179
ص: 180
إنّ الجملة الخبریة موضوعة لثبوت النسبة فی الخارج أو عدم ثبوتها فیه، فإن تطابقت النسبة الکلامیة و النسبة الخارجیة فصادقة و إلّا فکاذبة.((2))
ص: 181
و إنّ الجملة الإنشائیة موضوعة لإیجاد المعنی فی الخارج الذی یعبّر عنه بالوجود الإنشائی فلاتتّصف بالصدق و الکذب بل تتّصف بالوجود والعدم.
((1))
إنّ الجملة الخبریة موضوعة لثبوت النسبة خارجاً أو ذهناً أو فی وعاء الاعتبار.
و الجملة الإنشائیة موضوعة للإیجاد بواسطة الهیأة و هو علی نحوین: تارةً توجد المادة بواسطة الهیأة فهی لإیجاد المادّة کما فی «بعت» و أخری توجد النسبة البعثیة فهی لإیجاد النسبة کما فی «قم و اضرب».
النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره) ((2))
إنّ الاختلاف بینهما مثل الاختلاف بین الاسم و الحرف، فإنّ الإنشاء و
ص: 182
الإخبار أیضاً واحد من حیث المعنی و الواضع اشترط علی المستعمل أنّه متی کان الداعی للاستعمال هو الحکایة فیأتی بالجملة الخبریة و متی کان الداعی للاستعمال هو الإنشاء فیأتی بالجملة الإنشائیة فالاختلاف بدواعی الاستعمال.
((1))
لو کان معنی الإنشاء و الإخبار واحداً بالذات و الحقیقة کان اللازم أن یصحّ استعمال الجملة الاسمیة فی مقام الطلب کما یصح استعمال الجملة الفعلیة فیه، مثل أن یقال: زید قائم فی مقام طلب القیام منه، مع أنّه من أفحش الأغلاط.
النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) و هو الأصحّ
إنّ الإخبار و الإنشاء من شؤون الاستعمال فلایعقل دخلهما فی المعنی الموضوع له أو المعنی المستعمل فیه و لکن الجمل الخبریة و الإنشائیة قد یتّحدان فی المعنی المستعمل فیه و قد یختلفان، فلابد من التفصیل بین القسمین:
القسم الأوّل: الجمل المتحدة لفظاً و هیأةً نحو «بعتُ» الإخباری و الإنشائی، فالمستعمل فیه نفس نسبة إیجاد المضمون (أی المادة) إلی المتکلم و المتکلم قد یقصد الحکایة عنها و قد لایقصد الحکایة عنها بل یقصد ثبوتها (و کلام صاحب الکفایة (قدس سره) صحیح بالنسبة إلی هذا القسم)
القسم الثانی: مثل صیغة افعل و أشباهها ممّا لا اشتراک له لفظاً و هیأةً مع الجملة الخبریة، فالمستعمل فیه فی الجملة الإنشائیة غیر المستعمل فیه فی الجملة الخبریة مثلاً قد یقول المولی: «اضرب فلاناً» و قد یقول: «أبعثک إلی ضرب فلان».
ص: 183
فإنّ مفاد «اضرب» بعث المخاطب نحو الضرب، لکن لا بما هو بعث ملحوظ بذاته بل بما هو نسبة بین المتکلم و المخاطب و المادة، فهذا بعث نسبی و مثل هذه النسبة لا خارج لها یطابقها أو لایطابقها.
أمّا الجمل الخبریة المتضمّنة لمضمون البعث و التحریک مثل «أبعثک نحو ضرب فلان» إذا أرید بها الإخبار، فمفادها نسبة البعث إلی المتکلم نسبة صدوریة.
فصیغة «اضرب» بعث نسبی و صیغة «أبعثک نحو الضرب» نسبة بعثیة.
إنّ ما أفاده فی القسم الثانی من الفرق بین المعنیین بأنّ الأوّل بعث نسبی و الثانی نسبة بعثیة لایخلو عن المناقشة، فإنّ الأوّل (اضرب) نسبة بعثیة و ذلک لأنّ مفاد الهیأة عنده هو المعنی الحرفی و لایصحّ التعبیر عنه بالبعث النسبی، فإنّه مثل التعبیر بالعرض النسبی الذی هو معنی اسمی ذات نسبة و أمّا الثانی فهی نسبة البعث نحو الضرب، فالبعث فی الأوّل صفة النسبة و فی الثانی مضاف إلیه للنسبة.
فالجملة الإنشائیة و الإخباریة تشترکان فی أصل الإبراز و الدلالة علی أمر نفسانی و إنّما الفرق بینهما فی ما یتعلق به الإبراز، فإنّه فی الجملة الإنشائیة أمر نفسانی لا تعلق له بالخارج و لذا لایتصف بالصدق و الکذب بل یتصف بالوجود و العدم و فی الجملة الخبریة أمر متعلق بالخارج فإن طابقه فصادق و إلّا فکاذب.((1))
إنّ مفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة قد یتّحدان فی المعنی الموضوع له، کما فی مثل «بعتُ» و قد یختلفان کما فی مثل صیغة «افعل» و الجملة الخبریة فی ما إذا دلّ
ص: 185
علی الأمر، فما أفاده لایخلو عن المناقشة و الحق فی المقام هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع ملاحظة ما علّقنا علیه.
ص: 186
هنا أقوال: ((1))
الأوّل: إنّه إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر و هذا مختار صاحب الکفایة (قدس سره) علی ما هو التحقیق و هو المشهور علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .((2))
الثانی: إنّه إیجاد المعنی باللفظ (فی وعائه المناسب له) فی عالم الاعتبار العقلائی و هذا هو المشهور علی ما أفاده بعض الأعلام.((3))
الثالث: إنّه إیجاد المعنی باللفظ بالعرض و هذا القول هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ادّعی أنّ مختار صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ذلک.((4))
ص: 187
الرابع: إنّه إبراز الأمور النفسانیة باللفظ و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) .
الخامس: إنّه اعتبار و إبراز و هذا القول مختار بعض الأساطین (حفظه الله) و نسبه إلی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مباحث الاستصحاب (بحث أقسام الوضع، فی ضمن بیان حقیقة الملکیة).
النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))
إنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر (و الباء فی قولهم باللفظ بمعنی السببیة) و الکلام الإنشائی حینئذ قول قصد به ثبوت المعنی فی حد ذاته.
ص: 188
((1))
إنّ اللفظ لیس علّة تکوینیة للمعنی و لا سببیّة له لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار أیضاً لأنّ الاعتبار یکفی لتحقق الوجود الاعتباری بلا حاجة إلی اللفظ.
فإنّ علّیّة اللفظ لوجود المعنی خارجاً أو ذهناً غیر معقولة، لأنّ وجود الشیء خارجاً تابع لمبادی وجوده و لیس تابعاً لوجود اللفظ، و وجوده ذهناً یتبع وجود مبادی الانتقال و لایتبع وجود اللفظ، و حضور المعنی ذهناً بتبع حضوره لیس من باب علّیّة اللفظ بوجوده الخارجی أو بوجوده الذهنی لحضور المعنی، بل للتلازم بین الحضورین لمکان التلازم بین الحاضرین جعلاً و مواضعةً و لذا ربما ینتقل من تخیّل المعنی إلی وجود اللفظ أو وجوده الکتبی.
إنّ اللفظ موجد للمعنی فی عالم الاعتبار العقلائی لأنّ اعتبار المعتبر ما لم یبرزه، اعتبار شخصی و لا صلة له بعالم الاعتبار العقلائی و لا بدّ من إبرازه حتی یوجد فی اعتبار العقلاء.
إنّ الإنشاء فعل المنشئ و لابدّ من تعیین حقیقته و موقفه عند تحقق الأمور الاعتباریة فی اعتبار العقلاء مثلاً إنّ المالک عند تملیک الشیء لشخص آخر یواجه ثلاث مراحل:
المرحلة الأُولی: اعتبار الملکیة للشخص المذکور و هذه المرحلة فعل اعتباری مباشری للمالک و لیس فعلاً خارجیاً إنشائیاً و لا تسبیبیّاً، بل هو جعل اعتباری
ص: 189
من المالک فی عالم الاعتبار.
المرحلة الثانیة: إیجاد هذا الاعتبار فی عالم الخارج و إبرازه و إظهاره و لکن المعنی الاعتباری لایمکن إظهاره و إبرازه بوجوده الاعتباری، حیث إنّ وعاءه عالم الاعتبار فلابدّ من إظهاره بوجوده العرضی و هو اللفظ و هذه المرحلة هی ما نسمّیها بالإنشاء و لذا عرّفنا الإنشاء بإیجاد المعنی بوجوده العرضی و هو اللفظ (و إن شئت فسمّها بإبراز الاعتبار المذکور بوجوده العرضی و سیأتی زیادة قید القصد فی بعض الأقسام).
و أمّا المرحلة الثالثة: فهی ما یترتّب علی الإنشاء و هو وجود هذا المعنی فی اعتبار العقلاء و تلک لاتنبغی تسمیتها بالإنشاء حیث إنّ هذه المرحلة لیست بید المعتبر و لایعدّ فعله المباشری، بل هو یترتّب علی ما هو فعل المعتبر الذی هو إیجاد هذا الاعتبار بوجوده العرضی.
إنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی باللفظ (أی بسبب اللفظ) فی وعائه المناسب له و هو عالم الاعتبار العقلائی.((1))
ص: 190
((1))
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الإیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) یدلّ علی
ص: 191
بطلان هذه النظریة أیضاً. ((1))
النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))
إنّ حقیقة الإنشاء هی إیجاد المعنی باللفظ بالعرض (و الباء فی قوله باللفظ هنا للمصاحبة لا السببیة).
إنّ المعقول من وجود المعنی باللفظ هو وجوده بعین وجوده، لا وجوده
ص: 192
بنحو وساطته للثبوت له، فمفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة مشترکان فی حیثیة «وجود المعنی بعین وجود اللفظ»، إلّا أنّ الإنشائیة تتمیّز بتمحّض الکلام الإنشائی فی إثبات النسبة التامة بعین ثبوت اللفظ و الخبریة تتمیّز بزیادة عنوان الحکایة عن النسبة التامة.
و تقابلهما (الخبر و الإنشاء) تارةً بنحو تقابل العدم و الملکة و أخری بتقابل السلب و الإیجاب، فإنّ الإنشاء فاقد للحکایة و الخبر واجد لها و لفظ الإنشاء تارة قابل للحکایة و لم یحک فهو عدم الملکة مثل «بعتُ» و أخری غیر قابل للحکایة فهو سلب مقابل الإیجاب مثل «اضرب».
بیانه: إنّ مدلول ذات الجملة فی قولنا بعت و ملکت هی النسبة الإیجادیة المتعلقة بالمتکلم و المادة فإذا تمحّضت الجملة فی إثباتها بثبوت تنزیلی عرضی کانت إنشائیة و إذا زید علیها عنوان الحکایة عن تحقق النسبة المزبورة کانت خبریة فعدم الحکایة فی ما یقبل الحکایة عدم الملکة.
و مدلول الجملة فی قولنا «اضرب» و فی «أبعثک نحو الضرب» إخباراً مختلفان فإنّ البعث النسبی غیر نسبة البعث فعدم الحکایة فی مثل البعث النسبی مع عدم قبوله للحکایة سلب مقابل للإیجاب کما أوضحناه فی التعلیقة.
إنّ تقابل الإنشاء و الإخبار من قبیل تقابل المتضادین، و لیس من قبیل تقابل
ص: 193
العدم و الملکة و لا من قبیل تقابل السلب و الإیجاب، فإنّ الإخبار و الإنشاء فی القسم الأوّل (مثل بعتُ) متّحدان فی الدلالة علی إثبات النسبة التامة الکلامیة و إیجاد المعنی باللفظ بوجوده العرضی و المتکلّم یقصد فی الجملة الخبریة الحکایة عن ثبوت النسبة و تحققها وراء النسبة الکلامیة و یقصد فی الجملة الإنشائیة إیجاد المعنی وراء النسبة الکلامیة.
إنّ حقیقة الوضع جعل اللفظ علامة علی المعنی و لکن بعد الوضع و علامیة اللفظ للمعنی یکون اللفظ وجوداً جعلیاً و عرضیاً للمعنی کما تقدّم.
((1))
لو سلّمنا کون اللفظ وجوداً عرضیاً للمعنی فإنّ إیجاد المعنی بالوجود العرضی و الجعلی هو الاستعمال و الاستعمال متفرّع علی وجود المعنی و متأخّر عنه، فلایمکن تفسیر معنی الإنشاء بما هو عین استعمال الإنشاء، و بعبارة أخری إن کان الفرق بین الجملتین مجرد الحکایة و عدمها لزم کون الإنشاء مجرد التلفّظ و هذا ما لایلتزم به أحد.
إنّ استعمال الجملة الإنشائیة هو نفس الإنشاء و هو متأخّر عن معنی الجملة الإنشائیة، فقد وقع الخلط فی تعبیرهم «معنی الإنشاء» بین أن یکون بمعنی حقیقة الإنشاء (و هو حینئذ عین الاستعمال) أو یکون بمعنی مفاد الجملة الإنشائیة و معناه (و هو متقدّم علی الاستعمال) و علی هذا تدلّ الجملة الإنشائیة علی طبیعی المعانی الاسمیة و النسب الحرفیة، فالمعنی فی مثل «بعتُ» نفس نسبة إیجاد البیع إلی المتکلم و فی مثل «اضرب» النسبة البعثیة بین الآمر و المخاطب و الضرب الذی هو المأمور به و أمّا حقیقة الإنشاء فیتحقّق فی مرحلة إیجاد النسبة التامّة الکلامیة.
ص: 195
مع أنّ الألفاظ المفردة و الهیئات الموجودة فی الجملة الإنشائیة تدلّ علی طبائع المعانی قبل ملاحظة وجودها العینی أو الذهنی و استعمال الهیئات و الألفاظ فی معانیها بإیجاد تلک المعانی هو حقیقة الإنشاء و یؤیّده إشراب معنی الوجود فی مفهوم الإنشاء.
إنّ الإنشاء هو إبراز الأمور النفسانیة باللفظ من غیر حکایة.((1))
إنّ الإنشاء قد یکون نفس الإبراز المذکور فی مثل التمنّی و الترجّی و أمّا فی بعض الإنشائیات مثل المعاملات فنفس الإبراز المذکور لایکون إنشاءً إلّا إذا کان بقصد إیجاده فی وعائه المناسب وراء النسبة الکلامیة.
ص: 196
إنّ الإنشاء اعتبار و إبراز (هی نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)).
أوّلاً: إنّ المختار هو أنّ الاعتبار متقدم علی الإنشاء و الإنشاء هو الإبراز المذکور مع زیادة التقیید بالقصد فی بعض الأقسام.
ثانیاً: یرد علیه ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) حیث قال: إنّه لیس فی کل مورد من موارد الإنشاء اعتبار من العقلاء أو من الشرع، فإنّه فی موارد إنشاء التمنی و الترجی و الاستفهام لیس أی اعتبار من الاعتبارات لا من الشارع و لا من العقلاء.
إنّ الإنشائیات علی قسمین و لکل منهما تعریف یخصّه:
القسم الأوّل: ما لایعتبر فی تحققه قصد إیجاده و ذلک مثل التمنّی و الترجّی و
ص: 197
التعجّب و الاستفهام و الأمر بصیغته و مادّته، فیصحّ فیه تعریف المحقق الإصفهانی (قدس سره)، فإنّ الإنشاء أمر إیجادی و لکن لایحتاج فی تحققه إلی القصد فی هذا القسم.
فلابدّ أن یقال فی تعریف الإنشاء بالنسبة إلی هذا القسم: إنّه إیجاد المعنی بوجوده العرضی الذی هو نفس وجود اللفظ.
القسم الثانی: ما یعتبر فی تحقّقه قصد إیجاده و حینئذ لابدّ أن یقال فی تعریف الإنشاء فی هذا القسم: إنّه إیجاد المعنی بوجوده العرضی-الذی هو نفس وجود اللفظ- مع قصد إیجاده فی وعاء اعتبار العقلاء الذی هو ما وراء النسبة الکلامیة و هو المناسب للمعنی الإنشائی و ذلک فی المعاملات.
ص: 198
ص: 199
ص: 200
التشخّص ناشئ من قبل طور الاستعمال، حیث إنّ أسماء الإشارة وضعت لیشار بها إلی معانیها و کذا بعض الضمائر أیضاً وضعت لیشار بها إلی معانیها مثل الضمیر الغائب و أمّا بعضها الآخر فوضعت لیخاطب به المعنی و الإشارة و التخاطب یستدعیان التشخص.
فالمستعمل فیه فی مثل «هذا أو هو أو إیّاک» إنّما هو «المفرد المذکر» و التشخّص إنّما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ.
النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و هی المختار
التحقیق أنّ أسماء الإشارة و الضمائر موضوعة لنفس المعنی عند تعلق الإشارة به خارجاً أو ذهناً بنحو من الأنحاء، فقولک: «هذا» لایصدق علی زید مثلاً إلّا إذا صار مشاراً إلیه بالید أو بالعین مثلاً.
فالفرق بین لفظ «المشار إلیه» و لفظ «هذا» هو الفرق بین العنوان و الحقیقة نظیر الفرق بین لفظ «الربط و النسبة» و لفظ «من» و «فی».
تذکر فی المقام:
لابدّ أن ینبّه علی أنّ معنی «هذا» معنی اسمی و لکن وقع طرف الإشارة، فهو موضوع لما یقع طرف الإشارة، کما أنّ الإشارة أیضاً معنی اسمی لأنّه ذو معنی مستقل.
النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره) (2)
و هذه النظریة مختار بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً.
ص: 203
توضیح ذلک: إنّ هذه الأسماء موضوعة لنفس الإشارة، و لفظ هذا إشارة لفظیة کما أنّ تحریک الید إشارة فعلیة.
و استدلّ علیه المحقق البروجردی (قدس سره) بروایتین، و بعض الأساطین (حفظه الله) ادّعی ارتکازیته ویوافقه تنصیص بعض علماء الأدب کقول ابن مالک: «بذا لمفرد مذکر أشر».
إنّ هذا یقع مبتدأ و یحکم علیه بما لایحمل إلّا علی الذات المشار إلیها فیقال: «هذا ضارب هذا رجل»، فلو قلنا بأنّ معنی «هذا» الإشارة فکیف یحمل هذه العناوین علیها.
ثم إنّ الموصولات أیضاً یجری فیها ما ذکر فی أسماء الإشارة.
فتحصّل فی المقام: أنّ المختار من هذه الأقوال هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 204
ص: 205
ص: 206
و هی الانتقال إلی المعنی بمجرّد سماع اللفظ و إن لم یقصده اللافظ و ذلک مثل خطور المعنی الحقیقی عند الاستعمال المجازی و مثل اللفظ الصادر من الساهی و النائم.
ص: 207
و قیل:((1)) إنّها لیست دلالة بل هی خطور لأنّ الدلالة تابعة للإرادة و الإرادة مفقودة هنا.
و یردّه ما سیجیء من أنّ الدلالة الوضعیة تابعة للإرادة لا مطلق الدلالة، حیث إنّ الدلالة عرّفت بأنّها کون الشیء بحیث یلزم من العلم به العلم بشیء آخر و الخطور هو التصوّر و التصوّر من أقسام العلم، ففی مرحلة الدلالة
ص: 208
التصوریة یلزم من العلم باللفظ العلم التصوری بالمعنی.
نعم الدلالة التصوریة لیست دلالة وضعیة لما سیأتی.
و هی دلالة اللفظ علی کون المتکلم قاصداً لتفهیم معناه و هی تتوقّف علی عدم القرینة المتصلة.
و تتحقّق فی هذه المرحلة من الدلالة إرادتان: الإرادة الاستعمالیة و الإرادة التفهیمیة.
أمّا الإرادة الاستعمالیة فهی إرادة إیجاد المعنی باللفظ بالعرض و الإرادة التفهیمیة هی إرادة إحضار المعنی فی موطن فهم المخاطب.
و هی دلالة اللفظ علی أنّ الإرادة الجدیّة تکون علی طبق الاستعمال و هی تتوقف علی عدم القرینة المنفصلة.
و الإرادة المتحقّقة فی هذه المرحلة الثالثة هی المسمّاة بالإرادة الجدیة.
ص: 209
کما أنّ المحقق الطوسی (قدس سره) (علی ما حکی عنه العلّامة لحلّی (قدس سره))((1)) أیضاً قال: «إنّ اللفظ لایدلّ بذاته علی معناه بل باعتبار الإرادة و القصد».
النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)((2))
إنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها بما هی هی و إرادة المعنی و قصده لیس قیداً للمعنی الموضوع له و لا قیداً للمعنی المستعمل فیه و لکنّه من مقوّمات الاستعمال بمعنی أنّ الدلالة التصدیقیة الأولی (الإرادة الاستعمالیة) تتبع إرادة المعانی من الألفاظ و هذه هی معنی تبعیة الدلالة للإرادة.((3))
ص: 211
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1))
دخل الإرادة (بحیث یوجب انحصار الدلالة الوضعیة فی الدلالة التصدیقیة) لایکون متوقفاً علی صیرورة الإرادة قیداً فی المستعمل فیه، بل یمکن الدخل بأحد الوجهین:
الوجه الأوّل: إنّ العلقة الوضعیة تتقیّد بصورة الإرادة الاستعمالیة، فلا وضع فی غیر الإرادة الاستعمالیة و ما یری من الانتقال إلی المعنی بمجرد سماع اللفظ من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور و غیر اختیار، فمن جهة أنس الذهن بالانتقال من سماعه عند إرادة معناه هذا.
الوجه الثانی: إنّ اللفظ موضوع للمعنی الذی یتعلق به الإرادة الاستعمالیة، فهو إشارة إلی المعنی الخاص لا بوصف الخصوصیة و فائدته عدم العلقة الوضعیة بین اللفظ و المعنی الذی لایتخصّص بالمرادیة.
و قد عرفت أنّ الثانی أقرب إلی الاعتبار لأنّ اللحاظ و القصد من شؤون المعنی و الاستعمال فیصحّ جعلهما قیداً للمعنی و لایصحّ جعلهما قیداً لما
ص: 212
لایکونان من شؤونه و أحواله أعنی الوضع.
إنّ غایة الوضع هو تفهیم المعنی و هو متوقّف علی إرادته و لذا تتقیّد العلقة الوضعیة بالغایة و نتیجته تحدید العلقة الوضعیة بما إذا أرید المعنی بالدلالة التصدیقیة و حیث قیّدت العلقة الوضعیة بهذه المحدودة فلاتصل النوبة إلی الوجه الثانی الذی تصوّره المحقق الإصفهانی (قدس سره) بل الصحیح هو الوجه الأول.
ص: 213
ص: 214
ص: 215
ص: 216
إعلم أنّ المدار فی تشخیص مراد المتکلم هو ظهور کلامه بلا فرق بین أن یکون المعنی المراد حقیقیاً و مجازیاً و قد نحتاج إلی هذا البحث و التعمیق فیه عند إجمال الأمر من حیث وجود القرینة و عدمه.
و قد ذکروا علائم متعدّدة لتشخیص المعنی الحقیقی عن المعنی المجازی.
ص: 217
ص: 218
إلی الحیثیة المکتسبة من الوضع فهو- مع افتراض فقدان القرینة((1)) و استناده إلی حاقّ اللفظ- یکشف إنّاً عن المعنی الحقیقی و لابدّ -بعد ذلک- من تعمیم ذلک إلی الأزمنة السابقة علی التبادر المذکور لاحتمال عدم کون المعنی المتبادر إلی الذهن حقیقیاً فی الأزمنة السابقة.
و لإثبات هذا التعمیم یتمسّک بالاستصحاب القهقری((2)) فإنّه حجة فی باب الظهورات لبناء العقلاء علیه فی باب المحاورات أو بأصالة عدم النقل و هی أیضاً حجّة ببناء العقلاء.
إنّ التبادر یتوقف علی العلم بالوضع، فلو توقف العلم بالوضع علیه للزم الدور.
ص: 220
الجواب الأوّل: (1)
إنّ التبادر یتوقف علی العلم الإجمالی الارتکازی بالوضع و العلم التفصیلی یتوقّف علی التبادر. بل قد لا یتوقف حتی علی العلم الإجمالی الإرتکازی بل العلم بالمعنی المستعمل فیه مع خطور فی الذهن بلاقرینة مقوم للتبادر.
ص: 221
الجواب الثانی:((1))
التبادر عند أهل اللسان دلیل علی المعنی الحقیقی عند المستعلم، فالتبادر یتوقف علی علم أهل اللسان بالوضع و علم المستعلم یتوقف علی التبادر، فلا
ص: 222
دور فی البین.
ثمّ إنّه إذا استفاد اللغوی معنی اللفظ من التبادر، فهل یکون ذلک حجةً لنا؟ فإنّ البحث عن حجیة قول اللغوی یتکفّل بیان ذلک و سیجیء تفصیل ذلک إن شاء الله تعالی.
ص: 223
((1))
إنّ الحمل بما هو حمل، من مصادیق الاستعمال و الاستعمال أعمّ من الحقیقة و المجاز، إلّا أنّ الحمل بلا وجود القرائن الحالیة أو المقالیة علامة المعنی الحقیقی.
الأعلام مثل المحقق الرشتی (قدس سره) ((1))و المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))
((3))
مفاد الحمل الذاتی اتحاد الإنسان -بما له من المعنی- و الحیوان الناطق فیعلم أنّ معنی لفظ الإنسان المجرد عن القرینة هو الحیوان الناطق، إلّا أنّ الفرق بالإجمال و التفصیل و هذا التغایر الاعتباری مصححّ للحمل.
فلا مجال لما أفاده المحقق الرشتی (قدس سره) حیث أرجع الحمل الذاتی إلی حمل العام علی الخاص.
أمّا المحقق الخوئی (قدس سره) فلیس فی الحقیقة منکراً لعلامیّة الحمل الذاتی،((4)) بل
ص: 225
یعتقد بأنّ الحمل من دون وجود القرینة یرجع إلی علامیة التبادر، و لذا قال فی المحاضرات: «نعم لو فرض فی القضیة الحملیة أنّ المعنی قد استفید من نفس اللفظ من دون قرینة کان ذلک علامة الحقیقة، إلّا أنّه مستند إلی التبادر لا إلی صحة الحمل».((1))
و الفرق بین التبادر و صحة الحمل((2)) هو أنّه فی التبادر ینسبق المعنی إلی الذهن بمجرد سماع اللفظ و لکن فی الحمل الذاتی نتصوّر مفهومین و نحکم باتحادهما و نستکشف المعنی الحقیقی من الاتحاد الذاتی بین المفهومین الذین أحدهما معلوم و الآخر مجهول. فلا شبهة فی تمامیة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): و ممّا ذکرنا تعرف أنّ السلب الذاتی علامة المجازیة. و الظاهر تمامیة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 226
((1))
إنّ المشهور بین الأصولیین عدم کونه علامة علی المعنی الحقیقی، کما أنّ المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً أنکر علامیّته للمعنی الحقیقی و لکن اختلف فی القسم الأول منها، فإنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یقول بعلامیّته.
ص: 227
أمّا القسم الأوّل فهو حمل الطبیعی علی أفراده و مصادیقه و حمل الجنس علی نوعه و الفصل علی نوعه، مثل «زید إنسان» و «الإنسان حیوان» و «الإنسان ناطق»
أمّا القسم الثانی فهو حمل العناوین العرضیة علی معروضاتها، کحمل الضاحک أو الکاتب علی زید، فإنّ هذه العناوین العرضیّة منتزعة عن قیام الأعراض بموضوعاتها.
أمّا القسم الثالث فهو حمل بعض العناوین العرضیة علی بعض آخر مثل «المتعجب ضاحک».
أمّا مع فرض التغایر المفهومی بالکلیة و الفردیة و المصداقیة، فلا تفاوت بین الفرد و الکلی من حیث الذات، فیمکن استکشاف المعنی الحقیقی، مثال ذلک: إنّه إذا علمنا حقیقة زید بأنّه الحیوان الخاص و جهلنا معنی الإنسان، ثم وجدنا حمل الإنسان علی زید باعتبار تقرّر حصّة الإنسان فی مرتبة ذات زید، فحینئذ نستکشف اتحاد حقیقة زید -بما أنّه حیوان خاص- و معنی الإنسان.
و هکذا الأمر فی حمل الجنس علی نوعه و حمل الفصل علی نوعه.
قد فصّل المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام:
الأوّل: السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود، فإنّ السلب دلیل علی أنّ المسلوب لیس عین ذات المسلوب عنه و لا متقرّراً فی ذاته، لعدم اتحادهما فی الوجود، فهذا السلب علامة المجازیة.
الثانی: السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول، فلایکون السلب دلیلاً علی عدم الاتحاد مفهوماً بل یدلّ علی عدم اندراجه تحته، کما یقال: الجزئی لیس بجزئی بل کلّی، حیث إنّ مفهوم الجزئی کلی بالحمل الشائع، و لابدّ من سلبه عن الجزئی بالحمل الشائع مع اتحادهما مفهوماً.
ص: 229
((1))
هنا بیانان:
و لیس معناه کثرة الاستعمال،((2)) لأنّ الاستعمال أعمّ من المجاز و الحقیقة، بل الاطّراد هو شیوع الاستعمال بدون اختصاصه بمورد خاصّ و ذلک مثل استعمال لفظ العبد و البشر فی أفراد الإنسان و أمّا استعمال لفظ الرقبة فی الإنسان فغیر مطّرد، بل یستعمل فی مورد العتق، مثل «أعتق رقبة» و لایستعمل فی سائر الموارد، مثل «رأیتُ رقبة».
ص: 230
و المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) قائلان((1)) بعلامیّة الاطراد للمعنی الحقیقی.
ص: 231
بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1))
إذا أطلق اللفظ باعتبار معنی کلّی علی أفراد و اطّرد إطلاقه علی تلک الأفراد (مع اختلاف الأفراد من حیث الخصوصیات و الأحوال)، یستکشف أنّ اللفظ حقیقة فی هذا المعنی الکلی، لأنّ العلائق المجازیة لا اطّراد لأنواعها بل تلک العلائق محدودة.
نعم إذا فرضنا التناسب بین المعنیین من جهات کثیرة بحیث یطّرد إطلاق اللفظ علی المعنی المجازی بحسب تلک الجهات الکثیرة (کما أنّ المتأخّرین لاینحصرون مصحّح الاستعمال المجازی فی العلائق المذکورة بل یقولون بأنّ الملاک هو الاستحسان الذوقی)، فحینئذ لیس الاطّراد علامة للحقیقة، إلّا أنّه مجرد فرض محض.
ثم إنّ عدم الاطراد یکون کاشفاً عن عدم الوضع له و إلّا یلزم تخلّف المعلول عن العلة، فإنّ الوضع علّة للاطّراد و عدم المعلول یکشف عن عدم تحقق علّته، کما أنّ وجود العلة أیضاً کاشف عن وجود معلوله، و لو فرضنا وجود الوضع مع عدم تحقق الاطّراد، یلزم تحقق العلّة مع عدم تحقّق معلوله، و معنی ذلک هو تخلّف المعلول عن علّته.
ص: 232
أوّلاً: ما قال من أنّ التناسب من الجهات الکثیرة بین المعنیین مجّرد فرض محض فیرد علیه: أنّه واقع فی بعض المجازات و لعلّ منها المجاز المشهور فی بعض الموارد مع أنّ الاستحسانات الذوقیة قد تکثر بین المعنیین و الحق أنّه إذا تحقّق التناسب و العلقة المجازیة بین ذات الأفراد و المعنی الحقیقی یتحقق الاطّراد المذکور و لکن لیس ذلک علامة علی المعنی الحقیقی.
ثانیاً: الوضع لیس علّة للاطّراد فی الاستعمال بل علّة لصحّة ذلک لا وقوعه، فعدم وقوع الاطراد لیس علامة للمجازیة، إلّا أن یراد من عدم الاطّراد عدم صحته و هو خلاف الظاهر.
بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))
إنّ الاطّراد هو استعمال لفظ مخصوص فی موارد مختلفة بمحمولات عدیدة، مع إلغاء جمیع ما یحتمل أن یکون قرینة علی إرادة المجاز و هو علامة الحقیقة.
إنّه راجع إلی التبادر و لانحتاج إلی کثرة الإطلاق بالنحو الذی ذکره، بل الإطلاق الواحد مع عدم القرینة دلیل علی المعنی الحقیقی من باب تبادر المعنی الحقیقی و انسباقه إلی الذهن من حاقّ اللفظ بلا وجود القرائن الحالیة و المقالیة.
فتحصّل إلی هنا ستة أمور:
أوّلاً: إنّ التبادر علامة الحقیقة.
ص: 233
ثانیاً: إنّ صحّة الحمل الأوّلی الذاتی أیضاً علامة الحقیقة.
ثالثاً: و أمّا صحة الحمل الشائع الصناعی، فهی فی القسم الأوّل منها علامة الحقیقة و فی القسمین الأخیرین لیست علامة الحقیقة.
رابعاً: إنّ صحة السلب الذاتی علامة المجازیة.
خامساً: إنّ صحة السلب الشائع إذا کان فی قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود فهی علامة المجازیة و أمّا إذا کان فی قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول فلیست علامة المجازیة (هذا کلّه وفاقاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره)).
سادساً: إنّ الاطّراد لیس من علائم الحقیقة، خلافاً للمحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .
ص: 234
الفصل الأول: الحقیقة الشرعیّة
الفصل الثانی: الصحیح و الأعمّ
الفصل الثالث: الاشتراک
الفصل الرابع: جواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد
الفصل الخامس: المشتق
ص: 235
ص: 236
المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة
المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟
تنبیه: فی ثمرة هذا البحث
ص: 237
ص: 238
الحقیقة الشرعیة
بیان بعض الأساطین (حفظه الله)((1)) لکون هذا البحث من المسائل الأصولیة:
إنّ البحث عن الحقیقة الشرعیة هو فی الحقیقة بحث عن الظهور، کما أنّ البحث عن دلالة الأمر علی الوجوب یرجع إلی البحث عن الظهور فیکون من المسائل الأصولیة.
أوّلاً: لو کان کذلک یلزم دخول جمیع المباحث اللغویة المرتبطة باستکشاف المعنی الحقیقی فی علم الأصول، حیث إنّ اللفظ المجرد عن القرینة ظاهر فی المعنی الحقیقی.
ثانیاً: قیاس هذا البحث بمباحث دلالة الأمر علی الوجوب و غیرها مع الفارق، حیث إنّ البحث عن ظهور الأمر فی الوجوب ممهّد للاستنباط، بخلاف المباحث اللغویة و إن کانت مخترعات شرعیة.
محلّ البحث: (2)
إنّ محلّ الکلام هو الماهیات المخترعة الشرعیة مثل الصلاة و الصوم و الحج
ص: 240
والزکاة و أمّا المعاملات العرفیة و إن کان جریان البحث فیها بمکان من الإمکان إلّا أنّ لها مقاماً آخر.
ص: 241
هنا نظریتان:
الوضع إمّا تعیینی و إمّا تعیّنی و البحث فی أنّه هل یتحقق الوضع التعیینی بالاستعمال.
إنّ الوضع التعیینی کما یحصل بالتصریح بإنشائه، کذلک یحصل باستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له، و ادّعی هنا الوضع التعیینی باستعمال اللفظ فی لسان الشارع و هذا الاستعمال لیس بحقیقة و لا مجاز.((1))
إیراد (2) المحقق النائینی علی المحقق الخراسانی (قدس سرهما):
إنّ تحقق الوضع بالاستعمال موجب للجمع بین اللحاظ الآلی و الاستقلالی فی آن واحد، فی شیء واحد و هو محال.
ص: 242
بیان ذلک: إنّ مقام الاستعمال یوجب لحاظ اللفظ آلیاً و مقام الوضع یوجب لحاظ اللفظ استقلالیاً، و الوضع بالاستعمال یجمع بین کلا اللحاظین.((1))
ص: 243
((1))
إنّ الوضع بالاستعمال یتصور علی نحوین:
التصویر الأوّل: إنّ الاستعمال عین الوضع فحقیقة الاستعمال حقیقة الوضع و هذا التصویر هو ظاهر متن الکفایة.
و یرد علیه:
أوّلاً: ما أورده المحقق النائینی علی صاحب الکفایة (قدس سرهما) یتوجّه علی هذا التصویر، لأنّ الجمع بین اللحاظین فی آن واحد محال.
ثانیاً: إنّ مرتبة الوضع غیر مرتبة الاستعمال حیث إنّ الوضع فی مرتبة الملزوم و الاستعمال فی مرتبة اللازم و الوضع هنا جعل الملزوم بلازمه و اللفظ بما أنّه یستعمل فی معناه یلحظ آلیاً و بما أنّه موضوع للمعنی یلحظ استقلالیاً و لذا لابدّ من التصویر الثانی.
التصویر الثانی: إنّ الوضع یتحقّق مقارناً للاستعمال من باب جعل الملزوم بجعل لازمه و لا إشکال فی التقارن المذکور و ما یقتضیه الاستعمال الحقیقی (فی قبال المجازی) هو عدم تأخّر الوضع عن الاستعمال و لایقتضی تقدّم الوضع علی الاستعمال، فمع تقارن الوضع و الاستعمال یعدّ هذا الاستعمال حقیقیاً لا
ص: 244
مجازیاً، فالوضع بالاستعمال ممکن و لیس استعمالاً غیر حقیقی و لا مجازی بل هو استعمال حقیقی إلّا أنّه علی مبنی المشهور فی الوضع من أنّه تعیین اللفظ للدلالة علی المعنی بنفسه و أمّا علی ما هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) فلا ملزم لهذا التکلّف کما سیأتی.
ثم إنّا - بعد کون جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو الحق فی المقام- لانتعرّض تفصیلاً إلی ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الجواب((1)) و هکذا لانتعرّض بالتفصیل إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)،((2)) بل نشیر إلیهما بالتلخیص.
و ملخّص جواب المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أنّ الملحوظ فی مقام الاستعمال شخص
ص: 245
اللفظ و فی مقام الوضع طبیعة اللفظ فمتعلّق اللحاظین مختلف.((1))
و ملخّص جواب المحقق الخوئی (قدس سره) أنّ الوضع أمر نفسانی و الاستعمال عمل جوارحی و الوضع بهذا البیان مقدم علی الاستعمال.
و جواب بعض الأساطین (حفظه الله) أنّ الاستعمال لایتوقف علی ملاحظة اللفظ آلیاً بل کثیر من الناس یتأمّلون فی الألفاظ أثناء التکلّم و یختارون ما هو أحسنه.
النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))
إنّ الوضع لایکون بالاستعمال علی المبنی المختار فی الوضع من أنّ حقیقة
ص: 246
الوضع نحو اعتبار من الواضع، فیکفی فی حصول الاختصاص الوضعی بناء الواضع علی اختصاص اللفظ بالمعنی قبل تحقّق الاستعمال و هذا أخفّ مؤونةً من قصد حصول الوضع بالاستعمال، حیث لا حاجة إلی التسبّب إلی حصوله بوجه من الوجوه، إلّا أنّه یحتاج إلی دلیل.
و مقتضی التحقیق فی المقام یوافق نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
هذا تمام الکلام فی المقدمة.
ص: 247
الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة: (1)
الحق هو أنّ ثبوت الحقیقة الشرعیة ممّا لا ریب فیه، فإن قلنا بالوضع التعیینی فهو و إلّا فلابدّ من القول بالوضع التعیّنی، لکثرة استعمالها فی لسان النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و أصحابه، و لایضرّ عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی خصوص لسانه (صلی الله علیه و آله و سلم) من دون
ص: 248
ص: 249
ملاحظة أصحابه حیث إنّ روایاته (صلی الله علیه و آله و سلم) من طریق أصحابه.((1))
أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة((2))
إنّ هذه الماهیات و المعانی (مثل الصلاة و الصوم) ثابتة فی الشرائع السابقة و لاتکون مستحدثة، کما أنّ بعض الآیات الکریمة یقتضی ذلک مثل قوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ)((3)) و قوله تعالی: (وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ)((4)) (خطاباً لإبراهیم الخلیل (علیه السلام)) و قوله تعالی: (وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ
ص: 250
وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیا)((1)) (نقلاً عن عیسی (علیه السلام)) و لازم ذلک کونها حقائق لغویة.((2))
أولاً: هذا لاینافی ثبوت الحقیقة الشرعیة بل یمکن القول بثبوتها فی الشرائع السابقة و الغرض من البحث عن ثبوت الحقیقة الشرعیة حمل الألفاظ الواردة فی
ص: 251
الروایات علی المعانی الشرعیة بل لو قلنا بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی الشرائع السابقة و استعمال هذه الألفاظ فی معانیها اللغویة بنحو الحقیقة فلا شک فی أنّها صارت حقیقة شرعیة فی زمن شریعتنا.
ثانیاً: لغة الشرائع السابقة المنقولة فی کلمات إبراهیم الخلیل (علیه السلام) و نوح النبی (علیه السلام) و کثیر من الأنبیاء لیست بعربیة بل هی مترجَمة إلی العربیة. ((1))
ص: 252
((1))
أمّا بناء علی عدم ثبوتها فلابدّ من حمل الألفاظ المجرّدة عن القرینة علی المعنی اللغوی.
و أمّا بناء علی ثبوتها فإذا علمنا تأخّر الاستعمال عن وضع الحقیقة الشرعیة تحمل تلک الألفاظ المجرّدة عن القرینة علی المعنی الشرعی.
و أمّا إذا جهلنا تاریخ الاستعمال فهنا نظریات:
النظریة الأولی: التوقّف للجهل بزمان الاستعمال.
النظریة الثانیة: الحمل علی المعانی الشرعیة و استدلّ بأصالة تأخّر الاستعمال.
و یرد علیه:
أوّلاً: إنّه لم یثبت بناء من العقلاء علی التأخّر عند الشک.
ثانیاً: لا دلیل علی اعتبار أصالة تأخر الاستعمال تعبّداً و الاستصحاب فی هذه
ص: 254
الموارد أصل مثبت.
ثالثاً: إنّها معارضة بأصالة تأخّر الوضع.
النظریة الثالثة: الحمل علی المعانی اللغویة، مستدلاً بأصالة عدم النقل.
و یرد علیه:
أنّ أصالة عدم النقل معتبرة عند الشک فی أصل النقل، لا فی تأخر النقل عن الاستعمال.
الخوئی((1)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله).
المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة
المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة
المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟
المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات
للصحیحة أو الأعم؟
ص: 257
ص: 258
إنّ جریان هذا البحث علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة واضح و أمّا علی القول بعدم ثبوتها فقد اختلف فی جریانه علی ثلاث نظریات. ((1))
النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2))
«إنّ اللفظ قد استعمل عند الصحیحی فی الصحیحة لعلاقة بینها و بین المعنی اللغوی، و فی الفاسدة لا لعلاقة بینها و بین المعنی الأصلی و لا لمشاکلة بینها (أی الفاسدة) و بین المعنی اللغوی أو الصحیحة، بل من جهة التصرف فی أمر عقلی و هو تنزیل المعدوم من الأجزاء و الشرائط منزلة الموجود لئلّا یلزم سبک المجاز من المجاز، فلا مجاز أصلاً من حیث المعنی إلّا فی استعمال اللفظ فی
ص: 259
الصحیحة و حیث إنّ الاستعمال دائماً فی الصحیحة من حیث المفهوم و المعنی یحمل - مع عدم القرینة علی التصرف فی أمر عقلی- علی الصحیحة و یترتب علیه ما یترتب علی الوضع للصحیحة من الثمرة.
و أمّا الأعمی فهو یدّعی علی ما ذکره المقرر (قدس سره) تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة»
أوّلاً: إنّ ما أفاده من التصرّف فی الأمر العقلی بتنزیل الفاقد للأجزاء و الشرائط منزلة الواجد للأجزاء و الشرائط هو بنفسه من العلائق المجازیة، و کونه تصرّفاً عقلیاً لایوجب عدم ارتباطه بالدلالة اللفظیة بل التصرّف و التنزیل المذکور یوجب المجازیة فی المعنی الأعمّ و نتیجة ذلک هو أنّ المعنی الأعمی أیضاً معنی مجازی فهو سبک المجاز من المجاز و یلزم من ذلک تساوی المعنیین المجازیین و عدم تقدیم أحدهما علی الآخر، فلایبقی وجه للنزاع بین الصحیحی و الأعمّی.
ثانیاً: یرد علیه ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) من أنّ لازم ادعاء الأعمی (و هو تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة) التوقف و هو ینافی غرضه من حمل اللفظ حینئذ علی المعنی الأعم.
فلابدّ من تقریب قول الأعمی بهذا البیان:
إنّ اللفظ یستعمل فی الأعم لمناسبة بینه و بین المعنی اللغوی و إفادة خصوص الصحیحة أو الفاسدة بدالّ آخر و مع عدم وجود الدال الآخر یحمل اللفظ علی
ص: 260
المعنی الأعم و لایلزم سبک المجاز من المجاز علی مبنی الأعمی أیضاً.
النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) (1)
إنّ جریان النزاع فی فرض عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة مشکل، لأنّ الأعمّی یقول بالاستعمال المجازی فی المعنی الأعم مع أنّه یعترف بأنّ الاستعمال فی
ص: 261
الصحیح أیضاً مجازی، کما أنّ الصحیحی أیضاً یقول بالاستعمال المجازی فی المعنی الصحیح و یعترف بأنّ الاستعمال فی الأعمّ أیضاً مجازی و إذا کان کلّ من الاستعمالین مجازیاً عندهما، فلابدّ من وجود القرینة المعیّنة لتعیین المعنی المجازی المراد من بین المعنیین بعد القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی، و لایبقی وجه للنزاع بین الصحیح و الأعمّ.
ص: 262
نعم علی القول المنسوب إلی الباقلانی((1)) یصحّ النزاع فإنّه قال بأنّ الألفاظ دائماً تستعمل فی المعانی اللغویة و قد یقرنه المستعمل بلفظ آخر و هذا اللفظ
ص: 263
یکون قرینة دالة علی المعنی الثانی (شرعیاً کان أم غیره) فیتعدّد الدالّ و المدلول، فهنا دالّان (نفس اللفظ و القرینة) و مدلولان (المعنی اللغوی و المعنی الثانوی) فإنّ النزاع حینئذ فی أنّ القرینة المذکورة دالة علی خصوص الصحیحة أو الأعمّ. ((1))
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((2))
إنّ النزاع جار علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة، بیانه: إنّ مرجع هذا القول إلی أنّ الشارع المقدّس من أوّل نزول القرآن الکریم هل استعمل هذه
ص: 264
الألفاظ فی المعانی الصحیحة من جهة لحاظ علاقة بینها و بین المعانی اللغویة، أو استعملها فی الأعم من جهة لحاظ علاقة بینه و بین المعانی اللغویة؟
فعلی الأوّل یکون الأصل فی استعمالات الشارع الاستعمال فی الصحیح إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف و علی الثانی ینعکس الأمر.
((1))
ما المراد من القرینة علی الخلاف فی قوله أخیراً «إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف»؟
فإن أراد القرینة الصارفة عن المعنی المجازی الأوّل، فهو سبک المجاز من المجاز و المعنی المجازی الأوّل یناسب المعنی اللغوی و المعنی المجازی الثانی یناسب المعنی المجازی الأوّل.
و حینئذٍ إن قامت القرینة علی عدم إرادة المعنی اللغوی (أی القرینة الصارفة
ص: 265
عن المعنی اللغوی) لایمکن إرادة خصوص المعنی المجازی الأوّل، لإمکان إرادة ما یناسب المعنی المجازی الأوّل لا ما یناسب المعنی اللغوی.
فمع عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة لا تقدیم للمعنی الصحیح علی الأعم و بالعکس و لایمکن تعیین أی منهما إلّا بالقرینة المعینة فلا مجال لهذا البحث.((1))
ص: 266
الفقهاء و المتکلمین للصحة تعریف بلوازم الصحة.
فإنّ الصحة عند المتکلمین موافقة الشریعة و عند الفقهاء إسقاط القضاء و الإعادة.
ص: 268
و المراد من التمامیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) هل هی التمامیة من جمیع الجهات أو التمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط؟ إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یصرّح بذلک و لکن لابدّ أن تکون الصحّة عنده بمعنی التمامیة من جمیع الجهات، ((1)) لا التمامیة
ص: 269
من حیث الأجزاء و الشرائط و إلّا لایکون ملازماً لإسقاط الجزاء و موافقة الشریعة لما سیأتی فی ضمن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الصلاة التامّة من حیث الأجزاء و الشرائط، قد یکون فاسداً للتزاحم.
((1))
لا إشکال فی أنّ الصحة بمعنی التمامیة، إلّا أنّ حیثیة إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و غیرهما لیست من لوازم التمامیة بالدقّة بل من الحیثیات التی یتمّ بها حقیقة التمامیة، حیث لا واقع للتمامیة، إلّا التمامیة من حیث إسقاط القضاء أو من حیث موافقة الأمر أو من حیث ترتّب الأثر، إلی غیر ذلک.
و اللازم إن کان من لوازم الوجود، لیس من متمّمات معنی ملزومه.
نعم إن کان اللازم من لوازم الماهیة، یمکن کونه متمّماً لمعنی ملزومه و محققاً له کالفصل بالإضافة إلی الجنس، فإنّه عرض خاص له، مع أنّ تحصّل الجنس بتحصّله.
((2))
إنّ اللازم لایعقل أن یکون من متمّمات معنی ملزومه، من دون فرق بین لازم الوجود و لازم الماهیة. نعم الفصل بحسب وجوده، محصّل لوجود الجنس
ص: 270
و محقق له و لکنه بهذا الاعتبار، لیس لازماً له.((1))
أوّلاً: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ هذه الحیثیات مثل إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و ترتّب الأثر کلها متمّمات للتمامیة و لیست واحدة منها من لوازم التمامیة و لذا قال: «إنّ حیثیة إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و غیرهما لیست من لوازم التمامیة بالدقّة بل من الحیثیات التی یتمّ بها حقیقة التمامیة».
ثانیاً: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) فی آخر کلامه، التزم بمقالة المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث اعترف بأنّ للفصل اعتبارین: اعتبار کونه من لوازم الجنس و عرضاً خاصّاً له و اعتبار کونه متمّماً لحقیقة الجنس و محصّلاً له، و المحقق الإصفهانی (قدس سره) لا یقصد إلّا وجود الاعتبارین فی بعض لوازم الماهیة، حیث تکون من جهة من لوازم الماهیة و من جهة أخری من محصّلاتها.
الإعادة و القضاء، أو من حیث تمامیة الأجزاء و الشرائط، أو من حیث ترتّب الثمرة؟
أمّا التمامیة من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط الإعادة و القضاء، فلیستا محلاً للبحث، حیث إنّ الشیء لایتّصف بهذین العنوانین، إلّا بعد الأمر به و إتیانه، و لذا لایمکن أن یقع الصحیح بهذا المعنی، فی حیّز أمر الشارع بالصلاة الصحیحة.
أمّا التمامیة من حیث ترتّب الأثر، فلا إشکال فیه.
نعم إنّ الأثر خارج عن ذات المؤثّر و وجوده لکن اللفظ موضوع للفعل القائم به الأثر.
و کون حقیقة التمامیة، متعیّنة بلحاظ ترتّب الأثر، نظیر تعیّن الجنس بفصله، فلایقتضی دخول الأثر و ترتّبه فی حقیقة التمامیة، کما أنّ تعیّن الجنس و تحصّله بفصله، و مع ذلک حقیقة الجنس غیر حقیقة الفصل و مبدأ الجنس الطبیعی غیر مبدأ الفصل الطبیعی.
و المتحصّل أنّ مصداق الصحیح بمعنی التامّ من حیث ترتّب الأثر، هو ذات ما یترتّب علیه الأثر أی هذه الحصّة، لا بوصف الترتّب، حتی یقال: إنّه لم یوضع اللفظ لمصداق الصحیح بل لما یلازمه.
نعم لایعقل أخذ الصلاة بهذا المعنی موضوعاً فی قضیة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْکَرِ )،((1)) للزوم حمل الشیء علی نفسه و عروض الشیء لنفسه.
ص: 272
إنّ الصلاة التامّة من حیث ترتّب الأثر تقع موضوعاً فی قضیة (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ )، ((1)) لما تقدّم فی کلامه من أنّ الأثر خارج عن ذات المؤثّر، فلا إشکال فی جعل الأثر محمولاً فی القضیة، و لایلزم حمل الشیء علی نفسه، فإنّ المحمول و إن کان الأثر و لکنّ الموضوع هو ذات المؤثّر بلا وصف ترتّب الأثر.
((2))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد أنّ معنی الصّحة، هی التمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، و لذا لم یرتض بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و قال:
إنّه خلط بین تمامیة الشیء فی نفسه -أعنی بها تمامیته من حیث الأجزاء و الشرائط- و تمامیته بلحاظ مرحلة الامتثال و الإجزاء، فإنّه لا واقع لهذه التمامیة (فی نفسه) مع قطع النظر عن هذه الآثار و اللوازم.
أو وقع الخلط بین واقع التمامیة و عنوانها، فإنّ الصلاة لم توضع بإزاء ذلک العنوان (عنوان التمامیة) بل وضعت بإزاء واقعه و معنونه و هو الأجزاء و الشرائط، و من الظاهر أنّ حیثیة ترتب الآثار لیست من متممّات حقیقة تمامیة هذه الأجزاء و الشرائط.
ص: 273
إنّ نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً تقتضی وضع الصلاة بإزاء واقع التمامیة و تؤکد علی أنّ الموضوع له، مصداق التمام و ذات ما یترتب علیه الأثر بدون وصف الترتب المذکور، فلایرد علیه ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من أنّ حیثیة ترتب الأثر لیست من متممات حقیقة التمامیة.
و الوجه فی عدول المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن التعبیر بالتمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، هو أنّه إذا نُهی عن الصلاة و بطلت للتزاحم مثلاً، فهی فاسدة، مع أنّها تامّة من حیث الأجزاء و الشرائط و علّة بطلانها هو وجود المانع و المزاحم، فالتمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، أخصّ من الصحّة المبحوث عنها فی هذا البحث و الصحیح بمعنی تام الأجزاء و الشرائط یشمل الصلاة الفاسدة للتزاحم (علی القول بفساد الصلاة).
هذا تمام الکلام فی المقدمتان.
ص: 274
البحث حول الصحیح والأعم
قال بعض الأعلام: إنّ هذه المسألة لم تکن معنونة فی کلمات القدماء من الأصولیین و إنما عنونها بعض المتأخرین.((1))
إنّ البحث یقع فی مقامین: المقام الأوّل أسماء العبادات و المقام الثانی أسماء المعاملات.
قبل الورود فی البحث تنبغی الإشارة إلی أمران مهمان و تنبیه فی بیان الثمرة البحث:
و البحث فیها تارة ثبوتی و أخری إثباتی، فإنّ البحث الثبوتی فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم. و البحث الإثباتی فی الأدلّة التی ذکروها لإثبات الوضع للصحیح أو الأعم.
ص: 275
((1))
قالوا: إنّ إمکان الوضع للصحیح یتوقف علی وجود الجامع بین أفراد الصحیحة و هکذا إمکان الوضع للأعم یتوقف علی وجود الجامع بین أفراد
ص: 276
الأعم من الصحیحة و الفاسدة، فلابدّ من وجود الجامع الذی هو الموضوع له. أو هو المعنی المتصور حین الوضع للأفراد الصحیحة أو الأعم.
و من جانب آخر قد یکون الموضوع له غیر قابل للتصور إمّا لإبهامه عندنا و إن کان معلوماً مبیناً عند صاحب الشریعة و إمّا لکثرة أفراد الموضوع له فی ما إذا قلنا بأنّ الوضع عام و الموضوع له خاص، فلکثرتها لانتمکن من تصویرها إلّا بالجامع و هذا الجامع هو المعنی المتصور حین الوضع أو هو عنوان للموضوع له و لو بعد تحقق الوضع.
و بهذا البیان ظهر بطلان قول من ادعی عدم لزوم الجامع.
إنّ بعض الأعلام استدلّ علی عدم لزوم الجامع بأنّ وضع هذه الألفاظ من قبیل الوضع العام و الموضوع له الخاص، فلانحتاج إلی تصویر الجامع، لأنّ الموضوع له خاص.
((1))
أوّلاً: إنّا نری وجداناً أنّ الموضوع له لتلک الألفاظ المعانی الکلیة و ذلک یستفاد من مناسبة المحمول و الموضوع فی مثل «الصلاة معراج المؤمن» فإنّ موضوع هذا الحکم و محموله أمر کلی.
ثانیاً: إنّا نحتاج إلی الجامع حیث إنّ الوضع عام علی مبنی هذا القائل و معنی عمومیة الوضع هو أنّ المعنی المتصوّر حین الوضع عام، فلابدّ من جامع حتی
ص: 277
یتصوره الواضع حین الوضع.((1))
((2))
إنّ الموضوع له فی الصلاة هو المرتبة العلیا الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط
ص: 278
ثم استعملت فی المراتب النازلة من باب الادعاء و التنزیل (تنزیل الفاقد منزلة الواجد) أو من باب الاشتراک فی الأثر و اکتفاء الشارع به فی مقام الامتثال کصلاة الغرقی.
والصحیحی و الأعمی یفترقان عند استعمال الصلاة فی غیر المرتبة العلیا، و الصحیحی یدعی صحة الاستعمال فی خصوص مرتبة الصحیحة من بین بقیة المراتب، و الأعمی یدّعی صحته علی الإطلاق، فإذا کان الموضوع له المرتبة العلیا عند الصحیحی و الأعمی، فلانحتاج إلی الجامع حتی یکون هو الموضوع له أو هو المعنی المتصور حین الوضع (هذه خلاصة مختاره).
إنّ إطلاق ألفاظ العبادات علی جمیع مراتبها الدانیة و العالیة بعرضهما
ص: 279
العریض علی نسق واحد من دون لحاظ عنایة فی شیء منها.((1))
قال صاحب الکفایة (قدس سره) بوجود الجامع بین الأفراد الصحیحة و عدم وجوده علی القول بالأعم و فی قباله المحقق الخوئی (قدس سره) قال((2)) بوجود الجامع علی القول بالأعم و عدم وجوده بین الأفراد الصحیحة بل استحالته و لذا قال: لانحتاج فی مقام الإثبات إلی الدلیل، أمّا المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق العراقی (قدس سره) قالا بوجود الجامع علی کلا القولین.((3))
ص: 280
قلنا إنّ المحقق النائینی (قدس سره) لا یعتقد بوجود الجامع،((1)) أمّا علی القول بوجوده فهنا ثلاث نظریات:
((2))
و ظاهر کلامه وجود الجامع الذاتی بین الأفراد الصحیحة، لأنّ اشتراکها فی الأثر یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد، یؤثّر الکل فیه بذاک الجامع، فإنّ الأشیاء المتباینة بما هی متباینة، لاتؤثّر أثراً واحداً، فلابدّ من جهة وحدة ذاتیة بین مراتب الصحیحة المؤثّرة فی الانتهاء عن الفحشاء و نتصوّر هذا الموضوع له بآثاره مثل کونها ناهیة عن الفحشاء و المنکر و معراج المؤمن.
و قال فی دفع إشکال مطارح الأنظار: «الجامع إنّما هو مفهوم واحد، منتزع عن هذه المرکبات المختلفة زیادة و نقیصة بحسب اختلاف الحالات، متحد معها نحو اتحاد».
ص: 281
له عنده هو الناهیة عن الفحشاء و معراج المؤمن، ثم استشکل علیه باختلاف الصلاة مع هذه العناوین مفهوماً.
مراد صاحب الکفایة (قدس سره) ما قرّرناه من أنّ الموضوع له هو الجامع و نتصوّره بآثاره، و هذه العناوین من آثار الموضوع له، فلایرد علیه الإشکال باختلاف مفهوم الصلاة و مفهوم هذه العناوین.
إنّ الصلاة مؤلّفة وجداناً من مقولات متباینة کمقولة الکیف و الوضع و
ص: 283
نحوهما و لاتندرج تحت مقولة واحدة، لأنّ المقولات أجناس عالیة، فلا جنس لها و لایمکن أن یکون المرکب مقولة برأسها.
((1))
إنّ الجامع بین الأفراد هو مرتبة من الوجود بنحو الوجود الساری مع إلغاء الخصوصیات، فإنّ لکل ماهیة من الماهیات الموجودة وجوداً خاصاً، فإذا ألغیت خصوصیة موجودٍ و خصوصیة موجودٍ آخر، تحقق وجود جامع بینهما سارٍ فیهما فی قبال الموجودات الأخر.
الوجود السعی خارج عن الموضوع له، فهذه النظریة لاتناسب مختاره.
ثانیاً: الغرض من الوضع هو الانتقال (أی انتقال المفاهیم للتفهیم و التفهّم) و هو نحو وجود إدراکی، فإن کان الموضوع له الوجود الذهنی فلایمکن أن یوجد فی الذهن ثانیاً، لأنّ المماثل لایقبل المماثل، و إن کان الموضوع له الوجود الخارجی أیضاً، لایوجد بالوجود الإدراکی، لأنّ المقابل (و هو الوجود الذهنی الإدراکی) لایقبل المقابل (أی الوجود الخارجی).((1))
ثالثاً: إنّ الوجود متشخّص بنفسه، فلایمکن إلغاء الخصوصیات عنه حتی یکون نحو وجود سارٍ.
ص: 285
((1))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی ستة أقسام من الجامع فإنّ الجامع للصحیحی إمّا جامع ذاتی أو جامع عنوانی بسیط أو جامع عنوانی مرکب أو جامع اعتباری أو جامع ترکیبی تشکیکی أو جامع ترکیبی غیر تشکیکی.
و القسم الأخیر هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
فقد مضی الإشکال علیه حیث إنّ الصلاة مؤلّفة من مقولات متباینة کمقولة الکیف النفسانی و المسموع و الوضع و لاتندرج تحت مقولة واحدة لأنّ المقولات أجناس عالیات فلا جنس لها و إذا لم یکن جامع ذاتی مقولی لمرتبة واحدة من الصلاة فعدم الجامع للمراتب المختلفة کمّاً و کیفاً بطریق أولی.
ص: 286
أمّا تأثیر الصلاة بمراتبها المختلفة کمّاً و کیفاً فی الانتهاء عن الفحشاء، فلایکشف عن وحدة حقیقیة ذاتیة لأنّ النهی عن الفحشاء واحد بالعنوان و الواحد بالعنوان لایکشف إلّا عن واحد بالعنوان.
کعنوان الناهی عن الفحشاء و ما یشبهه ممّا لایتوقف علی الأمر بالصلاة،
فلازمه أوّلاً: مرادفة لفظ الصلاة مع مفهوم الناهی عن الفحشاء.
و ثانیاً: عدم جریان البراءة إذا تعلّق الأمر بالمسمّی حیث إنّ هذا العنوان (الناهی عن الفحشاء و ما یشبهه) مبین فلاینحلّ إلی المعلوم و المشکوک حتی تجری البراءة مع أنّ الصحیحی یقول بالبراءة کالأعمی.
یلاحظ علیه:
أولاً: إنّ الجامع لیس هو موضوع له حتی یلزم مرادفه بین لفظ الصلاة مع مفهوم ناهی عن الفحشاء.
و ثانیاً: إنّ البرائة تجری هنا أیضاً، لأنّ العنوان و إن کان مبیناً لکن قد یکون تطبیقه علی الأفراد مشکوکاً فتجری البرائة من جهة الشک فی تطبیقه.
مثل عنوان المطلوب و نحوه (مثل المقرّب و المحصّل لغرض الشارع).
ص: 287
أوّلاً: یلزم اتحاد معنی الصلاة و معنی المطلوب.
یلاحظ علیه: قد تقدم أنّ الجامع العنوانی لیس هو الموضوع له حتی یلزم إتحاد معنی الصلاة و معنی المطلوب.
ثانیاً: إنّ الأمر بالصلاة علی هذا هو الأمر بالمطلوب، ولکن فیه أنّ الأمر بالمطلوب بالحمل الأوّلی لا معنی له و الأمر بالمطلوب بالحمل الشائع فیه أنّه إن أرید المطلوب بنفس الطلب المتعلق به لزم الدور علی المشهور و الخلف علی التحقیق لعدم تعدد الوجود فی الطلب و المطلوب الذی هو متعلق الطلب.
و إن أرید المطلوب بطلب آخر فلا خلف کما لا دور و إنّما هو تحصیل للحاصل لأنّ البعث بعد البعث الجدی تحصیل لما حصل بالبعث السابق، حیث إنّ البعث لجعل الداعی و قد حصل من قبل.
و هو ملاحظة المراتب الواحدة، باعتبار تعلّق غرضٍ واحدٍ بها، و جهة الوحدة الاعتباریة کافیة فی مثل الصلاة التی هی من المرکبات الاعتباریة
أنّ کل مرتبة من مراتب الصلاة [کالصلاة الثنائیة مثل الصبح و الثلاثیة مثل المغرب و الرباعیة مثل الظهرین و العشائین] لها جهة الوحدة الاعتباریة بوحدة الغرض و لمجموعها من حیث انتزاع الجامع عن جهة الوحدة جهة وحدة اعتباریة أیضا، کما أنّ لأجزاء المرتبة الواحدة أیضاً جهة وحدة الغرض.
ص: 288
فلو قلنا بوضع اللفظ لمجموع الآحاد بالاعتبار فیکون المجموع أیضاً واحداً بالاعتبار فیلزم مقومیة المراتب للمسمّی لا مصداقیتها للمسمّی[یعنی إنّ المراتب تکون أجزاءً للمعنی الموضوع له لا أفراد له].
یلاحظ علیه:
یمکن أن یکون الجامع الإعتباری ما یوجب تحقق الغرض، فیشمل المجموع کما یشمل المراتب بأجزائها.
فلایعقل لأنّ التشکیک یتصور فی صدق الطبیعة علی أفرادها بالشدة و الضعف فلو کانت کل مرتبة من الصلاة (مثل الثنائیة و الثلاثیة و الرباعیة) فرداً من مقولة واحدة یمکن فرض التشکیک و لکن کل مرتبة من الصلاة أفراد مختلفة من مقولات مختلفة فلایمکن تصویر التشکیک فیها.
(نعم الکم المنفصل حقیقة تشکیکیة مثلاً عدد العشرین و الثلاثین المراتب التشکیکیة للعدد، فإنّا بعد تجرید عشرین دیناراً و عشرین حجراً و عشرین کذا و کذا عن الخصوصیات الفردیة و أیضاً تجرید ثلاثین دیناراً و هکذا عن الخصوصیات الفردیة نجد عدد العشرین و الثلاثین مراتب تشکیکیة للکم المنفصل فإنّ ما به الاشتراک و ما به الامتیاز فیهما هو العدد و هذا هو التشکیک لکنه مختصّ بالکم المنفصل و الصلاة لیست کماً منفصلاً).
ص: 289
((1))
فإنّ المجموع من أوّل الأمر هو رکعتان من الصلاة کما یستفاد من الأخبار فلاینافی خروج طبیعة التسبیحة من الصلاة أو جعلها بدلاً عن القراءة.
إنّ الماهیة المؤلّفة من عدّة أمور بحیث تُزاد و تنقص، تلاحظ فی مقام الوضع علی نحو مبهم فی غایة الإبهام بمعرفّیة بعض العناوین غیرِ المنفکّة عنها.
فکما أنّ الخمر مثلاً مائع مبهم من حیث اتخاذه من العنب و التمر و غیرهما و من حیث اللون و الطعم و الریح و من حیث مرتبة الإسکارو لذا لایمکن وصفه إلّا ﺑ«مائع خاصّ بمعرفیّة المسکریة» من دون لحاظ الخصوصیة تفصیلاً بحیث إذا أراد المتصوِّر تصوُّره، لم یوجد فی ذهنه إلّا مصداق مائع مبهم من جمیع الجهات إلّا حیثیة المائعیة بمعرِّفیة المُسکریة- کذلک لفظ الصلاة مع هذا الاختلاف الشدید بین مراتبها کمّاً و کیفاً لابدّ من أن یوضع لسنخ عمل، معرّفه النهی عن الفحشاء أو غیره من المعرّفات، بل العرف لاینتقلون من سماع لفظ الصلاة إلّا إلی سنخ عمل خاص مبهم إلّا من حیث کونه مطلوباً فی الأوقات الخاصة و لا دخل لما ذکرناه بالنکرة حیث لم یؤخذ فی ما ذکرنا خصوصیة البدلیة المأخوذة فی النکرة و بالجملة الإبهام غیر التردید و ما ذکرنا لیس بجامع ذاتی مقولی و لا بجامع عنوانی.
و قال فی موضع آخر:((2)) إنّ کیفیة الوضع فی الصلاة علی حدّ وضع سائر ألفاظ المرکبات کالمعاجین، فکما أنّ مسهل الصفراء مثلاً لو کان موضوعاً لعدّة أجزاء فلایتفاوت المسمی بالزیادة و النقصان فی تلک الأجزاء کمّاً، فتراهم یقولون: إنّ
ص: 290
مسهل الصفراء کذا و کذا إلی آخر طبائع الأجزاء من غیر تعیین المقدار و إن کان المؤثر الفعلی فی حق کل أحد غیر ما هو المؤثر فی حقّ الآخر و مع ذلک فلا تفاوت فی نفس طبائع الأجزاء، کذلک الصلاة موضوعة لطبیعة التکبیر و القراءة و الرکوع و السجود و غیرها الملحوظة بلحاظ وحدانی غایة الأمر أنّ المطلوب من هذه الطبیعة المرکبة تارةً رکعة و أخری رکعتان و هکذا، کما أنّ المطلوب من طبیعة الرکوع رکوع واحد و من طبیعة السجود سجودان فجیمع مراتب صلاة المختار حتی صلاة المسافر مندرجة فی ذلک من دون التزام بجامع وراء نفس طبائع الأجزاء.
و قال:((1)) و قد التزم بنظیره بعض أکابر فنّ المعقول فی تصحیح التشکیک فی الماهیة جواباً عن تصور شمول طبیعة واحدة لتمام مراتب الزائدة و المتوسطة و الناقصة حیث قال:((2)) نعم، الجمیع مشترک فی سنخ واحد مبهم غایة الإبهام [و
ص: 291
هو الإبهام] بالقیاس إلی تمام نفس الحقیقة و نقصها وراء الإبهام الناشئ فیه عن الاختلاف فی الأفراد بحسب هویاتها.
و قال (قدس سره) فی بحوث فی الأصول:((1)) إنّ الواضع یلاحظ هذا المرکب الاعتباری من مقولات متباینة مبهماً من حیث ذاتیات تلک المقولات مع حفظ المقولة بالحمل الشائع کحفظ النوع فی مراتب التشکیک فینظر إلی مصداق عمل هو عین المرکب من مقولات خارجاً مع عدم النظر إلی ذاتیات تلک المقولات و لاینظر إلی مفهوم العمل حتی یکون الوضع لجامع عنوانی، و کما یلاحظ مهملاً من حیث ذاتیات تلک المقولات، کذلک یلاحظ مبهماً من حیث الوحدة و التعدد و الزیادة و النقص.
و کلما زیدَ إبهام الملحوظ اتّسعت دائرته. فافهم أو ذره لأهله.
و لابدّ لبیان ذلک من مقدمتین:
المقدمة الأولی: إنّه یلتزم بوجود الجامع العنوانی فی ناحیة الموضوع له حیث
ص: 293
صرّح فی نهایة الدرایة ((1)) بأنّ الأثر الواحد العنوانی مثل النهی عن الفحشاء یکشف عن المؤثِّر الواحد العنوانی.
المقدمة الثانیة: إنّ کلامه فی الجامع فی المعنی الموضوع له و لکن قلنا: علی فرض إبهام الموضوع له عندنا یمکن تعریفه بجامع آخر یعرّفه.
التصویر الأوّل للجامع العنوانی:((2)) أن یکون الوضع بمعرّفیة الأثر کالنهی عن الفحشاء لما یؤثّر فیه بعنوانه الواقعی غیرِ المعلوم لنا، بحیث یکون الوضع عاماً و الموضوع له عاماً، و هو مجموع هذه الأمور الدخیلة فی الغرض، المعنونة بالعنوان الملزوم للغرض، و هذه الأمور التی یکون مجموعها الصلاة، یعرّفها الأثر المعلوم لنا و ملزومه المعلوم للآمر و الواضع، لکنها ذات عرض عریض من حیث جزئیة هذه الأفعال فی حال الاختیار و الحضور، و عدم جزئیة بعضها فی حقّ المسافر و جزئیة بعضها للملتفت و عدمها لغیره و هکذا. فجمیع أفراد الصلاة بما لها من الأبدال للأصناف المختلفة صلوات ملزومة للنهی عن الفحشاء و لاتکون إحداها صلاة و الأخریات أبدالها بل کلها تسمی صلاة و تکون مأموراً بها فإنّ إطلاق الصلاة علی صلاة الصبح و المغرب کإطلاق الإنسان علی العالم و الشاعر و نحوهما.
التصویر الثانی للجامع العنوانی: بمعرّفیة الجامع البسیط من حیث تقیید المعنی الموضوع له بهذا الجامع مع خروج القید عنه.
ص: 294
بیانه: إنّ الموضوع له حصّة ذات الصلاة المطلوب وجودها أو المقرِّب وجودها أو المحصِّل وجودها للغرض، و لکن لا بوصف المطلوبیة أو المقرّبیة أو المحصّلیة للغرض، فهذه العناوین معرّفة لحصة الموضوع له من ذات الصلاة من دون دخلها فی الموضوع له و لذا لایرد علی هذا التصویر إشکال الدور و الخلف و تحصیل الحاصل.
أمّا الجامع الاعتباری بمعرّفیة الجامع البسیط الاعتباری، علی النحو الذی قرّرناه فی التصویر الثانی للجامع العنوانی، فإنّ الموضوع له حصّة ذات الصلاة التی توصف بالصحّة علی أن یکون القید (التوصیف بالصحة) خارجاً عن الموضوع له. أمّا مقوّمیة المراتب للعنوان الجامع باطل، لأنّ العنوان الجامع أخذ لا بشرط مثل الواحد.
و التصویر الذی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) صحیح و لایرد علیه ما أورده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات((1))حیث توهم أنّ هذا التصویر جامع ذاتی، مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح فی نهایة الدرایة((2)) بأنّه لیس جامعاً مقولیاً ذاتیاً و لا عنوانیاً و لعل تنظیر المقام بما قاله صدر المتألهین (قدس سره) فی التشکیک فی الماهیة، أوقعه فی هذا التوهم.
ص: 295
و لنا تصویر آخر للجامع الترکیبی مع فرض الإبهام فإنّ جامع الصحیحی هو أقلّ الأجزاء و الشرائط الذی تکون الصلاة معها صحیحة و الصلاة بالنسبة إلیها بشرط شیء، أمّا بعض الأجزاء و الشرائط مثل القراءة أجزاء لابشرط بالنسبة إلی الصلاة و ماهیة الصلاة بالنسبة إلی تلک الأجزاء مبهمة.
أمّا بقیة خصوصیات الصلاة مثل تعداد الرکعات بالنسبة إلی الأوقات المختلفة فهی خارجة عن الماهیة بل تکون من الخصوصیات المعتبرة فی الأفراد بحیث لولا تلک الخصوصیات لاتکون الأفراد مصادیقَ و أفراداً لماهیة الصلاة.((1))
ص: 296
الجامع عبارة عن جملةٍ من أجزاء العبادة کالأرکان و سائر الأجزاء و الشرائط دخیلةٍ فی المأمور به لا الموضوع له.
ص: 297
هنا ثلاثة تصاویر: إشکالات ثلاثة لصاحب الکفایة (قدس سره) علی التصویر الأوّل:
((1))
الإشکال الأوّل:((2))
إنّ الصلاة تصدق عرفاً علی ما کانت مشتملة علی تمام الأجزاء و الشرائط إلّا بعض الأرکان و لازم هذه النظریة عدم صدقها.
هنا ثلاثة تصاویر: أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):
((3))
إن کانت الصلاة فاقدة لطبیعی الرکوع فی جمیع الرکعات أو لطبیعی السجود فی جمیع الرکعات فهی لیست بصلاة حقیقة و إنّما هو شکل صلاة.
و أمّا إن کانت الصلاة مشتملةً علی طبیعی الرکن و کانت ناقصةً فی العدد بأن کانت مشتملةً علی رکوع واحد فهی صلاة.
ص: 298
الإشکال الثانی:((1))
إنّ الصلاة لاتصدق علی ما کانت مشتملة علی جمیع الأرکان و فاقدة لسائر الأجزاء و الشرائط مع أنّ لازم هذه النظریة صدقها.
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):((2))
إنّا نلتزم بصدقها علیها بل ربما تکون صحیحة و مجزیة کما فی صورة نسیان سائر الأجزاء، مثلاً فرضنا أنّه کبّر و نسی القراءة فرکع و نسی الذکر فرفع رأسه و سجد و نسی ذکر السجود و التشهد و هکذا إلی أن سلّم فبمقتضی حدیث لاتعاد نقول بإجزاء تلک الصلاة فضلاً عن صدق الصلاة علیها.
الإشکال الثالث: (3)
یلزم أن یکون الاستعمال فی مجموع الأرکان و الأجزاء و الشرائط مجازاً عند
ص: 299
الأعمی و کان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل، لا من باب إطلاق الکلی علی الفرد و الجزئی و لایلتزم به الأعمی.
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):
إنّ الموضوع له هو الأرکان و لکن الصلاة بالنسبة إلی سائر الأجزاء و الشرائط لابشرط مثلاً اسم الدار یصدق علی ما یکون له الحائط و الغرفة و أمّا السرداب فالدار بالنسبة إلیه لابشرط فإن وجد فهو جزء الدار و إن لم یوجد فلایضر بصدق عنوان الدار. فالصلاة بالنسبة إلی الأرکان بشرط شیء و بالنسبة إلی سائر الأجزاء و الشرائط لا بشرط. فإطلاق الصلاة علی الأرکان مع سائر الأجزاء و الشرائط من باب إطلاق الکلی علی فرده.
مأخوذ لابشرط بالقیاس إلی بقیة الأجزاء فهی داخلة فی المسمی عند وجودها و خارجة عنه عند عدمها.
الإشکال الثانی:
إنّه علیه یتبادل ما هو المعتبر فی المسمی فیکون شیء واحد داخلاً فیه تارةً و خارجاً عنه أخری، بل مردّداً بین أن یکون هو الخارج أو غیرُه عند اجتماع تمام الأجزاء [و ببیان آخر یلزم أن یکون المرکّب بالنسبة إلی بعض الأجزاء من قبیل الفرد المردّد الذی لا واقع له]. ((1))
ص: 302
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):((1))
إنّ معظم الأجزاء أخذ بواقعها فی الموضوع له و معنونه یختلف باختلاف المرکب نفسه مثلاً معظم أجزاء صلاة الصبح بحسب الکم غیر معظم أجزاء صلاة العشاء و هکذا.
فالمقوم للمرکب أحد أمور علی البدل فقد یکون المقوم للمرکب أربعة أجزاء و قد یکون ثلاثة أجزاء و لا مانع من الالتزام بذلک فی المرکبات الاعتباریة.
فالزائد علی معظم الأجزاء عند وجوده دخیل فی الموضوع له (ماهیة الصلاة)
ص: 303
و عند عدمه خارج عنها فالموضوع له هو مفهوم وسیع جامع لجمیع شتاته و متفرقاته لا خصوص المعظم بشرط لا و لا مرتبة خاصة منه، و لذا یصدق علی القلیل و الکثیر و الزائد و الناقص علی نسق واحد.
((1))
لابدّ من اعتبار الموالاة و الترتیب أیضاً فی المسمّی، إذ بدونهما لایصدق علی المعظم عنوان الصلاة فالمختار للمحقق الخوئی (قدس سره) هذان الوجهان.
تتمیم بیان لنظریة المحقق الخوئی (قدس سره):((2))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعبّر عن جامع الأعمی الذی اختاره (بیان المحقق القمی (قدس سره) و التصویر الثانی) بالجامع الذاتی و صرّح فی المحاضرات((3)) بجواز تصویر جامع ذاتی للأعم من الصحیحة و الفاسدة، فاللفظ عنده موضوع للأرکان بمراتبها علی سبیل البدل لا للجامع بینها، حیث إنّ الأرکان فی صلاة الصبح و فی صلاة المغرب و فی الصلوات الرباعیة (الظهرین و العشاء) مختلفة.
إنّ الأرکان علی ما نطقت به الروایات عبارة عن التکبیر و الرکوع و السجود و الطهارة -الأعم من الطهارة المائیة و الترابیة- و المراد من الرکوع و السجود أعم ممّا هو وظیفة المختار أو المضطر (أی الرکوع و السجود الإیمائی) و هکذا
ص: 304
یعتبر فی صدق الصلاة تحقق الموالاة و الترتیب و هنا بحث فی التسلیم.
((1))
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): علی ما تصورنا الجامع، فالصحیحی و الأعمی فی إمکان الجامع علی حدّ سواء، لما عرفت أنّ مراتب الصحیحة و الفاسدة متداخلة.
بیانه: إنّ لفظ الصلاة إن وضع بإزاء ذاک العمل المبهم من جمیع الجهات بمعرفیة حیثیة کونها ناهیةً عن الفحشاء فعلاً فالوضع یختصّ بالصحیحة.
و إن وضع بإزاء المبهم بمعرّفیة اقتضاء النهی عن الفحشاء دون الفعلیة، فالوضع للمعنی الأعمّ، فإنّ کلّ مرتبةٍ من مراتب الصلاة، لها اقتضاء النهی عن الفحشاء لکن فعلیة التأثیر، موقوفة علی صدورها من أهلها، لا ممّن هو أهل للمرتبة الأخری (مثل المسافر الذی هو أهل للقصر لا للإتمام) و حیثیة الصدور عند الأعمی لیست من أجزاء الصلاة.
((2))
أوّلاً: هذا یتوقف علی صحّة تصویره للجامع الصحیحی مع أنّه ممنوع.
ص: 305
ثانیاً: إنّ ما أفاده لیس کلیاً من الطرفین، إذ کل ما یکون صحیحاً یمکن فرضه فاسداً و لکن لیس کل ما یکون فاسداً یمکن فرضه صحیحاً؛ کالصلاة بلا طهور أو بلا رکوع أو مع خمسة رکوعات.
أمّا ما استشکله أوّلاً فهو علی المبنی المختار عنده و لکن سبق منا التصاویر المتعددة للجامع الصحیحی.
أمّا ما استشکله ثانیاً فإنّ مبناه لایتوقف علی کلیة ذلک کما توهّمه، بل إنّه أشار بحیثیة الصدور من أهله إلی أنّ کلّ ما کان من مراتب الصلاة، لها اقتضاء النهی عن الفحشاء و لکن صحتها و فعلیة تأثیرها، متوقف علی حیثیة الصدور من أهله، فعلی هذا إنّ الفرق بین الصلاة الصحیحة و الفاسدة التی یصدق علیها الصلاة هو أنّ الاقتضاء فی الصحیحة بلغ إلی حدّ الفعلیة و لکن فی الصلاة الفاسدة التی یصدق علیها الصلاة لم یبلغ هذا الاقتضاء إلی حدّ الفعلیة و هذا إمّا من جهة صدورها من غیر أهلها فی ما إذا تمّت من سائر الجهات (الأجزاء و الشرائط) و إمّا من جهة فقدان شرطها مثل فقدان الطهارة أو فقدان جزئها و المحقق الإصفهانی (قدس سره) لایقول بانحصار وجه عدم البلوغ إلی الفعلیة فی عدم صدورها من أهلها حتی یستشکل علیه بهذا البیان.((1))
ص: 306
ص: 307
ص: 308
إنّ الأقوال هنا أربعة: (1)
و هو القول بوضع الألفاظ لما هو أخص من الصحیح (أی المرتبة العلیا).
قال المحقق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات: «إنّ الموضوع له أوّلاً هی المرتبة العلیا الواجدة لتمام الأجزاء و الشرائط و الاستعمال فی غیرها من مراتب الصحیحة
ص: 309
علی قول الصحیحی أو الأعم منها علی الأعمی من باب الادّعاء و التنزیل».((1))
و الموضوع له علی کلا القولین هی المرتبة العلیا و بقیة مراتب الصحیحة أو الأعم یستعمل فیها الألفاظ ادّعاءً و من باب تنزیل الفاقد منزلة الواجد مسامحةً، کما فی جملة من الاستعمالات أو من باب اکتفاء الشارع بها، کما فی صلاة الغرقی، فإنّه لایمکن فیها الالتزام بالتنزیل المذکور.
و قال:((2)) ثمّ إنّ هذا الاحتمال الذی ذکرناه غیر بعید فی حدّ ذاته و یساعده الوجدان العرفی و لیس فی مقام فهم المفاهیم أمر آخر أوضح منه.
((3))
أوّلاً: إنّا نری بالوجدان صحة استعمال الصلاة فی غیر المرتبة الکاملة بلا عنایة و تنزیل أصلاً.
ثانیاً: إنّ الوجدان العرفی إمّا ینتهی إلی التبادر أو إلی الاستظهار العرفی و التبادر مفقود فی المقام و أمّا الاستظهار العرفی فلیس دلیلاً علی الوضع.
ص: 310
بفاتحة الکتاب.
إنّ الأعمی أیضاً یدّعی التبادر و عدم صحة السلب عن الفاسدة((1)) و أیضاً یستدل بالأخبار و یُجیب((2)) عن الأخبار التی استدلّ بها الصحیحی بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة، کما أنّ الصحیحی أیضاً أجاب عن الأخبار التی استدلّ بها الأعمّی هکذا، بل الأعمّی یقول: استعمال الصلاة فی الصحیحة منها لیس خارجاً عن الموضوع له الحقیقی بل هو استعمال الکلی فی حصّة خاصة من معناه.
ص: 313
إنّ وضع الألفاظ للمرکبات التامة مقتضی حکمة الوضع (الداعیة إلی وضع الألفاظ) و الحاجة و إن دعت أحیاناً إلی استعمالها فی الناقص أیضاً إلّا أنّه لایقتضی أن یکون بنحو الحقیقة بل و لو کان مسامحة تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد.
و الظاهر أنّ الشارع الحکیم غیر متخطّ عما هو مقتضی حکمة الوضع.
إنّ الطریقة العقلائیة و سیرتهم تقتضی أن لایخترعوا شیئاً إلّا بالغایة المترتبة علیه، فعلی هذا دائرة اختراعات العقلاء للماهیات المخترعة المرکبة محدودة بالغایة و حصول الأثر الذی یترتب علی تلک الماهیة المخترعة فإذاً ترتب الغرض هو المدار فی تشخیص مخترعاتهم و لا شبهة فی أنّ الغرض من الماهیة المخترعة الصلاتیة یترتب علی الحصّة التی توصف بالصحّة فالمخترع نفس تلک الحصّة.
و أیضاً سیرتهم هو وضع الألفاظ لنفس مخترعاتهم.
و هذه الطریقة العقلائیة لیست أمراً لغواً بل منشؤها حکمة الوضع و الجعل، حیث إنّ الحکمة تقتضی جعل الماهیة المخترعة بحسب الغرض المترتّب علیها و أیضاً حکمة الوضع تقتضی وضع الألفاظ علامة علیها و الشارع لایتخطّی عن حکمة الجعل و الوضع و لا عن السیرة العقلائیة علی جعل الماهیات المرکبة
ص: 315
بحسب الغایة و السیرة العقلائیة علی وضع الألفاظ علیها.
فإن قلت: حکمة الاستعمال تقتضی وضع الألفاظ للمعنی الأعمّ، حیث نحتاج فی مقام التفهیم و التفهم إلی أن نعبّر عن المعنی الأعمّ من الصحیح و الفاسد.
قلت: إنّ حکمة الاستعمال لاتقتضی وضع الألفاظ علی المعانی التی نحتاج إلی استعمالها بل تقتضی وجود الألفاظ الدالة علی تلک المعانی حقیقةً أو مجازاً.
إنّ الظاهر من الطریقة العرفیة خروج ما له دخل فی فعلیة التأثیر عن المسمّی
ص: 316
فی أوضاعهم، فتراهم یضعون اللفظ بإزاءمعجون خاص مرکّب من عدّة أشیاء، من دون أخذ ما له دخل فی فعلیة تأثیرها من المقدمات و الفصول الزمانیة و غیرها فی المسمّی، بل یضعون اللفظ لذات ما یقوم به الأثر و ممّا ذکرنا ظهر إمکان استظهار اتحاد طریقتی الشارع و العرف فی الأوضاع و أنّ لازمه الوضع لذات ما یقتضی الأثر فالشرائط خارجة عن المسمّی.
إنّ الوضع لایتحقّق إلّا بالنسبة إلی المعنی المراد و فی الماهیات المخترعة یتحقّق إرادتان:
الإرادة الأولی: هی التی تتعلق بها فی مرحلة جعلها و اختراعها و هی تابعة لغایتها التی هی ترتب الأثر علیها و هذه الإرادة تتعلق بالماهیة المخترعة الصحیحة و هذه الإرادة موجودة فی مرحلة الوضع. ثمّ إنّ ما له دخل فی مطلوبیة طبیعة الصلاة فهو داخل فی الموضوع له دون ماله دخل فی مطلوبیة فرد الصلاة مثل خصوص صلاة الصبح.
ص: 317
الإرادة الثانیة: هی التی تتعلق بها فی مرحلة استعمالها لبیان أمرین:
الأمر الأوّل: بیان کیفیة تحقق الماهیة المخترعة من حیث أجزائها و شرائطها و موانعها و تعلقها بالمکلف.
الأمر الثانی: بیان الغایة المترتبة علیها و خواصّها .
و بیان الأمر الأوّل یقتضی تعلق الإرادة الثانیة بالمعنی الأعم و لکن هذه مربوطة بمرحلة الاستعمال و بیان التکالیف و هی متأخرة عن مرحلة الوضع و الإرادة التی هی دخیلة فی تحقق الوضع هی الإرادة فی المرحلة الأولی، ففی مرحلة الوضع یضع الواضع اللفظ للصلاة الصحیحة و فی مرحلة الاستعمال حکمة الاستعمال تقتضی استعمال اللفظ فی الماهیة المخترعة بما له اقتضاء التأثیر حتی یحکم علیها بالفساد عند فقد الجزء أو الشرط أو وجود المانع و حکمة الاستعمال تقتضی وجود الألفاظ الدالة علی المعنی الأعم سواء کانت الدلالة بنحو الحقیقة أم المجاز.
و هناک أدلّة أخری علی القول بالصحیح، لانطیل الکلام بذکرها. ((1))
ص: 318
و منتقی الأصول((1)) و مباحث الدلیل اللفظی من بحوث فی علم الأصول.((2))
عدم إمکان الوضع للصحیح لعدم وجود الجامع بین أفراد الصحیحی مع أن الجامع بین أفراد الأعمی موجود.
قال المحقق الخوئی (قدس سره): «إن ألفاظ العبادات - کالصلاة و نحوها - موضوعة للجامع بین الأفراد الصحیحة و الفاسدة، لا لخصوص الجامع بین الأفراد الصحیحة.
و من هنا لا مجال للنزاع فی مقام الإثبات عن أن الألفاظ موضوعة للصحیح أو للأعم، فإن النزاع فی هذا المقام متفرّع علی إمکان تصویر الجامع علی کلا القولین معاً، فإذا لم یمکن تصویره إلا علی أحدهما (و هو القول بالأعمّ) فلامجال له أصلا، إذاً لابدّ من الالتزام بالقول بالأعم و لامناص عنه، هذا من ناحیة».((3))
ما تقدّم من تصویر الجامع علی القولین.
ص: 320
أنّ المرتکز فی أذهان المتشرعة: هو أنّ إطلاق لفظ الصلاة علی جمیع أفرادها الصحیحة و الفاسدة علی نسق واحد من دون لحاظ عنایة فی شیء منها، ضرورة أنهم یستعملون هذا اللفظ فی الجمیع غافلین عن لحاظ قرینة المجاز و العنایة فی موارد إطلاقه علی الفرد الفاسد، فلو کان اللفظ موضوعا لخصوص الصحیح فلا محالة کان إطلاقه علی الفاسد محتاجا إلی لحاظ عنایة و قرینة، مع أن الأمر علی خلاف ذلک، و أنّ الاستعمال فی الجمیع علی نسق واحد فلافرق بین قولنا: فلان صلی صلاة صحیحة، أو تلک الصلاة صحیحة، و بین قولنا: فلان صلی صلاة فاسدة، أو هذه الصلاة فاسدة، و هکذا... و حیث إن استعمالات المتشرعة تابعة للاستعمالات الشرعیة فتکشف تلک عن عموم المعنی الموضوع له عند الشارع المقدس أیضاً. ((1))
ما أفاده و إن کان متیناً إلا أنّه صحیح بالنسبة إلینا بعد تحقق الوضع التعینی الذی سنشیر إلیه فی القول الرابع، و لکنه لایصح بالنسبة إلی زمان الشارع قبل تحقق کثرة الاستعمال بل الوضع التعیینی فی زمان الشارع یقتضی الحمل علی المعنی الصحیح، فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) إنما یصح بعد تحقق الوضع التعینی بکثرة الاستعمال.
و هنا أدلة أخری لانطیل الکلام بذکرها. ((2))
ص: 321
ص: 322
بعد إثبات مسلک الصحیحی بالوضع التعیینی، نقول: إنّ کثرة الاستعمال فی المرحلة الثانیة صارت موجبةً لتحقق الوضع التعیّنی باستعمال الصلاة فی المعنی الأعمّ من دون اعتماد علی القرائن.
فهنا وضع تعیینی للمعنی الصحیحی و وضع تعیّنی لخصوص الحصّة الفاسدة من الصلاة.
نعم إنّ متعلق الوضع التعیّنی عند بعض الأصولیین هو المعنی الأعمّ و لکن
ص: 323
متعلق الوضع التعیّنی -علی مبنی تحقق الوضع التعیینی بالنسبة إلی أفراد الصحیحة- هو خصوص الحصّة الفاسدة فتأمل.
ثمّ إن کان الوضع التعیّنی فی طول الوضع التعیینی، فهذا یوجب توسعة المعنی الموضوع له بحیث کأنّه صار وضعاً واحداً لللفظ علی المعنی الأعمّ، و أمّا إن کان فی عرضه فیوجب إجمال المعنی مع عدم تعیین المعنی المستعمل فیه، فیشکل الأمر فی بعض الموارد من حیث الإطلاق.
لکن الحق هو أنّه فی طول الوضع التعیینی حیث إنّ الدالّ علی الأفراد الفاسدة نفس اللفظ الذی یدلّ علی المعنی الصحیح بقرینة المناسبة و المشابهة، فاللفظ بالحیثیّة التی تدلّ علی المعنی الصحیح یستعمل فی المعنی الفاسد أیضاً بدون القرینة لا بحیثیة أخری.
ص: 324
((1)) و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ((2))
قال المحقق القمی (قدس سره) فی القوانین و السیّد الطباطبائی (قدس سره) فی بعض عبارات الریاض: إنّ الصحیحی یتمسّک بالاشتغال و الأعمّی بالبراءة.
بیانه: إذا قلنا: إنّ الصلاة موضوعة للصحیحة فالشک فی جزئیة شیء أو شرطیته یرجع إلی الشک فی تحقّق الصلاة المأمور بها بدون هذا الجزء أو الشرط فی مقام الامتثال و القاعدة هی الاشتغال حتی یحصل الیقین بفراغ الذمة.
و إذا قلنا: إنّ الصلاة موضوعة للأعمّ، فالصلاة صادقة علی ما هو فاقد للجزء أو الشرط المشکوک اعتباره، فالصلاة محقّقة علی أیّ حال و لکن نشّک فی أنّ المأمور به هو الأقل أو الأکثر و القاعدة عند الشک فی الأقل و الأکثر الارتباطیین هی البراءة.
ص: 326
((1))
إنّ إجراء أصالة البراءة و الاشتغال عند الشک فی جزئیة شیء أو شرطیته متفرّع علی القول بانحلال العلم الإجمالی و عدمه فی الأقل و الأکثر الارتباطیین فإن قلنا بالانحلال فتجری البراءة و إن قلنا بعدم الانحلال فتجری الاشتغال و حیث إنّ المشهور قالوا بانحلال العلم الإجمالی ذهبوا إلی جریان أصالة البراءة بلا فرق بین القائلین بالصحیح أو بالأعمّ.
الکفایة (قدس سرهما) علی القول بالأعم((1)) و لکن یقول: لازم القول بالصحیح هو جریان الاشتغال کما قال المحقق القمی و صاحب الریاض (قدس سرهما).
بیان ذلک: إنّ الوضع للصحیح لایمکن إلّا بتقیید المسمّی إمّا من ناحیة المعلولات أو من ناحیة العلل و حیث إنّه یؤخذ أمر آخر خارج عن المأتی به فی المأمور به، لابدّ من القول بالاشتغال.
بیان مراده: إنّ الوضع للصحیح لازمه إمّا تقیید الموضوع له للصلاة بالعنوان الذی هو من ناحیة العلة مثل النهی عن الفحشاء حیث إنّه العلة الغائیة أو بالعنوان الذی هو من ناحیة المعلول مثل المُسقطیة للإعادة و القضاء و حینئذ المأمور به هو الصلاة مع هذا العنوان و المأتی به خارجاً موجب لتحقق المأمور به و لیس عین المأمور به لأنّ العنوان الذی هو إمّا من ناحیة العلّة و إمّا من ناحیة المعلول لیس فی المأتی به، بل هو مأخوذ فی المأمور به، فحینئذ إذا امتثل المکلف الصلاة بدون الجزء أو الشرط المشکوک جزئیته أو شرطیته فی الصلاة، یشک فی تحقق المأمور به و حینئذ الشک فی المأمور به شک فی المحصِّل و القاعدة هنا الاشتغال.
ثم قال: أمّا ذهاب المشهور القائلین بالصحیح إلی البراءة، فإمّا أن یحمل علی
ص: 328
الغفلة منهم عن مبناهم أو علی تخیّلهم إمکان تصویر الجامع بلا تقید بأمر آخر.
نعم، جریان البراءة علی الأعمّ مبنی علی الانحلال الذی هو مقتضی التحقیق فی محلّه.
((1))
ما تصوره فی الوضع للصحیح من تقیید المسمی بما هو خارج عن المأتی به مخدوش بل العنوان الذی إمّا من ناحیة العلة أو من ناحیة المعلول معرّف للمسمی من دون أن یکون داخلاً فیه کما قرره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
اختلف مبناه فی الدراسات و المحاضرات.
((2))
علی القول بالأعم یکون الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال متفرّعاً علی الانحلال و عدمه، فنظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) بالنسبة إلی هذا القول صحیح.
ص: 329
و أمّا علی القول بالصحیح یتفرّع القول هنا علی کیفیة تصویر الجامع.
فإن کان الجامع الصحیحی عنواناً بسیطاً کلیاً بالنسبة إلی أفراده فحینئذ نواجه مبنیین:
إن قلنا بوجود الکلی الطبیعی فی ضمن الأفراد فلابدّ من الإتیان بالفرد الواجد للجزء أو الشرط فالشک هنا شک فی المحصِّل حتی یحصل الیقین بتحقق الکلی المذکور الذی هو العنوان البسیط فالقاعدة هنا الاشتغال.
و إن قلنا بعدم الوجود للکلی فالأمر لایتعلق به، بل الأمر متعلّق بأفراده فالشک لیس شکّاً فی المحصّل و القاعدة هنا البراءة.
و إن کان الجامع الصحیحی عنواناً انتزاعیاً أو عنواناً تولیدیاً فالشک یکون دائماً من الشک فی المحصِّل و القاعدة هنا الاشتغال (سواء قلنا بالانحلال أم لا).
عدل عن ما فی الدراسات فی المحاضرات((1)) فقال: إذا قلنا بالوضع للأعم فیتفرّع الکلام هنا علی الانحلال و عدمه؛ و إذا قلنا بالصحیح فهنا صور مختلفة:
1. إمّا أن یکون متعلق التکلیف عنواناً بسیطاً مسبباً عن الأجزاء و الشرائط فالشک یکون فی المحصل و القاعدة الاشتغال إلّا أنّه مجرد فرض غیر واقع.
2. إمّا أن یکون متعلق التکلیف ماهیة متأصلة مرکبة فالجامع هو عین
ص: 330
الأجزاء و الشرائط و یتفرع جریان الأصل العملی علی القول بالانحلال و عدمه.
3. إمّا أن یکون متعلق التکلیف الماهیة البسیطة بأن تکون طبیعیاً موجوداً بعین وجود أفراده خارجاً (سواء قلنا بأنّ متعلق الأوامر الطبائع أم قلنا بأنّه الأفراد) و أیضاً یتفرع البحث علی القول بالانحلال و عدمه.
4. إمّا أن یکون متعلق التکلیف عنواناً انتزاعیاً، فالأمر الانتزاعی لا وجود له خارجاً حتی یتعلق به الأمر و إنّما الموجود هو منشأ انتزاعه فالأمر بالحقیقة متعلق بمنشأ الانتزاع و هو فی المقام نفس الأجزاء و الشرائط و أخذ ذلک الأمر الانتزاعی فی لسان الدلیل متعلقاً للأمر إنّما هو لأجل الإشارة إلی ما هو متعلق الحکم فی القضیة، و أیضاً رجع البحث إلی القول بالانحلال و عدمه.
فالحقّ مع الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة (قدس سرهما) سواء قلنا بالصحیح أم الأعم فإنّ النزاع یرجع إلی القول بانحلال العلم الإجمالی بوجوب الأقل أو الأکثر الارتباطیین أو عدم انحلاله إلّا فی صورة واحدة علی القول بالصحیح و هی الصورة الأولی التی یرجع الشک فیها إلی الشک فی المحصِّل و لکن هذا مجرد فرض غیر واقع فی الخارج.
کذا و کذا بل هی بحسب المفهوم المعنی الواحد البسیط الذی یتّحد مع تمام المذکورات تارة و مع بعضها أخری و هذا المعنی و إن کان أمراً متعقّلاً لا محیص عن الالتزام به بعد ما یعلم أنّ لتلک الحقائق المختلفة فائدة واحدة و هی النهی عن الفحشاء و المنکر و لایکاد أن تؤثّر الحقائق المتباینة فی الشیء الواحد من دون رجوعها إلی جهة واحدة.
فلایتصور معلوم و مشکوک حتی یقال: إنّ المعلوم قد أتی به و المشکوک یدفع بالأصل بل فی ما نحن فیه معلوم شک فی وقوعه و لا شبهة فی أنّه مورد للاشتغال.
إشکال و رفع:
أمّا الإشکال فهو أنّ الظاهر مما ارتکز فی أذهان المتشرعة أنّ الصلاة عبارة عن نفس تلک الأجزاء المعهودة التی أوّلها التکبیر و آخرها التسلیم.
أمّا رفعه:((1)) لایخفی أنّ اعتبار الوحدة بین أجزاء الصلاة علی وجه یأتی فی تصویر الجامع للأعمی مع قید کون هذا الواحد الاعتباری بحدّ مفید لذلک المعنی البسیط بحیث یکون الحدّ خارجاً عن الموضوع له رافع لهذا الإشکال.
((2))
إنّ من البسیط ما هو آنی الوجود و هذا لایعقل فیه الأقل و الأکثر و المتیقن
ص: 332
و المشکوک کما ذکر، و من البسیط ما هو تدریجی الوجود و هذا هو مراد صاحب الکفایة (قدس سره) و هو متحد مع الأجزاء من التکبیر و غیره، یتحقق بالتدریج مع کل واحد من الأجزاء نظیر الخطّ فإنّه و إن کان خطّاً واحداً، لکنّه ممتدّ بسبب الوجود، و علیه یمکن تصویر الأقلّ و الأکثر بأن یقال مثلاً: قد علم بتعلق التکلیف بالتکبیرة إلی السجود و ما زاد عن ذلک فمشکوک فیه.
إنّ الصلاة عندنا هی الذکر الخاص البسیط التی هی تدریجیة الوجود و تنطبق علی أجزائه المتعددة انطباق الطبیعی علی فرده و تبتدء بالنیة التی هی ذکر قلبی و التکبیر الذی هو ذکر لسانی فإن کان المصلی هو الغرقی فیکتفی بهما و إلا لابدّ له من الإتیان بسائر أجزائها لأنّها أیضاً من مصادیق الذکر اللسانی أو الذکر القلبی أو الذکر العملی، فإن الرکوع نوع عمل دالّ علی التعظیم فإنه یعدّ ذکراً عملیاً.
و قد تقدم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی الصورة الثالثة من القول الرابع: إنّ الماهیة البسیطة إن اتّحد مع الأجزاء الصلاتی اتحاد الطبیعة و الفرد فالشک فی الجزء لیس من قبیل الشک فی وجود المحصل حتی قلنا بجریان الاشتغال بل تجری البرائة عند انحلال العلم الإجمالی.
ص: 333
أمّا الإطلاق المقامی فهو فی ما إذا کان المولی بصدد بیان ما تعلق به طلبه أو أجزائهأو شرائطه فأعلن أموراً و بیّنها و اعتبرها و سکت عن أخر، فحینئذٍ سکوته و عدم بیان المولی بالنسبة إلی بعض الأشیاء کاشف عن عدم تعلّق الطلب بها و فی هذا الإطلاق لانحتاج إلی وجود لفظ متعلّق.
أمّا الإطلاق اللفظی فیتوقف علی مقدمات ثلاث علی المشهور و مقدمات
ص: 334
أربع عند صاحب الکفایة (قدس سره) .
أمّا المقدمات الثلاث التی یتوقف علیها التمسک بالإطلاق اللفظی عند المشهور:((1))
المقدمة الأولی: أن یکون الحکم قابلاً للانطباق علی نوعین أو أکثر.
المقدمة الثانیة: أن یحرز کون المتکلم فی مقام البیان لتمام المراد و لو بأصل عقلائی و لم یکن فی مقام الإهمال أو الإجمال.
المقدمة الثالثة: أن یحرز عدم نصبه القرینة علی التقیید.
و زاد علیها المحقق الخراسانی (قدس سره) «انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب».((2))
بیان الثمرة:
قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات: «فإذا تمّت هذه المقدمات استکشف بها الإطلاق فی مقام الثبوت و أنّ مراده الاستعمالی مطابق لمراده الجدی و لیست لأیّة خصوصیةٍ مدخلیةٌ فی المراد الجدّی و إذا شککنا فی دخل خصوصیة فی ذلک، ندفعه بالإطلاق اللفظی فی مقام الإثبات».
ثمّ إنّ هذه المقدّمات تامّة علی قول الأعمّی حیث إنّ المسمّی عنده طبیعی الصلاة الأعمّ من الصحیحة و الفاسدة فیصدق طبیعی الصلاة علی الفرد الفاقد للجزء المشکوک أو الشرط المشکوک اعتباره و إذا أحرزنا کون المتکلم فی مقام البیان و لم نجد تقیید طبیعی الصلاة بما أنّه متعلق لطلب الشارع، بالنسبة إلی الجزء أو الشرط المشکوک نتمسّک بإطلاق طبیعی الصلاة فی مقام الإثبات لاستکشاف
ص: 335
عدم اعتباره.
و لکن المقدمة الأولی من مقدمات الحکمة لم تتمّ فی حقّ الصحیحی لأنّ متعلق الطلب هو الطبیعة الصحیحة و لانعلم صدقها علی فردها الفاقد للجزء المشکوک أو الشرط المشکوک لاحتمال دخل الجزء أو الشرط فی الطبیعة الصحیحة التی تعلق بها الطلب.
و بعبارة أخری موضوع الإطلاق منتفٍ علی القول بالصحیح، لأنّ موضوع الإطلاق هو الطبیعة المأمور بها الشاملة للفرد الواجد للمشکوک جزئیته أو شرطیته و الفرد الفاقد له و لکن علی القول بالصحیح لاندری شمول الطبیعة المأمور بها للفرد الفاقد له حتی نتمسّک بإطلاقها.
المطلقات مثل «أقیموا الصلاة» واردةً فی مقام البیان من جهة الأجزاء و الشرائط لا فی مقام الإهمال و هو أوّل شیء ینکر حیث نقول بأنّ ورودها إنّما کان لمحض التشریع من غیر أن تکون بصدد البیان من هذه الجهات.
إنّ بعض آیات الکتاب فی مقام التشریع کما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) و لکن بعض الآیات فی مقام البیان و لذا یمکن التمسک بإطلاقه مثل:
1. آیة الوضوء (یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ
ص: 337
وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَینِ)((1)) و تمسک الإمام (علیه السلام) بها للتفصیل بین المسح و الغسل بمجیء الباء فی الرؤوس الدال علی لزوم مسح بعض الرأس حیث أنه فی مقام بیان الحکم بعض ظاهر مسح الرجل لا استیعاب تمام ظاهر الرجل. ((2))
2. و آیة نفی الحرج حیث تمسّک الإمام (علیه السلام) بها فی حکم الجبیرة. ((3))
3. و آیة (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((4)) حیث تمسک الإمام (علیه السلام) بها لصحة بیع المضطر.((5))
4. و آیة (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوکًا لَا یقْدِرُ عَلَی شَیءٍ)((6)) حیث تمسّک الإمام (علیه السلام) بها لعدم صحة طلاق العبد.((7))
و فی السنة أیضاً کذلک فمن السنة ما جاء فی بدء البعثة، فهذا القسم من التشریع و أمّا ما صدر فی أواخره ففی مقام البیان.((8))
فلاتصل النوبة إلی ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) من کفایة ثبوت آیة واحدة فی مقام البیان عند مجتهد واحد. (إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ((9)) أجاب بآیة الصیام و لکن ناقشه بعض الأساطین (حفظه الله)).
ص: 338
مناط جواز التمسک بالإطلاق کون المتکلم فی مقام البیان و عدم نصب القرینة علی التقیید بلا فرق بین الأعمی و الصحیحی.
و لذلک تمسّک الفقهاء بإطلاق صحیحة حمّاد التی وردت فی مقام بیان الأجزاء و الشرائط و بیّن الإمام (علیه السلام) فیها جمیع أجزاء الصلاة من التکبیرة و القراءة و الرکوع و السجود و نحوها و حیث لم یبیّن فیها الاستعاذة مثلاً
ص: 339
فیتمسّک بإطلاقها علی عدم وجوبها.
((1))
أوّلاً: قد مضی أنّ التمسک بالإطلاق اللفظی متوقف علی مقدمات الحکمة و المقدمة الأولی منها مفقودة فی المقام (أی علی القول بالصحیح).
ثانیاً: تمسّک الفقهاء بإطلاق صحیحة حمّاد لایرتبط بما نحن فیه، حیث إنّ الإطلاق فی صحیحة حمّاد مقامی و الإطلاق المبحوث عنه فی الثمرة إطلاق لفظی.
الأمر) لا بالإضافة إلی المسمّی (مثل ما یسمّی بطبیعی الصلاة)، ضرورة أنّ الإطلاق و التقیید فی کلام الشارع أو غیره إنّما یکون بالقیاس إلی مراده لا بالقیاس إلی المسمّی.
و ما هو متعلق أمر الشارع حصّة خاصّة من المسمّی و هی الحصّة الصحیحة ضرورة أنّ الشارع لایأمر بالحصّة الفاسدة و لا بما هو الجامع بینها و بین الصحیح.
فلا فرق بین أن تکون الصحّة مأخوذة فی المسمّی (أی ما یسمّی بالصلاة) کما یقول الصحیحی أو مأخوذة فی المأمور به کما لابدّ أن یلتزم به الأعمی أیضاً فحینئذٍ لایمکن التمسک بالإطلاق اللفظی فی متعلق الأمر عند الصحیحی و الأعمی لأنّه التمسک بالإطلاق فی الشبهة المصداقیة.
ص: 341
المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((1))و غیرهم بدفع هذا الإشکال و لانطیل الکلام بذکر ما أفادوه. ((2))
و الحق فی الجواب: أنّ الظاهر من تعلّق الأمر بطبیعة الصلاة مثلاً -علی القول بالأعمّ- هو مطلوبیة تلک الطبیعة بإطلاقها و صحّة جمیع أفرادها إلّا ما قامت القرینة علی خروجها عن الإطلاق و أمّا ما شک فی خروجه عن الإطلاق فنتمسّک فیه بأصالة الإطلاق و نثبت مطلوبیته و صحّته عند الشارع.
و بعبارة أخری إنّ المأمور به هذه الطبیعة بجمیع أفرادها لمکان إطلاق الطبیعة إلّا أنّ تقییدها ببعض الأجزاء و الشرائط یوجب تقیید الطبیعة المأمور
ص: 343
بها و لکنّا فی التقیید نتبع الدلیل فما لم یثبت تقیید الطبیعة بشیء نحکم بصحتها و مطلوبیتها و کونها المأمور بها مع شمولها لذلک الشیء.
فإنّا نعلم تعلّق الأمر بحصص الصلاة التی توصف بالصحة (بدون أخذ وصف الصحة فی متعلّق الأمر) ثبوتاً بحکم العقل.
و أمّا إثبات ذلک فیکون بالأدلة الدالة علی تقییدها بالأجزاء و الشرائط، تارة بأن تدلّ علی أنّ الأفراد الصحیحة هذه الأفراد و بأصالة الإطلاق بالنسبة إلی بعض الأجزاء و الشرائط و أخری بأن یکون الفاقد لتلک الأجزاء و الشرائط أیضاً من أفراد الصحیح.
أقول: إنّ التملیک الإنشائی متحد حقیقة مع الملکیة فی اعتبار نفس المعتبر و لایتحد مع الملکیة فی اعتبار العقلاء و الشارع فالعقلاء یعتبرون ملکیة المشتری بعد تملیک البایع فی ظرف الاعتبار العقلائی.
و التمیک الإنشائی هو الاعتبار النفسانی الإنشائی بما أنّ اللفظ یعتبر وجوده عرضاً فهنا لاترکیب فی المعاملات بین الاعتبار و اللفظ بل اللفظ هو الوجود العرضی لهذا الاعتبار و المراد من السبب لیس نفس الاعتبار بدون اللفظ بل الاعتبار الذی یُظهره اللفظ بالوجود العرضی.
نعم فی عالم الاعتبار لامعنی للسبب و المسبب بل السببیة المدعاة بین التملیک الاعتباری الإنشائی من البایع و بین الملکیة العقلائیة أو الشرعیة، سببیة مسامحیة اعتباریة و لیست سببیة حقیقیة.
ص: 344
فیه أمور ثلاثة:
البحث الأصلی هو فی أنّ أسماء المعاملات موضوعة للصحیحة أو الأعم و لکن هذا البحث متفرّع علی البحث حول مقدّمة و هی أنّ أسامی المعاملات موضوعة للأسباب أو المسبّبات، لأنّه لو قلنا بوضع المعاملات للمسببات فلا مجال للنزاع.
ص: 345
توضیح ذلک: إنّ بعض الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) قالوا:
«إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما (الصحة و الفساد) بل المسبباب تتّصف بالوجود أو بالعدم و إن کانت موضوعة للأسباب فللنزاع فیه مجال».
و تحقیق ذلک یتوقف علی جهتین:
الجهة الأولی: فی أنّ المعاملات أسامٍ للأسباب أو المسبّبات و هنا اختار صاحب الکفایة (قدس سره) وضعها للأسباب.
الجهة الثانیة: إن کانت المعاملات أسامی للمسبّبات فهل یجری النزاع فی وضعها للصحیح أو الأعم أو لایجری کما یقول صاحب الکفایة (قدس سره) .
ص: 346
((1))
وهی الوضع للأسباب أوّلاً و للصحیحة منها ثانیاً.
قال: لایبعد دعوی کونها موضوعة للصحیحة و أنّ الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر کذا شرعاً و عرفاً و الاختلاف بین الشرع و العرف فی ما یعتبر فی تأثیر العقد لایوجب الاختلاف بینهما فی المعنی، بل الاختلاف فی المحقّقات و المصادیق.
((2))
و هی الوضع للأسباب الأعمّ من الصحیحة و الفاسدة.
إنّ الطریقة العرفیة جاریة علی الوضع لذات المؤثّر و عدم ملاحظة ما له دخل فی فعلیّة التأثیر فی المسمّی و المفروض عدم تصرّف الشارع فی المسمّی من حیث التسمیة.
فیتعیّن القول بوضع ألفاظ المعاملات لذوات الأسباب، لا للصحیح المؤثّر
ص: 347
منها و لیست کألفاظ العبادات حتی یتوقّف علی دعوی اتّحاد طریقتی العرف و الشرع فی الأوضاع.
ثمّ إنّ الأسباب عنده تملیک إنشائی قولی أو فعلی.((1))
و ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو القول الصحیح المتین فی هذا الباب.
و هی وضع للمسببات.
قال (قدس سره): «لفظ البیع و الصلح و الإجارة و الملکیة و المبادلة موضوعة للمعانی المنشأة بلفظ "بعت" و "صالحت" و "آجرت" و "ملکت" و "بادلت"... فمعانیها هی التی تکون معلولة للإنشاء و موجودة به فإن کان الإنشاء جامعاً لما یعتبر فی ترتّبها علیه ترتب علیه و کان صحیحاً و إلّا لم یترتب علیه و کان فاسداً فلیست تلک الألفاظ إلّا موضوعة لنفس المسببات التی لاتتصف بالصحة و الفساد».((2))
و هی عدم امکان الوضع للاسباب و المسببات.
ص: 348
قال المحقق الخوئی (قدس سره):((1)) أنها أسام للمرکب من الأمر الاعتباری النفسانی و إبرازه باللفظ أو نحوه فی الخارج، فإن الآثار المترقبة منها لاتترتب إلا علی المرکب من الأمرین، فالبیع و الإیجار و الصلح و النکاح و ما شاکلها لایصدق علی مجرد الاعتبار النفسانی بدون إبرازه فی الخارج بمبرز ما، فلو اعتبر أحد ملکیة داره لزید - مثلا - أو ملکیة فرسه لعمرو بدون أن یبرزها فی الخارج باللفظ أو ما شاکله فلا یصدق أنه باع داره من "زید" أو فرسه من "عمرو"، کما أنه لاتصدق هذه العناوین علی مجرد إطلاق اللفظ أو نحوه من دون اعتبار نفسانی کما لو کان فی مقام تعداد صیغ العقود أو الإیقاعات، أو کان التکلم بها بداع آخر غیر إبراز ما فی أفق النفس من الأمر الاعتباری.
فلو قال أحد: بعت أو زوجت أو نحو ذلک من دون اعتبار نفسانی فلایصدق علیه عنوان البیع أو عنوان التزویج و النکاح، و هکذا... و علی ضوء ما ذکرناه یتضح أنه لا سبب و لا مسبب فی باب المعاملات، و لا آلة و لاذی الآلة.
ص: 349
((1))
بیانه: المراد بالمسبّبات التملیک بالحمل الشائع و حیث إنّ التملیک و الملکیة من قبیل الإیجاد و الوجود و هما متحدان بالذات و مختلفان بالاعتبار صحّ أن یعبّر عنه بالمسبّب و إلّا فالمسبّب الحاصل بالتملیک الإنشائی القولی هی الملکیة و لا شبهة فی أنّ البیع لم یوضع للملکیة بل للتملیک.
و المعاملات إن کانت بمعنی المسبّبات فهی لا توصف بالصحّة و الفساد و توصیفها بالصحة مسامحة.
ثمّ إنّ التملیک بالحمل الشائع متّحد مع الملکیة ذاتاً، فعلی هذا لیست الملکیة أثر التملیک بالحمل الشائع و ترتّب الأحکام الشرعیة علی التملیک و الملکیة من باب ترتب الحکم علی موضوعه فلیس للمسبّب أثر حتّی یتّصف بلحاظه بالصحة و الفساد.
فعلی هذا لایجری النزاع علی القول بوضع المعاملات للمسبّبات.
ص: 351
((1))
إنّه یفصّل فی المقام و یقول بجریان النزاع علی أحد الأقوال (و هو القول المختار عنده) و بعدم جریانه علی القولین الآخرین.
قال: «إنّا لانعقل للمسبَّب فی باب المعاملات معنی ما عدا الاعتبار النفسانی القائم بالمعتبِر بالمباشرة و من الظاهر أنّ المسبّب بهذا المعنی یتّصف بالصحة و الفساد فإنّ الاعتبار إذا کان من أهله -و هو البالغ العاقل- یتّصف بالصحة حتی عند العقلاء و إذا کان من غیر أهله -و هو المجنون أو الصبی غیر الممیّز- یتّصف بالفساد کذلک. نعم، لو کان صادراً من الصبی الممیّز یتّصف بالصحة عند العقلاء و بالفساد عند الشارع.»
نعم، إن کان المسبّب بمعنی الإمضاء الشرعی فإنّه غیر قابل لأن یتّصف بالصحة و الفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم. و کذا لو کان عبارة عن إمضاء العقلاء فإنّه لایقبل الاتّصاف بالصحة و الفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم.
إلّا أنّ هذین المبنیین باطلان، لأنّ المعاملات من العقود و الإیقاعات أسامٍ للأفعال الصادرة عن آحاد الناس، فالبیع اسم للفعل الصادر عن البائع و الهبة اسم للفعل الصادر عن الواهب.
إنّ مقتضی التحقیق أنّ الاعتبار المذکور لیس إلّا اعتبار الملکیة و هذا الاعتبار أمره یدور بین الوجود و العدم، سواء قلنا بأنّه موجود فی وعاء اعتبار خصوص المعتبر شخصاً أو فی وعاء اعتبارات العقلاء أو فی وعاء اعتبارات
ص: 352
الشارع، فجریان النزاع فیه ممنوع بلا کلام، مع أنّ البیع لم یوضع له عرفاً بدون إبرازه فی الخارج و لو علی القول بالأعم، فلامحالة لابدّ أن یقال: إنّ البیع أو نحوه موضوع للمؤلّف من الاعتبار و إبرازه إمّا مطلقاً أو فی ما أمضاه العقلاء، أو یقال بأنه أمر بسیط و هو الوجود العرضی للاعتبار الشخصی أی الاعتبار الموجود بوجود اللفظ بالعرض.
و هی جریان النزاع علی بعض المبانی. ((1))
إنّ المسببات أمور اعتباریة و هذا الاعتبار لایخلو من أن یکون اعتبار نفس المنشئ أو یکون اعتبار العقلاء أو اعتبار الشارع.
فإن قلنا بأنّ البیع اسم للمسبب فی اعتبار المنشئ فقط جری فیه بحث الصحیح و الأعم إذ بناء علیه یکون صحیحاً فی ما لو رتّب العقلاء و الشارع الأثر علی اعتبار المنشئ و یکون فاسداً فی ما لم یرتّبوا الأثر.
و کذا إن قلنا بأنّه اسم للمسبب فی اعتبار العقلاء فإنّ ترتّب الأثر موقوف علی اعتبار الشارع فیکون صحیحاً و إلّا فهو فاسد.
فیکون المسبب (و هو البیع) إمّا باعتبار المنشئ و إمّا باعتبار العقلاء و أمّا باعتبار الشارع فباطل لأنّ الشارع شأنه الإمضاء و لا تأسیس له فی المعاملات.
إنّ التوصیف بالصحة و الفساد بلحاظ ترتب الأثر علیه و لکن أی أثر
ص: 353
یترتب علی العقد المسببی؟ بل قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): إنّ الأحکام الشرعیة بالنسبة إلی المسببات لیست إلّا أحکاماً و أیضاً قلنا: إنّ الملکیة متحد ذاتاً مع التملیک بالحمل الشائع و لیست أثراً له حتی یتصف التملیک بالصحة عند ترتب الملکیة.
ص: 354
إنّ المعاملات أمور عرفیة عقلائیة و لیست ماهیات مخترعة شرعیة و الشارع
ص: 356
أمضاها علی ما کانت تلک المعاملات علیه إلّا أنّه قیدها بأمور مثل اعتبار البلوغ و الصیغة و نهی عن بعضها مثل البیع الربوی و الغرری.
فهذه الألفاظ تحمل علی المعانی العرفیة مع القیود التی اعتبرها العرف و العقلاء عند الصحیحی أو تحمل علی المعانی العرفیة الأعم من الواجدة لتلک القیود عند الأعمی.
و علی کلا القولین إذا شککنا فی اعتبار قید فی السبب العرفی شرعاً نتمسک بإطلاق المعاملة (سواء قلنا بالصحیح أم الأعم) فلا ثمرة للنزاع فی الصحیح و الأعم من حیث اعتبار القیود الشرعیة بل یتمسک بالإطلاق علی أی حال.
أمّا ثمرة الصحیح و الأعم فی ألفاظ المعاملات فتظهر عند الشک فی اعتبار شیء فی المعاملة عرفاً.
((1))
إن کانت الألفاظ موضوعة للأسباب فحیث إنّها قابلة للاتصاف بالصحة و الفساد تکون قابلة للنزاع.
و حینئذ إن قلنا بأنّها موضوعة للسبب المستجمع للشرائط العرفیة الملزومة للتأثیر فی الملکیة عرفاً فلامحالة لایمکن التمسک بإطلاقها مع الشک فی ما هو شرط لتأثیره عرفاً.
و إن قلنا بأنّها موضوعة لذوات الأسباب فیمکن التمسک بإطلاقها حتی مع الشک فی ما هو شرط له عرفاً.
ص: 357
((1))
إنّ المستشکل یری التفصیل فی المقام بین وضع الألفاظ للأسباب فیتمسک بالإطلاق و وضعها للمسببات فلایتمسک بالإطلاق.
أمّا لو کانت المعاملات أسامی للمسببات فالإمضاء الشرعی المتوجه إلیها لایدلّ علی إمضاء أسبابها، لعدم الملازمة بین إمضاء المسبب - و هی المبادلة فی البیع و ما شاکلها- و إمضاء سببه و هو المعاطاة أو الصیغة الفارسیة و من الواضح أنّ أدلّة الإمضاء جمیعاً من الآیات و الروایات ناظرة إلی إمضاء المسببات لا إمضاء الأسباب أصلاً، لأنّ الحلیة فی قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((1)) ثابتة لنفس المبادلة و الملکیة فی مقابل تحریمها و لا معنی لحلیة نفس الصیغة أو حرمتها.
فلو شککنا فی حصول مسبب من سبب خاصّ کالمعاطاة مثلاً فمقتضی الأصل عدم حصوله و الاقتصار علی الأخذ بالقدر المتیقن و فی الزائد علیه نرجع إلی أصالة العدم.
إنّ الإشکال إنّما یتمّ فی ما إذا کان هناک مسبب واحد و له أسباب عدیدة، فحینئذ یقال: إنّ إمضاءه لایلزم إمضاءها جمیعاً، فلابدّ من الاقتصار علی القدر المتیقن لو کان و فی الزائد نرجع إلی أصالة عدم حصوله.
ص: 359
نعم لو فرضنا أنّه لم یکن هناک قدر متیقن بل کانت نسبة الجمیع إلیه علی حدّ سواء أمکننا أن نقول بأنّ إمضاء المسبب إمضاء لجمیع أسبابه، فإنّ الحکم بإمضاء بعض دون بعض ترجیح من دون مرجح و الحکم بعدم الإمضاء رأساً مع إمضاء المسبب علی الفرض غیر معقول و لکنّه فرض نادر جداً بل لم یتحقق فی الخارج.
أمّا إذا کانت المسببات کالأسباب متعددة -کما هو کذلک- فلایتم الإشکال.
بیان ذلک:
إنّ المراد بالمسبب إمّا أن یکون هو الاعتبار النفسانی (کما هو مسلکنا) أو یکون هو الوجود الإنشائی المتحصل من الصیغة أو غیرها کما هو مسلک المشهور حیث فسّروا الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ أو الإمضاء العقلائی فإذا صدر من البائع بیع یترتب علیه إمضاء العقلاء ترتب المسبب علی السبب أو الإمضاء الشرعی و لکنه لایعقل أن یکون مسبباً لأنّ المسبب هو ما یتعلق به الإمضاء من قبل الشارع المقدس فلا یعقل أن یکون هو نفسه.
أمّا المبنی الأوّل فی المسبب فهو أنّه الاعتبار القائم بالنفس فلامحالة یتعدد المسبب بتعدد مبرزه خارجاً، مثلاً إنّ زیداً اعتبر ملکیة داره لشخص و أبرزها باللغة العربیة و اعتبر ملکیة بستانه لآخر و أبرزها باللغة الفارسیة و اعتبر ملکیة حانوته لثالث و أبرزها بالمعاطاة و اعتبر ملکیة کتابه لرابع و أبرزها بالکتابة أو الإشارة فهنا اعتبارات متعددة خارجاً و کل واحد منها یباین الآخر فإذا فرضنا
ص: 360
إمضاء الشارع لجمیع المسببات فیکون إمضاء لجمیع أسبابها و إلّا فإمضاء المسبب بدون إمضاء سببه لغو بل مناقض لما فرضنا من حصول المسبب.
أمّا المبنی الثانی فی المسبب بأن یکون عبارة عن الوجود الإنشائی الحاصل بالتلفظ بصیغ العقود، فلما کان لکل مسبب وجود إنشائی بوجود سببه فلایعقل انفکاکه عن الإنشاء و سببه فإمضاء الشارع للوجود الإنشائی إمضاء لسببه.
أمّا المبنی الثالث فی المسبب بأن یکون عبارة عن إمضاء العقلاء فحینئذ لیس متعلق الإمضاء طبیعی البیع فإنّه لا أثر له و الآثار إنّما تترتب علی الآحاد و أفراد البیع و العقلاء إنّما یمضون تلک الآحاد المترتبة علیها الآثار و لکل واحد منها إمضاء علی حیاله و استقلاله.
فإذا کان لدلیل الإمضاء إطلاق دلّ بإطلاقه علی نفوذ کل إمضاء عقلائی فلامحالة دلّ بالالتزام علی إمضاء کل سبب یتسبب إلیه و لایعقل إمضاء المسبب بدون إمضاء سببه فإنّه نقض للغرض.
فالنتیجه من جمیع ذلک أنّ الإیراد المزبور إنّما یتمّ فی ما لو کان هناک مسبب واحد و له أسباب عدیدة و لکن قد عرفت أنّه لا أصل له علی جمیع المسالک فی تفسیر المسبب و لایعقل أن یکون لمسبب واحد أسباب متعددة علی الجمیع بل لکل سبب مسبب فإمضاؤه بعینه إمضاء سببه. تمّ کلام المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))
ص: 361
ص: 362
ص: 363
ص: 364
استدلوا علیها بعدم تناهی المعانی مع تناهی الألفاظ فلابدّ من الاشتراک فیها
((1)) إنّ وضع الألفاظ للمعانی غیرِ المتناهیة یستدعی الأوضاع غیرَ المتناهیة و هو خارج عن عهدة البشر (نعم، ما یمکن للبشر وضعه بمقدار کان یتصور فیه الألفاظ المتعددة بحیث لایحتاج إلی الاشتراک.)
((2)) إنّ الاستعمال متناه و وضع الألفاظ غیرِ المتناهیة لایجدی إلّا فی الاستعمالات المتناهیة.
کیف یحصل غیر المتناهی من ضمّ المتناهی إلی المتناهی؟
و یردّه أنّ القیود أیضاً غیر متناهیة.
من الوضع لخفاء القرائن و نقض الغرض محال علی الواضع الحکیم.
أوّلاً: یمکن الاتکال علی القرائن الواضحة کما فی المجازات.((1))
ثانیاً:((2)) إنّ الإجمال لاینافی الحکمة لأنّه قد یتعلق غرض المتکلم بالإجمال و هذا الإجمال قد یقع بالاشتراک و أخری بالألفاظ المشترکة مثل شیء و أمر و غیرهما.
الواضع ثانیاً بأنّه إذا أراد تفهیم المعنی الآخر یتکلم بهذا اللفظ و هذا التعهد ینافی تعهده الأوّل.
أولاً: إنّ اللفظ یدل علی المعنی کما أنّ الملزوم یقتضی لازمه فلازم مبنی التعهد علی القول بالاشتراک اللفظی هو أن یرید المستعمل الواضع کلا المعنیین أو جمیع المعانی لما تعهده حین الوضع و هذا لا اشکال فیه بناء علی جواز استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد و هذا مبنی علی تعریف الوضع بأنّه التعهد علی إفهام المعنی عند ذلک اللفظ.
ثانیاً: إنّ الاشتراک لاینافی مبنی التعهد، فإنّ الواضع علی مبنی التعهد یتعهد عند قصد المعنی بذکر اللفظ المشترک مع القرینة المعینة.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) بما ینتج نتیجة الاشتراک.
قال أوّلاً:((1)) «نعم یمکن علی مسلکنا ما تکون نتیجته نتیجة الاشتراک و هو الوضع العام و الموضوع له الخاص و لا مانع منه، فإنّ الوضع فیه واحد و محذور الامتناع إنّما جاء فی تعدد الوضع».
ص: 369
و قال ثانیاً:((1)) إنّه یقع الاشتراک من جهة تعدد الوضّاع.
و أیضاً قال:((2)) «فلایهمّنا تحقیق ذلک و إطالة الکلام فیه بعد أن کان الاشتراک ممکناً فی نفسه بل واقعاً کما فی أعلام الأشخاص بل فی أعلام الأجناس.»
و هو المختار الإیراد علی المحقق الخوئی (قدس سره):
إنّ الاشتراک واقع باعترافه فعلی هذا لمّا کان کل مستعمل عنده واضعاً یلزم المحذور السابق من لزوم إرادة جمیع المعانی أو المنافاة بین التعهدین.
ص: 370
استدلّوا أوّلاً بأنّه یلزم من وقوع الاشتراک اعتماده علی القرینة المعینة و هو تطویل بلا طائل و ثانیاً: مع عدم الاعتماد علی تلک القرائن یلزم الإجمال فی کلامه تعالی و کلاهما فاسد.((1))
((2))
جوابه (قدس سره) عن الدلیل الأوّل: یمکن اعتماده علی القرائن الحالیة فلایلزم التطویل بلا طائل مضافاً إلی أنّه إذا کان الغرض من القرینة المقالیة أمراً آخر مفیداً فالتطویل مع الطائل.((3))
جوابه (قدس سره) عن الدلیل الثانی: إنّ الغرض قد یتعلق بالإجمال و هو واقع فی کلامه تعالی کما قال تعالی: (فِیهِ آیاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) ((4)).((5))
ص: 371
ص: 372
ص: 373
ص: 374
استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد
مقدمه
قد اختلف الأعلام((1)) فی إمکان هذا الاستعمال فبعضهم قالوا بالاستحالة((2))
ص: 375
مثل المحقق الخراسانی و المحقق النائینی و المحقق العراقی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) .
و بعضهم قالوا بجوازه کما فی وقایة الأذهان((1)) و المحاضرات و تهذیب الأصول و تحقیق الأصول، و الحقّ عندنا جوازه بل وقوعه،((2)) لبطلان أدلّة الإستحالة.
ص: 376
((1))
و تقریر المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما) أیضاً یرجع إلیه.
إنّ المعنی الثانی یستلزم لحاظاً آخر لللفظ غیر لحاظه فانیاً فی المعنی الأوّل فیجتمع اللحاظان الآلیان علی لفظ واحد.
((2)) لازم الاستعمال فی المعنیین تعلق اللحاظ الاستعمالی فی آن واحد بمعنیین و لازمه الجمع بین اللحاظین فی آن واحد و هو ممتنع عقلاً.
أمّا وجه استحالة ذلک فلم یذکرها فی الکفایة و یمکن تقریر الاستحالة أوّلاً: بأنّه اجتماع المثلین و ثانیاً: بأنّ اللحاظ هو الوجود الذهنی و اجتماع اللحاظین
ص: 380
لللفظ معناه وجود الماهیة اللفظیة بالوجودین الذهنیین مع أنّ الماهیة الواحدة لایقبل الوجودین أو الوجودات.((1))
سنشیر إلی عدم لزوم اجتماع المثلین و أما وجود الماهیة الواحدة بوجودین أو بوجودات لا استحالة فیه بل الماهیة غالباً توجد بوجودین أو وجودات.
المحقق العراقی (قدس سره) قرر هذا الوجه فی المقالات((2)) و وجّه استحالته بأنّه اجتماع المثلین و إلیک نصّ عبارته: لو کان باب استعمال اللفظ فی معناه کون اللفظ مرآة لمعناه بمعنی کون لحاظ المعنی بعین لحاظ اللفظ بنحو یعبر اللحاظ من اللفظ إلی المعنی و أنّ النظر إلی اللفظ عبوری علی وجه لایلتفت الإنسان إلیه بل تمام التفاته إلی المعنی بحیث کأنّه یوجد المعنی بلسانه فلا شبهة فی أنّ لازم هذا المسلک عند إرادة المعنیین بنحو الاستقلال فی شخص لحاظه بتوسیط لفظ واحد توجّه اللحاظین إلی لفظ واحد و هو محال لأوله إلی اجتماع المثلین فی شیء واحد کما لا یخفی.
إنّه بعد تقریر الاستحالة بوجه آخر قال: لایدور الامتناع و الجواز مدار امتناع تقوّم الواحد بلحاظین و عدمه ضرورة أنّ اللفظ بوجوده الخارجی لایقوّم
ص: 381
اللحاظ، بل المقوّم له صورة شخصه فی أفق النفس فأی مانع من تصور شخص اللفظ الصادر بتصورین فی آنٍ واحد مقدمة لاستعمال اللفظ الصادر فی معنیین لو لم یکن جهة أخری فی البین.
أوّلاً: إنّ ذلک لایجری فی کلامه تعالی و فی روایات أهل البیت (علیهم السلام) بل الکمّلین.
ثانیاً: لا محذور فی تصور المعنیین متتابعاً ثم إلقاء اللفظ حاکیاً عنهما.
ثالثاً: إنّ تصور المعنیین فی آن واحد لیس بمستحیل.((1))
إنّ حقیقة الاستعمال إیجاد المعنی فی الخارج باللفظ و الإیجاد عین الوجود فوجود اللفظ فی الخارج وجود المعنی بالتنزیل و لکن الموجود الخارجی بالذات
ص: 383
واحد فهذا الوجود الخارجی لایمکن أن یکون وجوداً تنزیلیاً لمعنیین لأنّ لکل من المعنیین إیجاداً و الإیجاد متحد مع الوجود فلابدّ من الوجودین لللفظ فی الخارج حتی یکون أحدهما عین إیجاد المعنی الأوّل و الوجود الثانی عین إیجاد المعنی الثانی مع أنّ وجود اللفظ فی الخارج واحد.
و بالجملة یلزم أن یکون الوجود الواحد متحداً مع الإیجادین و لکنّه محال.
إنّه خلاف مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی باب الوضع حیث إنّ هذا البیان
ص: 384
یناسب القول بأنّ اللفظ وجود تنزیلی للمعنی و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الوضع فی عالم الاعتبار.((1))
إنّ الوضع هو فعلنا و نحن فی أوضاعنا لانجعل اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی بل إنّ الاسم یوضع علی المسمی لأن یکون علامة له.
فیه: ما تقدم من أنّ الکلام فی الاستعمال لا فی الوضع.
إنّ قاعدة الوحدة الحقیقیة بین الإیجاد و الوجود من أحکام الموجودات الحقیقیة و أمّا إیجاد الشیئین فی عالم الاعتبار بوجود واحد فلا مانع عقلی عنه.((1))
فتحصل أنّه لا وجه لاستحالة استعمال اللفظ فی أکثر من المعنی الواحد.
وهنا أدلّة أخری أقیمت علی القول بالاستحالة، و لکن لا یهمّنا التعرّض بها، فلا نطیل الکلام بذکرها. ((2))
ص: 386
ص: 387
ص: 388
یلاحظ علیه:
إذا کان المولی فی مقام البیان لا الإجمال (کما هو الأصل العقلائی فی المکالمات لأنّها بغرض التفهیم و التفهّم) فإن قامت القرینة علی خصوص معنی من المعانی أو جمیع المعانی فهو و إلا فلو أحرزنا أنّه فی مقام بیان الحقائق و المعانی و لم ینصب قرینة علی خصوص معنی من تلک المعانی مع التفات المولی إلی جمیع تلک المعانی فیما إذا کانت جمیع هذا المعانی فی معرض ابتلاء المخاطب بحیث ینتظر إلقائها من المولی فحینئذ نقول: لابدّ من ارادة جمیعها و إلا لوجب علی الحکیم أن ینصب القرینة علی مراده بالخصوص و احتمال خفاء القرائن خلاف الأصل.
ص: 390
المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق
المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس
المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة
الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی
الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق
التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟
التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ
التنبیه الثالث: ملاک الحمل
التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات
ص: 391
ص: 392
لا إشکال فی أنّ إطلاق المشتق علی المتلبّس بالمبدأ فعلاً حقیقی و علی ما یتلبس بالمبدأ استقبالاً مجازی و أمّا إطلاقه علی ما انقضی عنه المبدأ فوقع النزاع فیه بین الأعلام من حیث کونه حقیقة أو مجازاً ذهب المشهور إلی أنّه مجاز((1)) و لکن نسب إلی العلّامة و ابن ادریس و جماعة من الأعلام (قدس سرهم) أنّه علی نحو الحقیقة.((2))
و قبل الورود فی البحث لابدّ من تقدیم أمور لمعرفة موضوع هذه المسألة و محمولها بجمیع قیودهما، فإنّ عنوان المسألة هو أنّ المشتق حقیقة فی ما تلبّس
ص: 393
بالمبدأ فی الحال فقط أو حقیقة فی ما تلبس بالمبدأ فی الحال و فی ما انقضی عنه المبدأ.
فالأمر الأوّل: فی معرفة موضوع البحث و هو المشتق و الأمر الثانی: فی معرفة المحمول من جهة أنحاء التلبّس بالمبدأ و الأمر الثالث فی معرفة المحمول من جهة المعنی المراد من الحال.
و یقع البحث بعد ذلک عن مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی و تصل النوبة بعد ذلک إلی التحقیق حول نظریّات الأعلام فی مسألة المشتقّ و فی الختام یبحث عن تنبیهات مسألة المشتق.
ص: 394
إنّ المشتق الأصولی هنا غیر المشتقّ الأدبی.
إنّ المشتق الأدبی هو کل ما کان لهیأته وضع مستقل و لمادّته أیضاً وضع مستقل((1)) و فی قباله الجامد الأدبی هو ما کان وضع واحد لمادته و هیأته معاً.
ص: 395
أمّا المشتق الأدبی، فهو علی قسمین:
الأوّل: ما یجری علی الذات المتلبسة بالمبدأ مثل اسم الفاعل و المفعول و الزمان و المکان و الصفة المشبهة و صیغة المبالغة.
الثانی: ما لایجری علی الذات کالأفعال و المصادر المزیدة و أیضا المصادر
ص: 396
المجردة علی القول باشتقاقها. ((1))
ص: 397
أمّا الجامد الأدبی، فهو أیضا علی قسمین:
الأوّل: ما یدل علی الذات و الموضوع لها کالإنسان و الحیوان.
الثانی: ما یجری علی الذات حیث إنّه موضوع لما هو خارج عن الذات مثل الزوج و الزوجة و الرقّ و الحرّ.
هو کل مایجری علی الذات لتلبّسها بالمبدأ الذی مفهومه مأخوذ فی المشتق بحیث یمکن انقضاء هذا المبدأ و بقاء تلک الذات. ((1))
ص: 398
و هذا یشتمل علی رکنین:
الرکن الأوّل: جریان المشتق علی الذات لتلبّسها بالمبدأ المأخوذ فی مفهوم المشتق.
و بهذا الرکن خرجت الجوامد و المصادر المزیدة و المصادر المجردة علی القول بکونها من المشتقات.
الرکن الثانی: اعتبار إمکان بقاء الذات و انقضاء المبدأ.
و بهذا الرکن خرجت الجوامد التی تدلّ علی الذوات (أی القسم الأوّل من الجوامد) مثل الحیوان و الإنسان بل یمکن إخراج تلک الجوامد بالرکن الأوّل حیث اعتبرنا المبدأ فی مفهوم المشتقّ.
ص: 399
فالمشتق الأصولی یشتمل علی القسم الأوّل من المشتق الأدبی و القسم الثانی من الجامد الأدبی.((1))
ص: 400
إنّه استشهد علی الدخول القسم الثانی من الجوامد فی محل النزاع بما نقله فخرالمحققین عن العلّامة و ابن إدریس (قدس سرهم) و أیضا ما نقله الشهید الثانی (قدس سره) فی المسالک من أنّه من کانت له زوجتان کبیرتان مدخولتان أرضعتا زوجته الصغیرة تحرم علیه الزوجة الکبیرة التی هی المرضعة الأولی و أیضاً تحرم علیه الزوجة الصغیرة، و أمّا حرمة الزوجة الکبیرة التی هی المرضعة الثانیة فهی تبتنی((1)) علی وضع المشتق للمعنی الأعم حتی یصدق علی المرضعة الثانیة عنوان «أم الزوجة».((2))
ص: 401
إنّ حرمة المرضعة الأولی و الزوجة الصغیرة هی المشهور بین الفقهاء.((1))
و الدلیل علیه هو أنّ المرضعة الأولی یصدق علیها عنوان أمّ الزوجة فتحرم أبداً.
و الزوجة الصغیرة أیضاً یصدق علیه أنّها بنت الزوجة فتحرم علیه أبداً، لأنّ اللبن إن کان من الزوج فالزوجة الصغیرة تکون بارتضاعها بنتاً له و إن کان من غیر الزوج (أی من رجل آخر) فهی تکون بنت الزوجة المدخول بها و هی أیضاً تحرم أبداً.
و أمّا حرمة المرضعة الثانیة((2)) فمتوقّفة علی بحث المشتق فإنّه علی القول
ص: 402
المشهور من وضع المشتقّ لخصوص المتلبّس فی الحال فلایصدق علیها أمّ الزوجة فلاتحرم المرضعة الثانیة.
ص: 403
((1))
قد خالفهم المحقق الخوئی (قدس سره) فذکر ستة أدلة علی حرمة المرضعة الأولی و ناقش فی جمیعها فقال بعدم تحریمها و اختصاص الحرمة بالمرتضعة الصغیرة.
و ممّا استدلّ علی ذلک هو أنّ زمان تحقق الرضاع زمان ارتفاع الزوجیة من الصغیرة و ذلک الزمان بعینه زمان تحقق الأمومة للکبیرة و فی ذلک الزمان لایصدق علی الصغیرة عنوان الزوجة لیصدق علی الکبیرة عنوان أمّ الزوجة، أو فقل: فی زمان کانت الصغیرة زوجة له لم تکن الکبیرة أمّاً لها و فی زمان صارت الکبیرة أمّاً لها ارتفعت الزوجیّة عنها و انقضت.((2))
ص: 404
حیث إنّهما من المفاهیم ذات الإضافة فالمتحقّق هو عنوان بنت الزوجة و أمّ الزوجة و کل من العنوانین (أمّ الزوجة و بنت الزوجة) موضوع لحکم ارتفاع الزوجیة و حرمتها أبداً.
توضیح ذلک: إنّ عنوان أمّ الزوجة موضوع لحکم ارتفاع زوجیة الکبیرة، کما أنّ عنوان بنت الزوجة موضوع لحکم ارتفاع زوجیّة الصغیرة.
و لابدّ من التأکید علی أنّ رابطة حکم ارتفاع الزوجیة بالنسبة إلی کل من العنوانین رابطة الحکم و الموضوع لا المعلول و العلّة.
ثمّ إنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة متأخّر رتبة عن موضوعه و هو عنوان بنت الزوجة و حیث إنّ عنوان أمّ الزوجة متحد رتبة مع عنوان بنت الزوجة فینتج أنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة متأخّر رتبة عن تحقق عنوان أمّ الزوجة للکبیرة.
ص: 406
یمکن النقض علیه بأنّ تحقق الرضاع إن کان هو عین ارتفاع زوجیة الصغیرة، فیوجب ارتفاع زوجیة الکبیرة المرضعة الأولی فی زمان تحقق الرضاع و حینئذ لایصدق علی البنت أنّها بنت الزوجة فیلزم عدم حرمة الزوجة الصغیرة أیضاً.
یمکن أن یستدل علی ذلک بروایة علی بن مهزیار فی الکافی:((1))
محمد بن یعقوب عن علی بن محمد [علّان الکلینی] عن صالح بن أبی حماد عن علی بن مهزیار عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قیل له: إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخری فقال ابن شبرمة: حرمت علیه الجاریة و امرأتاه فقال أبو جعفر (علیه السلام): أخطأ ابن شبرمة، ((2)) تحرم علیه الجاریة و امرأته التی أرضعتها، فأمّا الأخیرة فلم تحرم علیه کأنّها أرضعت ابنته».
ص: 407
من استثنی منها مشمول لتوثیق صاحب النوادر و الصدوق و ابن الولید و أبی العبّاس بن نوح (قدس سرهم) .
و ثالثاً: أنّه من رجال تفسیر القمی.((1))
و ممّا یؤیّد ذلک: ما نقله الکشی عن الفضل بن شاذان أنّه یرتضیه و یمدحه.((2))
ص: 410
هذا مضافاً إلی أنّ الروایة موجودة فی الکافی و بعض الأعلام مثل المحقق النائینی (قدس سره) قالوا باعتبار روایاته و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) أیضاً قال باعتباره فی غیر المتعارضات.
و لبحث المشتق ثمرات أخری، فی الفروع الفقهیة. ((1))
ص: 411
ص: 412
ص: 413
بعد تعریف المشتق الأصولی تصل النوبة إلی البحث عن بعض الموارد التی اختلف الأعلام فی دخولها تحت ذلک أو یحتمل ذلک و هی:
1. اسم الزمان؛
2. الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة؛
3. اسم المفعول؛
4. اسم الآلة.
إنّهم اختلفوا فی جریان النزاع فی اسم الزمان؛ و قد اختار کثیر من الأعلام جریان النزاع فیه مثل صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی و المحقق الخوئی و السیّد الروحانی و السیّد الصدر (قدس سرهم) .
و اختار أیضاً جمع من الأعلام عدم جریان النزاع فیه((1)) مثل الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله).
استشکل علی جریان النزاع فی اسم الزمان بأنّ الذات المتلبّسة بالمبدأ فی اسم
ص: 414
الزمان متصرمة بنفسها و لا استقرار لها، لأنّ الذات فی اسم الزمان هو شخص الزمان فلایمکن أن یقع النزاع فی أنّ المشتق فیه حقیقة فی خصوص المتلبس أو الأعم من المتلبّس و المنقضی عنه المبدأ.
((1))
أمّا القائلون بجریان النزاع فیه فقد حاولوا دفع الإشکال تارة من ناحیة عموم مفهوم المشتق و أخری من ناحیة تعمیم الذات المعروضة للمشتقّ (و هی الزمان) بتصویرها بحیث یلاحظ بقاؤها.
ص: 415
و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی و السیّد الروحانی و السیّد البروجردی (قدس سرهم) سلکوا الطریقة الأولی.
و المحقق العراقی و المحقق النائینی و السیّد الصدر (قدس سرهم) التزموا بالطریقة الثانیة.
و هو إمّا من جهة اسم الجلالة حیث وقع النزاع فی أنّه وضع لجنس الإله أو أنّه علم شخصی للذات المقدسة جلّ جلاله.
و إمّا من جهة واجب الوجود حیث إنّه وضع لمفهوم عام مع انحصاره فیه تبارک و تعالی.
إنّ اسم الجلالة لم یبق علی مفهومه العام بل هو عَلَم له تعالی،((1)) کما صرّح
ص: 417
بذلک بعض اللغویین مثل الخلیل (قدس سره) و بعض الأعلام مثل العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی تفسیر المیزان((1))و المحقق الخوئی (قدس سره) فی البیان.((2))
ص: 418
((1))
إنّ الواجب بما هو لا اختصاص له خارجاً به تعالی بل توصف به الأفعال الواجبة أیضاً و کذلک واجب الوجود لایختصّ به تعالی لأنّ کلّ موجود واجب الوجود حیث إنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد. نعم، واجب الوجود بذاته مختصّ به تعالی و هو أیضاً مفهوم عام، لکنّه من المفاهیم المرکّبة لا ممّا وضع له لفظ مخصوص کی یکون نظیراً للمقام.
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یعتقد بأنّ الذات المتلبّسة بالمبدأ فی اسم الزمان هو نفس الزمان بشخصه و لذا یتصدّی حلّ الإشکال من طریقة تعمیم مفهوم اسم الزمان بما وقع فیه الحدث بحیث یشترک مع اسم المکان بحسب المعنی.
ص: 419
فإنّ القائل بالوضع للأعمّ یقول: إنّ مفهوم اسم المکان (تحلیلاً) هو المکان الذی وقع فیه الحدث فیعمّ المتلبس و المنقضی عنه، فکذا هنا یقول بأنّ مفهوم اسم الزمان تحلیلاً هو الزمان الذی وقع فیه الحدث فهو بمفهومه یعمّ المتلبس و المنقضی، لکنّه بحسب الخارج حیث إنّ المکان قارّ الذات له مصداقان و هما المتلبس و المنقضی عنه المبدأ و الزمان حیث إنّه غیر قارّ الذات له مصداق واحد و هو المتلبس.
و یؤیّده أنّ المقتل و المغرب و غیرهما (من الألفاظ المشترکة بین اسمی الزمان و المکان) لها مفهوم واحد، و هو ما کان وعاء القتل أو الغروب زماناً کان أم مکاناً و لا إباء للمفهوم من حیث هو مفهوم للشمول و العموم للمتلبس و المنقضی عنه و إن لم یکن له فی خصوص الزمان إلّا مصداق واحد.
وجمع من الأعلام ذهبوا إلی هذه الطریقة مثل السیّد المحقق البروجردی((1)) و
ص: 420
المحقق الخوئی((1)) و السیّد الروحانی (قدس سرهم)، إلّا أنّ بعضهم یقولون:((2)) إن کان وضع صیغة مفعل علی سبیل الاشتراک المعنوی فیجری النزاع و إن کان علی سبیل الاشتراک اللفظی فلا و بعضهم رجّحوا جانب الاشتراک المعنوی و بعضهم عیّنوه من غیر تردید.
کما أنّ بعض الأعلام یقولون بعدم إثبات الاشتراک المعنوی کما یصرّح بذلک بعض الأساطین (حفظه الله) إیراداً علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) و یظهر ترجیح ذلک (الاشتراک اللفظی) من الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) .
ص: 421
إن أرید الوضع لمفهوم الظرف فهو واضح البطلان، فإنّ مفهوم الظرف کمفهوم الفاعل و المفعول معانٍ اسمیة منتزعة عن المعنی الحرفی النسبی الذی هو مدلول الهیئات الاشتقاقیة بحسب الفرض.
ص: 422
و إن أرید واقع النسبة الظرفیة المتقوّمة بالظرف و المظروف فمن المعلوم أنّ النسبة الظرفیة فی ظروف الزمان تختلف سنخاً عن النسبة الظرفیة المکانیة حقیقة و عرفاً و لذلک کانت أحدهما مقومة لمقولة الأین و الأخری مقومة لمقولة متی و لا جامع حقیقی بین المقولات.((1))
ص: 423
بعد اختیار الشقّ الثانی نقول: إنّ النسبة الظرفیة الزمانیة لیست من مقولة متی و النسبة الظرفیة المکانیة أیضا لیست من مقولة الأین، بل النسبة لا ماهیة لها فمقولة الأین و متی أنحاء الظرفیة، فکما أنّ کلمة «فی» عندما یقول القائل «قُتل فلان فی مکان کذا و زمان کذا» تدلّ علی النسبة الظرفیة بین القتل و المکان و الزمان، فهذه النسبة الظرفیة موجودة فی صیغة مقتل بین القتل و الذات التی هی مکان کذا أو زمان کذا.
و لکن التفاوت بین النسبة الظرفیة فی کلمة «فی» و النسبة الظرفیة فی صیغة اسم الزمان هو أنّ اسم الزمان یجری علی الذات فاختلاف مقولة الأین و متی لایوجب اختلاف سنخ النسبة کما قال به السیّد الصدر (قدس سره) بل هما أنحاء الظرفیة.
((1))
إنّ المحقق النائینی (قدس سره) یتصدی حل الإشکال بتعمیم الذات المتلبسة بالمبدأ حیث إنّ الذات المعروضة للمشتق عنده هو الکلی لا الشخص، و لذا یقول:
إنّ هذا التوهم إنّما یتم إذا کان المعروض هو الشخص دون الکلی و إلّا فبقاء
ص: 424
الذات فیه أوضح من أن یخفی.
بیان ذلک: إنّه لا إشکال فی أنّ لفظ السبت و أوّل الشهر و غیرهما من أسماء الأزمنة موضوعة لمعان کلیة، لها أفراد تدریجیة و لایمکن اجتماع فردین منها فی الوجود، فإن کان أسماء الأزمنة المصطلحة کالمقتل و المضرب و غیرهما موضوعة لزمان کلّی متصف بالقتل و الضرب ککلّی الیوم العاشر من المحرّم مثلاً، فلا إشکال فی بقاء الذات و لو مع انقضاء العارض.
و أمّا إذا کان الزمان المأخوذ فیها شخص ذلک الیوم بعینه لا کلیه، فللتوهم المذکور مجال.
لکن کون المأخوذ فیها هو الشخص فی حیّز المنع بل الظاهر أنّه الکلّی کما فی بقیّة أسماء الأزمنة غیر المصطلحة کأسماء الأیام و الشهور و السنین.
ثم یقول: لایخفی أنّ هذا الذی اخترناه أولی مما اخترناه فی الدورة السابقة من أنّ المعروض هو الشخص و لکنّه یجرّد عن الخصوصیّة فیکون باقیاً بعد زوال الوصف.
مقتضی التحقیق هو تمامیة ما أفاده من أنّ ذات الزمان الذی هو معروض المشتق أمر کلی عند العرف و لذا هو باق بوجود أفراده مثل الیوم العاشر من المحرّم، فإنّ هذا العنوان کلی عند العرف و له فی کلّ سنة فرد واحد، فعلی هذا نظریته وافٍ بدفع الإشکال.
ص: 425
لکن یلاحظ علیه: أنّ الزمان الذی هو معروض أسماء الأزمنة و یعبّر عنه بالذات غیر الزمان الذی أخذ فی مفهوم عارضه الذی هو اسم الزمان من المشتقات و الکلام فی بقاء الذات مع انقضاء المبدأ فی الذات التی هی معروضة للمشتق، فما قال من أنّ أسماء الأزمنة إمّا موضوعة للزمان الکلی أو للزمان الشخصی لایتمّ، حیث إنّ المشتق لم یوضع للذات التی یعرضها المشتق بل الزمان المأخوذ فی المشتق غیر الذات التی تکون معروضة له و إن قلنا بأخذ الذات فی مفهوم المشتق حیث إنّ الذات المأخوذ فی المشتق مبهم من حیث الکلیة و الشخصیة. مضافاً إلی أنّه یصرّح ببساطة المشتق و خروج الذات عن المشتق.((1))
ص: 426
قال المحقق العراقی (قدس سره):
العمدة فی الجواب عن الإشکال هو ما ذکرناه هناک (أی فی البحث عن الإشکال المعروف فی استصحاب الأمور التدریجیة غیرِ القارّة من حیث عدم بقاء الموضوع و عدم اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة) من أنّ الأزمنة و الآنات و إن کانت وجودات متعددة متعاقبة متحدة بالسنخ و لکنه حیثما لایتخلّل بینها سکون، یعدّ المجموع عند العرف موجوداً واحداً مستمراً نظیر الخط الطویل من نقطة کذا إلی نقطة کذا، فیتصور أمر قارّ وحدانی ینقضی عنه التلبس بالمبدأ.
ثم قال (قدس سره): نعم ذلک إنّما هو فی ما لم یکن تلک القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذة موضوعاً للأثر فی لسان الدلیل معنونة بعنوان خاص کالسنة و الشهر و الیوم و الساعة و نحوها و إلّا فلابدّ من لحاظ جهة الوحدانیة فی خصوص ما عنون بعنوان خاصّ من القطعات فیلاحظ جهة المقتلیة مثلاً فی السنة أو الشهر أو الیوم أو الساعة بجعل مجموع الآنات التی فی ما بین طلوع الشمس مثلاً و غروبها أمراً واحداً مستمراً فیضاف المقتلیة إلی الیوم و الشهر و السنة.
ص: 428
إنّ اتصال الهویات المتغایرة لایصحّح بقاء تلک الهویة التی وقع فیها الحدث حقیقة و إلّا لصحّ أن یقال: کل یوم مقتل الحسین (علیه السلام) للوحدة المزبورة.
ص: 429
ربما یطلق المقتل و یراد مثلا الشهر الواقع فیه القتل فهو -ما دام الشهر باقٍ- متلبس بالقتل و لا انقضاء فهذا من أنحاء التلبس حقیقتاً و بعد مضی الشهر لا بقاء للذات التی یطلق علیها المشتق فلایجری النزاع.
((1))
إنّ الاعتراض متّجه فی الجزء و الکل العرضیین لا التدریجیین، لأنّ الکل التدریجی یکون موجوداً بتمامه بوجود کل جزء من أجزائه فالنهار موجود بشخصه لا بجزئه فی جمیع الآنات المتدرجة منه.
نعم قد یقال: إنّه یلزم علی القول بالوضع للأعم حینئذ صحة إطلاق اسم الزمان علی الزمان إلی یوم القیامة، فیقال: إنّ هذا الزمان مثلاً مقتل زکریا لأنّه متصل بزمان قتله.
و الجواب هو أنّ المناط فی تقطیع الزمان بنظر العرف الذی یقطع الزمان إلی دهور و سنین و شهور و أسابیع و أیّام و ساعات فالمقتلیة مثلاً لیست وصفاً للدهر کله بل لتقطیع یدخل فیه لحظة القتل.
مقتضی التحقیق:
إنّ مقتضی التحقیق تمامیة بیان السیّد الصدر (قدس سره) ولکن المناقشة الأولی، واردة
ص: 430
علی المحقق العراقی (قدس سره) باعتبار أنّه یری أنّ مناط وحدة القطعة المبانة من الزمان هو اتصال الآنات و عدم تخلل السکون بینهما و هذا المناط باطل عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) لأنّه لو صحّ هذا المناط للزم اتحاد جمیع الأزمنة بحیث یمکن أن یقال هذا الیوم مقتل الحسین (علیه السلام) .
نعم اصل کلام المحقق العراقی (قدس سره) من الوحدة العرفیة لقطعات الزمان مثل الساعة و الیوم و الشهر و السنة صحیح، لکن ما ذکره فی مناط الوحدة العرفیة المذکورة باطل و إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناظر إلی المناط المذکور لا إلی الوحدة العرفیة لقطعات الزمان.
نعم إنّ جواب المحقق العراقی (قدس سره) یبتنی علی اتخاذ الزمان عرفاً بنحو الکل التدریجی و إن کانت هویة الزمان التی وقع فیه الحدث منقضیة بنفسها فی الحقیقة.
لکن الحق هو أنّ المناقشة الثانیة التی أوردها المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی المحقق العراقی (قدس سره) تام، لأنّ إطلاق المقتل علی الشهر الذی وقع فیه القتل بعد مضی العاشر من المحرّم هو باعتبار تلبس الشهر بوقوع القتل فیه فهو مرتبط بأنحاء التلبس فلو اعتبرنا تلبس الیوم العاشر لایمکن أن یقال: الیوم الثانی عشر مقتل الحسین (علیه السلام) باعتبار الوحدة العرفیة للشهر فلایجری النزاع حینئذ مع عدم بقاء الذات، و هکذا لو اعتبرنا تلبس الشهر فإطلاق مقتل الحسین (علیه السلام) حینئذ باعتبار تلبس الشهر بوقوع القتل فیه و بعد مضی الشهر لا بقاء للذات و هکذا لو اعتبرنا تلبس السنة فإطلاق المقتل بعد الشهر یکون باعتبار السنة التی تتلبس بوقوع القتل فیها و أمّا بعد السنة فلا بقاء للذات المعروضة لاسم الزمان و حیث لم یتعارف وحدة اعتباریة فی وعاء عشر سنین مثلاً لایمکن إطلاق مقتل
ص: 431
الحسین (علیه السلام) باعتبار بقاء الذات و انقضاء المبدأ.
و التحقیق هو أن یقال:
إنّ العرف قد یلاحظ الزمان بشخصه و لایشک فی انقضائه و مضیه و قد یلاحظ قطعة من الزمان و هو أیضا ینقضی و یمضی بانقضاء تلک القطعة.
و لکن قد یلاحظ عناوین کلیة باقیة فی الزمان و ذلک اللحاظ العرفی مثل بقاء أیّام السنة فکأنّ الزمان المذکور عنده ینقضی ثم یتجدد و هکذا بالنسبة إلی فصول السنوات فإنّه یتصور بقاء الیوم العاشر من المحرّم مع انقضاء ما وقع فیه من الداهیة الکبری، فإنّ أمر الزمان من حیث بقائه موکول إلی العرف، فیمکن جریان النزاع فی إطلاق المقتل علی الیوم العاشر من محرّم سنتنا هذه مع علمنا بانقضاء مبدأ القتل بأنّه هل یکون الإطلاق حقیقیاً أو مجازیاً.
فتحصّل أنّ الجواب الصحیح هو ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) و أیضاً ما یستفاد من کلام المحقق النائینی (قدس سره) الذی حقّقناه قبل أسطر.
ص: 432
((1))
إنّ من الواضح خروج الأفعال و المصادر المزید فیها عن حریم النزاع لکونها غیر جاریة علی الذوات.
و هذا لا ریب فیه إلّا أنّه لم یذکر المصادر المجردة حیث إنّها عند بعض علماء الأدب أصل فی الاشتقاق و لیست من المشتقات الأدبیة.
((2))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً تبع صاحب الکفایة (قدس سره) فی بیانه إلّا أنّه زاد علیه المصادر المجردة أیضاً لأنّها ترکبت من المادة و الهیأة التی تدلّ علی النسبة
ص: 433
الناقصة فما اشتهر من أنّ المصدر هو الأصل فی الکلام ممّا لایرجع إلی محصل.((1))
البحث عنه فی صورتین:
قال صاحب الکفایة (قدس سره): قد اشتهر فی ألسنة النحاة دلالة الفعل علی الزمان حتی أخذوا الاقتران بها فی تعریف الفعل و هو اشتباه.
و لابدّ من بیان ذلک: إنّ المشهور بین النحویین هو أنّ الفعل الماضی یدلّ علی تحقق المبدأ فی الزمان السابق علی التکلم و المضارع یدل علی تحققه فی زمان الحال و الاستقبال، و الأمر یدلّ علی طلب الفعل فی زمان الحال.
و لکن المشهور عند الأصولیین عدم دلالة الأفعال علی الزمان.
إنّ الأمر و النهی یدلّان علی إنشاء طلب الفعل أو الترک غایة الأمر نفس
ص: 434
الإنشاء بهما فی الحال.((1))
و أمّا الفعل الماضی و المضارع فیمکن دلالتهما علی الزمان بشرطین: إطلاق الکلام و إسنادهما إلی الزمانیات.
و مع فقد هذین الشرطین لایدلّان علی الزمان لأنّه یلزم حینئذ المجاز عند الإسناد إلی غیر الزمانیات من نفس الزمان و المجردات (مثل مضی الزمان و علم الله).((2))
ص: 435
((1))
إنّ الزمان معنی اسمی و الهیأة لاتدلّ علی المعنی الاسمی بل مفاد الهیئات المعانی الحرفیة و السیّد الروحانی (قدس سره) أیضاً اختار هذا البیان.((2))
لایبعد أن یکون لکل من الماضی و المضارع (بحسب المعنی) خصوصیة
ص: 436
أخری موجبة للدلالة علی وقوع النسبة فی الزمان الماضی فی الماضی و فی الحال و الاستقبال فی المضارع، فی ما کان الفاعل من الزمانیات. ((1))
و قال المحقق المشکینی (قدس سره) فی توضیح مرامه: ((2))
ص: 437
إنّ هیأة الماضی موضوعة للنسبة التحققیة و هیأة المضارع موضوعة للنسبة التوقعیّة.
و قال السیّد الجزائری (قدس سره) فی شرحه علی الکفایة: إنّ الخصوصیة فی الماضی تحقق النسبة و فی المضارع الحالی التلبس بالمبدأ و فی المضارع الاستقبالی التهیّؤ لإیجاد مقدمات حصول المبدأ.
أمّا بالنسبة إلی المحبوسین فی الزمان فإنّ هیأة الماضی موضوعة للنسبة المتقیدة بالسبق الزمانی علی ما أضیفت إلیه (بالمعنی المتقدم من السبق) بنحو یکون التقید داخلاً و القید خارجاً.
و هیأة المضارع موضوعة للنسبة المتقیّدة بعدم السبق الزمانی علی ما أضیفت إلیه علی الوجه المذکور (بنحو یکون التقیّد داخلاً و القید خارجاً).
فالخصوصیة الموجبة لاشتمال الماضی و المضارع علی الزمان هی السبق و اللحوق الزمانیان مع خروج هذه الخصوصیة عن معنی الفعل و تقیّد المعنی بها فزمان المضی أو الحال أو الاستقبال غیر مأخوذ فی الهیأة.
و أمّا بالنسبة إلیه تعالی فله تبارک و تعالی مع الزمان السابق معیّة قیومیة لاتنافی تقدسه عن الزمان فهو تعالی باعتبار معیّته مع السابق سابق و باعتبار معیّته مع اللاحق لاحق، کما قال تعالی: (وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ). ((1))
و أمّا بالنسبة إلی المجردات و المفارقات فإنّها و إن لم تکن فی الزمان إلّا أنّها معه بمعنی أنّ للمجردات معیة مع الزمان و الزمانیات و کون عالمها فی طول عالم الطبیعة لاینافی معیّتها لما فی عالم الطبیعة فی الوجود.
فتوصیف الشیء بالسبق و اللحوق الزمانیین بأحد الاعتبارین: إمّا اعتبار وقوعه فی الزمان السابق و اللاحق کالزمانیات و إمّا اعتبار المعیّة مع الزمان السابق أو اللاحق کما فی المقام.
((2))
احتمال کون الزمان قیداً لمدالیل الأفعال بأن یکون معنی الفعل مقیداً به علی
ص: 439
نحو یکون القید خارجاً عنه و التقیّد به داخلاً فهو و إن کان أمراً ممکناً فی نفسه إلّا أنّه غیر واقع و ذلک لأنّ دلالة الأفعال علیه لابدّ أن تستند إلی أحد أمرین: إمّا وضع المادة أو وضع الهیأة و من الواضح أنّ المادة وضعت للدلالة علی نفس طبیعی الحدث اللابشرط و الهیأة وضعت للدلالة علی تلبس الذات به بنحو من أنحائه کما عرفت و شیء منهما لایدل علی الزمان.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بخروج السبق الزمانی -و هو القید- عن الموضوع له و یصرح بأنّ الزمان الماضی و المضارع و الحال غیر مأخوذ فی الهیأة بل الهیأة تدلّ علی أنحاء النسب إلّا أنّ الخصوصیة التی توجب اشتمال الفعل علی الزمان بالدلالة الالتزامیة هی السبق و اللحوق الزمانیان و هی خارجة عن معنی الفعل مع تقیّد معنی الفعل (و هی النسبة) بها.
((1))
إنّ الأفعال لاتدلّ علی الزمان لا بنحو الجزئیة و لا بنحو القیدیة لا بالدلالة المطابقیة و لا بالدلالة الالتزامیة.
نعم إنّها تدل علی الزمان بالدلالة الالتزامیة إذا کان الفاعل أمراً زمانیاً و هذه الدلالة غیر مستندة إلی الوضع بل هی مستندة إلی خصوصیة الإسناد إلی الزمانی.
و هذه الخصوصیة فی الفعل الماضی هی أنّه وضع للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة عن تحقق المادة مقیداً بکونه قبل زمان التکلم و فی الفعل المضارع هی أنّه
ص: 440
وضع للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة عن تحقق المادة فی زمان التکلم أو بعده و لایدلّ علی وقوعها فی زمان الحال و الاستقبال، فقولنا علم الله و ما شاکله یدل علی أنّ المتکلم قاصد للإخبار عن تحقق المادة و تلبس الذات بها قبل زمان التکلم و إن کان صدور الفعل ممّا هو فوق الزمان لایقع فی زمان.
أوّلاً: إنّه جعل الموضوع له قصد المتکلم و هذا مبنی علی مختاره فی الوضع و هو مسلک التعهد و نحن لانلتزم به.
و ثانیاً: إنّ مفاد الهیأة لیس إلّا النسبة و هذه النسبة إن کانت متقیدة بالسبق الزمانی فهی نسبة تحققیة و إن کانت متقیدة بعدم السبق فهی نسبة توقعیة و لکن ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) خال عن بیان النسبة المذکورة.
فالحق فی المقام هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 441
قال المحقق النائینی تبعاً لصاحب الفصول (قدس سرهما) بخروجهما عن محل النزاع.
أمّا اسم الآلة:
تقریب ذلک أنّ الهیأة فی اسم الآلة قد وضعت للدلالة علی قابلیة الذات للاتصاف بالمادة شأناً (القابلیة و الاستعداد) و هذا الصدق حقیقی و إن لم تتلبس الذات بالمبدأ فعلاً.
و أمّا اسم المفعول:((1))
فلأنّ الهیأة فیه وضعت لأن تدلّ علی وقوع المبدأ علی الذات و هذا المعنی لایعقل فیه الانقضاء، لأنّ ما وقع علی الذات کیف یعقل انقضاؤه عنها، ضرورة أنّ الشیء لاینقلب عمّا وقع علیه و المفروض أنّ الضرب قد وقع علیها، فدائماً یصدق أنّها ممّا وقع علیه الضرب، إذا لافرق فی صدق المشتق بین حال التلبس و الانقضاء، فهو فی کلا الحالین علی نسق واحد بلا عنایة فی البین بل لایتصور فیه الانقضاء.
ص: 442
((1))
ما أفاده فی اسم الآلة، فیرد علیه:
أنّ الهیأة فی اسم الآلة إذا دلّت علی قابلیة الذات للاتصاف بالمادة شأناً، فما دامت القابلیة موجودة کان التلبس فعلیاً و إن لم تخرج المادة عن القابلیة إلی الفعلیة أصلاً.
فما أفاده مبتن علی الخلط بین شأنیة الاتصاف بالمبدأ و فعلیته به، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) تخیل أنّ المعتبر فی التلبس إنّما هو التلبس بفعلیة المبدأ.
و ما أفاده فی اسم المفعول، فیرد علیه:
أوّلاً: ((2)) أنّه ینقض علیه باسم الفاعل حیث إنّ الهیأة فیه موضوعة لأن تدلّ علی صدور الفعل عن الفاعل و من المعلوم أنّه لایتصور انقضاء الصدور عمّن صدر عنه الفعل خارجاً، لأنّ الشیء لاینقلب عمّا وقع علیه و المبدأ الواحد کالضرب لایتفاوت حاله بالإضافة إلی الفاعل أو المفعول غایة الأمر أنّ قیامه بأحدهما قیام صدوری و بالآخر قیام وقوعی.
و ثانیاً: ((3)) أنّ اسم المفعول کاسم الفاعل وضع للمفهوم الکلی لما تقدم من أنّ الألفاظ وضعت بإزاء المعانی لا بإزاء الموجودات الخارجیة لأنّها غیر قابلة لأن تحضر فی الأذهان و من هنا قد یکون للموضوع له مطابق فی الخارج و قد لایکون، فالمضروب قد یکون موجوداً و قد یکون معدوماً، فالنزاع هنا فی أنّ
ص: 443
اسم الفاعل أو اسم المفعول موضوع لمعنی لاینطبق إلّا علی خصوص المتلبس أو لأعم منه و من المنقضی؟
مثلاً لو فرض أنّ زیداً کان عالماً بقیام عمرو ثم زال عنه العلم به، فالنزاع جارٍ فی صحة إطلاق المعلوم علی قیام عمرو أو عدم صحة إطلاقه علیه إلّا علی نحو المجاز -کما أنّ النزاع جارٍ فی صحة إطلاق العالم علی زید أو عدم صحة إطلاقه علیه إلّا مجازاً- ضرورة أنّه لا فرق بین الهیأتین هنا أصلاً فإنّ المبدأ فی کلتیهما واحد و المفروض أنّه بزوال ذلک المبدأ کان إطلاق العالم علی زید و إطلاق المعلوم علی قیام عمرو من الإطلاق علی المنقضی عنه المبدأ لا محالة.
هذا الإشکال ینحل بملاحظة البحث الآتی أعنی أنحاء تلبس الذات بالمبدأ.
توضیح ذلک: إنّ فی الأفعال الخارجیة مثل القتل و الضرب قد یکون صدور الفعل عن الفاعل و وقوعه علی المفعول بحیث کلّما اشتغل به الفاعل یعدّ متلبساً به مثل الباکی و الضاحک و هکذا کلما وقع علیه المفعول یعدّ متلبساً به.
و أخری یکون الفعل نادر الوجود و بعید التحقق مثل القتل و التلبس به یتحقق بصدور الفعل و لو مرّة.
و بعبارة أخری ملاک التلبس یکون تارة حدوث المبدأ و إن لم یبق فی ما بعده و أخری فعلیة المبدأ.
فإذا ظهر ذلک تبین أنّه إذا کان ملاک التلبس هو حدوث المبدأ فلایتصور زوال التلبس بعد حدوثه فلا مصداق للفرد المنقضی عنه المبدأ فالنزاع حینئذ و إن کان جاریاً بملاحظة عموم المفهوم إلّا أنّه لا ثمرة له لأنّه لایتصور المصداق المنقضی عنه المبدأ.
ص: 444
ینقضی بانقضائهما و من کان واجداً لهذه الملکة و القوة متلبس بهما بالفعل.
القسم الثانی: ما یکون من قبیل الحرفة و الصناعة((1)) کما فی البنّاء و الخیّاط و القاضی و ینقضی بانقضاء الحرفة و ترکها و من اتّخذ حرفة و شغلاً متلبس بها بالفعل.
القسم الثالث: ما یکون من قبیل الأفعال النادر الوجود و البعید التحقق التی لها تبعات و آثار عرفاً و التلبس بها یدور مدار بقاء الآثار و التبعات عرفاً کما فی القتل و الضرب و الشکایة فإذا صدر الضرب عن رجل و وقع علی شخص آخر ثم شکی المضروب عن الضارب فیصدق علیهما الضارب و المضروب و الشاکی ما بقیت تلک التبعات و هذه التبعات مختلفة دواماً، مثلاً بعد التیام أثر الضرب و حلّ الخصومة و رفع الشکایة یزول التلبس بالضرب عرفاً، فلایصدق علیهما الضارب و المضروب بعد زوال المبدأ عرفاً و إن کان التلبس حقیقة حین الضرب فقط.
و قد یکون الفعل بعید التحقق و نادر الصدور من الفاعل و شدید الأثر و التبعة علی المفعول مثل القتل فإنّ ملاک التلبس حینئذٍ صدور المبدأ عن الفاعل و وقوعه علی المفعول و لذا یصدق علیهما بعد حدوثه القاتل و المقتول مادام الحیاة.
نعم، یتصور فیهما أیضاً ارتفاع الأثر مثل تجدید حیاتهما بالرجعة فلایصدق
ص: 446
علیهما القاتل و المقتول إلّا فی مصادیق قلیلة مثل قتلة کربلاء مع أنّ القتل فی ترتب الآثار و التبعات یتوقف علی کونه عمدیاً أو غیر عمدی و أیضاً علی علوّ المقتول و دنوّه مثلاً قتل الإنسان و قتل الحیوان مختلفان من هذه الجهة.
القسم الرابع: ما یکون من قبیل الصفات و الأفعال المتدوالة الکثیر الوقوع و المدار فی التلبس بها وجود تلک الصفة و ذلک الفعل مثل العالم و الجواد.
ص: 447
ثم إنّ المختار هو أنّ المراد من الحال فی عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق (بمعنی زمان النطق) و لا حال النسبة و لا زمان کل منها بمعنی أنّ الحمل و الإسناد (إسناد المشتق إلی الذات و جریه علیها) و الجری و التطبیق إن کان بلحاظ حال فعلیة التلبس فلا نزاع فی کونه حقیقة و إن کان بلحاظ سبق فعلیة التلبس فهو محل النزاع.
إنّ هذا الاحتمال لیس بمراد قطعاً و الدلیل علیه:
أوّلاً: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) من أنّه إن کان المراد زمان النطق فیلزم مجازیة قولهم: «کان زید ضارباً أمس» أو «سیکون غداً ضارباً» إذا کان متلبّساً بالضرب فی الأمس فی المثال الأول و متلبساً به فی الغد فی المثال الثانی مع أنّه حقیقة بلا شک.
ثانیاً: ما أفاده المحقق الإصفهانی((2)) و تبعه هنا المحقق الخوئی (قدس سرهما) ((3)) من أنّ الزمان خارج عن مدالیل الأسماء((4)) و منها الأوصاف، کما أنّ الوصف ربّما
ص: 449
لایکون زمان لمبدئه و لتلبس الذات بهذا المبدأ کما فی الوجودات المفارقة و المجردات التی هی فوق الزمان.
((1))
و هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد لما نقلنا عن صاحب الکفایة (قدس سره) فی الوجه الأوّل.
و هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد، و الدلیل علیه: أوّلاً: إذا قلنا «إنّ زیدا سیکون ضارباً غداً» فالتلبس استقبالی کما أنّ النسبة أیضاً استقبالیة و لا شبهة فی کونه مجازاً مع أنّه یلزم حینئذ أن یکون الاستعمال حقیقیاً.
ثانیاً: إنّ الوصف قد یکون فی المجردات الخارجة عن أفق الزمان.
الاحتمال الرابع: حال النسبة (2)
هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد لما تقدم فی الملاحظة الأولی ذیل الاحتمال الثالث
ص: 451
و هذا أیضاً غیر مراد أوّلاً: لما تقدم عن المحقق الإصفهانی (قدس سره) حول الاحتمال الأوّل.
و ثانیاً: لأنّ أخذ التلبس متقیداً بزمانه لغو فی ما إذا کان زمانیاً، لأنّ التلبس بالمبدأ فی الزمانیات لایعقل تخلفه عن زمانه و أمّا فی غیر الزمانیات من المجردات فهو باطل.
و بعد بطلان سائر الاحتمالات یتعیّن هذا الوجه الأخیر و هذا الاحتمال
ص: 452
سلیم عن المناقشات((1)) فالصحیح من الاحتمالات الستّة هو «حال التلبس».
ص: 453
ص: 454
لابدّ من ملاحظة مقتضی الأصل عند الشک فی ما وضع له المشتق.
مقتضی الأصل قد یقع من جهة لحاظ المسألة الأصولیة و قد یقع من جهة لحاظ المسألة الفقهیة.
الأصل إمّا أصل لفظی عقلائی و إمّا أصل عملی
فلهذا الأصل تقریران:
ص: 455
((1))
إنّ الأمر یدور بین وضع المشتق للمعنی الأعم و نتیجته الاشتراک المعنوی و وضع المشتق لخصوص المتلبس و نتیجته مجازیة الأعم.
و إذا دار الأمر بین الاشتراک المعنوی و المجاز فالراجح هو الاشتراک المعنوی.
أوّلاً: لأنّ الاشتراک خیر من المجاز.
و ثانیاً: لأنّه الأغلب و الشیء یلحق بالأعم الأغلب فی السیرة العقلائیة (من جهة أماریة الغلبة).
ص: 456
((1))
أوّلاً: إنّ رجحان الاشتراک المعنوی علی المجاز غیر ثابت، لأنّ المجاز قد یشتمل علی لطیفة لیست موجودة فی الاشتراک المعنوی (و هی لمکان العلائق و المناسبات المجازیة).
و ثانیاً: إن غلبة الاشتراک المعنوی و تحقق السیرة العقلائیة بالأخذ بالأغلب فهو محل التأمل صغرویاً و کبرویاً کما قال بعض الأساطین (حفظه الله)((2)) فإنّ الصغری ممنوع لأنّ الغلبة غیر ثابتة((3)) و الکبری أیضاً ممنوع لأنّ السیرة غیر مسلّم و لذا أستاذنا المحقق البهجة (قدس سره) أیضا ناقش فی اعتبار الکبری.((4))
و قد یحمل علی الأصل اللفظی کما قرّره أستاذنا المحقق البهجة (قدس سره) ((1))و احتمله صاحب منتقی الأصول (قدس سره) أیضاً.((2))
و أمّا بیان الأصل اللفظی علی هذا التقریر فهو أنّ أصالة عدم ملاحظة الخصوصیة تقتضی الوضع للأعم من المتلبس و المنقضی عنه المبدأ.
((3))
أوّلاً: إنّها معارضة بأصالة عدم ملاحظة عموم الموضوع له بنحو الاشتراک
ص: 458
المعنوی. ((1))
و ثانیاً: لا دلیل علی اعتبارهما. ((2))
فهذا بأن نحمل کلام صاحب الکفایة (قدس سره) علی الاستصحاب فحینئذٍ تقریره هو
ص: 459
أنّ استصحاب عدم لحاظ الواضع خصوصیة حالة التلبس یقتضی الوضع للأعم.
((1))
أوّلاً: إنّها معارضة باستصحاب عدم لحاظ العموم.
ثانیاً: إنّ لحاظ الخصوصیة أو لحاظ العموم أو عدمهما کلها لیست موضوع الأثر حتی یجری فیها الاستصحاب.
ثالثاً: إنّ جریان استصحاب عدم لحاظ الخصوصیة لازمه لحاظ الأعم کما أنّ جریان استصحاب عدم لحاظ العموم لازمه لحاظ خصوص المتلبس فالاستصحاب فی الطرفین أصل مثبت.
وهذا الإشکال الثالث مما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) فی المقالات((2)) و أیضاً بعض الأساطین (حفظه الله).
ص: 460
((1))
إذا کان زید متلبساً بالعلم ثم زال عنه و من جهة أخری أمر المولی بإکرام العلماء، فإنّه یتصور فی هذه المسألة صورتان:
الصورة الأولی: إن کان زوال التلبس مقدماً علی أمر المولی بإکرام العلماء
ص: 461
فنشک فی وجوب إکرام زید من جهة احتمال صدق العالم علیه بناء علی وضع المشتق للأعم فتجری البراءة.((1))
الصورة الثانیة: و إن کان الأمر بالإکرام مقدماً علی زوال التلبس بالعلم، نشک بعد زوال التلبس فی بقاء وجوب إکرام زید فحینئذ نستصحب وجوب إکرامه.
((2))
إنّ الأصل العملی عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی البراءة فی کلتا الصورتین و لذا نراه یناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من جریان الاستصحاب فی الصورة الثانیة بوجهین:
إنّ جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة عندنا دائماً معارض باستصحاب عدم سعة المجعول فیتساقط الاستصحابان.
إنّه إشکال مبنائی و نذکر إن شاء الله فی مبحث الاستصحاب أنّ الحق
ص: 462
جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة و الموضوعیة کما هو المشهور و اختاره الشیخ الأنصاری (قدس سره) .
((1))
إنّه شبهة مفهومیة و الاستصحاب لایجری فی الشبهات المفهومیة لا حکماً و لا موضوعاً.
أمّا عدم جریانه حکماً فلأنّا إذا شککنا فی بقاء وجوب صلاة العصر أو الصوم بعد استتار القرص و قبل ذهاب الحمرة المشرقیة عن قمة الرأس من جهة الشک فی مفهوم المغرب فإن کان مفهوم المغرب متقوماً باستتار القرص فالنهار منقض و معدوم و إن کان مفهوم المغرب متقوّماً بذهاب الحمرة المشرقیة فالنهار باقٍ و موجود.
فالأمر مردّد بین متیقن الزوال و متیقن البقاء فلم نحرز وحدة القضیة المتیقنة
ص: 463
و المشکوکة لعدم إحراز بقاء الموضوع فلایجری الاستصحاب.
و أمّا عدم جریانه موضوعاً فلعدم الشک فی الأمر الخارجی لأنّ استتار القرص خارجاً معلوم لنا بالعیان و هکذا ذهاب الحمرة غیر محقق بالعیان و الاستصحاب متقوم بالیقین السابق و الشک اللاحق مع أنّ الشک اللاحق مفقود فی المقام.
هنا صورة أخری و هی أن یتعلق الأمر بوجوب الإکرام بعنوان العالم بنحو الإطلاق البدلی فحینئذٍ إن أکرمنا من انقضی عنه المبدأ فشککنا فی امتثال الأمر فالأمر یدور بین امتثال الفرد المنقضی عنه المبدأ أو المتلبس تخییراً و امتثال المتلبس بالمبدأ تعییناً، فهذه المسألة صغری دوران الأمر بین التعیین و التخییر.
و قال المحقق العراقی (قدس سره) هنا بالاشتغال و نتیجته هو وجوب خصوص المتلبس بالمبدأ و لکن مختار بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) و أیضاً السیّد الصدر (قدس سره) ((2)) البراءة.
ص: 464
إنّ أکثر أعلام المتأخرین قالوا بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ و لکن اختلفوا فی کیفیة الاستدلال.
فبعضهم منعوا الوضع للأعم ثبوتاً لعدم الجامع بین الفرد المتلبس و المنقضی کما أفاده المحقق النائینی((1)) و المحقق الإصفهانی((2)) و السیّد الخوئی (قدس سرهم) فی الدورة السابقة((3))- و لکن عدل عنه فی المحاضرات- و السیّد الروحانی((4)) و السیّد الصدر (قدس سرهم) .((5))
و بعضهم قالوا بوضعها لخصوص المتلبس للدلیل الإثباتی مثل صاحب الکفایة و المحقق العراقی((6)) و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سرهم) ((7)) و بعض
ص: 465
الأساطین (حفظه الله) و هو المختار فی المحاضرات((1)) و تهذیب الأصول.((2))
و لذا لابدّ من بحثین فی ضمن المقامین:
المقام الأول: بحث ثبوتی؛ و المقام الثانی: بحث إثباتی.
و هنا أقوال أخری فی بحث المشتقّ لا یهمّنا الکلام حولها، فعدلنا عنها. ((3))
ص: 466
ص: 467
ص: 468
((1))
ما أفاده فی المقام أوّلاً هو التفصیل و الوجه فیه ابتناء النزاع علی القول ببساطة المشتق (فیکون موضوعاً لخصوص المتلبس) أو ترکّبه (فیکون موضوعاً للأعم)
فقال: إن قلنا بالترکّب فحیث إنّ مفهوم المشتق أخذ فیه انتساب المبدأ إلی الذات و یکفی فی الانتساب التلبس فی الجملة فلامحالة یکون موضوعاً للأعم.
و إذا قلنا بالبساطة فإنّه علیها لیس المشتق إلّا نفس المبدأ المأخوذ لابشرط فهو ملازم لصدق نفس المبدأ و مع انتفائه (أی انتفاء المشتق) ینتفی العنوان الاشتقاقی أیضاً و یکون حاله حینئذ حال الجوامد بعینها فی أنّ مدار صدق العنوان هو فعلیة المبدأ فکأنّ معنی المنقضی عنه المبدأ المنقضی عنه المشتق.
ثم عدل عن هذا البیان و قال بالوضع لخصوص المتلبس سواء قلنا بالبساطة أم بالترکیب، فقال ثانیاً: إنّه لایمکن تصور الجامع حتی بناء علی الترکیب.
بیانه: إنّ مفهوم المشتقات بناء علی الترکیب لیس مرکباً من مفهوم المبدأ و نسبة ناقصة تقییدیة حتی یکون المفهوم مرکباً من مفهوم اسمی و حرفی، إذ علیه لایمکن الحمل علی الذات أبداً، بل القائل بالترکّب إنّما یدّعی الترکّب من الذات و المبدأ، غایة الأمر أنّ المفهوم متضمن لمعنی حرفی کأسماء الإشارة و الموصولات
ص: 470
و غیر ذلک و لذا قلنا: إنّه بناء علی الترکب فالذات هی الرکن، لکنّها لم تؤخذ مطلقة بحیث یکون المفهوم مرکباً من المبدأ و الذات علی إطلاقها بل بما هی متضمنة لمعنی حرفی فلما کان فردیة الفردین (أی المنقضی عنه و المتلبس) بلحاظ الزمان، فلابدّ أن یکون هناک زمان جامع بینهما و من المعلوم أنّ مفاهیم المشتقات عاریة عن الزمان، فماذا یکون جامعاً بینهما مع قطع النظر عن الزمان؟
فمع عدم اعتبار الزمان فی المفهوم و عدم تعقّل جامع آخر بین المتلبس و المنقضی عنه لابدّ أن یکون المشتق موضوعاً لخصوص المتلبس.
((1))
إنّ نسبة المبدأ إلی الذات فی حال التلبس تختلف عنها فی حال الانقضاء فإنّ الربط بین المبدأ و الذات فی حال التلبس ربط حقیقی واقعی و فی حال الانقضاء ربط مسامحی و ادعائی، إذ لا ارتباط حقیقة بینهما عند انعدام المبدأ لانعدام أحد طرفی النسبة فسنخ نسبة المبدأ إلی الذات حال التلبس یختلف عن سنخ نسبته إلیها فی حال الانقضاء.
فالوضع للأعم مع أخذ النسبة فی مفهوم المشتق یتوقف علی تصور جامع بین هاتین النسبتین و قد عرفت أنّ الجامع بین سنخین من النسبة مفقود لتغایر أنحاء
ص: 471
النسب و تباینها و لعل نظر المحقق النائینی (قدس سره) إلی هذا المعنی.
قبل بیان الملاحظات علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من ملاحظة عدول هذا المحقق عما أفاده أوّلاً من أنّه إن قلنا بالترکیب فالجامع بین المتلبس و المنقضی موجود و هو تلبس الذات بالمبدأ فی الجملة و الوجه فی عدوله عنه هو أنّ المشتق المرکب یتضمن المعنی الحرفی.
((1))
((2))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّر فی ابتداء کلامه نظریة أستاذه المحقق النائینی (قدس سره) علی المبنی حیث لایتصور عنده الجامع بین المتلبس و المنقضی((3)) بل زوال المبدأ و انقضاؤه بمعنی انقضاء المشتق لاتحاد المبدأ و المشتق علی هذا القول.
ثم ناقش فی کلام المحقق النائینی (قدس سره) بوجهین فقال أوّلاً: إنّ المبنی مخدوش لترکّب المشتق؛ و ثانیاً: علی فرض بساطة المشتق لایکون المشتق عین مفهوم المبدأ بل هو مباین له.
ص: 472
و أمّا بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالترکیب:
قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش لوجود الجامع بأحد الوجهین:((1))
الوجه الأوّل: إنّ الجامع هو اتصاف الذات بالمبدأ فی الجملة فی مقابل الذات التی لم تتّصف به بعد فالموضوع له علی القول بالأعم هو صرف الوجود للاتصاف العاری عن أیّة خصوصیة کما هو شأن الجامع.
أو فقل: إنّ الجامع بینهما خروج المبدأ من العدم إلی الوجود.
الوجه الثانی: إنّا لو سلمنا أنّ الجامع الحقیقی بین الفردین غیر ممکن، إلّا أنّه یمکننا تصویر جامع انتزاعی بینهما و هو عنوان أحدهما و لا ملزم هنا لأن یکون الجامع ذاتیاً، لعدم مقتضٍ له، إذ فی مقام الوضع یکفی الجامع الانتزاعی، لأنّ
ص: 473
الحاجة التی دعت إلی تصویر جامع هنا هی الوضع بإزائه وهو لایستدعی أزید من تصویر معنیً ما، سواء کان المعنی من الماهیات الحقیقیة أم من الماهیات الاعتباریة أم من العناوین الانتزاعیة.
یلاحظ علیها:
أمّا الوجه الأوّل:((1)) فهو المستفاد من کلام المحقق النائینی (قدس سره) فی أوّل الأمر ثم أعرض عنه و وجّهه فی منتقی الأصول بعدم إمکان الجامع بین سنخین من النسبة و قد نقلنا بیانهما. و أمّا الاتصاف الجامع فلیس مدلولاً للهیأة لأنّ الهیأة لاتدلّ علی المعنی الاسمی.
و أمّا الوجه الثانی: فقد أشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله)((2)) و السیّد الصدر (قدس سره) ((3)) بأنّه لو وضع المشتق لعنوان أحدهما فلابدّ أن یحضر هذا المعنی فی الذهن مع عدم
ص: 474
انفهام مفهوم أحدهما عن المشتق.
یلاحظ علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) و تقریر منتقی الأصول بأن الوضع للأعم لایتوقف علی أن یکون الموضوع له هو المعنی الجامع الأعم حتی یقال باستحالة الجامع الحقیقی بین أنحاء النسب التی هی مفاد الهیأة بل الموضوع له فی الهیئات ذات النسب الشخصیة و آحادها.
بل یکفی فی الوضع للأعم وجود الجامع العنوانی و تصوره حین الوضع بحیث یکون الموضوع له معنوناته والجامع العنوانی بین المتلبس و المنقضی عنه موجود مثل الاتصاف و التلبس فی الجملة فالوضع للمعنی الأعم ممکن.
((1))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی مبانی الأعلام فی هذا البحث من جهة إمکان وجود الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه.
ص: 475
إنّ المحقق الدوانی (قدس سره) یری اتحاد المبدأ و المشتق ذاتاً و اختلافهما اعتباراً فإنّ المبدأ یلاحظ من أطوار موضوعه و شؤونه و یکون مرتبة من الموضوع فحینئذ مع زوال المبدأ و انقضاء التلبس به لا شیء هناک حتی یعقل لحاظه من أطوار موضوعه، فکیف یعقل الحکم باتحاد المبدأ مع الذات فی مرحلة الحمل مع عدم قیام المبدأ بالذات؟ و مع القول بالبساطة بهذا الوجه لایعقل الوضع للأعم.
إنّ مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ مفهوم المشتق صورة مبهمة متلبسة بالقیام علی نهج الوحدانیة کما هو کذلک فی الخارج.
فعلی هذا إنّ مطابق هذا المعنی الوحدانی لیس إلّا الشخص علی ما هو علیه من القیام مثلاً، فحینئذٍ لایعقل معنی بسیط یکون له الانتساب حقیقة إلی الصورة المبهمة المقوّمة لعنوانیة عنوان المشتق و مع ذلک یصدق علی فاقد التلبس. و مع القول بالبساطة بهذا الوجه أیضاً لایعقل الوضع للأعم.
أمّا علی القول بترکب مفهوم المشتق حقیقة - سواء کان مفهوم المشتق «من حصل منه الضرب» مثلاً کما هو الرأی فی بادی النظر عن العلّامة (قدس سره) (فی تهذیب الأصول إلی علم الأصول) أو کان مفهوم المشتق «من له الضرب» کما عن صاحب الفصول (قدس سره) - فإنّ الصدق علی الأعم فی «من حصل منه الضرب» بملاحظة أنّ من زال عنه الضرب یصدق علیه أنّه من حصل منه الضرب و
ص: 476
الصدق علی الأعم فی «من له الضرب» بملاحظة إهمال النسبة من حیث الفعلیة و الانقضاء.
أوّلاً: یلزم ترکب المشتق من الفعل الماضی (حصل) و زیادة.
ثانیاً: یلزم المجازیة فی مثال «زید ضارب الآن» أو «زید ضارب غداً» لأنّ قید الآن و قید غداً مناف للفعل الماضی المأخوذ فی المشتق.
أوّلاً: علی فرض الإهمال فی النسبة من حیث الفعلیة و الانقضاء تکون النسبة مهملة بالنسبة إلی الاستقبال أیضاً فیصدق علی من یتلبّس استقبالاً بالحقیقة لا بالمجاز.
ثانیاً: إنّ النسبة حقیقتها الجامعة لجمیع أنحائها هو الخروج من العدم إلی الوجود و هو عین الفعلیة فلا معنی لإهمالها و لا لکونها أعم من الوجود و العدم. (فإنّ النسبة متشخصة و الشخصیة عین الفعلیة).
أجاب بعض الأساطین (حفظه الله) عن بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی القول بترکب المشتق و تفسیر المشتق «بمن له الضرب» مثلاً:
ص: 477
أمّا الجواب عن إیراده الأوّل: فبأنّ الإهمال لیس من جمیع الجهات بل إهمال النسبة من جهة الفعلیة و الانقضاء أمّا النسبة فهی متعینة من جهة الاستقبال فلاتصدق علی المستقبل إلّا بالمجاز.
و أمّا الجواب عن إیراده الثانی: فبالنقض فی مثل عنوان الممتنع و المعدوم حیث یستحیل خروجهما من العدم إلی الوجود و هکذا بالنقض فی المجردات فإنّها لاتخرج من العدم إلی الوجود.
تحقیق المقام:
إنّ النسب اللفظیة حاکیة عن النسب الواقعیة الخارجیة أو نفس الأمریة و لکن النسبة الواقعیة بین الذات و المبدأ منتفیة فی المنقضی عنه المبدأ فمطابق النسبة فی المنقضی عنه المبدأ معدوم.
و لایجدی سبق وجود النسبة فی المقام، لأنّ ذلک یتوقف علی وجود ما یدلّ علی معنی السبق مع خلوّ المادة و الذات و مفاد الهیأة عن إفادة ذلک.
نعم، إن کان فی المشتق ما یدل علی الاتصاف فی الجملة أو علی الزمان الأعم فیمکن تصحیح الوضع للأعم و لکن لیس فی المشتق ما یدل علیهما.
هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تصحیح کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) لکن التحقیق هو ما ذکرناه فی المناقشة علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) .
بیانه: إنّ الکلام فی إمکان الوضع للجامع لا وقوعه فإنّ الوضع للجامع یصح بتصویر الجامع العنوانی الأعم حین الوضع و نتیجته الوضع لذات النسبة التقییدیة الناقصة المحققة سابقاً أو فعلاً علی أن یکون السبق خارجاً عن الموضوع له و لکن معرفاً لذات النسبة المحققة سابقاً و النسبة دائماً فعلیة إلّا أنّ
ص: 478
النسبة الفعلیة قد یکون وعاؤها الزمان السابق((1)) فلابدّ من البحث عن وقوع ذلک فی مقام البحث عن الدلالة الإثباتیة و عدم وجود ما یدلّ علی ذلک بل وجود ما یدلّ علی خلافه مرتبط بمقام الإثبات لا الثبوت.
فالمتحصّل أنّه إن قلنا ببساطة المشتق فیستحیل وضعه للمعنی الأعم من المتلبس و المنقضی و إن قلنا بترکب المشتق فیمکن وضعه للمعنی الأعم.
ص: 479
قد استدل علی القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بأمور و المهمّ منها: التبادر و صحة السلب عن المنقضی عنه المبدأ و برهان التضادّ.
((1))
بیانه: إنّ المرتکز عند أذهان أهل اللغة هو المتلبس بالمبدأ فعلاً أمّا ما انقضی عنه التلبس فلایصدق المشتق علیه إلّا بالقرینة.
و ذلک فی المشتقات الأدبیة -التی لها وضع نوعی باعتبار هیئاته- لایختصّ
ص: 480
بلغة دون لغة لاشتراک اللغات فی الوضع النوعی.
و هذا التبادر مستند إلی حاق اللفظ و لایستند إلی القرینة کما هو المفروض و أیضاً لایستند إلی کثرة الاستعمال فی خصوص المتلبس.
الأکمل أو ینصرف إلی الفرد الأغلب، فحیث إنّ التلبس الفعلی بالمبدأ هو الأغلب ینصرف المشتق إلیه و هو ینسبق إلی الذهن و التبادر الإطلاقی لیس دلیلاً علی الوضع.
((1))
أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بکثرة استعمال المشتق فی موارد الانقضاء لو لم یکن بأکثر.
استشکل السیّد الصدر علی جواب المحقق الخراسانی (قدس سرهما) فقال: إنّ موارد استعمالات المشتق إمّا الجملة غیرُ التطبیقیة کما إذا وقع المشتق فی سیاق الإنشاء و لا شبهة فی عدم صحة الاستشهاد بها علی الاستعمال فی المنقضی.
ص: 482
و إمّا الجملة التطبیقیة الإسنادیة مثل الضرب و ضربت العالم و الاستعمال فیها بلحاظ زمان إسناد الفعل.
و إمّا الجملة التطبیقیة الحملیة و فیها قد لاتکون الذات باقیة حین استعمال المشتق مثل قولنا: « الشیخ المفید عالم» و یتعین فیها أن یکون الجری بلحاظ زمان التلبس.
فموارد الاستعمال فی ما انقضی عنه التلبس بالمبدأ لیست کثیرة فضلاً عن أن تکون أکثر.
لو سلّمنا استناد التبادر إلی الانصراف الناشئ من کثرة الاستعمال فی المتلبس فعلاً یکشف عن تعیّن اللفظ فیه تدریجاً.
فالتبادر إمّا یکشف عن الوضع التعیینی للمتلبس خاصّة أو لا أقل من کشفه
ص: 483
عن تعیّن الوضع له و هو علی حد الوضع التعیینی من جهة غرض الفقیه.
((1))
بیانه: إنّه یصحّ السلب مطلقاً عمّا انقضی عنه المبدأ کالمتلبس به فی الاستقبال حیث إنّ المشتق لایصدق علی من لم یکن متلبساً بالمبدأ و إن کان متلبساً به قبل الجری و الانتساب و یصح سلبه عنه.
إنّه أورد علی الاستدلال بصحة السلب بأنّه إن أرید من صحة السلب
ص: 484
صحته مطلقاً (أی زید لیس بضارب فی جمیع الأزمنة) فهذا غیر سدید لأنّه کذب حیث إنّ المفروض تلبس زید بالضرب فی الزمان الماضی.
و إن أرید من صحة السلب صحته مقیداً (أی زید لیس بضارب الآن) فهو صحیح لکنّه غیر مفید لأنّ علامة المجاز هی صحة السلب المطلق لا المقید.
هنا احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأوّل: إرادة صحة السلب مقیداً بتقیید المسلوب (أعنی المشتق)
ص: 485
مثل زید لیس بضارب فی حال الانقضاء و صحة هذا السلب علامة لعدم وضع المشتق لخصوص المنقضی عنه المبدأ و لیس علامة لعدم وضع المشتق للأعم من المتلبس و المنقضی، إلّا أنّه لا دلیل علی تقیید المشتق بحال الانقضاء.
الاحتمال الثانی: أن یکون القید للسلب، فصحة السلب حینئذ علامة للمجاز، لأنّ سلب الضارب عن زید فی ما إذا کان السلب بلحاظ حال الانقضاء معناه
ص: 486
أنّ زیداً لیس من أفراد الضارب بحسب حال انقضاء التلبس، فوضع المشتق لیس للأفراد المنقضی عنها المبدأ، فلو کان وضع المشتق للأعم فلابدّ من صدق الضارب علی زید لأنّ المطلق یصدق علی أفراده.
الاحتمال الثالث: أن یکون القید للمسلوب عنه أی الذات التی یحمل علیها المشتق، فصحة السلب حینئذ مطلق لا مقید، فتکون علامة علی مجازیة الضارب بالنسبة إلی ما انقضی عنه المبدأ.
((1))
إنّ صحة السلب بالحمل الأوّلی و صحة السلب بالحمل الشائع إذا کان بنحو حمل الطبیعی علی أفراده و حمل الجنس علی نوعه و الفصل علی نوعه (السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود لا السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول و مضی بیان الفرق بینهما فی بحث علائم الحقیقة و المجاز فراجع) علامة علی المجازیة عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن بعض الأعلام خالفوا فی ذلک و قالوا بعدم علامیتها علی المجازیة مطلقاً (مثل المحقق الخوئی و السیّد الصدر (قدس سرهما)) و بعد اختیار مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره) یصح الاستدلال بصحة السلب بالحمل الأوّلی و بالحمل الشائع.
و لکن هناک تصاویر متعددة لصحة السلب و المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی ابتداء الأمر یقول بأنّ جمیع التصاویر یثبت المجازیة و تکون صحة السلب علامة علیها
ص: 487
إلّا أنّ بعض هذه التصاویر لایمکن الالتزام بها.
إنّ السلب إن اعتبر بالحمل الأوّلی الذاتی فاللازم سلب ما ارتکز فی الأذهان أو تعارف فی عرف أهل اللسان من المعنی الجامع، لا من خصوص ما انقضی عنه المبدأ بمعنی أنّا نتصوّر المفهوم الجامع بین المتلبّس و المنقضی عنه المبدأ فی موضوع القضیة ثم نتصور المشتق بمعناه الارتکازی فی محمول القضیة ثم نحکم بسلب مفهوم المشتق بمعناه الارتکازی عن المعنی الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه و نتیجة السلب الذاتی تغایر مفهوم المشتق و المعنی الجامع فلیس المشتق حقیقة فی المعنی الأعم.
إن اعتبر السلب بالحمل الشائع فهنا صور ثلاث:
الصورة الأولی: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للسلب مثل زید لیس فی حال انقضاء الضرب بضارب فنسلب الضارب بمعناه المرتکز عن زید و لکن السلب بلحاظ حال الانقضاء فلو کان المشتق موضوعاً للأعم لما صحّ سلبه عن مصداقه فی حین من الأحیان.
الصورة الثانیة: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للمسلوب عنه (و هو زید مثلاً) فی حال الانقضاء و نسلب عنه المشتق بسلب مطلق مثل: زید فی حال انقضاء الضرب لیس بضارب و صحة السلب حینئذ مطلق و هذا السلب أیضاً علامة للمجازیة لأنّه لو وضع المشتق للمعنی الأعم لما صح سلبه عن مصداقه بحسب وجود هذا المصداق فی زمان من الأزمنة.
ص: 488
الصورة الثالثة: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للمسلوب (فالمشتق مثلاً ضارب الیوم) و نسلب المسلوب المقید بزمان الیوم عن ذات الموضوع (زید) مثل: زید لیس بضارب فی هذا الیوم فلو کان المشتق موضوعاً للأعم فعنوان ضارب لابدّ أن یصدق علیه سواء کان عنوان الضارب مطلقاً أم مقیداً بالماضی أو الحال (أی بهذا الیوم).
فاتضح بما ذکرنا أماریة صحة السلب مقیداً للمجازیة سواء کان القید قیداً للسلب أم المسلوب أم المسلوب عنه.
مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الالتزام بهذه الصور الثلاث:
مناقشة فی الصورة الأولی:
أمّا الصورة الأولی و هی تقیید السلب فقط فیرد علیه أنّه غیر سدید لأنّ العدم غیر واقع فی الزمان، بل القضایا السلبیة لیست کالقضایا الإیجابیة مشتملة علی النسبة بل مفادها سلب النسبة الإیجادیة.
مناقشة فی الصورة الثانیة:
أمّا الصورة الثانیة و هی تقیید المسلوب عنه (زید فی المثال) بالزمان فیرد علیه أنّه لایخلو عن الإشکال لأنّه لامعنی لتقیّد الثابت و تحدّده بالزمان.
مناقشة فی الصورة الثالثة:
أمّا الصورة الثالثة و هی تقیید المسلوب أیضاً بالزمان فیرد علیه: أنّه لا معنی له، توضیحه: إنّ القابل للتقیّد و التحدد بالزمان نفس التلبس بالضرب الذی هو نحو حرکة من العدم إلی الوجود، فإنّه واقع بنفسه فی الزمان ثم إنّ النسبة
ص: 489
الاتحادیة بین الوصف و الموصوف موصوفة بالوقوع فی الزمان بالتبع، أمّا الوصف بما هو وصف غیر واقع فیه، لأنّ الوصف بما هو وصف غیر موجود إلّا بتبع وجود زید متلبساً بالضرب.
التزام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالصورة الثانیة بتقریب آخر:
إنّه (قدس سره) التزم بتصویر تقیید المسلوب عنه بالزمان فقال:((1)) و یمکن إصلاح قیدیة الزمان للمسلوب عنه بتقریب أنّ الثابت الذی له وحدة مستمرّة بلحاظ الوجود و إن لم یتقدر بالزمان (لأنّه شأن الأمر غیرِالقارّ) لکنّه (أی هذا الأمر الثابت مثل زید) مع کلّ جزء من أجزاء الزمان و بهذا الاعتبار (معیّة زید مع أجزاء الزمان) یقال بمرور الزمان علیه.
فصح أن یلاحظ زید مع جزء من الزمان الذی له المعیة معه فیسلب عنه (مطلقاً) مطلق الوصف. (صحة السلب عن زید المقید بالزمان صحة السلب المطلق). تمّ کلامه رفع مقامه.
ملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی کلامه الأخیر:
یمکن أن یقال: إنّ ما صحّحه به تقیید المسلوب عنه بالزمان یجری بالنسبة إلی تقیید المسلوب (أی المشتق) بالزمان أیضاً حیث قال قبل أسطر: «لأنّ الوصف بما هو وصف غیر موجود إلّا بتبع وجود زید متلبساً بالضرب» فلهذا للوصف أیضاً بتبع موصوفه معیّة مع أجزاء الزمان فیمکن تقییده بالزمان.
و هکذا فی تقیید السلب بالزمان فإنّ السلب لیس عدماً مطلقاً بل هو عدم مضاف فله معیة مع أجزاء الزمان باعتبار المضاف إلیه.
ص: 490
مقتضی التحقیق فی المسألة بعد اختیار نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بیان الملاحظة علی بعض ما یتعلق به، هو أنّ هنا أربعة أمور کلّها علامة علی عدم وضع المشتق للمعنی الأعمّ:
الأوّل: صحة السلب بالحمل الأوّلی.
الثانی: صحة السلب بتقیید المسلوب عنه.
الثالث: صحة السلب بتقیید المسلوب.
الرابع: صحة السلب بتقیید السلب.
قرّره صاحب الکفایة (قدس سره) نقلاً عن صاحب البدائع (قدس سره) . (1)
بیان ذلک: إنّه لا ریب فی مضادّة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادی
ص: 491
المتضادة علی ما ارتکز لها (لتلک الصفات) من المعانی مثل العالم و الجاهل المأخوذ من العلم و الجهل.
فلو کان المشتق حقیقة فی الأعمّ لما کان بینها مضادّة بل مخالفة لتصادقها فی ما انقضی عنه المبدأ و تلبس بالمبدأ الآخر، فارتکاز التضاد بین هذه العناوین بمعانیها من دون وجود قرینة فی البین دلیل علی الوضع للمتلبّس.
إنّ هذا الاستدلال لیس دلیلاً علی حدة غیر التبادر، فإنّ مفاد الاستدلال یرجع إلی أنّ المعنی المتبادر من حاقّ لفظ «قائم» هو ضد المعنی المتبادر من حاقّ لفظ «قاعد» مثلاً و التضاد بین المعنیین المرتکزین متفرّع علی التبادر المذکور.
ص: 492
إنّ التضادّ المتفاهم معلول للعلم الإجمالی بالمعنی الموضوع له ارتکازاً و کاشف عنه کما أنّ التبادر أیضا معلول للعلم بالوضع.
و هنا أدلّة أخری لا یهمّنا التعرض بها، احترازاً عن التطویل. ((1))
ص: 493
ص: 494
الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)((1)) فلایناله عهد الخلافة و منصب الإمامة و هذا الاستدلال متفرّع علی الوضع للأعم و إلّا لو ادّعی انقضاء المبدأ (عبادة الأوثان) فلایصدق الظالم.
إنّ معنی الآیة الشریفة هو أنّ من تلبس بالظلم و صدق علیه الظالم لایناله عهدالله و هو انتصابه لمنصب الخلافة الإلهیة لا حین الظلم و لا بعده فإنّ الظالم
ص: 497
استعمل فی خصوص المتلبس و لایعمّ المنقضی عنه المبدأ و المستدل توهم أنّ استدلال الإمام (علیه السلام) متوقف علی تعمیم عنوان الظالم و لکن الاستدلال لایتوقف علیه بل الظالم مختص بمن تلبس و لکن الحکم یعمّ زمان الحال و الاستقبال کما هو ظاهر الآیة الشریفة.
ص: 498
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أشار إلی تنبیهات فی آخر بحث المشتق، فإنّ التنبیه الأوّل و الثانی مرتبط بتفسیر المحمول الذی هو المشتق و التنبیه الثالث إلی السادس مرتبط ببیان رابطة الموضوع (أی الذات) و المحمول (أی المشتق).
توضیح ذلک: إنّ التنبیه الأوّل لبیان بساطة المشتق أو ترکیبها((1)) و التنبیه الثانی لبیان نسبة المشتق و المبدأ کما أنّ التنبیه الثالث لبیان رابطة ذات الموضوع و المشتق و أمّا سائر التنبیهات فهی لبیان رابطة ذات الموضوع و المبدأ.
فلنشرع فی بیان اهم التنبیهات تفصیلاً:
ص: 499
و خالفهم شارح المطالع و المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و السیّد الصدر (قدس سره) . ((1))
و هذا البحث وقع أوّلاً بین المنطقیین، فقال صاحب المطالع فی تعریف الفکر إنّه «ترتیب أمور معلومة لتحصیل أمر مجهول».
و ربما یورد علیه بالحدّ أو الرسم الناقص حیث لیس فیهما إلّا أمر واحد، لا أمور معلومة.
و أجاب عنه صاحب المطالع بأنّ الفصل و الخاصّة بحسب الواقع مرکّبان من أمرین (أی الذات و المبدأ).((2))
و استشکل علیه السیّد الشریف الجرجانی فی حاشیة المطالع بأنّ المشتق أمر
ص: 501
بسیط منتزع عن الذات باعتبار تلبّسها بالمبدأ، ثمّ استدلّ علی استحالة ترکیبه بما سیأتی إن شاء الله تعالی.((1))
ص: 502
الأعلام((1)) مثل المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) قالوا: إنّ البحث فی البساطة التحلیلیة.((2))
قال به المحقق الخراسانی (قدس سره) ((3)) و هو المختار.
«لایخفی أنّ معنی البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراکاً و تصوراً، بحیث لایتصور عند تصوّره إلّا شیء واحد لا شیئان و إن انحلّ بتعمّل من العقل إلی شیئین((4)) کانحلال مفهوم الشجر و الحجر إلی شیء له الحجریة و الشجریة مع وضوح بساطة مفهومهما و بالجملة لاینثلم بالانحلال إلی الإثنینیة بالتعمل
ص: 504
العقلی وحدة المعنی و بساطة المفهوم کما لایخفی و إلی ذلک یرجع الإجمال و التفصیل الفارقان بین المحدود و الحد مع ما هما علیه من الاتحاد ذاتاً، فالعقل بالتعمل یحلل النوع و یفصّله إلی جنس و فصل بعد ما کان أمراً واحداً إدراکاً و شیئاً فارداً تصوراً فالتحلیل یوجب فتق ما هو علیه من الجمع و الرتق.»
((1))
الغرض من البساطة و الترکّب هی البساطة و الترکب بحسب التحلیل العقلی و إلّا فلا ریب فی أنّ مفهوم المشتق لیس مرکباً من مفاهیم تفصیلیة و هی مفهوم «ذات ثبت له المبدأ» و القائل بالترکب یسلّم وحدة المفهوم، غایة الأمر یدّعی انحلاله إلی أمور متعددة فی العقل، بداهة أنّ لازم الترکب المفهومی هو انقلاب الإدراک التصوری اللازم فی المحمول إلی إدراک تصدیقی و لایلتزم به أحد من القائلین بالترکب.
إن کان النزاع فی البساطة التحلیلیة لا الإدراکیة و اللحاظیة فکیف یستشکل علی القول بالترکیب بقوله: ((2))
إنّ الواضع الحکیم لابدّ أن یلاحظ فی أوضاعه فائدة مترتّبة علیها، و لاتترتّب فائدة علی أخذ الذات أصلاً فهذا الإشکال یتّجه فی ما إذا کان النزاع فی المعنی
ص: 505
الموضوع له.
((1))
إنّه بعد بیان معنی البساطة اللحاظیة قال: إنّ البساطة اللحاظیة ممّا لم یقع لأحد فیها شک و ریب، إنّما الکلام فی البساطة الحقیقیة من وجهین:
أحدهما: ما هو المعروف الذی استدلّ له السیّد الشریف و هی البساطة من حیث خروج الذات عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ و النسبة.
ثانیهما: ما ادّعاه المحقق الدوانی (قدس سره) من خروج النسبة کالذات عن المشتقات و تمحّضها فی المبدأ فقط و أنّ الفرق بین مدلول لفظ المشتق و مدلول لفظ المبدأ بالاعتبار.
إنّه یمکن الملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بأنّه یستدل بالوجدان علی إدراک صورة مبهمة متلبّسة بالقیام و یبرهن علی لزوم تلک الصورة المبهمة المقوّمة لعنوان المشتق و إلّا لایصحّ حمل المبدأ علی الذات و یقول فی مقام الاستدلال بالوجدان بأنّا لانشک عند سماع لفظ القائم فی تمثّل صورة مبهمة متلبّسة بالقیام.
فإنّه و إن قال ببساطة المشتق إلّا أنّ تلک الصورة المبهمة عنده هی المدرکة من سماع اللفظ و المحقق الخوئی (قدس سره) یقول: إنّ هذه الصورة المبهمة هی مفهوم الذات خلافاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث یقول: إنّها مبهمة حتی من جهة
ص: 506
کونها ذاتاً و علی أی حال إن لم نتمکّن من تصویر وحدانیّتها -مع إدراک هذه الصورة المبهمة- یلزم ترکب المشتق تصوراً من تلک الصورة المبهمة و المبدأ.
((1))
إنّ البساطة اللحاظیة لاتصلح لأن تکون محوراً للبحث و مرکزاً لتصادم الأدلّة و البراهین العقلیة، بل لاتقع تحت أی بحث علمی کما لایخفی، بل المرجع فی إثبات البساطة اللحاظیة فهم العرف و مناط البساطة اللحاظیة وحدة المفهوم إدراکاً و وحدة المفهوم فی مرحلة التصوّر فی کل مفهوم و مدلول للفظ واحد ممّا لم یقع لأحد فیه شک و ریب.
إن کان البحث فی البساطة التحلیلیة و الترکیب التحلیلی فکیف یستدل علی
ص: 507
مختاره و هو الترکیب التحلیلی بالتبادر العرفی وجداناً.((1))
فتحصل من ذلک: أنّ النزاع فی البساطة اللحاظیة و الإدراکیة أو الترکیب اللحاظی و الإدراکی لا البساطة التحلیلیة العقلیة أو الترکیب التحلیلی العقلی.
مع أنّ التحلیل العقلی باب واسع و مع فتح هذا الباب یمکن تحلیل أکثر المشتقات بالأجناس و الفصول فلایبقی للقول بالبساطة مجال((2)) فالحق مع صاحب الکفایة (قدس سره) .
و المتحصل عندنا هو أنّ الذهن یتصور من القائم حقیقتین أحدهما جوهری
ص: 508
و الآخر عرضی و لایمکن اتحادهما مفهوماً و إدراکاً لاختلافهما ذاتاً.
نعم إذا قلنا بالترکیب اللحاظی و الإدرکی من مفهوم الذات أو الصورة المبهمة و مفهوم المبدأ فیلزم الترکیب الحقیقی و التحلیلی أیضاً.
ص: 509
إنّ الشیء لو کان مأخوذاً فی المشتقات فإمّا أن یراد منه مفهوم الشیء و إمّا أن یراد منه مصداق الشیء.
فإن قلنا بأنّ مفهوم الشیء (أو فقل: مفهوم الذات کما قرّره السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات)((1)) معتبر فی مفهوم الناطق فیلزم دخول العرض العام فی الفصل و إن قلنا بأنّ مصداق الشیء معتبر فی مفهوم الناطق فیلزم انقلاب مادة الإمکان الخاص إلی الضرورة، فإنّ جملة: الإنسان ضاحک قضیة ممکنة حیث إنّ الضحک بما له من المعنی ممکن الثبوت للإنسان فلو قلنا باعتبار مصداق الشیء فی الضاحک یکون المعنی: الإنسان الشیء (الإنسان) الذی له الضحک و ثبوت الشیء لنفسه ضروری. هذا ما أفاده السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره) .
ص: 511
((1))
هنا صورتان:
و لابدّ من تحقیق هذا الاستدلال بملاحظة کلتا الصورتین (أخذ مفهوم الشیء و مصداقه).
تقریبات ثلاثة للمناقشة فی الصورة الأولی:((2))
الأوّل ما أفاده السیّد الشریف و الثانی ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) و الثالث ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .
ص: 512
((1))
إنّ السیّد الشریف الجرجانی یعتقد بأنّه یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی المشتق دخول العرض العام فی الفصل.
بأنّ ما اشتهر بینهم من کون الناطق مثلاً فصلاً مبنی علی عرف المنطقیین حیث اعتبروه مجرّداً عن مفهوم الذات و ذلک لایوجب وضعه لغةً کذلک.
یوضع مکان الفصل الحقیقی حیث لایکاد یعلم، فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق.
و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلامهم:((1))
إنّ المراد من النطق إمّا هو النطق الظاهری و هو کیف مسموع فلایکون مقوّماً للجوهر النوعی و إما هو النطق الباطنی أعنی إدراک الکلیات و هو کیف نفسانی أو إضافة أو انفعال و علی أی حال إنّه من الأعراض و لایکون فصلاً مقوّماً للنوع الجوهری و لا محصلاً للجوهر الجنسی.
و سرّ جعل مثله فی مقام التحدید هو أنّ الذاتی لمّا لم یعلم، بل لایکاد یعلم (کما عن الشیخ الرئیس فی التعلیقات((2)) علی ما حکی عنه) لم یکن بدّ إلّا من التعریف باللوازم و الخواصّ.
إنّ الناطق بمعنی المتکلم أو مدرک الکلیات و إن کان من عوارض الإنسان إلّا أنّه بمعنی صاحب النفس الناطقة یکون فصلاً حقیقیاً فیلزم من أخذ مفهوم
ص: 515
الشیء فیه أخذ العرض العام فی الفصل.
(و سیجیء أنّ المحقق النائینی (قدس سره) یغیّر الإشکال بأنّه یلزم دخول الجنس فی الفصل فیوجب انقلاب الفصل إلی النوع و هو محال).
((1))
إنّ صاحب النفس الناطقة هو الإنسان و هو نوع لا فصل، إذن لا مناص من الالتزام بکون الناطق فصلاً مشهوریاً وضع مکان الفصل الحقیقی لتعذّر
ص: 516
معرفته غالباً بل دائماً.
إنّ النوع هو تمام ذاتیات الإنسان و هو مرکب من الجنس و الفصل ولکن النفس الناطقة هی النفس المختصة بالنوع الإنسانی و أما النفس الحیوانیة هی ما یشترک بین النوع الإنسانی و سائر انواع الحیوانیات فالنفس الناطقة لاتکون نوعاً بل هی فصل مقوم للنوع الإنسانی.
((1))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) رأی صحة الجواب الثانی و لذا قال: إنّه کان صواباً کیف و قد صدر عن جملة من الأکابر.
و لکن لاحظ علیه بأنّه یمکن أن یجعل الناطق فصلاً حقیقیاً للإنسان و أفاد فی بیان ذلک وجهین:
الأوّل: أن یکون المراد منه ما له نفس ناطقة و النفس الناطقة بما هی مبدأ لهذا الوصف فصل حقیقی. ((2))
ص: 517
فإنّ کلام بعض الأکابر و الأعلام من أنّ الناطق فصل مشهوری یلاحظ علیه أنّه یمکن أن یجعل الناطق فصلاً حقیقیاً من دون محذور (أی لایترتب علیه محذور دخول العرض العام فی الفصل أو دخول الجنس فی الفصل و انقلاب الفصل إلی النوع) بأن یکون المراد منه ما له نفس ناطقة و النفس الناطقة بما هی مبدأ لهذا الوصف فصل حقیقی الإنسان.
ثم أعرض عن هذا الوجه لأنّ توصیف النفس بالناطقة بمعنی المدرکة للکلیات یوجب أن لایکون الفصل ذاتیاً.
الثانی: أن یکون المراد منه مبدأ الناطق و هو النطق و هذا المبدأ هو الفصل الحقیقی للإنسان و أخذ الشیء و الذات و نحوهما لتصحیح الحمل.
[أقول: إنّ النطق بمعنی إدراک الکلیات من مقولة العلم و العلم أمر وجودی، و ماهیته جوهریة، فلا إشکال فی إمکان جعله فصلاً.]
ثم حاول لدفع إشکال السیّد الشریف الجرجانی بطریق آخر؛
بیانه: إنّ مفهوم الشیء لم یتخذ فی مبدأ الناطق الذی هو النطق و هو الفصل الحقیقی للإنسان بل اعتبر فی المشتق لأنّ النطق هو بشرط لا عن الحمل لأنّه المبدأ فما لم یلحظ لابشرط عن الحمل لایقبل الحمل فلذا یجب فی تصحیح الحمل من إضافة لفظة «ذو» فیقال: الإنسان ذو نطق أو من اشتقاق لغوی أصلی أو جعلی فیقال: الإنسان ناطق.
و أخذ مفهوم الشیء و الذات و نحوهما لتصحیح الحمل فإنّ أخذ مفهوم الشیء فی هذا المشتق الجعلی لایوجب محذور دخول العرض فی الذاتی بداهة أنّ الفصل الحقیقی هو المبدأ.
کما لا شبهة فی أنّ خاصة الإنسان هو الضحک و لایصح حمله إلّا بعنوان
ص: 518
اشتقاقی جعلی مثل الضاحک فمناقشة المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً مدفوع حیث إنّه توهّم أنّ فصل الإنسان هو الناطق لا النطق و أنّ خاصّة الإنسان مثلاً هو الضاحک لا الضحک.
و التحقیق هو أن یقال تفسیر النطق بإدراک الکلیات صرف اصطلاح جعلی لایوافق العرف و اللغة فالأولی أن یجعل فصل الإنسان مبدء النفس الملهمة أی الإلهام و معنی الملهمة هی المدرکة شأناً للکلیات و الحقائق من الأسماء الإلهیة و من الخیرات و الشرور المتنزلة منها.
و لذلک قال تعالی: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)((1)) و قال تعالی:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا). ((2))
((3))
إنّ صاحب الفصول (قدس سره) قرّب الإشکال فی هذا الفرض بنحو آخر.
بیان ذلک: إنّه یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی المشتق انقلاب القضیة الممکنة إلی الضروریة مثلاً قضیة: الإنسان شاعر ممکنة و لکن لو قلنا بأخذ مفهوم الشیء یلزم کونها ضروریة، لأنّ صدق الشیء علی جمیع الأشیاء ضروری.
ص: 519
إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قرّر الإشکال بنحوآخر فقال:((1)) التحقیق أنّ الشیء لیس من العرض العام فی شیء، فإنّ العرض العام ما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید کالماشی و المتحّیز مثلاً و الشیئیة تعرض کل ماهیة من الماهیات و هی
ص: 521
جهة مشترکة بین جمیعها و لیس ورائها أمر آخر یکون هی الجهة المشترکة و جنس الأجناس حتی تکون الشیئیة عارضةً و خاصةً له.
فإنّ الشیء جهة مشترکة بین تمام الموجودات فلامحالة یکون جنساً عالیاً لها فاللازم علی تقدیر أخذ مفهوم الشیء فی المشتق هو دخول الجنس فی الفصل.
((1))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ناقش تارةً فی ما ذکره من ملاک العرض العام و أخری فی ما أفاده من أنّ مفهوم الشیء جنس الأجناس.
المناقشة الأولی فی ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره):
إنّ ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره) هو ما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید و فیه: أنّ المراد من العارض هنا ما هو خارج عن ذات الشیء و محمول علیه و لذا ذکروا أنّ الوجود من عوارض الماهیة بمعنی أنّه خارج عن حیطة ذاتها و محمول علیها، فانحصار العرض بما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید لا وجه له.
المناقشة الثانیة فی ما أفاده من أنّ الشیء جنس الأجناس: (2)
أنّ الشیء لایعقل أن یکون جنساً عالیاً للأشیاء جمیعاً من الواجب و الممکن و الممتنع بداهة استحالة الجامع الماهوی بین المقولات المتأصلة و
ص: 522
الماهیات المنتزعة و الأمور الاعتباریة بل کیف یعقل أن یکون الشیء جامعاً ماهویّاً بین ذاته تعالی و بین غیره؟
أمّا دعوی أنّه جنس لما تحته من المقولات الواقعیة التی هی أجناس عالیات دون غیرها فیرد علیها:
أوّلاً: أنّ صدق الشیء علی المقولات الواقعیة و غیرها علی حد سواء و لیس صدقه علی المقولات ذاتیاً و علی غیرها عرضیّاً.
و ثانیاً: أنّ الشیء لایمکن أن یکون جنساً للمقولات الحقیقیة لاستحالة جامع حقیقی بینها بل قد برهن فی محلّه أنّ الجامع الحقیقی لایعقل بین المقولات التسع العرضیة فضلاً عن الجامع بین جمیع المقولات.
فالتحقیق أنّ مفهوم الشیء مفهوم عام مبهم معرّی عن کل خصوصیة من الخصوصیات کمفهوم الأمر و الذات و یصدق علی الأشیاء جمیعاً صدقاً عرضیاً فیکون من العرض العام لا من العرض المقابل للجوهر (تمّ کلام المحقق الخوئی (قدس سره)).
فتحصل إلی هنا أنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق یوجب دخول العرض العام فی الفصل عند السیّد الشریف و دخول الجنس فی الفصل عند المحقق النائینی (قدس سره) .
و صدر المتألهین و الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق
ص: 523
الخوئی (قدس سرهم) قالوا بعدم لزوم ذلک لأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً بل هو فصل مشهوری.
و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال بأنّ مبدء الناطق مجرداً عن الذات هو الفصل الحقیقی فلایلزم دخول العرض العام أو الجنس فی الفصل و ما أفاده هو الأدقّ.
((1))
إنّه قد نوقش فی أخذ مصداق الشیء فی المشتق مناقشات عدیدة، المناقشة الأولی ما قاله السیّد الجرجانی و المناقشة الثانیة ما أفاده الحکیم السبزواری و تبعه صاحب الکفایة (قدس سرهما) و المناقشة الثالثة ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .
ص: 524
جواب صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) عن المناقشة الأولی: (2)
أجاب عنه صاحب الفصول (قدس سره) بأنّ المحمول لیس مصداق الشیء و الذات مطلقاً بل المحمول هو مصداق الشیء مقیداً بوصف المبدأ و ثبوت الشیء المقید بوصف المبدأ للموضوع لیس ضروریاً.
ص: 526
توضیح ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات:((1)) إنّ قضیة «الإنسان کاتب» مثلاً و إن انحلّت علی هذا إلی قضیة «الإنسان إنسان له الکتابة» إلّا أنّ المحمول فیها لیس هو الإنسان وحده لیکون ثبوته للإنسان من قبیل ثبوت الشیء لنفسه الذی هو ضروری، بل المحمول هو الإنسان المقید بالکتابة و من المعلوم أنّ ثبوته بهذا الوصف لایکون ضروریاً.
دفاع المحقق السبزواری ((2)) و الخراسانی (قدس سرهما) عن السید الشریف: (3)
إنّ المحقق السبزواری (قدس سره) حاول الدفاع عن نظریة السیّد الشریف بلزوم
ص: 527
الانقلاب فی هذا الفرض و تبعه صاحب الکفایة (قدس سره) و قال:
«إنّ عدم کون ثبوت القید ضروریاً لایضرّ بدعوی الانقلاب فإنّ المحمول إن کان ذات المقیّد و کان القید خارجاً و إن کان التقید داخلاً بما هو معنی حرفی (تقیّد جزء و قید خارجی)، فالقضیة لامحالة تکون ضروریة، ضرورة ضروریة ثبوت الإنسان الذی یکون مقیداً بالنطق للإنسان.
و إن کان المقیّد به بما هو مقید علی أن یکون القید داخلاً فقضیة «الإنسان ناطق» تنحلّ فی الحقیقة إلی قضیتین: إحداهما قضیة «الإنسان إنسان» و هی ضروریة و الأخری قضیة «الإنسان له النطق» و هی ممکنة».
ص: 528
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن المحققینِ (قدس سرهما):((1))
أمّا بالنسبة إلی الشقّ الأوّل (و هو خروج القید عن المحمول و دخول التقیید فیه) فیرد علیه((2)) أنّ المحمول حینئذ هو الإنسان المتقیّد بالضحک مثلاً (أی تلک
ص: 529
الحصة من الإنسان) و ثبوته حینئذ لیس بضروری.
و أمّا بالنسبة إلی الشقّ الثانی (1) (و هو دخول القید فی المحمول و انحلال القضیة إلی قضیتین) ففیه أنّ الانحلال المذکور باطل.
ص: 530
و أمّا الوجه فی بطلان الانحلال فهو أنّه إن أرید بالانحلال انحلال عقد الوضع إلی قضیة فعلیة أو ممکنة علی النزاع بین الشیخ الرئیس و الفارابی (قدس سرهما)، فهو جارٍ فی جمیع القضایا فلایختص ببعض دون بعض (لکنّه لیس مراد صاحب الکفایة (قدس سره) قطعاً کما صرّح به فی عبارته).
و إن أرید به الانحلال الحقیقی بأن یدّعی أنّ قضیة الإنسان کاتب مثلاً تنحل حقیقة إلی قضیتین ففیه أنّا لانعقل له معنی محصّلاً بل المحمول منحلّ إلی أمرین
ص: 531
و هذا لیس من انحلال القضیة إلی قضیتین. بل القضیة الأولی علی فرض الانحلال لیس مراد المتکلم لأنّ محمولها طبیعی الإنسان مع أنّ مراد المتکلم مصداق الشیء المتقید بحصة الضحک و هو أخصّ من طبیعة الإنسان (إنّ عقد الوضع هو اتصاف ذات الموضوع بوصف الموضوع مثلاً إذا قلنا: کل کاتب متحرک الأصابع فعقد الوضع هو زید الکاتب و الشیخ الرئیس (قدس سره) یقول بأنّ عقد الوضع ینحل إلی قضیة مطلقة عامة یعنی زید الکاتب بالفعل و الفارابی (قدس سره) یقول بأنّ عقد الوضع ینحل إلی قضیة ممکنة یعنی زید الکاتب بالإمکان العام).
فالحق مع صاحب الفصول (قدس سره) و إشکال السیّد الشریف علی أخذ مصداق الشیء فی المشتق لا وجه له.
و وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه أولی لفساده مطلقاً و إن قلنا بأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً حیث یلزم حینئذٍ أخذ النوع فی العرضی الخاص.
((1))
قال المحقق الخوئی (قدس سره):((2)) إنّ هذه الدعوی باطلة لاستلزامها تکثّر معنی المشتق حیث إنّ الذات المأخوذة فی کل واحدة من الجمل مباینة للذات المأخوذة فی غیرها (مثل زید قائم و الجدار قائم) فیلزم أن یکون الوضع عاماً و الموضوع له خاصّاً و هذا مخالف للفهم العرفی.
و المتحصل إلی هنا هو أنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق لا محذور فیه و إشکال السیّد الشریف و المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
و أمّا أخذ مصداق الشیء فی المشتق فهو أوّلاً مستلزم لأخذ النوع فی الفصل کما أفاده الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و ثانیاً إنّه خلاف المتفاهم العرفی کما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المناقشة الثالثة.
ص: 533
((1))
قال المحقق السبزواری (قدس سره):((2)) دلیل آخر علی عدم دخل الذات فی المشتق هو أنّا نعلم بالبدیهة أنّه لیس فی توصیف الثوب بالأبیض تکرار الموصوف أصلاً لا بطریق العموم و لا بطریق الخصوص و الحال أنّه لو اعتبر فیه الشیء (و الذات) لیلزم التکرار فإنّ الترکب مستلزم لتکرار الموصوف سواء قلنا بأنّ المشتق مرکب من مفهوم الشیء أم من مصداق الشیء.
و قد أوضحه صاحب الکفایة ((3)) و أیضاً المحقق النائینی (قدس سرهما) ((4)) بأنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق مستلزم لتکرار الموضوع فی قضیة زید قائم و الإنسان کاتب و أمثال ذلک و هذا خلاف الضرورة و الوجدان.
جواب المحقق الخوئی (قدس سره): (5)
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) فصّل هنا بین أخذ مفهوم الشیء فالتزم بعدم لزوم
ص: 534
التکرار و بین أخذ مصداقه فالتزم حینئذ بلزوم التکرار فقال:
إنّ المأخوذ فی المشتق شیء مبهم معرّی عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ به و لا تعیّن له إلّا بالانطباق علی ذوات معینة فی الخارج کزید و عمرو و نحوهما و علیه لایلزم التکرار بداهة أنّه لا فرق بین جملة «الإنسان کاتب» و جملة «الإنسان شیء له الکتابة» و ذکر کلمة «شیء» فی الجملة الثانیة لایعدّ تکراراً.
نعم، إن قلنا بأنّ المأخوذ فی المشتق مصداق الشیء فیلزم التکرار و لکنّک عرفت أنّه خلاف الفهم العرفی.
المشتق فقال فی أجود التقریرات:((1)) إنّ الواضع الحکیم لابدّ أن یلاحظ فی أوضاعه فائدة مترتبة علیها و لاتترتب فائدة علی أخذ الذات أصلاً.
قال السیّد الخوئی ((2))تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سرهما):((3))
الجواب أنّ أخذه مصحح لحمل المبدأ علی الذات لاحتیاج حمل العرض علی موضوعه لأنّ وجود الجوهر مباین لوجود العرض خارجاً و ملاک صحة الحمل هو الاتحاد فی الوجود و مجرد اعتبار العرض لابشرط لایوجب اتحاده معه حیث
ص: 536
إنّ المغایرة بینهما لیست اعتباریاً حتی تنتفی باعتبار آخر.
((1))
نسبه إلیه المحقق النائینی (قدس سره) . ((2))
إنّه یلزم من أخذ الذات فی المشتق أخذ النسبة فیه أیضاً فیلزم اشتمال الکلام الواحد علی نسبتین فی عرض واحد إحداهما فی کل الکلام و هی النسبة التامة و الأخری فی محمول الکلام و هی النسبة التامة الخبریة و لحاظ النسبة التقییدیة متقدمة علی النسبة التامة الخبریة فی المحمول و علی النسبة التامة الخبریة فی کل الکلام فینقلب الإدراک التصوری إلی الإدراک التصدیقی.
إنّ الإدراک التصوری لم ینقلب إلی التصدیقی بل هو مقدم علی الإدراک التصدیقی و لا مانع من وجود نسبتین فی الکلام إحداهما تقییدیة و الأخری تامة.
ص: 537
و النسبة التی فی المشتق فی محمول القضیة و إن کانت فی تقریر بعض المنطقیین نسبة تامة حیث اظهروها بقولهم: «ذات ثبت له النطق» ولکن یمکن اظهارها بصورة النسبة الناقصة و هی قولهم: «ذات ثابت له النطق» مع أن الکلام فی النسبة التی بین الذات و الوصف و المراد من الوصف هنا عبارة «له النطق» و هذا الوصف کما یمکن تبیینها بصورة النسبة التامة (ثبت له النطق) یمکن تبیینها أیضاً بصورة النسبة الناقصة.
نعم، وجود النسبتین التامتین فی الکلام تکرار و هذا یرجع إلی استدلال المحقق السبزواری (قدس سره) (حیث إنّ تکرار الموصوف یوجب تکرار النسبة).
نعم، هذا الإشکال متّجه علی القائل بالترکیب إذا أخذ مصداق الشیء فی المشتق لا فی ما أخذ مفهومه کما هو الحق عند القائل بالترکیب (مثل المحقق الخوئی و السیّد الصدر (قدس سرهما)).
و هو استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی بساطة المشتق بالبساطة العنوانیة (و إن کان مرکباً من جهة أخری).
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1)) تحقیق الحق فی المقام یقضی باعتبار أمر مبهم
ص: 538
مقوّم لعنوانیة العنوان لمکان الوجدان و البرهان.
أمّا الوجدان: فإنّا نتصور عند سماع لفظ القائم صورةً مبهمةً متلبّسة بالقیام و وحدانیته فی الذهن علی حدّ وحدانیته فی الخارج، فکأنّ الصورة الخاصة الخارجیة انطبعت فی مرآة الذهن.
أمّا البرهان: فإنّ المبدأ حیث إنّه مغایر لذی المبدأ لایصح الحکم باتّحاده معه فی الوجود و إن اعتبر فیه ألف اعتبار، إذ جمیع هذه الاعتبارات لاتوجب انقلاب حقیقة المبدأ عمّا هی علیه من المباینة و المغایرة و لیست المغایرة بمجرد الاعتبار حتی تنتفی بالاعتبار.
و من المعلوم أنّ النسبة الواجدیة ما لم یعتبر فی طرفها الأمر المبهم المقوم للعنوان لم یصح حمل نفسها علی ما یقوم به المبدأ (الموضوع) و المجموع من المبدأ و النسبة أیضاً کذلک (و سیأتی تحقیق ذلک ضمن الأمر الآتی عند بیان رابطة المشتق و المبدأ).
فلا مناص من وضع هیأة ضارب للعنوان البسیط و هی الصورة المتلبسة بالقیام المبهمة من جهة کونها جوهراً أو عرضاً أو أمراً اعتباریاً بل هی مبهمة من حیث إنّها عین المبدأ فی الخارج أو لا، فالوجود موجود لهذا الوجه.
بل هی مبهمة من جهة مفهوم الذات أو الشیء و المفاهیم المندرجة تحتهما و لذا لاینافی القول بعدم أخذ الذات (عموماً أو خصوصاً) فی المشتقات ما ذکرنا.
و اعتبار هذا الأمر المبهم لاینافی البساطة العنوانیة، بمعنی تمثّل صورة وحدانیة فی الذهن علی حدً الوحدانیة فی الخارج.
فالمشتق بحسب وجوده الجمعی بسیط بهذا المعنی من البساطة و بحسب وجوده الفرقی التفصیلی «ما له مبدأ الاشتقاق».
ص: 539
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی الدلیل الخامس: ((2))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ناقش فی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث قال: إنّ الأمر المبهم لیس من مفهوم الذات و لا من المفاهیم المندرجة تحتها، فقال:
إنّ شیخنا المحقق بعد ما اعترف بمغایرة المشتق و مبدئه و أنّ مفهوم المشتق قد أخذ فیه ما یصح حمله علی الذات ذکر أنّ المأخوذ فیه هو الأمر المبهم من جمیع الجهات لمجرد تقوّم العنوان و لیس من مفهوم الذات و لا من المفاهیم المندرجة تحتها فی شیء، بل هو مبهم من جهة انطباقه علی المبدأ نفسه کما فی قولنا: «الوجود موجود» أو «البیاض أبیض» و من جهة عدم انطباقه علیه کما فی قولنا: «زید قائم».
و الإشکال علیه (المحقق الإصفهانی (قدس سره)) یبتنی علی مقدمتین:
المقدمة الأولی: أنّ الأمر المبهم القابل للانطباق علی الواجب و الممکن و الممتنع یکون عنواناً عاماً یدخل تحته جمیع ذلک و المقدمة الثانیة: أنّا لانجد فی المفاهیم أوسع من مفهوم الشیء و الذات.
ص: 540
و النتیجة هی أنّ المراد من الأمر المبهم هو مفهوم الذات و الشیء.
یلاحظ علیه:
إنّ نظر المحقق الإصفهانی (قدس سره) إلی أنّ الشیئیة تساوق الوجود و إطلاق الشیء علی الممتنع لایخلو عن التسامح.
أمّا مفهوم الذات فلیس مرادفاً لمفهوم الشیء و لا مساوقاً له و لذا إنّ الوجود المنبسط مثلاً (و هو الوجود المطلق المتقوم) لا ماهیة له و لا ذات، کما أنّ بعض الأعلام صرّحوا بذلک و برهنوا علیه، فمفهوم الذات لایمکن أن یشمله بخلاف مفهوم الشیء فإنّه یشمله.
و هکذا فی الممتنع بالذات فإنّه لا ماهیة له و لا ذات بل لایعمّه مفهوم الشیء أیضاً و لذا قال بإبهامه من تلک الجهات و للکلام تتمة ستأتی.
ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
لابدّ من الإبهام من جهة وصف المتلبس لما سیأتی (حتی یشمل ما له المبدأ و ما هو المبدأ) و التعبیر بالنسبة الواجدیة کما صرّح به فی نهایة الدرایة ((1)) هو الأولی.
و التحقیق هو أنّ البساطة علی أربعة أقسام:
الأول: البساطة المفهومیة؛
الثانی: البساطة الإدراکیة و اللحاظیة و التصوریة؛
الثالث: البساطة التحلیلیة و الحقیقیة؛
ص: 541
الرابع: البساطة العنوانیة أی البساطة فی التصویر لاالبساطة فی التصوّر فنرید من البساطة العنوانیة بساطة نفس العنوان من غیر نظر إلی ما یشتمل علیه من المفاهیم بل بما أنّه عنوان واحد و تصویر فأرد ولکن البساطة بهذا المعنی لیس محل النزاع، کما صرّح به المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً.
((1))
استدلّ المحقق الخوئی (قدس سره) علی ترکب المشتق بوجهین: ((2))
لعلّ کلماته متخذة من عبارات أستاذه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) إلّا أنّه خالف أستاذه فی أمرین: فی إبهام الأمر المأخوذ فی المشتق من حیث کونه مفهوم الذات و الشیء و فی أنّ الصورة المتلبسة بالقیام مثلاً أمر وحدانی و له البساطة العنوانیة من وجه و الترکّب من وجه آخر
ص: 542
إنّ المتبادر عرفاً من المشتق عند إطلاقه هو الذات((1)) المتلبّسة بالمبدأ علی نحو الإبهام و الاندماج مثلاً عند إطلاق لفظ ضارب تمثّل فی النفس ذات مبهمة متلبسة بالضرب و هکذا و هذا المعنی وجدانی لا ریب فیه.
إنّ مفاد الهیأة لابدّ أن یکون معنی حرفیاً، فلاتدلّ علی مفهوم الذات و الشیء، لأنّهما مفهومان اسمیان.
إنّه لایمکن تصحیح حمل المشتق علی الذات إلّا بأخذ مفهوم الشیء فیه لأنّ المبدأ مغایر لها ذاتاً و عیناً و لایمکن تصحیح حمله علیها بوجه، لمکان المغایرة بینهما حقیقة و خارجاً و مجرد اعتباره لابشرط لایوجب اتحاده معها و لایقلبه عمّا هو علیه من المغایرة و المباینة، لأنّ المغایرة لم تکن اعتباریة لتنتفی باعتبار آخر.
ص: 543
إنّ إبهام الصورة المتلبسة یقتضی التعبیر عنها بلفظ ما الموصولة لأنّ إبهامها أکثر من إبهام مفهوم الشیء و الذات بل إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من وصف التلبس للصورة المبهمة مختصّة بمثال القیام و ما أشبهه و لم یدع تعمیمها لسائر الموارد مثل «الوجود موجود» فإنّ تلبس الصورة المبهمة بالمبدأ یتمّ فی «زید قائم» و لکنّه لایتمّ فی مثل إطلاق الموجود علی نفس الوجود.
فالمشتق کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) یلاحظ بصورتین:
فإنّه قد یلاحظ بوجوده الجمعی((1))
و هذا بوجوه ثلاثة:
الوجه الأول: بملاحظة صورة مبهمة بسیطة عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) لکن هذه الصورة متلبسة بالقیام.
(أقول: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری بساطة هذه الصورة ولکن یلاحظ علیه: أوّلاً: أنّه یقول: موضوع البحث هو البساطة التحلیلیة مع أنّ الصورة المذکورة المتلبسة بالقیام عند التحلیل لیست بسیطة بل هی مرکب تحلیلی من صورة المعروض إبهاماً و عرضه الذی هو القیام. و ثانیاً: أنّ الالتزام بالبساطة الإدراکیة و اللحاظیة فی الصورة المبهمة المتلبسة بالقیام ممنوع، لأنّا کما ندرک هذه الصورة هکذا ندرک قیامه فالمدرک متعدّد. نعم لابدّ من أن یراد هنا من البساطة البساطة العنوانیة بالمعنی المتقدم.)
ص: 544
و الوجه الثانی: بملاحظة تلک الصورة مع المبدأ و لکن علی مبنی صدر المتألهین (قدس سره) فی الحرکة الجوهریة و مبنی آقا علی المدرس (قدس سره) من اتحاد العرض و معروضه وجوداً.
و الوجه الثالث: فی مثل الوجودموجود و البیاض أبیض((1)) (و هکذا إطلاق أسمائه الذاتیة) و المشتق بهذا اللحاظ بسیط.
و قد یلاحظ بوجوده الفرقی التفصیلی و هذا بملاحظة الصورة المبهمة و النسبة الواجدیة و ما له المبدأ و المشتق بهذا المعنی مرکب (إنّ صیغة اسم المکان لایتصور فیها البساطة قطعاً) و لمّا کان المتفاهم العرفی هو وحدة الوضع والموضوع له فی المشتقات و انتفاء الاشتراک اللفظی فلابدّ من تصویر معنی المشتق بحیث یکون جامعاً للوجود الجمعی و الوجود الفرقی.
فالمشتق موضوع للمعنی الجامع بین ما له المبدأ و ما هو المبدأ و لابدّ حینئذ من ملاحظة الإبهام فی ناحیة التلبس و العینیة (له و هو هویة) و إن کانت النسبة التلبسیة غیر النسبة العینیة و لا جامع حقیقی بین النسبتین، لکن یکفی فی الوضع للأعم منهما الجامع العنوانی الأعم.
کما قلنا سابقاً (عند الإشکال علی المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) فی إمکان وضع المشتق للمتلبس و المنقضی عنه المبدأ): إنّ الوضع للمعنی الأعم من أنحاء النسب لایتوقف علی أن یکون الموضوع له هو المعنی الجامع الأعم حتی یقال باستحالة الجامع الحقیقی بین أنحاء النسب التی هی مفاد الهیئات بل
ص: 545
الموضوع له ذوات النسب بل یکفی تصور الجامع العنوانی((1))حین الوضع بحیث یکون الموضوع له معنونه، و هذا سرّ الإبهام الذی تصوره الإصفهانی (قدس سره) فی الموضوع له إلّا أنّه لابدّ من ملاحظة الإبهام فی ناحیة النسبة التلبسیة و النسبة العینیة.
ص: 546
الذات و العلم فی مثل زید عالم لیس اعتباریا بل الفرق بالذات و لذا یمتنع حمل العلم علی زید و إن اعتبر لا بشرط ألف مرّة.
ص: 549
و قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ مرادهم اختلاف المشتق و مبدئه مفهوماً لا اعتباراً فإنّ المشتق بمفهومه لایأبی عن الحمل علی ما تلبس بالمبدأ لما بینهما من نحوٍ من الاتحاد، بخلاف المبدأ حیث إنّه بمفهومه یأبی عن الحمل بل المبدأ غیر الموضوع الذی تلبس به و المراد من لا بشرط هو عدم إباء المفهوم عن الحمل و من بشرط لا إباء المفهوم عن الحمل.
والتحقیق هو فی مقامین: المقام الأوّل فی مراد أهل المعقول و المقام الثانی فی القول الصحیح.
إنّ الظاهر من کلمات بعض الحکماء بل صریح بعض کلماتهم هو اتحاد مفهوم المشتق و مفهوم مبدئه کما هو الصریح کلام المحقق الدوانی (قدس سره) بل قال صدر المتألهین (قدس سره) فی شواهد الربوبیة:((1)) «مفهوم المشتق عند جمهور علماء الکلام متحصّل من الذات و الصفة و النسبة و عند بعض المحققین (أی العلّامة الدوانی) هو عین الصفة لاتحاد العرض و العرضی عنده بالذات و الفرق بکون الصفة عرضاً غیر محمول إذا أخذ فی العقل بشرط لا شیء و عرضیاً محمولاً إذا أخذ لا بشرط».
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((2)) إنّ إرجاع صاحب الکفایة (قدس سره) کلمات أهل المعقول إلی مختاره لعلّه لحسن ظنّه بهم.
ص: 550
((1))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أوّل التعلیقة یقول بصحة مبنی صاحب الکفایة و صاحب الفصول (قدس سرهما) (حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) اختار المبنی الصحیح و لکن توهم أنّه مبنی الحکماء، و صاحب الفصول (قدس سره) أیضا اختار المبنی الصحیح و لذا استشکل علی الحکماء) و یخالف المحقق الدوانی.
و استدل علی ذلک بأنّ طور الشیء لیس نفس الشیء فلا وجه لدعوی أنّه الشیء فملاحظة العرض من أطوار موضوعه لاتصحّح دعوی أنّ وجوده وجود موضوعه و إن کان وجوده فی نفسه وجوده لموضوعه.
و من الواضح أیضا أنّ تعدد العرض و موضوعه لیس بالاعتبار حتی ینتفی بطرو اعتبار آخر.
فإن قلت: فما الوجه فی حمل الجنس علی الفصل مع أنّ طبیعة الجنس فی الخارج غیر طبیعة الفصل؟
ص: 551
قلت: إنّ التحقیق فیه کما عن صدر المتألهین هو أنّ الترکیب بین الجنس و الفصل ترکیب اتحادی حقیقی اتحاد المتحصل (الفصل) و اللّا المتحصل (الجنس) بخلاف الترکیب بین العرض و موضوعه فإنّه ترکیب انضمامی لا حقیقی لعدم اتحادهما فی الوجود و مع المغایرة الحقیقیة بینهما لایمکن حمل أحدهما علی الآخر بأی اعتبار کان.
ثمّ یستدرک عن ذلک بناء علی اتحاد الأعراض و معروضاتها فیقول((1)): نعم بناء علی اتحاد الأعراض مع موضوعاتها فی الوجود کما عن بعض أهل التحقیق (آقا علی المدرس (قدس سره)) بل یستفاد من بعض الأکابر فی مسألة إثبات الحرکة الجوهریة (من أنّ التبدّل فی الأعراض تبدل فی موضوعاتها و لولا الاتحاد لما صحّ ذلک) یصحّ حمل العرض علی موضوعه.
و المراد من الاتحاد نظیر اتحاد الجنس و الفصل و هو أنّ إفاضة الوجود تتعلق أوّلاً و بالذات بالموضوع و بعرضه ثانیاً، کما أنّ الوجود أولاً للصورة بما هی صورة و ثانیاً للمادة بما هی مادة و لهذا الاتحاد فی الوجود الساری فی الموضعین یصحّ الحمل إذا أخذ لا بشرط لا إذا أخذ بحسب مرتبة من الوجود و درجة من التحصّل و لانعنی بالحمل إلّا الاتحاد فی الوجود فقط و علی هذا المعنی من لابشرط و بشرط لا لابدّ من أن یحمل ما یوجد فی کلمات أهل النظر لا علی الوجه المشتهر الذی ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) فافهم و تدبّر.
تتمة فی کلام المحقق الإصفهانی: ((2))
کل ما ذکرنا إنّما یصحّح حمل العرض علی موضوعه و اتحاد العرض و
ص: 552
العرضی بحسب الواقع لا أنّ مفهوم الأبیض عرفاً نفس حقیقة البیاض المأخوذة لا بشرط، إذ صحة الحمل لا ربط لها بالعینیة و الاتحاد من حیث المفهوم فی الأبیض و البیاض.
و غرض العلّامة الدوانی کما هو صریح کلامه و النافع للأصولی عینیة المفهومین ذاتاً و لا دلیل علیها.
ص: 553
((1))
إنّ ملاک الحمل الذاتی هو الهوهویة بالذات و الحقیقة، و المغایرة بالاعتبار الموافق للواقع لا المغایرة بالاعتبار الفرضی.
و ملاک الحمل الشائع هو الاتحاد فی الوجود و المغایرة بالمفهوم، فلابدّ فیه من وجود واحد ینسب إلی صورتین معقولتین بالذات أو بالعرض فی الطرفین أو فی طرف واحد.
فملاک الحمل الذاتی الاتحاد فی الذات و التغایر الاعتباری و ملاک الحمل الشائع الاتحاد فی الوجود و التغایر المفهومی و علی هذا لایصح حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر.
((2))
یجوز حمل أحد المتغایرین بالوجود علی الآخر بالقیاس إلی ظرف التغایر بشروط ثلاثة:
1. أخذ المجموع من حیث المجموع أی تنزیل الأشیاء المتغایرة وجوداً منزلة شیء واحد و ملاحظتها من حیث المجموع فتحصل بین المتغایرین وجوداً
ص: 554
وحدة اعتباریة.
2. أخذ الأجزاء لا بشرط حتی یصحّ حمل بعض الأجزاء علی الآخر و أیضاً حمل الأجزاء علی المرکب الاعتباری.
3. اعتبار الحمل بالنسبة إلی المجموع من حیث المجموع بأن یحمل الجزء علی مجموع الأجزاء (و لو فی حمل الجزء علی الجزء) حتی یصحّ الحمل و إلّا فالجزءان بما هما جزءان متغایران وجوداً و لا اتحاد بینهما و وجه الاتحاد هو ملاحظة الوحدة الاعتباریة فی الکل المرکب منهما فلابدّ من ملاحظة المرکب الاعتباری بوحدته حتی یصحّ الحمل.
و مثّل لذلک بقولهم: الإنسان جسم أو الإنسان ناطق فإنّ الإنسان مرکب فی الخارج حقیقة من بدن و نفس و البدن و النفس متغایران وجوداً و مفاد لفظ البدن و النفس هو بشرط لا و مفاد لفظ الجسم و الناطق هو لا بشرط.
إنّ لحاظ المرکب و وحدته الاعتباری لیس مصحّحاً للحمل بل هو مخلّ بالحمل لأنّه یوجب المغایرة بین الموضوع و المحمول و بین الکل و جزئه و لا إشکال فی عدم جواز حمل الجزء علی الکل مثل الإنسان یدٌ.
((1))
کما أنّ لابشرطیة لاتصحح حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر، کذلک
ص: 555
ملاحظتهما من حیث المجموع واحداً و اعتبار الحمل بالنسبة إلیه، إذ بناءً علی هذا لا اتحاد لأحد الجزأین مع الآخر فی الوجود کما لا اتحاد لأحدهما مع الکل بل الوحدة فی الحقیقة وصف اللحاظ و الاعتبار فلایصح أن یقال: هذا ذاک، بل هذا ذاک فی اللحاظ و الاعتبار الذی مرجعه إلی أنّه یجمعهما لحاظ واحد لا وجود واحد و الحمل هو اتحاد الموضوع و المحمول فی الوجود لا الجمع فی لحاظ واحد.
أمّا تمثیل صاحب الفصول (قدس سره) بحمل الناطق علی الإنسان (الإنسان ناطق) فیرد علیه: أنّ هذا الحمل لیس من باب حمل الجزء علی الکل بل حمل الناطق علی الإنسان دلیل علی الترکیب الاتّحادی و لذا استدلّ صدر المتألهین (قدس سره) علی الترکیب الاتحادی بین الجنس و الفصل بصحة حمل الناطق علی الإنسان.
ص: 556
الحق هو عدم اعتبار المغایرة بین الذات و المبدأ وجوداً بل یکفی التغایر المفهومی بل قد تکون الذات عین المبدء کما فی قضیة «الوجود موجود» و «البیاض أبیض» فإنّ الذات هی عین المبدء، کما أنّ النسبة بینهما النسبة الواجدیة و الواجدیة کما تصدق علی واجدیة الشیء لغیره کذلک تصدق علی واجدیة الشیء لنفسه (کما صرّح به المحقق الخوئی (قدس سره)).((1)) نعم، هذه الواجدیة أعمّ من التلبّس حیث إنّ التلبّس هو واجدیة الشیء لغیره لأنّه من اللبس (خلافاً للسیّد الخوئی (قدس سره) حیث قال: المراد من التلبس الواجدیة و خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال فی الأمر الخامس من التنبیهات عند البحث عن اتصاف الذات المتعال بالصفات الذاتیة: إنّ تلبس الذات تبارک و تعالی بالصفات الذاتیة تلبس بنحو العینیة).
و بعد بیان هذین الأمرین لایبقی شک فی حمل صفاته علیه تعالی بنحو الحقیقة لا المجاز کما توهمه صاحب الفصول (قدس سره) . ((2))
انتهی بحث المشتق.
ص: 557
ص: 558
الفصل الأوّل: حقیقة الحکم
الفصل الثانی: مراتب الحکم
ص: 559
ص: 560
إنّ الحکم ینقسم إلی الحکم التکلیفی و الحکم الوضعی فإنّ المجعول فی کلّ منهما غیر الآخر فلابدّ من البحث حولهما فی أمرین:
قال الشیخ المحقق علی کاشف الغطاء (قدس سره): «... إنّ الحکم و تعیینه عبارة عن الإرادة أو هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی».((1))
و علی هذا المنهج قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة: «حقیقة الحکم هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی.»((2))
ص: 561
و المراد من الإنشاء هنا لیس إنشاء الحکم فی عالم الاعتبار، بل المراد من الإنشاء هو الأمر فی القضیة الشرعیة الدالّ علی الحکم، کما صرّح به فی حاشیة المکاسب و نهایة الدرایة.((1))
أوّلاً: بالنقض حیث إنّ فی الشریعة أحکاماً مجعولة، لم یصل ظرف إبلاغها و
ص: 562
لذا تری أنّ الشارع لایبعث نحوها مع أنّها مجعولة و مسألة تأخیر البیان عن وقت الحاجة من هذا القبیل.
ثانیاً: بالحلّ حیث إنّ الحکم مقدّم رتبة علی البعث، فإنّ الشارع یوجد الحکم و ینشأه أوّلاً ثمّ یبعث المکلّف نحو المأمور به بإظهار الحکم فی القضایا الشرعیة.
ثالثاً: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قد یعبّر عن مرحلة الإنشاء التی هی المرتبة الثانیة من مراتب الحکم عند صاحب الکفایة (قدس سره) بمرحلة الفعلیة من قبل المولی أو الفعلیة من حیث نفسه و هذه الفعلیة لایناسب مع التزامه بأنّ الحکم هنا حکم بالحمل الأوّلی لا بالحمل الشایع، فإن کان الحکم فی مرحلة الإنشاء فعلیاً من قبل المولی فهو حکم فعلی بحمل الشایع و لعلّ منشأ هذا الدعوی هو توهّم اتّحاد الحکم و البعث فإنّ البعث نحو المأمور به فی مرحلة الإنشاء لیس بعثاً فعلیاً بل هو البعث بالحمل الأوّلی، بخلاف الحکم فی هذه المرحلة فهو حکم فعلی.
و هو مختار بعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکنّه أفاد فی تقریر ذلک بیانین، نشیر إلیهما:
أنّ حقیقة الحکم الحقیقی الذی علیه مدار الإطاعة و العصیان هو الإنشاء بداعی البعث و التحریک و جعل الداعی.
و لایتصف الإنشاء بشیء من الأوصاف المزبورة و هی کونه باعثاً و محرکاً و داعیاً حتی یصل إلی من أرید انبعاثه و تحرکه و انقداح الداعی فی نفسه، لا لتلازم
ص: 563
البعث و الانبعاث و التحریک و التحرک کتلازم الإیجاد و الوجود بداهة دخالة اختیار العبد و إرادته فی ذلک، مع أنّ البعث الحقیقی موجود أراد العبد امتثاله أم لا، بل لکون المراد من البعث الحقیقی الذی أمره بید المولی جعل ما یمکن أن یکون باعثاً و محرکاً و داعیاً للعبد بحیث إذا خلا عمّا ینافیرسوم العبودیة و ینافر مقتضیات الرقیة، لخرج من حدّ الإمکان إلی حدّ الوجوب و تحقق البعث و الانبعاث خارجاً و لایتصف الإنشاء بهذه الأوصاف موجهاً بجهة الإمکان إلّا بعد وصوله إلی العبد.((1))
أنّ حقیقة الحکم خصوصاً فی الأحکام الشرعیة عبارة عن البعث و الزجر أعنی الإنشاء بداعی جعل الداعی.((2))
ص: 564
إنّ البعث فی البیان الأوّل هو الداعی من الإنشاء و فی البیان الثانی هو نفس الإنشاء و السرّ فی هذا هو أنّ الإنشاء المذکور بعث حقیقی عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) و یترتّب علیه البعث و الانبعاث الخارجیین عند وصوله إلی المکلّف فالإنشاء بعث حقیقی بداعی إیجاد البعث الخارجی الإمکانی.
إنّ الإنشاء متأخّر عن الحکم، لأنّه مبرز للحکم و هو صیغة بعث شرعی نحو المأمور به و إن لم یتحقق حقیقة البعث إلّا بعد وصوله إلی المکلف.
إرادة هی حقیقة الحکم و روحه.((1))
إنّ حقیقة الحکم و هی الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب، فعلیة دائماً فی الخطابات المشروطة و غیرها و إنّ مرجع الإناطة و الاشتراط فیها إلی فعلیة الإرادة و الاشتیاق التام فی فرض لحاظ الشیء خارجیاً قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلی الاشتیاق إلی الشیء لا فی ظرف وجود شیء آخر فی لحاظه (لا أنّ) مرجع الإناطة فیها إلی اشتیاق تقدیری بفرض وجود المنوط به خارجاً.
نعم مرتبة محرکیة مثل هذه الإرادة منوطة بوجود المنوط به خارجاً کإناطتها
ص: 565
بالعلم به أیضاً و لکنّه غیر مرتبة فعلیة أصل الإرادة.((1))
إنّ ما هو حقیقة الحکم و روحه عبارة عن إرادة المولی صدور الفعل عن العبد فإنّه الذی یتعلّق به شوق المولی أوّلاً، غایة الأمر أنّه لما کان الفعل من الأفعال الإرادیة للعبد وکان تحققه منوطاً بتحرک عضلاته نحوه، تولد فی نفس المولی من إرادة الفعل إرادة تحرک عضلات العبد وحیث إنّ تحرک عضلاته متوقف علی وجود الداعی فی نفسه حتی ینبعث منه لو کان بحسب ملکاته ممن ینبعث من الدواعی الإلهیة فلامحالة تتولد فی نفس المولی إرادة بعثه و إنشاء الحکم بالنسبة إلیه حتی یعلم به فینبعث منه نحو المقصود فما هو المراد أوّلاً و بالذات و یکون متعلقاً للشوق هو نفس صدور الفعل عن العبد و أمّا البعث و انبعاثه منه فمرادان بالتبع من جهة أنّه یتسبب بهما إلی ما هو المقصود بالذات.
و لایخفی أنّ إرادة الفعل و إن کانت مطلقة، لکن إرادة انبعاث العبد من الخطاب و البعث مقصورة علی صورة علم العبد بالخطاب من جهة أنّه لایعقل داعویة البعث ما لم یتعلّق به العلم، حیث إنّه بوجوده العلمی یصیر داعیاً و محرّکاً و علی هذا تصیر إرادة الفعل الثابتة بنحو الإطلاق، داعیة للمولی إلی إیجاد خطاب آخر فی طول الخطاب الواقعی، حتی یصیر هو الداعی للعبد نحو الفعل المقصود بعد أن لم یطلع علی الخطاب الواقعی و لم یمکنه الانبعاث منه.((2))
ص: 566
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استدلّ علی عدم لزوم إرادة أو کراهة عند تحقق الحکم (الذی هو الإنشاء بداعی جعل الداعی أو هو البعث الاعتباری المنتزع منه) بالنسبة إلی فعل المکلف فی المبدأ الأعلی و لا فی سائر المبادی العالیة، بل فی مطلق من کان بعثه أو زجره لأجل صلاح الغیر.
بداهة أنّ الشوق النفسانی لایکون إلّا لأجل فائدة عائدة إلی جوهر ذات الفاعل أو إلی قوة من قواه و إلّا فحصول الشوق الأکید بالإضافة إلی الفعل علی حدّ المعلول بلا علّة.
و إنّما یتصور الشوق الأکید إلی فعل الغیر إذا کان ذا فائدة عائدة إلی المرید إیاه وحیث إنّ أفعال المکلفین لایعود صلاحها وفسادها إلّا إلیهم فلذا لا معنی لانقداح الإرادة فی النفس النبویة و الولویة فضلاً عن المبدأ الأعلی.
مع اختصاصه تعالی بعدم الإرادة التشریعیة من جهة أخری تعرضنا لها فی مبحث الطلب و الإرادة مستوفی و لعلنا نشیر إلیها عمّا قریب إنشاء الله تعالی.
و أمّا الإرادة المتعلقة بنفس البعث و الزجر فهی إرادة تکوینیة لتعلّقها بفعل المرید لا بفعل المراد منه و لاترد علی ما ورد علیه البعث کما لایخفی و علیه فلیس بالنسبة إلی فعل المکلف إرادة أصلاً، فضلاً عن الإرادتین، بل لو فرضنا انبعاث الإرادة التشریعیة عن فائدة عائدة إلی المراد منه لم یلزم ثبوت إرادتین تشریعیتین، لما مرّ مراراً من أنّ الشوق ما لم یصل إلی حدّ ینبعث عنه العضلات أو ینبعث منه البعث الحقیقی لایکاد یکون مصداقاً للإرادة التکوینیة أو التشریعیة و سیأتی إنشاء الله تعالی عدم مصداقیة الإنشاء الواقعی للبعث الحقیقی فکما لا بعث
ص: 567
حقیقی واقعاً لا إرادة تشریعیة واقعاً.((1))
أولاً: إنّ الإرادة التکوینیة تتعلّق بالفعل المأمور به بما أنّه داخل فی النظام الأحسن و الفرق بین فاعلیة الفواعل الإمکانی و فاعلیته تعالی عند بعض المحققین هو أنّ الفواعل الإمکانی من قبیل الفاعل الربطی و فاعلیته تعالی من قبیل الفاعل الاستقلالی و عند المحقق الطوسی (قدس سره) فاعلیة الفواعل الإمکانی من قبیل الفاعل القریب و فاعلیته تعالی من قبیل الفاعل البعید.
فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ إرادته تعالی لاتتعلّق بفعل الغیر لعدم عود مصالح الأفعال و مفاسدها إلیه تعالی، مبنی علی مذهب بعض المتکلّمین و لایوافق مبناه من تعلّق إرادته تعالی بالنظام الأحسن.
ثانیاً: التحقیق یقتضی ثبوت الإرادة التشریعیة لا بالمعنی الذی التزم بها القوم، بل بمعنی آخر، فإنّ وجود الحکم أمر اعتباری و کذلک إیجاده، لأنّ الإیجاد و الوجود متّحدان حقیقةً و الإرادة المتعلّقة بالفعل الاعتباری إرادة اعتباریة و هکذا الإرادة المتعلّقة بالوجود الاعتباری إرادة اعتباریة.
و الإرادة التشریعیة عندنا غیر الإرادة التشریعیة التی التزم بها هؤلاء الأصولیین فإنّ الإرادة التشریعیة عندهم تتعلّق بفعل الغیر، خلافاً للإرادة التشریعیة عندنا فهی تتعلّق بإیجاد الحکم الشرعی الاعتباری فی وعاء التشریع و الأحکام الموجودة بهذه الإرادة التشریعیة من فروع الدین و لذا الدین القویم الإلهی یشتمل علیه فمتی تحقّق الدین فی العالم وجد تلک الأحکام الشرعیة.
ص: 568
و الإرادة التشریعیة تتعلّق به و هذه الإرادة التشریعیة اعتباریة کما أنّ متعلّقها أیضاً اعتباری و الإنشاء الاعتباری یتعلّق بهذا الحکم و أمّا الإنشاء الذی ینتزع البعث و الزجر منه هو أمر خارجی مرکّب من کیف مسموع و کیف نفسانی و هو مبرز للحکم و إنشاؤه الاعتباری.
قال المحقق الخوئی (قدس سره): إن حقیقة التکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمة المکلف و إبرازه فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو ما شاکلها و لانتصور للتکلیف معنی غیر ذلک، کما أنّا لانتصور للإنشاء معنی ما عدا إبراز ذلک الأمر الاعتباری.
و علی الجملة فإذا حللنا الأمر بالصلاة- مثلاً- أو غیرها نری أنّه لیس فی الواقع إلّا اعتبار الشارع کون الصلاة علی ذمة المکلف و إبراز ذلک بمبرز فی الخارج ککلمة «صلّ» أو نحوها و لانتصور شیئاً آخر غیر هذین الأمرین: 1- (اعتبار الفعل علی ذمّة المکلف)؛ 2- (إبراز ذلک بمبرز فی الخارج) نسمیه بالطلب تارة و بالبعث أخری و بالوجوب ثالثة.
و من هنا قلنا إنّ الصیغة لاتدلّ علی الوجوب و إنّما هی تدلّ علی إبراز الأمر الاعتباری القائم بالنفس و لکنّ العقل ینتزع منه الوجوب و لزوم الامتثال بمقتضی قانون العبودیة و المولویة ما لم تنصب قرینة علی الترخیص فی الترک فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم إبراز شی ء علی ذمّة المکلف إذا لم تکن قرینة علی الترخیص و أمّا الطلب فقد ذکرنا أنّه عبارة عن التصدی لتحصیل شی ء فی الخارج فلایقال طالب الضالة إلّا لمن تصدی لتحصیلها فی الخارج.
ص: 569
و علی ضوء ذلک فصیغة الأمر أو ما شاکلها من أحد مصادیق هذا الطلب، لا أنّه مدلول لها فإنّ الآمر یتصدی بها لتحصیل مطلوبه فی الخارج فهی من أظهر مصادیق الطلب.((1))
و علی هذا لابدّ أن یکون الوجوب مرکّباً من الاعتبار و الإبراز و هذا یخالف ما هو مختاره و ما هو المرتکز من بساطة الحکم فقد تقدّم أنّ الإبراز أمر خارجی و الحکم أمر اعتباری و المحقق الخوئی (قدس سره) ممّن یعتقد باعتباریة الحکم فکیف یقول بترکیبه من الأمرین، أحدهما اعتباری و الآخر تکوینی.
فإنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی مبحث اجتماع الأمر و النهی عند البحث عن عدم التضادّ بین الأحکام: «الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة.» ((2))
و هذا القول هو المختار من التعاریف، فإنّ الحکم علی هذا التعریف أمر اعتباری و متعلّق الحکم هو فعل المکلّف، و الاعتبارهنا لیس جعلاً بسیطاً اعتباریاً بل هو جعل مرکب اعتباری بمعنی أنّ الاعتبار المذکور لیس فقط اعتبار الفعل، بل اعتباره علی العهدة أو لا علی العهدة، فإنّ اعتبار الحکم و تعلّقه بالفعل إمّا جعله علی عهدة المکلف وجوداً(کما فی الواجب و المستحب) أو عدماً(کما فی الحرام و المکروه) و إمّا جعله لا علی عهدته ترخیصاً.
ص: 570
فعلی هذا تعریف الحکم التکلیفی عندنا هو: اعتبار الفعل علی عهدة المکلّف وجوداً أو عدماً، لزوماً(باعتبار اللابدّیة بنحو بشرط شیء کما فی الوجوب أو الحرمان بنحو بشرط لا کما فی الحرمة) أو من غیر لزوم أو اعتباره لا علی عهدته ترخیصاً بنحو اللّابشرط.
فإنّ التعبیر عن الوجوب باللابدّیة و عن الحرمة بالحرمان متداول بین الأعلام، قال العلّامة الخوانساری فی مشارق الشموس: «الوجوب بمعنی اللابدیة»((1)) و قال الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی کتاب الصلاة: «فإنّ الظاهر أنّ الأمر للوجوب بمعنی اللزوم و اللّابدیة»((2)) و قال المحقق النائینی (قدس سره): «لیس الحرام فی اللّغة إلّا بمعنی الحرمان».((3))
إنّ الحکم التکلیفی ینقسم إلی أقسام خمسة: الوجوب و الاستحباب و الحرمة و الکراهة و الإباحة.
و هنا نشیر إلی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما لاحظنا علیه.
أمّا بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):
أمّا الإیجاب و الاستحباب: و الجامع بین الإیجاب و الاستحباب هو الإنشاء بداعی جعل الداعی.
ص: 571
و ذلک، لأنّ الشخص إذا تصوّر الفعل و صدّق بما فیه من الفائدة یشتاقه قهراً، فإذا کان المشتاق إلیه من أفعال نفسه و بلغ شوقه إلیه حدّ النصاب، حدث هیجان فی الطبیعة فیحرّک عضلاته نحوه فیوجده و إذا کان من أفعال الغیر فحیث إنّ فعل الغیر تحت اختیاره و إرادته و تنبعث إرادته عن الداعی فلامحالة یتسبب إلی جعل الداعی له لیرید و یفعل
فإذا کانت إرادته لفعل الغیر منبعثة عن مصلحة لزومیة، کان البعث المنبعث منها إیجاباً و إلّا کان استحباباً، کما یمکن أن یفرق بینهما باعتبار البعث الأکید و غیره لمن لایعتقد انبعاث الحکم عن مصلحة أو لا إرادة تشریعیة فی المبدأ تعالی أو لا شدة و لا ضعف فی الإرادة فی مقام استیفاء الغرض الذی لابدّ له منه و غیر ما لابدّ له منه فإنّه فی جمیع هذه الصور یکفی- اعتبار البعث الأکید و غیره علی طبق التحریک الخارجی- فارقاً بین الإیجاب و الاستحباب.
و أمّا التحریم و الکراهة: فالإنسان إذا توجّه إلی ما فیه مفسدة و ما لایلائمه فلامحالة تحدث فی نفسه کراهة موجبة لانقباضه عنه فلایفعله و إذا کان ما یکرهه نفساً فعل الغیر فلا محالة یزجره عنه لتحدث فی نفسه کراهة موجبة لانقباضه عنه و بقائه علی عدمه.
و أمّا الإباحة و الترخیص: فمجمل القول فیها: أنّ المباح و إن کان لا اقتضاء، لعدم المصلحة و المفسدة فیه مطلقاً، إلّا أنّ عدم المقتضی لازمه عدم الأحکام الأربعة لا ثبوت حکم خامس فالإباحة عن مصلحة فی نفسها، إذ کما أنّ الحکمة الإلهیة تقتضی إیصال المصلحة بالبعث و الصدّ عن الوقوع فی المفسدة بالزجر، کذلک تقتضی إرخاء العنان و الترخیص لئلّایکون العبد فی الضیق صدوراً و وروداً، حیث إنّ رسم العبودیة و زی الرقّیة یقتضی صدور
ص: 572
العبد و وروده عن رأی مولاه.((1))
یلاحظ علیه:
ما أفاده فی وجه افتراق الإیجاب و الاستحباب، لایتمّ علی ما سلکناه من أنّ الإیجاب لیس بعثاً منبعثاً عن مصلحة لزومیة و لیس بعثاً أکیداً و هکذا الاستحباب فهو لیس بعثاً منبعثاً عن مصلحة غیر لزومیة و لا بعثاً غیر أکید.
و کذلک الحرمة لیس زجراً متسبّباً عن مفسدة ملزمة أو زجراً أکیداً و هکذا الکراهة فهو لیس زجراً متسبّباً عن مفسدة غیر ملزمة أو زجراً غیر أکید.
بل إنّها اعتبارات تشریعیة مجعولة و هی اعتبار جعل الفعل علی عهدة المکلّف وجوداً و عدماً فیمکن التفریق بین الإیجاب و الاستحباب بأنّ الإیجاب اعتبار الفعل علی عهدة المکلّف و ذمّته بنحو اللزوم و اللابدیّة و فی الاستحباب یکون هکذا بغیر نحو اللزوم و اللابدّیة.
ص: 573
قال بعض المحققین (قدس سرهم): «المراد بالوضع إیجاد صفة لشی ء فعلًا کان أو غیره، أو إمضاء الشارع لتلک الصفة کما سیظهر و من المعلوم مباینة مفهوم الحکم التکلیفی لمفهوم السببیة و غیرها من الأحکام الوضعیة.
... [و الحکم الوضعی] قد یتعلق بفعل المکلف کقوله: «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن» و قد لا یتعلق به، کقوله: «الدلوک سبب لوجوب الصلاة».((1))
فإنّ الحکم الوضعی إمّا اعتبار موضوع لأحکام تکلیفیة، من قبیل الزوجیة و کذلک الملکیة و إمّا اعتبار منتزع عن الأحکام التکلیفیة و هی مجعولة بالتّبع أو بالعرض(مجاز)، مثل شرطیة الشی ء أو مانعیته بالنسبة إلی المکلّف به أو التکلیف.
إنّ الحکم الوضعی علی أقسام ثلاثة و وقع البحث فی أنّه مجعول بالاستقلال أو مجعول بالتبع أو أنّه مجعول بالعرض بمعنی أنّه غیر مجعول حقیقة و من قبیل ذلک الأمور الانتزاعیة فإنّ الأمر الانتزاعی مجعول بالعرض، لا مجعول بالتبع و أنّ المجعول بالعرض لا جعل له بالحقیقة.((2))
((3))
إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) التزم بأنّ الوضعیات منتزعة من الأحکام التکلیفیة
ص: 574
فی مواردها بل نسب ذلک إلی المشهور فإنّ الخطاب الوضعی مرجعه إلی الخطاب الشرعی و أنّ کون الشیء سبباً لواجب هو الحکم بوجوب ذلک الواجب عند حصول ذلک الشیء.
سنشیر فی مبحث الاستصحاب إلی بعض إیرادات المحقّق النائینی (قدس سره) علی نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) .((1))
ما لایکاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً، لا استقلالاً و لا تبعاً و إن کان مجعولاً تکویناً عرضاً بعین جعل موضوعه کذلک. (و مثاله: السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتکلیف).
ما لایکاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعی إلّا تبعاً للتکلیف فله الجعل التبعی (و مثاله: الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمکلّف به).
نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول القسم الثانی:((3)) و الجزئیة و الشرطیة بهذه المرتبة لا واقعیة لهما إلّا فی مرحلة الطلب و البعث فالبعث مصحّح لانتزاع البعضیة من کلّ واحد من تلک الأمور و یصحّح انتزاع الشرطیة من قیدها المنوطة به فی مرحلة البعث و ما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) فی هذا القسم من الجعل الانتزاعی و إن کان صحیحاً، لکن قد عرفت أنّ الأمر الانتزاعی مجعول
ص: 575
بالعرض لا بالتبع.((1))
القسم الثالث: ما یمکن فیه الجعل استقلالاً بإنشائه و تبعاً للتکلیف بکونه منشأ لانتزاعه و إن کان الصحیح انتزاعه من إنشائه و جعله (أی بجعل استقلالی) و کون التکلیف من آثاره و أحکامه (و مثاله: الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة).
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: بأنّ المحتمل فی هذه الموارد بالنظر البدوی أمران: الأوّل انتزاعها من الأحکام التکلیفیة التی تکون فی مواردها کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری (قدس سره)، و الثانی جعلها استقلالاً بإنشاء أنفسها و صاحب الکفایة (قدس سره) ذهب إلی الثانی.
ثمرة هذا البحث یظهر فی جریان الاستصحاب، و تفصیل ذلک موکول إلی مبحث الاستصحاب و سنشیر هنا إلی ذلک إجمالاً:
((2))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ذهب إلی عدم جریان الاستصحاب فی القسم الأوّل من أقسام الحکم الوضعی، لأنّه مجعول بالعرض و إلی جریانه فی القسم الثانی و الثالث، لأنّ القسم الثانی مجعول بالتبع و القسم الثالث مجعول استقلالی.
ص: 576
یلاحظ علیها:
أوّلاً: قد تقدّم فی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أنّ القسم الأوّل و الثانی کلیهما من قبیل المجعول بالعرض.
ثانیاً: إذا کان الحکم الوضعی مجعولاً بالعرض فجریان الاستصحاب فیه مشکل فی بعض صوره کما سیجیء تفصیله عند بیان نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
((1))
أمّا بالنسبة إلی القسم الأوّل: الکلام تارة فی استصحاب الشرطیة و المانعیة و أخری فی استصحاب ذات الشرط و المانع فاختار فی بعضها جریان الاستصحاب و فی بعضها عدم جریانه و سیأتی بیانها إن شاء الله تعالی فی الاستصحاب.
أمّا بالنسبة إلی القسم الثانی: فقال بأنّ جریان الاستصحاب مشکل.
أمّا بالنسبة إلی القسم الثالث: فقال بعدم المحذور فی جریان الاستصحاب لتعلّق الجعل الاستقلالی بالحکم الوضعی فی هذا القسم.
سنتعرض لأقسام الحکم الوضعی فی مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالی.
ص: 577
ص: 578
إنّه یری للحکم أربع مراتب:
المرتبة الأُولی: مرتبة الاقتضاء و هی مرتبة وجود الملاک و مناط الحکم فی المتعلّق و هی المصلحة و المفسدة الملزمتان و المحبوبیة و المبغوضیة (و بعض الأعلام قسّموا هذه المرتبة إلی مرحلتین: المرحلة الأولی و هی وجود الملاک فی المتعلّق و المرحلة الثانیة و هی ما یترتب علی هذه المصلحة أو المفسدة من الإرادة و الکراهة).((1))
المرتبة الثانیة: مرتبة الإنشاء و هی مرتبة جعل الحکم و إنشائه.
المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلیة و هی بلوغ الحکم إلی مرتبة البعث و الزجر و مناط بلوغه إلی هذه الدرجة هو فعلیة موضوعه.
المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز و هی مرتبة وصول الحکم و التکلیف.
ص: 579
و هنا ثلاثة احتمالات فی تفسیر هذه المرتبة من مراتب الحکم:
الاحتمال الأوّل: أن یکون المراد هو ثبوت المقتضی بثبوت المقتضی و هذا الثبوت لیس إلّا ثبوتاً خارجیاً عرضیاً.
و فیه: أنّ هذا المعنی هو شأن المقتضی بمعنی السبب الفاعلی، حیث إنّ المعلول یترشّح من مرتبة ذات العلّة الفاعلیّة لکنّ المقتضی هنا بمعنی الغایة الداعیة إلی ذیها فإنّ ذا الغایة لیس فی مرتبة ذات الغایة لا بوجودها الخارجی و لا بوجودها العلمی فهذا الاحتمال مخدوش رأساً.
الاحتمال الثانی: أن یکون المراد هو ثبوت المقبول بثبوت القابل، کالإنسان فی النطفة القابلة و هذا الثبوت أیضاً ثبوت خارجی عرضی.
و فیه: أنّ هذا الاحتمال أیضاً لایجری فی المقام، لأنّ المصلحة الداعیة لیست فی صراط المادیّة.
الاحتمال الثالث: أن یکون المراد ثبوت الحکم شأناً، ثبوتاً ماهویاً تقدیریاً، لا ثبوتاً خارجیاً عرضیاً، حیث إنّ طبیعی الفعل مستعدّ باستعداد ماهوی لا باستعداد مادّی لأن یترتّب علیه المصلحة إذا وجد فی الخارج و هی صالحة
ص: 580
للتأثیر فی الإنشاء بداعی البعث و التحریک فی مرتبة ذاتها و ماهیتها فالوجوب بهذه الملاحظة له شأنیة الوجود.
فالصحیح من الاحتمالات الثلاثة هذا الاحتمال الأخیر.
و هو وجود طبیعی البعث المفهومی بتبع اللفظ الذی ینشأ به فاللفظ موجود بالذات و البعث النسبی المفهومی بالعرض و الحکم الإنشائی هو حکم بحمل أوّلی.
و هو ما یکون بالحمل الشائع بعثاً أو زجراً عند العقلاء، بحیث یکون قابلاً للباعثیة و الزاجریة فعلاً و فی هذه المرحلة یبلغ الحکم درجة حقیقة الحکمیة و یکون حکماً حقیقیاً و بعثاً و زجراً جدیاً.
و هی مرتبة تنجّز الحکم و هذه المرتبة نشأة من نشآت تحقّق الحکم.
و حیث إنّ البعث المفهومی الإنشائی لا أثر له، لایترتّب علی القطع به شیء و لیس التعبد به ذا أثر فلذا عدل (قدس سره) عن هذا المسلک فی هذا الکتاب و التزم بفعلیة الواقع من وجه، بحیث یکون له أثر عند تعلّق العلم به.
المراد من الفعلی من جمیع الجهات و الفعلی من بعض الجهات:
أمّا الفعلی من جمیع الجهات فهو أنّ الغرض الباعث علی التکلیف ربما یکون
ص: 581
بحدّ یبعث المولی إلی جعله فعلیاً منجّزاً بإیصاله و لو بنصب طریق موافق أو بجعل احتیاط لازم و دفع موانع تنجّزه بأی نحو کان و مثله یستحیل الترخیص فی خلافه لأنّه نقض للغرض.
و ربّما لایکون الغرض بذلک الحدّ، بل یدعوه إلی التکلیف بحیث إذا وصل إلی المکلّف من باب الاتّفاق تنجّز علیه فهو فعلی من حیث نفسه، لا من حیث إیصاله إلی المکلّف فلایجب حینئذٍ دفع موانع تنجّزه و لاینافیه إبداء المانع عن تنجّزه فإنّ إبقاء المانع و إبداء المانع فی نظر العقل علی حدّ سواء و لیس الترخیص نقضاً للغرض، لأنّ سدّ باب تنجّزه لاینافی تنجّزه لو وصل من باب الاتفاق.
و ربّما یتوهّم أنّ المراد من الحکم الفعلی من جمیع الجهات هو الحکم البعثی و الزجری و التحریک الجدّی و من الحکم الفعلی من وجه هو الإنشاء بداعی إظهار الشوق إلی الفعل فالحکم البعثی و الزجری فعلی من قبل هذه المقدّمة و هو کون ذات الفعل مشتاقاً إلیه و لا منافاة بین الشوق إلی ذات الفعل و الترخیص فی ترکه، بل المنافاة بین التحریک و الترخیص.
و فیه: أوّلاً: أنّ الإرادة التشریعیة بإزاء الإرادة التکوینیة فإذا بلغ الشوق مبلغاً لو کان المشتاق إلیه من أفعال المشتاق لتحرک عضلاته نحوه، سبب إلی إیجاده بالبعث إذا کان من أفعال الغیر فلاینفک مثل هذا الشوق عن البعث.
و إذا لم یکن الشوق هذا المقدار فکما لایوجب حرکة العضلات فی التکوینیات کذلک لیس علّة للبعث فی التشریعیات و لا أثر له لو علم به تفصیلاً أیضاً.
و ثانیاً: أنّ الإنشاء بأی داع کان، لیس وصوله موجباً إلّا لفعلیة ذلک الداعی ففعلیة مثل هذا الإنشاء فعلیة إظهار الشوق فلایعقل أن یکون مثله واقعاً فی
ص: 582
صراط فعلیة البعث.
فتحصّل إلی هنا: أنّ مراد صاحب الکفایة (قدس سره) من الفعلی من جمیع الجهات هو بلوغ الغرض الباعث علی التکلیف حدّاً یبعث المولی إلی جعله فعلیاً منجّزاً بإیصاله فیستحیل الترخیص فی خلافه لأنّه نقض للغرض و مراده من الفعلی من جهة هو عدم بلوغ الغرض ذلک الحدّ و حینئذٍ یمکن جعل الترخیص فی خلافه.
و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یعتقد بأنّ مراتب الحکم ثلاث: الاقتضاء و الإنشاء و التنجّز و لیس الحکم الحقیقی إلّا المرتبة الأخیرة و أمّا مرتبتی الاقتضاء و الإنشاء فلیستا إلّا الحکم بالحمل الأوّلی و ذلک لأنّ المراد من الفعلیة إمّا الفعلیة من قبل المولی کما هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) و إمّا الفعلیة بقول مطلق.
فإن کان المراد هو الحکم الفعلی من قبل المولی فإنّه عین مرتبة الإنشاء، حیث إنّ الإنشاء بلا داع محال و بداع آخر غیر جعل الداعی لیس من مراتب الحکم الحقیقی و بداعی جعل الداعی عین الفعلی من قبل المولی.
و إن کان المراد هو الحکم الفعلی بقول مطلق فهو متقوم بالوصول و هو مساوق للتنجّز. هذا ما أفاده فی مراتب الحکم.
و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی لیس حکماً و إنشاءً حقیقیاً ما لم یصل إلی المکلّف بل هو حکم بحمل أوّلی لا بحمل شائع فلایکون مصداقاً للبعث الجدی و فرداً له.
و استدلّ علی ذلک بوجهین: ((1))
الوجه الأوّل: إنّ موطن الدعوة أُفق النفس فلاتعقل دعوة الإنشاء المزبور
ص: 583
إلّا بوجوده العلمی الواقع فی موطن الدعوة، لا بوجوده الواقعی الخارج عن أُفق النفس.
الوجه الثانی: إنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی لایدعو فی نفوس العامّة إلّا باعتبار ما یترتّب علی مخالفته من العقوبة فما لم یصل بنحو یستحقّ علی مخالفته العقاب لایمکن أن یکون داعیاً فلابدّ من وصوله تحقیقاً لدعوته.
خمس ملاحظات علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره):
الملاحظة الأُولی:
ما أفاده فی تفسیر مرتبة الاقتضاء من ثبوت الحکم شأناً ثبوتا ما هویا تقدیریا مما لایمکن المساعدة علیه لعدم شأنیة الثبوت الاعتباری فی الأمر الحقیقی الخارجی و الإقتضاء المذکور قائم بالأمر التکوینی الخارجی فلایمکن عدّه من مراتب ما هو موجود فی عالم الاعتبار و الحکم أمر اعتباری.
الملاحظة الثانیة:
إنّ الحکم قبل مرتبة التنجّز یکون حکماً حقیقیاً، لاشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل فلو کان الوصول سبباً لکون الحکم حقیقیاً لما کان الأحکام الحقیقیة مشترکاً بینهما، لأنّ الجاهل لم یصل إلیه الحکم فلابدّ أن لایکون الحکم بالنسبة إلیه حکماً حقیقیاً، مع أنّ الحکم الحقیقی مشترک بینه و بین العالم، هذا بالنسبة إلی مرتبة الفعلیة.
بل الحکم فی مرحلة الإنشاء أیضاً یکون حکماً حقیقیاً، لأنّ الحکم الاعتباری یوجد فی مرتبة الإنشاء فی عالم الاعتبار و حقیقة الحکم هو وجوده الاعتباری سواء وجد له الموضوع الخارجی أم لا و الحکم فی مرحلة إیجاد الحکم فی عالم
ص: 584
الاعتبار و إبرازه و إبلاغه حکم حقیقی إنشائی.
إنّ الحکم الإنشائی هو الحکم حقیقة، لأنّه هو مجعول الشارع فی عالم الاعتبار و وجود کلّ شیء بحسبه فإنّ وجود الحکم لیس وجوداً خارجیاً و لایمکن إیجاده فی الخارج بل وعاؤه عالم الاعتبار و هو یوجد فی وعاء الاعتبار بمحض إنشاء الشارع للحکم و تحقّق موضوعه فی الخارج لایوجب إیجاده فی الخارج بل هو من مراتب الحکم الحقیقی و الحکم بعد تحقّق موضوعه یسمّی حکماً فعلیاً و لیس المراد من الفعلیة، فعلیة نفس الحکم کما توهّم، بل المراد فعلیة الحکم فی حقّ المکلّف.
الملاحظة الثالثة:
إنّ مصداق الحکم الحقیقی فی مرتبة کونه حکماً حقیقیاً مقدم علی مرتبة کونه بعثاً اعتباریاً و بعثاً حقیقیاً فالحکم أمر اعتباری یجعل لأن یترتّب علیه بعثاً حقیقیاً فإنّ الحکم بعد ایجاده فی عالم الاعتبار و إظهاره و إبرازه و بعد تحقق موضوعه فی الخارج و بعد وصوله إلی المکلّف و تحقق داعویته الإمکانیّة یکون بعثاً حقیقیاً.
و الداعویّة الإمکانیّة ظرفها عالم النفس و التکوین و لکن الحکم ظرفه عالم الاعتبار فلو کانت الداعویّة الإمکانیّة دخیلة فی کون الحکم حقیقیاً إمّا یلزم کون التکوینی اعتباریاً أو کون الاعتباری تکوینیاً و کلاهما محال. و البعث الحقیقی و الداعویّة الإمکانیّة متلازمان فإذا کان الحکم موجباً للداعویّة الإمکانیّة فی نفس المکلّف یتّصف بالبعث الحقیقی و ذلک لایکون إلّا فی مرحلة التنجّز.
الملاحظة الرابعة:
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) لم یعتبر مرحلة الفعلیة من مراحل الحکم و لکن لابدّ
ص: 585
من عدّها من مراحل الحکم، لأنّ الحکم بوجود الموضوع یتعلق بذمّة المکلّف غالباً و لابدّ من عدّ تعلق الحکم و فعلیته فی حق المکلّف من مراتب الحکم فهو أمر متوسط بین الفعلیة من قبل المولی و الفعلیة المطلقة من جمیع الجهات.
فللفعلیة ثلاث مراحل: الأولی فعلیة الحکم من قبل المولی و الثانیة فعلیة الحکم فی حق المکلف بفعلیة الموضوع و شرائط الحکم و هذه المرحلة مرتبة تعلّق الحکم بالمکلف و القدرة الإجمالیة علی الفعل شرط مرحلة التعلق مثل القدرة علی اصل الصوم، أما القدرة التفصیلیة فهی شرط مرتبة التنجز و الثالثة الفعلیة من جمیع الجهات و هی تساوق معنی التنجز.
الملاحظة الخامسة:
إنّ للتنجّز مراتب مختلفة فإنّ التنجز لیس فقط بوصول الحکم بل بالعلم بوجود الموضوع و المتعلق و بالقدرة الإجمالیة فمراتب التنجز ثلاث:
المرتبة الأُولی: من التنجز هو وصول الحکم أی العلم بإنشاء الحکم.
المرتبة الثانیة: من تنجز الحکم هو العلم بموضوع الحکم أعنی وجود المکلّف و تحقق الموضوع لمتعلق الحکم فإنّ الحرمة تتعلّق بشرب الخمر و الشرب هو المتعلق و موضوعه الخمر.
المرتبة الثالثة: من تنجز الحکم هو العلم بمتعلق الحکم بشخصه.
و التنجّز التام یتحقق فی ما تحقّق الوصول التامّ، أمّا إذا کان الوصول ناقصاً فالتنجّز لیس تامّاً بل هو تنجّز ناقص و التنجّز الناقص و إن کان مستلزماً لاستحقاق العقاب علی مخالفته إلّا أنّ متعلقه عنوان «ما لایخرج عن أطراف العلم» لا نفس طرف العلم الإجمالی و إرشاد الجاهل بالنسبة إلی من لایعلم
ص: 586
إنشاء الحکم واجب و أمّا إرشاده بالنسبة إلی من لایعلم وجود الموضوع أو لایعلم خصوص متعلق الحکم بشخصه فلیس بواجب إلّا فی ما هو المهم مثل الدماء و الفروج.
والجهل بالمرتبة الأُولی و الثانیة من وصول الحکم یوجب انتفاء التنجّز و أمّا إذا علم المکلف إنشاء الحکم و علم أیضاً وجود الموضوع للحکم فیوجب ذلک تحقق اقتضاء التنجّز فالعلم حینئذ مقتض للتنجّز بالنسبة إلی کل طرف من أطراف العلم الإجمالی و العلم بمتعلق الحکم بشخصه یوجب تحقق التنجّز التامّ و العلم بهذه المرتبة الثالثة علة تامّة للتنجّز.
و العلم الإجمالی یوجب وصول الحکم بالمرتبة الثانیة للوصول فهو مقتض للتنجّز بالنسبة إلی کل طرف من أطراف العلم الإجمالی.
و بیانه تشتمل علی مناقشته فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .
قال (قدس سره): إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ الحکم الواقعی لیس فعلیاً من جمیع الجهات مع عدم العلم به و لازم ذلک هو مدخلیة العلم فی مقام فعلیة التکلیف و یرد علیه أنّ العلم لا دخل له فی فعلیة الحکم بل العلم شرط لتنجّز الحکم و التنجّز لیس من مراتب الحکم.
توضیح ذلک هو أنّ للحکم مرتبتین:
المرتبة الأُولی: مرتبة الجعل و الإنشاء و هی إنشاء الحکم للموضوع المقدّر وجوده علی نحو القضیة الحقیقیة. کما فی قوله تعالی: (وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ
ص: 587
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا).((1))
المرتبة الثانیة: مرتبة فعلیة الحکم و هی تتحقق بتحقق الموضوع خارجاً، کما إذا صار المکلّف فی المثال المذکور مستطیعاً.
فلا مدخلیة للعلم فی مراتب الحکم بل هو دخیل فی تنجّز الحکم و لذا لایصحّ العقاب علی مخالفة التکلیف إلّا مع العلم به.
و الدلیل علی عدم دخالة العلم فی فعلیة الحکم أمران:
الأوّل: هو اشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل بالحکم فلو قلنا بأنّ العلم دخیل فی فعلیة الحکم یلزم عدم فعلیة الأحکام فی حق الجاهل بها.
الثانی: هو ما تقدم من عدم إمکان أخذ العلم بالحکم فی موضوع الحکم و إلّا یلزم تقدم الشیء علی نفسه.
إنّ ما أفاده فی مراتب الحکم لایتمّ، لأنّ التنجّز أیضاً من مراتب الحکم حیث إنّ حقیقة الحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی و لایحصل الداعویة الفعلیة إلّا بالتنجّز و التحقیق هو أنّ مراتب الحکم أربع: الإنشاء و الإبراز و الفعلیة (التعلّق) و التنجّز.
قد ظهر ممّا تقدم حول نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ للحکم أربع مراتب:
المرتبة الأولی: إنشاء الحکم الحقیقی فی وعاء عالم التشریع الاعتباری، و هذا
ص: 588
الإنشاء هو ایجاد اعتباری و حیث إن الایجاد عین الوجود، فهذا المرتبة مرتبة وجود الحقیقی للحکم، و لا بعث فی هذه المرحلة لا بعثاً حقیقیاً و لا بعثاً مفهومیاً. و هذه المرتبة هی المرحلة الأولی من الفعلیة.
المرتبة الثانیة: إبراز الحکم بالصیغة الإنشائیة، فإنّ الإبراز متفرّع علی وجود الحکم. و البعث فی هذه المرحلة بعث بالحمل الأولی.
المرتبة الثالثة: فعلیّة الحکم بفعلیة موضوعه و فی هذه المرحلة یتعلّق الحکم بالمکلّف و إن لم یتنجّز علیه الحکم لفقدان شرائط الفعلیة، مثل: القدرة التفصیلیة علی امتثال الحکم. و هذه المرتبة هی المرحلة الثانیة من الفعلیة.
المرتبة الرابعة: تنجّز الحکم
و التنجّز یتحقق أولاً بالعلم بإنشاء الحکم و ثانیاً بالعلم بوجود الموضوع للحکم و ثالثاً بالعلم بمتعلق الحکم بشخصه من غیر تردید بین الأمرین أو بین الأمور و رابعاً بالقدرة التفصیلیة علی امتثال الحکم.
و التنجّز إمّا تنجّز ناقص و إمّا تنجّز تام. فإذا حصل الأمور الأربعة المذکورة یحصل التنجز التام و أما لو لم یحصل العلم بالمتعلق بشخصه کما فی العلم الإجمالی فالتنجز ناقص.
ص: 589
هنا فصول أخری من المبادی التصوریة الأحکامیة أشار إلیها المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن عادة الأصولیین هو البحث عنها فی ضمن مباحث الأوامر و المباحث العقلیة (المذکورة فی مباحث الألفاظ مثل مقدمة الواجب) فلانبحث عنها فی المبادی، خوفاً من التطویل، و نشیر إلی عناوینها إجمالاً:
الفصل الثالث: انقسام الواجب إلی المطلق و المشروط
الفصل الرابع: انقسام الواجب إلی المنجز و المعلّق
الفصل الخامس: انقسام الواجب إلی النفسی و الغیری
الفصل السادس: انقسام الواجب إلی التعینی و التخییری
الفصل السابع: انقسام الواجب إلی العینی و الکفائی
الفصل الثامن: انقسام الواجب إلی الموسّع و المضیّق
الفصل التاسع: انقسام الواجب إلی التعبّدی و التوصّلی
ص: 590
الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها
ص: 591
ص: 592
و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بوقوع التضادّ فی مرحلة الفعلیة لا فی مرحلة الإنشاء لعدم البعث و الزجر فیها فالأحکام بوجوداتها الإنشائیة لا تضادّ بینها عند صاحب الکفایة (قدس سره) .
و هنا أقوال أُخر: منها عدم التضادّ بین الأحکام و لو فی مرتبة الفعلیة و هو مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فلا تضادّ فی مرحلة مبادی الحکم و الاقتضاء و لاتضادّ أیضاً فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة نعم إنّ التنافی بین الحکمین یکون بحسب المنتهی و مقام الامتثال.
و منها عدم التضادّ بین الأحکام فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة و وقوع التنافی بینها بحسب مبادی الحکم و المنتهی (أی مقام الامتثال) و هذا مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .
و منها وقوع التضادّ بین الأحکام بحسب مقام الفعلیة و الإنشاء کما یقع بینها التنافی بحسب المبدأ و المنتهی و هذا مختار صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((1)) و
ص: 593
بعض الأساطین (حفظه الله).((1))
اختار صاحب الکفایة (قدس سره) تضادّها فقال: إنّه لاریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها و بلوغها إلی مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامّة بین البعث نحو شیء فی زمان و الزجر عنه فی ذلک الزمان.
و أمّا قبل مرحلة الفعلیة فلا تضادّ بین الأحکام بوجوداتها الإنشائیة لعدم البعث و الزجر فیها فعلی هذا تکون مسألة الاجتماع مستحیلاً من باب التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من تضاد الأحکام بأنّ الأحکام أمور اعتباریة فلاتضاد فیها و نشیر إلی تفصیل مناقشة المحقق الإصفهانی فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) عند بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
((2)) و هو المختار
بیانه: إنّ حدیث تضادّ الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهوراً لکنّه ممّا لا أصل له، لأنّ التضادّ و التماثل من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و لیس الحکم بالإضافة إلی متعلّقه کذلک، سواء أُرید به البعث و الزجر الاعتباریان
ص: 594
العقلائیان أو الإرادة و الکراهة النفسیتان.
أمّا إذا کان الحکم عبارة عن البعث و الزجر:
فلابدّ له من ثلاثة أُمور: الأوّل: منشأ الانتزاع؛ الثانی: المعتبر؛ الثالث: طرف الإضافة.
أمّا منشأ الانتزاع:
إنّ البعث و الزجر عبارة عن المعنی الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی و من الواضح أنّ الإنشاء الخاصّ مرکّب من کیف مسموع و هو اللفظ- هذا فی الموالی العرفیة و الأصحّ أن یقال بدل ذلک: إظهار الحکم المعتبر- و من کیف نفسانی و هو قصد ثبوت المعنی به
و هما قائمان بالمنشِئ، لا بالفعل الخارجی القائم بالغیر.
فالبعث و الزجر من حیث منشأ انتزاعهما لایقومان بالفعل الخارجی القائم بالغیر بل منشأ انتزاعهما بکلا جزئیه قائم بالمنشِئ.
و أمّا المعتبر:
إنّ البعث و الزجر الاعتباریین بما هما أمران اعتباریان قائمان بالمعتبر لا بغیره، لایقومان بالفعل الخارجی و لا بمن یصدر عنه الفعل الخارجی.
أمّا طرف إضافة البعث و الزجر:
إنّه لابدّ لهما من طرف الإضافة لأنّ البعث المطلق غیرَ المضاف إلی شیء لایوجد، سواء لوحظ البعث بنحو القوة کما فی قیامه بمنشأ الانتزاع أو بنحو الفعلیة کما فی قیامه بمعتبره و طرف إضافة البعث و الزجر لایعقل أن یکون الهویة العینیة القائمة بالمکلّف، لأنّ البعث الحقیقی یوجد سواء وجدت الهویة العینیة من المکلّف أم لا و یستحیل أن یتقوّم البعث الموجود و یتشخص بالفعل
ص: 595
المعدوم بل ما لایوجد أصلاً کما فی بعث العصاة.
فلامحالة یکون متعلّقه المقوّم له و المشخّص هو الفعل بوجوده العنوانی الفرضی الموافق لأفق الأمر الاعتباری و المسانخ له.
فالبعث و الزجر لایقومان بالفعل الخارجی و الهویة العینیة حتی یتحقّق فیهما التضادّ فإنّ التضادّ یتحقّق فی الأُمور الخارجیة و العینیة.
قد یتوهّم وقوع التضادّ فی طرف إضافة الحکم الذی هو وجود عنوانی فرضی اعتباری و یدفعه أنّ التضادّ لایقع إلّا فی الواحد الشخصی، أمّا الواحد الطبیعی من الجنسی و النوعی و نحوهما ممّا له نحو من الکلّیة من دون تشخص و تعین وجودی فیجتمع فیه الأوصاف المتباینة.
فاتضح من جمیع ما ذکرنا أنّ البعث و الزجر لیسا من الأحوال الخارجیة بل هما من الأُمور الاعتباریة و أنّ متعلّقهما لیس من الموجودات العینیة بل العنوانیة و أنّ الوحدة المفروضة لیست شخصیة بل طبیعیة فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّین من البعث نحو شیء و الزجر عنه.((1))
ثمّ إنّه قد استدلّ علی عدم تعلّق البعث و الزجر بالهویة الخارجیة بأنّ الفعل بوجوده الخارجی یسقط البعث و الزجر فکیف یکون معروضاً لهما؟
و قد مرّ ما فیه فی مبحث الترتّب حیث إنّ الفعل الخارجی لو کان مسقطاً
ص: 596
للأمر و البعث یلزم علیة البعث لعدم نفسه (حیث إنّ البعث هو جزء العلّة لتحقّق الفعل الخارجی فلایکون الفعل الخارجی علّة لعدم البعث و سقوطه)، بل ینتهی أمد البعث بوجود المبعوث إلیه حیث إنّه یسقط الغرض الداعی إلی البعث بحصوله.
و أمّا إذا کان الحکم عبارة عن الإرادة و الکراهة: (کما هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق البروجردی (قدس سره)).
فإنّ الإرادة و الکراهة و إن کانتا من المقولات الحقیقیة و الموجودات العینیة إلّا أنّ موضوعهما النفس و متعلّقهما الفعل.
أمّا من حیث الموضوع فلا مانع من اجتماع إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد، لبساطة النفس و تجرّدها فلاتضیق النفس عن قبول إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد.
لایقال: الوجدان شاهد علی قیام إرادات متعددة بأُمور متعدّدة لا بأمر واحد و کذلک قیام الإرادة و الکراهة بالإضافة إلی أمرین لا بالنسبة إلی أمر واحد.
لأنا نقول: متعلّق الإرادة مشخِّص فردها، لا مقوِّم طبیعتها و حقیقتها و العبرة فی التضادّ و التماثل بنفس الحقیقة و التشخّص تشخّص المتضادّین و المتماثلین فوجودان من حقیقة واحدة متماثلان و وجودان من حقیقتین بینهما غایة البعد و الخلاف متضادّان و المتعلّق أجنبی عن الحقیقة. ((1))
ص: 597
و أمّا من حیث المتعلّق فهنا ثلاثة وجوه:
الوجه الأوّل: لا ریب أنّ الشوق المطلق لایوجد فی النفس بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه و یستحیل أن یکون الخارج عن أُفق النفس مشخّصاً لما فی أُفق النفس و إلّا لزم إمّا کون الحرکات الأینیة و الوضعیة القائمة بالجسم نفسانیة أو کون الإرادة النفسانیة من عوارض الجسم خصوصاً فی الإرادة التشریعیة فإنّه کیف یعقل أن تکون الحرکات القائمة بالمکلّف مشخّصة لإرادة المولی.
الوجه الثانی: إنّ البعث و مبدأه (و هی الإرادة التشریعیة) موجودان و إن لم یوجد الفعل أصلاً فکیف یعقل أن یتشخّص الإرادة المحقّقة بما لا تحقّق له و لایتحقّق أصلاً (کما فی العصاة).
الوجه الثالث: إنّ طبیعة الشوق بما هو شوق لاتتعلّق إلّا بالحاصل من وجه و المفقود من وجه إذ الحاصل من جمیع الجهات لا جهة فقدان له کی یشتاق إلیه النفس و المفقود من جمیع الوجوه لا ثبوت له بوجه کی یتعلّق به الشوق فلابدّ من حصوله بوجوده العنوانی الفرضی لیتقوّم به الشوق و لابدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقیقی، کی یکون للنفس توقان إلی إخراجه من حدّ الفرض و التقدیر إلی حدّ الفعلیة.
هذا تمام کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
إنّ حدیث تضادّ الأحکام ممّا لا أصل له لأنّ الأحکام الشرعیة أمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة فلا مانع من اعتبار وجوب شیء و حرمته معاً و الوجه فی ذلک هو أنّ المضادّة إنّما تکون
ص: 598
طارئة علی الموجودات التکوینیة الخارجیة و أمّا الأمور الاعتباریة فالمفروض أنّه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر، لیکون بعضها مضاداً لبعضها الآخر.
نعم المضادّة بین الأحکام من ناحیتین: المبدأ (اشتمال الفعل علی المحبوبیة و المبغوضیة) و المنتهی (مرحلة الامتثال).
أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ الوجوب و الحرمة بناءً علی وجهة نظر مذهب العدلیة کاشفان عن المحبوبیة و المبغوضیة و المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی المتعلّق فالمضادّة بین الوجوب و الحرمة إنّما هی بالعرض و المجاز.
و أمّا من ناحیة المنتهی فلأنّ اجتماعهما فی شیء واحد یستلزم التکلیف بالمحال و بغیر المقدور، لفرض أنّ المکلّف فی هذا الحال غیر قادر علی امتثال کلیهما معاً. ((1))
لا تضادّ من ناحیة المبدأ و المنتهی:
أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ المتعلّق ذو حیثیتین فبإحداها یکون محبوباً و بالأخری یکون مبغوضاً، کما أنّه لا شبهة فی أنّ المتعلّق واجد للمفسدة و المصلحة بل کلّ منهما بالغ إلی حدّ الإلزام.
و أمّا من ناحیة المنتهی فلما سیجیء إن شاء الله ذیل نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول جواز الاجتماع من عدم التکلیف بالمحال.
ص: 599
((1))
إنّ التضادّ بین الحکمین لاینحصر فی المبدأ و المنتهی، بل هما متضادّان فی مرحلة الفعلیة و الإنشاء.
بیان ذلک یتوقف علی ترسیم أُمور:
الأوّل: إنّ التضادّ المبحوث عنه هو التضادّ الأُصولی لا الفلسفی بمعنی أنّ اجتماع الأمر و النهی فی الواحد ذی العنوانین بنفسه محال لا من جهة استلزامه التکلیف بالمحال.
ثانیاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: إنّ حقیقة الحکم هو الباعث و الزاجر الإمکانیان فالمولی یأمر بداعی جعل الباعث و الداعی الإمکانی للفعل و ینهی بداعی جعل الزاجر الإمکانی عن الفعل فقوله: «صلّ» باعث إمکانی و قوله: «لاتغصب» زاجر إمکانی و هذا یسمّی بالإنشاء و مع عدم المانع یصل إلی مرحلة الفعلیة.
ثالثاً: إنّ متعلّق الحکم إمّا مطلق و إمّا مقید و لایمکن إهماله فی مقام الثبوت فالصلاة بما هی متعلّق البعث إمّا مطلق بالنسبة إلی الغصب و إمّا مقید و لا ریب فی عدم تقیدها بالغصب وجوداً و لا عدماً، أمّا تقیدها بوجود الغصب فهو قطعی العدم و أمّا تقیدها بعدم الغصب فلا دلیل إثباتی له فلابدّ من أن تکون الصلاة مطلقة بالنسبة إلی الغصب و هکذا الغصب بما هو متعلّق الزجر مطلق بالنسبة إلی الصلاة.
و معنی إطلاق الصلاة هو إمکان الداعویة إلی کلّ أفراد الصلاة و إن کانت فی المکان المغصوب و إلّا لایکون الأمر بالصلاة مطلقاً مع أنّا نری استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة إلی الصلاة
ص: 600
فی المکان المغصوب و إذا استحالت فعلیة الداعویة الإمکانیة استحال جعله و إنشاؤه، لأنّ انشاء الحکم لابدّ أن یکون بداعی جعل الداعویة الإمکانیة فإذا استحالت الداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی مورد الاجتماع فلا داعی إلی إنشاء الحکم و جعله؛ هذا علی مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی حقیقة الحکم.
و أمّا علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) من أنّ حقیقة الحکم هو الاعتبار المبرز فنقول: إنّ المراد من الاعتبار المبرز إمّا مطلق الاعتبار المبرز أو خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل.
أمّا مطلق الاعتبار المبرز فلایکون حکماً لأنّ الغرض من الحکم الشرعی هو جعل الداعی للمکلّف فلابدّ أن یکون المراد خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل و هذا الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الصلاة یکون مطلقاً بالنسبة إلی الغصب لعدم الإهمال و التقیید کما مرّ و لکن حیث تستحیل فعلیة داعویته بالنسبة إلی الصلاة فی المکان المغصوب یستحیل جعله و إنشاؤه
فتحصّل من هذا البیان وقوع التضادّ فی مرحلة فعلیة الحکم و إنشائه و جعله.
أوّلاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری تعلّق الحکم بالفرد و لکن لیس لازم تعلّق التکلیف به دخول لوازم الوجود و لوازم التشخّص فی المکلّف به، بل اللازم هو تعلّق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود و هذه الماهیة المتشخصة بالوجود الحقیقی الفرضی (لا الحقیقی التحقیقی) مطلوبة للشارع و هی فی مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلی جمیع أفراده من دون دخول لوازم تشخّصها فی متعلّق
ص: 601
التکلیف.
و استحالة الداعویة الإمکانیة هی أوّل الکلام فإنّ القائل بالجواز یری إمکان ذلک بخلاف القائل بالامتناع فهو یری استحالتها.
فالداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی جمیع أفراد الصلاة فعلیة و منجّزة عند وجود المندوحة و المکلف إن کان واقعاً فی الأرض المغصوبة بسوء اختیاره فهو خالف النهی عن الغصب فإن قلنا ببطلان صلاته وقع العصیان أیضاً بالنسبة إلی الصلاة أیضاً و إن قلنا بعدم بطلان صلاته لأنّه واجب فی کل حال فهو مرتکب لمعصیة واحدة و هذا الأخیر هو الأولی ولکن لابدّ له من إقامة الصلاة حین الخروج بالحرکات الإیمائیة و قضائها بعداً و أمّا مع عدم المندوحة فیقع التزاحم بین تنجّز الداعویة الإمکانیة فی البعث نحو الصلاة و تنجّز الزاجریة الإمکانیة فی الزجر عن الغصب فلابدّ من إعمال مرجحات التزاحم.
ثانیاً: إنّ استحالة تنجّز الداعویة الإمکانیة و تنجّز الزاجریة الإمکانیة فی فرض عدم المندوحة، لاتوجب استحالة فعلیتهما و إنشائهما لعدم التلازم بین مرحلة الإنشاء و الفعلیة و مرحلة التنجّز فی الاستحالة و الإمکان.
فتحصّل إلی هنا عدم وقوع التضادّ فی مرحلة مبدأ الحکم و لا فی الحکم الإنشائی و لا فی الحکم الفعلی بل لایستلزم ذلک مشکلة التکلیف بالمحال کما سیأتی إن شاء الله تعالی.
ص: 602
هنا فصول أخری من المبادی التصدیقیة الأحکامیة و لکن الأعلام أدرجوا البحث عنها فی مباحث الألفاظ و المباحث العقلیة فنشیر إلی عناوینها إجمالاً:
الفصل الثانی: إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق الأمر
الفصل الثالث: مقدمیة ترک الضدّ لفعل الضدّ الآخر
الفصل الرابع: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد
الفصل الخامس: حقیقة الإیجاب مرکبة أو بسیطة
ص: 603
ص: 604
ص: 605
ص: 606
فهرس العناوین تقصیلا
مقدمات خمس:
المقدمة الأولی: تعریف علم الأُصول ...................................................... 43
القواعد الأُصولیة علی أقسام أربعة ............................................................................ 43
فائدة علم الأُصول .................................................................................................. 45
ذکروا لعلم الأُصول تعاریف سبعة: ........................................................................... 45
التعریف الأوّل: من القدماء و المشهور ................................................................. 45
إیرادان علی هذا التعریف: ............................................................................ 46
جواب عن الإیراد الثانی .................................................................................. 47
التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) ............................................................. 47
إیراد علیه ....................................................................................................... 48
التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................ 49
إیرادان علیه: .................................................................................................. 49
الإیراد الأوّل ............................................................................................... 49
جواب عن هذا الإیراد ............................................................................... 49
یلاحظ علیه ............................................................................................... 50
الإیراد الثانی ............................................................................................... 50
التعریف الرابع: مختار المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................. 50
إیرادان علیه: .................................................................................................. 51
ص: 607
الإیراد الأوّل ............................................................................................... 51
الإیراد الثانی ............................................................................................... 52
یلاحظ علیه ............................................................................................... 52
التعریف الخامس: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................... 52
إیرادات ثلاثة من المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 53
مناقشات فی إیرادات المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 53
تحقیق المقام ........................................................................................................ 54
التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................ 54
إیراد علیه ....................................................................................................... 54
التعریف السابع: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) (فیه نکتتان) ....................................... 55
النکتة الأُولی .................................................................................................. 55
إشکال علیها ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................. 55
جوابان عن هذا الإشکال من المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 56
الجواب الأوّل ...................................................................................... 56
یلاحظ علیه ........................................................................................ 56
الجواب الثانی ...................................................................................... 57
یلاحظ علیه ........................................................................................ 57
النکتة الثانیة .................................................................................................. 57
المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم (فیه أربعة أقوال): .............................. 58
القول الأوّل: الموضوع ................................................................................................. 58
مناقشتان فی هذا القول ....................................................................................... 58
القول الثانی: المحمول .................................................................................................. 59
إیراد علیه ............................................................................................................. 59
القول الثالث: الغرض و هذا هو الصحیح .................................................................. 60
القول الرابع: الغرض أو الموضوع ............................................................................... 61
یلاحظ علیه .......................................................................................................... 61
المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم ................................................. 64
استدلال بعض الأُصولیین علی لزوم الموضوع لکل علم ............................................. 64
ملاحظتان علی هذا الاستدلال ............................................................................. 64
تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام ........................................................................... 65
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی لزوم وجود الموضوع الواحد لکل علم ..................... 66
ص: 608
التحقیق النهائی للمحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................... 66
المقدمة الرابعة: موضوع علم الأُصول (فیه أقوال أربعة): ............................ 68
القول الأوّل: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) (و هو الحق) .................... 68
القول الثانی: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................... 69
إیراد علیه ............................................................................................................. 69
القول الثالث: مختار صاحب القوانین (قدس سره) ...................................................................... 70
القول الرابع: مختار صاحب الفصول (قدس سره) ........................................................................ 70
مناقشة فی القول الثالث و الرابع ......................................................................... 70
جواب الشیخ الأنصاری (قدس سره) عنها .............................................................................. 71
ناقش فیه صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................................................. 71
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنها ............................................................................ 72
یلاحظ علیه .......................................................................................................... 72
المقدمة الخامسة فی تقسیم مبادی علم الأُصول (و هی أربعة): .................... 73
1. المبادئ اللغویة التصوریة ....................................................................................... 73
2. المبادئ اللغویة التصدیقیة ..................................................................................... 74
3. المبادئ الأحکامیة التصوریة ................................................................................... 75
4. المبادئ الأحکامیة التصدیقیة ................................................................................. 76
البحث الأوّل:
المبادی اللغویة التصوریة لعلم الأُصول
( فیه فصول ستة):
الفصل الأوّل: فی الوضع / 81
(فیه أمران و تنبیه)
الأمر الأوّل: حقیقة الوضع (هنا أقوال سبعة): ......................................... 83
القول الأوّل: المناسبة الذاتیة ...................................................................................... 83
إشکالات أربعة علی هذا القول ........................................................................... 84
القول الثانی: نظریة الملازمة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره)) ................................... 86
إیرادان علی هذا القول ........................................................................................ 87
ص: 609
القول الثالث: نظریة التعهد (و لهذا المبنی خصوصیات خمس) ............................. 88
أدلة نظیة التعهد أربعة: ............................................................................................ 92
1- الدلیل الأوّل .................................................................................................... 92
یلاحظ علیه .......................................................................................................... 92
2- الدلیل الثانی .................................................................................................... 93
یلاحظ علیه .......................................................................................................... 93
3- الدلیل الثالث .................................................................................................. 93
یلاحظ علیه .......................................................................................................... 93
4- الدلیل الرابع .................................................................................................... 94
أجوبة ثلاثة عن الدلیل الرابع .............................................................................. 95
الجواب الأوّل: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ..................................................... 95
یلاحظ علیه .................................................................................................... 95
الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً ............................................. 95
ملاحظتان علیه ................................................................................................ 95
الجواب الثالث ............................................................................................... 96
القول الرابع: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ....................................................................... 97
إشکالات ثلاثة علی هذا القول ............................................................................. 97
الإشکال الأوّل ................................................................................................... 97
یلاحظ علیه ..................................................................................................... 98
الإشکال الثانی ................................................................................................... 98
یلاحظ علیه ..................................................................................................... 98
الإشکال الثالث ................................................................................................ 98
القول الخامس: نظریة الوجود التنزیلی ..................................................................... 99
إشکالات أربعة علی هذا القول ......................................................................... 100
الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 100
الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً .................................................. 101
یلاحظ علیه ............................................................................................ 101
الإشکال الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ................................................ 102
یلاحظ علیه ............................................................................................ 102
الإشکال الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ................................................. 102
یلاحظ علیه ............................................................................................ 103
ص: 610
ملاحظتنا علی القول الخامس ........................................................................ 103
بیان للمحقق العراقی (قدس سره) یوهم اختیاره للقول الخامس ..................................... 103
یلاحظ علیه ............................................................................................ 104
القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره) ..................................................................... 105
إیرادات ثلاثة علی هذا القول ............................................................................ 106
القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 108
مناقشتان من المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا القول .................................................... 109
المناقشة الأُولی .............................................................................................. 109
جواب عنها .................................................................................................... 110
المناقشة الثانیة .............................................................................................. 110
جواب عنها .................................................................................................... 110
الأمر الثانی فی انقسامات الوضع (هنا تقسیمان): .................................... 113
التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی .................................................................. 113
اختلف فی وضع الهیآت علی قولین: .................................................................. 115
القول الأوّل: کونه نوعیاً (و هو مختار المشهور) ......................................... 115
تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) لقول المشهور ..................................................... 116
مناقشة بعض الأساطین (قدس سره) ......................................................................... 117
یلاحظ علیها ........................................................................................... 117
القول الثانی: کونه شخصیاً (و هو مختار بعض الأساطین (حفظه الله)) ..................... 117
التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع (هنا أربعة أقسام): . 118
القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص ........................................... 118
القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام ................................................. 118
بحث فی أنّ الموضوع له فی اسم الجنس العام الشأنی أو العام الفعلی؟ ...... 118
ثمرة القولین ................................................................................................. 120
القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص ........................................... 121
إشکال فی ثبوت القسم الثالث .................................................................... 121
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 122
یلاحظ علیه ................................................................................................. 122
ص: 611
القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام ............................................. 123
استدلّ علی إمکان هذا القسم بوجهین ...................................................... 124
الوجه الأوّل: من المحقق الحائری (قدس سره) ............................................................. 124
الجواب عنه ............................................................................................ 125
الوجه الثانی: من المحقق الجزائری (قدس سره) ............................................................ 125
الجواب عنه ............................................................................................ 126
تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی (هنا وجوه أربعة) ..................... 127
الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة / 129
(و فیه تنبیهان)
الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة: ......................................................... 131
القول الأوّل: علامیة الحروف ................................................................................... 133
الإیراد علیه ........................................................................................................ 134
القول الثانی: نظریة التفتازانی ................................................................................... 134
استشکل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 135
القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) (تفسیران لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):) ...................... 137
التفسیر الأوّل ..................................................................................................... 139
ملاحظتان علیه .............................................................................................. 140
التفسیر الثانی ..................................................................................................... 140
ملاحظتان علیه .............................................................................................. 141
القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ..................................................................... 142
استشکل علیه من وجوه أربعة ......................................................................... 143
القول الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس ................................... 145
مناقشات ستّ فی هذه النظریة ........................................................................ 149
القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (نذکرها فی ضمن عناوین أربعة): .................. 152
1. المعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات ..................................................... 154
2. إنّ النسبة وجودها لا فی نفسها .................................................................... 154
ص: 612
3. الوجود الرابط ذاته و وجوده تعلقی ........................................................... 155
4. تحقیق فی حقیقة النسبة و وجودها ............................................................ 156
مناقشات أربع فی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره): ............................................. 158
المناقشة الأولی بالنسبة إلی الاستدلال علی الوجود الرابط من محاضرات .. 158
یلاحظ علیها ........................................................................................... 158
المناقشة الثانیة: إنکار الوجود الرابط خارجاً (نسب إلی السیّد السیستانی (حفظه الله)) ........ 159
ملاحظتان علیها ...................................................................................... 160
المناقشة الثالثة من محاضرات أیضاً ............................................................ 161
یلاحظ علیها ........................................................................................... 161
المناقشة الرابعة من محاضرات أیضاً ........................................................... 162
یلاحظ علیها ........................................................................................... 162
القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) (نذکرها فی ضمن عناوین خمسة): ........................ 163
1. القسم الأول من الحروف یباین الاسم ذاتاً ................................................... 163
2. معانی الحروف حکائیة .................................................................................. 164
3. امتیاز هذا القول عن سائر الأقوال ............................................................... 165
4. حال القسم الثانی من الحروف حال الجمل الإنشائیة .................................. 165
5. الموضع له علی هذه النظریةخاص و الوضع عام ......................................... 166
مناقشتان فی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 167
أدلة أربعة علی هذه النظریة ............................................................................ 168
المناقشة فی الأدلة الأربعة ............................................................................ 169
القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) تنقسم الحروف إلی ثلاثة أقسام ............... 170
یلاحظ علیه ........................................................................................................ 171
التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟ ........................... 173
التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی (هنا ثمرتان): ................ 175
الثمرة الأُولی .......................................................................................................... 175
الثمرة الثانیة .......................................................................................................... 177
ص: 613
الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار / 179
(فیه أمران):
الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة (هنا نظریات أربع): ................................ 181
النظریة الأولی: مبنی المشهور ................................................................................ 181
تقریر بعض الأساطین (حفظه الله) لقول المشهور ................................................................... 181
النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (حفظه الله) ..................................................................... 182
استشکل علیها المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................ 183
النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 183
یلاحظ علیها .......................................................................................................... 184
النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 184
یلاحظ علیها .......................................................................................................... 185
الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء (نذکر فیه نظریات ستّ): ........................... 187
النظریة الأولی: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................. 186
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها .......................................................................... 189
مناقشة فی هذا الإیراد ....................................................................................... 189
الجواب عن هذه المناقشة ................................................................................ 189
النظریة الثانیة: .............................................................................. 190
یلاحظ علیها ...................................................................................................... 191
النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 192
مناقشات ثلاث فیها: ......................................................................................... 193
المناقشة الأُولی .................................................................................................. 193
المناقشة الثانیة: من تحقیق الأُصول ................................................................. 194
الجواب عن المناقشة الثانیة ............................................................................. 195
المناقشة الثالثة: من تحقیق الأُصول أیضاً ........................................................ 195
الجواب عن هذه المناقشة ................................................................................ 195
النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 196
ص: 614
یلاحظ علیها ...................................................................................................... 196
النظریة الخامسة .................................................................................................... 197
ملاحظتان علیها ................................................................................................. 197
النظریة السادسة: (و هی الرأی الصحیح) ............................................................ 197
الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات / 199
اختلف الأعلام فی معانیها علی ثلاثة أقوال: ............................................... 201
النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 201
ملاحظتنا علیها ...................................................................................................... 202
النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 203
النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) .................................... 203
یلاحظ علیها .......................................................................................................... 204
الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة للإرادة / 205
مقدمة: أقسام الدلالة ثلاثة ....................................................................................... 207
القسم الأوّل: الدلالة التصوریة ............................................................................... 207
القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأُولی .................................................................. 209
القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة ................................................................ 209
هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟ .............................................................................. 210
النظریة الأُولی: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ...................................................... 211
النظریة الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................... 212
یلاحظ علیها ...................................................................................................... 213
الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز / 215
علائم الحقیقة و المجاز ثلاث: ................................................................................... 217
العلامة الأولی: التبادر ............................................................................................. 219
ص: 615
إشکال الدور فی التبادر ..................................................................................... 220
جوابان عن هذا الإشکال ................................................................................... 221
العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب (هنا مقامان): ....................... 224
المقام الأوّل: الحمل الأوّلی الذاتی ...................................................................... 224
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .............................................................................. 225
هل یکون السلب الذاتی علامة المجازیة؟ .................................................. 226
المقام الثانی: الحمل الشائع الصناعی( هنا أقسام ثلاثة) ................................. 227
بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................. 228
هل یکون السلب الشائع علامة المجازیة؟ ................................................ 229
العلامة الثالثة: الاطراد ............................................................................................ 230
بیانان لعلامیة الاطراد ......................................................................................... 232
الأوّل: بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................... 232
یلاحظ علیه ................................................................................................. 233
الثانی: بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................................. 233
یلاحظ علیه ................................................................................................. 233
البحث الثانی:
المبادئ اللغویة التصدیقیة لعلم الأُصول
(فیه فصول خمسة)
الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة / 237
(فیه مقدمتان و تنبیه)
المقدمة الأولی: إنّ هذا البحث من المبادئ اللغویة التصدیقیة .............................. 239
بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لکون هذا البحث من المسائل الأُصولیة ............................ 240
ملاحظتان علی هذا البیان ....................................................................................... 240
ص: 616
المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟(فیه نظریتان): ..................... 242
النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................. 242
إیراد المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................................................... 242
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا تصویران) ....................................................... 244
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................. 246
الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة ................................................................. 248
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة ................................................. 250
یلاحظ علیها ...................................................................................................... 251
تنبیه: فی ثمرة هذا البحث؛ هل لهذا البحث ثمرة؟ (فیه قولان): ............................. 253
القول الأوّل: وجود الثمرة (مختار المحقق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما)) ............. 253
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................................ 254
القول الثانی: إنکار وجود الثمرة (مختار المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله)) 255
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................................... 256
الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم / 257
(فیه مقدمتان و مقامان)
المقدمة الأولی: فی صلة هذا البحث بالبحث السابق ........................................... 259
قد اختلف فی جریان هذا البحث علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة علی ثلاث نظریات: 259
النظریة الأولی: من الشیخ الأنصاری (قدس سره) .............................................................. 259
ملاحظتان علیها ............................................................................................ 260
النظریة الثانیة: من صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................. 261
النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 264
یلاحظ علیها ................................................................................................. 265
المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة (هنا نظریتان): ................................................ 267
ص: 617
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................... 267
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 270
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................. 270
ملاحظتان علیه ............................................................................................. 271
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................... 271
إیرادان علیها ................................................................................................. 273
الأوّل: ملاحظتنا علی ما أفاده فی آخر کلامه ................................................... 273
الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 273
یلاحظ علیه .................................................................................................. 274
المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟ (فیه أمران و تنبیه): 275
1) الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم ........................................... 276
الدلیل علی لزوم وجود الجامع ............................................................................ 276
استدلال علی عدم لزوم الجامع ........................................................................... 277
إشکالان من المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................................... 277
بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم لزوم الجامع ...................................................... 278
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................ 279
ما الجامع عند الصحیحی؟ (هنا ثلاث نظریات): ................................................... 281
النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................ 281
إیرادان علیها: ............................................................................................... 282
الأوّل: إیراد المحقق البروجردی (قدس سره) .................................................................... 282
الجواب عنه ............................................................................................ 283
الثانی: إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 283
النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره) .................................................................. 284
ملاحظات ثلاث علیها .................................................................................... 284
النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................... 286
1. أما الجامع الذاتی .................................................................................... 286
ص: 618
إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 286
2. أما الجامع العنوانی [المرکب] ................................................................. 287
إیرادان من المحقق الإصفهانی علیه .......................................................... 287
3. أما الجامع العنوانی البسیط ................................................................... 287
إیرادان من المحقق الإصفهانی علیه .......................................................... 288
4. أما الجامع الاعتباری .............................................................................. 288
إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 288
یلاحظ علیه ..................................................................................... 289
5. أما الجامع الترکیبی التشکیکی .............................................................. 289
إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 289
6. أما الجامع الترکیبی المختار لمراتب الصلاة ............................................ 290
ملاحظتنا علیها: الحق وجود الجامع العنوانی و الاعتباری و الترکیبی .... 292
تصویران للجامع العنوانی ........................................................................... 294
تصویر الجامع الاعتباری ............................................................................. 295
تصویران للجامع الترکیبی ........................................................................... 295
ما الجامع عند الأعمی؟ (هنا ثلاثة تصاویر): ........................................................... 297
التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره) ............................................................ 297
إشکالات ثلاثة علیه لصاحب الکفایة (قدس سره) ......................................................... 298
أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 298
التصویر الثانی: ما نسب إلی المشهور ............................................................... 300
إشکالان لصاحب الکفایة (قدس سره) علیه ................................................................... 301
أجاب عنهما المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 301
ملاحظة من المحقق الخوئی (قدس سره) لتصحیح التصویر الثانی .................................. 304
التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................... 305
إشکالان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ............................................................... 305
الجواب عنهما ................................................................................................ 306
ص: 619
2) الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم (هنا أقوال ثلاثة): ... 309
القول الأوّل: مختار الشیخ الأنصاری و المحقق النائینی (قدس سرهما) ............................. 309
مناقشتان من المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا القول ............................................ 310
القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة (مختار صاحب الکفایة و المحقق البهجة (قدس سرهما)) ............. 311
أدلة القول بالصحیح خمسة: ............................................................................ 311
الدلیل الأوّل: التبادر ................................................................................... 311
الدلیل الثانی: صحة السلب ......................................................................... 311
الدلیل الثالث: الأخبار (هی علی طائفتین) ............................................... 312
یلاحظ علی هذه الأدلة الثلاثة ................................................................ 313
الدلیل الرابع: الاستدلال بطریق اللم ......................................................... 314
الدلیل الخامس: الاستدلال بطریق اللم أیضاً ............................................ 314
بیان لتکمیل الدلیل الرابع و الخامس ......................................................... 315
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان ................................................. 316
یلاحظ علیه ............................................................................................ 317
القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الحائری و العراقی و الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (حفظه الله)) 319
أدلة القول الثالث ......................................................................................... 320
الدلیل الأول ................................................................................................... 320
یلاحظ علیه .................................................................................................... 320
الدلیل الثانی ................................................................................................... 321
یلاحظ علیه .................................................................................................... 321
القول الرابع: و هی نطریتنا ............................................................................. 323
3) تنبیه فی ثمرة البحث (هنا ثمرتان): .................................................................... 325
الثمرة الأولی: جریان البراءة و الاشتغال (هنا أقوال خمسة): .......................... 325
القول الأوّل: نظریة المحقق القمی و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ................ 326
القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ..................... 327
ص: 620
القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................... 327
یلاحظ علیه ............................................................................................ 329
القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 329
بیانه (قدس سره) فی دراسات ................................................................................... 329
بیانه (قدس سره) فی محاضرات ................................................................................ 330
القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره) ................................................... 331
مناقشة فی هذا القول ............................................................................. 332
الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی ............................................... 334
مقدمة فی أنّ الإطلاق علی قسمین: مقامی و لفظی ................................ 334
إشکالات ثلاثة علی هذه الثمرة ........................................................... 336
الإشکال الأوّل: من المحقق العراقی (قدس سره) ................................................... 336
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................... 337
الإشکال الثانی ........................................................................................ 339
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................ 340
الإشکال الثالث ..................................................................................... 340
یلاحظ علیه .................................................................................... 342
المقام الثانی: فی أنّ ألفاظ المعاملات وضعت للصحیحة أو الأعم؟ (فیه أُمور ثلاثة) 345
الأمر الأوّل: إنّ أسامی المعاملات موضوعة للأسباب أو المسبّبات؟(هنا نظریتان) ..... 347
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................ 347
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 347
النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره) ................................................. 348
النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأعلام من تلامذه .................. 348
الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات؟ (فیه نظریات ثلاث): ... 350
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) (و هی عدم جریان النزاع) 350
ص: 621
النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) (و هی التفصیل) ................................. 352
یلاحظ علیها .......................................................................................... 352
النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله) (هی جریان النزاع علی بعض المبانی) .. 353
یلاحظ علیها ............................................................................................ 353
الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً 355
قال المشهور بجواز التمسک بإطلاق المعاملات ............................................. 355
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور ........................................ 357
إشکال علی التمسک بالإطلاق .................................................................... 358
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 359
الفصل الثالث: فی الاشتراک (و فیه تنبیه) / 363
اختلفوا فیه علی أقوال ثلاثة:
القول الأوّل: وجوب الاشتراک ...................................................................................... 365
الاستدلال علی هذا القول ....................................................................................... 366
أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بوجوه أربعة .......................................................... 366
الوجه الأوّل و الثانی و الثالث ........................................................................... 366
إشکال المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثالث ................................................ 366
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) ....................................................................... 367
الوجه الرابع ....................................................................................................... 367
القول الثانی: استحالة الاشتراک ..................................................................................... 367
دلیلان علی القول الثانی ............................................................................................... 367
الدلیل الأوّل ............................................................................................................. 367
جوابان من المحقق الخراسانی (قدس سره) عنه ................................................................. 368
الدلیل الثانی: استدلال القائلین بمبنی التعهد ......................................................... 368
یلاحظ علیه ....................................................................................................... 369
ص: 622
القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار ................................................................ 369
قال المحقق الخوئی (قدس سره) بما ینتج نتبجة الاشتراک ............................................................. 369
الإیراد علیه .............................................................................................................. 370
تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم ................................................ 371
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................................... 371
الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد / 373
(و فیه تنبیه)
أدلة القائلین بالاستحالة أربعة ................................................................................... 377
الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 377
مناقشتان فی هذا الدلیل ................................................................................... 378
المناقشة الأولی: عن المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 378
جواب عنها .................................................................................................. 379
المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................ 379
الدلیل الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ............................................................... 380
بیان المحقق االنائینی (قدس سره) ..................................................................................... 380
یلاحظ علیه ................................................................................................. 381
تقریر المحقق العراقی (قدس سره) .................................................................................... 381
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل ................................................. 381
الدلیل الثالث...........................................................................................................
382
إیرادات ثلاثة علی هذا الدلیل .......................................................................... 383
الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة ............................................... 383
إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................ 384
الإیراد الأوّل ....................................................................................................... 384
جواب عن هذا الإیراد ................................................................................ 385
ص: 623
الإیراد الثانی ....................................................................................................... 386
الإیراد الثالث ..................................................................................................... 386
تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟ ................. 389
الفصل الخامس: المشتق / 391
( فیه مقدمات ثلاث و أمران و تنبیهات أربعة)
مقدمات ثلاث ......................................................................................................... 393
1) المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق (و فیها بحثان) ..... 395
البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأُصولی و الأدبی ................................................. 395
المشتق الأدبی (و هو علی قسمین) .................................................................. 395
الجامد الأدبی (و هو أیضاً علی قسمین) .......................................................... 398
المشتق الأُصولی (و هو ما کان مشتملاً علی رکنین) ........................................ 398
استشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی علی دخول القسم الثانی من الجامد الأدبی فی محل النزاع 401
تحقیق فی هذا الفرع (هنا نظریتان) ............................................................... 402
النظریة الأولی: من المشهور ....................................................................... 402
النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................... 404
إیرادات ثلاثة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................... 405
الإیراد الأوّل ............................................................................................ 405
الإیراد الثانی ............................................................................................ 407
الإیراد الثالث: روایة علی بن مهزیار فی الکافی ......................................... 407
نوقش فی سند هذه الروایة بصالح بن أبی حماد ................................ 408
ملاحظتنا علیها: الحق توثیقه بأدلة ثلاثة ...................................... 409
البحث الثانی: تعمیم المشتق الأُصولی لبعض المصادیق(فهنا مطالب أربعة) ...... 414
المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان ........................................................ 414
إشکال علی جریان النزاع فی اسم الزمان .................................................... 414
محاولات الأعلام لدفع الإشکال (هنا نظریات أربع) ................................. 415
ص: 624
1) النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ( إنّه (قدس سره) أجاب عن الإشکال بوجهین) 416
الوجه الأوّل: الجواب الحلّی .............................................................. 416
الوجه الثانی: الجواب النقضی (و هو اثنان) ....................................... 417
مناقشة بعض الأعلام بالنسبة إلی النقض الأوّل .................................. 417
مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی النقض الثانی .......................... 419
2) النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ......................................... 419
إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیها ............................................................... 422
یلاحظ علیه ..................................................................................... 424
3) النظریة الثالثة: من المحقق النائینی (قدس سره) ............................................ 424
یلاحظ علیها ................................................................................... 425
4) النظریة الرابعة: من المحقق العراقی (قدس سره) ........................................... 427
مناقشتان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی المحقق العراقی (قدس سره) .............. 429
المناقشة الأُولی .............................................................................. 429
المناقشة الثانیة .............................................................................. 430
جواب السیّد الصدر (قدس سره) عن المناقشة الثانیة ......................................... 430
المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المجرّدة ........ 433
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................................. 433
نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................... 433
هل تدلّ الأفعال علی الزمان؟ (نبحث عنها فی صورتین) .......................... 434
الصورة الأولی: الدلالة بالمطابقة أو بالتضمن ........................................... 434
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................... 434
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................... 436
الصورة الثانیة: الدلالة بالالتزام (هنا نظریات ثلاث) ............................... 437
1) النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................ 437
2) النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................ 438
إیراد السیّد الخوئی (قدس سره) علیها ............................................................... 439
ص: 625
یلاحظ علیه .................................................................................. 440
3) النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................ 440
ملاحظتان علیها ............................................................................. 441
المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول ................. 442
نظریة المحقق النائینی (قدس سره): خروج اسم الآلة و اسم المفعول عن محل النزاع 442
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .................................................................. 443
التحقیق حول جریان النزاع فی اسم الفاعل و اسم المفعول ..................... 444
2) المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس .................... 445
مبادئ المشتقات علی أقسام أربعة .................................................................. 445
3) المقدمة الثالثة: فی معنی الحال (هنا احتمالات ستة) ......................................... 448
الإحتمال الأوّل: زمان النطق ............................................................................. 449
إیرادان علی الاحتمال الأوّل ........................................................................ 449
الاحتمال الثانی: حال النطق .............................................................................. 450
الإیراد علیه ................................................................................................. 451
الاحتمال الثالث: زمان النسبة .............................................................................. 451
إیرادان علی الاحتمال الثالث ...................................................................... 451
الإحتمال الرابع: حال النسبة ................................................................................ 451
الإیراد علیه ................................................................................................. 451
الاحتمال الخامس: زمان التلبس ........................................................................... 452
إیرادان علی الاحتمال الخامس ................................................................... 452
الاحتمال السادس: حال التلبس و هو المتعیّن .................................................... 452
المقصود فی الموضوع له للمشتق ...................................................... 455
1) الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی (هنا صورتان) ........................ 455
الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة (و هو اثنان) ..... 455
الأوّل: الأصل اللفظی العقلائی (و له تقریران) ................................................ 455
التقریر الأوّل ............................................................................................... 456
ص: 626
إیرادان علی هذا التقریر ......................................................................... 457
التقریر الثانی ............................................................................................... 457
إیرادان علی التقریر الثانی ....................................................................... 458
الثانی: الأصل العملی ......................................................................................... 459
إیرادات ثلاثة علیه ...................................................................................... 460
الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة ............................ 461
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) (هنا صورتان) ......................................................... 461
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .............................................................. 462
الإیراد الأوّل ............................................................................................ 462
جواب عن هذا الإیراد ............................................................................ 462
الإیراد الثانی ............................................................................................ 463
تتمیم صور المسألة ........................................................................................... 464
2) الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق (فیه مقامان) .... 465
المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی (هنا نظریتان) ...................................................... 469
النظریة الأولی: من المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................. 470
بیان منتقی الأُصول لتوجیه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................... 471
مناقشتان فی هذه النظریة ......................................................................... 472
الأُولی: مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 472
بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالبساطة ......................................... 472
بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالترکیب .......................................... 473
یلاحظ علیها ......................................................................................... 474
الثانیة: ملاحظتنا علی هذه النظریة .................................................... 475
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا فروض ثلاثة) ............................ 475
الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره) ............. 476
الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هی المختار ........................................ 476
الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق (هنا احتمالان) .................... 476
ص: 627
الأوّل: ترکب المشتق بمعنی من حصل منه الضرب .................................. 477
إیرادن علی هذا الاحتمال ....................................................................... 477
الثانی: ترکب المشتق بمعنی من حصل له الضرب ..................................... 477
إیرادان علی الاحتمال الثانی ..................................................................... 477
جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عنهما ............................................................... 477
المقام الثانی: فی البحث الإثباتی ............................................................................... 480
الف) أدلة القائلین بالوضع لخصوص المتلبس ثلاثة ....................................... 480
1) الدلیل الأوّل: التبادر .............................................................................. 480
إشکال فی المقام ...................................................................................... 481
الجواب الأوّل عن هذا الإشکال: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ......................... 482
إشکال السیّد الصدر (قدس سره) .............................................................................. 482
الجواب الأوّل عن هذا الإشکال: من السیّد الصدر (قدس سره) ................................. 483
2) الدلیل الثانی: صحة السلب ................................................................... 484
إیراد المحقق الرشتی (قدس سره) ............................................................................. 484
أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره): هنا احتمالات ثلاثة .................................... 485
نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا فرضان) ................................................... 487
الفرض الأول: أن یعتبر السلب بالحمل الأوّلی الذاتی .......................... 488
الفرض الثانی: أن یعتبر السلب بالحمل الشائع (هنا صور ثلاث) ....... 488
الصورة الأُولی و الثانیة و الثالثة ................................................ 488
مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الالتزام بهذه الصور ..................... 489
التزام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالصورة الثانیة بتقریب آخر ............... 490
ملاحظة علیه ............................................................................. 490
النظریة المختارة ..................................................................................... 491
3) الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم .......................................... 491
استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................. 492
یلاحظ علیه ............................................................................................ 493
ب) أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة .............................................................. 495
ص: 628
1) الدلیل الأوّل: التبادر .............................................................................. 495
إیراد علیه .............................................................................................. 495
2) الدلیل الثانی ........................................................................................... 495
إیراد علیه .............................................................................................. 496
3) الدلیل الثالث ......................................................................................... 496
إیراد علیه .............................................................................................. 497
تنبیهات مسألة المشتق .................................................................. 499
1) التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟ (هنا مطلبان) .................. 500
المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة (هنا قولان) .............................................. 503
القول الأوّل: البساطة الإدراکیة (و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره)) ................... 504
القول الثانی: البساطة التحلیلیة ........................................................ 505
نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 505
یلاحظ علیها ............................................................................ 505
نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .............................................................. 506
ملاحظة علیها .......................................................................... 506
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................... 507
یلاحظ علیه ............................................................................ 507
المطلب الثانی: فی الاستدلال علی البساطة و الترکب ............................. 510
أدلة القائلین بالبساطة خمسة ......................................................... 510
1- الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره) ................................. 510
التحقیق حول هذا الاستدلال (هنا صورتان) ................................................. 512
الصورة الأولی: أخذ مفهوم الشیء فی المشتق ............................... 512
قد نوقش علیه بتقریبات ثلاثة ................................................. 512
التقریب الأوّل: من السیّد الشریف .......................................................... 513
جوابان عن هذا التقریب .......................................................................... 513
ص: 629
الجواب الأوّل: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) ................................................. 513
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه .................................................................. 514
الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین و الحکیم السبزواری و صاحب الکفایة (قدس سرهم) 514
مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی الجواب الثانی ........................................... 515
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ................................................................... 516
یلاحظ علیه ......................................................................................... 517
نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی الجواب الثانی ............................. 517
ملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی ................................................ 519
التقریب الثانی: من صاحب الفصول (قدس سره) ....................................................... 520
مناقشة صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ................. 520
التقریب الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره) ..................................................... 521
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا التقریب ................................................. 522
الإیراد علی ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره) ............................... 522
الإیراد علی کون الشیء جنساً لما تحته من الأجناس العالیة ...................... 522
الصورة الثانیة: أخذ مصداق الشیء فی المشتق ............................ 524
مناقشات ثلاث فیها ............................................................... 524
المناقشة الأولی: من السیّد الجرجانی ......................................................... 525
جواب صاحب الفصول (قدس سره) عن هذه المناقشة .............................................. 526
دفاع المحقق السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) عن السیّد الشریف .......... 527
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن المحققین (قدس سرهما) .................................................... 529
المناقشة الثانیة: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) .............. 532
المناقشة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 532
2- الدلیل الثانی: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهم) 534
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................... 534
3- الدلیل الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره) ........................................... 535
ص: 630
مناقشة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) ................................. 536
4- الدلیل الرابع: من المحقق الشیرازی (قدس سره) .......................................... 537
الجواب عن هذا الدلیل ............................................................. 537
5- الدلیل الخامس: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................... 538
مناقشتان فی هذا الدلیل ............................................................ 540
1) مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................... 540
یلاحظ علیها ......................................................................... 541
2) ملاحظتنا علیه .................................................................. 541
استدل المحقق الخوئی (قدس سره) علی ترکب المشتق بوجهین .............................. 542
الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان ........................................................ 543
إشکال علی هذا الوجه .............................................................. 543
الوجه الثانی: البرهان .................................................................... 543
ملاحظة علیه ........................................................................... 544
2) التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ .......................................... 547
المشهور بین الحکماء أنّ الفرق بین المبدأ و المشتق هو باعتبار لابشرط و بشرط لا (و لهذا الکلام تفسیران) 547
التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره) ............................................. 548
التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................. 550
المقام الأوّل: فی مراد أهل المعقول ................................................... 550
المقام الثانی: فی القول الصحیح ....................................................... 551
3) التنبیه الثالث: رابطة المشتق و الذات (ملاک الحمل) ........................ 554
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 554
نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................... 554
إشکالان علی هذه النظریة ......................................................... 555
ص: 631
الأوّل: إشکال صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................. 555
الثانی: إشکال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 555
4) التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات ................................................ 557
البحث الثالث:
المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول
الفصل الأوّل: حقیقة الحکم / 561
الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته ..................................... 561
أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی .................................................. 561
القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی ............................................................. 561
إیرادات ثلاثة علی القول الأول .................................................................... 562
القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی (فیه بیانان) ...................................... 563
البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی .................................................................... 563
البیان الثانی للمحقق الإصفهانی .................................................................... 564
ملاحظة علی القول الثانی .......................................................................... 565
القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب (فیه بیانان) .......................... 565
بیان المحقق العراقی: إرادة هی حقیقة الحکم و روحه .............................. 565
بیان المحقق البروجردی ................................................................................ 566
إیراد المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی و البروجردی ........................... 567
ملاحظتان علی ما أفاده المحقق الإصفهانی .................................................. 568
القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه .......................... 569
بیان المحقق الخوئی ...................................................................................... 569
یلاحظ علیه ............................................................................................. 570
القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة ......... 570
أما انقسامات الحکم التکلیفی ........................................................... 571
بیان المحقق الإصفهانی ........................................................................................ 571
ملاحظ علی هذا البیان ...................................................................................... 573
ص: 632
الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته ...................................... 574
أما انقسامات الحکم الوضعی ........................................................... 574
نظریة العلّامة الأنصاری: انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة ...................... 574
نظریة صاحب الکفایة: التفصیل بین أقسام ثلاثة ............................................. 575
القسم الأول: (السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتکلیف) ..................... 575
القسم الثانی: (الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمکلّف به) ............... 575
نظریة المحقّق الإصفهانی حول القسم الثانی ....................................................... 575
القسم الثالث: (الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة) 576
ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی .............................................................. 576
نظریة صاحب الکفایة .................................................................................... 576
إیرادان علیها .................................................................................................. 577
نظریة المحقّق الإصفهانی ................................................................................. 577
الفصل الثانی: مراتب الحکم / 579
القول الأول: نظریة صاحب الکفایة ..................................................... 579
القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی:(یشتمل علی تحقیقه حول نظریة صاحب الکفایة) إنّ الحکم له مراتب أربع 580
المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً (هنا ثلاث احتمالات) .................................... 580
الاحتمال الأوّل ................................................................................................ 580
و فیه ............................................................................................................. 580
الاحتمال الثانی ................................................................................................ 580
و فیه ............................................................................................................. 580
الاحتمال الثالث: (و هو الصحیح من الاحتمالات الثلاثة) ................................... 580
المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً .................................................................................. 581
المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً ..................................................................... 581
المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته ................................ 581
المراد من الفعلی من جمیع الجهات و الفعلی من بعض الجهات ...................... 581
خمس ملاحظات علی ما أفاده المحقق الإصفهانی .............................................. 584
ص: 633
القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (و بیانه تشتمل علی مناقشته فی نظریة صاحب الکفایة) 587
الملاحظة علی ما أفاده المحقق الخوئی ...................................................................... 588
القول الرابع: نظریتنا ........................................................................ 588
الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة / 590
(نبحث عنها فی ضمن مباحث الأوامر و المباحث العقلیة)
البحث الرابع:
المبادی التصدیقیّة الأحکامیة
الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها / 593
نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع .................................................... 593
النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................... 594
ملاحظة علیه ................................................................................ 594
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (و هو المختار) ........................ 594
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی ................................................ 598
یلاحظ علیها ............................................................................ 599
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین .............................................. 600
إیرادان علیه ............................................................................. 601
الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة / 603
(نبحث عنها فی مباحث الألفاظ و المباحث العقلیة)
ص: 634
(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)...................... 358, 359
(إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ).................... 497
(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ ) 272
(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)............................ 358
(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوکًا لَا یقْدِرُ عَلَی شَیءٍ) 338
(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) 95
(کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ) 250
(لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ).................. 496
(لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتَا)..... 87
(وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ)..................... 250
(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)....................... 96
(وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیا). 251
(وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)..................... 96
(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)............. 97, 519
(وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 587
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) 519
(وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ)................. 439
(یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ) 338
(فِیهِ آیاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) 371
الروایات:
بِکَ عَرَفْتُکَ وَ أَنْتَ دَلَلْتَنِی.................... 101
قیل له إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخری فقال ابن شبرمة حرمت علیه الجاریة و امرأتاه فقال أبو جعفر (علیه السلام) أخطأ ابن شبرمة.................................................. 407
هِی الْعَلَامَة........................................ 109
یا مَنْ دَلَ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِه..................... 101
ص: 635
ص: 636
الامام الحسین (علیه السلام) ....................... 431, 432
الامام جعفر الصادق (علیه السلام) ...................... 407
الامام الرضا (علیه السلام) .................................... 109
الف
ابن إدریس............................. 401
ابن الغضائری.......................... 408
ابن الولید............................... 410
ابن شبرمة.............................. 407
أبی العبّاس بن نوح..................... 410
الإصفهانی 52, 54, 60, 64, 65, 66, 72, 73, 75, 108, 116, 132, 152, 157, 158, 161, 167, 169, 170, 171, 173, 183, 186, 187, 188, 189, 191, 192, 194, 198, 203, 204, 212, 213, 224, 225, 226, 227, 228, 229, 231, 232, 234, 239, 244, 245, 246, 247, 260, 270, 271, 273, 274, 280, 283, 286, 287, 288, 289, 295, 305, 306, 316, 319, 329, 338, 348, 350, 354, 357, 376, 381, 383, 384, 385, 414, 416, 419, 421, 422, 429, 431, 432, 433, 436, 438, 439, 440, 441, 449, 452, 465, 475, 476, 477, 478, 487, 489, 490, 491, 500, 504, 506, 515, 517, 519, 524, 533, 536, 538, 540, 541, 542, 544, 545, 546, 550, 551, 552, 554, 555, 561, 563, 564, 565, 567, 568, 571, 575, 577, 580, 583, 584, 585, 588, 590, 593, 598,594, 599, 600, 601
آقا علی المدرس............ 159, 545, 552
ص: 637
الإیروانی................................. 99
ب
البروجردی 203, 204, 282, 416, 420, 566, 567, 597
بعض الأساطین 68, 69, 72, 95, 109, 117, 120, 170, 173, 188, 197, 203, 204, 240, 246, 256, 319, 337, 338, 353, 379, 384, 414, 421, 457, 460, 464, 466, 474, 477, 492, 501, 594, 600
البهبهانی الرامهرمزی (سید علی)...... 450
البهجة 73, 74, 170, 239, 311, 411, 414, 421, 457, 458, 465
ت
التفتازانی.................. 131, 134, 173
ج
الجرجانی 500, 501, 506, 510, 511, 512, 513, 518, 523, 524, 525, 527, 532, 533
الجزائری................. 124, 125,438
ح
الحائری 88, 89, 124, 319, 331, 332, 503
الحکیم السبزواری 514, 523, 524, 532, 533, 534
الحکیم (السید) ........................ 348
الحلّی.................................... 211
حمّاد..................................... 339
خ
الخراسانی 49, 55, 57, 60, 69, 71, 72, 132, 134, 135, 137, 138, 139, 154, 173, 182, 183, 187, 188, 191, 201, 211, 242, 244, 250, 253, 254, 261, 267, 269, 270, 280, 281, 282, 298, 301, 311, 327, 328, 331, 333, 335, 346, 347, 350, 366, 368, 376, 377, 380, 414, 416, 433, 434, 436, 449, 451, 457, 459, 461, 462, 465, 482, 485, 491, 499, 500, 503, 504, 508, 514, 520, 523, 524, 527, 528, 531, 532, 533, 534, 547, 550, 551, 552, 555, 557, 563, 575, 576, 579, 580, 583, 587, 593, 594
الخوئی
46, 53, 55, 56, 64, 66, 68, 69, 88, 89, 91, 92, 100, 109, 122, 132, 163, 166, 167, 173, 183, 184, 188, 196, 197, 225, 227, 231, 233, 234, 245, 246, 256, 264, 270, 271, 273, 274,
ص: 638
277, 279, 280, 295, 298, 299, 300, 301, 303, 304, 305, 306, 310, 319, 320, 329, 335, 338, 340, 343, 349, 352, 353, 359, 361, 366, 368, 369, 370, 371, 378, 389, 404, 405, 414, 416, 418, 421, 439, 440, 441, 443, 449, 457, 462, 465, 472, 473, 487, 501, 504, 506, 507, 516, 520, 522, 523, 524, 527, 529, 533, 534, 536, 538, 540, 542, 557, 569, 570, 587, 588, 593, 598, 601
الخوانساری............................ 571
د
الدوانی.. 476, 500, 506, 550, 551, 553
ر
الرشتی.................... 124, 225, 484
الرضی.................................. 137
الروحانی 414, 416, 421, 436, 458, 465, 593
س
السبزواری.......... 527, 532, 534, 538
السیستانی............................... 159
ش
الشیخ الأنصاری 47, 71, 259, 300, 327, 329, 331, 342, 463, 574, 575, 576
الشیخ الرئیس....... 210, 515, 531, 532
الشیرازی............................... 537
ص
صاحب الفصول 70, 442, 476, 512, 513, 514, 519, 520, 526, 532, 547, 548, 551, 554, 555, 556, 557
صالح بن أبی حمّاد............... 407, 408
صدر المتألهین 145, 160, 295, 514, 523, 545, 550, 552, 556
الصدر 105, 414, 416, 422, 424, 427, 430, 457, 464, 465, 474, 482, 483, 487, 501, 538
الصدوق............................... 410
ط
الطباطبائی..................... 418,326
الطهرانی................................ 427
الطوسی........... 67, 99, 100, 211, 568
ع
العراقی 54, 60, 86, 103, 132, 142, 165, 173, 245, 253, 280, 284,
ص: 639
319, 336, 337, 343, 376, 380, 381, 414, 416, 427, 428, 429, 431, 460, 464, 465, 500, 565, 567, 597
علی بن محمد............................ 407
علی بن مهزیار.......................... 407
ف
الفارابی.......................... 531, 532
الفضل بن شاذان....................... 410
ق
القمی........... 70, 297, 304, 326, 328
ک
کاشف الغطاء (علی)................... 561
م
محمد بن یعقوب........................ 407
المشکینی................................ 437
المظفر..................................... 99
المیرداماد.................................. 83
ن
النائینی 47, 50, 85, 97, 98, 132, 145, 146, 148, 149, 164, 171, 173, 174, 242, 244, 255, 256, 278, 281, 309, 327, 342, 350, 376, 380, 411, 414, 416, 424, 425, 432, 442, 443, 465, 470, 471, 472, 473, 474, 475, 478, 500, 504, 505, 512, 515, 516, 519, 520, 521, 522, 523, 533, 534, 535, 537, 545, 571, 575
النجاشی................................ 408
النهاوندی........................... 88, 89
و
الوحید البهبهانی........................ 275
ص: 640
سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -
عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.
مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .
مشخصات ظاهری : 10ج.
شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :
یادداشت : عربی.
یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.
یادداشت : نمایه .
مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.
عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.
موضوع : اصول فقه شیعه
موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction
رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 3846970
عیون الأنظار / الجزء الأول
- المؤلف: محمد علی البهبهانی
- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978
- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978
- الطبعة الأولی
- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش
- السعر: 30000
- عدد النسخ: 1000
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
عُیونُ الأنظار
(الجزء الثانی)
مباحث الألفاظ (1)
البحث الأول: الأوامر
البحث الثانی: النواهی
ص: 3
ص: 4
البحث الأوّل : « الأوامر» / 15
الفصل الأول : مادةالأمر / 17
الأمر الأول :معنی مادةالأمر. 19
البحث الأول: معنی الأمر لغةً و عرفاً 19
المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی.. 21
المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی.. 22
النظریة الأُولی: من العلامة القوچانی (قدس سره) 24
النظریة الثانیة: من معلّق الکفایة المحقق المشکینی (قدس سره) 25
النظریة الثالثة: من صاحب الفصول (قدس سره) 26
النظریة الرابعة: من صاحب الکفایة (قدس سره) 26
النظریة الخامسة: من المحقق البروجردی (قدس سره) 31
النظریة السادسة: من المحقق العراقی (قدس سره) 34
النظریة السابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 36
النظریة الثامنة : من المحقق النائینی (قدس سره) 37
النظریة التاسعة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 39
البحث الثانی : معنی « الأمر » اصطلاحاً 48
النظریة الأُولی: و هی مختار المشهور. 48
النظریة الثانیة: و هی المختار عندنا 50
ص: 5
البحث الثالث: الأصل العملی فی المقام. 52
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 52
نظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) : 52
الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء. 53
الأمر الثالث:دلالة مادة الأمر علی الوجوب... 55
النظریة الأُولی: مادة الأمرحقیقة فی الندب... 56
النظریة الثانیة: الاشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب... 56
الوجه الأول: 57
الوجه الثانی: 57
النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب... 58
النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب... 66
النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 66
التقریر الأول: 67
التقریر الثانی (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال): 67
التقریر الثالث: ما عن المحقق البروجردی (قدس سره) 70
التقریر الرابع: 75
التقریر الخامس: 76
التقریر السادس: 77
التقریر السابع: و هو المختار. 78
النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب... 81
النظریة السابعة: السیرة العقلائیة. 85
الأمر الرابع:فی النسبة بین الأمر و الطلب... 91
القول الأول: الأمر مطلق الطلب... 91
القول الثانی: الأمر الطلب بالقول. 92
القول الثالث: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ 94
القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر. 95
القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة. 95
القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر و هو القول المختار. 95
ص: 6
الأمر الخامس:فی تطابق معنی الطلب و الإرادة. 97
هل یتحد معنی الطلب و الإرادة؟. 97
المحاولة الأُولی: اتحاد معنی الطلب و الإرادة. 97
المحاولة الثانیة: تغایر معنی الطلب و الإرادة. 98
نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 98
النظریة المختارة. 98
نظریة صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) و المحقق النائینی (قدس سره) 99
نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) 100
نظریة الأشاعرة. 101
التنبیه الأول: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة. 110
المطلب الأول فی الإرادة التکوینیة. 110
الجهة الأُولی: معنی الإرادة. 110
الجهة الثانیة: الإرادة الذاتیة و الفعلیة لله تعالی.. 115
أما الإرادة الذاتیة لله تعالی.. 115
أما الإرادة الفعلیة لله تعالی.. 120
المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة. 123
التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر. 123
التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة. 124
التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین.. 127
تقریرات أربعة لنظریة الأمر بین الأمرین: 130
التقریر الأول: ما حکی عن الحکیم المحقق الطوسی (قدس سره) 130
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 131
التقریر الثالث: ما أفاده العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 137
التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 141
الفصل الثانی: صیغة الأمر / 145
الأمر الأول:معنی صیغة الأمر. 147
القول الأول: 147
القول الثانی: إنشاء الطلب... 149
القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة. 150
ص: 7
القول الرابع: النسبة الإرسالیة. 151
القول الخامس: النسبة البعثیة. 152
القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف... 152
القول السابع: إبراز النسبة البعثیة. 154
الأمر الثانی:الجمل الخبریة فی مقام البعث... 157
الموضع الأول: معنی هذه الجمل.. 157
النظریة الأُولی: 158
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 158
التقریب الأول: 158
التقریب الثانی: 159
النظریة الثالثة: مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) 160
الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب... 161
الأمر الثالث:الواجب التعبدی و التوصلی... 163
مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی... 164
مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی... 167
المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأول. 167
أما مقتضی الأصل اللفظی.. 167
القول الأول: 167
القول الثانی: 167
أما مقتضی الأصل العملی... 170
النظریة الأولی: من المشهور. 170
النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 170
النظریة الثالثة: تفصیل السید الصدر (قدس سره) فی المقام. 171
المبحث الثانی: مقتضی الأصل علی المعنی الثانی.. 173
أما مقتضی الأصل اللفظی.. 173
القول الأول: أصالة التوصلیة. 173
القول الثانی: أصالة التعبدیة. 173
أما مقتضی الأصل العملی... 179
القول الأول: 179
القول الثانی: 179
ص: 8
المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث... 180
القسم الأول: 180
أما مقتضی الأصل اللفظی.. 180
أما مقتضی الأصل العملی.. 181
القسم الثانی: 182
القول الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 182
القول الثانی: و هو المختار. 183
المبحث الرابع: مقتضی الأصل علی المعنی الرابع. 185
تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع. 185
التعریف الأول: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 185
التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 187
التعریف الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 188
مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع. 189
المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 189
الوجه الأول: قصد الأمر. 189
الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلّق الأمر ب- «قصد الأمر»؟. 190
الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقییدهل یستحیل الإطلاق أو لا؟. 209
الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته. 218
الوجه الخامس: قصد الجامع بین الدواعی و هو قید الانتساب إلیه تعالی.. 224
الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة. 226
المورد الثانی: نتیجة الإطلاق.. 228
بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی: 228
المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی.. 234
الوجه الأول: 234
الوجه الثانی: 236
الوجه الثالث: 237
مقتضی الأصل المقامی علی المعنی الرابع. 240
التقریر الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) 240
التقریر الثانی: 240
مقتضی الأصل العملی علی المعنی الرابع. 243
المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ 243
ص: 9
البیان الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 243
البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین.. 245
المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ 246
القول الأول: جریان أصالة الاشتغال. 246
القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة. 246
التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ 249
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : 249
الأمر الرابع:اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة. 251
البحث الأول. 251
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 251
البحث الثانی.. 254
الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری.. 254
استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین: 254
الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری.. 255
الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی.. 256
الأمر الخامس:الأمر عقیب الحظر. 259
البحث الأول: فی دلالته علی الوجوب... 259
أمّا ذکر الأقوال. 259
تحقیق المسألة. 262
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 264
بیان بعض الأساطین (دام ظله) : 264
الأمر السادس:المرة و التکرار. 265
المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرة و التکرار. 265
المقدمة الثانیة: فی تحقیق انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع.. 266
البحث الأول: فی دلالة الصیغة علی المرة و التکرار. 267
أمّا الدلالة بالوضع. 267
أمّا الدلالة بالإطلاق.. 267
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 267
تنبیه: الامتثال بعد الامتثال. 268
ص: 10
النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) من التفصیل.. 268
النظریة الثانیة: ما أفاده السید الخوئی (قدس سره) 270
الأمر السابع: الفور و التراخی.. 271
المقدمة: 271
دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی.. 272
أمّا الدلالة بالوضع. 272
أمّا الدلالة بالإطلاق.. 272
أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة. 273
الوجه الأول: الدلیل العقلی... 273
الوجه الثانی: 274
الوجه الثالث: 275
مقتضی الأصل العملی... 278
الفصل الثالث: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد / 279
المقام الأول: التحقیق فی المسألة. 281
النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) 281
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الأُستاذ العلامة الشاه آبادی.. 284
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 286
النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 287
المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة. 290
بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة: 290
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة: 296
الفصل الرابع:هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 299
تمهید. 301
المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً 304
التقریر الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 304
التقریر الثانی: 305
المقام الثانی: فی مقام الإثبات... 309
ص: 11
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی... 312
القول الأول: جریان الاستصحاب... 312
النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره) 312
النظریة الثانیة: ما أفاده السید المحقق الحکیم (قدس سره) 312
النظریة الثالثة: 313
القول الثانی: عدم جریان الاستصحاب... 313
الفصل الخامس:الواجب التخییری / 315
حقیقة الواجب التخییری.. 317
النظریة الأُولی: 317
النظریة الثانیة: 317
النظریة الثالثة: 319
النظریة الرابعة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 321
النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 328
النظریة السادسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 332
النظریة السابعة: ما اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) 334
النظریة الثامنة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 339
تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر.. 344
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر: 344
الفصل السادس:الواجب الکفائی / 347
مقدمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع.. 349
نظریات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی.. 351
النظریة الأُولی: التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله. 351
النظریة الثانیة: الوجوب المشروط.. 351
النظریة الثالثة: التکلیف متوجه إلی الفرد المردد. 352
النظریة الرابعة: الوجوب علی مجموع المکلفین.. 352
النظریة الخامسة: من المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .. 353
النظریة السادسة: موضوع التکلیف هو صرف الوجود للمکلفین.. 354
ص: 12
البیان الأول: من المحقق النائینی (قدس سره) 354
البیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) 357
الفصل السابع:الواجب الموسع و المضیق / 361
الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق.. 363
الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء. 367
المطلب الأول: الأقوال فی المسألة. 367
المطلب الثانی: تحقیق المسألة. 369
المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی... 372
الوجه الأول: جریان البراءة. 372
الوجه الثانی: جریان الاستصحاب... 373
البیان الأول: إستصحاب شخص الحکم. 374
البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم. 376
المطلب الرابع: ثمرة المسألة. 377
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته. 378
نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی (قدس سره) : 378
الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381
البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء. 383
القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأساطین: 384
القول الثانی: عن المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) 384
البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی.. 387
نظریة المحقق العراقی (قدس سره) : 387
الفصل التاسع:الأمر بعد الأمر / 391
البحث الثانی: « النواهی » / 395
الفصل الأول:معنی صیغة النهی / 397
القول الأول: طلب الکف... 399
ص: 13
القول الثانی: طلب الترک.. 399
القول الثالث: الزجر. 401
القول الرابع: الکراهة. 402
القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی.. 403
الفصل الثانی:توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد / 407
النظریة الأُولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) 409
النظریة الثانیة: ما اختاره المحقق الفشارکی و المحقق الحائری (قدس سرهما) .. 413
النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 414
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی توضیح هذه النظریة: 415
النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 418
الفصل الثالث:سقوط النهی بالمعصیة / 423
النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) 425
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 426
النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 426
فهرس العناوین تفصیلاً.. 431
ص: 14
وفیه تسعة فصول
الفصل الأول: مادة الأمر
الفصل الثانی: صیغة الأمر
الفصل الثالث : تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد
الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟
الفصل الخامس: الواجب التخییری
الفصل السادس: الواجب الکفائی
الفصل السابع: الواجب الموسع و المضیق
الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء
الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر
ص: 15
ص: 16
و فیه خمسة أُمور
الأمر الأول: معنی مادة الأمر
الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء
الأمر الثالث: دلالة مادة الأمر علی الوجوب
الأمر الرابع: فی النسبة بین الأمر و الطلب
الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة
ص: 17
ص: 18
هنا ثلاثة أبحاث:
ذکر للفظ «الأمر» معانٍ منها الطلب و الشأن و الفعل و الفعل العجیب و الشیء و الحادثة و الغرض.((1))
و قد أورد علیها صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) فقال: «لایخفی أنّ عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم ضرورة أنّ الأمر فی "جاء زید لأمر" ما استعمل فی معنی الغرض بل اللام قد دل علی الغرض نعم یکون مدخوله [أی اللام] مصداقه [أی الغرض] فافهم »((3))
ص: 19
هذه المعانی استعمل فیها الأمر و أما الموضوع له للفظ الأمر، ففیه أقوال و هنا نبحث عن محاولتین مهمّتین؛((1))
ص: 20
المحاولة الأُولی: کون اللفظ «الأمر» مشترکاً لفظیاً و المحاولة الثانیة: کونه مشترکاً معنویاً.((1))
و القول بالاشتراک اللفظی علی صورتین:
ص: 21
الصورة
الأُولی: الاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین((1)) و هنا نظریتان.((2))
الصورة الثانیة: الاشتراک اللفظی بین معنیین و فیها خمس نظریات کما سیأتی.
المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (3)
و فی تعیین المعنی الواحد للفظ «الأمر» نظریتان کما سیأتی.
ص: 22
ص: 23
هی أیضا للقائل بالاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین. ذهب (قدس سره) إلی أنّ معانیه : «الطلب» و «الفعل» و «الشیء».((1))
فیظهر بعد ملاحظة ما یأتی من مناقشة سائر النظریات.
ص: 25
((1))
((2))
قال: «کونه حقیقةً فی هذین الأمرین و إن کان مختار جملة من المحققین علی ما حُکی إلا أنّ استعمال الأمر فی الشیء مطلقاً لایخلو عن شیء إذ الشیء یطلق علی الأعیان و الأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة فلایقال: "رأیت أمراً عجیباً" إذا رأی فرساً عجیباً و لکن یحسن ذلک إذا رأی فعلاً عجیباً من الأفعال».
ص: 28
أنّ عدم تداول الاستعمال لایضر بصحته کما یقال: هذا (زید) أمر متشخص بذاته و جزئی خارجی. مضافاً إلی أن هذا المحقق (قدس سره) أعرض عن هذه المناقشة و استدرک عنها و قال بأنّ الشیء بمعناه المصدری المبنی للمفعول یطلق علی الأعیان الخارجیة أیضاً، و التزم بأن مفهوم الأمر حینئذٍ مساوق لمعنی الشیء و الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال معنی الطلب.
ص: 30
قد أورد - علی أنّ معنی الأمر الطلب و الفعل((1)) - بعض أکابر الاساطین (دام ظله)
ص: 32
ص: 33
بوجوه ثلاثة:
أولاً: إنّ الأمر الجمودی أعم من
الفعل فیشمل الصفات و الأعراض کما یقال للسواد العارض للشیء أمر و للعلم الذی اتصف به العالم أمر.((1))
ثانیاً: مفهوم الفعل لایخطر فی الذهن من الأمر الجمودی و مصداق الفعل لایکون الموضوع له لأنّه یلزم حینئذٍ الوضع العام و الموضوع له الخاص.
فالمعنی الجمودی الأخص من الشیء الأعم من الفعل.
ثالثاً: ما سیأتی من المناقشة الأُولی علی النظریة السادسة مع ما یلاحظ علیها.
و هی للقائل بالإشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّ المحقق العراقی و المحقق الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ذهبوا إلی أنّهما «الطلب» و «معنی أخص من الشیء» و بعضهم قیدوا معنی الثانی و قالوا: «أخصّ من الشیء و أعم من الفعل»((2))
ص: 34
هذه النظریة متعینة لولا مناقشتان:
و هی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من اعتبار خصوصیة فی المعنی الأول - و هو الطّلب - و أن الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان و هذا
ص: 35
قرینة قاطعة علی أنّها لم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و فعل نفسه، فالموضوع له الأول لمادة الأمر هو الطلب فی إطار خاص لا الطلب المطلق.((1))
إنّ الأمر یطلق إذا تعلق بفعل نفسه کما قال تعالی: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) ((2)) فإن المراد من «أمره» هو قوله فی ما بعد «کن» و هو مشتمل علی الطلب الذی لایتعلّق بفعل غیره.
و هی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من إرجاع المعنی غیر الطلبی و هو الأخص من الشیء و الأعم من الفعل إلی المعنی الطلبی و قد نشیر إلیه.
هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّه (قدس سره) ذهب إلی أنّهما «إبراز الاعتبار النفسانی» و «معنی أخص من الشیء».((3))
ص: 36
قد استشکل هذه النظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ المناط فی الاعتبار و الإبراز أن یکون المعتبر مدلولاً لللّفظ مثل البیع و النکاح اللذین هما اعتباران لللّفظ نفسانیان نبرزهما بلفظ ملکتک و أنکحتک و لکن فی ما نحن فیه المعتبر هو ثبوت الفعل و وجوبه علی الذمة و المبرز لفظ «آمرک » و معنی الأمر لیس وجوب الفعل و لا إبرازه. نعم الأمر یکون مصداقاً للإبراز کما یستفاد منه وجوب الفعل لکن البحث فی المفهوم و المعنی لا فی المصداق.
هی للقائل بالاشتراک المعنوی فی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة بعد قوله بالاشتراک اللفظی بینها و بین الطلب. و هی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ((2))
ص: 37
«و التحقیق أنّه لا إشکال فی کون الطلب المنشأ بإحدی الصیغ الموضوعة له، معنی له وأنّ استعماله فیه بلا عنایة و أما بقیة المعانی فالظاهر أنّ کلها راجعة إلی معنی واحد و هی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة... نعم لابدّ و أن یکون المستعمل فیه فی مادة الأمر من قبیل الأفعال و الصفات فلایطلق علی الجوامد بل یمکن أن یقال إنّ الأمر بمعنی الطلب أیضاً من مصادیق هذا المعنی الواحد فإنّه أیضاً من الأُمور التی لها أهمیة.»
لایجوز اتصافه بأنّه لیس بمهم.
إنّه إن أراد مفهوم الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة فهو لایتبادر إلی الذهن عند استماع لفظ الأمر و إن أراد مصداق الواقعة التی لها أهمیة فیستلزم القول بأنّ الوضع فیه عام و الموضوع له خاص لأنّ المصادیق مختلفة و هذا أیضاً باطل.
إنّ الأمر یطلق علی السواد مع أنّه لاتصدق علیها واقعة لها أهمیة فی الجملة.
الإرادة البالغة إلی حد الفعلیة. و تبعه صاحب المنتقی (قدس سره) :((1))
((2)) قال عند نقد وضع مادة الأمر لمفهوم الشیء: «و لم أقف علی مورد یتعین فیه إرادة الشیء حتی مثل قوله تعالی: (أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)((3))... مع أنّه لایستقیم إرادة الشیء فی مثل أمر فلان مستقیم. نعم لو کان الشیء منحصراً مفهوماً فی المعنی المصدری لشاء یشاء - و کان إطلاقه علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیات وجوداتها فالمصدر مبنی للمفعول - لما کان إشکال فی مساوقته مفهوماً لمفهوم الأمر کما ربما یراه أهل المعقول؛ لکن الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال الطلب حینئذ.»
ص: 40
«و الوضع بإزاء مصادیقه [أی الفعل] - من الأکل و الشرب و القیام و القعود و غیرها - بلا جهة جامعة تکون هی الموضوع لها حقیقة سخیف جداً، والجهة الجامعة بین مصادیق الفعل بما هو فعل لیس إلا حیثیة الفعلیة. فإنّ المعانی القابلة لورود النسب علیها تارة من قبیل الصفات القائمة بشیء و أخری من قبیل الأفعال. ولا فرق بینها من حیث القیام و کونها أعراضاً لما قامت به و إنّما الفرق أنّ ما کان من قبیل الأفعال قابل لتعلق الإرادة به دون ما کان من قبیل الصفات کالسواد و البیاض فی الأجسام و کالملکات و الأحوال فی النفوس.
فیرجع الأمر فی [مادة] الأمر بالأخرة إلی معنی واحد و أنّ إطلاقها علی خصوص الأفعال فی قبال الصفات و الأعیان باعتبار موردیتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعیان و الصفات فإنّها لاتکون معرضاً لذلک. فالأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.»
و کلامه (قدس سره) هو أحسن ما قیل فی المقام.
قال: «و یرد علیه ما عرفت من أنّ استعمال الأمر بغیر المعنی الطلبی لیس
ص: 41
مخصوصاً بما یکون فعلاً بل قد یطلق علی ما لایمکن أن یطلب کما فی شریک الباری أمر مستحیل».((1))
أولاً: بالنقض علیه فإنّ إطلاق الأمر علی شریک الباری مسامحةٌ و إلّا یرد نفس هذا الإشکال علی السید الصدر (قدس سره) حیث قال « إنّ المعنی الثانی للأمر هو الأخص من الشیء » مع أنّ الشیئیة مساوقة للوجود فکیف یطلق علی الممتنع وجوده؟
ثانیاً: بالحلّ فإنّ الوجه فی هذا الإطلاق هو أنّ من لم یکن راسخاً فی التوحید
ص: 42
یری احتمال وجوده أو المشرک یعتقد بوجوده و هکذا فی سائر الممتنعات فإنّ من لم یکن مدرکاً للعقلیات یری احتمال وجودها.
إنّ الأمر بمعنی الطلب لایمکن إطلاقه فی موارد الأمر غیر الطلبی لأنّ ما أفاده من قابلیة الأفعال لتعلق الإرادة به و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّ الأمر غیر الطلبی متعلق الإرادة و الطلب و الأمر و لایمکن تصویر المفهوم الجامع بین الأمر و متعلقه.
إنّ الإرادة عین المراد و ما ورد من أنّ إرادته إحداثه دلیل علی اتحادهما لأنّ الإحداث الإیجاد و الإیجاد عین الوجود، فإرادته تعالی عین فعله (والمراد الفعل بالمعنی الأعم بحیث یشمل الأعیان و الصفات و الأفعال).
إنّ الأمر مصدر ثلاثی مجرد (فما کان متعدیاً و علی زنة فَعَلَ یکون مصدره علی زنة فَعل) و المصدر قد یطلق علی اسم المفعول مثل الخلق فإنّه مصدر و لکن یطلق علی اسم المفعول، فالخلق اسم للمخلوق و الأمر اسم للمأمور به (مثلاً إذا أمر المولی جنوده بالحرکة نحو مکان فمهما سئل أنّه ما أمر المولی؟ فیجاب: «الحرکة» مع أنّ الحرکة هو المأمور به).
ص: 43
و لعل ما مثل به فی الکفایة((1)) لمعنی «الفعل» من هذا القبیل فإنّ المراد من (أَمْرُ فِرْعَوْنَ) فی الآیة المبارکة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ)((2)) ما أمر به فرعون؛ فإنّ فرعون أمر بالکفر بموسی (علی نبینا و آله و علیه السلام).
کما أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) مثّل لذلک بالمصدر المیمی فقال:((3)) الأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.
و استعمال الأمر بهذا البیان متداول فی الأفعال إلا أنّ الاشتقاق المذکور لم یعتبر فیه العلو؛ ثم إنّ الأمر بهذا المعنی قد یستعمل فی الصفات و الأعراض بل فی الأعیان (سواء کان علماً بالذات أو بالإشارة) و عدم تداوله لایضر بصحته.
إنّ الأمر بهذا المعنی لا یطلق علیه تعالی بخلاف الشیء فإنّه یطلق علیه فیقال إنه تعالی شیء لا کالأشیاء، فیعلم من ذلک عدم مساوقة مفهوم الامر و مفهوم الشیء خلافاً للمحق الإصفهانی (قدس سره) حیث ذهب إلی مساوقتهما.
أنّ مفهوم الأمر و المشیة کل منهما مترادف مع الآخر ولکن الترادف لیس
ص: 44
بمعنی اتحاد المعنی من جمیع الجهات و جمیع القیود، بل الالفاظ المترادفة ربما یختلف معناها باختلاف لطیف أدبی کما فصّل فی ذلک بعض اللغویین مثل ابن سکیت و لکنها یجمعها معنی جامع مثل الإنسان و البشر فإنّ الإنسان یطلق علی هذه الماهیة بلحاظ أنسه أو باعتبار نسیانه کما ورد فی بعض الروایات و کلمات الأعلام، و البشر یطلق علیها باعتبار ظواهره حیث إنّ هذه الکلمة قد اشتقّت من البشرة و علی ذلک لا مانع من أن نقول إنّ واجب الوجود بالذات تبارک و تعالی أمر متفرد بذاته. نعم إطلاق الشیء و الأمر علیه تبارک و تعالی من ضیق التعبیر من جهة التوسعة التی تقع فی هذه الکلمات فإنّ الوضع اللغوی قد اقتضی استعمالها فی ما تعلق به الأمر و المشیة ولکن حیث إنّ الأعیان الخارجیة کلّها نفس المشیة الفعلیة الجزئیة، قد أطلق علیها الشیء کما أنّ التوسعة الثانیة اقتضت إطلاق الأمر علی شریک الباری و أمثال ذلک حیث إنّ العقل یفرض لهذه الأُمور وجوداً نفس الأمری أو فقل ثبوتاً ذهنیاً.
إنّ القول بالإشتراک المعنوی باطل لأنّ الأمر بالمعنی الطلبی یجمع علی صیغة الأوامر و الأمر بالمعنی غیر الطلبی یجمع علی صیغةالأمور و هذا یدلّ علی الاشتراک اللفظی.
أما إشکال اختلاف الجمع حیث إنّ الأمر بمعنی الطلب المخصوص یجمع علی الأوامر و بالمعنی الآخر علی الأمور فیمکن دفعه بأنّ الأمر حیث یطلق علی الأفعال لایلاحظ فیه تعلق الطلب تکویناً أو تشریعاً فعلاً بل من حیث قبول
ص: 45
المحل له فکأنّ المستعمل فیه متمحض فی معناه الأصلی الطبیعی الجامد و الأصل فیه حینئذٍ أن یجمع الأمر علی أمور کما هو الغالب فی ما هو علی هذه الزنة. ((1))
و هذه الملاحظات تتّجه إلی بیانه لا إلی أصل نظریته.
إنّه قال:((2)) بعدم إطلاق «الأمر» علی الصفات و الأعراض و بعدم قابلیتها لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:
بأنّه لایتم ذلک لأنّ الأمر الجمودی یطلق علی الصفات و الأعراض کما هو مذهب المحقق العراقی و السید الصدر5 و کما صرّح به بعض الأساطین (دام ظله) عند الإشکال علی السید المحقق البروجردی (قدس سره) حیث قال بأنّه یطلق علی السواد العارض للشیء أمرٌ و للعلم الذی اتصف به العالم أمرٌ.
إنّه ذکر سابقاً فی مقام الإشکال علی صاحب الکفایة (قدس سره) - إذ قال:((3)) إنّ الأمر الجمودی وضع بإزاء مفهوم الشیء- أنّ «الشیء یطلق علی الأعیان والأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة» و صرّح أیضاً بعدم قابلیة الأعیان
ص: 46
لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:
بأنّ الأعیان أیضاً قد یطلق علیها الأمر کما مرّ و إن لم یکن متداولاً و لذا یطلق علی الأعیان الخارجیة أنّها أمر متشخص بذاته و أنّها أمر بسیط أو مرکب و غیر ذلک.
و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) عند الإشکال علی المحقق الخراسانی (قدس سره) : «إنّ إطلاق الشیء علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیئات وجودها»؛ فعلی هذا، الأعیان متعلقات للإرادة التکوینیة الإلهیة و عدم قابلیة إرادتنا لأن تتعلق بالأعیان لاینافی تعلق الإرادة الإلهیة بها.
فتحصل أنّ مقتضی التحقیق تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع إصلاحها باطلاق الأمر علی الأعیان و الصفات و الأعراض فإنّ الاستعمال قد یکون بالنسبة إلی بعض مصادیقه شایعاً و بالنسبة إلی بعض مصادیقه نادراً و غیر متعارف و هذه الندرة و عدم التعارف لایضر بصحة الاستعمال.
ص: 47
إنّه قد حکی المحقق الخراسانی (قدس سره) نظریة المشهور فقال:((1)) «و أما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق علی أنّه [أی الأمر] حقیقة فی القول المخصوص و مجاز فی غیره».
و قال بعد أسطر: «القول المخصوص أی صیغة الأمر».
((2))
إنّ القول المخصوص جامد و لایمکن الاشتقاق منه مع أنّا نری أنّ الاشتقاقات من الأمر تکون بهذا المعنی المصطلح علیه فلابدّ أن یکون معناه حدثیاً لأنّ مبدأ الاشتقاق معنی حدثی قابل للتصریف.
إنّ الأمر بهذا المعنی المصطلح علیه یکون مبدأ للاشتقاق .
قال (قدس سره) :((3)) «إنّ وجه الإشکال إن کان توهم أنّ الموضوع له لفظ لا معنی... و
ص: 48
إن کان وجه الإشکال ما هو المعروف من عدم کونه معنی حدثیاً ففیه أنّ لفظ ”اضرب“ صنف من أصناف طبیعة الکیف المسموع و هو من الأعراض القائمة بالمتلفظ به؛ فقد یلاحظ نفسه - من دون لحاظ قیامه و صدوره عن الغیر - فهو المبدء الحقیقی الساری فی جمیع مراتب الاشتقاق و قد یلاحظ قیامه فقط فهو المعنی المصدری المشتمل علی نسبة ناقصة و قد یلاحظ قیامه و صدوره فی الزمان الماضی فهو المعنی الماضوی و قد یلاحظ صدوره فی الحال أو الاستقبال فهو المعنی المضارعی و هکذا؛ فلیس هیأة ”اضرب“ مثلاً کالأعیان الخارجیة و الأُمور غیر القائمة بشیء حتی لایمکن لحاظ قیامه فقط أو فی أحد الأزمنة».
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قوّی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و استشکل علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ ما ذکره فی إطاره و إن کان فی غایة الصحة و المتانة إلا أنّه لا صلة له بما ذکرناه و السبب فی ذلک أنّ لکل لفظ حیثیتین موضوعیتین:
الأُولی: حیثیة صدوره من اللافظ خارجاً و قیامه به کصدور غیره من الأفعال کذلک .
الثانیة: حیثیة تحققه و وجوده فی الخارج فاللفظ من الحیثیة الأُولی و إن کان قابلا للتصریف و الاشتقاق إلا أنّ لفظ الأمر لم یوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحیثیة و إلا لم یکن مجال لتوهم عدم إمکان الاشتقاق و الصرف منه بل هو موضوع بإزائه من الحیثیة الثانیة و من الطبیعی أنّه بهذه الحیثیة غیر قابل
ص: 49
لذلک کما عرفت فما أفاده مبنی علی الخلط بین هاتین الحیثیتین.»
إنّ ما لابدّ منه هو أن یکون بحیث یمکن صدوره عن الفاعل و هذا یکفی فی الاشتقاق و عدم لحاظ قیامه باللافظ لایوجب انقلاب ذاته فإنّ اللحاظ و عدم اللحاظ اعتباری و ما هو شرط للاشتقاق هو أن یکون بحسب ذاته قابلا للصدور عن الفاعل و القیام بالغیر حتی یطرأ علیه أنحاء الصدور و یشتق منه المشتقات و الشرط حاصل فی المقام.
((1))
إنّ مبدأ الاشتقاق لابدّ أن یکون خالیاً عن جمیع الخصوصیات لیقبل کل خصوصیة ترد علیه و لذا قال فی بحث المشتق: إنّ المصدر لایصلح أن یکون مبدأ للاشتقاق لأنّ المصدر مشتمل علی الهیأة أیضاً (و إن لم تکن هیأته تامة).
إنّ الأمر بمعناه الإصطلاحی لیس مصدراً حتّی یرد علیه ذلک، بل هو اسم للصیغة الخاصّة الصادرة من اللافظ القائمة به.
إنّ الأمر الاصطلاحی اسم للطلب المخصوص و الإرادة المبرزة التی هی أعم من کونه بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیر ذلک مما یفهم
ص: 50
منه الأمر فإذا قال قائل «إنّی أمرتهم بکذا» فهذا أعمّ من أن یکون أمره بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیرها.
ص: 51
((1))
لابدّ مع التعارض من الرجوع إلی الأصل فی مقام العمل (و مراده هو تعارض الوجوه المرجحة مثل غلبة المجاز علی الاشتراک فإنّه لو سلمنا غلبته یکون معارضاً بقاعدة أخری و هی أنّ الاشتراک المعنوی خیر من المجاز و إن فرضنا عدم المعارض له یکون وجها استحسانیاً و لا دلیل علی اعتباره) فمع سقوط المرجحات لابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی.
أما علی مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) فإذا ورد أمر و دار الأمر بین الحمل علی معنی الطلب الفعلی التشریعی (حتی یکون ذا أثر شرعی) و بین الحمل علی الطلب الفعلی التکوینی (حتی لایکون ذا أثر شرعی) یعامل معه معاملة المشترک اللفظی عند فقد القرینة المعینة فیکون شبهة حکمیة لإجمال الدلیل و لا مرجع هنا إلا أصل البراءة.
و الأمر کذلک علی مسلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث یدور الأمر بین معنی الواقعة الشرعیة التی لها أهمیة فی الجملة و بین معنی الواقعة التکوینیة التی لها أهمیة فی الجملة فیرجع إلی أصل البراءة.
و هکذا علی مسلک القائلین بالاشتراک اللفظی تجری أصالة البراءة عند دوران الأمر بین المعنی الطلبی و المعنی غیر الطلبی.
ص: 52
الحق اعتبار العلو فی مفهوم الأمر و عدم اعتبار الاستعلاء و طلب الدانی المستعلی یقبح لاستعلائه((1)) فما یصدر منه لیس بأمر لا عرفا و لا عقلاً و إلا لتوجه القبح إلی أمره أیضاً. والدلیل علیهما صحة سلب الأمر عن طلب السافل إذا کان مستعلیاً و عدم صحته عن طلب العالی إذا کان مستخفضاً لجناحه .
ص: 53
ص: 54
لا إشکال فی استظهار الوجوب من مادة الأمر عند الإطلاق و الکلام فی منشأ ذلک؛ فهل یکون المنشأ هو الوضع أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو إنّ الدلالة لیست لفظیة بل هی دلالة عقلیة أو عقلائیة؟
أما الأقوال، فسبعة:
1. مادة الأمر حقیقة فی الندب.
2. إنّها مشترک معنوی بین الوجوب و الندب من جهة الوضع اللغوی.
3. إنّ للأمر ظهوراً وضعیاً فی الوجوب.
4. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمعنی غلبة الاستعمال.
5. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمقدمات الحکمة.
6. إنّ دلالة الأمر علی الوجوب عقلیة.
7. إنّ الدلالة علی الوجوب عقلائیة (السیرة العقلائیة).
ص: 55
استدلوا علیه: بأنّ کل فعل مندوب طاعةٌ و کل طاعة مأمورٌ بها فکل مندوب مأمورٌ به.
أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((1))
((2))
إنّ غایة ما یثبت به هو أنّ استعمال الأمر فی الندب یکون علی نحو الحقیقة و أما الوضع له فلا دلیل علیه لوضوح إمکان الوضع للمشترک المعنوی و حینئذ یکون الاستعمال فی الندب حقیقیاً لا مجازیاً.
«القیاس المذکور یشتمل علی مصادرة [بالمطلوب] فقولهم: کل طاعة مأمور بها أول الکلام [بل یمکن أن یدّعی أنّ الطاعة الوجوبیة هی المأمور بها]»
هذا و بین دلالتها علی الوجوب بمقدّمات الحکمة، و استُدِلّ علیه بوجهین:
و هو «صدق الأمر حقیقة علی الطلب الصادر من العالی إذا کان طلبه استحبابیا».
إنّ ذلک الإطلاق من موارد استعمال کلمة الأمر، والاستعمال اعمّ من الحقیقة. مثلاً إن صدق الناطق علی الإنسان لیس بمعنی وضع الناطق لمفهوم الإنسان.
((2))
إنّ التقسیم لو کان بلحاظ ذات المعنی فیصح الاستدلال به و أما صحة التقسیم بلحاظ حال المستعمل فیه فلاتکون دلیلاً علی الحقیقة کما فی تقسیم الماء إلی المطلق و المضاف فحینئذ صحة التقسیم لا تصلح دلیلاً علی حدة بل لابدّ من التبادر أو صحة الحمل.
ص: 57
و استدل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه:
((1))
إنّ الوجوب لاینسبق من مادة الأمر و لم یعدّ من معانیها و الظهور فی الوجوب غیر الوضع له .
قال (قدس سره) : «و یؤید((2)) قولُه تعالی:((3)) (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)((4)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) «لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((5)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) بعد قولها: أتأمرنی یا رسول الله (صلی الله علیه و آله) ”لا بل إنّما أنا
ص: 58
شافع“(1) إلی غیر ذلک.»
قال (قدس سره) :«و [یؤید] صحةُ الاحتجاج علی العبد و مؤاخذته بمجرد مخالفة أمره
ص: 59
و توبیخه علی مجرد مخالفته کما فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((1))».
((2))
إنّ الاستدلال بالآیة یبتنی علی جواز التمسک بأصالة العموم بالنسبة إلی ما هو خارج عن حکم العام و شک فی أنّه من مصادیق العام و خروجه من باب التخصیص أو أنّه لیس من مصادیق العام بل خروجه من باب التخصص فإنّ أصالة العموم تقتضی التحفظ علی عموم العام و عدم تخصیصه؛ فأصالة العموم یثبت خروج الأمر الاستحبابی عن مادة الأمر فی الآیتین و الروایتین تخصصاً و إلا لابدّ من تخصیص العام و عدم کونه مراداً جدیاً بالنسبة إلی الأمر الاستحبابی و الوجه فی خروج الأمر الاستحبابی عن حکم العام فی الآیتین و الروایتین واضح لا غبار علیه لعدم ترتب تلک اللوازم من وجوب الحذر و إصابة الفتنة و العذاب - فی آیة (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)((3))- و التوبیخ - فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((4))- و المشقة - فی
ص: 60
قوله (صلی الله علیه و آله) :« لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((1)) - علی الأمر الاستحبابی.
«و لکنه نقول بقصور أصالة العموم و الإطلاق عن إفادة إثبات ذلک، فإنّ عمدة الدلیل علی حجیته [أی أصالة العموم و الإطلاق] إنّما کان هو السیرة و بناء العرف و العقلاء و القدر المسلم منه إنّما هو فی خصوص الشکوک المرادیة و هو لایکون إلا فی موارد کان الشک فی خروج ما هو المعلوم الفردیة للعام عن حکمه و حینئذ فلایمکننا التمسک بالأدلة المزبورة لإثبات الوضع لخصوص الطلب الإلزامی خصوصاً بعد ما یری من صدقه أیضاً علی الطلب الاستحبابی کما هو واضح.»
((2))
«إنّه یعتبر فی مورد دوران الأمر بین التخصیص و التخصص أن یکون قابلاً لهما کخروج زید عن ”أکرم العلماء“ أما المورد الذی لایکون الحکم فیه قابلاً للتخصیص فلیس بموضوع لکبری تلک القاعدة و الآیة الکریمة من هذا القبیل لأنّ ترتب العذاب بلا استحقاق له محال کما فی قوله تعالی: (وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا)((3)) و استحقاق العذاب من الأحکام العقلیة و الاحکام العقلیة لایدور أمرها بین التخصیص و التخصص فمورد عدم استحقاق
ص: 61
العقاب و هو الأمر الندبی خارج خروجاً تخصصیاً فالکبری غیر منطبقة علی الآیة الکریمة».
إنّ التخصیص المستحیل فی الأحکام العقلیة هو التخصیص بحسب الواقع أما تخصیص العنوان العام لیتحقق العنوان الخاص الذی هو موضوع حکم العقل فمآله إلی التخصص غیرِ المستحیل و هو واقع فی الأحکام العقلیة؛ مثلاً إذا قلنا: الواحد لایصدر عنه إلا الواحد و أخرجنا عن الموضوع، الواحدَ النوعی و العنوانی و غیر ذلک فهذا و إن کان تخصیصاً بحسب الظاهر و لکن یرجع إلی التخصص و أنّ المراد من بدو الأمر هو الواحد بالوحدة الحقة الحقیقیة لا الواحد النوعی و الواحد العنوانی و غیر ذلک فلایلزم التخصیص فی الأحکام العقلیة.
ذکر هذا المحقق فی الدورة السابقة أنّ الاستدلال بالآیة و الروایة لایبتنی علی القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال بل وجه الاستدلال هو أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) أفصح الناس و الکتاب الذی أنزل إلیه أفصح الکلمات و الأمر فی کلام الله و الکلام النبوی مستعمل فی الأمر الوجوبی بلاعنایة و لا قرینة.((1))
ص: 62
«مُحَمَّدُ بْنُ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ((1))عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حُسَینِ بْنِ عُمَرَ بْنِ یزِیدَ عَنْ أَبِیهِ((2))قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی((3))إِعْجَاباً شَدِیداً
ص: 64
فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ((1)) فَذَکَرْتُهَا لَهُ((2))فَقَالَ (علیه السلام) :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا((3))وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی((4)) إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال (علیه السلام) : (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)».((5))
فإنّ شراء الإبل لیس بحرام و المورد غیر الوجوب و الحرمة و الفتنة و العذاب هنا البلیة الدنیویة فالأمر الوجوبی یترتب علی مخالفته العذاب الأُخروی و الأمر الاستحبابی لایترتب علیه ذلک بل غایة ما یترتب علی ترک الأمر الاستحبابی و فعل النهی التنزیهی هو البلیة الدنیویة .
یؤیده أنّ علی بن إبراهیم رحمة الله فسّر «الفتنة» ﺑ- «البلیة»((6)) مع أنّ الفتنة بحسب العرف و اللغة و الآیات و الروایات لاتختص بالبلاء الأخروی کما قال تعالی: (إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)((7))کما أنّ المراد من الأمر فی قوله تعالی:(إِنَّ اللَّهَ
ص: 65
یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) ((1)) لایختص بالأمر الوجوبی بل یعم الأمر الاستحبابی؛ فالمستفاد من الآیات و الروایات کون الأمر أعم من الوجوبی و الاستحبابی.
أما روایة بریرة فسندها غیر صحیح و غیر معتبر و الروایات الأُخر لاتعارض ما قلناه.
و هو لأنّ المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأغلب أو إلی الفرد الأکمل.
قال (قدس سره) :((2)) «و أما الغلبة فدعواها ساقطة بعد وضوح کثرة استعماله فی الاستحباب».
إنّ الإطلاق الانصرافی لایوجب ظهور الأمر فی الفرد الأغلب أو الأکمل، بل العرف فی موارد الاستعمال یتمسک بالإطلاق اللفظی و یقول بشمول اللفظ لجمیع مصادیقه. نعم قد نعلم من الدلیل الخارجی أنّ المتکلم لایرید إطلاق کلامه بل یرید فرداً خاصاً من أفراد الإطلاق و هو الفرد الاغلب أو الاکمل فهذا یحتاج إلی قرینة بخصوصه.
ص: 66
و نذکر لهذا القول سبعة تقریرات:
((1))
إنّ الطلب حقیقة تشکیکیة ذات مراتب مختلفة من المرتبة الشدیدة و الضعیفة و المرتبة الشدیدة هی الحقیقة بلا زیادة تحدید و لا قید و أما المرتبة الضعیفة فهی الحقیقة مع الحد العدمی، لأنّ المرتبة الکاملة بسیطة لا ترکیب فیها و أما الناقصة فمرکبة من الحقیقة و العدم، فالناقصة کما تحتاج إلی مؤنة زائدة علی أصل الحقیقة فی مقام الثبوت کذلک تحتاج إلیها فی مقام الإثبات فمقتضی الإطلاق بعد کون الآمر بصدد البیان هو کون طلبه وجوبیاً لا استحبابیاً.
و سیجیءُ الکلام حول بطلان هذا التقریر عند تحقیق المطلب و نبین وجه الملاحظة علیه.
((2))
قال (قدس سره) : «و ثانیهما و لعله أدقّ من الأول ... بتقریب أنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء وجود متعلقه فی مرحلة الخارج و لو باعتبار منشأیته لحکم العقل بلزوم
ص: 67
الإطاعة و الامتثال فتارة یکون اقتضائه بنحو یوجب خروج العمل عن اللااقتضائیة للوجود بنظر العقل بحیث کان حکم العقل بالإیجاد من جهة الرغبة لما یترتب علیه من الأجر و الثواب و أخری یکون اقتضائه لتحریک العبد بالإیجاد بنحو أتم بحیث یوجب سدّ باب عدمه [أی العمل] حتی من طرف العقوبة علی المخالفة [الأنسب أن یقال: لما یترتب من العذاب و العقاب علی ترک الفعل] علاوةً عما یترتب علی إیجاده من المثوبة الموعودة.
و فی مثل ذلک نقول بأنّ قضیة إطلاق الأمر یقتضی کونه علی النحو الثانی من کونه بالنحو الأتمّ فی عالم الاقتضاء للوجود بحیث یقتضی سد باب عدم العمل حتی من ناحیة ترتب العقوبة علی المخالفة لأنّ غیر ذلک فیه جهة نقص فیحتاج إرادته إلی مؤنة بیان من وقوف اقتضائه علی الدرجة الأُولی الموجب لعدم ترتب العقوبة علی المخالفة و بالجملة نقول بأنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء التحریک للإیجاد و کان لاقتضائه مراتب فعند الشک فی وقوف اقتضائه علی المرتبة النازلة أو عبوره إلی مرتبة السببیة لحکم العقل بالإیجاد کان مقتضی الإطلاق کونه علی النحو الأتم و الأکمل الموجب لحکم العقل بلزوم الإیجاد فراراً عن تبعة ما یترتب علی مخالفته من العقاب علاوة عما یترتب علی موافقته من الأجر و الثواب فتدبر.»
((1))
لو أمر المولی بتنویر البیت أو إیجاد الحرارة یکتفی العبد بإتیان کل ما هو مصداق للتنویر أو الحرارة عرفاً و إن لم یکن أتم المصادیق و أکملها و لایصح
ص: 68
للمولی أن یؤاخذه بعدم إتیانه بأتمّ المصادیق التی یتمکن العبد من إتیانها بل یکفی کل ما هو محصل للغرض من التنویر أو إیجاد الحرارة و إن لم یکن أکمل المصادیق.
((1))
إنّ مدلول اللفظ نفس الحقیقة و کل ما زاد علی الحقیقة خارج عن مدلوله و الشدة کالضعف داخلة فی مراتب الحقیقة التشکیکیة کما یقال فی عداد مراتب الوجود «مرتبة الواجب» و هذا لاینافی قولهم بأنّ الشدة فی الوجود بنفس حقیقة الوجود لأنّ الکلام فی المعنی و الموضوع له و لا خفاء فی أنّ المرتبة الشدیدة مرتبة من مراتب حقیقة الوجود.
((2))
إنّ الأمر یلقَی إلی العرف العام و هذا الإطلاق فی المراتب التشکیکیة بفرض صحته خارج عن طور إدراک العوام.
ص: 69
((1))
إنّ الوجوب و الندب قسمان من الطلب الإنشائی الذی هو اعتبار من اعتبارات العقلاء و الطلب غیر الإرادة (خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) ((2))) فإنّ الإرادة موضوع لصفة خاصّة من صفات النفس و الصفات النفسانیة من الأُمور الحقیقیة التی یکون بحذائها شیء فی الخارج فلاتقبل الوجود الإنشائی لإباء الأُمور الحقیقیة هذا النحو من الوجود بخلاف الطلب فإنّ له معنی قابلاً لأن یوجد بالإنشاء و هو البعث و التحریک .
(و مسلک الطلب الإنشائی الذی اتخذه هذا المحقق عن صاحب الکفایة5 غیر مسلک إبراز الاعتبار النفسانی للمحقق الخوئی (قدس سره) و إبراز الإرادة للمحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الطلب حینئذٍ إنشاء لا إبراز).
«و التحقیق أنّ الفرق بین قسمیه [أی الطلب الإنشائی و هما الوجوب و الندب] بالشدة و الضعف و لکن لا بالشدة و الضعف فی ذات الطبیعة لما عرفت من أنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی بل بالشدّة و الضعف المنتزعین بحسب المقارنات ... و کذلک الاختلاف بین الوجوب و الندب لیس إلا باعتبار المقارنات فالطلب المنشأ بالصیغة أمر واحد و لیس له نوعان متمایزان بالفصل أو بالتشکیک فی ذاتیهما بل یختلف أفراده باعتبار ما یقترن به فقد یقترن
ص: 70
هذا الأمر الإنشائی بالمقارنات الشدیدة فینتزع عن الطلب المقترن بها وصف الشدّة و قدیقترن بالمقارنات الضعیفة فینتزع عن الطلب المقترن بها عنوان الضعف و قد لایقترن بشیء أصلاً ...
و إذا اتضح ذلک فیقع النزاع فی أنّ الطلب المجرد من المقارنات هل ینتزع عنه الوجوب أو الندب بعد الاتفاق علی انتزاع الوجوب عن المقترن بالمقارنات الشدیدة و [انتزاع] الاستحباب عن المقترن بالمقارنات الضعیفة.
و الأظهر عندنا أنّ ما ینتزع عنه الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة علی مخالفته هو نفس الطلب الإنشائی الصادر عن المولی بداعی البعث - فی قبال الطلب الاستهزائی و نحوه - فیما إذا لم یقترن بالمقارنات المضعّفة له من الإذن فی الترک و نحوه من غیر فرق بین أن یقترن بالمقارنات الشدیدة أو لم یقترن بشیء أصلاً؛ فالطلب المجرد أیضاً ینتزع عنه الوجوب و یکون موضوعاً لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة بمخالفته و ذلک لوضوح أنّ عتاب المولی و عقابه للعبد عند ترکه الامتثال للطلب البعثی الغیر المقترن بالإذن فی الترک لایقعان عند العقلاء موقع التقبیح بل [العقلاء] یرون العبد مستحقاً للعتاب و العقاب؛ و علی هذا فلانحتاج فی مقام کشف الوجوب إلی استظهار شیء زائد علی حقیقة الطلب ... أما الندب فنحتاج فی کشفه إلی استظهار أمر زائد علی حقیقة الطلب مثل الإذن فی الترک و نحوه و بالجملة ما یحتاج المؤنة الزائدة هو الندب لا الوجوب.
بل یمکن أن یقال: إنّ الطلب البعثی مطلقاً منشأ لانتزاع الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة و إنّه معنی لایلائمه الإذن فی الترک بل ینافیه لوضوح عدم إمکان اجتماع البعث و التحریک نحو العمل مع
ص: 71
الإذن فی الترک المساوق لعدم البعث و علی هذا فیجب أن یقال: إنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی و لاتتضمن البعث و التحریک و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل و ببالی أنّ صاحب القوانین (قدس سره) أیضاً اختار هذا المعنی فقال: إنّ الأوامر الندبیة کلها للإرشاد ...»
أفاد (قدس سره) أنّ الطلب الإنشائی فعل المنشِئ و أنّ المستعمِل هو الذی یوجد الطلب بتوسط الصیغة أو المادّة مع أنّه یقول هنا بأنّ الطلب من الاعتبارات العقلائیة فلابدّ أن یکون صادراً من العقلاء؛ فکیف التوفیق بین القولین؟
إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری یوجد أولاً فی اعتبار المنشیء بتوسط الصیغة أو المادة و ثانیاً یوجد فی اعتبار العقلاء بعد ابرازه.
إنّ السید البروجردی ذکر «أنّ الطلب المقترن بالمقارنات الشدیدة هو الوجوب و هو کاشف عن الإرادة الشدیدة و المقترن بالمقارنات [الضعیفة هو الاستحباب و هو] کاشف عن الإرادة الضعیفة و غیر المقترن بأحدهما طلب متوسط ».
و فیه: أنّ الطلب إما وجوبی [و] إما ندبی و أما المتوسط بینهما غیر المتصف
ص: 72
بالوجوب أو الندب فغیر قابل للتصور ...
إنّ کلامه (قدس سره) ناظر إلی مقام الإثبات فهو قائل بأنّ الطلب إذا لم یقترن بأحدهما لابدّ أن یکون واجباً، فما أفاده فی مقام تصویر محل النزاع إنّ الطلب غیر المقترن بأحدهما فی مقام الإثبات هو محل النزاع و اختار دلالته علی الوجوب.
((1))
قال (قدس سره) : الوجوب و الندب مفترقان بالتشکیک العرضی فنقول: ما المراد من التشکیک العرضی؟
إن کان مراده أنّ الشدة و الضعف وصفان مقارنان للطلب أما الطلب فیتصف بهما بالعرض کاتصاف الجالس فی السفینة بالحرکة، فعلی هذا إسناد الشدة و الضعف إلی الطلب مسامحی و مجازی و إنّا لانرید بالوجدان من الطلب الشدید و الضعیف معنی مسامحیاً.
و إن کان مراده أنّ الطلب الإنشائی یتصف حقیقة بالشدة و الضعف لکن المقارنات کانت السبب فی هذا الاتصاف کاتصاف البیاض بالضعف بسبب اختلاطه بالسواد، فیرد علیه أنّ المقارن هنا لیس دخیلاً فی الطلب الإنشائی بل هو خارج عنه مثلاً ضرب رجلیه علی الأرض و تحریک رأسه و یدیه أُمور شدیدة مقارنة للطلب الإنشائی و خارجة عنه فلایوجب اتصاف الطلب فیه
ص: 73
بالشدة و الضعف حقیقة.
إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری فکما یمکن اعتبار الطلب الإنشائی أیضاً یمکن اعتبار شدته و أما المقارنات الخارجیة فهی مبرزة للأمر الاعتباری؛ فکما أنّ اعتبار الطلب الإنشائی یبرز فی الخارج بالصیغة أو المادة فکذلک اعتبار شدتع یبرز فی الخارج بمقارنات الشدیدة. فالطلب الإنشائی متصف فی وعاء الاعتبار بالشدة و الضعف. نعم لایعقل الاشتداد و الحرکة فی عالم الاعتبار و أما اعتبار الشدة فهو معقول فی الأمور الاعتباریة.
((1))
ما أفاده فی آخر بحثه من «أنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی ... و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل».
یرد علیه إیرادات:
أولاً: لازم ذلک عدم التمکن من الفتوی بالاستحباب و الکراهة بعنوان الحکم الشرعی المجعول مع أنّا لم نجد فقیهاً حتی نفس القائل (أی السید البروجردی (قدس سره) ) یلتزم بذلک.
ثانیاً: هذا مخالف للنصوص الواردة فی تقسیم الأوامر الشرعیة إلی الفرض
ص: 74
و النفل.
ثالثاً: حلّ الإشکال هو أنّ التحریک الذی لایلائم الإذن فی الترک هو التحریک الخارجی لا التحریک الاعتباری.
((1))
و هو یترکب من مقدمتین:
«أولاهما: أنّ الوجوب لیس عبارة عن مجرد الطلب لأنّ ذلک ثابت فی المستحبات أیضاً بل لابدّ من عنایة زائدة و لیست هذه العنایة عبارة عن انضمام النهی أو المنع عن الترک إلی الطلب لأنّ النهی بدوره ثابت أیضاً فی باب المکروهات [و النهی عن الترک حینئذ تنزیهی ففی المستحبات أیضاً یمکن طلب الشیء و النهی التنزیهی عن ترکه] و إنّما العنایة الزائدة هی عدم الترخیص فی الترک، خلافاً للاستحباب الذی تکون العنایة فیه الترخیص فی الترک و النتیجة أنّ الوجوب طلب متمیز بقید عدمی و الاستحباب طلب متمیز بقید وجودی و هو الترخیص فی الترک.
ثانیهما: أنّه کلما کان الکلام وافیاً بحیثیة مشترکة و تردّد أمرها بین حقیقتین الممیز لإحداهما أمر عدمی و للأخری أمر وجودی تعین بالإطلاق الحمل علی الأول لأنّ الأمر العدمی لا مؤنة فیه بحسب النظر العرفی فإذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر الوجودی الزائد مع أنّه لم یذکر ذلک الأمر الوجودی الزائد فی الکلام فهذا خرق عرفی لظهور حال المتکلّم فی بیان تمام مرامه بکلامه، و إذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر العدمی فلیس هناک خرق عرفاً لأنّ الممیز عندما یکون
ص: 75
أمراً عدمیاً فکأنّه لایزید علی الحیثیة المشترکة التی یفی بها الکلام.»
((1))
نمنع المقدمة الثانیة فإنّ الأمر العدمی قد یکون بحیث لایلاحظه العرف أمراً زائداً محتاجاً إلی البیان و قد یکون بحیث یلاحظه العرف أمراً زائداً مثل الأمر الوجودی و حینئذ کلاهما محتاجان إلی البیان و الوجوب و الاستحباب من هذا القبیل و لذا کان النسبة بین الوجوب و الاستحباب هی النسبة بین المفهومین المتباینین لا الأقل و الأکثر.
إنّ الوجوب أمر اعتباری بسیط؛ لا مرکب من طلب الشیء مع عدم الترخیص فی الترک.
((2))
«نفس التقریب السابق [و هو التقریر الرابع بحسب ما ذکرنا] مع فرق فی المقدمة الثانیة حیث یقال هنا بأنّ الممیز للوجوب و إن کان بحسب النظر العرفی مؤنة زائدة علی ذات الطلب و بحاجة إلی بیان إلا أنّه حیث یعلم علی کل حال بوجود مؤنة زائدة علی ذات الطلب و هذه الزیادة مرددة بین زیادة أخف هی الأمر العدمی أو زیادة أشد هی الأمر الوجودی؛ فسکوت المتکلم عرفاً عن بیان الزیادة الأشد یکون قرینة علی إرادة الزیادة الأخف فیتعین الوجوب لا محالة.»
ص: 76
«إنّ هذه النکتة لو سلمت کبری و صغری فلیست فی تمام الموارد بل فی خصوص ما إذا أحرز أنّ المولی بالرغم من سکوته عن بیان الزیادة یکون بصدد بیانها و هذه عنایة لاتحصل دائماً بینما البناء الفقهی و العرفی علی فهم الوجوب فی سائر الموارد.»
((1))
«إنّ صیغة الأمر تدل علی الإرسال و الدفع بنحو المعنی الحرفی و لما کان الإرسال و الدفع مساوقاً لسدّ تمام أبواب العدم للاندفاع و التحرک فمقتضی أصالة التطابق بین المدلول التصوری و المدلول التصدیقی أنّ الطلب و الحکم المبرز أیضاً سنخ حکم یشتمل علی سدّ تمام أبواب العدم و هذا یعنی عدم الترخیص فی المخالفة؛ و هذا التقریب لا بأس به و هو جار فی تمام موارد استعمالات صیغة الأمر.»
إنّ کلمة الإرسال لایناسب جمیع موارد الأمر فإنّ فی بعضها لایتصوّر إرسال کما فی الأمر بقراءة سورة، فإنّه فی هذا المورد بعث لا ارسال ثم إنّ الکلام هنا فی مادّة الأمر و هذا التقریب یجدی فی صیغة الأمر و لکن الأمر سهل لأنّ هذا البحث و هذه الأقوال بعینه یجری فی صیغة الأمر و نحن نکتفی ببیان الأقوال و البحث حولها فی مادة الأمر.
نعم ما أفاده من أنّ النسبة الإرسالیة مساوقة لسد تمام أبواب العدم - علی
ص: 77
فرض التسلم لمبنی المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ معنی صیغة الأمر النسبة الإرسالیة((1))- صحیح بلا شک.
بیان ذلک: إنّ مادة الأمر تدل علی البعث، و البعث یقتضی الانبعاث نحو المطلوب و الانبعاث نحو شیء مساوق لسدّ أبواب عدمه و معنی ذلک هو عدم الترخیص فی ترکه، و علی ذلک إنّ مادة الأمر تدلّ علی الوجوب من غیر احتیاج إلی مؤونة زائدة. نعم إن کان هناک مایدلّ علی الترخیص فی ترک المتعلّق فمادة الأمر تدلّ علی الندب و مع عدم ما یدلّ علی الترخیص فالإطلاق یقتضی الحمل علی الوجوب.
و أحسن الوجوه لتقریر الإطلاق هو التقریرالسابع و بعد ذلک ما أفاده المحقق الصدر (قدس سره) و ما أفاده السید المحقق البروجردی (قدس سره) إلا أنّ المسألة تحتاج إلی تحلیل أوسع.
و هی مرتبة مبادی الحکم و فیها بیان بطلان التقریر الأول.
یتحقق هنا أمران: الأول المصلحة الموجودة فی متعلق الأمر و الثانی حبّ المتعلق و الشوق و المیل إلیه لما فیه من المصلحة؛ و الطلب فی هذه المرتبة حقیقی و علی مبنی القائلین باتحاد الطلب و الإرادة تتحقق الإرادة فی هذه المرتبة.
ص: 78
وقد خالف هنا المحقق الخوئی (قدس سره) حیث ینکر تعلّق الإرادة التکوینیة لله تبارک و تعالی بفعل المکلّف الذی هو متعلّق الحکم الشرعی و یقول بأنّ الإرادة التکوینیة التی هی عبارة عن الشوق النفسانی المحرک للإنسان نحو المراد إنّما یعقل تعلقها بفعل الغیر إذا کانت فیه مصلحة عائدة إلی ذات المرید أو إلی إحدی قواه و لایعقل ذلک فی الأحکام الشرعیة فإنّ مصالحها تعود إلی المکلفین لا إلی الشارع.
لأنّ المولی الحقیقی سبحانه و تعالی یرید مصالح عباده کما أنّه یریدهم و الإرادة بهذا المعنی ترجع إلی ابتهاجه بذاته فإنّ المبتهج بذاته المبتهج بمعلولاته. نعم إنّ هذا المعنی للإرادة لیس متفقاً بینهم و سیجیء الکلام حوله إن شاء الله تعالی.
ثمّ إنّ هذه المصلحة و هذا الطلب الحقیقی قابلان للشدة و الضعف و الحق هو أنّ الوجوب و الاستحباب مختلفان من حیث مبادیهما شدةً و ضعفاً.
نعم إنّ الإرادة بمعنی التصدی نحو المطلوب هی خارجة عن مبادی الحکم کما أنّها لیست مفاد الطلب الإنشائی و مفاد الأمر بمادته و صیغته و لما أنّها غیر الحکم الشرعی الاعتباری بل هی موجودة فی المکلف عند الامتثال فهذه الإرادة خارجة عن محلّ البحث.
و ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من التشکیک یتصور فی هذه المرحلة و لکنها لایجدی فی البحث حیث إنّ الکلام فی مقام دلالة الأمر مادةً و صیغةً و هو أمر إثباتی لا ثبوتی فظهر بطلان التقریر الأول من التقریرات السبعة.
و هی مرتبة الحکم الاعتباری و فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس.
ص: 79
الوجوب و الاستحباب أمران اعتباریان بسیطان و متباینان مفهوماً و لیسا مرکبین حتی یکون بینهما حیثیة مشترکة و یمتاز کل منهما عن الآخر بما به الامتیاز فلا مجال لأن یقال: إنّ الوجوب لایزید علی الحیثیة المشترکة و لکن الندب یحتاج إلی أمر زائد - و هو ما به الامتیاز الندبی - أو یقال: إنّ بیان ما به الامتیاز فی الوجوب أخف مؤنةً عن بیان ما به الامتیاز فی الندب؛ و بذلک ظهر بطلان التقریر الرابع و الخامس.
و هی مرتبة إبراز الحکم بمادة الأمر أو بصیغته و فیها نبین الحق فی التقریر.
إنّ مادة الأمر تدل علی الطلب الإنشائی و الاعتباری کما أنّ الصیغة تدل علی «النسبة البعثیة» عند بعضهم و «النسبة الإرسالیة» عند الآخر أو غیر ذلک و علی أی حال فإن قلنا بأنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی فلایبقی مجال لتقریر الإطلاق علی أساس الشدة و الضعف .
نعم التشکیک العرضی یوجب اتصافه بالشدة و الضعف و لکن البعث الشدید أو النسبة البعثیة الشدیدة یقتضی امتثال المتعلق بالسرعة أو بالشدة مثلاً کما أنّ البعث الضعیف أو النسبة البعثیة الضعیفة یقتضی امتثال المتعلق بلا سرعة و لا شدة مثلاً و البعث من المولی أو النسبة البعثیة علی أی نحو کان یقتضی امتثال متعلقه کذلک.
و الأمر الندبی و إن کان بحسب مبادی الحکم له مصلحة غیر ملزمة و طلب ضعیف إلا أنّ مفاد الأمر بمادته و صیغته هو البعث و ما بمعناه لا الترخیص فی ترک الانبعاث؛ و البعث یقتضی انبعاث العبد و لایعقل اقتضاء البعث للترخیص فی ترک الانبعاث.
ص: 80
فعلی هذا إفادة الترخیص فی ترک الانبعاث تحتاج إلی دلیل آخر غیر الأمر و مع فقدانه فلابدّ من أن یحمل الأمر علی الوجوب و لزوم الانبعاث.
و ما أفاده السید المحقق الصدر (قدس سره) من أنّ «الإرسال و الدفع» أو «النسبة الإرسالیة» مساوق لسد أبواب العدم یرجع إلی ما ذکرناه.
((1))
قبل نقل کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من التنبیه علی نکتة و هی أنّ ما أفاده و إن کان مرتبطا بصیغة الأمر ولکنّه یعم مادة الأمر من حیث المبنی.
و أما بیانه (قدس سره) : «إنّ الصیغة متی صدرت من المولی فالعقل یحکم بلزوم امتثاله باقتضاء العبودیة و المولویة و لایصح الاعتذار عن الترک بمجرد احتمال کون المصلحة غیر لزومیة إلا إذا کانت هناک قرینة متصلة أو منفصلة علی کونها غیر لزومیة و توضیح ذلک أنّ الوجوب لغةً بمعنی الثبوت و هو تارةً یکون فی التکوین و أخری فی التشریع؛ فکما أنّه فی التکوینیات یکون ثبوت شیء تارةً بنفسه و أخری بغیره و ما کان بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات فکذلک الثبوت فی عالم التشریع فما هو ثابت بنفسه نفس إطاعة المولی فإنّها واجبة بنفسها و غیرها یکون واجباً باعتبار انطباق عنوان الطاعة علیه؛ فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلا محالة ینطبق علیه إطاعة المولی فیجب بحکم العقل قضاءً لحق المولویة و العبودیة؛ فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم صدور الصیغة من المولی لا من المدالیل اللفظیة».
إیرادات أربعة علی هذا البیان:
((2))
هذا ینافی طریقتهم الفقهیة حیث یقولون: الأمر ظاهر فی الوجوب لأنّ
ص: 82
الوجوب حینئذٍ حکم عقلی لا أمر مستفاد من ظهور اللفظ.
((1))
هذا أیضاً ینافی ما یقول به من الجمع العرفی بین الإطلاق و التقیید لقرینیة المقید بالنسبة إلی المطلق کما إذا دلّ أمارة علی وجوب عتق «مطلق الرقبة» و أمارة أخری علی وجوب عتق «الرقبة المؤمنة» فالجمع یقتضی حمل المطلق علی المقید مع أنّا لوقلنا بأنّ الوجوب أمر مستفاد من حکم العقل یلزمنا عکس ذلک لأنّ المطلق یدل علی الترخیص بالنسبة إلی قید «المؤمنة» فلایحکم العقل حینئذٍ بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة بل یحکم باستحبابه و لایجدی قرینیة المقید هنا لأنّ القرینیة من شؤون اللفظ و الوجوب هنا لایرجع إلی جهة لفظیة.
و العقدة لاتنحل إلا بإرجاع الدلالة علی الوجوب إلی الظهور اللفظی.
((2))
و هو « لزوم رفع الید عن دلالة الأمر علی الوجوب فیما إذا اقترن بأمر عام یدل علی الإباحة و الترخیص کما إذا ورد ”أکرم العالم الفقیه و لا بأس بترک إکرام العالم“ و توضیحه أنّ بناء الفقهاء و الارتکاز العرفی علی تخصیص ”العالم“ فی مثل ذلک و الالتزام بوجوب إکرام الفقیه و اعتباره من التعارض غیر المستقر بینما علی هذا المسلک لا تعارض أصلاً... بل المتعین علی هذا المسلک أن یکون العام رافعاً لموضوع حکم العقل بالوجوب لأنّ حکم العقل معلق علی عدم
ص: 83
ورود الترخیص من المولی.»
((1))
قال: «إنّه لو صدر أمر و لم یقترن بترخیص متصل و لکن احتملنا وجود ترخیص منفصل فالبناء الفقهی و العقلائی علی استفادة الوجوب من الأمر حتی یثبت خلافه مع أنّ هذا مما لایمکن إثباته علی هذا المسلک لأنّه قد فرض فیه أنّ العقل إنّما یحکم بالوجوب معلقاً علی عدم ورود الترخیص من الشارع الخ.»
إنّ حکم العقل بالجوب معلق علی عدم قیام القرینة علی خلافه لاعدم وروده فیکفی فی حکم العقل عدم إثبات الترخیص المنفصل و عدم إحرازه کما صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث قال: فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلامحالّة ینطبق علیه اطاعة المولی... الخ.
تمامیة الدلیل العقلی و إن کانت الإیرادات الثلاثة واردة علیه فإنّ تلک الإیرادات لاتقتضی بطلان الدلیل العقلی بل تقتضی عدم انحصار وجه دلالة مادة الأمر علی الوجوب فیه، لأنّ جمیع موارد دلالتها علی الوجوب لایستقیم مع الدلالة العقلیة علیه، بل الإطلاق بمقدمات الحکمة أیضاً قد یفید دلالتها علی الوجوب، کما أنّ السیرة العقلائیة الآتی ذکرها أیضاً تدل علی دلالة مادة الأمر علی الوجوب کما سیأتی بیانه إن شاء الله.
ص: 84
و هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) قال: إنّ السیرة العقلائیة تدل علی الوجوب توضیحه أنّ الطریقة العقلائیة فی مقام العمل علی استکشاف الوجوب من الأوامر الصادرة عن المولی اذا لم یقِم قرینة دالة علی الرخصة فیها و لا شک فی تحقق هذه السیرة.
أما منشأ السیرة العقلائیة فسیجیء فی بحث البیع أنّه لیس إلا بناء العقلاء و تبانیهم((2)) و مما تؤکّد السیرة العقلائیة النصوصُ مثل صحیحة زرارة و مُحَمَّدِ بْنِ
ص: 85
ص: 86
مُسْلِمٍ((1)) «قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ((2)) فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ (علیه السلام) :((3)) ” إِنَّ اللَّهَ یقُولُ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)((4)) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباً((5)) کَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:((6)) إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ:((7)) (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوا((8)) فَکَیفَ أَوْجَبَ((9)) ذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟((10))
ص: 87
و مثل روایة عَلِی بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ((3))عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ مُعَاوِیةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله: «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ)((4))» الحدیث((5))و هذا یکشف عن أنّ صیغة افعل (أتموا) بلا ضم قرینة تدل
ص: 88
علی الوجوب.
فإذا ثبت وجود السیرة العقلائیة فی صیغة افعل فبالأولویة القطعیة یثبت وجودها فی مادة الأمر .
ثم بین الأُستاذ (دام ظله) بعض الموارد التی لایدل الأمر فیها علی الوجوب و قال: الجمع بین الروایات الواردة فی موارد استعمالات الأمر فی غایة الإشکال و علی أی حال بناء السیرة العقلائیة علی استفادة الوجوب من مادّة الأمر فلایضرّنا تعارض الروایات و تساقطها.
مقتضی التحقیق هنا: أنّ السیرة العقلائیة تجتمع مع سائر الأدلّة فلیست مسلکاً نافیاً لسائر المسالک من الوضع و الإطلاق و حکم العقل، نعم إنّها فی عرض سائر المسالک فی مقام الإثبات أی فی مقام الإستدلال علی دلالة مادّة
ص: 89
الأمر علی الوجوب و أما فی مقام الثبوت فهی هنا تنشأ من هذه المسالک کما قال السید المحقق الخوئی (قدس سره) :((1))
«قیام السیرة إنّما یدل علی کون الوجوب مستفاداً منها [أی الصیغة] و أما کون ذلک بالوضع أو بالإطلاق أو من ناحیة حکم العقل فلایدل علی شیء منها.»
فبالنتیجة: إنّ الأدلة التامة علی «دلالة مادة الأمر علی الوجوب» ثلاثة:
الاوّل: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر السابع.
الثانی: الدلیل العقلی.
الثالث: السیرة العقلائیة.
ص: 90
فیها ستة أقوال:
قد یتوهم أنّ الأمر وضع لمطلق الطلب من غیر تقییده بشیء؛ کما تقدم ذلک فی کلمات جمع من الأعلام.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أن الأمر أخصّ من مطلق الطلب فإن مطلق الطلب یشمل الطلب الذی هو فی نفس المولی قبل إنشائه و لکن الأمر یختصّ بالطلب المنشأ.
قال (قدس سره) : أما مطلق الطلب فلیس معنی مادة الأمر لأنّ « الظاهر من الإطلاقات العرفیة أنّه لایقال لمن أراد قلباً: إنّه اَمَرَ بل یقال: [إنّه] أراد و لم یأمر بالمراد ».((1)) نعم قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة إنّ المظنون قویاً عدم
ص: 91
صدق الطلب إلا فی الإرادة المظهرة بالقول أو بالفعل.((1))
قد استدل علی وضع الأمر للطلب القولی بوجهین:
الإجماعات المحکیة علی ذلک.
((2))
الأول: إنّها مصادمة بتعریف کثیر من القدماء للأمر بصرف الطلب.
الثانی: لا حجیة لتلک الإجماعات بعد مساعدة العرف علی خلافه.
الثالث: یمکن إرادة المجمِعین للفرد الشائع مما ینشأ به البعث.
الآیة الشریفة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ((3)) و تقریر ذلک أنّ أمره تعالی إذا أراد شیئاً منحصر بأن یقول: «کن» فالأمر لایصدق إلا إذا کان مبرزه القول.
ص: 92
إنّ قوله «کن» و إن کان أمراً منه تعالی إلّا أنه لیس طلبا قولیاً و إن کان بصیغة افعل بل أمره عین فعله، توضیح ذلک هو:
«إنّ المراد بقوله: [” کن“] لیس هذه الصیغة الإنشائیة قطعاً بل هذه هی المعبَّر عنها فی کلمات أهل المعرفة ﺑ- ”الکلمة الوجودیة“((1)) و فی خطبة
ص: 93
أمیرالمؤمنین و سید الموحدین (علیه السلام) ”إنّما یقول لما((1))أراد کونه: کن فیکون لا بصوت یقرع و لا بنداء((2)) یسمع و إنّما کلامه فعله((3))“الخ((4)) و سر التعبیر عن أنحاء الوجودات بالکلمات هو أنّ الکلام ما یعرب عن ما فی الضمیر و هذه الموجودات معربة عما فی الغیب المکنون فظهر أنّ فعله تعالی أمره باعتبار دلالته علی تعلّق إرادته به و کذا فی جمیع موارد إنزال العذاب حیث عبر عنه بقوله تعالی: (جَاءَ أَمْرُنَا)((5)) فی غیر مورد فإنّه بلحاظ دلالته علی تحتمه و تعلق الإرادة التکوینیة به فافهم».((6))
اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، قال:((7)) أما الطلب المنشأ سواء أنشأناه بالقول أو بغیره فیصدق علیه الأمر لأنّ «الأمر» یصدق عرفاً علی البعث بالإشارة و الکتابة. و هذا القول لا بأس به.
ص: 94
قد مرّ سابقاً کلام المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّ الطلب الذی هو مفاد الأمر و معناه لابدّ له من تقیید آخر.و بیانه هو أنّ الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان فلم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و ما یتعلق بفعل نفسه.
إنّه قد تقدم بطلان ذلک التقیید، فلانعید.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً أو فعلاً.
فعلی هذا یختلف الأمر مع الطلب حیث إنّ الأمر الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة و الطلب مظهرها قولاً کان أم فعلاً.
إنّ الطلب لیس مظهراً للإرادة و لایصدق علی القول و الفعل إلاّ من باب خذ الغایات و اطرح المبادی، بل الطلب هو الإرادة التی یظهرها المرید و التصدی نحو حصول المطلوب.
إنّ الطلب عین الأمر، فإنّ الأمر الإرادة البالغة حدّ الفعلیة أو الإرادة
ص: 95
المظهرة و الطلب أیضاً الإرادة المظهرة و تصدی المرید حصول مراده و مطلوبه و هذا الوجه یختلف عن القول الأول لأنّ القائل بالقول الأول یری أنّ الطلب أعم من ذلک، فإن الطلب عنده یصدق علی الإرادة و إن لم تُظهَر و لم یتصد المرید نحو تحصیل مراده و أیضاً یختلف هذا الوجه عن القول الثانی لأنّ الطلب علی هذا الوجه صفة نفسانیة و علی القول الثانی مظهر لتلک الصفة النفسانیة قولاً کان أم فعلاً.
ص: 96
فیه تنبیهان:
یقع الکلام حول اتحاد معنی الطلب و الإرادة أو تغایرهما ثم عند تحقیق القول الرابع ینجرّ الکلام إلی تنبیهین: التنبیه الأول فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة و التنبیه الثانی فی الأمر بین الأمرین.
فیه محاولتان:
إنّ الشیخ الاعظم العلامة الأنصاری (قدس سره) قال فی مطارح الانظار: بأنّ العدلیة یقولون باتحاد معنی الطلب و الإرادة، و قد ذهب إلیه جمع من الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))
ص: 97
و سیتضح لک بطلان هذه النظریة و تغایرهما بحسب المعنی. نعم إنّ الطلب و الإرادة متحدان بحسب الحقیقة لا المفهوم کما سیأتی بیانه إن شاء الله.
و لأصحاب هذه المحاولة نظریات:
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی رسالة الطلب و الإرادة: إنّ الطلب عنوان لقول أو فعل مظهر للإرادة.
إنّ المختار هو اتحاد حقیقتهما و إن کان مفهوم کل منهما مغایراً للآخر تغایر العنوان الکلی و بعض أصنافه فإن طبیعة الإنسان یغایر العالم الفقیه مفهوماً و لکنهما متحدان حقیقة. فإنّ الطلب عین الإرادة المظهرة علی نحو یتصدی المرید نحو تحصیل المراد، فإن الطلب صنف من أصناف الإرادة، أما القول و الفعل فکل منهما مُظهر للطلب و الإرادة و إطلاق الطلب علیهما فی بعض الأحیان لیس إلّا بالعلاقات المذکورة فی المعانی و البیان، کما أنّ الرقبة مثلاً یطلق علی العبد بعلاقة الکل و الجزء الرئیس منه و نسبة الکل و الجزء و إن کان مذکوراً فی علم المنطق إلّا أن العرف الساذج یستعمل اللفظ من دون التفات تفصیلی إلی هذه العلاقة.
ص: 98
قال المحقق النائینی (قدس سره) :((1)) الشوق المؤکد یسمّی بالإرادة و أما الطلب فهو المرتبة الرابعة (1.التصور 2.التصدیق بالفائدة 3.الشوق المؤکد 4.الطلب و الاختیار) و هذا الطلب یسمی بالاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و بعبارة أخری هو تأثیر النفس فی حرکة العضلات و إطلاقه علی الفعل النفسانی من باب «خُذ الغایات و اطرَح المبادی»، و هذه النظریة مختار جماعة من أعلام المتأخرین مثل المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) .
و السید المحقق الخوئی (قدس سره) اختار نظریة المحقق النائینی((2))
و قال بتغایر مفهوم «الأمر» و «الطلب» و «الإرادة» فإنّ مادة «الأمر» عنده
ص: 99
وضع لإبراز الأمر الاعتباری النفسانی و «الطلب» وضع للتصدی نحو الشیء و «الإرادة» وضعت للشوق المؤکد و هو کیف نفسانی .
و لکن هناک نکتة دقیقة فی افتراق ما أفاده عن نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ، حیث إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال إنّ الطلب هو عبارة أُخری عن الاختیار و یقع فی المرتبة الرابعة من المراتب المذکورة و أما المحقق الخوئی (قدس سره) فقال بأنّ الطلب هو الفعل الاختیاری الصادر عن الإرادة و الاختیار فافتراقهما فی ناحیة الاختیار، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) جعله عین الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) جعله من مبادی الطلب و أمّا اشتراکهما فهو فی عنوان التصدی نحو تحصیل الشیء فی الخارج فإنهما جعلا هذا العنوان عین الطلب.
ثمّ إنه قال فی إرادته تعالی:((1)) «الإرادة لیست الشوق الأکید بل هی إعمال القدرة»، و الوجه فی ذلک هو أنّ الإرادة بمعنی الشوق الأکید لاتعقل فی إرادته تبارک و تعالی.
الإرادة صفة نفسانیة فلاتقبل الوجود الإنشائی بخلاف الطلب فإنّه یقبل الوجود الإنشائی.
إنّ ما أفاده فی وجه افتراق الإرادة و الطلب لایرجع إلی محصّل و قد تقدّم الإیراد علیه، فإنّ الإرادة أیضاً قد تکون إنشائیة؛ کما أنّ الطلب أیضاً قد یکون حقیقیاً غیر إنشائی.
قال الأشاعرة بتغایر مفهوم الطلب و الإرادة و مصداقهما و استدلوا علی ذلک بوجوه و قالوا: إنّ الطلب هو الکلام النفسی لا الإرادة و التزموا بالکلام النفسی تارة بعنوان الصفات الذاتیة لله تبارک و تعالی((1)) حیث إنّهم اعتقدوا بقدم القرآن و هو کلام الله تعالی مع أنّ ألفاظ القرآن لیست بقدیمة فلابدّ أن یدل ألفاظ الکتاب المجید علی الکلام النفسی الذی هو قدیم. هذا من جهة و من جهة أُخری إنّ المتکلم من أسماء الله و أسماء الله قدیمة قائمة بذاته تعالی و أخری بعنوان صفة موجودة فی أُفق النفس((2)) و قالوا: کل کلام صادر عن المتکلم
ص: 101
إذا قصده مسبوق بتصوره فی ذهنه و هو الکلام النفسی((1)) و الکلام النفسی إمّا
ص: 102
خبر (فی الجمل الخبریة) و إمّا طلب (فی الإنشاء بصیغة الأمر) و قالوا: إنّ الکلام کما یطلق علی الکلام اللفظی کذلک((1)) یطلق علی الکلام النفسی مثل قول القائل:
ص: 103
«إنّ فی نفسی کلاماً لاأُرید أن أُبدیه » و یشهد له قوله تعالی: (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)((1))و قوله تعالی: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ).((2))
((3)) إنّ المولی قد یطلب الشیء من عبده للامتحان و الاختبار و فی هذه الأوامر الامتحانیة الطلب موجود دون الإرادة (مثل طلب ذبح إسماعیل علی نبینا و آله و علیه السلام).
ص: 104
((1))
قال (قدس سره) : «و جوابه أنّ الأمر إن کان بصیغة الطلب الإنشائی فالثابت هنا هو الطلب بوجوده الجعلی التنزیلی المعبّر عنه بالإنشائی و الطلب الجعلی الإنشائی کالإرادة الإنشائیة المُنشَأَة بصیغة أُرید مغایر عند الکل مع الإرادة الحقیقیة [و الطلبِ الحقیقی] و هذا الدلیل لیس بکافل لمغایرة الحقیقی منهما و إن کان بصیغة افعل فلا طلب أیضاً لا إنشاءً و لا حقیقةً علی ما هو التحقیق من أن مفادها [أی الصیغة] البعث و التحریک و مغایرتهما للإرادة [الحقیقیة] مما لاریب فیها».
فهذا الدلیل لایثبت تغایر الإرادة الحقیقیة والطلب الحقیقی بل یثبت تغایر الإرادة الحقیقیة و الطلب الإنشائی (الذی هو مفاد مادة الأمر) و البعث و التحریک بالمعنی الحرفی (الذی هو مفاد صیغة الأمر).
جدّی فیشتمل علی الطلب الحقیقی و لکن الإرادة الحقیقیة منتفیة بالنسبة إلی الإیمان و الأعمال فلو قلنا باتحاد الطلب و الإرادة إما یلزم انتفاؤهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیکون التکلیف صوریاً لا حقیقیاً و هذا خلاف الضرورة و إما یلزم ثبوتهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیلزم تخلف إرادة الله تعالی عن مراده.
أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فإنّ الإرادة المتعلقة بالکفر من الکافر إرادة تکوینیة و حقیقتها العلم بما هو صلاح بحسب النظام الکلی و هذا هو الذی لایکاد یتخلف عن المراد حیث إنّ المحل قابلٌ و یسأل بلسان استعداده الدخول فی دار الوجود و المبدأ تامّ الإفاضة لا بخل فی ساحته المقدّسة و الوجود – بما هو هو - خیر محض و محض الخیر فلذا لایعقل التخلف.
و أما إرادة الإیمان من الکافر فهی إرادة تشریعیة و حقیقتها العلم بالمصلحة فی فعل المکلف و حیث یقتضی العنایة الربانیة سوق الأشیاء إلی کمالاتها و إعلام المکلفین صلاحهم و فسادهم یجب علیه تعالی تحریکهم إلی ما فیه الصلاح و
ص: 106
زجرهم عمّا فیه الفساد فهذه العلة علة البعث دون التکوین لیلزم استحالة التخلف.
«فإذا توافقتا [أی الإرادة التکوینیة و الإرادة التشریعیة] فلابدّ من الإطاعة و الإیمان و إذا تخالفتا فلا محیص عن أن یختار الکفر و العصیان.»
هذا تمام کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و اتضح بما أفاده أنّ هذا الاستدلال لایجدی فی إثبات المغایرة بین الطلب و الإرادة((1)) فلابدّ للقائل بذلک من إثباته ببیان آخر
ص: 107
و سیأتی الکلام إن شاء الله تعالی حول ذلک.
التنبیه الأول حول مطلبین؛ الأول: الإرادة التکوینیة التی فسّرها صاحب الکفایة (قدس سره) بالعلم بالنظام علی النحو الکامل التامّ (و علی هذا تکون الإرادة من الصفات الذاتیة لا الفعلیة). و الثانی: الإرادة التشریعیة و هناک یقع الکلام فی
ص: 108
عدم وجود الإرادة التشریعیة لعدم الفائدة فیها.
التنبیه الثانی: مسألة الجبر و الاختیار حیث إنّ اختیار الکفر و العصیان علی ما أفاده المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) یندرج تحت الإرادة التکوینیة المتعلقة بالنظام الأحسن.
ص: 109
فیه مطلبان:
و فیه جهتان:
إنّ الإرادة لها معنی عام و هو مشترک معنوی ذو مراتب تشکیکیة یشمل الشوق (الحاصل بعد تصور فائدة الشیء و التصدیق به) و الشوق الأکید و العزم التام فی النشأة النفسانیة و الابتهاج و الابتهاج التام فی النشأة الإلهیة و النفسانیة و نعبّر عنه بمطلق الابتهاج.
فصّل الحکیم الزنوزی (قدس سره) مبادی الأفعال الاختیاریة للانسان بهذا الترتیب:
1. تصور الفعل
2. التصدیق بمنفعته
3. الشوق المنبعث من التصدیق
4. الشوق المتأکد ( المسمی بالإجماع و العزم أی العزم الناقص )
5. العزم التام
6. تحریک القوی المحرِّکة نحو الفعل
ص: 110
و بعضهم أسقط «العزم التام» وأدرجه فی «الشوق المتأکد» کما أنّ بعضهم لم یفرّق بین مجرد الشوق و الشوق المتأکد.
قال (قدس سره) :((1)) إنّ المعارضات و الموانع عن الفعل إذا کثرت واشتدت فیتحقق الشوق الضعیف (مجرد الشوق) و إذا قلّت فیرتقی الشوق إلی المرتبة المتأکدة و إذا ارتفعت الموانع و المعارضات فیکون العزم تامّاً (بعد أن کان ناقصاً فی مرحلة الشوق الأکید) فیتحرک العضلات نحو الفعل ثم یوجد الفعل الاختیاری.
و «مجرد الابتهاج» عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة کما أنّه یشمل الشوق (و الظاهر عمومه لمجرد الشوق و الشوق الأکید).
و «الابتهاج التام» أیضاً عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة البالغة إلی حد التصدی و إعمال القدرة نحو الشیء کما أنّه یشمل العزم التام (فإنّ التعبیر بالشوق یوجب اختصاص الکلام بما هو ذو نفس إنسانیة أو حیوانیة أو غیر ذلک و لکن التعبیر بالابتهاج أعم من ذلک).
«و الحقّ فی معنی الإرادة هو مطلق الابتهاج الشامل للابتهاج الناقص (و قد یعبّر عنه بمجرد الابتهاج و هو المحبة و الشوق) و الابتهاج التام و هو العزم التام».
و لکن قد یتداول استعماله فی خصوص « الابتهاج التام » کما أنّه المبحوث عنه فی عصر الأئمة (علیهم السلام) و الاستعمال فی هذه الحصة استعمال فی الفرد الغالب و المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب و لایخفی أنّ الابتهاج إذا لم یصل إلی حد العزم التام و إعمال القدرة یتصور فی الأسماء و الصفات الذاتیة و الفعلیة بخلاف
ص: 111
الابتهاج التام فإنّه مختص بالأسماء و الصفات الفعلیة.
((1)) و النائینی (قدس سرهما) :((2))
هما اتفقا علی أنّ الإرادة هی الشوق الأکید و افترقا فی أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یقول باتحاد الطلب و الإرادة و المحقق النائینی (قدس سره) یقول بأنّ الطلب یتحقّق بعد الشوق الأکید و هو التصدی نحو الشیء.
((3))
«من البین أنّ مفهوم الإرادة کما هو مختار الأکابر من المحققین هو الابتهاج و الرضا و ما یقاربهما مفهوماً و یعبّر عنه بالشوق الأکید فینا و السر فی التعبیر عنها بالشوق [الأکید] فینا و بصرف الابتهاج و الرضا فیه تعالی أنّا لمکان إمکاننا ناقصون غیر تامّین فی الفاعلیة و فاعلیتنا لکل شیء بالقوة فلذا نحتاج فی الخروج من القوّة إلی الفعل إلی أُمور زائدة علی ذواتنا من تصور الفعل و التصدیق بفائدته و الشوق الأکید الممیلة جمیعاً للقوّة الفاعلة المحرکة للعضلات، بخلاف
ص: 112
الواجب تعالی فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمکان و جهات القوة و النقصان فاعل و جاعل بنفس ذاته العلیمة المریدة.»
و ما أفاده من معنی الإرادة صحیح مطابق للعرف، إلّا أنّ ما أفاده یفترق عن بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) ، لأنّ الإرادة -التی هی عین المراد علی بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) - هی المرتبة الخامسة التی هی الابتهاج التام و العزم التام، و أمّا علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فهی المرتبة الرابعة (الشوق الأکید).
إن المحقق الخوئی (قدس سره) تبع((1)) المحقق النائینی (قدس سره) فی ابتداء الأمر و لکن عدل عنه بعد ذلک فقال: ((2))
«الإرادة لاتخلو من أن تکون بمعنی إعمال القدرة أو بمعنی الشوق الأکید و لا ثالث لهما و حیث إنّ الإرادة بالمعنی الثانی لاتعقل لذاته تعالی تتعین الإرادة بالمعنی الأول له سبحانه و هو المشیة و إعمال القدرة».
و لایخفی أنّ إعمال القدرة عنده هو التصدی نحو الشیء و هذا المحقق فسّر الطلب بهذا المعنی((3)) کما أنّ أُستاذه المحقق النائینی (قدس سره) قال بأنّ الطلب هو
ص: 113
الاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و علی هذا لابدّ للمحقق الخوئی (قدس سره) أن یلتزم باتحاد الطلب و الإرادة بالنسبة إلی ذاته تبارک و تعالی.
نعم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد بأنّ الإرادة فینا بمعنی الشوق الأکید حیث إنّه قال بعد ذلک:((1)) «إنّ إرادتنا هی الشوق المؤکد الداعی إلی إعمال القدرة و السلطنة نحو إیجاد المراد».
أنّ الإرادة عند بعضهم «الشوق الأکید» کالمحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهما) و عند بعض آخر «إعمال القدرة» و عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی فی المخلوق الشوق الأکید الداعی إلی إعمال القدرة و فی ذاته تعالی نفس إعمال القدرة، و عند الحکماء «مجرد الابتهاج» و عند بعضهم((2))«مطلق الابتهاج» الشامل لمجرد الابتهاج و الابتهاج التام و عند بعضهم «العلم بالمصلحة و الاعتقاد بالمنفعة».
و المختار أنّها موضوعة لمعنی عام یشمل الشوق الأکید ببعض مراتبه و الابتهاج ببعض مراتبه الأُخر و لکن الغالب استعماله فی الابتهاج التامّ بحیث یحمل علیه لأنّ المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب نعم ذلک لایوجب الوضع للفرد الأغلب.
و الإرادة التی وردت فی الروایات أنّها من الأسماء الفعلیة لا الذاتیة هی من هذا القبیل.
ص: 114
فالکلام فیها تارة من جهة أصل وجودها و أخری من جهة معناها.
أما أصل وجودها ففیه قولان:
و هو مختار مشهور الحکماء و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .
ص: 116
ص: 117
أما تفسیرها ففیه أقوال نذکر القولین المهمّین:
اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) .
بیانه (قدس سره) فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم: إنّ مفهوم الإرادة غیر مفهوم العلم((1)) کما یظهر ذلک لمن تصفح فی کلماتهم و کتبهم الحکمیة فما الوجه فی إرجاع الإرادة إلی العلم؟
الوجه فی ذلک أنّ الفعل الاختیاری هو الفعل الصادر عن شعور و رضا من الفاعل فیعتبر فیه العلم و الرضا.
و لذا لیس الفعل الذی صدر عن العلم بلا رضاً، فعلاً اختیاریاً مثل السقوط عن الارتفاع بمجرد تصور أنّه علی حائط دقیق العرض.
و هکذا الفعل الذی صدر عن موافقة الفاعل بلا شعور و علم لیس فعلاً اختیاریاً مثل الآثار و المعالیل الموافقة لطبیعة مؤثراتها و عللها.
«فهذا هو السبب فی تعبیر الحکماء عن إرادته [تعالی] بالعلم بنظام الخیر فإنّهم بصدد [بیان] ما به یکون الفعل اختیاریاً و هو لیس مجرّد الملائمة و الرضا المستفادین من نظام الخیر بل بإضافة العلم».((2))
ص: 118
اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
قال (قدس سره) :((1)) «و أما الإرادة فمعناها العام هی المحبة و الرضا و الابتهاج و حیث إنّ الواجب تعالی صرف الوجود فهو صرف الخیر إذ الوجود کله خیر بالذات ... فإذا کان الواجب صرف الخیر و الخیر هو الملائم و الموجب للابتهاج و یکون لذیذاً و محبوباً فهو تعالی مبتهج بذاته أتّم ابتهاج [و الابتهاج هو الارادة.]
و حیث إنّ کل ما کان مبدأ لانتزاع وصف اشتقاقی بذاته فهو منشأ لانتزاع مبدأ الوصف فهو مبتهِج و مبتهَج و ابتهاج، و راضٍ و مرضی به و رضا، کما أنّه عالم و معلوم و علم و هکذا و فی هذه المرتبة لا مراد إلا ذاته.
و حیث إنّ ذاته تعالی صرف الوجود فهو کلّ الوجود، فکل وجودٍ مرادٌ فی مرتبة ذاته بمرادیة ذاته لا بمرادیة أُخری».
ص: 119
فیها تفسیرات ثلاثة:
لاخلاف فی تحقق الإرادة الفعلیة لله تبارک و تعالی فإنّ المحدّثین و الحکماء و المتکلّمین کلهم متفقون علی وجودها و لکن الکلام فی تفسیرها.
اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
و أمّا ما ورد من حدوث المشیة((1)) فالمراد هی المشیة الفعلیة و بعبارة أخری هی المشیة التی یکون المراد فیها غیره تعالی و أما الإرادة التی لیس المراد بالحقیقة
ص: 120
هناک إلا نفس ذاته - جلّت ذاته - فلا دخل لها بمورد الأخبار [لأنّ المعنی المتفاهم عند الرواة من لفظ الإرادة بعنوان صفته تعالی هذه الإرادة الفعلیة التی لاتنفک عن المراد و لذا أجاب الإمام (علیه السلام) بما هو المتداول من معنی الإرادة و هی المرتبة الفعلیة منها]».
إنّ الإرادة الفعلیة لیست مطلق الابتهاج الفعلی و المحبّة الفعلیة بل الابتهاجُ البالغ إلی التصدی نحو الشیء الذی هو المراد غالباً و الإرادة مستعملة فی الروایات بهذا المعنی و لذا خصّوها بالمرتبة الفعلیة و أنکروا کونها بهذا المعنی صفةً ذاتیةً له تعالی لترتب مفاسد کثیرة علی ذاتیة صفة الإرادة بهذا المعنی (لأنّه یلزم تخلف إرادته الذاتیة عن تحقق المراد أو یلزم وجود المراد قدیماً بقدم الذات).
و من ذلک یظهر أنّ ما ذهب إلیه المحدثون من نفی الإرادة الذاتیة عن الله تبارک و تعالی وفقاً للروایات الواردة فی هذا الباب یرجع إلی هذا المعنی و کلامهم فی غایة المتانة إلّا أنّ تحقق الإرادة الذاتیة بمعنی آخر أو بمرتبة أخری من حقیقة الإرادة لاینافی نفی الإرادة الذاتیة بهذا المعنی.
اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و تقدم کلامه فراجع.
إنّ نفس إعمال القدرة لیست إرادة فعلیة بل هی الابتهاج الباعث علی التصدی نحو الشیء.
ص: 121
قد اتضح مما ذکرنا عند الملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أنّ الإرادة الفعلیة هی الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء.
ص: 122
و لها تفسیران:
و هذا هو التفسیر الذی ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بیانه هو أنّ الإرادة قد تتعلق بفعل المرید بنفسه و قد تتعلق بفعل غیره فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بفعل الغیر أما البعث و التحریک إلی فعل الغیر فلیسا من الإرادة التشریعیة فإنّهما من أفعال المولی و المشرِّع فنفس أمر المولی و الشارع متعلق إرادته التکوینیة و إیجاد الغیر الفعلَ المأمور به متعلق إرادته التشریعیة.
((2))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بعدم وجود الفائدة فی تحقق الإرادة التشریعیة فی نفس الشارع و أساس نظریته (قدس سره) یبتنی علی تفسیره للإرادة التشریعیة.
قال (قدس سره) : « [إنّ] من جملة النظام التام الذی لا أتمّ منه نظام إنزال الکتب و إرسال الرسل و التحریک إلی ما فیه صلاح العباد و الزجر عما فیه الفساد فالمراد بالإرادة الذاتیة بالعرض لا بالذات هذه الأُمور دون متعلقاتها ای إنّ الإرادة
ص: 123
الذاتیة تتعلق بنفس ذاته تعالی بالذات و تتعلق بآثاره بالعرض نعم انّ الإرادة الذاتیه بالعرض تتعلق بالبعث و التحریک لا بالفعل المبعوث إلیه بل ربّما لایقع هذا المتعلّق، کما فی الکفار و العصاة، فلا أثر للإرادة التشریعیة فی صفاته الذاتیة - جلّت ذاته و علت صفاته - ... و مما ذکرنا فی المقدمة آنفاً فی الفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة تعرف أنّه لامجال لانقداح الإرادة التشریعیة فی النفس النبویة و لا فی النفس الولویة - خصّهما الله بألف تحیة - و ذلک لبداهة عدم فائدة عائدة من الفعل إلیهما بل إلی فاعله و عود فائدة من قبل إیصال النفع [إلی العباد] إلی النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) لایوجب کون الإرادة المتعلقة بالبعث و الزجر تشریعیة لأنّهما من أفعالهما الاختیاریة المتوقفة علی الإرادة فهی تکوینیة لا تشریعیة.
فتحصّل من هذا البیان القویم البنیان أنّ حقیقة التکلیف الجدّی البعث إلی الفعل بداعی انبعاث المکلف أو الزجر عنه بداعی الانزجار و هذا المعنی لایتوقف علی إرادة نفس الفعل مطلقاً بل فی ما إذا رجع فائدته إلی المرید.»
و الحق ثبوت الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر.
إنّ الإرادة قد یتعلق بالحقائق التکوینیة و قد یتعلق بالاعتبارات التشریعیة فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بالأُمور الاعتباریة الشرعیة.
و الفرق بین التفسیر الأول و الثانی هو أنّ متعلق الإرادة التشریعیة علی التفسیر الأول هو الفعل الصادر عن الغیر و علی التفسیر الثانی هو الاعتبار الشرعی المتعلق بفعل الغیر فلایرد علیها ما أورده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ثم إنّ الإرادة التشریعیة علی التفسیر الثانی أیضاً بمعنی الابتهاج فإنّ حب
ص: 124
الذات لذاته هو بعینه حبه لمظاهر صفاته - جلّ جلاله و عظمت صفاته - و نظام التشریع مثل نظام التکوین من مظاهر صفات الله تعالی، فلایضرّنا عدم عود النفع و الفائدة إلی الشارع فإنهما تعودان إلی الفاعل لانّ الوجه فی تعلّق إرادته تعالی بالإعتبارات الشرعیة هو الإبتهاج و حبّه لمظاهر صفاته.
[علی بن موسی الرضا (علیه السلام) ] قال (قدس سره) : ”إِنَّ للهِ
إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ“ الخبر و هو ظاهر فی أنّ الإرادة التشریعیة حقیقتها الأمر و النهی و أنّ حقیقة الإرادة و المشیة هی الإرادة التکوینیة»
فعلی هذا مفاد الأمر الإرادة التشریعیة.
ص: 126
قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی الجواب عن الاستدلال الثانی للأشاعرة علی اختلاف الطلب و الإرادة بعدم تعلق إرادته تعالی تکویناً بالإیمان من الکفار و بالطاعات من العصاة و هذا یوهم الجبر.
فلابدّ من تحقیق المسألة علی أساس مذهب أهل البیت (علیهم السلام) لما ورد عنهم فی الأخبار الکثیرة الصحیحة «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ»((2)) وفاقاً للعقل
ص: 127
ص: 128
السلیم و خلافاً لما بنی علیه الجبریة و المفوّضة.
فإنّ الجبریة ینکر استناد الأفعال إلی العباد بل یسندها إلی الواجب تعالی و یقول: عادة الله جرت علی إیجاد ما یسمّی بالأسباب قبل إیجاد الأفعال و لذا یتوهم الناس سببیة هذه الأُمور للأفعال مع أنّ ذلک ینافی الالتزام بالتوحید الأفعالی فإنّه لا مؤثر فی الوجود إلا الله تبارک و تعالی.
و فی قبالهم ینکر المفوّضة استناد الأفعال إلیه تعالی خوفاً من مفسدة استناد القبائح إلیه تعالی و لذا التزموا بفاعلیة العباد استقلالاً.
ص: 129
لنظریة الأمر بین الأمرین تقریرات مختلفة نشیر إلی أربعة منها:
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) مقرراً ما حُکی عن المحقق الطوسی (قدس سره) :
«تقریب هذه الکلمة المبارکة بوجهین، أحدهما أنّ العلّة الفاعلیة ذاتُ المباشر بإرادته و هی العلة القریبة و وجوده و قدرته و علمه و إرادته لها دخل فی فاعلیة الفاعل و معطی هذه الأُمور هو الواجب تعالی فهو الفاعل البعید فمن قصر النظر علی الأول حکم بالتفویض و من قصر النظر علی الثانی حکم بالجبر و الناقد البصیر ینبغی أن یکون ذا عینین فیری الأول [أی مباشرة الفاعل للفعل] فلایحکم بالجبر و یری الثانی [أی یری أنّ وجوده و قدرته و علمه و إرادته من قبل الله] فلایحکم بالتفویض».
ص: 130
((1))
و قد صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة أجود التقریرات.
قال (قدس سره) : «و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات ... و البرهان علیه أنّ الصفات القائمة بالنفس من الإرادة و التصور و التصدیق کلها غیر اختیاریة فإن کانت حرکة العضلات مترتّبة علیها من غیر تأثیر النفس فیها و بلا اختیارها فیلزم أن لاتکون العضلات منقادةً للنفس فی حرکاتها و هو باطل وجداناً فإنّ النفس تامّة التأثیر فی العضلات من دون أن یکون لها مزاحم فی سلطانها و ملکها وللزم أن تصدق شبهة إمام المشککین فی عدم جواز العقاب بأنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة و أن لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان کما ادعاه ... و الحاصل أنّ علیة الإرادة للفعل هادمة لأساس الاختیار و مؤسسة لمذهب الجبر بخلاف ما إذا أنکرنا علیة الصفات النفسانیة من الإرادة و غیرها للفعل و قلنا بأنّ النفس مؤثرة بنفسها فی حرکات العضلات من غیر محرک خارجی و تأثیرها المسمّی بالطلب إنّما هو من قبل ذاتها [أی ذات النفس] فلا یلزم محذور أصلاً و یثبت الأمر بین الأمرین کما هو المذهب الوسط و بهذه النظریة الدقیقة المثبتة للأمر بین الأمرین کما صرحت به روایات أهل
ص: 131
البیت (علیهم السلام) یستدل علی الحق فیهم و معهم فإنّه مما أعیا إدراکه عقول الفلاسفة و ذوی الأفکار».
فالوجه فی اختیاره لهذا التقریر هو شبهة الفخر الرازی((1)) فی عدم جواز العقاب -من أنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة- التی قال بعد بیانها: لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان.
هنا دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینة لله تعالی بأفعال العباد و سیجیء بیانهما
ص: 132
ذیل ملاحظتنا علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره) فی التقریر الرابع و هما کافیان لبیان دخول النفس و أفعالها تحت إرادة الله تعالی.
مع أنّ الانفکاک بین فاعلیة النفس و علیة إرادته بما هی صفة نفسانیة مما لایمکن الالتزام به فإنّ الإرادة فی طریق فاعلیة النفس و بتمامیة الإرادة تتم فاعلیته و فاعلیة النفس تتوقف علی التصورات و التصدیقیات الإدراکیة و الشوق النفسانی و إن کان جمیع ذلک فی ارتکاز النفس بحیث لاتتوجه إلیه.
و إیجاد النفس لما هو منافرٌ لطبعه أو لما تُصدِّق إضرارَه لیس مخالفاً لإرادة النفس لأنّ النفس ذات مراتب کثیرة و إرادات متعددة و قد تغلب إرادته للأمر الباطل علی إرادته لما هو الصواب و الخیر (و المراد من الإرادة الشوق أو الشوق الأکید فی قبال العزم التام).
الْوَلِیدِ رحمة الله قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِی بْنِ الْحَکَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «اللهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ».
و الحسن بن متّیل وجه من وجوه أصحابنا کثیر الحدیث قاله النجاشی((1)) و المراد من أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی و الروایة إما صحیحة و إما حسنة لمکان الحسن بن متّیل و علی أی حال هی حجّة و معتبرة و صریحة فی ما قلنا.
ص: 134
و منها: الروایات الدالة علی تحقق کل شیء و إن کان معصیةً، بقضاء الله و قدره و مشیته و علمه.((1))
ص: 135
و منها: ما ورد من طریق الخاصة و العامة((1)) عن النبی (صلی الله علیه و آله) عن الله تعالی: «...
ص: 136
یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ.» ((1))
((2))
و جَعَلَ هذا التقریر أدق و أقرب إلی توحید أفعاله تعالی من تقریر المحقق الطوسی (قدس سره) . قال (قدس سره) : «و ثانیهما ما هو أدق و أقرب للتوحید فإنّ الموحد کما یجب أن یکون موحّداً فی الذات و الصفات، کذلک یجب أن یکون موحداً فی الأفعال [فکما لا شریک له تعالی فی الوجود فکذلک لا شریک له فی الإیجاد]».
و هذا التقریر یبتنی علی مقدمتین:
قال (قدس سره) : «و ملخص هذا الوجه أنّ الإیجاد یدور مدار الوجود فی وحدة الانتساب و تعدده و فی الاستقلال و عدمه فلابدّ هاهنا من بیان أمرین: أحدهما بیان کیفیة استقلال الوجود و عدمه و تعدد الانتساب و عدمه ثانیهما تبعیة الإیجاد للوجود کما مرّ.»
ص: 137
«إنّه قد تقرر فی مقره أنّ المجعول بالذات هو الوجود المنبسط [الذی به موجودیة الموجودات المحدودة و الماهیات] و المجعول و المعلول بالذات حیثیة ذاته حیثیة المجعولیة و المعلولیة و الارتباط لا أنّ هناک شیئاً له المجعولیة و الربط [وهی الخصوصیة الأُولی] و البرهان علیه أنّ کل ما کان بذاته مصداقاً [و مطابقاً] لمحمول اشتقاقی [کما أنّ الوجود بذاته مصداق لعنوان المجعول و المرتبط بالحق المتعال] فهو مصداق [و مطابق بذاته] لمبدئه أیضاً [أی ان الوجود بذاته مصداق للجعل و الربط] و إلا لزم مصداقیته له [أی مصداقیة الوجود للمحمول الاشتقاقی الّذی هو عنوان المجعول وعنوان المرتبط] فی المرتبة المتأخرة عن ذاته و هو خلف. [فثبت بذلک انّ الوجود بذاته عین الجعل و الربط] و هذا معنی عدم الاستقلال فی الوجود حیث إنّ الوجود المفروض حینئذ عین الربط و محض الفقر».
هذا الوجود المطلق المنبسط علی هیاکل الماهیات و المتّحد مع مراتب الموجودات [لأنّ موجودیة الموجودات المقیدة المحدودة به] بما هو عین کل مرتبة بلحاظ إطلاقه و لابشرطیته له انتسابان: [انتساب] إلی الفاعل [و هو الله تبارک و تعالی] بالوجوب و هو بهذا الاعتبار فعله تعالی و صنعه و مشیته الفعلیة و [انتساب] إلی القابل بالإمکان و هو بهذا الاعتبار وجود زید و عمرو و غیرهما من الموجودات المحدودة و الماهیات».
ص: 138
إنّ أثر الوجود المجعول بالذات فی المقام الفعل الصادر عن العبد الذی هو مرتبة من مراتب الوجود الإطلاقی، و الکلام فی المقدمة الثانیة یقع فی هذا الأثر فإنّ أثر الوجود الإطلاقی المتحد مع مراتب الموجودات المحدودة تابع لمؤثره فی الخصیصتین المذکورتین و عبّر عن ذلک بتبعیة الإیجاد للوجود فی خصیصة الربط و الانتسابین المذکورین.
«فمختصر الکلام أنّ [الوجود] المجعول بالذات بعد ما کانت حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر فلابدّ من أن یکون أثره کذلک و إلا لانقلب الربط المحض إلی محض الاستقلال و هو محال إذ الجاعل بالذات حیثیة ذاته حیثیة الجاعلیة کما عرفت، فإن کان ذاته مستقلة کانت حیثیة الجاعلیة مستقلة و إن کانت عین الربط و الفقر کانت حیثیة الاقتضاء و الجاعلیة عین الربط و الفقر إذ لا تغایر بین الحیثیتین حقیقةً و من هنا قلنا سابقاً إنّ التفویض شرک بین.»
الحاصل: «إذا عرفت ذلک تعرف أنّ هذا الوجود الإطلاقی - الذی حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر و کان له انتسابان حقیقةً إلی الفاعل و القابل - عین کل مرتبة فأثرُه [أی أثر کل مرتبة] کذلک [أی له الخصوصیتان] فمن حیث إنّ حیثیة الأثر کحیثیة المؤثّر عین الارتباط تعرف أنّه لا تفویض و من حیث إنّ الأثر کالمؤثر له انتسابان حقیقةً تعرف أنّه لا جبر فأثر کل مرتبة له جهتان: ((1))
ص: 139
[1-] جهة انتساب إلیه تعالی حیث إنّه أثر فعله الحقیقی الإطلاقی و هذه جهة تلی الرّب.
[2-] جهة انتساب إلی العبد حیث إنّه أثر وجوده الحقیقی و هی جهة تلی الماهیة فکما أنّ وجوده وجوده حقیقةً و بلا عنایة و مع ذلک فهو فعل الله و صنعه حقیقةً کذلک إیجاده إیجاده حقیقةً و بلا تجوز و مع ذلک فهو [إیجاد الله و] أثر فعله تعالی بلا مجاز، فإذا تمکن العبد من نفی وجوده عن نفسه تمکن من نفی إیجاده عن نفسه [و لهذا صحّ إسناد الفعل إلیه تعالی کما ینسب إلی العبد کما ورد فی الآیات و الروایات کثیراً] و لایخفی علیک أنّ الأثر إنّما ینسب إلیه تعالی بما هو مطلق و إلی العبد بما هو محدود و مقید و إلا فجَلَّ جنابه تعالی من أن تستند إلیه الأفعال التی لاتقوم إلا بالجسم و الجسمانی و لو کان من الأعمال الحسنة فضلاً عن الأعمال السیئة [و بالجملة الوجود بما هو لا بما هو محدود بالحدود الوجودیة و الماهویة خیر محض فینسب إلیه تعالی فالکمال راجع إلی الکمال و النقص إلی النقص فاتضح أنّ فعل العبد مع أنّه فعله فهو أحد أفاعیل الحق تعالی] نعم ربما تغلب الجهة التی تلی الرب و تندک فیها الجهة الأُخری کما فی قوله تعالی: (وَ مَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) ((1)) فحینئذ ینفی الانتساب إلی المربوب و ینسب
ص: 140
إلی الرب و من ذلک یظهر عدم استناد الأفعال السیئة إلیه تعالی من جهة أُخری فتفطن و افهم أو ذره فی سنبله و الله المسدد».
((1))
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) اختار ما هو قریب من التقریر الأول و لکن زاد علیه: إنّ مشیة الله تعالی لم تتعلق بأفعال العباد و إنّما تعلّقت بمبادیها کالحیوة و القدرة.
بل قال (قدس سره) :((2)) لایمکن تعلق إرادته تعالی بأفعال العباد.
و قال (قدس سره) فی موضع آخر((3)) بعد تقریر المسألة بهذا النحو: «الأفعال الاختیاریة بین الجبر و التفویض و منتسبة إلی المخلوقین من جهة و إلی الخالق من جهة أُخری»
إنّ خروج أفعال العباد من تحت إرادته تعالی مما لایمکن الالتزام به شرعاً و
ص: 141
عقلاً بل لابدّ من القول بدخول الفعل تحت إرادة الفاعل المباشر و بدخوله تحت إرادة الله تعالی أیضاً کما نطقت به بعض الأخبار.((1))
ص: 142
کل فعل سواء کان حسناً أم قبیحاً ممکن الوجود فهو لابدّ أن ینتهی سلسلة علله إلی واجب الوجود بالذات و علیة الحق المتعال لاتنفک عن تعلق إرادته التکوینیة به ولو بوسائط کثیرة و إنکار ذلک إما یوجب الالتزام بتعدد واجب الوجود و إما یوجب الالتزام باستقلال الممکن و عدم احتیاجه إلی العلة التی هی واجب الوجود بالذات و کلاهما خلاف العقل و الشریعة فإنّ الأول شرک و الثانی إنکار أُلوهیته و خالقیته بالنسبة إلی بعض مخلوقاته.
((1))
قال (قدس سره) : «النظام التام الإمکانی صادر علی طبق النظام الشریف الربانی [فالإیمان من الکافر لو کان مراداً بإرادته الذاتیة التی هی عین ذاته لکان من جملة النظام التام إذ النظام التام الإمکانی کما عرفت صادر علی طبق النظام الربانی] و حیث لم یقع الکفر من المؤمن و الإیمان من الکافر کشف ذلک عن عدم تعلق
ص: 143
الإرادة الذاتیة بهما و عدم دخولهما فی النظام الشریف الربانی و إلا لوجدا فی النظام التام الإمکانی».
فإیمان المؤمن و کفر الکافر و هکذا الفعل الخیر و الطاعة و الفعل القبیح و المعصیة -علی هذا البیان- کلّها داخلة فی النظام الأحسن فالکفر و العمل القبیح و إن کانا فی حدّ أنفسهما قبیحین و لکن النظام الأحسن کما یقتضی وجود الخیرات کذلک یقتضی وجودهما و إلا لایکون النظام تاماً و أحسن من کل نظام (فإنّ إظهار صفة الصبر قد یقتضی وجود المخالف المعاند غایة المعاندة حتی یظهر فی قباله صفة الصبر و هکذا لابدّ من وجود القتال فی کمال المؤمن بالشهادة و هذا یقتضی وجود الکافر أو المنافق حتی یقاتل المؤمنین) فالإرادة التکوینیة الإلهیة لاتتعلق بهذا الفعل القبیح من حیث إنّه فعل قبیح بل تتعلّق به بما أنّه جزء لهذا النظام الأحسن الأتم.
ص: 144
و فیه سبعة أُمور
الأمر الأول: معنی صیغة الأمر
الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث
الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی
الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة
الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر
الأمر السادس: المرّة و التکرار
الأمر السابع: الفور و التراخی
ص: 145
ص: 146
(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)((1)) و الإنذار (قُلْ تَمَتَّعُوا)((2)) و الإهانة (ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)((3)) و الاحتقار (أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)((4)) و التعجیز (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)((5)) و التسخیر (کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)((6)) و غیر ذلک.
ص: 148
إنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل إن هذا من باب اشتباه الداعی بالمعنی المستعمل فیه. ( لا من باب إشتباه المعنی الموضوع له بالمعنی المستعمل فیه).
قال المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) «الأول: إنّه ربما یذکر للصیغة معانٍ قد استعملت فیها و قد عد منها الترجی... و هذا کما تری ضرورةَ أنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل [هی موضوعة لمعنی واحد و هو
إنشاء الطلب و] لم یستعمل إلا فی إنشاء الطلب إلا أنّ الداعی إلی ذلک [أی إنشائه] یکون تارةً هو البعث و التحریک نحو المطلوب الواقعی و یکون أُخری أحد هذه الأُمور کما لایخفی».
و قصاری ما یمکن أن یدّعی، وضعُ الصیغة لإنشاء الطلب فی ما کان بداعی البعث و التحریک فعلی هذا إنشاء الطلب فی ما کان الداعی غیر البعث من سائر الدواعی یکون استعمالاً مجازیاً.
((1))
إنّ الطلب من الصفات النفسانیة و الصفات النفسانیة لاتقبل الإنشاء فحینئذٍ الطلب الإنشائی غیر معقول. (و هکذا الإرادة الإنشائیة عند السید المحقق البروجردی (قدس سره) لکن الطلب عنده أمر اعتباری فیتصور فیه الإنشاء).
إنّ الطلب الإنشائی هو ما یستفاد من الأمر بمادته أو صیغته حیث إنّ الأمر یوجب إنشاء الطلب الّذی هو من مبادی الفعل فی نفس المکلّف لأن یکون داعیاً للمکلّف نحو الفعل المأمور به داعویة إمکانیة، فإنّ هذه الداعویة تبلغ إلی الفعلیة بالنسبة إلی المطیع و لاتبلغ إلیها بالنسبة إلی العاصی. و هکذا الأمر فی الإرادة الإنشائیة.
قال المحقق النائینی (قدس سره) :((2)) «و أما صیغة الأمر فهی دالّة علی النسبة الإنشائیة الإیقاعیة فقط فما لم تصدر الصیغة لایتصف المکلف بأنّه وقع علیه المادة فی عالم التشریع و یکون إیقاعها علیه و جعله فی کلفتها بنفس الإنشاء فهی موضوعة للنسبة الإنشائیة الإیقاعیة و لاتستعمل فی غیر ذلک أبداً فإذا ظهر... ظهر لک أنّ القول بکون الموضوع له هو الطلب الإنشائی لا معنی له»
ص: 150
إنّ التعبیر بإیقاع المادة علی المکلّف فی عالم التشریع لایناسب جمیع الموارد، مثلاً إذا أمر المولی عبده بضرب عدوّه أو بإکرام صدیقه و قال «إضرب عدوّی و أکرم صدیقی»، فانّ مادة الضرب أو الإکرام لاتقع علی المکلّف فی عالم التشریع، نعم إنّ وجوبهما یقع فی ذمة المکلّف إلّا أن مفاد الصیغة اولاً هو النسبة البعثیة و ینتزع من ذلک وجوب الضرب و الإکرام.
قال المحقق العراقی (قدس سره) :((1)) «صیغة اضرب مثلاً ... مادتها تدل حسب الوضع النوعی علی نفس الحدث و أما هیأتها الخاصة فهی أیضاً لاتدل إلا علی النسبة الإرسالیة و المحرکیة بین المبدأ و الفاعل لکن لا مفهوم هذه النسبة لأنّه معنی اسمی بل مصداقه و صورة ذلک الربط الخاص الحاصل من تحریک المأمور نحو العمل علی طبق الإرسال الخارجی و حینئذ فلایکون المستعمل فیه فی الصیغة إلا النسبة الإرسالیة لا مفهوم الطلب کما علیه [صاحب] الکفایة (قدس سره) و علیه فلابدّ و أن یکون دلالتها علی الطلب من جهة الملازمة خاصةً الناشی هذا التلازم من جهة کون المتکلم فی مقام الجدّ بالإرسال إذ حینئذ ینتقل الذهن من تلک النسبة الإرسالیة إلی مفهوم الطلب بانتقال تصوّری ففی الحقیقة منشأ هذا التلازم إنّما هو التلازم الخارجی بین منشأیهما و هما البعث و الإرسال الخارجی و الإرادة الخارجیة و عدم انفکاک أحد الأمرین عن الآخر...».
فالصیغة عنده (قدس سره) موضوعة للنسبة الإرسالیة الإیقاعیة و دلالتها علی الطلب
ص: 151
باعتبار کونه من لوازم المدلول.((1))
إنّه قد تقدم أنّ الإرسال لایناسب جمیع موارد صیغة الأمر کما فی البعث نحو القراءة، فإنّه لا إرسال هنا نحو فعل.
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) :((2)) « إنّ مدلول صیغة افعل و أشباهها لیس الطلب الإنشائی و لا الإرادة الإنشائیة بل البعث المأخوذ علی نحو المعنی الحرفی و المفهوم الأدوی.»
قال السید الخوئی (قدس سره) :((3)) «إنّ المتبادر من الصیغة عند إطلاقها هو إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف فی الخارج و أما إرادة إبراز التهدید منها أو السخریة أو الاستهزاء أو نحو ذلک فتحتاج إلی نصب قرینة و بدونها لا دلالة لها علی ذلک و
ص: 152
من الطبیعی أنّ ذلک علامة کونها موضوعة بإزاء المعنی الأول دون غیره من المعانی».
و قال (قدس سره) فی موضع آخر:((1)) «و نتیجة ما ذکرناه أمران: الأول أنّ صیغة الأمر أو ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف و لاتدلّ علی أمر آخر ما عدا ذلک و الثانی أنّها [أی هذه الصیغة] مصداق للطلب و البعث لا إنّهما معناها و من ذلک یظهر أنّ الصیغة کما لاتدلّ علی الطلب و البعث کذلک لاتدلّ علی الحتم و الوجوب».
و الصیغة فی الاستعمال المجازی إبراز للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک فتکون مصداقاً للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک.
ذلک غیر معقول لأنّ المصداقیة لایتحقق إلا بالحمل الشائع و مناطه هو الاتحاد فی الوجود و اتحاد وجود الصیغة و الطلب الاعتباری و التهدید و السخریة و أمثالها محال لأنّ وجود الصیغة وجود لفظی من مقولة الکیف المسموع و وجود هذه الدواعی من الکیفیات النفسانیة و اتحاد المقولتین المتباینتین غیر معقول.
و الصحیح أن یقال إنّ النسبة البعثیة قد تکون بداعی التهدید أو بداعی السخریة کما أنّها قد تکون بداعی بعث المکلّف نحو المأمور به.
إنّ المصداقیة لیست فی الوجود اللفظی لصیغة الأمر بل إنّ معناها مصداق لهذه الأمور.
قال بعض الأساطین (قدس سره) :((1)) إنّ صیغة الأمر عبارة عن إبراز البعث النسبی و لیست النسبة البعثیة موجودة بها.
و تفترق نظریتنا عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أنّ الصیغة عنده (قدس سره) نفس النسبة البعثیة و عندنا مبرز للبعث النسبی و تفترق عن نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) فی أنّ المنکشف عنده (قدس سره) اعتبار ثبوت الفعل علی ذمة المکلف و عندنا هو البعث النسبی.
أولاً: إنّ معنی الإبراز غیر مأخوذ فی مفاد صیغة افعل، بل إبراز صیغة افعل
ص: 154
الذی هو عین إیجادها و إنشائها بنفسه إبراز النسبة البعثیة، فإنّ إبراز الکلمة إبراز لمعناها، فإن کان المراد من صیغة الأمر وجودها، فما أفاده صحیح؛ لأنّ وجودها عین إیجادها، و إیجادها عین إبرازها، و إبرازها إبراز النسبة البعثیه، و إن کان المراد من صیغة الأمر مفادها و معناها؛ فما أفاده مما لا یمکن المساعدة علیه، لأن مفاد صیغة الأمر نفس النسبة البعثیة لا إبرازها؛ فإنّ الابراز من قبیل الوجود و لیس دخیلاً فی المعنی الموضوع له.
ثانیاً: إنّ معنی الإبراز أیضاً معنی اسمی، فلا یمکن أن یکون الإبراز دخیلاً فی معنی صیغة الأمر.
نتیجة البحث: تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 155
ص: 156
و الکلام فی موضعین:
الأول: فی أنّ الجمل الخبریة التی تستعمل فی مقام الطلب و البعث هل تستعمل فی معناها الخبری أو تستعمل فی المعنی الإنشائی؛
و الثانی: فی دلالتها علی الوجوب.
و فیه نظریات ثلاث:
قد اختلفوا فی معنی هذه الجمل الخبریة و مفادها مثل جملة یغتسل و یتوضأ و یعید.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) « و لیعلم أنّ استعمال الجمل المضارعیة فی مقام الإنشاء کثیر فی الروایات أما استعمال الجمل الماضویة فی مقام الإنشاء فلم نجد
ص: 157
إلا فیما إذا وقعت جزاءً لشرط کقوله (علیه السلام) : «مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ»((1)) و نحوه.
و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و بعض الأساطین (دام ظله) ، ((3)) و المختار عندنا هذه النظریة.
قال صاحب الکفایة (قدس سره) :«لایخفی أنّه لیست الجمل الخبریة الواقعة فی ذلک المقام أی الطلب مستعملةً فی غیر معناها بل تکون مستعملة فیه إلا أنّه لیس بداعی الإعلام بل بداعی البعث بنحو آکد حیث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه فی مقام طلبه إظهاراً بأنّه لایرضی إلا بوقوعه فیکون آکد فی البعث من الصیغة کما هو الحال فی الصیغ الإنشائیة علی ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل فی معانیها الإیقاعیة لکن بدواعی أُخر کما مر».
و لها تقریبان:
((4))
قال (قدس سره) : «إنّما الکلام و الإشکال فی أنّها [أی الجملة الخبریة فی مقام بیان الحکم
ص: 158
الشرعی] هل کانت مستعملةً فی الطلب أو الإرسال بما هو مفاد الصیغة مجازاً أو إنّها مستعملة فی معناها الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار و هو النسبة الإیقاعیة لکنه بداعی إفادة ملزومه و هو الطلب و البعث ... أو لا هذا و لا ذاک بل کان استعمالها فی معناها الحقیقی الإخباری و کان الغرض و الداعی من الاستعمال أیضاً هو الإعلام و الإخبار دون الطلب و البعث و الإرسال - کما هو قضیة الوجه الثانی - و لکن إعلامه بتحقق الفعل من المکلف إنّما کان بلحاظ تحقق مقتضیه و علته و هو الإرادة و الطلب کما هو الشأن فی غیر المقام من موارد الإخبار بوجود المقتضَی عند تحقق مقتضیه... فهذه وجوه ثلاثة لکن أضعفها أولها... و حینئذ فیدور الأمر بعد بطلان الوجه الأول بین الوجهین الأخیرین و عند ذلک نقول: إنّه و إن کان لکل منهما وجه وجیه و لکن الأوجه هو الوجه الأخیر بملاحظة أقربیته إلی الاعتبار و الوجدان و شیوعه أیضاً عند العرف و العقلاءمن ترتیبهم الآثار علی الأشیاء التی منها الإخبار بوقوعها بمحض العلم بوجود عللها و مقتضیاتها ...»
((1))
قال (قدس سره) : «و علی کل حال ففی المقام وجه رابع لاستفادة الطلب من الجمل الخبریة و لعلّه أوجه من الوجوه المتقدمة و هو أن یقال بأنّ استفادة الطلب من مثل هذه الجمل الواردة فی مقام بیان الحکم الشرعی إنّما هو من جهة کونه من لوازم قضیة الجدّ بإیقاع النسبة التی هی مدلول الجمل و ذلک أیضاً بمقتضی التلازم الثابت بین الإیقاع الخارجی و الإرادة، بتقریب أنّه کما أنّ إخراج المبدأ
ص: 159
من کمون الفاعل خارجاً و إیقاع النسبة بینه و بین الفاعل فی الخارج ملازم مع إرادة الوجود و لایمکن انفکاکه عنها کذلک هذه النسبة الإیقاعیة الذهنیة؛ فإذا کان المتکلم فی مقام الجدّ بهذا الإیقاع فقضیة جدّه بذلک تقتضی ملازمته مع إرادة الوجود من المکلف فعلیه فکان ما هو المستعمل فیه فی تلک الجمل هو النسبة الإیقاعیة التی تستعمل فیها فی مقام الإخبار إلا أنّه لم یقصد بإیقاع تلک النسبة الإیقاعیة فی مقام استعمال الجملة الحکایة عن الواقع الثابت کما فی سائر الجمل الإخباریة. نعم لازمه هو عدم انفکاک قضیة الجدّ بإیقاع النسبة أیضاً عن قصد الإنشاء بعد عدم قصد الحکایة بها عن واقع ثابت کما لایخفی».
أولاً: إذا أُتی بهذه الجمل فی مقام الإنشاء، و قُصد معناها الخبری و کان الداعی أیضاً هو الإخبار لا البعث فیلزم الکذب فلاشک فی أنّ الداعی لیس هو الإخبار عن الواقع وجداناً و لایمکن الجمع بینه و بین کونها فی مقام الإنشاء.
ثانیاً: إنّ مقتضی إیجاد الفعل هو الطلب و الإرادة فی نفس المکلّف و هو غیر معلوم التحقق و أما ارادة المولی فهی شرعیة و لیست علّة لتحقق الفعل.
إنّ المستعمل فیه فی الجمل الخبریة فی مقام الإنشاء غیر المعنی الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار لأنّ المتفاهم العرفی من کل منهما غیر المتفاهم العرفی من
ص: 160
الآخر و تلک الجمل الخبریة الواقعة فی مقام الإنشاء مفادها مفاد صیغة الأمر قد استعملتا فی معنی واحد و هو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج و بعبارة أُخری إبراز اعتبار شیء علی ذمّة المکلف و دلالتهما علی الوجوب بحکم العقل کما مضی بیانه.
((1))
«إنّ الحق مع المحقق الخراسانی (قدس سره) لعدم مجیء مدّعَی القول الثانی [أی مدّعی السید الخوئی (قدس سره) ] إلی ذهن أحد ممّن سمع قول الإمام (علیه السلام) : یعید الصلاة و نحوه أو رواه بل إنّ مفاد هذه الجملة ... نفس مفادها فی مقام الإخبار و المستعمل فیه فی کلا المقامین هو الإعادة غیر أنّ القرائن الحالیة أو المقامیة أفادت أنّ الداعی... هو الطلب و لما کان استعمال الجملة بهذا الداعی فلا مجال لتوهم لزوم الکذب».
إنّ هذا دائر مدار النکتة التی بها تدل علی الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ الدلالة علی الوجوب بحکم العقل.
ص: 161
ص: 162
إنّ الأعلام اختلفوا فی جعل هذا البحث من مباحث صیغة الأمر فالمحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) « إنّ الوجوب فی التوصلی لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً ... و الإطلاق المدّعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب» و خالفه بعض الأساطین (دام ظله) و سنشیر إلیه فی محله إن شاء الله.
و البحث هنا فی أنّ الأصل اللفظی و العملی یقتضی التوصلیة أو التعبدیة؟ و لکنه لابدّ من البحث عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی علی المعانی الأربعة التی للواجب التوصلی.
ص: 163
قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان معانی الواجب التوصلی و التعبدی فإنّ للواجب التوصلی معانی أربعة أشار إلیها المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) إنّ التوصلی یطلق علی معنیین ثم قسّم المعنی الثانی إلی ثلاثة أقسام و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))
فلابدّ من أن نبحث عن هذه المعانی الأربعة کما قرره المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض من تبعه (قدس سره) :((3))
المعنی الأول: «ما لاتعتبر فیه المباشرة من المکلف بل یسقط عن ذمته بفعل الغیر سواء کان بالتبرّع أم بالاستنابة».
المعنی الثانی: «ما لایعتبر فی سقوطه الالتفات و الاختیار» بل یسقط فی ما صدر منه بغیر اختیار و إرادة و فسره السید الصدر (قدس سره) ﺑ «ما یسقط و لو بالحصة الصادرة عن المکلف اضطراراً و إلجاءً».
المعنی الثالث: «ما لایعتبر فیه إتیانه فی ضمن فرد سائغ [و جائز]» بل یسقط بإتیانه فی ضمن فرد محرم.
ص: 164
المعنی الرابع: و هو المعنی المشهور المتداول.
فسّره صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله: « الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده، بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرّباً به منه تعالی.»
و فسّره المحقق النائینی (قدس سره) بأنّ التوصلی ما شُرّع «لأجل مطلق وجودها فی الخارج و إن أمکن التقرب بها أیضاً » و التعبدی ما « یکون تشریعها لأجل التعبد و التقرب بها المعبر عنه فی اللغة الفارسیة ﺑ”پرستش“».((1))
و فسره المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ الواجب التوصلی « ما لایعتبر فیه قصد القربة و ذلک کغسل المیت و کفنه ودفنه و ما شاکل ذلک حیث إنّها واجبات فی الشریعة الإسلامیة ولایعتبر فی صحتها قصد القربة و الإتیان بها مضافاً إلی الله سبحانه و تعالی فلو أتی بها بدون ذلک سقطت عن ذمته. نعم استحقاق الثواب علیها یرتکز علی الإتیان بها بقصد القربة و بدونه لایستحق و إن حصل الإجزاء ... و فی مقابله ما یعتبر فیه قصد القربة و هو المعبر عنه بالواجب التعبدی فلو أتی به بدون ذلک لم یسقط عنه و کان کمن لم یأت به أصلاً. »
و الواجب التوصلی و التعبدی بهذا المعنی الأخیر هو الذی وقع فیه النزاع بین الأعلام کما اعترف به المحقق النائینی (قدس سره) قال:((3))
«و التوصلی بالمعنی الأول [و هو المعنی الأخیر حسب ما ذکرنا] هو الذی
ص: 165
وقع فیه النزاع من الأعلام و لعل المشهور علی جواز التمسک بالإطلاق فی إثباته و أما بالمعنی الثانی فلم یدّعِ أحد جواز التمسک بالإطلاق لإثباته».
و مراده من «المعنی الثانی» المعانی الثلاثة التی ذکرناها قبل المعنی الرابع و ذکرها أیضاً قال (قدس سره) :
«و قد یطلق التوصلی علی معنی یعم بعض التعبدیات أیضاً و هو ما یسقط أمره بمطلق وجوده فی الخارج و لو کان بفعل الغیر أو من دون إرادة و اختیار أو بفعل محرم من المحرمات».
ص: 166
هنا أربعة مباحث:
و المعنی الأول هو ما لایعتبر فیه المباشرة و نتکلم هنا عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی.
فهنا قولان:
«إنّ مقتضی الإطلاق سقوطه و کونه واجباً توصلیاً من دون فرق فی ذلک بین کون فعل الغیر بالتسبیب أو بالتبرع أو بغیر ذلک».
و هو قول المشهور کما نسب إلیهم المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))
الخوئی((1)) و السید المحقق الصدر (قدس سرهم). ((2))
«إنّ مقتضی الإطلاق لو کان هو عکس ما نسب إلی المشهور و إنّه لایسقط بفعل غیره بلا فرق بین کونه بالتسبیب أو بالتبرع و السبب فی ذلک أنّ التکلیف هنا بحسب مقام الثبوت یتصور علی أحد أنحاء:
الأول: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و فعل غیره فیکون مردّه إلی کون الواجب أحد الفعلین علی سبیل التخییر.
و فیه: أنّ هذا الوجه غیر معقول و ذلک لأنّ فعل الغیر خارج عن اختیار المکلف و إرادته فلایعقل تعلّق التکلیف بالجامع بینه و بین فعل نفسه.
الثانی: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و بین استنابته لغیره و نتیجة ذلک هی التخییر بین قیام نفس المکلف به و بین الاستنابة لآخر و هو فی نفسه و إن کان أمراً معقولاً و لا بأس بالإطلاق من هذه الناحیة و شموله لصورة الاستنابة.
ص: 168
إلا أنّه خاطئ من جهة ...أنّ لازم ذلک الإطلاق کون الاستنابة فی نفسها مسقطةً للتکلیف و هو خلاف المفروض بداهة أنّ المسقط له إنّما هو الإتیان الخارجی ...
الثالث: أن یقال: إنّ أمر التکلیف فی المقام یدور بین کونه مشروطاً بعدم قیام غیر المکلف به [فیسقط بقیام غیر المکلف به] و بین کونه مطلقاً أی سواء أقام غیره به أم لم یقم فهو لایسقط عنه.
و یمتاز هذا الوجه عن الوجهین الأولین بنقطة واحدة و هی أنّ فی الوجهین الأولین یدور أمر الواجب بین کونه تعیینیاً أو تخییریاً و لا صلة لهما بالوجوب و فی هذا الوجه یدور أمر الوجوب بین کونه مطلقاً أو مشروطاً و لا صلة له بالواجب ثم إنّ هذا الوجه و إن کان بحسب الواقع أمراً معقولاً و محتملاً و لا محذور فیه أصلاً إلا أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یقتضی عدم الاشتراط و أنّه لایسقط عن ذمّة المکلّف بقیام غیره به و من الطبیعی أنّ الإطلاق فی هذا المقام یکشف عن الإطلاق فی ذاک المقام بقانون التبعیة ... و قد تحصل من ذلک أنّ مقتضی إطلاق کل خطابٍ متوجّهٍ إلی شخص خاصّ أو صنف هو عدم سقوطه عنه بقیام غیره به؛ فالسقوط یحتاج إلی دلیل ... إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی أنّ مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة عدم التوصلیة».
ص: 169
هنا نظریات:
إنّ الأصل العملی علی المشهور من جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة هو استصحاب بقاء التکلیف و عدم سقوطه و النتیجة هی التعبدیة.
أما علی مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) من عدم جریان الاستصحاب فیها فالأصل العملی هو أصالة الاشتغال و نتیجتها أیضاً التعبدیة.
بیان ذلک: إنّ الشک فی إطلاق التکلیف و اشتراطه قد یکون مع عدم إحراز فعلیة التکلیف و ذلک إذا لم یکن ما یحتمل شرطیته متحققاً من الأول ففی مثل ذلک بطبیعة الحال یرجع الشک فیه إلی الشک فی أصل توجه التکلیف و هو مورد البراءة.
و قد یکون مع إحراز فعلیة التکلیف و ذلک کما إذا کان ما یحتمل شرطیته متحققاً من الابتداء ثم ارتفع و زال و لأجله شک المکلف فی بقاء التکلیف الفعلی وارتفاعه ومن الواضح أنّه مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة و لایختص هذا بمورد دون مورد آخر بل یعمّ کافة الموارد التی شک فیها فی بقاء التکلیف بعد الیقین بثبوته و اشتغال ذمة المکلف به و مقامنا من هذا القبیل.
إن ما أفاده یتم علی مبناه من عدم جریان الإستصحاب فی الشبهات الحکمیة
ص: 170
و المبنی مخدوش کما یأتی إنشاء الله تعالی فی مباحث الاستصحاب.
قال (قدس سره) :((1)) «إنّ المحقق الصدر (قدس سره) ذهب إلی التفصیل فی المقام بین الصورتین ففی إحداها قال بجریان البراءة و فی أخریها قال بجریان الإستصحاب... و أما فی الفرض الذی یکون الشک فی سقوط الوجوب بفعل الغیر، فلابدّ من ملاحظة منشأ احتمال سقوط الوجوب بفعل الغیر ذلک أنّ الشک فی السقوط تارةً یکون من جهة احتمال اشتراط الوجوب بعدم فعل الغیر بحیث یکون فعله رافعاً للوجوب من أول الأمر بنحو الشرط المتأخر و أُخری یکون مسقطاً و رافعاً للوجوب بقاءً بنحو الشرط المقارن.
أما فی الحالة الأُولی فمقتضی الأصل العملی هو البراءة لا الاشتغال و لا الاستصحاب لکون الشک فی ارتفاع الوجوب من أول الأمر و أما الحالة الثانیة فینبغی أن یعلم بأنّ سقوط الوجوب بقاءً بفعل الغیر لایمکن أن یکون من جهة تحقق الغرض و الملاک به... بل لابدّ أن یکون إما من جهة احتمال زوال المحبوبیة و ارتفاعها بفعل الغیر أو من جهة أنّ فعل الغیر سبب فوات الملاک بنحو لایمکن تحصیله بعد ذلک ... و مقتضی الأصل فیهما معاً جریان الاستصحاب دون أصالة الاشتغال ...»
إنّ الاحتمال الأول خلاف ظواهر الأدلّة و لا مثبت لها (و لنذکر هنا أنّ مبنی
ص: 171
المحقق الصدر (قدس سره) تختلف أساساً عن مبنی السید الخوئی (قدس سره) فلو فرضنا عدم جریان الاستصحاب فی هذه الصورة کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالقاعدة عنده الاشتغال و لکن السید الصدر (قدس سره) ذهب إلی أنّ القاعدة حینئذٍ أصالة البراءة و لانحتاج إلی البحث عن ذلک بعد جریان الاستصحاب).
و المتحصّل: أنّ المختار هنا صحّة نظریة المشهور و هو جریان استصحاب بقاء التکلیف.
ص: 172
المعنی الثانی هو ما لایعتبر فیه الالتفات و الاختیار و هنا یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی.
فهنا قولان:
قد تمسک بعض الأعلام بأصالة الإطلاق لإثبات أنّ الواجب فی الواقع هو الجامع بین الحصة المقدورة و غیر المقدورة فإذا صدر الفعل من المکلف بغیر اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق اللفظی بمقدمات الحکمة سقوطه عن ذمة المکلف و هذا مختار بعض الأعلام مثل المحقق الخوئی (قدس سره) .
و هو عدم سقوط الفعل عن ذمة المکلف إلا إذا صدر منه باختیاره و إرادته.
وجهین: الأول أنّ المطلوب علی المذهب الحق لابدّ و أن یکون حسناً بالحسن الفاعلی و هو لایتحقق إلا فی خصوص الفعل الإرادی . نعم الحسن الفعلی لایتخلّف عن الفعل سواء صدر بالاختیار أم لا، إلا أنّه لیس مصحّحاً للتکلیف بل المصحح له هو الحسن الفاعلی المختص بحال الإرادة و الاختیار».
((1))
«إنّ اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجب زائداً علی الحسن الفعلی و الملاک القائم فیه لا دلیل علیه و الدلیل إنما قام علی اعتبار الحسن الفعلی و هو المصلحة القائمة فی الفعل التی تدعو المولی إلی إیجابه.»
«لزم من ذلک [أی من اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجبات] محذور آخر ... و ذلک المحذور هو عدم کفایة الإتیان بالواجب عندئذ عن إرادة و اختیار أیضاً فی سقوطه بل لابدّ من الإتیان به بقصد القربة بداهة أنّ الحسن الفاعلی لایتحقق بدونه و من الطبیعی أنّ الالتزام بهذا المعنی یستلزم إنکار الواجبات التوصّلیة و انحصارها بالواجبات التعبدیة و ذلک لأنّ کل واجب عندئذ یفتقر إلی الحسن الفاعلی و لایصح بدونه و المفروض أنّه یحتاج إلی قصد القربة و هذا لایتمشی مع تقسیمه (قدس سره) الواجب إلی تعبدی و توصلی.»
ص: 174
((1))
قال (قدس سره) : «الثانی أنّ الطلب التشریعی - کما ذکرناه - هو تحریک عضلات العبد نحو المطلوب بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له لأن یفعل و من البدیهی أنّه إنّما یمکن جعل الداعی فی خصوص الفعل الإرادی لا الأعم منه و من غیره و علیه فالمطلوب دائماً هو الفعل الإرادی».
فإذا شککنا فی سقوط الواجب بمجرد تحقّقه فی الخارج بلا اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق عدم سقوطه لأنّ إجزاء غیر الواجب عن الواجب یحتاج إلی دلیل (و أصالة الإطلاق تنفی اشتراط توجّه الخطاب بعدم تحقق الفعل من دون اختیار و إرادة.)
((2))
«إنّ اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف إنّما هو بحکم العقل لا بمقتضی الخطاب».
«إنّ اعتبار القدرة فیه سواء أکان بحکم العقل أو بمقتضی الخطاب لیس إلا من ناحیة أنّ التکلیف بغیر المقدور لغو و من الطبیعی أنّ ذلک لایقتضی إلا استحالة تعلق التکلیف بغیر المقدور خاصة و أما تعلقه بخصوص الحصة
ص: 175
المقدورة فحسب فلا، ضرورةَ أنّ غایة ما یقتضی ذلک کون متعلقه مقدوراً و من المعلوم أنّ الجامع بین المقدورِ و غیرِه مقدور فلا مانع من تعلقه به ... هذا بحسب مقام الثبوت و أما بحسب مقام الإثبات فإن کان هناک إطلاق کشف ذلک عن الإطلاق فی مقام الثبوت یعنی أنّ الواجب هو الجامع دون خصوص حصة خاصة فعندئذ إن کان المولی فی مقام البیان و لم یقم قرینةً علی التقیید تعین التمسک بالإطلاق لإثبات [التوصلیة و] صحة الفعل لو جیء به فی ضمن حصة غیر مقدورة».
الظاهر أنّه لاتصل النوبة إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بل استدلال المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش ثبوتاً لأنّ استدلاله یتوقف علی أن یکون توجه الخطاب موجباً لتقیید الفعل الذی تعلق به الحکم الشرعی بوجود الداعویة المستفادة من الخطاب و لمّا کان وجود الداعی ملازماً لاختیاریة الفعل فینتج المطلوب و لکنه مستحیل لأنّ متعلق الحکم مقدم رتبةً علی الحکم کما أنّ الحکم أیضاً مقدم رتبةً علی الحکم الشرعی فلایمکن تقیید متعلق الحکم الشرعی بما هو من شؤون الخطاب فما أفاده (قدس سره) من أنّ المطلوب دائماً هو الفعل الاختیاری ممنوع.
((1)) بناءً علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
قال المحقق الخوئی (قدس سره) : «لا مانع من التمسک بالإطلاق فی هذه المسألة ... هذا بناءً علی نظریتنا من أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید من تقابل التضاد فاستحالة التقیید تستلزم ضرورةَ الإطلاق لا استحالتَه ...
ص: 176
و أما بناءً علی نظریة شیخنا الأُستاذ [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] من أنّ التقابل بینهما من تقابل العدم والملکة فإذا أمکن أحدهما أمکن الآخر و إذا استحال استحال فلایعقل الإطلاق فی المقام حتی یمکن التمسک به و ذلک لاستحالة التقیید هنا أی تقیید الواجب فی الواقع بخصوص الحصة الغیر المقدورة؛ فإذا استحال استحال الإطلاق.»
قال (قدس سره) :((1)) «فیه أنّ هذا الکلام لم یکن مناسباً للسید الأُستاذ فإنّ الإطلاق المطلوب فی المقام إنّما هو الإطلاق فی مقابل التقیید بالحصة الاختیاریة، لأنّ إطلاق الطبیعة لحصة عبارة عن عدم تقییدها بما یقابل تلک الحصة لا عدم تقییدها بتلک الحصة و فی المقام تقیید المادّة بالحصّة الاختیاریة ممکن کما هو واضح فلابدّ و أن یکون إطلاقها المستلزم لانطباقها علی الحصة غیر الاختیاریة ممکناً أیضاً».
((2))
«دعوی أنّ الفعل عند الإطلاق ینصرف إلی حصة خاصة و هی الحصة المقدورة؛ فالسقوط بغیرها یحتاج إلی دلیل و إلا فالإطلاق یقتضی عدمه.»
«إنّ منشأ هذا الانصراف لایخلو من أن یکون موادَّ الأفعال أو هیآتَها؛ أما
ص: 177
المواد فقد ذکرنا فی بحث المشتق بشکل موسع أنّها موضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن کافة الخصوصیات و هی المشترکة بین الحصص الاختیاریة و غیرها... نعم وضع بعض المواد لخصوص الحصة الاختیاریة و ذلک کالتعظیم و التجلیل و السخریة و الهتک و ما یشاکل ذلک.
و أما الهیآت فأیضاً کذلک یعنی أنّها موضوعة لمعنی جامع بین المواد بشتی أشکالها و أنواعها أی سواء أکانت تلک المواد من قبیل الصفات کمادة علم و کرم و ابیضّ و اسودّ و احمرّ وما شاکل ذلک أو من الأفعال و هی قد تکون اختیاریة کما فی مثل قولنا: ضرب زید و قام عمرو و ما شاکلهما و قد تکون غیر اختیاریة کما فی مثل قولنا: تحقق موت زید و أسرع النبض و جری الدم فی العروق و نحو ذلک فالنتیجة أنّه لا أساس لأخذ الاختیار فی الأفعال لا مادةً و لا هیأةً».
ص: 178
فهنا قولان:
المرجع عند المحقق النائینی (قدس سره) هو الاستصحاب.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « الأصل العملی یقتضی البراءة و ذلک لأنّ تعلق الوجوب بالجامع معلوم و إنّما الشک فی تعلقه بخصوص الحصّة المقدورة و من الطبیعی أنّ المرجع فی ذلک هو أصالة البراءة عن وجوب خصوص تلک الحصة و علیه فلو تحقق الواجب فی ضمن فرد غیر مقدور سقط».
و البراءة هنا أصل موضوعی و الاستصحاب أصل حکمی.
ص: 179
المعنی الثالث هو ما لایعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ.
إما تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب و إما لا تکون فهنا قسمان:
أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب فالمأتی به فی الخارج مصداق للحرام حقیقةً و یقع الکلام هنا فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی:
«تارةً نعلم بأنّ الإتیان بالواجب فی ضمن فرد محرم مسقط له و سقوطه من ناحیة سقوط موضوعه ... کغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب حیث یسقط عن ذمته بانتفاء موضوعه و حصول غرضه و ما شاکل ذلک و تارة أُخری نشک فی أنّه یسقط لو جیء به فی ضمن فرد محرم أو لا و ذلک کغسل المیت و تحنیطه و تکفینه و دفنه و ما شاکل ذلک فلو غسل المیت بالماء المغصوب أو دفن فی أرض مغصوبة أو حنط بالحنوط المغصوب أو غیر ذلک و شککنا فی سقوط التکلیف بذلک و عدم سقوطه فنقول: لا إشکال و لا شبهة فی أنّ مقتضی إطلاق الواجب عدم السقوط»((1)) لأنّ ما هو المبعِّد لایکون مقرِّباً فالأصل هو التعبدیة.
إنّا نشک فی اشتراط الوجوب و التکلیف بعدم إتیان الفعل فی ضمن الفرد
ص: 180
المحرم (و معنی ذلک سقوط التکلیف لو أتی بالفعل فی ضمن الفرد المحرم لحصول ما هو الغرض من التکلیف) أو إطلاق التکلیف و تعلقه بالمکلف سواء أتی به فی ضمن فرد محرم أم لم یأت به أصلاً (فلو أتی به فی ضمن الفرد المحرّم لایسقط التکلیف عنه بل هو باق علی عهدة المکلّف کما أنّه باق علی عهدة المکلف فی ما لم یأت بالفعل أصلاً).
فأصالة الإطلاق تقتضی بقاء التکلیف علی عهدة المکلف و إن أتی به فی ضمن الفرد المحرم.
فهنا قولان:
القول الأول: القاعدة هی استصحاب وجود التکلیف فالأصل العملی یقتضی التعبدیة.
القول الثانی: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) حیث لایقول بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة التزم بجریان البراءة لأنّ المسألة من صغریات کبری مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیین و اختار فیها جریان البراءة عقلاً و شرعاً.((1))
ص: 181
((1))
و هو أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب بل تکون ملازمة له وجوداً.
إما نقول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی، و إما نقول بالجواز.
أما علی الامتناع: فمع ترجیح جانب الأمر و تقدیمه علی النهی ینتفی موضوع البحث و مع القول بترجیح النهی لا مناص من القول بعدم السقوط کما صرح به السید الخوئی (قدس سره) ((2))
و أما علی الجواز، کما هو المختار، ففیه قولان:
إنّه بناءً علی اشتراط الحسن الفاعلی فی الواجب لایسقط التکلیف لعدم الحسن الفاعلی فی ما إذا اجتمع الأمر والنهی و المأتی به لیس مأموراً به.
ص: 182
((1))
«یمکن الحکم بالصحة فیه حتی علی القول باعتبار الحسن الفاعلی و ذلک لأنّ صدور العبادة بما هی عبادة حسن منه و إنّما القبیح صدور الحرام و من الواضح أنّ قبح هذا لایرتبط بحسن ذاک فهما فعلان صادران من الفاعل غایة الأمر کان صدور أحدهما منه حسناً و صدور الآخر قبیحاً.»
((2)) لهذا الإیراد:
«و الصحیح أنّه حتّی إذا اشترطنا الحسن الفاعلی صح التمسک بإطلاق المادة بناءً علی الجواز، لأنّ القائل بالجواز إذا قال به علی أساس دعوی تعدد الوجود فما یکون متعدداً وجوداً یکون متعدداً إیجاداً و فاعلیةً لا محالة فیکون الحسن الفاعلی محفوظاً و إذا قال به علی أساس أنّ الوجود الواحد اجتمع فیه حسن و قبح و حرمة و وجوب من جهتین إذن فلتکن الفاعلیة الواحدة أیضاً مجمعاً للحسن و القبح فی وقت واحد من جهتین.»
یسقط التکلیف لأنّ متعلق کل منهما غیر الآخر و لا ضیر فی اجتماعهما فی
ص: 183
وجود واحد لأنّ جهة المبعدیة والقبح غیر جهة المقربیة و الحسن.
ص: 184
المعنی الرابع فی الواجب التوصلی هو المعنی المعروف ولکنه وقع النزاع فی تعریف المعنی الرابع و هنا تعاریف ثلاثة و بعد بیان هذه التعریفات یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل المقامی و الأصل العملی و نذکر بعد ذلک تنبیهاً.
هنا تعاریف ثلاثة:
((1))
«الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرباً منه تعالی.»
((2))
قال (قدس سره) : «لایخفی علیک أنّ الفرق بین التعبدی و التوصلی فی الغرض من الواجب لا الغرض من الوجوب إذ الوجوب - ولو فی التوصلی - لایکون إلا لأن یکون داعیاً للمکلف إلی ما تعلّق به؛ و منه یظهر أنّ الوجوب فی التوصلی
ص: 185
لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً حتی بلحاظ الغرض الباعث للإیجاب.»
کل ما کان غرضاً من الواجب یکون غرضاً من الوجوب أیضاً؛ برهانه أنّ الغرض من الوجوب إما هو الغرض من الواجب و إما هو الغرض من غیر الواجب أما الثانی فباطل بالضرورة فلابدّ أن یکون الغرض منه هو الغرض من الواجب و هو إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة أو مقید أو مهمل و الإهمال غیر معقول فیثبت المطلوب أی إنّ الغرض من الوجوب إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة و إما مقید.
((1))
«الوجوب التعبدی و إن کان لایختلف عن الوجوب التوصلی ذاتاً لأنّ الوجوب کیف کان فمعناه واحد و لایختلفان کذلک من ناحیة الغرض الأولی للوجوب و هو جعل الداعی لکنهما مختلفان من جهة الغرض النهائی لأن الغرض من جعل الوجوب هو جعل الداعی و الغرض من جعل الداعی هو حصول المتعلق و الغرض من حصول المتعلق حصول المصلحة المترتبة علی المتعلق؛ فلو کانت المصلحة مقیدة (أی کانت قائمة بالعمل المأتی به مع قصد القربة ) کان الغرض من جعل الداعی هذا العمل المقید ... فلا محالة لایتحقق الغرض من الوجوب المجعول علی الصلاة مثلاً إلا بالإتیان بها بقصد القربة
ص: 186
فقول صاحب الکفایة (قدس سره) ... کلام صحیح لوجود الفرق بینهما [أی الوجوب التوصلی و التعبدی] فی الغرض النهائی و هو المصلحة و إن لم یتفرقا فی الغرض الأولی و هو جعل الداعی.»
إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف الوجوب التوصلی یشمل التعبدی أیضاً حیث إنّ الغرض من الوجوب یحصل بمجرد حصول الواجب بلا فرق بین الوجوب التوصلی و التعبدی؛ غایة الأمر أنّ حصول الواجب التعبدی مشروط بقصد القربة أو شامل له فیصدق فی الوجوب التعبدی أیضاً أنّه یحصل غرض الوجوب بمجرد حصول الواجب لأنّه ما لم یحصل قصد القربة لم یحصل الواجب سواء قلنا بشرطیة قصد القربة أم بجزئیته؛ و بذلک ظهر صحة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من عدم مغایرة الوجوب فی الواجب التعبدی و التوصلی.
التوصّلی ما شُرّع لأجل مطلق وجوده فی الخارج و إن أمکن التقرب به أیضاً و التعبدی ما شُرّع لأجل التعبد و التقرب.
إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) یشمل التوصلی بالمعانی المتقدمة (سواء صدر من المکلف أم من غیره و سواء صدر عن اختیار المکلف أم بغیر اختیاره و سواء کان فی ضمن فرد سائغ أم کان فی ضمن فرد محرم) إلا أن یقال بأنّ المراد من «مطلق وجوده » إطلاقه من حیث التقیید بقصد القربة و عدمه و الأمر سهل مع أنّه تعریف بالغایة.
ص: 187
الواجب التوصلی ما لایعتبر فی صحته قصد القربة و الواجب التعبدی ما یعتبر فیه ذلک.
و هو تعریف للواجب التوصلی و التعبدی بخصوصیتهما و هو أولی من التعریف بالغایة.
و لابدّ هنا من ملاحظة مقتضی الأُصول اللفظیة و المقامیة ثم مقتضی الأصل العملی.
ص: 188
و الکلام فی ثلاثة موارد:
و ذلک لأنّ الأُصول اللفظیة إما داخلیة و إما خارجیة (کما سیأتی الإشارة إلیها) و فی الأُصول اللفظیة الداخلیة قد تمسکوا بالإطلاق بمقدمات الحکمة و أُخری بنتیجة الإطلاق.
و الکلام فیه فی وجوه ستة:
و ذلک لأنّ لقصد القربة وجوهاً متعدّدة و هی: قصد الأمر، قصد مصلحة الفعل، قصد حسن الفعل، قصد محبوبیة الفعل، قصد الجامع بین الدواعی (و هو قید الانتساب إلیه تعالی) و قصد ملازم الجامع بین الدواعی (و هو عدم إتیانه بداع نفسانی الملازم لإتیانه بداع إلهی).
و البحث من جهتین:
حیث إنّ جریان أصالة الإطلاق یتوقف علی معقولیة التقیید (للتقابل بین الإطلاق و التقیید) لنبحث عن إمکان تقیید الأمر بقصد القربة فی المراحل الأربع - کما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) - و هی مرحلة تصوّر الآمر و مرحلة
ص: 189
الإنشاء و مرحلة الفعلیة و مرحلة الامتثال.
فلابدّ فی التمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات التوصلیة من البحث عن هذه الوجوه الستة لقصد القربة من جهة إمکان تقیید الواجب بها فی المراحل الأربع المذکورة.
و العمدة فی المقام تحقیق استحالة الوجه الأول و هو قصد الأمر فی هذه المراحل الأربع أو عدم استحالته (و بیان وجه الاستحالة أو عدمها).
فإن قلنا بإمکان تقیید الواجب ببعض هذه الوجوه الستة یمکن التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة ثبوتاً و مع فرض عدم إمکان التقیید بهذه الوجوه ثبوتاً أو إثباتاً یقع الکلام فی التمسک بنتیجة الإطلاق((1)) (أی بتصحیح أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر بالأمر الثانی) و مع فرض عدم إمکان ذلک یتمسک بالإطلاق المقامی لإثبات توصلیة الواجب و مع فقدان جمیع هذه الوجوه لابدّ من التمسک بالأصل العملی.
هذا کله فی الإطلاق الإثباتی و قد عرفت کفایة الإطلاق الثبوتی لإثبات التوصلیة و لکنه مبنی علی القول باستحالة التقیید الذی أبطلناه.
نتکلم فیها فی ضمن مراحل أربع مع ذکر تتمة.
هنا إشکال واحد و هو اشکال الدور.
ص: 190
((1))
لابدّ للآمر من تصور أمره و تصور الأمر یتوقف علی تصور متعلق الأمر لأنّ الأمر ذات تعلق و یستحیل تصور معنی ذاتِ تعلق بلا تصور متعلقه؛ فحینئذ تصور الأمر موقوف علی تصور متعلقه و لازم أخذ قصد الأمر فی متعلقه هو تصور الأمر قبل تصور متعلقه؛ فیلزم أن یتوقف تصور الأمر علی تصور متعلقه و یتوقف تصور متعلقه علی تصور الأمر و هذا دور مستحیل.
((2))
الموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف شخص الأمر و الموقوف علیه طبیعة الأمر فانحل مشکلة الدور لأنّ شخص الأمر غیر طبیعته.
((3))علی المحقق المشکینی (قدس سره) :
هذا البیان لایجدی فی المقام و القیاس مع الفارق لأنّ المراد من قصد الأمر
ص: 191
فی المقام قصد الأمر الشخصی لا قصد الطبیعة فما أُخذ فی متعلق الأمر لیس هو الأمرَ المطلق بنحو اللابشرط ( الأعم من أن یکون متعلقُه الصلاةَ أو الحج أو الزکاة أو غیر ذلک ) و لا الأمرَ المهمل بل شخص الأمر المتوجه إلی هذا المتعلق.
((1))
الآمر قبل تصور متعلق الأمر یتصور الأمر أولاً ثم حین یقصد الأمر یتصور الأمر مرة أُخری و التصور الأول وجود لحاظی شخصی و التصور الثانی وجود لحاظی شخصی آخر فهما وجودان شخصیان أحدهما غیر الآخر فلا دور فی البین.
هنا إشکالات خمسة:
إنّ المستشکلین قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق فی مرحلة إنشاء الحکم لوجوه عدیدة
تقریره أنّ إنشاء الحکم بالأمر متأخر وجوداً عن وجود متعلق الأمر کما أنّ العرض متوقف علی وجود معروضه فلو أُخذ الأمر فی متعلقه یلزم توقف المتعلق علی الأمر و هذا دور.
ص: 192
((1))
قال (قدس سره) : «و فیه أنّ الحکم بالإضافة إلی موضوعه من قبیل عوارض المهیة لا من قبیل عوارض الوجود کی یتوقف عروضه علی وجود المعروض و عارض الماهیة لایتوقف ثبوته علی ثبوتها [أی الماهیة] بل ثبوتها [أی الماهیة] بثبوته کثبوت الجنس بفصله و النوع بالتشخص إذ من الواضح أنّ الحکم لایتوقف علی وجود موضوعه خارجاً؛ کیف و وجوده خارجاً یسقط الحکم فکیف یعرضه؟ کما [إنّ الحکم] لایتوقف علی وجوده [أی وجود موضوعه] ذهناً بداهة أنّ الفعل بذاته مطلوب لا بوجوده الذهنی...»
إنّ الأمر متأخر رتبة عن المتعلق فلو أُخذ الأمر فی متعلقه فی مرحلة إنشاء الحکم یلزم تقدم ما هو متأخر بالطبع و هو اجتماع المتقابلین.
((2))
قال (قدس سره) : «و لایخفی علیک أنّ إشکال التقدم و التأخر الطبعی أیضاً قابل للدفع عند التأمل، لأنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً و بوجوده الخارجی یکون حکماً للموضوع؛ و الوجود العلمی لایکون متقوماً بالوجود الخارجی بما هو بل بصورة شخصه لا بنفسه فلا خلف کما لا دور.»
ص: 193
((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) علی هذا الجواب:
إنّ المحرک نحو العمل الصورة العلمیة المطابقة للأمر الواقعی الخارجی فالمأخوذ فی المتعلق الصورة العلمیة المطابقة للأمر الخارجی و هی متأخرة بالطبع عن وجود الأمر الخارجی فعاد المحذور لأنّ الصورة الذهنیة المأخوذة فی المتعلق متقدّمة علی وجود الأمر الخارجی بمرتبة واحدة أو بمرتبتین ( لأنّ الأمر متأخر طبعاً عن المتعلق الذی أُخذ فیه قصد الأمر و ذات المتعلق متأخر طبعاً عن الأمر الذی أُخذ قصده فی المتعلق ) و متأخر عنه بمرتبة واحدة؛ فیلزم تقدم الأمر علی نفسه بمرتبتین أو بمراتب ثلاث علی تقریر آخر.
یلزم أن یکون الأمر مفروض الوجود قبل وجوده و وجه الاستحالة تقدم الشیء علی نفسه قرّره المحقق النائینی (قدس سره) . ((3))
و هذا الوجه فی الحقیقة یرجع إلی اجتماع المتقابلین إلا أنّ بیان المحقق
ص: 194
النائینی (قدس سره) غیر ما ذکرناه و یعبِّر عنه بمحذور الدور و إن لم یکن دوراً اصطلاحیاً (و مراده أنّ وجه استحالة الدور موجود أیضاً فی هذا التقریر و إن لم یکن دوراً).
بیان المحقق النائینی (قدس سره) : « إنّ الموضوع فی القضایا الحقیقیة دون الفرضیة غیر المعقولة لابدّ و أن یکون مفروض الوجود فی الخارج فی مقام أخذه موضوعاً من دون أن یکون تحت التکلیف أصلاً ... و حینئذ فلو أُخذ قصد امتثال الأمر قیداً للمأمور به فلا محالة یکون الأمر موضوعاً للتکلیف و مفروضَ الوجود فی مقام الإنشاء و هذا ما ذکرناه من لزوم تقدم الشیء علی نفسه و بعبارة واضحة کل أمر - اختیاری أو غیر اختیاری- أُخذ متعلقاً لمتعلق التکلیف فوجود التکلیف مشروط بفرض وجوده بفرضٍ مطابقٍ للواقع و حیث إنّ متعلق المتعلق فیما نحن فیه هو نفس الأمر فیکون وجوده مشروطاً بفرض وجود نفسه فرضاً مطابقاً للخارج؛ فیلزم کونه مفروض الوجود قبل وجوده و هو بعینه محذور الدور».
((1))
«إنّ لزوم أخذ القید مفروض الوجود فی القضیة فی مقام الإنشاء إنّما یقوم علی أساس أحد الأمرین [لا ثالث لهما و فی غیر هذین الموردین لا موجب لأخذه مفروض الوجود أصلاً].
الأول: الظهور العرفی کما فی قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2))... و من هذا القبیل وجوب الوفاء بالنذر و الشرط و العهد و الیمین و وجوب الإنفاق علی
ص: 195
الزوجة و ما شاکل ذلک حیث إنّ القیود المأخوذة فی موضوعات هذه الأحکام رغم کونها اختیاریة أُخذت مفروضة الوجود فی مقام جعلها بمقتضی المتفاهم العرفی ... و هذا هو الغالب فی القضایا الحقیقیة.
الثانی: الحکم العقلی و من الطبیعی أنّ العقل إنّما یحکم فیما إذا کان القید خارجاً عن الاختیار حیث إنّ عدم أخذه مفروض الوجود یستلزم التکلیف بالمحال کما فی مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) ((1))...
و أما فی غیر هذین الموردین ... [التزمنا بفعلیة التکلیف قبل وجود موضوعه] و من هنا قد التزمنا بفعلیة الخطابات التحریمیة قبل وجودات موضوعاتها بتمام القیود و الشرائط فیما إذا کان المکلف قادراً علی ایجادها، مثلاً التحریم الوارد علی شرب الخمر فعلی و إن لم یوجد الخمر فی الخارج إذا کان المکلف قادراً علی إیجاده بإیجاد مقدماته فلاتتوقف فعلیته علی وجود موضوعه...
و کلاهما [أی الموردین] منتفٍ فی أمثال المقام [أی لاتشرب الخمر] أما الأول فلأنّ ... بل المتفاهم العرفی من أمثال هذه القضایا هو فعلیة حرمة الشرب مطلقاً و إن لم یکن الخمر موجوداً ... و هذا بخلاف المتفاهم العرفی من مثل قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) کما عرفت؛ و أما الثانی فلأنّ المفروض تمکّن المکلف من إیجاده و فی مثله لایحکم العقل بأخذه مفروض الوجود فالنتیجة أنّ المناط فی فعلیة الخطابات التحریمیة إنّما هو فعلیة قدرة المکلف علی متعلقاتها إیجاداً و ترکاً و لو بالقدرة علی موضوعاتها کذلک؛ فمن کان متمکناً من شرب الخمر و لو بإیجاده [أی الخمر] کانت حرمته فعلیة فی حقه.
ص: 196
و بعد ذلک نقول: إنّ القید فی ما نحن فیه و هو نفس الأمر و إن کان خارجاً عن الاختیار إلا أنّ مجرد ذلک لایوجب أخذه مفروض الوجود ...
و عندئذ فهل نری أنّ الملاک لأخذه کذلک موجود هنا أم لا و التحقیق عدم وجوده أما الظهور العرفی فواضح حیث لا موضوع له فی ما نحن فیه فإنّ الکلام هنا إنّما هو فی إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود و عدم إمکانه و من الطبیعی أنّه لا صلة للعرف بهذه الناحیة؛ و أما الحکم العقلی فأیضاً کذلک، لأنّ ملاکه هو أنّ القید لو لم یؤخذ مفروض الوجود فی مقام الإنشاء لزم التکلیف بما لایطاق؛ و من المعلوم أنّه لایلزم من عدم أخذ الأمر مفروض الوجود ذلک [أی التکلیف بما لایطاق] ... و الوجه فی ذلک هو أنّ المعتبر فی صحة التکالیف إنّما هو قدرة المکلف علی الإتیان بمتعلقاتها بکافة الأجزاء و الشرائط فی مرحلة الامتثال و إن کان عاجزاً و غیر قادر فی مرحلة الجعل؛ و علی هذا الضوء فالمکلف و إن لم یکن قادراً علی الإتیان بالصلاة مثلاً بداعی أمرها و بقصده قبل إنشائه و جعله و لکنه قادر علی الإتیان بها کذلک بعد جعله و إنشائه ... و من هنا یظهر أنّ الأمر یمتاز عن بقیة القیود غیر الاختیاریة فی نقطة و هی أنّه یوجد بنفس الإنشاء و الجعل دون غیره ...»
قضیة شرطیة موضوعها هو المقدم و حکمها هو التالی؛ و الجزاء فی القضیة الشرطیة لایتکفل الشرط لا وضعاً و لا رفعاً ثم بنی علیه رفع التنافی بین الحاکم والمحکوم، لأنّ الحاکم متعرض لموضوع المحکوم و المحکوم لایتعرض لموضوع نفسه لأنّ المحکوم فی رتبة الجزاء و یترتب علیه حل مشکلة الترتب؛ فعدم إرجاع القضیة الحقیقیة إلی القضیة الشرطیة فی بعض الموارد خلاف مبناه.
أما فی ما نحن فیه فإنّ الأمر یکون موضوع القضیة الحقیقیة فلو کان هو نفس الحکم الذی تعلق بالصلاة مع قصد الأمر یلزم اتحاد المشروط و الشرط وجوداً.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) أفاد هنا اشکالاً رابعاً فقال (قدس سره) :
«بل التحقیق فی خصوص المقام أنّ الإنشاء حیث إنّه بداعی جعل الداعی فجعل الأمر داعیاً إلی جعل الأمر داعیاً یوجب علیة الشیء لعلیة نفسه و کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه و هو کعلیة الشیء لنفسه ...»
قال (قدس سره) : «نعم هذا المحذور إنّما یرد إذا أُخذ الإتیان بداعی الأمر بنحو
ص: 198
الشرطیة أو بنحو الجزئیة و أما إذا لوحظ ذات المأتی به بداعی الأمر - أی هذا الصنف من نوع الصلاة - و أُمر به فلایرد هذا المحذور.»
قرره المحقق البروجردی (قدس سره) فی المرحلة الرابعة((1)) و لکنه جارٍ هنا أیضاً.
قال (قدس سره) : «إنّ المدعو إلیه للأمر هو الصلاة بداعی الأمر المتعلق بأی شیء؟ فإن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بذات الصلاة فهو خلاف الفرض و إن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بالصلاة بداعی الأمر فهذا الأمر الثانی أیضاً یحتاج إلی متعلق یکون مدعواً إلیه» و هو لابدّ أن یکون الصلاةَ بداعی الأمر فینقل الکلام إلی متعلق الأمر الثالث و هکذا یتسلسل و هذا المحذور کما یجری فی مقام الامتثال یجری فی مرحلة الإنشاء و الجعل.
ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن الإشکال الرابع یجری هنا أیضاً.
هنا إشکالات أربعة:
هو الدور و کون الأمر محرکاَ إلی محرکیة نفسه و التسلسل.
و الجواب عن هذه الثلاثة: ما ذکرنا فی المرحلة السابقة.
ص: 199
هو تقدم الشیء علی نفسه قرره المحقق النائینی (قدس سره) .((1))
قال (قدس سره) : «إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه أعنی متعلقات متعلق التکلیف و حیث إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه و متعلق متعلقه فتتوقف فعلیته علی فعلیة نفسه و لازمه تقدم فعلیته علی فعلیته.»
و هذا الإشکال یرجع إلی استحالة اجتماع المتقابلین حیث إنّ الفعلیة اجتمع فیها التقدم و التأخر.
إنّ قوله (قدس سره) « إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه » ممنوع لما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) من أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر لا الأمر.
«إنّ المأمور به إنّما هو قصد الأمر الحقیقی لا التشریعی ... و قصد الأمر الحقیقی إنّما یتمکن منه المکلف لو تعلّق أمر بذات العمل و المفروض أنّ الأمر لم یتعلق بذات العمل و إنّما تعلق به مقیداً بقصد الأمر فیکون تکلیفاً بما لایطاق.»
قرّره المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ قصد الامتثال متأخر عن إتیان تمام أجزاء المأمور به و قیوده طبعاً فإنّ قصد الامتثال إنّما یکون بها [أی بتلک الأجزاء و القیود] و حیث إنّا فرضنا من جملة الأجزاء و القیود نفس قصد الامتثال... فلابدّ و أن یکون المکلف فی مقام امتثاله قاصداً للامتثال قبل قصد امتثاله فیلزم تقدم الشیء [أی قصد الامتثال بما هو متقدم علی الأجزاء و القیود] علی نفسه [أی قصد الامتثال بما هو متأخر عن الأجزاء و القیود]» و استحالته من باب اجتماع المتقابلین.
صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی مرحلة الامتثال من التکلیف بما لایطاق فهذا مجموع الإشکالین.
و تقریره أنّ الأمر إما یتعلق بالصلاة المقیدة بقصد الأمر و إما یتعلق بالصلاة المرکبة من قصد الأمر.
أما إتیان الصلاة المقیدة بقصد الأمر فلایمکن إلا أن یتعلق بذات الصلاة أمر و هو خلف الفرض.
و أما إتیان المرکب و امتثاله فمحال أیضاً لأنّ الأمر یدعو إلی متعلقه و محرک نحوه و المفروض أنّ قصد الأمر جزء من هذا المرکب فیقال: تحریک الأمر إلی محرکیته و دعوته إلی داعویته محال لأنّ علیة الشیء لعلیة نفسه محال فبالنتیجة أخذ قصد الأمر فی متعلقه شرطاً و جزءً محال.
((2)) وجهاً للاستحالة
قال (قدس سره) : « التحقیق - کما علیه أهله - هو عدمُ جواز أخذ القرب الناشی من دعوة الأمر فی المأمور به بنحو الشرطیة أو الشطریة و امتناعُه و وجه الامتناع ظاهر لأنّ القرب الناشی من دعوة هذا الأمر إنّما هو معلول شخص هذا الأمر و مترتب علیه ... و حینئذ فمع کونه مرئیاً فی هذا اللحاظ عقیب الأمر و فی رتبة متأخرة عنه فکیف یمکن أن یؤخذ مثله فی موضوع [أی متعلق] هذا الأمر فی
ص: 202
هذا اللحاظ وفی رتبة متقدمة علیه و هل هو إلا من المستحیل؟»
«یمکن تصویر الواجب التعبدی علی أنحاء: الأول أن یکون تعبدیاً بکافة أجزائه و شرائطه. الثانی أن یکون تعبدیاً بأجزائه مع بعض شرائطه. الثالث أن یکون تعبدیاً ببعض أجزائه دون بعضها الآخر».
والقسم الأول و الثالث لم نجد لهما مثالاً أما القسم الثانی فهو کأکثر العبادات مثل الصلاة فإنّ جمیع أجزائها عبادیة و أما شرائطها فقد تکون تعبدیة مثل الوضوء و الغسل و قد تکون توصلیة مثل طهارة البدن و الثوب و استقبال القبلة.
«إنّ الأمر المتعلق بالمرکب من عدة أُمور فبطبیعة الحال ینحل بحسب التحلیل إلی الأمر بأجزائه ... و مرد ذلک إلی انحلال الأمر الاستقلالی إلی عدة أوامر ضمنیة حسب تعدد الأجزاء ...
إذا کان الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد أمره الضمنی ... إنّ الواجب فی مثل الفرض مرکب من جزء خارجی و جزء ذهنی - و هو قصد الأمر- و قد تقدم أنّ الأمر المتعلق بالمرکب ینحل إلی الأمر بکل جزء جزء منه و علیه فکل من الجزء الخارجی و الجزء الذهنی متعلق للأمر الضمنی غایته أنّ الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الخارجی تعبدی فیحتاج سقوطه إلی قصد امتثاله و الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الذهنی توصلی ... [و النتیجة] أنّ توهم استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلقه یقوم علی أساس أحد أمرین:
الأول: أخذ الأمر مفروض الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء [و هو الإشکال الذی أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ] و لکن قد تقدم نقده بشکل موسع.
ص: 204
الثانی: أن یکون المأخوذ فی متعلقه قصد الأمر الاستقلالی بمعنی أن یکون الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد الأمر کذلک و هذا غیر معقول..»
و قد عرفت ابتناء إشکال اجتماع المتقابلین و تقدم الشیء علی نفسه و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الإنشاء و الفعلیة و إشکال تقدم الشیء علی نفسه و التکلیف بما لایطاق و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الامتثال کلِها علی أخذ قصد الأمر الاستقلالی فی متعلقه و یجاب عن جمیع هذه الإشکالات بأنّ المأخوذ فی المتعلق قصد الأمر الضمنی.
نعم الأمر الضمنی المتعلق بالفعل مقدم رتبة علی الأمر الضمنی المتعلق بقصد الأمر (أی بقصد الأمر الضمنی المتعلق بالفعل) فیلزم أن یکون أحد الأمرین الضمنیین متقدماً علی الآخر و لکنه لامحذور فیه لأنّ هذا الأمر الضمنی غیر الأمر الضمنی الآخر فهما متعددان و لا محذور فی تقدم أحدهما علی الآخر.
« و قد تحصل من جمیع ما ذکرناه أنّه لا مانع من أخذ قصد الأمر فی متعلقه فی مقام الثبوت؛ و أما فی مقام الإثبات فإن کان هنا دلیل یدلنا علی أخذه فیه فهو و إلا فمقتضی الإطلاق عدم أخذه و کون الواجب توصلیاً ...»
لکن الانحلال اعتبار عقلی بلا واقعیة لأنّ الغرض من المرکب الارتباطی غرض واحد فالإرادة أیضاً لابدّ أن تکون واحدة و هکذا لابدّ أن یکون الأمر أیضاً واحداً لوحدة الغرض و الإرادة فإنّ وزان الأمر بالنسبة إلی الإرادة هو وزان المعلول بالنسبة إلی العلة و حینئذ التحلیل هو باعتبار العقل و مصحح هذا التحلیل تعدد متعلق البعث و هذا التعدد فی المتعلق هو المنشأ لأن یعتبر العقل الأوامر الضمنیة.
((1))
إنّ هنا أمرین ضمنیین: الأمر الضمنی التعبدی المتعلق بالطبیعة و الأمر الضمنی التوصلی المتعلق بإتیان الطبیعة بقصد أمرها الضمنی؛ و علی هذا نسبة الأمر الضمنی التعبدی إلی الأمر الضمنی التوصلی نسبة الموضوع إلی الحکم مع أنّهما موجودان بأمر واحد فحینئذ کیف یعقل تحققهما بوجود واحد مع أنّهما مختلفان بالرتبة.
قال المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ المشکلة تنحل بما أفدناه فی مبحث الصحیح و
ص: 206
الأعم من أنّ الوضع لما هما مختلفان بالرتبة معقول بمعنی أنّ العلة و المعلول یمکن لحاظهما بلحاظ واحد فیوضع لهما لفظ واحد.
((1))
إنّ المتخالفین بالطبع یوجدان بوجود واحد إلا أنّ الوجود حینئذ ینسب بالذات إلی المتأخر بالطبع و بالعرض إلی المتقدم بالطبع و لکن أجزاء المرکب بما أنّها أجزاء المرکب کلها فی عرض واحد؛ فلایتم جواب المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) عن الإشکالات و لذا اختار بعض الأساطین (دام ظله) استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق((2)) لمحذور استحالة اجتماع المتقابلین.
المحقق الخراسانی و النائینی و العراقی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و المحقق الإصفهانی (قدس سره) -الذی اخترنا نظریته - و المحقق الخوئی (قدس سره) قالا بعدم استحالة ذلک.
ص: 207
أماعدم الاستحالة عند المحقق الخوئی (قدس سره) فمن جهة انحلال الأمر الاستقلالی إلی الأوامر الضمنیة و أخذ قصد الأمر الضمنی فی المتعلق.
و أما عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) فمن جهة أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر مع أنّه لیس بمأخوذ فی المتعلق علی نحو الجزئیة و الشرطیة بل هو مأخوذ علی نحو العرفیة بأن یکون خارجاً عن المتعلق و موجباً لتحصص المتعلق (و هو ذات الصلاة مثلاً) فالمتعلق «الحصة التوأمة لقصد الأمر من ذات الصلاة».
هذا تمام البحث من جهة استحالة التقیید بقصد الأمر أو عدم استحالته.
ص: 208
و حینئذ لابدّ من انضمام بحث آخر و هو أنّه علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟
فلابدّ من البحث عن أمرین:
الأول: إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم أو تقابل الضدین أو غیر ذلک؟
الثانی: علی فرض أنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم هل تستلزم استحالة التقیید استحالة الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان):
هنا قولان:
قال المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم و فی قبال ذلک قال العلامة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بالتفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم.
ص: 209
إنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید فکما أنّه فی مقام الإثبات یفسر الإطلاق بعدم بیان التقیید بالنسبة إلی ما یتمکن فیه من التقیید فهکذا الأمر فی مقام الثبوت بمعنی أنّ القید یلحظ و حینئذ إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً؛ فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم الأخذ کما أنّ حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه؛ فاللحاظ مقسم للإطلاق و التقیید و التقیید أمر وجودی و الإطلاق أمر عدمی.
إن قلت: إنّ اللحاظ أمر وجودی و هو موجود فی الإطلاق و مقسم له فکیف یعقل أن یکون الإطلاق أمراً عدمیاً؟
قلنا: نحن و إن صدقنا وجود اللحاظ حتی فی الإطلاق و لکن لانسلم إشراب اللحاظ فی حقیقة الإطلاق؛ و بهذا البیان ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید ثبوتاً تقابل الملکة و العدم لا التضاد.
القول الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و المحقق الخوئی (قدس سره)
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات صحیح بلا إشکالٍ و أما فی مقام الثبوت فالصحیح أنّ المقابلة بینهما مقابلة
ص: 210
الضدین لا العدم و الملکة و ذلک لأنّ الإطلاق فی هذا المقام عبارة عن رفض القیود و الخصوصیات و لحاظ عدم دخل شیء منها فی الموضوع أو المتعلق و التقیید عبارة عن لحاظ دخل خصوصیة من الخصوصیات فی الموضوع أو المتعلق و من الطبیعی أنّ کلاً من الإطلاق و التقیید بهذا المعنی أمر وجودی.((1))
فإنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید صحیح بلا إشکال و لکن ما أفاده من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایصح بل لابدّ بعد ملاحظة الخصوصیة إما من أخذه فی المتعلق لدخله فی الغرض و إما من رفضه لعدم دخله فی الغرض و رفض الخصوصیات أمر وجودی.
و إن شئت فقل: إنّ الغرض لایخلو من أن یقوم بالطبیعی الجامع بین کافة خصوصیاته أو یقوم بحصة خاصة منه و لا ثالث لهما؛ فعلی الأول لابدّ من
ص: 211
لحاظه علی نحو الإطلاق و السریان رافضاً عنه جمیع القیود و الخصوصیات الطارئة علیه أثناء وجوده و تخصصه و علی الثانی لابدّ من لحاظ تلک الحصة الخاصة و لایعقل لهما ثالث فلأنّ مرد الثالث- و هو لحاظه بلا رفض الخصوصیات و بلا لحاظ خصوصیة خاصة - إلی الإهمال فی الواقعیات و من الطبیعی أنّ الإهمال فیها من المولی الملتفت مستحیل.
توضیح ذلک أنّ ما أفادوا -من أنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید و بعد لحاظ القید إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً- لایستقیم بحسب مقام الثبوت لأنّ هذا اللحاظ الجامع تصور ذهنی من دون أن یشتمل علی حکم و تصدیق و حینئذ إذا حکمنا بأخذ القید فی المتعلق فلا إهمال بالنسبة إلی هذا القید و أما إذا لم نحکم بشیء فذلک إهمال بالنسبة إلی هذا القید و الشارع فی مقام الثبوت لابدّ أن یحکم إما بأخذ القید و إما بعدم أخذه و معنی حکمه و لحاظه لعدم أخذه هو ما یعبر عنه بالرفض و الحکم بعدم الأخذ أمر لحاظی غیر اللحاظ التصوری الأول و لابدّ من هذا اللحاظ الثانوی حتی یخرج المقام من الإهمال و إلا فنفس اللحاظ الأول (غیر المشتمل علی الحکم بالأخذ أو بعدم الأخذ) لایخرج أمر القید من الإهمال کما أنّ عدم أخذ القید أیضاً أمر عدمی فلایوجب خروج القید عن الإهمال و لما کان الإهمال من الشارع بالنسبة إلی القید فی مقام الثبوت و الواقع مستحیلاً فلابدّ من انضمام لحاظ الإطلاق و رفض القیود فی مقام الثبوت و بذلک ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و فی مقام الثبوت تقابل التضاد.
نتکلم فیها بناءً علی القولین فی المسألة الأُولی.
ص: 212
فبحسب مقام الثبوت هنا قولان:
اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر من المحققین.
و وجه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) هو « دعوی أنّ لازم کون التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل العدم و الملکة اعتبار کون المورد قابلا للتقیید فما لم یکن قابلاً له [أی للتقیید] لم یکن قابلاً للإطلاق أیضاً.»((1))
((2))
«إنّ قابلیة المحل [للتقیید] المعتبرة فی التقابل المذکور [أی تقابل الملکة و العدم] لایلزم أن تکون [قابلیة] شخصیة فی جزئیات مواردها بل یجوز أن تکون صنفیة أو نوعیة أو جنسیة ... و قد تحصل من ذلک بوضوح أنّه لایعتبر فی صدق العدم المقابل للملکة علی مورد قابلیة ذلک المورد بشخصه للاتصاف بتلک الملکة بل یکفی فی ذلک قابلیة صنفه أو نوعه أو جنسه للاتصاف بها [أی بالملکه و إن لم یکن شخص هذا الفرد قابلاً للاتصاف به]» مثلاً الإنسان یتصف بالعجز
ص: 213
عن الطیران مع عدم قابلیته له و وجه ذلک قابلیة جنسه ( الحیوان ) للطیران و لو ببعض أفراده.
وجه نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) إنّ الغرض الداعی إلی جعل الحکم إما یقوم بالطبیعی الجامع بین الخصوصیات و إما یقوم بحصته المقیدة بشیء و إما یقوم بحصته المقیدة بعدم ذاک الشیء و إما یقوم بالطبیعة المهملة؛ أما التصویر الرابع فباطل لأنّ الإهمال فی الواقعیات مستحیل (حیث إنّ مرجع الإهمال إلی عدم علم المولی بمتعلق حکمه أو موضوعه من حیث السعة و الضیق و تردده فی ذلک و من الطبیعی أنّ تردده فیه یستلزم تردده فی نفس حکمه و هو من الحاکم غیر معقول).
فیبقی الصور الثلاث الأُخر و أما التصویر الثانی فهو مستحیل علی الفرض و أما التصویر الثالث فلا وجه له هنا أیضاً ( لأنّه لا معنی لتقیید المتعلق بعدم امتثاله بقصد أمره ) فیتعین حینئذ التصویر الأول و هو الإطلاق.
«و لا فرق فی ذلک بین قیود الوضوع و قیود المتعلق و کذا لا فرق بین القیودات [أی الانقسامات] الأولیة و القیودات الثانویة ضرورة أنّ الإهمال کما لایعقل بالإضافة إلی القیودات الأولیة کذلک لایعقل بالإضافة إلی القیودات الثانویة فإنّ الحکم المجعول من قبل المولی الملتفت إلی تلک القیودات لایخلو من أن یکون مطلقاً بإطلاق موضوعه أو متعلقه بالإضافة إلیها - یعنی لادخل
ص: 214
لشیء منها فیه - أو یکون مقیداً بها و لا ثالث فی البین و علیه فإذا افترضنا استحالة التقیید بقید فلامحالة أحد أمرین ضروری إما الإطلاق أو التقیید بغیره لاستحالة الإهمال فی الواقع.»
و بحسب مقام الإثبات: فقد قال بعض الأساطین (دام ظله) :((1)) لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق.
«إنّه دائماً یکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت؛ فمن مقام الإثبات یستکشف مقام الثبوت و هذه الکاشفیة إنّما تتحقق و یکون الإطلاق حجةً علی المراد فیما إذا تمکن الحاکم من التقیید فی مقامی الثبوت و الإثبات و مع انتفاء التمکن منه فی أحد المقامین لایتحقق الإطلاق الکاشف عن المراد.
و فی ما نحن فیه الحاکم و إن کان قادراً علی بیان القید فی مقام الإثبات إلا أنّه غیر قادر علی تقیید متعلق الأمر بقصد القربة فی مقام الثبوت فلایکون إطلاقه فی مقام الإثبات کاشفاً عن إطلاقه فی مقام الثبوت...»
إنّا فی هذا الفرض لانحتاج إلی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لأنّ مقتضی دلیل استحالة التقیید فی مقام الثبوت هو إطلاق المتعلق بالنسبة إلی القید ثبوتاً - کما برهنّا علیه - کما قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((2))
ص: 215
«و قد حُکی أنّ الشیخ (قدس سره) [أی الشیخ الأنصاری] کان یتمسک بهذا الإطلاق((1)) و لایخفی أنّ الإطلاق المدعی إنّما هو الإطلاق الثبوتی أعنی المنکشف لا الإطلاق فی مقام الکاشف [کذا] و الإثبات لیقال: إنّه لا أثر لهذا الإطلاق و عدم التقیید الذی یکون منشأه عدم تمکن المولی من التقیید فإنّ ذلک إنّما یکون فی الإطلاق الإثباتی فإنّ من مقدماته أن یکون المولی فی مقام البیان و قادراً علی التقیید فإذا لم یقید یکون ذلک الإطلاق کاشفاً عن إطلاق المراد.
و أما الإطلاق فی مرحلة الثبوت فیترتب علیه الأثر بعد إثبات استحالة الإهمال و استحالة التقیید فیجزم بأنّ المراد الواقعی مطلق و یترتب علیه الأثر.»
فبحسب مقام الثبوت یکون الإطلاق ضروریاً.
ص: 216
إنّ الإطلاق فی مقام الثبوت واجب -علی فرض استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق- لعدم أخذ عدم قصد الأمر فیه و لعدم الإهمال فی مقام الثبوت و لانحتاج إلی أصالة الإطلاق فی مقام الإثبات.
و بحسب مقام الإثبات لا مانع من التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة لعدم استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق.
هذا تمام الکلام فی الوجه الأول من وجوه قصد القربة.
ص: 217
هنا إشکالات خمسة:
((1))
إنّ أخذ تلک الدواعی فی متعلق الأمر ممکن ثبوتاً إلا أنّا نعلم عدم أخذها فیه لأنّه لو أُخذت فی متعلق الأمر لم یصح الإتیان بدونها مع أنّا نعلم یقیناً بأنّ الإتیان بقصد الأمر من دون الالتفات إلی إحدی تلک الدواعی یکفی فی مقام الامتثال.
((2))
«إنّ ما ذکره من صحّة العبادة مع قصد أمرها و بدون قصد تلک الدواعی لایکشف إلا عن عدم اعتبارها بالخصوص و أما اعتبار الجامع بین الجمیع و هو إضافة العمل إلیه تعالی فهو بمکان من الإمکان و لا دلیل فی ما ذکره [صاحب الکفایة (قدس سره) ] علی عدم اعتباره فلعل صحة العبادة المأتی بها بداعی أمرها إنّما هی من ناحیة تحقق الجامع القربی به.»
ص: 218
((1))
الإرادة التشریعیة تکون علی وزان الإرادة التکوینیة و فی الإرادة التکوینیة الداعی علة للإرادة و الإرادة علة للفعل فلو جعلنا رتبة الداعی إلی الإرادة فی عرض الفعل (أی أخذناه فی المتعلق) یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلول هذا الشیء و هذا محال؛ و حینئذ نقول: الأمر الصادر من المولی هو إرادته التشریعیة و الداعی لتلک الإرادة هو محبوبیة الفعل و مصلحته فلو أخذنا قصد المحبوبیة و المصلحة و الحسن فی المتعلق یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلوله و هذا مستحیل
((2)) عنه:
قال (قدس سره) : «و لنأخذ بالمناقشة علیه أولاً بالنقض و ثانیاً بالحل أما الأول فلو تم ما أفاده (قدس سره) من عدم إمکان تعلق الإرادة التشریعیة و التکوینیة بداعٍ من الدواعی القربیة لکان ذلک موجباً لعدم إمکان تعلقهما به بمتمم الجعل و بالأمر الثانی أیضاً مع أنّه (قدس سره) قد التزم بإمکان أخذه بالأمر الثانی و السبب فی ذلک هو ما عرفت من أنّ الداعی عبارة عما تنبعث الإرادة منه فی نفس المکلف للقیام بالعمل و علیه فبطبیعة الحال تکون الإرادة متأخرة عنه فإذن کیف یعقل أن تتعلق الإرادة
ص: 219
به کما تتعلق بالفعل الخارجی و من الواضح أنّه لافرق فی استحالة أخذه فی متعلق الإرادة بین أن یکون بالأمر الأول أو بالأمر الثانی.»
قال (قدس سره) :((1)) «و أما الثانی فلأنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یتم فی الإرادة الشخصیة حیث إنّها لایعقل أن تتعلق بما تنبعث منه بداهة... أو فقل: إنّ هذه الإرادة معلولة لذلک الداعی فکیف یعقل أن تتقدم علیه و تتعلق به؟ و أما تعلق فرد آخر من الإرادة به غیر الفرد الناشئ منه فلا استحالة فیه أصلاً و ما نحن فیه من هذا القبیل و ذلک لأنّ الواجب فیه مرکب علی الفرض من فعل خارجی کالصلاة مثلاً و فعل نفسانی کأحد الدواعی القربیة و الاختیار [أو الإرادة] المتعلق بالفعل الخارجی کالصلاة مثلاً غیر الاختیار المتعلق بالفعل النفسانی فإنّ تعدد الفعل بطبیعة الحال یستلزم تعدد الاختیار و إعمال القدرة فلایعقل تعلق اختیار واحد بهما معاً فإذن لایلزم المحذور المتقدم حیث إنّ الاختیار المتعلق بالفعل الخارجی هو الناشئ عن الفعل النفسانی یعنی أحد الدواعی القربیة و الاختیار المتعلق به [أی الفعل النفسانی و هو الداعی القربی] غیر ذلک الاختیار و لم ینشأ منه [أی من الفعل النفسانی].»
((2)) عنه:
«إنّه قد تعلقت الإرادة التشریعیة من الشارع بالصلاة بداعی المصلحة فإن
ص: 220
کان الداعی لهذه الإرادة نفس المصلحة لزم المحال لکن داعی المولی للإرادة التشریعیة لیس هو المصلحة بل محبوبیة الصلاة مثلاً و إذا اختلف الداعیان ارتفع محذور الدور.» هذا علی ما فی تحقیق الأُصول.
للأُستاذ (دام ظله) بیان آخر من جهة تعدد أفراد الداعی الواحد (غیر تعدد نفس الداعی) فقال: إنّ المصلحة الداعیة إلی الإرادة التشریعیة غیر المصلحة المأخوذة فی المتعلق و هما فردان من المصلحة.
((1))
«إنّ داعویة حسن الفعل مثلاً تتوقف علی کونه حسناً و کونه حسناً یتوقف علی داعویة الحسن فیدور» و هکذا إتیان العمل بداعی مصلحته یتوقف علی کونه ذا مصلحة و کونه ذا مصلحة یتوقف علی إتیانه بداعی مصلحته فیدور.
((2)) عنه:
((3))
إنّ التعظیم یتوقف علی قصده؛ مثلاً القیام للقادم إنّما یکون تعظیماً له إذا قصد به التعظیم و أما لو لم یقصد به التعظیم بل قصد به رؤیة شیء أو غیر ذلک فلایکون تعظیماً؛ و من جهة أُخری قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً؛ مثلاً
ص: 221
لایمکن قصد التعظیم بفعل النوم لأنّ النوم لایکون تعظیماً فحینئذ قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً و کونه تعظیماً یتوقف علی قصد التعظیم فیدور.
((1))
التعظیم الذی یتوقف علی قصد التعظیم هو التعظیم الفعلی و التعظیم الذی یتوقف علیه قصد التعظیم هو ما یقتضی التعظیم فالموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف هو التعظیم الفعلی و الموقوف علیه هو التعظیم الاقتضائی؛ هکذا الحسن الذی یتوقف علی قصد الحسن هو الحسن الفعلی و الحسن الذی یتوقف علیه قصد الحسن هو ما یقتضی الحسن فالموقوف هو الحسن الفعلی و الموقوف علیه هو الحسن الاقتضائی.
((2))
«إنّ إتیان الصلاة مثلاً بداعی حسنها یتوقف علی کون الذات حسنة و المفروض أنّ الحسن إنّما هو للفعل المقید» لا لذات الفعل فلایمکن حینئذٍ إتیان الصلاة بداعی حسنها ( و هکذا فی سائر الدواعی).
إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) فی دفع الإشکال الثالث یجری فی دفع هذا الإشکال أیضاً؛ فإنّ ذات الفعل له الحسن الاقتضائی و الفعل المقید له الحسن الفعلی.
ص: 222
((1))
إنّ متعلق الأمر حسب الفرض هو إتیان العمل بداعی مصلحته و حینئذ إما یراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف لأنّ ذات العمل لا مصلحة فیها بل المصلحة فی إتیانها بقصد المصلحة و إما یراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلی تلک المصلحة الثانیة فإن کان المراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف و إن کان المراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلیه فهکذا یتسلسل.
هو ما أفاده الأُستاذ (دام ظله) من أنّ ذات العمل واجدة للمصلحة الاقتضائیة.
ص: 223
و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال: « إنّ ما ذکر من المحاذیر لایلزم شیء منها علی تقدیر أخذه [أی الجامع القربی] هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ الدواعی القربیة بکافة أصنافها فی عرض واحد؛ فلیس واحد منها فی طول الآخر فإنّ المعتبر فی العبادة هو الإتیان بها بقصد التقرب إلی المولی و هو یتحقق بإضافة الفعل إلیه حیث لا واقع له ما عدا ذلک و من المعلوم أنّ الإضافة جامعة بین جمیع أنحاء قصد القربة.
و من ذلک یظهر أنّ کل واحد من الدواعی القربیة غیر مأخوذ فی متعلق الأمر و المأخوذ إنما هو الجامع بین الجمیع و من ثمة لو أتی المکلف بالعبادة بأی داع من تلک الدواعی لکانت صحیحة و لا خصوصیة لواحد منها بالإضافة إلی الآخر أصلاً.»
((2))
إذا قلنا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و قلنا أیضاً بعدم أخذ غیره من سائر الدواعی فبطبیعة الحال لایمکن أخذ الجامع بین هذه الدواعی لأنّه لایعم غیرها.
ص: 224
((1)) عن هذا الإشکال:
«إنّ الإطلاق عبارة عن رفض القیود و ملاحظة عدم دخل شیء من الخصوصیات فیه من الخصوصیات النوعیة أو الصنفیة أو الشخصیة و لیس عبارة عن الجمع بین القیود و الخصوصیات؛ و علی هذا فلا مانع من أخذ الجامع بین جمیع هذه الدواعی القربیة فی العبادات و لایستلزم عدم اعتبار کل واحد من تلک الدواعی فیها عدم أخذ الجامع و ذلک لأنّ معنی أخذ الجامع لیس أخذ خصوص قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد الملاک و نحو ذلک من الدواعی فی المتعلق » لأنّ الإطلاق ( فی الجامع المذکور ) لیس جمع القیود.
ص: 225
نسبه المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) إلی المیرزا المجدد الشیرازی (قدس سره) .
قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) فی توجیهه: « إنّ کل عمل صادر عن الفاعل المختار لابدّ أن یکون صدوره عن داع من الدواعی التی تدعو المکلف نحو العمل و تبعث نحوه و من الواضح أنّ الداعی لایخلو من أن یکون داعیاً نفسانیاً أو یکون داعیاً إلهیاً فلا ثالث لهما.
و علیه فلو أخذ المولی فی متعلق أمره عدم إتیانه بداع نفسانی فقد وصل به إلی غرضه حیث إنّ هذا العنوان العدمی ملازم لإتیان الفعل المأمور به مضافاً إلی المولی ...»
((3))
«لو فرضنا و لو [کان هذا الفرض] محالاً انفکاک ذلک العنوان [أو العمل العبادی المعنون بالعنوان المذکور] عن أحد الدواعی [الإلهیة] و بالعکس فلابدّ و أن تکون العبادة صحیحة علی الأول [لأنّها مشتملة علی الداعی الذی أُخذ فی المتعلق] دون الثانی [أی لو فرضنا أنّ المکلف أتی بالفعل مع الداعی الإلهی یلزم کونها باطلة لأنّ الداعی الذی أُخذ فی المتعلق لیس نفس الداعی الإلهی بل
ص: 226
ما یلازمه و نحن فرضنا انفکاک الداعی الإلهی عن ما یلازمه] مع أنّه لایلتزم به فقیه قطعاً لبداهة صحة العمل مع الداعی القربی قطعاً و إن لم یوجد هناک عنوان أصلاً و فساده مع عدمه و إن وجد ذلک العنوان.»
((1))
«حیث إنّ عدم الإتیان بالعبادة بداع نفسانی فی الخارج ملازم للإتیان بها بداع إلهی و لاینفک أحدهما عن الآخر خارجاً فلا مانع من اعتباره فیها توصلاً إلی مقصوده أما فرض الانفکاک محالاً فلا أثر له أصلاً حیث إنّه لایخرج عن مجرد الفرض من دون واقع موضوعی له [و لایخرج العنوانین عن الملازمة]...»
ص: 227
علی فرض عدم إمکان أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر (سواء فسرناه بقصد الأمر أم بغیره) فقد یقال بتصحیح ذلک بالأمر الثانی و یسمی بمتمم الجعل.
إنّ غرض المولی قد یترتب علی الفعل بداعی القربة فإذا أراد المولی استیفاء غرضه و لایمکن له الاکتفاء بأمر واحد فلابدّ له من أمرین: الأمر الأول متعلق بذات الصلاة و الأمر الثانی متعلق بإتیانها بقصد القربة و هذان الأمران کأنهما أمر واحد لوحدة الغرض فیثبتان بثبوت الغرض و یسقطان بسقوطه.
لغواً و إن لم یسقط فالوجه فی عدم السقوط لیس إلا عدم حصول غرضه و حینئذ یستقل العقل بلزوم تحصیل الغرض و هو لایحصل إلا بالإتیان بقصد القربة فلا حاجة إلی الأمر الثانی مولویاً ( فلو ورد الأمر الثانی فی کلام الشارع یحمل علی الإرشاد إلی حکم العقل ) لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی و هو الامتثال بقصد الأمر.
((1))
قال: «إنّ الإشکال مبنی علی تخیل أن تعدد الأمر إنّما یکون عن ملاک یختص بکل واحد و قد عرفت أنّه لیس المراد من تعدد الأمر ذلک بل لیس هناک إلا ملاک واحد لایمکن أن یستوفی بأمر واحد.»
هذا خلاف ظاهر ما أفاده فی الکفایة حیث قال: «فلا حاجة فی الوصول إلی غرضه إلی وسیلة تعدد الأمر» و الظاهر من هذه العبارة وحدة الغرض و الملاک.
إنّ شأن العقل إدراک الواقع علی ما هو علیه و لیس له الجعل و التشریع فی قبال الشارع و علی هذا لو تعلق غرض المولی بإتیان المتعلق بقصد القربة فلابدّ أن یعتبره من قبل نفسه بالأمر الأول و مع عدم إمکانه بالأمر الثانی الذی یکون متمماً للأمر الأول؛ فلذا یکون الأمران بحکم الأمر الواحد.
ص: 229
«إنّ ما أفاده (قدس سره) بعید عن کلام [صاحب] الکفایة [ (قدس سره) ] فإنّه لم یدع کون شأن العقل الآمریة و الشارعیة بل ما أفاده یرجع إلی أنّ العقل یری بمقتضی لزوم إطاعة أمر المولی - و هو الآمر بذات العمل - لزومَ الإتیان بالفعل بداعی القربة ... [و] لزومَ إطاعة الأمر الأول المتوقفة علی الإتیان [بمتعلقه] بقصد القربة لتوقف حصول الغرض علیه و من الظاهر أنّ الإلزام بوجوب الإطاعة حکم عقلی [بمعنی مدرکات العقل] لا شرعی و إلا لزم التسلسل ...»((1))
إنّ بیان صاحب الکفایة (قدس سره) مشتمل علی الشقین:
الشق الأول: هو أنّ الأمر الأول إن سقط بإتیانه بلا قصد القربة یکون الأمر الثانی لغواً
الشق الثانی: و هو فرض عدم سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و حکم صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بلغویة الأمر الثانی لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی.
((2)) فی الشق الأول
قال: « إنّ موافقة الأول لیست علة تامة لحصول الغرض بل یمکن إعادة المأتی به لتحصیل الغرض المترتب علی الفعل بداعی الأمر. توضیحه ... و
ص: 230
سیجیء إن شاء الله فی المباحث الآتیة((1)) [أی فی بحث الإجزاء] أنّ الامتثال لیس عنده (قدس سره) علة تامة لحصول الغرض کی لاتمکن الإعادة و تبدیل الامتثال بامتثال آخر غایة الأمر أنّ تبدیل الامتثال ربما یکون لتحصیل غرض أوفی فیندب الإعادة و أُخری یکون لتحصیل المصلحة الملزمة القائمة بالمأتی به بداعی الامتثال فتجب الإعادة ...»
((2))
هذا خلاف فرض صاحب الکفایة (قدس سره) حیث افترض سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و معنی ذلک حصول غرض المولی من الأمر الأول؛ أما الغرض الأوفی فلیس هو ملاکاً و غرضاً من الأمر الأول بل هو غرض آخر و البحث عنه أجنبی من فرض الشق الأول.
ص: 231
((1)) فی الشق الثانی من الإیراد
«إنّ المولی لایجب علیه أخذ کل ما له دخل فی تأثیر مطلوبه فی غرضه فی متعلق أمره بذات ما یفی بالغرض سواء أمکن أخذه فیه کالطهارة و نحوها أو لم یمکن کالقربة و نحوها؛ بل قد عرفت أنّه بلحاظ لب الإرادة لایعقل تعلقها [أی الإرادة] بذات السبب و شرائطه فی عرض واحد فله الأمر حینئذ بذات السبب و الأمر بکل واحد من الشرائط مستقلاً و عدم سقوط الأمر بالسبب مع عدم الإتیان بشرائطه من لوازم الاشتراط من دون فرق بین القربة و غیرها.
و [حینئذ] کما لایحکم العقل بدخل الطهارة بعنوانها فی ترتب الغرض من الصلاة علیها مع عدم بیان من الشارع کذلک لایحکم العقل بدخل القربة بعنوانها فی ترتب الغرض [مع عدم بیان من الشارع؛ فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من استقلال العقل و حکمه مخدوش].
و حکمه [أی العقل] بدخلها [أی القربة] فی استحقاق الثواب لادخل له بما نحن فیه».
فتحصل من ذلک بطلان إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) لا بما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بل بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی.
أما الشق الأول فخارج عن فرض القائلین بتصحیح أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی.
ص: 232
((1)) فی الشق الثانی
«إنّ کلامه مبنی علی القول بأصالة الاشتغال فی ما نحن فیه و لکن سیأتی((2)) فی مبحث مقتضی الأصل العملی أنّ فی المقام قولین: أحدهما البراءة و الآخر هو الاشتغال و علی الأول لایکون الأمر الثانی لغواً.»
و هذا البیان مذکور فی تقریرات المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أیضاً.
إنّ هذا الإشکال یتعلق بصورة الشک فی سقوط الأمر الأول و لکن فرض صاحب الکفایة (قدس سره) سقوط الأمر لا الشک.
هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی.
ص: 233
قال بعض الأعلام: إنّ مقتضی الأصل اللفظی الخارجی التعبدیة.
و استدل علی ذلک بوجوه ثلاثة:
و هو قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ). (1)
بیانه أنّ هذه الآیة تدل بمقتضی الحصر علی أنّ الأوامر الصادرة من الله تعالی کلها عبادیة إلا إذا قام دلیل علی کونها توصلیة.
ص: 234
تعالی و الرد علی المشرکین و الکفار و عبدة الأصنام.
ثانیاً:((1)) علی هذا یلزم تخصیص الأکثر((2)) لأنّ الأوامر الواردة أکثرها توصلیة.
و هو قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ).((3))
بیانه أنّ معنی الإطاعة امتثال الأمر و الامتثال لایتحقق إلا مع قصد الأمر و أما مع عدم قصد الأمر فلاتصدق الإطاعة.
ص: 236
((1))
إنّا لانسلم قوله: «مع عدم قصد الأمر لاتصدق الإطاعة» بل الإطاعة تصدق فی الواجبات التوصلیة کما تصدق العصیان فیها و الإطاعة و العصیان متقابلان فالإطاعة و الامتثال یصدقان فی الواجبات التوصلیة.
و هی الروایات الواردة مثل قولهم (علیهم السلام): «لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ» ((2)) و «إِنَّمَا
ص: 237
الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ» و «لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی».((1))
إنّ مفاد هذه الروایات هو أنّ العبد لو نوی فی أعماله نیة إلهیة یترتب علی أعماله الثواب و إلا فلا؛ أما فساد العمل بلا نیة فلا دلالة لتلک الأخبار علیها.
ص: 238
هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی (الإطلاق بمقدمات الحکمة و نتیجة الإطلاق) و الأصل اللفظی الخارجی.
و النتیجة إلی هنا دلالة الأصل اللفظی الداخلی علی أصالة التوصلیة و بطلان الأصل اللفظی الخارجی فی المقام.
ص: 239
له تقریران:
((1))
«إذا کان الآمر فی مقامٍ بصدد بیان تمام ما له دخل فی حصول غرضه و إن لم یکن له دخل فی متعلق أمره و معه سکت فی المقام و لم ینصب دلالة علی دخل قصد الامتثال فی حصوله کان هذا قرینةً علی عدم دخله فی غرضه و إلا کان سکوته نقضاً له [أی للغرض] و خلاف الحکمة؛ فلابدّ عند الشک و عدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل [العملی] و یستقل به العقل.»
الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و قد مضی بیانه مفصلاً.((1))
فتحصل إلی هنا: أنّ الأصل فی الواجبات، التوصلیة و الدلیل علی ذلک أُمور:
الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة فإنّ المأخوذ فی متعلق الأمر هو قصد الجامع بین وجوه قصد القربة (و قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد المصلحة و قصد الحسن کلها من مصادیق الجامع فیمکن قصد هذه الوجوه و أیضاً یمکن قصد ملازم ذلک العنوان الجامع) و لامحذور فی أخذها فی المتعلق و الإطلاق بمقدمات الحکمة یدل أیضاً علی التوصلیة علی القول بأنّ المأخوذ فی المتعلق خصوص قصد الأمر کما هو مختار صاحب الجواهر (قدس سره) ((2)) لما بیناه مفصلاً((3)) من عدم استحالة التقیید به
الثانی: لو قلنا بالاستحالة فی خصوص قصد الأمر فلا إشکال أیضاً حیث إنّ
ص: 241
الإطلاق فی مقام الثبوت یکفی لإثبات التوصلیة؛ و هکذا سائرُ وجوه قصد القربة فلا محذور فی التمسک بالإطلاق فی مقام الثبوت لإثبات التوصلیة و لو قلنا بالاستحالة.
الثالث: علی فرض عدم جواز التمسک بالإطلاق الإثباتی اللفظی (الإطلاق بمقدمات الحکمة) و الإطلاق الثبوتی (الإطلاق المتعلق بمرحلة الغرض و الملاک) یمکن أن نتمسک بالإطلاق الإثباتی المقامی تارةً بما قرره الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) من تصحیح أخذ قصد الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و هو المسمی بمتمم الجعل و نتیجة الإطلاق و أُخری بما قرره صاحب الکفایة (قدس سره) من الإطلاق المقامی.
ص: 242
هنا مسألتان:
نذکر بیانین لعدم الجریان:
((1))
إنّ استصحاب بقاء الوجوب - علی فرض إمکان أصله - مثبت بالنسبة إلی قصد الامتثال فی المتعلق لأنّه من اللوازم العقلیة بالنسبة إلی بقاء الوجوب.
و إن کان الغرض من الاستصحاب التعبد بدخل قصد القربة فی الغرض فأوضح بطلاناً لأنّ دخل قصد الأمر حسب الفرض فی المتعلق واقعی و لایقبل الجعل الشرعی و التعبد.
و إن کان الغرض من الاستصحاب و التعبد ببقاء الوجوب إثبات موضوع حکم العقل بلزوم إطاعة المولی حتی یحصل الغرض و یسقط.
ففیه أولاً: أنّ حکم العقل بلزوم الإطاعة لإسقاط الغرض هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لا فی الغرض الثابت بالتعبد بالوجوب؛
ص: 243
و ثانیاً: أنّ ذلک لایستقیم علی المبنی المختار فی تفسیر الحجیة فی الاستصحاب و هو جعل الحکم المماثل؛ فإنّ التعبد ببقاء الوجوب کاشف عن تقیید الغرض بقصد القربة فی ما إذا کان البقاء بقاء شخص الحکم الذی یکشف عن ملاکه و غرضه و هذا فی البقاء الحقیقی أما البقاء التعبدی علی المختار من جعل الحکم المماثل فهو بقاء شیء آخر و لایکشف عن الغرض الواقعی.
((1)) علیه:
((2))
إنّا لانسلم تعلیل عدم جریان الاستصحاب بعدم ترتب الأثر لأنّ عدم ترتب الأثر من قبیل وجود المانع و رتبته بعد رتبة تحقق المقتضی مع أنّ المقتضی هنا غیر تام لعدم تمامیة أرکان الاستصحاب.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استشکل جریان الاستصحاب علی فرض إمکان أصله کما صرح بهذا فی نهایة الدرایة و هذا یؤمی إلی إیراده علی الاستصحاب من حیث المقتضی أیضاً.
ص: 244
إنّ الصور الثلاث لعدم جریان الاستصحاب التی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) کلها ترجع إلی أنّ الاستصحاب هنا لا أثر شرعی له فهذه الوجوه تتم علی مبنی من یری لزوم تحقق الأثر الشرعی فی جریان الاستصحاب و لکن نحن لانلتزم به لأنّ المستصحب هنا حکم شرعی و یتحقق باستصحابه موضوع حکم العقل بوجوب الطاعة لتحصیل الفراغ عن الذمة فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ حکم العقل بإسقاط الغرض إنّما هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لایرتبط بالمقام لأنّا لانبحث عن الغرض و حکم العقل بإسقاطه بل نبحث عن اشتغال الذمة و حکم العقل بلزوم فراغ الذمة.
قال: لا مجال للاستصحاب لعدم تمامیة أرکانه لأنّ الوجوب (المتیقن ثبوته) منتزع عن الأمر و یدور أمره بین قطعی الزوال و قطعی الثبوت فلیس هنا وجوب مشکوک البقاء حتی نستصحبه.
بیان ذلک: إنّ الوجوب إما منتزع عن الأمر بذات المتعلق و إما منتزع عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة و نفرض إتیان المکلف المتعلق بدون قصد القربة فحینئذ علی القول بانتزاع الوجوب من الأمر بذات المتعلق هو قطعی الانتفاء و علی القول بانتزاعه عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة هو قطعی الثبوت.
ص: 245
فیه قولان:
و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) .((1)) قال: « فاعلم أنّه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قیل بأصالة البراءة فی ما إذا دار الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین؛ و ذلک لأنّ الشک هاهنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها».
أما عدم جریان البراءة النقلیة فلاستحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق فحینئذ لایکون قصد القربة قابلا للوضع و الرفع شرعاً فلایتحقق موضوع البراءة الشرعیة (أی إمکان الرفع).
و أما عدم جریان البراءة العقلیة فللعلم الإجمالی بأنّ الغرض إما یترتب علی الأقل و إما یترتب علی الأکثر و هذا العلم منجز فلایکون العقاب حینئذ عقاباً بلا بیان فلایتحقق موضوع البراءة العقلیة.
الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))
و جریان البراءة الشرعیة لما قلنا من عدم استحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .
((3))
یرد علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ العلم الإجمالی منجز فیکون بیاناً أنّه « کما أنّ التکلیف ما لم یصل إلی المکلف لایحکم العقل بتنجزه و وجوب موافقته و قبح مخالفته و غیر ذلک فکذلک الغرض فإنّه ما لم یصل إلیه لایحکم العقل بوجوب تحصیله و استحقاق العقاب علی مخالفته بداهة أنّ العقل إنّما یستقل بلزوم تحصیله بالمقدار الواصل إلی المکلف الثابت بالدلیل و أما الزائد علیه فلایحکم بوجوب تحصیله لأنّ ترکه غیر مستند إلی العبد لیصح عقابه علیه بل هو مستند إلی المولی»((4)) فالمولی متمکن من البیان و المفروض أنّه لم یبین تقیید
ص: 247
المتعلق بقصد الأمر فیتحقق موضوع البراءة العقلیة أیضاً و هو عدم البیان و لایمنعه العلم الإجمالی فالتحقیق فی مقام الأصل العملی هو جریان البراءة الشرعیة و العقلیة.
هذا تمام الکلام فی الواجب التعبدی و التوصلی.
ص: 248
إنّه عنون محل النزاع بأنّ إطلاق الصیغة هل یقتضی کون الوجوب توصلیاً فیجزی إتیانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة أو لا؟
«الإطلاق المدعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب و الأمر ففی الحقیقة لا وجه لجعل هذا البحث من مباحث الصیغة فتدبر جیداً.»((1))
((2)) عن هذا الإیراد:
منشأ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من التمسک بإطلاق الصیغة هو توهم اتحاد مفاد الصیغة و الهیأة مع أنّ الأمر لیس کذلک بل الصیغة مرکبة من المادة و الهیأة کما یشهد بذلک قوله فی المقدمة الثالثة:((3)) «فانقدح بذلک أنّه لا وجه لاستظهار التوصلیة من إطلاق الصیغة بمادتها».
أولاً: إنّ المراد من الصیغة هو الجانب الهیوی المقترن بالمادة بقرینة أنّ المعانی
ص: 249
التی ذکرها فی أول البحث للصیغة لیست للمرکب من المادة و الهیأة بل هی للهیأة فقط، کما یشهد بذلک قول اللغویین.
ثانیاً: إنّه لو کان کذلک یلزم إدراج سائر مباحث المادة فی مبحث الصیغة.
ص: 250
و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمها و ما یخص کل واحد منها؛ فهنا بحثان:
إنّ الأصل اللفظی یقتضی کون الواجب نفسیاً لا غیریاً و تعیینیاً لا تخیریاً و عینیاً لا کفائیاً و أما مفاد الأصل العملی فیأتی فی بحث مقدمة الواجب.
((1))
إنّ للوجوب الغیری و التخییری و الکفائی فی مقام الثبوت مؤنة زائدة فلذا یحتاج کل منها فی مقام الإثبات إلی مؤنة زائدة بخلاف النفسی و التعیینی و العینی و « قضیة إطلاق الصیغة کون الوجوب نفسیاً تعیینیاً عینیاً لکون کل واحد ممایقابلها یکون فیه تقیید الوجوب و تضییق دائرته؛ فإذا کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علیه فالحکمة تقتضی کونه مطلقاً وجب هناک شیء آخر أو لا أتی بشیء آخر أو لا أتی به آخر أو لا کما هو واضح لایخفی.»
ص: 251
((1))
إنّ الإطلاق هنا لیس بمعنی اللابشرط القسمی بل لا معنی لإطلاق الوجوب من حیث انبعاثه عن وجوب آخر و عدمه مثلاً حتی یکون فی ما یقابل النفسی (و هو الوجوب الغیری) تقیید الوجوب و تضییق دائرته.
«و التحقیق أنّ النفسیة لیست إلا عدم کون الوجوب للغیر و کذا البواقی [فللوجوب النفسی فی مقام الثبوت قید عدمی بخلاف الوجوب الغیری فإنّ قیده (کون الوجوب للغیر) وجودی]؛ و [فی مقام الإثبات] عدم القرینة علی القیود الوجودیة دلیل علی عدمها ... [ﻓ] المراد بالإطلاق المعین للنفسیة((2))و أقرانها هو عدم التقیید بما یفید الغیریة و التخییریة و الکفائیة کما صرح به((3)) صاحب الکفایة (قدس سره) فی آخر المطلق و المقید فتدبر جیداً.»
إنّه أوّلَ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و فسره بوجه آخر حتی لایرد علیه مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:
ص: 252
معنی تضییق الوجوب فی الوجوب الغیری و التخییری و الکفائی هو تضییق الغرض و تقییده و کذا معنی إطلاق الوجوب فی الوجوب النفسی و التعیینی و العینی هو إطلاق الغرض فالوجوب النفسی فی مقام الثبوت لایحتاج إلی مؤنة زائدة بخلاف الوجوب الغیری و حینئذ الوجوب النفسی فی مقام الإثبات لایحتاج إلی بیان زائد بخلاف الوجوب الغیری.
مثلاً الغرض من الوضوء مضیق بوجوب الصلاة و تضیق الغرض موجب لتضیق الوجوب.
ص: 253
و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث:
((1))
((2)) علی النفسیة بوجهین:
الوجه الأول: ملاحظة دلیل الواجب النفسی و التمسک بإطلاق مادته.
إنّ دلیل الواجب النفسی مثل قوله: صلّ یحتمل تقیید مادته (أی الصلاة) بالطهارة أو استقبال القبلة أو نحو ذلک و إذا شککنا فی هذا التقیید فمقتضی إطلاق الصلاة عدمُه و لازم ذلک هو أنّ الواجب المشکوک غیریته بالنسبة إلی الصلاة (مثل الطهارة) واجب نفسی و هذا اللازم حجة فی باب الأُصول اللفظیة لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجة.
الوجه الثانی: ملاحظة دلیل الواجب المشکوک غیریته و نفسیته و التمسک بإطلاق هیأته.
قال (قدس سره) :«الثانی الأخذ بإطلاق [هیأة] دلیل الواجب المشکوک فی کونه نفسیاً أو غیریاً لأنّ وجوبه [المستفاد من الهیأة] لو کان غیریاً فهو مشروط بطبیعة الحال
ص: 254
بوجوب واجب آخر نفسی و إن کان نفسیاً فهو مطلق و غیر مقید به [أی بوجوب شیء آخر و مقتضی أصالة الإطلاق هنا نفسیة الوجوب]».
((1))
فی حقیقة الواجب التخییری أقوال ثلاثة.
لابدّ من بیان الأقوال حول حقیقة الواجب التخییری و تعیین الأصل اللفظی بالنسبة إلیها.
«إنّ [أهم] الأقوال فیه ثلاثة:
الأول: أنّ الواجب مااختاره المکلف فی مقام الامتثال ...
الثانی: أن یکون کل من الطرفین أو الأطراف واجباً تعیینیاً و متعلقاً للإرادة و لکن یسقط وجوب کل منهما بفعل الآخر فیکون مرد هذا القول إلی اشتراط وجوب کل من الطرفین أو الأطراف بعدم الإتیان بالآخر.
الثالث: ما اخترناه من أنّ الواجب هو أحد الفعلین أو الأفعال لابعینه... غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی... و قد تقدم منا غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة... و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی..»
مقتضی الإطلاق علی الأقوال الثلاثة هو الوجوب التعیینی.
«و بعد ذلک نقول: إنّ مقتضی إطلاق الأمر المتعلق بشیء هو التعیین لا
ص: 255
التخییر علی جمیع الأقوال فی المسألة:
أما علی القول الأول: فواضح لفرض أنّ وجوب کل منهما [فی الواجب التخییری] مشروط باختیار المکلف و من الطبیعی أنّ مقتضی الإطلاق [و الأصل إذا شککنا] عدمه [أی عدم الاشتراط باختیار المکلف] و الاشتراط یحتاج إلی دلیل زائد.
و أما علی القول الثانی: فالأمر أیضاً کذلک لفرض أنّ وجوب کلٍ مشروط بعدم الإتیان بالآخر و [إذا شککنا فی اشتراط الوجوب ﻓ] مقتضی الإطلاق عدمه و به یثبت الوجوب التعیینی.
و أما علی القول الثالث: کما هو المختار فلأنّ مرجع الشک فی التعیین و التخییر فیه إلی الشک فی متعلق التکلیف من حیث السعة و الضیق یعنی أنّ متعلقه هو الجامع أو خصوص ما تعلق به الأمر کما إذا ... ففی مثل ذلک لا مانع من الأخذ بإطلاقه لإثبات کون الواجب تعیینیاً لا تخییریاً لأنّ بیانه [أی الوجوب التخییری فی مقام الإثبات] یحتاج إلی مؤنة زائدة و هی ذکر العدل [أی الطرفین أو الأطراف] بالعطف بکلمة أو و حیث لم یکن فیکشف عن عدمه فی الواقع ضرورة أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یکشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت...»
((1))
فی حقیقة الوجوب الکفائی وجوه أربعة:
هنا أیضاً لابدّ من تحقیق الأقوال فی حقیقة الوجوب الکفائی قبل ملاحظة مقتضی أصالة الإطلاق فی المسألة.
ص: 256
«إنّ ما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره وجوه:
الأول: أن یقال: إنّ التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله و لکنه یسقط عنه بفعل غیره لفرض أنّ الغرض واحد فإذا حصل فی الخارج فلا محالة یسقط الأمر.
الثانی: أن یقال: إنّ التکلیف فی الواجبات الکفائیة متوجه إلی مجموع آحاد المکلفین من حیث المجموع [أی مجموع الأشخاص علی نحو العموم المجموعی] ...
الثالث: أن یقال: إنّ التکلیف به متوجه إلی عموم المکلفین علی نحو العموم الاستغراقی فیکون واجباً علی کل واحد منهم علی نحو السریان غایة الأمر أنّ وجوبه علی کل [من أفراد المکلفین] مشروط بترک الآخر.
الرابع: أن یکون التکلیف متوجهاً إلی أحد المکلفین لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و هذا الوجه هو الصحیح؛ بیان ذلک ملخصاً هو أنّ غرض المولی کما یتعلق تارة ... کذلک یتعلق تارة بصدوره عن جمیع المکلفین و أُخری بصدوره عن صرف وجودهم فعلی الأول الواجب عینی فلایسقط عن بعض بفعل بعض آخر و علی الثانی فالواجب کفائی ...»
«إنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو الوجوب العینی علی جمیع هذه الأقوال و الاحتمالات:
أما علی الوجه الأول: فواضح لأنّ((1)) سقوط التکلیف عن شخص بفعل غیره
ص: 257
یحتاج إلی دلیل و إلا فمقتضی إطلاقه عدم سقوطه به ...
و أما علی الوجه الثانی: فمضافاً إلی أنّه فی نفسه غیر معقول فأیضاً الأمر کذلک لأنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو أنّ کل واحد من أفراد المکلف موضوع للتکلیف و جعل الموضوع له [أی للتکلیف] مجموع أفراده علی نحو العموم المجموعی بحیث یکون کل فرد من أفراده جزءه لا تمامه [أی جزء الموضوع لا تمام الموضوع] خلاف الإطلاق و عند احتماله یدفع به.
و أما علی الوجه الثالث: فالأمر ظاهر ضرورة أنّ قضیة الإطلاق عدم الاشتراط فالاشتراط یحتاج إلی دلیل خاص.
و أما علی الوجه الرابع: فأیضاً الأمر کذلک [لأنّ التقیید فی ناحیة موضوع التکلیف بخصوص أحد المکلفین یحتاج إلی مؤنة زائدة و مقتضی الإطلاق عدمه].»
فمقتضی الإطلاق علی جمیع الأقوال هو الوجوب العینی.
ص: 258
هنا بحثان:
و العمدة منها أربعة:
اختلف الأُصولیون فی الأمر الواقع عقیب الحظر علی ثمانیةأقوال((1)) لایهمنا
ص: 259
ص: 260
ذکرها جمیعاً بل نعد منها الأقوال الرئیسة:
القول الأول: الدلالة علی الوجوب.
القول الثانی: الدلالة علی الإباحة،((1)) اختاره جمع من الفقهاء.
ص: 261
القول الثالث: الدلالة علی ما یدل علیه قبل الحظر.((1))
القول الرابع: الإجمال
اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .
و هذا البحث یبتنی علی کیفیة دلالة الأمر علی الوجوب من الظهور الوضعی أو الإطلاقی أو من جهة حکم العقل أو من جهة السیرة العقلائیة و الوجه فی هذا الابتناء هو أنّ وقوع الأمر عقیب الحظر مما یحتمل قرینیته و صارفیته عن معناه فلابدّ من ملاحظة وجه الظهور فی الوجوب و أنّه هل یبقی هذا الظهور مع وجود ما یحتمل صارفیته عنه أو لا؟
أما علی القول بالظهور الوضعی فی الوجوب فإن کان أصالة الحقیقة حجة من باب التعبد کما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) فمع الشک فی المعنی نتمسک بأصالة الحقیقة و نحمل الأمر علی معناه الحقیقی و هو الوجوب.
و إن کان حجة من باب الظهور کما هو الحق فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة لأنّ احتفاف الکلام بما یحتمل قرینیته و صارفیته عن المعنی الحقیقی یوجب انتفاء الظهور فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة (و هذا هو مختار
ص: 262
المشهور و لذا نری أنّهم لایتمسکون بأصالة الحقیقة فی ما إذا شک فی قرینیة الموجود بل مورد أصالة الحقیقة عندهم هو ما إذا شک فی وجود القرینة).
و أما علی القول بالظهور الإطلاقی فالإشکال آکد حیث إنّ الإطلاق لاینعقد مع الشک فی قرینیة الموجود.
و أما علی القول بالدلالة من جهة حکم العقل فلایدل الأمر علی الوجوب أیضاً و بیان ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « أنّ العقل إنّما یحکم بلزوم قیام المکلف بما أمر به المولی بمقتضی قانون المولویة و العبودیة إذا لم تقم قرینة علی الترخیص و جواز الترک؛ و حیث یحتمل أن یکون وقوع الصیغة أو ما شاکلها عقیب الحظر أو توهمه قرینة علی الترخیص فلا ظهور لها فی الوجوب بحکم العقل.»
و أما علی القول بالدلالة من جهة السیرة العقلائیة (مختاربعض الأساطین (دام ظله) ) فلایدل أیضاً علی الوجوب و الوجه فی ذلک ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) من أنّ بناء العقلاء دلیل لبی و مع احتمال قرینیة الموجود (أی قرینیة وقوع الأمر بعد الحظر علی الإباحة مثلاً أو علی غیر ذلک) نشک فی تحقق السیرة العقلائیة فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن و هو ما إذا لم یقع الأمر بعد الحظر.
فتحصل إلی هنا أنّ الأمر عقیب الحظر مجمل.
ص: 263
((1))
إنّ أصالة البراءة شرعاً و عقلاً تجری هنا؛ أما الاستصحاب فلاوجه له لأنّ الحکم السابق علی الحظر منتف قطعاً و الحکم الجدید بعد الحظر أمر حادث فلا حالة له سابقة حتی یستصحب.
ص: 264
فیه مقدمتان و تنبیه أیضاً
ههنا أقوال ثلاثة:
القول الأول: بعضهم فسر المرة بالفرد و التکرار بالأفراد.
القول الثانی: و بعضهم فسرهما بالوجود الواحد و الوجودات.
القول الثالث: و بعضهم فسرهما بالدفعة و الدفعات.
و الدفعة أعم من الفرد و الأفراد و الوجود و الوجودات کما صرح به بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) أما الفرد و الأفراد فقد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه الوجود الواحد و الوجودات قال (قدس سره) : « لوضوح أنّ المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات و إنّما عبر بالفرد لأنّ وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد».((2))
ص: 265
إنّ انحلال الحکم بحسب تعدد أفراد المکلفین لا إشکال فیه بلافرق بین الأحکام التحریمیة و الوجوبیة.
أما فی الأحکام التحریمیة: فلا خلاف فی انحلال الحکم بانحلال موضوعاته ضرورة انعقاد الظهور العرفی فی مثل قضیة «لاتشرب الخمر» فی أنّه متی وجد الخمر فی الخارج یحکم علیه بالحرمة.
و أما فی الأحکام الوجوبیة: فقال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) بالتفصیل؛ بیانه أنّ الحکم تنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ)((2)) و استدل علی الانحلال بالظهور العرفی کما أنّه لاتنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا)((3)) فإنّ وجوب الحج لاینحل بتعدد الاستطاعة فی الخارج لأنّ المستفاد من الظهور العرفی هو أنّه إن امتثل مرة واحدة یکفی و لایلزم التکرار و إن بقیت الاستطاعة.
و أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((4)) إنّ الظهور العرفی منتفٍ هنا بل المرجع
ص: 266
فی ذلک القرائن المحفوف بها الکلام.
و یقع الکلام فی بحثین:
الدلالة الوضعیة علی المرة و التکرار منتفیة لأنّ الصیغة إن دلت علی المرة أو التکرار فإما تدل بمادته أو بهیأته أما مادته فموضوعة للدلالة علی الطبیعة المهملة المعراة عن جمیع الخصوصیات مثل الوحدة و التعدد (فی الأفراد العرضیة) و المرة و التکرار (فی الأفراد الطولیة).
و أما هیأته فإنّها موضوعة إما للطلب الإنشائی أو النسبة الإیقاعیة أو النسبة الإرسالیة أو النسبة البعثیة أو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فلاتدل علی المرة و التکرار و الوحدة و التعدد.
إنّ مقتضی الإطلاق هو الاکتفاء بالمرة الواحدة فی الأفراد الطولیة و الوجود الواحد فی الأفراد العرضیة لأنّ متعلق الأمر صرف الطبیعة و هو یصدق مع الامتثال مرة واحدة و الامتثال بالوجود الواحد؛ و صدق الطبیعة یوجب حصول الغرض و سقوط الأمر فلایبقی مقتضٍ للتکرار و التعدد.
الحق جریان استصحاب عدم التکلیف؛ و لو قلنا بعدم جریانها فی الشبهات الحکمیة فالأصل البراءة.
ص: 267
وقع الخلاف فی إتیان المأموربه ثانیاً بعد إتیانه أولاً و یسمی بالامتثال بعد الامتثال.
((1)) من التفصیل
بیانه: «إنّه مع الإتیان بها مرة لا محالة یحصل الامتثال و یسقط به الأمر فی ما إذا کان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصی ... فلایبقی مجال لامتثاله أصلاً؛ و أما إذا لم یکن الامتثال علة تامة لحصول الغرض کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضأ فأتی به و لم یشرب أو لم یتوضأ فعلاً فلایبعد صحة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً کما کان له ذلک قبله علی ما یأتی بیانه فی الإجزاء.»
هی الخلط بین الغرض المترتب علی وجود المأمور به فی الخارج من دون دخل شیء آخر فیه و بین غرض الآمر کرفع العطش مثلاً حیث إنّ حصوله یتوقف علی فعل نفسه و هو الشرب زائداً علی الإتیان بالمأمور به ... فالواجب علی المکلف لیس إلا تمکین المولی من الشرب و تهیئة المقدمات له فإنّه تحت اختیاره و قدرته [أی المکلف] لا الشرب و هو یحصل بصرف الامتثال الأول.»
((1))
إنّ بیان المحقق الصدر (قدس سره) فی الحقیقة إیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) و علی المستشکلین علیه، مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) ، فإنّ السید الصدر یری أنّ ربط مسألة إمکان تبدیل الامتثال بغرض الآمر غیر تامّ، لأنّ «سقوط الأمر غیر مرتبط بحصول غرض المولی بل یرتبط بإمکانیة التحریک و عدمه و هو یکون بالامتثال و عدمه و لیس تابعاً لبقاء الغرض و عدمه أصلاً بل یستحیل ذلک لأنّ الأمر لو بقی بشخصه [بعد الامتثال الأول و بعد تحقق الفرد الأول من الطبیعة] متعلقاً بالجامع بین الفرد الواقع و بین سائر الأفراد کان طلباً للحاصل و لو بقی متعلقاً بغیر الفرد الواقع استحال أن یکون شخص ذلک الأمر الأول.»
إنّ إتیان المأمور به علة تامة للغرض الداعی إلی البعث إلیه و الغرض القائم بإحضار الماء غرض مقدمی و هو تمکن المولی من رفع العطش لا نفس رفع
ص: 269
العطش الذی هو الغرض الأصیل فالمناط عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) الغرض المقدمی و المستشکل توهم ارتباط المسألة بالغرض الأصیل.
قال (قدس سره) : «و الصحیح هو عدم جواز الامتثال بعد الامتثال و ذلک لأنّ مقتضی تعلق الأمر بالطبیعة بدون تقییدها بشیء کالتکرار أو نحوه حصول الامتثال بإیجادها فی ضمن فردٍ ما فی الخارج لفرض انطباقها علیه قهراً... و معه لامحالة یحصل الغرض و یسقط الأمر فلایبقی مجال للامتثال مرة ثانیة.» ((1))
ص: 270
الواجب إمّا موسع و إمّا مضیق و المضیق إمّا مقید بالتأخیر و إمّا مقید بالتقدیم و هذا هو الواجب الفوری.
الأول: أن یکون بنحو وحدة المطلوب؛ و وجوب إتیان هذا القسم منحصر بأول أزمنة الإمکان فلو لم یمتثل عصی و یسقط الأمر فی الزمان الثانی مثل وجوب رد السلام
الثانی: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و بقاء الوجوب فوراً ففوراً؛ فالتأخیر فی امتثاله کما لایوجب سقوط أصل الوجوب لایوجب سقوط فوریته أیضاً.
الثالث: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و انقلابه إلی الموسع مع فوات الفوریة بمعنی أنّ الواجب الفوری إذا لم یمتثل ینقلب إلی الواجب الموسع؛ فالمکلف إذا عصی سقطت فوریة الواجب و لکن وجوب أصل الطبیعة باقٍ بحاله.
ص: 271
الدلالة الوضعیة علی الفور و التراخی منتفیة و الوجه فی ذلک هو أنّ دلیل الواجب لو دل علی الفور و التراخی فإما یدل بمادته أو بصیغته.
أما المادة فموضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن جمیع الخصوصیات فلا دلالة لها علیهما.
و أما الهیأة فهی موضوعة((1)) للطلب الإنشائی (کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ) أو البعث النسبی (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) أو النسبة الإرسالیة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) ) أو النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) أو إبراز الاعتبار النفسانی (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) فلادلالة للهیأة علی الفور و التراخی أیضاً.
إذا شککنا فی الواجب من جهة فوریة وجوبه أو عدم فوریته (أی التراخی) فمقتضی إطلاق الدلیل عدم تقیید الوجوب بالفوریة و التراخی بل الواجب هو الطبیعی المطلق و یتخیر المکلف بین الفور و التراخی.
ص: 272
و هی وجوه ثلاثة:
و هو الذی أفاده المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) :((1)) « إنّ وزان الإرادة التشریعیة وزان العلة التکوینیة و الأمر علة تشریعیة لحصول المتعلق و کما أنّ التکوینیة لاتنفکّ عن المعلول فالتشریعیة کذلک و نتیجة عدم الانفکاک هو الفوریة.» ((2))
((3))
إنّ علیة الأمر للمتعلق محل الخلاف بین الأعلام فبعضهم أنکرها و المختار هو أنّ الأمر علة ناقصة و من العلة علم المکلف بالأمر و ما أفاده (قدس سره) من عدم الانفکاک بین العلة والمعلول إنّما هو فی العلة التامة لا الناقصة.
ص: 273
((1))
علی فرض العلیة التامة نقول: إنّ الأمر علة تامة لقابلیة المتعلق للتحقق و لیس علة لفعلیة المتعلق و حصوله.
«إنّ قیاس الإرادة التشریعیة علی الإرادة التکوینیة فی غیر محله لأنّ نسبة الإرادة التشریعیة إلی المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی لا العلة إلی المعلول کما فی التکوینیات.»
إنّه لایعقل تحقق البعث مع عدم الانبعاث للتضایف بینهما فالبعث یقتضی لزوم الانبعاث و هذا معنی الفوریة.
و هو قوله تعالی (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)((1)) و قوله تعالی (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).((2))
بیان ذلک: إنّ الله أمر باستباق الخیرات و المسارعة إلی المغفرة و کل مأمور به خیر و سبب للمغفرة فلابدّ من الاستباق و المسارعة إلی کل مأمور به؛ فإن عصی المکلف و ترک المأموربه فی الزمان الأول فیجب الاستباق و المسارعة نحوه فی الزمان الثانی و الثالث و هکذا.
فعلی هذا وجوب التکالیف الشرعیة فوری علی نحو تعدد المطلوب و بقاء الفوریة.
((3))
«إنّ سیاق آیة (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)و کذا آیة (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلی المغفرة و الاستباق إلی الخیر من دون استتباع ترکهما للغضب و الشر ضرورة أنّ ترکهما [أی الاستباق و المسارعة] لو کان
ص: 275
مستتبعاً للغضب و الشر کان البعث بالتحذیر عنهما أنسب کما لایخفی فافهم.»
((1))
إنّ الأمر ظاهر فی الوجوب سواء کان مع التحذیر من الترک أم لم یکن؛ فلو اعتبرنا فی الوجوب ورود التحذیر من الترک للزم حمل أکثر الواجبات علی الاستحباب.
الإیراد الثانی: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الحکیم ((3)) و المحقق الخوئی((4))
إنّ الأمر فیهما إرشادی کما هو الظاهر من الآیتین بحسب المتفاهم العرفی لأنّ مفادهما هو الإرشاد إلی مااستقل به العقل من حسن المسارعة و الاستباق نحو الإتیان بالمأمور به کالآیات و الروایات الواردة فی الحث علی أصل الطاعة.
ص: 276
((1))
قال (قدس سره) : « بینهما [أی بین الأمر بالاستباق و المسارعة و بین الأوامر الواردة فی الحث علی أصل الطاعة] فرق و هو عدم إمکان غیر الإرشادیة [أی المولویة] فیها [أی فی الأمر بالطاعة] دون ما نحن فیه لإمکان الأمر المولوی بالفعل فوراً؛ فبعد الإمکان و الظهور الذاتی فی المولویة لا مجال لحمل ما ورد فی هذا الباب علی الإرشاد قیاساً بما ورد فی أصل الإطاعة.»
الإیراد الثالث: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الخوئی((3)) و بعض الأساطین((4))
یلزم تخصیص الأکثر و هو مستهجن و بیان ذلک أنّ المستحبات مصادیق للخیر و سبب للمغفرة فیلزم خروجهما عن تحت الآیتین بالتخصیص؛ و إنّ بعض الواجبات موسعة فلایجب فیها الفوریة و حینئذ یلزم خروج تلک الواجبات الموسعة عن تحت الآیتین بالتخصیص أیضاً؛ و الواجبات المضیقة التی لایجب الإتیان بها إلا فی وقت خاص لا فی أول وقت الإمکان تخرج عن تحت آیة الاستباق و آیة المسارعة أیضاً و هذا هو تخصیص الأکثر و هو مستهجن.
ص: 277
((1))
«إنّ الآیتین الکریمتین أجنبیتان عن محل الکلام رأساً ... أما آیة الاستباق فلأنّ کلمة (فَاسْتَبِقُوا) فیها من الاستباق بمعنی المسابقة لغة و علی هذا فظاهر الآیة المبارکة هو وجوب المسابقة علی العباد نحو الخیرات... و إن شئت قلت: إنّ مدلول الآیة الکریمة هو ما إذا کان العمل خیراً للجمیع و أمکن قیام کل واحد منهم به ... و من الواضح أنّه لا صلة لهذا المعنی بما نحن فیه أصلاً و ذلک لأنّ الکلام فیه إنّما هو فی وجوب المبادرة علی المکلف نحو امتثال الأمر المتوجه إلیه خاصة علی نحو الاستقلال مع قطع النظر عن الأمر المتوجه إلی غیره ...
و أما آیة المسارعة فالظاهر من المغفرة فیها هو نفس الغفران الإلهی فالآیة عندئذ تدل علی وجوب المسارعة نحوه [أی الغفران الإلهی] بالتوبة و الندامة التی هی واجبة بحکم العقل و لیس المراد منها الأفعال الخارجیة من الواجبات و المستحبات ...»
و علی هذا فلا دلالة للآیتین علی فوریة التکالیف.
إذا شککنا فی اعتبار خصوصیة الفور أو التراخی فی الواجب فأصالة البراءة تقتضی عدم اعتبارها.
ص: 278
و الکلام فی مقامین
المقام الأول: التحقیق فی المسألة
المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة
ص: 279
ص: 280
تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد
و الکلام فی مقامین:
هنا نظریات أربع
((1))
قال:إنّ متعلق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و لما کان الأمر بمعنی طلب الوجود یکون متعلق الأمر هو الطبیعی.
أما الفرد فلایتعلق به الأمر کما أنّ الطبیعة بما هی هی لیست متعلقة للأمر أیضاً «و فی مراجعة الوجدان للإنسان غنی و کفایة عن إقامة البرهان علی ذلک حیث یری إذا راجعه [أی الوجدان] أنّه لا غرض له فی مطلوباته إلا نفس الطبائع و لا نظر له إلا إلیها من دون نظر إلی خصوصیاتها الخارجیة و عوارضها
ص: 281
العینیة و أنّ نفس وجودها السعی بما هو وجودها تمام المطلوب و إن کان ذاک الوجود لایکاد ینفک فی الخارج عن الخصوصیة فانقدح بذلک أنّ المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد أنّها [أی الطبائع] بوجودها السعی بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود متعلقة للطلب لا أنّها بما هی هی کانت متعلقة له [أی للطلب] کما ربما یتوهم فإنّها کذلک لیست إلا هی ... لایعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک و إنّه لابدّ فی تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها [أی مع الطبیعة] ...»
((1))
إنّه أخذ معنی الوجود فی معنی الأمر (حیث قال: الأمر هو طلب الوجود) مع أنّ صیغة الأمر و مادته لاتدلان علی الوجود و لایمکن أن یکون المدلول بلا دال علیه.
((2))
إنّه قال: الأمر و النهی کلاهما بمعنی الطلب إلا أنّ الأمر یدل علی طلب الوجود و النهی علی طلب الترک؛ و فیه أنّ هذا خلاف ما هو المرتکز فی الأذهان من أنّ الأمر و النهی متغایران فی أصل معناهما، لا فی متعلق المعنی ( أی الوجود و الترک).
إنّ الوجود السعی یتصور علی أنحاء: منها الوجود الإطلاقی و هو وجود المجردات و هو لایرتبط بما نحن فیه؛ و منها الجهة الجامعة المفهومیة و هی لیست من حقیقة الوجود و هی غیر مرادة لصاحب الکفایة (قدس سره) ؛ و منها الجهة الجامعة الحقیقیة بین أفراد الطبیعة و فی هذا النحو إن کان الوجود السعی المذکور مع صفة الوحدة و التشخص فلیس قابلا للانطباق علی کل فرد فرد و السعة حینئذ لیس بمعنی الکلیة (کما أنّ السعة بمعنی الإطلاق لایتصور فی المقام
ص: 283
أیضاً).
و إن کان الوجود السعی المذکور بدون صفة الوحدة و التشخص فلیس هو من حقیقة الوجود.
و الجهة الجامعة الحقیقیة بین أنحاء الوجودات غیر معقول لأنّ الوجود الحقیقی فی کل موجود عین تشخصه و الوجود بسیط.
بیان المحقق النائینی (قدس سره) : إنّه (قدس سره) قال فی موضع من کلامه: ((1)) «إنّ متعلقات الأحکام هی الطبائع الفانیة فی أفرادها.»
و قال فی موضع آخر:((2)) « إنّ متعلق الأمر هی الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصل کما أنّ متعلق النهی أیضاً کذلک؛ غایة الأمر أنّ تعلق الأمر بها یقتضی طلب تحصلها و تعلق النهی بها یقتضی طلب عدم تحصلها.»
بیان الأُستاذ العلامة الشاه آبادی: یتعلق الطلب بالطبیعة و لکن غایته هو إیجاد الطبیعة.((3))
ص: 284
((2)) عنه:
«لایذهب علیک أنّ کون الماهیة من حیث هی خالیة عن جمیع الأوصاف لایستدعی عدم عروض وصف لها من حیث هی؛ فإنّ الماهیة من حیث هی هی
ص: 285
لا موجودة و لا معدومة مع أنّها بنفسها إما موجودة أو معدومة بالحمل الشائع؛ فکل مفهوم یباین مفهوماً آخر بالحمل الأولی و إن کانا متحدین بالحمل الشائع و علیه فلا منافاة بین کون الصلاة فی حد ذاتها و ماهیتها لا مطلوبة و لا غیر مطلوبة و بلحاظ تعلق الطلب بها مطلوبة [نعم إنّ تعلق الطلب بها بالعرض]»
((1))
«الحق تعلق الجعل بوجودها [أی الطبائع]؛ فکذا الطلب ضرورة أنّ الصادر بالذات هو المراد بالذات بلا عنایة .
و إنّما یعبر عن المطلوب بالصلاة الموضوعة للماهیة لا للوجود، لأنّ المفاهیم الثبوتیة مطابقها عین الوجود المنتزع عنه طبیعة الصلاة؛ و المفروض أنّ متعلق الإرادة هی الصلاة بالحمل الشائع فافهم جیداً فإنّه دقیق جداً.»
إنّ الماهیات أُمور اعتباریة منتزعة عن الموجودات باعتبار حدودها و النفس تطلب الحقائق لا الاعتباریات کما لایکون متعلق الطلب أیضاً أمراً اعتباریاً بل هو أمر وجودی فی أُفق النفس.
((2))
قال: إنّ المقصود من تعلق الأمر و الطلب بالطبیعی هو لحاظه بما هو خارجی أی بما هو مرآة إلی الخارج.
ص: 286
«إنّ من المعلوم أنّ لحاظ الطبیعة یتصور علی وجوه: منها لحاظها بما هی فی الذهن و محلاة بالوجود الذهنی، و منها لحاظها بما هی شیء فی حد ذاتها، و منها لحاظها بما هی خارجیة بحیث لایلتفت إلی مغایرتها و اثنینیتها مع الخارج و لایری فی هذا اللحاظ التصوری إلا کونها عین الخارج و متحدة معه بحیث لو سئل بأنّه أی شیء تری فی هذا اللحاظ؟ یقول بأنّه ما أری إلا الخارج و إن کان بالنظر التصدیقی یقطع بخلافه فیری کونها غیر موجودة فی الخارج و ... لیس المقصود من تعلق الأمر بالطبیعی عند القائل به هو الطبیعی بما هو موجود فی الذهن من جهة وضوح أنّه بهذا العتبار مع کونه کلیاً عقلیاً غیر قابل للصدق علی الخارج لایکون مما تقوم به المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب ... کوضوح عدم کون المقصود أیضاً هو الطبیعی بالاعتبار الثانی [أی بما هو شیء فی حد ذاته] من جهة وضوح أنّ الطبیعة بهذا الاعتبار لیست إلا هی فلاتکون هی أیضاً مَرکَب المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب بل و إنّما المقصود من ذلک عند القائل به هو الطبیعی بالاعتبار الثالث الذی یری کونها عین الخارج ...»
یرد علیه الإیراد الأول و الثانی علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فلانعید.
((1))
و هو أنّ الأمر یتعلق بالفرد بمعنی وجود الطبیعة.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) : « إنّ هذه المسألة إما مبتنیة علی مسألة إمکان
ص: 287
وجود الطبیعی فی الخارج و امتناعه؛ فمن یقول بامتناعه لابدّ له من القول بتعلق التکلیف بالفرد لئلایلزم التکلیف بغیر المقدور؛ لکن لیس لازم تعلق التکلیف به [أی بالفرد] دخول لوازم الوجود و لوازم التشخص فی المکلف به بل اللازم - بلحاظ عدم القدرة علی إیجاد الطبیعی و القدرة علی إیجاد الشخص- تعلق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود - أعنی ذات هذه الماهیة المتشخصة القابلة للوجود - فإنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی الطبیعی و أُخری مضافة إلی قید کلی فالمضاف هی الحصة لامجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو الفرد.
فذات الإنسانیة الموجودة بوجود زید فی قبال الإنسانیة الموجودة بوجود عمرو هی الماهیة الشخصیة و هی المطلوبة بلا دخل للوازمها، لا فی کونها شخصیة و لا فی مطلوبیتها و من یقول بإمکان وجود الطبیعی و أنّ الماهیة الواحدة کلیة فی مرحلة الذهن و شخصیة بإضافة الوجود إلیها فالطبیعی متشخص بالوجود فهو یقول بإمکان تعلق الأمر به فلا نظر إلی اللوازم علی أی حال [فعلی هذا لوازم الوجود خارجة عن متعلق الأمر سواء قلنا بتعلق الأمر بالطبیعی أو بفرده].
و إما مبتنیة علی مسألة تعلق الجعل بالماهیة أو بالوجود فإنّ المراد بالذات هو الصادر بالذات؛ فمن جعله الوجود قال بتعلق الإرادة به و من جعله الماهیة قال بتعلق الإرادة بها من دون فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة ... و لعل ذهاب المشهور إلی تعلق الأمر بالطبیعة لذهاب المشهور من الحکماء و المتکلمین إلی أصالة الماهیة و تعلق الجعل بها.
فالتحقیق حینئذ تعلق الأمر بالفرد بمعنی وجود الطبیعة؛ توضیحه أنّ طبیعة
ص: 288
الشوق من الطبائع التی لاتتعلق إلا بما له جهة فقدان و جهة وجدان، إذ لو کان موجوداً من کل جهة لکان طلبه تحصیلا للحاصل و لو کان مفقوداً من کل جهة لم یکن طرف یتقوم به الشوق ... بخلاف ما لو کان موجوداً من حیث حضوره للنفس مفقوداً من حیث وجوده الخارجی فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فإنّ له قوة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع کما له ملاحظة الشیء بالحمل الأولی فیشتاق إلیه؛ فالموجود بالفرض و التقدیر مقوم للشوق لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و الشوق یوجب خروجه من حد الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقق و هذا معنی تعلق الشوق بوجود الطبیعة لا کتعلق البیاض بالجسم حتی یحتاج إلی موضوع حقیقی لیقال: إنّ الموجود الخارجی لاثبوت له فی مرتبة تعلق الشوق و لایعقل قیام الشوق بالموجود الخارجی. کیف؟ و الوجود یسقطه [أی الشوق] لما عرفت من اقتضاء طبیعة الشوق عدم الوجدان من کل جهة [فعلی هذا متعلق الشوق الذی یتقوم الشوق به وجوداً و تحققاً هو الوجود الحقیقی بوجوده الفرضی لابوجوده التحققی]».
ص: 289
إنّ بعض الأعلام أنکروا ثمرة هذا البحث مثل المحقق الخوئی (قدس سره) و أکثرهم أثبتوها.
((1))
«إنّ مرد النزاع فی هذه المسألة إلی أنّ الأوامر هل تتعلق بالطبائع مع قطع النظر عن مشخصاتها و لوازم وجوداتها فی الخارج بحیث تکون تلک اللوازم و المشخصات خارجة عن دائرة متعلقاتها... أو تتعلق بالأفراد مع تلک المشخصات بحیث تکون المشخصات مقومة للمطلوب و المراد و داخلة فی دائرة المتعلقات...
و علی هذا فتظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی؛ و ذلک لأنّه علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد ففی مورد الاجتماع کالصلاة فی الدار المغصوبة مثلاً لایسری الأمر من متعلقه و هو طبیعة الصلاة إلی متعلق النهی و هو الغصب و لا العکس لفرض أنّهما طبیعتان مستقلتان ... فإذن لا مناص من القول بالجواز فی تلک المسألة و أما علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالأفراد دون الطبائع فلا مناص من الالتزام بالقول
ص: 290
بالامتناع فی تلک المسألة و ذلک لفرض أنّ الأمر علی هذا القول متعلق بالصلاة مع مشخصاتها و المفروض أنّ الغصب فی مورد الاجتماع مشخص لها [أی للصلاة] فإذن یکون متعلقاً للأمر و الحال أنّه متعلق للنهی أیضاً فیلزم عندئذ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو محال ضرورة استحالة کون شیء واحد مأموراً به و منهیاً عنه.»
((1))
إنّ کل وجود فی ذاته مباین لوجود آخر و کل ماهیة تمتاز عن ماهیة أُخری بالوجود لا بذاتها؛ فالماهیة الجوهریة متشخصّة بوجودها و الماهیة العرضیة متشخصة بوجود آخر و الماهیات العرضیة لایعقل أن تکون مشخصات لوجود الجواهر بل إطلاق المشخصات علی تلک الأعراض الملازمة للجوهر تسامحی.
فحینئذ نقول: إنّ الکلام فی تعلق الأمر بالطبیعة أو بفردها؛ أما الطبائع الأُخری و أفرادها فهی خارجة عن متعلق الأمر علی کلا القولین فمتعلق الأمر بالصلاة أجنبی عن متعلق النهی عن الغصب؛ فالأمر و النهی لایجتمعان فی مورد واحد فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.
نعم لو قلنا بأنّ المتلازمین لابدّ أن یتحدا فی الحکم فیسری الحکم من متعلق
ص: 291
أحدهما إلی الآخر فلابدّ من القول بالامتناع لکنه خاطئ جداً بل الثابت هو أنّ المتلازمین لایکون أحدهما واجباً و الآخر محرماً و أما کونهما متوافقین فی الحکم فلم یثبت.
جواب بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :
«إنّ المیرزا [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] یصور النزاع علی أساس أنّ التشخص بالوجود بأنّه إن کانت المشخصات عارضة علی الطبیعة قبل عروض الوجود فالوجود لا محالة یکون طاریاً علی الماهیة المشخصة و تکون العوارض موجودة بعین وجود الفرد [فحینئذ یجتمع متعلق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالامتناع] و إن کانت غیر عارضة علی الطبیعة قبل وجود الفرد بل فی نفس تلک المرتبة التی طرء فیها الوجود علی الفرد فالماهیة حینئذ غیر متشخص بالعوارض بل یکون تشخصها بالوجود [فمتعلق الأمر غیر متعلق النهی فلایتحدان فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی]».
إنّه لامعنی محصل لعروض المشخصات (أی العوارض المشخصة عند المشهور) علی الطبیعة قبل عروض الوجود بل لا معنی لعروض الوجود الواحد علی کلیهما بل الوجود العارض علی الطبیعة وجود فی نفسه لنفسه و الوجود العارض علی المشخصات وجود فی نفسه لغیره فلافرق فی عروضه علی الطبیعة قبل عروض الوجود أو بعده.
ص: 292
هنا إشکال مبنائی علی مسلک بعض الحکماء مثل آقا علی المدرس (قدس سره) من أنّ الأعراض جلوات لوجود الجواهر((1)) فالطبیعة العرضیة متحدة مع وجود
ص: 293
ص: 294
الجوهر فلیست خارجة عنه.
و أما ملاحظتنا فهو إشکال بنائی فهو أنّ الماهیات المرکبة الشرعیة قد تترکب من مقولات متعددة و حینئذ قد یکون جزء الماهیة الجعلیة الشرعیة المأمور بها جزءً للماهیة المنهی عنها فیجتمع فیها الأمر و النهی.
مضافاً إلی أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدد الوجه و العنوان فی الواحد هل یوجب تعدد متعلق الأمر و النهی أو لایوجبه؟ و لذا قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إنّ تعدد الوجه إن کان یجدی بحیث لایضر معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد لکان یجدی و لو علی القول بالأفراد ... و إلا لما کان یجدی أصلاً حتی علی القول بالطبائع کما لایخفی لوحدة الطبیعتین وجوداً و اتحادهما خارجاً ...»
فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ینفع فی مقام تعدد الوجه و العنوان؛ فإن قلنا بأنّ
ص: 295
تعدد الوجه یجدی فی حل مشکلة اجتماع الأمر و النهی فلابدّ من أن نلتزم بالجواز.
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی إنکار الثمرة:
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّرالنزاع من ناحتین، نشیر هنا إلی الناحیة الأولی منهما، فقال: «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة هو أنّه یمکن تقریر النزاع فیها من ناحیتین:
الأُولی: من جهة ابتناء ذلک علی القول بوجود الکلی الطبیعی فی الخارج و القول بعدم وجوده؛ فعلی الأول یتعلق الأمر بالطبیعة و علی الثانی بالفرد.
بیان ذلک: هو أنّه لا شبهة فی [أنّ تشخص الحصة و تفردها بالوجود و أما تشخص الوجود و تفرده فهو بنفس ذاته و] أنّ کل وجود فی الخارج بذاته و شخصه یمتاز عن وجود آخر و یباینه و یستحیل اتحاد وجود [متشخص بذاته] فیه مع وجود آخر ضرورة أنّ کل فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری و کل وجود یباین وجوداً آخر و یأبی عن الاتحاد معه ...»
فعلی هذا امتیاز کل حصة عن حصة أُخری لیس بالذات بل إنّما هو بالوجود لأنّ کل ما بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات.
و الکلام هنا فی أنّ الوجود المضاف إلی الفرد الخارجی هل یضاف إلی الکلی الطبیعی علی نحو الحقیقة أو بالمجاز؟ و القائل بأنّ الکلی الطبیعی موجود فی الخارج یقول بأنّ إضافة هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی بنحو الحقیقة و القائل
ص: 296
بعدم وجود الکلی الطبیعی فی الخارج یقول بأنّ إسناد هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی یکون بالعرض و المجاز.
«و الصحیح فی المسألة أنّ الطبیعی موجود فی الخارج حقیقة و ذلک لصحة حمل الوجود علیه [و عدم صحة سلبه] فلا فرق بین قولنا: زید موجود و قولنا: الإنسان موجود ... هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّه لا شبهة فی صحة حمله علی الفرد فیقال: زید إنسان و من المعلوم أنّه یعتبر فی صحة الحمل الاتحاد فی الوجود الخارجی و إلا فالحمل غیر صحیح و هذا لعله من الواضحات.
و بعد ذلک نقول: إنّه علی القول بوجود الطبیعی فی الخارج یتعلق الأمر به و علی القول بعدم وجوده فیه یتعلق بالحصة و الفرد و لکن بإحدی الحصص الخارجیة لا بالمعین منها فالنتیجة علی کلا القولین هی التخییر بین تلک الحصص و الأفراد عقلاً.
أما علی القول الأول [أی وجود الطبیعی فی الخارج] فواضح و أما علی القول الثانی فلفرض أنّ الأمر لم یتعلق بالحصة الخاصة بل تعلق بواحدة منها لا بعینها و من المعلوم أنّ تطبیقها علی هذه و تلک بید المکلف و لانعنی بالتخییر العقلی إلا هذا و من هنا یظهر أنّه لاثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً...»
ص: 297
ص: 298
و الکلام فی مقامات ثلاثة
المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً
المقام الثانی: فی مقام الإثبات
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی
ص: 299
ص: 300
هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟
الکفایة ((1)) و المحقق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) وهو المختار، و فی قبالهم قال المحقق العراقی (قدس سره) ((4)) بإمکان بقاء أصل الجواز و الرجحان ثبوتاً و أما إثباتاً فإنّ دلیل الناسخ ظاهر فی رفع الحکم المنسوخ بجمیع مراتبه من الإلزام و
ص: 302
الرجحان و الجواز إلا إذا کان الناسخ مجملا من حیث إنّه رافع للإلزام أو مطلق الرجحان أو الجواز.
و البحث هنا وقع بینهم فی ثلاث مقامات:
المقام
الأول فی مقام الثبوت؛
و المقام الثانی فی مقام الإثبات؛
و المقام الثالث فی مقتضی الأصل العملی.
ص: 303
هنا تقریران للإمکان
((1))
قال: «لاینبغی الإشکال فی أنّه لا ملازمة بین ارتفاع الوجوب و بین ارتفاع جوازه و ذلک من جهة أنّه بعد أن کان له مراتب عدیدة من حیث أصل الجواز و الرجحان الفعلی و من حیث الإلزام و المنع عن النقیض فلاجرم أمکن أن یکون المرتفع لأجل دلیل النسخ هو خصوص جهة إلزامه و منعه عن النقیض مع بقاء رجحانه الفعلی غیر المانع عن النقیض علی حاله کإمکان ارتفاعه حتی بمرتبة رجحانه الفعلی أیضاً مع بقائه علی الجواز بمعنی تساوی فعله و ترکه کإمکان ارتفاعه [بجمیع مراتبه] حتی بمرتبة جوازه أیضاً.
و حینئذ فأمکن ثبوتاً بقاء کل واحد من هذه المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدلیل النسخ من غیر أن یکون برهان عقلی علی امتناعه بوجه أصلاً ...»
و الوجه فی ذلک هو أنّ الوجوب و الاستحباب عنده من التشکیکیات فالوجوب هی الإرادة الشدیدة و الاستحباب هی الإرادة الضعیفة.
إنّ الوجوب أمر انتزاعی و منشأ انتزاعه هو اعتبار الشارع لابدّیة الشیء علی
ص: 304
ذمة المکلف((1)) و الأمر الانتزاعی لیس تشکیکیاً.
(إنّ الوجوب عند المحقق الخوئی (قدس سره) لیس مجعولاً شرعیاً بل منتزع منه).
إنّ الوجوب حکم اعتباری مجعول للشارع و هو بسیط إما یعتبر فیوجد و إما لایعتبر فلایوجد و الاستحباب و الجواز اعتباران آخران فانتفاء اعتبار الوجوب لایوجب إثبات اعتبار آخر.
((2))
إنّ ما أفاده (قدس سره) یبتنی علی أن یکون الترخیص فی الترک دخیلاً فی حقیقة مرتبة حکم الوجوب مع أنّ «الإرادة و هی الشوق الأکید غیر المحدود کیف نفسانی تکوینی و الترخیص أمر جعلی اعتباری فکیف [یمکن أن] یکون [الأمر الاعتباری] من أجزاء الأمر التکوینی؟»
من الترک فإذا ورد الدلیل علی الترخیص بالنسبة إلی الترک فحینئذ یرتفع الوجوب و ینتزع الاستحباب (و هذا التقریر لاینافی بساطة الوجوب).
إنّ المنع من الترک لیس إلا لإبراز الحکم فهو أمر إثباتی بعد ثبوت الحکم الاعتباری فلایمکن أن ینتزع عنه الحکم.
إنّ بعضهم توهم جعل تلک المسألة مبتنیاً علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل((1)) فإن کان الترکیب بینهما اتحادیاً فلایمکن بقاء الجنس بعد ارتفاعه و إن
ص: 306
کان انضمامیاً فیمکن ذلک.
و لکن النزاع قبل ذلک هو فی أنّ الوجوب بسیط أو مرکب؛ فإن قلنا ببساطة الوجوب (کما هو الحق)((1)) فلاتصل النوبة إلی البحث عن بقاء الجنس لأنّ
ص: 307
الوجوب حینئذ لا جنس له.
و التحقیق هو أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة و الأمر الاعتباری لا جنس له و لا فصل لأنّ الجنس و الفصل لایتحققان إلا فی المرکبات الحقیقیة فالوجوب أمر بسیط.
نعم إنّ الماهیات الجعلیة الشرعیة الاعتباریة تتشکل فی الخارج عن بعض الأُمور الحقیقیة إلا أنّه من حیث وحدتها الاعتباریة لا جنس لها و لا فصل فهی بسیطة فی عالم الاعتبار بل الأُمور الخارجیة محصل للماهیة الاعتباریة.
و الحاصل: عدم إمکان بقاء الجواز ثبوتاً.
ص: 308
بعد بیان عدم إمکان ذلک ثبوتاً لانحتاج إلی مقام الإثبات و لکن نشیر إلی ذلک لمن لم یلتزم بما مضی.
قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ و لا المنسوخ علی بقاء الجواز بالمعنی الأعم و لا بالمعنی الأخص کما لا دلالة لهما علی ثبوت غیره من الأحکام [إنّ الجواز بالمعنی الأخص هو الإباحة و لم یثبت من قبل حتی یقال ببقائه فلابدّ من أن یقال بعدم الدلیل علی ثبوته لا علی بقائه فما أفاده (قدس سره) تسامح فی التعبیر] ضرورة أنّ ثبوت کل واحد من الأحکام الأربعة الباقیة بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن و لا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها کما هو أوضح من أن یخفی فلابدّ للتعیین من دلیل آخر.»
((2))
«إنّ القدر المتیقن الذی یقتضیه دلیل الناسخ إنما هو رفع خصوص جهة إلزامه ففی ما عداه یؤخذ حینئذ بدلیل المنسوخ و یحکم بمقتضاه باستحبابه، نظیر ما إذا ورد دلیل علی وجوب شیء و دلیل آخر علی عدم وجوبه فکما أنّه هناک یجمع بینهما فیؤخذ بظهور دلیل الوجوب فی مطلق الرجحان و یرفع الید عن ظهوره فی الإلزام و جهة المنع عن النقیض کذلک فی المقام أیضاً؛ فإذا لم یکن لدلیل النسخ دلالة أزید من رفع الوجوب فلا جرم یؤخذ بظهور دلیل
ص: 309
المنسوخ فی مطلق رجحانه و بذلک یثبت استحبابه حیث لانعنی من الاستحباب إلا ذلک.»
«فیه أنّ هذا الجمع إنّما یصح فی غیر الحاکم و المحکوم و أما فیهما فلایتأتی مثل هذا الجمع بل لابدّ من الأخذ بدلیل الحاکم و رفع الید عن دلیل المحکوم و إن کان ظهوره أقوی بمراتب من دلیل الحاکم ...
و حینئذ فلئن خودش فی ذلک فلابدّ من الخدشة فی أصل المطلب بدعوی قوة ظهور دلیل الناسخ فی نظره إلی رفع جمیع مراتب الحکم [أی حکم المنسوخ] کما لعله لیس بعید أیضاً لظهوره فی رفعه لأصل الحکم الثابت بدلیل المنسوخ بما له من المراتب و علیه لایبقی مجال للأخذ بظهور دلیل المنسوخ فی مطلق الرجحان لإثبات الاستحباب.
نعم لو فرضنا إجمال دلیل الناسخ فی نفسه و تردده بین رفع خصوص جهة إلزامه أو رفعه حتی بمرتبة رجحانه و جوازه ففی مثله لا بأس بدعوی الرجوع إلی دلیل المنسوخ لإثبات مطلق الرجحان لولا دعوی سرایة إجماله إلیه أیضاً فتدبر.»
الناسخ منفصل عن المنسوخ فلو قلنا بسرایة الإجمال هنا للزم القول بسرایة الإجمال فی کل مخصص منفصل بالنسبة إلی العام فلایمکن التمسک بالعام.
((1))
ما أفاده (قدس سره) فی صورة إجمال الناسخ من جهة رفع خصوص الإلزام أو رفعه بمرتبة رجحانه و جوازه یتوقف علی دلالة المنسوخ علی الرجحان و هذه الدلالة عند المحقق العراقی (قدس سره) تضمنی لأنّ الرجحان عنده من مراتب الوجوب و عندنا التزامی و علی أی حال الدلالة التضمنیة و الالتزامیة کلاهما فرع للدلالة المطابقیة حدوثاً و بقاءً فمع سقوط الدلالة المطابقیة لاتبقی الدلالة التضمنیة و لا الالتزامیة.
ص: 311
هنا قولان:
و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث:
((1))
إنّه (قدس سره) یری جریان الاستصحاب بناء علی مسلکه من تصویر التشکیک بین الوجوب و الاستحباب فالاستصحاب یجری لأنّ المشکوک (و هو الجواز أو الاستحباب) یکون عرفاً من مراتب ما هو المتیقن سابقاً بحیث کان تقدیر بقائه عرفاً بقاءً لما علم بتحققه سابقاً.
نعم المحقق العراقی (قدس سره) یقول: إن قلنا بأنّ الأحکام متباینات کل منها مع الآخر فلایجری الاستصحاب من جهة عدم اتحاد القضیة المشکوکة و القضیة المتقینة عرفاً لکنه خلاف مختاره فی حقیقة الأحکام.
((2))
قال: «یکفی فی إثبات الجواز استصحاب الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه
ص: 312
إذ لو ثبت الرضا به بعد ارتفاع الوجوب لایکون وجوداً آخر للرضا بل یکون الرضا الأول باقیاً [فنستصحب رضا الشارع بالفعل] و إذا ثبت الرضا به [أی بالفعل] و لو بالاستصحاب کان جائزاً عقلاً ...
و یکفی فی إثبات الاستحباب استصحاب نفس الإرادة النفسانیة إذ مجرد رفع الوجوب لایدل علی ارتفاعها و إذا ثبتت الإرادة المذکورة ثبت الاستحباب لأنّه یکفی فیه الإرادة للفعل مع الترخیص فی الترک الثابت قطعاً بنسخ الوجوب.»
إنّ القائلین بترکیب الوجوب من طلب الشیء و المنع من الترک ترکیباً انضمامیاً لا مانع عندهم من جریان الاستصحاب حیث نشک فی أنّ المنسوخ هو خصوص المنع من الترک أو کلا الجزأین فنستصحب بقاء طلب الشیء و هذا هو استصحاب فرد واحد شخصی.
و هو نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ((1)) إنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب لأنّ الوجوب عنده مباین للاستحباب عرفاً و مباین لسائر الأحکام عقلاً و عرفاً و الاستصحاب فی المقام یکون من القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی و هو لایجری و إلیک نص عبارته:
«لا مجال لاستصحاب الجواز إلا بناء علی جریانه فی القسم الثالث من أقسام
ص: 313
استصحاب الکلی و هو ما إذا شک فی حدوث فرد کلی مقارناً لارتفاع فرده الآخر و قد حققنا فی محله((1)) أنّه لایجری الاستصحاب فیه ما لم یکن الحادث المشکوک من المراتب القویة أو الضعیفة المتصلة بالمرتفع بحیث عد عرفاً - لو کان - أنّه باقٍ لا أنّه أمر حادث غیره.
و من المعلوم أنّ کل واحد من الأحکام مع الآخر عقلاً و عرفاً من المباینات و المتضادات غیر الوجوب و الاستحباب فإنّه و إن کان بینهما التفاوت بالمرتبة و الشدة و الضعف عقلاً إلا أنهما متباینان عرفاً؛ فلامجال للاستصحاب إذا شک فی تبدل أحدهما بالآخر فإنّ حکم العرف و نظره یکون متبعاً فی هذا الباب.»
فتحصّل إلی هنا: أنّ الوجوب بسیط فمع ارتفاعه لایمکن ثبوتاً بقاء حکم آخر و لا بقاء الجواز بالمعنی الأعم الذی هو فی ضمن هذا الفرد من الوجوب کما أنّه لایجری استصحاب الجواز بالمعنی الأعم لأنّه من القسم الثالث من استصحاب الکلی؛ أما مبادی الحکم من الرضا بالفعل و الإرادة النفسانیة فلیس مثل الجواز بالمعنی الأعم لأنّ الجواز بالمعنی الأعم أمر اعتباری تابع للوجوب حدوثاً و بقاءً و أما الرضا فلیس تابعاً للوجوب بل من مبادیه فاستصحابه من القسم الأول لا القسم الثالث من استصحاب الکلی کما أنّ استصحاب الإرادة النفسانیة من القسم الرابع و هو استصحاب فی التشکیکیات.
ص: 314
ص: 315
ص: 316
فی حقیقة الواجب التخییری نظریات ثمان:
الواجب هو الواحد المعین عند الله تعالی.
((1))
أولاً: « کل منهما مثل الآخر فی أنّه وافٍ بالغرض.»
ثانیاً: إنّه مخالف لظهور الأدلة فی وجوب کل منهما لا أحدهما المعین.
الواجب هو الواحد المعین الذی یختاره المکلف فی مقام الامتثال.
و کل من الأشاعرة و المعتزلة نسب هذا القول إلی الآخر و تبرأ منه لسخافته
ص: 317
و «لازم هذه النظریة هو أنّ الواجب یختلف باختلاف المکلفین بل باختلاف حالاتهم.»((1))
«إنّه مخالف لظواهر الأدلة الدالة علی وجوب فعلین أو أفعال علی نحو التنخییر و لا تعین لما هو الواجب علی المکلف فی الواقع و نفس الأمر فما یختاره مصداق للواجب لا إنّه الواجب بعینه.»
«إنّه منافٍ لقاعدة الاشتراک فی التکلیف... التی هی من القواعد الضروریة.»
«إنّ لازم هذا القول أن لایکون وجوب فی الواقع عند عدم اختیار المکلف أحدهما و ترک امتثاله و عصیانه ... و لازمه هو أنّه لا وجوب له قبل اختیاره ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه کما هو واضح؛ فإذن لا موضوع للعصیان و استحقاق العقوبة عند ترک المکلف الإتیان بالجمیع ضرورة أنّ إیجاد الشرط غیر واجب علیه و هذا بدیهی البطلان.»
«إنّه إذا لم یکن شیء منهما واجباً فی حال العصیان فلایکون واجباً فی حال
ص: 318
الامتثال أیضاً و الوجه فی ذلک هو أنّ کلاً من العصیان و الامتثال وارد علی موضوع واحد ... فإذا فرض أنّه لم یکن واجباً فی حال العصیان فلایعقل أن یکون واجباً فی حال الامتثال ...»
إنّ المکلف فی حال الامتثال یختار أحدهما المعین و لابدّ -مع تحقق الاختیار- أن یکون الواجب هو ما اختاره المکلف حیث إنّ حصول الاختیار شرط لذلک و الشرط حاصل فالمشروط أیضاً لابدّ من أن یکون حاصلاً.
إنّ فی أطراف الوجوب التخییری وجوبات تعیینیة کل منها مشروط بترک الآخر و قد یعبر عنه بأنّه یجب کل من الأطراف مع السقوط بفعل أحدها و الوجوب بالنسبة إلی کل من الأطراف تعیینی؛ غایة الأمر أنّ امتثال واحد من الأطراف مسقط لغیره.
((1))
إن أمکن استیفاء ما فی کل منها من الغرض فلایسقط الوجوب بفعل الآخر و إن لم یمکن فلایجوز الإیجاب کذلک.
ص: 319
((1))
إنّه یلزم فعلیة وجوب جمیع الأطراف و لزوم الإتیان بجمیعها عند ترک الإتیان بها؛ و هذا ینافی حقیقة الوجوب التخییری.
المطلوبیة عند الإتیان بجمیع الأطراف مع أنّه لا شبهة فی حصول الامتثال إذا أتی المکلف بجمیع الأطراف فی زمان واحد.
((1))
إنّه مخالف لظهور الأدلة لأنّ أطراف الوجوب التخییری معطوفة بعضها ببعض بکلمة « أو » و حمل ذلک علی اشتراط الوجوب فی بعضها بترک البعض الآخر خلاف الظاهر.
((2))
قال: «التحقیق أن یقال: إنّه إن کان الأمر بأحد الشیئین بملاک أنّه هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما بحیث إذا أتی بأحدهما حصل به تمام الغرض و لذا یسقط به الأمر کان الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلیاً لاشرعیاً.
و ذلک لوضوح أنّ الواحد لایکاد یصدر من الاثنین بما هما اثنان ما لم یکن بینهما جامع فی البین لاعتبار نحو من السنخیة بین العلة و المعلول.
و علیه فجعلهما متعلقین للخطاب الشرعی لبیان أنّ الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین.
و ان کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه کان کل واحد واجباً بنحو من الوجوب
ص: 321
یستکشف عنه تبعاته من عدم جواز ترکه إلا إلی الآخر و ترتب الثواب علی فعل الواحد منهما و العقاب علی ترکهما.»
((1))
«لایخفی علیک أنّ قاعدة «عدم صدور الکثیر عن الواحد» و «عدم صدور الواحد عن الکثیر» مختصة بالواحد الشخصی لا الواحد النوعی کما یقتضیه برهانها فی الطرفین.
[أما البرهان علی تلک القاعدة] ﻓ [هو] أنّ تعین کل معلول فی مرتبة ذات علته لئلا یلزم التخصص [أی تخصص المعلول] بلا مخصص و کون الخصوصیة الموجبة لتعینه [أی المعلول] ذاتیة للعلة إذ الکلام فی العلة بالذات.
و لزوم الخلف من تعین معلولین فی مرتبة ذات علة واحدة من جمیع الجهات للزوم [وجود اﻟ] خصوصیتین فیها [أی فی العلة التی فرضنا کونها واحدة من جمیع الجهات] لا ربط له بعدم صدور الکثیر عن الواحد النوعی [فالکثیر لایصدر عن علة واحدة من جمیع الجهات].
[و أما البرهان علی طرفها الآخر فهذا بیانه:] کما أنّ کل ممکن لیس له إلا وجود واحد و وجوب واحد - فهو یقتضی أن لایکون له وجوبان فی مرتبة ذات علتین – مورده صدور الواحد الشخصی عن علتین شخصیتین [فالواحد الشخصی لایصدر عن الکثیر].
ص: 322
و کذا کون استقلال کل من العلتین فی التأثیر مع دخل کل من الخصوصیتین فی وجود شیء واحد موجباً لعدم علیة کل منهما مستقلاً و [مع] عدم دخل الخصوصیتین [أی خصوصیة العلتین] موجباً لکون الجامع علة لا ربط له أیضاً باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد بل مفاد کلا البرهانین عدم صدور الواحد الشخصی عن الکثیر و عدم صدور الکثیر بالشخص عن الواحد الحقیقی؛ و لذا قیل باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد کالحرارة المستندة إلی الحرکة تارة و إلی النار أُخری و إلی شعاع الشمس ثالثةً و إلی الغضب أیضاً و کالأجناس فإنّها لوازم الفصول [أی هکذا قیل باستناد الواحد الجنسی إلی المتعدد کالجنس الذی یتفصل بفصول متعددة و یندرج تحته أنواع متعددة] و الفصل کالعلة المقیدة لطبیعة الجنس فیستند الواحد الجنسی إلی فصول متعددة مع تباین الفصول بتمام ذواتها...
و أما مسألة المناسبة و السنخیة بین العلة و المعلول فلاتقتضی الانتهاء إلی جامع ماهوی ضرورة أنّ المؤثر هو الوجود و مناسبة الأثر لمؤثره لایقتضی أن یکون هذا المقتضی و المقتضی الآخر مندرجین بحسب الماهیة تحت ماهیة أُخری.
ألا تری أنّ وجودات الأعراض مع تباین ماهیتها - لکونها أجناساً عالیة أو منتهیة إلیها - مشترکة فی لازم واحد و هو الحلول فی الموضوعات.
و کذا الحلاوة مثلاً لازم واحد سنخاً للعسل و السکر و غیرهما من دون لزوم اندراج الحلاوة و موضوعها تحت جامع ماهوی و لا اندراج موضوعاتها تحت جامع ماهوی بل اقتضاء کل من الموضوعات لها بذاتها ... فلیکن الغرض اللازم لوجود الصوم و العتق و الإطعام کذلک».
فإنّ هذا الغرض و إن کان واحداً إلا أنّه لایستدعی الجامع الذاتی بینها و علی
ص: 323
أی حال هذا الأثر القائم بهذه الأفعال یقوم بها قیام العرض بموضوعه کقیام الحرارة بالنار و الحلاوة بالعسل أو بالسکر و لیس العرض فی مرتبة ذات موضوعه و مترشحاً من مقام ذاته حتی یقال: إنّ الحلاوة مثلاً إذا کانت فی مرتبة ذات العسل و السکر فحیثیة ذات العسل و السکر حیثیة الحلاوة فلابدّ من جامع ذاتی بین العسل و السکر و إذا لم تکن الحلاوة فی مرتبة ذاتهما بل کانت قائمةً بهما فلا موجب لاندراج «الحلاوة» و «العسل و السکر» تحت جامع ذاتی فضلاً عن العسل و السکر المتناسبین بالعرض.
((1))
«إنّ ما أفاده (قدس سره) لو تم فإنّما یتم فی ما یمکن وجود جامع حقیقی بینهما کأن یکونا فردین أو نوعین من طبیعة واحدة و أما فی ما إذا لم یمکن وجود جامع کذلک - کما إذا کان کل منهما من مقولة علی حدة - فلایتم أصلاً و من الواضح أنّ التخییر بین فعلین أو أفعال لایختص بما إذا کانا من مقولة واحدة بل کما یمکن أن یکونا کذلک یمکن أن یکون أحدهما من مقولة و الآخر من مقولة أُخری أو أن یکون أحدهما أمراً وجودیاً و الآخر أمراً عدمیاً ...»
لیس أمراً عرفیاً بل هو مستکشف بالبرهان العقلی و خارج عن أذهان العرف.
إنّه لا مانع من عدم تعلق الأمر بالجامع بعد تعلقه بهذه الأفعال.
((1))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لکل منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه إما یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین و إما یکون بینهما تضاد إجمالی ( التضاد الأُصولی ) و إما یکون بینهما تضاد علی الإطلاق.
و «عدم حصول الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر إن کان [من دون تضاد بینهما بل] لمجرد أنّ استیفاء أحدهما لایبقی مجالاً لاستیفاء الآخر- مع کون کل من الغرضین لازم الحصول فی نفسه - فلامحالة یجب الأمر بها دفعة تحصیلاً للغرضین.
و لو فرض عدم حصولهما إلا تدریجاً لعدم إمکان اجتماعهما فی زمان واحد [أی کان ذلک للتضاد الإجمالی بینهما] کانا کالمتزاحمین؛ فإنّ التزاحم قد یکون فی الأمر و قد یکون فی ملاکه و کما أنّ التخییر فی المتزاحمین - من حیث الأمر - تخییر عقلی لا مولوی کذا التخییر هنا.
و إن کان تضاد الغرضین علی الإطلاق لا من حیث إنّ اجتماع المحصلین فی
ص: 325
زمان واحد غیر ممکن و سبق کل منهما لا یبقی مجالاً لاستیفاء الآخر بل من حیث إنّ ترتب الغرض علی أحدهما مقید فی نفسه بعدم ترتب الغرض علی الآخر و لازمه عدم حصول شیء من الغرضین عند الجمع بین المحصلین فهذا مع عدم انطباقه علی الواجبات التخییریة الشرعیة خارج عن محل الکلام لأنّ التخییر حینئذ عقلی أیضاً لا مولوی شرعی.»
((1))
«إنّها مخالفة لظواهر الأدلة فإنّ الظاهر من العطف بکلمة ”أو“ هو أنّ الواجب أحدهما لا کلاهما.»
((2))
«القول بتعلق التکلیف بالأحد أیضاً خلاف ظواهر الأدلة لعدم وجود هذا العنوان فیها [أی فی لسان الأدلة] بل الموجود [فیها] هو العطف ﺑ [کلمة] أو؛ و هی فی أمثال المقام للتردید ...»
أجاب الأُستاذ (دام ظله) بوجهین لم نذکر الوجه الأول.((3))
و التحقیق هو أنّ کلمة « أو » یستعمل للتخییر و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لیس مخالفاً لظواهر الأدلة.
ص: 326
((1))
«إنّ فرض کون الغرضین متضادین فلایمکن الجمع بینهما فی الخارج مع فرض کون المکلف قادراً علی إیجاد کلا الفعلین فیه بعید جداً بل هو ملحق بأنیاب الأغوال ضرورة أنّا لانعقل التضاد بین الغرضین مع عدم المضادة بین الفعلین؛ فإذا فرض أنّ المکلف متمکن من الجمع بینهما خارجاً فلا مانع من إیجابهما معاً عندئذ.»
((2))
إنّ التباین و التضاد بین الأغراض کثیر تکویناً و عقلاً فقد یکون فعل محصلاً لغرض من جهة و مسقطاً لغرض آخر مثل الدواء الذی یوجب حصول صحة البدن من جهة و یکون سبباً لمرض آخر.
(قد عرفت عند بیان الإیراد الأول أنّ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین فیمکن أن یحمل علیه).
((3))
«إنّ من الواضح جداً أنّه لا مضادة بین ترکیهما [أی الغرضین] معاً فیتمکن المکلف من ترک کلیهما بترک الإتیان بکلا الفعلین خارجاً هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ العقل مستقل باستحقاق العقاب علی تفویت الغرض الملزم ... فالنتیجة علی ضوء هذه النواحی هی أنّه یستحق العقابین عند جمعه بین الترکین
ص: 327
لفرض أنّه مقدور له فلایکون العقاب علیه عقاباً علی ما لیس بالاختیار؛ هذا نظیر ما ذکرناه فی بحث الترتب» حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) استشکله((1)) بلزوم تعدد العقاب و لذا لم یرتضِ بالترتب و أبی أن یکون فی هذه الموارد تعدد العقاب مع أنّ مبناه (قدس سره) فی هذا البحث مستلزم لتعدد العقاب.
(نعم نحن التزمنا بتعدد العقاب و قلنا: لامحذور فیه).
((2))
«إنّ الغرضین المزبورین لایخلوان من أن یمکن اجتماعهما فی زمان واحد... و أن لایمکن اجتماعهما فیه أصلاً ... و علی الثانی فلازمه هو أنّ المکلف إذا أتی بهما معاً فی الخارج و فی زمان واحد أن لایقع شیء منهما علی صفة المطلوبیة إذ وقوع أحدهما علی هذه الصفة دون الآخر ترجیح من دون مرجح و وقوع کلیهما علی تلک الصفة لایمکن لوجود المضادة بینهما، مع أنّه من الواضح البدیهی أنّ المکلف إذا أتی بهما فی زمان واحد یقع أحدهما علی صفة المطلوبیة ضرورة أنّه ... امتثل الواجب و حصل الغرض منه لا محالة و هذا ظاهر.»
((3))
إنّه (قدس سره) قال بأنّ الواجب هو الفرد المردد. «إنّ امتناع الإبهام و عدم التردد فی متعلق الإرادة یختص بالإرادة التکوینیة و لایعم التشریعیة ...
توضیحه أنّ کل ما فرض اعتباره فی الإرادة التکوینیة فإن کان معتبراً فیها لا
ص: 328
لخصوصیة کونها تکوینیة بل لکونها إرادة فهو معتبر فی التشریعیة أیضاً لا محالة بخلاف ما إذا کان اعتباره فیها لأجل خصوصیة کونها تکوینیة فلایعمّ التشریعیة قطعاً و لابأس فی افتراقهما فی بعض الأُمور.
مثلاً تنقسم الإرادة التشریعیة إلی تعبدیة و توصلیة ... و هذا الانقسام من خواص الإرادة التشریعیة التی تتعلق بفعل الغیر و لایعم التکوینیة بالضرورة.
و کذا یمکن تعلق الإرادة التشریعیة بالکلی الملغی عنه الخصوصیات الفردیة و الصنفیة ... و هذا بخلاف الإرادة التکوینیة فإنّها لکونها علة لإیجاد المراد لاتتعلق إلا بالشخص لامتناع إیجاد الکلی فی الخارج إلا فی ضمن فرده.
والذی یترجح فی النظر أن یکون امتناع تعلق الإرادة التکوینیة بالمردد و ما له بدل من لوازمها خاصّة و لایعم التشریعیة؛ فإنّ الغرض المترتب علی کل من الفعلین إذا کان أمراً واحداً - کما هو ظاهر العطف بکلمة ”أو“ و لو کان عطف جملة علی جملة کما هو الغالب أو عطف مفرد علی مفرد - فإنّه بحسب مقام الإثبات الموافق لمقام الثبوت یدل علی أنّ هناک غرضاً واحداً یترتب علی واحد من الفعلین علی البدل؛ فلابدّ و أن یتعلق طلب المولی بأحدهما علی البدل أیضاً لعدم الترجیح بینهما.
و لیس هنا ما یتوهم کونه مانعاً عن تعلق الطلب بشیئین کذلک لا ثبوتاً و لا إثباتاً إلا ما تقدم من دعوی امتناع تعلقه بالمبهم و المردد و قد عرفت أنّه یختص بالتکوینیة التی لاینفک المراد عنها و یوجد بها فلابدّ و أن یکون متعلقها أمراً معیناً شخصیاً فیوجد بها فی الخارج.»
فی تعلق الإرادة و ماشابهها بالفرد المردد أقوال ثلاثة:
ص: 329
قال (قدس سره) فی بحث بیع الصاع من الصبرة:((1)) الصفة الوجودیة الخارجیة لاتتعلق بالمردد أما الصفة الاعتباریة فتتعلق به کما فی بیع الکلی فی الذمة.
قال: الصفة الوجودیة الحقیقیة إذا کانت مثل العلم فتتعلق بالمردد کما فی العلم الإجمالی أما ما لیس بصفة بل له الباعثیة و المحرکیة مثل البعث فلایتعلق بالمردد بل لابدّ أن یکون متعلقه مشخصاً.
ص: 330
((1))
قالا: الحق هو أنّ المردد لا وجود له و لا ماهیة و لاتتعلق به الإرادة التکوینیة و التشریعیة و لا الصفة الحقیقیة و الاعتباریة.
و ما أفاده (قدس سره) فی وجه ذلک یرجع إلی برهانین علی الاستحالة:((2))
«أحدهما أنّ المردد فی ذاته محال حیث لا ثبوت له ذاتاً و وجوداً؛ فلایتعلق به أیة صفة کانت - حقیقیة أو اعتباریة - لتقوم الصفة التعلقیة بطرفها و حیث یستحیل الطرف فلایعقل تحقق تلک الصفة المتقومة به.
و ثانیهما أنّ تعلق الصفة بالمردد یلزمه أمر محال و هو تردد المعین أو تعین المردد و کلاهما خلف » بداهة أنّ تلک الأُمور مثل الإرادة التکوینیة و التشریعیة و الصفة الحقیقیة و الاعتباریة کلها موجودة و التشخص رفیق الوجود یدور معه حیثما دار؛ فلو تعلقت بالمردد لزم اتحادها معه و هو محال لأنّ المعین و المتشخص لایتحد مع المبهم و المردد و إلا لزم تردد المعین أو تعین المردد.
ص: 331
((1))
إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یفسر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص و یصور فی المقام أربع صور و إلیک نص عبارته:
«إذا تعلق الأمر بأحد الشیئین أو الأشیاء علی وجه التخییر فالمرجع فیه کما عرفت إلی وجوب کل واحد منها لکن بإیجاب ناقص بنحو لایقتضی إلا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو الترک فی حال ترک البقیة من غیر فرق فی ذلک بین أن یکون هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما و لو بملاحظة ما هو القدر الجامع بینهما أو أغراض متعددة بحیث کان کل واحد منهما تحت غرض مستقل و تکلیف مستقل و کان التخییر بینهما من جهة عدم إمکان الجمع بین الغرضین إما من جهة التضاد بین متعلقیهما کما فی المتزاحمین أو من جهة التضاد بین نفس الغرضین فی عالم الوجود بحیث مع استیفاء أحد الغرضین فی الخارج لایبقی مجال لاستیفاء الآخر أو فی مرحلة أصل الاتصاف بحیث مع تحقق أحد الوجودات و اتصافه بالمصلحة لاتتصف البقیة بالغرض و المصلحة...
نعم غایة ما هناک من الفرق بین الصور المزبورة إنما هو من جهة وحدة العقوبة و تعددها عند ترک الجمیع حیث إنّ فی بعضها کالصورة الأُولی و الأخیرة لایترتب علی ترک الجمیع إلا عقوبة واحدة و فی بعضها الآخر کالصورة الثانیة و الثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض و تعدده.»
ص: 332
قال المحقق العراقی (قدس سره) هناک أیضاً بالإیجاب الناقص فحل مسألة الترتب((1)) و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام الإیراد علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة.((2))
ص: 333
و لایخفی أنّ ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) هو قریب من نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و الاختلاف فی حقیقة الوجوب.((1))
نعم قال بعض الأساطین (دام ظله) بعدم التفاوت الجوهری بین النظریتین((2)) و فیه ما لایخفی.
إنّ الالتزام بتعدد العقاب فی الصورة الثانیة و الثالثة مما لایمکن الالتزام به بل هو خلاف الضرورة الفقهیة (و بلحاظ اختلاف نظریة المحقق العراقی عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) من جهة تعدد العقاب فی بعض الصور عند المحقق العراقی (قدس سره) التزمنا باختلاف النظریتین).
((3))
قال فی تصویر الوجوب التخییری بإمکان الفرضین الآتیین و إلیک نص عبارته:
[الفرض الأول:]
« یمکن أن یفرض غرضان لکل منهما اقتضاء إیجاب محصله، إلا أنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی الترخیص فی ترک أحدهما فیوجب کلیهما لما فی کل
ص: 334
منهما من الغرض الملزم فی نفسه و یرخّص فی ترک کل منهما إلی بدل؛ فیکون الإیجاب التخییری شرعیاً محضاً من دون لزوم الإرجاع إلی الجامع فتدبر جیداً.»
و قال (قدس سره) فی هامشه: «توضیحه أنّ القائم بالصوم و العتق و الإطعام أغراض متباینة لا أغراض متقابلة و حیث إنّ کلها لزومیة فلذا أوجب الجمیع و حیث إنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی تجویز ترک کل منها إلی بدل فلذا أجاز کذلک؛ فإذا ترک الکل کان معاقباً علی ما لایجوز ترکه إلا إلی بدل و لیس هو إلا الواحد منها لا کلها، کما أنّه إذا فعل الکل دفعة واحدة کان ممتثلاً للجمیع و الشاهد علی ماذکرنا أنّه ربما لایکون تمام الإرفاق کما فی کفارة الظهار و القتل الخطأی فإنّه أمر أولاً بالعتق و مع عدم التمکن یجب الصوم و ربما لا إرفاق أصلاً کما فی کفارة الإفطار بالحرام فإنّه یجب الجمع بین الخصال فیعلم منه أنّ الأغراض غیر متقابلة.»
[الفرض الثانی:]
«و یمکن فرض نظیره فی ما إذا کان الغرض المرتب علی الخصال واحداً نوعیاً بتقریب أنّ الغرض و إن کان واحداً سنخاً إلا أنّ اللزومی منه وجود واحد منه فحیث إنّ نسبة الکل إلی ذلک الواحد اللزومی علی السویة فیجب الجمیع لأنّ إیجاب أحدها المردد محال و إیجاب أحدها المعین تخصیص بلامخصص و حیث إنّ وجوداً واحداً منه لازم فیجوز ترک کل منها إلی بدل، و کما أنّ الإیجاب التخییری علی الفرض الأول شرعی لانبعاثه وجوباً و جوازاً عن المصلحة فی نظر الشارع، کذلک الإیجاب التخییری فی هذا الفرض لأنّ أصل الإیجاب [منبعث] عن [وجود] مصلحة و تجویز الترک [هو] عن وحدانیة ما هو اللازم منها [أی المصلحة] فی نظر الشارع فتدبر جیداً.»
ص: 335
ثم إنّ الفرق بین ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) هو أنّ نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) یبتنی علی تقابل الأغراض و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینکر تقابل الأغراض سواء کان هنا غرض واحد بالوحدة النوعیة أم کانت أغراض متباینة غیر متقابلة.
کما أنّ ما أفاده (قدس سره) لیس تصحیحاً للقول بالوجوب المشروط و تقریراً منه - کما توهّم((1))- لأنّ فعلیة الوجوب المشروط دائر مدار الشرط فإن أتی المکلف بجمیع الأطراف معاً لم یحصل الشرط فینتفی الوجوب المشروط؛ و لیس الأمر کذلک علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
((2))
قال (قدس سره) : «أما تفسیرها الأول [أی الفرض الأول] فیرد علیه أولاً أنّه مخالف لظاهر الدلیل حیث إنّ ظاهر العطف فیه بکلمة ” أو“ هو وجوب أحدهما أو أحدها لا وجوب الجمیع کما هو واضح [و هکذا الأمر فی الفرض الثانی]»
إنّ ظاهر الأدلة هو وجوب الأطراف تخییراً لا وجوب أحدها کما أنّ کلمة «أو» تدل علی التخییر.
ص: 336
((1))
«ثانیاً إنّا قد ذکرنا غیر مرة أنّه لاطریق لنا إلی إحراز الملاک فی شیء ماعدا تعلق الأمر به و حیث إنّ الأمر فی ما نحن فیه تعلق بأحد الطرفین أو الأطراف فلا محالة لانستکشف إلا قیام الغرض به فإذن لا طریق لنا إلی کشف تعدد الملاک أصلاً [فالحکم بتعدد الأغراض دعوی بلا دلیل]»
الجواب الأول: إنّ الأمر تعلق بنفس العتق و الصوم و الإطعام لا بعنوان «أحدها» إلا أنّ کلمة «أو» أفاد معنی التخییر.
الجواب الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان هذا الفرض فی عالم الثبوت و لم یقل بوقوعه فی جمیع موارد الوجوب التخییری و لذا أفاد فرضاً ثانیاً.
((1))
«لازم ذلک هو الالتزام فی صورة المخالفة و عدم الإتیان بشیء منها باستحقاق العقاب علی ترک کل منها ضرورة أنّه لایجوز ترک الواجب بدون الإتیان ببدله ... و بکلمة أُخری إنّ ترک کل واحد منها مقتضٍ لاستحقاق العقاب لفرض أنّه ترک الواجب و المانع منه إنّما هو الإتیان بالآخر؛ فإذا فرض أنّه لم یأت به أیضاً و ترکه فلامانع من استحقاقه العقاب أصلاً ... مع أنّ من الواضح جداً أنّه لایمکن الالتزام بتعدد العقاب فی المقام أبداً و لم یلتزم به أحد فی ما نعلم.»
إنّ مقتضی کون الواجب معطوفاً علی بدیله بکلمة « أو » و الترخیص فی ترکه إلی البدل هو أنّ العقاب إما یکون علی ترک هذا أو علی ترک ذاک فما أفاده المستشکل (قدس سره) من لزوم تعدد العقاب فی صورة ترک جمیع الأطراف مبنی علی إرجاع هذه النظریة إلی القول بالوجوب المشروط و قد عرفت بطلانه للتفاوت الجوهری بین النظریتین.
الغرض المترتب علی الخصال واحد بالسنخ و النوع و أنّ الإلزامی منه وجود واحد فإنّه یحتاج إلی علم الغیب.»
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان الفرض الثانی لا وقوعه بمعنی أنّ الفرض الثانی إن تحقق فهو من مصادیق الوجوب التخییری الشرعی.
((1))
قال (قدس سره) : «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة تحفظاً علی ظواهر الأدلة هو أنّ الواجب [عنوانُ] أحد الفعلین أو الأفعال لا بعینه [الذی هو جامع انتزاعی] و تطبیقه علی کل منهما [أی الفعلین أو منها أی الأفعال] فی الخارج بید المکلف کما هو الحال فی موارد الواجبات التعیینیة؛ غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی...
و تخیلُ أنّه لایمکن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی و هو عنوان ” أحدهما “ فی المقام ضرورة أنّه [أی الجامع الانتزاعی] لیس له واقع موضوعی غیر تحققه فی عالم الانتزاع و [أُفق] النفس فلایمکن أن یتعدی عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج و من الواضح أنّ مثله لایصلح أن یتعلق به الأمر خیالٌ خاطئ جداً بداهة أنّه لا مانع من تعلق الأمر به أصلاً بل تتعلق به الصفات الحقیقیة کالعلم و الإرادة و ما شاکلهما فما ظنک بالحکم الشرعی الذی هو أمر اعتباری محض و قد تقدم منا
ص: 339
غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة سواء أکانت وضعیة أو تکلیفیة أُمور اعتباریة و لیس لها واقع ما عدا اعتبار الشارع و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی؛ فلا مانع من اعتبار الشارع ملکیة أحد المالین للمشتری عند قول البائع:”بعت أحدهما“ بل وقع ذلک فی الشریعة المقدسة کما فی باب الوصیة،((1)) فإنّه إذا أوصی المیت بملکیة
ص: 340
أحد المالین لشخص بعد موته فلا محالة یکون ملکاً له بعد موته و تکون وصیته بذلک نافذة...
و من هنا یظهر أنّ مرادنا من تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی لیس تعلقه به بما هو موجود فی [أُفق] النفس... بل مرادنا تعلق الأمر به بما هو منطبق علی کل واحد من الفعلین أو الأفعال فی الخارج و یکون تطبیقه علی ما فی الخارج بید المکلف.»
ص: 341
((1))
إنّ ذلک مخالف لظهور الأدلة حیث إنّ الوجوب تعلق بنفس الصوم و العتق و الإطعام إلا أنّ بعضها معطوف علی بعض بکلمة « أو » فالأدلة خالیة عن عنوان « أحدهما » أو « أحدها » مثل ما ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ».((2))
ص: 342
إن کان متعلق الوجوب هو عنوان « أحدهما » أو « أحدها » فیکون التخییر بین مصادیقها تخییراً عقلیاً حیث إنّه قد یتعلق الوجوب بالطبیعة المتأصلة کما فی الواجب التعیینی فالتخییر بین أفرادها عقلی و قد یتعلق بالطبیعة المنتزعة کما یفسر السید المحقق الخوئی (قدس سره) الواجب التخییری بذلک فعلی هذا لابدّ أن یکون التخییر بین أفراد الطبیعة المنتزعة أیضاً عقلیاً فإنّ المنتزِع هو الشارع أما التخییر فعقلی.
فتحصل من ذلک أنّ المختار هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 343
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر:
«هل یمکن التخییر عقلاً أو شرعاً بین الأقل و الأکثر أو لا؟ ربما یقال بأنّه محال... لکنه لیس کذلک فإنّه إذا فرض أنّ المحصل للغرض فی ما إذا وجد الأکثر هو الأکثر لا الأقل الذی فی ضمنه بمعنی أن یکون لجمیع أجزائه حینئذ دخل فی حصوله و إن کان الأقل لو لم یکن فی ضمنه کان وافیاً به أیضاً فلامحیص عن التخییر بینهما.»
فإنّ الأقل حینئذ أُخذ بشرط لا فیکون وافیاً بالغرض و أما الأقل الذی فی ضمن الأکثر و جزءٌ للأکثر فهو مأخوذ لابشرط و لایکون وافیاً بالغرض فالتخییر بین الأقل بشرط لا و الاکثر ممکن
«و بالجملة إذا کان کل واحد من الأقل و الأکثر بحده مما یترتب علیه الغرض فلا محالة یکون الواجب هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما عقلیاً إن کان هناک غرض واحد، و تخییراً شرعیاً فی ما کان هناک غرضان.»
((2))
«إنّ الأقل إن کان مأخوذاً بشرط لا فالتخییر بینه و بین الأکثر و إن کان أمراً معقولاً إلا أنّه بحسب الواقع داخل فی کبری التخییر بین المتباینین لا الأقل و
ص: 344
الأکثر کما عرفت، و إن کان مأخوذاً لابشرط فلایعقل التخییر بینه و بین الأکثر ضرورة أنّه بمجرد تحقق الأقل و لو فی ضمن الأکثر یحصل الغرض و معه لایبقی مجال للإتیان بالأکثر أصلاً فإذن جعله فی أحد طرفی التخییر یصبح لغواً محضاً فلایصدر من الحکیم ...
و من هنا یظهر أنّ التخییر بین القصر و التمام فی الأمکنة الأربعة لیس تخییراً بین الأقل و الأکثر واقعاً و حقیقةً [فإنّهما متباینان] ... و أما التسبیحات الأربع فالمستفاد من الروایات هو وجوب إحداها لا جمیعها فإذن لایعقل التخییر بین الواحدة و الثلاث ... نعم الإتیان بها [أی بالبقیة] مستحب.»
ص: 345
ص: 346
ص: 347
ص: 348
الواجب الکفائی
اختلف کلمات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی کما اختلفت فی الواجب التخییری و قبل الورود فی البحث ینبغی ترسیم مقدمة فی المقام لتصویر الوجوب الکفائی کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و أوضحه المحقق الخوئی (قدس سره) مع بسط فیها فقال: ((2))
«لایخفی أنّ الأمر الوارد من قبل الشرع کما أنّه بحاجة إلی المتعلق کذلک بحاجة إلی الموضوع ... و لا فرق فی ذلک بین وجهة نظر و وجهة نظر آخر فإنّ حقیقة الأمر سواء أکانت عبارة عن الإرادة التشریعیة أم کانت عبارة عن الطلب
ص: 349
الإنشائی کما هو المشهور أم کانت عبارة عن البعث و التحریک کما عن جماعة أم کانت عبارة عن الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو نحوها کما هو المختار عندنا علی جمیع هذه التقادیر بحاجة إلی الموضوع کحاجته إلی المتعلق.
أما علی الأول [أی الإرادة التشریعیة] فواضح و ذلک لأنّ الإرادة لاتوجد فی أُفق النفس بدون المتعلق [و هو «المراد منه»] لأنّها من الصفات الحقیقیة ذات الإضافة فلایعقل أن توجد بدونه فالمتعلق إذا کان فعل نفسه ... و إن کان فعل غیره فلا محالة یکون المراد منه ذلک الغیر بمعنی أنّ المولی أراد صدور هذا الفعل منه فی الخارج.
و أما الثانی [أی الطلب الإنشائی] فأیضاً کذلک ضرورة أنّ الطلب کما لایمکن وجوده بدون المطلوب کذلک لایمکن وجوده بدون المطلوب منه...
و أما علی الثالث [أی البعث] فلأنّ البعث نحو شیء لایمکن أن یوجد بدون بعث أحد نحوه [أی الشیء] و التحریک نحو فعل لایمکن أن یتحقق بدون متحرک ضرورة أنّ التحریک لابدّ فیه من محرِّک و متحرک و ما إلیه الحرکة [و ما منه الحرکة] من دون فرق فی ذلک بین أن تکون الحرکة حرکة خارجیة و أن تکون اعتباریة کما هو واضح [فوجود المتحرک لازم].
و أما علی الرابع [أی الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج] فأیضاً الأمر کذلک لما عرفت من أنّ معنی الأمر هو اعتبار الفعل علی ذمة المکلف ... و من المعلوم أنّه کما لایمکن أن یتحقق فی الخارج بدون متعلق کذلک لایمکن أن یتحقق بدون فرض وجود المکلف فیه کما هو واضح.»
و بعد تمامیة هذه المقدمة لابدّ من ذکر أنظار الأعلام فنقول: فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ست:
ص: 350
و هی ستّ:
أورد علیه بوجوه((1))منها «أنّ هذا خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ التکلیف متوجه إلی طبیعی المکلف لا إلی فرد واحد منه معین فی علم الله کما هو واضح.»
إنّ الأمر فی الواجب الکفائی متوجه إلی کل واحد من المکلفین و لکنه مشروط بعدم إتیان مکلف آخر بذلک الفعل الذی هو المتعلق و ذلک لوحدة الغرض؛ فالوجوب الکفائی یرجع إلی الوجوب المشروط.
إنّ لازم هذا القول عدم تحقق الامتثال فی ما إذا قام جمیع المکلفین بإتیان الفعل دفعةً لأنّ الوجوب مشروط بعدم إتیان الآخر بالفعل و هذا الشرط مفقود فی فرض إتیان الجمیع بالمتعلق دفعةً فالوجوب منتفٍ بانتفاء الشرط.
ص: 351
((1))
«أما الواحد المردد فقد عرفت سابقاً [فی بحث الواجب التخییری] استحالته من حیث نفسه حیث لا ثبوت له ماهیةً و هویةً، ذاتاً و حقیقةً و من حیث لازمه حیث إنّ المردد لایتحد مع المعین و إلا لزم إما تعین المردد أو تردد المعین و کلاهما خلف.»
إنّ الوجوب الکفائی یتوجه إلی مجموع المکلفین فالموضوع للتکلیف هو العام المجموعی فی قبال العام الاستغراقی.
((2))
«أما تعلق الحکم بمجموع أشخاص مع أنّه لجعل الداعی فهو غیر معقول إذ لیس مجموع الأشخاص شخصاً ینقدح الداعی فی نفسه بل لابدّ من انقداح الداعی فی نفس کل واحد، و هو مع شخصیة البعث محال فلابدّ من تعدده فیؤول الأمر إلی تعلق أفراد من طبیعی البعث بأفراد من عنوان المکلف ...»
ص: 352
«إنّ الواجب الکفائی یحصل بفعل البعض ویسقط عن الباقین فلا معنی لأمر المجموع الذی لازمه عدم حصول الامتثال بترک البعض [لانتفاء المجموع بانتفاء بعض أفراده]»
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) « التحقیق أنّه [أی الوجوب الکفائی] سنخ من الوجوب و له تعلق بکل واحد [من المکلفین أی إلی جمیعهم] بحیث لو أخل بامتثاله الکل لعوقبوا علی مخالفته جمیعاً - و إن سقط عنهم لو أتی به بعضهم – و ذلک لأنّه قضیة ما إذا کان هناک غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الکل أو البعض کما أنّ الظاهر هو امتثالُ الجمیع لو أتوا به دفعةً و استحقاقُهم للمثوبة و سقوطُ الغرض بفعل الکل کما هو قضیة توارد العلل المتعددة علی معلول واحد.»
((2))
«هذا إنّما یتم بالنسبة إلی الفعل الواحد الشخصی القائم بجماعة کما إذا اشترکوا فی تغسیل المیت و تکفینه و دفنه لا فی ما إذا صلوا علیه دفعةً فإنّ هناک وجودات من الفعل و من الغرض المترتب علیه إلا أنّ اللازم تحصیله وجود واحد من الغرض؛ و حیث إنّه لا مخصص لأحد وجودات الفعل و الغرض
ص: 353
فلایستقر الامتثال علی وجود خاص منها و معنی استقراره علی الجمیع سقوط الأمر و الغرض الباعث علیه قهراً بفعل الجمیع؛ و لا علیة لوجود الفعل و الغرض بالإضافة إلی سقوط الأمر و الداعی حتی ینتهی الأمر إلی توارد العلل المتعددة علی معلول واحد بل بقاء الأمر ببقاء الداعی الباقی ببقاء عدم وجود الغایة الداعیة فی الخارج علی حاله؛ فإذا انقلب العدم إلی الوجود [و حصل وجود الغایة] سقط الداعی - أعنی تصور الغایة - عن الدعوة لتمامیة اقتضائه لا لعلیة وجودها [أی الغایة] خارجاً لعدم وجودها بصفة الدعوة بداهة أنّ ما کان علة لوجود شیء لایکون ذلک الوجود علة لعدمه [أی لعدم علته] و إلا کان الشیء علة لعدم نفسه ... و لایخفی أنّ الأمر و إن کان شرطاً لتحقق الإطاعة و العصیان بعنوانهما و لا بأس بأن یکون المشروط موجباً لانعدام شرطه إلا أنّ الکلام فی علیة ذات الفعل لسقوط الأمر الذی هو علة بوجوده العلمی لذات الفعل بالواسطة فتدبر جیداً.»
هنا بیانان:
((1))
«توضیح الحال فیه یحتاج إلی بیان مقدمة و هی أنّ الغرض من المأمور به تارةً یترتب علی صرف وجود الطبیعة و أُخری علی مطلق وجودها الساری؛ و الأول منهما یستتبع حکماً واحداً متعلقاً بصرف وجود الطبیعة فیکتفی فی امتثاله بالإتیان بفرد واحد و هذا بخلاف الثانی فإنّ الحکم فی مورده ینحل و یتعدد
ص: 354
بتعدد أفراد تلک الطبیعة و لایجتزأ فی مقام الامتثال بإیجاد فرد منها ...
إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الغرض من المأمور به کما أنّه یختلف باعتبار ترتبه علی صرف الوجود أو علی مطلق الوجود، کذلک یختلف بالإضافة إلی المکلف فتارةً یترتب الغرض علی صدور الفعل من صرف وجود المکلف و أُخری یترتب علی صدوره من مطلق وجوده؛ و علی الثانی فالوجوب یکون عینیاً لایسقط بفعل أحدهم عن الباقین بخلاف الأول إذ المفروض فیه أنّ موضوع التکلیف هو صرف وجود المکلف، فبامتثال أحد المکلفین یتحقق الفعل من صرف وجود الطبیعة فیسقط الغرض فلایبقی مجال لامتثال الباقین
و منه ظهر أنّه لو حصل الفعل من الجمیع فی عرض واحد لاستحق کل واحد منهم ثواب امتثال ذلک الأمر - کما لو کان منفرداً به - لصدق صرف الوجود علیه کما أنّه عند مخالفة الجمیع یستحق کل واحد منهم العقاب لتحقق مناطه فیه؛ و هذا الوجه الذی ذکرنا هو التحقیق فی تصویر الواجب الکفائی.»
((1))
«إنّ صرف الوجود بمعناه المصطلح علیه فی المعقول لامطابق له إلا الواجب تعالی و فعله الإطلاقی حیث إنّه لاحد عدمی لهما و إن کان الثانی محدوداً بحد الإمکان.
ص: 355
و بمعناه المصطلح علیه فی الأُصول [یحتمل فیه وجوه:] إما أن یراد منه ناقض العدم المطلق و ناقض العدم الکلی کما فی لسان بعض أجلة العصر((1)) [أی المحقق الحائری (قدس سره) فی درر الأُصول] و إما أن یراد المبهم المهمل من حیث الخصوصیات و إما أن یراد منه اللابشرط القسمی ...
فإن أُرید منه ناقض العدم المطلق و العدم الکلی ففیه أنّ کل وجود ناقض عدمه البدیل له، و لیس شیء من موجودات العالم ناقض کل عدم یفرض فی طبیعته المضاف إلیها الوجود.
و إرجاعه إلی «أول الوجودات» باعتبار أنّ عدمه یلازم بقاء سائر الأعدام علی حاله، فوجوده ناقض للعدم الأزلی المطلق لا کل عدم فهو لایستحق إطلاق الصرف علیه، فإنّه وجود خاص من الطبیعة بخصوصیة الأولیة، مع أنّه غیر لائق بالمقام فإنّه من المعقول إرادة أول وجود من الفعل و لاتصح إرادته من أول وجود من عنوان المکلف فإنّ مقتضاه انطباقه علی أسنّ المکلفین.
ص: 356
کما لایصح إرجاعه إلی أول من قام بالفعل((1))فإنّ موضوع التکلیف لابدّ من أن یکون مفروض الثبوت و لایطلب تحصیله، فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصیله.
و إن أُرید المبهم المهمل فلا إهمال فی الواقعیات و قد مر وجهه مراراً.
و إن أُرید اللابشرط القسمی- و هی الماهیة الملحوظة بحیث لاتکون مقترنةً بخصوصیة و لا مقترنةً بعدمها و مع لحاظ المکلف بهذا الاعتبار الإطلاقی فیستحیل شخصیة الحکم و البعث إذ لایعقل شخصیة الحکم و نوعیة الموضوع و سعته - فلابدّ من انحلال الحکم حسب انطباقات الموضوع المطلق علی مطابقاته و مصادیقه ...»
((2))
المحقق الخوئی (قدس سره) فسر صرف الوجود بالواحد لا بعینه((3)) و قال:
« لا مانع من أن یأمر الشارع المکلفین بإیجاد فعل فی الخارج ... من دون أن یتعلق غرضه بصدوره عن خصوص واحد منهم بل المطلوب وجوده فی الخارج من أی واحد منهم کان فإنّ نسبة ذلک الغرض الواحد إلی کل من المکلفین علی السویة فعندئذ تخصیص الواحد المعین منهم بتحصیل ذلک الغرض خارجاً بلامخصص و مرجح، و تخصیص المجموع منهم بتحصیل ذلک مع أنّه
ص: 357
بلامقتض و موجبٍ باطلٌ بالضرورة کما عرفت، و تخصیص الجمیع بذلک علی نحو العموم الاستغراقی أیضاً بلامقتض و موجب إذ بعد کون الغرض واحداً یحصل بفعل واحد منهم فوجوب تحصیله علی الجمیع لا محالة یکون بلامقتض و سبب؛ فإذن یتعین وجوبه علی الواحد لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و یترتب علی ذلک أنّه لو أتی به بعض فقد حصل الغرض لا محالة و سقط الأمر لفرض أنّ صرف الوجود یتحقق بأول الوجود و لو أتی به جمیعهم.»
إنّ ما أفاده (قدس سره) لایناسب مقام الإثبات حیث إنّ عنوان أحدهما لیس مأخوذاً فی الأدلة و إلیک بعض روایات الباب:
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ جَمِیعاً عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِِ (علیه السلام) قَالَ: «ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ...» ((1))
ص: 358
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی فِی قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ طَرِیفٍ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا». ((1))
عنه [أی عَلِی بْنُ الْحُسَینِ] عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ غِیاثِ بْنِ کَلُّوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً».((2))
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ یحْیی بْنِ زَکَرِیا عَنْ أَبِیهِ
ص: 359
زَکَرِیا بْنِ مُوسَی عَنِ الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ».((1))
عنه [أی سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ((2)) غَزْوَانَ((3)) السَّکُونِی عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) : «صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ».((4))
ص: 360
فیه أُمور ثلاثة
الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق
الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته
ص: 361
ص: 362
الواجب الموسع و المضیق
إنّ الواجب إمّا موقّت و إمّا غیر موقّت و الواجب الموقّت إما یکون وقته أزید من زمان فعله کالصلوات الیومیة و إما یکون وقته بقدر إتیان فعله بحیث ینطبق کل جزء من الفعل علی کل جزء من الزمان کصوم شهر رمضان.
نقل عن بعض الأعلام المتقدّمین، أنّهم ذهبوا إلی عدم إمکانه، لأنّ القول به یستلزم جواز ترک الواجب فی أول وقته مع أنّ ترک الواجب غیر جائز.((1))
ص: 363
((1))
«... غیر خفی ما فیه من المغالطة لأنّ الواجب هو الجامع بین المبدء و المنتهی المعرّی عنه جمیع خصوصیات الأفراد من العرضیة و الطولیة و الواجب علی المکلف هو الإتیان بهذا الجامع بین هذین الحدین لا فی کل آن و وقت لیکون ترکه فی أول الوقت ترکاً للواجب و لو أتی به فی آخر الوقت بل ترکه فیه ترک
ص: 364
لفرده و هو لیس بواجب علی الفرض و لذا لو ترک المکلف الصلاة فی أول الوقت و أتی بها فی آخر الوقت فلایقال: إنّه ترک الواجب.»
((1))
و هو «بدعوی أنّ الانبعاث لابدّ و أن یتأخر عن البعث و لو آناًما و علیه فلابدّ من فرض زمان یسع البعث و الانبعاث معاً أعنی الوجوب و فعل الواجب و لازم ذلک هو زیادة زمان الوجوب علی زمان الواجب. مثلاً إذا فرض تحقق وجوب الصوم حین الفجر فلابدّ و أن یتأخر الانبعاث عنه آناًما و هو خلاف المطلوب ضرورة أنّ لازم ذلک هو خلوّ بعض الآنات من الواجب، و إذا فرض تحقق وجوب الصوم قبل الفجر یلزم تقدم المشروط علی الشرط و هو محال و علیه فلابدّ من الالتزام بعدم اشتراطه بدخول الفجر لئلّایلزم تقدم المعلول علی علته و لازم ذلک هو عدم إمکان وجود الواجب المضیق.»
«إنّ الملاک فی کون الواجب مضیقاً هو ما کان الزمان المحدد له وقتاً مساویاً لزمان الإتیان بالواجب بحیث یقع کل جزء منه فی جزء من ذلک الزمان بلازیادة و نقیصة، و أما کون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب أو مساویاً له فهو أجنبی عما هو الملاک فی کون الواجب مضیقاً
و من هنا لا شبهة فی تصویر الواجب المضیق و الموسع علی القول بالواجب
ص: 365
المعلق مع أنّ زمان الوجوب فیه أوسع من زمان الواجب و لن یتوهم أحد و لایتوهم أنّه لایتصور المضیق علی هذه النظریة کما هو واضح.»
«إنّ تأخر الانبعاث عن البعث لیس بالزمان لیلزم المحذور المزبور بل هو بالرتبة کما لایخفی.
نعم العلم بالحکم و إن کان غالباً متقدماً علی حدوثه أی حدوث الحکم زماناً إلا أنّه لیس ممّا لابدّ منه، بداهة أنّ توقف الانبعاث عند تحقق موضوع البعث - کالفجر فی المثال المزبور [أی الصوم] مثلاً - علی العلم به أی بالبعث رتبی و لیس زمانیاً کما هو واضح کتقدم العلم بالموضوع علی العلم بالحکم.»
ص: 366
و فیه مطالب أربعة:
اختلف الأعلام فی أنّ القضاء تابع للأداء أو هو بأمر جدید؟ و بعبارة أُخری: إنّ الأمر بالشیء فی الوقت المعین هل یدل علی وجوب إتیانه فی خارج الوقت أو إنّ وجوب القضاء یحتاج إلی أمر جدید؟
و هنا أقوال أربعة: (1)
القول الأول: إنّ الأمر الأول یدل علی وجوب متعلقه مطلقاً.
ص: 367
القول الثانی: عدم دلالة الأمر الأول علی وجوب متعلقه خارجَ الوقت.
القول الثالث: التفصیل بین کون الدلالة علی التقیید بالزمان بالقرینة المتصلة أو المنفصلة.
القول الرابع: التفصیل بین ما إذا کان دلیل أصل الوجوب مطلقاً و الدلیل علی تقییده بالوقت قرینة منفصلة مجملة فحینئذ یدل علی وجوب القضاء و غیره فلایدل (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ).
ص: 368
((1))
«إنّه لا فرق فی ما نحن فیه بین القرینة المتصلة و المنفصلة بیان ذلک أنّ القرینة المتصلة کما هی تدل علی التقیید و علی کون مراد المولی هو المقید بهذا الزمان، کذلک القرینة المنفصلة فإنّها [أیضاً] تدل علی تقیید إطلاق دلیل المأمور به و کون المراد هو المقید من الأول فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلاً. نعم فرق بینهما من ناحیة أُخری و هی أنّ القرینة المتصلة مانعة عن ظهور الدلیل فی الإطلاق و معها لاینعقد له ظهور و القرینة المنفصلة مانعة عن حجیة ظهوره فی الإطلاق دون أصله [و علی أی حال لایجوز التمسک بالإطلاق سواء کانت القرینة متصلة أم منفصلة] ...»
((2))
إنّ دلیل التقیید بالوقت إن کان متصلاً بدلیل أصل الوجوب فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق فی خارج الوقت لأنّ دلیل التقیید بالوقت یوجب تقیید الوجوب بالحصة الواقعة فی هذا الزمان فی ما إذا کان مبیناً، و أما إذا
ص: 369
کان مجملاً فیسری إجماله إلی دلیل أصل الوجوب لاتصاله به
و أما إن کان دلیل التقیید بالوقت منفصلاً عن دلیل أصل الوجوب فهناک صور أربع:
الصورة
الأُولی: أن یکونا مجملین فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق خارج الوقت.
الصورة الثانیة: أن یکونا مطلقین فیکون دلیل التقیید بالوقت مقیداً لإطلاق دلیل الوجوب فلا دلالة له علی القضاء خارج الوقت.
الصورة الثالثة: أن یکون دلیل الوجوب مجملاً و دلیل التقیید بالوقت معیناً و حینئذ لا دلالة له علی لزوم الفعل خارج الوقت.
الصورة الرابعة: أن یکون دلیل الوجوب مطلقاً و دلیل التقیید مجملاً فحینئذ مقتضی إطلاق دلیل أصل الوجوب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت و کون التقیید بالوقت بحسب تمام المطلوب لا أصله.
و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بعدم دلالة دلیل الوجوب علی ثبوت الوجوب خارج الوقت إلا فی الصورة الرابعة.
إنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) و إن کان صحیحاً ثبوتاً إلا أنّه لایتم بحسب مقام الإثبات لأنّ الارتکازات العرفیة و العقلائیة تقتضی تقیید دلیل الوجوب؛
ص: 370
و التمسک بإطلاق دلیل الوجوب متفرع علی الشک فی بقائه و لکن العقلاء لایشکون فی عدم بقاء إطلاق دلیل الوجوب.
نعم بناءً علی أنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) فی الصورة الرابعة مجرد فرض یمکن وقوعها، لا خلاف فی البین.
ص: 371
فیه وجهان:
إذا علمنا بالوجوب المقید بالوقت و شککنا فی ثبوته خارج الوقت فهل تجری البراءة بالنسبة إلی الوجوب خارج الوقت أو یستصحب نفس الوجوب لأنّ الوجوب قبل خروج الوقت متیقن فنشک فی بقائه بعد الوقت فنستصحبه؟
المشکوکة((1)) للشک فی تبدل الموضوع لأنّ المتیقن هو الوجوب المقید بالوقت و المشکوک هو الوجوب خارج الوقت.
و له بیانان:
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) بعد أن وافق القوم فی عدم جریان الاستصحاب فی نهایة الدرایة قال بإمکان استصحاب شخص الحکم و کلی الحکم فی هامش نهایة الدرایة.((2))
ص: 373
((1))
«یمکن أن یقال: أما استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلقه بالموقت فیصح لأنّ الموضوع و إن کان بحسب الدلیل بل بحکم العقل هو الموقت بما هو موقت إلا أنّ العبرة فی الموضوع إنّما هو بنظر العرف، و العرف یری أنّ الموضوع هو الفعل و أنّ الوقت من حالاته لا من مقوماته، و لا قطع بخطأ نظر العرف إلا بلحاظ حال الاختیار دون العذر و إلا لم یکن معنی للشک و التکلم فی استصحاب الحکم.
مضافاً إلی ما مر مراراً من أنّ الخصوصیة المأخوذة فی الواجب تارةً تکون مقومة للمقتضی بحیث یکون الخاص واجباً و أُخری تکون دخیلة فی فعلیة الغرض و مثلها یکون شرطاً للواجب؛ فعلی الأول یکون المقید بما هو [مقید] واجباً نفسیاً و علی الثانی یکون الواجب النفسی مقیداً فمعروض الوجوب النفسی حینئذ ذات الفعل و إنما قید الواجب بتلک الخصوصیة لدخلها فی الغرض، فیکون تحصیلها واجباً بوجوب مقدمی
و علیه نقول: إنّ خصوصیة الوقت ظاهراً کخصوصیة الطهارة و التستر و الاستقبال شرط للواجب لا إنّ المتخصص بها واجب؛ و حینئذ فمعروض
ص: 374
الوجوب علی فرض بقائه نفس الفعل فیستصحب للشک فی دخالة الخصوصیة مطلقاً.»
((1))
لابدّ فی الاستصحاب من وحدة الموضوع بین القضیة المتیقنة و المشکوکة و الموضوع فی القضیة المتیقنة هو الواجب الموقت لا ذات الواجب لأنّ الواجب إما مطلق بالنسبة إلی الوقت و إما مقید و إما مهمل.
أمّا الإهمال فی موضوع الحکم الشرعی فمستحیل و أما الإطلاق فخلاف الفرض أیضاً فالواجب مقید بالوقت و هو الموضوع فی القضیة المتیقنة و الموضوع فی القضیة المشکوکة هو ذات الواجب.
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی أن یکون الوقت شرطاً للواجب و دخیلاً فی فعلیة الغرض فیکون تمام نظر العرف إلی ذات الفعل و یری الوقت من حالات الفعل و ما أفاده المستشکل (دام ظله) ناظر إلی تقیید الفعل بالوقت شرعاً و لا کلام فیه بل الکلام فی الموضوع عند العرف لا عند الشرع، و ملاک وحدة الموضوع فی الاستصحاب هو نظر العرف.
مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرح بأنّ هذا النظر العرفی یکون بلحاظ حال العذر لا حال الاختیار.
ص: 375
((1))
قال (قدس سره) : «یمکن تصحیحه علی القسم الثانی من القسم الثالث بتقریب أنّ شخص الحکم له تعلق بالذات بالموقت و بالعرض بالفعل، فطبیعی الحکم له تعلق بالعرض بکل ما یتعلق به شخص الحکم ذاتاً و عرضاً و لازمه تعلق الحکم الکلی بالفعل الکلی بالعرض بواسطتین کما لایخفی.»
و ما أفاده (قدس سره) فی استصحاب کلی الحکم هو استدراک لما أفاده فی متن نهایة الدرایة حیث قال:((2)) « لایقال: إذا تعلق شخص الحکم بطبیعی الفعل - و لو بالتبع - فقد تعلق طبیعی الحکم المتحقق بتحقق شخصه أیضاً به».
فأجاب عنه بأنّ تبعیة طبیعی الحکم لشخصه تقتضی تعلقه بما تعلق به فرده و لیس هو إلا الموقت و لکن هنا صحح تعلق کلی الحکم بذات الفعل و ذلک مبنی علی جریان استصحاب القسم الثانی من القسم الثالث فمع القول بعدم جریانه لامجال لاستصحاب الکلی فی هذا المقام.
ص: 376
((1))
قال المحقق الخوئی (قدس سره) : « لابدّ من فرض الکلام فی ما نحن فیه أما مع قطع النظر عن جریانهما [قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أو فی ما إذا لم تجریا کما إذا فرض أنّ شخصاً توضأ بمائع معین فصلی ثم بعد مضی الوقت حصل له الشک فی أنّ هذا المائع الذی توضأ به هل کان ماءً لیکون وضوءه صحیحاً أو لم یکن ماءً لیکون وضوءه فاسداً أو فرض أنّه صلی إلی جهة ثم بعد خروج الوقت شک فی أنّ القبلة هی الجهة التی صلی إلیها أو جهة أُخری و هکذا؛ ففی أمثال ذلک لایجری شیء منهما [أی قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أما قاعدة الحیلولة فلأنّ موردها الشک فی أصل وجود العمل [أی إتیان الصلاة] فی الخارج و تحققه لا فی ما إذا کان الشک فی صحته و فساده بعد الفراغ عن أصل وجوده [و العلم بوقوع الصلاة قطعاً؛ فلاتجری فی ما نحن فیه]»
و أما قاعدة الفراغ فهی و إن کانت جاریة فی مورد الشک فی کیفیة إتیان الصلاة إلا أنّه ورد فی دلیل قاعدة الفراغ التعلیل بالأذکریة حین العمل؛ فإن قلنا بانحصار مورد قاعدة الفراغ فی مورد التعلیل فلاتجری فی ما نحن فیه لأنّ منشأ الشک فی المثالین لیس من موارد أذکریة المصلی حین العمل بل منشؤه الشک فی کون المائع ماءً أو کون الجهة قبلة.
فحینئذ إن قلنا بتبعیة القضاء للأداء فنشک فی فراغ الذمة عن عهدة الأمر الأول فیجری الاشتغال و لابدّ من قضاء الصلاة، و إن قلنا بأنّ القضاء بأمر جدید فنشک فی تعلق الأمر الجدید بوجوب القضاء فتجری أصالة البراءة.
ص: 377
إذا ثبت وجوب القضاء (مثل الصلاة) فشک المکلف فی خارج الوقت فی أنّه أتی بالمأمور به فی وقته أو لا فهل یمکن جریان استصحاب عدم الإتیان فیثبت به عنوان فوت الواجب فی وقته؟
و هذا مبنی علی أنّ الفوت أمر وجودی أو أمر عدمی؛ فإن کان أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالواجب فی وقته یکون بالنسبة إلیه أصلاً مثبتاً، و إن کان أمراً عدمیاً فاستصحاب عدم الإتیان یجری فیثبت عنوان الفوت.
((1))
قال (قدس سره) : «الصحیح هو أنّه [أی الفوت] عنوان وجودی و ذلک للمتفاهم العرفی ضرورة أنّه بنظرهم [أی العرف] لیس عین الترک بل هو بنظرهم عبارظ عن خلو الوقت عن الفعل و ذهاب الواجب من کیس المکلف ... [فلیس أمراً عدمیاً] فعلی هذا الضوء لایمکن إثباته بالاستصحاب المزبور و لا أثر له بالإضافة إلیه أصلاً و علیه فیرجع إلی أصالة البراءة.»
ثانیاً:((1)) إنّ موضوع وجوب القضاء فی الأدلة الشرعیة لاینحصر فی عنوان الفوت بل الموضوع قد یکون عنوان ترک الواجب و أُخری عنوان نسیانه و ثالثة عنوان عدم الإتیان فیجری الاستصحاب بالنسبة إلیها؛ و إلیک بعض النصوص:
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ [بْنِ سَعِیدٍ] عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَینَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ: «یقْضِیهَا إِذَا ذَکَرَهَا فِی أَی سَاعَةٍ ذَکَرَهَا مِنْ لَیلٍ أَوْ نَهَارٍ» الْحَدِیثَ.((2))
ص: 379
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّضْرِ [بن سوید] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «کُلُّ مَا ((1)) تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ».((2))
ص: 380
و فیه بحثان
البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء
البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی
ص: 381
ص: 382
الأمرُ بالأمر بشیء
اختلفت کلمات الأعلام فی أنّ الأمر بالأمر بشیء، أمر بنفس ذاک الأمر الثانی أو أمر بالشیء الذی تعلق الأمر الثانی به أو أمر بهما.
فهناک ثلاثة احتمالات و تظهر الثمرة بالنسبة إلی شرعیة عبادات الصبی حیث ورد فی الکافی:
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِی عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) قَالَ: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ».((1)) الْحَدِیثَ.
ص: 383
و هنا قولان مهمّان:
القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین:((2))
قال صاحب الکفایة (قدس سره) : «إنّه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به [أی بالشیء] و لابدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.»
و قال بعض الأساطین (دام ظله) : «إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو أنّ متعلق الأمر الأول هو الأمر الثانی و مطلوبیة هذا الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی تحتاج إلی قرینة تدل علیه.»
و التحقیق: یقتضی تمامیة هذا القول، لأنّ الظاهر من الأمر بالأمر هو تعلّق الأمر بنفس ذلک الأمر و أمّا ظهوره فی سرایة الأمر إلی نفس ذلک الشیء فیحتاج إلی قرینة فی مقام الإثبات.
((3))
إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یری وجود کلا الاحتمالین فی مقام الثبوت: الاحتمال الأول هو أن یکون الأمر بنفس الأمر الثانی و الاحتمال الثانی هو أن یکون الأمر فی الحقیقة إلی الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی.
ص: 384
و لکن بحسب مقام الإثبات قال:((1))
«کان الظاهر من نحو تلک القضایا و لو بملاحظة قضیة الارتکاز هو الثانی من کون الأمر بالأمر بشیء لمحض التوصل إلی الوجود لا من جهة مطلوبیة أمر الآمر الثانی نفسیاً و إن لم یترتب علیه الوجود فی الخارج.
و علی ذلک فلابأس باستفادة شرعیة عبادة الصبی مما ورد من أمر الأولیاء بأمر الصبیان بإتیان العبادات.»
و صرّح المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً بذلک فقال:((2))
«إنّه [أی الأمر بالأمر بفعل] بحسب مقام الثبوت و الواقع یتصور علی وجوه:
الأول: أن یکون غرض المولی قائماً بخصوص الأمر الثانی باعتبار أنّه فعل اختیاری للمکلف...
الثانی: أن یکون [الغرض] قائماً بالفعل الصادر من المأمور الثانی فیکون الأمر الثانی ملحوظاً علی نحو الطریقیة من دون أن یکون له دخل فی غرض المولی أصلاً و لذا لو صدر الفعل من المأمور الثانی من دون توسط أمر من المأمور الأول لحصل الغرض و لایتوقف حصوله علی صدور الأمر منه... فهذا القسم فی طرف النقیض مع القسم الأول فإنّ غرض المولی فی القسم الأول متعلق بالأمر الصادر من المأمور الأول دون الفعل الصادر من الثانی فیکون المأمور به هو الأمر فقط و فی هذا القسم متعلق بالفعل دون الأمر ... و هذا القسم [أی القسم الثانی] هو الغالب و المتعارف من الأمر بالأمر بشیء لا القسم الأول.
ص: 385
الثالث: أن یکون الغرض قائماً بهما معاً ... ».
ثم قال: «... إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو القسم الثانی دون القسم الأول و الثالث ضرورة أنّه المتفاهم من ذلک عرفاً ».
لم نجد فی إرتکاز العرف دلالةً للأمر بالأمر بالشیء، علی أمر المولی بذلک الشیء، کما أنّ الأغلبیة لا یوجب الحمل علی ذلک.
ص: 386
قال (قدس سره) ((1)) بعد إثبات أصل شرعیة عبادات الصبی بالأمر بالأمر به: « نعم هذا المقدار من الشرعیة أیضاً لایفی بإثبات وفاء المأتی به حال الصغر بمصلحة الواجب کی یلزمه الاجتزاء به عن فعل الواجب فی ما لو کان بلوغه بعد الفراغ عن العبادة أو فی أثنائها من جهة أنّ القدر الذی یستفاد من قضیة الأمر بالأمر إنّما هو کون فعلهم فی حال عدم البلوغ مشروعاً و واجداً للمصلحة و أما کون هذه المصلحة من سنخ تلک المصلحة الملزمة الثابتة فی حال البلوغ فلا؛ و من هذه الجهة أیضاً تشبث بعضهم للاجتزاء به و عدم وجوب الإعادة بعد البلوغ بإثبات المشروعیة من جهة نفس الخطابات الأولیة و حاصله إنّما هو دعوی شمول إطلاق الخطابات فی التکالیف مثل ”أقیموا الصلاة“ و نحوه للصبی الذی یبلغ بعد یوم أو نصف یوم أو ساعة، حیث إنّ دعوی انصرافها عن مثل هذا الصبی أیضاً کما تری بعیدة غایته، إذ لایکاد یفرق العرف فی شمول تلک الخطابات بین البالغ سنّه إلی خمس عشرة سنة کاملة و بین من نقص سنّه من ذلک بیوم أو نصف یوم أو ساعة واحدة بل کان العرف یری شمول تلک الخطابات لکل منهما و حینئذ فإذا شمل تلک الخطابات لمثل هذا الصبی یتعدی عنه بمقتضی عدم الفصل إلی من هو دون ذلک فی العمر إلی أن یبلغ فی طرف القلة إلی ست أو سبع سنین فیستفاد من ذلک حینئذ أنّ الصبی الممیز و المراهق کالبالغ ... من
ص: 387
حیث اشتمال عباداته علی المصالح الملزمة غایة الأمر بمقتضی دلیل رفع القلم یرفع الید عن جهة إلزام التکلیف ...»
((1))
«إنّ الأمر سواء أکان عبارةً عن الإرادة أو عن الطلب أو عن الوجوب أو عن الاعتبار النفسانی المبرز فی الخارج بمبرزما، بسیطٌ فی غایة البساطة؛ و علی هذا فمدلول هذه العمومات سواء أکان طلبَ هذه الأفعال أو وجوبها أو إرادتها أو اعتبارها فی ذمة المکلف، لا محالة یقید بغیر الصبی و المجنون و ما شاکلهما بمقتضی حدیث الرفع لفرض أنّ مفاد الحدیث هو عدم تشریع مدلول تلک العمومات للصبی و نحوه؛ فإذن کیف تکون هذه العمومات دالةً علی مشروعیة عبادته ...
و توهمُ أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک و المرفوع بحدیث الرفع هو المنع من الترک لا أصل الطلب بل هو باق و علیه فتدل العمومات علی مشروعیتها خاطئٌ جدّاً و غیر مطالق للواقع قطعاً.
و الوجه فی ذلک:
أما أولاً فلأنّه... لا شبهة فی أنّه [أی الوجوب] أمر بسیط...
و أما ثانیاً: فلأنّه علی فرض تسلیم أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک، مع ذلک لاتتم هذه النظریة و ذلک لأنّها ترتکز علی أن یبقی الجنس بعد ارتفاع الفصل و هو خلاف التحقیق بل لایعقل بقاءه بعد ارتفاعه کیف فإنّ الفصل مقوم له ...»
ص: 388
((1))
إنّ الأمر بالأمر بالشیء لیس أمراً بالشیء حتی یستفاد من ذلک شرعیة عبادات الصبی خلافاً للمحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .
لو سلمنا أنّ الأمر عرفاً ظاهر فی الطریقیة فیکون أمراً بالشیء و لکنه لایستفاد منه أزید من تعلق الغرض بهذا الشیء، أما هذا الغرض فلم یثبت أنّه هو الغرض الحاصل من عبادات البالغین کما صرح فی بعض روایات الباب أنّ الغرض هو التعوید (حَتَّی یتَعَوَّدُوا)((2)) فإثبات شرعیة عبادات الصبی مشکل.
ص: 389
ص: 390
ص: 391
ص: 392
الأمر بعد الأمر
إذا ورد الأمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله فهذا الأمر الثانی تأسیسی أو تأکیدی؟
للمسألة صور:
الصورة
الأُولی: أن لایذکر سبب أصلاً مثل أن یقال: صلّ ثم یقال: صلّ
فإنّ مقتضی إطلاق المادة هو التأکید، لأنّ الطلب تأسیساً لایکاد یتعلق بطبیعة واحدة مرتین من دون أن یجیء تقیید لها فی البین و لو کان بمثل قولهم: «مرة أُخری» حتی یکون متعلق کل منهما غیر متعلق الآخر و إلا یلزم اجتماع المثلین لأنّ صرف الوجود لایتثنی و لایتکرر.
و مقتضی إطلاق الهیأة هو التأسیس فیوجب إتیان الفعل مکرراً لأنّ إنشاء الوجوب یقتضی التأسیس.
و اختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و الأُستاذ المحقق الوحید الخراسانی (دام ظله) تقدم مقتضی إطلاق المادة و حمل ذلک علی التأکید و الدلیل علی ذلک عند الأستاذ هو أنّ الأمر الثانی لمّا کان قبل امتثال الأمر الأوّل وحصول الغرض منه، فإنّ العرف یفهم منه التأکید للأمر الأوّل، و لا یراه صادراً بداعی
ص: 393
البعث، فکان هذا الفهم العرفی هو الوجه لحمل المادّة علی التأکید.
الصورة الثانیة: أن یذکر السبب لکلا الأمرین، مثل قوله: «إذا طلع الفجر فصلّ» و قوله: «إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، فهنا لاشبهة فی لزوم تکرار الصلاة، لظهور السبب فی ذلک.
الصورة الثالثة: أن یذکر السبب لأحد الأمرین، مثل قوله: «صلّ» و قوله:«إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، و القاعدة هنا أیضاً تکرار الصلاة، لأنّ الظاهر حمل الأمر الثانی علی لزوم إتیانه عند حصول السبب الخاصّ، دون الأمر الأول، فإنّه تکلیف آخر لا یرتبط بوجود السبب المذکور.
الصورة الرابعة: أن یذکر قید «مرّة أخری»، فهنا أیضاً لا شبهة فی لزوم إتیان الصلاة مرّة أخری لصراحة الدلیل.
ص: 394
فیه ثلاثة فصول
الفصل الأول: معنی صیغة النهی
الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد
الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة
ص: 395
ص: 396
ص: 397
ص: 398
معنی صیغة النهی
إنّ المشهور عند قدماء الأُصولیین هو أنّ الأمر و النهی کلیهما یدلان علی الطلب، و الاختلاف بینهما من ناحیة المتعلق فمتعلق الأمر هو الفعل و متعلق النهی هو الترک علی قول و الکف علی قول آخر.
و لکن أکثر المتأخرین اعترضوا علیهم و قالوا: مدلول النهی یختلف عن مدلول الأمر ذاتاً فهما متغایران بحسب المدلول؛ و لکنهم اختلفوا فی تعیین مدلول النهی علی اتجاهات ثلاثة ﻓ:
هنا خمسة أقوال:
بعض الأصولیین من القدماء ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الکف عن الفعل و نسب ذلک إلی الفاضل الجواد (قدس سره) فی شرح الزبدة.
النائینی((1))و المحقق الروحانی ((2)) (قدس سرهم) ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الترک.
یلزم من ذلک إدخال معنی الترک أو الکف فی مدلول المادة أو الصیغة مع أنّ کلتیهما عاریتان عن معناهما، أما المادة فلاتدل إلا علی الطبیعة و أما الهیأة فمفادها المعنی الحرفی و معنی الترک أو الکف معنی اسمی فلایمکن أن تدل علیهما الهیأة.
إنّ الطلب علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینتزع من الإرادة المظهرة فهو متأخر رتبةً عن إظهار الإرادة بالصیغة.((3))
ص: 400
((1))
إنّ الإنسان إذا رأی الفعل و فیه المصلحة یشتاق إلیه تکویناً و یتحرک بنفسه إلیه أو یبعث الغیر نحوه بأن یأمره إلیه، و هکذا إذا رأی الفعل و فیه المفسدة ینزجر عنه تکویناً و یجتنب عنه بنفسه أو یزجر غیره عنه بأن ینهاه عنه؛ فعلی هذا معنی الأمر و النهی هو البعث و الزجر (و یعبر عنهما بالفارسیة ﺑ : وا داشتن و بازداشتن) و الحق هو هذا القول لموافقته الوجدان و للتبادر.
إنّ النهی یدل علی الکراهة کما أنّ الأمر یدل علی الإرادة.
قال المحقق الحائری (قدس سره) :((2)) «و الذی أتعقل من الإنشائیات أنّها موضوعة لأن تحکی عن حقائق موجودة فی النفس، مثلاً هیأة افعل موضوعة لأن تحکی عن حقیقة الإرادة الموجودة فی النفس ...»
إنّ الإرادة من مبادئ الحکم فلایمکن أن تکون مدلولاً للأمر و قد نشیر إلی ذلک ببیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((3)) «سرّ هذا التأثیر و التأثر [تأثر القوة العاملة المنبثة فی العضلات من الشوق الحاصل من القوة الشوقیة] أنّ النفس فی
ص: 402
وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات ففی مرتبة القوة العاقلة مثلاً تدرک فی الفعل فائدةً ...، و فی مرتبة القوة الشوقیة ینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل فإذا لم یجد مزاحماً و مانعاً [أی فی مرتبة کمال الشوق و مرتبة الإرادة] یخرج ذلک الشوق [الذی کان ناقصاً فی المرتبة السابقة] من حد النقصان إلی حد الکمال ... [و یصیر إرادةً] فینبعث من هذا الشوق البالغ حد نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات ...» هذا فی الإرادة التکوینیة.
«أما الإرادة التشریعیة فهی علی ما عرفت فی محله((1)) إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و حیث إنّ المشتاق إلیه فعل الغیر الصادر باختیاره فلا محالة لیس بنفسه تحت اختیاره بل بالتسبب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فلا محالة ینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرک القوة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث إلیه، فالشوق المتعلق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة و إلا فلا.»((2))
هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((3))و بیان ذلک: «إنّه إذا حللنا الأمر المتعلق بشیء تحلیلاً موضوعیاً فلانعقل فیه ما عدا شیئین:
أحدهما اعتبار الشارع ذلک الشیء فی ذمة المکلف من جهة اشتماله علی
ص: 403
مصلحة ملزمة، و ثانیهما إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة الأمر أو ما یشبهها ...
و نتیجة ما ذکرناه أمران:
الأول: أنّ صیغة الأمر و ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی ...
الثانی: أنّها [أی صیغة الأمر] مصداق للبعث و الطلب لا أنّهما معناها ...
[و کذا نقول:] إنّا إذا حللنا النهی المتعلق بشیء تحلیلاً علمیاً لانعقل له معنی محصلاً ما عدا شیئین:
أحدهما: اعتبار الشارع کون المکلف محروماً عن ذلک الشیء باعتبار اشتماله علی مفسدة ملزمة و بعده عنه؛ ثانیهما: إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة النهی أو ما یضاهیها.
و علیه فالصیغة [أی صیغة النهی] أو ما یشاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز ذلک الأمر الاعتباری النفسانی لا للزجر و المنع. نعم هی مصداق لهما.
و من هنا یصح تفسیر النهی بالحرمة باعتبار دلالته علی حرمان المکلف عن الفعل فی الخارج کما أنّه یصح تفسیر الأمر بالوجوب بمعنی الثبوت باعتبار دلالته علی ثبوت الفعل علی ذمة المکلف بل هما معناهما لغةً و عرفاً ...
و علی ضوء بیاننا هذا قد ظهر أنّ الأمر و النهی مختلفان بحسب المعنی ... و متحدان بحسب المتعلق ... و الوجه فی ذلک واضح و هو أنّه بناءً علی وجهة نظر العدلیة من أنّ الأحکام الشرعیة تابعة للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها فلا محالة یکون النهی کالأمر متعلقاً بالفعل، ضرورة أنّ النهی عن شیء ینشأ عن
ص: 404
مفسدة لزومیة فیه ... و لم ینشأ عن مصلحة کذلک [أی لزومیة] فی ترکه.»
((1))
إنّ الحرمان فی مورد النهی موجود عقلاً و لکنه لیس مدلولاً للنهی؛ و الدلیل علی ذلک هو أنّ الحرمان الاعتباری لاینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل فلو کان هو مدلول صیغة النهی یلزم أن ینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل کما أنّه ینسبق إلی الذهن من مادة الحرمان، مع أنّه لیس کذلک.
فیعلم من ذلک أنّ معنی الحرمان من لوازم معنی صیغة النهی و لیس عین معناها.
أنّ النهی یدل علی الزجر فالصحیح من الأقوال هو القول الثالث.
ص: 405
ص: 406
ص: 407
ص: 408
توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد
لا خلاف بینهم فی عدم الدلالة اللفظیة الوضعیة لصیغة النهی علی الدوام و التکرار و لکن نری أنّ الأمر إذا تعلق بطبیعة یکتفی بإتیان فرد واحد من أفراد الطبیعة بخلاف النهی فإنّه إذا تعلق بطبیعة فلابدّ من ترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.
و فی توجیه ذلک نظریات أربع:
((1))
قال: إنّ ذلک لأجل اختلاف حکم العقل بین الأمر و النهی فإنّ مقتضی حکم العقل فی الأوامر هو سقوط الطلب بإیجاد فرد من الطبیعة لأنّ وجود الفرد وجود للطبیعة فمتی تحقق أول فرد للطبیعة حصل الغرض من الأمر فیسقط بامتثاله.
ص: 409
و أما مقتضی حکم العقل فی النواهی هو عدم سقوطه إلا بترک جمیع أفراد الطبیعة لأنّ عدم الطبیعة لایتحقق إلا بعدم جمیع الأفراد.
«و من ذلک یظهر أنّ الدوام و الاستمرار إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلقه طبیعةً مطلقة غیر مقیدة بزمان أو حال فإنّه حینئذ لایکاد یکون مثل هذه الطبیعة معدومة إلا بعدم جمیع أفرادها الدفعیة [أی العرضیة] و التدریجیة [أی الطولیة]... » بخلاف ما إذا کان النهی تعلق بطبیعة مقیدة بزمان أو حال، فإنّ الاستمرار و الدوام یکون حینئذ مختصاً بهذا الزمان أو الحال.
((1))
«[إنّ] ما اشتهر من أنّ تحقق الطبیعة بتحقق فرد و انتفاءها بانتفاء جمیع أفرادها لا أصل له حیث لا مقابلة بین الطبیعة الملحوظة علی نحو تتحقق بتحقق فرد منها و الطبیعة الملحوظة علی نحو تنتفی بانتفاء جمیع أفرادها.»((2))
«[توضیح ذلک] أنّ الطبیعة توجد بوجودات متعددة و لکل وجود عدم هو بدیله و نقیضه، فقد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة المهملة التی کان النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها و نتیجة المهملة جزئیة، فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تحقق بوجود واحد کذلک عدم مثلها.
و قد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکل وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و قد یلاحظ الوجود بنحو السعة - أی بنهج الوحدة فی الکثرة - بحیث لایشذ عنه وجود فیقابله عدم مثله و هو
ص: 410
ملاحظة العدم بنهج الوحدة فی الأعدام المتکثرة – أی طبیعی العدم - بحیث لایشذ عنه عدم.
و لایعقل أن یلاحظ الوجود المضاف إلی الماهیة علی نحو یتحقق بفردٍما و یکون عدمه البدیل له بحیث لایکون إلا بعدم الماهیة بجمیع أفرادها.»((1))
((2))
«بکلمة واضحة: الوجود قد یضاف إلی الطبیعة المهملة... و قد یضاف إلی الطبیعة المطلقة الساریة إلی أفرادها و مصادیقها فی الخارج و قد یضاف إلی الطبیعة بنحو السعة و الإحاطة و الوحدة فی الکثرة.»
«أما الصورة الثالثة((3))... فقد تبین مما تقدم أنّ ... المراد من الوجود السعی کما عرفت هو عدم ملاحظة خصوصیة وجود فرد دون آخر فیه، بل هو مضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات و لذا لایغیب و لایشذ عنه أی وجود من وجودات هذه الطبیعة و ینطبق علی کل وجود من وجوداتها بلا خصوصیة فی البین؛ و من هنا یعبر عنه بالوحدة فی الکثرة باعتبار أنّه یلاحظ فیه جهة السعة و الوحدة فی هذه الکثرات.
و مقابل هذا الوجود السعی العدم السعی و هو العدم المضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات فیه، و لأجل ذلک هذا عدم لایغیب و لایشذ عنه أی عدم من أعدام هذه الطبیعة و ینطبق علی کل عدم منها من دون
ص: 411
جهة خصوصیة فی البین و من الواضح أنّه لایکون فی مقابل هذا العدم وجود فرد منها کما أنّه لایکون فی مقابل هذا الوجود عدم فرد منها [و الطبیعة حینئذ ملحوظة علی نحو الإطلاق و العموم البدلی]».
فالألفاظ و إن کانت موضوعة للطبیعة المهملة من تمام الجهات ما عدا النظر إلی ذاتها و ذاتیاتها إلا أنّ الشارع فی مقام جعل الحکم علیها لابدّ أن یلاحظها علی أحد الأنحاء الثلاثة المذکورة لاستحالة الإهمال فی الواقع، فلا محالة إما یلاحظها علی نحو الإطلاق و السریان أی العموم الاستغراقی أو علی نحو العموم البدلی أو العموم المجموعی فلا رابع لها؛ و علی جمیع هذه التقادیر و الفروض لا فرق بین الحکم التحریمی و الوجوبی أصلاً.
هو أنّ الطبیعة إن أُخذت علی نحو الإطلاق أو العموم الاستغراقی فمطلق وجودها یتوقف علی إیجاد أفرادها تماماً و مطلق ترکها یتوقف علی ترک أفرادها تماماً، و إن أُخذت علی نحو السعة و الوحدة فی الکثرة فیتوقف وجودُها علی وجود أحد أفرادها و ترکُها علی أحد أفراد ترکها، و إن أُخذت علی نحو العموم المجموعی فامتثال الأمر بالطبیعة یتوقف علی إتیان مجموعة الأفراد و امتثال نهیها علی ترک مجموعة الأفراد (کما أنّه لو فرضنا الطبیعة مهملةً یکون المطلوب فی الأمر صرفَ وجودها و هو یتحقق بأول وجوداتها و یکون المطلوب فی النهی صرفَ ترکها و هو یتحقق بأول ترکها).((1))
ص: 412
((1))
بیان ذلک أنّ المطلوب صرف الوجود «و هو ناقض العدم الکلی و طارد العدم الأزلی بحیث ینطبق علی أول الوجودات - و نقیضه عدم ناقض العدم [الکلی] و هو بقاء العدم الکلی علی حاله - فلازم مثل هذا الوجود تحقق الطبیعة بفرد و لازم نقیضه انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.» ((2))
«إنّ طارد العدم الکلی لا مطابق له فی الخارج، لأنّ کل وجود یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره، فأول الوجودات أول ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأول و لازم هذا العدم الخاص [أی عدم الوجود الأول] بقاء سائر
ص: 413
الأعدام علی حالها، فإنّ عدم الوجود الأول یستلزم عدم الوجود الثانی و الثالث و هکذا لا إنّه عینها [فعلی هذا لازم عدم الوجود الأول هو عدم سائر الوجودات و معناه بقاء العدم الکلی الأزلی]».
إن قلنا بأنّ الطبیعة أُخذت مهملة فیکون متعلق الأمر صرف وجود الطبیعة و متعلق النهی صرف ترک الطبیعة و هو یتحقق بأول أفراد الترک فلا ملزم للاجتناب عن سائر الأفراد.
و إن قلنا بأنّ الطبیعة المنهی عنها هو أول الوجودات من الطبیعة فیلاحظ علیه:
أولاً: أنّه ما الدلیل علی تقیید الطبیعة بقید أول الوجودات فی مقام الإثبات؟
ثانیاً: أنّه یلزم من ذلک عدم بقاء النهی فی ما إذا خولف فی أول وجود الطبیعة.
ثالثاً: أنّ النهی لم یتعلق بالطبیعة و لا بأفرادها بل تعلق بأول فرد منها فلا محل لقولهم: انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.
الطبیعة عرفاً، و الباعث علی النهی المفسدة المترتبة علی الفعل فتقتضی الزجر عن کل ما فیه المفسدة.»
فالنتیجة أنّ المصلحة فی طرف الأمر قائمة بالوجود الواحد من وجودات الطبیعة أما المفسدة فی طرف النهی فقائمة بمطلق وجود الطبیعة إلا إذا قامت القرینة علی خلاف ذلک.
((1))فی توضیح هذه النظریة:
«إنّ قیام مصلحة [أو مفسدة] بطبیعة فی مقام الثبوت و الواقع یتصور علی [أربع] صور: الأُولی أن تکون المصلحة قائمة بصرف الوجود [العموم البدلی] الثانیة أن تکون قائمة بمطلق الوجود علی نحو العموم الاستغراقی الثالثة أن تکون قائمة بمجموع الوجودات علی نحو العموم المجموعی الرابعة أن تکون قائمة بعنوان بسیط متولد من هذه الوجودات الخارجیة. هذا کله بحسب مقام الثبوت» و فی مقام الإثبات إطلاق الأمر یقتضی القسم الأول و إطلاق النهی یقتضی القسم الثانی.
((2))
«إنّ هذا الفرق أخص من المدعی فإنّه لایثبت التفرقة بین الأمر و النهی مطلقاً و علی وجهة نظر جمیع المذاهب، حیث إنّه یرتکز علی وجهة نظر مذهب
ص: 415
من یری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها و لایجری علی وجهة نظر مذهب من لایری التبعیة کالأشاعرة، فإذن لایجدی مثل هذا الفرق أصلاً.»
إنّ الحق عند الإمامیة تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد و لا عبرة بالمبانی الفاسدة فی أُصول فقهنا.
«إنّ هذا الفرق و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّه لا طریق لنا إلی إحرازه مع قطع النظر عما هو مقتضی إطلاق الأمر و النهی بحسب المتفاهم العرفی و مرتکزاتهم و ذلک لما ذکرناه غیر مرة من أنّه لا طریق لنا إلی ملاکات الأحکام مع قطع النظر عن ثبوتها.
و علی هذا الضوء فلایمکننا إحراز أنّ المفسدة فی المنهی عنه قائمة بمطلق وجوده و المصلحة فی المأمور به قائمة بصرف وجوده مع قطع النظر عن تعلق النهی بمطلق وجوده و تعلق الأمر بصرف وجوده ...»
((1))
إنّ المرتکز فی الأذهان فی ما إذا لم تقم قرینة علی خلاف ذلک هو أنّ المصلحة الداعیة إلی جعل الحکم و بعث المکلف مترتبة علی صرف وجود الفعل و
ص: 416
المفسدة الموجبة لزجر المکلف مترتبة علی جمیع الوجودات، فإذا أراد من الأمر و النهی غیر ذلک فلابدّ أن ینصب الشارع قرینة علی مراده، و هذا الارتکاز مستند إلی الغلبة و أین هذا من مسألة کشف ملاکات الأحکام؟
((1))
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان و هو مستند إلی الغلبة و لکن الحق عدم ثبوت هذه الغلبة بل المطلوب فی الأوامر الندبیة هو جمیع الوجودات؛ فإنّ جمیع الفضائل التی تعلق بها البعث فی الشریعة تکون مصلحتها فی مطلق وجوداتها لا فی صرف وجودها مثل ذکر الله و إکرام المؤمن و إکرام العالم و تحصیل العلم.
إنّ المدعی غلبة نشوء النواهی العرفیة عن المفسدة لا النواهی الشرعیة و غلبة کون المفسدة انحلالیة بعدد الأفراد.
ص: 417
إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان سواء کان منشأ الارتکاز هو الغلبة أم أمراً آخر، فالإشکال فی ثبوت الغلبة لایضر بما أفاده (قدس سره) ما لم یشَک فی هذا الأمر الارتکازی.
یمکن أن یقال: إنّ الأمثلة المذکورة لایضر بالغلبة حیث إنّ فی تلک الموارد الخاصة دلت القرائن الکثیرة علی مطلوبیة مطلق وجودات الطبیعة، دون سائر الأفعال الندبیة سواء کانت مقیدة بالزمان المخصوص مثل أکل الرمان لیلة الجمعة أم غیر مقیدة مثل أکل خبز الشعیر.((1))
نحوها فلایعقل أن یراد من المکلف إیجاد تلک الطبیعة بکل ما یمکن أن تنطبق علیه هذه الطبیعة فی الخارج بداهة استحالة ذلک علی المکلف و أنّه لایقدر علی إیجادها کذلک، هذا من ناحیة، و من ناحیة أُخری إنّ الأمر المتعلق بها مطلق و غیر مقید بحصة خاصة من مرة أو تکرار أو غیرهما.
فالنتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هو جواز الاکتفاء فی مقام الامتثال بإیجاد فرد من أفرادها أراد المکلف إیجاده فی الخارج.
و ذلک لأنّه بعد استحالة أن یکون المطلوب منه هو إیجاد جمیع أفرادها فی الخارج من العرضیة و الطولیة ضرورة عدم تمکن المکلف من ذلک و تقییدُه بحصة خاصة منها دون أُخری یحتاج إلی دلیل یدل علیه و حیث لا دلیل فی البین فلا مناص من الالتزام بأنّ قضیة الإطلاق هی أنّ المطلوب صرف وجودها فی الخارج.
أو فقل: إنّ المطلوب لایمکن أن یکون جمیع وجودات الطبیعة و بعضُها دون بعضها الآخر یحتاج إلی دلیل، و عند فرض عدمه لا محالة کان المطلوب هو إیجادها فی ضمن فردٍما المنطبق فی الخارج علی أول وجوداتها؛ غایة الأمر یتخیر المکلف فی مقام الامتثال فی تطبیقها علی هذا أو ذاک.
و هذا بخلاف النهی فإنّه إذا ورد علی طبیعة لیس المراد منه حرمان المکلف عن فردٍما منها ضرورةَ أنّ الحرمان منه حاصل قهراً، فالنهی عنه تحصیل للحاصل و هو محال. هذا من جانب؛ و من جانب آخر إنّه لم یقید النهی عنه بحصة خاصة منها بحسب الأفراد العرضیة أو الطولیة، فالنتیجة علی ضوءهما هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت فیه بمقدمات الحکمة هو منع المکلف و حرمانه
ص: 419
عن جمیع أفرادها الدفعیة و التدریجیة ...
و بکلمة واضحة إنّ السبب الموضوعی لاختلاف نتیجة مقدمات الحکمة إنّما هو اختلاف خصوصیات الموارد؛ ففی موردٍ لخصوصیة فیه تنتج مقدمات الحکمة الإطلاق الشمولی و فی مورد آخر لخصوصیة فیه تنتج الإطلاق البدلی مع أنّ الموردین یکونان متحدین بحسب الموضوع و المتعلق. مثلاً فی مثل قوله تعالی: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)((1)) تنتج المقدمات الإطلاق الشمولی ببیان أنّ جعل الطهور لفردٍما من الماء فی العالم لغو محض فلایصدر من الحکیم فإذن لا محالة یدور الأمر بین جعلِه لکل ما یمکن أن ینطبق علیه هذا الطبیعی فی الخارج و جعلِه لخصوص حصة منه کالماء الکر مثلاً أو الجاری أو نحو ذلک؛ و حیث إنّه لا قرینة علی تقییده بخصوص حصة خاصة فلا محالة قضیة الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هی إرادة الجمیع فإنّ الإطلاق فی مقام الإثبات کاشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت بقانون تبعیة المقام الأول للثانی [أی الإثبات للثبوت] و أما فی مثل قولنا: جئنی بماء فتنتج المقدمات [أی مقدمات الحکمة] الإطلاق البدلی [لعدم إمکان إرادة الإطلاق الشمولی] ...»
((2))
قال (قدس سره) : «فی موارد متعلقات الأوامر ما أُفید غیر کاف للانتهاء إلی البدلیة و ذلک لأنّنا إذا بنینا علی عدم شرطیة القدرة فی الخطاب أصلاً و افترضنا أنّه شرط
ص: 420
فی مقام الامتثال فقط - کما ادعاه الأُستاذ فی بحث الترتب و إن لم أعهد منه التفریع علیه فی مورد أصلاً - فلا مانع من إطلاق الخطاب لکل أفراد المتعلق؛ غایة الأمر أنّ الامتثال اللازم بحکم العقل یختص بالمقدور منها.
و أما إذا قلنا بأنّ شرطیة القدرة بحکم العقل فحیث إنّ هذا المقید لبی کالمتصل فلاینعقد إطلاق لغیر المقدور من أفراد المتعلق ... و کذلک الحال لو قلنا بأنّ الخطاب یقتضی تقیید المادة بالمقدور منها بل الحال علی ذلک أوضح کما لایخفی.»
((1))
إنّ جمیع الوجودات غیر مقدور و لا معین لمرتبة صرف الوجود من بین سائر المراتب فیلزم إجمال الدلیل و المرجع حینئذ هو الأصل العملی.
((2))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تعلق النهی بصرف الترک تحصیل للحاصل مخالف لما أفاده فی موضع آخر من أنّ المصلحة قد یتصور فی الترک بأن تکون إما فی صرف الترک بنحو العموم البدلی أو فی جمیع التروک بنحو العام الاستغراقی أو فی مجموع التروک بنحو العام المجموعی أو فی المسبب عن جمیع التروک؛ و الطلب یتعلق
ص: 421
بهذه الأقسام الأربعة لوجود المصلحة فیها و من هذه الأقسام تعلق الطلب بصرف الترک.
((1))
إنّ حقیقة القدرة هی أنّه إن شاء فعل و إن لم یشأ لم یفعل فإذا لم یکن الفعل مقدوراً فترکه أیضاً غیر مقدور؛ و حینئذ إن کان جمیع الوجودات غیر مقدور فجمیع التروک أیضاً لابدّ أن یکون غیر مقدور.
أنّ القول الصحیح من بین الأقوال هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو أنّ الإطلاق بمقدمات الحکمة یقتضی حصول امتثال الأمر بفرد واحد و امتثال النهی بترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.
ص: 422
ص: 423
ص: 424
سقوط النهی بالمعصیة
إذا ورد نهی و شک فی سقوطه بعد المعصیة فما مقتضی القاعدة؟
إنّ النواهی الشرعیة علی قسمین:
القسم الأول: قد تکون الطبیعة بصرف وجودها منهیاً عنها بحیث لو خولف فلایبقی النهی مثل التکلم فی الصلاة.
القسم الثانی: قد یکون کل فرد فرد من أفراد الطبیعة منهیاً عنه بحیث لو خولف بعض الأفراد یبقی النهی بالنسبة إلی سائر وجودات الطبیعة مثل شرب الخمر.
فإذا ورد النهی و شککنا أنّه من أی القسمین فهل یسقط هذا النهی بعد المعصیة أو لا؟ هنا ثلاث نظریات:
قال (قدس سره) :إنّ مقتضی القاعدة هو بقاء النهی بعد المعصیة عند وجود الإطلاق
ص: 425
من هذه الجهة فحیث لم یقید النهی بالمرّة و غیرها نتمسک بإطلاقها و نحکم ببقائها بعد المعصیة، فإنّ مقتضی أصالة الإطلاق بقاء النهی مطلقاً عصی أم لم یعص، و معنی ذلک تعلق النهی بالطبیعة بنحو العموم الاستغراقی.
((1))
إنّه (قدس سره) تمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات أنّ متعلق النهی هو العموم الاستغراقی کما ذکرناه، فإذا تعلق النهی بکل فرد من أفراد الطبیعة لم یکن مانع من بقاء النهی علی حاله بواسطة عصیانه فی بعض متعلقه لأنّه فی الحقیقة نواه متعددة.
إنّه (قدس سره) یقول:((2)) إنّ المصلحة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متحصل من
ص: 426
الوجودات الخارجیة؛ و هکذا المصلحة تقوم بصرف ترک الطبیعة أو بتمام تروکها أو بمجموع تروکها أو بعنوان بسیط متولد من هذه التروک الخارجیة و مرجع هذه الصور الأربع إلی إیجاب الترک فلا حرمة حینئذ و إن کان الدلیل بصورة النهی، لأنّ النهی ینشأ من المفسدة اللزومیة لا المصلحة اللزومیة، و تروک الإحرام فی الحج من هذا القبیل فإنّها یجب ترکها لا إنّها یحرم فعلها؛ ثم إنّ المفسدة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متولد من الوجودات الخارجیة، و هکذا تکون المفسدة أیضاً إما فی صرف الترک و إما فی جمیع التروک و إما فی مجموع التروک و إما فی العنوان البسیط المتولد من التروک فهذه الصور کلها نهی حقیقةً و إن کان مبرزها صیغة الأمر.((1))
أما الأمر المتعلق بالترک فإما ضمنی متعلق بعدم إیجاد شیء فی العبادات [مثل النواهی الواردة عن لبس المیتة أو ما لا یؤکل لحمه أو النجس فی الصلاة فإنّها إرشاد إلی مانعیة هذه الأُمور و لاتدل علی الحرمة التشریعیة، فعلی هذا هذه النواهی لا تنشأ من وجود مفسدة ملزمة بل تقیید الصلاة بترک هذه الأُمور لأجل وجود مصلحة ملزمة فی الترک] ((2)) أو المعاملات و إما استقلالی متعلق
ص: 427
بعدم إیجاد شیء مستقلاً و تروک الإحرام من هذا القبیل.((1))
و نکتفی مما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بذکر مثال للأمر الاستقلالی المتعلق بالترک((2)) و هو مورد اضطرار المکلف إلی بعض أفراد الطبیعة فی ما إذا کان المطلوب ترکها فإنّ المصلحة إما فی صرف الترک فحینئذ یسقط التکلیف إذا کان الاضطرار مستوعباً لجمیع الوقت و لایسقط التکلیف إذا لم یکن الاضطرار مستوعباً و إما فی جمیع أفراد الترک فلایسقط التکلیف و إما فی مجموع التروک فیسقط التکلیف لانتفاء المجموع بانتفاء أحد أفراده و إما فی العنوان المسبب من التروک فیسقط التکلیف عند المعصیة لأنّه بالمخالفة لمورد واحد ینتفی حامل الغرض فلا غرض فلایبقی التکلیف.
((1))
إنّ الصورة الرابعة و هی قیام المصلحة بالمسبب من التروک غیر معقول لأنّ التروک العدمیة لایکون سبباً للأمر الوجودی.
((2))
إنّ الصورة الأُولی و هی تعلق الطلب بصرف الترک خلف لما أفاده (قدس سره) قبلاً من أنّ تعلق الطلب بصرف الترک تحصیل للحاصل.
((3))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تروک الإحرام فی الحقیقة لیست محرمات بل الحق فیه وجوب الترک لا حرمة الفعل مخدوش لأنّ قوله تعالی: (وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)((4))صریح فی الحرمة کما أنّ ظهور قوله تعالی: (لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )((5))هو الحرمة لظهور هیأة لاتفعل فی الحرمة، و المستفاد من
ص: 429
النصوص و ظواهر الروایات((1)) أیضاً حرمة هذه الأفعال لا وجوب ترکها.
ص: 430
ص: 431
ص: 432
فهرس العناوین تفصیلاً
البحث الأول: الأوامر
(و فیه تسعة فصول)
الفصل الأول: مادة الأمر
(و فیه خمسة أُمور)
الأمر الأول: معنی مادة «الأمر» (و الکلام فی مواضع ثلاثة) .......................... 19
البحث الأول: معنی «الأمر» لغةً و عرفاً ............................................... 19
المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی (هنا صورتان) .................................................. 21
المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (فهنا تسع نظریات) ...................................... 22
1.الطلب و الشأن و الشیء (و هو مختار العلامة القوچانی (قدس سره) ) ............................. 24
2.الطلب و الفعل و الشیء (و هو مختار المحقق المشکینی (قدس سره) ) ........................... 25
المنافشة علی النظریة الأُولی و الثانیة ......................................................... 25
3.الطلب و الشأن (و هو مختار صاحب الفصول (قدس سره) ) ........................................... 26
مناقشتان علی النظریة الثالثة: ................................................................... 26
4.الطلب و الشیء (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................................... 26
مناقشات ثلاث علی النظریة الرابعة: .......................................................... 26
5.الطلب و الفعل (و هو مختار المحقق البروجردی (قدس سره) ) ....................................... 31
إیرادات ثلاثة علی النظریة الخامسة: .......................................................... 32
6.الطلب و ما هو أخص من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق العراقی و الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین) 34
ص: 433
ملاحظتان علی النظریة السادسة: ............................................................... 35
7.إبراز الاعتبار النفسانی و ما هو أخصّ من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 36
مناقشة بعض الأساطین علی النظریة السابعة: ............................................ 37
8.الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) ................. 37
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................ 38
المناقشة الأُولی علی النظریة الثامنة: ما ذکره المحقق الخوئی و الصدر (قدس سرهما) 38
المناقشة الثانیة علی النظریة الثامنة: ما ذکره بعض الأساطین ............... 39
المناقشة الثالثة .................................................................................... 39
9.الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الروحانی (قدس سرهما) ) 39
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 39
مناقشات أربع علی النظریة التاسعة: ................................................... 41
الملاحظة الأُولی: ما ذکره المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 41
جواب عن الملاحظة الأُولی .................................................................. 42
الملاحظة الثانیة: .................................................................................. 43
جوابان عن الملاحظة الثانیة: ................................................................ 43
الملاحظة الثالثة ................................................................................... 44
الملاحظة الرابعة .................................................................................. 45
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة: ....................................... 45
ملاحظتان علی بیان المحقق الإصفهانی .................................................. 46
البحث الثانی: معنی «الأمر» اصطلاحاً .................................................. 46
نظریة المشهور: إنّ الأمر اصطلاحا حقیقة فی القول المخصوص أی صیغة الأمر 48
الإیراد الأول علی نظریة المشهور ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................ 48
جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ...................................................... 48
رد المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الجواب .................................................................... 49
ملاحظتنا علی هذا الرد .................................................................................. 50
الإیراد الثانی علی نظریة المشهور: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................. 50
البحث الثالث: مقتضی الأصل العملی .................................................. 52
نظریة صاحب الکفایة .................................................................. 52
نظریة بعض الأساطین: ................................................................. 52
ص: 434
الأمر الثانی: فی اعتبار العلوّ و الاستعلاء (الحق اعتبار العلو و عدم اعتبار الاستعلاء) .......... 53
الأمر الثالث: دلالة مادّة «الأمر» علی الوجوب (هنا نظریات سبع) .................... 55
النظریة الأُولی: مادّة الأمر حقیقة فی الندب .......................................... 56
إیرادان من المحقق الوحید علیه: .................................................... 56
النظریة الثانیة: الإشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب (استدل علیه بوجهین) . 56
الوجه الأول ............................................................................... 57
إیرد علیه .................................................................................. 57
الوجه الثانی ............................................................................... 57
إیراد بعض الأساطین علیه ............................................................ 57
النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب (و استدل علیه المحقق الخراسانی بوجوه ثلاثة) 58
الوجه الأول: التبادر ..................................................................... 58
الإیراد علیه بمنع التبادر ................................................................................. 58
الوجه الثانی: .............................................................................. 58
الوجه الثالث: ............................................................................ 59
الطریق الأول للتمسک بالأیتین علی الوضع للوجوب عن المحقق العراقی (قدس سره) . 60
إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علی الاستدلال بهذا البیان: .................................. 61
الطریق الثانی للتمسک بالأیتین عن بعض الأساطین...................................... 61
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 62
بیان بعض الأساطین للاستدلال: .................................................................... 62
إیراد بعض الأساطین علی الاستدلال بهذا البیان: .................................... 63
النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب ......................................... 66
الإیراد الصغروی عن المحقق العراقی علیه بکثرة استعمال الأمر فی المستحب 66
الإیراد الکبروی ........................................................................... 66
النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة (و نذکر لهذا القول ستة تقریرات) .. 67
الف) التقریر الأوّل: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 67
ب) التقریر الثانی: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) أیضاً (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال) 67
إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علی هذا التقریر: ....................... 68
الإیراد الأول: (نقضاً) ............................................................... 68
الإیراد الثانی: (حلاً) ................................................................. 69
ص: 435
الإیراد الثالث: ...................................................................... 69
ج) التقریر الثالث: ما ذکره المحقق البروجردی (قدس سره) ................................. 70
إیرادات أربع من بعض الأساطین علیه: ....................................... 72
الإیراد الأول .......................................................................... 72
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 72
الإیراد الثانی .......................................................................... 72
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 73
الإیراد الثالث ........................................................................ 73
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 74
الإیراد الرابع: ........................................................................ 74
د) التقریر الرابع: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) ( و هو یترکب من مقدمتین) ... 75
الإیراد الأول علی هذا التقریر (من المحقق الصدر (قدس سره) ) ...................... 76
إیراد الثانی علی هذا التقریر .................................................... 76
ه- ) التقریر الخامس: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ............................ 76
إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه ........................................................ 77
و) التقریر السادس: ما اختاره المحقق الصدر (قدس سره) ................................... 77
ملاحظتنا علیه ....................................................................... 77
ز) التقریر السابع: و هو المختار ..................................................... 78
التحقیق أنّ هنا ثلاث مراتب: ........................................................ 78
الأُولی: مرتبة مبادی الحکم (فیها بیان بطلان التقریر الأول) .................. 78
الثانیة: مرتبة الحکم الاعتباری (فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس) ... 79
الثالثة: مرتبة إبراز الحکم (فیها نبین الحق فی التقریر) ............................ 80
النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب (أفاده المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 81
بیان المحقق النائینی (قدس سره) : .................................................................. 82
إیرادات أربعة علی هذا البیان: .................................................. 82
الإیراد الأول: أفاده بعض الأساطین .............................................. 82
الإیراد الثانی: أفاده بعض الأساطین أیضاً ....................................... 83
الإیراد الثالث: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 83
الإیراد الرابع: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ...................................... 84
ص: 436
ملاحظة علی الإیراد الرابع ................................................... 84
النظریة السابعة: السیرة العقلائیة (اختاره بعض الأساطین) ...................... 85
مقتضی التحقیق ......................................................................... 89
الأمر الرابع: فی النسبة بین «الأمر» و «الطلب» (و فیها أقوال أربعة) ............ 91
القول الأول: الأمر مطلق الطلب ......................................................... 91
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ........................................................ 91
القول الثانی: الأمر الطلب بالقول (و قد استدل علیه بوجهین) ................... 92
الوجه الأوّل: الإجماع المنقول ......................................................... 92
إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ................................................... 92
الوجه الثانی: آیة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ........... 92
إیراد علی هذا الوجه .............................................................. 93
القول الثالث: الأمر الطلب المنشأ (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) ................... 94
القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر ...................... 95
إیراد علیه ................................................................................. 95
القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة ................... 95
إیراد علیه ................................................................................. 95
القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر (هو القول المختار) ...... 95
الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة (فیه تنبیهان) ..................... 97
هل یتحد معناهما أو لا؟ فیه محاولتان ................................................. 97
المحاولة الأُولی: الاتحاد (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 97
المحاولة الثانیة: التغایر (و هنا نظریات) ........................................ 98
النظریة الأُولی: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................. 98
النظریة الثانیة: نظریة المختارة ................................................. 98
النظریة الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و اختارها المحقق الخوئی (قدس سره) ........ 99
النظریة الرابعة: نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) .............................. 100
یلاحظ علیه ................................................................... 101
النظریة الرابعة: نظریة الأشاعرة (واستدلّوا علیها بوجهین) ........... 101
الوجه الأوّل: الطلب موجود فی الأوامر الامتحانیة دون الإرادة .. 104
ص: 437
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الطلب الإنشائی و الحقیقی 105
الوجه الثانی: التکلیف و الطلب الحقیقی تعلّق بإیمان الکفار دون الإرادة 105
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الإرادة التشریعیة و التکوینیة 106
تنبیهان للتحقیق التام حول نظریة الأشاعرة ............................. 108
التنبیه الأوّل: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة (فیه مطلبان) ................ 108
المطلب الأوّل: فی الإرادة التکوینیة (فیه جهتان) ............................. 110
الجهة الأُولی: معنی الإرادة .................................................... 110
بیان الحکیم الزنوزی (قدس سره) .......................................................
110
بیان المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................... 112
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................... 112
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 113
الجهة الثانیة: الإرادة الإلهیة (و هی قسمان) ............................ 115
الف) الإرادة الذاتیة ........................................................ 115
القول الأوّل: العلم بالنظام الأحسن (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 118
بیان المحقق الإصفهانی فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم 118
القول الثانی: ابتهاجه ورضاه تعالی بذاته (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 119
ب) الإرادة الفعلیة (و لها تفسیرات ثلاثة) ........................... 120
التفسیر الأوّل: ابتهاجه و رضاه بفعله تعالی (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 120
ملاحظتنا علی هذا البیان ........................................ 121
التفسیر الثانی: إعمال القدرة و التصدی نحو الشیء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) 121
یلاحظ علیه ......................................................... 121
التفسیر الثالث: الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء ....... 122
ص: 438
المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة (و لها تفسیران) ........................ 123
التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .. 123
بیان المحقق الإصفهانی لغویة الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر ...... 123
التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة (الحق ثبوت الإرادة التشریعیة) 124
التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین (لهذه النظریة تقریرات نشیر إلی أربعة منها) 127
التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الطوسی فی التجرید .......................... 130
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) (و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........ 131
ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 132
التقریر الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) (یبتنی علی مقدمتین) ........ 137
المقدمة الأُولی: للمجعول بالذات خصیصتان ................................ 138
الخصصیة
الأُولی: إنّه عین الربط ......................................... 138
الخصیصة الثانیة: له انتسابان إلی الفاعل و القابل ..................... 138
المقدمة الثانیة: تبعیة أثر هذا المجعول بالذات لمؤثره فی هاتین الخصیصتین 139
التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات .......................... 141
ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 141
دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینیة الإلهیة بأفعال العباد ................. 143
الفصل الثانی: صیغة الأمر (و فیه سبعة أُمور): / 145
الأمر الأوّل: معنی صیغة الأمر (فیه أقوال نذکر منها سبعة): ..................... 147
القول الأوّل: الترجی و التمنی و التهدید و غیر ذلک ............................. 147
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه ...................................................... 149
القول الثانی: إنشاء الطلب (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 149
إیرادان علی هذا القول (أفادهما بعض الأساطین) ........................... 149
القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (اختاره المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 150
إیراد علیه ............................................................................... 151
القول الرابع: النسبة الإرسالیة الإیقاعیة (اختاره المحقق العراقی (قدس سره) ) .......... 151
إیراد علیه ............................................................................... 152
ص: 439
القول الخامس: النسبة البعثیة (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .................... 152
القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) .. 152
إیرادان من بعض الأساطین علیه ................................................. 153
القول السابع: إبراز النسبة البعثیة (اختاره المحقق الوحید) ................... 154
ملاحظتنا علی هذا القول ........................................................... 154
الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث (و الکلام فی موضعین): .............. 157
الموضع الأوّل: معناها (و فیه نظریات ثلاث) ...................................... 157
النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) و بعض الأساطین ........... 158
النظریة الثانیة: أفادها المحقق العراقی (قدس سره) (و لها تقریبان): ................. 158
التقریب الأوّل .................................................................... 158
التقریب الثانی ..................................................................... 159
ملاحظتنا علیهما .................................................................. 160
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 160
إیراد بعض الأساطین علیها .................................................... 161
الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب ................................................... 161
الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی ............................................ 161
مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی .................................. 164
مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی (هنا أربعة مباحث) ........................ 167
المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأوّل (ما لایعتبر فیه المباشرة) 167
أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان) .................................... 167
القول الأوّل: مقتضی الإطلاق کون الواجب توصلیاً (و هو المنسوب إلی المشهور) 167
القول الثانی: مقتضی الإطلاق کون الواجب تعبدیاً (و هو المختار المحقق النائینی و الخوئی و الصدر) 167
بیان المحقق الخوئی ......................................................... 168
أما مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات): ................................. 170
النظریة الأولی من المشهور ............................................... 170
النظریة الثانیة من المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 170
یلاحظ علیه .............................................................. 170
ص: 440
النظریة الثالثة تفصیل السید الصدر فی المقام ....................... 171
یلاحظ علیه .............................................................. 171
المبحث الثانی: مقتضی الأصل التوصلی علی المعنی الثانی (ما لا یعتبر فیه الالتفات و الاختیار) 173
أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان): .................................... 173
القول الأول: مقتضی الإطلاق سقوط الواجب إذا صدر الفعل بغیر اختیار (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 173
القول الثانی: مقتضی الأصل عدم سقوط الواجب إلّا إذا صدر باختیار المکلف (و الأدلة علیه أربعة): 173
الف) الدلیل الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ....................... 173
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................... 174
ب) الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً .................. 175
إیرادات ثلاثة علیه: ...................................................... 175
الإیراد الأول و الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................... 175
الإیراد الثالث: ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................. 176
ج) الدلیل الثالث: ما قرّره المحقق الخوئی (قدس سره) بناء علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 176
إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه: ............................................. 177
د) الدلیل الرابع: ......................................................... 177
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: ............................................. 178
أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 179
الف) القول الأوّل: الاستصحاب (أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 179
ب) القول الثانی: البراءة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) .................... 179
المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث (ما لا یعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ) و متعلق الحرمة علی قسمین: 180
القسم الأوّل: أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب: ....... 180
أما مقتضی الأصل اللفظی ..................................................... 180
بیان أنّ مقتضی الإطلاق التعبدیة .............................................. 180
أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 181
ص: 441
الف) القول الأوّل: الاستصحاب .......................................... 181
ب) القول الثانی: البراءة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........... 181
القسم الثانی: أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب (و فی مسألة اجتماع الأمر و النهی إمّا نقول بالامتناع و إمّا نقول بالجواز(ففی الجواز قولان) ............................................ 182
الف) القول الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................. 182
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: .................................................. 183
بیان المحقق الصدر (قدس سره) لهذا الإیراد ........................................... 183
ب) القول الثانی: (و هو المختار) ........................................... 183
المبحث الرابع: الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (فیه مقدمة و الکلام فی ثلاث نواحی و تنبیه) 185
تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (هنا تعاریف ثلاثة): ....... 185
التعریف الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................... 185
إیراد المحقق الإصفهانی علیه ........................................... 185
جوابان من المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ........................ 186
ملاحظتنا علی هذین الجوابین: ........................................ 187
التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 187
ملاحظتنا علی هذا التعریف: .......................................... 187
التعریف الثالث: ما لا یعتبر فی صحته قصد القربة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) 188
مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع ...................................... 189
المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة ..................................... 189
الوجه الأوّل: قصد الأمر (و البحث من جهتین) ........................ 189
الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر؟(نتکلم فیها فی مراحل أربع مع ذکر تتمّة) 190
المرحلة الأُولی: تصور الآمر هنا إشکال واحد ........................ 190
إشکال الدور ........................................................ 191
جوابان عن هذا الإشکال ......................................... 191
الجواب الأول: ما أفاده المحقق المشکینی ..................... 191
ص: 442
ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب ................................ 191
الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ........................ 192
المرحلة الثانیة: الإنشاء (هنا إشکالات خمسة): ..................... 192
1- الدور ............................................................. 192
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................... 193
2- اجتماع المتقابلین (تقدم ما هو متأخر بالطبع) .......... 193
جواب المحقق الإصفهانی عنه ................................. 193
ردّ المحقق العراقی و الوحید لهذا الجواب ................. 194
3- تقدّم الشیء علی نفسه (ما أفاده المحقق النائینی) ..... 194
جواب المحقق الخوئی عنه: .................................... 195
ردّ بعض الأساطین: ............................................. 197
4-کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 198
جواب عنه ....................................................... 198
5- التسلسل ........................................................ 199
المرحلة الثالثة: الفعلیة (هنا إشکالات أربعة) ....................... 199
الإشکال الأول و الثانی و الثالث ................................. 199
الجواب عن هذه الثلثة (ما ذکرنا فی المرحلة السابقة) ...... 199
الإشکال الرابع: تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحظقق النائینی) 200
جواب عنه .......................................................... 200
المرحلة الرابعة: الامتثال (هنا إشکالات ثلثة) ....................... 200
1- التکلیف بما لایطاق (أفاده المحقق الخراسانی) ........... 200
2- تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحقق النائینی) .......... 201
3- کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (قرّره بعض الأساطین) 201
تتمّة: بیانان لاستحالة أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر و إمکانه . 202
البیان الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) .................................... 202
إیراد بعض الأساطین علیه .................................................. 203
البیان الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) ............... 203
إیرادان من بعض الأساطین علی هذا البیان ....................... 205
جواب عن الإیراد الثانی: (ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات) ... 206
ص: 443
ردّ لهذا الجواب ................................................................. 207
الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان): 209
المسألة الأُولی: تقابل الإطلاق و التقیید (هنا قولان): .............. 209
القول الأوّل: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی و بعض الأساطین) 209
بیان هذا القول ................................................... 210
القول الثانی: التضاد فی مقام الثبوت و الملکة و عدمها فی مقام الإثبات (و هو المختار المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ) 210
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا القول ................................ 210
المسألة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یمکن الإطلاق أو یستحیل؟ (تکلم فیها علی القولین فی المسألة السابقة) 212
أمّا علی القول الأوّل: فبحسب مقام الثبوت (هنا قولان): ..... 213
1- الملازمة بین استحالة التقیید و استحالة الإطلاق (اختاره المحقق النائینی) 213
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ....................................... 213
2- عدم الملازمة (اختاره المحقق الخوئی) ........................ 213
و بحسب مقام الإثبات (قال بعض الأساطین: لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق) 215
ملاحظتنا علی هذا القول ......................................... 215
و أمّا علی القول الثانی: ........................................... 216
الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته (هنا إشکالات خمسة): 218
الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی ........................... 218
جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................... 218
الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ............................. 218
جوابان من المحقق الخوئی عنه: ....................................... 219
جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 220
الإشکال الثالث: الدور (أفاده المحقق البروجردی) ................. 221
جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 221
ص: 444
الإشکال الرابع: عدم إمکان الامتثال (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 222
جواب عنه: ................................................................ 222
الإشکال الخامس: لزوم التسلسل (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 223
الجواب عنه هو الجواب عن الإشکال السابق ..................... 223
الوجه الخامس: قصد الجامع و هو الانتساب إلیه تعالی (مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 224
إشکال: فی الوجه الخامس .............................................. 224
جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................ 225
الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة (و هو المنسوب إلی المیرزا الشیرازی) 226
إشکال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................... 226
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عنه ............................................ 227
المورد الثانی: نتیجة الإطلاق .................................................... 228
بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی ............... 228
إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا البیان: ..................... 228
أجوبة خمسة عن الإیراد الثانی: .......................................... 229
الجواب الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 229
ردّ لهذا الجواب: .......................................................... 229
الجواب الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً ...................... 229
ردّ لهذا الجواب: (أفاده المحقق الروحانی (قدس سره) ) .......................... 230
الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الأوّل من الإیراد 230
مناقشة المحقق الؤصفهانی فی الشق الأول ........................... 230
ملاحظة علی هذا الجواب: أفادها
المحقق الروحانی (قدس سره) ............. 231
الجواب الرابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی من الإیراد 232
الجواب الخامس: ما أفاده بعض الأساطین فی الشق الثانی ........ 233
ملاحظتنا علی هذا الجواب ............................................. 233
ص: 445
المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی ..................................... 234
قال بعض الأعلام: إنّ مقتضاه التعبدیة (و استدل علی ذلک بوجوه ثلثة) ... 234
الوجه الأول: قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234
إیرادان علی هذا الوجه (ما أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ...................... 235
الوجه الثانی: قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللَّهَ) الآیة .............................. 236
إیراد علیه ....................................................................... 237
الوجه الثالث: قولهم: (علیهم السلام) «إنّما الأعمال بالنیات» و... ..................... 237
إیراد علیه: ...................................................................... 238
مقتضی الأصل المقامی (و له تقریران): ......................................... 238
التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................. 240
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بتبع الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..... 240
مقتضی الأصل العملی (هنا مسألتان): .......................................... 241
المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ لایجری (نذکر بیانین لعدم الجریان) 243
الف) البیان الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................... 243
إیراد الإول من بعض الأساطین علیه: ................................. 244
ملاحظتنا علی هذا الإیراد: .............................................. 244
الإیراد الثانی من بعض الأساطین علیه أیضاً .......................... 245
ب) البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ................................ 245
المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ (فیه قولان) ........... 246
الف) القول الأوّل: جریان الاشتغال (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) .... 246
ب) القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة (اختاره المحقق النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین) 246
ج) و التحقیق جریان البراءة الشرعیة و العقلیة ........................ 247
التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ ................... 249
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : ............................................................................. 249
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه .................................................... 249
جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ......................................... 249
ملاحظتنا علی هذا الجواب ...................................................... 249
ص: 446
الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة (و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمّها و یخصّ کل واحد منها فهنا بحثان) ........................................................................................... 251
البحث الأوّل: ............................................................................... 251
نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 251
إیراد المحقق الإصفهانی علیها ...................................................... 252
جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: .......................................... 252
البحث الثانی: (و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث) ......................................... 254
الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری ..................................... 254
استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین ............................... 254
الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری ................................. 254
الأقوال فی حقیقته الوجوب التخییری ثلثة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب التعیینی 254
الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی ...................................... 256
الوجوه فی حقیقة الوجوب الکفائی أربعة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب العینی 257
الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر (هنا بحثان) ...................................... 257
البحث الأوّل: فی دلالته علی الوجوب ............................................... 259
أما ذکر الأقوال (و العمدة منها أربعة) ......................................... 259
تحقیق المسألة ......................................................................... 262
الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی ................................................. 264
بیان المحقق الوحید: یجری البراءة الشرعیة و العقلیة ...................... 264
الأمر السادس: المرّة و التکرار (فیه مقدّمتان و تنبیه) .............................. 265
المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرّة و التکرار (ههنا أقوال ثلثة): .................... 265
المقدمة الثانیة: فی انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع (الأحکام علی قسمین: تحریمیة و وجوبیة) 266
أمّا فی الأحکام التحریمیة فینحلّ الحکم بلا خلاف ........................... 266
و أمّا فی الأحکام الوجوبیة فقال المحقق الخوئی (قدس سره) : فیه تفصیل ............. 266
إیراد بعض الأساطین: ........................................................... 266
البحث الأوّل: فی دلالة الصیغة علی المرّة أو التکرار .......................... 267
ص: 447
أما الدلالة بالوضع ............................................................... 267
أما الدلالة بالإطلاق .............................................................. 267
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی ............................................ 267
الحق جریان استصحاب عدم التکلیف ........................................ 267
تنبیه: الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ......................................... 268
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................... 268
إیراد الأول علی النظریة
الأُولی: عن المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .. 268
إیراد الثانی علی النظریة
الأُولی: عن محقق الصدر (قدس سره) : .................. 269
ملاحظتنا علی الإیراد الثانی ..................................................... 269
النظریة الثانیة: لامجال للامتثال ثانیاَ (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) .......... 270
الأمر السابع: الفور و التراخی (فیه مقدّمة) ........................................... 271
المقدّمة: فی أقسام الواجب من حیث الفور و التراخی ........................... 271
دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی: .................................................. 272
أما الدلالة بالوضع .................................................................... 272
أما الدلالة بالإطلاق ................................................................... 272
أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة (هی وجوه ثلاثة): ........................ 273
الوجه الأوّل: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) فی کتاب الصلاة .................... 273
إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علیه: .................................... 273
الوجه الثانی: ............................................................................ 274
إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................ 274
الوجه الثالث: قوله تعالی: (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) 275
إیرادات أربعة علی هذا الوجه: .............................................. 275
1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی .......................... 275
جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ................................ 276
2- الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی والحکیم و الخوئی .. 276
جواب المحقق الإصفهانی عنه: ............................................ 277
3- الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین 277
ص: 448
4- الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................ 278
مقتضی الأصل العملی (الأصل الجاری فی المسألة البراءة) ....................... 278
الفصل الثالث: تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد (و الکلام فی مقامین) / 279
المقام الأوّل: التحقیق فی المسألة (هنا نظریات أربع) ............................... 281
النظریة
الأُولی: متعلق الطلب الوجود السعی للطبیعة (أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 281
إیرادات أربعة علیها ................................................................. 282
ملاحظة علی الإیراد الأول ........................................................... 282
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الشاه آبادی (قدس سرهما) ..................... 284
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 284
بیان العلامة الشاه آبادی (قدس سره) : متعلق الطلب الطبیعة بغایة إیجادها ....... 284
إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة .................................................. 285
1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................. 285
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................................... 285
2- الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................... 286
3- الإیرادالثالث: .................................................................. 286
النظریة الثالثة: متعلق الطلب الطبیعة التی تلحظ بما هی خارجیة (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 286
ملاحظة علیها .......................................................................... 287
النظریة الرابعة: متعلق الأمر الفرد بمعنی وجود الطبیعة (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 287
بیان المحقق الإصفهانی ................................................................... 287
المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة (هنا بیانان) ........................................... 290
البیان الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة ........................ 290
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: یجوز اجتماع الأمر و النهی علی القولین ... 291
جوابان عن هذا الإیراد: ............................................................. 292
1- ما أفاده بعض الأساطین: ................................................. 292
ملاحظتنا علی هذا الجواب: ................................................... 292
ص: 449
2- ملاحظتنا علی هذا الإیراد .................................................. 293
البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة ........................... 296
الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 297
(و الکلام فی مقامات ثلاثة)
المقام الأوّل: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً (هنا تقریران للإمکان) ..................... 304
التقریر الأوّل: ماأفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................. 304
إیرادات ثلثة علی هذا التقریر: .................................................... 304
1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (و هو مبنائی) .................... 304
2- الإیراد الثانی: (و هو مبنائی أیضاً) ............................................. 305
3- الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین .................................. 309
التقریر الثانی: ............................................................................... 305
إیراد علی هذا التقریر ............................................................... 306
تتمّة ...................................................................................... 306
المقام الثانی: فی ذکر الأدلّة علی البقاء و عدمه ........................................ 307
استدلال علی البقاء فی کلام المحقق العراقی ........................................ 307
إیراد المحقق العراقی علیه: ........................................................ 310
إشکالان من بعض الأساطین علیه: ............................................... 310
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی (هل یجری الاستصحاب أو لا؟ هنا قولان) 312
القول الأوّل: جریان الاستصحاب (و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث) ..... 312
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ..................................... 312
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الحکیم (قدس سره) ...................................... 312
النظریة الثالثة ......................................................................... 313
القول الثانی: عدم جریانه (و هو نظریة المحقق الخراسانی) .................... 313
الفصل الخامس: الواجب التخییری /315
( فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ثمان)
النظریة الأُولی: الواجب الواحد المعین عند الله تعالی ................................. 317
ص: 450
إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علیها ................................................. 317
النظریة الثانیة: الواجب الواحد المعین الذی یختاره المکلف ......................... 317
إیرادات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................ 318
جواب عن الإیراد الرابع .................................................................. 319
النظریة الثالثة: کل من الأطراف واجب تعیینی ولکن یسقط الوجوب بفعل أحدها . 319
إیرادات خمسة علیها: .................................................................... 319
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی ............................................ 319
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 320
الإیراد الثالث و الرابع و الخامس: .................................................... 320
النظریة الرابعة: ما أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) (و فی کلامه فرضان أُورد علی کل منهما) ...... 321
إیرادات ثلاثة علی الفرض الأوّل: ....................................................... 322
1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 322
2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 324
3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 324
جواب عن هذا الإیراد: ......................................................... 325
إیرادات خمسة علی الفرض الثانی: .................................................... 325
1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 325
2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 325
جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326
3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 326
جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326
4- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 327
5- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................ 328
النظریة الخامسة: الواجب هو الفرد المردّد (أفادها المحقق النائینی (قدس سره) ) ............. 328
ملاحظتنا علیها (فی تعلق الإرادة و ما شابهما بالفرد المردد أقوال ثلاثة) .... 329
القول الأول: من الشیخ الأنصاری ................................................. 330
القول الثانی: مختار المحقق الخراسانی ........................................... 330
القول الثالث: من المحقق الإصفهانی و تبعه فیه بعض الأساطین ......... 331
ص: 451
النظریة السادسة: تفسیر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 332
ملاحظتان علیها ............................................................................ 333
النظریة السابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................... 334
إیرادات خمسة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها: ......................................... 336
الإیراد الأول ................................................................................. 336
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 336
الإیراد الثانی ................................................................................. 337
جوابان عن هذا الإیراد ................................................................... 337
الإیراد الثالث ............................................................................... 337
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 337
الإیراد الرابع ................................................................................ 338
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338
الإیراد الخامس ............................................................................. 338
جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338
النظریة الثامنة: الواجب جامع انتزاعی (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ................... 339
ملاحظتان علی هذه النظریة ........................................................... 342
تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر ........................................................ 344
بیان المحقق الخراسانی لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر ....................... 344
إیراد المحقق الخوئی علی هذا البیان ............................................. 344
الفصل السادس: الواجب الکفائی /347
(فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ستّ)
مقدّمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع بناء علی جمیع المبانی ........................... 349
النظریة الأُولی: المکلف الواحد المعین عند الله تعالی ................................... 349
إیراد علیها ................................................................................... 341
النظریة الثانیة: الوجوب المشروط .......................................................... 341
إیراد علیها ................................................................................... 341
النظریة الثالثة: المکلف الفرد المردّد ....................................................... 352
ص: 452
إیراد المحقق الإصفهانی علیها ........................................................... 352
النظریة الرابعة: الأمر متوجه إلی مجموع المکلّفین بنحو العام المجموعی .......... 352
إیرادان من المحقق الإصفهانی علیها: .................................................. 352
النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) .......................... 353
بیان المحقق الخراسانی: ................................................................... 353
إیراد المحقق الإصفهانی و بیانه: ........................................................ 353
النظریة السادسة: الموضوع صرف الوجود من المکلفین (أفادها المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما) ) و هنا بیانان: 354
البیان الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .............................................. 354
إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا البیان: ........................................ 355
البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................ 357
إیراد علی هذا البیان ................................................................. 358
الفصل السابع: الواجب الموسّع و المضیق /363
(فیه أُمور ثلثة)
الأمر الأوّل: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق(قد استشکل فی إمکان کلّ منهما) .... 363
الإشکال فی إمکان الواجب الموسّع (و هو المنقول عن العلامة (قدس سره) ) ............... 363
جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال: ........................................ 363
الإشکال فی إمکان الواجب المضیق .................................................... 365
جوابان من المحقق الخوئی عن هذا الإشکال ................................... 365
الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء (فیه مطالب أربعة) ................................... 367
المطلب الأوّل: الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ................................... 367
المطلب الثانی: تحقیق المسألة .......................................................... 369
إیراد المحقق الخوئی علی القول الثالث: ........................................ 369
نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 369
إیراد بعض الأساطین علیها ......................................................... 370
المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی (فیه وجهان) ............................ 372
ص: 453
الوجه الأوّل: جریان البراءة (مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ) 372
الوجه الثانی: جریان الاستصحاب (قال بإمکانه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) وله بیانان: 373
البیان الأوّل: استصحاب شخص الحکم ..................................... 374
إیراد بعض الأساطین علیه ................................................ 375
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ................................................. 375
البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم ......................................... 376
ملاحظة علیه ................................................................. 376
المطلب الرابع: ثمرة المسألة ............................................................. 377
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 377
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته 378
نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی: ..................................... 378
إیرادان من بعض الأساطین علیها ..................................................... 378
الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381
(و فیه بحثان)
البحث الأوّل: هل یکون ذلک أمراً بذلک الشیء؟ (فیه قولان) ........................... 383
القول الأوّل: ماأفاده بعض الأساطین..................................................
384
القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) .................................. 384
البحث الثانی: شرعیة عبادات الصبی ........................................................ 387
نظریة المحقق العراقی: .................................................................. 387
إیراد المحقق الخوئی علیها: ......................................................... 388
إیرادان من بعض الأساطین علیها ................................................. 389
الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر / 391
هل الأمر الثانی قبل امتثال الأمر الأوّل تأسیس أو تأکید؟ (للمسألة صور أربع) .. 393
ص: 454
البحث الثانی: النواهی / 395
(و فیه ثلاثة فصول)
الفصل الأوّل: معنی صیغة النهی / 397
(فیه خمسة أقوال)
القول الأوّل: طلب الکف (و هو منسوب إلی الفاضل الجواد (قدس سره) ) ........................ 391
القول الثانی: طلب الترک (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الروحانی) .... 391
إیرادان علی هذین القولین.................................................................
391
القول الثالث: الزجر (و هو مختار المحقق العراقی و الإصفهانی و البروجردی و الصدر و الوحید) 401
بیان بعض الأساطین ........................................................................ 402
القول الرابع: الکراهة (وهو مختار المحقق الحائری (قدس سره) ) ................................... 402
إیراد علی هذا القول: ....................................................................... 402
القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو الحرمة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 403
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................................ 403
إیراد بعض الأساطین: ....................................................................... 405
الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد / 407
(فی توجیه ذلک نظریات أربع)
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 409
إیراد المحقق الإصفهانی علیها .............................................................. 409
بیان المحقق الخوئی فی توضیح الإیراد .................................................... 411
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الفشارکی والحائری (قدس سرهما) ................................. 413
إیرادان علی هذه النظریة .................................................................. 413
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی علیها ......................................... 413
ص: 455
الإیراد الثانی ................................................................................... 414
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 414
بیان المحقق الخوئی فی توضیح هذه النظریة ............................................ 415
إیرادات ثلثة علیها: ..................................................................... 415
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................ 415
جواب عنه: .......................................................................... 416
الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ........................................... 416
جواب بعض الأساطین عنه: ...................................................... 416
الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 417
ملاحظات علی هذا الإیراد: ....................................................... 417
النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................. 418
إیرادات أربعة علیها: ........................................................................ 418
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الصدر ................................................ 418
الإیراد الثانی و الثالث و الرابع: ما أفاده بعض الأساطین .......................... 421
الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة / 423
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................ 425
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................ 426
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................... 426
إیرادات أربعة علیها (أفادها بعض الأساطین) .......................................... 428
ص: 456
(أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) 236
(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)................ 148
(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) 196, 266
(أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)........... 40
(أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)............. 148
(أَمْرُ فِرْعَوْنَ)...................... 44
(إِنَّ اللَّهَ یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)..... 65
(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) 92
(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) 36
(إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)........ 65
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)............ 195, 196
(جَاءَ أَمْرُنَا)....................... 94
(ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)............ 148
(فَاسْتَبِقُوا)...................... 278
(فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).............. 275
(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) 58, 65
(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)... 60
(قُلْ تَمَتَّعُوا)...................... 148
(کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)............ 148
(لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )...... 429
(لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 266
(لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ).............. 87
(مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)..... 60
(وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ).......... 88
(وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا) 61
ص: 457
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) 87
(وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) 104
(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ) 104
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)..... 420
(وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) 429
(وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ).... 275
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ) 44
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234
(وَمَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) 140
ص: 458
الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله : «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ) 88
اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ 134
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً 359
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا....................... 359
إِنَّ لِلَهِ إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ 126
إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ 383
إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ................ 238
حَتَّی یتَعَوَّدُوا..................... 389
سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ......................... 360
عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی
ص: 459
ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ» 342
عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ» 360
قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی إِعْجَاباً شَدِیداً فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ [ (علیه السلام) ]فَذَکَرْتُهَا لَهُ فَقَالَ [ (علیه السلام) ] :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال [ (علیه السلام) ] : فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ 64
قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ [ (علیه السلام) ]:”إِنَّ اللَّهَ یقُولُ:
(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباًکَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:إِنَّمَا قَالَ اللَهُ: (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوافَکَیفَ أَوْجَبَذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟ 87
قوله (صلی الله علیه و آله) :«لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ» 61,58
قوله (علیه السلام) : مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ.... 158
کُلُّ مَا تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ 380
لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ..... 127
لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ.................. 237
لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی................. 238
یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ 137
ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ. 358
ص: 460
رسول الله (صلی الله علیه و آله) ... 58, 124, 136, 359, 360
امیر المؤمنین (علیه السلام) ..................... 94
الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 87, 88, 134, 342, 358, 359, 360, 379, 380, 383
الامام الکاظم (علیه السلام) .................... 65
الامام الرضا (علیه السلام) .................... 126
الف
ابْنِ أَبِی عُمَیر................ 379, 383
أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّام.......... 360
أَبِی وَلَّاد......................... 358
أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی 134
أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّال... 360
إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّار.................. 359
الإصفهانی 28, 36, 39, 40, 44, 45, 46, 47, 48, 49, 52, 91, 94, 95, 98, 105, 112, 113, 115, 118, 119, 120, 122, 123, 124, 125, 130, 137, 143, 152, 154, 155, 163, 185, 187, 193, 198, 199, 200, 201, 203, 207, 208, 209, 210, 230, 232, 243, 244, 245, 246, 249, 252, 268, 269, 270, 272, 277, 285, 286, 287, 322, 325, 331, 333, 334, 336, 337, 339, 343, 349, 352, 353, 355, 373, 375, 400, 401, 402, 410, 413, 414, 417, 418, 422, 426
آقا علی المدرس................... 293
ص: 461
الإیروانی......................... 320
ب
البروجردی 31, 46, 70, 74,72, 78, 100, 150, 199, 221, 222, 223, 401
بعض الأساطین 29, 34, 39, 46, 56, 57, 61, 62, 68, 72, 82, 83, 85, 149, 153, 154, 158, 161, 163, 186, 189, 191, 192, 194, 197, 201, 203, 205, 207, 209, 215, 220, 221, 222, 233, 244, 245, 247, 249, 252, 262, 263, 264, 265, 266, 273, 274, 276, 277, 292, 302, 305, 310, 326, 327, 331, 334, 368, 370, 375, 378, 384, 389, 393, 402, 405, 416, 417, 421, 422, 428
ح
الحائری......... 273, 356, 402, 413
الْحَسَنِ بْنِ طَرِیف................. 359
الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیل................... 134
الحسن بن متّیل................... 134
الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوب............ 358,64
الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّاب......... 359
حُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 379
الْحُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 380
الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَان................. 359
الحکیم.......................... 312
الْحَلَبِی........................... 383
حَمَّاد............................. 383
الخراسانی 19, 26, 46, 47, 48, 49, 52, 58, 70, 97, 106, 107, 108, 109, 112, 114, 115, 118, 127, 149, 151, 158, 161, 165, 185, 187, 200, 202, 207, 218, 228, 230, 231, 232, 233, 240, 242, 246, 247, 249, 251, 252, 262, 265, 268, 269, 272, 275, 276, 277, 281, 282, 283, 285, 287, 295, 302, 309, 313, 317, 319, 320, 321, 326, 327, 328, 330, 336, 344, 353, 368, 369, 370, 371, 372, 384, 393, 399, 409, 425
خ
الخوئی 35, 36, 38, 49, 50, 70, 79, 90, 95, 99, 100, 113, 114,
ص: 462
121, 131, 133, 141, 152, 154, 157, 160, 161, 164, 165, 167, 168, 170, 172, 173, 174, 175, 176, 177, 179, 181, 182, 183, 188, 195, 200, 203, 206, 207, 208, 209, 210, 213, 214, 215, 218, 219, 224, 225, 226, 227, 235, 247, 262, 263, 266, 268, 269, 270, 272, 276, 277, 278, 290, 291, 292, 293, 295, 296, 302, 304, 305, 318, 324, 326, 327, 328, 336, 339, 343, 344, 349, 357, 358, 364, 365, 368, 369, 377, 378, 384, 385, 388, 389, 393, 403, 411, 415, 416, 418, 420, 426, 428
ر
الروحانی........................ 400
ز
زرارة........................ 85, 379
زَکَرِیا بْنِ مُوسَی.................. 360
الزنوزی.................... 110, 113
س
سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله............. 359, 360
السَّکُونِی......................... 360
السید المرتضی................... 262
ش
الشاه آبادی...................... 284
الشیخ الأنصاری 97, 216, 240, 242, 330, 372
الشیرازی (المیرزا المجدد).......... 226
ص
صاحب الفصول................... 26
صاحب القوانین................... 72
صاحب هدایة المسترشدین.......... 99
صاحب الجواهر.................. 241
الصدر 34, 38, 41, 42, 46, 76, 77, 78, 81, 83, 84, 164, 168, 171, 172, 177, 183, 269, 401, 417, 420
الصدوق................... 125, 133
ط
الطباطبائی....................... 115
الطوسی.................... 130, 137
ع
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی......... 359
ص: 463
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَان............ 358, 380
العراقی 34, 46, 56, 60, 61, 66, 70, 78, 79, 151, 158, 194, 202, 203, 207, 233, 272, 286, 302, 304, 309, 310, 311, 312, 332, 333, 334, 384, 387, 389, 401
عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیم.......... 66, 359, 383
عَلِی بْنُ الْحُسَین................... 359
عَلِی بْنِ الْحَکَم.................... 134
عُمَرَ بْنِ أُذَینَة..................... 379
غ
غِیاثِ بْنِ کَلُّوب.................. 359
ف
الفاضل الجواد................... 399
الفخر الرازی.................... 132
الفشارکی........................ 413
فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَان.............. 380
ق
القوچانی.......................... 24
ک
الکلینی........................... 63
م
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِید.. 134
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن........ 358, 379, 380
مُحَمَّدِ بْنِ سَعِید.................... 360
مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِم..................... 87
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوب............ 359, 383
المشکینی..................... 25, 191
ن
النائینی 37, 38, 52, 82, 84, 99, 100, 112, 113, 114, 131, 150, 164, 165, 167, 173, 175, 176, 177, 179, 187, 194, 195, 200, 201, 204, 207, 209, 210, 213, 219, 226, 229, 232, 240, 242, 246, 254, 272, 284, 290, 292, 328, 354, 400
النجاشی......................... 134
نَضْرِ بن سوید.................... 380
ه-
هِشَامِ بْنِ سَالِم.................... 134
ی
یحْیی بْنِ زَکَرِیا.................... 359
الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی........... 360
ص: 464
سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -
عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.
مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .
مشخصات ظاهری : 10ج.
شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :
یادداشت : عربی.
یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.
یادداشت : نمایه .
مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.
عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.
موضوع : اصول فقه شیعه
موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction
رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 3846970
عیون الأنظار / الجزء الأول
- المؤلف: محمد علی البهبهانی
- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978
- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978
- الطبعة الأولی
- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش
- السعر: 30000
- عدد النسخ: 1000
ص: 1
ص: 2
عُیونُ الأَنظار
(المجلد الثالث)
مباحث الألفاظ: القسم الثانی
ص: 3
ص: 4
البحث الثالث: «المفاهیم»
تمهید مقدمات / 21
المقدمة الأولی: فی کلمة المفهوم. 21
المطلب الأوّل: المراد من کلمة المفهوم فی هذا البحث... 21
المطلب الثانی: تعریف المفهوم. 22
القول الأوّل: 23
القول الثانی: 25
المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجّیته؟. 27
المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة. 28
المطلب الأوّل: تعریف هذه الدلالات الثلاث... 28
أمّا دلالة الاقتضاء: 28
أمّا دلالة التنبیه و الإیماء: 29
أمّا دلالة الإشارة: 29
المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟. 30
المقدمة الرابعة: فی أنّ المسألة أُصولیة أو غیرها و أنّها لفظیة أو عقلیة؟. 33
المطلب الأوّل: هل المسألة أُصولیة أو لا؟. 33
ص: 5
المطلب الثانی: هل المسألة لفظیة أو عقلیة؟. 33
الفصل الأول: مفهوم الشرط / 35
المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط.. 43
الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط: من طریق العلیة المنحصرة. 43
أمّا الرکن الأول: 44
أمّا الرکن الثانی.. 45
أمّا الرکن الثالث: 49
أما الرکن الرابع: 52
الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط: 76
مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق: 76
بیان العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی (قدس سره): 77
الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط: 78
مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة: 78
الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط: 81
المقدمة: 81
الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط: 84
المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط.. 88
الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) 88
الوجه الثانی: 89
الوجه الثالث: عن السید المرتضی (قدس سره) 90
التنبیه الأول: هل المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم أو شخص الحکم؟. 97
المطلب الأوّل: فی أنّ مفاد المفهوم انتفاء سنخ الحکم. 97
المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً 99
الأوّل: مسلک الشیخ الأنصاری (قدس سره) 99
الثانی: مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) 100
الثالث: مسلک المحقق النائینی (قدس سره) 101
الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) 102
الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره) 103
ص: 6
التنبیه الثانی: فیما إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء. 105
أما الوجه الأوّل: 109
أما الوجه الثانی: 111
أما الوجه الثالث: 113
أما الوجه الرابع: 115
أما الوجه الخامس: 118
التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات... 121
المطلب الأوّل: تداخل الأسباب... 122
الجهة الأُولی: 122
الجهة الثانیة: الأقوال فی المقام. 131
الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلّة. 134
الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المقام. 141
المطلب الثانی: تداخل المسبّباب... 143
الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل. 143
الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة. 144
الفصل الثانی:مفهوم الوصف / 151
المقدمة الأُولی: محل النزاع.. 153
المقدّمة الثانیة: 153
الأقوال فی المسألة أربعة: 155
القول الأوّل: دلالة الوصف علی المفهوم. 155
أدلّة القول الأول: 156
القول الثانی: عدم دلالة الوصف علی المفهوم. 162
دلیل القول الثانی: 163
القول الثالث: تفصیل العلامة الحلّی (قدس سره) 164
دلیل القول الثالث... 164
القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) 165
دلیل القول الرابع: 165
القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه. 168
ص: 7
الفصل الثالث: مفهوم الغایة / 175
المقام الأوّل:هل تدلّ الغایة علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟. 178
القول الأوّل: 178
القول الثانی: 179
القول الثالث: 180
القول الرابع: 181
القول الخامس: 182
أدلّة الأقوال و مناقشتها 184
أمّا الدلیل علی القول الأول و الثانی و الکلام حولهما: 184
أمّا الدلیل علی القول الثالث: 184
بیان القول الرابع و الدلیل علیه: 186
بیان القول الخامس و الدلیل علیه: 187
المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟. 191
القول الأول: عدم دخول الغایة فی المغیی.. 191
القول الثانی: دخول الغایة فی المغیی.. 192
القول الثالث: 193
القول الرابع: 194
القول الخامس: 195
القول السادس... 196
أما ذکر الأدلّة و مناقشتها 200
دلیل صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول: 200
بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی القول الأول: 200
الفصل الرابع: مفهوم الحصر / 203
أما کلمة «إلاّ». 206
المطلب الأوّل: دلالتها علی المفهوم. 206
المطلب الثانی: 207
المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟. 208
ص: 8
أما کلمة «إنّما». 210
الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد / 215
البحث الرابع: العامّ و الخاصّ
الفصل الأول: تعریف العام و أقسامه / 227
أما تعریف العامّ. 229
التعریف الأوّل: 229
التعریف الثانی: 230
التعریف الثالث: 231
التعریف الرابع: 231
التعریف الخامس: 232
التعریف السادس: 233
التعریف السابع: 233
التعریف الثامن: 234
أما أقسام العامّ: ففیه ثلاثة مطالب... 235
المطلب الأوّل: 235
المطلب الثانی: الفرق بین العامّ و المطلق الشمولی.. 236
المطلب الثالث: الفرق بین العامّ و لفظ «عشرة» و نظائرها 237
الفصل الثانی: ألفاظ العموم / 239
الأمر الأوّل: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟. 242
و استدل علی إنکار الوضع بوجهین: 242
الوجه الأوّل: 242
الوجه الثانی: 243
الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم. 244
المورد الأول: لفظ «کلّ». 244
المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی.. 246
ص: 9
المسألة الأولی: هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟ 246
المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟ 248
المورد الثالث: الجمع المحلّی ب- «أل» و المفرد المحلّی ب- «أل». 250
القول الأوّل: 250
استدلال صاحب الکفایة (قدس سره): 251
القول الثانی: 251
الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص / 253
الأمر الأوّل: هل العام المخصَّص مجاز أو لا؟. 257
الأمر الثانی: هل العام المخصَّص حجة فی الباقی أو لا؟. 259
الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام / 261
المقام الأوّل: الشبهة المفهومیة. 265
الصورة الأُولی: المخصّص المتّصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر.. 265
الصورة الثانیة: المخصّص المتّصل المردّد بین المتباینین.. 265
الصورة الثالثة: المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر.. 265
القول الأول: 266
القول الثانی: 266
القول الثالث: 267
الصورة الرابعة: المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین.. 272
المقام الثانی: الشبهة المصداقیة. 273
الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً 276
المخصّص اللفظی المتّصل: 276
المخصّص اللفظی المنفصل: 276
الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً 279
النظریة الأُولی: 279
النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 279
النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 281
النظریة الرابعة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 283
ص: 10
الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی / 287
الأمر الأوّل: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟. 289
آراء الأعلام فی هذه المسألة: 290
الأوّل: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) 290
الثانی: استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی التعنون. 292
الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره) 293
الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره) 294
الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون. 295
الأمر الثانی:ما الأصل العملی إذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟. 297
المطلب الأوّل: الأصل العملی إمّا موضوعی و إمّا حکمی.. 297
المطلب الثانی: قد یکون الأصلُ الموضوعی استصحاب العدم الأزلی.. 297
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 298
الأوّل: محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره) 298
الثانی: بیان نظریته (قدس سره) 299
الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی جریان استصحاب العدم الأزلی.. 299
النظریة الثانیة: ما اختاره المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 304
النظریة الثالثة: من بعض الأساطین بمقدماتها الخمس... 305
المقدّمة الأُولی: 305
المقدّمة الثانیة: 306
المقدّمة الثالثة: 306
المقدّمة الرابعة: 307
المقدّمة الخامسة: 307
النظریة الرابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الثلاث... 308
المقدّمة الأُولی: 309
المقدّمة الثانیة: 310
المقدّمة الثالثة: 311
النظریة الخامسة: ما اختاره المحقّق العراقی (قدس سره) 312
التنبیه الأوّل: 317
ص: 11
التنبیه الثانی: 319
القول الأوّل: 319
القول الثانی: 319
الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص / 321
مقدّمة: 325
نظریة المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما): 325
الأمر الأوّل: 328
الدلیل الأوّل: 329
الدلیل الثانی: 330
الدلیل الثالث: 331
الدلیل الرابع: 335
الدلیل الخامس: 336
الدلیل السادس: 337
الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم. 340
الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟ / 343
الأمر الأوّل: إمکان تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب... 346
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): 346
الأمر الثانی: إمکان مخاطبة الغائبین و المعدومین.. 349
قول المحقّق الخراسانی (قدس سره): 349
تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المقام: 349
الأمر الثالث: عموم الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائبین و المعدومین.. 351
نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره): 351
التنبیه الأوّل: فی تفصیل أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 353
التنبیه الثانی: ثمرة البحث... 354
ص: 12
الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده / 355
أقوال فی المسألة. 359
القول الأوّل: 359
استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأوّل: 359
دلیل آخر علی القول الأوّل: 363
تذییل المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 363
القول الثانی: 364
دلیل القول الثانی: 365
القول الثالث: 367
دلیل القول الثالث: 367
الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم / 369
المقدّمة: بیان المحقق النائینی (قدس سره): 371
هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف؟. 376
القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم. 377
القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ. 378
الوجه الأوّل: 378
الوجه الثانی: 379
القول الثالث: التفصیل الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 379
القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) 381
الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل / 385
القول الأوّل: 388
القول الثانی: 388
القول الثالث: 388
القول الرابع: 389
القول الخامس: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 389
ص: 13
الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد / 393
الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة. 395
الأمر الثانی: فی ذکر الأدلّة. 397
الوجه الأوّل: 397
الوجه الثانی: 397
أمّا التحقیق حول أقوال العامّة: 399
الدلیل علی القول الأوّل أوجه أربعة: 399
الوجه الأوّل: 399
الوجه الثانی: 400
الوجه الثالث: 400
الوجه الرابع: 401
الدلیل علی القول الثانی: 402
الدلیل علی القول الثالث: 402
الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ / 403
مقدمة: فی بیان صور المسألة. 405
أما الصورة الأُولی: 408
القول الأوّل: 408
الاستدلال علی عدم إمکان ناسخیة الخاصّ: 408
القول الثانی: 409
استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة: 409
أما الصورة الثانیة: 413
النظریة الأُولی: التفصیل.. 413
النظریة الثانیة: 414
أما الصورة الثالثة: 417
أما الصورة الرابعة: 418
الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 418
الوجه الثانی: استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی کون الخاصّ مخصّصاً 421
ص: 14
أما الصورة الخامسة: 422
أما الصورة السادسة و السابعة: 423
أما الصورة الثامنة: 424
التنبیه الأوّل: 425
التنبیه الثانی: 428
البحث الخامس: المطلق و المقید و المجمل و المبین
الفصل الأوّل: المراد من المطلق / 433
الأمر الأوّل: تعریف «المطلق». 435
التعریف الأوّل: 435
التعریف الثانی: 437
التعریف الثالث: 437
الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید. 438
القول الأوّل: 438
القول الثانی: 439
الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق» / 441
الأمر الأوّل: اسم الجنس... 444
الموضع الأوّل: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدّمات الحکمة؟. 444
القول الأوّل: 444
القول الثانی: 444
الموضع الثانی: فی ما وضع له «اسم الجنس». 446
القول الأوّل: الکلی الطبیعی.. 446
القول الثانی: ذات المعنی.. 448
بیان القول الثانی: 449
بیان القول الأوّل بتفسیره الثالث: 452
الأمر الثانی: علم الجنس... 455
القول الأوّل: 455
ص: 15
القول الثانی: 455
استدلّ علی ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه: 456
استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الثانی: 457
الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام. 459
الموضع الأوّل: فی أقسام المعرّف باللام. 459
ما الدال علی هذه الخصوصیات؟ 460
الموضع الثانی: فی مدلول اللام. 462
القول الأوّل: 462
القول الثانی: 462
الأمر الرابع: الجمع المحلّی باللام. 465
القول الأوّل: توقفه علی جریان مقدمات الحکمة. 465
القول الثانی: عدم توقفه علی جریان مقدمات الحکمة. 465
الوجه الأوّل: الوضع. 465
الوجه الثانی: 466
الأمر الخامس: النکرة. 468
الموضع الأوّل: المراد من النکرة. 468
البیان الأوّل: 468
البیان الثانی: 469
البیان الثالث: القول المختار. 469
الموضع الثانی: هل یکون النکرة من مصادیق «المطلق»؟. 471
القول الأوّل: 471
القول الثانی: 471
التنبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟. 473
الفصل الثالث:فی مقدّمات الحکمة / 475
الأمر الأوّل: فی تعیین مقدمات الحکمة. 477
القول الأوّل: 477
القول الثانی: 478
الأمر الثانی: فی بیان مقدمات الحکمة. 479
ص: 16
المقدمة الأولی: فی أن المتکلم لابد أن یتمکن من البیان.. 479
مقام الثبوت... 479
مقام الإثبات... 479
المقدمة الثانیة: فی أن المتکلم فی مقام البیان.. 481
الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة. 481
الناحیة الثانیة: إذا شک فی أنّ المتکلّم فی مقام البیان. 482
الوجه الثالث: 484
الوجه الرابع: 484
المقدمة الثالثة: فی عدم الاتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة. 485
المقدمة الرابعة: فی القدر المتیقن فی مقام التخاطب... 486
الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟ / 489
الموضع الأوّل و الثانی: 491
الموضع الثالث: 492
الموضع الرابع: 493
الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید / 495
المقام الأوّل: 498
المقام الثانی: 501
نظریة المشهور: عدم الحمل.. 502
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار: 502
الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات / 505
النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) 507
النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) 508
الأوّل: أن یکون ذا مفهوم. 508
الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم. 508
الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید. 508
الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو. 509
ص: 17
النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین.. 510
الفصل السابع: المجمل والمبین / 511
تفسیر المجمل و المبین.. 513
أقسام المجمل.. 513
أمّا الإجمال الحقیقی: 514
أمّا الإجمال الحکمی: 514
المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟. 514
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة. 514
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة. 515
تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع.. 515
الفهارس... 517
ص: 18
فیه أربع مقدمات و خمسة فصول
مقدمات:
1) فی کلمة «المفهوم»
2) هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجیته؟
3) دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة
4) هل المسألة اصولیة أو لا؟ و لفظیة أو عقلیة؟
الفصل الأول: مفهوم الشرط
الفصل الثانی: مفهوم الوصف
الفصل الثالث: مفهوم الغایة
الفصل الرابع: مفهوم الحصر
الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد
ص: 19
ص: 20
قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان مقدمات:
و فیه مطلبان:
إطلاقان لکلمة المفهوم:
إنّ کلمة «المفهوم» قد یطلق علی کلّ ما یفهم من اللفظ أو غیره، فهو یساوق کلمة «المعنی» و یقابله کلمة «المصداق».
و قد یطلق علی المعنی الترکیبی الذی یفهم من اللفظ بالعلاقة اللزومیة إمّا باللزوم البین بالمعنی الأخصّ أو باللزوم البین بالمعنی الأعم و هو المراد ههنا.
و یقابله کلمة «المنطوق» و هو یطلق علی المعنی الترکیبی الذی یدلّ علیه اللفظ بالمطابقة أو بالإطلاق أو بمعونة القرائن العامّة أو الخاصّة.
ص: 21
و فسّره العضدی((1)) بأنّ المنطوق ما یکون حکماً لمذکور و حالاً من أحواله سواء ذکر ذلک الحکم و نطق به أم لا؛ و «المفهوم» (و هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محل النطق) بخلافه بأن یکون حکماً لغیر المذکور و حالاً من أحواله.
قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف «المفهوم»: إنّه عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری یستتبع (هذا الحکم الإنشائی أو الإخباری) خصوصیة المعنی المنطوقی بحیث یکون هذا الحکم الإنشائی أو الإخباری من لوازم المعنی المنطوقی لوجود تلک الخصوصیة، سواء کان الدال علی الخصوصیة هو الوضع أو الإطلاق بقرینة الحکمة. ((1))
ص: 25
و نکتفی هنا بما تقدّم من بیان المراد من «المفهوم».
ص: 26
إنّ البحث هنا عن دلالة الجمل الترکیبیة علی المفهوم فمع ثبوت الدلالة یتحقق صغری أصالة الظهور و مع عدم ثبوته فلا صغری لأصالة الظهور.
و علی هذا فالبحث هو فی ثبوت الدلالة، أمّا حجّیتها فهی مفروغ عنها، لأنّ الظهور حجة کما یجیء فی مبحث الحجج.
ص: 27
و فیه مطلبان:
قبل بیان الأقوال لابدّ من تعریف تلک الدلالات.((1))
فهی مقصودة للمتکلم و یتوقف صدق الکلام أو صحته عقلاً أو شرعاً
ص: 28
علیها مثل «لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ»((1)) فإنّ صدق الکلام یتوقف علی تقدیر «الأحکام» بمعنی لا ضرر فی أحکام الإسلام و مثل (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ)((2)) فإنّ صحّة الکلام عقلاً یتوقف علی تقدیر «الأهل» بمعنی و اسأل أهل القریة ومثل «أعتق عبدک عنّی بألف دینار» فإنّ صحة الکلام شرعاً یتوقف علی طلب تملیک العبد بألف دینار أولاً ثم عتقه لأنّه لا عتق إلّا فی ملک. فیکون المعنی ملّکنی هذا العبد بألف دینار ثم أعتقه عنّی.
فهی أیضاً مقصودة للمتکلم ولکن صدق الکلام و صحته لایتوقف علیها مثل قول الرجل لرسول الله (صلی الله علیه و آله): «هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ. فَقَالَ (صلی الله علیه و آله) وَ مَا أَهْلَکَکَ؟ قَالَ أَتَیتُ امْرَأَتِی فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِی (صلی الله علیه و آله): أَعْتِقْ رَقَبَةً»((3)) بعنوان الکفارة، فإنّه یدلّ علی أنّ من واقع أهله فی صوم شهر رمضان یجب علیه الکفارة.
قد اختلف فی دخول دلالة الاقتضاء و التنبیه (الإیماء) و الإشارة فی محل النزاع. هنا ثلاثة أقوال:
القول الأوّل: إنّ المحقّق القمی (قدس سره) قال بأنّها دلالة منطوقیة غیر صریحة.
القول الثانی: إنّ المحقّق النائینی((1)) و الخوئی (قدس سره) قالا بأنّها لا منطوقیة و لامفهومیة مع اختلاف بینهما فی تقریر ذلک.
القول الثالث: إنّ بعض الأعلام قالوا بدخول بعضها فی الدلالة المفهومیة.
إنّ انفهام مفهوم ترکیبی من جملة ترکیبیة إن استند إلی دلالة نفس الجملة فی حدّ ذاتها علی ذلک المعنی کانت الدلالة منطوقیةً.
و إن استند إلی لزومه لانفهام منطوق الجملة بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ لتکون الدلالة لفظیةً کانت الدلالة مفهومیةً.
و بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم لتکون الدلالة عقلیةً کانت الدلالة سیاقیةً کما فی دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة و غیرها من دون فرق فی ذلک بین دلالة جملة واحدة علی المعنی الترکیبی و دلالة جملتین علیه.
و قال((1)) فی وجه الفرق بین الدلالة الالتزامیة بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم:
إنّ الدلالة الالتزامیة تنقسم إلی قسمین: لفظیة و عقلیة.
و وجهه أنّ لزوم انفهام شیء لانفهام الموضوع له إن کان بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ (کما فی مثال الضوء و الشمس أو العمی و البصر) فالدلالة لفظیة، لعدم احتیاج دلالة اللفظ حینئذ إلی مقدمة أُخری عقلیة.
و إن کان بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم بأن یکون الانفهام اللازم لانفهام الموضوع له محتاجاً إلی مقدّمة عقلیة خارجیة کانفهام وجوب المقدمة من وجوب ما یتوقف علیها، کانت الدلالة عقلیةً.
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:((2))
أولاً: إنّ دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة و ما شاکل ذلک خارجة عن محلّ
ص: 31
الکلام، لأنّ اللزوم فی تلک الموارد لزوم غیر بین و یحتاج الانتقال إلی اللازم فی تلک الموارد إلی مقدمة خارجیة.
ثانیاً: إنّ ما أفاده خلط بین اللزوم البین بالمعنی الأعم و اللزوم غیر البین.
توضیح ذلک:((1)) إنّ اللزوم البین بالمعنی الأعم إنّما یمتاز عن اللزوم البین بالمعنی الأخص بأنّه یکفی فی اللزوم البین بالمعنی الأخصّ تعقّل نفس الملزوم فی الانتقال إلی لازمه، بخلاف اللزوم البین بالمعنی الأعم، فإنّه لایکفی فیه ذلک، بل لابدّ فیه من تصوّر اللازم و الملزوم و النسبة بینهما.
و أمّا إذا کان لزوم انفهام شیء لانفهام شیء آخر محتاجاً إلی ضمّ مقدمة عقلیة خارجیة، فاللزوم لایکون بیناً أصلاً و علیه فانفهام وجوب المقدمة من وجوب ذی المقدمة بما إنّه یحتاج إلی حکم العقل بثبوت الملازمة یکون من قبیل اللزوم غیر البین.
إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه((2))
إنّ بعض أقسام تلک الدلالات لایحتاج إلی المقدمة الخارجیة حتی یکون من اللزوم غیر البین بل اللزوم فیها لزوم بین بالمعنی الأعم و ذلک مثل دلالة الآیتین علی أقلّ الحمل فی دلالة الإشارة و مثل قوله (صلی الله علیه و آله): «کفّر» فی دلالة التنبیه.
نعم بعض أقسام تلک الدلالات یحتاج إلی المقدمة الخارجیة مثل قوله: «أعتق عبدک عنّی بألف دینار» و المقدمة الخارجیة هی «لا عتق إلّا فی ملک».
ص: 32
استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی کونها أُصولیة:((1))
قال (قدس سره): أمّا کونها من المسائل الأُصولیة فلوقوعها فی طریق الاستنباط بنفسها من دون ضمّ کبری أو صغری أُصولیة إلیها (لأنّ کبری حجیة الظواهر مفروغ عنها و لم یختلف فیه الأعلام فلانحتاج إلی ضمّها فی قیاس استنباط الحکم الشرعی).
((2))
إنّ بحث حجیة الظواهر أیضاً محتاج إلی الدلیل الإثباتی و لذا یستدلّ علیها بالسیرة العقلائیة فلابدّ من ضمّ هذه الکبری الأُصولیة إلی بحث المفاهیم فی قیاس الاستنباط.
و لکن المختار هو أنّ المسألة أُصولیة لأنّ مناط أُصولیة المسألة هو وقوع نتیجتها فی قیاس استنباط الحکم الشرعی و إن انضمّ إلیها الکبری.
إنّ للمفاهیم حیثیتین واقعیتین فإنّه بالنظر إلی کون الحاکم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل فهی من المسائل العقلیة و بالنظر إلی کون الکاشف عن العلیة المنحصرة هو الکاشف عن لازمها و هو اللفظ فهی من المسائل اللفظیة.
إنّ المختار هو أنّ المسألة لفظیة و إن کان الحاکم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل لأنّ المفهوم مدلول للفظ بالدلالة الالتزامیة.
إن قلنا: الدلالة الالتزامیة اللفظیة یشترط فیها کون اللزوم بیناًَ بالمعنی الأخصّ فیشکل کونها مسألة لفظیة.
ص: 34
ص: 35
ص: 36
مفهوم الشرط
إنّ الجملة الشرطیة تدلّ علی ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ولکن اختلف فی دلالتها علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بالوضع أو بالقرائن العامّة بحیث یحمل علیه فی جمیع الموارد إلّا إذا قامت قرینة علی خلافه.
أمّا دلالتها علی المفهوم فی بعض الموارد (من دون دلالة وضعیة أو قرینة عامّة) فلا شبهة فیها، کما أنّه قد استعمل فی بعض الموارد فی مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط بلا دلالة علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط لوجود قرینة خاصّة.
إنّ بعض الأصولیین أنکروا دلالتها مثل السید المرتضی و ابن زهرة و الشیخ الحرّ العاملی و صاحب الکفایة (قدس سرهم) .((1))
ص: 38
ص: 41
ص: 42
إنّ لإثبات المفهوم للشرط خمسة أدلة، الدلیل الأول، من طریق إثبات العلیة المنحصرة و أربعة منها من سائر الطرق.
و فی هذا الدلیل ثمانیة وجوه سنتکلم حولها عند البحث عن الرکن الرابع.
فإنّ ثبوت مفهوم الشرط من هذا الطریق یبتنی علی أربعة أرکان: ((1))
الرکن الأوّل: تعلیق الجزاء و ترتّبه علی الشرط.
الرکن الثانی: أن یکون الترتب و التعلیق لزومیاً فلابدّ من إثبات الملازمة بین الجزاء و الشرط.
الرکن الثالث: أن یکون ترتب الجزاء علی الشرط من باب ترتب المعلول علی العلّة.
ص: 43
الرکن الرابع: أن یکون الشرط علّة منحصرة للجزاء.
هذا الرکن الرابع هو الرکن الأساسی و سیأتی الوجوه الثمانیة الدالة علی إثبات مفهوم الشرط من طریق العلیة المنحصرة فی ضمن الرکن الرابع.
فهو تعلیق الجزاء و ترتبه علی الشرط؛ فهو صحیح بلا إشکال لأنّ الجملة الشرطیة ظاهرة عرفاً فی تعلیق الجزاء و ترتبه علی الشرط و هذا الترتب عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) أعمّ من الترتب الخارجی و الترتب فی ظرف عقد القضیة الشرطیة بفرض العقل و اعتباره کما فی مثال «إن کان النهار موجوداً فالشمس طالعة» و سیجیء البحث حول ما أفاده (قدس سره) فی الأمر الثانی إن شاء الله.
إنّ المحقق النائینی (قدس سره) استدلّ فی إثبات هذا الأمر بوجهین:
إنّ الجملة الشرطیة فی المثال المذکور أیضاً تدل علی الترتّب و لکن الترتّب هو فی ظرف عقد القضیة الشرطیة باعتبار العقل کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .
((1))
إنّ ظاهر جعل شیء مقدماً و جعل شیء تالیاً هو ترتّب التالی علی المقدم (و قد صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) عند بیان کون العلّة منحصرة).
تتمّة: إنّ تمامیة تعلیق الجزاء و ترتّبه علی الشرط تتوقف علی رجوع القید فی القضیة الشرطیة إلی الهیأة دون المادة، أمّا لو قلنا برجوعه إلی المادة کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری (قدس سره) فیرجع مفهوم الشرط إلی مفهوم الوصف لأنّ الشرط حینئذ یکون قیداً للمادة و المراد بالوصف فی مفهوم الوصف هو القید سواء کان القید وصفاً أم غیر وصف من سائر القیود.
و لکن الحق هو رجوع القید إلی الهیأة خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) و خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث توهم استحالة تقیید مفاد الهیأة لأنّه معنی حرفی.
و هو الملازمة بین الشرط و الجزاء فقال أکثر الأعلام بثبوتها.
و قد استدل علیه بوجهین:
ادّعی صاحب الکفایة (قدس سره) وضع الجملة الشرطیة لذلک فقال:
ص: 45
منع دلالة الجملة الشرطیة علی اللزوم و دعوی کونها اتفاقیة فی غایة السقوط لانسباق اللزوم منها قطعاً. ((1))
قال المحقق النائینی (قدس سره) ((2)) و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((3)): إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی کون العلاقة بین الشرط و الجزاء لزومیة ظاهرة لندرة استعمالها فی موارد الاتفاق جدّاً، بل إنّ ذلک غیر صحیح فی نفسه، و لابدّ فی صحّة الاستعمال فی تلک الموارد من رعایة علاقة و إعمال عنایة، ضرورة أنّه لایصحّ تعلیق کل شیء علی کل شیء.
((4))
یمکن أن یقال: إنّ الشرطیة لاتلازم اللزوم لشهادة الوجدان علی أنّ الشرطیة الاتفاقیة کاللزومیة من دون عنایة.
و الوجه فیه أنّ شأن الأداة الشرطیة جعل متعلّقها و مدخولها واقعاً موقع الفرض و التقدیر و أنّ الشرطیة لیست إلّا لمصاحبة المقدم مع التالی بلا دلالة علی لزوم أو اتفاق و ترتّب الجزاء علی الشرط لایدلّ علی اللزوم، لأنّ الترتّب المستفاد من الجملة الشرطیة أعمّ من الترتّب الخارجی و الترتّب فی ظرف عقد
ص: 46
القضیة الشرطیة باعتبار العقل و فرضه و تقدیره، کما إنّ الفاء بین الجزاء و الشرط تدلّ علی الترتیب إلّا أنّ الترتیب قد یکون باعتبار العقل فلادلالة لمطلق الترتّب علی اللزوم.
فتحصّل: أنّه لا دلالة لأداة الشرط و لا للفاء الواقعة بین الشرط و الجزاء علی الترتّب بنحو الملازمة.
((1))
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح بدلالة أداة الشرط و الفاء علی التعلیق و الترتّب بین الشرط و الجزاء و التعلیق لیس إلّا الارتباط بین الشیئین و لانعنی من اللزوم إلّا هذا.
إنّ الارتباط بین الجزاء و الشرط یکون تارة اتفاقیاً و أُخری لزومیاً فنفس الارتباط و التعلیق لایدلّ علی اللزوم.
إنّ التقسیم الذی ذکره أهل المنطق من أنّ القضیة الشرطیة إمّا لزومیة أو اتفاقیة تقسیم مجازی لا حقیقی، فلا دلالة للقضیة الشرطیة علی کونها لزومیة.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) لم یستدلّ بالتقسیم المذکور بل استدل بالموارد التی
ص: 47
تکون القضیة الشرطیة فیها اتفاقیة و الترتّب بین الجزاء و الشرط باعتبار العقل و فرضه فی ظرف القضیة الشرطیة.
إنّ إناطة وجوب الإکرام بالمجیء فی مثال «إذا جاءک زید فأکرمه» هی المستفاد من أداة الشرط، فمفهوم الأدوات الشرطیة الإناطة و التعلیق لا مجرد الفرض و التقدیر.
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً صرّح بدلالة أداة الشرط علی التعلیق و لکن قال: التعلیق قد یکون خارجیاً و قد یکون بمجرد فرض العقل و اعتباره فی ظرف القضیة الشرطیة.
إنّ الفاء دالّة علی ترتّب الجزاء علی الشرط و لکن لو حذفنا الفاء نجد القضیة الشرطیة بنفسها دالّة علی الترتّب فما یدلّ علی الترتّب هو وقوع الجزاء بعد الشرط.
نفس وقوع جملة بعد جملة لایدل علی الترتّب بینهما ما لم یکن بینهما ربط خاص و أداة الشرط و الفاء وُضِعتا لتدلّا علی الربط بین الجملتین و الترتّب بینهما و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الربط التعلیقی و الترتّبی قد یکون بفرض العقل فی ظرف القضیة الشرطیة.
ص: 48
إنّ الترتّب المطلق یدلّ علی اللزوم و لکن إذا کان الترتّب فی ظرف القضیة الشرطیة بفرض العقل فاللزوم أیضاً یکون فی ظرف القضیة الشرطیة بفرض العقل.
فتحصّل من ذلک: أنّ القضیة الشرطیه کما تدلّ علی ترتّب الجزاء علی الشرط تدلّ علی أنّ الترتّب و التعلیق یکون لزومیاً فالدلالة علی الترتّب لفظیة و أمّا اللزوم فیدرکه العقل لأنّ الترتّب مستلزم عقلاً للزوم بین المترتب و المترتب علیه.
و هو أن یکون ترتّب الجزاء علی الشرط من باب ترتّب المعلول علی العلّة.
فهذا أیضاً قد اختلف فیه الأعلام فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و المحقق الخوئی (قدس سره) و بعضاً آخر أنکروا ذلک و فی قبالهم المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر أثبتوه حیث قالوا بأنّ المقدّم فی القضیة الشرطیة علّة للتالی.
إنّ ظاهر جعل شیء مقدماً و جعل شیء آخر تالیاً هو ترتّب التالی علی المقدم، فإن کان هذا الترتّب موافقاً للواقع و نفس الأمر بأن یکون المقدم علّة للتالی فهو
ص: 49
و إلّا لزم عدم مطابقة ظاهر الکلام للواقع مع کون المتکلم فی مقام البیان علی ما هو الأصل فی المخاطبات العرفیة و علیه فبظهور الجملة الشرطیة فی ترتّب التالی علی المقدم یستکشف کون المقدم علّة للتالی.
((1))
هذا الذی أفاده (قدس سره) و إن کان غیر بعید فی نفسه نظراً إلی أنّ المتکلم إذا کان فی مقام بیان تفرع الجزاء علی الشرط و ترتّبه علیه بحسب مقام الثبوت و الواقع لدلّت القضیة علی ذلک فی مقام الإثبات أیضاً للتبعیة نظیر ما إذا قلنا «جاء زید ثم عمرو» فانّه یدل علی تأخر مجیء عمرو عن مجیء زید بحسب الواقع و نفس الأمر و إلّا لم یصحّ استعماله فیه.
و لکن إذا لم یکن المتکلم فی مقام بیان ذلک بل کان فی مقام الإخبار أو الإنشاء فلایتمّ ما أفاده (قدس سره) و ذلک لأنّ القضیة الشرطیة عندئذ لاتدلّ إلّا علی أنّ إخبار المتکلم عن وجود الجزاء متفرع علی فرض وجود الشرط أو إنشاء الحکم و اعتباره متفرع علی فرض وجوده و تحققه.
و أمّا أنّ وجود الجزاء واقعاً مترتب علی وجود الشرط فلا دلالة للقضیة علی ذلک أصلاً ضرورة أنّه لا مانع من أن یکون الإخبار عن وجود العلّة متفرعاً علی
ص: 50
فرض وجود المعلول فی الخارج، و الإخبار عن وجود أحد المتلازمین متفرعاً علی فرض وجود الملازم الآخر فیه.
((1))
إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی الترتّب صحیحة کما هو مقتضی کلمة الفاء إلّا أنّها لاتدل علی أنّ هذا الترتّب من ترتّب المعلول علی العلّة التّامة، بحیث یکون استعمالها فی غیره مجازاً، بل هی تدل علی مطلق الترتّب سواء کان من قبیل ترتّب المعلول علی العلّة التامّة أو من قبیل ترتّب العلّة علی المعلول (کما فی برهان الإنّ) أو من قبیل ترتّب أحد معلولین لعلّة ثالثة علی المعلول الآخر (کقوله: إن کان النهار موجوداً فالعالم مضیء).
و من ناحیة أُخری إنّ القضیة الشرطیة لاتدل علی المفهوم فی موارد البرهان الإنّی لوضوح أنّ غایة ما تقتضیه القضیة الشرطیة فی تلک الموارد هو أنّ تحقق المقدم یستلزم تحقق التالی و یکشف عنه فیکون وسطاً للإثبات و العلم دون الثبوت و الوجود و لاتدل علی امتناع وجود التالی من دون وجود المقدم، بداهة أنّ وجود المعلول و إن کان یکشف عن وجود العلّة إلّا أنّ عدمه لایکشف عن عدمها، لإمکان أن یکون عدمه مستنداً إلی وجود المانع لا إلی عدمها، مثلاً وجود الممکن فی الخارج کاشف عن وجود الواجب بالذات و لکن عدمه لا یکشف عن عدم الواجب بالذات و لا عن عدم وجود ممکن آخر، لجواز أن یکون عدمه مستنداً إلی ما یخصّه من المانع.
نعم عدم المعلول یکشف عن عدم علّته التامّة کما أنّ وجوده یکشف عن
ص: 51
وجودها و عدم أحد المعلولین لعلّة ثالثة یکشف عن عدم الآخر کما یکشف عن عدم علته التامّة.
أنّ الترتّب المطلق (لا مطلق الترتّب) هو الترتّب بنحو العلیة و حینئذ یقع الکلام فیما إذا لم تقم قرینة علی تعیین نوع الترتّب فهل لنا طریق إلی إحراز کون الترتّب هنا ترتباً مطلقاً أو لا؟ فإنّه یمکن أن یستدل بالإطلاق الانصرافی((1)) أو بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإحراز الترتّب المطلق و یأتی بیان طرق إحراز ذلک فی المرحلة الرابعة، فإن تمّ بعض هذه الطرق فی المرحلة الرابعة یجدی ذلک فی إحراز علیة الشرط فی المرحلة الثالثة أیضاً.
و هو أن یکون الشرط علّة منحصرة((2)) فإنّه قد ادّعی هنا إثبات العلّیة المنحصرة و إحرازها بوجوه متعدّدة فلابدّ من البحث حولها و هنا ثمانیة وجوه.
ص: 52
و بیانه هو أنّ الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة أکمل أفراد الترتّب و المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی أکمل الأفراد، أو فقل: إنّ أکمل أفراد العلقة اللزومیة هو اللزوم بین العلّة المنحصرة و معلولها فلابدّ أن ینصرف المطلق عند الإطلاق إلیه و هذا الإطلاق الانصرافی یوجب أن یحمل الترتّب و اللزوم فی القضیة الشرطیة علی الترتّب المطلق و اللزوم المطلق.
ص: 54
((1))
أما منع الکبری: فلعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلی الأکمل، سیما مع کثرة الاستعمال فی غیره.
و أما منع الصغری: فلعدم کون اللزوم بین العلة المنحصرة و معلولها أکمل مما إذا لم تکن العلّة بمنحصرة فإنّ الانحصار لایوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لابدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها آکد و أقوی.
ص: 55
و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الأول.((1))
إنّ مقتضی الإطلاق بمقدمات الحکمة هو العلّیة المنحصرة کما أنّ مقتضی إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی.
بیانه: إنّ الوجوب النفسی مقید بقید عدمی و هو الوجوب لا للغیر و الوجوب الغیری مقید بقید وجودی و هو الوجوب للغیر.
و قد تقدم فی بحث الوجوب النفسی أنّه فیما إذا تمّت مقدمات الحکمة یتمسک بالإطلاق لإثبات أنّ الوجوب نفسی لأنّ القید العدمی لایحتاج إلی البیان الزائد أما القید الوجودی فیحتاج إلی مؤونة بیان زائد.
و هذا الإطلاق أیضاً یجری فی مفهوم الشرط، فإنّ العلّة المنحصرة هی التی لیس معها شیء و العلّة غیر المنحصرة هی ما یکون معها عدل فی العلّیة و مع عدم بیان عدل للشرط فیتمسک بالإطلاق و هو یقتضی انحصار العلّة.
ص: 56
((1))
«هذا فیما تمّت هناک مقدمات الحکمة و لا تکاد تتم فی ما هو مفاد الحرف کما ههنا و إلا لما کان معنی حرفیا کما یظهر وجهه بالتأمل».((2))
بیان ذلک: إنّه یعتبر فی جریان الإطلاق بمقدمات الحکمة أن یکون المعنی قابلاً للإطلاق و المعنی الحرفی لیس کذلک.
و الوجه فیه: أولاً: جزئیة المعنی الحرفی لأنّ الجزئی لا یکون قابلاً للتقیید فلایکون قابلاً للإطلاق أیضاً.
ثانیاً: أنّ المعنی الحرفی لا یلحظ استقلالاً و ما لا یلحظ استقلالاً لایکون قابلاً للإطلاق و التقیید، فالإطلاق و التقیید یجریان فی المعانی الاسمیة التی تلحظ استقلالاً لا المعانی الحرفیة التی تلحظ آلیاً.
ص: 57
((1))
أولاً: بالنقض حیث إنّ مدالیل الهیئات کلها معان حرفیة و مع ذلک تمسکوا بإطلاقها لإثبات نفسیة الوجوب و عینیته و تعیینیته فی قبال الغیریة و الکفائیة و التخییریة فإن قلنا بأنّ المعنی الحرفی غیر قابل للإطلاق و التقیید فلا یمکن أن نتمسک بإطلاق هیأة «افعل».
ثانیاً: بالحلّ فإنّ مفاد الهیئات علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) مثل مفاد المعانی الاسمیة کما قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی بحث الواجب المشروط أما حدیث عدم الإطلاق فی مفاد الهیأة فقد حققنا سابقاً أنّ کل واحد من الموضوع له و المستعمل فیه فی الحروف یکون عامّاً کوضعها.
و أما علی ما هو مقتضی التحقیق أیضاً یکون المعنی الحرفی قابلاً للإطلاق و التقیید.
و لعلّ وجه ذلک هو أنّ خصوصّیة المعنی الحرفی و جزئیته بتقومها بطرفیها فالمعانی الحرفیة لیست کلیة بمعنی ما لا مانع من صدقها علی الکثیرین لعدم الجامع الذاتی بین أفرادها بل هی کلیة بمعنی قبولها للوجودات، و تقیید المعانی الحرفیة و الهیئات هو بمعنی أنّ البعث الملحوظ نسبة بین أطرافها من الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه ربما یکون مطلقاً و أُخری یکون مخصّصاً و مشروطاً من جهة الشرط الذی علّق علیها.
و الإطلاق و التقیید فی المعانی الحرفیة لیسا بمعنی سعة المفهوم و تضییقه حتی یستشکل علیه بعدم إمکان سعة مفهومه و تضییقه بل الإطلاق بمعنی عدم
ص: 58
تعلیق الفرد الموجود علی شیء و تعلیق الطلب لیس من شؤونه حتی یکون موجباً لتضییق دائرة مفهومه، فالتقیید بمعنی تعلیقه علی أمر مقدر الوجود.((1))
ص: 59
«تعینه [أی تعین اللزوم و الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة] من بین أنحائه [أی أنحاء اللزوم و الترتّب] بالإطلاق المسوق فی مقام البیان بلا معین و مقایسته بتعینالوجوب النفسی بإطلاق صیغة الأمر مع الفارق، فإنّ النفسی هو الواجب
ص: 60
علی کل حال بخلاف الغیری فإنّه واجب علی تقدیر دون تقدیر، فیحتاج بیانه إلی مؤونة التقیید بما إذا وجب الغیر، فیکون الإطلاق فی الصیغة مع مقدمات الحکمة محمولاً علیه.
و هذا بخلاف اللزوم و الترتّب بنحو الترتب علی العلّة المنحصرة، ضرورة أنّ کل واحد من أنحاء اللزوم و الترتّب محتاج فی تعینه إلی القرینة مثل الآخر، بلاتفاوت أصلاً».((1))
((2))
إنّ الانحصار و عدمه لیسا من شؤون العلّیة أصلاً حتی یکون الإطلاق مقتضیاً لإثبات الخصوصیة أو نفیها بل حیثیة العلّیة أجنبیة عن حیثیة الانحصار و عدمه و إنّما هما من شؤون العلّیة، و الکلام فی الإطلاق من حیث السببیة لا الإطلاق من حیث وحدة السبب و تعدّده.
فتحصّل من ذلک بطلان الطریق الثالث (أی التقریر الأول للتمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة).
ثم إنّ الطریق الثالث لو ثبت یکون دلیلاً علی انحصار العلّیة فی الشرط بعد الفراغ عن أصل علّیته فلایکاد أن یتمسک به لإثبات العلّیة أوّلاً و انحصارها فی الشرط ثانیاً بخلاف الطریق الثانی و هو الإطلاق الانصرافی.
ص: 61
هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها. ((1))
إنّه لو لم یکن الشرط منحصراً یلزم علی المتکلم تقییده بأمر سابق أو مقارن ضرورة أنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثّر وحده بل التأثیر للأمر السابق فیما إذا سبق غیره و للجامع بینهما أو لمجموعهما فی صورة المقارنة و مقتضی إطلاق الشرط هو کونه شرطاً من دون دخل أمر سابق أو مقارن و هذا الإطلاق یدل علی أنّ الشرط هی العلّة المنحصرة.
ص: 63
((1))
((2))
إنّ هذا الإطلاق لو تمّ فلاتکاد تنکر الدلالة علی المفهوم إلّا أنّ انعقاد الإطلاق لو لم نقل بعدم اتفاقه فهو نادر تحققاً، لعدم إحراز أنّ المتکلم کان فی مقام بیان انحصار الشرط و العلّة بل المتکلم هو فی مقام بیان ترتّب الجزاء علی الشرط من دون نظر و التفات إلی أنّه بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة أو لا. (فالقضیة الشرطیة تدل علی استناد الجزاء إلی الشرط و لاتدل علی أنّ الشرط هو تمام ما هو المؤثر و المستند).
إنّ الأصل فی الخطابات الشرعیة هو کون الشارع فی مقام بیان تمام القیود، کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.
الإیراد الثانی: (3) من المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح الإیراد (إیراد صاحب الکفایة (قدس سره)) علی هذا الطریق:
ص: 64
إنّ القدر المسلّم من القضیة الشرطیة إفادة العلّیة و صلاحیة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء وجوداً أو عدماً فی علیته الذاتیة، و أما ترتّب المعلول بالفعل علی العلّة فهو أمر آخر قد یتفق سوق الإطلاق بلحاظه. ((1))
کما قال المحقق النائینی (قدس سره): إنّ استناد التالی فی وجوده إلی المقدم بالفعل فلیس المتکلم فی مقام بیانه قطعاً لیتمسک بإطلاق کلامه لإثبات انحصار العلّة بالمقدم.((2))
إنّ القضیة الشرطیة هی فی مقام بیان اقتضاء الشرط و صلاحیته للتأثیر فی تحقق الجزاء و ترتّبه علیه لا فی مقام بیان فعلیة تأثیر الشرط فی تحقق الجزاء و لذا لاینافی ذلک عدم ترتّب الجزاء لوجود مانع کما أنّه لاینافی کون غیره جزء المؤثر.
قال (قدس سره) فی منتقی الأصول:((3)) إنّ مقتضی هذا الإیراد هو أن لایستفاد من القضایا
ص: 65
الشرطیة فی لسان الشارع فعلیة الوجوب عند تحقق الشرط فلابدّ أن یتوقف فی الحکم بوجوب الوضوء فی قوله «إذا نُمْتَ فَتوَضأ».
و قال بعض الأساطین (دام ظله):((1))بعد الفراغ عن الترتّب و علّیة الشرط یقال: إنّ الألفاظ تفید فعلیة وجود المعنی لا شأنیته فأداة الشرط ظاهرة فی الشرطیة الفعلیة لا الشرطیة الشأنیة.
و لایخفی أنّ هذا الإطلاق لو تمّ یدلّ علی انحصار العلّة فلابدّ فیه من إحراز کون الشرط علّة حتی یتمسّک بهذا الإطلاق لبیان انحصاره و أما لو لم یثبت علّیة الشرط للجزاء فلایفید التمسک بهذا الإطلاق.
بعض الأعلام استشکل هذا التقریر بأنّه یبتنی علی دلالة القضیة الشرطیة علی ترتّب الجزاء علی الشرط بنحو ترتّب المعلول علی العلّة مع أنّه غیر ثابت.
ص: 66
((1))
إنّه إشکال مبنائی لأنّا افترضنا مفروغیة علّیة الشرط للجزاء (فإنّ بعض الأساطین (دام ظله) من أساتیذنا اختار ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)).
و الحاصل: أنّه لایبعد تمامیة هذا الوجه.
و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الثالث((2)) (إطلاق الشرط أیضاً).
قد أورده فی الکفایة بعنوان التوهم ثم ناقش فیه((3)) و فی قبال صاحب الکفایة (قدس سره) بعض الأعلام مثل المحقق النائینی (قدس سره) اعتمدوا علی هذا الوجه.
تقریره لإطلاق الشرط هو أنّ الشرط المذکور فی القضیة الشرطیة إما یکون
ص: 67
فی حدّ ذاته ممّا یتوقف علیه عقلاً وجود ما هو متعلق الحکم فی الجزاء، و إما لا یکون کذلک.
و علی الأوّل فبما أنّ ترتّب الجزاء علی الشرط و تقیده به قهری فلایکون للقضیة مفهوم مثل قولهم: إن رزقت ولداً فاختنه حیث إنّه لبیان تحقق الحکم عند تحقق الموضوع.
و أما علی الثانی فالحکم الثابت فی الجزاء إما مطلق بالنسبة إلی الشرط المذکور أو مقید به و ظاهر القضیة الشرطیة هو أنّه مقید بوجود الشرط، و بما أنّ المتکلم فی مقام البیان و قد أتی بقید واحد و لم یقیده بشیء آخر سواء کان التقیید بذکر عدل له ب- «أو» أم بانضمام شیء إلیه ب- «الواو» فیستکشف من عدم تقیید الشرط بالشیء الآخر الذی یعطف علیه ب- «الواو» عدم کون الشرط مرکباً من المذکور
ص: 68
فی القضیة و غیره و أیضاً یستکشف من إطلاقه و عدم تقییده بمثل العطف ب: «أو» انحصار الشرط بما هو مذکور فی القضیة.
و هذا نظیر استفادة الوجوب التعیینی من إطلاق الصیغة، فکما أنّ إطلاقها یقتضی عدم سقوط الواجب بإتیان ما یحتمل کونه عدلاً له فیثبت به کون الوجوب تعیینیاً، کذلک مقتضی الإطلاق فی المقام هو انحصار قید الحکم بما هو مذکور فی القضیة، فیثبت به أنّه لا بدل له فی ترتّب الحکم علیه.
((1))
إنّ کلیهما من باب إطلاق الشرط لکن الإطلاق بتقریره الثانی کان بلحاظ حالات الشرط من جهة انضمام شیء إلی الشرط سواء کان مسبوقاً أم مقارناً و أما الإطلاق بتقریره الثالث فکان بلحاظ عدل الشرط و بدله و إن کان الشرط منعدماً ففی الإطلاق بالتقریر الثانی لوحظ وجود الشرط منضمّاً و فی الإطلاق بالتقریر الثالث لم یلاحظ وجوده منضمّاً.
ص: 69
((1))
لا یجوز قیاس القضیة الشرطیة بالوجوب التعیینی و التخییری فإنّ وجود البدل و العدل للعلّة غیر وجود البدل و العدل للواجب لأنّ سنخ الوجوب التخییری مباین لسنخ الوجوب التعیینی فإنّهما مغایران ثبوتاً و إثباتاً.
أما ثبوتاً فلأنّ مصلحة الوجوب التعیینی قائمة بنفس الواجب و مصلحة الوجوب التخییری قائمة إما بالجامع بین أفراد التخییر أو بکل منهما علی حدة و الوجوب التعیینی غیر مشوب و لکن الوجوب التخییری وجوب مشوب بجواز ترکه إلی البدل.
و أما إثباتاً فلأنّ الواجب التخییری یحتاج إلی بیان زائد بالعطف ب- «أو» بخلاف الواجب التعیینی فإنّه لایحتاج إلی بیان زائد و حینئذٍ لابدّ من بیان العدل لو کان موجوداً و إلّا لأخلّ عدم البیان بسنخ الوجوب و أما سنخ العلّة
ص: 70
المنحصرة لا یختلف مع سنخ العلّة غیر المنحصرة فعدم بیان العدل و البدل لایضر بسنخ العلّة و لذا لا ملزم لکون المتکلم فی مقام بیانه.((1))
((1))
و بیانه یتوقف علی مقدّمة و هی أنّ الشارع یکون فی مقام بیان الأحکام الشرعیة بجمیع قیوده و ذلک من سیرته فی جمیع کلماته إلّا فیما إذا کانت المصلحة فی عدم البیان و لایضرّ تلک الموارد بظهور القضایا الشرعیة فی کونها لبیان جمیع القیود و الشرائط.
ص: 72
و بحث مفهوم الشرط أعمّ من مقام استنباط الأحکام الشرعیة بل هو یشمل المباحث التفسیریة و أیضاً یشمل جمیع المحاورات العرفیة و لکنّا نبحث عنه من جهة کونه فی طریق استنباط الأحکام الشرعیة و لذا لانشک فی کون الشارع فی مقام بیان الأحکام و أما فی المباحث التفسیریة فلم یثبت کون القضیة الشرطیة فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط و لذا نری أنّ المحدث الحر العاملی (قدس سره) ادعی فی الفوائد الطوسیة((1)) أنّ الآیات القرآنیة التی لا مفهوم للشرط فیها تبلغ مأة و عشرین آیة و لکن الآیات التی اعتبرت فیها مفهوم الشرط لاتبلغ هذا المقدار و لذا جعل ذلک دلیلاً علی عدم حجیة مفهوم الشرط و لکنه یرد علیه أنّ عدم دلالة أکثر الآیات المشتملة علی القضیة الشرطیة علی المفهوم هو من جهة عدم کونها فی مقام البیان و لکن البحث هنا یقع فیما إذا کان المتکلم فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط فهل حینئذ یدلّ القضیة الشرطیة علی المفهوم أو لا؟
فنقول: إذا کان المولی فی مقام بیان کل ما له العلّیة (أو فقل: فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط) فاقتصر علی خصوص المجیء مثلاً، کشف ذلک عن انحصاره فیها و إلّا کان ناقضاً لغرضه.
و هذا البیان الذی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو الاستدلال بالإطلاق المقامی فی قبال الاستدلال بالإطلاق الانصرافی و الإطلاق اللفظی.
و الحاصل: تمامیة الإطلاق المقامی الّذی تمسّک به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عندنا.
ص: 73
((1))
إنّ مقتضی الترتّب العلّی علی المقدم بعنوانه أن یکون بعنوانه الخاصّ به علّة، و لو لم تکن العلّة منحصرة لزم استناد التالی إلی الجامع بینهما و هو خلاف ظاهر الترتب علی المقدم بعنوانه.
((2))
إنّ ذلک یتمّ فی ما إذا قلنا بجریان قاعدة «الواحد لایصدر إلّا عن الواحد» فی هذا المقام و لکنّه ممّا لا یمکن الإلتزام به لأنّ هذه القاعدة لاتجری فی العلل الطبیعیة کما أنّها لاتجری فی موضوعات الأحکام التی هی کالعلل للأحکام.
ص: 74
((1))
و هو الطریق الأول الذی سلکه المحقق العراقی (قدس سره)، فقال: إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی التلازم بین المقدم و التالی بل و علی کون اللزوم بینهما بنحو العلّیة و المعلولیة، فالظاهر هو کونها فی غایة الوضوح کما یشهد به الوجدان و یوضحه المراجعة إلی العرف و أهل المحاورة و اللسان فی نحو هذه القضایا حیث تری أنّهم یفهمون منها الترتّب بین المقدّم و التالی بنحو العلّیة فضلاً عن اللزوم بینهما و علیه فدعوی المنع عن الدلالة علی اللزوم أو الترتّب بنحو العلیة فی غایة السقوط.
و لکن لدعوی المنع عن الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة مجال ثم استدل علی ذلک بالإطلاق الانصرافی و بالإطلاق بمقدمات الحکمة.
تم الکلام هنا عن الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط و هو الاستدلال علیه من طریق إثبات العلیة المنحصرة، و قد تقدم أنّ لإثبات المفهوم الشرط خمس أدلة، فتصل النوبة إلی الدلیل الثانی.
تمامیة هذا الدلیل الأول بالإطلاق بمقدّمات الحکمة بالتقریر الثانی و بالإطلاق المقامی.
ص: 75
و هو ما أفاده أبو المجد الإصفهانی (قدس سره) فی وقایة الأذهان((1)) و الشهرستانی (قدس سره) فی غایة المسؤول.((2))
قبل بیان مختارهما نتعرض لمقدمة حتی یتضح ذلک:
إنّ المحقق الأنصاری (قدس سره) قال: إنّ لفظ التعلیق مشعر بالانتفاء عند الانتفاء((3)) و قال أیضاً صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((4)) بالفرق بین معنی الترتّب و التعلیق (خلافاً لبعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره)) و فسّر التعلیق بأنّه ربط أحد الشیئین بالآخر بنحو لایتخلف عنه و لایمکن تحققه بدونه فهو یساوق العلّیة المنحصرة إذ من الواضح أنّ الشیء إذا کان یوجد بسببین لایقال: إنّه معلّق بکل منهما.
و فی قباله بعض الأعلام استعملوا التعلیق فیما لایفید الانتفاء عند الانتفاء مثل صاحب المعالم (قدس سره) حیث عبّر فی مفهوم الوصف أیضاً بالتعلیق((5)) و کما تقدّم ذلک فی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث أردفه بالترتّب.
ص: 76
((1))
قال: إنّ التعلیق یدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء.
و قال: إن ثبت مفهوم للشرط فلیس لوضع «إن» و سائر حروف الشرط لذلک بل یثبت من التعلیق الذی دلّت أدواته علیه، فالأدوات تدل علی التعلیق و التعلیق یدل علی المفهوم حیث إنّه لاشک فی ظهور التعلیق فی اختصاص الحکم و التخصیص بالشرط لابدّ له من باعث صالح یدعو إلیه و احتمال وجود نکته أُخری غیر اختصاص الحکم بالشرط لایضرّ بالظهور فی اختصاصه به کما لایضرّ احتمال وجود القرینة الصارفة بظهور اللفظ فی المعنی الحقیقی فیدفع هنا بالأصل کما یدفع هناک و التعلیق یدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء بل هو معنی التعلیق و للملازمة أقسام و الظاهر الغالب کونها من قبیل سببیة الشرط للجزاء ما لم تکن قرینة علی خلافها و بالغ جماعة فجعلوها ظاهرة فی العلّة التامّة المنحصرة و یکفی فی فساده القطع بأنّ من قال «إن أکرمک فأکرمه» و قال بعده «إن زارک فأکرمه» لیس لکلامه الثانی أدنی مخالفة لکلامه الأول.
إنّ ما أفاده من الظهور الغالب فی السببیة لایکفی لإثبات مفهوم الشرط بل لابدّ من إثبات الانحصار فما أفاده من أنّ الظهور فی العلّة التامّة المنحصرة فاسد لایناسب المقام بل ما أفاده من أنّ التعلیق ظاهر فی اختصاص الحکم لیس إلّا من باب انحصار سببیة الشرط، نعم إنّ ادعاء وضع القضیة الشرطیة للعلة التامّة المنحصرة فاسد لا ادعاء الظهور فیها.
ص: 77
و هو ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ((1)) و إنّه سلک من طریقین تارةً من طریق إثبات العلّة المنحصرة کما تقدم و أخری من طریق آخر غیر إثبات انحصار العلّة فی الشرط و البحث هنا فی هذا الطریق الثانی.
قبل بیان مفاد القضیة الشرطیة لابدّ من تحلیل معنی القضیة الحملیة، فإنّ القضیة الحملیة لاتقتضی أزید من کون المتکلم فی مقام إثبات حکم وجوب الإکرام لزید بنحو الطبیعة المهملة و لایقتضی أن تکون بصدد إثبات سنخ الحکم و الطبیعة المطلقة (و المهملة فی قوة القضیة الشخصیة و لاینافی هذا الإهمال إطلاق الموضوع و الحکم بحسب حالات الموضوع).
نعم مقتضی القضیة الحملیة ثبوت الحکم للموضوع (و هو «زید» فی المثال المذکور) من جهة جمیع حالاته من القیام و القعود و المجیء و غیر ذلک و هذا معنی إطلاق الموضوع.
و لمّا کان موضوع الحکم مطلقاً بحسب الحالات من المجیء و غیره یلزمه إطلاق فی طرف الحکم المترتب علیه أیضاً بحسب تلک الحالات.
و یلزم من ذلک (إطلاق الحکم و الموضوع بحسب حالات الموضوع) عدم جواز ثبوت وجوب آخر أیضاً لذلک الموضوع فی حال القیام و القعود و المجیء من جهة ما یلزمه حینئذٍ بعد هذا الإطلاق من لزوم محذور اجتماع المثلین.
ص: 78
(و عدم جواز ثبوت وجوب آخر شخصی لما یلزمه من محذور اجتماع المثلین هو ممّا یبتنی علیه الاستدلال علی مفهوم الشرط).
و حینئذ نقول: إنّ طبع أداة الشرط الوارد علیها أیضاً فی نحو قوله: «إن جاء زید یجب إکرامه» لایقتضی إلّا مجرد إناطة النسبة الحکمیة بما لها من المعنی الإطلاقی بالشرط و هو المجیء.
فإذا کان مقتضی طبع القضیة الحملیة فی مثل قوله «أکرم زیداً» هو ثبوت حکم شخصی محدود ل- «زید» علی الإطلاق (جمیع حالات زید) الملازم لانحصار الحکم الشخصی و عدم وجود فرد آخر منه فی بعض حالات الموضوع (مثل حالة عدم المجیء) فلاجرم بعد ظهور الشرط فی دخل الخصوصیة بمقتضی ما بیناه یلزمه قهراً انتفاء وجوب الإکرام عن زید عند انتفاء المجیء و عدم ثبوت وجوب شخصی آخر له فی غیر حال المجیء و یلزمه عقلاً انتفاء سنخ الحکم (وجوب الإکرام) عن الموضوع (زید) عند انتفاء الشرط (المجیء) و لانعنی من المفهوم إلّا ذلک.
و قد استشکل علیه بعض الأعلام بما لایمکننا المساعدة علیه فلا نتعرض له.
و الحق فی الإیراد علیه: هو أنّ الإطلاق الأحوالی ل- «زید» إن کان موضوعاً للحکم الشخصی بوجوب الإکرام و بعد ذلک قید بحالة المجیء فیصح ما أفاده حیث إنّ الحکم الشخصی اختصّ بحالة المجیء و لم یبق وجه لهذا الحکم فی صورة عدم المجیء و لکن إن قلنا بأنّ الموضوع لوجوب الإکرام من الأول هو
ص: 79
زید فی حالة مجیئه کما هو الظاهر من القضیة الشرطیة فلاینافی ذلک وجود حکم شخصی آخر لزید فی حالة عدم مجیئه، لأنّ کل موضوع یقبل حکماً شخصیاً غیر الحکم الشخصی الذی یختصّ بموضوع آخر.
ص: 80
و هو ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))
إنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة و الإخبار عن ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها عنه و ذلک لأمرین:
الأول: إنّها لاتدلّ علی ثبوت النسبة فی الواقع أو عدمه مع قطع النظر عن حال المخبر من حیث وثاقته و قطع النظر عن القرائن الخارجیة.
الثانی: إنّ الوضع عبارة عن التعهّد و الالتزام النفسانی المبرز بمبرزٍما فی الخارج فاللفظ یدلّ علی أنّ المتکلم به أراد تفهیم معنی خاصّ و التعهد و الالتزام یتعلقان بالفعل الاختیاری فلا یتعلقان بثبوت النسبة فی الواقع أو عدم ثبوتها فیه لأنّ ثبوت النسبة و عدمها خارج عن اختیار المتکلم بل هو تابع لثبوت عللها فی الواقع، فالتعهد و الالتزام یتعلقان بإبراز قصد الحکایة و الإخبار عن ثبوت النسبة أو عدمها فی الخارج.
فالجملة الخبریة تشترک مع الجملة الإنشائیة فی الدلالة علی قصد المتکلّم لأنّ الجملة الإنشائیة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلّم إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فهما لاتتصفان بالصدق و الکذب نعم إنّ لمدلول الجملة الخبریة واقعاً موضوعیاً دون مدلول الجملة الإنشائیة و لذا تتصف الجملة الخبریة بالصدق و الکذب بملاحظة مطابقة مدلولها للواقع و عدم مطابقته له.
ص: 81
و القضیة الشرطیة إذا کانت إخباریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الإخبار عن وجود التالی علی تقدیر وجود المقدّم فهی بطبیعة الحال تدلّ بالالتزام علی انتفاء الإخبار عنه علی تقدیر انتفاء المقدّم و هذا معنی دلالتها علی المفهوم بالدلالة الالتزامیة الوضعیة.
أما القضایا الشرطیة إذا کانت إنشائیة فعلی نوعین:
الأول: ما یتوقف الجزاء علی الشرط تکویناً مثل إن رزقت ولداً فاختنه
و الثانی: ما لایتوقف الجزاء علی الشرط تکویناً بل یکون التعلیق و التوقف بجعل المولی و اعتباره.
أما النوع الأول فهو خارج عن محل الکلام و لا یدل علی المفهوم.
و أما النوع الثانی فهو یدل علی المفهوم، لأنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم ترتکز علی رکیزتین:
الرکیزة الأُولی: أن یکون الموضوع فیها غیر الشرط الذی علّق علیه الجزاء
الرکیزة الثانیة: أن لا یکون التعلیق تکوینیاً و عقلیاً.
و هذه الرکیزتان موجودتان فی النوع الثانی، دون النوع الأول حیث إنّه فاقد للرکیزة الثانیة.
بیان ذلک: إنّ حقیقة الإنشاء عبارة عن اعتبار المولی الفعل علی ذمّة المکلف و إبرازه فی الخارج بمبرزٍما.
و من الطبیعی أنّ هذا الاعتبار قد یکون مطلقاً و قد یکون معلقاً علی شیء خاص و تقدیر مخصوص فإنّه بطبیعة الحال یکشف عن ثبوت هذا الاعتبار عند ثبوت تقدیر خاصّ و عن انتفائه عند انتفائه فی الخارج و الدلالة علی انتفاء
ص: 82
الاعتبار عند انتفاء التقدیر الخاص هی بالدلالة الالتزامیة لأنّ الملازمة بینهما بینة بالمعنی الأخصّ.
و السرّ فیه ما عرفت من أنّ اعتبار المولی إذا کان مقیداً بحالة خاصّة فلازمه عدم اعتباره عند انتفاء هذه الحالة و من الطبیعی أنّ هذا اللازم بین بالمعنی الأخصّ حیث إنّ النفس تنتقل إلیه من مجرد تصور عدم الإطلاق فی اعتبار المولی و أنّه یکون علی تقدیر خاصّ و مقیداً به، فالقضیة الشرطیة التی تدلّ علی الأول بالمطابقة فلامحالة تدلّ علی الثانی بالالتزام.
ثمّ إنّ هذه الدلالة مستندة إلی الوضع أی وضع أدوات الشرط للدلالة علی ذلک ککلمة: إن و إذا و لو و ما شاکل ذلک و لم تکن مستندة إلی الإطلاق و مقدمات الحکمة، لفرض أنّها لازمة بینة بالمعنی الأخص لدلالتها المطابقیة و هی دلالتها علی التعلیق و الثبوت.
أنّا لانری لمسلک التعهد هنا أثراً و علی أی حال یرد علیه أنّ تقیید الجزاء علی الشرط یفید انتفاء شخص حکم الجزاء عند انتفاء الشرط لا انتفاء سنخه نعم إنّ التعلیق أمر غیر التقیید.
ص: 83
و هو الاستدلال بالروایات:
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ (الْأَهْوَازِی) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ یعْنِی (الْمُرَادِی) قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الشَّاةِ تُذْبَحُ فَلَا تَتَحَرَّکُ وَ یهَرَاقُ مِنْهَا دَمٌ کَثِیرٌ عَبِیطٌ فَقَالَ (علیه السلام): «لَا تَأْکُلْ إِنَّ عَلِیاً (علیه السلام) کَانَ یقُولُ: إِذَا رَکَضَتِ الرِّجْلُ أَوْ طَرَفَتِ الْعَینُ فَکُل».((1))
فإنّ استدلال الإمام الصادق (علیه السلام) بکلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) یدلّ علی ثبوت مفهوم الشرط فإنّ الإمام (علیه السلام) استدلّ بمفهوم کلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) من دون قرینة و هو: إذا لم ترکض الرجل أو لم تطرف العین فلاتأکل.
و لا إشکال فی اعتبار سند الروایة، و هناک روایات أُخر استدلّوا بها علی مفهوم الشرط أیضاً.((2))
ص: 84
و المتحصّل هو ثبوت مفهوم الجملة الشرطیة بالدلیل الأول و الخامس، فإنّ الدلیل الأول هو إثبات مفهوم الشرط من طریق العلّیة المنحصرة بالإطلاق
ص: 85
بمقدمات الحکمة و بالإطلاق المقامی و الدلیل الخامس هو الاستدلال بالروایات، و هنا وجوه أخر نصفح الوجه عن بیانها. ((1))
ص: 86
ص: 87
هنا وجوه ثلاثة:
((1))
إنّ الحکم فی الجزاء معلّق علی الشرط و لا مانع من أن یخلفه و ینوب عنه شرط آخر یجری مجراه مثل قوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهیدَینِ مِنْ رِجالِکُمْ)((2)) حیث إنّه ینوب عن الآیة شهادة رجل و امرأتین و أیضاً ضمّ الیمین إلی الشاهد الأول.
إنّه لا إشکال فی نیابة شرط عن شرط آخر و قیامه مقامه و لاشک فی احتمال
ص: 88
ذلک بحسب مقام الثبوت، و لکن الکلام هو فی مقام الإثبات فإنّ المدّعی هو أنّ ظاهر الجملة الشرطیة ینفی هذا الاحتمال.
فما أفاده السید (قدس سره) خلط بین مقام الثبوت و الإثبات.
((1))
إنّ القضیة الشرطیة لو دلّت علی المفهوم لکانت بإحدی الدلالات الثلاث المطابقی و التضمنی و الالتزامی و کلها مفقودة فی المقام.
ص: 89
ص: 91
فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)((1))علی جواز الإکراه بالبغاء إن لم یردن التحصّن.
((2))
إنّ استعمال الجملة الشرطیة فیما لا مفهوم له أحیاناً و بالقرینة لایکاد ینکر کما فی هذه الآیة و غیرها و إنّما الکلام فی ظهورها فی المفهوم وضعاً أو بقرینة عامّة.
((3))
قال صاحب الکفایة (قدس سره) بوجود المانع و لکن هنا لا مقتضی للدلالة علی المفهوم فلاتصل النوبة إلی القول بوجود المانع.
الحق فی الإیراد هو أنّ الشرط فی الآیة مسوق لبیان تحقق الموضوع فلا مقتضی للدلالة علی المفهوم.
ص: 92
هذا تمام الکلام فی أدلّة الطرفین، و هنا وجوه أخر أعرضنا عن بیانها.((1))
ص: 93
ص: 94
و لهذه المسألة ثمرات مهمّة.((1))
ص: 95
ص: 96
قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)): إنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط.
أما انتفاء شخص الحکم بانتفاء الشرط فهو عقلی و لیس قابلاً للنزاع و الخلاف و الوجه فیه هو أنّ ما هو المشهور من أنّ انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه ممّا لاخلاف فیه بین الأعلام.
و لذا نسب((2)) إلی الشهید (قدس سره) فی تمهید القواعد((3)) أنّه قال: إنّ انتفاء الحکم فی
ص: 97
باب الوصایا و الأوقاف و ما شاکلهما لیس من باب مفهوم الشرط بل من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه، لأنّ الواقف إذا وقف شیئاً علی أحد أو مورد فینتفی شخص هذا الوقف عن غیر هذا المورد، کما أنّ الوقف أیضاً ینتفی بانتفاء العنوان العام الذی وقف الشیء له و ذلک من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه.
و الفرق بین باب مفهوم الشرط و باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه هو أنّ الحکم المنتفی فی باب مفهوم الشرط هو سنخ الحکم و الدلیل علی انتفائه هو ظهور الجملة الشرطیة سواء کان منشأه الوضع أو الإطلاق الانصرافی أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو الإطلاق المقامی أو غیر ذلک و لکن الحکم المنتفی فی باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه هو شخص الحکم و الدلیل علی انتفاء شخص الحکم هو العقل.
ص: 98
هناک مشکلة فیما إذا کان جزاء الشرط جملة إنشائیة حیث إنّ الحکم المذکور فی الجزاء یستفاد من الهیأة و الهیئات تفید المعانی الحرفیة فلابدّ أن یکون الحکم المستفاد من الهیئات شخص الحکم.
و أیضاً هنا مشکلة أُخری و هی أنّ الهیأة تفید المعنی الحرفی فلا یلحظ مفاد الهیأة استقلالاً فلا یجری فیها الإطلاق و التقیید مع أنّ الجزاء فی القضیة الشرطیة مقید بالشرط و للأعلام مسالک فی حلّ هذه المشکلة.
إنّه قال بالفرق بین الوجوب الإخباری و الإنشائی بأنّ الوجوب الإخباری کلی و الوجوب الإنشائی خاصّ و لکن ارتفاع مطلق الوجوب فی الوجوب الإنشائی من فوائد العلّیة المنحصرة المستفادة من الجملة الشرطیة.
قد نقل فی المحاضرات((1))عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أنّه فصّل بین ما کان الحکم فی الجزاء مستفاداً من المادّة کقوله (علیه السلام): «إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ»((2)) و ما کان مستفاداً من الهیأة کقولنا «إن جاءک زید فأکرمه» حیث نسب إلیه (قدس سره) أنّه التزم بدلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم فی الأول دون الثانی بملاک أنّ الحکم فی الأول کلی و فی الثانی جزئی.
ص: 99
(و لکن النسبة المذکورة إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) غیر صحیح فإنّه صرّح فی مطارح الأنظار((1)) بعدم التفصیل).
و قد تقرّر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) بثلاث مقدمات:((2))
المقدمة الأُولی: لابدّ من أن یلاحظ مناسبة الحکم و الموضوع فقد یعمّم بالنسبة إلی الحکم الذی هو بالنظر البدوی حکم شخصی إلی أنّه سنخ الحکم بالنظر إلی مناسبة سنخ الحکم للموضوع.
المقدمة الثانیة: إنّ نسبة الشرط إلی الجزاء هی نسبة المقتضی إلی المقتضی.
المقدمة الثالثة: قد افترضنا أنّ الشرط علّة منحصرة للجزاء، و الشرط إما یرجع إلی الهیأة کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و إما یرجع إلی المادة کما هو مختار الشیخ (قدس سره) فعلی أی حال مناسبة الحکم و الموضوع یقتضی أن یکون المراد سنخ الحکم.
((3))
إنّ المعلّق علی الشرط إنّما هو نفس الوجوب الکلی الذی هو مفاد الصیغة و معناها لا شخص الوجوب و الدلیل علی ذلک هو أنّ التشخّص و الجزئیة و الخصوصیة ناشئة عن الاستعمال (أی استعمال الصیغة فی معناها) فلایدخل فی المستعمل فیه لما تقدم فی البحث عن المعنی الحرفی من أنّ المعنی الاسمی و الحرفی واحد و الاختلاف بینهما فی اللحاظ فإنّ المعنی الحرفی ملحوظ آلیاً و المعنی الاسمی ملحوظ استقلالیاً و اللحاظ الآلی مثل اللحاظ الاستقلالی من
ص: 100
خصوصیات الاستعمال لا خصوصیات المستعمل فیه، بل یستحیل أن یکون من خصوصیات المستعمل فیه لأنّ الاستعمال متأخر عن المعنی المستعمل فیه فیستحیل أن تکون خصوصیات الاستعمال دخیلاً فی المستعمل فیه و إلّا یلزم تقدم المتأخر.
فالموضوع له فی الحروف عام کما أنّه کذلک فی أسماء الأجناس.
إنّ هذا الجواب یتم بناءً علی ما ذهب إلیه فی المعنی الحرفی، و لایجدی لمن لم یلتزم بنظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی اتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی.
((1))
إنّ المعلق فی القضیة الشرطیة لیس هو مفاد الهیأة لأنّه معنی حرفی و ملحوظ آلی، بل المعلق فیها هی نتیجة القضیة المذکورة فی الجزاء و إن شئت عبّرت عنها بالمادة المنتسبة (کما ذکرنا تفصیل ذلک فی بحث الواجب المشروط) و علیه یکون المعلّق فی الحقیقة علی الشرط المذکور فی القضیة الشرطیة هو الحکم العارض للمادة کوجوب الصلاة فی قولنا «إذا دخل الوقت فصلّ» فینتفی هو بانتفاء شرطه، غایة الأمر أنّ المعلّق علی الشرط حینئذٍ هو حقیقة الوجوب مثلاً من دون توسط مفهوم اسمی فی البین.
ص: 101
إنّ ما أفاده من ارجاع الشرط إلی المادّة المنتسبة خلاف ظاهر الجملة الشرطیة فإنّ ظاهر الجملة الشرطیة هو تعلیق مفاد الجزاء علی الشرط لا نتیجة الجزاء علی الشرط.
((1))
إنّ التحقیق هو أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة نفس وجوب الإکرام المُنشَأ فی شخص هذه القضیة، لکنّه لا بما هو متشخص بلوازمه، فإنّ انتفاءه بانتفاء موضوعه و شخص علّته (و إن لم تکن منحصرة) عقلی، لا یحتاج إلی إفادة انحصار علّته بأداة أو غیرها، بل بما هو وجوب، فإذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیء مثلاً، استحال أن یکون للوجوب فرد آخر بعلّة أُخری.
الأول: أن یکون وجود طبیعة الوجوب بحیث لایشذّ عنه فرد منها و حینئذٍ یلزم من انتفائه انتفاء سنخ الحکم عقلاً إلّا أنّه خلاف ظاهر الجملة الشرطیة
الثانی: أن یکون وجود طبیعة الوجوب بمعنی وجودها الناقض للعدم و تعلیق الوجوب علی الشرط فی هذا الاحتمال لا یکون مقتضیاً لانتفاء سنخ الحکم و الوجه فیه هو أنّ الوجود نقیض العدم و کل وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق، فانتفاءه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.
ص: 102
الثالث: أن یکون وجود شخص الحکم بما هو وجود شخصی و حینئذ انتفاءه بانتفاء موضوعه عقلی و لیس فیه خلاف بین الأعلام و لکنه غیر مرتبط ببحث مفهوم الشرط.
الرابع: أن یکون وجود الحکم المنشأ فی شخص هذه القضیة بما هو وجود الوجوب، لا بما هو متشخص بلوازمه
و هذا الاحتمال الرابع هو المختار من بین الاحتمالات الأربعة و هو المستفاد من ظهور القضیة الشرطیة فی انحصار الشرط فی العلّیة.
((1))
إنّ حقیقة إنشاء الوجوب عبارة عن إظهار اعتبار کون فعلٍ ما علی ذمّة المکلف فإذا کان المعتبر بالاعتبار المزبور معلقاً علی وجود شیء مثلاً، استلزم ذلک انتفاءه بانتفائه و لایفرق فی ذلک بین أن یکون الاعتبار مستفاداً من الهیأة و أن یکون مستفاداً من المادّة المستعملة فی المفهوم الاسمی باعتبار فنائه فی معنونه.
و هذا الجواب تام علی ما ذهب إلیه.
فالمتحصل: أنّ ما أفاده صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) وافٍ بحل المشکلة علی مبانیهم و أما علی المبنی المختار فالحق فی الجواب هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و مع التنزل عنه فما أفاده المحقق الأنصاری (قدس سره) فی غایة المتانة.
ص: 103
ص: 104
إنّه إذا قلنا بثبوت مفهوم الشرط یقع الکلام فیما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء و ذلک مثل قضیة «إذا خفی الأذان فقصّر» و قضیة «إذا خفی الجدران فقصّر» فیقع التعارض بین القضیتین فلابدّ من التصّرف فی ظهور أحدهما أو کلیهما حتی یرتفع التعارض و ینحل المشکلة.((1))
ص: 105
بینهما و هذا الوجه هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))
الوجه الثانی: أن یقید مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر من دون تصرف فی المنطوقین.((2))
الوجه الثالث: أن یکون الشرط فی الحقیقة هو الکلی الجامع بین الأمرین و هو عنوان «أحدهما» أو «أحدها» و کل واحد من الشرطین مصداقاً لهذا الکلی الجامع.((3))
ص: 107
الوجه الرابع: أن یقید الشرط فی کل من القضیتین من ناحیة استقلالهما فی العلّیة بالعطف ب- «الواو» و هذا مختار المحقق النائینی (قدس سره) .((1))
ص: 108
الوجه الخامس: أن یقید الشرط فیهما من ناحیة انحصارهما فی العلّیة بالعطف ب «أو» و هذا هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) .((1))
((1))
إنّه بلا مقتض و موجب، بداهة أنّ الضرورة تتقدر بقدرها، و من الطبیعی أنّ الضرورة لاتقتضی رفع الید عن مفهوم کلتا القضیتین معاً و الالتزام بعدم دلالتهما علیه أصلاً، بل غایة ما تقتضی هو رفع الید عن إطلاق کل منهما بتقییده بالأُخری بمثل العطف بکلمة «أو» أو بکلمة «الواو».
ص: 110
((1))
إن کان أحد الدلیلین متصلاً بالآخر فلایدلّان علی المفهوم لأنّ کلاً منهما قرینة علی عدم المفهوم فی الآخر، و إن کانا منفصلین فمع تمامیة القول بالمفهوم فلا وجه لعدم ظهور کل منهما فی المفهوم بل القول بعدم المفهوم حینئذ مستلزم للتفکیک بین العلّة و المعلول.
((1))
إنّه غیر معقول، إذ المفهوم لیس هو بنفسه مدلولاً للکلام مستقلاً لیتصرف فیه بتخصیص أو تقیید، بل هو تابع للمنطوق، فإذا لم یتصرّف فیه امتنع التصرف فی المفهوم.
((2))
تقدم أنّ المفهوم لازم عقلی للمنطوق باللزوم البین بالمعنی الأخصّ و علیه فلا یعقل التصرف فیه بتقیید أو تخصیص من دون التصرف فی المنطوق أصلاً
ص: 112
بداهة أنّ مردّ ذلک إلی انفکاک اللازم من الملزوم و المعلول من العلّة و هو مستحیل و علی الجملة قد عرفت أنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم إنّما هی بدلالة التزامیة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و من الطبیعی أنّ هذه الدلالة بما أنّها دلالة قهریة ضروریة لدلالة القضیة علی المنطوق، فلایمکن رفع الید عنها و التصرف فیها من دون رفع الید و التصرف فی تلک.
فإذن لابدّ من إرجاع هذا الوجه إلی الوجه الخامس (التقیید بالعطف ب- «أو»).((1))
((2))
فهو أن یکون الشرط الکلی الجامع و استدلّ علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بقاعدة «الواحد لایصدر إلّا عن الواحد».
ص: 113
إنّ هذه القاعدة تجری فی الوحدة الحقّة الحقیقیة کما تقدّم مراراً.
و لذا قال المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بإرجاعه إلی الوجه الخامس أیضاً بل المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی الوجه الخامس بلزوم الجامع الذاتی أو الجامع الانتزاعی. ((1))
ص: 114
فهو مختار المحقق النائینی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «الواو».
فقد قال المحقق النائینی (قدس سره) فی وجهه((1)): التحقیق أنّ دلالة کل من الشرطیتین علی ترتّب الجزاء علی الشرط المذکور فیها باستقلاله من غیر انضمام شیء آخر إلیه إنما هی بالإطلاق المقابل للعطف ب- «أو» و بما أنّه لابدّ من رفع الید عن أحد الإطلاقین و لا مرجّح لأحدهما علی الآخر((2)) یسقط کلاهما عن الحجیة، لکن
ص: 115
ص: 116
ثبوت الجزاء کوجوب القصر فی المثال یعلم بتحققه عند تحقق مجموع الشرطین علی کل تقدیر، و أما فی فرض انفراد کلّ من الشرطین بالوجود فثبوت الجزاء فیه یکون مشکوکاً فیه، و لا أصل لفظی فی المقام علی الفرض لسقوط الإطلاقین بالتعارض، فتصل النوبة إلی الأصل العملی، فتکون النتیجة موافقة لتقیید الإطلاق المقابل للعطف ب- «الواو».
إنّ المورد لیس من صغریات الرجوع إلی الأصل العملی بل المقام هو مجری الأصل اللفظی من عموم أو إطلاق.((1))
ص: 117
فهو ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))
إنّ القاعدة تقتضی تقیید الإطلاق المقابل للعطف ب- «أو» دون العطف ب- «الواو» (کما اختاره المحقق النائینی (قدس سره)) و السبب فی ذلک هو أنّه لا منافاة بین منطوقی القضییتین الشرطیتین المتقدمتین، ضرورة أنّ وجوب القصر عند خفاء
ص: 118
الأذان لاینافی وجوبه عند خفاء الجدران أیضاً لفرض أنّ ثبوت حکم لشیء لایدلّ علی نفیه عن غیره و کذا لا منافاة بین مفهومیهما لوضوح أنّ عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان لاینافی عدم وجوبه عند عدم خفاء الجدران، إذ عدم ثبوت حکم عند شیء لایقتضی ثبوته عند عدم شیء آخر لیکون بینهما تنافٍ.
فالنتیجة: أنّ المنافاة إنما هی بین إطلاق مفهوم إحداهما و منطوق الأُخری مع قطع النظر عن دلالتها علی المفهوم و لذا لو کان الوارد فی الدلیلین «إذا خفی الأذان فقصّر» و «یجب تقصیر الصلاة عند خفاء الجدران»، کان بین ظهور القضیة الأُولی فی المفهوم و ظهور القضیة الثانیة فی ثبوت وجوب التقصیر عند خفاء الجدران تعارض لامحالة فإنّ مقتضی إطلاق مفهوم الأُولی عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان و إن فرض خفاء الجدران و مقتضی القضیة الثانیة وجوب القصر فی هذا الفرض.
و حیث إنّ نسبة المنطوق إلی المفهوم نسبة الخاصّ إلی العام فبطبیعة الحال یقید إطلاقه و بما أنّ التصرف فی المفهوم بدون التصرف فی المنطوق لایمکن لما عرفت من أنّه لازم عقلی له فیدور مداره سعةً وضیقاً فلایمکن انفکاکه عنه و لو بالإطلاق و التقیید فلامحالة یستلزم التصرف فیه التصرف فی المنطوق.
و التصرف فی إطلاق مفهوم کل من القضیتین بهذا الشکل لامحالة یستدعی التصرف فی إطلاق منطوق کل منهما بنتیجة العطف بکلمة «أو» و لازم ذلک هو أنّ الشرط أحدهما فالنتیجة هی عدم وجوب التقصیر إلّا إذا خفی أحدهما.
أما التقیید بالعطف بکلمة «الواو» فلا مقتضی له أصلاً و إن کان یرتفع به التعارض.
فالحق هو التقیید بالعطف بکلمة «أو».
ص: 119
((1)) لهذا الوجه:
إنّ منشأ التعارض بین الدلیلین هو ظهورهما فی الانحصار الذی یلزم منه الظهور فی المفهوم فیتعارض منطوق کل منهما و مفهوم الآخر کما تقدّم فلابدّ من رفع الید عن ظهور کل منهما فی الانحصار بالإضافة إلی المقدار الذی دلّ علیه منطوق الشرطیة الأُخری، لأنّ ظهور المنطوق أقوی، أما ظهور کل من الشرطیتین فی الاستقلال فلا معارض له حتی ترفع الید عنه، و حینئذ یکون کل من الشرطین مستقلاً فی التأثیر فإذا انفرد أحدهما کان له التأثیر فی ثبوت الحکم و إن حصلا معاً فإن کان حصولهما بالتعاقب کان التأثیر للسابق و إن تقارنا کان الأثر لهما معاً و یکونان کالسبب الواحد، لامتناع تکرار الجزاء حسب الفرض.
و هنا وجوهاً أخری، لحلّ المشکلة، لانشیر إلیها. ((2))
ص: 120
و فیه مطلبان:
قال المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)): إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء و ثبت من الخارج أو من نفس ظهور الدلیلین کون کل شرط مستقلاً فی ترتّب الجزاء علیه، فهل القاعدة تقتضی تداخل الشروط فی تأثیرها أثراً واحداً فیما إذا تقارنت زماناً أو تقدّم بعضها علی بعض، أو إنّها تقتضی تعدّد الأثر عند تعدّد المؤثر؟ و یعبّر عن ذلک بتداخل الأسباب و عدمه.
و فی المقام نزاع آخر و هو أنّه علی تقدیر تعدّد الأثر کوجوب الغسل المترتب علی الجنابة و وجوبه المترتب علی الحیض فهل یجوز امتثالهما بفعل واحد أو إنّه یجب أن یکون امتثال کل منهما بفعل مغایر لما یتحقق به امتثال الآخر؟ و یعبّر عن ذلک بتداخل المسبّبات و عدمه.
فلابدّ من البحث عن مطلبین: تداخل الأسباب و تداخل المسببات.((3))
ص: 121
و الکلام فیه فی أربع جهات:
فیها خمس مقدّمات:
قد أفاد الأعلام مثل المحقق النائینی((1)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما) مقدمات قبل الورود فی البحث نذکر بعض تلک المقدمات:
قال المحقق الخوئی (قدس سره):((2)) إنّ الکلام هو فیما إذا لم یعلم التداخل أو عدمه من الخارج کما فی بابی الوضوء و الغسل حیث علم من الخارج أنّه لایجب علی المکلّف عند اجتماع أسبابه إلّا وضوء واحد و کذا الحال فی الغسل.
أما فی باب الوضوء فلأنّ الوارد فی لسان روایاته هو التعبیر بالنقض مثل: «لَاینْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ»((3))و من الطبیعی أنّ صفة النقض لاتقبل التکرر و التکثّر.
ص: 122
و أما فی باب الغسل فلأنّ بعض روایاته ظاهرة فی تداخل المسببات فیدلّ علی إجزاء غسل واحد عن المتعدد مثل صحیحة زُرارَة: «إِذَا اغْتَسَلْتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَکَ غُسْلُکَ ذَلِکَ لِلْجَنَابَةِ وَ الْجُمُعَةِ وَ عَرَفَةَ وَ النَّحْرِ وَ الْحَلْقِ وَ الذَّبْحِ وَ الزِّیارَةِ وَ إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَیکَ حُقُوقٌ أَجْزَأَهَا عَنْکَ غُسْلٌ وَاحِد».((1))
قال المحقق النائینی (قدس سره):((2))
إنّ ظاهر کل من الشرطیتین هو ترتّب الجزاء علی وجود الشرط المذکور فیها و حدوثه عند حدوثه، فالقول بالتداخل یستلزم رفع الید عن هذا الظهور و حمل الکلام علی خلاف ظاهره کما أنّ ظاهر الجزاء (علی ما قیل) هو تعلّق الحکم بصرف الوجود و کونه حکماً واحداً، لأنّ صرف الوجود یمتنع أن یکون محکوماً بحکمین متضادین أو متماثلین فالقول بعدم التداخل یستلزم رفع الید عن هذا الظهور.
فمن نظر إلی الظهور الأول ذهب إلی عدم التداخل، کما أنّ من نظر إلی الظهور الثانی ذهب إلی التداخل.
ص: 123
لکن المحقق النائینی (قدس سره) فی خلال البحث استشکل علی ما قیل من الظهور الثانی فقال:((1))
لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلق الطلب بعد عدم کونه مدلولاً علیه بالهیأة و لا بالمادة.
قال المحقق الخوئی: (قدس سره) ((2)) إنّ محل الکلام فی تداخل الأسباب أو المسببات إنّما هو فیما إذا کان الجزاء قابلاً للتعدد کالوضوء أو الغسل، و أما إذا لم یکن قابلاً لذلک فهو خارج عن محل الکلام کالقتل فیمن یستحق ذلک بارتداد أو قصاص أو نحوهما.
الذی هو موضوع لوجوب الکفارة((1)) حیث إنّه من العناوین التی لاتقبل التعدد
ص: 125
و التکرر و من هنا لو أکل أو شرب فی نهار شهر رمضان مرّات عدیدة لایصدق علی الأکل فی المرة الثانیة الإفطار العمدی فلم یجب علیه إلّا کفارة واحدة ((1)).
ص: 126
لکن صاحب العروة (قدس سره) قال((1)) فی جواب بعض المسائل: إنّ الکفارة تتعدد بتعدد الجماع و الأکل بدعوی أنّ عنوان الإفطار فی الروایات کنایة عن الأکل و الشرب.
و فیه: أنّ ظاهر الروایات هو أخذ عنوان الإفطار بنفسه موضوعاً لوجوب
ص: 127
الکفارة من دون أن یکون کنایة عن الأکل و الشرب و ما أفاده فی العروة الوثقی((1)) هو وحدة الکفارة.
قد نسب صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) إلی فخر المحققین (قدس سره) ((3)) أنّه قال((4)) بابتناء القول بالتداخل و عدمه علی أنّ الأسباب الشرعیة معرّفات أو مؤثرات، فإن کانت من المعرفات لا مانع من التداخل لإمکان اجتماع معرّفات عدیدة علی شیء واحد و حکایتها عنه و إن کانت من الأسباب و المؤثرات لایمکن القول بالتداخل.
ص: 128
((1))
إنّ المعرفیة فی الشرط لاتوجب القول بالتداخل لاحتمال أن یکون کلّ من الشرطین أو الشروط معرفاً لسبب حقیقی علی حدة، لا أن یکون جمیع الشروط معرفاً لسبب واحد و الدلیل علی ذلک هو أنّ ظاهر القضیة الشرطیة هو تعدد المسبب بتعدد السبب فإنّ هذا الظهور یدل علی التعدد فی الأسباب الحقیقیة.
لا أصل لما اشتهر من أنّ الأسباب الشرعیة معرّفات، بل الحقّ هو أنّ الأسباب الشرعیة علی نوعین معرفات و مؤثرات و مثال السبب الشرعی المؤثر هو الاستطاعة التی هی مؤثرة فی وجوب الحج و مثال السبب الشرعی المعرف هو خفاء الأذان و خفاء الجدران و هما معرّفان لما هو مؤثّر فی وجوب القصر فی الصلاة و هی المسافة الخاصّة التی نسمیها بحد الترخص.
ص: 129
((1))
قال (قدس سره): إنّ القول بکون الأسباب الشرعیة معرفات خاطئ جداً.
و السبب فیه أنّه إن أُرید بکونها معرّفات أنّها غیر دخیلة فی الأحکام الشرعیة کدخل العلّة فی المعلول فهذا و إن کان متیناً لأنّ ملاکات الأحکام الشرعیة داعیة لجعل الشارع و لکن یرد علیه أنّه لا ملازمة بین عدم دخلها فی الأحکام الشرعیة و کونها معرفات بل هذا أمر ثالث و هو کونها موضوعات للأحکام و تتوقف فعلیة الأحکام علی فعلیة هذه الموضوعات و من هنا تشبه العلّة التامة.
و إن أُرید بذلک کونها معرفات لموضوعات الأحکام فی الواقع و لا مانع من اجتماع معرفات متعددة علی موضوع واحد
فیرد علیه: أنّ ذلک خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ العناوین المأخوذة فی ألسنة الروایات بنفسها موضوعات الأحکام لأنّها معرفات له
و إن أُرید بذلک کونها معرفات للملاکات الواقعیة للأحکام
فیرد علیه: أنّها لیست بکاشفة عنها فإنّ الکاشف عنها إجمالاً هو نفس الحکم الشرعی و أما ما سمی سبباً له فلایکون بکاشف عنها.
ص: 130
مثل سببیة مسّ المیت و الجنابة و الحیض فی الغسل فحینئذ لا تداخل و ما إذا کان السبب واحداً مثل تکرار الجنابة الموجبة للغسل فحینئذ المختار هو التداخل.
ص: 133
استدلّ علی عدم التداخل بعدّة أوجه((1)) نذکر بعضها:
((2))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) اختار القول بعدم التداخل، لأنّ القول بالتداخل مستلزم لاجتماع الحکمین المتماثلین.
بیان ذلک هو أنّ القضیة الشرطیة ظاهرة فی علیة الشرط و سببیته للجزاء أو ظاهرة فی کاشفیة الشرط عن الأمر الذی هو سبب الجزاء و مقتضی ذلک هو تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط، لکن الأخذ بهذا الظهور و الالتزام بالقول بعدم التداخل فیما إذا کان الجزاء واحداً حقیقة مستلزم لاجتماع المثلین، مثل قولهم «إذا
ص: 134
بُلتَ فَتوَضأ» و قولهم أیضاً «إذا نُمتَ فتَوضأ» حیث إنّ الوضوء حقیقة واحدة و حینئذ یلزم اجتماع الوجوبین للوضوء إلّا أن نتلزم بتعدد وجود أفراد طبیعة الوضوء بأن یکون القضیة الشرطیة الأُولی دالّة علی وجوب فرد من الوضوء و القضیة الشرطیة الثانیة دالّة علی وجوب فرد آخر فیرتفع إشکال اجتماع الحکمین المتماثلین علی القول بعدم التداخل.
و لکن القائل بالتداخل لا مفرّ له من هذا الإشکال لأنّه ملتزم بأنّ الجزاء ظاهر (بالظهور الإطلاقی) فی أنّ الطبیعة مأخوذة بما هی واحدة (أی صرف وجود الطبیعة) و بعبارة أُخری: إنّ إطلاق متعلق الوجوب ظاهر فی صرف الوجود من الطبیعة فلابدّ له من أن یلتزم بأحد التصرفات الثلاثة:
الأول: التصرف فی ظهور القضیة الشرطیة بالالتزام بعدم دلالتها فی هذا الحال علی حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بل تدل حینئذ علی مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط.
الثانی: التصرف فی متعلق الجزاء بالالتزام بأنّ متعلق الجزاء و إن کان واحداً صورةً إلّا أنّه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة علی واحد، فالذمة و إن اشتغلت بتکالیف متعددة، حسب تعدد الشروط إلّا أنّ الاجتزاء بواحد لکونه مجمعاً لها، کما «فی أکرم هاشمیاً و أضف عالماً» فأکرم العالم الهاشمی بالضیافة.
الثالث: التصرف فی الأثر بأن یلتزم بحدوث الأثر عند وجود کل شرط إلّا أنّ الأثر للشرط الأول هو وجوب الوضوء فی المثال المذکور و الأثر للشرط الثانی هو تأکد وجوب الوضوء.
و لایخفی أنّه لا وجه لأن یصار إلی واحد منها للإشکال فیها.
ص: 135
((1)):
فهو أنّ الالتزام بهذه الوجوه هو رفع الید عن الظاهر.
((2))
فهو أنّ فی الوجهین الأخیرین لابدّ من إثبات أنّ متعلق الجزاء متعدد متصادق علی واحد و إن کان صورة واحداً سمّی باسم واحد کالغسل مع عدم وجود دلیل علی ذلک.
((3))
فهو أنّ فی الوجه الثالث لابد من إثبات أنّ الحادث بالشرط الثانی تؤکد ما حدث بالشرط الأول و مجرد احتمال ذلک لایجدی، ما لم یکن فی البین ما یثبته.
إنّ ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث یقتضی عدم التداخل و لکن ظهور إطلاق المتعلق فی الجزاء یقتضی أن یکون متعلق الوجوب هو صرف وجود الطبیعة و هو واحد.
و الجواب: هو أنّ هذا الظهور إطلاقی فهو معلّق علی عدم البیان و ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث یکون قرینة علی سقوط هذا الظهور الإطلاقی و بیاناً علی تعدد الجزاء.
ص: 136
((1))
و هو ما تقدم فی المقدمة الثانیة من أنّ هناک ظهورین: الظهور الأول هو ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث و هو یقتضی عدم التداخل و الظهور الثانی هو ظهور الجزاء (الظهور الإطلاقی) فی تعلق الحکم بصرف الوجود و کونه حکماً واحداً و هو یقتضی القول بالتداخل.
و لکن الظهور الثانی مخدوش عنده حیث قال: لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلق الطلب بعد عدم کونه مدلولاً للهیأة و لا للمادة.
((2))
إنّ العرف إذا أُلقی إلیه القضیتان فکأنّه یری مقام الإثبات مقترناً بمقام الثبوت و یحکم بمقتضی تعدد السبب بتعدد متعلق الجزاء من غیر التفات إلی أنّ مقتضی إطلاق المتعلق خلافه، و هذا المقدار من الظهور العرفی کاف فی المقام
بل التحقیق: أنّ الوحدة التی یقتضیها إطلاق المتعلّق و قرینة الحکمة (الموجبة لصلوح المتعلق لتعلق الحکم به) هی وحدة المتعلق من حیث المطلوبیة بالطلب المتعلق به، بمعنی أنّ البعث المتعلق بالإکرام مثلاً یقتضی وجوداً واحداً من الإکرام و لایقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو لااقتضاء بالنسبة إلی وجود آخر بوجوب آخر، و البعث الآخر مقتضٍ لوجود آخر بنفسه.
و منه علم أنّ مطلوبیة وجود آخر لیس من باب تقیید المتعلق بالآخر ضرورة
ص: 137
أنّ کل قضیة لیست ناظرة إلی قضیة أُخری بل کل قضیة مفادها التحریک إلی وجود واحد من الإکرام.
(و هذا البیان دلیل علی بطلان قولهم بإطلاق متعلق الوجوب فی الجزاء علی أنّ المتعلق هو صرف الوجود من الطبیعة).
و هنا وجوه أخری لانطیل الکلام بذکرها.((1))
ص: 138
ص: 139
ص: 140
((1)):
إذا شک فی تداخل الأسباب کان مقتضی الأصل تداخلها و عدم ثبوت تکلیف زائد علی التکلیف الواحد المتیقن علی کل تقدیر، فإنّه مشکوک فیه و مقتضی القاعدة فیه الرجوع إلی البراءة عقلاً و نقلاً و أما إذا شک فی تداخل المسببات، کان مقتضی الأصل عدم تداخلها لأنّه إذا ثبت تکلیفان أو تکالیف متعددة و شک فی جواز امتثالها بفعل واحد فقاعدة الاشتغال تقضی بعدم جواز الاکتفاء به فی مقام امتثال کلا التکلیفین أو جمیعها هذا فی الأحکام التکلیفیة.((2))
أما فی الأحکام الوضعیة فلیس فی مواردها ضابط کلی.
((3))
إنّ هذا لایفرق فیه بین الأحکام الوضعیة و التکلیفیة، لوضوح أنّ الشک إذا کان فی وحدة الحکم و تعدده عند تعدد شرطه فمقتضی الأصل عدم تعدّده، یعنی عدم حدوث حکم آخر زائداً علی المتیقن و من المعلوم أنّه لا یفرق فیه بین أن یکون المشکوک حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً، کما أنّه إذا شک فی سقوطه بعد العلم
ص: 141
بثبوته فمقتضی الأصل العملی عدم سقوطه و لایفرق فیه أیضاً بین کونه حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً.
ص: 142
و فیه جهتان:
و الدلیل علیه ثلاث:((1))
إنّ مقتضی القاعدة فی المسببات أیضاً عدم التداخل و استدل علیه تارةً بإطلاق الخطاب و أُخری بالاستصحاب و ثالثةً بالاشتغال.
و هو إطلاق دلیل الحکم لأنّ دلیل الحکم یقتضی الإتیان بمتعلقه مطلقاً سواء امتثل متعلق حکم آخر أم لا، فلکلّ حکم امتثال لایتداخل مع امتثال الآخر.
و هو استصحاب بقاء الحکم فیما إذا شککنا فی سقوطه بالامتثال عن أحد السببین فمقتضی القاعدة بقاء وجوب الامتثال بالنسبة إلی السبب الآخر.
و هو اشتغال الذمّة حیث نشک فی فراغ الذمّة فیما إذا تعدّدت الأسباب واکتفینا بامتثال مسبّب واحد و القاعدة تقتضی اشتغال الذمّة.
ص: 143
استثنی عن ذلک ما إذا کانت النسبة بین متعلقی الحکمین نسبة العموم و الخصوص من وجه مثل قوله «أکرم العلماء» و «أکرم هاشمیاً» فإنّهما حکمان مختلفان و لکن بین متعلقهما و هما «العالم» و «الهاشمی» العموم و الخصوص من وجه، فإذا أتی المکلّف بالمجمع مرّة واحدة و أکرم العالم الهاشمی یکتفی به فی مقام امتثال کلا التکلیفین (مثل نافلة المغرب و صلاة الغفیلة و أیضاً مثل صلاة الجعفر و النوافل الیومیة أو نافلة اللیل).
و اختلف الأعلام هنا فی وجه الاکتفاء بالامتثال الواحد:
فقال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) بأنّ الحکم الشرعی واحد لامتناع اجتماع المثلین و الخطاب الثانی هو مؤکّد للحکم.
ص: 144
و قال المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) بتعدد الحکم الشرعی و انطباق متعلق الحکمین علی مورد واحد انطباقاً قهریاً و العقل یحکم بالإجزاء لأنّه لایعتبر عقلاً فی تحقق الامتثال إلّا الإتیان بما ینطبق علیه متعلق الأمر فی الخارج و هذا هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً.
و الحق هو الوجه الأخیر لأنّ المتعلق فی کل من الحکمین غیر المتعلق فی الحکم الآخر و انطباقهما فی الخارج علی مورد واحد، لا دخل له فی مرحلة جعل الحکم للمتعلق، فلابدّ من الالتزام بوجود الحکمین.
ثم إنّ ما قلنا من أنّ القاعدة تقتضی عدم تداخل المسببات هو فیما إذا لم تقم قرینة علی التداخل و أما إذا دلت القرینة علی التداخل فهی متّبعة مثل ما ورد فی باب الغسل من جواز الاکتفاء بالغسل الواحد فی ما إذا تعددت الأسباب((2)).
ص: 145
ص: 146
ص: 147
ص: 148
ص: 149
ص: 150
ص: 151
ص: 152
مفهوم الوصف
إنّ المحقّقین قبل الورود فی البحث أفادوا مقدّمتین لتحریر محل النزاع.((1))
إنّ محلّ النزاع هو الوصف المعتمد علی موصوفه و أمّا الوصف غیر المعتمد علی الموصوف فهو فی الحقیقة یرجع إلی البحث عن مفهوم اللقب و لا خلاف فی أنّه لا دلالة له علی المفهوم، و ذلک مثل قوله تعالی: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیدِیهُمَا)((2)) حیث لا دلالة لها علی المفهوم.
إنّ الوصف إمّا یکون أخصّ من موصوفه مطلقاً أو أخصّ منه من وجه أو یکون مساویاً له أو یکون أعمّ منه.
ص: 153
أمّا الوصف المساوی أو الأعم فهما خارجان عن محل النزاع والوجه فی ذلک ما أفاده الأعلام (مثل المحقق النائینی (قدس سره))((1))من أنّ الوصف فی هذین القسمین لایوجبان تضییق الموصوف و لذا مع انتفاء الوصف ینتفی الموضوع فلا مجال للبحث عن دلالته علی المفهوم.
أمّا الوصف الأخصّ فهو داخل فی محل النزاع قطعاً.
أمّا الوصف الأخصّ من موصوفه من وجه فهو داخل فی محل البحث بالنسبة إلی مورد افتراق ذات الموصوف عن الوصف کما صرّح به المحّقق الخراسانی((2)) و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) مثل ما ورد من أنّ «فِی الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّکَاة»((3)) فإنّ مفهومه هو عدم وجوب الزکاة فی الغنم غیر السائمة (أی الغنم المعلوفة).
و أمّا بالنسبة إلی مورد افتراق الوصف عن ذات الموصوف فلا دلالة له علی المفهوم فلایجری النزاع مثل غیر الغنم السائمة أو غیر الغنم غیر السائمة و الوجه فی ذلک هو عدم کون الموضوع فی القضیة و هو الموصوف محفوظاً فی المفهوم و لذا خلاف بعض الشافعیة حیث قالوا بعدم وجوب الزکاة فی الإبل المعلوفة فی هذا المثال لایخلو عن الإشکال.
ص: 154
نذکر منها ستة:
إنّ الفائدة لاتنحصر فی المفهوم بل قد تکون الفائدة تضییق الموضوع و تحدید دائرته فقط.
استدلّ به المحقّق صاحب الحاشیة (قدس سره) ((1)) فإنّ المشتهر هو أنّ الأصل فی القیود أن تکون احترازیة و مقتضی احترازیة الوصف دلالته علی المفهوم.
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) أورد علیه بأنّ معنی الاحترازیة هو تضییق الموضوع فإنّ الاحترازیة لاتوجب إلّا تضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیة، مثل ما إذا کان بهذا الضیق بلفظ واحد، فلا فرق بین أن یقال: جئنی بإنسان أو بحیوان ناطق.
نُسب الاستدلال به إلی الشیخ البهائی (قدس سره) ((3))، بیانه هو أنّ المطلق و المقید إذا کانا مثبتین فنحمل المطلق علی المقید و الوجه فی الحمل المذکور لیس إلّا التنافی بینهما، لأنّه لولا التنافی لم یبق وجه لحمل المطلق علی المقید و التنافی لایتحقّق إلّا فیما إذا دلّ المقید علی المفهوم فیکون مفهوم المقید منافیاً لمنطوق المطلق.
ص: 157
((1))
إنّه لا وجه لحمل المطلق علی المقید لو کان ذلک بلحاظ مفهوم الوصف لأنّ ظهور المقید فی المفهوم لیس بأقوی من ظهور المطلق فی الإطلاق بل الأمر بالعکس حیث إنّ ظهور المطلق فی الإطلاق دلالة منطوقیة و ظهور المقید فی المفهوم دلالة مفهومیة و لاشک فی تقدیم الدلالة المنطوقیة علی المفهومیة لبناء العقلاء علی تقدیم الأظهر علی الظاهر و لو لم نقل بأقوائیة الدلالة المنطوقیة للمطلق لا أقلّ من تساویهما و تعارضهما فیتساقطان فلایبقی وجه للحمل المذکور.
إنّ دلالة المقید و إن فرضت أنّها مفهومیة و لکنها نصّ فی مورده بخلاف المطلق فیکون المقید قرینة بالنسبة إلی المطلق و بیاناً له، کما أنّ الخاصّ یقدّم علی العامّ و إن کانت دلالة الخاصّ مفهومیة و دلالة العامّ منطوقیة، بل الأمر فی المطلق و المقید أسهل لأنّ الاطلاق یتوقّف علی مقدّمات الحکمة و منها عدم البیان و عدم وجود القرینة و المقید یکون بیاناً علی المطلق.
((2))
إنّ قضیة حمل المطلق علی المقید لیس إلّا أنّ المراد بالمطلق هو المقید لأنّ المقید قرینة علی المراد و کأنّه لایکون فی البین غیر الدلیل الذی هو المقید، فموضوع
ص: 158
الحکم لیس مطلقاً بل هو مقید فالوجه لصحّة حمل المطلق علی المقید لیس دلالة المقید علی المفهوم بل الوجه هو تضییق دائرة الموضوع کما یقتضی ذلک الدلیل المقید، من دون حاجةٍ إلی دلالة الوصف علی المفهوم.
یلاحظ علی کلام صاحب الکفایة (قدس سره) ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) من أنّ المعارضة بین المطلق و المقید لیس من ناحیة مجرّد التقیید (کما توهّمه صاحب الکفایة (قدس سره)) بل بلحاظ استفادة وحدة التکلیف من الخارج.
إنّه یتمّ فیما إذا رجع مفهوم الوصف إلی مفهوم الشرط کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أمّا إذا رجع مفهوم الوصف إلی مفهوم اللقب فلا موقع لهذا التبادر.
استدلّ بذلک المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((4)) فقال بعد إحراز أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیاً:
ص: 159
إنّ معنی قیدیة شیء لموضوع الحکم حقیقة هو أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّق الحکم بها إلّا بعد اتصافها بهذا الوصف، فالوصف متمّم قابلیة القابل و هو معنی الشرط حقیقة فعادت الجملة الوصفیة إلی الجملة الشرطیة و یکون الوصف بمثابة الشرط فی الجملة الشرطیة.
و حیث إنّ الظاهر دخل الوصف بعنوانه الخاصّ و أنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب، لا بما هو شخص من الوجوب، فلامحالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیة الموضوع لسنخ الحکم.
فالوصف هنا علّة للحکم و هذا معنی أنّ الوصف مشعر بالعلّیة و المراد من العلّیة هنا أعمّ من المقتضی و الشرط و عدم المانع.
فالحکم ینتفی بانتفاء أحد أجزاء علّته التامّة.
و الدلیل علی أنّ الوصف هنا علّة منحصرة هو عین ما مرّ فی القضیة الشرطیة من أنّ إناطة الحکم بشیء بعنوانه (وصفاً کان أو غیره) تقتضی الانحصار.
إنّ ما أفاده یتمّ فیما إذا کان الموضوع عند العرف نفس الموصوف، و کان الوصف قیداً له، و أمّا فیما إذا کان الموضوع عندهم ذا جزءین بحیث یمکن تبدیل الوصف بالموصوف و الموصوف بالوصف مثل «أکرم البالغ الذکر»، فالعرف یری الموضوع مرکّباً و یؤول ذلک إلی مفهوم اللقب، فالحقّ هو التفصیل فی المقام و سیأتی الإشارة إلیه إن شاء الله تعالی.
ص: 160
((1))
عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَ مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَا تَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ)((2)) فَمَا خَلَا الْکِلَابَ فَلَیسَ صَیدُهُ بِالَّذِی یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرَکَ ذَکَاتُهُ»((3))
ص: 161
فإنّ الإمام (علیه السلام) تمسّک بمفهوم الوصف فی کلمة (مُکَلِّبِینَ) و مفهوم الوصف هنا یرجع إلی مفهوم الشرط و الروایة معتبرة سنداً.
و هو مختار المشهور مثل: الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق العراقی (قدس سرهم) .((1))
ص: 162
((1))
إلیک نصّ عبارة المحقّق النائینی (قدس سره):
دلالة الوصف علی المفهوم تتوقّف علی کونه قیداً لنفس الحکم لا لموضوعه و لا لمتعلّقه، و بما أنّ الظاهر فی الأوصاف أن تکون قیوداً للمفاهیم الإفرادیة
ص: 163
یکون الأصل فیها عدم الدلالة علی المفهوم، کما هو الحال فی اللقب عیناً، غایة الأمر أنّ الموضوع أو المتعلّق فی اللقب أمر واحد یمکن التعبیر عنه بلفظ واحد، بخلافهما فی المقام، فإنّهما لایمکن التعبیر عنهما غالباً إلّا بلفظین، و هذا لایکون فارقاً بین الموردین بعد اشتراکهما فی ملاک عدم الدلالة علی المفهوم، أعنی به کون الحکم غیر مقید بشیء. ((1))
لایتمّ ما أفاده بالنسبة إلی جمیع الموارد فالحقّ هو التفصیل کما تقدّم فی ذیل استدلال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.
إنّ الوصف الذی یکون علّة منحصرة للحکم یدلّ علی المفهوم و أمّا الوصف الذی لایکون علّة أو یکون علّة و لایکون منحصرة فلایدلّ علی المفهوم.
ص: 164
و لابدّ من إرجاع هذا التفصیل إلی وجه الجمع بین نظریة المشهور المنکرین لمفهوم الوصف و نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
((1))
قال (قدس سره): إنّ المفهوم تارة بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی انتفاء الحکم عن غیره و هذا مما لایمکن الالتزام به کما تقدّم، لأنّه یرجع إلی مفهوم اللقب.
و أُخری بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق و الظاهر هو أنّ الوصف یدلّ علی المفهوم بهذا المعنی.
و نکتة هذه الدلالة هی ظهور القید فی الاحتراز و دخله فی موضوع الحکم أو متعلّقه إلّا أن تقوم قرینة علی عدم دخله فیه، ففی مثل قولنا «أکرم رجلاً عالماً»
ص: 165
یدلّ علی أنّ وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعی الرجل علی الإطلاق و لو کان جاهلاً، بل ثبت لخصوص حصّة خاصّة منه و هی الرجل العالم.
و الضابط أنّ کلّ قید أُتی به فی الکلام فهو فی نفسه ظاهر فی الاحتراز و دخله فی الموضوع أو المتعلّق أی إنّ الحکم غیر ثابت له إلّا مقیداً بهذا القید لا مطلقاً و إلّا لکان القید لغواً فالحمل علی التوضیح أو غیره خلاف الظاهر فیحتاج إلی قرینة.
و الحاصل أنّ مثل قولنا «أکرم رجلاً عالماً» و إن لم یدلّ علی نفی الوجوب عن حصة أُخری من الرجل کالعادل أو نحوه و لو بملاک آخر، إلّا أنّه لا شبهة فی دلالته علی أنّ وجوب الإکرام غیر ثابت لطبیعی الرجل علی نحو الإطلاق (و لذا إن کان فاسقاً فلا یجب إکرامه). (1)
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق، و لکن سیجیء القول المختار و هو أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف، قد یدلّ علی ثبوت عدم الحکم، بمعنی ارتفاع سنخ الحکم عند ارتفاع الوصف، لا عدم ثبوت الحکم علی إطلاقه فقط.
ص: 166
ص: 167
هو التفصیل جمعاً بین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و المشهور و هذا هو المختار فإنّ مقتضی التحقیق هو الجمع بین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من ثبوت مفهوم الوصف فیما إذا کان الموضوع هو الموصوف و لکن اتصافه بالوصف هو الشرط لثبوت الحکم له و ظهور حال الوصف هو هذا المعنی حیث إنّ الوصف متمّم لقابلیة القابل فیکون شرطاً فی الحقیقة.
ص: 168
أمّا إذا کان الموضوع هو المرکّب من قیدین و أُشیر إلیهما بصورة الموصوف و الصفة و لکنهما فی الحقیقة یرجعان إلی اللقب المرکّب فلا مفهوم حینئذ.
أمّا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) مثل قوله «أکرم رجلاً عالماً» فإنّه یدلّ علی المفهوم بالمعنی المتعارف و لکنه فی مقام بیان موضوع الإکرام من حیث صفة العلم و الجهل لا من سائر الجهات مثل العدالة و الفسق و لذا یکون مفهوم «أکرم رجلاً عالماً» عدم وجوب إکرام الرجل الجاهل، أمّا عدم وجوب إکرام الرجل العادل فإنّه خارج عن نطاق الکلام.
فتحصّل من ذلک أنّ مقتضی التحقیق هو القول الخامس((1)).
ص: 169
و فی المسألة تفصیلات أخر تظهر لمن راجع إلی کتب الأعلام. ((1))
ص: 170
ص: 171
ص: 172
ص: 173
ص: 174
ص: 175
ص: 176
مفهوم الغایة
الأول: فی المفهوم و هو أنّ التحدید بالغایة هل یدلّ علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی و نذکره هنا.
الثانی: فی المنطوق و هو أنّ الغایة هل هی داخلة فی حکم المغیی أو لا؟
ص: 177
نسب إلی بعضهم مثل السید المرتضی و الشیخ الطوسی (قدس سرهما) عدم ثبوت مفهوم الغایة. ((1))
ص: 179
و هو ما اختاره المحقّق الخراسانی (قدس سره) ((1)) من التفصیل بین ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم و قیداً للموضوع.
ص: 180
و هو التفصیل الذی اختاره المحقق الخوئی و سیأتی کلام حوله إنشاء الله.
و هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها. ((1))
ص: 182
ص: 183
فیظهر من البحث حول القول الثالث و الرابع و الخامس.
إذا کانت الغایة قیداً للحکم مثل «کلّ شیء حلال حتّی تعرف أنّه حرام» فقد تدلّ علی المفهوم و الدلیل علیه:
أوّلاً: هو التبادر.
و ثانیاً: هو حکم العقل بذلک، لأنّه مقتضی تقیید الحکم بالغایة و إلّا یلزم عدم کون ما جعل غایة للحکم غایة له و معنی ذلک لغویة الغایة.
و أمّا ما إذا کانت الغایة قیداً للموضوع مثل «سر من البصرة إلی الکوفة» فحال الغایة حال الوصف فی عدم الدلالة علی المفهوم، لأنّ مقتضاه هو عدم الحکم فی القضیة إلّا بالنسبة إلی المغیی فالغایة جاءت لتحدید الموضوع.
إنّ ما أفاده بالنسبة إلی الغایة التی تکون قیداً للحکم فهو صحیح، فإنّها تدلّ علی المفهوم و أمّا ما کانت قیداً للموضوع فقد تکون مثل الوصف دالّة علی المفهوم کما تقدّم فی مفهوم الوصف بل التفصیل الذی مضی فی مفهوم الوصف لایجری هنا، لأنّ الغایة تکون من قبیل الأوصاف التی ترجع إلی مفهوم الشرط لا التی ترجع إلی مفهوم اللقب.
ص: 184
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) جعل البحث فی مقام الثبوت أوّلاً ثم فی مقام الإثبات ثانیاً.
أمّا البحث الثبوتی فهو أنّ ملاک الدلالة علی المفهوم هو کون القید راجعاً إلی الجملة الترکیبیة، و ملاک عدم الدلالة علی المفهوم هو رجوع القید إلی المفهوم الإفرادی و لذا بنی علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم دون الوصفیة.
و أمّا البحث الإثباتی فهو أنّ الأدوات الموضوعة للغایة لم توضع لخصوص تقیید المفاهیم الإفرادیة (کالوصف) و لا لخصوص تقیید الجمل الترکیبیة (کأدوات الشرط) فعلی هذا أدوات الغایة لیست ظاهرة فی المفهوم و لا غیر ظاهرة فیه بحسب الوضع.
و لکن هذه الأدوات بحسب التراکیب الکلامیة لابدّ أن تتعلّق بشیء و المتعلّق لها هو الفعل المذکور فی الکلام، فتکون حینئذ ظاهرة فی کونها من قیود الجملة، لا من قیود المفهوم الإفرادی، فتلحق بأدوات الشرط من هذه الجهة، فتکون ظاهرة فی المفهوم.
فالمتحصل من کلام المحقّق النائینی (قدس سره) أنّ الغایة تدلّ علی المفهوم بحسب مقام الإثبات و لذا یمکن إرجاع هذا القول إلی القول الأوّل.((2))
ص: 186
المحقّق الخوئی (قدس سره) استشکل علی کلام المحقّق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات حیث إنّ الغایة عند المحقّق الخوئی (قدس سره) قد یکون ظاهرة فی رجوعه إلی متعلّق الحکم و أُخری یکون ظاهرة فی رجوعه إلی نفس الحکم و ثالثةً لایبقی للغایة ظهور فی رجوعه إلی متعلّق الحکم أو نفس الحکم و سیتضح ذلک إن شاء الله تعالی عند بیان مختاره (قدس سره) .
مفهوم الوصف، لأنّ التقیید بالغایة حینئذ من إحدی صغریات التقیید بالوصف، إذ المراد بالوصف فی ذلک المبحث لیس خصوص الوصف المصطلح علیه فی علم النحو، بل المراد به مطلق ما یکون قیداً لموضوع الحکم أو لمتعلّقه فی الکلام.
و إن کانت قیداً للحکم فتدلّ علی انتفاء الحکم عند تحقق غایته، بل لایبعد أن یقال: إنّ دلالة تقیید الحکم بغایةٍ ما علی المفهوم أقوی من دلالة تعلیق الحکم علی الشرط علی المفهوم.
الصورة الأولی: أن یکون الحکم مستفاداً من الهیأة، فالغایة ترجع إلی متعلّق الحکم إذ الظاهر هو رجوع القید إلی المعنی الحدثی، فرجوعه إلی الموضوع خلاف الظاهر کما أنّ رجوعه إلی مفاد الهیأة و إن کان أمراً ممکناً فی نفسه إلّا أنّه علی خلاف المتفاهم العرفی ما لم تقم قرینة علیه.
الصورة الثانیة: أن یکون الحکم مستفاداً من مادّة الکلام و لم یذکر متعلّق الحکم فی الکلام، کما فی قولنا «یحرم الخمر إلی أن یضطرّ إلیه المکلّف» فلاینبغی الشک فی ظهور الکلام فی رجوع القید إلی نفس الحکم.
الصورة الثالثة: أن یکون الحکم مستفاداً من مادة الکلام و کان المتعلّق مذکوراً کما فی قولنا «یجب الصیام إلی اللیل»، فلایکون للکلام ظهور فی رجوع القید إلی الحکم أو إلی متعلّقه، فلایکون له دلالة علی المفهوم، لو لم تقم قرینة فی الکلام أو من الخارج علیها.
انتهی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .
ص: 188
قد استدلّ بعض الأساطین (دام ظله) علی حجیة مفهوم الغایة فیما إذا کان الحکم مدلول الهیأة (خلافاً لما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الصورة الأُولی من صور مقام الإثبات) و کانت الغایة قیداً للمتعلّق (خلافاً لما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی مقام الثبوت) بما رواه الکلینی (قدس سره) بالسند الصحیح:
مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلَینِ قَامَا فَنَظَرَا إِلَی الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ذَا وَ قَالَ الْآخَرُ مَا أَرَی شَیئاً قَالَ (علیه السلام): فَلْیأْکُلِ الَّذِی لَمْ یسْتَبِنْ لَهُ الْفَجْرُ وَ قَدْ حَرُمَ عَلَی الَّذِی زَعَمَ أَنَّهُ رَأَی الْفَجْرَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یقُولُ: (کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)( سورة البقرة: 187).((1))
هو أنّ الغایة إن رجع إلی نفس الحکم فتدلّ علی المفهوم قطعاً و إن رجع إلی متعلّق الحکم تدل علی المفهوم أیضاً بناء علی ما اخترنا من حجیة مفهوم الوصف کما تقدّم فی ذیل کلام صاحب الکفایة (قدس سره) نقداً علیه.
فالمتحصّل هو ثبوت مفهوم الغایة مطلقاً.((2))
ص: 189
ص: 190
اختلفوا فی أنّ الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا، فاختاروا أقوالاً:
و هو مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الإیروانی (قدس سرهما) .((1))
ص: 192
((1)):
و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة من جنس المغیی فتدخل فیه نحو قولهم «أمسکت النهار من الطعام إلی اللیل» حیث إنّ اللیل من جنس النهار و بین ما إذا لم تکن من جنسه مثل «کل شیء لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه».
ص: 193
((1))
و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة بعد کلمة «إلی» فلاتدخل فی المغیی و ما إذا کانت الغایة بعد کلمة «حتّی» فتدخل فی المغیی و هذا القول منسوب إلی نجم
ص: 194
الأئمة الرضی (قدس سره) ((1)) و الزمخشری و قد اختاره المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)).
و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة قیداً للفعل مثل «سرت من البصرة إلی الکوفه» فتکون داخلة فی المغیی و بین ما إذا کانت قیداً للحکم مثل «صم من الفجر إلی اللیل» فتکون خارجة عنه و هذا هو مختار المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) ((3)).
ص: 195
بل لابدّ من ملاحظة القرائن الموجودة فی الکلام و اختاره العلامة المظفر و المحقّق الجزائری المروج (قدس سرهما) ((1)).
و لانطیل الکلام بذکر سائر الأقوال.((2))
ص: 197
ص: 198
تکملة:
لاینبغی أن یعمّ النزاع بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لأنّه غیر معقول لاستلزامه اجتماع الضدّین؛ مثلاً فی قوله (علیه السلام): «کُلّ شَی ءٍ طَاهِرٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِر»((2)) فإنّه یلزم من دخول الغایة فی حکم المغیی أن یکون معلوم النجاسة داخلاً فی حکم الطهارة و معنی ذلک اجتماع الطهارة و النجاسة فی معلوم النجاسة و هذا من اجتماع الضدّین.
و قد أفاد صاحب الکفایة (قدس سره) فی وجه ذلک أنّ المغیی حینئذ (أی حینما کانت الغایة قیداً للحکم) هو نفس الحکم، لا المحکوم به لیصحّ أن ینازع فی دخول الغایة فی حکم المغیی.
ص: 199
((1))
و قد أخذ هذا الاستدلال من نجم الأئمة الرضی (قدس سره) .
إنّ الأظهر خروج الغایة عن المغیی بحسب الحکم لأنّ الغایة من حدود المغیی فلاتکون محکومة بحکم المغیی لأنّ الحدّ خارج عن المحدود.
و أمّا دخول الغایة فی المغیی فی بعض الموارد إنّما یکون بمعونة القرائن الخاصّة المحفوفة بالکلام کما فی قولنا «سرت من البصرة إلی الکوفة» و «قرأت الکتاب من أوّله إلی آخره».
((2))
مبدأ الشیء و منتهاه تارةً بمعنی أوّله و آخره و أُخری بمعنی ما یبتدئ من عنده و ما ینتهی عنده الشیء و دخول الأوّلین کخروج الآخرین من الشیء واضح و الکلام فی أنّ مدخول «حتّی» و «إلی» هو المنتهی بالمعنی الأوّل أو بالمعنی الثانی.
ثم اعترض المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی استدلال نجم الأئمة (قدس سره) و صاحب
ص: 200
الکفایة (قدس سره) (بأنّ الحدّ خارج عن المحدود) بقوله: و کون الحدّ المصطلح خارجاً عن حقیقة الشیء لا یقتضی أن یکون مدخولهما حدّاً اصطلاحیاً.
ثم استظهر صحّة ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره)، (کما أنّه صرّح بذلک أیضاً فقال فی کفایة الأصول:((1)) و الأظهر خروج الغایة عن المغیی) فقال: نعم أکثر الموارد و لعلّه الأظهر کون مدخولهما ما ینتهی عنده الشیء فالغایة خارجة عن المغیی.
و بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً یرجع إلی ذلک حیث ادعی أنّ المتفاهم العرفی هو عدم دخول الغایة فی المغیی. و مما ذکرنا یظهر وجه ضعف سائر الأقوال.
إنّ الاستظهار العرفی هو خروج الغایة عن المغیی سواء اتّحدا فی الجنس أم اختلفا.
قد استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال: إنّه نشأ من الخلط بین مورد استعمال کلمة «حتّی» الجّارة و کلمة «حتّی» العاطفة، فإنّ «حتّی» فی محل البحث هو «حتّی» الجارة و هی التی تکون للغایة و أمّا «حتّی» العاطفة و إن
ص: 201
کانت للغایة فی بعض الأحیان و لکنّه لا خلاف فی دخول ما بعدها بمقتضی العطف فی حکم المعطوف علیه مثل قولنا «مات الناس حتّی الأنبیاء».((1))
لایصّح النزاع بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم و أمّا بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للفعل فدخول الغایة فی حکم المغیی ممنوع إلّا فیما قامت القرائن الخاصّة.
ص: 202
ص: 203
ص: 204
مفهوم الحصر
إنّ للحصر((1)) أدوات مثل کلمة «إلّا» و «إنّما» قد تکلّموا حول دلالتها علی المفهوم.
ص: 205
ففیها ثلاثة مطالب:
إنّ هذه الکلمة قد تستعمل بمعنی الاستثناء و حینئذ صرّح الأعلام بدلالتها علی المفهوم لأنّها تدلّ علی انتفاء الحکم المذکور للمستثنی منه عن المستثنی و نتیجة الاستثناء من الإثبات هو النفی کما أنّ نتیجة الاستثناء من النفی هو الإثبات و لم یخالف فی ذلک إلّا أبو حنفیة و هو لایعتنی به.
و قد تستعمل بمعنی «غیر» فهی حینئذ وصفیة و دلالتها علی المفهوم متوقّفة
ص: 206
علی مفهوم الوصف و لذا صرّح صاحب الکفایة و المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) ((2)) بعدم دلالتها علی المفهوم و لکن قد تقدّم دلالتها علیه فی مفهوم الوصف.
(قال المحقّق الخوئی (قدس سره): إنّ المعنی الظاهر عرفاً من کلمة «إلّا» هو معنی الاستثناء).
فالحقّ هو أنّ کلمة «إلّا» تدلّ علی المفهوم بکلا المعنیین.
قد اختلفوا فی أنّ دلالة الاستثناء علی ذلک دلالة مفهومیة أم منطوقیة و لکن تعیین ذلک لایکاد یفید کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) و الظاهر کونها دلالة مفهومیة.
ص: 207
قد استشکل فی کلمه «لا إله إلّا الله» من جهة الخبر حیث إنّه إن کان الخبر «ممکن» فیدلّ علی إمکان ذاته تعالی و إن کان الخبر «موجود» فلایفید نفی الإمکان عن شریک الباری حیث إنّ نفی الوجود أعم من نفی الإمکان.
و الجواب هو أنّ الخبر «ممکن» بالإمکان العامّ و الإمکان العامّ فی الواجب تعالی لاینافی ضرورة الوجود و أیضاً یمکن أن یجعل الخبر «موجود»((1)).
ص: 208
ص: 209
فإنّها غالباً تستعمل فی قصر الصفة علی الموصوف مثل «إنّما القدرة لله تعالی» و حینئذ تدلّ علی انتفاء القدرة عن غیره تعالی و قد تستعمل للمبالغة و التجوّز مثل «إنّما زید عالم» مع أنّ له صفات أُخری غیر العلم و حینئذ لاتدلّ علی الحصر الحقیقی((1)).
ص: 210
و اختلف أیضاً فی أنّ دلالتها بالمفهوم أو بالمنطوق (کما صرّح به المحقّق النائینی (قدس سره) ((1))) و لایکاد یفید البحث عنه و مخالفة الفخر الرازی و إنکاره لدلالة «إنّما» علی الحصر ذیل آیة (إِنَّما وَلِیکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ)((2)) لیس إلّا من باب مکابرة الحقّ((3)).
ص: 211
ص: 212
ص: 213
ص: 214
ص: 215
ص: 216
مفهوم اللقب و العدد
قد صرّح الأعلام بأنّه لا دلالة للقب((1)) و العدد علی المفهوم. و هذا امر واضح لاسترة علیه فلا ینبغی الخلاف فی هذا الأمر.
ص: 217
نعم قال بعض الأعلام: إن کان العدد جاء لتحدید المعدود و حصره فی عدد معین فهو یدلّ علی المفهوم و إلّا فلا((1)).
ص: 218
ص: 219
ص: 220
ص: 221
ص: 222
ص: 223
ص: 224
فیه اثنا عشر فصلاً
الفصل الأول: تعریف العام و تقسیمه
الفصل الثانی: ألفاظ العموم
الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص
الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام
الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی
الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص
الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟
الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده
الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم
الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل
الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد
الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ
ص: 225
ص: 226
ص: 227
ص: 228
تعریف العام و أقسامه
إنّ الغزالی قال: إنّه اللفظ الواحد الدالّ علی شیئین فصاعداً من جهة واحدة((1)).
ص: 230
إنّ الشیخ البهائی (قدس سره) قال: إنّه اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه و جزئیاته((1)).
ص: 232
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) عرّفه بمعنی الشمول لغةً و عرفاً و اصطلاحاً.
و لکن الأمر سهل سیما مع ملاحظة ما أفاده صاحب الکفایة من أنّ المعنی المرکوز من العامّ فی الأذهان أوضح ممّا عُرّف به مفهوماً و مصداقاً.
فائدة: قال المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّ تعریفات القوم کلّها تعاریف لفظیة تقع فی جواب السؤال عنه ب- «ما» الشارحة (شرح الاسم).
و قد استشکل علیه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) بأنّ شرح الاسم المرادف لمطلب «ما» الشارحة لایساوق التعریف اللفظی.
ص: 234
إنّ «العامّ» ینقسم إلی الاستغراقی و المجموعی و البدلی کما صّرح به صاحب الکفایة (قدس سره) .
قال: «الظاهر أنّ ما ذکر له من الأقسام من الاستغراقی و المجموعی و البدلی إنّما هو باختلاف کیفیة تعلّق الأحکام به و إلّا فالعموم فی الجمیع بمعنی واحد.»((1))
((2))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ منشأ التقسیم إنّما هو اختلاف کیفیة تعلّق الحکم بالعامّ مع أنّ الأمر لیس کذلک، فإنّ المولی فی مقام جعل الأحکام لایلاحظ الطبیعة بما هی هی مع قطع النظر عن أفرادها، بل یلاحظها بأحد الأنحاء الثلاثة:
النحو الأوّل: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی أفرادها علی نحو الوحدة فی الکثرة و هو العموم الاستغراقی و معنی ذلک أنّه یلاحظ الأفراد الکثیرة واقعاً وحقیقةً فی ضمن مفهوم واحد و یجعل الحکم علی الأفراد، فالحکم و إن کان واحداً، فی مقام الإنشاء إلّا أنّه متعدّد فی مقام الثبوت و الواقع.
ص: 235
النحو الثانی: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی الأفراد علی نحو الوحدة فی الجمع و هو العموم المجموعی و معنی ذلک هو أنّه یلاحظ الأفراد المتکثرة علی نحو الجمع حقیقة تحت مفهوم واحد و یجعل المجموع من حیث المجموع موضوعاً واحداً بحیث یکون کل فرد جزء الموضوع لا تمامه.
النحو الثالث: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی صرف وجودها فی الخارج و هو العموم البدلی و معنی ذلک هو أنّه یلاحظ صرف وجود الطبیعة الساریة إلی جمیع أفرادها و یجعل الحکم علیه و لما کان صرف الوجود واحداً غیر قابل للتعدد فالحکم فی مقام الإثبات و الثبوت واحد.
فعلی هذا منشأ التقسیم لیس کیفیة تعلّق الحکم بالعامّ بل کیفیة ملاحظة الطبیعة فی ناحیة العامّ.
إنّ العامّ هل یفترق عن المطلق الشمولی مثل: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((1)) أو هما لایفترقان؟
بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): ((2))
إنّ المطلق الشمولی و إن کان یدلّ علی شمول الحکم لجمیع أفراد مدخوله إلّا أنّ دلالته بالإطلاق و مقدّمات الحکمة و أمّا دلالة العامّ علی شمول الحکم لجمیع أفراده هو بالوضع و سیجیء إن شاء الله مزید بیان.
ص: 236
إنّ دلالة العامّ علی سرایة الأحکام علی کل فرد من أفراده استقلالیة من جهة انطباقه علیه و أمّا دلالة لفظ «عشرة» علی کل فرد من أفرادها ضمنیة لا استقلالیة حیث إنّه من جهة شمول المرکب والکل لأجزائه.
ص: 237
ص: 238
ص: 239
ص: 240
ألفاظ العموم
فیه أمران:
قد وقع البحث فی وجود الألفاظ الموضوعة للعموم کبرویاً ثمّ فی تعیینها صغرویاً. ((1))
ص: 241
إنّ إرادة الخصوص متیقّنة و لو فی ضمن العموم بخلاف إرادة العموم و جعل اللفظ حقیقة فی المتیقّن أولی.
ص: 242
((1)):
أوّلاً: إنّ وضع بعض الألفاظ للعموم ممّا لا شبهة فیه.
ثانیاً: إنّ تیقّن إرادة الخصوص لایوجب اختصاص الوضع به، فإنّ ما استدلّ به القائل من أنّ جعل اللفظ حقیقة فی المتیقّن أولی وجه استحسانی و لیست قاعدة لغویة و لا عرفیة و لا عقلیة.
إنّ التخصیص قد اشتهر و شاع حتّی قیل «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» و الظاهر یقتضی وضع اللفظ لما هو الغالب و هو الخصوص لا العموم و إلّا یلزم أن یکون المجاز أکثر من الحقیقة.
((2)):
أوّلاً: إنّ العموم أیضاً کثیراً یراد.
ثانیاً: إنّ التخصیص لایلازم المجازیة بل التخصیص من باب تعدّد الدالّ و المدلول فإنّ اللفظ العامّ فیما إذا خصّص بمخصّص استعمل فی معناه العامّ و الدالّ علی التخصیص لفظ آخر.
ثالثاً: تقدّم فی الجواب عن الوجه الأوّل أنّ وضع بعض الألفاظ للعموم ممّا لا شبهة فیه.
ص: 243
و البحث فی ثلاث موارد:
من ألفاظ العموم لفظ «کل» و ما بمعناه مثل لفظ «الجمیع» و لفظ «تمام» فی لغة العرب و ما بمعناه فی سائر اللغات.
و منها النکرة فی سیاق النفی أو النهی.
و منها الجمع المحلّی ب- «ال» و هکذا المفرد المعرّف ب- «ال».
و لابدّ من البحث عن کل منها:
قد یستفاد من کلام صاحب الکفایة (قدس سره) أنّ دلالته علی العموم متوقّفة علی جریان مقدّمات الحکمة لأنّها موضوعة للدلالة علی عموم الطبیعة المدخولة للفظ «کلّ»، فلابدّ من إجراء مقدّمات الحکمة بالنسبة إلی مدخول کلمة «کلّ» فإن کان مطلقاً فهو و إلّا یدلّ علی إرادة المتیقّن من مدخوله.((1))
((2))
إنّ لفظة «کلّ» أو ما شاکلها التی هی موضوعة لإفادة العموم تدلّ بنفسها
ص: 244
علی إطلاق مدخولها و عدم أخذ خصوصیة فیه و لایتوقف ذلک علی جریان مقدّمات الحکمة، بل هی تدلّ علی سرایة الحکم إلی جمیع ما یمکن أن ینطبق علیه مدخولها بما له من المعنی وضعاً، لا إنّ دلالتها علی العموم و الشمول مستندة إلی عدم قیام قرینة علی تقییده بقیدٍما و إلّا لکفی جریان مقدّمات الحکمة فی إثبات العموم من دون حاجة إلی أداته و علیه فبطبیعة الحال یکون الإتیان بلفظة «کلّ» لغواً، و هذا خلاف الارتکاز العرفی، ضرورة أنّ العرف یفرّق بین قولنا «أکرم کل عالم» و قولنا «أکرم العالم»، و یری أنّ دلالة «أکرم کل عالم» لاتحتاج إلی أیة مؤونة زائدة ما عدا دلالة اللفظ علیه بخلاف «أکرم العالم» فإنّ دلالته علی العموم تحتاج إلی مؤونة زائدة و هی إجراء مقدّمات الحکمة.
فتحصّل أنّ دلالة لفظة «کلّ» علی عموم مدخولها لاتحتاج إلی مقدّمات الحکمة.((1))
ص: 245
قال المحقّق الخراسانی (قدس سره): إنّ دلالتها علی العموم متوقفة علی أخذ النکرة طبیعة مرسلة لا بشرط و أمّا إذا أخذناها طبیعة مبهمة مهملة فتکون بحکم
ص: 246
الجزئیة و حینئذ إذا وقعت الطبیعة المهملة المبهمة فی سیاق النفی أو النهی فلاتفید إلّا نفی هذه الطبیعة فی الجملة و لو فی ضمن صنف منها.
و حینئذ دلالتها علی العموم تتوقف علی جریان مقدّمات الحکمة لإحراز إرسال الطبیعة و کونها مطلقة بنحو اللابشرط.((1))
المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً اختار ذلک فقال((2)): إنّ مقدّمات الحکمة إذا جرت فی مدخول کلمة «لا» سواء أکانت نافیة أم ناهیة، فنتیجتها هی العموم الشمولی کقولنا مثلاً «لا أملک شیئاً» فانّ کلمة شیء و إن استعملت فی معناها الموضوع له و هو الطبیعة المهملة الجامعة بین جمیع الأشیاء، إلّا أنّ مقتضی الإطلاق و عدم تقییده بحصّة خاصّة هو نفی ملکیة کلّ ما یمکن أن ینطبق علیه عنوان «الشیء» لا نفی فردٍمّا منه و وجود البقیة عنده، فإنّ هذا المعنی باطل فی نفسه فلایمکن إرادته منه، و أمّا إذا افترضنا أنّه لا إطلاق له یعنی أنّ مقدّمات الحکمة لم تجر فیه فهی لاتدلّ علی العموم و الشمول و إنّما تدلّ علی النفی بنحو القضیة المهملة التی تکون فی حکم القضیة الجزئیة.
بعض الأصولیین مثل المحقّق القمی (قدس سره) قالوا بأنّ دلالة النکرة فی سیاق النفی أو النهی علی العموم وضعیة و لا حاجة إلی جریان مقدّمات الحکمة.((3))
و لکن أنّا نری عدم وضع النکرة و عدم وضع أدات النفی و النهی علی ذلک.
ص: 247
فالحقّ هو ما أفاده صاحب الکفایة و المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) من أنّ دلالتها علی العموم لایتمّ إلّا بجریان مقدّمات الحکمة.
إنّ دلالتها علی العموم عقلیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام و لیست وضعیة.
أمّا عدم کونها وضعیة فلأنّ أدوات النفی أو النهی لم توضع للعموم کما أنّ مدخولها أیضاً هی الطبیعة و هی أیضاً لم توضع للعموم و لا وضع للترکیب بینهما.
أمّا کونها عقلیة فلأنّ العقل یحکم بأنّ انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها کما أنّها توجد بوجود فرد منها.
ص: 248
إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فقال:
إنّ الثبوت و النفی هنا غیر متقابلین، بل لوحظت الطبیعة فی طرف الثبوت مهملة و فی طرف النفی مرسلة، و نقیض کل وجود عدمه البدیل له، و لایکون بدیلاً له إلّا إذا لوحظا بالإضافة إلی شیء واحد. ((1))
(و قد تقدّم بیان ذلک فی أوائل مبحث النواهی).
فالدلالة علی العموم هنا و إن کانت بمعونة جریان مقدّمات الحکمة إلّا أنّها لیست عقلیة کما أنّها لیست وضعیة.
ص: 249
((1))
دلالة المحلّی ب«اللام» (جمعاً کان أم مفرداً) علی العموم وضعاً محل منع، بل إنّما یفیده فیما إذا اقتضته الحکمة أو قرینة أُخری و ذلک لعدم اقتضائه وضع «اللام» و لا مدخوله و لا وضع آخر للمرکّب منهما.
و الاستدلال المذکور تمام فالحقّ مع صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) .
قال المحقّق القمی (قدس سره) ((2)) بوضعهما للعموم.
استدلّ علی ذلک أوّلاً بالتبادر و ثانیاً بجواز الاستثناء منه و ثالثاً بأنّ اللام وضعت للاستغراق (فیما لم یکن للعهد).
إنّ الدلیل الأول (التبادر) و الثالث مصادرة للمطلوب، و الدلیل الثانی و هو جواز الاستثناء أعمّ من کونه وضعیاً أو إطلاقیاً.
ص: 251
ص: 252
ص: 253
ص: 254
عدم مجازیة العام المخصص
إنّ الأعلام اختلفوا فی العامّ المخصّص بالتخصیص المتّصل أو المنفصل حیث إنّ العامّ حینئذ استعمل فی المعنی الخاصّ و أُرید منه ذاک المعنی الخاصّ فهل یکون العامّ حینئذ مجازاً لأنّه وضع للمعنی العامّ و لکن لم یستعمل فیه.
و حینئذ یقع نزاع آخر فیما إذا قلنا بأنّه مجاز فی الباقی و هو أنّ العامّ المخصّص إذا کان مجازاً فهل یکون حجّة فی الأفراد الباقیة من العامّ أو لا؟((1)) و وجه ذلک
ص: 255
هو أنّ العامّ بعد التخصیص لم یستعمل فی معناه الحقیقی فلابدّ أن یحمل علی المعنی المجازی و لکن المعانی المجازیة کثیرة یمکن أن یکون مستعملاً فی کل من هذه المعانی المجازیة، فإن کانت قرینة معینة فهی المتّبع و إلّا یکون المعنی مجملاً من حیث عدم تعیین ما هو المراد من المعانی المجازیة، فلایمکن التمسّک بالعامّ المخصّص بالنسبة إلی الأفراد الباقیة تحت العامّ.
فهنا أمران:
الأول: إنّ تخصیص العامّ هل یوجب مجازیته؟
الثانی: إنّه علی فرض المجازیة هل یکون حجّة فی الباقی؟
ص: 256
و التحقیق هو أنّ العامّ یستعمل دائماً فی معناه الحقیقی و هو العموم و لا مجازیة فی البین سواء کانت القرینة المخصّصة متصلة به أم منفصلة و هذا هو القول الأوّل و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) و هو القول الحقّ من بین الأقوال.
و بعض آخر قالوا: إنّه مجاز مطلقاً و هناک قول ثالث و هو أنّ العامّ المخصّص بالقرینة المتّصلة مجاز دون ما خصّص بالقرینة المنفصلة و لبعضهم قول رابع عکس القول الثالث.((1))
((2)
)
إنّه لایلزم من التخصیص کون العامّ مجازاً سواء کان المخصّص متّصلاً أم منفصلاً.
أمّا التخصیص بالمخصّص المتّصل فإطلاق التخصیص علیه مسامحة لأنّ
ص: 257
العامّ غیر مخصّص فی الحقیقة فعلی هذا أدوات العموم لاتستعمل إلّا فی العموم غیر أنّ دائرة مدخوله قد تکون موسعة و أُخری مضیقة، فمعنی «أکرم کل عالم إلّا الفسّاق منهم» هو أنّ مدخول أداة العموم هو العلماء العدول و أداة العموم مثل «کلّ» فی المثال المذکور یدلّ علی وجوب إکرام جمیع العلماء العدول فأداة العموم دلّت علی عموم مدخولها و شمول الحکم لجمیع أفراد المدخول.
(و الشاهد علی ذلک هو أنّه لایصحّ أن یجعل مکان «کلّ» کلمة «بعض»، فلو قال مثلاً «أکرم بعض العلماءإلّا الفسّاق منهم» یکون المعنی غیر صحیح.)
فالمخصّص یوجب تضییق مدخول الأداة من باب تعدّد الدالّ و المدلول و أداة العموم توجب شمول الحکم بالنسبة إلی مدخوله.
و أمّا التخصیص بالمخصّص المنفصل فالأمر فیه أسهل، لأنّ العامّ استعمل فی معناه و انعقد ظهور أداة العموم فی عمومیة المدخول من غیر أن یخصّص بحسب الإرادة الاستعمالیة و لکن المخصّص یوجب عدم حجیة ظهوره و یدلّ علی عدم تعلّق الإرادة الجدّیة بالمعنی العامّ فأداة العموم استعملت فی معناه و استعمل مدخوله أیضاً فی معناه من غیر تضییق و لکن هذا المعنی الظاهر من القضیة العامّة لم یکن بعمومه مراداً جدیاً.
فالمتحصّل هو أنّ أداة العموم استعملت فی معناها الحقیقی و إن خصّصت بالمخصّص المتّصل أو المنفصل.
ص: 258
حجیة العامّ المخصّص فی الأفراد الباقیة تحت العامّ نتیجتها جواز التمسّک بالعامّ فلا شک فیه و لا وجه للنزاع فیه بعد اثبات استعمال أدوات العامّ فی معناها الحقیقی بل هذا النزاع یجری فیما إذا قلنا بالمجازیة مطلقاً أو بالمجازیة فی العامّ المخصّص بالقرینة المتّصلة أو بالمجازیة فی العامّ المخصّص بالقرینة المنفصلة.((1))
ص: 259
ص: 260
ص: 261
ص: 262
سرایة إجمال المخصص إلی العام
((1))
فیه مقامان:
إنّ الشک فی المخصّص قد یسری إلی العامّ فیوجب إجماله و حینئذ لایمکن التمسک بالعامّ بالنسبة إلی مورد الشک.
فإنّ إجمال المخصّص قد یکون بالشبهة المفهومیة و أُخری بالشبهة المصداقیة و المراد من الشبهة المفهومیة هو الشک فی مفهوم المخصّص و المراد من الشبهة المصداقیة هو الشک فی دخول فرد العامّ فی المخصّص، من دون إجمال فی مفهوم المخصّص.
ص: 263
ثمّ إنّ الإجمال قد یکون حقیقیاً و أُخری حکمیاً، فإنّ إجمال المخصّص إذا کان موجباً لسقوط ظهور اللفظ العامّ فی الإرادة الاستعمالیة و عدم انعقاده فهو إجمال حقیقی، و إذا کان موجباً لسقوط ظهوره فی الإرادة الجدّیة فهو إجمال حکمی.
و هذا الإجمال إمّا یکون بالتردید بنحو الأقلّ و الأکثر و امّا یکون بالتردید بین المتباینین و المخصّص إمّا یکون متصلاً بالعامّ و إمّا یکون منفصلاً عنه.
و حینئذ یقع البحث فی مقامین: الشبهة المفهومیة و الشبهة المصداقیة.((1))
ص: 264
إنّ البحث عن سرایة إجمال المخصّص (فی الشبهة المفهومیة) إلی العامّ یقع فی ضمن صور أربع:
و الحق هو أنّ إجمال المخصّص یسری إلی العامّ و یوجب إجماله و عدم جواز التمسّک بالعامّ لدخول الأمر المشکوک فی حکم العامّ (مثاله «کل ماء طاهر إلّا ما تغیر طعمه أو لونه أو ریحه» فإنّه یشمل التغیر الحسّی قطعاً و نشک فی شموله للتغیر التقدیری).
والوجه فی ذلک هو أنّ المخصّص المتّصل قرینة متّصلة بالکلام و هو یمنع عن انعقاد ظهور العامّ فی الإرادة الاستعمالیة بالنسبة إلی المشکوک، و یصیر العامّ مجملاً حقیقیاً.
و الحقّ هنا أیضاً سرایة إجمال المخصّص بالعامّ و إجماله حقیقةً بنفس البیان المذکور فی الصورة الأُولی. (مثاله «أکرم العلماء إلّا زیداً» فیما إذا تردّدنا أنّه زید بن عمرو أو زید بن بکر مثلاً)
فیها أقوال ثلاثة:
ص: 265
الخوئی (قدس سرهم) ((1)) قالوا بعدم سرایة إجمال المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر إلی العامّ.
قال بعض الأساطین (دام ظله) بالتوقّف و الاحتیاط لا التمسّک بالعامّ فی القدر الزائد علی المتیقّن فی المخصّص المجمل مفهوماً و لذا یرجع ما أفاده مآلاً إلی سرایة الإجمال إلی العامّ.((2))
إنّ العامّ انعقد ظهوره فی العموم، و الخاصّ یقدّم علیه بقدر ما أُرید منه قطعاً، أمّا القدر الزائد فالخاصّ فیه مجمل و لا حجّة علیه و لم یثبت قرینیة الخاصّ بالنسبة إلیه، فلا وجه لکونه رافعاً للظهور المنعقد للعامّ فی هذا المقدار.
مثال ذلک قول المولی: «أکرم کل عالم» و قوله بعد ذلک منفصلاً عنه: «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، ثم شککنا فی أنّ الفاسق هل یشتمل من یرتکب الصغیرة أو لا، و ذلک بعد أن علمنا بأنّ من یرتکب الکبیرة فاسق قطعاً.
قال المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)): إنّ أصالة الظهور لاتکون فی الحجیة بأضعف من
ص: 267
الأصول العملیة، فکما أنّ دلیل حرمة إکرام العالم الفاسق إذا تردّد الأمر فیه بین أن یکون المراد بلفظ الفاسق فیه خصوص مرتکب الکبیرة أو الأعم منه و من مرتکب الصغیرة لایکون مانعاً من إجراء أصالة البراءة عن إکرام مرتکب الصغیرة، کذلک لایکون ذلک الدلیل مانعاً من التمسّک بعموم دلیل وجوب إکرام العلماء، المفروض شموله لمرتکبی الصغائر من العلماء أیضاً.
إنّ دلالة العامّ إمّا وضعیة و إمّا بمعونة مقدّمات الحکمة التی منها عدم القرینة علی الخلاف و المراد من عدم القرینة إمّا عدم القرینة إلی الأبد و إمّا عدم القرینة فی مجلس التخاطب.
فإن کانت دلالة العامّ علی العموم بالوضع، فالمخصّص المنفصل لایزاحمه فی القدر الزائد المشکوک.
و إن کانت دلالته بمقدّمات الحکمة و لکن کان جریانها متوقّفة علی عدم القرینة إلی الأبد فالأمر مشکل، لأنّ هنا ما یحتمل قرینیته بالنسبة إلی القدر الزائد علی المتیقّن و بعبارة أُخری هنا قرینة علی خلاف العامّ و لها قدر متیقّن و هو فی المثال المرتکب للکبیرة و أیضاً لها قدر زائد مشکوک تکون القرینة بالنسبة إلیها مجملاً و هو المرتکب للصغیرة و حیث لم ینعقد للعامّ دلالة علی العموم إلّا بعد إحراز عدم القرینة علی خلافه و وجود القرینة بالنسبة إلی المرتکب للصغیرة مشکوک فلایمکن إحراز عدمها فلاینعقد للعامّ ظهور بالنسبة إلی هذا القدر الزائد المشکوک و إن کانت دلالته بمقدّمات الحکمة و کان جریانها متوقّفة علی إحراز عدم القرینة فی مجلس التخاطب کما هو الحق، فالعامّ ینعقد له الظهور من
ص: 268
دون أن یمنع عنه مانع بالنسبة إلی القدر الزائد المشکوک (أی المرتکب للصغیرة)((1)).
(نقله المحقّق النائینی (قدس سره) بعنوان «إن قلت» ثم أجاب عنه).
إنّ دلیل حرمة إکرام العالم الفاسق و إن لم یکن رافعاً لظهور العامّ أی الإرادة الاستعمالیة إلّا أنّه یوجب تقیید المراد الواقعی (الإرادة الجدیة) بغیر الفاسق و بما أنّ المفروض إجمال مفهوم الفاسق لتردّده بین الأقل و الأکثر فالمراد الواقعی و الجدّی من العامّ أیضاً یکون مردّداً بین الأقلّ و الأکثر و حینئذ العامّ له ظهور بالإرادة الاستعمالیة بالنسبة إلی القدر الزائد (و هو المرتکب للصغیرة) و لکن بالنسبة إلیه بالإرادة الجدّیة مجمل، فالإجمال یسری إلی العامّ.
((2))
إنّ الأحکام إنّما تتعلّق بالمفاهیم باعتبار کونها مرآة للحقائق التی تطابقها فی الخارج، لا بما هی مفاهیم و علیه فإذا کان دلیل وجوب إکرام العالم عامّاً بالنسبة إلی کل انقسام یمکن أن یفرض فی مفهوم العالم ککونه مرتکب الکبیرة و غیره و کونه مرتکب الصغیرة و غیره، فبإزاء کل انقسام یفرض فی العامّ تکون فیه جهة إطلاق لاترفع الید عنها إلّا بدلیل.
و المرتکب للصغیرة هنا لایعلم دخوله فی مفهوم الفاسق المقید للعامّ بما أنّه حاک عن مطابقه فی الخارج، فلایکون هناک موجب لرفع الید عن ظهور العامّ.
و أمّا حجیة ظهور العامّ، فالمانع منها منحصر بما یدلّ علی عدم وجوب إکرامه،
ص: 269
الکاشف عن تقید المراد الواقعی بعدمه و المفروض أنّه لادلیل علیه، لإجمال المخصّص فیبقی ظهور العامّ فیه بلا معارض فیکون رفع الید عنه بلا موجب.
(فإنّ العقلاء بنوا علی أنّ الإرادة الاستعمالیة أُریدت جدّاً إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف).
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی مسألة من کان مدیوناً لرجل و شک فی أنّه تسعة دنانیر أو عشرة: لایجب علیه إلّا إعطاء تسعة دنانیر و تجری البرائة بالنسبة إلی الدرهم الزائد و لکن إذا کان هناک عنوانٌ مثل عنوان «ما هو مکتوب فی الذمة» فیجب علیه إعطاء عشرة دنانیر.((1))
فإنّه رتّب الحکم و الأثر علی العنوان باعتبار التردید بین صدقه علی العشرة أ و التسعة فحکم باشتغال الذمّة إلّا إذا أعطی عشرة دنانیر و هذا خلاف المبنی الذی ذکره فی الجواب هنا حیث إنّ عنوان «ما فی الذمّة» باعتبار کونه مرآة للحقائق التی تطابقها فی الخارج ینطبق علی تسعة دنانیر و الدینار الزائد المشکوک لم یعلم دخوله فی مفهوم ما هو مکتوب فی الذمّة بما أنّه حاک عن مطابقه فی الخارج.
ص: 270
إنّ المخصّص المنفصل إنّما یکون مانعاً عن حجیة العامّ فیما إذا کان بنفسه حجّة و إلّا فلا اقتضاء له للمانعیة عن انعقاد ظهور العامّ فی حجیته، و العام حجّة بالنسبة إلی القدر المتیقّن، أمّا بالنسبة إلی القدر الزائد المشکوک فلیس بحجّة.((1))
((2))
إنّ أصالة العموم من الأُصول اللفظیة و الدلیل علی حجیتها هو بناء العقلاء فإنّهم یتمسّکون بأصالة العموم للکشف عن المراد الجدّی للمتکلّم و لکنّا نری أنّهم یتوقفون فی أمثال ما نحن فیه و الشاهد علیه أنّه إذا قال المولی: «اشتر لی قطعة من السجّاد» و قال بدلیل منفصل عنه «لاتشتر السجّاد من صنائع مدینة کذا» فشککنا فی أنّه یمنع من السجّاد المصنوع فی داخل البلد أو الأعّم منه و من حومته فإنّ العقلاء حینئذ یتوقّفون حتّی یتّضح المراد عندهم.
ینبغی أن نمثّل بالعامّ الذی خصّص بالمخصّص المنفصل (لا بالمطلق المقید)
فنقول: إذا قال المولی «أکرم کل عالم» أو قال «أکرم العلماء» ثم بعد ذلک قال بدلیل منفصل عنه «لاتکرم الفسّاق من العلماء» فنری أنّ العقلاء یعاملون «لاتکرم الفسّاق» معاملة «لاتکرم المرتکب للکبیرة» حیث إنّه لا یتحقّق لهذه الجملة ظهور فی حرمة إکرام المرتکب للصغیرة فضلاً عن حجیة هذا الظهور و
ص: 271
حینئذ إذا قاموا بالجمع بین الأدلّة یرون أنّ العامّ هو إکرام کل عالم و الخاصّ هو حرمة إکرام المرتکب للکبیرة و الجمع بین الأدلّة یقتضی التمسّک بعموم «أکرم کل عالم» إلّا المرتکب للکبیرة، فالحق جواز التمسّک بالعامّ فی هذه الصورة.
فإنّ توقف العقلاء فی المثال الذی ذکره قد یکون من باب التفحّص عن المخصّص حیث یمکن الاتصال بالمولی و الاستفسار عنه و أمّا فی الروایات الواردة عن المعصومین (علیهم السلام) فلانجد روایة حتّی یعین لنا حکم حومة البلد.
إنّ الحقّ هو أنّ إجمال المخصّص یسری فی هذه الصورة إلی العامّ و إن کان ظهور العامّ ینعقد فی العموم و لکنّ العلم الإجمالی بخروج أحد المتباینین عنه یمنع عن حجیة هذا الظهور بالنسبة إلیهما، فالمقتضی لشمول العامّ للمتباینین موجود و لکن العلم الإجمالی بخروج أحدهما عن العامّ یمنع عنه و قد یستفاد من کلام بعضهم أنّ أصالة العموم قاصرة اقتضاء عن شمول المتباینین و علی أی حال لایمکن التمسّک بأصالة العموم، و یکون العامّ مجملاً حکماً. (و مثاله قول المولی «أکرم کل عالم» و قوله منفصلاً عنه «لاتکرم زیداً العالم» مع أنّ زیداً العالم مردد بین رجلین.)
ص: 272
إنّ الأعلام اختلفوا فی جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة فقال بعضهم بجواز التمسّک بالعامّ و بعضهم بعدم الجواز.
و قد اختلفوا أیضاً فی تعیین القائلین بالجواز.((1))
ص: 273
قال المحقّق النائینی (قدس سره):((1)) إنّ القول بالجواز منسوب إلی المشهور بل الأشهر و ربما نسب أیضاً إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2)).
و نسب هذا القول إلی الشهید الثانی (قدس سره) من القدماء و إلی صاحب العروة (قدس سره) من المتأخرین و لکن کل ذلک مستنبط من الفروع الفقهیة التی أوردوها فی کتبهم و لذا اختلف فی صحّة الانتساب و تردّد بعض الأعلام منهم المحقّق النائینی((3)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی صحّة انتساب القول بالجواز إلی هؤلاء الأعلام.
و المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: إنّ النزاع وقع فی المخصّص المنفصل أمّا المخصّص المتّصل فلا نزاع بین الأعلام فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فیه((4)).
ص: 274
ثم إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((1)) قد فصّل بین ما إذا کان المخصّص لفظیاً فلایجوز التمسّک بالعام فیه و ما إذا کان المخصّص لبیاً فیجوز التمسّک بالعامّ فیه و صاحب الکفایة (قدس سره) قال بعدم جواز التمسّک بالعامّ فی المخصّص اللفظی و فصّل فی المخصّص اللبی.((2))
فلابدّ أن نبحث هنا عن جهتین:
الجهة الأُولی المخصّص اللفظی و الجهة الثانیة المخصّص اللبّی.
ص: 275
و هو إمّا متصل أو منفصل.
لا خلاف فی عدم جواز التمسّک بأصالة العموم فیه و الوجه فی ذلک هو أنّ المخصّص المتّصل یمنع عن انعقاد الظهور فی العموم فلا اقتضاء للعامّ بالنسبة إلی شموله للفرد المشکوک بالشبهة المصداقیة.
الوجه فی ذلک: إنّ العامّ بعد مجیء الخاصّ یتعنون بما هو غیر الخاصّ أو ضدّ الخاصّ فیصیر «أکرم کل عالم» بعد التعنون بغیر الخاصّ أو ضدّه: «أکرم کل عالم غیر فاسق» و المخصّص المنفصل هو قوله «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، و الفرد المشکوک هو دائر بین دخوله فی هذا أو ذاک و هذا من دوران الفرد بین الحجتین و لایمکن التمسّک بإحدی الحجتین فیه.
هذا مضافاً إلی أنّ العامّ حکم علی موضوع معین و مرتبة الحکم متأخر عن مرتبة الموضوع فلایمکن إحراز الموضوع بالتمسّک بعموم الدلیل فیما إذا شککنا فی کون الفرد موضوعاً للدلیل أم لا و إلّا یلزم أن یکون المتأخّر متکفّلاً للمتقدّم و هو محال.
ص: 276
استدل علیه بوجهین:
((1))
إنّ عنوان العامّ من قبیل المقتضی لثبوت الحکم لکل واحد من الأفراد المتحقّقة فی الخارج و عنوان الخاصّ من قبیل المانع له و إذا أحرزنا وجود المقتضی و شککنا فی وجود المانع فتجری قاعدة المقتضی و المانع.
و أمّا کبرویاً: فإنّ قاعدة المقتضی و المانع ممّا لم یدلّ علیها دلیل شرعی أو عقلی فکیف یمکن التمسّک بها فی إثبات قاعدة صولیة أو فرعیة.
إنّ عموم العامّ حجّة فیما لایکون هناک حجّة أقوی علی خلافه و بما أنّ دلیل المخصّص لایکون حجّة فی الأفراد التی لم یحرز دخولها تحت عنوان موضوعه، تبقی حجیة العامّ فیها بلا معارض.
((1))
إنّ دلیل المخصّص (بعد تقییده للعامّ بغیر أفراد الخاصّ الواقعیة و ثبوت هذا التقیید عند المخاطب) یوجب ارتفاع حجیة دلیل العامّ إلّا فی المقید بغیر عنوان الخاصّ و صدق العامّ المقید بغیر عنوان الخاصّ علی الأفراد المشتبهة مشکوک فلایمکن التمسّک بعموم العامّ.
فالحق هو عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة فی المخصّص اللفظی المتّصل و المنفصل (وفاقاً للشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سرهم) و سائر الأعلام).
ص: 278
فی هذا القسم نذکر أربع نظریات:
إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و بعض الأعلام قالوا بجواز التمسّک بالعامّ مطلقاً فیما إذا کان المخصّص لبیاً.((1))
((2))
إنّ المخصّص اللبّی علی قسمین:
الأوّل: أن یکون ممّا یصحّ عرفاً أن یتکل و یعتمد علیه المتکلّم فیما إذا کان فی مقام البیان بأن کان حکماً عقلیاً ضروریاً أو کان ارتکازاً قطعیاً عقلائیاً بحیث یعد عرفاً قرینة متّصلة بالکلام مانعة عن انعقاد الظهور فی العموم، و حینئذ لایجوز التمسّک بالعامّ.
الثانی: ألّا یکون بهذه المثابة، بل یکون حکماً عقلیاً نظریاً أو بناءً عقلائیاً أو إجماعاً بحیث لم یعدّ عند العرف قرینة متّصلة بالکلام، فحینئذ یجوز التمسّک بالعامّ.
ص: 279
هو أنّ العامّ الملقی من المولی الکاشف عن الإرادة الجدیة حجّة ما لم تقم قرینة قطعیة علی خلافه فإذا قال المولی «أکرم جیرانی» و علمنا بأنّه لایرید إکرام من کان عدواً له من الجیران فحینئذ العامّ حجّة فی جمیع أفراد الجیران إلّا من علم بخروجه للعلم بعداوته، أمّا الفرد المشکوک العداوة فلا حجّة علی خروجه، فالعامّ حجّة بالنسبة إلی الفرد المشکوک من دون قیام حجّة أُخری علیه.
إنّه یصحّ مواخذة المولی علی العبد لو لم یکرم واحداً من جیرانه، لاحتمال عداوته له فحینئذ تصحّ عقوبة العبد علی مخالفته للمولی و لایصحّ الاعتذار من العبد عن هذه المخالفة بمجرد احتمال العداوة.
إنّ السیرة المستمرة المألوفة بین العقلاء التی هی ملاک حجیة أصالة الظهور استقرت علی حجیة الظهورات مع احتمال إرادة ما هو خلاف الظاهر، فإنّ العقلاء لایرفعون الید عن تلک الظهورات (التی منها الظهور فی العموم) بمجرد احتمال إرادة خلافه.
هو أنّه یمکن أن یقال: إنّ مقتضی جریان أصالة العموم بالنسبة إلی الفرد
ص: 280
المشکوک هو أنّه لیس من أفراد المخصّص فیقال فی مثال «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» إنّ فلاناً (مثل عمر بن عبد العزیز) داخل تحت عموم جواز لعن بنی أُمیة و إن شککنا فی إیمانه، و کل من جاز لعنه لایکون مؤمناً فینتج أنّه لیس بمؤمن.
((1))
أما الوجه الأول فیرد علیه: إنّ هنا قامت حجّة أُخری فإنّ الإجماع حجّة و السیرة العقلائیة حجّة و حکم العقل حجّة و الفرد المشکوک مردّد بین الحجتین.
أما الوجه الثانی فیرد علیه: إنّ المؤاخذة هی فیما قامت الحجّة من دون حجّة أُخری علی خلافه و هنا الفرد المشکوک مردّد بین الحجتین.
أما الوجه الثالث فیرد علیه: إنّ السیرة العقلائیة فی أمثال المقام هو التوقف.
أما الوجه الرابع فیرد علیه: إنّ حجیة العامّ و حجیة المخصّص بالنسبة إلی الفرد المشکوک بمثابة واحدة فهو مردّد بینهما فلایجریان بالنسبة إلیه.
((2))
إنّ المخصّص اللبّی إذا کان حکماً عقلیاً ضروریاً بأن کان صارفاً لظهور الکلام و موجباً لعدم انعقاد الظهور إلّا فی الخاصّ من أوّل الأمر فحکمه حکم القرینة المتّصلة اللفظیة فکما لایمکن التمسّک بالعموم فی الشبهة المصداقیة مع القرینة المتّصلة کذلک لایجوز التمسّک بالعموم معه.
أمّا إذا کان حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً بحیث لم یکن صالحاً لصرف ظهور
ص: 281
العامّ من أوّل الأمر فحکمه حکم المخصّص المنفصل اللفظی، إذ کما أنّ المخصّص اللفظی بعد تقدّمه علی عموم العامّ یکشف عن تقید المراد الواقعی و عدم کون موضوع الحکم الواقعی مطلقاً، فلایمکن التمسّک به عند عدم إحراز تمام موضوعه، لأجل الشک فی وجود القید، کذلک المخصّص اللبّی یکشف عن التقید المزبور، فلایمکن التمسّک بالعموم عند عدم إحراز تمام موضوعه، فإنّ الاعتبار فی عدم جواز التمسّک بالعموم إنّما هو بالمنکشف أعنی به تقید موضوع الحکم لبّاً لا بخصوصیة الکاشف من کونه لفظیاً أو عقلیاً.
فالتحقیق أن یقال: إنّ ما یسمّی بالمخصّص العقلی إن کان بمعنی ما یوجب تقیید موضوع الحکم و تضییقه نظیر تقیید الرجل فی قوله (علیه السلام): «ینْظُرَانِ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْکُم قَدْ رَوَی حَدِیثَنَا وَ نَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا»((1)) إلی آخره، بکونه عادلاً لقیام الإجماع علی ذلک فحاله حال المخصّص اللفظی فی عدم جواز التمسّک بالعموم معه فی الأفراد المشکوک فیها، لما عرفت من أنّ المخصّص اللبّی إذا کان عقلیاً ضروریاً فحکمه حکم القرینة المتّصلة و إذا کان عقلیاً نظریاً أو إجماعاً فحکمه حکم القرینة المنفصلة.
و علی کلّ تقدیر لایمکن التمسّک بالعموم بعد تقیید موضوع الحکم واقعاً.
و أمّا إذا کان المراد من المخصّص اللبّی إدراک العقل ما هو ملاک حکم الشارع واقعاً إمّا بنفسه أو لأجل قیام الإجماع علی ذلک من دون أن یتقید موضوع الحکم به لعدم صلوح تقید موضوع الحکم بما هو ملاکه فلا إشکال فی جواز التمسّک بالعموم حینئذ و کشفه بطریق الإنّ عن وجود الملاک فی تمام الأفراد، فإذا شک فی وجود الملاک فی فرد، کان عموم الحکم کاشفاً عن وجود
ص: 282
الملاک فیه هذا نظیر قوله (علیه السلام): «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» مع حکم العقل بأنّ ملاک لعنهم إنّما هو بغضهم لأهل البیت (علیهم السلام)، فالمؤمن منهم علی تقدیر وجوده لایشمله اللعن المزبور فإذا شک فی إیمان فرد منهم، جاز التمسّک بالعموم و یحکم علیه حینئذ بأنّه غیر مؤمن و إلّا لما جاز لعنه.
((1))
إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ المخصّص اللبّی قد یدور أمره بین أن یکون کاشفاً عن ملاک الحکم و أن یکون قیداً للموضوع لایمکن المساعدة علیه بوجه حیث إنّ کل ما یمکن انقسام الموضوع بالنسبة إلیه إلی قسمین أو أزید یستحیل أن یکون من قبیل ملاکات الأحکام، بل لابدّ من أن یکون الموضوع بالإضافة إلیه مطلقاً أو مقیداً بوجوده أو بعدمه.
((2))
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) قد وافق المحقّق النائینی (قدس سره) فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فیما کان المخصّص اللبّی حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً أو نحو ذلک إذا کانت القضیة المتکفّلة لإثبات حکم العامّ من القضایا الحقیقیة التی یکون تطبیق الموضوع علی أفراده فی الخارج بنظر نفس المکلّف.
و لکنّه قد خالف المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)) فی ما إذا کانت القضیة من قبیل
ص: 283
القضایا الخارجیة، فقال: إن علم من الخارج أنّ المولی وکّل إحراز موضوع العامّ إلی نفس المکلّف فحاله حال المخصّص اللفظی، کما إذا ورد فی دلیل: «أعط لکل طالب علم فی النجف الأشرف کذا و کذا دیناراً»، و علم من الخارج أنّ مراد المولی هو المعیل دون المجرّد، و لازم ذلک بطبیعة الحال هو العلم بتقید موضوع العامّ بعدم کونه مجرّداً، فعندئذ إذا شکّ فی طالب علم أنّه معیل أو مجرّد لم یمکن التمسّک بعمومه، لعدم إحراز أنّه من مصادیق العامّ.
و إن لم یعلم من الخارج ذلک، صحّ التمسّک بالعموم فی موارد الشبهة المصداقیة و السبب فیه أنّ ظهور کلام المولی فی العموم کاشف عن أنّه بنفسه أحرز انطباق موضوع حکمه علی جمیع الأفراد، و لم یکل ذلک إلی المکلّف، و من المعلوم أنّ هذا الظهور حجّة علی المکلّف فی الموارد المشکوک فیها، فإذا أمر
ص: 284
المولی خادمه بإکرام جمیع جیرانه، فإنّ ظهور کلامه فی العموم کاشف عن أنّه لاحظ جمیع أفراد موضوع حکمه و أحرز وجود الملاک فی الجمیع و هذا الظهور حجّة و لایجوز التعدّی عن مقتضاه إلّا إذا علم بأنّ زیداً مثلاً عدوّه و لا ملاک لوجوب الإکرام فیه جزماً و سکوت المولی عن بیانه لعلّه لأجل مصلحة فیه أو مفسدة فی البیان فی المولی الحقیقی و العرفی أو لغفلة أو جهل بوجود الملاک فی المولی العرفی فقط.
إنّ المخصّص اللبّی إن کان حکماً عقلیاً ضروریاً أو ارتکازاً قطعیاً عقلائیاً((1)) بحیث یعدّ قرینة متصلة فیوجب عدم انعقاد الظهور فی العموم فلایمکن أن یتمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة وفاقاً لصاحب الکفایة (قدس سره) و من تبعه و خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) .
و أمّا إن کان حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً أو سیرة عقلائیة أو متشرعیة بحیث لایعدّ عند العرف قرینة متصلة فحینذ إذا کان العامّ بنحو القضیة الحقیقیة((2)) فلایمکن التمسّک بالعامّ وفاقاً للمحقق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) حیث إنّ المخصّص اللبّی (و إن لم یکن لفظیاً فلایوجب تقیید لفظ العموم بحسب القضیة اللفظیة) إلّا أنّه یعطی للعامّ لوناً بحسب المراد الواقعی و مرحلة الحجیة فیوجب تقیید العامّ، فلایمکن التمسّک به فی الشبهة المصداقیة، کما تقدّم فی المخصّص المنفصل.
ص: 285
و أمّا إذا کان العامّ بنحو القضیة الخارجیة فإن علمنا أنّ المولی ((1)) وکل إحراز موضوع العامّ إلی المکلّف فلایمکن التمسّک بالعامّ.
و إن لم یعلم ذلک((2)) فظهور الکلام هو أنّ المولی تکفّل لإحراز ذلک فیتمسّک بالعامّ بالنسبة إلی الأفراد المشکوک فیها فی الشبهة المصداقیة (و مثال «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» من هذا القبیل، فإنّه قضیة خارجیة تکفّل الشارع لإحراز انطباق موضوع حکم اللعن علی جمیع الأفراد).
إنّ إجمال المخصّص فی الشبهة المفهومیة یسری إلی العامّ فلایمکن التمسّک بالعامّ إلّا فی المخصّص المنفصل المردد بین الأقلّ و الأکثر و فی الشبهة المصداقیة یسری إلی العامّ مطلقاً فیما إذا کان المخصّص لفظیاً فلایمکن التمسّک بالعامّ أیضاً.
و أمّا الشبهة المصداقیة فیما إذا کان المخصّص لبیاً یسری إجماله إلی العامّ فلایمکن التمسّک بالعامّ أیضاً إلّا فی صورة واحدة و هی أن یکون المخصّص اللبّی حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً و کانت القضیة خارجیة فیما إذا لم یعلم أنّ المولی وکل إحراز موضوع العامّ إلی المکلّف أو فقل: فیما إذا تکفل المولی لإحراز موضوع العامّ.
ص: 286
ص: 287
ص: 288
إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی
فیه أمران و تنبیهان:
اختلف الأعلام هنا علی مسلکین:((1))
فهو أنّ قضیة التخصیص هی کالتقیید فی المطلقات حیث إنّه یقتضی إحداث عنوان إیجابی أو عنوان سلبی فی الأفراد الباقیة بعد التخصیص فیتقید موضوع الحکم فی «أکرم کل عالم» بالعالم العادل أو بالعالم غیر الفاسق.
فهو أنّ قضیة التخصیص مجرّد إخراج بعض الأفراد أو الأصناف عن تحت حکم العامّ الموجب لقصر حکم العامّ علی بقیة الأفراد أو الأصناف، من دون
ص: 289
اقتضائه لإحداث عنوان إیجابی أو سلبی فی موضوع حکم العامّ فی الأفراد أو الأصناف الباقیة، و إن فرض ملازمة تلک الأفراد الباقیة بعد خروج الفسّاق مثلاً من باب الاتّفاق للعدالة أو عدم الفسق.
فالمحقّق العراقی((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) ((2)) قالا بعدم تعنون العامّ بعنوان عدم المخصّص خلافاً للمحقق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .
قال: «إنّ الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص».((3))
أمّا قوله: «کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان خاص» فقد اختلف فی تفسیره:
قال المحقق الإیروانی (قدس سره): إنّ تعبیره «بل بکل عنوان» مسامحة و مراده هو أنّ الباقی تحت العامّ بعد التخصیص غیر معنون بعنوان خاص وجودی مقابل
ص: 290
لعنوان المخصّص و لکنه معنون بالعنوان العدمی (و هو عدم عنوان المخصّص).((1))
قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((2))یکون مراده منه أنّ العامّ لایعنون بشیء من العناوین إلّا بنقیض عنوان الخاصّ و إن کانت العبارة قاصرة عن إفادته.
و هکذا فسّره فی منتهی الدرایة((3)) فقال: أمّا تعنونه بعنوان خاص عدمی و هو عدم عنوان المخصّص فممّا لابدّ منه، فإذا خصّص العلماء فی قوله «أکرم العلماء» بمثل «لاتکرم النحویین»، فیعنون الباقی تحت العامّ بالعلماء غیر النحویین.
فالباقی تحت العامّ بعد التخصیص لایتعنون بعنوان خاصّ بل هو باقٍ علی ما کان علیه العامّ قبل التخصیص من اللاعنوانیة، فکلّ عنوان کالهاشمیة و الغنی و الفقر و العربیة و العجمیة و غیرها مما کان ثابتاً للعامّ (کالعلماء) قبل التخصیص، فهو باق علی حاله و لم ینثلم شیء من تلک العناوین بطروّ التخصیص علیه إلّا عنوان الخاصّ، فإنّه خرج عن العناوین التی کانت تحت العامّ فکان العامّ معنوناً بعدم عنوان المخصّص.
قد استظهر المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) من کلام صاحب الکفایة (قدس سره) أنّه نفی تعنون العامّ بعد التخصیص بعنوان وجودی أو عدمی حتّی عنوان عدم المخصّص.
هذا اختلاف الأعلام فی تفسیر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) .
ص: 291
و الحقّ مع المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) فإنّ إطلاق قول صاحب الکفایة (قدس سره) «لما کان غیر معنون بعنوان خاص» هو عدم تعنون الباقی تحت العامّ بعنوان خاصّ وجودیاً کان أو عدمیاً.
أمّا قوله بعد ذلک «بل بکلّ عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ» فقد فسّرها بعضهم بأنّ العامّ یتعنون بکلّ عنوان مثل الهاشمیة و الفقر و الغنی و أمثالها، إلّا أنّه خرج عنه عنوان المخصّص فعلی هذا لایدل عبارته علی تعنون العام بعدم عنوان المخصّص.
و یحتمل أن یکون کلام صاحب الکفایة (قدس سره) هکذا «بل غیر معنون بکل عنوان لم یکن بعنوان الخاصّ»((3)) بمعنی أنّ إطلاق العامّ و إن یشمل جمیع الحالات من الفقر و الغنی و الهاشمیة و غیرها إلّا أنّ العامّ لایتعنون بهذه العناوین کما أنّه لایتعنون بعنوان الخاصّ (المخصّص) لا وجودیاً و لا عدمیاً، فإنّ العامّ و إن کان شاملاً لجمیع تلک الأحوال إلّا أنّه لایتعنون بعنوانها فی نفس الدلیل و علی هذا الاحتمال أیضاً لایتعنون العامّ بعنوان عدم المخصّص.
((4))
إذا فرضنا خروج قسم من الأقسام عن حکم العامّ: فإمّا یکون الباقی تحته بعد
ص: 292
التخصیص مقیداً بنقیض ما هو الخارج (أی معنوناً بعدم المخصّص) فیکون دلیل المخصّص مقیداً لإطلاق العامّ و هو المطلوب.
و إمّا یبقی علی إطلاقه بعد التخصیص و لا ثالث لهما لأنّ الإهمال من الشارع محال و بما أنّ الثانی باطل جزماً لاستلزامه التناقض بین مدلولی دلیل العامّ و الخاصّ یتعین الأوّل.
قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) ذیل قول صاحب الکفایة (قدس سره) «لما کان غیر معنون بعنوان خاص»: کما أشرنا إلیه سابقاً: إنّ الواقع لاینقلب عما هو علیه، فما هو الموضوع لحکم العامّ بحسب الظهور المنعقد له، یستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه بسبب ورود کاشف أقوی، بل یسقط عن الحجیة فی المقدار المزاحم.
لایقال: یکشف المخصّص عن أنّ الموضوع الحقیقی للحکم ما عدا الخاصّ، لا إنّه یوجب انقلاب الظهور لیقال: إنّه محال.
لأنّا نقول: لیس للموضوعیة للبعث الحقیقی (الموجود بوجود منشأ انتزاعه) مقام إلّا مقام تعلّق البعث الإنشائی بشیء و جعل الداعی إلی غیر ما تعلق به البعث الإنشائی محال، لأنّه مصداق جعل الداعی و المفروض تعلّقه بهذا العنوان فصیرورته داعیاً إلی غیر ما تعلّق به خلف محال.
فلیس شأن المخصّص إلّا إخراج بعض أفراد العامّ، و قصر الحکم علی باقی الأفراد من دون أن یجعل الباقی معنوناً بعنوان وجودی أو عدمی.
و یشهد له (مضافاً إلی البرهان) أنّ المخصّص إذا کان مثل «لاتکرم زیداً
ص: 293
العالم» لایوجب إلّا قصر الحکم علی ما عداه، لا علی المعنون بعنوان «ما عدا زیداً» أو شبهه هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یصحّ بالنسبة إلی القضیة اللفظیة و لکن العبرة فی تعیین موضوع العامّ هو مقام الجعل لأنّ الحکم أمر اعتباری یتعلّق بالموضوع فی مقام الجعل و الأدلّة اللفظیة کاشفة عن الحکم و موضوعه و الکشف عن الموضوع قد یتم فی نفس الدلیل العامّ و أُخری یتمّ فی دلیل آخر لفظیاً کان أو لبیاً.
قال صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((1)) فی بیان وجه کلا القولین:
و الذی نراه أنّ الاختلاف بینهما مبنائی، فکلّ منهم علی حق فی دعواه بناء علی ما التزم به فی مدلول أدوات العموم.
توضیح ذلک: إنّه إذا التزم برجوع العامّ إلی المطلق و أنّ شأن أدوات العموم لیس إلّا إفادة الاستغراقیة أو المجموعیة أو البدلیة و عموم المدخول مستفاد من جریان مقدّمات الحکمة (کما التزم به المحقّق النائینی (قدس سره) و قرّبناه)((2)) کان التخصیص مستلزماً للتقیید بلا تردد، و ذلک لأنّ الملحوظ فی العامّ ثبوتاً و فی مقام تعلّق الحکم هو الطبیعة الشاملة، فإذا خرج بعض الأفراد عن الحکم امتنع
ص: 294
لحاظ الطبیعة حینئذ بنحو الشمول و هذا هو معنی امتناع الإطلاق، فیتعین أن تلحظ مقیدة بعدم عنوان الخاصّ.
و إن التزم بأنّ العامّ یختلف عن المطلق، و أنّ العموم مدلول الأداة نفسها و المدخول هو الطبیعة المهملة، فیکون مفاد العموم إرادة جمیع أفراد الطبیعة المهملة، لم یکن التخصیص مستلزماً للتقیید، لأنّه لم یلحظ فی مقام تعلّق الحکم الطبیعة القابلة للإطلاق و التقیید کی یتأتی فیه التردید المزبور، بل لوحظ جمیع أفراد الطبیعة المهلمة، و لا معنی للإطلاق و التقیید فیه کی یتأتی التردید المتقدّم بعد التخصیص، لأنّ الإطلاق و التقیید شأن الطبیعة و واقع «جمیع الأفراد» لیس کذلک.
إنّ ما أفاده فی منتقی الأصول و إن کان متیناً إلّا أنّه لیس تمام الملاک للقول بتعنون العامّ بعدم المخصّص و عدم تعنونه، کما أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) التزم بالمبنی الثانی و مع ذلک یقول بتعنون العامّ.
((1))
إنّ القول بعدم التعنون مخدوش و الوجه فی ذلک هو أنّ العامّ یقتضی جریان حکمه علی جمیع أفراده و هذا الاقتضاء مما لا شبهة فیه، فالمخصّص لابدّ أن یدلّ علی فقدان شرط(مثل العدالة) أو وجود مانع (مثل الفسق) بالنسبة إلی المقتضی حتّی یوجب قصر الحکم.
ص: 295
فالباقی تحت العامّ هو ما یکون الشرط فیه موجوداً و المانع مفقوداً و الخارج عنه هو ما یکون الشرط فیه مفقوداً أو المانع موجوداً و حینئذ لابدّ من القول بتعنون العامّ بعنوان الخاصّ.
و الحاصل من الأمر الأول تعنون العام بعدم المخصِّص.
ص: 296
قبل بیان النظریات نذکر مقدمة فیها مطلبان:
إذا قلنا بعدم جواز التمسّک بالعامّ بالنسبة إلی الفرد المشتبه، فلابدّ أن نرجع إلی الأصل العملی و حینئذ إن قلنا بجریان الأصل الموضوعی فهو مقدّم رتبة علی جریان الأصل الحکمی فلاتصل النوبة إلیه، و إن قلنا بعدم جریان الأصل الموضوعی فالمرجع هو الأصل الحکمی.
و صاحب الکفایة و جمع من الأعلام (قدس سرهم) قالوا بجریان الأصل العملی الموضوعی و خالفهم المحقّق العراقی (قدس سره) فقال بجریان الأصل الحکمی.
إنّ المخصّص قد یکون من الأعراض الطارئة علی الذات بحیث یکون الفرد المشتبه غیر متّصفة بها سابقاً (مثل الفسق و العدالة و العلم و الجهل) فحینئذ یستصحب عدم فسق الفرد المشتبه فی المثال المعروف «أکرم العلماء و لاتکرم الفسّاق منهم» فیحکم علیه بمفاد العامّ.
و قد یکون من الأوصاف اللازمة للذات غیر المنفکّة إیاها فحینئذ لیست للذات حالة سابقة تکون فیها فاقدة لهذه الأوصاف (مثال ذلک قرشیة المرأة) و لذلک یکون جریان الاستصحاب بالنسبة إلیها مشکلاً.
و الأعلام حاولوا لحلّ هذه المشکلة من طریق جریان استصحاب العدم الأزلی.
ص: 297
نذکرها ضمن مطالب ثلاثة:
إنّ محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره) هو ما إذا کان المخصّص عنواناً وجودیاً موجباً لتعنون العامّ بعدمه و ذلک یکون فی الموردین الأولین من الموارد الثلاثة التی نذکرها:
المورد الأوّل: ما إذا کان العامّ مثل «أکرم العلماء» ثم جاء المخصّص المنفصل و هو «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، فحینئذ یتعنون العامّ بعدم عنوان المخصّص.
المورد الثانی: ما إذا کان المخصّص المتّصل بالعامّ نظیر الاستثناء مثل «أکرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» و نظیر الشرط مثل «أکرم العلماء إذا لم یکونوا من الفسّاق» و نظیر الغایة مثل «أکرم العلماء إلی أن یکونوا من الفسّاق».
المورد الثالث: ما إذا کان المخصّص المتّصل بالعامّ بحیث یوجب دخالة عنوان وجودی فی الحکم مثل «أکرم کل عالم عادل» أو مثل «أکرم کل عالم إذا کان عادلاً».
و المورد الثالث خارج عن محل الکلام فالبحث یقع فی الموردین الأولین و ذلک لوضوح أنّه لا أصل لإحراز عدالة الفرد المشکوک فی المورد الثالث، إلّا إذا علمنا بسبق عدالته و شککنا فی بقائها و أمّا فیما لم نعلم عدالته سابقاً فلا أصل عملی یحرز عدالته.
ص: 298
إنّ الباقی تحت العامّ بعد تخصیصه بالمخصّص المنفصل أو بالمخصّص المتّصل الذی هو کالاستثناء أو الشرط أو الغایة (أی المورد الأوّل و الثانی من الموارد الثلاثة المذکورة) لما کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ کان إحراز المشتبة منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد إلّا ما شذّ (و هو مورد توارد حالتی الفسق و العدالة علی شخص بحیث لم یعلم ما هو المتقدّم منهما و ما هو المتأخر، فالأصل حینئذ لایجری فی شیء منهما) ممکناً فبذلک الأصل الموضوعی یحکم علی الفرد المشتبه بحکم العامّ و إن لم یجز التمسّک بالعامّ بلا کلام.((1))
اختلفت أنظارهم فیه: فقال بعضهم بجریان استصحاب العدم الأزلی مثل صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) .((3))
و قال بعضهم بعدم جریان استصحاب العدم الأزلی مثل المحقّق النائینی((4)) و المحقق البروجردی (قدس سرهما) ((5)).
ص: 299
و فصّل بعضهم فقالوا بجریانه بالنسبة إلی عوارض الوجود و بعدم جریانه بالنسبة إلی عوارض الماهیة مثل المحقّق الحکیم (قدس سره) .((1))
((2))
إنّ الدلیل قام علی تحیض المرأة إلی خمسین سنة و هذا الدلیل عامّ و قد خصّص بالمرأة القرشیة.
فإنّه قد ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِینَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَکُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَیشٍ».((3))
فإنّ موضوع العامّ هی المرأة و موضوع المخصّص هی امرأة من قریش فإذا شک أنّ امرأة تکون قرشیة أم لا، فلا أصل عملی یحرز أنّها قرشیة أو أنّها غیر قرشیة لأنّ المرأة إذا وجدت إمّا قرشیة و إمّا غیر قرشیة.
فلابدّ هنا من جریان استصحاب عدم تحقّق الانتساب بین هذه المرأة و بین قریش و هذا یکفی فی اثبات حکم العامّ بالنسبة إلی المرأة التی شک فی کونها قرشیة.
ص: 300
و الوجه فی ذلک هو أنّ العامّ قد خرج عنه المرأة التی کانت من قریش، و أمّا المرأة غیر القرشیة و أیضاً المرأة التی لم یتحقّق الانتساب بینها و بین قریش کلاهما داخلان و باقیان تحت العامّ و کونُها المرأةَ غیر القرشیة و إن کان غیر ممکن إحرازها، و لکن یمکن إحراز أنّها هی المرأة التی لم یتحقّق الانتساب بینها و بین قریش و ذلک بجریان استصحاب عدم تحقّق الانتساب بینها و بین قریش بنحو استصحاب العدم الأزلی.
((1))
إنّ استصحاب العدم الأزلی لیس بحجّة و أدلّة الاستصحاب منصرفة عنه، لأنّه لا عرفیة له، فإنّ المرأة قبل وجودها فی الأزل لا «هذیة» لها، فکیف یستصحب عدم الانتساب بینها و بین قریش فی الأزل.
((2))
إنّ الانصراف قد یکون لندرة وجود بعض الأفراد و أُخری لکثرة استعمال اللفظ فی بعض الحصص دون الأُخری و ثالثة للتشکیک فی صدق المفهوم عرفاً علی بعض الأفراد، و لا وجه هنا لدعوی انصراف الأدلّة، لأنّ العرف مرجع فی تعیین المفاهیم و تشخیصها و أمّا تطبیق المفاهیم علی مصادیقها فالمرجع فیه هو العقل و لابدّ فیه من إعمال الدقّة العقلیة و ما ادّعی هنا من التشکیک فی الصدق، فلایمکن الالتزام به لصدق «لاتنقض» فی المقام، خصوصاً مع أنّ المشهور قالوا بجریان استصحاب عدم الجعل و هو من موارد استصحاب العدم الأزلی و
ص: 301
لذلک قال السید المحقّق الخوئی (قدس سره) بعدم جریان الاستصحاب بالنسبة إلی الأحکام الکلّیة حیث إنّ استصحاب بقاء الحکم المجعول معارض باستصحاب عدم الجعل.
و أمّا ما ادعی من أنّ المرأة قبل وجودها لا«هذیة» لها و لاتقبل الإشارة إلیها فیرد علیه أنّا نشیر إلی هذه المرأة الموجودة و نقول: إنّ هذه المرأة مسبوقة بالعدم ذاتاً و أوصافاً أمّا عدم ذاتها فقد انتقض بوجودها و أمّا عدم صفاتها و منها القرشیة فلم یعلم انتقاضها بالوجود فنستصحب عدم قرشیتها.
فتحصّل من جمیع ذلک صحّة جریان استصحاب العدم الأزلی خلافاً للمحقّق النائینی و المحقّق البروجردی0 و وفاقاً لصاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی5 و بعض الأساطین (دام ظله) .
إنّ عنوان المخصّص لاینتفی بالأصل المذکور و الحاجة إلی استصحاب العدم الأزلی إنّما هو للفراغ عن حکم الخاصّ، لا للإدخال تحت العموم، لصدق عنوان العامّ بلا حاجة إلی الاستصحاب المذکور، فلابدّ من جریان الاستصحاب حتی نثبت خروج الفرد المشتبه عن تحت عنوان المخصّص و استصحاب العدم الأزلی لایجدی فی ذلک، لأنّ انتساب المرأة إلی قریش لایکون موضوعاً للمخصّص بنحو الوجود المحمولی، بل یکون موضوعاً للمخصّص بنحو الوجود النعتی (الوجود الرابط)، فعلی هذا نفی کونه المحمولی لیس نفیاً لعنوان المخصّص حتّی ینفی به حکمه، بل نفی الکون
ص: 302
المحمولی ملازم لعدم إمکان الکون الرابط عقلاً، فالأصل بالنسبة إلی عنوان المخصّص أصل مثبت.
((1))
إنّ الغرض من الأصل العملی فی هذا المقام و أمثاله، لیس هو نفی عنوان المخصّص بل الغرض إحراز عنوان مضادّ لعنوان المخصّص من العناوین الداخلة تحت العموم، فینفی حکم المخصّص بمضادّة هذا العنوان المحرز الذی هو تحت العامّ و محکوم بحکم العامّ.
فما هو المترتب علی الأصل بلا واسطة شیء، هو حکم العامّ الثابت له بأی عنوان غیر العنوان الخارج (و العنوان الخارج هو عنوان المخصّص) و ثبوت هذا الحکم لهذا الموضوع المضادّ للعنوان الخارج یوجب نفی ضدّه و هو حکم الخاصّ.
((2))
إنّ استصحاب العدم الأزلی لایجری هنا، لأنّ مجری الاستصحاب لابدّ أن یکون حکماً شرعیاً أو موضوعاً له، و موضوع العامّ عند صاحب الکفایة (قدس سره) هو عنوان «العلماء» و أمّا أقسامه و أوصافه الطارئة علیه فلم یوخذ شیء منها فی موضوع العامّ، فالموضوع هو «العلماء» فی المثال السابق أو «المرأة» فی هذا المثال الأخیر و هما محرزان بالوجدان أمّا «العلماء الذین لم یتصفوا بالفسق» أو «المرأة التی لاتنتسب إلی قریش» فلیسا هما موضوعاً للعامّ فی المثالین المعروفین.
ص: 303
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ عنوان العامّ یشتمل علی تلک العناوین کما صرّح ببقاء تلک العناوین تحت عنوان العامّ، بل یصرّح بتعنون العامّ بتلک العناوین (علی أحد التفسیرین لقوله «بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ» و قد تقدّم بیانه مفصلاً) فعلی هذا مفاد الاستصحاب موضوع للحکم الشرعی و لکن هذا الجواب لایستقیم علی التفسیر الآخر علی ما صرّح به المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)).
قال: «إنّ ما أفاده (قدس سره) من کفایة إحراز العنوان الباقی تحت العامّ فی إثبات حکمه لایخلو عن محذور لأنّ العناوین الباقیة لیست دخیلة فی موضوع الحکم العمومی بوجه من الوجوه، فلا معنی للتعبّد بأحدها، لیکون تعبّداً بالحکم العمومی، حتی ینفی حکم الخاصّ بالمضادّة».
(فعلی هذا لابدّ أن یفسّر قوله «بل بکل عنوان» بأنّ مراده أنّ العامّ غیر معنون بکل عنوان لم یکن ذلک بعنوان الخاصّ حتی یصحّ الکلام).
((2))
یمکن نفی حکم الخاصّ من وجه آخر و هو أنّ العامّ یدل بالمطابقة علی وجوب إکرام العلماء، و بالالتزام علی عدم منافاة عنوان من عناوینه لحکمه، فهو بالالتزام ینفی کل حکم مباین لحکم العامّ عن کل عنوان یفرض فیه، و من العناوین المباینة للعنوان الخارج موضوعاً و المباینة للعنوان الخارج (أی العنوان
ص: 304
المخصّص) فی الحکم، عنوانٌ أُحرز بالأصل، المحکوم بنقیض حکم الخاصّ التزاماً، فینفی به حکم الخاصّ من باب المناقضة، لا من باب المضادة، و بنحو الالتزام، لا بنحو المطابقة.
((1))
إنّ هذه النظریة تختلف عن نظریة صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) فی المبنی المتقدّم من تعنون العامّ أو عدم تعنونه بعدم المخصّص، فإنّ صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) یقولان بعدم التعنون و هذه النظریة علی أساس القول بالتعنون و قد اخترنا ذلک.
و بیان نظریته یتوقف علی ذکر مقدّمات أفادها فی المقام: (نذکرها ملخّصاً).
إنّ عنوان الموضوع علی أنحاء ثلاثة:
النحو الأوّل: أن یکون عنواناً ذاتیاً و هو العنوان المنتزع من الصورة الجوهریة مثل عنوان «زید» المنتزع عن الشخص.
النحو الثانی: أن یکون عنواناً غیر ذاتی غیر ملازم للذات و هذا هو العنوان العرضی کالفسق و العدالة.
النحو الثالث: أن یکون عنواناً غیر ذاتی ملازم للذات مثل قرشیة المرأة و هذا ینقسم علی قسمین: لوازم الوجود و لوازم الماهیة، و قد فصّل بینهما کما هو
ص: 305
مختار المحقّق الحکیم و المحقّق العراقی (قدس سرهما) و البحث عن المخصّص یقع فی جمیع هذه الأقسام.
إنّ الوجود الرابط یکون بین الوصف و الموصوف و هو مفاد کان الناقصة و الهلیة المرکّبة فی قبال کان التامة و الهلیة البسیطة فلایتصور الوجود الرابط فی مفاد کان التامة لاستحالة الرابط بین الشیء و نفسه.
و أیضاً لایتصور الوجود الرابط فی مفاد السلب التام للشیء و هو لیس التامة (أی ما هو مقابل ل- «کان» التامة) لأنّ العدم لا ثبوت له و لکن الوجود الرابط هو ثبوت شیء لشیء.
و أیضاً لایتصور الوجود الرابط فی مفاد «لیس» الناقصة مثل لیس زید بفاسق لأنّه سلب الشیء عن الشیء بل مفاد «لیس» الناقصة هو سلب الربط، لا ربط السلب.
إنّ رفع العرض قد یکون بسلب الوجود عنه بنحو الوجود المحمولی و قد یکون بسلب الوجود عنه بنحو الوجود النعتی و هذا مختار القائلین باستصحاب العدم الأزلی، أمّا المنکرون لذلک ذهبوا إلی أنّ رفع العرض لا یتحقّق إلّا برفع الوجود النعتی.
مثال ذلک قرشیة المرأة، فإنّ القرشیة وصف للمرأة و هو متأخر وجوداً عن وجود المرأة لتأخر الوصف عن وجود موصوفه و لکن عدم القرشیة لیس کذلک فإنّه قد یکون مع وجود المرأة و قد لایکون.
ص: 306
إنّ القضایا علی أنحاء:
القضیة الموجبة المعدولة المحمول مثل المرأة غیر القرشیة.
القضیة الموجبة السالبة المحمول مثل المرأة التی لیست قرشیة.
القضیة السالبة المحصّلة مثل لم تکن المرأة بقرشیة.
أمّا فی القسمین الأولین و هما القضیة الموجبة المعدولة المحمول و القضیة الموجبة السالبة المحمول یکون عدم القرشیة وصفاً للموضوع، فلایمکن استصحاب هذا العدم قبل وجود الموضوع لأنّا فرضنا کونه متاخراً عن الموضوع، و عدم الوصف قبل الموضوع یغایر عدم الوصف بعد الموضوع.
و أمّا فی القسم الأخیر و هی القضیة السالبة المحصّلة، فلایکون العدم وصفاً للموضوع، و علی هذا یجری الاستصحاب بالنسبة إلیه فإنّه لم تکن المرأة بقرشیة أزلاً و نستصحب ذلک و نقول: و لاتکون المرأة بقرشیة الآن.
و البحث فی تعنون العامّ بعدم المخصّص من قبیل القسم الأخیر حیث إنّ عدم المخصّص قضیة سالبة محصلة.
إنّ تعنون العامّ بعدم المخصّص یتصور علی نحوین:
الأوّل: أن یکون عنوان عدم المخصّص وصفاً لعنوان العامّ و حینئذ لایجری الاستصحاب إلّا علی القول بالأصل المثبت، لأنّ الوصف متأخر عن الموضوع و مرتبط به.
ص: 307
الثانی: أن یکون عنوان «عدم المخصّص» جزءً للموضوع المرکّب، فالعامّ بعد التخصیص یترکّب موضوعه من الجزءین و الجزء الأوّل هو عنوان «العموم» و هو محرز بالوجدان و الجزء الثانی هو عنوان «عدم المخصّص» و هو محرز بالاستصحاب.
و الحق هو أنّ تعنون العامّ بعدم المخصّص من قبیل الترکیب لا التوصیف لأنّ دلیل تعنون موضوع العامّ بعد التخصیص یقتضی اعتبار عنوان عدم المخصّص فی ناحیة موضوع العامّ لا أزید من ذلک، فالارتباط التوصیفی بین موضوع العامّ و بین عنوان «عدم المخصّص» مما لا دلیل علیه.
إذا عرفت تلک المقدّمات، فیتّضح لک تمامیة استصحاب العدم الأزلی.
إنّ عنوان المخصّص هو المرأة القرشیة و قد أُخذ عدمها فی عنوان العامّ و مفاد عدم المرأة القرشیة هو مفاد سلب الربط، کما تقدّم ذلک فی المقدّمة الثانیة و القضیة المتکفّلة لذلک قضیة سالبة محصّلة (لم تکن المرأة بقرشیة) و یجری فیها الاستصحاب کما تقدّم فی المقدّمة الرابعة، و موضوع العامّ مرکّب من عنوان المرأة و عنوان «لیست هی بقرشیة» و علی هذا الجزء الأوّل من هذا الموضوع محرز بالوجدان و الجزء الثانی منه محرز باستصحاب العدم الأزلی.
((1)) بمقدماتها الثلاث
التمسّک بأصالة العدم لإثبات حکم العامّ للفرد المشکوک فیه غیر صحیح و
ص: 308
ذلک لأنّ العدم النعتی الذی هو موضوع الحکم لا حالة سابقة له علی الفرض لیجری فیه الأصل، أمّا العدم المحمولی الأزلی فهو و إن کان مجری للأصل فی نفسه، إلّا انّه لایثبت به العدم النعتی الذی هو المأخوذ فی الموضوع إلّا علی القول بالأصل المثبت.
و توضیح ذلک إنّما هو برسم مقدّمات:
إنّ التخصیص سواء کان بالمنفصل أو بالمتّصل (استثناءً کان المتّصل أم غیره) إنّما یوجب تقیید عنوان العامّ بغیر عنوان المخصّص فإذا کان المخصّص أمراً وجودیاً، کان الباقی تحت العامّ معنوناً بعنوان عدمی و إن کان المخصّص أمراً عدمیاً، کان الباقی معنوناً بعنوان وجودی.
و السرّ فی ذلک هو أنّه لایعقل أن یکون الحاکم فی مقام جعل حکمه جاهلاً بموضوع حکمه و غیر ملاحظ له علی نحو الإطلاق و التقیید و علیه فإذا فرضنا خروج قسم من الأقسام من حکم العامّ، فإمّا یکون الباقی تحته بعد التخصیص مقیداً بنقیض المخصّص فیکون دلیل المخصّص رافعاً لإطلاقه فهو المطلوب، و إمّا یبقی علی اطلاقه بعد التخصیص أیضاً، فلیزم التهافت و التعارض بین مدلولی دلیل العامّ و دلیل التخصیص.
نعم هناک فرق بین المخصّص المتّصل و المخصّص المنفصل، فإنّ التقیید فی المخصّص المتّصل إنّما هو بحسب الدلالة التصدیقیة، إذ المفروض فی موارد التخصیص بالمتّصل أنّه لاینعقد الظهور للکلام إلّا فی الخاصّ من أوّل الأمر و هذا بخلاف التقیید فی موارد التخصیص بالمنفصل، فإنّ التقیید فیه إنّما یکون
ص: 309
بالإضافة إلی المراد الواقعی، لا بالنسبة إلی ما یستفاد من الکلام لفرض تمامیة الظهور فی العموم.
لکن هذا المقدار من الفرق لایکون بفارق فی المقام، بعد اشتراکهما فی تقیید المراد الواقعی.
إنّ العنوان الخاصّ إذا کان من قبیل الأوصاف القائمة بالعنوان العامّ، سواء کان ذلک العنوان الخاصّ من العناوین المتأصلة أم من العناوین الانتزاعیة، فلامحالة یکون موضوع الحکم بعد التخصیص مرکّباً من المعروض و عرضه القائم به أعنی به مفاد «لیس» الناقصة، المعبّر عنه فی کلام العلّامة الأنصاری (قدس سره) بالعدم النعتی.
و السرّ فی ذلک هو: أنّ انقسام العامّ باعتبار أوصافه و نعوته القائمة به إنّما هو فی مرتبة سابقة علی انقسامه باعتبار مقارناته، فإذا کان التخصیص کاشفاً عن تقییدٍما و رافعاً لإطلاقه بمقتضی المقدّمة الأُولی، فلابدّ من أن یکون هذا التقیید بلحاظ الانقسام الأولی أعنی به الانقسام باعتبار نعوته و أوصافه، فیرجع التقیید إلی التقیید بمفاد «لیس» الناقصة.
و الدلیل علیه: أنّ التقیید لو کان راجعاً إلی التقیید بعدم مقارنته لوصفه القائم به علی نحو مفاد لیس التامّة، لیکون الموضوع فی الحقیقة مرکّباً من عنوان العامّ و عدم عروضه المحمولی فإمّا یکون ذلک مع بقاء الإطلاق بالإضافة إلی جهة کون العدم نعتاً لیرجع استثناء الفسّاق من العلماء فی قضیة «أکرم العلماء إلّا فسّاقهم» إلی تقیید العلماء، بأن لایکون معهم فسق سواء کانوا فاسقین أم لا، أو یکون ذلک مع التقیید من جهة کون العدم نعتاً أیضاً لیرجع مفاد القضیة المزبورة إلی
ص: 310
وجوب إکرام العلماء المعتبر فیهم أن لایکونوا فاسقین و أن لایکون معهم فسق و کلا الوجهین باطل:
أمّا الأوّل فلأنّه غیر معقول، لوضوح التدافع بین الإطلاق من جهة کون العدم نعتاً و التقیید بالعدم المحمولی.
و أمّا الثانی فلأنّه مستلزم للغویة التقیید بالعدم المحمولی، لکفایة التقیید بالعدم النعتی عنه و هذا هو المیزان الکلی فیما إذا کان الموضوع مرکّباً من العرض و محلّه، فإنّ اللازم فیه أن یکون التقیید بلحاظ مفاد «کان» الناقصة أو «لیس» الناقصة.
إنّ تقابل الوجود النعتی (مفاد کان الناقصة) و العدم النعتی (مفاد لیس الناقصة) إنّما هو من قبیل تقابل العدم و الملکة، الذی یشترط فیه وجود الموضوع و یمکن فیه ارتفاع المتقابلین بارتفاع الموضوع القابل للاتصاف بهما، إذ الموضوع بعد وجوده هو الذی یوجد فیه الوصف فیکون الوجود نعتاً أو لایوجد فیه ذلک فیکون العدم نعتاً، و أمّا الموضوع قبل وجوده فهو غیر قابل لأن یعرضه الوجود النعتی أو العدم النعتی.
هذا بخلاف التقابل بین نفس وجود العرض المعبّر عنه بالوجود المحمولی (مفاد کان التامة) و عدم ذلک العرض المعبّر عنه بالعدم المحمولی (مفاد لیس التامّة) فإنّه من تقابل الإیجاب و السلب الذی لایمکن فیه ارتفاع المتقابلین و علیه فکما لایعقل تحقّق الوجود النعتی قبل وجود موضوعه، کذلک لایعقل تحقّق العدم النعتی المقابل له.
إذا عرفت هذه المقدّمات تعرف أنّ خروج المخصّص عن تحت العامّ یستلزم
ص: 311
تقیید الباقی بنقیض هذا العنوان بمقتضی المقدّمة الأُولی، و أنّه لابدّ من أن یکون هذا التقیید علی نحو مفاد لیس الناقصة بمقتضی المقدّمة الثانیة و أنّه یستحیل تحقّق هذا العنوان المأخوذ فی الموضوع قبل وجود موضوعه بمقتضی المقدّمة الثالثة.
فلایمکن إحراز قید موضوع حکم العامّ بأصالة العدم الأزلی فإنّ المستصحب إمّا یکون العدمَ النعتی المأخوذ فی الموضوع، فهو مشکوک فیه من أوّل الأمر و لا حالة سابقة له کما اعترف هو (قدس سره) بذلک.
و إمّا یکون العدمَ المحمولی الملازم للعدم النعتی بقاءً، فلایمکن إحراز تمام الموضوع باستحصاب العدم المحمولی إلّا علی القول بالأصل المثبت.
((1))
إنّ المقدّمة الأُولی و الثالثة فی غایة المتانة و لکن الکلام فی المقدّمة الثانیة و محل النزاع فیها هو أنّ المأخوذ فی موضوع حکم العامّ بعد التخصیص هل هو العدم النعتی أو العدم المحمولی، و الحق هو أنّ التقیید بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض الوجودی لا بلحاظ الاتصاف بعدمه.
((2))
إنّ المرجع بعد سقوط العامّ عن الحجیة فیما شک فی کونه من مصادیق الخاصّ لفظیاً أو لبیاً إنّما هو الأُصول العملیة و حیئنذ لو کان هناک أصل حکمی من استصحاب وجوب أو حرمة و نحوه فلا إشکال.
ص: 312
و أمّا الأصل الموضوعی فیبتنی جریانه علی المسلکین((1)) فی التخصیصات: تعنون العام بعنوان عدم المخصِّص و عدمه
فعلی المسلک الأوّل لا بأس بجریان الأصل الموضوعی فی المشتبه حیث یحرز به کونه من أفراد العامّ، فیحکم علیه بحکم العامّ بعد إحراز جزئه الآخر (و هو العالمیة) بالوجدان، نظیر سائر الموضوعات المرکبة التی یحرز بعضها بالأصل و بعضها بالوجدان ففی المقام أیضاً إذا جری استصحاب العدالة أو عدم الفسق فی الفرد المشکوک فبانضمام الإحراز الوجدانی للجزء الآخر و هو العالمیة یحرز ما هو موضوع حکم العامّ و هو العالم العادل، أو العالم الذی لم یکن فاسقاً فیحکم علیه بحکمه.
أمّا علی المسلک الثانی الذی هو المختار((2)) فلا مجال لجریان الأصل الموضوعی المزبور من جهة عدم ترتب أثر شرعی علیه حینئذ، فإنّه علی هذا المسلک لایکون لمثل هذه العناوین دخل فی موضوع الحکم و الأثر و لو علی نحو القیدیة حتی یجری فیها استصحابها، بل و إنّما موضوع الأثر حینئذ عبارة عن ذوات تلک الأفراد الباقیة بخصوصیاتها الذاتیة من دون طروّ لون علیها من قبل دلیل المخصّص.
و قد نقل المحقّق الخوئی (قدس سره) عنه فی المحاضرات أنّه یری أنّ التخصیص کالموت فکما أنّه لایتلون العامّ بموت بعض العلماء لایتلون بالتخصیص بهم.
ثم أورد علیه((3)) بأنّ القیاس باطل حیث إنّ الموت یوجب انتفاء الحکم بانتفاء
ص: 313
موضوعه فی مرحلة التطبیق و لکن التخصیص یوجب تقیید الحکم فی مرحلة الجعل فی مقام الثبوت بمعنی أنّ دلیل المخصّص یکشف عن أنّ الحکم من الأوّل خاصّ و فی مقام الإثبات یدلّ علی انتفاء الحکم مع بقاء الموضوع.
غایة الأمر هو اقتضاء خروج أفراد الفسّاق مثلاً لملازمة الأفراد الباقیة بعد التخصیص عقلاً للعدالة أو عدم الفسق و من المعلوم فی مثله حینئذ عدم إجزاء قضیة استصحاب العدالة أو عدم الفسق للمشکوک لإثبات کونه من الأفراد الباقیة الملازمة لعدم الفسق إلّا علی القول بالمثبت.
نعم لو کان مفاد الدلیل الخاصّ نقیضاً لحکم العامّ، کما لو کان مفاد العامّ وجوب إکرام العلماء و کان مفاد الخاصّ عدم وجوب إکرام الفسّاق من العلماء ففی مثله أمکن إثبات وجوب الإکرام الذی هو حکم العامّ بمقتضی استصحاب عدم الفسق، من جهة أنّه باستصحابه یترتب علیه نقیض اللاوجوب الذی هو عبارة عن وجوب الإکرام.
و هذا بخلافه فی فرض کون مفاد الخاصّ عبارة عن حرمة الإکرام التی هی ضد الحکم العامّ حیث إنّه فی مثله لایمکن إثبات وجوب الإکرام باستصحاب العدالة أو عدم الفسق لأنّ غایة ما یقتضیه الأصل المزبور هو عدم حرمة إکرام الفرد المشکوک لا وجوب إکرامه إلّا علی القول بالأصل المثبت.
إنّ الخاصّ یوجب تقیید الإرادة الجدّیة فی ناحیة العامّ بالنسبة إلی موضوعه حیث إنّه بعد ورود المخصّص لایعقل إطلاق الإرادة الجدّیة بالنسبة إلی موضوع العامّ و لایعقل أیضاً إهماله. (یلزم من ذلک تعنون العامّ حیث إنّ تقیید الإرادة الجدّیة لاینفک من لون للعامّ و تعنونه).
إنّ جریان الأصل العملی الحکمی إذا أُرید به الاستصحاب کما صرّح المحقّق العراقی (قدس سره) ممنوع، لأنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب صدق عنوان «لاتنقض» بالنسبة إلی الیقین السابق، فلابدّ من وحدة الموضوع فی القضیة المتیقّنة و المشکوکة بأن یکون الفرد المشتبه داخلاً فی موضوع المتیقّنة ثم نشک فی خروجه عنه، و لکن الشبهة المصداقیة هنا لیس من هذا القبیل لأنّ شمول العامّ له مشکوک من أوّل الأمر، فعلی هذا أرکان الاستصحاب لایتم بالنسبة إلی الفرد المشتبه فی الشبهة المصداقیة.
إنّ ما أفاده (قدس سره) - من أنّه إذا کان الفرق بین حکم العامّ و حکم المخصّص بنحو التضادّ فالاستصحاب یکون أصلاً مثبتاً و إذا کان بنحو التناقض فالاستصحاب جار و نتیجته جریان حکم العامّ - ممنوع، لأنّ رفع عدم الوجوب لیس هو عین الوجوب بل الوجوب مصداق له فإنّ مفهوم نفی النفی لیس هو عین مفهوم الإثبات بل نفی النفی یصدق علی الإثبات، إلّا إذا قلنا بجریان الاستصحاب مع خفاء الواسطة کما هو مختار الشیخ (قدس سره) و لکن نحن لانلتزم بذلک.
ص: 315
فالاستصحاب هنا أصل مثبت، کما أنّ استصحاب عدم الفسق بالنسبة إلی إثبات العدالة أیضاً أصل مثبت.
ص: 316
دوران الأمر بین التخصیص و التخصّص فی الفرد الذی حکمه خلاف حکم العامّ.
إذا ورد عامّ مثل أکرم العلماء و جاء دلیل آخر یدلّ علی حرمة إکرام زید مثلاً و لا ندری هل یکون زید من أفراد العامّ و قد خرج عنه بالتخصیص أو لیس من أفراد العامّ بل هو خارج عنه تخصّصاً، فهل تجری هنا أصالة العموم و عدم التخصیص حتی یثبت کونه خارجاً عن العامّ بالتخصّص؟ و مثّل لذلک فی المحاضرات((1)) بملاقی ماء الاستنجاء فهل یکون داخلاً تحت عموم ما دلّ علی انفعال ملاقی النجس و قد خرج عنه بالتخصیص لورود ما یدلّ علی طهارته، أو کان خارجاً عن تحت هذا العموم بالتخصّص.
فاختلف الأعلام فی تقدّم التخصیص علی التخصّص أو العکس، و المشهور بینهم هو أنّ التخصّص مقدّم علی التخصیص و استدلّوا علی ذلک بأصالة عدم التخصیص و أصالة العموم.((2))
و الحق هو عدم جریان أصالة العموم و أصالة عدم التخصیص فی المقام، لأنّ الأصول اللفظیة تجری فی ما إذا کان المراد مشکوکاً، و أمّا إذا کان المراد
ص: 317
معلوماً فلم یثبت جریان السیرة العقلائیة علی التمسّک بالأصول اللفظیة، کما صرّح بذلک المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .
ص: 318
فیه قولان:
إذا ورد دلیل عامّ مثل «أکرم العلماء» و ورد بعد ذلک دلیل آخر مثل «یحرم إکرام زید» و لکن تردّد أمر زید من جهة الشبهة المفهومیة و شککنا فی أنّ المراد منه هو زید العالم أو زید الجاهل، فإن کان المراد منه زیداً العالم فیکون الدلیل الثانی مخصّصاً للعامّ و إن کان المراد منه زیداً الجاهل فیکون خارجاً عن العامّ تخصّصاً.
قال المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) بالتمسّک بالعامّ بالنسبة إلی زید العالم حتی یجری فیه حکم العامّ و بذلک ینحل العلم الإجمالی بحرمة إکرام زید العالم أو زید الجاهل، لأنّه بعد جریان حکم العامّ علی زید العالم ینطبق حرمة الإکرام علی زید الجاهل.
فعلی هذا إجمال الخاصّ لایسری إلی العامّ بل العامّ یوجب رفع الإجمال عن الخاصّ.
اختار بعض الأساطین (دام ظله) عدم جواز التمسّک بالعامّ فی هذا المقام لأنّ السیرة
ص: 319
العقلائیة قائمة علی التمسّک بالعامّ فی موارد الشک البدوی و ما یرجع إلیه (مثل الشبهة المفهومیة بین الأقلّ و الأکثر)، أمّا فی موارد العلم الإجمالی بخروج أحد الفردین عن تحت العامّ فلم یثبت السیرة العقلائیة علی التمسّک بالعامّ. ((1))
إنّ العامّ یشمل زیداً العالم و لم یثبت وجود المخصّص للعامّ حتّی نقول بتعنون العامّ بعدم المخصّص (کما قد تقدّم فی الشبهة المفهومیة فی المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین) و حیث إنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجّة فتدلّ العامّ علی وجوب إکرام زید العالم و إثبات حرمة إکرام زید الجاهل و ینحلّ العلم الإجمالی و السیرة العقلائیة قائمة علی التمسّک بالعموم فیما إذا شک فی خروج فرده و إنّما الکلام فی مانعیة العلم الإجمالی و قد عرفت أنّه لیس بمانع عنه.
ص: 320
ص: 321
ص: 322
عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص
فیه مقدمة و أمران:
إنّ الأعلام اتفقوا علی لزوم الفحص عن المخصّص و لکن اختلفوا فی وجه ذلک أوّلاً و فی المقدار الواجب من الفحص ثانیاً، و لذا لابدّ من البحث فی مقامین.((1))
ص: 323
ولکن قبل الورود فی البحث یجب تقدیم مقدّمة نافعة (کما قدّمها المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) قبل الورود فی البحث).
ص: 324
هل یفترق الفحص فی موارد الأُصول اللفظیة عن الفحص فی موارد الأُصول العملیة؟
قال صاحب الکفایة((1)) و المحقّق النائینی (قدس سرهما) بالفرق بینهما و خالفهما المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال بعدم الفرق.
((2)):
إنّ الفحص فی هذا المقام و نظائره فحص عن المزاحم لحجیة الدلیل بعد تمامیة المقتضی (و هو ظهوره فی العموم فی هذا البحث) أمّا الفحص فی الشبهات البدویة فحص عن أصل الحجیة و تمامیة المتقضی.
أمّا فی البراءة العقلیة فلأنّ العقل لایستقل بقبح العقاب بلا بیان ما لم یتحقّق الفحص و لذا لایحرز موضوع البراءة العقلیة و هو عدم البیان قبل الفحص.
و أمّا فی البراءة الشرعیة فلأنّ أدلّة حجیة البراءة الشرعیة و إن کانت مطلقة بالنسبة إلی الفحص إلّا أنّ الدلیل العقلی قام علی لزوم الفحص و الدلیل النقلی و الإجماع أیضاً قاما علی لزوم الفحص و لهذا یکون موضوع البراءة النقلیة و هو «ما لایعلمون» مقیداً بما بعد الفحص.
ص: 325
((1))
إنّ الفحص فی کلا المقامین تارة عن ثبوت المقتضی و الموضوع و أُخری عن وجود المزاحم و المانع.
فإنّ العمومات الواردة فی الکتاب و السنّة أو من الموالی العرفیة علی نحوین:
النحو الأوّل: ما کان فی معرض التخصیص بحیث قد قامت قرینة علی أنّ المتکلّم قد اعتمد فی بیان مراداته علی القرائن المنفصلة المتقدّمة أو المتأخرة زماناً و لایبین ذلک فی مجلس واحد لأجل مصلحة تقتضی ذلک أو مفسدة فی البیان کخلاف تقیة أو نحوها، و هذه العمومات لایکون حجّة قبل الفحص لعدم إحراز بناء العقلاء علی العمل بها قبل الفحص (فإنّ دلیل حجیتها هو بناء العقلاء) و مثال ذلک العمومات الواردة فی الکتاب حیث إنّ الله تعالی أوکل بیانه إلی النبی (صلی الله علیه و آله) و الأوصیاء (علیهم السلام) و مثل العمومات الواردة عنهم (علیهم السلام) و هذه العمومات لامقتضی للعمل بها قبل الفحص و حالها حال البراءة الشرعیة و العقلیة فی الشبهات الحکمیة.
النحو الثانی: ما لم یکن فی معرض التخصیص، فهذه العمومات کاشفة عن أنّ المراد الاستعمالی مطابق للمراد الجدّی و ظاهرة فی ذلک و هذا الظهور حجّة ما لم تقم قرینة علی الخلاف و حینئذ لا مانع من العمل بتلک العمومات قبل الفحص لجریان السیرة العقلائیة علی العمل بها قبل الفحص.
و مثال ذلک أکثر العمومات الواردة من الموالی العرفیة بالإضافة إلی عبیدهم و خدمهم أو من الموکلین بالإضافة إلی وکلائهم أو من الأُمراء بالإضافة إلی المأمورین.
ص: 326
نعم إذا علم إجمالاً بورود مخصّص علیها فعندئذ یجب الفحص لأجل هذا العلم الإجمالی، و الفحص حینئذ لوجود المانع و المزاحم مع ثبوت المقتضی له و ذلک مثل الأُصول العملیة فی الشبهات الموضوعیة فإنّ المقتضی للعمل بها تامّ و لایتوقف علی الفحص إلّا فی موارد العلم الإجمالی مثل العلم الإجمالی بنجاسة أحد الإناءین. فتحصل أنّه لا فرق بین الفحص فی موارد الأمارات و الأُصول العملیة.
ص: 327
فی الأدلّة التی أقاموها علی عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص، و هی ستة:((1))
ص: 328
إنّ حجیة أصالة العموم تدور مدار حصول الظنّ بمراد المولی و بما أنّ العامّ لایفید الظنّ بمضمونه قبل الفحص عن المخصّصات، فیجب الفحص حتّی یحصل الظنّ به فلزوم الفحص إنّما هو لتحصیل الظنّ به.
ص: 329
((1)):
أوّلاً: إنّه أخصّ من المدّعی، لأنّ المدّعی هو وجوب الفحص مطلقاً و إن فرض حصول الظن قبل الفحص، مع أنّ لازم هذا الوجه هو عدم وجوب الفحص فی فرض حصول الظنّ قبل الفحص.
ثانیاً: إنّ حجیة أصالة العموم إنّما هی من باب إفادة الظنّ النوعی دون الشخصی فلایضرّ بحجیة أصالة العموم قیام الظنّ الشخصی علی الخلاف.
((2))
قال الشیخ (قدس سره): إنّ العلم الإجمالی بورود معارضات کثیرة بین الأمارات الشرعیة التی بأیدینا الیوم حاصل لمن لاحظ الکتب الفقهیة و استشعر اختلاف
ص: 330
الأخبار، و المنکر إنّما ینکر باللسان و قلبه مطمئن بالإیمان بذلک، و لایمکن إجراء الأُصول فی أطراف العلم الإجمالی کما قرّرنا فی محلّه، فیسقط العمومات عن الحجیة للعلم بتخصیصها إجمالاً عند عدم الفحص، و أمّا بعد الفحص فیستکشف الواقع و یعلم أطراف الشبهة تفصیلاً بواسطة الفحص.
((1)):
لو کان هذا العلم الإجمالی هو المقتضی لوجوب الفحص، فبطبعیة الحال إنّما یقتضی وجوبه مادام لم ینحلّ فإذا انحلّ العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، لم یکن مقتضٍ لوجوب الفحص بعده لامحالة.
و علیه فلا مانع من التمسّک بالعموم قبل الفحص، مع أنّ المدّعی وجوب الفحص مطلقاً و لو بعد الانحلال، و من هنا یعلم أنّ العلم الإجمالی بما هو لا یصلح أن یکون مدرکاً لوجوبه علی الإطلاق.
((2))
لیس المیزان فی انحلال العلم الإجمالی مجرّد وجود القدر المتیقن فی البین، لیترتّب علیه انحلال العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال من التکالیف أو المخصّصات، المستلزم لعدم وجوب الفحص بعد ذلک عند احتمال تکلیف أو تخصیص، بل المیزان فی الانحلال أمر آخر لابدّ فی توضیحه من بیان أُمور:
الأوّل: إنّه لابدّ فی موارد العلم الإجمالی من تشکیل قضیة شرطیة علی سبیل
ص: 331
منع الخلوّ، ضرورة أنّه لازم العلم بأصل وجود الشیء، مع الشک فی خصوصیته و انطباقه علی کل واحد من أطرافه.
الثانی: إنّ موارد العلم الإجمالی مختلفة
المورد الأوّل: أن تکون القضیة الشرطیة (التی لابدّ منها فی موارد العلم الإجمالی) مؤتلفة من قضیة متیقّنة و قضیة أُخری مشکوک فیها، کأن یشک المدین بین الألف و الألفین و هذا فی موارد دوران الأمر بین الأقلّ و الأکثر.
و انحلال العلم الإجمالی فی هذا المورد مما لا ریب فیه بل فی الحقیقة لا علم إجمالی.
المورد الثانی: أن تکون القضیة الشرطیة مؤتلفة من قضیتین، تکون کلّ منهما مشکوکاً فیها، و ذلک مثل ما إذا علمنا إمّا بنجاسة هذا الإناء و إمّا بنجاسة الإناء الآخر و هذا فی موارد دوران الأمر بین المتباینین.
و هنا لا ریب فی عدم انحلال العلم الإجمالی.
المورد الثالث: أن تکون تلک القضیة، جامعة لکلتا الخصوصیتین، فهی من جهة تکون مؤتلفة من قضیة متیقّنة و أُخری مشکوک فیها، و من جهة أُخری مؤتلفة من قضیتین مشکوک فیهما، و لازم ذلک انحلال العلم الإجمالی إلی علمین إجمالیین أحدهما من قبیل القسم الأوّل و الثانی من قبیل القسم الثانی.
مثال ذلک: هنا إناءان أحدهما لزید و لانعرفه بعینه ثمّ علمنا بوجوب الاجتناب إمّا عن الإناء الأوّل و إمّا عن کلا الإناءین وهذا مورد العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ والأکثر و بعد ذلک قال المولی بوجوب الاجتناب عن إناء زید و هذا یوجب العلم الإجمالی بوجوب الاجتناب عن الإناءین من باب التردید بین
ص: 332
المتباینین ثم إنّ فی انحلال العلم الإجمالی فیه و عدم انحلاله خلافاً، و توهّم الانحلال فیه هو الموجب لتوهّم الانحلال فی المقام.
و لکن التحقیق عدم الانحلال لأنّ العلم الإجمالی المردد بین الأقلّ و الأکثر و إن کان منحلاً بالاجتناب عن المقدار الأقلّ (و هو الإناء الأوّل) إلّا أنّ وجوب الاجتناب عن إناء زید منجّز و لاینحلّ بالاجتناب عن الإناء الأوّل.
تطبیق هذا علی هذا البحث: إنّ هنا علمین إجمالیین، أحدهما العلم الإجمالی بوجود المخصّصات فیما بأیدینا من الکتب المعتبرة و هذا من قبیل العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین، بأنّ هذه المخصّصات إما لهذا العامّ أو للعامّ الآخر و ثانیهما العلم الإجمالی بوجود المخصّصات و هو مردّد بین الأقلّ و الأکثر.
و العلم الإجمالی الأوّل لاینحلّ و إن انحلّ العلم الإجمالی الثانی بالظن بالمقدار المتیقّن من المخصّصات (و القدر المتیقّن هو المقدار الأقلّ).
فلایجوز العمل بالعامّ قبل الفحص لعدم انحلال العلم الإجمالی فلابدّ من الفحص حتّی یجوز العمل بالعامّ.
((1))
إنّ ما أفاده لاینطبق علی ما نحن فیه، لأنّ العلم الإجمالی بوجود المخصّصات فیما بأیدینا من الکتب المعتبرة أیضاً من موارد العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ و الأکثر و ینحل ذلک بالظفر بالمقدار الأقلّ من المخصّصات.
ص: 333
إنّ ما أفاده لایتمّ علی مختاره فی مبحث تنجیز العلم الإجمالی.
توضیح ذلک: إنّ فی مبحث العلم الإجمالی قولین:
القول الأوّل: الذی اختاره الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) و هو القول بالاقتضاء.
القول الثانی: الذی اختاره المحقّق العراقی (قدس سره) و هو القول بالعلّیة.
و مقتضی القول بمسلک الاقتضاء هو أنّه إذا لم یجر الأصل بالنسبة إلی أحد الطرفین للعلم الإجمالی للعلم بالنجاسة فهو جار بالنسبة إلی الطرف الآخر بلا معارض و ینحلّ بذلک العلم الإجمالی ولایبقی علی التنجیز، سواء کان العلم الإجمالی مردداً بین الأقلّ و الأکثر أم کان مردّداً بین المتباینین و فیما نحن فیه إنّ الظفر بالقدر المتیقّن من المخصّصات کما یوجب انحلال العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ و الأکثر یوجب انحلال العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین حیث إنّ أحد الطرفین من هذا العلم الإجمالی قد ظفرنا به و تجری البراءة بالنسبة إلی الطرف الآخر.((1))
نعم علی مسلک المحقّق العراقی (قدس سره) - و هو القول بالعلیة- لایمکن إجراء البراءة بالنسبة إلی الطرف الآخر فی مقامنا هذا.
إنّ مانعیة العلم الإجمالی مبنی علی ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) ((2)) و اختاره
ص: 334
المحقّق النائینی (قدس سره) من أن الفحص عن المخصّص هو الفحص عما هو مزاحم لحجیة أصالة العموم.
ولکن الحق کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) هو أنّ عمومات الکتاب و السنّة لما کانت فی معرض التخصیص فالفحص فیها عن المخصّص هو بمعنی عدم تمامیة الحجیة و اقتضائها فی طرف العامّ.
الدلیل الرابع: ((2))
إنّ العقل یستقلّ بلزوم الفحص عن المخصّصات بحیث إنّه قبل الفحص لا اقتضاء لحجیة عمومات الکتاب و السنّة.
توضیحه: إنّ ما دلّ علی وجوب الفحص عن الحجّة فی موارد الأُصول العملیة هو بنفسه دلیل علی وجوب الفحص فی الأُصول اللفظیة. فإنّ العقل یستقلّ بأنّ وظیفة المولی لیست إلّا تشریع الأحکام و إظهارها علی المکلّفین بالطرق العادیة، ولایجب علیه تصدّیه لجمیع ما له دخل فی الوصول إلیهم أی لایجب علی المولی إیصال التکلیف إلی العبد و لو بغیر الطرق العادیة المتعارفة إذا امتنع العبد من الاطلاع علی تکالیف مولاه بتلک الطرق.
کما أنّ العقل یستقلّ أیضاً بأنّ وظیفة العبد إنّما هی الفحص عن تکالیف المولی التی جعلها و أظهرها بالطرق العادیة لئلّایقع فی مخالفتها، ضرورة أنّه لو لم یتصدّ للفحص عنها و تمسّک بأصالة البراءة أو استصحاب العدم فی کل مورد احتمل التکلیف فیه لزم إبطال فائدة بعث الرسل.
ص: 335
و هذا الوجه بعینه جار فی موارد الرجوع إلی الأُصول اللفظیة، فإنّ المکلّف لو تمسّک بها بدون الفحص عن القرائن علی خلافها، مع علمه بأنّ بیان الأحکام الشرعیة کان علی نحو التدریج و بالطرق العادیة المتعارفة، لوقع فی مخالفة تلک الأحکام کثیراً و لایکون معذوراً، حیث إنّ العقل یری أنّ وظیفته هی الفحص عن القرائن المحتملة فی الواقع و أنّه لو تفحّص عنها لوصل إلیها لو کانت موجودة و معه کیف یکون معذوراً.
و هو دلیل عقلائی أفاده المحقّق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))
و قبل بیان الدلیل لابدّ من الإشارة إلی أنّ أصالة العموم من الأُصول اللفظیة التی مبنی حجیتها بناء العقلاء و سیرتهم و ملاک سیرة العقلاء هو أنّهم یرون التطابق بین الإرادة الاستعمالیة و الإرادة الجدّیة إلّا فیما إذا قامت قرینة علی خلاف ذلک.
أمّا استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی ذلک:((3)) فهو أنّه لایجوز التمسّک بالعامّ قبل الفحص، فیما إذا کان العامّ فی معرض التخصیص، کما هو الحال فی عمومات الکتاب و السنّة و ذلک لأجل أنّه لولا القطع باستقرار سیرة العقلاء علی عدم العمل بالعامّ قبل الفحص فلا أقلّ من الشک. کیف؟ و قد ادّعی
ص: 336
الإجماع علی عدم جواز التمسّک بأصالة العموم، فضلاً عن نفی الخلاف عنه، و هو کافٍ فی عدم الجواز.
و أمّا إذا لم یکن العامّ فی معرض التخصیص، کما هو الحال فی غالب العمومات الواقعة فی ألسنة أهل المحاورات، فلا شبهة فی أنّ السیرة علی العمل به بلا فحص عن المخصّص.
و هو دلیل نقلی أفاده المحقق العراقی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) .((2))
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) استدلّ علی ذلک بالآیات و الروایات الدالّتین علی وجوب التعلّم و الفحص.
أمّا الآیات: فمنها قوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون).((3))
و منها قوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ).((4))
أمّا الروایات: فمنها قوله (علیه السلام) «إنّ الله تعالی یقول لعبده فی یوم القیامة: هلّا عملت؟ فقال: ما علمت فیقول: هلّا تعلّمت».((5))
ص: 337
و هذا الوجه لایختص بموارد الرجوع إلی الأُصول العملیة، بل یعمّ غیرها من موارد الرجوع إلی الأُصول اللفظیة أیضاً ضرورة أنّه لایکون فی الآیات و الروایات ما یوجب اختصاصهما بها.
((1))
إنّ هذه الآیات و الروایات تختصّ بمن لا حجّة عنده، فالموضوع فیها عدم الحجّة و البحث هنا فی وجوب الفحص و عدم حجیة العامّ قبل الفحص.
إنّ المخصّص حجّة و یجب علی المکلّف الفحص عنها بمقتضی الآیات و الروایات، فالمکلّف من حیث عدم اطّلاعه علی المخصّص یعدّ ممّن لا حجّة عنده، و هذا الدلیل یوجب الفحص عنه و تعلّمه.
و لما کان المخصّص یوجب تعنون العامّ فیکون تعیین موضوع حجیة العامّ و العلم به متوقفاً علی العلم بالمخصّص، فلایمکن التمسّک بالعامّ قبل الفحص عنه بل یجب تعلّم موضوع حجیة العامّ قبل العمل به بمقتضی الآیات و
ص: 338
الروایات فتحصّل من ذلک تمامیة الاستدلال الرابع و الخامس و السادس علی عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل الفحص.
ص: 339
هنا وجوه ثلاثة:((1))
الأوّل: الفحص بمقدار یحصل له العلم الوجدانی بعدم وجود المخصّص.
الثانی: الفحص بمقدار یحصل له الاطمینان بذلک.
الثالث: الفحص بمقدار یحصل له الظنّ بذلک.
أمّا الأوّل: فلا دلیل علیه بل العقلاء لایبنون فی أُمورهم علی حصول العلم الوجدانی مع أنّ حصوله یتوقّف علی الفحص فی جمیع الکتب و جمیع أبوابها و یلزم منه الحرج.
أمّا الثالث: فلا دلیل علیه أیضاً بل الدلیل علی خلافه للعمومات الناهیة عن العمل بالظنّ.
و أمّا الثانی: فهو الصحیح لأنّ الاطمینان حجّة عند العقلاء ولابد من القول بحجیته بالسیرة العقلائیة و العقلاء یکتفون به فی أُمورهم.
ص: 340
فتحصّل من ذلک أنّه یجب الفحص عن المخصّصات حتی یحصل الاطمینان بعدمها و لایجوز التمسّک بالعامّ قبله.((1))
ص: 341
ص: 342
ص: 343
ص: 344
هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟
قال المحقّق الخراسانی (قدس سره):((1)) إنّ النزاع هنا یتصوّر فی ثلاث جهات:
الأولی: فی تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب.
الثانیة: فی إمکان المخاطبة لهما.
الثالثة: فی عموم وضع أدوات الخطاب لهما.
و البحث عن الجهتین الأُولی و الثانیة عقلی و عن الجهة الثالثة لغوی.
ص: 345
((1))
إنّ لجعل التکلیف معنیین:
المعنی الأوّل: أن یکون بمعنی البعث أو الزجر الفعلیین، و جعل التکلیف بهذا المعنی لایعقل ثبوته للمعدومین و الغائبین، ضرورة أنّّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقةً و لایکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة، فإنّ التکلیف الفعلی یقتضی ثبوت موضوعه خارجاً و التفاته إلی التکلیف و إلّا یستحیل فعلیته.
المعنی الثانی: أن یکون بمعنی الطلب الإنشائی، بنحو القضیة الحقیقیة بلا بعث فعلی أو زجر فعلی، فإنّ الإنشاء خفیف المؤونة، فالحکیم تبارک و تعالی ینشئ علی وفق الحکمة و المصلحة طلب شیء قانوناً من الأفراد الموجودین و المعدومین حین الخطاب لیصیر فعلیاً بعد ما وجد الشرائط و فقد الموانع، بلا حاجة إلی إنشاء آخر.
و هذا نظیر مسألة الوقف علی البطون المتأخرة، حیث إنّ المعدوم منهم، یصیر مالکاً للعین الموقوفة بعد وجوده بإنشاء الوقف، فالبطون المعدومة اللاحقة یتلقّی الملکیة من الواقف لا من البطن السابق، و إنشاء الوقف فی حق
ص: 346
الموجودین یؤثّر فی الملکیة الفعلیة ولایؤثّر فی الملکیة الفعلیة فی حق المعدومین، إلّا أنّه یؤثّر فی حق المعدومین استعداد الملکیة الفعلیة، لأن تصیر ملکاً لهم بعد وجودهم.
((1))
التکلیف (سواء کان بمعنی الإرادة و الکراهة النفسیتین أم البعث و الزجر الحقیقیین) یمکن تعلّقه بالمعدوم، بناء علی مبناه (قدس سره) من صحّة تعلّق الإرادة و البعث حقیقة بأمر استقبالی، فإنّ إرادة شیء فعلاً ممّن یوجد استقبالاً کإرادة ما لم یمکن فعلاً بل یمکن تحقّقه استقبالاً (و هو الواجب المعلّق الذی بنی صاحب الکفایة (قدس سره) علی إمکانه) فإذا قلنا بجواز تعلّق البعث بالفعل المعدوم فلابدّ أن نقول بجواز تعلّقه بالمکلّف المعدوم. هذا علی ما سلکه صاحب الکفایة (قدس سره) .
أمّا علی ما سلکناه من أنّ حقیقة البعث و الزجر جعل ما یمکن أن یکون باعثاً أو زاجراً بحیث لو انقاد العبد لمولاه انبعث فعلاً ببعثه و انزجر بزجره، فلامحالة لایعقل تعلّقه بالمعدوم فعلاً و إن کان یوجد استقبالاً، إذ لا طرف للبعث فعلاًً حتی یمکن انبعاثه فعلاً فلا بعث حقیقی بل هنا إنشاء البعث.
الأمر فی الوقف و إن کان کذلک، لکنه لیس لعدم قبول المعدوم للملک، بل لعدم قبول عین واحدة لملکیة الموجود و المعدوم بالاستقلال، و إلّا فالملکیة
ص: 347
قابلة للتعلّق بالمعدوم مالکاً و مملوکاً، فإنّ الملکیة الحقیقیة و إن کانت من المقولات المحتاجة إلی موضوع موجود، إلّا أنّ الملکیة الشرعیة و العرفیة اعتبار ذلک المعنی لا نفسه، و لذا تتعلّق بالکلّی مع أنّ العرض الحقیقی لایعقل تعلّقه بغیر الموجود فی الخارج.
و علیه فلا مانع من اعتبار الملکیة للمعدوم فعلاً أو اعتبار ملک المعدوم فعلاً إذا دعت المصلحة إلی اعتبارها.((1))
ص: 348
((1))
لا ریب فی عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقیقة و عدم إمکانه، ضرورة عدم تحقّق توجیه الکلام نحو الغیر حقیقة إلّا إذا کان موجوداً، و کان بحیث یتوجّه إلی الکلام و یلتفت إلیه.
((2))
إن أرید من الخطاب، الخطاب الحقیقی الذی یکون الداعی إلیه قصد التفهیم، لایمکن توجیهه إلی الغائب بل إلی الحاضر، إذا کان غافلاً فضلاً عن المعدوم.
و إن أُرید الخطاب الإنشائی الذی یکون الداعی إلیه إظهار العجز أو الشوق أو الولاء أو ما شاکل ذلک (کما هو المشاهد فی الصبی کثیراً حینما یخاف أو
ص: 349
یضربه شخص، نادی یا أباه، یا أُمّاه، مع أنّه یعلم بأنّ أباه أو أُمّه غیر حاضر عنده، فغرضه من هذا الخطاب إظهار العجز و التظلّم) فتوجیهه إلی المعدوم فضلاً عن الغائب ممکن.
و هناک شق ثالث للخطاب و هو أن یقصد المتکلّم تفهیم المخاطب حینما وصل إلیه الخطاب لا من حین صدوره، کما إذا افترضنا أنّ المخاطب نائم فیکتب المتکلّم و یخاطبه بقوله: «إذا قمت من النوم افعل الفعل الکذائی» أو سجّل خطابه فی شریط ثم یرسله إلی مکان أو بلد آخر، فیکون قصده تفهیمهم من حین وصول الخطاب إلیهم و سماعهم إیاه لا من حین صدوره، فلا مانع من أن یکون المقصود بالتفهیم من الخطابات الواردة فی الکتاب و السنّة جمیع البشر إلی یوم القیامة، یعنی کل من وصلت إلیه تلک الخطابات فهو مقصود بها کما هو کذلک، و کیف ما کان فلا إشکال فی إمکان ذلک أصلاً.
ص: 350
((1))
إذا قلنا بأنّ الخطابات القرآنیة نزلت علی قلبه (صلی الله علیه و آله) قبل قرائته فلا موضوع عندئذ لهذا النزاع، حیث إنّه لم یکن حال نزولها - علی هذا الفرض - من یتوجّه إلیه الخطاب حقیقة لیقع النزاع فی اختصاصها بالحاضرین فی مجلس الخطاب أو عمومها للغائبین و المعدومین و ذلک هو مقتضی التحقیق فی المقام.
و أمّا إذا قلنا بأنّ تلک الخطابات صدر من الله تعالی بلسان رسوله (صلی الله علیه و آله) إلی أُمّته فیقع النزاع فی أنّ أدوات الخطاب هل هی موضوعة للدلالة علی الخطاب الحقیقی أو الإنشائی.
فإن کانت تلک الأدوات للخطاب الحقیقی فلایمکن شموله للغائبین فضلاً عن المعدومین بل لایمکن شموله للحاضر فی مجلس الخطاب إذا کان غافلاً عنه.
و إن کانت تلک الأدوات للخطاب الإنشائی، فلا مانع من شموله للمعدومین و الغائبین، حیث إنّ مفادها حینئذ إظهار توجیه الکلام نحو مدخولها بداعٍ من الدواعی، فلا مانع عندئذ من شمولها للغائب بل المعدوم بعد فرضه بمنزلة الموجود، کما هو لازم کون القضیة حقیقیة.
ص: 351
و الظاهر أنّها موضوعة للدلالة علی الخطاب الإنشائی لوجهین:
الوجه الأوّل: أنّ المتفاهم العرفی من أدوات الخطاب هو الخطاب الإنشائی.
الوجه الثانی: أنّ لازم القول بوضعها للخطاب الحقیقی فی موارد استعمالاتها فی الخطابات الشرعیة هو اختصاص تلک الخطابات بالحاضرین فی مجلس التخاطب و عدم شمولها للغائبین فضلاً عن المعدومین و هذا ممّا نقطع بعدمه
فلا مناص من الالتزام باستعمالها فی الخطاب الإنشائی و لو کان ذلک بالعنایة.
فتحصّل من ذلک: أنّ الحق فی الجهة الأُولی هو أنّ جعل التکلیف بمعنی البعث الفعلی أو الزجر الفعلی، لایتعلق بالمعدوم علی مبنی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.
و أمّا المخاطبة للغائبین و المعدومین ففیه ثلاثة وجوه و قلنا بجواز المخاطبة لهما علی الوجه الثانی و الثالث و الخطابات الشرعیة من قبیل الوجه الثالث.
و أمّا وضع أدوات الخطاب للأعم منهما فلا إشکال فیه، لأنّها موضوعة للخطاب الإنشائی مع أنّا فی غنی من هذا البحث لنزول حقیقة القرآن علی قلب النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) قبل نزول ألفاظه.
ص: 352
((1))
إنّ الخطاب فی القضایا الحقیقیة یشمل المعدومین فضلاً عن الغائبین حیث إنّ الموضوع فیها مفروض الوجود و أمّا فی القضایا الخارجیة فالخطاب یختصّ بالمشافهین فإنّ عمومه للغائبین فضلاً عن المعدومین یحتاج إلی عنایة زائدة.
((2))
إنّ ذلک لایتمّ، فإنّ کون القضیة حقیقیة و إن کان یقتضی بنفسه فرض الموضوع فیها موجوداً إلّا أنّ مجرد ذلک لایکفی فی شمول الخطاب للمعدومین؛ ضرورة أنّ صرف وجود الموضوع خارجاً لایکفی فی توجیه الخطاب إلیه بل لابدّ من فرض وجوده فی مجلس التخاطب و التفاته إلی الخطاب.
و الجواب صحیح إلّا أنّ قوله «التفاته إلی الخطاب» لا وجه له، بل یکفی التفات المتکلم إلیه فی مجلس الخطاب.
ص: 353
قیل: إنّ للبحث ثمرتین:((1))
الثمرة الأُولی: حجیة ظهور خطابات الکتاب للمعدومین کالمشافهین.((2))
الثمره الثانیة: صحّه التمسّک بإطلاقات الخطابات القرآنیة بناء علی التعمیم، لثبوت الأحکام لمن وجد و بلغ من المعدومین.((3))
و بعد اختیار تعمیم الخطاب إلیهم و وضع الأدوات للأعمّ منهم لاینفعنا البحث عن ترتّب الثمرة أو عدمه.
ص: 354
ص: 355
ص: 356
تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده
إنّ العامّ إذا تعقّب بضمیر یرجع إلی بعض أفراده، فهل یوجب تخصیص العامّ به أو لا؟((1))
مثال ذلک الآیة الشریفة: (وَ الْمُطَلَّقاتُ یتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْیوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ
ص: 357
أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)((1)) فإنّ (الْمُطَلَّقاتُ) أعمّ من المطلقّة الرجعیة و البائنة، و أمّا قوله تعالی: (بُعُولَتُهُنَّ) فإنّما یراد منه خصوص المطلّقة الرجعیة بقرینة مناسبة الحکم و الموضوع، لأنّ الحکم هنا هو أحقّیة بعولتهنّ بالرجوع و ذلک لایکون إلّا فی الرجعیة و محلّ الخلاف ما إذا وقعا فی کلامین أو فی کلام واحد مع استقلال العامّ بما حکم علیه فی الکلام و أمّا إذا لم یکن العامّ مستقلاً بالحکم مثل: «المطلقات أزواجهنّ أحقّ بردّهن» فلا شبهة فی تخصیصه به.
ص: 358
((1))
تجری أصالة العموم فی ناحیة العامّ و یلتزم باستخدام الضمیر و هذا هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) (علی ما استظهر بعض الأساطین (دام ظله) من عبارته عند استدراکه فی آخر کلامه) و أیضاً هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)).
إنّ أصالة الظهور فی ناحیة العامّ سالمة عن أصالة الظهور فی ناحیة الضمیر و بعبارة أوضح إنّ أصالة العموم لاتعارضها أصالة عدم الاستخدام. و ذلک لأنّ
ص: 359
القدر المتیقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فی تعیین المراد، لا فی تعیین کیفیة الاستعمال و أنّه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإسناد مع القطع بما یراد، کما هو الحال فی ناحیة الضمیر.
و بالجملة أصالة الظهور إنّما تکون حجّة فیما إذا شکّ فیما أُرید، لا فیما إذا شک فی أنّه کیف أُرید.
ص: 360
هذا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء کلامه و هو ظاهر فی القول الأوّل.
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عدل عن ذلک البیان و استشکل علی جریان أصالة العموم فقال: «لکنّه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم بأن لایعدّ ما اشتمل علی الضمیر ممّا یکتنف به عرفاً و إلّا فیحکم علیه بالإجمال و یرجع إلی ما یقتضیه الأُصول العملیة» و حاصله أنّ الکلام محتفّ بما یصلح للقرینیة و معه لاتجری أصالة العموم.
ثم استدرک عنه علی مبنی بعض الفحول (و هو صاحب الفصول (قدس سره) أو صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره)) فقال: إلّا أن یقال باعتبار أصالة الحقیقة تعبّداً حتّی فیما إذا احتفّ بالکلام ما لایکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعض الفحول.
و المحقّق الخوئی (قدس سره) حیث یری أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یثبت عنده مبنی بعض الفحول فأسند إلیه القول الثالث و هو عدم جریان أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام و کون المرجع الأصل العملی.
و الحق مع المحقّق الخوئی (قدس سره) . کما سیأتی فی المباحث الآتیة عدم التزام صاحب الکفایة (قدس سره) بمبنی بعض الفحول.((1))
ص: 361
إنّه أجاب عمّا أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة.((1))
قال (قدس سره): بقی الکلام فیما توهّم من عدم جریان أصالة العموم فی المقام لتوهم أنّه من قبیل اکتناف الکلام بما یصلح للقرینیة.
و التحقیق فساد هذا التوهّم، لأنّ الملاک فی باب اکتناف الکلام بما یصلح للقرینیة، إنّما هو اشتمال الکلام علی لفظ مجمل من حیث المفهوم الإفرادی أو الترکیبی بحیث لو اتّکل علیه المولی فی مقام بیان مراده لما کان مخلاً بمراده.
و أمّا فی المقام فلا ریب فی أنّ الجملة المشتملة علی الضمیر، إنّما هی متکفّلة ببیان حکم آخر غیر الحکم الذی تکفّلت ببیانه الجملة المشتملة علی العامّ.
فلو کان المولی أراد من العامّ خصوص بعض أفراده و اتّکل فی بیان ذلک علی العلم بإرادة ذلک الخاصّ فی الجملة الأُخری لکان مخلاً ببیانه.
و علیه لایصلح ذلک لکونه قرینة علی إرادة الخاصّ، فتبقی أصالة العموم حینئذ بلا مزاحم.
فتحصل من ذلک: أنّ احتفاف الکلام المشتمل علی العامّ بما یصلح للقرینیة
ص: 362
یوجب إجمال العامّ فلاتجری أصالة العموم و هذا الکبری ممّا نقطع به خلافاً لبعض الفحول.
و لکن لاینطبق هذا الکبری فی المقام کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)، فما أفاده بعض الفحول إشکال کبروی و لکن لم یثبت الإشکال الکبروی علی ذلک و لذا لانسلّم مبنی بعض الفحول و أمّا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) إشکال صغروی و هو فی غایة المتانة.
((1))
لا مجال هنا لاستخدام الضمیر، لأنّ الضمیر استعمل فی العموم أیضاً، و هو «المطلّقات» لا «الرجعیات» و إنّما أُرید «الرجعیات» بدالّ آخر و هو عقد الحمل (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)((2)) حیث إنّ هذا الحکم یناسب «الرجعیات» فالضمیر قد استعمل فیما استعمل فیه مرجعه.
((3)):
ما أفاده من کون الضمیر مستعملاً فی العموم صحیح و لکن ما أفاده من أنّ ما دلّ علی اختصاص الحکم ب- «الرجعیات» هو عقد الحمل فی الآیة المبارکة أعنی به قوله تعالی (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)، فلایصحّ.
و ذلک لوضوح أنّ المستفاد من الآیة المبارکة هو ثبوت الحکم المذکور فیها
ص: 363
لجمیع المطلّقات و عدم اختصاصه بقسم خاص منها، فلیس فی الآیة المبارکة ما یدلّ علی عدم ثبوت هذا الحکم لبعض المطلّقات و إنّما ثبت ذلک بدلیل خارجی.
ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی هذا الدلیل و إن کان صحیحاً، إلّا أنّه لیس دلیلاً علی القول الأوّل بل هو إشکال علی انطباق هذه المسألة علی الآیة الشریفة، فعدّ ذلک من أدّلة البحث ممنوع.
نعم ذلک لایوجب خروج الآیة عن محلّ النزاع بل النزاع یجری أیضاً بنحو آخر و هو أنّ الضمیر إذا أُرید منه بعض أفراد العامّ لقیام الدلیل الخارجی علی ذلک فهل یوجب تقیید المراد الواقعی الجدّی فی المرجع بما هو مفاد المراد الجدّی من الضمیر أو لا؟
ثمّ إنّه إذا ناقشنا فی التمثیل بالآیة لابدّ أن نأتی بمثال آخر یکون الدلیل علی استعمال الضمیر فی بعض الأفراد داخلاً فی نفس الدلیل مثل قولهم «أکرم العلماء و اکتب فقههم».
فالحق فی الاستدلال علی القول الأوّل هو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء البحث، و أمّا إشکال احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة فممنوع لما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) .
تجری أصالة عدم الاستخدام فی ناحیة الضمیر، فیتصرّف فی العامّ فیلتزم بتخصیصه و إرادة خصوص ما أُرید من الضمیر، من العامّ أیضاً و هذا هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .
ص: 364
((1))
الظاهر بحسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف فی أمثال المقام هو جریان أصالة عدم الاستخدام و تقدیمها علی أصالة العموم.
أمّا وجه جریان أصالة عدم الاستخدام: فهو أنّ المراد من الضمیر و إن کان معلوماً، إلّا أنّ من یدّعی جریان أصالة عدم الاستخدام لایدّعی ظهور نفس الضمیر فی إرادة شیء، بل إنّما یدّعی ظهور الکلام بسیاقه فی اتحاد المراد من الضمیر و ما یرجع إلیه، یعنی ظهور الضمیر فی رجوعه إلی عین ما ذکر أوّلاً، لا إلی غیر ما أُرید منه و حیث إنّ المراد بالضمیر فی مورد الکلام معلوم، فبطبیعة الحال یدور الأمر بین رفع الید عن الظهور السیاقی الذی مردّه إلی إرادة العموم من العامّ و رفع الید عن العموم الذی یقتضی الالتزام بالاستخدام أو رفع الید عن أصالة عدم الاستخدام و التمسّک بالعموم.
و أمّا وجه تقدیم أصالة عدم الاستخدام: فهو أنّ الظاهر بحسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف فی أمثال المقام هو تقدیم أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن
ص: 365
أصالة العموم، بل الأمر کذلک بنظرهم حتّی فیما إذا دار الأمر بین رفع الید عن أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن ظهور اللفظ فی کون المعنی المراد به المعنی الحقیقی، یعنی یلزم فی مثل ذلک أیضاً رفع الید عن ظهور اللفظ فی إرادة المعنی الحقیقی و حمله علی إرادة المعنی المجازی، مثلاً فی مثل قولنا «رأیت أسداً و ضربته» یتعین حمله علی إرادة المعنی المجازی و هو الرجل الشجاع، إذا علم أنّه المراد بالضمیر الراجع إلیه.
أوّلاً: یوجد الفرق بین أصالة عدم الاستخدام و بین الظهور السیاقی للکلام فی اتحاد المراد بالضمیر و المراد بمرجعه فإنّ أصالة عدم الاستخدام تجری بالنسبة إلی الضمیر و هو من أجزاء الکلام، أمّا الظهور السیاقی فهو ظهور الکلام من جهة ارتباط بعض أجزائه بالبعض و جریان أصالة عدم الاستخدام إنّما هو للکشف عن المراد بالنسبة إلی الضمیر إذا شککنا فیه، ولا مجری لهذا الأصل فیما إذا کان المراد من الضمیر معلوماً.
و لو سلّم جریانه هنا مع معلومیة المراد من الضمیر فهو غیر الظهور السیاقی للکلام.
نعم بعد جریان أصالة عدم الاستخدام، فإذا علمنا بأنّ المراد من الضمیر هو الخاصّ فالظهور السیاقی یقتضی التطابق بین الضمیر و مرجعه فیکون المراد من مرجع الضمیر أیضاً هو المعنی الخاصّ، فأصالة عدم الاستخدام محقِّقة لموضوع الظهور السیاقی.
ثانیاً: إنّ أصالة العموم عند العقلاء توجب الظهور اللفظی بالوضع و هو أقوی من الظهور السیاقی الذی یتحقّق موضوعه بجریان أصالة عدم
ص: 366
الاستخدام، فعلی هذا لو قلنا بجریان أصالة عدم الاستخدام و معارضته لأصالة العموم فالمقدَّم هو أصالة العموم لأنّه الأقوی و العقلاء لایرفعون الید عن أصالة العموم إلّا بوجود المخصّص و الضمیر لایعدّ عند العقلاء مخصّصاً بل هو قرینة بغیر لسان التخصیص.
أوّلاً: لاتجری أصالة عدم الاستخدام لأنّ الأصل اللفظی یجری فیما إذا شک فی المراد و أمّا إذا علمنا المراد الواقعی فلا مجری للأصل اللفظی.
ثانیاً: لو قلنا بجریان أصالة عدم الاستخدام و معارضته لأصالة العموم فالتقدیم مع أصالة العموم لأنّه الأقوی.
تتعارض الأصلان، لأنّ أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام کلاهما تعلیقی لاتنجیزی فیتعارضان و یتساقطان فلابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی و هذا القول قد نسب إلی المحقّق الخراسانی (قدس سره) (کما فی المحاضرات).
و بعض الأساطین (دام ظله) اختار هذا القول الثالث((1)).
إنّ أصالة العموم تعلیقی لاتنجیزی، کما أنّ أصالة عدم الاستخدام أیضاً تعلیقی فهما تجریان فیما إذا لم یقم قرینة علی الخلاف و کلاهما محفوف بما یحتمل
ص: 367
قرینیته، و الأصلان کل منهما یعارض الآخر فیتساقطان فلابد من الرجوع إلی الأصل العملی.
إنّه قد تقدّم ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) من أنّ الضمیر لایصلح أن یکون قرینة علی إرادة الخاصّ من العامّ، فأصالة العموم فی هذا المقام غیر محفوف بما یصلح أن یکون قرینة علی إرادة الخاصّ، فلایکون فی المقام ما یمنع و یزاحم جریان أصالة العموم.
أمّا أصالة عدم الاستخدام فلا مجری لجریانه، لأنّها تجری فیما إذا شک فی المعنی المراد و هنا لا نشک فی إرادة بعض أفراد العامّ من الضمیر.
فتحصّل من ذلک: أنّ الحق هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و قد تقدّم بیانه (فی ابتداء بیان نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)) و أمّا القول الثانی و هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فلایمکن الالتزام به، لأنّ أصالة عدم الاستخدام لا مجری لها هنا و القول الثالث و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) (علی ما هو التحقیق) و بعض الأساطین (دام ظله) فلانلتزم به أیضاً.
ص: 368
ص: 369
ص: 370
تعارض المفهوم و العموم
و قبل الورود فی البحث نتعرّض لمقدّمة أفادها المحقّق النائینی (قدس سره) .((1))
إنّ المفهوم إمّا المفهوم الموافق و إمّا المفهوم المخالف.
و المفهوم الموافق هو ما إذا توافق المفهوم و المنطوق فی الإیجاب و السلب.
و المفهوم المخالف هو ما إذا تخالف المفهوم و المنطوق فی ذلک.
و المفهوم الموافق ینقسم إلی أربعه أقسام:
القسم الأوّل: المفهوم الموافق بالأولویة العقلیة.
القسم الثانی: المفهوم الموافق بالأولویة العرفیة.
القسم الثالث: المفهوم الموافق بالمواساة مع حصول المناط القطعی للحکم.
القسم الرابع: المفهوم الموافق بالمواساة مع عدم حصول المناط القطعی.
ص: 371
أمّا المفهوم الموافق بالأولویة العقلیة فإنّما یتحقّق فیما إذا کانت الأولویة من المدرکات العقلیة.
و المفهوم الموافق بالأولویة العرفیة مثل قوله تعالی: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)((1)) الدالّ علی حرمة ضربهما مثلاً بالدلالة العرفیة، فالمدلول فیه خارج عن المفهوم و داخل فی المدالیل اللفظیة العرفیة.
و المفهوم الموافق بالمواساة مع حصول المناط القطعی للحکم فهو یتحقّق فیما إذا کانت علة الحکم منصوصة، بأن کانت العلّة المذکورة فیه واسطة فی العروض لثبوت الحکم للموضوع المذکور فی القضیة، بأن یکون الموضوع الحقیقی هو العنوان المذکور فی التعلیل کما فی قضیة «لاتشرب الخمر لأنّه مسکر» فیسری الحکم إلی کل مسکر.
و المفهوم الموافق بالمواساة مع عدم حصول المناط القطعی للحکم فهو یتحقّق فیما إذا کانت العلّة المذکورة واسطة فی الثبوت و من قبیل دواعی جعل الحکم علی موضوعه، من دون أن تکون هو الموضوع فی الحقیقة کما فی قضیة «لاتشرب الخمر لإسکاره» فإنّها ظاهرة فی أنّ موضوع الحرمة فیها إنّما هو نفس الخمر، غایة الأمر أنّ الداعی إلی جعل الحرمة علیها إنّما هو إسکارها، فلایسری الحکم إلی غیر الموضوع المذکور فی القضیة ممّا یشترک معه فی العلّة المذکورة فیها إذ یحتمل حینئذ أن تکون فی خصوص العلّة المذکورة فی القضیة خصوصیة داعیة إلی جعل الحکم علی الموضوع المذکور فیها، فإذا احتمل أنّ فی خصوص إسکار الخمر مثلاً خصوصیة داعیة إلی جعل الحرمة علیها، لم تکن تلک الخصوصیة فی إسکار شیء آخر فلایمکن الحکم بحرمة شیء آخر لإسکاره.
ص: 372
((1)):
إنّ وسائط الثبوت فی المقام علی ثلاثة أنحاء:
النحوالأوّل: السبب الفاعلی للحکم -و هو الشارع- و هو أجنبی عما نحن فیه.
النحو الثانی: شرط تأثیر المصلحة و المفسدة.
و الشرط بمعنی مصحّح فاعلیة الفاعل، من تصوّره و تصدیقه و قدرته و إرادته، لایتفاوت فی لزومه مورد عن مورد و الشرط بمعنی متمّم قابلیة القابل لتعلّق الحکم به أمر معقول یختلف الموارد بالإضافة إلیه و من الواضح أنّ مجرد وجود الشرط بهذا المعنی فی مورد لایقتضی سرایة الحکم إلیه بل اللازم وجود ذات القابل التی هی بمنزلة المقتضی لتلک المصلحة المنوط فعلیتها بالشرط.
النحو الثالث: العلّة الغائیة، فمع فرض ترتّبها علی مورد آخر فلامحالة یترتبّ علیها معلولها، بداهة أنّ المعلول لاینفک من علّته التامّة، و المفروض أنّ الإسکار (بما هو) علّة غائیة، أو لازم مساوٍ لها.
فالغرض من إخراج الواسطة فی الثبوت هنا إن کان مثل الشرط فهو صحیح و إن کان مثل العلّة الغائیة فهو غیر صحیح.
إنّه فرق بین قوله «لاتشرب الخمر لأنّه مسکر» و قوله «لاتشرب الخمر
ص: 373
لإسکاره»، فإنّ «المسکر» عنوان کلی ینطبق علی الخمر و یمکن أن ینطبق علی أمر آخر و أمّا إسکاره فلاینطبق علی غیر الخمر لأنّ العلة الغائیة فیه لیس هو الإسکار مطلقاً بل الإسکار المضاف إلی الخمر، فیمکن أن یکون للإسکار المضاف إلی الخمر خصوصیة فی المقام. ((1))
ولابدّ من ذکر مثال لتوضیح ذلک:
إذا قال المولی: «لاتجالس زیداً الجاهل لسوء خلقه» فلایدلّ ذلک علی عدم جواز الجلوس مع عمرو العالم السیء الخلق، و ذلک لاحتمال أن یکون العلّة الغائیة سوء الخلق المضاف إلی زید الجاهل، لخصوصیة فی ذلک و هو جهله أمّا العالم و إن کان خلقه سیئاً و لکن لا إشکال فی الجلوس معه لیستفید من علمه.
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الواسطة فی الثبوت التی تذکر فی تعلیل الحکم فی الأدلّة الشرعیة علی قسمین:
أحدهما الشرط بمعنی متمّم قابلیة القابل و ثانیهما العلة الغائیة و قد غفل عن ذلک المحقّق النائینی (قدس سره) .
ثم قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام التطبیق علی المثال أنّ قضیة «لاتشرب الخمر لإسکاره» لیس من قبیل الشرط بل هو من قبیل العلّة الغائیة و قد أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ العرف لایشک فی أنّ المستفاد من قوله (علیه السلام):«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ
ص: 374
وَجَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا»((1)) هو أنّ الإسکار علّة غائیة(لأنّ عاقبة الخمر إسکاره).
فلنرجع إلی أصل البحث.
ص: 375
إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) قال:((1)) إنّهم اتّفقوا علی جواز تخصیص العامّ بالمفهوم الموافق((2)) و ذلک مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((3)) حیث إنّه بعمومه یشمل کلّ عقد و قد ورد دلیل آخر یدلّ علی اعتبار الماضویة فی صیغة العقد و هذا الدلیل بالأولویة یدلّ علی اعتبار العربیة فی صیغة العقد علی الفرض، و هذا المفهوم الموافق بالأولویة یخصّص عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و یدلّ علی بطلان العقد بصیغة المضارع من لسان آخر، و هذا ممّا لا خلاف فیه.
لکنهم اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف:
و مثال ذلک «الماء کله طاهر» فإنّه عامّ و قد ورد فی دلیل آخر «الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسه شیء» فهذا الدلیل بمفهومه یدلّ علی أنّ الماء إذا لم یبلغ قدر کرّ ینجّسه بعض الأشیاء و العامّ یخصّص بهذا المفهوم المخالف.
و أیضاً مثل قوله تعالی (إِنَّ الظَّنَّ لا یغْنی مِنَ الْحَقِّ شَیئاً)((4)) و قد ورد فی آیة
ص: 376
أُخری (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَینُوا)((1)) فتدلّ الآیة علی جواز الأخذ بخبر العادل فیخصّص بها عموم الآیة الأُولی الدالّة علی عدم جواز العمل بالظنّ.
القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم، القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ، و هنا تفصیل لصاحب الکفایة (قدس سره)، و تفصیل آخر للمحقق الخوئی (قدس سره) .
استدلّ علی ذلک بأنّ دلالة العامّ ذاتیة أصلیة و دلالة المفهوم تبعیة فتکون دلالة العامّ مطابقیة و دلالة المفهوم التزامیة، و الدلالة الأصلیة المطابقیة أقوی من الدلالة التبعیة الالتزامیة.
((2))
إنّ دلالة القضیة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی خصوصیة مستتبعة للمفهوم و دلالتها علی تلک الخصوصیة إمّا بالوضع و إمّا بمقدّمات الحکمة.
و دلالة العامّ أیضاً إمّا وضعیة کما فی لفظة کلّ و جمیع و إمّا بمقدّمات الحکمة
ص: 377
کما فی النکرة الواقعة فی سیاق النفی أو النهی و کما فی الجمع المحلّی ب- «ال» و المفرد المحلّی ب- «ال».
قد استدلّ علی ذلک بأنّ المفهوم أخصّ من العامّ فیکون قرینة علیه، و إن کان ظهور العامّ أقوی منه، إلاّ أن یکون العامّ نصّاً فیکون العامّ هو القرینة علی عدم المفهوم فالتقدیم بمناط الأخصّیة.
إنّ ما أفاده المستدلّ لایتصوّر إلّا فی العموم و الخصوص المطلق و أمّا إذا
ص: 378
کانت النسبة بین العامّ و المفهوم المخالف العموم و الخصوص من وجه فلایجری ما أفاده و سیجیء إن شاء الله تحقیق ذلک.
قد استدلّ أیضاً علی ذلک بأنّ دلالة القضیة علی المفهوم عقلیة و دلالة العامّ علی العموم لفظیة و توضیح ذلک هو أنّ المفهوم لازم عقلی للخصوصیة التی کانت فی المنطوق ولایمکن رفع الید عن المفهوم من دون رفع الید عن تلک الخصوصیة، لاستحالة انفکاک اللازم من الملزوم.
و رفع الید عن تلک الخصوصیة بلا موجب، لأنّ تلک الخصوصیة لیست طرفاً للمعارضة مع العامّ فحینئذ یتعین رفع الید عن العامّ.
((1))
إنّ ما یکون معارضاً للملزوم و یدلّ علی نفیه، فلامحالة یدلّ علی نفی لازمه و کذا العکس لأنّ نفی الملزوم مستلزم لنفی اللازم و نفی اللازم مستلزم لنفی الملزوم.
فعلی هذا: العامّ بعمومه کما یکون منافیاً لمفهوم القضیة یکون منافیاً لمنطوقه، و لامحالة یمنع عن دلالة القضیة علی الخصوصیة المستتبعة للمفهوم.
یصلح أن یکون کل منهما قرینة متّصلة للتصرف فی الآخر، و دار الأمر بین تخصیص العموم أو إلغاء المفهوم، فالدلالة علی کل منهما إن کانت بالإطلاق بمعونة مقدّمات الحکمة أو بالوضع، فلایکون هناک عموم و لا مفهوم لعدم تمامیة مقدّمات الحکمة فی واحد منهما لأجل المزاحمة، کما فی مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر وضعاً، فلابدّ من العمل بالأُصول العملیة فیما دار الأمر بین العموم و المفهوم إذا لم یکن أحدهما أظهر.
و إن کان أحدهما أظهر، فإن کانت الدلالة فی کلیهما بمقدّمات الحکمة فیکون الأظهر مانعاً عن انعقاد الظهور فی الآخر و إن کانت الدلالة فی کلیهما بالوضع فیکون الأظهر مانعاً عن استقرار الظهور فی الآخر.
و أمّا إذا کان أحدهما وضعیاً و الآخر بمقدّمات الحکمة فیتقدّم الظهور الوضعی.
و أمّا إذا لم یکن بین ما دلّ علی العموم و ما له المفهوم ذلک الارتباط الموجب لقرینیة أحدهما علی الآخر فإن کانت دلالة کل منهما بالوضع أو بالإطلاق بمقدّمات الحکمة فإن کان أحدهما أظهر فهو المقدّم و إن لم یکن أحدهما أظهر فنعامل کلاً منهما معاملة المجمل.
و أمّا إذا کانت دلالة أحدهما بالوضع و دلالة الآخر بمقدّمات الحکمة، یقدّم ما کانت دلالته بالوضع علی الآخر.
إنّ ما أفاده لایستقیم فیما إذا کانت النسبة بین الدلیلین العموم و الخصوص المطلق، کما أنّ ما أفاده بالنسبة إلی ما إذا کانت النسبة بینهما العموم من وجه و سیتضح ذلک عند بیان نظریه المحقّق الخوئی (قدس سره) .
ص: 380
((1))
بیانه (قدس سره): إنّ التعارض فی الحقیقة، إنّما هو بین منطوق القضیة و عموم العامّ، لا بینه و بین مفهوم القضیة لما تقدّم من أنّ المفهوم لازم عقلی للخصوصیة الموجودة فی طرف المنطوق.
و علیه فلابدّ من ملاحظة النسبة بینهما، و من الطبیعی أنّ النسبة قد تکون عموماً من وجه و قد تکون عموماً مطلقاً.
الصورة الأُولی: أن یکون أحدهما ناظراً إلی موضوع الآخر و رافعاً له، دون العکس فإنّ ما کان ناظراً إلی موضوع الآخر یتقدّم علی الآخر، لأنّه حاکم علیه.
و ذلک مثل مفهوم آیة النبأ و هو حجیة خبر العادل فهذا المفهوم حاکم علی عموم تعلیل آیة النبأ (و هی إصابة القوم بجهالة) حیث إنّه بعد حجیة خبر العادل فالعمل بخبره لیس من قبیل إصابة القوم بجهالة.
هذا خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) حیث قال: «عموم العلّة فی آیة النبأ آبٍ عن التخصیص و لذا یقدّم علی مفهوم آیة النبأ».((2))
و المحقّق النائینی (قدس سره) استشکل علی الشیخ الأنصاری (قدس سره) بأنّ مفاد مفهوم آیة النبأ یوجب خروج خبر العادل عن موضوع العلّة فی آیة النبأ، فلایکون العمل به موجباً لإصابة القوم بجهالة، فیکون المفهوم حاکماً علی عموم العلّة أیضاً و ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا مأخوذ من کلام أُستاذه المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)).
ص: 381
الصورة الثانیة: أن لایکون أحدهما حاکماً علی الآخر، فعندئذ إن کان تقدیم أحدهما موجباً لإلغاء العنوان المذکور فی موضوع الدلیل الآخر و تقدیم الدلیل الآخر لایوجب إلغاء العنوان المذکور فی الدلیل الأوّل، فحینئذ لابدّ من تقدیم ما لایوجب إلغاء العنوان فی الدلیل الأوّل.
مثال ذلک:
إنّ صحیحة عبد الله بن سنان قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) اغْسِلْ ثَوْبَکَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا یؤْکَلُ لَحْمُه»((1)) دلّت علی نجاسة بول ما لایؤکل لحمه و موثقة أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام): «کُلُّ شَی ءٍ یطِیرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ»((2)) دلّت علی طهارة بول الطائر و خرئه و هما تتعارضان فی الطائر غیر المأکول اللحم، فلو قدّمنا صحیحة عبدالله بن سنان فیخصّص موثقة أبی بصیر و ینتج: «إنّ کلّ شیء یطیر و هو مأکول اللحم فلا بأس ببوله و خرئه» و لازم ذلک هو إلغاء عنوان الطائر، حیث إنّ کل ما کان مأکول اللحم فبوله و خرءُه طاهر سواء کان طائراً أما غیر طائر.
و أمّا إذا قدّمنا موثقة أبی بصیر علی صحیحة عبد الله بن سنان فیخصّص الصحیحة و یکون بعد التخصیص: إنّ بول ما لایؤکل لحمه نجس إلّا الطائر، فلایلزم حینئذ لغویة موثقة أبی بصیر فلابدّ من تقدیم موثقه أبی بصیر علی عموم صحیحة عبد الله بن سنان.
ص: 382
الصورة الثالثة: أن لایکون من الصورتین الأُولیین، فلابدّ من الرجوع إلی مرجّحات باب التعارض إن کانت، و إلّا فالحکم هو التساقط.
فلا شبهة فی تقدیم الخاصّ علی العامّ، حیث إنّه یکون بنظر العرف قرینة علی التصرّف فی العامّ و من المعلوم أنّ ظهور القرینة یتقدّم علی ظهور ذیها و إن افترض أنّ ظهورها بالإطلاق و مقدّمات الحکمة و ظهور ذی القرینة بالوضع، کما إذا افترضنا ورود دلیل یدلّ بالوضع علی أنّ کل ماء طاهر، لاینفعل بالملاقاة إلّا إذا تغیر لونه أو طعمه أو ریحه، فإنّه مع ذلک لایقاوم مفهوم روایات الکرّ، علی الرغم من أنّ دلالته علی انفعال الماء القلیل بالملاقاة و مقدّمات الحکمة.
إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) بالنسبة إلی تعارض الدلیلین بالعموم و الخصوص المطلق، فهو فی غایة الصحّة و المتانة، کما أنّ ما أفاده بالنسبة إلی تعارض الدلیلین بالعموم من وجه فی الصورة الأُولی و الصورة الثانیة فهو تامّ.
أمّا ما أفاده فی الصورة الثالثة فهو خاطئ جدّاً، بل الأمر فی هذه الصورة هو کما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) .
إنّ الدلیلین إن کان دلالتهما بالوضع أو بالإطلاق بمقدّمات الحکمة و لکن کان أحدهما أظهر من غیره، فتیقدّم ما هو الأظهر، و إن تساویا فی الظهور، فیتساقطان و المرجع هو الأصل العملی.
و إن کان لأحد الدلیلین الظهور الوضعی، و للدلیل الآخر الظهور
ص: 383
الإطلاقی بمقدّمات الحکمة، فیتقدّم ما له الظهور الوضعی علی ما له الظهور الإطلاقی. نعم بعض العمومات لا دلالة لها إلّا بمقدّمات الحکمة فهی فی قوة الظهور الإطلاقی بمقدّمات الحکمة.
ص: 384
ص: 385
ص: 386
تعقّب الاستثناء للجمل
إنّ الاستثناء إذا تعقب لعمومات متعدّدة فهل یرجع إلی جمیع تلک العمومات أو إلی خصوص العموم الوارد فی الجملة الأخیرة.
مثال ذلک قوله تعالی:
(وَ الَّذینَ یرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذینَ تابُوا)((1))
و هکذا مثل قولهم: «أکرم العلماء و أضفهم و جالس العلماء إلّا الفسّاق منهم».
و هو رجوع الاستثناء إلی جمیع العمومات و هذا منسوب إلی الشیخ الطوسی و صاحب المعالم (قدس سرهما).((1))
و هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة إلّا مع وجود القرینة علی رجوعه إلی الکل.((2))
و هو عدم ظهوره فی واحد منهما و إن کان رجوعه إلی الأخیرة متیقّناً، أمّا بالنسبة إلی غیر الأخیرة فلاینعقد لها ظهور فی العموم فلاتجری أصالة العموم و هذا مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .((3))
ص: 388
و هو التفصیل بین أن یکون عقد الوضع (الموضوع) مکرّراً فی الجملة الأخیرة کما فی مثل الآیة الکریمة أو لایکون کذلک بل عقد الوضع مذکور فی صدر الکلام، فإن کان عقد الوضع مکرّراً فیرجع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة، لأنّ الجملة الأخیرة انقطعت بتکرار عقد الوضع عن الجمل السابقة، فیتمسّک فی الجمل السابقة بأصالة العموم و إن کان عقد الوضع مذکوراً فی صدر الکلام فالاستثناء یرجع إلی جمیع الجمل، لأنّ الاستثناء یرجع إلی عقد الوضع (الموضوع) و هذا مختار المحقّق النائینی (قدس سره) .((1))
إنّ تعدّد العمومات، إمّا بتعدّد خصوص موضوعاتها و إمّا بتعدّد خصوص محمولاتها و إمّا بتعدد الموضوع و المحمول معاً.
ص: 389
أمّا الصورة الأولی و هی تعدّد خصوص الموضوعات فهی علی قسمین:
إن لم یتکرّر عقد الحمل مثل «أکرم الفقهاء و الأُصولیین و المتکلمین إلّا الفسّاق منهم» فیرجع الاستثناء إلی الجمیع حیث إنّ ثبوت الحکم الواحد لهم جمیعاً قرینة عرفاً علی أنّ الجمیع موضوع واحد فی مقام الجعل.
و أمّا إذا کرّر فیها عقد الحمل مثل «أکرم العلماء و أکرم الشیوخ إلّا الفسّاق منهم» فیرجع إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل و ما بعده من الجمل لو کانت، لأنّ تکرار عقد الحمل قرینة عرفاً علی أنّه کلام آخر منفصل عما قبله من الجمل فلا مانع من التمسّک بأصالة العموم فی الجمل السابقة.
ص: 390
أمّا الصورة الثانیة و هی تعدّد خصوص المحمولات فهی أیضاً علی قسمین:
إن کان الموضوع فیها غیر متکرّر مثل الآیة الشریفة و مثل قولهم «بع کتبی و أجرها إلّا ما کان مکتوباً علی ظهره إنّه مخصوص لی»، فالظاهر رجوع الاستثناء إلی الجمیع لأنّ الاستثناء یرجع إلی الموضوع.
و إذا تکرّر الموضوع فیها مثل «أکرم العلماء و أضفهم و جالس العلماء إلّا الفسّاق منهم» فالظاهر رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الوضع و ما بعدها من الجمل لأنّ تکرار عقد الوضع قرینة علی قطع الکلام عما قبله ولا مانع من جریان أصالة العموم بالنسبة إلی الجمل السابقة.
قد یدّعی أنّ الجمل السابقة محفوفة بما یصلح للقرینیة فلایتمسّک فیها بأصالة العموم و الجواب هو أنّ مورد احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة إنّما هی موارد إجماله و اشتباه المراد منه للسامع، بخلاف المقام حیث لا إجمال فی الاستثناء فی ظهوره إلی خصوص الجملة الأخیرة فی مفروض المسألة.
أمّا الصورة الثالثة و هی ما إذا تعدّدت القضیة بتعدّد الموضوع و المحمول معاً فإنّ الاستثناء فیها یرجع إلی الجملة الأخیرة دون ما سبقها من الجمل کما عرفت.
ص: 391
ص: 392
ص: 393
ص: 394
تخصیص الکتاب بخبر الواحد
فیه أمران:
المشهور بین الإمامیة جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد و لکن العامّة اختلفوا فی ذلک:
فبعضهم أنکر تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد مطلقاً.
ص: 395
و بعضهم فصّل بین ما إذا خصّص قبله بمخصّص قطعی فیجوز و ما إذا لم یخصّص قبله بمخصّص قطعی فلایجوز.
و بعضهم فصّل بین المخصّص المتّصل فیجوز التخصیص به و بین المخصّص المنفصل فلایجوز التخصیص به.
و بعضهم توقف فی ذلک.
و الحق هو جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد کما علیه جمیع علمائنا.((1))
ص: 396
استدلّ صاحب الکفایة (قدس سره) علی جواز التخصیص بوجهین:((1))
إنّ سیرة الأصحاب إلی زمن الأئمة (علیهم السلام) علی العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب، و احتمال أن یکون ذلک بواسطة القرینة واضح البطلان.
لو لم نقل بتخصیص الکتاب بخبر الواحد یلزم الغاء الخبر بالمرّة أو یلزم ما هو بحکم إلغاء الخبر، ضرورة ندرة خبرٍ لم یکن علی خلافه عموم الکتاب.
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّه لایوجد فی المجامیع المعتبرة خبر لایکون علی خلافه عموم فی الکتاب و لو کان ذلک العموم من قبیل عمومات الحلّ و نحوها.((2))
إنّ جلّ الروایات الدالّة علی تعیین أجزاء العبادات و شرائطها و موانعها لیس
ص: 397
فیها ما یخالف الکتاب و لو کانت مخالفتها له مخالفةً بدویة (من قبیل مخالفة المطلق و المقید و مخالفة العامّ و المخصّص) لأنّ الأوامر المتعلّقة بالعبادات فی القرآن کلها واردة فی مقام التشریع و لیست فی مقام البیان و لیس لشیء منها إطلاق یقتضی عدم اعتبار شیءٍ ما فی متعلّقاتها لتکون الروایة الدالّة علی اعتباره فیها مخالفة للکتاب بنحو من المخالفة و هکذا الأوامر الواردة فی الکتاب فی غیر المعاملات، فلیس فیها ما یدلّ بعمومه أو بإطلاقه علی حلیة کل فعل صادر من المکلّف، لیکون الخبر الدالّ علی الحرمة مخالفاً له.
((1))
إنّ بعض العمومات الکتابیة فی مقام البیان کما یظهر ذلک من استدلال الأئمة (علیهم السلام) ببعض العمومات الکتابیة کما یستدلّ بإطلاق (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا)((2)) و یستدلّ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((3)) فلابدّ من أن یقال: إنّ تلک العمومات و الإطلاقات الکتابیة واردة فی مقام البیان لا فی مقام أصل التشریع.
ص: 398
((1))
إنّ العامّ قطعی الصدور و خبر الواحد ظنّی السند، فلایجوز رفع الید عن القطعی بالظنی.
أوّلاً بالنقض: حیث إنّه لو صحّ ذلک لما جاز تخصیص المتواتر بخبر الواحد مع أنّه جائز قطعاً.
و ثانیاً بالحلّ: حیث إنّ خبر الواحد لایعارض سند الکتاب و صدوره حتی یقال بعدم جوازه بل یعارض و ینافی عموم الکتاب و دلالة الکتاب علی العموم لیست بقطعیة.
و ثالثاً: إنّ الخبر بدلالته و سنده صالح للقرینیة علی التصرف فی عموم الکتاب، بخلاف أصالة العموم فی الکتاب حیث إنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتبار الخبر.
ص: 399
إنّ دلیل حجیة الخبر لیس إلّا الإجماع و هو دلیل لبّی و یؤخذ بالقدر المتیقّن منه و هو الخبر الذی لیس مخالفاً لعموم الکتاب.
إنّ دلیل حجیة الخبر لاینحصر فی الإجماع، و قد عرفت أنّ سیرتهم مستمرّة علی العمل به فی قبال العمومات الکتابیة.
إنّ الأخبار الدالة علی أنّ الأخبار المخالفة للقرآن یجب طرحها أو ضربها علی الجدار أو أنّها زخرف أو أنّها مما لم یقل بها الإمام (علیه السلام) ((1)) یوجب عدم تخصیص الکتاب بخبر الواحد.
أوّلاً: إنّ المراد من المخالفة فی هذه الأخبار غیر مخالفة العموم (حیث إنّ المخالفة فی هذه الأخبار مخالفة بالتباین و أمّا المخالفة بین خبر الواحد الخاصّ و العام الکتابی مخالفة بدویة).
ثانیاً: إنّ العرف لایری بین المخصّص و العامّ مخالفة بل المخصّص قرینة لتبیین معنی العامّ.
ثالثاً: یحتمل أن یکون المراد فی هذه الأخبار هو أنّ الأئمة (علیهم السلام) لایقولون بغیر
ص: 400
ما هو قول الله تبارک و تعالی واقعاً، و إن کان هو علی خلاف قول الله تبارک و تعالی ظاهراً لکنّه موافق له واقعاً و شارح لمراده تعالی و بیان لمراده من کلامه.
رابعاً: الأخبار المخالفة للکتاب بهذه المخالفة عنهم (علیهم السلام) کثیرة جدّاً بحیث لایمکن إنکاره.
إذا قلنا بجواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، فلابدّ أن نقول أیضاً بجواز نسخ الکتاب بخبر الواحد و لکن نسخ الکتاب بخبر الواحد باطل إجماعاً فالمقدّم لابد أن یکون باطلاً أیضاً، فلایجوز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، أمّا الدلیل علی الملازمة هو أنّ النسخ أیضاً من قبیل التخصیص و الفرق بینه و بین التخصیص المصطلح هو أنّ النسخ یکون راجعاً إلی الأزمان و التخصیص المصطلح راجع إلی الأفراد، فالنسخ تخصیص أزمانی کما أنّ التخصیص المصطلح تخصیص أفرادی.
((1))
إنّ النسخ یفترق عن التخصیص من جهة أنّ الإجماع قائم علی جواز تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد و الإجماع قائم أیضاً علی عدم جواز نسخ الکتاب بخبر الواحد.
هذا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقام.
ص: 401
لعلّ دلیلهم هو أنّ العام بعد التخصیص یکون مجازاً فالتخصیص الثانی لایوجب التجوّز ثانیاً.
إنّ العام بعد التخصیص لایکون مجازاً کما تقدّم.
هو توهم أنّ المخصص المتصل لایوجب التجوّز بخلاف المخصص المنفصل.
بطلان ذلک یظهر ممّا تقدّم بالنسبة إلی القول السابق حیث إنّ العامّ بعد التخصیص لایکون مجازاً سواء کان المخصّص متصلاً أم منفصلاً مضافاً إلی أنّ تصور القرینة المتّصلة فی الخبر الواحد بالنسبة إلی عموم الکتاب فی غایة الإشکال.
ص: 402
ص: 403
ص: 404
الدوران بین التخصیص و النسخ((1))
فیه مقدمة و تنبیهان أیضاً:
و هی ثمانٍ:
إذا ورد عامّ و خاصّ فقد نشک بحسب الحالات المختلفة لهما فی أنّ الخاصّ
ص: 405
مخصّص للعامّ أو ناسخ له أو منسوخ له، و لتحقیق ذلک لابدّ من أن نلاحظ جمیع الصور المتصوّرة بین العامّ و الخاصّ.((1))
إنّ الخاصّ إمّا یکون منفصلاً عن العام
فإذا کان الخاصّ منفصلاً عنه فله ثلاثة فروض:
الأول: إمّا یکونان معلومی التاریخ.
و العامّ و الخاصّ المنفصل عنه فیما إذا کانا معلومی التاریخ لهما خمس صور:
ص: 406
إمّا نعلم بتقدّم العامّ و جاء الخاصّ قبل وقت العمل و هی الصورة الأولی.
أو جاء بعد وقت العمل و هی الصورة الثانیة.
و إمّا نعلم بتقدّم الخاصّ و جاء العامّ قبل وقت العمل و هی الصورة الثالثة.
أو جاء بعد وقت العمل و هی الصورة الرابعة.
و إما نعلم بتقارنهما و هی الصورة الخامسة.
الثانی: و إما یکونان مجهولی التاریخ و هی الصورة السادسة.
الثالث: و إما یکون أحدهما مجهول التاریخ و الآخر معلوم التاریخ و هی الصورة السابعة.
و إما یکون الخاص متصلاً بالعام و هی الصورة الثامنة.
ص: 407
قد اختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و جمع من الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) عدم إمکان کون الخاصّ ناسخاً للعامّ بل الخاصّ یتمحض فی هذه الصورة فی کونه مخصّصاً للعامّ.
قد استدلّ علی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال:((4)) إنّه لایعقل جعل الحکم من المولی الملتفت إلی عدم تحقّقه و فعلیته فی الخارج بفعلیة موضوعه ضرورة أنّه مع علم المولی بانتفاء شرط فعلیته، کان جعله لغواً محضاً، حیث إنّ الغرض من جعله إنّما هو صیرورته داعیاً للمکلّف نحو الفعل، فإذا علم بعدم بلوغه إلی هذه المرتبة لانتفاء شرطه، فلامحالة یکون جعله بهذا الداعی لغواً، فیستحیل أن یصدر من المولی الحکیم.
ص: 408
نعم یمکن ذلک فی الأوامر الامتحانیة، حیث إنّ الغرض من جعلها لیس بلوغها مرتبة الفعلیة و لذا لا مانع من جعلها مع علم المولی بعدم قدرة المکلّف علی الامتثال، نظراً إلی أنّ الغرض منها مجرد الامتحان و هو یحصل بمجرد إنشاء الأمر.
قال المحقق النائینی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((1)) بإمکان ناسخیة الخاص للعام.
استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة:
إنّ ما ذکروه فی المقام، إنّما نشأ من عدم تمییز أحکام القضایا الخارجیة من أحکام القضایا الحقیقیة، لأنّ الحکم المجعول إن کان من قبیل الأحکام المجعولة فی القضایا الخارجیة لصحّ ما ذکروه و أمّا إذا کان من قبیل الأحکام المجعولة فی القضایا الحقیقیة الثابتة للموضوعات المقدّر وجودها (کما هو الواقع فی أحکام الشریعة المقدّسة) فلا مانع من نسخها بعد جعلها و لو کان ذلک بعد زمان قلیل کیوم واحد أو أقلّ، لأنّه لایشترط فی صحّة جعله وجود الموضوع له خارجاً، لأنّ موضوعه أُخذ مفروض الوجود، نعم یستثنی من ذلک القضیة الحقیقیة الموقتة قبل حضور وقت العمل به، فإنّه یستحیل تعلّق النسخ به کما هو الأمر فی القضایا الخارجیة (القضیة الحقیقیة الموقتة مثل وجوب صوم شهر رمضان حیث إنّه واجب له وقت مخصوص لایصیر وجوبه فعلیاً قبل الوقت المذکور).
ص: 409
فعلی هذا إنّ النسخ بالنسبة إلی القضایا الحقیقیة غیر الموقتة أو القضایا الحقیقیة الموقتة بعد حضور وقت العمل، بمکان من الإمکان.
((1)):
إنّ جعل الحکم بداعی البعث حقیقة مع علم المولی بانتفاء موضوعه و شرطه فی الخارج لغو محض فلایمکن صدوره من الحکیم المتفت إلی ذلک، من دون فرق فی ذلک بین الأوامر و النواهی و القضایا الحقیقیة و الخارجیة.
نعم إذا کان جعل الحکم و تشریعه فی الشریعة المقدسة سبباً لانتفاء موضوعه و شرطه، فلا مانع منه کما هو الشأن فی جعل القصاص والدیات و الحدود، حیث إنّ تشریع هذه الأحکام سبب لمنع المکلّف و زجره من إیجاد موضوعها فی الخارج.
(إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ناظر إلی الإمکان العقلی للنسخ و ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ناظر إلی أنّه مستحیل بالعرض لأنّ اللغو لایصدر من الحکیم).
إنّه قال (قدس سره): بناء علی ما هو المشهور فی الأحکام المجعولة المشروطة من عدم فعلیة التکلیف فیها إلّا بعد حصول الشرط خارجاً، لایلزم فی إمکان النسخ أن یکون الحکم الثابت فعلیاً علی الإطلاق بل یکفی فی صحّته کونه رفعاً لحکم
ص: 410
ثابت فی الجملة و لو بمرتبة إنشائه الحاصل بجعل الملازمة بینه و بین شرطه و سببه کما فی الواجبات المشروطة، فکما یصح فی الأحکام العرفیة نسخ الحکم فی الموقّتات و المشروطات قبل حصول شرطها یصح ذلک فی الأحکام الشرعیة، فیکفی فی صحته أیضاً مجرد کونه رفعاً لما تحقّق بالإنشاء السابق و لو لم یکن حکماً فعلیاً علی الإطلاق، فإنّ باب النسخ أشبه شیء بباب التوریة و التقیة فی کونه من باب التصرف فی الجهة، من حیث إظهاره سبحانه حکماً بنحو الدوام و الاستمرار لمصلحة تقتضیه، مع علمه سبحانه بنسخه فیما بعد حسب ما یری فی علمه من المصالح المقتضیة لذلک، فالمرفوع هو تلک الملازمة الثابتة بین الشیء و شرطه و بناء علی ما اخترنا من أنّ الحکم هو نفس الإرادة المبرزة و الکراهة المبرزة، فالحکم (و هی الإرادة المبرزة) موجود بالفعل و إن لم یتحقّق الشرط، لأنّ التکلیف فیها بجعل المنوط به هو الشیء فی فرضه و لحاظه طریقاً إلی الخارج، فلایحتاج إلی جعل المرفوع هو الملازمة، حیث کان المرفوع حینئذ هو الحکم الفعلی.
أوّلاً: إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ إظهار الحکم الشرعی بنحو الاستمرار مع علمه بنسخه فیما بعد، هو للمصالح المقتضیة لذلک، و إن کان ممکناً عقلاً، إلّا أنّا
ص: 411
لانری وقوع تلک المصلحة فیما بأیدینا من الأمثلة و الموارد و مع فرض وقوعها فهی نادر الوجود جداً، و لکن التخصیص أمر دارج کثیر، فالظهور العرفی یقتضی حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ، هذا علی المبنی المشهور و علی المبنی الذی اختاره.
ثانیاً: قد تقدّم فی مبحث الواجب المعلّق، أنّ المختار فی المقام (تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره))((1)) هو أنّ البعث الحقیقی یقتضی إمکان الانبعاث، فمع عدم إمکان الانبعاث لایتحقّق البعث الحقیقی فلم یتحقّق هنا حکم حقیقی حتّی یقال بنسخه فالنسخ محال عقلاً لا إنّه لغو فقط.
فتحصل من ذلک: أنّ الخاصّ فی الصورة الأُولی یحمل علی التخصیص دون النسخ.
ص: 412
قال الشیخ((2)) و المحقّق الخراسانی((3)) و المحقق الحائری((4)) و المحقّق العراقی((5)) و المحقّق البروجردی (قدس سرهم) ((6)) بالتفصیل قالوا: إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الواقعی فالخاصّ ناسخ له، و لایکون الخاصّ حینئذ مخصّصاً لأنّه یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة، و إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری فالخاصّ مخصّص له، بمعنی أنّ الناس مکلّفون بالعمل علی طبق العامّ ما لم یرد علیها المخصّص فإذا ورد الخاصّ فهو مخصّص بالنسبة إلی الإرادة الجدّیة و ناسخ بالنسبة إلی الحکم الظاهری.
((7))
إنّ ما أفاده من أنّ الخاصّ ناسخ بالنسبة إلی الحکم الظاهری و مخصّص بالنسبة إلی الإرادة الجدّیة فیما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری ممنوع،
ص: 413
فإنّ الخاصّ لایکون ناسخاً للحکم الظاهری و ذلک لأنّ انتهاء أمد المصلحة بوصول الخاصّ و إن کان یشبه النسخ، فیتوهّم کونه ناسخاً، إلّا أنّ الفرق بین ما نحن فیه و بین النسخ هو أنّ الناسخ کاشف عن انتهاء أمد المصلحة فی المنسوخ، و الخاصّ هنا بوصوله موجب لانتهاء أمدها لا کاشف عن انتهاء أمدها واقعاً، و ما نحن فیه هو مثل قیام الدلیل الاجتهادی علی خلاف الأصل العملی، فإنّ الدلیل الاجتهادی و الأمارة یوجب ارتفاع موضوع الأصل العملی و لایکون قیام الأمارة ناسخاً للحکم الظاهری، و هکذا فیما نحن فیه فإنّ وصول الخاصّ یوجب ارتفاع موضوع الحکم الظاهری المستفاد من العامّ و لایکون من باب النسخ.
و هی حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ أفادها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .((1))
إنّ الوجه عند دوران الأمر بین التخصیص و النسخ هو الأوّل، لأنّ ظاهر الخاصّ مثل قوله «لاتکرم العالم الفاسق» هو حرمة إکرام العالم الفاسق فی الشرع و أنّه حکم إلهی فی شریعة الإسلام، لا أنّه حکم شرعی من هذا الحین، و إن کان فعلیته من الحین و حیث إنّه أظهر من «أکرم العلماء» یقدّم علیه و یخصّصه.
((2))
إنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة إنّما هو لأحد الأمرین:
ص: 414
الأوّل: إنّه یوجب وقوع المکلّف فی الکلفة و المشقّة من دون مقتضٍ لها فی الواقع کما إذا افترضنا أنّ العامّ مشتمل علی حکم إلزامی فی الظاهر و لکن کان بعض أفراده فی الواقع مشتملاً علی حکم ترخیصی، فإنّه لامحالة یوجب إلزام المکلّف و وقوعه بالإضافة إلی تلک الأفراد المباحة فی المشقّة و الکلفة من دون موجب و مقتضٍ لها و هذا من الحکیم قبیح.
الثانی: إنّه یوجب إلقاء المکلّف فی المفسدة أو یوجب تفویت المصلحة عنه، کما إذا افترضنا أنّ العامّ مشتمل علی حکم ترخیصی فی الظاهر، و لکن کان بعض أفراده فی الواقع واجباً أو محرّماً فإنّه علی الأوّل یوجب تفویت المصلحة الملزمة عن المکلّف و علی الثانی یوجب إلقاءَه فی المفسدة و کلاهما قبیح من المولی الحکیم.
و من المعلوم أنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة لا یکون کقبح الظلم لیستحیل انفکاک القبح عنه، بل هو کقبح الکذب (و عبّروا عنه بأنّه یقتضی القبح و لیس علّة تامّه له).
فحینئذٍ اذا طرأ عنوان آخر مثل المصلحة الملزمة التی تکون أقوی من مفسدة التأخیر أو کان فی تقدیم البیان مفسدة أقوی من مفسدة تأخیره، فلا یکون قبیحاً.
و بکلمة أُخری: إنّ حال تأخیر البیان عن وقت الحاجة فی محل الکلام، کحال تأخیره فی أصل الشریعة المقدسة، حیث إنّ بیان الأحکام فیها کان علی نحو التدریج واحداً بعد واحد لمصلحة التسهیل علی الناس، نظراً إلی أنّ بیانها دفعة واحدة عرفیة یوجب المشقّة علیهم و هی طبعاً توجب الإعراض عن الدین، و مصلحة التسهیل علی الناس و رغبتهم فی الدین أقوی من مصلحة الواقع التی تفوت المکلّف.
ص: 415
ثمّ انّ المحقّق الخوئی (قدس سره) بعد بیان هذه المقدّمة قال: و علی ضوء هذه النتیجة یتعین کون الخاصّ المتأخر الوارد بعد حضور وقت العمل بالعامّ مخصّصاً لا ناسخاً.
إنّ هذا البیان، غایة ما یقتضیه هی أنّ التخصیص أیضاً ممکن کما یمکن حمل الخاصّ علی کونه ناسخاً، و أمّا تعین التخصیص فلایستفاد من هذا البیان.
و تحصّل أنّ الخاصّ فی الصورة الثانیة یتعین کونه مخصّصاً للعامّ.
ص: 416
و هی تقدّم الخاصّ مع ورود العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ و فی هذه الصورة یتعین حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ و لا یمکن جعل العامّ ناسخاً للخاصّ لاستلزامه محذورین:
المحذور الأوّل: ما تقدّم من المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّه یلزم أن یکون جعل الحکم لغواً محضاً.
المحذور الثانی: ما أشرنا إلیه سابقاً تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ البعث الحقیقی یقتضی إمکان الانبعاث فمع عدم إمکان الانبعاث فلا بعث حقیقی و مع عدم البعث الحقیقی فلا حکم حتّی یتحقّق النسخ.
ص: 417
((2))
إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) یری أنّ الأظهر هو أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ و إلیک نصّ عبارته:
کما یحتمل أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ، یحتمل أن یکون العامّ ناسخاً له، و إن کان الأظهر أن یکون الخاصّ مخصّصاً، لکثرة التخصیص، حتی اشتهر «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» مع قلّة النسخ فی الأحکام جدّاً، و بذلک یصیر ظهور الخاصّ فی الدوام و لو کان بالإطلاق، أقوی من ظهور العامّ و لو کان بالوضع، کما لایخفی.
((3))
إنّ دلیل الحکم یستحیل أن یکون متکفلاً لاستمرار ذلک الحکم و دوامه أیضاً، ضرورة أنّ استمرار الحکم فی مرتبة متأخرة عن نفس الحکم، فلابدّ من فرض وجود الحکم أوّلاً ثم الحکم علیه بالاستمرار کما هو الحال فی جمیع القضایا الحقیقیة التی أُخذ الموضوع فیها مفروض الوجود.
ص: 418
و من الطبیعی أنّ الدلیل الواحد لایعقل أن یکون متکفلاً لإثبات نفس الحکم و إثبات ما یتوقف علی کون ذلک الحکم مفروض الوجود فی الخارج و هو استمراره.
فإذن لابدّ له فی الحکم باستمراره إمّا من الرجوع إلی استصحاب عدم النسخ، أو إلی قوله (علیه السلام): «حَلَالَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ»((1)) إلخ.
و لکن کلا الأمرین غیر تام:
أمّا الأوّل: فلأنّه محکوم بدلیل اجتهادی و هو أصالة العموم فی المقام، حیث إنّ الأمر دائر فیه بین التمسّک بها و التمسّک بأصالة عدم النسخ، و المفروض أنّ الأُولی حاکمة علی الثانیة نظراً إلی أنّها من الأُصول اللفظیة و تلک من الأُصول العملیة.
ص: 419
و أمّا الثانی: فلأنّ الظاهر منه هو استمرار الشریعة المقدّسة إلی یوم القیامة و أنّها لاتنسخ بشریعة أُخری،و لاینافیه نسخ بعض الأحکام و عدم استمراره، أو فقل: إنّ المراد منه لیس استمرار کل حکم فی هذه الشریعة حتی یتمسّک بعموم هذا الدلیل فی کل مورد یشکّ فیه فی استمرار الحکم.
((1))
إنّ الاستمرار مرّة یلاحظ بالإضافة إلی نفس الحکم فحسب و مرّة أُخری یلاحظ بالإضافة إلی متعلّقه و موضوعه، و ما أفاده (قدس سره) من أنّ دلیلاً واحداً لایعقل أن یکون متکفّلاً لإثبات نفس الحکم و استمراره معاً، إنّما یتمّ فی الفرض الأوّل، دون الفرض الثانی، حیث لا مانع من استفادة استمرار الحکم من إطلاق متعلّقه و موضوعه، إذا کان الدلیل المتکفّل له فی مقام البیان کقولنا «لاتشرب الخمر» فإنّه کما یدلّ بإطلاقه علی العموم بالإضافة إلی أفراده العرضیة (الخمر المتخذ من العنب أو التمر أو غیرهما) کذلک یدلّ بالإضافة إلی أفراده الطولیة (بحسب الأزمان) لإطلاق المتعلّق و الموضوع و عدم تقیییده بزمان خاصّ مع کون المتکلّم فی مقام البیان.
فالخاصّ بظهوره الإطلاقی یدلّ علی الدوام و الاستمرار و هو فی المقام مقدّم علی أصالة العموم الذی هو أصل لفظی و قد یکون دلالته علی العموم بالظهور الوضعی (کما فی مثل لفظة کل و جمیع) کما أنّه قد یکون دلالته علی العموم بالإطلاق بمقدّمات الحکمة (کما فی النکرة فی سیاق النهی أو النفی) و الخاصّ قرینة عرفیة بالنسبة إلی العامّ لأخصیة دائرته و لذا یقدّم علی العامّ وإن کان ظهور الخاصّ إطلاقیاً و ظهور العامّ وضعیاً.
ص: 420
((1))
إنّ الأحکام الشرعیة بأجمعها ثابتة فی الشریعة الاسلامیة المقدّسة،حیث إنّها هی ظرف ثبوتها، فلا تقدّم و لا تأخر بینها فی هذا الظرف، و إنّما التأخر و التقدّم بینها فی مرحلة البیان فقد یکون العامّ متأخراً عن الخاصّ فی مقام البیان و قد یکون بالعکس، مع أنّه لا تقدّم و لا تأخّر بینهما بحسب الواقع.
فالعامّ المتأخر الوارد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ و إن کان بیانه متأخراً عن بیان الخاصّ زماناً، إلّا أنّه یدلّ علی ثبوت مضمونه فی الشریعة المقدّسة مقارناً لثبوت مضمون الخاصّ، فلا تقدّم و لا تأخّر بینهما فی مقام الثبوت و الواقع.
فالنتیجة أنّ الروایات الصادرة من الأئمة الأطهار (علیهم السلام) من العمومات و الخصوصات بأجمعها تکشف عن ثبوت مضامینها من الأوّل و لا إشکال فی هذه الدلالة و الکشف و من هنا یصّح نسبة حدیث صادر عن الإمام المتأخر إلی الإمام المتقدّم کما فی الروایات.
فالعامّ الصادر عن الصادق (علیه السلام) مقارن للخاصّ الصادر عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) بل عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، و التأخیر إنّما هو فی بیانه، فلا موجب لتوهّم کونه ناسخاً للخاصّ، بل لامناص من جعل الخاصّ مخصّصاً له، فالخاصّ کاشف عن تخصیص الحکم من الأوّل لا من حین صدوره و بیانه.
ص: 421
و هی الخاصّ المنفصل عن العامّ إذا کانا معلومی التاریخ و تقارنا ففی هذه الصورة لا مجال لاحتمال النسخ لا عرفاً و لا عقلاً، لأنّ العامّ و إن کان ظهوره منعقداً فی العموم إلّا أنّه بعد ملاحظة الخاصّ المنفصل لاتصل إلی مرحلة الحجیة حتی یثبت حکم العام و مع عدم ثبوت حکم العامّ فلایتصور فیه النسخ.
ص: 422
و هما الخاصّ المنفصل عن العامّ فیما کانا مجهولی التاریخ أو کان أحدهما مجهول التاریخ و الآخر معلوم التاریخ، ففیهما وجوه من جهة تقدّم الخاصّ علی العامّ أو تقدّم العامّ علی الخاصّ و أیضاً من جهة مجیء الدلیل المتأخّر قبل وقت العمل بالدلیل المتقدّم أو بعده و یظهر حکم جمیع هذه الوجوه من الصور الآتیة، فإن قلنا بإمکان النسخ فی بعض هذه الصور یلزم هنا الرجوع إلی الأصل العملی بحسب تلک الصورة و إن لم نقل بإمکانه یکون الخاصّ مخصّصاً.
ص: 423
و هی الخاصّ المتّصل بالعامّ ففی هذه الصورة یکون الخاصّ مخصّصاً متصلاً و لاینعقد ظهور العامّ فی عمومه و علی هذا لایبقی وجه لاحتمال النسخ، لأنّ النسخ هو رفع الحکم الثابت و حکم العامّ بعمومه غیر ثابت بل لایعقل جعل الحکم و رفعه فی آنٍ واحد کما صرّح به المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)).
فتحصّل: أنّ الخاصّ فی جمیع هذه الصور یکون مخصّصاً للعامّ و لایکون الخاصّ ناسخاًً للعامّ و لا بالعکس.
ص: 424
نحن و إن استظهرنا مخصّصیة الدلیل الخاصّ بالنسبة إلی العامّ و لکن ذلک من جهة کونه أظهر من النسخ((1))، لا من جهة امتناع النسخ، فکان النسخ ممکناً و لو قبل حضور وقت العمل، و ذلک لأنّ النسخ هو انتفاء الحکم بانتهاء أمده، بمعنی أنّ المقتضی لجعل الحکم ینتهی فی ذلک الزمان ثبوتاً، فلسان دلیل الناسخ و إن کان رفع الحکم الثابت إثباتاً، إلّا أنّه فی الحقیقة دفع للحکم الثابت ثبوتاً بمعنی انتهاء مقتضیه، و الغرض من جعل الحکم المنسوخ هو وجود المقتضی و المصلحة الداعیة إلی جعله مع أنّه تعالی عالم بعدم استمرار وجود المقتضی للحکم المنسوخ فلایلزم الإشکالات الثلاثة التی توهّم فی المقام من أنّ النسخ مستلزم إمّا لصدور اللغو و إمّا لکونه جاهلاً بحقیقة الحال تعالی الله عن ذلک و إمّا للبداء المحال فی حقّه تبارک و تعالی و هو تغیر إرادته تعالی.
فهو تبارک و تعالی عالم بحقیقة الحال و لم یتغیر إرادته بل تعلّقت إرادته بالحکم المنسوخ إلی زمان النسخ من حین جعله.
ولکن لم یظهر ذلک لوجود مصلحة فی ذلک أو لدفع مفسدة عن عباده، و لابدّ من جعل المنسوخ لوجود مصلحة ملزمة فی جعله أو لوجود مفسدة فی عدم جعله.
و من ذلک یظهر أنّ البداء فی التکوینیات لیس بمعنی تغیر إرادته تعالی حتّی یکون مستحیلاً، بل البداء الذی نعتقد به هو بمعنی أنّه یظهر ثبوت شیء لوجود مصلحة فی إظهاره مع علمه بعدم تحقّق ذلک.
ص: 425
و الوجه فی ذلک هو أنّه یخبر عن وجود المقتضی لذلک الشیء و لکن یخفی علی العباد وجود المانع عن ذلک المتقضی، و ذلک لمصلحة و هی إمّا علم العباد بوجود المقتضی أو المانع (کما فی قضیة من أساء إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فأخبر النبی (صلی الله علیه و آله) بأنّه یقتل بسمّ الحیة و لکن لم یتحقّق موته فأخبر النبی (صلی الله علیه و آله) بأنّ المانع من ذلک هو الصدقة التی أعطاها و لم یطّلع علیها إلّا الله تعالی فأخبر بذلک النبی (صلی الله علیه و آله) و أیضاً أراه الحیة حتّی یعتقد بعلم النبی (صلی الله علیه و آله) بالغیب)((1)) و إمّا تحریک العباد و بعثهم
ص: 426
حسب وجود هذا الأمر الذی تحقّق فیه البداء مثل البداء فی ظهور الفرج.
ص: 427
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) احتمل فی ذلک ارتقاء نفس النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) إلی عالم المحو و الإثبات و هو عالم المثال و لذلک لم یطّلع علی ما فی اللوح المحفوظ و قال:((1))
أمّا من شملته العنایة الإلهیة و اتّصلت نفسه الزکیة بعالم اللوح المحفوظ الذی هو من أعظم العوالم الربوبیة و هو أُم الکتاب، تنکشف عنده الواقعیات علی ما هی علیها.
فإنّ ما أفاده هنا حقیق بالنسبة إلی الأنبیاء السابقین و أوصیائهم و الأولیاء غیر الکاملین، أمّا النبی (صلی الله علیه و آله) فهو العقل الأوّل کما ورد «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِی»((2)) و هکذا أیضاً ورد فی أوصیائه (علیهم السلام).
و العقل الأوّل هو من عالم الجبروت و هو محیط باللوح المحفوظ و الکتاب المبین، ثم إنّهم مع حفظ مرتبتهم فی عالم العقل الأوّل یحضرون فی جمیع المراتب
ص: 428
المخلوقة لأنّهم خلیفة الله تبارک و تعالی فی جمیع العوالم من الملک إلی الملکوت و الجبروت.
و هذا هو معنی «جمع الجمع» لجمیع الحقائق الربوبیة فلا معنی لارتقائهم (علیهم السلام) إلی عالم اللوح المحفوظ بل هم متحدون مع اللوح المحفوظ کما فسّر (الْکِتابِ الْمُبینِ)((1)) بوجود أمیر المؤمنین (علیه السلام) .((2))
ص: 429
ص: 430
فیه فصول سبعة:
الفصل الأوّل: المراد من المطلق
الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»
الفصل الثالث: فی مقدّمات الحکمة
الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟
الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید
الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات
الفصل السابع: المجمل والمبین
ص: 431
ص: 432
ص: 433
ص: 434
المراد من المطلق
و فیه أمران:
قد استشکل علیه صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) و بعض الأعلام طرداً و عکساً.((2))
أجابهم صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) بأنّ التعریف المذکور شرح الاسم و هو ممّا یجوز أن لایکون بمطّرد و لابمنعکس.
و مراده من «شرح الاسم» هو شرح اللفظ کما تقدّم بیان ذلک عند إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علیه.
ص: 436
الشهید الثانی (قدس سره) عرّفه فی تمهید القواعد((1)) بالماهیة و قال فی بیان الفرق بینه و بین العام: «إنّ المطلق هو الماهیة لا بشرط شیء و العامّ هو الماهیة بشرط الکثرة المستغرقة».
المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی و المحقّق المظفّر (قدس سرهم) قالوا بأنّه لیس للأُصولیین اصطلاح جدید فی لفظ «المطلق» بل المراد من «المطلق» عندهم هو المعنی اللغوی و هو الإرسال و المطلق هو المرسل الذی لم یقید بشیء کما یقال «فلان مطلق العنان» بمعنی أنّه غیر مقید بشیء و هذا هو الصحیح فی المقام فلانحتاج إلی البحث عن التعاریف و ما أُورد علیها.((2))
ص: 437
فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم أخذه و حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه، فعلی هذا إنّ الإطلاق و التقیید متلازمان فی الإمکان و الاستحالة فإذا أمکن التقیید أمکن الإطلاق، و إذا استحال التقیید یلزم منه استحالة الإطلاق.
المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال بالتفصیل بین مقامی الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و الحق هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))، فإنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید فی غایة المتانة و لذلک نقول بأنّ التقابل بینهما فی مقام الإثبات تقابل العدم و الملکة، و لکن ما اختاره من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایخلو من إشکال فإنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو لحاظ الخصوصیة و رفضه و رفض الخصوصیة أمر وجودی فالتقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضّاد((2)).
و یلزم من ذلک نتیجة مهمّة و هی أنّ استحالة التقیید بشیء فی مقام الثبوت مستلزم لضرورة الإطلاق فی هذا المقام.
ص: 439
ص: 440
ص: 441
ص: 442
ألفاظ «المطلق»
فالأُمور خمسة:
هناک ألفاظ یطلق علیها «المطلق» و یبحث عما وضع له بعض هذه الألفاظ مثل اسم الجنس و علم الجنس و المفرد المعرف ب- «ال» و الجمع المعرف ب- «ال» و النکرة. ((1))
ص: 443
فیه موضعان:
المراد من اسم الجنس المعنی الأعم من اسم الجنس المنطقی فیعمّ النوع و الصنف مثل «إنسان» و «فرس» و «حیوان» و «رجل» من الجواهر و مثل «سواد» و «بیاض» من الأعراض و مثل «زوج» و «مالک» من العرضیات.
اختلف الأعلام فی أنّ الدلالة علی الإطلاق فی أسماء الأجناس بالوضع أو بمقدّمات الحکمة.
إنّ القدماء قالوا بأنّ الإطلاق فیها وضعی فیکون الإطلاق عندهم داخلاً فی المعنی الموضوع له بحیث لو استعمل فی المقید یکون مجازاً.
الأوّل: أن یکون الموضوع له هو المعنی المطلق (بأن یعتبر لا بشرط).
الثانی: أن یکون الموضوع له هو المعنی بشرط الإطلاق (بأن یعتبر بشرط شیء).
للمعانی بما هی هی و الإطلاق یستفاد من مقدّمات الحکمة، و تبعه فی ذلک جمیع الأعلام المتأخرین.
و الحق هو ما أفاده سلطان العلماء (قدس سره) .
و هو التبادر، لأنّ المتبادر من اسم الجنس لیس إلّا ذات الماهیة من دون انسباق الخصوصیات، فالإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له.
و هی صحة التقسیم، فإنّ اللفظ الدالّ علی اسم الجنس ینقسم بما له من المعنی إلی ذات الماهیة مجرّدة عن جمیع الخصوصیات و ذات الماهیة مع جمیع تلک الخصوصیات و صحّة التقسیم علامة لوضع اللفظ للمعنی الأعمّ منهما، فالإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له، لأنّ الإطلاق أیضاً خصوصیة من الخصوصیات.
و إلی غیر ذلک من الوجوه التی لایهمّنا التعرّض لها.
بل المهمّ هنا تعیین الموضوع له مع ملاحظة اعتبارات الماهیة، بأن نبحث عن کونها دخیلة فی الموضوع له أو لا؟
ص: 445
((1))
و فی تفسیره ثلاث نظریات:
قال الأعلام: إنّ «اسم الجنس» وضع للکلی الطبیعی و هی الماهیة إلّا أنّهم اختلفوا فی أنّ الکلی الطبیعی هی الماهیة المهملة أو هی الماهیة اللابشرط المقسمی أو هی الماهیة اللابشرط القسمی.
ص: 446
المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: الکلی الطبیعی الماهیة المهملة و قال أیضاً: إنّ الماهیة المهملة غیر الماهیة اللابشرط المقسمی خلافاً لبعض الأعلام کما أنّ الماهیة المهملة التی هی الکلی الطبیعی غیر الماهیة المهملة التی ذکرها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) (فما توهّمه جمع من الأعاظم من أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) تابع فی رأیه هنا المحقّق الإصفهانی (قدس سره) خاطئ جدّاً).((1))
المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال: إنّ «اسم الجنس» وضع لذات المعنی و لکن الماهیة فی مرحلة الوضع ملحوظة بنحو اللابشرط القسمی و اللحاظ المذکور خارج عن المعنی الموضوع له و تبعه فی ذلک المحقّق المظفر (قدس سره) .((2))
ص: 448
و قبل بیان ذلک لابدّ من تمهید مقدّمة فی بیان اعتبارات «الماهیة»:((1))
((2))
اعلم أنّ کل ماهیة من الماهیات، إذا لوحظت و کان النظر مقصوراً علیها بذاتها و ذاتیاتها (من دون نظر إلی الخارج عن ذاتها) فهی الماهیة المهملة التی لیست من حیث هی إلّا هی.
و إذا نظر إلی الخارج عن ذاتها، ففی هذه الملاحظة لایخلو حال الماهیة من أحد أُمور ثلاثة:
أحدها: أن تلاحظ بالإضافة إلی الخارج عن ذاتها مقترنة بنحو من الأنحاء و هی الماهیة بشرط شیء (الماهیة المخلوطة).
و ثانیها: أن تلاحظ بالإضافة إلیه مقترنة بعدمه و هی الماهیة بشرط لا (الماهیة المجرّدة).
و ثالثها: أن تلاحظ بالإضافة إلیه لا مقترنة به و لا مقترنة بعدمه و هی الماهیة لابشرط (الماهیة المطلقة).
و حیث یمکن اعتبار أحد هذه القیود فی الماهیة بلا تعین لأحدها فهی أیضاً لابشرط من حیث قید «بشرط شیء» و قید «بشرط لا» و قید «اللابشرط». فاللابشرط حتّی عن قید اللابشرطیة هو «اللابشرط المقسمی» و اللابشرط
ص: 449
بالنسبة إلی القیود التی یمکن اعتبار اقترانها و عدم اقترانها، هو «اللابشرط القسمی».
إنّ المعنی الذی لوحظ لابشرط بالنسبة إلی القید الخارج عن ذاته، هو اللابشرط القسمی دون اللابشرط المقسمی فإنّ اعتبار اللابشرط المقسمی و إن کان بالنظر إلی خارج الماهیة إلّا أنّه لابشرط بالنسبة إلی الاعتبارات الثلاثة لا بالنسبة إلی القید الخارجی.
و أیضاً ظهر من ذلک أنّ الماهیة المهملة هی الماهیة من حیث هی هی و هی الماهیة التی کان النظر مقصوراً علیها بلا نظر إلی الخارج عن ذاته، و اللابشرط المقسمی أمر آخر و هی الماهیة التی اعتبرت لابشرط من حیث اعتبار لابشرط و اعتبار بشرط لا و اعتبار بشرط شیء، لا لابشرط من کل حیثیة، و الماهیة اللابشرط المقسمی بمجرد النظر إلی الخارج عن ذات الماهیة خرجت عن لحاظها من حیث هی هی.
((1))
إنّ مفاهیم الألفاظ هی نفس معانیها، من دون اعتبار أمر زائد علی ذوات معانیها و اللابشرط المقسمی و اللابشرط القسمی کلاهما أمران زائدان علی ذوات المعانی، لأنّ اللابشرط المقسمی هو الإطلاق من حیث الاعتبارات الثلاثة فقط (لا من حیث القیود الخارجیة الطارئة) و اللابشرط القسمی أیضاً اعتبار زائد علی ذات المعنی، و هو لتسریة الوضع إلی جمیع أطوار المعنی بل
ص: 450
اللابشرط القسمی موطنه الذهن، إذ الماهیة بحسب الخارج إمّا توجد مقترنة بالکتابة أو مقترنة بعدمها، فعدم اعتبار «الکتابة و عدمها» فی الماهیة اللابشرط القسمی یوجب کونها ذهنیة لأنّه لاوعاء لهذا الاعتبار إلّا الذهن.
و أمّا توصیف اللابشرط القسمی بالکلی العقلی مسامحة وقعت من صاحب الکفایة((1)) و من غیره، إذ الکلی العقلی فی قبال الکلی الطبیعی و المنطقی، لا مطلق الأمر الذهنی، لأنّ ذهنیتها ملاک جزئیتها.
فالموضوع له ذات المعنی و اعتبار اللابشرط المقسمی و القسمی خارجان عنه، هذا من جانب و من جانب آخر: إنّ الموضوع له لایمکن أن یلاحظ بنحو الماهیة المهملة لأنّها هی الماهیة التی لیست واجدة إلّا لذاتها و ذاتیاتها و الماهیة بهذا الاعتبار لیست إلّا هی فلایحکم بها و لایحکم علیها.
و الوضع حکم محمول علی الماهیة و خارج عن ذاتها و ذاتیاتها فالموضوع له لایلاحظ بنحو الماهیة المهملة بل لابدّ أن یلاحظ الموضوع له بالنسبة إلی أمر خارج عن ذات الماهیة و ذاتیاتها فیجب أن یلاحظ الماهیة مع أحد الاعتبارات الثلاثة و لیس هو إلّا اعتبار اللابشرط القسمی أمّا الماهیة اللابشرط المقسمی فلیست هی إلّا أحد الاعتبارات الثلاثة.
فتحصّل من ذلک أنّ الموضوع له ل«اسم الجنس» هو ذات المعنی الذی هو غیر واجد إلّا لذاته و ذاتیاته و هی الماهیة المهملة لا الماهیة اللابشرط المقسمی و لا اللابشرط القسمی، إلّا أنّه حین الوضع لوحظ باعتبار اللابشرط القسمی و لکن هذا الاعتبار (اللابشرط القسمی) مصحّح لموضوعیة الموضوع، من دون أخذه فی الموضوع له.
ص: 451
إنّ ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) یفترق عن نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی جانبین:
الأوّل: إنّه یری أنّ الکلی الطبیعی هو ما سمّیناه بالماهیة المهملة و لکن یفسّرها بأنّها هی الجامعة بین جمیع الأقسام بشتّی لحاظاتها و أنّها معرّاة من جمیع الخصوصیات و التعینات الذهنیة و الخارجیة، حتّی خصوصّیة قصر النظر علیها.
فالمهملة الحقیقیة فوق جمیع الاعتبارات و اللحاظات الطارئة علیها و أمّا الماهیة المقصور النظر فیها علی ذاتها و ذاتیاتها فلیست بمهملة بتمام المعنی و حقیقة، نظراً إلی أنّها متعینة من هذه الجهة (أی من جهة قصر النظر علی ذاتها) فتسمیة هذه بالماهیة المهملة لاتخلو من مسامحة.
الثانی: إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) و أیضاً المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الماهیة اللابشرط القسمی لا وجود لها إلّا فی الذهن خاطئ جدّاً.
و منشأ الخطأ تخیل أنّ لحاظ السریان قد أُخذ قیداً لها و من الطبیعی أنّ الماهیة المقیدة به، لا موطن لها إلا الذهن.
و لکنه تخیل فاسد، فإنّ معنی لحاظ سریانها هو لحاظها فانیة فی جمیع مصادیقها و أفرادها الخارجیة بالفعل من دون أخذ اللحاظ قیداً لها، فالمعتبر فیها هو واقع السریان الفعلی لا لحاظه الذهنی و وجوده فی أُفق النفس فمعنی
ص: 452
الإرسال و الإطلاق هو عدم دخل خصوصیة من الخصوصیات الخارجیة فی الحکم الثابت لها.
أوّلاً: إنّ ما أفاده من أنّ الماهیة المهملة هی الجامعة لجمیع الأقسام و هی معرّاة من جمیع الخصوصیات حتی خصوصیة قصر النظر علی ذاتها و ذاتیاتها.((1))
فیرد علیه: أنّ الماهیة واجدة لذاتها و ذاتیاتها فإن لم تُقَس إلی الخارج فیکون النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها و یلاحظ من حیث هی لیست إلّا هی و تسمّی بالماهیة المهملة من حیث إهمال النظر بالنسبة إلی وجودها مقیسة إلی الخارج.
و إن قیست إلی الخارج فتتصف بالاعتبارات المذکورة.
ثانیاً: إنّ الماهیة اللابشرط القسمی قسیم للماهیة بشرط شیء و بشرط لا فکیف یتصوّر سریانها الفعلی فیهما بل اللابشرط القسمی هو لحاظ الماهیة بأن لایعتبر فیها الکتابة مثلاً و لاعدم الکتابة مع أنّها فی الواقع إمّا مقترنة بها أو مقترنة بعدمها فهذا اللحاظ أمر ذهنی.
ثالثاً: إنّ ما أفاده من أنّ الکلی الطبیعی الماهیة المهملة التی هی جامعة لجمیع الأقسام و معرّاة من جمیع الخصوصیات الذهنیة و الخارجیة حتّی خصوصیة قصر النظر علیها.
فیرد علیه: مضافاً إلی ما تقدّم من بطلان التفسیر الذی ذکره للماهیة المهملة، أنّ الکلی الطبیعی قد أُخذ فیه وصف الکلیة و ذلک الوصف هو باعتبار قیاس
ص: 453
الطبیعی إلی الخارج، و لذا یقال: الکلی الطبیعی موجود بوجود فرده:
کلی
الطبیعی هی الماهیة
وجوده
وجودها شخصیة((1))
فالماهیة إذا قیست إلی الخارج یکون هو الکلی الطبیعی و هو اللابشرط المقسمی لأنّ اللابشرط القسمی لا وعاء له إلّا الذهن، نعم ینطبق علی الخارج انطباق الأُمور الذهنیة علی الخارج.((2))
ص: 454
فی الموضوع له لعلم الجنس، قولان:
المشهور بین أهل الأدب، هو أنّ «أُسامة» علم لجنس الأسد و الموضوع له لعلم الجنس هی الطبیعة بما هی متعینة بالتعین الذهنی و لذا یعامَل معاملة المعرفة.((1))
الفرق بینهما لفظی، حیث یعامَل «علم الجنس» معاملة المعرفة فیقع مبتدأ و یوصف بالمعرفة و لایدخل علیه لام التعریف و ذلک کتأنیث «ید» و «رجل» و «شمس» فإنّه تأنیث لفظی.
و قد نقل عن نجم الأئمة الرضی (قدس سره) شارح الکافیة أنّه قال: إذا کان لنا تأنیث لفظی فلا بأس أن یکون لنا تعریف لفظی إمّا باللام و إمّا بالعلمیة کما فی «أُسامة».((1))
((2))
إن لم یکن «علم الجنس» موضوعاً لصرف المعنی لما صحّ حمله علی الأفراد، لأنّه علی قول المشهور متعین بالتعین الذهنی فیکون کلّیاً عقلیاً و الکلی العقلی لایصحّ حمله علی الأفراد، إلّا بالتصرف و التأویل بإلغاء التعین الذهنی.
إنّ «علم الجنس» یحمل علی الأفراد من دون تأویل و تصرّف و لایکاد یکون بناء العرف فی القضایا المتعارفة علی التصرّف و التأویل بإلغاء التعین الذهنی.
إنّ وضع «علم الجنس» لما هو متعین بالتعین الذهنی ثم تجریده عن هذا التعین فی مقام الاستعمال لغو لایکاد یصدر عن الجاهل، فضلاً عن الواضع الحکیم.
ص: 456
((1))
إنّ أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له علی أنحاء ثلاثة:
النحو الأوّل: أن یؤخذ علی نحو الجزئیة؛ یعنی کل من التقید و القید داخلان فی الموضوع له.
النحو الثانی: أن یؤخذ علی نحو الشرطیة، بمعنی أنّ القید خارج عن الموضوع له و التقید داخل فیه.
النحو الثالث: أن یؤخذ علی نحو المرآتیة و المعرفیة.
و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من البرهان علی عدم أخذ التعین الذهنی فی الموضوع له حیث قال: «إن کان التعین الذهنی مأخوذاً فی الموضوع له لما صحّ انطباقه علی الأفراد الخارجیة»، یتمّ علی أحد النحوین الأولین، و أمّا علی النحو الثالث فلا مانع من انطباقه علی الأفراد الخارجیة، لأنّ التعین الذهنی حینئذ مرآة للخارج.
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) وافق صاحب الکفایة (قدس سره) فی عدم الفرق بین «اسم
ص: 457
الجنس» و «علم الجنس» فی المعنی لمطابقة ذلک أوّلاً للمرتکزات الوجدانیة و ثانیاً للاستعمالات المتعارفة من أهل اللسان.
فتحصل من ذلک: أنّ علم الجنس أیضا مثل اسم الجنس موضوع للماهیة المهملة الحقیقیة کما ذهب إلیه المحقق الاصفهانی (قدس سره) .
ص: 458
إنّ المشهور بینهم هو أنّ المعرّف بالألف واللام علی أقسام:
المعرّف بالألف واللام الجنس مثل قولنا «الرجل خیر من المرأة».
ص: 459
المعرّف بالألف واللام الاستغراق مثل قوله تعالی (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفی خُسْرٍ)((1))
بمعنی أنّ کل إنسان لفی خسر و مثل قوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((2)) بمعنی أحلّ الله کلّ بیع.
المعرّف بالألف واللام العهد الذهنی مثل قولنا «ادخل السوق» حیث نشیر إلی فرد حاضر فی الذهن بلا تعین له.
المعرّف بالألف و اللام العهد الذکری مثل قوله تعالی: (أَرْسَلْنا إِلی فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ).((3))
المعرّف بالألف و اللام للعهد الخارجی مثل ما إذا أشار إلی فرد معین حاضر عند المخاطب.
ادّعی المشهور أنّ المعرّف باللام إمّا مشترک لفظی بین هذه الأقسام (بأن یقال بتعدّد الوضع للمفرد المعرّف باللام بحسب تلک الأقسام مثلاً: إنّ لفظ
ص: 460
«الإنسان» تارة وضع لتعریف الجنس و أُخری للاستغراق و ثالثة للعهد الذهنی و رابعة للعهد الذکری و خامسة للعهد الخارجی) و إمّا مشترک معنوی بینها.
رأی صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) هنا أنّ مدخول اللام استعمل فی معنی واحد سواء دخل علیه اللام أم لا، و تلک الخصوصیات المذکورة لهذه الأقسام إمّا تستفاد من خصوص اللام أو من قرائن المقام، و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) هنا فی غایة المتانة.
ص: 461
إنّ المعروف بینهم هو أنّ اللام موضوعة للتعریف و مفیدة للتعیین((1)) فی غیر العهد الذهنی، حیث إنّها فی العهد الذهنی لاتفید تعیناً زائداً علی ما یفیده مدخولها فوجود اللام و عدمه سیان. ((2))
و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) قال: اللام للتزیین مطلقاً کما فی «الحسن» و«الحسین»، و استفادة الخصوصیات (أی خصوصیة تعریف الجنس و الاستغراق و العهد الذهنی و الذکری و الخارجی) إنّما تکون بالقرائن.
((4))
أوّلاً: إنّ اللام لو کانت موضوعة للتعریف و التعیین یلزم عدم صحّة حمله علی الأفراد الخارجیة، لأنّ تعینه یکون ذهنیاً، و یکون کلّیاً عقلیاً فلایصحّ حمله علی الأفراد الخارجیة إلّا بالتصرف بإلغاء التعین الذهنی.
ص: 462
ثانیاً: یلزم التصرف و التأویل فیما إذا حملناه علی الفرد الخارجی و هذا لایخلو من التعسف، لعدم بناء العرف فی القضایا المتعارفة المتداولة علی التأویل و التصرف.
ثالثاً: یلزم اللغویة، حیث إنّ الوضع لما لا حاجة له (و هو المعنی مع التعین الذهنی) ثم استعمال اللفظ بالتجرید عن هذا التعین الذهنی لغو، لایصدر عن الحکیم.
((1))
إنّ إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) یبتنی علی أن یکون التعین الذهنی جزءً للمعنی الموضوع له فی مدخول اللام لکن الأمر لیس کذلک، فإنّ وضع اللام للتعیین و التعریف لایسلتزم کون التعین جزء معنی مدخولها أو قیده، ضرورة أنّ «اسم الجنس» موضوع لمعنی واحد، سواء أکان مع اللام أم بدونه.
((2))
إنّا بالارتکاز العرفی و الوجدان فی الاستعمالات المتعارفة و التبادر نری أنّ اللام تدلّ علی التعریف و الإشارة من غیر أن یستلزم کون التعین الذهنی جزء لمعنی مدخولها أو قیداً له.
و ذلک مثل اسم الإشارة حیث إنّه موضوع للدلالة علی تعریف مدخوله و تعیینه فی موطنه حیث قد یشار به إلی الموجود الخارجی (کقولنا: هذا زید) و قد
ص: 463
یشار به إلی الکلی (کقولنا: هذا الکلی الذی هو إنسان أخصّ من الکلی الذی هو حیوان) و قد یشار به إلی المعدوم (کقولنا: هذا الشیء معدوم) فهکذا کلمة اللام قد یشار به إلی الجنس (کقولنا: أکرم الرجل) و قد یشار به إلی الاستغراق (کقولنا: أکرم العلماء بناء علی دلالة الجمع المعرف باللام علی العموم) و قد یشار به إلی العهد الذهنی أو العهد الذکری أو العهد الخارجی.
فتحصل إلی هنا أنّ اللام تدلّ علی التعریف من دون استلزامه لکون التعین الذهنی جزء لمعنی مدخول اللام أو قیداً له کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .((1))
ص: 464
هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟ فیه قولان:
إنّ صاحب الکفایة((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) ((2)) قالا فیما تقدّم بأنّ دلالته بمقدّمات الحکمة أو قرینة أُخری، لعدم وضع اللام و لا مدخولها و لا المرکب منهما للعموم.
ما المستند فی هذه الدلالة؟ فیه وجهان:
قال المحقّق القمی (قدس سره) بأنّ دلالته علی العموم وضعی.((3))
صاحب الکفایة (قدس سره) قال هنا بأنّ دلالة الجمع المعرف باللام علی العموم مستندة إلی وضع المرکب من اللام و مدخولها للاستغراق، لا إلی دلالة اللام علی
ص: 465
الإشارة إلی المعین، لیکون التعریف باللام، و إن أبیت إلّا عن استناد الدلالة علی الاستغراق إلی اللام، فلا محیص عن دلالتها علی الاستغراق بلا دلالتها علی التعیین، فلاتدلّ اللام علی التعیین بل تدلّ علی الاستغراق فقط.((1))
لم یثبت وضع اللام ولا وضع المرکب من اللام و الجمع المعرّف به للإستغراق فالدلالة علیه لایکون إلّا بمقدّمات الحکمة.
قد استدلّ بعضهم علی دلالة اللام علی العموم الاستغراقی فقال:
إنّ اللام موضوعة للتعیین و التعریف، فلابدّ أن یراد جمیع أفراد مدخولها، لأنّه لا تعیین لسائر مراتب أفراد مدخولها إلّا لتلک المرتبة، یعنی المرتبة الأخیرة المشتملة علی جمیع أفراد المدخول، فالتعیین یقتضی دلالة الجمع المعرّف باللام علی استغراق جمیع أفراده.
إنّ ذلک لا یتمّ، لأنّه کما أنّ لتلک المرتبة الجامعة لجمیع الأفراد تعیناً فی الواقع کذلک للمرتبة الأُولی و هی أقلّ مراتب الجمع و لا دلالة علی تعیین المرتبة الأخیرة أو أقل مراتب الجمع.
ص: 466
((1))
إنّ هذه المرتبة أی أقلّ مرتبة الجمع لا تعین لها فی الخارج و إن کان لها تعین بحسب مقام الإرادة، فإنّ الثلاثة التی هی أقلّ مرتبة الجمع تصدق فی الخارج علی الأفراد الکثیرة و لها مصادیق متعدّدة فیه کهذه الثلاثة و تلک و هکذا و من ناحیة أُخری إنّ کلمة اللام تدلّ علی التعین الخارجی و التعین الخارجی منحصر فی المرتبة الأخیرة من الجمع و هی إرادة جمیع أفراد مدخولها حیث إنّ له مطابقاً واحداً فی الخارج فلاینطبق إلّا علیه.
ص: 467
قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)): النکرة علی قسمین:
القسم الأوّل: ما هو معین فی الواقع غیر معین للمخاطب و ذلک مثل «رجل» فی قوله تعالی (وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدینَةِ رَجُلٌ یسْعی)((2)).
القسم الثانی: ما هی حصّة کلّیة و طبیعة مقیدة بالوحدة قابلة للانطباق علی کثیرین، مثل «رجل» فی «جئنی برجل».
و هو ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) قال: النکرة هی الطبیعی المقید بالوحدة.
إنّ الفرد المردد لاینطبق علی الفرد الخارجی لأنّ المردّد لا تعین فیه و بعبارة أُخری لا وجود له و لا ماهیة له مع أنّ الأفراد الخارجیة متعینّه و متشخّصة و ذات وجود و ماهیة.
((3))
ما ذکره من أنّ «النکرة» قد تستعمل فی الواحد المعین عند المتکلّم و المجهول
ص: 469
عند المخاطب کما فی قوله تعالی (وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدینَةِ رَجُلٌ یسْعی)((1)) لایمکن الأخذ به ضرورة أنّ لفظ «رجلٌ» فی الآیة لم یستعمل فی المعین الخارجی المجهول عند المخاطب بل استعمل فی الطبیعی المقید بالوحدة من باب تعدد الدالّ و المدلول، غایة الأمر أنّ مصداقه فی الخارج معلوم عند المتکلّم و مجهول عند المخاطب.
ف «النکرة» تستعمل دائماً فی الطبیعی الجامع، و الوحدة مستفادة من دالّ آخر (أی التنوین) فإذن لا فرق بین النکرة و اسم الجنس أصلاً، فالنکرة هی اسم الجنس غایة الأمر یدخل علیها التنوین لیدلّ علی الوحدة.
ص: 470
إنّ الظاهر صحّة إطلاق «المطلق» عندهم حقیقة علی «اسم الجنس» و «النکرة» بالمعنی الثانی((2)) کما یصحّ لغة و لا یبعد أن یکون المراد من «المطلق» عند الأصولیین هو هذا المعنی اللغوی (کما تقدّم ذلک فی أوّل بحث «المطلق» عن المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)).
قد نسب إلی المشهور أنّ لهم اصطلاحاً فی کلمة «المطلق» فی علم الأُصول و هو أنّ المطلق عندهم الماهیة المقیدة بالإرسال و الشمول البدلی و المطلق بهذا المعنی غیر قابل لطرو التقیید، لأنّ المعنی الاصطلاحی المذکور مقید بالإرسال و هذا ینافی التقیید، فإنّ الماهیة بشرط الإرسال و السعة لایقبل التضییق و التقیید.
و علی هذا لایصدق هذا المعنی الاصطلاحی علی «اسم الجنس» و «النکرة»
ص: 471
حیث إنّهما قابلان للتقیید، لأنّ الماهیة فیهما أُخذت مهملة، و لم تؤخذ بشرط الإرسال.
ولکن صحّة ما نسب إلی المشهور محلّ تأمّل، لأنّهم عدّوا «اسم الجنس» و «النکرة» من أمثلة المطلق، فلو صحّ هذا المعنی الاصطلاحی و التزام المشهور به، لم یبق وجه لعدّ «اسم الجنس» و «النکرة» من أمثلة المطلق.
ص: 472
((1))
الإطلاق و التقیید علی مسلک المتأخرین مثل صاحب الکفایة((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((3))، خارجان عن حریم المعنی الموضوع له، فإذا قید لفظ المطلق لایلزم من ذلک استعمال لفظ المطلق فی غیر معناه الموضوع له، بل المطلق استعمل فی معناه و لکن التقیید یستفاد من دالّ آخر فاللفظ مستعمل فی معناه الموضوع له من دون استلزام المجازیة.
أمّا علی مسلک القدماء((4)) من دخول الإطلاق فی حریم المعنی الموضوع له، فقد اختلف فی أنّ التقیید یوجب المجازیة أو لا؟
أمّا فیما إذا کان التقیید مستفاداً من القرینة المتّصلة، فلابدّ من الالتزام بالمجازیة لأنّه استعمال اللفظ فی غیر المعنی الموضوع له.
و أمّا فیما إذا کان التقیید مستفاداً من القرینة المنفصلة، فاللفظ استعمل فی
ص: 473
المعنی الإطلاقی فالمراد الاستعمالی هو المعنی المطلق، إلّا أنّ الإرادة الجدّیة تعلّقت بالمعنی التقییدی فلم تستلزم المجازیة.((1))
ص: 474
ص: 475
ص: 476
فی مقدّمات الحکمة
فیه أمران:
فیها أقوال نتعرّض ببعضهم:
إنّ بعضهم مثل المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) قالوا: إنّ مقدّمات الحکمة ثلاثة:
المقدّمة الأُولی: أن یکون المتکلّم متمکناً من البیان.
المقدّمة الثانیة: أن یکون فی مقام البیان و لایکون فی مقام الإهمال و الإجمال.
المقدّمة الثالثة: أن لایأتی المتکلّم بقرینة لا متّصلة و لا منفصلة.
ص: 477
لابدّ من البحث حول تلک المقدّمات ثم البحث عما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقام.
لابدّ هنا من البحث تارة فی مقام الثبوت و أُخری فی مقام الإثبات.
قد تقدّم أنّ تقابل الإطلاق و التقیید فی مقام الثبوت تقابل التضادّ کما اختار ذلک الشیخ و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) و نتیجة ذلک أنّه إذا استحال التقیید للزم من ذلک کون الإطلاق ضروریاً.
و لکن المحقّق النائینی (قدس سره) قال: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید فی مقام الثبوت تقابل العدم و الملکة فإذا قلنا باستحالة التقیید یستلزم ذلک استحالة الإطلاق أیضاً.
و قد أشرنا سابقاً إلی بطلان ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فلانعید.
إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی هذا المقام تقابل العدم و الملکة علی وفاق بین المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) مع المحقّق النائینی (قدس سره) و نتیجة ذلک هو أنّه إن تمکّن المتکلّم من البیان، و لم یأت بقرینة و قید فی المقام مع أنّه فی مقام
ص: 479
البیان فیکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت، بمعنی أنّ المراد الجدّی للمتکلّم هو المعنی الإطلاقی.
ص: 480
و الکلام فی ناحیتین:
إذا لم یکن المتکلم فی مقام البیان لم ینعقد الظهور الإطلاقی فی کلامه((1))، و ذلک مثل قوله تعالی (أَقیمُوا الصَّلاةَ)((2))، فإنّه فی مقام بیان أصل التشریع، لا کیفیة إقامة الصلاة، فلایمکن التمسّک بإطلاقه فیما إذا شککنا فی شرطیة شیء للصلاة.
نعم قد یکون المتکلّم فی مقام البیان من جهة دون جهة أُخری فحینئذ یتمسّک بإطلاق کلامه بالنسبة إلی الجهة التی یکون فی مقام بیانها و ذلک مثل قوله (علیه السلام): «فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ»((3)) فإنّه فی مقام البیان من جهة مقدار الدم، لا من جهة کونه من دم مأکول اللحم أو غیر مأکول اللحم.
و أیضاً مثل قوله تعالی: (فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)((4)) فإذا شک فی اعتبار
ص: 481
الإمساک من الحلقوم فی تذکیته یتمسّک بإطلاق الآیة من هذه الناحیة حیث إنّه فی مقام البیان من هذه الجهة (جهة حلیة الأکل) و أمّا إذا شک فی طهارة المحل فلایمکن التمسّک بإطلاق الآیة حیث إنّ الآیة لیست فی مقام البیان من جهة الطهارة. (و هذان المثالان ممّا أفادهما المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))).
فلابدّ أن یتمسّک ب- «أصالة البیان» و استدلّ علیها بأوجه أربعة:
و هو أصل تطابق مقام الثبوت و الإثبات، فإذا لم یقید بقید فی مقام الإثبات نکشف من ذلک إطلاق مقام الثبوت، حیث إنّ فی القضایا الشرعیة لایتصوّر الإهمال فی مقام الثبوت، فالأصل یقتضی أن لایکون إهمال فی مقام الإثبات أیضاً إلّا إذا دلّت علیه قرینة. نعم فی القضایا العرفیة یمکن وجود الإهمال فی مقام الثبوت لطروّ النسیان و الغفلة علی الحاکم العرفی و المقنّن.
إنّ الإهمال فی القضایا الشرعیة لایتصور فی مقام الثبوت بل یستحیل من الشارع الحکیم بخلاف الإهمال فیها فی مقام الإثبات، فإنّه قد یکون لازماً حیث إنّ المقام مقام أصل التشریع.((2))
ص: 482
إنّ المستند لأصالة البیان السیرة العقلائیة علی حمل کلام المتکلّم علی کونه فی مقام البیان إذا شک فی ذلک.((1))
((2))
إنّ السیرة العقلائیة تشمل ما إذا کان منشأ الشک هو أنّ المتکلّم کان فی مقام أصل التشریع أو کان فی مقام بیان تمام مراده، کما فی قوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((3)) فحینئذ تجری أصالة کونه فی مقام البیان.
و أمّا إذا کان منشأ الشک هو سعة الإرادة أو ضیقها، بأن علم أنّ فی کلامه إطلاقاً من جهة و لکن نشک فی إطلاقه من جهة أُخری فلایمکن التمسّک بأصالة البیان و ذلک کالمثالین المذکورین (فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)((4))، و «فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ»((5)) لعدم قیام السیرة علی حمل کلامه علی کونه فی مقام البیان.((6))
ص: 483
إنّ المستند لأصالة البیان سیرة أهل المحاورات علی ذلک کما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) .
ما أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی السیرة العقلائیة یجری هنا أیضاً.
إنّ المستند لها سیرة المتشرعة من أصحاب الأئمة (علیهم السلام) حیث إنّهم یأخذون الحکم و لاینتظرون شیئاً بل یذهبون إلی بلادهم و یعملون علی طبق ما أخذوه من الأئمة (علیهم السلام) و هذه السیرة غیر مردوعة، فالدلیل علی أصالة البیان هو سیرة المتشرعة و هذا الوجه هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) .((1))
ص: 484
إذا لم یأت المتکلم بقرینة لامتصلة و لامنفصلة فیثبت لکلامه إطلاق فی مرحلة الإثبات، و تطابق مقام الثبوت و الإثبات و تبعیة الإطلاق الإثباتی للإطلاق الثبوتی یوجب الکشف عن الإطلاق الثبوتی.
مضافاً إلی أنّ السیرة العقلائیة أیضاً قامت علی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت.
و مع تمامیة المقدّمات الثلاث المذکورة یتمسّک بالإطلاق.
ص: 485
بقی الکلام فی المقدّمة التی أضافها صاحب الکفایة (قدس سره) و هی وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب.((1))
إنّ القدر المتیقّن إمّا هو القدر المتیقّن الخارجی، فإنّ هذا لایوجب المنع عن التمسّک بالإطلاق، لأنّ ذلک موجود غالباً فی کلّ مطلق، مثلاً إذا قال المولی: «أکرم فقیهاً» فالقدر المتیقّن منه الفقیه الجامع للشرائط.
و إمّا هو القدر المتیقّن فی مقام التخاطب بأن یکون مورد السؤال مثلاً خصوص شیء و حینئذ جواب الإمام (علیه السلام) و إن کان مطلقاً بالنسبة إلیه فیشمل غیره لکن القدر المتیقّن من الجواب هو مورد السؤال و حینئذ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ إرادة القدر المتیقّن فی جواب الإمام (علیه السلام) لا شبهة فیه و أمّا إرادة غیره فیکون محتملاً، و هذا القدر المتیقّن یصلح لأن یکون قرینة علی مراد الإمام (علیه السلام)، فلو أراد المولی الأعمّ منه فلابدّ أن یبین أنّ الموضوع هو المطلق فلو لم یبین ذلک لایمکن التمسّک بالإطلاق، لأنّ الکلام محفوف بما یصلح أن یکون قرینة لإرادة ما هو المتیقّن.
إنّ بعض أدلّة الاستصحاب مثل «أنّ الشک لاینقض الیقین» وارد فی مورد
ص: 486
باب الوضوء و بقاء الطهارة عند تحقّق الخفقة أو الخفقتین، فالقدر المتیقّن فی مقام التخاطب هو بقاء الطهارة الوضوئیة و لکن صاحب الکفایة (قدس سره) أخذ بإطلاق الدلیل و قال بشموله للاستصحاب فی موارد الشک فی المقتضی.
مضافاً إلی أنّ القدر المتیقّن فی مقام التخاطب لاینحصر فی موارد السؤال عن شیء خاصّ بل ورود الدلیل فی واقعة خاصّة هو من مصادیق القدر المتیقّن فی مقام التخاطب، فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) یقتضی عدم التعدّی عن تلک الواقعة مع أنّه (قدس سره) أیضاً لایلتزم بذلک. ((1))
((2))
إنّ ظهور الکلام فی المعنی الإطلاقی منعقد قطعاً، فالإطلاق الإثباتی محقّق بلا کلام و المولی بحکم المقدّمات السابقة یکون فی مقام البیان، فلابدّ أن یکشف الظهور الإطلاقی فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لما تقدّم من أنّ مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت.
ص: 487
و لذا لو سئل المولی عن مجالسة شخص معین فی الخارج و أجاب بعدم جواز مجالسة الفاسق لم یحتمل بحسب الفهم العرفی اختصاص الحکم بذاک الشخص المعین فی الخارج، فلامحالة یعمّ الحکم غیره.
ص: 488
ص: 489
ص: 490
هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟
قیل بتحققه فی مواضع:((1))
المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: إنّ ذلک یتحقّق فی موردین:
المورد الأوّل: علوّ مرتبة بعض أفراد الماهیة علی نحو یوجب انصرافها عنه و حملها علی سائر الأفراد و ذلک مثل لفظ «الحیوان»، فإنّ معناه اللغوی یشمل الإنسان، إلّا أنّ معناه العرفی منصرف عن الإنسان.
و من ذلک هو أنّ قوله (علیه السلام) «لاتصل فیما لایؤکل لحمه»((2)) ینصرف عن
ص: 491
الإنسان عرفاً مع أنّ الإنسان أیضاً مما لایؤکل لحمه.((1))
المورد الثانی: دنوّ مرتبة بعض أفراد الماهیة علی نحو یکون صدقها علیه مورداً للشک. ((2))
توضیح ذلک: إنّ المطلق قد یصدق علی فرد و لکن نشک فی خروجه عن الإطلاق باحتمال وجود قرینة علی ذلک فهنا تجری أصالة الإطلاق، لأنّ صدق المطلق علی هذا الفرد محرز.
و قد یکون صدق المطلق عرفاً علی بعض الأفراد مشکوکاً و إن کانت ماهیة المطلق تشمله، و بعبارة أُخری صدق اللفظ علی بعض الأفراد خفی بینما صدقه علی سائر أفرادها جلی، فهنا یقولون بانصراف المطلق إلی الفرد الجلی، و وجه انصرافه عن الفرد الخفی فی هذا المورد هو دنوّ رتبته و قد مثل لذلک فی المحاضرات بصدق الماء علی ماء الکبریت.
فیه أنّ المطلق یصدق علی الفرد النادر فندرة الوجود لایوجب الانصراف عنه.
غلبة وجود بعض الأفراد توجب انصراف المطلق إلی الفرد الغالب و من ذلک قالوا: المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأکمل.
فیه أنّ غلبة وجود بعض الأفراد لایوجب عدم صدق المطلق علی سائر أفراده و لا انصراف عنه مع صدقه علیه.((1))
ص: 493
ص: 494
ص: 495
ص: 496
حمل المطلق علی المقید
إنّ البحث هنا یقع فی مقامین:
الأول: المطلق الذی لوحظ بنحو صرف الوجود عند الحکم علیه.
و الثانی: المطلق الذی لوحظ بنحو مطلق الوجود عند الحکم علیه.
ص: 497
و هو المطلق الذی لوحظ بنحو صرف الوجود.
و المقید هنا یکون علی نحوین:
الأوّل: المقید الذی یکون مخالفاً للمطلق: مثلاً إذا قال: «أعتق رقبة» ثم جاء المقید المخالف فقال: «لاتعتق رقبة کافرة»، فهذا المقید یشتمل علی حکم مخالف لحکم المطلق.
الثانی: المقید الذی یکون موافقاً للمطلق مثل قوله فی المثال المذکور «أعتق رقبة مؤمنة» فإنّ حکم المقید موافق حینئذ لحکم المطلق.
ص: 498
و اختلف هنا فی أنّ المطلق (و هو قوله: أعتق رقبة) یحمل علی المقید، أو یؤخذ بظاهره و یحمل المقید علی أنّه أفضل الأفراد.((1))
و هذا النحو الثانی علی صورتین:
إذا علمنا من الخارج بأنّ الحکم المذکور فی القضیة المطلقة و المقیدة واحد غیر متعدّد.
الحق هنا حمل المطلق علی المقید، لأنّ ظهور المطلق فی إطلاقه تعلیقی یتوقف علی عدم البیان و أمّا ظهور المقید فی الوجوب تنجیزی فیکون بیاناً فی قبال المطلق، فیحمل المطلق علی المقید.
و إذا احتملنا من الخارج أنّ الحکم متعدد. و المحتمل فیها أوجه خمسة:
الوجه الأوّل: یحمل المطلق علی المقید و هو المختار لما تقدّم فی الصورة الثانیة.
الوجه الثانی: یحمل المقید علی أفضل الأفراد.
الإیراد علی الوجه الثانی: فیه أنّ ظهور المطلق تعلیقی و ظهور المقید تنجیزی و لازم هذا الوجه هو الأخذ بالظهور التعلیقی و التصرّف فی الظهور التنجیزی.
ص: 499
الوجه الثالث: یکون کلاهما مأخوذاً بوجوبهما من قبیل واجب فی واجب آخر مثل وجوب الغسل و وجوب کونه بماء الکافور أو السدر.
الإیراد علی الوجه الثالث: فیه أنّ ما قیل من کونهما علی نحو الواجب فی واجب آخر خلاف ظاهر الدلیل لأنّ الأمر فی المقید یحمل حینئذ علی الإرشادیة أو الجزئیة لا علی المولویة و الظاهر من الدلیل المقید هنا هو الحکم المولوی.
الوجه الرابع: یکونان واجبین مستقلّین و یسقط الحکم بالمطلق عند إتیان المقید.
الإیراد علی الوجه الرابع: فیه أنّ ذلک یستلزم لغویة الحکم بالمطلق، لأنّ الإتیان بالمقید لازم علی أی حال و کافٍ عن المطلق فی کلّ حال، فلاوجه للحکم بالمطلق.
الوجه الخامس: یکونان واجبین مستقلّین و لایسقط الحکم بالمطلق عند إتیان المقید.
الإیراد علی الوجه الخامس: أنّه خلاف الظاهر حیث یلزم فی هذا الاحتمال تقیید الحکم بالمطلق بغیر الحصّة المقیدة و إلّا فلا وجه لعدم سقوط المطلق بالإتیان بالمقید لأنّ المطلق ینطبق علی المقید انطباق الطبیعی علی حصّته.
فجمیع هذه الوجوه خلاف الظاهر إلّا الوجه الأوّل فإنّه من باب الأخذ بالظهور التنجیزی و حمل المقید علی کونه بیاناً للمطلق فیحمل المطلق علی المقید.
ص: 500
و هو المطلق الذی لوحظ بنحو مطلق الوجود. و المقید فی هذا المقام علی نحوین أیضاً:
الأول: المقید الذی یکون مخالفاً لحکم المطلق، فهما یکونان من المتخالفین.
و له مثالان معروفان، أمّا المثال الأول: فالمطلق، مثل: «أَحَلَّ الله الْبَیعَ»((1)) و المقید، مثل: «نهی النبی (صلی الله علیه و آله) عن بیع الغرر»((2)) و أمّا المثال الثانی: فالمطلق، مثل: «أکرم العالم» و المقید، مثل: «و لاتکرم العالم الفاسق».
و فی هذا النحو من الإطلاق و التقیید، فلابدّ أن یحمل المطلق علی المقید، لمکان التنافی بینهما.
الثانی: المقید الذی یکون موافقاً لحکم المطلق، فهما یکونان من المثبتین. ((3))
ص: 501
أما مثاله المعروف: فالمطلق، مثل:«أکرم العالم» و المقید، مثل: «أکرم العالم العادل».
و هنا نظریتان مهمّتان:
دلیله عدم التنافی بین «أکرم العالم» وأکرم العالم العادل، فإنّ المطلق قد تعلَّق بمطلق العالم، والمقید قد تعلّق بخصوص حصّة العالم العادل، و مع عدم التنافی فلا وجه لحمل المطلق علی المقید، بل المقید یحمل علی أفضل الأفراد.
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد نقل نظریة المشهور، ناقش فیه من جهة التزامه إجمالاً بمفهوم الوصف بمعنی خاصّ قد تقدّم بیانه و قلنا بأنّا أیضاً نلتزم بمفهوم الوصف تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض أکابر أساتیذنا من تلامذة المحقق الإصفهانی (قدس سره)، و لذلک نلتزم بمقالة المحقق الخوئی (قدس سره) فی الجملة.
قال المحقق الخوئی (قدس سره): هذا إنّما یتم فیما إذا لم نقل بدلالة الوصف علی المفهوم بالمعنی الذی تقدم فی محلّه، وأمّا إذا قلنا بها کما هو الظاهر فلا یتمّ.
بیان ذلک: أنّ القید تارةً یقع فی کلام السائل من جهة توهمه أنّ فیه خصوصیة تمنع عن شمول الحکم له، کما إذا افترض أنّه توهم أنّ الاطلاقات الدالة علی
ص: 502
طهوریة الماء لا تشمل ماء البحر من جهة أنّ فیه خصوصیة و هی ملاحته، یمتاز بها عن غیره من المیاه، فلأجل ذلک سأل الإمام (علیه السلام) عن طهوریته فأجاب (علیه السلام) بأنّه طاهر، ففی مثل ذلک لا شبهة فی عدم دلالته علی المفهوم. و کذا إذا أتی الإمام (علیه السلام) بقید فی کلامه لرفع توهم السائل أنّ فیه خصوصیة یمتاز بها عن غیره، بأن قال (علیه السلام): «ماء البحر طاهر»((1)).
و أمّا إذا لم تکن قرینة علی أنّ الاتیان بالقید لأجل رفع التوهم، ففی مثل ذلک لامانع من الالتزام بالمفهوم، و قد ذکرنا فی بحث مفهوم الوصف أنّه ظاهر فیه و إلاّ لکان الاتیان به لغواً محضاً، کما أنّا ذکرنا هناک أنّ المراد بالمفهوم هو دلالته علی أنّ الحکم فی القضیة غیر ثابت للطبیعی علی نحو الاطلاق و إلاّ لکان وجود القید و عدمه سیان، و لیس المراد منه دلالته علی نفی الحکم عن غیر مورده کما هو الحال فی مفهوم الشرط، و قد تقدم تمام هذه البحوث بشکل موسّع هناک فلاحظ.
و علی أساس ذلک فلامناص من حمل المطلق علی المقید هنا أیضاً .
فالنتیجة: أنّه لا فرق فی لزوم حمل المطلق علی المقید بین ما إذا کان التکلیف فی طرف المطلق متعلقاً بصِرف وجوده أو بمطلق وجوده، فلاوجه لما عن المشهور من التفصیل بینهما، و علی ذلک تترتب ثمرة فقهیة فی بعض الفروع. ((2))
ص: 503
ص: 504
ص: 505
ص: 506
حمل المطلق علی المقید فی المستحبات
هنا نظریات مهمة بین الأعلام
إنّ المشهور قالوا بأنّ حمل المطلق علی المقید لایجری فی المستحبات، و قد ذکر لذلک وجوه، منها: إنّ المستحبات غالباً متعدّدة من حیث مراتب الفضل، و هذه الغلبة قرینة علی حمل المقید علی الفرد الأفضل.
إنّ المتعلّق إذا أخذ علی نحو صرف الوجود باصطلاحهم، و قامت قرینة علی أنّه بنحو وحدة المطلوب، فلایمکن الحمل علی الأفضلیة، فما أفاده المشهور لایجری علی جمیع التقادیر.
أنّ مجرد الغلبة لایوجب ذلک بعد ما افترض أنّ دلیل المقید قرینة عرفیة علی تعیین المراد من المطلق، ضرورة أنّ الغلبة لیست علی نحو تمنع عن ظهور دلیل المقید فی ذلک.
ص: 507
إنّ الدلیل الدالّ علی التقیید یتصور علی وجوه أربعة لا خامس لها:
بمعنی أن یکون لسانه لسان القضیة الشرطیة، کما إذا افترض أنّه ورد فی دلیل أنّ صلاة اللیل مستحبة و هی إحدی عشرة رکعة، و ورد فی دلیل آخر أنّ استحبابها فیما إذا کان المکلف آتیاً بها بعد نصف اللیل، ففی مثل ذلک لامناص من حمل المطلق علی المقید عرفاً، نظراً إلی أنّ دلیل المقید ینفی الاستحباب فی غیر هذا الوقت من جهة دلالته علی المفهوم.
فإذا دلّ دلیل علی استحباب الإقامة مثلاً فی الصلاة ثمّ ورد فی دلیل آخر النهی عنها فی مواضع کالإقامة فی حال الحدث أو حال الجلوس أو ما شاکل ذلک، ففی مثل ذلک لامناص من حمل المطلق علی المقید، و الوجه فیه: ما ذکرناه غیر مرّة من أنّ النواهی الواردة فی باب العبادات و المعاملات ظاهرة فی الارشاد إلی المانعیة، و أنّ الحدث أو الجلوس مانع عن الإقامة المأمور بها، و مرجع ذلک إلی أنّ عدمه مأخوذ فیها فلا تکون الإقامة فی حال الحدث أو الجلوس مأموراً بها.
کما إذا افترض أنّه ورد فی دلیل أنّ الإقامة فی الصلاة مستحبة، و ورد فی دلیل آخر فلتکن فی حال القیام أو فی حال الطهارة، فالکلام فیه هو الکلام فی القسم
ص: 508
الثانی حیث إنّ الأمر فی قوله: فلتکن، ظاهر فی الارشاد إلی شرطیة الطهارة أو القیام لها، و لا فرق من هذه الناحیة بین کون الإقامة مستحبة أو واجبة، فما هو المشهور من أنّه لا یحمل المطلق علی المقید فی باب المستحبات لا أصل له فی الأقسام المتقدمة.
کما هو الغالب فی باب المستحبات، مثلاً ورد فی استحباب زیارة الحسین (علیه السلام) مطلقات و ورد فی دلیل آخر استحباب زیارته (علیه السلام) فی أوقات خاصة کلیالی الجمعة و أوّل و نصف رجب، و نصف شعبان، و لیالی القدر و هکذا، ففی مثل ذلک هل یحمل المطلق علی المقید؟
الظاهر أنّه لایحمل علیه، و السبب فیه: أنّ الموجب لحمل المطلق علی المقید فی الواجبات هو التنافی بین دلیل المطلق و المقید، حیث إنّ مقتضی إطلاق المطلق ترخیص المکلف فی تطبیقه علی أی فرد من أفراده شاء فی مقام الامتثال، و هو لایجتمع مع کونه ملزماً بالاتیان بالمقید، و هذا بخلاف ما إذا کان دلیل التقیید استحبابیاً فانّه لاینافی إطلاق المطلق أصلاً، لفرض عدم إلزام المکلف بالاتیان به، بل هو مرخّص فی ترکه، فإذا لم یکن تناف بینهما فلا موجب لحمل المطلق علی المقید، بل لابدّ من حمله علی تأکد الاستحباب و کونه الأفضل، و هذا هو الفارق بین الواجبات و المستحبات .
و من هنا یظهر أنّ دلیل المطلق إذا کان متکفلاً لحکم إلزامی دون دلیل المقید فلابدّ من حمله علی أفضل الأفراد أیضاً بعین الملاک المزبور. فالنتیجة: أنّ دلیل المقید إذا کان متکفلاً لحکم غیر إلزامی فلا بدّ من حمله علی الأفضل، سواء أکان
ص: 509
دلیل المطلق أیضاً کذلک أو کان متکفلاً لحکم إلزامی، و السر فیه ما عرفت من عدم التنافی بینهما أبداً.
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) أشار إلی صورة تعلّق الحکم بالطبیعة فی ما إذا أخذ بنحو مطلق الوجود و لم یتعرّض لصورة تعلّقه بالطبیعة علی نحو صرف الوجود باصطلاحهم، و لذا ما أفاده ناقص من جهة اشتماله علی جمیع الصور.
إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)، بعد ملاحظة الوجوه الثلاثة المتقدمة فی کلام المحقق الخوئی (قدس سره)، یعدّ تتمیماً لما أفاده فی الوجه الرابع، و قد تقدم نقصان الصور المذکورة فی الوجه الرابع، و هذه النظریة تکمله.
بیان ذلک: إنّ المتعلّق فی الوجه الرابع إن کان بنحو مطلق الوجود فالأمر کما أفاده و إن کان بنحو صرف الوجود و أحرزنا تعدّد المطلوب، فلایحمل المطلق علی المقید و إن کان بنحو وحدة المطلوب فلحمل المطلق علی المقید وجه، و المرجع هو الأصل العملی فی المقام.((1))
ص: 510
ص: 511
ص: 512
المجمل و المبین
إنّ المجمل ما یکون معناه غیر واضح و مشتبهاً و لم یکشف عن معناه، سواء کان إجماله حقیقیاً بالذات أو حقیقیاً بالعرض أو حکمیاً.
والمبین ما یکون معناه ظاهراً و واضحاً و کاشفاً عن معناه.
فالمراد من المجمل والمبین إنّما هو المعنی اللّغوی منهما، فلیس اصطلاح خاص لهما.
إن المجمل عبارة عمّا لا یکون بحجّة ولا یستطرق به إلی الواقع، فیقابله المبین وهو الذی یستطرق به إلی الواقع.
إنّ المجمل إما حقیقی و إما حکمی.
ص: 513
فهو ما لم یظهر فی المراد الاستعمالی، إما لإجماله بالذات کالمشترک اللفظی، و إمّا لإجماله بالعرض، لاحتفافه بما یصلح للقرینیة. و مثّلوا لللفظ المجمل الحقیقی بلفظ «الصعید» و «الغناء».
فهو ما لم یعلم المراد الجدی منه، کما فی العامّ بعد تخصیصه بالمخصص المنفصل، فی ما إذا کان مخصّصه المنفصل مردّداً بین الأمرین المتباینین و حینئذ إجمال المخصص یسری إلی العامّ حکماً، لا حقیقةً، لانعقاد ظهور العامّ فی العموم و الإجمال فی المراد الجدی منه.
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّهما من الأُمور الإضافیة، لأنّ اللفظ قد یکون مجملاً عند شخص لجهله بمعناه و مبیناً عند شخص آخر لعلمه به.
و تبعه بعض الأساطین (دام ظله) و قال: بأنّ لفظ «الکرّ» مثلاً مبین عند ابن أبی عمیر، لعلمه بمعناه و مجمل عند بعض الآخرین، لجهلهم بمعنی «الکرّ».((1))
ص: 514
إنّ الجهل بالوضع و العلم به لایوجبان الاختلاف فی معنی الإجمال والبیان، فجهل شخص بمعنی لفظ و عدم علمه بوضعه له لایوجب کونه من المجمل إلاّ لزم أن تکون اللغات العربیة مجملةً عند الفرس و بالعکس، مع أنّ الأمر لیس کذلک.
قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ الإجمال و البیان من الأُمور الواقعیة فالعبرة بهما إنّما هی بنظر العرف، فکلّ لفظ کان ظاهراً فی معناه و کاشفاً عنه عندهم فهو مبین، و کل لفظ لایکون کذلک - سواء أکان بالذات أو بالعرض - فهو مجمل فلا واسطة بینهما.
... قد یقع الاختلاف فی إجمال لفظ فیدعی أحد أنّه مجمل و یدعی الآخر أنّه مبین، ولکن هذا الاختلاف إنّما هو فی مقام الاثبات، و هو بنفسه شاهد علی أنّهما من الأُمور الواقعیة و إلاّ فلا معنی لوقوع النزاع و الخلاف بینهما لو کانا من الأُمور الإضافیة التی تختلف باختلاف أنظار الأشخاص، نظیر الاختلاف فی بقیة الأُمور الواقعیة فیدعی أحد أنّ زیداً مثلاً عالم و یدعی الآخر أنّه جاهل، مع أنّ العلم و الجهل من الأُمور الواقعیة النفس الأمریة.
أنّه لا ضابط کلّی لتمییز المجمل عن المبین فی هذه الموارد، فلابدّ من الرجوع
ص: 515
فی کل مورد إلی فهم العرف فیه، فإن کان هناک ظهور عرفی فهو و إلاّ فیرجع إلی القواعد والأُصول و هی تختلف باختلاف الموارد.
ص: 516
فهرس العناوین تفصیلا
فهرس الآیات
فهرس الروایات
فهرس الأعلام
ص: 517
ص: 518
البحث الثالث: المفاهیم
(و فیه أربع مقدمات و خمسةفصول)
تمهید مقدمات
المقدمة الأُولی: فی کلمة «المفهوم» (و فیه مطلبان)............................................................. 21
المطلب الاول: المراد من کلمة «المفهوم» فی هذا البحث ................................................ 21
إطلاقان لکلمة «المفهوم» ..................................................................................... 21
المطلب الثانی: تعریف «المفهوم» ................................................................................. 22
القول الاول: قول الحاجبی ................................................................................... 23
تفسیر العضدی لهذا القول ............................................................................... 24
ایراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی التعریف بهذا التفسیر ......................................... 24
القول الثانی: قول المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................... 25
المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجیته؟ .............................. 27
المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة (و فیه مطلبان) ........................ 28
المطلب الأول: تعریف هذه الدلالات الثلاث ................................................................ 28
أما دلالة الاقتضاء .................................................................................................. 28
أما دلالة التنبیه و الأیماء ..................................................................................... 29
أما دلالة الإشارة .................................................................................................... 29
المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟ ................................... 30
ص: 519
القول الاول: قول المحقق القمی (قدس سره) ......................................................................... 30
القول الثانی: قول المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) .................................................... 30
القول الثالث: قول بعض الأعلام ........................................................................... 30
أما تحقیق المطلب: (استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی أنّ هذه الدلالات لیست مفهومیة) .............. 30
إیراد المحقق الخوئی علیه ................................................................................. 31
إیراد بعض الأساطین علیه ................................................................................ 32
المقدمة الرابعة: هل المسألة اصولیة أو غیرها؟ و أنها لفظیة أو عقلیة؟ (و فیه مطلبان)....... 33
المطلب الاول: هذه المسألة أُصولیة أو لا؟ .................................................................... 33
استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی کونها أصولیة (و هو یشتمل علی فقرتین) ..................... 33
الفقرة الأُولی: المسألة الأُصولیة ما تقع فی طریق الاستنباط من دون ضمّ کبری أُصولیة إلیها 33
الفقرة الثانیة: فی هذه المسألة لانحتاج إلی ضمّ کبری أصولیة ............................ 33
ایراد بعض الأساطین علی المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 33
المطلب الثانی: هذه المسألة لفظیة أو عقلیة؟ .............................................................. 33
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها ذات حیثیتین (و هو یشتمل علی جهتین) ....................... 33
الجهة الأُولی: کونها لفظیة ................................................................................ 34
الجهة الثانیة: کونها عقلیة ................................................................................ 34
إیرادان علی هذا البیان ......................................................................................... 34
الإیراد الأَول: ایراد بعض الأساطین علی الجهة الثانیة ........................................ 34
الإیراد الثانی: ملاحظتنا علی الجهة الأُولی .......................................................... 34
أقسام المفاهیم
(یقع الکلام هنا فی خمسة فصول)
الفصل الأول: مفهوم الشرط
تحریر محل النزاع ........................................................................................................... 37
ثلاثة أقوال فی المسألة ...................................................................................................... 37
القول الأول: قول المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) بثبوت مفهوم الشرط ................................. 38
القول الثانی: قول السید المرتضی و ابن زهره (قدس سرهما) و من تبعهما بعدم ثبوت مفهوم الشرط ..... 39
القول الثالث: قول العلامة و فخر المحققین (قدس سرهما) و من تبعهما بالتفصیل ................................ 40
التحقیق فی المسألة (و هو یتمّ ببیان أدلة الطرفین فی المقامین) ........................................................ 40
المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط .......................................................................... 43
ص: 520
الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط من طریق العلیة المنحصرة ................................... 43
أما الرکن الأولی ..................................................................................................... 44
استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علیه بوجهین: ........................................................... 44
الوجه الأول: وضع أدوات الشرط للترتّب ..................................................... 44
إیراد بعض الأساطین علیه .................................................................... 44
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ..................................................................... 45
الوجه الثانی: ظهور جعل شیء مقدماً و شیء تالیاً فی الترتب ........................ 45
الحاصل ............................................................................................................ 45
تتمة فی توقف الترتب علی رجوع القید إلی الهیأة فی القضیة الشرطیة ............... 45
أما الرکن الثانی ....................................................................................................... 45
الإستدلال علیه بوجهین: ................................................................................... 45
الوجه الاول: استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) بوضع الجملة الشرطیة للزوم و انسباق اللزوم منها 45
الوجه الثانی: استدلال المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) بندرة استعمال القضیة الشرطیة فی الاتفاقیة و لزوم رعایة علاقة فیها 46
استدلال المحقق الاصفهانی (قدس سره) علی نفیه ................................................................ 46
إیراد بعض الأساطین علی هذا الاستدلال بأربعة أوجه ................................ 47
ملاحظتنا علی الأوجه الأربعة ..................................................................... 47
ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................... 49
الحاصل ............................................................................................................ 49
أما الرکن الثالث: ................................................................................................... 49
استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................................................... 49
ایراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الاستدلال .................................................... 50
استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی نفیه .................................................................... 51
الحاصل ............................................................................................................ 52
أما الرکن الرابع ...................................................................................................... 52
الاستدلال علیه بخمسة أوجه: ........................................................................... 52
الوجه الأول: الوضع .......................................................................................... 53
ایراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ..................................................... 53
الوجه الثانی: الإطلاق الانصرافی ......................................................................... 54
إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ........................................... 55
الوجه الثالث: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الأول .................................... 56
إیرادات ثلاث علی هذا التقریر: .................................................................. 57
ص: 521
الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 57
جواب بعض الأساطین عن هذا الایراد نقضاً و حلاً ..................................... 58
الإیراد الثانی من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 60
الإیراد الثالث من المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................... 61
الوجه الرابع: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الثانی(إطلاق الشرط و العلة) ......... 62
إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر: .................................................................. 64
الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 64
یلاحظ علیه ......................................................................................... 64
الإیراد الثانی من المحقق النائینی و الاصفهانی (قدس سرهما) ......................................... 64
جواب المحقق الروحانی (قدس سره) و بعض الأساطین عن هذا الإیراد ................... 65
جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد .................................................. 66
الإیراد الثالث ............................................................................................. 66
جواب بعض الأساطین عن هذا الإشکال ............................................... 67
الوجه الخامس: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الثالث ............................... 67
ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) و استدل به المحقق النائینی (قدس سره) ........................... 67
بیان المحقق النائینی (قدس سره) لهذا التقریر ............................................................. 67
بیان الفرق بین التقریر الثانی و الثالث ....................................................... 69
إیرادان علی هذا التقریر ...................................................................... 70
الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ...................................................... 70
الإیراد الثانی من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................... 71
الوجه السادس: الإطلاق المقامی و استدل به المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................... 72
الوجه السابع: ما أفاده المحقق الاصفهانی (قدس سره) ........................................................ 74
ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................................................................ 74
الوجه الثامن: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................... 75
الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده الشهرستانی و أبو المجد (قدس سره) .......................... 76
مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق .................................................................... 76
بیان العلامة أبی المجد الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 77
ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 77
الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 78
مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة .................................................................. 78
بیان المحقق العراقی (قدس سره) .............................................................................................. 79
ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 79
الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................... 81
ص: 522
مقدمة فی أنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الإخبار عن ثبوت النسبة 81
ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 83
الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط: (الاستدلال بالروایات نحو روایة أبی بصیر عن الصادق (علیه السلام)) ........ 84
الحاصل ........................................................................................................................ 85
المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط ........................................................................... 88
الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) ....................................................................... 88
الإیراد علی هذا الوجه .............................................................................................. 88
الوجه الثانی ................................................................................................................... 89
الإیراد علی هذا الوجه .............................................................................................. 90
الوجه الثالث: ما حکی عن السید المرتضی (قدس سره) .................................................................... 90
إیرادان علی هذا الوجه ............................................................................................. 92
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................... 92
جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ................................................................. 92
الإیراد الثانی: ............................................................................................................. 92
التنبیه الأول: هل المدلول فی المفهوم، انتفاء شخص الحکم أو انتفاء سنخ الحکم؟ (و فیه مطلبان) 97
المطلب الأول: فی أنّ مفاد المفهوم، انتفاء سنخ الحکم و الفرق بین باب المفهوم و باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه 97
المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً (و للأعلام عدم فی حلهما مسالک) 99
المسلک الأول: مسلک المحقق الأنصاری (قدس سره) .......................................................................... 99
المسلک الثانی: مسلک المحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 100
ملاحظتنا علی هذا المسلک ...................................................................................... 101
المسلک الثالث: مسلک المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................ 101
ملاحظتنا علی هذا المسلک ...................................................................................... 102
المسلک الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................................... 102
المسلک الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 103
الحاصل ...................................................................................................................... 103
التنبیه الثانی: فیما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء ....................................................... 105
بیان المشکلة ............................................................................................................... 105
ص: 523
هناک وجوه لحلّ المشکلة ............................................................................................ 106
الوجه الأول: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................ 109
إیرادان علی هذا الوجه: ................................................................................... 110
الإیراد الأول: من المحق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 110
الإیراد الثانی: من بعض الأساطین ....................................................................... 111
الوجه الثانی: ........................................................................................................... 111
إیراد المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا الوجه ............................................................... 112
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الإیراد ....................................................................... 112
الوجه الثالث: ........................................................................................................ 113
ملاحظتنا علی هذا الوجه ................................................................................. 114
الوجه الرابع: ما اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «الواو» ................. 115
إیراد المحقق الخوئی علی هذا الوجه .................................................................. 117
الوجه الخامس: ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «أو» .................. 118
تقریر العلامة المظفر (قدس سره) لهذا الوجه ...................................................................... 120
الحاصل ...................................................................................................................... 120
التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات (و فیه مطلبان) .............................................. 121
المطلب الأول: تداخل الأسباب و الکلام فیها فی خمس جهات .................................... 122
الجهة الأُولی: خمس مقدمات ذکرها المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) ................................ 122
الف) المقدمة الأُولی: النزاع فیما لم یعلم التداخل أو عدمه من الخارج ....................... 122
ب) المقدمة الثانیة: ................................................................................................ 123
ج) المقدمة الثالثة: النزاع فیما کان الجزاء قابلاً للتعدد .............................................. 124
د) المقدمة الرابعة: النزاع فیما کان الشرط قابلاً للتعدد ............................................. 124
هل الإفطار یقبل التعدد؟ (فیه قولان) .............................................................. 124
القول الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 124
القول الثانی: ما أفاده المحقق الیزدی (قدس سره) ................................................................ 127
ملاحظتنا علی هذا القول .......................................................................... 127
ه) المقدمة الخامسة: هل النزاع مبنی علی کون الأسباب الشرعیة معرفات أو مؤثرات؟ . 128
بیان القول بالبناء المنسوب إلی فخر المحققین (قدس سره) .................................................. 128
إیرادات ثلاثة علی هذا القول ................................................................... 129
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................. 129
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً .......................................... 130
الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................... 130
ص: 524
الحاصل ........................................................................................................... 130
الجهة الثانیة: الأقوال فی المسألة (و هی ثلاثة) ............................................................... 131
القول الأول: التداخل (اختاره المحقق الخوانساری (قدس سره)) ................................................. 131
القول الثانی: عدم التداخل (اختاره المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) ............ 132
القول الثالث: التفصیل (اختاره ابن ادریس (قدس سره)) ........................................................... 132
الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلة (استدل علی عدم التداخل بثلاثة أوجه) ............................... 134
الوجه الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................. 134
الوجه الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ..................................................................... 137
الوجه الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 137
الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المسألة ......................................................................... 141
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................................................. 141
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان ....................................................................... 141
المطلب الثانی: تداخل المسببات (و فیه جهتان) ................................................................. 143
الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل (و الدلیل علیه ثلاث) ................................................ 143
الف) الدلیل الأول: إطلاق دلیل الحکم .................................................................... 143
ب) الدلیل الثانی: استصحاب بقاء الحکم .................................................................. 143
ج) الدلیل الثالث: الاشتغال ..................................................................................... 143
الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة (و هو ما کانت النسبة بین المتعلقین العموم من وجه) ........ 144
الفصل الثانی: مفهوم الوصف
المقدمة الأولی: محل النزاع ما کان الوصف فیه معتمداً علی موصوعه ....................... 153
المقدمة الثانیة فی نسبة الوصف إلی موصوفه و أنّه فی أی نسبة یجری النزاع؟ ........... 153
للوصف بالنسبة إلی موصوفه أربع نسب: ................................................................ 154
التساوی: و هذه الصورة خارجة عن محلّ النزاع ................................................. 154
العموم المطلق: و هذه الصورة خارجة عن محلّ النزاع أیضاً ............................... 154
وجه خروج هذین الصورتین ببیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................... 154
الخصوص المطلق: و هذه الصورة داخلة ............................................................. 154
العموم و الخصوص من وجه ............................................................................... 154
مورد افتراق الموصوف عن الوصف داخل (صرّح به المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) .. 154
مورد افتراق الوصف عن الموصوف خارج .......................................................... 154
ص: 525
الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ........................................................................................ 155
القول الأول: ثبوت مفهوم الشرط (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) ...... 155
أدلة القول الأول (نذکر منها ستة) ............................................................................ 156
الدلیل الأول: لغویة الوصف علی القول بعدم ثبوت المفهوم ........................... 156
ملاحظة علی هذا الدلیل .............................................................................. 157
الدلیل الثانی: الأصل فی القیود الحترازیة (استدل به الشیخ محمد تقی الإصفهانی (قدس سره)) ......... 157
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الدلیل .................................................... 157
الدلیل الثالث: ما استدل به الشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................... 157
إیرادان علی هذا الدلیل: .............................................................................. 158
الإیراد الأول ما ذکره الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..................................................... 158
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ......................................................................... 158
الإیراد الثانی ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................... 158
ملاحظة علی هذا الإیراد (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره)) ............................... 159
الدلیل الرابع: التبادر (أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)) ................................................ 159
ملاحظتنا علی هذا الدلیل ............................................................................ 159
الدلیل الخامس: ما استدل به المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................. 159
ملاحظتنا علی هذا الدلیل ............................................................................ 160
الدلیل السادس: الاستدلال الروائی (روایة زرارة) ..................................................... 161
القول الثانی: عدم ثبوت مفهوم الوصف (مختار الشیخ البهائی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما)) .......... 162
دلیل القول الثانی: أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ......................................................... 163
ملاحظتنا علی هذا الدلیل .................................................................................. 164
القول الثالث: تفصیل العلامة الحلی (قدس سره) ..................................................................... 164
دلیل القول الثالث .............................................................................................. 164
القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ..................................................................... 165
دلیل القول الرابع ................................................................................................ 165
القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه .................................................................... 168
التحقیق فی المسألة تفصیل ثالث و هو القول الخامس ......................................... 169
الفصل الثالث: مفهوم الغایة
(والبحث هنا یقع فی مقامین)
المقام الأول: هل تدل الغایة علی إنتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟ ....................... 178
ص: 526
أما الأقوال المهمّة فهی خمسة: ................................................................................. 178
القول الأول: ثبوت مفهوم الغایة(و هو قول المشهور) ........................................ 178
القول الثانی: عدم ثبوت مفهوم الغایة (و هو المنسوب إلی السید و الشیخ (قدس سرهما)) .... 179
القول الثالث: التفصیل بین ما کانت الغایة قیداً للحکم و قیداً للموضوع (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) 180
القول الرابع: التفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین و هو راجع إلی القول الأول) 181
القول الخامس: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................. 182
أما ذکر الأدلة و مناقشتها ......................................................................................... 184
الدلیل علی القول الأول و الثانی و مناقشتهما ....................................................... 184
الدلیل علی القول الثالث ...................................................................................... 184
ملاحظتنا علی هذا الدلیل ................................................................................. 184
بیان القول الرابع و الدلیل علیه ........................................................................... 186
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ................................................................ 187
بیان القول الخامس و الدلیل علیه ....................................................................... 187
ایراد بعض الأساطین علی هذا الدلیل ................................................................ 189
التحقیق فی المسألة ثبوت مفهوم الغایة مطلقاً ......................................................... 189
المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟ (اختلفوا فاختاروا أقوالا) ...................... 191
أما الأقوال ................................................................................................................. 191
القول الأول: الدخول ............................................................................................ 191
القول الثانی: عد الدخول (و هو مختار المحقق الرضی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) و غیرهما) ................. 192
القول الثالث: التفصیل بین ما کانت الغایة من حنس المغیی و ما لم تکن .......... 193
القول الرابع: التفصیل بین «حتی» و «إلی» و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ......... 194
القول الخامس: التفصیل بین ما کانت الغایة قیداً للفعل؟ و ما کانت قیداً للحکم (و هو مختار المحقق الحائری (قدس سره)) 195
القول السادس: عدم الظهور فی أحدهما (و هو مختار المحقق المظفر و الجزائری (قدس سرهما)) ........... 196
تکملة: محل النزاع ما لم تکن الغایة قیداً للحکم ................................................. 199
أما ذکر الأدلة و مناقشتها ........................................................................................ 200
ص: 527
دلیل صاحب الکفایة علی القول الأول ................................................................. 200
بیان المحقق الإصفهانی بالنسبة إلی القول الأول .................................................. 200
إیراد علی القول الثالث ........................................................................................ 201
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الرابع ................................................................ 201
إیراد علی القول الخامس ...................................................................................... 202
الفصل الرابع: مفهوم الحصر
(و فیه أمران)
أما فی کلمة «إلّا» (ففیه ثلاثة مطالب) ....................................................................... 206
المطلب الأول: دلالتها علی المفهوم ........................................................................... 206
«إلّا» علی قسمین: ................................................................................................. 206
الف) القسم الأول: بمعنی «الاستثناء» و هذه تدل علی المفهوم خلافاً لأبی حنیفة . 206
ب) القسم الثانی: بعمنی «غیر» ........................................................................ 206
اختار المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما عدم دلالتها علی المفهوم، والحق دلالتها علی المفهوم لما تقدم فی مفهوم الوصف 207
المطلب الثانی: هل دلالة الاستثناء مفهومیة أو منطوقیة؟ ......................................... 207
المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟ ............................................................... 208
أما فی کلمة «إنما» ........................................................................................................ 210
فی دلالتها علی المفهوم ............................................................................................... 222
«إنما» تستعمل فی معنیین: ..................................................................................... 210
الف) لقصر الصفة علی الموصوف و هی تدل علی المفهوم فی هذه الصورة .......... 210
ب) للمبالغة و هی لاتدلّ علی المفهوم فی هذه الصورة ...................................... 210
هل دلالتها مفهومیة أو منطوقیة؟ ............................................................................ 211
الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد
أمّا اللقب فالحق فیه عدم ثبوت المفهوم ..................................................................... 217
و أمّا العدد ففیه قولان: ................................................................................................ 217
القول الأول و هو قول الأکثر: عدم ثبوت المفهوم ..................................................... 217
القول الثانی: التفصیل بین ما کان العدد لحصر المعدود فی معین و غیره ................. 218
ص: 528
البحث الرابع: العام و الخاص
(و فیه اثنا عشر فصلاً)
الفصل الأول: تعریف العام و تقسیمه
(فیه أمران)
أما تعریف العام .......................................................................................................... 229
التعریف الأول: من أبی الحسن البصری .................................................................... 229
التعریف الثانی: من الغزالی ........................................................................................ 230
التعریف الثالث: من المحقق (قدس سره) فی المعارج .................................................................. 231
التعریف الرابع: من العلامة (قدس سره) فی النهایة ..................................................................... 231
التعریف الخامس: من الشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................................... 232
التعریف السادس: من صاحب الفصول (قدس سره) .................................................................. 233
التعریف السابع: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................... 233
التعریف الثامن: من المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 234
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی کون التعاریف لفظیة ...................................................... 234
ایراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ................................................................................... 234
أما الثانی: أقسام العام (ففیه ثلاثة مطالب) ................................................................. 235
المطلب الأول: انقسام العام إلی الإستغراقی و المجموعی و البدلی ........................... 235
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی منشأ هذا التقسیم .......................................................... 235
إیراد المحقق الخوئی علیه ........................................................................................ 235
المطلب الثانی: الفرق بین العام و المطلق الشمولی ................................................... 236
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی الفرق ................................................................................. 236
المطلب الثالث: الفرق بین العام و نظائر «العشرة» ................................................. 237
الفصل الثانی: ألفاظ العموم
(فیه أمران)
الأمر الأول: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟ (فیه قولان) ...................................................... 242
واستدل علی إنکار الوضع بوجهین ........................................................................... 242
الوجه الأول: .............................................................................................................. 242
ص: 529
إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ......................................................... 243
الوجه الثانی: .............................................................................................................. 243
إیرادات ثلاثة من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................ 243
الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم (والبحث فی ثلاثة موارد) .................................................... 244
المورد الأول: «کل» وما بمعناه ................................................................................... 244
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی توقف دلاله علی العموم علی مقدمات الحکمة ................ 244
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................................................................... 244
المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی (فیه مسألتان) ........................................... 246
المسألة الأُولی: هل یتوقف دلاله علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة (فیه قولان) . 246
الف) القول الأول: توقفها علی جریان مقدمات الحکمة ..................................... 246
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................................................. 246
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................. 247
ب) القول الثانی: عدم توقفها علی جریان مقدمات الحکمة (مختار المحقق القمی (قدس سره)) ... 247
یلاحظ علیه .............................................................................................. 247
ج) التحقیق: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخویی (قدس سرهما) ......................................... 248
المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟ (نذکر فیه قولین) .............. 248
الف) القول الأول: دلالتها عقلیة لا وضعیة ........................................................ 248
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................................................. 248
ب) القول الثانی: دلالتها لا عقلیة و لا وضعیة .................................................... 249
بیان المحقق الاصفهانی (قدس سره) .............................................................................. 249
ج) الحاصل ..................................................................................................... 249
المورد الثالث: الجمع و المفرد المحلّی ب- «أل» ........................................................... 250
هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة (فیه قولان): ................ 250
الف) القول الأول: التوقف (و هو مختار المحق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) و غیرهما) ............. 250
استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................ 251
ب) القول الثانی: عدم التوقف (و هو مختار المحقق القمی (قدس سره)) ............................. 251
استدلال المحقق القمی (قدس سره) بوجوه ثلاثة .......................................................... 251
یلاحظ علیه ........................................................................................ 251
الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص
الأمر الأول: هل العام المخصّص مجاز أو لا؟ (فیه أربعة أقوال) .......................................... 257
ص: 530
القول الأول: هو مجاز مطلقاً .................................................................................... 257
القول الثانی: هو حقیقة مطلقاً (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ............................. 257
القول الثالث: التفصیل بین التخصیص المتصل و المنفصل ......................................... 257
القول الرابع: عکس القول الثالث .............................................................................. 257
دلیل المحقق الخراسانی (قدس سره) علی القول الثانی .................................................................. 257
الحاصل ..................................................................................................................... 258
الأمر الثانی: هل العام المخصص حجة فی الباقی أو لا؟ ................................................ 259
الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصِّص إلی العام
(فیه مقامان)
المقام الأول: الشبهة المفهومیة (فیه صور أربع) .................................................................. 265
الصورة الأُولی: کون المخصص متصلاً مردداً بین الأقل و الأکثر (الحق فیه سرایة الإجمال) . 265
الوجه فی سرایة الإجمال .......................................................................................... 265
الصورة الثانیة: کون المخصص متصلاً مردداً بین المتباینین (الحق فیه سرایة الإجمال أیضاً) ... 265
الصورة الثالثة: کون المخصص منفصلاً مردداً بین الأقل و الأکثر (فیه ثلاثة أقوال) ........... 265
القول الأول: سرایة الإجمال (و هو مختار المحقق الحائری (قدس سره)) ................................................ 266
دلیل القول الأول ............................................................................................. 266
القول الثانی: عدم السرایة (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الخوئی و المشهور) ................ 266
القول الثالث: التوقف (و هو مختار بعض الأساطین) ............................................... 267
استدل علی القول الثانی بوجوه ......................................................................... 267
الف) الوجه الأول لنظریة المشهور .................................................................... 267
ب) الوجه الثانی للتمسک بالعام ( أفاده المحقق النائینی (قدس سره)) .................................. 267
ج) الوجه الثالث ( قرره بعض الأساطین) .......................................................... 268
إشکال علی هذا الوجه(نقله المحقق النائینی (قدس سره)) ............................................ 269
جواب المحقق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال .................................................... 269
ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب .................................................................. 270
جواب بعض الأساطین عن هذا الإشکال ...................................................... 271
استدلال بعض الأساطین علی القول الثالث ........................................................ 271
ملاحظتنا علی هذا الاستدلال ............................................................................ 271
الصورة الرابعة: کون المخصص منفصلاً مردداً بین المتباینین (الحق فیه سرایة الإجمال) ...... 272
الوجه فی سرایة الإجمال .......................................................................................... 272
ص: 531
المقام الثانی: الشبهة المصداقیة (المخصّص علی قسمین: لفظی و لبّی) ......................................... 273
الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً .............. 276
المخصّص اللفظی المتّصل: ....................................................................................... 276
المخصّص اللفظی المنفصل: ..................................................................................... 276
القول الأول: لایجوز التمسک بالعام فیه أیضا.................................................................
276
القول الثانی: جواز التمسک بعموم العام فی الشبهة المصداقیة (استدل علیه بوجهین) .. 277
الوجه الأوّل: قاعدة المقتضی و المانع ........................................................... 277
إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذا الاستدلال: .................................................. 277
الوجه الثانی: .............................................................................................. 278
إیراد المحقّق النائینی (قدس سره): .............................................................................. 278
الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً (فی هذا القسم نذکر أربع نظریات) 279
النظریة الأُولی: ....................................................................................................... 279
النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................................... 279
إنّ المخصّص اللبّی علی قسمین: ........................................................................ 279
الأوّل: .............................................................................................................. 279
الثانی: (و استدل علیه بوجوه أربعة) ........................................................................... 279
الوجه الأوّل: .............................................................................................. 280
الوجه الثانی: .............................................................................................. 280
الوجه الثالث: ............................................................................................ 280
الوجه الرابع: ............................................................................................. 280
إیراد بعض الأساطین علی هذه الوجوه: ................................................ 281
أما الوجه الأول فیرد علیه: ................................................................... 281
أما الوجه الثانی فیرد علیه: ................................................................... 281
أما الوجه الثالث فیرد علیه: ................................................................. 281
أما الوجه الرابع فیرد علیه: ................................................................... 281
النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) ....................................................................... 281
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................................................... 283
النظریة الرابعة: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) ................................................................... 283
فتحصّل من ذلک أنّ هنا صوراً أربع: .................................................................. 285
خلاصة البحث ........................................................................................................... 286
ص: 532
الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملة الموضوعی
(فیه أمران و تنبیهان)
الأمر الأول: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟ ....................................... 289
آراء الأعلام فی هذه المسألة ........................................................................................ 290
الأول: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................... 290
الف) تفسیران ذکرا لکلام المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................... 290
التفسیر الأول: ما ذکره المحقق الإیروانی و الخوئی و الجزائری (قدس سرهم) ........................... 290
التفسیر الثانی: ما ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ......................................................... 291
ب) الصواب فی تفسیر کلامه ................................................................................... 292
الثانی: إستدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی التعنون ........................................................... 292
الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................. 293
ملاحظتنا علیه ...................................................................................................... 294
الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره) .................................................................................... 294
ملاحظتنا علیه ...................................................................................................... 295
الخامس: إستدلال بعض الأساطین علی التعنون ........................................................ 295
التحقیق فی المسألة: (و هو تعنون العام بعدم الخاص) ........................................................... 295
الأمر الثانی: ما الأصل العملی اذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟ (فیه نظریات) . 297
مقدمة (فیها مطلبان) ...................................................................................................... 297
المطلب الأول: الأصل العملی إما موضوعی و إما حکمی ........................................... 297
المطلب الثانی: قد یکون الأصل الموضوعی استصحاب العدم الأزلی ............................. 297
النظریة الأولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) (نذکرها ضمن مطالب ثلاثة).............................. 298
المطلب الأول: محل النزاع عند صاحب الکفایة ........................................................ 298
المطلب الثانی: بیان نظریته ..................................................................................... 299
المطلب الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة فی جریان استصحاب العدم الأزلی .......... 297
مقدمة: فی بیان آراء الأعلام فی استصحاب العدم الأزلی ........................................ 299
إیراد المحقق البروجردی (قدس سره) علی استصحاب العدم العزلی ...................................... 301
جواب بعض الأساطین عنه ............................................................................... 301
إیرادان علی النظریة الأولی .................................................................................... 302
الإیراد الأول ........................................................................................................... 302
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد .......................................................... 303
ص: 533
الإیراد الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ...................................................................... 303
جواب عن هذا الإیراد ............................................................................................ 304
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی ............................................................... 304
النظریة الثالثة: ما أفاده بعض الأساطین بمقدمتها الخمس ....................................... 305
النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق النائینی بمقدماتها الثلاث ...................................... 308
إیراد المحقق الخوئی علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................... 312
النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................................. 312
إیرادات أربعة من بعض الأساطین .......................................................................... 314
الحاصل ..................................................................................................................... 316
التنبیه الأول: دوران الأمر بین التخصیص و التخصص ................................................ 317
قال المشهور: إنّ التخصص مقدم ............................................................................... 317
استدلال المشهور ....................................................................................................... 317
إیراد علی هذا الاستدلال ......................................................................................... 317
التنبیه الثانی: صورة أُخری من دوران الأمر بین التخصیص و التخصص (فیه قولان) ........ 319
القول الأول: جواز التمسک بالعام (اختاره المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما)) .................. 319
القول الثانی: عدم جواز التمسک بالعام (اختاره بعض الأساطین) .............................. 319
دلیل علی هذا القول .............................................................................................. 319
ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 320
الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص
(فیه مقدمة و أمران)
مقدمة: هل یفترق الفحص فی موارد الأُصول اللفظیة و العملیة؟ ............................... 325
قول المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما): (هما یفترقان) ................................................... 325
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول ....................................................................... 326
الحاصل انّه لافرق بینهما ........................................................................................ 327
الأمر الأول: الأدلة التی أقاموها علی عدم الجواز (و هی ستة) .................................. 328
الدلیل الأول .............................................................................................................. 329
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ............................................................ 330
الدلیل الثانی: ما ذکره الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..................................................................... 330
ص: 534
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ...................................................................... 331
الدلیل الثالث: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................... 331
إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین ............................................................................ 333
الدلیل الرابع: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................... 335
الدلیل الخامس: و هو دلیل عقلائی ذکره المحقق الخراسانی و العراقی (قدس سرهما) و اختاره بعض الأساطین 336
الدلیل السادس: و هو دلیل نقلی ذکره المحقق العراقی و الخویی (قدس سرهما) ....................... 337
إیراد بعض الأساطین علی هذا الدلیل ...................................................................... 338
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ....................................................................................... 338
الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم (و فیه وجوه ثلاثة) ..................................................... 340
الوجه الأول: ما یحصل به العلم ................................................................................ 340
الوجه الثانی: ما یحصل به الاطمینان ......................................................................... 340
الوجه الثالث: ما یحصل به الظن .............................................................................. 340
الحاصل ..................................................................................................................... 341
الفصل السابع: عموم الخطابات الشفاهیة للغائبین و المعدومین
(و النزاع هنا فی أُمور ثلاثة)
الأمر الأول: إمکان تعلق التکلیف بالغائب و المعدوم ................................................ 346
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 346
إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 347
الحاصل ................................................................................................................. 348
الأمر الثانی: إمکان خطاب الغائب و المعدوم ............................................................. 349
قول المحقق الخراسانی (قدس سره) بعدم صحة خطابهما ........................................................... 349
قول المحقق الخوئی (قدس سره) بالتفصیل .................................................................................. 349
الحاصل ..................................................................................................................... 350
الأمر الثالث: فی شمول الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائب و المعدوم ................. 351
قول المحقق الخوئی (قدس سره) بالشمول، لوضع تلک الأدوات للخطاب الإنشائی ..................... 351
التنبیه الأول: فی تفصیل ذکره المحقق النائینی (قدس سره) بین القضایا الحقیقیة و الخارجیة ...... 353
ص: 535
إیراد المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما) علیه .................................................................. 353
التنبیه الثانی: فی ثمرة هذا البحث ................................................................................. 354
الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده
(هناک أقوال ثلاثة)
القول الأول: ما اختاره المحقق النائینی من جریان أصالة العموم ............................... 359
استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا القول .............................................................. 359
إیراد ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الاستدلال ..................................................... 361
جواب المحقق النائینی (قدس سره) عن هذا الإیراد ................................................................... 362
استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا القول ................................................................. 363
تذییل المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الاستدلال ............................................................... 363
ملاحظتنا علی هذا الاستدلال .................................................................................. 364
الحاصل ..................................................................................................................... 364
القول الثانی: ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) من جریان أصالة عدم الاستخدام .................. 364
الدلیل علی هذا القول ............................................................................................... 365
ملاحظتان منّا علی هذا الدلیل ................................................................................ 366
القول الثالث: ما اختاره بعض الأساطین من تعارض الأصلین و الرجوع إلی الأصل العملی . 367
الدلیل علی هذا القول ............................................................................................... 367
ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 368
تحقیق أنّ مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) القول الأول أو القول الثالث؟ ............................ 368
الفصل التاسع: تعارض العموم و المفهوم
مقدمة: فی تقسیم المفهوم إلی المخالف و الموافق و الموافق إلی أربعة أقسام ............. 371
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................................ 371
إیراد المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما) علیه ................................................................. 373
جواب بعض الأساطین عن الإیراد ............................................................................ 373
ملاحظتنا علی هذا الجواب ..................................................................................... 374
هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف (فیه أقوال أربعة) ...................................................... 376
ص: 536
القول الأول: تقدیم العامّ علی المفهوم ...................................................................... 377
الدلیل علی هذا القول ............................................................................................ 377
الإیراد علیه ..................................................................................................... 377
القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ (و استدل علیه بوجهین) ............................................ 378
الوجه الأول: أخصیة المفهوم .................................................................................... 378
الإیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 378
الوجه الثانی: دلالة العام علی العموم لفظیة و دلالة القضیة علی المفهوم عقلیة .......... 379
الإیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 379
القول الثالث: التفصیل الذی أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................. 379
الدلیل علی هذا القول ............................................................................................ 380
ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 380
القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی حال التعارض بالعموم من وجه 381
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 381
ملاحظتنا علیه ....................................................................................................... 383
الفصل العاشر: تعقب الاستثناء للجمل
(فی المسألة أقوال نذکر منها خمسة)
القول الأول: رجوع الاستثناء إلی الجمیع (و هذا القول منسوب إلی الشیخ و صاحب المعالم (قدس سرهما)) ......... 388
القول الثانی: رجوع الإستثناء إلی الجملة الأخیرة ............................................................ 388
القول الثالث: الإجمال (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ............................................. 388
القول الرابع: التفصیل بین ما لم یکرر عقد الوضع فیرجع إلی الجمیع و بین ما کرّر عقد الوضع فی الجملة تاخیرة فیرجع إلیها 389
القول الخامس: التفصیل الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بین ما کان تعدد العام بتعدد الموضوع أو المحمول أو کلیهما (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره)) ..................................................................................................................... 389
الحاصل ......................................................................................................................... 391
الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد
(و فیه أمران)
الأمر الأول: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة ........................................................ 395
أمّا عند الخاصة فقول واحد (و هو الجواز) .............................................................. 396
و أما عند العامة فالأقوال أربعة: ............................................................................... 396
ص: 537
القول الأول: عدم الجواز مطلقاً ............................................................................... 396
القول الثانی: التفصیل بین ما خصّص بمخصّص قطعی قبلاً و ما لم یخصّص ................. 396
القول الثالث: التفصیل بین المخصص المتصل و المنفصل ........................................... 396
القول الرابع: التوقف .............................................................................................. 396
الأمر الثانی: فی ذکر الأدلة ............................................................................................. 397
أما قول الخاصة بالجواز فاستدل علیه بوجهین: ....................................................... 397
الوجه الأول: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من سیرة الأصحاب ..................................... 397
الوجه الثانی: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً من لزوم إلغاء الخبر بالمرة لو لم نقل بالجواز 397
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................................ 397
جواب بعض الأساطین عن الإیراد ..................................................................... 398
الحاصل ................................................................................................................. 398
و أما أقوال العامة: ................................................................................................... 399
فالدلیل علی القول الأول أربعة وجوه ذکرها المحقق الخراسانی (قدس سره) و أجاب عنها ............ 399
الف) الوجه الأول: عدم جواز رفع الید عن القطعی بالظنی ............................... 399
إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ..................................................................... 399
ب) الوجه الثانی: القدر المتیقن من الدلیل علی حجیة الخبر، الخبر الذی لیس مخالفاً لعموم الکتاب 400
إیراد علی هذا الوجه .................................................................................. 400
ج) الوجه الثالث: الأخبار .................................................................................. 400
إیرادات أربعة علی هذا الوجه .................................................................... 400
د) الوجه الرابع: الملازمة بین التخصیص و النسخ ............................................... 401
إیراد علی هذا الوجه .................................................................................. 401
والدلیل علی القول الثانی أنّ التخصیص الثانی لایوجب التجوز ثانیاً ............................. 402
إیراد علی هذا الدلیل ....................................................................................... 402
والدلیل علی القول الثالث: أنّ المخصص المتصل لایوجب التجوز بخلاف المنفصل ........ 402
إیراد علی هذا الدلیل ....................................................................................... 402
الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ
(فیه مقدمة و تنبیهان)
مقدمة فی بیان صور المسألة (و هی ثمان): .................................................................. 405
الخاص إمّا منفصل عن العام .................................................................................... 406
ص: 538
إما کلاهما معلوم التاریخ ........................................................................................ 406
الف) إما نعلم بتقدم العام ............................................................................... 407
إما جاء الخاص قبل وقت العمل بالعام (و هی الصورة الأُولی) .................... 407
و إما جاء الخاص بعد وقت العمل بالعام (و هی الصورة الثانیة) ................. 407
ب) و إما نعلم بتدم الخاص ............................................................................. 407
إما جاء العام قبل وقت العمل بالخاص (و هی الصورة الثالثة) ..................... 407
و إما جاء العام بعد وقت العمل بالخاص (و هی صورة الرابعة) .................. 407
ج) و إما نعلم بتقارنهما (و هی الصورة الخامسة) ............................................. 407
و إما کلاهما مجهول التاریخ (و هی الصورة السادسة) ............................................. 407
و إما أحدهما معلوم التاریخ و الآخر مجهول التاریخ (و هی الصورة السابعة) ........... 407
و أما متصل به (و هی الصورة الثامنة) .................................................................... 407
أما الصورة الأُولی: هل یمکن أن یکون الخاص ناسخاً للعام فیه قولان ........................ 408
القول الأول: عدم الإمکان (و هو مختار المحقق الخراسانی و الخویی (قدس سرهما) و بعض الأساطین ......... 408
استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول ..................................................... 408
القول الثانی: الإمکان (و هو مختار المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما)) ....................... 409
الف) استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی إمکان النسخ فی القضایا الحقیقیة غیر الموقتة 409
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه .......................................................................... 410
ب) استدلال المحقق العراقی (قدس سره) علی إمکان النسخ ......................................... 410
ملاحظتان علی هذا الاستدلال .................................................................... 411
الحاصل عدم إمکان النسخ فی الصورة الأُولی ..................................................... 412
أما الصورة الثانیة: وفیها نظریتان ............................................................................ 413
النظریة الأُولی: التفصیل بین ورود العام لبیان الحکم الواقعی و الظاهری (و هو مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و غیرهما) ....................................................................................................................... 413
الدلیل علیها .............................................................................................. 413
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل ..................................................... 413
النظریة الثانیة: الخاص، مخصص لا ناسخ (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)) ......... 414
استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها ............................................................... 414
استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .................................................................... 414
ملاحظتنا علی هذا الاستدلال ...................................................................... 416
الحاصل کون الخاص مخصصاً فی الصورة الثانیة .................................................. 416
أما الصورة الثالثة: و فی هذه الصورة لایمکن جعل العام ناسخاً، لوجهین ................... 417
الوجه الأول: لزوم اللغویة من النسخ ................................................................ 417
ص: 539
الوجه الثانی: لاحکم حتی یفرض نسخه لعدم إمکان الانبعاث ............................. 417
أما الصورة الرابعة: و فیها یکون الخاص مخصصاً (و استدل علیه بوجوه نذکر منها اثنین) ........ 418
الوجه الأول: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 418
إیراد المحقق النائینی (قدس سره) علیه ........................................................................ 418
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد ........................................................ 420
الوجه الثانی: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 421
أما الصورة الخامسة: و فیها لایمکن النسخ .............................................................. 422
الدلیل علی عدم إمکان النسخ .......................................................................... 422
أما الصورة السادسة و السابعة: و فیهما الصور الأربع المذکورة فی معلومی التاریخ ............... 423
أما الصورة الثامنة: و فیها لایمکن النسخ أیضاً .......................................................... 424
الدلیل علی عدم إمکان النسخ .......................................................................... 424
التنبیه الأول: إمکان النسخ فی نفسه ........................................................................... 425
التنبیه الثانی: فیما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من اتصال نفس المعصومین (علیهم السلام) بعالم اللوح المحفوظ 428
البحث الخامس: المطلق و المقید
(فیه فصول سبعة)
الفصل الأول: المراد من «المطلق»
(و فیه أمران)
الأمر الأول: تعریف «المطلق» قد ذکروا له تعاریف کثیرة (نذکر منها ثلاثة) ..................... 435
التعریف الأول: ما دلّ علی شائع فی جنسه (و هو لأکثر الأصولیین) ................................... 435
إیراد علی هذا التعریف من صاحب الفصول (قدس سره) .......................................................... 436
جواب المحقق الخراسانی (قدس سره) عن الإیراد ....................................................................... 436
التعریف الثانی: الماهیة لابشرط شیء (ذکره الشهید الثانی (قدس سره)) ............................................... 437
التعریف الثالث: المرسل الذی لم یقید بشیء و هو معناه اللغوی (ذکره المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 437
الحاصل ..................................................................................................................... 437
الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید (فیه قولان) ......................................................... 438
ص: 540
القول الأول: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره)) ....................................... 438
القول الثانی: التفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات (مختار المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما)) ....... 439
الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»
(و هی خمسة فالأُمور خمسة)
الأمر الأول: اسم الجنس (فیه موضعان) ..................................................................... 444
الموضع الأول: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدمات الحکمة: (فیه قولان) ... 444
القول الأول: الدلالة وضعیة .................................................................................... 444
القول الثانی: الدلالة بمقدمات الحکمة (ذکره سلطان العلماء (قدس سره) فی حاشیة المعالم و تبعه جمیع المتأخرین) (و استدل علیه بوجوه نذکر منها اثنین) 444
الف) الوجه الأول: التبادر ................................................................................. 445
ب) الوجه الثانی: صحة التقسیم ........................................................................ 445
الموضع الثانی: الموضوع له ل- «اسم الجنس» ............................................................ 446
الف) القول الأول: الکلی الطبیعی (و فی تفسیره ثلاثة أقوال) .............................. 446
الماهیة اللابشرط العقلی (و هو مختار الشیخ الرئیس والمحقق الطوسی (قدس سره) و تبعها المحقق النائینی و الصدر (قدس سرهما)) 447
الماهیة اللابشرط العقلی (و هو مختار المحقق السبزواری (قدس سره) و المستظهر من کلام المحقق الخراسانی (قدس سره) 447
الماهیة المهملة (و هو مختار المححقق الخوئی (قدس سره)) .......................................... 448
ب) القول الثانی: ذات المعنی ولکن الماهیة ملحوظة فی مرحلة الوضع ینحو اللابشرط العقلی (و هو مختار المحقق الإصفهانی و المظفر (قدس سرهما)) 448
فی توضیح الأقوال ................................................................................................... 449
الف) بیان القول الثانی .................................................................................... 449
ب) بیان القول الأول بتفسیره الثالث ................................................................ 452
ج) ملاحظات ثلاث علی هذا البیان ................................................................... 453
الأمر الثانی: علم الجنس (فی الموضوع له «علم الجنس» قولان) ...................................... 455
القول الأول: هو الطبیعة بما هی متعینة بالتعین الذهنی (القول المشهور بین أهل الأدب) .. 455
القول الثانی: هو الموضوع له ل- «اسم الجنس» و الفرق بینهما لفظی ...................... 455
استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا القول بوجوه ثلاثة ........................................... 456
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الأول ............................................................... 457
استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول بوجهین: .................................................... 457
ص: 541
الحاصل ..................................................................................................................... 458
الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام ( و فی هذا الأمر موضعان) ................................................. 459
الموضع الأول: فی أقسام المعرف باللام و هی ثلاثة .................................................... 459
ما الدال علی هذه الخصوصیات؟ (فیه قولان) .......................................................... 460
الف) القول الأول: مدخول اللام (و هو قول المشهور) ........................................ 460
ب) القول الثانی: اللام أو القرائن (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ...................... 461
الموضع الثانی: فی مدلول اللام (و فیه قولان) ............................................................. 462
القول الأول: هی موضوعة للتعریف و التعیین فی غیر العهد الذهنی ........................ 462
القول الثانی: اللام مطلقاً للتنزیین (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ........................... 462
إیرادات ثلاثة من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی القول الأول.........................................
462
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذه الإیرادات ......................................................... 463
الحاصل ..................................................................................................................... 464
الأمر الرابع: الجمع المعرف باللام، (هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة فیه قولان) 465
القول الأول: التوقف، (مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) فی بحث العام و الخاص و المحقق الإصفهانی) ............ 465
الدلیل علیه ........................................................................................................... 465
القول الثانی: عدم التوقف (و علی هذا القول، ما المستند فی هذه الدلالة؟ فیه وجهان) .................... 465
الوجه الأول: الوضع (و هو مختار المحقق القمی و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) هنا) .............................. 465
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................... 465
ملاحظتنا علی هذا البیان .................................................................................. 466
الوجه الثانی: اللام موضوعة للتعیین و لا تعیین إلّا للمرتبة إلی الجامعة لجمیع الأفراد . 466
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ............................................................ 466
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد .............................................................. 467
الحاصل ..................................................................................................................... 467
الأمر الخامس: النکرة (و فیه موضعان) .............................................................................. 468
الموضع الأول: المراد من «النکرة» (و فیه ثلاثة بیانات) ..................................................... 468
البیان الأول: النکرة هی الفرد المردد ........................................................................ 468
البیان الثانی: النکرة قسمان ...................................................................................... 469
البیان الثالث: النکرة هی الطبیعی المقید بالوحدة .................................................... 469
إیراد علی البیان الأول ....................................................................................... 469
ص: 542
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی البیان الثانی ............................................................... 469
الموضع الثانی: هل یکون «النکرة» مطلقاً؟ (و هو مبنی علی المراد من المطلق) ...................... 471
القول الأول: المراد من المطلق عند الأصولیین معناه اللغوی و علیه یکون النکرة مطلقاً 471
القول الثانی: المراد من المطلق الماهیة المقیدة بالإرسال (و هو المنسوب إلی المشهور و علیه لایکون مطلقاً) 471
الحاصل ..................................................................................................................... 472
التتبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟ ..................................................................... 473
هل المطلق المقید مجاز أو لا؟ (و هو مبنی علی القولین من کون دلالة المطلق علی الإطلاق بمقدمات الحکمة أو بالوضع) 473
علی الأول: لیس بمجاز أیضاً ................................................................................. 473
و علی الثانی: ......................................................................................................... 473
إما یستفاد التقیید من القرینة المتصلة، فهو مجاز .............................................. 473
إما یستفاد من القرینة المنفصلة، فلیس بمجاز .................................................... 473
الفصل الثالث: فی مقدمات الحکمة
(فیه أمران)
الأمر الأول: فی تعیینها (و اختلف فیه علی قولین) ...................................................... 477
القول الأول: هی ثلاثة التمکن من البیان، و کون المتکلم فی مقام البیان، و عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة (أفاده المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما)) ................................................................................................................. 477
القول الثانی: هی ثلاثة: کون المتکلم فی مقام البیان و عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة وانتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب، (اختاره المحقق الخراسانی و المظفر (قدس سرهما)) ........................................................................................................ 478
الأمر الثانی: فی بیانها (و الکلام فیه فی أربعة مواضع): .................................................. 479
المقدمة الأولی: التمکن من البیان ........................................................................... 479
مقام الثبوت (و تقدم ان تقابل الإطلاق و التقیید فی هذا المقام، بالتضاد) .................. 479
مقام الإثبات (و تقابل الإطلاق و التقیید فی هذا المقام تقابل الملکة و عدمها) ............ 479
المقدمة الثانیة: کون المتکلم فی مقام البیان (و الکلام فی ناحیتین) ........................... 481
الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة ............................................................................ 481
الناحیة الثانیة: إذا شک فی کون المتکلم فی مقام البیان أو لا فالمرجع أصالة البیان (واستدلّ علیها بأربعة وجوه) 482
الف) الوجه الأول: أصل تطابق مقام الثبوت و الإثبات ....................................... 482
ص: 543
ملاحظتنا علیه ........................................................................................... 482
ب) الوجه الثانی: السیرة العقلائیة ..................................................................... 483
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه .......................................................................... 483
ج) الوجه الثالث: سیرة أهل المحاورات (ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره)) ...................... 484
جریان إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی هنا أیضاً ................................ 484
د) الوجه الرابع: سیرة المتشرعة ( و هو مختار بعض الأساطین) .......................... 484
ه) الحاصل .................................................................................................... 484
المقدمة الثالثة: عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة .......................................... 485
المقدمة الرابعة: انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب ............................................ 486
بیان هذه المقدمة .................................................................................................. 486
إیرادان علی هذا البیان: .......................................................................................... 486
الف) الإیراد الأول: إیراد بعض الأساطین نقضاً ................................................... 486
ب) الإیراد الثانی: إیراد بعض الأساطین حلاً ........................................................ 487
الفصل الرابع: فی الانصراف
(قیل بتحقق الانصراف المانع عن التمسک بالإطلاق فی مواضع) ................................... 491
الموضع الأول و الثانی: علو مرتبة بعض الأفراد أو دنوها (ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره)) ...... 491
الموضع الثالث: ندرة وجوه بعض الأفراد ....................................................................... 492
الإیراد علیه ................................................................................................................. 493
الموضع الرابع: غلبة وجود بعض الأفراد ........................................................................ 493
الإیراد علیه ................................................................................................................. 493
الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید
(فیه مقامان)
المقام الأول: أن یلاحظ المطلق بنحو صرف الوجود ..................................................... 498
النحو الأول: و «المقید» مخالف ل- «المطلق» ........................................................... 498
النحو الثانی: و المقید موافق ل- «المطلق» و هنا صورتان: ........................................ 498
الصورة الأُولی: إما نعلم بوحدة الحکم فی القضییتین: الحق فیها حمل المطلق علی المقید 498
الصورة الثانیة:
إما نحتمل تعدد الحکم .............................................................. 498
و المحتمل فیها وجوه خمسة ............................................................................ 498
ص: 544
الف) الوجه الأول: حمل المطلق علی المقید ....................................................... 498
ب) الوجه الثانی: حمل المقید علی أفضل الأفراد ................................................. 498
الإیراد علیه ............................................................................................... 499
ج) الوجه الثالث: کونهما من قبیل واجب فی واجاب آخر ................................... 500
الإیراد علیه ............................................................................................... 500
د) الوجه الرابع: کونهما واجبین مستقلین و سقوط المطلق عند إتیان المقید ....... 500
الإیراد علیه ............................................................................................... 500
ه) الوجه الخامس: کونهما واجبین مستقلین و عدم سقوط المطلق عند إتیان المقید 500
الإیراد علیه ............................................................................................... 500
الحاصل ..................................................................................................................... 500
المقام الثانی: أن یلاحظ المطلق بنحو مطلق الوجود ..................................................... 501
الصورة الأُولی: فیها یحمل المطلق علی المقید بلاخلاف ............................................. 501
الصورة الثانیة: ........................................................................................................... 501
هنا نظریاتان مهمتان ................................................................................................ 502
نظریة المشهور: عدم الحمل ...................................................................................... 502
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار ........................................................................ 502
الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات
(هنا نظریات مهمة بین الأعلام)
النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة ........................................................... 507
الإیراد الأوّل .............................................................................................................. 507
الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................................. 507
النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 508
الأوّل: أن یکون ذا مفهوم ......................................................................................... 508
الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم ..................................... 508
الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید ....................... 508
الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو .................................................. 508
یلاحظ علیه ......................................................................................................... 510
النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین .................................................................... 510
ص: 545
الفصل السابع: المجمل والمبین
تفسیر المجمل و المبین ................................................................................................ 513
أقسام المجمل ............................................................................................................... 513
أمّا الإجمال الحقیقی ................................................................................................. 514
أمّا الإجمال الحکمی ................................................................................................. 514
المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟ ....................................................... 514
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة..................................................... 514
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ................................................................................... 515
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة..................................................... 515
تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع .................................. 515
ص: 546
الآیات:
(أحقّ بردّهنّ)........................ 363
(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).......... 398
(أَحَلَّ الله الْبَیعَ)....................... 501
(الْمُطَلَّقاتُ)............................ 358
(إِنَّما وَلِیکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ) 211
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)....................... 398
(بُعُولَتُهُنَّ)............................. 358
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) 337
(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)..................... 372
(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ) 337
(کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) 189
(مُکَلِّبِینَ)....................... 161, 162
(وَ اسْتَشْهِدُوا شَهیدَینِ مِنْ رِجالِکُمْ).... 88
(وَ الْمُطَلَّقاتُ یتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْیوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) 358
(وَ الْوالِداتُ یرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَینِ کامِلَینِ) 29
(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)........ 29
(وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ)......................... 29
(وَ لا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) 92
ص: 547
الروایات:
أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِی................. 428
إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِینَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَکُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَیشٍ 300
إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ 99
اغْسِلْ ثَوْبَکَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا یؤْکَلُ لَحْمُه 382
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا 375
بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب.......................... 277
حَلَالَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ... 419
سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلَینِ قَامَا فَنَظَرَا إِلَی الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ذَا وَ قَالَ الْآخَرُ مَا أَرَی شَیئاً قَالَ: فَلْیأْکُلِ الَّذِی لَمْ یسْتَبِنْ لَهُ الْفَجْرُ وَ قَدْ حَرُمَ عَلَی الَّذِی زَعَمَ أَنَّهُ رَأَی الْفَجْرَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یقُولُ:................ 189
فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ 481, 483
فِی الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّکَاة................ 154
کُلُّ شَی ءٍ طَاهِرٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِر..... 199
کُلُّ شَی ءٍ یطِیرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ.. 382
لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور.................... 277
لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ.......... 29
لَاینْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ........... 122
لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة.... 281, 283, 286
هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ. فَقَالَ وَ مَا أَهْلَکَکَ؟ قَالَ أَتَیتُ امْرَأَتِی فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِی: أَعْتِقْ رَقَبَةً 29
وَ مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَا تَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ) 161
ینْظُرَانِ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْکُم قَدْ رَوَی حَدِیثَنَا وَ نَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا 282
ص: 548
الرسول (صلی الله علیه و آله) 29, 326, 352, 421, 426, 428
امیر المؤمنین (علیه السلام) ............. 84, 421, 429
الامام الحسین (علیه السلام) ....................... 509
الامام الباقر (علیه السلام) ........................... 99
الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 84, 161, 300, 382, 421
الف
أبا الحسین البصری............... 229
ابن زهرة.......................... 38
أبو المجد الإصفهانی................. 76
أَبِی بَصِیرٍ..................... 84, 382
أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ..................... 189
ب
بعض الأساطین........ 67, 109, 132, 144, 181, 189, 267, 290, 291, 292, 295, 299, 302, 318, 319, 334, 336, 359, 367, 368, 408, 484, 502, 510
ح
الحاجبی........................... 23
الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ (الْأَهْوَازِی)....... 84
ز
زُرَارَةَ...................... 123, 161
الزمخشری........................ 195
س
سلطان العلماء.............. 444, 445
سَمَاعَةَ........................... 189
السید الجزائری................... 197
السید الروحانی................... 294
ص: 549
السید الصدر..................... 447
السید المحقق البروجردی 299, 301, 302, 413
السید المحقق الحکیم........ 300, 306
السید المرتضی........ 38, 88, 90, 179
ش
الشهرستانی........................ 76
الشهید الثانی................ 274, 437
الشیخ الأنصاری 40, 45, 76, 99, 100, 103, 158, 159, 162, 192, 274, 275, 278, 279, 285, 310, 315, 330, 334, 381, 413, 447, 479
الشیخ البهائی............... 157, 232
الشیخ الحرّ العاملی.............. 38, 73
الشیخ الطوسی................... 155
ص
صاحب الفصول...... 233, 361, 436
صاحب المعالم................ 76, 388
صاحب منتقی الأُصول........ 76, 294
صاحب هدایة المسترشدین........ 361
ع
عَاصِمِ بْنِ حُمَید..................... 84
عبدالله بن سنان.................. 382
عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی................... 189
العضدی.......................... 24
العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی. 77
العلامة الآملی.................... 447
العلامة الحلّی..................... 164
العلامة المظفر 120, 197, 437, 448, 478
عمر بن عبد العزیز................ 281
غ
الغزالی........................... 230
ف
الفخر الرازی.................... 211
فخر المحققین........... 40, 128, 129
ک
الکلینی.......................... 189
م
المحقق ابن إدریس الحلّی........... 132
المحقق الإصفهانی 44, 45, 46, 47, 48, 49, 64, 71, 73, 74, 76, 102, 103, 132, 137, 155, 159, 164, 165, 168, 191, 200, 234, 248, 249, 250, 251, 290, 291, 292, 293,
ص: 550
294, 298, 299, 302, 303, 304, 305, 352, 353, 373, 374, 412, 413, 414, 417, 436, 439, 448, 449, 450, 452, 465, 479, 502
المحقق الإیروانی............ 192, 290
المحقق الحائری........ 195, 266, 413
المحقق الخراسانی 24, 25, 38, 45, 49, 53, 55, 58, 64, 67, 70, 92, 97, 100, 101, 103, 107, 109, 113, 128, 129, 132, 134, 144, 154, 157, 158, 159, 162, 180, 189, 191, 199, 200, 201, 207, 233, 234, 235, 243, 244, 246, 248, 249, 250, 251, 257, 266, 275, 278, 279, 285, 290, 291, 292, 293, 297, 298, 299, 300, 302, 303, 304, 305, 318, 325, 334, 336, 345, 346, 347, 349, 359, 361, 362, 364, 367, 368, 376, 377, 379, 383, 388, 397, 399, 400, 401, 408, 413, 418, 428, 436, 447, 451, 452, 455, 456, 457, 461, 462, 463, 465, 466, 469, 473, 478, 479, 484, 486, 487, 507
المحقق الخوانساری............... 131
المحقّق الخوئی 30 ,31, 33, 39, 46, 49, 50, 51, 81, 103, 109, 110, 112, 114, 117, 118, 121, 122, 124, 130, 132, 141, 145, 154, 165, 166, 169, 182, 187, 188, 189, 191, 201, 207, 234, 235, 236, 244, 247, 248, 267, 274, 283, 285, 290, 291, 295, 299, 302, 313, 318, 319, 324, 325, 326, 330, 331, 335, 337, 349, 351, 353, 361, 363, 364, 368, 373, 374, 377, 380, 381, 383, 389, 397, 408, 410, 414, 416, 417, 420, 421, 424, 437, 439, 448, 452, 457, 463, 464, 467, 469, 471, 473, 477, 479, 482, 483, 484, 487, 491, 502, 507, 510
ص: 551
المحقّق السبزواری................ 447
المحقّق الطوسی........ 179, 388, 447
المحقق العراقی 75, 78, 79, 132, 162, 290, 297, 306, 312, 314, 315, 334, 336, 337, 409, 410, 413
المحقّق القمی 30, 247, 251, 435, 465
المحقّق النائینی 30, 39, 44, 45, 46, 49, 50, 64, 65, 67, 101, 103, 108, 112, 114, 115, 118, 121, 122, 123, 124, 132, 137, 141, 145, 154, 162, 163, 181, 186, 187, 195, 207, 211, 248, 266, 267, 269, 270, 274, 277, 278, 281, 283, 285, 290, 292, 294, 299, 302, 308, 312, 319, 324, 325, 334, 335, 353, 359, 362, 363, 364, 368, 371, 374, 381, 389, 397, 409, 410, 418, 437, 438, 439, 447, 471, 477, 479
المحقّق صاحب الحاشیة........... 157
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.................... 84
مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی.................... 189
ن
نجم الأئمة الرضی 191, 195, 200, 456
ص: 552
سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -
عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.
مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .
مشخصات ظاهری : 10ج.
شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :
یادداشت : عربی.
یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.
یادداشت : نمایه .
مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.
عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.
موضوع : اصول فقه شیعه
موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction
رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 3846970
عیون الأنظار / الجزء الأول
- المؤلف: محمد علی البهبهانی
- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978
- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978
- الطبعة الأولی
- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش
- السعر: 30000
- عدد النسخ: 1000
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
عُیُونُ الأَنظار
(المجلد الرابع)
المباحث العقلیة (1)
الإجزاء و مقدمة الواجب
ص: 3
ص: 4
البحث الأول: «الإجزاء» / 17
مقدمات / 19
المقدمة الأُولی: موضوع البحث... 19
القول الأول: 19
القول الثانی: 20
المقدمة الثانیة: 22
المطلب الأوّل: ما هو المراد من «علی وجهه» فی عنوان البحث؟. 22
المطلب الثانی: ما المراد من الاقتضاء فی عنوان البحث؟. 27
المطلب الثالث: ما المراد من الإجزاء فی عنوان البحث؟. 32
المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟. 34
النظریة الأُولی: 34
النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) .. 35
المقدمة الرابعة: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار و مسألة تبعیة القضاء للأداء 36
أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار. 36
أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء. 36
ص: 5
الفصل الأوّل:إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟ / 39
تنبیه: فی جواز الامتثال بعد الامتثال. 44
النظریة الأولی:ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 44
بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره): 46
الطائفة الأُولی: 46
الطائفة الثانیة: 49
النظریة الثانیة: 63
بیان بعض الأساطین (حفظه الله) فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال: 63
الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟ 67
المقام الأوّل: مقام الثبوت... 69
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 69
أمّا الصورة الأُولی: 70
أمّا الصورة الثانیة: 71
أمّا الصورة الثالثة: 72
أمّا الصورة الرابعة: 73
المقام الثانی: مقام الإثبات... 81
الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة. 81
نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره): 81
نظریة أُخری لبعض الأعلام: 84
نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 85
نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 86
نظریة المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما): 87
التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات... 91
التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلّف... 93
المطلب الأوّل: هل تشمله إطلاقات الأوامر الاضطراریة؟ 93
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): 93
ص: 6
المطلب الثانی: هل یستحق العقوبة علیه؟ 94
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): 94
الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی فی المقام. 96
استدلّ علی القول الأوّل بوجهین: 97
الاستدلال علی القول الثانی: 97
تقریر الاشتغال بوجهین: 97
الوجه الأوّل: 97
الوجه الثانی: 99
الاستدلال علی القول الثالث: 101
الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟ / 105
مقدمة فی ذکر الأقوال: 107
المقام الأوّل: الأُصول العملیة. 113
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): 113
المقام الثانی: الأمارات... 133
المبنی الأول: الطریقیة. 133
أدلّة القول بالإجزاء 133
الدلیل الأوّل: 133
الدلیل الثانی: 135
الدلیل الثالث: 136
الدلیل الرابع: 137
الدلیل الخامس: 138
الدلیل السادس: الإجماع علی القول بالإجزاء. 141
الدلیل السابع: تحقّق سیرة الفقهاء علی الإجزاء 146
الدلیل الثامن: 148
الدلیل التاسع: 149
دلیل عدم الإجزاء (علی القول بالطریقیة) 151
المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة. 153
ص: 7
المبنی الثالث: مسلک جعل الحکم المماثل.. 154
تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) بین العبادات و المعاملات: 155
المبنی الرابع: مسلک جعل المؤدّی منزلة الواقع. 159
التفسیر الأول: 159
التفسیر الثانی: 159
الدلیل علی الإجزاء علی التفسیر الثانی: 159
المبنی الخامس: مسلک السببیة. 161
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 161
بیان أقسام السببیة و تحقیق المسألة: 161
الأُولی: السببیة التی نُسبت إلی الأشاعرة. 162
اتفق الأعلام علی بطلان هذه السببیة لأوجه: 162
الثانیة: السببیة التی نُسبت إلی المعتزلة. 163
الثالثة: المصلحة السلوکیة. 164
البحث الأوّل: فی تصویر المصلحة السلوکیة. 164
البحث الثانی فی الإجزاء بناء علی القول بالمصلحة السلوکیة: 167
استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدم الإجزاء: 167
تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة. 169
المقام الأوّل: من حیث الإعادة. 169
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء: 169
المقام الثانی: بالنسبة إلی القضاء. 171
بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 171
البحث الثانی: مقدمة الواجب / 173
المقدمة / 175
الأمر الأوّل: هذه المسألة من أی قسم من المباحث؟. 177
القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة. 177
القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة. 178
ص: 8
القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة للمسائل الأُصولیة. 180
القول الرابع: إنّ هذه المسألة أُصولیة. 182
الأمر الثانی: ما هو المراد من وجوب المقدّمة؟. 185
الوجه الأوّل: الوجوب العقلی... 185
الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی.. 185
الوجه الثالث: الوجوب المجازی.. 185
الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی.. 185
الوجه الخامس: الوجوب النفسی.... 186
الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی.. 186
الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب... 187
الفصل الأوّل: فی ذکر التقسیمات / 189
الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة. 191
التقسیم الأوّل: 193
المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان.. 193
الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟. 194
الموضع الثانی: هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها؟ 195
القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء. 195
القول الثانی: وجود الاقتضاء. 195
الموضع الثالث: هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی ثبوت المقتضی؟ 196
القول الأوّل: عدم المانع. 196
القول الثانی: وجود المانع. 196
خاتمة فی ثمرة البحث: 203
الثمرة الأُولی: 203
التحقیق فی هذه الثمرة: 205
بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لذلک: 206
ص: 9
الثمرة الثانیة: 206
التقسیم الثانی.. 207
مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم. 207
التقسیم الثالث... 211
المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة. 211
التقسیم الرابع. 213
المتقدّم و المقارن و المتأخّر. 213
الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر. 214
البیان الأوّل: 214
البیان الثانی: 215
الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حلّ هذه المشکلة. 216
الأُولی: نظریة المحقّق النراقی (قدس سره) 216
الثانیة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) 216
الثالثة: نظریة السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) 217
الرابعة: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 220
الصورة الأُولی: شرائط الحکم. 220
التحقیق حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 220
الصورة الثانیة: شرائط المأمور به. 225
الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط.. 231
المقدمة. 233
المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط.. 233
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 234
المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟. 235
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 235
المطلب الثالث: 236
الناحیة الأُولی: 237
القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟. 237
ص: 10
الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال. 237
القول الأوّل: 237
القول الثانی: 237
القول الثالث: 238
الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة. 239
الوجوه التی استدلّوا بها علی عدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة: 239
الوجه الأوّل: 239
الوجه الثانی لعدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة: 243
الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی «إن قلت». 245
الناحیة الثانیة: 255
إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟. 255
المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی.. 255
الاستدلال الأوّل للشیخ (قدس سره) 255
الدعوی الکبروی: 256
الدعوی الصغروی: 262
الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره): 263
تنبیه. 266
تحقیق المحقق الخوئی (قدس سره) حول معنی الإطلاق والتقیید فی الهیأة والمادّة: 266
المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی... 268
الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب... 269
التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز. 271
الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول (قدس سره) 272
الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلق ثبوتاً 276
فیه قولان: 276
القول الأوّل: استحالة الواجب المعلّق.. 276
الدلیل الأوّل علی الاستحالة: 276
الدلیل الثانی علی الاستحالة: ما ذکره فی الکفایة. 285
الدلیل الثالث علی الاستحالة: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) 285
ص: 11
القول الثانی: إمکان الواجب المعلق.. 286
الموضع الثالث: ثمرة البحث عن الواجب المعلّق.. 288
المقدّمة: 289
المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟ 289
المطلب الثانی: 290
المسألة الأُولی: المقدّمات الوجودیة المفوّتة. 291
المقام الأوّل: مقام الثبوت... 291
المقام الثانی: مقام الإثبات... 301
المسألة الثانیة: وجوب التعلّم. 303
الصورة الأُولی: إذا علم المکلف أو اطمأن بالابتلاء. 303
الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء. 307
المسألة الثالثة: 313
تنبیه: 314
المطلب الأوّل: هل یجب التعلم علی الصبی غیر البالغ؟ 314
استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی القول الأوّل: 314
المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟ 316
الوجه الأوّل: الوجوب النفسی.... 316
الاستدلال علی الوجوب النفسی: 316
الوجه الثانی: الوجوب الغیری.. 318
الاستدلال علی الوجوب الغیری: 318
الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی.. 319
الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی 319
الاستدلال علی الوجوب الإرشادی: 319
الوجه الخامس: الوجوب الطریقی.. 323
الاستدلال علی الوجوب الطریقی: 323
المطلب الثالث: هل تارک تعلم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟ 326
التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری.. 329
الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری.. 329
الأوّل: تعریف المشهور 329
ص: 12
الثانی: تعریف الشیخ الأنصاری (قدس سره) 330
الثالث: تعریف صاحب الکفایة (قدس سره) 332
الرابع: تعریف المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 335
الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 338
السادس: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) 340
الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟. 342
المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی.. 342
الأُولی: نظریة الشیخ (قدس سره) 342
الثانیة: نظریة المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) 343
الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 346
الرابعة: نظریة المحقّق الإیروانی (قدس سره) 346
المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی... 348
الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 348
الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 350
الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث... 353
الرابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) حول الجهات الثلاث... 354
التنبیه الأوّل:فی ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری.. 359
المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتّب الثواب و العقاب... 359
المطلب الثانی: إنّ ترتّب الثواب علی امتثال الواجب النفسی هل هو بالاستحقاق أو بالتفضّل؟ 362
القول الأوّل: 362
القول الثانی: 362
تحقیق السید المحقق الخوئی (قدس سره): 362
المطلب الثالث: ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری.. 363
المطلب الرابع: إنّ ثواب امتثال الأمر الغیری هل یکون غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟ 363
القول الأوّل: 363
استدلال القائلین بوحدة الثواب: 363
ص: 13
القول الثانی: تعدد الثواب... 364
استدلال القائلین بتعدّد الثواب: 364
التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث... 365
القول الأوّل: منشؤها الأمر الغیری.. 366
القول الثانی: منشؤها الأمر النفسی الاستحبابی.. 367
القول الثالث: منشؤها الأمر النفسی الضمنی.. 371
القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) 372
القول الخامس: نظریة بعض الأساطین.. 373
القول السادس: 373
التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی.. 375
تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الثبوت: 375
تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره): 376
بیان مناط الغیریة و مناط التبعیة: 376
تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الإثبات: 377
الفصل الثانی: فی تحقیق المسألة / 379
الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها 381
أما الأقوال فهی خمسة: 381
القول الأوّل: ما عن صاحب المعالم (قدس سره) 381
القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) 381
القول الثالث: ما عن صاحب الفصول (قدس سره) 382
القول الرابع: ما عن المشهور. 382
القول الخامس: مختار المحقق صاحب الحاشیة و المحقق النائینی (قدس سرهما) .. 383
و أما مناقشة الأقوال: 384
تنبیه حول تفسیر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره): 390
أدلّة سبعة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة: 400
الدلیل الأوّل: لصاحب الفصول (قدس سره) 400
الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا 401
ص: 14
الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا 402
الدلیل الرابع علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة: 403
الدلیل الخامس: 405
الدلیل السادس: 407
الدلیل السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الحصّة التوأمة. 411
تقریر المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الخامس: 413
الأمر الثانی: 415
مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة. 415
قد استدلّوا علی القول الأوّل بوجوه نذکر أربعة منها: 420
الوجه الأوّل: 420
تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله): 423
الوجه الثانی: 423
الوجه الثالث: 424
الوجه الرابع: 425
الاستدلال علی القول الثانی: 426
الاستدلال علی القول الثالث: 427
الاستدلال علی القول الرابع: 428
الأمر الثالث: 431
مقتضی الأصل العملی... 431
أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة: 431
الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 431
الثانیة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .. 432
أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة: 433
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة. 433
تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب / 437
الثمرة الأُولی: 437
ص: 15
الثمرة الثانیة: 438
الثمرة الثالثة: 439
الثمرة الرابعة: 441
الثمرة الخامسة: 443
الثمرة السادسة: 445
خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه / 451
أمّا مقدّمة المستحب: 451
أمّا مقدّمة الحرام أو المکروه: 451
النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره): 451
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 452
الفهارس.. 455
ص: 16
فیه مقدمات و ثلاثة فصول
الفصل الأوّل:إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟
الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟
الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟
ص: 17
ص: 18
و فیه قولان:
إنّ عبارة القدماء فی عنوان البحث هو أنّ الأمر بشیء (إذا أُتی به علی وجهه) هل یقتضی الإجزاءأو لا؟((1)) و موضوع البحث حینئذ هو الأمر.
ص: 19
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عدل عن القول الأول و اختار قولاً آخر و قال (قدس سره): «الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء»((1))، فموضوع البحث عنده إتیان المأموربه.
المحقّق الإصفهانی (قدس سره) وجّهه((2)) بأنّ «الإجزاء من مقتضیات إتیان المأموربه و شؤونه لا من مقتضیات الأمر و لواحقه»، لأنّ الإجزاء و سقوط الأمر متوقّف
ص: 20
علی حصول مصلحة المأموربه و هذه المصلحة توجد بوجود المأتی به و علی هذا اقتضاء سقوط الأمر قائم بإتیان المأموربه لا بالأمر.
و الحق هو القول الثانی و أن موضوع البحث إتیان المأمور به لأنه المقتضی للإجزاء.
ص: 21
و فیها مطالب ثلاثة:((1))
هنا أقوال ثلاثة:
و هو مختار صاحب الکفایة((2)) و المحقّق العراقی((3)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین((4)).
إنّ المراد هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً.
أمّا القیود المعتبرة فی المأموربه شرعاً فیکفی فیها عنوان المأموربه لأنّه مع فقد هذه القیود لایصدق علی المأتی به أنّه هو المأموربه.
و أمّا القیود المعتبرة فی المأموربه عقلاً - مثل قصد القربة علی رأی صاحب
ص: 22
الکفایة (قدس سره) من استحالة أخذه فی المأموربه شرعاً- فهی أیضاً لابدّ من أخذه لأنّ الغرض المترتب علی المأموربه لایتحقّق إلّا مع هذه القیود.((1))
و هو مختار السید المجاهد الطباطبائی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((3)).
إنّ المراد من هذه الکلمة هو خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأموربه شرعاً.
أولاً: علی هذا البیان کلمة «علی وجهه» یکون قیداً توضیحیاً حیث إنّه لابدّ من حصول جمیع الأجزاء و الشرائط الشرعیة حتّی یصدق عنوان المأموربه مع أنّ الأصل فی القیود الاحترازیة((4)).
ثانیاً: «إنّه یلزم خروج التعبدیات عن حریم النزاع بناءً علی المختار ... من أنّ قصد القربة من کیفیات الإطاعة عقلاً لا من قیود المأموربه شرعاً.»
ص: 23
((1)):
«إنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یقوم علی أساس نظریته (قدس سره) من استحالة أخذ قصد القربة قیداً فی المأموربه شرعاً و إنّما هو قید فیه عقلاً... أمّا بناء علی نظریتنا من إمکان أخذه إبتداء فی المأموربه أو علی نظریة شیخنا الأستاذ [أی المحقّق النائینی (قدس سره) ] من إمکان أخذه بمتمّم الجعل و لو بالأمر الثانی فلامحالة یکون القید توضیحیاً لا تأسیسیاً حیث لایفید وجوده علی هذا أزید من الإتیان بالمأموربه بتمام أجزائه و شرائطه.»
((1)):
إنّ القیود العقلیة لیست منحصرة فی قصد القربة بل قد ذکروا قیوداً عقلیة أخری مثل عدم ابتلاء متعلّق الأمر بالمزاحم و مثل الفوریة فإنّ أخذها فی متعلّق الأمر عند بعض الأصولیین بحکم العقل.
أوّلاً: إنّه غیر معتبر عند معظم الأصحاب.
ثانیاً: إنّ من اعتبره لم یعتبره إلّا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات.
ص: 26
ثالثاً: إنّ الخصوصیات المعتبرة فی الواجبات کثیرة و لا وجه لاختصاص قصد الوجه بالذکر((1)).
و الحاصل أن الحق هو القول الثانی و أنّ المراد من «وجهه» فی عنوان البحث هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً و إن لم یکن قصد القربة فی العبادیات معتبرا عقلا فلا بأس لأن القیود العقلیة لیست منحصرة فیه.
إنّ الاقتضاء قد یکون بمعنی الکشف و الدلالة و قد یکون بمعنی العلّیة و التأثیر.
فهنا قولان:
الاقتضاءُ - بناء علی مسلک القدماء فی عنوان البحث من أنّ الأمر یقتضی الإجزاء أو لا؟ - یکون بمعنی الکشف و الدلالة حیث إنّ حیثیة الأمر حیثیة الکاشفیة و الدلالة. ((2))
ص: 27
و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1))«إن أُرید من الإجزاء إسقاط التعبّد به رأساً ثانیاً أو إسقاط الإعادة و القضاء فالتعبیر بالاقتضاء و تفسیره بالعلّیة و التأثیر مسامحة فی التعبیر و التفسیر لأنّ سقوط الأمر یکون بملاحظة سقوط غرضه و المعلول ینعدم بانعدام علّته فلا اقتضاء و لا علّیة فی البین بل هنا انتفاء العلّیة و الاقتضاء.
و أما إذا أُرید من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأموربه فالإجزاء بهذا المعنی لازم اشتمال المأتی به علی المأموربه بحدوده و قیوده و علی مصلحة الواقع عیناً أو بدلاً، فاقتضاء المأتی به للإجزاء بهذا الوجه من باب اقتضاء الملزوم للازمه العقلی فلا مسامحة لا فی التعبیر و لا فی التفسیر».
الإشکال الذی نقله فی الکفایة (2) و بنی علیه بعض الأساطین (حفظه الله) نظریته:
إنّ بحث الإجزاء عقلی بالنسبة إلی الکبری و هی أنّه هل یجزی الإتیان بالمأموربه عن نفس ذلک الأمر (أی یجزی الإتیان بالمأموربه بالأمر الواقعی عن
ص: 29
الأمر الواقعی و بالمأموربه بالأمر الاضطراری عن الأمر الاضطراری و بالمأموربه بالأمر الظاهری عن الأمر الظاهری) و أمّا بالنسبة إلی البحثین الصغرویین و هما إجزاء الأمر الاضطراری عن الأمر الواقعی و إجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی فالبحث لفظی و یکون الاقتضاء حینئذ بمعنی الکشف و الدلالة لأنّ النزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما، و النزاع المهمّ هو فی البحثین الصغرویین.((1))
إنّ دلیل الأمر الاضطراری و الظاهری إن دلّ علی تنزیل المأمور به الاضطراری و الظاهری منزلة المأمور به الواقعی و بدلیتهما عنه فالإتیان بهما علّة
ص: 30
لسقوط الأمر الواقعی و إلّا فلا فالاقتضاء هنا أیضاً بمعنی العلّیة.((1))
و الحاصل أن الحق - بناء علی کون موضوع البحث إتیان المأمور به الذی مرّ فی المطلب الأول و کون المراد من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأمور به الذی یأتی فی المطلب الثالث- إرادة العلیة و التأثیر من المأمور به فی البحث الکبروی و الصغروی معا.
ص: 31
إنّ المراد من الإجزاء هو معناه اللغوی و هو الکفایة و لم یثبت له معنی اصطلاحی و هو إسقاط التعبد و القضاء بل لازمه إمّا سقوط الإعادة و القضاء أو سقوط القضاء لا الإعادة((1)).
و مثّل المحقّق الخوئی (قدس سره) لسقوط القضاء فقط بمن صلّی فی الثوب المتنجس نسیاناً حیث إنّه إذا تذکّر فی الوقت وجبت الإعادة علیه و إذا تذکّر فی خارج الوقت لم یجب علیه القضاء عند المشهور[بین المتأخّرین]((2)) -و إن کان الأقوی عنده وجوبه.
ص: 32
و بالمسافر الذی یتمّ فی السفر نسیاناً أو جهلاً بالموضوع حیث إنّه إذا تذکّر أو ارتفع جهله فی الوقت وجبت الإعادة علیه و إن تذکّر أو ارتفع جهله فی خارج الوقت لم یجب القضاء((1)).
ص: 33
المباحث اللفظیة و لا من المبادی الأحکامیة، «إذ لایرجع البحث إلی إثبات شیء للأمر لا من حیث إنّه مدلول الکتاب و السنّة و لا من حیث إنّه حکم من الأحکام ... فلامناص من إدراجه فی المسائل الأصولیة العقلیة [فهو من] حیث إنّه یقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی من وجوب الإعادة و القضاء و عدمهما فهو من المسائل و [من] حیث إنّه بحکم العقل ... فهو من الأُصول العقلیة.»
النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ((1))
إن کان موضوع البحث هو إتیان المأموربه بأنّه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟ فهذا البحث عقلی.
و إن کان موضوع البحث أدلّة الأوامر الاضطراریة و الظاهریة بأنّ أدلّة الأوامر الاضطراریة هل تدلّ علی الإجزاء عن الأمر الاختیاری أو لا؟ و أنّ أدلّة الأوامر الظاهریة هل تدلّ علی الإجزاء عن الأمر الواقعی أو لا؟ فهذا البحث لفظی. (سیجیء الجواب عنه فی الأمر الثانی).
و الحق النظریة الأولی أی إن الإجزاء من المسائل العقلیة.
ص: 35
((1))
فیمکن أن یتوهّم: أنّ القول بالإجزاء هو القول بالمرّة و أنّ القول بعدم الإجزاء هو القول بالتکرار.
و الجواب: هو أنّ البحث فی مسألة المرّة و التکرار فی تعیین حدود المأموربه شرعاً فی وقته من حیث السعة و الضیق فإن قلنا بالمرّة فتکون الطبیعة المأموربها مقیدة و مضیقة و إن قلنا بالتکرار فتکون موسّعة و لکن البحث فی الإجزاء هو أنّه بعد الفراغ عن تعیین حدود الطبیعة المأموربها هل یجزی الإتیان بهذه الطبیعة المأموربها عن الواقع عقلاً.
((2))
فیمکن أن یتوهّم هنا أیضاً: أنّ القول بعدم الإجزاء هو القول بتبعیة القضاء
ص: 36
للأداء حیث إنّ القائل بالتبعیة یعتقد بقاء الأمر بعد وقته عند عدم امتثاله فی وقته.
و الجواب أولاً: إنّ المسألتین تفترقان موضوعاً فإنّ موضوع بحث الإجزاء هو الإتیان بالمأموربه و موضوع بحث التبعیة عدم الإتیان بالمأموربه و لا جامع بین الوجود و العدم.
و ثانیاً: إنّ البحث فی مسألة التبعیة فی تعیین حدود المأموربه فی خارج وقته من جهة أنّ الأمر هل یدلّ علی مطلوبیة المأموربه فی خارج الوقت قضاءً عند عدم امتثاله فی الوقت أو لا؟ (سواء قلنا بوجوب المأموربه فی الوقت مرّة واحدة أم قلنا بالتکرار) و لکن البحث فی الإجزاء فی وجود الملازمة بین إتیان المأموربه و إجزائه عن الواقع عقلاً (سواء قلنا بأنّه واجب فی الوقت مرّة واحدة أم قلنا بالتکرار و سواء قلنا بدلالته علی وجوب المأموربه خارج الوقت قضاءً عند عدم امتثاله فی الوقت أم قلنا بعدم دلالته علیه).
الأُولی: إنّ الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء عن أمره عقلاً أو لا؟ سواء کان الأمر واقعیاً أو اضطراریاً أو ظاهریاً.
الثانیة: إنّ الإتیان بالمأموربه بالأمر الاضطراری هل یجزی عن الأمر الواقعی؟
الثالثة: إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری هل یجزی عن الأمر الواقعی؟
ص: 37
ص: 38
إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟
ص: 39
ص: 40
إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟
((1))
«إنّ الإتیان بالمأموربه بالأمر الواقعی بل بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً یجزی عن التعبّد به ثانیاً، لاستقلال العقل بأنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأموربه علی وجهه لاقتضائه التعبّد به ثانیاً.»
إنّه لو لم یسقط الأمر مع حصول الغرض إمّا یلزم الخلف أو یلزم بقاء المعلول بلا علّة.
أما لزوم الخلف فلأنّ «بقاء الأمر إمّا لأنّ مقتضاه [أی مقتضی الأمر] تعدّد المطلوب فهو خلف، لأنّ المفروض وحدة المطلوب و إمّا لأنّ المأتی به لیس علی نحو یؤثّر فی حصول الغرض فهو خلف أیضاً» و الخلف بدیهی الاستحالة.
ص: 41
و أمّا لزوم بقاء المعلول بلا علّة فلأنّ بقاء الأمر مع عدم اقتضاء الأمر لتعدّد المطلوب و مع فرض حصول الغرض فهو بقاء المعلول أی الأمر بلا علّة و هو أیضاً مستحیل.((1))
قال (قدس سره): إنّ الأمر بعد امتثاله و حصول غرضه یسقط فلو قلنا بعدم سقوط الأمر و بقائه بعد حصول غرضه یلزم طلب الحاصل.((2))
إنّ طلب الحاصل معناه طلب الموجود بما هو موجود فحیث إنّ إیجاد الموجود محال فطلب الموجود أیضاً محال، أمّا طلب الفعل ثانیاً فلیس من طلب الحاصل بل هو إیجاد للوجود الثانی لا للوجود الأوّل حتّی یکون طلب الحاصل.((3))
ص: 42
فالوجه الصحیح فی الاستحالة هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
ص: 43
فلایجوز الامتثال بعد الامتثال و لایبقی موقع لتبدیل الامتثال بالامتثال الآخر کما إذا أمر المولی بإهراق الماء فی فمه لرفع العطش فأهرقه العبد.
الصورة الثانیة:((1)) «أن مجرد امتثاله لایکون علّة تامّة لحصول الغرض [و بعبارة أُخری لم یحصل الغرض الأقصی من الأمر] و إن کان [الامتثال الأوّل] وافیاً به [أی بالغرض] لو اکتفی به، کما إذا أتی بماء أمر به مولاه لیشربه فلم یشربه بعد فإنّ الأمر بحقیقته و ملاکه لم یسقط بعد و لذا لو أُُهریق الماء و اطّلع علیه العبد وجب علیه إتیانه ثانیاً کما إذا لم یأت به أوّلاً» و حینئذ یجوز للعبد تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر.
الصورة الثالثة:((2)) لو لم یعلم المکلّف أنّ الامتثال علّة تامّة للغرض أو لا فحینئذ أیضاً یجوز له تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر باحتمال أن لایکون علّة.
(و المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً یقول((3)) بجواز تبدیل الامتثال بامتثال آخر فی ما إذا لم یحصل الغرض الأقصی.)
ص: 45
ثم قال صاحب الکفایة:((1)) و یؤید ذلک بل یدلّ علیه ما ورد من الروایات فی باب أنّ من صلّی فرادی یستحب له الإعادة جماعةً.
أمّا استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام ببعض الأخبار علی جواز الامتثال بعد الامتثال فیظهر النقاش فیه بعد ملاحظة الأخبار و التأمّل فیها.
مثل صحیحة((1)) عمر بن یزید عن أبی عبد الله (علیه السلام):
«مَا مِنْکُمْ أَحَدٌ یصَلِّی صَلَاةً فَرِیضَةً فِی وَقْتِهَا ثُمَ یصَلِّی مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِیةً وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ إِلَّا کَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً فَارْغَبُوا فِی ذَلِکَ».((2))
و مثل صحیحة((3)) عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ:
«مَا مِنْ عَبْدٍ یصَلِّی فِی الْوَقْتِ وَ یفْرُغُ ثُمَ یأْتِیهِمْ وَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ هُوَ عَلَی وُضُوءٍ إِلَّا کَتَبَ اللَهُ لَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً».((4))
ص: 47
«إنّ هذه الطائفة أجنبیة عن أصل مشروعیة الإعادة فضلاً عن احتسابها فریضة باستقرار الامتثال علیها»((1)).
کما أفاد المحقّق الخوئی((2)) (قدس سره) فی الجواب عنها((3)):
إنّ الروایات الدالّة علی جواز الإعادة تقیة لاتدلّ علی جواز الامتثال بعد الامتثال.
عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ».
ص: 48
((1)):
ما لایختص بالإعادة مع المخالف، کما فی صحیحة((2)) هشام بن سالم عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ:
«فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ»((3))
و کما فی روایة حفص بن البختری((4)) بإسقاط کلمة «إن شاء».
ص: 49
و صحیحة زرارة((1)) عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِی حَدِیثٍ قَالَ: «لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَهُمْ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا وَ إِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی».((2))
و خبر((3)) إسحاق بن عمّار، تُقَامُ الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ فَقَالَ (علیه السلام): «صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَات»((4)) (أشار إلیها و جعلها قرینة لتفسیر صحیحة هشام بن سالم
ص: 50
باحتمال حمل الصلاة المعادة علی فریضة فائتة قضاءً((1))).
و روایة أبی بصیر((2))، قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام): أُصَلِّی ثُمَ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَتُقَامُ
ص: 51
الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ، فَقَالَ (علیه السلام) «صَلِّ مَعَهُمْ یخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَیهِ» ((1))
((2))
«أمّا ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة و أنّه یجعلها الفریضة و یختار الله تعالی أحبهما إلیه و أنّه یحسب له أفضلهما و أتمّهما، فلا دلالة له علی أنّ ذلک من باب تبدیل الامتثال بالامتثال و کون سقوط الأمر مراعی بعدم تعقّب الأفضل و ذلک لأنّ کلّ ذلک لاینافی حصول الغرض و سقوط الأمر، بتقریب أنّ سقوط الأمر بحصول الغرض الملزم أمر و اختیار المعادة و احتسابها فی مقام إعطاء الأجر و الثواب أمر آخر.
و السرّ فی جعل [الصلاة] المعادة - لمکان أفضلیتها من الأُولی کما دلّت علیه طائفة من الأخبار- میزاناً للأجر و الثواب دون [الصلاة] الأُولی [هو] اشتراکها مع [الصلاة] الأُولی فی [ذات] المصلحة القائمة بها مع زیادة، فلیس مدار الثواب
ص: 52
علی الأولی المقتضیة لدرجة واحدة من القرب بل علی الثانیة المقتضیة لدرجات من القرب و الأُولی و إن استوفت بمجرد وجودها درجة من القرب لکن حیث إن المعادة تکرار ذلک العمل بنحو أکمل فلایحتسب ما به الاشتراک مرتین فصحّ أن یقال باحتسابهما و اختیارهما معاً کما دلّ علیه قوله (علیه السلام) [فی صحیحة زرارة] «و إن کان قد صلّی کان له صلاة أُخری» و یصحّ أن یقال باختیار [الصلاة] المعادة و جعلها مدار القرب لوجود ما یقتضیه الأولی فیها و زیادة فتفطن».
ثمّ إنّه فی هامش التعلیقة أشار((1)) إلی الاحتمالات المذکورة حول صحیحة هشام بن سالم فقال: «مع تطرّق الاحتمال لایجوز الاستدلال بهذه الروایة و غیرها علی جواز تبدیل الامتثال بالامتثال.»
((2))
إنّ بعض الأساطین (حفظه الله) أشار إلی البحث السندی المذکور حول روایة أبی بصیر من حیث اشتماله علی سهل بن زیاد.
و التحقیق: توثیقه من جهات و قد اختار توثیقه جمع من الأعلام منهم المحدث النوری (قدس سره) ((3)) و الأستاذ المحقق الرجالی السید الزنجانی.
ص: 53
ص: 54
الثالثة: إکثار الکلینی (قدس سره) الروایة عنه((1)) (أکثر من 2300 روایة).
ص: 56
الرابعة: توثیق الشیخ الطوسی (قدس سره) له فی رجاله((1)).
الخامسة((2)): إنّ بعض الأعلام قالوا بوثاقته مثل الشهید الثانی و المحقّق الثانی و صاحب الوسائل و الوحید البهبهانی و صاحب الجواهر و الشیخ الأنصاری (قدس سره).
ص: 57
بن محمد بن عیسی شهد علیه بالغلو و الکذب((1)).»
الثالثة: تضعیف الشیخ الطوسی (قدس سره) له فی الفهرست((2)) و قال فی الاستبصار((3)):
ص: 60
ضعیف عند نقّاد الخبر((1)).
ص: 61
و بعض الأساطین (حفظه الله) یقول((1)) بالتوقف و الاحتیاط الواجب فی روایات سهل مع عدم جواز الرجوع فی هذا الاحتیاط الواجب إلی غیره، لأنّه فتوی بالاحتیاط لا أنّه احتیاط فی الفتوی.
إنّ هنا أنظار بین الأعلام، و قد أشرنا إلیه فی المباحث الرجالیة و ملخّص الکلام هو أنّ بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی و الأستاذ آیة الله المیرزا جواد التبریزی((2)) (قدس سرهما) ذهبا إلی عدم وثاقته.
و فی قبالهم بعض الأعلام قالوا بوثاقته لوجوه، منها کثرة نقل الأجلاء عنه و منها کثرة روایاته، و منها اعتماد الشیخ الکلینی (قدس سره) علیه. و هذا القول مختار المحدث النوری (قدس سره) و الأستاذ المحقق الرجالی السید الزنجانی.
و المعتمد هو القول الأخیر، لأنّ تضعیف القدماء إیاه معلّل بالغلوّ و تضعیف القدماء المستند إلی الغلوّ لا اعتبار به لما هو محرّر فی محلّه و لذا لایعارض توثیقه.
فالحقّ عندنا هو توثیقه.
ص: 62
ما أفاده المحقّق الإصفهانی((1)) و المحقّق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) .
أمّا الامتثال بعد الامتثال فباطل من جهة أنّ المأتی به من أفراد الطبیعة المأموربها و به یتحقّق الامتثال و یسقط الأمر (کما مضی الاستدلال علیه) و إذا سقط الأمر فلا معنی للامتثال حیث إنّ صدق عنوان الامتثال متقوّم بوجود الأمر((3)).
ص: 63
و أمّا تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر فباطل أیضاً.
أوّلاً: لعدم صدق عنوان الامتثال بعد سقوط الأمر.
و ثانیاً: تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر انقلاب للموجود و انقلاب الموجود محال((1)).
قیل بإمکان تبدیل الامتثال بإتیان مصداق آخر من الطبیعة المأموربها بما أنّه فرد من الطبیعة المذکورة لا بما أنّه امتثال.
و فیه أنّ إشکال الانقلاب باق بحاله و إن لم یرد علی هذا البیان الإشکال الأوّل (أی عدم صدق الامتثال بعد سقوط الأمر)((2)).
و الحاصل أن الحق النظریةُ الثانیة و عدمُ جواز الامتثالِ بعد الامتثال و تبدیلِ الامتثال و عدمُ دلالة الروایات علیه.
و لهذا البحث ثمرة فی مسائل من الفقه: ((3))
ص: 64
ص: 65
ص: 66
هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری
یجزی عن الأمر الواقعی؟
ص: 67
ص: 68
((1))
إنّ هنا أربع صور فی مقام الثبوت، لابدّ من بیانها و بیان حکمها من حیث الإجزاء عن الأمر الواقعی و جواز البدار إلی امتثال الأمر الاضطراری.
الصورة الإجمالیة من کلام صاحب الکفایة((2)) (قدس سره):
التکلیف الاضطراری إمّا واف بتمام مصلحة الواقع (الإجزاء و جواز البدار فی بعض صوره).
و إمّا غیر واف بتمام مصلحة الواقع و هو علی قسمین:
القسم الأوّل: الباقی غیر ممکن الاستیفاء (الإجزاء و عدم جواز البدار).
القسم الثانی: الباقی ممکن الاستیفاء و هو علی وجهین:
ص: 69
الوجه الاوّل: واجب التدارک (عدم الإجزاء و التخییر).
الوجه الثانی: مستحب التدارک (الإجزاء و جواز البدار).((1))
((2)):
و هی أن یکون الأمر الاضطراری وافیاً بتمام المصلحة فحینئذ لایبقی مجال للتدارک لا قضاءً ولا إعادةً، فالأمر الاضطراری یجزی عن الواقع بلا إشکال.
أمّا جواز البدار فهنا احتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأوّل: أن یکون العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً وافیاً بتمام المصلحة (أی الموضوع مجرد الاضطرار) فخینئذ یجوز البدار مطلقاً.
ص: 70
الاحتمال الثانی: أن یکون العمل بشرط الانتظار وافیاً بتمام المصلحة(أی الموضوع الاضطرار فی جمیع الوقت) فحینئذ لایجوز البدار.
الاحتمال الثالث: أن یکون العمل بشرط الیأس عن طروّ الاختیار وافیاً بتمام المصلحة فحینئذ یجوز البدار بحصول الیأس.((1))
((1)):
و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً مع إمکان تدارک الباقی و وجوب تدارکه فحینئذ لایجزی بل لابدّ من إیجاب الإعادة أو القضاء.
و هنا یتخیّر بین أمرین:
الأوّل: البدار إلی العمل الاضطراری ثم إتیان العمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار.
الثانی: الانتظار إلی رفع الاضطرار و الإتیان بالعمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار.((2))
ص: 72
((1))
«أما الإجزاء من حیث عدم إمکان استیفاء بقیة المصلحة فهو أجنبی عن مورد البحث فإنّه لایعقل الأمر بما لایبقی معه مجال لاستیفاء الباقی لأنّه نقض للغرض من المولی الآمر فلا أمر حتّی یتکلّم فی إجزائه، و منه تعرف أنّ وجود الأمر الاضطراری فی الوقت لایجامع عدم جواز البدار بتاتاً بل یلازم جوازه».
إنّ فی بعض الموارد نری فوات المصالح الملزمة من دون استدراک کما إذا نام عن الصلاة فإنّ المصلحة الملزمة فی الصلاة متدارکة بالقضاء و لکن المصلحة الملزمة الموجودة فی الوقت لایمکن تدارکها.
ص: 74
((1))
«إنّ ما أفاده [المحقّق الخراسانی (قدس سره) ] من التخییر فی هذه الصورة غیر معقول و ذلک لأنّه من التخییر بین الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین، و قد حققنا فی محلّه أنّ التخییر بینهما مستحیل إلّا إذا رجع إلی التخییر بین المتباینین.»
توضیحه: إنّه بعد فرض أنّ الشارع لم یرفع الید عن الواقع و أوجب علی المکلّف الإتیان به علی کلّ من تقدیری الإتیان بالعمل الاضطراری الناقص فی أوّل الوقت و عدم الإتیان به، فعندئذ بطبیعة الحال لا معنی لإیجابه الفرد الناقص حیث إنّه لایترتب علی وجوبه أثر، بل لازم ذلک وجوبه علی تقدیر المبادرة و عدم وجوبه علی تقدیر عدم المبادرة، فالتخییر المذکور غیر معقول.
فالحقّ هو أنّ المکلّف إذا کان قادراً علی الإتیان بالصلاة مع الطهارة المائیة مثلاً فی الوقت لم تصل النوبة إلی الصلاة مع الطهارة الترابیة لفرض أنّ الأمر الاضطراری فی طول الأمر الاختیاری و مع تمکّن المکلّف من امتثال الأمر الاختیاری لا موضوع للأمر الاضطراری و لازم ذلک عدم جواز البدار هنا واقعاً.
أولاً: هذا الإشکال یجدی علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) فهو قائل بالتخییر فی هذه المسألة فالاختلاف مبنائی((2)).
ص: 75
ثانیاً: إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یقول باستحالة التخییر بین الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین إلّا إذا رجع إلی التخییر بین المتباینیین و نحن نقول: هنا یرجع التخییر بینهما إلی التخییر بین المتباینین، لأنّ الأقلّ هو العمل الاختیاری فی آخر الوقت بشرط لا عن العمل الاضطراری فی أوّل الوقت و الأکثر هو العمل الاضطراری فی أوّل الوقت و العمل الاختیاری فی آخره بشرط شیء بالنسبة إلی العمل الاضطراری.
و الفرق بین العمل الاختیاری فی آخر الوقت إذا کان بشرط لا عن الاضطراری فی أوّل الوقت مع العمل الاختیاری فی آخر الوقت إذا کان بشرط شیء بالنسبة إلی العمل الاضطراری فی أوّل الوقت هو أنّ العمل الاختیاری بشرط لا عن الاضطراری واجد لتمام مصلحة الواقع و العمل الاختیاری بشرط شیء بالنسبة إلی الاضطراری واجد لبعض مصلحة الواقع (و أمّا بعضها الآخر فهو حاصل فی ضمن العمل الاضطراری).((1))
ص: 76
((1))
فإنّ الاحتمالات الثلاثة المذکورة فی الصورة الأُولی تطرّقُ فی هذه الصورة أیضاً فیقال: إنّ المصلحة الحاصلة غیر الوافیة بمصلحة الواقع
إمّا تترتب علی العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً
و إمّا تترتب علی العمل بعد تحقّق الاضطرار فی جمیع الوقت بحیث لابدّ من الإنتظار إلی آخر الوقت حتّی تترتب المصلحة
و إمّا تترتب علی العمل بمجرد حصول الیأس عن ارتفاع الاضطرار و بعبارة أخری بمجرد حصول الاطمینان ببقاء الاضطرار.
ص: 77
و علی الاحتمال الأوّل لابدّ من ملاحظة المصلحة الباقیة و حینئذ:
إن حصل العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار إلی آخر الوقت (و إن شئت فقل: إن حصل الیأس عن ارتفاع الاضطرار المساوق للاطمینان ببقاء الاضطرار) فیجوز البدار مطلقاً.
و إن لم یحصل ذلک فلایجوز البدار إلی العمل الاضطراری لئلّا تفوت تلک المصلحة الباقیة.
و علی الاحتمال الثانی لاتصل النوبة إلی ملاحظة المصلحة الباقیة بل تحقّق المصلحة الحاصلة مشروط بتحقّق الاضطرار فی جمیع الوقت و إلی آخره، فإذا امتدّ الاضطرار إلی آخر الوقت یوجد فی العمل الاضطراری المصلحة الحاصلة غیر الوافیة بمصلحة الواقع فعلی هذا لایجوز البدار.
و علی الاحتمال الثالث: إنّ المصلحة الحاصلة فی العمل الاضطراری تتحقّق عند حصول الیأس عن ارتفاع الاضطرار الملازم لحصول العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار فلامانع للبدار من جهة المصلحة الحاصلة بعد حصول الیأس عن الاضطرار و أمّا المصلحة الباقیة التی تفوت بمجرد الإتیان بالعمل الاضطراری فهی تقتضی بدواً عدم البدار لاحتمال ارتفاع الاضطرار و تحصیل تمام مصلحة الواقع إلّا أنّ العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار الملازم للیأس عن ارتفاع الاضطرار حجّة شرعاً فیوجب عدم الاعتناء باحتمال ارتفاع الاضطرار فحینئذ یجوز البدار إلی العمل الاضطراری.
فإنّ الإحتمالات المذکورة تطرّقُ هنا أیضاً و بناءً علی الاحتمال الأوّل یجوز
ص: 78
البدار ثم الإتیان بالعمل الاختیاری و علی الاحتمال الثالث أیضاً یجوز البدار من حین حصول الیأس ثم الإتیان بالعمل الاختیاری و لکن علی الاحتمال الثانی لایجوز البدار لأنّ حصول المصلحة فی العمل الاضطراری مشروط بالانتظار حتی یتحقّق الاضطرار فی آخر الوقت.
((1))
«تحقیق الحال فیه [أی فیما لم یکن وافیاً بتمام المصلحة و قد أمکن استیفاؤه هو]أنّ بدلیة شیء عن شیء و قیامه مقامه و لو بنحو الترتیب لایعقل إلّا مع جهة جامعة وافیة بسنخ غرض واحد.
[و البدل علی نحوین: البدل العرضی (أی مایکون فی عرض المبدل) و البدل الطولی (أی مایکون فی طول المبدل)]
فإن کان البدل فی عرض المبدل لزم مساواته له [أی للمبدل] فی تمام المصلحة إمّا ذاتا أو بالعرض و الوجه واضح.
و إن کان البدل فی طول المبدل کما فی مفروض البحث فاللازم مجرد مسانخة الغرضین [أی غرض البدل و غرض المبدل] ...
و حدیث إمکان استیفاء بقیة مصلحة المبدل إنّما یصح إذا کان المبدل مشتملاً علی مصلحتین:
إحداهما تقوم بالجامع بین المبدل و البدل و الأُخری بخصوص المبدل، بحیث تکون کلتا المصلحتین ملزمة قابلة لانقداح البعث الملزم فی نفس المولی.
ص: 79
وأمّا إذا کان المصلحة فی البدل و المبدل واحدة و کان التفاوت بالضعف و الشدّة، فلاتکاد تکون بقیة المصلحة ملاکاً للبعث إلی المبدل بتمامه إذ المفروض حصول طبیعة المصلحة القائمة بالجامع الموجود بوجود البدل، فتسقط عن الاقتضاء [نعم المصلحة الموجودة فی المبدل أشدّ] و [لکن] الشدّة بما هی [شدّة] لایعقل أن تکون ملاکاً للأمر بالمبدل بکماله» إلخ.
فعلی هذا إمکان استیفاء بقیة مصلحة المبدل لایصح فی هذا التصویر.
فإمکان استیفاء المصلحة فی الصورة الثالثة و الرابعة لایتصور إلّا مع الالتزام بقیام مصلحتین إحداهما بالجامع فقط و أُخری بالجامع المتخصّص بالخصوصیة.((1))
هذا تمام الکلام بحسب مقام الثبوت.
و الحاصل أن الاحتمالات الثلاثة التی ذکرها صاحب الکفایة للصورة الأولی جاریة فی الصورة الثانیة و الثالثة أیضا و لا بأس بنظریة المحقق الخراسانی فی مقام الثبوت بعد ملاحظة ما ذکرنا و ملاحظة کلام المحقق الإصفهانی بالنسبة إلی الصورة الثالثة و الرابعة.
ص: 80
ص: 82
قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((1)) و قوله (صلی الله علیه و آله): التراب أحد الطهورین و یکفیک عشر سنین هو الإجزاء و عدم وجوب الإعادة أو القضاء و لابدّ فی إیجاب الإتیان به ثانیاً من دلالة دلیل بالخصوص».((2))
ص: 83
((1))
لانحتاج إلی إطلاق أدلّة الأوامر الاضطراریة بل «مجرد الأمر بالبدل یفید إسقاط القضاء و [الأمر] بضمیمة جواز البدار یفید إسقاط الإعادة أیضاً.»
إنّ البدل إن کان مشتملاً علی مصلحة المبدل بصرف تحقّق الاضطرار مطلقاً (فیکون البدل ذا مصلحة فی تمام الوقت) فلا مجال للتدارک إعادةً و قضاءً فالحق هو الإجزاء مطلقاً.
و إن کان مشتملاً علی مصلحة المبدل فی آخر الوقت أو مع الیأس فلا مجال للتدارک قضاءً فلابدّ من القول بالإجزاء قضاءً لا إعادةً.
و إن لم یکن مشتملاً علی مصلحة المبدل فلا وجه للأمر به.
قد عرفت فی البحث عن الصور الثبوتیة «إمکان اشتمال البدل علی مقدار من
ص: 84
المصلحة الملزمة للمبدل فیجب عقلاً الأمر به [أی بالمبدل] و إمکان استیفاء البقیة [أی بقیة المصلحة] إعادةً و قضاءً فیجب الأمر بهما [أی بالبدل و المبدل منه] غایة الأمر أنّ الأمر بالبدل و بالقضاء تعیینیان و [الأمر] به [أی بالبدل] و بالإعادة تخییریان.» ((1))
((2))
«إنّ المطلق إن کان مثل قوله (صلی الله علیه و آله): "التراب[التیمم] أحد الطهورین" فإطلاقه بلحاظ جمیع الآثار نافع جداً.
و إن کان مثل قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((3)) الآیة ففیه تفصیل:
فإن کان له إطلاق من جهتین: ارتفاع العذر فی الوقت و عدم تقیید الأمر بالتخییر [قد أفاد فی المتن لزوم الإطلاق من جهتین و لکن أعرض عنه فی هامش التعلیقة فی مثل الصلاة عن الطهارة المائیة و الترابیة و قال: له إطلاق من جهة ارتفاع العذر فی الوقت] کما هو ظاهر الأمر عند إطلاقه کان [الإطلاق] لا محالة دلیلا علی عدم وجوب الإعادة و اشتمال البدل علی ما لایبقی معه مجال للتدارک فیتبعه عدم وجوب القضاء حیث لا مجال للتدارک [بطریق أولی لأنّه إذا قلنا بعدم إمکان استیفاء المصلحة فی الوقت أداءً فلابدّ أن نقول أیضاً بعدم إمکان استیفائها خارج الوقت قضاءً]...
ص: 85
و إن لم یکن له إطلاق و لو من إحدی الجهتین فلا مجال للإجزاء من حیث الإعادة و القضاء لما عرفت من أنّ تجویز البدار لاینافی الأمر بما هو تکلیف المختار فی الوقت علی نحو التخییر [أی بالبدل و الإعادة تخییراً] کما أنّ ظهور الأمر فی التعیین [أو قل:الأمر بالبدل تعییناً] لاینافی عدم تجویز البدار» فکلّ من تجویز البدار و عدمه یجتمع مع القول بالإجزاء و عدمه.
((1))
«إنّ المولی إذا کان فی مقام بیان وظیفة الوقت و مع ذلک اقتصر علی إیجاب البدل و لم یضف إلیه إیجاب المبدل بعد ارتفاع العذر کان کاشفاً عن عدم الضمیمة لوظیفة الوقت، فمدار الإجزاء و عدمه فی مقام الإثبات علی هذا الإطلاق و عدمه، و إذا انتفی وجوب الإعادة بالإطلاق انتفی وجوب القضاء.
نعم مع استیعاب العذر فی الوقت و عدم المجال للإعادة لا دافع لوجوب القضاء إلّا الإطلاق المقامی بأن یکون المولی فی مقام بیان تمام ما هی وظیفة المکلّف لا فی مقام بیان وظیفة الوقت بمجردها فتدبر جیدا.»
((2)):
«لا إطلاق لأدلّة مشروعیة التیمم بالقیاس إلی من یتمکن من الإتیان بالعمل الاختیاری فی الوقت بداهة أنّ وجوب التیمم وظیفة المضطر ولایکون مثله مضطراً لفرض تمکّنه من الصلاة مع الطهارة المائیة فی الوقت و مجرد عدم تمکّنه
ص: 86
منها فی جزء منه لایوجب کونه مکلّفاً بالتکلیف الاضطراری ما لم یستوعب تمام الوقت و قد ذکرنا فی بحث الفقه أنّ موضوع وجوب التیمم هو عدم التمکّن من استعمال الماء عقلاً أو شرعاً فی مجموع الوقت بمقتضی الآیة الکریمة و ماشاکلها فلو افترضنا عدم استیعاب العذر لمجموع الوقت و ارتفاعه فی الأثناء لم یکن المکلّف مأموراً بالتیمم لعدم تحقّق موضوعه...
و من ذلک تبین أنّه لایجوز البدار هنا واقعاً بداهة أنّ جوازه کذلک ملازم للإجزاء.»
أمّا إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت ف«لا مانع من التمسّک بإطلاق أدلّة الأمر الاضطراری لإثبات عدم وجوب القضاء فی خارج الوقت و ذلک لأنّ المولی إذا کان فی مقام بیان تمام الوظیفة الفعلیة للمکلّف بهذه الأدلّة و مع ذلک سکت عن بیان وجوب القضاء علیه فی خارج الوقت فبطبیعة الحال کان مقتضی إطلاقها المقامی عدم وجوبه و إلّا کان علیه البیان.»((1))
أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فقد قال بالإجزاء((2)) و جواز البدار کما أنّ المحقّق
ص: 87
بل لابدّ من ملاحظة أدلّة الأوامر الاضطراریة فی کلّ مورد و نذکر موردا بعنوان المثال:
قال بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فی مورد الصلاة مع الطهارة الترابیة: إنّ المستفاد من صحیحة زرارة ((2)) «إِذَا لَمْ یجِدِ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَلْیطْلُبْ مَا دَامَ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَنْ یفُوتَهُ الْوَقْتُ فَلْیتَیمَّمْ وَ لْیصَلِّ» هو أنّه مادام الوقت باقیاً لاتصل النوبة إلی التیمم فموضوع البدار منتف فی المقام و علی هذا فمعنی الآیة (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((3)) هو أنّه إن لم تجدوا ماءً فی تمام الوقت فتیمّموا((4)).
ص: 89
ص: 90
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) أشار إلی الصور الإثباتیة فی المسألة فقال((1)):
الصورة الأُولی((2)): إطلاق دلیل الأمر الاضطراری و إطلاق دلیل الأمر الواقعی الأوّلی فإنّ دلیل الأمر الاضطراری مقدّم علی دلیل الأمر الواقعی الأوّلی بالحکومة کما یتقدّم دلیل لا ضرر علی الأوامر الواقعیة الأوّلیة و القاعدة هی الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء.
الصورة الثانیة:((3)) إطلاق دلیل الأمر الواقعی الأوّلی و عدم إطلاق الأمر الاضطراری و القاعدة هنا عدم الإجزاء و وجوب الإعادة و القضاء.
ص: 91
الصورة الثالثة:((1)) عکس الصورة الثانیة و القاعدة هی الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء.
الصورة الرابعة:((2)) عدم الإطلاق فی کلا الدلیلین الاضطراری و الواقعی الأوّلی و المرجع هنا الأُصول العملیة.
ص: 92
فیه مطلبان:
((1))
اختار السید الخوئی (قدس سره) ((2)) انصراف أدلّة الأوامر الاضطراریة عما إذا کان الوقوع فی الاضطرار باختیار المکلّف و الوجه فی الانصراف هو الارتکاز و الظهور العرفی.
إذا وقع فی الاضطرار بسوء اختیاره مثلاً فإمّا لایکون مکلّفاً بالصلاة أو یکون مکلّفاً و التکلیف بالصلاة إمّا بالأمر بالصلاة بدون الطهارة فهو باطل أو
ص: 93
یکون مکلّفاً بها مع الطهارة المائیة فهو لایمکن امتثاله بعد تحقّق الاضطرار أو یکون مکلّفاً بها مع الطهارة الترابیة فهو المطلوب.
((1)):
إنّه لایجوز للمکلّف إیقاع نفسه فی الاضطرار اختیاراً و «لو فعل ذلک استحق العقوبة علی ترک الواجب الاختیاری التام أو علی تفویت الملاک الملزم فی محله و من الواضح أن العقل لایفرق فی الحکم باستحقاق العقاب بین تفویت الواجب الفعلی و تفویت الملاک الملزم فی ظرفه إذا کان کذلک فکما یحکم بقبح الأوّل و استحقاق العقوبة علیه فکذلک فی الثانی.»
إنّ إیقاع المکلّف نفسه فی الاضطرار قد یکون بعد فعلیة التکلیف الاختیاری فیوجب استحقاق العقوبة و قد یکون قبل فعلیته فلا إشکال فیه کما أنّ ذلک قد یوجب تفویت الملاک الملزم فهو مستحق للعقاب عقلاً وقد لایوجب ذلک و هذا فیما إذا اشتمل البدل لتمام المصلحة المبدل.
ثمّ إنّ نتیجة انصراف أدلّة الأوامر الاضطراریة هنا هو عدم تحقّق الأمر فی تلک الموارد فلا مجال للبحث عن أنّ امتثاله مجزٍ عن الواقع أم لا.
إلّا أنّه فی باب الصلاة نعلم یقیناً بأنّ الصلاة لاتترک بحال و لکنّ الصلاة
ص: 94
المذکورة لاتجزی عن الواقع لعدم شمول الأوامر الاضطراریة بالنسبة إلیها.
و استثنی من ذلک الاضطرار الناشئ من التقیة، فإنّ فی موارد التقیة یجوز للمکلّف إیقاع نفسه فی الاضطرار و ذلک لإطلاق أدلّة التقیة فیجوز له البدار إلیها من دون إعادة و قضاء.
ص: 95
فیه ثلاثة أقوال:
قال بعضهم مثل صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) بالبراءة.
و قال المحقّق العراقی (قدس سره)
بالاشتغال، و قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) بأنّ القضاء إن کان بالأمر الجدید فتجری البراءة و إن کان بالأمر الأول فیجری الاشتغال و لکنه اختار الشقّ الأوّل فقال بالبراءة أیضاً.
ص: 96
و قال المحقّق الإیروانی (قدس سره) بجریان الاستصحاب.
أمّا المحقّق الخراسانی (قدس سره) فقال بالبراءة لأنّ الشک فی وجوب الإعادة یرجع إلی الشک فی أصل التکلیف و هکذا الشک فی وجوب القضاء((1)).
و أمّا المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال بالبراءة من جهة أُخری، حیث إنّ المقام عنده (و عند المحقّق العراقی (قدس سره) من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر و مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هذه الموارد هو البراءة((2)).
أمّا المحقّق العراقی (قدس سره) فذهب إلی أنّ هذه المسألة من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر و اختار فیه الاشتغال.
((3)):
إنّ الشک فی وجوب الإعادة نشأ من الشک فی القدرة علی استیفاء المصلحة
ص: 97
الباقیة من العمل الاختیاری فإنّ الغرض أوّلاً تعلّق بالأمر الاختیاری و نحتمل عدم استیفاء المصلحة و عدم حصول الغرض التامّ من الإتیان بالأمر الاضطراری و معنی ذلک احتمال القدرة علی تحصیل الغرض و استیفاء المصلحة الباقیة و هذا مورد الاشتغال العقلی. ((1))
((2)):
إنّ تعلّق الغرض بالأمر الاختیاری فی موارد الاضطرار هو أوّل الکلام، بل الاضطرار أوجب تعلّق الغرض بالأمر الاضطراری أمّا بعد امتثال الأمر الاضطراری فنشک فی تعلّق الغرض بالأمر الاختیاری لاحتمال عدم استیفاء المصلحة و هذا المورد مجری البراءة.
ص: 98
((1)):
إنّ المسألة من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر فإنّا نعلم بأنّ الجامع بین الفعل الاضطراری و الاختیاری واجد لمقدار من المصلحة و لکن نشک فی أنّ تمام المصلحة قائم بالجامع بین الفعل الاضطراری و الاختیاری أو أنّ تمام المصلحة قائم بخصوص الفعل الاختیاری.
فهذا المورد من صغریات دوران الأمر بین التعیین (أی خصوص الصلاة الاختیاریة) و التخییر (أی التخییر بین الصلاة الاختیاریة و الاضطراریة من جهة تعلّق التکلیف بالجامع بینهما)
و القاعدة فی هذا المورد هو الاشتغال.
ص: 99
قد استشکله المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)) بأنّ المختار فی هذه الموارد البراءة لا الاشتغال و استدلّ علی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّ «تعلّق التکلیف بالجامع معلوم و تعلّقه بالخصوصیة الزائدة مشکوک فیه و مقتضی الأصل البراءة عنه و هذا کما فی دوران الأمر بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین و بعد ذلک نقول إن دوران الأمر فی المقام و إن کان بین التعیین و التخییر إلا أنه حیث کان فی مقام الجعل لا فی مقام الفعلیة و الامتثال فبطبیعة الحال یدخل فی کبری مسألة الأقلّ و الأکثر الارتباطیین لفرض أنّ تعلّق الأمر بالجامع بین الفعل الاختیاری و الاضطراری معلوم، و تعلّقه بخصوص الفعل الاختیاری مشکوک فیه للشک فی أنّ فیه ملاکاً ملزماً یخصّه فمقتضی الأصل فیه البراءة.»
ص: 100
قال بعض الأساطین (حفظه الله) بأنّ المسألة لیست من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر لأنّ وجوب العمل الاضطراری فی أوّل الوقت معلوم و نشک فی وجوب العمل الاختیاری بعد ارتفاع الاضطرار فإنّ الشک فی وجوب العمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار شک فی أصل التکلیف((1)).
أمّا المحقّق الإیروانی (قدس سره) فقال بجریان الاستصحاب و ملخّص ذلک هو أنّ الأمر بالصلاة مع الطهارة المائیة موجود من أوّل الأمر و نشک فی سقوطها بالصلاة الاضطراریة بالطهارة الترابیة فنستصحب بقاء وجوبها((2)).
ص: 101
إنّ الشخص المضطر مکلّف بالعمل الاضطراری أمّا تکلیفه بالصلاة مع الطهارة المائیة من أوّل الوقت فهو مشکوک من أوّل الأمر فلا یقین سابق حتّی نستصحبه.
ص: 102
ص: 103
ص: 104
هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری
عن الأمر الواقعی؟
ص: 105
ص: 106
هل یجزی الإتیان بالمأموربه بالأمر الظاهری عن المأموربه بالأمر الواقعی فیما إذا انکشف الخلاف بعلم وجدانی أو تعبّدی؟ قد اختلف الأعلام إلی أقوال((1)):
ص: 107
الأول: الإجزاء مطلقاً((1)). (نسب إلی المحقق الإصفهانی و البروجردی (قدس سرهما) .)
الثانی: عدم الإجزاء مطلقاً((2)).
ص: 108
الثالث: التفصیل بین الأمارات و الأصول الجاریة لإثبات أصل التکلیف فلایجزی و بین الأصول الجاریة لإثبات موضوع التکلیف فیجزی (مختار صاحب الکفایة (قدس سره).
الرابع: التفصیل بین القول بالسببیة فیجزی و القول بالطریقیة فلایجزی (مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))).
الخامس: التفصیل بین الطریقیة و المصلحة السلوکیة فلایجزی و سائر أقسام السببیة فیجزی((2)).
السادس: التفصیل بین ما إذا انکشف الخلاف بعلم وجدانی فلایجزی و بعلم تعبّدی فیجزی.
ص: 109
فنقول: إنّ الأمر الظاهری علی قسمین:
الأوّل: مفاد الأُصول العملیة و هو الحکم المجعول فی ظرف الشک و الجهل بالواقع بما هو جهل من دون النظر إلی الواقع.
الثانی: مفاد الأمارت و هو الحکم المجعول فی ظرف الشک و الجهل بما أنّه ناظر إلی الواقع و کاشف عنه.
ثمّ إنّ الأمر الظاهری بقسمیه قد یجری لإثبات أصل التکلیف و قد یجری لتنقیح موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه.
ففیه نظریتان:
لا وجه لإجزائها مطلقاً سواءً قلنا بالطریقیة أو بالسببیة کما إذا قام الطریق أو الأصل علی وجوب صلاة الجمعة فی عصر الغیبة ثم انکشف وجوب صلاة الظهر و وجه عدم الإجزاء هو أنّ التکلیف الواقعی بقی علی ما هو علیه من المصلحة الواقعیة((1)) و المأموربه بالأمر الظاهری علی القول بالطریقیة لا مصلحة
ص: 110
فیه حتّی یتدارک الواقع و علی القول بالسببیة و إن کان ذا مصلحة ملزمة إلّا أنّها أجنبیة عن مصلحة الواقع و لا صلة له بها لأنّهما سنخان مختلفان لیس أحدهما بدلاً عن الآخر بل کلّ منهما أجنبی عن الآخر((1)).
و یجیء((2)) تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و نختاره بالنسبة إلی الأمر الظاهری الذی جاء لبیان أصل التکلیف.
ص: 111
فالبحث عنه یقع فی مقامین:
المقام الأوّل: الأُصول العملیة؛ المقام الثانی: الأمارات.
ص: 112
«إنّ ما کان منه [أی من الأمر الظاهری] یجری فی تنقیح ما هو موضوع التکلیف و تحقیق متعلقه و کان بلسان تحقّق ما هو شرطه [أی المأموربه] أو شطره کقاعدة الطهارة [کلّ شیء طاهر] أو [قاعدة] الحلّیة [کلّ شیء لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام] بل و استصحابهما [استصحاب الحلّیة أو الطهارة] فی وجه قوی و نحوها [مثل قاعدة التجاوز و الفراغ] بالنسبة إلی کل ما اشترط بالطهارة أو الحلیة یجزی.
فإنّ دلیله [أی الأصل العملی] یکون حاکما علی دلیل الاشتراط و مبیناً لدائرة الشرط [و موجباً لتوسعتها لأنّ ما دلّ علی شرطیة الطهارة أو الحلّیة للصلاة مثلاً ظاهر فی الطهارة أو الحلّیة الواقعیة و الدلیل الحاکم یوجب توسعتها] و أنه [أی الشرط] أعمّ من الطهارة الواقعیة و الظاهریة.
فانکشاف الخلاف فیه [بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة] لایکون موجبا لانکشاف فقدان العمل لشرطه بل بالنسبة إلیه یکون من قبیل ارتفاعه من حین ارتفاع الجهل».
ص: 113
بل لایعقل تحقّق انکشاف الخلاف فی الشرط لأنّ الشرط أعمّ من الواقعیة و الظاهریة، فالتعبیر بانکشاف الخلاف فی هذه الموارد بلحاظ الطهارة الواقعیة أو الحلّیة الواقعیة أمّا شرط الواجب فهو محقّق علی أی حال من دون انکشاف خلاف.
فالحقّ فی المقام الأول هو القول بالإجزاء مطلقاً.((1))
ص: 114
((1)):
«إنّه [أی صاحب الکفایة (قدس سره) ] فی تعلیقته علی کلام الشیخ فی باب التعادل و التراجیح حیث ذکر الشیخ (قدس سره) کون الحکومة بنحو الشرح و التفسیر مثل أی و أعنی و نحو ذلک قال: الحکومة تتحقّق بکون الدلیل الحاکم معمِّماً لموضوع الدلیل المحکوم أو مضیِّقاً لدائرته و قد صرّح هناک [أی فی بحث التعادل و التراجیح فی التعلیقة] بتقدّم أدلّة الأمارات بالحکومة علی أدلة الأُصول [العملیة] من جهة رفعها لموضوعها [أی موضوع الأُصول] و هو الشک و الجهل [رفعاً تعبدیاً لا واقعیاً]...((2))
ص: 116
و أیضاً قال بحکومة الأمارات علیه و صرح بأن الأمارات حاکمة علی جمیع الأصول.((1))
ص: 117
و ... فی بحث التعادل و التراجیح من الکفایة فی کلام له ناظر إلی کلام الشیخ فی معنی الحکومة یصرّح بحکومة أدلّة لاضرر علی أدلّة الأحکام [الواقعیة].((1))
و کذلک فی آخر مبحث البراءة من الحاشیة حیث یورد کلام الفاضل
ص: 118
التونی (قدس سره) فهناک أیضا یصرح بأن وزان لاضرر وزان (فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ)».((1))
ص: 119
«إنّ وجود الحکم الظاهری لابدّ و أن یکون مفروغاً عنه حین الحکم بعموم الشرط الواقعی للطهارة الواقعیة و الظاهریة أو بعمومه [أی الشرط الواقعی] للإباحة کذلک [أی الواقعیة و الظاهریة] و من الواضح أنّ المتکفّل لإثبات
ص: 120
الحکم الظاهری لیس إلّا نفس دلیل قاعدة الطهارة أو أصالة الإباحة، فکیف یمکن أن یکون هو المتکفّل لبیان کون الشرط أعمّ من الواقعیة و الظاهریة منهما.»((1))
((2))
«الحکم بکون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر و إن کان یستلزم کون وجود الحکم الظاهری مفروغاً عنه حین الحکم بعموم الشرط، إلّا أنّ المدعی فی المقام هو أنّ جعل الطهارة الظاهریة یستلزم ترتّب أحکام الطهارة الواقعیة التی من
ص: 121
جملتها شرطیتها للصلاة مثلاً علی الطهارة الظاهریة، فالمحکوم به إنّما هی الطهارة الظاهریة لا کون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر.
و أمّا عموم الشرط فهو من لوازم جعل الطهارة ظاهراً فلا محذور من هذه الجهة فی دعوی کون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر فتدبر جیدا.»
«إنّ الحکومة التی توسّع دائرة المحکوم و تضیّقها إنّما تصحّ إذا کانت واقعیة بأن یکون الحاکم فی مرتبة المحکوم، کقوله (علیه السلام): لاشک لکثیر الشک بالإضافة إلی أدلّة الشکوک.
و أمّا إذا کانت الحکومة ظاهریة و کان الحکم متأخراً رتبة عن المحکوم لتقوّم موضوعه بالشک فی المحکوم -کما فیما نحن فیه- فلایعقل أن یکون الحاکم موسّعاً و مضیّقاً، إذ یستحیل أن یکون موضوعه فی عرض أفراد موضوع المحکوم حتّی یوسّعه أو یضیّقه.»((1))
ص: 122
«و یترتب علی ذلک جواز ترتیب آثار الواقع ما لم ینکشف الخلاف، فإذا انکشف الخلاف ینکشف عدم وجدان العمل لشرطه و یکون مقتضی القاعدة هو عدم الإجزاء کما فی الأمارات».((1))
ص: 123
((1))
«إنّ التعمیم و التخصیص الحقیقی و إن کان مستحیلاً إلّا أنّه لایجب أن تکون الحکومة المؤثرة فی الإجزاء متکفّلة للتعمیم و التخصیص الحقیقیین، إذ لیست الحکومة بمعنی الشرح و التفسیر بل بمعنی إثبات الموضوع و نفیه تنزیلاً.
و الشرطیة الواقعیة و إن کانت للطهارة الواقعیة إلّا أنّ الشرطیة الفعلیة للطهارة العنوانیة فهو تعمیم عنوانی، حیث إنّه أُلحق بالطاهر الواقعی فی حکمه ما هو طاهر عنواناً، کما أنّه أُخرج عن النجس الواقعی فی حکمه ما هو غیر نجس عنواناً و لا محذور فی إعطاء حکم الطاهر الواقعی للطاهر عنواناً إلّا توهّم التصویب.
و سیجیء إن شاء الله تعالی أنّا لانقول بسقوط الطهارة الواقعیة عن الشرطیة حتّی فی حال الشک فیها، و إنّما نقول بأنّ الطهارة العنوانیة جعلت شرطاً بدلاً عن الطهارة الواقعیة لکونها ذات مصلحة بدلیة، فیسقط الأمر بالصلاة عن
ص: 124
طهارة واقعیة بإتیان الصلاة عن طهارة عنوانیة لحصول ملاکه، لا للکسر و الانکسار بین مقتضی الحکمین الواقعی و الظاهری لیلزم التصویب.
((1)):
إنّ ترتّب آثار الطهارة الواقعیة علی الطهارة العنوانیة لایکون إلّا فی ظرف الشک فی الطهارة الواقعیة و بعد زوال الشک لا مجال لذلک لأنّ الشک موضوع للطهارة العنوانیة و بعد ارتفاع الشک لایبقی موضوع للطهارة العنوانیة و مع انتفاء الطهارة العنوانیة لا وجه لإجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی.
إنّ هذا البیان یجدی فی ظرف ارتفاع الشک، و الطهارة العنوانیة منتفیة بعد انتفاء الشک لا قبله، فما لم یرتفع الشک لا وجه لارتفاع الطهارة العنوانیة، ثم إنّ وجه الإجزاء عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ الطهارة العنوانیة واجدة للمصلحة البدلیة، فالصلاة مع الطهارة الظاهریة توجب حصول ملاک الأمر الواقعی فیجزی عنه.
ص: 125
إنّ تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یتوقف علی أحد أمرین: إما علی فرض وجود المصلحة البدلیة للحکم الظاهری و إمّا علی استیفائها لتمام مصلحة الأمر الواقعی أو استیفائها لبعضها و کون المصلحة الباقیة إمّا غیر قابلة للتدارک أو غیر واجبة التدارک، و أمّا إذا فرضنا أنّ المصلحة الباقیة قابلة للاستیفاء و واجبة التدارک فلا مجال حینئذ للقول بالإجزاء و لا دلیل و لا إطلاق فی مقام الإثبات حتّی یعیّن بعض هذه الصور، إلّا أن یقال بإطلاق صلّ مع الطهارة.
((1))
«إنّ الحکومة المدّعاة فی المقام لیست إلّا من باب جعل الحکم الظاهری و تنزیل المکلّف منزلة المحرز للواقع فی ترتیب آثاره و هذا مشترک فیه بین جمیع الأحکام الظاهریة سواء ثبتت بالأمارة أم بالأصل محرزاً کان أم غیر محرز، بل الأمارة أولی بذلک من الأصل، فإنّ المجعول فی الأمارات إنّما هو نفس صفة الإحراز و کون الأمارة علماً تعبّداً، و أمّا الأُصول فلیس المجعول فیها إلّا التعبّد بالجری العملی و ترتیب آثار إحراز الواقع فی ظرف الشک.»((2))
ص: 126
((1)):
«إنّ الحکومة بلحاظ لسان القاعدة فإنّ مفادها [أی الأُصول العملیة مثل الاستصحاب و قاعدة الطهارة و الحلّیة] جعل الطهارة [أو الحلّیة مثلاً] ابتداء من دون نظر إلی الواقع و فی الأمارة بالنظر إلی الواقع و البناء علی وجودها فی الواقع.»
فالمجعول فی الأُصول العملیة بنفسه حکم شرعی و هذا یوجب توسعة فی أدلّة الشروط فإنّ الصلاة کانت مشروطة بالطهارة و بعد جعل الطهارة الظاهریة یوجد مصادیق أُخری للطهارة و هذا معنی التوسعة فی أدلّة الشروط.
و لکن هذا المعنی مفقود فی الأمارات لأنّ المجعول فیها لیس إلّا جعل الطریقیة و الکاشفیة عن الواقع و الحکم بثبوت الواقع عند قیام الأمارة علیه، فإذا قامت الأمارة علی وجود الشرط واقعاً ثمّ انکشف خلافها بعد ذلک فالعمل المأتی به یکون فاقداً لشرطه واقعاً و لا مجال حینئذ للقول بالإجزاء.
الشرطیة فلابدّ و أن لایحکم بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً و لو انکشف نجاسته بعد ذلک و لا أظنّ أن یلتزم به أحد.»
((1))
«إنّه بعد البناء علی أنّ الطهارة و النجاسة من الموضوعات الواقعیة التی کشف عنها الشارع، لاتصرّف من الشارع جعلاً إلّا التکلیف و الوضع بجواز الارتکاب و بجعل الشرطیة [فی الطهارة] و بحرمة الارتکاب و جعل المانعیة [فی النجاسة]، و إلّا فلایعقل أن یتأثّر المغسول بالنجس الواقعی بأثر الطهارة اقتضاء أو إعداداً.»
توضیح ذلک: إنّ الطهارة و النجاسة من الموضوعات الواقعیة و الشارع عند الشک فی تلک الموضوعات الواقعیة یجعل أحکاماً وضعیة و تکلیفیة و بعد ارتفاع الشک ینتهی أمد تلک الأحکام بانتفاء موضوعها الذی هو الشک و بعبارة أُخری مع انکشاف الواقع لا مجال لتلک الأحکام الوضعیة و لذلک یحکم بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً.
نعم إنّ جعل الطهارة العنوانیة یوجب أثراً وضعیاً و هو التوسعة فی الشرطیة و ذلک یرجع إلی إطلاق دلیل الشرط بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و الطهارة العنوانیة التی هی حکم مجعول شرعی.
((2)):
«إنّ ما أفاده خاطئ نقضاً و حلاً:
ص: 128
أمّا الأول [أی نقضاً] فلأنّ الالتزام بما أفاده لایمکن فی غیر باب الصلاة من أبواب الواجبات کالعبادات و المعاملات و من هنا لو توضأ بماء قد حکم بطهارته من جهة قاعدة الطهارة أو استصحابها ثم انکشف نجاسته لم یلتزم أحد من الفقهاء و المجتهدین حتّی هو (قدس سره) بالإجزاء فیه و عدم وجوب إعادته.
و کذا لو غسل ثوبه أو بدنه فی هذا الماء ثم انکشف نجاسته لم یحکم أحد بطهارته...
و من هذا القبیل ما إذا افترضنا أنّ زیداً کان یملک داراً مثلاً ثم حصل لنا الشک فی بقاء ملکیته فأخذنا باستصحاب بقائها [أی ملکیته] ثم اشتریناها [أی الدار] منه و بعد ذلک انکشف الخلاف و بان أنّ زیداً لم یکن مالکاً لها فمقتضی ما أفاده (قدس سره) هو الحکم بصحّة هذا الشراء لفرض أنّ الاستصحاب حاکم علی الدلیل الواقعی و أفاد التوسعة فی الشرط و جعله أعمّ من الملکیة الواقعیة و الظاهریة مع أنّه لن یلتزم و لایلتزم بذلک أحد»
و أمّا حلّاً: فملخّص ما أفاده (قدس سره) هو أنّ «الأحکام الظاهریة فی الحقیقة أحکام عذریة فحسب و لیست أحکاماً حقیقیة فی قبال الأحکام الواقعیة و المکلّف مأمور بترتیب آثار الواقع علیها (أی علی الأحکام الظاهریة) مادام الجهل، و إذا ارتفع ارتفع عذره و بعده لایکون معذوراً فی ترک الواقع و ترتیب آثاره علیه من الأوّل.»((1))
و قد تحصّل من ذلک أنّه لافرق بین هذه القواعد و الأُصول و بین الأمارات فإنّها من واد واحد.
ص: 129
إنّ ما أفاده فی النقض الأوّل یتوجه إلی المحقّق الإصفهانی و أستاذه المحقّق الخراسانی (قدس سرهما) نعم إنّ ما أفاده العلامة الإصفهانی (قدس سره) وافٍ لحلّ النقض الثانی کما أنّ النقض الثالث خارج عن حریم النزاع و سیجیء البحث عن ذلک إن شاء الله تعالی.
و لکن النقض الأوّل فهو بعین ما نحن فیه لأنّ طهارة الماء شرط للوضوء کما أنّ الطهارة شرط للصلاة، فإنّ أدلّة الأُصول العملیة إن کانت حاکمة علی أدلّة اشتراط الصلاة بالطهارة لابدّ أن تکون حاکمة علی أدلّة اشتراط ماء الوضوء بالطهارة أیضاً.
و یمکن أن یقال: لابدّ من أن یلاحظ دلیل الاشتراط فإن وجدنا دلیلاً علی شرطیة الطهارة بما أنّها من الموضوعات الواقعیة فلایبقی حینئذ مجال لإطلاق دلیل الاشتراط بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و العنوانیة و لکن إن لم نجد دلیلاً علی شرطیة الطهارة المقیدة بکونها واقعیة فحینئذ نتمسّک بإطلاق الطهارة و الأمر فی ما نحن فیه کذلک فإنّ الطهارة فی دلیل اشتراط ماء الوضوء بالطهارة، لیست مطلقة و یستفاد ذلک من الأدلّة و القرائن.
أمّا ما أفاده فی حلّ المطلب من أنّ الأحکام الظاهریة فی الحقیقة أحکام عذریة فحسب و لیست أحکاماً حقیقیة فی قبال الأحکام الواقعیة فهو مخالف لمبناه حیث إنّه یقول بأنّ الحکم الظاهری فی باب الأُصول حکم مجعول شرعی کما هو الظاهر من خطاب «کلّ شیء طاهر» فإنّ کلمة «طاهر» فی کلام الشارع ظاهر فی أنّه اعتبار و حکم شرعی.
ص: 130
و علی فرض تسلّم ذلک إنّه جواب مبنائی و لایجدی فی حقّ من لم یلتزم بهذا المبنی (أی کونها عذریة).
فتحصّل إلی هنا: أنّ الأُصول العملیة إذا جرت لإثبات موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه مجزیة عن الواقع لوجهین:
الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی الکفایة من حکومة أدلّة الأُصول علی أدلّة الاشتراط و نتیجتها التوسعة فی دائرة الشرط و إطلاقه بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و الظاهریة.
و هذا فیما لم یثبت من الأدلّة تقیید الشرط بالموضوعات الواقعیة کما فی اشتراط طهارة ماء الوضوء فإن استصحبنا طهارته فتوضأنا ثم علمنا بنجاسته لایحکم بصحّة الوضوء باستصحاب طهارة الماء.
الوجه الثانی: ما أفاده المحقّق الاصفهانی (قدس سره) من جهة حصول ملاک الأمر الواقعی و ذلک لأنّ المأموربه بالأمر الظاهری فیما إذا کان أصلاً عملیاً هو حکم ظاهری واجد للمصلحة البدلیة (ولابدّ من تتمیم بیانه بالصور الأربع الثبوتیة ثم التمسّک باطلاق صلّ مع الطهارة واقعیة کانت أو ظاهریة لإثبات الإجزاء)
هذا کلّه بالنسبة إلی الأُصول العملیة.
ص: 131
ص: 132
نبحث فیه بناءً علی المبانی المختلفة فیها و هی خمسة((1)):
إنّ المشهور بین القدماء هو القول بالإجزاء علی الطریقیة و لکن المتأخرین قالوا بعدم الإجزاء((2)) و خالفهم السید البروجردی (قدس سره) ((3)).
أدلّة القول بالإجزاء(4):
إنّا نفرض وجود الأمارتین: الأمارة الأُولی (التی انکشف خطأها بالأمارة
ص: 133
الثانیة) و الأمارة الثانیة و کلتاهما حجّتان لکن مبنی القول بعدم الإجزاء هو ترجیح الأمارة الثانیة علی الأُولی و هو ترجیح بلا مرجح((1)).
و علی فرض التنزّل، فالأمارتان تتعارضان و تتساقطان فلایبقی مجال للقول بالإجزاء.
إنّ ظرف العمل بالأمارة السابقة مضی و الأمارة الثانیة لاتکون منجزة للتکلیف السابق إذا انقضی ظرفه (فالأمارة الأُولی حجّة بالنسبة إلی الظرف السابق و إن انکشف خلافه بالأمارة الثانیة).((1))
ص: 135
((1))
إنّ الأمارة الثانیة و إن وردت فی الظرف اللاحق و لکن یؤثر فی تنجیز التکالیف السابقة إعادةً و قضاءً (فیما إذا احتملنا اشتغال الذمّة بالتکالیف السابقة) لأنّ أثر الأمارة السابقة قابل للتنجیز بقاءً.
إنّ الأمارة الثانیة ما لم تصل إلی المکلّف لیست بحجّة أبداً و حینئذ الأمارة الأُولی بالنسبة إلی الزمان السابق حجّة و لاحجیة للأمارة الثانیة فی الظرف السابق بل حجیتها تنحصر فی الزمان اللاحق، فالأمارة الأُولی مجزیة بالنسبة إلی الأعمال السابقة((2)).
ص: 136
((1))
أنّ حجیة الأمارة إذا وصلت لاتنحصر بزمان دون زمان فإنّ الأمارة طریق إلی الواقع بالنسبة إلی جمیع الأزمنة و جمیع الأعمال فالتفصیل بین حجیة الأمارة بین زمان الوصول و قبل زمان الوصول غیر وجیه.
إنّ العمل الواحد لایقبل اجتهادین، فالاجتهاد الأوّل هو حکم الأعمال السابقة و الاجتهاد الثانی هو حکم الأعمال اللاحقة فالاجتهاد الأوّل مجز بالنسبة إلی الأعمال السابقة((2)).
أولاً: بالنقض بالموارد التی یکون الموضوع فیها باقیاً فإنّ العمل الواحد حینئذ لابدّ أن یقبل الاجتهادین و ذلک مثل ذبح الحیوان بغیر الحدید فإنّه إذا
ص: 137
فرضنا صحّة ذلک علی الاجتهاد الأوّل ثم تبدّل الاجتهاد مع بقاء اللحم فإنّه لایجوز أکله علی الاجتهاد الثانی((1)).
و ثانیاً: بالحلّ فإنّ أثر العمل باق إعادةً و قضاءً هذا من جهة بقاء أثر العمل و من جهة أخری إنّ حجیة الاجتهاد و قول المجتهد (و أیضاً حجیة الأمارة و طریقیته) لاتنحصر بزمان دون زمان بل تشمل جمیع الأزمنة((2)).
إنّ قاعدة لاحرج و أیضاً قاعدة لا ضرر تجریان فی المقام، لأنّ کثرة مبانی الاجتهاد من القواعد الأصولیة و الرجالیة و أیضا اختلاف الاستظهارات بحسب القرائن و الوجوه الکثیرة فی الجمع بین الروایات توجب کثرة تبدّل آراء المجتهدین و حینئذ فلو قلنا بعدم الإجزاء یلزم حصول الضرر و الحرج علی نوع المکلّفین فتجری قاعدة لاحرج و أیضاً قاعدة لاضرر((3)).
ص: 138
إنّ لا حرج و لا ضرر یوجب رفع التکلیف بالإعادة و القضاء و هذا یکفی فی القول بالإجزاء.
ثانیاً: إنّ لا ضرر (و أیضاً لا حرج) یرفع الضرر الشخصی لا الضرر النوعی فان لزم من القول بعدم الإجزاء ضرر شخصی أو حرج شخصی ﻓ «لاضرر» و أیضاً «لاحرج» یرفعه أمّا الضرر النوعی أو الحرج النوعی فلا، إلّا إذا قلنا بأنّهما رافعتان للضرر و الحرج النوعیین و حینئذ یجوز الاستدلال بکلتا القاعدتین للزوم الحرج والضرر النوعیین من القول بعدم الإجزاء((1)).
ص: 140
فیها و بین المعاملات فیقول بعدم الإجزاء فیها عند بقاء الموضوع.((1))
و أیضاً نقل عن صاحب الفصول (قدس سره) هذا التفصیل بین ما إذا کان الموضوع باقیاً فالإجماع منعقد علی عدم الإجزاء و بین ما إذا کان الموضوع غیر باق فالإجزاء إجماعی((2)).
ص: 142
و أمّا عبارته فی الفصول الغرویة، (ص409 - 410) فهکذا: «فصل إذا رجع المجتهد عن الفتوی انتقضت فی حقه بالنسبة إلی مواردها المتأخرة عن زمن الرجوع قطعا ... و أمّا بالنّسبة إلی مواردها الخاصة التی بنی فیها قبل رجوعه علیها فإن قطع ببطلانها واقعا فالظاهر وجوب التعویل علی مقتضی قطعه فیها بعد الرجوع ... و کذا لو قطع ببطلان دلیله واقعا و إن لم یقطع ببطلان نفس الحکم ... و إن لم یقطع ببطلانها أو لا ببطلانه فإن کانت الواقعیة مما یتعین فی وقوعها شرعا أخذها بمقتضی الفتوی فالظاهر بقاؤها علی مقتضاها السّابق فیترتب علیها لوازمها بعد الرجوع إذ الواقعة الواحدة لا یحتمل اجتهادین و لو بحسب زمانین لعدم دلیل علیه و لئلا یؤدّی إلی العسر و الحرج المنفیین عن الشریعة السّمحة لعدم وقوف للمجتهد غالبا علی رأی واحد فیؤدی إلی الاختلال فیما یبنی فیه علیها من الأعمال و لئلا یرتفع الوثوق فی العمل من حیث إن الرجوع فی حقه محتمل و هو مناف للحکمة الداعیة إلی تشریع حکم الاجتهاد و لا یعارض ذلک بصورة القطع لندرته و شذوذه و لأصالة بقاء آثار الواقعة إذ لا ریب فی ثبوتها قبل الرجوع بالاجتهاد و لا قطع بارتفاعها بعده إذ لا دلیل علی تأثیر الاجتهاد المتأخر فیها فإن القدر الثابت من أدلته جواز الاعتماد علیه بالنسبة إلی غیر ذلک فیستصحب ... و أمّا عدم جریان الأصل بالنسبة إلی نفس الحکم حیث لا یستصحب إلی الموارد المتأخرة عن زمن الرجوع فلمصادمة الإجماع مع اختصاص مورد الاستصحاب علی ما حققناه بما یکون قضیته البقاء علی تقدیر عدم طرو المانع و لیس بقاؤه بعد الرجوع منه لأن الشک فیه فی تحقق المقتضی لا فی طرو المانع فإنّ العلة فی ثبوته هی ظنه به و کونه مؤدّی نظره و قد زالت بعد الرجوع فلو بقی الحکم بعد زوالها لاحتاج إلی علة أخری و هی حادثة فیتعارض الأصلان أعنی أصالة بقاء الحکم و أصالة عدم حدوث العلة و کون العلة هنا
ص: 143
إعدادیة و استغناء بعض الحوادث فی بقائها عن علتها الإعدادیة غیر مجد لأن الأصل بقاء الحاجة لثبوتها عند الحدوث فتستصحب و لا یتوجّه مثله فی استصحاب بقاء الآثار بعد الرجوع فإنّ المقتضی لبقائها حینئذ متحقق و هو وقوع الواقعة علی الوجه الذی ثبت کونه مقتضیا لاستتباع آثارها و إنما الشک فی مانعیة الرجوع فیتوجّه التمسّک فی بقائها بالاستصحاب ... و بالجملة فحکم رجوع المجتهد فی الفتوی فیما مرّ حکم النسخ فی ارتفاع الحکم المنسوخ عن موارده المتأخرة عنه و بقاء آثار موارده المتقدمة إن کان لها آثار ... و لو کانت الواقعة مما لا یتعین أخذها بمقتضی الفتوی فالظاهر تغیر الحکم بتغیر الاجتهاد کما لو بنی علی حلیة حیوان فذکاه ثم رجع بنی علی تحریم المذکی منه و غیره أو علی طهارة شی ء کعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنی علی نجاسته و نجاسة ملاقیه قبل الرجوع و بعده أو علی عدم تحریم الرضعات العشر فتزوّج من أرضعته ذلک ثم رجع بنی علی تحریمها لأنّ ذلک کله رجوع عن حکم الموضوع و هو لا یثبت بالاجتهاد علی الإطلاق بل ما دام باقیا علی اجتهاده فإذا رجع ارتفع کما یظهر من تنظیر ذلک بالنسخ». ((1))
ص: 144
فمع هذا الاختلاف لایبقی مجال للاستدلال بالإجماع((1)).
إنّ کثرة تبدّل آراء المجتهدین ممّا لا غبار علیه و لکن لم نجد فی سیرتهم محو ما کانوا أفتوا به سابقاً فی کتبهم و لا إعلامهم للمقلّدین بالخطأ فی فتاویهم إلّا إذا
ص: 146
دلّت الأدلّة القطعیة علی بطلان اجتهادهم.((1))
ثانیاً: إنّ اتصال هذه السیرة بزمن المعصوم (علیه السلام) منتف فلیست بحجّة.((1))
ثالثاً: تکون هذه السیرة مدرکیة.((2))
یمکن الاستدلال بسهولة الشریعة فإنّ القول بعدم الإجزاء ینافی سهولة الشریعة.
إنّ سهولة الشریعة لاتوجب عدم قضاء ما فاتته من التکالیف و الأمر من هذا القبیل.
ص: 148
و هو ما أفاده السید البروجردی (قدس سره) ((1)) من أنّ الأمارات مثل الأصول تکون حاکمة علی أدلّة الاشتراط و لسان أدلّة حجیة الأمارات هو بعینه لسان أدلّة الأصول.
بیان ذلک: هنا فرق بین نفس ما تؤدی عنه الأمارة و تحکیه و بین ما هو المستفاد من دلیل حجّیتها، فإنّ البینة مثلاً إذا قامت علی طهارة شیء کانت هذه البینة بنفسها حاکیة للواقع، جعلها الشارع حجّة أم لا، و لکن الحکم الظاهری فی المقام لیس هو ما یحکیه البینة من الطهارة بل الحکم الظاهری عبارة عن حکم الشارع بوجوب العمل علی طبقها و ترتیب آثار الواقع علی مؤداها، و ظاهر ما دلّ علی هذا الحکم هو قناعة الشارع فی امتثال أمر الصلاة مثلاً بإتیانها فیما قامت البینة علی طهارته و لازم ذلک سقوط الطهارة الواقعیة من الشرطیة فی هذه الصورة، و کذلک إذا دلّ خبر زرارة مثلاً علی عدم وجوب السورة کان قول زرارة حاکیاً للواقع جعله الشارع حجّة أم لا، و لکن الحکم الظاهری لیس عبارة عن مقول زرارة بل هو عبارة عن مفاد أدلّة حجّیة الخبر أعنی حکم الشارع و لو إمضاءً بوجوب ترتیب الآثار علی ما أخبر به الثقة، فلو انحلّ قول «صدّق العادل» مثلاً بعدد الموضوعات کان معناه فیما قام خبر علی عدم وجوب السورة «یا أیها المکلّف الذی صرت بصدد امتثال الأمر الصلاتی، ابنِ علی عدم وجوب السورة».
ص: 149
إنّ قناعة الشارع بالطهارة العنوانیة فی ظرف الشک فی الطهارة الواقعیة من جهة طریقیة البینة إلی الواقع و هذا غیر حکم الشارع بالطهارة (بأن یقال: إنّه طاهر) و أیضاً مفاد دلیل حجّیة الخبر (فیما إذا قلنا بانحلاله بتعداد الموضوعات) هو «ابنِ علی ما دلّ علی عدم وجوب السورة» و ذلک غیر حکم الشارع ظاهراً بعدم وجوب السورة، فإنّ لسان الأصول هو حکم الشارع بأنّ الماء طاهر فی المثال الأوّل و أیضاً حکم الشارع بأنّ السورة لیست بواجبة فی المثال الثانی و لکن لسان الأمارات و أدلّة حجّیتها فاقدة لهذا الحکم فلایمکن حکومتها علی مفاد أدلّة الاشتراط.((1))
ص: 150
((1)):
إنّ دلیل الحکم الشرعی یکشف عن ملاکه و غرضه (فإنّ الملاک بمثابة العلّة للحکم الشرعی) کما أنّه یقتضی الامتثال (فإنّ دلیل الحکم الشرعی أیضاً بمثابة العلّة لامتثاله) فللحکم الواقعی کاشفیة عن الملاک کما أنّ له اقتضاء للامتثال، و
ص: 151
إجزاء الأمارة عنه لایتحقّق إلّا إذا تدارک ملاک الواقع و اکتفی فی مقام الامتثال بإتیان مفاد الأمارة.
فلابدّ فی مقام إثبات إجزاء الأمارة إمّا من إحراز استیفاء ملاک الواقع أو إحراز اکتفاء الشارع بامتثاله عن امتثال الواقع
و بناء علی طریقیة الأمارة فلا ملاک لها فیما إذا انکشف خطؤها کما أنّه لا دلیل علی اکتفاء الشارع بالامتثال الظاهری فیما إذا انکشف مخالفتها للواقع.
هذا کلّه علی مسلک الطریقیة فی حجّیة الأمارات.
ص: 152
و الأمر علی هذا المبنی کالأمر علی الطریقیة.
قال (قدس سره): علی القول بالطریقیة أو التنجز فالحقّ عدم الإجزاء، لأنّ الأمارة إن طابقت الواقع فهی کاشفة عنه علی الطریقیة و مثبتة له إثباتاً تنجیزیاً و إن لم تطابق فلا حکم فی موردها و مفادها لا حکماً واقعیاً و لا ظاهریاً، أمّا الحکم الواقعی فظاهر و أمّا الحکم الظاهری فلأنّ المجعول فی الأمارات بناءً علی الطریقیة هو کاشفیة الأمارة عن الواقع من دون جعل حکم ظاهری فی قبال الحکم الواقعی و أیضاً المجعول فی الأمارات بناءً علی المنجزیة و المعذریة هو معذریة الأمر الظاهری عن الواقع من دون جعل حکم ظاهری فیها.
ص: 153
الحقّ علی هذا المسلک هو إجزاء الأمارة عن الواقع لأنّ الشارع هو الجاعل للحکم المماثل و جعل الشارع لایخلو من ملاک و مصلحة بدلیة و یکون وزان الأمارة حینئذ بعینها وزان الأوامر الاضطراریة و الأصول العملیة.
((1))
إنّ الحکم المماثل لا بقاء له بعد فرض انکشاف مخالفته للواقع لأنّ ظرف مجعولیته هو الشک فی الواقع فإذا فرضنا انتفاء الشک فی الواقع و انکشاف خطأ الأمارة الأولی فینتفی موضوع الحکم المماثل و لا بقاء للحکم بعد انتفاء موضوعه فحینئذ ملاک الواقع باق علی حاله و یقتضی امتثال الواقع فلا وجه للإجزاء (فإنّ الواقع بحسب الفرض هو مفاد الأمارة الثانیة).
إذا فرضنا وجود المصلحة للحکم المماثل بحیث تکون بدلاً عن مصلحة الواقع فلا وجه لبقاء مصلحة الواقع و اقتضائه الامتثال کما مضی مفصّلاً فی البحث عن الأمر الاضطراری و الأصول العملیة.
فلا إشکال فی إجزاء الأمارة عن الواقع بناء علی تفسیر الحجّیة بجعل الحکم المماثل.
ص: 154
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال بالتفصیل بینهما بناءً علی القول بتفسیر الحجّیة بإنشاء الحکم المماثل.
فإنّه (قدس سره) قال((1))بعدم الفرق بین المعاملات و العبادات بناءً علی الطریقیة و أیضاً قال بعدم الفرق بین البابین بناء علی المنجزیة و المعذریة.((2))
أمّا بناء علی أنّ مفاد دلیل حجّیة الأمارات
الشرعیة جعل الحکم المماثل علی طبق مؤدیاتها (کما یقتضیه ظاهر الأمر باتّباعها) فقال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) بأنّ أستاذه المحقّق الخراسانی (قدس سره) و غیره قالوا بأنّ مقتضی تفسیر الحجّیة بهذا القول هو المسببیة و صحّة العبادة و المعاملة، لأنّ المفروض أنّ مؤداها حکم حقیقی فینتهی أمده بقیام حجّة أخری لا أنّه ینکشف خلافه.
ولکن الحقّ هو التفصیل بین العبادات و المعاملات.
فإنّ غایة ما یقتضیه ظهور الأمر هو البعث الحقیقی المنبعث عن مصلحة فی متعلّقه و حیث إنّ المفروض تخلف الأمارة و خلوّ الواقع من مصلحة فیجب الالتزام بأنّ المصلحة فی المؤدّی بعنوان آخر غیر عنوان متعلقه الذاتی.
أمّا کون تلک المصلحة، مصلحة بدلیة عن مصلحة الواقع فلا موجب له و الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء یدور مدار بدلیة المصلحة لتوجب سقوط
ص: 155
الأمر الواقعی بملاکه، فالموضوعیة بمعنی کون المؤدّی بما هو مؤدّی ذا مصلحة مقتضیة للحکم الحقیقی علی أی حال لاتقتضی الإجزاء و لا فرق فیما ذکرنا بین ما إذا کان الواقع و المؤدّی متباینین أو أقلّ و أکثر، لأنّ فعلیة الأمر بمقدار ما علم تعلقه به لاتوجب الإجزاء و لاتکشف إلّا عن مصلحة ملزمة فی المأتی به فی هذه الحال لا عن المصلحة الواقعیة بما علم تعلّقه به بنفسها أو بما یسانخها.
فیمکن أن یقال: إنّ الوضعیات الشرعیة و العرفیة من الملکیة و الزوجیة و شبههما حیث إنّها (علی ما حققناه فی الأصول) اعتبارات خاصّة من الشرع و العرف لمصالح قائمة بما یسمی بالأسباب، دعت الشارع مثلاً إلی اعتبار الملکیة و الزوجیة مثلاً، فلا کشف خلاف لها، إذ حقیقة الاعتبار بسبب کون العقد الفارسی الذی قامت الحجّة علی سببیة ذو مصلحة و لیست المصلحة المزبورة استیفائیة حتّی یقال: إنّ مصلحة الواقع باقیة علی حالها و إنّ مصلحة المؤدّی غیر بدلیة.((1))
ص: 156
إنّه لافرق بین البابین و الحق هو الإجزاء مطلقاً.
أمّا فی المعاملات فظاهر لما أفاده من أنّها اعتبارات شرعیة و عرفیة و لا مصلحة واقعیة لها سوی الاعتبار حتی یقال بعدم استیفائها.
ص: 157
و أمّا فی العبادات فلأنّ الحکم المماثل لایخلو من المصلحة و حیث إنّ الحکم الظاهری اعتبر مماثلیته للحکم الواقعی فلابدّ أن تکون مصلحته أیضاً ناظراً إلی استیفاء مصلحة الواقع فیجری الاحتمالات الأربعة فی مقام الثبوت (التی ذکرت فی بحث الأمر الاضطراری) و أیضاً یجری الإطلاق المقامی و نتیجته هو القول بالإجزاء (علی ما مضی فی الأمر الاضطراری طابق النعل بالنعل) إلّا أنّ التفصیل الذی ذکره یجری فی الأمر الظاهری الذی هو لبیان أصل التکلیف.
ص: 158
لهذا المسلک تفسیران:
إنّ المراد هو جعل الشارع للمؤدی فالمؤدّی مجعول للشارع فی ظرف الشک فی الحکم الواقعی.
فعلی هذا لا فرق بینه و بین مسلک جعل الحکم المماثل و الکلام هو عین ما ذکرناه.
إنّ المراد هو أنّ الإمام (علیه السلام) یعتبر قول الراوی قولاً له و عن لسانه الشریف واقعاً.
إنّ الدلیل علی هذا المسلک هو الصحیحة الواردة فی شأن العمری (قدس سره):((1))
عن الکلینی فی الکافی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیرِی وَ مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی جَمِیعاً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ مَنْ أُعَامِلُ (وَ عَمَّنْ) آخُذُ؟ وَ قَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ (علیه السلام) «الْعَمْرِی ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّی وَ مَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ
ص: 159
أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ» قَالَ وَ سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) عَنْ مِثْلِ ذَلِکَ فَقَالَ «الْعَمْرِی وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیا إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّیانِ وَ مَا قَالا لَکَ فَعَنِّی یقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ» الْحَدِیثَ.
فعلی هذا إنّ الإمام (علیه السلام) جعل مفاد قول العمری مصداقاً لقوله و وسّع فی الواقع الذی هو عین قوله (علیه السلام) فإذا عمل المکلّف علی طبق قول العمری (قدس سره) امتثل الواقع.
((1))
إنّ هذه التوسعة ظاهریة و إلّا لزم التصویب المجمع علی بطلانه فحینئذ إذا انتفی الشک فینتفی جعل الشارع للمؤدی بانتفاء موضوعه (و هو الشکّ) فیبقی الواقع مقتضیاً لامتثاله.
إنّ قول العمری نزّل منزلة قول الإمام (علیه السلام) و قول الإمام (علیه السلام) عین المصلحة و تمام المصلحة فالعمل علی طبق قول العمری واجد للمصلحة التامّة و معه لا وجه لبقاء مصلحة الواقع حتّی یقتضی امتثاله.
فالحقّ هو الإجزاء أیضاً.
ص: 160
علی القول بالسببیة یقع الکلام أولاً فی الصور الثبوتیة و ثانیاً فی مقام الإثبات
أمّا الصور الثبوتیة فهی علی وزان ما مضی فی الأمر الاضطراری و إلیک بیانه:
المأموربه بالأمر الظاهری:
إمّا واف بتمام الغرض و مصلحة الواقع «الإجزاء».
و إمّا غیر واف به و هنا:
إمّا لایمکن استیفاء الباقی «الإجزاء»
و إمّا یمکن استیفاء الباقی و هنا:
إما یجب استیفائه «عدم الإجزاء»
و إما لایجب بل یستحب استیفائه «الإجزاء».
أمّا البحث الإثباتی فإنّ قضیة إطلاق دلیل الحجیة علی القول بالسببیة هو الاجتزاء بموافقة الأمر الظاهری.
إنّ السببیة علی وجوه و أقسام: السببیة التی نسبت إلی الأشاعرة و السببیة التی نسبت إلی المعتزلة و المصلحة السلوکیة.
ص: 161
إنّ الله تعالی لم یجعل حکماً واقعیاً غیر ما أدّی إلیه نظر المجتهد بسبب قیام أمارة أو أصل، و إذا تبدّل رأیه ینقلب الحکم إلی رأیه فالحکم الواقعی تابع لرأیه، فلایعقل فیه انکشاف الخلاف.
فلا مصلحة فی المتعلّق قبل قیام الأمارة أو الأصل، و لا معنی حینئذ لاشتراک الحکم بین العالم و الجاهل لعدم تحقّق موضوع الحکم بالنسبة إلی الجاهل، لأنّ موضوع الحکم رأی المجتهد.
و علی هذا القول لا موضوع لبحث الإجزاء لعدم تصویر الحکم الظاهری بل ما أدّی إلیه رأی المجتهد هو الحکم الواقعی.
أولاً: إنّه خلاف الضرورة من الشرع و یکذبه الکتاب و السنة إذ لازمه بطلان بعث الرسل و إنزال الکتب.
ثانیاً: اختصاص الحکم بمن قامت عنده الأمارة خلاف الضرورة و ما تسالم علیه الأصحاب.
ثالثاً: اختصاص الحکم به خلاف الإطلاقات الأوّلیة حیث إنّ مقتضاها ثبوت الأحکام الشرعیة فی الواقع من دون فرق بین العالم و الجاهل.
رابعاً: لایعقل الکشف من دون مکشوف و الحکایة من دون محکی فالکشف متوقف علی المکشوف فلو توقّف الحکم الواقعی (المکشوف) علی الأمارة (الکاشفة) لزم الدور أو الخلف.
ص: 162
و أجیب عن الإشکال الرابع بأنّ الأمارة مثل الجهل المرکب الذی لا واقع له بل یحکی عن وجود عنوانی فالأمارة تحکی عن وجود عنوانی للحکم (لا الحکم الواقعی) أمّا الحکم الواقعی فهو متوقّف علی وجود الأمارة فلا دور.
إنّ المعتزلة اعترفوا بوجود الأحکام الواقعیة المشترکة بین العالم و الجاهل شأناً و اقتضاءً و قالوا: إنّ الأمارة إن طابقت الحکم الواقعی الاقتضائی فهی توجب فعلیة الواقع و إن لم تطابق فهی توجب إحداث مصلحة فی متعلّقه أقوی من مصلحة الواقع، فتکون مصلحة الواقع اقتضاءً بلا فعلیة، فینقلب الحکم الواقعی إلی ما هو مفاد الأمارة، لأنّ الأحکام الواقعیة تابعة للمصالح و المفاسد فهنا حکم واقعی اقتضائی قد تخالفه الأمارة، و حکم واقعی فعلی و هو مفاد الأمارة.
و علی هذا المعنی لابدّ من الالتزام بالإجزاء، لأنّ الحکم الواقعی الاقتضائی لایقاوم مع الحکم الواقعی الفعلی الذی هو مفاد الأمارة، فلا حکم واقعی فعلی فی قبال الأمارة حتّی نبحث عن الإجزاء بالنسبة إلیها.
((1)):
إنّ دلیل الاعتبار إمّا السیرة العقلائیة أو الآیات و الروایات.
أمّا السیرة العقلائیة فقد جرت علی العمل بالأمارت بملاک طریقیتها إلی
ص: 163
الواقع و کشفها عنه و الشارع أمضاها بما هی علیه.
أمّا الآیات و الروایات فإنّ الظاهر منها هو إمضاء ما هو حجّة عند العقلاء، فلاتدلان علی حجّیة شیء تأسیساً، و من هنا لم نجد فی الشریعة المقدّسة أن یحکم الشارع باعتبار أمارة تأسیساً، نعم قد زاد الشارع فی بعض الموارد قیداً فی اعتبارها و لم یکن ذلک القید معتبراً عند العقلاء.
إطلاقات أدلّة الأحکام تقتضی عدم اختصاص مدالیلها بالعالمین بها بل هی محفوظة سواء طابقتها الأمارة أو لا و فیه ما لایخفی.
و فیه بحثان:
إنّ الأمارة لاتوجب انقلاب الواقع و تغیره بل الواجب الواقعی محفوظ دائماً إلّا أنّ الأمارة سبب لحدوث مصلحة فی السلوک علی وفقها و بها یتدارک ما فات من مصلحة الواقع.
فعلی هذا الأحکام الواقعیة فعلیة و إن قامت الأمارة علی خلافها و هذه الأمارة لاتوجب حدوث المصلحة فی المتعلّق حتّی ینقلب الواقع بل هی توجب حدوث المصلحة فی السلوک نحو الأمارة و هذه المصلحة لاتنافی مصلحة الواقع بل تتدارکها فیما فاتت (أی فاتت مصلحة الواقع).
ص: 164
((1)):
إنّ مؤدی الأمارة إن کان وافیاً بتمام مصلحة الواقع یلزم الأمر بالجامع بین الحکم الواقعی و مفاد الأمارة لاشتراکهما من حیث وحدة الأثر فی جامع لهما و یکون الأمر بکلّ من الواقع و المؤدّی تخییریاً، فیمتنع تخصیص الوجوب الواقعی بأحدهما لأنّه لاموجب لهذا التخصیص بل هو ترجیح من دون مرجح فیکون الحکم الواقعی تعیینیاً فی حقّ العالم و تخییریاً فی حقّ الجاهل بالحکم الواقعی الذی قامت عنده الأمارة.
مع أنّ اطلاقات الأوامر ظاهرة فی الوجوب التعیینی فهذا القول یوجب انقلاب الواقع من الوجوب التعیینی إلی التخییری بالنسبة إلی من قامت عنده الأمارة و هذا خلاف الضرورة و الإجماع.
((2))
إنّ قوام الوجوب التخییری بأن یکون وجوب طرفیه أو أطرافه فعلیاً و هذا فیما نحن فیه محال، لأنّ فعلیة الأمر بالمؤدّی منوطة بعدم وصول الواقع و فعلیة الواقع منوطة بوصوله فلا واجب فعلی إلّا أحدهما و کما یستحیل فعلیة الأمر بهما تعییناً فکذا تخییراً.
إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی تصویر المصلحة السلوکیة مع عدم لزوم
ص: 165
التصویب مخدوش، و توضیح ذلک: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال باستحالة جعل الوجوب التخییری هنا، و نزید إلی ما أفاده استحالة جعل الوجوب التعیینی أیضاً علی القول بالمصلحة السلوکیة فینتج عدم إمکان الالتزام بهذا القول.
أمّا بیان استحالة جعل الوجوب التعیینی فهو أنّه کما أنّ أصل الوجوب تابع للملاک و المصلحة کذلک خصوصیة التعیینیة أیضاً تابعة للملاک و المصلحة و هذا فی مقام الثبوت بأن یکون الواجب واجداً للمصلحة مع خصوصیة أنّ شیئاً آخر لایقوم مقامه، و أمّا فی مقام الإثبات فلابدّ من إطلاق لأنّ الواجب التخییری یحتاج إلی التقیید بکلمة «أو».
فحینئذ إن کانت المصلحة السلوکیة وافیة بمصلحة الحکم الواقعی فلایصحّ إطلاق الحکم الواقعی لأنّ المصلحة السلوکیة تکون بدلاً عن مصلحة الواقع و مفاد الأمارة یکون عدلاً للحکم الواقعی فلایصحّ تحقّق الوجوب التعیینی لأنّ الواجب التعیینی ما لایقوم مقامه شیء آخر.
و من جهة أخری إنّ الحکم الواقعی و مفاد الأمارة کلیهما واجدان للمصلحة فتخصیص الحکم الواقعی بالوجوب دون مفاد الأمارة ترجیح بلا مرجح.((1))
إنّ ملاک الواجب التعیینی فی الحکم الواقعی تامّ، لأنّ الحکم الظاهری (مفاد الأمارة) لیس فی عرض الحکم الواقعی بل هو فی طوله (أی عند الشک فی الحکم الواقعی) فإنّ الواجب التعیینی هو ما لیس فی عرضه بدل و عدل له (ثمّ إنّ
ص: 166
التعیینیة بمقتضی إطلاق الوجوب إثباتاً و ملاک الوجوب عند إطلاقه یقتضی التعیینیة ثبوتاً).
قد قال بعض الأعلام مثل المحقّق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین بعدم الإجزاء و خالفهم جمع آخر مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) .
((1)):
إنّ مصلحة أصل الصلاة غیر مصلحة وقته، فقد تفوت مصلحة الوقت و أمّا مصلحة أصل الصلاة قابلة للتدارک و المصلحة السلوکیة هی بمقدار ما فات من الواجب من مصلحة وقته و لیست بمقدار مصلحة أصل الواجب، فإنّ المصلحة السلوکیة قد تکون بمقدار فضیلة الوقت أمّا مصلحة أصل الوقت فهی باقیة، فإذا انکشف الخلاف فی الوقت فلابدّ من إعادة الواجب تحصیلاً لمصلحة أصل الواجب و مصلحة أصل الوقت، أمّا مصلحة فضیلة الوقت فهی متدارکة بالمصلحة السلوکیة، و قد تکون بمقدار أصل الوقت (تمام الوقت) فإذا انکشف الخلاف بعد وقت الواجب فلابدّ من قضاء الواجب تحصیلاً لمصلحة أصل الواجب أمّا مصلحة أصل الوقت و فضیلته فتدارک بالمصلحة السلوکیة. فالقول بالمصلحة السلوکیة لاینافی عدم الإجزاء إعادةً و قضاءً.
إنّ ذلک مبنی علی تبعیة القضاء للأداء حیث إنّ المطلوب علی هذا القول
ص: 167
متعدّد (مطلوبیة أصل الصلاة و مطلوبیة وقته) و لکنه خاطئ جدّاً لأنّ المتفاهم العرفی من تقیید الواجب بأمر زمانی أو بوقت خاص هو وحدة المطلوب لاتعدّده، فإنّ المأموربه هو الطبیعی المقید بهذا القید و الدلیل علی ذلک هو الظهور العرفی لدلیل التقیید، فعلی هذا تبعیة القضاء للأداء باطل و المصلحة السلوکیة لیست بمقدار فضیلة الوقت أو أصل الوقت بل هی بمقدار الواجب المقید بالوقت لما سلکناه من عدم تعدّد المطلوب. ((1))
((2)):
إنّ القول بعدم الإجزاء لایتوقف علی القول بتبعیة القضاء للأداء بل هو موقوف علی تعدّد المطلوب و هو أعمّ من القول بالتبیعیة أو القول بأنّ القضاء بأمر جدید، و الحقّ هو أنّ أصل الصلاة مطلوب و وقتها مطلوب آخر و لکل منهما مصلحة لابدّ من استیفائها و بعد انکشاف الخلاف لابدّ من استیفاء مصلحة أصل الصلاة أمّا مصلحة وقته فتتدارک بالمصلحة السلوکیة.
إنّ الکلام فی عالم الإثبات لا الثبوت، فإنّ فی عالم الثبوت مصلحة أصل الصلاة غیر مصلحة وقته و لکن الدلیل الإثباتی ظاهر عرفاً فی طلب الصلاة المقیدة بالوقت فالمطلوب فی عالم الإثبات واحد.
ص: 168
البحث فی مقامین:
((1)):
إذا شک و لم یحرز أنّ الحجیة بمعنی السببیة أو الطریقیة:
أمّا من حیث الإعادة فلایجزی و الإعادة واجبة و الدلیل علی ذلک هو أصالة عدم الإتیان بما یسقط معه التکلیف.
إن قلت: استصحاب عدم فعلیة التکلیف الواقعی فی الوقت یوجب عدم وجوب الإعادة.
قلت: إنّ ذلک لایوجب و لایثبت أنّ ما أتی به مسقط إلّا علی القول بالأصل المثبت.
و قد علم اشتغال ذمّته و یشک فی فراغ الذمّة بذلک المأتی فتجب الإعادة.
به للمأمور به واقعاً و یشک فی کونه محصّلاً لغرضه من حیث کونه ذا مصلحة بدلیة، فلامحالة یشک فی سقوط التکلیف الواقعی بعد الیقین بثبوته، فمقتضی القاعدة و الاستصحاب بقاء اشتغال ذمّته.
و أمّا أصالة عدم الإتیان بما یسقط معه التکلیف و یحصل الغرض فلا موقع لها لعدم ترتیب أثر شرعی علی الإتیان و عدمه.
((1))
إنّ المورد لیس من موارد التمسّک بقاعدة الاشتغال بل هو من موارد التمسّک بقاعدة البراءة.
و الوجه فیه هو أنّ حجّیة الأمارة إن کانت من باب السببیة و الموضوعیة لم تکن ذمّة المکلّف مشغولة بالواقع أصلاً و إنّما تکون مشغولة بمؤدّاها فحسب، حیث إنّه الواقع فعلاً و حقیقةً فلا واقع غیره و إن کانت من باب الطریقیة و الکاشفیة اشتغلت ذمته به و بما أنّه لایدری أنّ حجّیتها کانت علی الشکل الأوّل أو کانت علی الشکل الثانی فبطبیعة الحال لایعلم باشتغال ذمّته بالواقع لیکون المقام من موارد قاعدة الاشتغال، فإذن لامناص من الرجوع إلی أصالة البراءة من وجوب الإعادة، حیث إنّه شک فی التکلیف من دون العلم بالاشتغال به.
و بکلمة أُخری إنّ الشک فیما نحن فیه و إن أوجب حدوث العلم الإجمالی بوجود تکلیف مردّد بین تعلّقه بالفعل الذی جیء به علی طبق الأمارة السابقة و بین تعلّقه بالواقع الذی لم یؤت به علی طبق الأمارة الثانیة إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالی و لایوجب الاحتیاط و الإتیان بالواقع علی طبق الأمارة الثانیة، و ذلک
ص: 170
لأنّ هذا العلم حیث قد حدث بعد الإتیان بالعمل علی طبق الأمارة الأُولی کما هو المفروض فلا أثر له بالإضافة إلی هذا الطرف، فلا مانع من الرجوع إلی أصالة البراءة من الطرف الآخر هذا بالنسبة إلی الإعادة.
إنّ مختار صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ القضاء لایجب بناءً علی أنّه فرض جدید و أخذ فی وضعه الفوت و هو غیر محرز.
أمّا من حیث القضاء فإن قلنا: إنّ القضاء بالأمر الأوّل (تبعیة القضاء للأداء) فلایجزی لأنّ القضاء مثل الإعادة.
و إن قلنا: إنّ القضاء بالأمر الجدید و کان الفوت أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالفریضة فی الوقت بالنسبة إلیه مثبت فلایمکن إحراز عنوان الفوت حتی یقال بتحقّق موضوع القضاء فالقضاء لیس بواجب.
و إن کان الفوت أمراً عدمیاً فیجدی استصحاب عدم الإتیان بالفریضة فی الوقت فی إحراز عنوان الفوت فالقضاء واجب.
و المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً قال بعدم وجوب القضاء حیث إنّه بأمر جدید و هو مشکوک الحدوث.
و المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً یختار مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) فی عدم وجوب القضاء.
ص: 171
ص: 172
فیه مقدمة و فصلان و خاتمة
ص: 173
ص: 174
قبل الورود فی البحث عن الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته لابدّ من بیان أُمور:
إجمال ذلک هو أنّا نبحث عن مقدّمات للبحث من کونه أُصولیاً أو کلامیاً أو فقهیاً أو غیر ذلک و من معنی الوجوب فی هذا البحث.
ثم نبحث عن تقسیمات المقدّمة:
الأوّل: المقدّمة الداخلیة و الخارجیة.
الثانی: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیة.
الثالث: المقدّمة الوجودیة و الوجوبیة و مقدّمة الصحّة و المقدّمة العلمیة.
الرابع: المقدّمة المتقدّمة و المقارنة و المتأخرة (الشرط المتأخر).
و بعد ذلک یقع الکلام فی تقسیمات الواجب:
الأوّل: المطلق و المقید((1)).
ص: 175
الثانی: المعلّق و المنجّز.
الثالث: النفسی و الغیری.
الرابع: الأصلی و التبعی.
ثم إنّ هنا بحثاً عن المقدّمة الموصلة و بحثاً آخر عن ثمرة البحث و بحثاً عن تأسیس الأصل و بعد ذلک تصل النوبة إلی تحقیق أدلّة القول بوجوب المقدّمة.((1))
ص: 176
فیه أقوال أربعة:
إنّ هذه المسألة هل هی من المباحث الکلامیة أو الفقهیة أو الأُصولیة؟
و إن کانت أُصولیة فهل یکون من المبادی الأحکامیة لعلم الأُصول أو یکون من المسائل الأصولیة؟ و إن کانت المسألة أُصولیة فهل یکون مسألة لفظیة أو عقلیة؟
استدلّ علی ذلک بأنّ البحث عنها عقلی لا لفظی.
أجاب عنه السید الخوئی (قدس سره) ((1))بأنّ کلّ مسألة عقلیة لیست کلامیة بل المسائل الکلامیة هی المسائل العقلیة بالمعنی الأخص و صنف خاص منها و هی المسائل المستقلات العقلیة التی یبحث فیها عن أحوال المبدأ و المعاد.
و إرجاع البحث عنها إلی أحوال المبدأ و المعاد و إن کان ممکناً إلّا أنّ الحیثیة المبحوث عنها هنا هی حیثیة أُصولیة.((2))
ص: 177
و نسب ذلک إلی بعض المتقدّمین منهم صاحب المعالم (قدس سره) .((1))
استدلّ علی ذلک بأنّ المبحوث عنه هو وجوب المقدّمة و الوجوب حکم فرعی، و لذا استدلّ علی نفی وجوب المقدّمة بانتفاء الدلالات الثلاث اللفظیة.
((2))
إنّ البحث هنا عن ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و الأمر بمقدّماته.
إنّ الأحکام الفقهیة مجعولة للعناوین الخاصّة مثل الصلاة و الحج و غیرهما و المقدّمة تصدق فی الخارج علی العناوین المتعدّدة و لیست عنواناً لفعل واحد. ((3))
ص: 178
أجاب عنه فی المحاضرات((1))بأنّ البحث هنا لیس عن حالات الحکم و عوارضه بل هو عن إدراک العقل الملازمة بین حکمین شرعیین النفسی و الغیری.
و علی هذا فإن أراد القائل بالمبادی الأحکامیة أنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه یرد علیه أنّ جمیع المسائل الأصولیة بشتّی أنواعها کذلک.
و إن أراد أنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الأصول فهو خاطئ جداً لأنّ هذه
ص: 181
المسألة من المسائل الأصولیة التی تقع فی طریق الاستنباط بلا توسط مسألة أُخری أُصولیة.((1))
و هو الحق لوجود ضابط المسألة الأُصولیة فیها لأنّها تقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی بنفسها من دون ضمّ مسألة أُصولیة أُخری((2)).
ص: 182
ثم إنّ هذه المسألة لیست لفظیة کما ادّعاه صاحب المعالم (قدس سره) ((1)) بل عقلیة لأنّ
ص: 183
الحاکم بالملازمة هو العقل غیرُ المستقلّ حیث لابدّ من انضمام دلیل وجوب المقدّمة شرعاً إلی کبری الملازمة ثم استنتاج وجوب المقدّمة.
ص: 184
فیه وجوه ستة:
لیس المراد من وجوب المقدمة الوجوب العقلی و اللابدیة العقلیة، لأنّ ثبوت الوجوب بهذا المعنی ضروری و لا مجال للنزاع فیه.
و لیس المراد منه الوجوب الإرشادی، لأنّه إرشاد إلی الحکم العقلی و ثبوت الحکم العقلی بوجوب المقدّمة ممّا لا خلاف فیه و البحث هنا فی الوجوب الشرعی للمقدّمة.
و لیس المراد الوجوب المجازی بمعنی أنّ الوجوب النفسی لذی المقدّمة یستند إلی مقدّمته مجازاً، فإنّ هذا الإسناد صحیح و لکنه بحث لغوی و لیس من شأن الأُصولی البحث عن ذلک.
و لیس المراد الوجوب الشرعی الطریقی إلی الحکم أی الوجوب الذی هو طریق إلی حکم شرعی کالاحتیاط فإنّ وجوب الاحتیاط یوجب أن نصل إلی الحکم الشرعی و لکن وجوب المقدّمة هنا لیس طریقاً إلی حکم شرعی آخر.
ص: 185
و لیس المراد الوجوب النفسی لأنّ ذلک یقتضی کونه ذا ملاک و غرض مع أنّ وجوب المقدّمة لیس عن ملاک فی متعلّقه بل ملاکه هو ما یوجد فی ذی المقدّمة من الملاک و الغرض و لأنّ الآمر کثیراً لایلتفت إلی نفس المقدّمة فضلاً عن إیجابها.
الحق أنّ المراد هو أنّ هنا إرادة تبعیة و طلباً غیریاً توجّه إلی مقدّمة المراد الأصلی و المطلوب النفسی، بحیث لو التفت الشارع إلی المقدّمة لأوجبها تمهیداً لذی المقدّمة لا استقلالاً.
و سمّاها المحقّق الخوئی (قدس سره) بالوجوب الارتکازی لارتکاز هذا الوجوب فی ذهن کل آمر و حاکم.
و هذا الوجوب یسمی عند الأعلام بالوجوب الغیری التبعی.
ص: 186
إنّ المقدّمة المحرمة بل المستحبة و المکروهة کلّها داخلة تحت البحث فإنّه یبحث عن الأمر الحرام هل تکون مقدّمته حراماً أو لا؟ و الحرمة التی للمقدّمة أیضاً حرمة غیری. و هکذا فی المستحب و المکروه.
ص: 187
ص: 188
(فیه أمور ثلاثة)
الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة
الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط
الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب
ص: 189
ص: 190
(و هی أربعة):
التقسیم الأوّل: المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان
التقسیم الثانی: مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم
التقسیم الثالث: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة
التقسیم الرابع: المتقدّم و المقارن و المتأخّر
ص: 191
ص: 192
و هذا التقسیم باعتبار دخول المقدّمة فی المأمور به و خروجها عنه.
أمّا المقدّمة الداخلیة فهی أجزاء المأموربه المرکّب.
أمّا المقدّمة الخارجیة فعلی قسمین:
الأول: المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأعمّ و هی الأجزاء التی هی خارجة عن المأموربه قیداً و داخلة فیه تقیداً مثل شرطیة الطهارة و استقبال القبلة فی الصلاة.
الثانی: المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ و هی الأجزاء التی هی خارجة عن المأموربه قیداً و تقیداً مثل توقف زیارة کربلاء و الحج علی طی المسافة.((1))
أمّا دخول المقدّمة الخارجیة فی بحث الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته فلا إشکال فیه.
إنّما الکلام فی دخول المقدّمة الداخلیة فی محل النزاع.
ص: 193
و هناک ثلاثة أبحاث حاولها المحقّقون:
البحث الأول: هل یصح إطلاق المقدّمة علی الأجزاء الداخلیة أو لا؟
البحث الثانی: بناء علی صحّة إطلاق المقدّمة علیها، هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری؟
البحث الثالث: بناء علی ثبوت المقتضی هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری؟
نبحث عن المقدمة الداخلیة فی ثلاثة مواضع:
إنّ للمقدمة إطلاقین:
الإطلاق الأول: «ما له دخل فی الشیء» بأن یکون وجوده غیر وجود الشیء و وجود الشیء یتوقف علیه.
الإطلاق الثانی: «ما یتوقف علیه الشیء» سواء کان وجوده غیر وجود الشیء أم لم یکن.
أمّا المقدمة بالإطلاق الأوّل فلاتصدق علی الأجزاء الداخلیة لأنّ وجود الکلّ عین وجود أجزائه من حیث إنّها أجزائه (أی مع لحاظ اللابشرطیة لا بشرط لائیة، فإنّ الأجزاء مع لحاظ بشرط لائیة لیست أجزاء للمرکّب).
أمّا المقدمة بالإطلاق الثانی فتصدق علی الأجزاء لأنّ وجود الکلّ یتوقف علی وجود أجزائه، فإنّ الکلّ هو الأجزاء بشرط الانضمام و الأجزاء هی ما یلحظ لابشرط الانضمام.
ص: 194
فیه قولان:
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) (و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))) قال فی هامش الکفایة بعدم وجود الاقتضاء لاتصاف الأجزاء بالوجوب الغیری لأنّ الأجزاء عین الکلّ فی الخارج فوجوبها عین وجوب الکلّ (و اتصافها بالوجوب الغیری لغو محض علی تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) فلا ملاک غیر ملاک وجوب الکلّ و التغایر الاعتباری بین الکلّ و الجزء لایوجب ترشح ملاک الوجوب من الکلّ إلی الجزء.
استشکل بعض الأساطین علی بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2))بأنّ إشکال اللغویة مثل إشکال اجتماع المثلین مرتبط بمرحلة المانع لا المقتضی.
الحقّ وجود الاقتضاء فإنّ الملاک و إن کان واحداً إلّا أنّه یوجب تحقّق إرادتین: الإرادة الأصلیة المتعلّقة بالواجب النفسی و الإرادة التبعیة المتعلّقة بمقدّماته و مناط الاقتضاء هو هذه الإرادة التبعیة فإنّها من مبادئ الحکم.
ص: 195
فیه قولان:
و هو مختار المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما)
و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی (قدس سره)
إنّ المانع هو لزوم اجتماع المثلین لأنّ الأجزاء بشرط الانضمام واجبة بوجوب نفسی فلو وجبت الأجزاء بالوجوب الغیری یلزم اجتماع الحکمین المتماثلین فی شیء واحد و هو محال.
و الوجه فی ذلک هو أنّ عنوان المقدّمیة لیست حیثیة تقییدیة للوجوب الغیری حتی یکون موضوعاً له بل هی حیثیة تعلیلیة فالوجوب للمعنون لا لعنوان المقدّمیة.
إنّ ما فرضه مانعاً فی فرض ثبوت المقتضی لایصلح للمانعیة، لأنّ اجتماع الحکمین المذکورین فی شیء واحد لایؤدّی إلی اجتماع المثلین، بل یؤدّی إلی
ص: 196
اندکاک أحدهما فی الآخر، فیصیران حکماً واحداً مؤکّداً مثل صلاة الظهر بالنسبة إلی صلاة العصر، فإنّ صلاة الظهر واجبة نفسیاً و واجبة أیضاً غیریاً باعتبار توقف صلاة العصر علیها، فهی ذات ملاکین و إذن بطبیعة الحال یندک أحدهما فی الآخر و یتحصّل من مجموعهما وجوب واحد أکید متعلّق بها. ((1))
((2))
إنّ الوجوب الغیری متأخر رتبة عن الوجوب النفسی لأنّه مترشح عنه و علی هذا یکون اتصاف الأجزاء بالوجوب الغیری فی رتبة متأخرة عن اتصافها بالوجوب النفسی و معه لایعقل حصول الاندکاک بینهما.
((3))
إنّ ما أفاده مبنی علی الخلط بین تقدّم حکم علی حکم آخر زماناً و بین تقدّمه علیه رتبة مع اتحادهما زماناً.
توضیحه: إذا کان الحکمان مختلفین زماناً بأن یکون أحدهما فی زمان و الآخر فی زمان آخر فلایعقل الاندکاک و التأکد.
أمّا إذا کانا متقارنین زماناً و مجتمعین فیه و إن اختلفا رتبةً فلا مناص من
ص: 197
الالتزام بالتأکّد و الاندکاک، و الوجه فی ذلک هو أن لا أثر لاختلاف الرتبة العقلیة فی الأحکام الشرعیة و الاختلاف فی الرتبة ثابتة للموجودات الزمانیة.
مثال الاندکاک فی التکوینیات هو فیما إذا کان اتصاف شیء بلون خاص موجباً لانعکاس هذا اللون فیه بسبب المرآة مثلاً فاللونان -و إن اختلافا رتبة- یوجب اتحادُهما زماناً اندکاک أحدهما فی الآخر.
مثال الاندکاک فی التشریعیات هو فیما إذا نذر الصلاة فی المسجد أو فی الجماعة، فإنّ الوجوب الآتی من ناحیة النذر متأخر عن الاستحباب النفسی للصلاة فی المسجد و صلاة الجماعة لأنّ رجحان المتعلّق (و هو الاستحباب النفسی فی هذا المثال) مأخوذ فی موضع النذر و لا شبهة فی اندکاک الوجوب الآتی من قبل النذر فی الاستحباب النفسی.
و الظاهر بقاء الاستحباب النفسی لصلاة الجماعة و بقاء وجوب النذر أیضاً.
((1))
إنّ کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) مخدوش نقضاً و حلاً:
أمّا نقضاً: فلأنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((2)) إنّ العلّة و المعلول لایقبلان الاتحاد فی الوجود و لکن المتضایفان فی بعض الموارد یقبلان وجوداً واحداً کالحبّ حیث إنّ النفس الإنسانیة تحبّ نفسها فیجتمع المحبّ و المحبوب و هکذا السلطنة حیث إنّ الإنسان مسلّط علی نفسه فیجتمع المسلَّط و المسلَّط علیه
ص: 198
و یؤیده حدیث «الناس مسلّطون علی أنفسهم».[ لم نجد هذه العبارة فی الجوامع الروائیة و الظاهر أنّه نقل بالمعنی و قیل إنه قاعدة فقهیة].)(1)(
و علی هذا المبنی لایجوز اتحاد الوجوب النفسی و الغیری و اندکاکهما لأنّهما من قبیل العلّة و المعلول لأنّ الوجوب الغیری یترشح من الوجوب النفسی.
أمّا حلاً: فإنّه اشتبه علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) رابطة الوجوب النفسی و الغیری برابطة متعلّقهما فإنّ متعلّق الوجوب الغیری هو الجزء و متعلّق الوجوب النفسی هو الکلّ و الرابطة بینهما هو التقدّم و التأخر الطبیعیان و لذا یمکن وجودهما بوجود واحد مثل الواحد و الإثنین أمّا إذا کان أحد الوجودین علّة للآخر فلایعقل اتحادهما فی الوجود و الحکم النفسی علّة للحکم الغیری فلایعقل فیهما الاندکاک.
إنّ النقض و الحلّ کلاهما ممنوعان و الوجه فیه هو أنّ الوجوب النفسی لیس علّة للوجوب الغیری بل هما معلولان لعلّة ثالثة و هی المصلحة و الملاک و ذلک بأنّ الملاک یوجب تحقّق الإرادة الأصلیة و التبعیة و هما یوجبان تحقّق الحکم النفسی و الغیری.
((2))
الإرادة و إن کانت قابلة للشدّة و الضعف و قابلة للاشتداد و الخروج من حدّ إلی حدّ إلّا أنّ وجود إرادة شدیدة ابتداء أو اشتدادها و الخروج من حدّ
ص: 199
الضعف إلی الشدة إنّما یعقل إذا کان فی متعلّقها مصلحة أکیدة أو مصلحتان.
أمّا إذا کان مصلحةٌ قائمةً بمجموع الأجزاء و مصالحُ أُخر قائمةً بکلّ من تلک الأجزاء (کما فی ما نحن فیه) فلایعقل اقتضاء إرادة شدیدة لمجموع الأجزاء و لا اشتداد الإرادة المتعلّقة بنفس المجموع.
و فرض الإرادة الشدیدة لمجموع الأجزاء أو اشتداد الإرادة المتعلّقة بنفس المجموع فی هذا المقام (الذی فرضنا فیه وجود المصالح الأخر القائمة بالأجزاء دون الکلّ) محال للزوم تحقّق المعلول بلا علّة (لأنّه لا علّة للإرادة الشدیدة أو اشتداد الإرادة) إذ کلّ مصلحة تقتضی انبعاث الإرادة نحو ما فیه المصلحة و فرض مصلحة فی الجزء دون المجموع یقتضی تعلّق الإرادة بالجزء دون المجموع، فلایعقل الاندکاک هذا بالنسبة إلی الإرادة التی هی من مبادئ الحکم.
إنّ هذا البیان مبنی علی وجود المصلحة فی الجزء بخصوصه و لیس الأمر هنا کذلک لأنّ الوجوب الغیری و إن توقف وجوده علی تحقّق الإرادة التبعیة إلّا أنّ الإرادة التبعیة لاتنشأ من مصلحة خاصةٍ فی الجزء دون الکلّ بل المصلحة هنا واحدة و هی تقتضی الإرادة الأصلیة و الإرادة التبعیة و لا إشکال فی ذلک (کما یقال: من أحبّ شیئاً أحبّ آثاره).
((1))
إنّ البعث أمر اعتباری لا شدة فیه و لا اشتداد، توضیح ذلک:
إنّ الأحکام أُمور اعتباریة و لا اشتداد فی الاعتباریات کما لاشدة فیها
ص: 200
فلایعقل فیها التأکّد لأنّ التأکّد یرجع إلی الشدّة أو إلی الاشتداد (أی الخروج من حدّ الضعف إلی حدّ القوة و هذا الخروج یتعقّل فی الأُمور التکوینیة لا الاعتباریة) فلایعقل اندکاک الحکمین فی حکم واحد مع تأکّده.
((1))
أوّلاً بالنقض: لأنّه قال فی رسالة الحقّ و الحکم:
لا مانع من قبول الاعتباریات للشدّة و الضعف إن کانت ذات مرتبة، و حیث إنّ الوجوب علی مسلکه نسبة بعثیة و البعث الاعتباری فی قبال البعث التکوینی و الخارجی الذی هو ذو مراتب فکذا البعث الاعتباری لابدّ أن یکون ذا مراتب فینتج ذلک أنّ الوجوب یقبل الشدّة و الضعف.
ثانیاً بالحلّ: فإنّ معنی الاندکاک هو أنّ الملاکین یوجبان اعتبار المرتبة الشدیدة الأکیدة من الوجوب (أو فقل: إنّ الإرادتین تندک إحداهما فی الأُخری و توجبان جعل الوجوب الشدید المتأکّد).
((2))
إنّ أمر البعث الإعتباری کالإرادة (کما قلنا فی الدفاع الثانی).
توضیحه ببیان زائد هو أنّ البعث الاعتباری نحوَ الواجب الأصلی و الکلِّ ینشأ من إرادته (إرادة الکلّ) و البعث الاعتباری نحو الجزء ینشأ من إرادة الجزء بإرادة تبعیة و هذه الإرادة التبعیة بما أنّها متعلّقة بالجزء لایؤکّد الإرادة المتعلّقة بالکلّ لتفاوت متعلقهما بالجزئیة و الکلیة، نعم الإرادة المتعلّقة بالکلّ توجب
ص: 201
تأکّد الإرادة التبعیة المتعلّقة بالجزء و لکن القائل باندکاک الوجوب فی المقدّمة الداخلیة لایرتضی ذلک بل یرید اندکاک الوجوب المتعلّق بالجزء فی الوجوب المتعلّق بالکلّ و هذا لایعقل.
فحدیث الاندکاک و تأکّد الوجوب غیر معقول فالحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) فیما أفاد من لزوم اجتماع المثلین علی القول بوجوب المقدّمة الداخلیة کما یصحّ أن یقال بلغویة ذلک کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .
ص: 202
ادّعی لهذا البحث ثمرتان:
ثمرة تظهر فی مبحث العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین.
و فی بیان هذه الثمرة قولان:
القول الأوّل: جریان البراءة فی الجزء الأخیر إن قلنا بوجوب المقدمة الداخلیة.
توضیح ذلک: إنّا إذا شککنا فی الواجب أنّ له تسعة أجزاء أو ثمانیة أجزاء؟ فالأقلّ یکون معلوم الوجوب و نشک فی وجوب الجزء التاسع و لذا قال بعض الأعلام بجریان البراءة بالنسبة إلی هذا الجزء الأخیر، لأنّ الشک بالنسبة إلیه بدوی.
و لکن هنا شبهة و هی أنّ الواجب أمره مردد بین الأقلّ و الأکثر فالأقلّ إمّا هو تمام الواجب فوجوبه نفسی و إمّا هو جزء الواجب (بناء علی أنّ الواجب هو الأکثر) و حینئذ لایتصف الأقلّ بالوجوب بناء علی عدم اتصاف الأجزاء الداخلیة بالوجوب، فالشک بین کون الواجب هو الأقلّ أو الأکثر یرجع إلی الشک بین وجوب الأجزاء فی الأقلّ بالوجوب النفسی لأنّها تمام أجزاء الواجب أو عدم وجوب الأقلّ لأنّه جزء الواجب و الجزء الداخلی لایتّصف بالوجوب فلابدّ حینئذ من الاحتیاط بإتیان الأکثر حتّی یحصل العلم بفراغ الذمّة عن إتیان الواجب و أمّا إذا قلنا بأنّ الجزء أیضاً یتّصف بالوجوب الغیری (لصدق عنوان المقدّمة علیه و تحقّق اقتضاء الاتصاف بالوجوب الغیری من دون وجود مانع
ص: 203
عنه) فنتیجة ذلک هو العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و هو فیما إذا کان الواجب فی الحقیقة هو الأقلّ و إمّا غیریاً و هو فیما إذا کان الواجب فی الحقیقة هو الأکثر فالشک فی الجزء التاسع یکون شکّاً بدویاً فتجری فیه أصالة البراءة.
و إلی هذا أشار الشیخ (قدس سره) فی أحد تقریبی انحلال العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر فقال: إنّ الأقلّ معلوم الوجوب لأنّه إمّا واجب نفسیاً أو غیریاً فیکون الشک فی الأکثر بدویاً.
القول الثانی: المحقّق العراقی (قدس سره) جعل الثمرة علی عکس ذلک و قال: إن قلنا بوجوب المقدّمة الداخلیة فیجری الاشتغال و إن قلنا بعدم وجوبه تجری أصالة البراءة.و إلیک بیانه:((1))
إن قلنا بالوجوب الغیری للأجزاء ربما یتعین فی تلک المسألة المصیرُ إلی الاشتغال نظراً إلی وجود العلم الإجمالی بالتکلیف و عدم صلاحیة العلم التفصیلی بمطلق وجوب الأقلّ (الأعمّ من الغیری و النفسی) للانحلال، لمکان تولّده من العلم الإجمالی السابق علیه و تحقّق التنجّز فی الرتبة السابقة. [و ذلک لأنّ فرض اتصاف الأقلّ بالوجوب الغیری ینشأ من فرض کون الواجب النفسی هو الأکثر فالعلم التفصیلی بوجوب الأقلّ متأخر عن العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین و لایمکن انحلال العلم الإجمالی بالعلم التفصیلی الذی تولّد منه و إلّا یلزم إسقاط العلّة بمعلولها].
و إن قلنا بعدم الوجوب الغیری للأجزاء الداخلیة إمّا من جهة انتفاء ملاک المقدّمیة فیها أو من جهة محذور اجتماع المثلین، فأمکن القول بمرجعیة البراءة فی
ص: 204
تلک المسألة نظراً إلی رجوع الأمر حینئذ إلی علم تفصیلی بتعلّق إرادة الشارع بذات الأقلّ و لو لا بحدّه و الشک البدوی فی تعلّقها بالزائد و أمّا العلم الإجمالی فإنّما هو متعلّق بحدّ التکلیف و أنّه الأقلّ أو الأکثر و مثل هذا العلم لا أثر له فی التنجّز لأنّ المؤثر منه إنّما هو العلم الإجمالی بذات التکلیف لا بحدّه.
أولاً: إنّ العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ و الأکثر الارتباطیین فی الصورة الأُولی لایزید علیه فی الصورة الثانیة فکیف قال بتنجیزه هناک و لایقول به فی هذه الصورة فإنّ العلم الإجمالی تعلّق بحد متعلّق التکلیف و إلّا فأصل التکلیف معلوم فهو منجز فی کلتا الصورتین.
ثانیاً: إنّ العلم الإجمالی یتعلّق بالوجوب النفسی بین الأقلّ و الأکثر، و الوجوب الغیری الذی هو أحد أرکان العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ معلول للوجوب النفسی لا إنّ العلم التفصیلی معلول للعلم الإجمالی و هذا خلط بین العلّیة فی ناحیة العلم و المعلوم.
ثالثاً: إنّ معلولیة الوجوب الغیری للوجوب النفسی هو مخدوش لما قلنا من أنّ الوجوب الغیری معلول للإرادة التبعیة و الإرادة التبعیة هی معلول للإرادة الأصلیة التی هی علّة للوجوب النفسی أو معلول لملاکها فالعلّیة لمبادئ الحکم النفسی لا لنفسه.
التحقیق أنّ جریان البراءة غیر متوقف علی وجوب المقدّمة غیریاً أو عدم وجوبها کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأعلام
ص: 205
((1))
إنّ الأمر یدور بین وجوب الأقلّ مطلقاً عن الجزء الزائد أو مقیداً به و جریان البراءة بالنسبة إلی الأقلّ المطلق عن الزائد لا موضوع له لأنّ حدیث الرفع امتنانی و لا امتنان فی رفع الأقلّ المطلق، أمّا الأقلّ المقید بالزائد فتجری فیه البراءة و حدیث الرفع لأنّ رفعه امتنان، فالقاعدة فی العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین هی جریان البراءة عن القید الزائد.
قد یقال: إنّ ثمرة بحث وجوب المقدّمة هو جواز إفتاء الفقیه بالوجوب و جواز قصد المکلّف فعل الواجب فی مقام الامتثال و علی القول بعدم وجوب المقدّمة لایجوز الإفتاء به و أیضاً لایجوز الإتیان بقصد الوجوب لأنّه تشریع محرم.
و الحاصل: أنّ المقدّمة الداخلیة و إن أُطلقت علیها المقدّمة و لها اقتضاء الاتصاف بالوجوب إلّا أنّها لاتتصف بالوجوب لوجود المانع (و هو اجتماع المثلین علی مسلک المحقّق الخراسانی (قدس سره) و اللغویة علی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره).
ص: 206
أمّا مقدّمة الوجوب: فقال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و سائر الأعلام((2)) بأن لا إشکال فی خروجها عن محل النزاع لأنّ وجوب ذی المقدّمة یتوقّف علی تلک المقدّمة فما لم تحصل المقدّمة لا وجوب لذی المقدّمة و إذا حصلت المقدّمة
ص: 207
فلاتتصف بالوجوب لأنّه تحصیل للحاصل فإنّ مقدّمة الوجوب أُخذت مفروض الوجود فی مقام جعل وجوب ذی المقدّمة و مثالها الاستطاعة بالنسبة إلی الحج و السفر الذی هو شرط لوجوب القصر فی الصلاة و الإفطار فی الصوم.
و وجوبها بالنذر و أمثال ذلک لیس وجوباً غیریاً فلایرتبط بهذا البحث.
أمّا المقدّمة العلمیة: فقال الأعلام((1)) أیضاً بخروجها عن النزاع، لأنّ العقل و إن استقلّ بوجوبها لکن وجوبها العقلی من باب وجوب الإطاعة إرشاداً لیأمن من العقوبة علی مخالفة الواجب المنجّز فلیس وجوبها مولویاً من باب مقدّمة الواجب و الملازمة بین وجوبها و وجوب ذی المقدّمة.
و مثاله الصلاة إلی أربع جهات عند الجهل بالقبلة فإنّها لتحصیل العلم بوقوعها إلی جانب القبلة فإنّ الصلاة التی وقعت إلی القبلة هی نفس الواجب و لیست مقدّمة له و سائر الصلوات لاتکون مقدّمة واقعیة لهذه الصلاة الصحیحة بل هذه الصلوات مقدّمات علمیة لحصول العلم بفراغ الذمّة عن إتیان الواجب.
أمّا مقدّمة الوجود:((2)) فهی ما یتوقف علیه وجود الواجب و هی ترجع إلی
ص: 208
المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ (المقدّمة التی هی خارجة عن ذی المقدّمة قیداً و تقیداً).
أمّا مقدّمة الصحّة: فهی ما تتوقف علیه صحّة الواجب و هی أیضاً ترجع إلی المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأعمّ (المقدّمة التی هی خارجة عن الواجب قیداً و داخلة فیه تقیداً مثل الطهارة بالنسبة إلی الصلاة).
فتحصّل من ذلک أنّ مقدّمة الوجوب و العلم خارجتان عن محل النزاع والبحث هنا عن مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة.
ص: 209
ص: 210
((1))
أمّا المقدّمة العقلیة: فهی ما استحال واقعاً وجود الواجب بدونها کطی المسافة للحج فهی داخلة فی محل النزاع و هی المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ.
أمّا المقدّمة الشرعیة: فهی ما استحال شرعاً وجود الواجب بدونها و هی تسمّی بالشرعیة لأنّ الشارع أخذها مقدّمة و شرطاً للواجب، ثمّ إنّه بعد حکم الشارع بأخذها فی الصلاة مثلاً و امتناع الصلاة بغیر طهور تصیر هذه المقدّمة عقلیة، لأنّ العقل حاکم بوجوب الإتیان بها لتحصیل الواجب.
ص: 211
ما یتوقف علیه الواجب عادة بمعنی أنّ العادة جرت علی الإتیان بالواجب بواسطة هذه المقدّمة فهذه المقدّمة لاترجع إلی المقدّمة العقلیة و لاینبغی دخولها فی محل النزاع.
ما یتوقف علیه الواجب عادةً بمعنی عدم التمکّن من غیره عادة و إن کان ممکناً عقلاً مثل توقف الصعود علی السطح علی نصب السلّم لعدم التمکّن من الطیران و غیر ذلک عادةً و إن کان ممکناً ذاتاً، فهذه المقدّمة ترجع إلی المقدّمة العقلیة لاستحالة إتیان الواجب بدونها عند العقل أیضاً لفرض عدم التمکّن من الواجب بدونها.
ص: 212
((1))
أمّا المقدّمة السابقة: فهی کمقدّمیة الوضوء و الغسل مثلاً للصلاة و مقدّمیة اشتراء الزاد و الراحلة للحج.
أمّا المقدّمة المقارنة: فهی کمقدّمیة الطهور للصلاة بناء علی أنّ الطهور هو الأثر الحاصل من الوضوء و الغسل.
أمّا المقدّمة المتأخرة: فهی کمقدّمیة الإجازة فی عقد الفضولی بناء علی الکشف و مقدّمیة غسل الاستحاضة لیلاً لصحّة صومها نهاراً و هذه المقدّمة هی ما تسمّی بالشرط المتأخر.
و قد اختلف الأعلام فی إمکان الشرط المتأخر.
نتکلم فی الشرط المتأخر فی أمرین:
ص: 213
و له بیانان:
إنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة و العلّة بجمیع أجزائها لابدّ أن تتقدّم علی المعلول و لایعقل تأخر بعض أجزاء العلّة التامّة عن معلولها و إلّا لاتتحقّق العلّة التامّة قبل وجود المعلول فلایتحقّق المعلول، فلایجوز تأخر الشرط عن المشروط عقلاً و لذا لابدّ أن یأوّل ما یوهم ذلک.
فالالتزام بالشرط المتأخر نقض للقاعدة العقلیة إلّا إذا قلنا بنفی العلّیة و المعلولیة بین الشرط و المشروط و هو خلف الفرض أو إذا قلنا بتأثیر المعدوم (أی الشرط قبل وجوده) فی الموجود (و هو المشروط) و هذا أیضاً محال.
قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالتعمیم لاعتبار مقارنة العلّة و المعلول عنده فکما
ص: 214
لایمکن تأخّر الشرط عن المشروط لایمکن تقدّمه علیه فیعمّ الإشکال الشرط المتقدّم أیضاً.
أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) بأنّ الشرط هو مصحّح لفاعلیة الفاعل أو متمّم لقابلیة القابل فإنّ شأن الشرط أنّما هو إعطاء استعداد التأثیر للمقتضی فی مقتضاه، و لیس شأنه التأثیر الفعلی فیه حتّی لایمکن تقدّمه علیه زماناً، فلا مانع من تقدّم ما هو معدّ و مقرّب للمعلول حتی یمکن صدوره عن العلّة، و لاتعتبر المقارنة فی الشرط.
إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) علی الشرط المتأخر
إنّ القضایا الشرعیة قضایا حقیقیة، و الموضوع فی القضایا الحقیقیة قد أُخذ مفروض الوجود بتمام شرائطه و قیوده بداهة أنّه ما لم یتحقّق الموضوع فی الخارج یستحیل تحقّق الحکم لأنّ نسبة الموضوع إلی الحکم کنسبة العلّة التامّة إلی معلولها، فإنّ القضایا الحقیقیة قضایا شرطیة مقدّمها وجود الموضوع و تالیها ثبوت المحمول للموضوع فلایمکن وجود التالی قبل وجود الموضوع و لا وجود المعلول قبل وجود العلّة و علی هذا لایمکن تحقّق الشرط المتأخر لأنّه مستلزم لذلک.
ص: 215
قد تصدّی بعض الأعلام لحلّ هذه المشکلة بعدم اعتبار القاعدة العقلیة فی هذا المقام و فی قبالهم بعض المحققین التزموا بهذه القاعدة و حاولوا توجیه الموارد التی یتوهّم فیها انتقاض القاعدة و قد تعرض بعض الأساطین (حفظه الله) لبیان تلک الوجوه و التحقیق حولها.
إنّ المشروط متوقّف فی وجوده علی الشرط فلابدّ من تحقّق الشرط فی وجود المشروط، أمّا اشتراط تقارن الشرط و المشروط فلا ملزم له.((1))
((2))
أنّ هذا الجواب فی الحقیقة إنکار للقاعدة العقلیة و التزام بالإشکال المذکور، و القول بعدم اعتبار التقارن بین الشرط و المشروط یستلزم حصول الأثر قبل حصول مؤثّره (و هذا یرجع إلی تحقّق المعلول بلا علّة).
إنّ الشیخ (قدس سره) ملتزم بالقاعدة العقلیة و لذا یقول: إنّ الشرط المتأخر غیر
ص: 216
معقول، فالشرط هنا لیس متأخراً و لابدّ له من توجیه الموارد الموهمة للشرط المتأخر، و لذلک أنکر کون الإجازة کاشفة فی الفضولی و قال بأنّ الشرط فی هذه الموارد لیس هذا الأمر بوجوده المتأخر بل بوصف التأخر. ((1))
فما أفاده مبتن علی التزامه بالقاعدة العقلیة و حلّ الإشکال بجعل الشرطیة فی الوعاء الذی فوق الزمان.
ص: 218
((1))
أوّلاً: أنّ الخطابات الشرعیة ملقاة إلی العرف و العرف لایفهم الوجود الدهری بل هو یری الزمان و الزمانیات فالأمر الموجود فی الزمان المتأخر هو المؤثر عند العرف العام علی ما استظهره من الخطابات الشرعیة.
ثانیاً: أنّ الشرط لابدّ أن یکون مقدوراً للمکلّف و المکلّف قادر علی إیجاد الشرط فی الزمان أمّا وجوده الدهری فهو خارج عن تحت قدرة المکلّف فلایمکن أخذه شرطاً للتکلیف.
أولاً: أنّ الخطابات الشرعیة أُلقیت لبیان وظائف المکلّفین و لا ریب فی أنّ وظیفة المکلّف مثلاً أداء العمل فی الزمان المتأخر عن المشروط أمّا کون الشرط هو نفس هذا العمل بوجوده الزمانی أو لحاظه و وجوده العلمی أو وجوده الدهری فهو خارج عن نطاق الخطابات بل هو مرتبط بملاکات الأحکام.
ثانیاً: أنّ العمل الزمانی له صورة مثالیة و صورة ملکوتیة و صورة جبروتیة فوق عالم التقدّر و التعلّق به، فما یصدر عن المکلّف الموجود فی عالم الطبیعة لیس عملاً زمانیاً صرفاً بل الصورة الملکوتیة أیضاً صادرة عن المکلّف و إنّما الفرق هو فی إدراک هذه الصور فمن انغمر فی هذه النشأة الدنیویة لایری الصورة الملکوتیة لعمله إلّا إذا خرجت عنها کما قال تعالی: (وَ بُرِّزَتِ الْجَحیمُ لِمَنْ یریٰ)((2)).
ص: 219
نعم ما أفاده السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) و إن کان ممکناً ثبوتاً إلّا أنّه لا دلیل علیه فی مقام الإثبات، إلّا أنّ صرف احتمال ذلک یوجب حلّ الإشکال.
أمّا شرائط الحکم فمحصّل الکلام فیها هو أنّ الشرط فی الحقیقة تصور الشیء و وجوده الذهنی فإنّ ما هو دخیل فی تحقّق المشروط لحاظ الشرط.
أمّا ما أفاده فی شرط الحکم فقد قرّبوه بوجوه ثلاثة:
إنّ الحکم أمر نفسانی فإنّه الاعتبار القائم بالإرادة النفسانیة (إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) یقول بأنّ الحکم هو ذاک الاعتبار و المحقّق العراقی (قدس سره) یقول: هو الإرادة النفسانیة المذکورة)
و بمقتضی لزوم السنخیة بین العلّة و المعلول فلابدّ أن تکون مبادئ الحکم (من المقتضی و الشرط و عدم المانع) أیضاً أُموراً نفسانیة و لیس ذلک إلّا لحاظ الشرط لأنّ الشرط بوجوده الخارجی لیس أمراً نفسانیاً فیرتفع إشکال الشرط المتأخر بأنّ الشرط لیس متأخراً بل هو مقارن للمشروط.
ص: 220
فلو تمّ هذا التقریب یکون برهاناً عقلیاً علی أنّ شرط الحکم لابدّ أن یکون وجوداً ذهنیاً.
إنّ السنخیة بین العلّة و المعلول لاتنحصر فی الوجودات النفسانیة، بل الوجود سنخ واحد و حقیقة واحدة و علی هذا لا مانع من شرطیة الوجود الخارجی لما هو من سنخ الوجودات النفسانیة بل الحکم من الموجودات الاعتباریة و الإرادة التی هی من مبادئ الحکم وجود نفسانی و شرطها إمّا وجود خارجی و إمّا وجود نفسانی و إمّا وجود اعتباری و کلها من سنخ واحد.
إنّ العلم هو المؤثر فی الإرادة لا المعلوم الخارجی، فإنّ العطش بوجوده الخارجی لایوجب إرادة شرب الماء إلّا إذا علم به، فالصورة العلمیة هی المؤثر فی إرادة الشیء، و هکذا یقال: المؤثر فی الملکیة هو العلم بالإجازة لا الإجازة الخارجیة، فالشرط هو الصورة العلمیة و هی مقارنة للمشروط.
و حاصل التقریب الثانی أنّ المؤثّر فی الإرادة و التحریک نحو الشیء هو العلم و الوجود اللحاظی فلابدّ أن یکون الشرط وجوداً علمیاً.
إنّ العلم و إن کان کذلک من حیث إنّه شرط التنجّز و لکن الحکم الفعلی قبل وصوله بالعلم موجود فالصورة العلمیة للشرط توجب وصول الحکم إلی المکلّف و تنجّزه و أمّا الحکم فهو قبل وصوله إلی المکلّف یکون فعلیاً من جهة تعلّقه بالمکلّف الجاهل فإنّ وجوب الصوم بالنسبة إلی الجاهل بوجوب صوم
ص: 221
شهر رمضان المبارک أو الجاهل بحلول الشهر فعلی و لذا یحکم بقضاء صومه إن مات فی حال جهله نعم إنّ شرط التنجّز قد یکون شرطاً للفعلیة و أُخری لایکون کذلک و لکن هذا لایرتبط بما نحن فیه.
فلا مانع حینئذ من أن یکون شرط فعلیة الحکم وجوداً خارجیاً.
إنّ الحکم یتفاوت حاله عن سائر الموجودات من حیث العلل الأربع، فإنّ الموجودات الخارجیة تحتاج إلی العلل الأربع من العلّة الفاعلیة و الغائیة و الصوریة و المادّیة و لکن الحکم یتحقّق بمجرد العلّة الفاعلیة و العلة الغائیة متصورة عند الحکم مؤثرة بهذا التصور.
و حاصل التقریب الثالث أنّ العلّة الغائیة بوجودها العلمی یؤثر فی التحریک نحو الشیء.
إنّ الکلام هنا فی شرط الحکم لا فی العلّة الغائیة لحکم وجوب الصلاة، فلا مانع من أن یکون فعلیة الحکم متوقّفةً علی وجود أمر خارجی من جهة توقّف المصلحة الملزمة التی هی فی متعلّق الحکم علی تحقّق هذا الأمر الخارجی و لذا یجعل الشارع إنشاء الحکم و فعلیته متوقّفاً علی هذا الأمر بوجوده الخارجی.
ثمّ إنّ بطلان التقریبات الثلاثة المذکورة لاینافی إمکان إرجاع الشرط المتأخر إلی الصورة العلمیة بنحو الشرط المقارن (فإنّ الشرط قد یکون وجوداً خارجیاً و أُخری وجوداً علمیاً و ثالثة وجوداً دهریاً کما أفاده المحقّق السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) علی حسب اعتبار الشارع).
ص: 222
یتوقف بیان الإشکال بالنسبة إلی شرائط الحکم علی مقدّمتین:
المقدمة الأُولی: إنّ العنوان المأخوذ فی موضوع القضیة الخارجیة حیثیة تعلیلیة و الموضوع الحقیقی هو معنونه و أمّا العنوان المأخوذ فی موضوع القضیة الحقیقیة حیثیة تقییدیة و نتیجة ذلک هی أنّ إنشاء الحکم فی القضیة الخارجیة متحد مع الفعلیة و لکن الإنشاء فی القضیة الحقیقیة مقدّم علی الفعلیة.
المقدمة الثانیة: إنّ
مراتب الحکم عند صاحب الکفایة (قدس سره) أربع و هی: الملاک والإنشاء و الفعلیة و التنجز و أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فیقول بخروج الملاک عن مراتب الحکم لأنّ الملاک علّة للحکم و أیضاً یقول بخروج مرحلة التنجّز لأنّ التنجّز هو حکم العقل باستحقاق العقاب.
و حینئذ نقول: إنّ الشرط فی القضیة الخارجیة ینحصر فی شرط الجعل و الإنشاء لاتحاد مرحلتی الإنشاء و الفعلیة فیها، و لکن الشرط فی القضیة الحقیقیة إمّا شرط للجعل و إمّا شرط للمجعول الذی هو الحکم الفعلی.
و شرط مرحلة الفعلیة هو الوجود الخارجی للموضوع المتصور بقیوده أمّا شرط مرحلة الإنشاء فهو لحاظ ذلک فی عالم الاعتبار.
و البحث هنا فی شرائط الحکم فی مرحلة الفعلیة لا شرائط إنشاء الحکم فما قال من أنّ الشرط هو لحاظ الأمر المتأخر لایجدی بالنسبة إلی شرائط فعلیة الحکم.
أوّلاً: إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه بتمام قیوده و شرائطه و
ص: 223
لکن یمکن أن یکون شرط الحکم هو العلم من حیث إنّه کیف نفسانی فإنّ العلم بتحقّق أمر فی المستقبل فعلی و إن کان المعلوم بالعرض معدوماً فعلاً و علی هذا یقول صاحب الکفایة (قدس سره): اللحاظ شرط فی الحکم و فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة اللحاظ لا فعلیة الملحوظ بالعرض.
ثانیاً:((1))لا دلیل علی تقارن فعلیة الحکم و فعلیة شرطه، لأنّ الحکم أمر اعتباری و لا واقع له ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإذا کان أمره بید الشارع وضعاً و رفعاً و سعةً و ضیقاً کان له جعله بأی شکل و نحو أراد، لأنّ المجعول فی القضایا الحقیقیة حصّة خاصّة من الحکم و هی الحصّة المقیدة بقید فرض وجوده فی الخارج و من الطبیعی أنّ هذا القید یختلف؛
فمرّة یکون قیداً لها بوجوده المتأخر مثل أن یأمر المولی بإکرام زید مثلاً فعلاً بشرط مجیء عمرو غداً فإنّ المجعول فیه هو حصّة خاصّة من الوجوب و هو الحصّة المقیدة بمجیء عمرو غداً فإذا تحقّق القید فی ظرفه کشف عن ثبوتها فی موطنها و إلّا کشف عن عدم ثبوتها فیه؛
و مرّة ثانیة یکون قیداً لها بوجوده المتقدّم کما لو أمر بإکرام زید غداً بشرط مجیء عمرو هذا الیوم و مرة ثالثة بوجوده المقارن.
و مثال الشرط المتأخر فی العرفیات: الحمامات المتعارفة فی زماننا هذا فإنّ المالک یرضی فی نفسه رضیً فعلیاً بدخول الأفراد فیها بشرط أداء الأُجرة، فالرضا فعلی و الشرط متأخر.
ص: 224
أمّا شرائط المأموربه: فإنّ معنی کون شیء شرطاً للمأموربه هو أنّ المامور به یکون بالإضافة إلی هذا الشرط حسناً فیکون حینئذ متعلّقاً للأمر، فما لم تحصل الإضافة لیس حسناً.
توضیح ذلک: هو أنّ الشیء إمّا علّة تامّة للحسن و القبح مثل العدل و الظلم و إمّا مقتضٍ له مثل الصدق و الکذب و إمّا هو لااقتضاء بالنسبة إلیهما بل یتصف بهما بالوجوه و الاعتبارات مثل الضرب فإنّه حسن للتأدیب و قبیح للتفریح و أمثاله، لأنّ الضرب بالاعتبار الأوّل یکون مصداقاً للعدل و بالاعتبار الثانی یکون مصداقاً للظلم.
ثم إنّ الإضافة کما تکون إلی المقارن تکون إلی المتأخر أو المتقدّم فیکون الشیء (مثل الضرب) بالإضافة إلی المتقدّم أو المتأخر حسناً أو قبیحاً و هنا لابدّ من التفریق بین الإضافة و طرفها، فإنّ ما هو موجب للاتصاف بالحسن و القبح هو الإضافة فمتی تحقّقت الإضافة یتصف الشیء بالحسن و القبح و إن کان طرف الإضافة متقدّماً أو متأخراً.
فالشرط فی الحقیقة هو الإضافة و أمّا المتقدّم و المتأخر فیطلق علیه الشرط تسامحاً من جهة أنّه لولا حصول المتأخر فی محلّه لما کانت للمتقدّم تلک الإضافة.
التحقیق هو خروج شرائط المأموربه عن حریم النزاع، بداهة أنّ شرطیة شیء للمأموربه لیست إلّا بمعنی أخذه قیداً فی المأموربه، فکما یجوز تقییده بأمر سابق
ص: 225
أو مقارن یجوز تقییده بأمر لاحق کتقید صوم المستحاضة بالاغتسال فی اللیلة اللاحقة إذا اغتسلت بعد اللیل فهل هذا الغسل یؤثر فی رفع الحدث إلی طلوع الفجر و کذلک الغسل بعد الفجر یؤثر فی رفع الحدث إلی الزوال و کذا الغسل بعد الزوال یؤثر فی رفعه إلی الغروب أو إنّ کلّ غسل یؤثر فی رفع الحدث السابق علیه، فالغسل فی اللیل یرفع الحدث من الزوال إلی اللیل؟
و الأوّل هو مختار المشهور و لذا أفتوا بأنّها لو ترکت الاغتسال فی اللیل بطل صومها فی الغد لطلوع الفجر علیها و هی غیر طاهرة.
و ذهب بعضهم إلی الثانی، و من ثم وقع الإشکال فی إمکان تأثیر الغسل اللاحق فی رفع الحدث السابق.
و مع قطع النظر عن هذه الجهة لاینبغی الإشکال فی جواز تأخّر شرط المأموربه عن مشروطه، إذ لایزید الشرط بالمعنی المزبور علی الجزء الدخیل فی المأموربه تقیداً و قیداً، فکما لا إشکال فی إمکان تأخر الأجزاء بعضها عن بعض لاینبغی الإشکال فی جواز تأخر الشروط عن المشروط بها أیضاً.((1))
((2))
أوّلا بالنقض: إنّ هذا مناقض لما أفاده (قدس سره) من الفرق بین المقدّمات الداخلیة بالمعنی الأخصّ و المقدّمات الخارجیة بالمعنی الأعمّ حیث قال بخروج الأُولی عن محل النزاع دون الثانیة و لکن هنا یقول بأنّ الشرائط الخارجیة بحکم المقدّمات الداخلیة.
ص: 226
ثانیاً بالحلّ: إنّ الشرائط بأجمعها خارجة عن المأمور به و الداخل فیه إنّما هو تقیده بها فإذن کیف یعقل أن تکون متعلّقة للأمر النفسی کالأجزاء.
و علی هذا یکون قیاس شرائط المأموربه بالأجزاء الداخلیة قیاساً مع الفارق فإنّ الأجزاء یجوز تقدیم بعضها علی بعض و هذا فی المرکّب التدریجی و لکن الشرط و المشروط فلا.
((1))
إنّ الإضافة أمر واقعی و المتضایفان متکافئان قوّةً و فعلاً و لایعقل وجود الإضافة و المضاف فی وقت مع أنّ الطرف الآخر للإضافة لم یوجد.
و بعبارة أُخری: إنّ تحقّق الإضافة بلاتحقّق طرفها محال، فإنّ المفاهیم التی هی ذات إضافة لاتوجد إلّا مع تحقّق طرف الإضافة فضلاً عن نفس الإضافة، فإنّ تحقّقها بدون تحقّق طرفها خلف، لأنّ الکلام فی الإضافة المقولیة لا الإضافة الإشراقیة).
انتقض علی هذا البیان بأنّ بعض المفاهیم یضاف إلی الزمان السابق أو اللاحق مع أنّ الزمان أمر متصرم و الزمان السابق أو اللاحق غیر موجود فی الحال، مثلاً یقال الیوم الماضی و الیوم المستقبل مع أنّ طرف الإضافه منعدم.
((2))
أجاب عنه الشیخ الرئیس (قدس سره) بأنّ الإضافة هنا ذهنیة و یمکن اجتماع الأزمنة
ص: 227
السابقة و اللاحقة فی ظرف الذهن و وعائه.
(بل الإضافة اعتباریة لأنّها تقوم بطرفیها و إذا کان طرفها أمراً إعتباریاً فهو أیضاً کذلک).
و لذا لانلتزم بما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی شرط الحکم (بل له أن یقول بشرطیة الصورة العلمیة علی وزان ما أفاده فی شرط الحکم) و لکنّه یکفی فی بیان عدم استحالة ما یوهم أنّه شرط متأخّر إمکان إرجاعه إلی شرطیة الصورة العلمیة.
هذا کلّه بناءً علی الاعتقاد بتحفظ قاعدة العلیة و المعلولیة کما علیه الشیخ الأنصاری و السید المجدّد الشیرازی و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره) و لذا حاولوا توجیه الشرط المتأخر.
أمّا بعض الأعلام مثل صاحب الجواهر و المحقّق النراقی و المحقّق الاصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره) یرون توسعة عالم الاعتبار.
فمنهم من قال بالتحفّظ للقاعدة العقلیة من جهة أنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی فعلیة شرطه و لکن لم یلتزم بلزوم تقارنهما مثل المحقّق النراقی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و منهم من لم یلتزم بأصل القاعدة العقلیة و قال بتوسعة عالم الاعتبار و أنّه بید المعتبر((1)) و لایمکن الإشکال بالاستحالة لأنّ فی عالم الاعتبار یجتمع
ص: 228
المتضادان و النقیضان و إذا قلنا بعدم استحالة اجتماع النقیضین فلا وجه لاستحالة شیء فی هذا الوعاء لأنّ جمیع المحالات ترجع إلی استحالة اجتماع النقیضین.
فلا مانع من اعتبار شرطیة أمر متأخّر لتحقّق أمر اعتباری کما أنّه لا مانع من اعتبارات متناقضة مثل اعتبار ملکیة زید لهذا الدار من یوم الخمیس إلی یوم الجمعة ثمّ اعتبار عدم ملکیتّه فی خصوص هذا الظرف((1)).
ص: 229
ص: 230
(فیه مقدمة و ناحیتان)
الناحیة الأُولی:القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟
الناحیة الثانیة:إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟
ص: 231
ص: 232
و فیها مطالب ثلاثة:
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: إنّ هذه التعریفات تعاریف لفظیة لشرح الاسم و اتبع فی ذلک تعبیر الحکیم السبزواری (قدس سره) و استشکل هذا القول المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة((1))بأنّ التعریف اللفظی هو ما یقابل شرح الاسم، فإنّ السؤال عن الماهیة قد یکون قبل العلم بوجوده (أی قبل السؤال عن الهلیة البسیطة) فالسؤال عن حدّ الماهیة أو رسمها حینئذ یسمّی بما الشارحة و الجواب عنه هو شرح الاسم و قد یکون بعد العلم بوجوده (أی بعد السؤال عن الهلیة البسیطة) فالسؤال عن حدّ الماهیة أو رسمها یسمی بما الحقیقة و الجواب عنه هو شرح الحقیقة لأنّ الحقیقة هی الماهیة الموجودة.
و لذا قال: المعروف عندهم أنّ الحدود قبل الهلیات البسیطة حدود اسمیة و هی بأعیانها بعد الهلیات تنقلب حدوداً حقیقیة. (کما صّرح به الشیخ الرئیس و المحقّق الطوسی (قدس سرهما).
نعم إنّ شرح الاسم قد یساوق التعریف اللفظی و لکن شرح الاسم المرادف لمطلب ما الشارحة لایساوق التعریف اللفظی.
ص: 234
((1)):
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) جعل هذا التقسیم من تقسیمات الواجب و لایمکن المساعدة علیه کما صرّح به المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2))و بعض الأساطین (حفظه الله) ((3)).
إنّ التقسیم المذکور بناء علی مبنی الشیخ الأنصاری (قدس سره) هو من تقسیمات الواجب و لکن علی مبنی صاحب الکفایة (قدس سره) و جمع من الأعلام لابدّ من عدّه من تقسیمات الوجوب و سیتضح ذلک إن شاء الله تعالی فی خلال البحث (و قد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) ((4))بأنّ نفس الوجوب فی الواجب المشروط مشروط بالشرط).
ص: 235
إنّ وصفی الإطلاق و التقیید أمران إضافیان لاحقیقیان کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) و إلّا فجمیع الواجبات مشروطة بالشرائط العامة للتکلیف من البلوغ و العقل فالمراد هو أنّ الشیء الواحد قد یکون مشروطاً بشیء و أُخری یکون مطلقاً بالنسبة إلیه.
ص: 236
و فیها موضعان:
قد اختلف الأعلام فی القیود المأخوذة فی الأدلّة علی نحو الشرطیة هل ترجع إلی الهیأة فیکون الوجوب مقیداً و مشروطاً أو ترجع إلی المادّة فیکون الوجوب مطلقاً والواجب مشروطاً.
و المهم هنا ثلاثة من الأقوال:
إنّ المعروف بینهم (کما علیه صاحب الکفایة (قدس سره) و من تبعه) هو أنّ القید یرجع إلی الهیأة.
إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) یقول برجوع القید إلی المادّة (علی ما نسب إلیه فی
ص: 237
مطارح الأنظار((1)) و المحقق النائینی (قدس سره) نقل عن أُستاذه عن المیرزا الشیرازی (قدس سره) عدم صحّة الانتساب المذکور((2)))
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بتقیید المادّة المنتسبة بمعنی رجوع القید إلی اتصاف المادّة بالوجوب((3)).
ص: 238
مقتضی القواعد الأدبیة و المتفاهم العرفی هو أنّ الشرط و القید یرجع إلی الهیأة کما هو ظاهر القضیة الشرطیة لأنّ الظاهر من مثل قوله: «إن جاءک زید فأکرمه» هو أنّ طلب الإکرام و إیجابه مترتب علی تحقّق مجیء زید.
و اعترف الشیخ الأنصاری (قدس سره) بهذا الظهور و لم ینکره إلّا أنّه قد أُقیمت وجوه علی عدم إمکان رجوع القید و الشرط إلی الهیأة کما أنّه استدلّ علی رجوع القید إلی المادّة.
إنّ مفاد الهیأة هو المعنی الحرفی و هو جزئی لا کلی و الوضع فی الحروف و الهیئات عام و الموضوع له خاص، و حیث لم یکن کلّیاً لایتصوّر فیه الإطلاق و کل ما لایقبل الإطلاق لایقبل التقیید أیضاً لأنّهما من قبیل الملکة و العدم، بل المعنی الحرفی لایقبل التقیید لجزئیته (فلو لم نقل بأنّ الإطلاق و التقیید من قبیل الملکة و العدم لایمکن تقییده أیضاً.) فإنّ الشیء الجزئی لایتصوّر فیه سعة حتی یکون مطلقاً فیمکن تقییده.
إنّ مفاد الهیئات کما حقّقه المحقّق الخراسانی (قدس سره) لیس من المعانی الحرفیة بل
ص: 239
هو من المعانی الاسمیة و الوضع و الموضوع له و المستعمل فیه فی الحرف عام و الخصوصیة من قبل الاستعمال و هو لحاظ الآلیة.
فعلی هذا یکون الطلب المستفاد من الهیئة مطلقاً و قابلاً لأنّ یقید.((1))
قد تقدّم بطلان هذا المبنی فی مبحث المعانی الحرفیة.
لو سلّمنا جزئیة المعنی الحرفی فإنّ ذلک یمنع من التقیید بمعنی کونه مطلقاً ثمّ تقییده أمّا إذا أُنشئ مقیداً من أوّل الأمر من دون أن یکون مطلقاً (لأنّ إطلاقه عند القائل بالجزئیة محال) فلا إشکال فیه.
لا فرق بین الصورتین بل نتصوّر إطلاق المعنی الحرفی و تقییده و إن کان جزئیاً و سیجیء بیان ذلک ذیل کلام المحقّق الاصفهانی (قدس سره) .
إنّ المحقّق العراقی (قدس سره) و إن کان یختلف مبناه عن ما هو علیه المحقّق الخراسانی (قدس سره) و لکنّه أیضاً یقول بعموم الموضوع له فی الحروف لأنّ المعانی الحرفیة عنده من الأعراض النسبیة و الموضوع له فیها الحیثیة السنخیة المحفوظة فی ضمن أنحاء النسب الشخصیة من الابتدائیة و الانتهائیة و الظرفیة((2)).
ص: 240
فالهیئات و الحروف عنده تقبل الإطلاق و التقیید.
قد تقدم بطلان مبناه فی البحث عن المعانی الحرفیة.
((1))
ما أُجیب به عن ذلک من أنّ المعانی الحرفیة معان کلیة لاجزئیة فهی قابلة للتقیید و الإطلاق فهو غیر صحیح، لأنّ المانع عن الإطلاق والتقیید لیس الجزئیة کما توهمه المجیب بل المانع هو کون المعنی ملحوظاً آلیاً و هذا لایرتفع بکون المعنی کلیاً.
ما أفاده مبتنٍ علی إشکال آخر فی رجوع الشرط إلی الهیأة و سیجیء تحقیقه إن شاء الله تعالی.((2))
((3))
إنّ المعانی الحرفیة و معانی الهیئات لیست جزئیة ذهنیة و لا عینیة بل جزئیتها و خصوصیتها بتقومها بطرفیها ولذا قلنا: إنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص کما أنّها غیر کلیة بمعنی صدقها علی کثیرین لأنّها لا جامع ذاتی لها حتی
ص: 241
یصدق علی أفرادها، بل کلیتها بمعنی قبولها للوجودات لأنّ القدر المسلّم من خصوصیتها هی الخصوصیة الناشئة من التقوم بطرفیها فقط.
أمّا تقیید المعانی الحرفیة و الهیئات فلا مانع منه، بمعنی أنّ البعث الملحوظ نسبته بین أطرافه من الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه ربما یکون مطلقاً و أُخری یکون مخصّصاً و مشروطاً من جهة الشرط الذی علّق علیه.
و لم یکن جامع ذاتی بین النسبة المطلقة (غیر المتخصصة) و النسبة المتخصّصة المشروطة، لأنّ النسبة لیست لها ماهیة بل لها ذات تعلقیة و وجود ربطی تعلّقی و وجودها لیس محمولیاً حتی تنتزع عنه الماهیة، لأنّ الماهیة هی ما یقال فی جواب ما هو، فلابدّ أن یکون لها وجود محمولی حتّی تکون مقولة فی جواب ما هو و الوجود الربطی هو فی قبال الوجود المحمولی.
فتحصّل أنّ الإطلاق و التقیید فی المعانی الحرفیة لیسا بمعنی سعة المفهوم و تضییقه حتّی یستشکل علیه بعدم إمکان سعة مفهومه و تضییقه، بل الإطلاق بمعنی عدم تعلیق الفرد الموجود علی شیء وتعلیق الطلب لیس من شؤونه حتّی یکون موجباً لتضییق دائرة مفهمومه، فالتقیید بمعنی تعلیقه علی أمر مقدّر الوجود.
((1)):
إنّ التعلیق فی الشیء لایعقل إلّا إذا کان للشیء فردان و حصّتان مثل البیع فإنّه مطلق و له فردان: البیع المنجّز و البیع المعلّق و علی هذا یکون فرض التعلیق فی المعنی الحرفی ملازماً لإطلاقه بالنسبة إلی صورتی التنجیز و التعلیق فما أفاده لایجدی فی دفع إشکال الشیخ (قدس سره) .
ص: 242
قد تقدّم أنّ الإطلاق الذی لایقبله المعنی الحرفی هو الإطلاق الذی بمعنی سعة مفهومه بحیث یشمل الصورتین فی آن واحد کما هو فی موارد الإطلاق الشمولی، أمّا الإطلاق الذی لایشمل الصورتین کما فی موارد الإطلاق البدلی فلا مانع من تصویره فی المعنی الحرفی، فإنّ المعنی الحرفی إمّا منجّز من حیث عدم ترتّبه علی الشرط و إمّا معلّق علی تحقّق الشرط.
و هذا الوجه هو ما اعتمد علیه المحقق النائینی (قدس سره) ((1))فقال برجوع الشرط إلی المادّة المنتسبة و استدلّ علی عدم إمکان رجوعه إلی الهیأة بأنّ التحقیق هو أنّ النسبة مدلولة للهیأة فهی ملحوظة آلةً و معنی حرفیاً و الإطلاق و التقیید من شؤون المفاهیم الاسمیة الاستقلالیة.
((2))
إنّ الإطلاق و التقیید یتقوّمان باللحاظ، أمّا کونهما استقلالیاً فلا بل تابع لما اعتُبِرا فیه فإن کان استقلالیاً فالإطلاق و التقیید کذلک و إن کان آلیاً فهما کذلک.
ص: 243
(إنّ الآلی بذاته آلی فی جمیع وجوداته و بتمام اعتباراته).
((1))
أوّلاً: ربما یکون المعنی الحرفی مورد الالتفات و التوجّه استقلالاً و ذلک کما إذا علمنا بورود زید مثلاً فی بلد و نعلم أنّه سکن فی مکان و لکن لانعلم المکان بخصوصه، فنسأل عن تلک الخصوصیة التی هی معنی الحرف فالمعنی الحرفی هو الملحوظ استقلالا.ً
ثانیاً: علی تقدیر تسلیم لزوم ملاحظة المعنی الحرفی باللحاظ الآلی فإنّ طرو التقیید حین لحاظ المعنی الحرفی باللحاظ الآلی ممنوع و لکن إذا قید المعنی أوّلاً بقید، ثم لوحظ المقید آلیاً فلا محذور فیه أبداً، و علیه فلا مانع من ورود اللحاظ الآلی علی الطلب المقید فی رتبة سابقة علیه.
إنّ ذلک مبتن علی مختاره فی المعنی الحرفی و لکن علی ما تقدّم من أنّ المعنی الحرفی تعلّقی ذاتاً و وجوداً (و لیس للنسبة الحقیقیة وجود نفسی محمولی لا عیناً و لا ذهناً بل وجودها عین وجود طرفیها ذهناً و عیناً فإنّ فعلیتها بالعرض بتبع فعلیة الطرفین بالذات، فلذا تکون کالآلة لوقوع طرفیها موقع الظرفیة و المظروفیة و أمثالهما) فلایمکن لحاظه استقلالاً، فما أفاده فی الجواب الأوّل مبنائی و لایمکن لنا الالتزام به أمّا الجواب الثانی فهو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی الجواب الثانی عن الشیخ (قدس سره) بعینه و مضی الکلام عنه.
ص: 244
((1))
تقریره علی ما فی المحاضرات:((2))
إنّ رجوع القید إلی مفاد الهیأة بما أنّه مستلزم لتفکیک الإنشاء عن المنشأ و الإیجاب عن الوجوب الذی هو مساوق لتفکیک الإیجاد عن الوجود فهو غیر معقول، بداهة أنّه لا فرق فی استحالة التفکیک بین الإیجاد و الوجود فی التشریع و التکوین، و علی الجملة إیجاب المولی و وجوبه إنّما یتحقّقان بنفس إنشائه فلا فرق بینهما إلّا بالاعتبار فبملاحظة فاعله إیجاب و بملاحظة قابله وجوب، فلو رجع القید إلی الهیأة لزم تحقّق الإیجاب دون الوجوب و مردّه إلی تخلّف الوجود عن الإیجاد و هو مستحیل.
فالنتیجة تعین رجوع القید إلی المادّة بعد استحالة رجوعه إلی الهیأة.
إنّ المنشأ إذا کان هو الطلب علی تقدیر حصول الشرط فلابدّ أن لایکون قبل حصول الشرط طلب و بعث.
و إن کان الطلب حاصلاً قبل حصول الشرط لتخلّف المنشأ عن الإنشاء، حیث فرضنا کون المنشأ هو الطلب المشروط، فحصوله قبل شرطه یوجب تخلّف المنشأ عن الإنشاء.
ص: 245
و تعلیق المنشأ لایوجب تعلیق الإنشاء کما لایوجب تعلیق المخبر به تعلیقاً فی الإخبار.
قد أورد علیه السید الخوئی (قدس سره) ((1))بأنّه مصادرة إلی المطلوب کما أوردوا علیه ببطلان قیاس باب الإنشاء و الإخبار.
قال بعض الأساطین((2)): انّ النسبة بین الإنشاء و المنشأ هی نسبة الإیجاب و الوجوب و نسبة الإیجاد و الوجود بخلاف باب الإخبار فإنّ النسبة بین المخبر و المخبر، نسبة الحاکی و المحکی و تفکیک الإیجاد و الوجود غیر معقول لأنّ تفاوتهما بالإعتبار، أمّا تفکیک الحاکی و المحکی فلا إشکال فیه.
((3))
إذا أُرید بالإنشاء ما هو من وجوه الاستعمال فتخلفه عن المستعمل فیه محال، سواء وجد البعث الحقیقی أم لا، لأنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ و هو نحو من استعمال اللفظ و لایمکن تحقّق الإیجاد الإنشائی من دون وجود المعنی الإنشائی، لاستحالة الاستعمال مع عدم المستعمل فیه فعلاً فی مرتبة وجوده الاستعمالی.
ص: 246
و إذا أُرید به البعث التقدیری، فما هو الثابت فعلاً هو البعث بثبوت فرضی تقدیری حیث جعل المرتّب علیه (و هو الشرط) واقعاً موقع الفرض و التقدیر و إثبات شیء کذلک (أی بإثبات فرض) لایتخلّف عن الثابت بذاک النحو من الثبوت الفرضی فلاینفک الإیجاد و الوجود فی هذه المرحلة.
و إذا أُرید به البعث التحقیقی، فثبوت البعث تحقیقاً یتبع ثبوت المرتب علیه (أی الشرط) تحقیقاً، و الإنشاء لایکون مطابقاً و مصداقاً لإثبات البعث تحقیقاً إلّا بعد ثبوته تحقیقاً، و بعد حصول الشرط یتحقّق الإثبات و الثبوت التحقیقیان فلاینفک الإیجاد و الوجود أیضاً.
ثم إنّ المحقّق (قدس سره) أکّد علی عدم إمکان انفکاک الإیجاد و الوجود فی التشریعیات کما لاینفکان فی التکوینیات وقال: توهّم الانفکاک فی عالم التشریع ناش عن عدم الالتفات إلی وجه الاتحاد و کیفیة الاعتبار.
مثال ذلک هو أنّ حقیقة الملکیة الاعتباریة عین اعتبار الملکیة، فالهویة الاعتباریة لها نسبة إلی المعتبر فیکون إیجاداً اعتباریاً منه و لها نسبة إلی طبیعی الملکیة فیکون وجوداً اعتباریاً له، و لایعقل تحقّق الاعتبار فعلاً و تأخّر المعنی المعتبر إذ الاعتبار المطلق لایوجد، فلامحالة یتقوّم بمعنی الملکیة و المفروض عدم الوجود للملکیة إلّا بالاعتبار أوّلاً و آخراً، فلابدّ من تحقّق المعنی المعتبر حین تحقّق الاعتبار.
إیجاد المعنی باللفظ، ضرورة عدم إمکان تخلّف الوجود عن الإیجاد.
أمّا بناءً علی نظریتنا من أنّ الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباری النفسانی -و اختاره فی منتقی الأصول((1)) و قال: إنّ مدلول الهیأة الإنشائیة إبراز الاعتبار النفسانی- ببیان أنّه و إن کان الاعتبار فعلیاً لکن المعتبر هو ثبوت الفعل فی الذمة فالمقید هو الثبوت الخارج عن مدلول الهیأة و هو من المعانی الاسمیة فی الخارج بمبرز من قول أو فعل یندفع الإشکال.
لأنّ المراد من الإیجاب إمّا إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و إمّا نفس ذلک الاعتبار النفسانی، فعلی کلا التقدیرین لا محذور فی رجوع الشرط إلی مفاد الهیأة.
أمّا علی الأوّل: (بأن یکون الإیجاب إبراز الأمر الاعتباری النفسانی) فلأنّ کلّاً من الإبراز و المبرز و البروز فعلی و لیس شیء منها معلّقاً علی أمر متأخّر.
أمّا علی الثانی: (بأن یکون الإیجاب نفس ذلک الأمر الاعتباری) فلأنّ الاعتبار بما أنّه من الأُمور النفسانیة التعلقیة یعنی ذات الإضافة کالعلم و الشوق و ما شاکلهما من الصفات الحقیقیة لا مانع من تعلّقه بالأمر المتأخر کما یتعلّق بالأمر الحالی.
فکما یمکن تأخر المعلوم عن العلم یمکن تأخر المعتبر عن الاعتبار، فالتفکیک بین الاعتبار و المعتبر لا محذور فیه بخلاف التفکیک بین الإیجاد و الوجود.
أمّا علی التقدیر الأوّل: فإن قلنا بفعلیة الإبراز و البروز و المبرز فلایلزم انفکاک
ص: 248
الإیجاد عن الوجود إلّا أنّه بمعنی إنکار الوجوب المشروط حیث إنّ لازم فعلیة هذه الأُمور هو فعلیة الوجوب قبل حصول الشرط و عدم تعلیقه علیه.
و أمّا علی التقدیر الثانی: فإنّ الإیجاب اعتبار نفسانی و الوجوب هو المعتبر و الانفکاک بین الاعتبار و المعتبر هو الانفکاک بین الإیجاب و الوجوب مع أنّ الانفکاک بین الإیجاب و الوجوب هو بعینه الانفکاک بین الإیجاد و الوجود فما أفاده لایجدی فی دفع الإشکال. ((1))
((2))
إنّ التحقیق یقتضی التفریق بین باب الإنشاء و المنشأ و باب الإیجاد و الوجود لأنّ الإنشاء و المنشأ هما متقابلان تقابل السبب و المسبّب و لا اتّحاد بینهما بخلاف الإیجاد و الوجود فإنّهما متّحدان فی الحقیقة مختلفان بالاعتبار.
و حینئذ نقول: إنّ التخلّف بین الإیجاد و الوجود محال لمکان اتّحادهما بحسب الحقیقة و أمّا التخلّف بین السبب و المسبّب (و هنا الإنشاء و المنشأ) فلا استحالة فیه کما وقع نظیر ذلک کثیراً فی الاعتبارات الشرعیة.
و الدلیل علیه هو أنّهم جعلوا «هی طالق» سبباً للبینونة و «أنکحت» سبباً للزوجیة و «بعت» سبباً للملکیة، کما قال فی المسالک: إنّ العقد سبب للملکیة و هکذا فی جامع المقاصد و المستند و أمثالهما و صرّح المحقّق النائینی (قدس سره) فی بحث الصحیح و الأعمّ بأنّ المشهور هو أنّ الإنشاءات أسباب.
هذا حلّ المشکل بناءً علی مسلک المشهور فی باب الإنشاء.
ص: 249
أمّا حلّ الإشکال بناءً علی مسلک الاعتبار و الإبراز، هو أنّ الاعتبار یتعلّق بالأمر المعدوم الذی فرضنا وجوده، مثل الوصیة حیث یفرض ملکیة شخص آخر بعد موت الموصی و یوجده فی عالم الاعتبار و ذلک لأنّ الاعتبار أمر نفسانی فیمکن أن یتعلّق بالأمر المتأخر.
أوّلاً: ما أفاده علی مسلک المشهور فلایتمّ، لأنّ المشهور عرّفوا الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ، فإنّ اللفظ عندهم و إن کان سبباً لإیجاد المعنی إلّا أنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی الذی هو المسبّب لا اللفظ الذی هو السبب، و الکلام هو فی أنّ الإنشاء (الذی هو إیجاد المعنی) و المنشأ (الذی هو وجود المعنی) متّحدان اتّحاد الإیجاد و الوجود.
ثانیاً: إنّ مبنی المشهور و ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) لایمکن المساعدة علیه، لأنّ اللفظ لیس له سببیة لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار بل إیجاد المعنی فی عالم الاعتبار هو بنفس اعتبار المعتبر، کما قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)): إنّ اللفظ لیس علّة تکوینیة للمعنی و أیضاً لا سببیة له لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار لأنّ الاعتبار یکفی لتحقّق الوجود الاعتباری بلا حاجة إلی اللفظ و علیة اللفظ لوجود المعنی عیناً أو ذهناً غیر معقولة، لأنّ وجود الشیء عیناً یتّبع مبادئ وجوده لا اللفظ و وجوده ذهناً یتّبع وجود مبادئ الانتقال لا اللفظ، و حضور المعنی ذهناً بتبع حضوره لیس من باب علیة اللفظ بوجوده الخارجی أو بوجوده الذهنی لحضور المعنی، بل للتلازم بین الحضورین لمکان التلازم بین الحاضرین
ص: 250
جعلاً و بالمواضعة و لذا ربّما ینتقل من تخیل المعنی إلی وجوده اللفظی أو وجوده الکتبی.
ثالثاً: إنّ ما أفاده فی حلّ الإشکال بناءً علی مسلک الاعتبار و الإبراز هو ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی التقدیر الثانی و استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله) بعینه.
استدلال الشیخ ((1)) (قدس سره) علی رجوع الشرط إلی المادّة:
إنّ الإنسان إذا توجّه إلی شیء فإمّا یطلبه أو لا، لا کلام علی الثانی.
فإذا طلبه إمّا یکون المطلوب طبیعی ذلک الشیء فیطلبه بإطلاقه و سعته و إمّا یکون المطلوب حصّة خاصّة فیطلبه مقیداً بقید خاص.
و هذا القید إمّا غیر اختیاری کقیدیة زوال الشمس لوجوب الصلاة
و إمّا اختیاری و مورد للطلب کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة.
و إمّا اختیاری و لیس مورداً للطلب بل أُخذ مفروض الوجود کالاستطاعة فی الحج.
و الطلب فعلی و المطلوب مقید علی جمیع هذه التقادیر، فما ذکرنا من رجوع القید إلی المادّة أمر وجدانی.
أمّا بناءً علی تبعیة الأحکام لمصالح فیها: فهو أنّ ذلک الشیء کما یمکن أن
ص: 251
یبعث فعلاً إلیه و یطلبه حالاً لعدم مانع عن طلبه کذلک، یمکن أن یبعث إلیه معلّقاً و یطلبه استقبالاً علی تقدیر شرط متوقّع الحصول، لأجل مانع عن الطلب و البعث فعلاً قبل حصول الشرط فلابدّ أن یکون الطلب معلّقاً بحصول الشرط.
و أمّا بناءً علی تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی المأمور به و المنهی عنه:
فإنّ تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد الثابتة فی متعلّقاتها إنّما تکون فی الأحکام الواقعیة بما هی واقعیة لا بما هی فعلیة فلا تلازم بین الإنشائیة و الفعلیة.
الأوّل: فی الموارد التی جرت الأُصول علی خلاف الأحکام الواقعیة فتبقی الأحکام علی إنشائیتها.
الثانی: فی موارد قیام الأمارات علی خلاف الأحکام الواقعیة فهذه الأمارات مانعة عن فعلیة الحکم الواقعی.
الثالث: فی موارد عدم بیان بعض الأحکام فی أوائل البعثة تسهیلاً علی المسلمین حتّی یرغبوا فی الدین.
الرابع: فی موارد عدم فعلیة بعض الأحکام إلی ظهور خاتم الأوصیاء (عجل الله تعالی فرجه).((1))
إن أراد من الطلب فی کلامه «الشوق النفسانی» فالأمر و إن کان کذلک من
ص: 252
جهة أقسامه إلّا أنّ الشوق النفسانی لیس من مقولة الحکم لأنّ الحکم الشرعی أمر اعتباری و الشوق أمر تکوینی نفسانی.
و إن أراد من الطلب فی کلامه «الإرادة بمعنی الاختیار» فیرد علیه: أنّه لایتعلّق بفعل الغیر حتی نبحث عن أنّ القید راجع إلیه أو إلی متعلّقه، و من هنا ذکرنا أنّه لا معنی لتقسیم الإرادة إلی التکوینیة و التشریعیة، بداهة أنّا لانعقل للإرادة التشریعیة معنی فی مقابل الإرادة التکوینیة.
و إن أراد بالطلب فی کلامه «جعل الحکم و اعتباره» حیث إنّ حقیقة الطلب هی التصدّی نحو حصول الشیء فی الخارج و التصدّی إمّا خارجی و إمّا اعتباری و جعل الحکم هو مصداق التصدّی الاعتباری نظراً إلی أنّ الشارع تصدّی نحو حصول الفعل من الغیر باعتباره فی ذمّته و هو فعلی دائماً سواء کان المعتبر أیضاً فعلیاً أم کان أمراً استقبالیاً و لکنّ الکلام فی رجوع القید إلی المعتبَر و عدم رجوعه إلیه لا إلی الاعتبار و جعل الحکم ضرورة أنّ الاعتبار و الإبراز غیر قابلین للتقیید و التعلیق أصلاً.
و إن أراد من الطلب ما تعلّق به الاعتبار (أی المعتبَر) المعبّر عنه بالوجوب فصریح الوجدان شاهد علی أنّه قابل للتقیید و الإطلاق.
بیان ذلک هو أنّ الفعل الذی هو متعلّق الوجوب إمّا أن یکون ذا ملاک ملزم فلایتوقّف علی زمان أو زمانی فالوجوب حینئذ فعلی.
و إمّا أن یکون ذا ملاک ملزم و إن کان تحقّق الفعل فی الخارج یتوقّف علی مقدّمات اختیاریة (مثل توقّف الصلاة علی الطهارة) أو غیر اختیاریة ففی مثل ذلک لا مانع من کون الإیجاب حالیاً و الواجب استقبالیاً.
و إمّا ان یکون ذا ملاک فی ظرف متأخّر لا فعلاً بمعنی أنّ ملاکه لایتمّ إلّا بعد
ص: 253
مجیء زمان خاص أو تحقّق أمر زمانی فی ظرف متأخّر فالوجوب حینئذ تقدیری و معلّق علی فرض تحقّق ما له الدخل فی الملاک ففی مثل ذلک لو رجع القید إلی المادّة و کان المعتبر کالاعتبار فعلیاً لکان لغواً صرفاً.
مضافاً إلی ظهور القضایا الشرطیة فی رجوع القید إلی الهیأة دون المادّة فإنّ المتفاهم العرفی هو تعلیق مفاد الجملة الجزائیة علی الشرط لا تعلیق المادّة التی هی المعنی الإفرادی بل القول بأنّ أدوات الشرط تدلّ علی تعلیق المعنی الإفرادی (أی المادّة) علی الشرط غلط أدبی.((1))
ص: 254
هنا مقامان:
و فیه قولان:
القول الأوّل: قال الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) برجوعه إلی المادّة بحسب مقتضی الأصل اللفظی.
القول الثانی: قال صاحب الکفایة و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) برجوعه إلی الهیأة.
قد استدلّ الشیخ (قدس سره) بوجهین:
هذا الاستدلال مشتمل علی دعویین:
الدعوی الأُولی دعوی کبروی و هو تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی.
ص: 255
و الدعوی الثانیة دعوی صغروی و هو أنّ مسألتنا من صغریات تلک الکبری.
إنّ مفاد الهیأة إطلاق شمولی (ثبوت الوجوب علی تقدیری حصول القید و عدمه) و مفاد المادّة إطلاق بدلی و إذا دار الأمر بین تقیید إطلاق الهیأة و تقیید إطلاق المادّة تعین الثانی لأنّ رفع الید عن الإطلاق البدلی أولی من رفع الید عن الإطلاق الشمولی.
((1))
إنّ مفاد إطلاق الهیأة و إن کان شمولیاً بخلاف المادّة، إلّا أنّه لایوجب ترجیحه علی إطلاق المادّه، لأنّ إطلاق الهیأة أیضاً کان بالإطلاق و مقدّمات الحکمة، غایة الأمر أنّها تارة تقتضی الإطلاق الشمولی و أُخری الإطلاق البدلی و ترجیح عموم العام علی إطلاق المطلق لأجل کون دلالته بالوضع لا لکونه شمولیاً بخلاف المطلق فإنّ دلالته لایتمّ إلّا بتمامیة مقدّمات الحکمة، فیکون العام أظهر فیقدّم علی الإطلاق.
ص: 256
أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) بأنّ الملاک فی الجمع الدلالی إنّما هو بأقوائیة الدلالة و الظهور و من الطبیعی أنّ ظهور الإطلاق الشمولی لیس بأقوی من ظهور الإطلاق البدلی، لأنّ ظهور کل منهما مستند إلی تمامیة مقدّمات الحکمة، نعم لو کان ظهور أحدهما بالوضع و ظهور الآخر بالإطلاق بمقدّمات الحکمة قدّم ما کان بالوضع علی ما کان بالإطلاق و لکن مسألتنا لیس من هذا القبیل.
إنّ المحقق النائینی (قدس سره) استدلّ علی تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی إذا کانا منفصلین بوجوه:
((2))
إنّ تقدیم الإطلاق البدلی یقتضی رفع الید عن الإطلاق الشمولی فی بعض مدلوله و هی حرمة إکرام العالم الفاسق فی مفروض المثال.
بخلاف تقدیم الإطلاق الشمولی فإنّه لایقتضی رفع الید عن مدلول الإطلاق البدلی أصلاً، فإنّ المفروض أنّه الواحد علی البدل و هو محفوظ لامحالة، غایة الأمر أنّ دائرته کانت وسیعة فصارت ضیقةً.
و توضیح ذلک علی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ الإطلاق الشمولی عبارة عن انحلال المعلّق علی الطبیعة المأخوذة علی نحو مطلق الوجود فیتعدّد الحکم بتعدّد أفرادها فی الخارج أو أحوالها و یثبت لکل فرد منها حکم مستقل، و
ص: 257
ذلک مثل «لاتکرم فاسقاً» فإنّ الفاسق لوحظ علی نحو مطلق الوجود موضوعاً لحرمة الإکرام فطبعاً تتعدّد الحرمة بتعدّد وجوده خارجاً.
و الإطلاق البدلی عبارة عن حکم واحد مجعول للطبیعة علی نحو صرف الوجود القابل للانطباق علی کل فرد من أفرادها علی البدل فهو حکم واحد ثابت لفردها فلاینحلّ بانحلال الطبیعة و لایتعدّد بتعدّد وجودها مثل أکرم عالماً.
فإذا دار الأمر بین رفع الید عن الحکم (کما هو لازم رفع الید عن الإطلاق الشمولی) أو المحافظة علی الحکم و رفع الید عن توسعته (کما هو لازم رفع الید عن إطلاق البدلی) تعین الثانی.
((1)):
أوّلاً: إنّ هذا الوجه مجرد استحسان عقلی و لایکون وجهاً عرفیاً للجمع بینهما، فإنّ الملاک فی الجمع العرفی إنّما هو بأقوائیة الدلالة و الظهور و هی منتفیة فی المقام، والسبب فیه أنّ ظهور کل منهما فی الإطلاق بما أنّه مستند إلی مقدّمات الحکمة فلایکون أقوی من الآخر.
ثانیاً: إنّ الإطلاق البدلی و إن کان مدلوله المطابقی ثبوت حکم واحد لفردٍما من الطبیعة علی سبیل البدل إلّا أنّ مدلوله الالتزامی ثبوت أحکام ترخیصیة متعدّدة بتعدّد أفرادها فإطلاقه من هذه الناحیة شمولی فلا فرق بینه و بین الإطلاق الشمولی من هذه الجهة، غایة الأمر شمول هذا بالدلالة المطابقیة و شمول ذاک بالدلالة الالتزامیة.
ص: 258
و نفی الإطلاق البدلی یستلزم عقلاً ثبوت الترخیص شرعاً فی تطبیقها علی أی فرد من أفراد صرف الوجود من الطبیعة.
أمّا إیراده الأوّل علی المحقّق النائینی (قدس سره) ففیه: أنّ الملاک فی الجمع العرفی و إن کان بأقوائیة الدلالة إلّا أنّ الإطلاق الشمولی أقوی و أظهر.
توضیحه:
إنّ ملاک قوّة الظهور لاینحصر فی کون دلالته بالوضع أو بمقدّمات الحکمة بل یقدّم ما هو أقلّ مخالفةً للظهور علی ما هو أکثر مخالفةً منه للظهور کما آنّه إذا دار الأمر بین معنیین یؤخذ ما هو أقرب من الظهور و یترک ما هو أکثر مخالفةً .
مثلاً إذا کان أحد المعنیین موجباً لتقدیر کلمتین و الآخر موجباً لتقدیر کلمة واحدة یؤخذ بالثانی و یترک الأوّل (فیما إذا کان الثانی أظهر) و فیما نحن فیه مخالفة الظهور الإطلاقی فی المطلق الشمولی أکثر منها فی المطلق البدلی حیث إنّ رفع الید عن الإطلاق الشمولی یوجب رفع الید و إلغاء الحکم عن موضوعه بجمیع حالاته أمّا رفع الید عن الإطلاق البدلی یوجب فقط خروج بعض حالات الموضوع عن تحت الحکم فلابدّ من رفع الید عن الإطلاق البدلی لأنّه أقلّ مخالفة لظهور الکلام.
أنّ ذلک خارج عن فهم العرف بل یدرک بالدقّة العقلیة مع أنّ ملاک الظهورات هو العرف فلایمکن القول بالأظهریة.
و أمّا إیراده الثانی علی المحقق النائینی (قدس سره) ففیه: أنّ ملاک الدلالة الالتزامیة هو
ص: 259
اللزوم البین بالمعنی الأخصّ أمّا اللزوم غیرُ البین أو البین بالمعنی الأعم فلیسا من الدلالة الالتزامیة ثمّ إنّ التخییر بین أفراد صرف الوجود من الطبیعة (أی الإطلاق البدلی) آنّما هو بحکم العقل فهذا التخییر عقلی و الترخیص الشرعی الذی ادّعاه المحقّق الخوئی (قدس سره) من فروع التخییر العقلی المذکور مع أنّ الحکم العقلی الذی ذکرناه لیس من ظهورات الکلام فکیف یعدّ الأحکام الترخیصیة المذکورة ظهوراً إطلاقیاً شمولیاً لهذا الکلام.
((1))
إنّه یحتاج الإطلاق البدلی (زائداً علی کون المولی فی مقام البیان و عدم نصب القرینة علی الخلاف) إلی إحراز التساوی بین الأفراد فی الوفاء بالغرض حتّی یحکم بالتخییر بخلاف الإطلاق الشمولی، فإنّه لایحتاج إلی أزید من ورود النهی علی الطبیعة غیرِ المقیدة (مثل لاتکرم الفسّاق) فیسری الحکم إلی الأفراد قهراً، فمع وجود الإطلاق الشمولی لایحرز العقل تساوی الأفراد من حیث الوفاء بالغرض.
فیکون الإطلاق الشمولی حاکماً علی الإطلاق البدلی من حیث دلیلیته و حجیته و إن کان ظهوره منعقداً فی حدّ نفسه لفرض کون القرینة منفصلة.
و بعبارة أُخری: ثبوت الإطلاق البدلی یتوقّف علی إحراز تساوی الأفراد فی الوفاء بالغرض و لایمکن إحراز ذلک مع وجود الإطلاق الشمولی علی خلافه حیث إنّه یکون صالحاً لبیان التعیین فی بعض الأفراد و أشدّیة الملاک فیه و معه لاینعقد الإطلاق البدلی.
ص: 260
((1))
إنّ إحراز تساوی الأفراد فی الوفاء بالغرض لیس مقدّمة رابعة فی قبال المقدّمات الثلاث المتقدّمة لکی یتوقّف الإطلاق علیها، ضرورة أنّه یتحقّق بنفس تلک المقدّمات من دون حاجة إلی شیء آخر، فإذا کان الحکم ثابتاً علی الطبیعة بنحو صرف الوجود و کان المولی فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علی الخلاف فبطبیعة الحال کان إطلاق کلامه قرینة علی تساوی أفرادها فی الوفاء بالغرض، إذ لو کان بعض أفرادها أشدّ ملاکاً من غیره لکان علی المولی البیان، فجمیع أفراد البدل وافٍ بالغرض.
((2))
إنّ حجیة الإطلاق البدلی تتوقّف علی عدم المانع فی بعض الأطراف عن التخییر العقلی فلابدّ أن لایکون هناک مانع عن انطباقه علی بعض الأفراد دون بعضها الآخر.
و الإطلاق الشمولی صالح للمانعیة عن بعض أفراد الإطلاق البدلی.
فلو توقّف عدم صلاحیته للمانعیة علی وجود الإطلاق البدلی لزم الدور.
فبالنتیجة إنّ المطلق الشمولی صالح لأن یکون مانعاً عن المطلق البدلی فی مورد المعارضة و الاجتماع دون العکس.
إنّ ثبوت الإطلاق فی کلیهما یتوقّف علی تمامیة مقدّمات الحکمة و لامزیة
ص: 261
لأحدهما علی الآخر من هذه الناحیة.
فکما أنّ الطلاق الشمولی صالح لأن یکون مانعاً عن البدلی و مقیداً له کذلک البدلی صالح لأن یکون مانعاً عن الشمولی و مخصّصاً له فلا ترجیح لأحدهما علی الآخر و هذا الوجه الثالث بالحقیقة یرجع إلی الوجه الثانی و تقریب له بعبارة أُخری هذا کلّه فی القرینة المنفصلة.
أمّا تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی إذا کانا متّصلین فلأنّ الإطلاق الشمولی رافع للظهور فی البدلی و یکون وارداً علیه و فیه ما لایخفی و لانطیل الکلام حوله و خلاصته أنّ ما أفاده دقّة عقلیة لایفهمه العرف مع أنّ الظهور أمر عرفی.
و هو أنّ مسألتنا من صغریات تلک الکبری (و هی تقدیم الإطلاق الشمولی علی الإطلاق البدلی) حیث إنّ مفاد الهیأة له إطلاق شمولی (لثبوت الوجوب علی تقدیری حصول القید و عدمه) و مفاد المادّة له إطلاق بدلی.((1))
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الصغری((2)) تبعاً للمحقق النائینی (قدس سره) ((3)):
إنّ المقام لیس من صغریات تقدیم الإطلاق الشمولی علی الإطلاق البدلی لعدم التعارض و التنافی بین الإطلاقین بالذات، بداهة أنّه لا مانع من أن یکون کلّ من الهیأة و المادّة مطلقاً من دون أی منافاة بینهما و التنافی إنّما جاءت من
ص: 262
الخارج و هو العلم الإجمالی برجوع القید إلی أحدهما، فلا وجه لتقدیم إطلاق الهیأة علی المادّة، فإذا کان التقیید المزبور بدلیل متّصل فأوجب العلم الإجمالی الإجمال و عدم انعقاد أصل الظهور لفرض احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة، و إذا کان بدلیل منفصل فأوجب سقوط الإطلاقین عن الاعتبار.
((1))
إنّ القید إذا تردّد رجوعه إلی الهیأة أو إلی المادّة فالأصل یقتضی إرجاعه إلی المادّة، لأنّه لو رجع إلی الهیأة فهو کما یوجب رفع الید عن إطلاق الهیأة یوجب رفع الید عن إطلاق المادّة لفرض عدم الوجوب قبل وجود الشرط و حینئذ لاتکون مصداقاً للواجب مثلاً إذا فرضنا أنّ وجوب إکرام زید مقید بمجیئه یوم
ص: 263
الجمعة فهذا بطبیعة الحال یستلزم تقیید الواجب (الإکرام) فیدلّ علی أنّ المطلوب لیس هو طبیعی الإکرام علی الإطلاق بل هو حصّة خاصّة منه و هی الحصّة الواقعة فی یوم الجمعة، هذا بخلاف ما إذا رجع القید إلی المادّة فإنّه لایلزم منه رفع الید عن إطلاق الهیأة.
و لا شبهة فی أنّه إذا دار الأمر بین رفع الید عن إطلاق واحد و رفع الید عن إطلاقین، تعین رفع الید عن الإطلاق الواحد.
إنّه سلّم ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی القرینة المنفصلة دون المتّصلة.
أمّا وجه مناقشته فی القرینة المتّصلة هو أنّ التقیید و إن کان خلاف الأصل إلّا أنّه لمکان اتّصاله یوجب عدم جریان مقدّمات الحکمة و انتفاء بعض مقدّماته و حینئذ لایکون هناک إطلاق حتّی یکون التقیید خلاف الأصل، و التقیید هنا یوجب عدم انعقاد الإطلاقین لا رفع الید عن الإطلاقین.
أمّا فی القرینة المنفصلة فکلام الشیخ (قدس سره) صحیح، لأنّ التقیید إذا کان بالقرینة المنفصلة فینعقد للمطلق ظهور إطلاقی و حینئذ تقیید الهیأة یوجب رفع الید عن الظهور الإطلاقی فی جانب الهیأة و المادّة فهو مخالف للأصل من جهتین و أمّا تقیید المادّة فلایوجب إلّا رفع الید عن الإطلاق فی ناحیة المادّة و الإشکال فی تعین ذلک لأنّه أقلّ مخالفةً للأصل. (و مراده هو أنّ تقیید الهیأة یوجب بطلان محل إطلاق المادّة و هذا کتقیید المادّة فی الأثر).
ص: 264
((1))
إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی خصوص القرینة المنفصلة فمبنی علی توهّم أنّ تقیید الهیأة و إن لم یستلزم تقیید المادّة إلّا أنّه یوجب بطلان محل الإطلاق فیها و هو کتقییدها فی الأثر و لکن هذا التوهّم خاطئ لأنّ تقیید الهیأة کما لایستلزم تقیید المادّة لایوجب بطلان محل الإطلاق فیها و توضیح ذلک یقتضی بیان معنی تقیید الهیأة و المادّة.
((2))
إنّ الشیخ (قدس سره) ادّعی استلزام تقیید الهیأة تقیید المادّة أیضاً (کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً وافقه فی أصل المطلب و قال: علی هذا تقیید المادّة هو القدر المتیقّن و تقیید الهیأة یحتاج إلی خصوصیة زائدة و مؤونة أکثر).
و هذا مبتن علی تخیل أنّ المراد من تقیید المادّة هو عدم وقوعها علی صفة المطلوبیة إلّا بعد تحقّق قید الهیأة و لکن هذا المعنی لیس هو المراد من تقییدها بل معنی تقیید المادّة هو أنّ المولی جعل حصّة خاصّة منها موضوعاً للحکم و متعلّقاً له، فلا ملازمة بین تقیید المادّة و تقیید الهیأة و سیجیء زیادة توضیح لذلک.
ص: 265
((1)):
إنّ معنی الإطلاق هو رفض القیود عن شیء و عدم ملاحظتها معه لا وجوداً و لا عدماً فمعنی إطلاق الهیأة عدم اقتران مفادها عند اعتباره بوجود قید و لا بعدمه و معنی تقییدها هو أنّ المجعول حصّة خاصّة من الوجوب و هی الحصّة المقیدة بهذا القید.
و معنی إطلاق المادّة هو أنّ الواجب ذات المادّة من دون ملاحظة دخل قید من القیود فی مرتبة موضوعیتها للحکم، و معنی تقییدها هو جعل حصّة خاصّة منها موضوعاً للحکم و متعلّقاً له و هی الحصّة المقیدة بهذه الخصوصیة.
فظهر أنّ النسبة بین تقیید الهیأة و تقیید المادّة العموم من وجه.
أمّا کون الشیء قیداً لمفاد الهیأة فقط کالاستطاعة فإنّها قید لوجوب الحج دون الواجب و من هنا لو استطاع شخص و وجب الحج علیه و لکنّه بعد ذلک أزال الاستطاعة باختیاره فحجّ متسکّعاً صحّ حجه و لو کانت الاستطاعة شرطاً للواجب لم یصحّ.
أمّا کون الشیء قیداً لمفاد المادّة فقط کاستقبال القبلة و الطهارة عن الحدث و الخبث فإنّها قید للمادّة فقط و لیست قیداً للوجوب.
أمّا کون الشیء قیداً لهما معاً کالوقت الخاص بالإضافة إلی الصلاة کزوال
ص: 266
الشمس و غروبها فإنّ هذه الأوقات من ناحیة کونها شرطاً لصحّة الصلاة قید للمادّة و من ناحیة أنّها ما لم تتحقّق لایکون الوجوب فعلیاً فهی قید للوجوب، فتبین أنّ رجوع القید إلی الهیأة یباین رجوعه إلی المادّة بالعموم من وجه فحینئذ نقول: إنّ القید المردّد بین رجوعه إلی المادّة أو الهیأة إن کان متصلاً فهو مانع عن أصل انعقاد الظهور لفرض احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة علی تقیید کل منهما و معه لاینعقد الظهور لهما جزماً.
و إن کان منفصلاً فظهور کل منهما فی الإطلاق و إن انعقد، إلّا أنّ العلم الإجمالی بعروض التقیید علی أحدهما أوجب سقوط کلیهما عن الإعتبار فلایمکن التمسک بشیء منهما
بیانه هو أنّ المدلول الالتزامی لتقیید المادّة هو تعلّق الوجوب بتقیید المادّة به و المدلول الالتزامی لتقیید الهیأة هو أخذه مفروض الوجود و إرادة کلّ منهما (تقیید المادّة أو الهیأة) تحتاج إلی مؤونة زائدة و مع العلم الإجمالی بتقیید الهیأة أو المادّة لایمکن التمسک بالإطلاق لدفع تقیید الهیأة و لا لدفع تقیید المادّة و لایمکن التمسک به أیضاً لا لنفی أخذ القید مفروض الوجود و لا لنفی تعلّق الوجوب بتقید المادّة به (للعلم الإجمالی بوقوع التنافی فی مدلولهما الالتزامی أیضاً) فیسقط إطلاق الهیأة و المادّة عن الاعتبار هذا تمام الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی.
ص: 267
إذا احتملنا رجوع القید إلی الهیأة فما لم یحصل القید نشک فی أصل الوجوب فتجری البراءة.
ص: 268
(و هی ثلاثة):
التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز
التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری
التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی
ص: 269
ص: 270
فیه ثلاثة مواضع و تنبیه:
إنّ صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) قال: إنّ الواجب إمّا واجب مطلق و إمّا واجب مشروط، و الواجب المطلق أیضاً ینقسم إلی قسمین: الواجب المنجّز و الواجب المعلّق.
أمّا الواجب المنجّز هو ما کان الواجب فیه حالیاً کالوجوب.
أمّا الواجب المعلّق هو ما کان الوجوب فیه حالیاً و الواجب استقلالیاً.
فإنّ الواجب المعلّق مقید بقید متأخّر خارج عن اختیار المکلّف من زمان أو زمانی.
ص: 271
و هی ثلاثة:
الإیراد الأوّل: کلام الشیخ الأنصاری((1)) (قدس سره) فی إنکار الواجب المعلّق
إنّ الشیخ (قدس سره) أنکر الواجب المعلّق و قال: لانتعقّل واجباً مطلقاً معلّقاً، والوجه فی إنکاره هو أنّه یفسّر الواجب المشروط بما یکون الوجوب فیه فعلیاً حالیاً و الواجب فیه استقبالیاً، و علی هذا الواجب المعلّق الذی تصوّره صاحب الفصول (قدس سره) و أدرجه فی الواجب المطلق هو بعینه الواجب المشروط الذی تصوّره الشیخ (قدس سره) .
و أمّا علی مبنی المشهور من رجوع الشرط إلی مفاد الهیأة (و عدم فعلیة الوجوب ما لم یحصل الشرط) فلایتوجّه ما أفاده الشیخ (قدس سره) علی صاحب الفصول (قدس سره) .
((2))
إنّ هذا التقسیم لغو، لأنّ الواجب المعلّق و المنجّز کلیهما من أقسام الوجوب المطلق و علی کلا القسمین وجوب ذی المقدّمة مطلق فیقتضی إطلاق وجوب المقدّمة فإنّ ملاک وجوب المقدّمة هو إطلاق وجوب ذی المقدّمة و هذا الملاک موجود فی الواجب المعلّق و المنجّز فلا أثر لهذا التقسیم.
ص: 272
((1))
إنّ ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) من انفکاک زمان الوجوب عن زمان الواجب یجدی فی تصحیح وجوب المقدّمة قبل زمان الواجب، فیصحّ تقسیم الواجب:
الأوّل: ما یتّحد زمانه مع زمان وجوبه فلاتکون مقدّمته واجبة قبل زمانه.
الثانی: ما یتأخّر زمانه عن زمان وجوبه، فیمکن وجوب مقدّمته قبله و لعلّه إلیه أشار (قدس سره) بقوله«فافهم».
((2))
إنّ المقسم للواجب المعلّق و المنجّز هو الواجب المشروط لا الواجب المطلق توضیحه:
إنّ وجوب کل واجب قد یکون مشروطاً بشیء من زمان أو زمانی مقارن له أو متأخر عنه فهو الواجب المشروط.
و قد یکون غیر مشروط به فهو الواجب المطلق.
فلابدّ من ملاحظة أنّ وجوب الحج مثلاً مشروط بیوم عرفة أو مطلق.
لا شبهة فی أنّ ذات الفعل و هو الحج مقدور للمکلّف فلا مانع من تعلّق التکلیف به و کذا إیقاع الحج فی زمان (یوم عرفة) أیضاً مقدور للمکلّف، أمّا نفس وجود الزمان فهو غیر مقدور له فلایمکن وقوعه تحت التکلیف.
ص: 273
ربّما لم یتعلّق التکلیف بذات الفعل علی الإطلاق و إنّما تعلّق بإیقاعه فی زمان خاص فعلم من ذلک أنّ للزمان دخلاً فی ملاکه و إلّا فلا مقتضی لأخذه فی موضوعه و علیه فبطبیعة الحال یکون مشروطاً به، غایة الأمر أنّه علی نحو الشرط المتأخر.
و من هنا إذا افترضنا عدم مجیء هذا الزمان الخاصّ و عدم تحقّقه فی الخارج من جهة قیام الساعة مثلاً أو فرضنا أنّ المکلّف حین مجیء هذا الزمان خرج عن التکلیف بالجنون أو نحوه کشف ذلک عن عدم وجوبه من أوّل الأمر.
النوع الأوّل: ما یکون متعلّق الوجوب فیه حالیاً.
النوع الثانی: ما یکون متعلّق الوجوب فیه أمراً استقبالیاً کالحج فی یوم عرفة.
فما سمّی فی الفصول بالواجب المعلّق هو النوع الثانی من الشرط المتأخر.
((1))
إنّ مرتبة قید الوجوب متقدّم علی مرتبة قید الواجب و الشرط المتأخر بما أنّه دخیل فی الملاک فهو فی مرتبة قید الوجوب و بما أنّ متعلّق الوجوب أمر استقبالی فهو فی مرتبة قید الواجب، فیکون الشرط المتأخر فی تلک المرتبتین (و حینئذ یلزم تقدّم المتأخر أو تأخّر المتقدّم و بعبارة أُخری یلزم تقدّم الشیء علی نفسه).
إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی بحث الواجب المشروط:
ص: 274
إنّ الشرط قد یکون قیداً للمادّة (فهو قید للواجب) و قد یکون قیداً للهیأة (فهو قید للوجوب) و قد یکون قیداً لهما معاً و ذلک کالوقت الخاصّ بالإضافة إلی الصلاة کزوال الشمس و غروبها و طلوع الفجر، فإنّ هذه الأوقات من ناحیة کونها شرطاً لصحّة الصلاة هی قید للصلاة و من ناحیة أنّها ما لم تتحقّق لایکون الوجوب فعلیاً هی قید للوجوب.
فعلی هذا ما هو فی المرتبة المتأخرة بما أنّه فی الرتبة المتأخرة لم یتقدّم علی نفسه بل الزمان الواحد شرط لتحقّق المرتبتین و هما و إن اختلفا فی الرتبة و لکنّهما یوجدان فی زمان واحد. (و أمّا تأخّر الشرط عن مشروطه فقد أُجیب عنه فی الواجب المشروط بوجوه متعدّدة فلا مانع من ناحیة تأخّره عن المشروط.) ((1))
ص: 275
اختلف الأعلام فی إمکان الواجب المعلّق فقال بعضهم بإمکانه و بعض آخر باستحالته، فلابدّ من ملاحظة مقام الثبوت لتحقیق ذلک.
و استدل علیها بأوجه ثلاثة:
و هو ما أفاده المحقّق النهاوندی (قدس سره) فی تشریح الأُصول و ینسب إلی المحقّق الفشارکی (قدس سره) ((1)) و هو أنّ الإرادة لایمکن أن یتعلّق بما هو متأخّر لأنّ الإرادة
ص: 276
لاتنفک عن المراد و لا فرق فی ذلک بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة، لأنّ الطلب و الإیجاب فی الإرادة التشریعیة إنّما یکون بإزاء الإرادة المحرّکة للعضلات نحو المراد فی الإرادة التکوینیة، فلابدّ أن لاینفک الإیجاب عما یتعلّق به (الواجب) فلایصحّ الطلب و البعث فعلاً نحو الأمر المتأخر.
((1))
أوّلاً: إنّ الإرادة تتعلّق بالأمر المتأخر الاستقبالی کما تتعلّق بالأمر الحالی ضرورة أنّ تحمّل المشاقّ فی تحصیل المقدّمات فیما إذا کان متعلّق الإرادة بعید المسافة و کثیر المؤونة لیس إلّا لأجل تعلّق الإرادة به.
و لعّل الاشتباه نشأ من أنّهم عرّفوا الإرادة بالشوق المؤکّد المحرّک للعضلات نحو المراد فتوهّم المستشکل أنّ تحریکها نحو المتأخر غیر ممکن و لکنّه غفل عن أنّ کونه محرّکاً نحو المراد یختلف حسب اختلافه فی کونه مما لا مؤونة له کحرکة العضلات أو کونه ممّا له المؤونة و المقدّمات و الجامع هو أن یکون نحو المراد.
ﻓ-:
1- إذا کان المراد حالیاً توجب الإرادةُ تحریک العضلات نحوه فعلاً.
ص: 277
2- إذا کان المراد استقبالیاً ذا مقدّمات توجب الإرادةُ التحریک نحوه بفعل المقدّمات.
3- إذا کان المراد استقبالیاً بلا مقدّمة خارجیة غیر مجیء زمان خاص فالإرادة لاتوجب التحریک مع أنّ الإرادة بهذه المرتبة الخاصّة من الشوق موجودة فی أُفق النفس فعدم التحریک من جهة عدم الموضوع لا من جهه قصور فی الإرادة.
ثانیاً: إنّه لایکاد یتعلّق البعث إلّا بأمر متأخّر عن زمان البعث، لأنّ البعث إنّما یکون لإحداث الداعی للمکلّف إلی فعل المکلّف به، بأنّ یتصوّر الفعل بما یترتّب علیه من المثوبة و علی ترکه من العقوبة و لایکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمانٍ ما، فإذا جاز الانفکاک فی هذا الزمان القصیر فلابدّ من أن یجوز فی الزمان الطویل أیضاً لأنّه لایتفاوت طول الانفکاک و قصره فیما هو ملاک الاستحالة و الإمکان فی نظر العقل.
((1))
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: لایعقل تعلّق الإرادة بأمر استقبالی و کذا تعلّق البعث به.
أمّا عدم تعلّق الإرادة بالفعل المتأخر:
فتوضیحه یظهر بالتأمل فی حقیقة الإرادة التکوینیة و کیفیة تأثیر القوّة الشوقیة (الباعثة) فی القوّة العاملة التی هی المنبثة فی العضلات.
ص: 278
فإنّ سرّ هذا التأثیر و التأثّر هو أنّ النفس فی وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات:
أمّا مرتبة القوّة العاقلة: فتدرک فی الفعل فائدة عائدة إلی جوهر ذاتها أو قوّة من قواها.
أمّا مرتبة القوّة الشوقیة: فینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل (و هذا الشوق قد یتعلّق بما لایقع بل بالمحال).
أمّا مرتبة کمال الشوق (الإرادة): -و یعبّر عنه بتصمیم العزم و الإجماع والإرادة- فإنّ الشوق فی المرحلة السابقة إذا لم یجد مزاحماً و مانعاً یخرج من حدّ النقصان إلی حدّ الکمال فیبلغ إلی حدّ یسمّی ﺑ«الإرادة».
أمّا مرتبة القوّة العاملة: فینبعث من الشوق البالغ حدّ نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوّة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات.
و من الواضح أنّ الشوق و إن أمکن تعلّقه بأمر استقبالی، إلّا أنّ الإرادة لیست نفس الشوق بأیة مرتبة کان، بل الشوق البالغ حدّ النصاب بحیث صارت القوّة الباعثة باعثةً بالفعل و حیئذ لایتخلّف عن انبعاث القوّة العاملة المنبثة فی العضلات و هو هیجانها لتحریک العضلات غیرِ المنفک عن حرکتها.
و هذا معنی قولهم: «إنّ الإرادة هو الجزء الأخیر من العلّة التامّة لحرکة العضلات»
فمن یقول بإمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالی:
1- إن أراد حصول الإرادة التی هی علّة تامّة لحرکة العضلات، إلّا أنّ معلولها حصول الحرکة فی ظرف کذا فهو عین انفکاک العلّة عن المعلول.
2- و إن أراد أنّ ذات العلّة و هی الإرادة موجودة من قبل إلّا أنّ شرط
ص: 279
تأثیرها و هو حضور وقت المراد لم یحصل و لذا لم تؤثّر العلّة فی حرکة العضلات.
ففیه: أنّ حضور الوقت إن کان شرطاً فی بلوغ الشوق حدّ النصاب و خروجه من النقص إلی الکمال فمعناه هو شرطیته لتحقّق الإرادة فما لم یحضر الوقت لم تحصل الإرادة و إن کان شرطاً فی تأثیر الشوق البالغ حدّ النصاب فهو غیر معقول، لأنّ بلوغ القوّة الباعثة فی بعثها إلی حدّ النصاب مع عدم انبعاث القوّة العاملة تناقض بین، بداهة عدم انفکاک البعث الفعلی عن الانبعاث.
توضیحه: إنّ الشرط إمّا متمّم لقابلیة القابل أو مصحّح لفاعلیة الفاعل، و دخول الوقت خارجاً لیس من خصوصیات الشوق النفسانی البالغ حدّ النصاب حتّی یکون مصحّحاً لفاعلیة الشوق، و کذا القوّة المنبثة فی العضلات تامّة القابلیة فلایکون دخول الوقت متمّماً لقابلیتها.
نعم دخول الوقت متمّم لقابلیة الفعل لتعلّق القدرة و الشوق البالغ حدّ النصاب بهذا الفعل.
أمّا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من لزوم تعلّق الإرادة بأمر استقبالی إذا کان المراد ذا مقدّمات کثیرة فإنّ إرادة مقدّماته قطعاً منبعثة عن إرادة ذیها فتوضیح الحال فیه: أنّ الشوق إلی المقدّمة بما هی مقدّمة لابدّ من انبعاثه من الشوق إلی ذیها، لکنّ الشوق إلی ذیها لما لم یمکن وصوله إلی حدّ یتحرّک القوّة العاملة به لم یتحقّق الإرادة نحو ذی المقدّمة فلامحالة یقف الشوق فی مرتبته إلی حصول مقدّمات ذی المقدّمة و بعد طی المقدّمات یمکن تحقّق الإرادة أمّا الشوق إلی المقدّمة فلا مانع من بلوغه حدّ الباعثیة الفعلیة.
فالشوق إلی المقدّمة یتبع الشوق إلی ذی المقدّمة أمّا الإرادة فی المقدّمة فهی حاصلة دون الإرادة فی ذی المقدّمة لوجود المانع عنها.
ص: 280
هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة.
أمّا الإرادة التشریعیة فهی إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و فعل الغیر لیس تحت اختیار الآمر (فی الموالی العرفیة) بل بالتسبّب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرّک القوّة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث له.
فالشوق المتعلّق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة. (فالإرادة التشریعیة علّة للبعث الفعلی) و هذا البعث الفعلی لایعقل أن یتعلّق بأمر استقبالی، لأنّ البعث هو جعل ما یمکن أن یکون داعیاً عند انقیاد المکلّف و باعثاً له و إمکان الباعثیة یلازم إمکان الانبعاث، و إذا لم یعقل إمکان الانبعاث فعلاً کما فی مفروض المسألة (فی الواجب المعلّق) فلایعقل إمکان البعث فعلاً، فلا مجال لجواز تأخّر الانبعاث عن البعث ضرورة و إمکاناً، فضلاً عن لزوم تأخّره و لو بآنٍ کما عن صاحب الکفایة (قدس سره) .
لایقال: علی هذا لایمکن البعث نحو الفعل فی وقته مع عدم حصول مقدّماته الوجودیة، ضرورة عدم إمکان الانبعاث نحو ذی المقدّمة إلّا بعد وجود مقدّماته مع أنّ البعث إلی المقدّمات الوجودیة ینبعث عن البعث إلی ذی المقدّمة. (فالبعث إلی ذی المقدّمة متوقّف علی إمکان الانبعاث و إمکان الانبعاث متوقّف علی وجود المقدّمات مع أنّ البعث إلی المقدّمات متوقّف علی البعث إلی ذی المقدّمة).
لأنّا نقول: حیث إنّ تحصیل المقدّمات ممکن یتّصف البعث و الانبعاث إلی ذی المقدّمة بصفة الإمکان، بخلاف البعث إلی شیء قبل حضور وقته فإنّ فعل المتقید بالزمان المتأخر مستحیل تحقّقه فی الزمان المتقدّم من حیث لزوم الخلف
ص: 281
أو الانقلاب فهو ممتنع استعدادی و لا إمکان استعدادی بالنسبة إلی تحقّق الفعل المتقید بالزمان المتأخر.
أمّا البعث نحو ما له مقدّمات وجودیة فممکن بالإمکان الاستعدادی، فلا إشکال فی جواز البعث نحوه قبل حصول مقدّماته الوجودیة.
لایقال: کیف الحال فی الفعل المرکّب من أُمور تدریجیة الوجود فإنّ الانبعاث نحو الجزء المتأخر فی زمان الانبعاث نحو الجزء المتقدّم غیر معقول مع أنّ الفعل المرکّب هو مبعوث إلیه ببعث واحد فی أوّل الوقت و ذلک مثل الإمساک فی مجموع النهار فإنّ الإمساک فی الجزء الأخیر غیر ممکن فی أوّل النهار.
لأنّا نقول: الإنشاء بداعی البعث و إن کان واحداً و هو موجود من أوّل الوقت لکن کأنّه بلحاظ تعلّقه بأمر مستمر أو بأمر تدریجی الحصول منبسط علی ذلک المستمر أو التدریجی، فله اقتضاءات متعاقبة بکل اقتضاء یکون بالحقیقة بعثاً إلی ذلک الجزء من الأمر المستمر أو التدریجی فهو لیس مقتضیاً بالفعل لتمام ذلک الأمر المستمر أو المرکّب بل یقتضی شیئاً فشیئاً.
إشکالان من بعض الأساطین علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1))
أوّلاً: بالنقض بالأُمور التدریجیة مثل الإمساک فی الصوم حیث إنّ الإمساک فی العصر غیرممکن من أوّل النهار.
ولکن أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی لایقال الثانی فلانعید.
ثانیاً: إنّ الحکم إمّا أمر یتعلّق به الجعل الاعتباری استقلالاً و إمّا أمر انتزاعی ینتزع عن الإنشاء بداعی جعل الداعی.
ص: 282
فإذا قلنا بأنّ الحکم أمر انتزاعی فنقول:
إنّ الإنشاء إمّا أن یکون فیه إمکان الانبعاث فلا إشکال فیه و إمّا أن لایکون فیه إمکان الانبعاث و هنا وقع الإشکال.
و الحلّ هو أنّ عدم إمکان الانبعاث:
إن کان لقصور فی الإنشاء مثل: إذا زالت الشمس فصلّ فیلازم ذلک عدم إمکان الباعثیة فلابعث فعلی حینئذ حتّی یستشکل بعدم إمکان الانبعاث.
و إن کان لقصور فی المتعلّق مثل ما إذا کان المتعلّق أمراً استقبالیاً متأخّراً فلایضرّ بانتزاع الحکم عن الإنشاء بداعی جعل الداعی، لأنّه لا إشکال فی ناحیة الإنشاء و لا قصور فیه بل القصور من ناحیة المتعلّق من حیث تقییده بالزمان المتأخر. و هذا هو الواجب المعلّق.
و أمّا إذا قلنا بأنّ الحکم أمر یتعلّق به الجعل الاعتباری الاستقلالی فنقول:
إنّ الحکم حینئذ هو نفس المعتبر (أی اللابدیة و ثبوت الفعل علی الذمّة أو الحرمان) و إذا کان الملاک للحکم تامّاً فیتحقّق الحکم إلّا أنّه لاداعویة للحکم إلّا فی الزمان المتأخر و لایضرّ ذلک لأنّ الحکم لایتقوّم بداعویته، فالمعتبر (الحکم) فعلی و حالی و متعلّقه استقبالی و هذا هو الواجب المعلّق.
أوّلاً: إذا فرضنا انتزاع الحکم عن الإنشاء:
فإنّ ما أفاده فی تصویر الواجب المعلّق یوجب دفع إشکال استحالة الواجب المعلّق ذاتاً.
أمّا إشکال لغویته فلایدفع بهذا البیان، فإنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی
ص: 283
بالنسبة إلی المتعلّق الذی هو مقید بالزمان المتأخر و لایمکن الانبعاث فیه لغو، کما أنّ جعل الحکم بلا داعویة لغو.
ثانیاً: إذا فرضنا أنّ الحکم یتعلّق به الجعل الاعتباری الاستقلالی:
فإنّ ما أفاده من أنّ الحکم إذا کان ملاکه تامّاً فیتحقّق الحکم بلا داعویة ممنوع فیما إذا قلنا بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد التی هی فی متعلّقاتها، لأنّه علی فرض تقیید المتعلّق بالزمان المتأخر فلا مصلحة تامّة و لا مفسدة تامّة قبل ظرف المتعلّق فیکون الحکم بلا ملاک تامّ.
ثالثاً: إنّ الحکم الذی تصوّره قبل ظرف المتعلّق حکم إنشائی و البعث فیه فرضی لا حقیقی، سواء قلنا بأنّه أمر جعلی معتبر استقلالاً أو قلنا بأنّه أمر انتزاعی من الإنشاء (فإنّ الملاک فی الحکم الإنشائی غیر تامّ و أمّا فی الحکم الفعلی فهو تامّ).
((1))
إنّ الواقع فی الإرادة التشریعیة هو الإرادة و الطلب من المولی.
أمّا الإرادة التی تعلّقت بالطلب و البعث فهی إرادة تکوینیة فلایتخلّف عن المراد.
أمّا الطلب (و هو قد یسمّی بالإرادة التشریعیة) فلا إشکال فی جواز انفکاکه عن المطلوب فإنّ النسبة بین الإرادة التکوینیة و المراد نسبة العلّة التامّة إلی المعلول و لکنّ النسبة بین الإرادة التشریعیة بمعنی الطلب و المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی فلا مانع من الانفکاک بینهما.
ص: 284
أنّ الکلام لیس فی انفکاک الطلب من المطلوب فإنّه لا خلاف فی جواز انفکاکهما فإنّ المکلّف قد یطیع أمر المولی و قد لایطیعه.
بل المراد هو أنّ الباعثیة الإمکانیة لاتنفک عن إمکان الانبعاث.
((1))
إنّ التکلیف مشروط بالقدرة فلابدّ أن یکون المکلّف قادراً علی امتثاله حین تعلّق التکلیف به، فلو التزمنا بالواجب المعلّق یلزم عدم إمکان امتثال التکلیف.
إنّ القدرة المعتبرة فی صحّة التکلیف إنّما هی قدرة المکلّف فی ظرف العمل و الامتثال و إن لم یکن قادراً فی ظرف التکلیف.
((2))
إنّ الموضوع و القیود المعتبرة فیه لابدّ أن یؤخذ مفروض الوجود فی إنشاء القضایا الحقیقیة، أمّا فعلیة الحکم فلاتساوق إنشاءه، فإنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی فعلیة کلّ ما أُخذ مفروض الوجود فی الخطاب، فإذا فرضنا أنّ الواجب من الموقّتات فتتوقّف فعلیة الحکم علی فعلیة الزمان کما تتوقّف علی فعلیة بقیة القیود
ص: 285
التی أُخذت فی الخطاب مفروض الوجود و هذا عین إنکار الواجب المعلّق و الالتزام بالاشتراط (و علیه قال باستحالة الشرط المتأخر).
أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هامش أجود التقریرات فقال: أخذ الزمان مفروض الوجود فی الخطاب و إن کان یستلزم اشتراط التکلیف به لامحالة إلّا أنّه لایستلزم تأخّر التکلیف عنه خارجاً لما عرفت من جواز کونه شرطاً متأخّراً.
((1))
هو یری عدم المانع من الالتزام بالواجب المعلّق بمعنی کون وجوبه مشروطاً بشرط متأخّر خلاصة بیانه هو أنّه:
إن أُرید بالإرادة الشوق النفسانی غیرُ البالغ إلی مرحلة العزم فهو کما یتعلّق بالأمر الحالی یتعلّق بالأمر الاستقبالی.
و إن أُرید الاختیار و إعمال القدرة فإنّها لاتتعلّق بفعل الإنسان نفسه إذا کان فی زمن متأخّر فضلاً عن فعل غیره، و من هنا لایمکن تعلّقها بالمرکّب من أجزاء طولیة زماناً و تدریجیة وجوداً دفعة واحدة إلّا علی نحو تدریجیة أجزائه و ذلک کالصلاة مثلاً فإنّه لایمکن إعمال القدرة علی القراءة قبل التکبیرة و هکذا.
مع أنّه لا أصل للإرادة التشریعیة سواء قلنا بأنّها الشوق النفسانی أو الاختیار لأنّ الشوق النفسانی أمر تکوینی سواء تعلّق بالأمر التکوینی أم بالأمر التشریعی
ص: 286
و هکذا الاختیار و إعمال القدرة أمر تکوینی سواء تعلّق بالأمر التکوینی أم بالأمر التشریعی.
و إن أُرید بالإرادة الطلب و البعث باعتبار أنّه یدعو المکلّف إلی إیجاد الفعل فی الخارج.
ففیه أنّه لایمکن ترتّب أحکام الإرادة التکوینیة علیه لأنّه أمر اعتباری، فعدم تعلّق الإرادة بالأمر المتأخر زماناً لایستلزم عدم تعلّق البعث به، بل یمکن أن یتعلّق البعث الاعتباری بالأمر المتأخر.
((1))
أنّ تعلّق البعث الاعتباری نحو المتأخر بل نحو المحال ممکن ذاتاً إلّا أنّه غیر ممکن بالإمکان الاستعدادی و تعلّق البعث به لغو، فلیس کل ما هو فی عالم الاعتبار صحیحاً نافعاً، فإنّ اعتبار المتناقضین فی عالم الاعتبار ممکن ذاتاً، فیتمکّن المولی من جعل الوجوب و الحرمة فی عالم الاعتبار بالنسبة إلی متعلّق واحد و لکنّه اعتبار لغو و لایصدر من الحکیم.
مع أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) لایحتاج إلی البحث عن تعلّق الإرادة بمعنی البعث الاعتباری بالأمر المتأخّر لأنّ الزمان المتأخر عنده لیس قیداً لمتعلّق الأمر بل الزمان المتأخر هو الشرط المتأخر لنفس الوجوب.
ص: 287
و هی تظهر فی ثلاث مسائل مهمّة:
المسألة الأُولی: المقدّمة المفوِّتة، مثل دفع الإشکال عن إیجاب مقدّمات الحج قبل الموسم و هکذا دفع الإشکال عن وجوب إبقاء الاستطاعة بعد أشهر الحج و هکذا دفع الإشکال عن وجوب الغسل فی اللیل علی المکلّف بالصوم فیما إذا احتاج إلی الغسل.
المسألة الثانیة: التعلّم فإنّ البحث عن الواجب المعلّق یثمر فی مقام دفع الإشکال عن وجوب التعلّم قبل زمان الواجب.
المسألة الثالثة: الواجبات التدریجیة
و المهمّ هو البحث عن المسألة الأُولی و الثانیة.
و قد تعرّض السید الخوئی (قدس سره) ((1))لبیان مقدّمة قبل الورود فی البحث.
ص: 288
و فیها مطلبان:
هنا مسالک ثلاثة:
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا المسلک:((1))
إنّ الخطاب و إن کان لغواً إلّا أنّه لامانع من العقاب، لأنّ المکلّف فی بدایة الأمر کان متمکّناً أن لایجعل نفسه مضطرّاً إلی ارتکاب الحرام فلو جعل نفسه حینئذ مضطرّاً إلی ارتکاب الحرام حکم العقل باستحقاقه العقاب.
((2))
إنّه کما یحکم العقل باستحقاقه للعقاب یحکم الشرع بحرمة تصرّفه فی الأرض المغصوبة عند خروجه عنه و ادّعی أنّه لا مانع من التکلیف بغیر المقدور إذا کان مستنداً إلی سوء اختیاره.
إنّ الغرض من التکلیف هو إیجاد الداعی للمکلّف بالنسبة إلی المکلّف به فإن
ص: 289
کان المکلّف به مقدوراً لم یکن التکلیف به لغواً حیث إنّه یمکن أن یصیر داعیاً إلیه، و إن لم یکن مقدوراً کان التکلیف به لغواً، لعدم إمکان کونه داعیاً، و عدم القدرة إذا کان مسبّباً عن سوء الاختیار لایصحّح تکلیف المولی لغیر القادر و إلّا لجاز للمولی أن یأمر عبده بالجمع بین الضدّین معلّقاً علی أمر اختیاری و هو باطل قطعاً حتّی عند المحقّق القمی (قدس سره) .((1))
و معناه أنّه إن اضطرّ الإنسان نفسه باختیاره إلی ارتکاب محرّم مثل الدخول فی الأرض المغصوبة فحینئذ التکلیف عنه ساقط لکونه لغواً لفرض خروج الفعل عن اختیاره أمّا عقاب هذا الشخص فلا قبح فیه، لأنّ هذا الاضطرار منتهٍ إلی الاختیار فیحکم العقل باستحقاقه للعقاب و لا قبح فیه عند العقل.
و الحقّ هو المسلک الثالث أی إنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و ینافیه خطاباً.
إنّه لا فرق فی حکم العقل باستحقاق العقاب بین مخالفة التکلیف الالزامی الفعلی و بین تفویت حقیقة التکلیف و روحه و هو الملاک التامّ الملزم کما لو أعجز العبد نفسه اختیاراً عن إنقاذ ولد المولی، فإنّ عجزه و إن کان مانعاً عن توجّه التکلیف إلیه لعدم القدرة إلّا أنّه یستحقّ العقاب علی تفویت الغرض الملزم فیه حیث کان قادراً علی حفظ قدرته.
ص: 290
و البحث یقع فی مقام الثبوت و الإثبات:
یتصوّر فیه وجهان:
و هو أن یکون ملاک الواجب تامّاً و القدرة غیر دخیلة فی ملاکه مثل حفظ النفس المحترمة أو حفظ نظام المؤمنین و دفع ما یخلّ به و أمثال ذلک.
و فیه نظریات:
نشیر إلی بیان صاحب البدایع (قدس سره) فإنه قال: إنّ المقدّمة واجبة فی تلک الموارد قبل وقت وجوب ذیها، لا بالوجوب المعلولی المستتبع من وجوب ذیها و لا
ص: 291
بالوجوب النفسی الثابت لمصلحة نفسها ولا بالوجوب العقلی الإرشادی بل بالوجوب الأصلی الثابت بالدلیل و الخطاب المستقل مراعاةً لمصلحة ذی المقدّمة و یسمّی هذا بالوجوب التهیؤی، لأنّ فائدته التهیوء و الاستعداد لواجب آخر، فهو قسم من أقسام الوجوب یشبه الوجوب النفسی من حیث عدم تولّده و عدم ثبوته من وجوب ذیها و یشبه الوجوب الغیری المقدّمی من حیث کونه ثابتاً لمصلحة غیره، و لو فسرنا الواجب الغیری بما کان مصلحة وجوبه ثابتاً فی غیره فهذا منه، لأنّ الغیری بهذا التفسیر یعمّ ما ثبت وجوبه بخطاب مستقل لمصلحة الغیر أیضاً.((1))
فیه: أنّ ما أفاده أخصّ من موضع البحث، لأنّه لم یقم دلیل علی وجوب هذه
ص: 292
المقدّمات بخطاب مستقل إلّا فی بعض الموارد فما أفاده من الوجوب النفسی التهیؤی لایجدی فی عموم الموارد.
إنّه تفصّی عن الإشکال فی وجوب المقدّمة فی هذه الموارد بالالتزام بالواجب المعلّق فالوجوب بالنسبة إلی ذی المقدّمة فعلی فلایتوجّه إشکال وجوب المقدّمة قبل وجوب ذی المقدّمة، و سیجیء إن شاء الله تفصیله.
قد مضی بطلان الواجب المعلّق.
إنّ ما أفاده فی الواجب المشروط من رجوع القید إلی المادّة یجدی فی رفع الإشکال حیث إنّ الوجوب عنده فعلی و الواجب مشروط و علی هذا لیس وجوب المقدّمة مقدّماً علی وجوب ذیها، و سیأتی بیانه إن شاء الله.
إیراد علی النظریة الثالثة:
إنّ هذا القول أیضاً باطل کما مضی.
المقدّمة حالی و إن کان مشروطاً بشرط متأخّر مع العلم بوجود هذا الشرط فیما بعد، ضرورة فعلیة وجوب ذی المقدّمة و تنجّزه بالقدرة علیه بتمهید مقدّمته، فیترشح الوجوب من ذی المقدّمة علی مقدّمته بناءً علی الملازمة فلایلزم محذور وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها ((1)).
إنّا قد بیّنّا فیما سبق عند ذکر تحقیق المحقّق الإصفهانی1 أنّ البعث الحقیقی لاینفک عن إمکان الانبعاث، فلایمکن تصویر الوجوب الحالی و إن کان مشروطاً بالشرط المتأخر فیما إذا کان الواجب استقبالیاً.
((2))
إنّ وجوب المقدّمة لاینبعث من وجوب ذی المقدّمة بل إنّ الشوق إلی ذی المقدّمة ینبعث منه الشوق إلی مقدّمته، و أمّا الشوق إلی ذی المقدّمة فلایمکن وصوله إلی حدّ الإرادة، لأنّ ذلک موقوف علی حضور الوقت فلایتصف بالوجوب و أمّا الشوق إلی المقدّمة فلا مانع من بلوغه إلی حدّ الإرادة و الباعثیة
ص: 294
الفعلیة و هذا هو السرّ فی اتّصاف المقدّمة بالوجوب دون ذی المقدّمة و اتّضح بهذا البیان أنّه لا مانع من وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها.
((1))
و قبل بیان نظریته لابدّ من الإشارة إلی أنّ العقل یحکم بلزوم إتیان المقدّمة التی لها دخل فی تمکّن المکلّف من امتثال ذی المقدّمة فی ظرفه و إلّا یلزم فوت الملاک الملزم باختیار المکّلف، لأنّه یعلم بأنّه لو لم یأت بالمقدّمة لصار عاجزاً عن إتیان الواجب فی وقته و حیث إنّ عجزه مستند إلی اختیاره یستحقّ العقاب بترک المقدّمة.
ثمّ إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال باستکشاف الحکم الشرعی من هذا الحکم العقلی بوجوب المقدّمة و استدلّ علی ذلک بثبوت الملازمة بینهما و قال: إنّ حکم العقل بذلک دلیل علی جعل الشارع الإیجاب للمقدّمة حفظاً للغرض فیکون ذلک الجعل متمّماً للجعل الأوّل.
توضیحه هو أنّ الملاک الملزم إذا فرض کونه تامّاً فی ظرفه و لم یمکن استیفاؤه بخطاب واحد (إذ المفروض عدم التمکّن من امتثاله فی ظرفه علی تقدیر عدم الإتیان بالمقدّمة قبله) فلابدّ للمولی من استیفائه بخطاب نفسی آخر یتعلّق بالمقدّمة حتّی یکون متمّماً للجعل الأوّل، و بما أنّ الجعل الثانی منشأ من شخص الملاک الناشئ منه الجعل الأوّل فیکون هو و الجعل الأوّل فی حکم خطاب واحد و یکون عصیانه موجباً لاستحقاق العقاب علی ترک ما وجب بالجعل الأوّل فی ظرفه.
ص: 295
((1))
إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره): من «عدم إمکان استیفاء الملاک الملزم التام فی ظرفه علی تقدیر عدم الإتیان بالمقدّمة قبله فلابدّ للمولی من استیفائه بخطاب نفسی آخر یتعلّق بالمقدّمة» ممنوع لأنّ حکم العقل بتحصیل المقدّمة کافٍ لاستیفاء الملاک التام الملزم فلا حاجة إلی الجعل الثانی حتّی یکون متمّماً للجعل الأوّل.
((2))
إنّ مثل هذا الحکم العقلی لایعقل أن یکون کاشفاً عن جعل حکم شرعی مولوی فی مورده بداهة أنّه لغو صرف، فإنّ حکم العقل باستحقاق العقوبة علی تقدیر المخالفة و تفویت الغرض یکفی فی لزوم حرکة العبد و انبعاثه نحو الإتیان بالمقدّمات، و علیه فلو ورد حکم من الشارع فی أمثال هذا الموارد لکان إرشاداً إلی حکم العقل.
((3))
إنّ لغویة الجعل الثانی ممنوع بل بعض الناس لایتحرّکون من الحکم العقلی و لذا جعل الوجوب الشرعی للمقدّمة لیس لغواً فی هذا الفرض فجعل الوجوب الشرعی بالجعل الثانی و إن لم یکن لازماً و واجباً إلّا أنّه علی فرض تحقّقه لیس لغواً.
ص: 296
((1))
إنّ جعل الوجوب الشرعی للمقدّمات ممکن و لایلزم محذور اللغویة نعم إنّه لیس بواجب لکفایة حکم العقل فی مقام الداعویة.
ثمّ إنّا لم نجد دلیلاً شرعیاً علی وجوب المقدّمة فی جمیع الموارد، فعلی هذا جعل الوجوب الشرعی للمقدّمة ممکن لا واجب کما قال المحقّق النائینی (قدس سره) و لا لغو کما قال السید المحقّق الخوئی (قدس سره) .
((2))
و هو أن تکون القدرة دخیلة فی ملاک الواجب (بحیث یلزم تحصیلها و التحفّظ علیها) وهذا علی أقسام ثلاثة:
الأوّل: أن یکون الشرط هو القدرة المطلقة علی سعتها.
الثانی: أن یکون الشرط فی الواجب هو القدرة الخاصّة و هی القدرة بعد حصول شرط خاص من شرائط الوجوب (مثل الاستطاعة)، بمعنی أنّ القدرة المأخوذة فی الواجب (مثل الحج) التی یجب تحصیلها و التحفّظ علیها هی القدرة المقیدة بحصول شرط الوجوب (الاستطاعة).
الثالث: أن یکون الشرط هو القدرة فی وقت الواجب فلایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علی الواجب أو التحفّظ علیها قبل وقت الواجب.
ص: 297
قال المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هذا المقام:((1))
إنّ القدرة التی هی مأخوذة فی ملاک الواجب و یجب تحصیلها و التحفّظ علیها غیر مقیدة بشیء فهی مطلقة (بمعنی أنّه بمجّرد القدرة فی وقتٍ ما یکون الواجب تامّ المصلحة و إن کان الوجوب مشروطاً بالوقت فالمراد من القدرة المطلقة هنا هو مطلق القدرة)((2))و لذا وجب تحصیلها فی أوّل أزمنة الإمکان و إن کان قبل زمان الوجوب و حرم علیه تفویتها إذا کانت موجودة، لأنّه إن تمکّن من إتیان الواجب فی ظرفه و لو بإعداد أوّل مقدّماته فقد تمّ ملاک الواجب فمع تحقّق القدرة علی الواجب (بإعداد أوّل مقدّماته قبل زمان الوجوب) یتمّ ملاکه فیجب التحفّظ علی القدرة و تحصیل المقدّمات.
فلو أعجز نفسه عن الواجب بعد حصول هذه القدرة المطلقة یکون مستحقّاً للعقاب لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً.
و هو أن یکون الشرط فی الواجب و الدخیل فی ملاکه هو القدرة بعد حصول شرط الوجوب فحینئذ لایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علی الواجب بإتیان مقدّماته قبل تحقّق شرط الوجوب و أمّا بعد تحقّق شرط الوجوب فیجب
ص: 298
تحصیل المقدّمات و التحفّظ علیها فلو أعجز نفسه عن المقدّمات (بحیث یکون عاجزاً عن الواجب) یستحق العقاب لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار لأنّه فوّت الملاک الملزم و العقل یری استحقاق العقاب لمن فوّت الملاک الملزم.
و أمّا مع عدم حصول شرط الوجوب (مثلاً الاستطاعة) فلایحکم العقل بوجوب المقدّمات، فلو ترک المقدّمات و استلزم ذلک ترک الواجب فی موطنه و زمانه لایستحقّ العقاب، مثلاً إذا أراد شخص أن یهبه المال لیستطیع فلایجب علیه القبول.
و هو أن یکون الشرط فی الواجب و ما هو الدخیل فیه هو القدرة فی زمان الواجب فلایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علیه بإتیان مقدّماته قبل دخول وقته بل یجوز له تفویتها إذا کانت موجودة.
و ذلک لأنّ الواجب لایکون ذا ملاک ملزم إلّا بعد القدرة علیه فی زمان الواجب أمّا القدرة علیه قبله فیجوز تفویتها.
و مثال ذلک هی الصلاة مع الطهارة المائیة حیث إنّ القدرة المعتبرة فیها هی القدرة علیها بعد دخول وقتها، أمّا قبله فلایجب تحصیلها بل یجوز له تفویتها بجعل نفسه محدثاً أو بإهراق الماء عنده.
نعم إنّ المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) فصّل بین تفویت القدرة قبل الوقت بجعل نفسه محدثاً مع علمه بعدم تمکّنه من الغسل و بین تفویتها بإهراق الماء فقال بالجواز فی الأوّل و بعدم الجواز فی الثانی و استند إلی روایةٍ صحیحة.
ص: 299
ولکن السید المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال بعدم التفصیل بینهما و عدم ورود أیة روایة فی هذا الموضوع فضلاً عن کونها صحیحة.
ص: 300
إذا شک فی أنّ القدرة دخیلة فی ملاک الواجب أو لا فهل یلزم إتیان المقدّمات قبل وقته فیما إذا علمنا توقّف الواجب علیه؟
قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((1))
لاطریق لنا إلی إحراز الملاکات، غایة الأمر نستکشف تلک الملاکات من الأمر و النهی المولویین، و علیه تکون سعة الملاک فی مرحلة الإثبات بقدر سعة الأمر دون الزائد.
و بما أنّه فیما نحن فیه لم نحرز أنّ ترک المقدّمة قبل الوقت مستلزم لتفویت ملاک الواجب فی ظرفه، لاحتمال أنّ القدرة علی المقدّمات دخیلة فی ملاک الواجب فی وقته، فلو لم یأت بها قبل الوقت (و المفروض عدم تمکّنه منها بعده) لم یحرز فوت شیء منه لا الأمر الفعلی و لا الملاک الملزم.
أمّا الأمر الفعلی فواضح و أمّا الملاک الملزم فلاحتمال دخل القدرة الخاصّة فیه فإنّه قد تقدّم أنّ ملاک حکم العقل بالقبح و استحقاق العقاب أمران: تفویت التکلیف الواقعی و تفویت الملاک الملزم.
و النتیجة هی أن لا ملاک لحکم العقل باستحقاق العقاب فی المقام لفرض عدم إحراز الملاک مثال ذلک: ما إذا علم شخص أنّه إذا نام فی الساعات الأخیرة من اللیل فاتته صلاة الصبح کما إذا لم یبق إلی الصبح إلّا ساعة واحدة فإنّه یجوز له
ص: 301
ذلک لفرض أنّ الأمر غیر موجود قبل الوقت و أمّا الملاک فغیر محرز لاحتمال دخل القدرة الخاصّة فیه.
ثمّ إنّ الواجبات الشرعیة أکثرها من قبیل ما لاتکون القدرة دخیلة فی ملاکه أو ما لها دخل فیه بنحو مطلق أی القدرة فی وقتٍ مّا موجبة لکون الواجب تامّ المصلحة((1)).
ص: 302
و فیها صورتان:
و إنّما أفردوا البحث عنه لأنّه ذو حیثیتین، فمن حیثیة یکون مقدّمة وجودیة و من حیثیة أُخری یکون مقدّمة علمیة (لإحراز الامتثال).
هنا أقوال أربعة فی وجوبه:
المحقّق الأردبیلی (قدس سره) ((1)) فی مجمع الفائدة و صاحب المدارک (قدس سره) فی مدارک الأحکام قالا بالوجوب النفسی التهیؤی بمعنی التهیؤ للغیر((2)).
الشیخ الأنصاری (قدس سره) و المشهور قالوا بعدم وجوبه الشرعی بل وجوبه عقلی و
ص: 303
الدلیل علیه هو أنّ ترک التعلّم یوجب فوات الواقع و هذا صغری قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً».
المحقّق الخوئی (قدس سره) قال بالتفصیل فی المقام.
بیان تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)): إنّ ترک التعلّم قبل وقت الواجب أو قبل شرطه علی أنحاء و صور:
الصورة الأُولی: قد لایکون لترک التعلّم قبل الوقت أثر بل یتمکّن بعد حصول الوقت من التعلّم تدریجاً مثل أن یتعلّم أحکام الحج فی طول مناسک الحج فحینئذ لایجب التعلّم.
نعم إذا جاء الوقت لم یجز ترک التعلّم لاحتمال مخالفة التکلیف الفعلی المنجز و هو صغری دفع الضرر المحتمل فلابدّ من أن یتعلّم لرفع ذلک.
الصورة الثانیة: قد یکون لترک التعلّم أثر و لکنّ الأثر هو فقد تمییز الواجب من غیره لکنّ المکلّف یتمکّن من إحراز امتثاله إجمالاً بطریق الاحتیاط مثل أن یصلّی قصراً و تماماً و هذا فی ما لم نقل بلزوم قصد التمییز (کما أنّ الحق عدم اعتبار قصد التمییز).
و الظاهر هنا عدم وجوب التعلّم، لأنّ الامتثال الإجمالی فی عرض الامتثال التفصیلی.
الصورة الثالثة: قد یکون ترک التعلّم موجباً لترک الامتثال القطعی سواء کان الامتثال تفصیلیاً أم إجمالیاً، فحینئذ لایتمکّن المکلّف إلّا من الامتثال الاحتمالی و لکنّه غیر کاف بل لابدّ من الامتثال القطعی تفصیلاً أو إجمالاً.
و التعلّم هنا واجب و الوجه فی وجوب التعلّم لیس هو ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی
ص: 305
أصل البحث من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار لأنّ المفروض هو عدم الامتناع بل یحتمل امتثال التکلیف کما أنّه یحتمل عدم الامتثال.
بل الوجه هنا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جریان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لأنّ الامتثال الاحتمالی مساوق لاحتمال مخالفة التکلیف الفعلی من دون مؤمّن فیحتمل العقاب فالعقل یستقل بکبری وجوب دفع الضرر المحتمل و هذا مثل من ضاق علیه الوقت و لایتمکّن إلّا من الإتیان إمّا بصلاة القصر أو بصلاة التمام.
نعم إذا کان فی هذه الصورة غیر قادر علی التعلّم قبل الوقت فهو مضطّر إلی أحد أطراف العلم الإجمالی فیجب علیه إتیان أحدهما فهو معذور فی صورة المخالفة للواقع و هذا مثل الصبی الذی هو عاجز عن التعلّم و لایتمکّن من الجمع بینهما.
الصورة الرابعة: قد یکون ترک التعلّم قبل الوقت موجباً لترک الواجب فی ظرفه إمّا للغفلة عن التکلیف أو لعدم التمکّن من امتثاله.
و التعلّم هنا واجب لاستقلال العقل به لأنّه لو لم یتعلّم لفات الغرض الملزم فی ظرفه لما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره) من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً.
نعم لو قلنا بأنّ الواجب مشروط بقدرة خاصّة من ناحیة التعلّم فلایجب التعلّم حینئذ لأنّه لا وجوب حتّی یجب التعلّم مقدّمة لإتیان الواجب فی ظرفه و لا ملاک ملزم حتّی یستلزم ترک التعلّم تفویته لکنّه مجرّد فرض لأنّ مقتضی الآیات و الروایات الدالّة علی وجوب التعلّم هو عدم أخذ القدرة الخاصّة و أنّه لیس للتعلّم أی دخل فی صیرورة الواجب ذا ملاک ملزم فإنّ إطلاق روایات
ص: 306
«هلّا تعلّمت» یشمل المقام.((1))
هذا کلّه فیما إذا علم المکلّف أو اطمأنّ بالابتلاء.
و فیها أقوال ثلاثة:
المشهور بین الأصحاب وجوب التعلّم.
ص: 307
المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال بوجوب التعلّم فی الموارد التی یقع الابتلاء بها عادةً أمّا الموارد النادرة فلایجب.
إنّ بعض الأساطین (حفظه الله) ذهب إلی عدم قیام الدلیل علی وجوبه و لکنّه قال: مخالفة المشهور مشکلة. ((2))
إن بعض الأعلام قالوا بعدم وجوبه.
إنّ عدم الابتلاء فعلاً متیقّن و یشک فیه فی ما بعد فیستصحب عدمه بالإضافة إلی الزمن المستقبل، و هذا الاستصحاب علی عکس الاستصحاب المتعارف.
و نتیجة جریان الاستصحاب هنا هو ارتفاع موضوع حکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل حیث إنّه مع نفی احتمال الابتلاء بالتعبّد لایبقی مجال لاحتمال الضرر.
ص: 308
إنّ دلیل الاستصحاب قاصر عن شمول هذا النحو من الاستصحاب الذی هو استصحاب استقبالی بل یختصّ بما إذا کان المتیقّن سابقاً و المشکوک لاحقاً و لایشمل ما إذا کان المتیقّن حالیاً و المشکوک استقبالیاً.
فیه أنّ مفاد أدلّة الاستصحاب عدم نقص الیقین بالشک سواء کان المتیقّن سابقاً أم حالیاً أم استقبالیاً.
((1))
إنّ الاستصحاب یعتبر فیه أن یکون المستصحب بنفسه حکماً و أثراً شرعیاً أو موضوع حکم و أثر شرعی حتّی یتعبّد به فی ظرف الشک و أمّا إذا لم یکن هناک أثر شرعی أو کان الأثر مترتّباً علی نفس الشک المحرز وجداناً فلا معنی للتعبّد فی مورده، و ما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ وجوب دفع الضرر المحتمل مترتّب علی نفس احتمال الابتلاء المحرز وجداناً، و لیس لواقع الابتلاء بالواقع أثر شرعی حتّی یدفع احتماله بالأصل، فلایبقی مجال لجریان استصحاب عدم الابتلاء بالواقع.
إنّ الحکم العقلی غیر قابل للتخصیص و لکنّه قابل للتخصّص و الخروج
ص: 309
الموضوعی کما إذا کان الشک موضوع الدلیل ثمّ ارتفع الشک تعبّداً فإنّ لزوم دفع الضرر المحتمل و قبح العقاب بلا بیان من القواعد التی قد استقلّ بها العقل و مع ذلک یسبّب المولی إلی رفعهما برفع موضوعهما بجعل الترخیص فی مورد قاعدة دفع الضرر المحتمل و بجعل البیان فی مورد قاعدة قبح العقاب بلا بیان و فی ما نحن فیه احتمال الابتلاء الذی هو موضوع الأثر و إن کان محرزاً بالوجدان إلّا أنّ استصحاب عدم الابتلاء واقعاً إذا جری کان رافعاً للابتلاء الواقعی تعبّداً و به یرتفع الموضوع و هو احتمال الابتلاء. ((1))
((2))
العلم الإجمالی بالابتلاء ببعض الأحکام الشرعیة حاصل، فهذا العلم الإجمالی مانع عن جریان الأُصول النافیة فی أطرافه، حیث إنّ جریانها فی الجمیع مستلزم للمخالفة القطعیة العملیة و جریانها فی البعض دون الآخر مستلزم للترجیح من دون مرجّح فلامحالة تسقط الأُصول النافیة فیستقل العقل بوجوب التعلّم و الفحص.
((3))
هذا فیما إذا لم ینحلّ العلم الإجمالی، أمّا مع انحلاله فلا، فالدلیل أخصّ من المدّعی.
ص: 310
((1))
إنّ ما دلّ علی وجوب التعلّم و المعرفة من الآیات و الروایات کقوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون)((2)) و قوله (علیه السلام): «هلاّ تعلّمت» و ما شاکل ذلک وارد فی مورد هذا الاستصحاب، حیث إنّ فی غالب الموارد لایقطع الإنسان بل و لایطمئنّ بالابتلاء، فلو جری الاستصحاب فی هذه الموارد (موارد احتمال الابتلاء) لم یبق تحت العمومات و الإطلاقات إلّا الموارد النادرة و التقیید و التخصیص بالأکثر مستهجن، فلابدّ من عدم جریان الاستصحاب.
((3))
إنّ الآیات و الروایات الواردة فی وجوب التعلّم تشمل موارد القطع التفصیلی و الإجمالی بالابتلاء و تلک الموارد کثیرة جدّاً و أمّا موارد احتمال الابتلاء فهی داخلة تحت تلک الأدلّة بدواً و لکن الاستصحاب ینفی الابتلاء و یحرز عدمه فتخرج تلک الموارد (موارد احتمال الابتلاء) عن أدلّة وجوب التعلّم.
فعلی هذا تختصّ وجوب التعلّم بصورة القطع أو الاطمینان بالابتلاء و أمّا فی صورة احتمال الابتلاء فلایجب التعلّم.
و لکن بعض الأساطین یری أنّ مخالفة المشهور مشکلة فلابدّ حینئذ من الاحتیاط الوجوبی بالنسبة إلی التعلّم فی موارد احتمال الابتلاء.
ثمّ إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) و إن اختار وجوب التعلّم فی موارد العلم بالابتلاء و
ص: 311
الاطمینان به و موارد احتمال ذلک و لکنّه قال بعدم وجوب التعلّم فی الموارد التی یقلّ الابتلاء بها کبعض مسائل الشکوک و الخلل ممّا یکون الابتلاء به نادراً جدّاً.((1))
ص: 312
هی الواجبات التدریجیة، مثل المضطربة الناسیة للوقت الفاقدة للتمییز و هی تعلم إجمالاً بتحقّق الحیض فی طول الشهر و لکن لاتعلم أیامه بالخصوص فلاتدری أیجوز لها الدخول فی المسجد مثلاً أم لا، فإنّه بناء علی القول بالواجب المعلّق یکون العلم الإجمالی منجّزاً حیث إنّ التکلیف بالحرمة مثلاً فعلی و لکن لایعلم أنّ ما یحرم علیها هو فی الآن أو فی المتأخر، و أمّا بناء علی عدم القول بالواجب المعلّق فلایعلم بتحقّق التکلیف الفعلی فی الآن و حینئذ یمکن القول بجریان البراءة و جواز الدخول فی المسجد.
ص: 313
و فیه مطالب ثلاثة:
فیه قولان:
القول الأوّل: قال المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) -و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله) ((2))بوجوب التعلّم علیه
القول الثانی: اختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) عدم وجوب التعلّم علی الصبی.
إنّ التمسّک بحدیث الرفع لرفع وجوب التعلّم غیر ممکن و ذلک لأنّ وجوبه عقلی و حدیث الرفع لایرفع الوجوب العقلی.((4))
((5))
إنّ حکم العقل فی المقام و إن کان یعمّ الصبی و غیره إلّا أنّه معلّق علی عدم ورود التعبّد من الشارع علی خلافه و معه لامحالة یرتفع حکم العقل بارتفاع
ص: 314
موضوعه، و المفروض هو أنّ التعبّد الشرعی قد ورد علی خلافه فی خصوص الصبی.
((1))
إنّ وجوب التعلّم لیس شرعیاً و الدلیل علی ذلک هو أنّه إذا قال المولی فی مقام توبیخ العبد: «هلّا تعلّمت» فلایقبل من العبد أن یقول: لم یصل إلی وجوبه فالوجوب عقلی و لایعقل جعل الوجوب الشرعی فی مورده للزوم اللغویة فإذا کان الوجوب عقلیاً لا شرعیاً فلایمکن أن یکون مورداً لحدیث الرفع لأنّه فی مورد الشرعیات.
أوّلاً: إنّ الإطاعة للمولی وجوبه عقلی و لکن هی مرفوعة عن الصبی فما الفرق بین وجوب الإطاعة و وجوب التعلّم.
ثانیاً: ما أفاده من أنّ جعل الوجوب الشرعی للتعلّم لغو لمکان وجوبه العقلی فهو مخالف لما أفاده قبلاً فی المقدّمة المفوّتة فی مقام الإیراد علی مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) حیث قال: جعل الوجوب الشرعی لإیجاد الداعی بالنسبة إلی المقدّمة المفوّتة لغو((2)) فأجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) بعدم اللغویة حیث إنّ بعض الناس ینفعلون من تأکید الشارع و الداعی الشرعی و إلّا فما الوجه فی الأوامر الإرشادیة؟ غیر أنّ الأمر الإرشادی شأنه الهدایة إلی ما یدرکه العقل و الأمر الشرعی یوجب تحقّق الداعی الشرعی فهو أبلغ فی تحریک العبد نحو الفعل.((3))
ص: 315
هو أنّ ما أفادوا من افتراض توجّه الحکم العقلی بلزوم التعلّم علی الصبی محلّ تأمّل و مناقشة، لأنّ الحکم العقلی هو ما یدرکه العقل و غیر البالغ لم یکمل عقله حتّی یدرک الأحکام العقلیة نعم إنّ الممیز قد یدرک الأحکام العقلیة و لکن مع الترخیص الشرعی کیف یدرک اللزوم العقلی؟ مع أنّ أعلام أهل الفن اختلفوا فی بقاء موضوع حکم العقل فیما إذا جاء الترخیص الشرعی (بحدیث الرفع).
فیه خمسة أوجه:
إنّ المستفاد من الروایة هو لزوم التعلّم قبل العمل و لاتدلّ علی أنّ العلم لا فائدة فیه إلّا للعمل و أنّه لیس کمالاً علی حدة.
إنّه یظهر من السؤال عن الشیء (و الشیء هو التعلم) أنّ الشیء واجد للمصلحة و هو المطلوب و مثال ذلک هو أنّ من یسأل عن الطریق لایطلب إلّا المقصد.
إنّ القیاس مع الفارق فإنّ العلم بالطریق لیس کمالاً بخلاف العلم بالأحکام فإنّه کمال فی نفسه.
إنّ من لم یتعلّم و خالف التکلیف لایؤاخذ إلّا علی ترک التکلیف لا علی ترک التعلّم، مع أنّ التعلّم إن کان واجباً نفسیاً فلابدّ أن یؤاخذ المکلّف علی ترکه ولایمکن الالتزام بالمؤاخذتین.
فالحقّ فی المقام هو أنّ المستفاد من الأدلّة هو أنّ التعلّم مطلوب بنفسه و أمّا وجوبه فلیس نفسیاً.
توضیحه: هو أنّ الآیات مثل قوله تعالی: (قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یعْلَمُونَ)((1)) و قوله تعالی: (وَ ما یسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصیرُ)((2)) و الروایات
ص: 317
مثل «الْعِلْمُ وَدِیعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ»((1)) و «لَیسَ الْعِلْمُ بِکَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی قَلْبِ مَنْ یرِیدُ اللَّهُ أَنْ یهْدِیهُ»((2)) تدلّ علی مطلوبیته بنفسه لأنّه نور و أمّا الوجوب النفسی فلایمکن الالتزام به لما مضی فی الإشکال الثالث من لزوم العقابین و المؤاخذتین و هو باطل قطعاً.
إنّ التعلم مقدّمة وجودیة لتحقّق الواجب فهو واجب غیری کما فی سائر المقدّمات الوجودیة.((3))
ص: 318
((1))
إنّ الإتیان بالواجب لایتوقّف علی التعلّم إلّا فی ما کان الواجب مرکباً فیحتاج المکلّف إلی تعلّم أجزائه و شرائطه، مثل الصلاة.
مع أنّ وجوب التعلّم لایدور مدار ثبوت وجوب المقدّمة بل هو ثابت بالآیات و الروایات.
بناءً علی القول بوجوب المقدّمة فإن عرفنا الواجب الغیری بحیث لاینافی وجود الخطاب المستقل فنلتزم بالوجوب الغیری التهیوئی أمّا إن عرفناه بحیث لایشمل ما له خطاب مستقل فلابدّ أن نلتزم بالوجوب التهیؤی ثم إنّه مع الإیجاب الشرعی الغیری أو التهیؤی لایعقل حمله علی الوجوب الإرشادی.
و الظاهر هو أنّ الوجوب تهیؤی لأنّ المستفاد من الآیات و الروایات هو أنّ الشارع یرید إیجاد الداعی الشرعی مضافاً إلی الداعی العقلی.
إنّ العقل یستقلّ بلزوم تعلّم الأحکام الشرعیة فما ورد فی الکتاب و السنّة من الأوامر الواردة بالنسبة إلی التعلّم لابدّ أن یحمل علی الإرشاد بهذا الحکم العقلی.
ص: 319
((1))
لو کان وجوب التعلّم إرشادیاً یلزم جریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص کما أنّها تجری فی الشبهات الموضوعیة قبل الفحص، مع أنّهم لایقولون بجریانها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص.
ص: 320
توضیحه: هو أنّ المقتضی لجریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص موجود و هو إطلاق أدلة رفع عن أُمّتی ما لایعلمون و المانع عن جریانها هو أدلّة وجوب التعلّم.
فلو قلنا بأنّ تلک الأدلة أوامر إرشادیة فیکون حکمها مثل الأحکام العقلیة مع أنّ الأحکام العقلیة لاتصلح لمنع إطلاق دلیل الرفع و الوجه فیه هو أنّ الحکم العقلی یرتفع موضوعه مع الترخیص الشرعی و أدلّة البراءة الشرعیة ترخیصیة فیرتفع بها موضوع حکم العقل فلایبقی حکم العقل حتی یمنع عن إطلاق أدلة البراءة الشرعیة فیلزم جریانها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص مع أنّه لایمکن الالتزام به.
«أمّا الأُصول النقلیة فأدلّتها و إن کانت مطلقة فی نفسها إلّا أنّها مقیدة بما بعد الفحص بالقرینة العقلیة المتّصلة و النقلیة المنفصلة».((1))
ص: 322
التعلّم طریقیاً و یترتّب علیه تنجیز الواقع عند الإصابة، لأنّه أثر الوجوب الطریقی کما هو شأن وجوب الاحتیاط و وجوب العمل بالأمارات.((1))
((2))
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یعتقد فی الوجوب الطریقی بأنّه یکون هو المنجّز للواقع فلابدّ أن لایکون قبله منجّزاً للواقع، فعلی هذا لابدّ فی موارد الوجوب الطریقی أن لایکون قبله احتمال العقاب و إلّا فیکون احتمال العقاب هو المنجّز للواقع و وجوب التعلّم إرشاداً إلیه.((3))
فعلی هذا أدلّة وجوب التعلّم إرشادی.((4))
ص: 324
ص: 325
إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) أفتی فی «صراط النجاة» بفسق تارک تعلّم مسائل الشک و السهو فیما یبتلی به عامة المکلّفین.((1))
((2)):
المحقّق النائینی (قدس سره) لم یرتض بذلک و قال: هذا مخالف لمبنی الشیخ (قدس سره) و لذا احتمل السهو ممن جمع فتاوی الشیخ (قدس سره) و استدلّ علی ذلک بأنّ هذا الفتوی لابدّ أن یستند إلی أحد هذه الأُمور:
الأمر الأوّل: الالتزام بالوجوب النفسی للتعلّم کما هو مختار المحقّق الأردبیلی (قدس سره) و لکن الشیخ (قدس سره) لم یلتزم به فهذا مخالف لمبناه.
الأمر الثانی: الالتزام بحرمة التجرّی و لکنّه أیضاً مخالف لمبناه حیث قال بعدم حرمة التجرّی و أنّ قبحه فاعلی لا فعلی.
الأمر الثالث: الالتزام بالفرق بین مسائل السهو و الشک و سائر المسائل بدعوی أنّ العادة جرت علی الابتلاء بهذه المسائل و لذا یجب تعلّم مسائل السهو و الشک بالخصوص دون غیرها فمن ترکه کان فاسقاً.
ولکنّه أیضاً لایناسب مبنی الشیخ (قدس سره) حیث إنّ وجوب التعلّم عنده وجوب طریقی فلا عقاب علی ترکه بل العقاب علی مخالفة الواقع.
ص: 326
((1)):
السید المحقّق الخوئی (قدس سره) استشکل و قال: إنّ ما أفاده الشیخ (قدس سره) من أنّ تارک التعلّم محکوم بالفسق مبنی علی أنّ التجرّی کاشف عن عدم وجود ملکة العدالة فإنّ المتجرّی و إن لم یکن مستحقاً للعقاب لعدم ارتکابه للمبغوض الواقعی أو لعدم ترکه للواجب إلّا أنّه أتی بما یعتقد کونه مبغوضاً أو ترک ما یعتقد کونه واجباً و هذا کاشف عن فقد ملکة العدالة و لذا یحکم علیه بالفسق.
إنّ فقد ملکة العدالة لایلازم الفسق بل الفسق مترتّب علی من صدر عنه الحرام أو ترک الواجب فمن لم تصدر عنه المعصیة لایکون فاسقاً و إن لم یکن عادلاً.
ص: 327
ص: 328
فیه موضعان و تنبیهان:
و فیه ستة تعاریف:
إنّ المشهور عرّفوا الواجب النفسی بما أُمر به لنفسه و الواجب الغیری بما أُمر به لأجل غیره.((1))
إنّه یلزم أن یکون جمیع الواجبات الشرعیة أو أکثرها من الواجبات الغیریة،
ص: 329
إذ المطلوب النفسی قلما یوجد فی الأوامر، فإنّ جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها، فالتعریف بالنسبة إلی الواجب النفسی غیر منعکس و بالإضافة إلی الواجب الغیری غیر مطردّ. ((1))
((2))
الأولی فی تحدیدهما هو أن یقال: إنّ الواجب النفسی ما أُمر به لا لأجل التوصّل إلی واجب آخر و الواجب الغیری ما أُمر به للتوصّل إلی واجب آخر.
ثمّ إنّ الواجب النفسی قسمان:
الأوّل: ما کان الداعی محبوبیة الواجب بنفسه کالمعرفة بالله تعالی.
الثانی: ما کان الداعی محبوبیة الواجب بما یترتّب علیه من فائدة کأکثر الواجبات من العبادات و التوصّلیات.((3))
ص: 330
((1)):
إنّ الواجب الذی یکون الداعی فیه محبوبیته بما یترتّب علیه من الفائدة یکون واجباً غیریاً و الوجه فی ذلک هو أنّ الفوائد المترتّبة علی القسم الثانی من الواجب النفسی مطلوبة للمولی بحیث لولا وجوده هذه الفوائد لما دعی إلی إیجاب ذی الفائدة فمطلوبیة القسم الثانی من الواجب النفسی إنّما هی للتوصّل إلی هذه الفوائد التی یجب تحصیلها، فالقسم الثانی واجب لأجل التوصّل إلی واجب آخر فعاد الإشکال.
إنّ هذه الفوائد التی تترتّب علی القسم الثانی من الواجب النفسی لیست متعلّقة للوجوب، لأنّها خارجة عن حیز قدرة المکلّف فلایصحّ تعلّق التکلیف بها.
هی داخلة تحت القدرة لدخول أسبابها تحتها و القدرة علی السبب قدرة علی
ص: 331
المسبّب و لذا یتعلّق الأمر بالتطهیر المسبّب عن الغسل و الوضوء، فالإشکال الذی أورده علی تعریف المشهور یتوجّه إلی تعریفه أیضاً. ((1))
((2))
إنّ الواجب النفسی هو ما کان وجوبه لأجل حسنه فی حدّ ذاته، سواء کان مقدّمة لأمر مطلوب واقعاً أم لم یکن.
و الواجب الغیری ما کان وجوبه لأجل حسن غیره، سواء کان فی نفسه معنوناً بعنوان حسن کالطهارات الثلاث أم لم یکن. (کما ورد «الوضوء نور» فإنّ وجوب الوضوء لأجل الصلاة وجوب غیری و إن کان الوضوء فی نفسه معنوناً بعنوان حسن و هو نورانیته، فإنّ نورانیة الوضوء بنفسه لیست ملاک وجوبه الغیری).
((3))
لازم ذلک إرجاع جمیع الواجبات النفسیة إلی واجب واحد و هکذا فی المحرّمات توضیحه هو أنّ العناوین الحسنة أو القبیحة علی نحوین:
ص: 332
النحو الأوّل: ما هو حسن بالذات أو قبیح بالذات کعنوان العدل و الإحسان فی الحسن الذاتی و کعنوان الظلم و الجور فی القبح الذاتی.
النحو الثانی: ما هو حسن أو قبیح بالعرض کغیر العناوین المتقدّمة من سائر العناوین.
و بعبارة أُخری: إنّ العنوان الحسن أو القبیح قد لایتّصف بالحسن و القبح إذا طرأ علیه عنوان آخر یمنع عن اتّصافه بالحسن أو القبح، کعنوان الصدق و الکذب إذا طرأ علیهما عنوان قتل المؤمن أو إنجاؤه، و هذا عنوان عرضی لقبوله طرو المانع.
و قد لایقبل طرو عنوان آخر یزیل حسنه أو قبحه کعنوان العدل و الظلم فهذا عنوان ذاتی.
و من الواضح أنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات، فجمیع الواجبات النفسیة (إذا کانت واجبة نفسیة من حیث عنوان حسن) لابدّ من أن تنتهی إلی عنوان واحد و کذلک المحرّمات النفسیة کلّها مصادیق واجب واحد أو محرّم واحد بملاک و عنوان واحد، لأنّ عناوینها الحسنة و القبیحة لابدّ من أن تنتهی إلی عنوان ذاتی، فالعنوان الحسن أو القبیح ینحصر فی العنوان الذاتی و إرجاع جمیع الواجبات النفسیة إلی واجب واحد و جمیع المحرّمات النفسیة إلی محرّم واحد مما لایمکن الالتزام به.
لایقال: العنوان الحسن و القبیح لاینحصر فی العنوان الذاتی الذی لایقبل طرّو المانع بل ما بالذات تارة بنحو العلیة و أُخری بنحو الاقتضاء و الواجبات النفسیة و المحرّمات النفسیة لعلّها من قبیل الثانی(أی من قبیل الاقتضاء) فحسنها باعتبار ذواتها و إن کانت قابلة لطرو المانع.
ص: 333
لأنّا نقول: هذا المعنی و إن کان مشهوراً، لکنّه لا أصل له حسبما یقتضیه الفحص و البرهان إذ لا علیة ولا اقتضاء للعنوان بالإضافة إلی حکم العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه.
بل المراد بما بالذات و ما بالعرض أنّ العنوان إذا کان بنفسه مع قطع النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر محکوماً عند العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه لما فیه من المصلحة العامة أو المفسدة العامة کان حسناً أو قبیحاً بالذات و إذا لم یکن بنفسه محکوماً بأحدهما بل باعتبار اندارجه تحت ما کان بنفسه کذلک کان حسناً أو قبیحاً بالعرض.
((1))
إنّ جهة الحسن التی هی موجبة لمدح العقلاء غیر الجهة الموجبة لإیجاب الشارع.
توضیح ذلک هو: أنّ قضیة حسن العدل و قبح الظلم من القضایا المشهورة التی اتّفقت علیها آراء العقلاء حفظاً للنظام و إبقاء للنوع فلا منافاة بین الحسن الذاتی عند العقلاء و عدم المحبوبیة الذاتیة عند الشارع لأنّ الجهة الموجبة لمدح العقلاء لا دخل لها بالجهة الموجبة لإیجاب الشارع.
مثلاً: إنّ الصلاة و إن کانت حسنة عند العقلاء من حیث إنّها تعظیم - و هو عنوان حسن فإنّه عدل- و تعظیم العبد لمولاه من مقتضیات الرقیة و رسوم العبودیة فیکون به النظام محفوظاً و النوع باقیاً، إلّا أنّها غیر محبوبة للشارع من
ص: 334
هذه الجهة، بل من جهة استکمال العبد بها و زوال الأخلاق الرذیلة منه بها فیستعدّ لقبول نور المعرفة و أین إحدی الجهتین من الأُخری؟
((1))
إنّ حسن الأفعال الواجبة المقتضی لإیجابها إن کان ناشئاً من مقدّمیتها لما یترتّب علیها من المصالح و الفوائد اللازمة فالإشکال باق علی حاله و إن کان ثابتاً فی حدّ ذاتها مع قطع النظر عما یترتّب علیها فلازم ذلک أن لایکون شیء من الواجبات النفسیة متمحّضاً فی الوجوب النفسی و ذلک لاشتمالها علی ملاکین: النفسی (و هو حسنها الذاتی) و الغیری (و هو کونها مقدّمة لواجب آخر، نظیر صلاة الظهر حیثه إنّها واجبة لنفسها و مقدّمة لواجب آخر أیضاً و هی صلاة العصر).
((2))
إنّ دعوی الحسن الذاتی فی جمیع الواجبات النفسیة دعوی جزافیة لأنّ جلّ الواجبات النفسیة لم تکن حسنة بذاتها و فی نفسها کالصوم فإنّ ترک الأکل و الشرب فی نهار شهر رمضان لیس فی نفسه حسناً و الحسن الذاتی فی بعض الأفعال کالسجود غیر هذا الحسن العقلی.
اشتراء اللحم، فلامحالة یکون لغرض و هو طبخه و الغرض من طبخه أکله و الغرض منه إقامة البدل لما یتحلّل من البدن و الغرض منه إبقاء الحیاة و الغرض منه إبقاء وجوده و ذاته، فغایة جمیع الغایات للشوق الحیوانی ذلک و إذا کان الشوق عقلانیاً فغایة بقائه إطاعة ربّه و التخلّق بأخلاقه و ینتهی ذلک إلی معرفته تعالی.
فجمیع الغایات الحیوانیة ینتهی إلی غایة واحدة و هی ذات الشخص الحیوانی و جمیع الغایات العقلانیة ینتهی إلی غایة الغایات و مبدأ المبادی جلّ شأنّه هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة.
و أمّا الإرادة التشریعیة، فإنّ حقیقتها إرادة الفعل من الغیر، و من الواضح أنّ الإنسان لو أراد اشتراء اللحم من زید فالغرض منه و إن کان طبخه، لکنه غیر مراد منه، بل لعلّ الطبخ مراد من عمرو و إحضاره فی المجلس مراد من بکر و هکذا.
فلاتنافی بین کون الشیء مراداً من أحد و الغرض منه غیر مراد منه و إن کان الغرض مقصوداً من الفعل لترتّبه علیه، فالاشتراء مراد بالذات من زید و مقدّماته مرادة بالعرض منه و إن لم یکن الغرض من اشتراء اللحم نفسه بل ینتهی الغرض إلی شخص الآمر حیث یرید إبقاء حیأته و إبقاء وجوده و ذاته.
و منه یعلم حال الصلاة و سائر الواجبات النفسیة، فإنّ الغرض من الصلاة و إن کانت مصلحتها، إلّا أنّها غیر مرادة من المکلّف لا بالعرض و لا بالذات، بل المراد بالذات من المکلّف نفس الصلاة.
و جمیع آثار الواجب النفسی من کونه محرّکاً و مقرّباً و موجباً لاستحقاق الثواب علی موافقته و العقاب علی مخالفته یترتّب علی هذه الواجبات النفسیة مثل الصلاة.
ص: 336
[فتحصل من ذلک أنّ الواجب النفسی هو ما یکون مراداً بالذات من المکلّف و إن کان الغرض منه أمراً آخر غیر مراد من المکلّف و الواجب الغیری هو ما یکون مراداً بالعرض لأجل الإیصال إلی ما یکون مراداً بالذات من المکلّف].
((1))
أوّلاً: إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لایجدی فی الشرعیات، نعم إنّ الغرض فی المثال العرفی الذی أفاده مطلوب من شخص آخر لأنّ المولی أمر زیداً بشراء اللحم و عمراً بطبخه، و لکن الغرض فی الشرعیات مطلوب من نفس المخاطب بالأمر مثلاً إذا أمر الشارع زیداً بإتیان الصلاة فالمطلوب هو الانتهاء من الفحشاء و المنکر و هذا الأثر مطلوب من نفس زید لا من عمرو.
ثانیاً: إنّ ما أفاده لایجدی فی العرفیات أیضاً لأنّ الغرض من اشتراء زید اللحم هو طبخ اللحم الذی أراده المولی من عمرو و الغرض منه هو الأکل و لمّا کان الغرض مقدوراً للمکلّف فیجوز أن یتعلّق به الأمر فیکون واجباً نفسیاً فیصدق تعریف الواجب الغیری علی اشتراء اللحم لأنّه واجب للإیصال إلی واجب آخر فیکون الواجب النفسی واجباً غیریاً فعاد الإشکال.
أما ما أفاده فی الإیراد الأوّل ففیه أنّ الغرض فی الشرعیات مطلوب للمولی تکویناً و لکن لیس مراداً من نفس المخاطب لا بالإراده التشریعیة الذاتیة ولا بالإرادة التشریعیة العرضیة و ما مثّل به هو لتفهیم إمکان تعلّق الأمر بالشیء و
ص: 337
توجّهه إلی الشخص الأوّل مع أنّ الغرض من الأمر غیر مراد منه، و الشاهد علیه هو أنّا لو فرضنا عدم ترتّب هذا الغرض علی فعل الصلاة (مثل الصلاة التی لا روح لها و صلّاها المکلّف بلا حضور القلب) لایسقط وجوبها.
و أما ما أفاده فی الإیراد الثانی ففیه أنّ طبخ اللحم فی المثال المذکور لیس مقدوراً لزید کما أنّ أکل المولی اللحم لیس مقدوراً لعمرو فالمراد بالذات من زید هو الاشتراء و من عمرو هو الطبخ.
((1))
إنّ الأغراض و الغایات المترتّبة علی تلک الواجبات النفسیة علی ثلاثة أقسام:
الأوّل: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بلا توسط أمر بینهما لا أمر اختیاری ولا أمر غیر اختیاری مثل ترتّب الزوجیة علی العقد و القتل علی الضرب و هکذا فلا مانع من تعلّق التکلیف بها لأنّها مقدورة بواسطة القدرة علی سببها.
الثانی: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بتوسط أمر اختیاری مثل الصعود علی السطح بواسطة نصب السلّم و هنا أیضاً لا مانع من تعلّق التکلیف بالغرض بملاک أنّ الواسطة مقدورة.
الثالث: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بتوسط أمر خارج عن اختیار الإنسان فتکون نسبة الفعل إلی الغرض نسبة المعِدّ إلی المعَدّ له لا نسبة السبب إلی المسبّب کحصول الثمر علی الزرع حیث یتوقف علی مقدمات خارجة عن قدرة الإنسان، وهنا لایمکن تعلّق التکلیف بهذا الغرض الأقصی.
ص: 338
و ما نحن فیه من هذا القبیل فإنّ نسبة الأفعال الواجبة إلی ما یترتّب علیها من المصالح و الأغراض نسبة المعِدّ إلی المعَدّ له حیث تتوسط بینهما أُمور خارجة عن اختیار المکلّف، و علیه لایمکن تعلّق التکلیف بتلک المصالح و الغایات لخروجها عن تحت قدرة المکلّف.
((1))
إنّ ما أفاده بالنسبة إلی الغرض الأقصی صحیح فإنّ نسبة النهی عن الفحشاء و أفعال الصلاة لیست نسبة العلّیة بل الصلاة معدّ و النهی عن الفحشاء هو المعدّ لها إنّ النهی عن الفحشاء هو الغرض القریب فمن صلّی مع حضور القلب یترتب علیه ذلک، أمّا المعراج (الصلاة معراج المؤمن) و القربان المطلق و بعض مراتب القرب فتعد من الغرض الأقصی، لأنّ ترتّب هذا الغرض الأقصی علی الصلاة متوقّف علی مقدّمة أُخری خارجة عن اختیار المکلّف، لکن هذا لایتمّ بالإضافة إلی الغرض القریب لأنّ الغرض القریب له حیثیة الإعداد للوصول إلی الغرض الأقصی، و ترتّب الغرض القریب علی الأفعال الصلاتیة ترتّب المعلول علی علّته و المسبّب علی سببه، فلا مانع من تعلّق التکلیف بالغرض القریب لأنّه مقدور للمکلّف بواسطة القدرة علی سببه و علی هذا یبقی إشکال دخول الواجبات النفسیة فی تعریف الواجب الغیری.
و مثّل له بالأمر بالزرع فی الأرض فإنّ الغرض الأقصی منه و هو حصول النتاج خارج عن اختیار المکلف لکن الغرض القریب و هو إعداد المحلّ لحصول النتاج داخل تحت اختیاره لوجود القدرة علی سببه.
ص: 339
((1))
أمّا بناء علی نظریة صاحب المعالم (قدس سره) ((2)) من أنّ الأمر بالمسبّب عین الأمر بالسبب فیکون جمیع الأفعال واجباً بالوجوب النفسی، فلیس هنا واجب آخر لیکون وجوبها لأجل ذلک الواجب فیکون غیریاً.
و أمّا بناء علی نظریة المشهور و هو الحقّ (من أنّ السبب کسائر المقدّمات لیس واجباً نفسیاً) فلأنّ المصالح و الغایات المترتّبة علی الواجبات لیست قابلة لتعلّق التکلیف بها، فإنّ تعلّق التکلیف بشیء یرتکز علی أمرین:
الأوّل: أن یکون مقدوراً للمکلّف و الثانی: أن یکون أمراً عرفیاً و قابلاً لأن یقع فی حیز التکلیف بحسب أنظار العرف و تلک المصالح و الأغراض و إن کانت مقدورة له للقدرة علی أسبابها، إلّا أنّها لیست مما یفهمه العرف العام لأنّها من الأُمور المجهولة عندهم و خارجة عن أذهان عامّة الناس فلایحسن توجیه التکلیف إلیها ضرورة أنّ العرف لایری حسناً فی توجّه التکلیف بالانتهاء من الفحشاء أو بإعداد النفس للانتهاء عن کل أمر فاحش فیتعلّق الوجوب النفسی بنفس الأفعال دون غایاتها.
((3))
إنّ ما ذهب إلیه من أنّ تلک المصالح و الأغراض لیست مما یفهمه العرف العام بل تکون أُموراً مجهولة عندهم ممنوع، حیث إنّ هذه الأغراض قد أُشیر
ص: 340
إلیها فی القرآن الکریم مثل غرض الصلاة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ)((1))و قد أُشیر إلیها فی الروایات مثل ما ورد من أنّ الزکاة تطهیر للنفس و توفیر للمال مع أنّ الشارع لایخاطب العرف العام بما لایفهمون، فما أفاده مخالف لبیانیة آیات الکتاب المبین و تفسیریة الروایات، هذا أوّلاً.
و ثانیاً: ما ذهب إلیه مخالف لطریقة الشارع فی خطاباته حیث إنّه لایخاطب العرف بما لایفهمون.
نعم إنّ العرف العام و الخاص لایعلم کیفیة ترتّب الأغراض و الغایات علی الأفعال و الواجبات النفسیة المذکورة و لکن لیس معنی ذلک مجهولیة الأغراض بل هذا مجهولیة سرّ ترتّب الأغراض علی الواجبات النفسیة.
ص: 341
فیه مقامان:
مقتضی الأصل الوجوب النفسی و فی تقریر ذلک نظریات:
إنّ الشیخ (قدس سره) یقول باستحالة رجوع القید إلی الهیأة و لزوم رجوعه إلی المادّة ولذا یمکن التمسک بالإطلاق بوجهین:((1))
الوجه الأوّل: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من الجملة الاسمیة مثل قوله (علیه السلام): غسل الجمعة فریضة من فرائض الله؛ و هنا یتمسک بإطلاق هذه الجملة لإثبات کون الوجوب نفسیاً و إلّا لنصب قرینة علی الغیریة لأنّه فی مقام البیان لم ینصب قرینة علی الغیریة فالإطلاق یقتضی عدم غیریة الوجوب.
الوجه الثانی: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من صیغة الأمر فحیث لم یمکن الإطلاق فی ناحیة الهیأة فلابدّ من التمسّک بالإطلاق فی ناحیة المادّة و بیان ذلک هو أنّ المولی کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علی تقیید الواجب النفسی بوجود شیء مقدّمی مثلاً شککنا فی تقیید الصلاة بالوضوء علی الفرض فلو لم ینصب قرینة علی هذا التقیید نتمسّک بإطلاق الصلاة و لازم ذلک هو عدم کون الوضوء واجباً غیریاً و هذا اللازم حجّة، لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجّة.
ص: 342
((1))
لابدّ من التمسّک بإطلاق الهیأة، لأنّ الهیأة و إن کانت موضوعة للأعمّ من الوجوب النفسی و الغیری إلّا أنّ الغیری یحتاج إلی مؤونة زائدة لأنّ تقیید وجوب شیء بما إذا وجب غیره یحتاج إلی مؤونة زائدة و حیث لم ینصب قرینة علی ذلک و لم یقیده فمقتضی الإطلاق هو الوجوب النفسی.
((2))
لا وجه للاستناد إلی إطلاق الهیأة لأنّ مفاد الهیأة هی الأفراد التی لایعقل فیها التقیید لأنّ التقیید عبارة عن التضییق و مفاد الهیأة هو مصداق الطلب و واقعه لا مفهوم الطلب فإنّ مفهوم الطلب قابل للتقیید و التضییق إلّا أنّ مفاد الهیأة لیس مفهوم الطلب و الوجه فی ذلک هو أنّ الأمر هو الطلب الحقیقی و هذا یقتضی أن یکون مفاد الهیأة هو واقع الطلب و مصداقه.
ما یکون بالحمل الشائع طلباً و الطلب الإنشائی هو مفهوم الطلب لأنّ الوجود الإنشائی لکلّ شیء لیس إلّا قصد حصول مفهوم بلفظه.
أمّا الطلب الحقیقی فلایمکن أن یکون مفاد الهیأة لأنّ الطلب الحقیقی من الصفات الخارجیة القائمة بالنفس و لایمکن إنشاؤه باللفظ لأنّ الأمر القائم بالنفس لایمکن إنشاؤه باللفظ فإنّ صیغة افعل إنشاء و مفاد الهیأة طلب إنشائی و هو مفهوم الطلب و هو قابل للإطلاق و التقیید فما لیس قابلاً للإطلاق و التقیید هو الطلب الحقیقی. فما أفاده الشیخ (قدس سره) مبنی علی اشتباه المفهوم بالمصداق.
((1))
إنّ مفاد الجملة خبریة کانت أو إنشائیة لیس إلّا النسبة دون أطرافها، إلّا أنّ المعانی الحرفیة (و منها مفاد الهیآت) علی قسمین:
القسم الأوّل: المعانی الحرفیة التی تکون حقائقها حقیقة النسبة کنسبة الظرف إلی المظروف و نسبة العرض إلی معروضه و النسبة الحکمیة الاتحادیة بین الموضوع و محموله و الوجود الرابط فی القضیة الإیجابیة المرکّبة.
القسم الثانی: المعانی الحرفیة التی تکون معان نسبیة، کالبعث و التحریک فإنّهما بذاتهما معنیان قابلان للحاظ الاستقلالی، لکنه إذا لوحظ البعث من حیث إنّه أمر بین الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه فقد لوحظ علی وجه الآلیة و النسبیة و هیأة الأمر نزلت منزلة هذه النسبة الخاصة، فلامنافاة بین کون البعث مفهوماً اسمیاً و کونه مأخوذاً بنحو الآلیة و النسبیة و هو بالاعتبار الثانی قابل
ص: 344
للإنشاء و من یقول بإنشاء مفهوم الطلب لیس غرضه إنشاءه بما هو مفهوم اسمی، بل بما هو أمر بین الطالب و المطلوب و المطلوب منه.
((1))
إنّه لایترقّب من الإنشاء إیجاد الشیء حقیقة بل المراد من إنشاء الإرادة النفسانیة الموجودة هو أن یتحقّق لها وجود إنشائی کما یکون لها وجود حقیقی، فلابدّ من إقامة البرهان علی أنّ الموجود الحقیقی غیر قابل لأن یوجد بوجود إنشائی.
بیان ذلک هو أنّ الوجود الإنشائی وجود عرضی للشیء، و لا منافاة بین کون الشیء موجوداً بالحقیقة و موجوداً بالعرض ولایلزم من هذا الوجود الإنشائی عروض الوجود علی الوجود، بل الوجود الإنشائی هو إیجاد طبیعی المعنی بالعرض لینتقل من الموجود بالذات (و هو اللفظ) إلی الموجود بالعرض (و هو معناه) فلابدّ من أن یکون سنخ الموضوع له و المستعمل فیه «طبیعی المعنی» و الوجه فی ذلک هو أنّ الموجود خارجیاً کان أو ذهنیاً غیر قابل لأن یکون انتقالیاً، إذ الانتقال لیس إلّا وجوده الذهنی، و الموجود بما هو لایعقل أن یعرضه الوجود الذهنی.
و هذا هو السّر فی عدم قابلیة الإرادة النفسانیة بحقیقتها للوجود الإنشائی، لأنّ الموجود الحقیقی النفسانی لایقبل الوجود الإنشائی أمّا طبیعی المعنی الذی هو موجود بالوجود النفسانی قابل لأن یوجد بالوجود الإنشائی.
ثم إنّ مفاد الصیغة و ما هو المنشأ من سنخ المعنی لا من سنخ الوجود و لذا
ص: 345
قلنا: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام الإیراد علی الشیخ (قدس سره) من أنّ ایراد الشیخ (قدس سره) مبنی علی اشتباه المفهوم بالمصداق متین.
و هذا هو الإشکال الذی یتوجّه علی الشیخ (قدس سره) .
((1))
إنّ الواجب النفسی علی ما فسّره المشهور هو الواجب لا لواجب آخر و الغیری هو الواجب لواجب آخر فالواجب النفسی مقید بأمر عدمی و الواجب الغیری مقید بأمر وجودی، و القید وجودیاً کان أو عدمیاً یحتاج إلی البیان.
لکن الأمر فی القید العدمی أسهل لأنّ عدم البیان للأمر الوجودی عند العرف کاف فی بیان القید العدمی فإذا لم یقید الواجب بکونه لواجب آخر فهذا یکفی فی إثبات أنّه لیس لواجب آخر، فالإطلاق یدلّ علی کون الواجب نفسیاً إلّا أنّه لا مانع من أن یکون هذا الواجب النفسی (أی الوضوء) بدلیله مقدّمة لذلک الغیر (أی الصلاة) فلابدّ فی رفع المقدّمیة و عدم التقیید للغیر من إطلاق ذلک الغیر (أی الصلاة).
((2))
إنّ المحقّق الإیروانی (قدس سره) یقول: إنّ الإطلاق الأحوالی یجری بالنسبة إلی الوجوب الذی أمره مردّد بین النفسیة و الغیریة، فإنّ وجوب الوضوء له حالتان: حالة وجوب الصلاة و حالة عدمه و مقتضی الإطلاق الأحوالی عدم تقییده بحالة وجوب الصلاة فالنتیجة هی نفسیة وجوب الوضوء.
ص: 346
و هذا الإطلاق الأحوالی غیر الإطلاق الأفرادی فإنّ الإطلاق الأحوالی جار فی المقام سواء قلنا بمقالة الشیخ (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو فرد الطلب) أم قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب).
أمّا الإطلاق الأفرادی فیجری علی مقالة صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب لأنّ مفهوم الطلب یقبل الإطلاق الأفرادی و لکنّه لایجری علی مقالة الشیخ (قدس سره) لأنّ مفاد الهیأة عنده هو فرد الطلب و مصداقه و هو لایقبل الإطلاق و التقیید الأفرادی.
ثم إنّ الإطلاق الأفرادی موضوعه الطبیعة اللابشرط بالنسبة إلی خصوصیات الأفراد فیکون شاملاً لجمیع الأفراد و مفهوم الطلب یقبل هذا الإطلاق الأفرادی إلّا أنّه لایجری فی المقام لأنّ الوجوب فی المقام إمّا نفسی و إمّا غیری و لا معنی لإطلاقه بالنسبة إلی کلا الفردین فعلی هذا إنّ الإطلاق الأفرادی لایجری بناء علی مقالة الشیخ (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مصداق الطلب و فرده) و لایجدی بناء علی مقالة صاحب الکفایة (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب) لأنه لا فائدة فی إطلاق مفهوم الطلب و کونه أعمّ من الفرد النفسی و الفرد الغیری بل الوجوب إمّا نفسی و إمّا غیری.
فلو أراد صاحب الکفایة (قدس سره) الإطلاق الأُصولی فلابدّ له أن یجیب عن الشیخ (قدس سره) بأنّ الإطلاق الأحوالی جار فی المقام سواء قلنا بأنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب أم مصداقه، لکنّه تسلّم عدم قبول مصداق الطلب و فرده للإطلاق و التقیید فیفهم من ذلک أنّ الإطلاق عند صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً هو الإطلاق الأفرادی.
ص: 347
و فیه نظریات:
((1))
إنّ وجوب الغیر (مثل الصلاة) الذی هو نفسی (و شککنا فی أنّ هذا الوجوب المشکوک لکونه مقدّمة له فیکون غیریاً أو عدم کونه مقدّمة له فیکون نفسیاً) إمّا فعلی و إمّا غیر فعلی.
أمّا إذا کان فعلیاً فلابد من الإتیان بما نشک فی مقدّمیته للعلم بوجوبه إمّا نفسیاً (إذا فرضنا عدم کونه مقدّمة) و إمّا غیریاً (إذا فرضنا مقدّمیته) فهنا لابدّ من امتثاله.
و أمّا إذا لم یکن فعلیاً فنشک فی فعلیة وجوب هذا الأمر المشکوک لأنّه علی تقدیر مقدمیته فوجوبه الغیری غیر فعلی فی هذا الفرض و علی تقدیر عدم مقدمیته فوجوبه النفسی یکون فعلیاً فعلی هذا فعلیته مشکوکة و الشک البدوی مجری البراءة.
((2))
إنّ فی صورة العلم بوجوب ذلک الغیر إمّا یکون الوجوب فعلیاً فیجری الاشتغال و إمّا یکون غیر فعلی فقال صاحب الکفایة (قدس سره) بالبراءة و لکنّه لابدّ من
ص: 348
التفصیل فی هذا الفرض لأنّ وجوب ذلک الغیر إذا کان غیر فعلی له صورتان:
الصورة الأُولی: أن لایکون مسبوقاً بالوجوب فحینئذ تجری البراءة کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) .
الصورة الثانیة: أن یکون مسبوقاً بالوجوب و لکنّه ارتفع فعلیته فحینئذ یحصل لنا العلم بأنّ ما شک فی نفسیته أو غیریته کان سابقاً واجباً إمّا بالوجوب النفسی أو بالوجوب الغیری فالحالة السابقة هو الوجوب و الآن وجوبه مشکوک بین مقطوع الزوال (إن کان وجوبه غیریاً) و مقطوع البقاء (إن کان وجوبه نفسیاً) فیکون صغری «استصحاب الکلّی القسم الثانی».
فعلی القول بعدم جریان الاستصحاب الکلّی فی القسم الثانی فالمرجع هی البراءة و علی القول بجریانه (کما هو الصحیح عنده) فهو أصل حاکم علی البراءة فلابدّ من إتیان ما نشک فی نفسیته أو غیریته.
((1))
إنّه یعتبر فی المستصحب أن لایکون التعبّد به لغواً و لذا لابدّ أن یکون المستصحب إمّا حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی أو موضوعاً للحکم العقلی و المستصحب فی الاستصحاب الکلّی هنا لیس حکماً شرعیاً لأنّ الحکم الشرعی إمّا هو الوجوب النفسی أو الوجوب الغیری، أمّا الجامع الانتزاعی بین الوجوب النفسی و الغیری فلیس حکماً شرعیاً و مجعولاً من قبل الشارع، و أیضاً إنّ المستصحب هنا لیس موضوعاً للحکم الشرعی کما هو واضح، و أیضاً إنّ المستصحب لیس موضوعاً للحکم العقلی لأنّ الجامع الانتزاعی إن
ص: 349
کان بین الوجوبین النفسیین فیتحقّق موضوع حکم العقل باستحقاق العقاب و لکن الجامع الانتزاعی هنا بین الوجوب النفسی و الغیری، و الواجب الغیری غیر محکوم بحکم العقل باستحقاق العقاب علی ترکه فالاستصحاب الکلی هنا غیر تامّ.
((1))
إنّ الشک فی النفسیة و الغیریة: تارةً فی فرض العلم بوجوب ذلک الغیر فالأمر کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ البراءة تجری فی فرض عدم فعلیة وجوب ذلک الغیر بعدم دخول وقته، و أمّا فی فرض فعلیة وجوب ذلک الغیر بدخول وقته فلاتجری البراءة (فلابدّ من امتثاله).
و أُخری فی فرض عدم العلم بوجوب ذلک الغیر کما إذا دار الأمر بین أن یکون الطهارة واجبة نفسیاً أو واجبة غیریاً مقدّمة للصلاة، فالطهارة واجبة علی کل حال فإنّ المسألة حینئذ داخلة فی الأقل و الأکثر، و کما أنّ البراءة عن القید فی تلک المسألة لاتنافی وجوب ذات المقید، کذلک البراءة عن تقید الطهارة بوجوب الصلاة هنا لاتنافی وجوب الطهارة فعلاً.((2))
تصویر السید المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) صوراً أربع فی المسألة:
إنّ هنا صوراً أربع لابدّ من البحث عنها:
ص: 350
فهی أنّ المکلّف علم بوجوب شیء إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هو یعلم بأنّه لو کان واجباً غیریاً لم یکن وجوبه فعلیاً لعدم فعلیة وجوب ذی المقدّمة مثل التردید فی أنّ الوضوء واجب نفسی أو غیری مع علمه بعدم فعلیة الصلاة مثلاً لمانع مثل الحیض أو لعدم دخول وقته و هنا تجری البراءة عقلاً و نقلاً کما أنّ صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) أیضاً ذهبا إلی جریان البراءة.
فهی أنّ المکلّف علم بوجوب شیء فعلاً إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هو یعلم بأنّه إن کان واجباً غیریاً فیکون وجوبه فعلیاً لفعلیة وجوب ذی المقدّمة و هذا مثل تحقّق النذر و التردید فی متعلّقه بین الوضوء و الصلاة فإن کان متعلّق النذر هو الوضوء فهو واجب نفسی و إن کان متعلّقه هو الصلاة فالوضوء واجب غیری فهنا العلم الإجمالی بالوجوب النفسی المردّد بین الوضوء و الصلاة محقّق، ولایمکن انحلال العلم الإجمالی حقیقة و لکن الانحلال الحکمی محقّق کما فی مسألة الأقلّ و الأکثر الارتباطیین.
توضیح ذلک: هو أنّ العلم الإجمالی إنّما یکون مؤثراً فیما إذا تعارض الأُصول فی أطرافه أمّا إذا لم تتعارض فیها فلا أثر له و هنا من هذا القبیل و الوجه فی ذلک هو أنّ البراءة فی المقام لاتجری بالنسبة إلی الوضوء للعلم التفصیلی بوجوبه و استحقاق العقاب علی ترکه سواء کان وجوبه نفسیاً أم غیریاً و حینئذ لا مانع من جریان أصالة البراءة فی ناحیة الصلاة للشک فی وجوبه و عدم قیام حجّة شرعیة علیه فالعقاب علی ترک الصلاة یکون عقاباً بلا بیان.
ص: 351
فهی أنّ المکلّف علم بوجوب کل من الفعلین و شک فی تقیید أحدهما بالآخر مع علمه بتماثلهما من حیث الإطلاق و الاشتراط، مثل الشک فی تقیید الصلاة بالوضوء.
فقال المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) بالرجوع إلی أصالة البراءة عن التقیید (تقیید الصلاة بالوضوء) و النتیجة هی أنّ الوضوء واجب نفسی، ولایلزم إتیانها قبل الصلاة.
ولکن الحقّ هو أنّ أصالة البراءة عن التقیید معارض بأصالة البراءة عن وجوب الوضوء بوجوب نفسی.
بل العلم الإجمالی بأنّ الواجب إمّا نفسی و إمّا غیری موجود فهو مانع عن جریان أصالة البراءة عن النفسیة و الغیریة فلایمکن جریان الأصلین معاً لاستلزامه المخالفة القطعیة العملیة.
فالمرجع «قاعدة الاحتیاط» و هی تقتضی إتیان الوضوء أوّلاً ثم إتیان الصلاة.
فهی أنّ المکلّف علم بوجوب کل من الفعلین و شک فی تقیید أحدهما بالآخر مع عدم علمه بتماثلهما من حیث الإطلاق و التقیید کما إذا علم باشتراط الصلاة بالوقت و شک فی اشتراط الوضوء بالوقت فإن کان الوضوء واجباً
ص: 352
نفسیاً فلایکون مشروطاً بالوقت و إن کان واجباً غیریاً فیکون الوضوء مشروطاً بالوقت.
و هنا ثلاث جهات نشک فیها:
الجهة الأُولی: نشک فی تقیید الصلاة بالوضوء و عدم تقییدها به.
الجهة الثانیة: نشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت.
الجهة الثالثة: نشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت.
((1))
إنّ المحقّق النائینی قال بجریان البراءة فی جمیع هذه الجهات الثلاث:
أمّا الجهة الأُولی: فنشک فی تقیید الصلاة بالوضوء و هو مجری البراءة فالنتیجة هی صحّة الصلاة بدون الوضوء و هی نتیجة النفسیة فی وجوب الوضوء.
أمّا الجهة الثانیة: فنشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت الذی هو شرط لوجوب الصلاة فتجری البراءة و النتیجة هی نتیجة الغیریة فی وجوب الوضوء (حیث إنّه لو کان نفسیاً لکان واجباً قبل الوقت الذی هو شرط لوجوب الصلاة).
أمّا الجهة الثالثة: فنشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت بالنسبة إلی من أتی به قبله و مرجع هذا الشک إلی أنّ وجوب الوضوء بعد الوقت مطلق أو مشروط بما إذا لم یؤت به قبله فتجری البراءة عن وجوب الوضوء بعد الوقت و النتیجة هی أنّ الوضوء واجب و المکلّف مخیر بین إتیانه قبل الوقت و بعد الوقت و قبل الصلاة و بعد الصلاة.
ص: 353
((1))
إنّ وجوب الوضوء إن کان نفسیاً فهو إمّا مقید بإیقاعه قبل الوقت و إمّا مطلق و إن کان غیریاً فهو مقید بما بعد الوقت علی کل تقدیر فهنا صورتان:
1- إنّه إمّا نفسی مقید بقبل الوقت أو غیری:
قال المحقّق النائینی (قدس سره) بجریان البراءة عن تقیید الصلاة بالوضوء و نتیجتها هی النفسیة.
و یرد علیه أنّه معارض بجریان البراءة عن وجوبه النفسی قبل الوقت و جریان البراءة بالنسبة إلی کلیهما مستلزم للمخالفة القطعیة العملیة لأنّ البراءة عن تقید الصلاة بالوضوء یوجب عدم وجوب الوضوء بعد الوقت (لأنّه براءة عن الوجوب الغیری و الوجوب الغیری للوضوء مقید ببعد الوقت) و البراءة عن الوجوب النفسی للوضوء یوجب عدم وجوبه قبل الوقت فجریان البراءة فی کلیهما مستلزم لعدم وجوب الوضوء قبل الوقت و عدم وجوبه بعد الوقت و هذا مخالف للعلم الإجمالی بأنّ الوضوء واجب إمّا نفسیاً أو غیریاً، و العلم الإجمالی هنا من التدریجیات لا الدفعیات بمعنی أنّا نعلم إجمالاً إمّا بوجوب الوضوء قبل الوقت لأنّه نفسی و إمّا بوجوب الوضوء بعد الوقت لأنّه غیری، و العلم الإجمالی فی التدریجیات منجّز کالعلم الإجمالی فی الدفعیات فلابدّ من «جریان الاحتیاط» لتنجیز العلم الإجمالی.
و المتحصّل هو أنّه لابدّ من الإتیان بالوضوء قبل الوقت، فإن بقی إلی ما بعده
ص: 354
أجزأه من الوضوء بعده و لایجب علیه الإتیان ثانیاً، و إن لم یبق إلی ما بعد الوقت وجب علیه التوضّؤ ثانیاً بمقتضی الاحتیاط.
فالنتیجة هی نتیجة الحکم بالوجوب النفسی و الغیری معاً من باب الاحتیاط.
2- إنّه إمّا نفسی مطلق (بالنسبة إلی قبل الوقت و بعد الوقت) و إمّا غیری:
و هنا لا معنی لإجراء البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت لعدم احتمال تقیده بقبل الوقت و لأنّ الواجب النفسی فی هذا الفرض هو مطلق غیر مقید بقبل الوقت و البراءة تجری لرفع الضیق عن المکلّف لا رفع السعة و الإطلاق فلایمکن جریان البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت فی هذا الفرض.
أمّا جریان البراءة عن وجوب الوضوء بعد الوقت فی هذا الفرض (أی الصورة الثانیة) فهو أیضاً لایمکن الالتزام به، لأنّ العقل یحکم بوجوب الوضوء بعد الوقت و ذلک للعلم الإجمالی بوجوب الوضوء إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هذا العلم الإجمالی منجّز فیجب الاحتیاط. (هذا حکم الجهة الأولی و الثانیة من الجهات الثلاث).
نعم لو شککنا فی وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت علی تقدیر کونه غیریاً أمکن رفعه بأصالة البراءة، و ذلک لأنّ تقیید الوضوء بما بعد الوقت یتوقف علی فرض کونه واجباً غیریاً و هو مشکوک فتجری البراءة منه؛ أمّا لو فرضنا وجوبه نفسیاً فهو إمّا مقید بقبل الوقت (کما هو الصورة الأُولی) و إمّا مطلق.
فما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جریان أصالة البراءة لایتمّ فی الجهتین الأُولیین و تامّ فی الجهة الأخیرة.
ص: 355
((1))
إنّ العلم الإجمالی منجّز فی تمام الجهات الثلاث لأنّ العلم الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیری للوضوء مسبوق بعلم إجمالی مردّد بین الوجوب النفسی للوضوء أو الوجوب النفسی للصلاة و المقتضی لجریان الأصل فی طرف الوضوء و هکذا فی طرف الصلاة موجود فالأصلان یجریان و یتعارضان و یتنجّز العلم الإجمالی و یجب الاحتیاط.
إنّ العلم الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیری للوضوء غیر مسبوق بعلم إجمالی مردد بین الوجوب النفسی للوضوء و الوجوب النفسی للصلاة بل مفروض المسألة هو العلم التفصیلی بالوجوب النفسی للصلاة کما أنّ المفروض هو العلم بالوجوب الفعلی للوضوء إلّا أنّ وجوب الوضوء مردّد بین النفسیة أو الغیریة بناء علی تقیید الصلاة به، فعلی هذا نحتمل أن تکون الصلاة واجباً نفسیاً غیر مقید بالوضوء مع کون الوضوء أیضاً واجباً نفسیاً فحینئذ لایجب الوضوء بعد دخول وقت الصلاة فالمقام مجری البراءة کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .
إنّ العلم الإجمالی ینحلّ هنا حکماً لجریان البراءة عن تقید الصلاة بالوضوء
ص: 356
بلا معارض و اختاره السید الصدر (قدس سره) فی بحوث فی علم الأصول((1)) و العلامة الصافی الإصفهانی (قدس سره) فی الهدایة فی الأصول((2)) و نکتفی بتقریر الهدایة فی الأصول:
إنّ جریان البراءة الشرعیة یحتاج - مضافاً إلی کون المجری مشکوک الوجود - إلی أمرین آخرین:
أحدهما لزوم التوسعة علی العبد، لأنّها صدرت امتناناً.
ثانیهما أنّها لمّا کانت أصلاً تأمینیاً یؤمّن من العقاب فلابدّ من وجود احتمال العقاب فإذا کان العقاب معلوماً وجوداً أو عدماً فلا مجال لجریان أصالة البراءة.
وکلا الأمرین مفقود فیما نحن فیه
أمّا الأوّل: فلأنّ النفسیة و إن کانت مشکوکة علی الفرض إلّا أنّ رفعها یوجب الضیق علی المکلف، بخلاف رفع الغیریة و ذلک لأنّ وجوب الوضوء إذا کان غیریاً فلابدّ أوّلاً من لزوم إیقاعه قبل ذلک الواجب المحتمل تقیده به و ثانیاً عدم إبطاله حتّی یأتی بذلک الواجب، و أمّا إذا کان نفسیاً فالمکلّف فی سعة من هذا، سواء أتی به قبل ذلک الواجب أم لا، و سواء أبطله أم لا فرفع النفسیة خلاف الامتنان فلاتجری البراءة.
أمّا الثانی: فلأنّ العقاب علی ترک الوضوء قطعی إمّا لترک نفسه إذا کان نفسیاً أو ترک ذلک الواجب إذا کان مقدّمة له، فجریان البراءة عن وجوبه النفسی لایوجب التأمین من العقاب.
ص: 357
فتحصل من ذلک أنّ الحقّ مع المحقّق النائینی (قدس سره) فالعلم الإجمالی ینحلّ حکماً و تجری البراءة عن تقیید الصلاة بالوضوء ولاتجری البراءة عن الوجوب النفسی للوضوء.
ص: 358
فیه مطالب أربعة:((1))
((2))
قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): إنّ القول بالثواب و العقاب بوجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل: بملاحظه جعل الشارع و تقریبه أنّ «قاعدة اللطف» کما تقتضی إعلام العباد ما فیه الصلاح أو الفساد بالبعث نحو الصلاح و الزجر عن الفساد، کذلک تقتضی تأکید الدعوة فی نفوس العامّة بجعل الثواب و العقاب، فالعبد بعمله یستحقّ ما جعله المولی من المثوبة و العقوبة بحقیقة معنی الاستحقاق.
الوجه الثانی: إنّ العقل و الشرع یشهدان بصحة کون الأعمال الحسنة مقتضیة لصور ملائمة فی الدار الآخرة أو اقتضاء الأعمال السیئة لصور منافرة فی الآخرة لعلاقة لزومیة بینهما.
الوجه الثالث: إنّ العقل العملی (الذی من شأنه أن یدرک ما ینبغی فعله أو ترکه) هو الحاکم بالاستحقاق و لکن لا بما هو قوّة ممیزة للحسن و القبح و شأنها الإدراک بل باعتبار مدرکاته و هی المقدّمات المحمودة و الآراء المقبولة عند عامّة الناس هذا هو الحاکم بالاستحقاق.
فإنّ المراد من الاستحقاق لیس إیجاب الثواب علی المولی أو العقاب کما یشعر
ص: 359
به لفظ الاستحقاق حتی یناقش فیه أوّلاً بجواز اکتفاء المولی بإعطاء النعم الدنیویة فی مقام إعطاء الثواب فلایجب علیه إعطاء الثواب الأُخروی و ثانیاً بأنّ حق المولی علی عبده أن ینقاد له فی أوامره و نواهیه، فلا معنی لاستحقاق العبد بانقیاد تکالیف المولی بل المراد بالاستحقاق هو أنّ المدح و الثواب علی الإطاعة هو فی محلّه.
أمّا منشأ حکم العقلاء بالاستحقاق لیس صرف الجعل و المواضعة و اعتبار العقلاء بل منشأ هذا الحکم باستحقاق فاعل العدل للمدح و فاعل الظلم للقدح هو ما یکون فی فعل العدل و الظلم من المصالح العامّة و المفاسد العامّة.
و العقلاء بما هم عقلاء یرون فی ذمتهم جلب المصالح العامّة و المفاسد العامّة لإبقاء النظام و دفع الفساد.
و إبقاء النظام و دفع الفساد یوجب اتّفاق العقلاء علی استحقاق فاعل الخیر للمدح (سواء کان الخیر المذکور واجباً أم مستحباً) و استحقاق فاعل الشرّ للذم (سواء کان حراماً أم مکروها).
و البحث هو فی کل الخیرات سواء کان ترکها ظلماً علی المولی مثل الواجبات أم لا کالمستحبات و هکذا البحث فی کل الشرور.
و من ذلک ظهر أنّ دعوی لزوم الإطاعة من العبد أداء لحقّ المولی لئلاّ یکون ظالماً للمولی أخص من مورد البحث لأنّه یشمل الواجبات فقط دون المستحبات.
(صرّح هذا المحقق((1)) بأنّ اقتضاء المدح و الثواب یشمل الواجبات و المستحبات فلاینحصر بالموارد التی یکون مخالفتها إخلالاً بالنظام).
ص: 360
فعلی هذا زی الرقیة و رسم العبودیة یقتضی التمکین للمولی و الانقیاد له فی کل واجب و مستحب لأنّه عدل و عدم الخروج من ذلک بهتک حرمته و الإقدام علی مخالفته فإنّه ظلم.
فاتّضح من ذلک أنّ إبقاء النظام أوجب اتفاق العقلاء علی استحقاق الثواب لفاعل کل خیر واجب أو خیر مستحب، لا أنّ الخیر الذی یوجب إتیانُه بشخصه إبقاء النظام و ترکُه إخلال النظام هو الذی یوجب استحقاق الثواب عند العقلاء، لأنّ ذلک تخصیص لمورد حکم العقلاء ببعض الواجبات.
((1))
إنّ لازم کلام هذا المحقّق عدم وجوب إطاعة المولی فیما لایترتّب علی مخالفته اختلال النظام و هذا باطل لأنّ العقل یستقلّ بلزوم إطاعة المولی الحقیقی فی جمیع الأحوال.
إنّه ظهر من تقریر کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عدم ورود هذا الإشکال، لأنّ إبقاء النظام لیس ملاکاً لإطاعة الفعل مستقیماً بل هو ملاک لحکم العقلاء بلزوم مدح فاعل کل خیر و إن کان مستحبّاً و إلا فلو لم یحکم العقلاء بذلک لاختلّ النظام.
ص: 361
فیه قولان:
قال بعضهم: إنّه بالاستحقاق (معظم الفقهاء و المتکلمین).
قال بعض آخر: هو بالتفضّل (مثل الشیخ المفید (قدس سره).
((1))
إن قلنا بأنّ المراد من الاستحقاق للثواب کاستحقاق الأجیر لأُجرته فهذا باطل لأنّ إطاعة العبد لأوامر مولاه و نواهیه جری منه علی طبق وظیفته و رسم عبودیته و هذا لازم بحکم العقل المستقلّ.
و إن قلنا بأنّ المراد من الاستحقاق هو أنّ العبد بقیامه بامتثال أوامر المولی و نواهیه یصیر أهلاً لذلک بحیث لو تفضّل المولی بإعطاء الثواب له کان فی محله و مورده، فهذا المعنی متین مذکور فی نهایة الدرایة.((2))
ص: 362
و هذ المعنی الأخیر للاستحقاق جمع بین القولین حیث إنّ الاستحقاق بهذا المعنی لاینافی التفضّل إذ کل إفاضة من المبدأ الأعلی الجواد بذاته (سواء کان بإیجاد الشخص أم رزقه أم إعلامه بصلاحه و فساده أم إعطاء الثواب علی عمله) بمقتضی جوده الذاتی لا باقتضاء من طرف القابل إن کان قبول المورد فی فعلیة الإضافة لازماً.
أمّا استحقاق الثواب کاستحقاق الأجیر للأُجرة فلا ریب فی عدمه.
و أمّا استحقاق الثواب بمعنی أنّ العبد بامتثال أوامر المولی و نواهیه یصیر أهلاً للثواب و مورداً و محلاً للتفضّل بالثواب، فهو مترتّب علی امتثال الغیری فیما إذا أتی به بقصد الامتثال و التوصّل، نعم إذا أتی به بدون قصد التوصّل فلایستحق الثواب و الأمر هکذا فی جمیع الواجبات التوصّلیة.
فیه قولان:
إنّ صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سرهما) قالا: إنّ الثواب واحد.
إنّ الأمر الغیری لیس إلّا للتوصّل إلی الواجب النفسی فالإتیان بالواجب
ص: 363
الغیری بقصد التوصّل إلی الواجب النفسی شروع فی إطاعة الأمر النفسی فیثاب علی إطاعة الواجب النفسی.
أمّا الأمر الغیری بدون قصد التوصّل فلیس شروعاً فی إطاعة الأمر النفسی.((1))
((2))
إنّ ملاک ترتّب الثواب علی امتثال الواجب الغیری هو أنّه بنفسه مصداق للانقیاد و التعظیم و إظهار لمقام العبودیة مع قطع النظر عن إتیانه بالواجب النفسی و لذا لو لم یتمکّن من إتیان الواجب النفسی استحقّ الثواب علیه؛ فالإتیان بالأمر الغیری بنفسه موجب للثواب.
و المستفاد من بعض الروایات الواردة فی بعض الموارد الخاصّة هو ترتّب الثواب علی المقدّمات علی حدة.
ص: 364
و الأقوال فیه ستة:((1))
الأوّل: إنّ منشأها هو الأمر الغیری.
الثانی: إنّ منشأها هو الأمر النفسی الاستحبابی (صاحب الکفایة (قدس سره).((2))
الثالث: إنّ منشأها هو الأمر النفسی الضمنی (المحقّق النائینی (قدس سره).((3))
الرابع: إنّ منشأها إمّا الأمر النفسی الاستحبابی و إمّا قصد التوصّل بها إلی الواجب (المحقّق الخوئی (قدس سره).((4))
ص: 365
الخامس: إنّ العبادیة تتحقّق بما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و بقصد الأمر الغیری أیضا (بعض الأساطین (حفظه الله)).((1))
السادس: هذه الأُمور الثلاثة مع قصد المحبوبیة الذاتیة.
((2))
((3)):
أوّلاً: إنّ الأوامر الغیریة کلّها توصّلیة فلاتقتضی عبادیة متعلّقاتها.
ثانیاً: إنّ الأوامر الغیریة تتعلّق بما هو مقدّمة للواجب و المفروض هو أنّ الطهارات الثلاث بعنوان کونها عبادة مقدّمة للواجب، فالأمر الغیری یتعلّق بها بعنوان کونها عبادة و معه کیف یعقل أن یکون منشأ لعبادیتها.
ص: 366
إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لو تمّ فإنّما یتمّ فی الوضوء و الغسل حیث ثبت استحبابهما شرعاً و أمّا التیمّم فلادلیل علی استحبابه.
ص: 367
((1)):
إنّ قوله (علیه السلام): «التراب أحد الطهورین» بضمیمة الإطلاقات الواردة فی استحباب الطهور یدلّ علی استحباب الطهور الذی منه التیمّم.
((2))
إنّ الأمر النفسی الاستحبابی ینعدم بعروض الوجوب الغیری، لأنّهما یتضادّان فلابدّ من اندکاک الأمر النفسی الاستحبابی فی الوجوب الغیری.
((3))
أوّلاً: إنّ فی تلک الموارد یندک الأمر الاستحبابی فی ضمن الأمر الوجوبی علی رأی القائل فیتحصّل من ذلک أمر واحد وجوبی مؤکّد و یکون ذلک الأمر الواحد عبادیاً و بعد الاندکاک لایبقی کل منهما (الأمر الاستحبابی النفسی و الأمر الغیری الوجوبی) بحده الخاصّ.
ص: 368
ثانیاً: إنّا لانسلّم الاندکاک لأنّه إن تعلّق الأمر الغیری بالطهارات الثلاث بداعی أمرها الاستحبابی فمتعلّق الأمر الغیری غیر متعلّق الأمر الاستحبابی، لأنّ متعلّق الأمر الاستحبابی هو ذات العمل و متعلّق الأمر الغیری هو العمل بداعی أمرها الاستحبابی.
و إن تعلّق الأمر الغیری بذواتها فحینئذ متعلّقهما واحد إلّا أنّه لایوجب زوال الاستحباب و توضیح ذلک هو أنّه لا فرق بین الوجوب و الاستحباب إلّا فی جواز الترک و عدم جوازه فعند عروض الوجوب یتبدّل الجواز بعدمه فالتبدّل لیس فی نفس الاستحباب بل فی هذا الجواز.
إنّ الجواز المذکور داخل فی حقیقة الاستحباب أمّا علی القول بترکّب الاستحباب فهذا واضح و أمّا علی القول ببساطته فلأنّ الاستحباب مرتبة ضعیفة من البعث لایبلغ إلی حدّ اللزوم فمع فرض تبدّل الجواز لاتبقی تلک المرتبة علی حالها فالحقّ فی الجواب هو أنّ الحیثیة التقییدیة فی المقام توجب عدم الاندکاک فإنّ الوضوء بنفسه مستحب و بغیره واجب.
ثالثاً: إنّ الأمر الاستحبابی النفسی یلازم محبوبیة الفعل نفسیاً و حینئذ یکفی فی عبادیتها هذه المحبوبیة فی أنفسها و إن لم یبق أمرها الاستحبابی بإطاره الخاصّ.
من دون التفات إلی الأمر النفسی الاستحبابی المتعلّق بها، بل من دون التفات إلی محبوبیتها و مطلوبیتها فی حدّ ذواتها.
((1))
إنّ الاکتفاء بقصد أمرها الغیری إنّما هو لأجل أنّ الأمر الغیری یدعو إلی ما هو المقدّمة و الطهارات الثلاث بما هی مأمور بها بالأمر النفسی الاستحبابی تکون مقدّمة للواجب.
((2))
أوّلاً: إنّ قصد الأمر النفسی علی الفرض مقوّم للمقدّمیة، فکیف یصحّ قصد الأمر الغیری بدونه
و أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) بأنّ قصد الأمر النفسی لو کان مقوّماً للمقدّمیة لم یعقل تحقّقها مع الغفلة عنه رأساً مع أنّه لا شبهة فی تحقّق الطهارات الثلاث مع القطع بعدم الأمر النفسی لها.
ثانیاً:((4)) لازم ذلک هو صحّة صلاة الظهر بقصد أمر صلاة العصر (أو قل: بقصد أمرها الغیری) مع الغفلة عن وجوبها النفسی و هذا ضروری الفساد.((5))
ص: 370
فعلی هذا إنّ الإیراد الثالث علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) لا دافع له.((1))
((2))
إنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة کما یتعلّق بأجزائها یتعلّق بشرائطها و حینئذ کما یتعلّق بکل جزء من أجزاء الواجب أمر نفسی ضمنی یتعلّق بکلّ شرط من شرائطه أمر نفسی جزئی و هذا الأمر النفسی الضمنی هو المنشأ لعبادیة الشرط (و هنا الطهارات الثلاث) فلایسقط الواجب إلّا مع الإتیان بالشرائط بقصد التقرّب.
ص: 371
إن قلت: فما الفرق بین الطهارات الثلاث و بقیة الشروط حیث إنّ الأمر النفسی أوجب عبادیة الطهارات الثلاث دون سائر الشروط مع أن تعلّق الأمر النفسی الضمنی بجمیعها علی نحو واحد.
قلت: الفارق هو أنّ الغرض فی خصوص الطهارات الثلاث أعنی به رفع الحدث لایکاد یحصل إلّا إذا أُتی بها عبادة دون سائر الشرائط ولا مانع من اختلاف الشرائط فی هذه الجهة.
((1))
إنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة مثلاً إنّما تعلّق بأجزائها و تقیدها بشرائطها، أمّا نفس الشرائط و القیود فهی خارجة عن متعلّق الأمر و إلّا لم یبق فرق بین الجزء و الشرط أصلاً و لذا قد یکون الشرط غیر اختیاری، مضافاً إلی أنّه لو کانت الشرائط داخلة فی متعلّقه فکیف تتصف بالوجوب الغیری و قد تقدّم أنّه لا مقتضی لاتصاف المقدّمات الداخلیة بالوجوب الغیری.
((2))
إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أمرین علی سبیل منع الخلو:
الأوّل: قصد امتثال الأمر النفسی الاستحبابی مع غفلة المکلّف عن مقدّمیته للواجب أو مع بنائه علی عدم إتیان الواجب.
الثانی: قصد التوصّل بها إلی الواجب و إن لم یکن مأموراً به و لم یکن واجباً
ص: 372
شرعاً، فإنّ قصد التوصّل کاف فی تحقّق قصد القربة و الوجه فیه ما مضی فی بحث التعبدی و التوصّلی من أنّه یکفی فی تحقّق قصد القربة إتیان الفعل مضافاً إلی المولی (هذه نظریة الشیخ (قدس سره).
((1))
إنّ منشأ العبادیة فی الطهارات الثلاث أحد أُمور ثلاثة: (کل ما یکون العمل به مضافاً إلیه تعالی).
الأمر الأوّل: قصد امتثال الأمر الاستحبابی النفسی(هو ما ذکره المحقّق الخراسانی (قدس سره).
الأمر الثانی: قصد التوصّل بها إلی الواجب النفسی (هو ما ذکره الشیخ (قدس سره) لتصحیح العبادیة).
الأمر الثالث: قصد الأمر الغیری بناء علی ارتفاع إشکال الدور، لأنّ الدور إنّما یلزم لو أُخذ خصوص الأمر الغیری فیها، أمّا مع أخذ العبادیة مطلقاً (بمعنی رفض القیود) فیرتفع إشکال الدور.
و هو بعینه ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و ما زاد علیه بعض الأساطین مع زیادة أمر رابع یکون أیضاً منشأ للعبادیة فی الطهارات الثلاث و هو قصد المحبوبیة الذاتیة و المراد هنا لیس محبوبیة الفعل عندنا بل المحبوبیة الذاتیة للفعل عند الله تعالی حتی یکون العمل مضافاً إلیه فلو فرضنا عدم الالتفات إلی کون الطهارات
ص: 373
الثلاث مأموراً بها أیضاً تتحقّق العبادیة بقصد المحبویة الذاتیة للعمل عند الله تعالی.
فالحقّ أنّ منشأ العبادیة فی الطهارات الثلاث أحد أُمور أربعة.
ص: 374
و لهما تفسیران:
إنّ الأصالة و التبعیة قد تلاحظان بحسب مقام الثبوت و هذا هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی تفسیرهما و قد تلاحظان بحسب مقام الإثبات و هذا مختار المحقّق القمی و صاحب الفصول (قدس سرهما) فی تفسیرهما.((2))
إنّ الواجب الأصلی هو ما کان متعلّقاً للإرادة و الطلب مستقلاً لالتفات المولی
ص: 375
إلیه و الواجب التبعی هو ما کان متعلّقاً لهما تبعاً (و ارتکازاً) لإرادة غیره لأجل کون إرادته لازمةً لإرادة غیره من دون التفات إلیه (استقلالاً) مما یوجب إرادته.
((1))
لا مقابلة بین الأصلی و التبعی بهذا المعنی إلّا إذا قلنا بأنّ الواجب الأصلی هو ما کان متعلّقاً للإرادة التفصیلیة و الواجب التبعی هو ما کان متعلّقاً للإرادة الإجمالیة الارتکازیة فحینئذ یرد علیه:
أوّلاً: أنّ الإرادة النفسیة ربّما تکون ارتکازیة بمعنی أنّه لو التفت إلی موجبها لأراده، کما فی إرادة إنقاذ الولد الغریق عند الغفلة من غرقه و الحال أنّه لا شبهة فی کونها إرادة أصلیة لا تبعیة.
ثانیاً: أنّه لو کان مناط الأصلیة و التبعیة هو الإرادة التفصیلیة و الإرادة الارتکازیة لما کان وجه لعنوان التبعیة، حیث إنّ تبعیة الإرادة لإرادة أُخری لیست مناط الوجوب التبعی علی هذا التفسیر (تفسیر التبعی بما تتعلّق به الإرادة الارتکازیة) بل مناطه هو ارتکازیة الإرادة لعدم الالتفات إلی موجبها.
إنّ للواجب (بالنسبة إلی مقدّمته من حیث الوجود و الوجوب) جهتین من العلّیة:
أحدهما: العلیة الغائیة حیث إنّ المقدّمة إنّما تراد لمراد آخر لا لنفسها بخلاف ذی المقدّمة فإنّه مراد لا لمراد آخر کما مرّ مفصلاً، و هذه الجهة مناط الغیریة.
ص: 376
ثانیهما: العلّیة الفاعلیة و هی أنّ إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة مقدّمته و منها تنشأ و تترشح علیها الإرادة و هذه الجهة مناط التبعیة.
فتبین أنّ مناط التبعیة هو معلولیة إرادة المقدّمة لإرادة ذیها سواء أُریدت المقدّمة بالإرادة التفصیلیة (للالتفات إلیها) أو بالإرادة الارتکازیة (للغفلة عنها).
فعلی هذا تعلّق الإرادة التفصیلیة لایقتضی الأصلیة و تعلّق الإرادة الارتکازیة لاتنافی الأصلیة.
فالواجب الأصلی هو ما کانت إرادتها غیر معلولة لإرادة أُخری سواء تعلّقت به الإرادة التفصیلیة أم الارتکازیة.
و الفرق بین التبعی و الغیری هو:((1)) أنّ مناط الغیریة کون الغرض من المقدّمة مجرّد الوصول إلی الغیر فالغرض الأصیل موجود فی الغیر.
و مناط التبعیة هو أنّ الغرض من الإیجاب المقدّمی التمکّن من إیجاب ذی المقدّمة فإیجاب ذی المقدّمة غرض من الإیجاب المقدّمی.
فمناط الغیریة الغرض من الواجب و مناط التبعیة الغرض من الإیجاب.
إنّ المراد بالواجب الأصلی هو ما کان مقصوداً بالإفادة و الإفهام و الدلالة علیه مطابقی و الواجب التبعی هو ما کان غیر مقصود بالإفادة و الإفهام علی حدة بل هو لازم الخطاب کما فی دلالة الإشارة و الدلالة علیه بالتبعیة و الالتزام.
ص: 377
((1))
لاینحصر -علی هذا- الواجب فی هذین القسمین بل هنا قسم ثالث و هو ما لم یکن الواجب مقصوداً بالإفهام من الخطاب أصلاً لا أصالةً و لاتبعاً، کما إذا کان الواجب مدلولاً لدلیل لبّی من إجماع أو نحوه.
و إلی هنا تمّ مبحث تقسیمات الواجب.
ص: 378
(فیه أُمور ثلاثة و تذنیب):
الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها
الأمر الثانی: مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة
الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی
تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب
ص: 379
ص: 380
هل یکون الوجوب الغیری أو الواجب الغیری مطلقاً أو مشروطاً و مقیداً؟ هنا أقوال لابدّ من طرحها و مناقشتها.
((1))
إنّ وجوب المقدّمة مشروط بإرادة ذی المقدّمة و العزم علی إتیانه بنحو القضیة الشرطیة أو إنّ وجوبه مقید بحال إرادته و العزم علیه بنحو القضیة الحینیة (علی اختلاف عبارته) فالقصد و العزم هنا قید للوجوب.
القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2))
إنّ الواجب هو المقدّمة التی قصد بها التوصل إلی الواجب دون ما لم یقصد به، فالقصد هنا قید الواجب.
ص: 381
إنّ الوجوب الغیری و الواجب الغیری مهملان بالنسبة إلی الإیصال.((1))
ص: 383
((1))
أوّلاً: إنّه بناء علی ثبوت الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته یلزم من اشتراط الوجوب التفکیک بینهما و هذا خلف فی ثبوت الملازمة.
ثانیاً: یلزم من ذلک کون وجوب ذی المقدّمة تابعاً لإرادة المکلّف و دائراً مدار اختیاره و عزمه و هو محال لأنّ لازم ذلک عدم الوجوب عند عدم إرادته.
إنّ لازم ذلک هو کون وجوب المقدّمة تابعاً لإرادة المکلف لا وجوب ذی المقدّمة و لازم ذلک عدم وجوب المقدّمة عند عدم إرادته، و لعلّه اشتباه فی الکتابة و الاستنساخ.
انّ الشیخ (قدس سره) یقول: إنّ الواجب الغیری هو الفعل المعنون بعنوان المقدّمیة لاذات الفعل، و عنوان المقدّمیة هو بعینه عنوان قصد التوصّل.
و الإتیان بذات الفعل من دون قصد التوصّل و من دون تعنونه بعنوان المقدّمیة لیس امتثالاً للواجب إلّا أنّه مسقط للغرض.
و أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) فهو یری أنّ ما هو الواجب ذات الفعل و حیثیة المقدّمیة حیثیة تعلیلیة لوجوب ذات الفعل کما أنّ المصالح و المفاسد الموجودة فی متعلّقات الأحکام حیثیات تعلیلیة.
ترجع الحیثیات التعلیلیة إلی الحیثیات التقییدیة فی الأحکام العقلیة، فالتوصّل هو الواجب بحکم العقل لا الشیء لغایة التوصّل لأنّ المطلوب الجدّی و الموضوع الحقیقی للحکم العقلی نفس التوصّل.
توضیح ذلک هو أنّ الحیثیة التعلیلیة فی الأحکام الشرعیة غیر الحیثیة التقییدیة فإنّ المصالح و المفاسد الموجودة فی المتعلّق حیثیة تعلیلیة و عنوان الصلاة و الصوم و الحج و الخمس و الزکاة حیثیات تقییدیة.
ص: 385
أمّا الأحکام العقلیة فلیست فیها إلّا الحیثیات التعلیلیة التی تکون هی الموضوع للحکم العقلی أی تکون هی الحیثیة التقییدیة.
((1))
یمکن الاعتراض علیه بالفرق بین الأحکام العقلیة العملیة و الأحکام العقلیة النظریة، فإنّ مبادی الأُولی (أی الأحکام العقلیة العملیة) هو بناء العقلاء علی الحسن و القبح و مدح فاعل بعض الأفعال و ذمّ فاعل بعضها الآخر و موضوع الحسن مثلاً هو التأدیب لا الضرب لغایة التأدیب، إذ لیس هناک بعث من العقلاء لغایة، بل مجّرد بناء علی المدح و الممدوح هو التأدیب.
بخلاف الأحکام العقلیة النظریة فإنّها لاتتکفل إلّا الإذعان بالواقع و من الواضح أنّ الإرادة التشریعیة علی طبق الإرادة التکوینیة، فکما أنّ الإنسان إذا أراد شراء اللحم یرید المشی إلی السوق -و الأوّل لغرض مترتّب علی الشراء و الثانی لغرض مترتّب علی المشی إلی السوق- إذا وقع أمران طرفاً للإرادة التشریعیة لایرید المولی إلّا ذلک الفعل الإرادی الصادر من العبد و بعثه النفسی و المقدّمی إیجاد تسبیبی للفعل و مقدّمته.
و لیس حکم العقل إلّا الإذعان بالملازمة بین الإرادتین، لا إنّه حکم ابتدائی بوجوب الفعل عقلاً حتّی لایکون له معنی إلّا الإذعان بحسنه الملزم، حیث لا بعث و لا زجر من العاقلة لینتج أنّ الحسن فی نظر العقل هو التوصّل لا الفعل لغایة التوصّل
یمکن أن یقال: إنّ المسألة هنا صغری لحکم العقل العملی بمعنی أنّه یری
ص: 386
حسن التوصّل إلی ما هو لازم الإتیان و أیضاً لحکم العقل النظری حیث إنّ طرفی الملازمة وجوب ذی المقدّمة و وجوب التوصّل به، فحیثیة التوصّل حیثیة تقییدیة علی أی حال.
((1))
إنّ وجوب المقدّمة بمعنی اللابدّیة خارج عن محل النزاع و غیر قابل للإنکار.
بل النزاع فی وجوب المقدّمة شرعاً الکاشف عنه العقل، و کم فرق بین الحکم الشرعی الذی کشف عنه العقل و الحکم العقلی و قد عرفت أنّ الحیثیة التعلیلیة فی الأحکام الشرعیة لاترجع إلی الحیثیة التقییدیة
قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2)) إنّ الجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة بل فی الأحکام الشرعیة المستندة إلی الأحکام العقلیة ترجع إلی الحیثیات التقییدیة.
إنّ التوصّل إذا کان بعنوانه واجباً فما لم یصدر هذا العنوان عن قصد و اختیار لایقع مصداقاً للواجب و إن حصل منه الغرض مع عدم القصد و العمد إلیه.
توضیحه هو أنّ الشیء لایقع علی صفة الوجوب و مصداقاً للواجب بما هو واجب إلّا إذا أتی به عن قصد و عمد أمّا لزوم إتیانه عن قصد فلأنّ الأمر مثلاً تعلّق بالفعل المعنون بهذا العنوان و العنوان داخل تحت الأمر فلابدّ من إیجاده بالقصد حیث إنّ العناوین غالباً تتحقّق بالقصد أمّا لزوم إتیانه عن اختیار فلأنّ
ص: 387
التکلیف یتعلّق بالأمر الاختیاری حتی فی التوصّلیات، لأنّ البعث تعبدیاً کان أم توصّلیاً لایتعلّق إلّا بالفعل الاختیاری، فالعمل الصادر بلا اختیار و إن کان مطابقاً لذات الواجب و محصّلاً لغرضه لکنه لایقع علی صفة الوجوب أی مصداقاً للواجب بما هو واجب بل یستحیل أن یتعلّق الوجوب بمثله فکیف یکون مصداقاً له.
((1))
یمکن الاعتراض علی الأمر الثانی بأنّ الممدوح علیه هو التأدیب بالحمل الشائع، کما أنّ الواجب هنا هو التوصّل بالحمل الشائع إلّا أنّ التأدیب بالحمل الشائع اختیاری بقصد عنوان التأدیب، لا باختیاریة الضرب، فإذا صدر الضرب بالاختیار لم یصدر منه تأدیب اختیاری إلّا إذا قصد بالضرب التأدیب.
و هذا بخلاف التوصّل بالحمل الشائع فإنّ عنوانه لاینفک عن المشی إلی السوق فإذا صدر المشی بالاختیار کان توصّلاً اختیاریاً من دون لزوم قصد عنوان التوصّل.
إن قلت: إنّه إذا مشی نحو السوق اختیاراً لا بداعی التوصّل إلی الواجب بل بداع التوصّل إلی غرض آخر فإنّه یصدق علیه أنّه أتی بذات المقدّمة اختیاراً و لایصدق علیه أنّ فعله کان توصّلا إلی الواجب اختیاراً.
قلت: إنّ التوصّل یصدق و لو لم یقصده لأنّه یقال فی اللغة: وصل الشیء إلی غیره فاتّصل و هنا اتّصل إلی الواجب اختیاراً و إن لم یقصد ذلک فإذا وصل شخص حبلاً بمکان یکون الحبل متصلاً به سواء قصد الاتصال أم لا.
ص: 388
((1))
إنّ القدرة إذا کانت مأخوذة شرعاً فی المأمور به و واردة فی لسان الخطاب فالواجب خصوص الحصّة المقدورة، لأنّه لایمکن کشف الملاک فی أمثال هذه الموارد إلّا فی خصوص الحصّة المقدورة، أمّا الحصّة الخارجة عن القدرة فلا طریق لنا إلی إحراز الملاک فیها.
و إذا کانت القدرة مأخوذه فی المأمور به عقلاً فلایختصّ وجوب المقدّمة بالحصّة المقدورة و الإتیان بالمقدّمة بلا قصد التوصّل یکون مصداقاً للواجب و الوجه فی ذلک هو أنّ المکلّف قدیکون عاجزاً عن إتیان تمام أفراد الواجب فی ظرف الامتثال فبطبیعة الحال یسقط عنه التکلیف و لایعقل بقاؤه، و قدیکون عاجزاً عن امتثال بعض أفراده دون بعضها الآخر (کالصلاة حیث إنّ المکلّف یتمکّن من امتثالها فی ضمن بعض أفرادها العرضیة و الطولیة و لایتمکن بالنسبة إلی بعض أفرادها) ففی مثل ذلک لا موجب لتخصیص التکلیف بخصوص الحصّة المقدورة بل لا مانع من تعلّقه بالجامع بینها و بین الحصّة غیر المقدورة و الجامع بین المقدور و غیر المقدور مقدورٌ ضرورة أنّه یکفی فی القدرة علیه القدرة علی امتثال فرد منه.
فعلی هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الأمر الثانی إنّما یتمّ بناءً علی أخذ القدرة شرعاً فی المأمور به و فی الخطاب و أمّا بناءً علی أخذها عقلاً فی المأمور به فلایتمّ.
ص: 389
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قد احتمل فی کلام الشیخ (قدس سره) ثلاثة وجوه:
الاحتمال الأوّل: أن یکون قصد التوصّل معتبراً فی تحقّق امتثال الوجوب المقدّمی.
الاحتمال الثانی: أن یکون قصد التوصّل قیداً فی متعلّق الوجوب المقدّمی (کما هو المشتهر عنه).
الاحتمال الثالث: أن یکون قصد التوصّل قیداً فی خصوص حال المزاحمة کما إذا کانت المقدّمة محرّمة.
ثم شرع فی تفسیر الاحتمالات الثلاث و تحلیلها:((1))
أمّا علی الاحتمال الأوّل فقال: إن کان نظر شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) إلی اعتبار قصد التوصّل بالمقدّمة فی حصول الامتثال و التقرّب بها کما یظهر ذلک من جملة من عبارات التقریر فهو حقّ (و صحّحه المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً).((2))
أمّا علی الاحتمال الثانی فقال: إن کان نظره (قدس سره) إلی اعتبار التوصّل فی معروض الوجوب، فیرده أنّ قصد التوصّل لا دخل له فی مقدّمیة المقدّمة أصلاً و بدونه (أی بدون دخله فی مقدّمیة المقدّمة) یستحیل أن یکون قیداً للواجب بداهة أنّ ما لیس له دخل فیما هو ملاک الواجب یستحیل أن یکون قیداً مأخوذاً فی الواجب.
(و قد تقدم الکلام حول الاحتمال الثانی حیث وجهه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ثم اعترض علیه).
ص: 390
أمّا علی الاحتمال الثالث فقال المحقق النائینی (قدس سره):((1)) إن کان نظره (قدس سره) إلی اعتبار قصد التوصّل فی مقام المزاحمة کما تساعد علیه جملة من عبارات التقریر((2)) و یؤیده ما نقله الأُستاذ عن أُستاذه المحقّق السید العلامة الإصفهانی (قدس سره) (السید محمّد الإصفهانی) من أنّه (قدس سره) کان ینسب ذلک إلی الشیخ (قدس سره) -و إن کان (حفظه الله) تردد فی أنّ النسبة المزبورة کانت مستندة إلی استظهار نفسه أو إلی سماعه ذلک من المحقّق سید أساتیذنا العلامة الشیرازی (قدس سره) عن أُستاذه المحقّق العلامة الأنصاری (قدس سره) - و هو أنّ المقدّمة إذا کانت محرّمة وتوقف علیها واجب فعلی (مثل إنقاذ النفس المحترمة) فیقع التزاحم بین حرمتها و وجوبه و الواجب هنا (مثل إنقاذ النفس المحترمة) أهمّ من الحرمة (مثل الدخول فی ملک الغیر بدون إذنه) فحینئذ إذا أتی بها بقصد التوصّل یرتفع الحرمة و إذا أتی بها بدون قصد التوصّل لاترتفع حرمة المقدّمة، فیرد علیه أنّ المزاحمة إنّما هی بین حرمة المقدّمة و وجوب ما یتوقف علیها (أی ذی المقدّمة) و لو لم نقل بوجوب المقدّمة أصلاً، فلا مناص عن الالتزام بارتفاع الحرمة لفرض کون الواجب أهمّ، سواء فی ذلک القول بوجوب المقدّمة و القول بعدمه، فاعتبار قصد التوصّل فی متعلّق الوجوب المقدّمی أجنبی عمّا به یرتفع التزاحم المذکور بالکلّیة.
الوجه الأوّل: الإتیان بها بقصد التوصّل فحینئذ ترتفع الحرمة و لایکون متجرّیاً بالنسبة إلی فعل المقدّمة.
ص: 391
الوجه الثانی: الإتیان بها بدون قصد التوصّل فحینئذ ترتفع الحرمة أیضاً و هنا صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّه کان متجرّیاً کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّه مع الالتفات إلی المقدّمیة یتجرأ بالنسبة إلی ذی المقدّمة فیما لم یقصد التوصّل إلیه أصلاً و لکن فی تحقّق التجری فی هذه الصورة تأمّل حیث إنّ التجری إمّا یکون بالنسبة إلی المقدّمة أو بالنسبة إلی ذی المقدّمة، أمّا المقدّمة فارتفعت حرمته و أمّا ذو المقدّمة لم یصل ظرف تحقّقه و لم یترک مقدّمته.
الوجه الثالث: الإتیان بها مع عدم وقوع السلوک فیها فی طریق الإنقاذ فتبقی حرمته.
ثم إنّه قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((1)) إن قلنا بعدم وجوب المقدّمة فالمسألة صغری التزاحم کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و إن قلنا بوجوب المقدّمة فالمسألة صغری التعارض فتقع المعارضة بین وجوب المقدّمة و حرمتها فیرد الوجوب و الحرمة علی موضوع واحد و حینئذ إن قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة سقطت الحرمة عنها.
و إن قلنا بوجوب المقدّمة التی قصد بها التوصّل إلی الواجب فالساقط إنّما هو الحرمة عنها سواء أکانت موصلة أم لم تکن.
و إن قلنا بوجوب المقدّمة مطلقاً فالساقط إنّما هو الحرمة عنها کذلک.
أمّا علی القول بعدم وجوب المقدّمة (کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالساقط إنّما هو حرمة خصوص المقدّمة الموصلة سواء قصد بها التوصّل أم لا، فتبقی
ص: 392
حرمة المقدّمة غیر الموصلة (نعم لو قصد المکلّف به التوصّل إلی الواجب و لکنه لمانع لم یترتّب علیه فی الخارج کان عندئذٍ معذوراً فلایستحقّ العقاب علیه).
((1))
((2))
إنّ الغرض من المقدّمة إنّما هو حصول ما یتمکّن معه من إتیان ذی المقدّمة بحیث لولاه لما أمکن فعل ذی المقدّمة و هذا الغرض یترتّب علی مطلق المقدّمة دون خصوص الموصلة منها، حیث إنّه لا تفاوت فی حصول الغرض بین ما یترتّب علیه الواجب و ما لایترتّب علیه بل أثر المقدّمة (و هو التمکّن من إتیان ذی المقدّمة) لامحالة یترتّب علیهما (أی علی المقدّمة الموصلة و غیر الموصلة).
((3))
أوّلاً: إنّ هذا لیس غرضاً من إیجاب المقدّمة، لأنّ التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة من آثار التمکّن من الإتیان بالمقدّمات، لأنّ المقدور بواسطة مقدور.
ثانیاً: إنّ القدرة علی الواجب لو توقّفت علی الإتیان بالمقدّمة لجاز للمکلّف تفویت الواجب بترک مقدّمته لأنّ القدرة علی الواجب (أی ذی المقدّمة) لیست بواجب التحصیل.
ص: 393
فالغرض من إیجاب المقدّمة لیس إلّا إیصالها إلی الواجب حیث إنّ الاشتیاق إلی الشیء لاینفک عن الاشتیاق إلی ما یقع فی سلسلة علل وجوده دون ما لایقع فی سلسلتها.
((1))
إنّ القول بالمقدّمة الموصلة یستلزم إنکار وجوب المقدّمة فی أکثر الواجبات فیلزم انحصار وجوب المقدّمة فی خصوص العلّة التامّة من الأفعال التولیدیة و التسبیبیة.
توضیح ذلک هو أنّ ترتّب الواجب فی الأغلب لیس أثر إتیان جمیع المقدّمات فضلاً عن إحداها لأنّ الواجب (فی أکثر الواجبات) فعل اختیاری یختار المکّلف تارة إتیانه بعد وجود تمام مقدّماته و أُخری عدم إتیانه، فلایمکن أن یکون اختیار إتیان ذی المقدّمة غرضاً من إیجاب کل واحدة من مقدّماته.
((2))
إنّ ملاک الوجوب الغیری هو وقوع المقدّمة فی سلسلة مبادی وجود ذی المقدّمة بالفعل فلا ملاک فی مطلق المقدّمة و إن لم تقع فی سلسلتها، کما أنّ الملاک لاینحصر بخصوص الأسباب التولیدیة.
فالطهارة من الحدث أو الخبث مثلاً إن وقعت فی سلسلة مبادی وجود الصلاة فی الخارج فهی واجبة و إلّا فلا مع أنّها لیست من الأسباب التولیدیة بالإضافة إلی الصلاة.
ص: 394
((1))
إذا أتی المکلّف بالمقدّمة غیر الموصلة یسقط الأمر الغیری بمجرد الإتیان بها (من دون انتظار لترتّب الواجب علیها) مع أنّ الأمر الغیری لایسقط إلّا بموافقة أمره أو بالعصیان أو بارتفاع موضوع التکلیف، و یتعین الأوّل منها لأنّ العصیان لم یتحقّق لفرض الإتیان بالمقدّمة و الثانی أیضاً لم یتحقّق لعدم ارتفاع موضوع التکلیف.
((2))
أوّلاً بالنقض: بأجزاء الواجب المرکّب کالصلاة حیث إنّ المکلّف إذا جاء بالجزء الأوّل منها و لم یأت ببقیة الأجزاء لایمکن القول بعدم سقوط الأمر الضمنی المتعلّق بالجزء المأتی به لأنّه مستلزم للتکرار فلابدّ من الالتزام بالسقوط مع أنّه لایمکن الالتزام بالسقوط من باب العصیان أو ارتفاع موضوع التکلیف فلابدّ من الالتزام بالامتثال مع أنّه لایمکن المصیر إلی هذا البیان و لابدّ من الجواب عنه و الجواب عن هذه المشکلة هو بعینه الجواب عن صاحب الکفایة (قدس سره) .
ثانیاً بالحلّ: وهو أنّ الواجب علی هذا القول هو حصّة خاصّة من المقدّمة وهی المقدّمة الموصلة التی تقع فی سلسلة العلّة التامّة لذی المقدّمة و لذا إذا وقعت المقدّمة مجردةً عن بقیة أجزاء العلّة التامّة فبما أنّ الغرض من إیجاب المقدّمة لم یترتّب علیها لاتقع المقدّمة علی صفة الوجوب لامحالة و حینئذ یستند
ص: 395
سقوط الأمر الغیری إلی العصیان أو نحوه (مثل ارتفاع موضوع التکلیف) لا إلی إتیان المقدّمة و امتثاله لأنّه لم یأت بما هو الواجب منها.
فبالنیتجة إنّ وجود الواجب النفسی فی الخارج کاشف عن تحقّق المقدّمة فیه و عدم وجوده کاشف عن عدم تحقّقها کالشرط المتأخّر.
و من ذلک یظهر الجواب عن مورد النقض بأجزاء الواجب النفسی، فإنّ کل واحد منها إنّما یقع علی صفة الوجوب إذا وقع فی الخارج منضماً إلی بقیة أجزائه و أمّا إذا وقع منفکّاً عنها فلایقع علی هذه الصفة لفرض أنّه لیس بجزء من الواجب.
((1))
إنّ اعتبار هذا القید (أی قید الإیصال) فی متعلّق الوجوب المقدّمی (أی المقدّمة) یرجع إلی اعتبار کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری فیلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة للمقدّمة و واجباً بوجوب ناشئ من وجوبها و هو یستلزم الدور فإنّ وجوب المقدّمة إنّما نشأ من وجوب ذی المقدّمة، فلو ترشح وجوب ذی المقدّمة من وجوبها لزم الدور (هذا تقریر الدور فی الوجوب و لکنه قرّره فی فوائد الأُصول بنحو الدور فی الوجود بمعنی توقّف وجودها علیه و بالعکس بمعنی أنّ اتّصاف المقدّمة بالموصلیة متوقّف علی وجود ذی المقدّمة و من جهة أُخری وجود ذی المقدّمة متوقّف علی وجود مقدّمته).((2))
ص: 396
أمّا لزوم التسلسل فبیانه هو أنّ الواجب لو کان هو خصوص المقدّمة الموصلة، فبما أنّ ذات المقدّمة مقدّمة لها (أی للمقدّمة الموصلة) تکون مقدّمة لتحقّقها فی الخارج فإن اختار (قدس سره) وجوب ذات المقدّمة مع عدم اعتبار قید الإیصال إلی جزئها الآخر (أی قید الموصلة) فقد اعترف بما أنکره و کر علی ما فرّ منه و إن اعتبر قید الإیصال فی اتّصاف ذات المقدّمة بالوجوب فقد لزمه التسلسل.
((1))
إنّ الوجوب النفسی المتعلّق بذی المقدّمة غیرناش من وجوب مقدّمته حتّی یتوقّف اتّصاف ذی المقدّمة بالوجوب علی وجوب مقدّمته.
بل هنا یلزم اجتماع الوجوب النفسی و الغیری من جهتین فی ذی المقدّمة و هذا مما لا إشکال فیه و توضیح ذلک هو أنّ هنا ثلاثة وجوبات:
الوجوب الأوّل: هو الوجوب النفسی لذی المقدّمة.
الوجوب الثانی: هو الوجوب الغیری لمقدّمته.
الوجوب الثالث: هو الوجوب الغیری لذی المقدّمة (حیث إنّ وجوده شرط لاتّصاف المقدّمة بالوجوب الغیری).
ویمکن جواب الدور فی مرحلة الوجود أیضاً بأنّ اتّصاف المقدّمة بالموصلة و بعبارة أُخری وجود المقدّمة الموصلة بما أنّها مقدّمة موصلة لیس متوقّفاً علی وجود ذی المقدّمة بل هما متلازمان و الدور هو التوقّف فی الوجود الخارجی فعلی هذا إنّ ذی المقدّمة یتوقّف وجوده علی وجود المقدّمة و أمّا وجود المقدّمة
ص: 397
لایتوقّف علی وجود ذی المقدّمة بل وجوب المقدّمة الموصلة یتوقّف علی وجود ذی المقدّمة و هذا لا محذور فیه.
أمّا الجواب عن التسلسل فهو أنّ ذات المقدّمة و إن کانت مقوّمة للمقدّمة الموصلة إلّا أنّ نسبتها إلیها لیست نسبة المقدّمة إلی ذیها لننقل الکلام إلیه بل نسبتها إلیها نسبة الجزء إلی الکلّ، إذ علی هذا القول تکون المقدّمة مرکّبة من جزأین:
الجزء الأوّل: ذات المقید (أی ذات المقدّمة).
الجزء الثانی: تقیدها بقید و هو وجود الواجب فی الخارج.
هذا کلّه علی تقدیر تسلیم کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری.
فالتحقیق فی الجواب عن الدور و التسلسل هو أنّ الالتزام بوجوب المقدّمة الموصلة لایستدعی اعتبار الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری لأنّ المقدّمات الواقعة فی الخارج علی نحوین: أحدهما ما کان وجوده فی الخارج ملازماً لوجود الواجب فیه و هو ما یقع فی سلسلة علّة وجوده و ثانیهما ما کان وجوده مفارقاً لوجوده فیه و هو ما لایقع فی سلسلتها و القائل بوجوب المقدّمة الموصلة إنّما یدعی وجوب خصوص القسم الأوّل لا القسم الثانی.
إنّ التلازم بین وجود المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة و وجود الواجب النفسی تلازم رتبی فحینئذ إنّ ما أفاده فی القسم الأوّل التزام بالمتناقضین لأنّ ما کان وجوده خارجاً ملازماً لوجود ذی المقدّمة رتبةً لایکون فی سلسلة علّة وجوده لأنّ التلازم یقتضی عدم التقدّم و الوقوع فی سلسلة علّة الوجود یقتضی التقدم و هما نقیضان.
ص: 398
فالصحیح أن یقال: إنّ المقدّمة الموصلة بما أنّها فعل خارجی واقعة فی سلسلة علل وجود ذی المقدّمة و هذه المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة أی متّصفة بالإیصال (لا بما أنّها مقدّمة) ملازمة لذی المقدّمة وجوداً.
ص: 399
هناک عدة تصاویر للمقدّمة الموصلة: تصویر صاحب الفصول (قدس سره) و تصویر المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تصویر المحقّق العراقی (قدس سره) .
((1))
إنّ المتیقّن من حکم العقل بوجوب المقدّمة هو خصوص الموصلة.
توضیحه: هو أنّ العقل هو الحاکم بالملازمة العقلیة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّماته و هو لایدرک أزید من الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب المقدّمة الموصلة.
((2))
إنّ العقل الحاکم بالملازمة دلّ علی وجوب مطلق المقدّمة لا خصوص ما إذا ترتّب علیها الواجب فیما لم یکن هناک مانع عن وجوبه، لأنّ ملاک حکم العقل بالملازمة حصول التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة و هذا الملاک مشترک فی جمیع أقسام المقدّمة.
إنّ التمکّن المذکور لایصلح أن یکون ملاکاً للوجوب الغیری و داعیاً له
ص: 400
لفرض أنّه حاصل قبل الإتیان بالمقدّمة (و قد مضی أنّ ملاک الوجوب الغیری عنده هو وقوع المقدّمة فی سلسلة علّة وجود ذی المقدّمة و هذا الملاک لایوجد فی المقدّمة غیر الموصلة). ((1))
الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2)) أیضا
إنّ العقل لایأبی عن تصریح الآمر الحکیم بعدم إرادة المقدّمة غیرالموصلة فیجوز أن یقول: أُرید الحج و أُرید المسیر الذی یتوصل به إلی فعل الواجب دون ما لم یتوصل به إلیه، فإنّ الضرورة قاضیة بجواز تصریح الآمر بمثل ذلک کما أنّ الضرورة قاضیة بقبح التصریح بعدم مطلوبیة المقدّمات مطلقاً أو بقبح التصریح بعدم مطلوبیة المقدّمة الموصلة و ذلک آیة عدم الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب المقدّمات له غیرِ الموصلة.
((3))
إنّه لیس للآمر الحکیم الذی لایجازف التصریحُ بذلک، و إنّ دعوی صاحب الفصول (قدس سره) من أنّ الضرورة قاضیة بجواز التصریح بذلک ممنوع لأنّ الغرض و هو التمکّن من فعل ذی المقدّمة مشترک بین جمیع المقدّمات الموصلة و غیرالموصلة.
ص: 401
((1))
قد تقدّم أنّ ما ذکره من الغرض لایصلح أن یکون الغرض فلا بأس بهذا التصریح، بل الوجدان أصدق شاهد علی جواز ذلک.
الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2)) أیضا
إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرد التوصّل بها إلی الواجب و حصوله فیکون التوصّل بالمقدّمة إلی ذی المقدّمة و حصوله معتبراً فی مطلبوبیة المقدّمة، فلاتکون المقدّمة مطلوبة إذا انفکّت عن التوصّل.
و صریح الوجدان قاضٍ بأنّ من یرید شیئاً بمجرد حصول شیء آخر، لایریده إذا وقع مجرداً عنه و یلزم منه أن یکون وقوعه علی وجه المطلوب منوطاً بحصول هذا الشیء الآخر.
((3))
أورد علیه أوّلاً بمنع الصغری و هو أنّ الغرض إنّما هو التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة لا ترتّبه علیه خارجاً، و هذا الغرض مشترک بین المقدّمة الموصلة و غیرالموصلة.
ص: 402
((1))
إنّ ذلک لیس هو الغرض لأنّ التمکّن من ذی المقدّمة یحصل بمجرد التمکّن من المقدّمة.
أورد (قدس سره) ثانیاً بمنع الکبری و هو أنّ صریح الوجدان قاضٍ بأنّ المقدّمة التی أُرید لأجل غایة و لم تبلغها واجبة، فلایکون ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة قیداً للواجب الغیری و إن سلّمنا أنّه الغایة لوجوب المقدّمة.
((2))
إنّ الشیء إذا وجب لغایة فلابدّ من تحقّق الغایة حتی یتّصف بالوجوب و مع عدم تحقّق الغایة لایعقل اتّصافه بالوجوب.
و من هنا قلنا: إنّ وجود ذی المقدّمة (الغایة) کاشف عن تحقّق مقدّمته المتّصفة بالوجوب و عدم وجود ذی المقدّمة کاشف عن عدم تحقّق المقدّمة المتّصفة بالوجوب.
لایستنکر ذلک العقل مع أنّه یستحیل أن ینهی عن مطلق المقدّمة أو عن خصوص الموصلة منها، و هذا دلیل عدم وجوب مطلق المقدّمة و وجوب خصوص الموصلة.
((1))
أوّلا: إنّ هذا الدلیل فی مورد المقدّمات المباحة، أمّا إذا کان المقدّمات محرّمة مثل أن یمنع عنه المولی فحینئذ لاتتصف بالوجوب الغیری و لکنّ عدم اتّصافها به لأجل المانع (و هو نهی المولی) لا لأجل عدم المقتضی.
ثانیا: إنّ فی صحّة منع المولی عن المقدّمة غیر الموصلة نظراً لأنّه یوجب تفویت الواجب اختیاراً أو طلب الحاصل.
أمّا لزوم تفویت الواجب فلأنّه إن قلنا بحرمة المقدّمة فلایتمکّن من المقدّمة شرعاً إلّا فی صورة إتیان ذی المقدّمة و مع عدم إتیان ذی المقدّمة لایجوز إتیان المقدّمة لحرمتها علی الفرض فلیس متمکّناً من المقدّمة شرعاً و لازم عدم التمکّن من المقدّمة هو عدم التمکّن أیضاً من ذی المقدّمة، لأنّ وجوب ذی المقدّمة مشروط بالقدرة و مع عدم التمکّن من المقدّمة لیس قادراً علی ذی المقدّمة فیجوز ترک ذی المقدّمة لأنّ تحصیل القدرة علی الواجب النفسی لیس بواجب.
أمّا لزوم تحصیل الحاصل فلأنّ إیجاب ذی المقدّمة فعلاً متوقّف علی جواز المقدّمة شرعاً و جواز المقدّمة شرعاً یتوقّف علی إیصالها إلی ذی المقدّمة و إیصالها إلی ذی المقدّمة یتوقّف علی إتیان ذی المقدّمة.
ص: 404
و نتیجة ذلک هو أنّ إیجاب ذی المقدّمة (أی طلب حصوله) متوقّف علی إتیانه و حصوله و هذا طلب الحاصل و هو محال.((1))
((2))
إنّ ما أفاده مبنی علی الخلط بین کون الإیصال قیداً لجواز المقدّمة و وجوب ذی المقدّمة و بین کونه قیداً للواجب.
فلو کان الإیصال قیداً لجواز المقدّمة لتم ما أفاده و لکنّه لیس الأمر کذلک بل الإیصال قید للواجب، فلیس جواز المقدّمة مشروطاً بالإیصال الخارجی و وجود الواجب النفسی، بل الجواز تعلّق بالمقدّمة الموصلة و المفروض تمکّن المکلّف منها، و حینئذ لو ترک الواجب ارتکب المعصیة و استحقّ العقاب لفرض قدرته علیه من جهة قدرته علی مقدّمته الموصلة.
((3))
و هذا البیان أیضاً یوافق التصویر الذی أفاده صاحب الفصول (قدس سره) .
توضیح هذا التقریب هو أنّ قید الموصلیة و ذی المقدّمة متلازمان فإنّهما معلولان عرضیان للمقدّمة (هذا ما صرّح به السید الصدر (قدس سره) فی تفسیر هذا التقریب)((4)) فإنّ الغرض الأصیل مترتّب علی وجود المعلول (أی ذی المقدّمة) و
ص: 405
الغرض التبعی من أجزاء علّته هو أن یترتّب المعلول (و هو ذو المقدّمة) علی أجزاء العلّة (و هی المقدّمات) إذا وقعت علیتها فعلیة.
فوقوع کل مقدّمة علی صفة المقدّمة الفعلیة ملازم لوقوع الأُخری علی تلک الصفة و وقوع ذی المقدّمة فی الخارج، و أمّا ذات المقدّمة من دون فعلیة التأثیر مقدّمة بالقوّة لا بالفعل، و المقدّمة غیر الفعلیة (أی ما هو مقدّمة بالقوّة) غیر مرتبط بالغرض الأصیل المترتّب علی وجود ذی المقدّمة فلاتکون مطلوبة بالتبع.
فالمقدّمة غیر الموصلة مقدّمة بالقوة و لیست مطلوبة بالتبع و لا ملازمة بینها و بین ذی المقدّمة و أمّا المقدّمة الموصلة مقدّمة بالفعل و مطلوبة بالتبع و الملازمة بینها و بین ذی المقدّمة ثابتة.
إنّ أخذ حیثیة ترتّب الواجب النفسی فی متعلّق الواجب الغیری معناه انبساط الوجوب الغیری علی حیثیة لا ربط لها به، فان ملاک تعلق الشوق و الوجوب الغیری بشی ء لیس إلّا وقوع ذلک الشی ء فی طریق تحقیق الواجب النفسی، و من الواضح عدم دخل الحیثیة المذکورة فی ذلک أصلا [و بعبارة أخری: ملاک تعلّق الشوق و الوجوب الغیری بالمقدّمة هو وقوعه فی طریق تحقّق الواجب النفسی مع أنّ حیثیة الموصلیة (بمعنی ترتّب الواجب النفسی) لا مدخلیة لها فی تحقّق الواجب النفسی] بل هی متأخّرة فی الانتزاع و التحقّق عن وجود ذی المقدّمة (حیث إنّ الموصلیة تنتزع عن تحقّق ذی المقدّمة خارجاً) و معه کیف یعقل انبساط الوجوب الغیری علیها؟((1))
ص: 406
أولا: إنّهما متلازمان، لا أنّ الموصلیة منتزعة عن تحقّق الواجب النفسی.
ثانیاً: إنّ إتیان ذات المقدّمة واجب عقلاً، لأنّ المقدّمة الموصلة واجبة غیریاً و المکلّف متمکّن منه فلابدّ له من إتیان ذات الفعل حتی یترتّب علیه تحقّق ذی المقدّمة فذات الفعل تحقّق فی طریق إتیان الواجب النفسی.
((1))
إنّ الغرض الأصیل یتعلّق بالمعلول و هو ذو المقدّمة و الغرض التبعی أیضاً یتعلّق بعلّته التامّة حیث إنّها محصّلة للغرض الأصیل و لایتعلّق الغرض التبعی بکل ما له دخل و إن لم یکن محصّلاً للغرض الأصیل، لأنّ وجوده و عدمه مع عدم الغرض الأصیل علی حدّ سواء، و العلّة التامّة هی مجموعة من المقدّمات و تلک المقدّمات واجبة بالوجوب الغیری الواحد و عنوان الموصلیة و إن کان من عوارض المقدّمة لکنّها مقوّمة للمقدّمة بمعنی العلّة التامّة و الموصلیة تنتزع عن المقدّمات بملاحظة بلوغها حیث یترتّب علیها الواجب فهو ملازم لترتّب الواجب لا إنّه منتزع منه.
و الإرادة المتعلّقة بالعلّة التامّة واحدة و إن کانت العلّة مرکّبة کما أنّ الإرادة المتعلّقة بالمعلول واحدة و إن کان المعلول مرکباً
و المنشأ فی العلّة التامّة وحدة الغرض -کما أنّ منشأ وحدة الإرادة فی المعلول وحدة الغرض- و الغرض فی العلّة التامّة هو الوصول إلی المعلول.
ص: 407
و الإرادة الکلّیة المتعلّقة بالعلّة المرکّبة لاتسقط إلّا بعد حصولها الملازم لحصول معلولها و إن کان یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً کما أنّ إتیان بعض أجزاء المعلول لایسقط الإرادة النفسیة المتعلّقة بالمرکّب بل هی باقیة إلی آخر الأجزاء و إن کان یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً.
و کما أنّ أجزاء المعلول لاتقع علی صفة المطلوبیة إلّا بعد التمامیة، لاتقع أجزاء العلّة التامّة علی صفة المطلوبیة المقدّمیة إلّا بعد التمامیة لوحدة الطلب فی کلیهما و منشؤها وحدة الغرض.
ثم إنّ إرادة ذی المقدّمة من أجزاء العلّة التامّة و لا مانع من تعلّق الإرادة التشریعیة بها بل لابدّ منها، لأنّ الإنسان إذا اشتاق إلی فعل الغیر عن اختیار فلامحالة یرید إرادة الغیر له کسائر المقدّمات بلا فرق، لکنّه لایمکن البعث نحو الإرادة إذ معنی البعث جعل الداعی و الباعث نحو الشیء و لایکون البعث باعثاً و داعیاً إلّا بواسطة الإرادة فالإرادة بنفسها مقوّمة للانبعاث نحو الفعل فلایعقل أن تکون الإرادة مبعوثاً إلیها.
(لکن السید الصدر (قدس سره) یقول باستحالة تعلّق الإرادة بالإرادة).((1))
((2))
إنّ المراد عین الإرادة و المبعوث علیه موجود بعین وجود البعث و هذا هو ما اعتقد به المحقّق الإصفهانی (قدس سره)، فحینئذ إذا ترکّب العلّة التامّة من المقتضی و
ص: 408
الشرط و المعدّ فیکون المراد متعدداً لأنّه لایمکن اتحاد المقتضی و الشرط مثلاً لا فی الخارج و لا فی الذهن فمع تعدّد المراد لابدّ أن یتعدّد الإرادة أیضاً لأنّ المراد عین الإرادة.
إنّ الإرادة التشریعیة تتعلّق بالعلّة التامّة و العلّة التامّة واحدة لا متعدّدة بل إنّها مرکّبة من الأجزاء فلها وحدة من جهة و ترکّب من جهة أُخری، و الإرادة التشریعیة متعلّقة بجهة وحدتها کما أنّ الإرادة النفسیة المتعلّقة بالواجب النفسی واحدة و إن کان الواجب النفسی مثل الصلاة مرکّبا.
إنّ مبنی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) تعلّق الإرادة التی هی واحد حقیقی بالمرکّب فیقال: کیف یعقل أن یکون المقتضی واحداً و الاقتضاء متعدّداً مع أن نسبة الاقتضاء إلی المقتضی هی نسبة الأثر إلی المؤثر و کیف یعقل أن یکون الأثر متعدّداً و المؤثر (أی محقّق الأثر) واحداً
أوّلاً: إنّ نسبة الاقتضاء و المقتضی لیست نسبة المؤثر و أثره بل الاقتضاء عین المقتضی و النسبة بین المقتضی و المقتضی نسبة المؤثر و الأثر، فإنّ الاقتضاء مصدر متحد مع اسم الفاعل بحسب الحقیقة لا مع اسم المفعول.
ثانیاً: ما أفاده من وحدة الإرادة و تعدّد الاقتضاءات هو یرجع إلی ما قلنا من أنّ العلّة التامّة المرکّبة واحدة لا متعدّدة و إن کانت ذا أجزاء فلها وحدة من جهة عدم تعدّدها و لها أجزاء من حیث ترکّبها، و رابطة الأجزاء و المرکب رابطة
ص: 409
الجزء و الکل لا الجزئی و الکلّی فالإرادة لاتنحل بحسب ترکّب المراد بل الانحلال یتصور فیما إذا کان المراد کلیاً لا فیما إذا کان کلاً.
إنّ النسبة بین المقتضی و المقتضی نسبة التضایف، فکیف یعقل سقوط الاقتضاء و بقاء المقتضی؟ فما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الإرادة الکلّیة المتعلّقة بالعلّة المرکّبة یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً ممنوع.
إذ مع سقوط الاقتضاء إمّا یبقی المقتضی أو لا، فلو بقی المقتضی یلزم عدم تکافؤ المتضایفین و إن لم یبق المقتضی یلزم التعدّد فی ناحیة المقتضی و معنی ذلک هو انحلال الإرادة بالإرادات، فلیست هنا إرادة واحدة بل إرادات متعددة و بتبعها وجوبات غیریة فلکل مقدّمة وجوب غیری.
أوّلاً: إنّ الإقتضاء عین المقتضی کما قلنا سابقاً.
ثانیاً: معنی سقوط الاقتضاء فی بعض الأحیان بالنسبة إلی بعض المقدّمات المأتی بها هو سقوط المقتضی و المقتضی فیها بخروجها عن تحت الاقتضاء لحصولها فی الخارج فإنّ المقدّمة التی تحقّقت فی الخارج خرجت عن تحت الاقتضاء.
و لاینافی وحدة الاقتضاء بالنسبة إلی المرکّب مع کونه ذا مراتب.
إنّ وحدة الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات المتعدّدة مخالفة للمبنی المسلّم عند القوم و إجماعهم.
ص: 410
لکن بعض الأساطین (حفظه الله) - علی ما قررتُ فی مجلس درسه- أعرض عن حتمیة ورود الإشکال و قال: لانُصِرّ علی هذا الإیراد و الوجه فیه واضح لأنّ اجماع الأُصولیین علی مسألة لا اعتبار به فضلاً عن اتفاق بعضهم.
إنّ تقسیم المقتضی و الشرط بما هو بالفعل و ما هو بالقوّة صحیح أمّا تقسیم المعدّ بما بالقوّة و ما بالفعل فغیر صحیح، فإنّ المعدّ دائماً یکون بالفعل مثلاً کل قدم من أقدام من خرج من بیته إلی المسجد فهو معدّ للکون فی المسجد.
إذا ترتّب علی المعدّ وجود المعدّ له فالإعداد فعلی و أمّا إذا لم یترتّب علیه المعدّ له فلا وجه لفعلیة الإعداد.
فالحقّ هو تقسیم المعدّ أیضاً إلی ما بالقوة و ما بالفعل.
((1))
قال فی المقالات:((2)) إنّ الواجب فی باب المقدّمة ما هو الموصل منها بحیث یکون هذا العنوان کعنوان نفس المقدّمیة من العناوین المشیرة إلی ما هو واجب، لا إنّه بنفس هذا العنوان کان واجباً.
و قال فی نهایة الأفکار((3)): إذا کان التکلیف المتعلّق بکل مقدّمة تبعاً للتکلیف
ص: 411
النفسی الضمنی المترشح منه ناقصاً غیر تامّ فی حد نفسه بنحو یقصر عن الشمول لحال عدم تحقّق بقیة المقدّمات فلاجرم یوجب نقصه و قصوره ذلک تخصیص المطلوب أیضاً بما لایکاد انفکاکه عن بقیة المقدّمات التی منها الإرادة الملازم ذلک للإیصال إلی وجود ذیها فی الخارج، و معه یکون الواجب قهراً عبارة عن خصوص ما هو ملازم للإیصال بنحو لایکاد انفکاکه فی الخارج عن وجود الواجب لا مطلق وجود المقدّمة و لو فی حال الانفکاک عن الإیصال، و لکنّه لقصور فی حکمه عن الشمول لحال الانفکاک عن بقیة المقدّمات لایکون مطلقاً أیضاً بنحو یشمل حال عدم الإیصال إلی وجود ذیه فهو أی الواجب حینئذ عبارة عن ذات المقدّمة بما أنّها توأمة و ملازمة للإیصال و ترتّب ذیها علیها، لا بشرط الإیصال کما هو مقتضی کلام الفصول و لا لابشرط الإیصال کما هو مقتضی القول بوجوب المقدّمة مطلقاً.
(إنّ السید الصدر (قدس سره) قد استشکل هذا التصویر بوجهین).((1))
((2))
یکفی فی الإیراد علیه الأدلة الواردة لإثبات خصوص المقدّمة الموصلة و قد استقصینا بیانها و الدلیل السادس هو أحسن ما فی المقام و هو التقریب الثانی الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) للمقدّمة الموصلة.
ص: 412
((1))
إنّ الواجب و إن کان هو خصوص المقدّمة فی حال الإیصال لمساعدة الوجدان علی ذلک بناءً علی ثبوت الملازمة إلّا أنّه مع ذلک لم یؤخذ الإیصال قیداً لاتصاف المقدّمة بالوجوب لا بنحو یکون قیداً للواجب و لا بنحو یکون قیداً للوجوب فلو کان قیداً للواجب یلزم الدور و التسلسل و لو کان قیداً للوجوب یلزم التفکیک بین وجوب المقدّمة و وجوب ذیها فی الإطلاق و الاشتراط و هو مستحیل علی ضوء القول بالملازمة بینهما.
و إذا استحال التقیید فتستلزم ذلک استحالة الإطلاق أیضاً لأنّ تقابلهما تقابل الملکة و العدم ثبوتاً و إثباتاً فلابدّ من الالتزام بشقّ ثالث و هو وجوب المقدّمة فی حال الإیصال أو قل کما قال المحقّق صاحب الهدایة (قدس سره):((2)) إنّ المقدّمة إنّما وجبت من حیث الإیصال لا مقیدة بکونها موصلة
ثم قال المحقق النائینی (قدس سره):((3)) و علی ما ذکر فلا مناص من الإهمال و أن یکون الواجب الغیری کوجوبه غیر مقید بالإیصال و لا مطلقاً من هذه الجهة.
یکفی فی بیان إبطاله ما مضی من عدم استحالة تقیید الواجب حیث رفعنا
ص: 413
إشکال الدور و التسلسل فلانحتاج إلی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الإیراد علیه و إن شئت فراجع.((1))
ص: 414
اعلم أنّ أهمّ الأقوال هنا أربعة، نذکرها مع أدلّتها:
القول الأوّل: وجوب المقدّمة شرعاً مطلقاً((1)) (مختار الشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره).
ص: 415
القول الثانی: عدم وجوب المقدّمة شرعاً مطلقاً((1)) (مختار المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و منتقی الأصول).
ص: 416
القول الثالث: التفصیل بین المقدّمة السببیة فهی واجبة شرعاً و بین غیرها فهی لیست بواجبة (علم الهدی و صاحب المعالم (قدس سرهما)((1)).
ص: 417
القول الرابع: التفصیل بین المقدّمة الشرعیة فهی واجبة شرعاً و بین غیرها
ص: 418
فهی لیست بواجبة (العضدی و الحاجبی)((1)).
ص: 419
((1)):
((2))
إنّ الوجدان أصدق شاهد علی أنّ الإنسان إذا أراد شیئاً له مقدّمات، أراد تلک المقدّمات لو التفت إلیها بحیث ربّما یجعلها فی قالب الطلب مثل ذی المقدّمة و یقول مولویاً: ادخل السوق و اشتر اللحم. (هذا ما فی الکفایة).
و أوضحه المحقّق النائینی (قدس سره) بأنّه لا فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فی جمیع لوازمهما غیر أنّ التکوینیة تتعلّق بفعل نفس المرید و التشریعیة تتعلّق بفعل غیره، و من الضروری أنّ تعلّق الإرادة التکوینیة بشیء یستلزم تعلّقها بجمیع مقدّماته قهراً.((3))
ص: 420
ثمّ إنّ هذا الوجوب وجوب قهری لا وجوب استقلالی، فلو کان الوجوب استقلالیاً (کما هو مختار المحقّق القمی (قدس سره)((1)) لکان إنکاره للزوم اللغویة فی محلّه و لکنّه وجوب قهری ترشحی و إن لم یترتّب علی وجوده ثمرة أصلاً.
((2))
إنّ العقل یذعن بأنّ ذا المقدّمة (المفروض استحقاق العقاب علی ترکه لجعل الداعی نحوه) لایوجد إلّا بإیجاد مقدّمته، فلامحالة ینقدح الإرادة فی نفس المنقاد بالبعث النفسی و لا حاجة إلی جعل داع آخر إلی المقدّمة بنفسها (عدم الحاجة
ص: 421
أعم من کونه لغواً لأنّه یمکن تصویره فی صورة التأکید) و لیس جعل الداعی کالشوق بحیث ینقدح فی النفس قهراً بعد حصول مبادیه، فنلتزم بإرادة المقدّمة دون جعل الداعی نحوها.
((1))
إن أرید من الإرادة الشوق المؤکد الذی هو من الصفات النفسانیة الخارجة عن اختیار الإنسان و قدرته غالباً ففیه:
أوّلاً: أنّ اشتیاق النفس إلی شیء البالغ حدّ الإرادة إنّما یستلزم الاشتیاق إلی خصوص مقدّماته الموصلة لو التفت إلیها لا مطلقاً.
ثانیاً: أنّ الإرادة بهذا المعنی لیست من مقولة الحکم، ضرورة أنّ الحکم فعل اختیاری للشارع و صادر منه باختیاره و إرادته.
و إن أُرید منها الاختیار و إعمال القدرة نحو الفعل فهی بهذا المعنی و إن کانت من مقولة الأفعال، إلّا أنّ الإرادة التشریعیة بهذا المعنی باطلة، و ذلک لما تقدّم بشکل موسّع من استحالة تعلّق الإرادة بهذا المعنی (أی إعمال القدرة) بفعل الغیر.
و إن أُرید منها الملازمة بین اعتبار شیء علی ذمّة المکلّف و بین اعتبار مقدّماته علی ذمّته ففیه:
أوّلاً: أنّ الوجدان أصدق شاهد علی عدمها لأنّ المولی قد لایکون ملتفتاً إلی توقفه علی مقدّماته کی یعتبرها علی ذمّته.
ص: 422
ثانیاً: أنّه لا مقتضی لذلک بعد استقلال العقل بلابدّیة الإتیان بها حیث إنّه مع هذا لغو صرف.
((1))
إنّ تمامیة هذا الاستدلال متوقفة علی المبانی المذکورة فی حقیقة الحکم.
فإن قلنا: إنّ حقیقة الحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی أو قلنا بأنّه اعتبار لابدیة شیء أو حرمانه علی ذمة المکلّف فیکون الحکم فعلاً اختیاریاً و أجنبیاً عن الإرادة و أمّا إن قلنا بأنّ الحکم هو الإرادة المبرزة و الکراهة المبرزة کما هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره) فیتمّ الاستدلال المذکور.
((2))
وجود الأوامر الغیریة فی الشرعیات والعرفیات یدل علی هذا القول لوضوح أنّه لایتعلّق الأمر الغیری بالمقدّمة إلّا إذا کان فیها مناط الأمر الغیری و ملاکه مثل «ادخل السوق و اشتر اللحم» فی العرفیات و مثل (إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ)((3)) ثم إنّه لا خصوصیة لهذه الموارد فلابدّ أن یتعدّی منها إلی جمیع المقدّمات و نتیجة ذلک وجود ملاک الأمر الغیری فی مطلق المقدّمة فإذن ثبت وجوب مطلق المقدّمة.((4))
ص: 423
((1))
هذا الوجه مبنی علی ظهورها فی الإنشاء بداعی البعث الجدّی فی نفسها.
و أمّا بناءً علی ظهور الأوامر المتعلّقة بالأجزاء و الشرائط فی الإرشاد إلی شرطیتها و جزئیتها -کظهور النواهی فی الموانع و القواطع فی الإرشاد إلی مانعیتها و قاطعیتها، نظیر ظهور النواهی فی باب المعاملات فی الإرشاد إلی الفساد- فلایتمّ المطلوب.
و یؤید هذا الاحتمال نفس الأوامر المتعلّقة بالأجزاء، مع أنّه لا وجوب مقدّمی فیها.
لو لم یجب المقدّمة لجاز ترکها و هذا یستلزم أحد المحذورین لأنّه إن بقی
ص: 424
الواجب علی وجوبه فیلزم وجوب إتیان ذی المقدّمة بدون مقدّمته و هو تکلیف بما لایطاق و إن لم یبق وجوب ذی المقدّمة بحاله بل صار مشروطاً بحصول مقدّمته فینقلب الواجب المطلق إلی الواجب المشروط.((1))
((2))
أوّلاً: یکفی فی القدرة علی ذی المقدّمة القدرة علی مقدّمته، فلاتتوقّف علی الإتیان بها خارجاً و لا علی وجوبها شرعاً.
ثانیاً: إنّ الشارع و إن لم یوجب المقدّمة إلّا أنّ العقل یستقل بلزوم إتیانها بحیث لو لم یأت بها و أدّی ذلک إلی ترک ذی المقدّمة لکان عاصیاً بنظر العقل.
((3))
إنّ المقدّمة واجبة بحکم العقل بلا خلاف بینهم، لأنّ العقل یحکم بلزوم إتیان مقدّمة الواجب و إنّما الکلام فی وجوب المقدّمة شرعاً، و یکفی لإثبات ذلک قاعدة الملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع حیث قالوا: «کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع» فوجوب المقدّمة عقلاً صغری لقاعدة الملازمة.
إنّ الحکم العقلی إمّا من أحکام العقل النظری و إمّا من أحکام العقل العملی.
أمّا العقل النظری فإذا أدرک ملاک الحکم الشرعی بجمیع خصوصیاته من
ص: 425
المقتضی و الشرط و عدم المانع یکشف عن الحکم الشرعی و لکن هذا مجرّد فرض لا وقوع له لعدم إحاطة العقل بملاکات الأحکام.
أمّا العقل العملی فإذا أدرک حسن شیء أو قبحه قال بعضهم بأنّ الشارع أیضاً یحکم بذلک لأنّه رئیس العقلاء و فی قبال ذلک قال بعضهم بأنّ جعل الحکم الشرعی لیس هو إلّا لإیجاد الداعویة و مع وجود الداعی العقلی لمکان الحکم العقلی یکون إیجاد الداعی الشرعی لغواً.
و الحقّ هو قول ثالث و هو أنّ الداعی العقلی یکفی لتحریک العبد إلی إتیان متعلّق الحکم و لا وجه للزوم إیجاد الداعی الشرعی و بهذا یبطل الملازمة المدّعاة إلّا أنّ إیجاد الداعی الشرعی لیس لغواً بل قد یکون للتأکید.
((1))
قد استدلّ علیه بأنّ جعل الوجوب فاقد للملاک فیستحیل جعله، لأنّ ملاکه إمّا تحریک العبد و إمّا إسناد عمله إلی الأمر الشرعی حتّی یکون عمله مقرباً إلیه تعالی.
أمّا الملاک الأوّل فمفقود لکفایة حکم العقل بلزوم العمل فلایبقی ملاک ملزم لجعل الوجوب شرعاً.
أمّا الملاک الثانی فمفقود أیضاً لأنّ المقرّبیة یمکن تحصیلها بقصد التوصّل إلی ذی المقدّمة.((2))
ص: 426
قد استدلّ علی وجوب السبب بأنّ التکلیف لایتعلّق إلّا بالمقدور و السبب هنا مقدور دون المسبب، و إنّما المسبّب من الآثار المترتّبة علی السبب قهراً فلایکون المسبب من أفعال المکلّف، فلابدّ أن یتعلّق الأمر بالسبب.((1))
((2))
أوّلاً: لازم ذلک هو أن یتعلّق الأمر النفسی بالسبب دون المسبب
ص: 427
ثانیاً: إنّ المسبب مقدور للمکلّف بواسطة سببه، و لایعتبر فی التکلیف أزید من القدرة، کانت بلا واسطة أم معها.
قد استدلّ علی وجوب الشرط الشرعی بأنّه لولا وجوبه شرعاً لما کان شرطاً، حیث إنّه لیس مما لابدّ منه عقلاً أو عادة.((1))
((2))
إنّ الشرط الشرعی یرجع إلی الشرط العقلی أیضاً، لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط سواء کان شرطاً عقلیاً أم شرعیاً؛ فالضابط فی الشرط العقلی موجود فی الشرط الشرعی أیضاً.
((3))
إنّ الشرط الشرعی هو ما لم یکن واضحاً عند العقل فلایدرک شرطیتها إلّا بعد الوجوب الشرعی المجعول له.
إنّه لایتعلّق الأمر الغیری إلّا بما هو مقدّمة الواجب فلو کان مقدّمیته و
ص: 428
شرطیته متوقفة علی تعلّق الأمر الغیری لزم الدور.
((1))
إنّ الموقوف غیر الموقوف علیه، لأنّ شرطیة الشرط الشرعی للواجب موقوف علی وجوبه الغیری و لکن وجوبه الغیری متوقف علی شرطیة الشرط الشرعی للغرض (أی دخله فی تحقّق الغرض).
إنّ الشرطیة فی الشرط الشرعی غیر متوقّفة علی وجوبه الغیری بل شرطیته ینتزع عن التکلیف النفسی المتعلّق بالواجب النفسی المقید بالشرط (مثل صلّ مع الطهارة کما ورد «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور»((2))).
هذا تمام الکلام فی مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة.
ص: 429
ص: 430
ففیه نظریتان:
((1))
إنّه لا مجال لجریان الأصل فی المسألة الأُصولیة، لأنّ الملازمة بین وجوب المقدّمة و وجوب ذی المقدّمة أو عدم الملازمة المذکورة لیست لها حالة سابقة، بل تکون الملازمة أو عدمها أزلیةً.
و أوضحه بعض الأساطین بأنّ تلک الملازمة من قبیل لوازم الماهیة مثل الزوجیة بالنسبة إلی الأربعة فإنّ الأربعة لاتنفک عن الزوجیة، فإنّها ملازمة موجودة عند العقل و لا حالة سابقة لها.((2))
ص: 431
((1))
أوّلاً: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی أن تکون الملازمة المذکورة من لوازم الماهیة و لکن إن قلنا بأنّ الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب مقدّمته من قبیل لوازم الوجود فلایتمّ ما أفاده لأنّ وجود وجوب ذی المقدّمة و کذا وجود وجوب مقدّمته مسبوقان بالعدم فلهما حالة سابقة، فالملازمة بینهما أیضاً تکون مسبوقة بالعدم و لها حالة سابقة، فالملازمة بین وجود الماهیتین لا بین نفس الماهیتین.
ثانیاً: لایعقل أن تکون للماهیة لوازم لأنّ الماهیات متباینات بالذات مع أنّه لیس للماهیة بقطع النظر عن الوجود استلزام، لأنّ الملازمة من الأُمور الوجودیة فلازم الماهیة یرجع إلی لازم أحد الوجودین الذهنی و الخارجی.
((2))
إنّه لا مجال لجریان الاستصحاب لا لما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم وجود الحالة السابقة له، بل من جهة أنّ المستصحب لابدّ أن یکون إمّا حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی، و الملازمة هنا لیست بحکم شرعی بل هی لیست موضوعاً للحکم الشرعی لأنّه لایترتّب علیها حکم شرعی.
نعم اللازم العقلی للمستصحب هو وجود وجوب المقدّمة فالاستصحاب یجری عند من یقول بحجیة الأصل المثبت.
ص: 432
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):((1)) استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة
إنّ نفس وجوب المقدّمة یکون مسبوقاً بالعدم، لأنّه یکون حادثاً بحدوث وجوب ذی المقدّمة، فالأصل عدم وجوبها.
و معنی هذا الأصل استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البرأءة عن الوجوب.
أما الاستصحاب ففیه إیرادان:
بیان هذا التوهّم هو أنّ وجوب المقدّمة علی القول بثبوت الملازمة من قبیل لوازم الماهیة فلذا لایقبل الجعل البسیط و لا التألیفی و لا أثر آخر مجعول یترتّب علی وجوب المقدّمة و لو کان أثر آخر فلم یکن أثراً مهمّاً، فلذا لایجری الاستصحاب.
((2))
إنّ وجوب المقدّمة لیس قابلاً للجعل البسیط و لا التألیفی کما أفاده المتوهم و لکنه قابل للجعل بالعرض و هذا کاف فی جریان الاستصحاب.
ص: 433
((1))
إنّ هناک إرادة متعلّقة بذی المقدّمة و بتعبها إرادة أُخری متعلّقة بالمقدّمة و یتعلّق بکل منهما جعل بسیط فلیست المقدّمة مجعولة بجعل عرضی بل هو مجعول بجعل تبعی بسیط (و لایخفی أنّ الجعل التبعی غیر الجعل العرضی).
((2))
إنّ الاستصحاب لایجری فی المقام و إن کان أرکانه تامّة إلّا أنّه لا أثر لهذا الاستصحاب بعد استقلال العقل بلزوم الإتیان بالمقدّمة و لایجری مع عدم ترتّب الأثر علیه.
الحقّ عدم ورود هذا الإیراد کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) قال فی الهامش: إنّ الوجوب التعبّدی و عدمه کالوجوب الواقعی و عدمه، فإذا کان إیجاب المقدّمة واقعاً معقولاً، کان التعبّد به أو بعدمه أیضاً معقولاً، فلا وجه لمطالبة الأثر الشرعی المترتّب علی مجری الأصل بعد کونه بنفسه أثراً مجعولاً شرعاً.
إنّ البراءة لاتجری بقسمیه:
ص: 434
أمّا العقلیة فلأنّها واردة لنفی العقاب مع أنّ المفروض عدم العقاب علی ترک المقدّمة و إن قلنا بوجوبها بل العقاب علی ترک ذی المقدّمة.
أمّا الشرعیة فلأنّها وردت مورد الامتنان فیختصّ موردها بما إذا کانت فیه کلفة علی المکلّف حتی یکون رفع الکلفة امتناناً و لکن لا کلفة فی وجوب المقدّمة لأنّه لا عقاب علی ترکها مع أنّ العقل یستقل بإتیانها سواء کانت واجبة أم لا، فلا منّة فی ارتفاعها.
إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یقول بجریان البراءة فیما کانت المقدّمة محرّمة و قد توقف علیها واجب أهمّ((1)) کما أنّ بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً قال:
قد یترتّب الثمرة علی وجوب المقدّمة مثل ما إذا قلنا بعدم جواز أخذ الأُجرة علی الواجب الشرعی فإن جرت أصالة البراءة الشرعیة عن وجوب المقدّمة سقطت المقدّمة عن وجوبه و حینئذ أثر جریان البراءة هو جواز أخذ الأُجرة علی إتیان المقدّمة.((2))
فتحصّل من ذلک تمامیة مقتضی جریان استصحاب عدم الوجوب و هکذا تمامیة جریان أصالة البراءة الشرعیة.
ص: 435
ص: 436
قد ذکر ستّ ثمرات:
((1))
قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ ثمرة البحث فی المسألة الأُصولیة لیست إلّا أن تکون نتیجتها صالحة للوقوع فی طریق الاجتهاد و استنباط حکم فرعی فإن قلنا بثبوت الملازمة فبضمیمة صغری مقدّمیة شیء للواجب النفسی ینتج وجوب هذه المقدّمة.
((2))
إنّ هذه النتیجة لاتصلح أن تکون ثمرة فقهیة للمسألة الأُصولیة و ذلک لعدم ترتّب أثر عملی علیها بعد حکم العقل بلابدّیة إتیان المقدّمة و من هنا نقول: حکم الشارع بوجوب المقدّمة لغو محض.
ص: 437
((1))
إنّ جواز الفتوی بالوجوب الشرعی هو الثمرة العملیة الفقهیة و هذا یکفی فی ترتّب الثمرة علی هذه المسألة.
(مضافاً إلی أنّ ذلک لیس لغواً بل قد یکون مؤکّداً لبعض المکلّفین علی إتیان المقدّمة).
إذا کانت المقدّمة عبادة فعلی القول بوجوبها أمکن الإتیان بها بقصد التقرّب و أمّا علی القول بعدم وجوبها فلایمکن.((2))
((3))
إنّ عبادیة المقدّمة لاتتوقّف علی وجوبها بل منشأ العبادیة أحد الأمرین:
الأمر الأوّل: الإتیان بها بقصد التوصل إلی الواجب النفسی و امتثال أمره.
الأمر الثانی: الإتیان بها بداعی الأمر النفسی الاستحبابی المتعلّق بها کما فی الطهارات الثلاث فالوجوب الغیری لایکون منشأ لعبادیتها.
ص: 438
((1))
إنّ البرء و عدمه إنّما یتبعان قصد الناذر، فلا برء بإتیان المقدّمة لو قصد الوجوب النفسی، کما أنّه عند إطلاق الواجب ینصرف إلی الواجب النفسی.
و ربّما یحصل البرء بإتیان المقدّمة لو قصد ما یعمّ المقدّمة و لو قلنا بعدم الملازمة (و فسّره المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّ النذر تعلّق بمطلق ما یلزم الإتیان به و لو عقلاً).((2))
((3))
إن کان قصده الإتیان بالواجب الشرعی من دون نظر إلی کونه نفسیاً أو غیریاً، و لو من ناحیة عدم الالتفات إلی ذلک و لم یکن فی البین ما یوجب الانصراف إلی الأوّل کفی الإتیان بالمقدّمة علی القول بوجوبها دون القول بعدم وجوبها.
الإیراد الثانی:((4))
إنّ مثل هذه الثمرة لاتوجب کون البحث عن وجوب المقدّمة بحثاً أُصولیاً، لأنّ المسألة الأُصولیة هی ما تقع فی طریق استنباط الحکم الکلی الإلهی بعد ضمّ
ص: 440
صغراها إلیها و انطباق حکم النذر علی متعلّقه بناء علی شموله لإتیان المقدّمة لیس استنباطاً.
((1))
إنّ هذه الثمرة لو تمّت فإنّما تتمّ علی القول بوجوب مطلق المقدّمة، أمّا بناء علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة فلاتظهر إلّا إذا أتی بذی المقدّمة أیضاً و إلّا لم یأت بالواجب الغیری و عند إتیان ذی المقدّمة لاتظهر الثمرة.
علی القول بوجوب المقدّمة لایجوز أخذ الأُجرة علیها، لأنّه من أخذ الأُجرة علی الواجبات.((2))
إنّا قد حققنا فی محلّه أنّ الوجوب بما هو وجوب لایکون مانعاً من أخذ
ص: 441
الأجرة علی الواجب، سواء کان الوجوب عینیاً أم کان کفائیاً، توصلیا کان أم عبادیاً إلّا إذا قام دلیل علی لزوم الإتیان به مجّاناً کتغسیل المیت و دفنه، و لا دلیل علی لزوم إتیان المقدّمة مجّاناً فلا مانع من أخذ الأُجرة علیها و إن قلنا بوجوبها.((1))
((2))
یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال، و الثمرة مترتّبة علی القول بأنّ کل واجب هو لله و ما کان لله فلاتؤخذ الأُجرة علیه.
(لایخفی انصراف هذا الدلیل إلی الواجبات النفسیة).
((3))
لو تنزّلنا عن ذلک فلابدّ من التفصیل بین المقدّمات العبادیة، کالطهارات الثلاث و بین غیرها من المقدّمات، فإنّ المانع عن أخذ الأُجرة علیها إنّما هو عبادیتها سواء کانت واجبة أم لم تکن، فلا دخل لوجوبها بما هو وجوب فی ذلک.
بل ربما یکون الشیء غیر واجب و مع ذلک لایجوز أخذ الأُجرة علیه کالأذان فلا ملازمة بین وجوب الشیء و عدم جواز أخذ الأُجرة علیه.((4))
ص: 442
ما أجاب به بعض الأساطین (حفظه الله) یتوجّه أیضاً علی الإیراد الثانی.
إنّه علی القول بوجوب المقدّمة یلزم حصول الفسق لتارک الواجب النفسی
ص: 443
مع مقدّماته الکثیرة.((1))
((2))
أوّلاً: لابدّ من فرض الکلام فیما إذا کان ترک الواجب النفسی من الصغائر و إلّا فإن کان من الکبائر لکان ترکه بنفسه موجباً لحصول الفسق.
ثانیاً: إنّ هذه الثمرة مبتنیة علی التفصیل بین المعاصی الکبیرة بحصول الفسق فیها و المعاصی الصغیرة بعدم حصول الفسق فیها إلّا فی فرض الإصرار و لکن هذا مما لا أساس له، لأنّ الفسق عبارة عن خروج الشخص عن جادّة الشرع یمیناً و شمالاً و یقابله العدل، فإنّه عبارة عن الاستقامة فی الجادّة و عدم الخروج
ص: 444
عنها و من البدیهی أنّ المعصیة الصغیرة کالکبیرة توجب الفسق و الخروج عن الجادّة.
ثالثاً: إنّ هذه الثمرة مبتنیة علی أن یکون الإصرار عبارة عن ارتکاب معاص عدیدة و لو فی زمن واحد و دفعةً واحدة.
ولکن للمناقشة فی هذا الأمر مجال واسع، لأنّ الإصرار علی المعصیة عبارة عرفاً عن ارتکابها مرّة بعد أُخری، أمّا ارتکاب معاصی عدیدة مرّة واحدة فلایصدق علیه الإصرار.
رابعاً: لامجال لهذا الإشکال لما قد عرفت من أنّه لا معصیة فی ترک المقدّمة بما هی مقدّمة و إن قلنا بوجوبها، حتی یحصل الإصرار علی المعصیة، ضرورة أنّ المدار فی حصول المعصیة و هتک المولی إنّما هو بمخالفة الأمر النفسی فلا أثر لمخالفة الأمر الغیری بما هو أمر غیری.
خامساً: إنّه -علی ما ذکرنا فی الإیراد علی الثمرة الثالثة- لاتصلح هذه الثمرة علی تقدیر تسلیمها أن تکون ثمرة للمسألة الأُصولیة.
((1))
أوّلاً: إنّ عنوان المعصیة یتحقّق بترک الواجب سواء کان نفسیاً أم غیریاً.
ثانیاً: یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال (کما قلنا بذلک فی الثمرة الرابعة).
إذا قلنا بثبوت الملازمة و کانت المقدّمة محرّمة فیجتمع الوجوب و الحرمة،
ص: 445
فیبتنی علی مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه، بخلاف ما إذا قلنا بعدم الملازمة.((1))
((2))
إنّه لایکون من باب الاجتماع، کی یکون مبتنیا علیه، لما أشرنا إلیه غیر مرّة من أنّ الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدّمة، لا بعنوان المقدّمة فلیس هنا عنوانان حتی یکون من باب الاجتماع بل هنا عنوان واحد تعلّق به کل من الأمر و النهی فتکون مسألتنا بناء علی الملازمة من باب النهی فی العبادة و المعاملة.
ص: 446
((1))
إنّ عنوان المقدّمة و إن کان عنواناً تعلیلیاً و خارجاً عن متعلّق الأمر، إلّا أنّ المأمور به هو الطبیعی الجامع بین هذا الفرد المحرم و غیره و علیه یکون متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی، فإنّ متعلّق الأمر مثلاً طبیعی الوضوء أو الغسل و متعلّق النهی حصّة خاصّة من هذا الطبیعی بعنوان الغصب و بما أنّ متعلّق الأمر و النهی ینطبقان علی هذه الحصّة فهی مجمع لهما و تکون من موارد الاجتماع.
((2))
لایتفاوت الحال فی جواز التوصّل بالمقدّمة و عدم جواز التوصّل بین أن یقال بالوجوب و أن یقال بعدمه.
بیان ذلک هو أنّ الغرض من المقدّمة هو التوصّل بها إلی الواجب النفسی.
و المقدّمة إمّا واجب توصّلی و إمّا واجب تعبّدی.
فإن کانت المقدّمة توصّلیة فإنّه یمکن التوصّل بها إلی الواجب النفسی و إن کانت محرّمة، سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.
و إن کانت المقدّمة تعبّدیة، فعلی القول بجواز الاجتماع صحّت العبادة فی مورد الاجتماع سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.
و علی القول بامتناع الاجتماع و تقدیم جانب النهی لاتصّح العبادة سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.
ص: 447
فإذن لا ثمرة للقول بالوجوب من هذه الناحیة.
((1))
إن کانت المقدّمة تعبّدیة و قلنا بجواز الاجتماع فإنّه یعتبر فی المقدّمة قصد القربة، و حینئذ إذا فرضنا کون المقدّمة محرّمة فیمتنع قصد التقرّب بها إلّا علی القول بوجوب المقدّمة، فالثمرة تترتّب فی هذه الصورة.
هنا ثمرات أخر مذکورة، لا نطیل الکلام بذکرها.((2))
ص: 448
ص: 449
ص: 450
إن قلنا بثبوت الملازمة فلابدّ أن تکون مقدّمة المستحب مستحبّة لعدم الفرق بین الطلب الإلزامی و غیر الإلزامی عند العقل الحاکم بالملازمة.
ففیهما نظریتان:
((1))
إنّ مقدّمة الحرام أو المکروه علی قسمین:
القسم الاوّل: مایتمکّن معه من ترک الحرام أو المکروه اختیاراً و هذه المقدّمة لیست علّة تامّة لذی المقدّمة الحرام و لا جزء أخیراً للعلّة التامّة، و فی هذا القسم
ص: 451
لیست المقدّمة حراماً أو مکروهاً، لأنّه لا یترتّب ذو المقدّمة المحرّم أو المکروه علی هذه المقدّمة بل یترتّب علی سوء اختیاره.
القسم الثانی: ما لایتمکّن معه من ترک الحرام أو المکروه بل کانت مقدّمة سببیة فهی العلّة التامّة أو الجزء الأخیر منها لإتیان ذی المقدّمة و حینئذ کانت المقدّمة حراماً أو مکروهاً لترتّب ذی المقدّمة المحرّم أو المکروه علی هذه المقدّمة.
((1))
تنقسم مقدّمة الحرام إلی ثلاثة أقسام:
القسم الأوّل: ما لایتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل فهذه المقدّمة سببیة و علّة تامّة أو الجزء الأخیر منها فهی محرّمة نفسیة و الوجه فی ذلک هو أنّ النهی الوارد علی ذی المقدّمة وارد علی سببه حقیقةً.
القسم الثانی: ما یتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل و لکن المکلّف یقصد بإتیان المقدّمة التوصل إلی الحرام.
و هنا حکم بالحرمة و لکنه تردّد فی حرمته بین النفسیة و الغیریة من جهة التردد فی أنّ منشأ الحرمة حرمة التجری أو أنّ حرمتها تترشح من ذی المقدّمة.
القسم الثالث: ما یتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل و لکن المکلّف لم یأت بها بداعی التوصل إلی الحرام بل لدیه صارف عن الحرام و هنا حکم بعدم الحرمة إذ الموجب لحرمة المقدّمة أحد الأمرین کلاهما مفقودان فی المقام: الأمر الأوّل هو أن تکون علّة تامّة للحرام أو جزء أخیراً منها و الأمر
ص: 452
الثانی أن یکون الإتیان بها بقصد التوصل إلی الحرام.
((1))
إنّ ذی المقدّمة مقدور للمکلّف لأنّ المقدور بالواسطة مقدور فلا وجه لما أفاده من أنّ النهی المتعلّق بذی المقدّمة هو وارد علی المقدّمة حقیقةً.
فلا مقتضی لحرمة المقدّمة حینئذ مضافاً إلی أنّا لانقول بوجوب مقدّمة الواجب و هکذا هنا.
أمّا الحرمة النفسیة للتجری فقد حققنا فی محلّه أنّ التجری لایکون حراماً و إن استحق المتجری العقاب.
نعم یظهر من بعض الروایات أنّ هذه الحرمة من ناحیة نیة الحرام و قد تعرضنا لهذه الروایات و لما دلّ علی خلافها بشکل موسع فی مبحث التجری و لکن هنا لم یصدق التجری لأنّ التجری هو الإقدام علی شیء بتخیل حرمته و لکنّه ینکشف بعداً عدم حرمته فهذا هو التجری الذی بحثوا عن حرمته.
أمّا التجری بمعنی قصد إتیان الحرام من دون إقدام علیه فهذا لیس من التجری الذی بحثوا عن حرمته.
أمّا الحرمة الغیریة فمنتفیة أیضاً و لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب، لأنّ
ص: 453
المکلّف بعد إتیان المقدّمة قادر علی ترک ذی المقدّمة المحرّم بخلاف مقدّمة الواجب فإنّ المکلّف لایقدر علی الواجب عند ترک مقدّمته.
الأمر کما أفاده لأنّه لا موجب لاتّصاف المقدّمة بالحرمة لعدم الملاک له، فإنّ ملاکه إنّما هو أن تکون المقدّمة علّة تامّة أو الجزء الأخیر منها و المفروض فی هذه الصورة أنّ ترک الحرام لایتوقف علی ترک هذه المقدّمة.
فمقدّمة الحرام لیست بمحرمة إلّا فی صورة واحدة (القسم الأوّل) بناء علی وجوب مقدّمة الواجب، و بما أنّه لم تثبت الملازمة بحکم العقل لا حرمة أصلاً و من هنا یظهر حال مقدّمة المکروه.
هذا تمام البحث فی مقدّمة الواجب و الحمد لله رب العالمین.
ص: 454
فهرس العناوین تفصیلا
فهرس الآیات
فهرس الروایات
فهرس الأعلام
ص: 455
ص: 456
المباحث العقلیة
البحث الأوّل: الإجزاء
(فیه مقدّمات أربع و ثلاثة فصول)
مقدمات
المقدّمة الأُولی: موضوع البحث(و فیها قولان:) .......................................................... 19
القول الأوّل: الأمر (و هو مختار القدماء) ..................................................................... 19
القول الثانی: الإتیان بالمأمور به (و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره)....................................
20
توجیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) لهذا القول.......................................................................
20
المقدّمة الثانیة: (و فیها مطالب ثلاثة): ....................................................................... 22
المطلب الأوّل: ما المراد من «الوجه» فی عنوان البحث؟(هنا أقوال ثلاثة): .................... 22
القول الأوّل: مختار صاحب الکفایة و المحقق العراقی (قدس سره) و بعض الأساطین................ 22
القول الثانی: مختار السید المجاهد و المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................. 23
إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره): ............................................................................ 23
الإیراد الأوّل ...................................................................................................... 23
الإیراد الثانی ...................................................................................................... 23
جوابان عن الإیراد الثانی: ............................................................................ 24
الجواب الأوّل أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 24
الجواب الثانی أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) ..................................................... 24
ص: 457
مناقشة بعض الأساطین فی جواب المحققینِ ............................................... 25
القول الثالث: المراد هو الوجه المعتبر فی العبادات ................................................... 25
إیرادات ثلاثة من صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................... 26
المطلب الثانی: ما المراد من «الاقتضاء» فی عنوان البحث؟ فیه قولان: ........................... 27
القول الأوّل: الکشف و الدلالة بناءً علی مسلک القدماء فی موضوع البحث ............. 27
القول الثانی: العلیة و التأثیر بناءً علی کون موضوع البحث الإتیان أفاده صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) 28
الإشکال الذی نقله فی الکفایة و بنی علیه بعض الأساطین نظریته..................... 29
جواب صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) عن الإشکال ....... 30
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................... 30
المطلب الثالث: ما المراد من «الإجزاء» فی عنوان البحث؟ (المراد معناه اللغوی) .......... 32
المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟ (فیها نظریتان) ......... 34
النظریة الأُولی: إنّها عقلیة (ذهب إلیها المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) ............. 34
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................................... 34
النظریة الثانیة: القول بالتفصیل (أفاده بعض الأساطین) .............................................. 35
المقدمة الرابعة: (و فیها مطلبان) ................................................................................ 36
أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار ..................................................... 36
توهم اتّحاد المسألتین ............................................................................................. 36
جواب عن هذا التوهم ........................................................................................... 36
أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء ............................................. 36
توهم اتّحاد المسألتین ............................................................................................. 36
جوابان عن هذا التوهم ......................................................................................... 37
الفصل الأوّل: إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟
(و فیه تنبیه)
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره): الإجزاء لاستقلال العقل ....................................................... 41
تقریبان لهذا البیان .................................................................................................... 41
التقریب الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 41
التقریب الثانی: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) .......................................................... 42
إشکال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی التقریب الثانی .............................................. 42
تنبیه فی جواز الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ................................................... 44
ص: 458
النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) (و هو أنّ هنا صوراً ثلاثاً لایجوز فی الأُولی و یجوز فی الأخیرتین) 44
استدلال صاحب الکفایة علیها بأخبار باب الصلاة المُعادة.................................. 46
بیان المحقق الإصفهانی: هذه الأخبار طائفتان ..................................................... 46
الطائفة الأُولی: ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین ........................... 46
جواب المحقق الإصفهانی عن الطائفة الأُولی .......................................... 48
جواب المحقق الخوئی .............................................................................. 48
الطائفة الثانیة: ما لایختص بالإعادة مع المخالف ......................................... 49
جواب المحقق الإصفهانی .......................................................................... 52
ما أفاده بعض الأساطین فی روایة أبی بصیر خاصة من حیث اشتماله علی سهل بن زیاد 53
ملاحظتنا علی ما أفاده بعض الأساطین....................................................
62
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی و بعض الأساطین ... 63
بیان بعض الأساطین فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال .............. 63
الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟
(فیه مقامان):
المقام الأوّل: مقام الثبوت ............................................................................................ 69
نظریة صاحب الکفایة: هنا أربع صور لایجزی فی الثالثة و یجزی فی باقی الصور . 69
مناقشات أربع فی هذه النظریة: .......................................................................... 74
1. إیراد المحقق الإصفهانی علی الصورة الثانیة .................................................... 74
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 74
2. مناقشة المحقق الخوئی فی الصورة الثالثة ........................................................ 75
جوابان من بعض الأساطین عن هذه المناقشة ............................................. 75
3. ملاحظة علیها فی الصورة الثانیة و الثالثة ....................................................... 77
4. تحقیق المحقق الإصفهانی فی الصورة الثالثة و الرابعة .................................... 79
المقام الثانی: مقام الإثبات (و فیه موضعان): .............................................................. 81
الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة (و فیه تنبیهات ثلاثة): ................ 81
هنا نظریات: ......................................................................................................... 81
1.نظریة المحقق الخراسانی: الإجزاء لإطلاق الأدلّة .............................................. 81
ص: 459
2.نظریة بعض الأعلام: لانحتاج إلی إطلاق الأدلّة ................................................ 84
إیراد المحقق الإصفهانی علی هذه النظریة .................................................... 84
3.نظریة المحقق الإصفهانی: التفصیل بین الأدلّة ................................................. 85
4.نظریة المحقق الخوئی ....................................................................................... 86
5.نظریة المحقق النائینی و المحقق العراقی: الإجزاء و جواز البدار .................. 87
التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات و هی أربع أفادها المحقق الخوئی 91
التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلف (ففیه مطلبان): ...................... 93
المطلب الأوّل: انصراف الأدلّة عن هذه الصورة أفاده المحقق الخوئی ............... 93
ملاحظتنا علیه ............................................................................................ 93
المطلب الثانی: استحقاق العقوبة فی هذه الصورة ............................................. 94
ملاحظتنا علیه ............................................................................................ 94
الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی (فیه ثلاثة أقوال) .......................................... 96
القول الأوّل: البراءة أفاده المحقق الخراسانی و النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین 96
القول الثانی: الاشتغال أفاده المحقق العراقی ...................................................... 96
القول الثالث: الاستصحاب أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 97
أمّا القول الأوّل فقد استدلّ علیه بوجهین: ......................................................... 97
الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................... 97
الوجه الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................................ 97
و أمّا القول الثانی فقد قرّر بوجهین: أفادهما المحقق العراقی ........................... 97
الوجه الأوّل ...................................................................................................... 97
یلاحظ علیه ............................................................................................... 98
الوجه الثانی ...................................................................................................... 99
إشکالان علی الوجه الثانی: ........................................................................ 100
1.الإشکال الکبروی من المحقق الخوئی و بعض الأساطین ........................ 100
2.الإشکال الصغروی من بعض الأساطین ................................................. 101
و أمّا القول الثالث فقد استدلّ علیه المحقق الإیروانی ..................................... 101
إیراد بعض الأساطین علی هذا الاستدلال ...................................................... 102
الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟
(و فیه مقدمة)
المقدمة فی ذکر الأقوال (و هی ستة): ..................................................... 107
ص: 460
1.الإجزاء مطلقاً ....................................................................................................... 108
2. عدم الإجزاء مطلقاً ............................................................................................. 108
3.التفصیل بین الأُصول و الأمارات أفاده المحقق الخراسانی ................................ 109
4.التفصیل بین القول بالسببیة و الطریقیة أفاده المحقق الخوئی ....................... 109
5.التفصیل بین أقسام السببیة ما عدا المصلحة السلوکیة و بین المصلحة السلوکیة و الطریقیة 109
6.التفصیل بین انکشاف الخلاف بالعلم التعبدی و العلم الوجدانی .................... 109
الأمر الظاهری قد یجری لإثبات أصل التکلیف و قد یجری لتنقیح موضوع التکلیف 110
أمّا الأوّل ففیه نظریتان: ..................................................................................... 110
النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی ...................................................... 110
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی من التفصیل و هو المختار ............ 111
و أمّا الثانی فالبحث عنه یقع فی مقامین: .......................................................... 112
المقام الأوّل: الأُصول العملیة ................................................................ 113
نظریة المحقق الخراسانی: الإجزاء مطلقاً لحکومة دلیل الأصل العملی علی دلیل الاشتراط 113
مناقشات خمس من المحقق النائینی فیها: ...................................................... 115
(1) المناقشة الأُولی ........................................................................................ 115
أجاب عنها بعض الأساطین ........................................................................... 116
(2) المناقشة الثانیة ........................................................................................ 120
أجاب عنها المحقق الخوئی تبعاً للمحقق الإصفهانی ......................................... 121
(3) المناقشة الثالثة قرّرها المحقق الإصفهانی و قال: هذا أقوی إشکال یورد هنا 122
أجاب عنها المحقق الإصفهانی ......................................................................... 124
إیرادان علی هذه الإجابة: ........................................................................ 125
1.ما أفاده بعض الأساطین ....................................................................... 125
یلاحظ علیه ............................................................................................. 125
2.ملاحظتنا علی إجابة المحقق الإصفهانی .................................................. 126
(4) المناقشة الرابعة ....................................................................................... 126
أجاب عنها المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی و بعض الأساطین ........... 127
(5) المناقشة الخامسة .................................................................................... 127
أجاب عنها المحقق الإصفهانی ......................................................................... 128
دفاع المحقق الخوئی عن المناقشة الخامسة بالنقض و الحلّ ..................... 128
ص: 461
أمّا النقض فبأُمور ثلثة: ............................................................................ 129
و أمّا الحلّ ............................................................................................... 129
ملاحظتنا علیه ................................................................................... 130
المتحصل فی هذا المقام هو الإجزاء لوجهین ........................................................... 131
المقام الثانی: الأمارات (و نبحث فیه بناءً علی المبانی المختلفة فیها و هی خمسة): 133
[1] المبنی الأول: الطریقیة (و بناءً علیها یوجد قولان): ........................................ 133
القول الأوّل: الإجزاء و هو المشهور بین القدماء و مختار المحقق البروجردی .. 133
أمّا الأدلّة علی هذا القول: ............................................................................... 133
الدلیل الأوّل ................................................................................................... 133
أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 134
الدلیل الثانی ................................................................................................... 135
أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 136
الدلیل الثالث ................................................................................................. 136
أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 137
الدلیل الرابع .................................................................................................. 137
أورد علیه بعض الأساطین نقضاً و حلاً ..................................................... 137
الدلیل الخامس .............................................................................................. 138
إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................................. 139
الإیراد الأوّل ............................................................................................. 139
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 140
الإیراد الثانی ............................................................................................. 140
الدلیل السادس: الإجماع ادّعاه صاحب الجواهر و المحقق النائینی ................ 141
إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................................. 145
الدلیل السابع: السیرة الفقهائیة علی الإجزاء .................................................. 146
ملاحظات ثلاث علیه ................................................................................ 147
الدلیل الثامن: سهولة الشریعة ....................................................................... 148
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 148
الدلیل التاسع: ما أفاده المحقق البروجردی ..................................................... 149
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 150
القول الثانی: عدم الإجزاء (و هو مختار المتأخرین منهم صاحب الکفایة) ..... 151
الدلیل علی هذا القول: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 151
[2] المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة (و الأمر علی هذا المبنی کالأمر علی الطریقیة) 153
ص: 462
بیان صاحب الکفایة لعدم الإجزاء علی هذین المبنیین .................................... 153
[3] المبنی الثالث: جعل الحکم المماثل (و الحق فیه الإجزاء) ............................. 154
الدلیل علی الإجزاء .............................................................................................. 154
إشکال بعض الأساطین ................................................................................... 154
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 154
تفصیل المحقق الإصفهانی بین العبادات و المعاملات ...................................... 155
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 157
[4] المبنی الرابع: جعل المؤدی منزلة الواقع (لهذا المبنی تفسیران): ................... 159
التفسیر الأوّل: لا فرق بین هذا المبنی و مبنی جعل الحکم المماثل ............... 159
التفسیر الثانی ...................................................................................................... 159
الدلیل علی الإجزاء علی هذا التفسیر ................................................................ 159
إشکال بعض الأساطین ................................................................................... 160
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 160
[5] المبنی الخامس: السببیة ................................................................................... 161
نظریة صاحب الکفایة (و هی مشتملة علی بحثین): ...................................... 161
1.البحث الثبوتی (و هو علی وزان ما مضی فی الأمر الاضطراری) ...................... 161
2.البحث الإثباتی (و الحق فیه الإجزاء) ........................................................... 161
و التحقیق یقتضی بیان أقسام السببیة (و هی ثلاثة): ..................................... 161
القسم الأوّل: ما نسب إلی الأشاعرة (و اتّفق الأعلام علی بطلانه لأوجهٍ): ......... 161
الوجه الأوّل و الوجه الثانی و الوجه الثالث .............................................. 162
الوجه الرابع: الدور .................................................................................. 162
الجواب عن الوجه الرابع ................................................................... 163
القسم الثانی ما نسب إلی المعتزلة و هذه السببیة مخدوشة إثباتاً لوجهین: .... 163
الوجه الأوّل ............................................................................................. 163
الوجه الثانی .............................................................................................. 164
القسم الثالث: المصلحة السلوکیة (و فیه بحثان): ........................................... 164
البحث الأول: فی تصویر المصلحة السلوکیة ............................................... 164
إشکال بعض تلامیذ الشیخ ................................................................. 165
جواب المحقق الإصفهانی .................................................................... 165
إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 165
ملاحظتنا علیه ................................................................................... 165
البحث الثانی: فی الإجزاء و عدمه بناء علی المصلحة السلوکیة (هنا قولان) 167
القول الأوّل: الإجزاء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 167
ص: 463
القول الثانی: عدم الإجزاء (اختاره المحقق النائینی و بعض الأساطین) 167
استدلال المحقق النائینی علی هذا القول ....................................... 167
إشکال المحقق الخوئی .................................................................... 167
جواب بعض الأساطین عنه ............................................................ 168
ملاحظتنا علیه ............................................................................... 168
تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة (فالبحث فی مقامین) ............. 169
المقام الأوّل: من حیث الإعادة (و فیه قولان) ..................................... 169
القول الأوّل: عدم الإجزاء (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی) ... 169
استدلال صاحب الکفایة ................................................................ 169
إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا الدلیل ......................................... 169
القول الثانی: الإجزاء (اختاره المحقق الخوئی) .................................. 170
استدلال المحقق الخوئی ................................................................. 170
المقام الثانی: من حیث القضاء (و اختار فیه الإجزاء المحقق الخراسانی و الإصفهانی و الخوئی)
171
بیان صاحب الکفایة .......................................................................... 171
البحث الثانی: مقدمة الواجب
(فیه مقدّمة و فصلان وخاتمة)
المقدمة فی بیان أُمور ثلثة:
الأمر الأوّل: إنّ هذه المسألة هل هی من المباحث الکلامیة أو الفقهیة أو الأُصولیة أو المبادی الأحکامیة؟ (فیه أقوال أربعة): 177
القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة ................................................................... 177
الدلیل علی هذا القول ........................................................................................ 177
أجاب عنه السید الخوئی .................................................................................... 177
القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة .................................................................... 178
الدلیل علیه ......................................................................................................... 178
إشکالان علی هذا الدلیل: .................................................................................. 178
الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی ........................................................... 178
الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ......................................................... 178
جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال .......................................................... 179
القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة اختاره السید البروجردی ..................... 180
ص: 464
الدلیل علی هذا القول ........................................................................................ 180
أجاب عنه فی المحاضرات .................................................................................... 181
القول الرابع: إنّها من المسائل الأُصولیة (و هو الحق) .......................................... 182
الدلیل علیه ......................................................................................................... 182
الأمر الثانی: ما المراد من وجوب المقدمة؟ (فیه وجوه ستة): ......................... 185
الوجه الأوّل: الوجوب العقلی .................................................................................. 185
الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی .............................................................................. 185
الوجه الثالث: الوجوب المجازی .............................................................................. 185
الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی ............................................................... 185
الوجه الخامس: الوجوب النفسی ............................................................................ 186
الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی(و هو الحق) .......................................... 186
الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب ................................................ 187
الفصل الأوّل فی ذکر التقسیمات (و فیه أُمور ثلثة):
الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة (و هی أربعة): .................................. 191
[1] التقسیم الأوّل: المقدمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان: بالمعنی الأعمّ و بالمعنی الأخصّ (و نبحث فی المقدمة الداخلیة فی ثلثة مواضع و فیه خاتمة): ................................................................................................... 193
الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟ (للمقدمة إطلاقان) 194
الإطلاق الأوّل: ما له دخل فی الشیء (و هی لاتصدق علی الأجزاء) ...................... 194
الإطلاق الثانی: مایتوقف علی الشیء (و هی تصدق علی الأجزاء) ........................ 194
الموضع الثانی: بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری؟ (فیه قولان) 195
القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی ........ 195
إشکال بعض الأساطین ......................................................................................... 195
القول الثانی: وجود الاقتضاء (و هو الحق) ............................................................ 195
الموضع الثالث: بناء علی ثبوت المقتضی هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری؟ (فیه قولان) 196
ص: 465
الف) القول الأوّل: وجود المانع (اختاره المحقق الخراسانی و الإصفهانی و العراقی) ............ 196
ب) القول الثانی: عدم المانع (اختاره المحقق النائینی و الخوئی) .......................... 196
بیان صاحب الکفایة: المانع لزوم اجتماع المثلین .............................................. 196
إیراد المحقق النائینی و تبعه المحقق الخوئی .................................................. 196
الدفاع عن صاحب الکفایة بوجوهٍ أربعة ........................................................ 197
الدفاع الأوّل: بیان المحقق العراقی ................................................................. 197
إیراد المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی ......................................... 197
جواب بعض الأساطین نقضاً و حلاً ........................................................... 198
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 199
الدفاع الثانی للمحقق الإصفهانی ...................................................................... 199
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 200
الدفاع الثالث: للمحقق الإصفهانی أیضاً .......................................................... 200
مناقشة بعض الأساطین نقضاً و حلاً ......................................................... 201
الدفاع الرابع: للمحقق الإصفهانی أیضاً ............................................................ 201
الحاصل أنّ الحق مع صاحب الکفایة حیث یری لزوم اجتماع المثلین علی القول بوجوب المقدمة الداخلیة 202
خاتمة فی ثمرة البحث (ادّعی لهذا البحث ثمرتان): .................................................... 203
الثمرة الأُولی: فی مبحث العلم الإجمالی بین الأقل و الأکثر الارتباطیین(فی بیان هذه الثمرة قولان) 203
القول الأوّل: ما أشار إلیه الشیخ فی أحد تقریبی انحلال العلم الإجمالی ......... 203
القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و هو عکس القول الأوّل ..................... 204
ملاحظات ثلاث علی القول الثانی .................................................................... 205
التحقیق عدم توقف جریان البراءة علی وجوب المقدمة أو عدم وجوبها کما أفاده المحقق الخوئی 205
بیان بعض الأساطین لذلک .................................................................................. 206
الثمرة الثانیة: جواز إفتاء الفقیه بالوجوب و جواز قصد المکلّف فعل الواجب فی مقام الامتثال 206
[2] التقسیم الثانی: (المقدمة علی أربعة أقسام) ......................................... 207
1.مقدمة الوجوب (قال صاحب الکفایة و سائر الأعلام: لا إشکال فی خروجها عن محل النزاع) .... 207
2.المقدمة العلمیة (قال الأعلام بخروجها عن النزاع) ................................................ 208
ص: 466
3.مقدمة الوجود و هی ترجع إلی المقدمة الخارجیة بالمعنی الأخص ...................... 208
4.مقدمة الصحة و هی ترجع إلی المقدمة الخارجیة بالمعنی الأعم........................... 209
[3] التقسیم الثالث: (المقدمة علی ثلاثة أقسام) ..................................................... 211
1.عقلیة (هی داخلة فی محل النزاع) ......................................................................... 211
2.شرعیة ....................................................................................................................... 211
3.عادیة و هی قسمان ................................................................................................ 212
القسم الأوّل لاینبغی دخوله فی محل النزاع .......................................................... 212
القسم الثانی یرجع إلی المقدمة العقلیة .................................................................. 212
[4] التقسیم الرابع: المقدمة إمّا سابقة أو مقارنة أو متأخرة (و الکلام فی إمکان الشرط المتأخر فی أمرین)
213
الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر (و له بیانان) ................................................ 214
البیان الأوّل .............................................................................................................. 214
تعمیم الإشکال للشرط المتقدم .......................................................................... 214
أجاب عنه المحقق الخوئی .................................................................................. 215
البیان الثانی (إشکال المحقق النائینی علی الشرط المتأخر) ................................... 215
الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حل هذه المشکلة .................................................... 216
1.نظریة المحقق النراقی: الشرط هو الوجود فی الجملة ........................................ 216
إیراد بعض الأساطین: هذا الجواب فی الحقیقة إنکار القاعدة العقلیة ............. 216
2.نظریة الشیخ الأنصاری ........................................................................................ 216
3.نظریة المجدد الشیرازی ....................................................................................... 217
إیرادان من بعض الأساطین علیها ....................................................................... 219
ملاحظتان علی هذا الإیراد ................................................................................. 219
4.نظریة صاحب الکفایة (و الکلام فیها فی صورتین) ............................................ 220
الصورة الأُولی: شرائط الحکم (الشرط فیها تصور الشیء و وجوده الذهنی ... 220
التقریب الأول .................................................................................................... 220
الإیراد علیه .................................................................................................... 221
التقریب الثانی ..................................................................................................... 221
الإیراد علیه .................................................................................................... 221
التقریب الثالث .................................................................................................. 222
الإیراد علیه .................................................................................................... 222
ص: 467
إشکال المحقق النائینی علی نظریة صاحب الکفایة ................................. 223
یلاحظ علیه: ............................................................................................ 223
الصورة الثانیة: شرائط المأمور به ...................................................................... 225
إشکالان علی ما أفاده فی هذه الصورة ............................................................ 225
الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی ......................................................... 225
جوابان من المحقق الخوئی بالنقض و الحلّ .............................................. 226
الإشکال الثانی: ما أفاده بعض الأساطین .......................................................... 227
نقض علی هذا البیان ............................................................................... 227
أجاب عنه الشیخ الرئیس ......................................................................... 227
ملخّص الکلام فی الأمر الثانی .............................................................................. 228
الأمر الثانی فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط (و فیه مقدمة و ناحیتان) . 231
[1] المقدمة (و فیه مطالب ثلاثة) ............................................................................ 233
المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط ................................................................ 233
قال صاحب الکفایة: هذه التعاریف لفظیة .......................................................... 234
المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟ .................... 235
نظریة صاحب الکفایة: هو من تقسیمات الواجب ............................................... 235
إیراد المحقق الخوئی و بعض الأساطین: علی مبنی صاحب الکفایة هو من تقسیمات الوجوب 235
المطلب الثالث: الإطلاق و التقیید أمران إضافیان لا حقیقیان ................................. 236
[2] الناحیة الأُولی: القیود المأخوذة فی الأدلّة علی نحو الشرطیة ترجع إلی الهیأة أو المادّة؟ (و فیه موضعان): 237
الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال (و هی ثلثة) ............................................................... 237
القول الأوّل: القیود ترجع إلی الهیأة (و هو المعروف بینهم) .................................... 237
القول الثانی: القیود ترجع إلی المادّة (و هو المنسوب إلی الشیخ الأنصاری) ................. 237
القول الثالث: القیود ترجع إلی اتصاف المادّة بالوجوب (اختاره المحقق النائینی) ... 238
الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة ....................................................................................... 239
أورد علی القول الأوّل بعدم إمکان رجوع القید إلی الهیأة لوجوهٍ: ....................... 239
ص: 468
الف) الوجه الأوّل .................................................................................................... 239
أجوبة أربعة عن هذا الوجه .............................................................................. 239
الجواب الأوّل من المحقق الخراسانی ........................................................... 239
الإشکال علیه ........................................................................................... 240
الجواب الثانی من المحقق الخراسانی أیضاً ................................................... 240
الإشکال علیه ........................................................................................... 240
الجواب الثالث من المحقق العراقی ............................................................ 240
الإشکال علیه ........................................................................................... 241
إیراد المحقق النائینی علی هذه الأجوبة .................................................. 241
ملاحظتنا علی هذا الإشکال................................................................ 241
الجواب الرابع من المحقق الإصفهانی .......................................................... 241
إشکال بعض الأساطین علی هذا الجواب .................................................. 242
ملاحظتنا علی هذا الإشکال ...................................................................... 243
ب) الوجه الثانی: ما اعتمد علیه المحقق النائینی .................................................. 243
جوابان عن هذا الوجه ....................................................................................... 243
1.ما أجاب به المحقق الإصفهانی ................................................................. 243
2.ما أجاب به المحقق الخوئی (و هو اثنان) ............................................... 244
ملاحظتنا علیه بالنسبة إلی جوابه الأول: هو مبنائی و لایمکن لنا الالتزام به .. 244
ج) الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة فی «إن قلت» .................................... 245
تقریر الوجه الثالث علی ما فی المحاضرات ........................................................ 245
أجوبة أربعة عن هذا الوجه .............................................................................. 245
الجواب الأوّل من صاحب الکفایة .............................................................. 245
إشکالان علی هذا الجواب ........................................................................ 246
1.ما أفاده السید الخوئی ........................................................................... 246
2.ما أفاده بعض الأساطین ....................................................................... 246
الجواب الثانی من المحقق الإصفهانی ........................................................... 246
الجواب الثالث من المحقق الخوئی .............................................................. 247
إشکال بعض الأساطین ............................................................................. 248
الجواب الرابع من بعض الأساطین ................................................................ 249
ملاحظات ثلاث علی هذا الجواب ............................................................. 250
استدلال الشیخ الأنصاری علی القول الثانی ............................................................. 251
جوابان عن هذا الاستدلال ................................................................................. 251
ص: 469
1.ما أفاده صاحب الکفایة .......................................................................... 251
2.ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................................ 252
[3] الناحیة الثانیة: إذا تردد أمر القید بین الرجوع إلی الهیأة و المادّة فما مقتضی الأصل؟ (هنا مقامان): 255
المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی (و فیه قولان) .................................... 255
القول الأوّل: رجوعه إلی المادّة (و هو مختار الشیخ و المحقق النائینی) ............. 255
القول الثانی: رجوعه إلی الهیأة (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی و استدل الشیخ بوجهین) 255
الاستدلال الأول للشیخ: (و هو مشتمل علی دعویین): .................................... 255
(1) الدعوی الأُولی کبروی و هو تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی ............... 256
إیراد صاحب الکفایة ...................................................................................... 256
و أوضحه المحقق الخوئی ................................................................................ 257
دفاع المحقق النائینی عن الشیخ بوجوه ثلثة: ................................................. 257
الوجه الأوّل ............................................................................................. 257
إیرادان من المحقق الخوئی ................................................................. 258
ملاحظتنا علی إیرادان ....................................................................... 258
الوجه الثانی .............................................................................................. 260
إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 261
الوجه الثالث ........................................................................................... 261
إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 261
(2) الدعوی الثانیة و هی صغروی ................................................................. 262
إیراد المحقق الخوئی تبعاً للمحقق النائینی ........................................ 262
الاستدلال الثانی للشیخ ....................................................................................... 263
إیرادان علی هذا الوجه: ................................................................................. 264
1.ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................................. 264
جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 265
2.ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................................... 265
تنبیه: تحقیق حول معنی الإطلاق و التقیید فی الهیأة و المادّة (أفاده المحقق الخوئی) 266
المقام الثانی: مقتضی الأصل اللفظی و هو البراءة ....................................... 268
الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب (و هی ثلثة) ..................................... 269
ص: 470
[1] التقسیم الأوّل: الواجب إمّا مطلق أو مشروط و المطلق إمّا معلّق أو منجّز (أفاده صاحب الفصول و فیه ثلاثة مواضع و تنبیه)
271
الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول و هی ثلثة ...................................... 272
الإیراد الأوّل: ما أفاده الشیخ الأنصاری من إنکار الواجب المعلّق ........................ 272
الإیراد الثانی: ما أفاده صاحب الکفایة ................................................................... 272
جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد .......................................................... 273
الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................. 273
جواب بعض الأساطین ......................................................................................... 274
ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 274
الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلّق ثبوتاً (فیه قولان) ...................................... 276
(1) القول الأوّل: استحالته (و استدلّ علیها بأوجه ثلثة) ...................................... 276
الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق النهاوندی و نسب إلی المحقق الفشارکی ....... 276
إیرادان علی هذا الوجه .................................................................................. 277
الإیراد الأول: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................ 277
جواب المحقق الإصفهانی .......................................................................... 278
إشکالان من بعض الأساطین ..................................................................... 282
الإشکال الأوّل بالنقض .............................................................................. 282
و الجواب عنه ما أفاده المحقق الإصفهانی ................................................ 282
الإشکال الثانی بالحلّ ................................................................................ 282
ملاحظات ثلاث علیه ................................................................................ 283
الإیراد الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ............................................................. 284
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 285
الدلیل الثانی: ما أفاده صاحب الکفایة .............................................................. 285
إیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 285
الدلیل الثالث: ما أفاده المحقق النائینی ........................................................... 285
إیراد المحقق الخوئی ....................................................................................... 286
(2) القول الثانی: إمکانه .......................................................................................... 286
تحقیق المحقق الخوئی فی إمکان الواجب المعلّق .............................................. 286
الموضع الثالث: ثمرة البحث (و هی تظهر فی ثلاث مسائل) ..................................... 288
المقدمة (و فیها مطلبان): ....................................................................................... 289
ص: 471
المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟ (هنا مسالک ثلثة): .......... 289
المسلک الأوّل: ینافی عقاباً و خطاباً ............................................................ 289
إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 289
المسلک الثانی: لاینافی عقاباً و خطاباً اختاره المحقق القمی ........................ 289
إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 289
المسلک الثالث: ینافی خطاباً لا عقاباً و هو الحق ....................................... 290
المطلب الثانی .................................................................................................. 290
المسألة الأُولی: المقدمات المفوتة و یقع البحث فی مقام الثبوت و الإثبات (و فیها مقدمة أفادها المحقق الخوئی)
291
المقام الأوّل: مقام الثبوت (یتصوّر فیه وجهان) .................................................. 291
الوجه الأوّل: أن یکون ملاک الواجب تامّاً و القدرة غیر دخیلة فی ملاکه (و فیه نظریات) 291
1.نظریة صاحب هدایة المسترشدین و صاحب البدائع و المحقق البروجردی 290
إیراد علیها ......................................................................................... 292
2.نظریة صاحب الفصول ......................................................................... 293
إیراد علیها ......................................................................................... 293
3.نظریة الشیخ الأنصاری ......................................................................... 293
إیراد علیها ......................................................................................... 293
4.نظریة المحقق الخراسانی و البروجردی .................................................. 293
إیراد علیها ......................................................................................... 294
5.نظریة المحقق الإصفهانی ....................................................................... 294
6.نظریة المحقق النائینی ......................................................................... 295
إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 296
7.نظریة المحقق الخوئی ........................................................................... 296
إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 296
8.نظریة بعض الأساطین .......................................................................... 297
الوجه الثانی: أن تکون القدرة دخیلة فی ملاک الواجب .................................... 297
بیان المحقق الخوئی .................................................................................. 298
المقام الثانی: مقام الإثبات ..................................................................................... 301
بیان المحقق الخوئی ........................................................................................ 301
المسألة الثانیة: وجوب التعلّم (فیها صورتان) ...................................................... 303
الصورة الأُولی: إذا علم المکلّف أو اطمأن بالابتلاء (هنا أقوال أربعة فی وجوبه) 303
1.وجوبه نفسی تهیؤی (أفاده المحقق الأردبیلی و العاملی) ............................. 303
ص: 472
2.وجوبه عقلی لا شرعی (أفاده المشهور والشیخ الأنصاری) ............................ 303
3.وجوبه عقلی بملاک لزوم دفع الضرر المحتمل (أفاده المحقق النائینی) ......... 304
4.التفصیل بین أربع صور أفاده المحقق الخوئی .......................................... 305
الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء (و فیها أقوال ثلاثة) ................................... 307
1.وجوب التعلّم (و هو قول المشهور) ........................................................... 307
2.وجوب التعلّم فی الموارد المبتلی بها عادة (أفاده المحقق الخوئی) ................. 308
3. الإشکال فی عدم الوجوب ........................................................................... 308
4.عدم وجوب التعلّم ..................................................................................... 308
استدلّ علی القول الثالث باستصحاب عدم الابتلاء .......................................... 308
إیرادات أربعة علی هذا الإستدلال ........................................................... 309
1.ما أفاده صاحب الجواهر ...................................................................... 309
جواب عن هذا الإیراد .............................................................................. 309
2.ما أفاده المحقق النائینی ....................................................................... 309
جواب المحقق الخوئی ................................................................................ 309
3.ما أفاده المحقق الخوئی ........................................................................ 310
جواب بعض الأساطین ............................................................................. 310
4.ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................................ 311
جواب بعض الأساطین ............................................................................. 311
المسألة الثالثة: الواجبات التدریجیة ...................................................................... 313
تنبیه (و فیه
مطالب ثلثة): ....................................................................................... 314
المطلب الأوّل: تعلم الصبی غیر البالغ (هل یجب التعلّم علیه؟ قولان) ........... 314
القول الأوّل: وجوب التعلّم (اختاره المحقق النائینی و بعض الأساطین .......... 314
القول الثانی: عدم وجوب التعلّم ( اختاره المحقق الخوئی) .............................. 314
استدلال المحقق النائینی علی القول الأوّل ...................................................... 314
إیراد المحقق الخوئی ....................................................................................... 314
جواب بعض الأساطین .................................................................................... 315
ملاحظتان علیه .............................................................................................. 315
الحق فی المقام ................................................................................................ 316
المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟ (ففیه خمسة أوجه): 316
الوجه الأوّل: الوجوب النفسی (اختاره المحقق الأردبیلی) ................................ 316
الاستدلال علی الوجه الأوّل ............................................................................. 316
ص: 473
إیرادات ثلاثة علیه: ........................................................................................ 316
الإیراد الأوّل ............................................................................................. 316
جواب بعض الأساطین ............................................................................. 317
الإیراد الثانی ............................................................................................. 317
جواب بعض الأساطین ............................................................................. 317
الإیراد الثالث ........................................................................................... 317
الحق فی المقام أنّ التعلّم مطلوب بنفسه أمّا وجوبه فلیس نفسیاً ............ 318
الوجه الثانی: الوجوب الغیری ............................................................................ 318
الاستدلال علی الوجه الثانی ............................................................................. 318
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 319
الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی (و هو الظاهر) .............................................. 319
الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی (اختاره بعض الأساطین) ................................ 319
الاستدلال علی هذا الوجه ............................................................................... 319
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 320
جواب بعض الأساطین ............................................................................. 321
الوجه الخامس: الوجوب الطریقی (اختاره المحقق الخوئی) ............................ 323
استدلال المحقق الخوئی علی هذا الوجه ......................................................... 323
إیراد بعض الأساطین ................................................................................ 324
المطلب الثالث: هل تارک تعلّم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟ .......... 326
قال الشیخ فی صراط النجاة: هو فاسق ........................................................... 326
إیراد المحقق النائینی ............................................................................... 326
جواب المحقق الخوئی ............................................................................... 327
الإیراد علی هذا الجواب ........................................................................... 327
[2] التقسیم الثانی: الواجب إمّا نفسی و إمّا غیری (و فیه موضعان و تنبیهان): .. 329
الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری (و فیه ستة تعاریف): ............... 329
1.تعریف المشهور ................................................................................................... 329
إیراد الشیخ علیه ................................................................................................ 329
2.تعریف الشیخ ...................................................................................................... 330
إیراد صاحب الکفایة علیه ................................................................................. 331
دفاع عن الشیخ .................................................................................................. 331
أجاب عنه صاحب الکفایة ................................................................................. 331
ص: 474
3.تعریف صاحب الکفایة ....................................................................................... 332
إیرادات أربعة علیه ............................................................................................ 332
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی ........................................................... 332
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی أیضاً .................................................. 334
الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق النائینی ........................................................... 335
الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................... 335
4.تعریف المحقق الإصفهانی .................................................................................... 335
إیرادان من بعض الأساطین ................................................................................ 337
ملاحظتنا علیه .............................................................................................. 337
5.نظریة المحقق النائینی ........................................................................................ 338
ناقشه المحقق الخوئی ......................................................................................... 339
6.نظریة المحقق الخوئی...........................................................................................
340
إیراد بعض الأساطین .......................................................................................... 340
الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟ (فیه مقامان) ... 342
المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی (هو الوجوب النفسی و فی تقریر ذلک نظریات) ...... 342
1.نظریة الشیخ ................................................................................................... 342
2.نظریة المشهور و صاحب الکفایة .................................................................. 343
إیراد الشیخ علیها ........................................................................................... 343
جوابان عن هذا الإیراد ................................................................................... 343
جواب الأول: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................ 343
إیراد المحقق الإصفهانی علی جواب صاحب الکفایة ................................. 344
جواب الثانی عن إیراد الشیخ للمحقق الإصفهانی ............................................ 345
3.نظریة المحقق الإصفهانی ................................................................................ 346
4.نظریة المحقق الإیروانی (و اختارها بعض الأساطین) .................................... 346
المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی (و فیه نظریات) ........................................... 348
1.نظریة صاحب الکفایة .................................................................................... 348
إیراد المحقق الإیروانی علیها ............................................................................ 348
جواب بعض الأساطین .................................................................................... 349
2.نظریة المحقق الإصفهانی ................................................................................ 350
قال المحقق الخوئی: هنا صور أربع: ................................................................ 350
نظریة المحقق الخوئی فی الصورة الأُولی و الثانیة و الثالثة ............................... 351
ص: 475
3. نظریة المحقق النائینی فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث................... 353
4. نظریة المحقق الخوئی حول الجهات الثلاث................................................. 354
إیرادان علی نظریة المحقق الخوئی ................................................................. 356
المناقشة الأولی: ما أفاده فی تحقیق الأصول .............................................. 356
ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 356
المناقشة الثانیة ........................................................................................ 356
التنبیه الأوّل: فی ترتب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری (و فیه مطالب أربعة): 359
المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی ........ 359
قال المحقق الإصفهانی: هی ثلاثة ....................................................................... 359
إیراد بعض الأساطین .......................................................................................... 361
ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 361
المطلب الثانی: ترتب الثواب علی الواجب النفسی بالاستحقاق أو بالتفضل؟ ....... 362
القول الأوّل: هو بالاستحقاق (و هو مختار معظم الفقهاء و المتکلمین) ....... 362
القول الثانی: هو بالتفضل (و هو مختار الشیخ المفید) .................................... 362
تحقیق المحقق الخوئی و هو مستفاد من کلام المحقق الاصفهانی ................... 362
المطلب الثالث: ترتب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری .............................. 363
المطلب الرابع: هل ثواب امتثال الأمر الغیری غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟ فیه قولان: 363
القول الأول: الثواب واحد (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق النائینی) 363
الاستدلال علی وحدة الثواب .......................................................................... 363
القول الثانی: الثواب متعدد (و هو مختار المحقق الخوئی) .............................. 364
الاستدلال علی تعدد الثواب ........................................................................... 364
التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث (و الأقوال فیه ستة) .......................... 365
القول الأول: الأمر الغیری ....................................................................................... 366
إیرادان من المحقق النائینی ............................................................................... 366
القول الثانی: الأمر النفسی الاستحبابی (أفاده صاحب الکفایة) .............................. 367
إیرادات ثلثة من المحقق النائینی ...................................................................... 367
الإیراد الأوّل ........................................................................................................ 367
ص: 476
جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 368
الإیراد الثانی ........................................................................................................ 368
أجوبة ثلثة من المحقق الخوئی ....................................................................... 368
الإیراد الثالث ...................................................................................................... 369
جواب صاحب الکفایة ................................................................................... 370
مناقشتان من المحقق النائینی ........................................................................ 370
القول الثالث: الأمر النفسی الضمنی (أفاده المحقق النائینی) .............................. 371
إیراد المحقق الخوئی ........................................................................................... 372
القول الرابع: أحد الأمرین: الأمر النفسی الاستحبابی و قصد التوصل بها إلی الواجب (أفاده المحقق الخوئی) 372
القول الخامس: أحد أُمور ثلثة: الأمران المذکوران فی القول الرابع و قصد الأمر الغیری (أفاده بعض الأساطین) 373
القول السادس: أحد أُمور أربعة: الأُمور المذکورة فی القول الخامس و قصد المحبوبیة الذاتیة و هوالحق 373
[3] التقسیم الثالث: الواجب إمّا أصلی و إمّا تبعی (و لهما تفسیران) .................. 375
التفسیر الأوّل: بحسب مقام الثبوت (و هو مختار صاحب الکفایة) ...................... 375
تحقیق المحقق الإصفهانی ........................................................................................ 376
التفسیر الثانی: بحسب مقام الإثبات (و هو مختار المحقق القمی و صاحب الفصول) ......... 377
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 378
الفصل الثانی فی تحقیق المسألة
(فیه أُمور ثلثة و تذنیب)
الأمر الأوّل فی ذکر الأقوال و مناقشتها ................................................................. 381
أمّا الأقوال فهی خمسة: ...................................................................... 381
القول الأول: وجوب المقدمة مشروطاً بإرادة ذی المقدمة (اختاره صاحب المعالم) ... 381
القول الثانی: وجوب المقدمة التی قصد بها التوصل إلی الواجب (اختاره الشیخ الأنصاری) 381
القول الثالث: وجوب المقدمة الموصلة إلی إتیان ذی المقدمة (اختاره صاحب الفصول) 382
القول الرابع: وجوب المقدمة مطلقاً (و هو قول المشهور) ................................... 382
القول الخامس: إهمال الوجوب بالنسبة إلی الإیصال (اختاره صاحب الحاشیة والمحقق النائینی) 383
ص: 477
و أمّا مناقشة الأقوال: ......................................................................... 384
[1] إیرادان من المحقق الخوئی علی القول الأوّل ................................................... 384
مناقشة علی الإیراد الثانی ................................................................................ 384
[2] إشکال صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی علی القول الثانی ........................ 384
بیان المحقق الإصفهانی لنظریة الشیخ: إن الوجه فی اعتبار قصد التوصل مرکب من أمرین: 385
الأمر الأوّل ...................................................................................................... 385
اعتراض المحقق الإصفهانی علیه ................................................................ 386
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 387
الأمر الثانی ...................................................................................................... 387
اعتراض المحقق الإصفهانی ......................................................................... 388
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 389
احتمالات ثلثة فی کلام الشیخ و تفسیرها (أفادها المحقق النائینی) .......... 390
[3] مناقشات أربع علی القول الثالث .................................................................... 393
الإیراد الأول: ما أفاده صاحب الکفایة .............................................................. 393
جوابان من المحقق الخوئی ............................................................................. 393
الإیراد الثانی:ما أفاده صاحب الکفایة أیضاً ....................................................... 394
جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 394
الإیراد الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة أیضاً ................................................... 395
جوابان من المحقق الخوئی ............................................................................. 395
الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق النائینی ............................................................. 396
جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 397
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 398
أدلّة القول الثالث (و هی سبعة) .............................................................................. 400
1.ما أفاده صاحب الفصول ..................................................................................... 400
إیراد صاحب الکفایة .......................................................................................... 400
جواب المحقق الخوئی ......................................................................................... 400
2.ما أفاده صاحب الفصول أیضاً ............................................................................ 401
ص: 478
إیراد صاحب الکفایة .......................................................................................... 401
جواب المحقق الخوئی ......................................................................................... 402
3.ما أفاده صاحب الفصول أیضاً ............................................................................ 402
إیرادان من صاحب الکفایة ............................................................................... 402
الإیراد الأول ........................................................................................................ 402
أجاب عنه المحقق الإصفهانی و الخوئی ............................................................ 403
الإیراد الثانی ........................................................................................................ 403
أجاب عنه المحقق الخوئی ............................................................................... 403
4.ما أفاده صاحب العروة ....................................................................................... 403
إیرادان من صاحب الکفایة: .............................................................................. 404
جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 405
5.التقریب الأوّل الذی قاله المحقق الإصفهانی ....................................................... 405
إیراد السید الصدر علیه ..................................................................................... 406
یلاحظ علیه .................................................................................................. 407
6.التقریب الثانی الذی قاله المحقق الإصفهانی و اختاره المحقق الصدر ............... 407
إیرادات خمسة من بعض الأساطین .................................................................. 408
ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 409
7.الحصة التوأمة التی أفادها المحقق العراقی ....................................................... 411
إشکالان من السید الصدر .................................................................................. 512
[4] یکفی فی الإیراد علی القول الرابع الأدلّة الواردة لإثبات وجوب خصوص المقدمة الموصلة 407
[5] الاستدلال علی القول الخامس ......................................................................... 413
الإیراد علیه ......................................................................................................... 413
الأمر الثانی: مقتضی الأدلّة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة (هنا أقوال أربعة نذکرها مع أدلّتها) 415
أمّا الأقوال: فهی أربعة ....................................................................... 415
1.وجوب المقدمة شرعاً مطلقاً (اختاره الشیخ و صاحب الکفایة و المحقق النائینی) ......... 415
ص: 479
2.عدم وجوب المقدمة شرعاً مطلقاً (اختاره المحقق الإصفهانی و الخوئی و الروحانی) ....... 416
3.التفصیل بین السبب و غیره (اختاره علم الهدی و صاحب المعالم) ............................. 417
4.التفصیل بین المقدمة الشرعیة و غیرها (اختاره العضدی و الحاجبی) ........................ 418
و أمّا الأدلّة: ..................................................................................... 420
[1] قد استدلّ علی القول الأوّل بوجوه أربعة: ...................................................... 420
الوجه الأوّل: أفاده الشیخ و صاحب الکفایة و المحقق النائینی ...................... 420
إیرادان علی هذا الوجه .................................................................................. 421
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی ......................................................... 421
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی .............................................................. 422
تحقیق بعض الأساطین ................................................................................... 423
الوجه الثانی أفاده صاحب الکفایة ..................................................................... 423
إیراد المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی ................................................ 424
الوجه الثالث أفاده صاحب الکفایة .................................................................. 424
إیرادان من المحقق الخوئی ............................................................................. 425
الوجه الرابع ........................................................................................................ 425
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 425
[2] الاستدلال علی القول الثانی ............................................................................... 426
[3] الاستدلال علی القول الثالث ............................................................................ 427
إیرادان من صاحب الکفایة ............................................................................ 427
[4] الاستدلال علی القول الرابع .............................................................................. 428
إیرادات ثلثة من صاحب الکفایة .................................................................... 428
الإیراد الأوّل ............................................................................................. 428
مناقشة بعض الأساطین ............................................................................ 428
الإیراد الثانی ............................................................................................. 428
مناقشة بعض الأساطین ............................................................................ 429
الإیراد الثالث ........................................................................................... 429
الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی ................................................... 431
أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة (ففیه نظریتان) .......................................... 431
ص: 480
النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة و تبعه المحقق الخوئی .................................. 431
إیرادان من المحقق الإصفهانی و تبعه بعض الأساطین ..................................... 432
النظریة الثانیة: عن بعض الأساطین ....................................................................... 432
و أمّا الأصل فی المسألة الفقهیة ............................................................. 433
نظریة صاحب الکفایة: استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة و قد أُورد علی کل منهما 433
أمّا الاستصحاب ففیه إیرادان ............................................................................. 433
الإیراد الأول: بیان توهم عدم وجود المقتضی للاستصحاب .............................. 433
جواب صاحب الکفایة ................................................................................... 433
مناقشة المحقق الإصفهانی و تبعه بعض الأساطین .......................................... 434
الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی ........................................................................ 434
ملاحظتنا علیه: و الحق عدم وروده کما أفاد المحقق الإصفهانی ...................... 434
و أمّا البراءة فقد أورد علیها المحقق الخوئی ...................................................... 434
تذنیب فی ثمرة البحث عن مقدمة الواجب (قد ذکر ستّ ثمرات:) .................... 437
الثمرة الأولی: ما أفاده صاحب الکفایة ................................................... 437
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 437
جواب بعض الأساطین ............................................................................................. 438
الثمرة الثانیة: ما أفاده فی المحاضرات ..................................................... 438
إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 438
جواب بعض الأساطین ............................................................................................. 439
الثمرة الثالثة: ما جاء فی الکفایة ............................................................ 439
إیرادات ثلثة علی هذه الثمرة ................................................................................ 440
الإیراد الأوّل: لصاحب الکفایة ................................................................................ 440
تقریر المحقق الخوئی لهذه الثمرة فی مورد خاص .................................................. 440
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ..................................................................... 440
الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .......................................................... 441
ص: 481
الثمرة الرابعة: ما جاء فی الکفایة ........................................................... 441
إیرادان علی هذه الثمرة ......................................................................................... 441
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی تبعاً لصاحب الکفایة ................................. 441
جواب بعض الأساطین ........................................................................................ 442
الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ..................................................................... 442
جواب بعض الأساطین عن الإیراد الأوّل جواب عنه أیضاً ................................ 443
الثمرة الخامسة: ما جاء فی الکفایة ........................................................ 443
إیرادات خمسة من المحقق الخوئی ........................................................................ 444
جوابان من بعض الأساطین ..................................................................................... 445
الثمرة السادسة: ما نسب إلی الوحید البهبهانی .......................................... 445
إیرادان من صاحب الکفایة .................................................................................... 446
الإیراد الأوّل ........................................................................................................ 446
مناقشة المحقق الخوئی ....................................................................................... 447
الإیراد الثانی ........................................................................................................ 447
مناقشة بعض الأساطین ...................................................................................... 448
خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه ....................................... 451
أمّا مقدمة المستحب .......................................................................... 451
و أمّا مقدمة الحرام أو المکروه (ففیها نظریتان) ........................................ 451
1.نظریة صاحب الکفایة: هی علی قسمین ........................................................... 451
2.نظریة المحقق النائینی: هی علی ثلثة أقسام ..................................................... 452
مناقشة المحقق الخوئی ....................................................................................... 453
ص: 482
الآیات:
(إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ) 423
(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) 311
(فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ) 119
(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً) 83, 85, 89
(قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یعْلَمُونَ) 317
(وَ ما یسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصیرُ)... 317
(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ) 341
الروایات:
إِذَا لَمْ یجِدِ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَلْیطْلُبْ مَا دَامَ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَنْ یفُوتَهُ الْوَقْتُ فَلْیتَیمَّمْ وَ لْیصَلِّ 89
الْعِلْمُ وَدِیعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ.......... 318
الْعَمْرِی ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّی وَ مَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ 160
الْعَمْرِی وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیا إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّیانِ وَ مَا قَالا لَکَ فَعَنِّی یقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ 160
صَلِّ مَعَهُمْ یخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَیهِ....... 52
صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَات.............. 50
فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ
ص: 483
جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ 48, 49
لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور................ 429
لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَهُمْ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا وَ إِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی 50
لَیسَ الْعِلْمُ بِکَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی قَلْبِ مَنْ یرِیدُ اللَّهُ أَنْ یهْدِیهُ 318
مَا مِنْ عَبْدٍ یصَلِّی فِی الْوَقْتِ وَ یفْرُغُ ثُمَ یأْتِیهِمْ وَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ هُوَ عَلَی وُضُوءٍ إِلَّا کَتَبَ اللَهُ لَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً. 47
مَا مِنْکُمْ أَحَدٌ یصَلِّی صَلَاةً فَرِیضَةً فِی وَقْتِهَا ثُمَ یصَلِّی مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِیةً وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ إِلَّا کَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً فَارْغَبُوا فِی ذَلِکَ 47
ص: 484
الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) 47, 48, 49, 50, 51
الإمام الکاظم (علیه السلام) ................. 159
الإمام الرضا (علیه السلام) .................. 160
الإمام العصر (عجل الله تعالی فرجه)................... 252
الف)
ابن الولید.......................... 58
أَبِی بَصِیرٍ....................... 51, 53
أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ................... 159
أحمد بن محمد بن عیسی.............. 60
إسحاق بن عمّار..................... 50
آیة الله التبریزی..................... 62
ب)
بعض الأساطین 22, 25, 29, 35, 53, 62, 63, 75, 89, 96, 100, 101, 102, 116, 125, 134, 136, 137, 139, 145, 151, 154, 160, 165, 167, 168, 195, 198, 201, 206, 216, 219, 235, 242, 246, 248, 249, 274, 282, 284, 296, 297, 308, 310, 311, 314, 315, 317, 321, 324, 337, 340, 349, 361, 366, 373, 411, 423, 428, 429, 431, 435, 438, 439, 442, 443, 445, 448
ح)
الحاجبی......................... 419
ز)
زرارة بن أعین......... 50, 53, 89, 149
س)
سهل بن زیاد....................... 53
السید الزنجانی.................. 53, 62
ص: 485
السید الصدر 357, 405, 406, 408, 412
السید المجاهد الطباطبائی............ 23
السید المجدّد الشیرازی 217, 220, 222, 228
السید المحقق البروجردی 25, 133, 149, 291
ش)
الشهید الثانی....................... 57
الشیخ الأنصاری 57, 116, 145, 204, 216, 228, 235, 237, 239, 242, 251, 252, 255, 257, 263, 264, 265, 272, 293, 303, 305, 306, 326, 327, 329, 330, 331, 342, 343, 344, 345, 346, 347, 373, 381, 385, 390, 391, 415
الشیخ الرئیس............... 227, 234
ص)
صاحب البدائع................... 291
صاحب الجواهر.... 57, 141, 228, 309
صاحب الحاشیة................... 383
صاحب الفصول 142, 271, 272, 273, 293, 375, 382, 400, 401, 402, 405
صاحب المدارک.................. 303
صاحب المعالم 178, 183, 340, 381, 417
صاحب الوسائل................... 57
صاحب هدایة المسترشدین.... 291, 413
الصدوق.......................... 58
ع)
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی.......... 159
عبدالله بن سنان..................... 47
العضدی......................... 419
العلّامة الحلی...................... 145
العلامة الشیرازی................. 391
العلامة الصافی الإصفهانی.......... 357
علم الهدی....................... 417
عمر بن یزید....................... 47
العمری.................... 159, 160
ف)
الفاضل التونی.................... 119
ک)
الکلینی................... 56, 62, 159
م)
المحدث النوری................. 53, 62
المحقّق الأردبیلی............. 303, 326
المحقّق الإصفهانی 20, 28, 29, 30, 34,
ص: 486
41, 42, 43, 46, 48, 52, 63, 74, 79, 80, 84, 85, 86, 96, 111, 124, 125, 126, 127, 128, 130, 131, 155, 165, 166, 169, 171, 196, 197, 198, 199, 228, 234, 240, 241, 242, 243, 246, 250, 273, 278, 282, 294, 332, 334, 335, 337, 344, 345, 346, 350, 351, 359, 361, 376, 385, 386, 387, 388, 389, 390, 391, 400, 403, 408, 409, 410, 412, 416, 421, 424, 432, 434
المحقّق الإیروانی 97, 101, 346, 348, 349
المحقّق البروجردی.................. 24
المحقّق الثانی....................... 57
المحقّق الحائری..................... 42
المحقق الخراسانی 20, 22, 23, 26, 28, 30, 41, 44, 46, 69, 75, 77, 80, 81, 96, 97, 109, 110, 113, 115, 116, 128, 130, 131, 153, 155, 161, 169, 171, 195, 196, 197, 199, 200, 201, 202, 206, 207, 214, 215, 220, 223, 224, 228, 233, 234, 235, 236, 237, 239, 240, 244, 245, 251, 255, 256, 264, 265, 272, 273, 277, 278, 280, 281, 293, 331, 332, 343, 344, 346, 347, 348, 349, 350, 351, 363, 365, 367, 370, 371, 373, 375, 384, 385, 392, 395, 400, 401, 402, 404, 415, 427, 428, 431, 432, 433, 437, 440, 441, 446, 451
المحقّق الخوئی 23, 24, 28, 30, 32, 34, 48, 62, 63, 75, 76, 86, 91, 93, 94, 96, 97, 100, 109, 121, 128, 130, 167, 170, 171, 177, 178, 179, 186, 195, 196, 198, 202, 205, 206, 215, 226, 228, 235, 244, 246, 247, 251, 252, 255, 257, 258, 260, 261, 262, 265, 266, 273, 274, 286, 287, 288, 289, 296, 297, 298, 300, 301, 305, 308, 309, 311, 314, 315, 319, 320, 321, 323, 324, 327, 335, 339, 340, 350, 354, 356, 362, 364, 365, 366, 368, 370, 372, 373, 378, 384, 387, 389, 390, 392, 393, 394, 395,
ص: 487
397, 400, 402, 403, 405, 413, 414, 416, 422, 425, 434, 435, 437, 438, 440, 441, 444, 445, 447, 453
المحقّق الطوسی............ 57, 60, 234
المحقّق العراقی 22, 87, 88, 96, 97, 196, 197, 204, 220, 240, 400, 411, 423
المحقّق الفشارکی.................. 276
المحقّق القمی..... 289, 290, 375, 421
المحقّق النائینی 24, 45, 87, 96, 115, 141, 167, 168, 178, 196, 215, 223, 225, 228, 238, 241, 243, 249, 255, 257, 259, 262, 265, 285, 295, 296, 297, 299, 304, 306, 314, 326, 335, 338, 352, 353, 354, 355, 358, 363, 365, 366, 367, 370, 383, 384, 390, 392, 413, 415, 420, 452, 453
المحقّق النراقی............... 216, 228
المحقّق النهاوندی................. 276
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیرِی........... 159
مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی..................... 159
المفید............................ 362
ن)
النجاشی........................... 59
و)
الوحید البهبهانی.................... 57
ه)
هشام بن سالم................... 49, 50
ص: 488
سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -
عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.
مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .
مشخصات ظاهری : 10ج.
شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :
یادداشت : عربی.
یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.
یادداشت : نمایه .
مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.
عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.
موضوع : اصول فقه شیعه
موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction
رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395
رده بندی دیویی : 297/312
شماره کتابشناسی ملی : 3846970
عیون الأنظار / الجزء الأول
- المؤلف: محمد علی البهبهانی
- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978
- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978
- الطبعة الأولی
- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش
- السعر: 30000
- عدد النسخ: 1000
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 2
عُیُونُ الأَنظَار
(المجلد الخامس)
المباحث العقلیة (2)
مباحث: «الضد» و «الترتّب» و «اجتماع الأمر و النهی»
و «اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة»
ص: 3
ص: 4
البحث الثالث: الضّد / 15
مقدمات.. 17
المقدمة الأُولی: فی أنّ هذه المسألة أُصولیّة أو فقهیة؟. 17
الوجه الأوّل: 17
الوجه الثانی: 17
المقدمة الثانیة: فی أنّ هذه المسأله عقلیة أو لفظیة. 19
المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث... 20
المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء. 22
المقدمة الخامسة: المراد من الضد. 23
المقام الأوّل: «الضدّ الخاصّ». 27
الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة. 28
تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة. 29
مناقشات فی الوجه الأوّل: 32
التفصیل فی المقدمیة: 49
الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة. 53
مناقشتان فی الوجه الثانی: 54
المقام الثانی: «الضدّ العام». 57
ص: 5
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی: 60
تقریر القول الثالث: 62
بیان القول الرابع: 63
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس: 64
تنبیه: فی ثمرة المسألة. 69
الثمرة الأُولی: 69
الثمرة الثانیة: 69
الثمرة الثالثة: 70
الأمر الأوّل: 74
استدلّ علی الصغری بوجهین: 74
الوجه الأوّل: من المحقّق الخراسانی (قدس سره) 74
الوجه الثانی: من جماعة من المتأخرین منهم المحقّق النائینی (قدس سره) 76
تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف: 80
القول الأوّل: 81
القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 81
القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 82
الأمر الثانی: 84
البحث الرابع: الترتب / 85
مقدمات.. 87
المقدمة الأُولی: 94
المقدمة الثانیة: 95
المقدمة الثالثة: 96
المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور. 97
قولان فی الصورة الثالثة: 97
بیان المحقق النائینی (قدس سره) للقول الأوّل: 97
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی: 98
ص: 6
المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فی ما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً 99
بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب: 99
تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع: 102
المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتّب... 103
الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) بطریق الإنّ. 103
الدلیل الثانی علی إنکار الترتّب: 105
الدلیل الثالث علی إنکار الترتّب: 106
المقام الثانی: أدلة القائلین بالترتّب... 113
الوجه الأوّل لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 113
الوجه الثانی لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 115
الوجه الثالث لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 115
الوجه الرابع لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 117
الوجه الخامس: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماته الخمس... 118
المقدّمة الأُولی: 118
المقدّمة الثانیة: 119
المقدّمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره) 124
المقدّمة الرابعة: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب... 133
وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث: 135
المقدّمة الخامسة: 140
الوجه السادس علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 142
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) لتجویز الترتّب: 143
الوجه السابع علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق العراقی (قدس سره) 144
البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی / 149
المقدمة الأُولی.. 151
الأمر الأوّل: عنوان البحث... 151
ص: 7
نظریة المحقق النائینی (قدس سره): 151
الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟. 153
هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟. 153
هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟. 153
الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة. 155
الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟. 167
بیان المحقّق النائینی (قدس سره): للمسألة صور أربع. 167
المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول. 169
الأمر الأوّل: المراد من الواحد فی عنوان المسألة. 169
مقدمة: فی أقسام الواحد. 169
القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) 170
القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 172
الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة. 174
البیان الأوّل: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) صاحب القوانین.. 174
البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) 174
البیان الثالث: ما عن المدقّق الشیروانی (قدس سره) 176
البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 177
البیان الخامس: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) 177
البیان السادس: 178
الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أُصولیة أو لا؟. 179
القول الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة. 180
القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة. 181
القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة. 183
القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة. 184
القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة. 185
الأمر الرابع: إنّ مسألة الاجتماع عقلیة لا لفظیة. 186
الأمر الأوّل: 186
الأمر الثانی: 186
ص: 8
الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم. 189
هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟. 190
القول الأوّل: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 190
القول الثانی: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 191
الأمر السادس: فی عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع. 194
وجه اعتبار وجود المندوحة: 194
بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة: 195
بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لعدم اعتبار المندوحة فی محلّ النزاع: 198
نظریة المحقّق النائینی (قدس سره): 198
نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره): 199
الأمر السابع: ارتباط هذه المسألة بتعلق الأحکام بالطبائع أو الأفراد. 201
التوهّم الأوّل: 201
التوهّم الثانی: 202
تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟. 205
بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم: 205
الأمر الثامن: هل تکون مسألة الاجتماع من صغریات التعارض؟. 207
الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین.. 218
الأمر العاشر: ثمرة البحث... 229
بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 229
المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع. 241
نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع: 241
المقدّمة الأُولی: تضادّ الأحکام فی مرتبة الفعلیة. 242
النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 242
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 245
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره): 251
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله): 253
المقدّمة الثانیة: متعلّق الحکم هو المعنون.. 257
النظریة الأُولی: من المحقّق الخراسانی (قدس سره) 257
ص: 9
النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 258
بیان بعض الأساطین (حفظه الله): 259
المقدّمة الثالثة: تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون.. 261
نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره): 261
بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 261
المقدّمة الرابعة: إنّ الموجود بوجود واحد، له ماهیة واحدة. 263
توهّمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره): 263
دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهّمین: 263
المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز. 267
الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 267
الدلیل الثانی للقول بالجواز: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 273
الدلیل الثالث للقول بالجواز: من المحقّق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .. 285
الدلیل الرابع للقول بالجواز: 287
الدلیل الخامس للقول بالجواز: 289
جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الاستدلال: 289
الجواب الإجمالی: 289
الجواب التفصیلی: 290
القسم الأوّل من العبادات المکروهة: کصوم یوم عاشوراء. 291
الطریق الأوّل: طریق الانطباق.. 291
الطریق الثانی: طریق الملازمة. 294
الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر. 295
نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل: 295
النظریة الأُولی: عن المحقّق النائینی (قدس سره) . 295
النظریة الثانیة: عن المحقّق العراقی (قدس سره) . 298
النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما) ... 298
تکملة و بحث استطرادی: 302
کلام بعض الأساطین (حفظه الله) حول صوم یوم عاشوراء. 302
القول الأوّل: الحرمة. 302
ص: 10
القول الثانی: الکراهة. 306
القول الثالث: الاستحباب... 307
القول الرابع: الأحوط وجوباً ترکه. 308
القسم الثانی من العبادات المکروهة: کالصلاة فی الحمام. 309
کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی: 309
القسم الثالث من العبادات المکروهة: کالصلاة فی موضع التهمة. 312
تنبیه: فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام. 313
المقام الأوّل: الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار. 313
بیان المحقّق النائینی (قدس سره): 313
فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار. 318
الحالة الأُولی: إذا لم یتمکّن من الخروج.. 318
القول الأوّل: 318
القول الثانی: 319
القول الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .. 321
الحالة الثانیة: إذا تمکّن من الخروج.. 321
الصورة الأُولی: 321
الصورة الثانیة: 322
الصورة الثالثة: 322
المقام الثانی: فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار. 324
الجهة الأُولی: فی حکم الخروج فی حدّ ذاته. 324
القول الأوّل: 324
القول الثانی: نظریة المحقّق القمی (قدس سره) 324
القول الثالث: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) 327
القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما) .. 328
القول الخامس: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 330
الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی.. 337
الصورة الأُولی: 337
الصورة الثانیة: 338
الصورة الثالثة: 338
ص: 11
البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة / 341
تمهید مقدّمات: 343
المقدّمة الأُولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع. 343
قال جمع من الأعلام فی الفرق بین المسألتین: 343
بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 343
المقدّمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟. 346
المقدّمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع. 348
قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام. 348
القسم الأوّل: النهی التشریعی.. 348
القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی.. 348
بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لخروجه عن محلّ النزاع: 348
القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری.. 349
النظریة الأُولی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) . 349
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) . 349
النظریة الثالثة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) . 351
القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی.. 353
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) . 353
النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره) . 354
النظریة الثالثة: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) بین التفسیرین للنهی التنزیهی.. 354
القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی.. 355
المقدّمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث... 356
بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 356
بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): 357
المقدّمة الخامسة: تحریر محل النزاع. 359
المقدّمة السادسة: تعریف الصحّة و الفساد. 360
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 360
النظریة الثانیة: عن المحقق القمی (قدس سره) 360
ص: 12
تنبیه: فی أنّ الصحّة و الفساد عند المتکلّم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی؟ 362
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 362
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 363
النظریة الثالثة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 365
المقدّمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات أربع): 367
النظریة الأُولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) 367
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 368
النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 370
النظریة الرابعة: عن بعض الأساطین (حفظه الله) .. 371
المقدّمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة. 373
قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ متعلّق النهی علی خمسة أنحاء. 373
المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة. 377
القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة. 377
القول الأوّل: اقتضاء الفساد. 377
بیانات أربعة فی الاستدلال علی الفساد: 377
بیان الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 377
بیان الثانی: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 379
بیان الثالث: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 380
بیان الرابع: عن بعض الأساطین (حفظه الله) .. 380
القول الثانی: عدم دلالة النهی عن العبادة علی الفساد. 381
النظریة الأُولی: عن المحقّق العراقی (قدس سره) 381
النظریة الثانیة: عن المحقّق الحائری (قدس سره) 382
القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة. 385
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 385
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 385
القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة. 389
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 389
ص: 13
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 389
القسم الرابع: تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة. 392
القسم الخامس: تعلّق النهی بالوصف غیرِ الملازم للعبادة. 393
المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة. 395
المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع. 396
المطلب الثانی: فی بیان الآراء. 397
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 398
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 399
المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة. 402
الفهارس... 407
ص: 14
فیه مقدّمات خمس و مقامان و تنبیه
ص: 15
ص: 16
فیه وجهان:
قد ادّعی أنّها من المسائل الفقهیة، لأنّ البحث فیها عن حرمة فعل الضدّ أو عدمها و هذه مسألة فقهیّة.
إنّ البحث هنا عن ثبوت الملازمة بین وجوب الشیء و حرمة ضدّه أو عن مقدّمیّة ترک أحد الضدّین لفعل الضدّ الآخر.
إنّ هذه المسألة أُصولیة و لیست من مبادی علم الأُصول و الوجه فی ذلک هو أنّ مناط أُصولیة المسألة موجود هنا.
ص: 17
((1))
إنّ المسائل الأُصولیة ترتکز علی رکیزتین:
الرکیزة الأُولی: أن تکون استفادة الأحکام الشرعیة من الأدلّة من باب الاستنباط و التوسیط، لا من باب التطبیق أی تطبیق مضامینها بأنفسها علی مصادیقها، کتطبیق الطبیعی علی أفراده، و الکلی علی مصادیقه.
الرکیزة الثانیة: أن یکون وقوعها فی طریق الحکم بنفسها من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أخری.((2))
فکل مسألة إذا ارتکزت علی هاتین الرکیزتین فهی من المسائل الأُصولیة و إلّا فلا و هاتان الرکیزتان قد توفّرتا فی مسألتنا هذه فهی من المسائل الأُصولیة إذ إنّها واقعة فی طریق استفادة الحکم الشرعی من باب الاستنباط و التوسیط بنفسها بلا توسط کبری أُصولیة أخری.
ص: 18
إنّ البحث عن الملازمة أو مقدّمیة ترک أحد الضدّین للضدّ الآخر عقلی، لأنّ الحاکم بهما هو العقل، بل المراد من الأمر هنا أعم من کونه مستفاداً من اللفظ أو الإجماع أو العقل أو الإشارة.
و من جانب آخر: إنّ الاقتضاء اللفظی (أی الدلالة اللفظیة) متصوّر فی بحث الضدّ العام، أمّا اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه فلایتصوّر فی الضدّ الخاصّ کما سیأتی إن شاء الله.((1))
ص: 19
إنّ المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث لیس خصوص مادّة الأمر و لاصیغته بل المراد هو الطلب المبرز((1)) سواء أُبرز باللفظ أو الإشارة أم استفید من الإجماع أو العقل، لأنّ البحث أعمّ من ذلک حیث إنّ المبحوث عنه فی المقام هو الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه أو المقدّمیة لترک أحد الضدّین لفعل الضدّ الآخر من غیر فرق بین أن یکون الأمر لفظیاً أو غیر لفظی و أمّا ما یوهم اختصاص محلّ النزاع بالأمر اللفظی فلیس إلّا غلبة هذه الأفراد و کثرتها بالنسبة إلی غیرها.
ص: 20
ثمّ إنّ بعضهم قرروا الملازمة بین وجوب الشیء و حرمة ضدّه و الملاک أیضاً أعمّ و لایختصّ بما إذا کان الوجوب مدلولاً لدلیل لفظی.
ص: 21
إنّ المراد من الاقتضاء أعمّ من اللفظی و العقلی و الاقتضاء اللفظی أعم من الدلالة اللفظیة المطابقیة و التضمنیة و الالتزامیة و الاقتضاء العقلی أعمّ من أن یکون من باب مقدّمیة ترک أحد الضدّین لوجود الآخر أو من باب الملازمة بین وجود أحدهما و عدم الآخر.
توضیح ذلک: إنّه إذا کان المراد من الضدّ هو الضدّ العامّ یمکن أن یکون الاقتضاء لفظیاً أو عقلیاً، حیث إنّ بعضهم فسّروا الأمر بطلب الشیء مع المنع من الترک و ما شابه ذلک.
و أمّا إذا کان المراد من الضدّ هو الضدّ الخاصّ فلایمکن أن یکون الأمر بأحد الضدّین نهیاً عن الآخر بإحدی الدلالات اللفظیة، لأنّه لایمکن أن یکون النهی عن الصلاة (أو حرمتها) عین الأمر بالإزالة (أو وجوبها) و لا جزأه و لا لازمه باللزوم البین بالمعنی الأخصّ لانفکاکهما فی مقام التصور.
و علی هذا إن کان المراد منه هو الضدّ الخاصّ فلابدّ أن یکون الاقتضاء عقلیاً من باب المقدّمیة أو الملازمة.
ص: 22
إنّ المراد من الضدّ هو مطلق ما ینافی الشیء.
تقابل التضاد و تقابل التضایف((1)).
و المتضادّان عندهم هما الأمران الوجودیان بینهما غایة المنافرة لایجتمعان وجوداً فی زمان واحد، فی محل واحد، من جهة واحدة((2)).
ص: 24
و قد یقسّم الضدّان بما لا ثالث لهما و بما لهما ثالث. (و فصّل المحقّق النائینی (قدس سره) بینهما فی المقام فقال بالملازمة فی الأوّل دون الثانی).
و أمّا علی الاصطلاح الأُصولی فإنّ الضدّ إمّا ضدّ عام و إمّا ضدّ خاص.
أمّا الضدّ العام فی الأُصول فیشمل المتناقضین و العدم و الملکة.
و أمّا الضدّ الخاصّ فی الأُصول فیشمل الضدّین (المذکور فی المنطق و الفلسفة) و بعض مصادیق المتماثلین و المتخالفین و المتضایفین یکون أیضاً من مصادیق الضدّ الخاصّ الأُصولی و هذا فی ما ینافی امتثال کل واحد منهما امتثال الآخر کما مثّلوا بالحرکة إلی الکربلاء و الحرکة إلی البصرة و صرّحوا بأنّهما متماثلان و هکذا الأمر فی المتخالفین کما مثّّلوا له بوجوب الصلاة و وجوب إزالة النجاسة عن المسجد و هکذا فی المتضایفین فی ما إذا تنافی إکرام الأب و إکرام الابن مثلاً و أمّا مع عدم التنافی بین امتثالهما فلایکون تلک الموارد (المتماثلان، المتخالفیان، المتضایفان) من مصادیق الضدّ الخاصّ.
ثمّ إنّه یقع الکلام فی مبحث الضدّ فی مقامین: الضدّ الخاصّ و الضدّ العامّ.
ص: 25
ص: 26
قد استدلّ علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاصّ((1)) - و الاقتضاء هنا عقلی فقط- بوجهین:
ص: 27
الدلیل الأوّل علی الاقتضاء هو من جهة المقدّمیة.
ملخصه هو أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، فإذا فرضنا وجوب الضدّ الآخر فیجب وجود مقدّماته و ترک أحد الضدّین من مقدّماته، فإذن کان الترک واجباً، ثمّ إنّه إذا کان ترک فعل الضدّ واجباً فیکون نفس فعله حراماً و حیث إنّ أساس هذا الاستدلال هو أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر فسمّی الاستدلال به الاستدلال من طریق المقدّمیة.
و بعبارة أخری إنّ العلّة التامّة مرکّبة من المقتضی و الشرط و عدم المانع فعلی هذا یکون عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة و إنّ کلّاً من الضدّین یکون مانعاً عن الآخر فیکون ترک کلّ منهما من مصادیق عدم المانع بالنسبة إلی وجود الآخر فیکون عدم کلّ منهما مقدّمة لوجود الآخر.
ص: 28
قبل الورود فی بیان المناقشات لابدّ من ذکر خلاصة أنظار الأعلام فی المقدّمیة: (علی ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)).
القول الأوّل: المقدّمیة محققّة مطلقاً، بمعنی أنّ وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر و عدم الضدّ الآخر أیضاً مقدّمة لوجود هذا الضدّ و هکذا بالعکس فإنّ عدم أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر و وجود الضدّ الآخر أیضاً مقدّمة لعدم أحد الضدّین (و هذا القول منسوب إلی الحاجبی و العضدی)((1)).
القول الثانی: إنکار المقدّمیة مطلقا -فی طرف الوجود و العدم کلیهما- فوجود الضدّ لیس مقدّمة لعدم الضدّ الآخر و أیضاً عدم الضدّ لیس مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، و هذا القول مختار المحقّقین((2)).
ص: 29
القول الثالث: التفصیل و القول بأن وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر فعدم أحد الضدّین متوقّف علی وجود الضدّ الآخر.((1))
القول الرابع: التفصیل و القول بأن عدم أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر لا العکس و هذا مختار المشهور((2)).
ص: 30
القول الخامس: التفصیل و القول بأن العدم مقدّمة دون الوجود و لکن المقدّمیة محقّقة بالنسبة إلی الضدّ الموجود لا الضدّ المعدوم، فیکون عدم الضدّ فی ما إذا کان الضدّ موجوداً مقدّمة لوجود الضدّ الآخر. (و هذا التفصیل منسوب إلی المحقّق الخوانساری((1)) و کذا الشیخ الأنصاری((2)) (علیهما السلام))
ص: 31
إنّ الضدّین بینهما کمال المعاندة و المنافرة و أمّا بین أحد الضدّین و ما هو نقیض الآخر و بدیله فلامنافاة و لامنافرة، بل بینهما کمال الملاءمة، فوجود أحد الضدّین و نقیض الضدّ الآخر فی مرتبة واحدة.((1))
إنّ کمال الملاءمة بین أحد الضدّین و عدم الضدّ الآخر لایوجب اتحادهما فی المرتبة کما أنّ بین العلّة و المعلول کمال الملاءمة مع أنّ وجود المعلول و العلّة لایتحدان فی المرتبة فلابدّ من ملاک وجودی للمعیة فی الرتبة و لایکفی فیها انتفاء ملاک التقدم و التأخّر.
و هی النقض بالمتناقضین، فإنّ التنافر بینهما أشدّ من التنافر بین الضدّین مع أنّ العدم لیس مقدّمة للوجود (فی المتناقضین) و [هکذا بالعکس فإنّ الوجود أیضاً لیس مقدّمة للعدم]، بل ترک الوجود أیضاً لیس مقدّمة للعدم و لا بالعکس فعدم أحد النقیضین لیس مقدّمة للآخر و لذلک براهین مختلفة، منها أنّ اختلاف المرتبة بین النقیضین محال مع أنّ رتبة المقدّمة و ذی المقدّمة مختلفة.((2))
ص: 32
((1))
و هذا هو إشکال الدور المذکور فی هدایة المسترشدین.((2))
بیانه: إنّه لو اقتضی توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه توقّف الشیء علی عدم مانعه، لاقتضی توقف عدم الضدّ علی وجود الشیء توقف عدم الشیء علی مانعه. بداهة ثبوت المانعیة فی الطرفین و کون المطاردة من جانبین.
((3))
إنّ التوقّف من طرف الوجود فعلی بخلاف التوقف من طرف العدم فإنّه شأنی.
ص: 33
توضیحه: إنّ وجود الضدّ فی الخارج یکون بوجود علّته التامّة من المقتضی و الشرط و عدم المانع و توقف وجود المعلول علی جمیع أجزاء علّته من المقتضی و الشرط و عدم المانع فعلی.
أمّا عدم الضدّ فلایتوقف علی وجود الضدّ الآخر فعلاً بل یستند إلی عدم المقتضی له لا إلی وجود المانع و لعلّ وجود المقتضی له کان مستحیلاً لاحتمال أن یکون وجود أحد الضدّین و عدم الضدّ الآخر منتهیاً إلی تعلّق الإرادة الأزلیة بالضدّ الموجود وعدم تعلّقها بالضدّ المعدوم حسب ما اقتضته الحکمة البالغة الإلهیة فیکون عدم الضدّ دائماً مستنداً إلی عدم المقتضی لا إلی وجود المانع لیلزم الدور.
إن قلت: إنّ استناد عدم الضدّ إلی عدم المقتضی یکون فی ما إذا کانت الإرادة من شخص واحد، و أمّا إذا کان کلّ من الضدّین متعلّقاً لإرادة شخص، فأراد مثلاً أحد الشخصین حرکة شیء و أراد الآخر سکونه، فیکون المقتضی لکلّ منهما حینئذ موجوداً، فالعدم یکون مستنداً إلی وجود المانع.
قلت: إنّ عدم الضدّ فی هذه الصورة (أی صورة إرادة إیجاد الضدّین من شخصین) أیضاً مستند إلی عدم المقتضی، لأنّ إحدی الإرادتین مغلوبة و إذا کانت الإرادة مغلوبة فیصدق عدم المقتضی.
ثمّ إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یعتقد بما أفاده المحقّق الخوانساری (قدس سره) فی دفع الدور و لکن یقول ببقاء ملاک الإشکال و لما کان هذا الإشکال غیر إشکال الدور فیندرج تحت عنوان المناقشة الرابعة.
إنّه یلزم تقدّم المتأخر و تأخر المتقدّم و هکذا یلزم أن یکون ما هو فی رتبة علّة
ص: 34
الشیء فی رتبة معلول ذلک الشیء و هذا یرجع إلی التناقض.((1))
توضیحه: إنّ الضدّ الموجود (مثل الإزالة) متوقف فعلاً علی عدم المانع (مثل عدم الصلاة) و معنی ذلک تقدم عدم الصلاة علی وجود الإزالة مثلاً.
ومن جانب آخر: إنّ عدم الصلاة مثلاً یصلح أن یکون متوقفاً علی الإزالة و بعبارة أُخری إنّ عدم الصلاة متوقف شأناً علی وجود الإزالة بمعنی أنّه إذا فرضنا وجود المقتضی و الشرط لوجود الصلاة فیصلح أن یکون الإزالة مانعاً عنها فیکون عدم الصلاة فی هذا الفرض مستنداً إلی وجود الإزالة و معنی ذلک هو تقدّم الإزالة علی عدم الصلاة.
فیکون عدم الصلاة متقدّماً علی وجود الإزالة و الإزالة متقدّماً علی عدم الصلاة و هذا مستحیل.
إنّه یلزم فی فرض المقدّمیة أن یتحقّق اقتضاء وجود الضدّین فی آن واحد و لکنّه محال لأنّ ما هو محال وجوداً محال اقتضاءً.
بیان ذلک: إنّا فرضنا وجود السواد و مانعیته عن البیاض و فی هذا الفرض نقول: إنّ عدم البیاض مستند إلی وجود مانعه و هو السواد و معنی استناد عدم البیاض إلی وجود مانعه هو تحقّق مقتضی وجود البیاض و شرائطه و إلّا فلابدّ أن یستند عدم البیاض إلی عدم المقتضی أو عدم الشرط لأنّ رتبة المقتضی مقدم علی رتبة الشرط و رتبة الشرط مقدم علی رتبة عدم المانع حیث إنّ أجزاء العلّة التامّة بعضها مقدم علی بعض.
ص: 35
فحینئذ لزم وجود المقتضی للسواد لأنّه موجود فلابدّ أن یکون له المقتضی و أیضاً لزم وجود المقتضی للبیاض لأنّ عدم البیاض حسب الفرض مستند إلی وجود مانعه وعدم الشیء لایستند إلی وجود مانعه إلّا فی ما إذا کان لذلک الشیء مقتضٍ و شرط و معنی ذلک تحقّق اقتضاء وجود الضدّین و هو محال.
المقدّمة الأُولی: أن یکون أجزاء العلّة التامّة بعضها مترتباً علی بعض و بعبارة أُخری أن یکون المقتضی مقدّماً علی الشرط و هو مقدّماً علی عدم المانع.
المقدّمة الثانیة: أن یکون المحال وجوداً محالاً اقتضاءً و بعبارة أُخری أن یستحیل تحقّق اقتضاء للضدّین فلو قلنا بإمکان اقتضاء الضدّین یلزم انقلاب المحال إلی الممکن، فإنّ معنی وجود المقتضی للضدّین هو إمکان وجود الضدّین مع أنّ الضدّین یستحیل تحقّقهما فلابدّ أن یقال بعدم إمکان تحقّق المقتضی لکلا الضدّین فتحصّل من ذلک بطلان المقدّمیة لأنّها توجب تحقّق مقتضی الضدّین و هو محال.
((1))
لامانع من ثبوت المقتضی لکلّ من الضدّین فی نفسه، مع قطع النظر عن الآخر و لا استحالة فیه، لأنّ کلّاً من المقتضیین إنّما یقتضی أثره فی نفسه مع عدم ملاحظة الآخر، فمقتضی البیاض مثلاً إنّما یقتضیه فی نفسه کما أنّ مقتضی السواد إنّما یقتضیه کذلک و إمکان هذا واضح و لانری فیه استحالة.
ص: 36
فإنّ المستحیل إنّما هو ثبوت المقتضی لکلّ من الضدّین بقید التقارن و الاجتماع لا فی نفسه، کما أنّ اقتضاء شیء واحد بذاته لأمرین متنافیین فی الوجود أیضاً محال و هذا مصداق قولنا: اقتضاء المحال محال.
إنّه لولا ما ذکرناه من إمکان ثبوت المقتضی لکل منهما فی نفسه لم یمکن استناد عدم المعلول إلی وجود مانعه أصلاً، لأنّ أثر المانع کالرطوبة مثلاً لایخلو من فرضین:
الفرض الأوّل: أن یکون أثر المانع مضادّاً للمعلول (و هو الإحراق مثلاً)
الفرض الثانی: أن لایکون أثر المانع مضادّاً له.
أمّا علی الفرض الأوّل فیستحیل ثبوت المقتضی للمعلول لیکون عدمه مستنداً إلی وجود مانعه، لفرض وجود ضدّه و هو أثر المانع و قد سبق أنّ عند وجود أحد الضدّین یستحیل ثبوت المقتضی للآخر فیکون عدمه من جهة عدم المقتضی لا من جهة وجود المانع مع ثبوت المقتضی له.
و علی الفرض الثانی لا موجب لکونه مانعاً عنه لعدم مضادّته له.
فتحصّل من هذا البیان: أنّه إذا قلنا بإمکان استناد عدم المعلول إلی وجود مانعه فلابد أن نلتزم بثبوت المقتضی لکلا الضدّین فی نفسه.
و تصویر ثبوت المقتضی لکلا الضدّین و استناد عدم المعلول إلی وجود المانع یظهر فی هذا المثال: إذا فرض وجود المقتضی لحرکة شیء إلی طرف المشرق و فرض أیضاً وجود المقتضی أیضاً لحرکته إلی طرف المغرب فکل من المقتضیین إنّما یقتضی الحرکة فی نفسه إلی کلّ من الجانبین مع عدم ملاحظة الآخر.
ص: 37
فعندئذ کان تأثیر کلّ واحد منهما فی الحرکة إلی جانب خاصّ متوقّفاً علی عدم المانع منه فإذا وجدت إحدی الحرکتین دون الأُخری فلامحالة یکون عدم هذه مستنداً إلی وجود الحرکة الأُولی لا إلی عدم مقتضیها، فإنّ المقتضی لها موجود علی الفرض و لولا المانع لکان یؤثر أثره و لکن المانع هو وجود تلک الحرکة و یزاحمه فی تأثیره.
و منشأ غفلة المحقّق النائینی (قدس سره) عن ذلک هو تخیل أنّ المقام من موارد الکبری المتسالم علیها و هی أنّ اقتضاء المحال محال، مع أنّ المقام أجنبی عنه فإنّ اقتضاء المحال إنّما یتحقّق فی موردین:
المورد الأوّل: ما إذا
کان هناک شیء واحد یقتضی بذاته أمرین متنافیین فی الوجود.
المورد الثانی: ما إذا فرض هناک ثبوت المقتضی لکل من الضدّین بقید الاجتماع و التقارن.
ولکن مقام البحث أجنبی عنهما بل هناک مقتضیان لکل واحد منهما مقتضٍ فی نفسه بلا ارتباط له بالآخر (أی من دون تقیید بالاجتماع و التقارن).
إنّ لازم ما أفاده هو إنکار مانعیة جمیع الموانع و إبطال الأصل المسلّم الذی هو أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة.
بیانه: إنّ مانعیة المانع لایتصور إلّا فی ما إذا کان بنفسه مانعاً أو فی ما إذا کان بأثره مانعاً و أمّا إذا لم یمنع بنفسه و لا بأثره فلا معنی للمنع و لایبقی مجال للتضادّ.
ص: 38
و إن کان مضاداً بنفسه فتثبت مقدّمیة عدم الضدّ و عدم المانع حینئذ مقدّمة.
و إن کان مضادّاً بأثره و الأثر ضدّ للممنوع و لابدّ حینئذ من أن یکون للمانع مقتضی الوجود فیکون لأثره أیضاً مقتضی الوجود.
و قد قلنا سابقاً: إنّ مانعیة المانع تتوقّف علی وجود المقتضی للممنوع و إلّا فمع عدم المقتضی للممنوع لاتصل النوبة إلی مانعیة المانع.
و نتیجة ذلک هو تحقّق المقتضی لأثر المانع و لوجود الممنوع فثبت تحقّق المقتضی للضدّین.
و بالنتیجة لازم ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) أحد الأمرین:
إمّا إنکار مانعیة المانع و القول بأنّ عدم المانع لیس من المقدّمات و هذا خلاف الضرورة العلمیة و إمّا أن نقول بوجود المقتضی للضدّین.
و بعبارة أُخری:
إن کان المانعیة موجودة فالمقتضی للضدّین أیضاً موجود و إن قلنا بعدم المقتضی للضدّین فلا مانعیة بین الضدّین.
إنّ کلامه مشتمل علی الصغری و الکبری.
أمّا الکبری فهو أنّ اقتضاء المحال محال و هذه الکبری غیر قابل للنقاش لأنّ لازم اقتضاء المحال هو أنّه کان قابلاً للوجود و هذا خروج عن المحالیة الذاتیة و خلف.
و أمّا الصغری و هی أنّه یلزم من مقدّمیة أحد الضدّین للضدّ الآخر الاقتضاء المحال.
ص: 39
و الاستحالة الذاتیة هنا فی اجتماع الضدّین، فإنّ وجود کل واحد من الضدّین لیس بمحال بل الاستحالة فی الجمع بین وجودی الضدّین، فالمقتضی لکلّ من الضدّین فی نفسه لیس بمحال بل المحال هو اقتضاء الجمع بین الضدّین.
فإنّ کل ما له اقتضاء الوجود (المقتضی) له وجودان بالفعل و بالقوة و التمانع بین الضدّین إنّما هو فی الوجود الفعلی منهما، أمّا الوجود بالقوة منهما فلا تضادّ و لا تمانع فیه و بعبارة أُخری: إنّ التضادّ بین الوجود الفعلی منهما لا بین المقتضی لهذا الضدّ و المقتضی للضدّ الآخر، لأنّه لا تضادّ بین الموجودین بالقوة.
و هذا المطلب جار فی جمیع العلل الطبیعیة.
((1))
و هذه المناقشة تتشکل من ثلاثة أُمور:
الأمر الأوّل: إنّ وجود الضدّین فی مرتبة واحدة.
الأمر الثانی: إنّ نقیض الشیء فی رتبة نفس هذا الشیء فتثبت وحدة الرتبة بین النقیضین.
الأمر الثالث: (و هی نتیجة الأمرین الأوّلین) إنّ نقیض کل ضدّ هو فی رتبة الضدّ الآخر.
فإذا کان نقیض کل ضدّ متّحداً مع الضدّ الآخر فی الرتبة فتبطل المقدّمیة لأنّ المقدّمة و ذیها لابدّ أن یختلفا فی الرتبة.
ص: 40
((1))
«إنّ التقدّم و التأخّر بین شیئین إذا کانا بالزمان، فکلّ ما هو متّحد مع المتقدّم فی الزمان متقدّم علی المتأخر لامحالة، کما أنّ مقارن المتأخر متأخّر عن المتقدّم بالضرورة.
و أمّا إذا کان التقدّم و التأخّر بلحاظ الرتبة دون الزمان، فلا استحالة فی کون شیء متقدّماً علی شیء و لایکون متقدّماً علی ما هو متّحد مع المتأخر فی الرتبة، کما لا استحالة فی تأخّر شیء عن شیء و عدم تأخّره عمّا هو متّحد مع المتقدّم فی الرتبة.
و الوجه فی ذلک أنّ التقدّم فی الرتبة لابدّ من أن یکون ناشئاً من ملاک موجب له و لتأخّر المتأخر، فکل ما لایکون فیه الملاک لایعقل فیه التقدّم و التأخّر ... لکن عدم المعلول الذی هو فی مرتبة وجوده، غیر متأخّر عن وجود العلّة، لعدم تحقّق ملاک التأخّر فیه ... فعدم المعلول متّحدٌ فی الرتبة مع وجود المعلول و مع وجود علّته، کما أنّ عدم العلّة متّحد رتبةً مع وجود العلّة و وجود معلولها.
و علی ذلک فعدم أحد الضدّین و إن کان فی رتبة وجوده المتّحد مع وجود الآخر فی المرتبة إلّا أنّه لاینافی کونه فی رتبة سابقة علی وجود الآخر لتحقّق ملاک التقدّم و التأخّر فیهما و عدم تحقّق ملاکهما فی عدم کل منهما بالإضافة إلی وجوده و لا فی وجود کل منهما بالإضافة إلی وجود الآخر.»
و هذا الکلام مأخوذ من عبارة أُستاذه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة.((2))
ص: 41
((1))
إنّ عدم الضدّ إنّما یستند إلی وجود مقتضی الآخر المزاحم لمقتضیه فی التأثیر المساوی له فی القوّة أو الأقوی منه فلایستند عدم أحد الضدّین إلی وجود الآخر أبداً، فیستحیل کون أحد الوجودین مانعاً من الآخر، فیکون توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه محالاً.
إنّ المقتضیین الموجودین فی عرض واحد لایخلوان من أن یکونا متساویین فی القوّة أو أن یکون أحدهما أقوی من الآخر.
أمّا علی الأوّل (أی کونهما متساویین فی القوّة) فلایوجد شیء من الضدّین لاستحالة تأثیر کل منهما أثره مع الآخر و تأثیرُ أحدهما المعین فیه دون الآخر ترجیح من دون مرجّح أو خلف إن فرض له مرجّح و من ذلک یعلم أنّ المانع من وجود الضدّ مع فرض ثبوت مقتضیه إنّما هو وجود المقتضی للضدّ الآخر لا نفس وجود الضدّ فیکون عدم کل من الضدّین مستنداً إلی وجود المقتضی للضد الآخر لا إلی نفسه.
أمّا علی الثانی فیؤثر القوی فی مقتضاه و یکون مانعاً عن تأثیر المقتضی الضعیف و الضعیف لایمکن أن یکون مانعاً من القوی فنفس وجود القوی موجب لفقد شرط من شرائط الضعیف و هو عدم المزاحم فإنّه شرط تأثیره و مصححّ فاعلیته، فیکون عدم القوی شرطاً لتأثیر الضعیف و وجوده مانعاً عنه فالمانع هو الإرادة القویة الغالبة.
ص: 42
(و الفرق بین تقریر المحقّق النائینی (قدس سره) و تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یری عدم إمکان وجود المقتضیین للضدّین و لکن المحقّق الخوئی (قدس سره) یری إمکان المقتضیین لکل من الضدّین فی نفسه کما مضی ذیل بیان الإیراد علی المناقشة الخامسة).
((1))
إنّه (قدس سره) قال أوّلاً بتسلیم مقدّمیة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر بنحو التقدّم بالطبع و قال:
«إلا أنّه مع ذلک لایجدی الخصم شیئاً، إذ لیس کل متقدّم بالطبع یجب بالوجوب المقدّمی کما عرفت فی أجزاء الواجب، فإنّ الجزء له التقدّم الطبعی لکنّه حیث لا وجود للأجزاء بالأسر وراء وجود الواجب النفسی فلا معنی لإیجابها بوجوب غیری زیادة علی وجوبها النفسی و کذا فی عدم الضدّ الموقوف علیه وجود ضدّه.
أمّا فی العدم الأزلی، فإنّ البعث کافٍ فی تحصیله، لأنّه لایوجد إلّا و شرطه متحقّق و هو عدم ضدّه، و لایکون وجوده موقوفاً خارجاً علی تحصیل عدم ضدّه، بخلاف المقدّمات المباینة تحقّقاً لذیها.
أمّا فی العدم الطارئ فإن کان المأمور به ممّا یتحقّق بمجرد الإرادة کالأعراض القائمة بالأشخاص من الإزالة و الصلاة، فوجود الإرادة (و هی مقتضی الإزالة) مساوق لعدم إرادة الصلاة و لو کان فی أثنائها، فعدم الصلاة و رفع الید عنها لایحتاج إلی تسبیب.
ص: 43
و إن کان المأمور به لایتحقّق بمجرد الإرادة، کما إذا أمر بإیجاد البیاض فی محلّ أسود، فإنّ إرادة وجود البیاض و عدم إرادة بقاء السواد لایکفی فی زوال السواد، فلامحالة یجب رفعه و حیث إنّ حک السواد أو غسله أمر وجودی لایؤثّر فی العدم (عدم السواد) بل ملازم له، لانتقال السواد بانتقال الأجزاء الصغار القائم بها فیوجب الحک أو الغسل حرکتها من مکان إلی مکان و هی ملازمة لعدم السواد فی المحلّ، فلامحالة لایجب الحک أو الغسل لعدم المقدّمیة.
قال (قدس سره): و التحقیق یقتضی طوراً آخر من الکلام و قال فی هذا التحقیق بعدم مقدّمیة ترک أحد الضدّین للضدّ الآخر فإنّ علل الشیء أربع: اثنتان منها من علل الوجود و اثنتان منها من علل القوام.
الأوّل: العلّة الفاعلیة و هی ما منه الوجود و الثانی: العلّه الغائیة و هی ما لأجله الوجود
الأوّل: العلّة المادیة و الثانی: العلّة الصوریة.
أمّا الشرائط فهی لیست برأسها من العلل و هی علی قسمین:
القسم الأوّل: ما یؤخذ فی جانب العلّة الفاعلیة فیکون من مصحّحات فاعلیة الفاعل فیکون المقتضی المقترن بکذا تامّ الفاعلیة.
القسم الثانی: ما یؤخذ فی جانب المعلول فیکون من متمّمات قابلیة القابل فیکون المحلّ المتقید بکذا قابلاً لأثر العلّة الفاعلیة.
ص: 44
فنقول: إنّ عدم الضدّ لیس من علل الضدّ الآخر لأنّ الوجود لایترشح من العدم.
بیانه: إنّ عدم الضدّ لیس فاعلاً للضّد الآخر فإنّ العلّة الفاعلیة للضدّ الآخر هو مقتضی وجود ذلک الضدّ.
و عدم الضدّ لیس علّة غائیة أیضاً للضدّ الآخر لأنّ العلّة الغائیة منشأ للفاعلیة کما قال صدر المتألهین (قدس سره) ((1)):
إنّ کل واحد من الفاعل و الغایة سبب للآخر من جهة فالفاعل من جهة سبب للغایة و کیف لا؟ و هو الذی یحصّلها فی الخارج، و الغایة من جهة سبب للفاعل و کیف لا؟ و هی التی یفعل الفاعل لأجلها، و لذلک إذا قیل لک: لم ترتاض؟ فتقول: لأصحّ و إذا قیل: لم صححت؟ فتقول: لأنّی ارتضت، فالریاضة سبب فاعلی للصحّة و الصحّة سبب غائی للریاضة، و الفاعل علّة لوجود ماهیة الغایة فی العین لا لکون الغایة غایة و لا لماهیتها، و الغایة علّة لکون الفاعل فاعلاً.
و عدم الضدّ لایکون منشأ للفاعلیة و عدم الضدّ لایکون جنساً و لا فصلاً حتی یکون من علل القوام فلایکون علّة مادیة و لا علّة صوریة، فلابدّ أن یکون من الشرائط.
أمّا عدم الضدّ فلایکون مصححاً لفاعلیة الضدّ الآخر لأنّ الضدّ لیس فاعلاً حتی تکون تمامیته موقوفة علی عدم ضدّة، بل الضدّ مفعول لعلّته و سببه، فلو کان عدم الضدّ دخیلاً فی فاعلیة الفاعل لکان دخیلاً فی تمامیة سبب ضدّه (لأنّ
ص: 45
الضدّ لیس فاعلاً بل الفاعل هو سبب الضدّ) فیخرج عن المبحوث عنه، لأنّ الکلام فی مقدّمیة عدم الضدّ لوجود ضدّه حتی یجب بوجوبه، لا مقدّمیته لسبب ضدّه.
و یمکن هنا أن یستدلّ القائل بالمقدّمیة بأنّه یکفی کون عدم الضدّ مقدّمة لسبب ضدّه لأنّا لانرید أزید من مقدّمیته للضدّ الآخر و لو کان بمقدّمیته لسببه.
((1))
أوّلاً: إنّه ربّما لایکون سبب ضدّه فعلاً اختیاریاً حتی یکون واجباً فیجب مقدّمة السبب أیضاً، کما فی ترک الصلاة بالإضافة إلی الإزالة التی توجد بالإرادة فلو فرض دخل ترک الصلاة فی تأثیر الإرادة فی الإزالة لم یکن مثل هذا الدخیل واجباً حیث لا تکلیف بالإرادة بل بالإزالة الإرادیة.
ثانیاً: إنّ عدم الضدّ بنفسه لیس مصححاً لفاعلیة سبب الضدّ، إذ لیس الضدّ فی مرتبة سبب ضده و هذا ینافی ما سبق من أن عدم المعلول قد یکون فی مرتبة العلّة حتی یکون عدمه دخیلاً لکون وجوده مانعاً بل المانع المزاحم لسبب الضدّ هو سبب الضدّ الآخر و إن کان منشأ تزاحم السببین تضادّ المسببّین.
أمّا عدم الضدّ فلایکون متمّماً لقابلیة القابل، فإنّ المحلّ إمّا أن یلاحظ من حیث قبوله لکلا الضدّین معاً و إمّا أن یلاحظ من حیث قبوله لکل منهما بما هو.
أمّا المحلّ من الحیثیة الأُولی فغیر قابل لکلا الضدّین معاً و عدم القابلیة من ذاتیات المحل، و أمّا من الحیثیة الثانیة فقابل لکلّ منهما بما هو، فالمحل المشغول بالضدّ لایقبل ضدّاً آخر معه، لا ضدّاً آخر بدلاً عنه و قائماً مقامه.
ص: 46
و الحیثیة الأُولی محال فلایمکن تتمیم قابلیة المحل و الحیثیة الثانیة ممکن لا نقص فی قابلیّته کی تتمّ.
((1))
إن کان المراد من قابلیة المحلّ لأحدهما هو الأحد المردّد فهذا غیر معقول لأنّ المردّد لا ذات له و لا وجود، فالمراد هو الأحد الواقعی.
ثمّ إنّ المحلّ القابل لأحد الضدّین لایکون مهملاً بالنسبة إلی الضدّ الآخر لأنّ الإهمال فی الواقعیات محال.
فالمحل القابل لأحد الضدّین إمّا أن یکون مشروطاً بوجود الضدّ الآخر و هذا محال لأنّه یستلزم اجتماع الضدّین و إمّا أن یکون لا بشرط بالنسبة إلی الضدّ الآخر و هذا یستلزم إمکان اجتماعه مع الضدّ الآخر فیلزم اجتماع الضدّین و هذا أیضاً محال، و إمّا أن یکون بشرط لا بالنسبة إلی الضدّ الآخر فیکون عدم الضدّ الآخر شرطاً و مقدّمة له.
إنّ المحلّ قابل لأحد الضدّین فی ظرف عدم الضدّ الآخر و لیس قابلاً لأحد الضدّین المقید بعدم الآخر لأنّه لا معنی لتقیید المقبول بعدم ضدّه کما قال فی هامش نهایة الدرایة:((2))
إذا کان عدم الضدّ ملحوظاً فی أصل قابلیة القابل کان مفروض الثبوت [لأنّه یکون شرطاً للضدّ الأوّل و کل شرط فهو مفروض الوجود للمشروط] مع أنه
ص: 47
غیر معقول، إذ المحل لایتأثّر إلّا بنفس البیاض لا البیاض المتقید بعدم السواد فلایکون قابلیته إلّا بالإضافة إلی ما یتأثّر به، و بعد خروج عدم السواد عن مرحلة القابلیة و انّ المحلّ قابل لذات المقبول - و هو البیاض مثلاً- فلا نقص حتی یحتاج إلی تتمیمه فی مرحلة الفعلیة.
و هی البیان الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) تقریراً للمناقشة الأُولی التی أفادها صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))و حیث إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) کان دلیلاً مستقلاً -لأنّه یبتنی علی استحالة اجتماع الضدّین بخلاف بیان صاحب الکفایة (قدس سره) فی المناقشة الأُولی فإنّ أساسه علی کمال الملاءمة بین الضدّ و نقیض الضدّ الآخر، و بینهما بون- أفردناه بالذکر.
و توضیح هذه المناقشة هو أنّ الضدّین یستحیل تحقّقهما و وجودهما فی زمان واحد و فی محل واحد و کذلک یستحیل تحقّقهما فی محلّ واحد و فی مرتبة واحدة و لذا کان عدم أحدهما فی کل مرتبة و فی کل زمان ضروریاً، و إلّا یلزم ارتفاع النقیضین فی المرتبة بأن لایکون وجوده فی تلک المرتبة و لا عدمه.
ص: 48
و هذا التفصیل منسوب إلی المحقّق الخوانساری و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .
بیانه: إنّ عدم الضدّ الموجود مقدّمة لوجود الضدّ الآخر المعدوم و توضیحه هو أنّ المحلّ إذا تحقّق فیه أحد الضدّین لایکون قابلاً للضدّ الآخر و لذا تحقّقُ الضدّ الآخر فی هذا المحلّ مشروط بارتفاعِ الضدّ الموجود و عدمِه و هذا معنی مقدّمیة عدم الضدّ الموجود لوجود الضدّ الآخر. و أمّا إذا کان المحلّ مجرّداً عن الضدّین فهو قابل لکلّ منهما من دون اشتراط بعدم الضدّ الآخر.
فی قبالهم قال المحقّقون((1)): إنّ المناط هو الإمکان، بمعنی أنّ المعلول الممکن
ص: 50
یحتاج إلی العلّة حدوثاً و بقاءً((1)).
فلو کان المناط هو الحدوث فیتمّ التفصیل الذی ذکره المحقّق الخوانساری (قدس سره) و الوجه فی ذلک هو أنّ الضدّ الموجود بعد حدوثه لایحتاج إلی المقتضی و لذا یکون مقتضیه معدوماً و الضدّ المعدوم یکون مقتضیه موجوداً بحسب الفرض فیکون عدم وجوده مستنداً إلی وجود الضدّ الموجود لا إلی مقتضی الضدّ الموجود لفرض انتفاء مقتضیه بعد حدوثه، و معنی ذلک مقدّمیة عدم الضدّ الموجود لوجود الضدّ المعدوم.
ص: 51
و إن کان المناط هو الإمکان فلایتمّ لأنّ المقتضی للضدّ الموجود یجب وجوده بقاءً و لذا یکون التمانع بین مقتضی الضدّین فلیس وجود الضدّ الموجود مانعاً عن الضدّ الآخر حتی یکون عدم الضدّ الموجود مقدّمة لتحقّق الضدّ الآخر.
و الحقّ هو ما ذهب إلیه المحقّقون من أنّ مناط حاجة المعلول إلی العلّة هو الإمکان لا الحدوث و بذلک یظهر بطلان التفصیل المنسوب إلی المحقّق الخوانساری و الشیخ (قدس سرهما).
فتحصل من ذلک بطلان القول الأوّل (المنسوب إلی الحاجبی و العضدی و هو المقدّمیة مطلقاً) و القول الرابع (و هو مختار المشهور و هو مقدّمیة عدم أحد الضدّین للضدّ الآخر) و القول الخامس (و هو تفصیل المحقّق الخوانساری1) أمّا القول الثالث (و هو التفصیل المنسوب إلی الکعبی بأن کان وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر) أیضاً فظاهر البطلان فلانطیل الکلام بذکرها فثبت القول الثانی و هو بطلان المقدّمیة مطلقاً.
ص: 52
و هذا الدلیل یتشکّل من مقدّمتین: الصغری و الکبری.
أمّا الصغری فهی أنّ وجود الضدّ ملازم لترک الضدّ الآخر و هذه المقدّمة تتکفّل بیان ثبوت الملازمة بین وجود الشیء و عدم ضدّه.
و أمّا الکبری فهی أنّ المتلازمین لایختلفان فی الحکم فإذا کان أحد الضدّین واجباً فیکون ترک الآخر أیضاً واجباً، و إلّا یلزم تخالفهما فی الحکم.
أمّا الدلیل علی الصغری فهو أنّه إذا فرضنا وجود أحد الضدّین فلو قلنا حینئذ بجواز وجود الضدّ الآخر یلزم اجتماع الضدّین و هو محال.
و أمّا الدلیل علی الکبری فلأنّ المتلازمین لو اختلفا فی الحکم فإمّا یکون الحکم الآخر هی الحرمة فیلزم التکلیف بالمحال و طلب المتناقضین و هو محال بالنسبة إلی الشارع الحکیم، و إمّا یکون الحکم الآخر هو الاستحباب أو الکراهة أو الإباحة فحینئذ یلزم التناقض فی لوازم حکم الشارع و بحسب العقل، لأنّ معنی الأمر بالشیء هو أنّ الشارع لایرخص فی ترک ذلک و هکذا العقل و معنی استحباب ملازمه أو کراهته أو إباحته هو أنّ الشارع یرخص فی ترکه و هکذا العقل و هذا تناقض بین لوازم الحکم الشرعی و تناقض فی حکم العقل و هو محال فالمتلازمان لابدّ أن یکونا متوافقین فی الحکم الشرعی.
ثمّ إنّه لا فرق فی ذلک بین أن یکون الضدّان ممّا لهما ثالث أو ممّا لا ثالث لهما لأنّ ملاک دلالة الأمر بالشیء علی النهی عن ضدّه هو استلزام وجود ذلک الشیء لعدم ضدّه و هو أمر یشترک فیه جمیع الأضداد.
نعم الضدّان اللذان لا ثالث لهما یکون وجود أحدهما ملازماً لترک الآخر و
ص: 53
ترک أحدهما ملازماً لوجود الآخر و أمّا الضدّان اللذان لهما ثالث یکون وجود أحدهما ملازماً لترک الآخر أیضاً و لکن ترک أحدهما لایلازم وجود الآخر لاحتمال وجود الضدّ الثالث و لکن هذا أجنبی عن ملاک الدلالة، هذا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) دفعاً لما ذهب إلیه المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ الدلالة یکون فی ما إذا فرضنا الضدّین اللذینِ لا ثالث لهما دون الضدّین اللذینِ لهما ثالث.
((2))
إنّ الذی لایمکن الالتزام به هو کون المتلازمین مختلفین فی الحکم بأن یکون أحدهما متعلَّقاً للأمر و الآخر متعلَّقاً للنهی لاستلزام ذلک التکلیف بما لایطاق و بغیر المقدور و أمّا کونهما محکومین بحکم واحد و متوافقین فیه فلا موجب له أصلاً، لأنّ المحذور المتقدّم (و هو لزوم التکلیف بما لایطاق) کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام، فإنّ الالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی دلیل یدلّ علیه و لا دلیل فی المقام بل الدلیل علی خلافه.
و الدلیل علی نفی توافق المتلازمین فی الحکم هو لزوم اللغویة، و ذلک لأنّ الشارع إذا أمر بأحد المتلازمین فالأمر بالآخر لغو، فإذا أمر الشارع باستقبال القبلة مثلاً فالأمر باستدبار الجدی أو کون الیمین علی طرف المغرب و الیسار علی طرف المشرق بلا فائدة، فإنّ تلک الأُمور من ملازمات وجود المأمور به فی الخارج سواء
ص: 54
أکانت متعلّقة للأمر أم لم تکن، و ما کان کذلک فلایمکن تعلّق الأمر به.
نعم لو توقّف ترک الحرام خارجاً علی الإتیان بفعلٍ ما للملازمة بین ترک هذا الفعل و الوقوع فی الحرام وجب الإتیان به عقلاً، أمّا شرعاً فلا، لعدم الدلیل علی سرایة الحکم من متعلّقه إلی ملازماته الخارجیة فالملازمة فی الوجود لاتستلزم الملازمة فی الاعتبار الشرعی.
و بهذا البیان ناقش المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه العامّ فقال:((1))
قد ظهر أنّ الأمر کذلک فی النقیضین و المتقابلین بتقابل العدم و الملکة کالتکلّم و السکوت فإنّ اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف لایستلزم النهی عن نقیضه، کما أنّ اعتبار الملکة فی ذمة المکلف لایستلزم النهی عن عدمها، فإنّ کل حکم شرعی متعلّق بشیء لاینحل إلی حکمین: أحدهما متعلّق به و الآخر بنقیضه، فإنّ النهی عن أحد النقیضین مع الأمر بالنقیض الآخر لغو فلایترتّب علیه أثر.
((2))
فإنّ الأمر بالصلاة یتوجّه إلی طبیعی الصلاة دون خصوصیاته من الزمان و المکان و غیرهما فهذه الخصوصیات لیست محکومة بحکم.
إنّ الأمر المتعلّق بطبیعی الصلاة هو الأمر النفسی و الکلام فی الأمر الغیری.
ص: 55
إنّه هنا قاعدة کلیة و هی «ما من واقعة إلّا و فیها حکم شرعی». و لکن هذه القاعدة لابدّ أن تکون مع ملاک و الملاک أحد الأُمور الثلاثة:
الأمر الأوّل: أنّ الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد فإن ثبت وجود المصحلة الملزمة أو المفسدة الملزمة فنستکشف الوجوب أو الحرمة فلابدّ من وجود الحکم عند وجود مبادیه.
الأمر الثانی: أنّه یجب جعل الحکم لأنّه الداعی إلی تحقّق أغراض الشارع.
الأمر الثالث: أنّه یجب جعل الحکم للزوم خروج المکلّف عن التحیر بالنسبة إلی کل واقعة من الوقائع
أمّا الأوّل: فلأنّه لادلیل علی وجود المصلحة أو المفسدة فی جمیع ملازمات الشیء الذی هو واجد للمصلحة أو المفسدة.
أمّا الثانی: فلأنّ الحکم المجعول للملازم یکفی للداعویة إلی تحقّق غرض الشارع فلانحتاج إلی جعل الداعی بالنسبة إلی جمیع ملازماته.
أمّا الثالث: فلأنّ جعل الحکم لأحد المتلازمین یرفع تحیر المکلّف فی مقام العمل فلا نحتاج إلی جعل الحکم بالنسبة إلی ملازماته.
إنّ جعل الحرمة الغیریة للضدّ الآخر لایحتاج إلی ملاک آخر (أی مفسدة فی متعلّقه) کما أنّ جعل الداعی الشرعی بالنسبة إلیه لیس لغواً بل قد یکون مؤکِّداً إلّا أنّه لادلیل إثباتی علی جعل الحرمة الغیریة.
ص: 56
الخوئی((1)) (قدس سره) و بعض الأساطین((2)) (حفظه الله)).
القول الثانی: الاقتضاء بنحو العینیة بمعنی أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ((3)) (صاحب الفصول (قدس سره) ((4))).
ص: 58
القول الثالث: الاقتضاء بنحو التضمّن (صاحب المعالم (قدس سره) ((1))).
القول الرابع: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة اللفظیة بأن کان اللزوم بیناً بالمعنی الأخصّ (المحقّق النائینی (قدس سره) ((2))).
القول الخامس: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة العقلیة((3)) (صاحب
ص: 59
الکفایة (قدس سره) ((1))).
أمّا القول الثانی (نظریة صاحب الفصول (قدس سره) - و هو الاقتضاء بنحو العینیة- فإنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) قد احتمل فی معنی العینیة ثلاث صور و احتمالات:((2))
الصورة الأُولی: العینیة فی مقام الإثبات و الدلالة بمعنی أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ترکه فهما یدلان علی معنی واحد و الاختلاف فی التعبیر.
الصورة الثانیة: العینیة فی مقام الثبوت و الواقع بمعنی أنّ النهی عن الضدّ لایکون نهیاً حقیقیاً ناشئاً عن مبغوضیة الضدّ بل هذا النهی نشأ عن محبوبیة ترک الضدّ و قیام مصلحة بترک الضدّ فهذا أمر حقیقی أُبرز بصورة النهی.
الصورة الثالثة: العینیة فی مقام الثبوت و الواقع بمعنی أنّ النهی عن الضدّ نهی حقیقی و ناشٍ عن مبغوضیة فعل الضدّ و وجود المفسدة الملزمة فیه.
أمّا الصورة الأُولی فهی لا إشکال فیه لأنّ التعبیر عن طلب الشیء بالنهی عن ترکه أمر متعارف فی الروایات فی باب الواجبات و المستحبات و فی کلمات الفقهاء فتری أنّهم یعبّرون عن الاحتیاط الواجب بقولهم: لایترک الاحتیاط و کما
ص: 60
أنّه یمکن إبراز کون الصلاة علی ذمة المکلّف مرّة بلفظ صلّ و أُخری بکلمة لاتترک الصلاة و المراد إبراز وجوبها، و لیس المقصود من «صلّ» إبراز وجوبها و من «لاتترک الصلاة» إبراز حرمة ترکها و هذا هو المقصود من الروایات الناهیة عن ترک الصلاة و لیس المراد من النهی فیها النهی الحقیقی الناشی من مفسدة إلزامیة فی متعلّقه و لذلک لم یتوهم أحد حرمة ترک الصلاة و أنّ تارکها یستحق عقابین: عقاب لترکه الواجب و عقاب لارتکابه الحرام و لذا صحّ أن یقال: إنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ بحسب المعنی و الدلالة علیه.
فإن أُرید من العینیة هذا المعنی فهی صحیحة، لکن الظاهر أنّ العینیة بهذا المعنی لیست مرادة للقائل بها.
أمّا الصورة الثانیة فهی لا معنی له أصلاً لأنّ ترک الترک و إن کان مغایراً للفعل مفهوماً إلّا أنّه عینه مصداقاً و خارجاً، لأنّه عنوان انتزاعی له و لیس له ما بإزاء فی الخارج ما عداه، فإنّ عدم العدم لایتجاوز حدّ الفرض و التقدیر و لیس له واقع فی قبالهما و إلّا لأمکن أن یکون فی الواقع أعدام غیر متناهیة فإنّ لکل شیء عدماً و لعدمه عدماً و هکذا إلی غیر النهایة.
فالقول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه فی قوّة القول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی الأمر بذلک الشیء و هو قول لا معنی له أصلاً لاستلزام ذلک النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی نفسه و هذا النزاع لا محصل له أبداً.
أمّا الصورة الثالثة فهی و إن کان معنی معقولاً فی نفسه إلّا أنّه غیر مراد، لاستحالة أن یکون بغض الترک متحداً مع حبّ الفعل أو جزئه و ذلک لاستحالة الصفتین المتضادتین فی الخارج.
فإنّ الأمر الحقیقی و النهی الحقیقی متباینان ذاتاً من ناحیة المبدأ و الاعتبار و المنتهی.
ص: 61
أمّا المبدأ فی الأمر فهو المصلحة الملزمة و فی النهی المفسدة الملزمة و أمّا الاعتبار فی الأمر فهو اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و فی النهی اعتبار حرمة الفعل علیه و أمّا المنتهی فی الأمر فیمتثل بإتیان المتعلّق و فی النهی بترکه.
أمّا القول الثالث (نظریة صاحب المعالم (قدس سره) -و هو الاقتضاء بنحو التضمن- فتقریره هو أنّ الوجوب عرّف بأنّه طلب الفعل مع المنع من الترک فهو مرکب من الجزئین فدلالة الأمر علی المنع من الترک دلالة لفظیة تضمنیة.
((1))
إنّ الأعلام ناقشوا فیه بأنّ الوجوب بسیط لا مرکب و التعریف المذکور تسامحی فإنّ حقیقة الوجوب إمّا إرادة نفسانیة و إمّا اعتبار عقلی و إمّا اعتبار شرعی.
أمّا الإرادة فهی من الأعراض و هی من البسائط الخارجیة.
و أمّا الاعتبار العقلی فالوجوب علی هذا أمر انتزاعی عقلی بمعنی أنّ العقل یحکم باللزوم والوجوب عند اعتبار المولی فعلاً علی ذمّة المکلّف مع عدم نصب قرینة علی الترخیص فی الترک و هذا أشدّ بساطة من الأعراض فلایعقل لها الجنس و الفصل.
ص: 62
أمّا الاعتبار الشرعی فهو أیضاً فی غایة البساطة لأنّ الأُمور الاعتباریة کلّها من البسائط و لایعقل لها جنس و فصل.
((1))
إنّ بغض الترک کما لایمکن أن یکون عین حبّ الفعل لایمکن أن یکون جزأه لأنّهما صفتان متضادّتان و النهی الحقیقی ینشأ من البغض و الأمر الحقیقی ینشأ من الحبّ.
أمّا القول الرابع- و هو الاقتضاء بالدلالة اللفظیة الالتزامیة- فإنّ المحقّق النائینی (قدس سره) اختار اللزوم البین بالمعنی الأخص و علی تقدیر التنزّل اختار اللزوم البین بالمعنی الأعم فقال((2)):
أمّا دعوی الدلالة علیه بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ بأن یکون نفس تصوّر الوجوب کافیاً فی تصوّر المنع من الترک فلیست ببعیدة، و علی تقدیر التنزّل عنها فالدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأعم ممّا لا إشکال فیها و لا کلام.
((3))
إنّ دعوی استلزام الأمر بشیء النهی عن ترکه باللزوم البین بالمعنی الأخص واضحة الفساد ضرورة أنّ الآمر ربّما یأمر بشیء و یغفل عن ترکه و لایلتفت إلیه
ص: 63
أصلاً لیکون کارهاً له فلو کانت الدلالة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ لم یتصوّر غفلة الآمر عن الترک و عدم التفاته إلیه فی مورد من الموارد.
و من هنا قد اعترف هو (قدس سره) أیضاً ببداهة إمکان غفلة الآمر بشیء عن ترک ترکه فضلاً عن أن یتعلّق به طلبه، و هذا منه یناقض ما أفاده من نفی البعد عن اللزوم البین بالمعنی الأخصّ.
((1))
و هو الاقتضاء باللزوم العقلی؛ قال صاحب الکفایة (قدس سره):
الوجوب لایکون إلّا طلباً بسیطاً و مرتبة أکیدة من الطلب لا مرکّباً من طلبین، نعم فی مقام تحدید تلک المرتبة و تعیینها ربما یقال: الوجوب یکون عبارة عن طلب الفعل مع المنع من الترک و یتخیل منه أنّه یذکر له حدّاً، فالمنع عن الترک لیس من أجزاء الوجوب و مقدّماته، بل من خواصّه و لوازمه، بمعنی أنّه لو التفت الآمر إلی الترک لما کان راضیاً به لامحالة و کان یبغضه البتة.
فقد أشار صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله «لو التفت الآمر إلی الترک» بأنّ الدلالة لیست بیناً بالمعنی الأخصّ.
((2))
إنّ الدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأعم لا دلیل علیها من العقل و لا من الشرع.
ص: 64
فلأنّه لایحکم بالملازمة بین اعتبار الشرع وجوب شیء و اعتباره حرمة ترکه لأنّ کلاً من الوجوب و الحرمة یحتاجان إلی اعتبار مستقلّ و کذا لایحکم العقل بالملازمة بین إرادة شیء و کراهة نقیضه، إذ قد یرید الإنسان شیئاً غافلاً عن ترکه و غیر ملتفت إلیه فالحرمة النفسیة للترک باطل لعدم الملاک و کذا الحرمة الغیریة أوّلاً لعدم المقدّمیة و ثانیاً لکونها لغواً.
[ملاحظتنا علی هذا الإیراد: إنّ اللغویة مخدوشة بل الحرمة الشرعیة الغیریة لا مانع منها إلّا أنّه لا دلیل علیها إثباتاً کما مضی.]
فلأنّ ما دل علی وجوب شیء لایدلّ علی حرمة ترکه لأنّ الحکم الواحد و هو الوجوب فی المقام لاینحل إلی حکمین أحدهما یتعلّق بالفعل و الآخر بالترک، لیکون تارکه مستحقاً
لعقابین من جهة ترکه الواجب و ارتکابه الحرام.
((1))
إنّ کون الوجوب مرتبة أکیدة وحیدة من الطلب مبنی علی کونه من الکیفیات النفسانیة و توصیفها بالتأکّد بملاحظة ما اشتهر من أنّ الوجوب و الاستحباب مرتبتان من الإرادة متفاوتان بالضعف و الشدّة.
أمّا الذی یقتضیه دقیق النظر و إن کان خلاف ما اشتهر فهو أنّه لا فرق فی الإرادة الوجوبیة و الندبیة من حیث المرتبة، بل الفرق من حیث کیفیة الغرض الداعی و البرهان علیه أنّ المراد التکوینی یختلف من حیث اللزوم و عدمه
ص: 65
کالمراد التشریعی، ضرورة أنّ ما یفعله الإنسان بإرادة لیس دائماً ممّا لابدّ منه و لامناص عنه و مع ذلک ما لم یبلغ الشوق حدّه المحرّک للعضلات لم یتحقّق المراد.
فلیس المراد اللزومی ممّا لابدّ فی إرادته من مرتبة فوق مرتبة إرادة المراد غیرِ اللزومی، بحیث لو لم یبلغ تلک المرتبة لم یتحقّق المراد و إنّما التفاوت فی الغرض الداعی من حیث کونه لزومیاً أو غیر لزومی.
بل الشوق الطبعی ربّما یکون أشدّ من الشوق العقلی لموافقة المراد فی الأوّل (أی الشوق الطبعی) لهوی نفسه دون الشوق العقلی، مع عدم اللابدّیة فی الشوق الطبعی حتّی من حیث هوی النفس و ثبوت اللابدّیة فی الشوق العقلی.
فإذا کان الأمر کذلک فی الإرادة التکوینیة فکذا الإرادة التشریعیة، إذ لا فرق بینهما إلّا من حیث تعلّق الإرادة التکوینیة بفعل نفسه و تعلّق الإرادة التشریعیة بفعل غیره.
فالشوق إلی فعل الغیر إذا بلغ حدّاً ینبعث منه البعث کان إرادة تشریعیة سواء کان المشتاق إلیه ذا مصلحة ملزمة أم لا.
و لیس الغرض من هذا البیان أنّ الإرادة لیست ذات مراتب لبداهة کونها ذات مراتب کسائر الکیفیأت النفسانیة بل الغرض أنّ التحریک الناشئ من الإرادة فی ما لابدّ منه و فی غیر ما لابدّ منه لایختلف من هذه الحیثیة.
و التحقیق: أنّ المراد اللزومی و غیره یختلفان من حیث شدّة الملاءمة للطبع و عدمها، فلا محالة ینبعث منهما شوقان متفاوتان بالشدّة و الضعف و کذا فی الإرادة التشریعیة یکون الشوق المتعلّق بما فیه مصلحة لزومیة أشدّ حیث إنّ ملاءمته لطبع المولی أقوی و إن کان بلوغه دون هذه المرتبة کافیاً فی الحرکة و التحریک فی التکوینی و التشریعی.
ص: 66
[ملاحظتنا فی المقام: بل قد یکون الشوق إلی الأمر غیر الإلزامی أشدّ من الشوق إلی الأمر الإلزامی و لکنه لم یجب لمصلحة تسهیلیة کما فی السواک نعم البعث و الإرادة التشریعیة نحو الأمر غیرِ اللزومی یکون أضعف من البعث و الإرادة التشریعیة نحو الأمر اللزومی؛ و ما هو المنفی فی عالم الاعتبار هو الاشتداد لا الشدة و الضعف].
ثم قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی آخر هذه التعلیقة: إنّ هذه المعانی من المنع عن الترک أو کراهة الترک أو عدم الرضا بالترک أو عدم الإذن فی الترک کلها لوازم الشدّة لا عینها و لوازم الوجوب لا من مقوّماته.
و لایستفاد من هذه العبارة القول بالاقتضاء باللزوم العقلی لأنّ مراده هنا أعمّ من المنع الشرعی من الترک أو المنع العقلی من الترک فلم یثبت قوله بالحرمة الشرعیة للضدّ العامّ و هذا هو المختار.
فتحصل إلی هنا عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه العامّ.
ص: 67
ص: 68
إنّهم قد ذکروا فی ثمرة البحث عن الضدّ أُموراً:
و هی ترتّب العقاب علی ارتکاب الضدّ بناء علی اقتضائه للنهی عن الضدّ، و عدم ترتّبه بناء علی عدم اقتضائه.
و هذه الثمرة تجدی فی ما إذا کانت الحرمة الثابتة للضدّ حرمة نفسیة و أمّا إذا کانت الحرمة غیریة فلاتترتّب الثمرة و أکثر القائلین بحرمة الضدّ صرّحوا بأنّها غیریة.
و هی ترتّب عنوان المعصیة فیوجب حیئنذ ترتّب الأحکام التی یکون موضوعها عنوان المعصیة مثل إتمام الصلاة فی السفر إذا کان السفر معصیة فعلی القول بالاقتضاء لابدّ من إتمام الصلاة و علی القول بعدم الاقتضاء لابدّ من التقصیر.
ص: 69
و ترتّب هذه الثمرة متوقّف علی عدم انصراف أدلّة وجوب إتمام الصلاة فی سفر المعصیة عن معصیة النواهی الغیریة.
و هی بطلان العبادة بناءً علی الاقتضاء مع ضم الکبری الأُصولیة الآتیة إن شاء الله تعالی من أنّ النهی فی العبادة یوجب فسادها و أمّا مع عدم الاقتضاء أو عدم فساد العبادة بالنهی عنها فلاتبطل العبادة.
و القول ببطلان الصلاة الأدائیة فی ما لم یضق وقتها إذا اشتغلت ذمّتها بالصلاة القضائیة مبنی علی هذا البحث حیث قالوا: إنّ الأمر بالصلاة القضائیة فوری و استفادوا من ذلک النهی عن الضدّ و الصلاة الأدائیة تکون من مصادیق الضدّ الخاص فیتوجّه النهی إلیها بناءً علی الاقتضاء و تبطل بناءً علی اقتضاء النهی للفساد فی العبادة و لکن هذا مبنی علی أنّ النهی الذی یوجب فساد العبادة یشمل النهی الغیری و إلّا فلا تترتّب هذه الثمرة.
إنّ الضدّین المتزاحمین إمّا أن یکون أحدهما مضیقاً و الآخر موسع مثل الأمر بالإزالة حیث إنّه فوری مضیق و الأمر بالصلاة فإنّه موسّع فعلی القول بالاقتضاء تکون الصلاة منهیاً عنه فتبطل بناءً علی اقتضاء النهی الغیری للفساد.
و إمّا أن یکون کلاهما مضیقین، فحینئذ إمّا أن یکون أحدهما أهمّ من الآخر مثل الصلاة فی آخر وقتها و الإزالة فکلاهما فوریان فإنّ الصلاة أهمّ فتقتضی النهی عن الإزالة و مثل الصلاة فی آخر وقتها و إنقاذ النفس المحترمة من الهلکة فالإنقاذ أهمّ فتقتضی النهی عن الصلاة و إمّا أن یکونا متساویین و لا
ص: 70
بحث مهمّ فی صورة التساوی.
((1))
إنّ العبادة باطلة مطلقاً حتی علی القول بعدم الاقتضاء فهذة الثمرة منتفیة و ذلک لاشتراط صحّة العبادة بتعلّق الأمر بها فعلاً فتفسد عند المزاحمة بالواجب الأهمّ أو المضیق سواء قلنا بالاقتضاء أم بعدمه.
و الوجه فی ذلک هو أنّ الأمر بالشیء لو لم یقتضِ النهی عن ضدّه فلا أقل من أن یکون مقتضیاً لعدم الأمر به لاستحالة تعلّق الأمر بالضدّین، فالعبادة المضادّة لیست مأموراً بها بالأمر الفعلی و حیث إنّ صحّة العبادة مشروطة بتعلّق الأمر بها فعلاً فتکون فاسدة.
((2))
إنّه قد ذکر فی مبحث التعبّدی و التوصّلی مناط صحة العبادة و قلنا هناک: إنّ العبادة یصحّ إتیانها بقصد القربة و مضافاً إلیه تعالی و لاینحصر صحّتها فی صورة قصد الأمر فیصحّ إتیانها بقصد کونها محبوباً لله تعالی و لا دلیل یدلّ علی لزوم قصد الأمر فی صحة العبادة.((3))
ص: 71
((1))
إنّ الإشکال منتفٍ فی بعض الموارد مثل المضیق و الموسّع و أمّا فی بعض الموارد مثل المضیقین فالإشکال باق بحاله.
توضیح ذلک: إنّ التکلیف یتعلّق بالمقدور و مناط اعتبار القدرة حکم العقل خلافاً للمحقّق النائینی (قدس سره) حیث یقول: إنّ مناطه هو اقتضاء الخطاب.
ثمّ إنّ التکلیف یتعلّق بالطبیعة لا بالفرد فإذا کان بعض أفراد الطبیعة مقدوراً فلایمکن أن یقال بانتفاء الأمر بالطبیعة.
ص: 72
فعلی هذا إنّ الأمر بطبیعة الواجب الموسّع لایمکن أن ینتفی.
((1))
إنّک عرفت فی مبحث التعبّدی و التوصّلی کفایة قصد الملاک فی صحّة العبادة و عدم اشتراطها بقصد الأمر (إذ لم یدل دلیل شرعی علی اعتبار أزید من قصد التقرّب بالعمل فی وقوعه عبادة و أمّا تطبیقه علی قصد الأمر و غیره من الدواعی القربیة فإنّما هو بحکم العقل، و قصد الملاک إن لم یکن أقوی فی حصول التقرّب بنظر العقل من قصد الأمر فلا أقل من کونه مثله).
فإذا بنینا علی کفایة الاشتمال علی الملاک فی الصحّة فلابدّ من الالتزام بصحّة الفرد المزاحم سواء قلنا باقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه أم لم نقل بالاقتضاء، لما عرفت من أنّه تامّ الملاک حتی بناءً علی کونه منهیاً عنه أیضاً، لما ستعرف فی بحث النهی عن العبادة إن شاء الله تعالی من أنّ النهی المانع عن التقرّب بالعبادة إنّما هو النهی النفسی لا الغیری، لأنّ النهی الغیری لاینشأ من مفسدة فی متعلّقه لیکشف عن عدم تمامیة ملاک الأمر.
و ما أفاده هنا یبتنی علی أمرین:
ص: 73
إنّ الفرد المزاحم للواجب المضیق تامّ الملاک مطلقاً حتی علی القول باقتضاء الأمر للنهی عن ضدّه و إنّ قصد الملاک یکفی فی وقوع الشیء عبادة.
((1))
إنّ بیانه یتوقّف علی إثبات المقدّمتین: إحداهما کبری القیاس و ثانیهما صغراه.
أمّا المقدّمة الأُولی (کبری القیاس) فلا إشکال فیها لأنّ المعتبر فی صحّة العبادة هو قصد القربة بأی وجه تحقّق، سواء تحقّق فی ضمن قصد الأمر أو قصد الملاک أو غیر ذلک من الدواعی القربیة، و لا دلیل علی اعتبار قصد الأمر خاصّة بل قام الدلیل علی خلافه.
و أمّا المقدّمة الثانیة (صغری القیاس) فقد استدلّ علیها بوجوه.
إنّه ادعی القطع بأنّ الفرد المزاحم تامّ الملاک و قال: «إنّ الفرد المزاحم للواجب المضیق أو الأهمّ و إن کان خارجاً عن الطبیعة المأمور بها بما هی مأمور بها إلّا أنّه لما کان وافیاً بغرضها (کالباقی من أفرادها) کان عقلاً مثله فی الإتیان به بداعی الأمر بالطبیعة فی مقام الامتثال بلا تفاوت فی نظر العقل بینه و بین بقیة الأفراد من هذه الجهة أصلاً نعم إنّه یفترق عن البقیة فی أنّه خارج عن الطبیعة
ص: 74
المأمور بها بما هی کذلک و البقیة داخلة فیها و هذا لیس لقصور فیه لیکون خروجه عنها من باب التخصیص و عدم الملاک بل لعدم إمکان تعلّق الأمر بما یعمّه عقلاً.
((1))
إنّه لاطریق لنا إلی إحراز ملاکات الأحکام الواقعیة و جهات المصالح و المفاسد فی متعلّقاتها مع قطع النظر عن ثبوت تلک الأحکام.
نعم فی لحظة ثبوتها نستکشف اشتمال متعلّقاتها علی الملاک، بناءً علی ما هو الصحیح من تبعیة الأحکام لما فی متعلّقاتها من المصالح و المفاسد الواقعیة و أمّا إذا سقطت تلک الأحکام فلایمکننا إحراز أنّ متعلّقاتها باقیة علی ما کانت علیه من الاشتمال علی الملاک.
إذ کما نحتمل أن یکون سقوطها من جهة المانع مع ثبوت المقتضی لها نحتمل أن یکون من جهة انتفاء المقتضی و عدم ثبوته فلا ترجیح لأحد الاحتمالین.
و علی الجمله حکم العقل بأنّ فعلاً ما مشتمل علی الملاک منوط بأحد الأمرین لا ثالث لهما:
الأوّل: ما إذا کان الشیء بنفسه متعلّقاً للأمر، فإنّ تعلّق الأمر به یکشف عن وجود ملاک فیه لامحالة.
الثانی: ما إذا کان مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به، فإنّه یکشف عن أنّه واف بغرض المأمور به و واجد لملاکه و أمّا إذا لم یکن هذا و لا ذاک فلا ملاک لحکمه أصلاً.
ص: 75
و الفرد المزاحم فی المقام کذلک، فإنّه لیس متعلّقاً للأمر و لا مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به فلایحکم العقل بأنّ فیه ملاکاً و أنّه واف بغرض المأمور به کبقیة الأفراد بل هو حاکم بضرورة التفاوت بینهما فی مقام الامتثال و الإطاعة.
إنّ الأحکام التابعة للملاکات لیست خصوص الأحکام الفعلیة المنجزة بل الأحکام الاقتضائیة الفعلیة غیرُ المنجزة تکشف عن الملاکات و التزاحم یوجب عدم التنجّز لاعدم الفعلیة.
إنّ سقوط اللفظ فی الدلالة المطابقیة عن الحجیة لایستلزم سقوطه عنها فی الدلالة الالتزامیة إذ الضرورة تتقدّر بقدرها.
فإنّ الدلالة الالتزامیة و إن کانت تابعة للدلالة المطابقیة فی مقام الثبوت و الإثبات إلّا أنّها لیست تابعة لها فی الحجیة.
و الوجه فی ذلک هو أنّ ظهور اللفظ فی معناه المطابقی غیر ظهوره فی معناه الالتزامی و کل واحد من الظهورین حجّة فی نفسه بمقتضی أدلّة الحجیة و لایجوز رفع الید عن حجیة کل واحد منهما بلا موجب فإذا سقط ظهور اللفظ فی معناه المطابقی عن الحجیة من جهة قیام دلیل أقوی علی خلافه فلا وجه لرفع الید عن ظهوره فی معناه الالتزامی لعدم المانع عنه أصلاً.
و بعد ذلک فنقول: بما أنّ الأمر قد تعلّق بفعل غیر مقید بحصّة خاصّة و هی الحصّة المقدورة فهو کما یدلّ علی وجوبه مطلقاً یدل علی کونه ذا ملاک بناءً علی تبعیة الأحکام لما فی متعلّقاتها من المصالح و المفاسد الواقعیة.
ص: 76
غایة الأمر أنّ دلالته علی وجوبه بالدلالة المطابقیة و علی کونه ذا ملاک بالدلالة الالتزامیة.
الأمر الأوّل: إنّ الدلالة الالتزامیة تابعة للدلالة المطابقیة حدوثاً لا بقاءً.
الأمر الثانی: إنّ الملاک قائم بالجامع بین الحصّة المقدورة و غیرها و لازم ذلک صحّة الفرد المزاحم، فإنّ الصغری (و هی کونه تامّ الملاک) محرزة و الکبری (و هی کفایة قصد الملاک فی وقوع الشیء عبادة) ثابتة.
الأمر الثالث: یختص الوجوب بخصوص الحصّة المقدورة من جهة حکم العقل باعتبار القدرة فی متعلّقه أو من جهة اقتضاء نفس التکلیف لذلک.
الأمر الرابع: إنّ الملاک تابع للإرادة الإنشائیة المتعلّقة بالفعل دون الإرادة الجدیة فإنّ الإرادة الإنشائیة تعلّقت بالجامع و الإرادة الجدیة تعلّقت بحصّة خاصّة منه و هی الحصّة المقدورة.
((1))
النقض الأوّل: إذا قام البینة علی ملاقاة الثوب للنجاسة – و هی تدلّ بالالتزام علی نجاسة الثوب- ثم علمنا بکذب البینة تسقط الدلالة المطابقیة فهل یمکن بقاء الدلالة الالتزامیة علی نجاسة الثوب (حیث إنّا نحتمل نجاسة الثوب بمنجس آخر و لکن لم یثبت ذلک) و لانظن أن یلتزم بذلک أحد.
ص: 77
النقض الثانی: إذا کانت الدار تحت ید زید و قامت بینة علی کونها لعمرو و بینة أُخری علی کونها لبکر فتساقط البینتان فهل یمکن الأخذ بمدلولهما الالتزامی و هو عدم کون الدار لزید فیعامل الدار معاملة مجهول المالک و لایلتزم به أحد.
النقض الثالث: إذا کانت الدار تحت ید زید و شهد واحد علی أنّ الدار لعمرو و شهد واحد علی أنّها لبکر فإنّ شهادة الواحد تحتاج إلی ضمّ الیمین مع قطع النظر عن معارضة الشهادتین فهل یمکن الأخذ بمدلولهما الالتزامی و هو عدم کون الدار لزید لشهادتهما بلاحاجة إلی ضمّ الیمین و هذا أیضاً لایمکن الالتزام به.
النقض الرابع: إذا کانت الدار تحت ید عمرو و قامت البینة علی أنّها لزید و لکن أقرّ زید بأنّها لیست له فتسقط البینة من جهة الإقرار لأنّ الإقرار مقدم علی البینة فهل یمکن الأخذ بمدلولها الالتزامی و الحکم بأنّ الدار لیست لعمرو فیکون مجهول المالک و هذا أیضاً لایلتزم به فی الفقه.
إنّ الدلالة الالتزامیة ترتکز علی رکیزتین:
الرکیزة الأُولی: ثبوت الملزوم حدوثاً و بقاءً و الرکیزة الثانیة: ثبوت الملازمة بین الملزوم و لازمه.
و تنتجانِ ثبوت اللازم و هو المدلول الالتزامی فإنّ ظهور الکلام فی المدلول الالتزامی غیر ظهوره فی المدلول المطابقی و لکن ظهوره فی المدلول الالتزامی لیس علی نحو الإطلاق بل هو ظاهر فی ثبوت حصّة خاصة منه و هی الحصّة الملازمة للمدلول المطابقی.
ص: 78
مثال ذلک: إنّ الإخبار عن ملاقاة الثوب للدم إخبار عن نجاسته أیضاً و لکنّه لیس هذا المدلول الالتزامی هو الإخبار عن النجاسة علی الإطلاق بأی سبب کان بل إخبار عن حصّة خاصّة من النجاسة و هی الحصّة الملازمة لملاقاة الدم فإذا علمنا بکذب البینة علی ملاقاة الثوب للدم نعلم بکذب نجاسته بالدم و نجاسة الثوب بسبب آخر أجنبیة عن مفاد البینة.
إنّ الوجوب إنّما یکشف عن الملاک کشف المعلول عن علّته بمقدار ما تعلّق به واقعاً و المفروض أنّ ما تعلّق به الوجوب هنا هو خصوص الحصّة المقدورة دون الأعم منها و بعبارة أُخری: إنّ ثبوت الملاک علی مذهب العدلیة إنّما هو فی متعلّق الإرادة الجدیة فسعة الملاک فی مقام الإثبات تدور مدار سعة الإرادة الجدیة و لا أثر للإرادة الإستعمالیة فی ذلک أصلاً.
إنّ القدرة مأخوذة فی التکلیف عقلاً لا باقتضاء نفس الخطاب خلافاً للمحقّق النائینی (قدس سره) فعلی هذا المبنی الإرادة الجدیة تعلّقت بالحصّة غیرِ المقدورة کما أنّ الإرادة الاستعمالیة تعلّقت بها بل الوجوب أیضاً تعلّق بالحصّة المزاحمة و لذا وقع التزاحم إلّا أنّ الوجوب الفعلی لم یصل إلی حد التنجّز، فإنّ القدرة قد تکون شرطاً لفعلیة التکلیف و أُخری تکون شرطاً لتنجّزه و القدرة المفقودة فی الفرد المزاحم هی القدرة التی تکون شرطاً للتنجّز و إلّا فإنّ المکلّف یقدر علی الإتیان بالفعل و هذا نظیر فقدان القدرة علی الصوم عند المرض فإنّ الوجوب تعلّق بالصوم و هو فعلی إلّا أنّه لم یتنجّز للمرض و هکذا الأمر إن قلنا بأنّ القدرة غیر معتبرة فی صحّة التکلیف کما هو مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) .
ص: 79
إنّ القدرة شرط فی صحّة التکلیف بحکم العقل و اختلف القائلون به فبعضهم قالوا: إنّ القدرة علی بعض أفراد الطبیعة تکفی لصحّة الأمر بالطبیعة و هذا هو مختار المحقّق الثانی (قدس سره) و بعضهم قالوا: إذا کان بعض أفراد الطبیعة مقدوراً و بعضها غیر مقدور لایمکن تعلّق الأمر بالطبیعة الجامعة بین الأفراد المقدورة و الأفراد غیرِ المقدورة.
إنّ القدرة شرط فی صحّة التکلیف باقتضاء الخطاب و الدلیل علی ذلک هو أنّ المُنشَأ بصیغة الأمر أو ما شاکلها إنّما هو الطلب و البعث نحو الفعل الإرادی، و الطلب و البعث التشریعیان عبارتان عن تحریک عضلات العبد نحو الفعل بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له إلی إتیان الفعل و جعل الداعی یقتضی إمکان المدعوّ إلیه، فإنّ النسبة بین الداعی و المدعوّ إلیه نسبة التضایف فإمکان تحقّق الداعی لایکون إلّا فی ما إذا أمکن تحقّق المدعوّ إلیه فحینئذ جعل الداعی إنّما یمکن فی الفعل الذی یکون مقدوراً فاقتضاء الخطاب هو مقدوریة متعلّقه فما هو غیر المقدور لایکون متعلّق التکلیف و لایصحّ توجه الخطاب و الأمر نحوه.
ثمّ إنّ ما لیس مقدوراً بالقدرة الشرعیة لایتوجه إلیه الخطاب أیضاً لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً.
إنّ حقیقة التکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمّة المکلّف و
ص: 81
إبرازه فی الخارج بمبرزٍما من صیغة الأمر أو ما شاکلها و لا نتصور للإنشاء معنی ماعدا إبراز ذلک الأمر الاعتباری.
و علی هذا إنّ الصیغة لاتدلّ علی الوجوب بل تدلّ علی إبراز الأمر الاعتباری القائم بالنفس و لکن العقل ینتزع منه الوجوب بمقتضی قانون العبودیة و المولویة ما لم تنصب قرینة علی الترخیص فی الترک.
فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم إبراز الشیء علی ذمّة المکلّف إذا لم تکن قرینة علی الترخیص.
أمّا الطلب فقد ذکرنا أنّه عبارة عن التصدّی لتحصیل شیء فی الخارج وصیغة الأمر أو ما شاکلها من أحد مصادیق هذا الطلب و لیس مدلولاً للصیغة بل الآمر یتصدّی بصیغة الأمر لتحصیل مطلوبه فی الخارج فالصیغة من أظهر مصادیق الطلب.
فلامقتضی لاختصاص الفعل بالحصّة المقدورة، فإنّ اعتبار المولی الفعل علی عهدة المکلّف و ذمّته، لایقتضی اختصاص الفعل بالحصة المقدورة، ضرورة أنّه لا مانع من اعتبار الطبیعی الجامع بین المقدور و غیر المقدور علی عهدة المکلّف.
کما أنّ إبراز المولی لذلک الأمر الاعتباری النفسانی بمبرز فی الخارج لایقتضی ذلک فبالنتیجة لامقتضی من قبل نفس التکلیف لاعتبار القدرة فی المتعلّق.((1))
((2))
إنّ القدرة علی المتعلّق لاتعتبر فی صحّة التکلیف فلامانع من تکلیف العاجز؛
ص: 82
و المکلّف إن لم یکن قادراً حین جعل التکلیف و صار قادراً فی ظرف الامتثال صحّ التکلیف و لم یکن التکلیف حینئذ قبیحاً.
بل العقل یحکم بلزوم القدرة علی المتعلّق فی ظرف الامتثال فإنّ ملاک حکم العقل إنّما هو قبح توجیه التکلیف إلی العاجز عنه فی مرحلة الامتثال.
فالعبرة إنّما هی بالقدرة فی مرحلة الامتثال سواء کان قبلها قادراً أم لم یکن فبالنتیجة تحصّل أمران:
الأمر الأوّل: أنّ القدرة لیست شرطاً للتکلیف لا باقتضاء الخطاب و لا بحکم العقل و الأمر الثانی: أنّ القدرة شرط لحکم العقل بلزوم الامتثال و الإطاعة و مأخوذة فی موضوع حکم وجوب الإطاعة و الامتثال.
فلا متقضی لاختصاص الفعل بالحصّة المقدورة.
أمّا الإشکال بأنّ تعلّق التکلیف بالجامع بین المقدور و غیره و إن لم یکن مستحیلاً و لکنّه لغو، إذ المکلّف لاینبعث نحو المقدور و لایتمکّن إلّا من إیجاد المقدور، إذن ما هی فائدة تعلّقه بالجامع؟ فمدفوع؛
أوّلاً: بأنّ الفرد غیر المقدور حین الخطاب قد یکون مقدوراً فی ظرف الامتثال و الفائدة هی توجه الخطاب نحوه لیکون بإتیانه ممتثلاً للتکلیف فی ظرف الامتثال.
ثانیاً: بأنّه قد یکون الفرد مقدوراً عقلاً و غیر مقدور شرعاً من جهة و مصداقاً للطبیعة المأمور بها من جهه أُخری، فحینئذ الإتیان به یکون من مصادیق إتیان المأمور به فإذا أتی به بقصد القربة یکون المکلّف ممتثلاً للتکلیف المتوجه إلی طبیعی المأمور به فیسقط التکلیف بل یسقط التکلیف بتحقّق فرد منه فی الخارج بغیر اختیاره و إرادته (فی الواجب التوصّلی).
ص: 83
الأمر الثانی الذی یتوقف علیه إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی الثمرة الثالثة هو أنّ النهی الغیری لایکون مانعاً من صحّة العبادة لأنّه لاینشأ من مفسدة فی متعلّقه لیکون کاشفاً عن عدم تمامیة ملاک الأمر (کما هو مختار المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما).((1))
قد استشکل علیه بأنّ النهی الغیری نحو الشیء یوجب مبغوضیّته فإنّ ما زجر عنه المولی یکون مبغوضاً عنده و المبغوض لایکون مقرّباً.
بل لا أقل من الشک فی المقرّبیة و المرجع حینئذ قاعدة الاشتغال.
إنّ ما تعلّق به النهی الغیری لیس مغبوضاً فی نفسه بل قد یکون أمراً حسناً و محبوباً للمولی فی نفسه و بحسب العنوان الأوّلی و النهی الغیری تعلّق به بجهة أُخری.
و النهی الغیری لا ملاک له فی متعلّقه فهو کما لایکون واجداً للملاک المستقل فی متعلّقه لایکون موجباً لانعدام ملاک الأمر حیث إنّ ملاک الأمر له واقعیة خارجیة و لاینعدم إلّا إذا وجد فی المتعلّق مفسدة غالبة علیه و غایة ما یقتضیه النهی الغیری هو إسقاط الأمر.
ص: 84
فیه مقدمات خمس و مقامان
ص: 85
ص: 86
قد تصدّی جمع من الأعلام((1)) لتصحیح الأمر بالضدّ بنحو الترتّب علی عصیان الضدّ الأوّل أو العزم علی عصیانه.
ص: 87
و أوّل من تصدّی لذلک هو المحقّق الثانی (قدس سره) ((1)) و التزم به الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء((2)) و المحقق التقی و صاحب الفصول و السید المجدّد المیرزا
ص: 88
المحقّق العراقی((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سره).
و خالفهم فی ذلک المحقّق الخراسانی صاحب الکفایة((2)) (قدس سره) و المشهور عن
ص: 90
ص: 91
الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً إنکار الترتّب و لکن قال بعض الأساطین (حفظه الله): إنّ کلمات الشیخ (قدس سره) اختلفت هنا((1)) فیستفاد من بعضها استحالة الترتّب((2)) کما
ص: 92
یستفاد من کلامه فی التعادل و التراجیح عند البحث عن الأصل فی المتعارضین علی القول بالسببیة إمکان الترتّب.((1))
ص: 93
قبل الورود فی البحث لابدّ من تقدیم أُمور:
إنّ البحث عن الترتّب یجدی فی ما إذا قلنا بسقوط الأمر بالعبادة و عدم إحراز تمامیة ملاکه و إلّا فإن قلنا بتصحیح العبادة المضادة للواجب الأهمّ بأحد الأمرین (1- وجود الأمر به و عدم سقوطه 2- وجود الملاک و تمامیته) فلا ثمرة فی البحث عن الترتّب.
و بعض الأعلام مثل السید الخوئی (قدس سره) حیث قال بعدم استکشاف تمامیة الملاک عند تزاحم الواجب الموسّع و الواجب المضیق أو عند تزاحم الواجبین المضیقین و أیضاً قال بعدم الأمر بالواجب المهمّ عند فعلیة الأمر بالأهمّ عند تزاحم الواجبین المضیقین (لاستحالة الأمر بالضدّین) فلابدّ لهم من البحث عن الترتّب لتصحیح العبادة المضادّة للواجب الأهمّ، فللبحث عندهم ثمرة مهمة جداً و للمحقّق النائینی (قدس سره) هنا کلام یأتی فی الأمر الخامس.((1))
ص: 94
إنّ البحث عن الترتّب من المباحث العقلیة، لأنّ البحث فیه عن إمکان الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب و طولیاً أو استحالته و الحاکم بالإمکان أو الاستحالة هو العقل فهذا البحث بحث عقلی لا لفظی.((1))
ص: 95
((1))
إنّ البحث عن الترتّب بحث ثبوتی و لانحتاج فیه إلی بحث إثباتی لأنّ إمکان تعلّق الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب یکفی لوقوعه.
توضیحه: إنّ الأمر بالضدّین محال لأنّه تکلیف بما لایطاق و تکلیف بالمحال و لکن لدفع هذا المحذور إمّا أن نرفع الید عن الأمر بالمهمّ و نقول بسقوطه و إمّا أن نرفع الید عن إطلاق الأمر بالمهمّ و نقول: إنّ الأمر بالمهم یکون فی فرض عصیان الأمر بالأهمّ أو العزم علی معصیته.
فإذا أمکن رفع الید عن الإطلاق فلاتصل النوبة إلی رفع الید عن أصل الأمر بالمهمّ لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها.
ص: 96
((1))
إنّ الواجبین المتضادّین یتصوران علی ثلاث صور:
الصورة الأُولی: أن یکونا موسعین و هی لاتدخل فی کبری التزاحم قطعاً لتمکن المکلّف من الجمع بینهما فی سعة الوقت من دون مزاحمة.
الصورة الثانیة: أن یکونا مضیقین کالإزالة و الصلاة فی آخر وقتها و هی القدر المتقین من کبری التزاحم.
الصورة الثالثة: أن یکون أحدهما موسعاً و الآخر مضیقاً.
هی داخلة فی التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) و خارجة عنه عند المحقّق الخوئی (قدس سره) .
والوجه فی ذلک هو أنّ تقابل الإطلاق و التقیید عند المحقّق النائینی (قدس سره) تقابل الملکة و العدم و عند المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) تقابل الضدّین بحسب مقام الثبوت و تقابل الملکة و العدم بحسب مقام الإثبات لأنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو لحاظ القیود و رفضها و الرفض أمر وجودی.
أمّا وجه دخوله فی التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) فهو أنّ کل مورد لایکون قابلاً للتقیید لایکون قابلاً للإطلاق أیضاً و فی ما نحن فیه یستحیل تقیید
ص: 97
الواجب الموسع بخصوص الفرد المزاحم فإطلاقه بالنسبة إلیه أیضاً لابدّ أن یکون مستحیلاً.
فعلی هذا یقع التزاحم بین فعلیة الواجب المضیق و إطلاق الواجب الموسع بالنسبة إلی الفرد المزاحم للواجب المقید فلابدّ إمّا من رفع الید عن فعلیة الواجب المضیق حتّی یکون إطلاق الواجب الموسع بالنسبة إلی الفرد المزاحم جاریاً و إمّا من التحفّظ علی فعلیة الواجب المضیق فیکون الإطلاق فی الواجب الموسع مستحیلاً و هذا هو التزاحم.
أمّا وجه عدم دخوله فی التزاحم عند المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) فهو أنّ استحالة تقیید متعلّق الحکم أو موضوعه بقید خاص تستلزم کون الإطلاق أو التقیید بخلاف ذلک القید ضروریاً فتلک الصورة خارجة عن کبری باب التزاحم، لأنّ معنی إطلاق الواجب الموسع هو أنّ الواجب صرف وجوده الجامع بین المبدأ و المنتهی من دون خصوصیات الأفراد و تشخصاتها فیه و علی هذا إنّ الفرد المزاحم و الفرد غیرَ المزاحم غیر داخلان فی متعلّق الوجوب بل متعلّق الوجوب هو الطبائع، فعند استحالة التقیید یجب الإطلاق لاستحالة الإهمال فی الواقعیات و لذا لا تنافی بین إطلاق الواجب الموسع و فعلیة الواجب المضیق، لأنّ المفروض فی وجوب الصلاة مثلاً هو أنّ الوجوب تعلّق بصرف وجوب الصلاة فی مجموع هذه الأزمنة لا فی کل زمان من تلک الأزمنة لینافی وجوب واجب آخر فی بعضها و لذلک صحّ الإتیان بالفرد المزاحم بداعی الأمر المتعلّق بصرف وجود الواجب فلا حاجة عندئذ إلی القول بالترتّب.
ص: 98
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال بعدم جریان الترتّب فی ما إذا کان الواجب المهمّ مشروطاً بالقدرة شرعاً و خالفه المحقّق الخوئی (قدس سره) و فصّل فی المقام بین الأمثلة التی ینطبق علیها کلام المحقّق النائینی (قدس سره) .
((1))
إنّ الخطاب المترتّب علی عصیان الخطاب الأهم یتوقّف علی کون متعلّقه حال المزاحمة واجداً للملاک و قد بینا أنّ الکاشف عن ذلک هو إطلاق المتعلّق، فإذا کان المتعلّق مقیداً بالقدرة الشرعیة سواء کان التقیید مستفاداً من القرینة المتّصلة أم المنفصلة لم یبق للخطاب بالمهمّ محل أصلاً.
والوجه فیه هو أنّ الکاشف عن الملاک إطلاق متعلّق الأمر بالمهمّ و أمّا مع تقییده بالقدرة شرعاً فلا أمر عند عدم القدرة فلا کاشف عن الملاک و لایبقی مجال للتکلیف بالواجب المهمّ ترتّباً.
و منه یظهر أنّه لایمکن تصحیح الوضوء فی موارد الأمر بالتیمّم بالملاک أو بالخطاب الترتّبی، فإنّ الأمر بالوضوء مقید شرعاً بحال التمکّن من استعمال الماء بقرینة تقیید وجوب التیمّم بحال عدم الماء، ففی حال عدم التمکّن لا ملاک للوضوء کی یمکن القول بصحّته إمّا من باب الاکتفاء بالاشتمال علی
ص: 99
الملاک فی الحکم بالصحّة و إمّا من باب تجویز الخطاب الترتّبی (أی إمّا بالملاک و إمّا بالترتّب).
ولأجل ذلک لم یذهب العلامة المحقّق الشیخ الأنصاری (قدس سره) و لا العلّامة المحقّق تملیذه أُستاذ أساتیذنا1 إلی الصحّة فی الفرض المزبور مع أنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) یری کفایة الملاک فی صحّة العبادة و السید المحقّق المیرزا الشیرازی (قدس سره) یری جواز الخطاب الترتّبی.
و أمّا ذهاب السید المحقّق الطباطبایی الیزدی (قدس سره) إلی الصحّة فی مفروض الکلام فهو ناشئ من الغفلة عن حقیقة الأمر.
و قال فی فوائد الأُصول:((1))
إذا وجب صرف ما عنده من الماء لحفظ النفس المحترمة کان وضوؤه خالیاً عن الملاک، فلو عصی و توضّأ کان وضوؤه باطلاً و لایمکن تصحیحه بالملاک و لا بالأمر الترتّبی و من الغریب ما حکی عن بعض الأعاظم فی حاشیته علی النجاة من القول بصحّة الوضوء و الحال هذه و لایخفی فساده.
((2)):
لابدّ من التفصیل بحسب الموارد و الأمثلة:
أمّا المثال الأوّل: (و هو بطلان الوضوء أو الغسل فی مورد الأمر بالتیمّم بتوهّم کونهما فاقداً للملاک فلایمکن تعلّق الأمر بهما و لو علی نحو الترتّب لاستحالة وجود الأمر بلاملاک).
ص: 100
فیرد علیه: أنّ القول بجواز تعلّق الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب لایتوقّف علی إحراز الملاک فی الواجب المهمّ إذ لایمکن إحرازه فیه إلّا بتعلّق الأمر به فلو توقّف تعلّق الأمر به علی إحرازه لدار.
ولایفرق فی ذلک بین أن یکون الواجب المهمّ مشروطاً بالقدرة عقلاً و أن یکون مشروطاً بها شرعاً؛ و ذلک لما تقدّم من أنّه لایمکن إحراز الملاک إلّا من ناحیة الأمر فلو تمّ هذا التوهّم لکان مقتضاه عدم جریان الترتّب مطلقاً حتّی فی الواجب المشروط بالقدرة عقلاً.
إذن الصحیح هو عدم الفرق فی صحّة الترتّب و إمکانه بین الواجب المشروط بالقدرة الشرعیة و المشروط بالقدرة العقلیة لأنّ مبدأ إمکان الترتّب نقطة واحدة و هی أنّ تعلّق الأمر بالمهمّ علی تقدیر عصیان الأهمّ لایقتضی الجمع بین الضدّین لیکون محالاً، بل یقتضی الجمع بین الطلبین فی زمان واحد و لا إشکال فیه حیث إنّ المطلوب فی أحدهما مطلق و فی الآخر مقید بعدم الإتیان به فلو أتی بهما جمیعاً بقصد الأمر لکان تشریعاً محرّماً.
فعدم جریان الترتّب فی المشروط بالقدرة الشرعیة یبتنی علی أمرین:
الأوّل: أن یکون المهمّ واجداً للملاک حتّی فی حال مزاحمته للأمر بالأهمّ و فیه ما قلنا من أنّ الترتّب لایتوقّف علی إحراز الملاک فی المهمّ.
الثانی: أن یکون الأمر بالأهمّ مانعاً عن الأمر بالمهمّ و فیه أنّ مانعیته یکون فی ما إذا کان فی عرضه أمّا إذا کان فی طوله فلامانعیة.
أمّا المثال الثانی: (وهو ما إذا دار الأمر بین صرف الماء فی الوضوء أو الغسل و صرفه فی تطهیر الثوب و البدن).
فیرد علیه: أنّ عدم جریان الترتّب لیس لاشتراط المهمّ بالقدرة الشرعیة بل
ص: 101
لأنّ التزاحم یجری بین الواجبین النفسیین کالصلاة و الإزالة و لایعقل التزاحم بین أجزاء واجب واحد لأنّ الجمیع واجب بوجود واحد و یسقط الأمر بتعذّر أحد الأجزاء فحینئذ ثبوت الوجوب لسائر الأجزاء یحتاج إلی أمر جدید و هذا الدلیل فی الصلاة موجود و عندئذٍ یعلم إجمالاً بجعل أحد هذین الجزئین أو الشرطین فی الواقع.
ثمّ إنّ ما نسبه المحقّق النائینی (قدس سره) إلی السید الطباطبایی (قدس سره) خلاف ما أفاده فی العروة الوثقی (المسوّغ السادس للتیمّم) حیث قال ببطلان الوضوء أو الغسل فی هذا الفرع.
((1))
إنّ الأقوی صحّة الوضوء و الغسل بما أنّهما عبادة فی نفسهما و متعلّق الأمر النفسی الاستحبابی و ذلک بالالتزام بأمره الاستحبابی النفسی ترتّباً.
ص: 102
قال (قدس سره):((1))لا أظنّ أن یلتزم القائل بالترتّب، بما هو لازمه من الاستحقاق لعقوبتین فی صورة مخالفة الأمرین، ضرورة قبح العقاب علی ما لایقدر علیه العبد و لذا کان سیدنا الأُستاذ (قدس سره) (السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سره) لایلتزم بتعدّد العقاب علی ما هو ببالی.
إنّ الالتزام بجواز الترتّب یستلزم الالتزام بجواز تعدّد العقاب و لایلزم من الالتزام بالترتّب کون العقاب علی الأمرین من العقاب علی الأمر المستحیل ضرورة أنّ معنی إمکان الترتّب هو جواز تعلّق الأمر بالأهمّ علی وجه الإطلاق
ص: 103
و بالمهمّ مقیداً بعصیان الأهمّ، لفرض أنّهما علی هذا النحو مقدور للمکلّف، فإذا کانا مقدورین فلامحالة یستحق عقابین علی ترکهما فی الخارج.
و فرق بین أن یکون العقاب علی ترک الجمع بین الواجب الأهمّ و المهمّ و أن یکون العقاب علی الجمع فی الترک بمعنی أنّه یعاقب علی ترک کل منهما فی حال ترک الآخر فإنّ الأوّل محال دون الثانی.
فإنّ الترتّب لیس معناه طلب الجمع بین الضدّین بل هو جمع بین طلب الضدّین بنحو طولی بل یمکن أن یقال: إنّ تعدّد العقاب فی صورة مخالفة المکلّف و ترکه الواجب الأهمّ و المهمّ معاً من المرتکزات فی الأذهان، مثلاً إذا فرض وقوع المزاحمة بین صلاة الفریضة فی آخر الوقت و صلاة الآیات بحیث لو اشتغل المکلّف بصلاة الآیات لفاتته فریضة الوقت، فعندئذ لو عصی المکلّف الأمر بالصلاة و لم یأت بها فلامحالة یدور أمره بین أن یأتی بصلاة الآیات و أن یترکها.
و من الواضح جداً أنّه إذا ترکها فی هذا الحال فتشهد المرتکزات العرفیة علی أنّه یستحق العقوبة علیه أیضاً، فإنّ المانع بنظرهم عن الإتیان بصلاة الآیات هو الإتیان بفریضة الوقت و أمّا إذا ترک الفریضة فلایجوز له أن یشتغل بفعل آخر و یترک صلاة الآیات و بذلک نستکشف إمکان الترتّب و إلّا لم یکن هذا المعنی مرتکزاً فی أذهانهم.
ص: 104
إنّ الغرض الداعی إلی جعل التکلیف جعل الداعی له لینبعث منه، و الانبعاث لایمکن إلّا فی ما إذا کان الفعل ممکناً بالإمکان الوقوعی و أمّا إذا کان ممتنعاً وقوعاً فلایمکن الانبعاث نحو الفعل فیکون جعله لغواً فلایصدر من الحکیم لاستحالة تکلیف العاجز.
إنّ الأمر بالأهمّ و المهمّ و إن کانا فعلیین حال العصیان معاً إلّا أنّ اختلافهما فی الرتبة أوجب عدم لزوم طلب الجمع بین الضدّین، لأنّ الأمر بالأهمّ فی رتبة تقتضی هدم موضوع الأمر بالمهمّ و عدمه و أمّا الأمر بالمهمّ فلایقتضی وجود موضوعه.
((1))
أوّلاً: إنّ الأحکام الشرعیة ثابتة للموجودات الزمانیة و لا أثر لاختلافهما فی الرتبة، فلایجدی تقدّم الأمر بالأهمّ علی المهمّ رتبة بعد ما کانا متقارنین زماناً فإنّ المحال هو طلب الجمع بین الضدّین فی الخارج، لا فی الرتبة لأنّ التضادّ و التماثل و التناقض و ما شاکلها جمیعاً من صفات الموجودات الخارجیة.
و ثانیاً: إنّ الأمر بالأهمّ لایتقدم علی الأمر بالمهمّ رتبة، لأنّ تقدّم شیء علی الآخر بالرتبة یحتاج إلی ملاک کامن فی صمیم ذات المتقدم، فلایتعدی منه إلی ما
ص: 105
هو فی مرتبته فضلاً عن غیره و من الواضح أنّه لا ملاک لتقدّم الأمر بالأهمّ علی الأمر بالمهمّ.
((1))
إنّه لایلزم من اجتماع الأمرین فی زمان واحد طلب الجمع، لیستحیل داعویة کل منهما لإیجاد متعلّقه فی هذا الزمان، و الوجه فیه أنّ انبعاث المکلّف عن کلا الأمرین فی عرض واحد و إن کان لایمکن، إلّا أنّ انبعاثه عنهما علی نحو الترتّب ممکن بالإمکان الوقوعی، فإنّه عند انبعاثه عن الأمر بالأهمّ لا بعث بالإضافة إلی المهمّ لیزاحمه فی ذلک و یقتضی انبعاث المکلف نحوه و علی تقدیر عدم انبعاثه عنه باختیاره و إرادته لا مانع من انبعاثه عن الأمر بالمهمّ بداهة أنّ المهمّ مقدور للمکلّف فی هذا الحال عقلاً و شرعاً.
إنّ عصیان الأمر بالأهمّ عند أکثر القائلین بالترتّب شرط فی فعلیة الأمر بالمهمّ و هذا العصیان إمّا أن یکون بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن شرطاً لفعلیة الأمر بالمهمّ فحینئذ لایمکن فعلیة الأمرین فی زمان واحد لأنّ فعلیة الأمر بالمهمّ تتحقّق فی زمان سقوط فعلیة الأمر بالأهمّ، فلا نحتاج إلی بحث الترتّب.
و إمّا أن یکون العصیان بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المتأخر أو بوجوده الانتزاعی (بأن یکون المکلّف متصفّاً بأنّه یعصی فی ما بعد) شرطاً لفعلیة
ص: 106
الأمر بالمهمّ فلامحالة یلزم طلب الجمع بین الضدّین، لأنّ الأمر بالمهم یصیر فعلیاً فی زمان عدم سقوط الأمر بالأهمّ، لأنّ شرط فعلیة الأمر بالمهمّ إمّا هو العصیان المتأخر (علی نحو الشرط المتأخر) و إمّا هو عنوان تعقبه بالعصیان المتأخر و یلزم من هذا الفرض فعلیة الأمرین و طلب الجمع بین الضدّین.
((1))
أمّا الصورة الأُولی من کلامه و هی أنّ العصیان إذا کان شرطاً بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن فلایمکن فیه فرض اجتماع الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ فیرد علیه أنّ ذلک یبتنی علی نقطة فاسدة و هی توهّم أنّ العصیان مهما تحقّق و وجد فی الخارج فهو مسقط للأمر و لکنه غیر صحیح لأنّا إذا حللنا مسألة سقوط الأمر تحلیلاً علمیاً نری أنّ الموجب لسقوطه أمران:
الأوّل: امتثاله حیث إنّ ذلک موجب لحصول الغرض منه و الأمر معلول للغرض الداعی له حدوثاً و بقاء فمع تحقّق الغرض فی الخارج لایعقل بقاء الأمر و إلّا لزم بقاء الأمر بلا غرض و هو کبقاء المعلول بلا علّة محال.
أمّا الامتثال فی نفسه فلایقتضی سقوط الأمر، لأنّ الامتثال معلول للأمر فلایعقل أن یکون معدماً له.
الثانی: امتناع الامتثال و عدم تمکّن المکلّف منه، فإنّه یوجب سقوط الأمر لامحالة لقبح توجیه التکلیف نحو العاجز.
أمّا العصیان بما هو عصیان فلایعقل أن یکون مسقطاً للأمر، لأنّ الأمر لو سقط فی حال الامتثال أو العصیان فلا أمر عندئذ لیمتثله المکلّف أو یعصیه.
ص: 107
نعم لو استمرّ العصیان إلی زمان لایتمکن المکلّف بعده من الامتثال لسقط الأمر لامحالة، و لکن لا من جهة العصیان بما هو، بل من جهة عدم قدرة المکلّف علیه و عدم تمکّنه منه، کما أنّ الامتثال إذا استمرّ إلی آخر جزء من الواجب لسقط الأمر من جهة حصول الغرض به.
و إذا کان المکلّف متمکّناً من الامتثال و لکنه عصی و لم یأت به فی الآن الأوّل فمن الواضح أنّ مجرد ترکه فی ذلک الآن و عدم الإتیان به فیه لایوجب سقوطه مع تمکّنه منه فی الآن الثانی.
نعم لو کان الواجب الأهمّ آنیاً لسقط الأمر به بالعصیان فی الآن الأوّل من ناحیة عدم تمکّن المکلّف فی الآن الثانی فیخرج هذا الفرض عن الترتّب إلّا فی ما إذا کان الواجب المهمّ أیضاً آنیاً فیدخل فی محل البحث و لایمکن إثبات الأمر به إلّا بناءً علی القول بالترتّب.
و بالنتیجة إنّ الأمر بالأهمّ ثابت حال عصیانه و حال الإتیان بالمهمّ.
أمّا الصورة الثانیة من کلامه و هی أنّ العصیان کان شرطاً بوجوده الخارجی بنحو الشرط المتأخر أو کان شرطاً بعنوانه الانتزاعی، فیرد علیه:
أوّلاً: أنّ العصیان لیس بوجوده المتأخر و لا بعنوانه الانتزاعی شرطاً بل العصیان شرط بوجوده الخارجی و علیه فما لم یتحقّق العصیان فی الخارج لم یصر الأمر بالمهمّ فعلیاً.
توضیح ذلک: نحن إن قلنا بأنّ الشرط لفعلیة الأمر بالمهمّ هو معصیة الأمر بالأهمّ آناً ما بمعنی أنّ معصیة الأهمّ فی الآن الأوّل کافیة لفعلیة الأمر بالمهمّ فی جمیع أزمنة امتثاله فلاتتوقف فعلیته فی الآن الثانی علی استمرار معصیة الأمر بالأهمّ إلی ذلک الآن بل لو تبدّلت معصیته بالإطاعة فی الزمن الثانی کان الأمر
ص: 108
بالمهمّ باقیاً علی فعلیته و هذا مستلزم لطلب الجمع بین الضدّین و لعل هذا هو مورد نظر المنکرین للترتّب کما یظهر من الکفایة.
أمّا إذا قلنا بأنّ شرط فعلیة الأمر بالمهمّ عصیان الأمر بالأهمّ فی جمیع الأزمنة بمعنی أنّ فعلیته تدور مدار عصیانه حدوثاً و بقاءً فلایکفی عصیانه آناً ما لبقاء أمره إلی الجزء الأخیر منه، ففعلیة الأمر بالصلاة عند مزاحمتها بالإزالة مشروطة ببقاء عصیان أمر الإزالة و استمراره إلی آخر أزمنة امتثال الصلاة و بانتفائه فی أی وقت کان ینتفی الأمر بالصلاة.
ثانیاً: أنّ اجتماع الأمرین فی زمان واحد علی نحو الترتّب لایستلزم طلب الجمع و قد ذکرنا((1)) أنّ طلب الجمع إنّما یلزم علی أحد تقادیر لا رابع لها:
التقدیر الأوّل: أن یکون کلا الخطابین علی وجه الاطلاق.
التقدیر الثانی: أن یکون خطاب المهمّ مقتضیاً لوجود موضوعه و هو عصیان الأهمّ.
التقدیر الثالث: أن یکون خطاب المهمّ مشروطاً بإتیان الأهمّ فیکونا مطلوبین علی نحو الاجتماع
و من المعلوم أنّ ما نحن فیه لیس من شیء منها:
أمّا أنّه لیس من قبیل الأوّل فلأنّ الأمر بالمهمّ مقید بعصیان الأمر بالأهمّ فلیس مطلقاً أمّا أنّه لیس من قبیل الثانی فلأنّ الحکم یستحیل أن یقتضی وجود موضوعه فی الخارج أمّا أنّه لیس من قبیل الثالث فلأنّ الأمر بالمهمّ مقید بعدم إتیان الأهمّ لا بإتیانه.
ص: 109
هنا أدلة أخری لانطیل الکلام بذکرها.((1))
ص: 110
ص: 111
ص: 112
إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) جاء بکلامٍ یشتمل علی تقریب صحّة الترتّب بوجوه أربعة و الإشکال علی جمیع تلک الوجوه((1))و هنا وجه خامس نشیر إلیه.
هو ما تصدّی جماعة من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضدّ أوّلاً بنحو الترتّب علی العصیان و مخالفة الأمر الأهمّ بنحو الشرط المتأخر لا المتقدّم و لا المقارن.
و الوجه فی کونه بنحو الشرط المتأخر هو أنّ عصیان الأهمّ موضوع للأمر بالمهمّ و کل موضوع شرط و کل شرط موضوع، أمّا تأخّره فلأنّ عصیان الأمر بالأهمّ متوقّف علی الإتیان بالمهمّ و الإتیان بالفعل المهمّ متوقّف علی الأمر به، فعلی هذا عصیان الأمر بالأهمّ متأخّر عن الإتیان بالأمر المهمّ.
أمّا کون الشرطاً المتقدّم أو المقارن خارجاً عن محل البحث، فلأنّه إن فرضنا تحقّق عصیان الأمر بالأهمّ قبل فعلیة الأمر بالمهمّ فلایجتمع الأمر بضدّین لأنّ
ص: 113
الأمر بالأهم یسقط قبل فعلیة الأمر بالمهمّ، و هکذا الشأن إن کان سقوط الأمر بالأهمّ مقارناً لفعلیة الأمر بالمهمّ فلایجتمع الأمر بالأهمّ و المهمّ.
و ثانیاً بنحو الترتّب علی العزم و البناء علی المعصیة بنحو الشرط المتقدّم أو المقارن و لم یذکر بنحو الشرط المتأخر لأنّ العزم و البناء علی عصیان الأهمّ لایتوقّف علی فعل المهمّ حتّی یکون متأخّراً عنه بل قد یکون متقدّماً علی فعل المهمّ و أُخری یکون مقارناً له (نعم لا مانع من کونه بنحو الشرط المتأخر أیضاً إلّا أنّه لا ملزم له).
توضیح استدلال القائلین بالترتّب حسب ما قرّره المحقّق الخراسانی (قدس سره):
إنّه لا مانع عقلاً من تعلّق الأمر بالضدّین کذلک، أی بأن یکون الأمر بالأهمّ مطلقاً و الأمر بغیره معلّقاً علی عصیان ذلک الأمر أو البناء و العزم علیه، بل هو واقع کثیراً عرفاً.
((1))
ما هو ملاک استحالة طلب الضدّین فی عرض واحد آتٍ فی طلبهما ترتّباً، لأنّه و إن لم یلزم طلب الضدّین عند طلب الأهمّ، إلّا أنّه یلزم طلب الضدّین عند طلب المهمّ و هو یتحقّق إمّا بعصیان الأهمّ أو بالعزم علی عصیانه، و الوجه فی ذلک هو فعلیة الأمر بالأهمّ فی هذه المرتبة و عدم سقوط الأهمّ بمجرد المعصیة فی ما بعد ما لم تتحقّق المعصیة (لأنّ المعصیة بنحو الشرط المتأخر) أو بالعزم علی المعصیة و هکذا فعلیة الأمر بالمهمّ لتحقّق شرط فعلیته.
ص: 114
لا إشکال فی طلب الضدّین إذا کان بسوء اختیار المکلّف حیث إنّ المکلّف یعصی فی ما بعد باختیاره، فلولا سوء اختیاره لما یتوجّه إلیه إلّا الطلب بالأهمّ و لا برهان علی امتناع طلب الضدّین إذا کان بسوء الاختیار.
((1))
استحالة طلب الضدّین من الحکیم لاتختصّ بحال دون حال و إلّا لصحّ طلب الضدّین فی ما إذا علّق علی أمر اختیاری فی عرض واحد بلاحاجة إلی تصحیحه بالترتّب.
إنّ الطلب فی کل من الضدّین یطارد الآخر إذا کانا عرضیین، و أمّا إذا کانا طولیین فإنّ طلب المهمّ لایطارد طلب الأهمّ لأنّ طلب المهمّ منوط بعدم إتیان الأهمّ و معصیته.
((2))
أوّلاً: إنّ المطاردة موجودة فی الترتّب حیث إنّ أمر المهمّ (فی صورة عصیان الأهمّ فی ما بعد ذلک) یکون فعلیاً و أمر الأهمّ أیضاً یکون فعلیاً مطلقاً فیتحقّق طلب الضدّین فی آنٍ واحد و کل من الأهمّ و المهم یطارد الآخر.
ص: 115
ثانیاً: لو سلّمنا انّ طلب المهمّ لایطارد طلب الأهمّ، و لکن طلب الأهم یطارد طلب المهمّ و هذا یکفی فی استحالة الترتّب لأنّه یکفی الطرد من طرف واحد، فإذا قلنا بأنّ طلب الأهم یطرد طلب المهمّ فلایبقی معه مجال لطلب المهمّ فیستحیل حینئذ طلب الأهمّ و المهمّ معاً.
((1))
إنّ المطاردة بین الأهمّ و المهمّ لا أساس لها.
أمّا الأمر بالمهمّ فلایعقل أن یکون طارداً للأمر بالأهمّ بداهة أنّ طرده له یبتنی علی أحد تقدیرین لا ثالث لهما:
التقدیر الأوّل: أن یکون الأمر بالمهمّ مطلقاً و فی عرض الأمر بالأهمّ فحینئذ لامحالة تقع المطاردة بینهما من ناحیة مضادة متعلّقهما و عدم تمکّن المکلّف من الجمع بینهما.
التقدیر الثانی: أن یکون الأمر بالمهمّ علی تقدیر تقییده بعصیان الأهمّ مقتضیاً لترک الأهمّ و عصیانه فعندئذ تقع المطاردة و المزاحمة بین الأمر بالأهمّ و المهمّ باعتبار أنّ الأمر بالمهم یقتضی عصیان الأهمّ و ترک متعلّقه و الأمر بالأهم یقتضی امتثال الأهمّ
و لکن کلا التقدیرین خلاف مفروض الکلام:
أمّا الأوّل فلأنّ محل الکلام ما إذا کان الأمر بالمهمّ مقیداً بحال ترک الأهمّ و عصیان أمره فلایکون مطلقاً.
و أمّا الثانی فلأنّ الحکم یستحیل أن یقتضی وجود موضوعه فی الخارج،
ص: 116
فالأمر بالمهمّ (کما لایکون مطلقاً) لایکون متعرضاً لحال موضوعه و هو عصیان الأهمّ بل هو ثابت علی تقدیر تحقّق موضوعه فیستحیل أن یکون طارداً للأمر بالأهمّ، لأنّ الأمر بالمهمّ لا اقتضاء له بالنسبة إلی حال وجود موضوعه و عدمه و ما لا اقتضاء فیه لایزاحم ما فیه الاقتضاء، فإنّ اقتضاء الأمر بالمهمّ لإتیان متعلّقه إنّما هو علی تقدیر عصیان الأمر بالأهمّ و اقتضاء الأمر بالمهمّ علی هذا التقدیر لاینافی اقتضاء الأمر بالأهمّ.
أمّا الطرد من جانب الأمر بالأهمّ فهو أیضاً غیر متحقّق لأنّ الأمر بالأهمّ إنّما یطارد الأمر بالمهمّ فی ما إذا فرض کونه ناظراً إلی متعلّقه و لکن المفروض أنّه غیر ناظر إلیه و إنّما هو ناظر إلی موضوعه و مقتضٍ لرفعه، و علی هذا فلاتنافی بینهما أصلاً لیکون الأمر بالأهمّ طارداً للأمر بالمهمّ، لأنّ المفروض هو أنّ الأمر بالمهمّ لایقتضی وجود موضوعه فی الخارج و غیر متعرض لحاله أصلاً لا وجوداً و لا عدماً (و موضوعه هو عصیان الأهمّ) و معه کیف یکون الأمر بالأهمّ طارداً له؟ بداهة أنّ الطرد لایتصور إلّا فی مورد المزاحمة، و لا مزاحمة بین ما لا اقتضاء فیه بالنسبة إلی شیء و ما فیه الاقتضاء بالنسبة إلی هذا الشیء.
و هو الدلیل الإنّی علی تصحیح الترتّب لأنّ وقوع الترتّب فی العرفیات دلیل علی إمکانه فلا وجه للالتزام باستحالة الترتّب.
إنّ الأمثلة العرفیة یحمل علی أحد الأمرین:
الأمر الأوّل: هو أنّ الأمر بالمهم یکون بعد التجاوز عن الأمر بالأهمّ والصفح
ص: 117
و الإعراض عنه فلا أمر بالأهمّ عند الأمر بالمهمّ.
الأمر الثانی: أنّ الأمر بالمهم یکون إرشادیاً و الأمر بالأهم یکون مولویاً فلیس هنا أمران مولویان توضیح ذلک: إنّ الأمر بالمهمّ إرشاد إلی محبوبیته و بقائه علی ما هو علیه من المصلحة لولا المزاحمة و إرشاد إلی أنّ الإتیان بالمهم یوجب استحقاق المثوبة فیذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة علی مخالفة الأمر بالأهمّ.((1))
((2))
إنّ الأمثلة الفرضیة تشتمل علی الأمرین المولویین مترتّباً، کما أنّ الأب یأمر ابنه بالذهاب إلی المدرسة و علی تقدیر عصیانه یأمره بالجلوس فی الدار و الکتابة فیها و ذلک واقع أیضاً فی المسائل الفقیهة مثل ما إذا وجبت الإقامة علی المسافر فی بلد مخصوص فإن خالف ذلک و ترک قصد الإقامة فیحرم علیه الصوم و یجب علیه تقصیر الصلاة، و مثل ما إذا حرمت الإقامة علی المسافر فی مکان مخصوص فإن خالف ذلک و قصد الإقامة یجب علیه الصوم و إتمام الصلاة.
و هذه المقدّمة تشتمل علی أمرین:
ص: 118
الأوّل: إنّ الفعلین المتضادّین إذا کان التکلیف بکل منهما أو بخصوص أحدهما مشروطاً بعدم الإتیان بمتعلّق الآخر، فلامحالة یکون التکلیفان المتعلّقان بهما طولیین لا عرضیین، و بعبارة واضحة لایلزم من الطلبین کذلک طلب الجمع بین الضدّین، و لذا لو أتی المکلّف بهما بعنوان المطلوبیة (لو فرض إمکان ذلک) لکان ذلک تشریعاً فیستکشف من ذلک أنّ نفس ترتّب الخطابین یمنع تحقّق طلب الجمع.
الثانی: إذا وقع التزاحم فلا مناص عن الاقتصار علی ما یرتفع به التزاحم أمّا الزائد علیه فیستحیل سقوطه فإنّه بلا موجب.
و من ثمّ وقع الکلام فی أنّ الموجب للتزاحم هل هو إطلاق الخطابین لیکون الساقط هو إطلاق خطاب المهمّ فقط دون أصل خطابه أو أنّ الموجب للتزاحم هو نفس فعلیة الخطابین، لیسقط خطاب المهمّ من أصله.
و علی الأوّل یبتنی صحّة الترتّب و علی الثانی یبتنی بطلانه.
إنّ شرائط التکلیف کلّها ترجع إلی قیود الموضوع و لابدّ من أخذها مفروضة الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء علی نهج القضایا الحقیقیة، و إنّ فعلیة التکلیف تتوقف علی فعلیتها و تحقّقها فی الخارج فحالها حال الموضوع بعینه، إذ کل موضوع شرط و کل شرط موضوع.
و من الواضح أنّ الموضوع بعد وجوده خارجاً لاینسلخ عن الموضوعیة، فلا وجه لما ذکره بعضهم من أنّ الواجب المشروط بعد تحقّق شرطه ینقلب مطلقاً، إذ هو مساوق للقول بأنّ الموضوع بعد وجوده خارجاً ینسلخ عن الموضوعیة.
ص: 119
و لایبعد أن یکون ذلک من جهة خلط موضوع الحکم بداعی الجعل و علّة التشریع بتوهم أنّ شرط التکلیف خارج عن موضوعه بل هو من قبیل الداعی لجعل الحکم علی موضوعه، فبعد وجوده یتعلّق الحکم بموضوعه و لایبقی للاشتراط مجال.
و قد بینّا أنّ الشرط دائماً یکون من وسائط العروض لا وسائط الثبوت و هذا التوهم یبتنی علی أن تکون القضایا المتکفّلة لبیان الأحکام الشرعیة من قبیل الإخبار عن إنشاء تکالیف عدیدة یتعلّق کل واحد منها بمکلّف خاص عند تحقّق شرطه، و أبطلنا ذلک المبنی.
و لهذا التوهم قالوا: إنّه بعد عصیان الأمر بالأهم یکون الأمر بالمهمّ أیضاً مطلقاً فلامحالة یقع التزاحم بین الخطابین فی هذه المرتبة.
((1))
أوّلاً إنّه أنکر الشرطیة بمعنی الوساطة فی الثبوت، و الباعث لهذا القائل (أی المحقّق النائینی (قدس سره) إلی ذلک (أی إرجاع الشرطیة إلی الموضوع و إنکار الوساطة فی الثبوت) أمران:
الباعث الأوّل: أنّ ظاهر أدلة الأحکام، اشتمالها علی أحکام کلّیة متعلّقة بموضوعات خاصّة بنحو القضایا الحقیقیة و فعلیة تلک الأحکام الکلّیة بفعلیة تلک الموضوعات.
ولو کانت هذه الأُمور المسماة بالشرائط من قبیل الوسائط فی ثبوت الحکم له لم یکن هناک جعل الحکم من الأوّل بل کانت الأدلّة متکفّلة بالوعد بإنشائه عند
ص: 120
حصول الشرط، لا جعل الحکم، و أیضاً کانت الأدلة من قبیل الإخبار به لا من قبیل إنشائه.
و الجواب هو أنّ إنشاء الحکم لیس عین جعل الحکم حقیقة، فإنّ للبعث نحوین من الوجود:
الأوّل: إنّ البعث قد یوجد بوجوده الإنشائی الذی تمام حقیقته إیجاد المعنی بإیجاد لفظی عرضی فإنّه نحو من أنحاء استعمال اللفظ فی المعنی.
الثانی: إنّ البعث قد یوجد بوجوده الحقیقی المناسب له فی نظام الوجود و هو المعنی الاعتباری الذی ینتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی.
و بینهما فرق کما بین الموجود بالحمل الأوّلی و الموجود بالحمل الشائع، فالأدلّة متکفّلة لإنشاء الحکم علی تقدیر کذا، و الإنشاء و المنشأئئئئئئ موجودان کالإیجاد و الوجود من دون انفکاک و حیث إنّ هذا الإنشاء متضمن لتعلیق ذلک الأمر الاعتباری الذی هو حقیقة الحکم، فلامحالة لایکون تامّ المنشئیة إلّا بعد تحقّق المعلّق علیه، فکما لا مجعول بالحقیقة لا جعل بالحقیقة لاستحالة الانفکاک.
نعم حیث إنّه جعل ذات المنشأ مع التعلیق فیکون ذلک الأمر الانتزاعی مجعولاً بجعله بالقوة قبل حصول المعلّق علیه و بالفعل بعد حصوله و لا حاجة إلی جعل آخر.
الباعث الثانی: أنّ وساطة المسمّی بالشرط فی الثبوت إمّا تکوینیة و إمّا تشریعیة فإن أُرید الوساطة التکوینیة لزم خروج المجعول التشریعی المنبعث عنه عن کونه مجعولاً تشریعیاً زمام أمره بیده الشارع الجاعل له، فإنّه علی الفرض من رشحات ما لیس زمام أمره بید الشارع و هو خلف.
و إن أُرید الوساطة التشریعیة فهو محال لأنّ القابل للجعل التألیفی ما کان
ص: 121
من المحمول بالضمیمة دون ما کان من خارج المحمول و العلّیة (و هی هنا الشرطیة المجعولة للاستطاعة مثلاً) من قبیل الثانی فیستحیل جعل العلیة لشیء.
و الجواب: أمّا إذا أُرید الوساطة التکوینیة فما أفاده خلط بین المقتضی و الشرط فإنّ المعلول یترشح من العلّة بمعنی السبب و المقتضی لا من الشرط، بداهة أنّ الإحراق یترشح من النار لا من الوضع و المحاذاة و یبوسة المحل و من الواضح أنّ کل فعل طبیعی أو إرادی ینبعث من فاعله و لایخرج عن کونه فعلاً له بدخالة أمر خارجی فی فاعلیة الفاعل أو قابلیة القابل.
و أمّا إذا أُرید الوساطة التشریعیة فتحقیق الحال أنّ الجعل التألیفی لایختصّ بالمحمول بالضمیمة فإنّ ملاک قبول شیء للجعل هو ما إذا لم یکن ضروریاً خارجاً عن حدّ الجعل نظیر ذاتیات شیء بالإضافة إلی ذاته، فإنّ جعل الذات عین جعل ذاتیاته فکما لامعنی لجعل الإنسان إنساناً لا معنی لجعله حیواناً أو ناطقاً و نظیر لوازم الماهیة التی لاتنفک عنها کالزوجیة للأربعة فإنّ جعل الأربعة جعل الزوجیة فلا معنی لجعل الأربعة زوجاً.
أمّا الأُمور الانتزاعیة (التی لیست ذاتیة لذات منشأ الانتزاع کجعل الجسم فوقاً) فهی قابلة للجعل التألیفی، غایة الأمر أنّ سنخ المجعول (حیث إنّه مقولة انتزاعیة) یستحیل قبوله الجعل استقلالاً، بل یتبع جعل منشأ انتزاعه.
و علی هذا شرطیة الطهارة للصلاة لیست من ذاتیات الطهارة و لا من لوازمها غیر المفارقة عنها فیتعلّق بها الجعل التألیفی بجعل مصحّح انتزاعها و هو بالأمر بالصلاة المقیدة بالطهارة، و هکذا شرطیة الاستطاعة لوجوب الحج، فإنّ الإنشاء المتضمن لتعلیق وجوب الحج علی الاستطاعة مصحّح عنوانین متضایفین فی وجوب الحج و الاستطاعة و هما عنوانا المشروطیة و الشرطیة.
ص: 122
فتبین من ذلک أنّه لا مانع من وساطة المسمّی بالشرط للثبوت، فالحاجة إلی إرجاعه إلی الموضوع مع أنّ إرجاعه إلی الموضوع لایخرجه عن العلّیة (الشرطیة) فإنّ دوران الحکم مدار الموضوع لایکون إلّا بنحو من العلّیة، فإنّ التلازم بین الشیئین لایکون إلّا بالعلّیة و المعلولیة أو المعلولیة لعلّة واحدة.
ثانیاً: إنّ إناطة الطلب أو المطلوب (بحیث لایکون الطلب الإنشائی مصداقاً للبعث الحقیقی إلّا بتحقق الشرط، و لایکون المتعلق موصوفاً بالمطلوبیة إلّا بتحقّقه) أمر معقول بحقیقة معنی الشرطیة.
فإنّ الشیء ربما یکون دخیلاً فی المصلحة المترقبة من الصلاة واقعاً فما لم یقترن به الصلاة لایترتّب علیها الأثر المترقب منها کالطهارة مثلاً، فدخلها حینئذ فی فعلیة أثر الصلاة واقعی و الشرطیة واقعیة، بمعنی مصحّح فاعلیة الصلاة لأثرها، أو متمّم قابلیة النفس للتأثر منها، کما هو معنی الشرط حقیقة و ربما یکون دخیلاً فی اتصاف طبیعة الصلاة بالمطلوبیة و حیث إنّ اتصافها بالمطلوبیة لا موطن له إلّا بلحاظ مقام الطلب؛ فلابدّ أن یکون الدخل بلحاظ هذه المرحلة، بمعنی أنّ الصلاة ما لم تلحظ مقترنة بالطهارة لاتنتزع منها المطلوبیة و ما لم تقع فی الخارج مقترنة بها لاتکون مصداقاً للمطلوب بما هو مطلوب فتوهّم أنّ الشرطیة الجعلیة بمعنی التقیید فاسد.
ثالثاً: إنّ عدم خروج الواجب المشروط بتحقّق قیده عن الاشتراط إلی الإطلاق لایتوقف علی إرجاع الشرط إلی الموضوع بل لو کان بمعنی الواسطة فی الثبوت أیضاً کان کذلک لو لم یکن أولی بذلک، فإنّ العلّة بتأثیرها لاتخرج عن العلّیة، ففعلیة الشرطیة فعلیة العلّیة و لاتخرج العلّة بفعلیة العلّیة عن العلّیة، بل هو عین فعلیة الشرطیة و الإناطة.
ص: 123
هذه المقدّمة تتکفّل لدفع إشکال فی المقام.
بیانه: إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) قال فی الکفایة بلزوم تقدم البعث علی الانبعاث فی جمیع الواجبات فإنّه صرّح فی بحث الواجب المعلّق باعتبار سبق زمان التکلیف علی زمان الامتثال فقال:
«مع أنّه لایکاد یتعلّق البعث إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث؛ ضرورة أنّ البعث إنّما یکون لإحداث الداعی للمکلّف إلی المکلّف به، بأن یتصوره بما یترتّب علیه من المثوبة و علی ترکه من العقوبة، و لایکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمان، فلامحالة یکون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان»
و قد حکی عن بعض الأعلام أنّه لابدّ فی بعض أقسام الواجب المضیق (و هو ما إذا اتحد زمان وجود الشرط و نفس التکلیف و زمان الامتثال کالصوم حیث إنّ فی الآن الأوّل الحقیقی من طلوع الفجر یثبت التکلیف و هکذا یتحد زمان وجود الشرط و التکلیف و الامتثال فی صلاة الآیات) من تقدیر سبق التکلیف آناً ما قبل زمان الامتثال، لیتمکّن المکلّف من الامتثال و لایمکن أن یقارن التکلیف لزمان الامتثال
و قال فی تقریر ذلک:((1))إنّ وجوب الإمساک مثلاً فی الصوم لو لم یکن متقدّماً علی الإمساک فی أوّل الفجر آناً مّا فإمّا أن یکون المکلّف حین توجه الخطاب إلیه أوّل الفجر متلبساً بالإمساک أو غیر متلبس به، و علی کلا التقدیرین یستحیل توجّه الخطاب إلیه، لأنّ طلب الإمساک ممن فرض تحقّقه منه طلب الحاصل، کما
ص: 124
أنّ طلبه ممن فرض عدم تلبسه به طلب الجمع بین النقیضین و قد عبّر عنه بطلب ما هو المتعذر و هذا هو الصحیح و التعبیر بطلب الجمع بین النقیضین مسامحی و کلاهما مستحیل فلابدّ من تقدم الخطاب علی زمان الانبعاث و لو آناً ما و لازم ذلک هو الالتزام بالواجب المعلّق و الشرط المتأخر مع أن المحقق النائینی (قدس سره) ینکر الواجب المعلّق و الشرط المتأخر.((1))
ص: 125
ص: 126
و هذا الإشکال یتوجّه إلی المحقّق النائینی (قدس سره) فی مسالة الترتّب حیث إنّ شرط التکلیف بالمهمّ و زمان فعلیة التکلیف و زمان امتثال الأمر بالمهمّ واحد أیضاً بناءً علی الترتّب و أجاب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال بوجوه
الوجه الأوّل:((1)) بالنقض لأنّ توقف الانبعاث علی البعث لیس بأزید من توقف المعلول علی علّته فکما أنّ وجود المعلول یکون مستنداً إلی علّته المقارنة له فی الوجود و صادراً عنه یکون الانبعاث مستنداً إلی البعث المقارن له فی الوجود.
ص: 127
فلو صحّ تقدّم الخطاب علی الامتثال زماناً یستلزم تقدّم العلّة التکوینیة علی معلولها زماناً أیضاً و هو واضح البطلان.
إنّ تقدم البعث علی الانبعاث لایقاس بباب العلّة و المعلول لما ذکرنا سابقاً فی بحث الشرط المتأخر من أنّ عالم الاعتبار موسّع فیمکن فیه تأخر العلّة أو أجزائها (مثل الشرط) عن المعلول
الوجه الثانی:((1)) بالحلّ فی المقامین لأنّ المعلول أو الامتثال إذا کان مفروض الوجود فی نفسه حین وجود العلّة أو الخطاب، فیلزم ما ذکر من المحذور و أمّا إذا کان فرض وجوده لا مع قطع النظر عنهما بل لفرض وجود علّته أو لتحریک الخطاب إلیه، فلایلزم من المقارنة الزمانیة محذور أصلاً. ((2))
الوجه الثالث:((3)) هو أنّ المکلّف إن کان عالماً قبل الفجر مثلاً بتوجّه وجوب الصوم إلیه عند الفجر، کفی ذلک فی إمکان تحقّق الامتثال حین الفجر، فوجود التکلیف قبله لغو محض، إذ المحرک له حینئذ هو الخطاب المقارن لصدور متعلّقه، لا الخطاب المفروض وجوده قبله، إذ لایترتّب علیه أثر فی تحقّق الامتثال أصلاً.
ص: 128
و أمّا إذا لم یکن عالماً به قبل الفجر فوجود الخطاب فی نفس الأمر لا أثر له فی تحقّق الامتثال فی ظرف العمل فیکون وجوده لغواً أیضاً.
و لأجل ما ذکرناه (من عدم کفایة وجود التکلیف واقعاً فی تحقّق الامتثال من المکلّف فی ظرفه، بل لابد فیه من وصول التکلیف إلیه) ذهبنا إلی وجوب تعلم الأحکام قبل حصول شرائطها الدخیلة فی فعلیتها، فالقائل بلزوم تقدّم الخطاب علی الامتثال قد التبس علیه لزوم تقدّم العلم علی الامتثال بلزوم تقدم الخطاب علیه((1)).
الوجه الرابع: هو أنّ تقدم الخطاب علی الامتثال ولو آناً ما یستلزم فعلیة الخطاب قبل وجود شرطه فلابدّ من الالتزام بالواجب المعلّق و الشرط المتأخر و قد عرفت استحالتهما((2)).
ص: 129
الوجه الخامس: لایختص الإشکال بهذا القسم من المضیقات بل یلزم القول بسبق التکلیف حتی فی الموسعات لوضوح صحّة الصلاة المقارنة لأوّل الزوال حقیقة بحیث شرع فیها فی الآن الأوّل الحقیقی من الزوال، فإنّه و إن لم یلزم ذلک إلّا أنّه لا إشکال فی صحّتها و لو فعل ذلک یلزم تقدیر سبق التکلیف بالصلاة علی الزوال لیکون الامتثال عن التکلیف السابق مع أنّ الظاهر أنّ القائل بالإشکال لم یلتزم به فی الموسعات((1)).
و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ ثبوت الأمر بالأهمّ و سقوطه متناقضان و ثبوت الأمر بالأهمّ متقدّم رتبة علی سقوطه.
والوجه فی ذلک هو أنّ الإطاعة لیست علّة للسقوط و کذلک المعصیة لیست علّة للسقوط و إلّا لزم علّیة الشیء لعدم نفسه فی الأُولی (أی فی ما قلنا: إنّ الإطاعة علّة للسقوط) و توقف تأثیر الشیء علی تأثیره فی الثانیة (أی فی ما قلنا بأنّ المعصیة علّة للسقوط)
[توضیح ما أفاده من أنّ المعصیة لو کانت علّة للسقوط یلزم توقف تأثیر الشیء علی تأثیره هو أنّ العلّة الباعثة علی جعل التکلیف یقتضی تأثیر الأمر و الخطاب فی حصول الامتثال، فلو کانت المعصیة مسقطةً للأمر فمعناه أنّه لما لم یؤثر الأمر بالأهمّ فی امتثاله فی الآن الأوّل لتحقّق العصیان فیسقط الأمر بالأهمّ، فلایجوز أن یؤثر فی الامتثال فی سائر الآنات لعدم قابلیتها للفعل، فیتوقّف تأثیر التکلیف فی جمیع الآنات علی تأثیره فی الآن الأوّل و هذا معنی توقّف تأثیر الشیء علی تأثیره] و استحالته ترجع إلی استحالة توقف الشیء علی نفسه بل بالإطاعة ینتهی أمد اقتضاء الأمر و بالمعصیة فی الجزء الأوّل من الزمان یسقط الباقی عن القابلیة للفعل، فلایبقی مجال لتأثیره، فیسقط بسقوط علّته الباعثة علی جعله.
هذا ما أفاده المحقّق الاصفهانی (قدس سره) فی تنقیح ما هو العلّة لسقوط الأمر.((1))
ص: 131
إنّ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) لایتوجّه إلی أجوبة المحقّق النائینی (قدس سره) عن الإشکال، فإنّ الإشکال کما یتوجّه إلی المحقّق النائینی (قدس سره) یتوجّه إلی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حیث إنّه و إن قال بصحّة الشرط المتأخر و لکن اختار عدم معقولیة الواجب المعلّق (کما مضی صحّة الشرط المتأخر فی الاعتباریات و عدم معقولیة الواجب المعلّق لأنّ البعث یقتضی إمکان الانبعاث).
ص: 132
فالحقّ فی الجواب عن الإشکال هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) نقضاً (فی الوجه الخامس) و حلاً (فی الوجه الثالث).
و هی أهمّ المقدّمات، بل علیها یبتنی أساس الترتّب و بیانها أنّ انحفاظ کل خطاب بالنسبة إلی ما یتصور من التقادیر و الانقسامات یکون علی أحد أنحاء ثلاثة:
الأوّل: الإطلاق و التقیید اللحاظی و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر و انقسام یمکن لحاظه عند الخطاب و ذلک إنّما یکون فی التقادیر و الانقسامات المتصورة فی المتعلّق مع قطع النظر عن ورود الخطاب، بحیث أمکن وقوع المتعلّق مقترناً بتلک التقادیر و إن لم یتعلّق به خطاب أصلاً.
الثانی: نتیجة الإطلاق و التقیید و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر و انقسام لاحق للمتعلّق بعد تعلّق الخطاب به، بحیث لایکون لذلک التقدیر وجود إلّا بعد ورود الخطاب کتقدیر العلم و الجهل بالخطاب، حیث إنّ تقدیر العلم و الجهل بالأحکام لایکون إلّا بعد ورود الخطاب (و یسمّی هذا القسم من الإطلاق بالإطلاق الذاتی و الملاکی)((1))
الثالث: اقتضاء ذات الخطاب و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر یقتضیه نفس الخطاب و هو الفعل أو الترک الذی یطالب به أو بنقیضه حیث یکون انحفاظ الخطاب فی حالتی الفعل و الترک بنفسه و باقتضاء هویة ذاته، لا بإطلاقه لحاظاً
ص: 133
أو نتیجةً إذ لایعقل الإطلاق و التقیید بالنسبة إلی تقدیری فعل متعلّق الخطاب و ترکه بل یؤخذ المتعلّق معرّی عن حیثیة فعله و ترکه و یلاحظ نفس ذاته، فیحمل علیه بالفعل إن کان الخطاب وجوبیاً، و بالترک إن کان الخطاب تحریمیاً و لایمکن تقیید المتعلّق بالفعل فی مقام البعث إلیه مثل «إنّ الصلاة الموجودة واجبة علیک» و لا تقییده بالترک مثل «إنّ الصلاة المتروکة هی واجبة علیک».
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الکلام فی إطلاق الطلب و تقییده لا فی إطلاق المطلوب و تقییده و لذا یکون المثال الأوّل عنده «إن صلیت فهی واجبة علیک» و المثال الثانی عنده «إن عصیت الصلاة فهی واجبة علیک» بالنسبة إلی تقدیری الفعل و الترک، لاستلزامه طلب الحاصل فی الأوّل و طلب الجمع بین النقیضین فی الثانی و کلا المحذورین فی الثالث.
قال (قدس سره):((1)) فإذا کان التقیید بکل من التقدیرین محالاً کان الإطلاق بالإضافة إلیهما أیضاً محالاً، إذ الإطلاق فی قوّة التصریح بکلا التقدیرین، فیکون فیه محذور طلب الحاصل و المحال معاً.
و قد أشرنا فی البحث المذکور إلی أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید إنّما هو تقابل العدم و الملکة، و أنّ امتناع التقیید یساوق امتناع الإطلاق.
فلابدّ من لحاظ ذات المتعلّق مهملاً معرّی عن کلا تقدیری الفعل و الترک فیخاطب به بعثاً أو زجراً و لیس فیه تقیید و لا إطلاق لا لحاظاً و لا نتیجةً.
و انحفاظ الخطاب فی کلتا حالتی الفعل و الترک إنّما یکون باقتضاء ذاته لأنّه بنفسه یقتضی فعل المتعلّق و طرد ترکه.
ص: 134
بذلک البیان یظهر لک أنّ الفرق بین هذا التقدیر و التقدیرین الأوّلین من وجهین:
الوجه الأوّل: نسبة تلک التقادیر فی القسمین الأوّلین إلی الخطاب نسبة العلّة إلی معلولها فإن أُخذ تلک التقادیر قیداً وشرطاً للخطاب فلمکان رجوع الشرط إلی الموضوع و کون الموضوع علّة لترتّب الخطاب علیه، یکون ذلک التقدیر علّة للخطاب و إن أُطلق الخطاب بالنسبة إلی تقدیر، فذلک التقدیر و إن لم یکن علّة للخطاب (لعدم أخذ ذلک التقدیر شرطاً) إلّا أنّه یجری مجری العلّة من حیث إنّ الإطلاق و التقیید من الأُمور الإضافیة فهما فی مرتبة واحدة، فإذا کان التقیید علّة للخطاب فالإطلاق الواقع فی رتبته یجری مجری العلّة من حیث الرتبة.
هذا بخلاف تقدیری فعل المتعلّق و ترکه فإنّ الأمر یکون فیه بالعکس، لأنّ الخطاب علّة للتقدیر لأنّ الخطاب یقتضی فعل متعلّقه و طرد ترکه (أی الامتثال) فإذا کانت نسبة الحکم إلی الامتثال نسبة العلّة إلی معلولها، کان الحال کذلک بالإضافة إلی العصیان، لأنّ مرتبة العصیان هی بعینها مرتبة الامتثال.
الوجه الثانی: إنّ الخطاب بالنسبة إلی سائر التقادیر یکون متعرّضاً و متکفّلاً لبیان أمر آخر غیر تلک التقادیر، غایة الأمر یتعرّض لذلک الأمر عند وجود تلک التقادیر فإنّ خطاب الحج یکون متعرضاً لفعل الحج من الإحرام و الطواف و غیر ذلک عند وجود الاستطاعة و لیس لخطاب الحجّ تعرّض لتقدیر الاستطاعة و هذا بخلاف تقدیری الفعل و الترک، فإنّ الخطاب بنفسه متکفّل لبیان هذا التقدیر و متعرّض لحاله حیث إنّه یقتضی فعل المتعلّق و عدم ترکه و لیس للخطاب تعرّض لشیء آخر سوی هذا التقدیر.
ص: 135
إذا عرفت ذلک فاعلم أنّه یترتّب علی ما ذکرناه (من الفرق الذی بین تقدیری الفعل أو الترک و بین سائر التقادیر) طولیة الخطابین و خروجهما من العرضیة و ذلک لأنّ الخطاب الأهمّ حینئذ یکون متعرّضاً لموضوع الخطاب المهمّ و طارداً و مقتضیاً لهدمه و رفعه فی عالم التشریع، لأنّ موضوع الخطاب المهمّ هو عصیان الخطاب الأهمّ و ترک امتثاله و الخطاب الأهمّ دائماً یقتضی طرد الترک و رفع العصیان.
أمّا الخطاب المهمّ فإنّما یکون متعرضاً لحال متعلّقه و لا تعرّض له لحال موضوعه، لأنّ الحکم لایتکفّل حال موضوعه من وضع أو رفع بل هو حکم علی تقدیر وجوده و مشروط به.
و الخطاب الأهمّ واقع فی الرتبة السابقة علی موضوع الخطاب المهمّ و موضوع الخطاب المهمّ أیضاً یکون فی رتبة سابقة علی نفس الخطاب المهمّ، فهو متقدّم علیه برتبتین أو ثلاث، و مع هذا الاختلاف فی الرتبة کیف یعقل أن یکونا فی عرض واحد؟
((1))
إنّ الکلام فی إطلاق الطلب و تقییده، لا إطلاق المطلوب و تقییده، ففرض إهمال المطلوب فرض تعلّق الطلب بذات الفعل أو ذات الترک لا فرض تعلّقه بالفعل المفروض حصوله أو المفروض عدمه. (لأنّ الکلام فی الترتّب بین الأمرین و الطلبین لا المطلوبین).
ص: 136
إنّ محذور تقید نفس الطلب بفرض حصول متعلّقه، هو کون الشیء علّة لنفسه فی ما إذا کان الطلب منوطاً بفرض حصوله و لیس المحذور هنا هو طلب الحاصل.
توضیحه: إنّ الأمر علی الفرض من أجزاء علّة وجود متعلّقه فی الخارج، لفرض التسبیب به إلی ذات الفعل، لا إلی سببه و لا إلیه مع سبب آخر لیکون علّة العلّة و جزأها علی الثانی.
و مع فرض کون الأمر من أجزاء علّة وجود متعلّقه فی الخارج بلحاظ ضمیمة إرادة المکلّف فما یکون شرطاً للأمر یکون من أجزاء علّة وجود المتعلّق فی الخارج.
و حینئذ الفعل الخارجی (أی متعلّق البعث) من جهة أنّه متعلّق البعث و الطلب فهو معلول و من جهة أنّه شرط للأمر فهو جزء العلّة، فیلزم أن یکون الفعل جزء العلّة لتحقّق نفسه و هذا هو محذور کون الشیء علّة لنفسه.
إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) إشکال آخر و لاینافی ذلک صحّة ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من إشکال طلب الحاصل.
الغرض من هذا البعث علی الفرض إیجاد ما هو موجود بهذا البعث لا بسبب آخر حتّی یکون طلبه طلب الحاصل و سیأتی الاستدراک عن هذا البیان فی الإیراد الرابع.
إنّ محذور تقید الطلب بفرض عدم حصول متعلّقه هو کون العلّة معلولة لعدم معلولها.
توضیح ذلک: إنّ المفروض کون الأمر علّة للفعل فلو کانت الأمر (أی العلّة) منوطة بعدم الفعل لزم کون العلّة معلولة لعدم معلولها و بعبارة أُخری لزم إناطة تأثیرها بعدم تأثیرها، لوحدة التأثیر و الأثر ذاتاً و اختلافهما اعتباراً (أی إنّ إناطة علّیة الأمر و هی تأثیرها بعدم الأثر معناه إناطة تأثیرها بعدم تأثیرها لأنّ التأثیر و الأثر متحدان ذاتاً).
لو فرضنا أنّ الکلام فی تقیید المطلوب و إطلاقة و قلنا: إنّ الحصول قید للمطلوب فحینئذ إذا تعلّق طلب الوجود بالموجود فیلزم طلب الحاصل و وجه استحالته((1)) هو أنّ الطلب إن تعلّق بالموجود بهذا الطلب فمحذوره الخلف، لأنّ فرض وجوده بهذا الطلب هو فرض تعریته عن الوجود فی الرتبة السابقة علی الطلب و فرض وجوده فی مرتبة تعلّق الطلب خلاف ذلک الفرض، و إن تعلّق
ص: 138
الطلب بإیجاد الموجود بغیر شخص هذا الطلب فمحذوره أنّ الموجود لایعرضه الوجود، فإنّ المماثل لایقبل المماثل، کما أنّ المقابل لایقبل المقابل.
لکن المقام لیس من باب تعلّق طلب الوجود بالموجود، بل الکلام فی تقیید المطلوب بنفسه و جعله مقترناً بنفسه، فلازمه - کما هو معنی التقیید- اثنینیة الواحد حتی یکون هناک قید و مقید فلیس هنا محذور طلب الحاصل کما توهّم.
إنّ الطلب یتعلّق بالماهیة بداعی إیجادها خارجاً فالمطلوب المقید الماهیة و القید هو وجودها فهنا تقیید الماهیة بالوجود لا تقیید المطلوب بنفسه فلایلزم اثنینیة الواحد فالطلب من حیث تعلّقه بالقید یکون من باب طلب الوجود المتعلّق بالموجود و هو تحصیل الحاصل.
إنّ الإطلاق لیس إلّا تسریة الحکم إلی جمیع أفراد المطلق بما هی أفراد ذات المطلق لا بمعنی جمع القیود، فمعنی إطلاق الطلب لفرض الحصول و عدمه، عدم دخل الحصول و عدمه فی وجود الطلب، لا دخل وجوده و عدمه معاً، حتّی یلزم من الإطلاق الجمع بین محذور طلب الحاصل و محذور الجمع بین النقیضین.
فحینئذ إن قلنا بأنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم فاستحالة التقیید تمنع عن الإطلاق اللحاظی المولوی، فإنّ قیام المولی مقام الإطلاق من هذه الجهة مع استحالة التقیید لغو.
أمّا الإطلاق الذاتی و هو ثبوت الطلب مقارناً للفعل و مقارناً للترک فهو
ص: 139
معقول فإنّه عدم التقیید بمعنی السلب المقابل للإیجاب و یستحیل خروج الشیء عنهما معاً (و الإطلاق الذاتی فی اقتضاء الأمر بالأهمّ لفعل الأهمّ و ترک معصیته أمر مجعول للشارع بخلاف الاقتضاء الذاتی الذی هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) فإنّه لیس مجعولاً للشارع بل هو اقتضاء العلّیة و المعلولیة.)
و من البین أنّ المانع من الترتّب ورود الطلبین علی تقدیر واحد، فتقیید طلب الأهمّ بترکه محال و هو المضرّ بالترتّب و لیس إطلاقه الذاتی أو إطلاقه اللحاظی علی فرض إمکانه مضراً بالترتّب، إذ لیس لازمه ورود الطلبین علی تقدیر لیکونا عرضیین لا طولیین.
إنّ تکلّف دفع الإطلاق و التقیید فی طرف الأهمّ لیس بمهمّ کما توهّم، بل النافع للمجوّز تقیید طلب المهمّ بعدم الأهمّ، فإنّه المصحّح للأمر بضدّ الجمع و عدم طلب الجمع.
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أشار فی هذه المقدّمة إلی صور و فروض کثیرة لانتعرض لها بل نقتصر بما لخصه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من هذه المقدّمة:
إنّ إطلاق کل واحد من الخطابین بالإضافة إلی حالتی فعل الآخر و ترکه، هو الذی یوقع المکلّف فی کلفة الجمع بین الضدّین، بحیث لو لم یکن لهما إطلاق لم یلزم منه محذور، فإذا رتب أحدهما علی عصیان الآخر لم یلزم منه محذور طلب الجمع المحال.
والشاهد علیه أمران:
ص: 140
الأمر الأوّل: هو أنّه إذا فرض الفعلان فی حدّ ذاتهما ممکن الجمع، کقراءة القرآن و الدخول فی المسجد، فإنّه لولا الترتّب یقعان علی صفة المطلوبیة عند اجتماعهما. لکنهما لایقعان علی صفة المطلوبیة مع ترتّب طلب أحدهما علی عدم الآخر (عند اجتماعهما) فعدم وقوعهما علی صفة المطلوبیة برهان إنّی علی عدم مطلوبیة الجمع، و إلّا فلماذا لم یقعا علی صفة المطلوبیة فی فرض وقوعها خارجاً؟
الأمر الثانی: هو أنّ وقوعهما علی صفة المطلوبیة مستلزم للمحال لأنّه مستلزم لوجود الشیء مع فرض ما أُخذ علّة لعدمه (أی مستلزم لوجود فعلیة المهمّ مع فرض وجود الأهمّ حیث إنّ وجود الأهمّ علّة لعدم وجود فعلیة المهمّ) و هذا برهان لمّی علی عدم مطلوبیة الجمع، إذ المفروض إناطة مطلوبیة المهمّ بعدم الأهمّ، ففعل الأهمّ کالعلّة لعدم المطلوبیة فی المهمّ.
فتحقّق مطلوبیة المهمّ مع تحقّق علّة عدمها (أی مع تحقّق الأهمّ) هو المحال المستلزم لاستحالة لازمه و هو طلب الجمع.
إنّ ما ذکر فیها من أنّ لازم إطلاق طلب کل من الضدّین کحالتی فعل الآخر و ترکه هو طلب الجمع بینهما مخدوش بما ذکرنا سابقاً من أنّ الإطلاق لیس جمعاً بین القیود لیکون لازمه طلب کل واحد علی تقدیر فعل الآخر أو مقترناً بفعل الآخر، لیکون طلباً للجمع بین الفعلین، بل الطلب فیهما لا علی تقدیر، و بمعنی عدم دخل فعل الآخر و ترکه فی فعلیة الطلب.
نعم لازم تعلّق الطلبین لا علی تقدیر هو طلب المطلوبین فی زمان واحد بحیث لهما المعیة الزمانیة فی المطلوبیة و لیس ذلک طلب معیتهما فی الزمان.
ص: 141
و بالجملة طلب فعلین لهما المعیة الزمانیة بحسب الفرض محقّق حتی فی الأمرین المترتّبین و طلب معیتهما فی الزمان غیر لازم حتی فی الأمرین المطلقین.
و طلب فعلین لهما المعیة الزمانیة إنّما یستحیل حیث إنّ القدرة الواحدة لاتفی بهما و أمّا مع الترتّب فالقدرة الواحدة تفی بهما، إذ مع إعمال القدرة فی فعل الأهمّ لا أمر بالمهمّ و مع عدم إعمالها فیه، لا مانع من إعمالها فی فعل المهمّ، فلا مانع من فعلیة أمره مع فعلیة الأمر بالأهمّ، حیث لایسقط الأمر به بمقارنته لعدم إعمال القدرة فی امتثاله.((1))
((2))
تفاوت نظریة المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):
إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یغایر ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جهة أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری فعلیة کلا الأمرین (الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ) خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث یقول بأنّ فعلیة الأمر بالمهم یتوقف علی عصیان الأمر بالأهمّ، و من جهة أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالإطلاق الذاتی للأمر بالأهمّ بالنسبة إلی حالتی الفعل و الترک خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث یقول باستحالة الإطلاق.
فإنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالتعلیق فی فعلیة اقتضاء الأمر المهمّ لا فی فعلیة الأمر فإنّ القدرة الفعلیة علی کلا الأمرین موجودة إلّا أنّ القدرة واحدة و إعمالها فی أحدهما یزاحم إعمالها فی الآخر.
ص: 142
إنّ الأمر بالإضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه.
فإذا کان المقتضیان المتنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر و الغرض من کل منهما فعلّیة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له، فلامحالة یستحیل تأثیرهما و فعلیة مقتضاهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد.
و إذا کان المقتضیان مترتّبین بأن کان أحد المقتضیین (مقتضی الأمر المهمّ) لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الآخر، فلا مانع من فعلیة مقتضی الأمر المترتّب و حیث إنّ فعلیة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه (أی اقتضاء الأمر الأهمّ) فلامحالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه، إذ ما کان اقتضاؤه منوطاً بعدم فعلیة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر و لا مزاحمة بین المقتضیین إلّا من حیث التأثیر و إلّا فذوات المقتضیات بما هی لا تزاحم بینها.
((1))
إنّ ما التزم به من إطلاق فعلیة کلا الخطابین مخدوش لاستلزامه اللغویة، فإنّه یعتبر فی الإطلاق عدم اللغویة و هنا وجود الأمر بالمهمّ مع إتیان فعل الأهمّ لغو فالإطلاق بالنسبة إلیه باطل: کما أنّ إهمال الأمر أیضاً محال لعدم الإهمال فی حکم الشارع فلابدّ من أن یکون الأمر بالمهمّ مقیداً بترک الأهمّ، فالحقّ هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) .
ص: 143
إنّ الإطلاق لایستلزم اللغویة، لأنّ الإطلاق ثابت فی مرحلة الفعلیة و عدم وفاء القدرة بامتثال کلا الخطابین مربوط بمرحلة الامتثال.
توضیح ذلک: إنّ القدرة الإجمالیة شرط فی فعلیة التکلیف و مع فقدها لایکون التکلیف فعلیاً لاستحالة التکلیف بغیر المقدور من الشارع الحکیم، أمّا القدرة التفصیلیة فهی شرط تنجّز التکلیف و فقدها لایوجب عدم فعلیة التکلیف و هنا القدرة الإجمالیة علی کلا الخطابین موجودة و لکنها لاتفی بهما و أمّا مع الترتّب (عند عدم إعمالها فی الأهمّ) فلا مانع من إعمالها فی المهمّ فالحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
((1))
إنّ الضدّین إمّا متساویان فی الملاک و إمّا أن یکون لأحدهما مزیة و هما إمّا مضیقان و إمّا موسعان و إمّا مختلفان، فهنا صور لابدّ من التعرض لها فی بحث الضدّ.
و خلاصة نظریته هو جواز طلب الضدّین بنحو العرضیة بحیث یکون الطلب و المطلوب مطلقان و لکن الإیجاب الناقص هو طریق حلّ المشکلة، فإنّ الإیجاب قد یکون تامّاً یقتضی سدّ جمیع أنحاء عدم الشیء و قد یکون ناقصاً یقتضی سدّ بعض أنحاء عدم الشیء، مضافاً إلی أنّه یجوز الترتّب أیضاً بالإیجاب التامّ و الناقص.
ص: 144
توضیح ما أفاده: إنّ الضدّین إذا کانا متساویین فی الملاک و کانا مضیقین فإن لم یکن لهما ثالث کما فی الحرکة و السکون و النوم و الیقظة فالحکم فیهما التخییر العقلی و إن کان لهما ثالث بحیث یتمکّن المکلّف من ترک کلا الأمرین معاً کما فی الأمر بإنقاذ الغریقین و کما فی مثل الصلاة و الإزالة ففی مثله لا إشکال فی أنّه لیس له ترک کلا الأمرین معاً و أنّه یجب علیه الإتیان بأحد الأمرین مخیراً بینهما إنّما الکلام فی ما ینتهی إلیه مرجع هذا التخییر و أنّه هل هو راجع إلی تقیید الطلب فی کل من الأمرین بعدم الآخر و عصیانه أو بتقیید المطلوب أو بإیجاب ناقص، فهنا یتصوّر ثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأوّل: تقیید الطلب فی کل من الواجبین بعدم الآخر، إمّا بعدمه المحفوظ قبل الأمر و إمّا بعدمه المتأخر عن الأمر المنتزع عنه عنوان العصیان الذی هو نقیض الإطاعة.
أمّا الشق الأوّل منه فغیر دافع لمحذور المطاردة بین الأمرین من جهة بقاء المطاردة بینهما علی حالها، بملاحظة تحقّق ما هو الشرط فیهما قبل الإتیان بواحد منهما.
و أمّا الشق الثانی فهو و إن اندفع به محذور المطاردة، نظراً إلی وقوع تأثیر کل منهما فی رتبة سقوط الآخر إلّا أنّه یتوجّه علیه حینئذ محذور طولیة الأمرین و تأخر کل منهما عن الآخر برتبتین حسب إناطة کل منهما بعصیان الآخر.
الاحتمال الثانی: تقیید المطلوب فی کل منهما بعدم الآخر مع إطلاق الطلب فیهما و هذا إمّا بأخذ القید فی کل منهما مطلقَ عدم الآخر بنحو یقتضی وجوب تحصیله و إمّا بأخذ القید فی کل منهما العدم الناشی من قبل سائر الدواعی غیر دعوة الأمر و الطلب بحیث لایقتضی الطلب وجوب تحصیله.
ص: 145
و هذا أیضاً بکلا شقّیه کذلک، لأنّ مقتضی الإناطة حینئذ هو تأخّر کل من الواجبین رتبةً عن عدم الآخر و لازمه بمقتضی حفظ الرتبة بین النقیضین هو تأخر کل من الوجودین عن الآخر و هو ملازم لکون کل منهما فی رتبتین و هو محال.
مضافاً إلی أنّ الشقّ الأوّل منه مستلزم لوقوع المطاردة بین الأمرین بلحاظ اقتضاء إطلاق الأمر فی کل منهما لزوم ترک الضدّ الآخر من باب المقدّمة و اقتضاء الأمر به عدم ترکه و لزوم إیجاده، إذ حینئذ یصیر کل واحد منهما وجوداً و عدماً مورداً للتکلیف الإلزامی و هو محال.
و بعد بطلان الوجهین المذکورین یتعین الوجه الثالث.
الاحتمال الثالث: الإیجاب الناقص بنحو لایقتضی إلّا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو النهی عن الترک فی حال ترک الآخر و هذا یرجع إلی إیجاب متمّم الوجود، لا إیجاب الوجود علی الإطلاق و فی مثله یرتفع المطاردة بین الأمرین حیث لاتنافی بین هذین الأمرین بالضدّین بعد کونهما من قبیل متمّم الوجود و عدم اقتضائهما لوجوب الحفظ علی الإطلاق کما فی الأمرین التامّین.
و بعد التأمّل فی ما ذکرنا فی الضدّین المتساویین ظهر أیضاً حال ما إذا کان أحدها أهمّ و الآخر مهمّاً، فإنّه فیهما أیضاً أمکن بالتقریب المزبور الجمع بین الأمرین فی رتبة واحدة: أمر تامّ بالأهمّ و أمر ناقص بالمهمّ علی نحو کان مقتضاه لزوم حفظ المهمّ من سائر الجهات غیر جهة ضدّه الأهمّ، فأمکن حینئذ الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة من دون احتیاج إلی الترتّب المعروف.
و من ذلک البیان ظهر عدم الحاجة إلی التشبث بالترتّب و الطولیة فی إثبات الأمر التامّ بالمهمّ بإناطة أمره بعصیان الأهمّ و ذلک لأنّه و إن کان هذا التقریب أیضاً بنفسه تقریباً تامّاً نفسیاً و یرتفع به محذور المطاردة بین الأمرین إلّا أنّه غیر
ص: 146
محتاج إلیه بعد إمکان الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة بل لئن تدبّرت تری کون تقریب الترتّب فی طول التقریب الذی ذکرناه ثم قرّب المحقّق العراقی (قدس سره) الترتّب بعین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1))
((2))
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یحتمل أن یکون مراد المحقّق العراقی (قدس سره) من التقریب المذکور أنّ صحّة الترتّب لاتدور مدار الواجب المشروط و کیفیة إناطة المشروط بالشرط بل یصح الترتّب بناءً علی الواجب المعلّق.
ثم یستشکل علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة بل لابدّ للمحقّق العراقی (قدس سره) من أن یقول حینئذ بالوجوب الفعلی و الواجب الاستقلالی بأن یکون ظرف الواجب عصیانَ الأهمّ مع أنّ الواجب المعلّق مستحیل عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
مضافاً إلی أنّ ما بنی علیه فی مبحث الواجب المعلّق - من أنّ الوجوب فی المعلّق فعلی لکنّه لا فاعلیة و لا محرکیة له، فینفک الفعلیة عن الفاعلیة و بهما یمتاز الواجب المشروط عن المعلّق- مخدوش بأنّ الأمر الحقیقی لیس إلّا لجعل الداعی بحیث یکون باعثاً للمکلّف و محرّکاً له فلاینفک فعلیته عن فاعلیته من قبل المولی.
و بهذا تمّ مبحث الترتّب.
ص: 147
ص: 148
فیه مقدمتان و مقامان و تنبیه
ص: 149
ص: 150
فیها أُمور أربعة:
عنوان البحث عند القدماء:
إنّ القدماء من الأُصولیین عنونوا هذه المسألة بالنحو المذکور فی الکفایة فقالوا: هل یجوز اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد ذی جهتین أو لا؟
((1))
الأولی أن یجعل عنوان البحث علی وجه آخر و ذلک بأن یقال: إذا تعلّق أمر و نهی بشیئین اتّحدا فی الخارج وجوداً و إیجاداً، فهل یوجب ذلک سرایة کلّ منهما إلی ما تعلّق به الآخر لیلزم سقوط أحدهما لامتناع اجتماع الحکمین المتضادّین فی مورد واحد، أو إنّ اتّحاد الوجودین فی الخارج لایوجب السرایة المذکورة فلایلزم من ثبوت الحکمین فیه اجتماع الضدّین؟
ص: 151
و وجّه الأولویة بأنّ العنوان المعروف یوهم أنّ القائل بالجواز لایعترف بتضادّ الحکمین.
أوّلاً: إنّ تضادّ الحکمین لیس أمراً مسلّماً غیر قابل للتشکیک بل ینکره القائل بالجواز و القائل بالامتناع فإنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالجواز و ینکر ذلک کما أنّ الأُستاذ العلامة الشاه آبادی (حفظه الله) یقول بالامتناع و لایعتقد بتضادّ الحکمین.
ثانیاً: إنّ العنوان الذی ذُکر فی کلمات القدماء لاینافی القول بتضادّ الحکمین بل یؤمی إلی أنّ الاختلاف نشأ من ناحیة أنّ الواحد الذی هو ذا جهتین هل یکون واحداً حقیقة أو یکون متعدّداً؟ و ذلک لاتّصاف الواحد بوصف ذی الجهتین، فحینئذ إن کان واحداً حقیقة فیمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه و إن کان متعدّداً فیجوز اجتماعهما فیه.
ثالثاً: إنّ العنوان الذی وجّهه المحقّق النائینی (قدس سره) غیر لائق بالمقام لأنّه افترض فیه حدیث تضادّ الحکمین مع أنّه محلّ الخلاف بین الأعلام و الحق عدم التضادّ کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.
ص: 152
إنّ اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد یوجب المحذور فی ثلاث مراحل:
الأُولی: مرحلة مبادی الحکم و هی المصلحة و المفسدة علی مسلک العدلیة و هکذا الإرادة و الکراهة و الحب و البغض علی مسلک العدلیة و الأشاعرة.
الثانیة: مرحلة الحکم للتضادّ بین الأحکام الخمسة عند مشهور الأُصولیین کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) خلافاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
الثالثة: مرحلة امتثال الحکم، لأنّ الأمر یقتضی الانبعاث و امتثال المتعلّق و النهی یقتضی الانزجار عن المتعلّق و ترکه.
إنّ اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد مستحیل بالذات و بالعرض علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) حیث إنّ تضادّ الأحکام یوجب الاستحالة بالذات و المحذور فی مرحلة المبدأ (المصلحة و المفسدة و الإرادة و الکراهة) و المنتهی (مقام الامتثال) یوجب الاستحالة بالعرض.
و أمّا علی مسلک المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فالاجتماع المذکور یوجب الاستحالة بالعرض لا بالذات لعدم التضادّ بین الأحکام الخمسة علی مسلکه.
إنّ المحقّق البروجردی (قدس سره) قال: علی القول بالاجتماع یلزم التکلیف المحال و لایلزم التکلیف بالمحال لأنّ الإتیان بمتعلّق الأمر و هکذا الإتیان بمتعلّق النهی لیس محالاً.
ص: 153
و خالفه بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فقال بلزوم التکلیف بالمحال أیضا لأنّ الجمع بینهما محال فیلزم من الأمر و النهی معاً التکلیف بالمحال.
فالمتحصّل: أنّه لا إشکال فی استحالة الاجتماع المذکور کبرویاً و إنّما النزاع فی الصغری بمعنی أنّه هل یسری الحکم من متعلّق الأمر أو النهی إلی الآخر حتّی یتحقّق الاجتماع فیکون محالاً کما یقوله القائل بالامتناع، أم لایسری فلایتحقّق الاجتماع المذکور فلایکون اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد محالاً کما هو مسلک القائل بالجواز.
فالنزاع صغروی لا کبروی.
ص: 154
و المهم من الأقوال هنا ثلاثة:
الأول: القول بجواز الاجتماع و هو نظریة المحقّق القمی و المحقّق الإصفهانی و المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) و هو المختار.
قال المحقّق القمی (قدس سره):((2)) «إنّ القول بجواز الاجتماع هو مذهب أکثر الأشاعرة و الفضل بن شاذان((3)) من قدمائنا و هو الظاهر من کلام السید
ص: 155
[المرتضی] فی الذریعة((1)) و ذهب إلیه جلّة من فحول متأخرینا کمولانا المحقّق الأردبیلی((2)) و سلطان العلماء((3)) و المحقّق الخوانساری((4)) و ولده المحقّق((5)) و
ص: 156
الفاضل المدقّق الشیروانی((1)) و الفاضل الکاشانی((2)) و السید الفاضل صدر الدین((3)) و أمثالهم رحمهم الله بل و یظهر من الکلینی -حیث نقل کلام الفضل بن شاذان
ص: 157
فی کتاب الطلاق((1)) و لم یطعن علیه- رضاه بذلک بل و یظهر من کلام الفضل أنّ
ص: 158
ذلک کان من مسلمات الشّیعة و إنما المخالف فیه کان من العامّة کما أشار إلی ذلک العلاّمة المجلسی رحمه الله فی کتاب بحار الأنوار أیضا((1)) و انتصر هذا
ص: 159
المذهب جماعة من أفاضل المعاصرین ... و الذی یقوی فی نفسی و یترجّح فی نظری هو جواز الاجتماع.»((1))
ص: 160
ص: 161
الثانی: القول بالامتناع و هو مسلک المشهور((1)) و منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .
ص: 162
ص: 163
الثالث: القول بالجواز عقلاً و الامتناع عرفاً و هو مختار المقدس الأردبیلی((1)) (قدس سره) (حیث یقول: متعلّق الأمر و النهی متعدّدان بحسب الدقّة العقلیة و لکن العرف لایری فیهما التعدّد).
ص: 164
هنا أقوال أخر لایهمّنا التعرض لها. ((1))
ص: 165
ص: 166
إنّ النزاع هنا فی جهتین:
بیان المحقّق النائینی (قدس سره):((1)) للمسألة صور أربع
إنّ النزاع هنا فی جهتین:
الجهة الأُولی: فی سرایة کلّ واحد من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر و عدم السرایة.
الجهة الثانیة: فی أنّ الجهتین إذا کانتا تقییدیتین (و قلنا بعدم السرایة فی الجهة الأُولی) فهل یوجب انطباقهما علی شیء واحد وقوع التزاحم بین حکمیهما أو لا؟
فهناک صور أربع:
الصورة الأُولی: أن یقال بامتناع الاجتماع لأنّ الجهتین المتحقّقتین فی الجمع تعلیلیتان و نتیجة ذلک سرایة کلّ من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر فیقع التعارض بین دلیلی الواجب و الحرام فالمسألة علی هذا من صغریات التعارض.
الصورة الثانیة: أن یقال بجواز الاجتماع بأن تکون الجهتان تقییدیتین مع عدم المندوحة فوقوع التزاحم بین الحکمین مع عدم المندوحة و انحصار الطبیعة المأمور بها فی المجمع واضح لایخفی فالمسألة علی هذا من صغریات التزاحم.
الصورة الثالثة: أن یقال بجواز الاجتماع مع وجود المندوحة ثم قلنا بأنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف هو من جهة حکم العقل بقبح خطاب العاجز، فالفرد المأتی به و إن کان غیر مقدور علیه، لأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عقلاً إلّا
ص: 167
أنّه یصحّ الإتیان به بداعی امتثال الأمر بالطبیعة، لما أفاده المحقّق الثانی (قدس سره) من کفایة القدرة علی بعض أفراد الطبیعة فی صحّة الأمر بها، فإنّ انطباق الطبیعة علی فردها قهری و الإجزاء عقلی.
فالمسألة علی هذا لیس صغری التعارض و لا التزاحم.
الصورة الرابعة: أن یقال بجواز الاجتماع مع وجود المندوحة ثم قلنا بأنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف من جهة اقتضاء نفس الطلب و اعتبرنا فی تحقّق الامتثال القدرة علی الفرد بخصوصه فیقع التزاحم بین الحکمین لأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عقلاً، فلابدّ من سقوط النهی لیکون المجمع مقدوراً و یقع به الامتثال من دون عصیان أو سقوط الأمر لیتمحّض الإتیان بالمجمع فی کونه معصیةً من دون امتثال، فکونه امتثالاً من جهةٍ و عصیاناً من جهة أُخری مستحیل علی هذا التقریر بالضرورة.
فعلی هذا یکون مسألة الاجتماع صغری التزاحم.
ص: 168
فیها عشرة أُمور:
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قبل بیان استدلاله علی الامتناع قدّم عشرة أُمور لابدّ أن نتعرّض لها:
قبل بیان الأقوال لابدّ من تمهید مقدّمة لأقسام الواحد:
إنّ الواحد إمّا حقیقی و إمّا غیر حقیقی.
و الواحد الحقیقی: إمّا ذات هی عین الوحدة و هذا هی الوحدة الحقّة الحقیقیة و إمّا ذات متّصفة بالوحدة و هی إمّا واحد بالخصوص و إمّا بالعموم.
و الواحد بالخصوص هو الواحد بالعدد و الواحد بالعموم: إمّا واحد بالعموم الوجودی و إمّا واحد بالعموم المفهومی.
و الواحد بالعموم الوجودی هو بمعنی السعة الوجودیة کالوجود المنبسط و
ص: 169
الواحد بالعموم المفهومی: إمّا واحد نوعی کالإنسان و إمّا واحد جنسی کالحیوان و إمّا واحد عرضی کالماشی و الضاحک.
و الواحد غیر الحقیقی: هو ما یتّصف بالوحدة لواسطة فی العروض و هو مثل الواحد بالنوع حیث إنّ مثل زید و عمرو متّحدان فی الإنسان و هو نوعهما و هما متماثلان متحدان بالنوع و مثل الإنسان و الفرس فهما واحد بالجنس - و هو الحیوان- و النوع و الجنس هما واسطتان فی عروض الوحدة.
قولان فی المسألة:
((1))
إنّ صاحب الفصول (قدس سره) فسّر الواحد فی عنوان المسألة بالواحد الشخصی حتّی یخرج مثل السجود الکلّی الذی له نوعان: السجود لله و السجود للصنم عن محلّ النزاع حیث اجتمع فیهما الأمر و النهی و لکنهما لیسا واحداً بالوحدة الحقیقیة بل هما متعدّدان فی الحقیقة و لایمکن أن یجتمعا فی سجدة واحدة فلایجری فیهما بحث اجتماع الأمر و النهی.
إنّ أکثر الأعلام مثل صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) و غیرهما ناقشوا فی هذا القول فقال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2))إرادة الواحد الشخصی توجب خروج الواحد الجنسی المعنون بعنوانین کلّیین (کالحرکة الکلّیة المعنونة
ص: 170
بعنوان الصلاة و الغصب المنتزعة من الحرکات الخارجیة المعنونة بهما) عن محلّ النزاع مع أنّه لا موجب لإخراجه.
((1))
ذکر شیخنا الأُستاذ المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الأُولی ما حاصله: أنّ المراد بالواحد فی عنوان المسألة لیس هو الواحد الشخصی فقط، بل أعمّ منه و من الواحد النوعی و الجنسی، فإنّ الصلاة فی الدار المغصوبة عنوان کلّی ینطبق علیه عنوانان تعلّق بأحدهما الأمر و بالآخر النهی فیجری فیها النزاع.
و فی ما ذکره نظر فإنّ ضمّ عنوان کلّی إلی عنوان آخر لایوجب الوحدة، إذ الماهیات و العناوین بأسرها متباینة بالعزلة، فمفهوم الصلاة یباین مفهوم الغصب و إن ضممنا أحدهما إلی الآخر و ما هو الجامع للشتات عبارة عن حقیقة الوجود التی هی عین التشخصّ و الوحدة.
((2))
ما أفاده خلط بین الوحدة الشخصیة و النوعیة، فإنّ انضمام الکلّی إلی الکلّی مثل انضمام الفصل إلی الجنس یوجب تحقّق الواحد النوعی نعم إنّ الواحد الشخصی لایتحقّق إلّا بالوجود لأنّ التشخص مساوق للوجود و لکن الکلام فی الواحد النوعی و الجنسی لا الواحد الشخصی فإنّ الواحد الشخصی لایکون مجمع الأمر و النهی.
ص: 171
إنّه لیس غرض صاحب الفصول (قدس سره) انحصار الواحد فی الواحد الشخصی حتّی یخرج الواحد النوعی أو الجنسی بل مقصود صاحب الفصول (قدس سره) هو تلاقی العنوانین (أی متعلّق الأمر و متعلّق النهی) فی الواحد الشخصی فالبحث عن اجتماع الأمر و النهی هو فی ما إذا کان العنوانان متشخّصین بالوجود و إن کانا قبل ذلک کلّیین.
((1))
أوّلاً: إنّ الواحد الشخصی مسقط للأمر حیث إنّ الغرض من الأمر یحصل بالوجود الواحد الشخصی فعلی هذا تعلّق الأمر بالواحد الشخصی غیر معقول.
ثانیاً: إنّ بحث الاجتماع علی القول بالامتناع من صغریات بحث التعارض و التعارض بین الأدلّة الشرعیة لایکون إلّا فی القضایا الحقیقیة و الحکم فی تلک القضایا لایتعلّق بالواحد الشخصی بل یتعلّق بالطبیعة.
((2))
إنّ المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین و مندرجاً تحت عنوانین بأحدهما کان مورداً للأمر و بالآخر للنهی و إن کان کلّیاً مقولاً علی کثیرین کالصلاة فی المغصوب.
ص: 172
و توضیح ذلک: إنّ المراد من الواحد هو المقابل للمتعدّد لا الواحد الشخصی المقابل للکلّی و لذا یدخل فی البحث الصلاة فی الدار المغصوبة لأنّ الطبیعتین (الصلاة و الغصب) توجدان بوجود واحد و یخرج عن البحث السجود الکلّی الذی له نوعان: السجود لله و السجود للصنم لأنّ السجود لله و السجود للصنم لایوجدان بوجود واحد.
و قد عبّر عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالوحدة فی الوجود و قال: التقیید بالواحد لمجرّد إخراج المتعدّد من حیث الوجود لا لإخراج الکلّی فی قبال الشخص.
و هذه النظریة خالیة عن الإشکال.
ص: 173
و فیه بیانات ستّة:
((1))
إنّ النسبة بین المتعلّقین فی مسألة الاجتماع هی العموم من وجه، فإنّ طبیعة الصلاة و طبیعة الغصب قد یفترق أحدهما عن الآخر و قد تجتمعان فی مورد واحد و النسبة بین المتعلّقین فی مسألة النهی عن العبادة هی العموم و الخصوص المطلق فإنّ الصلاة المأمور بها و الصلاة فی الحمّام المنهی عنها هما العام و الخاص المطلق.
ملاحظتنا علیه:
تأتی عند ذکر البیان الثانی.
((2))
إنّ متعلّق الأمر و النهی فی مسألة الاجتماع متغایران بحسب الحقیقة و الذات و إن کانت النسبة بینهما إمّا العموم و الخصوص من وجه کما هو الغالب مثل طبیعة الصلاة المأمور بها و طبیعة الغصب المنهی عنها و إمّا العموم و الخصوص المطلق و هو قلیل کما إذا أمر المولی عبده بالحرکة و نهاه عن القرب
ص: 174
من مکان مخصوص، فإنّ عنوان الحرکة و عنوان القرب متغایران بحسب الحقیقة و الذات مع أنّ النسبة بینهما بحسب الخارج العموم و الخصوص المطلق (ما أفاده من أنّ النسبة بین متعلّق الأمر و النهی قد یکون العموم و الخصوص من وجه و قد یکون العموم و الخصوص المطلق هو تعریض بما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) من الفرق بین المسألتین).
و أمّا متعلّق الأمر و النهی فی مسألة النهی عن العبادة فمتّحدان بحسب الذات و الحقیقة و النسبة بینهما بحسب الخارج العموم و الخصوص المطلق مثل الأمر بالصلاة و النهی عن الصلاة فی الحمّام، فإنّ متعلّق الأمر (أی الصلاة) مطلق و متعلّق النهی (أی الصلاة فی الحمّام) مقید.
((1))
إنّ صرف تعلّق الأمر و النهی بطبیعتین مختلفین علی نحو العموم من وجه أو المطلق فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و علی نحو الإطلاق و التقیید فی مسألة النهی عن العبادة لایوجب الامتیاز بینهما فإنّ میزان تعدّد المسألة و وحدتها فی أمثال هذا العلم إنّما هو تعدّد الغرض و جهة البحث و وحدتهما، لا اختلاف الموضوع و المحمول و عدم اختلافهما.
(إنّ هذا الإیراد کما یتوجّه علی صاحب الفصول (قدس سره) یرد علی صاحب القوانین (قدس سره) حیث إنّه أیضاً فرّق بین المسألتین من ناحیة اختلاف النسبة بین المتعلّقین فی مسألة الاجتماع و النهی عن العبادة).
ص: 175
إنّ البحث فی مسألة الاجتماع عقلی لأنّ الحاکم بالجواز أو الامتناع هو العقل و أمّا البحث فی مسألة النهی عن العبادة فلفظی لأنّ البحث فی دلالة النهی علی الفساد.
((1))
إنّ البحث فی مسألة النهی عن العبادة لایختصّ بما إذا کانت الحرمة مدلولاً لدلیل لفظی بل لا فرق فیه بین أن تکون الحرمة مستفادة من اللفظ أو من غیره.
((2))
إنّ البحث فی مسألة النهی عن العبادة أیضاً عقلی و لا صلة له بعالم الألفاظ، ضرورة أنّ الجهة المبحوث عنها فیهما إنّما هی ثبوت الملازمة بین حرمة العبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة.
((3))
إنّ مسألة الاجتماع تغایر مسألة النهی عن العبادة ذاتاً فلا اشتراک لهما لا فی الموضوع و لا فی المحمول و لا فی الجهة و لا فی الغرض و هذا معنی الامتیاز الذاتی و معه لا نحتاج إلی امتیاز عرضی بینهما و هو أنّ البحث فی إحداهما عقلی و
ص: 176
فی الأُخری لفظی فإنّ الحاجة إلی مثل هذا الامتیاز إنّما هو فی فرض الاشتراک بینهما ذاتاً و أمّا إذا فرض أنّه لا اشتراک بینهما أصلاً فلا معنی لجعل هذا جهة امتیاز بینهما.
وجه الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة هو أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی الواحد یوجب تعدّد متعلّق الأمر و النهی بحیث یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد أو لایوجبه؟ فالنزاع فی سرایة کلّ من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر، لاتحاد متعلّقهما وجوداً و عدم سرایته لتعدّدهما وجهاً و هذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فی المسألة الأُخری، فإنّ البحث فیها فی أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة یوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجّه إلیها نعم لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع یکون مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة. (فالامتیاز باختلاف جهة البحث و الغرض منه).
((1))
إنّ نقطة الامتیاز هی أنّ النزاع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی صغروی و النزاع فی مسألة النهی عن العبادة کبروی.
فإنّ المبحوث عنها فی مسألة النهی عن العبادة إنّما هو ثبوت الملازمة بین
ص: 177
النهی عن العبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هی تعلّق النهی بالعبادة، و أمّا النزاع فی مسألتنا هذه (مسألة الاجتماع) فصغروی لفرض أنّ المبحوث عنه فیها هو سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر و عدم سرایته.
فعلی هذا علی القول بالامتناع و سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به تکون من إحدی صغریاتها و مصادیقها دون القول الآخر.
إنّ البحث فی مسألة الاجتماع یکون فی الحکم التکلیفی و فی مسألة النهی عن العبادة فی الحکم الوضعی.
إنّ ما أفاده فی الإیراد علی صاحب الفصول (قدس سره) یتوجّه علی هذا البیان فإنّ ملاک امتیاز المسألة هو تعدّد الغرض و جهة البحث لا اختلاف الموضوع و المحمول.
فتحصل أنّ البیان الصحیح لامتیاز المسألتین هو البیان الرابع و الخامس.
ص: 178
فیه خمسة أقوال:
إنّ الأعلام اختلفوا فی أنّ مسألة الاجتماع من أی علم؟
الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة و هذا مختار صاحب الکفایة و المحقّق العراقی((1))و المحقّق الخوئی (قدس سره)((2))و قال فی فوائد الأُصول:((3)) قد کان بناء شیخنا الأُستاذ (حفظه الله) سابقاً علی أنّ البحث فی المقام راجع إلی البحث عن مسألة أُصولیة.
الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة لعلم الأُصول و نسب ذلک إلی الشیخ البهائی (قدس سره) و قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره): إنّها من المبادی الأحکامیة التصدیقیة.
الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الأُصول و هذا مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((4)) و الشیخ الأنصاری (قدس سره) علی ما نقل فی منتهی الدرایة((5)) قال أخیراً بکونها من المبادی التصدیقیة و لکن بعض الأساطین (حفظه الله) قال:((6)) إنّ المسلک النهائی للشیخ الأنصاری (قدس سره) هو أنّها من المبادی الأحکامیة.
الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة.
ص: 179
الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة.
بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):
لنا دعویان: الأُولی: أنّها مسألة عقلیة و لا صلة لها بعالم الألفاظ أبداً و الثانیة: أنّها مسألة أُصولیة تترتب علیها نتیجة فقهیة بلا واسطة.
أمّا الدعوی الأُولی فهی واضحة ضرورة أنّ الحاکم باستحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و إمکانه إنّما هو العقل.
و أمّا الدعوی الثانیة فلأنّ المسألة الأُصولیة ترتکز علی رکیزتین:
الرکیزة الأُولی: أن تقع فی طریق استنباط الأحکام الکلّیة الإلهیة من باب الاستنباط و التوسیط لا من باب الانطباق و بهذه الرکیزة تمتاز المسائل الأُصولیة عن القواعد الفقهیة فإنّ استفادة الأحکام من القواعد الفقهیة من باب التطبیق مع أنّ الأحکام المستفادة منها أحکام شخصیة لا کلّیة.
الرکیزة الثانیة: أن یکون وقوعها فی طریق الاستنباط من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أُخری و بهذه الرکیزة تمتاز عن مسائل بقیة العلوم.
فنقول: إنّ مسألة الاجتماع تحتوی علی کلتا الرکیزتین، فإنّها تقع فی طریق الاستنباط بنفسها من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أُخری، لما عرفت من أنّه تترتب علیها صحّة العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالجواز بلا ضمیمة مسألة أُخری، و إن لم یترتب علیها أثر شرعی علی القول بالامتناع و لکنّک عرفت أنّ ترتّب الأثر الشرعی علی أحد طرفیها یکفی فی کونها مسألة أُصولیة.
ص: 180
إن قلنا بجواز الاجتماع فللمسألة صور ثلاث:
الأُولی: ما لم تکن مندوحة فی البین و هذا یحتاج إلی کبری التزاحم.
الثانیة: ما کانت مندوحة فی البین و قلنا باعتبار القدرة باقتضاء الخطاب و اعتبرنا فی تحقّق الامتثال القدرة علی الفرد بخصوصه (کما هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) و هذا أیضاً یحتاج إلی ضمیمة قواعد التزاحم کما صرّح به المحقّق النائینی (قدس سره) .
الثالثة: ما کانت مندوحة فی البین و قلنا باعتبار القدرة من جهة حکم العقل بقبح خطاب العاجز فهنا لا إشکال فی انطباق الطبیعة المأمور بها قهراً علی الفرد المأتی به فیحصل الامتثال من دون احتیاج إلی ضمیمة قواعد التعارض و التزاحم فمسألة الاجتماع بناءً علی هذه الصورة یقع فی طریق استنباط الحکم الکلّی الشرعی من دون ضمیمة کبری أُصولیة أُخری إلیها فتکون مسألة أُصولیة.
إنّ المبادی الأحکامیة هی لوازم الأحکام و عوارضها و خصوصیاتها و هذا البحث بحث عن حال الأحکام من حیث إمکان اجتماع اثنین منها فی شیء واحد ثمّ إنّهم تصوّروا أنّ المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصدیقیة کما أنّهم جعلوا أحد الأقوال کونها من المبادی الأحکامیة و القول الآخر کونها من المبادی التصدیقیة.
ص: 181
لانعقل المبادی الأحکامیة فی مقابل المبادی التصوریة و التصدیقیة، بداهة أنّه إن أُرید من المبادی الأحکامیة تصور نفس الأحکام کالوجوب و الحرمة و نحوهما فهی من المبادی التصوریة، إذ لا نعنی بها إلّا تصوّر الموضوع و المحمول کما مرّ.
و إن أُرید منها ما یوجب التصدیق بثبوت حکم أو نفیه و منه الحکم بسرایة النهی إلی متعلّق الأمر فی محل الکلام فهی من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه کما هو الحال فی سائر المسائل الأُصولیة.
نلاحظ علیه و علی صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام:
أوّلاً: إنّ ما أفاده خاطئ جداً من حیث إنّه غفل عن أنّ المبادی الأحکامیة تنقسم إلی المبادی التصوریة و التصدیقیة کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) و سائر الأصولیین أیضاً غفلوا عن ذلک و جعلوا المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصدیقیة.
و الحق هو أنّ المبادی إمّا أحکامیة و إمّا لغویة و کلّ منهما إمّا تصوریة و إمّا تصدیقیة کما صرّح به المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی أوّل بحوث علی النهج الحدیث.
ثانیاً: إنّه جعل مبحث الاجتماع من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه بإرادة ما یوجب التصدیق بثبوت حکم أو نفیه منها مع أنّ البحث هنا فی إمکان اجتماع الحکمین لا فی نفس ثبوت الحکم حتّی یکون المسألة من مبادی علم الفقه.
نعم علی القول بجواز الاجتماع فی بعض صوره تکون هذه المسألة أُصولیة
ص: 182
فتکون من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه و لکن علی القول بالامتناع و أیضاً علی القول بالجواز فی سائر صوره تکون المسألة من المبادی التصدیقیة لعلم الأُصول.
فلهذه المسألة حیثیتان: بإحداهما تکون من المسائل الأُصولیة (و المبادی التصدیقیة لعلم الفقه) و بالحیثیة الأُخری تکون من المبادی التصدیقیة الأحکامیة لعلم الأُصول.
و لذا نری أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1))«البحث عن إمکان اجتماع الحکمین و امتناعه من المبادی التصدیقیة الأحکامیة» مع أنّه جعله فی ضمن کتابه الأُصول علی النهج الحدیث من المسائل الأُصولیة العقلیة.
((2)):
التحقیق أنّ المسألة من المبادی التصدیقیة، ضرورة أنّه لایترتّب فساد العبادة علی القول بالامتناع، بل القول به یوجب دخول دلیلی الوجوب و الحرمة فی باب التعارض و إجراء أحکامه علیهما لیستنبط من ذلک حکم فرعی، و قد عرفت فی ما تقدّم أنّ المیزان فی کون المسألة أُصولیة هو ترتّب نتیجة فرعیة علیها بعد ضمّ صغری نتیجة تلک المسألة إلیها، و لیس ذلک متحقّقاً فی ما نحن فیه قطعاً و علیه فالنزاع فی الجهة الأُولی یدخل فی مبادی بحث التعارض، کما أنّ النزاع فی الجهة الثانیة یدخل فی مبادی بحث التزاحم.
ص: 183
إنّ ما أفاده صحیح بالنسبة إلی بعض صور المسألة (بحسب اختلاف الأقوال) فهذه المسألة بحسب بعض الصور من المبادی التصدیقیة الأحکامیة و بحسب بعضها الآخر من المسائل الأُصولیة.
و علی هذا لابدّ أن یرجع القول الثالث إلی القول الثانی.
وجه ذلک هو أنّ البحث هنا عن عوارض فعل المکلّف فإنّ فعل المکلّف هو موضوع علم الفقه و الصلاة فی المکان الغصبی هو من مصادیق فعل المکلّف و المبحوث عنه هنا هو صحتها أو فسادها.
((1))
إنّ البحث فیها لیس عن صحّة العبادة و فسادها ابتداءً بل البحث فیها متمحّض فی سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به و عدم سرایته و من الواضح جدّاً أنّ البحث من هذه الناحیة لایرتبط بعوارض فعل المکلّف بل الصحّة التی هی من عوارض فعله تترتّب علی القول بعدم السرایة و نتیجةٌ لهذا القول و هذا ملاک کون هذه المسألة مسألة أُصولیة لا غیرها و ذلک لما تقدّم من أنّ المیزان فی کون المسألة أُصولیة ترتب نتیجة فقهیة علیها و لو باعتبار أحد طرفیها من دون ضمّ کبری مسألة أُصولیة أُخری.
ص: 184
و ذلک لأنّ البحث فیها عن استحالة اجتماع الأمر و النهی و إمکانه و البحث عن الاستحالة و الإمکان مناسب لعلم الکلام لا الأُصول.
((1))
إنّ الضابط فی کون المسألة کلامیة هو أن یکون البحث فیها عن أحوال المبدأ و المعاد و مسألتنا هذه و إن کانت مسألة عقلیة، إلّا أنّ البحث فیها لیس بحثاً عن أحوال المبدأ و المعاد.
و البحث عن سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر و عدم السرایة لایرتبط بالعقائد الدینیة و المباحث الکلامیة.
نعم یمکن إرجاع البحث فی هذه المسألة إلی البحث عن أحوال المبدأ و المعاد بتقریب أن یجعل البحث فیها عن قبح صدور الأمر و النهی منه تعالی بالإضافة إلی شیء واحد و عدم قبح ذلک منه تعالی و المسألة بهذه العنایة و إن کانت من المسائل الکلامیة، إلّا أنّ البحث فیها لیس عن هذه الجهة.
ص: 185
قال صاحب الکفایة (قدس سره):((1))«إنّه قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أنّ المسألة عقلیة» و الوجه فیه هو أنّ الحاکم باستحالة الاجتماع أو إمکانه هو العقل.
ثمّ قال صاحب الکفایة (قدس سره): «و لا اختصاص للنزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع فیها بما إذا کان الإیجاب و التحریم باللفظ» فهذا البحث یشمل ما إذا کان الإیجاب و التحریم مستفاداً من الأدلّة غیر اللفظیة.
هنا أمران یوهم اختصاص النزاع باللفظ:
و هو التعبیر بالأمر و النهی الظاهرین فی الطلب بالقول.
إنّ الغالب هو دلالة الأمر و النهی اللفظیین علی الإیجاب و التحریم و لهذه الغلبة عبّر عن الإیجاب و التحریم بما یدلّ علیهما غالباً و هو الأمر و النهی.
و هو ذهاب بعض الأُصولیین - و هو المحقّق الأردبیلی (قدس سره) فی شرح إرشاد الأذهان- إلی جواز الاجتماع عقلاً و امتناعه عرفاً فهذا یوهم أنّ مراده من الامتناع العرفی هو دلالة اللفظ عرفاً علی الامتناع فیکون البحث لفظیاً.
ص: 186
((1))
إنّ الامتناع العرفی لیس بمعنی دلالة اللفظ بل معناه هو أنّ الواحد فی عنوان المسألة الذی اجتمع فیه الأمر و النهی بالنظر الدقّی العقلی اثنان و لکن متعلّقهما بالنظر المسامحی العرفی واحد ذو وجهین.
و جواب المحقّق الخراسانی (قدس سره) مبنی علی تفسیر الامتناع العرفی بحیث لایتوهّم منه کون النزاع لفظیاً.
أجاب المحقّق الخوئی (قدس سره) بنحو آخر و هو بطلان القول بالامتناع العرفی فلاتصل النوبة إلی البحث عن مراد القائل من الامتناع العرفی.
فقال:((2)) إنّ نظر العرف إنّما یکون متبعاً فی مقام تعیین مفاهیم الألفاظ سعة و ضیقاً، لا فی مثل مسألتنا هذه حیث إنّه لا صلة لها بعالم اللفظ أبداً و لیس البحث فیها عن تعیین مفهوم الأمر و مفهوم النهی بل البحث فیها عن سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر أو عدم السرایة.
فإن کان المجمع واحداً بحسب الواقع و الحقیقة فلابدّ من القول بالسرایة و الامتناع.
و إن کان متعدّداً بحسب الواقع فعندئذ لو قلنا بأنّ الحکم الثابت لأحد
ص: 187
المتلازمین یسری إلی الملازم الآخر فلابدّ من القول بالامتناع و لکن هذا مجرّد فرض لا واقع له أصلاً.
و أمّا إذا قلنا بأنّ الحکم لایسری إلی الملازم الآخر کما هو الصحیح فلابدّ من الالتزام بعدم السرایة و القول بالجواز.
و من الطبیعی أنّ الملاک فی السرایة و عدمها - و هو وحدة المجمع و تعدّده- إنّما هو بنظر العقل.
ص: 188
إنّ ملاک البحث فی مسألة الاجتماع یشمل الواجب النفسی و الغیری و العینی و الکفائی و الواجب التعیینی و هکذا الحرمة النفسیة و الغیریة و العینیة و الکفائیة و التعیینیة.
و أمّا الواجب التخییری و الحرمة التخییریة فقد اختلف الأعلام فیهما:
فإنّ الشیخ الأنصاری و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) یقولون بعدم جریان النزاع فیهما و صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) و بعض الأعلام یقولون بشمول النزاع لهما.
أمّا التکلیف النفسی و العینی و التعیینی فلا إشکال فی جریان النزاع فیها.
أمّا التکلیف الغیری فکذلک لأنّه لایعقل أن یکون شیء واحد واجباً غیریاً و حراماً غیریاً لعدم إمکان الانبعاث نحو شیء و الانزجار عنه. (و ادّعی بعضهم الاستحالة من ناحیة المبدأ أیضاً لاستحالة محبوبیة الشیء الواحد و مبغوضیته).((1))
و هکذا التکلیف الکفائی فلایمکن اجتماع الوجوب الکفائی و التحریم الکفائی لعدم إمکان اجتماع المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی شیء واحد کما أنّه لایمکن امتثالهما أیضاً کما أفاده المحقّق الخوئی((2)).
ص: 189
هنا قولان:
إنّ النزاع یشمل جمیع أقسام الإیجاب و التحریم و ذلک لأمرین:
الأمر الأوّل: إنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع یعمّ جمیع أقسام الإیجاب و التحریم من النفسیین و الغیریین و العینیین و الکفائیین و التعیینیین و التخییریین، لأنّ الملاک و هو لزوم اجتماع الضدّین علی القول بالامتناع یعمّ الجمیع (و هذا دلیل ثبوتی).
الأمر الثانی: مقتضی إطلاق الأمر و النهی فی عنوان المسألة شمولهما لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم (و هذا دلیل اثباتی).
ثمّ إنّ ما قیل من عدم شمول مسألة اجتماع الأمر والنهی للوجوب و التحریم التخییریین لایخلو عن التعسّف.
مثال صاحب الکفایة (قدس سره) لجریان النزاع فی الوجوب و الحرمة التخییریین هو أنّه إذا أمر المولی بالصلاة و الصوم تخییراً بینهما و کذلک نهی عن التصرّف فی الدار و المجالسة للأغیار فصلّی المکلّف فیها مع مجالستهم، کان حال الصلاة فی الدار حال الصلاة التی أُمر بها تعییناً فی کونها جامعة لعنوانین أحدهما واجب و هو الصلاة و ثانیهما حرام و هو التصرّف فی الدار أو المجالسة للأغیار.
إنّ الصلاة و التصرّف فی الدار و إن کانا یجتمعان فی واحد ذی وجهین و لکن
ص: 190
التصرف فی الدار لیس متعلّق النهی، بل النهی تعلّق بالجمع بینه و بین مجالسة الأغیار فهذه المجموعة متعلّق النهی و هی لاتوجد مع الصلاة بوجود واحد بل هما متعدّدان وجوداً مضافاً إلی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات من أنّ الحرمة التخییریة غیر معقول.
((1))
بیان المحاضرات: إنّ النزاع لایجری فی التخییریین، لعدم إمکان اجتماع الوجوب و الحرمة التخییریین فی شیء واحد لیقع التنافی بینهما، و الوجه فیه هو أنّ الحرمة التخییریة تمتاز عن الوجوب التخییری فی نقطة واحدة و تلک النقطة تمنع عن اجتماعهما فی شیء واحد و هی أنّ مردّ الحرمة التخییریة إلی حرمة الجمع بین فعلین باعتبار قیام مفسدة ملزمة بالمجموع لا بالجامع بینهما و إلّا لکان کلّ من الفعلین محرّماً تعییناً.
فالوجوب تعلّق بالجامع بین أطراف الوجوب التخییری و النهی تعلّق بالجمع بینها و لاتنافی بین إیجاب الجامع بین شیئین و حرمة الجمع بینهما لا بحسب المبدأ و لا بحسب المنتهی.
أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا مانع من قیام مصلحة ملزمة بالجامع بینهما و قیام مفسدة ملزمة بالمجموع منهما، ضرورة أنّ المانع إنّما هو قیام کلتیهما بشیء واحد لا قیام إحداهما بشیء و الأُخری بشیء آخر.
و أمّا بحسب المنتهی فلفرض أنّ المکلّف قادر علی امتثال کلا التکلیفین معاً لأنّه إذا أتی بأحدهما و ترک الآخر فامتثل کلیهما.
ص: 191
فلاتنافی بینهما أصلاً لا فی المبدأ و لا فی المنتهی؛ هذا بناء علی ما حققناه فی بحث الواجب التخییری من أنّ الواجب هو الجامع بین فعلین أو أفعال.
و أمّا بناء علی أن یکون الواجب هو کلّ واحد منهما بخصوصه، غایة الأمر یسقط أحدهما عند الإتیان بالآخر فلاتنافی بینهما (أعنی بین الواجب التخییری و الحرام التخییری) أیضاً.
أمّا بحسب المنتهی فواضح لأنّه قادر علی امتثال التکلیفین بإتیان أحدهما و ترک الآخر.
و أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا منافاة بین قیام مصلحة بکلّ واحد منهما خاصّة بحیث مع استیفاء تلک المصلحة فی ضمن الإتیان بأحدهما لایمکن استیفاء الأُخری فی ضمن الإتیان بالآخر، و قیام مفسدة بالجمع بینهما فی الخارج کما هو ظاهر.
بیان الدراسات((1)): أمّا الحرمة التخییریة کالوجوب التخییری فالظاهر أنّها غیر معقول و ذلک لأنّ معنی الوجوب التخییری أن تکون المصلحة قائمة بالجامع، فیکون الوجوب فی مقام الجعل متعلّقاً بالجامع بحیث یکون خصوصیات الفعل کلّها ملغاة، و فی التحریم لو فرضنا أیضاً أنّ المفسدة قائمة بالجامع و کانت خصوصیات الأفعال ملغاة، فلازمه حرمة کلّ من الأفعال و عدم جواز الإتیان بشیء منها و هذا خلاف المطلوب و إن کانت المفسدة قائمة بالمجموع و تعلّق النهی أیضاً بالمجموع، فالتخییر و إن کان ثابتاً إلّا أنّه تخییر فی مقام الامتثال لا الجعل، فإنّ المکلّف فی مقام امتثال النهی مخیر بین ترک المجموع و ترک کلّ منهما دون الآخر و هذا غیر التخییر المصطلح و نظیره مسألة التصویر
ص: 192
التامّ فإنّه حرام، فیتخیر المکلّف فی مقام الامتثال بین الترک رأساً و ترک تصویر الرأس أو الطرف الأیمن أو الأیسر و هکذا و هذا لیس تخییراً فی الحکم.
ص: 193
و الوجه فی ذلک هو أنّ المکلّف فی فرض وجود المندوحة قادر علی الصلاة فی خارج الأرض المغصوبة فلا مانع من توجّه التکلیف بالصلاة إلیه و لایکون التکلیف بالصلاة تکلیفاً بالمحال.
أمّا فی فرض عدم المندوحة فلایقدر المکلّف علی الإتیان بالصلاة خارج الأرض المغصوبة لفرض عدم المندوحة و لا فی الأرض المغصوبة لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً فالتکلیف بالصلاة حینئذ تکلیف بالمحال فلایجری النزاع حینئذ لعدم إمکان التکلیف بالأمر فینتفی موضوع اجتماع الأمر والنهی.
قال بعدم اعتبارها((1)) فی ما هو المهم فی محلّ النزاع من لزوم المحال و هو اجتماع الحکمین المتضادّین أو عدم لزومه حیث إنّ البحث فی أنّ تعدّد الوجه هل یجدی فی رفع غائلة اجتماع الضدّین أو لایجدی؟ و لایتفاوت فی هذا البحث وجود المندوحة و عدمها.
فالمندوحة غیر معتبر فی هذا البحث بلحاظ مرحلة الجعل (جعل الوجوب و الحرمة المتعلّقین بالواحد ذی الوجهین).
أمّا وجود المندوحة فی مقام الامتثال و الإطاعة فمعتبر حیث إنّه بدون وجود المندوحة لایقدر علی الامتثال فلابدّ من اعتبارها فی الحکم بالجواز فعلاً لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً و محالاً.
ص: 196
و لا دخل لاعتبار المندوحة بما هو المحذور فی بحث اجتماع الأمر و النهی من التکلیف المحال.
((1))
أوّلاً: إنّ حیثیة تعدّد المعنون بتعدّد العنوان و عدمه حیثیة تعلیلیة للجواز و عدمه و لیست حیثیة تقییدیة مقوّمة للموضوع (أی موضوع مسألة اجتماع الأمر و النهی)، لئلا یحتاج عنوان البحث إلی التقیید بالمندوحة، لیتمحّض البحث فی خصوص الجواز و الامتناع من حیث خصوص التضادّ و عدمه (بل البحث أعمّ من هذه الحیثیة بل هناک حیثیات أُخر دخیلة فی جواز الاجتماع أو امتناعه).
و جعل البحث جهتیاً و حیثیاً (أی من جهة تعدّد المعنون بتعدّد العنوان) غیر صحیح، مع أنّ عنوان مسألة اجتماع الأمر و النهی لایناسب ذلک لأنّه أعمّ من هذه الجهة و الحیثیة.
ثانیاً: إنّ غرض الأُصولی فی بحث جواز الاجتماع یترتّب علی الجواز الفعلی، فلابدّ من تعمیم البحث و إثبات الجواز من جمیع الوجوه اللازمة من تعلّق الأمر و النهی بواحد ذی وجهین، لا الوجوه العارضة من باب الاتفاق فالبحث عن جواز الاجتماع أو امتناعه لایشمل تلک الوجوه العارضة الاتفاقیة غیر اللازمة.
فلایقاس وجود المندوحة أو عدمها ( الذی هو من الوجوه اللازمة) بسائر الجهات الاتفاقیة المانعة عن الحکم بالجواز فعلاً.
ص: 197
یمکن أن یقال بعدم لزوم التقیید بالمندوحة من طریق آخر و هو أنّه لو کان تعدّد الوجه مجدیاً فی تعدّد المعنون لکان مجدیاً فی التقرب به من حیث رجحانه فی نفسه فإنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال و لایمنع عن الرجحان الذاتی الصالح للتقرب به، فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من حیث التضادّ یکفی من حیث ترتّب الثمرة و هی صحّة الصلاة فلا موجب للتقیید بالمندوحة لا علی القول بالتضادّ لکفایة الاستحالة من جهة التضادّ فی عدم الصحّة و لا علی القول بعدم التضادّ لما عرفت من کفایة تعدّد الجهة من حیث التقرّب أیضاً.((1))
((2))
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یری أنّ النزاع فی جهتین:
الجهة الأُولی: هی سرایة کلّ من الحکمین إلی متعلّق الآخر و عدم سرایته.
الجهة الثانیة: هی أنّه بناء علی السرایة هل یوجب انطباقهما علی شیء واحد وقوع التزاحم بین حکمیهما أو لا؟
أمّا النزاع من الجهة الأُولی فلا فرق فیه بین وجود المندوحة و عدمها، و أمّا النزاع من الجهة الثانیة فلابدّ من أن یکون مع وجود المندوحة، إذ وقوع التزاحم مع عدم المندوحة و انحصار الطبیعة المأمور بها فی المجمع واضح لایخفی، و من
ص: 198
اعتبر قید المندوحة فی محلّ الکلام فقد نظر إلی ذلک ثمّ إنّه بناء علی الجواز فإن قلنا فی اعتبار القدرة بمقالة المحقّق الثانی (قدس سره) فلایکون صغری التزاحم و إن قلنا فی اعتبار القدرة بمقالة المحقّق النائینی (قدس سره) فیکون البحث من صغریات التزاحم.
((1))
إنّ ما أفاده یفترق عن بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی أمرین:
الأوّل: إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یری أنّ النزاع هو فی الجهة الأُولی و لذا قال: إنّ اعتبار وجود المندوحة فی مقام الامتثال أجنبی عمّا هو محلّ النزاع فی المسألة، فإنّ محل النزاع فیها کما عرفت السرایةُ و عدمها و هما لایبتنیان علی وجود المندوحة.
الثانی: قال المحقّق النائینی (قدس سره) - بناء علی القول بالجواز مع المندوحة: إنّ البحث من صغریات التزاحم حیث یقول باعتبار القدرة باقتضاء نفس الخطاب کما مضی((2)) فی بحث الضدّ.
و لکن المحقّق الخوئی (قدس سره) مثل المحقّق الثانی (قدس سره) یقول: إنّ البحث لایکون من صغریات التزاحم بل یستنبط منه الحکم الشرعی بدون إعمال قواعد التزاحم.
أمّا مع عدم وجود المندوحة فکلاهما یتّفقان علی أنّ المسألة من صغریات التزاحم.
فتحصّل من ذلک عدم اعتبار قید المندوحة فی عنوان البحث و محل النزاع إلّا
ص: 199
أنّه علی القول بالجواز یختلف الحال بحسب وجود المندوحة و عدمها.((1))
ص: 200
هل یبتنی أصل النزاع أو اختیار الجواز و الامتناع علی تعلّق الأحکام بالطبائع و الأفراد أو لا؟
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أشار هنا((1)) إلی توهّمین ثم أجاب عنهما فلابدّ من البحث عنهما لدخلهما فی الحکم بالجواز أو الامتناع.
إنّ النزاع فی الجواز و الامتناع یبتنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع، و
ص: 201
أمّا بناء علی تعلّق الأحکام بالأفراد فلابدّ من القول بالامتناع و لا وجه حینئذ للقول بالجواز.
توضیح ذلک: إن قلنا بتعلّق الأحکام بالطبائع فقد اختلفوا فی أنّ الإتحاد الوجودی بین الطبیعتین هل یوجب وحدة متعلّق الأمر و النهی حتّی نقول بالامتناع أو لایوجب وحدة متعلّق الأمر و النهی حتّی نقول بالجواز.
و أمّا إن قلنا بتعلّق الأحکام بالأفراد یلزم تعلّق الحکمین بواحد شخصی و لو کان ذا وجهین لأنّ المشخصات مقوّمة للفرد.
إنّ القول بالجواز مبنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع لتعدّد متعلّق الأمر و النهی ذاتاً و إن اتّحدا وجوداً و القول بالامتناع مبنی علی القول بتعلّق الأحکام بالأفراد لاتّحاد متعلّقهما شخصاً خارجاً و کون متعلّقهما فرداً واحداً.
و الجواب یتوقف علی بیان مقدّمات ثلاث:
قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی بیان الفرق بین الطبیعة و الحصّة و الفرد: إنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی «الطبیعی» و أخری مضافة إلی قید کلّی فالمضاف هی «الحصة» لا مجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو «الفرد» و تسمّی بالماهیة
ص: 202
الشخصیة أو الماهیة الجزئیة أیضاً.
ثمّ إنّ الماهیة الشخصیة المتّحدة مع الوجود موجودة بنفس ذلک الوجود و هذه الماهیة الشخصیة فرد للطبیعة الکلّیة و حیث إنّ الماهیة الشخصیة متّحدة مع الوجود بالذات فطبیعیها متّحد مع الوجود بالعرض و الطبیعی موجود فی الخارج بالعرض و فرده (و هی الماهیة الشخصیة) واسطة فی العروض.
إنّهم اختلفوا فی متعلّق الأمر و الطلب و خلاصة ذلک:
قال المحقّق الخراسانی (قدس سره): متعلّق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و حیث إنّ الأمر طلب الوجود فمتعلّق الأمر هو الطبیعی.
و المحقّق النائینی (قدس سره) قال: متعلّقات الأحکام الطبائع الفانیة فی أفرادها و أیضاً قال: متعلّق الحکم الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصّل.
و المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّ الطلب یتعلّق بالطبیعی لا الفرد.((1))
و المحقّق العراقی (قدس سره) رأی أنّ متعلّق الأمر هو الطبیعی بما هو خارجی أی بما أنّه مرآة إلی الخارج.
و المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال: إنّ متعلّق الأمر هو الفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الحقیقی الفرضی لا بوجوده التحقیقی و ذلک لأنّ طبیعة الشوق تتعلّق بما له جهة وجدان و فقدان إذ لو کان موجوداً من کلّ جهة لکان طلبه تحصیلاً للحاصل و لو کان مفقوداً من کلّ جهة لم یکن طرف یتقوّم به الشوق فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فیشتاق إلیه فما هو المقوّم للشوق الموجود بالفرض و
ص: 203
التقدیر لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هنا هو الأصحّ.
إنّ معنی تعلّق التکلیف بالفرد هو تعلّقه بالماهیة الشخصیة بوجود الحقیقی الفرضی و ما یعبّر عنه بالعوارض المشخّصة هی لوازم الوجود و التشخّص و هی أفراد لطبائع شتّی لکلّ منها وجود و ماهیة، و لیس لازم تعلّق التکلیف بالفرد دخول لوازم الوجود و التشخص فی المکلّف به، بل تشخّص کلّ فرد بنفس وجوده لا بوجود آخر فلایعقل أن یکون عوارض الفرد (التی هی موجودة بوجود آخر غیر وجود هذا الفرد) مشخّصاً لهذا الفرد حتّی یقال بدخولها فی متعلّق التکلیف.
فتحصّل من هذه المقدّمات أنّه لا فرق فی محل النزاع بین تعلّق التکلیف بالطبیعة أو الفرد إلّا بالماهیة الکلّیة و الماهیة الشخصیة المضافة إلی الوجود الفرضی فالعوارض و لوازم الوجود خارجة عن متعلّق الحکم علی کلا القولین کما أنّ الوجود الخارجی الحقیقی أیضا خارج عن متعلّق الحکم.
فعلی هذا إنّ النزاع فی سرایة الحکم من متعلّق الأمر أو النهی إلی الآخر یتصوّر بالنسبة إلی کلا القولین؛ هذا بالنسبة إلی التوهّم الأوّل.
و إنّ تعلّق الأمر و النهی بالطبائع لایقتضی تعدّد المتعلّق و تعلّقهما بالأفراد أیضا لایقتضی وحدة المتعلّق بل ملاک وحدة المتعلّق و تعدّده فی الأمر و النهی هو أنّ تعدّد الوجه و العنوان هل یجدی فی تعدّد المتعلّق بحیث لایضرّ معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد أو لا؟ بلا فرق فی ذلک بین تعلّق الحکم بالطبیعی أو الفرد.
ص: 204
توهّم فی المقام:
قد یتوهّم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة هی حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع علی اجتماع الأمر و النهی حیث إنّه:
إن قلنا بأصالة الوجود فیکون متعلّق الأمر و النهی هو الوجود و هو أمر واحد فیسری الحکم من متعلّق الأمر و النهی إلی الآخر فلابدّ من المصیر إلی القول بالامتناع.
و إن قلنا بأصالة الماهیة فیکون متعلّق الأمر و النهی الماهیة و الماهیات متباینة بالذات و لایمکن اتحاد ماهیة مع ماهیة أُخری و نتیجة ذلک تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابد من القول بالجواز.
((1))
إنّه علی القول بأصالة الوجود و إن کانت حقیقة الوجود واحدة إلّا أنّ لها مراتب عدیدة و تتفاوت تلک المراتب بالشدّة و الضعف و کلّ مرتبة منها تباین المرتبة الأُخری.
و من ناحیة ثانیة: لکلّ مرتبة منها عرض عریض و أفراد کثیرة.
و من ناحیة ثالثة: لکلّ وجود ماهیة واحدة و حدّ فارد و یستحیل أن یکون لوجود واحد ماهیتان و حدّان کما أنّه لایعقل أن یکون لماهیتین وجود واحد.
ص: 205
فالنتیجة هی أنّ المجمع فی مورد الاجتماع و التصادق إذا کان وجوداً واحداً فلامحالة یکون له ماهیة واحدة فلا فرق بین القول بأصالة الوجود و القول بأصالة الماهیة.
إنّ ما أفاده من أنّ لکلّ وجود ماهیة واحدة یصحّ بالنسبة إلی الماهیة الحقیقیة لا الماهیات المرکّبة الجعلیة.
فالحق فی الجواب هو أن یقال: إنّ الحکم الشرعی لایتعلّق بما له الأصالة فی الخارج کما مرّ مراراً و إلّا یلزم تحصیل الحاصل مضافاً إلی أنّ الوجود الخارجی بناء علی أصالة الوجود أو الماهیة الخارجیة بناء علی أصالة الماهیة موجب لسقوط التکلیف فلایعقل أن یتعلّق التکلیف بالمتأصّل الخارجی، فلابدّ أن یتعلّق الحکم بالعنوان.
ص: 206
((1))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) کان بصدد بیان الفرق بین مسألة الاجتماع و باب التعارض حیث إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و جمعاً من الأعلام ذهبوا إلی أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالامتناع من صغریات التعارض (کما مرّ ذلک فی کلام المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) أیضاً) و لکنّه لم یرتض بذلک و ما أفاده هنا یکون بالنظر إلی مقامی الثبوت و الإثبات.
الصورة الأُولی: أن یکون لکلّ واحد من متعلّقی الأمر و النهی ملاک الحکم مطلقاً حتّی فی مورد التصادق و الاجتماع فحینئذ إن قلنا بجواز الاجتماع نأخذ بکلا الملاکین و نحکم علی مورد التصادق و المجمع بکلا الحکمین، و إن قلنا بامتناع الاجتماع نأخذ بأقوی المناطین و نحکم علی مورد الاجتماع بحکم المناط الأقوی، و إن لم یکن أحدهما أقوی من الآخر نحکم علی مورد الاجتماع بحکم آخر مثل الإباحة.
الصورة الثانیة: أن یکون أحدهما غیرُ المعین ذا ملاک مطلقاً و کان الآخر فاقداً له أی فاقداً للملاک المطلق بحیث یشمل مورد الاجتماع، فلایکون حینئذ من باب اجتماع الأمر و النهی بل یکون من باب التعارض، و حینئذ مورد الاجتماع محکوم بالحکم الذی ملاکه و مناطه مطلق بحیث یشمل مورد التصادق و الاجتماع.
ص: 207
الصورة الثالثة: أن یکون کلّ واحد من متعلّق الأمر و النهی فاقداً للملاک المطلق بحیث یشمل مورد الاجتماع فلابدّ أن یحکم فی مورد الاجتماع بحکم آخر غیر الوجوب و الحرمة، لأنّا افترضنا عدم ملاک الوجوب و الحرمة فی مورد الاجتماع، فهذه الصورة أیضاً لیست من باب اجتماع الأمر و النهی.
إنّ الروایتین الدالّتین علی الحکمین إن کانتا من قبیل الصورة الأُولی المذکورة فی مقام الثبوت فالمقام من صغریات التزاحم بین المقتضیین و یکون من باب اجتماع الأمر و النهی لا التعارض، فحینئذ ربما کان الترجیح مع ما هو أضعف دلیلاً لکونه أقوی مناطاً.
فلا مجال حینئذ لملاحظة مرجّحات الروایة من المرجّحات السندیة و الدلالیة بل لابدّ من ملاحظة مرجّحات المقتضیات المتزاحمات.
ثمّ إنّه إذا احتملنا أنّهما من قبیل الصورة الأُولی لابدّ أن نعدّهما من باب الاجتماع و نحکم علیهما بقواعد التزاحم (حیث قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّه إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی فهما من باب التعارض و إلّا فکان من باب التزاحم فیفهم من هذا الکلام أنّ صورة عدم الإحراز من التزاحم).
ثم استدرک علی ما أفاده بالنسبة إلی الصورة الأُولی فی ما إذا کانت الروایتان ظاهرتین فی الحکم الفعلی فحینئذ یقع التعارض بینهما لکذب أحد الدلیلین.
فلابدّ من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم یوفّق بینهما بحمل أحدهما علی الحکم الاقتضائی بملاحظة مرجحات باب المزاحمة.
(ثمّ إنّ قوله «لو لم یوفّق بینهما» إن کان راجعاً إلی ما أفاده من وقوع التعارض فیکون معناه أنّ مورد الجمع العرفی لایجتمع مع مورد التعارض، و إن کان
ص: 208
راجعاً إلی قوله «لابدّ من ملاحظة مرجحات باب المزاحمة» فیکون مورد الجمع العرفی داخلاً فی التعارض و الوجه الأوّل هو الصحیح).
و أمّا إن کانتا من قبیل الصورة الثانیة فیحکم علیهما بقواعد التعارض من الترجیح و التخییر
فالمقام من باب التعارض و لیس من باب اجتماع الأمر و النهی.
و أمّا إن کانتا من قبیل الصورة الثالثة فظاهر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) عدّهما من باب التعارض حیث أشار إلی الصورة الثانیة و الثالثة بقوله «فالرویتان الدالّتان علی الحکمین متعارضتان إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی فلابدّ من عمل المعارضة حینئذ بینهما من الترجیح و التخییر».
لأنّ ما هو من قبیل الثانی عنده هو ما إذا لم یکن للمتعلّقین مناط مطلقاً سواء کان المناط لأحدهما (و هی الصورة الثانیة من الصور الثلاث) أو لم یکن المناط لواحد منهما (و هی الصورة الثالثة من الصور الثلاث).
و لکن بعض شروح الکفایة((1)) فسّره بأنّ الدلیلین الفاقدین للملاک لیسا من باب التعارض و التزاحم.
((2))
إنّ النزاع فی المقام کما یجری علی القول بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد یجری علی القول بعدم تبعیتها لها، کما ذهب إلیه الأشعری، ضرورة أنّ استحالة
ص: 209
اجتماع حکمین فی فعل واحد الناشئة من تضادّ الأحکام لایختلف فیها أنظار العقلاء، و الأشعری و غیره فیه سواء.
فما ذکره المحقّق صاحب الکفایة (قدس سره) من ابتناء النزاع فی المقام علی کون المجمع واجداً لملاک الأمر و النهی فی غیر محلّه.
((1))
إنّ ما أفاده - من أنّ الضابط للتعارض بین الدلیلین، کون مورد اجتماعهما مشتملاً علی مناط أحدهما- لا أصل له، و ذلک لأنّ النزاع یجری حتّی علی قول الأشعری الذی أنکر تبعیة الأحکام للملاکات فالضابط للتعارض هو عدم إمکان ثبوت الحکمین فی مقام الجعل و أنّ ثبوت کلّ منهما ینفی الآخر و یکذبه.
((2))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی بحث التعادل و التراجیح بأنّ التعارض عبارة عن تنافی الدلیلین بالتناقض أو بالتضادّ، إمّا بالذات و إمّا بالعرض.
و التنافی بالتناقض و بالذات مثل دلالة أحد الدلیلین علی الوجوب و الآخر علی عدم الوجوب و التنافی بالتضادّ و بالذات مثل دلالة أحدهما علی الوجوب و دلالة الآخر علی الحرمة و التنافی بالعرض مثل دلالة أحد الدلیلین علی وجوب صلاة الجمعة و دلالة الآخر علی وجوب صلاة الظهر یوم الجمعة مع تحقّق الإجماع و الضرورة علی وجوب أحدهما فنعلم بکذب أحد الدلیلین فعلی
ص: 210
هذا مدار التعارض عنده هو التنافی فی مرحلة الجعل و لکن فی هذا المقام یتحقّق هذا الضابط فی ما إذا لم یکن لأحد الدلیلین ملاک فما أفاده هنا لیس ضابطاً کلّیاً للتعارض.
((1))
ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام الإثبات من أنّ الروایتین إذا کانتا من قبیل الصورة الأُولی (وجود الملاکین لکلا الحکمین) أو احتملنا ذلک، کان من باب التزاحم بین المقتضیین فلابدّ من تقدیم ما هو أقوی مناطاً ففیه أنّ التزاحم علی نوعین: التزاحم بین الملاکات و التزاحم بین الأحکام.
أمّا التزاحم بین الملاکات فخارج عن محلّ الکلام، لأنّ الترجیح فیه بید المولی دون العبد فله أن یلاحظ الملاکات الواقعیة و یرجّح بعضها علی بعضها الآخر و لیس ذلک من وظیفة العبد، فإنّ وظیفته امتثال الأحکام المجعولة من قبل المولی.
مضافاً إلی أنّه لیس للعبد طریق إلی معرفة الملاکات مع قطع النظر عن الأحکام المجعولة.
أمّا التزاحم بین الأحکام فهو داخل فی محل الکلام إلّا أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) إن أراد من التزاحم بین المقتضیات التزاحم بین الدلیلین فی مرتبة الاقتضاء ففیه أنّ التزاحم هو تنافی الحکمین فی مرتبة الفعلیة الناشئ من عدم قدرة المکلّف علی الجمع بینهما فی مقام الامتثال من دون أی تناف بینهما فی مقام الإنشاء و الجعل.
فما أفاده من أنّه کان من باب التزاحم بین المقتضیین لایرجع إلی معنی محصّل.
ص: 211
إنّ التزاحم بین الأحکام فی مرحلة الامتثال فی ما إذا اتّحد الموضوع یرجع إلی التزاحم بین ملاکات الأحکام و حینئذ قد نعرف من لسان الأدلّة الشرعیة و اهتمامها ببعض الواجبات و جعلها من أرکان الدین (مثل الصلاة) أقوائیة ملاکها بالنسبة إلی البعض الآخر و أما إذا لم نعرف ملاکات الأحکام تفصیلاً فالإیراد غیر وارد.
(و هذا الإیراد هو بالنسبة إلی صغرویة بحث الاجتماع لکبری التزاحم و التعارض فی الصورة الأولی).
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) - و تبعه المحقّق العراقی (قدس سره) ((1))- قال: الصورة الأُولی و هی وجود الملاک لکلا الحکمین یکون من باب الاجتماع لا التعارض فعلی القول بالجواز نحکم علی المجمع بکلا الحکمین و علی القول بالامتناع نحکم علی المجمع بحکم أقوی المناطین و إن لم یکن أحدهما أقوی نحکم علیه بحکم آخر مثل الإباحة.
و خالفهما المحقّق النائینی (قدس سره) ((2))- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3))- و إلیک بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): (فإنّ ما أفاده علی القول بالجواز یختلف بحسب مبناه فی أخذ القدرة عمّا أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) کما تقدّم فلانعید).
ص: 212
فی المسألة ثلاث صور:
إنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالجواز و عند عدم المندوحة تدخل فی کبری التزاحم.
إذا کانت له مندوحة فهل یدخل فی کبری التزاحم أو لا؟
نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
قد اختار المحقّق النائینی (قدس سره) أنّها صغری للتزاحم و قال: إنّ أوّل مرجّحات باب التزاحم هو ما إذا کان لأحد الحکمین المتزاحمین بدل دون الحکم الآخر فیتقدّم ما لیس له بدل علی ما له بدل فی مقام المزاحمة و هذا إنّما یتحقّق فی أحد الموردین:
الأوّل: ما إذا زاحم بعض أفراد الواجب التخییری الواجب التعیینی، کما إذا وقعت المزاحمة بین صرف المال الموجود عنده فی نفقة عیاله و صرفه فی إطعام ستّین مسکیناً مثلاً بعد فرض أنّه لایکفی إلّا أحدهما و حیث إنّ للثانی بدلاً فی عرضه و هو صوم شهرین متتابعین فیتقدّم الأوّل (نفقة العیال) علیه فی صورة المزاحمة مطلقاً و لو کان ما له البدل (إطعام ستین مسکیناً) أهمّ من نفقة عیاله.
الثانی: ما إذا وقعت المزاحمة بین الأمر بالوضوء أو الغسل، و الأمر بغسل الثوب أو البدن للصلاة و بما أنّ للوضوء أو الغسل بدلاً فی طوله و هو التیمم فیتقدّم غسل الثوب و البدن علیه، فتنتقل الوظیفة إلی التیمم.
ص: 213
أما المورد الأوّل فإنّه خارج عن کبری التزاحم و ذلک لما ذکرناه فی بحث الواجب التخییری من أنّ الواجب هو الجامع بین الفعلین أو الأفعال لا کلّ واحد منهما، مثلاً: الواجب فی خصال الکفارة هو الواحد لا بعینه، لا کلّ واحد منها خاصة؛ هذا من ناحیة.
و من ناحیة أُخری: قد ذکرنا أنّ منشأ التزاحم بین الحکمین إنّما هو عدم تمکّن المکلّف من الجمع بینهما فی مرحلة الامتثال.
فالنتیجة هو عدم التزاحم لأنّ ما هو الواجب و هو الجامع بینها لایکون مزاحماً للأمر بصرف هذا المال فی النفقة و ما هو مزاحم له و مانع عنه -و هو إطعام ستین مسکیناً- لیس بواجب.
و أما المورد الثانی فقد تقدّم فی بحث التزاحم أنّه داخل فی کبری التعارض.
فبالنتیجة مسألة الاجتماع علی القول بالجواز و وجود المندوحة داخلة فی کبری التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) و خارجة عنها عند المحقّق الخوئی (قدس سره) .
إنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع تدخل فی کبری التعارض و اتّفق فی ذلک المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و نقل ذلک عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً خلافاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق العراقی (قدس سرهما) .
قال المحقّق الخوئی (قدس سره) فی وجه ذلک:((1))
ص: 214
(قبل بیان ذلک لابدّ من أن نتذکّر أنّ النقطة الأساسیة للفرق بین التزاحم و التعارض عند المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ فی باب التزاحم لایقدر المکلّف علی الجمع بین الحکمین المتزاحمین فی مقام الامتثال بلا منافاة و مضادّة فی مقام الجعل و لکن حقیقة التعارض هی التنافی و التعاند بین الحکمین فی مقام الجعل و الثبوت و عدم إمکان جعل کلیهما).((1))
إنّ القول بالامتناع یرتکز علی سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به و علی هذا تقع المعارضة لامحالة بین دلیلی الحکمین کالوجوب و الحرمة مثلاً لما عرفت من أنّ مردّ هذا القول إمّا إلی القول بإتحاد المجمع حقیقة أو القول بسرایة حکم أحد المتلازمین إلی الآخر و علی کلا التقدیرین لامحالة یکون أحد الدلیلین کاذباً فی مورد الاجتماع و ذلک لاستحالة أن یکون المجمع عندئذ مصداقاً للمأمور به و المنهی عنه معاً، و علیه فلامحالة یدلّ کلّ من دلیلی الأمر و النهی علی نفی مدلول الدلیل الآخر مع بقاء موضوعه بحاله.
فإذن لابدّ من الرجوع إلی قواعد باب المعارضة:
فإن کان التعارض بینهما بالإطلاق کما هو الغالب یسقطان معاً فیرجع إلی الأصل اللفظی فی المسألة إن کان و إلّا فإلی الأصل العملی.
و إن کان بالعموم یرجع إلی أخبار الترجیح إذا کان التعارض بین الخبرین و إلّا فإلی قواعد أُخر علی تفصیل مذکور فی محلّه.
و إن کان أحدهما مطلقاً و الآخر عامّاً فیتقدّم العام علی المطلق، لأنّه یصلح أن یکون بیاناً له دون العکس.
ص: 215
و إن کان أحدهما لبیاً و الآخر لفظیاً فیتقدّم الدلیل اللفظی علی الدلیل اللبّی کما هو واضح.
و إن کان کلاهما لبیاً فلابدّ من الرجوع فی المسألة من أصل لفظی أو عملی.
((1))
(و هذا الإیراد یتوجه علی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی).
إنّ موارد التوفیق العرفی غیر موارد التعارض، فإذا فرض التعارض بین الدلیلین فمعناه أنّه لایمکن الجمع العرفی بینهما و أما إذا أمکن ذلک فلا تعارض، ففرض التعارض و فرض إمکان الجمع العرفی لایجتمعان.
إنّ ما أفاده مبنی علی التفسیر الثانی لقوله «لو لم یوفق» فی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی و أمّا علی التفسیر الأوّل فلا.((2))
((3))
[بالنسبة إلی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی].
إنّ التوفیق العرفی بین الدلیلین إنّما یکون بملاحظة مرجّحات باب الدلالة،
ص: 216
کأن یکون أحدهما أظهر من الآخر أو نحو ذلک، لا بملاحظة مرجّحات باب المزاحمة، لوضوح الفرق بین البابین و أنّ أحدهما أجنبی عن الآخر بالکلّیة، ضرورة أنّ مرجّحات باب المزاحمة توجب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه و هو القدرة و لاتوجب التصرف بالحمل علی الاقتضاء أو نحوه کما هو ظاهر.
((1))
[و الإیراد یتوجه إلی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی].
إنّ هذا الحمل (أی حمل الأمر و النهی علی بیان المقتضی فی متعلّقه) خارج عن الفهم العرفی و لایساعد علیه العرف أبداً.
((2))
[و الإیراد یتوجه إلی استدراک صاحب الکفایة ذیل الصورة الأُولی].
إنّ هذا الحمل لایجدی فی دفع المحذور اللازم من اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و ذلک لأنّ اجتماع المصلحة و المفسدة فی شیء واحد فی نفسه و إن کان لا مانع منه، إلّا أنّ ذلک لایمکن من جهة تأثیر المصلحة فی محبوبیته و تأثیر المفسدة فی مبغوضیته، لاستحالة أن یکون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً.
نتیجة البحث: أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالجواز مع عدم المندوحة من صغریات التزاحم و أمّا مع وجودها فلیس صغری للتعارض و لا للتزاحم (بل هی بهذا الوجه تکون مسألة أُصولیة) و أمّا بناء علی القول بالامتناع فمسألة الاجتماع من صغریات التعارض.
ص: 217
((1))
قال صاحب الکفایة (قدس سره) أوّلاً: إنّ المعتبر فی هذا الباب و هو باب اجتماع الأمر و النهی أن یکون کلّ واحد من الطبیعة المأمور بها و المنهی عنها، مشتملة علی مناط الحکم مطلقاً حتّی فی حال الاجتماع.
ثم قال (قدس سره): إن کان دلیل خارجی مثل قیام إجماع أو نحوه یدلّ علی وجود الملاک فی کلا الحکمین فالمسألة داخلة فی باب اجتماع الأمر و النهی.
و إن لم یکن دلیل خارجی علیه بل لم یکن إلّا إطلاق دلیلی الحکمین فهنا تفصیل:
الصورة الأُولی: أن یکون الإطلاق فی مقام بیان الحکم الاقتضائی فهذا الإطلاق دلیل علی ثبوت المقتضی و المناط فی مورد الاجتماع فیکون من باب الاجتماع.
الصورة الثانیة: أن یکون الإطلاق فی مقام بیان الحکم الفعلی.
فإن قلنا بالجواز فالإطلاق حینئذ یکون دلیلاً و قرینة علی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین بالنسبة إلی المجمع فیکون البحث من باب اجتماع الأمر و النهی إلّا إذا علم من الخارج بکذب أحد الدلیلین و عدم جعله فحینئذ یعامَلان معاملة المتعارضین فلابدّ من الرجوع إلی قواعد باب التعارض.
و إن قلنا بالامتناع فالإطلاق لایکون دلیلاً علی ثبوت المقتضی فی الحکمین فیقع التعارض.
ص: 218
و بیان ذلک هو أنّ الإطلاقین متنافیان، من غیر دلالة علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الاجتماع أصلاً، فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون لأجل انتفاء المقتضی.
ثم استثنی من ذلک ما یمکن به رفع التعارض بأن یقال: إنّ الإطلاقین (علی القول بامتناع الاجتماع) یحملان علی الحکم الاقتضائی فهما یدلان علی ثبوت المقتضی و المناط فی کلا الحکمین فیکون من باب الاجتماع؛ هذا فی ما إذا لم یکن أحدهما أظهر. و إن کان أحدهما أظهر من الآخر فیحمل ما هو الظاهر علی الحکم الاقتضائی و الأظهر یبقی علی الفعلیة.
((1))
و هی ما تقدّم فی الأمر الثامن من أنّ مسألة الاجتماع لاترتکز علی وجهة نظر مذهب دون آخر فلابدّ من ملاحظة قول من لایری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد کالأشعری.
و هی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)):
ص: 219
ص: 220
إنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیاً ثابتاً لموضوعه المقدّر وجوده و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً، فکون الحکم فی محل الاجتماع فعلیاً مرّة و اقتضائیاً مرّة أُخری غیر معقول.
توضیح ذلک: إنّ فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه و السّر فی ذلک هو أنّ الأحکام الشرعیة مجعولة بنحو القضایا الحقیقیة أعنی للموضوعات المقدّر وجودها فی الخارج و لایتوقف جعلها علی وجود الموضوع فی الخارج و لکن فعلیتها تتوقف علی فعلیة موضوعاتها فعلی هذا فعلیة الحکم خارجة عن مفاد
ص: 221
الدلیل بل تابعة لفعلیة موضوعه فما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) من أنّ إطلاق الدلیل قد یکون لبیان الحکم الفعلی ممّا لایمکن الالتزام به.((1))
ص: 222
((1))
إنّ ما أفاده من أنّ الإطلاق قد یکون لبیان الحکم الاقتضائی یستلزم حمل الأمر و النهی علی الإخبار عن وجود المصلحة فی الفعل و المفسدة فیه بأن یقال: إنّ المولی فی مقام بیان الإخبار عن المقتضی و هذا مخدوش لأنّ الإخبار عن المصالح و المفاسد خارج عن وظیفة الشارع فإنّ وظیفة الشارع (و ما هو بصدد بیانه) بیان الأحکام الشرعیة (و الحکم الاقتضائی لیس حکماً شرعیاً).
ص: 223
مضافاً إلی أنّ الحمل المذکور خارج عن المتفاهم العرفی و بعید عنه بل غیر واقع فی الشریعة المقدسة.
((1))
إن قلنا: إنّ حمل الأمر و النهی علی الحکم الاقتضائی ممکن لعدم المانع من اجتماع المصلحة و المفسدة فی شیء واحد فی نفسه و لکنه لایمکن تأثیرهما فی المحبوبیة و المبغوضیة معاً بداهة استحالة أن یکون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً فی آن واحد قد تقدّم أنّ الشیء الواحد یمکن أن یکون محبوباً من جهة و مبغوضاً من جهة أُخری.
کما أنّه لایمکن امتثالهما فی الخارج و من المعلوم أنّ جعل هذا الحکم لغو و صدور اللغو عن الشارع الحکیم مستحیل.
فإذن لایمکن أن یکون الإطلاقان کاشفین عن وجود مصلحة فیه کذلک و مفسدة، فعلی هذا لامحالة تقع المعارضة بینهما لکذب أحدهما فی الواقع علی الفرض و عدم إمکان صدق کلیهما معاً فیرجع عندئذ إلی قواعد باب التعارض.((2))
ص: 224
ص: 225
ص: 226
ص: 227
ص: 228
هناک وجوه أربعة:
الوجه الأوّل: أن یقال بجواز اجتماع الأمر و النهی و لا إشکال حینئذ فی سقوط الأمر و حصول الامتثال بإتیان المجمع بداعی الأمر علی القول بالجواز مطلقاً و لو فی العبادات و إن کان معصیة أیضاً للنهی.
الوجه الثانی: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب الأمر و حینئذ أیضاً یسقط الأمر بإتیان المجمع و یحصل الامتثال مع أنّه لا معصیة علیه.
الوجه الثالث: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی التوصّلیات و هنا یسقط الأمر بإتیان المجمع لحصول الغرض الموجب للأمر فإنّ الغرض علّة للأمر حدوثاً و بقاءً.
الوجه الرابع: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی العبادات و هنا ثلاث صور:
الصورة الأُولی: مورد الالتفات إلی الحرمة.
و هنا لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّه منهی عنه و لا أمر به و مع الالتفات إلی الحرمة لایمکن حصول قصد القربة.
الصورة الثانیة: مورد عدم الالتفات إلی الحرمة مع الجهل التقصیری.
و هنا أیضاً لایسقط الأمر بإتیان مورد الاجتماع، فإنّ المکلّف -حین عدم الالتفات إلی الحرمة- و إن کان متمکّناً من قصد القربة و قد قصدها، إلّا أنّه مع
ص: 229
التقصیر لایصلح لأن یتقرّب به أصلاً، فلایقع مقرّباً و بدون قصد القربة لایکاد یحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة.
الصورة الثالثة: مورد عدم الالتفات إلی الحرمة مع الجهل القصوری.
و حینئذ یسقط الأمر بإتیان المجمع و مورد الاجتماع بقصد القربة، لقصد التقرّب بما یصلح أن یتقرّب به لاشتماله علی المصلحة مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً فیحصل به الغرض من الأمر فیسقط به الغرض قطعاً.
أمّا کونه امتثالاً فإن قلنا بتبیعة الأحکام لما هو المؤثر منها فعلاً فی الحسن و القبح مع أنّ الحسن و القبح تابعان لما علم من المصالح و المفاسد (فالنتیجة أنّ الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد المعلومة) و حیث إنّ النهی هنا غیر معلوم لعدم الالتفات إلیه فلایکون فعلیاً فتکون الصلاة علی هذا المبنی واجبة شرعاً و لذا یعدّ إتیان المجمع امتثالاً.
و أمّا إن قلنا بتبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح و المفاسد واقعاً فقد قال صاحب الکفایة (قدس سره) أوّلاً بعدم کونه امتثالاً لفعلیة النهی و عدم کون المجمع متعلّقاً للأمر ثم استدرک عنه بإمکان القول بحصول الامتثال لأنّ العقل لایری تفاوتاً بین المجمع (و هو الفرد المبتلی بالمزاحم) و بین سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها و إن لم تَعُمّ الطبیعة بما هی مأمور بها هذا الفردَ الذی هو مورد للاجتماع، لکن عدم شمول الطبیعة المأمور بها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع فإنّ جمیع أفراد الطبیعة متساوٍ بالنسبة إلی المقتضی فکلّها وافٍ بالغرض و لکن المانع و هو التزاحم کان موجباً لعدم شمول الطبیعة المأمور بها لهذا الفرد الذی هو مورد اجتماع الأمر و النهی.
و من هنا انقدح أنّ الإتیان بالمجمع یجزی و لو قیل باعتبار قصد الامتثال فی
ص: 230
صحّة العبادة و عدم کفایة الإتیان بمجرد المحبوبیة لأنّ الجاهل القاصر یقصد امتثال الأمر بالطبیعة و إن کانت الطبیعة مع اعتبار کونها مأموراً بها لایشمل هذا الفرد (أی المجمع) و لکن قصد امتثال الأمر بالطبیعة حاصل فی الجاهل المقصر.
أمّا عدم شمول الطبیعة المأموربها للفرد الذی هو مورد الاجتماع فمبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة (فی مقام الإنشاء) فحیث إنّ جهة الحرمة هی الأقوی من جهة الوجوب فی الواقع تکون هی المؤثرة فی الأحکام الواقعیة فلایکون المجمع واجباً.
وأمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام و عدم تزاحمها فی مقام الإنشاء فإنّ التزاحم علی هذا القول هو بین الجهات الواصلة فی مقام الفعلیة فالوجوب بما أنّه واصل إلی المکلّف یکون فعلیاً دون الحرمة، فلا أثر للملاک الواقعی و لا تأثیر له فی الحکم الشرعی و إن کان أقوی من ملاک الوجوب فالمجمع مصداق للطبیعة المأمور بها و لا حرمة فی مورد الاجتماع.
فالطبیعة المأموربها بهذا الوصف یشمل المجمع و مورد اجتماع الأمر و النهی.
و قد انقدح بذلک الفرق بین باب الاجتماع و باب التعارض:
فإنّه علی القول بالتعارض بین دلیل الوجوب و الحرمة و تقدیم دلیل الحرمة تخییراً أو ترجیحاً لا مجال للصحّة لأنّ التعارض تکاذب الدلیلین و مع ترجیح النهی یکون دلیل الأمر کاذباً فلایکون مشتملاً علی المصلحة و الملاک حتّی یکون الإتیان بالمجمع وفاء بالغرض، فلایبقی وجه للصحّة.
أمّا علی القول بالاجتماع فیکون المجمع واجداً للملاک و المصلحة و صالحاً لأن یتقرب به إلی الله تعالی و إن قلنا بالامتناع مع ترجیح جانب النهی و الحرمة،
ص: 231
فحینئذ إن کان المکلّف جاهلاً قاصراً أو کان ناسیاً فیقع المجمع صحیحاً و هذا وجه حکم الأصحاب بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة مع النسیان أو الجهل بالموضوع أو الحکم إذا کان عن قصور مع أنّ أکثر الأصحاب لولا الکلّ قائلون بالامتناع و تقدیم الحرمة و یحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر.
((1))
ما أفاده (قدس سره) فی الوجه الأوّل من صحّة العبادة علی القول بالجواز مطلقاً لایمکن المساعدة علیه بإطلاقه و ذلک لما تقدّم من أنّ المسألة علی هذا القول تدخل فی کبری باب التزاحم مطلقاً علی وجهة نظر شیخنا الأُستاذ (قدس سره) و فی ما إذا لم تکن مندوحة فی البین علی وجهة نظرنا؛ فلابدّ من الرجوع إلی قواعد باب التزاحم و مرجحاته فإن کان الوجوب أهمّ من الحرمة أو محتمل الأهمیة فیقدّم علیها، فتصحّ العبادة و هکذا إذا کان الوجوب مساویاً لها و لکن أخذنا بجانب الوجوب دون الحرمة.
و إن کانت الحرمة أهمّ من الوجوب أو محتمل الأهمّیة فتقدّم علی الوجوب و حینئذ صحّة العبادة متوقفة علی الالتزام بأحد الأمرین: الأوّل: الترتب و الثانی: اشتمال المجمع فی هذا الحال علی الملاک.
أمّا الاوّل - و هو الترتب- فقد أنکره صاحب الکفایة (قدس سره) (فلایمکن تصویر الأمر الترتبی علی مسلکه).
ص: 232
و أمّا الثانی فهو و إن اعترف به و قد صحّح العبادة بذلک فی أمثال المورد إلّا أنّا ذکرنا غیر مرّة أنّه لایمکن تصحیح العبادة بالملاک فی هذا الحال و ذلک لما عرفت من أنّه لا طریق لنا إلی ثبوت الملاک و معرفته فی مورد بعد سقوط الحکم عنه، فإنّه کما یمکن أن یکون سقوطه من ناحیة وجود المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک له.
((1))
أوّلاً: إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی الأمر السادس من المقدّمات بأنّ محل النزاع فی مسألة الاجتماع هو لزوم التکلیف المحال أمّا التکلیف بالمحال فهو خارج عن مبحث الاجتماع و عدم وجود المندوحة یوجب التکلیف بالمحال فی مقام الامتثال فلابدّ من اعتبار المندوحة فی الحکم بالجواز فعلاً لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً و محالاً و لا دخل لاعتبار المندوحة فی ما هو المحذور فی بحث اجتماع الأمر و النهی من التکلیف المحال.
(فما أفاده من الجواز هو بالنسبة إلی صورة وجود المندوحة و إلّا ففی صورة عدم المندوحة لابدّ من حلّ مشکلة التکلیف بالمحال).
ثانیاً: ما أفاده -من عدم إمکان تصحیح العبادة بالملاک لأنّ سقوط الحکم کما یمکن أن یکون لوجود المانع یمکن أن یکون لعدم المقتضی- مخدوش لأنّ سقوط الأمر عند التزاحم بینه و بین النهی مستند إلی أقوائیة ملاک النهی و هذا فرع وجود الملاک فی جانب الأمر فعلی هذا سقوط الحکم هنا لوجود المانع لا لعدم المقتضی فلا شک فی وجود ملاک الأمر.
ص: 233
إنّ ما أفاده فی الوجه الثالث و الرابع لایخلو من إشکال حیث إنّه علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی لایصحّ الإتیان بالمجمع لفرض أنّه منهی عنه فعلاً و یستحیل أن یکون مصداقاً للمأمور به ضرورة أنّ الحرام لایعقل أن یکون مصداقاً للواجب فیقید إطلاق دلیل الواجب بغیر ذلک الفرد، من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الواجب توصلیاً أو تعبدّیاً فإنّ إجزاء غیر المأمور به عن المأمور به یحتاج إلی الدلیل و إلّا فمقتضی القاعدة عدم الإجزاء و لا فرق من هذه الناحیة بین التوصلی و التعبدی أصلاً.
نعم قد یعلم من الخارج أنّ الغرض من الواجب التوصلی یحصل بمطلق وجوده فی الخارج و لو فی ضمن الفرد المحرم کإزالة النجاسة عن البدن و الثوب فإنّ الغرض من الواجب التوصلی هنا حصول المتعلّق و لو کان بماء مغصوب.
و أمّا فی ما لم یعلم ذلک من الخارج فلایحکم بصحّة الواجب و سقوط الأمر عنه و حصول الغرض و ذلک کتکفین المیت مثلاً فإنّه واجب توصّلی و مع ذلک لایحصل الغرض منه بتکفینه بالکفن المغصوب و لایحکم بسقوط الأمر عنه.
فما أفاده فی الوجه الثالث لایصحّ بإطلاقه.
أمّا ما أفاده فی الوجه الرابع أیضاً فیرد علیه أنّ القول بالامتناع مع تقدیم جانب النهی معناه أنّ المجمع مبغوض للمولی و محرم فی الواقع و لیس مصداقاً للواجب واقعاً و فی نفس الأمر هذا فی ما إذا عُلمت الحرمة واضح و کذلک مع الجهل عن تقصیر و قصور فإنّ الأحکام الواقعیة ثابتة لمتعلّقاتها فی الواقع و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم بها أبداً فإنّ الحرام لایعقل أن یکون مصداقاً
ص: 234
للواجب و إن فرض کون المکلّف جاهلاً بحرمته بل معتقداً بوجوبه ضرورة أنّ الواقع لاینقلب عمّا هو علیه.
فإنّ صحّة العبادة ترتکز علی رکیزتین: الأُولی: تحقّق قصد القربة و الثانیة: کون الفعل فی نفسه محبوباً و قابلاً للتقرّب به.
و فی ما نحن فیه و إن أمکن تحقّق قصد القربة من المکلّف باعتبار أنّه جاهل بالحرمة و لکن الفعل لایکون محبوباً فی نفسه و صالحاً للتقرّب به، لتمحّضه فی الحرمة و المبغوضیة فی الواقع هذا بناء علی وجهة نظرنا من أنّ هذه المسألة علی القول بالامتناع تدخل فی کبری باب التعارض.
و یمکن لنا المناقشة فیه علی وجهة نظره (قدس سره) أیضاً ببیان أنّ قصد الملاک إنّما یکون مقرّباً فی ما إذا لم یکن مزاحماًٌ بشیء و لا سیّما إذا کان أقوی منه کما هو المفروض فی المقام و أمّا الملاک المزاحم فلایترتب علیه أی أثر و لایکون قصده مقرّباً بناء علی ما هو الصحیح من تبعیة الأحکام للجهات الواقعیة لا للجهات الواصلة و بما أنّ ملاک الوجوب -فی مفروض الکلام- مزاحم بملاک الحرمة فی مورد الاجتماع فلایکون صالحاً للتقرّب به.
و علی هذا فلایمکن الحکم بصحّة العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالامتناع و تقدیم جانب الحرمة لا من ناحیة الأمر و انطباق المأمور به بما هو علی المأتی به فی الخارج و لا من ناحیة الملاک لفرض أنّه مزاحم بما هو أقوی منه.
((1))
إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی مسلکه من دخول المسألة فی باب
ص: 235
التزاحم فیکون المجمع واجداً لملاک الوجوب و الحرمة معاً و الجاهل القاصر لایعلم تزاحم ملاک الوجوب و الحرمة علی الفرض و لذا یکون قصده مقرّباً، فلایمکن المناقشة علی صاحب الکفایة (قدس سره) علی وجهة نظره.
نعم یمکن المناقشة فی مبناه من دخول مسألة الاجتماع علی القول بالامتناع فی باب التزاحم حیث إنّ الصحیح عندنا دخولها فی باب التعارض فلایکون المجمع واجداً لملاک الأمر.
((1))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال فی الصورة الثالثة من الوجه الرابع: إنّ إتیان المجمع یوجب سقوط الأمر و حصول الامتثال و قال فی وجه حصول الامتثال -بناء علی تبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح و المفاسد واقعاً: إنّ العقل لایری تفاوتاً بین المجمع و سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها و إن لم تعم الطبیعة بما هی مأمور بها للمجمع و لکن عدم شمولها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع و هو التزاحم.
أنّ العقل یری التفاوت بین المجمع و سائر الأفراد بما أنّه لیس مصداقاً للطبیعة المأمور بها فلایمکن إحراز أنّه وافٍ بغرض الطبیعة المأمور بها لأنّ عدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیه کما یمکن أن یکون من ناحیة المانع یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی فالعقل لایحکم حینئذ بحصول الامتثال بالمجمع و سقوط الأمر.
ص: 236
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی أوّل الأمر التاسع بأنّ إطلاق الدلیلین إن کان فی مقام بیان الحکم الاقتضائی فیدلّ علی ثبوت الملاک فی مورد الاجتماع.
و إن کان فی مقام بیان الحکم الفعلی فإن قلنا بالجواز فیدلّ علی ثبوت الملاک فی المجمع و إن قلنا بالامتناع فلایدلّ علی ثبوت الملاک لوقوع التعارض فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع یمکن أن یکون لأجل عدم المقتضی.
فما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا مذکور فی الکفایة فی الأمر التاسع و لکنه لایتفق إلّا قلیلاً بل الغالب هو أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالامتناع یکون من باب التزاحم و لذا قال هنا: إنّ عدم شمول الطبیعة المأمور بها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع.
فما أفاده هنا مبنی علی نظریته من أنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التزاحم و لیس من صغریات التعارض.
فما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا و إن کان صحیحاً -حیث إنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التعارض و هو تکاذب الدلیلین- و لکنّه إشکال مبنائی.
المأمور بها للمجمع مبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة و أمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام فالطبیعة المأمور بها یشمل المجمع لأنّ الحرمة و إن کان لها الملاک الواقعی و لکنّه لایؤثر فی الحرمة لعدم العلم به (لأن المکلّف جاهل قاصر حسب الفرض).
إنّ الأحکام الشرعیة بناءً علی وجهة نظر العدلیة تابعة لجهات المصالح و المفاسد الواقعیة و هی مقتضیة لجعلها علی نحو القضایا الحقیقیة و أمّا فعلیة تلک الأحکام فهی تابعة لفعلیة موضوعاتها فی الخارج و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم بها لا فی مرحلة الجعل و لا فی مرحلة الفعلیة.
و علی هذا لا معنی لما أفاده (قدس سره) من التزاحم بین الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام بأن یکون المؤثر فی الحکم فعلاً هو الجهة الواصلة دون غیرها، ضرورة أنّ لازم ذلک هو دخل علم المکلّف فی فعلیة الأحکام و هذا غیر معقول لاستلزامه التصویب و انقلاب الواقع.
ص: 238
نعم إنّ الأمر فی الأحکام العقلیة العملیة کالحسن و القبح تابعة للجهات الواصلة فلایتّصف الشیء بالحسن أو القبح العقلی فی الواقع و إنّما یتّصف به فی ما إذا علم المکلّف بجهة محسنة أو مقبحة له، و لکن الأمر فی الأحکام الشرعیة لیس کذلک ضرورة أنّها تابعة للملاکات الواقعیة فی مقام الجعل بلا دخل لعلم المکلّف و جهله فی ذلک المقام أصلاً و فی مقام الفعلیة تابعة لفعلیة موضوعها و تحقّقه فی الخارج.
((1))
إنّ ما نسب إلی المشهور من الحکم بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة علی القول بالامتناع و تقدیم جانب الحرمة فی صورة الجهل القصوری بالحکم أو الموضوع، لایمکن تصدیقه بوجه و ذلک لأنّ حکمهم بصحّة الصلاة فی مورد الاجتماع مبنی علی القول بالجواز و تعدّد المجمع و أمّا علی القول بالامتناع فحکموا بالبطلان دون الصحّة.
علی الوجه الأوّل و هو القول بالجواز، إن کانت المندوحة موجودة فالإتیان بالمجمع یوجب حصول الامتثال و سقوط الأمر و إن لم تکن مندوحة فمسألة الاجتماع تصیر صغری التزاحم و حینئذ إن کان ملاک الوجوب أقوی فیحصل الامتثال بإتیان المجمع و یسقط الأمر و إن کان ملاک الحرمة أقوی یسقط الأمر أیضاً و یصحّ العبادة عند إتیان المجمع بقصد الأمر الترتبی (حیث إنّا نلتزم بصحّة الترتب) أو بقصد الملاک.
ص: 239
و أمّا علی الوجه الثانی و هو القول بالامتناع و ترجیح جانب الأمر فالأمر کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فالعبادة صحیحة و لا حرمة فی البین.
و أمّا علی الوجه الثالث و هو القول بالامتناع و ترجیح جانب النهی فی الواجبات التوصّلیة فقد یسقط الأمر فی ما إذا علمنا أنّ الغرض من الواجب التوصّلی یحصل بمطلق وجوده فی الخارج و لو فی ضمن الفرد المحرّم، و أمّا فی ما إذا لم یعلم ذلک فلایسقط الأمر لاحتمال کونه مثل تکفین المیت حیث لایحصل الغرض منه بتکفینه بالکفن المغصوب.
و أمّا علی الوجه الرابع بصوره الثلاث فلاتصحّ العبادة و لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل علی القول بالامتناع؛
هذا بالنسبة إلی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من الوجوه و الصور و لکن الحقّ هو القول بالجواز فتصحّ العبادة مطلقاً و یسقط الأمر سواء کانت المندوحة أم لم تکن
هذا تمام الکلام فی الأُمور التی قدّمها صاحب الکفایة (قدس سره) فلابدّ من أن نشرع فی أدلة القولین.
ص: 240
قال صاحب الکفایة (قدس سره): الحق هو القول بالامتناع کما ذهب إلیه المشهور و تحقیقه یتوقف علی مقدّمات أربع و ملخّصها هو:
أوّلا: أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها لا قبلها.
ثانیاً: أنّ متعلّق الأحکام هو فعل المکلّف و ما هو یصدر عن المکلّف فی الخارج لا ما هو اسمه و عنوانه (متعلّق الحکم هو المعنون)
ثالثاً: أنّ تعدّد الوجه و العنوان لایوجب تعدّد المعنون.
رابعاً: أنّ الموجود بوجود واحد لایکون له إلّا ماهیة واحدة.
و نتیجة تلک المقدّمات هو أنّ الأمر و النهی یتعلّق بالمعنون الخارجی و هو فعل المکلّف و تعدّد العنوان لایوجب تعدّده و نتیجة ذلک اجتماع الحکمین المتضادّین فی مقام الفعلیة و اجتماع الضدین محال.
و لابدّ من تحقیق تلک المقدّمات:
ص: 241
نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع:
اختار صاحب الکفایة (قدس سره) تضادّها فقال: إنّه لا ریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها و بلوغها إلی مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامّة بین البعث نحو شیء فی زمان و الزجر عنه فی ذلک الزمان.
و أمّا قبل مرحلة الفعلیة فلا تضادّ بین الأحکام بوجوداتها الإنشائیة لعدم البعث و الزجر فیها فعلی هذا تکون مسألة الاجتماع مستحیلاً من باب التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال.
و لتوضیح ذلک لابدّ من بیان مراتب الحکم:
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری للحکم أربع مراتب:
المرتبة الأُولی: مرتبة الاقتضاء
و هی مرتبة وجود الملاک و مناط الحکم فی المتعلّق و هی المصلحة و المفسدة الملزمتان و المحبوبیة و المبغوضیة (و بعض الأعلام قسّموا هذه المرتبة إلی مرحلتین: المرحلة الأُولی و هی وجود الملاک فی المتعلّق و المرحلة الثانیة و هی ما یترتب علی هذه المصلحة أو المفسدة من الإرادة و الکراهة) ((1)).
المرتبة الثانیة: مرتبة الإنشاء و هی مرتبة جعل الحکم و إنشائه.
ص: 242
المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلیة و هی بلوغ الحکم إلی مرتبة البعث و الزجر و مناط بلوغه إلی هذه الدرجة هو فعلیة موضوعه.
المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز و هی مرتبة وصول الحکم و التکلیف.
و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بوقوع التضادّ فی مرحلة الفعلیة لا فی مرحلة الإنشاء لعدم البعث و الزجر فیها فالأحکام بوجوداتها الإنشائیة لا تضادّ بینها عند صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)).
ص: 243
و هنا أقوال أُخر: منها عدم التضادّ بین الأحکام و لو فی مرتبة الفعلیة و هو مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فلا تضادّ فی مرحلة مبادی الحکم و الاقتضاء و لا تضادّ أیضاً فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة نعم إنّ التنافی بین الحکمین یکون بحسب المنتهی و مقام الامتثال.
و منها عدم التضادّ بین الأحکام فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة و وقوع التنافی بینها بحسب مبادی الحکم و المنتهی (أی مقام الامتثال) و هذا مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .
و منها وقوع التضادّ بین الأحکام بحسب مقام الفعلیة و الإنشاء کما یقع بینها التنافی بحسب المبدأ و المنتهی و هذا مختار صاحب منتقی الأُصول (قدس سره) ((1))و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)).
ص: 244
إنّ نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و هو المختار من بین الأقوال تشتمل علی برهانه علی القول بالجواز
بیانه: إنّ حدیث تضادّ الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهوراً لکنّه ممّا لا أصل له، لأنّ التضادّ و التماثل من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و لیس الحکم بالإضافة إلی متعلّقه کذلک، سواء أُرید به البعث و الزجر الاعتباریان العقلائیان أو الإرادة و الکراهة النفسیتان.
أمّا إذا کان الحکم عبارة عن البعث و الزجر فلابدّ له من ثلاثة أُمور:
ص: 245
الأول: منشأ الإنتزاع الثانی: المعتبر الثالث: طرف الإضافة.
أمّا منشأ الانتزاع:
إنّ البعث و الزجر عبارة عن المعنی الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی و من الواضح أنّ الإنشاء الخاصّ مرکّب من کیف مسموع و هو اللفظ- هذا فی الموالی العرفیة و الأصحّ أن یقال بدل ذلک: إظهار الحکم المعتبر- و من کیف نفسانی و هو قصد ثبوت المعنی به و هما قائمان بالمنشِئ، لا بالفعل الخارجی القائم بالغیر.
فالبعث و الزجر من حیث منشأ انتزاعهما لایقومان بالفعل الخارجی القائم بالغیر بل منشأ انتزاعهما بکلا جزئیه قائم بالمنشِئ.
و أمّا المعتبر:
إنّ البعث و الزجر الاعتباریین بما هما أمران اعتباریان قائمان بالمعتبر لا بغیره لایقومان بالفعل الخارجی و لا بمن یصدر عنه الفعل الخارجی.
أمّا طرف إضافة البعث و الزجر:
إنّه لابدّ لهما من طرف الإضافة لأنّ البعث المطلق غیرَ المضاف إلی شیء لایوجد، سواء لوحظ البعث بنحو القوة کما فی قیامه بمنشأ الانتزاع أو بنحو الفعلیة کما فی قیامه بمعتبره؛ و طرف إضافة البعث و الزجر لایعقل أن یکون الهویة العینیة القائمة بالمکلّف، لأنّ البعث الحقیقی یوجد سواء وجدت الهویة العینیة من المکلّف أم لا، و یستحیل أن یتقوّم البعث الموجود و یتشخص بالفعل المعدوم بل ما لایوجد أصلاً کما فی بعث العصاة.
فلامحالة یکون متعلّقه المقوّم له و المشخّص هو الفعل بوجوده العنوانی الفرضی الموافق لأُفق الأمر الاعتباری و المسانخ له.
ص: 246
فالبعث و الزجر لایقومان بالفعل الخارجی و الهویة العینیة حتّی یتحقّق فیهما التضادّ فإنّ التضادّ یتحقّق فی الأُمور الخارجیة و العینیة.
قد یتوهّم وقوع التضادّ فی طرف إضافة الحکم الذی هو وجود عنوانی فرضی اعتباری و یدفعه أنّ التضادّ لایقع إلّا فی الواحد الشخصی، أمّا الواحد الطبیعی من الجنسی و النوعی و نحوهما ممّا له نحو من الکلّیة من دون تشخص و تعین وجودی فیجتمع فیه الأوصاف المتباینة.
فاتضح من جمیع ما ذکرنا أنّ البعث و الزجر لیسا من الأحوال الخارجیة بل هما من الأُمور الاعتباریة و أنّ متعلّقهما لیس من الموجودات العینیة بل العنوانیة و أنّ الوحدة المفروضة لیست شخصیة بل طبیعیة، فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّین من البعث نحو شیء و الزجر عنه.
و ممّا ذکرنا تبین أیضاً: أنّ مناط القول بالجواز لیس تعدّد المتعلّق اعتباراً لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه کما هو مسلک جماعة من المجوّزین، بل ما ذکرنا صحیح حتّی مع وحدة العنوان (الذی قلنا: إنّه واحد طبیعی لا شخصی) و الغرض رفع التضادّ.
فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد العنوان و المعنون بل القول بالجواز ممّا لامناص منه و لو علی القول بوحدة العنوان و وحدة المعنون.
ثمّ إنّه قد استدلّ علی عدم تعلّق البعث و الزجر بالهویة الخارجیة بأنّ الفعل بوجوده الخارجی یسقط البعث و الزجر فکیف یکون معروضاً لهما؟
و قد مرّ((1)) ما فیه فی مبحث الترتّب حیث إنّ الفعل الخارجی لو کان مسقطاً
ص: 247
للأمر و البعث یلزم علیة البعث لعدم نفسه (حیث إنّ البعث هو جزء العلّة لتحقّق الفعل الخارجی فلایکون الفعل الخارجی علّة لعدم البعث و سقوطه)، بل ینتهی أمد البعث بوجود المبعوث إلیه حیث إنّه یسقط الغرض الداعی إلی البعث بحصوله.
و أمّا إذا کان الحکم عبارة عن الإرادة و الکراهة (کما نسب إلی المحقّق الحائری الیزدی (قدس سره).
فإنّ الإرادة و الکراهة و إن کانتا من المقولات الحقیقیة و الموجودات العینیة إلّا أنّ موضوعهما النفس و متعلّقهما الفعل.
أمّا من حیث الموضوع فلا مانع من اجتماع إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد، لبساطة النفس و تجرّدها، فلاتضیق النفس عن قبول إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد.
لایقال: الوجدان شاهد علی قیام إرادات متعددة بأُمور متعدّدة لا بأمر واحد و کذلک قیام الإرادة و الکراهة بالإضافة إلی أمرین لا بالنسبة إلی أمر واحد.
لأنا نقول: متعلّق الإرادة مشخِّص فردها، لا مقوِّم طبیعتها و حقیقتها، و العبرة فی التضادّ و التماثل بنفس الحقیقة، و التشخّص تشخّص المتضادّین و
ص: 248
المتماثلین فوجودان من حقیقة واحدة متماثلان و وجودان من حقیقتین بینهما غایة البعد و الخلاف متضادّان، و المتعلّق أجنبی عن الحقیقة.
و أمّا من حیث المتعلّق فهنا ثلاثة وجوه:
الوجه الأوّل: لا ریب أنّ الشوق المطلق لایوجد فی النفس بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه و یستحیل أن یکون الخارج عن أُفق النفس مشخّصاً لما فی أُفق النفس و الإ لزم إمّا کون الحرکات الأینیة و الوضعیة القائمة بالجسم نفسانیة، أو کون الإرادة النفسانیة من عوارض الجسم خصوصاً فی الإرادة التشریعیة، فإنّه کیف یعقل أن تکون الحرکات القائمة بالمکلّف مشخّصة لإرادة المولی.
الوجه الثانی: إنّ البعث و مبدأه (و هی الإرادة التشریعیة) موجودان و إن لم یوجد الفعل أصلاً، فکیف یعقل أن یتشخّص الإرادة المحقّقة بما لا تحقّق له و لایتحقّق أصلاً (کما فی العصاة).
الوجه الثالث: إنّ طبیعة الشوق بما هو شوق لاتتعلّق إلّا بالحاصل من وجه و المفقود من وجه إذ الحاصل من جمیع الجهات لا جهة فقدان له کی یشتاق إلیه النفس، و المفقود من جمیع الوجوه لا ثبوت له بوجه کی یتعلّق به الشوق فلابدّ من حصوله بوجوده العنوانی الفرضی لیتقوّم به الشوق و لابدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقیقی، کی یکون للنفس توقان إلی إخراجه من حدّ الفرض و التقدیر إلی حدّ الفعلیة.
هذا تمام کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .
و هذا وافٍ بحل مشکلّة التضادّ بین الحکمین و سیجیء إن شاء الله بیان حل
ص: 249
مشکلة التکلیف بالمحال و أنّ الحق هو القول بجواز اجتماع الأمر و النهی((1)).
ص: 250
@النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):((1))
إنّ حدیث تضادّ الأحکام ممّا لا أصل له لأنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار، فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة، فلا مانع من اعتبار وجوب شیء و حرمته معاً، و الوجه فی ذلک هو أنّ المضادّة إنّما تکون طارئة علی الموجودات التکوینیة الخارجیة و أمّا الأُمور الاعتباریة فالمفروض أنّه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر، لیکون بعضها مضاداً لبعضها الآخر.
نعم المضادّة بین الأحکام من ناحیتین: المبدأ (اشتمال الفعل علی المحبوبیة و المبغوضیة) و المنتهی (مرحلة الامتثال).
أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ الوجوب و الحرمة بناءً علی وجهة نظر مذهب العدلیة کاشفان عن المحبوبیة و المبغوضیة و المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی المتعلّق فالمضادّة بین الوجوب و الحرمة إنّما هی بالعرض و المجاز.
و أمّا من ناحیة المنتهی فلأنّ اجتماعهما فی شیء واحد یستلزم التکلیف
ص: 251
بالمحال و بغیر المقدور، لفرض أنّ المکلّف فی هذا الحال غیر قادر علی امتثال کلیهما معاً((1)).
لا تضادّ من ناحیة المبدأ و المنتهی: أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ المتعلّق ذو حیثیتین فبإحداها یکون محبوباً و بالأُخری یکون مبغوضاً، کما أنّه لا شبهة فی أنّ المتعلّق واجد للمفسدة و المصلحة بل کلّ منهما بالغ حدّ الإلزام.
و أمّا من ناحیة المنتهی فلما سیجیء إن شاء الله ذیل نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول جواز الاجتماع من عدم التکلیف بالمحال.
ص: 252
((1))
إنّ التضادّ بین الحکمین لاینحصر فی المبدأ و المنتهی، بل هما متضادّان فی مرحلة الفعلیة و الإنشاء.
بیان ذلک یتوقف علی ترسیم أُمور:
الأوّل: إنّ التضادّ المبحوث عنه هو التضادّ الأُصولی لا الفلسفی بمعنی أنّ اجتماع الأمر و النهی فی الواحد ذی العنوانین بنفسه محال لا من جهة استلزامه التکلیف بالمحال.
ثانیاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: إنّ حقیقة الحکم هو الباعث و الزاجر الإمکانیان فالمولی یأمر بداعی جعل الباعث و الداعی الإمکانی للفعل و ینهی بداعی جعل الزاجر الإمکانی عن الفعل فقوله صلّ باعث إمکانی و قوله لاتغصب زاجر إمکانی و هذا یسمّی بالإنشاء و مع عدم المانع یصل إلی مرحلة الفعلیة.
ثالثاً: إنّ متعلّق الحکم إمّا مطلق و إمّا مقید و لایمکن إهماله فی مقام الثبوت فالصلاة بما هی متعلّق البعث إمّا مطلق بالنسبة إلی الغصب و إمّا مقید، و لا ریب فی عدم تقیدها بالغصب وجوداً و لا عدماً، أمّا تقیدها بوجود الغصب فهو قطعی العدم و أمّا تقیدها بعدم الغصب فلا دلیل إثباتی له، فلابدّ من أن تکون الصلاة مطلقة بالنسبة إلی الغصب؛ و هکذا الغصب بما هو متعلّق الزجر مطلق بالنسبة إلی الصلاة.
و معنی إطلاق الصلاة هو إمکان الداعویة إلی کلّ أفراد الصلاة و إن کانت
ص: 253
فی المکان المغصوب و إلّا لایکون الأمر بالصلاة مطلقاً مع أنّا نری استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة إلی الصلاة فی المکان المغصوب و إذا استحالت فعلیة الداعویة الإمکانیة استحال جعله و إنشاؤه، لأنّ انشاء الحکم لابدّ أن یکون بداعی جعل الداعویة الإمکانیة فإذا استحالت الداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی مورد الاجتماع فلا داعی إلی إنشاء الحکم و جعله؛ هذا علی مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی حقیقة الحکم.
و أمّا علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) من أنّ حقیقة الحکم هو الاعتبار المبرز فنقول: إنّ المراد من الاعتبار المبرز إمّا مطلق الاعتبار المبرز أو خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل.
أمّا مطلق الاعتبار المبرز فلایکون حکماً، لأنّ الغرض من الحکم الشرعی هو جعل الداعی للمکلّف فلابدّ أن یکون المراد خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل، و هذا الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الصلاة یکون مطلقاً بالنسبة إلی الغصب لعدم الإهمال و التقیید کما مرّ و لکن حیث تستحیل فعلیة داعویته بالنسبة إلی الصلاة فی المکان المغصوب یستحیل جعله و إنشاؤه.
فتحصّل من هذا البیان وقوع التضادّ فی مرحلة فعلیة الحکم و إنشائه و جعله.((1))
ص: 254
أوّلاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری تعلّق الحکم بالفرد و لکن لیس لازم تعلّق التکلیف به دخول لوازم الوجود و لوازم التشخّص فی المکلّف به، بل اللازم هو تعلّق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود و هذه الماهیة المتشخصة بالوجود الحقیقی الفرضی (لا الحقیقی التحقیقی) مطلوبة للشارع و هی فی مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلی جمیع أفراده من دون دخول لوازم تشخّصها فی متعلّق التکلیف.
ص: 255
و استحالة الداعویة الإمکانیة هی أوّل الکلام فإنّ القائل بالجواز یری إمکان ذلک بخلاف القائل بالامتناع فهو یری استحالتها.
فالداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی جمیع أفراد الصلاة فعلیة عند وجود المندوحة، و أمّا مع عدم المندوحة فیقع التزاحم بین فعلیة الداعویة الإمکانیة فی البعث نحو الصلاة و فعلیة الزاجریة الإمکانیة فی الزجر عن الغصب فلابدّ من إعمال مرجحات التزاحم.
ثانیاً: إنّ استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة فی فرض عدم المندوحة، لاتوجب استحالة جعله و إنشائه لعدم التلازم بین مرحلة الإنشاء و الجعل و مرحلة الفعلیة فی الاستحالة و الإمکان.
فتحصّل إلی هنا عدم وقوع التضادّ فی مرحلة مبدأ الحکم و لا فی الحکم الإنشائی و لا فی الحکم الفعلی و لایستلزم ذلک مشکلة التکلیف بالمحال کما سیأتی إن شاء الله تعالی.
ص: 256
إنّهم اختلفوا أیضاً فی هذه المقدّمة، فقد اختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و خالفه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) یقول بأنّ مرادهما واحد((2)).
هنا نظریتان:
((3))
إنّه لا شبهة فی أنّ متعلّق الأحکام، هو فعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه و هو المعنون و المکلّف فاعله و جاعله، لا ما هو اسمه و لا ما هو عنوانه ممّا قد انتزع عنه بحیث لولا انتزاعه تصوّراً و اختراعه ذهناً، لما کان بحذائه شیء خارجاً و یکون خارج المحمول و هو ما یخرج عن حاق الشیء ثم یحمل علیه کالوجوب و الإمکان و لایحاذیها شیء فی الخارج و عروضها یکون فی ظرف الذهن کالملکیة و الزوجیة و الرقیة و الحریة و المغصوبیة، إلی غیر ذلک من الاعتبارات و الإضافات ضرورة أنّ البعث لیس نحوه و الزجر لایکون عنه.
و إنّما یؤخذ الاسم و العنوان الاعتباری فی متعلّق الأحکام آلةً للحاظ متعلّقاتها و آلةً للإشارة إلی تلک المتعلّقات الخارجیة، بمقدار الغرض من هذه المتعلّقات و الحاجة إلیها و لم یؤخذ تلک العناوین بما هی هی و مستقلاً.
ص: 257
((1))
قد مرّ فی مبحث تعلّق الأمر بالطبیعة، أنّ الموجود الخارجی لایقوم به الطلب و الإیجاد عین الوجود ذاتاً و غیره اعتباراً، فلا فرق بینهما فی استحالة تعلّق الطلب بهما.
و معنی تعلّق الشوق بهما هو أنّ القوة العاقلة لها قوّة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع -کما أنّ لها قوّة ملاحظة الشیء بالحمل الأوّلی- فتلاحظ الصلاة الخارجیة التی حیثیة ذاتها حیثیة طرد العدم و هی التی یترتّب علیها الغرض فیطلبها و یبعث نحوها. (فعلی هذا الفعل الخارجی هو المبعوث إلیه و الملاک یقوم به).
و من الواضح أنّ وجود الصلاة الخارجیة حینئذ لیس إلّا بفرض العقل و إحضاره و یکون معنی البعث إلیها إخراجها من الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقیق، فالصلاة بوجودها الفرضی و إن لوحظت فانیة فی الصلاة الخارجیة، إلّا أنّ الفناء لایقتضی سریان ما یقوم بالفانی إلی المفنی فیه، فإنّه محال، بل الفناء یصحّح البعث نحو الفانی مع قیام الغرض بالمفنی فیه.
(و الأصحّ أن یقال: بل الفناء یصحّح البعث نحو المفنی فیه مع قیام الغرض به).
و لیس نسبة الوجود العنوانی إلی الوجود العینی نسبة الاتحاد و العینیة، بأن یکون الفارق بینهما مجرد اتّصاف الوجود العنوانی بالجامعیة بین الوجودات العینیة و عدم اتصافه بها، نظیر اتّصاف الماهیة بالکلّیة فی مرتبة الذهن و عدم اتّصاف أشخاص الماهیة بالکلّیة فی موطن التفرّد و التشخّص و لذا جعل
ص: 258
الوجوب بالإضافة إلی الفعل (کالکلّیة بالإضافة إلی الماهیة) من العوارض الذهنیة.
بل نسبة الفانی إلی المفنی فیه نسبة العنوان إلی العنوان، لا کنسبة الطبیعی إلی فرده، فإنّ الطبیعی له موطنان (مع وحدته ذاتاً) فیتّصف بالکلّیة فی أحد الموطنین و بالجزئیة فی موطن آخر، بخلاف العنوان فإنّ موطنه الذهن و موطن الفرض و الاعتبار و موطنُ مطابقِه الخارجُ کما هو الحال فی مفهوم الوجود و مصداقه.
فتوهّم أنّ الوجود العنوانی هو الوجود العینی بحقیقته و أنّ الجامع بذاته موجود فی الخارج لا بوصف الجامعیة نظیر الطبیعی و فرده غفلة واضحة علی أهل الفنّ.
((1))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یقصد من کلامه تعلّق الحکم بالفعل الخارجی و إن کان کلامه هنا یوهم ذلک بل هو لایرید إلّا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و الدلیل علی ذلک هو قوله فی مبحث تعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد، فإنّه قال:
دفع وهم: لایخفی أنّ کون وجود الطبیعة أو الفرد متعلّقاً للطلب إنّما یکون بمعنی أنّ الطالب یرید صدور الوجود من العبد و جعله بسیطاً الذی هو مفاد کان التامّة و إفاضته، لا إنّه یرید ما هو صادر و ثابت فی الخارج کی یلزم طلب الحاصل((2)).
ص: 259
فتحصّل من ذلک: أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فإن کان ما قصده صاحب الکفایة (قدس سره) منطبقاً علیه فلا إشکال فی المقام.
ص: 260
((1))
إنّه لایوجب تعدّد الوجه و العنوان تعدّد المعنون و لاینثلم به وحدته، فإنّ المفاهیم المتعدّدة و العناوین الکثیرة ربما تنطبق علی الواحد و تصدق علی الفارد الذی لا کثرة فیه من جهة، بل هو بسیط من جمیع الجهات، لیس فیه حیث غیر حیث و جهة مغایرة لجهة کالواجب تبارک و تعالی، فهو علی بساطته و وحدته و أحدیته، تصدق علیه مفاهیم الصفات الجلالیة و الجمالیة، له الأسماء الحسنی و الأمثال العلیا، لکنّها بأجمعها حاکیة عن ذاک الواحد الفرد الأحد «عباراتنا شتّی و حسنک واحد و کلّ إلی ذاک الجمال یشیر».
((2))
إنّ المفاهیم و إن کانت فی حدود ذواتها متباینات لکنّها لیست دائماً متقابلات بل ربما یقتضی البرهان عدم مطابقة موجود واحد لمفهومین فهما متقابلان کالعلّیة و المعلولیة حیث یستحیل أن یکون الواحد بما هو علّة و معلولاً.
و ربما لایقتضی البرهان ذلک، فلایأبی الواحد أن یکون مطابقاً لمفاهیم متعدّدة و هذه الطائفة الثانیة من المفاهیم قسمان: فتارة یکون مبدؤها فی مرتبة ذات الشیء و أُخری فی مرتبة متأخرة عن ذاته.
ص: 261
فإن کان المبدأ فی المرتبة المتأخرة، فلامحالة للمبدأ وجود آخر قائم بالذات إمّا بقیام انضمامی أو بقیام انتزاعی.
فمجرد صدق العناوین المتعدّدة علی الواحد لایستدعی أن یکون وجود المبدأ عین وجود المعنون، فمثل الأسماء الحسنی و الصفات العلیا حیث إنّها تنتزع عن مرتبة ذاته المقدسة بلا حیثیة زائدة علی ذاته فذاته بذاته مطابق العنوان و مبدؤه معاً، لأنّ وجوده سنخ وجود بسعته و صرافته یکون مطابق جمیع الأوصاف و لذا ورد فیه تعالی: «علم لا جهل فیه و حیاة لا موت فیه و نور لا ظلمة فیه» و عن أساطین الحکمة «وجود کلّه، وجوب کلّه، علم کلّه، قدرة کلّه» و بهذا الاعتبار یکون الوجود العینی الحقیقی وجوداً و موجوداً، و البیاض الحقیقی بیاضاً و أبیض و غیر ذلک. انتهی ما أردنا من کلامه. (قدس سره)
ثمّ إنّ هنا نظریة للمحقّق النائینی (قدس سره) یأتی فی ضمن أدلّة الجواز إن شاء الله تعالی.
ص: 262
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) فی هذه المقدّمة یرید دفع توهّمین ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره) .((1))
التوهّم الأوّل: أنّ القول بجواز اجتماع الأمر و النهی یبتنی علی أصالة الماهیة و القول بامتناع الاجتماع یبتنی علی أصالة الوجود.
التوهّم الثانی: أنّ القول بجواز الاجتماع یبتنی علی تعدّد وجود الجنس و الفصل بالترکیب الانضمامی بینهما و القول بامتناع الاجتماع یبتنی علی اتحادهما بالترکیب الاتحادی بینهما اتّحاد المتحصل و اللامتحصل.
فقال صاحب الکفایة (قدس سره):((2)) إنّه لایکاد یکون للموجود بوجود واحد إلّا ماهیة واحدة، و کانت الماهیة عین الوجود خارجاً، فیکون الواحد وجوداً
ص: 263
واحداً ماهیة و ذاتاً لامحالة، فالمجمع و إن تصادق علیه متعلّقا الأمر و النهی، إلّا أنّه کما یکون واحداً وجوداً یکون واحداً ماهیة و ذاتاً و لایتفاوت فیه القول بأصالة الوجود و الماهیة.
فالمفهومان المتصادقان علی ذاک الوجود الواحد لایکاد یکون کلّ منهما ماهیة و حقیقة و قد تقدّم الکلام حول ذلک فی آخر الأمر السابع من مقدّمات بحث الاجتماع((1))؛ هذا بالنسبة إلی دفع التوهّم الأوّل.
ص: 264
فقال صاحب الکفایة (قدس سره):((1)) إنّ مسألة الاجتماع لاتبتنی علی تعدّد وجود الجنس و الفصل فی الخارج و عدم تعدّده، ضرورة عدم کون العنوانین المتصادقین علی المجمع من قبیل الجنس و الفصل و الدلیل علیه أُمور:
الأوّل: یلزم أن تکون الصلاة متفصلاً بالغصب مع أنّ الماهیة الصلاتیة ماهیة جعلیة نوعیة و لیست جنسیة.
الثانی: الحق أنّ الجنس هو لامتحصّل و ترکیبه مع الفصل ترکیب المتحصل و اللامتحصل فیلزم علی هذا المبنی أن تکون الصلاة لامتحصل.
الثالث: إنّ الجنس و الفصل لیسا مقوّماً للحرکة، فإنّ مثل الحرکة فی الدار من أی مقولة کانت، لایکاد یختلف حقیقتها و ماهیتها و لایکاد یتخلّف ذاتیاتها، وقعت جزءً للصلاة أم لا، کانت تلک الدار مغصوبة أم لا.((2))
أنّ استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول بالامتناع مخدوش لبطلان المقدّمة الأُولی و الثانیة:
أمّا بطلان المقدّمة الأُولی (التی قال فیها صاحب الکفایة (قدس سره) بتضادّ الأحکام فی مرحلة الفعلیة دون الإنشاء) فالوجه فیه هو ما حقّقه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) من عدم تضادّ الأحکام.
ص: 265
أمّا بطلان المقدّمة الثانیة (التی قال فیها صاحب الکفایة (قدس سره) بتعلّق الأحکام بفعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه) فهو لما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ متعلّق الحکم هو الفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الفرضی الحقیقی.
ص: 266
و هی خمسة:
((1))
قد تقدّم أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بعدم وقوع التضادّ بین الأحکام الشرعیة لأنّ التضادّ من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و الحکم أمر اعتباری.
و استفاد من ذلک جواز اجتماع الأمر و النهی حتّی مع وحدة العنوان، فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد متعلّق الأمر و النهی (و هو المعنون عند صاحب الکفایة (قدس سره) لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه، فما قالوا من أنّ مناط القول بالجواز هو أنّ تعدّد العنوان هل یوجب تعدّد المعنون غیر تامّ.
هذا مع أنّه قال فی ذیل ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة من تعلّق الحکم بالفعل الخارجی و هو المعنون بأنّ ذلک أیضاً لایصحّ حیث إنّ
ص: 267
الحکم یتعلّق بالعنوان لا بالمعنون حیث إنّ متعلّق الحکم عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هو الفرد و الطبیعة المتشخّصة الموجودة بالوجود الحقیقی الفرضی لا بالوجود الحقیقی التحقیقی.
و علی هذا البیان إنّ البحث عن المقدّمة الثالثة لایجدی فی المقام شیئاً و نتیجة ذلک عدم وقوع التضادّ فی مرتبة الحکم الفعلی و الإنشائی.
ثمّ إنّ التضادّ فی مرحلة المبادی أیضاً منتفٍ حیث إنّه یمکن أن یکون المتعلّق واجداً للمصلحة و المفسدة و بلغ کلّ منهما إلی درجة الملزمیة مع اختلاف حیثیة المصلحة الملزمة و حیثیة المفسدة الملزمة کما أنّه یمکن أن یکون الشیء الواحد محبوباً من جهة و مبغوضاً من جهة أُخری.
و لکن ذلک لایکفی لإثبات جواز اجتماع الأمر و النهی، بل لابدّ من البحث عن عدم المانع عن الجواز، و المانع عنه إمّا لزوم التکلیف بالمحال و هو الذی ذکره الأعلام بعنوان التضادّ فی مرحلة المنتهی، و إمّا لزوم نقض الغرض و إمّا لزوم التقرّب بالمبعّد مع أنّ المبعّد لایکون مقرّباً، فلابدّ من دفع هذه الموانع.
فإنّما یلزم إذا تعلّق التکلیف إمّا بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد المتّحد مع المنهی عنه، فإنّ متعلّق التکلیف غیر مقدور شرعاً.
و أمّا إذا قلنا بعدم لزوم أحد الأمرین (تعلّق التکلیف بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد) بل یتعلّق التکلیف بنفس وجود الطبیعة المقدور علیه من حیث نفسه فمتعلّق التکلیف (بما هو) مقدور.
بیان ذلک: إنّ ملاحظة الطبیعة فانیة فی أفرادها بحیث تسع جمیعها، إنّما هی لدفع دخل خصوصیة من الخصوصیات المفرّدة فی المطلوبیة.
ص: 268
و أمّا إذا قطعنا بأنّ الغصبیة لا مانعیة لها عن ترتّب الغرض من الصلاة، و أنّ لوازم وجود الطبیعة لا دخل لها فی الغرض منها، فلا حاجة إلی ملاحظة وجود طبیعة الصلاة فانیاً فی جمیع الأفراد، بل یلاحظ الوجود العنوانی فانیاً فی الوجود الحقیقی المضاف إلی طبیعة الصلاة و هو مقدور فی حدّ ذاته، و له أفراد مقدورة فی الخارج بحیث ینطبق علیها (و هی الأفراد المندوحة).
فإذا فرضنا تعلّق الأمر بوجود الطبیعی فالفرد المقدور و الفرد غیر المقدور کلاهما سیّان فی عدم تعلّق الأمر بهما کما أنّهما سیّان فی فردیّتهما لوجود الطبیعة فالداعی إلی إتیان الفرد المتّحد مع الغصب تعلّقُ الأمر بوجود الطبیعة التی لا شک فی فردیة هذا الفرد لها، و قد عرفت سابقاً عدم سریان الأمر إلی الأفراد حتّی مع لحاظ وجود الطبیعة عنواناً فانیاً فی وجودها الحقیقی، بل تطبیق المأمور به علی الفرد المأتی به هو الداعی إلی إتیان الفرد المقدور و الفرد غیر المقدور.
و بعین هذا قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حیث قال:((1)) هذا المحذور (أی محذور التکلیف بالمحال) إنّما یلزم إذا تعلّق الأمر بطبیعی الصلاة الملحوظة فانیة فی أفرادها و أمّا إذا تعلّق الأمر بصرف الوجود و کان مقتضی الصرافة و اللابشرطیة رفض القیود لا الجمع بین القیود لم یلزم تعلّق التکلیف بالمتنافیین.
إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال فی التعلیقة((2)): إنّ إتیان الفرد فی الخارج بداعی الأمر بمجرد وجود الطبیعة لا مانع منه، لأنّ الأمر لایتعلّق و لو بالواسطة
ص: 269
بالفرد، مع أنّه صرّح فی بحث تعلّق الأوامر بالطبائع أو الأفراد بتعلّق الأمر بالفرد، فهل یکون بین کلامه فی المقامین تهافت؟
و دفع هذا الإشکال یتوقف علی تفسیر مراده بالفرد فی المقامین، فإنّ الفرد قد یراد منه الماهیة المتشخّصة مع لوازم التشخص بحیث یلزم من تعلّق الأمر به دخول جمیع الخصوصیات الفردیة تحت حیّز الأمر، و حینئذ إن قلنا بهذه المقالة لایرتفع إشکال التکلیف بالمحال کما قال فی هذه التعلیقة: «أمّا التکلیف بالمحال فإنّما یلزم إذا تعلّق التکلیف إمّا بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد المتحّد مع المنهی عنه.» و لکنه أنکر هذا القول فی هذه التعلیقة و قال بعدم تعلّق التکلیف بالأفراد.
و قد یراد منه وجود الطبیعة من دون دخول الخصوصیات الفردیة و ما أفاده سابقاً من تعلّق التکلیف بالفرد هو هذا المعنی حیث قال((1)): «تعلّق الأمر بالفرد هو بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الحقیقی الفرضی لا بوجوده الحقیقی التحقیقی» و قال فی موضع آخر((2)):
إنّ المقوّم للطلب و الشوق هو الوجود المفروض، و الوجود المفروض یمکن أن یکون حقیقة الوجود المعرّی عن جمیع اللوازم و القیود، بحیث یکون قابلاً للصدق علی کلّ وجود محقّق فی الخارج و حیث إنّ لوازم الوجود خارجة عمّا یقوم به الغرض قطعاً فلا حاجة إلی إطلاق لحاظی فی الوجود بلحاظ لوازمه بل یصحّ تعلّق الطلب بنفس الوجود المفروض المعرّی فی ذاته بحسب الفرض و التقدیر عن جمیع لوازمه؛ هذا کلّه فی ما إذا کانت مندوحة فی البین.
ص: 270
و أمّا إذا لم تکن مندوحة فوجود الطبیعة (بما هو) غیر مقدور، حیث لایمکن تطبیقه فی الخارج علی أمر مقدور فحینئذ یقع التزاحم.
فإن أرید أنّ البعث نقض للزجر و إیجاد لمعانده من حیث التضادّ، فقد عرفت عدم التضادّ.
و إن أُرید أنّ البعث نقض للزجر من حیث الامتثال، و أنّه سدّ لباب امتثال الزجر ففیه ما عرفت من أنّ الأمر لم یتعلّق من قبل المولی إلّا بما لا مناقضة له من حیث الامتثال مع النهی، لتعلّقه بصرف وجود الطبیعة، لا بما یسع هذا الفرد المنهی عنه لیکون نقضاً من قبل المولی لنهیه و سدّاً لباب امتثاله.
و إن أُرید أنّ انقداح الداعی فی نفس المولی إلی البعث مناف لانقداحه إلی الزجر ففیه أنّ قیام المصلحة فی شیء بعنوان و قیام المفسدة فیه بعنوان آخر ممّا لا شک فیه و تصوّر المصلحة یوجب الرغبة فیها، و تصوّر المفسدة یوجب الرغبة عنها، فموافقة المصلحة و منافرة المفسدة للطبع وجدانیة.
و کذا الإرادة النفسانیة و الکراهة النفسانیة فی التشریعیة و کذا البعث و الزجر المنبعثان عنهما بملاحظة ما قدّمناه من تعلّق البعث بصرف وجود الطبیعة فإرادته و البعث نحوه لایمنع عن کراهة الغصب بجمیع أفراده و الزجر عنها.
و أمّا فی الإرادة التکوینیة و الکراهة التکوینیة، فإنّما لایعقل انقداح الداعی إلیهما الموجب لاجتماعهما، من حیث إنّهما الجزءان الأخیران من العلّة التامة للفعل و الترک معاً و حیث لایعقل انقداح الداعی إلیهما معاً، فلابدّ من الکسر و الانکسار بین المصلحة و المفسدة فی مقام تأثیرهما فی الفعل و الترک.
ص: 271
((1)):
فإن أُرید منه ما هو نظیر القرب و البعد المکانیین بحیث لایعقل حصول القرب إلی مکان مع حصول البعد عنه ففیه أنّ لازمه بطلان العمل حتّی فی الاجتماع الموردی (مثل الصلاة و النظر إلی الأجنبیة)، نظراً إلی عدم حصول القرب و البعد معاً فی زمان واحد.
و إن أُرید منه سقوط الأمر و النهی و ترتب الغرض و عدمه فلا منافاة بین أن یکون الواحد مسقطاً للأمر حیث إنّه مطابق ما تعلّق به و مسقطاً للنهی بالعصیان، حیث إنّه خلاف ما تعلّق به و نقیضه.
و کذا ترتّب الثواب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط الأمر بإتیان ما یطابق متعلّقه المحصّل للغرض منه، فإنّه لاینافی ترتّب العقاب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط النهی بإتیان ما یناقض متعلّقه المنافی لغرضه منه.
بل هکذا حال القرب و البعد الناشئین من التخلّق بالأخلاق الفاضلة أو الرذیلة فإنّه بواسطة التخلّق بالخلق الفاضل، له التشبه بالمبدأ الکامل فهو قریب منه من هذا الوجه، و إن کان بواسطة التخلّق بخلق رذیل بعیداً عنه من ذلک الوجه.
و منه یعلم أنّ الأعمال و إن کانت مقدّمة للأحوال، لکنّه لا مانع من کون الواحد بما هو صلاة مقدّمة لحال، و بما هو غصب مقدّمة لحال أُخری.
فتحصّل إلی هنا تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الاستدلال علی جواز اجتماع الأمر و النهی من جهة عدم التضادّ بین الحکمین الفعلیین و الإنشائیین و عدم التضادّ من ناحیة المبدأ و لا من ناحیة المنتهی و عدم وجود مانع آخر عن الجواز.
ص: 272
((1))
خلاصة ما أفاده: إنّ العنوانین المنطبقین علی شیء فی الخارج إمّا من العناوین الاشتقاقیة و الانتزاعیة و إمّا من العناوین الذاتیة و المبادی للاشتقاق.
أمّا العناوین الاشتقاقیة فهی جهات تعلیلیة و لا مانع من انطباقها علی معنون واحد وجوداً و ماهیة و تعدّد هذه العناوین لایوجب تعدّد المعنون.
نعم هذه العناوین الاشتقاقیة تنتزع من الأعراض القائمة بوجود المعنون فتکون حاکیة عن الذات المعروضة للمبدأ القائم بها و علی هذا یکون الترکیب بین العناوین الاشتقاقیة فی مورد المجمع اتحادیاً.
و أمّا العناوین الذاتیة فهی جهات تقییدیة و لایمکن حمل کل منها علی الآخر و یستحیل اتحادها ضرورة أنّ کلّ فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری فیکون الترکیب بینها فی المجمع ترکیباً انضمامیاً و تعدّد الجهات التقییدیة یوجب تعدّد المعنون و الصلاة و الغصب من هذا القبیل فیکون الترکیب بینهما فی مورد الاجتماع انضمامیاً لأنّ الصلاة من مقولة و الغصب من مقولة أُخری (مقولة الأین) و المقولات أجناس عالیة و متباینات بتمام الذات و الحقیقة.
ثمّ إنّ محل النزاع فی مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کان متعلّق الأمر و النهی من المبادی و العناوین الذاتیة و کانت النسبة بینهما عموماً من وجه؛ و أمّا إذا کان متعلّق الأمر و النهی من العناوین الاشتقاقیة فیخرج الکلام عن بحث جواز الاجتماع و لایمکن القول بالجواز لأنّ تلک العناوین الاشتقاقیة جهات تعلیلیة.
ص: 273
و هذه العناوین الذاتیة و المبادی مأخوذة بشرط لا، و ماهیة کلّ من تلک المبادی لابدّ أن تکون محفوظة فی جمیع الحالات لأنّ الماهیات لاتختلف و لاتتخلّف و حینئذ فإذا کانت ماهیات المبادی متباینات فلابدّ أن تکون فی مورد الاجتماع و المجمع هکذا أیضاً، فتکون ماهیة الصلاة و الغصب متباینتین فی مورد المجمع فیکون الترکیب بینهما انضمامیاً.
و علی هذا لایمکن أن تصدقان علی حرکة واحدة شخصیة و إلّا یلزم تفصّل الجنس الواحد و هی الحرکة بفصلین فی عرض واحد و هو محال بل یلزم محذور آخر هو اتحاد المقولتین المتباینتین و ذلک لأنّ الحرکة لاتکون جنساً لهما لأنّ الأعراض بسائط خارجیة فلایترکبان من الجنس و الفصل.
توضیح ذلک: إنّ الحرکة لیست مقولة برأسها فی قبال تلک المقولات، بداهة أنّ نسبة الحرکة إلی المقولات التی تقبل الحرکة نسبة المادّة إلی الصورة، فالحرکة إذا وجدت فی ضمن مقولة فهی عین تلک المقولة و لیست أمراً زائداً علیها، سواء أکانت فی مقولة الجوهر علی القول بالحرکة الجوهریة أم کانت فی مقولة الکم أو الکیف أو نحو ذلک، ضرورة أنّ الحرکة فی مقولة الجوهر لیست شیئاً زائداً علیها بل هی عینها و کذا الحرکة فی الکم و الکیف و الأین و الوضع فإنّها لاتزید علی وجودها بل هی عینها خارجاً فالحرکة الموجودة فی ضمن الصلاة لابدّ أن تکون مباینة للحرکة الموجودة فی ضمن الغصب و فرض کون الحرکة مصداقاً لهما معاً مستلزم لاتحاد المقولتین المتباینتین.
فالحرکة فی کلّ مقولة هی عین تلک المقولة و لیست زائدة علیها فإذا کانت مصداقاً للصلاة و الغصب یلزم اتحاد الصلاة و الغصب و هو محال.
و القول بالجواز یرتکز علی أن تکون الجهتان تقییدیتین فی مورد الاجتماع و
ص: 274
المفروض أنّهما کذلک فلامحالة یکون مصداق المأمور به غیر المنهی عنه فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.
هذا مخلص ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی الاستدلال علی جواز الاجتماع.
((1))
ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ الترکیب بین متعلّقی الأمر و النهی فی مورد الاجتماع ترکیب انضمامی، إنّما یتمّ فی ما إذا کان متعلّقهما من المبادی المتأصلة و العناوین الذاتیة و أمّا إذا لم یکن من هذه العناوین أو کان أحد العنوانین منها دون الآخر ففی مثل ذلک لایستدعی تعدّد العنوان تعدّد المعنون بل لابدّ من ملاحظة أنّ المطابق لهما فی مورد الاجتماع واحد أو متعدّد، فإن کان واحداً فلامناص من القول بالامتناع و إن کان متعدّداً فلامناص من القول بالجواز.
فالعنوانان المتصادیقان فی مورد اجتماع الأمر و النهی لایخلوان من أن یکونا من العناوین الذاتیة و المقولات الحقیقیة أو أن یکون أحدهما من العناوین الذاتیة و الآخر من العناوین الانتزاعیة أو أن یکون کلاهما من العناوین الانتزاعیة.
فهنا ثلاثة صور:
الصورة الأُولی: و هی ما إذا کان کلاهما من العناوین المتأصّلة فیستحیل اتحادهما فحینئذ تعدّد العنوان المقولی یوجب تعدّد المعنون.
ص: 275
الصورة الثانیة: و هی ما إذا کان أحد العنوانین متأصّلاً و الآخر انتزاعیاً و حینئذ العنوان الانتزاعی:
إمّا أن یکون منتزعاً عن مرتبة ذات العنوان المتأصل فی الخارج فیکون الترکیب بینهما اتحادیاً فلابدّ من القول بالامتناع.
و إمّا أن یکون منتزعاً عن شیء آخر مباین للعنوان المتأصّل فیکون الترکیب بینهما انضمامیاً فلابدّ من القول بالجواز.
الصورة الثالثة: و هی ما إذا کان کلا العنوانین من العناوین الانتزاعیة و حینئذ:
إمّا أن یکونا منتزعین عن شیء واحد فی الخارج باعتبارین مختلفین فیکون الترکیب بینهما اتحادیاً فلابدّ من القول بالامتناع لأنّ متعلّق الأمر و النهی فی الحقیقة هو منشأ انتزاعهما و المفروض أنّه واحد وجوداً و ماهیة، لأنّ العنوان الانتزاعی لایخرج عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج لیکون صالحاً لأن یتعلّق به الأمر أو النهی.
و إمّا أن یکون منشأ انتزاع کلّ منهما مغایراً لمنشأ انتزاع الآخر، فلا مانع من القول بالجواز، لأنّ الترکیب بینهما فی مورد الاجتماع ترکیب انضمامی.
((1))
إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ ماهیة تلک المبادی مأخوذة بشرط لا و لابدّ أن تکون محفوظة فی جمیع الحالات، لأنّ الماهیات لاتختلف و لاتتخلّف فهو إنّما یتمّ فی المبادی المتأصّلة و الماهیات الحقیقیة، و أمّا فی المبادی غیر المتأصّلة و
ص: 276
الماهیات الانتزاعیة فلایتمّ و ذلک لأنّه لا مانع من انتزاع مفهوم واحد من ماهیات مختلفة و مقولات متعدّدة، کالغصب مثلاً فإنّه قد ینتزع من مقولة الأین (و هو الکون فی الأرض المغصوبة) و قد ینتزع من مقولة أُخری کأکل مال الغیر أو لبسه أو نحو ذلک و من المعلوم أنّ منشأ انتزاعه علی الأوّل غیر منشأ انتزاعه علی الثانی ضرورة أنّه علی الأوّل من مقولة و علی الثانی من مقولة أُخری.
فالغصب لیس من المقولات بل هی تارة منتزعة عن مقولة و ثانیة عن مقولة أُخری بل إنّ الغصب لم ینتزع من هذه المقولات بأنفسها بل انتزاعه منها باعتبار عدم إذن المالک فی التصرف بها ضرورة أنّه فی الحقیقة منشأ لانتزاعه لا نفس التصرف بها بما هو.
و فی قبال ذلک إنّ الصلاة مرکّبة من مقولات متعدّدة منها مقولة الکیف المسموع کالقراءة و الأذکار و منها الکیف النفسانی کالقصد و النیة و منها الوضع کهیئة الرکوع و السجود و القیام و القعود.
فإذن لیست للصلاة وحدة حقیقیة بل وحدتها بالاعتبار و لذا لا مطابق لها فی الخارج ما عدا هذه المقولات التی ترکّبت الصلاة منها.
لنری أنّ الغصب یتحد مع هذه المقولات أو مع إحداها خارجاً أو لایتحد.
إنّ الصلاة تترکّب من مقولة الکیف النفسانی و الکیف المسموع و الوضع:
أمّا الکیف النفسانی و هی النیة فإنّها أوّل جزء للصلاة و لایشک أحد فی أنّها لیست تصرّفاً فی مال الغیر عرفاً، لتکون منشأ لانتزاع عنوان الغصب فی الخارج، ضرورة أنّ الغصب لایصدق علی الأُمور النفسانیة کالنیة و التفکّر فی المطالب العلمیة أو نحو ذلک من الأُمور الموجودة فی أُفق النفس.
أمّا الکیف المسموع مثل التکبیرة و القراءة والذکر، فلا شبهة فی أنّها لیست متّحدة مع الغصب خارجاً ضرورة أنّه لایصدق علی التکلّم فی الدار المغصوبة التصرّف فیها لیکون مصداقاً للغصب و منشأ لانتزاعه، فإنّ الغصب هنا منتزع من ماهیة مباینة لماهیة التکلّم فی الخارج، فإنّ الغصب فی المقام منتزع من الکون فی الدار و هو من مقولة الأین و التکلّم من مقولة الکیف المسموع فیستحیل اتحادهما فی الخارج و اندراجهما تحت مقولة واحدة.
أمّا الوضع مثل الرکوع و السجود و القیام و العقود، فالصحیح أنّها أیضاً غیر متّحدة مع الغصب خارجاً و الوجه فی ذلک هو أنّ هذه الأفعال من مقولة الوضع فإنّها هیآت حاصلة للمصلّی من نسبة بعض أعضائه إلی بعضها الآخر و نسبة المجموع إلی الخارج، و الوضع عبارة عن هیأة حاصلة للجسم من نسبة بعض أجزائه إلی بعضها الآخر و نسبة المجموع إلی الخارج.
و من الواضح جداً أنّ تلک الهیآت لیست بأنفسها مصداقاً للغصب و متّحدة معه فی الخارج و منشأ لانتزاعه، ضرورة عدم صدق التصرّف علیها بما هی، بل یستحیل أن تتّحد مع الغصب، لفرض أنّه فی المقام منتزع من الکون فی الأرض المغصوبة و هو من مقولة الأین و تلک الهیآت من مقولة الوضع.
ص: 278
قد توهّم بعض الأعلام أنّ الصلاة من مقولة الفعل، فلایعقل أن یکون أجزاؤها من مقولة الوضع لتباین المقولات.
و أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) و إلیک نص عبارة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2))
هذا التوهّم مدفوع بأنّ صدق الفعل العرفی علیها باعتبار صدورها منه غیرُ کونها من مقولة الفعل اصطلاحاً، لأنّ مقولة الفعل المقابلة لمقولة الانفعال عبارة عن حال التأثیر التجدّدی للمؤثر، کما أنّ مقولة الانفعال هی حالة التأثر التجدّدی، کحالتی النار و الماء فی التأثیر فی الحرارة و التأثر بها، فما دام النار مشغولة بإیجاد الحرارة فی الماء یکون لها حالة التأثیر التجدّدی و للماء حالة التأثر أمّا الأثر فهو من مقولة الکیف، فلیس کلّ فعل عرفی فعلا مقولیاً.
هنا تحقیق نهائی للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی اتحاد السجود مع الغصب قال:((3))
التحقیق أنّ أجزاء الصلاة و إن کانت کذلک، إلّا أنّ بعضها متقوّم شرعاً بما له مساس خارجاً بالغصب کوضع الجبهة علی الأرض، فإنّ مماسّة الجبهة مقوّمة للسجدة شرعاً، و هی من مقولة الإضافة، فالسجدة بما هی هیأة وضعیة و إن
ص: 279
لم تکن تصرّفاً فی الأرض، لکنّها بمقوّمها الشرعی و هو المماسة تصرّف فیها و هکذا الاستقرار علی الأرض فی القیام و الرکوع و التشهد، فإنّ إثبات الرجل علی الأرض و الجلوس علیها معتبر فی القیام و الرکوع و التشهّد، و کون هذا الجزء المقوّم تصرّفاً فی الدار المغصوبة ممّا لاینبغی الشبهة فیه.
و المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعه فی اتحاد السجود و الغصب إلّا أنّه لم یرتض ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ ممّاسة الجبهة و وضعها علی الأرض مقوّمة للسجدة فقال:((1))
إنّ الظاهر عدم صدق السجدة الواجبة علی مجرد مماسة الجبهة للأرض بل یعتبر فی صدقها الاعتماد علیها، و من المعلوم أنّ الاعتماد علی أرض الغیر نحو تصرّف فیها فلایجوز و علیه یتّحد الصلاة المأمور بها مع الغصب المنهی عنه فی الخارج، فإذن لامناص من القول بالامتناع.
و علی ضوء هذا البیان قد ظهر فساد ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّه لایمکن أن تکون الحرکة الواحدة مصداقاً للصلاة و الغصب معاً و ذلک لأنّ ما أفاده (قدس سره) یرتکز علی نقطة واحدة و هی أنّ الغصب من مقولة برأسها و هی مقولة الأین و علی هذا یستحیل اتحاده مع الصلاة خارجاً لکن قد عرفت أنّ هذه النقطة خاطئة.
هنا أمر آخر یوجب اتحاد الصلاة و الغصب غیر مسألة السجود و هو الهوی إلی السجود و الرکوع و النهوض عنهما و هکذا جمیع الحرکات المتخلّلة بین
ص: 280
الرکوع و السجود و القیام و القعود، فإنّ هذه الحرکات تکون مصادیق للغصب، ضرورة أنّ الحرکة فی الدار المغصوبة من أوضح أنحاء التصرف فیها.
و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أجاب عن ذلک((1))بأنّ تلک الحرکات مقدّمات للرکوع و السجود و القیام و القعود، لا مقوّمات لها فما هو من الأجزاء لا اتحاد له مع الغصب و ما هو تصرّف فی الغصب عرفاً لیس من الأجزاء.
و المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً اختار هنا مقالة أُستاذه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((2))
الصحیح هو أنّ الهوی إلی السجود و الرکوع و النهوض عنهما من المقدّمات و ذلک لأنّ الظاهر من أدلّة جزئیة الرکوع و السجود و القیام و الجلوس هو أنّ نفس هذه الهیآت جزء فحسب، لا مع مقدّماتها من الهوی و النهوض، لفرض أنّ هذه العناوین اسم لتلک الهیآت خاصّة لا لها و لمقدّماتها معاً؛ هذا من ناحیة.
و من ناحیة أُخری: إنّ المذکور فی لسان الأدلة إنّما هو نفس تلک العناوین علی الفرض، لا هی مع مقدّماتها.
و نتیجة ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) علی مسلکه هو أنّ الصلاة فی الدار المغصوبة إذا کانت مشتملة علی السجود، فلامناص من القول بالامتناع و أمّا إذا لم تکن مشتملة علیه ذاتا أو عرضاً، أو کان المکلّف متمکّناً منه علی الأرض مباحة أو مملوکة فلا مانع من القول بالجواز، فالحق عنده هو التفصیل فی جواز الاجتماع و امتناعه و المحقّق الخوئی (قدس سره) یری اتحاد الغصب و السجود خارجاً و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عمّم ذلک للرکوع و القیام و التشهّد حیث إنّ إثبات
ص: 281
الرجل علی الأرض و الجلوس علیها جزء مقوّم للرکوع والقیام و التشهّد و لا شبهة فی أنّها تصرّف فی الدار المغصوبة((1)).
ص: 282
ص: 283
((1))
إنّ هذا الاستدلال یتوقف علی سرایة الحکم من العنوان إلی المعنون کما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة و صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً بأنّ العناوین تؤخذ فی متعلّقات الأحکام لا بما هی هی بل بما هی معرّفة و مشیرة إلی ما هو المتعلّق فی الواقع.
و لکنک عرفت أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الأحکام تتعلّق بالوجودات العنوانیة لا بالمعنونات الخارجیة و بذلک ظهر بطلان استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی الجواز و أیضاً بطلان نظریة التفصیل الذی اختاره المحقّق الخوئی (قدس سره) .
ص: 284
((1))
إنّ الأمر و النهی یتعلّقان بالطبائع و الأفرادُ مقدّمات لتحقّقها و وجودها و حینئذ:
إن لم نقل بوجوب المقدّمة (کما هو الحقّ) کان معروض الحرمة ( و هو المقدّمة) مغایراً لمعروض الوجوب، و هو الواجب المتوقّف علیها، فلایلزم اجتماع الوجوب و الحرمة فی شیء واحد. (فإنّ طبیعة الصلاة هی متعلّق الأمر النفسی و الفرد متعلّق النهی النفسی لأنّه غصب).
و إن قلنا بوجوب المقدّمة و بمقدّمیة الفرد لوجود الطبیعة یلزم اجتماع الوجوب الغیری و النهی النفسی فی هذا الفرد و لا بأس به لأنّ أحدهما نفسی و الآخر غیری. (هذا علی ما فی أجود التقریرات و لکن فی تحقیق الأُصول((2)) جعل متعلّق النهی النفسی هو الطبیعة و أخذ الفرد مقدّمة لها فیجتمع الوجوب و الحرمة الغیریان و المحقّق القمی (قدس سره) یقول: لا بأس به.)
((3))
إنّ الفرد هو عین الطبیعی فی الخارج، کیف و المقدّمیة تقتضی الاثنینیة بحسب الوجود و لاتعدّد کما هو واضح، فلایعقل کون الفرد مقدّمة لوجود الطبیعی.
ص: 285
((1))
إنّ الطبائع من حیث هی هی و إن کانت لیست إلّا هی و لاتتعلّق بها الأحکام الشرعیة إلّا أنّ تلک الطبائع مقیدة بالوجود -بحیث کان القید خارجاً و التقید داخلاً- تکون متعلّقاً للأحکام و متعلّقا الأمر و النهی علی هذا لایکونان متّحدین أصلاً، لا فی مقام تعلّق البعث و الزجر و لا فی مقام عصیان النهی و إطاعة الأمر بإتیان المجمع بسوء الاختیار.
أمّا فی المقام الأوّل، فلتعدّدهما بما هما متعلّقان للبعث و الزجر و إن کانا متّحدین فی الوجود الذی هو قید الطبیعة و خارج عنها.
أمّا فی المقام الثانی، فلسقوط أحدهما بالإطاعة و سقوط الآخر بالعصیان بمجرد الإتیان بالمجمع فلابدّ من تعدّدهما من حیث المتعلّق و إلّا لایمکن امتثال الأمر بإتیان المنهی عنه.
و نتیجة ذلک هو تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالجواز.
((2))
إنّه لایکاد یجدی بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون لا وجوداً و لا ماهیة، و أنّ المتعلّق للأحکام هو المعنون لا العنوان.
یرد علیه ما تقدّم مفصلاً من أنّ متعلّقات الأحکام هی الوجودات العنوانیة
ص: 287
و لانحتاج إلی البحث عن أنّ العنوان هل یوجب تعدّد المعنون أو لا.
إنّه یبتنی علی تعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع مع إخراج قید الوجود عنها و قد تقدّم أنّ الأحکام تتعلّق بالوجود العنوانی الفرضی للطبیعة الذی هو فی أُفق الاعتبار.
ص: 288
((1))
إنّه لو لم یجز اجتماع الأمر و النهی لما وقع نظیره و لکن قد وقع نظیر ذلک کما فی العبادات المکروهة کالصلاة فی مواضع التهمة و فی الحمام و الصیام فی السفر و فی بعض الأیام مثل یوم عاشوراء.
بیان الملازمة: إنّه لو لم یکن تعدّد الجهة مجدیاً فی إمکان اجتماع الأمر و النهی فلابدّ أن لایجوز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الکراهة فی مورد واحد مع تعدّد الجهة أیضاً و التالی باطل حیث نری جواز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الوجوب فی مورد واحد مع تعدّد الجهة فإذا جاز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الکراهة فلابدّ من أن یجوز اجتماع الوجوب و الحرمة، فإنّ تعدّد الجهة إن کان مجدیاً فی الحکمین الآخرین لکان مجدیاً فی اجتماع الأمر و النهی و الوجوب و الکراهة.
لقد أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) إجمالاً ثم أجاب تفصیلاً:
أوّلاً: بعد قیام الدلیل و البرهان علی امتناع اجتماع الحکمین المتضادّین لابدّ من التصرّف و التأویل فی ما وقع فی الشریعة ممّا ظاهره الاجتماع، ضرورة أنّ الظهور لایصادم البرهان.
ص: 289
ثانیاً: إنّ مورد البحث فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو اجتماع الحکمین فی مورد واحد مع تعدّد الجهة و الموارد و الأمثلة التی استدلّ بها القائل بالجواز ظاهرة فی جواز اجتماع الأمر و النهی فی مورد واحد بجهة واحدة، لأنّ متعلّق الأمر و النهی فی تلک الأمثلة واحد مثل النهی عن الصلاة فی الحمّام و لایقول القائل بالجواز فی مسألة الاجتماع بجواز اجتماعهما فی مورد واحد بجهة واحدة فلابدّ من تأویل هذه الأمثلة.
إنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تعلّق به النهی بعنوانه و ذاته و لا بدل له کصوم یوم عاشوراء و النوافل المبتدأة فی بعض الأوقات و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص المطلق.
ثانیها: ما تعلّق به النهی بعنوانه و ذاته و یکون له البدل کالنهی عن الصلاة فی الحمّام و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص المطلق أیضاً.
ثالثها: ما تعلّق به النهی لا بذاته بل تعلّق النهی إمّا بما یغایره مفهوماً و یتّحد و یجامع معها مفهوماً بناء علی دخول أکوان الصلاة فی حقیقتها (و المراد من الأکوان هو کون الصلاة فی الحمّام مثلاً أو فی مکان آخر) و إمّا بما یلازمه خارجاً بناء علی خروج أکوان الصلاة عن حقیقتها و مثال هذا القسم الأخیر هو الصلاة فی موضع التهمة و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص من وجه.
ص: 290
النهی التنزیهی لاینافی صحّة العمل حیث قام الإجماع علی أنّه یقع صحیحاً و لکن ترکه أرجح کما یظهر من مداومة الأئمة (علیهم السلام) علی الترک.
هنا ثلاثة طرق لحلّ المشکلة فی القسم الأوّل:
((1))
بیانه: إنّ النهی لأجل انطباق عنوان ذی مصلحة علی الترک فالنهی لایدلّ علی الزجر، فعلی هذا یکون الترک کالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض و إن کان مصلحة الترک أکثر.
فهما حینئذ یکونان من قبیل المستحبین المتزاحمین فإن لم یکن أحدهما أهمّ من الآخر یحکم بالتخییر و إن کان أحدهما أهمّ فیتعین الأهم و إن کان الآخر یقع صحیحاً و أرجحیة الترک من الفعل لاتوجب حزازة و منقصة فی الفعل.
هذا بخلاف مسألة الاجتماع حیث إنّ النهی فیها حقیقی فیدلّ علی وجود المفسدة الملزمة فی المتعلّق فتکون فیه الحزازة و المنقصة و هذه المنقصة تمنع عن صلاحیة التقرّب بالعمل.
((2))
إلیک نصّ کلام المحقّق النائینی (قدس سره): إنّ الفعل و الترک إذا کان کلّ منهما مشتملاً علی مقدار من المصلحة، فبما أنّه یستحیل تعلّق الأمر بکلّ من النقیضین
ص: 291
فی زمان واحد یکون المؤثر فی نظر الآمر إحدی المصلحتین علی تقدیر کونها أقوی من الأُخری و تسقط کلتاهما عن التأثیر علی تقدیر التساوی، لاستحالة تعلّق الطلب التخییری بالنقیضین، لأنّه من طلب الحاصل و علیه یستحیل کون کلّ من الفعل و الترک مطلوباً بالفعل.
و بالجملة اشتمال کلّ من الفعل و الترک علی المصلحة یوجب تزاحم الملاکین فی تأثیرهما فی جعل الحکم علی طبق کلّ منهما، لاستحالة تأثیرهما فی زمان واحد فی طلب النقیضین تعییناً أو تخییراً.
و علیه یتفرّع وقوع التزاحم فی التأثیر فی ما کان کلّ من الضدّین اللذین لا ثالث لهما مشتملاً علی المصلحة أو المفسدة الداعیة إلی جعل الحکم علی طبقها و فی ما إذا کان أحد المتلازمین دائماً مشتملاً علی مصلحة و الآخر مشتملاً علی مفسدة، فإنّه فی جمیع ذلک یستحیل جعل الحکم علی طبق کلّ من الملاکین تعییناً أو تخییراً، لرجوعه إلی طلب النقیضین المفروض استحالته.
فلابدّ من جعل الحکم علی طبق أحد الملاکین إن کان أحدهما أقوی من الآخر و إلّا فلایؤثر شیء منهما فی جعل الحکم علی طبقه.
((1))
إنّ ذلک أی لزوم استحالة طلب النقیضین فی ما إذا کانت المصلحة مترتّبة علی مطلق وجود الفعل و الترک، أمّا فی ما إذا کانت مترتّبة علی حصّة خاصّة من الفعل (کما هو الحال فی موارد العبادات المکروهة التی هی محل الکلام، إذ المصلحة فیها مترتّبة علی الفعل المأتی به عبادة) فلامحالة یکون المورد داخلاً فی
ص: 292
صغری تزاحم المستحبّین، لأنّ المکلّف حینئذ قادر علی ترکهما و الإتیان بالفعل المجرّد عن قصد القربة لأنّ المورد من باب الضدّین الذین لهما ثالث و هو غیر قادر علی الجمع بینهما.
فإذا کانت مصلحة الترک أهمّ من مصلحة الفعل، لم یکن مانع من النهی عن الفعل إرشاداً إلی ما فی الترک من المصلحة، فالکراهة فی هذه الموارد لم تنشأ من حزازة و منقصة فی الفعل لتنافی کونَه عبادة، بل إنّما نشأت من کون الترک أرجح من الفعل، کما یظهر ذلک من مداومة الأئمة (علیهم السلام) علی الترک و أمرهم أصحابهم به و هذا لاینافی صحّة الفعل إذا أتی به عبادة.
و هذا الوجه هو الذی أفاده العلامة الأنصاری (قدس سره) فی تصویر الکراهة فی العبادة فی هذا القسم و هو الصحیح.
أوّلاً: إنّ مخالفة بنی أمیة تتحقّق بأمرین: ترک الصوم مطلقاً و إتیان الصوم بدون قصد القربة لأنّ بنی أمیة صاموا یوم عاشوراء بقصد القربة.
إنّ الأولی أن یقال: إنّ مخالفة بنی أمیة تتحقّق إمّا بترک الإمساک أو بالإمساک من دون قصد الصوم، لأنّ صومهم یوم عاشوراء لم یکن بقصد القربة إلی الله تعالی بحسب الباطن بل أمسکوا بقصد الصوم طعناً علی آل الرسول (علیهم السلام) و للتظاهر بالإسلام حتّی لایعترض علیهم و کذلک قوله لعنه الله:
لعبت هاشم بالملک فلا
خبر جاء و لا وحی نزل
ص: 293
ثانیاً: إنّ بعض الأخبار صریح فی استحباب صوم یوم عاشوراء بحیث لایمکن أن یدّعی مداومة أهل البیت (علیهم السلام) علی الترک.
منها: ما فی الروایة من أنّه «صَامَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) یوْمَ عَاشُورَاءَ»((1)).
و منها: ما ورد من قولهم (علیهم السلام): «فَإِنَّهُ یکَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ» ((2)).
إنّ بنی أمیة و مخالفی أهل البیت (علیهم السلام) قد وضعوا روایات کثیرة فی فضیلة یوم عاشوراء بل نسبوه إلی أهل البیت (علیهم السلام) و غرضهم من ذلک هو أن یعدّ یوم عاشوراء عیداً لا مصیبة فإنّ الصوم قد ورد فی الأعیاد العظیمة، فلایمکن الاعتماد علی تلک الأخبار.
بیانه: إنّ الترک لیس مستحباً و لا متعلّق البعث بل هناک عنوان آخر ملازم لترک صوم یوم عاشوراء و هذا العنوان الملازم واجد للمصلحة و مصلحتة أقوی من مصلحة صوم یوم عاشوراء و الطلب المتعلّق بالترک حینئذ لیس بحقیقی بل بالعرض و المجاز فالطلب متعلّق فی الحقیقة بهذا العنوان الملازم و هو هنا مخالفة بنی أُمیة و هذا العنوان (مخالفة بنی أُمیة) بناء علی الطریق الأوّل حیثیة تعلیلیة لاستحباب الترک و بناء علی الطریق الثانی حیثیة تقییدیة.
ص: 294
قال صاحب الکفایة (قدس سره): نعم یمکن أن یحمل النهی فی کلا القسمین (أی الطریق الأوّل و الطریق الثانی) علی الإرشاد إلی الترک الذی هو أرجح من الفعل أو ملازم لما هو الأرجح و أکثر ثواباً لأرجحیة الترک من الفعل و علیه یکون النهی علی نحو الحقیقة لا بالعرض و المجاز.((1))
((2))
التحقیق فی الجواب من هذا القسم یتضح برسم مقدّمة نافعة فی جملة من الموارد و هی أنّه لا شبهة فی أنّ النذر إذا تعلّق بالعبادة المستحبة فالأمر الناشی من النذر یتعلّق بذات العبادة التی کانت متعلّقة للأمر الاستحبابی فی نفسها فیندک الأمر الاستحبابی فی الأمر الوجوبی و یتّحد معه، فیکتسب الأمر الوجوبی جهة التعبد من الأمر الاستحبابی، کما أنّ الأمر الاستحبابی یکتسب جهة اللزوم من الأمر الوجوبی فیتولّد من اندکاک أحد الأمرین فی الآخر أمر واحد وجوبی عبادی و السر فی ذلک أنّه إذا کان متعلّق کلّ من الأمرین عین ما تعلّق به الآخر فلابدّ من اندکاک أحدهما فی الآخر و إلّا لزم اجتماع الضدین فی شیء واحد.
و أمّا إذا کانت العبادة المستحبة متعلّقة للإجارة فی موارد النیابة من الغیر، کان متعلّق الأمر الاستحبابی مغایراً لما تعلّق به الأمر الوجوبی، لأنّ الأمر الاستحبابی علی الفرض تعلّق بذات العبادة، و أمّا الأمر الناشئ من الإجارة فهو
ص: 295
لم یتعلّق بها بل تعلّق بإتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه، بداهة أنّ ذات العبادة من دون قصد النیابة عن المنوب عنه لم یتعلّق بها غرض عقلائی من المستأجر، و لأجله تبطل الإجارة لو تعلّقت بها أو بمثلها (أی بذات العبادة من دون قصد النیابة عن المنوب عنه أو بمثلها) ممّا لم یتعلّق به غرض عقلائی.
و علی ذلک یترتّب أنّه یستحیل تداخل الأمرین باندکاک أحدهما فی الآخر فی موارد الإجارة علی العبادة، إذ التداخل فرع وحدة المتعلّق و المفروض عدمها فی تلک الموارد، فلایلزم اجتماع الضدّین فی شیء واحد من تعلّق الأمر الاستحبابی بذات العمل و تعلّق الأمر الوجوبی بإتیان العبادة بداعی امتثال الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه.
إذا عرفت ذلک، فنقول:
إنّ الإشکال فی اتّصاف العبادة بالکراهة، إنّما نشأ من تخیل أنّ متعلّق الأمر و النهی هو شیء واحد مع أنّه لیس کذلک، لوضوح أنّ متعلّق الأمر هو ذات العبادة و أمّا النهی التنزیهی فهو لم یتعلّق بها، لعدم مفسدة فی فعلها و لا مصلحة فی ترکها بل تعلّق بالتعبّد بهذه العبادة، لما فیه من المشابهة للأعداء.
و بما أنّ النهی تنزیهی و هو متضمّن للترخیص فی الإتیان بمتعلّقه، جاز التعبّد بتلک العبادة بداعی امتثال الأمر المتعلّق بذاتها.
نعم لو کان النهی تحریمیاً، لکان مانعاً من تعلّق الأمر بها بخصوصه و من شمول إطلاق المأمور به للفرد المنهی عنه، لوضوح التنافی بینه و بین حرمة التعبّد به فیکون الفرد المنهی عنه خارجاً عن حیّز الأمر و یکون دلیل النهی مقیداً لإطلاق دلیل الأمر و إذا فرضنا اختلاف متعلّق الأمر و النهی فلایمکن أن یکون دلیل النهی مقیداً لإطلاق دلیل الأمر.
ص: 296
فظهر أنّ متعلّق النهی التنزیهی فی هذا القسم بما أنّه مغایر لمتعلّق الأمر لایکون منافیاً له، و بما أنّه تنزیهی لایکون مانعاً عن التعبّد بمتعلّقه، فارتفع إشکال اجتماع الضدّین فی هذا القسم من العبادات المکروهة أیضاً.
((1))
إنّ ما أفاده من دعوی تعلّق الکراهة بالتعبّد بالعبادة المتعلّق بها الأمر الاستحبابی خلاف ظواهر الأدلّة الدالّة علی النهی عن نفس العبادة (عَنْ عَبْدِالْمَلِک عَنْ ُأَبی عَبْدِ الله (علیه السلام):.... فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیاد و أیضاً عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِیسَی أَخِیهِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا یقُولُ النَّاسُ فِیهِ فَقَال.... وَ هُوَ یوْمٌ یتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ علیهم السلام وَ یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْیوْمُ الَّذِی یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا یصَامُ وَ لَا یتَبَرَّکُ بِه((2)))
((3))
إنّ الأمر الاستحبابی کما تعلّق بذات العبادة، تعلّق بالتعبد بها أیضاً، کما عرفت ذلک فی بحث التعبّدی و التوصّلی، غایة الأمر أنّ تعلّقه به إنّما هو بالأمر الثانی الموجب لتقیید الأمر الأوّل بنتیجة التقیید علی ما ذهب إلیه شیخنا الأُستاذ (قدس سره) و علیه فإذا کان التعبّد بعبادةٍ ما متعلّقاً للنهی التنزیهی أیضاً، لزم اجتماع حکمین متضادّین فی شیء واحد و هو مستحیل.
ص: 297
((1))
إنّه أجاب عن توهّم کراهیة العبادات فی ما لا بدل لها بوجهین:
الوجه الأوّل: حمل النهی علی أقلیة الثواب و الرجحان و الوجه الثانی: صرف النهی عن ظاهره و هذا بجعل متعلّقه إیقاع الصوم فی الوقت الکذائی نظیر النهی عن إیقاع جوهر نفیس فی مکان قذر بجعل المبغوض کینونة العبادة فی وقت کذا لا نفسها، حتّی لاینافی المبغوضیة محبوبیة العمل.
((2))
إنّ کلا الوجهین مخالف لظواهر الأدلّة حیث إنّ النهی ظاهر فی معناه الحقیقی و متعلّق بعین ما تعلّق به الأمر و هو صوم یوم عاشوراء.
إنّ مصلحة الترک و لو بعنوان آخر إن کانت مساویة لمصلحة الفعل، فالکراهة و الاستحباب کلاهما ملاکی، لاستحالة فعلیة الطلبین- و سیجیء إن شاء الله بیان بطلان هذا القول فی المناقشة الثالثة- و إن کانت أرجح من مصلحة الفعل فالکراهة بمعنی طلب الترک عن مصلحة فعلیة والاستحباب ملاکی.
ص: 298
و علی أی حال لیس للفعل استحباب و رجحان فی ذاته فعلاً، حتّی یلزم اختلاف المتلازمین فی الحکم (العنوان الواحد یقبل الحکمین بناء علی جواز الاجتماع فضلاً عن المتلازمین فلا مانع من استحباب صوم یوم عاشوراء نفسیاً و کراهته بالمعنی المصطلح لانطباق عنوان موافقة بنی أُمیة علیه) أو یوجب مرجوحیة الترک بذاته فعلاً، لیلزم اختلاف العنوان و المعنون فی الحکم الفعلی، فلیس الفعل إلّا راجحاً شأناً، لا راجحاً فعلاً، و لا بذاته مرجوحاً فعلاً، حتّی ینافی وقوعه عبادة، بل لازمه أی موافقة بنی أُمیة مرجوح فعلاً.
بل التحقیق أنّ الراجحیة و المرجوحیة بمعنی الغالبیة و المغلوبیة فی تأثیر الملاک و لا منافاة بین عدم تأثیر الترک بعنوانه و تأثیر عنوانه الطاری، فلم یلزم اختلاف العنوان و المعنون فی الحکم، و لا اختلاف المتلازمین فی الحکم، بل اختلافهما أی اختلاف المتلازمین فی مقام التأثیر بالنفی و الثبوت حیث إنّ الترک لم یؤثر و ملازمه یؤثر فلم یلزم اختلافهما فی مقولة الحکم الحقیقی الفعلی و لا اجتماع الوصفین الثبوتیین المتضایفین فی واحد فافهم جیداً.
إلیک نصّ بیان المحقّق الحائری (قدس سره) نقلاً عن أُستاذه المحقق الفشارکی (قدس سره):
الذی یمکن أن یقال فی حلّ الإشکال أمران: أحدهما ما أفاده سیدنا الأُستاذ (نوّر الله مضجعه) و هو أن یقال برجحانِ الفعل من جهة أنّه عبادة و رجحانِ الترک من حیث انطباق عنوان راجح علیه و لکون رجحان الترک أشدّ من رجحان الفعل غلب جانب الکراهة و زال وصف الاستحباب و لکن الفعل لما کان مشتملاً علی الجهة الراجحة، لو أتی به یکون عبادة، إذ لایشترط فی صیرورة العمل عبادة وجود الأمر، بل یکفی تحقّق الجهة فیه علی ما هو التحقیق فهذا
ص: 299
الفعل مکروه فعلاً لکون ترکه أرجح من فعله، و إذا أتی به یقع عبادة لاشتماله علی الجهة.
((1))
إنّ العنوان الوجودی لایمکن أن ینطبق علی العدم، لأنّ معنی الانطباق هو الاتحاد فی الوجود الخارجی و العدم لیس له وجود خارجی.
((2))
إنّ هذا الإیراد یتوجّه علی أصل الالتزام بانطباق عنوان راجح علی الترک و لیس إیراداً علی هذه النظریة بخصوصه.
و یندفع بأنّ المحال انتزاع مفهوم ثبوتی من العدم و العدمی، و أمّا المفهوم السلبی فهو موافق فی حیثیة العدم لما ینتزع منه و لایلزم منه رجوع ما حیثیة ذاته حیثیة النفی إلی حیثیة الثبوت و بالعکس فمثل صوم یوم عاشوراء -حیث إنّه موافقة لبنی أُمیة لالتزامهم بصوم هذا الیوم شکراً و فرحاً- ترکه مخالفة لهم و هی مطلوبة للشارع و لیست المخالفة هنا إلّا عدم الموافقة لهم فی الصوم.
و اتّصاف شیء بشیء (مثل اتّصاف ترک صوم یوم عاشوراء بکونه ترکاً لموافقة بنی أُمیة) لایستدعی الثبوت الخارجی (حیث إنّ ترک صوم یوم عاشوراء أمر عدمی لا ثبوت خارجی له و مع ذلک یکون متّصفاً بکونه ترکاً لموافقتهم)
ص: 300
بل الثبوت فی ظرف الاتّصاف علی الوجه المناسب للمثبت له، و لو بلحاظ الغرض و التقدیر، و لهذا یوصف الأعدام و یخبر عنها.
((1))
إنّ الأمر العدمی لایمکن أن یکون واجداً للمصلحة، لأنّ المصلحة أمر وجودی و الأمر الوجودی لایقوم بالأمر العدمی؛ و علی هذا ترک صوم عاشوراء لیس ذا مصلحة بل فعل صوم عاشوراء یکون ذا مفسدة و هذا معنی الکراهة.
إنّ الأمر العدمی له حظّ ضعیف من الوجود و لذلک یکون ذا مصلحة أحیاناً مثل المصلحة المترتبة علی الإمساک.
إنّ هذه النظریة مخالفة لظواهر الأدلّة، لأنّ بعض النصوص صریحة فی أنّ صوم یوم عاشوراء مبغوض و موجب لاستحقاق العقاب و علی هذا لابدّ أن لایصحّ الإتیان به و لایکون فعله عبادة.
إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ناظر إلی القسم الأوّل الذی مثّل له بصوم یوم عاشوراء و المناقشة الثانیة للأُستاذ المحقّق (حفظه الله) لایکون إلّا بالنسبة إلی المثال.
ص: 301
بعض الأعلام قالوا بحرمته مثل صاحب الحدائق (قدس سره) .
دلیل هذا القول هو ما ورد فی الکافی عن أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (علیه السلام): صَوْمٌ مَتْرُوکٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوکُ بِدْعَةٌ.((2))
فعلی هذا صوم یوم عاشوراء منسوخ.
((3))
أوّلاً: إنّ الروایة ضعیفة سنداً.
و ثانیاً: إنّ المراد من المتروکیة فی الروایة یمکن أن یکون متروکیة أصل الوجوب.
ص: 302
و ثالثاً: إنّ النسخ لایلائم ما ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) من الأمر بصوم یوم عاشوراء.((1))
ص: 303
ص: 304
أمّا ضعف السند فهو بالنسبة إلی روایة الکلینی (قدس سره) مبنائی مع أنّ هنا روایة أُخری وردت بهذا المضمون و هی روایة الصدوق (قدس سره):مُحَمَّدُ بْنُ عَلِی بْنِ الْحُسَینِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْینَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِیعاً أَنَّهُمَا سَأَلَا أَبَا جَعْفَر ٍالْبَاقِرَ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ کَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ.((1))
ص: 305
أمّا الإشکال الثانی: فیمکن أن یجاب عنه بعدم ورود الدلیل علی وجوب صوم یوم عاشوراء قبل نزول صوم شهر رمضان فما هو الثابت قبل نزول الشهر المبارک هو استحباب هذا الصوم فلا معنی لمتروکیة أصل الوجوب و بقاء استحبابه.
أمّا الإشکال الثالث: فیمکن أن یجاب عنه بأنّ القائل بالحرمة یری أنّ الروایات الآمرة بصوم یوم عاشوراء إمّا غیر صادرة و إما محمولة علی التقیة.
إنّ الروایة قاصرة عن الدلالة علی الحرمة لأنّ المتروکیة لیست بمعنی الحرمة کما أنّ کلّ بدعة لیست بحرام إلّا أنّ هنا ما یدلّ علی حرمته و هو ما ورد فی الکافی من الإیعاد بالنار کما سیجیء إن شاء الله.((1))
دلیل هذا القول هو حمل الروایات الآمرة علی التقیة مع القول بأنّ الروایات الناهیة لاتدلّ علی أکثر من الکراهة.
إنّ فی الروایات الناهیة ما ورد فی الإیعاد بالنار و الحشر مع أمثال ابن مرجانة بالنسبة إلی طائفتین: الأولی من صام الیوم التاسع و العاشر، و الثانیة من تبرّک بهما((2)).
ص: 306
منهم من یقول باستحبابه مطلقاً و منهم من یقول باستحبابه علی وجه الحزن و هو مختار الشیخ و ابن إدریس و المحقّق و صاحب الجواهر و صاحب الوسائل (قدس سره).
أمّا القول بالاستحباب بلا کراهیة فقد قوّاه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المستند و استدلّ علیه بضعف ما ورد فی النهی عنه و لکن اختار فی مقام الفتیا کراهة صوم یوم عاشوراء.
ناقش بعض الأساطین (حفظه الله) فی ما أفاده من ضعف ما ورد فی النهی عنه بأنّ هنا روایة ناهیة لا إشکال فی سندها و هو ما رواه صاحب المزار (محمد بن المشهدی) عن عماد الدین الطبری عن ابن الشیخ عن الشیخ عن المفید عن ابن قولویه و الصدوق عن الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام): ... «صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا» إلی آخر الحدیث((1)).
ص: 307
ذهب إلیه بعض الأساطین (حفظه الله): إنّ هنا روایات متعارضة و متعلّقها شیء واحد و حیث لم نتمکن من الجمع العرفی بینها فلابدّ من إعمال قواعد باب التعارض و مقتضی القاعدة حمل الروایات الآمرة بالصوم علی التقیة.
و الإجماع علی الاستحباب لیس بحجّة لأنّه منقول مع أنّه مدرکی فالأحوط وجوباً ترک صوم یوم عاشوراء؛ هذا مختار بعض الأساطین (حفظه الله) و هو من أحسن الوجوه و إن کان القول بالحرمة أیضاً له وجه وجیه. ((1))
هذا کلّه بالنسبة إلی مثال القسم الأوّل.
فتحصّل إلی هنا: أنّ القاعدة الکلّیة فی القسم الأوّل هو جواز اجتماع حکمی الاستحباب و الکراهة فی المتعلّق الواحد، کما أنّ اجتماع استحباب الفعل و استحباب ترکه جائز من دون لزوم محذور استحالة فعلیة الطلبین.
فلابدّ من ملاحظة الأدلّة فی مقام الإثبات لتشخیص المورد أنّه من اجتماع الاستحباب و الکراهة أو من باب استحباب الفعل و استحباب الترک.
أمّا فی خصوص مثال صوم یوم عاشوراء فللحرمة وجه قوی و لو لم نقل به فالأحوط وجوباً ترکه.
ص: 308
أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجهین:
الوجه الأوّل: هو ما تقدّم فی القسم الأوّل طابق النعل بالنعل.
الوجه الثانی: أنّ النهی عن الصلاة فی الحمام یمکن أن یکون بحسب حصول منقصة فی الطبیعة المأموربها، لتشخّص هذه الطبیعة، بمشخّص غیر ملائم لها، فإنّ تشخّص الصلاة بوقوعها فی الحمام لایناسب کونها معراجاً و إن لم یکن نفس الکون فی الحمام بمکروه و لاحزازة فیه أصلاً بل کان راجحاً.
کما أنّ التشخّص قد یکون بما یلائم الصلاة ملاءمة شدیدة مثل الکون فی المسجد و أیضاً قد یکون بما لایکون له شدة الملاءمة و لا عدم الملاءمة مثل الکون فی الدار.
و النهی عن الصلاة فی الحمام إرشاد إلی المنقصة الحاصلة من تشخّص الطبیعة بالکون فی الحمام و أیضاً إرشاد إلی ما لا نقصان فیه من سائر الأفراد و أنّ سائر الأفراد یکون أکثر ثواباً من هذا الفرد و هذا مراد من قال: «إنّ الکراهة فی العبادة بمعنی أنّها تکون أقلّ ثواباً».
و لایخفی أنّ النهی فی القسم الثانی لایصحّ إلّا للإرشاد بخلاف القسم الأوّل فإنّه یکون فیه مولویاً و إن کان حمله علی الإرشاد بمکان من الإمکان.
((1))
أمّا علی القول بالجواز فلا إشکال فی صحّة العبادة و عدم کون دلیل النهی
ص: 309
التنزیهی مقیداً لإطلاق المأمور به، لأنّ المأمور به حینئذ یکون مغایراً للمنهی عنه بالهویة فلا موجب للتقیید.
أمّا علی القول بالامتناع و فرض وحدة الهویة فی الخارج ربّما یتوهّم التنافی بین وقوع المأتی به مصداقاً للمأمور به و اتّصافه با لکراهة فعلاً، لأنّ تضادّ الأحکام لایختصّ بالوجوب و الحرمة بل یعمّ الأحکام الإلزامیة و غیرها، ففرض کون العبادة مکروهة ینافی فرض کونها مصداقاً للواجب أو المستحب، فلامناص عن تقید دلیل الأمر بغیر موارد الکراهة، کما هو الحال فی ما إذا کان النهی تحریمیاً.
و لکن التحقیق: أنّ العبادة علی هذا القول و إن کانت منهیاً عنها لامحالة إلّا أنّ النهی عن حصّة خاصّة لایوجب تقیید المأمور به بغیرها ما لم یکن النهی تحریمیاً أو کان النهی مسوقاً لبیان المانعیة.
فإنّ النهی هنا تنزیهی و النهی التنزیهی و إن کان مضاداً للوجوب لتضادّ الأحکام بأسرها و لازم ذلک أن لایتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی و لو کان النهی تنزیهیاً إلّا أنّ النهی عن بعض أفراد المأمور به لایستلزم اجتماع الحکمین المتضادّین فی شیء واحد، لأنّ الأمر علی الفرض لم یتعلّق إلّا بصرف وجود الطبیعة مع قطع النظر عن جمیع خصوصیاته الطارئة علیه، و أمّا النهی التنزیهی فهو متعلّق بخصوص حصّة خاصّة دون صرف وجود الطبیعة، فالنهی التنزیهی بما أنّه یتضمّن الترخیص فی إیجاده لایقع التنافی بینه و بین الإطلاق المزبور، فلا موجب لرفع الید عن الإطلاق بسببه، فیجزی فی مقام امتثال الأمر المتعلّق بصرف الوجود الإتیانُ بالفرد المنهی عنه تنزیهاً و إن کان الامتثال المتحقّق به مرجوحاً بالإضافة إلی غیره.
و لعلّ من فسّر الکراهة فی العبادة بأقلّیة الثواب أراد به ما ذکرناه، لا أنّ النهی
ص: 310
استعمل فی غیر طلب الترک إرشاداً إلی کون متعلّقه أقلّ ثواباً من غیره، فعلی ذلک یکون النهی مستعملاً فی طلب الترک لمرجوحیة الفعل، لکن المرجوحیة إنّما هی فی تطبیق المأمور به علی الفرد المنهی عنه تنزیهاً و هو لاینافی الرخصة فی تطبیقه علیه، إلّا أنّها توجب أقلّیة الثواب عند تحقّق الامتثال بذلک الفرد.
((1))
إنّه اعترف بوجود التضادّ بین الأمر الوجوبی و النهی التنزیهی، فیشکل علیه بأنّ الضدّین متقابلان فلایجتمعان، فالحقّ مع القائلین بأنّ هذا النهی لیس مولویاً، بل هو إرشاد إلی أقلّیة الثواب (هذا بناء علی الامتناع).
ص: 311
أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بوجهین:
الوجه الأوّل: أن یکون النهی مولویاً و متعلّقاً بالعنوان المتّحد مع العبادة أو العنوان الملازم لها فالنهی لایتعلّق بالعبادة حقیقة بل یتعلّق بها بالعرض و المجاز.
الوجه الثانی: أن یکون النهی إرشادیاً بمعنی أنّه إرشاد إلی غیر العبادة المنهی عنها من سائر الأفراد التی لاتکون متّحدة معه و لا ملازمة له بمعنی أنّه إرشاد إلی حزازة هذا العنوان و عدم حزازة سائر الأفراد من العبادة، بحیث یتمکّن المکلّف من استیفاء مزیة العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاک العنوان أصلاً؛ هذا علی القول بجواز الاجتماع.
أمّا علی القول بالامتناع فإن کان المنهی عنه عنواناً ملازماً للعبادة فیتعدّد متعلّق الأمر و النهی و إن کان المنهی عنه عنواناً متّحداً مع العبادة و قلنا حینئذ بترجیح جانب الأمر فتصحّ العبادة و هذا النهی یرجع إلی الوجه الثانی الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی القسم الثانی لأنّ اتّحاد العنوان المنهی عنه مع العبادة، یوجب تشخّصها بما لایلائم العبادة المأمور بها و النهی یکون إرشاداً إلی هذه المنقصة.
و النهی و الکراهة المستفاد منه فی القسم الثانی و أیضاً فی القسم الثالث بناءً علی الامتناع یدلّ علی أقلّیة الثواب.
أمّا النهی فی القسم الأوّل و أیضاً فی القسم الثالث بناء علی الجواز فلایمکن تفسیره بأقلّیة الثواب (القائل بالجواز یقول بتعدّد المتعلّق و عدم استحالة اجتماع الأمر و النهی فلا محذور عنده من اجتماع الحکمین).
ص: 312
إنّ الاضطرار إلی فعل الحرام فی ما إذا کان الفعل متعلّق الوجوب البدلی قد لایکون بسوء اختیار المکلّف و قد یکون بسوء اختیاره، فهنا مقامان:
فیه فائدة:
((1)):
إنّ اعتبار القیود العدمیة علی ثلاثة أقسام، لأنّه إمّا أن یکون مدلولاً للنهی الغیری فیکون التقیید مستفاداً من الدلیل ابتداءً و إمّا أن یکون مستفاداً بالدلالة الالتزامیة من النهی النفسی الدالّ علی الحرمة کما فی موارد النهی عن العبادة، أو موارد اجتماع الأمر و النهی بناء علی الامتناع من الجهة الأولی و إمّا أن یکون لأجل مزاحمة المأمور به للمنهی عنه مع فرض تقدیم جهة الحرمة علی الوجوب.
ص: 313
أمّا القسم الأوّل أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی فی المأمور به مدلولاً ابتدائیاً للنهی الغیری کما فی النهی عن الصلاة فی أجزاء ما لایؤکل لحمه فمقتضی إطلاق دلیل التقیید فیه علی تقدیر تمامیة مقدّماته هو اعتبار القید فی المأمور به فی جمیع أحوال المکلّف، و لازم ذلک هو سقوط الأمر عند انحصار الامتثال بالفرد الفاقد للقید، کما فی صورة الاضطرار إلی لبس الحریر أو غیر المأکول، المعتبر عدمهما فی الصلاة، إلّا أنّ ما دلّ علی أنّ الصلاة لاتسقط بحال قد دلّ علی إلغاء الشارع کلّ قید من قیودها فی حال العجز عن تحصیله.
أمّا القسم الثانی أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی مستفاداً من النهی النفسی فإن قلنا فیه بکون التقیید تابعاً للحرمة و متفرعاً علیها کما هو المشهور، فمقتضی القاعدة فیه سقوط القید عند الاضطرار، لسقوط علّته المقتضیة، أعنی بها الحرمة (بمعنی أنّ تقیید الصلاة بغیر المغصوب معلول لحرمة التصرف فی مال الغیر).
و أمّا إذا قلنا بکون التقیید و الحرمة معلولین للنهی فی مرتبة واحدة من دون سبق و لحوق بینهما، فیکون حاله حال القسم الأوّل فی أنّ القاعدة الأوّلیة فیه تقتضی سقوط الأمر عند تعذّر قیده، و القاعدة الثانویة تقتضی سقوط التقیید و لزوم الإتیان بکلّ ما أمکن الإتیان به من أجزاء الصلاة و شرائطها.
(و الفرق بین القول الأوّل و هو مختار المشهور و القول الثانی و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) هو بحسب القاعدة الأوّلیة).
فإنّ الصلاة هنا متقیدة بالقید العدمی و هو عدم کونها فی المکان الغصبی و المشهور یقولون: إنّ تقیید الصلاة بهذا القید العدمی تابع للحرمة المستفادة من
ص: 314
النهی فمع ارتفاع الحرمة بالاضطرار یرتفع تقیید الصلاة، فلابدّ من امتثال الصلاة بإطلاقها.
أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فیقول: إنّ تقیید الصلاة بهذا القید العدمی و الحرمة کلاهما معلولان للنهی و علی هذا لو ارتفعت الحرمة بدلیل الاضطرار لایضرّ ذلک بتقیید الصلاة بالقید العدمی المذکور و حینئذ تقتضی القاعدة الأوّلیة سقوط الصلاة لتعذّر حصول قیده فلو صلّی فی المکان الغصبی لم یکن ممتثلاً لعدم امتثال الصلاة المقیدة بالقید العدمی و امتثال المأمور به و هو الصلاة المقیدة متعذّرة و نتیجة ذلک سقوط الأمر بالصلاة بحسب القاعدة الأوّلیة.
أمّا القاعدة الثانیة فأوجبت إتیان الصلاة بحسب ما یمکن و هو إتیانها بدون القید العدمی المذکور.
أمّا القسم الثالث أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی ناشئاً من مزاحمة المأمور به للمنهی عنه، فالقاعدة فیه تقتضی سقوط التقیید عند الاضطرار، لأنّ التزاحم فرع وجود التکلیف التحریمی و تنجّزه کی یکون معجزاً للمکلّف عن الإتیان بالمأمور به و معذّراً له فی ترکه، فإذا فرض سقوط الحرمة بالاضطرار لم یبق موضوع للتزاحم الموجب لعجز المکلّف شرعاً عن الإتیان بالمأمور به، فلامحالة یسقط التقیید و یبقی الأمر متعلّقاً بغیر المقید.
متعلّقه بالدلالة الالتزامیة إنّما هی بتبع دلالته علی حرمته بالمطابقة و قد تقدّم أنّ الدلالة الالتزامیة تابعة للدلالة المطابقیة وجوداً و حجّیةً، فإذا سقطت الدلالة المطابقیة سقطت الدلالة الالتزامیة أیضاً، فلا مانع من التمسّک بإطلاق دلیل الأمر فی ما إذا سقطت الحرمة باضطرار و نحوه، کما هو الحال فی ما إذا ورد التخصیص علی دلیل النهی من أوّل الأمر.
((1))
إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) مبنی علی ما اختاره من تبعیة الدلالة الالتزامیة للدلالة المطابقیة فی الحجّیة و هذا المبنی صحیح بلا إشکال، و لکن ذلک إیراد مبنائی لأنّ المحقّق النائینی (قدس سره) لایقول بذلک فإنّه یعتقد عدم تبعیة الدلالة الالتزامیة للمطابقیة.
الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)) و هو اثنان:
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی الدورة الأخیرة (فی أجود التقریرات): إنّ النهی علّة للتقیید و للحرمة معاً.
و یرد علیه: أنّ حدیث الرفع یجری فی المقام و نتیجة ذلک (رفع ما اضطروا إلیه رفع واقعی بالنسبة إلی الاضطرار و الإکراه و النسیان و رفع ظاهری بالنسبة إلی الجهل) هو عدم بقاء النهی فی صورة الاضطرار و مع ارتفاع النهی یرتفع
ص: 316
الحرمة و تقیید الصلاة بالقید العدمی المذکور لأنّ النهی علّة لهما عند المحقّق النائینی (قدس سره)، فعلی هذا تکون القاعدة الأوّلیة علی مبنی المحقّق النائینی (قدس سره) هو سقوط التقیید لا سقوط الأمر المقید بهذا القید العدمی فالقاعدة الأوّلیة بناء علی مسلک المشهور و هو المختار و أیضاً بناء علی مسلک المحقّق النائینی (قدس سره) هی سقوط تقیید الأمر بالقید العدمی فلابدّ للمکلّف حینئذ من إتیان الصلاة فی المکان الغصبی فی صورة الاضطرار لا بسوء الاختیار.
((1))
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) استشکل فی الدورة الأُولی بیانه السابق فقال:((2))
أمّا القیدیة المستفادة من النهی النفسی فهی تابعة للنهی و بعد سقوط النهی بالاضطرار تسقط القیدیة فقط و لا موجب لسقوط المقید؛ هذا و لکن للتأمل فی ذلک مجال، لأنّ القیدیة و إن استفیدت من النهی، إلّا أنّها لیست معلولة للنهی، بل هی معلولة للملاک الذی أوجب النهی، فالحرمة و القیدیة معلولان لعلّة ثالثة و هو الملاک، و سقوط أحد المعلولین بالاضطرار لایوجب سقوط المعلول الآخر.
و یرد علیه: أنّ الملاک البالغ إلی حدّ الغرضیة للمولی هو الذی یؤثر فی الحرمة و التقیید معاً، أمّا الملاک الذی زاحمه المفسدة کما لایؤثر فی الحکم بالحرمة لایؤثر فی تقیید الصلاة بالقید العدمی فالقاعدة الأوّلیة هی سقوط التقیید لا سقوط الأمر فالحق مع المشهور.
ص: 317
هنا حالتان:
فیها ثلاثة أقوال:
قال بعض الأعلام مثل صاحب الجواهر و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) بلزوم الصلاة مع جمیع الأجزاء و الشرائط.
((1))
«إنّه لو کان مکرهاً علی الکون فی المکان لحبس بباطل من المالک أو غیره لا علی هیأة مخصوصة أو خوف علی النفس أو غیر ذلک من وجوه الإکراه تصحّ منه صلاة المختار ضرورة عدم الفرق بینه و بین المأذون فی الکون بعد اشتراکهما فی إباحته و حلّیته.
نعم لو استلزمت الصلاة تصرّفاً زائداً علی أصل الکون لم یجز، لعدم الإذن فیه لا ما إذا لم تستلزم، فإنّها حینئذ أحد أفراد الکون الذی فرض الإذن فیه، علی أنّ القیام و الجلوس و السکون و الحرکة و غیرها من الأحوال متساویة فی شغل الحیز و جمیعها أکوان و لا ترجیح لبعضها علی بعض، فهی فی حدّ سواء فی الجواز، و لیس مکان الجسم حال القیام أکثر منه حال الجلوس، نعم یختلفان فی
ص: 318
الطول و العرض، إذ الجسم لایحویه الأقل منه و لایحتاج إلی أکثر ممّا هو ظرفه کما هو واضح بأدنی تأمل.
و من الغریب ما صدر من بعض متفقه العصر، بل سمعته من بعض مشایخنا المعاصرین من أنّه یجب علی المحبوس الصلاة علی الکیفیة التی کان علیها أوّل الدخول إلی المکان المحبوس فیه إن قائماً فقائم و إن جالساً فجالس، بل لایجوز له الانتقال إلی حالة أُخری فی غیر الصلاة أیضاً لما فیه من الحرکة التی هی تصرف فی مال الغیر بغیر إذنه. و لم یتفطّن أنّ البقاء علی الکون الأوّل تصرّف أیضاً لا دلیل علی ترجیحه علی ذلک التصرّف ...
و قد صرّح بعض هؤلاء أنّه لیس له حرکة أجفان عیونه زائداً علی ما یحتاج إلیه و لا حرکة یده أو بعض أعضائه کذلک ... أعاذ الله الفقه من أمثال هذه الخرافات».
قال جماعة آخرون منهم المحقّق النائینی (قدس سره) بالاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود.
((1))
إنّ جماعة حکموا بلزوم الاقتصار علی قدر الضرورة من التصرفات التی لابدّ منها عند الاضطرار إلی الغصب، فلم یجوّزوا التصرّف الزائد علی ذلک رتّبوا علیه وجوب الإیماء فی الصلاة بدل الرکوع و السجود عند الاضطرار إلی
ص: 319
التصرّف فی المکان المغصوب لأنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی قدر الضرورة فلا موجب لسقوط حرمتهما.
و قد أُورد علی ذلک بأنّ الجسم إذا کان لابدّ من أن یشغل مقداراً معیناً من الحیز بقدر حجمه کیفما کان وضعه و لایختلف مقدار حیزه باختلاف أوضاعه فلا موجب لسقوط وجوب الرکوع و السجود لینتقل التکلیف إلی وجوب الإیماء.
و فیه: أنّ الاعتبار فی صدق التصرّف الزائد علی قدر الضرورة إنّما هو بنظر العرف لابالدقّة الفلسفیة و لا ریب فی أنّ الرکوع و السجود یعدّان عرفاً من التصرّف الزائد فلایکون الاضطرار إلی الغصب موجباً للترخیص فیهما، فلابدّ من الاقتصار علی الإیماء بدلاً عنهما.
((1))
أوّلاً: إنّ المکلّف إذا کان مضطراً إلی المکث فی المکان المغصوب لا فرق بین أن یکون راکعاً أو ساجداً فیه و أن یکون قائماً فکما أنّ الرکوع أو السجود تصرّف فیه کذلک القیام تصرّف فیه أیضاً، فلا وجه حینئذ للقول بلزوم الاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود.
ثانیاً: إنّ دعوی أنّ الرکوع والسجود یعدّان بنظر العرف من التصرّف الزائد فهی دعوی بلا بینة و برهان.
ص: 320
((1))
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) صرّح مراراً بأنّ نظر العرف إنّما یتبع فی تعیین المفاهیم و تحدیدها سعة و ضیقاً، و أمّا فی تطبیق المفهوم علی المصداق فهو لایتّبع بل لابدّ من إعمال الدقّة العقلیة.
((2))
إنّ العسر و الحرج بناء علی المختار شخصیان لا نوعیان فعلی هذا یختلف الحکم بحسب اختلاف الأشخاص، فمن یتمکّن من البقاء علی حالة واحدة فی زمن طویل فلایجوز له صلاة المختار بل لابدّ أن یصلّی إیماءً.
هنا صورثلاث:
و هی أن یتمکّن من الخروج من الأوّل فإن قلنا بامتناع الاجتماع فلابدّ من الإتیان بالصلاة خارج المکان المغصوب و لو صلّی فیه تکون الصلاة باطلة و أمّا إن قلنا بالجواز فیجب علیه الصلاة خارج المکان الغصبی و لکن الصلاة صحیحة.
ص: 321
و هی أنّه فعلاً مضطرّ بالکون فی المکان المغصوب و لکن یتمکّن بعد ساعة مثلاً من الخروج و أداء الصلاة خارج المکان المغصوب.
فإن قلنا بأنّ الرکوع و السجود لیسا تصرّفاً زائداً علی قدر الضرورة کما هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره)، فله أن یصلّی فی المکان الغصبی و الصلاة صحیحة لأنّ الاضطرار یوجب ارتفاع النهی بالنسبة إلی حرکاته فی هذا المکان و هو یتمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط مع الرکوع و السجود بحسب الفرض فلایجب علیه التأخیر بل یجوز الإتیان بها فی ظرف الاضطرار و یحکم علیها بالصحة.
و إن قلنا بأنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی قدر الضرورة کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فلایجوز له أن یصلّی فی هذا المکان الغصبی لأنّ صلاته فی هذا المکان لابدّ أن یکون بالإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود و إلّا یکون غصباً و حراماً و حینئذ یحکم علیه ببطلان الصلاة لأنّه متمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط فی المکان المباح فلایجزی له الصلاة التامّة الأجزاء فی المکان الغصبی و لایجزی له أیضاً الصلاة غیر التامّة الأجزاء بالإیماء بدلاً عنهما (الرکوع و السجود).
و بعض الأساطین (حفظه الله) اختار هنا بطلان الصلاة لفرض التمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط خارج المکان الغصبی.
و هی أن یتمکّن من الخروج آخر الوقت، و لکن لایسعه الوقت لأن یصلّی
ص: 322
خارج المکان الغصبی صلاة تامّة الأجزاء و الشرائط، کما أنّه لایجوز له البقاء فی المکان الغصبی و لو بقدر الصلاة، لأنّه متمکّن من الخروج حسب الفرض.
و المتعین فی هذه الصورة هو أن یصلّی فی حال خروجه من المکان المغصوب و أن یأتی بالإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود، أمّا علی مسلک المحقّق النائینی (قدس سره) فواضح.
و أمّا علی مسلک صاحب الجواهر و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فیجب الإیماء أیضاً بدل عن الرکوع و السجود لأنّ الإتیان بالرکوع و السجود یستلزم التوقف الزائد فی الأرض الغصبی فلذا صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة الأجود((1))بأنّ الأمر ینتقل من الرکوع و السجود بالإیماء بدلاً عنهما.
ص: 323
و هذا مثل ما إذا وقع الشخص فی وسط الأرض المغصوبة باختیاره، فلابدّ أن نتکلّم من جهتین: الأُولی: حکم الخروج فی حدّ ذاته و الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی.
اختلف فیه الأعلام و نذکر هنا خمسة أقوال:
إنّ الخروج فی حدّ ذاته حرام شرعاً، لأنّه غصب و لایضرّ فی ذلک کونه مضطراً لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.((1))
((2))
إنّ البقاء فی الأرض الغصبی أیضاً حرام فلو کان الخروج حراماً یلزم اجتماع المتناقضین فی حکم الشارع و هو محال.
من الغصب واجب بنفسه و أمّا وجه الحرمة فهو أنّه غصب و الاضطرار لایرفع الحرمة، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً.
((1))
إنّ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد بعنوانین محال کما تقدّم.
((2))
إنّ متعلّق الأمر و النهی هنا عنوان واحد و هو الخروج فإنّه متعلّق الأمر حیث إنّه سبب للتخلّص و السببیة جهة تعلیلیة للحکم بالوجوب علی الخروج و هو متعلّق النهی حیث إنّه کان بغیر إذن المالک.
یلاحظ علی کلا الإیرادین ما تقدّم من القول بالجواز و إن کان المجمع عنواناً واحداً.
((3))
إنّ جواز اجتماع الأمر و النهی عند القائلین به مشروط بوجود المندوحة و هنا لاتوجد المندوحة لأنّ التخلّص عن الحرام لایتحقّق إلّا بالخروج المحرم.
ص: 325
إنّ هذا الإیراد أیضاً مبنائی فلو قلنا بعدم اعتبار المندوحة کما هو الحقّ فلایرد هذا الإشکال.
((1))
إنّ الوجوب و الحرمة کلاهما غیر ثابتان أمّا الوجوب فلا دلیل علیه لأنّ المستفاد من الأدلّة حرمة الغصب أمّا وجوب التخلّص منه فلم یقم علیه دلیل.
أمّا الحرمة فلم تثبت فی صورة الاضطرار لأنّ قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» عقلیة و الحاکم فیها هو العقل [و اختلفوا فیها علی ثلاثة أقوال: بعضهم قالوا: الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار عقاباً و خطاباً و بعضهم قالوا: الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً بمعنی أنّه مستحق للعقاب و یتوجه إلیه الخطاب و بعض آخر قالوا: لاینافی الاختیار عقاباً و ینافیه خطاباً فهو مستحق للعقاب و لکن لایتوجّه إلیه الخطاب و العقل یحکم بصحّة القاعدة علی الوجه الأخیر أی القول الثالث من الأقوال الثلاثة فی القاعدة]((2)) و العقل یری قبح التکلیف نحو العاجز و المضطر و إن کان ذلک بسوء اختیاره کما أنّ من ألقی نفسه من مکان مرتفع لایمکن توجّه الخطاب بوجوب حفظ النفس فی
ص: 326
حال السقوط فالحرمة مرتفعة بالاضطرار و لکنّه مستحق للعقاب بحکم العقل.
((1))
إنّ الخروج مأمور به و یجری حکم المعصیة علیه نظراً إلی النهی السابق الساقط بالاضطرار، و أمّا وجوب التخلّص عن الغصب فإمّا نفسی و إمّا غیری (من باب مقدّمیته للکون فی خارج الأرض الغصبی).((2))
((3))
یلزم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب و الحرمة و لایرتفع غائلته باختلاف زمان التحریم و الإیجاب قبل الدخول و بعده.
ما تقدّم من جواز اجتماع الحکمین و إن کان متعلقهما عنواناً واحداً.
ص: 327
((1))
أمّا الوجوب النفسی فلا دلیل إثباتی علیه کما تقدّم فی الإیراد علی نظریة المحقّق القمی (قدس سره) و أمّا الوجوب الغیری فیبتنی أوّلاً علی وجوب المقدّمة و ثانیاً علی وجوب الکون فی خارج المکان الغصبی و کلاهما أوّل الکلام.
أمّا النهی فیکشف عن مفسدة ملزمة فی التصرّف بالخروج ثابتة قبل دخول الشخص فی المکان الغصبی و لکنها معارضة و مزاحمة بالمصلحة الملزمة فی الخروج عن المکان الغصبی.
القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری((2)) وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما)
إنّه واجب شرعاً و لایجری علیه حکم المعصیة، لدخوله فی کبری قاعدة وجوب ردّ المال إلی مالکه و لا ربط له بقاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختیار للاختیار من جهة العقاب و الخطاب أو من جهة العقاب فقط.
فالخروج بملاحظة کونه مصداقاً للتخلّص عن الحرام أو سبباً له لیس إلّا مطلوباً و یستحیل أن یتّصف بغیر المحبوبیة و یحکم علیه بغیر المطلوبیة.
و حال التصرّف الخروجی حال شرب الخمر المتوقف علیه النجاة من الهلاک فی الاتّصاف بالوجوب فی جمیع الأوقات.((3))
ص: 328
((1))
إنّ الخروج عن المکان الغصبی إنّما یکون حسناً عقلاً و مطلوباً شرعاً بالفعل (و إن کان قبیحاً ذاتاً حیث إنّه من مصادیق الغصب) بشرطین: الشرط الأوّل هو أن لایتمکّن المکلّف من التخلّص بدونه و الشرط الثانی هو أن لایقع بسوء اختیاره.
و لکن الخروج هنا وقع بسوء اختیار المکلّف لأنّه قبل الدخول فی المکان المغصوب کان متمکّناً من التصرّف الخروجی کما یتمکّن من الدخول غایة الأمر أنّه متمکّن من الدخول بلا واسطة و من الخروج بالواسطة و مجرد عدم التمکن منه إلّا بالواسطة لایخرجه عن کونه مقدوراً، فکما یکون ترک البقاء مطلوباً فی جمیع الأوقات کذلک الخروج؛ و البقاء فی المکان المغصوب مثل الخروج منه فی أنّ کلیهما متفرعان علی الدخول فی المکان المغصوب، فکما أنّ الفرعیة لاتکون مانعة عن مطلوبیة البقاء قبل الدخول و بعده لم تکن مانعة عن مطلوبیة الخروج و إن کان العقل یحکم بلزوم الخروج إرشاداً إلی اختیار أقلّ المحذورین و أخفّ
ص: 329
القبیحین حیث إنّ الخروج أخفّ محذوراً من البقاء لأنّ الخروج یوجب التخلّص عن الغصب و لکن البقاء یوجب زیادة فی الغصب.
قد یقال: إنّ الخروج قبل الدخول فی المکان المغصوب لا موضوع له فلا یتصف بالحرمة و بعد الدخول یتحقق له الموضوع و لکنّه لایتّصف بالحرمة لأنّه مضطرّ.
و لکن فیه: أنّ الخروج مقدور للمکلف و لو بواسطة دخوله فی المکان الغصبی فیتوجّه إلیه التکلیف بالحرمة بلا إشکال.
((1))
إنّ وجوب التخلیة بین المال و مالکه لایستلزم وجوب الحرکات الخروجیة المتوقّف علیها الکون فی خارج الدار، لأنّها لیست معنونة بعنوان التخلیة قطعاً، ضرورة أنّها تصرّف فی مال الغیر بدون إذنه و مصداق للغصب فکیف یعقل کونها مصداقاً لعنوان التخلیة المقابل لعنوان الإشغال؟
غایة الأمر أنّ العقل یرشد إلی اختیارها حذراً من الوقوع فی الغصب الدائمی و دفعاً للأفسد بالفاسد.
الأحکام الشرعیة إلّا أنّه واجب عقلاً لکونه أقلّ المحذورین و أخفّ القبیحین و لکنه یجری علیه حکم المعصیة للنهی السابق الساقط بالاضطرار.
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح بأنّ النهی ساقط بحدوث الاضطرار إلیه و صرّح أیضاً بأنّه لایکون مأموراً به و لکن قال فی ضمن کلامه: إنّه مع سوء الاختیار لایتغیر عمّا هو علیه من الحرمة و المبغوضیة، و علی هذا یکون محکوماً بالحرمة الشرعیة.
و لعلّ وجه ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی تفسیر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ النهی إذا سقط فلامحالة تسقط الحرمة لأنّ المدلول یسقط بسقوط ما یدلّ علیه.((1))
ص: 331
((1))
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) تبعاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) یری أنّ المقام من صغریات
ص: 332
قاعدة وجوب ردّ المال إلی صاحبه و مالکه و لا ارتباط له بقاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار».
قال (قدس سره): أمّا دعوی عدم دخول المقام فی کبری قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختیار للاختیار فیدلّ علیه أُمور (أربعة):
الأوّل: إنّ ما یکون داخلاً فی موضوع کبری تلک القاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» لابدّ من أن یکون قد عرضه الامتناع بحیث یکون خارجاً عن القدرة، و کان ذلک مستنداً إلی اختیار المکلّف کالحجّ یوم عرفة ممّن ترک المسیر إلیه باختیاره و کحفظ النفس ممن ألقی نفسه من شاهق، و من الواضح أنّ الخروج من الدار المغصوبة لیس کذلک، فإنّه علی ما هو علیه من کونه مقدوراً للمکلّف بعد دخوله فیها و لم یطرأ علیه ما یوجب امتناعه.
الثانی: إنّ محل الکلام فی تلک القاعدة إنّما هو ما إذا کان ملاک الحکم مطلقاً بنحو یکون متعلّق ذلک الحکم واجداً للملاک سواء وجدت مقدّمته الإعدادیة أم لم توجد و کان الحکم بنفسه مشروطاً بمجیء زمان متعلّقه و هذا کخطاب الحجّ، فإنّه و إن کان مشروطاً بمجیء یوم عرفة علی ما هو الحقّ من امتناع الواجب المعلّق إلّا أنّ ملاکه یتمّ بتحقّق الاستطاعة، فمن ترک المسیر إلی الحجّ بعد الاستطاعة یستحقّ العقاب علی ترکه و إن امتنع علیه الفعل فی وقته، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.
و هذا بخلاف المقام فإنّ التصرّف بالدخول من المقدّمات التی لها دخل فی تحقّق القدرة علی الخروج و تحقّق ملاک الحکم فیه، فإنّ الداخل (فی المکان المغصوب) هو الذی یمکن توجیه الخطاب إلیه بفعل الخروج و لذا یمتنع أن یکون الخروج داخلاً فی موضوع تلک القاعدة.
ص: 333
الثالث: إنّ الملاک فی دخول شیء فی موضوع کبری تلک القاعدة هو أن تکون المقدّمة موجبة للقدرة علی ذی المقدّمة، لیکون الآتی بالمقدّمة قابلاً لتوجیه الخطاب بإتیان ذی المقدّمة و هذا کالمسیر إلی الحجّ، فإنّه حیث کان مقدّمة إعدادیة للحجّ و به تحقّق القدرة علیه کان الآتی به قابلاً لتوجّه الخطاب بالحجّ إلیه، کما أنّ من ترک المسیر یستحیل طلب الحجّ منه لکن الاستحالة (استحالة طلب الحجّ) منتهیة إلی الاختیار فلاتسقط العقاب، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.
و أمّا فی المقام فالدخول و إن کان مقدّمة إعدادیة للخروج إلّا أنّ تحقّق الدخول یوجب سقوط النهی عن الخروج، إذ بالدخول یکون ترک الخروج غیر مقدور علی ما اختاره (قدس سره)، فکیف یمکن أن یکون الخروج من صغریات تلک القاعدة؟
الرابع: إنّ الخروج فی ما نحن فیه واجب فی الجملة بحکم العقل (علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال بأنّ العقل یحکم بلزوم الخروج من باب الأخذ بأخفّ المحذورین حیث إنّ الخروج أخفّ محذوراً من البقاء فی الأرض المغصوبة) فیکشف ذلک عن کونه (أی الخروج) مقدوراً و قابلاً لتعلّق التکلیف به و کلّ ما کان کذلک لایدخل تحت هذه القاعدة إذ مورد قاعدة «الامتنتاع بالاختیار لاینافی الاختیار» هو ما إذا کان الفعل غیر قابل لتعلّق التکلیف به لامتناعه.
((1))
أمّا الأمر الأوّل فالتحقیق أنّ الخروج عن الدار المغصوبة یکون مقدوراً
ص: 334
للمکلّف بالقدرة التکوینیة و لامناص للمکلّف عن اختیاره حیث إنّ الخروج لازم بحکم العقل دفعاً للمحذور الأهمّ، فالانزجار عن الخروج حسبما کان یقتضیه النهی السابق یمتنع بالفعل علی المکلّف بمقتضی حکم العقل بلزوم اختیاره، لکن الامتناع المزبور بما أنّه منتهٍ إلی الاختیار لایکون منافیاً للاختیار عقاباً و إن کان منافیاً له خطاباً.
أمّا الأمر الثانی و الثالث فإنّ ما ذکره المحقّق النائینی (قدس سره) فی هذا الوجه ملاکاً لدخول شیء فی کبری قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» إنّما یختص بالتکالیف الوجوبیة و أمّا التکالیف التحریمیة فامتناع الموافقة فیها إنّما یتحقّق بارتکاب ما به یضطرّ المکلّف إلی ارتکاب الحرام تکویناً أو من جهة حکم الشارع و إلزامه بعدم ارتکاب غیره، و من الواضح أنّ الخروج فی محلّ الکلام کذلک، ضرورة أنّه إذا کان التصرّف فی الدار المغصوبة بغیر الخروج محکوماً علیه بالحرمة فعلاً، اضطرّ المکلّف إلی اختیار الخروج المفروض کونه أقلّ محذوراً من غیره.
و علیه فالتکلیف التحریمی المتعلّق بالخروج و إن کان ساقطاً بالاضطرار إلیه إلّا أنّه لاینافی العقاب علیه إذا کان الاضطرار إلیه بسوء الاختیار، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.
و ممّا بینّاه یظهر الحال فی ما أفاده (قدس سره) فی الوجه الثالث لأنّه أیضاً یختصّ بموارد الاضطرار إلی ترک الواجب، و أمّا الاضطرار إلی ارتکاب الحرام فهو إنّما یتحقّق بارتکاب ما یفضی إلی امتناع الانزجار عن الحرام کما عرفت.
أمّا الأمر الرابع فإنّ کون الخروج واجباً بحکم العقل و إن کان لابدّ فیه من کونه مقدوراً تکویناً إلّا أنّه مع ذلک غیر قابل لتعلّق التکلیف التحریمی به بعد
ص: 335
الدخول، ضرورة أنّ تحریمه الفعلی مساوق للعجز عنه تشریعاً، و من الواضح أنّه لایجتمع مع کون التصرّف بغیر الخروج حراماً بالفعل کما هو المفروض لاستلزامه التکلیف بما لایطاق و هو غیر معقول، فإنّ حکم الخروج فی نفسه الحرمة و الاضطرار إلیه بسوء اختیاره یوجب سقوط الحرمة و إن صحّ العقاب علی ترکه.
و بالجملة هذه الوجوه الأربعة ناشئ من خلط الاضطرار فی موارد التکالیف التحریمیة بالاضطرار فی موارد التکالیف الوجوبیة.
فتحصّل إلی هنا: أنّ الحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فإنّ المکلّف یلزم علیه الخروج عقلاً لا شرعاً و هو أیضاً مستحق للعقاب.((2))
ص: 336
هنا صور ثلاث کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):((1))
أنّ الوقت ضیق فلایمکن أن یصلّی فی خارج الأرض المغصوبة لا صلاة المختار و لا صلاة المضطرّ.
أمّا علی القول بالجواز فیصلّی فی حال الخروج صلاة المضطرّ بالإیماء بدل الرکوع و السجود فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) فهذه الصلاة صحیحة إلّا أنّها متّصفة بالقبح الفاعلی و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) فهی صحیحة من دون اتّصافها بالقبح الفاعلی بل تتصف بالوجوب.
ص: 337
و أمّا علی القول بالامتناع: فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) یختلف حکم الصلاة صحّة علی مبنی آخر فمع الالتزام بأنّ الحرکات الصلاتیة یصدق علیها الغصب فالقاعدة الأوّلیة بطلان الصلاة و لکن القاعدة الثانویة -و هی أنّ الصلاة لاتترک بحال- صحّتها و مع الالتزام بعدم صدق الغصب علی الحرکات الصلاتیة فهی صحیحة بحسب القاعدة الأوّلیة.
و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) فالصلاة صحیحة لأنّها متّصفة بالوجوب و لا نهی عنها.
أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاة الاضطراریة خارج المکان المغصوب.
فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) یختلف أیضاً حکم الصلاة فی حال الخروج فی المکان الغصبی فمع الالتزام بصدق الغصب علی الحرکات الصلاتیة فالصلاة باطلة رأساً و لاتجری القاعدة الثانویة لأنّه متمکّن من الإتیان بالصلاة خارج الأرض المغصوبة و مع الالتزام بعدم صدق الغصب علیها فهی صحیحة بحسب القاعدة الأوّلیة.
و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) فتصحّ الصلاة فی حال الخروج لاتّصاف الخروج بالوجوب و عدم النهی عنه و عدم المبغوضیة أیضاً.
أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاة الاختیاریة خارج المکان المغصوب.
و حینئذ لو صلّی صلاة المضطرّ بالإیماء بدل الرکوع و السجود فی حال
ص: 338
الخروج فهی باطلة علی جمیع الأقوال لأنّ الصلاة الاضطراریة لایجزی عن الصلاة الاختیاریة فی ما إذا تمکّن من أدائها خارج المکان المغصوب.
انتهی الکلام حول التنبیه الأوّل و أمّا التنبیه الثانی و الثالث فلایجدی البحث عنهما.
و بهذا تمّ الکلام حول مبحث اجتماع الأمر و النهی.
ص: 339
ص: 340
فیه مقدمات ثمانٍ و مقامان:
ص: 341
ص: 342
قال جمع من الأعلام((1)) فی الفرق بین المسألتین:
إنّ النزاع فی مسألة النهی عن العبادة و المعاملة کبروی، لأنّا نبحث عن ثبوت الملازمة بین النهی عن العبادة و فسادها بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هو تعلّق النهی بالعبادة و البحث فی مسألة الاجتماع صغروی لأنّا نبحث عن سرایة النهی فی المجمع إلی متعلّق الأمر فالبحث عن مسألة الاجتماع من إحدی صغریات مسألتنا.
قد صرّح صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة من بحث اجتماع الأمر و النهی((2))بأنّه إن قلنا بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع یکون
ص: 343
مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة (مسألة النهی عن العبادة).
((1))
محصّل الفرق بین مسألة الاجتماع و اقتضاء النهی عن الشیء للفساد هو رجوع البحث فی المقام حسب ما هو ظاهر العنوان إلی اقتضاء النهی بوجوده الواقعی للفساد بملاحظة کشفه و لو بالملازمة العرفیة عن عدم الملاک و المصلحة فی متعلّقه و من ذلک یدور الفساد و عدمه -علی الاقتضاء- مدار وجود النهی واقعاً و عدمه، کان المکلّف عالماً بالنهی أم جاهلاً به و هذا بخلاف تلک المسألة (مسألة الاجتماع) حیث إنّ الفساد فیها -علی الامتناع- إنّما یدور مدار العلم بالنهی لا مدار النهی بوجوده الواقعی النفس الأمری، و من ذلک أیضاً عرفت بناءهم علی صحّة عبادة الجاهل القاصر أو الناسی إذا أتی بها فی مکان مغصوب و علیه فلاتکون لإحدی المسألتین مساس بالأُخری بوجه من الوجوه و معه لایبقی مجال لما أُفید کما فی الکفایة من جعل نتیجة المسألة السابقة علی الامتناع و تقدیم جانب النهی من صغریات هذه المسألة کیف و قد عرفت أنّ الفساد فی تلک المسألة إنّما هو من جهة خلوّ المتعلّق عن الملاک و المصلحة و من ذلک لو قام دلیل علی الصحّة فی قبال النهی لوقع بینهما التکاذب و یرجع فیهما إلی قواعد باب التعارض و مثل ذلک ینافی جدّاً بناءهم علی صحّة صلاة الجاهل بالغصبیة کما هو واضح.
ص: 344
((1))
إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی فلا موضوع للنهی عن العبادة و إن قلنا بالامتناع فمعنی ذلک هو اتّحاد متعلّق الأمر و النهی و وحدة متعلّقهما أمر واقعی و لا دخل للعلم و الجهل فیها.
أمّا مسألة الجاهل القاصر فقلنا: إنّ صحّة صلاته مبنیة علی القول بالجواز (و هو مختار المحقّق الإصفهانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و هو الحقّ) و لکن بناء علی القول بالامتناع (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقّق العراقی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله)) فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل لأنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع تکون من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فلا وجه لصحّة الصلاة.((2))
ص: 345
إنّ الشیخ الأنصاری و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ذهبوا إلی أنّ المسألة أُصولیة و هی من الاستلزامات العقلیة (غیر
ص: 346
المستقلات العقلیة) و لکن صاحب الکفایة (قدس سره) یعتقد بأنّها من المسائل اللفظیة.
((1))
إنّ هذه المسألة من المسائل الأُصولیة قطعاً، فإنّ نتیجة البحث کبری کلّیة إذا انضمّت إلیها صغراها أنتجت نتیجة فقهیة بلا توسّط شیء آخر.
و لایخفی أنّ هذه المسألة من مسائل الاستلزامات العقلیة و لا ارتباط لها بمباحث الألفاظ أصلاً، لوضوح أنّ غایة ما یدلّ علیه النهی باللزوم البین بالمعنی الأعم إنّما هو عدم الأمر بمتعلّقه، لتضادّهما و لکن اللفظ لایدلّ علی عدم تحقّق الملاک فی المتعلّق بل العقل هو الذی یدرک ذلک و یحکم بالفساد و بعبارة أُخری: إنّ العقل هو الحاکم بثبوت الملازمة بین النهی عن الشیء و فساده؛ هذا بناء علی المختار من کفایة اشتمال العبادة علی الملاک فی صحّتها.
و أمّا بناء علی ما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) من اشتراط الأمر فی الصحّة فکون المسألة من مباحث الألفاظ لایخلو من وجه (وجه ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بناء علی مختار صاحب الجواهر (قدس سره) هو أنّ النهی یدلّ بالدلالة الالتزامیة علی عدم الأمر و مع فرض عدم وجود الأمر لابدّ من القول بالفساد).((2))
ص: 347
إنّ النهی إمّا تشریعی و إمّا ذاتی و النهی الذاتی إمّا إرشادی و إمّا مولوی و النهی المولوی إمّا تبعی و إمّا نفسی و النهی النفسی إمّا تنزیهی و إمّا تحریمی.((1))
و هو بمعنی النهی عن إدخال ما لیس من الدین فی الدین سواء کان (هذا الأمر الداخل) من العبادات أم من المعاملات، فهذا النهی داخل فی محل البحث بناء علی أنّ التشریع هو نفس العمل العبادی أو المعاملی (أمّا إن قلنا بأنّ التشریع المحرّم هو الأمر القلبی فلایترتب علی البحث ثمرة لأنّ النهی حینئذ لایتعلّق بنفس العبادة أو المعاملة بل یتعلّق بالأمر القلبی).
الوجه فی ذلک هو أنّ النواهی الإرشادیة المتعلّقة بالعبادات و المعاملات التی تدلّ علی مانعیة شیء لهما کالنهی عن المعاملة الغرریة مثلاً و کالنهی عن الصلاة فی ما لایؤکل لحمه فهی خارجة عن محل النزاع لأنّه لا إشکال و لا خلاف فی دلالة تلک النواهی علی الفساد، بداهة أنّه إذا أُخذ عدم الشیء فی
ص: 348
عبادة أو معاملة فبطبیعة الحال تقع تلک العبادة أو المعاملة فاسدة عند اقترانها بهذا الشیء لأنّها توجب تقیید إطلاق أدلّة العبادات أو المعاملات بغیر هذه الحصّة فلاتشملها.
قد اختلفوا فی دخوله فی محل النزاع و مثال ذلک النهی عن الصلاة فی ما إذا توقف إزالة النجاسة عن المسجد علی ترکها، بناءً علی ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه.
و المهمّ هنا ثلاث نظریات:
((1))
إنّ هذا النهی لایدلّ علی مبغوضیة متعلّقه و لایدل أیضاً علی وجود المفسدة فی متعلّقه؛ نعم إنّ النهی الغیری عن الشیء قد یوجب سقوط الأمر المتعلّق به عن الفعلیة و لکن یمکن امتثاله مع ذلک بقصد الملاک و المصلحة مضافاً إلی أنّه یمکن امتثال الأمر بناء علی الترتّب کما هو الصحیح؛ فالنهی الغیری لایدلّ علی الفساد فلایکون داخلاً فی محل النزاع.
(و قد تقدّم فی بحث الضدّ العام ما یدلّ علی ذلک. راجع: ص65).
إنّه قال أیضاً بخروج النهی الغیری عن محل النزاع أمّا النهی الغیری الأصلی
ص: 349
فجعله نهیاً إرشادیاً و لذا قال: لا نزاع لأحد فی دلالته علی الفساد، أمّا النهی الغیری التبعی فلا موجب لتوهّم دلالته علی الفساد أصلاً و وجّهه المحقّق النائینی (قدس سره) بقوله:((1))
ذلک لما عرفته فی محله من أنّ غایة ما یترتب علی النهی الغیری الناشئ من کون ترک متعلّقه مقدّمة للواجب الأهمّ إنّما هو عدم الأمر به فعلاً و من أنّه یکفی فی صحّة العبادة اشتمالها علی ملاک الأمر و إن لم یتعلّق بها بالفعل أمر من المولی و من الواضح أنّه لایمکن استکشاف عدم الملاک من النهی الغیری المزبور، فلا موجب لفساد العبادة المنهی عنها بمثل هذا النهی و قد تقدّم الکلام فی الکاشف عن وجود الملاک فی هذا الحال.
نعم لو بنینا علی اعتبار الأمر فی صحّة العبادة کما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) و منعنا صحّة الترتب لکان هذا النهی الغیری أیضاً دالّاً علی الفساد، لکنّک قد عرفت فی ما تقدّم صحّة القول بالترتب و عدم اعتبار الأمر فی صحّة العبادة فلایکون فی النهی الغیری دلالة علی الفساد.((2))
ص: 350
((1))
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری دخول النهی الغیری بکلا قسمیه (الأصلی و التبعی) فی محل النزاع و إلیک نصّ ما أفاده:
لا وجه لتخصیص النزاع بالنفسی، فیعمّ الغیری إذا کان أصلیاً (لأنّه مثل النهی عن الصلاة فی غیر المأکول فیدلّ علی فساد الصلاة) و أمّا إذا کان تبعیاً فهو و إن کان خارجاً عن محلّ البحث لما عرفت أنّ البحث فی دلالة النهی (أی بالدلالة اللفظیة کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و النهی التبعی من مقولة المعنی إلّا أنّه داخل فی ما هو ملاک البحث.
ص: 351
و الوجه فی ذلک هو أنّ دلالة النهی الغیری التبعی (إذا لم یکن للإرشاد إلی الفساد کما فی المعاملات) علی الفساد إنّما یکون لدلالته علی الحرمة، لا لاستحقاق العقاب علی مخالفته حتّی یتوهّم (و المتوهّم المحقّق القمی (قدس سره) أنّ النهی الغیری التبعی لایستلزم الفساد لعدم استحقاق العقاب علی مخالفته و یؤید ذلک أنّهم جعلوا ثمرة النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه (بالنهی الغیری التبعی) فساد المنهی عنه إذا کان عبادة.((1))
ص: 352
فیظهر من ذلک دخول النهی الغیری التبعی أیضاً فی محل البحث.
و التحقیق فی المقام: أنّه یکفی فی دخول المورد فی محلّ النزاع اقتضاء النهی الغیری للفساد بناء علی أحد الأقوال فی المسألة و هذا الملاک موجود هنا و إن لم نقل باقتضاء النهی الغیری للفساد.
فیه ثلاث نظریات:
إنّ الأعلام اختلفوا فی النهی التنزیهی أیضاً فبعضهم قالوا بدخوله فی محل النزاع مثل صاحب الکفایة (قدس سره) و بعضهم قالوا بخروجه عنه مثل المحقّق الأنصاری((1)) و المحقّق النائینی (قدس سرهما) .
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: إنّ ملاک البحث یعمّ التنزیهی و مع عموم الملاک فلا وجه لتخصیص عنوان البحث بالنهی التحریمی و الوجه فی ما أفاده هو التنافی بین ما یقتضیه النهی من الکراهة و المبغوضیة (و إن کانت قلیلة) و ما یقتضیه صحّة العبادة من المحبوبیة.
ص: 353
إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال بخروجه عن النزاع و استدلّ علی ذلک بأنّ النهی التنزیهی عن فرد لاینافی الرخصة الضمنیة المستفادة من إطلاق الأمر، فلایکون بینهما معارضة لیقید به إطلاقه.
((1))
إنّ النهی التنزیهی المتعلّق بالعبادة یمکن أن یتصور علی وجهین:
الوجه الأوّل: أن ینشأ من حزازة و منقصة فی تطبیق الواجب علی حصّة خاصّة منه من دون حزازة و منقصة فی نفس تلک الحصّة کالنهی المتعلّق بالعبادة الفعلیة مثل الصلاة فی الحمام و الصلاة فی مواضع التهمة.
و النهی التنزیهی علی هذا التفسیر خارج عن مورد النزاع، بداهة أنّه لایدلّ علی الفساد بل هو یدلّ علی الصحّة.
الوجه الثانی: أن ینشأ من حزازة و منقصة فی ذات العبادة، و النهی التنزیهی علی هذا التفسیر داخل فی محلّ النزاع ضرورة أنّ الشیء إذا کان مکروهاً فی نفسه و مرجوحاً فی ذاته لم یمکن التقرب به فهذا النهی یدلّ علی المبغوضیة الناقصة فی ذات العبادة و هذا یلازم فساد العبادة.
و تحصّل أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) من التفصیل بین التفسیرین.
ص: 354
قال بعض الأساطین (حفظه الله): و هذا لا کلام فی دخوله، لأنه منشأ للفساد بلاإشکال.((1))
ص: 355
إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ذکر خمسة معانٍ للعبادة و اختار منها اثنین (المعنی الأوّل و الثانی).
المعنی الأوّل: ما یکون بنفسه و بعنوانه عبادة له تعالی، موجباً بذاته للتقرب إلی حضرته، لولا حرمته، کالسجود و الخشوع له و تسبیحه وتقدیسه.
و استشکله((1))بأنّ هذا المعنی تضییق لدائرة البحث لندرة العبادة الذاتیة لانحصارها فی مثل السجود و الرکوع.
المعنی الثانی: ما لو تعلّق الأمر به کان أمره أمراً عبادیاً، لایکاد یسقط إلّا إذا أُتی به بنحو قربی، کسائر أمثاله، نحو صوم العیدین و الصلاة فی أیام العادة.
و استشکله أیضاً((2)) بأنّه یقابل التوصّلی و هذا المعنی للعبادة أعمّ من العبادة الذاتیة و الشأنیة.
المعنی الثالث: ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی تعریف العبادة و هو ما أُمر به لأجل التعبد به((3)).
و یرد علیه أنّ هذا التعریف دوری لأخذ التعبّد فی تعریف العبادة.
ص: 356
المعنی الرابع: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) من أنّ العبادة ما یتوقّف صحّته علی النیة((1)).
المعنی الخامس: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) أیضاً من أنّ العبادة ما لایعلم انحصار المصلحة فیها فی شیء.
((2))
إنّ المراد من العبادة هنا «العبادة الشأنیة» بمعنی أنّه إذا افترضنا تعلّق الأمر بها لکانت عبادة، لا «العبادة الفعلیة» ضرورة استحالة اجتماع العبادة الفعلیة و الحرمة کذلک فإنّ معنی حرمتها فعلاً هو کونها مبغوضة للمولی فلایمکن التقرب بها و معنی کونها عبادة فعلا هو کونها محبوبة له و یمکن التقرّب بها و من المعلوم استحالة اجتماعهما کذلک فی شیء واحد.
و المراد من المعاملات کلّ أمر اعتباری قصدی یتوقّف ترتیب الأثر علیه شرعاً أو عرفاً علی قصد اعتباره و إنشائه من ناحیة و إبرازه فی الخارج بمبرز من ناحیة أُخری و من الطبیعی أنّها بهذا المعنی تشمل العقود و الإیقاعات فلا موجب عندئذ لاختصاصها بالمعاملات المتوقّفة علی الإیجاب و القبول.
وأمّا ما لایتوقف ترتیب الأثر علی قصده و إنشائه بل یکفی فیه مطلق وجوده فی الخارج کتطهیر الثوب و البدن فهو خارج عن محل الکلام.
ثم إنّ کلامه تعریض بما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ((3))من أنّ تطهیر الثوب و
ص: 357
البدن ذوجهتین فإنّه یدخل فی محل النزاع من جهة و یخرج عنه من جهة أُخری.
توضیحه: إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی المقام:
لا إشکال فی دخول العبادة بالمعنی الأخص -أعنی بها الوظیفة التی شرّعت لأجل التعبّد بها- فی محل النزاع.
أمّا العبادة بالمعنی الأعم کغسل الثوب و أمثاله من مقدّمات الصلاة فهی من جهة وقوعها عبادة موجبة للتقرّب بها تدخل فی محل النزاع فعلی القول بدلالة النهی علی الفساد لاتصحّ عبادة مع النهی عنها؛ و أمّا من جهة آثارها الوضعیة المترتّبة علیها و لو لم تقع عبادة کطهارة الثوب المترتّبة علی غسله بالماء فلایدلّ النهی عنها علی فسادها.
و لا إشکال فی دخول المعاملة بالمعنی الأعمّ من العقود و الإیقاعات فی محل النزاع فلایختص بالمعاملة بالمعنی الأخص المتوقفة علی الإیجاب و القبول فالمراد من المعاملة فی محل البحث هو کلّ أمر إنشائی یسبّب به إلی أمر اعتباری شرعی.
ص: 358
إنّ المنهی عنه سواء کان عبادة أم معاملة لابدّ أن یکون قابلاً للاتّصاف بالصحّة و الفساد کالبیع و الصلاة بأن یکون تارة تامّاً یترتب علیه ما یترقّب منه من الأثر لکونه واجداً لجمیع الأجزاء و الشرائط و تارة غیر تام لاختلال بعض ما یعتبر فی ترتّبه.
أمّا ما لایکون قابلاً للاتّصاف بالصحّة و الفساد بأن لایکون له أثر شرعاً مثل المشی علی الأرض أو کان أثره ممّا لاینفک عنه مثل الغصب و الإتلاف اللذینِ هما من أسباب الضمان فهما خارجان عن محل النزاع لعدم اتّصافهما بالصحّة و الفساد.
ص: 359
إنّ الصحّة و الفساد من الأُمور الإضافیة یختلفان بحسب الآثار و الأنظار فربّما یکون شیء واحد صحیحاً بحسب أثر أو نظر و فاسداً بحسب أثر أو نظر آخر و هل یختلف معنی الصحة فی العبادات و المعاملات؟
هنا نظریتان:
إنّ معنی الصحّة فی العبادات و المعاملات واحد و هو التمامیة.
إنّ المحقّق القمی (قدس سره) یعتقد باختلاف معنی الصحّة فی العبادات و المعاملات و لذا قال فی القوانین: «اختلف الفقهاء و المتکلّمون فی معنی الصحّة و الفساد فی العبادات فعند المتکلّمین هو موافقة الامتثال للشریعة و عند الفقهاء إسقاط القضاء».((1))
إنّ اختلاف الفقیه و المتکلّم فی معنی الصحّة هو لاختلاف أغراضهم من الصحّة و إلّا فإنّ الصحّة عند الجمیع بمعنی واحد و هو التمامیة.
و أمّا غرض الفقیه فهو وجوب القضاء و الإعادة و لذا فسّر الصحّة بلزوم
ص: 360
سقوط القضاء و الإعادة و غرض المتکلّم هو حصول الامتثال الذی یوجب عقلاً استحقاق المثوبة و لذا فسّرها بما یوافق الأمر تارة و بما یوافق الشریعة أُخری.
ص: 361
هنا نظریات ثلاث:
إنّ الصحّة عند المتکلّم حکم انتزاعی ینتزع عن مطابقة المأتی به للمأمور به کما أنّ الفساد ینتزع عن عدم المطابقة فلاتکون الصحّة و الفساد من الأحکام العقلیة و لا من الأحکام الشرعیة الجعلیة.
أمّا الصحّة عند الفقیه فتارة یلاحظ بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی و أُخری بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی أو الأمر الظاهری.
أمّا الصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی فمن اللوازم العقلیة المترتبة علی الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الأوّلی فیحکم بسقوط الأمر و لا موجب للإعادة و القضاء بحکم العقل فالصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی لیست حکماً انتزاعیاً کما یقوله الشیخ الأنصاری (قدس سره) بل هو حکم عقلی.
أمّا الصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری فهی علی صورتین:
الصورة الأُولی: ما إذا بقی من ملاک الأمر الواقعی الأوّلی مقدار لم یقتضِ الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری الوفاء بهذا المقدار و هنا یحتاج الحکم بالصحّة إلی تخفیف من الشارع و منّة منه علی المکلّف فیقتضی جعل حکم وضعی شرعی فالصحّة هنا حکم وضعی شرعی و لیست حکماً عقلیاً و لا انتزاعیاً.
ص: 362
الصورة الثانیة: ما إذا وفی المأمور به بالأمر الثانوی الواقعی و المأمور به بالأمر الظاهری بجمیع ملاک الأمر الواقعی الأوّلی فإنّ الصحّة حینئذ تکون مثل الصحّة فی الأمر الواقعی الأوّلی فتکون الصحّة حکماً عقلیاً (بمعنی أنّها من اللوازم العقلیة للإتیان بالمأمور به).
فتلّخص أنّ الصحّة عند المتکلّم حکم انتزاعی و أمّا عند الفقیه بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی فحکم عقلی و بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری قد تکون حکماً وضعیاً شرعیاً و قد تکون حکماً عقلیاً؛ هذا فی العبادات.
أمّا الصحّة فی المعاملات فهی حکم وضعی شرعی فی المعاملات الکلّیة أمّا فی المعاملات الشخصیة فلیست مجعولة؛ وجه ذلک هو أنّ ترتّب الأثر علی المعاملة إنّما هو بجعل الشارع ترتّبه علیها و لو إمضاءً ضرورة أنّه لولا جعله لما کان یترتب الأثر علی المعاملة لأصالة الفساد؛ هذا فی کلّی المعاملة.
أمّا صحّة کلّ معاملة شخصیة فلیست حکماً وضعیاً شرعیاً بل هو من باب انطباق الکلّی علی أفراده؛ هذه نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هنا نظریتان أُخریان للمحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)
إنّ الصحّة الظاهریة مجعولة و لکن الصحّة الواقعیة غیر قابلة للجعل.
توضیح ذلک ببیان تلمیذه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)):
أمّا الصحّة الواقعیة فی العبادات فلاتقبل الجعل لأنّ العبادات لاتتّصف
ص: 363
بالصحّة و الفساد فی مقام الجعل و التشریع و إنّما تتّصف بهما فی مقام الامتثال و الانطباق.
فإذا جاء المکلّف بالصلاة فی الخارج فإن انطبقت علیها الصلاة المأمور بها انتزعت الصحّة لها و إلّا انتزع الفساد و من البدیهی أنّ انطباق الطبیعی علی فرده فی الخارج و عدم انطباقه علیه أمران تکوینیان و غیر قابلین للجعل تشریعاً، سواء کان فی الأمر الواقعی الأوّلی أم فی الأمر الواقعی الثانوی أم فی الأمر الظاهری.
أمّا الصحّة الواقعیة فی المعاملات فکذلک حیث إنّها لاتتّصف بالصحّة أو الفساد فی مقام الجعل و الإمضاء و إنّما تتّصف بهما فی مقام الانطباق و الخارج مثلاً: البیع ما لم یوجد فی الخارج لایعقل اتّصافه بالصحّة أو الفساد، فإذا وجد فیه فإن انطبق علیه البیع الممضی شرعاً اتّصف بالصحّة و إلّا فبالفساد و کذا الحال فی الإجارة و النکاح و الصلح و ما شاکل ذلک و بکلمة أُخری: إنّ الممضاة الشرعاً إنّما هی المعاملات الکلّیة بمقتضی أدلّة الإمضاء کقوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((1)) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2)) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)((3)) دون الأفراد الخارجیة فإنّ الأفراد إن انطبق علیها البیع الکلّی الممضی شرعاً حکم بصحّتها و إلّا فلا، و الانطباق و عدمه أمران تکوینیان غیر قابلین للجعل تشریعاً.
أمّا الصحّة الظاهریة فالصحیح أنّها مجعولة شرعاً فی العبادات و المعاملات.
أمّا فی العبادات فکالصحّة فی موارد قاعدتی التجاوز و الفراغ فإنّه لولا حکم
ص: 364
الشارع بانطباق المأمور به علی المشکوک فیه تعبّداً، لکانت العبادة محکومة بالفساد لامحالة.
أمّا فی المعاملات فکالصحة فی موارد الشک فی بطلان الطلاق أو نحوه فإنّه لولا حکم الشارع بالصحة فی هذه الموارد لکان الطلاق مثلاً محکوماً بالفساد لامحالة.
((1))
إنّ الصحّة و الفساد فی العبادات غیر مجعولین شرعاً و فی المعاملات مجعولان.
أمّا فی العبادات فقد عرفت أنّهما منتزعان من انطباق الطبیعی علی الموجود الخارجی و عدم الانطباق فلاتکون الصحّة و الفساد قابلین للجعل.
أمّا فی المعاملات فالأمر فیها لیس کذلک لأنّ نسبة المعاملات إلی الإمضاء الشرعی نسبة الموضوع إلی الحکم لا نسبة المتعلّق إلی الحکم و هذا بخلاف العبادات کالصلاة فإنّ نسبتها إلی الحکم الشرعی نسبة المتعلّق لا نسبة الموضوع.
و إنّا قد حققنا فی محلّه أنّ موضوع الحکم فی القضایا الحقیقیة قد أُخذ مفروض الوجود فی مقام التشریع و الجعل دون متعلّقه و لذا تدور فعلیة الحکم مدار فعلیة موضوعه، فیستحیل أن یکون الحکم فعلیاً فیها بدون فعلیة موضوعه، فلا حکم قبل فعلیته إلّا علی نحو الفرض و التقدیر.
و من ناحیة أخری إنّ الحکم ینحلّ بانحلال أفراد موضوعه فی الخارج فیثبت لکلّ فرد منه حکم علی حدة.
ص: 365
ثمّ إنّ معنی اتّصاف المعاملات بالصحّة و الفساد إنّما هو ترتّب الأثر الشرعی علیها و عدم ترتّبه و الأثر الشرعی إنّما یترتّب علی المعاملة الموجودة فی الخارج دون الطبیعی غیر الموجود فیه.
و نتیجة هذه الأُمور هی أنّ المعاملات بما أنّها أُخذت مفروضة الوجود فی لسان أدلّتها یتوقّف فعلیة الإمضاء علی فعلیتها فی الخارج فما لم تتحقّق المعاملة فیه لم یعقل تحقّق الإمضاء لاستحالة فعلیة الحکم بدون فعلیة موضوعه، فإذا تحقّق بیع مثلاً فی الخارج تحقّق الإمضاء الشرعی و إلّا فلا إمضاء لما عرفت من أنّ الإمضاء الشرعی فی باب المعاملات لم یجعل لها علی نحو صرف الوجود لتکون صحّتها منتزعة من انطباقها علی الفرد الموجود و فسادها من عدم انطباقها علیه.
و قد تحصّل من ذلک أنّ المعاملات بما أنّها موضوعات للإمضاء الشرعی بطبیعة الحال یتعدّد الإمضاء بتعدّد أفرادها فیثبت لکلّ فرد منها إمضاء مستقل و انّا لانعقل للصحّة معنیً إلّا إمضاء الشارع لها من جهة شمول الإطلاقات و العمومات لها فمعنی صحّة البیع حکم الشارع بترتیب الأثر علیه و هو حصول الملکیة فالصحّة فی المعاملات أمر مجعول شرعاً.
ص: 366
فإنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة لیثبت الدلالة علی الفساد أو عدمها و الوجه فی ذلک هو عدم الحالة السابقة المعلومة لأنّ النهی أمر حادث و هو من حین حدوثه إمّا أن یدلّ علی الفساد و إمّا أن لایدلّ علیه و أمّا قبل حدوثه فلا نهی و لا حالة سابقة.
فإنّ الأصل فی المسألة الفرعیة فی العبادات هو الفساد لعدم الأمر بالعبادة مع النهی عنها بل المراد بأصالة الفساد فی العبادات هو جریان قاعدة الاشتغال حیث إنّ الاشتغال الیقینی یوجب الفراغ الیقینی.
أمّا فی المعاملات فإنّ الأصل أیضاً هو الفساد بمعنی عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة بمقتضی استصحاب الحالة السابقة و هو فی البیع مثلاً بقاء المال علی ملک مالکه.
نعم إذا کان هناک إطلاق أو عموم یدلّ علی صحّتها فلایجری أصالة الفساد لأنّها ترجع إلی الاستصحاب، و الإطلاق أو العموم مقدّم علی الاستصحاب.
ص: 367
((1))
إنّه لا أصل یعوّل علیه فی المسألة الأصولیة عند الشک فی دلالة النهی علی الفساد و عدمها سواء کان النزاع فی دلالة النهی علی الفساد لفظاً أم کان فی دلالته علیه عقلاً لأجل دعوی الملازمة بین الحرمة و الفساد و عدمها.
(أمّا إذا کان النزاع فی دلالة النهی لفظاً فقد مضی بیانه ضمن تقریر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و أمّا إذا کان النزاع فی الدلالة عقلاً فهو لعدم الحالة السابقة للملازمة بین الحرمة و الفساد لأنّ الملازمة إن کانت موجودة فهی من الأزل و إن لم تکن موجودة فکذلک من الأزل).
فیختلف بالنسبة إلی العبادات و المعاملات أمّا فی المعاملات فالأصل فی جمیع موارد الشک فی صحّة المعاملة یقتضی الفساد، لأصالة عدم ترتّب الأثر علی المعاملة الخارجیة و بقاء متعلّقها علی ما کان علیه قبل تحقّقها من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الشک لأجل شبهة حکمیة أو موضوعیة.
أمّا العبادات فإن کان الشک فی صحتها و فسادها لأجل شبهة موضوعیة فمقتضی قاعدة الاشتغال فیها هو الحکم بالفساد.
و إن کان لأجل شبهة حکمیة فالحکم بالصحّة و الفساد عند الشک یبتنی علی الخلاف فی جریان البراءة و الاشتغال عند الشک فی الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة (فی کبری مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین).
هذا کلّه بحسب ما تقتضیه القاعدة الأوّلیة و أمّا بالنظر إلی القواعد الثانویة
ص: 368
الحاکمة علی القواعد الأوّلیة فربّما یحکم بصحّة العبادة أو المعاملة عند الشک فیها بقاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحّة أو غیر ذلک.
فتحصّل من ذلک أنّ المحقّق النائینی و صاحب الکفایة (قدس سرهما) متوافقان فی عدم وجود الأصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة کما أنّهما متّفقان فی أنّ الأصل بالنسبة إلی المسألة الفرعیة فی المعاملات هو الفساد بحسب ما تقتضیه القاعدة الأوّلیة و قد استثنی من ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) وجود عام أو مطلق یدلّ علی الصحّة کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) استثنی من ذلک القواعد الثانویة.
و لکنهما افترقا بالنسبة إلی الأصل فی المسألة الفرعیة فی العبادات فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) التزم بأصالة الفساد (التی ترجع إلی أصالة الاشتغال) و لکن المحقّق النائینی (قدس سره) فصّل فیها.
((1))
إنّ صحّة العبادة ترتکز علی أحد أمرین:
الأوّل: أن تکون مصداقاً للطبیعة المأمور بها و الثانی: أن تکون مشتملة علی الملاک فی هذا الحال
و لکنّ شیئاً من الأمرین غیر موجود أمّا الأوّل فلما عرفت من استحالة کون العبادة المنهی عنها مصداقاً للمأمور به و أمّا الثانی فلأنّه لایمکن إحراز اشتمالها علی الملاک إلّا بأحد طریقین: وجود الأمر بها و انطباق الطبیعة المأمور بها علیها و المفروض هنا أنّه لا أمر و لا انطباق فلایمکن إحراز اشتمالها علی الملاک، فإنّ
ص: 369
سقوط الأمر کما یمکن أن یکون لأجل وجود المانع مع ثبوت المقتضی له یمکن أن یکون لأجل عدم المقتضی له فی هذا الحال.
فبالنتیجة إنّ مقتضی الأصل فی العبادة هو الفساد مطلقاً.
((1))
أمّا بناء علی أنّ المسألة عقلیة فلا أصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة.
و ذلک لأنّه إن قلنا: إنّ الصحّة هی من حیث موافقة الأمر فلامحالة تقع العبادة فاسدة بلا شک إذ لا أمر قطعاً للفراغ عن تعلّق النهی بالعبادة أوّلاً و عن عدم اجتماع النهی مع الأمر بها ثانیاً فلا شک حینئذ فی فساد العبادة.
و إن قلنا: إنّ الصحّة بمعنی موافقة المأتی به للمأمور به من حیث الملاک فالصحّة قطعیة الثبوت لأنّ المفروض تعلّق النهی بالعبادة لا ببعض العبادة، فالمنهی عنه مستجمع لجمیع الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی الملاک.
نعم هنا نشک فی منافاة التقرّب المعتبر فی العبادة للمبغوضیة الفعلیة و مع عدم استقلال العقل بالمنافاة أو بعدمها لا أصل یقتضی أحد الأمرین.
فإذا شککنا فی صحّة العبادة المنهی عنها فالأصل هو الفساد لاشتغال الذمّة بالعبادة المقرّبة و مع الشک فی صدورها قربیة لا قطع بفراغ الذمّة، فیجب تحصیل الفرد غیر المبغوض بالفعل.
و أمّا علی القول بأنّ المسألة لفظیة فلا أصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة، لأنّ
ص: 370
النزاع فی ظهور النهی فی الإرشاد إلی المانعیة و مع الشک فی هذا الظهور لا أصل فی المقام.
أمّا فی المسألة الفرعیة فالأصل هو الصحّة.
بیان ذلک: إنّ المفروض حینئذ (أی عند الشک فی دلالة النهی علی الفساد لفظاً) عدم منافاة الحرمة المولویة للعبادیة و عدم الحجّة علی المانعیة و مع الشک فی وجود المانع تجری أصالة عدم المانع فلا مانع من الصحّة.
((1))
أما علی القول بأنّ المسألة عقلیة فلا أصل فی المسألة الأُصولیة و أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة فهو الفساد سواء کان المنهی عنه عبادة أم معاملة.
و أمّا علی القول بأنّ المسألة لفظیة، فالأصل فی المسألة الأُصولیة موجود و هی أصالة الصحّة و وجه ذلک هو أنّ ظهور اللفظ فی الإرشاد إلی المانعیة تابع للوضع و الوضع مسبوق بالعدم و مع الشک فی الظهور یستصحب عدم الدلالة علی الفساد و معنی ذلک أصالة الصحّة.
أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة فهو الفساد سواء کان النهی تعلّق بالعبادة أم بالمعاملة.
والتحقیق فی المقام أنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بناء علی کون المسألة عقلیة لا إشکال علیه فالحقّ هو أنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة، کما أنّ الأصل فی المسألة الفرعیة هو الفساد.
ص: 371
ولکن بناء علی کون المسألة لفظیة فالأصل فی المسألة الأُصولیة موجود و هی أصالة الصحّة کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) .
و أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة حینئذ فهو أصالة الصحّة کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لا أصالة الفساد کما قرره المحقّق الخراسانی (قدس سره) و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله)، لأنّ جریان أصالة عدم المانع مقدّم علی جریان أصالة الفساد (التی أرجعها بعضهم إلی أصالة الاشتغال).
ص: 372
الأوّل: أن یکون نفس العبادة کالصلاة فی أیام الحیض و صوم العیدین و لاینبغی الشک فی دخول هذا القسم فی محل النزاع.
الثانی: أن یکون جزء العبادة مثل قراءة العزائم فی الصلاة و هذا القسم أیضاً داخل فی محل النزاع بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادة، إلّا أنّ بطلان الجزء لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علی هذا الجزء (بالنحو المنهی عنه) لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه، إلّا أن یستلزم محذوراً آخر (کالزیادة العمدیة و لو فی غیر الأرکان).
الثالث: أن یکون شرط العبادة الخارج عنها مثل الطهارة الحدثیة و الخبثیة بالماء المغصوب و الشرط علی قسمین:
أحدهما أن یکون عبادة کالوضوء و ثانیهما أن یکون توصّلیاً کتطهیر البدن و الثوب عن النجاسة.
أمّا القسم الأوّل فالنهی عنه یدلّ علی حرمته و هی موجبة لفساد الشرط و هو یستلزم فساد العبادة المشروطة به و أمّا القسم الثانی فالنهی عنه یدلّ علی حرمته و لکن هی لاتوجب فساد الشرط و بطلان العبادة.
الرابع: أن یکون وصفها الملازم لها کالجهر و الإخفات، فالنهی عن الوصف الملازم مساوق للنهی عن موصوفه فیکون النهی عن الجهر فی القراءة مثلاً مساوقاً للنهی عن القراءة، لاستحالة کون القراءة التی یجهر بها مأموراً بها، مع کون الجهر بها منهیاً عنها فعلاً. فهذا القسم أیضاً داخل فی محل النزاع.
ص: 373
الخامس: أن یکون وصفها غیرَ الملازم کالغصبیة لأکوان الصلاة المنفکّة عنها فإنّ النهی عن الوصف غیرِ الملازم بناء علی القول بجواز اجتماع الأمر و النهی لایسری إلی الموصوف (و هی العبادة) و أمّا بناء علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی (فی ما إذا اتحد الوصف غیرُ الملازم و الموصوف وجوداً) فالنهی یسری إلی الموصوف فیکون داخلاً فی محل النزاع.
و النهی عن العبادة لأجل الجزء أو الشرط أو الوصف علی وجهین:
الأوّل: أن یکون الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة ثبوتیة لتعلّق النهی بالعبادة فالمنهی عنه فی الحقیقة نفس العبادة (فهذا من القسم الأوّل من الأقسام الخمسة).
الثانی: أن یکون الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة عروضیة لتعلّق النهی بالعبادة و حینئذ المنهی عنه فی الحقیقة هو الجزء أو الشرط أو الوصف (و هذا من القسم الثانی أو الثالث أو الرابع أو الخامس من هذه الأقسام الخمسة).
إنّ الجزء أو الشرط أو ما اتحد مع العبادة إن کان بنفسه عبادة، فالنهی عنه نهی عن العبادة و لا مجال للبحث عن کلّ واحد منها، إذ لا فرق بین عبادة و عبادة.((1))
إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ جزء العبادة عبادة لا موجب له، سواء
ص: 374
کانت العبادة ما کان حسناً بذاته أو ما لو أُمر به لکان أمره عبادیاً، إذ لایجب أن یکون جمیع أجزاء العبادة معنوناً بعنوان حسن بذاته، بل یکفی کون المرکب بما هو مرکب معنوناً بعنوان حسن، کما أنّه لا أمر عبادی بکلّ جزء من المرکب، فلیس الجزء عبادة بأی معنی کان.
بل الوجه فی بطلان المرکب هو أنّ التقرب بالمبغوض أو بما یشتمل علی المبغوض غیر ممکن عقلاً و إن لم یکن الجزء بما هو داخلاً فی محل النزاع.
و هکذا الأمر بالمشروط إذا کان شرطه حراماً فإنّه لا وجه لسرایة الحرمة و لا لکون الشرط عبادة کلّیة بل الوجه فی البطلان أنّ التقرّب بالمتقید بالمبغوض کالتقرّب بالمبغوض و کذا الأمر بالمتقید بالمبغوض کالأمر به. ((1))
((2)):
إنّ ما أفاده من أنّ القسم الرابع من قبیل الوصف اللازم و الموصوف لازمه التعدّد فی الوجود فإذا کان الجهر و الإخفات کیفیّتین عرضیّتین قائمتین بالکیف المسموع فإنّ العرض و موضوعه متعدّدان فی الوجود علی المشهور و العبادة نفس القراءة الممتازة وجوداً عن إحدی الکیفیتین، فلیس النهی عن إحداهما نهیاً عن القراءة کی یکون نهیاً عن العبادة.
نعم إنّ المتلازمین لابدّ أن لایختلفا فی الحکم و لکن لا مجال لاتحادهما فی الحکم بسرایة النهی من الوصف الملازم إلی الموصوف (و الکلام هنا فی سرایة النهی إلی العبادة لا فی بیان حکم العبادة التی نهی عن وصفها الملازم) هذا بناء
ص: 375
علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لایقول فی الجهر و الإخفات بذلک و لذا قال:
التحقیق هو کون النهی متعلّقاً بالعبادة، لأنّ الأعراض بسائط و لاتعدّد لجنسها و فصلها فی الوجود و إنّما یتمّ ذلک فی الأنواع الجوهریة، بل التحقیق أنّ الشدّة و الضعف دائماً فی الوجود، فالوجود الخاص الذی هو من العبادات منهی عنه و لا تعدّد بوجه من الوجوه.
و کذلک قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی القسم الخامس:
إنّ الکلام فی دخوله فی محل النزاع لا فی فساد العبادة لاتحادها مع المنهی عنه وجوداً بناء علی الامتناع و عدم کون النهی عن الغصب نهیاً عن العبادة بدیهی
هذا تمام الکلام فی المقدّمات و بعد إتمام المقدّمات یقع البحث فی مقامین:
ص: 376
نتکلم فیه حسب الأقسام الخمسة لمتعلق النهی:
هنا قولان:
قال بعض الأعلام باقتضائه للفساد مثل صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) .
النهی یدلّ علی الحرمة، والصحّة لایجتمع مع الحرمة سواء فسّرناها بما یوافق المتکلّم أم فسّرناها بما یوافق الفقیه.
ص: 377
أمّا الصحّة عند المتکلّم فهی بمعنی موافقة الأمر و مع الحرمة لایبقی أمر حتّی یقال بموافقة الأمر، أمّا الصحّة عند الفقیه فبمعنی سقوط الإعادة و القضاء و الصحّة بهذا المعنی منوط بأمرین:
الأوّل: إتیان العمل بقصد القربة و الثانی: کون العمل صالحاً لأن یتقرّب به و مع الحرمة لایصلح العمل للتقرّب به.
لایقال: إنّ دلالة النهی علی الفساد هی فی ما إذا دلّ النهی علی الحرمة الذاتیة و لکن العبادة لاتتّصف بالحرمة الذاتیة، لأنّ المکلّف إن أتی بالعمل بدون قصد القربة لایکون عمله حراماً، و إن أتی به بقصد القربة یکون عمله تشریعاً محرّماً لأنّ العمل المفروض (الذی نهی عنه) لا أمر به و لابدّ للمکلّف حین إتیانه بقصد القربة أن یفترض له أمراً شرعیاً حتّی یقصد به القربة و هذا تشریع محرّم فهذا العمل إن أتی به بقصد القربة متّصف بالحرمة التشریعیة و مع اتّصاف العمل بالحرمة التشریعیة لاتتّصف بالحرمة الذاتیة، لامتناع اجتماع المثلین.
فإنّه یقال أوّلا: لا مانع من اتّصاف العبادة الشأنیة و العبادة الذاتیة بالحرمة الذاتیة أمّا العبادة الشأنیة فمثل صوم یوم العیدین و أمّا العبادة الذاتیة الفعلیة فمثل السجود لله تعالی و الوجه فی اتّصافهما بالحرمة الذاتیة هو ما فیهما من المفسدة الملزمة و المبغوضیة فی الحال الخاصّ (حین العیدین فی الصوم و حین الحیض فی السجود لله تعالی)
ثانیاً: لا مانع من اتّصاف ما یحرم بالحرمة التشریعیة بالحرمة الذاتیة و لایلزم اجتماع المثلین، لأنّ اجتماع المثلین یعتبر فیه وحدة الموضوع و أمّا فی ما إذا تعدّد الموضوع فلایلزم ذلک و الموضوع هنا متعدّد، لأنّ موضوع الحرمة التشریعیة الفعل القلبی و موضوع الحرمة الذاتیة الفعل الخارجی.
ص: 378
ثالثاً: لو لم یکن النهی هنا دالاً علی الحرمة، لکان دالاً علی الفساد و الوجه فی ذلک هو أنّ النهی لا أقلّ من دلالته علی أنّ العبادة لیست مأموراً بها، لأنّ النهی لایجتمع مع الأمر الفعلی و حینئذ إذا أتی بالعمل مع قصد القربة یکون حراماً تشریعیاً و الحرمة التشریعیة کافیة فی الفساد.
و المتحصّل من بیان صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ الوجه فی الفساد هو عدم صلاحیة العمل للتقرّب به مع اتّصافها بالحرمة.
((1))
إن اکتفینا فی صحّة العبادة باشتمالها علی الملاک (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و جمع من الأعلام (قدس سره) فالملاک الذی یحکم العقل بأنّ العمل یکون بقصده (أی بقصد هذا الملاک) متقرّباً إلیه تعالی إنّما هو الملاک الذی یکون فی حدّ ذاته علّة تامّة للبعث و لکن لم یأمر الشارع بالفعل الواجد لهذا الملاک من جهة تزاحمه و ما هو الأهم.
أمّا الملاک المعدوم أو الملاک المغلوب لغلبة ملاک النهی فکما یستحیل أن یکون داعیاً للمولی إلی البعث یستحیل أن یکون موجباً لصحّة التقرّب بما یشتمل علیه.
و اتّصاف العبادة بالحرمة یکشف کشفاً قطعیاً عن عدم ملاک الأمر فیها أو عن کونه مغلوباً لملاک طلبه لایصحّ التقرّب بها قطعاً.
مع أنّ فعلیة التقرّب بما یصلح أن یتقرّب به فی نفسه مشروطة عقلاً بعدم کونه مزاحماً بالقبح الفاعلی و بما أنّ العبادة المنهی عنها تصدر مبغوضة و متّصفة
ص: 379
بالقبح الفاعلی یستحیل التقرّب بها من المولی و إن کان فیها ملاک الوجوب أیضاً.
فتحصّل من بیانه أنّ الوجه فی فساد العبادة المنهی عنها أمران:
الأمر الأوّل: هو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم صلاحیة العمل للتقرّب به و وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بحرمة العبادة و المحقّق النائینی (قدس سره) بما تکشف عنه حرمة العبادة من عدم وجود ملاک الأمر أو کونه مغلوباً.
الأمر الثانی: إنّ العبادة إذا اتّصفت بالقبح الفاعلی یستحیل التقرّب بها و إن کان فیها ملاک الوجوب.
((1))
إنّ النهی المتعلّق بذات العبادة یدلّ علی الفساد لثبوت الملازمة بین الحرمة و الفساد و السبب فی ذلک هو أنّ العبادة إذا کانت محرّمة و مبغوضة للمولی لم یمکن التقرّب بها لاستحالة التقرّب بما هو مبغوض له فعلاً، کیف؟ فإنّه مبعّد و المبعّد لایکون مقرّباً؛ هذا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .
((2))
إنّه قال أوّلاً بأنّ الملاک المبتلی بمفسدة ملزمة غیر صالح للتقرّب به بحکم العقل و قال ثانیاً (فی جواب المحقّق العراقی (قدس سره) بأنّ ملاک المصلحة إنّما یصلح للمقرّبیة فی حال کونه غرضاً للمولی بأن یکون منشأ لأمره تعالی بما یشتمل علیه
ص: 380
أو یتعلّق به غرضه و مع وجود الحرمة التی دلّ علیها النهی، یسقط ملاک الأمر عن کونه غرضاً للمولی.
فبالنتیجة إنّ الأعلام اختلفوا فی تقریر وجه الفساد فإنّ الوجه عندهم و إن کان عدم صلاحیة العمل للتقرّب و لکن وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بحرمة العمل و المحقّق النائینی (قدس سره) بما یکشف عنه الحرمة من عدم الملاک (و هو عدم مقتضی الصحّة) أو مغلوبیة ملاک الأمر لملاک النهی (و هو من باب وجود المانع فی مرحلة الملاک) أو من جهة اشتراطه عقلاً بعدم مزاحمة القبح الفاعلی و المحقّق الخوئی (قدس سره) وجّهه بوجود المانع فی مرحلة آثار الفعل المأتی به و هو القرب و البعد فقال: المبعّد لایکون مقرّباً و بعض الأساطین (حفظه الله) وجّهه باشتراط کون المصلحة متعلّقاً لغرض المولی حتّی تکون صالحة للتقرّب بها.
هنا نظریتان:
((1))
إذا کان النهی متعلّقاً بعنوان العبادة و کان مولویاً محضاً فهو غیر مقتضٍ للفساد إلّا من جهتین:
الجهة الأُولی: الإخلال بالقربة (و هذا الإخلال یتحقّق فی ما إذا علم بالنهی عن الفعل) و الجهة الثانیة: فقدان الملاک و المصلحة.
و لکن فیه أنّ النهی المزبور بما أنّه نهی مولوی تحریمی یدلّ علی قیام المفسدة
ص: 381
فی متعلّقه و لایدلّ علی عدم وجود ملاک الأمر و المصلحة فیه؛ نعم مع الشک فی الملاک کان مقتضی الأصل هو الفساد.
إنّ الأعلام القائلین بالفساد لم ینکروا وجود ملاک الأمر إلّا أنّهم قالوا بوجود المانع عنه أو بعدم وجود شرط تأثیره فی القرب و نتیجة ذلک عدم صلاحیة العمل للتقرّب و ما أشار إلیه المحقّق العراقی (قدس سره) من الإخلال بالقربة أعمّ من الإخلال بقصد القربة أو الإخلال بصلاحیة العمل للقربة و لکنه قیده بأنّه موقوف علی العلم به و ذلک یوجب انحصار الإخلال بما یختلّ به قصد القربة و لکنه بناء علی تعمیم الإخلال لعدم صلاحیة العمل للتقرّب (کما صرحّ به القائلون بالفساد) لابدّ من اختیار القول بالفساد.
((1))
الحقّ أنّه لایقتضی الفساد مطلقاً أمّا فی العبادات فلأنّ ما یتوهّم کونه مانعاً عن الصحّة کون العمل مبغوضاً فلایحصل القرب المعتبر فی العبادات به.
و فیه أنّه من الممکن أن یکون العمل المشتمل علی الخصوصیة موجباً للقرب من حیث ذات العمل و إن کان إیجاده مع تلک الخصوصیة مبغوضاً للمولی، فکما أنّا قلنا فی مسألة الاجتماع بإمکان أن یتّحد العنوان المبغوض و العنوان المقرّب نقول کذلک هنا من دون تفاوت فإنّ أصل الصلاة شیء و خصوصیة إیقاعها فی مکان مخصوص شیء آخر و إن کانا متّحدین فی الخارج.
ص: 382
ثم قال فی التعلیقة علی کلامه: متی تعلّق النهی بالخصوصیة فالحقّ صحّة العبادة حتّی علی القول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و متی تعلّق بالخاصّ فالحقّ بطلان العبادة حتّی علی القول بالجواز فی مسألة الاجتماع.
((1))
أوّلاً: المفروض فی القسم الأوّل هو تعلّق النهی بذات العبادة فما أفاده من تعلّق النهی بلازمها و هی خصوصیة کون الصلاة فی الحمام (التی هی من لوازم الصلاة) خلف لمفروض البحث.
ثانیاً: إنّ کینونة الصلاة فی الحمام حصّة من طبیعة الصلاة فهما موجودتان بوجود واحد فمع النهی عن وجود الصلاة فی الحمام لایعقل أن تکون الصلاة ممّا یتقرّب به.
فتحصّل إلی هنا: أنّ النهی إذا تعلّق بذات العبادة یقتضی فسادها لأنّ النهی کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) یکشف عن أحد الأمرین: إمّا عدم ملاک الأمر و إمّا مغلوبیة ملاک الأمر بالنسبة إلی ملاک النهی و حینئذ مع احتمال فقدان ملاک الأمر لاینبغی النزاع فی اقتضائها للفساد مضافاً إلی أنّ ما تقدّم فی بحث اجتماع الأمر و النهی -من أنّ المبعّد یمکن أن یکون مقرّباً من جهة أُخری غیر جهة المبعّدیة- مخصوص بباب الاجتماع حیث إنّ المجمع فی بحث الاجتماع ذو عنوانین فیمکن أن یکون بأحدهما مبعّداً و بالآخر مقرّباً و لکن النهی فی هذا البحث تعلّق بنفس العبادة و الشیء بالعنوان الواحد لایمکن أن یکون مقرّباً و مبعّداً، لأنّ لازم ذلک هو أن یکون الشیء الواحد بجهة واحدة مقرّباً و مبعّداً
ص: 383
نعم یمکن أن یقال بأنّ العنوان الواحد (بحیثیة ذات العبادة) مقرّب و أمّا المبعّد فهو ذات العبادة بحیثیة تقییده بالخصوصیة لا من حیث هی هی، فعلی هذا یمکن أن یکون المبعّد مقرّباً.
فالحق هو القول بفساد العبادة فی ما إذا تعلّق النهی بذات العبادة.
ص: 384
فیه نظریتان
قال صاحب الکفایة و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) بصحّة العبادة علی بیان یأتی إن شاء الله تعالی و فی قبالهم المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بفساد العبادة.
((1))
إنّه قال فی الأمر الثامن من مقدّمات البحث: إنّ بطلان الجزء لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علیه، لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه، نعم إذا استلزم ذلک محذوراً آخر کالزیادة العمدیة و لو فی غیر الأرکان یوجب البطلان أیضا.
((2))
إنّ النهی عن جزء العبادة یدلّ علی فسادها.
توضیح ذلک: إنّ جزء العبادة إمّا أن یؤخذ فیه عدد خاص کالوحدة المعتبرة فی السورة بناءً علی حرمة القِران و إمّا أن لایؤخذ فیه ذلک.
ص: 385
أمّا الأوّل -أعنی به جزء العبادة المعتبر فیه عدد خاص- فالنهی المتعلّق به یقتضی فساد العبادة لامحالة لأنّ الآتی بالجزء فی ضمن العبادة إمّا أن یقتصر علی الجزء فی تلک العبادة أو یأتی بعده بالجزء الذی هو غیر منهی عنه، و علی کلا التقدیرین لاینبغی الإشکال فی بطلان العبادة المشتملة علیه.
فإنّ الجزء المنهی عنه لامحالة یکون خارجاً عن إطلاق دلیل الجزئیة أو عمومه فیکون وجوده کعدمه، فإن اقتصر المکلّف علیه فی مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزءها، وإن لم یقتصر علیه بطلت من جهة الإخلال بالوحدة المعتبرة فی الجزء کما هو الفرض.
هذا مضافاً إلی أنّ تحریم الجزء یستلزم أخذ العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا و یترتّب علی ذلک أُمور کلّها موجب لبطلان العبادة:
الأوّل: کون العبادة مقیدة بعدم ذلک المنهی عنه فیکون وجوده مانعاً عن صحّتها و ذلک یستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده.
الثانی: کونه زیادة فی الفریضة فتبطل الصلاة بسبب الزیادة العمدیة المعتبر عدمها فی صحّة العبادة.
الثالث: خروجه عن أدلّة جواز مطلق الذکر فی الصلاة، فإنّ دلیل الحرمة لامحالة یوجب تخصیصها بغیر الفرد المحرّم، فیندرج الفرد المحرّم فی عموم أدلّة بطلان الصلاة بالتکلّم العمدی.
أمّا الثانی -أعنی به ما لم یؤخذ فیه عدد خاصّ- فقد اتّضح الحال فیه ممّا تقدّم لأنّ جمیع الوجوه المذکورة، المقتضیة لفساد العبادة المشتملة علی الجزء المنهی عنه جاریة فی هذا القسم أیضاً، و إنّما یختصّ القسم الأوّل بالوجه الأوّل منها.
ص: 386
((1))
أوّلاً: ما أفاده من أنّ تحریم الجزء یستلزم أخذ العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا، یرد علیه: أنّ حرمة جزء العبادة لو کانت موجبة لاعتبار العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا، لکانت حرمة کلّ شیء موجبة لذلک أیضاً، إذ لا فرق فی هذه الجهة بین کون المنهی عنه من سنخ أجزاء العبادة و عدم کونه من سنخها، فلابدّ من الالتزام ببطلان کلّ عبادة أتی فی ضمنها بفعل محرّم خارجی، کالنظر إلی الأجنبیة فی الصلاة، مع أنّه واضح البطلان(و هذا الإیراد یتوجّه إلی ما أفاده فی الوجه الأوّل).
ثانیاً: إنّ الوجه الثانی مختصّ بباب الصلاة مضافاً إلی أنّه مخدوش و الوجه فی ذلک هو أنّ صدق عنوان الزیادة یتوقف علی قصد الجزئیة بما یؤتی به فی الخارج من دون فرق بین کون المأتی به من سنخ أجزاء العمل و کونه من غیر سنخها.
نعم فی خصوص الرکوع و السجود لایتوقف صدق العنوان المزبور علی القصد المذکور لورود النصّ بذلک فی السجود و القطع بعدم الفرق بینه و بین الرکوع من هذه الجهة.
ثالثاً: إنّ الوجه الثالث أیضاً مختصّ بباب الصلاة مع أنّه یرد علیه أنّه لا دلیل علی بطلان الصلاة بالذکر المحرّم و إنّما الدلیل قد دلّ علی بطلانها بکلام الآدمیین و الذکر المحرّم لیس منه علی الفرض (و المیرزا النائینی (قدس سره) قد صرح فی أجود التقریرات((2)) بأنّ الذکر المحرّم لایدخل فی کلام الآدمیین).
ص: 387
فالتحقیق أنّه لاتبطل الصلاة بإتیان الجزء المحرّم إلّا فی ما ورد النهی عنه فی خصوص الصلاة، المستفاد منه مانعیته عن صحّتها، و فی ما أتی به بقصد کونه جزءً من الصلاة الموجب لتحقّق عنوان الزیادة فیها کما عرفت و لکنه لا ملازمة بین النهی (الدالّ علی المبغوضیة) و المانعیة عن صحّة الصلاة.((1))
ص: 388
فیه نظریتان:
قد تقدّم أنّ الشرط علی قسمین: الشرط العبادی و الشرط التوصّلی و النهی عن الشرط العبادی یوجب فساده و النهی عن الشرط التوصّلی یدلّ علی حرمته و لکن لاتوجب فساد الشرط و بطلان العبادة.((1))
((2))
إنّ شرط العبادة الذی تعلّق به النهی إنّما هو المعنی المعبّر عنه باسم المصدر (مثل الطهارة بالنسبة إلی الصلاة) و أمّا المتعلّق للنهی فهو المعنی المعبّر عنه بالمصدر (أی الأفعال الخاصّة من الوضوء و التیمم و الغسل) فما هو متعلّق النهی لیس شرطاً للعبادة و ما هو شرط لها لم یتعلّق به النهی.
فالطهارة التی هی شرط للصلاة لیست بعبادة و لم یعتبر فیها قصد القربة و الأفعال التی هی محصّلة للطهارة هی أفعال عبادیة و یعتبر فیها قصد القربة.
ص: 389
فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من تقسیم الشرائط إلی الشرط العبادی و الشرط التوصّلی باطل.
فتلخّص أنّ حال الشرائط حال بقیة الأوصاف فی أنّ النهی عنها لایوجب فساد المشروط أو المتّصف بها ما لم یکن النهی عنها نهیاً عن نفس المشروط أو المتّصف بها و أمّا إذا کان النهی عنها نهیاً عن نفس المشروط و الموصوف فلا إشکال فی فساد العبادة.
((1))
أوّلاً: إنّ ما عبّر عنه باسم المصدر لایغایر المعنی الذی عبّر عنه بالمصدر إلّا بالاعتبار، فالمصدر باعتبار إضافته إلی الفاعل، و اسم المصدر باعتبار إضافته إلی نفسه کالإیجاد و الوجود فإنّهما واحد ذاتاً و حقیقة و الاختلاف بینهما بالاعتبار.
ثانیاً: إنّ ما أفاده من أنّ الطهارة شرط للصلاة لا الأفعال الخاصّة (مثل الوضوء و الغسل و التیمّم) یردّها أنّ ذلک خلاف ظواهر الأدلّة من الآیات و الروایات، فإنّ الظاهر منها هو أنّ الشرط لها نفس تلک الأفعال و الطهارة اسم لها و ما ورد من أنّ « الوضوء طهور» ظاهر فی أنّ الطهور اسم لهذه الأفعال دون ما یکون مسبباً عنه (فیظهر أنّ ما أفاده من أنّ شرائط الصلاة توصّلیة باطل لأنّ هذه الأفعال تعبّدیة فیصحّ تقسیم الشرائط بالتعبّدیة و التوصّلیة).
فتحصل أنّ الحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) فإنّ الشرط العبادی لو نهی عنه
ص: 390
یکون الشرط فاسداً و بطلان الشرط لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علیه (وزان ذلک وزان النهی المتعلّق بالجزء).((1))
ص: 391
إنّ النهی عن الوصف الملازم نهی عن الموصوف بناء علی اتحاد العرض و موضوعه کما تقدّم فی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی المقدّمة الثامنة إلّا أنّه لیس قسماً علی حدة لأنّ الموصوف قد یکون جزء العبادة و قد یکون شرط العبادة (کما أنّ القراءة الموصوفة بالجهر و الإخفات جزء الصلاة).
ص: 392
و هذا القسم خارج عن مبحث النهی عن العبادة و داخل فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و قد تقدّم أنّ المختار هو القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.
ص: 393
ص: 394
هنا مطالب ثلاثة:
إنّهم اختلفوا فی دلالة النهی علی الفساد فی المعاملات فبعضهم قالوا بفساد المعاملة و بعض آخر مثل صاحب الکفایة (قدس سره) بصحّتها إجمالاً و المحقّق النائینی (قدس سره) قد فصّل((1)) بین تعلّق النهی بالسبب فلایدلّ علی الفساد و تعلّقه بالمسبب فیدلّ علی الفساد و بعض آخر مثل العلامة الحلّی (قدس سره) من المتقدّمین((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سره) من المتأخرین قالوا بعدم دلالته علی الصحّة و لا علی الفساد (و قد نقل عن العلامة الحلّی (قدس سره) التوقف فی ذلک).
و قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان محل النزاع فی المعاملات.
ص: 395
إنّ النهی عن المعاملة له أقسام ثلاثة:
الأوّل: أن یکون النهی إرشاداً إلی بیان مانعیة شیء عن المعاملة کالنهی عن بیع الغرر أو عن بیع ما لیس عندک((1)) و هذا القسم یدل علی الفساد قطعاً و خارج عن محل النزاع.
الثانی: أن یکون النهی عن الأثر المترتّب علی صحّة البیع بأن یدلّ علی حرمة ما لایحرم مع صحّة المعاملة مثل النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی البیع مثل قَوْلِهِ (علیه السلام): «ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت»((2)) و هذا القسم أیضاً یدلّ علی فساد المعاملة و خارج عن محل النزاع قطعاً.
الثالث: أن یکون النهی عن المعاملة کاشفاً عن مبغوضیته و هذا هو محل البحث بین الأعلام
ص: 396
هنا نظریتان:
هل یدلّ النهی المذکور علی فساد المعاملة أو لا؟ و منشأ ذلک هو الشک فی ثبوت الملازمة بین المبغوضیة (أو فقل: النهی التحریمی المولوی) و بین فساد المعاملة.
ثم لابدّ من ملاحظة المنهی عنه فإنّه قد یطلق العقد و المراد العقد السببی و هی صیغ العقود و الإیقاعات و قد یطلق العقد و یراد العقد المسبّبی و هو العنوان الاعتباری المحصّل من إجراء العقد و الإیقاع.
و أکثر الأعلام قالوا بسببیة الصیغ للمعنی الاعتباری المحصَّل (کما جاء فی کفایة الأُصول) و فی قبالهم المحقّق الخوئی (قدس سره) قال بعدم السببیة و لذا قال: الصیغ هی لإبراز الاعتبار النفسانی((1)).
فعلی هذا النهی قد یتعلّق بالسبب الذی هو عند المحقّق الخوئی (قدس سره) مبرز للاعتبار النفسانی و هو مثل النهی عن البیع إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة.
و قد یتعلّق بالمسبّب و هو العنوان الاعتباری المحصَّل مثل النهی عن بیع المصحف للکافر حیث إنّ المنهی عنه هو تسلّط الکافر علی القرآن و تملیکه إیّاه.
و قد یتعلّق بالتسبّب مثل النهی عن تملّک الزیادة فی البیع الربوی فإنّ تملک الزیادة إن کان بسبب الهبة أو الصلح فهو جائز و لکنه إذا کان بالتسبّب عن البیع فهو منهی عنه و مثل التسبّب بالظهار لحصول البینونة بین الزوجین.
ص: 397
(و هی عدم الدلالة علی الفساد بل الدلالة علی الصحّة فی النهی عن المسبّب و التسبّب).((1))
إنّ النهی الدالّ علی حرمة المعاملة لایقتضی الفساد، لعدم الملازمة فیها لغة و لا عرفاً بین حرمتها و فسادها أصلاً و ذلک لأنّ مدلول النهی هو الحرمة و أمّا الفساد فلیس مدلولاً مطابقیاً للنهی و لا مدلولاً التزامیاً له.
و من جانب آخر إنّ حرمة المعاملة تجتمع مع صحّتها بخلاف حرمة العبادة حیث قال بعضهم بأنّ حرمتها تستلزم مبغوضیتها و هی تنافی صحّتها لأنّ المبغوض لایصلح أن یکون مقرّباً ثمّ إنّ أباحنیفة و الشیبانی قالا بأنّ النهی عن الشیء یدلّ علی صحّته و نقل عن فخر المحقّقین (قدس سره) أنّه وافقهما فی أنّ النهی إذا تعلّق بالمسبب أو بالتسبّب یدلّ علی صحّة المعاملة دون ما إذا کان النهی متعلّقاً بالسبب المعاملی، و الوجه فی ذلک هو أنّ الحکم التکلیفی لایتعلّق إلّا بما هو مقدور للمکلّف فإذا تعلّق النهی بالمسبّب فلابدّ أن یکون البیع صحیحاً بحیث یترتّب علیه الأثر و یتحقّق المسبّب حتّی یصحّ النهی و إلّا لو لم یتمکّن المکلّف من إیجاد المسبّب فلا معنی للنهی عنه، و هکذا إذا تعلّق النهی بالتسبّب فلو لم یترتب الأثر الشرعی علی المعاملة فلا معنی للنهی عن التسبّب و هذا مثل التسبّب بالظهار لتحقّق البینونة بین الزوجین.
و أمّا إذا کان النهی عن السبب فلایدلّ علی الصحّة لأنّ السبب یکون مقدوراً و إن قلنا بفساده، نعم إنّه یمکن صحّته مثل البیع وقت النداء حیث إنّه منهی عنه و مع ذلک یقع البیع صحیحاً.
ص: 398
((1))
إنّ ما أفاده من أنّ النهی عن المسبّب أو التسبّب یدلّ علی الصحّة، لایمکن الالتزام به، لأنّ إیجاد الملکیة الذی هو معنی التملیک بالحمل الشائع متّحد مع وجود الملکیة بالذات و یختلفان بالاعتبار، فأمر الملکیة دائر بین الوجود و العدم، و لایتّصف إیجاد الملکیة بالصحّة، لأنّ وجود الملکیة لیس أثراً لإیجاد الملکیة حتّی یتّصف بلحاظه بالصحّة دائماً، لأنّ الشیء لایکون أثراً لنفسه.
أمّا الأحکام المترتّبة علی الملکیة المعبّر عنها بآثارها، فنسبتها إلیها نسبة الحکم إلی موضوعه لا نسبة المسبّب إلی سببه، لیتّصف بلحاظه بالنفوذ و الصحّة.
و منه یعلم أنّ النهی عن إیجاد الملکیة و إن دلّ عقلاً علی مقدوریته و إمکان تحقّقه بحقیقته، لکنّه لایدلّ علی صحّته حیث لا صحّة له و النهی عن السبب و إن دلّ علی مقدوریته إلّا أنّ وجوده لایلازم نفوذه فقول أبی حنیفة ساقط علی جمیع التقادیر.
((2))
قال المحقّق النائینی (قدس سره): الحقّ فی المقام هو التفصیل بین النهی المتعلّق بالسبب فلایدلّ علی الفساد و النهی المتعلّق بالمسبّب فیدلّ علیه.
أمّا عدم دلالة تعلّق النهی بالسبب علی الفساد المعاملة، فلأنّ مبغوضیة الإنشاء فی المعاملة بما هو فعل من أفعال المکلّف لاتستلزم عدم ترتّب أثر المعاملة علیها بوجه، ضرورة أنّه لا منافاة بین حرمة إنشاء البیع وقت النداء مثلاً
ص: 399
و حکم الشارع بترتّب أثره علیه فی الخارج، فیحتاج إثبات الفساد حینئذ إلی قیام دلیل آخر علیه غیر النهی و هو مفقود علی الفرض.
و أمّا دلالة تعلّق النهی بالمسبّب علی فساد المعاملة فلأنّ صحّة المعاملة تتوقف علی ثلاثة أُمور:
الأوّل: کون کلّ من المتعاملین مالکاً للعین أو بحکم المالک (مثل الولی و الوکیل) لیکون أمر النقل بیده.
الثانی: أن لایکون محجوراً عن التصرّف فیها من جهة تعلّق حق الغیر بها أو لغیر ذلک من أسباب الحجر، لیکون له السلطنة الفعلیة علی التصرّف فیها.
الثالث: أن یکون إیجاد المعاملة بسبب خاصّ و آلة خاصّة.
فإذا فرض تعلّق النهی بالمسبّب و بنفس الملکیة المنشأة مثلاً کما فی النهی عن بیع المصحف و العبد المسلم من الکافر کان النهی معجِّزاً مولویاً للمکلّف عن الفعل و رافعاً لسلطنته علیه، فیختلّ بذلک الشرط الثانی المعتبر فی صحّة المعاملة، أعنی به کون المکلّف مسلّطاً علی المعاملة فی حکم الشارع و یترتّب علی ذلک فساد المعاملة لامحالة.
((1))
إنّ ما أفاده مصادرة بالمطلوب لأنّ المحجوریة عن التصرّف التی هی الشرط الثانی من الشروط الثلاثة أمر وضعی و هی التی نقصد إثباتها بالمنع التکلیفی الدالّ علی المبغوضیة، فإن ثبتت الملازمة بین الحرمة التکلیفیة و المحجوریة عن
ص: 400
التصرّف فنقول بالفساد و إن لم تثبت فنقول بعدمه و المحقّق النائینی (قدس سره) لم یستدلّ هنا بما یدلّ علی ثبوت الملازمة المذکورة فما أفاده قاصر عن إثبات مدّعاه.
ص: 401
قد استدلّ بعضهم علی إثبات دلالة النهی عن المعاملة علی فسادها بصحیحة زرارة رواه الکلینی و الصدوق:
«عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَمْلُوکٍ تَزَوَّجَ بِغَیرِ إِذْنِ سَیدِهِ فَقَالَ ذَاکَ إِلَی سَیدِهِ إِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَینَهُمَا قُلْتُ أَصْلَحَکَ اللهُ إِنَّ الْحَکَمَ بْنَ عُتَیبَةَ وَ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِی وَ أَصْحَابَهُمَا یقُولُونَ إِنَّ أَصْلَ النِّکَاحِ فَاسِدٌ وَ لَا تُحِلُّ إِجَازَةُ السَّیدِ لَهُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ وَ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ»((1)) فإنّ قوله (علیه السلام): « إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ» فإن أرید منه المعصیة الوضعیة فیکون معنی العبارة أنّه لم یفعل نکاحاً فاسداً وضعیاً و لذا أجازه السید فیکون العقد صحیحاً و هذا هو مختار المحقّق الخراسانی (قدس سره) .((2))
ص: 402
ص: 403
و إن أرید منه التکلیفیة لا الوضعیة کما هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) فتدلّ الصحیحة المذکورة علی أنّ ما کان معصیة لله تکلیفاً یوجب فساد العقد و لاینفع فیه إجازة سیده و أمّا إذا لم یکن ما فعله معصیة لله تکلیفاً کما هی الصورة المذکورة فی الروایة فلایقع العقد حینئذ فاسداً بل یتوقف علی إجازة السید.
فالمحقّق النائینی (قدس سره) یری دلالة الروایة علی أنّ النهی عن المعاملة یوجب الفساد و لکن الحق مع صاحب الکفایة (قدس سره) کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ((2))لما
ص: 404
ورد فی الروایة التالیة حیث قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) « إِنَّمَا أَتَی شَیئاً حَلَالًا وَ لَیسَ بِعَاصٍ للهِ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ وَ لَمْ یعْصِ اللهَ إِنَّ ذَلِکَ لَیسَ کَإِتْیانِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ مِنْ نِکَاحٍ فِی عِدَّةٍ وَ أَشْبَاهِهِ»((1)) فما فی هذه الروایة الثانیة هی المعصیة الوضعیة لا التکلیفیة.
فتحصّل إلی هنا أنّ النهی عن المعاملة لایقتضی الفساد کما أنّه لایدلّ علی الصحّة.
ص: 405
ص: 406
فهرس العناوین تفصیلا
فهرس الآیات
فهرس الروایات
فهرس الأعلام
ص: 407
ص: 408
البحث الثالث: الضد
(فیه مقدّمات خمس و مقامان و تنبیه)
مقدّمات
المقدمة الأولی: هذه المسألة أصولیة أو فقهیة؟ (فیه وجهان) .................................. 17
الوجه الأوّل: تکون فقهیة ....................................................................................... 17
الإیراد علیه ........................................................................................................ 17
الوجه الثانی: تکون أصولیة ..................................................................................... 17
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها أصولیة ...................................................................... 18
المقدمة الثانیة: هذه المسألة عقلیة لا لفظیة .............................................................. 18
المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث .......................................... 20
المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء .............................................................................. 22
المقدمة الخامسة: المراد من الضد ................................................................................ 23
للضد اصطلاحان: فلسفی و أصولی ........................................................................... 23
المقام الأوّل: الضد الخاص
(قد استدلّ علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاص بوجهین:)
الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة ........................................................ 28
تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة ................................................... 29
مناقشات فی الوجه الأوّل: ..................................................................................... 32
المناقشة الأولی لصاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 32
ص: 409
جواب المحقق الإصفهانی و بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................... 32
المناقشة الثانیة: لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ............................................................... 32
المناقشة الثالثة: و هی أیضاً لصاحب الکفایة (قدس سره) (إشکال الدور) .......................... 33
جواب المحقق الخوانساری (قدس سره) عن الدور ......................................................... 33
المناقشة الرابعة: و هی أیضاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .................................................. 34
المناقشة الخامسة: للمحقق النائینی (قدس سره) .................................................................. 35
جوابان عن هذه الناقشة ............................................................................... 36
الأوّل: جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 36
الثانی: جواب بعض الأساطین (حفظه الله) نقضاً و حلّاً ................................................. 38
المناقشة السادسة: أیضاً للمحقق النائینی (قدس سره) ......................................................... 40
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................... 41
المناقشة السابعة: أیضاً للمحقق النائینی (قدس سره) ........................................................... 42
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................................... 42
المناقشة الثامنة: أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 43
تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 44
إیرادان علی هذا التحقیق .............................................................................. 46
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................................... 47
الجواب عن هذا الإیراد .................................................................................. 47
المناقشة التاسعة: أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) و هی تقریر للمناقشة الأولی .......... 48
تکملة فی تفصیل المحقق الخوانساری (قدس سره) فی المقدمیة .................................... 49
تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله) فی ردّ هذا التفصیل .................................................... 49
الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة .......................................................... 53
مناقشتان فی الوجه الثانی ........................................................................................... 54
المناقشة الأولی: للمحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 54
المناقشة الثانیة: لبعض الأساطین (حفظه الله) ...................................................................... 55
أولاً بالنقض ................................................................................................... 55
ملاحظتنا علیه .......................................................................................... 55
ثانیاً بالحلّ ...................................................................................................... 56
ملاحظتنا علیه .......................................................................................... 56
ص: 410
المقام الثانی: الضد العام
(فیه أقوال خمسة:)
القول الأوّل: عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ العامّ (للمحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین) 57
القول الثانی: الاقتضاء بنحو العینیة (لصاحب الفصول (قدس سره) ............................................ 58
القول الثالث: الاقتضاء بنحو التضمّن (لصاحب المعالم (قدس سره) ............................................ 59
القول الرابع: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة اللفظیة (للمحقّق النائینی (قدس سره) ............. 59
القول الخامس: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة العقلیة (لصاحب الکفایة (قدس سره) ........... 59
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی ............................................................................. 60
تقریر القول الثالث .................................................................................................... 62
إیرادان علی هذا القول ......................................................................................... 62
بیان القول الرابع ....................................................................................................... 63
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 63
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس ....................................................................... 64
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 64
جواب عن هذا الإیراد .......................................................................................... 65
تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................... 65
تنبیه فی ثمرة المسألة
الثمرة الأولی .................................................................................................................. 69
الثمرة الثانیة...................................................................................................................
69
الثمرة الثالثة .................................................................................................................. 70
إیرادان علیها .............................................................................................................. 71
الإیراد الأوّل: و هو للشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................................... 71
جوابان عن هذا الإیراد .................................................................................. 71
الأوّل: جواب صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................................... 71
الثانی: جواب المحقق الثانی (قدس سره) ........................................................................... 72
الإیراد الثانی: و هو للمحقق النائینی (قدس سره) و کلامه یبتنی علی أمرین ...................... 73
الأمر الأوّل ...................................................................................................... 74
إشکال المحقق الخوئی (قدس سره): هو متوقف علی کبری و صغری (استدلّ علی الصغری بوجهین) 74
ص: 411
الوجه الأوّل: و هو من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 74
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................. 75
الوجه الثانی: و هو لجماعة منهم المحقق النائینی (قدس سره) .................................. 76
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ...................................... 77
الإیراد الأوّل: نقضاً و حلّاً ..................................................................... 77
الإیراد الثانی .......................................................................................... 79
یلاحظ علیه ...................................................................................... 79
تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف (هنا ثلاثة أقوال) ................ 80
القول الأوّل: ........................................................................................ 81
القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................. 81
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول .............................................. 81
القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) ................................................. 82
الأمر الثانی ............................................................................. 84
إشکال علی هذا الأمر ................................................................................. 84
جواب عن هذا الإشکال ............................................................................. 84
البحث الرابع: الترتب فیه مقدّمات خمس و مقامان
مقدّمات:
المقدمة الأولی ................................................................................... 94
المقدمة الثانیة: البحث عن الترتب عقلی لا لفظی ..................................................... 95
المقدمة الثالثة: البحث عن الترتب ثبوتی ..................................................................... 96
المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور ......................................................... 97
فی الصورة الثالثة قولان .............................................................................................. 97
القول الأوّل: هی داخلة فی التزاحم (بیان المحقق النائینی (قدس سره) .................................. 97
القول الثانی: هی خارجة عن التزاحم (بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................. 97
المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فیما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً . 99
بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب .............................................................. 99
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق النائینی ...................................................... 100
تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع .................. 102
ص: 412
المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتب
الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی بطریق الإنّ .............................................. 103
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 103
الدلیل الثانی ............................................................................................................. 105
إیرادان علی هذا الدلیل: .................................................................................... 105
الإیراد الأوّل: إیراد المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................. 105
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................. 105
الإیراد الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................... 106
الدلیل الثالث...................................................................................
106
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 107
المقام الثانی: أدلّة القائلین بالترتّب
الوجه الأوّل: ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 113
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 114
الوجه الثانی: ذکره المحقق الخرااسانی (قدس سره) أیضاً .............................................................. 115
إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 115
الوجه الثالث: ذکره أیضاً المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 115
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................................. 115
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 116
الوجه الرابع: ذکره أیضاً المحقق الخراسانی (قدس سره) و هو دلیل إنّی ..................................... 117
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................................. 117
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 118
الوجه الخامس: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بمقدّماته الخمس .................................. 118
المقدمة الأولی ......................................................................................................... 118
المقدمة الثانیة ......................................................................................................... 119
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................................... 120
المقدمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره)
........................................ 124
أجوبة خمسة عن هذا الإشکال من المحقق النائینی (قدس سره) ...................................... 127
إیراد المحقق الإصفهانی ................................................................................... 130
ص: 413
ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 132
المقدمة الرابعة و هی أهمّ المقدّمات: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب ................... 133
وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث ................................... 135
إیرادات ستّة من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................. 136
الإیراد الأوّل ................................................................................................... 136
الإیراد الثانی .................................................................................................... 137
جواب بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................................... 137
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 137
الإیراد الثالث ................................................................................................. 138
الإیراد الرابع ................................................................................................... 138
ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 139
الإیراد الخامس ............................................................................................... 139
الإیراد السادس ............................................................................................... 140
المقدّمة الخامسة ..................................................................................................... 140
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................................... 141
الوجه السادس: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 142
تفاوت نظریة المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) ........................................... 142
بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 143
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ......................................................................................... 143
جواب عن هذا الإیراد ........................................................................................ 144
الوجه السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ................................................................... 144
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................................... 147
البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی
فیه مقدمتان و مقامان و تنبیه
المقدمة الأولی (فیها أمور أربعة)
الأمر الأوّل: عنوان البحث ................................................................... 151
عنوان البحث عند القدماء ...................................................................................... 151
ص: 414
نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .......................................................................................... 151
ملاحظات ثلاث علیها ......................................................................................... 152
الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟ ..................................................... 153
هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟ ........................................................... 153
هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟ ............................................................. 153
الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة (والمهم ثلاثة) ........................................... 155
القول الأول: الجواز ................................................................................................. 155
القول الثانی: الامتناع (هو مسلک المشهور) ........................................................... 162
القول الثالث: الجواز عقلاً و الامتناع عرفاً (هو مختار المقدس الأردبیلی) ........... 164
الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟ ....................... 167
بیان المحقق النائینی (قدس سره): (للمسألة صور أربع) ......................................................... 167
المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأصول (و هی عشرة أمور) ....... 169
الأمر الأوّل: المراد من «الواحد» فی عنوان المسألة ....................................... 169
مقدمة فی أقسام الواحد .......................................................................................... 169
قولان فی المسألة .................................................................................................. 170
القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................... 170
إیراد صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .................................................. 170
دفاعان عن صاحب الفصول (قدس سره) ................................................................... 171
1- دفاع المحقق البروجردی (قدس سره) ................................................................... 171
إشکال بعض الأساطین علی المحقق البروجردی ........................................ 171
2- دفاع المحقق الإیروانی (قدس سره) ........................................................................ 172
إشکال بعض الأساطین علی المحقق الإیروانی (قدس سره) .......................................... 172
القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) (و هی خالیة من الإشکال) .................. 172
الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة (و فیه بیانات ستّة) 174
البیان الأوّل: ما أفاده المحقق القمی (قدس سره) .................................................................... 174
ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 174
البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) .................................................................. 174
ص: 415
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................................... 175
البیان الثالث: من المدقق الشیروانی (قدس سره) ...................................................................... 176
إیرادات ثلاثة علیه ............................................................................................. 176
البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................. 177
البیان الخامس: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................... 177
البیان السادس ......................................................................................................... 178
ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 178
الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أصولیة أو لا؟ (فیه خمسة أقوال) ............................... 179
القول الأوّل: إنّها من المسائل الأصولیة العقلیة ..................................................... 180
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................................
180
ملاحظة علیه............................................................................................................
181
القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة ................................................................. 181
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 182
ملاحظتان علیه ................................................................................................... 182
القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة .............................................................. 183
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................................ 183
یلاحظ علیه ........................................................................................................ 184
القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة ................................................................... 184
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 184
القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة .............................................................. 185
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 185
الأمر الرابع: هذه المسألة عقلیة لا لفظیة ................................................................ 186
هنا أمران یوهمان اختصاص النزاع باللفظ ............................................................ 186
الأمر الأوّل ........................................................................................................... 186
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه ............................................................................ 186
الأمر الثانی ........................................................................................................... 186
إیرادان علی هذا الأمر .................................................................................... 187
1- إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................... 187
2- إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................. 187
ص: 416
الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم ............................. 189
هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟ (هنا قولان) ................................. 190
1- نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): یشمل الأمرین ...................................................... 190
المناقشة فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................ 190
2- نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): لایشمل .................................................................. 191
بیان المحاضرات .............................................................................................. 191
بیان الدراسات ............................................................................................... 192
الأمر السادس: عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع ...................................... 194
وجه لاعتبار وجود المندوحة ................................................................................... 194
بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة .............................................................. 195
مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 197
بیان المحقق الإصفهانی لعدم اعتبار وجود المندوحة ............................................. 198
نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .......................................................................................... 198
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 199
الأمر السابع: ارتباط المسألة بتعلّق الأحکام بالطبائع أو الأفراد ........................... 201
هنا توهمان ............................................................................................................. 201
1- یبتنی النزاع علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع .............................................. 201
2- یبتنی القول بالجواز علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع و القول بالامتناع علی الآخر
202
أجاب عنهما صاحب الکفایة (قدس سره) (و الجواب یتوقف علی بیان مقدّمات ثلاث) . 202
المقدمة الأولی فی بیان الفرق بین الطبیعة و الحصة و الفرد .......................... 202
المقدمة الثانیة فی بیان الاختلاف فی متعلّق الأمر ............................................. 203
المقدمة الثالثة فی معنی تعلّق التکلیف بالفرد ................................................ 204
تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟ ........ 205
توهم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع 205
بیان المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهم ......................................... 205
ملاحظتنا علیه .............................................................................................. 206
الأمر الثامن: هل تکون هذه المسألة من صغریات التعارض؟ ................................ 207
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): هنا مقامان (مقام الثبوت و فیه ثلاث صور و مقام الإثبات) ....... 207
ص: 417
مناقشات ثمان علیها ........................................................................................... 209
الأولی: ما أفاده المحقق النائینی و تبعه المحقق الخوئی (قدس سرهما) ............................. 209
الثانیة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 210
جواب بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................................ 210
الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ............................................................... 211
یلاحظ علیها ................................................................................................... 212
الرابعة ما أفاده المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما): فی المسألة ثلاث صور... 212
1- بناء علی القول بالجواز و عدم المندوحة تدخل فی کبری التزاحم ............... 213
2- بناء علی القول بالجواز و وجود المندوحة اختلف العلمان (قدس سرهما) ................... 213
3- بناء علی القول بالامتناع تدخل فی کبری التعارض ....................................... 214
الخامسة: ما أفاده فی المحاضرات ....................................................................... 216
یلاحظ علیها ................................................................................................... 216
السادسة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً .............................................................. 216
السابعة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً ............................................................... 217
الثامنة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً ................................................................. 217
الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین .......................................................... 218
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................................................
218
مناقشات أربع من المحاضرات علی هذا البیان ................................................ 219
الأمر العاشر: ثمرة البحث ........................................................................................... 229
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 229
مناقشات خمس من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان ...................................... 232
جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الأولی و الثانیة و الثالثة ..................... 233
المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع .............................................................. 241
المقدمة الأولی: تضاد الأحکام فی مرتبة الفعلیة (نظریة الأعلام فی هذه المسألة أربع) ....... 242
الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هی وقوع التضاد فی مرحلة لفعلیة ........... 242
الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی عدم التضاد بین الأحکام ................. 245
ص: 418
الثالثة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................... 251
یلاحظ علیها ................................................................................................... 252
الرابعة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ....................................................................... 253
یلاحظ علیها ................................................................................................... 255
المقدمة الثانیة: متعلّق الأحکام هو المعنون (و فیها نظریتان) ............................ 257
النظریة الأولی: عن المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................. 257
النظریة الثانیة: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 258
بیان بعض الأساطین (حفظه الله) .................................................................................. 259
المقدمة الثالثة: تعدد العنوان لایوجب تعدد المعنون .......................................... 261
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................. 261
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................................... 261
المقدمة الرابعة: الموجود بوجود واحد له ماهیة واحدة ....................................... 263
توهمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره) ..................................................................... 263
دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهمین ............................................................ 263
المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز (و هی خمسة)
الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 267
الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................... 273
مناقشات ثلاث علیه ................................................................................................ 275
المناقشة الأولی: للمحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................... 275
المناقشة الثانیة: للمحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ............................................................. 276
تتمة للمناقشة الثانیة (فیها مطالب أربعة) ................................................... 277
المطلب الأوّل: لا مانع من اتّحاد الغصب مع الصلاة خارجاً (أفاده المحقق الخوئی تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سرهما) 277
المطلب الثانی: توهم بعض الأعلام أن الصلاة من مقولة الفعل فلایعقل أن یکون أجزاؤها من مقولة الوضع 279
إیراد المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .................................................... 279
المطلب الثالث: السجود متّحد مع الغصب (أفاده المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ...... 279
المطلب الرابع: هل الحرکات المتخللة بین الرکوع و السجود و غیرهما مصادیق للغصب 280
ص: 419
المناقشة الثالثة علی الدلیل الثانی ....................................................................... 284
الدلیل الثالث: ما أفاده المحقق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .................................. 285
إیرادات ثلاثة علیه .................................................................................................. 285
الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................................... 285
الثانی: ما أفاده فی تحقیق الأصول ........................................................................... 286
الثالث: ما أفاده أیضاً فی تحقیق الأصول ................................................................ 286
الدلیل الرابع: ما یستفاد من کلام المحقق القمی (قدس سره) ................................................... 287
إیرادان علی هذا الدلیل .......................................................................................... 287
الأوّل: إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................................................. 287
جواب هذا الإیراد ............................................................................................. 287
الثانی: ملاحظتنا علیه ............................................................................................... 288
الدلیل الخامس ........................................................................................................... 289
جوابان لصاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الدلیل .............................................................. 289
الجواب الإجمالی ...................................................................................................... 289
الجواب التفصیلی و هو أنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام ......................... 290
القسم الأوّل: کصوم یوم عاشوراء ..................................................................... 291
هنا ثلاثة طرق لحلّ المشکلة .......................................................................... 291
الطریق الأوّل: طریق الانطباق و هو مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) ........................ 291
مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................ 291
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................... 292
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................................ 293
یلاحظ علیه ............................................................................................. 294
الطریق الثانی: طریق الملازمة ......................................................................... 294
الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر .............................................................. 295
نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل .................................................... 295
الأولی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................... 295
مناقشتان علیها للمحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................... 297
الثانیة: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ............................................................... 298
ص: 420
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................. 298
الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی و الفشارکی (قدس سرهما) ....................................... 298
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................... 298
بیان المحقق الفشارکی (قدس سره) ..................................................................... 299
إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة ........................................................ 300
الأوّل: إیراد المحقق الحائری (قدس سره) ...................................................... 300
جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ..................................... 300
الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................
301
یلاحظ علیه..................................................................................
301
الثالث: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً ............................................ 301
ملاحظة علیه .............................................................................. 301
تکملة حول صوم یوم عاشوراء (أفادها بعض الأساطین (حفظه الله)) ................................... 302
فی حکم صوم یوم عاشوراء أقوال ................................................................... 302
1) الحرمة ...................................................................................................... 302
الاستدلال علی هذا القول ......................................................................... 302
إیرادات أربعة علی هذا الدلیل .......................................................... 302
الأوّل و الثانی و الثالث من بعض الأساطین (حفظه الله) ..................................... 302
یمکن أن یلاحظ علیه ........................................................................ 305
الإیراد الرابع ...................................................................................... 306
2) الکراهة .................................................................................................... 306
الاستدلال علی القول الثانی ....................................................................... 306
الإیراد علی هذا الدلیل.......................................................................
306
3) الاستحباب ................................................................................................. 307
الدلیل علی هذا القول ............................................................................. 307
مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله) فی هذا الدلیل ........................................... 307
4) نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ........................................................................... 308
القسم الثانی: کالصلاة فی الحمام ........................................................................ 309
جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا القسم بوجهین ............................................ 309
کلام المحقق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی............................................. 309
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا الکلام علی القول بالامتناع ..................... 311
ص: 421
القسم الثالث: کالصلاة فی موضع التهمة .......................................................... 311
جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا القسم بوجهین ............................................ 311
تنبیه فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام (هنا مقامان)
المقام الأوّل: فی الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار (و فیه فائدة) ..................... 313
بیان المحقق النائینی (قدس سره) ...............................................................................................
313
إیرادان علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی القسم الثانی........................................
315
الأوّل: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................... 315
ملاحظة بعض الأساطین (حفظه الله) .............................................................................. 316
الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) و هو اثنان ......................................................... 316
1- إیراده علی بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأخیرة .................................. 316
2- إیراده علی بیان هذا المحقق فی الدورة الأولی ........................................... 317
فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار (هنا صورتان) ................. 318
الحالة الأولی: إذا لم یتمکن من الخروج (فیها ثلاثة أقوال) ............................. 318
الأوّل: لزوم الصلاة مع جمیع الأجزاء و الشرائط (اختاره صاحب الجواهر و المحقق الخوئی (قدس سرهما) 318
استدلال صاحب الجواهر (قدس سره) علی القول الأوّل ................................................... 318
الثانی: لزوم الاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود اختاره المحقق النائینی (قدس سره) 319
استدلال المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 319
إیرادان علی هذا الدلیل ........................................................................... 320
الإیراد الأوّل: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 320
الإیراد الثانی: إیراد صاحب زبدة الأصول ................................................... 321
الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .................................................................... 321
الحالة الثانیة: إذا تمکن من الخروج (و فیها صور ثلاث) ................................. 321
المقام الثانی فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار (فیه جهتان) ............................. 324
الجهة الأولی: حکم الخروج فی حد ذاته (و فیها أقوال خمسة) .......................... 324
1) الحرمة ........................................................................................................... 324
إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا القول ........................................................ 324
ص: 422
2) نظریة المحقق القمی (قدس سره) (الوجوب و الحرمة فعلاً) ....................................... 324
إیرادات أربعة علی هذا القول ........................................................................ 325
الإیراد الأوّل و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................... 325
یلاحظ علیها ............................................................................................ 325
الإیراد الثالث من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضا..........................................................
325
یلاحظ علیها ............................................................................................ 326
الإیراد الرابع: من بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................ 326
3) نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................................... 327
إیرادان علی هذا القول ................................................................................... 327
الأوّل: إیراد المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................................... 327
یلاحظ علیه ............................................................................................. 327
الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ......................................................................... 328
4) نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق النائینی (قدس سرهما) ............................................... 328
إیرادان علی هذا القول ................................................................................... 329
الأوّل: إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................... 329
الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................ 330
5) نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................................ 330
إیراد المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................................... 332
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................... 334
الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی (و فیها صور ثلاث) .......................... 337
البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة فساد المنهی عنه
(فیه مقدمات ثمان و مقامان)
مقدمات
المقدمة الأولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع .................................... 343
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 343
إیراد المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................................................ 344
ص: 423
دفاع بعض الأساطین (حفظه الله) عن صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................... 345
المقدمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟ ...................................... 346
بیان المحقق النائینی (قدس سره) لکونها من غیر المستقلات العقلیة .................................... 347
المقدمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع ............................................. 348
قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام ........................................................... 348
القسم الأوّل: النهی التشریعی ........................................................................... 348
القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی .................................................................. 348
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لخروج هذا القسم عن محل النزاع ................................ 348
القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری (فیه ثلاث نظریات) .................... 349
الأولی: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 349
الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................................... 349
الثالثة: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................... 351
القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی (فیه ثلاث نظریات) ..... 353
الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................... 353
الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................. 354
الثالثة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................... 354
القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی ........................... 355
المقدمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث ....................................... 356
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 356
بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 357
المقدمة الخامسة: تحریر محل النزاع ........................................................................ 359
المقدمة السادسة: تعریف الصحة و الفساد (و فیها نظریان) ................................. 360
النظریة الأولی: عن صاحب الکفایة ....................................................................... 360
النظریة الثانیة: عن المحقق القمی ........................................................................ 360
جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذه النظریة ........................................................ 360
تنبیه: فی أن الصحة و الفساد عند المتکلم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی (هنا نظریات ثلاث) 362
النظریة الأولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ..................................................................... 362
ص: 424
النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................... 363
النظریة الثالثة: عن المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 365
المقدمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات أربع) ............................ 367
الأولی: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................... 367
الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 368
دفاع المحقق الخوئی عن صاحب الکفایة" ..................................................... 369
الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................... 370
الرابعة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ........................................................................... 371
المقدمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة ....................................................... 373
بیان صاحب الکفایة (قدس سره): متعلّق النهی علی خمسة أنحاء ........................................ 373
إیرادات ثلاثة علیه من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................... 374
المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة
(نتکلّم فیه حسب الأقسام الخمسة لمتعلّق النهی)
القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة (هنا قولان) ............................................. 377
القول الأوّل: اقتضاء الفساد (فیه بیانات أربعة) ................................................... 377
الأوّل: بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................. 377
الثانی: بیان المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 379
الثالث: بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................. 380
الرابع: بیان بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................................ 380
القول الثانی: عدم الدلالة علی الفساد (فیه نظریتان) ........................................... 381
الأولی: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................................ 381
یلاحظ علیها ....................................................................................................... 382
الثانیة: نظریة المحقق الحائری (قدس سره) ........................................................................ 383
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................................. 383
القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة (و فیه نظریتان) ....................................... 385
الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هی صحة العبادة ............................................ 385
ص: 425
الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و هی فساد العبادة ........................................... 385
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ................................................................................ 387
القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة (فیه نظریتان) ...................................... 389
النظریة الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................ 389
النظریة الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 389
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ................................................................................ 390
القسم الرابع: تعلق النهی بوصف الملازم للعبادة ................................................... 392
القسم الخامس: تعلق النهی بوصف غیر الملازم للعبادة ...................................... 393
المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة
(هنا مطالب ثلاثة)
المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع ......................................................................... 396
النهی عن المعاملة له ثلاثة أقسام و محل النزاع القسم الثالث ........................... 396
المطلب الثانی: فی بیان الآراء (هنا نظریتان) ............................................................. 397
الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................. 398
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها .......................................................................... 399
الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 399
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................................. 400
المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة ....................................................... 402
ص: 426
الآیات:
(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)................. 364
(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)................. 364
(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)............... 364
الروایات:
إِنَّمَا أَتَی شَیئاً حَلَالًا وَ لَیسَ بِعَاصٍ للهِ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ وَ لَمْ یعْصِ اللهَ إِنَّ ذَلِکَ لَیسَ کَإِتْیانِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ مِنْ نِکَاحٍ فِی عِدَّةٍ وَ أَشْبَاهِهِ 405
إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ.................... 402
إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ وَ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ 402
ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت........... 396
سَأَلَا أَبَا جَعْفَر ٍالْبَاقِرَ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ کَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ 305
سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (علیه السلام) صَوْمٌ مَتْرُوکٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوکُ بِدْعَةٌ. 302
ص: 427
سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا یقُولُ النَّاسُ فِیهِ فَقَال.... وَ هُوَ یوْمٌ یتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ علیهم السلام وَ یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْیوْمُ الَّذِی یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا یصَامُ وَ لَا یتَبَرَّکُ بِه 297
سَأَلْتُهُ عَنْ مَمْلُوکٍ تَزَوَّجَ بِغَیرِ إِذْنِ سَیدِهِ فَقَالَ ذَاکَ إِلَی سَیدِهِ إِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَینَهُمَا 402
صَامَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) یوْمَ عَاشُورَاءَ..... 294
صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا 307
فَإِنَّهُ یکَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ.............. 294
فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیاد 297
ص: 428
الرسول (علیه السلام) ....................... 294
أمیر المؤمنین (علیه السلام) .............. 303, 307
الإمام الباقر (علیه السلام) 302, 303, 305, 402, 405
الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ...... 297, 307
الإمام الرضا (علیه السلام) ................... 297
الف)
إبراهیم النّخَعی.................. 402
ابن أبی عمیر..................... 307
ابن إدریس....................... 307
ابن قولویه....................... 307
ب)
بعض الأساطین 19, 29, 32, 38, 47, 49, 55, 58, 92, 132, 137, 143, 154, 171, 172, 179, 189, 210, 219, 222, 233, 235, 237, 244, 253, 257, 259, 293, 298, 301, 302, 307, 308, 311, 316, 317, 321, 322, 324, 326, 328, 336, 337, 345, 346, 348, 355, 371, 372, 377, 380, 381, 383, 385, 400, 404
ج)
جعفر بن عیسی.................. 297
ح)
الحکَم بنَ عُتَیبة................... 402
ز)
زُرارَة بن أَعین.............. 305, 402
س)
السید [المرتضی]................. 156
ص: 429
السید الطباطبایی................. 102
السید الفاضل صدر الدین....... 157
السید الفشارکی................... 89
السید المجدّد المیرزا الشیرازی.. 89, 103
السید المحقّق الطباطبایی الیزدی... 100
السید المحقّق المیرزا الشیرازی...... 100
ش)
الشیخ الأنصاری 31, 49, 92, 100, 179, 189, 207, 214, 285, 293, 328, 329, 332, 346, 362
الشیخ البهائی................ 71, 179
الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء... 88
ص)
صاحب الجواهر 307, 318, 322, 323, 347, 350
صاحب الحدائق.................. 302
صاحب الفصول 58, 60, 170, 171, 172, 174, 175, 178, 194, 263, 327
صاحب الکفایة 32, 33, 34, 48, 60, 64, 71, 74, 90, 103, 113, 114, 115, 116, 117, 118, 124, 153, 162, 169, 170, 171, 172, 175, 176, 177, 179, 182, 186, 187, 189, 190, 194, 195, 201, 202, 203, 205, 207, 208, 209, 210, 211, 212, 214, 216, 217, 218, 222, 229, 230, 232, 233, 235, 236, 237, 240, 241, 242, 243, 257, 259, 260, 261, 263, 265, 266, 267, 284, 285, 287, 289, 295, 309, 312, 325, 327, 329, 330, 331, 332, 334, 336, 337, 338, 343, 344, 345, 347, 351, 353, 356, 360, 362, 363, 367, 368, 369, 372, 373, 374, 376, 377, 379, 380, 381, 385, 389, 390, 395, 398, 399, 402, 404
صاحب المعالم.................. 59, 62
صاحب الوسائل................. 307
صاحب منتقی الأُصول........... 244
صدر المتألهین...................... 45
الصدوق.............. 305, 307, 402
ع)
عبدالله بن سنان.................. 307
عَبْدِالْمَلِک........................ 297
ص: 430
العلامة الحلّی..................... 395
العلاّمة المجلسی.................. 159
علی بن إبراهیم................... 307
عماد الدین المشهدی الطبری....... 307
ف)
الفاضل الکاشانی................. 157
الفاضل المدقّق الشیروانی..... 157, 176
الفضل بن شاذان................. 157
ک)
الکلینی.......... 157, 305, 307, 402
م)
المحقّق الأردبیلی............ 156, 186
المحقّق الإصفهانی 32, 41, 43, 44, 65, 67, 90, 97, 120, 130, 131, 132, 134, 136, 137, 140, 141, 142, 143, 144, 147, 152, 153, 155, 170, 173, 179, 182, 183, 189, 197, 198, 202, 203, 204, 244, 245, 249, 252, 253, 254, 255, 257, 258, 259, 260, 261, 265, 266, 267, 268, 269, 272, 279, 280, 281, 284, 298, 300, 301, 345, 370, 371, 372, 374, 376, 392, 399
المحقّق الأنصاری................. 353
المحقّق الإیروانی.................. 172
المحقّق البروجردی.......... 153, 171
المحقّق الثانی.... 72, 81, 88, 168, 199
المحقّق الحائری 89, 248, 299, 300, 382, 383
المحقّق الخوانساری 31, 33, 34, 49, 51, 52, 156
المحقّق الخوئی 18, 36, 41, 42, 43, 48, 54, 55, 58, 60, 63, 64, 71, 74, 75, 77, 79, 81, 82, 84, 94, 97, 98, 99, 100, 102, 103, 105, 106, 107, 116, 118, 177, 179, 180, 182, 184, 185, 187, 189, 190, 191, 199, 203, 205, 207, 209, 210, 211, 212, 214, 215, 219, 232, 237, 238, 244, 251, 254, 257, 265, 275, 276, 279, 280, 281, 284, 292, 293, 297, 307, 315, 316, 318, 320, 322, 323, 330, 336, 346, 348, 349, 354, 357, 363, 365,
ص: 431
369, 377, 380, 381, 385, 387, 390, 395, 397
المحقّق العراقی 90, 144, 147, 179, 203, 212, 214, 298, 344, 345, 380, 381, 382
المحقّق الفشارکی........... 298, 299
المحقّق القمی 155, 174, 175, 194, 285, 324, 328, 352, 357, 360
المحقّق النائینی 25, 35, 38, 39, 40, 42, 43, 54, 59, 63, 72, 73, 76, 79, 81, 84, 89, 94, 97, 99, 100, 102, 105, 118, 120, 124, 125, 127, 130, 132, 133, 136, 137, 140, 142, 143, 151, 152, 155, 167, 179, 181, 183, 198, 199, 203, 207, 209, 212, 213, 214, 219, 262, 273, 275, 276, 280, 284, 285, 291, 292, 295, 297, 309, 313, 314, 315, 316, 317, 319, 320, 321, 322, 323, 327, 328, 330, 331, 332, 334, 335, 337, 338, 345, 346, 347, 349, 350, 353, 354, 357, 358, 363, 368, 369, 377, 379, 380, 381, 383, 385, 387, 389, 390, 395, 399, 400, 401, 404
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِی بْنِ الْحُسَینِ........... 305
مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ................... 305
المفید............................ 307
المقدس الأردبیلی.................. 164
ص: 432