عیون الانظار

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

المجلد 1

اشارة

الإهداء إلی:

حجّة المعبود و عزیز مصر الوجود، سیدی و مولای الحجة بن الحسن العسکری (عجل الله تعالی فرجه) علیه آلاف التحیة و الثناء؛ و روحی و ارواح العالمین لتراب مقدمه الفداء.

«یا أَیهَا الْعَزِیزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْکَیلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَینا إِنَّ اللّهَ یجْزِی الْمُتَصَدِّقِینَ»

ص: 2

عُیُونُ الأنظار

(الجزء الأول)

مبادئ علم الأصول

ص: 3

ص: 4

الفهرس

مقدمة المؤلف...

التمهید:

المقدمات الخمس /

المقدمة الأولی: فائدة علم الأصول و تعریفه

التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور.

التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره)

التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره)

التعریف الرابع: مختار المحقّق النائینی (قدس سره)

التعریف الخامس: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره)

التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات...

المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم

القول الأول:

القول الثانی:

القول الثالث:

القول الرابع:

ص: 5

المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم

المقدمة الرابعة: موضوع علم الأصول

القول الأول: لبعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله)..

القول الثانی:

القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره) .

القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره) .

المقدمة الخامسة: فی تقسیم مبادی علم الأصول

1) المبادی التصوریة اللغویة:

2) المبادی التصدیقیة اللغویة:

3) المبادی التصوریة الأحکامیّة:

4) المبادی التصدیقیة الأحکامیة: .

البحث الأوّل: المبادی التصوریة اللغویة لعلم الأصول /

الفصل الأوّل: فی الوضع /

الأمر الأوّل: حقیقة الوضع.

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة.

القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره)

القول الثالث: نظریّة التعهّد عن المحقق النهاوندی و الحائری و الخوئی (قدس سرهم) .

القول الرابع: نظریّة وسطیة الوضع بین التکوین و الاعتبار عن المحقّق النائینی..

القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی عن بعض الحکماء و الأصولیین.

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره)

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

النظریّة المختارة من بین الأقوال:

الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع.

التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی..

التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع.

القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص...

القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام.

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص...

ص: 6

القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام.

تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی

الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة /

الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة.

القول الأوّل: علامیّة الحروف..

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره)

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره)

القول الخامس: نظریّة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس...

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)..

التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟.

التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی..

الثمرة الأولی:

الثمرة الثانیة:

الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار /

الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة.

النظریة الأولی: مبنی المشهور

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو الأصحّ.

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره)

الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء.

النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة:

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره)

النظریة الخامسة:

النظریة السادسة: و هی الرأی الصحیح.

ص: 7

الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات /

معانی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات...

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی المختار.

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره)

الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة /

مقدمة فی أنّ أقسام الدلالة ثلاثة.

القسم الأوّل: الدلالة التصوریة.

القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأولی..

القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة.

هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟.

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره):

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز /

علائم الحقیقة و المجاز.

العلامة الأولی: التبادر

العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب...

المقام الأوّل: فی الحمل الأولی الذاتی..

المقام الثانی: فی الحمل الشائع الصناعی..

العلامة الثالثة: الاطّراد.

بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)

البحث الثانی: المبادی التصدیقیّة اللغویّة لعلم الأصول /

الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة /

المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة.

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟.

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره)

ص: 8

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة

أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة.

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث

الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم /

المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة.

النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟.

الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم.

الدلیل علی لزوم وجود الجامع:

استدلال علی عدم لزوم الجامع:

الجامع عند الصحیحی و الأعمی..

ما الجامع عند الصحیحی؟

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره)

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

1) أمّا الجامع الذاتی..

2) أمّا الجامع العنوانی [المرکب]:

3) أمّا الجامع العنوانی البسیط:

4) أمّا الجامع الاعتباری..

5) أمّا الجامع الترکیبی التشکیکی..

6) أمّا الجامع الترکیبی المختار لمراتب صلاة:

ما الجامع عند الأعمی؟

التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره)

التصویر الثانی: ما نسبه الشیخ الأنصاری (قدس سره) إلی المشهور.

التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم.

ص: 9

القول الأوّل: مختار الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) ..

القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة.

أدلة القول بالصحیح خمسة:

القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم.

أدلة القول الثالث:

الدلیل الأول:

الدلیل الثانی:

القول الرابع: و هی نظریتنا

تنبیه: فی ثمرة البحث...

الثمرة الأولی: جریان البراءة أو الاشتغال.

القول الأوّل: نظریة المحقق القمی و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ..

القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ..

القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره)

الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی

المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات للصحیحة أو الأعم؟.

الأمر الأوّل: فی وضع أسامی المعاملات للأسباب أو المسببات..

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره)

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی و بعض الأعلام من تلامیذه .

الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات أو لا؟

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) ..

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله)..

الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً علی القولین

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور:

الفصل الثالث: فی الاشتراک /

فی إمکان الاشتراک أقوال ثلاثة.

ص: 10

القول الأوّل: وجوب الاشتراک..

القول الثانی: استحالة الاشتراک..

القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار.

تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم.

الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد /

مقدمة:

أدلة القائلین بالاستحالة.

الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)

الدلیل الثانی: ما أفاده أیضاً صاحب الکفایة (قدس سره)

الدلیل الثالث:

الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة

تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟

الفصل الخامس: المشتق /

مقدمات ثلاث...

المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق..

البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی..

البحث الثانی: تعمیم المشتقّ الأصولی لبعض المصادیق..

المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان.

المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة

المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول.

المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس...

المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة

الاحتمال الأوّل: زمان النطق..

الاحتمال الثانی: حال النطق..

الاحتمال الثالث: زمان النسبة.

الاحتمال الرابع: حال النسبة

الاحتمال الخامس: زمان التلبس

الاحتمال السادس: حال التلبس

المقصود فی الموضوع له للمشتق..

الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی..

الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة.

ص: 11

أما الأصل اللفظی العقلائی..

و أما الأصل العملی..

الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة.

الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق..

المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی..

النظریة الأولی:ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره)

الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هو المختار.

الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق..

المقام الثانی: فی البحث الإثباتی..

استدلال القائلین بالوضع لخصوص المتلبس:

الدلیل الأوّل: التبادر.

الدلیل الثانی: صحة السلب...

الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم.

أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة:

الدلیل الأوّل: التبادر.

الدلیل الثانی:

الدلیل الثالث:

تنبیهات مسألة المشتق..

التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟

المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة.

القول الأوّل: البساطة الإدراکیة.

القول الثانی: البساطة التحلیلیة.

المطلب الثانی: فی استدلال القائلین بالبساطة و الترکیب...

الأدلة علی بساطة المشتق خمسة:

الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره)

الدلیل الثانی علی بساطة المشتق:

الدلیل الثالث علی بساطة المشتق: من المحقق النائینی (قدس سره)

الدلیل الرابع علی بساطة المشتق: من المحقق الشیرازی (قدس سره)

الدلیل الخامس علی بساطة المشتق:

الاستدلال علی ترکّب المشتق..

الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان.

ص: 12

الوجه الثانی: البرهان.

التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ

التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره)

التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

التنبیه الثالث: ملاک الحمل.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

نظریة صاحب الفصول (قدس سره):

التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات..

البحث الثالث: المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول /

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم /

الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته.

أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی..

القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی..

القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی..

البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

البیان الثانی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب...

بیان المحقق العراقی (قدس سره):

بیان المحقق البروجردی (قدس سره):

القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه.

القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة.

أما انقسامات الحکم التکلیفی:

الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته.

أما انقسامات الحکم الوضعی:

نظریة العلّامة الأنصاری (قدس سره): انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة.

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): التفصیل بین أقسام ثلاثة.

ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی:

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

ص: 13

الفصل الثانی: مراتب الحکم /

القول الأول: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً.

المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً.

المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً.

المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته.

القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الرابع: نظریتنا

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة

البحث الرابع: المبادی التصدیقیّة الأحکامیة /

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها /

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):

النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة:

فهرس العناوین تفصیلاً..

ص: 14

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله الذی هدانا بفیوضات الرسالة النبویة (صلی الله علیه و آله و سلم) و جذبات الولایة العلویة (علیه السلام) وإشراقات العصمة الفاطمیة (علیها السلام) و لمعات أنوار الأئمّة الإلهیة (علیها السلام) و أنار قلوب عباده بمعالم العلوم الربانیة الصادرة من منبع العترة المصطفویة (علیهم السلام) و أظهر لهم بواطن العلوم الشرعیة و وصلهم إلی عمق الظواهر النقلیة و أنعم علیهم ببیان حقائق دینه و أحکام شریعته و هداهم للوصول إلی معرفة الفروع و الأصول، و أرشدهم إلی أصولٍ تقتبس منها الأحکام بمعرفة مسائل الحلال و الحرام و أوجب علیهم تفریع المسائل للأنام، من علوم العترة الکرام (علیهم السلام)، فاتخذناهم فی الشریعة أسوة، و فی الاستنارة من شمس الحقیقة قدوة، و جعلنا عتبة روضتهم الشریفة باب معالم أصولنا و فروعنا، لا نرضی بغیرهم أبداً و لانبغی عنهم مدی الأعمار و الأعصار حولاً.

و الصلاة و السلام علی من اصطفاه الله علی العالمین و أشرف سفرائه المقربین و سید المرسلین و خاتم النبیین (صلی الله علیه و آله و سلم) و أهل بیته الطیبین و الطاهرین و المعصومین، الأئمّة الهداة و حماة الدین (علیهم السلام)، سیّما الکهف الحصین و غیاث المضطرّ المستکین،

ص: 15

بقیة الله فی الأرضیین (عجل الله تعالی فرجه)، و لعنة الله علی أعدائهم أجمعین إلی قیام یوم الدین.

فقد طلب منّی غیر واحد من الأصدقاء الأعزّاء من الأفاضل و الإخوة المحقّقین منهم: سماحة حجّة الإسلام و المسلمین الشیخ علی الأعلائی و سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ محمد الجوادی دامت بقائهما أن أباحث بحثاً اصولیاً حاویاً للأنظار منقّحاً للأفکار فی جمع من الإخوة الأفاضل، فأجبتهم و قمت بهذه المهمّة، و باحثت معهم دورة کاملة من علم الأصول و کتبت الأبحاث.

فهذه دورة کاملة من مباحث علم الأصول تندرج معالیها علی مستوی الخارج کمّاً و کیفاً فیعطی لطالب الاجتهاد استیعاب المطالب و العناوین الأصولیة و الأنظار الفنّیة الرئیسة علی أساس آراء أعلام المبتکرین للمناهج القویمة مثل مدرسة الشیخ الأعظم الأنصاری و مدرسة المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و مدرسة الأعلام الثلاثة بالنجف الأشرف و هم المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی (قدس سرهم) و أشرنا ضمن بعض المباحث إلی مدرستی المحقق الحائری و المحقق البروجردی (قدس سرهما) و هنا مکاتب قویمة و ذات المغزی المتّخذة من آراء و أنظار و ابتکارات تلک المدارس الحدیثة الأصولیة، مثل منهج المحقق الخوئی (قدس سره) المتّخذ من مدرسة العلمین المحققین النائینی و الإصفهانی (قدس سرهما) و لذلک استندنا إلی أقوال هؤلاء الأعاظم و سلکنا طریقتهم العلمیة بین النقل و النقد و التحقیق.

و لم نجد من الضروری علی مستوی دروس الخارج، استیعاب کلّ الأدلة التی یستدل بها علی الأقوال بل نؤثر الأدلة الفنیة فی کل مسألة أصولیة من أجل تکوین رأی نهائی بعد فحص کامل و قد أشرنا إلی الرأی المختار من بین

ص: 16

الأنظار، إمّا بالتصریح و إمّا بنقد أدلّة سائر الأقوال؛ و أهملنا بیان الأدلّة الضعیفة التی لا محصّل له من الناحیة الفنیة و العلمیة.

و ما بیّنّاه من الآراء و الأنظار لیس إلا ما تلقّیناه من إفادات و محاضرات الأساتیذ الأجلّاء الکرام و المراجع العظام، أساطین الفقه و أرکان الأصول، و ما لاحظناه من الأفکار علی الأنظار إنما هی تأملات و ملاحظات انقدحت فی أذهاننا، کالبذرة التی تحتاج إلی سقیهم و رعایتهم حتی تنمو و تثمر، فالفضل لهم علینا.

هذه المجلدات العشر تجمع المطالب الرئیسة المهمّة التی تنبغی الإشارة إلیها و دراستها فی مستوی الدرس الخارج و تألیف هذه المجموعة بمثابة مرجع فنّی للباحثین للإطّلاع علی بحار المطالب و عیون الأنظار؛ زینّاه بالفرائد و جرّدناه و هزّبناه عن الزوائد، و رتّبناه و بوّبناه علی النهج الحدیث لعلم الأصول الذی أبدعه العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره)، فیشتمل علی لبّ الأصول و مغزاه، و یندرج فیه مفاهیمه و فحواه، مع الدقّة العلمیة و العمق الفکری.

و الغرض من تعلّم أصول قواعد الاستنباط لیس إلا دراسة فقه أهل البیت (علیهم السلام)، و انتشاره فی العالم بین شیعة آل الرسول (علیهم السلام). ثمّ إنّ الکتب الدراسیة لعلم الأصول باللغة العربیة الأصیلة و لیست علی أسالیب التعبیر الحدیث و نحن أیضاً سلکنا هذا المنهج و ذلک لأنّا نتلقّی ثقافتنا العربیة من الکتب الأصیلة القدیمة فی الصرف و النحو و معانی البیان و أساس دراساتنا فی اللغة العربیة بأسالیبها الأصیلة القدیمة لا الثقافة الحدیثة.

و کتابة تلک الرسالة القویمة لا یغنی عن تقریر الفضلاء الأمجاد للمباحث، فینبغی لهم أن یحاولوا تقریر الأبحاث و استیعاب المطالب حتّی تنمو لدیهم

ص: 17

ملکة النقد و التحقیق و یبلغوا استعداد الاجتهاد و قوة التألیف و تنظیم المباحث و کتابة المسائل العلمیة و لکی یترسّخ فی ذهنهم سیر مباحث الأصول و مدارجها.

و فی الختام نتقدم بالشکر الجمیل و الامتنان الجزیل لجمیع الفضلاء المحققین الکرام الذین بذلوا جهودهم فی إنجاز هذا الکتاب و تحقیقه و تصحیحه و تقویم النصوص و تنسیق المتون و إیراد العلائم المساعدة علی القراءة و لا سیّما یسرُّنا هنا أن نقدّم بجزیل الشکر إلی سماحة المحقق الفاضل حجة الإسلام و المسلمین السید جواد البرکچیان دام ظلّه حیث قام بتحقیقها و تصحیحها بنحو روعیت فیه الجوانب الفنّیة و بذل غایة جهده فی التعلیق علیها بکلّ دقّة و عنایة، و إلی سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ مرتضی الإسلامی فإنّه تصدّی لتنضید الحروف و تصحیح الأخطاء و تنظیم الصفحات و إخراجها علی أحسن صورة و قد جدّ و اتعب نفسه فی إعدادها للطبع، و إلی سماحة حجة الإسلام و المسلمین الشیخ محمد الداوری حیث تصدّی لتنضید الحروف لأکثر مجلّدات هذا الأثر، کما لایفوتنی تقدیم خالص شکری و تقدیری لسماحة حجة الإسلام و المسلمین السید حسن الیوسفی و سماحة حجة الإسلام و المسلمین مجتبی الفاضل دام بقائهم حیث قاما للتصحیح و التقویم و إیراد العلائم، و لقد تظافرت جهود هذه المجموعة من الفضلاء و العلماء لتحقیق الکتاب بدقّة عمیقة و تأمّل علمیة و فکر عالیة.

و فی نهایة المطاف نحن نقدّم خالص شکرنا لهؤلاء الأفاضل و کافّة الإخوة الذین ساهموا فی إنجاز هذا المشروع و إخراج هذا الکتاب الجلیل، راجین من الله تبارک و تعالی لهم التوفیق و السداد و الأجر و الثواب.

ص: 18

وأرجو و ألتمس من الأساتذة الکرام و القرّاء الأعزاء أن یمنّوا و یتفضّلوا علی بالصّفح و الإغماض عمّا یبدو لهم من خطأ و نقصان، و أن یتحفونی بتوجیهاتهم و أن یدعوا لی بالخیر و التوفیق و العافیة فی الخلوات، و فی مظانّ الإجابة و الدعوات.

«خِتَامُهُ مِسْکٌ وَ فِی ذَلِکَ فَلْیتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»

«وَ آخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ»

محمد علی البهبهانی

ص: 19

ص: 20

التمهید:

السیر التاریخی و تطوّرات علم الأصول فی الأدوار

إنّ علم الأصول قد نشأ من مأثورات أهل البیت (علیهم السلام) و قد تطوّر فی الأدوار المختلفة إلی العصور المتأخرة، حتّی قد فتحت فی تلک الأدوار آفاق جدیدة من مسائل علم الأصول و استحکم مبانیه، و حدثت نظریات و تطورات جدیدة فی مختلف أبواب هذا العلم حتی صار أصول الفقه علماً جامعاً للمبانی الرائقة التی تنحلّ بها مستحدثات مسائل الفقه بمناهج الاستدلال، رغم تطوّرات الحیاة المعاصرة و اتّساع آفاقها.

و اجتاز علم الأصول من لدن تأسیسه إلی زماننا السیر التاریخی فی الأدوار المختلفة و نحن فی هذا المجال بصدد بیان أعصار تطورات هذا العلم، و نتصدّی لعدّ أعلام الأصول فی کلّ دورة منها و لکلِّ من هؤلاء الأعلام من زعماء الأدوار الأصولیة منهجیة خاصّة، فنشیر إلی تلک الأدوار علی سبیل الإجمال:

الدورة الأولی: عصر التأسیس

إنّ أول من أشار إلی قواعد علم الأصول أمیر المؤمنین (علیه السلام)، و قد روی عنه أنّ

ص: 21

الراوی لابدّ له من العلم بهذه القواعد التی هی الناسخ و المنسوخ و العام و الخاصّ و المحکم و المتشابه.((1))

ص: 22


1- القواعد الأصولیة فی کلام أمیر المؤمنین (علیه السلام): ... فَأَقْبَلَ عَلِی (علیه السلام) فَقَالَ لِی: یا سُلَیمُ قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ إِنَّ فِی أَیدِی النَّاسِ حَقّاً وَ بَاطِلًا وَ صِدْقاً وَ کَذِباً وَ نَاسِخاً وَ مَنْسُوخاً وَ خَاصّاً وَ عَامّاً وَ مُحْکَماً وَ مُتَشَابِهاً وَ حِفْظاً وَ وَهَماً وَ قَدْ کُذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) عَلَی عَهْدِهِ حَتَّی قَامَ [فِیهِمْ] خَطِیباً فَقَالَ أَیهَا النَّاسُ قَدْ کَثُرَتْ عَلَی الْکَذَّابَةُ فَمَنْ کَذَبَ عَلَی مُتَعَمِّداً فَلْیتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ثُمَّ کُذِبَ عَلَیهِ مِنْ بَعْدِهِ حِینَ تُوُفِّی رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَی نَبِی الرَّحْمَةِ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِهِ وَ إِنَّمَا یأْتِیکَ بِالْحَدِیثِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ لَیسَ لَهُمْ خَامِسٌ: رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِیمَانِ مُتَصَنِّعٌ بِالْإِسْلَامِ لَا یتَأَثَّمُ وَ لَا یتَحَرَّجُ أَنْ یکْذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) مُتَعَمِّداً فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ کَذَّابٌ لَمْ یقْبَلُوا مِنْهُ وَ لَمْ یصَدِّقُوهُ وَ لَکِنَّهُمْ قَالُوا هَذَا صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) رَآهُ وَ سَمِعَ مِنْهُ وَ هُوَ لَا یکْذِبُ وَ لَا یسْتَحِلُّ الْکَذِبَ عَلَی رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُنَافِقِینَ بِمَا أَخْبَرَ وَ وَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ [فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ- وَ إِذا رَأَیتَهُمْ تُعْجِبُکَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ یقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ] وَ تَقَرَّبُوا إِلَی أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَ الدُّعَاةِ إِلَی النَّارِ بِالزُّورِ وَ الْکَذِبِ وَ [النِّفَاقِ] وَ الْبُهْتَانِ فَوَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ وَ حَمَلُوهُمْ عَلَی رِقَابِ النَّاسِ وَ أَکَلُوا بِهِمْ [مِنَ] الدُّنْیا وَ إِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوکِ [فِی] الدُّنْیا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَهَذَا أَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ. وَ رَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) شَیئاً فَلَمْ یحْفَظْهُ عَلَی وَجْهِهِ وَ وَهِمَ فِیهِ وَ لَمْ یتَعَمَّدْ کَذِباً وَ هُوَ فِی یدِهِ یرْوِیهِ وَ یعْمَلُ بِهِ وَ یقُولُ أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَلَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ لَمْ یقْبَلُوا وَ لَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهِمَ [فِیهِ] لَرَفَضَهُ. وَ رَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) شَیئاً أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهَی عَنْهُ وَ هُوَ لَا یعْلَمُ أَوْ سَمِعَهُ نَهَی عَنْ شَی ءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَ هُوَ لَا یعْلَمُ [حَفِظَ] الْمَنْسُوخَ وَ لَمْ یحْفَظِ النَّاسِخَ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ وَ لَوْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ [إِذْ سَمِعُوهُ] لَرَفَضُوهُ. وَ رَجُلٌ رَابِعٌ لَمْ یکْذِبْ عَلَی اللَّهِ وَ لَا عَلَی رَسُولِهِ بُغْضاً لِلْکَذِبِ وَ تَخَوُّفاً مِنَ اللَّهِ وَ تَعْظِیماً لِرَسُولِهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ لَمْ یوهِمْ بَلْ حَفِظَ مَا سَمِعَ عَلَی وَجْهِهِ فَجَاءَ بِهِ کَمَا سَمِعَهُ وَ لَمْ یزِدْ فِیهِ وَ لَمْ ینْقُصْ وَ حَفِظَ النَّاسِخَ [مِنَ الْمَنْسُوخِ فَعَمِلَ بِالنَّاسِخِ] وَ رَفَضَ الْمَنْسُوخَ وَ إِنَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ نَهْیهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ نَاسِخٌ وَ مَنْسُوخٌ وَ عَامٌّ وَ خَاصٌّ وَ مُحْکَمٌ وَ مُتَشَابِهٌ وَ قَدْ کَانَ یکُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) الْکَلَامُ لَهُ وَجْهَانِ کَلَامٌ خَاصٌّ وَ کَلَامٌ عَامٌّ مِثْلُ الْقُرْآنِ یسْمَعُهُ مَنْ لَا یعْرِفُ مَا عَنَی اللَّهُ بِهِ وَ مَا عَنَی بِهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) وَ لَیسَ کُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) کَانَ یسْأَلُهُ فَیفْهَمُ وَ کَانَ مِنْهُمْ مَنْ یسْأَلُهُ وَ لَا یسْتَفْهِمُ حَتَّی إنْ کَانُوا لَیحِبُّونَ أَنْ یجِی ءَ الطَّارِئُ وَ الْأَعْرَابِی فَیسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) حَتَّی یسْمَعُوا مِنْه. کتاب سلیم بن قیس الهلالی، ج 2، ص622.

و من جهة أخری ذهب العلامة السید حسن صدر (قدس سره) إلی أنّ مدوّن علم الأصول الإمام الباقر (علیه السلام) و الإمام الصادق (علیه السلام)، فقال فی کتاب تأسیس الشیعة:

«الفصل الخامس فی تقدم الشیعة فی علم أصول الفقه: فاعلم أن أوّل من فتح بابه و فتق مسائله هو باقر العلوم الإمام أبو جعفر محمد بن علی الباقر (علیه السلام) و بعده ابنه أبو عبد الله الصادق (علیه السلام) و قد أملیا فیه علی جماعة من تلامذتهما قواعده و مسائله جمعوا من ذلک مسائل رتبها المتأخرون علی ترتیب مباحثه ککتاب «أصول آل الرسول» و کتاب «الفصول المهمة فی أصول الأئمة (علیه السلام) » و کتاب «الأصول الأصلیة» کلها بروایات الثقات مسندة متصلة الإسناد إلی أهل البیت (علیهم السلام)».((1))

و یستفاد ذلک ممّا ورد فی حجّیة الخبر الواحد و حجّیة الأصول العملیة الشرعیة، فإنّ إلقاء تلک الروایات و جمعها فی أصول الأربعمأة و سائر الکتب دلیل علی تدوین قواعد الأصول فی عصر الأئمّة(، و أیضاً یظهر ذلک من ما روی عن الأئمّة(((2)) فی الحثّ علی الفتیا بالنسبة إلی بعض خواصّ أصحابهم

ص: 23


1- تأسیس الشیعة، سید حسن الصدر، ص310.
2- أمّا فتاوی أصحاب الأئمّة(، فقال النجاشی فی کتاب الرجال فی منزلة أبان بن تغلب: قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام):«اجْلِسْ فِی مَسْجِدِ الْمَدِینَةِ وَ أَفْتِ النَّاسَ فَإِنِّی أُحِبُّ أَنْ یرَی فِی شِیعَتِی مِثْلُک». رجال النجاشی، ص10؛ مستدرک الوسائل، ج 17، ص315. و روی فی وسائل الشیعة (ج 16، ص234): عَنْ حَمْدَوَیهِ وَ إِبْرَاهِیمَ ابْنَی نُصَیرٍ عَنْ یعْقُوبَ بْنِ یزِیدَ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ حُسَینِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِیهِ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ النَّحْوِی عَنْ أَبِی عَبْدِاللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: بَلَغَنِی أَنَّکَ تَقْعُدُ فِی الْجَامِعِ فَتُفْتِی النَّاسَ قُلْتُ نَعَمْ وَ أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَکَ عَنْ ذَلِکَ قَبْلَ أَنْ أَخْرُجَ إِنِّی أَقْعُدُ فِی الْمَسْجِدِ فَیجِی ءُ الرَّجُلُ فَیسْأَلُنِی عَنِ الشَّی ءِ فَإِذَا عَرَفْتُهُ بِالْخِلَافِ لَکُمْ أَخْبَرْتُهُ بِمَا یفْعَلُونَ وَ یجِی ءُ الرَّجُلُ أَعْرِفُهُ بِمَوَدَّتِکُمْ فَأُخْبِرُهُ بِمَا جَاءَ عَنْکُمْ وَ یجِی ءُ الرَّجُلُ لَا أَعْرِفُهُ وَ لَا أَدْرِی مَنْ هُوَ فَأَقُولُ جَاءَ عَنْ فُلَانٍ کَذَا وَ جَاءَ عَنْ فُلَانٍ کَذَا فَأُدْخِلُ قَوْلَکُمْ فِیمَا بَینَ ذَلِکَ قَالَ فَقَالَ لِی اصْنَعْ کَذَا فَإِنِّی کَذَا أَصْنَعُ.

مثل أبان حیث أنّهم لا یفتون إلا بإعمال القواعد المذکورة.

الدورة الثانیة: عصر أصحاب الأئمة (علیهم السلام)

الأول: أول من صنّف فی علم الأصول، هو هشام بن الحکم الشیبانی الکوفی، ألّف کتاب «الالفاظ و مباحثها» و هو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) و الإمام الکاظم (علیه السلام)، له مصنفات عدیدة فی علم الکلام. توفی هشام سنة 199 ه- ق ببغداد.

الثانی: یونس بن عبد الرحمن، حیث صنّف کتاب «اختلاف الحدیث» الذی یشتمل مبحث تعارض الأدلّة أی التعادل و التراجیح و رواه عن الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) . قال النجاشی فی حقّه: کان وجهاً فی أصحابنا، مُتقدماً، عظیم المنزلة، ولد فی أیام هشام بن عبد الملک، و رأی [الإمام] جعفر بن محمد (علیهما السلام) بین الصفا والمروة و لم یرو عنه، و روی عن [الإمام] أبی الحسن موسی و [الإمام] الرضا (علیهما السلام)، و کان [الإمام] الرضا (علیه السلام) یشیر إلیه فی العلم والفُتیا.

و لذلک قال العلامة السید حسن الصدر (قدس سره): «و أول من أفرد بعض مباحثه بالتصنیف هشام بن الحکم شیخ المتکلمین تلمیذ أبی عبد الله الصادق (علیه السلام) صنّف کتاب «الألفاظ و مباحثها» هو أهم مباحث هذا العلم.

ثم یونس بن عبد الرحمن مولی آل یقطین تلمیذ الإمام الکاظم موسی بن جعفر (علیه السلام) صنّف کتاب «اختلاف الحدیث» و هو مبحث تعارض الدلیلین و التعادل و الترجیح بینهما.»((1))

ص: 24


1- تأسیس الشیعة، سید حسن الصدر، ص310.

فلا وجه لما یقوله ابن خلدون: «کان اوّل من کتب فیه (فی علم الأصول) الشافعی، أملی فیه رسالته المشهورة تکلم فیها فی الأوامر و النواهی».((1)) و هکذا ظهر خطأ محمد ابو زهره: «اعلم أن نسبة الشافعی إلی علم الأصول کنسبة ارسطو إلی علم المنطق کنسبة الخلیل بن احمد إلی علم العروض».((2))

الدورة الثالثة: عصر الفقهاء الأقدمین (و القدیمَین)

و فی هذه الدورة بعض أعلام الإمامیة (علیهم السلام) من عصر الغیبة الکبری (أی منتصف القرن الثالث الهجری) ألّفوا کتباً مستقلّة فی بعض أبواب علم الأصول مثل: باب «العام و الخاص» و «حجّیة خبر الواحد» و «إبطال القیاس» و «تعارض الأدلّة».

أمّا معاریف مؤلّفی علم الأصول فی هذه الدورة:

الأول: الحسن بن موسی النوبختی (علیه السلام) (القرن الثالث ه- ق).

قال النجاشی فی حقّه: «شیخنا المتکلم المُبرّز علی نظرائه فی زمانه قبل الثلاثمائة و بعدها».

و قال ابن الندیم فی الفهرست: «متکلم، فیلسوف، کان یجتمع إلیه جماعة من النَقَلة لکتب الفلسفة، مثل أبی عثمان الدمشقی و إسحاق بن ثابت و غیرهم».

له تصنیفان فی علم الأُصول و هما: «کتاب الخصوص والعموم» و «کتاب فی خبر الواحد والعمل به».

الثانی: أبی سهل إسماعیل بن علی بن إسحاق النوبختی (علیه السلام) (القرن الثالث ه- ق).

ص: 25


1- ابن خلدون، مقدّمة، ص 355، چاپ چهارم، دار احیاء التراث العربی، بیروت.
2- ابو زهره الشافعی، ص 196- 197.

من أعظم متکلمی الإمامیة فی القرن الثالث، صنَّف فی مختلف الفنون، و له مصنفات عدیدة فی الأصول و هی: «کتاب الخصوص و العموم»، «ابطال القیاس» «نقض اجتهاد الرأی».

الثالث: الحسن بن علی بن أبی عقیل العُمّانی الحذّاء (قدس سره) (القرن الثالث ه- ق).

فقیه متکلم، فی القرن الثالث الهجری، و هو أوّل من صنّف کتاب الفقه الاجتهادی و الاستنباطی فی الإمامیة و أدرج فیه المباحث الأُصولیة سمّاه «المتمسک بحبل آل الرسول (علیهم السلام)».

الرابع: محمد بن أحمد بن الجنید أبو علی الکاتب الإسکافی (قدس سره) (م: 381 ه- ق).

من أعیان علماء الإمامیة، له مصنفات کثیرة، و له مصنف فی الأُصول و هو «کتاب کشف التمویه والالتباس فی إبطال القیاس». [و المراد من القدیمین عند الفقهاء، هما: ابن أبی عقیل عمانی و ابن الجنید الإسکافی].

الخامس: أبو منصور الصرَّام النیسابوری (قدس سره) (القرن الرابع ه- ق).

و هو من مشایخ الشیخ الطوسی (قدس سره) و هو مدحه فی الفهرس، کان متکلماً بخراسان، و له تصانیف عدیدة، و ذکر الشیخ الطوسی (قدس سره) له کتاباً فی الأُصول سماه «بیان الدین» و «کتاب إبطال القیاس».

الدورة الرابعة: تصنیف الکتب الکاملة لعلم الأصول

إنّ هذه الدورة ابتدئت من الشیخ المفید و السید المرتضی و الشیخ الطوسی (قدس سرهم)، ثمّ توقّف نمو الفقه و الأصول طیلة قرن کامل و استمرّ ذلک إلی القرن السابع و هو عصر المحقق الحلّی و تلمیذه و ابن أخته العلامة الحلّی (قدس سرهم) .

الأول: الشیخ المفید محمد بن محمد النُّعمان العُکْبَری البغدادی (قدس سره) (م:413 ه- ق).

ص: 26

و هو أعظم الفقهاء و المتکلّمین و زعیم الشیعة فی أواخر القرن الرابع و بدایات القرن الخامس الهجری القمری، و عاش ببغداد، توفّی ببغداد سنة 413 ه- ق، و هو أوّل من صنّف کتاباً یتضمن جمیع مباحث علم الأُصول، و أدرجه الشیخ أبوالفتح الکراجکی (م 449 ه- ق) فی «کتاب کنز الفوائد» وسمّاه: «المختصر فی أُصول الفقه».

الثانی: السید المرتضی علی بن الحسین الموسوی (قدس سره) (م: 436 ه- ق).

تلمّذ عند الشیخ المفید (قدس سره) و صار بعده زعیم الشیعة و من أعظم الفقهاء و المتکلّمین، و هو أیضاً عاش ببغداد، توفی عام 436 ه- ق، و ألّف فی الأصول کتاباً جامعاً سمّاه: «کتاب الذریعة إلی أُصول الشریعة».

الثالث: الشیخ محمد بن الحسن الطوسی (قدس سره) (م:460 ه- ق).

زعیم الإمامیة بعد السید المرتضی (قدس سره) و أعظم الفقهاء و المتکلمین فی عصره، صنّف کتاب «العُدَّة فی أُصول الفقه».

الرابع: حمزة بن عبد العزیز، المعروف بسلّار (قدس سره) (م: 448 یا 463 ه- ق).

و هو مصنّف کتاب «التقریب».

الخامس: سدید الدین محمود بن علی الحمصی الرازی (قدس سره) (م: القرن 6 ه- ق).

مؤلّف کتابی«المصادر» و «التبیین و التنقیح فی التحسین و التقبیح».

السادس: أبی المکارم حمزة بن علی بن زهره (قدس سره) (م: 585- ه ق).

صنّف کتاباً فی الفقه یشتمل علی المباحث الأصولیة و هی کتاب «غنیة النزوع إلی علمی الاصول و الفروع».

السابع: محمد بن احمد بن ادریس حلّی (قدس سره) (م: 598 ه- ق).

و هو من أجلّاء الإمامیة، ألّف کتاب سرائر.

ص: 27

الدورة الخامسة: عصر المحقق الحلی و العلامة الحلی (قدس سرهما) و بعده

الأول: نجم الدین جعفر بن الحسین المحقّق الحلّی (قدس سره) (م 676 ه- ق).

«نهج الوصول الی معرفة الاصول» و «معارج الاحکام».

الثانی: حسن بن یوسف بن علی بن مطهر العلامة الحلی (قدس سره) (م: 726 ه- ق).

ألّف کتباً فی مختلف العلوم و منها کتبه الأصولیة و قد ذکر منها تلک العناوین: «تهذیب الوصول إلی علم الأصول» و «مبادی الوصول إلی علم الأصول» و «نهایة الوصول إلی علم الأصول» و «غایة الوصول و ایضاح السبل» و «شرح غایة الوصول فی علم الاصول» (و هو شرح کتاب غایة الوصول للغزالی)، و «النکت البدیعة فی تحریر الذریعة» و «منتهی الوصول إلی علمی الکلام و الأصول» و «نهج الوصول إلی علم الأصول»

الثالث: محمد بن الحسن، فخر المحقّقین ابن العلامة الحلّی (قدس سره) (م: 771 ه- ق).

صنّف کتابی «غایة السؤل فی شرح تهذیب الاصول» و «شرح المبادی» فی علم الأصول.

الرابع: ضیاء الدین؛ عبد اللّه بن مجد الدین محمد بن الاعرج حسینی (قدس سره) .

ابن أخت العلّامه الحلی (قدس سره) و هو مؤلف کتاب «منیة اللبیب فی شرح التهذیب».

الخامس: رکن الدین جرجانی (قدس سره)، تلمیذ العلّامه الحلی (قدس سره) .

و هو مؤلّف «غایة البادی فی شرح المبادی».

السادس: الشهید محمد بن مکی العاملی الشهید الأول (قدس سره) (م 786ه- ق).

جمع قواعد الأصول فی أول کتابه الذکری و صنّف کتاب القواعد فی القواعد

ص: 28

الفقهیة و بعض القواعد الأصولیة علی ترتیب لم یسبق إلیه.

السابع: الفاضل المقداد السیوری (قدس سره) (م: 826 ه- ق).

و هو صنّف کتاب «شرح مبادی الأصول».

الدورة السادسة: عصر الشهید الثانی و صاحب المعالم و الشیخ

البهائی (قدس سره)

و هذا العصر افتخرت بتدوین «معالم الأصول» فیها، و هو من أجلّ الکتب الدراسیة، و علت هذه الدورة بوجود أساطین العلم منهم:

الأول: زین الدین بن نور الدین الجبعی العاملی الشهید الثانی (قدس سره) (م: 966- 965 ه- ق).

صنّف «تمهید القواعد» و هذا الکتاب مجموعة من القواعد الأصولی و الأدبی.

الثانی: محمد حسن بن الشهید الثانی، المشتهر بصاحب المعالم (قدس سره) (م: 1011 ه- ق).

ألّف «معالم الأصول» عکف علیها العلماء و هو من الکتب الدراسیة، فصارت المعالم المعوّل فی التدریس.

الثالث: محمد بن الحسین الجبعی العاملی الشیخ البهائی (قدس سره) (م: 1031 ه- ق).

صنّف «زبدة الاصول» و جمع فیه مباحث الأصول.

الدورة السابعة: عصر سلطان العلماء و الفاضل التونی (قدس سرهما) و غلبة الأخباریین

و أظنّ أنّ أهمّ ما کتب فی هذه الدورة حاشیة المعالم لسلطان العلماء (قدس سره) و الوافیة للفاضل التونی (قدس سره) .

و فی هذه الدورة وقعت هجمة علمیة من الأخباریین علی علم الأصول و ألّف

ص: 29

المولی محمد أمین الأسترآبادی (م: 1033 ه- ق) کتاب «الفوائد المدنیة» و شنّع علی الأصولیین و أنکر علیهم طریقتهم.

و لهذا دوّنت مجامیع روائی مثل الوافی للفیض الکاشانی (قدس سره) (م: 1091ه- ق)، و وسائل الشیعة، للشیخ حر العاملی (قدس سره) (م: 1104ه- ق)، بحار الأنوار للعلامة المجلسی (قدس سره) (م: 1110 ه- ق).

و مع ذلک لم یذهب صولة الأصولیین و قاموا بتدوین الکتب علی منهجهم و أرکان هذه الدورة هم:

الأول: الفاضل الکاظمی (قدس سره) (م: قرن 11 ه- ق).

ألّف «غایة المأمول فی شرح زبدة الأصول».

الثانی: سلطان العلماء (قدس سره) (م: 1064 ه- ق).

ألّف «حاشیة المعالم» و «حاشیة زبدة الأصول» و «حاشیه زبدة الأصول».

الثالث: الفاضل التونی (قدس سره) (م:1071 ه- ق).

و هو صنّف کتاب الوافیة و لذا یسمّی بصاحب الوافیه.

الرابع: المولی صالح مازندرانی (قدس سره) (م: 1081 ه- ق).

مؤلّف «شرح زبدة الأصول الشیخ البهائی» و «حاشیه معالم الأصول».

الخامس: المولی خلیل القزوینی (قدس سره) (م: 1089 ه- ق).

مؤلّف «شرح عدة الأصول».

السادس: محمد بن الحسن شیروانی (قدس سره) (م: 1098 ه- ق).

«حاشیه معالم الأصول».

ص: 30

الدورة الثامنة: الوحید البهبهانی (قدس سره) (م 8-1205 ه ق)

و هذا المحقق محمد باقر الوحید البهبهانی (قدس سره) و هو یسمّی معلّم البشر و أستاذ الکلّ، لأنّه زرع بذر علم الأصول فی قلوب الأجلّاء من تلامذته، کالسید بحر العلوم (قدس سره) و کاشف الغطاء (قدس سره) و السید الطباطبایی (قدس سره) و أمثال هؤلاء الأعاظم.

تلمّذ لدی السید محمد الطباطبائی البروجردی (قدس سره) و السید صدر الدین الرضوی القمی (قدس سره) فنمی علم الأصول علی ید هذا الأصولی المجدّد و فی مدرسته إلی التعمیق و التوسّع و التطوّر العلمی، فقاوم قبال الحرکة الأخباریة بکلّ جدّ، و قد خلّف لنا عصارة أفکاره الأصولیة فی تعالیق و شروحه علی المعالم و الوافیة، أو الفوائد الحائریة التی أفردها بالتألیف.

الدورة التاسعة: تلامذة الوحید البهبهانی (قدس سره)

الأول: المولی مهدی النراقی (قدس سره) (م: 1209 ه- ق).

و هو من المهادی الأربعة(و هم السید مهدی بحر العلوم و السید مهدی الشهرستانی و السید مهدی الخراسانی و المولی مهدی البراقی (قدس سرهم))، تلمّذ عند العلامة الوحید البهبهانی و صاحب الحدائق و المولی إسماعیل الخاجوئی (قدس سرهم) . ألّف کتاب تجرید الأصول.

الثانی: السید محمد مهدی بحر العلوم (قدس سره) (م: 1212ه- ق).

و هو من أرکان الطائفة، تلمّذ علی الأستاذ الأکبر الوحید البهبهانی، و السید الأجل الخاتون آبادی، و العلّامة الفیلسوف السید المیرزا الإصفهانی، و الفقیه المحقق الشیخ یوسف البحرانی (قدس سرهم)، و من مؤلّفاته الفوائد الأصولیة.

الثالث: السید جواد العاملی (قدس سره) صاحب مفتاح الکرامة (م: 1226 ه- ق).

ص: 31

تلمّذ عند الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی و السید البحرالعلوم و صاحب الریاض و الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء (قدس سرهم)، ومن أشهر تلامیذه صاحب الجواهر (قدس سره)، له شرح الوافیة فی الأصول و تعلیقة علی تهذیب الأصول للعلامة الحلّی (قدس سره) و رسالة فی البرائة.

الرابع: الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره) (م: 8-1227ه- ق).

تلمّذ عند الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی (قدس سره) و عند السید الأجل العلامة بحر العلوم (قدس سره)، و ألّف کتاب کشف الغطاء، و من أشهر تلامیذه صاحب الجواهر و صاحب مفتاح الکرامة، و الشیخ أسد الله الکاظمی صاحب المقابیس، و صاحب هدایة المسترشدین و المحقق الکلباسی (قدس سرهم) . ألف کتاب غایة المأمول فی علم الأصول. و أشهر أولاده الشیخ موسی و الشیخ علی و الشیخ حسن (قدس سرهم)، و له خمس بنات، و أصهاره کلهم من أجلاء العلم و هم: صاحب المقابیس؛ و صاحب هدایة المسترشدین؛ و السید صدر الدین العاملی؛ و المولی محمد علی الهزار جریبی؛ و الشیخ محمد و هو والد الشیخ الرازی (قدس سرهم) .

الخامس: المیرزا أبی القاسم القمّی (قدس سره) (م: 3 - 1231 ه- ق).

مؤلّف «قوانین الأصول» و هذا الکتاب طار صیتها فی الآفاق و صار من أهم الکتب الدراسیة، و له الدور الأساسی الرائد فی تطویر و تعمیق علم الأصول و فی الروضات: إنه کانت بینه و بین السید علی الطباطبائی (قدس سره) صاحب الریاض مخالفات و منافرات کثیرة فی المسائل العلمیة.

السادس: السید علی الطباطبائی صاحب الریاض (قدس سره) (م: 1231ه- ق).

و هو ابن أخت الوحید البهبهانی (قدس سره) و صهره، و جدّه الأمی المجلسی الأول (قدس سره)، لأنّ أمّه هی أخت الوحید البهبهانی (قدس سره) و والدتهما بنت نور الدین ابن

ص: 32

المولی صالح المازندرانی صهر المجلسی الأول (قدس سره) .

تلمّذ عند الوحید البهبهانی و صاحب الحدائق (قدس سرهما) و من أشهر تلامیذه صاحب المقابیس و صاحب مفتاح الکرامة و الشیخ أبی علی صاحب صاحب منتهی المقال و السید الشفتی و شریف العلماء (قدس سرهم) و ولده العلامة السید محمد المجاهد (قدس سره) صاحب مفتاح الأصول.

السابع: الشیخ محمّد تقی بن عبد الرحیم النجفی الإصفهانی (قدس سره) (م: 8-1247 ه- ق).

صنّف حاشیة المعالم المسمّی هدایة المسترشدین، و هو صهر الشیخ جعفر کاشف الغطاء، تلمّذ عند الوحید البهبهانی (قدس سره) و السید البحرالعلوم (قدس سره) و الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره)، و من أشهر تلامیذه المولی هادی السبزواری (قدس سره) مؤلف شرح المنظومة.

الدورة العاشرة: ابنی کاشف الغطاء و السید المجاهد إلی صاحب الفصول (قدس سرهم)

و بعض هؤلاء و إن أدرکوا العلامة الوحید البهبهانی (قدس سره) و لکنّهم یعدّون من تلامذة تلامذته (قدس سرهم)، لأنّ أکثر دراساتهم عند تلامیذ الأستاد الکلّ و هم:

الأول: الشیخ موسی کاشف الغطاء (قدس سره) (م:1241ه- ق).

هو الولد الأکبر للشیخ جعفر الکبیر (قدس سره) . و بعد الشیخ جعفر الکبیر حازت المرجعیة الدینیة، و من أشهر تلامیذه الشیخ الأنصاری (قدس سره) .

الثانی: سید محمد بن علی الطباطبائی (قدس سره) (م: 1242 ه- ق).

المشتهر بالسید المجاهد لحکمه بالجهاد مع الروس فی زمان فتحعلی شاه القاجار، تلمّذ عند والده صاحب الریاض (قدس سره) و السید الأجلّ بحرالعلوم (قدس سره) و

ص: 33

الشیخ جعفر کاشف الغطاء (قدس سره)، و من أشهر تلامیذه شریف العلماء (قدس سره)، صنّف «مفاتیح الأصول» و هو کتاب جامع فی علم الأصول.

الثالث: شریف العلماء المازندرانی الحائری (قدس سره) (م: 1245ه- ق).

تلمذ عند المیرزا القمی و صاحب الریاض و السید المجاهد و هو من أساتیذ الشیخ الأنصاری (قدس سرهم)، و له رسالة فی باب الأوامر. و اشتغل بالتدریس و کان یحضر درسه فی کربلا ما یزید علی ألف طالب.

الرابع: مولی أحمد بن محمد مهدی نراقی (قدس سره) (م 5-1244ه- ق).

تلمّذ لدی الأستاذ الکلّ الوحید البهبهانی و السید بحرالعلوم و صاحب الریاض و الشیخ جعفر کاشف الغطاء، و من أشهر تلامیذه الشیخ الأنصاری (قدس سرهم) .

ألّف مفتاح الأصول، و مناهج الأصول إلی علم الأصول، و عین الأصول، و له شرح کبیر علی کتاب تجرید الأصول الذی ألّفه والده العلامة.

الخامس: الشیخ علی الکاشف الغطاء (قدس سره) (م: 1254أو1253 ه- ق).

الولد الثالث للشیخ کاشف الغطاء و هو أستاذ الشیخ الأنصاری (قدس سره)، انتهت إلیه الزعامة والإفتاء و کان من أساتذة الشیخ مرتضی الأنصاری.

کان إذا أتته الحقوق الکثیرة فرّقها لساعتها و لا ینال منها شیئاً و یطوف لیلاً علی الفقراء و یفرّق علیهم حقوقهم دون أن یعرفهم نفسه.

السادس: محمد إبراهیم الکلباسی الإصفهانی (قدس سره) (م: 1262 أو1261 ه- ق)

و هو مؤلف کتاب «اشارات الأصول»، تلمّذ عند أعلام تلامذة الوحید البهبهانی (قدس سره)، مثل السید بحرالعلوم (قدس سره)، و المیرزا القمی (قدس سره)، و النراقی (قدس سره)، و

ص: 34

صاحب الریاض، و تلمّذ فی العلوم العقلیة لدی الحکیم الآغا محمد البید آبادی (قدس سره) و المولی علی النوری (قدس سره) .

السابع: محمد حسن بن عبد الرحیم صاحب الفصول (قدس سره) (م:1261 ه- ق).

و هو أخو الشیخ محمد تقی النجفی الإصفهانی (قدس سره) صاحب هدایة المسترشدین، صنّف کتاب «الفصول فی علم الأصول».

الثامن: الشیخ محمّد حسن النجفی (قدس سره) صاحب جواهر الکلام (م: 1266ه- ق)

من رجال هذه الدورة، حضر درس الشیخ جعفر کاشف الغطاء، و عند ولده الشیخ موسی، و عند صاحب مفتاح الکرامة السید جواد العاملی (قدس سرهم)، و بعده استقلّ بالتدریس و یحضر مجلس درسه قرابة ستّین مجتهداً، و انتهت إلیه المرجعیة فی عصره.

الدورة الحادی عشر: الشیخ الأعظم الأنصاری (قدس سره) و تلامیذه

و هم: المیرزا أبوالقاسم الکلانتر والمیرزا المجدد الشیرازی و المیرزا حبیب الله الرشتی و صاحب الکفایة (قدس سرهم)، و ألحق بهم: السید محمد الفشارکی و المیرزا محمد تقی الشیرازی (قدس سرهما) .

الأول: الأستاذ الأعظم الشیخ مرتضی الأنصاری (قدس سره) (م: 1281ه- ق).

و درّس عند السید المجاهد الطباطبایی، و شریف العلماء، و الشیخ موسی و الشیخ علی کاشف الغطاء و المولی أحمد النراقی (قدس سرهم)، و ارتفع معالی علم الأصول بیمنه إلی أوج السماء و تبلغ ذروتها من التطویر و العمق، و له مدرسة علمیة علیّة و تخرَّج علی یده جمّ غفیر من کبار الفقهاء و الأصولیین الّذین تتعمّقوا و تتطوّروا مدرسته، و ألّفوا آثاراً علمیة قیمة فی الفقه و الأصول.

ص: 35

الثانی: الشیخ محمد حسین الفاضل الأردکانی (قدس سره) (م: 5-1302ه- ق).

إنّ المحقق الأردکانی کان معاصراً للشیخ الأنصاری (قدس سره)، ولد فی أردکان و هاجر إلی یزد و بعده إلی قزوین فتلمّذ عند المولی محمد صالح البرغانی الشهید الثالث (قدس سره) فی الفقه و عند المولی الآقا الحکمی فی الحکمة ثمّ هاجر إلی النجف الأشرف و التحق بدرس شریف العلماء (قدس سره) و بعد ارتحال شریف العلماء (قدس سره) حضر أبحاث السید إبراهیم القزوینی (قدس سره) صاحب ضوابط الأصول و هو سمّاه الفاضل، و بعد ارتحال أستاذه توطّن فی کربلا و اشتغل بالتدریس و من أشهر تلامیذه المیرزا محمد تقی الشیرازی و السید محمد الفشارکی و الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سرهم) .

الثالث: المیرزا ابو القاسم الکلانتر (قدس سره) (م:1292ه- ق).

من تلامیذ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و مقرّر أبحاثه و سمّاه «مطارح الانظار».

الرابع: السید المجدّد المیرزا محمد حسن الشیرازی (قدس سره) (م: 1312 ه- ق).

السید المجدّد محمد حسن الشیرازی (قدس سره) صاحب فتوی تحریم التنباک، تلمّذ فی إصفهان لدی بعض الأجلّاء منهم: المحقق محمد إبراهیم الکلباسی (قدس سره) ثمّ هاجر إلی النجف الأشرف و حضر درس صاحب الجواهر (قدس سره) و الشیخ حسن کاشف الغطاء (قدس سره) و السید إبراهیم القزوینی (قدس سره) و بعد ذلک التحق بحوزة الشیخ الأنصاری (قدس سره) و صار من أرکان درسه حتّی أنّه نقل: أنّ الشیخ المرتضی الأنصاری (قدس سره) یعظّمه و کان یقول: «إنّی أباحث لثلاثة رجال من تلامیذی: المیرزا محمد حسن الشیرازی، و المیرزا حبیب اللّه الرشتی، و الآغا حسن الطهرانی (قدس سرهم) »

و بعد ارتحال الشیخ الأنصاری (قدس سره) اجتمع تلامذته فی بیت میرزا حبیب اللّه الرشتی (قدس سره) و تأمّلوا فی أمر المرجعیة و اتّفقت کلمتهم علی تقدیم المیرزا الشیرازی (قدس سره) للمرجعیة. من أشهر تلامیذه: المولی محمد کاظم الخراسانی صاحب

ص: 36

الکفایة و السید محمد کاظم الیزدی صاحب العروة و المیرزا محمد تقی الشیرازی و المحقق النائینی و الشیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سرهم) .

الخامس: میرزا حبیب اللّه الرشتی (قدس سره) (م: 1312 ه- ق).

من مبرّزی تلامیذ الشیخ الأنصاری (قدس سره) صنّف بدایع الأفکار.

قال صاحب الذریعة: «قد کتب من تقریر بحث أستاذه العلامة الأنصاری عدة مجلدات فی الفقه و الأصول، ... و منها مجلدان فی تمام دورة الأصول من المباحث اللفظیة و الأدلة العقلیة.»،((1)) و الشیخ الأنصاری (قدس سره) یعلی سموّ مرتبته فی العلم بمحضر طلابه.

السادس: الشیخ محمد کاظم الخراسانی (قدس سره) (م: 1329ه- ق).

تلمّذ لدی الشیخ الأنصاری و المیرزا الشیرازی و الشیخ الرازی النجفی و السید علی الشوشتری (قدس سرهم) . و من أشهر تلامیذه المحقق الحائری و المحقق العراقی و المحقق الإصفهانی و السید المحقق أبی الحسن الإصفهانی و المحقق البروجردی (قدس سرهم) و ألّف کفایة الأصول، قال السید محسن الأمین (قدس سره): «شیخنا و أستاذنا الشیخ ملا کاظم الخراسانی النجفی أشهر المدرسین فی الأصول فی عصرنا هذّب مطالبه و اختصرها، له حاشیة علی رسائل الشیخ مرتضی (قدس سره) مدونة و له «الکفایة فی الأصول» جمع فیها جمیع مطالبه باختصار فصار مع المعالم و القوانین و الرسائل المعوّل فی التدریس و فی عصرنا الیوم هجرت القوانین و صار المعوّل علی المعالم و الرسائل و الکفایة.» و له أیضاً کتابی: «فوائد الاصول» و «التعلیقة علی الرسائل».

السابع: السید محمد الفشارکی (قدس سره) (م: 1316ه- ق).

ص: 37


1- الذریعة، ج4، ص374.

من أعظم تلامیذ الفاضل الأردکانی و السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سرهما) . اعتزل عن الریاسة و اجتنب عن الإفتاء و المرجعیة. له رسائل فی الفقه و الأصول.

الثامن: المیرزا محمد تقی الشیرازی (قدس سره) (م: 1338ه- ق).

صاحب فتوی الجهاد و هو أیضاً من أرکان تلامیذ الفاضل الأردکانی و السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سرهما) . و هو یباحث الدروس مع السید الفشارکی (قدس سره) .

الدورة الثانی عشر: عصر النائینی و العراقی و الإصفهانی و الحائری (قدس سرهم)

الأول: المیرزا محمد حسین النائینی (قدس سره) (م: 1355 ه- ق).

تلمّذ عند المیرزا المجدّد الشیرازی و السید محمد الفشارکی (قدس سرهما) و تلمّذ فی الحکمة لدی جهانگیر خان القشقائی (قدس سره) و اختلف فی تلمّذه عند صاحب الکفایة (قدس سره) و المشهور عدم تلمّذه عنده، بل تصدّی جواب استفتائاته، و فتخرّج من معهد بحثه و مجلس درسه کثیر من العلماء و المجتهدین و ألّفوا تقریرات بحثه، منها: «فوائد الأصول» و «أجود التقریرات».

الثانی: شیخ عبد الکریم الحائری الیزدی (قدس سره) (م: 1355 ه- ق).

هو الزعیم الأعظم و مؤسّس الحوزة العلمیة بقم المقدّسة، تلمّذ لدی الفاضل الأردکانی و المیرزا المجدد السید محمد حسن الشیرازی و السید محمد الفشارکی و المیرزا محمد تقی الشیرازی و محمد کاظم الخراسانی صاحب الکفایة (قدس سرهم)، و ألف «درر الفوائد» فی علم الأصول.

الثالث: الآقا ضیاء الدین العراقی (قدس سره) (م:1361 ه- ق).

من تلامیذ المیرزا حبیب الله الرشتی و صاحب الکفایة و السید محمد

ص: 38

الفشارکی و السید الیزدی صاحب العروة (قدس سرهم) و هو مؤلّف «مقالات الأصول»، و من أشهر تقریرات بحثه «نهایة الأفکار».

الرابع: الشیخ محمد حسین الإصفهانی (قدس سره) (م: 1361 ه- ق).

تلمّذ عند صاحب الکفایة و السید محمد الفشارکی و فی الحکمة لدی العلامة محمد باقر الإصطهباناتی (قدس سرهم)، فصار من أعلام المحققین و کشف غوامض مسائل علم الأصول و قد حضر عنده کبار المراجع و العلماء، حیث وجدوا فی أبحاثه الجمع بین منهج الإستناد إلی المفاهیم العرفیة و إعمال الدقّة العمیقة العقلیة، منهم: المحقق الخوئی و المحقق المیلانی و الأستاذ المحقق محمد تقی البهجة و العلامة المظفر (قدس سرهم) . من تألیفاته «نهایة الدرایة فی شرح الکفایة»، و «الأصول علی نهج الحدیث».

ص: 39

ص: 40

المبادی التصور یة و التصدیقیة

لعلم الأُصول

فیه مقدمات و أربع أبحاث

البحث الأوّل: المبادی اللغویة التصوریة لعلم الأُصول

البحث الثانی: المبادی اللغویة التصدیقیة لعلم الأُصول

البحث الثالث: المبادی الأحکامیة التصوریة لعلم الأُصول

البحث الرابع: المبادی الأحکامیة التصدیقیة لعلم الأُصول

ص: 41

ص: 42

المقدمات الخمس

المقدمة الأولی: فائدة علم الأصول و تعریفه

اشارة

إنّ علم الأصول أسّس لمعرفة القواعد الأصولیة و هی مبادٍ تصدیقیّة لعلم الفقه المتکفّل لتشخیص الحکم الشرعی و الوظیفة الفعلیة فی کل مورد بالنظر و الدلیل.

القواعد الأصولیة علی أقسام أربعة:
اشارة

((1))

القسم الأول: ما یوجب العلم الوجدانی مثل الاستلزامات العقلیة.((2))

ص: 43


1- جاء هذا التقسیم فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص6 و ط.ج. ص1 و فی الموسوعة الفقهیة المیسرة، ج3، ص509: «هناک عدة وجهات نظر لتقسیم الأبحاث الأصولیة، نشیر إلی أهمّها فیما یلی: التقسیم الأوّل: و هو ما نقله الشیخ محمّد رضا المظفّر عن أستاذه المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) الذی ذکره فی حلقة درسه... 1) مباحث الألفاظ 2) المباحث العقلیة 3) مباحث الحجة 4) مباحث الأصول العملیة 5) مباحث التعادل و التراجیح...؛ التقسیم الثانی: ما ذکره السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات... التقسیم الثالث: ما ذکره السیّد الصدر، و حاصله: أن الأدلة التی یعتمد علیها الفقیه فی استدلاله الفقهی علی أقسام: 1) الدلیل اللفظی 2) الدلیل العقلی البرهانی 3) الدلیل العقلی الاستقرائی... و هو یشمل مسألة حجیة الإجماع و السیرة و التواتر 4) الدلیل الشرعی... و هو علی قسمین: الأمارات و الأصول العملیة».
2- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص6 و ط.ج: ص1: «هی مباحث الاستلزامات العقلیة کمبحث مقدمة الواجب و مبحث الضد و مبحث اجتماع الأمر و النهی و مبحث النهی فی العبادات فإنّه بعد القول بثبوت الملازمة بین وجوب شیء و وجوب مقدمته - مثلاً- یترتب علیه العلم الوجدانی بوجوب المقدمة عند وجوب ذیها بعد ضمّ الصغری إلی هذه الکبری؛ و کذا یحصل العلم البتی بفساد الضد العبادی عند الأمر بضده الآخر إذا ضمّ ذلک إلی کبری ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضده».

القسم الثانی: ما یوجب العلم التعبدی و هو علی نوعین:

الأول: الصغریات التی کبراها مسلّمة، فإنّ کبرویّة حجیة الظهور متسالم علیها بین العقلاء و هی القواعد التی یستفاد منها ظهورات الألفاظ و هی إمّا((1)) ظهور الألفاظ فی حدّ ذاتها مثل العموم و الإطلاق و إما ظهور الألفاظ مع ملاحظة أمر خارجی مثل سرایة إجمال المخصّص إلی العام.

الثانی: الکبریات التی هی مباحث الحجج مثل حجیة خبر الواحد و الشهرة الفتوائیة و الإجماعات المنقولة و ...

القسم الثالث: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة الشرعیة. ((2))

ص: 44


1- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص7 و ط.ج: ص2: «إنّ البحث فی هذا الضرب یقع من جهتین: الجهة الأولی: فی إثبات ظهور الألفاظ بحد ذاتها وفی أنفسها، مع قطع النظر عن ملاحظة أیة ضمیمة خارجیة أو داخلیة کمباحث الأوامر و النواهی و المفاهیم و معظم مباحث العموم و الخصوص و المطلق و المقید... الجهة الثانیة: فی إثبات ظهورها مع ملاحظة معونة خارجیة کبعض مباحث العام و الخاص و المطلق و المقید کالبحث عن أنّ العام و المطلق إذا خصصا بدلیلین منفصلین فهل هما بعد ذلک ظاهران فی تمام الباقی أم لا ؟ ...».
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص7، و ط.ج. ص3:« ما یبحث عن الوظیفة العملیة الشرعیة للمکلفین فی حال العجز عن معرفة الحکم الواقعی و الیأس عن الظفر بأی دلیل اجتهادی» الخ و قال بعد ذلک بعبارة أخری «ما یعین الوظیفة العملیة الشرعیة بعد الیأس عن الظفر بالقسمین المتقدمین».

القسم الرابع: ما یوجب تعیین الوظیفة العملیة العقلیة ((1)) مثل الاحتیاط و البراءة العقلیین و الظنّ الانسدادی علی الحکومة.

فائدة علم الأصول:

إنّ فائدة علم الأصول هو تحصیل العلم الوجدانی أو التعبدی بالأحکام الشرعیة أو تعیین الوظیفة الشرعیة أو العقلیة فی مقام العمل الذی هو موجب لحصول الأمن من العقاب.

و بتعبیر أصحّ إنّ فائدة علم الأصول تحصیل الحجة علی حکم العمل.((2))

تعریفات سبعة لعلم الأصول:
اشارة

قد ذکروا لعلم الأصول تعاریف متعدّدة، لابدّ من ذکرها، و بیان ما هو الصحیح منها.

التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور
اشارة

التعریف الأوّل: تعریف القدماء و المشهور (3)

و هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة.

ص: 45


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص7، و ط.ج. ص3: بزیادة «فی فرض فقدان ما یؤدی إلی الوظیفة الشرعیة من دلیل اجتهادی أو أصل عملی شرعی».
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص8، و ط.ج. ص4: «من هنا ظهر فائدة علم الأصول و هی تعیین الوظیفة فی مقام العمل الذی هو موجب لحصول الأمن من العقاب».
3- . فی زبدة الأصول للشیخ البهائی، ص41: «حده علما العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة». و فی قوانین الأصول، ص5: «أمّا رسمه باعتبار العلمیة فهو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة». و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص97: «وأمّا حده بالنظر إلی معناه العلمی: فهو علی ما اختاره جماعة من المتأخرین العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة» . و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة،ص9: «قد ذکروا له تعریفات عدیدة أظهرها أنه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة عن أدلتها التفصیلیة». و فی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی الموسوی القزوینی، ج1، ص174: «و اعلم أنّ لهم فی رسم أصول الفقه باعتبار معناه العلمی عبارات مختلفة أسلمها جمعاً و منعاً ما فی کلام جماعة من المتأخرین، من أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة».

صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات((1)) و لکن أفاد فی المحاضرات تعریفاً آخر کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

إیرادان علی التعریف الأوّل:
اشارة

((2))

الإیراد الأوّل:

((3))

إنّ التقیید بالشرعیّة یوجب خروج مباحث الأصول العملیة العقلیة و الظن الانسدادی علی الحکومة حیث إنّهما لتعیین الوظیفة العقلیة لا لاستنباط الأحکام (کما ادّعی فی البراءة أنّ مفادها عدم الحکم الشرعی).

ص: 46


1- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص26.
2- فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص9: «قد لوحظ علی هذا التعریف أوّلاً: بأنّه یشمل القواعد الفقهیة، کقاعدة انّ ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده و ثانیاً: بأنّه لایشمل الأصول العملیة، لأنّها مجرّد أدلّة عملیة و لیست أدلّة محرزة، فلایثبت بها الحکم الشرعی و إنّما تحدد بها الوظیفة العملیة و ثالثاً: بأنّه یعم المسائل اللغویة، کظهور کلمة الصعید مثلاً لدخولها فی استنباط الحکم».
3- فی الکفایة، ص9: «کان الأولی تعریفه بأنّه ... بناء علی أنّ مسألة حجیة الظن علی الحکومة، و مسائل الأصول العملیة فی الشبهات الحکمیة من الأصول، کما هو کذلک، ضرورة أنّه لا وجه لالتزام الاستطراد فی مثل هذه المهمات». و فی درر الفوائد، ص32: «و لعلّ هذا أحسن ممّا هو المعروف من أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة لاستلزامه الالتزام بالاستطراد فی بعض المسائل المهمّة مثل مسائل الأصول العلمیة و مسألة حجیّة الظن فی حال الانسداد بناءً علی الحکومة لعدم تمهّدها لاستنباط الأحکام کما هو واضح».
الإیراد الثانی:

إنّه یدخل فی التعریف قواعد علم الرجال و مسائله، مثل وثاقة الراوی و لذلک اعتبر المحقق النائینی (قدس سره) فی القاعدة الأصولیّة أن تکون کبرویة.

جواب عن الإیراد الثانی:

((1))

إنّ «قید الممهّدة» یوجب خروج مباحث علم الرجال لأنّها لیست ممهّدة لاستنباط الحکم بل هی ممهّدة لتشخیص حال الخبر من حیث الصحّة و الصدق و الکذب وإن کان الخبر مرتبطاً بأصول الدین أو الاعتقادیّات أو الأخلاق.

التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

علم الأصول هی القواعد التی تطبیقها بید المجتهد.((2))

ص: 47


1- فی القوانین، ص5: «خرج بالقواعد العلم بالجزئیات». و فی هدایة المسترشدین، ص97: «خرج بالقواعد العلم المتعلق بالجزئیات کعلم الرجال». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ص174: «حیث إنّ القواعد عبارة عندهم عن القضایا الکلیة فخرج بها غیرها من القضایا الشخصیة، التی منها المطالب الرجالیة اللاحقة بأحوال آحاد الرواة، فإنّها قضایا موضوعاتها الأشخاص».
2- فی فرائد الأصول، ج3، ص18 و 19: «یشکل کون الاستصحاب من المسائل الفرعیة بأنّ إجراءها فی موردها أعنی: صورة الشک فی بقاء الحکم الشرعی السابق، کنجاسة الماء المتغیر بعد زوال تغیّره مختص بالمجتهد و لیس وظیفة للمقلّد فهی ممّا یحتاج إلیه المجتهد فقط و لاینفع للمقلّد و هذا من خواص المسألة الأصولیة فإنّ المسائل الأصولیة لمّا مهدت للاجتهاد و استنباط الأحکام من الأدلّة اختص التکلم فیها بالمستنبط و لاحظ لغیره فیها» . و فی رسائل فقهیة للشیخ الأنصاری (قدس سره)، ص146 – 149 فی الفرق بین المسألة الأصولیة و القاعدة الفقهیة: «التحقیق فی الفرق بینهما هو أن المسألة الأصولیة عبارة عن کل قاعدة یبتنی علیها الفقه، أعنی معرفة الأحکام الکلیة الصادرة من الشارع، و مهدت لذلک، فهی بعد إتقانها و فهمها عموماً أو خصوصاً مرجع للفقیه فی الأحکام الفرعیة الکلیة، سواء بحث فیها عن حجیة شیء أم لا. و کل قاعدة متعلقة بالعمل لیست کذلک فهی فرعیة سواء بحث فیها عن حجیة شیء أم لا. و من خواص المسألة الأصولیة أنّها لاتنفع فی العمل ما لم تنضم إلیه صرف قوة الاجتهاد و استعمال ملکته، فلاتفید المقلّد، بخلاف المسائل الفروعیة، فإنّها إذا أتقنها المجتهد علی الوجه الذی استنبطها من الأدلّة جاز إلقائها إلی المقلّد لیعمل بها؛ و حینئذٍ فالبحث عن حجة الخبر الواحد و وجوب الاحتیاط و الاستصحاب فی الأحکام الصادرة عن الشارع مسائل أصولیة، لأنّ المجتهد بعد ما أتقنها عموماً أو خصوصاً یرجع إلیها فی المسائل الفرعیة ولا تنفع المقلّد، لأنّ العمل بها موقوف علی ملکة الاجتهاد فکیف یمکن للمقلّد أن یعمل بالخبر الواحد حیثما وجده مع عدم قوة له یقتدر بها علی فهم مدلول الخبر و الفحص عن معارضه و کیفیة علاج المعارضة بعد العثور علی المعارض؟» الخ.
أورد علیه:

((1))

إنّ القواعد الفقهیة فی الشبهات الحکمیة بل بعض القواعد الفقهیة فی الشبهات الموضوعیة داخلة فی التعریف مثل قاعدة «البیّنة علی المدّعی و الیمین علی من أنکر» فإنّ تشخیص المدعی و المنکر غیر میسور للمقلّد فإنّ المدّعی إمّا هو من إذا تَرک تُرِک، أو الذی قوله خلاف الظاهر أو الذی قوله خلاف الأصل.

ص: 48


1- فی مقالات الأصول، ج1، ص53: «تطبیق عنوان مخالفة الکتاب و السنّة أیضاً بید المجتهد مع أنّ شرطیته للصلح أو الشروط من المسائل الفرعیة فتدبّر» و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص10، و ط.ج. ص7: «ان ما أفاده (قدس سره) بالإضافة إلی المسائل الفقهیة غیر تام علی إطلاقه، إذ ربّ مسألة فقهیة حالها حال المسألة الأصولیة من هذه الجهة کاستحباب العمل البالغ علیه الثواب، بناء علی دلالة أخبار " من بلغ " علیه و عدم کونها إرشاداً و لا دالة علی حجیة الخبر الضعیف فإنّه ممّا لایمکن أن یلقی إلی العامی لعدم قدرته علی تشخیص موارده من الروایات و تطبیق أخبار الباب علیها و کقاعدة نفوذ الصلح و الشرط باعتبار کونهما موافقین للکتاب أو السنة أو غیر مخالفین لهما فإنّ تشخیص کون الصلح أو الشرط فی مواردهما موافقاً لأحدهما أو غیر مخالف ممّا لایکاد یتیسر للعامی و کقاعدتی «ما یضمن و ما لایضمن» فإنّ تشخیص مواردهما و تطبیقهما علیها لایمکن لغیر المجتهد إلی غیرها من القواعد التی لایقدر العامی علی تشخیص مواردها و صغریاتها لیطبق القاعدة علیها. بل ربّ مسألة فقهیة فی الشبهات الموضوعیة تکون کذلک کبعض فروع العلم الإجمالی فإنّ العامی لایتمکن من تشخیص وظیفته فیه» الخ.
التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))

هو صناعة یعرف بها القواعد التی یمکن أن تقع فی طریق استنباط الأحکام أو التی ینتهی إلیها فی مقام العمل.

إیرادان علی التعریف الثالث:
الإیراد الأول:
اشارة

إنّ الحجّیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) المنجّزیة و المعذّریة، و المنجّزیة إما ذاتیة مثل منجزیة القطع و إما جعلیة مثل منجزیة الحجج الشرعیة، فعلی هذا یلزم خروج جمیع الحجج الشرعیة عن علم الأصول فإنّ للقطع حیثیتین:

1. انکشاف الواقع

2. صحة المؤاخذة و العقاب

و لکن الحجج الشرعیة لاتوجب انکشاف الواقع علی مبنی تفسیر الحجیة بالمنجزیة و المعذریة فحینئذ لایوجب خبر الواحد استنباط الحکم الشرعی بل یوجب صحة المؤاخذة و العقاب.

أُجیب عنه:

إنّ إثبات الحجیّة بمعنی المنجزّیة، هی المرتبة الأخیرة من مراتب الحکم الشرعی و هی مرحلة التنجز و الوصول و لذا یتحقّق به استنباط الحکم الشرعی، فإنّ صدق الاستنباط لایدور مدار مبنی الطریقیة، بل القائل بالمنجزیة أیضاً یستنبط الحکم علی حدّ ما یلزمه من ترتّب العقاب أو العذر عنه فالحکم

ص: 49


1- کفایة الأصول، ص9.

المستنبط عنده ما یترتّب العقاب علی مخالفته أو ما یکون معذوراً بالنسبة إلیه.

یلاحظ علیه:

إنّ استنباط الحکم بمعنی إثباته لکن التنجیز و التعذیر یوجبان تنجّز الحکم لا إثبات الحکم فإنّ تنجیز الحکم فی ما إذا کان الحکم موجوداً فی الواقع و العذر عنه فی ما إذا لم یکن موجوداً، لیس إثباتاً للحکم و استنباطاً له، فإنّ الحکم الشرعی علی هذا المبنی مشکوک الوجود واقعاً و تعبداً، إلا أنّه مع فرض وجوده یکون منجزاً و مع فرض عدمه یکون معذّراً.

الإیراد الثانی:

((1))

الوقوع فی طریق الاستنباط غرض و انتهاء المجتهد فی مقام العمل بعد الفحص و الیأس غرض آخر و حیث إنّ ملاک تمایز العلوم هو الغرض یلزم من هذا التعریف أن یکون علم الأصول علمین.((2))

التعریف الرابع: مختار المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

هو العلم بالکبریات التی لو انضمّت إلیها صغریاتها یستنتج منها حکم فرعی کلی. ((3))

ص: 50


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص19: «و أمّا الالتزام بالتعمیم علی ما فی المتن ففیه محذوران أحدهما: لزوم فرض غرض جامع بین الغرضین لئلّا یکون فن الأصول فنین».
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص27: «هو یرتفع بتصور غرض خارجی جامع بین الغرضین و یترتب علی جمیع مسائل علم الأصول و ذلک الغرض هو ارتفاع التردد و التحیّر الحاصل للمکلّف من احتمال الحکم».
3- فوائد الأصول، ج1 و 2، ص19؛ و فی أجود التقریرات، ص3:«العلم بالقواعد التی إذا انضمت إلیها صغریاتها أنتجت نتیجة فقهیة و هو الحکم الکلی الشرعی الثابت لموضوعه المقدر وجوده علی ما هو الشأن فی القضایا الحقیقیة». و فی منتهی الأصول، ص5 و 6: «ممّا ذکرناه ظهر أنّ المرجع الوحید فی تمییز المسألة الأصولیة عن غیرها هو ترتب الغایة بأحد النحوین علیها و حیث إنّ الغایة و الغرض من تدوین علم الأصول هو تحصیل المبادئ التصدیقیة للمسائل الفقهیة فکل مسألة کانت مبدأ تصدیقیاً لمسألة فقهیة فهی من المسائل الأصولیة و إلّا فلا و إلی هذا یرجع ما أفاده شیخنا الأستاذ (قدس سره) فی ضابطة المسألة الأصولیة من أنّها ما تقع کبری فی قیاس یستنتج من ذلک القیاس الحکم الشرعی الفرعی لأنّ المبدأ التصدیقی- لکل نتیجة من کل قیاس- هو کبری ذلک القیاس فالمسائل الأصولیة عبارة عن المبادئ التصدیقیة للمسائل الفقهیة و یمکن أن یکون هذا تعریفاً آخر بعبارة أخری لعلم الأصول».
إیرادان علی التعریف الرابع:
الإیراد الأوّل:

((1))

إنّه یلزم خروج مباحث الظهورات عن علم الأصول، لأنها صغریات، فخرج مباحث «المفاهیم» و «العام و الخاص» و «الإطلاق و التقیید» و «ظهور الأمر و النهی فی الفور أو التراخی» و ...((2))

ص: 51


1- فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص10: «یرد علیه أنّ جملة من القواعد الأصولیة لاتقع کبری أیضاً کظهور صیغة الأمر فی الوجوب و ظهور بعض الأدوات فی العموم أو فی المفهوم فإنّها محتاجة إلی کبری حجیة الظهور فما الفرق بینها و بین المسائل اللغویة؟ و کذلک أیضاً مسألة اجتماع الأمر و النهی فانّ الامتناع فیها یحقق صغری لکبری التعارض بین خطابی صلّ و لاتغصب و الجواز فیها یحقق صغری لکبری حجیة الإطلاق».
2- فی الرافد، ص123: «أجاب الأعلام عن هذه الملاحظة بوجهین: الأوّل: ما فی فوائد الأصول، من کون هذه المباحث المتعلقة بصغری أصالة الظهور مباحث لغویة خارجة عن موضوع الأصول موضوعاً و إنّما بحث عنها علماء الأصول لمدخلیتها فی مقام الاستنباط من جهة عدم تنقیح علماء اللغة و الأدب لها من جهة أخری و إلّا فلا فرق بین البحث عن ظهور صیغة الأمر فی الوجوب و بین البحث عن ظهور لفظ الصعید فی مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب إلّا أنّ المثال الثانی منقح فی کتب اللغة دون الأوّل».
الإیراد الثانی:

إنّ مبانی الحجیة مختلفة و یختلف بذلک قیاس الاستنباط و علی مبنی الطریقیّة لایترتّب علی القیاس المتشکّل من تلک الکبریات استنباط الحکم الشرعی.

توضیحه: إنّه قال: قیاس الاستنباط هکذا «الشیء الفلانی مما قام علی وجوبه خبر الثقة و کل ما قام علی وجوبه خبر الثقة یجب» فیستنتج من تألیف القیاس وجوب الشیء الفلانی و هذا لایلائم مبنی الطریقیة بل یلائم مبنی إنشاء الحکم المماثل.

فإنّ الکبری فی مبنی جعل الحکم المماثل «کل ما قام الخبر علی وجوبه فهو واجب». و الکبری فی مبنی المنجزیة و المعذریة «کل ما قام الخبر علی وجوبه فوجوبه منجّز». و الکبری فی مبنی الطریقیة «کل ما قام الخبر علی وجوبه فهو معلوم الوجوب تعبداً».

و من هنا یقع الإشکال علی مبنی التنجیز و التعذیر فی وجه الفتوی بالوجوب أو الحرمة أو الاستحباب أو الکراهة.

یلاحظ علی الإیراد الثانی:

إنّ لازم مبنی الطریقیة انتساب الحکم الذی هو معلوم تعبّداً إلی الشارع، فیصدق إثبات الحکم تعبداً، فیصحّ أن یقال: هذا حکم شرعی، و یصدق حینئذ استنباط الحکم الشرعی.

التعریف الخامس: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار
اشارة

له صیاغتان فی تعریف علم الأصول:

أما صیاغته الأولی للتعریف: «القواعد الممهّدة لتحصیل الحجة علی الحکم

ص: 52

الشرعی».((1))

أما صیاغته الثانیة للتعریف: «القواعد التی تقع فی طریق إقامة الحجة علی حکم العمل».((2))

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((3)) لا حاجة لنا إلی تأویل لفظ الاستنباط بمعنی تحصیل الحجّة (التی معناه المنجّزیّة و المعذّریّة) لیدخل فیه البراءة العقلیة و وجوب دفع الضرر المحتمل و التخییر العقلی.

إیرادات ثلاثة من المحقق الخوئی (قدس سره):

أولاً: إنّه لا ملزم له لأنّ تعمیم الحکم للواقعی و الظاهری یوجب دخول البراءة العقلیة و التخییر العقلی فلا إشکال علی تعریف المشهور.

ثانیاً: إنّ ذلک خلاف ظاهر لفظ الاستنباط و کلامنا فی توجیه تعریف المشهور

ثالثاً: إنّ ذلک یتمّ فی ما کان الحکم إلزامیاً أما فی الإباحة فلا معنی لتحصیل المعذر و المنجز.

مناقشات فی إیرادات المحقّق الخوئی (قدس سره):

أمّا إیراده الأوّل فلایتمّ حیث قلنا: إنّه علی مسلک التنجیز لایستنبط الحکم الشرعی لا ظاهراً و لا واقعاً.

و إیراده الثانی أیضاً غیر تام حیث لا جمود علی تعریف القوم فإنّ تعریف

ص: 53


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص42.
2- فی نهایة الدرایة، ج2، ص25: «لو قلنا بأنّ الغرض منه [أی علم الأصول] ... هو البحث عمّا یفید فی مقام إقامة الحجة علی حکم العمل شرعاً فی علم الفقه، کما بیّناه فی أوائل الجزء الأوّل من التعلیقة لإدراج البحث عن حجیّة الأمارات دلالةً و سنداً فی علم الأصول».
3- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص26.

المحقق الإصفهانی (قدس سره) أحسن من تعبیرهم باستنباط الحکم الشرعی.

و إیراده الثالث أیضاً مخدوش فإنّ بعض الأصولیین اختاروا فی الحجیة مبنی آخر غیر مبنی التنجیز و التعذیر، مع أنّه لابدّ من إقامة الحجّة علی حکم الإباحة علی مبنی المنجّزیة و المعذّریة أیضاً، فإن کان العمل فی الواقع حراماً، فالدلیل الذی أقاموه علی حکم الإباحة یکون حجة، بمعنی أنّه معذّر عن الحکم الواقعی (و هو الحرمة).

تحقیق المقام:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی التعریف الأول أحسن من التعریف الثانی حیث یشتمل علی قوله «الممهّدة» و بهذا القید یخرج القواعد التی تقع فی قیاس الاستنباط و لکن لیست ممهّدة لذلک مثل الصرف و النحو و الرجال فإنّ قواعد علم الرجال لیست ممهّدة لاستنباط الحکم بل تفید فی الروایات المرتبطة بأصول الدین أیضاً و التعریف الثانی أحسن من الأول حیث قال: فی طریق إقامة الحجة علی حکم العمل و لم یقل: الحکم الشرعی و بهذا القید یدخل فی التعریف الأصول العملیة العقلیة التی تعیّن وظیفة المکلف.

فمقتضی التحقیق فی تعریف علم الأصول هو أن یقال: «القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة علی حکم العمل.»

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره) (1)

علم الأصول هی القواعد الخاصّة التی تعمل فی استخراج الأحکام الکلّیة

ص: 54


1- . نهایة الأفکار، ص20؛ و فی مقالات الأصول، ص54: «إنّ المدار فی المسألة الأصولیة علی وقوعها فی طریق استنباط الحکم الشرعی بنحو یکون ناظراً إلی إثبات الحکم بنفسه أو بکیفیة تعلقه بموضوعه». و فی جواهر الأصول، ص65: «قال المحقق العراقی (قدس سره) علی ما فی بدائع الأفکار» الخ.

الإلهیّة أو الوظائف العملیّة الفعلیّة عقلیّة کانت أم شرعیّة.

إیراد علی التعریف السادس:

إنّ ما ورد علی صاحب الکفایة (قدس سره) یجیء هنا، حیث إنّه یلزم أن یکون علم الأصول علمین، لوجود غرضین و هما استنباط الأحکام و تعیین الوظیفة العملیّة.

التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

التعریف السابع: مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی المحاضرات((2))

فی هذا التعریف نکتتان:
اشارة

علم الأصول هو العلم بالقواعد التی تقع بنفسها فی طریق استنباط الأحکام الشرعیة الکلیة الإلهیّة من دون حاجة إلی ضمیمة کبری أو صغری أصولیّة أخری إلیها.

النکتة الأولی:
اشارة

قوله «استنباط الأحکام الشرعیة» لإخراج القواعد الفقهیّة حیث إنّها من باب التطبیق لا الاستنباط.

إشکال علیها ذکره المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّه یلزم خروج الأصول العملیة الشرعیة لأنّها أیضاً من باب تطبیق

ص: 55


1- و إن کان فی الدراسات مائلاً إلی تعریف المشهور.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص8، و ط.ج. ص4.

مضامینها علی مصادیقها و یلزم أیضاً خروج الأصول العملیة العقلیة و الظن الانسدادی علی الحکومة لأنّهما لاتنتهیان إلی استنباط حکم شرعی.

جوابان عن هذا الإشکال من المحقق الخوئی (قدس سره):
الجواب الأول:
اشارة

إنّ الإشکال یصح فی ما إذا أردنا من «الاستنباط» الإثبات الحقیقی بعلم أو علمی و لکن الاستنباط عندنا الإثبات الجامع بین أن یکون وجدانیاً أو شرعیاً أو تنجیزیاً أو تعذیریاً، و الأصول العملیة الشرعیة و العقلیة و الظن الانسدادی کلها تقع فی طریق الاستنباط لأنّها تثبت التنجیز و التعذیر.

یلاحظ علیه:

((1))

إنّ هذا الجواب غیر مجدٍ حیث قلنا: إنّ التنجیز و التعذیر یوجب تنجّز الحکم لا إثبات الحکم فإنّ تنجیز الحکم فی ما إذا کان الحکم موجوداً فی الواقع و العذر عنه فی ما إذا لم یکن موجوداً، لم یصدق علیه استنباط الحکم، فإنّ الحکم الشرعی علی هذا المبنی مشکوک الوجود واقعاً و تعبداً، غایة الأمر مع فرض وجوده یکون منجزاً و مع فرض عدمه یکون معذّراً.

ص: 56


1- فی تسدید الأصول، ص19 و 18: « أما ما أجاب به العلّامة الخوئی و قرّره الشهید الصدر (قدس سرهما) من أنّ هذه الأصول أیضا ممّا یقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی بدعوی أنّ الاستنباط أعمّ من أن یکون کشفاً له و أن یکون تنجیزاً بلا کشف أو تعذیراً ففیه أن الاستنباط - کما نصّ علیه فی اللغة و یقتضیه مادة النبط- هو استخراج ما کان مخفیاً علیه خبأ و واضح أنّه لم یستخرج الحکم فی موارد الأصول العملیة، بل إنّما جعلت وظیفة عملیة لمن شک فیه و لم یوفق لاستنباطه».
الجواب الثانی:
اشارة

لو تنزّلنا و فرضنا أنّ الأصول العملیّة الشرعیّة من باب التطبیق فلانسلّم أنّها خارجة عن علم الأصول، لوجود خصوصیة فیها لیست تلک الخصوصیة موجودة فی القواعد الفقهیّة، لأنّها أحکام کلیّة لمتعلّقاتها استنبطت من أدلّتها ثمّ تنطبق علی مواردها.

یلاحظ علیه:

إنّه مخدوش أیضاً، لأنّه عدول من تعریفه إلی تعریف صاحب الکفایة (قدس سره) و یرد علیه الإیرادان المذکوران هناک.

النکتة الثانیة:

قوله «من دون حاجة إلی ضمیمة کبری أو صغری أصولیة إلیها» هو لإخراج المباحث اللغویة مثل بحث المشتق و الصحیح و الأعم و وضع أداة العموم و مباحث الرجال و ... عن الأصول حیث إنّها تحتاج إلی ضمّ کبری أصولیة إلیها حتی یقع فی قیاس الاستنباط.((1))

ص: 57


1- فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص11: «نلاحظ علی ذلک: أوّلاً: إنّ عدم احتیاج القاعدة الأصولیة إلی أخری، إن أرید به عدم الاحتیاج فی کل الحالات، فلایتحقق هذا فی القواعد الأصولیة، لأنّ ظهور صیغة الأمر فی الوجوب مثلاً، بحاجة فی کثیر من الأحیان إلی دلیل حجیة السند حینما تجیء الصیغة فی دلیل ظنی السند و إن أرید به عدم الاحتیاج و لو فی حالة واحدة فهذا قد یتفق فی غیرها، کما فی ظهور کلمة الصعید إذا کانت سائر جهات الدلیل قطعیة. و ثانیاً: إنّ ظهور صیغة الأمر فی الوجوب و أی ظهور آخر بحاجة إلی ضم قاعدة حجیة الظهور و هی أصولیة، لأنّ مجرد عدم الخلاف فیها لایخرجها عن کونها أصولیة لأنّ المسألة لاتکتسب أصولیتها من الخلاف فیها و إنّما الخلاف ینصب علی المسألة الأصولیة».

المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم

اشارة

و المهمّ من الأقوال هنا أربعّة:

القول الأول:
اشارة

إنّ امتیاز العلوم عند القدماء (1) بالموضوع، فکلّ علم یمتاز عن العلم الآخر باختلاف موضوعه عنه.

مناقشتان فی القول الأوّل:

(2)

أوّلاً: إنّه لایمکن تحقّق الموضوع الجامع فی بعض العلوم کما سیأتی بیانه.

ص: 58


1- . فوائد الأصول، ص24: «إنّ المشهور ذهبوا إلی أنّ تمایز العلوم بتمایز الموضوعات ... و بعد ذلک لا موجب لدعوی أنّ تمایز العلوم بتمایز الأغراض مع أنّ هناک مایز ذاتی فی الرتبة السابقة علی الغرض». و هو مختار المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً ففی نهایة الأصول، ص5: «الحق الحقیق بالتصدیق هو ما اختاره القدماء من أنّ تمایز العلوم بتمایز الموضوعات و تنقیح ذلک بتمهید مقدمات ... إذا عرفت هذه المقدمات تبین لک أنّ الحق مع القدماء حیث قالوا: إنّ تمایز العلوم بتمایز الموضوعات إذ المراد بموضوع العلم هو ما یبحث فیه عن عوارضه الذاتیة و لیس هو إلّا عبارة عن جامع محمولات المسائل الذی عرفت فی المقدمة الثانیة ان تمایز العلوم بتمایزه و وجه کونه موضوعاً أنّ جامع محمولات المسائل فی کل علم هو الذی ینسبق أولاً إلی الذهن و یکون معلوماً عنده فیوضع فی وعاء الذهن و یطلب فی العلم تعیناته و تشخصاته التی تعرض له» و راجع أیضاً حاشیة علی کفایة الأصول، ص7 و 349 و هو مختار مؤلف تحریرات فی الأصول أیضاً فراجع ج1، ص44. نقل ذلک عن شروح الشمسیة، ج1، ص48 و شرح المطالع، ص18، س5؛ (الرسالة الشمسیة فی المنطق لنجم الدین علی بن عمر الکاتبی القزوینی المتوفی 675 و هو تلمیذ خواجه نصیر الدین الطوسی، (قدس سره) و مطالع الأنوار لسراج الدین محمود الأرموی المتوفی 689)؛ قال فی الرافد، ص109: «ذهب إلیه قدماء الفلاسفة».
2- . فی الرافد، ص112: «یلاحظ علیها أمران: 1) إنّ القائلین بهذه النظریة فسّروا العارض الذاتی فی تعریف موضوع العلم بذاتی باب البرهان و بما أنّه من الأمور الواقعیة البرهانیة فلامحالة یختص التعریف بالعلوم البرهانیة و هی الحکمة بأقسامها و من المعلوم الواضح أنّ المعارف الحکمیة متّحدة باتّحاد موضوعها لذلک صرّح هؤلاء بأنّ وحدة العلم بوحدة موضوعه نظراً لواقع العلوم البرهانیة، بینما علی المختار من تفسیر العارض الذاتی بما یعرض بلا واسطة جلیة لایختص التعریف بالعلوم البرهانیة المتحدة باتحاد موضوعها بل یشمل سائر العلوم المتحدة بالاعتبار الخاضع للمصالح العامة فلا موجب حینئذٍ لجعل معیار الوحدة هو الموضوع فقط. 2) قلنا فی ما سبق إنّ من الجهات الدخیلة فی توحید العلم عدم استغراق دراسته لما یزید علی ثلث عمر الإنسان الاعتیادی و حینئذٍ فالوحدة بوحدة الموضوع غیر کافیة لاعتبار وحدة العلم ما لم یضم لها سائر الجهات الدخیلة فی ذلک».

و ثانیاً: إن کان ملاک تمایز العلوم هو الموضوع الجامع یلزم أن یکون کلّ باب من العلم علماً برأسه. ((1))

القول الثانی:
اشارة

إنّ ملاک تمایز العلوم هو الاختلاف فی المحمول.

إیراد علی القول الثانی:

إنّ وجود المحمول الجامع أیضاً فی بعض العلوم ممّا لایمکن تحقّقه، کما صرّح بذلک بعض الأعلام فقال:

إنّ جمیع محمولات علم الفقه و بعض محمولات علم الأصول من الأمور

ص: 59


1- فی کفایة الأصول، ص8: «و قد انقدح بما ذکرنا أنّ تمایز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعیة إلی التدوین، لا الموضوعات و لا المحمولات و إلّا کان کل باب بل کل مسألة من کل علم، علماً علی حدة، کما هو واضح لمن کان له أدنی تأمل فلایکون الاختلاف بحسب الموضوع أو المحمول موجبا للتعدد، کما لایکون وحدتهما سبباً لأن یکون من الواحد». و فی الأصول علی النهج الحدیث، ص19: «من البین أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فن عن فن و إلّا لکان بابان من فن واحد فنین».

الاعتباریة و کما لایعقل وجود جامع مقولی بین الأمر الاعتباری و الأمر التکوینی، لایعقل وجوده بین أمرین اعتباریین أو أمور اعتباریة((1)) و هذا دلیل علی عدم إمکان الجامع المقولی فی ناحیة المحمول.

القول الثالث:

إنّ بعض الأعلام مثل صاحب الکفایة((2))و المحقق العراقی((3)) و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) ((4)) قالوا:إنّ ملاک امتیاز العلوم هو الغرض و هذا هو الصحیح

ص: 60


1- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص19 و ط.ج: ص17، الإیراد الثالث علی الاستدلال علی لزوم الموضوع لکل علم.
2- فی کفایة الأصول، ص7 و 8: «و المسائل عبارة عن جملة من قضایا متشتتة، جمعها اشتراکها فی الدخل فی الغرض الذی لأجله دون هذا العلم ... و قد انقدح بما ذکرنا أنّ تمایز العلوم إنّما هو باختلاف الأغراض الداعیة إلی التدوین».
3- نهایة الأفکار، ج1-2، ص11 قال: «کان الحری الحقیق أن یقال فی وجه تمایز العلوم بأنّ میزها إنّما هو من جهة الأغراض الداعیة علی تدوینها، لا أنّه من جهة تمایز موضوعاتها و إن وحدة العلم و تعدده إنّما هو بلحاظ وحدة الغرض وتعدده». و فی حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص11: «التمایز فی العلوم الاعتباریة بالأغراض دون الموضوعات».
4- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص19: «من البیّن أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فن عن فن و إلّا لکان بابان من فن واحد فنین و کذلک المحمول الجامع فتنحصر جهة الامتیاز من حیث الفنیة و العلمیة فی الغرض الجامع» و فی نهایة الدرایة، ج1، ص12: «قولهم:"تمایز العلوم بتمایز الموضوعات" إنّما هو فی مقام امتیاز مرکب اعتباری عن مرکب اعتباری آخر فی مقام التعریف، کما أنّ تعدد الغرض و وحدته إنّما هو فی مقام أفراد مرکب اعتباری عن غیره و جعله فناً و علماً برأسه، دون مرکب اعتباری آخر کباب واحد من علم واحد و من الواضح أنّ فن الأصول بنفسه یمتاز عن سائر الفنون لامتیاز کل مرکب عن مرکب آخر بنفسه و بموضوعهما الجامع فی مقام التعریف للجاهل لکن کون المجموع فناً واحداً دون فنون متعددة لوحدة الغرض».

من الأقوال.((1))

القول الرابع:
اشارة

قال بعضهم: إنّ الغالب هو الامتیاز بالغرض و لکن قد یکون ملاک الامتیاز الموضوع الجامع و هو فی ما إذا کان العلم للتحقیق حول الموضوع المعیّن.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا أیضاً یرجع إلی أنّ ملاک الامتیاز هو الغرض، لأنّ الغرض هنا هو التحقیق حول هذا الموضوع.

و هنا أقوال أخری لانطیل الکلام بذکرها ((2))

ص: 61


1- نذکر مناقشات ثلاث فی هذا القول: الأوّل: فی نهایة الأصول، ص9: «الجهة التی بها یمتاز مسائل کل علم من مسائل سائر العلوم، هی جهة ذاتیة موجودة فی نفس المسائل و ما لم یتمایز العلوم بذواتها لم یتمایز الأغراض المطلوبة منها، فإنّها أمور متفرعة علیها و الاختلاف فیها یکشف عن نوع اختلاف فی نفس الذوات» الثانی و الثالث: فی الرافد، ص113: «یلاحظ علیها ... أنّ وحدة الغرض و الغایة کلی مشکک یصدق علی الاتحاد الجنسی أو النوعی أو الصنفی، نظیر ما یقال بأن الغرض من علم الطب هو الصحة مع تفاوت الأفراد فی ذلک، مضافاً لعدم کفایة وحدة الغرض فی وحدة العلم ما لم یراع فترة استیعاب العلم و دراسته و نحوها».
2- هنا أقوال أخر أیضاً: 1) ما فی الفصول، ص11 حیث قال: «التحقیق فی المقام أن یقال تمایز العلوم إمّا بتمایز الموضوعات کتمایز علم النحو عن علم المنطق وتمایزهما عن علم الفقه أو بتمایز حیثیات البحث کتمایز علم النحو عن علم الصرف و تمایزهما عن علم المعانی فإن هذه العلوم وإن اشترکت فی کونها باحثة عن أحوال اللفظ العربی إلّا أن البحث فی الأوّل من حیث الإعراب و البناء و فی الثانی من حیث الأبنیة و فی الثالث من حیث الفصاحة و البلاغة» و هذا القول قریب من قول المشهور. 2) ما فی نهایة النهایة، ج1، ص4: «الحق عندی أنّ امتیاز العلوم بامتیاز الموضوع أو المحمول أو کلیهما لأنّ العلم عبارة عن طائفة من القضایا ومعلوم أن امتیاز قضیتین إمّا بالموضوع أو بالمحمول أو بکلیهما و مع اتحاد الطرفین کانت القضیة واحدة لا تعدد فیها». 3) التمایز إمّا بالموضوع أو بالمحمول أو بالغرض ففی وسیلة الوصول، ص20 و 21: «یمکن أن یکون التمایز بالموضوع ... و قد یکون التمایز بالمحمول ... و قد یکون التمایز بالغرض» و فی ص22: «ظهر أنّه لاینحصر تمایزها [أی العلوم المدوّنة] بتمایز الموضوعات و لا المحمولات و لا الأغراض، بل یمکن أن یکون التمایز بأحد هذه الأمور الثلاثة». و راجع أیضاً حقائق الأصول، ص10، التعلیقة علی قوله: «باختلاف الأغراض» و مباحث الأصول، ج1، ص23 و 19. 4) التمایز إمّا بالموضوعات أو الأغراض ففی منتهی الأصول، ج1، ص6: «التحقیق أن العلوم علی قسمین: قسم دوّن لأجل معرفة حالات حقیقة من الحقائق و ما هو مفاد هلیتها المرکبة و لیس الغرض من التدوین إلّا معرفة محمولاتها العرضیة التی تحمل علیه بالحمل الشائع حملاً حقیقیاً ... و تمایز هذا القسم من العلوم بعضها عن بعض لایمکن أن یکون إلّا بالموضوعات و لایبقی مجال للنزاع فی أنّه هل هو بها أو بالأغراض و قسم آخر عبارة عن مجموع قضایا مختلفة الموضوعات و المحمولات جمعت و دوّنت لأجل غرض خاص و ترتب غایة مخصوصة علیها، بحیث لولا ذلک الغرض و تلک الغایة لم تدون تلک المسائل و لم تجمع و لا فائدة فی معرفتها و تسمیّتها باسم مخصوص ففی هذا القسم لیس الجامع لهذه المسائل المختلفة إلّا تلک الغایة و ترتب ذلک الغرض علیها». 5) فی الرافد فی علم الأصول، ص109: «تطرح هنا خمس نظریات ... النظریة الثالثة: ما طرحه بعض الأعاظم (قدس سره) تبعاً لبعض الفلاسفة، من کون ملاک الوحدة و الکثرة التسانخ الذاتی بین المسائل». و توضیحها کما فی جواهر الأصول، ج1، ص51: «الذی یجب الالتزام به و یکون معتبراً فی جمیع العلوم إنّما هو وجود التسانخ و التناسب بین مسائل کل علم فی جهة من الجهات، مثل کون مسائل علم الفقه راجعة إلی عمل المکلف و مسائل علم الفلسفة راجعة إلی حقائق الأشیاء و واضح أنّ هذه الوحدة لیست وحدة حقیقیة» الخ. 6) فی الرافد، ص110: «النظریة الرابعة: ما طرحه الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) فی تعلیقة أجود التقریرات، من کون المیزان فی وحدة العلم و کثرته مختلف حسب اختلاف غرض التدوین للعلم» ثمّ یذکر الموضوع و المحمول و الغرض و توضیحها - کما فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص25، و ط.ج. ص25 -: «التحقیق فی المقام أن یقال:... إنّ التمایز فی العلوم: تارة یراد به التمایز فی مقام التعلیم و التعلم... و أخری یراد به التمایز فی مقام التدوین ... أمّا التمایز فی المقام الأوّل: فیمکن أن یکون بکلّ واحد من الموضوع و المحمول و الغرض بل یمکن أن یکون ببیان فهرس المسائل و الأبواب إجمالاً ... و أمّا التمایز فی المقام الثانی فبالغرض إذا کان للعلم غرض خارجی یترتب علیه کما هو الحال فی کثیر من العلوم المتداولة بین الناس کعلم الفقه و الأصول و النحو و الصرف ... و أمّا إذا لم یکن للعلم غرض خارجی یترتب علیه سوی العرفان و الإحاطة به کعلم الفلسفة الأولی فامتیازه عن غیره إمّا بالذات أو بالموضوع أو بالمحمول ... ثمّ إنّ من القریب جداً أن یکون نظر المشهور فی ما ذهبوا إلیه من أنّ تمایز العلوم بالموضوعات إلی تقدم رتبة الموضوع علی رتبتی المحمول و الغرض و لعلّهم لأجله قالوا: إنّ التمایز بها و لیس مرادهم الانحصار و إلّا فقد عرفت عدمه». 7) التمایز بالموضوع و المحمول و الغرض جمیعاً ففی عنایة الأصول، ج1، ص8: «بعد ما میّزنا و حدّدنا المسائل سعةً و ضیقاً بوسیلة الغرض و أخذنا الجامع بین موضوعاتها و کان هو موضوع العلم و أخذنا الجامع بین محمولاتها و کان هو محمول العلم کان الممیّز حینئذ للعلم أمور ثلاثة: الغرض و الموضوع و المحمول». 8) فی الرافد: «النظریة الخامسة: و هی الصحیحة عندنا و بیانها فی جانبین: 1- الصحیح عندنا أن وحدة العلم و کثرته بالاعتبار و الوضع لا أنّ الوحدة و الکثرة أمران واقعیان ... و من هنا نری أنّ العلم الواحد قد یتحوّل لعلوم متعددة ... أو تجتمع العلوم المتعددة فی علم واحد کعلم المعرفة و علم الوجود فی الحکمة المتعالیة ... 2- الوحدة الاعتباریة و إن کانت خاضعة لاعتبار المعتبر و لکنّها لاتکون موضعاً لترتیب الآثار العقلائیة إلّا مع وجود المصحح المنسجم مع المصالح العقلائیة و المنبعث عن تمام الجهات الدخیلة فی تشکیل هذه الوحدة ... فالمصنف و المدون لعلم معیّن لابدّ له فی تشکیل الوحدة من ملاحظة تمام الجهات الدخیلة فی ذلک کوحدة الهدف ... أو ملاحظة الفترة الزمنیة لاستیعاب العلم أیضاً فإنّ هذه جهة مهمة» الخ.

ص: 62

ص: 63

المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم

اشارة

إنّ المشهور بین الأعلام هو لزوم الموضوع لکل علم و لکن خالفهم بعض الأجلّة مثل المحقق الإصفهانی((1)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

استدلال بعض الأصولیین علی لزوم الموضوع لکل علم:
اشارة

قال بعض الأصولیین بلزوم الموضوع لکل علم و استندوا فی ذلک إلی قاعدة «الواحد لا یصدر إلا عن الواحد».((2))

یلاحظ علیه:

((3))

أولاً: إنّ هذه القاعدة مختصة بالوحدة الحقة الحقیقة فلاتجری فی الوحدة

ص: 64


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18 و 19: «أمّا موضوع العلم فصریح أعلام الفن لزومه للعلم ... و من جمیع ما ذکرنا تبین عدم لزوم الجامع لموضوعات المسائل فضلاً عن کونه بحیث تکون محمولات المسائل أعراضاً ذاتیة له إذ لا مقتضی له بل له مانع» الخ.
2- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص15 و ط.ج: ص13: «الجهة الأولی فی مدرک ما التزم به المشهور من لزوم الموضوع فی کل علم... غایة ما قیل أو یمکن أن یقال فی وجهه هو أن الغرض من أی علم من العلوم أمر واحد» الخ. و فی الرافد فی علم الأصول، ص 101: «المقدمة الرابعة: بحث الأصولیّون بحثاً مفصلاً حول الدلیل علی وجود موضوع لکل علم وعدمه و طرحت ثلاثة أدلّة علی اعتبار الموضوع: الأوّل: إنّ لکل علم غرضاً واحداً یتحقق بمعرفة مسائله و المسائل بما هی کثیرة لا تؤثر فی الواحد بما هو واحد لأنّ الواحد لایصدر إلّا من واحد فلا محالة تکون وحدة الغرض کاشفة عن وحدة المؤثر فیه و هو موضوع العلم الجامع بین مسائله و یبتنی علی ذلک اعتبار وجود الموضوع فی کل علم و هذا الاستدلال طرح فی المحاضرات و بعض حواشی الکفایة ونوقش مناقشات عدیدة لایهمّنا التعرض لها و إنّما تعلیقنا علی ذلک أنّنا لم نجد أحداً من الفلاسفة و الأصولیین استدلّ علی وجود الموضوع بکبری لایصدر الواحد من الکثیر حتی نتجشم مناقشته و الإشکال علیه کما عرفت».
3- لمناقشة هذا الاستدلال راجع مقالات الأصول، ج1، ص35 و المحاضرات ط.ق. ج1، ص16-20 و ط.ج. ص14-18 و تسدید الأصول، ج1، ص8 و 9.

الطبیعیة فضلاً عن الوحدة الاعتباریة فإنّ الاعتباریات لاتقبل التأثیر و التأثّر. ((1))

ثانیاً: إنّها لو جرت لدلّت علی حیثیة الوحدة فی جمیع العلوم التی هی دخیلة فی حصول غرض الاستنباط سواء کانت داخلة فی الأصول أم خارجة مثل علم الرجال و النحو و الصرف و غیر ذلک فلاتدلّ علی وجود الموضوع الواحد لعلم الأصول.

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام:
اشارة

((2))

إنّ لزوم الموضوع لکل علم، إن کان بملاحظة أنّ کل علم مرکب اعتباری من قضایا متشتّتة و لابدّ فی کل مرکب من جهة وحدة إما حقیقة کما فی المرکب الحقیقی کالمرکب من مادة و صورة، و إما اعتباریة کما نحن فیه.

ففیه: أنّ جهة الوحدة کما تنحفظ بالموضوع الجامع کذلک بالمحمول الجامع و بالغرض الجامع فلا تعیّن للموضوع.

و إن کان بملاحظة أنّ إفراد کل مرکب اعتباری عن مرکب اعتباری آخر و تسمیة کل منهما علماً و فنّاً متوقف علی الموضوع الجامع و لذا اشتهر أنّ تمایز

ص: 65


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص19: «أمّا موضوع العلم فصریح أعلام الفن لزومه للعلم ... و إن کان بملاحظة أنّ تأثیر القضایا المتشتتة فی غرض واحد یقتضی وحدة القضایا و لاتکون واحدة إلّا برجوع موضوعاتها إلی موضوع جامع و محمولاتها إلی محمول جامع ففیه أنّ الغرض الجامع واحد بالعنوان لا بالحقیقة لیجری فیه البرهان و هو استحالة تأثیر الأمور المتباینة أثراً واحداً» و فی مناهج الوصول إلی علم الأصول، ج1، ص42: «إن موضوع القاعدة هو البسیط الحقیقی صادراً و مصدراً لا مثل العلوم التی هی قضایا متکثرة، کل منها مشتملة علی فائدة تکون مع أخری واحدة بالنسخ» الخ و راجع أیضاً جواهر الأصول، ج1، ص33.
2- بحوث فی علم الأصول، ص19.

العلوم بتمایز الموضوعات و لو بالحیثیات، ففیه: أنّ الموضوع الجامع لایمکن أن یکون ما به امتیاز فنّ عن فنّ و إلا لکان بابان من فنّ واحد فنّین و کذلک المحمول الجامع فتنحصر جهة الامتیاز من حیث الفنّیة و العلمیة فی الغرض الجامع.

و إن کان بملاحظة أنّ تأثیر القضایا المتشتّتة فی غرض واحد یقتضی وحدة القضایا و لاتکون واحدة إلا برجوع موضوعاتها إلی موضوع جامع و محمولاتها إلی محمول جامع، ففیه: أنّ الغرض الجامع واحد بالعنوان لا بالحقیقة لیجری فیه البرهان و هو استحالة تأثیر الأمور المتباینة أثراً واحداً.

مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) فی لزوم وجود الموضوع الواحد لکل علم:

((1))

إنّ وجود الجامع المقولی و الذاتی فی بعض العلوم محال عقلاً لأنّه فی علم الفقه مثلاً موضوع بعض مسائله من مقولة الجوهر، مثل الماء و الدم و المنی فی بحث الطهارة و موضوع بعضها من مقولة الوضع، مثل القیام و السجود و الرکوع و بعضها من مقولة الکیف المسموع، مثل القراءة و بعضها من الأمور العدمیة، مثل التروک فی کتاب الصوم و الحج.

و تحقّق الجامع الذاتی بین الجوهر و العرض و العدم محال.

التحقیق النهائی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

من البیّن أنّه لا جامع لموضوعات مسائله لکن الذی یهوّن الخطب أنّ

ص: 66


1- هذا هو الإیراد الرابع من المحقق الخوئی (قدس سره) علی الاستدلال بقاعدة الواحد راجع المحاضرات، ط.ق. ج1، ص20 و ط.ج. ص18 حیث قال: «و رابعاً أنّ موضوعات مسائل علم الفقه علی أنحاء مختلفة ... و إذا لم یعقل تحقق جامع مقولی بینها فکیف بین الوجود و العدم؟».
2- بحوث فی الأصول، ص21.

القائلین بلزوم الموضوع الجامع یکتفون بکل جامع ذاتیاً کان أم عرضیاً کما صرّح بذلک المحقق الطوسی (قدس سره) فی شرح الإشارات فقال:

«و الأشیاء الکثیرة قد تکون موضوعات لعلم واحد بشرط أن تکون متناسبة و وجه التناسب أن یتشارک ما هو ذاتی کالخط و السطح و الجسم إذا جعلت موضوعات للهندسة فإنّها تتشارک فی الجنس أعنی الکم المتصل القار الذات و إما فی عرضی کبدن الإنسان و أجزائه و أحواله و الأغذیة و الأدویة و ما یشاکلها إذا جعلت جمیعاً موضوعات علم الطب فإنّها تتشارک فی کونها منسوبة إلی الصحة التی هی الغایة فی ذلک العلم».((1))

و بنظیره یمکن أن یقال: إنّ جمیع موضوعات المسائل مشترکة فی أنّها منسوبة إلی الغایة المطلوبة من تلک المسائل و هی إقامة الحجة علی حکم العمل.

ص: 67


1- شرح الإشارات للمحقق الطوسی (قدس سره)، ج1، ص298.

المقدمة الرابعة: موضوع علم الأصول

اشارة

هنا أقوال أربعة:

القول الأول: لبعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله)

لایمکن تحقق الموضوع الجامع الذاتی لعلم الأصول((1)) والوجه فی ذلک هو أنّ الموضوع فی بحث الإجزاء الإتیان بالمأمور به علی وجهه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟) هو إتیان المأمور به و المحمول هو الاقتضاء و إتیان المأمور به قد یکون أمراً وجودیاً و قد یکون أمراً عدمیاً مثل تروک الإحرام.

و الموضوع فی بحث مقدمة الواجب (وجوب ذی المقدمة هل یقتضی وجوب المقدمة أو لا؟) هو الوجوب الاعتباری و المحمول هو الاقتضاء و الموضوع فی هذه المسألة اعتباری و فی المسألة السابقة تکوینی.

و الموضوع فی بحث حجیة الخبر، هو حجیة الخبر الأعمّ من القولی و الفعلی و الموضوع فی بحث الاستصحاب هو الیقین السابق الملحوق بالشک و الموضوع فی بحث حجیة الشهرة هو الشهرة.

و الموضوع الجامع الذاتی بین هذه الأمور لایتحقّق أبداً کما أفاده المحقّق

ص: 68


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص20 و 21: «من البین أنّه لا جامع لموضوعات مسائله کیف و الموضوع فی باب الأوامر ذات الصیغة و محموله الظهور فی الوجوب أو فی الوجوب التعیینی إلی آخر المباحث و الموضوع فی باب حجیّة الظاهر نفس الظهور و فی باب الخبر حکایة السنّة و فی باب الإجماع نقله و فی باب الاستصحاب کون الیقین السابق و فی باب مقدمة الواجب الملازمة بین الوجوبین و فی باب الإجزاء إتیان المأمور به فکیف یکون لهذه الموضوعات المتشتتة جامع؟».

الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله).

و أما الموضوع الجامع العنوانی((1)) و إن لم یکن بمحال و لکن لا دلیل علی لزوم وجوده.

و القول الأوّل هو الحق کما بینّاه سابقاً.

القول الثانی:
اشارة

بعض الأعلام مثل صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) قالوا بوجود الموضوع لعلم الأصول و اختلفوا فی تعیینه و لما لم یتیسّر لهم ذلک قالوا: وجود الموضوع بحکم البرهان ثابت و لکن هو غیر معلوم و غیر مبیّن لنا.

إیراد علی القول الثانی:

قد قلنا ببطلان ما استدلّ علی لزوم الموضوع الجامع بل قد یکون مستحیلاً فی الجامع الذاتی و مع عدم تعیین الموضوع الجامع لا دلیل علی وجوده و قاعدة الواحد لاتجری هنا حتّی یستدلّ بها علی لزوم الموضوع الجامع.

ص: 69


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص31 و ط.ج. ص32: «إن أبیت إلّا أن یکون لکل علم موضوع و لو کان واحداً بالعنوان- کعنوان "الکلمة و الکلام" فی علم النحو و عنوانی"المعلوم التصدیقی و التصوری (قدس سرهما) فی علم المنطق و عنوان "فعل المکلف" فی علم الفقه و هکذا - فأقول: إنّ موضوع علم الأصول هو "الجامع الذی ینتزع من مجموع مسائله المتباینة" کعنوان ما تقع نتیجة البحث عنه فی طریق الاستنباط و تعیین الوظیفة فی مقام العمل».
2- فی الکفایة، ص8: «و قد انقدح بذلک أنّ موضوع علم الأصول هو الکلی المنطبق علی موضوعات مسائله المتشتتة» و قال قبل ذلک: «ثم إنّه ربّما لایکون لموضوع العلم - وهو الکلی المتحد مع موضوعات المسائل- عنوان خاص و اسم مخصوص، فیصحّ أن یعبر عنه بکل ما دلّ علیه، بداهة عدم دخل ذلک فی موضوعیته أصلاً».
القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره)

القول الثالث: لصاحب القوانین (قدس سره)((1))

إنّ موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هی أدلة.

القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

القول الرابع: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2))

إنّ موضوع علم الأصول الأدلة الأربعة بما هی هی.

مناقشة فی القول الثالث و الرابع:

أما القول الثالث و الرابع فقد نوقش فیهما بأنّه لیس موضوعاً جامعاً.

بیان المناقشة:((3)) إنّ السنّة إما نفس قول المعصوم و فعله و تقریره و إما الأعم منها و من الحاکی عنها.

أما بناء علی کونها الأعم فیخرج کثیر من المباحث من علم الأصول مثل

ص: 70


1- فی القوانین، ص9: «و أمّا موضوعه فهو أدلّة الفقه و هی الکتاب و السنة و الإجماع و العقل» الخ.
2- قال فی الفصول، ص11 و 12 عند البحث عن موضوع علم الأصول: « فإن قلت: أکثر مباحث الفن باحثة عن أحوال غیر الأدلّة... و کالمباحث التی یبحث فیها عن حجیة الکتاب و خبر الواحد... أمّا القسم الثانی فلأنّ البحث فیها لیس عن الأدلّة إذ کونها أدلّة إنّما تعرف بتلک المباحث... قلت... و أمّا بحثهم عن حجیة الکتاب و خبر الواحد فهو بحث عن الأدلّة لأنّ المراد بها ذات الأدلّة لا هی مع وصف کونها أدلّة فکونها أدلّة من أحوالها اللاحقة لها فینبغی أن یبحث عنها أیضاً».
3- فی الکفایة، ص8: «قد انقدح بذلک أنّ موضوع علم الأصول، هو ... لا خصوص الأدلّة الأربعة بما هی أدلّة، بل و لا بما هی هی، ضرورة أن البحث فی غیر واحد من مسائله المهمّة لیس من عوارضها و هو واضح لو کان المراد بالسنة منها هو نفس قول المعصوم أو فعله أو تقریره، کما هو المصطلح فیها، لوضوح عدم البحث فی کثیر من مباحثها المهمّة، کعمدة مباحث التعادل و التراجیح، بل و مسألة حجیة خبر الواحد، لا عنها و لا عن سائر الأدلّة ... و أمّا إذا کان المراد من السنة ما یعمّ حکایتها، فلأنّ البحث فی تلک المباحث و إن کان عن أحوال السنة بهذا المعنی، إلّا أنّ البحث فی غیر واحد من مسائلها، کمباحث الألفاظ وجملة من غیرها لایخص الأدلّة، بل یعمّ غیرها و إن کان المهم معرفة أحوال خصوصها کما لایخفی».

الملازمات العقلیة (وجوب المقدمة، اجتماع الأمر و النهی و بحث الضد) و مباحث الإطلاق و التقیید و العام والخاص و ظهور الأمر فی الوجوب و الفور و التراخی و المرة و التکرار.

و أما بناء علی کونها الأخص فیخرج مبحث حجیّة الخبر و التعارض، مضافاً إلی المباحث التی قلنا بخروجها مبنیاً علی کون السنّة أعمّ من الحاکی و المحکی.

جواب الشیخ الأنصاری (قدس سره) عنها بالنسبة إلی مبحث حجیة الخبر:

((1))

إنّ مفاد مبحث حجیة الخبر هو ثبوت السنة فالبحث عنها بحث عن عوارض السنّة.

ناقش فیه صاحب الکفایة (قدس سره):

(2)

إن أراد الشیخ (قدس سره) ثبوت السنّة بالخبر واقعاً فتخرج مبحث حجیة الخبر عن

ص: 71


1- فی فرائد الأصول، ج1، ص237 - 239: «إعلم أنّ إثبات الحکم الشرعی بالأخبار المرویة عن الحجج (علیهم السلام) موقوف علی مقدمات ثلاث: الأولی: کون الکلام صادراً عن الحجة ... أمّا المقدمة الأولی فهی التی عقد لها مسألة حجیة أخبار الآحاد، فمرجع هذه المسألة إلی أنّ السنة -أعنی قول الحجة أو فعله أو تقریره- هل تثبت بخبر الواحد أم لاتثبت إلّا بما یفید القطع من التواتر و القرینة؟ و من هنا یتضح دخولها فی مسائل أصول الفقه الباحثة عن أحوال الأدلة».
2- . فی الکفایة، ص8 و 9: «و رجوع البحث فیهما - فی الحقیقة- إلی البحث عن ثبوت السنة بخبر الواحد فی مسألة حجیة الخبر کما أفید ... غیر مفید فان البحث عن ثبوت الموضوع و ما هو مفاد کان التامة لیس بحثاً عن عوارضه فإنّها مفاد کان الناقصة ... و بالجملة الثبوت الواقعی لبس من العوارض و التعبدی و إن کان منها إلّا أنّه لبس للسنة بل للخبر فتأمّل جیداً». و فی ص293: «کما لایکاد یفید علیه تجشم دعوی أنّ مرجع هذه المسألة إلی أنّ السنة ... فإنّ التعبد بثبوتها مع الشک فیها لدی الأخبار بها لیس من عوارضها، بل من عوارض مشکوکها کما لایخفی مع أنّه لازم لما یبحث عنه فی المسألة من حجیة الخبر و المبحوث عنه فی المسائل إنّما هو الملاک فی أنّها من المباحث أو من غیره لا ما هو لازمه کما هو واضح».

علم الأصول أیضاً لأنّ الثبوت الواقعی مفاده مفاد کان التامة و البحث عن مفاد کان التامة لیس بحثاً عن عوارض الشیء.

و إن أراد الثبوت التعبدی فهذا الثبوت و إن کان من عوارض الشیء إلا أنّه لیس من عوارض السنة بل حجیة الخبر حینئذ من عوارض الخبر.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن مناقشة صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ الثبوت التعبدی و إن کان من عوارض الخبر إلا أنّ الخبر وجود تنزیلی للسنة فحینئذ تثبت السنة بالتعبد.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده یتمّ علی بعض مبانی الحجّیة مثل تتمیم الکشف أو جعل المؤدّی منزلة الواقع و أما علی مبنی إنشاء الحکم المماثل فمفاد الخبر لیس تنزیلاً للواقع الذی هو وجود السنة و أیضاً علی مبنی التنجیز حیث إنّ المنجز هو الخبر و الخبر علی هذا المبنی لیس حکایة تعبدیة عن السنة.

فعلی هذا، إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) بأنّ الخبر لیس وجوداً تنزیلیاً للسنة علی جمیع مبانی الحجیة تامّ، کما أشرنا.

ص: 72


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص15: «یمکن أن یقال: إنّ حجیة الخبر علی المشهور و إن کان مرجعها إلی إنشاء الحکم علی طبق الخبر و هو من عوارضه إلّا أنّه بعنایة أنّه وجود تنزیلی للسنة و هذا المعنی کما أنّ له مساساً بالخبر کذلک بالسنة فحاصل البحث إثبات وجود تنزیلی للسنة و بهذا الاعتبار یقول بثبوت السنة تعبداً و إلّا فالحکم علی طبق المحکی له ثبوت تحقیقی لا تعبدی و کونه عین التعبد لایقتضی أن یکون تعبدیاً بل هو کنفس المحکی له ثبوت تحقیقی فتأمل».

المقدمة الخامسة: فی تقسیم مبادی علم الأصول

اشارة

إنّ المسائل الأصولیة مبادٍ تصدیقیة لعلم الفقه و لکن لعلم الأصول أیضاً مبادٍ تصوریة و تصدیقیة، و المبادی التصوریة مرتبطة بحدود القضایا الأصولیة موضوعاً و محمولاً و المبادی التصدیقیة هی العلوم التی یتوقف علیها التصدیق بثبوت محمولات المسائل الأصولیة لموضوعاتها. ((1))

مبادی علم الأصول أربعة:

المبادی هنا إما تصوریة و إما تصدیقیة و کل منهما إما لغویة و إما أحکامیة.((2))

1) المبادی التصوریة اللغویة:

و هی بحث الوضع علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) و الأستاذ البهجة (قدس سره)، و المعانی الحرفیة، و الخبر و الإنشاء، و الحقیقة و المجاز. ((4))

ص: 73


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص17: «أمّا مبادؤه فهی تصوریة و تصدیقیة فمبادؤه التصوریة راجعة إلی حدودات تلک القضایا بأطرافها و مبادؤه التصدیقیة هی ما یتوقف علیه التصدیق بثبوت محمولات تلک القضایا لموضوعاتها».
2- فی مباحث الأصول، ج1، ص25: «و قد ینقسم کل من القسمین إلی اللغویة و الأحکامیة و لا مقابلة بین البحث عن المعنی اللغوی أو ما بحکمه تصوراً أو تصدیقاً و بین البحث عن الأحکام تصوراً أو تصدیقاً» و سیأتی فی آخر هذا البحث تعلیقة فی المبادی الأحکامیة.
3- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص23.
4- راجع الأصول علی النهج الحدیث، ص23 - 30 و مباحث الأصول، ص31 – 86، حیث عقدا أربعة فصول للمبادئ التصوریة اللغویة.
2) المبادی التصدیقیة اللغویة:

و هی بحث الحقیقة الشرعیة و بحث الصحیح و الأعم ((1)) و بحث الاشتراک علی رأی الأستاذ البهجة (قدس سره) ((2)) و بحث جواز الاستعمال فی أکثر من معنی واحد و بحث المشتق علی نظریة الأستاذ البهجة (قدس سره) . ((3))

ص: 74


1- فی مباحث الأصول رجّح جعلهما من الأصول ففی ص25 و 26: «و قد جعل ... البحث عن الصحیح و الأعم من التصدیقیة اللغویة و کذا الحقیقة الشرعیة ... و جعلهما من المبادئ مبنی علی جعل المسألة نتیجة البحث فی البحثین أعنی ثبوت الإجمال علی الصحیح فلایتمسک بالإطلاق بخلافه علی الأعم ... و لعلّ جعل المبدأین المذکورین لدخلهما فی الفقه من المسائل الأصولیة - کسائر ما وقع البحث فیه عن الوضع أو تعیین الموضوع له- أولی و تخلل واسطة - معنونة کانت أو لا- للوصول إلی الحکم الفرعی لا ینافی ذلک» و فی ص89، الفصل الأوّل أی الحقیقة الشرعیة: «و قد تقدّم ... أن جعل هذا البحث من الأصول أولی من جعل الثمرة منها و جعله من المبادئ مع عدم تعنونها بنفسها فی الأصول» و فی ص97، الفصل الثانی أی الصحیح و الأعم: «و هو کما تقدم مبدأ تصدیقی للمسألة المتکفلة لحکم المطلق و المجمل لتوقف ثبوت الموضوع فیهما علی ثبوت الوضع للصحیح و عدمه فتنقح صغری المسألتین بالمختار هنا کما یمکن جعلها من المسائل فإن النسبة بین الظهور للأمر فی الوجوب و المشتق فی المتلبس مع البحث عن حجیة الظهور هی النسبة بین الصحیح و الأعم مع حجیة الظهور من جهة تحقق الصغری لتلک الکبری ... و سبق فی ما مرّ أنّ الترتب بین المسائل لایمنع جعلها معاً من المسائل و لایلجیء إلی جعل الموقوف علیه من المبادئ».
2- و عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً حیث قال فی الأصول علی النهج الحدیث، ص41، المقام الثانی فی المبادئ التصدیقیة اللغویة: «الفصل الثالث لا ریب فی إمکان الاشتراک» الخ.
3- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص31 - 43 عقد فصولاً أربعة للمقام الثانی أی المبادئ التصدیقیة اللغویة و فی مباحث الأصول، ص87 - 245 عقد فصولاً خمسة للمبادئ التصدیقیة اللغویة و قال فی ص178: «الفصل الخامس المشتق ... و یمکن جعل البحث من مسائل الأصول و إن کان المنسوب إلی الأصولیین إدراجه فی المبادئ و ذلک لترتب الثمرة الفقهیة و هو الحکم بثبوت الحکم الشرعی فی صورة الانقضاء علی اختیار الوضع للأعم فی ما وقع فی موضوع الحکم فی الأدلة بعد الفراغ عن حجیة الدلیل علیه» الخ.

تنبیه:

إنّ العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری((1)) أنّ البحث عن المشتق من مسائل علم الأصول، حیث إنّه علی القول بالوضع للأعم یستفاد بقاء الحکم و علی القول بالوضع لخصوص المتلبّس ینتج ارتفاع الحکم لانتفاء المبدأ.

و لکن یلاحظ علیه: أنّ ذلک یرجع إلی تحقّق موضوع الحکم و عدمه و سعته و ضیقه و ذلک جارٍ فی جمیع المباحث اللغویة من حیث إنّه موضوع للحکم فلو صحّ هذا الاستدلال یلزم اندراج جمیع المباحث اللغویة فی المسائل الأصولیة.

3) المبادی التصوریة الأحکامیّة:

المبادی التصوریة الأحکامیّة:((2))

و هی بحث حقیقة الحکم و ماهیته، مبادی الحکم، مراتب الحکم و جعله، متعلق الحکم و موضوعه، تقسیمات الحکم التکلیفی و الوضعی، أقسام الحکم التکلیفی و أقسام الحکم الوضعی، الواجب المطلق و المشروط، الواجب المعلق

ص: 75


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18: «کما أنّ إخراج بعض المسائل و إدراجه فی المبادئ اللغویة بلا وجه کمسألة المشتق فانّها لیست من المبادئ التصوریة و لا التصدیقیة لمسألة أصولیة بل الوضع للأعم نتیجته بقاء الحکم المترتب علی المشتق و الوضع للمتلبس نتیجته ارتفاع الحکم مع انقضاء المبدأ و هذا شأن المسألة الأصولیة».
2- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18: «کما أنّ البحث عن حقیقة الحکم بما هو لا بما هو مدلول اللفظ و البحث عن التکلیفی و الوضعی و المطلق و المشروط و النفسی و الغیری إلی آخر تقسیمات الحکم من المبادئ التصوریة الأحکامیة» و فی ص44: «المقام الثالث فی المبادئ التصوریة الأحکامیة و هو متکفل لمعرفة المجعولات الشرعیة بما لها من التقسیمات و فیه فصول» الفصل الأوّل: إنّ المجعول التشریعی المعبّر عنه بالحکم ینقسم إلی تکلیفی و وضعی و الفصل الثانی إلی الثامن هو المذکور فی المتن من «الواجب المطلق و المشروط» إلی آخر الکلام.

و المنجز، الواجب النفسی و الغیری، الواجب التعیینی و التخییری، الواجب العینی و الکفائی، الواجب الموسع و المضیّق، الواجب التعبدی و التوصلی.

4) المبادی التصدیقیة الأحکامیة:

المبادی التصدیقیة الأحکامیة: ((1))

و هی بحث إمکان اجتماع الحکمین المتضادین و امتناعه،((2)) إمکان الواجب المعلق، إمکان الواجب المشروط (الشرط المتأخر) و کیفیّة القضایا (القضیة الحقیقیة و القضیة الخارجیة).((3))

ص: 76


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص74: «المقام الرابع فی المبادئ التصدیقیة الأحکامیة و فیها فصول» الفصل الأوّل فی إمکان أخذ قصد القربة بأحد الوجوه فی متعلّق الأمر و امتناعه لیکون مبدأ تصدیقیّاً للتمسک بالإطلاق و عدمه. الفصل الثانی فی مقدمیة ترک الضد لفعل الضد و بالعکس و عدمها. الفصل الثالث فی أنّه یمکن تعلّق الأمر بالطبیعة أو لایمکن إلّا بالفرد و هو من المبادئ التصدیقیة لجواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه. الفصل الرابع فی أنّ حقیقة الإیجاب مرکبة أو بسیطة.
2- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18: «و البحث عن إمکان اجتماع الحکمین و امتناعه من المبادئ التصدیقیة الأحکامیة فیحکم بناءً علی الإمکان بعدم التعارض بین الدلیلین المتکفلین للحکمین و علی الامتناع بالتعارض». و فی مباحث الأصول، ص26: «و جعل البحث ... عن جواز الاجتماع و عدمه، من الأحکامیة التصدیقیة، مع أنّه لایکفی فی کون المبدأ تصدیقیّاً کونه بحثاً عن ثبوت شیء للحکم فی قبال البحث عن تصور نفس الحکم أو ثبوت نفسه، بل کون ذی المبدأ ممّا یتوقف التصدیق فیه علی المبدأ، فی قبال توقف تصور أطرافه علی المبدأ و توقف التعارض علی مسألة الاجتماع من جهة توقف صغری التعارض علی اختیار الامتناع، لیس من توقف التصدیق علی مسألة و لیس تنقیح صغری مسألة لمسألة موجباً للمبدئیة المذکورة».
3- تکملة فی المبادئ الأحکامیة: فی زبدة الأصول للشیخ البهائی (قدس سره) جعل المنهج الأوّل فی المقدمات و فیه مطالب ثلاثة: المطلب الأوّل فی المبادئ المنطقیة المطلب الثانی فی المبادئ اللغویة و المطلب الثالث فی المبادئ الأحکامیة و ذکر فی المطلب الثالث فصولاً: الأوّل فی تعریف الحکم و الثانی فی الحسن و القبح و الثالث فی تعریف الواجب و الرابع فی الموسع و المضیق و الخامس فی ظن الموت و السلامة و السادس فی الواجب الکفائی و السابع فی الواجب المخیر و الثامن فی تعریف الصحیح و الباطل من العبادات و العقود و الإیقاعات و التاسع فی مقدمة الواجب و العاشر فی المباح. و فی فوائد الأصول، ج1-2، ص27: «زاد القوم مبادئ الأحکام فی خصوص علم الأصول ... و المراد من المبادئ الأحکامیة هو ما یتوقف علیه معرفة الأحکام الشرعیة من التکلیفیة و الوضعیة بأقسامهما و کذا الأحوال و العوارض للأحکام من کونها متضادة و کون الأحکام الوضعیة متأصلة فی الجعل أو منتزعة عن التکلیف و غیر ذلک من حالات الحکم و وجه اختصاص المبادئ الأحکامیة بعلم الأصول هو أنّ منه یستنتج الحکم الشرعی و واقع فی طریق استنباطه». و راجع أیضاً أجود التقریرات، ج1،ص8 و فی منتهی الأصول، ص13: « و زادوا فی علم الأصول قسما آخر من المبادئ و سمّوها بالمبادئ الأحکامیة و المراد منها معرفة حالات الأحکام الشرعیة من تقسیمها إلی الوضعیة و التکلیفیة و أنّ الأحکام التکلیفیة متضادة بأسرها و أنّ الأحکام الوضعیة هل هی منتزعة عن التکلیفیة أو مستقلة فی الجعل و غیر ذلک من حالاتها و عوارضها» و فی لمحات الأصول، ص161: «المراد بالمبادئ الأحکامیة هی لوازم الأحکام الشرعیة و معانداتها» و فی نهایة الأصول، ص189: «قد کانت القدماء من الأصولیین یذکرون فی کتبهم الأصولیة نبذا من المبادئ اللغوی و نبذا من المبادئ العقلیة کالبحث عن الحسن و القبح و نبذا من المبادئ الأحکامیة و المراد بالمبادئ الأحکامیة لوازم الأحکام و ملزوماتها» و فی ص142: «کان للقدماء مباحث یبحث فیها عن معاندات الأحکام و ملازماتها یسمّونها بالمبادئ الأحکامیة» و فی حقائق الأصول، ص353 عند التعلیقة علی لفظ «مبادیها الأحکامیة»: «یعنی المسائل المتعلقة بالحکم الشرعی». و استشکل بعضٌ جعلَ المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصوریة و التصدیقیة: ففی الأصول علی النهج الحدیث، ص17: «و تعارف فی علم الأصول تدوین المبادئ اللغویة و المبادئ الأحکامیة فربّما یتخیّل أنّهما قسمان آخران من المبادئ یختص بهما علم الأصول و لیس کذلک بل المبادئ التصوریة تارة لغویة و أخری أحکامیة و کذا المبادئ التصدیقیة» و فی المحاضرات، ط.ق. ج2، ص294و295 و ط.ج. ج2، ص113و114: «المبادی لاتخلو من التصوریة و التصدیقیة و لا ثالث لهما ... و لانعقل المبادئ الأحکامیة فی مقابل المبادئ التصوریة و التصدیقیة» و کذا فی ج3، ص4 و ج4، ص178 و فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص51: «خاتمة حول المبادئ التصوریة والتصدیقیة والأحکامیة قد اشتهر فی علم الأصول تقسیم المبادئ إلی مبادئ تصوریة و تصدیقیة و أحکامیة و التحقیق خلافه و ذلک لأنّ المراد من "المبادئ التصوریة" أعمّ ممّا یرتبط بتصور الموضوع فی المسألة و حدوده و المحمول فیها و حدوده و لما کان الحکم فی الفقه محمول المسألة، یبحث عنه هل هو قسم واحد أو له أقسام؟ و کل قسم منه قابل للجعل المستقل أم لا؟ أو یفصل و غیر ذلک فکما أنّ البحث عن المخترعات الشرعیة من المبادئ التصوریة لموضوع المسألة کذلک البحث عن الأحکام الوضعیة من المبادئ التصوریة لمحمول المسألة» و کذا ج3، ص8 و ج4، ص128.

ص: 77

ص: 78

البحث الأوّل: المبادی التصوریة اللغویة لعلم الأصول (فیه فصول ستة)

اشارة

الفصل الأول: حقیقة الوضع

الفصل الثانی: المعانی الحرفیة

الفصل الثالث: الخبر و الإنشاء

الفصل الرابع: أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات

الفصل الخامس: تبعیّة الدلالة للإرادة

الفصل السادس: الحقیقة و المجاز

ص: 79

ص: 80

الفصل الأوّل: فی الوضع (فیه أمران و تنبیه)

اشارة

الأمر الأوّل: حقیقة الوضع

الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع

تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی

ص: 81

ص: 82

الأمر الأوّل: حقیقة الوضع (هنا أقوال سبعة)
اشارة

قال المشهور: إنّ دلالة اللفظ علی المعنی إنّما هی بالوضع؛ نعم قیل: إنّ دلالة اللفظ علی المعنی لیست بالوضع بل هی بالمناسبة الذاتیة.

ثم إنّ الوضع: إمّا حقیقی و إمّا اعتباری و إمّا أمر وسط بینهما.

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة
اشارة

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة (1)

دلالة الألفاظ علی معانیها بالمناسبة الذاتیة و لیست بالوضع و أیّدوه بما حکی عن المیرداماد (قدس سره) حیث اختبره رجلان من أهل العلم عن معنی لفظ قبیح

ص: 83


1- . فی تعلیقة علی معاالم الأصول، ج1، ص358: «عن عباد بن سلیمان الصیمری و أهل التکسیر و أوائل المعتزلة أن بین اللفظ و المعنی مناسبة ذاتیة و أطبق أصحابنا و غیرهم من المحققین علی بطلانه فقالوا: لیس بین اللفظ و مدلوله مناسبة ذاتیة تقتضی اختصاص اللفظ بالمعنی فی الدلالة». و فی الفصول، ص23: «التحقیق أنّ القائل بالمناسبة الذاتیة إن أراد أنّ دلالة الألفاظ فی موارد الاستعمال ذاتیة أو أنّها ملحوظة عند کل واضع ففساده أجلی من أن یحتاج إلی البیان إذ یشهد ببطلانه صریح الوجدان علی أنّه لو تمّ الأوّل لزم أن لایجهل أحد شیئاً من اللغات و لو تمّ الثانی لامتنع النقل و الهجر لامتناع تخلف ما بالذات عنها و إن أراد أنّ هناک مناسبات خفیّة لایطّلع علیها إلّا الأوحدی من الناس أو ادعی ذلک بالنسبة إلی بعض الألفاظ أو اللغات الأصلیة فهذا و إن لم یقم دلیل علیه ظاهراً إلّا أنّه لا دلیل علی فساده لاسیّما إذا قلنا بأنّ الواضع هو الله تعالی أو أنّ الوضع بإلهامه» و فی تعلیقة أجود التقریرات، ج1، ص10: «و أما ثبوت المناسبة الذاتیة بین الألفاظ و معانیها فهو و إن کان ممکناً فی الجملة إلّا أنّه لا دلیل علیه» و کذا فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص32 و ط.ج. ص33. و فی المختصر فی المعانی، ص217: «(و قد تأوله) أی القول بدلالة اللفظ لذاته ( السکاکی) أی صرفه عن ظاهره و قال إنّه تنبیه علی ما علیه أئمة علمی الاشتقاق و التصریف من أنّ للحروف فی أنفسها خواص بها تختلف کالجهر و الهمس و الشدة و الرخاوة و التوسط بینهما و غیر ذلک و تلک الخواص تقتضی أن یکون العالم بها إذا أخذ فی تعیین شیء مرکب منها لمعنی لایهمل التناسب بینهما قضاء لحق الحکمة کالفصم بالفاء الذی هو حرف رخو لکسر الشیء من غیر أن یبین و القصم بالقاف الذی هو حرف شدید لکسر الشیء حتی یبین و انّ لهیئات ترکیب الحروف أیضا خواص کالفعلان و الفعلی بالتحریک لما فیه حرکة کالنزوان و الحیدی و کذا باب فعل بالضم مثل شرف و کرم للأفعال الطبیعیة اللازمة».

فهو أخبرهما عن المعنی و دعا علیهما لجسارتهما علیه و الحکایة غیر مستندة و ادّعوا أیضاً أنّ هناک ألفاظاً خاصّة یشترک فیها جمیع الأمم مثل الألفاظ التی یطلق علی الأمّ.

إشکالات أربعة علی القول الأوّل:

(1)

أولاً: إنّه لایعقل إلّا فی لسان واحد.

ثانیاً: لو التزمنا بهذه المقالة فی اللسان العربی فلابدّ من أن یتمکّن بعض

ص: 84


1- . و فی المختصر فی المعانی، ص217: «(و القول بدلالة اللفظ لذاته ظاهره فاسد) یعنی ذهب بعضهم إلی أنّ دلالة الألفاظ علی معانیها لاتحتاج إلی الوضع بل بین اللفظ و المعنی مناسبة طبیعیة تقتضی دلالة کل لفظ علی معناه لذاته فذهب المصنف و جمیع المحققین علی أنّ هذا القول فاسد ما دام محمولاً علی ما یفهم منه ظاهراً لأنّ دلالة اللفظ علی المعنی لو کانت لذاته کدلالته علی اللافظ لوجب أن تختلف اللغات باختلاف الأمم و أن یفهم کل أحد معنی کل لفظ لعدم انفکاک المدلول عن الدلیل و لامتنع أن یجعل اللفظ بواسطة القرینة بحیث یدلّ علی المعنی المجازی دون الحقیقی لأنّ ما بالذات لایزول بالغیر و لامتنع نقله من معنی إلی معنی آخر بحیث لایفهم منه عند الإطلاق إلّا المعنی الثانی». و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص72: «و لا شک فی خطأ الاتجاه الأوّل ... لما تکشفه الملاحظة و التجربة لنا من عدم وجود أی میل أصیل سابق علی الاکتساب و التعلم للانتقال من لفظ مخصوص إلی معنی مخصوص». فی زبدة الأصول للشیخ البهائی (قدس سره)، ص53: «و الوضع لنقیضین یدفع المناسبة الذاتیة». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص360: «الذی ینبغی أن یقطع به ما صار إلیه الجمهور من عدم استناد الدلالة إلّا إلی الوضع، بل و عدم کون ما سواه معقولاً، بناء علی أنّ المناسبة مفاعلة من النسبة و هو الربط الحاصل بین أمرین و کونها ذاتیة معناه استنادها إلی ذاتی اللفظ و المعنی، علی معنی کونهما لذاتهما مقتضیین لها، فإنّ ذلک فی الحقیقة دعوی غیر معقولة کما تعرفه» الخ. و فی أصول الفقه، ج1، ص53: «لازم هذا الزعم أن یشترک جمیع البشر فی هذه الدلالة، مع أن الفارسی - مثلا- لایفهم الألفاظ العربیة و لا غیرها من دون تعلم و کذلک العکس فی جمیع اللغات و هذا واضح». و فی تهذیب الأصول، ج1، ص7: «إنّ دعوی وجود المناسبة الذاتیة بین الألفاظ و معانیها کافة قبل الوضع ممّا یبطله البرهان المؤید بالوجدان إذ الذات البحت البسیط الذی له عدة أسماء متخالفة من لغة واحدة أو لغات إمّا أن یکون لجمیعها الربط به أو لبعضها دون بعض أو لا ذا و لا ذاک» الخ.

الأدباء و النوابغ من فهم هذه المناسبة الذاتیة کما أنّ الواضع فهمها و لذا جعل اللفظ بإزاء المعنی لوجود هذه المناسبة الذاتیة، مع أنّا لم نر أحداً ادّعی ذلک، فلا سبیل إلی إحراز ذلک فیبقی فی وعاء الإمکان.

ثالثاً: إنّ الالتزام بالمناسبة الذاتیة لایوجب عدم الوضع،((1)) کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) التزم بالمناسبة الذاتیة إجمالاً مع أنّه قائل بتحقّق الوضع.

رابعاً: علی فرض ثبوت المناسبة الذاتیّة، تعمیم تلک المناسبة لجمیع الألفاظ لم یثبت بل یمکن الوضع البشری فی سائر الألفاظ، کما هو الواقع فی

ص: 85


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص358: «أمّا ما یتراءی عن بعض العبارات فی حکایة مذهب عباد و من تبعه من أنّه یجعل وضع الألفاظ لمعانیها للمناسبات الذاتیة بینهما علی معنی أنّه بعد اعترافه بثبوت الوضع یجعله تابعاً لها، فلعلّه لاینافی ما ذکرناه إن أرید بالوضع ما هو صفة اللفظ أعنی التعین و الاختصاص ... نعم لو أرید به ما هو فعل الواضع کان الاختلاف ثابتاً غیر أنّه یتطرق حینئذٍ الاسترابة إلی النقل المذکور» الخ.

الألفاظ المستحدثة. ((1))

القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

القول الثانی: نظریّة الملازمة و هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره). (2)

توضیحه: إنّ الوضع من الأمور الواقعیّة لا بمعنی أنّها من إحدی المقولات الجوهریة أو العرضیة بل بمعنی أنّها من الملازمات التی سببها الجعل و الاعتبار

ص: 86


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص362: «هنا وجوه أخر احتجوا بها فی إبطال القول بالمناسبة لایخلو شیء منها عن شیء ... و منها أنّا نقطع بأنّ المنقولات و الأعلام و غیرها من الألفاظ التی حدث فیها الوضع لم تکن لها قبل حدوثه دلالة علی ما یفهم منها بعده ... و یزیفه فی الشق الأوّل ما نبهنا علیه من قضیة الخروج عن محل النزاع فالخصم فی الألفاظ المشار إلیها لاینکر استناد الدلالة بالنسبة إلی المعنی الجدید إلی الوضع» الخ. و فی ص359 و 360: «ثمّإ الظاهر أن مرجع القولین إلی دعوی الإیجاب الجزئی و السلب الکلی الذی یدعیه الجمهور بالنسبة إلی نفی استناد الدلالة إلی المناسبة الذاتیة فإنّ من الألفاظ جملة کثیرة لایمکن الاسترابة فی استناد دلالاتها إلی الوضع بالمعنی الأعم من التعیین والتعیّن الناشئ عن غلبة الإطلاق کالأعلام الشخصیة و المنقولات العرفیة عامة و خاصة من الحقائق الشرعیة و الأمور الاصطلاحیة فمطرح الخلاف حینئذٍ الألفاظ الأصلیة الواقعة فی العرف علی المعانی الأصلیة الواصلتین عن أصل اللغة من غیر أن یتطرق إلیها تغیر و لا نقل و لا ارتجال کلفظ "الماء" و "الأرض" و "السماء" و "النار" وغیر ذ لک».
2- فی نهایة الأفکار، ج1، ص26: «انّه لیست تلک العلاقة و الارتباط الخاص من سنخ الإضافات الخارجیة التی توجب إحداث هیأة خارجیة ... و لا من سنخ الاعتباریات التی لایکون صقعها إلّا الذهن ... و إنّما هی متوسطة بین هاتین فکانت سنخها من قبیل الاعتباریات التی کان الخارج موطن منشأ اعتبارها کما نظیره فی الملکیة و الزوجیة ... و لکن مع ذلک لها واقعیة ... نظیر الملازمات کالملازمة بین النار و الحرارة» الخ. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص38 و ط.ج. ص40: «ذهب بعض الأعاظم (قدس سره) إلی أنّها من الأمور الواقعیة لا بمعنی أنّها من إحدی المقولات ... بل بمعنی أنها عبارة عن ملازمة خاصة و ربط مخصوص بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له نظیر سائر الملازمات الثابتة فی الواقع بین أمرین من الأمور التکوینیة ... غایة الأمر أن تلک الملازمة ذاتیة أزلیة و هذه الملازمة جعلیة اعتباریة لا بمعنی أن الجعل و الاعتبار مقوم لذاتها و حقیقتها» الخ. إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد ذکر هذا المذهب - و هو القول بأنّ الوضع أمر واقعی- قال: «و ذهب کثیر من الأعلام و المحققین إلی أنّ حقیقة الوضع حقیقة اعتباریة و لکنّهمم اختلفوا فی کیفیتها علی أقوال؛ القول الأوّل: ما قیل من أنّ حقیقة الوضع عبارة عن اعتبار ملازمة بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له و حقیقة هذه الملازمة متقومة باعتبار من بیده الاعتبار أی الواضع» ثمّ ذکر الإیراد علیه. و فی الرافد جعل هذین القولین قولاً واحداً ناسباً له إلی المحقق العراقی (قدس سره) . و فی منتقی الأصول، ج1، ص48: «دعوی المحقق العراقی (قدس سره) تتلخص فی ضمن أمور: الأوّل: أن الوضع عبارة عن أمر اعتباری و هو جعل الملازمة بین اللفظ و المعنی. الثانی: انّه ینشأ من هذه الملازمة الاعتباریة ملازمة حقیقیة و بذلک یختلف الوضع عن غیره من الاعتباریات. الثالث: انّ المجعول مقید بصورة العلم بالجعل و ظاهر ان هذه الدعوی لا محذور فیها ثبوتا و لا إثباتاً فتتعیّن لو کان غیرها ممتنعاً و سیتضح الحال شیئاً فشیئاً فانتظر» و مختار المحقق الروحانی (قدس سره) هو أنّه عبارة عن جعل الارتباط بین اللفظ و المعنی و اعتباره بینهما و یوضحه فی ص66 و 67.

و هذه الملازمة نظیر الملازمة نفس الأمریة التی بین تعدد الآلهة و فساد العالم فی قوله تعالی: (لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتَا).((1))

و جعل الوضع بهذا البیان من الأمور الواقعیة مبنی علی تفسیره بالمعنی اسم المصدری حیث إنّه الحاصل من الوضع الخارجی المصدری؛ نعم إنّ مقتضی التحقیق هو اتّحاد المعنی المصدری مع المعنی اسم المصدری وکلاهما أمران اعتباریان.

إیرادان علی القول الثانی

(2)

أوّلاً: إنّ هذه الملازمة نفس الأمریة لیست بحقیقة الوضع بل هی متفرّعة

ص: 87


1- سورةالأنبیاء(21):22.
2- . ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص39 و ط.ج. ص41، قال: «و الجواب عن ذلک أنّه (قدس سره) إن أراد بوجود الملازمة بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له ... ثبوتها للعالم بالوضع فقط دون غیره فیرد علیه أن الأمر و إن کان کذلک - یعنی أن هذه الملازمة ثابتة له دون غیره- إلّا أنّها لیست بحقیقة الوضع، بل هی متفرعة علیها و متأخرة عنها رتبة و محلّ کلامنا هنا فی تعیین حقیقته التی تترتب علیها الملازمة بین تصور اللفظ و الانتقال إلی معناه و ذهب کثیر من الأعلام و المحققین (قدس سرهم) إلی أنّ حقیقة الوضع حقیقة اعتباریة». و فی الرافد، ص169: «إنّ التعبیر عن الوضع بأنّه الملازمة الجامع بین الملازمة الواقعیة بین اللفظ و المعنی و الملازمة الاعتباریة لایکشف عن حقیقة الوضع لأمرین: أوّلاً: لأنّ هذا الجامع هو عین الملازمتین المذکورتین و کلاهما لایعبران عن حقیقة الوضع ... ثانیاً: انّ هذا التعریف للوضع فاقد لرکیزة مهمّة فی مسیرة العلاقة الوضعیة بین اللفظ و المعنی و هی المرحلة الثانیة من مراحل الوضع التی هی عبارة عن سببیة اللفظ مع القرینة للانتقال إلی المعنی حیث لایوجد فی تعریف الوضع بأنّه الملازمة أی إشارة لهذه المرحلة الضروریة لمسیرة الوضع و هی مرحلة سببیة اللفظ مع القرینة للمعنی».

علی الوضع و متأخّرة عنه،((1)) فإنّ الوضع کما سیأتی هو جعل اللفظ بإزاء المعنی حتّی یکون وجوداً للمعنی أو یکون علامة علیه و الملازمة بین اللفظ و المعنی تتحقّق بعد ذلک.

ثانیاً: إنّها أمر اعتباری و لا خارجیة لها و ستأتیک زیادة التوضیح عند بیان الأقوال الاعتباریة.

و الوجه فی التعبیر بالملازمة هو أنّ حضور اللفظ یستتبع حضور المعنی و هکذا بالعکس حضور المعنی مستتبع لحضور الألفاظ الذهنیة.

القول الثالث: نظریّة التعهّد
اشارة

القول الثالث: نظریّة التعهّد (2) عن المحقق النهاوندی و الحائری و الخوئی (قدس سرهم)

إنّ الوضع من الأمور الواقعیة و هو التعهد و الالتزام علی ذکر اللفظ عند

ص: 88


1- فی الرافد، ص170: «إنّ الوضع علی نوعین: الوضع بالمعنی المصدری و الوضع بالمعنی الاسم المصدری و الملازمة الواقعیة و إن کانت متفرعة عن الأوّل لکنّها هی الوضع بالمعنی الثانی و مراد صاحب هذا المسلک عند ما یعرف الوضع بالملازمة الواقعیة هو المعنی الثانی لا الأوّل فلایرد الإشکال المذکور».
2- . فی الرافد، ص174: «المسلک الثالث: مسلک التعهد و قد ذهب إلیه مجموعة من أعلام الأصول أوّلهم کما نعلم المحقق ملّا علی النهاوندی فی کتابه تشریح الأصول و المحقق الحائری فی کتاب الدرر و آغا رضا الإصفهانی فی کتاب وقایة الأذهان و وافقهم الأستاذ الخوئی (قدس سره) » و فی وقایة الأذهان، ص62: «أری أن ... تصرف عنان الهم نحو معرفة ما یحصل به ذلک الاختصاص أو التخصیص أو التعیین أو الارتباط و یتوصل بذریعته إلی هذه الأمور و یترتب علیه المقصود من جعل الدلالة و لایمکن جمیع ذلک إلّا بالتعهد أعنی تعهد المتکلم للمخاطب و التزامه له بأنّه لاینطق بلفظ خاص إلّا عند إرادته معنی خاصاً أو أنّه إذا أراد إفهامه معنی معیّناً لایتکلم إلّا بلفظ معیّن فمتی تعهد له بذلک و أعلمه به حصلت الدلالة و حصل الإفهام و لایکاد یحصل بغیر ذلک فلنا فی المقام دعویان: حصول الوضع بالتعهد المذکور و عدم إمکان حصوله بغیره» الخ. و فی مناهج الوصول، ج1، ص58 و تحریرات فی الأصول، ج1، ص293 و 296 نسباه إلی المحقق الرشتی (قدس سره) .

إرادة تفهیم المعنی (و هذا البیان علی نظریة المحقق النهاوندی (قدس سره)). ((1))

أو هو التعهد علی تفهیم المعنی باللفظ أو إبراز المعنی باللفظ عند إرادة تفهیم المعنی (و هذا البیان علی نظریة المحقق الحائری((2)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما)).

ص: 89


1- فی نهایة النهایة، ص7: «و ممّن أطال الکلام فی بیان حقیقة الوضع و نسج نسجاً معجباً و مع ذلک لم یأت بشیء ینتج الأثر المقصود من وضع الألفاظ هو المحقق النحریر الملّا علی النهاوندی (قدس سره) فإنّه ذهب إلی أنّ الوضع هو التعهد و البناء بعدم ذکر اللفظ إلّا عند إرادة تفهیم المعنی و أوضحه بما لا مزید علیه قال: ... و هی [أی حقیقة الوضع] لیست إلّا تعهد الواضع لغیره بأن لایتکلم باللفظ الفلانی إلّا عند إرادة تفهیم المعنی الفلانی». ثمّ أورد علیه و قال: «وعلی ما أفاده (قدس سره) یکون معنی جملة زید قائم، إرادات ثلث: إرادة إحضار صورة زید و إرادة إحضار صورة قائم و إرادة إحضار صورة النسبة و هو بمعزل عن مفاد تلک الجملة لأنّ المستفاد منها هو ثبوت القیام لزید و علیه فلایترتب الغرض من الوضع علی ما ذکره (قدس سره) من التعهد فتدبر».
2- قال (قدس سره) فی درر الفوائد، ص35: «لایعقل جعل العلاقة بین الأمرین الذین لا علاقة بینهما أصلاً و الذی یمکن تعقله أن یلتزم الواضع انّه متی أراد معنی و تعقله و أراد إفهام الغیر تکلم بلفظ کذا فإذا التفت المخاطب بهذا الالتزام ینتقل إلی ذلک المعنی عند استماع ذلک اللفظ منه فالعلاقة بین اللفظ و المعنی تکون نتیجة لذلک الالتزام».

و لهذا المبنی خصوصیات خمس:((1))

الخصوصیّة الأولی: الوضع علی هذا المبنی لیس أمراً اعتباریاً بل هو فعل نفسانی.

الخصوصیّة الثانیة: علی هذا المبنی لابدّ أن یکون کل مستعمل واضعاً و بعبارة أخری کل مستعمل هو متعهّد بذلک فهو الواضع (أی المتعهد بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی) فإنّ التعهد و الالتزام لایتعلّق بفعل الغیر بل یتعلّق بفعل نفسه نعم الواضع یطلق عرفاً علی من لم یکن تعهده مسبوقاً بتعهّد قبله. ((2))

الخصوصیّة الثالثة: إنّ تقسیم الوضع إلی التعیینی و التعیّنی باعتبار أنّ التعهد تارةً مسبوق بکثرة الاستعمال و تارةً غیر مسبوق بها. ((3))

ص: 90


1- فی الرافد، ص176 - 178: «مختار الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) من کون الدلالات التفهیمیة ناشئة عن التعهد و بیانه فی خمس نقاط» و هی حاجة الإنسان إلی التعهد، شمولیة التعهد للواضع و المستعمل، کون متعلق التعهد قصد التفهیم لا خطور المعنی، کون الدلالة المتفرعة عن الوضع هی الدلالة التفهیمیة مباشرة لا الدلالة التصوریة و کون منشأ الانتقال للمدلول التفهیمی عند سماع اللفظ أصلاً عقلائیاً هو أنّ الإنسان العاقل یسیر علی وفق القانون الذی التزم به لا قانون السببیة».
2- فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص78: «تتمیز هذه النظریة بنقاط ثلاث: 1) إنّ التعهد یفسر التلازم بین اللفظ و المعنی المحقِّق للدلالة بقضیة شرطیة یتعهد بها الواضع طرفاها النطق باللفظ و إفهام المعنی... 2) إنّ الدلالة الناتجة عن الوضع علی أساس هذه النظریة تکون دلالة تصدیقیة لا تصوریة فحسب ... 3) إنّ کل مستعمل ینقلب إلی واضع حقیقة علی ضوء هذه النظریة لأنّه متعهد ضمناً بأن لاینطق باللفظ إلّا عند إرادة إفهام معناه الخاص و لا فرق بینه و بین الواضع إلّا أنّ الأخیر هو المتعهد الأوّل الأسبق زماناً» الخ و النطقة الثالثة هی الخصوصیة الثانیة فی المتن. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص46 و ط.ج. ص50: «و علی ضوء هذا البیان تبین أنّ کل مستعمل واضع حقیقة» الخ.
3- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص49 و ط.ج. ص53: «إن الوضع بذلک المعنی الذی ذکرناه ... یصحّ تقسیمه إلی التعیینی والتعینی باعتبار أنّ التعهد و الالتزام المزبور إن کان ابتدائیاً فهو وضع تعیینی و إن کان ناشئاً عن کثرة الاستعمال فهو وضع تعینی» الخ.

الخصوصیّة الرابعة: إنّ الدلالة إمّا تصوریة و إمّا تصدیقیة، و التصدیقیة إمّا علی المراد الاستعمالی و إمّا علی المراد الجدی.

أمّا الدلالة التصوریة فلاتستند إلی العلقة الوضعیة علی هذا المسلک بل إلی أنس الذهن، لأنّ العلقة الوضعیة مختصّة بما إذا قصد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ فالدلالة التصوریة حیث إنّها غیر قصدیة فهی خارجة عن محدودة العلقة الوضعیة أمّا القائلون بأنّ الوضع أمر اعتباری فیقولون: إنّ الدلالة التصوریة أیضاً مستندة إلی الوضع. نعم إطلاق الدلالة علیها محل الکلام لأنّ الدلالة تابعة للإرادة.((1))

الخصوصیّة الخامسة: قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات:((2)) إنّ المعنی الموضوع له لیس هو ذات المعنی بل إرادة تفهیم المعنی.

لکن ما أفاده فی محاضرات((3)) ینافی ذلک حیث قال: الإرادة التفهیمیّة لم تؤخذ فی المعنی الموضوع له بل أخذت فی الوضع، بمعنی أنّ العلقة الوضعیة تختص بما إذا أراد المتکلم تفهیم المعنی باللفظ.((4))

ص: 91


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص45 و ط.ج. ص48: «إنّ العلقة الوضعیة حینئذٍ تختص بصورة إرادة تفهیم المعنی لا مطلقا و علیه یترتب اختصاص الدلالة الوضعیة بالدلالة التصدیقیة» و فی ص117: « قد وقع الکلام بین الأعلام فی أنّ الدلالة الوضعیة هل هی الدلالة التصوریة أو أنّها الدلالة التصدیقیة ؟... التحقیق حسب ما یقتضیه النظر الدقیق هو القول الثانی... و علی الجملة قد ذکرنا سابقاً أن اختصاص الدلالة الوضعیة بالدلالة التصدیقیة لازم حتمی للقول بکون الوضع بمعنی التعهد و الالتزام و أمّا الدلالة التصوریة - و هی الانتقال إلی المعنی من سماع اللفظ- فهی غیر مستندة إلی الوضع، بل هی من جهة الأنس الحاصل من کثرة الاستعمال أو من أمر آخر»
2- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص32.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص107 و ط.ج. ص120
4- و نوقش فی هذه النظریة عدة مناقشات: الأولی: ما ذکره فی نهایة النهایة، ص7 و قد أشرنا إلیها عند التعلیقة علی «و هذا البیان علی نظریة المحقق النهاوندی (قدس سره) » فی الصفحة السابقة. الثانیة: ما فی نهایة النهایة، ص23، إذ قال: «و حیث عرفت اتحاد حیثیة دلالة اللفظ مع حیثیة دلالة سائر الدوال تعرف أنّه لا حاجة إلی الالتزام بأنّ حقیقة الوضع تعهد ذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی کما عن بعض أجلّة العصر فانّک قد عرفت أنّ کیفیة الدلالة و الانتقال فی اللفظ و سائر الدوال علی نهج واحد بلا إشکال» الخ. الثالثة: ما فی فوائد الأصول، ج1-2، ص30: «من المقطوع انّه لم یکن هناک تعهد من شخص لذلک و لم ینعقد مجلس لوضع الألفاظ». الرابعة: ما فی نهایة الأفکار، ج1، ص28: «إنّ إرجاع الوضع إلی تعهد الواضع بذکر اللفظ عند إرادة المعنی أیضا غیر مستقیم فإنّه بعد أن کان مرجع التعهد المزبور إلی إرادة ذکر اللفظ عند إرادة المعنی نقول» الخ. و فی منتقی الأصول، ص61 – 65 یصوّر أنحاء ثلاثة للمراد من التعهد و یورد علی کل منها و فی دروس فی علم الأصول، ج1، ص185 یذکر إیرادین و فی الرافد، ص179– 184، یجیب عن الإیراد الأوّل للسیّد الصدر (قدس سره) ولکن یذکر اعتراضین من جانب نفسه علی هذا القول و راجع أیضاً تسدید الأصول، ج1، ص20.
أدلّة نظریة التعهد أربعة:
الدلیل الأول:
اشارة

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد إبطال سائر الآراء قال: فالنتیجة علی ضوئها هی أنّ حقیقة الوضع لیست عبارة إلّا عن التعهد و الالتزام النفسانی.((1))

یلاحظ علیه:

لیس حصر عقلی فی البین حتی یستدلّ لإثبات نظریة ببطلان غیرها، مع ما سیجیء إن شاء الله تعالی من صحّة نظریة أخری ممّا أبطلها السیّد المحقق الخوئی (قدس سره) علی حسب رأیه الشریف.

ص: 92


1- المحاضرات، ط.ج. ص48 و ط.ق. ص44.
الدلیل الثانی:
اشارة

الرجوع إلی الوجدان و التأمّل فیه أقوی شاهد علیه.((1))

یلاحظ علیه:

إنّه سیأتی إن شاء الله ما هو مقتضی الوجدان فی حقیقة الوضع، بعد أسطر.

الدلیل الثالث:
اشارة

الغرض الباعث علی الوضع، قصد تفهیم المعنی و إبراز المقاصد بالألفاظ و هذا القصد لازم ذاتی للوضع بمعنی التعهّد و الالتزام، فلابدّ للإنسان أن یتعهد بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی حتی یحصل الغرض.((2))

یلاحظ علیه:

إنّ الوضع علی مقتضی التحقیق هو جعل اللفظ بإزاء المعنی حتی یکون علامة علیه و یکون وجوداً اعتباریّاً تنزیلیّاً للمعنی و الغرض منه هو تفهیم المعنی فی مقام الاستعمال و یترتّب علی الجعل المذکور، الارتباط والملازمة الاعتباریّة بین حضور اللفظ و حضور المعنی، فحینئذٍ لابدّ من ذکر اللفظ عند ارادة المعنی حتی یحصل الغرض و هو التفهیم و التفهّم و هذه اللابدّیة داعیة إلی ذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی، من دون وجود تعهّد و التزام نفسانی، مع أنّ الوضع و العلقة الوضعیة قد تحقّقت قبل ذلک.

ص: 93


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 44 و ط.ج. ص48 و فی زبدة الأصول، ج1، ص26: «و هذا المعنی ... ممّا یساعده الوجدان و الارتکاز».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص44 و ط.ج. ص48.

فتحقّق الوضع فی الرتبة الأولی و وقوع العلقة الوضعیّة و الارتباط و الملازمة المذکورة فی الرتبة الثانیة و أمّا لابدیّة رعایتها لحصول الغرض فهی فی الرتبة الثالثة.

و هذه الأمور کافیة لتحقّق الغرض و حصوله من دون احتیاج إلی تعهّد من أحد من الناس، بل إن قلنا بتحقق الالتزام النفسانی و وجوده فی ضمیر المستعملین فإنّه أمر متأخّر عن العلقة الوضعیة و اللابدیّة المذکورة و هذا الالتزام النفسانی یکون فی الرتبة الرابعة.

و لعلّ منشأ هذا التوهّم هو أنّ الواضع قد یبرز اعتبار وضع اللفظ علی المعنی (الذی هو الوضع عندنا) بتعهّده و التزامه بذکر اللفظ عند إرادة تفهیم المعنی، حیث یقول بعد الاعتبار الوضعی وجعل اللفظ بإزاء المعنی: إنّی أتعهّد و ألتزم بذکر اللفظ عند إرادة المعنی، و قد خفی الاعتبار المذکور عنهم و لذا توهّموا أنّ الوضع هو التعهّد المبرز و هذا نظیر من اعتبر أن یکون اسم طفله کذا، و أبرز ذلک باستعمال هذا الاسم، مثل قوله: «أعطنی ولدی علیاً».

الدلیل الرابع:
اشارة

إنّ الوضع بذلک المعنی (التعهد) موافق للمعنی اللغوی حیث إنّه فی اللغة بمعنی الجعل و الإقرار و منه وضع اللفظ و منه وضع القوانین فی الحکومات الشرعیة و العرفیة فإنّه بمعنی التزام تلک الحکومة بتنفیذها فی الأمّة. ((1))

ص: 94


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص49 و ط.ج. ص53 و فی زبدة الأصول، ج1، ص26: «و هذا المعنی مضافاً إلی کونه موافقاً لمعنی الوضع لغة و هو الجعل و الإقرار» الخ.
أجوبة ثلاثة عن الدلیل الرابع:
الجواب الأوّل: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((1))

إنّه لایمکن استبدال کلمة الجعل بکلمة الوضع((2)) فی موارد استعمالها کما فی قوله تعالی: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ)((3))

یلاحظ علیه:

إنّ للوضع معانی متعدّدة و هو قد یکون بمعنی الجعل کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی و لاینافی ذلک استعماله بمعنی آخر فی سائر الموارد.

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً
اشارة

((4))

إنّ الوضع یقابله الرفع و الجعل یقابله التقریر و هذا برهان آخر علی اختلاف المعنی.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ الوضع قد یکون بمعنی الجعل کما قال بعض اللغویّین:((5)) الوضع فی

ص: 95


1- تحقیق الأصول، ج1، ص70.
2- فی ریاض السالکین، ج7، ص122 فی شرح قوله (علیه السلام): «و لاتستبدل بی غیری»: «الاستبدال جعل الشیء مکان آخر و الباء للمقابلة أی لا تأخذ وتجعل بمقابلتی غیری کما قال تعالی: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِی هُوَ أَدْنَی بِالَّذِی هُوَ خَیرٌ) (البقرة:61) أی: أتأخذون الذی هو أدنی بمقابلة ما هو خیر فإن الباء تصحب الزائل الذاهب دون الآتی الحاصل کما فی التبدل و التبدیل فی مثل قوله تعالی: (وَمَنْ یتَبَدَّلِ الْکُفْرَ بِالْإِیمَانِ فَقَدْ ضَلَّ) (البقرة:108) الآیة و قوله: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَیهِمْ جَنَّتَینِ ذَوَاتَی أُکُلٍ خَمْطٍ) ( سبأ:16)».
3- سورة آل عمران(3):36.
4- تحقیق الأصول، ج1، ص70.
5- مفردات ألفاظ القرآن، ص526.

قوله تعالی: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)((1)) عبارة عن الإیجاد و الخلق.

و قال أیضاً:((2))

الجعل فی قوله تعالی: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)((3)) یجری مجری أوجَدَ.

و ثانیاً: ما أفاده من أنّ «الجعل یقابله التقریر» ممّا لایمکن المساعدة علیه، بل الجعل بمعنی الإیجاد مساوق للتقریر، سواء کان الإیجاد تکوینیاً أم اعتباریاً.

الجواب الثالث:

إنّ الوضع فی ما إذا استعملت بمعنی الجعل، لایفید معنی التعهّد و الالتزام بل التعهّد أمر متأخّر عنه.

ص: 96


1- سورة الرحمن(55):10.
2- فی مفردات ألفاظ القرآن، ص94: «جعل لفظ عام فی الأفعال کلّها و هو أعمّ من فعل و صنع و سائر أخواتها و یتصرف علی خمسة أوجه ... الثانی: یجری مجری أوجد فیتعدی إلی مفعول واحد نحو قوله عزّوجلّ: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) (الانعام:1) (وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ)(النحل:78 و..)» و نقل عبارة الراغب، السیوطی فی الإتقان، ج1، ص469. و جاء التعبیر بأوجد فی تفسیر البیضاوی، ج1، ص222 و فی شرح الرضی علی الکافیة، ج4، ص221 و فی تفسیر کنز الدقائق، ج1، ص167 و فی تاج العروس فی مادة جعل أیضاً و جاء التعبیر بالخلق و الإحداث و الإنشاء و الإبداع و الاختراع و الصنع فی کلماتهم و لکن أکثر ما ذکروه هو الخلق و نحن نذکر من فسر الجعل فی الآیة الکریمة بهذه المعانی مرتباً لهم حسب تاریخ وفاتهم: أبواللیث السمرقندی (383) فی تفسیره، ج1، ص455؛ أبوهلال العسکری (395) فی الفروق اللغویة، ص376؛ الباقلانی (403) فی تمهید الأوائل و تلخیص الدلائل، ص282؛ الشیخ الطوسی (قدس سره) (460) فی التبیان، ج3، ص572؛ الواحدی (468) فی تفسیره، ج1، ص344 و... و ذکر عدّة وجوه للفرق بین الخلق و الجعل فراجع الکشاف و تفسیر الرازی، ج32، ص98 و البرهان و تفسیر أبی السعود و المیزان.
3- سورة الأنعام(6):1.
القول الرابع: نظریّة وسطیة الوضع بین التکوین و الاعتبار عن المحقّق النائینی
اشارة

و هو أنّ الوضع وسط بین التکوین و الاعتبار.

ملخّص بیانه (قدس سره) علی ما فی الدراسات:((1)) إنّ الأمور إمّا لها تحقّق اعتباری بالجعل و الاعتبار من الله کالأحکام الشرعیة و هذا یحتاج إلی بعث الرسل و إنزال الکتب لتبلیغ ذلک إلینا و إمّا لها تحقق تکوینی بالإرادة التکوینیة مثل خلقة الجواهر و الأعراض الخارجیة و إمّا یکون حدّاً وسطاً بینهما مثل الوضع و ذلک بأنّ الله تعالی ألهم واضع کل لغة أن یضع کل لفظ خاص علی معنی مخصوص لوجود المناسبة بینهما مناسبة ذاتیة تکوینیة مجهولة عندنا و هذا معنی کونه تعالی واضعاً.

إشکالات ثلاثة علی القول الرابع:
اشارة

إشکالات ثلاثة علی القول الرابع:((2))

الإشکال الأوّل:
اشارة

إنّ ادّعاء المناسبة الذاتیة المجهولة رجم بالغیب.((3))

یلاحظ علیه:

إنّه فی خصوص اللغة العربیة نحتمل قویاً وجود تلک المناسبة فی اللغات الأصلیّة القدیمة، کما أنّه قد یستفاد من الآیة الشریفة (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)((4))

أنّه بوضع الله تعالی و بإلهامه بلا احتیاج إلی الوضع البشری و یؤیّده دقائق علم الحروف، فما أفاده لیس رجماً بالغیب بل هو استنباطه من الأدلّة الشرعیّة، نعم إنّ

ص: 97


1- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص31.
2- راجع فی الإشکال علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) منتقی الأصول، ج1، ص51 - 53.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص35 و ط.ج. ص37.
4- سورة البقرة(2):31.

دعوی المناسبة الذاتیّة فی جمیع اللغات لاتخلو عن التعسّف و لایمکن الالتزام بها.

الإشکال الثانی:
اشارة

إنّ الشیء إذا کان من الموجودات الحقیقیة بحیث لاتتوقف علی اعتبار المعتبر فهو أمر تکوینی و إلّا فهو من الأمور الاعتباریة فما تصوّره من الحد الوسط بین التکوین و الاعتبار غیر معقول.((1))

یلاحظ علیه:

((2))

إنّ الاعتبار الإلهی أو اعتبار الواضع البشری من عالم الاعتبار و لکن الإلهام أمر تکوینی خارجی حیث إنّه تعلیم و العلم أمر حقیقی خارجی و لعلّ مراده من الحدّ الوسط بین التکوین و الاعتبار وجود العناصر التکوینیة (الإلهام الإلهی) و الاعتباریة (الاعتبار الإلهی أو اعتبار الواضع البشری) فی حقیقة الوضع.

الإشکال الثالث:

إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) من المناسبة الذاتیة و إن کان محتملاً فی خصوص المقام و لکن لم یذکر دلیل علیه فی کلماته.

مع أنّ عبارته مضطربة حیث إنّه تارة یقول: إنّ لکلّ لغة واضعاً (حیث قال:

ص: 98


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص35 و ط.ج. ص37.
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص50: «و ظاهر أنّ الإیراد علی الوسطیة المزبورة بأنّه لایتصوّر وجود أمر وسط بین الواقعی و الجعلی ... غیر وجیه فان المحقّق المزبور لم یدع انّ حقیقة الوضع حقیقة ثالثة لیست بواقعیة و لا جعلیة و إنّ الوضع وسط بین الواقعی و الجعلی فی حقیقته إذ التزم بأنّه أمر اعتباری بید الشارع و إنّما الدعوی کونه وسطاً بلحاظ عدم ترتب الآثار العادیة المترتبة علی الاعتباریات الشرعیة علیه فهو وسط من حیث اللوازم و الآثار لا من حیث الحقیقة کما توهم».

واضع کل لغة) و أخری یقول: إنّه تعالی واضع و ثالثة یقول بوجود مناسبة ذاتیة تکوینیة بین اللفظ و المعنی و رابعة یقول بأنّ الوضع ربما فسّر بنفس العلقة و الاختصاص، کما أنّه قال: علی ما فی تقریرات درسه((1)) «و ربما فسّر الوضع بمعناه الاسم المصدری الذی هو عبارة عن نفس العلقة و الاختصاص الحاصل تارة من التعهد و أخری من کثرة الاستعمال».

القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی
اشارة

القول الخامس: نظریّة الوجود التنزیلی (2) عن بعض الحکماء و الأصولیین

إنّ بعض الحکماء مثل المحقق الطوسی (قدس سره) و بعض الأصولیین مثل المحقق الإیروانی و العلامة المظفر (قدس سرهما) اعتقدوا بهذه النظریة.

ص: 99


1- فوائد الأصول، ج1، ص29.
2- . فی نهایة النهایة، ص7: «العلة الموجبة لصرف دلالة اللفظ إلی معنی خاص من بین سائر المعانی إنمّا هو التنزیل و ادعاء العینیة و الهوهویة بین لفظ خاص متخصص بمادته و هیأته و بین ذلک المعنی و بعد هذا التنزیل یصبح اللفظ آلة إشارة إلی المعنی یشار به إلیه کما کان من قبل یشار به إلی نفس اللفظ و هذا التنزیل و الادعاء یسمّی بالوضع و لا معنی للوضع سواه کما أنّه لایترتب الغرض من الوضع و هو فتح باب الدلالة إلّا علیه». و فی منتهی الأصول، ص15 و 16: «التحقیق فی المقام أنّ الوضع عبارة عن الهوهویة و الاتحاد بین اللفظ و المعنی فی عالم الاعتبار ... الاتحاد و الهوهویة علی قسمین: تکوینیة و اعتباریة، أمّا الاتحاد التکوینی و الهوهویة الواقعیة فلایمکن أن توجد بصرف الإنشاء و التشریع و أمّا الاعتباریة فلا مانع من إیجادها فی عالم الاعتبار بصرف الإنشاء و الجعل التشریعی... و أمّا الدلیل علی أنّ الوضع بهذا المعنی لا بالمعانی التی ذکروها (فأولاً) أنّه لا شک فی أنّ إلقاء اللفظ إلقاء المعنی عند إلقاء المراد إلی الطرف و معلوم أنّ إلقاء شیء لیس إلقاء شیء آخر إلّا فیما إذا کانت بینهما هوهویة و اتحاد... و (ثانیاً) قد تقرّر عندهم انّ لکل شیء أربعة أنحاء من الوجودات و عدّوا من جملتها الوجود اللفظی فلو لم یکن ذلک الاتحاد کیف یمکن أن یکون وجود شیء أجنبی عن شیء آخر وجوداً له مع أنّ اللفظ من مقولة الکیف المسموع و إن کان مقداره من مقولة الکم و المعنی من مقولة أخری؟ و لهذه الجهة أیضاً یسری قبح المعنی و حسنه إلی اللفظ» و فی الرافد، ص166: «الثالثة: انّ حقیقة الوضع فی نظرنا هی الهوهویة بین تصور اللفظ و تصور المعنی الحاصلة من مقدمات ثلاث: الجعل و الاستعمال مع القرینة و التلازم» الخ.

قال المحقق الطوسی (قدس سره) فی شرح منطق الإشارات: «إنّ الوضع عبارة عن اعتبار وجود اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی فهو هو فی عالم الاعتبار».((1))

و نظر المستعمل إلی اللفظ آلی و إلی المعنی استقلالی، بحیث إنّه لایری إلّا المعنی، فاللفظ فانٍ فی المعنی و لذا حسن المعنی و قبحه یسری إلی اللفظ و بهذا البیان تری أنّ الحکماء یعدّون للشیء وجوداً عینیاً و ذهنیاً و وجوداً کتبیاً و لفظیاً.

إشکالات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الخامس:
اشارة

((2))

الإشکال الأوّل:

(3)

إنّه عملیة دقیقة و هو بعید عن أذهان عامّة الواضعین سیّما القاصرین منهم کالأطفال مع أنّه قد یصدر عنهم الوضع عند الحاجة.((4))

ص: 100


1- شرح منطق الإشارات، ص21.
2- و للمحقق الروحانی (قدس سره) إیراد علی هذا القول مذکور فی منتقی الأصول، ج1، ص58-60 .
3- . فی الرافد، ص173: «و یلاحظ علی هذا الإیراد أوّلاً: النقض بمسلک التعهد فإنّ الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) مع إیراد هذا الاعتراض علی مسلک الهوهویة یبتنی مسلک التعهد النفسانی بین الواضع و نفسه ... مع أنّ مسلک التعهد مورد لنفس الإشکال و هو بعده عن الأذهان العامیة الساذجة التی تمارس عملیة الوضع غالباً. ثانیاً: ان جعل الهوهویة أمر سهل یسیر لایحتاج لعمق الفکر و لا دقة التأمل لأنّه لون من ألوان المجاز و هو ما یسمّی بالاستعارة أی إلباس أحد الشیئین لباس الآخر و هذا ما یقوم به أغلب أبناء العرف فی محاوراتهم» الخ.
4- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص41 و ط.ج. ص44، الإیراد الأوّل.
الإشکال الثانی:
اشارة

((1))

إنّ الغرض الداعی إلی الوضع هو استعمال اللفظ فی المعنی الموضوع له حتّی یدلّ علیه و یفهم منه معناه، فالوضع مقدمة للاستعمال و الدلالة و من الواضح أنّ الدلالة اللفظیة إنّما تکون بین شیئین أحدهما دالّ و الآخر مدلول فاعتبار الوحدة بینهما بأن یکون وجود اللفظ وجوداً للمعنی أیضاً لغو و عبث.((2))

یلاحظ علیه:

إنّ الدلالة لاتبتنی علی التعدّد الحقیقی کما ورد «یا مَنْ دَلَّ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِه» و «بِکَ عَرَفْتُکَ وَ أَنْتَ دَلَلْتَنِی»،((3)) مع أنّ اللفظ و المعنی متعدّدان حقیقةً و الوحدة بینهما اعتباریّة.

ص: 101


1- فی الرافد، ص172 یذکر الإیراد بهذه العبارة: «الثانی: إن الهدف من الوضع هو حصول الدلالة ... و من الواضح انّ الدلالة تتوقف علی طرفین متغایرین دالّ و هو صورة اللفظ و مدلول و هو صورة المعنی فجعل الهوهویة بینهما لاینسجم مع الهدف» الخ. ثمّ یجیب عنه بقوله: «انّ الدلالة فی نظر المورد عبارة عن علاقة السببیة و التلازم بین تصور اللفظ و تصور المعنی و لذلک یراها متقومة بطرفین فلا وجه لاعتبار الهوهویة بینهما، بینما الصحیح ما ذکرنا سابقاً من کون الدلالة و العلاقة الوضعیة عبارة عن الهوهویة و اندماج صورة المعنی فی صورة اللفظ و لذلک یکون اعتبار الهوهویة بینهما منسجماً تماماً مع نتیجة الوضع وهدفه». و فی منتقی الأصول، ج1، ص58 مناقشة فی هذا الإشکال فراجع.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص41 و ط.ج. ص44، الإیراد الثانی؛ دراسات فی علم الأصول، ج1، ص31.
3- فی دعاء مولانا الحسین (علیه السلام) فی یوم عرفة: « کیف یستدل علیک بما هو فی وجوده مفتقر إلیک أیکون لغیرک من الظهور ما لیس لک حتی یکون هو المظهر لک، متی غبت حتی تحتاج إلی دلیل یدل علیک» راجع بحار الأنوار، ج95، ص225، نقلاً عن إقبال الأعمال و فی دعاء زین العابدین (علیه السلام) نقلاً عن أبی حمزة الثمالی: «بک عرفتک و أنت دللتنی علیک و دعوتنی إلیک و لولا أنت لم أدر ما أنت» راجع إقبال الأعمال، ج1، ص157 و فی توحید الإمامیة، ص 114 و 115: « روی أیضا مسنداً عن الفضل بن السکن عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال أمیرالمؤمنین (علیه السلام): اعرفوا الله بالله ... و روی أیضا عن محمد بن موسی بن المتوکل مسنداً عن عبد الأعلی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال:... إنّما عرف الله من عرفه بالله فمن لم یعرفه به فلیس یعرفه إنّما یعرف غیره ... و روی الطبرسی عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) فی خطبة له قال: لیس بإله من عرف بنفسه. هو الدال بالدلیل علیه و المؤدی بالمعرفة علیه و روی المجلسی فی دعاء الصباح عن أمیرالمؤمنین (علیه السلام) قال: یا من دلّ علی ذاته بذاته» و راجع أیضاً شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص50 و 51.
الإشکال الثالث:
اشارة

إنّ التنزیل و إن کان خفیف المؤنة إلّا أنّه لایحسن إلّا فیما کان بین المنزّل و المنزَّل علیه مناسبة تامّة مثل تنزیل الرجل الشجاع منزلة الأسد و لا مناسبة بین اللفظ و المعنی.((1))

یلاحظ علیه:

هذا فی التنزیل الذی منشأه الأمر الخارجی و لکن التنزیل فی الوضع، أمر اعتباری، من دون منشأ خارجی. (بخلاف تنزیل الرجل لوصف الشجاعة).

الإشکال الرابع:
اشارة

((2))

التنزیل لابدّ و أن یکون بلحاظ آثار المنزَّل علیه علی المنزَّل، و فی المقام لایثبت

ص: 102


1- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص29.
2- فی الرافد، ص171 یذکر الإیراد بهذه العبارة: «الأوّل: ما ذکر فی المحاضرات و محصله: انّ تنزیل شیء مکان شیء آخر یحتاج إلی مصحح و المصحح للتنزیل ترتیب آثار المنزل علیه علی المنزل ... مع أنّه لاتترتب آثار المعنی من طلبه أو النفور منه علی اللفظ بمجرد هذا التنزیل فلا مصحح له». ثمّ یجیب عنه بقوله: «إن اعتبار الهوهویة بین صورة اللفظ و صورة المعنی لون من ألوان التنزیل و الاعتبارات الأدبیة المتوقفة علی وجود المصحح و المصحح کما ذکر هو ترتب آثار المنزل علیه علی المنزل إلّا أنّ هذا الترتب یکفی فی کونه مصححاً حصوله و لو بالواسطة و لا وجه لتوقف مصححیته علی الترتب المباشر فتنزیل الشجاع منزلة الأسد من الهیبة و العظمة فی النفوس یتمّ و لو بواسطة کثرة الحمل و الإطلاق و لایحتاج المصحح إلی الترتب المباشر» الخ.

شیء من خواصّ المعنی لللفظ، مثلاً لفظ العدم بعد الوضع لایکون محالاً.

یلاحظ علیه:

صفات المعنی تسری إلی اللفظ مثل الحسن و القبح و أمّا مثال العدم، فیرد علیه أنّ مفهوم العدم و معناه لیس مستحیلاً بل مصداقه مستحیل و اللفظ وُضع للمعنی لا للمصداق.

ملاحظتنا علی القول الخامس:

إنّ مقتضی التحقیق هو أنّ حقیقة الوضع أمر متقدّم علی ما ادّعوه من الوجود التنزیلی و لکن بعد تحقّق الوضع یتفرّع علیه هذا التنزیل الاعتباری.

بیان للمحقق العراقی (قدس سره) یوهم اختیاره للقول الخامس:

قد تقدّم أنّ المحقق العراقی (قدس سره) اختار النظریّة الثانیة و لکن قد توهّم أنّه یقول بالنظریّة الخامسة لأنّه یقول فی ابتداء کلامه ما یوهم ذلک حیث قال:((1))

إنّ هذه العلقة هی نحو من الارتباط الحاصل بین المرآة و المرئی بحیث لایلتفت إلی اثنینیّتهما و یحسب أحدهما قالباً للآخر و نحو وجود له و کانا بنحو یکون الانتقال إلی أحدهما عین الانتقال إلی الآخر و ربّما تسری صفات أحدهما إلی الآخر، فقبح المعنی ربّما تسری إلی اللفظ کما أنّ تعقید اللفظ قد یسری إلی المعنی و بذلک تمتاز نسبة الألفاظ إلی معانیها عن نسبة العلامات إلی ذیها.

و لکن قال بعد ذلک بواقعیتها و خارجیتها((2)) قال: إنّه لیست تلک العلاقة و

ص: 103


1- نهایة الأفکار، ج1، ص25؛ مقالات الأصول، ج1، ص 60 - 68.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص26.

الارتباط الخاص من سنخ الإضافات الخارجیة کالفوقیة و التحتیة و لا من سنخ الاعتباریات التی لایکون صقعها إلّا الذهن کما فی النسب بین الأجزاء التحلیلیة فی المرکبات العقلیة مثل الإنسان و الحیوان الناطق، بل و إنّما هی متوسطة بین هاتین فکانت سنخها من قبیل الاعتباریات التی کان الخارج موطن منشأ اعتبارها، کما فی الملکیة و الزوجیة و نحوهما من الاعتباریات مما لایکون الخارج موطن نفسها بل موطن مصحّح اعتبارها من الإنشاء القولی أو الفعلی.

و لکن مع ذلک لها واقعیة بمعنی أنّ صقعها قبل وجود اللفظ فی الخارج و إن لم یکن إلّا الذهن، إلّا أنّها بنحو ینال العقل خارجیّتها عند وجود طرفیها تبعاً لها بنحو القضیّة الحقیقیة بأنّه لو وجد اللفظ وجد العلاقة و الارتباط بینه و بین المعنی، نظیر الملازمات کالملازمة بین النار و الحرارة، فکما أنّ صقع هذه الملازمة قبل وجود النار فی الخارج لایکون إلّا الذهن و بوجود النار و تحققها تصیر الملازمة تبعاً لوجود طرفیها خارجیة؛ کذلک تلک العلاقة و الارتباط الخاص بین اللفظ و المعنی فإنّ العلقة الحاصلة بینهما بالجعل لما کانت بین الطبیعتین یعنی طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی فقبل وجود طرفیها خارجاً لایکون صقعها إلّا الذهن و لکن بعد وجود طرفیها تبعاً لهما، تصیر الملازمة بینهما أیضاً خارجیّة، فکلما وجد اللفظ فی الخارج یتحقق العلقة و الارتباط بینه و بین المعنی و یکفی فی خارجیّتها کون الخارج ظرفاً لمنشأ انتزاعها.

یلاحظ علیه:

(1)

الحق أن یقال: إنّ تلک العلقة الوضعیة أمر اعتباری، لأنّ طرفیها طبیعی

ص: 104


1- . فی الرافد، ص169: «إنّ تعبیرات المحقق العراقی (قدس سره) مختلفة فتارة یقول بأنّ الوضع هو الملازمة الاعتباریة و تارة یقول بأنّه الملازمة الواقعیة و صار هذا سبباً للإیراد علی المحقق المذکور من قبل الأعلام بأنّ الملازمة الاعتباریة تختلف عن الملازمة الواقعیة ... و لکنّ الصحیح أنّ مقصود المحقق العراقی (قدس سره) أنّ الوضع عبارة عن کلی الملازمة الجامع بین مراحل الوضع و درجاته فهذه الملازمة فی المرحلة الأولی من مراحل الوضع ملازمة اعتباریة و هی عبارة عن جعل التلازم بین اللفظ و المعنی و اعتبارهما متلازمین و هذه الملازمة أیضاً فی المرحلة الأخیرة من الوضع ملازمة واقعیة و هی عبارة عن استلزام تصور اللفظ لتصور المعنی فاختلاف التعبیر عن الملازمة ناظر لاختلاف مراحلها و درجاتها و إلّا فالوضع بالمعنی العام الشامل هو العنوان الانتزاعی و هو عنوان الملازمة الشامل للملازمتین الاعتباریة و الواقعیة».

اللفظ و طبیعی المعنی، لا الوجود الخارجی أو الذهنی من اللفظ و المعنی بل طبیعی المعنی لایوجد فی الخارج لاعتباریّة الطبائع و الماهیّات.

نعم لیست اعتباریة محضة کأنیاب الأغوال بل لها واقعیة فی وعاء الاعتبار، مثلاً إذا تنازع رجلان فی ملکیة دار، کان أحدهما مالکاً واقعاً فی وعاء الاعتبار و الآخر لیس بمالک.

و لاینبغی التعبیر بخارجیة العلقة الوضعیة و الارتباط الموجود بینه و بین المعنی بعد وجود اللفظ فی الخارج.

ثم إنّه -علی تفسیر الوضع بالمعنی المصدری- هو أمر اعتباری عند هذا المحقق فی الوضع التعیینی أمّا علی تفسیره بالمعنی اسم المصدری أیضاً فالأولی عدّ نظریته فی عداد القائلین بالاعتباریة لأنّه عنده کالملکیة الاعتباریة.

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره)
اشارة

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره) ((1))

إنّ الوضع لیس مجعولاً تشریعیاً و لا اعتباریاً، بل هو أمر تکوینی بمعنی أنّ الواضع یمارس عملیة الاقتران بین اللفظ و المعنی بشکل أکید بالغ و هذا الاقتران إذا کان علی أساس العامل الکمّی (کثرة التکرار) سمّی بالوضع التعیّنی

ص: 105


1- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص81.

و إذا کان علی أساس العامل الکیفی سمّی بالوضع التعیینی.

و بذلک نشأت العلقة الوضعیة أعنی السببیة و الاستتباع بین ذلک الصوت المخصوص و المعنی المخصوص.

بیان ذلک: إنّ الله تعالی جعل الإحساس بالشیء سبباً فی انتقال الذهن إلی صورته و هذا قانون تکوینی و یوجد قانونان تکوینیّان آخران:

أحدهما: قانون انتقال صورة الشیء إلی الذهن عن طریق إدراک المشابه.

ثانیهما: قانون انتقال صورة الشیء إلی الذهن عن طریق إدراک الذهن لما وجده مقترناً بذلک الشیء علی نحو أکید بلیغ مثلاً نسمع صوتاً مشابهاً لزئیر الأسد فبحکم القانون التکوینی الأوّل ینتقل هذا الصوت إلی الذهن بسبب الإحساس السمعی به ثم ینتقل الذهن إلی صوت زئیر الأسد نتیجة المشابهة بینهما بحکم القانون التکوینی الثانی.

ثم ینتقل الذهن إلی نفس صورة الأسد الملازم خارجاً مع صوته بحکم القانون التکوینی الثالث و قد حاول الإنسان أن یستفید من القانون التکوینی الثالث لوضع اللفظ المخصوص و جعله مقترناً و مشروطاً بمعنی مخصوص اقتراناً أکیداً فنشأت العلقة الوضعیة.

إیرادات ثلاثة علی القول السادس:
الإیراد الأوّل:

عملیة الاقتران المذکور فی وضع الألفاظ لمعانیها لیست إلّا اعتبار الواضع فهی لیست عملیة تکوینیة حتی یقال: «إنّ الوضع أمر تکوینی، لا مجعول اعتباری» بل وعاء عملیة الاقتران المذکور لیس إلّا عالم الاعتبار ثم أبرزه

ص: 106

الواضع (أی أبرز الاعتبار) ببیانه.

لایقال: إنّ الوضع بالمعنی المصدری عملیة ذهنیة للواضع.

لأنّه یقال: هل وعاء هذه العملیة وعاء الوجودات الذهنیة أو إنّها عملیة بمعونة الذهن فی وعاء عالم الاعتبار لا عالم الوجودات الذهنیة و هذا الأمر الثانی معنی اعتباریة الوضع بالمعنی المصدری.

هذا کلّه علی تفسیر الوضع بالمعنی المصدری.

الإیراد الثانی:

العلقة الوضعیة (التی هی الوضع بالمعنی اسم المصدری) أیضاً لیس أمراً تکوینیاً.

إنّه قال: العلقة الوضعیة أعنی السببیة و الاستتباع بین ذلک الصوت المخصوص و المعنی المخصوص فیقال: هل یکون الاقتران المذکور بین الوجودین الخارجیین للفظ و المعنی أو الوجودین الذهنیین أو بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی؟

و الحق هو أنّ الارتباط بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی، لا الموجود منهما خارجاً أو ذهناً، فإنّ الارتباط المذکور ثابت و لو لم یتلفّظ بلفظ و لم یوجد مفهومه فی الذهن.

فهذه العلقة و الارتباط أمر فی وعاء الاعتبار.

الإیراد الثالث:

التعبیر بالاقتران و الاشتراط أیضاً لیس تعبیراً تامّاً و سیجیء التعبیر الصحیح التامّ فانتظر (و هو التعبیر بالعَلَم أو العلامة).

ص: 107

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و هو المختار

إنّ الوضع هو اعتبار وضع اللفظ علی المعنی فیختصّ به((2)) و تتحقّق الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی عند الملتفت إلی الاعتبار المزبور.

و لاریب فی ارتباط اللفظ بالمعنی و اختصاصه به و إنّما الإشکال فی حقیقة هذا الاختصاص و الارتباط و أنّه معنی مقولی أو أمر اعتباری.

تحقیق الکلام فیه: إنّ حقیقة العلقة الوضعیة لایعقل أن تکون من المقولات الواقعیة و لا الاعتبارات الذهنیة((3)) حیث إنّ الاختصاص الوضعی بین طبیعی اللفظ و المعنی دون الموجود الذهنی منهما أو الخارجی منهما.

و إنّما نقول باعتباریّته لأنّ الموضوع و الموضوع له، طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی، لا الموجود الذهنی أو الخارجی منهما.((4))

ثم إنّ الاختصاص الوضعی لا حاجة فی وجوده إلّا إلی اعتبار من الواضع و اعتبار کل معتبر قائم به بالمباشرة لا بالتسبیب کی یتسبب إلی اعتبار نفسه بقوله: «وضعتُ».

و حیثیة دلالة اللفظ علی معناه و کونه بحیث ینتقل من سماعه إلی معناه مثل حیثیة سائر الدوال کالعَلَم المنصوب علی رأس الفرسخ -فإنّه ینتقل من النظر

ص: 108


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص44؛ بحوث فی الأصول، ص23.
2- و فی مباحث الأصول، ص33: «الوضع هو جعل اللفظ مستلزماً للمعنی فی الإدراک باعتباره موضوعاً علیه فالوضع الاعتباری هو المحقِّق للاستلزام فی الانتقال».
3- فی الأصول علی النهج الحدیث: «لایعقل أن تکون العلقة الوضعیة من الأعراض المقولیة لاحتیاجها إلی موضوع محقق فی الخارج و لا من العوارض الذهنیة لاحتیاجها إلی موضوع ثابت فی الذهن».
4- فی الأصول علی النهج الحدیث: «لأنّ الوضع للانتقال و هو نحو وجود إدراکی و المماثل لایقبل المماثل و المقابل لایقبل المقابل» و أورد علیه فی مباحث الأصول، ص33.

إلیه إلی أنّ هذا الموضع رأس الفرسخ- فشأن الواضع اعتبار وضع لفظ خاص علی معنی خاص.

و ظهر أنّ الاختصاص و الارتباط و الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی عند الملتفت إلی الاعتبار الوضعی کلّها من لوازم الوضع لا عینه.

و مسلک العَلامیّة لبعض الأساطین (حفظه الله) قریب من هذه النظریة بل یمکن أن یقال بأنّه یستفاد من هذه النظریة، و لهذا القول منشأ روائی، لما ورد عن علی بن موسی الرضا (علیه السلام) فی جواب السؤال عن معنی السّمة فی «بسم الله»، فقال (علیه السلام): «هِی الْعَلَامَة».((1))

مناقشتان فی القول الخامس من المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

مناقشتان((2)) فی القول الخامس من المحقق الخوئی (قدس سره):((3))

المناقشة الأولی:
اشارة

إنّه معنی بعید عن الأذهان.

ص: 109


1- معانی الأخبار، الشیخ الصدوق (قدس سره)، ص3؛ و فی شرح أصول الکافی، ج4، ص221، عند شرح قوله (علیه السلام): «نحن و الله الأسماء الحسنی التی لایقبل الله من العباد عملاً إلّا بمعرفته» «و یحتمل أن یراد بها [أی بالأسماء الحسنی] ذواتهم لأنّ الاسم فی اللغة العلامة و ذواتهم القدسیة علامات ظاهرة لوجود ذاته و صفاته» الخ. و فی شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص215: «یمکن أن یراد بالأسماء الحسنی فی هذا الاسم الشریف الأئمة الأطهار (علیهم السلام) کما ورد عنهم نحن الأسماء الحسنی الذین لا یقبل الله عملاً إلّا بمعرفتنا و فی کلام أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) أنا الأسماء الحسنی قال الاسم من السمة و هی العلامة و لا شک أنّهم علائمه العظمی و آیاته الکبری» و ظاهر أنّ «قال» مصحف و الصواب «فإنّ». و فی البیان فی تفسیر القرآن، ص424: «الاسم فی اللغة بمعنی العلامة».
2- و فی منتقی الأصول، ص56 و 57 مناقشتان أخریان فی هذا القول .
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص43 و ط.ج. ص47.
جواب عن المناقشة الأولی:

((1))

فیه ما لایخفی بل إنّه تحلیل للعمل المتداول العرفی.

المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّ الوضع فی العَلَم علی رأس الفرسخ له ثلاثة أرکان: الموضوع و الموضوع علیه و الموضوع له و لکن الوضع الاعتباری بین اللفظ و المعنی له رکنان: الموضوع و الموضوع له.

جواب عن المناقشة الثانیة:

((2))

إنّ کلامه فی اتحاد حیثیة الدلالة فی وضع الألفاظ و وضع سائر الدوال مثل

ص: 110


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص55 ذکر الإیراد بهذه العبارة: «ان هذا المعنی من المعانی الدقیقة للوضع التی لایلتفت إلیها العرف فی أوضاعهم فلایتناسب مع کون الوضع من الأمور العرفیة التی یتولاها أفراد العرف». ثم أجاب عنه بقوله: «إنه ینقض بکثیر من الأمور العرفیة التی قام الخلاف فیها علی قدم وساق کالخبر و الإنشاء ... و هکذا الکلام فی معانی الحروف ... فهذا دلیل علی أنّ کون المعنی من الأمور الدقیقة لایتنافی مع کونه عرفیاً. بل التعهد الذی التزم به من أدقّ ما ذکر للوضع من معان کما ستعرف للاختلاف فی تحدیده و التعبیر عنه و السر فی ذلک الذی یکون حلا للجمیع هو أنّ» الخ.
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص55: «إنّ ما أفاده المحقق المزبور لاینافی صحة التعبیر عن المعنی بالموضوع له، باعتبار أنّ اللفظ إنّما وضع علی المعنی للدلالة علی المعنی و الانتقال إلیه عند ذکر اللفظ فالمقصود من کون المعنی موضوعاً له انّه قد وضع اللفظ للدلالة علیه فاللام بمعنی الغایة فالمعنی بهذا البیان موضوع علیه و موضوع له و التعبیر عنه عادة بالموضوع له انّما هو لأجل کون الغرض من الوضع هو إفادة المعنی و الدلالة علیه باللفظ و نفس الوضع ملحوظ طریقاً إلی هذه الجهة کما لایخفی و لکنّه مع هذا یصح التعبیر عنه بالموضوع علیه بلحاظ جهة نفس الوضع و لا محذور فیه». و فی تسدید الأصول، ج1، ص20: «إنّ القائل به لایرید إلّا التشبیه من حیث إنّ اللفظ أینما و مهما تحقق فهو کعلامة ینتقل منه إلی المعنی و لیس التشبیه من الجهات الأخر».

العلم المنصوب من حیث العلامیّة، لا اتحاد الأرکان فإنّ الدلالة هی بین الموضوع بعنوان الدالّ و بین الموضوع له بعنوان المدلول و مع وجود الموضوع علیه هو أیضاً مدلول حیث إنّ رأس الفرسخ یکون من موضعه فالإشکال غیر تامّ.

النظریّة المختارة من بین الأقوال:

إنّ المختار من بین الأقوال((1)) هو القول السابع، فعلی هذا لابدّ أن یقال:

«الوضع هو جعل اللفظ بإزاء المعنی، حتّی یکون علامة علیه»، ثمّ یتحقّق الملازمة بین حضور اللفظ و حضور المعنی و بعد ذلک یکون اللفظ وجوداً اعتباریّاً تنزیلیّاً للمعنی و ذلک لشدّة الأنس بین اللفظ و المعنی.

ص: 111


1- هنا قول آخر ففی جواهر الأصول، ج1، ص84: «إنّ الوضع - کما أشرنا - عبارة عن تعیین اللفظ للمعنی و جعله علامة لها من دون أن یتحقق فی الخارج شیء من ربط و علاقة واقعیة بینهما بل حال اللفظ و المعنی بعد الوضع حالهما قبل الوضع نعم یوجد بینهما ربط اعتباری». و فی تسدید الأصول، ج1، ص19: «حقیقة الوضع إنّما هو جعل اللفظ اسماً للمعنی». و فی وسیلة الوصول، ص29: «لا إشکال فی إمکان کونه [أی الوضع] التزاما من الواضع الأوّل بأن لایستعمل اللفظ إلّا مریداً به المعنی ... کما لا إشکال فی إمکان کونه علقة جعلیة بین اللفظ و المعنی بجعل من بیده الجعل و الاعتبار هذا اللفظ لذلک المعنی بحیث لو تجاوز عنه لکان مستعملا فی غیر ما جعل له أو انجعاله لذلک المعنی من جهة کثرة استعماله فیه فتکون تلک العلاقة کعلاقة الملکیة حدوثاً و بقاءً ... و الحق أنّ ما یقع فی الخارج هو النحو الثانی» الخ و للمحقق الحکیم فی حقائق الأصول، ج1، ص17 تحقیق فلیراجع و راجع أیضاً ما جاء فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص58.

ص: 112

الأمر الثانی: فی تقسیمات الوضع (هنا تقسیمان)
التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی
اشارة

(1)

إنّ الوضع قد یکون شخصیاً و قد یکون نوعیاً و الوضع الشخصی هو أن یتصوّر الواضع شخص اللفظ و یضعه للمعنی و الوضع النوعی هو أن

ص: 113


1- . فی هدایة المسترشدین، ج1، ص160: «الرابعة الوضع باعتبار الموضوع قد یکون شخصیاً و قد یکون نوعیاً و ذلک لأنّ الواضع إمّا أن یلاحظ شخصاً من اللفظ متعیناً بمادته و هیأته و یضعه بإزاء المعنی فالوضع فیه شخصی لتعلقه بشخص معین من اللفظ غیر ممکن الصدق علی ألفاظ مختلفة و إن کان بحسب الواقع کلیاً لتعدده بحسب تعدد أزمنة الاستعمال و تعدد المستعملین و لو فی زمان واحد فإن ذلک لایوجب تعدداً فی نفس اللفظ و إنّما یقضی بتعدد الاستعمال فوحدة اللفظ من قبیل الوحدة النوعیة لاینافی التکثر فی الوجود فلیس المراد بالشخص فی المقام ما لایمکن صدقه علی کثیرین کما یتراءی فی بادئ النظر، بل المراد به - کما قلنا - هو اللفظ المخصوص الذی یستحیل صدقه علی ألفاظ مختلفة ... و إمّا أن یلاحظ حال الوضع أمراً عامّاً شاملاً لألفاظ مختلفة شمول الکلی لجزئیاته أو شمول العرض لأفراد معروضه فیضع ذلک الأمر بإزاء المعنی أو یجعل ذلک مرآة لملاحظة ما یندرج تحته من الألفاظ الخاصة أو الخصوصیات العارضة لها و یضع کلا منها بإزاء ما یعینه من المعنی فیکون الوضع حینئذٍ نوعیاً» الخ و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص398 - 400: «اعلم أنّ الوضع ینقسم عندهم باعتبار متعلقه من حیث اللفظ إلی الشخصی لتعلقه بشخص اللفظ و النوعی لتعلقه بنوعه ... و قد یطلق الوضع النوعی علی ما یتعلق بالألفاظ المتصورة إجمالاً بتصور نوعها و المراد بشخص اللفظ هو اللفظ الخاص المعین و هو إمّا یتعین باعتبار الخارج نظراً إلی ما یطرئه من الاستعمال أو یتعین باعتبار الذهن نظراً إلی اشتماله علی مادة أو هیأة علی طریقة منع الخلو ... إنّ الوضع باعتبار انقسامه إلی القسمین المذکورین یتصوّر تارة بأن یلاحظ مادة مخصوصة بهیأة مخصوصة عارضة لها و أخری بأن یلاحظ هیأة مخصوصة مع قطع النظر عن المادة مطلقا أو عن مادة مخصوصة و ثالثة بأن یلاحظ مادة مخصوصة مع قطع النظر عن الهیأة کما فی مبادئ المشتقات علی المختار و رابعة بأن یلاحظ اللفظ بعنوان کلی غیر ملحوظ معه مادة و لا هیأة کما فی المجازات بناء علی الترخیص فی النوع ... و حینئذٍ فإمّا أن یقال: إنّ الوضع النوعی ما لم یلاحظ فیه خصوصیة أصلاً أو یقال: إن الوضع الشخصی ما لم یلاحظ فیه جهة عموم أصلاً فبالاعتبار الأوّل ینحصر الوضع النوعی فی القسم الأخیر و هو فیما عداه شخصی و بالاعتبار الثانی ینحصر الوضع الشخصی فی القسم الأوّل و هو فیما عداه نوعی و هو الأظهر من طریقة القوم ... و علم بما ذکر جمیعاً أنّ المراد بالشخص و النوع ها هنا ما یرادف النوع و الجنس لا ما هو مصطلح أهل المعقول». و للسید السیستانی (حفظه الله) ملاحظة فی الوضع النوعی لها ثمرة فی عدة أبحاث ففی الرافد، ص211، عند تعرضه لنظر الأصولیین المتأخرین من کون الأصل فی الاشتقاق المادة الساریة فی جمیع المشتقات: «إنّها لیست أصلاً للاشتقاق و ذلک لأنّ کونها أصلاً للمشتقات معناه أنّ الواضع وضعها أوّلاً مجردة عن أی هیأة کانت وضعاً نوعیاً تتعاقب علیه الهیئات المختلفة و الوضع النوعی المجرد المدعی فی المواد و الهیئات بعید عن ذهنیة الواضع البدائی الأوّل الذی یقوم بوضع الکلمات». و فی ص311: «إن هناک مسلکین فی وضع المشتقات: أ- تعدد الوضع و الموضوع له ... ب- وحدة الوضع و الموضوع له بلحاظ وضع المشتق بتمامه مادّة و هیأة للنسبة الإسنادیة وضعاً شخصیاً کما هو المختار فی ظاهرة اللغة». و فی ص337 بعد طرح هذا السؤال: «إنّ المتبادر من اللفظ إذا کان هو الصورة اللحاظیة الواحدة فمن أین نستفید الترکیب التحلیلی المذکور؟» یقول: «الجواب عن ذلک یتلخص فی طرح ثلاث نظریات محتملة: أ- إنّ الترکیب التحلیلی للمشتق مع بساطة مفهومه لحاظاً و تصوّراً راجع للترکیب اللفظی فیه حیث إنّ المشتق مشتمل علی مادة و هیأة فالمادّة موضوعة وضعاً شخصیاً لطبیعی الحدث و الصفة و الهیأة موضوعة وضعاً نوعیاً للذات المتلبسة بذلک المبدأ و الصفة فمنشأ الترکیب التحلیلی لمفهوم المشتق هو الترکیب اللفظی فی المشتق و لکنّنا لا نختار هذه النظریة لوجهین: 1- ما ذکرناه مراراً من أنّ الوضع النوعی - و هو تجرید الهیأة عن المادّة و وضعها وضعاً نوعیاً لمن قام بالحدث و تلبّس بالصفة- تفکیر حضاری متطوّر لایتصور فی المجتمع البدائی الذی انطلقت منه شرارة اللغة». و فی ص271 – 273، عند بیان معانی أربعة للترکیب و البساطة یقول: «المعنی الأوّل الترکیب اللفظی ... إن علماء الأصول قالوا بأنّ المشتقات مشتملة علی وضعین: وضع شخصی لموادّها و وضع نوعی لهیئاتها ... و لکن الصحیح عدم شمول هذا المعنی من الترکیب للمشتقات و بیان ذلک بصیاغتین: ... ب- قد ذکرنا فی بحث الوضع أنّ الوضع النوعی أمر انتزعه العلماء بعد تحقق ظاهرة اللغة لا أنّه قانون اخترعه أهل اللغة و ذلک لأنّ اللغة ظاهرة اجتماعیة تنبع من حاجة المجتمع للتفهیم و التفهم و المجتمعات البدائیة التی انطلقت منها شرارة اللغة کانت تقوم بالوضع من وحی الحاجات الشخصیة و من الواضح أنّ الوضع الذی یلبی هذه الحاجات هو الوضع الشخصی للمشتق بمادّته و هیأته معاً لمعنی معین کالوضع فی الجوامد أیضاً بلا حاجة للوضع النوعی للهیأة المجردة مضافاً لکون الوضع النوعی إبداعاً عقلیاً یکشف عن تطور عقلی حضاری فی ذهنیة الواضع و هو غیر متصوّر فی المجتمعات البدائیة. إذن فالوضع النوعی أمر انتزاعی توصل له العلماء بعد استقرائهم للألفاظ المشترکة فی حروف معینة فهو أمر حادث بعد اللغة لا أنّه من مقومات ظهور اللغة فلایوجد فی المشتق ترکیب لفظی من مادة و هیأة کما ذکر».

ص: 114

لایتمکّن الواضع من تصویر شخص اللفظ بل یتصوّره بوجهه و بالجامع العنوانی.((1))

اختلف فی وضع الهیئات علی قولین:
القول الأوّل:
اشارة

إنّ المشهور قائل بکونها نوعیة و هو المختار.

ص: 115


1- فی أصول الفقه، ج1، ص67: «قد عرفت أنّه لابدّ فی الوضع من تصوّر اللفظ و المعنی و أنّ المعنی تارة یتصوّره الواضع بنفسه و أخری بوجهه و عنوانه فاعرف هنا أنّ اللفظ أیضاً کذلک ربّما یتصوّره الواضع بنفسه و یضعه للمعنی - کما هو الغالب فی الألفاظ- فیسمّی الوضع حینئذٍ "شخصیاً" و ربّما یتصوّره بوجهه و عنوانه فیسمّی الوضع "نوعیاً" و مثال الوضع النوعی الهیئات فإنّ الهیأة غیر قابلة للتصور بنفسها بل إنّما یصح تصوّرها فی مادّة من مواد اللفظ کهیأة کلمة "ضرب" مثلاً و هی هیأة الفعل الماضی فإنّ تصوّرها لابدّ أن یکون فی ضمن "الضاد" "و الراء" و "الباء" أو فی ضمن "الفاء" و "العین" و "اللام» الخ.
تقریر قول المشهور ببیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

التحقیق أنّ جوهر الکلمة و مادتها (أعنی الحروف الأصلیة المترتبة الممتازة عن غیرها ذاتاً أو ترتیباً) أمر قابل للحاظ الواضع بنفسه، فیلاحظ بوحدته الطبیعیة و یوضع لمعنی، بخلاف هیأة الکلمة فإنّ الزنة لمکان اندماجها فی المادة لایعقل أن تلاحظ بنفسها لاندماجها غایة الاندماج فی المادة، فلا استقلال لها فی الوجود اللحاظی کما فی الوجود الخارجی کالمعنی الحرفی، فلایمکن تجریدها (و لو فی الذهن) عن المواد فلذا لا جامع ذاتی لها کحقائق النسب، فلامحالة یجب الوضع لأشخاصها بجامع عنوانی، کقولهم: کلّما کان علی زنة فاعل و هو معنی نوعیة الوضع أی الوضع لها بجامع عنوانی لا بشخصیتها الذاتیة.((2))

ص: 116


1- نهایة الدرایة، ج1، ص44 و 45 و عبارة هذا المحقق هکذا: «ربّما أمکن الإشکال علی جعل وضع المواد شخصیاً و وضع الهیئات نوعیاً کما هو المعروف بما محصله أنّ شخصیة الوضع فی المواد إن کانت بلحاظ وحدتها الطبیعیة و شخصیتها الذاتیة فالهیئات أیضاً کذلک فانّ هیأة فاعل مثلاً ممتازة بنفسها عن سائر الهیئات فلها وحدة طبیعیة و نوعیة الوضع فی الهیئات إن کانت بلحاظ عدم اختصاص زنة فاعل بمادّة من المواد، فالمواد کذلک لعدم اختصاص المادة بهیأة من الهیئات فلا امتیاز مادّة عن مادّة ملاک الشخصیة لامتیاز کل زنة عن زنة أخری و لا عدم اختصاص زنة بمادة ملاک النوعیة لعدم اختصاص مادة بهیأة و التحقیق أنّ جوهر الکلمة و مادّتها » إلی آخر ما ذکر فی المتن. ثم قال: «أو المراد أنّ المادة حیث یمکن لحاظها فقط فالوضع شخصی و الهیأة حیث لایمکن لحاظها فی ضمن مادّة فالوضع لها یوجب اقتصاره علیه فیجب أن یقال هیأة فاعل و ما یشبهها و هذا معنی نوعیة الوضع أی لا لهیأة شخصیة واحدة بوحدة طبیعیة بل لها و لما یشبهها فتدبر» و قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص112 و ط.ج. ص127 بعد نقل هذه العبارات: «و ما أفاده (قدس سره) من الجواب فی غایة المتانة».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص77، فی التعلیقة علی قوله: «لا وجه لتوهم وضع للمرکبات غیر وضع المفردات».
مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ الهیئات بمثابة هیأة البیت، فإنّه شکل عارضٌ علی الموادّ و الشکل عرض مستقل فی التصور و إنّما یحتاج فی وجوده إلی وجود الموضوع کما هو تعریف العرض فالحق هو أنّ الوضع فی الموادّ و الهیئات وضع شخصی.

یلاحظ علیها:

إنّ العرض له معنی اسمی مستقل فی التصور (هذا بحسب الحمل الأولی) أمّا استقلال تصور مصداق العرض (بحسب الحمل الشائع) من دون ملاحظة شیء آخر فهو غیر میسور و لذا لایمکن لحاظ الهیئات إلّا بوجهها و عنوانها.

القول الثانی: کونها شخصیة

اختاره بعض الأساطین (حفظه الله) و قد تقدم ما فی هذا القول.

ص: 117

التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع (هنا أربعة أقسام):
اشارة

إنّ المعنی الملحوظ حین الوضع إمّا خاصّ و إمّا عامّ و الموضوع له أیضاً إمّا خاصّ و إمّا عامّ.

القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص

و ذلک مثل وضع الأعلام الشخصیة.

القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام
اشارة

و ذلک مثل وضع أسماء الأجناس.

بحث فی أنّ الموضوع له فی اسم الجنس العام الشأنی أو العام الفعلی؟

(1)

العام الشأنی هو ذات المعنی القابل للوجود و العدم و الإطلاق و التقیید المعرّاة من جمیع هذه الخصوصیات (الماهیة المهملة).

ص: 118


1- . هنا نزاع أشیر إلیه فی عدة کتب: ففی القوانین، ص198: «اختلفوا فی أنّ المراد باسم الجنس هو المهیة المطلقة لا بشرط شیء فیکون مطابقاً للمسمّی أو المهیة مع وحدة لا بعینها و یسمّی فرداً منتشراً و الأقوی الأوّل». و فی هدایة المسترشدین، ج3، ص161: «اسم الجنس عبارة عن اللفظ الموضوع لتلک الماهیة المطلقة من دون ملاحظة الأفراد والتعدد ... و قد صرّح بوضع أسماء الأجناس للماهیة المطلقة غیر واحد من محققی أهل العربیة - کنجم الأئمة و الأزهری- و هو ظاهر التفتازانی فی مطوّله و ذهب بعضهم إلی وضعه للفرد المنتشر- کالنکرة – و الأوّل هو الأظهر، لتبادر نفس الجنس عند سماعه مجرداً عن اللواحق الطارئة» الخ. و فی الفصول، ص162: «الحق أنّ اسم الجنس کرجل مجرداً عن اللواحق موضوع للماهیة من حیث هی و علیه المحققون و قیل بل موضوع للفرد المنتشر و هو مردود بشهادة التبادر علی خلافه» الخ فتری أن الأوّلین عبّرا عن الموضوع له بالماهیة المطلقة (التعبیر الأوّل) و الثالث بالماهیة من حیث هی (التعبیر الثانی) فی قبال الفرد المنتشر. و عبّر بالماهیة من حیث هی فی مناهج الوصول، ج2، ص317 أیضاً قال: «إن اسم الجنس ... موضوع لنفس الماهیات بلا اعتبار شیء و من غیر دخالة قید وجودی أو عدمی أو اعتباری فیها، فالموضوع لها نفس الماهیة من حیث هی» الخ. ثم إن بعضهم عبّر عن المعنی الموضوع له اسمُ الجنس بالماهیة المبهمة المهملة (التعبیر الثالث): ففی کفایة الأصول، ص243: «لا ریب أنّها موضوعة لمفاهیمها بما هی هی مبهمة مهملة بلا شرط أصلاً ملحوظاً معها حتی لحاظ أنّها کذلک و بالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنی و صرف المفهوم الغیر الملحوظ معه شیء أصلاً الذی هو المعنی بشرط شیء و لو کان ذاک الشیء هو الإرسال و العموم البدلی و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شیء معه الذی هو الماهیة اللابشرط القسمی» الخ و فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص563: «التحقیق هو ما علیه السلطان من الوضع لنفس المهیة المهملة» و اختلف تعبیر الأصولیین فمنهم من عدّ هذه الماهیة المبهمة المهملة الماهیة اللابشرط المقسمی: ففی وسیلة الوصول، ص420: «لا ریب فی أنّ اسم الجنس موضوع للماهیة المبهمة اللابشرط المقسمی المعراة عن تمام القیود و الخصوصیات حتی عن قید الإرسال القابلة لها» و فی عنایة الأصول، ج2، ص349: «ان حاصل مقصود المصنف هنا أنّ أسماء الکلیات أی أسامی الأجناس بجواهرها و أعراضها بل و عرضیاتها موضوعة للماهیات بما هی هی مبهمة مهملة التی هی لا بشرط مقسمی ... ثم إنّ فی وضع أسامی الأجناس أقوال ثلاثة: أحدها ما عرفته من المصنف و هو خیرة المحققین ... و قد عرفت أنّ الحق فیه هو الأوّل». و منهم من عدّ الماهیة المهملة غیر الماهیة اللابشرط المقسمی: ففی المحاضرات،ط.ق. ج5، ص344 و ط.ج. ج5، ص510: «الماهیة تارة یلاحظ بما هی هی یعنی أنّ النظر مقصور إلی ذاتها و ذاتیاتها و لم یلحظ معها شیء زائد و تسمّی هذه الماهیة بالماهیة المهملة نظراً إلی عدم ملاحظة شیء من الخصوصیات المتعیّنة معها فتکون مهملة بالإضافة إلی جمیع تلک الخصوصیات حتی خصوصیة عنوان کونها مقسماً للأقسام الآتیة و بکلمة أخری إنّ النظر لم یتجاوز عن حدود ذاتها و ذاتیاتها إلی شیء خارج عنها حتی عنوان إهمالها و قصر النظر علیها فإنّ التعبیر عنها بالماهیة المهملة باعتبار واقعها الموضوعی، لا باعتبار أخذ هذا العنوان فی مقام اللحاظ معها فالنتیجة أنّ هذه الماهیة مهملة و مبهمة بالإضافة إلی جمیع طواریها و عوارضها الخارجیة و الذهنیة و تارة أخری یلاحظ معها شیء خارج عن مقام ذاتها و ذاتیاتها و ذلک الشیء إن کان عنوان مقسمیتها للأقسام التالیة دون غیره سمیّت هذه الماهیة بالماهیة اللابشرط المقسمی». و عبّر بعضهم عن الموضوع له بذات الماهیة (التعبیر الرابع) و جعلها فی قبال الماهیة من حیث هی و اللابشرط المقسمی: ففی منتقی الأصول، ج3، ص410: «الموضوع له اسم الجنس هو ذات الماهیة و الطبیعة التی تطرأ علیها هذه الاعتبارات و الثابتة فی جمیع هذه التقسیمات بلا تقیّد لها باعتبار دون آخر فلیست هی الماهیة بما هی هی، و لا الماهیة بشرط الإرسال و لا الماهیة اللابشرط المقسمی أو القسمی» و فی دروس فی علم الأصول، ج2، ص80، عدّ الموضوع له اللابشرط القسمی (التعبیر الخامس) قال: «لا شک فی أنّ اسم الجنس لیس موضوعاً للماهیة اللابشرط المقسمی لأنّ هذا جامع بین الحصص و اللحاظات الذهنیة لا بین الحصص الخارجیة ... فیتعیّن کونه موضوعاً للماهیة المعتبرة علی نحو اللابشرط القسمی و هذا المقدار ممّا لاینبغی الإشکال فیه و إنّما الکلام فی أنّه هل هو موضوع للصورة الذهنیة الثالثة - التی تمثل الماهیة اللابشرط القسمی- بحدّها الذی تتمیّز به عن الصورتین الأخریین أو لذات المفهوم المرئی بتلک الصورة و لیست الصورة بحدّها إلّا مرآة لما هو الموضوع له فعلی الأوّل یکون الإطلاق مدلولاً وضعیاً للفظ و علی الثانی لایکون کذلک ... و لا شک فی أنّ الثانی هو المتعین» و فی نهایة الأصول، ص332، بیان لایخلو من فائدة قال: «اختلفوا فی أنّ الکلی الطبیعی (أعنی ما هو معروض وصف الکلیة) هو اللابشرط المقسمی أو القسمی بعد الاتفاق علی عدم کونه عبارة عن القسمین الأخیرین فممّن قال بکونه عبارة عن اللابشرط المقسمی صاحب المنظومة (قدس سره) وممّن قال بکونه عبارة عن القسمی المحقق الطوسی (قدس سره) فی التجرید. ثمّ سری هذا البحث تدریجاً إلی الأصول فوقع البحث فی أنّ اسم الجنس الذی یعدّ من مصادیق المطلق وضع لنفس الماهیة من حیث هی أعنی اللابشرط المقسمی أم للطبیعة الملحوظ معها عدم لحاظ شیء معها أعنی اللابشرط القسمی هذا ما ذکروه فی المقام».

ص: 119

و العام الفعلی هو المعنی مع جمیع الخصوصیات مع لحاظ اللابشرطیة بالنسبة إلی جمیع الخصوصیات (الماهیة المطلقة).

ثمرة القولین:

إنّه - بناء علی کون الموضوع له الماهیة المطلقة- الدلالة علی الإطلاق وضعیة.

و أمّا بناء علی کون الموضوع له الماهیة المهملة، فالدلالة علی الإطلاق تکون بمقدمات الحکمة.

و اختار بعض الأساطین (حفظه الله) نظریة سلطان العلماء و هو أن الموضوع له الماهیّة

ص: 120

المهملة و استدلّ علیه((1)) بأنّا نحمل علی تلک الماهیة کلاً من التقیید و الإطلاق و نقسّم الماهیة إلی المهملة و المطلقة و المقیّدة.

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص
اشارة

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص ((2))

إنّ المعنی الملحوظ حین الوضع -فی هذا القسم- عام و لکن یوضع اللفظ علی کل فرد من أفراده.

والوجه فی إمکانه أنّ العام وجه لأفراده و معرفة وجه الشیء معرفته بوجه فالعام یکون مرآة لملاحظة أفراده.

إشکال فی ثبوت القسم الثالث:

إنّ المفهوم یحکی عن نفسه فقط لا عن مفهوم آخر مباین له و المفهوم العام

ص: 121


1- تحقیق الأصول، ج1، ص86.
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص420: «القدماء من أهل العربیة و الأصول أنکروا ثبوت ذلک أیضا خلافاً لأکثر المتأخرین فأثبتوه فی الضمائر و الموصولات و أسماء الإشارة و الحروف بأسرها و الأفعال الناقصة بل التامة باعتبار النسبة الفاعلیة أو الطلبیة و المشتقات الاسمیة بأجمعها عند جماعة منهم و قد ذکر سیّد الأفاضل ضابطاً کلیاً یندرج فیه جمیع هذه المذکورات و غیرها ممّا لم یذکر إن کان و هو کل مستعمل فی غیر منحصر لأمر مشترک لم یستعمل فیه فقالوا بأنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص، علی معنی أنّ الواضع لاحظ کلی المفرد المذکر الغائب المتقدم ذکره و کلی من یحکی عن نفسه و کلی المفرد المذکر من المخاطب و کلی المفرد المذکر ممّن یتعیّن بالصلة و کلّی المفرد المذکر من المشار إلیه و کلی الابتداء و الانتهاء و الاستعلاء و کلی تقریر صفة لموصوف و کلی نسبة الحدث إلی الفاعل و کلی الذات المتصفة بالمبدأ، ثمّ وضع لفظة "هو" و "أنا" و "أنت" و "الذی" و "ذا" و "من" و " إلی " و "علی " و "کان" و هیأة "فعل" و "یفعل" و "فاعل" فی کل من الکلیات المذکورة للجزئیات المندرجة تحته علی وجه یقع کل جزئی بنفسه موضوعاً له، فیتعدّد الموضوع له علی حسب تعدّد الجزئیات و إن اتّحد الوضع فیکون استعمال اللفظ فی کل واحد بانفراده استعمالاً له فی تمام معناه الموضوع له و القدماء زعموا أنّ الوضع و الموضوع له فی الجمیع عام».

یقبل الصدق علی الکثیرین و المفهوم الخاص یأبی عن الصدق علی الکثیرین، و من جهة أخری إنّ الخاص له خصوصیة شخصیّة فکیف یحکی العام عنه؟ و الخاص بدون تلک الخصوصیة لیس خاصّاً فإن حکی العام عن الخاص بدون خصوصیّته، فهذا لیس من باب حکایة العام عن الخاص، بل هی حکایة العام عن العام.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)) بالتفصیل بین المفاهیم:

إنّ المفاهیم الکلیة المتأصلة کمفاهیم الجواهر و الأعراض- کالحیوان و الإنسان و البیاض و السواد- لاتحکی إلّا عن أنفسها و هی الجهة الجامعة بین الأفراد و المصادیق فهذه المفاهیم لاتحکی عن غیرها.

أمّا العناوین الکلیة التی تنتزع من الأفراد و الخصوصیات الخارجیة کمفهوم الشخص و الفرد و المصداق فهی تحکی عن الأفراد و المصادیق بنحو الإجمال.

یلاحظ علیه:

إنّ الکلی یقبل الصدق و الانطباق علی کثیرین و هذا ممّا لا ریب فیه و إن کان مفهوماً کلیاً متأصّلاً و لا ملزم فی الحکایة عن الشیء الحکایة عن جمیع خصوصیاته بل الحکایة عن الجهة الموجودة فیه تکفی فی الصدق و إن کانت جهة مشترکة فیما بینه و بین سائر الأفراد؛ نعم إنّها حکایة إجمالیة و لکن الإجمالیة لاتضرّ بالصدق و الحمل.

ص: 122


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص50 و ط.ج. ص54.
القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام
اشارة

و هو محال((1)) لأنّ الخاص لایکون عنواناً للعام لأنّ الخصوصیة الموجودة

ص: 123


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص419: «ربّما ادعی امتناعه [أی القسم الرابع] و علّل بأنّ الجزئی لایقع عنواناً للکلی و آلة لملاحظته و توجیهه أنّ الجزئی عبارة عن الماهیة مع التشخص و التشخص إنّما یلحق الماهیة بواسطة انضمام المشخصات، فالماهیة ما به اشتراک الجزئی مع سائر الجزئیات و المشخصات ما به امتیازها عن سائر الجزئیات و المحسوس المعائن منه عند الملاحظة إنّما هو المجموع ممّا به الاشتراک و ما به الامتیاز و وقوعه عنواناً للکلی - وهو الماهیة المشترکة- لیوضع لها لفظ فرع علی التمییز بین ما به الاشتراک و ما به الامتیاز و هذا لایتأتی بمجرد ملاحظة الجزئی فلایحصل بملاحظته تصوّر الکلی لا تفصیلاً و لا إجمالاً فیستحیل الوضع بإزائه» الخ. و فی فوائد الأصول، ج2-1، ص31: «الظاهر أنّه یستحیل ذلک بداهة أنّ الخاص بما هو خاص لایصلح أن یکون مرآة للعام و من هنا قیل: إنّ الجزئی لایکون کاسباً و لا مکتسباً و هذا بخلاف العام فإنّه یصلح أن یکون مرآة لملاحظة الأفراد علی سبیل الإجمال». و بیان الاستحالة فی منتهی الأصول، ج1، ص17: «إنّ الواضع - حال الوضع- إن تصوّر هذین العنوانین [المراد بهما المعنی العام أو المتصور الخاص و ما هو شریک له فی الأثر] فقد صار الوضع أیضا کالموضوع له عامّاً و إن لم یتصور إلّا ذلک المعنی الخاص فکیف یعقل أن یضع اللفظ بإزاء شیء لم یتصوره أصلاً لا بالصورة التفصیلیة و لا بالإجمالیة ؟» الخ. و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص37 و أصول الفقه، ج1، ص57 و دروس فی علم الأصول، ج1، ص188 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص52 و ط.ج. ص56 و منتقی الأصول، ج1، ص80 . و لکن فی حقائق الأصول، ج1، ص22: «لعلّ النزاع فی ثبوت القسم الرابع لفظی». و هنا قول آخر ففی تهذیب الأصول، ج1، ص8: «الحق أنّهما مشترکان فی الامتناع علی وجه و الإمکان علی نحو آخر». و فی عنایة الأصول، ج1،ص18: «إنّ لحاظ الموضوع له علی الدقة و التفصیل عند الوضع لازم عقلاً و لایکفی اللحاظ الإجمالی المرآتی و إلّا فکما أنّه یصحّ القسم الثانی أی الوضع العام و الموضوع له الخاص فکذلک یصحّ القسم الرابع و هو الوضع الخاص و الموضوع له العام إذ لم یعلم أنّ مرآتیة الفرد للطبیعی هی أقل من مرآتیة الطبیعی للأفراد فکما أنّه إذا لاحظ الطبیعی جاز وضع اللفظ لأفراده نظراً إلی کونه وجهاً من وجوهها فکذلک إذا لاحظ الفرد الخاص جاز وضع اللفظ لکلیه المنطبق علیه و علی أقرانه لکونه وجهاً من وجوهه». و فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص70: «بالجملة ما أفاده المحقق الرشتی (قدس سره) الذی هو عندی فی الصف الأوّل من علماء الغیبة الکبری قابل للتصدیق ... و أمّا ما فی تهذیب الأصول من امتناع القسم الثالث و الرابع بوجه و إمکانهما بوجه فهو یتمّ فی الثالث دون الرابع».

فیه لیست موجودة فی العام، بخلاف العام فإنّ الحقیقة الموجودة فیه موجودة فی جمیع أفراده.

و قد ذهب بعض الأعلام مثل المحقق الرشتی فی بدائع الأفکار((1)) و المحقق الحائری فی درر الأصول((2)) و المحقق الجزائری (قدس سرهم) فی منتهی الدرایة إلی إمکان هذا القسم.

استدلال علی إمکان هذا القسم بوجهین:
الوجه الأوّل: من المحقق الحائری (قدس سره)
اشارة

إذا تری شبحاً من بعید و علمت أنّه حیوان و لکن لم تمیّز أنّه من أی نوع من

ص: 124


1- بدائع الأفکار، ص39.
2- درر الأصول، ص5؛ فی ص36: «أقول: یمکن أن یتصوّر هذا القسم أعنی ما یکون الوضع فیه خاصاً و الموضوع له عامّاً فیما إذا تصوّر شخصاً و جزئیاً خارجیاً من دون أن یعلم تفصیلاً بالقدر المشرک بینه و بین سائر الأفراد و لکنّه یعلم إجمالاً باشتماله علی جامع مشترک بینه و بین باقی الأفراد مثله کما إذا رأی جسماً من بعید و لم یعلم بأنّه حیوان أو جماد و علی أی حال لم یعلم أنّه داخل فی أی نوع فوضع لفظاً بإزاء ما هو متّحد مع هذا الشخص فی الواقع فالموضوع له لوحظ إجمالاً و بالوجه و لیس الوجه عند هذا الشخص إلی الجزئی المتصوّر لأنّ المفروض انّ الجامع لیس متعقلاً عنده إلّا بعنوان ما هو متحد مع هذا الشخص و الحاصل انّه کما یمکن أن یکون العام وجهاً لملاحظة الخاص لمکان الاتحاد فی الخارج کذلک یمکن أن یکون الخاص وجهاً و مرآتاً لملاحظة العالم لعین تلک الجهة نعم فیما إذا علم بالجامع تفصیلاً لایمکن أن یکون الخاص وجهاً له لتحقق الجامع فی ذهنه تفصیلاً بنفسه لا بوجهه فلیتدبر».

الحیوانات فهذا المتصور أمر جزئی و لکن کان مرآة للعام حیث لم یحک إلّا عن العام الذی هو الحیوان. ((1))

الجواب عن الوجه الأوّل:

((2))

إنّ المتصور هنا الأمر الکلی الموجود فی المصداق الجزئی و هذا بمثابة الوضع العام و الموضوع له العام لعدم تصور الخصوصیة.

الوجه الثانی: استدلال المحقق الجزائری (قدس سره) فی منتهی الدرایة
اشارة

إنّ التصور التحلیلی للخاصّ یستلزم تصور العام إجمالاً و التصور الإجمالی کافٍ فی الوضع. ((3))

الجواب عن الوجه الثانی:

إنّه بعد التحلیل یتصوّر الأجزاء التحلیلیة، فالعام متصوّر بنفسه بعد تحلیل

ص: 125


1- فی حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص18: «إنّ بعض الأجلة ذهب إلی إمکان القسم الرابع فی بعض المقامات و هو فیما إذا کان الشخص الملحوظ بجامعه و عنوانه مجهولاً و إن کان بحسب الواقع معلوماً مثلاً إذا رأینا جسماً من بعید و لم نعلم بأنّه من أی نوع فنضع اللفظ بإزاء ما هو متحد مع هذا فی الواقع فیکون هذا الشخص وجهاً و آلة للجامع».
2- و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص19: «إنّ الجهل بالواقع لایصیر ملاکاً لصیرورة الخاص وجهاً للعام فإنّ الخاص الکذائی إمّا أن یلاحظ بجمیع خصوصیاته فلایمکن أن یقع وجهاً للعام و إن کان العام مجهولاً و إمّا یلاحظ معری عنها فیصیر العام المجهول ملحوظاً بنفسه و ذاته، لا بوجهه و عنوانه». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص52 و ط.ج. ص56: «إنّه توّهم فاسد و ذلک لأنّه قد یتصوّر ذلک الشبح بعنوان أنّه جزئی و معنی خاص» الخ.
3- منتهی الدرایة، ج1، ص27.

الخاص فهذا من الوضع العام و الموضوع له العام.

ص: 126

تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی (هنا وجوه أربعة):

((1))

1. هل استعمال اللفظ فی المعنی بحیث یکون اللفظ فانیاً فی المستعمل فیه فلایلتفت إلی اللفظ أصلاً کما فی المرآة؟ فاللفظ حینئذ مغفول عنه و یکون فانیاً فی المعنی.((2))

2. أو بحیث یکون اللفظ ملتفتاً إلیه استقلالاً کالاستعمالات الکنائیة التی

ص: 127


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص69: «(اللفظ و الاستعمال) هذا البحث لم یعنون فی الأبحاث بعنوان مستقل و إنّما یشار إلیه فی ضمن الأبحاث الأخری المتعلقة بالاستعمال و المقصود منه بیان حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی و الأقوال فیها متضاربة - فمنهم من یری أنّه إفناء اللفظ فی المعنی و إلقاء المعنی باللفظ و منهم من یری أنّه جعل اللفظ علامة للمعنی کغیره من العلامات - والمتعارف علی الألسن فی تحریر النزاع المذکور هو أنّ الاستعمال هل هو من قبیل جعل اللفظ علامة للمعنی کغیره من العلامات».
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص70: «أمّا أنّه لیس من قبیل استعمال المرآة فلأنّه من البدیهی أنّه یمکن الإلتفات إلی اللفظ و خصوصیاته حال الاستعمال و لذلک یختار الخطیب الألفاظ الرشیقة و العبارات الشیقة فی مقام أداء المعانی کما أنّه قد یجری علی طبق القواعد العربیة المرسومة فی باب الاستعمال التی یتوقف الجری علیها علی نحو التفات إلی اللفظ کقواعد النحو و الصرف و البلاغة».

یلتفت إلی اللازم و الملزوم فیها و إلّا فکیف ینتقل الذهن إلی المعنی الکنائی؟ فحال اللفظ أیضا کذلک فهو ملتفت إلیه و غیر مغفول عنه و لایکون فانیاً فی المعنی.((1))

3. أو بحیث یکون ملتفتاً إلیه طریقیاً و آلیاً مع عدم الغفلة عنه((2)) فهو لیس بمثابة المرآة التی لایلتفت إلیها و لذا تری أنّ الأدیب -مضافاً إلی التفاته إلی حسن المعانی و لطافة ترکیبها- یتوجه إلی الألفاظ المستعملة من جهة حسنها و جمالها و تناسب بعضها مع بعض.

4. أو إنّه أمر بین النظریة الأولی و الثالثة فإنّ مقام الاستعمال و التخاطب قد یقتضی الالتفات إلی اللفظ مثل المجالس الأدبیة و الوعظ و أمثالها و قد لایقتضی ذلک بل تمام التوجه إلی المعنی.

و الحق هو الأخیر و یظهر ذلک بعد أدنی تأمل فی المقام.

ص: 128


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص70 و 71: «أمّا أنّه لیس من قبیل الاستعمالات الکنائیة فلأنّه من الظاهر أنّ اللفظ فی حال الاستعمال لایکون ملتفتاً إلیه بالاستقلال و ملحوظاً فی نفسه لظهور عدم إمکان الحکم علیه بما أنّه لفظ فی ذلک الحال و لو کان ملحوظاً استقلالاً لصحّ الحکم علیه بلا إشکال».
2- الوجه الثالث مختار المحقق الروحانی (قدس سره) ففی منتقی الأصول، ج1، ص71: « بذلک یعلم أنّ اللفظ فی حال الاستعمال یکون ملحوظاً لکن باللحاظ الطریقی الآلی لا باللحاظ الاستقلالی النفسی فالاستعمال علی هذا لیس إفناء اللفظ فی المعنی و إلقاء المعنی باللفظ و لا ذکر اللفظ مستقلاً فینتقل منه إلی المعنی کالکنایات بل هو إیجاد اللفظ فی الخارج بداعی حصول الانتقال إلی المعنی فهو منظور طریقاً و عبرة للمعنی لا مستقلاً و لا مغفولاً عنه».

الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة (و فیه تنبیهان)

اشارة

التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟

التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی

ص: 129

ص: 130

الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة
اشارة

اختلفوا فیها علی أقوال، فبعضهم أنکروا المعنی الحرفی بل قالوا بعلامیّة الحروف و هو القول الأوّل و بعضهم اختاروا اتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی و هم افترقوا علی قولین و نشیر إلی نظریّتهم فی القول الثانی و الثالث و بعضهم قالوا بنسبیّة المعنی الحرفی و هؤلاء أیضاً افترقوا علی أقوال، فلابدّ من البحث حول جمیع الأقوال:((1))

القول الأوّل: علامیة الحروف.

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره) و هو کون الوضع و الموضوع له عاماً و

ص: 131


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص232: «المتلخص من مجموع کلمات الأعلام فی تشخیص معانی الحروف و فرقها عن معانی الأسماء اتّجاهات ثلاثة رئیسة» أوّلها علامیّة الحروف ثانیها آلیّة المعنی الحرفی و الثالث نسبیّة المعنی الحرفی و قال فی ص237: «الاتجاه الثالث هو الاتجاه القائل بالتغایر و التمایز الذاتی بین معانی الحروف و الأسماء ... و هذا هو الاتجاه الذی ذهب إلیه أکثر المحققین المتأخرین من علماء الأصول و توضیح هذا الاتجاه و تحقیقه یتمّ خلال خمس مراحل من الکلام» ثمّ ذکر وجوهاً أربعة فی إطار الاتجاه الثالث هی: 1- إیجادیة المعنی الحرفی 2- وضع الحروف للوجود الرابط 3- وضع الحروف للتحصیص 4- وضع الحروف للأعراض النسبیة.

المستعمل فیه خاصاً.

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هو کون الوضع و الموضوع له و المستعمل فیه عاماً و الخصوصیة من ناحیة الاستعمال و لحاظ الآلیة.

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) و هو أنّ الهیئات و بعض المعانی الحرفیة و أن کان مفادها مفاد النسبة ولکن بعض مفاد بعض المعانی الحرفیة مفاد الأعراض النسبیة، فالوضع عامّ و الموضوع له عامّ.((1))

القول الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و هو أنّ للحروف معانی إیجادیّة لا إخطاریّة و الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له عامّ أیضاً و المستعمل فیه خاصّ.((2))

القول السادس: نظریة المحقق الاصفهانی (قدس سره) و هو أنّ المعانی الحرفیة مفاد الوجود الربطی، فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ. ((3))

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هو أنّ المعانی الحرفیّة لتضییق

ص: 132


1- المقالات، ج1، ص92.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص41.
3- فی هدایة المسترشدین، ج1، ص178، بعد بیان الوضع العام و الموضوع له الخاص: «قد اختلفوا فی تحقق الوضع علی الوجه المذکور علی قولین فقد ذهب إلیه جماعة من محققی المتأخرین و قالوا به فی أوضاع المبهمات الثلاثة و الحروف بأجمعها و الأفعال الناقصة و کذا الأفعال التامة بالقیاس إلی معانیها النسبیة و الضابط فیه کل لفظ استعمل فی أمر غیر منحصر لمعنی مشترک لایستعمل فیه علی إطلاقه فإنّ الملحوظ عندهم حین وضع تلک الألفاظ هو ذلک الأمر الجامع المشترک بین تلک المستعملات و الموضوع له هو خصوص تلک الجزئیات فجعل ذلک الأمر العام مرآة لملاحظتها حتی یصحّ وضع اللفظ بإزائها و هذا القول هو المعزی إلی أکثر المتأخرین، بل الظاهر إطباقهم علیه من زمن السیّد الشریف إلی یومنا هذا».

المعانی الاسمیة و تحصیصها فالوضع عامّ و الموضوع له خاصّ.((1))

القول الأوّل: علامیّة الحروف
اشارة

القول الأوّل: علامیّة الحروف ((2))

إنّ الحروف وضعت بوزان الحرکات الإعرابیة حیث إنّها لم توضع لمعنی خاص بل هی علامة و قرینة علی أنّ لمدخولها خصوصیة مثل الظرفیة أو کونه مبدوّاً به.

ص: 133


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص82 و ط.ج. ص91؛ حاشیة أجود التقریرات، ج1، ص41.
2- هذا القول هو القول الثانی ممّا ذکره فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص59 و ط.ج. ص64. و فی وقایة الأذهان، ص70: «و فی معانی الحروف مسلک آخر و هو أدق و ألطف ممّا تقدم ذهب إلیه جماعة أوّلهم - فیما أعلم- نجم الأئمة الرضی فی شرح الکافیة و تبعه غیر واحد من المتأخرین و حاصله علی اختلاف تقادیر الذاهبین إلیه أنّ الحروف لا معانی لها أصلاً بل هی کالعلم المنصوب بجنب الأسماء لتعین مواقعها من الکلام و تربط بعضها ببعض و ما هی إلّا کرفع الفاعل و نصب المفعول ... و هذا المسلک فی معانی الحروف - علی قربه للوجدان- قریب إلی الخبر المأثور المشهور عن واضع علم النحو (علیه السلام) و تعریف أئمة الإعراب للحرف إذ لو کانت للحروف معان قد وضعت لها شارکت الأسماء فی الإنباء عن مسمّیاتها و لم یکن قوله (علیه السلام) فی حدّ الاسم إنّه «ما أنبأ عن المسمّی» حداً مانعاً لأنّ الاختلاف فی أنواع المنبأ لایستلزم عدم صدق النبأ» الخ. و فی نهایة النهایة، ص10: «التحقیق انّ الحروف لا وضع لها أصلاً و إنّما الوضع للهیئات الترکیبیة الدالة علی أنحاء الروابط الخاصة و توضیح ذلک انّه إذا کان للحروف وضع فإمّا أن تکون موضوعة بإزاء مفاهیم النسب المستقلة فی اللحاظ أو تکون موضوعة بإزاء الروابط الخاصة بما هی روابط غیر المستقلة فی اللحاظ و کل منهما لایجدی فی تفهیم المراد من الکلام» الخ. و فی وسیلة الوصول، ص142: «لیست تحت الحروف معان فی قبال المعانی التی تحت متعلقاتها بحیث تکون الحروف حاکیة عنها ... و تکون حال الحروف بل الهیئات کالأعاریب» الخ. و فی شرح الرضی (قدس سره) علی الکافیة، ج1، ص37: «... فالحرف وحده لا معنی له أصلاً إذ هو کالعلم المنصوب بجنب شیء لیدلّ علی أنّ فی ذلک الشیء فائدة فإذا انفرد عن ذلک الشیء بقی غیر دال علی معنی أصلاً».
الإیراد علی القول الأوّل:

((1))

إنّ الخصوصیّات التی دلّت علیها الحروف هی معانٍ للحروف حیث إنّ هذه المعانی تفهم من الجملة و الدالّ علیها إمّا الأفعال و إمّا الأسماء و إمّا الحروف أمّا الأفعال و الأسماء فلا تدلّان علیها، فالدال علیها نفس الحروف فکأنّهم لم یتفطّنوا أنّ تلک الخصوصیات التی اعترفوا بعلامیّة الحروف لها، هی بنفسها تعدّ من المعانی إلّا أنّها معانٍ حرفیة لا اسمیّة.

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره)
اشارة

القول الثانی: نظریة التفتازانی (قدس سره) (2)

و هو أنّ الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له أیضاً عامّ و المستعمل فیه خاصّ و هذا القول یشترک مع قول صاحب الکفایة (قدس سره) فی أنّ معانی الحروف معانٍ اسمیة و لکن یفترقان من حیث المستعمل فیه.

ص: 134


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص59 و ط.ج. ص65: «هذا القول لایمکن المساعدة علیه و ذلک لأنّ الخصوصیات التی دلّت علیها الحروف و الأدوات هی بعینها المعانی التی وضعت الحروف بإزائها» الخ. و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص232 و 233 ذکر اعتراضاً علی هذا المسلک و أجاب عنه ثمّ ذکر ثلاثة احتمالات لتفسیر هذا المسلک و هی: 1- فراغ الحروف من الدلالة و التأثیر فی تکوین المدلول نهائیاً 2- لیس للحروف مدلول فی عرض مدلول الاسم الذی یشارکه فی تکوین الجملة و إنّما مدلوله طولی دائماً بمعنی أنّه یشخص المراد من الاسم 3- لیس الحرف دالاً مستقلاً کما هو الحال فی الاسم بل یستحیل أن یکون إلّا دالاً ضمنیاً و الدال المستقل هو المجموع المرکب من الحرف و الاسم و عدّ الأوّل باطلاً بضرورة الوجدان اللغوی و العرفی و أبطل الثانی أیضاً و قال فی الثالث: «هذا معنی دقیق و عمیق و هو الذی یقتضیه منهجنا العام فی تحقیق المسألة إذ یتضح أنّ من لوازم عدم استقلالیة المعنی عدم استقلالیة الدلالة».
2- . فی منتهی الدرایة، ج1، ص28 عند شرح قوله: «کما توهم أیضاً أنّ المستعمل فیه فیها خاص مع کون الموضوع له کالوضع عامّاً»: «المتوهم هو التفتازانی علی ما قیل» و فی ص39: «المتحصل من عبارة المتن و غیرها أنّ الأقوال فی کیفیة وضع الحروف ثلاثة الثانی عمومیة کل من الوضع و الموضوع له مع خصوصیة المستعمل فیه و هو المعزی إلی التفتازانی». و فی وقایة الأذهان، ص69، عند بیان کون الوضع و الموضوع له فی الحروف عامین من وجوه ثلاثة: «ثالثها: ما ذهب إلیه الشیخ الأستاذ و بیّنه فی مواضع من کتبه و هو أنّ الحرف وضع لیستعمل و أرید منه معناه حالة لغیره و بما هو فی الغیر... و حاصل ما یفهم من هذا الکلام و من سائر ما بیّنه فی غیر هذا المقام هو اتحاد الوضع و الموضوع له بین الحرف و بین متعلقه و لکنّ الواضع جعل علی متابعیه أن لایستعمل لفظ الابتداء مثلاً إلّا علی النحو الاستقلالی و لفظ من إلّا علی النحو الآلی التبعی... و قد نقل ذلک عن التفتازانی أیضا». هذا ما وجدنا من نقل مذهب التفتازانی و لکن فی أی کتاب أبرز هذا المذهب؟ أقول: فی هدایة المسترشدین، ج1، ص178: «المحکی عن قدماء أهل العربیة والأصول القول بکون الوضع و الموضوع له فی جمیع ذلک عامّاً فیکون الحال فی المذکورات من قبیل القسم الثانی عندهم و هذا هو الذی اختاره التفتازانی لکنّه ذکر أنّ المعارف ما عدا العلم إنّما وضعت لتستعمل فی معین و ظاهر کلامه أنّ الواضع اشترط فی وضعها لمفهومها الکلی أن لاتستعمل إلّا فی جزئیاته و فی الحواشی الشریفیة أنّ جماعة توهّموا وضعها لمفهوم کلی شامل للجزئیات و الغرض من وضعها له استعمالها فی أفرادها المعینة دونه و الظاهر أنّ هذا الاعتبار إنّما وقع فی کلام جماعة من المتأخرین تفصیاً من المنافاة بین وضعها للمفهوم الکلی و عدم صحة استعمالها إلّا فی الجزئیات و إلّا فالقدماء لم ینبهوا علی ذلک فی ما عثرنا علیه من کلامهم» و فی ص185: «وقد ظهر بما بیّناه وهن ما ذکره المحقق الشریف فی شرح المفتاح عند بیان القول المذکور من أنّ الموضوع له عندهم هو الأمر الکلی بشرط استعماله فی جزئیاته المعینة و قال فی حاشیة له هناک: إن لفظة "أنا" مثلاً موضوعة علی هذا الرأی لأمر کلی هو المتکلم المفرد لکنّه اشترط فی وضعها أن لایستعمل إلّا فی جزئیاته ثمّ حکم برکاکة القول المذکور و استصوب القول الآخر، إذ لیس فی کلام الذاهبین إلی القول المذکور إشارة إلی ذلک عدا شذوذ من المتأخرین کالتفتازانی فی ظاهر کلامه کما أشرنا إلیه و کأنّه ألجأه إلی ذلک ما یتراءی من توقف تصحیح کلام القائل به علی ذلک نظرا إلی ما ذکر فی هذه الحجة و غیرها کما یظهر من التفتازانی فی التزامه به».
استشکل علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

لا ریب فی وجود خصوصیة اللحاظ الآلی فی المعانی الحرفیة إلّا أنّ تلک الخصوصیة کما أنّها لیست فی الموضوع له، کذلک لیست فی المستعمل فیه، و الدلیل علی عدم کونها فی المستعمل فیه وجوه ثلاثة:

ص: 135

الوجه الأوّل:((1)) إنّ المعنی المستعمل فیه لابدّ أن یلاحظ حین الاستعمال و هذا اللحاظ لحاظ آلی؛ فإن قلنا بأنّ هذا اللحاظ الآلی جزء للمعنی المستعمل فیه، فیلزم أحد الأمرین:

إمّا أن یکون لحاظ المعنی المستعمل فیه عین اللحاظ الآلی المأخوذ فی المعنی المستعمل فیه فیلزم حینئذ تقدم الشیء علی نفسه لأنّ المعنی المستعمل فیه متقدم علی لحاظه مع أنّ لحاظ المستعمل فیه صار جزءً للمستعمل فیه قبلاً.

و إمّا أن یکون لحاظ المعنی المستعمل فیه غیر اللحاظ الآلی فیلزم تعدد اللحاظ الآلی، أحدهما جزء المعنی المستعمل فیه و الآخر مقوّم للاستعمال، لأنّه لابدّ من ملاحظة المعنی حین الاستعمال و هو خلاف الوجدان.

الوجه الثانی:((2)) إنّ اللحاظ الآلی إذا أخذ جزءً فی المعنی المستعمل فیه یوجب صیرورته کلیاً عقلیاً، لأنّ موطن اللحاظ هو العقل و حینئذٍ لایصدق علی الخارجیات، حیث إنّ موطن الکلی العقلی هو الذهن فامتثال «سر من البصرة» ممتنع إلّا بإلغاء الخصوصیة.

الوجه الثالث:((3)) إنّ اللحاظ الآلی فی الحروف مثل اللحاظ الاستقلالی فی الأسماء، فکما لایکون اللحاظ الاستقلالی فی المستعمل فیه فی الأسماء لایکون اللحاظ الآلی فی المستعمل فیه فی الحروف.

ص: 136


1- فی الکفایة، ص11: «المعنی و إن کان لامحالة یصیر جزئیاً بهذا اللحاظ ... إلّا أنّ هذا اللحاظ لایکاد مأخوذاً فی المستعمل فیه و إلّا فلابدّ من لحاظ آخر متعلق بما هو ملحوظ بهذا اللحاظ بداهة أنّ تصور المستعمل فیه ممّا لابدّ منه فی استعمال الألفاظ و هو کما تری».
2- فی الکفایة، ص11: «مع أنّه یلزم أن لایصدق ... إلّا بالتجرید و إلغاء الخصوصیة».
3- فی الکفایة: «هذا مع أنّه لیس لحاظ المعنی حالة غیره فی الحروف إلّا کلحاظه فی نفسه فی الأسماء» الخ.
القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))

و هذا القول منسوب إلی المحقّق الرضی((2)) و اختاره المحقق

ص: 137


1- فی هدایة المسترشدین، ص178: «المحکی عن قدماء أهل العربیة و الأصول القول بکون الوضع و الموضوع له فی جمیع ذلک عاماً». و فی ص189: «و الحاصل أنّه لا اختلاف بین المعنی الاسمی و الحرفی بحسب الذات و إنّما الاختلاف بینهما بحسب الملاحظة و الاعتبار فیکون المعنی بأحد الاعتبارین تامّاً إسمیّاً و بالاعتبار الآخر ناقصاً حرفیاً و یتفرع علی ذلک إمکان إرادة نفس المفهوم علی إطلاقه فی الأسماء من غیر ضمّه إلی الخصوصیة بخلاف المعنی الحرفی إذ لایمکن إرادته من اللفظ إلّا بضمّه إلی الغیر، ضرورة کونه غیر مستقل بالمفهومیة فی تلک الملاحظة فلایمکن إرادته من اللفظ إلّا مع الخصوصیة حسب ما بیّناه و ذلک لایقضی بوضعها لکل من تلک الخصوصیات». و فی وقایة الأذهان، ص67: «ذهب جماعة من محققی المتأخرین أوّلهم – فی ما أعلم- الجد العلّامة فی الهدایة إلی أنّها موضوعة بالوضع و الموضوع له العامین و أنّ معانیها کلیّة کمعانی متعلقاتها و یمکن بیانه من وجوه: أوّلها: ما ذهب إلیه - طاب ثراه - و ملخصه أنّ الحروف موضوعة للمعانی الرابطیة المتقومة بمتعلقاتها الملحوظة مرآة لحال غیرها و ذلک المعنی الرابطی مأخوذ فی الوضع علی وجه کلی و لکن لایمکن إرادته من اللفظ إلّا بذکر ما یرتبط به ... ثانیها: ما قرره السید الأستاذ (قدس سره) و توضیحه یبتنی علی مقدمة ... ثالثها: ما ذهب إلیه الشیخ الأستاذ و بیّنه فی مواضع من کتبه و هو أنّ الحرف وضع لیستعمل و أرید منه معناه حالة لغیره و بما هو فی الغیر و وضع غیره لیستعمل و أرید منه معناه بما هو هو و علیه یکون کل من الاستقلال بالمفهومیة و عدم الاستقلال بها إنّما اعتبر فی جانب الاستعمال، لا فی المستعمل فیه لیکون بینهما تفاوت بحسب المعنی» الخ. و فی درر الفوائد، ج1، ص37: «الحق أنّ معانی الحروف کلّها کلیّات وضعت ألفاظها لها و تستعمل فیها و لاتحتاج هذه الدعوی بعد تعقل المدعی إلی دلیل آخر ... لایخفی علیک أنّ المعنی الاسمی و الحرفی مختلفان بحسب کیفیة المفهوم بحیث لو استعمل اللفظ الموضوع للمعنی الحرفی فی المعنی الاسمی أو بالعکس یکون مجازاً أو غلطاً فإنّ مفهوم الابتداء الملحوظ فی الذهن استقلالاً یغایر الابتداء الملحوظ فی الذهن تبعاً للغیر و التقیید بالوجود الذهنی و إن کان ملغی فی کلیهما لکن المتعقل فی مفاد لفظ الابتداء غیره فی مفاد لفظ من».
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص54 و ط.ج. ص59: «القول الأوّل ما نسب إلی المحقق الرضی (قدس سره) و تبعه فیه المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) »

الخراسانی (قدس سرهما) ((1)) و هو اتّحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی، و أنّ الوضع فی الحروف عام و الموضوع له عام و المستعمل فیه أیضاً عام.

فإنّ المعنی فی «من» و لفظ «الابتداء» واحد، لأنّ المعنی الحرفی عین المعنی الاسمی فی الموضوع له و المستعمل فیه.

إن قلت: علی هذا لابدّ من صحّة استعمال کلّ منهما موضع الآخر مع أنّه باطل قطعاً.

قلت: الفرق بینهما إنّما هو فی اختصاص کل منهما بوضع حیث وُضع الاسم لیراد منه معناه بما هو هو و فی نفسه و وُضع الحرف لیراد منه معناه لا کذلک بل بما هو حالة لغیره.((2))

ص: 138


1- فی الکفایة، ص11: «و التحقیق - حسبما یؤدی إلیه النظر الدقیق أنّ حال المستعمل فیه و الموضوع له فیها حالهما فی الأسماء ... و بالجملة لیس المعنی فی کلمة من و لفظ الابتداء - مثلاً - إلّا الابتداء فکما لایعتبر فی معناه لحاظه فی نفسه و مستقلاً کذلک لایعتبر فی معناها لحاظه فی غیرها و آلة و کما لایکون لحاظه فیه موجباً لجزئیته فلیکن کذلک فیها إن قلت: علی هذا لم یبق فرق بین الاسم و الحرف فی المعنی» الخ.
2- فی تهذیب الأصول، ج1، ص18، بعد بیان مختار المحقق الخراسانی (قدس سره): «و أنت خبیر بالمغالطة الواقعة فیه حیث إنّ ما رتبه من البرهان علی نفی الجزئیة مبنی علی تسلیم الاتحاد بین الأسماء و الحروف و انّهما من سنخ واحد جوهراً و تعقلاً و دلالةً فحینئذٍ یصحّ أن یبنی علیه ما بنی، من أنّه لا مخصص و لا مخرج من العمومیة. مع أنّک عرفت التغایر بینهما فی جمیع المراحل و سیأتی أنّ الموضوع له فی مورد نقضه من قوله: "سر من البصرة إلی الکوفة" ممّا یتوهم کلیة المستعمل فیه خاص أیضا فارتقب» و فی بحوث فی علم الأصول، ص 234 - 237: «و قد أورد علیه فی کلمات المحققین اعتراضات عدیدة منها ما ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تعلیقته علی الکفایة بقوله: «إنَّ الاسم و الحرف لو کانا متّحدی المعنی و کان الفرق بمجرّد اللحاظ الاستقلالی و الآلی لکان طبیعی المعنی الوحدانی قابلاً لأن یوجد فی الخارج علی نحوین کما یوجد فی الذهن علی طورین، مع أنَّ الحرفی کأنحاء النسب و الروابط لایوجد فی الخارج إلّا علی نحو واحد و هو الوجود لا فی نفسه و لایعقل أن توجد النسبة فی الخارج بوجود نفسی ... و منها ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) من أنّ تقیید الواضع و اشتراطه الآلیّة فی استعمال الحرف و الاستقلالیّة فی استعمال الاسم لیس ملزماً و لایترتّب علیه عدم صحّة الاستعمال للفظ فی معناه الموضوع له و لو سلّم فغایته عدم صحّته بقانون الوضع لا عدم صحّته مطلقاً و لو بالنحو الذی یصحّ به الاستعمال المجازی، مع وضوح أنَّ استعمال الحرف فی مورد الاسم و بالعکس غیر صحیح مطلقاً ... و منها ما ذکره السید الأستاذ (حفظه الله) من أنّ لحاظ المعنی آلة لو کان موجباً لکونه معنی حرفیّاً لزم منه کون کلّ معنی اسمی یؤخذ معرفاً لغیره فی الکلام و آلة للحاظه کالعناوین الکلیّة المأخوذة فی القضایا معرفات للموضوعات الواقعیة معنی حرفیاً ... و منها ما أورده السید الأستاذ (حفظه الله) أیضاً بقوله: کما أنَّ لحاظ المعنی حالة لغیره لو کان موجباً لکونه معنی حرفیّاً لزم منه کون جمیع المصادر معانی حرفیة، فإنَّها تمتاز عن أسماء المصادر بکونها مأخوذات بما أنَّها أوصاف لمعروضاتها بخلاف أسماء المصادر الملحوظ فیها الحدث بما أنَّه شی ء فی نفسه مع قطع النّظر عن کونه وصفاً لغیره ... و منها ما أورده السید الأستاذ (حفظه الله) - أیضا من أنَّ المعنی الحرفی قد یکون هو المقصود بالإفادة فی کثیر من الموارد و ذلک کما إذا کان ذات الموضوع و المحمول معلومین عند شخص و لکنَّه کان جاهلاً بخصوصیّتهما فسأل عنها فأجیب علی طبق سؤاله فهو و المجیب إنَّما ینظران إلی هذه الخصوصیة نظرة استقلالیة». و أجاب عن جمیع هذه الاعتراضات و لکن قال بعد ذلک: «الصحیح فی تفنید هذا الاتجاه أن یقال» ثم ذکر احتمالین للمراد من عدم استقلالیة معانی الحروف: 1) کونها تلحظ حالة لمعانی الأسماء و مندکة فیها 2) کونها آلة و مرآة لملاحظة المصادیق الخارجیة الخاصة و أورد علی کلیهما».

و هذا الکلام فسّر بنحوین: ((1))

التفسیر الأوّل لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ خصوصیة اللحاظ الآلی من شرط الواضع حیث إنّه اشترط علی المستعملین أن یستعملوا لفظة «من» فی ما یراد معناه حالة لغیره و «الابتداء» فی

ص: 139


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص89: «وقع موضع التفسیر و التردید بین احتمالات و هی ثلثة» و قال: «الثالث ربط اللحاظ الآلی و الاستقلالی بالموضوع له لکن لا بنحو التقیید و بیانه ... و هذا التفسیر لکلام صاحب الکفایة أوجه من أخویه و إن کان ارتباطه بالعبارة أبعد و لکنّه غیر صحیح فی نفسه کأخویه».
2- فی منتقی الأصول: «الأوّل: ما یظهر من بعض کلمات المحقق النائینی (قدس سره) من إرجاع التقیید باللحاظ الآلی و الاستقلالی إلی اشتراط الواضع ذلک فی الاستعمال فشرط الواضع أن لایستعمل لفظ الابتداء إلّا مع لحاظه استقلالاً و إن لایستعمل لفظ "من" فی الابتداء إلّا مع لحاظه آلة».

ما یراد معناه بما هو هو و فی نفسه.

یلاحظ علیه:

((1))

أوّلاً: إنّ رعایة شرط الواضع و العمل به لیس بواجب.

ثانیاً: مع عدم رعایة شرط الواضع و عصیانه لابدّ أن یکون الاستعمال صحیحاً ذا معنی مع أنّا نری فساد المعنی فی ما إذا جعلنا مکان لفظة «من» لفظ «الابتداء».((2))

التفسیر الثانی لکلامه (قدس سره):
اشارة

((3))

إنّ ذلک لیس من جهة شرط الواضع، بل من باب غایة الوضع فعلی هذا

ص: 140


1- فی منتقی الأصول: «یرد علیه أوّلاً أنّ الشرط المأخوذ فی الحکم و مثله المأخوذ فی الوضع إمّا أن یرجع إلی المتعلق و الموضوع له بحیث یکون من قیودهما أو لا ... و ثانیاً لو سلّم أنّ هذا الشرط و إن کان مأخوذاً بنحو تعدد المطلوب إلّا أنّه لازم الاتباع لجهة ما» الخ.
2- ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص55 و ط.ج. ص60، قال: «فتحصل أنّ المعنی الحرفی و إن کان لابدّ من لحاظه آلیاً... إلّا أنّ ذلک لم ینشأ من... بل منشأ ذلک هو اشتراط الواضع ذلک فی مرحلة الاستعمال لا بمعنی أنّه اشترط ذلک علی حذو الشرائط فی العقود و الإیقاعات» الخ.
3- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص55 و ط.ج. ص60: «بل المراد بالاشتراط أنّ العلقة الوضعیة فی الحروف و الأدوات مختصة بحالة مخصوصة و هی ما إذا لاحظ المتکلم المعنی الموضوع له فی مرحلة الاستعمال آلیا، و فی الأسماء بحالة أخری و هی ما إذا لاحظ المعنی فی تلک المرحلة استقلالا». و فی منتهی الدرایة، ج1، ص45: «یمکن توجیه ما أفاده! بأنّ ضیق الأغراض الداعیة إلی الإنشاءات موجب لضیق دائرة المنشآت و المجعولات ... و فی المقام لما کان غرض الواضع من وضع الحروف دلالتها علی معانیها حال کونها ملحوظة باللحاظ الآلی فلا محالة تتضیق دائرة موضوع وضعه أیضاً، لکن لا بنحو التقیید، لما مرّ من استحالة تقید المعنی باللحاظ المتأخر عنه ومن المعلوم أنّ من لوازم تضیق دائرة الوضع عدم صحة استعمال أحدهما موضع الآخر هذا ملخّص ما یستفاد من بیان بعض أعاظم أساتیذنا!» ثمّ ذکر إیراداً علیه.

الوضع محدود بغایته، فمحدودة العلقة الوضعیة فی کلمة «من» هو الموارد التی تستعمل فیها حالة لغیره فاستعمال کلمة «الابتداء» مکان کلمة «من» و بالعکس استعمال اللفظ فی ما هو خارج عن محدودة العلقة الوضعیة.

یلاحظ علیه:

((1))

أوّلاً: إنّ تحدید عملیة الوضع و العلقة الوضعیة بحسب موارد الاستعمال بعید عن عمل العقلاء و دیدنهم و المتداول خلاف ذلک (و إن لم یکن مستحیلاً).

ثانیاً: علی هذا استعمال لفظة «من» بدل کلمة «الابتداء» و بالعکس و إن کان استعمالاً خارجاً عن محدودة العلقة الوضعیة و لکن أنس لفظة «من» بکلمة «الابتداء» یوجب خطور معنی الابتداء بالذهن و مع هذا الخطور لابدّ أن یصحّ المعنی (معنی الجملة) فیما إذا جعلنا لفظة «من» بدل کلمة «الابتداء» و إن کان الاستعمال غلطاً مع أنّا نری عدم صحة معنی الجملة حینئذٍ.

مضافاً إلی أنّ الاستعمال أیضاً -علی هذا القول- لابدّ أن یکون صحیحاً، لأنّ حال هذا الاستعمال لیس بأسوء من الاستعمال المجازی، حیث إنّ المجاز هو استعمال اللفظ فی غیر الموضوع له و المصحّح للاستعمال المجازی هو المناسبات التی ذکروها، مع أنّ تبدیل لفظة «من» و «الابتداء» أولی من ذلک، لأنّ ما یخطر بالذهن من لفظ «من» هو بعینه معنی کلمة «الابتداء»، و لکن بطلان معنی الجملة و عدم صحته، لایستقیم و لایناسب صحة الاستعمال.

ص: 141


1- فی منقی الأصول، ص91: «العبارة بهذا التفسیر لاتخلو عن خدشة أیضاً و ذلک لأنّ ما ذکر یقتضی أن یکون حدوث العلقة الوضعیة و حصولها بین اللفظ و المعنی متوقفاً علی الاستعمال» الخ.
القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ((1))

إنّ بعض الحروف وضعت للنسبة مثل حروف التمنّی و الترجّی و سائرالحروف وضعت للأعراض النسبیة الإضافیة مثل من و إلی و فی، کما أنّ الهیئات وضعت للنسب الربطیة و الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له أیضاً عامّ.

قبل بیان ذلک لابدّ من تمهید مقدّمة و هی أنّ الموجودات الإمکانیّة الخارجیة علی ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما یکون وجوده فی نفسه لنفسه (الجوهر).

الثانی: ما یکون وجوده فی نفسه لغیره (العرض).

و العرض علی قسمین: ما یحتاج فی تحققه إلی موضوع واحد فی الخارج (الکم و الکیف) و ما یحتاج فی تحققه إلی موضوعین فی الخارج (العرض الأینی مثل الأین الابتدائی و یدلّ علیه کلمة «مِن» و مثل الأین الظرفی و یدلّ علیه کلمة «فی»).

الثالث: ما یکون وجوده فی غیره (الوجود الربطی).

أمّا بیان نظریّته:

إذا اتّضح أقسام الموجودات الخارجیّة، فلابدّ من وضع الألفاظ بإزاء کلّ منها، لأنّ العقلاء احتاجوا إلی وضع الألفاظ للمعانی فوضعوا الأسماء للجواهر و عدّة من الأعراض و وضعوا الهیأة من المرکّبات و المشتقّات للنسب الربطیة و وضعوا الحروف للأعراض النسبیة.

مثلاً لفظ «فی» یدلّ علی العرض الأینی العارض علی «زید» فی مثل قولنا:

ص: 142


1- بدائع الأفکار، ج1، ص49؛ مقالات الأصول، ج1، ص86.

«زید فی الدار»، و هیأة مثل عالم و أبیض و مضروب تدلّ علی ارتباط العرض بموضوعٍ مّا و کذلک بقیة الحروف تدلّ علی إضافة خاصة و ربط مخصوص بین المفاهیم الاسمیة.

ثم إنّه فصّل بین الحروف فقال هی علی قسمین:

القسم الأوّل: ما هو موضوع للنسبة مثل حروف التمنّی و الترجّی فهی موضوعة لنسبة تشوّق المترجّی إلی المترجَّی و المتمنّی إلی المتمنَّی مثل لیت و لعلّ.

القسم الثانی: ما هو موضوع للأعراض النسبیّة و هو سائر الحروف مثل «من» و «إلی» و «فی».((1))

استشکل علیه من وجوه أربعة:

((2))

الوجه الأوّل: إنّ ما أفاده فی معنی الهیئات و بعض الحروف مثل حروف التمنّی و الترجّی فی غایة المتانة، و لکن ما أفاده بعده من أنّ سائر الحروف تدلّ

ص: 143


1- فی منتقی الأصول، ص110: «الذی یتحصل من مجموع کلامه أنّ الهیئات موضوعة للربط و النسبة بین العرض و محله و الحروف موضوعة للأعراض الإضافیة النسبیة و بذلک یتفق مع المحققین النائینی و الإصفهانی[ (قدس سرهما)] فی جهة - وهی جهة وضع الهیئات – و یختلف معهما فی أخری – و هی جهة وضع الحروف- و ذلک واضح».
2- و فی بحوث فی علم الأصول، ص251 و 252: «یرد علیه أوّلاً إنَّ الألفاظ لیس من الضروری انّ تتطابق مع قائمة المقولات الحقیقیة و الوجودات الخارجیة العینیّة بمراتبها و أن نجد مدلول کل واحد منها ضمن هذه القائمة، لأنّ معنی اللفظ قد یکون أمراً اعتباریّاً أو انتزاعیّاً أو عدماً صرفاً و لیس من المقولات بوجه سواءً فی الأسماء - کلفظ العدم مثلاً- أو فی الحروف، إذ کثیراً ما لایکون المعنی الحرفی معبّراً عن وجود خارجی لا ربطی و لا رابطی». و قال: «و ثالثاً إنّ مفاد الحرف إذا کان عرضاً نسبیاً فإن أرید العرض النسبی بوصفه مفهوماً من المفاهیم ... و إن أرید العرض النسبی بوجوده الخارجی الرابطی ...».

علی الأعراض النسبیّة ممّا لایمکن المساعدة علیه، فإنّ مقولة الأین هی الهیأة القائمة بالکائن فی المکان و تلک الهیأة ذات نسبة و لذا تسمّی بالأعراض النسبیّة و فرق بین الهیأة الحاصلة للشیء فی المکان و نسبة الشیء إلی المکان و ما هو مفاد معنی کلمة «فی» فی المثال المذکور نسبة زید إلی مکان الدار، ضرورة أنّ کلمة «فی» لاتدلّ علی هیأة حاصلة لزید من جهة کونه فی المکان حتّی یکون عرضاً نسبیّاً.((1))

الوجه الثانی:((2)) إنّا نقطع بعدم کون الحروف موضوعة للأعراض النسبیة الإضافیة لصحة استعمالها فی ما یستحیل فیه تحقق عرض نسبی کما فی صفات الواجب تعالی و الاعتبارات و الانتزاعیات، مع أنّ الحروف یصح استعمالها فی الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد بلا لحاظ عنایة و تجوّز فیها.((3))

الوجه الثالث:((4)) لم نجد وجود العرض النسبی فی حروف التشبیه و العطف و النداء فأین العرض النسبی فی مثل «کأنّ زیداً أسد» و مثل «یا زید»؟

ص: 144


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص252: «ثانیاً إنّ المقصود من استفادة العرض النسبی من قولنا: "زید فی الدار" إن کان استفادة معنی الأین بما هو هیأة قائمة بالمتأین بلحاظ نسبة خاصة بینه و بین ظرفه و مکانه، فهذا ممَّا لایستفاد بالمطابقة من اللفظ أصلاً و إن کان المقصود استفادة النسبة الخاصة القائمة بین المتأین و المکان الذی یتواجد فیه، فهذا صحیح غیر انَّ هذه النسبة بنفسها نحو من الربط لیست بحاجة إلی ربط آخر بطرفیها لیقال بأنَّ الهیأة تتکفّل بربطها بطرفیها».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص74 و ط.ج. ص81.
3- فی منتقی الأصول، ج1، ص111: «الانصاف أن هذا الإیراد لایوجب الانصراف عن الالتزام بهذا القول لأنّه یرد علی غیره و هو ما التزم به نفس المورد - أعنی السیّد الخوئی- کما سیتضح فی ما یأتی إن شاء الله تعالی و لایختص به کما أنّه لایختص بهذه الناحیة، بل هو ثابت من ناحیة أخری و هی نفس النسبة و الربط فإنّه ممّا یمتنع فی حق الواجب لتقومها باثنین و لا اثنینیة بین الصفة و الذات المقدسة فلابدّ من إیجاد الحل له و بذلک یندفع الإیراد و لایبقی لذکره مجال».
4- تحقیق الأصول، ج1، ص109.

الوجه الرابع:((1)) إنّ العرض النسبی نفسه معنی اسمی کما قال صدر المتألهین: إنّ مقولة الأین هی الهیأة الحاصلة للشیء و الهیأة معنی اسمی مع أنّ المعنی الحرفی غیر المستقل فی قبال المعنی الاسمی الذی هو مستقل مفهوماً.((2))

القول الخامس: نظریّة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس
اشارة

إنّ للحروف معانی إیجادیة فی قبال المعانی الاسمیة التی هی إخطاریة و أوّل من اختار هذه النظریّة فی ما نعلم هو المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) فإنّه یقول بأنّ معانی بعض الحروف إیجادیة.

قال المحقق النائینی (قدس سره):((3))

إنّ الحروف لها معانٍ و هی فی حدّ کونها معانی (أی فی عالم التجرّد العقلانی) معانٍ غیر مستقلة، بخلاف المعانی الاسمیة فإنّها فی عالم التجرّد العقلانی بجواهرها و أعراضها معان استقلالیة، کما أنّ الجوهر لایحتاج فی وجوده إلی موضوع بخلاف الأعراض، فإنّها فی وجودها (لا فی حدّ ذاتها و کونها معانی) تحتاج إلی موضوع.

ص: 145


1- تحقیق الأصول، ج1، ص110.
2- و فی منتقی الأصول، ص110: «الذی یرد علیه أوّلاً انّ المعنی الحرفی إذا کان هو العرض النسبی فهو لایفترق عن المعنی الاسمی أیضاً إذ یکون المعنی الموضوع له لفظ (فی) و لفظ (الظرفیة) واحد و هو العرض النسبی و هو یناهض الوجدان الحاکم بثبوت الفرق بین معنی اللفظین ... و ثانیاً: انّه لایظهر هناک فرق ذاتی بین الاسم و الحرف فی المعنی فانّّ لفظ الابتداء لم یوضع لسوی الابتداء الذی یکون من الأعراض النسبیة و الموضوع له الحرف فما قرّره للحرف من معنی لایخلو عن مناقضة لما أفاده فی صدر کلامه من وجود الفرق الذاتی بین المعنی الاسمی و الحرفی».
3- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص22 و 41.

و قال: إذا عرفت ذلک فالحق أنّ الموضوع له فیها کالوضع عام، فإنّ المفاهیم الحرفیة لاتحتاج فی مقام مفهومیّتها إلی خصوصیّة الطرفین بل فی مقام استعمالاتها، فالموضوع له فیها هو المعنی الواحد بالهویّة المشترکة بین جمیع موارد الاستعمالات و الخصوصیّة إنّما نشأت من ناحیتها.

و توضیح ذلک: إنّ المفاهیم الحرفیة کما عرفت قائمة بالمفاهیم الاسمیة نظیر قیام الأعراض بموضوعاتها فکما أنّ الخارجیات لها جواهر و أعراض فکذلک المفاهیم؛ فالمفاهیم الاسمیة بأنواعها معان استقلالیة جوهریة و المعانی الحرفیة معان عرضیّة قائمة بالمعانی الاسمیة فی مقام وجودها فی عالم الاستعمال و إن کانت غیر محتاجة إلی المعانی الاسمیة فی مقام مفهومیّتها.

المقدّمات التی أفادها لتقریر نظریّته:
اشارة

ثم إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أوضح مختاره بمقدمات خمس ثم بیّن حاصل الفرق بین المعنی الحرفی و الاسمی ضمن أرکان أربعة.

1. المقدمة الأولی:

إنّ المعانی إمّا إخطاریة فإنّ الأسماء بجواهرها و أعراضها یخطر معانیها فی الذهن عند التکلّم بها و لو لم تکن فی ترکیب کلامی.

و إمّا غیر إخطاریة فإنّ الحروف لاتوجب خطور معانیها ما لم تکن فی ضمن ترکیب کلامی.

2. المقدمة الثانیة:

إنّ المعانی غیرَ الإخطاریة إمّا إیجادیة مثل حروف التشبیه و النداء و التمنّی و غیرها فإنّ الحروف الموضوعة لها فی مقام الاستعمال یوجد فی الخارج فرد لها

ص: 146

بحیث یصدق علی الموجود خارجاً أنّه فرد من التشبیه أو النداء أو التمنّی.

و إمّا نسبیّة مثل النسب الخاصّة التی بین الأعراض و معروضاتها، فبین الأعراض و موضوعاتها نسب خاصة و الحکیم کما یضع الألفاظ للمفاهیم الاستقلالیة لابدّ له أن یضع الألفاظ لإفادة هذه المعانی أیضاً، و هذه المعانی هی المعانی الربطیة.

3. المقدمة الثالثة:

إنّ اللفظ الموضوع للنسب تارةً فی مقام لفظه مستقل کلفظة «من» و أخری فی مقام لفظه غیر مستقل کالهیئات الخاصّة، فیکون الموضوع کالموضوع له فی حدّ ذاتها غیر مستقل.

و الهیأة فی الجملة الاسمیة:

الحمل فیها ذاتی تارة مثل «زید إنسان» و النسبة فیه تنزیلیّة بمعنی أنّه یلحظ الموضوع عاریاً عن ذاته ثم یحمل نفس الذات علیه.

و غیر ذاتی أخری مثل «زید قائم» و وجود النسبة فیها واضح.

و الهیأة فی الجملة الفعلیة:

تارة تدلّ علی النسبة الأوّلیّة و هی نسبة قیام العرض بموضوعه مثل الفعل المعلوم. و أخری تدلّ علی النسبة الثانویة و هی النسبة التی بین الفعل و ملابساته مثل الفعل المجهول.

4. المقدمة الرابعة:

إنّ بعض الحروف لبیان النسبة الأوّلیة و الثانویة کلتیهما مثل کلمة «فی» و هی قد یکون لبیان النسبة الأوّلیة (و هی إفادة قیام العرض بموضوعه) فی مثال «زید

ص: 147

فی الدار» و هیأة «کائنٌ فی الدار» عرض و موضوعه زید و قد یکون لبیان النسبة الثانویة فی مثال «ضربت فی الدار» حیث إنّها تدلّ علی نسبة الضرب إلی الدار زیادة علی نسبته إلی موضوعه.

و أمّا بعض الحروف فلبیان النسبة الثانویة فقط کبقیّة الحروف.

5. المقدمة الخامسة:

إنّ معانی الحروف بأجمعها إیجادیة، نسبیةً کانت أم غیرها، فإنّها لم توضع إلّا لأجل إیجاد الربط بین مفهومین لا ربط بینهما، کلفظ زید و الدار فکلمة «فی» هی الرابط بینهما فی الکلام فی مقام الاستعمال.

فالموجد للربط الکلامی هو الحرف و الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیة لا النسب الخارجیة.

و لا منافاة بین کون المعانی الحرفیة إیجادیة و أن تکون للنسبة الحقیقیة واقعیة و خارجیة قد تطابق النسبة الکلامیة فتکون صادقاً و قد تخالفها فتکون کاذباً و الفرق بین النسبة بالمعنی الحرفی و النسبة بالمعنی الاسمی هو الفرق بین المصداق و المفهوم.

ثمّ قال المحقق النائینی (قدس سره):((1)) حاصل الفرق بین المعانی الاسمیة و الحرفیة مبتن علی أرکان أربعة:

الرکن الأوّل: إنّ المعانی الحرفیة بأجمعها إیجادیة.

الرکن الثانی: إنّ لازم کون المعانی الحرفیة إیجادیة أن لا واقع لها فی غیر التراکیب الکلامیة بخلاف المفاهیم الاسمیة فإنّها مفاهیم متقرّرة فی عالم

ص: 148


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص30.

مفهومیتها.

الرکن الثالث: قد عرفت عدم الفرق بین الهیئات فی الإخبار و الإنشاء فی أنّ معانیها إیجادیة.

و المحقق النائینی (قدس سره) یفصّل بین إیجادیّة الإنشاء و الحروف بأنّ الإنشائیّات توجد معانیها فی وعاء الاعتبار و الحروف توجدها فی وعاء الاستعمال و الترکیب الکلامی.

الرکن الرابع: إنّ المعنی الحرفی حاله حال الألفاظ حین استعمالاتها، فکما أنّ المستعمل حین الاستعمال لایری إلّا المعنی و لایلتفت إلی الألفاظ، کذلک المعنی الحرفی لایُلتفت إلیه حال الاستعمال بل الملتفَت إلیه هی المعانی الاسمیة الاستقلالیة.

مناقشات ستّ فی القول الخامس:

(1)

المناقشة الأولی:

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال: «المعانی الحرفیة معان عرضیّة قائمة بالمعانی الاسمیة» و علی هذا تنحصر المعانی الحرفیة فی المقولات العرضیّة.

ص: 149


1- . فی جواهر الأصول، ج1، ص124: «فیه أنه (قدس سره) لم یقم علی دعواه - من کون جمیع معانی الحروف إیجادیة - دلیلاً فما ذکره دعوی بلا بینة و مع ذلک فقد وقع الخلط و الاشتباه فی کلامه من وجوه: فأوّلاً: هو أنّ الإیجادیة التی ذکرها فی ابتداء الأمر الثانی - عند تقسیم المعانی إلی الإخطاریة و الإیجادیة - غیر ما قاله فی آخر کلامه ... و ثانیاً: أن ما ذکره أخیراً - من عدم إفادة الحروف معنی غیر إیجاد النسبة بین أجزاء الکلام - ینافی ما ذکره فی الأمر الثانی فی بیان النسب فإنه قال هناک: إنّه لایختص ما یفید النسبة بهیئات التراکیب فإنّ الحروف - کمن و إلی و فی و غیر ذلک من الحروف الجارة - أیضاً تفید النسبة ... و ثالثاً: إن کان مراده (قدس سره) بقوله أخیراً: إنّ مجموع المتحصل من جزئی الکلام - بما لهما من النسبة - یحکی عن الخارج أنّ مجموع الجملة یحکی عن مجموع الخارج دلالة واحدة وضعیة بحیث لاتدل أبعاض الجملة علی أبعاض المعنی الخارجی .... فواضح أنّه خلاف التبادر و الوجدان» الخ. و راجع أیضاً المحاضرات، ط.ق. ج1، ص63 - 67 و ط.ج. ص69 - 74، حیث قال: یتلخص ما أفاده (قدس سره) فی أمور خمسة الأمر الأوّل و الثانی فی غایة الصحة و المتانة و ناقش فی الثالث إلی الخامس. و فی منتقی الأصول، ص98: «قد ناقش السید الخوئی (قدس سره) فی الأرکان الثلاثة» ثمّ ذکر مناقشته فی الرکنین الأوّلین و أجاب عنها. و فی منتقی الأصول، ص101 - 103: «قد ناقش المحقق العراقی (قدس سره) اختیار المحقق النائینی (قدس سره) إیجادیة المعنی الحرفی بوجوه أربعة: الأوّل: أنّ المعانی التی تتصوّرها النفس إمّا أن تکون مرتبطة بعضها ببعض أو غیر مرتبطة فما تصورته النفس مرتبطاً فلایعقل إحداث الربط بین أجزائه لأنّه تحصیل للحاصل و ما تصوّرته غیر مرتبط لم یعقل إحداث الربط فیه لأنّ الموجود لاینقلب عمّا هو علیه ... الثانی: انّ الهیئات الدالة علی معنی لابدّ و أن یکون مدلولها معنی حرفیاً و علی فرض کون المعنی الحرفی إیجادیاً یلزم أن یکون معنی الهیأة متقدماً فی حال کونه متأخراً و بالعکس و هو خلف ... الثالث: انّه لو التزم بإیجادیة المعنی الحرفی لزم أن یکون معنی الحرف فی حیّز الطلب و صقعه لا فی حیز المطلوب و صقعه لأنّه یوجد باللفظ کالطلب فیکون متحققاً حال تحقق الطلب و ظاهر تأخر الطلب عن المطلوب رتبة لعروضه علیه فعلیه یلزم أن یکون المعنی الحرفی متقدماً و متأخراً فی حال واحد ... الرابع: إنّ کل لفظ سواء کان ذا مدلول أفرادی کزید أو ذا مدلول ترکیبی... لابدّ أن یکون له مدلول بالذات... و مدلول بالعرض... و لو التزم بإیجادیة معنی الحرف لزم أن ینحصر مدلول الکلام بالعرض فی المعانی الأفرادیة التی لایحصل بها شیء من الإفادة و الاستفادة» و لکن ناقش فی جمیع هذه الوجوه فراجع ص104 و 105. و فی بحوث فی علم الأصول، ص 243 – 246، ذکر مناقشة المحقق الخوئی و مناقشات المحقق العراقی (قدس سرهما) و أجاب عن جمیعها.

و لازمه عدم جواز استعمال الحروف بالنسبة إلیه تعالی، مضافاً إلی أنّ کونها معانی عرضیة ینافی ما أفاده من أنّ الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیّة.

المناقشة الثانیة:

إنّ المعانی الحرفیة عنده معان إیجادیة و هی النسب الکلامیة و هذا یقتضی أن لایکون لها مفاهیم مستقلّة فی اللحاظ، لأنّه لا ماهیة للنسبة الحقیقیة الکلامیة و

ص: 150

واقعها، بل لها ذات تعلّقی و معنی غیر مستقلّ کما هو الأمر فی النسبة الحقیقیة الخارجیة، و النسبة بالمعنی الاسمی لیست مفهوماً للنسبة الحقیقیة الکلامیة بل هی عنوان لها، فلابدّ أن لایکون لها معنی واحد، فحینئذ یلزم أن یکون الموضوع له فی الحروف خاصّاً و لکنّه یقول بأنّ الموضوع له فی الحروف معنی واحد بالهویة المشترکة بین جمیع موارد الاستعمالات و لذا یقول: إنّ الموضوع له فی الحروف عامّ و هذا أیضاً من موارد التنافی فی لوازم مبناه.

المناقشة الثالثة:

إنّ إیجادیة معنی الحروف بمعنی أنّ الحروف هو السبب فی وجود المعنی و موجده فی وعاء الاستعمال و الترکیب الکلامی، و لازم ذلک إشراب معنی الوجود فی مفاد الحروف حیث إنّ الإیجاد و الوجود متحدان حقیقة و مختلفان بالاعتبار، مع أنّ وجود النسبة و ما هو سببه خارجان عن الموضوع له و بعبارة أخری إنّ الوجود خارج عن الموضوع له، لأنّ الموضوع له فی الحرف هو طبیعی المعنی، لا وجوده، کما أنّ الموضوع له فی الأسماء أیضاً الطبائع لا الوجودات.

المناقشة الرابعة:((1))

ما قال من أنّ النسبة بین المعنی الاسمی و الحرفی نسبة المفهوم إلی المصداق غیر صحیح، فإنّ المفهوم و المصداق متّحدان و حقیقتهما واحدة و الاختلاف بینهما من حیث الوجود مع أنّ النسبة بین المعنی الاسمی و الحرفی نسبة العنوان إلی المعنون، فإنّ المعنی الحرفی یختلف مع المعنی الاسمی فی الذات و الحقیقة.

ص: 151


1- تحقیق الأصول، ج1، ص106.

المناقشة الخامسة:((1))

ما قال فی الرکن الرابع من أنّ المعنی الحرفی غیر ملتفت إلیه فی مقام الاستعمال مخدوش بل قد یکون النظر إلی تفهیم المعنی الحرفی.

المناقشة السادسة:((2))

إنّ حکمة الوضع تقتضی وجود الحاکی عن النسبة الربطیة لأنّه فی قولنا: «زید فی الدار» لفظ «زید» یحکی عن معناه و لفظ «الدار» هکذا، فلابدّ أن یکون لفظ «فی» أیضاً دالّاً علی النسبة و الربط بینهما، فهو حاک عن النسبة.

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (3) و هو المختار

نذکر هذه النظریة فی ضمن عناوین أربعة:

إنّ الحروف وضعت لذات النسبة الحقیقیة التی هی النسبة بالحمل الشائع

ص: 152


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص65 و ط.ج. ص71، قال: «وأما ما ذکره (قدس سره) رابعاً من أنّ المعانی الحرفیة مغفول عنها فی حال الاستعمال - دون المعانی الاسمیة - فلا أصل له أیضاً وذلک لأنّهما من واد واحد من تلک الجهة فکما أنّ اللحاظ الاستقلالی یتعلق بإفادة المعانی الاسمیة عند الحاجة إلی إبرازها و التعبیر عنها فکذلک یتعلق بالمفاهیم الحرفیة من دون فرق بینهما فی ذلک».
2- تحقیق الأصول، ج1، ص106.
3- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص51؛ بحوث فی الأصول، ص25. فی مباحث الأصول، ص41: «أما المعنی الحرفی فقد یقال: إنّه الموجود لا فی نفسه المتقوم بوجود الطرفین و لا ذاتیة له بغیر وجود الطرفین فلیس له ماهیة لغایة نقصه و لا وجود له غیر وجود الطرفین و إنّه فی ذاته متقوّم بوجود الطرفین کما أنّ الماهیات العرضیة فی وجودها متقومة بالموضوع فمن هذه الجهة یشبه الأعراض و لیس منها لعدم ماهیة مقولیة و لأنّ التقوّم فی نفس وجوده لا لوجوده کما فی الأعراض و یمکن استفادة هذا الوجه ممّا فی الأسفار و قد أوضحه شیخنا (قدس سره) فی کتابه فی الأصول» و فی منتهی الأصول، ص22: «الثالث: ... إنّ معانی الحروف من سنخ وجود الرابط و النسب لا الوجود الرابطی و الأعراض و بعبارة أخری لو کان من سنخ الأعراض لما کان محتاجاً إلّا إلی طرف واحد لا إلی الطرفین و الوجدان یحکم باحتیاجهما إلی الطرفین کما سنبینه فی القول الآتی. الرابع: إنّ المعنی الحرفی من سنخ النسب و الارتباطات القائمة بالطرفین» و فی أصول الفقه، ص59: «إنّ الحروف موضوعة لمعان مباینة فی حقیقتها و سنخها للمعانی الاسمیة فإنّ المعانی الاسمیة فی حد ذاتها معان مستقلة فی أنفسها و معانی الحروف لا استقلال لها، بل هی متقومة بغیرها و الصحیح هذا القول الثالث ... إنّ وجود الروابط و النسب فی حد ذاته متعلق بالغیر و لا حقیقة له إلّا التعلق بالطرفین ... أمّا المعانی الحرفیة فهی معان غیر مستقلة و غیر قابلة للتصور إلّا فی ضمن مفهو آخر». و فی منتقی الأصول، ص120: «الذی ننتهی إلیه أخیراً هو الالتزام بما التزم به المحققان النائینی و الأصفهانی (قدس سرهما) من انّه موضوع للربط و النسبة بین المفهومین الذی هو من سنخ الوجود، فإنّه مضافاً إلی معقولیته فی نفسه و عدم الوصول إلی أی إشکال فیه أمر ارتکازی وجدانی لایحتاج إلی إقامة برهان و ذلک فإنّ المعنی المزبور یتبادر إلی الذهن عند إلقاء الجملة و الدال علیه منحصر بالحرف لعدم وجود ما یصلح للدلالة علیه من أجزاء الجملة غیره إذ الاسم یدلّ علی نفس المفهوم المرتبط بالآخر لا علی الارتباط». و راجع أیضاً نهایة الأصول، ص17 و لمحات الأصول، ص29 و حاشیة علی کفایة الأصول، ص21 و حقائق الأصول، ص22 و حاشیة الکفایة للعلامة (قدس سره)، ص26 و عنایة الأصول، ص25.

بأنحائها من النسبة الابتدائیة و النسبة الظرفیة و یعبّر عن وجود تلک النسبة بالوجود الربطی و لکنّ الموضوع له فی الحروف هو ذاتها التعلّقی لا وجودها الربطی لأنّ الألفاظ بطبیعتها وضعت لطبیعی المعنی من دون دخل للوجود الذهنی أو الخارجی فی المعنی الموضوع له فإنّ الکلام یتشکّل من المعانی الاسمیة التی لا ارتباط بینها، فنحتاج إلی ما یربطها و لیس هو إلّا الحروف أو الهیآت فمفاد الحروف هو المعانی الربطیة.

فالمعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات، لا اشتراک بینهما فی طبیعی معنی واحد.

ص: 153

1. المعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات

و البرهان علی ذلک هو أنّ الاسم و الحرف لو کانا متّحدی المعنی و کان الفرق بمجرد اللحاظ الاستقلالی و الآلی، لکان طبیعی المعنی الوحدانی قابلاً لأن یوجد فی الخارج علی نحوین بالوجود المستقل و غیر المستقل، کما یوجد فی الذهن علی طورین [علی مبنی صاحب الکفایة (قدس سره) حیث یقول: إنّ طبیعة المعنی الواحد یوجد فی الذهن تارة مع اللحاظ الآلی و أخری مع اللحاظ الاستقلالی] مع أنّ المعنی الحرفی کأنحاء النسب و الروابط لایوجد فی الخارج إلّا علی نحو واحد و هو الوجود لا فی نفسه و لایعقل أن توجد النسبة فی الخارج بوجود نفسی.((1))

2. الدلیل علی أنّ النسبة وجودها لا فی نفسها:

((2))

لو قلنا بأنّ وجود الرابط وجود فی نفسه یلزم عدم ثبوت المحمول للموضوع فی القضیة الحملیة و یلزم الموجودات غیرُ المتناهی فیها لأنّ القضیة الحملیّة تحتاج إلی وجود رابط بین محموله و موضوعه فإذا فرضنا أنّ الرابط أیضاً وجود مستقل فیلزم وجود رابط آخر بینه و بین موضوع القضیة و رابط ثالث بینه و بین محمول القضیة و لکل من هذین الرابطین أیضاً وجود نفسی حسب الفرض فیحتاج کل منهما إلی رابطین و هکذا یتسلسل و لمّا کان التسلسل باطلاً یلزم عدم الرابط بین الموضوع و المحمول فی هذه السلسلة فلایمکن الحمل.

ص: 154


1- فی حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص27: «هو مغالطة من باب وضع القسم موضع المقسم و لو بدل القسم بالمقسم بوضعه موضعه عاد مصادرة بالمطلوب الأوّل کما لایخفی».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص51، هامش التعلیقة.
3. الوجود الرابط ذاته و وجوده تعلقی

إنّ ما هو واقع النسبة، ذاته تعلّقی، کما أنّ وجوده أیضاً تعلّقی، فإنّ کل ممکن زوج ترکیبی فله حیثیة الوجود و هی الأصیل و حیثیة الذات.

أمّا الوجود الربطی فلا ماهیة له، حیث إنّ الماهیة هی ما یقال فی جواب ما هو؟ و لذا تطلق علیها المقولة، فإنّ المقولة لابدّ أن تقع فی جواب ما هو؟ فلابدّ لها من استقلال فی التصوّر حتّی تقع بعنوان محمول القضیة (فی جواب ما هو؟)؛ مع أنّ الوجود الربطی ذاته غیر مستقلّ فی التصوّر و لذا لایطلق علیه المقولة و الماهیّة.((1))

ص: 155


1- فی مباحث الأصول، ص51: «یمکن أن یقال: إنّ وجود الممکن ملازم لماهیته و عدم العلم بالماهیة کما هی لایوجب عدمها أی العلم بعدمها بل ما نقل من أنّ الحرف ما دل علی معنی فی غیره أو أنّه ما دل علی معنی لیس باسم و لا فعل یرشد إلی أنّ معنی الحرف - بحسب النوع - شیء بین المسمّی و حرکته موجود فی ما بینهما یراه العقل ثابتاً و أنّه لولا ثبوته لم یحمل عرضی علی موضوعه، کما لایحمل عرض علی الموضوع و أمّا أنّ الماهیة متأصلة مستقلة بالمفهومیة فلیس ذلک من لوازم الماهیة التی تختلف اختلافاً فاحشاً فقد تکون جوهراً علی أنواعه المختلفة و قد تکون عرضاً ضعیفاً فی وجوده غایته بالنسبة إلی الوجود الجوهری و هذا الموجود أضعف من العرض لتوقفه علی الطرفین بخلاف العرض الذی هو الطرفین و عدم الاستقلال فی المعقولیة علی وفق عدم الاستقلال فی الموجودیة الخارجیة فإنّ جمیع ما فی الذهن علی طبق خارجیته فی الکمال و النقص عدا المخترعات الفرضیة الذهنیة و أمّا الاتفاق علی عدم الماهیة هنا لغایة الضعف کعدمها فی الواجب لغایة الکمال کما نسب إلی جماعة فهو لایناسب اختلافهم فی مقولة الإضافة التی هی النسبة المتکررة و أنّها حقیقیة مقولیة أو اعتباریة» و فی ص62: «کون الماهیة مستقلة فی التعقل لایتوقف تعقلها علی تعقل ماهیة أخری شیء غیر معتبر فی مقولیّتها و لا فی نفسیتها و إنّما تختص بالمحفوفیة بالغیر خارجاً و تعقلاً و إنّ اللّانفسیة بغیر هذا المعنی لا معنی لها فی الممکن الذی هو زوج ترکیبی فلایمکن أن یکون له وجود حقیقی بلا ماهیة أو یکون وجوده الحقیقی حقیقة وجود الطرف مع ما فیه من أنّ إثبات الوجود الحقیقی فی قبال الاعتباری أوّل الکلام هنا و فی الإضافة لا أنّ له وجوداً إمکانیاً بلا ماهیة و بأنّها کیف تکون لها ماهیة لا تعیّن لها، لدخولها فی سائر المقولات حتی الإضافة و هذا مشترک بینها و بین مقولة الإضافة».

و لذلک نری أنّ هذا المحقق عبّر عن الوجود الرابط بأنّ ذاته تعلّقی کما أنّ وجوده أیضاً تعلقی.

ثمّ قال:((1)) إنّ النسبة الواقعیة هی الوجود الرابط فقط و الأعراض النسبیة لیست نفس النسب، بل هیئات و أکوان خاصة ذات نسبة.

4. تحقیق فی حقیقة النسبة و وجودها
اشارة

((2))

لیس للنسبة الحقیقیة وجود نفسی محمولی لا عیناً و لا ذهناً بل وجودها بعین وجود طرفیها ذهناً و عیناً فهی کالموجود بالقوة بالإضافة إلی الموجود بالفعل، و کالموجود بالعرض بالإضافة إلی الموجود بالذات و حیث إنّ فعلیتها بالعرض بتبع فعلیة الطرفین بالذات فلذا تکون کالآلة لوقوع طرفیها موقع الظرفیة و المظروفیة، فإنّ هذین العنوانین الاسمیین لا ثبوت لهما إلّا بإضافة أحدهما إلی الآخر فتلک الإضافة هی آلة وجودهما بالفعل و بهذا الاعتبار یقال: الحرف ما أوجد معنی فی غیره، فکون معناه فی غیره (أی لا نفسیة له) شرح حقیقة معناه و کونه موجداً لمعنی فی غیره لازم حقیقته کما عرفت، و لیس تمام حقیقته إیجاد النسبة الکلامیة، بل له مع قطع النظر عن الکلام مقام کالاسم و لیس له مع قطع النظر عن الطرفین مقام. ((3))

ص: 156


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص55.
2- بحوث فی الأصول، ص25.
3- فی مباحث الأصول، ص41: «یمکن أن یقال: إنّ تقوّم شیء فی ذاته بوجود شیء و حقیقته یقتضی أن یکون ذات المتقوم وجوداً لا شیئاً آخر له الوجود و حیث إنّ ذلک الوجود مضاف بالذات إلی ماهیة فلا إضافة له إلی غیرها بالذات إذ لا تعدّد له حتی یصح کون الإضافتین ذاتیتین و مع الوحدة فالوجود الواحد کیف یضاف بالذات إلی جوهر و إلی ما لیس بجوهر و لا من الماهیات المقولیة أعنی النسبة؟ هذا فی إضافته إلی الموضوع مع أنّه مضاف إلی العرض القائم به أیضاً فیلزم إضافة وجودین متباینین - أعنی الجوهر و العرض– إلی غیر ماهیتهما و إلی ماهیتهما بالذات و حیث إنّ الإضافة المفروضة للموضوع إلی وجود النسبة بالاتحاد لأنّه لازم التقوم بنفس ذلک الوجود بنحو لاینتهی إلی المعلولیة و کذا إضافة النسبة إلی کل من الموضوع و العرض المنسوب إلیه فاللازم اتحاد العرض و الموضوع و اتحادهما مع النسبة الموجودة بعین وجودهما، لأنّ المتحد مع المتحد مع شیء متحد مع ذلک الشیء، بل هذا یکفی فی الإشکال فإنّ لازم التقوم فی نفس الوجود بنفس وجود الموضوع الاتحاد فیلزم من اتحادهما اتحاد العرض و الموضوع فی مثل البیاض لوجه زید و المفروض تعدد وجودهما و أمّا تعدد الإضافة علی ما سبق فیمکن التفصی عنه باختلاف الإضافتین معنی و لایستلزم تعدد الواحد هویة».

إنّ الموضوع له للحروف هل یکون هو نفس هذا الوجود الربطی أو ذاته التعلقیة؟

قلنا فی مبحث الوضع: إنّ الألفاظ وضعت لذات المعنی و طبیعیّه، فالوضع و العلقة الوضعیة بین طبیعی اللفظ و طبیعی المعنی من دون دخل الوجودین الذهنی و العینی نعم هذه النسبة محتاجة إلی الطرفین وجوداً و تصوراً.

و هنا نکتة أخری أکّد علیها المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی أنّ الواضع کیف یتصوّر ذات النسبة فی مقام الوضع مع أنّه لیست لها ماهیة کلیة و جامع ذاتی حتی تکون هی الموضوع له؟ و أمّا ذات کل نسبة حقیقیة فهی و إن أمکن کونها الموضوع له إلّا أنّه کیف یشار إلیها و یوضع اللفظ لها مع أنّ کل نسبة فی کل قضیة لابدّ أن تکون الموضوع له و لکن کثرتها فوق حدّ الإحصاء؟

و الجواب هو أنّ النسبة الاسمیة و إن کانت تغایر النسبة الحقیقیة ذاتاً إلّا أنّها تکون عنواناً للنسب الحقیقیة، فالمعنی المتصوّر حین الوضع المعنی الاسمی و الموضوع له ذات النسب الحقیقیة و هذا هو المراد من قولهم: إنّ الوضع فی الحروف عامّ و الموضوع له خاصّ.

ص: 157

مناقشات أربع علی نظریّة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
المناقشة الأُولی: بالنسبة إلی الاستدلال علی وجود الرابط
اشارة

((1)) بالنسبة إلی الاستدلال علی وجود الرابط((2))

إنّ الوجود الرابط لا أصل له خلافاً للفلاسفة، لأنّ ما برهنوا علیه مخدوش حیث إنّ أساس استدلالهم هو أنّ الیقین و الشک لایتعلّقان بشیء واحد فی آنٍ واحد من جهة واحدة، فلابدّ أن یتعدد متعلقهما و متعلق الیقین وجود الجوهر و العرض و متعلق الشک الربط بینهما و لکن هذا الأساس باطل لأنّه إذا علمنا بوجود إنسان فی الدار و لکن شککنا أنّه زید أو عمرو فمتعلق الیقین و الشک هو الکلی و فرده مع أنّ وجود الکلی و الفرد موجودان بوجود واحد.

و هکذا إذا أثبتنا أنّ المبدأ واجب و لکن شککنا فی أنّه مرید أو لا؟ مع أنّ صفاته عین ذاته.

یلاحظ علیها:

(3)

إنّ وجود الطبیعی (الإنسان فی المثال المذکور) و إن کان بعین وجود فرده و

ص: 158


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص70 و ط.ج. ص77.
2- فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص246: «و ثالثاً إنّ الوجود الرابط الخارجی أساساً لا موجب للالتزام به، إذ لا برهان علی وجود أمر ثالث فی الخارج زائداً علی الذات و العرض سوی ما یدّعی: من أنَّا قد نعلم بوجود زید و بوجود علم و نشک فی قیام هذا العلم بزید و حیث إنَّ المشکوک غیر المعلوم فیجب أن یکون هناک فی حالة علم زید أمر ثالث وراء ذات زید و ذات العلم و هو الوجود الرابط و هذا البرهان مدفوع: بأنّ العلم و الشک حیث إنَّهما متقوّمان بالصور الذهنیة لا بالخارج ابتداءً فلایقتضی فرض العلم و الشک إلّا فرض صورتین ذهنیّتین متغایرتین فی عالم الذهن و لاینافی کون مطابقهما واحداً فی الخارج».
3- . فی بحوث فی علم الأصول، ص248: «و منه یظهر أنّ الإشکال الثالث و هو إنکار الوجود الرابط الخارجی لایضرّ بالمدعی علاوة علی أنَّه خلاف التحقیق، إذ لو أرید إنکار ثبوت وجود ثالث خارجاً علی وجود المنتسبین فهو صحیح لکنَّه لیس هو المراد بالوجود الرابط و إن أرید إنکار ثبوت واقعیة ثالثة فی الخارج وراء واقعیة المنتسبین فهو غیر صحیح، لوضوح أنَّ هناک أمراً واقعیّاً ثابتاً فی لوح الواقع الذی هو أوسع من لوح الوجود نفتقده عند ما نفترض ناراً و موقداً غیر منتسبین و هذه الواقعیة هی منشأ انتزاع مثل عنوان الظرفیة أو المظروفیة و هی منشأ واقعیتهما لو قیل بأنَّهما من الأمور الواقعیة لا الاعتباریة».

لکن الشک متعلق بالخصوصیات الفردیة التی لیست شیء منها فی الطبیعی، و وجود زید غیر وجود عمرو بالقطع و الیقین و إن شئت قلت: إنّ الشک متعلق بأنّ هذا الوجود هل هو وجود زید أو وجود عمرو فمتعلق الشک هذان الوجودان، مع أنّا لانستدلّ علی وجود الرابط بهذا التعدد، بل الدلیل علی وجود الرابط فی الخارج هو لزوم وجود الربط بین العرض و موضوعه و کما أنّه لابدّ من تصویر وجود الرابط فی القضیة الکلامیة أیضاً.

المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّه قد نسب إلی السیّد السیستانی (حفظه الله) إنکار الوجود الرابط خارجاً، تبعاً للحکیم آقا علی المدرس و إلیک نصّ عبارة مقرّره فی الرافد:((1))

إنّ الموجود شیء واحد فی الخارج إلّا أنّه یعیش حرکة تطوّریة تکاملیّة و الأعراض ما هی إلّا أنحاء وجوده التطوّری و ألوان حرکته التکاملیّة المتجدّدة، لا إنّها وجودات محمولیة أخری ترتبط بوجوده و تنضمّ إلیه و قد رتّبنا علی هذه النظریة کثیراً من البحوث الفلسفیّة، منها عدم الحاجة لدعوی واقعیة الوجود الرابط خارجاً کما هو المشهور فی الفلسفة باعتبار أنّنا إنّما نحتاج للقول بالوجود الرابط نتیجة تعدّد الموجود و لکن مع وحدته لانری حاجة

ص: 159


1- الرافد، ص20.

لوجود رابط متعلق بطرفین.

یلاحظ علیها:

أوّلاً: لأنّ دلیل إثبات الوجود الرابط لاینحصر فی النسبة الخارجیة بین الجوهر و العرض، لأنّ النسبة الکلامیة أیضاً وجود رابط((1))، بل الوجودات الإمکانیة بأسرها وجودات ربطیّة علی ما أفاده صدر المتألّهین (قدس سره) .

مع أنّ المبنی القائل باتحاد وجود العرض و الجوهر باطل فإنّ الحرکة إما جوهریة و إما عرضیة. و ما أفاده من أنّ الأعراض هی أنحاء الحرکة التطوریة خلط بین الحرکة الجوهریة و الحرکة العرضیة فإنّ الحرکة الجوهریة تکون فی نفس وجود الشیء و أما الحرکة العرضیة فهی خارجة عن ذات الشیء. و لها وجود آخر غیر وجود الشیء و ینتزع عنه الماهیة العرضیة.

ثانیاً: إنّ ما أفاده فی الحقیقة إنکار الوجود النفسی للعرض خارجاً، لأنّ النظر الدقیق یقتضی بقاء وجود النسبة و لو قلنا باتحاد العرض و الجوهر، لأنّ الأعراض النسبیة کمقولة الوضع و الأین و المتی هی الهیئات الخاصّة التی تکون ذات نسبة، ففی مثال «زید فی الدار» مقولة الأین هی الهیأة القائمة بزید من حیث نسبته إلی مکان الدار و اتحاد تلک الهیأة مع شخص زید، لایوجب انتفاء نسبته إلی المکان المزبور، فعلی هذا بعد انتفاء وجود العرض علی هذه النظریة یبقی وجود رابط و نسبة متقوّمة بوجود الجوهر.

ص: 160


1- إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی الوجود الرابط فی القضایا الهلیة البسیطة و الهلیة المرکبة الإیجابیة، راجع إلی نهایة الدرایة، ج1، ص53.
المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

علی تقدیر تسلیم أنّ للنسبة و الرابط وجوداً فی الخارج فی مقابل الجوهر و العرض، لانسلّم أنّ الحروف و الأدوات موضوعة لها، لما بیّناه سابقاً من أنّ الألفاظ موضوعة لذوات المفاهیم و الماهیات، لا للموجودات الخارجیة و الذهنیة. ((2))

یلاحظ علیها:

((3))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح بوضع الألفاظ لطبیعة المعنی من دون ملاحظة وجوده الخارجی أو الذهنی کما ذکرنا. و المعنی الحرفی علی هذا المسلک من المفاهیم غیر مستقلة.

ص: 161


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص71 و ط.ج. ص78.
2- ذکر السید الصدر (قدس سره) هذه المناقشة بهذه العبارة فی ص246: «أوّلاً إنّ الوجود الخارجی أو الذهنی لیس مأخوذاً فی المعنی الموضوع له الکلمة، بل اللفظ یوضع بإزاء ذات المعنی لأنَّ الوضع إنَّما هو لأجل الانتقال الذهنی إلی مدلوله و ما یعقل انتقال الذهن إلیه ذات المعنی لا الوجود».
3- و فی بحوث فی علم الأصول، ص247، بعد توضیح المقصود من الوجود الرابط قال: «و علی هذا الأساس تندفع الإشکالات الثلاثة أمّا الأوّل فلوضوح أنّ الوجود الخارجی لم یؤخذ فی مدلول الکلمة لیقال إنَّه لایقبل الانتقال الذهنی إلیه، حیث إنَّ الحرف لم یوضع للوجود الرابط الخارجی بل وضع لذات ماهیة النسبة بقطع النّظر عن نحوی وجودها. غیر انَّ النسبة متقومة دائماً بشخص وجود طرفیها و بهذا کانت النسبة القائمة فی ذهن المتکلم و النسبة القائمة فی ذهن السامع ماهیتین متغایرتین و کلّ منهما قابلة للانتقال الذهنی و ذلک بأنّ توجد فی صقع الذهن تبعاً لطرفیها بالنحو المناسب لها من الوجود» و فی منتقی الأصول، ج1، ص107، بعد أن ذکر مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) قال بعدم ورودها: «لأنّ امتناع وضع اللفظ للموجود ممّا أسّسه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و التزم به و قرّبه بما تکرر من أنّ المقابل لایقبل المقابل و المماثل لایقبل المماثل إلّا أنّ ذلک یختص بالأسماء دون الحروف فإنّه التزم بکون الموضوع له فیها هو الوجود الذهنی و الإیراد المزبور بدفع بما أشرنا إلیه من أنّ دلالة الحروف و حکایتها تختلف عن دلالة الأسماء فإنّها من قبیل دلالة المماثل علی المماثل فلایرد فیه المحذور».
المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

إنّا نقطع بأنّ الحروف لم توضع لأنحاء النسب و الروابط لصحة استعمالها بلا عنایة فی موارد یستحیل فیها تحقق نسبة ما حتی بمفاد هل البسیطة فضلاً عن المرکبة، فلا فرق بین قولنا الوجود للإنسان ممکن و لله تعالی ضروری و لشریک الباری ممتنع، فإنّ کلمة اللام فی جمیع ذلک تستعمل فی معنی واحد و هو تخصص مدخولها بخصوصیة ما فی عالم المعنی علی نسق واحد بلا عنایة فی شیء منها و بلا لحاظ أیّة نسبة فی الخارج حتی بمفاد کان التامة فإنّ تحقق النسبة بمفاد کان التامة إنّما هو بین ماهیة و وجودها کقولک: «زید موجود» و أمّا فی الواجب تعالی و صفاته و فی الانتزاعیّات و الاعتباریّات فلایعقل تحقق أیّة نسبة أصلاً.

یلاحظ علیها:

(2)

إنّ الحرف وضع لذات النسبة و تحقّق النسبة بین الموضوع و المحمول فی الهلیّة البسیطة فی القضیة الکلامیة ممّا لا سبیل إلی إنکاره و بهذا الاعتبار یتکلّم

ص: 162


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص72 و ط.ج. ص78؛ و فی بحوث فی علم الأصول، ص246: «ثانیاً أنّ الوجود الرابط کثیراً ما لایکون موجوداً فی موارد الاستعمال، کما فی موارد استعمال اللام فی قولنا: "الوجود للَّه واجب" إذ لایعقل الوجود الرابط بین اللَّه و وجوده».
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص248: «أمّا الثانی فلأنّه مبنی علی تخیّل کون المدعی وضع الحرف للوجود الرابط الخارجی و قد عرفت عدمه ثمَّ لاندری هل کان نظره الشریف فی تسجیل هذا النقض إلی وضوح صدق قولنا الوجود للَّه مع أنَّه لا وجود رابط بین الطرفین أو إلی وضوح کونه کلاماً له مفاد مع أنَّه إذا کان اللام یدلّ علی الوجود الرابط فلیس له فی هذا الکلام مدلول بالذات فلایکون الکلام ذا مفاد؟ فإن کان النظر إلی الأوّل فیرد علیه: انَّه لابدَّ من تسجیل الإشکال فی رتبة أسبق بالتقریب الثانی، لأنَّ الکلام سواءً کان صادقاً أو کاذباً لابدَّ أن یکون مدلوله بالذات محفوظاً فإذا کان المدلول بالذات نفس الوجود الخارجی فیکون عدم الصدق مساوقاً لعدم المفاد رأساً و إن کان النظر إلی الثانی فلانعلم لما ذا لم ینقض بجمیع موارد استعمال الحرف فی حالات کذب المتکلّم حتی فی مثل قولنا: "السواد للجسم ثابت" حیث إنَّ المدلول بالذات لایتصوّر حینئذٍ فیلزم خلوّ الجملة من کونها ذات مفاد فی نفسها». و فی منتقی الأصول، ج1، ص108، بعد أن ذکر مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) قال بعدم ورودها: «لأنّه یبتنی علی أخذ الموضوع له هو الوجود الخارجی و قد عرفت خلافه و انّ الموضوع له هو الربط الذهنی فلایرد علیه الإشکال لأنّ عروض النسبة بین الذات المقدسة و الوجود إنّما یستحیل فی الخارج و أمّا فی الذهن و عروضها بین المفاهیم المتصورة عنهما فلا امتناع فیه و الربط الذهنی قوامه بالمفاهیم لا بالوجودات الخارجیة».

عن الله تعالی و شریک الباری و أمثال ذلک و عدم تحقّق النسبة خارجاً بین الله تعالی و وجوده و أسمائه و صفاته لایضرّ بالمقام لأنّ الموضوع له لیس النسبة بوجودها الخارجی بل ذاتها و حقیقتها هی الموضوع له.

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

نذکر هذه النظریة فی ضمن خمسة عناوین:

1. الحروف الداخلة علی المرکبات الناقصة تباین الاسم ذاتاً

إنّ الحروف علی قسمین:

ما یدخل علی المرکبات الناقصة و المعانی الإفرادیة کمِن و إلی و علی و نحوها.

ما یدخل علی المرکبات التامّة و مفاد الجملة کحروف النداء و التشبیه و التمنّی و الترجّی و غیرها.

یقع الکلام الآن فی القسم الأوّل:

إنّ هذا القسم من المعانی الحرفیة یباین الاسمیة ذاتاً فإنّ المعانی الاسمیة مستقلات فی أنفسها و المعانی الحرفیة متدلّیات بها بحدّ ذاتها، فهو موضوع

ص: 163


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص75 و ط.ج. ص83.

لتضییق المفاهیم الاسمیة فی عالم المفاهیم و تقییدها بقیود خارجة عن حقائقها فإنّ للمفاهیم الاسمیة إطلاقاً بالنسبة إلی الحالات التی تحتها و بالنسبة إلی الحصص المنوّعة أو المصنفة أو المشخصة.

و غرض المتکلم فی مقام التفهیم و التفهّم کما یتعلّق بتفهیم المعنی علی إطلاقه وسعته کذلک یتعلّق بتفهیم حصّة خاصّة منه، فیحتاج الواضع إلی وضع ما یدلّ علیها و لیس ذلک إلّا الحروف و الأدوات و ما یشبهها من الهیئات الدالّة علی النسب الناقصة کهیئات المشتقّات و هیأة الإضافة و التوصیف.

فکلمة «فی» وضعت لسنخ التضییق الأینی و کلمة «علی» لسنخ التضییق الاستعلائی و کلمة «من» لسنخ التضییق الابتدائی.

و علی هذا یصحّ استعمال الحروف فی صفات الواجب تعالی و الانتزاعیّات کالإمکان و الاعتباریّات کالأحکام الشرعیة بلا عنایة و مجاز، مع أنّ تحقّق النسبة فی تلک الموارد حتی بمفاد هل البسیطة مستحیل.

2. معانی الحروف حکائیة

إیجادیة الحروف علی هذا المبنی هی بمعنی أنّها تحدث الضیق فی مقام الإثبات و الدلالة و إلّا لبقیت المفاهیم الاسمیة علی إطلاقها و سعتها و هذا غیر کون معانیها إیجادیة علی رأی المحقق النائینی (قدس سره) فمعانیها لیست بإیجادیة علی المصطلح الأصولی.

فإنّ معانی الحروف لا إیجادیة و لا إخطاریة بل حکائیة لأنّ ملاک إخطاریة المعنی هو الاستقلال الذاتی فی عالم المفاهیم، و المعانی الحرفیة فاقدة لهذا الملاک و ملاک حکائیة المعنی نحو ثبوت فی عالم المعنی و المعانی الحرفیة واجدة لهذا الملاک.

ص: 164

3. امتیاز هذا القول عن سائر الأقوال

أما امتیازه عن القول بإیجادیة الحروف فهو أنّ المعنی الحرفی علی مسلک الإیجادیة لیس له واقع فی أی وعاء عدا التراکیب الکلامیة و أمّا علی هذا الرأی فالمعنی الحرفی له واقع و هو ثبوته التعلقی فی عالم المفهوم.

و امتیازه عن القول بوضع الحروف بإزاء النسب أنّ المعنی الحرفی علی رأیهم سنخ وجود خارجی((1)) لا فی نفسه و لذا یختص بالجواهر و الأعراض و لایعمّ الواجب و الممتنع و أمّا علی هذا الرأی فالمعنی الحرفی سنخ مفهوم ثابت فی عالم المفهوم و یعمّ الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد.

و امتیازه عن القول بأنّ الموضوع له هی الأعراض النسبیة أنّ المعنی الحرفی علی نظریة المحقق العراقی (قدس سره) مستقل بالذات و علی هذا الرأی غیر مستقل بالذات.

و المعنی الحرفی علی رأی المحقق العراقی (قدس سره) سنخ معنی یختصّ بالجواهر و الأعراض و لایعمّ غیرهما و علی هذا الرأی سنخ معنی یعمّ الجمیع.

4. حال الحروف الداخلة علی المرکبات التامة حال الجمل الإنشائیة

توضیحه: إنّ الجمل إمّا إنشائیة و هی موضوعة لإیجاد المعنی فی الخارج علی القول المشهور و موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم((2)) إبراز أمر نفسانی غیر

ص: 165


1- بل المعنی الحرفی عندهم حقیقة النسبة من دون دخل للوجود الخارجی و الذهنی کما برهنوا علیه بأنّ المقابل لایقبل المقابل (فإنّ الوجود الذهنی لایقبل الوجود الخارجی) و المماثل لایقبل المماثل (الوجود الذهنی لایقبل وجوداً ذهنیاً آخر).
2- بل موضوعة لإبراز المتکلم.

قصد الحکایة عند إرادة تفهیمه و إما خبریة و هی موضوعة للدلالة علی ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها.

فحرف النداء (مثل یا) وضع لإبراز قصد النداء و توجیه المخاطب إلیه و حروف الاستفهام وضعت لإبراز طلب الفهم و حروف التمنّی وضعت لإبراز التمنّی و حروف الترجّی وضعت لإبراز الترجّی و کذا حروف التشبیه و غیرها.

5. الموضوع له علی هذه النظریة خاصّ و الوضع عام

((1))

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص.

أمّا فی القسم الأوّل فلأنّ الحروف لم توضع بإزاء مفاهیم التضییقات و التحصصات لأنّها معان اسمیة بل لواقعها و حقیقتها((2))و لا جامع ذاتی بین أفراد التضییق و أنحائه و أمّا مفهوم التضییق و التحصص فمفهوم اسمی و هو عنوان جامع لا جامعٌ ذاتی و بهذا الجامع نشیر إلی أفراد التضییق فالموضوع له خاص.

أمّا فی القسم الثانی فأیضاً کذلک حیث إنّ الحروف لم توضع لمفهوم التمنّی و الترجّی و التشبیه و نحوها بل وضعت لما هو بالحمل الشائع إبراز للتمنّی و الترجّی و الاستفهام و لا جامع ذاتی بین مصادیق الإبراز و أفراده فإنّ الواضع یتصوّر حین الوضع مفهوماً عاماً لإبراز التمنّی فیضع کلمة لیت بإزاء أفراده، فالموضوع له فی هذا القسم أیضاً خاصّ.

ص: 166


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص82 و ط.ج. ص91.
2- واقع التضییق و فرده وجودی و لیس من قبیل المفاهیم مع أنّه یدعی وضع اللفظ للمفاهیم.
مناقشتان علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

المناقشة الأُولی:

إنّ التضییق فی القسم الأوّل من الحروف مسبّب عن النسبة الواقعة بین المفهومین الاسمیّین و الموضوع له فی الحروف هو تلک النسبة و التضییق مسبّب عنه.

و الدلیل علی ذلک هو أنّه لو قلنا بوضع الحرف للتضییق فإمّا أن یوضع لمفهوم التضییق أو لمصداقه و کلاهما باطل.

أمّا بطلان الوضع لمفهوم التضییق فلأنّ مفهوم التضییق لایفهم من الحروف و أمّا بطلان الوضع لمصداق التضییق فلاستحالته لأنّ مصداق التضییق أمر وجودی و اللفظ موضوع لطبیعی المعنی، لأنّ الغرض من الوضع انتقال المعنی إلی الذهن و الوجود الخارجی لاینتقل إلی الذهن لأنّ المقابل لایقبل المقابل و الوجود الذهنی أیضاً لاینتقل إلی الذهن لأنّ المماثل لایقبل المماثل (کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی بحوث فی الأصول). ((2))

ص: 167


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص249: «إن أرید بالوضع للتحصیص کون الحرف موضوعاً لما هو ملاک التحصیص أی النسب التی بها تتحصّص المفاهیم الاسمیة بعضها بالبعض الآخر فهذا نفس المدّعی السابق الموضح فی الاتجاه الثالث و لیس شیئاً آخر فی قباله و إن أرید کون الحرف موضوعاً لنفس التحصیص فیرد علیه أوّلاً: انَّ التحصیص و الضیق لما کان فی طول أخذ نسبة بین المفهومین لا محالة فلابدّ من دال علی تلک النسبة .. و ثانیاً انّ التحصیص و الضیق فی طول النسبة و ممَّا یستتبعه المعنی الحرفی لا انَّه بنفسه المعنی الحرفی و فی طول المعنی الحرفی».
2- بحوث فی الأصول، ص25.

المناقشة الثانیة:((1))

إنّه ادّعی فی الدلیل الثانی الذی دعاه إلی القول المذکور أنّ نظریته توجب صحة استعمال الحروف فی الواجب و الممکن و الممتنع حقیقة بلا عنایة و مجاز مع أنّ سائر الأقوال عاجز عن ذلک.

و نوقش علیه: بأنّ التضییق الخاص یتوقف علی ثبوت خصوصیة و ارتباط بین المفهومین الاسمیین و بعبارة أخری إنّ قولنا: «الوجود لله واجب» یحتاج إلی ثبوت النسبة بین الوجود و الذات المقدسة حتی یصح فرض التضییق فی الوجود و نسبته إلی الله تعالی.

أدلّة أربعة علی هذه النظریة:
اشارة

((2))

الدلیل الأوّل: بطلان سائر الأقوال.

الدلیل الثانی: إنّ المعنی الذی ذکره مشترک بین جمیع موارد استعمال الحروف من الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد و لیس فی الأقوال الأخر ما یکون کذلک.

الدلیل الثالث: إنّ مختاره فی حقیقة الوضع (مبنی التعهد) ینتج الالتزام بهذا القول، ضرورة أنّ المتکلم إذا قصد تفهیم حصّة خاصّة فبأی شیء یبرزه، إذ لیس المبرز له إلّا الحرف أو ما یقوم مقامه.

الدلیل الرابع: موافقة هذا القول للوجدان و مطابقته لما ارتکز فی الأذهان.

ص: 168


1- منتقی الأصول، ج1، ص117.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص79 و ط.ج. ص88.
المناقشة فی الأدلة الأربعة:

أمّا الوجه الأوّل فیلاحظ علیه: أنّ مقتضی القاعدة تمامیة مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره) و صحته فی المقام، مع أنّ بطلان سائر الأقوال لایوجب الالتزام بقول خاص إلّا عند الحصر.((1))

أمّا الوجه الثانی فبطلانه ظهر من المناقشة الثانیة التی ذکرناها قبل أسطر.((2))

أمّا الوجه الثالث:((3)) فإنّ الالتزام بمبنی التعهّد فی حقیقة الوضع، لایقتضی وضع اللفظ لهذا المعنی، مع أنّ مبنی التعهد باطل کما ذکرنا و کون الوضع للتضییق أیضاً باطل لما تقدّم فی المناقشة الأولی.((4))

ص: 169


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص119: «أمّا الأوّل فهو مضافاً إلی وهنه فی نفسه إذ بطلان الوجوه الأخر لایعنی صحة هذا الوجه و تعیّنه ممنوع إذ قد عرفت تصحیح ما ذهب إلیه المحقق الإصفهانی و النائینی["] و توجیه کلامهما بنحو لایرد علیه أی إیراد ممّا ذکره السید الخوئی أو غیره و قد عرفت توجه بعض ما أورده علیهما علی کلامه نفسه».
2- و فی منتقی الأصول: «أمّا الثانی فقد عرفت انّ اختیاره لایصحح استعمال الحرف فی جمیع الموارد و إن الإشکال الذی وجهه علی المحقق العراقی و الإصفهانی (قدس سرهما) من عدم صحة استعمال الحرف فی صفات الباری یتوجه علی مختاره أیضاً».
3- فی بحوث فی علم الأصول، ص250: «انّ الأستاذ قد ربط بین الوجه الذی اختاره فی الحروف و بین مسلکه فی تفسیر الوضع و هو مسلک التعهد، حیث أفاد: إنَّ ما سلکناه فی باب الوضع من أنّ حقیقته التعهد و التبانی ینتج الالتزام بذلک القول لا محالة ضرورة انّ المتکلّم إذا قصد تفهیم حصة خاصة فبأی شی ء یبرزه إذ لیس المبرز له إلّا الحرف أو ما یقوم مقامه مع أنَّه لا ارتباط بین البحثین بوجه، لأنَّ المبحوث عنه فی المقام هو الفارق بین ما هو المدلول التصوری للحروف و الأسماء و أنَّهما من سنخ واحد أو سنخین سواء کانت حقیقة الوضع تخصیص اللفظ بإزاء نفس هذا المدلول التصوّری أو الالتزام بقصد تفهیم ذلک المعنی للغیر».
4- و فی منتقی الأصول: «و أمّا الثالث فصدوره منه عجیب إذ البحث عن حقیقة المعنی الحرفی و معرفة الموضوع له الحرف و انّه التضییق أو غیره إنّما یأتی فی المرتبة المتأخرة عن بیان أصل الوضع و حقیقته بحیث یکون فرض وضعه لهذا المعنی علی جمیع التقادیر لحقیقة الوضع فالالتزام بمعنی خاص للوضع لایقتضی وضع اللفظ إلی معنی معین بحیث یکون نتیجة تعیین الوضع هو الوضع المذکور فالوضع للتضییق علی تقدیر تمامیته یصلح علی جمیع تقادیر معنی الوضع و لایتعیّن أن یکون نتیجة الالتزام بمعنی معین» الخ.

أمّا الوجه الرابع: فإنّه ادعاء بلا دلیل بل منشؤه الخلط بین اللازم و الملزوم.((1))

القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

إنّ الحروف تنقسم إلی أقسام ثلاثة: ((2))

القسم الأوّل: الحروف التی تدلّ علی النسبة و تستعمل فی موارد الأعراض النسبیة مثل «فی» فإنّها موجدة للربط بین المفاهیم بما لها من الحکایة عن الواقع فالنسبة موجودة حقیقة (و مختار الأستاذ المحقّق (قدس سره) فی هذا القسم هو مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره)).

القسم الثانی: الحروف غیرُ الحاکیة عن النسب مثل حرف النداء و هی موجدة

ص: 170


1- و فی منتقی الأصول، ص120: «وأمّا الرابع فهو دعوی مجازفة إذ بعد أن عرفت ما یرد من الإشکال علی المبنی المزبور فکیف یکون ارتکازیا؟».
2- و فی جواهر الأصول، ج1، ص117: «الحق أن یقال: إنّ مفاد بعض الحروف حکائی کلفظة "من" و "إلی " فی قولنا: "سر من البصرة إلی الکوفة" و بعضها إیجادیة مثل یا النداء و واو القسم و أداة التمنی و الترجی و الاستفهام و التشبیه و التنبیه و نحوها و بعضها علامة صرفة لاتدل علی معنی أصلاً ککاف الخطاب فإنّها لاتدل علی معنی و إنّما هی علامة لکون المخاطب مذکراً ... إلی غیر ذلک و ذلک لأنّ باب دلالة الألفاظ من باب التبادر و نحوه و واضح أنّ المتبادر من قولنا: "سر من البصرة إلی الکوفة" هو الحکایة ... و واضح أنّ المتبادر من قولنا: "یا زید" هو إیجاد النداء و یصیر زید بذلک منادی و لم یکن لمعنی هذه الجملة تقرر و ثبوت مع قطع النظر عن هذا الاستعمال، بل توجد فی موطن الاستعمال فواقعیة هذا المعنی و حقیقته تتوقف علی الاستعمال ... و المتبادر من بعض الحروف أنّها مثل علامات الإعراب من الرفع و النصب و الجر ککاف الخطاب» الخ.

للنسبة وفاقاً للمحقق النائینی (قدس سره) فإنّه لا نسبة بین المنادی و المنادی حتی تحکی عنها حرف «یا»، بل حرف «یا» یوجد النسبة بین المنادی و المنادی.

القسم الثالث: الحروف التی لاتدلّ علی النسبة و لاتوجده، مثل اللام التی للعهد الذهنی.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده فی القسم الأوّل صحیح، کما قلنا: إنّ الحروف وضعت لذات النسبة (علی مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره)).

و أمّا ما أفاده فی القسم الثانی فیرد علیه: أنّ الکلام فی المعنی الموضوع له و هی النسبة الحقیقیة سواء کانت النسبة موجودة من قبل أم کان الحرف هو الموجد لها، فإنّ وجود النسبة و ما هو سببه خارجان عن المعنی الموضوع له، فحرف النداء تدلّ علی النسبة الندائیة.

و أمّا ما أفاده فی القسم الثالث فیرد علیه: أنّ «ال» التی للعهد الذهنی أیضاً تدلّ علی النسبة بین مدخوله و بین الأمر المعهود السابق و مدخول «ال» یکسب التعریف لمکان هذه النسبة.((1))

ص: 171


1- هنا أقوال أخر ربّما تشبه النظریات المذکورة. 1) فی دروس فی علم الأصول، ج1، ص72: «مدلول الحرف دائماً هو الربط بین المعانی النسبیة علی اختلاف أنحائه ... و الدلیل علی أنّ مفاد الحروف هو الربط أمران ... و لمّا کان کل ربط یعنی نسبة بین طرفین صحّ أن یقال: إنّ المعانی الحرفیة معان ربطیة نسبیة و إنّ المعانی الاسمیة معانٍ استقلالیة». و فی ج2، ص63: «توضیح الکلام ... یقع فی عدّة مراحل: المرحلة الأولی: ... بذلک یتضح أوّل فرق أساسی بین المعنی الاسمی و المعنی الحرفی و هو أنّ الأوّل سنخ مفهوم یحصل الغرض من إحضاره فی الذهن بأنّ یکون عین الحقیقة بالنظر التصوّری و الثانی سنخ مفهوم لایحصل الغرض من إحضاره فی الذهن إلّا بأن یکون عین حقیقته بالنظر التصدیقی و هذا معنی عمیق لإیجادیة المعانی الحرفیة ... المرحلة الثانیة: ... و هذا برهان علی التغایر الماهوی الذاتی بین أفراد النسب الظرفیة و إن کان بینها جامع عرضی اسمی و هو نفس مفهوم النسبة الظرفیة. المرحلة الثالثة: و علی ضوء ما تقدم أثبت المحققون انّ الحروف موضوعة بالوضع العام و الموضوع له الخاص لأنّ المفروض عدم تعقل جامع ذاتی بین النسب لیوضع الحرف له فلابدّ من وضع الحرف لکل نسبة بالخصوص و هذا إنّما یتأتی باستحضار جامع عنوانی عرضی مشیر فیکون الوضع عاماً و الموضوع له خاصاً» و راجع أیضاً بحوث فی علم الأصول، ج1، ص252 و 253. 2) فی مباحث الأصول، ص43: « علی تقدیر اتحاد مدلول الهیأة و الحروف فهما دالان علی النسبة الموجودة المنتزعة من وجود الطرفین علی النحو الخاص بالتخصصات المقولیة الخاصة المفیدة لتعلق أحدهما بالآخر بالتعلق الخاص الذی یدل علیه الحرف أو الهیأة أعنی تعلق أحدهما بالآخر». و فی ص45: «و أما کون النسبة التی هی مدلول الحرف ربطاً اعتباریاً انتزاعیاً فلمکان أنّه یحدث بین المعروض و العرض شیء یعتبر بسبب الاتصاف الواقعی علی نحو واقعیة الطرفین ربطاً و اتصالاً بینهما کما یتصل الشیئان بسبب ضمّ أحدهما مع الآخر فالرابط الجوهری هو المعتبر فی ما بین العرض و موضوعه فی حال الاتصاف». 3) فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص91: «إنّها هی الخصوصیات الکمالیة القائمة بالمعانی الجوهریة المورثة لتحدد ذلک المعنی و خروجه من الإطلاق و الاشتراک إلی التقیید و التفرد».

ص: 172

التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟

إنّ التفتازانی (قدس سره) و بعض الأعلام مثل المحقق الخراسانی و المحقق العراقی و المحقق النائینی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (حفظه الله) قالوا بأنّ الوضع عام و الموضوع له عام و لکن بعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) ذهبوا إلی أنّ الوضع عام و الموضوع له خاص.

و قد اتّضح سابقاً وجه ما ذهب إلیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو الصحیح فی المقام.

و القائلون بعموم الموضوع له فهم بین من یقول بأنّ المعنی الحرفی متحد مع المعنی الاسمی و من یقول بأنّ المعنی الحرفی من الأعراض النسبیة و من ذهب إلی أنّ المعنی الحرفی إیجادی.

و مبنی المحقق الخراسانی (قدس سره) یقتضی حکمه بعموم الموضوع له، لاتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی عنده و هکذا مبنی المحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الأعراض النسبیة من المعانی الاسمیة، ولذا قال فی مقالات الأصول:((1))

«إنّ الموضوع له هی الحیثیة السنخیة المحفوظة فی ضمن أنحاء النسب الشخصیة من الابتدائیة و الانتهائیة و الظرفیة و غیرها».

و أمّا مبنی المحقق النائینی (قدس سره) فلایناسب مختاره فی المقام حیث قال بعموم الوضع و الموضوع له و صرّح بذلک فی فوائد الأصول،((2)) فقال:

ص: 173


1- مقالات الأصول، ج1، ص92.
2- فوائد الأصول، ج1، ص 58 و 59.

الحق هو کلیة المعنی الحرفی و کون الموضوع له فی الحروف عاماً کالوضع و لو کان المعنی جزئیاً، لکان ما یوجد بقولک: «سرت من البصرة» مبایناً لما یوجد بقولک «سرت من الکوفة» کمباینة زید و عمرو، بداهة تباین الجزئیات بعضها مع بعض و حیث نری أنّه لایکون هناک اختلاف و تباین فی النسب الابتدائیة التی توجدها لفظة «من» فی جمیع موارد الاستعمالات، فیعلم أنّ لفظة «من» موضوعة للقدر الجامع بین ما یوجد فی تلک الموارد و لانعنی بکلیة المعنی الحرفی إلّا ذلک.

ملاحظة علی المحقق النائینی (قدس سره):

إنّ النسبة الحقیقیة متقوّمة بالغیر وجوداً و ذاتاً، فلایمکن وجود القدر الجامع الحقیقی بینها، فمقتضی ما أفاده من أنّ المعنی الموضوع له فی الحروف النسب الکلامیة، هو أن یکون الموضوع له خاصّاً، فما قال من أنّ لفظة «من» موضوعة للقدر الجامع فی جمیع موارد الاستعمالات، لایتصوّر إلّا بالعنوان الجامع الذی هو معنی اسمی و هذا ینافی ما اختاره فی المعنی الحرفی.

ص: 174

التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی (هنا ثمرتان):
اشارة

((1))

الثمرة الأولی:

الثمرة الأولی:((2))

إن قلنا بکلیّة معانی الحروف و أنّ الموضوع له فیها عام فهی قابلة للإطلاق و التقیید، فیمکن التمسّک بإطلاقها کما أنّه یمکن تقییدها، فإذا علمنا باشتراط أمر الشارع بشرط و شککنا فی رجوع الشرط إلی الهیأة أو إلی المادّة فحینئذ رجوع القید إلی الهیأة خال عن الإشکال، لأنّ المعنی الکلی مطلق فیقبل التقیید.

و إن قلنا بشخصیّتها فیشکل الأمر من حیث إنّ الجزئی غیر قابل للتقیید، و حینئذ إذا قیّدت جملة صلّ فیرجع القید إلی المادة و یکون شرط الواجب لا

ص: 175


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص121: «قد قررت [ثمرة البحث] بأنّه مع الالتزام بعموم الموضوع له فی الحروف یتصوّر الإطلاق و التقیید فی معانیها و یظهر ذلک فی موردین: أحدهما: الواجب المشروط و دوران الأمر فی القید بین رجوعه إلی الهیأة و رجوعه إلی المادة و الآخر: فی مفهوم الشرط و الاستدلال علی ثبوته بإطلاق أداة الشرط - کما یقرّر فی محله- و هذا بخلاف ما لو التزم بخصوص الموضوع له فإنّه لایکون قابلاً للإطلاق و التقیید فیعلم بعدم رجوع القید إلی الهیأة کما لایمکن التمسک فی إثبات المفهوم بإطلاق الأداة لعدم ثبوت الإطلاق فیها».
2- فی المحکم فی أصول الفقه، ج1، ص121: «ربّما تجعل ثمرة النزاع فی کلیة المعنی الحرفی و جزئیته قبوله للتقیید لو کان کلیاً و عدمه لو کان جزئیاً لأنّ التقیید و الإطلاق متقابلان تقابل العدم و الملکة فلایصح اعتبار کل منهما إلّا فی موضوع قابل لهما و حیث لایقبل الجزئی الإطلاق لایقبل التقیید و یترتب علی ذلک الکلام فی رجوع القید فی الواجب المشروط للهیأة ذات المعنی الحرفی أو للمادة ذات المعنی الاسمی و لذا تعرضوا لهذا الأمر هناک إلّا أنّ الأنسب ذکره فی المقام لأنّه من ثمراته من دون خصوصیة لتلک المسألة».

شرط الوجوب لاستحالة تقیید الهیأة.

نعم بعضهم أجابوا((1)) عن هذا الإشکال و قالوا: یمکن القول بتعلیق الهیأة - و إن کان تقیید الهیأة مستحیلاً لخصوصیته و جزئیته- علی حصول الشرط و إن کانت المعانی الحرفیة شخصیة.

ص: 176


1- فی المحکم فی أصول الفقه، ج1، ص121: «و کیف کان فقد استشکل فی الثمرة المذکورة بوجوه: الأوّل: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) فی مبحث الواجب المشروط من أنّ جزئیة الطلب المنشأ - لکونه معنی حرفیاً- إنّما تمنع من تقییده بعد إنشائه لا من إنشائه مقیّداً من أوّل الأمر ... و یشکل - مضافاً إلی ما هو المرتکز من عدم اختلاف مفاد الهیأة حال وجود القید عنه حال عدمه تمحض الشرط فی القرینیة المذکورة، بل هو مبتن علی نحو من التقیید، نظیر القیود الواردة علی الماهیة القابلة لذلک - بأنّ امتناع تقیید الجزئی لیس من حیثیة لحاظ التقیید، کی لایلزم فی الوجه الذی ذکره، بل لعدم شیوعه و سریانه و هو یقتضی امتناع التضییق فیه مطلقا ًسواء کان بالتضییق أم بإرادة المقیّد ابتداء ... الثانی: ما ذکره بعض الأعیان المحققین من أنّ الجزئی لایقبل التقیید الأفرادی دون الأحوالی و فیه أنّ الأحوال لمّا لم توجب تحصص الجزئی و تفریده امتنع کونها قیوداً له و إنّما تکون قیوداً للحکم الطارئ علیه.. الثالث: ما یظهر من سیدنا الأعظم (قدس سره) فی مبحث الواجب المشروط - توجیها لما سبق من المحقق الخراسانی (قدس سره) - من أنّ المعنی الحرفی و إن کان جزئیاً و منه النسبة الطلبیة الخاصة، إلّا أنّ تخصص النسب إنّما هو بتخصیص أطرافها فیجوز تخصیصها بخصوصیة الشرط. و فیه: أنّه إن أرید أنّ الشرط طرف للنسبة الطلبیة فمن الظاهر أنّ أطراف النسبة الطلبیة فی الواجب المشروط و المطلق لیس إلّا الطالب و المطلوب منه و المطلوب و لیس الشرط طرفاً لها، بل هو خارج عنها، له نحو من الدخل فیها و إنّما یتّجه ذلک فی خصوص بعض النسب التی تقوم بأطراف قلیلة تارة و کثیرة أخری ... و إن أرید أن دخل الشرط فی النسبة الطلبیة موجب لنحو من التحدید لها فهو و إن کان مسلماً فی الجملة إلّا أنّه لابدّ من توجیه دخله فیها، بعد فرض عدم تقومها به لخروجه عن أطرافها» الخ. و فی منتقی الأصول، ج1، ص122: «قد نوقش فی التقریر الأوّل بأنّ خصوصیة الموضوع له لاتنفی صحة التقیید إذ العموم و الإطلاق الأفرادی هو الذی لایتصوّر فی الخاص دون الإطلاق الأحوالی فیمکن التقیید و الإطلاق فیه بلحاظ الأحوال».
الثمرة الثانیة:

إنّ مفهوم الشرط یتقوّم بانتفاء سنخ الحکم عند انتفاء الشرط و أمّا انتفاء شخص الحکم فهو بانتفاء موضوعه فلایجدی فی تحقق مفهوم الشرط.

فإن قلنا حینئذ بجزئیة المعانی الحرفیة و خصوصیّتها و بأنّ الموضوع له فیها خاصّ، فالجملة الشرطیة لاتدلّ علی مفهوم الشرط، لأنّه ینتفی شخص الحکم هنا بانتفاء الشرط.

و إن قلنا بأنّ معانی الحروف کلیة و الموضوع له فیها عام فحینئذ یتحقق المفهوم للجملة الشرطیة، لانتفاء سنخ الحکم بانتفاء الشرط.

نعم بناءً علی ما اخترنا من جواز تعلیق المعنی الحرفی علی حصول الشرط، یمکن ثبوت مفهوم الشرط و إن قلنا بخصوصیة المعنی الحرفی.((1))

ص: 177


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص122: «التحقیق أنّه مع الالتزام بأنّ معانی الحروف إیجادیة و من سنخ الوجود یمتنع تصوّر الإطلاق و التقیید فیها لا من جهة خصوصیة الموضوع له أو آلیته بل من جهة أنّ الإطلاق من شأن المفاهیم لأنّ الإطلاق عبارة عن السعة فی الصدق و التقیید التضییق فی الصدق و هذا شأن المفاهیم - کلیة کانت أو جزئیة- دون الوجود غیر القابل للصدق علی شیء بالمرّة، بل لیس هو إلّا نفسه مضافاً إلی أنّه یکون آلیاً و لایتصوّر أن یکون استقلالیاً فی حال من الأحوال کما عرفت تحقیقه فالثمرة موجودة کما لایخفی هذا کلّه بالنسبة إلی الحروف الداخلة علی المفردات».

ص: 178

الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار (فیه أمران)

اشارة

الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة

الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء

ص: 179

ص: 180

الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة (هنا نظریات أربع):
اشارة

((1))

اختلف الأعلام فی مفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة، علی أقوال:

النظریة الأولی: مبنی المشهور
اشارة

إنّ الجملة الخبریة موضوعة لثبوت النسبة فی الخارج أو عدم ثبوتها فیه، فإن تطابقت النسبة الکلامیة و النسبة الخارجیة فصادقة و إلّا فکاذبة.((2))

ص: 181


1- و فی منتقی الأصول، ج1، ص148: «التحقیق انّ الموضوع له الجملة و الهیأة الترکیبیة خبریة کانت أو إنشائیة هو نفس النسبة بین الموضوع و المحمول التی یصحّ التعبیر عنها فی الجمل الاسمیة بلفظ الاتحاد فیقال فی (زید قائم): (زید و قائم متحدان) و هذه النسبة یعرض علیها الثبوت و عدم الثبوت و الإیجاب و السلب و الاخبار و الإنشاء ... فالأخبار و الإنشاء خارجان عن الموضوع له و المستعمل فیه فی الجملة الخبریة و الإنشائیة بل هما من أطوار الاستعمال و أنحائه و لعلّ مراد المشهور ما ذکرناه من الوضع لنفس النسبة التی یعرض علیها الثبوت و عدمه لا الوضع لثبوت النسبة أو لا ثبوتها لوضوح أنّ أداة السلب فی الجملة الخبریة إنّما ترد علی نفس النسبة القائمة بین الموضوع و المحمول» الخ.
2- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص85 و ط.ج. ص95: «لم توضع [الجملة الخبریة] للدلالة علی ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها عنه و ذلک لسببین: السبب الأوّل: أنّها لاتدلّ علی ثبوت النسبة خارجاً أو علی عدم ثبوتها و لو ظنّاً مع قطع النظر عن حال المخبر و عن القرائن الخارجیة مع أنّ دلالة اللفظ لاتنفک عن مدلوله الوضعی بقانون الوضع و إلّا لم یبق للوضع فائدة ... السبب الثانی: أنّ الوضع علی ما سلکناه عبارة عن التعهد ... فلایعقل تعلّق الالتزام و التعهد به» الخ. و فی منتقی الأصول، ج1، ص141، قال بعدم تمامیة ما ساق المحقق الخوئی (قدس سره) إلی العدول من تعریف المشهور أمّا الوجه الأوّل ف«لأنّ المراد من کون دلالة الجملة الخبریة تصدیقیة لیس أنّها بإلقائها توجب الإذعان بالنسبة بل إنّ مدلولها أمر لو تعلق به العلم کان تصدیقیاً بخلاف مدلول المفردات فإنّه لایتعلق به الإذعان أصلاً» و أمّا الوجه الثانی ف- «لأنّه - مضافاً إلی ما عرفت من الإشکال فی أصل المبنی و تقریبه بنحو آخر أوجه منه و إن لم یسلم عن الإشکال أیضاً و هو جعل متعلق التعهد ذکر اللفظ لا المعنی فراجع- منقوض بالوضع للمفردات فانّ الذوات و الطبائع التی توضع بإزائها الألفاظ غیر اختیاریة للواضع المتعهد فیمتنع الوضع له بمقتضی کون الوضع هو تعهد المعنی عند ذکر اللفظ لاستلزامه تعلق التعهد بأمر غیر اختیاری و هو ممتنع».

و إنّ الجملة الإنشائیة موضوعة لإیجاد المعنی فی الخارج الذی یعبّر عنه بالوجود الإنشائی فلاتتّصف بالصدق و الکذب بل تتّصف بالوجود والعدم.

قد یقال فی تقریر قول المشهور:

((1))

إنّ الجملة الخبریة موضوعة لثبوت النسبة خارجاً أو ذهناً أو فی وعاء الاعتبار.

و الجملة الإنشائیة موضوعة للإیجاد بواسطة الهیأة و هو علی نحوین: تارةً توجد المادة بواسطة الهیأة فهی لإیجاد المادّة کما فی «بعت» و أخری توجد النسبة البعثیة فهی لإیجاد النسبة کما فی «قم و اضرب».

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (قدس سره) ((2))

إنّ الاختلاف بینهما مثل الاختلاف بین الاسم و الحرف، فإنّ الإنشاء و

ص: 182


1- تحقیق الأصول، ج1، ص151.
2- فی الکفایة، ص12: «لایبعد أن یکون الاختلاف فی الخبر و الإنشاء أیضاً کذلک فیکون الخبر موضوعاً لیستعمل فی حکایة ثبوت معناه فی موطنه و الإنشاء لیستعمل فی قصد تحققه و ثبوته و إن اتفقا فی ما استعملا فیه فتأمل».

الإخبار أیضاً واحد من حیث المعنی و الواضع اشترط علی المستعمل أنّه متی کان الداعی للاستعمال هو الحکایة فیأتی بالجملة الخبریة و متی کان الداعی للاستعمال هو الإنشاء فیأتی بالجملة الإنشائیة فالاختلاف بدواعی الاستعمال.

استشکل علیها المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

لو کان معنی الإنشاء و الإخبار واحداً بالذات و الحقیقة کان اللازم أن یصحّ استعمال الجملة الاسمیة فی مقام الطلب کما یصح استعمال الجملة الفعلیة فیه، مثل أن یقال: زید قائم فی مقام طلب القیام منه، مع أنّه من أفحش الأغلاط.

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) و هو الأصحّ

إنّ الإخبار و الإنشاء من شؤون الاستعمال فلایعقل دخلهما فی المعنی الموضوع له أو المعنی المستعمل فیه و لکن الجمل الخبریة و الإنشائیة قد یتّحدان فی المعنی المستعمل فیه و قد یختلفان، فلابد من التفصیل بین القسمین:

القسم الأوّل: الجمل المتحدة لفظاً و هیأةً نحو «بعتُ» الإخباری و الإنشائی، فالمستعمل فیه نفس نسبة إیجاد المضمون (أی المادة) إلی المتکلم و المتکلم قد یقصد الحکایة عنها و قد لایقصد الحکایة عنها بل یقصد ثبوتها (و کلام صاحب الکفایة (قدس سره) صحیح بالنسبة إلی هذا القسم)

القسم الثانی: مثل صیغة افعل و أشباهها ممّا لا اشتراک له لفظاً و هیأةً مع الجملة الخبریة، فالمستعمل فیه فی الجملة الإنشائیة غیر المستعمل فیه فی الجملة الخبریة مثلاً قد یقول المولی: «اضرب فلاناً» و قد یقول: «أبعثک إلی ضرب فلان».

ص: 183


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص89 و ط.ج. ص99.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص61 و 62.

فإنّ مفاد «اضرب» بعث المخاطب نحو الضرب، لکن لا بما هو بعث ملحوظ بذاته بل بما هو نسبة بین المتکلم و المخاطب و المادة، فهذا بعث نسبی و مثل هذه النسبة لا خارج لها یطابقها أو لایطابقها.

أمّا الجمل الخبریة المتضمّنة لمضمون البعث و التحریک مثل «أبعثک نحو ضرب فلان» إذا أرید بها الإخبار، فمفادها نسبة البعث إلی المتکلم نسبة صدوریة.

فصیغة «اضرب» بعث نسبی و صیغة «أبعثک نحو الضرب» نسبة بعثیة.

ملاحظة علی ذیل کلامه:

إنّ ما أفاده فی القسم الثانی من الفرق بین المعنیین بأنّ الأوّل بعث نسبی و الثانی نسبة بعثیة لایخلو عن المناقشة، فإنّ الأوّل (اضرب) نسبة بعثیة و ذلک لأنّ مفاد الهیأة عنده هو المعنی الحرفی و لایصحّ التعبیر عنه بالبعث النسبی، فإنّه مثل التعبیر بالعرض النسبی الذی هو معنی اسمی ذات نسبة و أمّا الثانی فهی نسبة البعث نحو الضرب، فالبعث فی الأوّل صفة النسبة و فی الثانی مضاف إلیه للنسبة.

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

إنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد الحکایة و الإخبار عن الثبوت أو النفی فی الواقع و الجملة الإنشائیة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم إبراز أمر نفسانی غیر قصد الحکایة عند قصد تفهیمه.((2))

ص: 184


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص83 و ط.ج. ص94 - 98.
2- فی منتقی الأصول، ج1، ص143، قال بعدم صحة مختار المحقق الخوئی (قدس سره) لوجهین: «الأوّل: تخلّفه فی بعض الصیغ الخبریة غیر المستعملة فی قصد الحکایة عن مدلولها ... کالاستعمالات الکنائیة فانّ المقصود الحکایة عن اللازم دون الملزوم مع دلالة الجملة علی الملزوم فلو لم تدل علی الملزوم و هو ثبوت النسبة الملزومة لنسبة أخری المقصود الحکایة عنها لما صحت الکنایة ... الثانی: انّ المتصور فی قصد الحکایة الموضوع لها الصیغة أمور ثلاثة: أحدها: التصمیم و العزم علی الإخبار ثانیها: کون المتکلم بصدد الإخبار و فی مقام الحکایة ثالثها: کونه قاصداً للحکایة و الإخبار بهذه الجملة بحیث یکون الإخبار و الحکایة داعیاً لذکر الجملة و مراد القائل هو الثالث دون الأوّلین ... فإذا کانت الحکایة المأخوذة فی معنی الجملة الخبریة من قبیل الداعی فلابدّ من فرض کون الحکایة عن ثبوت الجملة للنسبة أمراً یترتب علی الجملة فی نفسه کی یکون داعیاً إلی الاستعمال و یکون الاستعمال بلحاظه و هذا إنّما یتلائم مع الوضع لنفس ثبوت النسبة لا لقصد الحکایة» الخ.

فالجملة الإنشائیة و الإخباریة تشترکان فی أصل الإبراز و الدلالة علی أمر نفسانی و إنّما الفرق بینهما فی ما یتعلق به الإبراز، فإنّه فی الجملة الإنشائیة أمر نفسانی لا تعلق له بالخارج و لذا لایتصف بالصدق و الکذب بل یتصف بالوجود و العدم و فی الجملة الخبریة أمر متعلق بالخارج فإن طابقه فصادق و إلّا فکاذب.((1))

یلاحظ علیها:

إنّ مفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة قد یتّحدان فی المعنی الموضوع له، کما فی مثل «بعتُ» و قد یختلفان کما فی مثل صیغة «افعل» و الجملة الخبریة فی ما إذا دلّ

ص: 185


1- فی منتقی الأصول، ص147، قال بعدم صحة مختار هذا المحقق لوجهین: «الأوّل: انّ ذلک إنّما یتمّ فی غیر ما إذا کانت المادّة موضوعة لمفهوم الصفة النفسانیة الموضوع لها الهیأة نظیر (ملکت) ... و أمّا فی ما إذا کانت المادّة موضوعة لمفهوم الصفة النفسانیة مثل (اعتبرت) ان قصد بها الإنشاء أو (أتمنی) المقصود بها انشاء التمنی فلایتم ما ذکر لأنّ معنی الکلام - بمقتضی ما ذکر بملاحظة المجموع من الهیأة و المادة- اعتبار الاعتبار و تمنی التمنی و لا ریب فی فساده و لایلتزم به القائل مع أنّه لازم قوله و هکذا لایتم ما ذکر فی ما کان المنشأ لفظاً غیر المقصود اعتباره مثل (بعت) ... الثانی: انّ لازم هذا الاختیار أن لایکون للجملة الإنشائیة مدلول تام جملی فی عالم المفهومیة و التصور بل لایکون هناک إلّا مفهوم المادة الأفرادی ... و إذا لم یکن للجملة الإنشائیة مفهوم جملی تام بل لیس لها إلّا مفهوم أفرادی خرج بابها عن باب استعمال الألفاظ الموجب لخطور المعنی فی الذهن و الانتقال إلیه إذ یکون حال الهیأة حال الکاشف التکوینی عن الصفة».

علی الأمر، فما أفاده لایخلو عن المناقشة و الحق فی المقام هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع ملاحظة ما علّقنا علیه.

ص: 186

الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء (نذکر فیه نظریات ست):
اشارة

هنا أقوال: ((1))

الأوّل: إنّه إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر و هذا مختار صاحب الکفایة (قدس سره) علی ما هو التحقیق و هو المشهور علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .((2))

الثانی: إنّه إیجاد المعنی باللفظ (فی وعائه المناسب له) فی عالم الاعتبار العقلائی و هذا هو المشهور علی ما أفاده بعض الأعلام.((3))

الثالث: إنّه إیجاد المعنی باللفظ بالعرض و هذا القول هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ادّعی أنّ مختار صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ذلک.((4))

ص: 187


1- ذکر المحقق الروحانی (قدس سره) فی منتقی الأصول، ج1، ص123 و 124، أربعة أقوال (من القول الأوّل إلی القول الرابع).
2- بحوث فی الأصول، ص26.
3- منتقی الأصول، ج1، ص124.
4- فی منتقی الأصول، ص128: «الجهة الأولی: فی صحة نسبة الوجه المذکور إلی صاحب الکفایة (قدس سره) و التحقیق عدم الصحة لأنّه خلاف ما هو الصریح لکلام صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ المراد من نحو الوجود هو الوجود الاعتباری بحیث یکون الإنشاء من سنخ الاعتبار فنسبة إرادة الوجود بالعرض الساری فی الجمل الخبریة و الإنشائیة إلی صاحب الکفایة (قدس سره) لا وجه لها خصوصاً بملاحظة ما یصرّح به من أنّ هذا النحو من الوجود لایتحقق بالجملة الخبریة».

الرابع: إنّه إبراز الأمور النفسانیة باللفظ و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) .

الخامس: إنّه اعتبار و إبراز و هذا القول مختار بعض الأساطین (حفظه الله) و نسبه إلی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مباحث الاستصحاب (بحث أقسام الوضع، فی ضمن بیان حقیقة الملکیة).

النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

النظریة الأولی: مختار المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))

إنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر (و الباء فی قولهم باللفظ بمعنی السببیة) و الکلام الإنشائی حینئذ قول قصد به ثبوت المعنی فی حد ذاته.

ص: 188


1- فی وقایة الأذهان، ص191: « قال الشیخ الأستاذ [أی صاحب الکفایة] - طاب ثراه - فی الفوائد ما نصه: إنّ الإنشاء هو القول الذی یقصد به إیجاد المعنی فی نفس الأمر لا الحکایة عن ثبوته و تحققه فی موطنه من ذهن أو خارج و لهذا لایتصف بصدق و لا کذب بخلاف الخبر فإنّه تقریر للثابت فی موطنه و حکایة عن ثبوته فی ظرفه و محله فیتصف بأحدهما لا محالة». ثمّ قال: «أقول: ما ذکره فی معنی الإنشاء من إیجاد المعنی بالقول أمر لانتعقله لأنّ الألفاظ لا علیّة لها بأنفسها لإیجاد المعانی و لایمکن جعل العلیة لها لما تقرّر فی محله من عدم قابلیتها للجعل – و قد سبق بیانه فی مبحث الوضع- و لا وظیفة للفظ إلّا الدلالة علی المعنی بالوضع و مرتبة المعنی مقدمة علی اللفظ فکیف یعقل إیجاده به و أیضا یشهد الوجدان بأنّ القائل: "إضرب فلاناً" لایرید به إیجاد أمر معدوم باللفظ بل یرید إفهام المخاطب معنی اللفظ علی حذو ما یریده فی الإخبار و لا فرق بین الإخبار و بینه من هذه الجهة و إن کان ثمة فرق فهو فی ناحیة المعنی المفهوم منهما». و فی منتقی الأصول، ص136: «إذا تبین عدم ورود أی إشکال فی الوجه المشهور للإنشاء دار الأمر بینه و بین مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و الذی یقرّب الالتزام به و یبعد مختار صاحب الکفایة (قدس سره) انّه لا دلیل لما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) إثباتاً بل هو وجه ثبوتی صرف لا شاهد له فی مقام الإثبات بل ظاهر المرتکز من أنّ المنشئ ینشئ نفس المعنی قاصداً إیجاده فی وعائه المناسب له بحیث یری نفسه بمنزلة موجد السبب للأمر التکوینی لا أنّه ینشؤه لإیجاده فی عالم غیر عالمه ثمّ یترتب علیه وجوده فی عالمه الخاص ظاهر ذلک إثبات الرأی المشهور و نفی رأی صاحب الکفایة (قدس سره) ».
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذه النظریة:

((1))

إنّ اللفظ لیس علّة تکوینیة للمعنی و لا سببیّة له لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار أیضاً لأنّ الاعتبار یکفی لتحقق الوجود الاعتباری بلا حاجة إلی اللفظ.

فإنّ علّیّة اللفظ لوجود المعنی خارجاً أو ذهناً غیر معقولة، لأنّ وجود الشیء خارجاً تابع لمبادی وجوده و لیس تابعاً لوجود اللفظ، و وجوده ذهناً یتبع وجود مبادی الانتقال و لایتبع وجود اللفظ، و حضور المعنی ذهناً بتبع حضوره لیس من باب علّیّة اللفظ بوجوده الخارجی أو بوجوده الذهنی لحضور المعنی، بل للتلازم بین الحضورین لمکان التلازم بین الحاضرین جعلاً و مواضعةً و لذا ربما ینتقل من تخیّل المعنی إلی وجود اللفظ أو وجوده الکتبی.

مناقشة علی إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ اللفظ موجد للمعنی فی عالم الاعتبار العقلائی لأنّ اعتبار المعتبر ما لم یبرزه، اعتبار شخصی و لا صلة له بعالم الاعتبار العقلائی و لا بدّ من إبرازه حتی یوجد فی اعتبار العقلاء.

الجواب عن هذه المناقشة:

إنّ الإنشاء فعل المنشئ و لابدّ من تعیین حقیقته و موقفه عند تحقق الأمور الاعتباریة فی اعتبار العقلاء مثلاً إنّ المالک عند تملیک الشیء لشخص آخر یواجه ثلاث مراحل:

المرحلة الأُولی: اعتبار الملکیة للشخص المذکور و هذه المرحلة فعل اعتباری مباشری للمالک و لیس فعلاً خارجیاً إنشائیاً و لا تسبیبیّاً، بل هو جعل اعتباری

ص: 189


1- بحوث فی الأصول، ص27.

من المالک فی عالم الاعتبار.

المرحلة الثانیة: إیجاد هذا الاعتبار فی عالم الخارج و إبرازه و إظهاره و لکن المعنی الاعتباری لایمکن إظهاره و إبرازه بوجوده الاعتباری، حیث إنّ وعاءه عالم الاعتبار فلابدّ من إظهاره بوجوده العرضی و هو اللفظ و هذه المرحلة هی ما نسمّیها بالإنشاء و لذا عرّفنا الإنشاء بإیجاد المعنی بوجوده العرضی و هو اللفظ (و إن شئت فسمّها بإبراز الاعتبار المذکور بوجوده العرضی و سیأتی زیادة قید القصد فی بعض الأقسام).

و أمّا المرحلة الثالثة: فهی ما یترتّب علی الإنشاء و هو وجود هذا المعنی فی اعتبار العقلاء و تلک لاتنبغی تسمیتها بالإنشاء حیث إنّ هذه المرحلة لیست بید المعتبر و لایعدّ فعله المباشری، بل هو یترتّب علی ما هو فعل المعتبر الذی هو إیجاد هذا الاعتبار بوجوده العرضی.

النظریة الثانیة:
اشارة

إنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی باللفظ (أی بسبب اللفظ) فی وعائه المناسب له و هو عالم الاعتبار العقلائی.((1))

ص: 190


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص130: «و أمّا القول الثالث فهو المشهور فی تفسیر الإنشاء و محصله کما أشرنا إلیه هو أنّ الإنشاء عبارة عن إیجاد المعنی باللفظ فی عالم الاعتبار العقلائی بمعنی أنّ المعنی الاعتباری فی نفسه یوجد له فرد حقیقی بواسطة اللفظ فیکون إلقاء اللفظ سبباً لتحقق اعتبار العقلاء للمعنی فالإنشاء هو التسبیب باللفظ إلی الاعتبار العقلائی للمعنی ... و الثمرة الفقهیة المترتبة علی کلا القولین تظهر فی ما یحرّر من بطلان الصیغة مع التعلیق و أنّه یعتبر فی صحة العقد أو نفوذه تنجیزه و یستثنی من ذلک ما إذا کان التعلیق قهریاً فإنّه لایضر التعلیق علیه و عدمه بل لا ثمرة فیه بعد أن کان قهریاً و ذلک کالتعلیق علی رضا المالک فی بیع الفضولی فانّ الأثر بحسب اعتبار العقلاء إنّما یترتب مع رضا المالک فالإنشاء لاینفذ إلّا علی تقدیر الرضا» الخ.
یلاحظ علیها:

((1))

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الإیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) یدلّ علی

ص: 191


1- فی منتقی الأصول، ص132: «ثم إنّه قد یشکل فی الالتزام بما هو المشهور من جهتین: الأولی: انّه یلزم اختصاص الإنشاء بما کان وعاؤه الاعتبار کالعقود و الایقاعات لمعقولیة التسبیب لإیجادها و اعتبارها من العقلاء و لایشمل ما کان من الأمور الحقیقیة الواقعیة التکوینیة التی لها ما بإزاء فی الخارج کبعض الصفات النفسانیة مثل التمنی والترجی و الطلب و الاستفهام ... الثانیة: انّ معرفة تحقق الاعتبار العقلائی تکون بترتیب الآثار من العقلاء علیه و معاملته معاملة الثابت حقیقة لو تصوّر له ثبوت حقیقی و مع عدم ترتب الأثر علیه یعلم بعدم الاعتبار لأنّه یلغو مع عدم ترتیب الأثر ... و ذلک یستلزم خروج موارد متعددة عن الإنشاء مع عدّها عرفاً إنشاء بلا کلام» الخ. و فی ص133: «قد تفصی عن الإشکال من الجهة الأولی - أعنی اختصاصه بالاعتباریات- بأنّ معنی الإنشاء لیس هو استعمال اللفظ فی المعنی بقصد إیجاده فی عالم الاعتبار بل استعماله لا بقصد الحکایة، سواء قصد به الإیجاد أو لم یقصد فالمأخوذ فی معنی الإنشاء هو عدم قصد الحکایة لا قصد الإیجاد و أمّا الإشکال من الجهة الثانیة - أعنی لزوم خروج بعض الإنشائیات عن الإنشاء- فقد أجیب عنه فی مورد الصیغ المکررة ... و التحقیق أنّه یمکن دفع الإشکال فی سائر الموارد بأن یقال: إنّه لیس المراد من الإنشاء هو استعمال اللفظ بقصد إیجاد المعنی فی عالمه علی أن یکون إیجاد المعنی بمنزلة الداعی - ویراد من القصد معنی الداعویة- کی یقال باقتضاء ذلک ترتب الإیجاد علی الإنشاء مباشرة و فعلاً کما هو شأن کل داع فإنّه سابق بوجوده التصوری متأخر بوجوده العینی الخارجی و مترتب فعلاً علی الفعل فیقع الإشکال حینئذٍ فی بعض الموارد الإنشائیة لتخلف الإیجاد عن الإنشاء بل المراد به استعمال اللفظ فی مقام إیجاد المعنی فی وعائه المقرّر له» الخ. و فی مصباح الفقاهة للمحقق الخوئی (قدس سره)، ج2، ص58: «المعروف بین العلماء أنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ و لکن هذا التعریف مزیف لأنّا ذکرنا فی مبحث المشتقات من مدخل علم الأصول أنّ المراد من إیجاد المعنی باللفظ إمّا إیجاد خارجی أو إیجاد اعتباری أمّا الإیجاد الخارجی فهو ضروری البطلان ... و أمّا الإیجاد الاعتباری فإن کان المراد به وجوده فی نفس المتکلم فهو واضح الفساد ... و إن کان المراد من الإیجاد الاعتباری وجود المعنی فی اعتبار العقلاء فیتوجه علیه أنّ الإنشاء و إن کان موضوعاً لاعتبار العقلاء إلّا أنّ هذا الاعتبار مترتب علی تحقق الإنشاء فی الخارج و کلامنا فی تصویر حقیقته سواء أکان ذلک مورداً لاعتبار العقلاء أو الشرع أم لم یکن».

بطلان هذه النظریة أیضاً. ((1))

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))

إنّ حقیقة الإنشاء هی إیجاد المعنی باللفظ بالعرض (و الباء فی قوله باللفظ هنا للمصاحبة لا السببیة).

إنّ المعقول من وجود المعنی باللفظ هو وجوده بعین وجوده، لا وجوده

ص: 192


1- فی منتقی الأصول، ص133: «و لایخفی أنّ هاتین الجهتین [الواردتین عند بعض علی مسلک المشهور] لاتردان علی مختار صاحب الکفایة (قدس سره) إذ الإنشاء علی مختاره إیجاد المعنی باللفظ بوجود إنشائی لا فی وعائه المقرّر له من اعتبار أو غیره فیمکن تحقق هذا الإیجاد و قصده بلا توقف علی تحققه فی عالم الاعتبار العقلائی کی ینتفی فی مورد لایتحقق فیه الاعتبار من العقلاء و لغویته مع عدم الأثر العقلائی و لاتنفی صحة تحقیقه کما أنّه یمکن أن یطرأ علی الصفات الحقیقیة إذ یمکن أن توجد بوجود إنشائی غیر وجودها الحقیقی و فی وعائها المقرر لها».
2- بحوث فی الأصول، ص27 و فی حاشیة المکاسب للمحقق الإصفهانی (قدس سره)، ج1، ص286، فی التعلیقة علی قوله: «هو عدم قابلیة الإنشاء للتعلیق»: «توضیح المقام أنّ الإنشاء - کما عرفت مراراً- وجه من وجوه استعمال اللفظ فی المعنی و هو - کما عرّفه بعض الأعلام- إیجاد المعنی باللفظ فی نفس الأمر و قد ذکرنا فی محلّه أنّ الغرض منه إیجاد المعنی بإیجاد اللفظ بالعرض لا بالذات فالوساطة للفظ وساطة فی العروض لا فی الثبوت ضرورة أنّ وجود المعنی حقیقة منحصر فی الوجود العینی و الذهنی و لیس اللفظ من مبادئ وجوده الخارجی و هو واضح مضافاً إلی عدم وجود مطابقه خارجاً حسّاً و عیاناً و لا من مبادئ وجوده الذهنی و الانتقال من اللفظ إلی المعنی لیس من ناحیة علیة وجود اللفظ لوجود المعنی ذهناً بل لأنّ الملازمة الجعلیة بین اللفظ و المعنی توجب التلازم بینهما علماً و ظنّاً و لذا ینتقل من المعنی إلی لفظه أحیاناً أیضاً فلم یبق إلّا وجود المعنی بعین وجود اللفظ بمعنی أنّ هذا الوجود الخاص ینسب إلی طبیعی الکیف المسموع بالذات و إلی المعنی بالعرض لکونه بالجعل و المواضعة وجوده العرضی التنزیلی» الخ. و فی نهایة الدرایة، ج2، ص38: «قد بیّنا حقیقة الإنشاء فی حواشینا علی الطلب و الإرادة و ملخصه أنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ إیجاداً لفظیاً بحیث ینسب الوجود الواحد إلی اللفظ بالذات و إلی المعنی بالعرض لا إلیهما بالذات فإنّه غیر معقول کما أن وجود المعنی حقیقة منفصلاً عن اللفظ بآلیته غیر معقول کما حقق فی محلّه».

بنحو وساطته للثبوت له، فمفاد الجملة الخبریة و الإنشائیة مشترکان فی حیثیة «وجود المعنی بعین وجود اللفظ»، إلّا أنّ الإنشائیة تتمیّز بتمحّض الکلام الإنشائی فی إثبات النسبة التامة بعین ثبوت اللفظ و الخبریة تتمیّز بزیادة عنوان الحکایة عن النسبة التامة.

و تقابلهما (الخبر و الإنشاء) تارةً بنحو تقابل العدم و الملکة و أخری بتقابل السلب و الإیجاب، فإنّ الإنشاء فاقد للحکایة و الخبر واجد لها و لفظ الإنشاء تارة قابل للحکایة و لم یحک فهو عدم الملکة مثل «بعتُ» و أخری غیر قابل للحکایة فهو سلب مقابل الإیجاب مثل «اضرب».

بیانه: إنّ مدلول ذات الجملة فی قولنا بعت و ملکت هی النسبة الإیجادیة المتعلقة بالمتکلم و المادة فإذا تمحّضت الجملة فی إثباتها بثبوت تنزیلی عرضی کانت إنشائیة و إذا زید علیها عنوان الحکایة عن تحقق النسبة المزبورة کانت خبریة فعدم الحکایة فی ما یقبل الحکایة عدم الملکة.

و مدلول الجملة فی قولنا «اضرب» و فی «أبعثک نحو الضرب» إخباراً مختلفان فإنّ البعث النسبی غیر نسبة البعث فعدم الحکایة فی مثل البعث النسبی مع عدم قبوله للحکایة سلب مقابل للإیجاب کما أوضحناه فی التعلیقة.

مناقشات ثلاث فی النظریة الثالثة:
اشارة

(1)

المناقشة الأُولی:

إنّ تقابل الإنشاء و الإخبار من قبیل تقابل المتضادین، و لیس من قبیل تقابل

ص: 193


1- . فی منتقی الأصول، ص129، بعد ذکر مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره): «الحق أنّه غیر وجیه لوجهین: الأول: انّه لو کان الإنشاء هو إیجاد المعنی باللفظ بلحاظ انّ وجود اللفظ وجود للمعنی بالعرض بقید أن لایکون الغرض الحکایة عن الخارج أو الذهن بل الغرض کان فی نفس هذا الوجود العرضی للمعنی لزم أن تکون الجملة الخبریة غیر المستعملة بقصد الحکایة بل بداعی استمرار ارتکاز مدلولها فی ذهن المخاطب بتکرارها بلا أن یقصد بها الحکایة إذ لیس الداعی إلّا عدم شرود هذا المعنی من ذهن المخاطب لزم أن تکون مثل هذه الجملة إنشاء علی هذا القول مع أنّها لاتعدّ فی العرف من الجمل الإنشائیة کما لایخفی».

العدم و الملکة و لا من قبیل تقابل السلب و الإیجاب، فإنّ الإخبار و الإنشاء فی القسم الأوّل (مثل بعتُ) متّحدان فی الدلالة علی إثبات النسبة التامة الکلامیة و إیجاد المعنی باللفظ بوجوده العرضی و المتکلّم یقصد فی الجملة الخبریة الحکایة عن ثبوت النسبة و تحققها وراء النسبة الکلامیة و یقصد فی الجملة الإنشائیة إیجاد المعنی وراء النسبة الکلامیة.

المناقشة الثانیة:
اشارة

((1))

إنّ هذه النظریة تناسب المبنی الذی نسب إلی الفلاسفة فی باب الوضع و هو جعل اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) یقول: الوضع جعل اللفظ علی المعنی.((2))

ص: 194


1- تحقیق الأصول، ج1، ص154.
2- فی منتقی الأصول، ص129: «الثانی: أنّ کون الإنشاء هو إیجاد المعنی عرضاً بوجود اللفظ یبتنی إمکانه الثبوتی علی ثبوت کون الوضع هو تنزیل اللفظ منزلة المعنی فیکون اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی و بذلک یکون وجوده وجوداً للمعنی بالعرض إذ المنزل نحو وجود للمنزل علیه بالعرض و المسامحة فیمکن تصور أن یکون الإنشاء هو هذا النحو من إیجاد المعنی و لکنّک عرفت عدم ثبوت هذا المعنی للوضع و المناقشة فیه و عدم ارتضائه حتی من المحقق الأصفهانی (قدس سره) نفسه ... و بالجملة فأساس هذا المعنی للإنشاء و هو کون اللفظ وجوداً للمعنی بالعرض غیر ثابت فلاتتّجه دعوی أنّ الإنشاء هو هذا النحو من إیجاد المعنی».
الجواب عن المناقشة الثانیة:

إنّ حقیقة الوضع جعل اللفظ علامة علی المعنی و لکن بعد الوضع و علامیة اللفظ للمعنی یکون اللفظ وجوداً جعلیاً و عرضیاً للمعنی کما تقدّم.

المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

لو سلّمنا کون اللفظ وجوداً عرضیاً للمعنی فإنّ إیجاد المعنی بالوجود العرضی و الجعلی هو الاستعمال و الاستعمال متفرّع علی وجود المعنی و متأخّر عنه، فلایمکن تفسیر معنی الإنشاء بما هو عین استعمال الإنشاء، و بعبارة أخری إن کان الفرق بین الجملتین مجرد الحکایة و عدمها لزم کون الإنشاء مجرد التلفّظ و هذا ما لایلتزم به أحد.

الجواب عن المناقشة الثالثة:

إنّ استعمال الجملة الإنشائیة هو نفس الإنشاء و هو متأخّر عن معنی الجملة الإنشائیة، فقد وقع الخلط فی تعبیرهم «معنی الإنشاء» بین أن یکون بمعنی حقیقة الإنشاء (و هو حینئذ عین الاستعمال) أو یکون بمعنی مفاد الجملة الإنشائیة و معناه (و هو متقدّم علی الاستعمال) و علی هذا تدلّ الجملة الإنشائیة علی طبیعی المعانی الاسمیة و النسب الحرفیة، فالمعنی فی مثل «بعتُ» نفس نسبة إیجاد البیع إلی المتکلم و فی مثل «اضرب» النسبة البعثیة بین الآمر و المخاطب و الضرب الذی هو المأمور به و أمّا حقیقة الإنشاء فیتحقّق فی مرحلة إیجاد النسبة التامّة الکلامیة.

ص: 195


1- تحقیق الأصول، ج1، ص155.

مع أنّ الألفاظ المفردة و الهیئات الموجودة فی الجملة الإنشائیة تدلّ علی طبائع المعانی قبل ملاحظة وجودها العینی أو الذهنی و استعمال الهیئات و الألفاظ فی معانیها بإیجاد تلک المعانی هو حقیقة الإنشاء و یؤیّده إشراب معنی الوجود فی مفهوم الإنشاء.

النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

إنّ الإنشاء هو إبراز الأمور النفسانیة باللفظ من غیر حکایة.((1))

یلاحظ علیها:

(2)

إنّ الإنشاء قد یکون نفس الإبراز المذکور فی مثل التمنّی و الترجّی و أمّا فی بعض الإنشائیات مثل المعاملات فنفس الإبراز المذکور لایکون إنشاءً إلّا إذا کان بقصد إیجاده فی وعائه المناسب وراء النسبة الکلامیة.

ص: 196


1- راجع المحاضرات، ط.ق. ج1، ص88 و ط.ج. ص97 - 98. و فی منتقی الأصول، ج1، ص137: «و أمّا القول الرابع فهو الذی التزم به السیّد الخوئی (قدس سره) و هو کون الإنشاء إبراز ما فی النفس من الصفات من اعتبار أو غیره بواسطة اللفظ و قد قرّب مدعاه بنفی ما ذهب إلیه المشهور بدعوی أنّ الاعتبار الشخصی بید المعتبر نفسه فلایناط باللفظ و الاعتبار العقلائی یتوقف علی استعمال اللفظ فی المعنی فلابدّ من تشخیص المعنی هذا مع أنّ من الأمور الإنشائیة ما لایقبل الاعتبار کالتمنی و الترجی و نحوهما من الصفات الحقیقیة و لایخفی أنّ توقف الاعتبار العقلائی علی استعمال اللفظ فی معنی لایلازم فرض الإنشاء کما ذکره إذ یمکن أن یفرض انّ معنی الهیأة هو قصد الإیجاد کما التزم فی الهیأة الخبریة بأنّ معناها قصد الحکایة فإذا استعملت الهیأة الإنشائیة فی قصد الإیجاد ترتّب علیه الاعتبار العقلائی فلایلزم فرض الإنشاء عبارة عن إبراز الاعتبار النفسانی فتدبر».
2- . فی منتقی الأصول، ص138: «یرد علیه أوّلاً: انّ الاعتبار الشخصی و إن التزم به بعض الأکابر إلّا أنّه لا أساس له و لا وجه بعد إمکان التوصل إلی الاعتبار العقلائی باللفظ مباشرة کما هو مقتضی الرأی الثالث المشهور إذ لم یثبت فیه أی محذور فالاعتبار الشخصی بعد هذا یکون لغواً محضاً و لیس بذی أثر... و ثانیاً: انّ معنی الاعتبار هو بناء المعتبر علی ما اعتبره فیقال عند اعتبار العقلاء الملکیة لزید انّهم بنوا علی أنّه مالک و أنّهم یرونه مالکاً و نحو ذلک من التعبیرات المرادفة و علیه فاعتبار الشخص زیداً مالکاً - عند إرادة بیعه شیئاً - معناه أنّه بنی علی أنّه مالک و بعد ذلک یبرز هذا الاعتبار باللفظ و هذا المعنی یخالف الوجدان و الضرورة ... و ثالثاً: انّ من المعانی الإنشائیة ما لایقبل الجعل و الاعتبار أصلاً کالإنفاذ فانّ نفوذ المعاملة معناه تأثیرها و ترتب الأثر المرغوب علیها و التأثیر غیر قابل للاعتبار لما قرّر فی منع جعل السببیة و نحوها من الأمور الانتزاعیة من أنّها إنْ جعلت بنفسها بلا جعل المسبب کان ذلک منافیاً للسببیة» الخ.
النظریة الخامسة:
اشارة

إنّ الإنشاء اعتبار و إبراز (هی نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)).

یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ المختار هو أنّ الاعتبار متقدم علی الإنشاء و الإنشاء هو الإبراز المذکور مع زیادة التقیید بالقصد فی بعض الأقسام.

ثانیاً: یرد علیه ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) حیث قال: إنّه لیس فی کل مورد من موارد الإنشاء اعتبار من العقلاء أو من الشرع، فإنّه فی موارد إنشاء التمنی و الترجی و الاستفهام لیس أی اعتبار من الاعتبارات لا من الشارع و لا من العقلاء.

النظریة السادسة: و هی الرأی الصحیح

إنّ الإنشائیات علی قسمین و لکل منهما تعریف یخصّه:

القسم الأوّل: ما لایعتبر فی تحققه قصد إیجاده و ذلک مثل التمنّی و الترجّی و

ص: 197


1- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص89 و ط.ج: ص98.

التعجّب و الاستفهام و الأمر بصیغته و مادّته، فیصحّ فیه تعریف المحقق الإصفهانی (قدس سره)، فإنّ الإنشاء أمر إیجادی و لکن لایحتاج فی تحققه إلی القصد فی هذا القسم.

فلابدّ أن یقال فی تعریف الإنشاء بالنسبة إلی هذا القسم: إنّه إیجاد المعنی بوجوده العرضی الذی هو نفس وجود اللفظ.

القسم الثانی: ما یعتبر فی تحقّقه قصد إیجاده و حینئذ لابدّ أن یقال فی تعریف الإنشاء فی هذا القسم: إنّه إیجاد المعنی بوجوده العرضی-الذی هو نفس وجود اللفظ- مع قصد إیجاده فی وعاء اعتبار العقلاء الذی هو ما وراء النسبة الکلامیة و هو المناسب للمعنی الإنشائی و ذلک فی المعاملات.

ص: 198

الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات

اشارة

ص: 199

ص: 200

معانی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات
اشارة

اختلف أعلام المتأخّرین فی معانیها علی أقوال: ((1))

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره) (2)

إنّ الوضع فی تلک الأسماء عام و الموضوع له عام و کذا المستعمل فیه و إنّ

ص: 201


1- هنا قول رابع من قدماء الأصحاب و هو کون الوضع فیها عاماً و الموضوع له خاصاً ففی المعالم، ص123: «و من القسم الثانی المبهمات کاسم الإشارة فلفظ "هذا" مثلاً موضوع لخصوص کل فرد ممّا یشار به إلیه لکن باعتبار تصور الواضع للمفهوم العام و هو کل مشار إلیه مفرد مذکر و لم یضع اللفظ لهذا المعنی الکلی بل لخصوصیات تلک الجزئیات المندرجة تحته و إنّما حکموا بذلک لأنّ لفظ (هذا) لایطلق إلّا علی الخصوصیات فلایقال: "هذا" و یراد واحد ممّا یشار إلیه بل لابدّ فی إطلاقه من القصد إلی خصوصیة معینة فلو کان موضوعاً للمعنی العام کرجل لجاز فیه ذلک و هکذا الکلام فی الباقی». و فی القوانین، ص301: «انّ وضع الضمائر قد عرفت أنّه من قبیل الوضع العام و إنّ الموضوع له فیها کل واحد من خصوصیات الأفراد لکن بوضع واحد إجمالی و بذلک یمتاز عن المشترک کما أشرنا إلیه فی أوّل الکتاب و علی هذا فضمیر المفرد المذکر الغائب مثلاً إذا استعمل فی کل واحد من أفراد المفرد المذکر الغائب یکون حقیقة و کذلک اسم الإشارة مثل هذا».
2- . فی کفایة الأصول، ص 12 و 13: «ثمّ إنّه قد انقدح ممّا حققناه، أنّه یمکن أن یقال: إنّ المستعمل فیه فی مثل أسماء الإشارة و الضمائر أیضاً عام و أنّ تشخصه إنّما نشأ من قبل طور استعمالها حیث أنّ أسماء الإشارة وضعت لیشار بها إلی معانیها و کذا بعض الضمائر و بعضها لیخاطب به المعنی و الإشارة و التخاطب یستدعیان التشخص کما لایخفی فدعوی أنّ المستعمل فیه فی مثل (هذا) أو (هو) أو (إیاک) إنّما هو المفرد المذکر و تشخّصه إنّما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ إلیه فإنّ الإشارة أو التخاطب لایکاد یکون إلّا إلی الشخص أو معه غیر مجازفة» و راجع إلی هدایة المسترشدین، ج1، ص180 – 184.

التشخّص ناشئ من قبل طور الاستعمال، حیث إنّ أسماء الإشارة وضعت لیشار بها إلی معانیها و کذا بعض الضمائر أیضاً وضعت لیشار بها إلی معانیها مثل الضمیر الغائب و أمّا بعضها الآخر فوضعت لیخاطب به المعنی و الإشارة و التخاطب یستدعیان التشخص.

فالمستعمل فیه فی مثل «هذا أو هو أو إیّاک» إنّما هو «المفرد المذکر» و التشخّص إنّما جاء من قبل الإشارة أو التخاطب بهذه الألفاظ.

ملاحظتنا علیها:

((1))

قد تقدم النقاش علی هذه النظریة فلانعید.

ص: 202


1- فی نهایة الأصول، ص22: «و ما قیل: من کون کلمة (هذا) موضوعة للمفرد المذکر المشار إلیه فاسد جداً بداهة عدم وضعها لمفهوم المشار إلیه و لم یوضع لذات المشار إلیه الخارجی الواقع فی طرف الامتداد الموهوم أیضاً إذ لیس لنا - مع قطع النظر عن کلمة (هذا)- إشارة فی البین حتی یصیر المفرد المذکر مشاراً إلیه و یستعمل فیه کلمة (هذا )». و فی منتقی الأصول، ج1، ص155: «و یرد علی ما ذکره - بحسب النظر الأولی- وجهان: الأوّل: انّ الإشارة الخارجیة إنّما تتعلق بالفرد دون الطبیعة و الکلی بما هو کلی و علیه فیمتنع أن تکون أسماء الإشارة موضوعة لیشار بها إلی معانیها مع الالتزام بأنّ معانیها کلیة ... الثانی: ما قد یستشعر من کلام المحقق الأصفهانی (قدس سره) و هو أنّه لا إشکال فی عدم إرادة الإشارة الناشئة من قبل وضع اللفظ لمعنی و المساوقة لبیان المعنی باللفظ ... و إنّما المراد معنی آخر لا تحقق له فی غیر لفظ و لاتقتضیه طبیعة الوضع و هو ... الإشارة الحسیة لأنّها هی الموجبة للتشخص الخارجی» الخ.
النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و هی المختار

التحقیق أنّ أسماء الإشارة و الضمائر موضوعة لنفس المعنی عند تعلق الإشارة به خارجاً أو ذهناً بنحو من الأنحاء، فقولک: «هذا» لایصدق علی زید مثلاً إلّا إذا صار مشاراً إلیه بالید أو بالعین مثلاً.

فالفرق بین لفظ «المشار إلیه» و لفظ «هذا» هو الفرق بین العنوان و الحقیقة نظیر الفرق بین لفظ «الربط و النسبة» و لفظ «من» و «فی».

تذکر فی المقام:

لابدّ أن ینبّه علی أنّ معنی «هذا» معنی اسمی و لکن وقع طرف الإشارة، فهو موضوع لما یقع طرف الإشارة، کما أنّ الإشارة أیضاً معنی اسمی لأنّه ذو معنی مستقل.

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره) (2)

و هذه النظریة مختار بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً.

ص: 203


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص64. و فی منتقی الأصول، ج1، ص157: «تابعه علی هذا الاختیار السیّد الخوئی (قدس سره) إلّا أنّه خصّ الموضوع له بما تعلقت به الإشارة الخارجیة کما هو صریح تقریرات الفیاض و الذی یرد علی هذا الاختیار وجهان: أوّلهما: و هو جدلی أنّه یستلزم الوضع للموجود بما أنّه موجود و ذلک لأنّ الإشارة لاتتعلق إلّا بالموجود فإذا کان الموضوع له هو المعنی المقارن للإشارة إلیه کان معنی اسم الإشارة هو الموجود لا المفهوم و الوضع للموجود – و إن لم یتضح لدینا امتناعه إلّا أنّه- ممّا یلتزم بامتناعه کلا المحققین و ثانیهما: أنّه إذا کان الموضوع له هو المعنی المقارن للإشارة الخارجیة - کما یلتزم به السیّد الخوئی- امتنع استعمال اسم الإشارة فی الکلیات و الأمور الذهنیة لامتناع تحقق الإشارة الخارجیة إلیها مع أنّ استعمال اسم الإشارة فی الکلیات و الأمور الذهنیة ممّا لایحصی بلا تجوّز و لا مسامحة».
2- . فی نهایة الأصول، ص21: «انّ التحقیق کون جمیع المبهمات من وادٍ واحد و قد وضعت لأن یوجد بها الإشارة فیکون الموضوع له فیها نفس حیثیة الإشارة التی هی معنی اندکاکی و امتداد موهوم متوسط بین المشیر و المشار إلیه و یکون عمل اللفظ فیها عملاً إنشائیاً فقولک: "هذا" بمنزلة توجیه الإصبع الذی یوجد به الإشارة و یکون آلة لإیجادها ... و نظیر ذلک الضمائر و الموصولات فیشار بضمیر المتکلم إلی نفس المتکلم و بضمیر المخاطب إلی المخاطب و بضمیر الغائب إلی المرجع المتقدم ذکره حقیقة أو حکماً فیوجد بسببها فی وعاء الاعتبار امتداد موهوم بین المتکلم و بین نفسه أو المخاطب أو ما تقدّم ذکره و یشار بالموصول أیضاً إلی ما هو معروض الصلة و الحاصل انّ جمیع المبهمات قد وضعت بإزاء الإشارة لیوجد بسببها الإشارة إلی أمور متعیّنة فی حد ذاتها إمّا تعیّناً خارجیاً کما فی الأغلب أو ذکریاً کما فی ضمیر الغائب أو وصفیاً کما فی الموصولات» و راجع أیضاً حاشیة علی کفایة الأصول، ص35. و فی تهذیب الأصول، ج1، ص27: «التحقیق أنّها موضوعة لنفس الإشارة ... القول فی الموصولات الظاهر أنّها لاتفترق عن ألفاظ الإشارة و أخواتها فی أنّها موضوعة لنفس الإشارة إلی المبهم المتعقب بصفة ترفع إبهامه» الخ.

توضیح ذلک: إنّ هذه الأسماء موضوعة لنفس الإشارة، و لفظ هذا إشارة لفظیة کما أنّ تحریک الید إشارة فعلیة.

و استدلّ علیه المحقق البروجردی (قدس سره) بروایتین، و بعض الأساطین (حفظه الله) ادّعی ارتکازیته ویوافقه تنصیص بعض علماء الأدب کقول ابن مالک: «بذا لمفرد مذکر أشر».

یلاحظ علیها:

إنّ هذا یقع مبتدأ و یحکم علیه بما لایحمل إلّا علی الذات المشار إلیها فیقال: «هذا ضارب هذا رجل»، فلو قلنا بأنّ معنی «هذا» الإشارة فکیف یحمل هذه العناوین علیها.

ثم إنّ الموصولات أیضاً یجری فیها ما ذکر فی أسماء الإشارة.

فتحصّل فی المقام: أنّ المختار من هذه الأقوال هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 204

الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة

اشارة

ص: 205

ص: 206

تبعیة الدلالة الوضعیة للإرادة
مقدمة فی أنّ أقسام الدلالة ثلاثة
اشارة

(1)

القسم الأوّل: الدلالة التصوریة

و هی الانتقال إلی المعنی بمجرّد سماع اللفظ و إن لم یقصده اللافظ و ذلک مثل خطور المعنی الحقیقی عند الاستعمال المجازی و مثل اللفظ الصادر من الساهی و النائم.

ص: 207


1- . فی دروس فی علم الأصول، ج1، ص76: «إن الجملة التامة لها إضافة إلی مدلولها التصوری اللغوی مدلولان تصدیقیان: أحدهما: الإرادة الاستعمالیة إذ نعرف عن طریق صدور الجملة من المتکلم أنّه یرید منّا أن نتصور معانی کلماتها و الآخر الإرادة الجدیة و هی الغرض الأساسی الذی من أجله أراد المتکلم أن نتصور تلک المعانی و أحیاناً تتجرد الجملة عن المدلول التصدیقی الثانی و ذلک إذا صدرت من المتکلم فی حالة الهزل لا فی حالة الجد و إذا لم یکن یستهدف منها إلّا مجرد إیجاد تصوّرات فی ذهن السامع لمعانی کلماتها فلاتوجد فی هذه الحالة إرادة جدیة بل إرادة استعمالیة فقط» و فی أجود التقریرات، ج1، ص 529 و 530: «انّ مراتب الدلالة ثلث: الأولی: الدلالة التصوریة الناشئة من سماع اللفظ عند العالم بالوضع الثانیة: الدلالة التصدیقیة أعنی بها انعقاد الظهور فی ما قاله المتکلم بحیث یکون قابلاً للنقل بالمعنی و هذه الدلالة تتوقف علی عدم وجود القرینة المتصلة و لایضر بها وجود القرینة المنفصلة الثالثة: الدلالة التصدیقیة الکاشفة عن مراد المتکلم واقعاً و هذه الدلالة تتوقف علی عدم وجود القرینة مطلقاً سواء کانت متصلة أم کانت منفصلة» الخ و راجع أیضاً ج2، ص91. و فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص103 و ط.ج: ص115: «إنّ الدلالة علی أقسام ثلاثة: القسم الأوّل: الدلالة التصوریة ... القسم الثانی: الدلالة التفهیمیة المعبّر عنها بالدلالة التصدیقیة أیضاً لأجل تصدیق المخاطب المتکلم بأنّه أراد تفهیم المعنی للغیر و هی عبارة عن ظهور اللفظ فی کون المتکلم به قاصداً لتفهیم معناه ... القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة و هی دلالة اللفظ علی أنّ الإرادة الجدیة علی طبق الإرادة الاستعمالیة» الخ. و فی الرافد، ص144: «قد ذکر الأصولیون أنّ الدلالة علی ثلاثة أقسام: الدلالة الإنسیة المعبّر عنها بالدلالة التصوّریة ... الدلالة التفهیمیة و هی التی تتقوم بقصد المتکلم إخطار المعنی فی ذهن السامع فالمنسبق للذهن عند صدور الکلام من الملتفت القاصد یسمّی مدلولاً تفهیمیاً. الدلالة التصدیقیة و هی عبارة عن میثاق عقلائی بأنّ المتکلم الملتفت ملزم بظاهر کلامه فالمراد التفهیمی لکلامه هو مراده الجدی الواقعی ما لم ینصّ علی خلافه».

و قیل:((1)) إنّها لیست دلالة بل هی خطور لأنّ الدلالة تابعة للإرادة و الإرادة مفقودة هنا.

و یردّه ما سیجیء من أنّ الدلالة الوضعیة تابعة للإرادة لا مطلق الدلالة، حیث إنّ الدلالة عرّفت بأنّها کون الشیء بحیث یلزم من العلم به العلم بشیء آخر و الخطور هو التصوّر و التصوّر من أقسام العلم، ففی مرحلة الدلالة

ص: 208


1- فی أصول الفقه، ج1، ص65: «إنّ الدلالة فی الحقیقة منحصرة فی الدلالة التصدیقیة و الدلالة التصوریة التی یسمّونها دلالة لیست بدلالة و إن سمّیت کذلک فإنّه من باب التشبیه و التجوّز لأنّ التصوریة فی الحقیقة هی من باب تداعی المعانی الذی یحصل بأدنی مناسبة فتقسیم الدلالة إلی تصدیقیة و تصوریة تقسیم الشیء إلی نفسه و إلی غیره و السرّ فی ذلک أنّ الدلالة حقیقة - کما فسّرناها فی کتاب المنطق، الجزء الأول، بحث الدلالة - هی أن یکشف الدال عن وجود المدلول فیحصل من العلم به العلم بالمدلول سواء کان الدال لفظاً أو غیر لفظ».

التصوریة یلزم من العلم باللفظ العلم التصوری بالمعنی.

نعم الدلالة التصوریة لیست دلالة وضعیة لما سیأتی.

القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأولی

و هی دلالة اللفظ علی کون المتکلم قاصداً لتفهیم معناه و هی تتوقّف علی عدم القرینة المتصلة.

و تتحقّق فی هذه المرحلة من الدلالة إرادتان: الإرادة الاستعمالیة و الإرادة التفهیمیة.

أمّا الإرادة الاستعمالیة فهی إرادة إیجاد المعنی باللفظ بالعرض و الإرادة التفهیمیة هی إرادة إحضار المعنی فی موطن فهم المخاطب.

القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة

و هی دلالة اللفظ علی أنّ الإرادة الجدیّة تکون علی طبق الاستعمال و هی تتوقف علی عدم القرینة المنفصلة.

و الإرادة المتحقّقة فی هذه المرحلة الثالثة هی المسمّاة بالإرادة الجدیة.

ص: 209

هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟
اشارة

هنا نظریتان: ((1))

إنّهم اختلفوا فی أنّ الدلالة تابعة للإرادة أو لا، فإنّ بعض الأعلام قالوا بتبعیتها للإرادة و قد استند بعضهم إلی کلام الشیخ الرئیس (رحمة الله) حیث إنّه قال فی منطق الشفا: «إنّ معنی دلالة اللفظ هو أن یکون اللفظ اسماً لذلک المعنی علی سبیل القصد الأوّل».((2))

ص: 210


1- فی منتهی الأصول، ج1، ص36: «أمّا بالنسبة إلی الدلالة التصوریة فلایحتاج إلی الإرادة أصلاً بل کل من علم بالوضع و سمع اللفظ ینتقل منه إلی المعنی و یخطر بباله سواء أراد اللافظ أو لا و أمّا بالنسبة إلی الدلالة التصدیقیة و الحکم بأنّ هذا المعنی مراد له فتارة نتکلم فی مقام الإثبات و أخری فی مقام الثبوت، أمّا الأوّل - أی التکلم فی مقام الإثبات - فلا شک فی تبعیة الدلالة للظهورات و لابدّ أن یؤخذ بظواهر الکلمات و الجمل و یحکم بأنّها مرادة له ما لم یکن علم بالخلاف کما هو طریقة أهل العرف و المحاورة ... و أمّا الثانی - أی التکلم باعتبار مقام الثبوت ... فهذا شیء معلوم و لا شک فی تبعیتها لها بل هو من قبیل الضرورة بشرط المحمول لأنّه فی مقام الثبوت کیف یمکن أن یکون مراد بدون إرادة و لعلّ ما نسب إلی العلمین الشیخ الرئیس أبو علی ابن سینا و المحقق الطوسی (قدس سره) من أنّ الدلالة عندهما تتبع الإرادة التبعیة فی هذا المقام أی مقام الثبوت لا فی مقام الاثبات». و فی نهایة الأصول، ص30 و 31: «انّ عمل اللفظ فی المعنی إمّا أن یکون إیجادیاً و إمّا أن یکون إفهامیاً إعلامیاً و العمل الإفهامی أیضاً علی نوعین: إفهام تصوری و إفهام تصدیقی ... أمّا ما وضع من الألفاظ و الهیئات بداعی الإفهام التصوری فلایکون دلالتها علی معانیها متوقفة علی شیء ... و أمّا ما وضع بداعی الإفهام التصدیقی بأن کان المراد من استعمالها فی معناها تصدیق المخاطب بوقوعها فترتب ذلک علیه یتوقف علی أن یحرز المخاطب أموراً أربعة فی ناحیة المتکلم الأوّل: أن یکون المتکلم عالماً بالوضع الثانی: أن یکون مریداً لتصدیق المخاطب بأن یکون إلقائه للمعنی بداعی التصدیق لا بداع آخر الثالث: أن یکون عالماً جازماً بالنسبة لا شاکاً فیها الرابع: أن یکون علمه مطابقاً للواقع کما فی الأنبیاء و المرسلین» الخ.
2- منطق الشفا، ص42، المقالة الأولی من الفن الأول، الفصل الثامن.

کما أنّ المحقق الطوسی (قدس سره) (علی ما حکی عنه العلّامة لحلّی (قدس سره))((1)) أیضاً قال: «إنّ اللفظ لایدلّ بذاته علی معناه بل باعتبار الإرادة و القصد».

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)((2))

إنّ الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها بما هی هی و إرادة المعنی و قصده لیس قیداً للمعنی الموضوع له و لا قیداً للمعنی المستعمل فیه و لکنّه من مقوّمات الاستعمال بمعنی أنّ الدلالة التصدیقیة الأولی (الإرادة الاستعمالیة) تتبع إرادة المعانی من الألفاظ و هذه هی معنی تبعیة الدلالة للإرادة.((3))

ص: 211


1- الجوهر النضید، ص4.
2- فی کفایة الأصول، ص16: «الخامس لا ریب فی کون الألفاظ موضوعة بإزاء معانیها من حیث هی لا من حیث هی مرادة للافظها لما عرفت بما لا مزید علیه من أنّ قصد المعنی علی أنحائه من مقومات الاستعمال فلایکاد یکون من قیود المستعمل فیه» الخ. و فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص63: «التحقیق هو الثانی من وضع الألفاظ لذات المعانی من حیث هل بل و امتناع وضعهما للمعانی المرادة و ذلک لوضوح أنّ الإرادة سواء أرید بها اللحاظ المقوم للاستعمال أو إرادة تفهیم المعنی أو إرادة الحکم فی مقام الجد إنّما هی من الأمور المتأخرة رتبة عن المعنی فیستحیل حینئذٍ أخذها قیداً فی ناحیة المعنی و الموضوع له فلا محیص حینئذٍ من تجرید المعنی و الموضوع له عن الإرادة مطلقاً».
3- قال فی الکفایة، ص16 و 17: «و أمّا ما حکی عن العلمین الشیخ الرئیس و المحقق الطوسی من مصیرهما إلی أنّ الدلالة تتبع الإرادة فلیس ناظراً إلی کون الألفاظ موضوعة للمعانی بما هی مرادة کما توهمه بعض الأفاضل بل ناظر إلی أنّ دلالة الألفاظ علی معانیها بالدلالة التصدیقیة أی دلالتها علی کونها مرادة للافظها تتبع إرادتها منها و یتفرع علیها تبعیة مقام الإثبات للثبوت و تفرّع الکشف علی الواقع المکشوف» الخ. و فی حقائق الأصول، ص 38 و 39: «أقول: قال الشیخ الرئیس فی محکی الشفاء إنّ اللفظ بنفسه لایدلّ البتة و لولا ذلک لکان لکل لفظ حق من المعنی لایجاوزه بل إنّما یدلّ بإرادة اللافظ ... إلی أن قال: فالمتکلم باللفظ المفرد لایرید أن یدلّ بجزئه علی جزء من معنی الکل ... إلی أن قال: و بالجملة فإنّه إن دلّ فإنّما یدلّ لا حین ما یکون جزء من اللفظ المفرد بل إذا کان لفظاً قائماً بنفسه فإمّا و هو جزء فلایدل علی معنی البتة انتهی و قال العلّامة (قدس سره) فی الجوهر النضید فی البحث عن إشکال انتقاض تعریفات الدلالات الثلاث بعضها ببعض فی ما لو کان اللفظ مشترکاً بین الکل و الجزء أو اللازم: و لقد أوردت علیه - یعنی المحقق الطوسی (قدس سره) هذا الإشکال و أجاب بأنّ اللفظ لایدلّ بذاته علی معناه بل باعتبار الإرادة و القصد و اللفظ حینما یراد منه المعنی المطابقی لایراد منه المعنی التضمنی فهو إنّما یدلّ علی معنی واحد لا غیر و فیه نظر انتهی و التأمل فی کلامهما یقضی بأنّ المراد أنّ الدلالة علی المعنی التی هی الدلالة التصوریة تابعة للإرادة بل کلام الثانی صریح فی ذلک و لاسیّما بملاحظة ظهوره فی تبعیة الدلالة الالتزامیة للإرادة إذ من المعلوم انّ الدلالة الالتزامیة تصوّریة لا تصدیقیة».
النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1))

دخل الإرادة (بحیث یوجب انحصار الدلالة الوضعیة فی الدلالة التصدیقیة) لایکون متوقفاً علی صیرورة الإرادة قیداً فی المستعمل فیه، بل یمکن الدخل بأحد الوجهین:

الوجه الأوّل: إنّ العلقة الوضعیة تتقیّد بصورة الإرادة الاستعمالیة، فلا وضع فی غیر الإرادة الاستعمالیة و ما یری من الانتقال إلی المعنی بمجرد سماع اللفظ من وراء الجدار أو من لافظ بلا شعور و غیر اختیار، فمن جهة أنس الذهن بالانتقال من سماعه عند إرادة معناه هذا.

الوجه الثانی: إنّ اللفظ موضوع للمعنی الذی یتعلق به الإرادة الاستعمالیة، فهو إشارة إلی المعنی الخاص لا بوصف الخصوصیة و فائدته عدم العلقة الوضعیة بین اللفظ و المعنی الذی لایتخصّص بالمرادیة.

و قد عرفت أنّ الثانی أقرب إلی الاعتبار لأنّ اللحاظ و القصد من شؤون المعنی و الاستعمال فیصحّ جعلهما قیداً للمعنی و لایصحّ جعلهما قیداً لما

ص: 212


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص69.

لایکونان من شؤونه و أحواله أعنی الوضع.

یلاحظ علیها:

إنّ غایة الوضع هو تفهیم المعنی و هو متوقّف علی إرادته و لذا تتقیّد العلقة الوضعیة بالغایة و نتیجته تحدید العلقة الوضعیة بما إذا أرید المعنی بالدلالة التصدیقیة و حیث قیّدت العلقة الوضعیة بهذه المحدودة فلاتصل النوبة إلی الوجه الثانی الذی تصوّره المحقق الإصفهانی (قدس سره) بل الصحیح هو الوجه الأول.

ص: 213

ص: 214

الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز

اشارة

ص: 215

ص: 216

علائم الحقیقة و المجاز و هی ثلاث:
اشارة

(1)

إعلم أنّ المدار فی تشخیص مراد المتکلم هو ظهور کلامه بلا فرق بین أن یکون المعنی المراد حقیقیاً و مجازیاً و قد نحتاج إلی هذا البحث و التعمیق فیه عند إجمال الأمر من حیث وجود القرینة و عدمه.

و قد ذکروا علائم متعدّدة لتشخیص المعنی الحقیقی عن المعنی المجازی.

ص: 217


1- . فی الذریعة، ج1، ص11، بعد بیان علامیة الإطراد للحقیقة: «و أقوی ما یعرف به کون اللفظ حقیقة هو نص أهل اللغة و توقیفهم علی ذلک أو یکون معلوماً من حالهم ضرورة و یتلوه فی القوة أن یستعملوا اللفظ فی بعض الفوائد و لایدلّونا علی أنّهم متجوّزون بها مستعیرون لها فیعلم أنّها حقیقة ... و قد قیل فی ما یعرف به الحقیقة أشیاء غیرها علیها إذا تأملتها حق التأمّل طعن و فیها قدح و ما ذکرناه أبعد من الشبهة» و فی عدة الأصول، ط.ق. ج1، ص165: «الفصل بین الحقیقة و المجاز یقع من وجوه: منها: أن یوجد نص من أهل اللغة أو دلالة علی أنّه مجاز و منها: أن یعلم بأنّهم وضعوا تلک اللفظة لشیء ثمّ استعملوها فی غیره علی وجه التشبیه و منها: أن یعلم انّها تطرد فی موضع و لاتطرد فی آخر و لا مانع فیعلم انّها مجاز فی الموضع الذی لاتطرد فیه ... و منها: أن یعلم انّ للفظه حکماً و تصرفاً من اشتقاق أو تثنیة أو جمع أو تعلّق بالغیر فإذا استعملت فی موضع و هذه الأحکام منتفیة عنه علم أنّه مجاز ... و منها: أن یعلم أنّ تعلقها بالمذکور لایصحّ فیحکم أنّ هناک حذفاً و إنّ اللفظ مجاز ... و منها: أن یستعمل فی الشیء من حیث کان جزاء لغیره ... و منها: أن یستعمل فی الشیء لأنّه یفضی إلی غیره ... و هذه الجملة کافیة فی هذا الباب فإنّها تنبه علی ما عداها». و فی معارج الأصول، ص50 و 51: «المسألة الثانیة: فی ما یفصل به بینهما و هو إمّا بنص أهل اللغة بأن یقولوا هذا حقیقة و ذاک مجاز أو بالاستدلال بعوائدهم کأن یسبق إلی أذهانهم عند سماع اللفظ المعنی من دون قرینة و ههنا فروق أخر: الأوّل: الاطراد فی فائدتها دلالة علی کون اللفظ حقیقة فی تلک الفائدة. الثانی: صحة التصرف - کالتثنیة و الجمع- دلالة علی الحقیقة. الثالث: استعمال أهل اللغة دلالة علیها أیضاً. الرابع: تعلیق اللفظة بما یستحیل تعلقها به دلالة علی المجاز ... و فی الکل نظر». و فی مبادئ الوصول، ص74: «یعلم کون اللفظ حقیقة و مجازاً بالنص من أهل اللغة و مبادرة المعنی إلی الذهن فی الحقیقة و استغنائه عن القرینة و بضد ذلک فی المجاز و بتعلقه بما یستحیل تعلّقه علیه». و فی زبدة الأصول، ص57: «و قد یعرف بالسلب و لا دور و بعدم اطراده و لا عکس». و فی القوانین، ص13: «قانون اعلم أنّ الجاهل بکل اصطلاح و لغة إذا أراد معرفة حقائق ألفاظه و مجازاته فله طرق الأوّل تنصیصهم بأنّ اللفظ الفلانی موضوع للمعنی الفلانی و إن استعماله فی الفلانی خلاف موضوعه الثانی التبادر و هو علامة الحقیقة کما أنّ تبادر الغیر علامة المجاز» و فی ص17: «الثالث صحة السلب یعرف بها المجاز کما تعرف الحقیقة بعدمها و المعتبر فیه أیضاً اصطلاح التخاطب» و فی ص22: «الرابع الاطراد و عدم الاطراد فالأوّل علامة للحقیقة و الثانی للمجاز». و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص213: «التاسعة لمعرفة کل من الحقیقة و المجاز طرق عدیدة: أحدها: تنصیص الواضع بالوضع أو بلوازمه أو بنفیه أو نفی لوازمه. ثانیها: النقل المتواتر و ما بمنزلته» و فی ص214: «و ثالثها: الاستقراء و هو تتبع موارد الاستعمالات» و رابعها: التردید بالقرائن و ملاحظة مواقع الاستعمال و هو طریقة معروفة فی الأوضاع. خامسها: أصالة الحقیقة فی ما إذا استعمل اللفظ فی معنی مخصوص و لم یعلم کونه موضوعاً بإزائه أو مستعملاً فیه علی سبیل المجاز و فی ص222: «سادسها: ورود اللفظ فی مقام البیان مجرداً عن القرائن مع حصول العلم بالمعنی المقصود من الخارج من غیر قرینة منصوبة من المتکلم أو ملحوظة له فی الإفهام» الخ. و سابعها: انتفاء المناسبة المصححة للتجوز بین مستعملات اللفظ فإنّه شاهد علی تعلق الوضع بالجمیع و ثامنها: استعمال اللفظ فی معنی مجازی بملاحظة معنی مخصوص من مستعملات اللفظ فإنّه یدلّ علی کونه حقیقة فی ذلک المعنی لعدم جواز سبک المجاز من المجاز و تاسعها: أصل العدم و یثبت به مبدأ الوضع فی ما إذا ثبت الوضع عندنا فی الجملة و فی ص226: «عاشرها: التبادر و هو سبق المعنی إلی الذهن من نفس اللفظ» و فی ص240: «حادی عشرها: عدم صحة السلب» و فی ص260: «ثانی عشرها: الاطراد وعدمه» . و فی الفصول الغرویة، ص32: «فصل یعرف کل من الحقیقة و المجاز بعلامات و دلائل منها نص أهل اللغة علیه مع سلامته من المعارض» و منها التبادر و تبادر الغیر فالأوّل علامة الحقیقة و الثانی علامة المجاز و فی ص34: «و منها صحة سلب المعنی و عدمها بحسب نفس الأمر أی من غیر بناء علی المسامحة و التأویل» و فی ص38: «و منها الاطراد و عدمه» و فی ص39: «و منها الاستقراء و هو تصفح کثیر من الجزئیات لإثبات حکم کلیها أو ما یلازم حکم کلیها» و منها صحة الاستثناء و عدمها و هذه العلامة توجب تمییز اللفظ الصالح للعموم وضعاً من غیره و منها أصالة عدم النقل و هی کالقیاس من الدلائل و لیست من العلائم و منها القیاس علی ما ذکره جماعة و هو عبارة عن إثبات معنی للفظ إلحاقاً بمشابهه . و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص10: «إعلم أنّ ما ادعی کونه أمارة من المتفق علیه و المختلف فیه أمور: أوّلها تنصیص الواضع و هو علی أقسام» إلی آخر ما ذکره من الأمور الخمسة عشر. و راجع أیضاً المحصول للرازی، ج1، ص345 و الإحکام للآمدی، ج1، ص30 – 32.

ص: 218

العلامة الأولی: التبادر
اشارة

((1))

و هو خطور المعنی فی الذهن بمجرد سماع اللفظ مع عدم وجود القرینة،((2)) فإنّ ذلک إمّا یستند إلی الحیثیة المکتسبة من القرینة الحالیة أو المقالیة و إمّا یستند

ص: 219


1- فی عنایة الأصول، ص43: هو أقوی علائم الحقیقة و أشهرها و فی جواهر الأصول، ص235: «تحصل من جمیع ما ذکرنا أنّ العلامة الوحیدة - لتشخیص المعانی الحقیقیة و تمییزها عن المعانی المجازیة- هو التبادر و غیر هذه العلامة إمّا لاتتم أو ترجع إلیها فتدبر» و فی المحکم، ص137: «و قد ظهر من جمیع ما تقدم انحصار علامة الوضع بالتبادر و أنّ صحة الحمل و عدم صحة السلب و الاطراد لاتصلح لذلک».
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص51: «التبادر تفاعل من البدور بمعنی السبق و السرعة إلّا أنّ الظاهر إنّه فیس الإطلاقات یرد علی حد ما هو الحال فی التقاعد و قد غلب فی اصطلاح الأصولیین علی معنی خاص اختلفت کلماتهم فی تعریفه إلّا أنّ أصحّها اعتباراً و أسلمها جمعاً و منعاً ما أفاده العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی شرحه للوافیة من أنّه فهم المعنی من اللفظ مع التجرد عن القرینة أو قطع النظر عنها... و ممّن وافقه علی هذا التعریف الفاضل النراقی (قدس سره) فی مناهجه غیر أنّه أسقط القید الأخیر... و فی کلام غیر واحد تعریفه بسبق المعنی إلی الذهن أو سبق الذهن إلی المعنی و کأنّه لتوهم کون النقل هنا من باب النقل من العام إلی الخاص و یشکل بظهور عدم کون التبادر بمعناه المصطلح علیه من أفراده بمعناه اللغوی... و أضعف منه ما فی موائد العوائد من تعریفه بانسباق المعنی إلی الذهن بعد التلفظ باللفظ و نحوه مع تصریحه بانقسامه إلی الغیری و هو ما یستند إلی القرینة الخارجة من اللفظ و النفسی» الخ.

إلی الحیثیة المکتسبة من الوضع فهو- مع افتراض فقدان القرینة((1)) و استناده إلی حاقّ اللفظ- یکشف إنّاً عن المعنی الحقیقی و لابدّ -بعد ذلک- من تعمیم ذلک إلی الأزمنة السابقة علی التبادر المذکور لاحتمال عدم کون المعنی المتبادر إلی الذهن حقیقیاً فی الأزمنة السابقة.

و لإثبات هذا التعمیم یتمسّک بالاستصحاب القهقری((2)) فإنّه حجة فی باب الظهورات لبناء العقلاء علیه فی باب المحاورات أو بأصالة عدم النقل و هی أیضاً حجّة ببناء العقلاء.

إشکال الدور فی التبادر:

(3)

إنّ التبادر یتوقف علی العلم بالوضع، فلو توقف العلم بالوضع علیه للزم الدور.

ص: 220


1- فی جواهر الأصول، ج1، ص222: «هل یمکن إحراز کون التبادر من حاق اللفظ بأصالة عدم القرینة کما عن صاحب القوانین (قدس سره) أو بالظن بکون ذلک معناه الحقیقی کما عن صاحب الفصول و لعلّ هذا یرجع إلی أصالة عدم القرینة أو باطراد المعنی من اللفظ کما ذهب إلیه المحقق العراقی (قدس سره) ؟ وجوه». و فی مباحث الأصول، ج1، ص82: «و لایخفی أنّ الانفهام الغیر المستند إلی القرینة یکفی فیه الظن بعدم الاستناد إلی القرینة و لایلزم القطع الذی ربّما یحصل من تتبع الاستعمالات و استقرائها إلی حیث یحصل القطع من شهادة بعضها لبعض بکون الانفهام من حاق اللفظ».
2- فی المحاضرات، ط.ق: ج1، ص114 و ط.ج: ص129: «لایخفی أنّ تبادر المعنی من نفس اللفظ من دون قرینة لایثبت به إلّا وضع اللفظ لذلک المعنی و کون استعماله فیه حقیقیاً فی زمان تبادره منه و أمّا وضعه لذلک المعنی فی زمان سابق علیه فلایثبت بالتبادر المتأخر فلابدّ فی إثبات ذلک من التشبث بالاستصحاب القهقری الثابت حجیته فی خصوص باب الظهورات بقیام السیرة العقلائیة و بناء أهل المحاورة علیه فإنّهم یتمسکون بذلک الاستصحاب فی موارد الحاجة ما لم تقم حجة أقوی علی خلافه بل علی ذلک الأصل یدور استنباط الأحکام الشرعیة من الألفاظ الواردة فی الکتاب و السنة ضرورة أنّه لولا اعتباره لایثبت لنا أنّ هذه الألفاظ کانت ظاهرة فی تلک الأزمنة فی المعانی التی هی ظاهرة فیها فی زماننا و لکن ببرکة ذلک الاستصحاب نثبت ظهورها فیها فی تلک الأزمنة أیضا ما لم تثبت قرینة علی خلافها».
3- . فی هدایة المسترشدین، ج1، ص227: «قد أورد علیه [أی التبادر] بوجوه: أحدها أنّ سبق المعنی إلی الذهن من مجرد اللفظ موقوف علی العلم بالوضع ضرورة کون العلم بالوضع شرطاً فی فهم المعنی کذلک من اللفظ فإذا کان العلم بالوضع موقوفاً علی سبق المعنی إلی الذهن کذلک کما هو قضیة جعله دلیلاً علیه لزم الدور». و فی ص230: «ثانیها: النقض بجزء المعنی و لازمه فإنّهما یتبادران من اللفظ و یفهمان منه حال انتفاء القرائن مع أنّ استعمال اللفظ فی کل منهما مجاز قطعا». و فی ص232: «ثالثها: النقض بالمجاز المشهور لتبادر ذلک المعنی منه حال انتفاء القرائن مع کونه معنی مجازیاً». و فی ص235: «رابعها: النقض بالمشترک فإنّه لایتبادر منه عند الإطلاق إلّا أحد معنییه أو معانیه و لیس حقیقة فیه و إنّما هو حقیقة فی خصوص کل منها». و فی الفصول، ص33: «ثمّ علی المقام إشکالات منها أنّه لو صحت علامة الحقیقة لکان کل لفظ حقیقة فی أنّ له لافظاً لأنّ هذا المعنی یتبادر منه عند الإطلاق و بطلان التالی یقضی ببطلان المقدم... و منها أنّ اللفظ المشترک إذا استعمل فی غیر ما وضع له فلا ریب فی کونه مجازاً مع أنّه لایتبادر منه غیره فلاینعکس علامة المجاز... و منها أنّ هذه العلامة دوریة» الخ و منها أنّ اللفظ الموضوع للحقیقة المطلقة کثیراً ما یطلق و یتبادر منه الحقیقة فی ضمن الأفراد المتعارفة أو الکاملة فی تلک الحقیقة و حینئذٍ لو صحت تلک العلامة لکان اللفظ حقیقة فی تلک الأفراد و مجازاً فی الحقیقة المطلقة و المفروض خلافه و فی ص34: «و منها أنّ اللوازم البینة للمعنی تتبادر من اللفظ معه باعتبار وضعه له فلو کان التبادر یقتضی الحقیقة لوجب أن یکون اللفظ حقیقة فیها أیضا بالنظر إلی وضعه و هو خلاف الفرض». و فی بحوث فی علم الأصول، ص166، بعد ذکر إیراد الدور و جوابه قال: «یمکن الاعتراض علی علامیة التبادر ببیان آخر» ثمّ حل الإشکال فراجع.
جوابان عن هذا الإشکال:

الجواب الأوّل: (1)

إنّ التبادر یتوقف علی العلم الإجمالی الارتکازی بالوضع و العلم التفصیلی یتوقّف علی التبادر. بل قد لا یتوقف حتی علی العلم الإجمالی الإرتکازی بل العلم بالمعنی المستعمل فیه مع خطور فی الذهن بلاقرینة مقوم للتبادر.

ص: 221


1- . فی هدایة المسترشدین، ص227 فی الجواب الثانی: «إنّ تبادر المعنی من اللفظ مسبوق بالعلم بالوضع لکن لایستلزم ذلک علمه بذلک العلم فقد یحصل الغفلة عنه لطرو بعض الشبه للنفس و ارتکازه فی الخاطر إذ من البین جواز انفکاک العلم بالشیء عن العلم بالعلم به فهو حینئذٍ جاهل بذلک الشیء فی معتقده غیر عالم به و إن کان عالماً به بحسب الواقع» الخ. و فی الفصول، ص33: «و الجواب أنّ ما یتوقف علیه التبادر إنّما هو العلم بالوضع و لو إجمالاً و ما یتوقف علی التبادر إنّما هو العلم به تفصیلاً فلایتحد الطرفان علی أنّ ما یتوقف علی علمنا بالوضع إنّما هو نفس التبادر و أمّا علمنا بالتبادر کما هو المقصود هنا فلایتوقف علی علمنا بالوضع» الخ و فی مباحث الأصول، ص83: «و أمّا دفع الدور- بأنّ الموقوف العلم التفصیلی بالوضع و الموقوف علیه العلم الإجمالی الارتکازی من أهل المحاورة- فیمکن إصلاحه بأنّ الانفهام التفصیلی المستلزم للعلم التفصیلی یکشف عن سبق الارتکاز المنسی الذی یتنبّه له الإنسان بعد التأمل و یمکن المناقشة فیه بأنّه إن کان من التذکر بعد النسیان فلیس من أماریة العلامة و إیجابها العلم التفصیلی» و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص163 - 166: «و قد أجیب عن هذا الدور بوجوه: منها ما نقله المحقق الأصفهانی عن صاحب المحجة": من أنّ التبادر لیس معلولاً للعلم بالوضع بل لنفس الوضع و من مقتضیاته و لذا یکشف عنه إنّاً و العلم بالوضع إنّما هو شرط فی تأثیر الاقتضاء الثابت للوضع فی التبادر و هذا الجواب فی غایة الغرابة ... و منها ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) من أنّه لا دور لأنّه یکفی فی ارتفاع الدور تغایر الموقوف و الموقوف علی بالشخص لا بالنوع، فلیفرض علمان تفصیلیان متماثلان أحدهما یتوقف علی التبادر و الآخر یتوقف علیه التبادر» و هذا البیان من الغرائب... و منها ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من توقف التبادر علی العلم الإجمالی الارتکازی و توقف العلم التفصیلی علی التبادر... و الصحیح أنّ علامیة التبادر للمستعلم غیر معقولة بناء علی التصوّر المشهور للوضع بوصفه جعلاً اعتباریاً قائماً بالواضع ... و لکن بناء علی تصورنا للوضع بوصفه عملیة قرن بین تصوّر اللفظ و تصور المعنی فی ذهن السامع بنحو أکید یوجب انتقال الذهن من أحدهما إلی الآخر- تکون علامیة التبادر معقولة لأنّ انسباق ذهن السامع إلی معنی من اللفظ فرع الملازمة بین تصور اللفظ و تصور المعنی فی ذهنه و هذه الملازمة و التداعی فرع القرن الأکید بین اللفظ و المعنی الذی هو روح الوضع و هو أمر واقعی و لیس من مقولة العلم و التصدیق فلایکون التبادر موقوفاً علی العلم بالوضع».

الجواب الثانی:((1))

التبادر عند أهل اللسان دلیل علی المعنی الحقیقی عند المستعلم، فالتبادر یتوقف علی علم أهل اللسان بالوضع و علم المستعلم یتوقف علی التبادر، فلا

ص: 222


1- فی هدایة المسترشدین، فی الجواب الأوّل: «إنّ العلم بالوضع موقوف علی سبق المعنی من اللفظ عند العالم بالوضع و سبقه عنده موقوف علی علمه بالوضع لا علی علم ذلک الجاهل المتمسک بالتبادر فلا دور».

دور فی البین.

ثمّ إنّه إذا استفاد اللغوی معنی اللفظ من التبادر، فهل یکون ذلک حجةً لنا؟ فإنّ البحث عن حجیة قول اللغوی یتکفّل بیان ذلک و سیجیء تفصیل ذلک إن شاء الله تعالی.

ص: 223

العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب (هنا مقامان: )
اشارة

((1))

إنّ الحمل بما هو حمل، من مصادیق الاستعمال و الاستعمال أعمّ من الحقیقة و المجاز، إلّا أنّ الحمل بلا وجود القرائن الحالیة أو المقالیة علامة المعنی الحقیقی.

المقام الأوّل: فی الحمل الأولی الذاتی
اشارة

(2)

و قد أثبته المحقق الإصفهانی (قدس سره) (و نحن سلکنا سبیله) و أنکره بعض

ص: 224


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص168 و 169: «و الصحیح عدم إمکان استعلام الحقیقة بصحة الحمل لأنّ غایة ما یستفیده المستعلم من صحة الحمل اتحاد المعنیین الموضوع و المحمول فی القضیة الحملیة ذاتاً أو وجوداً سواء کان ذلک المعنی مجازیاً للفظ المستعمل فیه أم حقیقیاً و لذلک یصح الحمل کذلک فی اللفظ المستعمل مجازاً و هذا یعنی أنّ علامیة صحة الحمل موقوفة علی العلم فی المرتبة السابقة بکون المعنی المستعمل فیه اللفظ حقیقیاً فلایعقل أن یستعلم منها الوضع و الحقیقة و لایمکن دفع هذا المحذور بما ذکرناه فی دفع محذور الدور عن علامیة التبادر لأنّ التبادر لم یکن متوقفاً علی العلم التصدیقی بالمعنی الحقیقی و أمّا صحة حمل اللفظ بما له من المعنی الحقیقی فتتوقف علی العلم التصدیقی بأنّ المعنی المحمول معنی حقیقی للفظ».
2- . فی منتهی الأصول، ج1، ص41: «یمکن أن یقال بأنّه علامة کون اللفظ حقیقة فی ذلک المعنی و إن کان لایخلو عن نظر أیضاً لأنّ اللفظ لم یجعل وجوداً تنزیلیاً لذلک المعنی التفصیلی بل العلاقة و الارتباط جعل بینه و بین الصورة البسیطة من ذلک المعنی لا الصورة التحلیلیة العقلیة المسماة بالحد التام مثلا» و فی بحوث فی علم الأصول، ص167: «قد یستشکل فی علامیة صحة الحمل فی الحمل الأولی ... لأنّ صحة الحمل تتوقف علی فرض التغایر بین المحمول و الموضوع کما تتوقف علی نحو من الاتحاد و علیه فکیف یکشف حمل اللفظ المراد استعلام معناه علی معنی عن کونه نفس المعنی الموضوع له مع لزوم المغایرة» ثمّ قال فی ص168: «أمّا الاستشکال الأوّل فی علامیة الحمل الأولی فیرد علیه أنّه لو سلم لزوم التغایر فی تصحیح الحمل فهو یتصور فی الحمل الأولی تارة: بلحاظ کون کل من الطرفین مدلولاً للفظ مغایر للفظ الدال علی الآخر و أخری: بلحاظ الإجمال و التفصیل، کما فی الحد و المحدود و الأوّل من التغایر لاینافی العینیة و الثانی لاینافی العینیة الذاتیة» و فی عنایة الأصول، ص 46 و 47، أیضاً أنکر علامیته فقال: «إنّّ الحمل الأولی الذاتی مطلقاً سواء کان من القسم الأول أو الثانی ممّا لایصلح لأن یکون علامة لشیء أصلاً حتی للاتحاد الماهوی فضلاً عن الاتحاد المفهومی و ذلک لأنّ العلم بکون الحمل أوّلیاً ذاتیاً ممّا یتوقف علی العلم بکون الموضوع و المحمول متحدین بحسب الماهیة أو بحسب المفهوم و الماهیة فلو کان العلم باتحادهما ماهیة أو مفهوما و ماهیة ممّا یتوقف علی العلم بالحمل الأولی الذاتی لدار و دعوی التغایر بین الموقوف و الموقوف علیه بالإجمال و التفصیل ممّا لاتنفع المقام فإنّ العلم بکون الحمل أولیّاً ذاتیاً ممّا یتوقف علی العلم التفصیلی باتحاد الموضوع و المحمول بحسب الماهیة أو بحسب المفهوم و الماهیة لا علی العلم الإجمالی الارتکازی»

الأعلام مثل المحقق الرشتی (قدس سره) ((1))و المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((3))

مفاد الحمل الذاتی اتحاد الإنسان -بما له من المعنی- و الحیوان الناطق فیعلم أنّ معنی لفظ الإنسان المجرد عن القرینة هو الحیوان الناطق، إلّا أنّ الفرق بالإجمال و التفصیل و هذا التغایر الاعتباری مصححّ للحمل.

فلا مجال لما أفاده المحقق الرشتی (قدس سره) حیث أرجع الحمل الذاتی إلی حمل العام علی الخاص.

أمّا المحقق الخوئی (قدس سره) فلیس فی الحقیقة منکراً لعلامیّة الحمل الذاتی،((4)) بل

ص: 225


1- بدائع الأفکار، ص83.
2- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص117 و ط.ج: ص131.
3- بحوث فی الأصول، ص29.
4- فی منتقی الأصول، ج1، ص178: «إنّ السیّد الخوئی (قدس سره) أنکر دلالة صحة الحمل بنوعیه الأولی و الصناعی علی الحقیقة و الوضع ببیان أنّ الحمل الأوّلی لایکشف إلّا عن اتحاد الموضوع و المحمول ذاتاً و لا نظر فی ذلک إلی حال الاستعمال و أنّه حقیقی أو مجازی فقولنا: "الحیوان الناطق إنسان" لایدلّ إلّا علی اتحاد معنییهما حقیقة أمّا أنّ استعمال لفظ الإنسان فی ما أرید به حقیقی أو مجازی فذلک أجنبی عن مفاد الحمل فلایدلّ علی الوضع إذ قد یکون المعنی المراد باللفظ مجازیاً».

یعتقد بأنّ الحمل من دون وجود القرینة یرجع إلی علامیة التبادر، و لذا قال فی المحاضرات: «نعم لو فرض فی القضیة الحملیة أنّ المعنی قد استفید من نفس اللفظ من دون قرینة کان ذلک علامة الحقیقة، إلّا أنّه مستند إلی التبادر لا إلی صحة الحمل».((1))

و الفرق بین التبادر و صحة الحمل((2)) هو أنّه فی التبادر ینسبق المعنی إلی الذهن بمجرد سماع اللفظ و لکن فی الحمل الذاتی نتصوّر مفهومین و نحکم باتحادهما و نستکشف المعنی الحقیقی من الاتحاد الذاتی بین المفهومین الذین أحدهما معلوم و الآخر مجهول. فلا شبهة فی تمامیة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

هل یکون السلب الذاتی علامة المجازیة؟

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): و ممّا ذکرنا تعرف أنّ السلب الذاتی علامة المجازیة. و الظاهر تمامیة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 226


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص117 و ط.ج. ص132.
2- فی المحکم فی أصول الفقه، ص136، بعد بیان الدور فی صحة الحمل و عدم صحة السلب: «و ما ذکره غیر واحد من اندفاع ذلک بالاکتفاء فی حصولهما بالعلم الارتکازی کما اکتفی به هناک غیر متجه للفرق بینهما و بین التبادر بأنّ التبادر من سنخ الانفعال فتکفی فیه العلاقة الذهنیة الارتکازیة بین اللفظ و المعنی کسائر الانفعالات بخلاف الحمل و السلب لأنّهما من سنخ الحکم و لایتسنی صدور الحکم للحاکم بنحو یعلم بصحته ما لم یتوجه تفصیلاً لطرفیه و لمّا یصححه و یطابقه من النسبة بینهما و لایکفی فیه الوجود الارتکازی الذهنی من دون أن یتجلی و یتضح له» و فی تسدید الأصول، ص52: «الفرق بین التبادر و صحة الحمل أنّه فی التبادر إنّما ینتقل من حاق اللفظ إلی المعنی المفصل الموضوع له و فی صحة الحمل یؤخذ من حاق اللفظ معنی ارتکازی جملی و یقاس مع معنی تفصیلی فإذا وجد وحدتهما فقد انکشف المعنی الحقیقی».
المقام الثانی: فی الحمل الشائع الصناعی
اشارة

((1))

إنّ المشهور بین الأصولیین عدم کونه علامة علی المعنی الحقیقی، کما أنّ المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً أنکر علامیّته للمعنی الحقیقی و لکن اختلف فی القسم الأول منها، فإنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یقول بعلامیّته.

ص: 227


1- فی منتهی الأصول، ج1، ص41: «و أمّا إذا کان بالحمل الشائع الصناعی ... فلایدلّ علی أزید من اتحاد وجودی بینهما و بعبارة أخری لایدلّ إلّا علی أنّ اللفظ الحاکی عمّا هو الموضوع مع اللفظ الحاکی عن المحمول - بما لهما من المفهوم- متحدان وجوداً سواء کانا کلیین أو مختلفین نعم فی ما إذا کان الموضوع فرداً و مصداقاً ذاتیاً للمحمول کقولنا زید إنسان یدلّ علی أنّ المحمول تمام حقیقة الموضوع و ماهیته و هذا أیضاً شیء یعلم من الخارج لا من ناحیة صرف الحمل فظهر ممّا ذکرنا أنّ الحمل الشائع لا أماریة له لا علی الحقیقة و لا علی المجاز». و فی منتقی الأصول، ج1، ص179، بعد أنّ ذکر إنکار السیّد الخوئی (قدس سره) دلالة صحة الحمل الأولی علی الحقیقة و الوضع: «و هکذا الحال فی الحمل الشائع فإنّه لایکشف إلّا عن اتحاد الموضوع و المحمول وجوداً بلا نظر إلی حال استعمال المحمول فی ما أرید به و انّه حقیقی أو مجازی و ظاهر انّ الاستعمال أعم من الحقیقة و المجاز و بعبارة أخری - کما قال- انّ صحة الحمل و عدم صحته یرجعان إلی عالم المعنی و المدلول فمع اتحاد المفهومین ذاتاً یصحّ الحمل و إلّا فلا و أمّا الحقیقة و المجاز فیهما یرجعان إلی عالم اللفظ و الدال و بین الأمرین مسافة بعیدة». و فی مباحث الأصول، ص 85 و 86: «إنّ کون صحة الحمل الشائع علامة منحصر فی العموم و الخصوص و لایکون إلّا بعد العلم بالوضع لا من علّله و الظاهر أعمیة السلب فی هذا الحمل من المجازیة فی الصورتین إذا رجع إلی سلب الوحدة الحاصلة فی صورتی العموم فی الوجود فلاحظ لأنّ سلب الاتحاد فی الوجود - کعدم صحة الحمل- یجامع المبائنة و عدمها بنحو یصحّ الاستعمال المجازی، إذ المسلوب الاتحاد بما لکل من الموضوع له لا مطلقاً». و فی عنایة الأصول، ص47: «انّ الجاهل المستعلم إن رأی أنّه صحّ حمل شیء علی شیء بلا عنایة و لا رعایة علاقة فیمکنه أن یعرف بذلک أحد أمور ثلاثة فان کان الموضوع فرداً فیعرف منه أنّه من مصادیق المحمول و من أفراده الحقیقیة و إن کان کلیاً أخص فیعرف منه أنّه من أصنافه و من أقسامه الحقیقیة و إن کان کلیاً مساویاً مع المحمول فیعرف منه أنّ الموضوع متحد مع المحمول وجوداً و خارجاً».

أمّا القسم الأوّل فهو حمل الطبیعی علی أفراده و مصادیقه و حمل الجنس علی نوعه و الفصل علی نوعه، مثل «زید إنسان» و «الإنسان حیوان» و «الإنسان ناطق»

أمّا القسم الثانی فهو حمل العناوین العرضیة علی معروضاتها، کحمل الضاحک أو الکاتب علی زید، فإنّ هذه العناوین العرضیّة منتزعة عن قیام الأعراض بموضوعاتها.

أمّا القسم الثالث فهو حمل بعض العناوین العرضیة علی بعض آخر مثل «المتعجب ضاحک».

بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ مقتضی الحمل الشائع التغایر المفهومی بین الموضوع و المحمول و الاتحاد الوجودی.

فلا وجه -مع فرض التغایر المفهومی بالجوهریة و العرضیة أو بمقولتین من العرض أو صنفین من العرض- لاستکشاف المعنی الحقیقی لتغایرهما فی الذاتیات.((2))

ص: 228


1- بحوث فی الأصول، ص29.
2- فی بحوث فی علم الأصول، ص167، عند بیان الإشکال فی علامیة صحة الحمل الشائع: «أمّا الثانی فلأنّ صحة الحمل الشائع کما تکون فی موارد حمل النوع علی فرده و الجنس علی النوع و الفصل علی النوع کذلک تکون فی موارد حمل أحد الکلیین المتساویین فی الصدق علی الآخر، کما فی قولنا الضاحک الناطق، أو أعم الکلیین علی أخصّهما صدقاً من دون أن یکون الموضوع فرداً حقیقیاً من المحمول کما فی قولنا: الضاحک حیوان ... و أمّا فی القسم الثانی من الموارد فلایصح الاستکشاف المذکور، لأنّ المحمول لیس ثابتاً فی مرتبة ذات الموضوع و إنّما هو منطبق معه علی وجود واحد و استکشاف المعنی بالحمل الشائع لایکون إلّا بأن یدل الحمل علی أنّ ما للمحمول من معنی متحد مع المعنی الموجود فی مرتبة ذات الموضوع لا معه ابتداء». ثمّ قال: «یرد علیه أنّ الحمل الشائع فی القسم الثانی من الموارد ینتج نتیجة أیضاً لأنّه یکشف عن الاتحاد الوجودی بین الناطق و الضاحک و انّ مدلول اللفظ المراد استعلام معناه أحد المفاهیم المنطبقة علی نفس الوجود الذی انطبق علیه المفهوم الآخر المعلوم و هذا یحتاج فی التعیین النهائی إلی إحصاء تمام المفاهیم التی تنطبق علی ذلک الوجود و تعیینه من بینها و شبه هذه الضمیمة نحتاجها فی القسم الأوّل أیضاً».

أمّا مع فرض التغایر المفهومی بالکلیة و الفردیة و المصداقیة، فلا تفاوت بین الفرد و الکلی من حیث الذات، فیمکن استکشاف المعنی الحقیقی، مثال ذلک: إنّه إذا علمنا حقیقة زید بأنّه الحیوان الخاص و جهلنا معنی الإنسان، ثم وجدنا حمل الإنسان علی زید باعتبار تقرّر حصّة الإنسان فی مرتبة ذات زید، فحینئذ نستکشف اتحاد حقیقة زید -بما أنّه حیوان خاص- و معنی الإنسان.

و هکذا الأمر فی حمل الجنس علی نوعه و حمل الفصل علی نوعه.

هل یکون السلب الشائع علامة المجازیة؟

قد فصّل المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام:

الأوّل: السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود، فإنّ السلب دلیل علی أنّ المسلوب لیس عین ذات المسلوب عنه و لا متقرّراً فی ذاته، لعدم اتحادهما فی الوجود، فهذا السلب علامة المجازیة.

الثانی: السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول، فلایکون السلب دلیلاً علی عدم الاتحاد مفهوماً بل یدلّ علی عدم اندراجه تحته، کما یقال: الجزئی لیس بجزئی بل کلّی، حیث إنّ مفهوم الجزئی کلی بالحمل الشائع، و لابدّ من سلبه عن الجزئی بالحمل الشائع مع اتحادهما مفهوماً.

ص: 229

العلامة الثالثة: الاطّراد
اشارة

((1))

هنا بیانان:

و لیس معناه کثرة الاستعمال،((2)) لأنّ الاستعمال أعمّ من المجاز و الحقیقة، بل الاطّراد هو شیوع الاستعمال بدون اختصاصه بمورد خاصّ و ذلک مثل استعمال لفظ العبد و البشر فی أفراد الإنسان و أمّا استعمال لفظ الرقبة فی الإنسان فغیر مطّرد، بل یستعمل فی مورد العتق، مثل «أعتق رقبة» و لایستعمل فی سائر الموارد، مثل «رأیتُ رقبة».

ص: 230


1- فی حقائق الأصول، ج1، ص45: «ثمّ إنّ هذه العلامة [أی الاطراد] لیست مذکورة فی کلام الأکثر و إنّما نصّ علیها بعض من تأخّر کما قیل». أقول: و لکن فی الذریعة، ج1، ص11: «و من شأن الحقیقة أن تجری فی کل موضع تثبت فیه فائدتها من غیر تخصیص إلّا أن یعرض عارض سمعی یمنع من ذلک هذا إن لم یکن فی الأصل تلک الحقیقة وضعت لتفید معنی فی جنس دون جنس نحو قولنا: أبلق فإنّه یفید اجتماع لونین مختلفین فی بعض الذوات دون بعض لأنّهم یقولون: فرس أبلق و لایقولون: ثور أبلق و إنّما أوجبنا اطّراد الحقیقة فی فائدتها لأنّ المواضعة تقتضی ذلک و الغرض فیها لایتم إلّا بالاطراد». و فی عدة الأصول، ط.ق. ج1، ص165: «الفصل بین الحقیقة و المجاز یقع من وجوه ... و منها أن یعلم أنّها تطرد فی موضع و لاتطرد فی آخر و لا مانع فیعلم أنّها مجاز فی الموضع الذی لاتطرد فیه و إنّما شرطنا المانع لأنّ الحقیقة قد لاتطرد لمانع عرفی أو شرعی». و لکن فی المعارج، ص 50 و 51، بعد ذکر نص أهل اللغة و التبادر قال: «ههنا فروق أخر الأوّل الاطراد» الخ ثمّ قال: «و فی الکل نظر».
2- فی هدایة المسترشدین، ص260: «و المراد اطراد استعمال اللفظ فی المعنی المفروض بحسب المقامات بحیث لایختص جوازه بمقام دون آخر أو مع خصوصیة دون أخری و یصح إطلاقه علی مصادیق ذلک المعنی إذا کان کلیاً من غیر اختصاص له ببعضها» و فی الفصول، ص38: «و الأظهر عندی أن یفسر الاطراد بأن یکون المعنی الذی صحّ باعتباره استعمال اللفظ علی الحقیقة أو من غیر تأویل فی موارده المعلومة من حیث القدر المشترک بحیث یصحّ أن یستعمل کذلک فی موارده المشکوکة فیستعلم من ذلک أن اللفظ موضوع للقدر المشترک بین تلک الموارد و أنّ المعنی الذی یصحّ استعمال اللفظ باعتباره متحقق فی الجمیع» و فی جواهر الأصول، ص231: «یقرّر ذلک بوجوه: التقریب الأول: إنّه إذا رأینا إطلاق لفظ - بما له من المعنی الارتکازی- و استعماله فی شیء و أمر بحیثیة مثل أنّه أطلق لفظ الإنسان علی زید بحیثیة ثمّ لاحظنا صدقه علی عمرو بتلک الحیثیة ... و هکذا فی جمیع الموارد یستکشف من ذلک أنّ لفظ الإنسان -مثلاً- موضوع لمعنی جامع بین هذه الأفراد ... التقریب الثانی: أفاده بعض الأعاظم (حفظه الله) » و المراد المحقق البروجردی (قدس سره) کما فی التعلیقة «التقریب الثالث نسبه سماحة الأستاذ (حفظه الله) إلی أستاذة العلّامة الحائری (قدس سره) » و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص 169 - 171: «و أمّا الاطراد و استعلام الوضع به فیمکن أن یراد به أحد معان: الأوّل: اطراد التبادر بأن یطلق المستعلم اللفظ مراراً عدیدة و فی أوضاع و حالات مختلفة و یتبادر منه فی جمیع ذلک معنی واحد ... الثانی: اطراد الاستعمال و یراد به صحة استعمال اللفظ فی معنی معین فی موارد مختلفة مع إلغاء جمیع ما یحتمل کونه قرینة علی إرادة المجاز و قد ذکر السیّد الأستاذ - دام ظله- انّ هذا الأسلوب هو الطریقة الوحیدة المتبعة غالباً لمعرفة الحقیقة و الوضع ... الثالث: الاطراد فی التطبیق بلحاظ الحیثیة التی أطلق من أجلها اللفظ، کما إذا أطلق (الأسد) علی حیوان باعتباره مفترساً و کان مطرداً فی تمام موارد وجود حیثیة الافتراس فی الحیوان فیکون علامة کونه حقیقة فی تلک الحیثیة و قد اعتراض علیه المحقق الخراسانی (قدس سره): بأنّ هذا المعنی من الاطراد ثابت فی المعانی المجازیة أیضاً إذا کان یحفظ فیه مصحح المجاز... و هذا الاعتراض متجه الرابع: اطراد الاستعمال من دون قرینة... بمعنی الاستدلال بشیوع الاستعمال فی معنی بلا قرینة علی أنّه المعنی الحقیقی، لأنّ الأمر یدور بین أن تکون جمیع تلک الاستعمالات الکثیرة مجازاً من دون قرینة أو حقیقة و المجاز بلا قرینة و إن کان استعمالاً صحیحاً و واقعاً خارجاً و لکنّه لا شک فی عدم کونه مطرداً و شائعاً بحیث یشکل اتجاهاً نوعیاً فی الاستعمالات فیکون الاطراد المذکور نافیاً لاحتمال المجازیة لا محالة» ثمّ قال: «العلامة الأساسیة علی الوضع هی التبادر من ناحیة و شیوع الاستعمال من غیر قرینة من ناحیة أخری».

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) قائلان((1)) بعلامیّة الاطراد للمعنی الحقیقی.

ص: 231


1- و فی هدایة المسترشدین، ص260: «و اختلفوا فی کون الاطراد علی الوجه المفروض دلیلاً علی کون اللفظ حقیقة فی ذلک المعنی و عدمه علی قولین: أحدهما دلالته علی ذلک و حکی القول به عن جماعة منهم الغزالی و السیّد العمیدی و العلّامة (قدس سرهم) فی ظاهر التهذیب و ثانیهما عدمها ذهب إلیه جماعة من العامة و الخاصة منهم الآمدی فی الإحکام و الحاجبی و العضدی و شیخنا البهائی (رحمة الله) و هو ظاهر العلّامة (رحمة الله) فی النهایة حیث ذکر الإیراد علی دلالته علی الحقیقة مقتصراً علیه و اختاره الشریف الأستاذ (قدس سره) ». و فی أصول الفقه، ص72: «الصحیح أنّ الاطراد لیس علامة للحقیقة لأنّ صحة استعمال اللفظ فی معنی بما له من الخصوصیات مرة واحدة تستلزم صحته دائماً سواء کان حقیقة أم مجازاً فالاطراد لایختص بالحقیقة حتی یکون علامة لها».
بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

بیان الأوّل: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1))

إذا أطلق اللفظ باعتبار معنی کلّی علی أفراد و اطّرد إطلاقه علی تلک الأفراد (مع اختلاف الأفراد من حیث الخصوصیات و الأحوال)، یستکشف أنّ اللفظ حقیقة فی هذا المعنی الکلی، لأنّ العلائق المجازیة لا اطّراد لأنواعها بل تلک العلائق محدودة.

نعم إذا فرضنا التناسب بین المعنیین من جهات کثیرة بحیث یطّرد إطلاق اللفظ علی المعنی المجازی بحسب تلک الجهات الکثیرة (کما أنّ المتأخّرین لاینحصرون مصحّح الاستعمال المجازی فی العلائق المذکورة بل یقولون بأنّ الملاک هو الاستحسان الذوقی)، فحینئذ لیس الاطّراد علامة للحقیقة، إلّا أنّه مجرد فرض محض.

ثم إنّ عدم الاطراد یکون کاشفاً عن عدم الوضع له و إلّا یلزم تخلّف المعلول عن العلة، فإنّ الوضع علّة للاطّراد و عدم المعلول یکشف عن عدم تحقق علّته، کما أنّ وجود العلة أیضاً کاشف عن وجود معلوله، و لو فرضنا وجود الوضع مع عدم تحقق الاطّراد، یلزم تحقق العلّة مع عدم تحقّق معلوله، و معنی ذلک هو تخلّف المعلول عن علّته.

ص: 232


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص84.
یلاحظ علیه:

أوّلاً: ما قال من أنّ التناسب من الجهات الکثیرة بین المعنیین مجّرد فرض محض فیرد علیه: أنّه واقع فی بعض المجازات و لعلّ منها المجاز المشهور فی بعض الموارد مع أنّ الاستحسانات الذوقیة قد تکثر بین المعنیین و الحق أنّه إذا تحقّق التناسب و العلقة المجازیة بین ذات الأفراد و المعنی الحقیقی یتحقق الاطّراد المذکور و لکن لیس ذلک علامة علی المعنی الحقیقی.

ثانیاً: الوضع لیس علّة للاطّراد فی الاستعمال بل علّة لصحّة ذلک لا وقوعه، فعدم وقوع الاطراد لیس علامة للمجازیة، إلّا أن یراد من عدم الاطّراد عدم صحته و هو خلاف الظاهر.

بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

بیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

إنّ الاطّراد هو استعمال لفظ مخصوص فی موارد مختلفة بمحمولات عدیدة، مع إلغاء جمیع ما یحتمل أن یکون قرینة علی إرادة المجاز و هو علامة الحقیقة.

یلاحظ علیه:

إنّه راجع إلی التبادر و لانحتاج إلی کثرة الإطلاق بالنحو الذی ذکره، بل الإطلاق الواحد مع عدم القرینة دلیل علی المعنی الحقیقی من باب تبادر المعنی الحقیقی و انسباقه إلی الذهن من حاقّ اللفظ بلا وجود القرائن الحالیة و المقالیة.

فتحصّل إلی هنا ستة أمور:

أوّلاً: إنّ التبادر علامة الحقیقة.

ص: 233


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص124 و ط.ج. ص140.

ثانیاً: إنّ صحّة الحمل الأوّلی الذاتی أیضاً علامة الحقیقة.

ثالثاً: و أمّا صحة الحمل الشائع الصناعی، فهی فی القسم الأوّل منها علامة الحقیقة و فی القسمین الأخیرین لیست علامة الحقیقة.

رابعاً: إنّ صحة السلب الذاتی علامة المجازیة.

خامساً: إنّ صحة السلب الشائع إذا کان فی قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود فهی علامة المجازیة و أمّا إذا کان فی قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول فلیست علامة المجازیة (هذا کلّه وفاقاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره)).

سادساً: إنّ الاطّراد لیس من علائم الحقیقة، خلافاً للمحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

ص: 234

البحث الثانی: المبادی التصدیقیّة اللغویّة لعلم الأصول (فیه فصول خمسة):

اشارة

الفصل الأول: الحقیقة الشرعیّة

الفصل الثانی: الصحیح و الأعمّ

الفصل الثالث: الاشتراک

الفصل الرابع: جواز استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد

الفصل الخامس: المشتق

ص: 235

ص: 236

الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة (فیه مقدمتان و تنبیه)

اشارة

المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث

ص: 237

ص: 238

الحقیقة الشرعیة

المقدمة الأُولی: بحث الحقیقة الشرعیة من المبادی اللغویة التصدیقیة
اشارة

إنّ هذا البحث من المبادی التصدیقیة اللغویة لعلم الأصول کما صرّح به المحقق الإصفهانی((1))و الأستاذ العلّامة البهجة (قدس سرهما) (2) و لکن علی ما ذهب إلیه بعض الأعاظم (حفظه الله) یعدّ من المسائل الأصولیة.

ص: 239


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص17: «و البحث عن ثبوت الحقیقة الشرعیة ... من المبادئ التصدیقیة اللغویة بها یصحّ حمل الصلاة مثلاً علی معناها المتداول شرعاً» الخ و فی ص31: «المقام الثانی فی المبادئ التصدیقیة اللغویة و فیه فصول الفصل الأوّل فی الحقیقة الشرعیة و ثمرة إثباتها التمکن من الحمل علی معانیها المتداولة و إلّا لزم حملها علی معانیها اللغویة و بهذا الاعتبار یکون البحث مبدأ تصدیقاً للمسألة الأصولیة فانّ الحمل علی المعنی المعهود شرعاً لیس من النتائج الفقهیة».
2- . فی مباحث الأصول، ص25: «و قد جعل ... البحث عن الصحیح و الأعم من التصدیقیة اللغویة و کذا الحقیقة الشرعیة ... و جعلهما من المبادئ مبنی علی جعل المسألة نتیجة البحث فی البحثین أعنی ... و لزوم حمل أسامی العبادات علی المعانی الشرعیة بناء علی ثبوت الحقیقة الشرعیة مع أنّ النتیجة غیر معنونة لإغناء البحث عن المبدأ عن البحث عن النتیجة و لعلّ جعل المبدأین المذکورین لدخلهما فی الفقه من المسائل الأصولیة - کسائر ما وقع البحث فیه عن الوضع أو تعیین الموضوع له- أولی و تخلل واسطة - معنونة کانت أو لا للوصول إلی الحکم الفرعی- لاینافی ذلک کسائر ما وقع البحث فیه عن الظهورات و علیه فلایطرد صحة إخراج المبادئ من المسائل بل لابدّ فی کل مبحث من رعایة وجود ملاک المسألة و عدمه». و فی ص89 عند البحث عن الحقیقة الشرعیة: «و قد تقدّم ... أنّ جعل هذا البحث من الأصول أولی من جعل الثمرة منها و جعله من المبادئ مع عدم تعنونها بنفسها فی الأصول».
بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لکون هذا البحث من المسائل الأصولیة:

بیان بعض الأساطین (حفظه الله)((1)) لکون هذا البحث من المسائل الأصولیة:

إنّ البحث عن الحقیقة الشرعیة هو فی الحقیقة بحث عن الظهور، کما أنّ البحث عن دلالة الأمر علی الوجوب یرجع إلی البحث عن الظهور فیکون من المسائل الأصولیة.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: لو کان کذلک یلزم دخول جمیع المباحث اللغویة المرتبطة باستکشاف المعنی الحقیقی فی علم الأصول، حیث إنّ اللفظ المجرد عن القرینة ظاهر فی المعنی الحقیقی.

ثانیاً: قیاس هذا البحث بمباحث دلالة الأمر علی الوجوب و غیرها مع الفارق، حیث إنّ البحث عن ظهور الأمر فی الوجوب ممهّد للاستنباط، بخلاف المباحث اللغویة و إن کانت مخترعات شرعیة.

محلّ البحث: (2)

إنّ محلّ الکلام هو الماهیات المخترعة الشرعیة مثل الصلاة و الصوم و الحج

ص: 240


1- تحقیق الأصول، ج1، ص203.
2- . فی هدایة المسترشدین، ج1، ص411: «الذی یقتضیه النظر فی المقام أنّ هناک أمور إذا حصلت کان علیها مدار البحث فی المقام و القائل بالثبوت إنّما یثبتها مطلقاً بالنسبة إلی تلک الألفاظ أحدها: أن تکون الألفاظ متداولة فی ألسنة المتشرعة من قدیم الأیام، أعنی فی مبدأ وقوع النزاع فی الحقیقة الشرعیة إذ من البیّن انتفاء التفاوت فی موضوع البحث من ذلک الزمان إلی الآن. ثانیها: أن تکون مستعملة فی المعانی الجدیدة الشرعیة بالغة إلی حدّ الحقیقة عند المتشرعة فی ذلک الزمان. ثالثها: أن تکون تلک الألفاظ هی التی یعبر بها الشارع عن تلک المعانی غالباً و یستعملها فیها و یرید بها إفهامها و بالجملة إذا أراد التعبیر عن تلک المعانی عبّر عنها بتلک الألفاظ و إن عبّر بغیرها أیضاً علی سبیل الندرة».

والزکاة و أمّا المعاملات العرفیة و إن کان جریان البحث فیها بمکان من الإمکان إلّا أنّ لها مقاماً آخر.

ص: 241

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟
اشارة

هنا نظریتان:

الوضع إمّا تعیینی و إمّا تعیّنی و البحث فی أنّه هل یتحقق الوضع التعیینی بالاستعمال.

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

إنّ الوضع التعیینی کما یحصل بالتصریح بإنشائه، کذلک یحصل باستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له، و ادّعی هنا الوضع التعیینی باستعمال اللفظ فی لسان الشارع و هذا الاستعمال لیس بحقیقة و لا مجاز.((1))

إیراد المحقق النائینی علی المحقق الخراسانی (قدس سرهما):

إیراد (2) المحقق النائینی علی المحقق الخراسانی (قدس سرهما):

إنّ تحقق الوضع بالاستعمال موجب للجمع بین اللحاظ الآلی و الاستقلالی فی آن واحد، فی شیء واحد و هو محال.

ص: 242


1- فی الکفایة، ص21: «إنّ الوضع التعیینی کما یحصل بالتصریح بإنشائه کذلک یحصل باستعمال اللفظ فی غیر ما وضع له کما إذا وضع له بأن یقصد الحکایة عنه و الدلالة علیه بنفسه لا بالقرینة ... و کون استعمال اللفظ فیه کذلک فی غیر ما وضع له بلا مراعاة ما اعتبر فی المجاز فلایکون بحقیقة و لا مجاز غیر ضائر بعد ما کان ممّا یقبله الطبع و لایستنکره ... إذا عرفت هذا فدعوی الوضع التعیینی فی الألفاظ المتداولة فی لسان الشارع هکذا قریبة جداً و مدعی القطع به غیر مجازف قطعاً و یدلّ علیه تبادر المعانی الشرعیة منها فی محاوراته».
2- . و فی حقائق الأصول، ذکر إیراداً آخر فقال فی ج1، ص48: «ثمّ إنّه یمکن الإشکال فی تحقق الإنشاء بالفعل کلیاً من جهة أنّ الأفعال لیست ممّا یتسبب بها عند العقلاء إلی تحقق المفاهیم الإنشائیة و الأفعال فی المعاطاة و غیرها ممّا ذکر لیست صادرة بقصد الإنشاء بها أصلاً بل صادرة جریاً علی الالتزامات النفسیة فلاتصلح إلّا للحکایة عنها». و فی منتهی الأصول، ص46: «فیه أوّلاً أنّه علی تقدیر صحة مثل هذا القسم من الوضع التعیینی یکون هذا الاستعمال حقیقة لا أنّه لا حقیقة و لا مجاز و تأخر الوضع عن الاستعمال رتبی و إلّا فهما فی زمان واحد کما هو الشأن فی باب العلة و المعلول فالاستعمال یقع فی زمان وجود الارتباط و العلاقة بین اللفظ و المعنی». و فی عنایة الأصول، ص53: «و فیه أنّ القرینة فی المجاز أیضاً لاتکون حاکیة عن المعنی و لا دالّة علیه بل الحاکی عنه و الدال علیه هو نفس اللفظ غایته أنّ القرینة تدلّ علی أنّ اللفظ قد أرید منه ذاک المعنی المجازی لا الآخر الحقیقی و لیست هی بنفسها ممّا تدلّ علی المعنی و تحکی عنه و لعلّه لذلک قال (قدس سره) کما سیأتی فافهم فالأولی فی مقام الفرق بین القرینتین أن یقال: إنّ القرینة فی سائر المقامات تدلّ علی أنّ اللفظ قد استعمل فی غیر ما وضع له تجوّزاً و فی المقام تدلّ علی استعماله فیه بقصد حصول الوضع به لا تجوّزاً». و فی مباحث الأصول، ص94: «لازم الوضع بالاستعمال کون اللفظ ممّا یتحقق به کل من الوضع و الاستعمال فیکون الواحد فی مرتبتین لأنّه ما به الوضع فهو داخل فی علّة الاستعمال و الإرائة و ما به الإرائة الفعلیة فهو داخل فی المعلول فبه یتحقق کل من الإرائة الشأنیة و الفعلیة و کون الشیء الواحد فی مرتبة العلة و المعلول محال و یمکن التفصی بأنّ اللفظ داخل فی الاستعمال و الإرائة الفعلیة فقط و إنّما یستکشف الوضع الذی هو جعل الملازمة بمقدمات الحکمة» الخ.

بیان ذلک: إنّ مقام الاستعمال یوجب لحاظ اللفظ آلیاً و مقام الوضع یوجب لحاظ اللفظ استقلالیاً، و الوضع بالاستعمال یجمع بین کلا اللحاظین.((1))

ص: 243


1- فی أجود التقریرات، ج1، ص33: «و توهّم إمکان الوضع بنفس الاستعمال کما أفاده المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) مدفوع بأنّ حقیقة الاستعمال کما بیّناه إلقاء المعنی فی الخارج بحیث یکون اللفظ مغفولاً عنها فالاستعمال یستدعی کون الألفاظ مغفولاً عنها و توجه النظر إلیه بتبع المعنی بخلاف الوضع فإنّه یستدعی کون اللفظ منظوراً إلیه باستقلاله و من الواضح أنّه لایمکن الجمع بینهما فی آن واحد». و فی منتهی الأصول، ص46: «و ثانیاً أنّه لو کان هذا مصداقاً لمفهوم الاستعمال و الوضع معاً - کما هو المفروض و المدعی فی مثل المقام- للزم منه اجتماع اللحاظ الآلی و الاستقلالی بالنسبة إلی ملحوظ واحد فی استعمال واحد و هو محال».
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ الوضع بالاستعمال یتصور علی نحوین:

التصویر الأوّل: إنّ الاستعمال عین الوضع فحقیقة الاستعمال حقیقة الوضع و هذا التصویر هو ظاهر متن الکفایة.

و یرد علیه:

أوّلاً: ما أورده المحقق النائینی علی صاحب الکفایة (قدس سرهما) یتوجّه علی هذا التصویر، لأنّ الجمع بین اللحاظین فی آن واحد محال.

ثانیاً: إنّ مرتبة الوضع غیر مرتبة الاستعمال حیث إنّ الوضع فی مرتبة الملزوم و الاستعمال فی مرتبة اللازم و الوضع هنا جعل الملزوم بلازمه و اللفظ بما أنّه یستعمل فی معناه یلحظ آلیاً و بما أنّه موضوع للمعنی یلحظ استقلالیاً و لذا لابدّ من التصویر الثانی.

التصویر الثانی: إنّ الوضع یتحقّق مقارناً للاستعمال من باب جعل الملزوم بجعل لازمه و لا إشکال فی التقارن المذکور و ما یقتضیه الاستعمال الحقیقی (فی قبال المجازی) هو عدم تأخّر الوضع عن الاستعمال و لایقتضی تقدّم الوضع علی الاستعمال، فمع تقارن الوضع و الاستعمال یعدّ هذا الاستعمال حقیقیاً لا

ص: 244


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص86 - 88 و فی ص54، عند التعلیقة علی قوله (قدس سره): «فلایکون بحقیقة و لا مجاز»: «إن قلنا بأنّ الاستعمال حین الوضع کما هو ظاهر المتن فحقیقة الاستعمال حقیقة الوضع أو قلنا بأنّ الوضع یتحقق مقارناً للاستعمال من باب جعل الملزوم بجعل لازمه فلا مانع من کونه حقیقة لأنّ غایة ما یقتضیه الحقیقة عدم تأخّر الوضع عن الاستعمال لا تقدّمه علیه زماناً فیکفی مقارنة الوضع مع الاستعمال زماناً فضلاً عن عینیة له حیث لا تقدم للاستعمال حینئذٍ و لو بالعلیة فتدبر».

مجازیاً، فالوضع بالاستعمال ممکن و لیس استعمالاً غیر حقیقی و لا مجازی بل هو استعمال حقیقی إلّا أنّه علی مبنی المشهور فی الوضع من أنّه تعیین اللفظ للدلالة علی المعنی بنفسه و أمّا علی ما هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) فلا ملزم لهذا التکلّف کما سیأتی.

ثم إنّا - بعد کون جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو الحق فی المقام- لانتعرّض تفصیلاً إلی ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الجواب((1)) و هکذا لانتعرّض بالتفصیل إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)،((2)) بل نشیر إلیهما بالتلخیص.

و ملخّص جواب المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أنّ الملحوظ فی مقام الاستعمال شخص

ص: 245


1- فی مقالات الأصول، ج1، ص67: «تتمیم للمرام بإرشاد فی المقام و هو أنّ حقیقة الوضع کما أنّه قد یتحقق بجعل قبل الاستعمال فقد یتحقق بنفس استعمال لفظ فی معناه بقصد حصوله و توهم أوله إلی اجتماع اللحاظین غلط إذ النظر المرآتی متوجه إلی شخص اللفظ و المعنی حال الاستعمال و هما غیر ملحوظین استقلالاً حین الوضع و ما هو ملحوظ کذلک فهو طبیعة اللفظ و طبیعة المعنی حین وضعه و أحدهما غیر الآخر فی مقام اللحاظ کما لایخفی و العجب من صدور هذا الإشکال من بعض أعاظم المعاصرین علی ما فی تقریر بعض تلامذته».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص128 و ط.ج. ص144: «قد أصبحت النتیجة أنّ محذور لزوم الجمع بین اللحاظ الآلی و الاستقلالی مندفع علی جمیع المسالک فی تفسیر حقیقة الوضع فإنّ الوضع أمر نفسانی ثابت فی أفق النفس و الاستعمال أمر خارج عن أفق النفس فالوضع سابق علی الاستعمال دائماً» الخ.
3- فی منتهی الأصول، ص47 بعد ذکر الإیراد: «و أجیب عنه بوجوه: الأول ما أفاده أستاذنا المحقق (قدس سره) من أنّ الملحوظ باللحاظ الاستقلالی هو طبیعة اللفظ و هو الملتفت إلیه و ما هو ملحوظ بالنظر الآلی و غیر ملتفت إلیه هو شخص اللفظ فلم یجتمع اللحاظان فی موضوع واحد» و ناقش فیه. أقول: نذکر الوجه الثانی و الثالث أیضاً تتمیماً للکلام. قال: «الثانی أنّ الوضع یحصل قبل الاستعمال بالبناء القلبی و یکون الاستعمال مظهراً و کاشفاً عنه و قد قال بمثل هذا شیخنا الأعظم الأنصاری (قدس سره) فی الفسخ الفعلی بالأفعال المتوقفة علی الملک بأنّ الفسخ یحصل بالبناء و یکون الفعل کاشفاً عنه» و ناقش فیه ثمّ قال: «الثالث أنّ حقیقة الوضع ترجع إلی جعل اللفظ حاکیاً عن المعنی بنفسه من دون قرینة علی إرادته منه و هو بهذا الاستعمال یوجد مصداقاً لمفهوم کون اللفظ حاکیاً عن المعنی بنفسه لأنّ المفروض أنّه لم ینصب قرینة علی حکایة اللفظ عن هذا المعنی المستعمل فیه بل جعل اللفظ حاکیاً عن المستعمل فیه بنفسه فیکون هذا الاستعمال بهذه الکیفیة أی کونه حاکیاً عن المعنی المستعمل فیه بنفسه من لوازم تلک العلاقة التی نسمّیها بالوضع و إنشاء الملزوم بإیجاد اللازم أمر معقول» و ناقش فیه أیضاً.

اللفظ و فی مقام الوضع طبیعة اللفظ فمتعلّق اللحاظین مختلف.((1))

و ملخّص جواب المحقق الخوئی (قدس سره) أنّ الوضع أمر نفسانی و الاستعمال عمل جوارحی و الوضع بهذا البیان مقدم علی الاستعمال.

و جواب بعض الأساطین (حفظه الله) أنّ الاستعمال لایتوقف علی ملاحظة اللفظ آلیاً بل کثیر من الناس یتأمّلون فی الألفاظ أثناء التکلّم و یختارون ما هو أحسنه.

النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثانیة: المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))

إنّ الوضع لایکون بالاستعمال علی المبنی المختار فی الوضع من أنّ حقیقة

ص: 246


1- فی مباحث الأصول، ص93: «و الاستشکال فیه بالجمع بین اللحاظین - الاستقلالی و الآلی- فی الاستعمال الواحد مندفع بأنّ اللحاظ فی الوضع المکشوف بالاستعمال غیر اللحاظ المصحح للاستعمال الذی لابدّ منه فیه کان الوضع سابقاً أو مقارناً و ما یقال بکونه آلیاً هو الثانی و معنی آلیته أنّه لوحظ لأنّ یفهم به المعنی کما أنّ اللحاظ فی الوضع یتعلق به لأن یعتبر ملازماً للمعنی فما فی الوضع لأجل الدلالة الشأنیة و ما فی الاستعمال لأجل الدلالة الفعلیة فهناک لحاظان اختلفا أو تماثلاً فی الآلیة و الاستقلالیة و أمّا الفناء فی اللحاظ فهو غیر ما هو الشرط فی الاستعمال و هو أمر مقارن أو لاحق للاستعمال و یمکن أن یکون اللفظ غیر ملحوظ فیه أصلاً و لیس بلازم و لا مطرد لجواز الجمع بین الدعاء و القراءة علی الأصح و الحاصل أنّ اللحاظ متعلق بالطبیعی فی الوضع و بالشخص المفرد للطبیعی فی الاستعمال».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص86 و فی ص52: «و التحقیق: أنّ إنشاء الوضع حقیقة بمعنی جعل اللفظ ... و أمّا علی ما عرفت من أنّ حقیقة الوضع نحو اعتبار من الواضع فیکفی فی حصول الاختصاص مجرد سبق الاستعمال بالبناء علی اختصاص اللفظ بالمعنی و هو و إن کان خفیف المؤونة بل أخفّ مؤونة من قصد حصوله بالاستعمال حیث إنّه لا حجة إلی التسبب إلی حصوله بوجه من الوجوه إلّا أنّه یحتاج إلی دلیل».

الوضع نحو اعتبار من الواضع، فیکفی فی حصول الاختصاص الوضعی بناء الواضع علی اختصاص اللفظ بالمعنی قبل تحقّق الاستعمال و هذا أخفّ مؤونةً من قصد حصول الوضع بالاستعمال، حیث لا حاجة إلی التسبّب إلی حصوله بوجه من الوجوه، إلّا أنّه یحتاج إلی دلیل.

و مقتضی التحقیق فی المقام یوافق نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

هذا تمام الکلام فی المقدمة.

ص: 247

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة:

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة: (1)

الحق هو أنّ ثبوت الحقیقة الشرعیة ممّا لا ریب فیه، فإن قلنا بالوضع التعیینی فهو و إلّا فلابدّ من القول بالوضع التعیّنی، لکثرة استعمالها فی لسان النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و أصحابه، و لایضرّ عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی خصوص لسانه (صلی الله علیه و آله و سلم) من دون

ص: 248


1- . نذکر هنا أمرین: الأمر الأوّل فی الأقوال: فی معارج الأصول، ص52: «الفائدة الثانیة: الحقیقة الشرعیة موجودة و صار جماعة من الأشعریة إلی نفیها و نعنی بالشرعیة ما استفید وضعها للمعنی بالشرع». و فی زبدة الأصول للشیخ البهائی، ص57: «و الحقیقة الشرعیة للمتشرعة شائعة و للشارع محل کلام و الظاهر ثبوتها» الخ. و فی الوافیة، ص60: «و أمّا الشرعیة ففی وجودها خلاف و الحق وجودها». و فی القوانین، ص36: «الحق کما یظهر من بعض المتأخرین التفصیل» ثمّ قال: «و کیف کان فالحق ثبوت الحقیقة الشرعیة فی الجملة و أمّا فی جمیع الألفاظ و الأزمان فلا و الذی یظهر من استقراء کلمات الشارع انّ مثل الصلاة و الصوم و الزکاة و الحج و الرکوع و السجود و نحو ذلک قد صارت حقائق فی صدر الإسلام ... و حصولها فیها و فی غیرها من الألفاظ الکثیرة الدوران فی زمان الصادقین (علیهما السلام) و من بعدهما ممّا لاینبغی التأمل فیه کما صرّح به جماعة من المحققین و أمّا مثل لفظ الوجوب و السنة و الکراهة و نحو ذلک فثبوت الحقیقة فیها فی کلامهما (علیهما السلام) و من بعدهما أیضاً محل تأمّل فلابدّ للفقیه من التتبع و التحری و لایقتصر و لایقلد». و فی هدایة المسترشدین، ص412: «لایخفی علیک أنّ المعروف بین الأصولیین هو القول بالإثبات و النفی المطلقین و لایعرف بینهم فی ذلک قول ثالث ... و المعروف بین الفریقین هو القول بالإثبات إذ لم ینسب الخلاف فیه إلّا إلی الباقلانی و شرذمة أخری من العامة و لایعرف من الأصحاب مخالف فی ذلک و لا نسب إلی أحد منهم ذلک بل حکی جماعة من متقدمیهم الإجماع علی ثبوت الحقیقة الشرعیة فی غیر واحد من الألفاظ منهم السیّد و الشیخ و الحلی (قدس سرهم) ... و کیف کان فقد ظهر بین المتأخرین من أصحابنا القول بالنفی و ممّن ذهب الیه المصنف و مال الیه جماعة من متأخری متأخریهم ثمّ إنّه قد أحدث جماعة منهم القول بالتفصیل ... و لهم فی ذلک تفاصیل عدیدة: منها: التفصیل بین العبادات و المعاملات فقیل بثبوتها فی الأولی دون الثانیة و منها: التفصیل بین الألفاظ الکثیرة الدوران کالصلاة و الزکاة و الصوم و الوضوء و الغسل و نحوها و ما لیس بتلک المثابة من الألفاظ فالتزم بثبوتها فی الأولی دون الثانیة و منها: التفصیل بین عصر النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و عصر الصادقین (علیهما السلام) و ما بعده فقیل بنفیها فی الأوّل إلی زمان الصادقین (علیهما السلام) و ثبوتها فی عصرهما و ما بعده ... و منها: التفصیل بین الألفاظ و الأزمان فقیل بثبوتها فی الألفاظ الکثیرة الدوران فی عصر النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و فی ما عداها فی عصر الصادقین (علیهما السلام) و من بعدهما ... و منها: التفصیل أیضاً بین الألفاظ و الأزمان فقال: إنّ الألفاظ المتداولة علی ألسنة المتشرعة مختلفة فی القطع بکل من استعمالها و نقلها إلی المعانی الجدیدة بحسب اختلاف الألفاظ و الأزمنة اختلافاً بیناً» الخ . و فی ص431: «قد ظهر ممّا قرّرناه من الوجوه قوة القول بالثبوت مطلقاً». و فی وقایة الأذهان، ص152: «و نقل عن الباقلانی إنکار استعماله فی غیر معانیها اللغویة و أنّ الزیادات شروط للصحة أو القبول و رمّاه القوم بالضعف و الوهن بقوس واحدة و لیس عندی بذلک البعد بل هو الحق فی الجملة لما ستعرف». و فی المحصول للرازی، ج1، ص298: «اختلفوا فی وقوعه فالقاضی أبو بکر منع منه مطلقاً و المعتزلة أثبتوه مطلقاً». الأمر الثانی فی الأدلة: فی معارج الأصول، ص52: «لنا وجودها فی ألفاظ الشارع فإنّ الصوم فی اللغة الإمساک و فی الشرع إمساک خاص» الخ. و فی معالم الدین، ص35: «احتجّ المثبتون بأنّا نقطع بأنّ الصلاة اسم للرکعات المخصوصة بما فیها من الأقوال و الهیئات و أنّ الزکاة لأداء مال مخصوص و الصیام لإمساک مخصوص و الحج لقصد مخصوص و نقطع أیضاً بسبق هذه المعانی منها إلی الفهم عند إطلاقها و ذلک علامة الحقیقة ثمّ إنّ هذا لم یحصل إلّا بتصرف الشارع و نقله لها إلیها و هو معنی الحقیقة الشرعیة» ثمّ ذکر إیراداً علیه و وجهین لردّ الإیراد ثمّ قال: «و فی کلا هذین الوجهین مع أصل الحجة بحث» الخ. و فی زبدة الأصول للشیخ البهائی، ص57: «و الظاهر ثبوتها للتبادر و فیه ما فیه». و فی الوافیة، ص60: «لنا تبادر الأرکان المخصوصة من لفظ الصلاة و القدر المخرج من المال من لفظ الزکاة و القصد الخاص من لفظ الحج و نحو ذلک مع أنّ هذه الألفاظ موضوعة فی اللغة لمعان أخر و التبادر من أمارات الحقیقة» . و فی القوانین، ص36: «لکل من الطرفین حجج واهیة و أقوی أدلّة النافین أصالة عدم النقل و أقوی أدلّة المثبتین الاستقراء فیدور الحکم مدار الاستقراء و قد یستدلّ بالتبادر بأنّا إذا سمعنا هذه الألفاظ فی کلام الشارع یتبادر فی أذهاننا تلک المعانی و هو علامة الحقیقة و هذا الاستدلال من الغرابة بحیث لایحتاج إلی البیان إذ من الظاهر أنّ المعتبر من التبادر هو تبادر المعنی من اللفظ عند المتحاورین بذلک اللفظ» و فی کشف الغطاء، ط.ق. ج1، ص20، کلام فی إثبات الحقیقة الشرعیة و قال فی ختامه: «فثبوت الحقیقة الشرعیة الدخول فی الأوضاع الابتدائیة غنی عن الاستدلال غیر محتاج إلی القیل و القال». و فی هدایة المسترشدین، ص428: «ثمّ إنّ هنا أدلة أخر غیر ما ذکروه تدلّ علی حصول الوضع فیها فی زمان الشارع بل من أوّل الأمر» ثمّ ذکر أدلّة خمسة. و فی الفصول، ص 43 و 44، ذکر وجوهاً سبعة لإثبات الحقیقة الشرعیة و وجوهاً ثلاثة لنفیها فراجع.

ص: 249

ملاحظة أصحابه حیث إنّ روایاته (صلی الله علیه و آله و سلم) من طریق أصحابه.((1))

أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة

أما نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة((2))

إنّ هذه الماهیات و المعانی (مثل الصلاة و الصوم) ثابتة فی الشرائع السابقة و لاتکون مستحدثة، کما أنّ بعض الآیات الکریمة یقتضی ذلک مثل قوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ)((3)) و قوله تعالی: (وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ)((4)) (خطاباً لإبراهیم الخلیل (علیه السلام)) و قوله تعالی: (وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ

ص: 250


1- فی المعالم، ص35: «لا نزاع فی أنّ الألفاظ المتداولة علی لسان أهل الشرع المستعملة فی خلاف معانیها اللغویة قد صارت حقائق فی تلک المعانی کاستعمال "الصلاة" فی الأفعال المخصوصة بعد وضعها فی اللغة للدعاء ... و إنّما النزاع فی أنّ صیرورتها کذلک هل هی بوضع الشارع و تعیینه إیّاها بإزاء تلک المعانی بحیث تدلّ علیها بغیر قرینة لتکون حقائق شرعیة فیها أو بواسطة غلبة هذه الألفاظ فی المعانی المذکورة فی لسان أهل الشرع و إنّما استعملها الشارع فیها بطریق المجاز بمعونة القرائن فتکون حقائق عرفیة خاصة لا شرعیة».
2- فی الکفایة، ص 21 و 22: «و أمّا بناءً علی کونها ثابتة فی الشرائع السابقة کما هو قضیة غیر واحد من الآیات مثل قوله تعالی ... فألفاظها حقائق لغویة لا شرعیة و اختلاف الشرائع فیها جزء و شرطاً لایوجب اختلافها فی الحقیقة و الماهیة إذ لعلّه کان من قبیل الاختلاف فی المصادیق و المحققات کاختلافها بحسب الحالات فی شرعنا کما لایخفی».
3- سورة البقرة(2):183.
4- سورة الحج(22):27.

وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیا)((1)) (نقلاً عن عیسی (علیه السلام)) و لازم ذلک کونها حقائق لغویة.((2))

یلاحظ علیها:

أولاً: هذا لاینافی ثبوت الحقیقة الشرعیة بل یمکن القول بثبوتها فی الشرائع السابقة و الغرض من البحث عن ثبوت الحقیقة الشرعیة حمل الألفاظ الواردة فی

ص: 251


1- سورة مریم(19):31.
2- ذکر هذا البیان فی هدایة المسترشدین، ص431، فی عداد أدلّة ثبوت الحقیقة الشرعیة قال (قدس سره): «و منها: أنّ جملة من تلک الألفاظ قد صارت حقائق فی المعانی الشرعیة فی الشرائع السابقة کالصلاة و الصوم و الزکاة و قد عبّر بها فی القرآن حکایة عن الأنبیاء السابقین و هو معلوم أیضاً من الخارج فهی حقیقة فیها قبل مجیء هذه الشریعة أیضا». و فی القوانین، ص36: «ربّما یقال إنّها کان حقائق فی هذه المعانی قبل شرعنا أیضاً لکن حصل اختلاف فی الکیفیة». و فی الفصول، ص43: «الذی یقوی عندی أنّ جملة من تلک الألفاظ قد کانت حقائق فی معانیها الشرعیة فی الشرائع السابقة کالصلاة و الصوم و الزکاة و الحج لثبوت ماهیاتها فیها کما یدلّ علیه قوله تعالی ... و إذا ثبت أنّ هذه الماهیات کانت مقرّرة فی الشرائع السابقة ثبت کون هذه الألفاظ حقیقة فیها فی لغة العرب فی الزمن السابق لتدینهم بتلک الأدیان و تداول ألفاظها بینهم و عدم نقل لفظ آخر عنهم بإزائها و لو کان لقضت العادة بنقله» الخ . و فی درر الفوائد، ص 45 و 46: «و قد یستدلّ ببعض الآیات ... علی کون هذه الألفاظ حقائق لغویة لا شرعیة تقریب الاستدلال أنّ هذه الآیات تدلّ علی وجود معانی هذه الألفاظ فی الشرائع السابقة و یثبت وضع هذه الألفاظ لها فیها بضمّ مقدمة أخری» الخ. و فی نهایة الأصول، ص37: «لایخفی أنّ ثبوت الحقیقة الشرعیة فی ألفاظ العبادات - کالصلاة و الصوم و الحج و نحوها- یتوقف علی کون ماهیاتها أموراً مخترعة لشارع الإسلام و الظاهر فساد ذلک فإنّ سنخ هذه العبادات کان معمولاً متداولاً بین جمیع أفراد البشر و أرباب الملل ... و لا محالة کان لهذا السنخ من العمل فی کل لغة لفظ یخصه و کان فی لغة العرب و عرّفهم یسمّی بالصلاة فاستعمال هذا اللفظ فی تلک العبادة الخاصة لیس بوضع شارع الإسلام بل کان مستعملاً فیها فی أعصار الجاهلیة أیضاً» الخ.

الروایات علی المعانی الشرعیة بل لو قلنا بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة فی الشرائع السابقة و استعمال هذه الألفاظ فی معانیها اللغویة بنحو الحقیقة فلا شک فی أنّها صارت حقیقة شرعیة فی زمن شریعتنا.

ثانیاً: لغة الشرائع السابقة المنقولة فی کلمات إبراهیم الخلیل (علیه السلام) و نوح النبی (علیه السلام) و کثیر من الأنبیاء لیست بعربیة بل هی مترجَمة إلی العربیة. ((1))

ص: 252


1- فی نهایة الدرایة، ص55: «مجرّد الثبوت فی الشرائع السابقة لایلازم التسمیة بهذه الألفاظ الخاصة و التعبیر بها عنها لاقتضاء مقام الإفادة کما هو کذلک بالإضافة إلی جمیع القصص و الحکایات القرآنیة مع أنّ جملة من الخطابات المنقولة کانت بالسریانیة أو العبرانیة و دعوی تدیّن العرب بتلک الأدیان و تداول خصوص هذه الألفاظ إذ لو تداول غیرها لنقل إلینا و لأصالة عدم تعدّد الوضع مدفوعة بعدم لزوم النقل لو کان لعدم توفر الدواعی علی نقل تعبیرات العرب المتدینین بتلک الآیات و أصالة عدم تعدد الوضع لایثبت الوضع لخصوص هذه الألفاظ لا تعییناً ولا تعیناً». و فی منتهی الأصول، ص50: «و أمّا إنکار الحقیقة الشرعیة بواسطة وجود هذه العبادات فی الشرائع السابقة - کما قیل- فإنّه لا وجه له أمّا أوّلاً فلأنّ وجود هذه العبادات فی الشرائع السابقة لایدلّ علی أنّها کانت فی تلک الشرائع بهذه الأسماء بل الظاهر خلافه لاختلاف ألسنتهم مع لسان شرعنا». و لکن فی هدایة المسترشدین، ص431: «و ما یورد علیه من مخالفة هذا اللسان للغاتهم فغایة الأمر أن یکون للمعانی المستحدثة عندهم ألفاظ موضوعة من لغاتهم و لایلزم من ذلک وضع هذه الألفاظ بإزائها ... مدفوع بأنّ الظاهر أنّ العرب کانوا یعبرون عنها بهذه الألفاظ و لذا وقع التعبیر بها فی الکتاب العزیز و قد کان کثیر من العرب متدینین ببعض تلک الأدیان و کانت تلک الألفاظ معروفة عندهم و إن کان المعبّر به عنها فی أصل شرعهم من غیر اللغة العربیة».
تنبیه: فی ثمرة هذا البحث هل لهذا البحث ثمرة؟ (فیه قولان):
اشارة

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث ((1))

القول الأوّل:وجود الثمرة
اشارة

بعض الأعلام مثل المحقق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((2)) التزموا بوجود الثمرة.

ص: 253


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص272: «قد اضطربت عباراتهم فی تقریر الثمرة اضطراباً فاحشاً فمنهم من أطلق الحکم بالحمل علی الشرعی علی القول بالثبوت و اللغوی علی القول الآخر کالمصنف و غیره و منهم من فصل کبعض الأعلام بین وضع التعیین فیحمل علی الشرعی مطلقاً و وضع التعیّن فلایحمل علیه إلّا إذا علم بتأخر الصدور عن الوضع و أمّا إذا لم یعلم به فیمکن صدوره قبله مع احتمال إرادة المعنی الشرعی بقرینة اختفت علینا أو إرادة المعنی اللغوی فیحمل علی اللغوی فی الجمیع و إطلاقه یقضی بعدم الفرق بین العلم بصدوره قبله و عدمه و منهم من فصل بنحو ما ذکر لکن جعل الصور علی تقدیر وضع التعیّن ثلاثیة من حیث العلم بتاریخی الوضع و الصدور و العلم بتاریخ أحدهما و الجهل بتاریخهما فعلی الأوّل یحمل علی الشرعی إن کان المتقدم تاریخ الوضع و اللغوی إن کان المتقدم تاریخ الصدور ... و منهم من فصل بنحو ما ذکر مع ترجیح الحمل علی الشرعی فی الصورة الثالثة ... و منهم من اعترض علی إطلاق الحکم فی وضع التعیین أیضاً لجریان احتمال التقدّم و التأخر بالنسبة إلی الصدور و الوضع فیه أیضاً فلا وجه لتخصیص ما تقدّم من التفصیل بوضع التعین ... و منهم من التزم بإجراء التفصیل فی وضع التعیین أیضاً بزیادة یسیرة فیه و هو أنّه إمّا أن یعلم کون تحقق الوضع قبل أوائل الاستعمال أو یعلم کونه بعدها أو لایعلم بشیء منهما» ثمّ قال: «و فی جمیع ما ذکر من التشویش و عدم الانضباط ما لایخفی».
2- فی نهایة الأفکار، ص72: «إنّ الثمرة بین القولین إنّما هی فی الألفاظ المستعملة فی لسانه (صلی الله علیه و آله و سلم) من دون تعویل علی القرینة فإنّه بناء علی الثبوت یحمل علی المعنی الشرعی و بناء علی عدم الثبوت یحمل علی المعنی اللغوی فتدبر».
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره):

((1))

أمّا بناء علی عدم ثبوتها فلابدّ من حمل الألفاظ المجرّدة عن القرینة علی المعنی اللغوی.

و أمّا بناء علی ثبوتها فإذا علمنا تأخّر الاستعمال عن وضع الحقیقة الشرعیة تحمل تلک الألفاظ المجرّدة عن القرینة علی المعنی الشرعی.

و أمّا إذا جهلنا تاریخ الاستعمال فهنا نظریات:

النظریة الأولی: التوقّف للجهل بزمان الاستعمال.

النظریة الثانیة: الحمل علی المعانی الشرعیة و استدلّ بأصالة تأخّر الاستعمال.

و یرد علیه:

أوّلاً: إنّه لم یثبت بناء من العقلاء علی التأخّر عند الشک.

ثانیاً: لا دلیل علی اعتبار أصالة تأخر الاستعمال تعبّداً و الاستصحاب فی هذه

ص: 254


1- فی الکفایة، ص22: «و أمّا الثمرة بین القولین فتظهر فی لزوم حمل الألفاظ الواقعة فی کلام الشارع بلا قرینة علی معانیها اللغویة مع عدم الثبوت و علی معانیها الشرعیة علی الثبوت فی ما إذا علم تأخر الاستعمال و فی ما إذا جهل التاریخ ففیه إشکال و أصالة تأخر الاستعمال مع معارضتها بأصالة تأخر الوضع لا دلیل علی اعتبارها تعبداً إلّا علی القول بالأصل المثبت و لم یثبت بناء من العقلاء علی التأخر مع الشک و أصالة عدم النقل إنّما کانت معتبرة فی ما إذا شک فی أصل النقل لا فی تأخره فتأمل». و فی المعالم، ص35: «و تظهر ثمرة الخلاف فی ما إذا وقعت مجردة عن القرائن فی کلام الشارع فإنّها تحمل علی المعانی المذکورة بناء علی الأوّل و علی اللغویة بناء علی الثانی و أمّا إذا استعملت فی کلام أهل الشرع فإنّها تحمل علی الشرعی بغیر خلاف». و فی مدارک الأحکام، ج1، ص53: «قد ثبت فی الأصول أنّ الواجب حمل الخطاب علی الحقیقة الشرعیة إن ثبتت و إلّا فعلی عرف زمانهم (علیهم السلام) خاصة إن علم و إن لم یعلم فعلی الحقیقة اللغویة إن ثبتت و إلّا فعلی العرف العام إذ الأصل عدم تقدیم وضع سابق علیه و عدم النقل عنه».

الموارد أصل مثبت.

ثالثاً: إنّها معارضة بأصالة تأخّر الوضع.

النظریة الثالثة: الحمل علی المعانی اللغویة، مستدلاً بأصالة عدم النقل.

و یرد علیه:

أنّ أصالة عدم النقل معتبرة عند الشک فی أصل النقل، لا فی تأخر النقل عن الاستعمال.

القول الثانی: عدم وجود الثمرة
اشارة

إنّ بعضهم أنکروا ((1)) وجود الثمرة مثل المحقق النائینی و المحقق

ص: 255


1- فی الوافیة، ص60: «إعلم أنّ هذه المسألة قلیلة الفائدة إذ صیرورة هذه الألفاظ حقائق فی معانیها الشرعیة فی کلام الأئمة الأطهار (صلی الله علیه و آله و سلم) ممّا یبعد النزاع فیه غایة البعد و استقلال القرآن و الأخبار النبویة المنقولة من غیر جهة الأئمة (علیهم السلام) بحکم ممّا لایکاد یتحقق بدون نص من الأئمة (علیهم السلام) علی ذلک الحکم» و فی هدایة المسترشدین، ص416: «لایذهب علیک أنّ النزاع فی المسألة لیس بتلک المثابة فی الفائدة إذ الثمرة المذکورة کما عرفت إنّما هو فی صورة انتفاء القرائن و لایتحقق ذلک فی الألفاظ الموصوفة فی الکتاب و السنة إلّا قلیلاً إذ الغالب أنّ فی الألفاظ الشرعیة المستعملة من القرائن المتصلة أو المنفصلة ما یفید إرادة المعنی الشرعی و خلوّ سابق الکلام و لاحقه عمّا یفید ذلک و انتفاء سائر الشواهد علیه کأنّه نادر فیهما و أیضاً معظم أحادیثنا المرویة فی الأحکام الشرعیة إنّما هی عن الصادقین (علیهما السلام) و من بعدهما و لیس عندنا من الروایات النبویة فی الأحکام من غیر جهتهم (علیهم السلام) إلّا أقل قلیل و لایکاد یوجد فی ما اختص غیرهم (علیهم السلام) بنقله حدیث معتبر یمکن التعویل علیه فی الأحکام إلّا قلیل من الروایات المعتضدة بالشهرة و مع ذلک فوجود تلک الألفاظ فیها خالیاً عن القرینة فی کمال الندرة» الخ. و راجع أیضاً وقایة الأذهان، ص151 و جواهر الأصول، ج1، ص256 و منتقی الأصول، ص193 و مباحث الأصول، ج1، ص90.

الخوئی((1)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله).

بیان المحقق النائینی (قدس سره):

((2))

إنّه لیس لنا مورد نشک فیه فی المراد الاستعمالی أصلاً.((3))

و الحق مع المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) إلّا أنّ کیفیة وضع هذه الألفاظ مؤثّرة فی البحث الآتی و هو مبحث الصحیح و الأعمّ. ((4))

ص: 256


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص126 و ط.ج. ص142: «و التحقیق أنّه لا ثمرة لهذه المسألة أصلاً وفاقاً لشیخنا الأستاذ (قدس سره) و الوجه فی ذلک هو أنّ الکبری المذکورة – و هی حمل الألفاظ المستعملة فی لسان الشارع علی المعانی اللغویة أو التوقف بناء علی عدم الثبوت و علی المعانی الشرعیة بناء علی الثبوت- و إن کانت مسلمة إلّا أنّ الصغری غیر ثابتة لعدم الشک فی المراد الاستعمالی».
2- أجود التقریرات، ج1، ص48 و فی ص33: «الأمر الرابع فی الحقیقة الشرعیة: لایخفی أنّ البحث فی هذه المسألة لایترتب علیه ثمرة أصلاً فإنّه و إن ذکر بعض ثمرة له و هو حمل الألفاظ المستعملة بلا قرینة علی المعنی اللغوی بناء علی عدمها و علی المعنی الشرعی بناء علی ثبوتها إلّا أنّ التحقیق انّه لیس لنا مورد نشک فیه فی المراد الاستعمالی أصلاً».
3- فی کشف الرموز، للفاضل الآبی، ج1، ص471: «... لأنّ اللفظ إذا دار بین الحقیقة اللغویة و الشرعیة فالترجیح لطرف الشرع و یتحقق ذلک فی علم الأصول» و فی إیضاح الفوائد، ج3، ص42: « ... و لأنّ خطاب الشارع إنّما یحمل علی الحقیقة الشرعیة». و فی ص526: «لفظ الابن حقیقة شرعیة فی المتولد لغیر الزنا فلایکون ولداً شرعاً» الخ و فی جامع المقاصد، ج2، ص97: « و تردد فی ذلک فی الذکری من تعارض الحقیقة الشرعیة و اللغویة و لا وجه له لأنّ الشرعیة مقدمة»
4- فی الرافد، ص61: «من أهمّ نتائج تأثر الأصول بالفلسفة وقوع الخلط بین القوانین التکوینیة و الاعتباریة و أمثلتنا علی ذلک کثیرة: ... و الاعتراض علی مسلکنا القائل بمتمم الجعل التطبیقی الذی طرحناه فی بحث الحقیقة الشرعیة و بحث الصحیح و الأعم و مفاده أنّ الشرع الشریف کما قام باختراع بعض الماهیات الاعتباریة کالصلاة مثلاً قام بالتدخل الاعتباری فی مقام التطبیق أیضاً فالصلاة التی هی عبارة عن اللین الخضوعی أمام الخالق لاتنطبق قهراً علی صلاة الحضر و السفر و صلاة الغریق و إنّما الشارع قام بتطبیقها علی هذه الأفراد» الخ.

الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم (فیه مقدمتان و مقامان)

اشارة

المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة

المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟

المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات

للصحیحة أو الأعم؟

ص: 257

ص: 258

المقدمة الأُولی: فی صلة هذا البحث ببحث الحقیقة الشرعیة
اشارة

إنّ جریان هذا البحث علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة واضح و أمّا علی القول بعدم ثبوتها فقد اختلف فی جریانه علی ثلاث نظریات. ((1))

النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

النظریة الأُولی: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2))

«إنّ اللفظ قد استعمل عند الصحیحی فی الصحیحة لعلاقة بینها و بین المعنی اللغوی، و فی الفاسدة لا لعلاقة بینها و بین المعنی الأصلی و لا لمشاکلة بینها (أی الفاسدة) و بین المعنی اللغوی أو الصحیحة، بل من جهة التصرف فی أمر عقلی و هو تنزیل المعدوم من الأجزاء و الشرائط منزلة الموجود لئلّا یلزم سبک المجاز من المجاز، فلا مجاز أصلاً من حیث المعنی إلّا فی استعمال اللفظ فی

ص: 259


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص197: «و لایخفی أنّه لو لم یمکن تصویره [أی النزاع ] علی القول بعدم ثبوتها و اختصاص النزاع بالقول بثبوتها لایکون هذا المبحث مبحثاً مستقلاً فی مقابل المبحث السابق - أعنی مبحث الحقیقة الشرعیة- بل یکون من فروعه و مترتباً علیه لأنّه نتیجة أحد القولین فی تلک المسألة».
2- مطارح الأنظار، ص3 علی ما قرّره فی نهایة الدرایة، ج1، ص93 و فی ص57، عند التعلیقة علی قوله (قدس سره): «فی أنّ الأصل فی الألفاظ المستعملة مجازاً فی کلام الشارع».

الصحیحة و حیث إنّ الاستعمال دائماً فی الصحیحة من حیث المفهوم و المعنی یحمل - مع عدم القرینة علی التصرف فی أمر عقلی- علی الصحیحة و یترتب علیه ما یترتب علی الوضع للصحیحة من الثمرة.

و أمّا الأعمی فهو یدّعی علی ما ذکره المقرر (قدس سره) تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة»

یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ ما أفاده من التصرّف فی الأمر العقلی بتنزیل الفاقد للأجزاء و الشرائط منزلة الواجد للأجزاء و الشرائط هو بنفسه من العلائق المجازیة، و کونه تصرّفاً عقلیاً لایوجب عدم ارتباطه بالدلالة اللفظیة بل التصرّف و التنزیل المذکور یوجب المجازیة فی المعنی الأعمّ و نتیجة ذلک هو أنّ المعنی الأعمی أیضاً معنی مجازی فهو سبک المجاز من المجاز و یلزم من ذلک تساوی المعنیین المجازیین و عدم تقدیم أحدهما علی الآخر، فلایبقی وجه للنزاع بین الصحیحی و الأعمّی.

ثانیاً: یرد علیه ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) من أنّ لازم ادعاء الأعمی (و هو تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة) التوقف و هو ینافی غرضه من حمل اللفظ حینئذ علی المعنی الأعم.

فلابدّ من تقریب قول الأعمی بهذا البیان:

إنّ اللفظ یستعمل فی الأعم لمناسبة بینه و بین المعنی اللغوی و إفادة خصوص الصحیحة أو الفاسدة بدالّ آخر و مع عدم وجود الدال الآخر یحمل اللفظ علی

ص: 260


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص94؛ فی ص57: «و أمّا الأعمی فهو علی ما ذکره المقرر (قدس سره) یدعی تساوی الصحیحة و الأعم فی المجازیة إلّا أنّ لازمه التوقف و هو ینافی غرضه».

المعنی الأعم و لایلزم سبک المجاز من المجاز علی مبنی الأعمی أیضاً.

النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

النظریة الثانیة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) (1)

إنّ جریان النزاع فی فرض عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة مشکل، لأنّ الأعمّی یقول بالاستعمال المجازی فی المعنی الأعم مع أنّه یعترف بأنّ الاستعمال فی

ص: 261


1- . فی الکفایة، ص23: «فی جریانه [أی الخلاف] علی القول بالعدم [أی عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة] إشکال و غایة ما یمکن أن یقال فی تصویره أنّ النزاع وقع - علی هذا - فی أنّ الأصل فی هذه الألفاظ المستعملة مجازاً فی کلام الشارع هو استعمالها فی خصوص الصحیحة أو الأعم بمعنی أنّ أیّهما قد اعتبرت العلاقة بینه و بین المعانی اللغویة ابتداء و قد استعمل فی الآخر بتبعه و مناسبته کی ینزل کلامه علیه مع القرینة الصارفة عن المعانی اللغویة و عدم قرینة أخری معینة للآخر و أنت خبیر بأنّه لا یکاد یصح هذا إلّا إذا علم أنّ العلاقة إنّما اعتبرت کذلک ... و أنّی لهم بإثبات ذلک و قد انقدح بما ذکرنا تصویر النزاع - علی ما نسب إلی الباقلانی و ذلک بأن یکون النزاع فی أنّ قضیة القرینة المضبوطة التی لایتعدی عنها إلّا بالأخری- الدالة علی أجزاء المأمور به و شرائطه- هو تمام الأجزاء و الشرائط أو هما فی الجملة فلاتغفل». و فی نهایة النهایة، ص32، عند تعلیقة علی قوله: «و غایة ما یمکن أن یقال فی تصویره»: «ما یمکن أن یقال فی تصویره أمور ثلاثة: الأوّل أن یکون النزاع فی أنّ أی المعنیین أقرب المجازات إلی المعنی الحقیقی و أقوی علاقة من صاحبه حتی یتعیّن حمل اللفظ علیه عند قیام القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی. الثانی أن یکون النزاع فی أنّ أی المعنیین مجاز عن المعنی الحقیقی و ذو علاقة معه و الآخر مجاز عن المجاز ... الثالث أن یکون النزاع فی أنّ أی المعنیین متعیّن للإرادة بحسب القرینة العامة و لو کانت تلک القرینة هی اشتهار استعمال اللفظ فی لسان الشارع فیه و جریان عادته بإرادته بعد قیام الصارف عن المعنی الحقیقی مع تساوی المعنیین فی العلاقة و کون علاقتیهما جمیعا مع المعنی الحقیقی و لایخفی أنّ المصنف (قدس سره) لم یتعرض للوجه الأوّل و خلط بین الوجهین الأخیرین و أبرزهما بصورة وجه واحد و لایمکن تصویر النزاع علی مذهب الباقلانی إلّا بهذا الوجه الأخیر». و فی حقائق الأصول، ص53، عند التعلیقة علی قوله: «بمعنی أنّ أیّهما قد اعتبرت»: «هذا التحریر یترتب علیه سبک مجاز فی مجاز و یمکن تحریره بنحو لایلزم منه ذلک فیقال: بعد ما کانت هذه الألفاظ مجازاً فی المعانی المستحدثة فهل مقتضی القرینة النوعیة حملها علی المعنی الصحیح حتی تقوم قرینة شخصیة علی إرادة الأعم أو مقتضاها الحمل علی الأعم حتی تقوم القرینة الشخصیة علی إرادة الصحیح؟» الخ. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص67: «اعلم أنّ تحقیق الحال فی هذا الأمر مبنی علی ذکر محتملات المسألة السابقة أی الاختلاف فی ثبوت الحقیقة الشرعیة بعد الفراغ عن ثبوت الحقیقة المتشرعة و المحتملات لاتخلو من أربعة: إحداها کون الألفاظ المستعملة فی لسان الشارع حقیقة فی معانیها المستحدثة إمّا بتصریحه و إمّا باستعماله تلک الألفاظ فی المعانی المستحدثة بقصد صیرورتها موضوعاً لها الثانیة کون تلک الألفاظ مستعملة فی لسانه مجازاً و بکثرة الاستعمال فی لسان تابعیه و أصحابه صارت حقیقة الثالثة کونها مستعملة فی تلک المعانی حقیقة بمعنی أنّ هذه المعانی ما کانت مستحدثة بل هی المعانی اللغویة الثابتة عند الشرائع السابقة و عند العرب قبل الشرع و استعملها الشارع موافقاً لاستعمال من کان قبله الرابعة کونها مستعملة فی معانیها اللغویة مثل الدعاء بالنسبة إلی لفظ الصلاة و أمّا الزوائد فهی دخیلة فی المأمور به لا فی مسمّی الصلاة و تدلّ علی هذه الزوائد ألفاظ أخری مثل لفظ السجود و الرکوع إلی غیرهما کما ذهب إلیه الباقلانی إذا عرفت هذا فاعلم أنّه لا شبهة فی تأتی الخلاف علی الاحتمال الأوّل... و کذا لا شبهة فی تأتی الخلاف علی الاحتمال الثالث و ذلک بأن یقال: إنّ الموضوع له فی تلک الألفاظ هل هو الصحیح أو الأعم فافهم و أمّا علی الاحتمال الثانی... و أمّا علی الاحتمال الرابع و هو ما نسب إلی الباقلانی فتصویر النزاع فیه علی ما ذکره المصنف (قدس سره) أنّ قضیة القرینة المضبوطة المتکلفة لبیان الأجزاء و الشرائط فی المأمور به هل هی تمام الأجزاء و الشرائط أو هما فی الجملة و فی هذا التصویر ما لایخفی» الخ. و اختار فی منتقی الأصول، ما ذهب إلیه المحقق الخراسانی (قدس سره) فقال فی ص200: «... و بذلک تکون النتیجة هی ما انتهی إلیه صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم تحقق النزاع المزبور علی القول بعدم الحقیقة الشرعیة و کون هذه المسألة من متفرعات مسألة الحقیقة الشرعیة».

الصحیح أیضاً مجازی، کما أنّ الصحیحی أیضاً یقول بالاستعمال المجازی فی المعنی الصحیح و یعترف بأنّ الاستعمال فی الأعمّ أیضاً مجازی و إذا کان کلّ من الاستعمالین مجازیاً عندهما، فلابدّ من وجود القرینة المعیّنة لتعیین المعنی المجازی المراد من بین المعنیین بعد القرینة الصارفة عن المعنی الحقیقی، و لایبقی وجه للنزاع بین الصحیح و الأعمّ.

ص: 262

نعم علی القول المنسوب إلی الباقلانی((1)) یصحّ النزاع فإنّه قال بأنّ الألفاظ دائماً تستعمل فی المعانی اللغویة و قد یقرنه المستعمل بلفظ آخر و هذا اللفظ

ص: 263


1- هو المترجم فی تاریخ بغداد، ج2، ص455، حیث قال: «محمد بن الطیب بن محمد أبو بکر القاضی المعروف بابن الباقلانی المتکلم علی مذهب الأشعری من أهل البصرة سکن بغداد و سمع بها الحدیث... فأمّا الکلام فکان أعرف الناس به و أحسنهم خاطراً و أجودهم لساناً و أوضحهم بیاناً و أصحّهم عبارة و له التصانیف الکثیرة المنتشرة فی الرد علی المخالفین من الرافضة و المعتزلة و الجهمیة... قال أبو الفرج: و سمعت أبا بکر الخوارزمی یقول: کل مصنف ببغداد إنّما ینقل من کتب الناس إلی تصانیفه سوی القاضی أبی بکر فإنّ صدره یحوی علمه و علم الناس ... حدثنی علی بن أبی علی المعدل قال: مات القاضی أبو بکر محمد بن الطیب فی یوم السبت لسبع بقین من ذی القعدة سنة ثلاث و أربعمائة قلت: و صلی علیه ابنه الحسن و دفنه فی داره بدرب المجوس من نهر طابق ثمّ انتقل بعد ذلک فدفن فی مقبرة باب حرب». و راجع أیضاً تاریخ الإسلام، ج28، ص88 و سیر أعلام النبلاء، ج17، ص190. أقول: فی التعلیقة علی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج1، ص194: «فی شرح الوافیة للسید الأعرجی (قدس سره) هکذا: و بالجملة فالنفی إنّما نسبه الآمدی و الرازی و غیرهما إلی القاضی أبی بکر و فی کتاب تیسیر التحریر، الجزء الثانی، ص 15 - 17 أیضاً نسبه إلیه». و فی المحصول، للرازی، ص298: «و اتفقوا علی إمکانه و اختلفوا فی وقوعه فالقاضی أبو بکر منع منه مطلقاً و المعتزلة أثبتوه مطلقاً». و فی الإحکام، ج1، ص35: «و إنّما الخلاف نفیاً و إثباتاً فی الوقوع و الحجاج هاهنا مفروض فی ما استعمله الشارع من أسماء أهل اللغة کلفظ الصوم و الصلاة هل خرج به عن وضعهم أم لا؟ فمنع القاضی أبو بکر من ذلک و أثبته المعتزلة و الخوارج و الفقهاء احتج القاضی بمسلکین: الأوّل أنّ الشارع لو فعل ذلک لزمه تعریف الأمة بالتوقیف نقل تلک الأسامی و إلّا کان مکلفاً لهم بفهم مراده من تلک الأسماء و هم لایفهمونه و هو تکلیف بما لایطاق و التوقیف الوارد فی مثل هذه الأمور لابدّ و أن یکون متواتراً لعدم قیام الحجة بالآحاد فیها و لا تواتر و هذه الحجة غیر مرضیة ... المسلک الثانی أنّ هذه الألفاظ قد اشتمل علیها القرآن فلو کانت مفیدة لغیر مدلولاتها فی اللغة لما کانت من لسان أهل اللغة کما لو قال: "أکرم العلماء" و أراد به الجهال أو الفقراء و ذلک لأنّ کون اللفظ عربیاً لیس لذاته و صورته بل لدلالته علی ما وضعه أهل اللغة بإزائه و إلّا کانت جمیع ألفاظهم قبل التواضع علیها عربیة و هو ممتنع و یلزم من ذلک أن لایکون القرآن عربیاً». و الحجتان مذکورتان فی معالم الأصول، ص36.

یکون قرینة دالة علی المعنی الثانی (شرعیاً کان أم غیره) فیتعدّد الدالّ و المدلول، فهنا دالّان (نفس اللفظ و القرینة) و مدلولان (المعنی اللغوی و المعنی الثانوی) فإنّ النزاع حینئذ فی أنّ القرینة المذکورة دالة علی خصوص الصحیحة أو الأعمّ. ((1))

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((2))

إنّ النزاع جار علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة، بیانه: إنّ مرجع هذا القول إلی أنّ الشارع المقدّس من أوّل نزول القرآن الکریم هل استعمل هذه

ص: 264


1- فی حقائق الأصول، ص54: «یظهر الإشکال فی تصویر النزاع علی مذهبه [أی الباقلانی] بناء علی کون المطلق الوارد علیه التقیید حقیقة إذ لیست هی إلّا مستعملة فی نفس المعانی اللغویة لا فی الصحیح و لا فی الأعم».
2- المحاضرات، ط.ج. ص152 و ط.ق. ج1، ص134 و فی ص151: «الظاهر بل المقطوع به جریان النزاع علی هذا القول [القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة] أیضاً» الخ و فی القوانین، ص40: «و هذا الخلاف أیضاً لایتوقف علی القول بثبوت الحقیقة الشرعیة فیها بل یکتفی فیه بثبوت الحقیقة المتشرعة و مطلق استعمال الشارع تلک الألفاظ فیها فالنزاع فی الحقیقة فی أنّه متی أطلق لفظ دالّ علی تلک الماهیة المحدثة فهل یراد الصحیحة منها أو الأعم؟» و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص434: «ثمّ إنّ الخلاف فی أنّ المعانی المقرّرة من الشرع التی استعمل فیها تلک الألفاظ هل هی خصوص الصحیحة أو هی أعمّ منها و من الفاسدة؟ فیصحّ النزاع فیها من القائلین بثبوت الحقیقة الشرعیة و نفاتها إذ لا کلام فی استعمال تلک الألفاظ فی المعانی الجدیدة کما عرفت و إنّما الکلام هناک فی کونه علی وجه الحقیقة أو لا کما مرّ». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص297: «المقدمة الأولی: هذا الخلاف لیس من متفرعات القول بثبوت الحقیقة الشرعیة و خصائصه لئلّا یجری علی قول النافی مطلقاً بل یجری علی کلا القولین و یصح من کلا الفریقین وفاقاً للمحققین من مشایخنا المعاصرین و غیرهم». و راجع أیضاً درر الفوائد، ص47 و نهایة الأفکار، ص73 و فوائد الأصول، ص59 و منتهی الأصول، ص51 و أصول الفقه، ص84.

الألفاظ فی المعانی الصحیحة من جهة لحاظ علاقة بینها و بین المعانی اللغویة، أو استعملها فی الأعم من جهة لحاظ علاقة بینه و بین المعانی اللغویة؟

فعلی الأوّل یکون الأصل فی استعمالات الشارع الاستعمال فی الصحیح إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف و علی الثانی ینعکس الأمر.

یلاحظ علیها:

((1))

ما المراد من القرینة علی الخلاف فی قوله أخیراً «إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف»؟

فإن أراد القرینة الصارفة عن المعنی المجازی الأوّل، فهو سبک المجاز من المجاز و المعنی المجازی الأوّل یناسب المعنی اللغوی و المعنی المجازی الثانی یناسب المعنی المجازی الأوّل.

و حینئذٍ إن قامت القرینة علی عدم إرادة المعنی اللغوی (أی القرینة الصارفة

ص: 265


1- فی الفصول، ص46: «ربّما یتصوّر النزاع فی أنّه هل الأصل استعمال الشارع لها فی المعانی الصحیحة علی تقدیر إرادة معانیها الشرعیة أو الأعم منها و من الفاسدة فلایتوقف علی تقدیر ثبوت النقل لکنّه بعید عن التحریر المعروف و قولهم له هی أسام للصحیحة أو الأعم ظاهر أو صریح فی أنّ النزاع فیه بحسب الوضع لا مطلق الاستعمال و دون التأویل فیه خرط القتاد و یساعد علی ما ذکرنا ظاهر الأدلة الآتیة» و فی منتقی الأصول، ص199، بعد بیان کلام المحقق النائینی (قدس سره) فی رفع الإشکال عن التصویر المذکور فی الکفایة: «و هذا الوجه ضعیف للغایة لوجوه: الأوّل: انّه لا وجه لاستکشاف الأصل فی استعمالات الشارع بما هو المتبادر عندنا ... الثانی: انّ الوجه المذکور علی تقدیر تسلیمه فی إثبات نحو استعمال الشارع فهو لایثبت کون الأصل فیه ذلک الاستعمال و إن العلاقة لوحظت ابتداء بین المعنی المعین و المعنی اللغوی ... الثالث: انّه علی تقدیر تسلیم کشفه عن المعنی الذی لوحظت العلاقة فیه ابتداء فهو لایجدی ما لم یقم الدلیل علی ثبوت کون المعنی الذی لوحظت العلاقة فیه ابتداء هو الأصل فی الاستعمال و إن الکلام یحمل علیه بمجرد القرینة الصارفة عن المعنی اللغوی و عدم القرینة المعینة للآخر و قد عرفت أنّه لا طریق عادة إلی إثبات ذلک».

عن المعنی اللغوی) لایمکن إرادة خصوص المعنی المجازی الأوّل، لإمکان إرادة ما یناسب المعنی المجازی الأوّل لا ما یناسب المعنی اللغوی.

فمع عدم ثبوت الحقیقة الشرعیة لا تقدیم للمعنی الصحیح علی الأعم و بالعکس و لایمکن تعیین أی منهما إلّا بالقرینة المعینة فلا مجال لهذا البحث.((1))

ص: 266


1- راجع نهایة الدرایة، ج1، ص94.
المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة
اشارة

المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة ((1))

هنا نظریتان:

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

الظاهر أنّ الصحة عند الکل بمعنی واحد و هو التمامیة ((3)) و علی هذا تعریف

ص: 267


1- فی هدایة المسترشدین، ص489: «و لنتمّم الکلام فی المرام برسم أمور: أحدها أنّ الصحة المأخوذة فی المقام هل هی الصحة الواقعیة - أعنی الموافقة للأمر الواقعی- أو الصحة الشرعیة؟- سواء کانت حاصلة بموافقة الأمر الواقعی أو الظاهری فیندرج فیه الفعل الصادر علی سبیل التقیة المخالف لما علیه الفعل فی الواقع فی الموارد التی حکم الشرع بصحته و کذا الأفعال المختلفة باختلاف فتاوی المجتهدین و إن لم یجز کل من تلک الأفعال عند غیر القائل به نظراً إلی أنّ کلا من تلک الأفعال محکوم بصحته شرعاً قد دلّ الدلیل القاطع علی تعلقه بذلک المجتهد و مقلده فیندرج الکل فی ما یشمله أسامی تلک العبادات و إن قطع بعدم موافقة الجمیع للحکم الأولی الثابت بحسب الواقع- وجهان أوجههما الأخیر».
2- فی الکفایة، ص24: «إنّ الظاهر أنّ الصحة عند الکل بمعنی واحد و هو التمامیة و تفسیرها بإسقاط القضاء کما عن الفقهاء أو بموافقة الشریعة کما عن المتکلمین أو غیر ذلک إنّما هو بالمهم من لوازمها لوضوح اختلافه بحسب اختلاف الأنظار و هذا لایوجب تعدّد المعنی کما لایوجبه اختلافها بحسب الحالات من السفر و الحضر و الاختیار و الاضطرار إلی غیر ذلک کما لایخفی». و فی عنایة الأصول، ص63: «و قد أخذ المصنف هذا المعنی من صاحب التقریرات (قدس سره) قال فی المقام ما هذا لفظه: لیس المراد به یعنی الصحیح ما هو المنسوب إلی الفقهاء من أنّ الصحیح ما هو أسقط القضاء أو إلی المتکلمین من أنّه ما وافق الشریعة إلی أن قال: بل المراد به الماهیة الجعلیة الجامعة للأجزاء و الشرائط التی لها مدخل فی ترتب ما هو الباعث علی الأمر بها علیها و یعبر عنه بالفارسیة بدرست و هو معناه لغة و قد ذکرنا فی محلّه أنّ الفقهاء و المتکلمین أیضاً لم یصطلحوا علی إبداع معنی جدید غیر ما هو المعهود منه فی اللغة انتهی». و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص73 و فوائد الأصول، ج2-1، ص60.
3- ههنا کلمات للأعلام حول تفسیر الصحة: ففی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص321: «المقدمة الثالثة: الصحة علی ما یساعد علیه أمارات الحقیقة و کواشف الوضع یطلق فی العرف علی الصفة المنتزعة عن الشیء باعتبار اشتماله علی ما له دخل فی ترتب الأثر المقصود منه علیه» و فی نهایة النهایة، ص33: «التمام و النقصان ... إنّما یلاحظان بالنسبة إلی الخصوصیات الخارجة و الضمائم اللاحقة للطبیعة لحوقاً نوعیاً أکثریاً فما اشتمل علی تلک الخصوصیات هو صحیح تلک الطبیعة و ما تخلف عنها هو ناقصها و فاسدها ... فصفتا الصحة و الفساد منتزعان من اشتمال الفرد علی الخصوصیات التی تقتضیها الطبیعة فی حد ذاتها لولا القاسر الخارجی و عدم اشتماله علیها و ترتب جمیع الآثار و عدم ترتبها لازم لهما». و فی منتهی الأصول، ص52: «الثانی انّ الصحة و الفساد متقابلان تقابل العدم و الملکة و المراد من الصحة هو تمامیة الشیء بمقتضی أصل خلقته التکوینیة أو جعله التشریعی مقابل الفساد الذی هو عبارة عن عدم هذا المعنی و قد یعبّر عنه بالناقص و المعیب أیضاً». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص72: «اختلفوا فی أنّ التمامیة و عدمها هل تعتبر و تضاف بالنسبة إلی الموجود الخارجی أو تعتبر بالإضافة إلی العنوان الذی یترقب منه أثر کذا فی ظرف وجوده ظاهر عبارة المصنف الأوّل ... و لکن السیّد الأستاذ اختار الثانی و هو التحقیق لأنّ کل موجود فی حد وجوده تام بحیث لایصح إضافة الفساد إلیه بخلاف العنوان فإنّه یصح إضافة الصحة و الفساد إلیه فی مرتبته و ماهیته لکن لا بما هی هی بل باعتبار وجوده» و راجع أیضاً نهایة الأصول، ص38. و فی أصول الفقه، ص85: «الثانیة: إنّ المراد من الصحیحة من العبادة أو المعاملة هی التی تمّت أجزاؤها و کملت شروطها و الصحیح إذا معناه تامّ الأجزاء و الشرائط». و کذا ما فی مباحث الأصول، ص98: «و المراد بالصحیح هو تام الأجزاء و الشرائط بالقیاس إلی الأثر المترقب من الشیء أو بالقیاس إلی وقوعه فی حیّز الأمر». و فی جواهر الأصول، ص266: «الظاهر أنّ بین مفهوم الصحیح و الفاسد تقابل التضاد لأنّ الصحیح و الفاسد کیفیتان عارضتان للشیء بحسب وجوده الخارجی بلحاظ اتّصافه بما یلائم طبیعته النوعیة أو منافرته إیاها ... و إطلاق الصحیح و الفاسد فی مثل الصلاة المرکبة من أجزاء و شرائط ... إنّما هو توسع باعتبار ملاحظة تلک الماهیة أمراً وحدانیاً و هیأة اتصالیة» الخ. و فی منتقی الأصول، ص203: «أمّا الصحة فهی نحو من أنحاء التمامیة لا التمامیة بقول مطلق و هو التمامیة من حیث ترتب الأثر المترقب لا من حیثیة أخری».

الفقهاء و المتکلمین للصحة تعریف بلوازم الصحة.

فإنّ الصحة عند المتکلمین موافقة الشریعة و عند الفقهاء إسقاط القضاء و الإعادة.

ص: 268

و المراد من التمامیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) هل هی التمامیة من جمیع الجهات أو التمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط؟ إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یصرّح بذلک و لکن لابدّ أن تکون الصحّة عنده بمعنی التمامیة من جمیع الجهات، ((1)) لا التمامیة

ص: 269


1- فی فوائد الأصول، ص60: «إنّ وصف الصلاة مثلاً بالصحة باعتبار الشرائط تارة یکون باعتبار خصوص الشرائط الملحوظة فی مرحلة الجعل و تعیین المسمی التی یمکن الانقسام إلیها قبل تعلق الطلب بها کالطهور و الاستقبال و الستر و غیر ذلک من الانقسامات السابقة و أخری تکون باعتبار الشرائط التی لایمکن لحاظها فی مرحلة تعیین المسمی بل هی من الانقسامات اللاحقة عن مرحلة تعلق الطلب بها کقصد القربة و ما یستتبعها من قصد الوجه و وجه الوجه علی القول باعتباره لاینبغی الإشکال فی خروج الصحة بالاعتبار الثانی عن حریم النزاع فی المقام». و فی منتهی الأصول، ص52: «هل المراد من التمامیة فی المقام هو باعتبار خصوص الأجزاء أو باعتبار جمیع ما له دخل فی تمامیته و ترتب الأثر علیه سواء کان من الأجزاء أو الشرائط أو عدم الموانع و سواء کانت هذه الأمور فی الرتبة المتقدمة علی الأمر أو المتأخرة عنه و التحقیق أن یقال إنّ کل ما له دخل فی الملاک و ترتب الغرض - سواء کان بنحو الجزئیة أو الشرطیة أو بنحو عدم المانع- فله دخل فی الصحة إن کان فی الرتبة المتقدمة علی الأمر و أمّا الأمور المتأخرة عن الأمر کقصد القربة و عدم المزاحم أو النهی المتعلق بالعبادة فلا مدخلیة لها فی الصحة فی محل الکلام و إن کان لها دخل فی الملاک و الغرض» و فی مناهج الوصول إلی علم الأصول، ص145: «الحق إمکان جریان النزاع فی جمیع الشرائط أمّا عند من یری جواز أخذ ما لایتأتی إلّا من قبل الأمر فی المتعلق فواضح لتقدم رتبة المسمی علی الطلب و أمّا مع القول بامتناعه فلإمکان دعوی کون المسمی غیر ما یتعلق به الطلب و کون رتبته مقدمة علی الطلب، أوّل الکلام و أمّا حدیث عدم إمکان تسویة الأجزاء و الشرائط فی الرتبة فظاهر الفساد لأنّ الاجتماع فی التسمیة غیر الاجتماع فی الرتبة فی الواقع و المحال هو الثانی و اللازم هو الأوّل». و فی مباحث الأصول، ص98: «و لایخفی أنّ الصحة إذا فسرت بالتمامیة و کان إسقاط الإعادة و القضاء المترتب علی المطابقة فی المأتی به للمأمور به أو الاستجماع للأجزاء و الشرائط الدخیلة فی ترتب الأثر المترقب من لوازم التمامیة المهمّة فی نظر المتکلم أو الفقیه فلایعقل لها معنی إلّا ما یتأخر أو یلازم تعلق الأمر» الخ. و فی منتقی الأصول، ص208: «أمّا عدم النهی و عدم المزاحم فقد ذهب المحقق النائینی (قدس سره) إلی خروجهما عن مورد البحث لعدم إمکان أخذها فی المسمی جزماً... و التحقیق أمّا فی عدم النهی فلایتجه ما ذکره إذ تعلق النهی لایلزم أن یکون بما هو المسمی بما هو کذلک... و أمّا بالنسبة إلی عدم المزاحم فإن أرید من المزاحم هو المزاحم لنفس الشیء بلحاظ أنّه متعلق لأمر أقوی داعویة فیزاحم نفس العمل الآخر فلایتجه ما ذکره أیضاً إذ لایتوقف فرض المزاحم علی تحقق التسمیة کی یکون عدمه فرع المسمی... و إن أرید به المزاحم لأمر الشیء فالإزالة مزاحمة لأمر الصلاة لا نفس الصلاة کان ما ذکره وجیهاً» الخ.

من حیث الأجزاء و الشرائط و إلّا لایکون ملازماً لإسقاط الجزاء و موافقة الشریعة لما سیأتی فی ضمن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الصلاة التامّة من حیث الأجزاء و الشرائط، قد یکون فاسداً للتزاحم.

إیراد المحقق الإصفهانی علی صاحب الکفایة (قدس سرهما):

((1))

لا إشکال فی أنّ الصحة بمعنی التمامیة، إلّا أنّ حیثیة إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و غیرهما لیست من لوازم التمامیة بالدقّة بل من الحیثیات التی یتمّ بها حقیقة التمامیة، حیث لا واقع للتمامیة، إلّا التمامیة من حیث إسقاط القضاء أو من حیث موافقة الأمر أو من حیث ترتّب الأثر، إلی غیر ذلک.

و اللازم إن کان من لوازم الوجود، لیس من متمّمات معنی ملزومه.

نعم إن کان اللازم من لوازم الماهیة، یمکن کونه متمّماً لمعنی ملزومه و محققاً له کالفصل بالإضافة إلی الجنس، فإنّه عرض خاص له، مع أنّ تحصّل الجنس بتحصّله.

جواب المحقق الخوئی عن المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

((2))

إنّ اللازم لایعقل أن یکون من متمّمات معنی ملزومه، من دون فرق بین لازم الوجود و لازم الماهیة. نعم الفصل بحسب وجوده، محصّل لوجود الجنس

ص: 270


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص95.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص136 و ط.ج. ص154.

و محقق له و لکنه بهذا الاعتبار، لیس لازماً له.((1))

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ هذه الحیثیات مثل إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و ترتّب الأثر کلها متمّمات للتمامیة و لیست واحدة منها من لوازم التمامیة و لذا قال: «إنّ حیثیة إسقاط القضاء و موافقة الشریعة و غیرهما لیست من لوازم التمامیة بالدقّة بل من الحیثیات التی یتمّ بها حقیقة التمامیة».

ثانیاً: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) فی آخر کلامه، التزم بمقالة المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث اعترف بأنّ للفصل اعتبارین: اعتبار کونه من لوازم الجنس و عرضاً خاصّاً له و اعتبار کونه متمّماً لحقیقة الجنس و محصّلاً له، و المحقق الإصفهانی (قدس سره) لا یقصد إلّا وجود الاعتبارین فی بعض لوازم الماهیة، حیث تکون من جهة من لوازم الماهیة و من جهة أخری من محصّلاتها.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ التمامیة المذکورة هل تکون من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط

ص: 271


1- بعد بیان نظریة صاحب الکفایة و إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) علیها و إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی أستاذه یحسن ذکر ما فی منتقی الأصول، ص201 قال: «الأولی: انّه هل للتمامیة واقع مستقل غیر ما ذکر من الآثار کموافقة الأمر و إسقاط القضاء و الإعادة أو أنّها أمر ینتزع عن مقام ترتب الأثر؟ و بعبارة أخری: إنّ موافقة الأمر و نحوها من الآثار هل هی من لوازم التمامیة و آثارها أم أنّها من مقومات معناها؟ ذهب صاحب الکفایة (قدس سره) إلی أنّ هذه الآثار لوازم التمامیة و من آثارها و أنّ تفسیر الصحة فی کلام الفقهاء باسقاط الإعادة و القضاء و فی کلام المتکلمین بموافقة الأمر تفسیر لها بلوازمها و آثارها التی هی محط النظر و أنّ ذلک لایکون دلیلاً علی أنّ للصحة معنی غیر التمامیة و ظاهر کلامه فی مبحث دلالة النهی علی الفساد أنّ اتصاف العمل بالتمامیة إنّما هو بلحاظ ترتب الأثر و ذهب المحقق الأصفهانی (قدس سره) إلی الثانی» الخ.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص95 و 96.

الإعادة و القضاء، أو من حیث تمامیة الأجزاء و الشرائط، أو من حیث ترتّب الثمرة؟

أمّا التمامیة من حیث موافقة الأمر، أو من حیث إسقاط الإعادة و القضاء، فلیستا محلاً للبحث، حیث إنّ الشیء لایتّصف بهذین العنوانین، إلّا بعد الأمر به و إتیانه، و لذا لایمکن أن یقع الصحیح بهذا المعنی، فی حیّز أمر الشارع بالصلاة الصحیحة.

أمّا التمامیة من حیث ترتّب الأثر، فلا إشکال فیه.

نعم إنّ الأثر خارج عن ذات المؤثّر و وجوده لکن اللفظ موضوع للفعل القائم به الأثر.

و کون حقیقة التمامیة، متعیّنة بلحاظ ترتّب الأثر، نظیر تعیّن الجنس بفصله، فلایقتضی دخول الأثر و ترتّبه فی حقیقة التمامیة، کما أنّ تعیّن الجنس و تحصّله بفصله، و مع ذلک حقیقة الجنس غیر حقیقة الفصل و مبدأ الجنس الطبیعی غیر مبدأ الفصل الطبیعی.

و المتحصّل أنّ مصداق الصحیح بمعنی التامّ من حیث ترتّب الأثر، هو ذات ما یترتّب علیه الأثر أی هذه الحصّة، لا بوصف الترتّب، حتی یقال: إنّه لم یوضع اللفظ لمصداق الصحیح بل لما یلازمه.

نعم لایعقل أخذ الصلاة بهذا المعنی موضوعاً فی قضیة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَ الْمُنْکَرِ )،((1)) للزوم حمل الشیء علی نفسه و عروض الشیء لنفسه.

ص: 272


1- سورة العنکبوت(29):45.
إیرادان علی النظریة الثانیة:
الإیراد الأوّل: ملاحظتنا علی ما أفاده فی آخر کلامه

إنّ الصلاة التامّة من حیث ترتّب الأثر تقع موضوعاً فی قضیة (إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ )، ((1)) لما تقدّم فی کلامه من أنّ الأثر خارج عن ذات المؤثّر، فلا إشکال فی جعل الأثر محمولاً فی القضیة، و لایلزم حمل الشیء علی نفسه، فإنّ المحمول و إن کان الأثر و لکنّ الموضوع هو ذات المؤثّر بلا وصف ترتّب الأثر.

الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد أنّ معنی الصّحة، هی التمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، و لذا لم یرتض بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و قال:

إنّه خلط بین تمامیة الشیء فی نفسه -أعنی بها تمامیته من حیث الأجزاء و الشرائط- و تمامیته بلحاظ مرحلة الامتثال و الإجزاء، فإنّه لا واقع لهذه التمامیة (فی نفسه) مع قطع النظر عن هذه الآثار و اللوازم.

أو وقع الخلط بین واقع التمامیة و عنوانها، فإنّ الصلاة لم توضع بإزاء ذلک العنوان (عنوان التمامیة) بل وضعت بإزاء واقعه و معنونه و هو الأجزاء و الشرائط، و من الظاهر أنّ حیثیة ترتب الآثار لیست من متممّات حقیقة تمامیة هذه الأجزاء و الشرائط.

ص: 273


1- سورة العنکبوت(29):45.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص136 و ط.ج. ص154.
یلاحظ علی إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً تقتضی وضع الصلاة بإزاء واقع التمامیة و تؤکد علی أنّ الموضوع له، مصداق التمام و ذات ما یترتب علیه الأثر بدون وصف الترتب المذکور، فلایرد علیه ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من أنّ حیثیة ترتب الأثر لیست من متممات حقیقة التمامیة.

و الوجه فی عدول المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن التعبیر بالتمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، هو أنّه إذا نُهی عن الصلاة و بطلت للتزاحم مثلاً، فهی فاسدة، مع أنّها تامّة من حیث الأجزاء و الشرائط و علّة بطلانها هو وجود المانع و المزاحم، فالتمامیة من حیث الأجزاء و الشرائط، أخصّ من الصحّة المبحوث عنها فی هذا البحث و الصحیح بمعنی تام الأجزاء و الشرائط یشمل الصلاة الفاسدة للتزاحم (علی القول بفساد الصلاة).

هذا تمام الکلام فی المقدمتان.

ص: 274

البحث حول الصحیح والأعم

قال بعض الأعلام: إنّ هذه المسألة لم تکن معنونة فی کلمات القدماء من الأصولیین و إنما عنونها بعض المتأخرین.((1))

إنّ البحث یقع فی مقامین: المقام الأوّل أسماء العبادات و المقام الثانی أسماء المعاملات.

المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟
اشارة

قبل الورود فی البحث تنبغی الإشارة إلی أمران مهمان و تنبیه فی بیان الثمرة البحث:

و البحث فیها تارة ثبوتی و أخری إثباتی، فإنّ البحث الثبوتی فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم. و البحث الإثباتی فی الأدلّة التی ذکروها لإثبات الوضع للصحیح أو الأعم.

ص: 275


1- فی وسیلة الوصول، ص77: «العاشر: فی أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحیحة منها أو الأعم لایخفی أنّ هذه المسألة لم تکن معنونة فی کلمات القدماء و إنّما عنونها الوحید البهبهانی (قدس سره) و من تأخر عنه» الخ.
الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم
الدلیل علی لزوم وجود الجامع:

((1))

قالوا: إنّ إمکان الوضع للصحیح یتوقف علی وجود الجامع بین أفراد الصحیحة و هکذا إمکان الوضع للأعم یتوقف علی وجود الجامع بین أفراد

ص: 276


1- فی نهایة الدرایة، ص61، عند التعلیقة علی قوله: «لابدّ علی کلا القولین من قدر جامع»: «وجه اللابدّیة أنّ الأعمی غرضه التمسک بالإطلاق و ینافیه الاشتراک اللفظی و الصحیحی یدعی الإجمال من حیث المفهوم لا من حیث المراد مضافاً إلی محاذیر أخر یأتی الإشارة إلیها». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص139 و ط.ج. ص158: «الجهة الرابعة: إنّه لابدّ علی کلا القولین من تصویر جامع وحدانی یشترک فیه جمیع الأفراد أمّا بناء علی أن یکون الموضوع له لأسماء العبادات و المعاملات عاماً کوضعها کما هو الصحیح فالأمر واضح فإنّ لفظ الصلاة و نحوه من أسماء الأجناس و قد تقدّم أنّ الموضوع له فیها عام غایة الأمر أنّ ذلک الجامع علی أحد القولین حصة خاصة و علی القول الآخر طبیعة مطلقة و هذا لایوجب التفاوت فی المقام و أمّا بناء علی أن یکون الموضوع له فیها خاصاً فالأمر أیضاً کذلک ضرورة أنّ تصور جمیع الأفراد تفصیلاً غیر معقول لعدم تناهیها فلابدّ حینئذٍ من تصوّرها بجامع یکون ذلک الجامع معرفاً لها إجمالاً و بوجه حتی یمکن وضع اللفظ بإزائها». و فی نهایة النهایة، ص34، عند التعلیقة علی قوله: «لابدّ علی کلا القولین من قدر جامع»: «و ذلک لوضوح فساد القول بالاشتراک اللفظی و احتیاج کل من القول بالاشتراک المعنوی و القول بالوضع العام و الموضوع له الخاص إلی الجامع ففی أحدهما الجامع بنفسه هو الموضوع له و فی الآخر آلة للحاظ الموضوع له» و نظیره ما جاء فی وسیلة الوصول، ص85 . و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص74، عند التعلیقة علیه: «لوضوح أنّ کل من تکون هذه الألفاظ متداولة فی لسانه إنّما یستعملها فی الموارد المختلفة بمعنی واحد و یحملها علی الأفراد المختلفة بحیث یری المحمول علی هذا عین المحمول علی ذاک و یری الحمل حقیقیاً شائعاً صناعیاً لا کحمل اللفظ علی المعنی فلا مجال لاحتمال الاشتراک و لا وضع العام للموضوع له الخاص مع أنّ الثانی مبنی علی وجود الجامع». و راجع أیضاً حقائق الأصول، ص56 و مناهج الوصول، ص148و عنایة الأصول، ص64.

الأعم من الصحیحة و الفاسدة، فلابدّ من وجود الجامع الذی هو الموضوع له. أو هو المعنی المتصور حین الوضع للأفراد الصحیحة أو الأعم.

و من جانب آخر قد یکون الموضوع له غیر قابل للتصور إمّا لإبهامه عندنا و إن کان معلوماً مبیناً عند صاحب الشریعة و إمّا لکثرة أفراد الموضوع له فی ما إذا قلنا بأنّ الوضع عام و الموضوع له خاص، فلکثرتها لانتمکن من تصویرها إلّا بالجامع و هذا الجامع هو المعنی المتصور حین الوضع أو هو عنوان للموضوع له و لو بعد تحقق الوضع.

و بهذا البیان ظهر بطلان قول من ادعی عدم لزوم الجامع.

استدلال علی عدم لزوم الجامع:
اشارة

إنّ بعض الأعلام استدلّ علی عدم لزوم الجامع بأنّ وضع هذه الألفاظ من قبیل الوضع العام و الموضوع له الخاص، فلانحتاج إلی تصویر الجامع، لأنّ الموضوع له خاص.

استشکل علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّا نری وجداناً أنّ الموضوع له لتلک الألفاظ المعانی الکلیة و ذلک یستفاد من مناسبة المحمول و الموضوع فی مثل «الصلاة معراج المؤمن» فإنّ موضوع هذا الحکم و محموله أمر کلی.

ثانیاً: إنّا نحتاج إلی الجامع حیث إنّ الوضع عام علی مبنی هذا القائل و معنی عمومیة الوضع هو أنّ المعنی المتصوّر حین الوضع عام، فلابدّ من جامع حتی

ص: 277


1- فی الدراسات، ص70.

یتصوره الواضع حین الوضع.((1))

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم لزوم الجامع:

((2))

إنّ الموضوع له فی الصلاة هو المرتبة العلیا الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط

ص: 278


1- فی زبدة الأصول، ص79: « للمحقق النائینی (قدس سره) فی المقام کلام و هو أنّه لابدّ من تصویر الجامع و إن کان الموضوع له خاصاَ إذ لابدّ من قدر جامع به یشار إلی الموضوع له و فیه ما مرّ منا فی مبحث الوضع انّه إذا لاحظ الواضع القدر المشترک بین الأفراد لایصحّ وضع اللفظ للأفراد إذ الجامع لایکون مرآة للخصوصیات و حاکیاً عن الأفراد بل لابدّ فی الوضع للأفراد من لحاظها تفصیلاً أو لحاظ عنوان منتزع عن الخصوصیات و علیه فبناء علی کون الموضوع له خاصاً القدر المشترک لایکون لازماً» و فی منتقی الأصول، ص211، ینقل کلام المحقق النائینی (قدس سره) من أنّه لابدّ من تصویر الجامع و لو التزم بأنّ الموضوع له خاص و یشیر إلی استدلاله (قدس سره) بهذه العبارة: «لأنّ الوضع لها [أی الأفراد الخاصة الجزئیة] یستدعی لحاظها و تصورها بأجمعها و لایمکن ذلک لعدم تناهیها أو حصرها و علیه فلابدّ من فرض جامع لها مشیر إلیها یکون واسطة فی الوضع للأفراد و یکون الحکم الوضعی علی الأفراد بواسطة ذلک الجامع» ثمّ یقول: «و أنت خبیر بأنّ هذا ... و إن کان فی نفسه تاماً» الخ.
2- فی أجود التقریرات، ص 35 و 36: «الکلام تارة یقع فی العبادات و أخری فی المعاملات أمّا الأولی فتصویر الجامع فیها فی غایة الإشکال علی الصحیح فضلاً عن الأعم فإنّ مراتب الصحة مراتب متعددة کالصلاة مثلاً فإنّ أقل مراتبها صلاة الغرقی و أعلی مراتبها صلاة الحاضر المختار و بینهما وسائط کثیرة فتصویر جامع حقیقی یکون متعلق الأمر و یجمع تمام تلک المراتب صعب جداً و أما علی الأعم فأشکل» الخ. و فی جواهر الأصول، ص281: «رجح شیخنا الأعظم الأنصاری (قدس سره) علی ما فی تقریرات بحثه أنّ الصلاة - مثلاً- موضوعة لقسم من الصلاة و هو الذی یأتی به القادر المختار العالم العامد و إطلاق الصلاة علی غیره کان مجازاً عند الشارع و لکن المتشرعة توسعوا فی تسمیتهم إیّاه صلاة فصار حقیقة عندهم لحصول ما هو المقصود من المرکب التام من غیره ... و قریب من مقالته ما فی تقریرات المحقق النائینی (قدس سره) ... بعد ما أحطت خبراً بما حکیناه عن العلمین علمت أنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) لیس هو عین ما أفاده شیخنا الأعظم (قدس سره) بل قریب منه ... فما قاله العلّامة الکاظمی (قدس سره) من أنّ ما أفاده أستاذه المحقق النائینی (قدس سره) موافق لما أفاده الشیخ فی تقریراته کأنّه غیر مستقیم و لعلّه اشتباه من المقرر» الخ.

ثم استعملت فی المراتب النازلة من باب الادعاء و التنزیل (تنزیل الفاقد منزلة الواجد) أو من باب الاشتراک فی الأثر و اکتفاء الشارع به فی مقام الامتثال کصلاة الغرقی.

والصحیحی و الأعمی یفترقان عند استعمال الصلاة فی غیر المرتبة العلیا، و الصحیحی یدعی صحة الاستعمال فی خصوص مرتبة الصحیحة من بین بقیة المراتب، و الأعمی یدّعی صحته علی الإطلاق، فإذا کان الموضوع له المرتبة العلیا عند الصحیحی و الأعمی، فلانحتاج إلی الجامع حتی یکون هو الموضوع له أو هو المعنی المتصور حین الوضع (هذه خلاصة مختاره).

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) علیه

(1)

إنّ إطلاق ألفاظ العبادات علی جمیع مراتبها الدانیة و العالیة بعرضهما

ص: 279


1- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص141 و ط.ج. ص160. و فی منتقی الأصول، ص214: «و الذی یؤاخذ به هذا المسلک و یرد علیه بوضوح أنّ أفراد المرتبة العلیا کثیرة و لیست متعینة و منحصرة فی خصوص القصر و الإتمام کما نبّه علیه (قدس سره) فإنّ صلاة الصبح و الظهر و المغرب و الصلاة الیومیة و صلاة الآیات و صلاة العیدین کلّها فی عرض واحد بالقیاس إلی المرتبة العلیا فإنّ الأمر بکل منها فی عرض الأمر بالأخری و لیس تنزلی کصلاة الغریق بالنسبة إلی صلاة غیره و علیه فلابدّ لنا من فرض جامع لهذه الأفراد یکون اللفظ موضوعاً بإزائه و لایکون ما افاده (قدس سره) موجباً للتخلص من مرحلة تصویر الجامع و کون وصول النوبة إلی تصویره بعد التنزل عنه و من العجیب منه أنّه (قدس سره) غفل عن ذلک و انتبه إلی ورود الاستشکال فی خصوص القصر و الإتمام و حلّه بأنّ تصویر الجامع بینهما سهل و ممکن کما تقدّم و علی کل فالالتزام بما افاده (قدس سره) لایغنی عن لزوم تصویر الجامع بین الأفراد الصحیحة أو الأعم منها و من الفاسدة» و فی منتهی الأصول، ص54: «ما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ – و نسب المیل إلیه أیضاً إلی الشیخ الأعظم الأنصاری (قدس سرهما) - لایخلو عن إشکال لأنّ لازم هذا الکلام أن یکون إطلاق الصلاة مثلا علی سائر أفراد الصلاة الصحیحة بالعنایة و التنزیل و یکون سلب الصلاتیة عنها صحیحاً مع أنّها صلوات صحیحة و هذا ممّا یقطع بخلافه».

العریض علی نسق واحد من دون لحاظ عنایة فی شیء منها.((1))

الجامع عند الصحیحی و الأعمی

قال صاحب الکفایة (قدس سره) بوجود الجامع بین الأفراد الصحیحة و عدم وجوده علی القول بالأعم و فی قباله المحقق الخوئی (قدس سره) قال((2)) بوجود الجامع علی القول بالأعم و عدم وجوده بین الأفراد الصحیحة بل استحالته و لذا قال: لانحتاج فی مقام الإثبات إلی الدلیل، أمّا المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق العراقی (قدس سره) قالا بوجود الجامع علی کلا القولین.((3))

ص: 280


1- فی تحریرات فی الأصول، ج1، ص209: «یمکن الجواب عنه بأنّ الأمر فعلاً کذلک إلّا أنّ هذه الطبیعة ما کانت تطلق علیها هذه اللفظة علی نسق واحد فی بدو الأمر بالضرورة، بل القرائن الخاصة کانت تصحح ذلک و الذی هو الحجر الأساس أنّّ هذه اللفظة لیست موضوعة بالوضع التعیینی لتلک الطبیعة فی الشرع الأنور قطعاً و مقتضی ما مرّ منّا أنّ هذه الطبیعة کانت قبل الإسلام متداولة و کان یطلق علیها تلک اللفظة فهذه اللفظة و سائر الألفاظ الموضوعة لسائر الطبائع علی نهج واحد و نسق فارد فکما أنّ لفظة البقرة و الحمار و لفظة الشجرة و الجدار و لفظة المأذنة و المنارة تطلق علی جمیع المصادیق المختلفة، من غیر تکلف الادعاء و التنزیل و تجشم المجاز و التأویل و لایخطر ببال أحد کون هذه الألفاظ موضوعة للمرتبة العلیا و الطبیعة الواجدة لجمیع الشرائط و الأجزاء کذلک الأمر هنا».
2- ففی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص155 و ط.ج. ص176: «قد تلخص من جمیع ما ذکرناه أنّ الجامع بین الأفراد الصحیحة إمّا أنّه غیر معقول أو هو معقول و لکنّ اللفظ لم یوضع بإزائه». و راجع أیضاً أصول الفقه، ص88 و تحریرات فی الأصول، ص216.
3- و فی مقالات الأصول، ص150و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص85 و 86 و وسیلة الوصول، ص93 و نهایة الدرایة، ص73 و نهایة النهایة، ص36 و حقائق الأصول، ص61 و حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص44 و غیرها من الکتب.
ما الجامع عند الصحیحی؟
اشارة

قلنا إنّ المحقق النائینی (قدس سره) لا یعتقد بوجود الجامع،((1)) أمّا علی القول بوجوده فهنا ثلاث نظریات:

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((2))

و ظاهر کلامه وجود الجامع الذاتی بین الأفراد الصحیحة، لأنّ اشتراکها فی الأثر یکشف عن الاشتراک فی جامع واحد، یؤثّر الکل فیه بذاک الجامع، فإنّ الأشیاء المتباینة بما هی متباینة، لاتؤثّر أثراً واحداً، فلابدّ من جهة وحدة ذاتیة بین مراتب الصحیحة المؤثّرة فی الانتهاء عن الفحشاء و نتصوّر هذا الموضوع له بآثاره مثل کونها ناهیة عن الفحشاء و المنکر و معراج المؤمن.

و قال فی دفع إشکال مطارح الأنظار: «الجامع إنّما هو مفهوم واحد، منتزع عن هذه المرکبات المختلفة زیادة و نقیصة بحسب اختلاف الحالات، متحد معها نحو اتحاد».

ص: 281


1- فوائد الأصول، ص73؛ أجود التقریرات، ص36.
2- فی الکفایة، ص24: «لا إشکال فی وجوده [أی القدر الجامع] بین الأفراد الصحیحة و إمکان الإشارة إلیه بخواصه و آثاره فإنّ الاشتراک فی الأثر کاشف عن الاشتراک فی جامع واحد یؤثر الکل فیه بذاک الجامع فیصحّ تصویر المسمی بلفظ الصلاة مثلاً بالناهیة عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحوهما». و فی منتهی الدرایة، ص115، بعد ذکر قوله: «فی غایة الإشکال»: «بل غیر معقول» و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص66.
إیرادان علی هذه النظریة:
اشارة

((1))

الإیراد الأول: عن المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

(2)

إنّ السیّد المحقق البروجردی (قدس سره) فسّر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّ الموضوع

ص: 282


1- و فی منتقی الأصول، ص219، بعد ذکر إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) بوجوه أربعة: «و قد أضاف المحقق النائینی (قدس سره) إیرادا خامساً یتلخص فی أنّ الغرض إنّما هو تصویر جامع للأفراد الصحیحة یدرکه العرف و یتوصل إلیه لفرض کونه هو المسمی و المأمور به و لابدّ من أن یفرض المسمی و المأمور به أمراً عرفیاً وجدانیاً یتوصل إلیه الذهن العرفی لا أن یکون طریق إثباته قاعدة فلسفیة لایعرفها العامة و لاتدرکها أذهان العرف لأوّل وهلة فلایجدی تصویر الجامع بالطریق المزبور بل لابدّ من تصویره بنحو عرفی قریب إلی الذهن و الذی یتحصل من مجموع ما ذکر عدم وجاهة ما ذکره صاحب الکفایة و عدم تمامیته». و فی جواهر الأصول، ج1، ص288: «أورد المحقق النائینی (قدس سره) علی تصویر المحقق الخراسانی (قدس سره) للجامع أربع إشکالات و لکنّها لاتخلو عن المناقشة: الإشکال الأوّل أنّ ما أفاده إنّما یتمّ إذا أحرز من وحدة الأثر علی کل من الصلاة الجامعة لجمیع الأجزاء و الشرائط و الفاقدة لبعضها و لا طریق لنا إلی إثبات وحدة الأثر فمن الممکن جدا أن یکون الأثر المترتب علی الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط غیر الأثر المترتب علی الصلاة الفاقدة لبعضها ... الإشکال الثانی أنّ الاشتراک فی الأثر لایقتضی وحدة المؤثر هویة و حقیقة و لا دلیل علی ذلک بل الوجدان یقتضی خلافه بداهة اشتراک الشمس مع النار فی الحرارة و مع ذلک مختلفان بالهویة ... الإشکال الثالث أنّ الأثر إنّما یکون مترتباً علی الصلاة المأتی بها فی الخارج و هو بعد الأمر بها و الأمر بها إنّما یکون بعد التسمیة فلایمکن أن یکون الأثر المتأخر عن المسمی بمراتب معرفاً و کاشفاً عنه... الإشکال الرابع: لو أخذ الأثر قیداً للمسمی لزمه القول بالاشتغال فی الشک بین الأقل و الأکثر الارتباطیین» و ناقش فی الإشکالات الثلاثة الأوّل و ناقش فی نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ثلاث مناقشات فراجع. و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص195: «و قد اعترض علی هذا الوجه فی کلمات جملة من الأعلام من وجوه» ثمّ یعدّ وجوهاً أربعة. و فی تحریرات فی الأصول، ص211: «و ما أفاده لایخلو من قصور لأنّ اللازم إثبات کون جمیع الأفراد مشترکة فی الحیثیة التی هی المسماة بالصلاة». و فی المحاضرات ط.ق. ج1، ص144-150 ط.ج. ص164 – 169 ذکر ستة وجوه فی مناقشته و ذکر فی منتهی الأصول، ص 54 و 55 إیرادات ثلاثة.
2- . فی نهایة الأصول، ص41: «و أمّا ما فی الکفایة من تصویر المسمی بلفظ الصلاة مثلا بالناهیة عن الفحشاء و ما هو معراج المؤمن و نحوهما فیرد علیه أنّ المتبادر من لفظ الصلاة لیس هذا السنخ من المعانی و الآثار کیف و لو کان لفظ الصلاة موضوعاً لعنوان الناهی عن الفحشاء مثلاً لصار قوله تعالی: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ) (العنکبوت:45) بمنزلة أن یقول: "الذی ینهی عن الفحشاء و المنکر ینهی عن الفحشاء و المنکر" و هذا واضح الفساد».

له عنده هو الناهیة عن الفحشاء و معراج المؤمن، ثم استشکل علیه باختلاف الصلاة مع هذه العناوین مفهوماً.

الجواب عن الإیراد الأوّل:

مراد صاحب الکفایة (قدس سره) ما قرّرناه من أنّ الموضوع له هو الجامع و نتصوّره بآثاره، و هذه العناوین من آثار الموضوع له، فلایرد علیه الإشکال باختلاف مفهوم الصلاة و مفهوم هذه العناوین.

الإیراد الثانی: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره)

(1)

إنّ الصلاة مؤلّفة وجداناً من مقولات متباینة کمقولة الکیف و الوضع و

ص: 283


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص99 و بحوث فی الأصول، ص33 و فی منتقی الأصول، ج1، ص217: «وقد أورد علیه المحقق الأصفهانی (قدس سره) بوجوه» الأوّل منها هو المذکور هنا «الثانی أنّ فرض الجامع البسیط المقولی المتحد مع الأفراد خارجاًً یلزم منه فرض اتحاد البسیط مع المرکب و کون المرکب وجوداً للبسیط و هو ممتنع ... الثالث الذی یرجع إلی المطالبة بالوجه الإثباتی و الدلیل علی ثبوت مثل هذا الجامع إذ معقولیته لاتعنی تحققه و ثبوته و الإشکال فی ما ذکره لإثباته من وحدة الأثر المترتب علی الأفراد الکاشف عن وحدة المؤثر و أنّه جهة جامعة حقیقیة بین الأفراد بأنّ ما یکشف عن وحدة المؤثر حقیقة إنّما هو وحدة الأثر ذاتاً و حقیقة إمّا شخصاً أو نوعاً و إمّا وحدة الأثر بالعنوان و تعدده حقیقة فلایکشف إلّا عن وحدة المؤثر بالعنوان لا وحدته بالحقیقة... الرابع: انّ کل ما یفرض جامعاً للصحیح یمکن فرضه جامعاً للأعم و ذلک لأنّ الجامع المفروض یفرض اتحاده مع ذات الأجزاء و الشرائط بلا لحاظ جهة اضافتها إلی الفاعل و صدورها من المکلف لأنّ هذه الجهة اعتباریة و لایعقل دخل الاعتباریة فی فرض الجامع المقولی إذ یمتنع تأثیر الأمر الاعتباری فی أمر حقیقی واقعی» الخ.

نحوهما و لاتندرج تحت مقولة واحدة، لأنّ المقولات أجناس عالیة، فلا جنس لها و لایمکن أن یکون المرکب مقولة برأسها.

النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الجامع بین الأفراد هو مرتبة من الوجود بنحو الوجود الساری مع إلغاء الخصوصیات، فإنّ لکل ماهیة من الماهیات الموجودة وجوداً خاصاً، فإذا ألغیت خصوصیة موجودٍ و خصوصیة موجودٍ آخر، تحقق وجود جامع بینهما سارٍ فیهما فی قبال الموجودات الأخر.

یلاحظ علیها:

(2)

أوّلاً: إنّ الموضوع له علی مختاره فی حقیقة الوضع هو طبیعی المعنی و

ص: 284


1- فی نهایة الأفکار، ص81: «طریق کشف الجامع إنّما هو أحد الأمرین علی سبیل منع الخلو الأوّل استکشافه من جهة ما ذکرنا من صدق مفهوم الصلاة علی الصلوات المختلفة بحسب الکمیة و الکیفیة و انسباق وحدة المفهوم منها الحاکیة عن اتحاد الحقیقة ... و حینئذٍ نقول بأنّه بعد عدم جامع صوری محفوظ فی البین بین تلک الأفراد و عدم جامع مقولی ذاتی أیضاً ... فلابدّ فی تصویره من أن یجعل الجامع المزبور عبارة عن الجامع الوجودی و ذلک إنّما هو بأن یؤخذ من کل مقولة من تلک المقولات المتعددة جهة وجودها بإلغاء الحدودات الخاصة المقومة لخصوصیات المقولات مع تحدید الوجود المزبور أیضاً بأن لایخرج عن دائرة أفعال الصلاة و أجزائها علی اختلافها حسب اختلاف حالات المکلفین ثمّ جعله أیضاً من التشکیکیات الصادقة علی الزائد و الناقص و علی القلیل و الکثیر» الخ. و فی تحریرات فی الأصول، ص215: «الوجه الثالث: ما أفاده العلّامة الأراکی (قدس سره) و لعلّ ما تخیّله متخذ ممّا قیل: إنّ حقیقة الوجود فی الخارج ساریة فی جمیع الماهیات و المقولات نازلة من الأعلی إلی الأدنی من غیر لزوم الکثرة الخارجیة الواقعیة و تکون المقولات و المظاهر مراتب تلک الحقیقة و تعیناتها و شؤونها و أطوارها».
2- . فی جواهر الأصول، ص297: «ظاهر کلمات هذا المحقق (قدس سره) مضطربة فیتراءی من بعضها أنّه یرید تصویر أنّ الحصة الساریة فی الخارج عبارة عن الصلاة و یظهر من بعضها الآخر – و لعلّه الأظهر- أنّه یرید تصویر أنّ حقیقة الصلاة - بالحمل الشائع- هو الوجود الساری فی المقولات و أنّ مفهوم الصلاة هو مفهوم الحصة الکذائیة فإن أراد أنّ الصلاة عبارة عن الوجود الساری فی المقولات المتباینة فیرد علیه أوّلاً: أنّ قوله: إنّ المرتبة الخاصة من الوجود ساریة فی وجود تلک المقولات لابدّ و أن یکون غیر وجود کل مقولة ... فعلی هذا یلزم أن یکون لکل من المقولات وجودان: 1) وجود یخص کل مقولة. 2) و وجود آخر یسری فیها ... و ثانیاً: لو کانت الصلاة عبارة عن الوجود الساری الموجود فی الخارج لزم أن تکون أوامر الشارع متعلقة بغیر عنوان الصلاة ... و ثالثاً: لو کانت الصلاة هی الوجود الساری فی المقولات لزم أن تکون الصلاة نفس الوجود الکذائی لا التکبیر و القراءة و الرکوع و السجود و غیر ذلک من الأفعال و هو خلاف ضرورة الفقه و رابعاً: لو کانت الصلاة وجوداً واحداً ساریاً فی المقولات لزم أن یکون الجامع وجوداً شخصیاً ... فلایمکن أن یکون الوجود الخارجی - المساوق للتشخص- قابلاً للصدق علی الکثیرین و الجامع الصدقی ینحصر فی الذاتی و العنوانی و خامساً: لو کان الجامع وجوداً ساریاً و جامعاً بین جمیع أفراد الصلاة لزم أن لاتصدق الصلاة علی ما أتی به کل فرد من أفراد المصلین و لازمه کون جمیع الصلوات صلاة واحدة و هو خلاف الضرورة من الدین هذا کلّه لو أراد بالوجود الساری الوجود الخارجی و أمّا إن أراد مفهوم الوجود الساری فیرد علیه أنّه لایخلو إمّا أن یکون جامعاً ذاتیاً أو عنوانیاً و لیس هناک شیئاً ثالثاً غیرهما». و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص58 و بحوث فی علم الأصول، ص197و تحریرات فی الأصول، ص216.

الوجود السعی خارج عن الموضوع له، فهذه النظریة لاتناسب مختاره.

ثانیاً: الغرض من الوضع هو الانتقال (أی انتقال المفاهیم للتفهیم و التفهّم) و هو نحو وجود إدراکی، فإن کان الموضوع له الوجود الذهنی فلایمکن أن یوجد فی الذهن ثانیاً، لأنّ المماثل لایقبل المماثل، و إن کان الموضوع له الوجود الخارجی أیضاً، لایوجد بالوجود الإدراکی، لأنّ المقابل (و هو الوجود الذهنی الإدراکی) لایقبل المقابل (أی الوجود الخارجی).((1))

ثالثاً: إنّ الوجود متشخّص بنفسه، فلایمکن إلغاء الخصوصیات عنه حتی یکون نحو وجود سارٍ.

ص: 285


1- راجع بحوث فی الأصول، ص23.
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی ستة أقسام من الجامع فإنّ الجامع للصحیحی إمّا جامع ذاتی أو جامع عنوانی بسیط أو جامع عنوانی مرکب أو جامع اعتباری أو جامع ترکیبی تشکیکی أو جامع ترکیبی غیر تشکیکی.

و القسم الأخیر هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

1) أمّا الجامع الذاتی
[إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

فقد مضی الإشکال علیه حیث إنّ الصلاة مؤلّفة من مقولات متباینة کمقولة الکیف النفسانی و المسموع و الوضع و لاتندرج تحت مقولة واحدة لأنّ المقولات أجناس عالیات فلا جنس لها و إذا لم یکن جامع ذاتی مقولی لمرتبة واحدة من الصلاة فعدم الجامع للمراتب المختلفة کمّاً و کیفاً بطریق أولی.

ص: 286


1- بحوث فی الأصول، ص33؛ و هی مختار منتقی الأصول، حیث قال فی ص223، بعد بیان هذه النظریة: «و هو بظاهره لا إشکال فیه و لا محذور فی الالتزام به». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص153 و ط.ج. ص174: «یتلخص نتیجة ما أفاده (قدس سره) فی ضمن أمور: الأوّل: أنّ الماهیة و الوجود متعاکسان من جهة السعة و الإطلاق فالوجود کلّما کان أشد و أقوی کان الإطلاق و الشمول فیه أوفر و الماهیة کلّما کان الضعف و الإبهام فیها أکثر کان الإطلاق و الشمول فیها أعظم و أوفر. الثانی: أنّ الجامع بین الماهیات الاعتباریة کالصلاة و نحوها سنخ أمر مبهم فی غایة الإبهام فإنّه جامع لجمیع شتاتها و متفرقاتها و صادق علی القلیل و الکثیر و الزائد و الناقص مثلاً: الجامع بین أفراد الصلاة سنخ عمل مبهم من جمیع الجهات إلّا من حیث النهی عن الفحشاء و المنکر أو من حیث فریضة الوقت. الثالث: أنّ الماهیات الاعتباریة نظیر الماهیات المتأصلة التشکیکیة من جهة إبهامها ذاتاً بل إنّ ثبوت الإبهام فی الاعتباریات أولی من ثبوته فی المتأصلات. الرابع: أنّ القول بالصحیح و الأعم فی تصویر الجامع المزبور علی حد سواء».

أمّا تأثیر الصلاة بمراتبها المختلفة کمّاً و کیفاً فی الانتهاء عن الفحشاء، فلایکشف عن وحدة حقیقیة ذاتیة لأنّ النهی عن الفحشاء واحد بالعنوان و الواحد بالعنوان لایکشف إلّا عن واحد بالعنوان.

2) أمّا الجامع العنوانی [المرکب]:
اشارة

کعنوان الناهی عن الفحشاء و ما یشبهه ممّا لایتوقف علی الأمر بالصلاة،

[إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

فلازمه أوّلاً: مرادفة لفظ الصلاة مع مفهوم الناهی عن الفحشاء.

و ثانیاً: عدم جریان البراءة إذا تعلّق الأمر بالمسمّی حیث إنّ هذا العنوان (الناهی عن الفحشاء و ما یشبهه) مبین فلاینحلّ إلی المعلوم و المشکوک حتی تجری البراءة مع أنّ الصحیحی یقول بالبراءة کالأعمی.

یلاحظ علیه:

أولاً: إنّ الجامع لیس هو موضوع له حتی یلزم مرادفه بین لفظ الصلاة مع مفهوم ناهی عن الفحشاء.

و ثانیاً: إنّ البرائة تجری هنا أیضاً، لأنّ العنوان و إن کان مبیناً لکن قد یکون تطبیقه علی الأفراد مشکوکاً فتجری البرائة من جهة الشک فی تطبیقه.

3) أمّا الجامع العنوانی البسیط:
اشارة

مثل عنوان المطلوب و نحوه (مثل المقرّب و المحصّل لغرض الشارع).

ص: 287

[إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

أوّلاً: یلزم اتحاد معنی الصلاة و معنی المطلوب.

یلاحظ علیه: قد تقدم أنّ الجامع العنوانی لیس هو الموضوع له حتی یلزم إتحاد معنی الصلاة و معنی المطلوب.

ثانیاً: إنّ الأمر بالصلاة علی هذا هو الأمر بالمطلوب، ولکن فیه أنّ الأمر بالمطلوب بالحمل الأوّلی لا معنی له و الأمر بالمطلوب بالحمل الشائع فیه أنّه إن أرید المطلوب بنفس الطلب المتعلق به لزم الدور علی المشهور و الخلف علی التحقیق لعدم تعدد الوجود فی الطلب و المطلوب الذی هو متعلق الطلب.

و إن أرید المطلوب بطلب آخر فلا خلف کما لا دور و إنّما هو تحصیل للحاصل لأنّ البعث بعد البعث الجدی تحصیل لما حصل بالبعث السابق، حیث إنّ البعث لجعل الداعی و قد حصل من قبل.

4) أمّا الجامع الاعتباری
اشارة

و هو ملاحظة المراتب الواحدة، باعتبار تعلّق غرضٍ واحدٍ بها، و جهة الوحدة الاعتباریة کافیة فی مثل الصلاة التی هی من المرکبات الاعتباریة

[إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

أنّ کل مرتبة من مراتب الصلاة [کالصلاة الثنائیة مثل الصبح و الثلاثیة مثل المغرب و الرباعیة مثل الظهرین و العشائین] لها جهة الوحدة الاعتباریة بوحدة الغرض و لمجموعها من حیث انتزاع الجامع عن جهة الوحدة جهة وحدة اعتباریة أیضا، کما أنّ لأجزاء المرتبة الواحدة أیضاً جهة وحدة الغرض.

ص: 288

فلو قلنا بوضع اللفظ لمجموع الآحاد بالاعتبار فیکون المجموع أیضاً واحداً بالاعتبار فیلزم مقومیة المراتب للمسمّی لا مصداقیتها للمسمّی[یعنی إنّ المراتب تکون أجزاءً للمعنی الموضوع له لا أفراد له].

یلاحظ علیه:

یمکن أن یکون الجامع الإعتباری ما یوجب تحقق الغرض، فیشمل المجموع کما یشمل المراتب بأجزائها.

5) أمّا الجامع الترکیبی التشکیکی
[إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:]

فلایعقل لأنّ التشکیک یتصور فی صدق الطبیعة علی أفرادها بالشدة و الضعف فلو کانت کل مرتبة من الصلاة (مثل الثنائیة و الثلاثیة و الرباعیة) فرداً من مقولة واحدة یمکن فرض التشکیک و لکن کل مرتبة من الصلاة أفراد مختلفة من مقولات مختلفة فلایمکن تصویر التشکیک فیها.

(نعم الکم المنفصل حقیقة تشکیکیة مثلاً عدد العشرین و الثلاثین المراتب التشکیکیة للعدد، فإنّا بعد تجرید عشرین دیناراً و عشرین حجراً و عشرین کذا و کذا عن الخصوصیات الفردیة و أیضاً تجرید ثلاثین دیناراً و هکذا عن الخصوصیات الفردیة نجد عدد العشرین و الثلاثین مراتب تشکیکیة للکم المنفصل فإنّ ما به الاشتراک و ما به الامتیاز فیهما هو العدد و هذا هو التشکیک لکنه مختصّ بالکم المنفصل و الصلاة لیست کماً منفصلاً).

ص: 289

6) أمّا الجامع الترکیبی المختار لمراتب صلاة:

((1))

فإنّ المجموع من أوّل الأمر هو رکعتان من الصلاة کما یستفاد من الأخبار فلاینافی خروج طبیعة التسبیحة من الصلاة أو جعلها بدلاً عن القراءة.

إنّ الماهیة المؤلّفة من عدّة أمور بحیث تُزاد و تنقص، تلاحظ فی مقام الوضع علی نحو مبهم فی غایة الإبهام بمعرفّیة بعض العناوین غیرِ المنفکّة عنها.

فکما أنّ الخمر مثلاً مائع مبهم من حیث اتخاذه من العنب و التمر و غیرهما و من حیث اللون و الطعم و الریح و من حیث مرتبة الإسکارو لذا لایمکن وصفه إلّا ﺑ«مائع خاصّ بمعرفیّة المسکریة» من دون لحاظ الخصوصیة تفصیلاً بحیث إذا أراد المتصوِّر تصوُّره، لم یوجد فی ذهنه إلّا مصداق مائع مبهم من جمیع الجهات إلّا حیثیة المائعیة بمعرِّفیة المُسکریة- کذلک لفظ الصلاة مع هذا الاختلاف الشدید بین مراتبها کمّاً و کیفاً لابدّ من أن یوضع لسنخ عمل، معرّفه النهی عن الفحشاء أو غیره من المعرّفات، بل العرف لاینتقلون من سماع لفظ الصلاة إلّا إلی سنخ عمل خاص مبهم إلّا من حیث کونه مطلوباً فی الأوقات الخاصة و لا دخل لما ذکرناه بالنکرة حیث لم یؤخذ فی ما ذکرنا خصوصیة البدلیة المأخوذة فی النکرة و بالجملة الإبهام غیر التردید و ما ذکرنا لیس بجامع ذاتی مقولی و لا بجامع عنوانی.

و قال فی موضع آخر:((2)) إنّ کیفیة الوضع فی الصلاة علی حدّ وضع سائر ألفاظ المرکبات کالمعاجین، فکما أنّ مسهل الصفراء مثلاً لو کان موضوعاً لعدّة أجزاء فلایتفاوت المسمی بالزیادة و النقصان فی تلک الأجزاء کمّاً، فتراهم یقولون: إنّ

ص: 290


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص101 و106؛ بحوث فی الأصول، ص35.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص106.

مسهل الصفراء کذا و کذا إلی آخر طبائع الأجزاء من غیر تعیین المقدار و إن کان المؤثر الفعلی فی حق کل أحد غیر ما هو المؤثر فی حقّ الآخر و مع ذلک فلا تفاوت فی نفس طبائع الأجزاء، کذلک الصلاة موضوعة لطبیعة التکبیر و القراءة و الرکوع و السجود و غیرها الملحوظة بلحاظ وحدانی غایة الأمر أنّ المطلوب من هذه الطبیعة المرکبة تارةً رکعة و أخری رکعتان و هکذا، کما أنّ المطلوب من طبیعة الرکوع رکوع واحد و من طبیعة السجود سجودان فجیمع مراتب صلاة المختار حتی صلاة المسافر مندرجة فی ذلک من دون التزام بجامع وراء نفس طبائع الأجزاء.

و قال:((1)) و قد التزم بنظیره بعض أکابر فنّ المعقول فی تصحیح التشکیک فی الماهیة جواباً عن تصور شمول طبیعة واحدة لتمام مراتب الزائدة و المتوسطة و الناقصة حیث قال:((2)) نعم، الجمیع مشترک فی سنخ واحد مبهم غایة الإبهام [و

ص: 291


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص102.
2- فی الحکمة المتعالیة، ج2، ص431: «فإن قلت: الکلی الطبیعی موجود عندهم فی الخارج فالأمر المشترک بین المراتب الثلاث موجود فی الخارج و إن کان ظرف عروض الاشتراک إنّما هو الذهن فما بقی عند العقل بعد تجریده عن الزوائد و المشخصات هو مطابق للکامل أو لغیره من الناقص و المتوسط و علی أی تقدیر فلایکون مطابقاً للجمیع و لا مقتضیاً إلّا لمرتبه معینة من المراتب فیکون البواقی من المراتب مستندة إلی أمر خارج عن الطبیعة المشترکة فیلزم خرق الفرض قلت: الکلی الطبیعی علی ما تصورته إنّما یتحقق فی المتواطی من الذاتیات فإنّ الماهیات التی إذا جردت عن الزوائد تکون متفقة فی جمیع الأفراد غیر متفاوتة فیها تنحصر فی المتواطیات و المشکک لیس من هذا القبیل بل کل مرتبة توجد منه فی الخارج فی ضمن شخص أو أشخاص متعددة لو أمکن وجودها فی العقل فهی بحیث إذا جردها العقل عن الخارجیات توجد تلک المرتبة بعینها فی الذهن و کذا حال مرتبه أخری له أیضاً و تلک المراتب المأخوذة عن الأشخاص الخارجیة الموجودة فی الذهن لیست فی التمامیة و النقص بمنزلة واحدة فلاتعرض لواحدة منها الکلیة بالقیاس إلی جمیع الأشخاص المندرجة تحت جمیع المراتب نعم الجمیع مشترک» الخ. و فی بحوث فی الأصول، ص36: «و نظیره ما عن بعض الأکابر فی تصور الجامع التشکیکی بین مراتب نوع واحد مع بنائه علی أنّ المراتب مراتب نوع واحد و أنّ ذاتی نوع واحد تارة شدید و أخری ضعیف لا أن النوع الواحد و هو البیاض بالنسبة إلی مراتبه کالجنس بالإضافة إلی أنواعه و لا أنّ التشکیک بالشدة و الضعف فی وجود البیاض مثلاً بل حقیقة البیاض بما هی متقومة بذاتیین و هما جنسها و فصلها شدیدة تارة و ضعیفة أخری فذکر فی مقام تصور الجامع بین المراتب و هو ذلک النوع الواحد الذی هو بذاته شدید تارة و ضعیف أخری أنّ ذلک النوع لوحظ بنحو الإبهام من حیث تمام الحقیقة و نقصها فلیس هذا الإبهام کإبهام الجنس بالنسبة إلی أنواعه و لا کإبهام النوع بالنسبة إلی الخصوصیات المفردة الخارجة عن الحقیقة فهذا قسم آخر من الإبهام فی قبال سائر الأقسام».

هو الإبهام] بالقیاس إلی تمام نفس الحقیقة و نقصها وراء الإبهام الناشئ فیه عن الاختلاف فی الأفراد بحسب هویاتها.

و قال (قدس سره) فی بحوث فی الأصول:((1)) إنّ الواضع یلاحظ هذا المرکب الاعتباری من مقولات متباینة مبهماً من حیث ذاتیات تلک المقولات مع حفظ المقولة بالحمل الشائع کحفظ النوع فی مراتب التشکیک فینظر إلی مصداق عمل هو عین المرکب من مقولات خارجاً مع عدم النظر إلی ذاتیات تلک المقولات و لاینظر إلی مفهوم العمل حتی یکون الوضع لجامع عنوانی، و کما یلاحظ مهملاً من حیث ذاتیات تلک المقولات، کذلک یلاحظ مبهماً من حیث الوحدة و التعدد و الزیادة و النقص.

و کلما زیدَ إبهام الملحوظ اتّسعت دائرته. فافهم أو ذره لأهله.

ملاحظتنا علیها:

(2)

الحق وجود الجامع العنوانی و الاعتباری و الترکیبی.

ص: 292


1- بحوث فی الأصول، ص36.
2- . فی منتهی الأصول، ص56: «و أنت تدری بأنّ مراده إن کان إبهام الماهیة من حیث ذاتیاتها فهذا معنی غیر معقول لأنّ الذاتی لایختلف و لایتخلف لأنّ اختلافه أیضاً یرجع إلی تخلفه و تخلفه خلف ... و الإنصاف أن کون مراده من الماهیة الماهیة الذاتیة المقولیة بعید لایلائم کلامه و أمّا إن کان مراده من الماهیة المبهمة المفهوم الانتزاعی من أحد هذه المرکبات التی صارت متعلقة للأوامر الشرعیة – و ذلک کأغلب العبادات- فالإبهام لابدّ و أن یکون فی منشأ الانتزاع» الخ ثمّ قال: «فتلخص من جمیع ما ذکرنا أنّ کون الجامع بین أفراد الصلاة مثلاً ماهیة مبهمة من حیث قلة الأجزاء و کثرتها و دخول بعض الأشیاء و خروج ذلک البعض فی حین آخر غیر معقول». و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص198: «فیه إن أرید أنّ المسمی مبهم ثبوتاً فهو غیر معقول حتی فیما یصطلح علیه بالمبهمات فضلاً عن أسامی العبادات أو المعاملات التی هی کأسماء الأجناس فإنَّ المبهمات لا إبهام فیها من حیث المعنی و المفهوم الموضوع له اللفظ و إنَّما إبهامها من حیث انطباقها فی الخارج و إن أرید انَّ المسمّی معنی عرضی یشار به إلی واقع تلک المرکبات فیکون مبهماً لعدم تبیّن المرکب المشار إلیه به - کعنوان الجامع لما أمر به الشرع- فهو خلاف الوجدان العرفی و المتشرّعی القاضی بأنَّ أسامی العبادات و المعاملات کأسماء الأجناس تحکی عن عناوین تفصیلیة حقیقیة». و فی منتقی الأصول، ص223: «و أمّا ما جاء فی تقریرات بحث السیّد الخوئی (حفظه الله) من الإیراد علیه أوّلاً: من إنکار الإبهام فی الماهیات الاعتباریة و انّ للصلاة حقیقة متعینة لدی مخترعها بل لایعقل دخول الإبهام فی تجوهر ذات الشیء فإنّ الشیء فی مرتبة ذاته متعین و إنّما الإبهام یکون بلحاظ الطواری الخارجیة و علیه فالعمل المبهم لایمکن أن یکون جامعاً ذاتیاً لعدم معقولیته و لا عنوانیاً لما عرفت من نفیه و ثانیاً: من أنّ المقصود فی تصویر الجامع تعیین المسمی المأخوذ فی متعلق الأمر و ظاهر عدم کون الجامع المزبور متعلقاً للأمر و إنّما متعلق الأمر هو نفس الأجزاء المتقیدة ببعض القیود و من هنا کان المتبادر عرفاً کمیة من الأجزاء و الشرائط المأخوذة فی متعلق الأمر لا العمل المبهم إلّا من حیث کونه مطلوباً کما یدعیه المحقق الأصفهانی (قدس سره) و ثالثاً: بأنّ المقصود بالنهی عن الفحشاء المأخوذ فی هذا الجامع إن کان هو النهی الفعلی توقف ذلک علی قصد القربة فی المسمی لدخالته فی فعلیة النهی عن الفحشاء و لایلتزم بدخوله القائل لامتناع أخذه فی متعلق الأمر و إن کان النهی الاقتضائی کان ذلک أعمّ من الصحیح و الفاسد لأنّ العمل الفاسد بالنسبة إلی شخص فیه اقتضاء النهی عن الفحشاء بحیث لو صدر من أهله کان مؤثراً فعلاً» الخ و لکن أجاب عن جمیعها. و راجع أیضاً جواهر الأصول، ص304 و تحریرات فی الأصول، ص214.

و لابدّ لبیان ذلک من مقدمتین:

المقدمة الأولی: إنّه یلتزم بوجود الجامع العنوانی فی ناحیة الموضوع له حیث

ص: 293

صرّح فی نهایة الدرایة ((1)) بأنّ الأثر الواحد العنوانی مثل النهی عن الفحشاء یکشف عن المؤثِّر الواحد العنوانی.

المقدمة الثانیة: إنّ کلامه فی الجامع فی المعنی الموضوع له و لکن قلنا: علی فرض إبهام الموضوع له عندنا یمکن تعریفه بجامع آخر یعرّفه.

تصویران للجامع العنوانی:

التصویر الأوّل للجامع العنوانی:((2)) أن یکون الوضع بمعرّفیة الأثر کالنهی عن الفحشاء لما یؤثّر فیه بعنوانه الواقعی غیرِ المعلوم لنا، بحیث یکون الوضع عاماً و الموضوع له عاماً، و هو مجموع هذه الأمور الدخیلة فی الغرض، المعنونة بالعنوان الملزوم للغرض، و هذه الأمور التی یکون مجموعها الصلاة، یعرّفها الأثر المعلوم لنا و ملزومه المعلوم للآمر و الواضع، لکنها ذات عرض عریض من حیث جزئیة هذه الأفعال فی حال الاختیار و الحضور، و عدم جزئیة بعضها فی حقّ المسافر و جزئیة بعضها للملتفت و عدمها لغیره و هکذا. فجمیع أفراد الصلاة بما لها من الأبدال للأصناف المختلفة صلوات ملزومة للنهی عن الفحشاء و لاتکون إحداها صلاة و الأخریات أبدالها بل کلها تسمی صلاة و تکون مأموراً بها فإنّ إطلاق الصلاة علی صلاة الصبح و المغرب کإطلاق الإنسان علی العالم و الشاعر و نحوهما.

التصویر الثانی للجامع العنوانی: بمعرّفیة الجامع البسیط من حیث تقیید المعنی الموضوع له بهذا الجامع مع خروج القید عنه.

ص: 294


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص100.
2- و هی نظریة أستاذنا العلّامة البهجة (قدس سره) فی مباحث الأصول، ص112.

بیانه: إنّ الموضوع له حصّة ذات الصلاة المطلوب وجودها أو المقرِّب وجودها أو المحصِّل وجودها للغرض، و لکن لا بوصف المطلوبیة أو المقرّبیة أو المحصّلیة للغرض، فهذه العناوین معرّفة لحصة الموضوع له من ذات الصلاة من دون دخلها فی الموضوع له و لذا لایرد علی هذا التصویر إشکال الدور و الخلف و تحصیل الحاصل.

تصویر الجامع الاعتباری:

أمّا الجامع الاعتباری بمعرّفیة الجامع البسیط الاعتباری، علی النحو الذی قرّرناه فی التصویر الثانی للجامع العنوانی، فإنّ الموضوع له حصّة ذات الصلاة التی توصف بالصحّة علی أن یکون القید (التوصیف بالصحة) خارجاً عن الموضوع له. أمّا مقوّمیة المراتب للعنوان الجامع باطل، لأنّ العنوان الجامع أخذ لا بشرط مثل الواحد.

تصویران للجامع الترکیبی:

و التصویر الذی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) صحیح و لایرد علیه ما أورده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات((1))حیث توهم أنّ هذا التصویر جامع ذاتی، مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح فی نهایة الدرایة((2)) بأنّه لیس جامعاً مقولیاً ذاتیاً و لا عنوانیاً و لعل تنظیر المقام بما قاله صدر المتألهین (قدس سره) فی التشکیک فی الماهیة، أوقعه فی هذا التوهم.

ص: 295


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص154 و ط.ج. ص175.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص102.
تصویر آخر للجامع الترکیبی:

و لنا تصویر آخر للجامع الترکیبی مع فرض الإبهام فإنّ جامع الصحیحی هو أقلّ الأجزاء و الشرائط الذی تکون الصلاة معها صحیحة و الصلاة بالنسبة إلیها بشرط شیء، أمّا بعض الأجزاء و الشرائط مثل القراءة أجزاء لابشرط بالنسبة إلی الصلاة و ماهیة الصلاة بالنسبة إلی تلک الأجزاء مبهمة.

أمّا بقیة خصوصیات الصلاة مثل تعداد الرکعات بالنسبة إلی الأوقات المختلفة فهی خارجة عن الماهیة بل تکون من الخصوصیات المعتبرة فی الأفراد بحیث لولا تلک الخصوصیات لاتکون الأفراد مصادیقَ و أفراداً لماهیة الصلاة.((1))

ص: 296


1- هنا وجوه أخر لتصویر الجامع عند الصحیحی: 1) فی منتهی الأصول، ص58: «الرابع ما خطر بالبال و هو أنّه لا شک فی أنّ بین أفراد کل نوع من الأنواع و الماهیات المتأصلة الموجودة فی الخارج سنخیة وجودیة و هذه السنخیة غیر السنخیة التی بین جمیع الوجودات و تکون زائدة علیها ... فنقول: من الممکن أن یکون اللفظ موضوعاً لذلک السنخ الواحد و بعبارة أخری السنخیة معنی مشترک بین جمیع أفراد ذلک النوع فلیکن ذلک هو الجامع المطلوب فی هذا المقام و یکون هو الموضوع له لألفاظ العبادات کل واحد منها للسنخیة التی بین أفراد نوعه». 2) فی المحکم فی أصول الفقه، ص180: «قد ذکر شیخنا الأعظم (قدس سره) أنّه لا مجال لتقریر الجامع بنحو یشمل تمام أفراد الصحیح ... و حینئذٍ ذکر - کما فی التقریرات- أنّ الوجه هو الالتزام بأنّ الموضوع له هو خصوص الأجزاء و الشرائط الشخصیة الثابتة فی حق القادر المختار العالم العامد من دون حاجة إلی فرض جامع عنوانی بسیط بینها و لیس ما ثبت فی حق غیره من أفراد المسمی الحقیقة بل هو بدل مسقط عنه» الخ. 3) فی المحکم، ص183: «ربّما یقرّر الجامع الصحیحی بوجه لابدّ فی توضیحه من مقدمة ... و هی أنّه لا إشکال فی تعیّن الماهیات الحقیقة تبعاً لحدودها الواقعیة ... إذا عرفت هذا فاختلاف أفراد الصحیح فی الأجزاء و الشرائط سنخاً و کما لایمنع من فرض جامع اعتباری بینها قد أخذت فیه خصوصیات الأجزاء بنحو التردید، تبعاً لاختلاف الأفراد فیها، إلّا أنّه لابدّ فیه من لحاظ جهة تجمع شتات أفراده المختلفة و تقصر عن غیرها من أفراد الفاسد و الإشکال إنّما هو فی تعیین تلک الجهة» الخ. 4) فی تحریرات فی الأصول، ص217: «تنبیه حول ما جعله الأستاذ البروجردی (قدس سره) جامعاً للأخصی ... و ملخّص ما قاله هو أنّ الصلاة لیست عبارة عن نفس الأقوال و الأفعال المتباینة المتدرجة بحسب الوجود - حتی لایکون لها حقیقة باقیة إلی آخر الصلاة محفوظة فی جمیع المراتب و یترتب علی ذلک عدم کون المصلی فی حالة السکونات المتخللة مشتغلاً بالصلاة - بل هی عبارة عن حالة توجه خاص یحصل للعبد و یوجد بالشروع فیها و یبقی ببقاء الأجزاء و الشرائط و یکون هذا المعنی المخصوص کالطبیعة المشککة لها مراتب متفاوتة تنتزع فی کل مرتبة عمّا اعتبر جزء لها انتهی». 5) فی بحوث فی علم الأصول، ص193: «الأوّل و هو الوجه المختار أنّه لا موجب لافتراض أخذ کل الأجزاء و الشرائط المعتبرة فی الأفراد الصحیحة جمعاً فی الجامع الترکیبی لیستحیل صدقه علی الفاقد لبعضها، بل یؤخذ فی الجامع الترکیبی ما یلی: أوّلاً: القیود المعتبرة فی صحة الفعل مطلقاً و فی جمیع الحالات کقصد القربة فتؤخذ فی الجامع الترکیبی تعییناً. ثانیاً: القیود المعتبرة فی الفعل بنفسها أو ببدلها العرضی التخییری کالفاتحة و التسبیحات الأربع فی الأخیرتین فیؤخذ فی الجامع الترکیبی الجامع بینها و بین بدلها العرضی. ثالثاً: القیود المعتبرة فی الفعل بنفسها أو ببدلها العرضی التعیینی... فیؤخذ الجامع بینها و بین بدلها مع تقیید کل منهما بموضوعه فیکون صادقاً فی الحالتین معاً. و رابعاً: القیود المعتبرة و لها بدل طولی ... و خامساً القیود المعتبرة فی حال الاختیار و نحوه فقط من دون بدل عنها فی غیر تلک الحال» الخ.
ما الجامع عند الأعمی؟ (هنا ثلاثة تصاویر)
التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره)

(1)

الجامع عبارة عن جملةٍ من أجزاء العبادة کالأرکان و سائر الأجزاء و الشرائط دخیلةٍ فی المأمور به لا الموضوع له.

ص: 297


1- . فی القوانین، ص60: «تنبیه یمکن أن یستفاد ممّا ذکرنا فی هذا المقام من باب التأیید و الإشارة و الإشعار کون مهیة الصلاة مثلاً هو التکبیر و القیام و الرکوع و السجود و یکفی فی تحقق کل ذلک مجرّد حصول المهیة و أمّا الزاید علی الماهیة و غیرها من الواجبات فشروط و زواید و لعلّه إلی ذلک ینظر اصطلاح العلماء فی الأرکان و جعل الرکن فی کل من المذکورات المسمّی و إنّ بانتفاء کل منها ینتفی المرکب و جعل لباقی الواجبات أحکام أخر فلیتأمل». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص163 و ط.ج. ص185: «فقد أصبحت النتیجة أنّه لا مانع من الالتزام بأنّ الموضوع له هو خصوص الأرکان و لایرد علیه شیء ممّا تقدم». و راجع الکفایة، ص25 و حقائق الأصول، ص61 و عنایة الأصول، ص69.

هنا ثلاثة تصاویر: إشکالات ثلاثة لصاحب الکفایة (قدس سره) علی التصویر الأوّل:

((1))

الإشکال الأوّل:((2))

إنّ الصلاة تصدق عرفاً علی ما کانت مشتملة علی تمام الأجزاء و الشرائط إلّا بعض الأرکان و لازم هذه النظریة عدم صدقها.

هنا ثلاثة تصاویر: أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

إن کانت الصلاة فاقدة لطبیعی الرکوع فی جمیع الرکعات أو لطبیعی السجود فی جمیع الرکعات فهی لیست بصلاة حقیقة و إنّما هو شکل صلاة.

و أمّا إن کانت الصلاة مشتملةً علی طبیعی الرکن و کانت ناقصةً فی العدد بأن کانت مشتملةً علی رکوع واحد فهی صلاة.

ص: 298


1- و فی منتقی الأصول، ص226، بعد ذکر التصویر الأوّل: «و ناقشه المحقق النائینی (رحمة الله) بما حاصله انّ الدعوی المذکورة تنحل إلی دعویین: إحداهما: الوضع للأرکان. الثانیة: عدم دخول سائر الأجزاء و الشرائط فی الموضوع له أمّا الدعوی الأولی فیردها ... و أمّا الدعوی الثانیة فیردها أنّه إمّا أن یلتزم بخروج سائر الأجزاء و الشرائط مطلقاً و دائماً و إمّا أن یلتزم بخروجها عند عدمها» الخ. و فی تحریرات فی الأصول، ص218، بعد ذکر التصویر الأوّل: «هذا هو مختار بعض المعاصرین و قد دافع عمّا توجّه إلیه فی کلمات القوم و لکنّ الذی یتوجّه إلیه و لیس مدفوعاً عنه و لایمکن دفعه هو أنّ المسمّی و الموضوع له لیس الأمر الشرعی و المعنی المخترع الإسلامی» الخ.
2- فی الکفایة، ص25: «و فیه ما لایخفی فإنّ التسمیة بها حقیقة لاتدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الإخلال ببعض الأرکان ... عند الأعمی».
3- الدراسات، ص81.

الإشکال الثانی:((1))

إنّ الصلاة لاتصدق علی ما کانت مشتملة علی جمیع الأرکان و فاقدة لسائر الأجزاء و الشرائط مع أنّ لازم هذه النظریة صدقها.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):((2))

إنّا نلتزم بصدقها علیها بل ربما تکون صحیحة و مجزیة کما فی صورة نسیان سائر الأجزاء، مثلاً فرضنا أنّه کبّر و نسی القراءة فرکع و نسی الذکر فرفع رأسه و سجد و نسی ذکر السجود و التشهد و هکذا إلی أن سلّم فبمقتضی حدیث لاتعاد نقول بإجزاء تلک الصلاة فضلاً عن صدق الصلاة علیها.

الإشکال الثالث: (3)

یلزم أن یکون الاستعمال فی مجموع الأرکان و الأجزاء و الشرائط مجازاً عند

ص: 299


1- فی الکفایة، ص25: «بل و عدم الصدق علیها مع الإخلال بسائر الأجزاء و الشرائط عند الأعمی». و فی عنایة الأصول، ص70، بعد ذکر الإشکال الأوّل و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره): «هذا محصّل الجواب و قد أخذه المصنف من صاحب التقریرات قال أعلی الله مقامه ما لفظه: فجعل یعنی المحقق القمی الأرکان مدار صدق التسمیة و لازمه انتفاء الصدق بانتفاء أحد الأرکان و إن اشتملت علی بقیة الأجزاء و الصدق مع وجودها و إن لم یشتمل علی شیء من الأجزاء و الشرائط و هو ممّا ینبغی القطع بفساده لأنّه منقوض طرداً و عکساً کما لایخفی انتهی».
2- الدراسات، ص81.
3- . فی الکفایة، ص25: «مع أنّه یلزم أن یکون الاستعمال فی ما هو المأمور به - بأجزائه و شرائطه- مجازاً عنده [أی الأعمی] و کان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل لا من باب إطلاق الکلی علی الفرد و الجزئی کما هو واضح و لایلتزم به القائل بالأعم فافهم». و فی عنایة الأصول، ص70، بعد ذکر هذا الإشکال من صاحب الکفایة: «و قد أخذ المصنف هذا الجواب من التقریرات أیضاً قال أعلی الله مقامه فی ذیل الرّد علی الوجه الأوّل ما لفظه: فإن قلت: نحن لانقول بأنّ تلک الأرکان المخصوصة قدر مشترک بین الزائد و الناقص لیلزم ما ذکر من المحذور بل نقول إنّ لفظة الصلاة مثلاً موضوعة للأرکان المخصوصة و باقی الأجزاء خارجة عنها و عن المسمّی لکن مقارنتها لغیرها لایمنع من صدق اللفظ علی مسمّاه. قلت: ذلک أیضاً ممّا لایلتزم به القائل المذکور إذ بناء علی ذلک یصیر استعمال اللفظ فی الصحیحة المستجمعة للشرائط و الأجزاء من قبیل استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل و هو مجاز قطعاً و الظاهر من کلامه کونه انتهی موضع الحاجة من کلامه».

الأعمی و کان من باب استعمال اللفظ الموضوع للجزء فی الکل، لا من باب إطلاق الکلی علی الفرد و الجزئی و لایلتزم به الأعمی.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ الموضوع له هو الأرکان و لکن الصلاة بالنسبة إلی سائر الأجزاء و الشرائط لابشرط مثلاً اسم الدار یصدق علی ما یکون له الحائط و الغرفة و أمّا السرداب فالدار بالنسبة إلیه لابشرط فإن وجد فهو جزء الدار و إن لم یوجد فلایضر بصدق عنوان الدار. فالصلاة بالنسبة إلی الأرکان بشرط شیء و بالنسبة إلی سائر الأجزاء و الشرائط لا بشرط. فإطلاق الصلاة علی الأرکان مع سائر الأجزاء و الشرائط من باب إطلاق الکلی علی فرده.

التصویر الثانی: ما نسبه الشیخ الأنصاری (قدس سره) إلی المشهور
اشارة

((1))

إنّ الصلاة موضوع بإزاء معظم الأجزاء و یدور صدقه مداره وجوداً و عدماً.

ص: 300


1- فی عنایة الأصول، ص71: «قال فی التقریرات: الثانی ما نسبه البعض إلی جماعة من القائلین بالأعم بل قیل و هو المعروف بینهم أنّ لفظة الصلاة موضوعة لمعظم الأجزاء و هو ما یقوم به الهیأة العرفیة و معها لایصحّ سلب الاسم عنها فکلّما حصل صدق الاسم عرفاً یستکشف به عن وجود المسمّی فیه فعلی هذا عکسه و طرده سلیمان عن الانتقاض انتهی موضع الحاجة من کلامه». و فی تحریرات فی الأصول، ص220: «و ما یتوجّه إلی هذه المقالة من أنّ سائر الأجزاء و الشرائط إن کانت داخلة فلاتحقق للمسمّی بدونها و إن کانت خارجة فإطلاقها علی المجموع مجاز مدفوع بما تقرّر فی کتاب الصلاة» الخ.
هنا ثلاثة تصاویر: إشکالان لصاحب الکفایة (قدس سره) علی التصویر الثانی:

((1))

الإشکال الأوّل:((2))

و هو بعینه الإشکال الثالث الذی أورده علی التصویر الأوّل.

هنا ثلاثة تصاویر: أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

(3)

الجواب هو ما مضی سابقاً من أنّ معظم الأجزاء الذی أخذ مقوّماً للمرکب

ص: 301


1- و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص79: «إن کان مراد القائل مفهوم الأجزاء أو مفهوم معظم أجزاء الصلاة أو مفهوم أجزاء المطلوب بأمر "أقیموا الصلاة" أو الصحیح من الصلاة فتحصیله دوری لأنّ تحصل هذه المفاهیم متوقف علی تحصل مفهوم الصلاة و مفهوم الصلاة متوقف علی المفاهیم المفروضة فیدور و إن کان مراده مصداق معظم الأجزاء فمصادیقه کثیرة فلابدّ من الالتزام بتعدّد الوضع أو الوضع لواحد منها و کلاهما خلاف مطلوبه و خلاف الواقع». و فی منتهی الأصول، ص62، بعد أن ذکر التصویر الثانی بقوله: «و منها ما نسب إلی المشهور من أنّ الموضوع له معظم الأجزاء» قال: «أی ما یصدق علیه هذا المفهوم لا نفسه إذ المفاهیم - بما هی فی صقع الأذهان- لاتترتب علیها الآثار التی رتّبها الشارع علی کل واحد من هذه العبادات ... فلاینبغی أن یسند إلی المشهور مثل هذا المعنی الواضح البطلان و مع ذلک أیضاً لایمکن المساعدة معهم لأنّ مصداق معظم الأجزاء یختلف و یتبدّل بحسب حالات المکلفین قطعاً و الذاتی لایختلف و لایتخلف». و فی تحریرات فی الأصول، ص221: «یتوجّه إلی هذه المقالة أنّ الصلوات المشتملة علی الأجزاء الیسیرة عند الاضطرار لیست بصلاة حقیقة و لعلّهم یلتزمون بذلک بدعوی مساعدة العرف علی مجازیة تسمیة صلاة الغرقی و المیّت و بعض الأفراد الأخر صلاة ... ثانیاً: أنّ المراد من المعظم إن کان ما هو العظیم من حیث الدخالة فی الاسم بنظر العرف فهو مجهول و إن کان بنظر الشرع فهی راجعة إلی القول الأوّل فی الجامع و إن أرید منه أکثریة الأجزاء لا الأرکان کما هو المتفاهم منه فکثیر من الصلوات المشتملة علی الرکوع و السجدة و التکبیرة و السلام أو بعض الأجزاء الأخر - عوضاً عمّا ذکرناها- صلاة عرفاً و فاقدة للمعظم».
2- فی الکفایة، ص25: «و فیه مضافاً إلی ما أورد علی الأوّل أخیراً» الخ.
3- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص167 و ط.ج. ص190: «بما حقّقناه فی الوجه الأوّل من أنّ المسمی قد اعتبر لابشرط بالإضافة إلی الزائد قد تبیّن الجواب عن الإیراد الأوّل» الخ. و فی عنایة الأصول، ص72: «أقول: أمّا الجواب الأوّل من لزوم التجوّز إذا استعمل اللفظ فی المستجمع لتمام الأجزاء و الشرائط بل مطلق ما زاد علی معظم الأجزاء فقد عرفت أنّه لم یتم لما یرد من النقض علی الصحیحی أیضاً إذا استعمل اللفظ فی المستجمع لتمام المستحبات الخارجة عن ماهیة الصلاة فما به الجواب علی القول بالصحیح یکون هو الجواب علی القول بالأعم».

مأخوذ لابشرط بالقیاس إلی بقیة الأجزاء فهی داخلة فی المسمی عند وجودها و خارجة عنه عند عدمها.

الإشکال الثانی:

إنّه علیه یتبادل ما هو المعتبر فی المسمی فیکون شیء واحد داخلاً فیه تارةً و خارجاً عنه أخری، بل مردّداً بین أن یکون هو الخارج أو غیرُه عند اجتماع تمام الأجزاء [و ببیان آخر یلزم أن یکون المرکّب بالنسبة إلی بعض الأجزاء من قبیل الفرد المردّد الذی لا واقع له]. ((1))

ص: 302


1- فی عنایة الأصول، ص72، بعد ذکر الإشکال الأوّل و الثانی: «هذا محصل الجوابین و قد أخذهما المصنف من صاحب التقریرات قال أعلی الله مقامه فی مقام الجواب عن الوجه الثانی ما لفظه: لکن یرد علیه أنّه إن أرید أنّ اللفظ موضوع لمفهوم معظم الأجزاء الذی لایختلف ذلک المفهوم باختلاف مصادیقه ففساده غنی عن البیان بداهة أنّ لفظ الصلاة لایرادف لفظ معظم الأجزاء و إن أرید أنّه موضوع لمصداقه فلا ریب فی اختلاف تلک المصادیق بواسطة تبادل الأجزاء وجوداً و عدماً إلی أن قال: مضافاً إلی استلزامه أن یکون استعمال اللفظ فی ما زاد عن معظم الأجزاء مجازاً صحیحة کانت أو فاسدة انتهی موضع الحاجة من کلامه». و فی منتقی الأصول، ص227، بعد ذکر الإشکال و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره): «و بعین هذا الإیراد أورد المحقق النائینی (قدس سره) علی الوجه المذکور لکنّه صحّح کون الجامع هو المعظم بنحو آخر». و فی منتهی الأصول، ص62: «و أمّا ما أفاده شیخنا الأستاذ فی تصویر هذا الوجه و تصحیحه - بأنّ الموضوع له هو مصداق هذا المفهوم بنحو الکلی فی المعیّن مثلاً الصلاة مرکبة من عشرة أجزاء فالستة أو السبعة أو الثمانیة من هذه الأجزاء العشرة بنحو الکلی فی المعیّن بمعنی أنّه ینطبق علی أی ستة مثلاً من هذه العشرة مثل أن یبیع صاعاً من هذه الصیعان و له اختیار التطبیق علی أی صاع أراد من هذه الصیعان الموجودة فی الخارج - فمن أعجب ما صدر منه رضوان الله تعالی علیه و ذلک لأنّ فی باب الکلی فی المعیّن الحکم علی نفس الطبیعة المقیّدة بکونها من هذا الموجود الخارجی بمعنی تضییق دائرة انطباقها بواسطة ذلک التقیید و أمّا فی ما نحن فیه فلیس الارتباط أو الهوهویة و العلاقة المجعولة - بین اللفظ و طبیعة کلیة- تضییقاً فی انطباقها بواسطة تقییدها بکونها من هذا الخارج الموجود بل لابدّ و أن یکون الموضوع له مصداق مفهوم ستة من العشرة مثلاً المرددة بین أن تکون هذه الستة أو تلک الستة أو غیرهما من مصادیق الستة فالأولی أن یقاس ما نحن فیه بالفرد المردّد لا بالکلی فی المعیّن».

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):((1))

إنّ معظم الأجزاء أخذ بواقعها فی الموضوع له و معنونه یختلف باختلاف المرکب نفسه مثلاً معظم أجزاء صلاة الصبح بحسب الکم غیر معظم أجزاء صلاة العشاء و هکذا.

فالمقوم للمرکب أحد أمور علی البدل فقد یکون المقوم للمرکب أربعة أجزاء و قد یکون ثلاثة أجزاء و لا مانع من الالتزام بذلک فی المرکبات الاعتباریة.

فالزائد علی معظم الأجزاء عند وجوده دخیل فی الموضوع له (ماهیة الصلاة)

ص: 303


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص167 و ط.ج. ص190: «إنّ عند اجتماع تمام الأجزاء کان المسمّی هو تمام الأجزاء لاخصوص بعضها لیقال: إنّه أمر مردّد بین هذا و ذاک و إن شئت فقل: إنّ اللفظ لم یوضع بإزاء مفهوم معظم الأجزاء و إلّا لترادف اللفظان و هو باطل قطعاً، بل هو موضوع بإزاء واقع ذلک المفهوم و معنونه» الخ. و فی عنایة الأصول، ص73: «و أمّا الجواب الثانی فهو فی مثل الصلاة التی لها الاختلاف الفاحش بحسب الحالات و الأوقات و إن کان صحیحاً وارداً علی الأعمی لعدم کون معظم الأجزاء فیها أمراً مضبوطاً معیّناً کی یمکن دعوی وضع اللفظ له حقیقة و لکن فی غیر الصلاة من سایر المرکبات التی لیس لها هذا الاختلاف هو أمر مضبوط معیّن واقعاً یمکن دعوی وضع اللفظ له حقیقة و بالجملة أنّ لسائر المرکبات أجزاء رئیسیة معیّنة مضبوطة لا متبادلة و لا مردّدة هی مدار التسمیة و الصدق العرفی و علیه فمذهب الأعمی فی غیر مثل الصلاة ممّا لیس له هذا الاختلاف أمر معقول ثبوتاً بعد تصوّر القدر الجامع له».

و عند عدمه خارج عنها فالموضوع له هو مفهوم وسیع جامع لجمیع شتاته و متفرقاته لا خصوص المعظم بشرط لا و لا مرتبة خاصة منه، و لذا یصدق علی القلیل و الکثیر و الزائد و الناقص علی نسق واحد.

ملاحظة من المحقق الخوئی (قدس سره) لتصحیح التصویر الثانی:

((1))

لابدّ من اعتبار الموالاة و الترتیب أیضاً فی المسمّی، إذ بدونهما لایصدق علی المعظم عنوان الصلاة فالمختار للمحقق الخوئی (قدس سره) هذان الوجهان.

تتمیم بیان لنظریة المحقق الخوئی (قدس سره):((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعبّر عن جامع الأعمی الذی اختاره (بیان المحقق القمی (قدس سره) و التصویر الثانی) بالجامع الذاتی و صرّح فی المحاضرات((3)) بجواز تصویر جامع ذاتی للأعم من الصحیحة و الفاسدة، فاللفظ عنده موضوع للأرکان بمراتبها علی سبیل البدل لا للجامع بینها، حیث إنّ الأرکان فی صلاة الصبح و فی صلاة المغرب و فی الصلوات الرباعیة (الظهرین و العشاء) مختلفة.

إنّ الأرکان علی ما نطقت به الروایات عبارة عن التکبیر و الرکوع و السجود و الطهارة -الأعم من الطهارة المائیة و الترابیة- و المراد من الرکوع و السجود أعم ممّا هو وظیفة المختار أو المضطر (أی الرکوع و السجود الإیمائی) و هکذا

ص: 304


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص167 - 168 و ط.ج. ص191: «و من جمیع ما ذکرناه یستبین أنّه لا بأس بهذا الوجه أیضاً مع الإغماض عن الوجه الأوّل بأن یکون اللفظ موضوعاً للمعظم لا بشرط هذا مع اعتبار الموالاة و الترتیب أیضاً فی المسمّی إذ بدونهما لایصدق علی المعظم عنوان الصلاة».
2- المحاضرات ط.ق: ج1، ص163- 165 و ط.ج: ص186-188، تذییل.
3- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص169 و ط.ج: ص192.

یعتبر فی صدق الصلاة تحقق الموالاة و الترتیب و هنا بحث فی التسلیم.

التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): علی ما تصورنا الجامع، فالصحیحی و الأعمی فی إمکان الجامع علی حدّ سواء، لما عرفت أنّ مراتب الصحیحة و الفاسدة متداخلة.

بیانه: إنّ لفظ الصلاة إن وضع بإزاء ذاک العمل المبهم من جمیع الجهات بمعرفیة حیثیة کونها ناهیةً عن الفحشاء فعلاً فالوضع یختصّ بالصحیحة.

و إن وضع بإزاء المبهم بمعرّفیة اقتضاء النهی عن الفحشاء دون الفعلیة، فالوضع للمعنی الأعمّ، فإنّ کلّ مرتبةٍ من مراتب الصلاة، لها اقتضاء النهی عن الفحشاء لکن فعلیة التأثیر، موقوفة علی صدورها من أهلها، لا ممّن هو أهل للمرتبة الأخری (مثل المسافر الذی هو أهل للقصر لا للإتمام) و حیثیة الصدور عند الأعمی لیست من أجزاء الصلاة.

استشکل علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلاً: هذا یتوقف علی صحّة تصویره للجامع الصحیحی مع أنّه ممنوع.

ص: 305


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص113. و اختاره أیضاً فی منتقی الأصول، ففی ص236: «بعد هذا کلّه یتضح أنّه لایمکن تصویر الجامع بنحو یکون معقولاً و خالیاً عن المحذور ثبوتاً و إثباتاً إلّا ما التزم به المحقق الإصفهانی و وافقه علیه المحقق النائینی (قدس سره) من کونه سنخ عمل مبهم إلّا من بعض الجهات و هو قابل للانطباق علی الکثیر و القلیل و تکون نسبته إلی الأفراد نسبة الکلّ إلی أفراده و الطبیع إلی مصادیقه».
2- الدراسات، ص78.

ثانیاً: إنّ ما أفاده لیس کلیاً من الطرفین، إذ کل ما یکون صحیحاً یمکن فرضه فاسداً و لکن لیس کل ما یکون فاسداً یمکن فرضه صحیحاً؛ کالصلاة بلا طهور أو بلا رکوع أو مع خمسة رکوعات.

الجواب عن إشکال المحقق الخوئی (قدس سره):

أمّا ما استشکله أوّلاً فهو علی المبنی المختار عنده و لکن سبق منا التصاویر المتعددة للجامع الصحیحی.

أمّا ما استشکله ثانیاً فإنّ مبناه لایتوقف علی کلیة ذلک کما توهّمه، بل إنّه أشار بحیثیة الصدور من أهله إلی أنّ کلّ ما کان من مراتب الصلاة، لها اقتضاء النهی عن الفحشاء و لکن صحتها و فعلیة تأثیرها، متوقف علی حیثیة الصدور من أهله، فعلی هذا إنّ الفرق بین الصلاة الصحیحة و الفاسدة التی یصدق علیها الصلاة هو أنّ الاقتضاء فی الصحیحة بلغ إلی حدّ الفعلیة و لکن فی الصلاة الفاسدة التی یصدق علیها الصلاة لم یبلغ هذا الاقتضاء إلی حدّ الفعلیة و هذا إمّا من جهة صدورها من غیر أهلها فی ما إذا تمّت من سائر الجهات (الأجزاء و الشرائط) و إمّا من جهة فقدان شرطها مثل فقدان الطهارة أو فقدان جزئها و المحقق الإصفهانی (قدس سره) لایقول بانحصار وجه عدم البلوغ إلی الفعلیة فی عدم صدورها من أهلها حتی یستشکل علیه بهذا البیان.((1))

ص: 306


1- هنا وجوه أخر ذکرت للجامع علی القول بالأعم: 1) فی الکفایة، ص26: «ثالثها: أن یکون وضعها کوضع الأعلام الشخصیة ک (زید) فکما لایضرّ فی التسمیة فیها تبادل الحالات المختلفة من الصغر و الکبر و نقص بعض الأجزاء و زیادته، کذلک فیها ... رابعهاً: إنّ ما وضعت له الألفاظ ابتداء هو الصحیح التام الواجد لتمام الأجزاء و الشرائط، إلّا أنّ العرف یتسامحون - کما هو دیدنهم- و یطلقون تلک الألفاظ علی الفاقد للبعض، تنزیلاً له منزلة الواجد، فلایکون مجازاً فی الکلمة - علی ما ذهب إلیه السکاکی فی الاستعارة- ... خامسها: أن یکون حالها حال أسامی المقادیر و الأوزان، مثل المثقال و الحقة و الوزنة إلی غیر ذلک، ممّا لا شبهة فی کونها حقیقة فی الزائد و الناقص فی الجملة». 2) و لکن فی نهایة النهایة، ص36: «إنّ ما عدا الوجهین الأوّلین من هذه الوجوه لیس من تصویر الجامع بل یصحّح القول بالأعم و لو بأوضاع متعدّدة ملفقة من تعیینیة و تعیّنیة أو باستعمالات مسامحیة بل فی الحقیقة بعض ما ذکره یرجع إلی القول بالصحیح بل إلی القول بالوضع لفرد خاص من الصحاح فلاحظ». 3) و فی عنایة الأصول، ص69: «هذه الوجوه سوی الخامس منها قد ذکرها صاحب التقریرات (قدس سره) لتصویر القول بالأعم لا لتصویر الجامع الأعمی و من هنا تری أنّ ما سوی الوجه الأوّل و الثانی أجنبی عن تصویر الجامع الأعمی و إنّما هو تصویر لمذهب الأعم کما لایخفی». 4) فی نهایة الأصول، ص40: «أمّا الجامع العرضی فتصویره معقول حیث إنّ جمیع مراتب الصلاة مثلاً بما لها من الاختلاف فی الأجزاء و الشرائط تشترک فی کونها نحو توجه خاص و تخشع مخصوص من العبد لساحة مولاه، یوجد هذا التوجّه الخاص بإیجاد أوّل جزء منها و یبقی إلی أن تتم ... و الحاصل أنّ الصلاة ... عبارة عن حالة توجّه خاص یحصل للعبد و یوجد بالشروع فیها و یبقی ببقاء الأجزاء و الشرائط و یکون هذا المعنی المخصوص کالطبیعة المشککة، لها مراتب متفاوتة تنتزع فی کل مرتبة عمّا اعتبر جزء لها ... و لعلّ ما ذکرناه هو المراد من الوجه الثالث المذکور فی الکفایة فی تصویر الجامع علی القول بالأعم، إلّا أنّ التمثیل لذلک بالأعلام الشخصیة ممّا یبعد ذلک فتدبر». 5) فی جواهر الأصول، ص305: «و من الجوامع: الجامع الذی اخترناه و هو تصویر جامع أعم لأفراد الصلاة مع عرضها العریض لا بالنسبة إلی خصوص الأفراد الصحیحة. یتوقف بیان ذلک علی تقدیم أمور ... المتحصل من الأمور الثلاثة هو أنّا نرید تصویر جامع اعتباری بین المصادیق و الأفراد التی یطلق علیها اسم الصلاة عرفاً من دون أن یکون الوضع و الموضوع له عامین و لا بالاشتراک اللفظی. بعد ما تمهد لک ما ذکرنا نقول: إنّ المرکب الاعتباری و الماهیة الاعتباریة و المخترع الشرعی - الذی تعرضه وحدة ما- علی أنحاء» و فی ص308: «إذا أحطت خبراً بما تلونا علیک، فحان التنبّه علی أنّ الصلاة یمکن أن تکون من هذا القسم - أی أخذت لابشرط من جهة المادة و الهیأة- فوضعت لفظة الصلاة لهیأة خاصة فانیة فیها موادها الخاصة و صورة اتصالیة حافظة لموادها حال کونها مأخوذة لابشرط من حیث الزیادة و النقیصة». 6) فی المحکم فی أصول الفقه، ص188: «بما سبق منّا فی تقریب الجامع الصحیحی یتضح تقریب الجامع الأعمی، لأنّه بعد ابتلاء أهل العرف أهل العرف الشرعی بالماهیات المخترعة الجدیدة و النظر إلی أفرادها المختلة و إدراک نحو سنخیة بینها فکما یمکنهم انتزاع جامع اعتباری بین أفرادها المشروعة مع أخذ خصوصیات الأجزاء فیه بنحو الترید حسب اختلاف الأفراد فیها، کذلک یمکنهم انتزاع جامع أوسع یشمل هذه الأفراد و ما یشبهها عرفاً ممّا یسانخها فی الأجزاء و إن کان فاسداً لعدم مشروعیته» ثمّ قال: «و لعلّه إلی هذا یرجع تقریر الجامع بأنّه عبارة عن معظم الأجزاء التی تدور التسمیة مدارها عرفاً» و قال: «و لعلّ هذا أحسن الوجوه المذکورة فی المقام و أبعدها عن الإشکال». 7) فی بحوث فی علم الأصول، ص199 و 200، بعد ذکر إشکال المحقق الخراسانی (قدس سره) فی إمکان تصویر الجامع علی القول بالوضع للأعم: «هذا الاستشکال لیس بشیء أمّا إذا شئنا السیر حسب منهجه فی تصویر الجامع فلإمکان تصویره بسیطاً و مرکباً. أمّا بسیطاً، فبأن نجعل المسمی عبارة عمّا یکون مؤثراً شأناً فی النهی عن الفحشاء و المنکر أی و لو فی بعض الحالات و الملابسات. لأنّ الفاقد لبعض الأجزاء أو الشرائط غیر الرکنیة عرفاً یکون صحیحاً فی حالات العذر و نحوه فیکون الجامع البسیط للصحیح المستکشف ببرکة القانون الفلسفی المتقدم بنفسه جامعاً للأعم و لکن لا بوجوده الفعلی المخصوص بالصحیح بل الشأنی المحفوظ فی الأعم و أمّا مرکباً، فبأخذ الأرکان لابشرط من حیث انضمام الأجزاء الأخری».

ص: 307

ص: 308

الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم
اشارة

إنّ الأقوال هنا أربعة: (1)

القول الأوّل: مختار الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما)
اشارة

و هو القول بوضع الألفاظ لما هو أخص من الصحیح (أی المرتبة العلیا).

قال المحقق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات: «إنّ الموضوع له أوّلاً هی المرتبة العلیا الواجدة لتمام الأجزاء و الشرائط و الاستعمال فی غیرها من مراتب الصحیحة

ص: 309


1- . فی هدایة المسترشدین، ص436: «المقام الثانی فی بیان الأقوال فی المسألة و هی عدیدة: منها: القول بوضعها للصحیحة الجامعة لجمیع الأجزاء المعتبرة و سائر شروط الصحة و إلیه ذهب جماعة من الخاصة و العامة فمن الخاصة السیّد و الشیخ (قدس سرهما) فی ظاهر المحکی عن کلامیهما و العلّامة (قدس سره) فی ظاهر موضع من النهایة و السیّد عمید الدین (قدس سره) فی موضع من المنیة و الشهیدان (قدس سرهما) فی القواعد و المسالک و استثنی الأوّل منه الحج لوجوب المضی فیه و من فضلاء العصر الشریف الأستاذ (قدس سره) و عزاه إلی أکثر المحققین و الفقیه الأستاذ (رفع مقامه) و غیرهما و من العامة أبو الحسین البصری و عبد الجبار بن أحمد و حکی القول به عن الآمدی و الحاجبی و غیرهما و حکاه الإسنوی عن الأکثرین ... و منها: القول بوضعها للمستجمعة لجمیع الأجزاء المعتبرة فیها من غیر اعتبار للشرائط فی وضعها و هو محکی عن البعض ... و منها: أنّها موضوعة بإزاء الأعم من الصحیحة و الفاسدة من غیر مراعاة لاعتبار جمیع الأجزاء و لا الشرائط بل إنّما یعتبر ما یحصل معه التسمیة فی عرف المتشرعة و إلیه ذهب من الخاصة العلّامة فی غیر موضع من النهایة و ولده فی الإیضاح و السیّد عمید الدین فی موضع من المنیة و الشهید الثانی فی تمهیده و روضته و شیخنا البهائی و جماعة من الفضلاء المعاصرین (قدس سرهم) و من العامة القاضی أبو بکر و أبو عبد الله البصری و غیرهم ثمّ إنّه یمکن تقریر القول المذکور علی وجوه» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص360، فی المقدمة السابعة: «أمّا الأقوال فالحق منها تحصیلاً و نقلاً قولان: الصحیحة مطلقاً کما نسب إلی جماعة من الخاصة و العامة و ربّما عزی إلی أکثر المحققین و قد یدّعی فیه الشهرة و الأعم کذلک کما صار إلیه جماعة من متأخری المتأخرین ... و قد اشتهر قول ثالث و هو التفصیل بین الأجزاء فالصحة و الشرائط فالعموم و المعروف فی الألسنة نسبة هذا القول إلی العلّامة البهبهانی (قدس سره) و فی النسبة ما عرفت فهذا القول إمّا لا أصل له أو قائله لیس بمعلوم و قد یحکی قول رابع عن الشهید فی القواعد و عبارته: "إنّ الماهیات الجعلیة کالصلاة و الصوم و سائر العقود لاتطلق علی الفاسدة إلّا الحج لوجوب المضی فیه» الخ.

علی قول الصحیحی أو الأعم منها علی الأعمی من باب الادّعاء و التنزیل».((1))

و الموضوع له علی کلا القولین هی المرتبة العلیا و بقیة مراتب الصحیحة أو الأعم یستعمل فیها الألفاظ ادّعاءً و من باب تنزیل الفاقد منزلة الواجد مسامحةً، کما فی جملة من الاستعمالات أو من باب اکتفاء الشارع بها، کما فی صلاة الغرقی، فإنّه لایمکن فیها الالتزام بالتنزیل المذکور.

و قال:((2)) ثمّ إنّ هذا الاحتمال الذی ذکرناه غیر بعید فی حدّ ذاته و یساعده الوجدان العرفی و لیس فی مقام فهم المفاهیم أمر آخر أوضح منه.

ناقش فیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

أوّلاً: إنّا نری بالوجدان صحة استعمال الصلاة فی غیر المرتبة الکاملة بلا عنایة و تنزیل أصلاً.

ثانیاً: إنّ الوجدان العرفی إمّا ینتهی إلی التبادر أو إلی الاستظهار العرفی و التبادر مفقود فی المقام و أمّا الاستظهار العرفی فلیس دلیلاً علی الوضع.

ص: 310


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص53 و فی ص36: «و یمکن دفع الإشکال عن کلا القولین بالتزام أنّ الموضوع له أوّلاً هی المرتبة العلیا» الخ.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص54.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص141 و ط.ج. ص160 و دراسات فی علم الأصول، ج1، ص70. و فی بحوث فی علم الأصول، ص210: «هذا إذا کان بقصد التخلّص من تصویر الجامع بلحاظ سائر المراتب فهو یواجه أیضاً مشکلة تصویر الجامع بلحاظ الأنحاء المختلفة للصلاة الاختیاریة لا من ناحیة القصر و التمام فقط بل من ناحیة کونها ثنائیة تارة و ثلاثیة أخری و رباعیة ثالثة».
القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة
اشارة

و هو مختار صاحب الکفایة و الأستاذ العلّامة البهجة (قدس سرهما).((1))

أدلة القول بالصحیح خمسة:
الدلیل الأوّل: التبادر

((2))

الدلیل الثانی: صحة السلب

((3))

ص: 311


1- و اختاره أیضاً فی هدایة المسترشدین و فی الفصول، ص46 و فی عنایة الأصول، ص91. و فی حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص45 و 46: «الحق أن یقال بالنظر إلی الأصول السابقة انّ الاعتبار إنّما یتعلق بالشیء لإیفائه بالغرض أی یتعلق بالمجعول الصحیح و الغرض من حیث البیان و التبین إنّما یتعلق ابتداء بالصحیح من المجعول فهو المکشوف عنه بالاسم أوّلاً ثمّ التداول و التناول یوجب وجود الفاسد منه فیطلق الاسم علیه بالعنایة أوّلاً و إن أمکن الاستغناء عن إعمال العنایة بالأخرة».
2- فی الکفایة، ص29: «و کیف کان فقد استدلّ للصحیحی بوجوه: أحدها: التبادر و دعوی أنّ المنسبق إلی الأذهان منها هو الصحیح» الخ. و فی هدایة المسترشدین، ص442: «الأوّل التبادر فإنّ أسامی العبادات کالصلاة و الصیام و الزکاة و الوضوء و الغسل و التیّمم و غیرها إذا أطلقت عند المتشرعة انصرفت إلی الصحیحة ألاتری أنّک إذا قلت: صلّیت الصبح أو صمت الجمعة أو توضأت أو اغتسلت لم ینصرف إلّا إلی الصحیح من تلک الأعمال و لم یفهم منها فی عرف المشترعة إلّا ذلک فإطلاق تلک الألفاظ لاینصرف إلّا إلی الصحیحة و لایحمل علی الفاسدة إلّا بالقرینة کما هو واضح من ملاحظة الإطلاقات الدائرة و ذلک من أقوی الأمارات علی کونها حقیقة فی الأولی مجازاً فی الثانیة».
3- فی الکفایة، ص29: «ثانیها: صحة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزائه أو شرائطه بالمداقة و إن صحّ الإطلاق علیه بالعنایة». و فی الفصول، ص46: «لنا وجوه الأوّل تبادر المعانی الصحیحة منها و قد مرّ أنّه علامة الحقیقة و صحة سلب الاسم عن غیر الصحیحة و عدم تبادر المعنی الأعم منها و قد تقدّم أنّهما علامة المجاز فتکون حقائق فی الصحیحة مجازات فی الفاسدة» و فی هدایة المسترشدین، ص446: «الثانی: صحة السلب فإنّه یصحّ سلب کل من العبادات عن الفاسدة فیصحّ أن یقال لمن صلّی مع الحدث متعمداً أو بدون القراءة کذلک: إنّه لم یصل حقیقة و إنّما وقع منه الصورة و کذا الحال فی غیرها من الوضوء و الغسل و التیمّم و نحوها و صدق تلک العبادات علی الفاسدة منها لیس إلّا من جهة المشاکلة و إلّا فصحة السلب عنها عند التأمل فی العرف ظاهر و ذلک دلیل علس عدم کون الفاسدة من الأفراد الحقیقیة لها فلا تکون أسامی لما یعمّها فینحصر الأمر فی کونها أسامی لخصوص الصحیحة منها و هو المدعی».
الدلیل الثالث: الأخبار الظاهرة فی تحقق الوضع للصحیح
اشارة

((1))

و هی علی طائفتین:

الطائفة الأولی:((2)) ما هی ظاهرة فی إثبات بعض الخواص و الآثار للمسمّیات مثل الصلاة عمود الدین أو معراج المؤمن و الصوم جنة من النار.

الطائفة الثانیة:((3)) ما هی ظاهرة فی نفی ماهیاتها و طبائعها مثل لا صلاة إلّا

ص: 312


1- فی الکفایة، ص29: «ثالثها: الأخبار الظاهرة فی إثبات بعض الخواص و الآثار للمسمّیات ... أو نفی ماهیتها و طبائعها ... ممّا کان ظاهراً فی نفی الحقیقة بمجرّد فقد ما یعتبر فی الصحة شطراً أو شرطاً» الخ و فی الفصول، ص47: «الثالث ما ورد فی الأخبار المستفیضة من أنّه لا صلاة إلّا بطهور و لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب و لا صیام لمن لم یبت الصیام من اللیل إلی غیر ذلک ممّا یدلّ بظاهره علی نفی الماهیة عند انتفاء بعض الأجزاء و الشرائط فیلزم أن لایکون اللفظ موضوعاً لها حینئذٍ و یتمّ المقصود فیها عند انتفاء غیر تلک الأجزاء و الشرائط و فی غیر تلک العبادات بعدم القول بالفصل».
2- فی هدایة المسترشدین، ص447: «الثالث: ظواهر الآیات و الأخبار کقوله تعالی: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ) (العنکبوت:45) ... فإنّ حمل تلک المحمولات علی مطلق الصلاة معرفاً باللام ظاهر جداً فی أنّ الطبیعة المقرّرة من الشارع المحدثة منه هی المتصفة بذلک لا أنّ نوعاً منها کذلک و البواقی أمور محرمة متصفة بما یضاد الصفات المذکورة کالزنا و السرقة فإنّه فی غایة البعد عن ظواهر تلک التعبیرات الواردة فی تلک الآیات و الروایات کما لایخفی».
3- فی هدایة المسترشدین، ص448: «الرابع: ما دلّ من الأخبار علی نفی الصلاة مع انتفاء بعض الأجزاء و الشرائط کقوله (علیه السلام): "لا صلاة إلّا بفاتحة الکتاب" ... فإنّ قضیة ذلک بحسب ظاهر اللفظ هو نفی الحقیقة و قد أخبر به صاحب الشریعة و لو کانت أسامی للأعم لما صحّ ذلک بل لزم حملها علی نفی صفة من صفاتها کالکمال أو الصحة مع بقاء الحقیقة و هو خروج عن ظاهر العبارة» الخ.

بفاتحة الکتاب.

یلاحظ علی هذه الأدلة الثلاثة:

إنّ الأعمی أیضاً یدّعی التبادر و عدم صحة السلب عن الفاسدة((1)) و أیضاً یستدل بالأخبار و یُجیب((2)) عن الأخبار التی استدلّ بها الصحیحی بأنّ الاستعمال أعمّ من الحقیقة، کما أنّ الصحیحی أیضاً أجاب عن الأخبار التی استدلّ بها الأعمّی هکذا، بل الأعمّی یقول: استعمال الصلاة فی الصحیحة منها لیس خارجاً عن الموضوع له الحقیقی بل هو استعمال الکلی فی حصّة خاصة من معناه.

ص: 313


1- فی القوانین، ص44، بعد ذکر اختیاره للقول بالأعم: «و یدلّ علیه عدم صحة السلب عمّا لم یعلم فساده و صحته بل و أکثر ما علم فساده أیضا و تبادر القدر المشترک منها».
2- فی هدایة المسترشدین، ص448، بعد ذکر الدلیل الرابع و هی الطائفة الثانیة: «و قد أورد علیه بوجوه: أحدها: المنع من کون العبارة المذکورة حقیقة فی نفی وجود الماهیة و إنّما مفادها نفی وجود صفة من صفاتها الظاهر ذلک فی بقاء الحقیقة ... فعلی هذا تکون تلک الأخبار أدلّة علی القول بوضعها للأعم علی عکس ما أراد المستدل. ثانیها: أنّ العبارة المذکورة قد شاع استعمالها فی نفی الکمال أو الصحة من غیر أن یراد بها نفی الحقیقة» الخ . و فی ص451: « ثالثها: أنّ ظاهر تلک العبارة و إن کان ذلک إلّا أنّ ظاهر المقام یصرفها عن ذلک فإنّ شأن الشارع بیان الأحکام الشرعیة لا مجرّد انتفاء الحقیقة و الماهیة و عدم حصول مسمی الموضوعات اللفظیة فینصرف إلی نفی الکمال أو الصحة ... رابعها: أنّه لو بنی علی ظاهر العبارة لزم أن لاتکون الصلاة الخالیة عن الفاتحة صلاة و لو کانت متروکة نسیاناً أو لعذر و لا قائل به» الخ . و فی ص452: «خامسها: أنّها معارضة بقوله (علیه السلام): "إذا دخل الوقت وجب الطهور و الصلاة" فإنّ ظاهر العطف قاض بالمغایرة و تحقق مفهوم کل منهما بدون الآخر و قوله (علیه السلام): "الصلاة ثلث طهور و ثلث رکوع و ثلث سجود" و نحو ذلک ممّا ورد فإنّ ظاهر العبارة تحقق الماهیة بذلک و هو یعمّ الصحیح و الفاسد» و فی ص453: «سادسها: المنع من عدم القول بالفصل» الخ.
الدلیل الرابع: استدلال الصحیحی بطریق اللمّ.

((1))

و هو دعوی القطع بأنّ طریقة الواضعین وضع الألفاظ للمرکبات التامة و الشارع غیر متخطّ عن هذه الطریقة.

الدلیل الخامس: استدلال الصحیحی بطریق اللمّ أیضاً.
اشارة

((2))

ص: 314


1- فی الکفایة، ص30: «رابعها: دعوی القطع بأنّ طریقة الواضعین و دیدنهم وضع الألفاظ للمرکبات التامة کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه و الحاجة و إن دعت أحیاناً إلی استعمالها فی الناقص أیضاً إلّا أنّه لایقتضی أن یکون بنحو الحقیقة بل و لو کان مسامحة تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد و الظاهر أنّ الشارع غیر متخط عن هذه الطریقة و لایخفی أنّ هذه الدعوی و إن کانت غیر بعیدة إلّا أنّها قابلة للمنع فتأمل».
2- فی هدایة المسترشدین، ص453: «الخامس: إنّ الأمر المهتم به فی الشریعة الذی یشتد إلیه الحاجة و به ینوط معظم الأحکام الواردة فی الکتاب و السنة و یکثر التعبیر عنه فی المخاطبات الدائرة فی کلام الشارع و المتشرعة إنّما هی الصحیحة إذ بها ینوط المثوبات الأخرویة و علیها بنیت أساس الشریعة فالطبیعة المقرّرة من الشارع هی تلک ... و علی ما اخترناه من ثبوت الحقیقة الشرعیة فالأمر أوضح إذ قضیة الحکمة وضع اللفظ بإزاء ما یشتد إلیه الحاجة و یعتد بشأنه سیّما بعد إثبات عرف خاص لأجل بیانه» الخ. و فی الفصول، ص46: «الثانی لا ریب فی أنّ فی الشرع ماهیات مخترعة مطلوبة هی ذوات أجزاء و شرائط قد تصدی الشارع لبیانها ببیان أجزائها و شرائطها و أحکامها و حثّ فی المواظبة علیها و ظاهر أنّ هذه لیست إلّا العبادات الصحیحة و حیث کان أسهل طرق التفهیم و التفاهم بتأدیة الألفاظ مسّت الحاجة إلی نصب ألفاظ علی تلک الماهیات» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص372: «و منها: قضاء الوجدان بذلک فإنّا إذا راجعنا وجداننا بعد تتبع أوضاع المرکبات الخارجیة - عرفیة و غیرها- و فرضنا أنفسنا واضعین للفظ لمعنی مخترع مرکب نجد من أنفسنا حین الوضع عدم التخطی عن الوضع للمرکب التام الأجزاء و الشرائط مضافاً إلی أنّه الذی کونه الموضوع له ممّا یقتضی حکمة الوضع و هی مسیس الحاجة إلی التعبیر عنه و الحکم علیه بما هو من لوازمه و آثاره» الخ. و فی کفایة الأصول، ص30: «رابعها: دعوی القطع بأنّ طریقة الواضعین و دیدنهم وضع الألفاظ للمرکبات التامة کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه ... و الظاهر أنّ الشارع غیر متخط عن هذه الطریقة و لایخفی أنّ هذه الدعوی و إن کانت غیر بعیدة إلّا أنّها قابلة للمنع فتأمل». و فی عنایة الأصول، ص89، عند ذکر الدلیل الرابع من صاحب الکفایة (قدس سره): «و قد جعله فی التقریرات أوّل الوجوه الثمانیة بل جعله المعتمد من بین سایر الوجوه قال ما لفظه: هدایة فی ذکر احتجاج القول بالصحیح و هو من وجوه: أحدها و هو المعتمد قضاء الوجدان الخالی عن شوائب الریب بذلک فإنّا إذا راجعنا وجداننا بعد تتبع أوضاع المرکبات العرفیة و العادیة و استقرائها و فرضنا أنفسنا واضعین اللفظ لمعین مخترع مرکب نجد من أنفسنا فی مقام الوضع عدم التخطی عن الوضع لما هو المرکب التام ... انتهی موضع الحاجة من کلامه» و راجع أیضاً مباحث الأصول، ص138.

إنّ وضع الألفاظ للمرکبات التامة مقتضی حکمة الوضع (الداعیة إلی وضع الألفاظ) و الحاجة و إن دعت أحیاناً إلی استعمالها فی الناقص أیضاً إلّا أنّه لایقتضی أن یکون بنحو الحقیقة بل و لو کان مسامحة تنزیلاً للفاقد منزلة الواجد.

و الظاهر أنّ الشارع الحکیم غیر متخطّ عما هو مقتضی حکمة الوضع.

بیان لتکمیل الدلیل الرابع و الخامس:
اشارة

إنّ الطریقة العقلائیة و سیرتهم تقتضی أن لایخترعوا شیئاً إلّا بالغایة المترتبة علیه، فعلی هذا دائرة اختراعات العقلاء للماهیات المخترعة المرکبة محدودة بالغایة و حصول الأثر الذی یترتب علی تلک الماهیة المخترعة فإذاً ترتب الغرض هو المدار فی تشخیص مخترعاتهم و لا شبهة فی أنّ الغرض من الماهیة المخترعة الصلاتیة یترتب علی الحصّة التی توصف بالصحّة فالمخترع نفس تلک الحصّة.

و أیضاً سیرتهم هو وضع الألفاظ لنفس مخترعاتهم.

و هذه الطریقة العقلائیة لیست أمراً لغواً بل منشؤها حکمة الوضع و الجعل، حیث إنّ الحکمة تقتضی جعل الماهیة المخترعة بحسب الغرض المترتّب علیها و أیضاً حکمة الوضع تقتضی وضع الألفاظ علامة علیها و الشارع لایتخطّی عن حکمة الجعل و الوضع و لا عن السیرة العقلائیة علی جعل الماهیات المرکبة

ص: 315

بحسب الغایة و السیرة العقلائیة علی وضع الألفاظ علیها.

فإن قلت: حکمة الاستعمال تقتضی وضع الألفاظ للمعنی الأعمّ، حیث نحتاج فی مقام التفهیم و التفهم إلی أن نعبّر عن المعنی الأعمّ من الصحیح و الفاسد.

قلت: إنّ حکمة الاستعمال لاتقتضی وضع الألفاظ علی المعانی التی نحتاج إلی استعمالها بل تقتضی وجود الألفاظ الدالة علی تلک المعانی حقیقةً أو مجازاً.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان:

(1)

إنّ الظاهر من الطریقة العرفیة خروج ما له دخل فی فعلیة التأثیر عن المسمّی

ص: 316


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص125. و ذکر فی الفصول، ص46، إیراداً علی هذا الدلیل بعد بیانه فقال: «یجوز أن یکون قد تجوّز بها و استعملها فی المعنی الأعم و أطلقها علی المعنی الذی أراده من باب إطلاق العام علی الخاص لا من حیث الخصوصیة لئلّایلزم سبک مجاز من مثله» ثمّ أجاب عنه بقوله: «هذا بعید فإنّ الظاهر ممّن تجوّز بلفظ فی معنی اخترعه أنّه تجوّز به فیه لا فی غیره و لاینبغی التأمل فی حجیة مثل هذا الظهور فی مباحث الألفاظ و کذا الکلام لو قلنا بصیرورتها حقائق بغلبة الاستعمال فی لسان المتشرعة و لو مع الشارع أو بصیرورتها حقائق قبل زمانه». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص372: «و جوابه تکذیب هذا الوجدان بإطلاقه و محصله أنّا نجد من أنفسنا بعد المراجعة و التتبع أنّ الواضع قد یتعلق غرضه بأن لایطلق اللفظ إلّا علی المرکب التام من حیث هو دون ما یغایره من زائد علیه أو ناقص منه و قد یتعلق غرضه بالإطلاق علیه و علی الناقص بمراتبه ... و ظاهر أنّ ماهیات العبادات من قبیل القسم الثانی» الخ. و فی نهایة النهایة، ص42، عند التعلیقة علی قول الکفایة: «کما هو قضیة الحکمة الداعیة إلیه»: «إنّما یکون قضیة الحکمة ذلک إذا کانت الحاجة إلی استعمال اللفظ فی الناقص نادرة و لکنّها ممنوعة فإنّها إن لم تزد علی الحاجة إلی استعماله فی التام لم تنقص عنها» . و راجع أیضاً وسیلة الوصول، ص105 و نهایة الأفکار، ص90 و حقائق الأصول، ص72 و منتقی الأصول، ص261 و بحوث فی علم الأصول، ص209 و حاشیة الکفایة للعلّامة (قدس سره)، ص.45 و فی مباحث الأصول، بعد ذکر تقریب الدلیل الرابع لکل من القول بالصحیح و القول بالأعم قال فی ص139: «یمکن التفصیل فی هذا المقام بین أسماء المعانی و الأعیان فالثانی یعبّر به عمّا له شأنیة التأثیر و ذلک لأنّ الأعیان توجد قابلة للاتصاف بکل من الصحة و الفساد بعد الوجود و الحاجة ماسة إلی التسمیة و الغایة و إن کانت هو المؤثر إلّا أنّ المقتضی ممّا هو العمدة فی الحاجة بعد وجوده بحیث إذا أرادوا المؤثر فعلاً قیّدوه بالصحة بخلاف أسماء المعانی و الأفعال فإنّها توجد صحیحة أو فاسدة و لیس لها بعد وجودها حالة اقتضاء لکل من الصحة و الفساد ... و یمکن أن یقال: إنّ ما قدّمناه - من البرهان من أنّ الاستعمال فی الصحیح لایحتاج إلی ملاحظة العلاقة فیکشف عن الوضع له و معه یستغنی عن الوضع التعیینی للأعم لصحة الاستعمال مع الوضع النوعی مع القرینة - یجری فی هذا المقام أیضاً فیدفع التفصیل المذکور» الخ.

فی أوضاعهم، فتراهم یضعون اللفظ بإزاءمعجون خاص مرکّب من عدّة أشیاء، من دون أخذ ما له دخل فی فعلیة تأثیرها من المقدمات و الفصول الزمانیة و غیرها فی المسمّی، بل یضعون اللفظ لذات ما یقوم به الأثر و ممّا ذکرنا ظهر إمکان استظهار اتحاد طریقتی الشارع و العرف فی الأوضاع و أنّ لازمه الوضع لذات ما یقتضی الأثر فالشرائط خارجة عن المسمّی.

یلاحظ علی کلامه:

إنّ الوضع لایتحقّق إلّا بالنسبة إلی المعنی المراد و فی الماهیات المخترعة یتحقّق إرادتان:

الإرادة الأولی: هی التی تتعلق بها فی مرحلة جعلها و اختراعها و هی تابعة لغایتها التی هی ترتب الأثر علیها و هذه الإرادة تتعلق بالماهیة المخترعة الصحیحة و هذه الإرادة موجودة فی مرحلة الوضع. ثمّ إنّ ما له دخل فی مطلوبیة طبیعة الصلاة فهو داخل فی الموضوع له دون ماله دخل فی مطلوبیة فرد الصلاة مثل خصوص صلاة الصبح.

ص: 317

الإرادة الثانیة: هی التی تتعلق بها فی مرحلة استعمالها لبیان أمرین:

الأمر الأوّل: بیان کیفیة تحقق الماهیة المخترعة من حیث أجزائها و شرائطها و موانعها و تعلقها بالمکلف.

الأمر الثانی: بیان الغایة المترتبة علیها و خواصّها .

و بیان الأمر الأوّل یقتضی تعلق الإرادة الثانیة بالمعنی الأعم و لکن هذه مربوطة بمرحلة الاستعمال و بیان التکالیف و هی متأخرة عن مرحلة الوضع و الإرادة التی هی دخیلة فی تحقق الوضع هی الإرادة فی المرحلة الأولی، ففی مرحلة الوضع یضع الواضع اللفظ للصلاة الصحیحة و فی مرحلة الاستعمال حکمة الاستعمال تقتضی استعمال اللفظ فی الماهیة المخترعة بما له اقتضاء التأثیر حتی یحکم علیها بالفساد عند فقد الجزء أو الشرط أو وجود المانع و حکمة الاستعمال تقتضی وجود الألفاظ الدالة علی المعنی الأعم سواء کانت الدلالة بنحو الحقیقة أم المجاز.

و هناک أدلّة أخری علی القول بالصحیح، لانطیل الکلام بذکرها. ((1))

ص: 318


1- هنا أدلّة أخری: ففی هدایة المسترشدین، ص454: «السادس: ما أفاده بعض المحققین من أنّا نعلم أنّ للعبادات أجزاء معتبرة فیها یتألف منها ماهیاتها کما هو ظاهر من ملاحظة الشرع و لو کانت للأعم لما کانت کذلک إذ صحة إطلاقها حینئذٍ مع فقد کل واحد منها یستلزم انتفاء جزئیتها أو تحقق الکل بدون الجزء هذا خلف» و فی ص455: «الثامن: ما أفاده المحقق المذکور أیضاً من أنّها لو کانت موضوعة للأعم لم تکن توقیفیة بل کان المرجع فیها إلی العرف إذ هو المناط فیها علی القول المذکور و التالی باطل ضرورة کونها أموراً توقیفیة متلقاة من صاحب الشریعة لا یصحّ الرجوع فیها إلی عرف و لا عادة». و فی، ص455: «السابع: ما أفاده المحقق المذکور أیضاً و هو أنّ کل واحد من العبادات متعلق لطلب الشارع و أمره و لا شیء من الفاسدة کذلک فلا شیء من تلک العبادات بفاسدة» و فی الفصول، ص47: «الرابع أنّ جمیع العبادات مطلوبة للشارع متعلقة لأمره و لا شیء من الفاسدة کذلک فلا شیء من الفاسدة بعبادة و هو المطلوب» الخ . و فی الفصول، ص47: «الخامس لو کانت تلک الألفاظ موضوعة للصحیحة کان له أوجه ضبط فی المعنی الموضوع له کالصحیحة أو المبرئة للذمة أو المطلوبة للشارع أو نحو ذلک و أمّا إذا کانت موضوعة للمعی الأعم لم یکن لها وجه ضبط بحیث یمکن تعقله حتی یصحّ أن تکون تلک الألفاظ موضوعة بإزائها و لایمکن القول بأنّها موضوعة لجملة من تلک الأفعال لعدم صدقها عندهم علی کل جملة منها و لایصحّ أخذها علی وجه یعتبر فیه الصدق عرفاً للزوم الدور» الخ. و قال: «السادس أنّها لو لم تکن موضوعة لخصوص الصحیحة لزم ارتکاب التقیید فی الأوامر المتعلقة بها لظهور أنّها لاتتعلّق بالفاسدة و التقیید علی خلاف الأصل و أمّا إذا کانت موضوعة للصحیحة فلایلزم ذلک» و لکن قال بعد ذکر السادس: «و هذا ضعیف إذ لا عبرة بهذا الأصل و نظائره فی إثبات الأوضاع».
القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم
اشارة

و هو مختار المحقق الإصفهانی((1)) و المحقق الحائری((2)) و المحقق العراقی((3)) و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((4)) و بعض الأساطین (حفظه الله)((5))کما أنّ المذکور فی تقریرات جمع من أعلام الأصولیین هو القول بتمامیة هذه النظریة و صحتها، مثل تهذیب الأصول((6))

ص: 319


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص125؛ فی ص84: «مقتضی النظر الدقیق هو الوضع للأعم».
2- درر الأصول، ص51: «الإنصاف أنّا لانفهم من الصلاة و نظائرها إلّا الحقیقة التی تنطبق علی الصحیح و الفاسد و نری أنّ لفظ الصلاة فی قولنا: "الصلاة إمّا صحیحة أو فاسدة" لیس فیه تجوّز و ملاحظة علاقة صوریة بین ما أردنا من اللفظ و بین المعنی الحقیقی له و هذا ظاهر عند من راجع وجدانه و أنصف» الخ.
3- المقالات، ج1، ص159؛ فی ص152: «الأقوی المصیر إلی الأعم» الخ.
4- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص169 و ط.ج. ص192.
5- تحقیق الأصول، ج1، ص267.
6- تهذیب الأصول، ج1، ص63.

و منتقی الأصول((1)) و مباحث الدلیل اللفظی من بحوث فی علم الأصول.((2))

أدلة القول الثالث:
الدلیل الأول:
اشارة

عدم إمکان الوضع للصحیح لعدم وجود الجامع بین أفراد الصحیحی مع أن الجامع بین أفراد الأعمی موجود.

قال المحقق الخوئی (قدس سره): «إن ألفاظ العبادات - کالصلاة و نحوها - موضوعة للجامع بین الأفراد الصحیحة و الفاسدة، لا لخصوص الجامع بین الأفراد الصحیحة.

و من هنا لا مجال للنزاع فی مقام الإثبات عن أن الألفاظ موضوعة للصحیح أو للأعم، فإن النزاع فی هذا المقام متفرّع علی إمکان تصویر الجامع علی کلا القولین معاً، فإذا لم یمکن تصویره إلا علی أحدهما (و هو القول بالأعمّ) فلامجال له أصلا، إذاً لابدّ من الالتزام بالقول بالأعم و لامناص عنه، هذا من ناحیة».((3))

و یلاحظ علیه:

ما تقدّم من تصویر الجامع علی القولین.

ص: 320


1- منتقی الأصول، ج1، ص27 و فی ص270: «إنّ أسامی العبادات عند العرف لاتفترق عن سائر أسامی المرکبات و کون حالها حال غیرها و نحن نری بالوجدان القاطع بأنّ اللفظ لایختص فی المرکبات العرفیة بالصحیح فقط، بل یصدق علیه و علی الفاسد».
2- بحوث فی علم الأصول، مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص210: «یترجح القول بالوضع للأعم علی جمیع التقادیر».
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص169 و ط.ج. ص192.
الدلیل الثانی:
اشارة

أنّ المرتکز فی أذهان المتشرعة: هو أنّ إطلاق لفظ الصلاة علی جمیع أفرادها الصحیحة و الفاسدة علی نسق واحد من دون لحاظ عنایة فی شیء منها، ضرورة أنهم یستعملون هذا اللفظ فی الجمیع غافلین عن لحاظ قرینة المجاز و العنایة فی موارد إطلاقه علی الفرد الفاسد، فلو کان اللفظ موضوعا لخصوص الصحیح فلا محالة کان إطلاقه علی الفاسد محتاجا إلی لحاظ عنایة و قرینة، مع أن الأمر علی خلاف ذلک، و أنّ الاستعمال فی الجمیع علی نسق واحد فلافرق بین قولنا: فلان صلی صلاة صحیحة، أو تلک الصلاة صحیحة، و بین قولنا: فلان صلی صلاة فاسدة، أو هذه الصلاة فاسدة، و هکذا... و حیث إن استعمالات المتشرعة تابعة للاستعمالات الشرعیة فتکشف تلک عن عموم المعنی الموضوع له عند الشارع المقدس أیضاً. ((1))

یلاحظ علیه:

ما أفاده و إن کان متیناً إلا أنّه صحیح بالنسبة إلینا بعد تحقق الوضع التعینی الذی سنشیر إلیه فی القول الرابع، و لکنه لایصح بالنسبة إلی زمان الشارع قبل تحقق کثرة الاستعمال بل الوضع التعیینی فی زمان الشارع یقتضی الحمل علی المعنی الصحیح، فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) إنما یصح بعد تحقق الوضع التعینی بکثرة الاستعمال.

و هنا أدلة أخری لانطیل الکلام بذکرها. ((2))

ص: 321


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص169 و ط.ج. ص192.
2- أمّا أدلة القول بالأعم فهی وجوه: 1) فی هدایة المسترشدین، ص458: «حجة القائلین بکونها للأعم وجوه: أحدها: قضاء أمارات الحقیقة به و هو من وجوه: منها: التبادر ... و منها: عدم صحة سلبها عن الفاسدة ... و منها: صحة تقسیمها إلی الصحیحة و الفاسدة و هو ظاهر فی کونها حقیقة فی المقسم و منها: أنّها تقیّد بالصحة تارة و بالفساد أخری و الأصل فیما هو کذلک أن یکون حقیقة فی القدر المشترک بین القیدین و منها: صحة استثناء الفاسدة منها إذا دخل علیها أداة العموم ... و منها: حسن الاستفهام فیما لو أخبر أحد بوقوع شیء من تلک العبادات أو حکم علیه بشیء أنّها هل کانت صحیحة أو فاسدة ... و منها: أنّها تطلق علی الصحیحة تارة و علی الفاسدة أخری و الأصل فیما هو کذلک أن یکون حقیقة فی القدر المشترک بین الأمرین، حذراً من الاشتراک و المجاز». 2) فی الفصول، ص47: «منها أنّ کون هذه الألفاظ موضوعة للصحیحة علی تقدیر تسلیمه لایقتضی أن لایطلق علی الفاسدة حقیقة بدلیل أنّ الأعلام موضوعة بإزاء تمام الأشخاص بشهادة قولهم دلالة زید علی یده و إصبعه دلالة تضمنیة و مع ذلک یصدق علیه بالوضع السابق عند انتفاء بعض أجزائه أو زیادته علیها و یلزم من ذلک أن تکون حقیقة فی الأعم و هو المطلوب». 3) فی الفصول، ص48: «منها أنّ هذه الألفاظ لو کانت موضوعة للصحیحة لزم فیما لو نذر أن یعطی مصلیاً حال تشاغله بالصلاة درهماً أن لاتبرأ ذمته بإعطائه لمن یراه مصلیاً و إن کان عنده فی أعلی مراتب العدالة و الصلاح ما لم یبحث عن کیفیة صلاته و یطلع علی صحتها الواقعیة باستکمالها الأجزاء و الشرائط و ذلک ممّا لایلتزم به أحد و کذا الکلام فی جواز الائتمام به» و ذکره فی هدایة المسترشدین، ص479، ضمن أمور أیّد المحقق القمی (قدس سره) بها القول بالأعم. 4) فی هدایة المسترشدین، ص475: «رابعها: أنّها لو کانت موضوعة لخصوص الصحیحة لما صحّ تعلّق الطلب بشیء من العبادات معلقاً له علی أسامیها و التالی ظاهر الفساد» الخ. 5) فی الفصول، ص48: «و منها ما ورد فی الروایات المستفیضة من الأمر بإعادة الصلاة عند حصول بعض المنافیات و هی عبارة عن الإتیان بالفعل ثانیاً بعد الإتیان به أوّلاً فیکون المراد بها المعنی الأعم إذ لیس الأمر هناک بإعادة الصحیحة و علی قیاسه الکلام فی سائر الألفاظ». 6) فی هدایة المسترشدین، ص461: «ثانیها: أنّه قد شاع استعمال تلک الألفاظ فی مواضع عدیدة فی الأعم من الفاسدة، یستفاد من کل منها وضعها بإزاء الأعم من الصحیحة و یبعد التزام التجوّز فی تلک الاستعمالات الشائعة. منها: أنّه قد شاع فی الأخبار بل جاوز حد التواتر بمرار الأمر بإعادة الصلاة و غیرها من العبادات إذا طرأها فساد لترک جزء أو ارتفاع شرط أو وجود مانع ... و منها: أنّه قد شاع فی الاستعمالات الجاریة و تداول بین الخاصة و العامة الحکم ببطلان الصلاة و فسادها عند حصول ما یفسدها ... و منها: أنّه قد تظافر النهی عن جملة من العبادات و لو کانت أسامی للصحیحة لما صحّ تعلق النهی بها أو لزم القول بعدم اقتضاء النهی عنها للفساد» الخ. 7) فی الفصول، ص48: «و منها أنّها لو کانت موضوعة بإزاء الصحیحة لزم أن یکون مورد النذر فیما لو نذر أن لایصلی فی مکان مرجوح هی الصلاة الصحیحة و التالی باطل فالمقدم مثله أمّا الملازمة» الخ و ذکره فی هدایة المسترشدین، ص478، من أمور أیّد بها المحقق القمی (قدس سره) هذا القول. 8) فی القوانین، ص44: «و یلزم علی القول بکونها أسامی للصحیحة لزوم القول بألف ماهیة لصلاة الظهر مثلاً ... و أمّا علی القول بکونها أسامی للأعم فلایلزم شیء من ذلک» الخ. 9) فی القوانین، ص44: «و ممّا یؤید کونها أسامی للأعم اتفاق الفقهاء علی أنّ أرکان الصلاة هی ما تبطل الصلاة بزیادتها و نقصانها عمداً أو سهواً إذ لایمکن زیادة الرکوع مثلاً عمداً إلّا عصیاناً و لا ریب فی کونه منهیاً عنه و مع ذلک یعدّ رکوعاً» الخ. 10) فی هدایة المسترشدین، ص476: «خامسها: أنّها لو کانت موضوعة لخصوص الصحیحة لزم دخول وصف الصحة فی مفاهیمها و هو بین الفساد لظهور کونها من عوارض وجودها فی الخارج». 11) فی هدایة المسترشدین، ص476: «سادسها: أنّها لو کانت موضوعة للصحیحة لزم دخول الشرائط فی مفاهیم تلک العبادات فلایبقی فرق بین أجزائها و شرائطها لاندراج الجمیع إذن فی مفاهیمها و هو فاسد بالإجماع و قد أشار إلی ذلک العضدی» و اختار القول بالأعم فی القوانین، ص44 و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص381 و فی وسیلة الوصول، ص112، و فی أصول الفقه، ص86 و فی تحریرات فی الأصول، ص258 و فی تسدید الأصول، ص65.

ص: 322

القول الرابع: و هی نظریتنا

بعد إثبات مسلک الصحیحی بالوضع التعیینی، نقول: إنّ کثرة الاستعمال فی المرحلة الثانیة صارت موجبةً لتحقق الوضع التعیّنی باستعمال الصلاة فی المعنی الأعمّ من دون اعتماد علی القرائن.

فهنا وضع تعیینی للمعنی الصحیحی و وضع تعیّنی لخصوص الحصّة الفاسدة من الصلاة.

نعم إنّ متعلق الوضع التعیّنی عند بعض الأصولیین هو المعنی الأعمّ و لکن

ص: 323

متعلق الوضع التعیّنی -علی مبنی تحقق الوضع التعیینی بالنسبة إلی أفراد الصحیحة- هو خصوص الحصّة الفاسدة فتأمل.

ثمّ إن کان الوضع التعیّنی فی طول الوضع التعیینی، فهذا یوجب توسعة المعنی الموضوع له بحیث کأنّه صار وضعاً واحداً لللفظ علی المعنی الأعمّ، و أمّا إن کان فی عرضه فیوجب إجمال المعنی مع عدم تعیین المعنی المستعمل فیه، فیشکل الأمر فی بعض الموارد من حیث الإطلاق.

لکن الحق هو أنّه فی طول الوضع التعیینی حیث إنّ الدالّ علی الأفراد الفاسدة نفس اللفظ الذی یدلّ علی المعنی الصحیح بقرینة المناسبة و المشابهة، فاللفظ بالحیثیّة التی تدلّ علی المعنی الصحیح یستعمل فی المعنی الفاسد أیضاً بدون القرینة لا بحیثیة أخری.

ص: 324

تنبیه: فی ثمرة البحث
اشارة

هنا ثمرتان:((1))

الثمرة الأولی: جریان البراءة أو الاشتغال
اشارة

((2))

هنا أقوال خمسة: ((3))

ص: 325


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص349: «ربّما یذکر فی المقام ثمرة أخری و هی ما یظهر فی مقام النذر کما لو نذر إعطاء دینار لمن یراه یصلّی فعلی القول بالأعم یبرء ذمته لو أعطی المصلّی من غیر تفتیش و فحص عن صحة صلاته، بخلافه علی القول بالصحیحة فلایبرأ بالإعطاء من غیر فحص و هاهنا ثمرة أخری تذکر فی المقام و هو جواز الاقتداء بالعدل من دون تفتیش عن صحة صلاته علی القول بالأعم و عدمه إلّا بعد التفتیش علی القول الآخر». و فی الکفایة، ص28: «و ربّما قیل بظهور الثمرة فی النذر أیضاً» الخ. و فی منتقی الأصول، ص255: «ومنها: مسألة النذر ... و أورد علی هذه الثمرة بوجهین ... و لکنّ التحقیق یقضی بعدم ورود کلا الوجهین» الخ. و فی ص258: «منها: فیما ورد من النهی عن الصلاة و بحذائه امرأة تصلی فإنّه بناءً علی الصحیح یختص المنع عن الصلاة بصلاة المرأة الصحیحة فإذا کانت صلاتها فاسدة لاتمنع من صحة صلاة الرجل و أما بناءً علی الأعم فیکون المانع من صحة صلاة الرجل الأعم من الصلاة الصحیحة التی یتؤدیها المرأة أو الفاسدة» الخ.
2- فی الفصول، ص49: «بقی الکلام فی الثمرة فنقول ذکر جماعة أنّ فائدة النزاع تظهر فی إجراء أصل البراءة عند الشک فی جزئیة شیء أو شرطیته للعبادة و الشک فی المانعیة راجع إلی الشک فی الشرطیة من حیث إنّ عدم المانع شرط بالمعنی الأعم فإنّه علی القول بأنّها موضوعة للأعم یمکن إجراء الأصل المذکور فی نفیها بعد تحصیل ما یصدق علیه الاسم لأنّ الأمر حینئذٍ إنّما تعلّق بالمفهوم العام و قضیة الأصل إجزاء کل ما یصدق علیه ذلک المفهوم ما لم یثبت اعتبار أمر زائد علیه شطراً و شرطاً و أمّا علی القول بأنّها موضوعة بإزاء الصحیحة فلایمکن نفی ما شکّ فیه بالأصل المذکور للشک فی حصول الماهیة بدونه کما لایمکن التمسک به فی نفی ما شکّ اعتباره فی صدق الاسم علی المذهب الأوّل».
3- فی منتقی الأصول، ص251: «بناءً علی کون الجامع الصحیحی جامعاً بسیطاً مقولیاً أو مرکباً مبهماً یعرفه النهی عن الفحشاء، یکون الشک فی الأقل و الأکثر من موارد البراءة و بناء علی کونه جامعاً بسیطاً عنوانیاً أو مرکباً مقیداً بالنهی عن الفحشاء یکون مورد الشک فی الأقل و الأکثر من موارد الاشتغال». و فی بحوث فی علم الأصول، ج1، ص200: «مهم ما ذکر بهذا الصدد ثمرتان: أولاهما: و هی مبنیة علی أن یکون المسمی عند الصحیحی جامعاً بسیطاً و عند الأعمی جامعاً ترکیبیاً، لعدم إمکان استکشاف جامع بسیط بین الصحیحة و الفاسدة فیقال عندئذٍ: بظهور ثمرة البحث فیما لو شک فی اعتبار جزء أو شرط، حیث یکون من الشک فی المحصل بناء علی الصحیح فیجب الاحتیاط و من الشک فی التکلیف الزائد بناءً علی الأعم فتجری البراءة» ثم استشکله و ذکر تحقیقه فی المقام.
القول الأوّل: نظریة المحقق القمی

((1)) و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ((2))

قال المحقق القمی (قدس سره) فی القوانین و السیّد الطباطبائی (قدس سره) فی بعض عبارات الریاض: إنّ الصحیحی یتمسّک بالاشتغال و الأعمّی بالبراءة.

بیانه: إذا قلنا: إنّ الصلاة موضوعة للصحیحة فالشک فی جزئیة شیء أو شرطیته یرجع إلی الشک فی تحقّق الصلاة المأمور بها بدون هذا الجزء أو الشرط فی مقام الامتثال و القاعدة هی الاشتغال حتی یحصل الیقین بفراغ الذمة.

و إذا قلنا: إنّ الصلاة موضوعة للأعمّ، فالصلاة صادقة علی ما هو فاقد للجزء أو الشرط المشکوک اعتباره، فالصلاة محقّقة علی أیّ حال و لکن نشّک فی أنّ المأمور به هو الأقل أو الأکثر و القاعدة عند الشک فی الأقل و الأکثر الارتباطیین هی البراءة.

ص: 326


1- فی القوانین، ص43: «تظهر الثمرة فیما لو حصل الشک فی شرطیة شیء لصحة الماهیة فعلی القول بکونها أسامی للصحیحة الجامعة لشرائط الصحة فلابدّ من العلم بحصول الموضوع له فی امتثال الأمر بها و لایحصل إلّا مع العلم باجتماعه لشرائط الصحة و أمّا علی القول الآخر أعنی وضعها لنفس الأجزاء المجتمعة مع قطع النظر عن الشرائط فیحصل امتثال الأمر الوارد بالعبادة بمجرّد الإتیان بها بما علم من شرائطها».
2- فی أجود التقریرات، ج1، ص44: «الثانی ربّما یذکر للنزاع المذکور ثمرات (الأولی) ما ذکر فی القوانین و فی بعض عبارات الریاض أیضاً من أنّ الصحیحی یتمسک بالاشتغال و الأعمی بالبرائة». و فی مناهج الوصول، ص160: «تحصل ممّا ذکرنا: صحة جعل القول بالبراءة و الاشتغال ثمرة للقول بالأعم و الصحیح».
القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما)

((1))

إنّ إجراء أصالة البراءة و الاشتغال عند الشک فی جزئیة شیء أو شرطیته متفرّع علی القول بانحلال العلم الإجمالی و عدمه فی الأقل و الأکثر الارتباطیین فإن قلنا بالانحلال فتجری البراءة و إن قلنا بعدم الانحلال فتجری الاشتغال و حیث إنّ المشهور قالوا بانحلال العلم الإجمالی ذهبوا إلی جریان أصالة البراءة بلا فرق بین القائلین بالصحیح أو بالأعمّ.

القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

(2)

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) یتسلّم مبنی الشیخ الأنصاری و المحقق صاحب

ص: 327


1- فی الکفایة، ص28: «و بدونه [أی بدون کونه وارداً فی مقام البیان] لا مرجع أیضاً إلّا البراءة أو الاشتغال، علی الخلاف فی مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین و قد انقدح بذلک: إنّ الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال فی موارد إجمال الخطاب أو إهماله علی القولین فلا وجه لجعل الثمرة هو الرجوع إلی البراءة علی الأعم و الاشتغال علی الصحیح و لذا ذهب المشهور إلی البراءة، مع ذهابهم إلی الصحیح». و فی وسیلة الوصول، ص 97 و 98: «إنّ النزاع فی الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال فیما إذا شک فی دخل شیء فی المأمور به یجری علی کل من القولین فیمکن للأعمی أن یقول بأنّ المرجع هو الاشتغال و للصحیحی أن یقول بأنّ المرجع هی البراءة» الخ. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص89، بعد بیان صاحب الکفایة (قدس سره): «هذا علی ما هو التحقیق فی مسألة الشک فی جزئیة شیء للمأمور به أو شرطیته له، کما مرّ من عدم الفرق بین کون منشأ الشک عدم النص أو إجماله فی جریان البراءة و الاشتغال و أمّا علی القول بالفرق بینهما بإجزاء البراءة فی الأوّل و الاشتغال فی الثانی کما هو مذهب جماعة ممن قارب عصرنا فتظهر الثمرة فی صورة الإجمال».
2- . أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص66. و فی منتهی الأصول، ص 65 و 66: «شیخنا الأستاذ (قدس سره) یقول بصحة هذه الثمرة، حیث إنّه یقول بامتناع جامع ذاتی بین الأفراد الصحیحة فالصحیحی عنده (قدس سره) لابدّ أن یقول بوضع هذه الألفاظ للجامع البسیط المنتزع عن هذه المرکبات بعنوان أنّها ذات أثر کذا و لا شک فی أنّ مثل هذا الجامع الانتزاعی الذی ینتزع منها - باعتبار کونها ذات أثر کذا- لاینطبق علی نفس المرکبات انطباق الکلی الطبیعی علی أفراده و یکون أمراً خارجاً عن حقیقة هذه المرکبات فالشک فی جزئیة شیء أو شرطیته لأحد هذه المرکبات یرجع إلی الشک فی حصول ذلک العنوان الانتزاعی الذی هو المأمور به بناءً علی هذا القول و فی سقوط الأمر فیکون مجری الاشتغال».

الکفایة (قدس سرهما) علی القول بالأعم((1)) و لکن یقول: لازم القول بالصحیح هو جریان الاشتغال کما قال المحقق القمی و صاحب الریاض (قدس سرهما).

بیان ذلک: إنّ الوضع للصحیح لایمکن إلّا بتقیید المسمّی إمّا من ناحیة المعلولات أو من ناحیة العلل و حیث إنّه یؤخذ أمر آخر خارج عن المأتی به فی المأمور به، لابدّ من القول بالاشتغال.

بیان مراده: إنّ الوضع للصحیح لازمه إمّا تقیید الموضوع له للصلاة بالعنوان الذی هو من ناحیة العلة مثل النهی عن الفحشاء حیث إنّه العلة الغائیة أو بالعنوان الذی هو من ناحیة المعلول مثل المُسقطیة للإعادة و القضاء و حینئذ المأمور به هو الصلاة مع هذا العنوان و المأتی به خارجاً موجب لتحقق المأمور به و لیس عین المأمور به لأنّ العنوان الذی هو إمّا من ناحیة العلّة و إمّا من ناحیة المعلول لیس فی المأتی به، بل هو مأخوذ فی المأمور به، فحینئذ إذا امتثل المکلف الصلاة بدون الجزء أو الشرط المشکوک جزئیته أو شرطیته فی الصلاة، یشک فی تحقق المأمور به و حینئذ الشک فی المأمور به شک فی المحصِّل و القاعدة هنا الاشتغال.

ثم قال: أمّا ذهاب المشهور القائلین بالصحیح إلی البراءة، فإمّا أن یحمل علی

ص: 328


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص173 و ط.ج. ص197: «علی ضوء هذا یستبین فساد ما أفاده شیخنا الأستاذ (قدس سره) من أنّه علی الصحیحی لا مناص من الرجوع إلی قاعدة الاشتغال، کما أنّه علی الأعمی لا مناص من الرجوع إلی البراءة».

الغفلة منهم عن مبناهم أو علی تخیّلهم إمکان تصویر الجامع بلا تقید بأمر آخر.

نعم، جریان البراءة علی الأعمّ مبنی علی الانحلال الذی هو مقتضی التحقیق فی محلّه.

یلاحظ علیه:

((1))

ما تصوره فی الوضع للصحیح من تقیید المسمی بما هو خارج عن المأتی به مخدوش بل العنوان الذی إمّا من ناحیة العلة أو من ناحیة المعلول معرّف للمسمی من دون أن یکون داخلاً فیه کما قرره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

اختلف مبناه فی الدراسات و المحاضرات.

بیانه (قدس سره) فی الدراسات:

((2))

علی القول بالأعم یکون الرجوع إلی البراءة أو الاشتغال متفرّعاً علی الانحلال و عدمه، فنظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) بالنسبة إلی هذا القول صحیح.

ص: 329


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص173 و ط.ج. ص197: «ما ذکره (قدس سره): من أنّه علی الصحیحی لابدّ من تقیید المسمّی بعنوان بسیط: إمّا من ناحیة العلل أو من ناحیة المعلولات فیرده: أنّه خلط بین الصحة الفعلیة التی تنتزع عن انطباق المأمور به علی المأتی به فی الخارج و الصحة بمعنی التمامیة فالحاجة إلی التقیید إنّما تکون فیما إذا کان النزاع بین الصحیحی و الأعمی فی أخذ الصحة الفعلیة فی المسمّی و عدم أخذها فیه ... و لکن قد تقدّم: أنّه لایعقل أخذها فی المأمور به فضلاً عن أخذها فی المسمی فلاتکون الصحة بهذا المعنی مورداً للنزاع» الخ. و فی منتهی الأصول، ص66، بعد بیان نظریة المحقق النائینی (قدس سره): «تقدّم إمکان تصویر الجامع الذاتی الانطباقی بین الأفراد الصحیحة من کل واحد من هذه المرکبات و تثبته أدلّة الإثبات کما تقدّم فلاتمکن موافقته فیما أفاده (رضوان الله تعالی علیه)».
2- الدراسات، ج1، ص86.

و أمّا علی القول بالصحیح یتفرّع القول هنا علی کیفیة تصویر الجامع.

فإن کان الجامع الصحیحی عنواناً بسیطاً کلیاً بالنسبة إلی أفراده فحینئذ نواجه مبنیین:

إن قلنا بوجود الکلی الطبیعی فی ضمن الأفراد فلابدّ من الإتیان بالفرد الواجد للجزء أو الشرط فالشک هنا شک فی المحصِّل حتی یحصل الیقین بتحقق الکلی المذکور الذی هو العنوان البسیط فالقاعدة هنا الاشتغال.

و إن قلنا بعدم الوجود للکلی فالأمر لایتعلق به، بل الأمر متعلّق بأفراده فالشک لیس شکّاً فی المحصّل و القاعدة هنا البراءة.

و إن کان الجامع الصحیحی عنواناً انتزاعیاً أو عنواناً تولیدیاً فالشک یکون دائماً من الشک فی المحصِّل و القاعدة هنا الاشتغال (سواء قلنا بالانحلال أم لا).

بیانه (قدس سره) فی المحاضرات:

عدل عن ما فی الدراسات فی المحاضرات((1)) فقال: إذا قلنا بالوضع للأعم فیتفرّع الکلام هنا علی الانحلال و عدمه؛ و إذا قلنا بالصحیح فهنا صور مختلفة:

1. إمّا أن یکون متعلق التکلیف عنواناً بسیطاً مسبباً عن الأجزاء و الشرائط فالشک یکون فی المحصل و القاعدة الاشتغال إلّا أنّه مجرد فرض غیر واقع.

2. إمّا أن یکون متعلق التکلیف ماهیة متأصلة مرکبة فالجامع هو عین

ص: 330


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص170 و ط.ج. ص194 و فی ص190: «ذکروا لها ثمرات: الأولی: ما اشتهر فیما بینهم: من أنّ الأعمی یتمسک بالبراءة فی موارد الشک فی الأجزاء و الشرائط و الصحیحی یتمسک بقاعدة الاشتغال و الاحتیاط فی تلک الموارد و لکنّ التحقیق: أنّ الأمر لیس کذلک و لا فرق فی التمسک بالبراءة أو الاشتغال بین القولین أصلاً» الخ.

الأجزاء و الشرائط و یتفرع جریان الأصل العملی علی القول بالانحلال و عدمه.

3. إمّا أن یکون متعلق التکلیف الماهیة البسیطة بأن تکون طبیعیاً موجوداً بعین وجود أفراده خارجاً (سواء قلنا بأنّ متعلق الأوامر الطبائع أم قلنا بأنّه الأفراد) و أیضاً یتفرع البحث علی القول بالانحلال و عدمه.

4. إمّا أن یکون متعلق التکلیف عنواناً انتزاعیاً، فالأمر الانتزاعی لا وجود له خارجاً حتی یتعلق به الأمر و إنّما الموجود هو منشأ انتزاعه فالأمر بالحقیقة متعلق بمنشأ الانتزاع و هو فی المقام نفس الأجزاء و الشرائط و أخذ ذلک الأمر الانتزاعی فی لسان الدلیل متعلقاً للأمر إنّما هو لأجل الإشارة إلی ما هو متعلق الحکم فی القضیة، و أیضاً رجع البحث إلی القول بالانحلال و عدمه.

فالحقّ مع الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة (قدس سرهما) سواء قلنا بالصحیح أم الأعم فإنّ النزاع یرجع إلی القول بانحلال العلم الإجمالی بوجوب الأقل أو الأکثر الارتباطیین أو عدم انحلاله إلّا فی صورة واحدة علی القول بالصحیح و هی الصورة الأولی التی یرجع الشک فیها إلی الشک فی المحصِّل و لکن هذا مجرد فرض غیر واقع فی الخارج.

القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره)
اشارة

(1)

الصلاة بحسب المفهوم لیست هی التکبیرة و القراءة و الرکوع و السجود و

ص: 331


1- . درر الأصول، ص48: «الذی یمکن أن یقال فی تصویر الجامع بین الأفراد الصحیحة أنّ کل واحد من تلک الحقائق المختلفة إذا أضیفت إلی فاعل خاص یتحقق لها جامع بسیط یتّحد مع هذه المرکبات اتّحاد الکلی مع أفراده ... علی هذا فالصلاة بحسب المفهوم لیست هی التکبیرة ... من دون رجوعها إلی جهة واحدة» الخ.

کذا و کذا بل هی بحسب المفهوم المعنی الواحد البسیط الذی یتّحد مع تمام المذکورات تارة و مع بعضها أخری و هذا المعنی و إن کان أمراً متعقّلاً لا محیص عن الالتزام به بعد ما یعلم أنّ لتلک الحقائق المختلفة فائدة واحدة و هی النهی عن الفحشاء و المنکر و لایکاد أن تؤثّر الحقائق المتباینة فی الشیء الواحد من دون رجوعها إلی جهة واحدة.

فلایتصور معلوم و مشکوک حتی یقال: إنّ المعلوم قد أتی به و المشکوک یدفع بالأصل بل فی ما نحن فیه معلوم شک فی وقوعه و لا شبهة فی أنّه مورد للاشتغال.

إشکال و رفع:

أمّا الإشکال فهو أنّ الظاهر مما ارتکز فی أذهان المتشرعة أنّ الصلاة عبارة عن نفس تلک الأجزاء المعهودة التی أوّلها التکبیر و آخرها التسلیم.

أمّا رفعه:((1)) لایخفی أنّ اعتبار الوحدة بین أجزاء الصلاة علی وجه یأتی فی تصویر الجامع للأعمی مع قید کون هذا الواحد الاعتباری بحدّ مفید لذلک المعنی البسیط بحیث یکون الحدّ خارجاً عن الموضوع له رافع لهذا الإشکال.

مناقشة علی نظریة المحقق الحائری (قدس سره):

((2))

إنّ من البسیط ما هو آنی الوجود و هذا لایعقل فیه الأقل و الأکثر و المتیقن

ص: 332


1- حاشیة درر الأصول، ص48.
2- تحقیق الأصول، ص275.

و المشکوک کما ذکر، و من البسیط ما هو تدریجی الوجود و هذا هو مراد صاحب الکفایة (قدس سره) و هو متحد مع الأجزاء من التکبیر و غیره، یتحقق بالتدریج مع کل واحد من الأجزاء نظیر الخطّ فإنّه و إن کان خطّاً واحداً، لکنّه ممتدّ بسبب الوجود، و علیه یمکن تصویر الأقلّ و الأکثر بأن یقال مثلاً: قد علم بتعلق التکلیف بالتکبیرة إلی السجود و ما زاد عن ذلک فمشکوک فیه.

إنّ الصلاة عندنا هی الذکر الخاص البسیط التی هی تدریجیة الوجود و تنطبق علی أجزائه المتعددة انطباق الطبیعی علی فرده و تبتدء بالنیة التی هی ذکر قلبی و التکبیر الذی هو ذکر لسانی فإن کان المصلی هو الغرقی فیکتفی بهما و إلا لابدّ له من الإتیان بسائر أجزائها لأنّها أیضاً من مصادیق الذکر اللسانی أو الذکر القلبی أو الذکر العملی، فإن الرکوع نوع عمل دالّ علی التعظیم فإنه یعدّ ذکراً عملیاً.

و قد تقدم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی الصورة الثالثة من القول الرابع: إنّ الماهیة البسیطة إن اتّحد مع الأجزاء الصلاتی اتحاد الطبیعة و الفرد فالشک فی الجزء لیس من قبیل الشک فی وجود المحصل حتی قلنا بجریان الاشتغال بل تجری البرائة عند انحلال العلم الإجمالی.

ص: 333

الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی
اشارة

(1)

مقدمة: فی أنّ الإطلاق إمّا مقامی و إمّا لفظی.
اشارة

أمّا الإطلاق المقامی فهو فی ما إذا کان المولی بصدد بیان ما تعلق به طلبه أو أجزائهأو شرائطه فأعلن أموراً و بیّنها و اعتبرها و سکت عن أخر، فحینئذٍ سکوته و عدم بیان المولی بالنسبة إلی بعض الأشیاء کاشف عن عدم تعلّق الطلب بها و فی هذا الإطلاق لانحتاج إلی وجود لفظ متعلّق.

أمّا الإطلاق اللفظی فیتوقف علی مقدمات ثلاث علی المشهور و مقدمات

ص: 334


1- . فی هدایة المسترشدین، یذکر الثمرة مع عدم التمییز بین الأولی و الثانیة قال فی ص484: «المقام الرابع فی بیان ثمرة النزاع فی المسألة: فنقول: عمدة الثمرة المتفرعة علی ذلک صحة إجراء الأصل فی أجزاء العبادات و شرائطها فإنّها إنّما یثبت علی القول بوضعها للأعم دون القول بوضعها للصحیح و علی القول بالتفصیل بین الأجزاء و الشرائط یفصل بینهما» الخ. و فی الفصول، ص49: «اتّضح ممّا حقّقناه أنّ الثمرة التی تترتب علی القولین هی نهوض الإطلاق السالم عن المعارض حجة علی نفی ما یحتمل جزئیته أو شرطیته بعد تحصیل القدر المعبّر فی صدق الاسم عرفاً علی القول بالأعم دون القول بالصحة». و فی کفایة الأصول، ص28: «إنّ ثمرة النزاع إجمال الخطاب علی قول الصحیحی و عدم جواز الرجوع إلی إطلاقه فی رفع ما إذا شک فی جزئیة شیء للمأمور به أو شرطیته أصلاً لاحتمال دخوله فی المسمّی کما لایخفی و جواز الرجوع إلیه فی ذلک علی القول الأعمی فی غیر ما إحتمل دخوله فیه ممّا شک فی جزئیته أو شرطیته نعم لابدّ فی الرجوع إلیه فیما ذکر من کونه وارداً مورد البیان کما لابدّ منه فی الرجوع إلی سائر المطلقات». و فی نهایة الدرایة، ص79: «التحقیق: فی بیان الثمرة أنّه لا ریب فی أنّ إحراز الوضع للأعم بضمیمة العلم بأنّ ما بأیدینا من أفراد مطلق الصلاة یوجب العلم باتحاد مفهوم الصلاة حقیقة مع هذا الفرد فیصح التمسک بإطلاقها عند اجتماع الشرائط» الخ. و فی درر الفوائد، ص54: «الرابع تظهر الثمرة بین القولین فی صحة الأخذ بالإطلاق و عدمه» الخ.

أربع عند صاحب الکفایة (قدس سره) .

أمّا المقدمات الثلاث التی یتوقف علیها التمسک بالإطلاق اللفظی عند المشهور:((1))

المقدمة الأولی: أن یکون الحکم قابلاً للانطباق علی نوعین أو أکثر.

المقدمة الثانیة: أن یحرز کون المتکلم فی مقام البیان لتمام المراد و لو بأصل عقلائی و لم یکن فی مقام الإهمال أو الإجمال.

المقدمة الثالثة: أن یحرز عدم نصبه القرینة علی التقیید.

و زاد علیها المحقق الخراسانی (قدس سره) «انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب».((2))

بیان الثمرة:

قال المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات: «فإذا تمّت هذه المقدمات استکشف بها الإطلاق فی مقام الثبوت و أنّ مراده الاستعمالی مطابق لمراده الجدی و لیست لأیّة خصوصیةٍ مدخلیةٌ فی المراد الجدّی و إذا شککنا فی دخل خصوصیة فی ذلک، ندفعه بالإطلاق اللفظی فی مقام الإثبات».

ثمّ إنّ هذه المقدّمات تامّة علی قول الأعمّی حیث إنّ المسمّی عنده طبیعی الصلاة الأعمّ من الصحیحة و الفاسدة فیصدق طبیعی الصلاة علی الفرد الفاقد للجزء المشکوک أو الشرط المشکوک اعتباره و إذا أحرزنا کون المتکلم فی مقام البیان و لم نجد تقیید طبیعی الصلاة بما أنّه متعلق لطلب الشارع، بالنسبة إلی الجزء أو الشرط المشکوک نتمسّک بإطلاق طبیعی الصلاة فی مقام الإثبات لاستکشاف

ص: 335


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص175 و ط.ج. 199.
2- کفایة الأصول، ص247.

عدم اعتباره.

و لکن المقدمة الأولی من مقدمات الحکمة لم تتمّ فی حقّ الصحیحی لأنّ متعلق الطلب هو الطبیعة الصحیحة و لانعلم صدقها علی فردها الفاقد للجزء المشکوک أو الشرط المشکوک لاحتمال دخل الجزء أو الشرط فی الطبیعة الصحیحة التی تعلق بها الطلب.

و بعبارة أخری موضوع الإطلاق منتفٍ علی القول بالصحیح، لأنّ موضوع الإطلاق هو الطبیعة المأمور بها الشاملة للفرد الواجد للمشکوک جزئیته أو شرطیته و الفرد الفاقد له و لکن علی القول بالصحیح لاندری شمول الطبیعة المأمور بها للفرد الفاقد له حتی نتمسّک بإطلاقها.

إشکالات ثلاثة علی الثمرة الثانیة:
الإشکال الأوّل: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

(1)

إنّ هذه الثمرة مجرد فرض لا واقع له من جهة ابتنائها علی أن یکون تلک

ص: 336


1- . نهایة الأفکار، ج1، ص96. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص178 و ط.ج. ص203: «الثانی: أنّ الأعمی کالصحیحی فی عدم إمکان التمسک بالإطلاق عند الشک فی اعتبار جزء أو قید و ذلک لأنّ أدلّة العبادات جمیعاً من الکتاب و السنة مجملة و لم یرد شیء منها فی مقام البیان فإذا کان المتکلم فیها فی مقام الإهمال أو الإجمال فلایجوز التمسک بإطلاقها». و فی وسیلة الوصول، ص96: «و لایخفی أنّ هذه الثمرة فرضیه لا تحقق لها فی الخارج، إذ تحققها فرع کون الإطلاقات فی مقام البیان و الحال أنّها لیست کذلک، بل فی مقام التشریع و الحث و الترغیب إلی هذه العبادات فمثل: (أَقِیمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّکَاةَ) ( البقرة:43) و (لله عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ) (آل عمران:97) و (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ) ( البقرة:183) و غیرها لیست إلّا فی مقام تشریعها و جعلها و أمّا تفصیلها من حیث الأجزاء و الشرائط فلابدّ أن یثبت من دلیل خارج».

المطلقات مثل «أقیموا الصلاة» واردةً فی مقام البیان من جهة الأجزاء و الشرائط لا فی مقام الإهمال و هو أوّل شیء ینکر حیث نقول بأنّ ورودها إنّما کان لمحض التشریع من غیر أن تکون بصدد البیان من هذه الجهات.

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

(1)

إنّ بعض آیات الکتاب فی مقام التشریع کما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) و لکن بعض الآیات فی مقام البیان و لذا یمکن التمسک بإطلاقه مثل:

1. آیة الوضوء (یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ

ص: 337


1- . تحقیق الأصول، ج1، ص280. و فی فوائد الأصول، ص78: «تحصل من جمیع ما ذکرنا: إنّ التمسک بالإطلاقات الواردة فی الکتاب لایمکن علی کلا القولین و وجهه: أنّه لایمکن أن تکون تلک الإطلاقات واردة فی مقام البیان و التمسک بإطلاق مثل صحیحة حماد یمکن علی القولین و التمسک بإطلاق مثل قوله (علیه السلام): «إنّما صلوتنا هذه ذکر و دعاء» یصح علی الأعمی لو کان وارداً فی مقام بیان المسمّی» و فی منتهی الأصول، ص65: «إنّ قضیة عدم ورود الإطلاقات کلّها فی جمیع ألفاظ العبادات فی مقام البیان دعوی بلا بینة و برهان». و فی مناهج الوصول، ص161: «الإشکال تارة: بأنّه لیس فی الکتاب و السنة إطلاق فی مقام البیان حتی یثمر النزاع ... مردود ضرورة مجازفة الدعوی الأولی کما یظهر للمراجع و أمّا ما قیل من کفایة الثمرة الفرضیة للمسألة الأصولیة فهو کما تری». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص178 و ط.ج. ص203: «الجواب عنه مضافاً إلی أنّه رجم بالغیب: أنّ الأمر لیس کما ذکره القائل فإنّ من الآیات الکریمة ما ورد فی الکتاب و هو فی مقام البیان کقوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ...) (البقرة:183) فالمفهوم من کلمة "الصیام" عرفاً کف النفس عن الأکل و الشرب و هو معناه اللغوی ... و علی ذلک فلو شککنا فی اعتبار شیء فی هذه الماهیة قیداً و عدم اعتباره کذلک فلا مانع من أن نرجع إلی إطلاق قوله تعالی: (کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ...) و به یثبت عدم اعتباره».

وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ إِلَی الْکَعْبَینِ)((1)) و تمسک الإمام (علیه السلام) بها للتفصیل بین المسح و الغسل بمجیء الباء فی الرؤوس الدال علی لزوم مسح بعض الرأس حیث أنه فی مقام بیان الحکم بعض ظاهر مسح الرجل لا استیعاب تمام ظاهر الرجل. ((2))

2. و آیة نفی الحرج حیث تمسّک الإمام (علیه السلام) بها فی حکم الجبیرة. ((3))

3. و آیة (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((4)) حیث تمسک الإمام (علیه السلام) بها لصحة بیع المضطر.((5))

4. و آیة (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوکًا لَا یقْدِرُ عَلَی شَیءٍ)((6)) حیث تمسّک الإمام (علیه السلام) بها لعدم صحة طلاق العبد.((7))

و فی السنة أیضاً کذلک فمن السنة ما جاء فی بدء البعثة، فهذا القسم من التشریع و أمّا ما صدر فی أواخره ففی مقام البیان.((8))

فلاتصل النوبة إلی ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) من کفایة ثبوت آیة واحدة فی مقام البیان عند مجتهد واحد. (إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ((9)) أجاب بآیة الصیام و لکن ناقشه بعض الأساطین (حفظه الله)).

ص: 338


1- سورة المائده(5):6.
2- الوسائل، ج1، ص413، أبواب الوضوء، باب23، ح1.
3- الوسائل، ج1، ص464، أبواب الوضوء، ب39، ح5.
4- سورة البقرة(2):275.
5- الوسائل، ج17، ص446، أبواب التجارة، ب40، ح1.
6- سورة النحل(16):75.
7- الوسائل، ج22، ص99، أبواب مقدمات الطلاق، ب43، ح2.
8- و مثّل لذلک المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص179 و ط.ج. ص204، بقوله (علیه السلام): «یتشهّد» فإنّ إطلاقه یدلّ علی عدم اعتبار أمر آخر غیر الشهادتین.
9- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص178 و ط.ج. ص203.
الإشکال الثانی: جواز التمسّک بالإطلاق علی کلا القولین
اشارة

(1)

مناط جواز التمسک بالإطلاق کون المتکلم فی مقام البیان و عدم نصب القرینة علی التقیید بلا فرق بین الأعمی و الصحیحی.

و لذلک تمسّک الفقهاء بإطلاق صحیحة حمّاد التی وردت فی مقام بیان الأجزاء و الشرائط و بیّن الإمام (علیه السلام) فیها جمیع أجزاء الصلاة من التکبیرة و القراءة و الرکوع و السجود و نحوها و حیث لم یبیّن فیها الاستعاذة مثلاً

ص: 339


1- . فی هدایة المسترشدین، ص486: «ممّا یستغرب من الکلام ما ذکره بعض الأعلام فی المقام حیث حکم بإجراء الأصل فیما یشک فیه من الأجزاء و الشرائط علی القولین و أسقط الثمرة المذکورة بالمرة من البین و محصّل کلامه: أنّا إذا تتبعنا الأخبار و الأدلّة و تصفحنا المدارک الشرعیة علی قدر الوسع و الطاقة و لم یثبت عندنا إلّا أجزاء مخصوصة للعبادة و شرائط خاصة لها حکمنا بأنّه لایعتبر فی تلک العبادة إلّا تلک الأجزاء و الشرائط الثابتة عندنا فإن ادعی أحد جزئیة شیء أو شرطیته من غیر أن یقیم علیه دلیلاً تطمئن النفس إلیه دفعناه بالأصل و لو قلنا بکون تلک الألفاظ أسامی للصحیحة الجامعة لجمیع الأجزاء و شرائط الصحة» ثمّ أورد علیه أربعة إیرادات . و فی حقائق الأصول، ص68: «قد یستشکل فی الحکم بالإجمال علی القول بالصحیح من جهة وجود الأخبار الکثیرة الوافیة ببیان تلک الماهیات فیرتفع عنها الإجمال ... و یندفع بأنّ موارد الشک فی الجزئیة ممّا لا تدخل تحت عد و التتبع شاهد بذلک - مع أنّ ذلک لایمنع من تحقق إجمال الخطاب فی نفسه و إن کان یندفع بالنظر إلی الأخبار لکن علیه تکون الثمرة فرضیة لا عملیة فتأمل». و فی منتهی الأصول، ص64: «قد یشکل علی هذه الثمرة ... أنّه قبل بیان الشارع لأجزاء هذه الماهیات المخترعة و شرائطها و موانعها لا معنی للتمسک بإطلاق الألفاظ الموضوعة لهذه الماهیات لعدم فهم شیء منها و إجمالها و بعد صدور البیان یمکن التمسک بالإطلاق المقامی لتلک الأدلّة المبینة للأجزاء و الشرائط و لایحتاج إلی إطلاق تلک الألفاظ أصلاً إن فرض لها إطلاق». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص176 و ط.ج. ص200 و 201: «و قد یورد علی هذه الثمرة بوجوه: الأوّل: أنّه لا فرق بین القولین فی جواز التمسک بالإطلاق و عدم جوازه و الوجه فی ذلک: هو أنّ مناط الجواز کون المتکلم فی مقام البیان و أنّه لم ینصب قرینة علی التقیید» الخ.

فیتمسّک بإطلاقها علی عدم وجوبها.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: قد مضی أنّ التمسک بالإطلاق اللفظی متوقف علی مقدمات الحکمة و المقدمة الأولی منها مفقودة فی المقام (أی علی القول بالصحیح).

ثانیاً: تمسّک الفقهاء بإطلاق صحیحة حمّاد لایرتبط بما نحن فیه، حیث إنّ الإطلاق فی صحیحة حمّاد مقامی و الإطلاق المبحوث عنه فی الثمرة إطلاق لفظی.

الإشکال الثالث: عدم جواز التمسّک بالإطلاق علی کلا القولین
اشارة

(2)

إنّ الإطلاق و التقیید فی العبادات إنّما یلاحظ بالإضافة إلی المأمور به (متعلّق

ص: 340


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص176 و 177 و ط.ج. ص201: «و الجواب عنه قد ظهر ممّا تقدّم و ملخّصه: أنّ التمسک بالإطلاق موقوف علی إحراز المقدمات الثلاث. أوّلها: إحراز تعلق الحکم بالجامع بحسب المراد الاستعمالی و قابلیة انقسامه إلی قسمین أو أقسام ... و أمّا ما استشهد علی ذلک بتمسک الفقهاء - رضوان الله علیهم- بإطلاق صحیحة حماد المتقدّمة فهو خلط بین الإطلاق الحالی و الإطلاق اللفظی» الخ. و فی منتهی الأصول، ص65: «أمّا إجمالها و عدم فهم شیء منها قبل صدور البیان من قبل الشارع و إن کان صحیحاً و لکن بعد ما صدر بیان من قبله بالنسبة إلی عدة من الأجزاء و الشرائط و الموانع بحیث یصدق علیه لفظ الصلاة مثلاً بناء علی الأعم و لم نحرز کون دلیل المبین فی مقام بیان تمام ماله مدخلیة فی الصلاة مثلاً حتی یمکن التمسک بإطلاقه المقامی ففی مثل هذا المورد یمکن التمسک بإطلاق الأدلّة العامة أی الألفاظ الموضوعة للماهیات المخترعة».
2- . فی هدایة المسترشدین، ذکر إیرادین علی هذه الثمرة ثمّ أجاب عنهما ففی ص484: «إن قلت: لا شک فی کون مطلوب الشارع و المأمور به فی الشریعة إنّما هو خصوص الصحیحة لوضوح کون الفاسدة غیر مطلوبة لله تعالی بل مبغوضة له لکونها بدعة محرمة فأی فارق إذن بین القولین مع حصول الشک فی إیجاد الصحیحة من جهة الشک فیما یعتبر فیها من الأجزاء و الشرائط؟» و فی ص485: «إن قیل: إنّ العلم الإجمإلی بکون مطلوب الشارع هو خصوص الصحیحة یوجب تقیید تلک الإطلاقات بذلک فیحصل الشک أیضاً فی حصول المکلف به إذ هو من قبیل التقیید بالمجمل فلایمکن تحصیل العلم بالامتثال بحسب الظاهر أیضاً». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص180 و ط.ج. ص205: «الثالث: أنّ الإطلاق و التقیید فی العبادات إنّما یلاحظ بالإضافة إلی المأمور به و متعلق الأمر، لا بالقیاس إلی المسمّی بما هو ضرورة أنّ الإطلاق أو التقیید فی کلام الشارع أو غیره إنّما یکون بالقیاس إلی مراده و أنّه مطلق أو مقید لا إلی ما هو أجنبی عنه و علی ذلک فلا فرق بین القولین فکما أنّ الصحیحی لایمکنه التمسک بالإطلاق فکذلک الأعمی» الخ. و فی منتقی الأصول، ص238: «ثمّ إنّ هناک وجهاً آخر ذکر لنفی الثمرة المزبورة بیانه: إنّ اللفظ و إن کان ینطبق علی الصحیح و الفاسد علی القول بالوضع للأعم إلّا أنّ المأمور به خصوص الصحیح و معه لایصح التمسک بالإطلاق علی هذا القول عند الشک و ذلک: لأنّ تقیید المراد الجدی کتقیید المراد الاستعمالی و ظهور اللفظ مانع من التمسک بالمطلق مع الشک فی دخوله فی المقید أو غیره ... و بکلمة واحدة: یکون التمسک بالإطلاق فی مورد الشک بعد إحراز تقییده بالصحیح من التمسک بالمطلق فی الشبهة المصداقیة و هو ممنوع».

الأمر) لا بالإضافة إلی المسمّی (مثل ما یسمّی بطبیعی الصلاة)، ضرورة أنّ الإطلاق و التقیید فی کلام الشارع أو غیره إنّما یکون بالقیاس إلی مراده لا بالقیاس إلی المسمّی.

و ما هو متعلق أمر الشارع حصّة خاصّة من المسمّی و هی الحصّة الصحیحة ضرورة أنّ الشارع لایأمر بالحصّة الفاسدة و لا بما هو الجامع بینها و بین الصحیح.

فلا فرق بین أن تکون الصحّة مأخوذة فی المسمّی (أی ما یسمّی بالصلاة) کما یقول الصحیحی أو مأخوذة فی المأمور به کما لابدّ أن یلتزم به الأعمی أیضاً فحینئذٍ لایمکن التمسک بالإطلاق اللفظی فی متعلق الأمر عند الصحیحی و الأعمی لأنّه التمسک بالإطلاق فی الشبهة المصداقیة.

ص: 341

یلاحظ علیه:

(1)

إنّه قد تصدّی الأعلام من الشیخ الأنصاری (قدس سره) و المحقق النائینی((2)) و

ص: 342


1- . فی منتقی الأصول، ص239: «قد اختلف کلمات الاعلام فی الإجابة عن هذا الإیراد و قد قیل فی ردّه وجوه: الأوّل: أنّه لا مانع من التمسک بالمطلق فی الشبهة المصداقیة إذا کان المقید لبیاً لا لفظیاً ... الثانی:- و هو ما جاء فی تقریرات بحث العراقی- إنّ الصحة علی الصحیح قید من قیود المعنی المأمور به فهی دخیلة فی قوام المعنی و لهذا لایصح التمسک بالإطلاق و أمّا علی الأعم فهی غیر دخیلة فی قوام المعنی المأمور به و إنّما تعلق الأمر بشیء مشروط بأمور أخری ... الثالث: ما ذکره الشیخ فی الرسائل و سیأتی بیانه و التحقیق أن یقال: - بعد فرض کون المراد بالصحة ترتب الأثر کما تقدّم دون غیرها من المعانی - إنّ ما ذکر من مانعیة تقیید المراد الجدی عن التمسک بالمطلق فی مورد الشک مسلّم. کمانعیة تقیید المراد الاستعمالی و لا کلام فیه لما تقدّم من تقریبه إلّا أنّه یمکن الالتزام فی ما نحن فیه بما یتّفق مع التقیید فی النتیجة بلا تقیید المراد الجدی أصلاً و علیه فلایجری فیه الحکم ... الرابع: ما ذکره المحقق الخوئی» الخ. و فی وسیلة الوصول، ص97: «فیه: أنّه من باب اشتباه المفهوم بالمصداق و هذه المناقشة نشأت من هذه الجهة إذ الصلاة علی هذا القول لم تقید بمفهوم الصحیحة حتی یکون من التقیید بالمجمل الذی یسری إجماله إلی المطلق، بل قیدت بمصداق الصحیحة» الخ. و فی حقائق الأصول، ص68: «قد یستشکل فی الرجوع إلی الإطلاق علی القول بالأعم لما دلّ علی امتناع تعلق الوجوب بالفاسد و اختصاصه بالصحیح و لا فرق فی سقوط الدلیل عن المرجعیة بین کون المقید داخلاً فی نفس المسمّی أو داخلاً فی موضوع الأمر ... و یندفع بأنّ حکم العقل بأنّ المأمور به لابدّ أن یکون هو الصحیح لایمنع من التمسک بالإطلاق، بل یکون الإطلاق دالاً علی أنّ المطلق هو الصحیح و منشأ الاشتباه الخلط بین الجهات التقییدیة و التعلیلیة مع وضوح الفرق بینهما». و فی مناهج الوصول، ص161: «و الإشکال ... بأنّ المأمور به هو الصحیح علی القولین و الأخذ بالإطلاق بعد التقیید أخذ فی الشبهة المصداقیة ... فیها: أنّ الأوامر متعلقة بنفس العناوین علی الأعم و لاینافی تقیدها بقیود منفصلة» الخ.
2- فی فوائد الأصول، ص78: «و ما یقال: من أنّه لا یمکن التمسک بإطلاق ذلک حتی علی القول بالأعمی للعلم بأنّ المراد و متعلق الطلب هو الصحیح و إن کان اللفظ موضوعاً للأعم فمجرّد صدق المسمّی لایکفی فی نفی ما شک فی جزئیته مع عدم العلم بحصول المراد، - ففساده غنی عن البیان لأنّ الصحیح لیس إلّا ما قام الدلیل علی اعتباره و المفروض أنّ ما قام الدلیل علی اعتباره هو هذا المقدار فبالإطلاق یحرز أنّ الصحیح هو ما تکفلّه الدلیل کما هو الشأن فی جمیع الإطلاقات و المانع من التمسک بالإطلاق - بناء علی قول الصحیحی- هو أنّ متعلق التکلیف أمر آخر غیر ما تکفّله الإطلاق فلایمکن إحرازه بالإطلاق و هذا بخلاف قول الأعمی فإنّ متعلق التکلیف بناء علیه هو نفس ما تکفّله الإطلاق فتأمّل فی المقام جیداً».

المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((1))و غیرهم بدفع هذا الإشکال و لانطیل الکلام بذکر ما أفادوه. ((2))

و الحق فی الجواب: أنّ الظاهر من تعلّق الأمر بطبیعة الصلاة مثلاً -علی القول بالأعمّ- هو مطلوبیة تلک الطبیعة بإطلاقها و صحّة جمیع أفرادها إلّا ما قامت القرینة علی خروجها عن الإطلاق و أمّا ما شک فی خروجه عن الإطلاق فنتمسّک فیه بأصالة الإطلاق و نثبت مطلوبیته و صحّته عند الشارع.

و بعبارة أخری إنّ المأمور به هذه الطبیعة بجمیع أفرادها لمکان إطلاق الطبیعة إلّا أنّ تقییدها ببعض الأجزاء و الشرائط یوجب تقیید الطبیعة المأمور

ص: 343


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص181 و ط.ج. ص206: «الجواب عنه یظهر ممّا بیناه سابقاً فإنّ الصحة الفعلیة التی هی منتزعة عن انطباق المأمور به علی المأتی به خارجاً فی موارد الامتثال و الإجزاء غیر مأخوذة فی المأمور به قطعاً بل لایعقل ذلک کما سبق و إنّما النزاع فی أخذ الصحة بمعنی التمامیة أعنی به: تمامیة الشیء من حیث الأجزاء و القیود فی المسمّی ... و علی الجملة: فالمأمور به علی کلا القولین و إن کان هو الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء و الشرائط فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلاً إلّا أنّ الاختلاف بینهما فی نقطة أخری و هی: أنّ صدق اللفظ علی الفاقد لما یشک فی اعتباره معلوم علی قول الأعمی و إنّما الشک فی اعتبار أمر زائد علیه و أمّا علی الصحیحی فالصدق غیر معلوم و علی أساس تلک النقطة یجوز التمسک بالإطلاق علی القول بالأعم دون القول بالصحیح».
2- راجع منتقی الأصول، ج1، ص238- 245. و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص181 و ط.ج. ص206: «الجواب عنه یظهر ممّا بیناه سابقاً فإنّ الصحة الفعلیة التی هی منتزعة عن انطباق المأمور به علی المأتی به خارجاً فی موارد الامتثال و الإجزاء غیر مأخوذة فی المأمور به قطعاً بل لایعقل ذلک کما سبق و إنّما النزاع فی أخذ الصحة بمعنی التمامیة أعنی به: تمامیة الشیء من حیث الأجزاء و القیود فی المسمّی فالقائل بالصحیح یدعی وضع لفظ "الصلاة" - مثلاً- للصلاة التامة من حیث الأجزاء و الشرائط و القائل بالأعم یدعی وضع اللفظ للأعم» الخ.

بها و لکنّا فی التقیید نتبع الدلیل فما لم یثبت تقیید الطبیعة بشیء نحکم بصحتها و مطلوبیتها و کونها المأمور بها مع شمولها لذلک الشیء.

فإنّا نعلم تعلّق الأمر بحصص الصلاة التی توصف بالصحة (بدون أخذ وصف الصحة فی متعلّق الأمر) ثبوتاً بحکم العقل.

و أمّا إثبات ذلک فیکون بالأدلة الدالة علی تقییدها بالأجزاء و الشرائط، تارة بأن تدلّ علی أنّ الأفراد الصحیحة هذه الأفراد و بأصالة الإطلاق بالنسبة إلی بعض الأجزاء و الشرائط و أخری بأن یکون الفاقد لتلک الأجزاء و الشرائط أیضاً من أفراد الصحیح.

أقول: إنّ التملیک الإنشائی متحد حقیقة مع الملکیة فی اعتبار نفس المعتبر و لایتحد مع الملکیة فی اعتبار العقلاء و الشارع فالعقلاء یعتبرون ملکیة المشتری بعد تملیک البایع فی ظرف الاعتبار العقلائی.

و التمیک الإنشائی هو الاعتبار النفسانی الإنشائی بما أنّ اللفظ یعتبر وجوده عرضاً فهنا لاترکیب فی المعاملات بین الاعتبار و اللفظ بل اللفظ هو الوجود العرضی لهذا الاعتبار و المراد من السبب لیس نفس الاعتبار بدون اللفظ بل الاعتبار الذی یُظهره اللفظ بالوجود العرضی.

نعم فی عالم الاعتبار لامعنی للسبب و المسبب بل السببیة المدعاة بین التملیک الاعتباری الإنشائی من البایع و بین الملکیة العقلائیة أو الشرعیة، سببیة مسامحیة اعتباریة و لیست سببیة حقیقیة.

ص: 344

المقام الثانی:وضع ألفاظ المعاملات للصحیحة أو الأعم؟
اشارة

(1)

فیه أمور ثلاثة:

البحث الأصلی هو فی أنّ أسماء المعاملات موضوعة للصحیحة أو الأعم و لکن هذا البحث متفرّع علی البحث حول مقدّمة و هی أنّ أسامی المعاملات موضوعة للأسباب أو المسبّبات، لأنّه لو قلنا بوضع المعاملات للمسببات فلا مجال للنزاع.

ص: 345


1- . فی هدایة المسترشدین، ص490: «ثانیها: أنّه یمکن إجراء البحث المذکور فی غیر العبادات ممّا ثبت فیه للشارع معنی جدید کاللعان و الإیلاء و الخلع و المبارات... و نحوها بناء علی استعمال الشارع لتلک الألفاظ فی غیر المعانی اللغویة فیقوم احتمال کونها أسامی لخصوص الصحیحة منها أو الأعم منها و من الفاسدة و کان الأظهر فیها أیضاً الاختصاص بالصحیحة و یجری بالنسبة إلیها کثیر من الوجوه المذکورة». و فی الفصول، ص52: «الثانیة الحق أنّ ألفاظ المعاملات أیضاً موضوعة بإزاء الصحیحة فقط سواء قلنا بأنّها أسام للآثار المخصوصة کتملیک العین فی البیع و المنفعة فی الإجارة أو تملکهما أو قلنا بأنّها أسام للصیغ المستتبعة لها أمّا علی الأوّل فظاهر إذ لا أثر فی الفاسدة و ظنّ من لا خبرة له بالواقع به غیر مجد لأنّ الألفاظ موضوعة للمعانی الواقعیة علی ما هو التحقیق و أمّا علی الثانی فلان وصف کونها محصلة لها معتبر فی صدق الاسم للقطع بأنّ مثل عقد النائم و الساهی و الهاذل لیس عقد إلّا بیعاً و لا صلحاً و لا نکاحاً إلی غیر ذلک» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص310: «المقدمة الثانیة: قضیة ما قرّرناه فی وجه إخراج ألفاظ العبادات عن النزاع علی مقالة القاضی، عدم جریان النزاع فی ألفاظ المعاملات مطلقاً فإنّ هذا النزاع إذا کان متفرعاً علی أحد الأمرین من الاختراع الشرعی أو التسمیة الشرعیة فکیف یندرج فیه ما انتفی عنه الأمران معاً» الخ. و فی منتقی الأصول، ص286: «ظاهر صاحب الکفایة (قدس سره) کون الموضوع له هو الصحیح بالمعنی الذی ذکرناه و هو العقد الحاوی لجمیع جهات التأثیر بحیث یترتّب علیه الأثر من قبل العقلاء بمجرّد الالتفات إلیه و لکنّ الانصاف عدم تمامیة هذه الدعوی فإنّ المرتکز فی الأذهان من اللفظ هو المعنی الأعم من الصحیح و الفاسد فإنّ إطلاق لفظ البیع علی بیع الغاصب الذی لایری العرف نفوذه لایختلف عرفاً عن إطلاقه علی بیع المالک فی کون إطلاق کل منهما حقیقیاً لا مسامحة فیه و هذا أمر لایقبل الإنکار بحسب الظاهر». و فی مباحث الأصول، ص151: «إنّها إن کانت أسامی للمسببات - کما هو الأظهر» الخ و راجع أیضاً نهایة النهایة، ص47 و نهایة الدرایة، ص91 و حقائق الأصول، ص81.

توضیح ذلک: إنّ بعض الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) قالوا:

«إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما (الصحة و الفساد) بل المسبباب تتّصف بالوجود أو بالعدم و إن کانت موضوعة للأسباب فللنزاع فیه مجال».

و تحقیق ذلک یتوقف علی جهتین:

الجهة الأولی: فی أنّ المعاملات أسامٍ للأسباب أو المسبّبات و هنا اختار صاحب الکفایة (قدس سره) وضعها للأسباب.

الجهة الثانیة: إن کانت المعاملات أسامی للمسبّبات فهل یجری النزاع فی وضعها للصحیح أو الأعم أو لایجری کما یقول صاحب الکفایة (قدس سره) .

ص: 346

الأمر الأوّل: فی وضع أسامی المعاملات للأسباب أو المسببات (هنا نظریات)
النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

وهی الوضع للأسباب أوّلاً و للصحیحة منها ثانیاً.

قال: لایبعد دعوی کونها موضوعة للصحیحة و أنّ الموضوع له هو العقد المؤثر لأثر کذا شرعاً و عرفاً و الاختلاف بین الشرع و العرف فی ما یعتبر فی تأثیر العقد لایوجب الاختلاف بینهما فی المعنی، بل الاختلاف فی المحقّقات و المصادیق.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

و هی الوضع للأسباب الأعمّ من الصحیحة و الفاسدة.

إنّ الطریقة العرفیة جاریة علی الوضع لذات المؤثّر و عدم ملاحظة ما له دخل فی فعلیّة التأثیر فی المسمّی و المفروض عدم تصرّف الشارع فی المسمّی من حیث التسمیة.

فیتعیّن القول بوضع ألفاظ المعاملات لذوات الأسباب، لا للصحیح المؤثّر

ص: 347


1- فی کفایة الأصول، ص32: «الأوّل إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات ... و أمّا إن کانت موضوعة للأسباب فللنزاع فیه مجال، لکنّه لایبعد دعوی کونها موضوعة للصحیحة أیضاً» الخ و فی مباحث الأصول، ص155: «و کأنّ ما فی الکفایة مبنی علی اختیاره الوضع للسبب و لذا لم یتعرض لبیان صحة التمسک بالإطلاق إلّا فی تقدیر القول بالوضع للصحیح المنحصر جریانه فی تقدیر القول بالوضع للسبب».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص136.

منها و لیست کألفاظ العبادات حتی یتوقّف علی دعوی اتّحاد طریقتی العرف و الشرع فی الأوضاع.

ثمّ إنّ الأسباب عنده تملیک إنشائی قولی أو فعلی.((1))

و ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو القول الصحیح المتین فی هذا الباب.

النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره)

و هی وضع للمسببات.

قال (قدس سره): «لفظ البیع و الصلح و الإجارة و الملکیة و المبادلة موضوعة للمعانی المنشأة بلفظ "بعت" و "صالحت" و "آجرت" و "ملکت" و "بادلت"... فمعانیها هی التی تکون معلولة للإنشاء و موجودة به فإن کان الإنشاء جامعاً لما یعتبر فی ترتّبها علیه ترتب علیه و کان صحیحاً و إلّا لم یترتب علیه و کان فاسداً فلیست تلک الألفاظ إلّا موضوعة لنفس المسببات التی لاتتصف بالصحة و الفساد».((2))

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی و بعض الأعلام من تلامیذه

(3)

و هی عدم امکان الوضع للاسباب و المسببات.

ص: 348


1- البحوث، ص38.
2- حقائق الأصول، ص80. و فی منتهی الأصول، للبجنوردی، ص67: «الثانی إنّه من المعلوم أنّها موضوعة للمسببات لا للأسباب و ذلک لأنّ الشارع لم یستعمل هذه الألفاظ إلّا فیما یستعملها العرف فیها» الخ.
3- . فی منتقی الأصول، ص276: «هل یتصور الوضع للأسباب أو المسببات بالمعنی الذی ذکرناه لهما أو لایتصور ذلک ثبوتاً؟ التحقیق عدم إمکان الالتزام به. أمّا السبب: فقد عرفت أنّه اللفظ المستعمل بقصد إیجاد المعنی فی وعائه أو أنّه استعمال اللفظ بهذا القصد و لایخفی أنّ کلاً من اللفظ و الاستعمال لیس من المعانی الإنشائیة بل من الأمور الواقعیة التی لاتقبل الإنشاء ... و أمّا المسبب فقد عرفت أنّه الأثر المترتب علی الإنشاء الحاصل باعتبار العقلاء کالملکیة المترتبة علی البیع و لایخفی أنّ ذلک من فعل الشارع أو العقلاء و لیس من فعل الشخص فوضع اللفظ له ینافیه إسناد اللفظ بما له المعنی للشخص» الخ. و فی عنایة الأصول، ص98: «قد عرفت منّا فی أوّل الوضع أنّ أسامی المعاملات لیست هی موضوعة للأسباب ... بل عرفت منّا هناک أنّها لیست أسامی للمسببات أیضاً بل هی أسامی للأفعال التولیدیة التی تتولّد من الأسباب الخاصة فالبیع مثلاً لیس اسماً للعقد المخصوص فإنّه ممّا ینشأ به البیع و لا اسماً للملکیة أی الإضافة الخاصة الحاصلة بین المشتری و البائع فإنّه أثر للبیع بل هو اسم للتملیک أی إدخال المبیع فی ملک المشتری بوسیلة العقد المخصوص و هو الإیجاب و القبول و هکذا سایر أسامی المعاملات».

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((1)) أنها أسام للمرکب من الأمر الاعتباری النفسانی و إبرازه باللفظ أو نحوه فی الخارج، فإن الآثار المترقبة منها لاتترتب إلا علی المرکب من الأمرین، فالبیع و الإیجار و الصلح و النکاح و ما شاکلها لایصدق علی مجرد الاعتبار النفسانی بدون إبرازه فی الخارج بمبرز ما، فلو اعتبر أحد ملکیة داره لزید - مثلا - أو ملکیة فرسه لعمرو بدون أن یبرزها فی الخارج باللفظ أو ما شاکله فلا یصدق أنه باع داره من "زید" أو فرسه من "عمرو"، کما أنه لاتصدق هذه العناوین علی مجرد إطلاق اللفظ أو نحوه من دون اعتبار نفسانی کما لو کان فی مقام تعداد صیغ العقود أو الإیقاعات، أو کان التکلم بها بداع آخر غیر إبراز ما فی أفق النفس من الأمر الاعتباری.

فلو قال أحد: بعت أو زوجت أو نحو ذلک من دون اعتبار نفسانی فلایصدق علیه عنوان البیع أو عنوان التزویج و النکاح، و هکذا... و علی ضوء ما ذکرناه یتضح أنه لا سبب و لا مسبب فی باب المعاملات، و لا آلة و لاذی الآلة.

ص: 349


1- المحاضرات، ط.ق: ج1، ص216؛ ط.ج: ج1، ص220.
الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات أو لا؟ (هنا نظریات ثلاث):
اشارة

((1))

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة

((2)) و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما)

إنّ صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) قالوا بأنّه لو قلنا بوضع أسامی المعاملات للمسبّبات فالحق هو عدم جریان النزاع.((3))

ص: 350


1- و فی نهایة النهایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص47: «یمکن تصویر النزاع علی تقدیر الوضع للمسببات بأن یکون النزاع فی أنّ الوضع هل هو للمسبب الشرعی و الأثر الحاصل فی نظر الشارع کما یقوله القائل بالصحیح أو للمسبب العرفی و الأثر الحاصل فی نظر العرف سواء کان حاصلاً فی نظر الشارع أیضاً أم لا کما یقوله القائل بالأعم» و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص97، بعد بیان مختار صاحب الکفایة (قدس سره): «هذا ما أفاده المصنف (قدس سره) و لکن تفصیله بین کونها أسامی للمسببات فی عدم قابلیة النزاع و بین کونها أسامی للأسباب فی إمکان الخلاف لایخلو عن الإشکال کما أفاد السید الأستاذ (حفظه الله) و ذلک لأنّ أسامی المعاملات عبارة عن ألفاظ المصادر کلفظ البیع و الصلح مثلاً و لا شبهة فی کونها موضوعة بإزاء الماهیات الصرفة من غیر إعتبار حیثیة الوجود و العدم فیها ... فما أفاده (قدس سره) من ملاک الفرق بین کونها أسامی للمسببات و بین کونها أسامی للأسباب ... فی غیر محلّه و ذلک لأنّ السببیة و المسببیة من لوازم الوجود لا الماهیة و قد ذکرنا أنّ أسامی المعاملات موضوعة بإزاء الماهیات المعراة عن حیثیة الوجود ... و علی ما ذکرنا فالتحقیق عدم تأتی الخلاف فی أسامی المعاملات مطلقاً من غیر تفصیل»
2- فی الکفایة، ص32: «الأوّل إنّ أسامی المعاملات إن کانت موضوعة للمسببات فلا مجال للنزاع فی کونها موضوعة للصحیحة أو للأعم لعدم اتصافها بهما کما لایخفی بل بالوجود تارة و بالعدم أخری».
3- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ص 133 و 134 و بحوث فی الأصول، ص38 و فی أجود التقریرات، ص48: «لایخفی أنّ جریان النزاع المذکور فی المعاملات یتوقف علی کون ألفاظها أسامی للأسباب إذ لو کانت أسامی للمسببات فلاتتصف إلّا بالوجود و العدم دون الصحة و الفساد و المتصف بهما هی الأسباب فقط». و فی منتهی الأصول، ص66: «الأوّل فی أنّ جریان هذا النزاع مبنی علی کون هذه الألفاظ - أی ألفاظ المعاملات- موضوعة للأسباب و أمّا لو قلنا بوضعها للمسببات - کما هو کذلک- فلم یبق مجال للنزاع أصلاً و ذلک من جهة ما بینا أنّ الصحة و الفساد متقابلان تقابل العدم و الملکة و الفساد عبارة عن عدم التمامیة فی موضوع قابل للتمامیة و المسببات عناوین و اعتبارات بسیطة أمرها دائر بین الوجود و العدم». و فی أصول الفقه، ص88: «تنبیهان: 1- لایجری النزاع فی المعاملات بمعنی المسببات» الخ. و فی جواهر الأصول، ص350: «الحق کما علیه المشهور: أنّه لو قلنا بأنّ ألفاظ المعاملات أسماء للمسببات لایجری فیه النزاع نعم إن قلنا بکونها أسامی للأسباب فللنزاع فیه مجال کالعبادات». و فی منتقی الأصول، ص274، بعد بیان له: «هذا هو الوجه العرفی الواضح لبیان عدم جریان النزاع لو قیل بوضع اللفظ للمسبب فلا حاجة إلی تکلف الدقة فی بیانه، کما نهجه المحقق الأصفهانی (قدس سره) و إن کان ما ذکره متیناً فی نفسه». و فی عنایة الأصول، ص99، بعد ذکر مختاره من وضع ألفاظ المعاملات للأفعال التولیدیة: «جریان نزاع الصحیحی و الأعمی فی ألفاظ المعاملات طرأ متوقف علی کونها موضوعة للأسباب لا للمسببات و لا للأفعال التولیدیة فتأمّل جیداً».

بیانه: المراد بالمسبّبات التملیک بالحمل الشائع و حیث إنّ التملیک و الملکیة من قبیل الإیجاد و الوجود و هما متحدان بالذات و مختلفان بالاعتبار صحّ أن یعبّر عنه بالمسبّب و إلّا فالمسبّب الحاصل بالتملیک الإنشائی القولی هی الملکیة و لا شبهة فی أنّ البیع لم یوضع للملکیة بل للتملیک.

و المعاملات إن کانت بمعنی المسبّبات فهی لا توصف بالصحّة و الفساد و توصیفها بالصحة مسامحة.

ثمّ إنّ التملیک بالحمل الشائع متّحد مع الملکیة ذاتاً، فعلی هذا لیست الملکیة أثر التملیک بالحمل الشائع و ترتّب الأحکام الشرعیة علی التملیک و الملکیة من باب ترتب الحکم علی موضوعه فلیس للمسبّب أثر حتّی یتّصف بلحاظه بالصحة و الفساد.

فعلی هذا لایجری النزاع علی القول بوضع المعاملات للمسبّبات.

ص: 351

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه یفصّل فی المقام و یقول بجریان النزاع علی أحد الأقوال (و هو القول المختار عنده) و بعدم جریانه علی القولین الآخرین.

قال: «إنّا لانعقل للمسبَّب فی باب المعاملات معنی ما عدا الاعتبار النفسانی القائم بالمعتبِر بالمباشرة و من الظاهر أنّ المسبّب بهذا المعنی یتّصف بالصحة و الفساد فإنّ الاعتبار إذا کان من أهله -و هو البالغ العاقل- یتّصف بالصحة حتی عند العقلاء و إذا کان من غیر أهله -و هو المجنون أو الصبی غیر الممیّز- یتّصف بالفساد کذلک. نعم، لو کان صادراً من الصبی الممیّز یتّصف بالصحة عند العقلاء و بالفساد عند الشارع.»

نعم، إن کان المسبّب بمعنی الإمضاء الشرعی فإنّه غیر قابل لأن یتّصف بالصحة و الفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم. و کذا لو کان عبارة عن إمضاء العقلاء فإنّه لایقبل الاتّصاف بالصحة و الفساد بل هو إمّا موجود أو معدوم.

إلّا أنّ هذین المبنیین باطلان، لأنّ المعاملات من العقود و الإیقاعات أسامٍ للأفعال الصادرة عن آحاد الناس، فالبیع اسم للفعل الصادر عن البائع و الهبة اسم للفعل الصادر عن الواهب.

یلاحظ علیها:

إنّ مقتضی التحقیق أنّ الاعتبار المذکور لیس إلّا اعتبار الملکیة و هذا الاعتبار أمره یدور بین الوجود و العدم، سواء قلنا بأنّه موجود فی وعاء اعتبار خصوص المعتبر شخصاً أو فی وعاء اعتبارات العقلاء أو فی وعاء اعتبارات

ص: 352


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص195 و ط.ج. ص222.

الشارع، فجریان النزاع فیه ممنوع بلا کلام، مع أنّ البیع لم یوضع له عرفاً بدون إبرازه فی الخارج و لو علی القول بالأعم، فلامحالة لابدّ أن یقال: إنّ البیع أو نحوه موضوع للمؤلّف من الاعتبار و إبرازه إمّا مطلقاً أو فی ما أمضاه العقلاء، أو یقال بأنه أمر بسیط و هو الوجود العرضی للاعتبار الشخصی أی الاعتبار الموجود بوجود اللفظ بالعرض.

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

و هی جریان النزاع علی بعض المبانی. ((1))

إنّ المسببات أمور اعتباریة و هذا الاعتبار لایخلو من أن یکون اعتبار نفس المنشئ أو یکون اعتبار العقلاء أو اعتبار الشارع.

فإن قلنا بأنّ البیع اسم للمسبب فی اعتبار المنشئ فقط جری فیه بحث الصحیح و الأعم إذ بناء علیه یکون صحیحاً فی ما لو رتّب العقلاء و الشارع الأثر علی اعتبار المنشئ و یکون فاسداً فی ما لم یرتّبوا الأثر.

و کذا إن قلنا بأنّه اسم للمسبب فی اعتبار العقلاء فإنّ ترتّب الأثر موقوف علی اعتبار الشارع فیکون صحیحاً و إلّا فهو فاسد.

فیکون المسبب (و هو البیع) إمّا باعتبار المنشئ و إمّا باعتبار العقلاء و أمّا باعتبار الشارع فباطل لأنّ الشارع شأنه الإمضاء و لا تأسیس له فی المعاملات.

یلاحظ علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و من بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ التوصیف بالصحة و الفساد بلحاظ ترتب الأثر علیه و لکن أی أثر

ص: 353


1- تحقیق الأصول، ص290.

یترتب علی العقد المسببی؟ بل قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): إنّ الأحکام الشرعیة بالنسبة إلی المسببات لیست إلّا أحکاماً و أیضاً قلنا: إنّ الملکیة متحد ذاتاً مع التملیک بالحمل الشائع و لیست أثراً له حتی یتصف التملیک بالصحة عند ترتب الملکیة.

ص: 354

الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً علی القولین
اشارة

قال المشهور بجواز التمسک بإطلاقات المعاملات سواء قلنا بالصحیح أم الأعم. ((1))

ص: 355


1- فی المکاسب، ج3، ص19، بعد ذکر کلام من الشهید الأوّل و الشهید الثانی (قدس سرهما): «و یشکل ما ذکراه بأنّ وضعها للصحیح یوجب عدم جواز التمسک بإطلاق نحو(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ) (البقرة:275) و إطلاقات أدلّة سائر العقود فی مقام الشک فی اعتبار شیء فیها، مع أنّ سیرة علماء الإسلام التمسک بها فی هذه المقامات» ثمّ قال: «أمّا وجه تمسک العلماء بإطلاق أدلّة البیع و نحوه فلأنّ الخطابات لما وردت علی طبق العرف، حمل لفظ "البیع" و شبهه فی الخطابات الشرعیة علی ما هو الصحیح المؤثر عند العرف أو علی المصدر الذی یراد من لفظ "بعت" فیستدل بإطلاق الحکم بحله أو بوجوب الوفاء علی کونه مؤثراً فی نظر الشارع أیضاً فتأمّل فإنّ للکلام محلاً آخر» و فی هدایة المسترشدین، ص491: «ثالثها: أنّه نصّ الشهید الثانی فی المسالک بکون عقد البیع و غیره من العقود حقیقة فی الصحیح مجازاً فی الفاسد لوجود خواص الحقیقة و المجاز ... و قد یشکل ذلک بأنّه بناء علی ما ذکر یکون ألفاظ المعاملات مجملة کالعبادات متوقفة علی بیان الشارع لها لفرض استعمالها إذن فی غیر معناها اللغوی فلایصح الرجوع فیها إلی الإطلاقات العرفیة و الأوضاع اللغویة... فالأظهر أن یقال بوضعها لخصوص الصحیحة أی المعاملة الباعثة علی النقل و الانتقال أو نحو ذلک ممّا قرّر له تلک المعاملة الخاصة فالبیع و الإجارة و النکاح و نحوها إنّما وضعت لتلک العقود الباعثة علی الآثار المطلوبة منها و إطلاقها علی غیرها لیس إلّا من جهة المشاکلة أو نحوها علی سبیل المجاز لکن لایلزم من ذلک أن تکون حقیقة فی خصوص الصحیح الشرعی حتی یلزم أن تکون توقیفیته متوقفة علی بیان الشارع لخصوص الصحیحة منها» الخ. و فی الفصول، ص52، بعد أن ذکر وضع ألفاظ المعاملات بإزاء الصحیحة و أنّ ما ثبت لها فی الشرع من شرائط مستحدثة هی شرائط لتحقق معانیها اللغویة: «نعم فرق بینها و بین ألفاظ العبادات بعد مساواتها إیاها فی ذلک من حیث إنّ المرجع فی هذه الألفاظ عند الإطلاق إلی المعانی المتداولة و الحقائق المعهودة بین أهل العرف بخلاف ألفاظ العبادات» الخ. و فی الکفایة، ص33: «الثانی إنّ کون ألفاظ المعاملات أسامی للصحیحة لایوجب إجمالها کألفاظ العبادات کی لایصح التمسک بإطلاقها عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً و ذلک لأنّ إطلاقها - لو کان مسوقاً فی مقام البیان- ینزل علی أنّ المؤثر عند الشارع هو المؤثر عند أهل العرف و لم یعتبر فی تأثیره عنده غیر ما اعتبر فیه عندهم کما ینزل علیه إطلاق کلام غیره حیث أنّه منهم» الخ. و راجع أیضاً درر الفوائد، ص55 و نهایة الدرایة، ص93 و وسیلة الوصول، ص114 و منتهی الأصول، ص68 و حاشیة علی کفایة الأصول، ص100 و أصول الفقه، ص 89 و 90 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص184 و ط.ج. ص209 و جواهر الأصول، ص353 و مباحث الأصول، ص156. و هنا أقوال أخر: ففی نهایة النهایة، ص 47 و 48: «المختار هاهنا هو مختار الباقلانی فی ألفاظ العبادات و علیه فیتمسک بالإطلاق عند الشک فی اعتبار قید کما أنّه لایصحّ التمسک به علی الاحتمال الآخر و هو أن یکون الاستعمال فی الصحیح الشرعی فلایفترق ألفاظ المعاملات عن ألفاظ العبادات علی القول بالصحیح لیجوز التمسک بالإطلاق فی المعاملات دون العبادات». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص100: «لا شبهة فی جواز التمسک بالإطلاق فی المقام بناء علی ما اختاره المصنف ... و هذا بخلاف ما ذهب إلیه السید الأستاذ من تعلّق الأحکام بنفس الطبایع فإنّه علیه یشکل التمسک بالإطلاق لإثبات عدم مدخلیة ما شک فی دخالته لأنّ الشک فی اعتباره شیء یوجب الشک فی فردیة العقد الفلانی للطبیعة الکذائیة و علی ذلک یکون التمسک به تمسکاً بالإطلاق فی الشبهة المصداقیة و قد ذکرنا فی غیر المقام بعدم قابلیة الإطلاق لإثبات فردیة ما شک فی فردیته للطبیعة» الخ ثمّ دفعه المقرّر بثلاثة أمور فراجع. و فی حقائق الأصول، ص83: «یتسجّل الإشکال بناءً علی الوضع للصحیح الشرعی نظیر الإشکال فی إطلاق أدلّة العبادات فإنّه إذا شک فی صحة البیع شرعاً فقد شک فی کون العقد الخارجی بیعاً فلا مجال للتمسک فی مثل قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ) (البقرة:275) مع أنّ بناء الأصحاب علی التمسک بها لإثبات الصحة کما یظهر بأدنی مراجعة ... أقول: یمکن دفع الإشکال فی مثل المثال بأنّه لو کان البیع موضوعاً لما هو صحیح شرعاً کما هو المفروض امتنع حمله علیه لأنّ الحل یکون داخلاً فی المراد من لفظ البیع لا حکماً له فلو جاز عقلاً جعله حکماً له کان لغواً فیمتنع فلابدّ أن یحمل علی البیع العرفی فلا مجال للإشکال المذکور إذ لا مانع حینئذٍ من التمسک به بمجرّد إحراز کون العقد الخارجی بیعاً نعم یختص الإشکال بالأحکام الزائدة علی وصف الصحة کما أنّه أیضاً یندفع بناء علی ما عرفت من کونها أسامی للمسببات بالإطلاق المقامی الذی ذکره المصنف (قدس سره) فلاحظ» و راجع أیضاً مقالات الأصول، ص155.

إنّ المعاملات أمور عرفیة عقلائیة و لیست ماهیات مخترعة شرعیة و الشارع

ص: 356

أمضاها علی ما کانت تلک المعاملات علیه إلّا أنّه قیدها بأمور مثل اعتبار البلوغ و الصیغة و نهی عن بعضها مثل البیع الربوی و الغرری.

فهذه الألفاظ تحمل علی المعانی العرفیة مع القیود التی اعتبرها العرف و العقلاء عند الصحیحی أو تحمل علی المعانی العرفیة الأعم من الواجدة لتلک القیود عند الأعمی.

و علی کلا القولین إذا شککنا فی اعتبار قید فی السبب العرفی شرعاً نتمسک بإطلاق المعاملة (سواء قلنا بالصحیح أم الأعم) فلا ثمرة للنزاع فی الصحیح و الأعم من حیث اعتبار القیود الشرعیة بل یتمسک بالإطلاق علی أی حال.

أمّا ثمرة الصحیح و الأعم فی ألفاظ المعاملات فتظهر عند الشک فی اعتبار شیء فی المعاملة عرفاً.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور
اشارة

((1))

إن کانت الألفاظ موضوعة للأسباب فحیث إنّها قابلة للاتصاف بالصحة و الفساد تکون قابلة للنزاع.

و حینئذ إن قلنا بأنّها موضوعة للسبب المستجمع للشرائط العرفیة الملزومة للتأثیر فی الملکیة عرفاً فلامحالة لایمکن التمسک بإطلاقها مع الشک فی ما هو شرط لتأثیره عرفاً.

و إن قلنا بأنّها موضوعة لذوات الأسباب فیمکن التمسک بإطلاقها حتی مع الشک فی ما هو شرط له عرفاً.

ص: 357


1- بحوث فی الأصول، ص39.
إشکال علی التمسک بالإطلاق علی القولین عند الشک فی اعتبار شیء شرعاً:

((1))

إنّ المستشکل یری التفصیل فی المقام بین وضع الألفاظ للأسباب فیتمسک بالإطلاق و وضعها للمسببات فلایتمسک بالإطلاق.

بیان الإشکال علی ما نقله فی المحاضرات:

((2))

إنّ التمسک بالإطلاق فی المعاملات إنّما یتم فی ما لو کانت المعاملات أسامی للأسباب فلنا حینئذ مجال للتمسک بإطلاق قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((3)) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)((4)) و نحوهما لإثبات إمضاء کل سبب عرفی إلّا ما نهی عنه الشارع.

ص: 358


1- فی منتقی الأصول، ص290: «أمّا بناءً علی کونها موضوعة للمسببات فهل یمکن التمسک بإطلاق الدلیل فی إثبات صحة المعاملة مع الشک فی إمضاء السبب کما إذا شک فی صحة العقد بالفارسیة و نحوه أو لایمکن بل دلیل الإمضاء یتکفل إمضاء المسبب دون السبب؟ و تقریب الإشکال فی التمسک بالإطلاق و نفی تکفّل دلیل إمضاء المسبب إمضاء السبب: إنّ الدلیل إنّما یتکفّل إمضاء المسبب و تکفّله إمضاء السبب یتوقف علی أن یکون نظره إلی ذلک إلّا أنّ العرف فی مثل ذلک لایری نظر الدلیل إلی ذلک بل لایری سوی نظره إلی إمضاء السبب بلا لحاظ أسبابه و علیه فلایمکن التمسک بالإطلاق فی إثبات إمضاء السبب المشکوک لعدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة». و فی ص291: «و قد بین المحقق النائینی (قدس سره) الإشکال بنحو آخر و هو: أنّ الدلیل إذا کان متکفّلاً لإمضاء المسببات مع قطع النظر عن الأسباب التی یتوسل بها إلیها فلایدلّ علی إمضاء الأسباب العرفیة مع وجود القدر المتیقن و لایخفی أنّ هذا لیس تقریباً للإشکال بحسب القواعد و أنّه أشبه بالقضیة المأخوذ موضوعها بشرط المحمول، إذ فرض فیه عدم النظر إلی الأسباب فی الدلیل و أنّه مفروغ عنه و علیه فلایتمسک بالإطلاق ... و أنت خبیر بأنّ هذا لایدفع الإشکال بالنحو الذی ذکره... هذا مع أنّ فی ما أفاده مواقع للنظر ... و قد حاول السید الخوئی (قدس سره) تصحیح التمسک بالإطلاق بوجه آخر بعد إبطاله لما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) فی وجه التصحیح و محصّله» الخ.
2- المحاضرات، ص186.
3- سورة البقرة(2):275.
4- سورة النساء(4):29.

أمّا لو کانت المعاملات أسامی للمسببات فالإمضاء الشرعی المتوجه إلیها لایدلّ علی إمضاء أسبابها، لعدم الملازمة بین إمضاء المسبب - و هی المبادلة فی البیع و ما شاکلها- و إمضاء سببه و هو المعاطاة أو الصیغة الفارسیة و من الواضح أنّ أدلّة الإمضاء جمیعاً من الآیات و الروایات ناظرة إلی إمضاء المسببات لا إمضاء الأسباب أصلاً، لأنّ الحلیة فی قوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((1)) ثابتة لنفس المبادلة و الملکیة فی مقابل تحریمها و لا معنی لحلیة نفس الصیغة أو حرمتها.

فلو شککنا فی حصول مسبب من سبب خاصّ کالمعاطاة مثلاً فمقتضی الأصل عدم حصوله و الاقتصار علی الأخذ بالقدر المتیقن و فی الزائد علیه نرجع إلی أصالة العدم.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

(2)

إنّ الإشکال إنّما یتمّ فی ما إذا کان هناک مسبب واحد و له أسباب عدیدة، فحینئذ یقال: إنّ إمضاءه لایلزم إمضاءها جمیعاً، فلابدّ من الاقتصار علی القدر المتیقن لو کان و فی الزائد نرجع إلی أصالة عدم حصوله.

ص: 359


1- سورة البقرة(2):275.
2- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص189 و ط.ج. ص215 و فی منتقی الأصول، ص294، بعد الإیراد علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره): «الذی ینبغی أن یقال فی حلّ الإشکال: إنّ المراد بالمسبب - کما تقدم- هو التملیک الإنشائی الحاصل بالعقد و الذی یترتب علیه التملیک الاعتباری العقلائی و لایخفی أنّ نسبة هذا التملیک إلی العقد نسبة العنوان إلی المعنون إذ یقال للعقد أنّه تملیک إنشائی نظیر نسبة التعظیم إلی الفعل الصادر من المعظم فإنّ التعظیم أمر اعتباری لکنّه ینطبق علی الفعل و یتعنون به الفعل و لذلک یسند الفعل و التعظیم إلی الشخص لا العقلاء ... و جملة المدعی: إنّ الدلیل المتکفّل للإمضاء و نحوه یختلف عن غیره بنظر العرف فإنّ العرف یری أنّه ناظر إلی جهة الأسباب و معه یمکن التمسک بالإطلاق لکون المتکلم فی مقام البیان فالجواب یرجع إلی إنکار أساس الإشکال من کون الدلیل غیر ناظر إلی جهة الأسباب و نتیجة ما ذکرناه: أنّه یمکن التمسک بإطلاق لفظ المعاملة سواء قلنا بوضعه للسبب أو للمسبب فلا ثمرة فی البحث عن تعیین الموضوع له منهما».

نعم لو فرضنا أنّه لم یکن هناک قدر متیقن بل کانت نسبة الجمیع إلیه علی حدّ سواء أمکننا أن نقول بأنّ إمضاء المسبب إمضاء لجمیع أسبابه، فإنّ الحکم بإمضاء بعض دون بعض ترجیح من دون مرجح و الحکم بعدم الإمضاء رأساً مع إمضاء المسبب علی الفرض غیر معقول و لکنّه فرض نادر جداً بل لم یتحقق فی الخارج.

أمّا إذا کانت المسببات کالأسباب متعددة -کما هو کذلک- فلایتم الإشکال.

بیان ذلک:

إنّ المراد بالمسبب إمّا أن یکون هو الاعتبار النفسانی (کما هو مسلکنا) أو یکون هو الوجود الإنشائی المتحصل من الصیغة أو غیرها کما هو مسلک المشهور حیث فسّروا الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ أو الإمضاء العقلائی فإذا صدر من البائع بیع یترتب علیه إمضاء العقلاء ترتب المسبب علی السبب أو الإمضاء الشرعی و لکنه لایعقل أن یکون مسبباً لأنّ المسبب هو ما یتعلق به الإمضاء من قبل الشارع المقدس فلا یعقل أن یکون هو نفسه.

أمّا المبنی الأوّل فی المسبب فهو أنّه الاعتبار القائم بالنفس فلامحالة یتعدد المسبب بتعدد مبرزه خارجاً، مثلاً إنّ زیداً اعتبر ملکیة داره لشخص و أبرزها باللغة العربیة و اعتبر ملکیة بستانه لآخر و أبرزها باللغة الفارسیة و اعتبر ملکیة حانوته لثالث و أبرزها بالمعاطاة و اعتبر ملکیة کتابه لرابع و أبرزها بالکتابة أو الإشارة فهنا اعتبارات متعددة خارجاً و کل واحد منها یباین الآخر فإذا فرضنا

ص: 360

إمضاء الشارع لجمیع المسببات فیکون إمضاء لجمیع أسبابها و إلّا فإمضاء المسبب بدون إمضاء سببه لغو بل مناقض لما فرضنا من حصول المسبب.

أمّا المبنی الثانی فی المسبب بأن یکون عبارة عن الوجود الإنشائی الحاصل بالتلفظ بصیغ العقود، فلما کان لکل مسبب وجود إنشائی بوجود سببه فلایعقل انفکاکه عن الإنشاء و سببه فإمضاء الشارع للوجود الإنشائی إمضاء لسببه.

أمّا المبنی الثالث فی المسبب بأن یکون عبارة عن إمضاء العقلاء فحینئذ لیس متعلق الإمضاء طبیعی البیع فإنّه لا أثر له و الآثار إنّما تترتب علی الآحاد و أفراد البیع و العقلاء إنّما یمضون تلک الآحاد المترتبة علیها الآثار و لکل واحد منها إمضاء علی حیاله و استقلاله.

فإذا کان لدلیل الإمضاء إطلاق دلّ بإطلاقه علی نفوذ کل إمضاء عقلائی فلامحالة دلّ بالالتزام علی إمضاء کل سبب یتسبب إلیه و لایعقل إمضاء المسبب بدون إمضاء سببه فإنّه نقض للغرض.

فالنتیجه من جمیع ذلک أنّ الإیراد المزبور إنّما یتمّ فی ما لو کان هناک مسبب واحد و له أسباب عدیدة و لکن قد عرفت أنّه لا أصل له علی جمیع المسالک فی تفسیر المسبب و لایعقل أن یکون لمسبب واحد أسباب متعددة علی الجمیع بل لکل سبب مسبب فإمضاؤه بعینه إمضاء سببه. تمّ کلام المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))

ص: 361


1- فی منتقی الأصول، ص292، بعد ذکر محاولة السیّد الخوئی (قدس سره) فی التمسک بالإطلاق: «و لایخفی ما فی هذا الوجه فإنّه لایصلح رداً للإشکال الذی ذکرناه فإنّه بعد ثبوت أنّ الدلیل المتکفّل لإمضاء المسبب لایکون ناظراً عرفاً إلی جهة السبب و یکون مجملاً من هذه الجهة فلایجدی تعدّد المسبب فی إثبات إمضاء السبب المشکوک لعدم العلم بإمضاء المسبب الناشیء من السبب المشکوک للشک فیه من جهة السبب و المفروض إجمال الکلام من هذه الجهة فلا إطلاق للکلام کی یتمسک به و من هنا یظهر أنّه لایجدی فی إثبات إمضاء السبب کونه من قبیل المبرز و الکاشف عن الاعتبار النفسانی لا السبب و المسبب - کما هو مذهب السید الخوئی (قدس سره) فی باب الإنشاء- و أنّه لیس لدینا سبب و مسبب بل کاشف و منکشف إذ إمضاء الاعتبار النفسانی لایستلزم إمضاء کاشفه - بعد فرض دخله فی تحقق الأثر- إذا ثبت عدم نظر الدلیل عرفاً إلی جهة العقد و سمّی کاشفاً أو سبباً أو آلة لإجمال الدلیل من جهة العقد».

ص: 362

الفصل الثالث: فی الاشتراک (و فیه تنبیه)

اشارة

ص: 363

ص: 364

فی إمکان الاشتراک أقوال ثلاثة
اشارة

المشهور بین الأعلام هو وقوع الاشتراک بل لا مجال لإنکارها و لکن اختلفوا علی أقوال ثلاثة: وجوب الاشتراک، استحالته و إمکانه.

القول الأوّل: وجوب الاشتراک
اشارة

((1))

الاستدلال علی هذا القول:

((2))

ص: 365


1- فی الکفایة، ص35: «و ربّما توهم وجوب وقوع الاشتراک فی اللغات لأجل عدم تناهی المعانی و تناهی الألفاظ المرکبات فلابدّ من الاشتراک فیها».
2- فی المحصول للرازی، ص262: «أمّا القائلون بالوجوب فقد احتجوا بأمرین الأوّل أنّ الألفاظ متناهیة و المعانی غیر متناهیة و المتناهی إذا وزع علی غیر المتناهی لزم الاشتراک و إنّما قلنا إنّ الألفاظ متناهیة لأنّها مرکبة من الحروف المتناهیة و المرکب من المتناهی متناهی و إنّما قلنا إنّ المعانی غیر متناهیة لأنّ الأعداد أحد أنواع المعانی و هی غیر متناهیة و أمّا أنّ المتناهی إذا وزع علی غیر المتناهی حصل الاشتراک فهو معلوم بالضرورة». و فی الإحکام للآمدی، ص19: «قد قال قوم إنّه لو لم تکن الألفاظ المشترکة واقعة فی اللغة مع أنّ المسمیات غیر متناهیة و الأسماء متناهیة ضرورة ترکّبها من الحروف المتناهیة خلت أکثر المسمیات عن الألفاظ الدالة علیها مع دعوی الحاجة إلیها و هو ممتنع».

استدلوا علیها بعدم تناهی المعانی مع تناهی الألفاظ فلابدّ من الاشتراک فیها

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بوجوه أربعة:
الوجه الأوّل:

((1)) إنّ وضع الألفاظ للمعانی غیرِ المتناهیة یستدعی الأوضاع غیرَ المتناهیة و هو خارج عن عهدة البشر (نعم، ما یمکن للبشر وضعه بمقدار کان یتصور فیه الألفاظ المتعددة بحیث لایحتاج إلی الاشتراک.)

الوجه الثانی:

((2)) إنّ الاستعمال متناه و وضع الألفاظ غیرِ المتناهیة لایجدی إلّا فی الاستعمالات المتناهیة.

الوجه الثالث:
اشارة

((3)) إنّ کلیات المعانی متناهیة و الوضع لها یغنی عن الوضع للجزئیات غیرِ المتناهیة.

أشکل علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((4)) إنّ الکلیات أیضاً غیر متناهیة.

ص: 366


1- فی الکفایة، ص35: «و هو فاسد لوضوح امتناع الاشتراک فی هذه المعانی لاستدعائه الأوضاع الغیر المتناهیة».
2- فی الکفایة، ص35: «و لو سلّم لم یکد یجدی إلّا فی مقدار متناه».
3- فی الکفایة، ص35: «مضافاً إلی تناهی المعانی الکلیة و جزئیاتها و إن کانت غیر متناهیة إلّا أنّ وضع الألفاظ بإزاء کلیاتها یغنی عن وضع لفظ بإزائها کما لایخفی».
4- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص200 و ط.ج. ص228: «إن أراد بکلیات المعانی المفاهیم العامة: کمفهوم الشیء و الممکن و الأمر فما أفاده (قدس سره) و إن کان صحیحاً فإنّها منحصرة و متناهیة إلّا أنّ جمیع الألفاظ لم توضع بإزائها یقیناً علی نحو الوضع العام و الموضوع له الخاص أو الوضع العام و الموضوع له العام... و إن أراد (قدس سره) بها المراتب النازلة منها کالإنسان و الحیوان و الشجر و الحجر و ما شاکل ذلک فیرده أنّها غیر متناهیة باعتبار أجزائها من الجنس و الفصل و عوارضها من الملازمة و المفارقة المتصورة لها... و هکذا تذهب إلی غیر النهایة بل یکفی لعدم تناهی هذه المعانی نفس مراتب الأعداد فإنّک عرفت أنّ مراتبها تبلغ إلی حد لا نهایة له و کل مرتبة منها معنی کلی لها أفراد و حصص فی الخارج و الواقع».
أجاب عنه شیخنا الأستاذ (حفظه الله):

کیف یحصل غیر المتناهی من ضمّ المتناهی إلی المتناهی؟

و یردّه أنّ القیود أیضاً غیر متناهیة.

الوجه الرابع:

إنّ المجاز باب واسع. ((1))

القول الثانی: استحالة الاشتراک
اشارة

و التزم به المحقق الإیروانی (قدس سره)، و استدلّ علیه بدلیلین:((2))

الدلیل الأوّل:
اشارة

((3))

استدلوا علیها بأنّ الاشتراک مناف لغرض الوضع لأنّه یخلّ بالتفهم المقصود

ص: 367


1- فی الکفایة، ص35: «مع أنّ المجاز باب واسع فافهم».
2- فی نهایة النهایة، ص50: «حیث إنّ المختار عندنا هی الاستحالة فلنذکر ما هو دلیلنا علی ذلک إذ لم یبین المصنف (قدس سره) دلیل الاستحالة حق البیان فنقول إنّ الغرض من الوضع و من تعیین اللفظ للمعنی إمّا أن یکون هو حصول تفهیم المعنی بذلک اللفظ عند ذکره و کونه آلة لإحضار المعنی فی ذهن المخاطب أو یکون الغرض عدم حصول هذا التفهیم أو یکون حصول أمور خارجیة أخر مثل إیقاظ النائم أو حصول تفهیم المعانی الأخر غیر المعنی الموضوع له و کل من الأخیرین باطل بالضرورة ... فتعین أن یکون الغرض هو حصول التفهیم و التفهیم لکن هذا الغرض لایحصل مع تعدّد الوضع لعدم حصول تفهیم خصوص المعنی الأوّل الذی وضع له اللفظ و لا خصوص المعنی الثانی الذی وضع له اللفظ أیضاً فلایمکن أن یقصد المتکلم تفهیم کل من المعنیین و أمّا القدر المشترک بین المعنیین أو أحد المعنیین مردداً فلم یوضع له اللفظ و لایکون الغرض من الوضع لمعنی حصول تفهیم معنی آخر» الخ.
3- فی الکفایة، ص35: «الحق وقوع الاشتراک... و إن أحاله بعض لإخلاله بالتفهم المقصود من الوضع لخفاء القرائن». و فی المحصول للرازی، ص263: «أمّا القائلون بالامتناع فقد قالوا المخاطبة باللفظ المشترک لاتفید فهم المقصود علی سبیل التمام و ما یکون کذلک کان منشأ للمفاسد علی ما سیأتی تقریره فی مسألة أنّ الأصل عدم الاشتراک و ما یکون منشأ للمفاسد وجب أن لایکون».

من الوضع لخفاء القرائن و نقض الغرض محال علی الواضع الحکیم.

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره):

أوّلاً: یمکن الاتکال علی القرائن الواضحة کما فی المجازات.((1))

ثانیاً:((2)) إنّ الإجمال لاینافی الحکمة لأنّه قد یتعلق غرض المتکلم بالإجمال و هذا الإجمال قد یقع بالاشتراک و أخری بالألفاظ المشترکة مثل شیء و أمر و غیرهما.

الدلیل الثانی: استدلال القائلین بمبنی التعهد علی الاستحالة
اشارة

قال المحقق الخوئی (قدس سره):

((3)) إنّ وضع اللفظ ثانیاً لمعنی آخر بمعنی تعهد

ص: 368


1- فی الکفایة، ص35: «لمنع الإخلال أوّلاً لإمکان الاتّکال علی القرائن الواضحة». و فی نهایة النهایة، ص51، أورد علی هذا الجواب فقال: «هذا الجواب نشأ من إدراج المستدل فی البرهان المزبور ما لا دخل له فیه أعنی به قوله لخفاء القرائن لما عرفت من تمامیة الاستدلال بدون ذلک فإنّ الغرض من الوضع لایکاد یکون إلّا حصول التفهیم بنفس اللفظ و أمّا حصول التفهیم بمعونة القرینة فکونه غرضاً یفضی إلی کون القرینة جزء من اللفظ الموضوع لمعناه و قد فرض أنّ اللفظ بنفسه هو تمام ما وضع لمعناه فهو تمام العلّة المفهمة و تمام الواسطة فی الإفهام و ما یتوسل به إلی إحضار المعنی فی ذهن المخاطب و بالجملة لایکون الغرض من الوضع حصول التفهیم بمعونة القرینة».
2- فی الکفایة، ص35: «و منع کونه مخلّاً بالحکمة ثانیاً لتعلق الغرض بالإجمال أحیاناً». و فی نهایة النهایة، ص51، أورد علی هذا الجواب فقال: «الإجمال هو عدم حصول تفهیم الموضوع له تفصیلاً مع تفهیمه فی الجملة و قد عرفت إنّ الغرض من الوضع لایکاد یکون عدم حصول تفهیم المعنی بل لایکون الغرض منه إلّا حصول تفهیم المعنی باللفظ الموضوع له فالغرض من الوضع رفع الإجمال لا حصول الإجمال» الخ.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص202 و ط.ج. ص230: «و أمّا علی ما نراه: من أنّ حقیقة الوضع التعهد و الالتزام النفسانی فلایمکن الاشتراک بالمعنی المشهور و هو تعدّد الوضع علی نحو الاستقلال فی اللفظ الواحد. و الوجه فی ذلک: هو أنّ معنی التعهد - کما عرفت- عبارة عن تعهد الواضع فی نفسه بأنّه متی ما تکلم بلفظ مخصوص لایرید منه إلّا تفهیم معنی خاص و من المعلوم أنّه لایجتمع مع تعهده. ثانیاً: بأنّه متی ما تکلم بذلک اللفظ الخاص لایقصد إلّا تفهیم معنی آخر یباین الأوّل ضرورة أنّ معنی ذلک لیس إلّا النقض لما تعهده أولاً».

الواضع ثانیاً بأنّه إذا أراد تفهیم المعنی الآخر یتکلم بهذا اللفظ و هذا التعهد ینافی تعهده الأوّل.

یلاحظ علیه:

أولاً: إنّ اللفظ یدل علی المعنی کما أنّ الملزوم یقتضی لازمه فلازم مبنی التعهد علی القول بالاشتراک اللفظی هو أن یرید المستعمل الواضع کلا المعنیین أو جمیع المعانی لما تعهده حین الوضع و هذا لا اشکال فیه بناء علی جواز استعمال اللفظ فی اکثر من معنی واحد و هذا مبنی علی تعریف الوضع بأنّه التعهد علی إفهام المعنی عند ذلک اللفظ.

ثانیاً: إنّ الاشتراک لاینافی مبنی التعهد، فإنّ الواضع علی مبنی التعهد یتعهد عند قصد المعنی بذکر اللفظ المشترک مع القرینة المعینة.

القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار

قال المحقق الخوئی (قدس سره) بما ینتج نتیجة الاشتراک.

قال أوّلاً:((1)) «نعم یمکن علی مسلکنا ما تکون نتیجته نتیجة الاشتراک و هو الوضع العام و الموضوع له الخاص و لا مانع منه، فإنّ الوضع فیه واحد و محذور الامتناع إنّما جاء فی تعدد الوضع».

ص: 369


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص203 و ط.ج. ص230.

و قال ثانیاً:((1)) إنّه یقع الاشتراک من جهة تعدد الوضّاع.

و أیضاً قال:((2)) «فلایهمّنا تحقیق ذلک و إطالة الکلام فیه بعد أن کان الاشتراک ممکناً فی نفسه بل واقعاً کما فی أعلام الأشخاص بل فی أعلام الأجناس.»

و هو المختار الإیراد علی المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ الاشتراک واقع باعترافه فعلی هذا لمّا کان کل مستعمل عنده واضعاً یلزم المحذور السابق من لزوم إرادة جمیع المعانی أو المنافاة بین التعهدین.

ص: 370


1- الدراسات، ص99.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 204 و ط.ج. ص233.
تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم
اشارة

استدلّوا أوّلاً بأنّه یلزم من وقوع الاشتراک اعتماده علی القرینة المعینة و هو تطویل بلا طائل و ثانیاً: مع عدم الاعتماد علی تلک القرائن یلزم الإجمال فی کلامه تعالی و کلاهما فاسد.((1))

و هو المختار أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

جوابه (قدس سره) عن الدلیل الأوّل: یمکن اعتماده علی القرائن الحالیة فلایلزم التطویل بلا طائل مضافاً إلی أنّه إذا کان الغرض من القرینة المقالیة أمراً آخر مفیداً فالتطویل مع الطائل.((3))

جوابه (قدس سره) عن الدلیل الثانی: إنّ الغرض قد یتعلق بالإجمال و هو واقع فی کلامه تعالی کما قال تعالی: (فِیهِ آیاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) ((4)).((5))

ص: 371


1- فی الکفایة، ص35: «کما أنّ استعمال المشترک فی القرآن لیس بمحال کما توهّم لأجل لزوم التطویل بلا طائل مع الاتّکال علی القرائن و الإجمال فی المقال لولا الاتّکال علیها و کلاهما غیر لائق بکلامه تعالی (جلّ شأنه) کما لایخفی».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص203 و ط.ج. ص232.
3- فی الکفایة، ص35: «و ذلک لعدم لزوم التطویل فیما کان الاتّکال علی حال أو مقال أتی به لغرض آخر».
4- سورة آل عمران(3):7.
5- فی الکفایة، ص35: «و منع کون الإجمال غیر لائق بکلامه تعالی مع کونه ممّا یتعلق به الغرض و إلّا لما وقع المشتبه فی کلامه و قد أخبر فی کتابه الکریم بوقوعه فیه قال الله تعالی» الخ.

ص: 372

الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد (و فیه تنبیه)

اشارة

ص: 373

ص: 374

استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد

مقدمه

قد اختلف الأعلام((1)) فی إمکان هذا الاستعمال فبعضهم قالوا بالاستحالة((2))

ص: 375


1- فی معالم الأصول، ص38: «إنّ القائلین بالوقوع [أی وقوع الاشتراک] اختلفوا فی استعماله فی أکثر من معنی إذا کان الجمع بین ما یستعمل فیه من المعانی ممکناً فجوّزه قوم مطلقاً و منعه آخرون مطلقاً و فصّل ثالث: فمنعه فی المفرد و جوّزه فی التثنیة و الجمع و رابع: فنفاه فی الإثبات و أثبته فی النفی. ثمّ اختلف المجوّزون فقال قوم منهم: إنّه بطریق الحقیقة و زاد بعض هؤلاء: أنّه ظاهر فی الجمیع عند التجرّد عن القرائن فیجب حمله علیه حینئذٍ و قال الباقون: إنّه بطریق المجاز». و فی منتقی الأصول، ص312: «الذی ننتهی إلیه انّ امتناع الاستعمال فی أکثر من معنی و إمکانه یبتنی علی تفسیر الاستعمال و حقیقته و کونها إفناء اللفظ فی المعنی أو جعله علامة علیه فیمتنع علی الأوّل و یمکن علی الثانی کما تقدم». و راجع عنایة الأصول، ص111. و فی تحریرات فی الأصول، ص292: «و الذی هو التحقیق: جوازه عقلاً و ممنوعیته عرفاً إلّا مع الشواهد کما فی کلمات البلغاء و الفصحاء».
2- فی القوانین، ص67: «و الأظهر عندی عدم الجواز مطلقاً» و فی هدایة المسترشدین، ص520: «و إذ قد عرفت ضعف ما ذکره المصنف فی المقامین تبین قوة القول بالمنع مطلقاً و قد ظهر الوجه فیه ممّا قرّرناه إجمالاً».

مثل المحقق الخراسانی و المحقق النائینی و المحقق العراقی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهم) .

و بعضهم قالوا بجوازه کما فی وقایة الأذهان((1)) و المحاضرات و تهذیب الأصول و تحقیق الأصول، و الحقّ عندنا جوازه بل وقوعه،((2)) لبطلان أدلّة الإستحالة.

ص: 376


1- فی وقایة الأذهان، ص84: «و الحق جوازه مطلقاً بل وقوعه کثیراً بل حسنه و ابتناء کثیر من نکات الصناعة علیه. أمّا الأوّل فلوجود المقتضی و عدم المانع. أمّا المقتضی فهو الوضع لأنّ الموضوع له هو ذوات المعانی بأوضاع عدیدة من غیر تقیید بالوحدة وجداناً و لا تمانع بین الوضعین فکل وضع یقتضی الاستعمال مطلقا و أمّا عدم المانع فلأنّه إن کان ثمة منع فإمّا أن یکون من جهة نفس الوضع أو الواضع أو من العقل أمّا من جهة الوضع فقد عرفت أنّه لایمنع منه بل یقتضیه و أمّا من جهة الواضع فلأنّه لم یلاحظ حال الوضع وجود وضع آخر و لا عدم وجوده فاستعماله فی حال الاجتماع عمل بالوضع کاستعماله حال الانفراد و أمّا عدم المانع عقلاً فلیس فی المقام ما یوهمه إلّا ما ذکره غیر واحد». ثمّ قال فی ص87: «و اعلم أنّ أقوی أدلّة الإمکان و أسدّها الوقوع و هذا النحو من الاستعمال واقع کثیراً و هو فی کثیر من المواقع حسن جیدٌ جداً.
2- فی معالم الدین، ص39: «و الأقوی عندی جوازه مطلقاً لکنّه فی المفرد مجاز و فی غیره حقیقة.» و فی مقدمة وقایة الأذهان، ص16: «... آیة الله المحقق السید علی الفانی حیث یقول: فتلخص من جمیع ما ذکرنا جواز استعمال لفظ واحد فی غیر واحد من المعانی کما ظهر أنّ استشهاد شیخ مشایخنا النجفی (قدس سره) لجواز الاستعمال بأبیات عربیة و استعمالات أدبیة الذی سمّاه بعض الأعاظم (رحمة الله) بالاستشهاد بأبیات و حکایات إنّما هو استدلال لإمکان الشیء بوقوعه». و فی درر الفوائد، ص55: «الحق الجواز بل لعلّه یعدّ فی بعض الأوقات من محسنات الکلام». و فی الرافد، ص190: «نستعرض الشواهد علی الوقوع و هی علی قسمین: الأول ما یتعلّق بإطلاق اللفظ مع إرادة عدة معانی. الثانی ما یتعلق باستعمال اللفظ فی عدة معانی. الأول و هو إطلاق اللفظ و إرادة صنفه أو نوعه أو مثله مع إرادة معناه و له عدة أمثلة» ثمّ ذکر ثلاثة أمثلة و قال: «القسم الثانی: فی ذکر شواهد استعمال اللفظ فی عدة معانی و هی کثیرة ذکرها المحقق أبو المجد الأصفهانی (قدس سره) فی کتابه وقایة الأذهان منها: أ- ما ورد فی مدح الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم): المرتمی فی دجی و المبتلی بعمی و المشتکی ظمأ و المبتغی دینا یأتون سدته من کل ناحیة و یستفیدون من نعمائه عینا. فلفظ العین قد استعمل فی المقام فی أربعة معانی» ثمّ ذکر ثلاثة أمثلة غیره ثمّ ذکر ثلاث مناقشات فی الاستشهاد بتلک الأمثلة و أجاب عنها.
أدلة القائلین بالاستحالة
اشارة

و المهم من تلک الأدلّة أربعة:

الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ حقیقة الاستعمال((2)) جعل اللفظ وجهاً و عنواناً للمعنی بل بوجه نفسه کأنّه الملقی لأنّ الوجه فان فی ذی الوجه و العنوان فانٍ فی معنونه و إفناء الواحد فی الاثنین محال.

ص: 377


1- فی الکفایة، ص36: «إنّ حقیقة الاستعمال لیس مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة المعنی بل جعله وجهاً و عنواناً له بل بوجه نفسه کأنّه الملقی و لذا یسری إلیه قبحه و حسنه کما لایخفی و لایکاد یمکن جعل اللفظ کذلک إلّا لمعنی واحد ضرورة أنّ لحاظه هکذا فی إرادة معنی ینافی لحاظه کذلک فی إرادة الآخر حیث إنّ لحاظه کذلک لایکاد یکون إلّا بتبع لحاظ المعنی فانیاً فیه فناء الوجه فی ذی الوجه و العنوان فی المعنون و معه کیف یمکن إرادة معنی آخر معه کذلک فی استعمال واحد» و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص107: «التحقیق کما أفاده المصنف (قدس سره) و مال إلیه السید الأستاذ (حفظه الله) عدم جوازه عقلاً و ذلک لأنّ استعمال اللفظ فی المعنی عبارة عن دکه و إفنائه فی المعنی فاللفظ بالإضافة إلی معناه یکون بمثابة فی مقام کأنّه عینه و نفسه کأنّه الملقی» الخ و فی مباحث الأصول، ص168: «و أمّا دعوی استلزام الاستعمال فناء اللفظ فی المعنی و رؤیته عینه و لایمکن رؤیة الشیء شیئین فکأنّها ترجع إلی دعوی الوجدان و یمکن تقریرها بنحو ترجع إلی البرهان بأن یقال: اللفظ فانٍ فی المعنی بنظر المستعمل و بینهما الهوهویة فی نظره التابع لنظر الواضع و المعنی لا اتحاد بینه و بین المعنی الآخر لعدم الجامع الموجب لاتحاد ما فاللفظ لایمکن وحدته مع المعنی الآخر مع هذه المغایرة لما اتحد به».
2- للوقوف أزید علی حقیقة الاستعمال راجع ما ذکره المؤلف (حفظه الله) فی تنبیه بعد بحث حقیقة الوضع بهذا العنوان: «تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی».
مناقشتان فی الدلیل الأوّل:
اشارة

((1))

المناقشة الأولی: عن المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

هذا مبتنٍ علی أن یکون حقیقة الوضع عبارة عن جعل وجود اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی و قد سبق بطلانه((3)) (بأنّه أمر دقیق لایفهمه العرف الواضع للمعنی).

ص: 378


1- و فی مباحث الأصول، ص169: «یمکن أن یقال فیها: ... فدعوی استحالة الدلالة التصدیقیة مع اشتراکها مع التصوریة و وجدانیة وقوع التصوریة استناداً إلی أنّ الفناء فی الشیء و فیما یباینه و قد لایکونان تحت جامع واحد فی قوة فناء شیء فی شیء و عدم فنائه فیه مدفوعة بما مرّ من أنّ الفناء فی الواحد فی حال الانفراد لایستلزم الفناء فیه فی حال الاجتماع بل فی المجموع و إن کان کل جزئیه علی نحو لو کان وحده لکان اللفظ مرآة له بل مرّ أنّ اللفظ علّة لحضور مدلوله المراد فی ذهن السامع بحضور اللفظ کان المراد واحداً أو متعدداً و الفرض کفایة القرینة للإثبات علی تقدیر إمکان الاستعمال فلاتغفل و علیة العلّة المعدة الناقصة الواحدة لشیئین أی لحضورهما فی ذهن السامع بالفعل کما کان بالقوة بالوضع لایجری فیها برهان امتناع صدور الکثیر من الواحد». و فی بحوث فی علم الأصول، ص152: «یرد علی التقریب الأوّل أنّ آلیة اللفظ ذهناً فی عالم اللحاظ المدعاة شرطاً ثانیاً فیما تقدّم إن أرید بها الآلیة بالمعنی المقابل لتوجه النّفس و التفاتها تفصیلاً إلی الشی ء بمعنی أنّ الألفاظ تستعمل استعمالاً أداتیاً مع الغفلة عنها عادة فهذه ظاهرة عامّة فی عالم الاستعمال و لکنّها لیست مقومة لعملیة الاستعمال ذاتاً - کما عرفت - و لاتستدعی امتناع استعمال اللفظ فی أکثر من معنی ... و إن أرید بالآلیة ملاحظة اللفظ فانیاً فی المعنی و کأنّه المعنی بحیث یری المعنی برؤیة اللفظ فهی علی فرض ثبوتها فی الاستعمال توجب امتناع الاستعمال فی أکثر من معنی و لکن هذا المعنی من الآلیة غیر معقول فی المقام».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص207 و ط.ج. ص237.
3- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص207 و ط.ج. ص236: «لایخفی أنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یتمّ علی ما هو المشهور بین المتأخرین من أنّ حقیقة الاستعمال لیست مجرّد جعل اللفظ علامة لإرادة تفهیم المعنی بل إیجاد للمعنی باللفظ و جعل اللفظ فانیاً فی المعنی و وجهاً و عنواناً له ... و أمّا بناء علی مسلکنا: من أنّ حقیقة الوضع هی التعهد و الالتزام النفسانی فلامانع من ذلک، لأنّ الاستعمال لیس إلّا فعلیة ذلک التعهد و جعل اللفظ علامة لإبراز ما قصده المتکلم تفهیمه ... و من هنا یظهر: أنّ تفسیر الوضع باعتبار الملازمة بین طبیعی اللفظ و المعنی الموضوع له أو بجعل اللفظ علی المعنی فی عالم الاعتبار أیضاً لایستدعی فناء اللفظ فی مقام الاستعمال».
جواب عن المناقشة الأولی:

فیه: أنّ کلامه فی حقیقة الاستعمال لا حقیقة الوضع.((1))

المناقشة الثانیة: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

(2)

لانسلم أنّ الاستعمال إفناء اللفظ فی المعنی بل عند الاستعمال لسنا بغافلین من الألفاظ لرعایة الفصاحة و البلاغة.

ص: 379


1- فی منتقی الأصول، ج1، ص312: «قد بنی السید الخوئی (قدس سره) کون حقیقة الاستعمال أحد هذین المعنیین [إفناء اللفظ فی المعنی و جعله علامة علیه] علی ما یختار فی حقیقة الوضع ... و لکنّه غیر سدید و ذلک لأنّ حقیقة الاستعمال و کونها إفناء اللفظ فی المعنی أو جعل اللفظ علامة للمعنی لاترتبط بحقیقة الوضع و لاتبتنی علیها أصلاً و لم یظهر وجه الملازمة بینهما بل یمکن دعوی أنّ الاستعمال إفناء اللفظ فی المعنی و لو ادعی أنّ الوضع هو التعهد إذ ما یحصل بالوضع أیا کانت حقیقته هو العلاقة بین اللفظ و المعنی و الارتباط بینهما ... و ما یستدلّ به علی أحد الطرفین فی باب الاستعمال جار علی جمیع تقادیر الوضع و ما ادعی من الملازمة لایعلم له وجه و یشهد لذلک: بعض الموارد العرفیة ... کما یدلّ علی ما ذکرناه: إنّ عنوان النزاع أعمّ من الوضع لأنّه یتعدی إلی الاستعمال فی المعنی الحقیقی و المجازی أو المعنیین المجازیین مع أنّه لا وضع ههنا کی یبتنی جواز الاستعمال و عدمه علی تحقیق حقیقته و مقتضی ما ذکر عدم جریان النزاع فی ذلک المورد مع أنّ جریانه و تأتی کلا القولین فی الاستعمال أمر لا شبهة فیه و لا توقف عنده فتدبّر».
2- . و فی وقایة الأذهان، ص86، بعد ذکر کلام والده و صاحب الکفایة (قدس سرهما): «و هذان الکلامان مغزاهما واحد و هو إثبات درجة رفیعة للاستعمال فوق ما نعرفه من الکشف عن المراد و الدلالة علی المعنی بواسطة الوضع فکأنّه کلام أخذ من کتب أهل المعقول فجعل فی غیر موضعه من کتب الأصول و لا أظن الوالد و لا هذا الأستاذ ینازعان فی إمکان الکشف عن المراد بغیر هذا الطریق الذی سمّیاه استعمالاً بل علی نحو العلامة الذی صرّح بجواز جعله لأشیاء متعددة و نحن لانتصور قسمین للإفهام یسمّی أحدهما استعمالاً و یکون إلقاء للمعنی و فناء للفظ فیه و نحو ذلک من التعبیر و یسمّی الآخر علامة تدلّ علی المراد فإذا ضممت إلی ذلک ما عرفت من أنّ الإفهام فی المحاورات لیس إلّا بجعل الألفاظ علائم للمعانی ارتفع النزاع بیننا و بینه و صحت لنا دعوی الاتفاق علی الإمکان حتی فی متعارف المحاورات و لم یبق إلّا النزاع فی تسمیة ذلک بالاستعمال و عدمها و هذا نزاع لفظی بحت لا طائل تحته و نحن ندع له إنشاء هذا اللفظ لینحل له ذلک المعنی الغیر المتصور کرامة له و کراهة للمنازعة معه». و فی نهایة النهایة، ص55: فی التعلیقة علی قوله: «و بیانه أنّ حقیقة الاستعمال لیس مجرّد»: «بل الصحیح أنّ حقیقة الاستعمال إنّما هو مجرّد جعل اللفظ علامة و آلة للانتقال إلی المعنی و أمّا ما یری من غفلة المتکلم عن نفس اللفظ فی مرحلة استعماله فکان الملقی فی الخارج هو عین المعنی المستعمل فیه و ذلک أیة کون اللفظ فانیاً فی معناه و متحداً معه وجوداً فهو مدفوع بأنّ ذلک ناشئ عن الأنس الحاصل من تکرّر الاستعمال و کثرته و لذا لایکون ذلک فی أوائل تعلم اللسان فحقیقة الاستعمال لایزید علی جعل اللفظ علامة للمعنی المختص به و العینیة المتخیلة أمر زائد علی أصل الاستعمال لا أنّها عینه» الخ و قد ذکر لاستعمال اللفظ فی أکثر من معنی بناء علی کونه جعل اللفظ علامة محذور «و تقریبه - کما جاء فی حاشیة المحقق الإصفهانی (قدس سره) -: إنّ جعل اللفظ علامة للمعنی معناه أنّه سبب لحصول العلم و الانتقال إلی المعنی فهو سبب للإعلام و التفهیم الذی معناه إیجاد العلم و الفهم و علیه فیمتنع أن یکون اللفظ محققاً لإعلامین و تفهیمین لامتناع أن یکون الوجود الواحد إیجادین لاتحاد الوجود و الإیجاد حقیقة و تغایرهما اعتباراً» ذکر هذا فی منتقی الأصول، ص307، ثمّ ذکر إشکالین علیه فراجع.
الدلیل الثانی: ما أفاده أیضاً صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

و تقریر المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما) أیضاً یرجع إلیه.

إنّ المعنی الثانی یستلزم لحاظاً آخر لللفظ غیر لحاظه فانیاً فی المعنی الأوّل فیجتمع اللحاظان الآلیان علی لفظ واحد.

قال المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((2)) لازم الاستعمال فی المعنیین تعلق اللحاظ الاستعمالی فی آن واحد بمعنیین و لازمه الجمع بین اللحاظین فی آن واحد و هو ممتنع عقلاً.

أمّا وجه استحالة ذلک فلم یذکرها فی الکفایة و یمکن تقریر الاستحالة أوّلاً: بأنّه اجتماع المثلین و ثانیاً: بأنّ اللحاظ هو الوجود الذهنی و اجتماع اللحاظین

ص: 380


1- فی الکفایة، ص36: «و مع استلزامه للحاظ آخر غیر لحاظه کذلک فی هذا الحال».
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص76.

لللفظ معناه وجود الماهیة اللفظیة بالوجودین الذهنیین مع أنّ الماهیة الواحدة لایقبل الوجودین أو الوجودات.((1))

یلاحظ علیه:

سنشیر إلی عدم لزوم اجتماع المثلین و أما وجود الماهیة الواحدة بوجودین أو بوجودات لا استحالة فیه بل الماهیة غالباً توجد بوجودین أو وجودات.

تقریر المحقق العراقی (قدس سره):
اشارة

المحقق العراقی (قدس سره) قرر هذا الوجه فی المقالات((2)) و وجّه استحالته بأنّه اجتماع المثلین و إلیک نصّ عبارته: لو کان باب استعمال اللفظ فی معناه کون اللفظ مرآة لمعناه بمعنی کون لحاظ المعنی بعین لحاظ اللفظ بنحو یعبر اللحاظ من اللفظ إلی المعنی و أنّ النظر إلی اللفظ عبوری علی وجه لایلتفت الإنسان إلیه بل تمام التفاته إلی المعنی بحیث کأنّه یوجد المعنی بلسانه فلا شبهة فی أنّ لازم هذا المسلک عند إرادة المعنیین بنحو الاستقلال فی شخص لحاظه بتوسیط لفظ واحد توجّه اللحاظین إلی لفظ واحد و هو محال لأوله إلی اجتماع المثلین فی شیء واحد کما لا یخفی.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الوجه:

(3)

إنّه بعد تقریر الاستحالة بوجه آخر قال: لایدور الامتناع و الجواز مدار امتناع تقوّم الواحد بلحاظین و عدمه ضرورة أنّ اللفظ بوجوده الخارجی لایقوّم

ص: 381


1- تحقیق الأصول، ج1، ص315.
2- مقالات الأصول، ج1، ص162.
3- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص153. و فی مباحث الأصول، ص165: «و یمکن أن یقال: إنّ متعلق اللحاظ المصحح للاستعمال و إیجاد اللفظ لتفهیم المعنی طبیعی اللفظ لا شخصه و لا محذور فی تعدّد وجود طبیعة واحدة فی زمان واحد من شخص واحد لغایتین متعدّدتین کما نلاحظ وجودی الطبیعة فی زمان واحد تصوراً لا تصدیقاً لاشتراکهما فی المحذور العقلی المراد فی هذا الوجه و تأثیر لحاظی الطبیعة فی إیجاد واحد لازمه تأثیر مجموع السببین المجتمعین فی الواحد بحیث لو انفردا أثر کل منهما فی إیجاده لإحدی الغایتین فلمّا اجتمعا أثرا معاً و تحققت الغایتان و هو إفهام المعنیین و المفروض وفاء مقام الإثبات بالإفهام» ثمّ استدلّ علی أنّ المتعلق هو الطبیعة لا الشخص . و فی بحوث فی علم الأصول، ص152، بعد أن قال «الثانی ما جاء فی کلمات صاحب الکفایة (قدس سره) و مرجعه إلی الاستناد إلی الشرط الثالث لإثبات الامتناع إمّا بتقریب ... و إمّا بتقریب أشار إلیه المحقق العراقی (قدس سره) فی مقالاته الخ »: «و یرد علی التقریب الثانی أنّ اللحاظ الآلی للفظ فی مقام الاستعمال لیس معناه أنّ لحاظاً واحداً یعبّر من اللفظ إلی المعنی فیکون لحاظاً استقلالیاً للمعنی باعتبار استقراره علیه و لحاظاً آلیاً للفظ باعتبار استطراقه منه لیلزم محذور عبور لحاظین عن اللفظ، بل معناه - علی ما تقدم - أنّ اللفظ ملحوظ بلحاظ و موجود فی الذهن بوجود و لکنّه لیس محطاً للتوجه و الالتفات من قبل النفس بحکم العادة التی تجعل المعتاد یستعمل الأداة فیما أعدّت له من دون توجه إلیها بالفعل و قد عرفت أنّ الوجود الذهنی أعم من التوجه و الالتفات و علیه فلایلزم من استعمال اللفظ استعمالاً أداتیاً لتفهیم معنیین اجتماع لحاظین آلیین علیه».

اللحاظ، بل المقوّم له صورة شخصه فی أفق النفس فأی مانع من تصور شخص اللفظ الصادر بتصورین فی آنٍ واحد مقدمة لاستعمال اللفظ الصادر فی معنیین لو لم یکن جهة أخری فی البین.

الدلیل الثالث:
اشارة

((1))

إنّ لحاظ المعنیین فی آن واحد محال لأنّ اللافظ لایقدر علی ذلک.

ص: 382


1- و فی بحوث فی علم الأصول، ص150: «قد ادّعی الامتناع و قرّب بعدة وجوه: الأوّل استلزامه صدور الکثیر من الواحد، إمّا بتقریب منسوب إلی المحقق النائینی (قدس سره) من أنّ النفس باعتبار بساطتها یمتنع فی حقها أن تلحظ معنیین مستقلین فی آنٍ واحد و الاستعمال فی أکثر من معنی یستدعی ذلک إذ بدونه یفقد الاستعمال أهم مقوّماته و هو اللحاظ».
إیرادات ثلاثة علی الدلیل الثالث:

أوّلاً: إنّ ذلک لایجری فی کلامه تعالی و فی روایات أهل البیت (علیهم السلام) بل الکمّلین.

ثانیاً: لا محذور فی تصور المعنیین متتابعاً ثم إلقاء اللفظ حاکیاً عنهما.

ثالثاً: إنّ تصور المعنیین فی آن واحد لیس بمستحیل.((1))

الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة
اشارة

(2)

إنّ حقیقة الاستعمال إیجاد المعنی فی الخارج باللفظ و الإیجاد عین الوجود فوجود اللفظ فی الخارج وجود المعنی بالتنزیل و لکن الموجود الخارجی بالذات

ص: 383


1- فی منتقی الأصول، ص310، بعد ذکر الدلیل الثالث: «و یندفع هذا الوجه بما حقق من قابلیة النفس لحصول صورتین لمعنیین فی آن واحد و یستشهد علی ذلک بشواهد: منها: انّ الشخص قد یفعل فعلین فی آن واحد کأن یقرأ و یکتب مع أنّ الفعل أمر اختیاری یتوقف علی اللحاظ و التصور فإنّه من مبادئ الإرادة و منها: الحکم علی الموضوع بالحمول فإنّه یتوقف علی لحاظ کل من المحمول و الموضوع کی یتجه حکمه به علیه و حمله علی الموضوع». و فی بحوث فی علم الأصول، ص150: «أمّا التقریب الأوّل فیرد علیه ما ذکره المحقق الإصفهانی و غیره من اقتدار النفس علی انتقالات و تصورات متعددة فی آنٍ واحد و لاینافی ذلک بساطتها کما هو محقق فی محلّه و ممّا یدلّ علی ذلک أنّ تصورات أجزاء القضیة لابدّ من اجتماعها کلّها فی زمان إیقاع النسبة و الحکم بل انّ تصور اللفظ و تصور المعنی متزامنان دائماً و هما وجودان ذهنیان».
2- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص152 . و فی بحوث فی علم الأصول، ص 152 و 153: «الثالث ما جاء فی کلمات المحقق الإصفهانی (قدس سره) تارة بتقریب: أنّ الاستعمال المذکور یقتضی صیرورة اللفظ وجوداً تنزیلیاً لکل من المعنیین و مع کون الوجود الحقیقی واحداً فلیس هناک أمران حقیقیان لینزل کل منهما منزلة معنی و أخری بتقریب: انّ استقلال کل من المعنیین فی مقام الاستعمال الذی هو المفروض معناه استقلاله فی الإیجاد التنزیلی لأنّ الاستعمال عین الإیجاد کذلک و الاستقلال بالإیجاد التنزیلی یستدعی الاستقلال بالوجود التنزیلی لأنّ الإیجاد عن الوجود و الاستقلال بالوجود التنزیلی یقتضی الاستقلال بالوجود اللفظی الحقیقی لأنّ الوجود التنزیلی للمعنی عین الوجود الحقیقی للفظ فالاستقلال فی أحدهما مساوق للاستقلال فی الآخر». و فی منتهی الأصول، ص70: «التحقیق عدم جوازه مطلقاً لا علی نحو الحقیقة و لا علی نحو المجاز لا فی المفرد و لا فی التثنیة و لا فی الجمع.» و فی أصول الفقه، ص78: «إنّ استعمال أی لفظ فی معنی إنّما هو بمعنی إیجاد ذلک المعنی باللفظ لکن لا بوجوده الحقیقی، بل بوجوده الجعلی التنزیلی، لأنّ وجود اللفظ وجود للمعنی تنزیلاً... و علی هذا، لایمکن استعمال لفظ واحد إلّا فی معنی واحد فإنّ استعماله فی معنیین مستقلاً - بأن یکون کلّ منهما مراداً من اللفظ کما إذا لم یکن إلّا نفسه- یستلزم لحاظ کل منهما بالأصالة فلابدّ من لحاظ اللفظ فی آنٍ واحد مرّتین بالتبع و معنی ذلک اجتماع لحاظین فی آنٍ واحد علی ملحوظ واحد - أعنی به اللفظ الفانی فی کل من المعنیین- و هو محال بالضرورة فإنّ الشیء الواحد لا یقبل إلّا وجوداً واحداً فی النفس فی آنٍ واحد».

واحد فهذا الوجود الخارجی لایمکن أن یکون وجوداً تنزیلیاً لمعنیین لأنّ لکل من المعنیین إیجاداً و الإیجاد متحد مع الوجود فلابدّ من الوجودین لللفظ فی الخارج حتی یکون أحدهما عین إیجاد المعنی الأوّل و الوجود الثانی عین إیجاد المعنی الثانی مع أنّ وجود اللفظ فی الخارج واحد.

و بالجملة یلزم أن یکون الوجود الواحد متحداً مع الإیجادین و لکنّه محال.

إیرادات ثلاثة علیه من بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

(1)

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّه خلاف مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی باب الوضع حیث إنّ هذا البیان

ص: 384


1- . و فی منتقی الأصول، ص311: «و قد أورد علیه ... ثانیاً: بأنّ الشیء الواحد یمکن أن یکون وجوداً بالعرض لمعان متعددة إذ یمکن أن یتعنون الشیء بعناوین متعدّدة بلا کلام» ثمّ قال: «و یرد الثانی: بأنّ تعدّد العناوین المنطبقة علی شیء واحد إنّما هو لتعدد الجهات التی یشتمل علیها الشیء فینتزع عن کل جهة عنوان خاص و إلّا فیمتنع انتزاع عناوین متعدّدة عن جهة واحدة فی الشیء کما لایخفی» و فی مباحث الأصول، ص 166 و 167: «و أمّا تبعیة الوجود التنزیلی، للحقیقی فی الوحدة و التعدّد فیمکن أن یقال فیه: إنّ اللفظ - بالوضع- لیس وجوداً تنزیلیاً للمعنی بأن یجعل عین المعنی اعتباراً و إنّما ذلک فی الإنشائیات، لا فی مطلق الموضوعات، کما مرّ منّا سابقاً و لیس البحث فی خصوصها و إنّما الوضع، اعتبار وضع شیء علی شیء أو فی شیء لغایة الملازمة فی الانتقال و لا مانع من اعتبار وضع شیء علی شیئین لأن یحصل بسببه الانتقال الذهنی إلیهما» و فی بحوث فی علم الأصول، ص153: «و یرد علی التقریب الأوّل وضوح أنّ تعدّد المنزل علیه لایستدعی تعدّد المنزل إذ یمکن أن یکون الوجود الواحد منزلاً منزلة أمور متعدّدة بتنزیلات متعدّدة فلانحتاج إلی وجود حقیقی آخر لینزل منزلة المعنی الآخر و لولا ذلک لسری الإشکال إلی أصل وضع اللفظ للمعنیین و لم یختص الإشکال باستعماله فیهما فإذا صحّ فی مقام الوضع تنزیل اللفظ الواحد بتنزیلین بإزاء معنیین لم یکن ما یمنع من إخراج کل من التنزیلین عن القوة إلی الفعل. و أمّا التقریب الثانی فیرد علیه: أوّلاً: ما یشترک فیه البیانان، من أنّه إن أرید بکون الاستعمال إیجاد المعنی باللفظ تنزیلاً کون اللفظ أداة لإیجاد المعنی و مرآة له فی مقام الاستعمال فلایمکن أن یکون کذلک بالنسبة إلی معنیین و إلّا لزم فناؤه فی اثنین أو اجتماع اللحاظین، رجع إلی الوجه السابق و إن أرید بذلک مجرّد اعتبار انّ اللفظ عین المعنی کما یعتبر الطواف بالبیت صلاة مثلاً فلیس هذا حقیقة الاستعمال؛ ثانیاً: إنّ الاستقلال فی الإیجاد التنزیلی و إن کان یقتضی الاستقلال فی الوجود التنزیلی إلّا أنّ هذا لایقتضی الاستقلال فی الوجود الحقیقی، إذ المراد باستقلال وجود ما استقلاله فی عالم ثبوته و موطن تحققه و هو بالنسبة إلی الوجود التنزیلی عالم الاعتبار أو ما یشبه فلابدّ من استقلاله فی هذا العالم، بمعنی أنّه لابدّ أن یکون کل من المعنیین إیجاداً مستقلاً فی عالم الاعتبار و وجوداً مستقلاً کذلک و هذا حاصل فی المقام و لایلازم مع استقلال کل منهما بالوجود فی عالم الخارج».

یناسب القول بأنّ اللفظ وجود تنزیلی للمعنی و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الوضع فی عالم الاعتبار.((1))

جواب عن الإیراد الأوّل:

فیه أنّ الکلام فی حقیقة الاستعمال لا حقیقة الوضع.((2))

ص: 385


1- تحقیق الأصول، ج1، ص320.
2- فی منتقی الأصول، ص312: «انّ ما ذکره المحقق الأصفهانی (قدس سره) وجیه فی نفسه إلّا أنّ الإشکال فی أصل مبناه و هو کون الاستعمال إیجاد المعنی تنزیلاً باللفظ فإنّه و إن وقع فی کلام الفلاسفة إلّا أنّه لایعلم له وجه ظاهر و لم یذکر دلیل علیه بل هو یقع فی الکلمات بنحو إرسال المسلمات فهو قابل للإنکار لأنّه دعوی بلا دلیل بل قد مرّ علیک ما یوهنه من عدم تصور معنی معقول لتنزیل اللفظ منزلة المعنی فراجع».
الإیراد الثانی:

إنّ الوضع هو فعلنا و نحن فی أوضاعنا لانجعل اللفظ وجوداً تنزیلیاً للمعنی بل إنّ الاسم یوضع علی المسمی لأن یکون علامة له.

فیه: ما تقدم من أنّ الکلام فی الاستعمال لا فی الوضع.

الإیراد الثالث:

إنّ قاعدة الوحدة الحقیقیة بین الإیجاد و الوجود من أحکام الموجودات الحقیقیة و أمّا إیجاد الشیئین فی عالم الاعتبار بوجود واحد فلا مانع عقلی عنه.((1))

فتحصل أنّه لا وجه لاستحالة استعمال اللفظ فی أکثر من المعنی الواحد.

وهنا أدلّة أخری أقیمت علی القول بالاستحالة، و لکن لا یهمّنا التعرّض بها، فلا نطیل الکلام بذکرها. ((2))

ص: 386


1- فی منتقی الأصول، ص311: «قد أورد علیه: أوّلاً: بأنّ الوجود الواحد لایمکن أن یکون إیجاداً لمعنیین إنّما هو فی الوجود الحقیقی العینی لا التنزیلی لأنّ التنزیل ترجع سعته و ضیقه إلی المنزل فیمکن أن ینزل اللفظ منزلة المعنیین» ثمّ قال: «و یرد الأوّل: بأنّ المدعی امتناع کون اللفظ الواحد إیجادین لمعنیین و لو تنزیلاً لا إیجاداً لهما فإمکان تنزیل اللفظ منزلة المعنیین لایعنی إمکان کون اللفظ إیجادین لمعنیین».
2- فی الفصول، ص54: «الحق أنّ هذا الاستعمال غیر جائز مطلقاً لا فی المفرد و لا فی غیره لا حقیقة و لا مجازاً من غیر فرق بین الأقسام المذکورة لنا علی أنّه غیر جائز فی المفرد مطلقاً حقیقة وجوه الأوّل: أنّ الوضع علی ما یساعد علیه التحقیق عبارة عن نوع تخصیص ینشئه الواضع و مرجعه إلی قصر اللفظ علی المعنی ... فإذا أطلق ... و أرید به کلا المعنیین لم یصح لأنّ قضیة کل من الوضعین أن لایراد منه المعنی الآخر ففی الجمع بینهما نقض لهما فلایکون اللفظ مستعملاً فیما وضع له بحسب شیء من الوضعین ... الثانی الاستقراء فإنّا تتبعنا لغة العرب من قدیمهم و حدیثهم و تصفحنا فی موارد استعمالاتهم و مجاری کلماتهم فلم یتحقق عندنا صدور مثل هذا الاستعمال ممّن یعتدّ منهم بکلامه فی نظم و لا نثر بل تصفحنا فلم نقف علی ذلک فی سائر اللغات ... الثالث أنّ الذی ثبت من الوضع جواز استعمال اللفظ فی معنی واحد و أمّا استعماله فیما زاد علیه فلم یتبین لنا بعد الفحص ما یوجب جوازه و مجرّد إطلاق الوضع علی تقدیر تسلیمه مدفوع بعدم مساعدة الطبع علیه فقضیة کون الأوضاع توقیفیة الاقتصار علی القدر المعلوم الرابع ما ذکره بعض المعاصرین من أنّ الوضع إنّما صدر مع الانفراد و فی حال الانفراد لا بشرط الانفراد فیلزم أن تکون الوحدة جزء للموضوع له و حینئذٍ فاستعماله فی الزائد علی المعنی الواحد إخلال بالوضع و فیه نظر ... الخامس أنّ اللفظ المشترک بین المعنیین أو المعانی إمّا أن یکون موضوعاً للمجموع أیضاً أو لایکون فإن کان الأوّل فإن أرید به المجموع فقط کان مستعملاً فی بعض معانیه دون الجمیع و لا کلام فیه و إن أرید به کل واحد أیضاً لزم التناقض لأنّ إرادة کل واحد یقتضی الاکتفاء به و إرادة المجموع یقتضی عدم الاکتفاء به و ذلک تناقض ... السادس ما استدلّ به بعضهم و محصّله بعد تنقیحه و تصحیحه أنّه لو جاز ذلک لکان بطریق الحقیقة و التالی باطل فکذا المقدم» الخ ثمّ أقام الدلیل علی عدم جواز الاستعمال فی المفرد مجازاً مطلقاً و علی عدم جوازه فی التثنیة و الجمع حقیقة و علی عدم جوازه فیهما مجازاً فراجع. و فی وقایة الأذهان، ص84: «قال الوالد العلّامة - أعلی الله مقامه- فی المقدمة الرابعة من کتاب التفسیر ما لفظه: إنّ المانع من استعمال اللفظ فی أکثر من معنی عدم إمکان حقیقة الاستعمال فیه و ملخّص بیانه: أنّ الاستعمال عبارة عن إیراد اللفظ بإزاء المعنی و جعله قالباً له و مرآة للانتقال إلیه و آلة لتصویره فی ذهن السامع کما أنّ الوضع عبارة عن تعیین لفظ المعنی و تخصیصه به علی وجه کلی بحیث متی أطلق أو أحس فهم منه ذلک المعنی و مفاد المقامین هو صیرورة اللفظ کلیة فی الثانی و فی الکلام الخاص فی الأوّل بإزاء المعنی بحیث یکون اللفظ المرکب من حیث کونه مجتمعاً وحدانیاً بإزاء المعنی البسیط أو المرکب من حیث کونه مرکباً وحدانیاً فالمحاکاة هنا بین اللفظ الواحد و المعنی الواحد و لو کانت الوحدة اعتباریة و الحاکی الواحد فی الاستعمال الواحد لایحکی إلّا حکایة واحدة عن الشیء الواحد و من ضروریته أن لایقع بإزاء الأکثر و لا قالباً له و لا مرآة له لبساطته فی هذا اللحاظ إلّا أن یلاحظ الأکثر من حیث الاجتماع واحداً فیخرج عن العنوان و یندرج تحت استعمال اللفظ فی مجموع معنیین و هو غیر الموضوع له فإن تمّت العلاقة صحّ مجازاً و إلّا بطل و إن شئت قلت: معنی الوضع تخصیص لفظ بمعنی بحیث یکون الأوّل بتمامه واقعاً بحذاء الثانی و یصیر بکلیته مرآة له و متمحضاً فی الدلالة علیه فلایطابقه الاستعمال إلّا حال وحدة المعنی و توضیحه موکول إلی فنّه انتهی» ثمّ ذکر بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ثمّ قال فی ص86: «أقول: و هذان الکلامان مغزاهما واحد». و فی نهایة النهایة، ص55: «انّ استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد علی نحو الاستقلال غیر معقول لما ذکرناه من أنّه یؤدی إلی التناقض فإنّ إرادة المتعدّد مع استقلال کل واحد بالإرادة مرجعه إلی إرادة المتعدّد و عدم إرادة المتعدّد فی استعمال واحد». و فی وسیلة الوصول، ص128: «الحق عدم الإمکان و ذلک لما عرفت من أنّ محل النزاع فی الجواز و عدم الجواز هو استعمال اللفظ الواحد فی أکثر من معنی واحد و إرادتهما منه علی نحو إرادتهما من لفظین فکما أنّ کل واحد من المعنیین مراد بالإرادة التفصیلیة فیما إذا أریدا من لفظین فلابدّ أن یکون کل واحد منهما - أیضاً - مراداً بالإرادة التفصیلیة عند إرادتهما من لفظ واحد و لا ریب أنّه لایمکن ذلک فی استعمال واحد» الخ. و فی عنایة الأصول، ص110: «الأولی فی مقام إثبات الامتناع العقلی أن یقال إنّ استعمال اللفظ فی معنیین أو أکثر و جعله وجهاً لهما و فانیاً فیهما یکون علی قسمین: فتارة ... و أخری یجعل اللفظ بتمامه وجهاً لتمام المعنی کما إذا لم یستعمل إلّا فیه و فی عین جعله کذلک یجعل أیضاً وجهاً بتمامه لتمام المعنی الآخر فی استعمال واحد و هذا القسم من الاستعمال فی الأکثر ممتنع عقلاً فإنّ اللفظ بعد ما جعل بتمامه وجهاً المعنی لایبقی هناک شیء یجعل بتمامه وجهاً لتمام المعنی الآخر» الخ. و فی بحوث فی علم الأصول، ص150: «قد ادّعی الامتناع و قرب بعدة وجوه: الأوّل استلزام صدور الکثیر من الواحد إمّا بتقریب ... و إمّا بتقریب أشار إلیه المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ استعمال اللفظ فی معنیین مرجعه إلی کون اللفظ مقتضیاً لإیجاد انفهامین فی ذهن السامع مع أنّه لایمکن ترتّب الفهمین علی مقتض واحد حذراً من توارد المعلولین علی علّة واحدة» ثمّ أورد علیهما فراجع.

ص: 387

ص: 388

تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟

((1))

ادّعی المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) أنّه خلاف الظهور العرفی لأنّ المتفاهم العرفی من اللفظ عند إطلاقه إرادة المعنی الواحد، فلابدّ من نصب قرینة علی إرادة جمیع المعانی أو خصوص معنی واحد و إلّا یکون اللفظ مجملاً.

ص: 389


1- فی الرافد، ص205: «الجهة الخامسة: و تدور حول القاعدة المتبعة عند إطلاق اللفظ بدون نصب قرینة علی إرادة معنی واحد أم جمیع المعانی أم مجموعها و هنا صورتان: أ) إذا دار المقصود بین إرادة معنی خاص أو إرادة جمیع المعانی ... أمّا بالنسبة للصورة الأولی فهناک رأیان: 1- حمل اللفظ علی إرادة جمیع المعانی. 2- الحکم بالإجمال و الرجوع للأصل العملی و ذهب للأوّل جماعة کما فی المعالم و الفصول و بعض قدماء العامة و الخاصة کما فی هدایة الأبرار و اختاره من المتأخرین السید البروجردی (قدس سره) بینما ذهب الأکثر للثانی. دلیل القول الأوّل: و یتلخص فی أمرین: أ- بما أنّ اللفظ یتضمن علقة وضعیة مع جمیع المعانی فإذا دار أمر المقصود بین إرادة معنی واحد أم إرادة الجمیع فمقتضی أصالة الحقیقة الحمل علی إرادة الجمیع ... ب) انّ القانون العرفی الکاشف عن الإرادة التفهیمیة هو المقتضی لحمل اللفظ علی جمیع المعانی و القانون العرفی حسب المبنی المختار هو قانون السببیة الذی مرّ شرحه و هو أنّ کل من أوجد سبباً لمسبب ما مع التفاته للسببیة فهو قاصد لإیجاد المسبب عند العقلاء و بما أنّ اللفظ ذو علقة وضعیة مع جمیع المعانی فلابدّ من حمله علی إرادة جمیع المعانی بناءً علی قانون السببیة المذکور مع عدم نصبه قرینة علی المقصود و کذلک لو اخترنا مسلک الالتزام و التعهد فبما أنّ متعلّق التعهد هو جمیع المعانی فلابدّ من حمل اللفظ علیها جریاً علی وفق التعهد المذکور» ثمّ أجاب عن الأمر الأوّل بقوله: «انّ أصالة الحقیقة موردها دوران الاستعمال بین کونه حقیقیاً أم مجازاً و أمّا لو دار الاستعمال بین استعمالین حقیقیین کما فی المقام فإنّ استعمال اللفظ فی معنی معین کاستعماله فی جمیع المعانی حقیقی فلامرجح لأحدهما علی الآخر و نتیجة ذلک الحکم بالإجمال» و أجاب عن الأمر الثانی بثلاثة أجوبة و قال فی الجواب الثانی: «انّ المتفاهم العرفی فی مقام الاستعمال هو استعمال اللفظ فی معنی واحد و أمّا استعماله فی عدة معان فهو خلاف المتبادر عرفاً لایصار إلیه إلّا مع القرینة» الخ.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص209 و ط.ج. ص238 و 239.

یلاحظ علیه:

إذا کان المولی فی مقام البیان لا الإجمال (کما هو الأصل العقلائی فی المکالمات لأنّها بغرض التفهیم و التفهّم) فإن قامت القرینة علی خصوص معنی من المعانی أو جمیع المعانی فهو و إلا فلو أحرزنا أنّه فی مقام بیان الحقائق و المعانی و لم ینصب قرینة علی خصوص معنی من تلک المعانی مع التفات المولی إلی جمیع تلک المعانی فیما إذا کانت جمیع هذا المعانی فی معرض ابتلاء المخاطب بحیث ینتظر إلقائها من المولی فحینئذ نقول: لابدّ من ارادة جمیعها و إلا لوجب علی الحکیم أن ینصب القرینة علی مراده بالخصوص و احتمال خفاء القرائن خلاف الأصل.

ص: 390

الفصل الخامس: المشتق (فیه مقدمات ثلاث و أمران و تنبیهات أربعة)

اشارة

المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق

المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس

المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة

الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی

الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق

التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟

التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ

التنبیه الثالث: ملاک الحمل

التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات

ص: 391

ص: 392

مقدمات ثلاث
اشارة

لا إشکال فی أنّ إطلاق المشتق علی المتلبّس بالمبدأ فعلاً حقیقی و علی ما یتلبس بالمبدأ استقبالاً مجازی و أمّا إطلاقه علی ما انقضی عنه المبدأ فوقع النزاع فیه بین الأعلام من حیث کونه حقیقة أو مجازاً ذهب المشهور إلی أنّه مجاز((1)) و لکن نسب إلی العلّامة و ابن ادریس و جماعة من الأعلام (قدس سرهم) أنّه علی نحو الحقیقة.((2))

و قبل الورود فی البحث لابدّ من تقدیم أمور لمعرفة موضوع هذه المسألة و محمولها بجمیع قیودهما، فإنّ عنوان المسألة هو أنّ المشتق حقیقة فی ما تلبّس

ص: 393


1- فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371: «ثانیهما: القول باشتراط البقاء و عزی إلی الرازی و البیضاوی و الحنفیة و حکاه فی النهایة عن قوم».
2- فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371: «أحدهما: عدم اشتراط بقاء المبدأ فی صدق المشتق و هو المعروف بین أصحابنا و قد نصّ علیه العلّامة (رحمة الله) فی عدة من کتبه و السید العمیدی و الشهید و المحقق الکرکی (قدس سرهم) و عزاه جماعة إلی أصحابنا الإمامیة مؤذنین باتفاقهم علیه منهم السید العمیدی و الشهید الثانی (قدس سرهما) و أسنده فی المبادئ إلی أکثر المحققین و فی المطوّل إلی الأکثر و قد ذهب إلیه کثیر من العامة منهم عبد القاهر و الشافعی و من تبعه و حکی ذلک من الجبائی و المعتزلة و عزی إلی ابن سینا وغیره».

بالمبدأ فی الحال فقط أو حقیقة فی ما تلبس بالمبدأ فی الحال و فی ما انقضی عنه المبدأ.

فالأمر الأوّل: فی معرفة موضوع البحث و هو المشتق و الأمر الثانی: فی معرفة المحمول من جهة أنحاء التلبّس بالمبدأ و الأمر الثالث فی معرفة المحمول من جهة المعنی المراد من الحال.

و یقع البحث بعد ذلک عن مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی و تصل النوبة بعد ذلک إلی التحقیق حول نظریّات الأعلام فی مسألة المشتقّ و فی الختام یبحث عن تنبیهات مسألة المشتق.

ص: 394

المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق (فیها بحثان)
البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی
اشارة

إنّ المشتق الأصولی هنا غیر المشتقّ الأدبی.

المشتق الأدبی:

إنّ المشتق الأدبی هو کل ما کان لهیأته وضع مستقل و لمادّته أیضاً وضع مستقل((1)) و فی قباله الجامد الأدبی هو ما کان وضع واحد لمادته و هیأته معاً.

ص: 395


1- فی زبدة الأصول، ص59: «المشتق: فرع وافق الأصل بأصول حروفه و أنواعه خمسة عشر» و فی معارج الأصول، ص49: «إن دلّ [الاسم الکلی] علی الماهیة فهو اسم الجنس عند النحاة و إن دلّ علی موصوفیتها فهو المشتق» و فی مبادئ الوصول، ص66: «الخامس: الاسم إن دلّ علی الذات فهو اسم العین و إلّا فهو المشتق و لابدّ فی الاشتقاق: من اتحاد بین اللفظین و تناسب فی المعنی و الترکیب» و فی الفصول، ص58: «المشتق هو اللفظ المأخوذ من لفظ و یسمّی الأوّل فرعاً و الثانی أصلاً و لابدّ بینهما من مناسبة لیتحقق الأخذ و الاشتقاق و أقسامه ثلاثة لأنّ الفرع إمّا أن یشتمل علی أصول حروف الأصل و ترتیبه أو لا و الأوّل هو المشتق بالاشتقاق الصغیر و یقال له الأصغر أیضاً ... و حیث یطلق المشتق هنا فالمراد منه القسم الأوّل و حدّه لفظ وافق أصلاً بأصول حروفه و لو حکماً مع مناسبة المعنی و موافقة الترتیب» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص389: «ثمّ إنّ لهم فی الاشتقاق و المشتق تعریفات کثیرة، لایسلم شیء منها عن شیء مع ابتناء کثیر منها علی تکلفات واضحة مثل ما فی التهذیب من تعریف الاشتقاق: "باقتطاع فرع عن أصل یدور فی تصاریفه حروف ذلک الأصل" و ما عن أرباب الصناعة من تعریفه: "بأن یکون بین اللفظین تناسب فی أحد المدلولات الثلاث مع اتحاد الحروف الأصلیة أو وجود أکثرها مع المناسبة فی الباقی" و ما حکاه الفاضل فی شرح الزبدة من تعریفه: "بأن تجد بین اللفظین تناسباً فی المعنی و الترکیب فتردّ أحدهما إلی الآخر" و ما حکاه أیضاً عن بعضهم من تعریفه: بأن تأخذ من اللفظ ما یناسبه فی الترکیب فتجعله دالّاً علی معنی ما یناسب معناه ... و ما فی الزبدة من تعریف المشتق: بأنّه فرع وافق الأصل بأصول حروفه و ما فی شرحها للفاضل: بأنّه فرع وافق الأصل بالحروف الأصول و ما فی کلام بعض الأعاظم بأنّه: الفرع الموافق لأصله فی حروف أصوله و ما فی کلام بعض الفضلاء من: أنّه لفظ وافق أصلاً بأصول حروفه و لو حکماً مع مناسبة المعنی و موافقة الترتیب ... و إن شئت تعریف الاشتقاق بما یسلم عن جمیع الحزازات فقل - بملاحظة الضابط المذکور-: إنّ الاشتقاق أن یؤخذ من اللفظ الموضوع ما یوازن هیأة موضوعة فی اللغة و بحسبه تعریف المشتق و هو أنّه اللفظ المأخوذ من لفظ موضوع بوزان هیأة موضوعة فی اللغة». و فی المحصول للرازی، ص237: «أمّا الماهیة فقال المیدانی (رحمة الله) الاشتقاق أن تجد بین اللفظین تناسباً فی المعنی و الترکیب فتردّ أحدهما إلی الآخر و أرکانه أربعة أحدها اسم موضوع لمعنی و ثانیها شیء آخر له نسبة إلی ذلک المعنی و ثالثها مشارکة بین هذین الاسمین فی الحروف الأصلیة و رابعها تغییر یلحق الاسم فی حرف فقط أو حرکة فقط أو فیهما معاً و کل واحد من الأقسام الثلاثة فإمّا أن یکون بالزیادة أو بالنقصان أو بهما معاً فهذه تسعة أقسام». و فی الإحکام للآمدی، ص54: «المشتق هو ما غیر من أسماء المعانی عن شکله بزیادة أو نقصان فی الحروف أو الحرکات أو فیهما و جعل دالّاً علی ذلک المعنی و علی موضوع له غیر معین کتسمیة الجسم الذی قام به السواد أسود و البیاض أبیض». و فی المزهر للسیوطی، ج1، ص346: « قال [ابن دحیة] فی شرح التسهیل: الاشتقاق أخذ صیغة من أخری مع اتفاقهما معنی و مادّة أصلیة و هیأة ترکیب لهما لیدلّ بالثانیة علی معنی الأصل بزیادة مفیدة لأجلها اختلفا حروفاً أو هیأة کضارب من ضرب و حَذِر من حذر». و فی الرافد، ص210: «إنّ المشتق له اصطلاحان: أ- الاصطلاح النحوی و یراد به اللفظ المأخوذ من لفظ آخر مع توافقهما فی الحروف و ترتیبها کالضارب و الضرب».

أمّا المشتق الأدبی، فهو علی قسمین:

الأوّل: ما یجری علی الذات المتلبسة بالمبدأ مثل اسم الفاعل و المفعول و الزمان و المکان و الصفة المشبهة و صیغة المبالغة.

الثانی: ما لایجری علی الذات کالأفعال و المصادر المزیدة و أیضا المصادر

ص: 396

المجردة علی القول باشتقاقها. ((1))

ص: 397


1- فی شرح الرضی علی الکافیة، ج1، ص103: «... کما أنّ الأفعال فرع الأسماء إفادة و اشتقاقاً» و فی ص310: «و المصدر أصل فی باب التصرف و الاشتقاق إذ جمیع أنواع الأفعال و الأسماء المتصلة بها صادرة عنه علی الصحیح من المذهب». و فی شرح الشافیة، ج2، ص260: «... و إن کانت المصادر أصول الأفعال فی الاشتقاق علی الصحیح لأنّها فی التصرف و الاعتلال فروع الأفعال کما یبین فی باب الإعلال نحو لاذ لیاذا و لاوذ لواذا». و فی شرح الکافیة، ج3، ص400: «استدلّ الکوفیون علی أصالة الفعل بعمله فیه کقعدت قعوداً و العامل قبل المعمول و هو مغالطة لأنّه قبله بمعنی أنّ الأصل فی وقت العمل أن یتقدم لفظ العامل علی لفظ المعمول و النزاع فی أنّ وضعه غیر مقدّم علی وضع الفعل فأین أحد التقدمین من الآخر؟ و ینتقض ما قالوا بنحو: "ضربت زیداً" و بزید و لم یضرب فإنّه لا دلیل فیها علی أنّ وضع العامل قبل وضع المعمول و قال البصریون: کل فرع یؤخذ من أصل و یصاغ منه ینبغی أن یکون فیه ما فی الأصل مع زیادة هی الغرض من الصوغ و الاشتقاق کالباب من السباح و الخاتم من الفضة و هکذا حال الفعل، فیه معنی المصدر مع زیادة أحد الأزمنة التی هی الغرض من وضع الفعل لأنّه کان یحصل فی قولک: "لزید ضرب" مقصود نسبة الضرب إلی زید لکنّهم طلبوا بیان زمان الفعل علی وجه أخصر فوضعوا الفعل الدالّ بجوهر حروفه علی المصدر و بوزنه علی الزمان». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص391: «فی کون الأصل هو المصدر و الفعل فرع علیه أو العکس خلاف معروف وقع بین البصریین و الکوفیین من أهل العربیة و لکل من الفریقین أدلّة واهیة غیر ناهضة علی مطلوبهم. حیث إنّ الفریق الأوّل استدلّوا: أوّلاً: بأنّ مفهوم المصدر واحد لأنّه یدلّ علی الحدث لا غیر و مدلول الفعل متعدد لدلالة علی الحدث و الزمان و الواحد قبل المتعدد و أصل له؛ ثانیاً: بأنّ المصدر اسم و الاسم مستغن عن الفعل و هو غیر مستغن عنه و ما هو مستغن أصل؛ ثالثاً: بأنّ المصدر إنّما یسمّی مصدراً لصدور الفعل عنه و هو فی اللغة موضع یخرج منه الإبل فیکون الفعل فرعاً علیه؛ رابعاً: بأنّ المصدر لو اشتق من الفعل لوجب أن یدلّ علی أکثر ممّا یدلّ علیه الفعل لوجوب زیادة المشتق علی المشتق منه و هو أنقص منه لعدم دلالته علی الزمان. و الفریق الثانی استدلّوا: أوّلاً: بأنّ إعلال المصدر یدور مدار إعلال الفعل وجوداً و عدماً فإنّه یعلّ حیث علّ فعله و لم یعلّ إذا لم یعلّ فعله و حاصل الدلیل: أنّه لو کان أصلاً لم یکن تابعاً للفعل فی إعلاله و حیث إنّه تابع علمنا أنّه لیس بأصل؛ ثانیاً: إنّ الفعل یؤکد بالمصدر فیکون أصلاً لأنّ المؤکد تابع و التابع فرع؛ ثالثاً: إنّ المصدر یسمّی مصدراً لکونه مصدوراً عن الفعل، کما قالوا فی"مشرب عذب" و "مرکب" بمعنی مشروب و مرکوب فیکون فرعاً و لایخفی ما فیها من الوهن و لا جدوی فی التعرض لبیان ما فیها و إنّما العمدة هو النظر فیما أحدثه غیر واحد ممّن تأخر من علماء الأصول من تخطئة الفریقین و الإعراض عن کلا المذهبین باختیار مذهب ثالث و هو أنّ الأصل فی المشتقات إنّما هو المؤلف من الحروف المرتبة تقدیماً و تأخیراً المعراة عن الحرکات و السکنات الموضوعة للحدث المطلق بشرط تحققها فی ضمن هیأة موضوعة ... و قیل: أصل هذا المذهب من المحقق الشریف فی بعض تحقیقاته و هذا هو الأقوی بل المقطوع به لکن لا لمجرّد ما عرفته من التعلیل بل - مضافا إلی ضعف أدلّة القولین و وضوح فسادها - لوجوه أخر» ثمّ ذکر ثلاثة أوجه.
الجامد الأدبی:

أمّا الجامد الأدبی، فهو أیضا علی قسمین:

الأوّل: ما یدل علی الذات و الموضوع لها کالإنسان و الحیوان.

الثانی: ما یجری علی الذات حیث إنّه موضوع لما هو خارج عن الذات مثل الزوج و الزوجة و الرقّ و الحرّ.

المشتق الأُصولی:

هو کل مایجری علی الذات لتلبّسها بالمبدأ الذی مفهومه مأخوذ فی المشتق بحیث یمکن انقضاء هذا المبدأ و بقاء تلک الذات. ((1))

ص: 398


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص363: «قد ذکر جملة من المحققین أنّ الضابط فی الاسم الذی یقع موضوعاً لهذا البحث أن یتوفّر علی شرطین: الشرط الأول: أن یصحّ حمله علی الذات، إذ البحث عن صحة إطلاق المشتق علی المنقضی عنه المبدأ فرع أن یکون ممَّا یجری علی الذات و یحمل علیها و بذلک خرجت المصادر عن هذا البحث. و الشرط الثانی:أن لاتکون حیثیة المبدأ التی بها صحّ حمل الاسم علی الذات ذاتیة لها بحیث یستحیل انفکاکها عنها کما فی أسماء الماهیات من الأجناس و الأنواع لعدم انحفاظ ما یمکن أن یصدق علیه الاسم فیها بعد انقضاء المبدأ». و فی الرافد، ص212: «المشتق الأصولی: و هو العنوان المنتزع من الذات بلحاظ انضمام أمر خارج عنها لها ... و ینقسم المشتق الأصولی بلحاظ المبدأ الذی یصاغ منه إلی خمسة أقسام: القسم الأول: ما کان المبدأ من الأعراض المتأصلة خارجاً و هی المقولات التسع کالقائم و القاعد فإنّ مبدأهما من القیام و القعود و هما عرضان خارجیان؛ القسم الثانی: ما کان المبدأ من الأمور الاعتباریة کالواجب و الحرام باعتبار انضمام الوجوب و الحرمة لشیء ما؛ القسم الثالث: ما کان المبدأ من الأمور الانتزاعیة الواقعیة لواقعیة منشأ انتزاعها کالابن و الأخ ...؛ القسم الرابع: ما کان المبدأ من الجواهر کاللابن و التامر بناءً علی کون مبدئه هو التمر و اللبن ثمّ أطلق المشتق علی المتلبس ببیعها و سیأتی مناقشة ذلک؛ القسم الخامس: ما کان المبدأ من سنخ الوجود و العدم لا من سنخ الماهیات بشتی أنواعها من المتأصلة و الاعتباریة و الانتزاعیة و الجوهریة و مثاله لفظ موجود و معدوم». ثمّ قال: «هل المراد بالمشتق المبحوث عنه هو المشتق النحوی ام المشتق الأصولی و قد أجیب عن ذلک بجوابین: الأول: إنّ المراد به المشتق النحوی لأنّه هو معنی المشتق لغة ...؛ والثانی: إنّ المراد به المشتق الأصولی و ذلک أوّلاً: لملائمته المعنی اللغوی باعتبار اشتقاقه و انتزاعه من الذات بلحاظ انضمام أمر لها فإنّ الاشتقاق العقلی کاف فی صحة تسمیته بالمشتق و إن لم یکن هناک اشتقاق لفظی؛ ثانیاً: إنّ قانون انتخاب الأسهل هو الذی یعطینا القناعة بأنّ المراد بالمشتق المشتق الأصولی باعتبار أنّه ما دام الاصطلاح الأصولی موجوداً و وافیاً بتحدید موضوع البحث بدون استثناءات أو استدراکات فلا حاجة لتبنی الاصطلاح النحوی ثمّ تعقیبه بالاستثناء».

و هذا یشتمل علی رکنین:

الرکن الأوّل: جریان المشتق علی الذات لتلبّسها بالمبدأ المأخوذ فی مفهوم المشتق.

و بهذا الرکن خرجت الجوامد و المصادر المزیدة و المصادر المجردة علی القول بکونها من المشتقات.

الرکن الثانی: اعتبار إمکان بقاء الذات و انقضاء المبدأ.

و بهذا الرکن خرجت الجوامد التی تدلّ علی الذوات (أی القسم الأوّل من الجوامد) مثل الحیوان و الإنسان بل یمکن إخراج تلک الجوامد بالرکن الأوّل حیث اعتبرنا المبدأ فی مفهوم المشتقّ.

ص: 399

فالمشتق الأصولی یشتمل علی القسم الأوّل من المشتق الأدبی و القسم الثانی من الجامد الأدبی.((1))

ص: 400


1- هنا أمران: الأمر الأوّل: هل النزاع یعمّ جمیع المشتقات فی جمیع الحالات أو لا؟ راجع إلی هدایة المسترشدین، ص369 و 370؛ و الفصول، ص60 و تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص444. ثمّ نقول: هنا قولان: القول الأول: عموم النزاع. فی الکفایة، ص38: «إنّ المراد بالمشتق هاهنا ... کأسماء الفاعلین و المفعولین و الصفات المشبهات بل و صیغ المبالغة و أسماء الأزمنة و الأمکنة و الآلات کما هو ظاهر العنوانات و صریح بعض المحققین مع عدم صلاحیة ما یوجب اختصاص النزاع بالبعض إلّا التمثیل به و هو غیر صالح کما هو واضح. فلا وجه لما زعمه بعض الأجلة من الاختصاص باسم الفاعل و ما بمعناه من الصفات المشبهة و ما یلحق بها و خروج سائر الصفات و لعلّ منشأه توهّم کون ما ذکره لکل منها من المعنی ممّا اتفق علیه الکل و هو کما تری ...» و راجع أیضاً إلی هدایة المسترشدین، ص369؛ و وقایة الأذهان، ص175. القول الثانی: عدم عموم النزاع فی الفصول، ص60: «هل المراد به [أی المشتق] ما یعمّ بقیة المشتقات من اسمی الفاعل و المفعول و الصفة المشبهة و ما بمعناها و أسماء الزمان و المکان و الآلة و صیغ المبالغة کما یدلّ علیه إطلاق عناوین کثیر منهم کالحاجبی و غیره أو یختص باسم الفاعل و ما بمعناه کما یدلّ علیه تمثیلهم به و احتجاج بعضهم بإطلاق اسم الفاعل علیه دون إطلاق بقیة الأسماء علی البواقی مع إمکان التمسک به أیضاً وجهان أظهرهما الثانی لعدم ملائمة جمیع ما أوردوه فی المقام علی الأوّل». الأمر الثانی: هل النزاع یعمّ بعض الجوامد؟ هنا قولان: القول الأوّل: عدم العموم راجع إلی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص445؛ و نهایة النهایة، ص63. القول الثانی: عموم النزاع فی الکفایة، ص39: «ثمّ إنّه لایبعد أن یراد بالمشتق فی محل النزاع مطلق ما کان مفهومه و معناه جاریاً علی الذات و منتزعاً عنها بملاحظة اتصافها بعرض أو عرضی و لو کان جامداً کالزوج و الزوجة و الرق و الحر و إن أبیت إلّا عن اختصاص النزاع المعروف بالمشتق کما هو قضیة الجمود علی ظاهر لفظه فهذا القسم من الجوامد أیضاً محل النزاع. کما یشهد به ما عن الایضاح فی باب الرضاع ... فعلیه کلّما کان مفهومه منتزعاً من الذات بملاحظة اتصافها بالصفات الخارجة عن الذاتیات - کانت عرضا أو عرضیاً- کالزوجیة و الرقیة و الحرّیة و غیرها من الاعتبارات و الإضافات کان محل النزاع و إن کان جامداً» الخ. و راجع أیضاً إلی حقائق الأصول، ص97؛ و درر الفوائد، ص58؛ مقالات الأصول، ص178 و نهایة الدرایة، ص115 و وسیلة الوصول، ص136 و فوائد الأصول، ص83 و منتهی الأصول، ص75 و بحوث فی علم الأصول، ص365 و الرافد، ص214 و نهایة الأصول، ص59 و أصول الفقه، ص97 و مناهج الوصول، ص188 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص216 و ط.ج. ص247.
استشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی

إنّه استشهد علی الدخول القسم الثانی من الجوامد فی محل النزاع بما نقله فخرالمحققین عن العلّامة و ابن إدریس (قدس سرهم) و أیضا ما نقله الشهید الثانی (قدس سره) فی المسالک من أنّه من کانت له زوجتان کبیرتان مدخولتان أرضعتا زوجته الصغیرة تحرم علیه الزوجة الکبیرة التی هی المرضعة الأولی و أیضاً تحرم علیه الزوجة الصغیرة، و أمّا حرمة الزوجة الکبیرة التی هی المرضعة الثانیة فهی تبتنی((1)) علی وضع المشتق للمعنی الأعم حتی یصدق علی المرضعة الثانیة عنوان «أم الزوجة».((2))

ص: 401


1- فی منتهی الأصول، ص77: «یمکن أن یقال إنّ حصول الزوجیة و لو کان فی زمان متقدّم کاف لحرمة أمّها و لو فی زمان متأخر عن زمان الزوجیة مثلاً لو عقد علی امرأة ثمّ طلّقها تحرم أمّها أبداً و لو بعد طلاق بنتها فلیکن الأمر فی الأمومة الحاصلة من الرضاع أیضاً کذلک و بعبارة أخری فی باب النسب تحرم أمّ من کانت زوجته فکذلک فی باب الرضاع و بناء علی هذا لاتکون حرمة المرضعة الثانیة أیضاً مبنیة علی مسألة المشتق».
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص447: «أمّا استظهار التعمیم ممّا تقدّم من مسألة الرضاع فلعلّه لیس علی ما ینبغی لعدم دلالة فی التعلیل المذکور علی أنّه وقع باعتقاد أنّ "الزوجة" من الجوامد - کما یؤمی إلی خلافه التعبیر بالمشتق- فمن الجائز ابتنائه علی اعتقاد کونها مع "الزوج" من المشتقات علی حد "الصعب و الصعبة" و نحوهما من صیغ الصفة المشبهة کما ربّما یشعر به لحوق أداة التأنیث الفارقة بین ما یقع علی المذکر و ما یقع علی المؤنث الذی هو من خصائص المعنی الاشتقاقی الوصفی علی ما قرّر فی محلّه فی الفرق بین الجامد و المشتق من أنّ الأوّل ما کان فارغاً عن الضمیر و الثانی ما کان متحملاً له بناءً علی أنّ أداة التأنیث إنّما تعتبر للدلالة علی تأنیث المضمر و من هنا جاء اشتراط مطابقة الخبر للمبتدأ إذا کان مشتقاً غیر رافع للظاهر و حینئذٍ فیمکن الالتزام بکون "الزوج" و مؤنثه فی هذا المورد للمعنی الوصفی الاشتقاقی" کالمتزوج و المتزوجة" أو "المزوج و المزوجة" إمّا بحسب أصل اللغة أو بحسب العرف و لو من باب النقل المستند إلی الغلبة».
تحقیق فی هذا الفرع: (هنا نظریّتان)
النظریة الأولی: عن المشهور

إنّ حرمة المرضعة الأولی و الزوجة الصغیرة هی المشهور بین الفقهاء.((1))

و الدلیل علیه هو أنّ المرضعة الأولی یصدق علیها عنوان أمّ الزوجة فتحرم أبداً.

و الزوجة الصغیرة أیضاً یصدق علیه أنّها بنت الزوجة فتحرم علیه أبداً، لأنّ اللبن إن کان من الزوج فالزوجة الصغیرة تکون بارتضاعها بنتاً له و إن کان من غیر الزوج (أی من رجل آخر) فهی تکون بنت الزوجة المدخول بها و هی أیضاً تحرم أبداً.

و أمّا حرمة المرضعة الثانیة((2)) فمتوقّفة علی بحث المشتق فإنّه علی القول

ص: 402


1- فی جامع المقاصد، ج12، ص238: «لا نزاع فی تحریم المرضعة الأولی وکذا الصغیرة إن کان قد دخل بإحدی الکبیرتین و نقل الشارح الفاضل فیه الإجماع و ینبّه علیه أنّ المرضعة أم الزوجة و الصغیرة بنت زوجة مدخول بها سواء کانت المدخول بها هی الأولی أم الثانیة».
2- هنا قولان: القول الأول: التحریم فی المختلف، ج7، ص22: «قد بینا فیما تقدّم تحریم الجمیع لأنّ الکبیرة الأولی أم زوجته و الثانیة أم من کانت زوجته». و فی المسالک، ج7، ص269: «و ذهب ابن إدریس و المصنف فی النافع و أکثر المتأخرین إلی تحریمها أیضاً و هو الظاهر من کلام الشیخ فی المبسوط علی التباس یسیر فیه». و فی نهایة المرام، ج1، ص129 نسب هذا القول إلی أکثر من تأخر عن المحقق (قدس سره) . و فی جامع المقاصد، ج12،ص238: «و بالتحریم قال ابن إدریس و جمع من المتأخرین کأبی القاسم بن سعید و المصنف و هو المختار». القول الثانی: عدم التحریم فی المسالک، ج7، ص268: «فقد قیل إنّها لاتحرم و إلیه مال المصنف حیث جعل التحریم أولی و هو مذهب الشیخ فی النهایة و ابن الجنید». و فی کفایة الأحکام، ج2، ص125، بعد قوله: «ومذهب ابن إدریس و المحقق فی النافع و أکثر المتأخرین التحریم». و فی کشف اللثام، ج7، ص150: «و ذهب الشیخ فی النهایة و أبو علی و ابنا سعید فی الجامع و الشرائع إلی عدم حرمة الأخیرة و هو قوی». و فی الحدائق، ج23، ص421، بعد نقل القول بعدم الحرمة عن جمع: «و إلی هذا القول مال السید السند فی شرح النافع و شیخنا المجلسی فی حواشیه علی الکافی و هو الأظهر و یعضده أصالة الإباحة». و فی الریاض، ج10، ص164: «فیه قولان أشبههما عند المصنف هنا صریحاً و فی الشرائع ظاهراً وفاقاً للحلّی و أکثر المتأخرین کما حکی أنّها تحرم أیضاً... فإذا القول بالحل أقوی وفاقاً لظاهر الکلینی و الشیخ و الإسکافی و السید فی شرح الکتاب و جماعة من الأصحاب». و فی الجواهر، ج29، ص333 بعد نقل کلام الریاض: «قلت علی أنّ الدلیل غیر منحصر فی الخبر بل یکفی فیه الأصل و عموم "أحلّ" و غیر ذلک بعد عدم الاندراج فی أمّهات النساء فالخبر مؤید حینئذٍ لا دلیل و لاینافی ذلک الحکم بالتحریم فی الصورة الأولی لما عرفت من کفایة اتصال زمن الزوجیة بزمان صدق الأمّیة فی الاندراج تحت أمّهات النساء کما ذکرناه سابقاً و کشف عنه الخبر أیضاً لاحقاً حیث حرم الأولی و الصغیرة». و فی کتاب النکاح للشیخ الأنصاری، ص360، بعد نقل روایة علی بن مهزیار - التی قال عنها سابقاً: «ما رواه فی الکافی بسند ضعیف بصالح بن أبی حماد»-: «و لایبعد العمل بها لموافقتها للأصل». راجع أیضاً إلی مرآة العقول، ج20، ص222؛ و ملاذ الأخیار، ج12، ص107؛ و جامع المدارک، ج4، ص204.

المشهور من وضع المشتقّ لخصوص المتلبّس فی الحال فلایصدق علیها أمّ الزوجة فلاتحرم المرضعة الثانیة.

ص: 403

النظریّة الثانیة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

قد خالفهم المحقق الخوئی (قدس سره) فذکر ستة أدلة علی حرمة المرضعة الأولی و ناقش فی جمیعها فقال بعدم تحریمها و اختصاص الحرمة بالمرتضعة الصغیرة.

و ممّا استدلّ علی ذلک هو أنّ زمان تحقق الرضاع زمان ارتفاع الزوجیة من الصغیرة و ذلک الزمان بعینه زمان تحقق الأمومة للکبیرة و فی ذلک الزمان لایصدق علی الصغیرة عنوان الزوجة لیصدق علی الکبیرة عنوان أمّ الزوجة، أو فقل: فی زمان کانت الصغیرة زوجة له لم تکن الکبیرة أمّاً لها و فی زمان صارت الکبیرة أمّاً لها ارتفعت الزوجیّة عنها و انقضت.((2))

ص: 404


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص219- 227 و ط.ج. ص250-259.
2- و فی نهایة الأفکار، ص130: «قد یشکل تحریم المرضعة الأولی أیضاً بمقتضی القواعد بتقریب أنّ السبب الموجب لنشر الحرمة و هو عشر رضعات أو خمس عشرة رضعة کما کان موجباً لاتصاف المرضعة بالأمومة فتحرم کذلک موجب أیضاً لخروج الصغیرة عن الزوجیة و اتصافها بالبنتیة فیکون العنوانان أی الأمومة و البنتیة کلاهما معلولین عرضیین للرضاع یترتب فاء واحد بینه و بینهما من دون تقدّم لأحدهما علی الآخر و لو بحسب المرتبة و حینئذٍ فیشکل بأنّه کیف الحکم بتحریم المرضعة بعنوان الأمومة مع أنّه لایکون فی البین زمان بصدق فیه علیها أنّها أمّ الزوجة لأنّه قبل کمال الرضعة الأخیرة و إن کان یصدق الزوجة علی الصغیرة إلّا أنّ الکبیرة فی ذلک الآن لم تکن بأمّ لها و بعد إکمال الرضعة الأخیرة و إن تحققت الأمومة لها و لکنّه فی رتبة تحقق هذا العنوان خرجت الصغیرة عن الزوجیة و تعنونت بالبنتیة فلابدّ حینئذٍ و أن یکون حرمة الکبیرة الأولی أیضاً مبنیة علی عدم اعتبار بقاء المشتق منه فی صدق المشتق مع أنّ ظاهر الإیضاح بل ظاهر الروایة هو کون الحکم بالتحریم بالنسبة إلی المرضعة بمقتضی القواعد» الخ و فی جامع المدارک، ج4، ص204: «و أورد علیه بأنّ الحکم بحرمة الکبیرة بناء علی ما هو الحق و المختار عنده (قدس سره) من اعتبار بقاء التلبس بالمبدء فی صدق المشتق حقیقة فی غایة الإشکال لأنّ الکبیرة لاتصیر أمّ الزوجة کی یحکم بحرمتها مؤبداً لأنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة فی مرتبة صیرورة الکبیرة أمّا لأنّهما مستندان فی عرض واحد إلی علّة ثالثة و هو الرضاع» الخ. و فی نهایة النهایة، ص 63 و 64: «لا فرق فی ابتناء نشر الحرمة علی نزاع المشتق بین المرضعة الأولی و المرضعة الثانیة فإنّ عنوانی الأمومة و البنتیة یحصلان فی مرتبة واحدة عند تمامیة الرضعات الناشرة للحرمة ففی المرتبة التی صارت هذه أمّاً لتلک خرجت تلک عن الزوجیة فلم تکن هذه أمّ زوجة فعلیة بل أم زوجة سابقة». و فی نهایة الدرایة، ص116: «أمّا ترتب الثمرة فواضح کما یشهد له ما عن الایضاح و المسالک و إن کان تسلیم حرمة المرضعة الأولی و الخلاف فی الثانیة مشکلاً لاتحادهما فی الملاک و ذلک لأنّ أمومة المرضعة الأولی و بنتیة المرتضعة متضائفتان متکائفتان فی القوة و الفعلیة و بنتیة المرتضعة و زوجیتها متضادّتان شرعاً ففی مرتبة حصول أمومة المرضعة تحصل بنتیة المرتضعة و تلک المرتبة مرتبه زوال زوجیة المرتضعة فلیست فی مرتبة من المراتب أمومة المرضعة مضافة إلی زوجیه المرتضعة حتی تحرم بسبب کونها أمّ الزوجة» و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص77 و حقائق الأصول، ص98 و عنایة الأصول، ص120 و مباحث الأصول، ص181.
إیرادات ثلاثة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل:

(2)

إنّ تحقّق الرضاع ملازم لتحقق عنوانین متضایفین و هما البنتیّة و الأمومة و

ص: 405


1- و فی نهایة الأفکار، ص131: «التفصی عن الإشکال المزبور لایکون إلّا بالتشبث بفهم العرف بدعوی أنّ المعیار فی اتحاد الظرفین إنّما هو علی الأنظار العرفیة لا علی النظر الدقی العقلی و إنّ العرف فی مثل الفرض یری ظرف الأمومة متحداً مع ظرف الزوجیة بملاحظة شدة اتصال أحد الظرفین بالآخر فیرون المرضعة الأولی من هذه الجهة أمّاً لزوجته الفعلیة و إن لم یکن کذلک بحسب الدقة العقلیة بل و لئن تدبّرت تری کونه کذلک بحسب الدقة أیضاً نظراً إلی أنّ الأمومة و إن کانت فی رتبة متأخرة عن علّتها التی هی الرضعة الأخیرة لکنّها متقارنة معها زماناً کما هو شأن کل معلول مع علته و حینئذٍ فإذا کانت الأمومة متحدة ظرفها زماناً مع ظرف علّتها و کانت الزوجیة أیضاً متحققة للصغیرة فی ذلک الظرف فلاجرم یلزمه اتحاد ظرفی الأمومة و الزوجیة أیضاً بحسب الزمان علی نحو الدقة العقلیة و حینئذٍ فإذا لم یکن المعیار فی اتحاد الظرفین علی الاتحاد بحسب المرتبة بل علی الاتحاد بحسب الزمان و کان الظرفان أیضاً متحدین بحسب الزمان فقهراً یندفع الإشکال المزبور من رأسه بلا حاجة أیضاً إلی التشبث بفهم العرف و المصیر إلی تسامحهم فی مدلول الکلام کما هو واضح فتدبر».
2- . فی منتهی الأصول، ص78، بعد بیان الإشکال السابق: «و أجیب عن هذا بأنّ الرضاع الشرعی سواء کان تحققه بخمس عشرة رضعة متوالیة أو بشدّ العظم و إنبات اللحم علّة لحصول أمومة المرضعة و بنتیة المرتضعة فالأمومة و البنتیة معلولان لعلّة واحدة و فی رتبة واحدة و ما هو سبب ارتفاع الزوجیة هو بنتیة المرتضعة لزوجته أی صیرورتها ربیبة له فیکون ارتفاع الزوجیة متأخراً رتبة عن حصول البنتیة التی هی فی رتبة حصول الأمومة فالزوجیة ثابتة فی مرتبة حصول الأمومة للمرضعة و البنتیة للمرتضعة و إلّا یلزم ارتفاع النقیضین فی تلک المرتبة فیتحقق موضوع الحرمة أی عنوان أمّ الزوجة فی رتبة حصول الأمومة للمرضعة و حصول البنتیة للمرتضعة» . و لکن قال بعد ذلک: «و لکن أنت تدری بأنّ التقدّم و التأخر الرتبی لایفید فی مثل هذه الموارد مع وحدة زمان حصول أمومة المرضعة و حصول بنتیة المرتضعة مع ارتفاع و عدم الزوجیة بحکم وحدة زمان العلّة مع زمان المعلول ففی زمان حصول الأمومة لا زوجیة فی البین و إلّا یلزم اجتماع النقیضین مع أنّه یجب فی التحریم اجتماع الأمومة مع الزوجیة فی عالم الوجود زماناً لکی یتحقق موضوع الحکم». و راجع أیضاً وسیلة الوصول، ص136 و فی فوائد الأصول، ص86 و نهایة الأصول، ص63 و حقائق الأصول، ص98 و مناهج الوصول، ص195 و مباحث الأصول، ص181.

حیث إنّهما من المفاهیم ذات الإضافة فالمتحقّق هو عنوان بنت الزوجة و أمّ الزوجة و کل من العنوانین (أمّ الزوجة و بنت الزوجة) موضوع لحکم ارتفاع الزوجیة و حرمتها أبداً.

توضیح ذلک: إنّ عنوان أمّ الزوجة موضوع لحکم ارتفاع زوجیة الکبیرة، کما أنّ عنوان بنت الزوجة موضوع لحکم ارتفاع زوجیّة الصغیرة.

و لابدّ من التأکید علی أنّ رابطة حکم ارتفاع الزوجیة بالنسبة إلی کل من العنوانین رابطة الحکم و الموضوع لا المعلول و العلّة.

ثمّ إنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة متأخّر رتبة عن موضوعه و هو عنوان بنت الزوجة و حیث إنّ عنوان أمّ الزوجة متحد رتبة مع عنوان بنت الزوجة فینتج أنّ ارتفاع زوجیة الصغیرة متأخّر رتبة عن تحقق عنوان أمّ الزوجة للکبیرة.

ص: 406

الإیراد الثانی:

یمکن النقض علیه بأنّ تحقق الرضاع إن کان هو عین ارتفاع زوجیة الصغیرة، فیوجب ارتفاع زوجیة الکبیرة المرضعة الأولی فی زمان تحقق الرضاع و حینئذ لایصدق علی البنت أنّها بنت الزوجة فیلزم عدم حرمة الزوجة الصغیرة أیضاً.

الإیراد الثالث: بما فی روایة علی بن مهزیار
اشارة

یمکن أن یستدل علی ذلک بروایة علی بن مهزیار فی الکافی:((1))

محمد بن یعقوب عن علی بن محمد [علّان الکلینی] عن صالح بن أبی حماد عن علی بن مهزیار عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: «قیل له: إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخری فقال ابن شبرمة: حرمت علیه الجاریة و امرأتاه فقال أبو جعفر (علیه السلام): أخطأ ابن شبرمة، ((2)) تحرم علیه الجاریة و امرأته التی أرضعتها، فأمّا الأخیرة فلم تحرم علیه کأنّها أرضعت ابنته».

ص: 407


1- ج5، ص446، أبواب ما یحرم بالرضاع، باب 14.
2- فی شرح أصول الکافی للمولی محمد صالح، ج2، ص131، عند ذکر ابن شبرمة: «اسمه عبد الله ذکره ابن داود فی قسم الممدوحین من کتابه و قال: کان قاضیاً للمنصور علی سواد الکوفة و کان فقیهاً شاعراً و أورده العلّامة فی الخلاصة فی قسم المجروحین و قال بعض العلماء: إنّه مستقیم مشکور و طریق الحدیث من جهته لیس إلّا حسناً ممدوحاً و لست أری لذکر العلّامة له فی قسم المجروحین وجهاً إلّا أنّه قد تقلّد القضاء من قبل الدوانیقی و هو شیء لایصلح للجرح کما لایخفی و شبرمة ضبطه ابن داود بالشین المعجمة و الباء الموحدة الساکنة و الراء و سکون الباء الموحدة و قال بعض علمائنا: رأیت بخط من یعتدّ به من أصحابنا ضبطه بفتح الشین المعجمة».
المناقشة فیه بضعف الروایة بصالح بن أبی حماد:

قد أورد علی السند((1)) بوجوه متعدّدة لإثبات ضعفها بإرسالها:((2))

منها: أنّه قد نوقش فی سندها بصالح بن أبی حمّاد لما عن النجاشی((3)) أنّه یعرف و ینکر و لما عن ابن الغضائری((4)) أنّه ضعیف.

ص: 408


1- فی المختلف، ج7، ص22: «و نمنع صحة سند الروایة» و فی جامع المقاصد، ج12، ص238: «و المستمسک ضعیف لأنّ سند الروایة غیر معلوم فلایعارض حجة الأوّلین» و فی کفایة الأحکام: «الروایة ضعیفة السند».
2- فی المسالک، ج7، ص269: «و مع ذلک فهی مرسلة لأنّ المراد بأبی جعفر حیث یطلق الباقر (علیه السلام) و بقرینة قول ابن شبرمة فی مقابله لأنّه کان فی زمنه و ابن مهزیار لم یدرک الباقر (علیه السلام) و لو أرید بأبی جعفر الثانی و هو الجواد (علیه السلام) بقرینة أنّه أدرکه و أخذ عنه فلیس فیه أنّه سمع منه ذلک بل قال: قیل له و جاز أن یکون سمع ذلک بواسطة فالإرسال متحقق علی التقدیرین مع أنّ هذا الثانی بعید لأنّ إطلاق أبی جعفر لایحمل علی الجواد (علیه السلام) ».
3- رجال النجاشی، ص198: «صالح بن أبی حماد أبو الخیر الرازی و اسم أبی الخیر زاذویه لقی أبا الحسن العسکری (علیه السلام) و کان أمره ملبساً (ملتبساً) یعرف و ینکر». و فی المسالک، ج7، ص269: «لکنّها ضعیفة السند فی طریقها صالح بن أبی حماد و هو ضعیف» و فی الفهرست، ص147: «صالح بن أبی حماد له کتاب رویناه بالإسناد الأوّل [أراد به جماعة عن أبی المفضل عن ابن بطة] عن أحمد بن أبی عبد الله عنه» و هذا الطریق ضعیف بأبی المفضل و ابن بطة کما فی ص311 من الفهرست و عدّه الشیخ فی رجاله، ص376 من أصحاب أبی جعفر محمد بن علی الثانی (علیه السلام) و قال: «یکنی أبا الخیر» و فی ص399 من أصحاب أبی محمد الحسن بن علی (علیه السلام) و فی إیضاح الاشتباه، ص202: «صالح بن أبی حماد أبو الخیر الرازی و اسم أبی الخیر زاذویه» و فی رجال ابن داود، ص250 نقل عبارة النجاشی. و فی خلاصة الأقوال، ص359: «و المعتمد عندی التوقف فیه لتردّد النجاشی و تضعیف ابن الغضائری له».
4- فی رجال ابن غضائری، ص70: «صالح بن أبی حماد الرازی أبو الخیر ضعیف». و فی التحریر الطاووسی، ص87 عند ذکر بشیر النبال: «روی حدیثاً فیه ذکره و لیس صریحاً فی تعدیل و طریقه متعدّد الضعف فیه صالح بن أبی حماد و محمد بن سنان» و فی ص229 عند ذکر زرارة بن أعین: «قد روی فی خلاف ذلک آثاراً أنّا موردها و مورد علیها ما یتفق ... حدیث ثالث: من روایة صالح بن أبی حماد الرازی و علی بن أبی حمزة عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام) من معناه: إنّ زرارة و أبا حنیفة لبسوا إیمانهم بظلم وقال ابن الغضائری فی صالح بن أبی حماد الرازی: أبی الخیر، ضعیف» و فی ص533 عند ذکر محمد بن زید الشحام: «روی حدیثا ذکر فیه جماعة هو أحدهم، ولیس صریحا فی تعدیل وطریقه متعدد الضعف فیه صالح بن أبی حماد ومحمد بن سنان».
ملاحظتنا علیها: الحق توثیقه بأدلة ثلاثة

((1))

أوّلاً: لکثرة روایة الأجلّاء عنه.((2))

و ثانیاً: لأنّه من رجال صاحب نوادر الحکمة (قدس سره) ((3)) و قد قلنا: إنّ رجاله إلّا

ص: 409


1- فی نهایة المرام، ج1، ص129: «هذه الروایة و إن کانت ضعیفة السند لکنّها مطابقة لمقتضی الأصل السالم من المعارض صریحاً فیترجح العمل بمضمونها و الله تعالی أعلم». و فی الحدائق، ج23، ص422 بعد نقل کلام المسالک قال: «فیه أوّلاً: أنّ ما طعن به من ضعف السند فهو عندنا غیر مسموع و لا معتمد کما تقدّمت الإشارة إلیه فی غیر موضع ممّا تقدّم مع أنّ ذلک لایقوم حجة علی الشیخ و أمثاله من المتقدّمین الذین لا وجود لهذا الاصطلاح المحدث عندهم علی أنّک قد عرفت أنّ سبطه الذی هو من المتصلبین فی هذا الاصطلاح قد عمل بالخبر المذکور و خرج عن قاعدة اصطلاحه فی الأخبار لاعتضاد الخبر بأصالة الإباحة» إلی آخر الإشکالات الخمسة فراجع. و فی الریاض، ج10، ص164: «لیس فی سندها من یتوقف فیه عدا صالح بن أبی حماد و هو و إن ضعف فی المشهور إلّا أنّ القرائن علی مدحه کثیرة و توهم الإرسال فیها ضعیف». و فی طرائف المقال، ج1، ص238: «و إدخاله فی الممدوحین أولی» و فی مشایخ الثقات لغلامرضا عرفانیان، ص67 عدّه ثقة.
2- فی معجم رجال الحدیث، ج10، ص59: «و أمّا روایة الأجلّاء عنه فلا دلالة فیها علی الوثاقة کما غیر مرة». و قد ناقشنا فی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) غیر مرّة.
3- فی تعلیقة علی منهاج المقال للوحید البهبهانی، ص203: «قوله صالح بن أبی حماد روی عنه محمد بن أحمد بن یحیی فی الصحیح فی العیون و لم یستثن». قال النجاشی (فی الفهرست، ص348): "محمد بن أحمد بن یحیی بن عبد الله بن سعد بن مالک الأشعری القمی أبو جعفر: کان ثقة فی الحدیث إلّا أنّ أصحابنا قالوا: کان یروی عن الضعفاء و یعتمد المراسیل و لایبالی عمّن أخذ و ما علیه فی نفسه مطعن فی شیء و کان محمد بن الحسن بن الولید یستثنی من روایة محمد بن أحمد ابن یحیی ما رواه عن محمد بن موسی الهمدانی ... قال أبو العباس بن نوح: و قد أصاب شیخنا أبو جعفر محمد بن الحسن ابن الولید فی ذلک کلّه و تبعه أبو جعفر بن بابویه (رحمة الله) علی ذلک إلّا فی محمد بن عیسی بن عبید فلا أدری ما رأیه فیه لأنّه کان علی ظاهر العدالة و الثقة و لمحمد بن أحمد بن یحیی کتب منها: نوادر الحکمة و هو کتاب حسن کبیر یعرفه القمّیون بدبة شبیب قال: و شبیب فامی کان بقم له دبة ذات بیوت یعطی منها ما یطلب منه من دهن فشبهوا هذا الکتاب بذلک و له کتاب الملاحم و کتاب الطب و کتاب مقتل الحسین (علیه السلام)، کتاب الإمامة، کتاب المزار».

من استثنی منها مشمول لتوثیق صاحب النوادر و الصدوق و ابن الولید و أبی العبّاس بن نوح (قدس سرهم) .

و ثالثاً: أنّه من رجال تفسیر القمی.((1))

و ممّا یؤیّد ذلک: ما نقله الکشی عن الفضل بن شاذان أنّه یرتضیه و یمدحه.((2))

ص: 410


1- و فی معجم رجال الحدیث، ج10، ص59: «یمکن إثبات وثاقته بوقوعه فی إسناد تفسیر علی بن إبراهیم». فی تفسیر القمی، ج1، ص313: «و لو أنّ لکل نفس ظلمت آل محمّد حقهم ما فی الأرض جمیعاً لافتدت به فی ذلک الوقت یعنی الرجعة و قوله: (أَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِی بَینَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا یظْلَمُونَ).(یونس:54) حدثنی محمد بن جعفر قال حدثنی محمد بن أحمد عن أحمد بن الحسین عن صالح بن أبی عمار عن الحسن بن موسی الخشاب عن رجل عن حماد بن عیسی عمن رواه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سئل عن قول الله تبارک و تعالی: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ) (یونس:54) قال قیل له ما ینفعهم أسرار الندامة و هم فی العذاب؟ قال: کرهوا شماتة الأعداء»
2- فی خلاصة الأقوال، ص359: «روی الکشی عن علی بن محمد القتیبی، قال: سمعت الفضل بن شاذان یقول فی أبی الخیر و هو صالح بن سلمة أبی حماد الرازی کما کنی و قال علی: کان أبو محمد الفضل یرتضیه و یمدحه و لایرتضی أبا سعید الآدمی و یقول: هو أحمق». و فی معجم رجال الحدیث، ص59، بعد نقل عبارة الکشی: «أقول: إنّ علی بن محمد القتیبی إذا کان قد ثبتت وثاقته لأمکن أن یقال بحسن الرجل لشهادة الفضل بن شاذان و لایعارضها تردد النجاشی بقوله: وکان أمره ملتبساً فإنّ التردید و عدم إحراز الوثاقة لایعارض الشهادة بالحسن و أمّا تضعیف ابن الغضائری فلم یثبت لعدم ثبوت نسبة الکتاب إلیه و لکن وثاقة علی بن محمد لم تثبت».

هذا مضافاً إلی أنّ الروایة موجودة فی الکافی و بعض الأعلام مثل المحقق النائینی (قدس سره) قالوا باعتبار روایاته و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) أیضاً قال باعتباره فی غیر المتعارضات.

و لبحث المشتق ثمرات أخری، فی الفروع الفقهیة. ((1))

ص: 411


1- و لهذا البحث ثمرة فی مسائل کثیرة من الفقه: 1) فی روض الجنان، ط.ق. ص76: «ثانیها: إنّ الصوم من الحائض غیر صحیح قطعاً و الوصف ثابت بعد النقاء بل و بعد الغسل لما تقرّر فی الأصول من أنّه لایشترط لصدق الاشتقاق بقاء المعنی المشتق منه لکن خرج من ذلک ما أخرجه الدلیل و هو ما بعد الغسل فیبقی الباقی علی أصله». 2) فی مسالک الأفهام، ج8، ص146: «و اعلم أنّه لا فرق فی بنت المهیرة بین کون أمّها حرة فی الأصل أو معتقة لما عرفت من أنّ المراد منها لغة الحرة و هی شاملة لهما و یحتمل ضعیفاً الفرق بناء علی أنّ المعتقة یصدق علیها أنّها کانت أمة إذ لایشترط فی صدق المشتق بقاء المعنی المشتق منه». 3) فی روض الجنان، ص370: «هل للبعید التحرم قبل المتوسط یحتمل ذلک و هو الذی استقربه الشهید (قدس سره) فی البیان لأنّ ذلک فی حکم الاتصال لأنّ المتخلل مأموم بالقوة القریبة من الفعل و لأنّ الشروع فی مقدمات الصلاة من الإقامة و الدعاء کالشروع فی الصلاة و یمکن المنع ... و إطلاق اسم المصلّی علی من یرید الابتداء مجاز کما یمکن إطلاقه علی من انتهت صلاته بسبب ما یؤل إلیه و ما کان علیه فلا ترجیح بل ربّما قیل بترجح الثانی فإنّ بقاء المعنی المشتق منه لیس شرطاً فی صحة الاشتقاق عندنا فیصحّ إطلاق المصلّی و المؤتم علیه علی وجه الحقیقة دون من یؤل إلیها وبالجملة فالمسألة موضع إشکال» الخ. 4) فی زبدة البیان، ص46: « قال القاضی: و فیه دلیل علی عصمة الأنبیاء من الکبائر قبل البعثة و أنّ الفاسق لایصلح للإمامة و الأولی أن یقول: و لو فبل البعثة و لعلّ وجه الدلالة أنّ فاعل الکبیرة وقتاً ما یصدق علیه أنّه ظالم فی الجملة و قد نفی الله العهد الذی هو الإمامة مطلقاً عمن صدق علیه أنّه ظالم فی الجملة و هو ظاهر علی تقدیر کون المشتق حقیقة لمن اتصف به وقتاً ما و کذا علی تقدیر کونه حقیقة حین اتصاف المشتق بالمبدء فقط فإنّ ذلک لیس بمراد هاهنا فیتعین الأوّل». 5) فی المسالک، ج1، ص32، عند شرح قوله: «و المکروهات: الجلوس فی الشوارع و المشارع و تحت الأشجار المثمرة»: «أی التی من شأنها الثمر و إن لم یکن الثمر حاصلاً بالفعل أو تبقی النجاسة إلی أوانه للعموم و لعدم اشتراط بقاء المعنی المشتق منه فی صدق الاشتقاق». 6) فی روض الجنان، ص161: «و یکره الطهارة بالماء المسخّن فی الشمس فی الأوانی ... و لایشترط القصد إلی التسخین فیعمّ الحکم المتسخّن بنفسه فلو قال المتسخّن کان أولی و کذا لایشترط بقاء السخونة استصحاباً لما ثبت و لصدق الاسم مع زوالها إذ المشتق لایشترط فی صدقه بقاء أصله و ربّما قیل باشتراطهما». 7) فی المسالک، ج7، ص204: «لما بین سابقاً أنّ النسب یثبت بالنکاح الصحیح و الشبهة أتبعه بذکر مسألة یمکن فیها اجتماع الأمرین و هی ما إذا طلّق زوجته فوطئت بالشبهة و أتت بولد فإنّه قد یمکن إلحاقه بهما لکون نکاحهما معاً موجباً لإلحاق النسب ... و حاصلها یرجع إلی أربع صور ... الرابعة: أنّ تلده لستة أشهر فصاعداً إلی ما دون الأقصی من وطء الثانی و لأقصی مدة الحمل فما دون من وطء الأول فتولّده من کل واحد منهما ممکن و قد اختلف فی حکمه حینئذٍ ... و اختار المصنف و الأکثر الحکم به للثانی لأنّ فراش الأوّل قد زال و فراش الثانی ثابت فهو أولی من الزائل و لأنّ صدن المشتق علی من وجد فیه المعفی المشتق منه حالته أولی ممن سبق مع التعارض للخلاف المشهور أنّه مع سبقه یکون مجازاً لا حقیقة و هذا أقوی». 8) فی کشف اللثام، ج8، ص493: «و یجب علی السید إعانة المکاتب من الزکاة إن وجبت علیه ... لقوله تعالی: (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِی آَتَاکُمْ) (النور:33) ... و لو أخلّ بالإیتاء حتی انعتق بالأداء قیل فی المبسوط: وجب القضاء لأنّه قضیة کل حق مالی ثبت علی ذمة و لصدق المکاتب علیه أبداً بناءً علی عدم اشتراط بقاء المبدأ فی إطلاق المشتق فیشمله عموم الأمر». 9) فی کشف اللثام، ج9، ص205: «قیل فی المقنع و النهایة إن لم یکن معه ما یذبحه به ترک الکلب یقتله ثمّ یأکله إن شاء و هو خیرة أبی علی و المختلف و فیه نظر ممّا مرّ و من منع الخروج بالإمساک أو بالجرح عن اسم الصید ... و هو فی المجروح مبنی علی عدم اشتراط بقاء المبدأ فی صدق المشتق و لعموم النصوص بالأکل ممّا أمسکن» الخ. 10) فی غنائم الأیام، ج1، ص572: «و الأکثر علی وجوب دلو لبول الرضیع أیضاً لروایة علی بن أبی حمزة المشتملة علی نزح دلو لبول الفطیم و لعلّه من باب الأولویة و قد یستشکل مع القول بوجوب السبع فی بول الصبی و یمکن أن یمنع صدق الصبی علی الفطیم فإنّ لإطلاق الفطیم زماناً قصیراً محدوداً و المشتق حقیقة فی المتلبس بالمبدأ و الأصل عدم ثبوت الزائد من الدلو الواحد». 11) فی غنائم الأیام، ج2، ص108: «إنّ الأقوی عندی فی تحقق صدق المشتق حقیقة هو اعتبار وجود المبدأ و کذلک ما فی معنی المشتق کالوطن بل و کذلک الجامدات کالماء فلایطلق الماء علی الهواء المنقلب عنه حقیقة. إذا عرفت هذا فالوطن لایطلق حقیقة إلّا علی ما کان وطناً بالفعل و أمّا إطلاق کثیر من أهل العرف الوطن علی المولد أو مقرّ الآباء مع حصول الاستمرار فیه مدة معتداً بها و إن انقطعت علاقته عنه فهو مجاز أو اصطلاح خاص فإن سلّمنا کونه حقیقة فیه فیکون اللفظ مشترکاً لأنّ کون الإطلاق علی غیره ممّا أخذه وطناً و استمرّ فیه مدة ثمّ انقطعت علاقته عنه حقیقة غیر مسلّم بل هو مجاز لما بینا بل الظاهر کون الأوّل أیضاً مجازاً لأنّ المتبادر هو محل السکون بالفعل و المجاز خیر من الاشتراک». 12) فی غنائم الأیام، ج4، ص112: «قد مرّ استحباب الزکاة فی مال التجارة و هو المال الذی ملکه بعقد معاوضة قاصداً للاکتساب عند التملک ... إنّ رأس المال لایطلق علی قیمة ما اشتراه للقنیة و قصد التجارة بالمال فی البین لایوجب کون إطلاق رأس المال علی الثمن حقیقة، بل هو مجاز لاشتراط التلبس بالمبدأ فی المشتق و هو حین الاشتراء لم یکن متلبساً بهذا الوصف و لا فرق فی ذلک بین الجامد و المشتق».

ص: 412

ص: 413

البحث الثانی: تعمیم المشتقّ الأصولی لبعض المصادیق (هنا مطالب أربعة)
اشارة

بعد تعریف المشتق الأصولی تصل النوبة إلی البحث عن بعض الموارد التی اختلف الأعلام فی دخولها تحت ذلک أو یحتمل ذلک و هی:

1. اسم الزمان؛

2. الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة؛

3. اسم المفعول؛

4. اسم الآلة.

المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان
اشارة

إنّهم اختلفوا فی جریان النزاع فی اسم الزمان؛ و قد اختار کثیر من الأعلام جریان النزاع فیه مثل صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی و المحقق الخوئی و السیّد الروحانی و السیّد الصدر (قدس سرهم) .

و اختار أیضاً جمع من الأعلام عدم جریان النزاع فیه((1)) مثل الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله).

إشکال علی جریان النزاع فی اسم الزمان:

(2)

استشکل علی جریان النزاع فی اسم الزمان بأنّ الذات المتلبّسة بالمبدأ فی اسم

ص: 414


1- فی مناهج الوصول، ص197: «الظاهر خروج اسم الزمان عن محطّ البحث لعدم بقاء الذات مع انقضاء المبدأ فیه و أجیب عن الإشکال بوجوه غیر مقنعة».
2- . فی الکفایة، ص40: «ثانیها: قد عرفت أنّه لا وجه لتخصیص النزاع ببعض المشتقات الجاریة علی الذوات إلّا أنّه ربّما یشکل بعدم إمکان جریانه فی اسم الزمان لأنّ الذات فیه و هی الزمان بنفسه ینقضی و ینصرم فکیف یمکن أن یقع النزاع فی أنّ الوصف الجاری علیه حقیقة فی خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال أو فیما یعمّ المتلبس به فی المضی؟».

الزمان متصرمة بنفسها و لا استقرار لها، لأنّ الذات فی اسم الزمان هو شخص الزمان فلایمکن أن یقع النزاع فی أنّ المشتق فیه حقیقة فی خصوص المتلبس أو الأعم من المتلبّس و المنقضی عنه المبدأ.

محاولات الأعلام لدفع الإشکال: (هنا نظریات أربع)
اشارة

((1))

أمّا القائلون بجریان النزاع فیه فقد حاولوا دفع الإشکال تارة من ناحیة عموم مفهوم المشتق و أخری من ناحیة تعمیم الذات المعروضة للمشتقّ (و هی الزمان) بتصویرها بحیث یلاحظ بقاؤها.

ص: 415


1- و فی تحریرات فی الأصول، ص320 بیان آخر قال (قدس سره): «ثمّ إنّه ربّما یتصدی بعض الأعلام لدفع الشبهة العقلیة بإبقاء الذات و ذلک - ببیان منّا- لما تقرّر: من أنّ الوحدة الشخصیة الاتصالیة مساوقة للوجود و الزمان المتصرم واحد بالشخص و لیس ذا وحدات و کثرة فعلیة للزوم تتالی الآنات المنتهیة إلی إمکان الجزء اللایتجزأ فلا فناء للذات المذکورة و التقاسیم المعروفة خیالیة وهمیة لا خارجیة فکیة و إن شئت قلت: لایعقل اتصاف الوجود بالعدم لأنّ الشیء لایقبل نقیضه و لیس الزمان إلّا معتبراً عن الحرکة الطبعیة فی ذوات الأشیاء الباقیة و لو کان الزمان فانیاً فهو بمثابة فناء الزمانی و کما أنّه باق فهو یتبعه فی ذلک فلو کان عنوان "مقتل" منطبقاً علی الزمان الخیالی فهو باق کما یحکم علی الأزمنة السابقة بالأحکام الإیجابیة و إن کان منطبقاً علی الزمان و التدرّج الواقعی التابع للمتدرج فکما أنّ ذات زید باقیة و متدرجة فهو مثلها ضرورة أنّ الحرکات العرضیة الأینیة و غیرها تابعة للحرکات الذاتیة و إلّا یلزم الخلف کما تقرّر فی مقامه ... فبالجملة: خروج أسماء الزمان لشبهة عقلیة یستلزم خروج جمیع الهیئات لأنّ التدرّج ثابت فی الذوات علی الإطلاق و الجواب إن کان عرفیاً عن الشبهة فی الذوات فهکذا الأمر فی الزمان و إن کان عقلیاً فهکذا و کما أنّ الوحدة الشخصیة فی نفس الذات محفوظة فهکذا فی الزمان الذی هو معتبر عن التدرّج الذاتی».

و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی و السیّد الروحانی و السیّد البروجردی (قدس سرهم) سلکوا الطریقة الأولی.

و المحقق العراقی و المحقق النائینی و السیّد الصدر (قدس سرهم) التزموا بالطریقة الثانیة.

النظریة الأولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) (إنّه أجاب عن الإشکال بوجهین)
اشارة

((1))

الوجه الأوّل: الجواب الحَلّی

إنّ مفهوم المشتق عام و انحصاره فی الفرد لایوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام.((2))

ص: 416


1- فی الکفایة، ص40: «و یمکن حلّ الإشکال بأنّ انحصار مفهوم عام بفرد - کما فی المقام- لایوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العام و إلّا لما وقع الخلاف فیما وضع له لفظ الجلالة مع أنّ الواجب موضوع للمفهوم العام مع انحصاره فیه تبارک و تعالی».
2- فی منتهی الأصول، ص79: «أجاب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الإشکال ... هذا ما أفاده بتقریب منّا و أنت خبیر أوّلاً: أنّه بناء علی هذا یکون هذا البحث لغواً لا ثمرة فیه أصلاً لأنّ ذلک المفهوم العام و لو کان لاینقضی بانقضاء الحدث و لکن حیث أنّه لم یکن له مصداق آخر فلم یبق ثمرة و فائدة لإطلاق المشتق علیه حتی یقع النزاع فی أنّ الاستعمال حقیقی أو مجازی. ثانیاً: إنّ حمل المشتق علی الذات یکون علی مفهوم الذات باعتبار حکایته و مرآتیته عن مصادیقه و إلّا فنفس المفهوم بما هو هو لایحکم علیه بهذه الأحکام... إذا عرفت هذا فنقول حیث أنّه لا مصداق آخر لهذا المفهوم غیر ما انقضی و انعدم بانقضاء الحدث فلایمکن أن یصیر موضوعاً للمشتق أصلاً حتی و لو التزمنا باللغویة و قلنا بعدم مضریة عدم الثمرة». و فی مناهج الوصول، ص197: «فیه: أنّ الوضع إنّما هو للاحتیاج إلی إفهام المعنی و لیس له موضوعیة فالوضع لمعنی غیر محتاج إلیه رأساً لغو... و أمّا الذات الباقیة فی الزمان مع انقضاء المبدأ عنها فلایکون لها مصداق خارجی و لایتصور له مصداق عقلی مع حفظ ذاته فإنّه متصرم متقض بالذات فلا احتیاج لإفهام ما لایتصور له وجود و لایتعقل له مصداق و بالجملة: ماهیة الزمان آبیة عن البقاء مع انقضاء المبدأ فلاتقاس بمفهوم الذات الجامعة للصفات أو الشمس و القمر فإنّ مفاهیمها بما هی لاتأبی عن الکثیرین». و فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص231 و ط.ج. ص264: «لایخفی أنّ ما أفاده (قدس سره): من أنّه لا مانع من وضع لفظ للمعنی الجامع بین الفرد الممکن و الممتنع صحیح ... و لکن وقوع مثل هذا الوضع متوقف علی تعلق الحاجة بتفهیم الجامع المزبور و ذلک لأنّ الغرض من الوضع التفهیم و التفهم فی المعانی التی تتعلق الحاجة بإبرازها کما فی الأمثلة المذکورة فإنّ الحاجة کثیراً ما تتعلق باستعمال تلک الألفاظ فی الجامع بل تطلق کثیراً و یراد منها خصوص الفرد المستحیل و الحصة الممتنعة و أمّا إذا لم تتعلق الحاجة بذلک کان الوضع له لغواً فلایصدر عن الواضع الحکیم و لمّا لم تکن حاجة متعلقة باستعمال اسم الزمان فی الجامع بین الزمان المنقضی عنه المبدأ و الزمان المتلبس به فعلاً کان الوضع له لغواً إذا یخرج عن مورد النزاع». و فی بحوث فی علم الأصول، ص368: «و فیه وجود استحالة منطقیة فی افتراض انحفاظ ذات الزمان بعد انقضاء مبدئه الذی هو نفس الزمان أیضاً ما لم تبرز عنایة أخری».
الوجه الثانی: الجواب النقضی
اشارة

و هو إمّا من جهة اسم الجلالة حیث وقع النزاع فی أنّه وضع لجنس الإله أو أنّه علم شخصی للذات المقدسة جلّ جلاله.

و إمّا من جهة واجب الوجود حیث إنّه وضع لمفهوم عام مع انحصاره فیه تبارک و تعالی.

مناقشة بعض الأعلام بالنسبة إلی النقض الأوّل:

إنّ اسم الجلالة لم یبق علی مفهومه العام بل هو عَلَم له تعالی،((1)) کما صرّح

ص: 417


1- فی مجمع البیان، ج1، ص51: «أمّا الکلام فی اشتقاقه: فمنهم من قال: إنّه اسم موضع غیر مشتق إذ لیس یجب فی کل لفظ أن یکون مشتقاً لأنّه لو وجب ذلک لتسلسل هذا قول الخلیل. و منهم من قال: إنّه مشتق ثمّ اختلفوا فی اشتقاقه علی وجوه: فمنها: إنّه مشتق من الألوهیة التی هی العبادة و التأله التعبد ... و منها: إنّه مشتق من الوله: و هو التحیر ... و منها: إنّه مشتق من قولهم: "ألهت إلی فلان" أی: فزعت إلیه لأنّ الخلق یألهون إلیه ... و منها: إنّه مشتق من ألهت إلیه أی: سکنت إلیه عن المبرّد ... و منها: إنّه من لاه أی: احتجب فمعناه: إنّه المحتجب بالکیفیة عن الأوهام الظاهر بالدلائل و الأعلام»؛ و فی تفسیر کنز الدقائق، ص37: «و الله أصله الإله ... علم للذات الواجب المستحق لجمیع المحامد ... ثمّ وضعه لشیء مخصوص».

بذلک بعض اللغویین مثل الخلیل (قدس سره) و بعض الأعلام مثل العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی تفسیر المیزان((1))و المحقق الخوئی (قدس سره) فی البیان.((2))

ص: 418


1- فی المیزان، ج1، ص18: «أمّا لفظ الجلالة فالله أصله الإله حذفت الهمزة لکثرة الاستعمال و إله من أله الرجل یأله بمعنی عبد أو من أله الرجل أو وله الرجل أی تحیر فهو فعّال بکسر الفاء بمعنی المفعول ککتاب بمعنی المکتوب سمّی إلهاً لأنّه معبود أو لأنّه ممّا تحیرت فی ذاته العقول و الظاهر أنّه علم بالغلبة ... و ممّا یدلّ علی کونه علماً أنّه یوصف بجمیع الأسماء الحسنی و سائر أفعاله المأخوذة من تلک الأسماء من غیر عکس فیقال: الله الرحمن الرحیم و یقال: رحم الله و علم الله و رزق الله و لایقع لفظ الجلالة صفة لشیء منها و لایؤخذ منه ما یوصف به شیء منها» الخ.
2- فی البیان، ص425: «الله علم للذات المقدسة ... و من توهم أنّه اسم جنس فقد أخطأ و دلیلنا علی ذلک أمور: الأول: التبادر فإنّ لفظ الجلالة ینصرف بلا قرینة إلی الذات المقدسة و لایشک فی ذلک أحد و بأصالة عدم النقل یثبت أنّه کذلک فی اللغة و قد حققت حجیتها فی علم الأصول. الثانی: أنّ لفظ الجلالة - بما له من المعنی - لایستعمل وصفاً فلایقال: العالم الله، الخالق الله، علی أن یراد بذلک توصیف العالم و الخالق بصفة هی کونه الله و هذه آیة کون لفظ الجلالة جامداً و إذا کان جامداً کان علماً لا محالة فإنّ الذاهب إلی أنّه اسم جنس فسّره بالمعنی الاشتقاقی. الثالث: أنّ لفظ الجلالة لو لم یکن علماً لما کانت کلمة "لا إله إلّا الله" کلمة توحید فإنّها لاتدلّ علی التوحید بنفسها حینئذٍ کما لایدلّ علیه قول: لا إله إلّا الرازق أو الخالق أو غیرهما من الألفاظ التی تطلق علی الله سبحانه و لذلک لایقبل إسلام من قال إحدی هذه الکلمات. الرابع: أنّ حکمة الوضع تقتضی وضع لفظ للذات المقدسة کما تقتضی الوضع بإزاء سائر المفاهیم و لیس فی لغة العرب لفظ موضوع لها غیر لفظ الجلالة فیتعین أن یکون هو اللفظ الموضوع لها». و قال فی ص427: «و لا مضایقة فی کون کلمة الجلالة من المنقول و علیه فالأظهر أنّه مأخوذ من کلمة "لاه" بمعنی الاحتجاب و الارتفاع فهو مصدر مبنی للفاعل لأنّه سبحانه هو المرتفع حقیقة الارتفاع التی لایشوبها انخفاض و هو - فی غایة ظهوره بآثاره و آیاته - محتجب عن خلقه بذاته فلاتدرکه الأبصار و لاتصل إلی کنهه الأفکار ... و لا موجب للقول باشتقاقه من "أله" بمعنی عبد أو "أله" بمعنی تحیر لیکون الإله مصدراً بمعنی المفعول - ککتاب - فإنّه التزام بما لایلزم».
مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی النقض الثانی:

((1))

إنّ الواجب بما هو لا اختصاص له خارجاً به تعالی بل توصف به الأفعال الواجبة أیضاً و کذلک واجب الوجود لایختصّ به تعالی لأنّ کلّ موجود واجب الوجود حیث إنّ الشیء ما لم یجب لم یوجد. نعم، واجب الوجود بذاته مختصّ به تعالی و هو أیضاً مفهوم عام، لکنّه من المفاهیم المرکّبة لا ممّا وضع له لفظ مخصوص کی یکون نظیراً للمقام.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

(2)

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یعتقد بأنّ الذات المتلبّسة بالمبدأ فی اسم الزمان هو نفس الزمان بشخصه و لذا یتصدّی حلّ الإشکال من طریقة تعمیم مفهوم اسم الزمان بما وقع فیه الحدث بحیث یشترک مع اسم المکان بحسب المعنی.

ص: 419


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص73.
2- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص172 و فی الرافد، ص236: «الجواب الأوّل: ما طرحه المحقق الأصفهانی و اختاره الأستاذ السید الخوئی (قدس سرهما) » الخ ثمّ قال: «و قد سجل بعض الأعاظم علی هذا الجواب ملاحظتین» ثمّ أجاب عنهما و قال فی ص241: «فالصحیح هو تمامیة الجواب الأوّل الذی طرحه المحقق الأصفهانی و الأستاذ السید الخوئی (قدس سرهما) لدفع الإشکال الوارد علی دخول اسم الزمان فی محل النزاع و هو أنّ النزاع فی المقام فی هیأة مفعل بمعناها الجامع و هو مطلق الوعاء و عدم تصوّر بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ فی بعض مصادیقه - و هو المصداق الزمانی- لایستلزم عدم تصوّر ذلک فی المفهوم بما هو جامع عام و لو بلحاظ بعض أفراده و مصادیقه و هو المصداق المکانی إلّا أنّنا لانلجأ لهذا الجواب کجواب فاصل فی البحث إلّا بعد عدم تمامیة الأجوبة الأخری المطروحة فی البحث». و قال فی آخر البحث فی ص251: «و ینحصر الجواب الصحیح فی هذا المجال فی الجواب الأوّل الذی طرحه المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو کون النزاع فی هیأة مفعل بلحاظ بقاء بعض أفرادها - و هو الفرد المکانی- بعد زوال المبدأ و انقضائه».

فإنّ القائل بالوضع للأعمّ یقول: إنّ مفهوم اسم المکان (تحلیلاً) هو المکان الذی وقع فیه الحدث فیعمّ المتلبس و المنقضی عنه، فکذا هنا یقول بأنّ مفهوم اسم الزمان تحلیلاً هو الزمان الذی وقع فیه الحدث فهو بمفهومه یعمّ المتلبس و المنقضی، لکنّه بحسب الخارج حیث إنّ المکان قارّ الذات له مصداقان و هما المتلبس و المنقضی عنه المبدأ و الزمان حیث إنّه غیر قارّ الذات له مصداق واحد و هو المتلبس.

و یؤیّده أنّ المقتل و المغرب و غیرهما (من الألفاظ المشترکة بین اسمی الزمان و المکان) لها مفهوم واحد، و هو ما کان وعاء القتل أو الغروب زماناً کان أم مکاناً و لا إباء للمفهوم من حیث هو مفهوم للشمول و العموم للمتلبس و المنقضی عنه و إن لم یکن له فی خصوص الزمان إلّا مصداق واحد.

وجمع من الأعلام ذهبوا إلی هذه الطریقة مثل السیّد المحقق البروجردی((1)) و

ص: 420


1- فی نهایة الأصول، ص63: «أقول: أوّلاً: یمکن أن یقال: إنّ الألفاظ الدالة علی زمن صدور الفعل (کالمقتل و المضرب و نحوهما) لم توضع لخصوص ظرف الزمان مستقلاً حتی تکون مشترکاً لفظیاً بین الزمان و المکان بل وضعت هذه الألفاظ للدلالة علی ظرف صدور الفعل زماناً کان أو مکاناً فتکون مشترکاً معنویاً بینهما فیمکن النزاع فیها باعتبار کون بعض الأفراد من معانیها و هو المکان قاراً بالذات» و فی أصول الفقه، ص99: «و الجواب: أنّ هذا صحیح لو کان لاسم الزمان لفظ مستقل مخصوص و لکنّ الحق أنّ هیأة اسم الزمان موضوعة لما هو یعمّ اسم الزمان و المکان و یشملهما معاً فمعنی "المضرب" مثلاً: "الذات المتصفة بکونها ظرفاً للضرب" و الظرف أعمّ من أن یکون زماناً أو مکاناً و یتعین أحدهما بالقرینة و الهیأة إذا کانت موضوعة للجامع بین الظرفین فهذا الجامع یکفی فی صحة الوضع له و تعمیمه لما تلبس بالمبدأ و ما انقضی عنه أن یکون أحد فردیه یمکن أن یتصور فیه انقضاء المبدأ و بقاء الذات».

المحقق الخوئی((1)) و السیّد الروحانی (قدس سرهم)، إلّا أنّ بعضهم یقولون:((2)) إن کان وضع صیغة مفعل علی سبیل الاشتراک المعنوی فیجری النزاع و إن کان علی سبیل الاشتراک اللفظی فلا و بعضهم رجّحوا جانب الاشتراک المعنوی و بعضهم عیّنوه من غیر تردید.

کما أنّ بعض الأعلام یقولون بعدم إثبات الاشتراک المعنوی کما یصرّح بذلک بعض الأساطین (حفظه الله) إیراداً علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) و یظهر ترجیح ذلک (الاشتراک اللفظی) من الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) .

ص: 421


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص232 و ط.ج. ص265: «و التحقیق فی المقام: أنّ أسماء الأزمنة لم توضع بوضع علی حدة فی قبال أسماء الأمکنة بل الهیأة المشترکة بینهما - و هی هیأة "مفعل"- وضعت بوضع واحد لمعنی واحد کلی و هو ظرف وقوع الفعل فی الخارج أعمّ من أن یکون زماناً أو مکاناً».
2- فی منتقی الأصول، ص332: «التحقیق أن یقال: إنّ صیغة: "مفعل" کمقتل و مضرب و مرمی و نحوها إمّا أن یلتزم بأنّه موضوع بوضعین أحدهما للزمان و الآخر للمکان أو یلتزم بوضعها لمعنی واحد جامع بین الزمان و المکان و هو وعاء المبدأ و ظرفه سواء کان زماناً أو مکاناً ... فعلی الأوّل: لایتّجه النزاع فی اسم الزمان للغویته و عدم ترتب الأثر علیه لعدم مصداق مورد الأثر و هو الذات المنقضی عنها التلبس؛ و علی الثانی: یتجه النزاع إذ یکفی فی صحته ترتب الثمرة بالنسبة إلی بعض المصادیق التی ینطبق علیها العنوان و هو المکان و إن لم تکن هناک ثمرة بالنسبة إلی الزمان إذ الوضع واحد فیبحث عن سعة دائرة الموضوع له و ضیقه لترتب الثمرة علی ذلک و لو فی بعض الموارد و المصادیق فإنّه کاف فی تصحیح وقوع النزاع». و فی مباحث الأصول، ص183: «و أمّا أسماء الزمان - أعنی أسماء أزمنة الفعل- فیلغو النزاع فیها بعد انحصار الفرد فیها فی المتلبس لعدم الفرد الباقی بذاته المنقضی عنه التلبس بالوصف و لو قیل بعموم المفهوم مع اختصاص المصداق إلّا إذا قیل بالاشتراک المعنوی کأن یوضع «المقتل» مثلاً لظرف القتل بحیث یعمّ المکان فله فردان و انحصار خصوص ظرف الزمان فی فرد لایلغی النزاع فی لفظ المفهوم العام الذی له فردان فی الجملة».
إیراد السیّد المحقق الصدر علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

(1)

إن أرید الوضع لمفهوم الظرف فهو واضح البطلان، فإنّ مفهوم الظرف کمفهوم الفاعل و المفعول معانٍ اسمیة منتزعة عن المعنی الحرفی النسبی الذی هو مدلول الهیئات الاشتقاقیة بحسب الفرض.

ص: 422


1- . بحوث فی علم الأصول، مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص368. فی مناهج الوصول، ص200: «فیه: أنّه لا جامع ذاتی بین الزمان و المکان و کذا بین وعائیتهما للمبدأ فإنّ الوقوع فی کل علی نحو یباین الآخر فلابدّ من انتزاع جامع عرضی بینهما کمفهوم الوعاء أو الظرف مثلاً و الالتزام بوضعه له مع أنّه خلاف المتبادر من أسماء الزمان و المکان ضرورة أنّه لایفهم من لفظ المقتل مفهوم وعاء الحدث أو مفهوم ظرفه بل لو کان الوعاء جامعاً ذاتیاً بینهما - أیضاً- لم یوضع اسمهما له لما ذکر فالظاهر أنّ أسماء الزمان و المکان مشترکة لفظاً بل یختلج فی الذهن أنّ الوعائیة و الظرفیة بالنسبة إلی الزمان لیست علی نحو الحقیقة بل أطلقت علیه بدعوی کون الزمان کالمکان محیطاً بالزمانی إحاطة المکان بالتمکن». و فی الرافد، ص236: «قد سجل بعض الأعاظم علی هذا الجواب ملاحظتین: الأولی هی الملاحظة التی سجلها بعض الأعاظم (قدس سره) و ملخصها: إنّ الثابت فی الفلسفة أنّ علاقة الزمان بالفعل و علاقة المکان بالفعل أیضاً علاقة المقارنة لا علاقة الوعائیة و الاحتواء فالعمل و الزمان و المکان موجودات ممتدة فی أوعیتها و لایوجد احتواء و لا اشتمال من الزمان و المکان علی العمل و حینئذٍ فلا وجه لفرض جامع الوعائیة و الظرفیة بین الفردین الزمانی و المکانی حتی توضع له هیأة مفعل و یکون النزاع فی المدلول العام لهذه الهیأة إذ لا وعائیة فی الزمان. و لکنّنا لانوافق علی هذه الملاحظة المذکورة فی تهذیب الأصول و السبب فی ذلک أنّ النظرة الفلسفیة للزمان و المکان فی اعتبارهما مقارنین للعمل لا وعائین له لا دلیل علی واقعیتها فی مقابل الرؤیة العقلائیة العامة للزمان و المکان و هی رؤیة الوعائیة و الظرفیة کما تدلّ علیه اللغات البشریة المعروفة فی تعبیرها عن الزمان و المکان بأدوات الاحتواء و الاشتمال و علی فرض صحة النظریة الفلسفیة فإنّ الألفاظ فی مقام وضعها لم تلاحظ مدالیلها الفلسفیة و إنّما وضعت للمفاهیم العرفیة العقلائیة و لاریب أنّ العقلاء یرون علاقة المکان و العمل هی علاقة الوعائیة و الاشتمال و بما أنّ المکان وعاء فالزمان وعاء أیضاً و ذلک لأنّ المجتمع العقلائی إنّما تصوّر الزمان و قام برسمه و انتزاعه من خلال زاویة المکان» الخ. و فی ص238: «الملاحظة الثانیة: و هی التی سجلها شیخنا الشیخ الحلّی (قدس سره) و خلاصتها أمران: أ- إنّه لا جامع بین الزمان و المکان باعتبار أنّ الزمان یعنی مقولة المتی و المکان یعنی مقولة الأین کما فی المنظومة: هیأة کون الشیء فی المکان أین متی الهیأة فی الزمان و المقولات أجناس عالیة متباینة بتمام الذات فلایوجد لها جامع حتی یکون اللفظ موضوعاً بإزائه. ب- علی فرض وجود الجامع بین المقولتین فهو جامع انتزاعی لا وجود له فی مقام الاستعمال أصلاً فإنّ هیأة مفعل لاتستعمل إلّا فی خصوص الزمان أو خصوص المکان و لم نجد من استعملها فی الجامع بینهما فإذا کان الجامع غیر ملحوظ للمستعمل و لا متبادراً فی مقام التخاطب فوضع اللفظ له لغو و علی هذا فلایبعد کون الهیأة مشترکاً لفظیاً یحتاج للقرینة المعینة کبقیة المشترکات». ثمّ أجاب عن الملاحظة الثانیة بوجهین قال: «و ثانیاً: ما ذکر فی الاعتراض من لغویة وضع هیأة مفعل - مثلاً- للجامع الوعائی مع عدم استعمالها فیه و لا تبادره عن التخاطب و المحاورة مدفوع بأنّه یمکن أن یقال: بأنّ المستعمل فیه دائماً هو الجامع الوعائی و استفادة خصوصیة الزمان أو المکان من القرینة من باب تعدّد الدال و المدلول لا من باب إشارة القرینة للمراد الاستعمالی من اللفظ فمثلاً إذا قلنا: "الیوم العاشر مقتل الحسین (علیه السلام) " فالمستعمل فیه لفظ المقتل هو مطلق الوعاء و خصوصیة الوعاء الزمانی مستفادة من دال لفظی آخر فکلمة الیوم العاشر دالة علی خصوصیة الوعاء الزمانی لا أنّها مشیرة لمدلول کلمة مقتل و أنّ المراد به هو الوعاء الزمانی کما یدّعی ذلک فی قرینة المشترک اللفظی». و راجع أیضاً تحریرات فی الأصول، ص318.

و إن أرید واقع النسبة الظرفیة المتقوّمة بالظرف و المظروف فمن المعلوم أنّ النسبة الظرفیة فی ظروف الزمان تختلف سنخاً عن النسبة الظرفیة المکانیة حقیقة و عرفاً و لذلک کانت أحدهما مقومة لمقولة الأین و الأخری مقومة لمقولة متی و لا جامع حقیقی بین المقولات.((1))

ص: 423


1- فی الرافد، ص238: «أوّلاً: إنّ کون مقولة المتی و مقولة الأین مقولتین مستقلتین لا جامع ذاتی بینهما و إن کان هو المشهور و لکنّه غیر مسلّم و ذلک لذهاب بعض الفلاسفة إلی کون جمیع الأعراض النسبیة عرضاً واحداً و هو العرض النسبی و لکن ینتزع منه عناوین متعددة بلحاظ تفنّن الذهن فی إبداع أنحاء النسبة و ألوانها و المعنون الخارجی واحد و هو العرض النسبی بل ذهب بعضهم إلی کون جمیع الأعراض النسبیة و غیرها ألواناً للتطور الوجودی الجوهری بدون وجود محمولی بإزائها فی الخارج فعلی هذین المسلکین لاترد ملاحظة الشیخ الحلّی (قدس سره) و هی عدم وجود جامع ذاتی بین المقولات العرضیة».
یلاحظ علیه:

بعد اختیار الشقّ الثانی نقول: إنّ النسبة الظرفیة الزمانیة لیست من مقولة متی و النسبة الظرفیة المکانیة أیضا لیست من مقولة الأین، بل النسبة لا ماهیة لها فمقولة الأین و متی أنحاء الظرفیة، فکما أنّ کلمة «فی» عندما یقول القائل «قُتل فلان فی مکان کذا و زمان کذا» تدلّ علی النسبة الظرفیة بین القتل و المکان و الزمان، فهذه النسبة الظرفیة موجودة فی صیغة مقتل بین القتل و الذات التی هی مکان کذا أو زمان کذا.

و لکن التفاوت بین النسبة الظرفیة فی کلمة «فی» و النسبة الظرفیة فی صیغة اسم الزمان هو أنّ اسم الزمان یجری علی الذات فاختلاف مقولة الأین و متی لایوجب اختلاف سنخ النسبة کما قال به السیّد الصدر (قدس سره) بل هما أنحاء الظرفیة.

النظریة الثالثة: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) یتصدی حل الإشکال بتعمیم الذات المتلبسة بالمبدأ حیث إنّ الذات المعروضة للمشتق عنده هو الکلی لا الشخص، و لذا یقول:

إنّ هذا التوهم إنّما یتم إذا کان المعروض هو الشخص دون الکلی و إلّا فبقاء

ص: 424


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص83 . و فی منتهی الأصول، ص80: «و أجیب أیضاً بأنّ الموضوع فی مثل مقتل الحسین (علیه السلام) أو میلاد النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) و أمثالهما لیس تلک القطعة من الزمان الذی حصل فیه قتله (علیه السلام) أو میلاده (صلی الله علیه و آله و سلم) بل هو مفهوم یوم العاشر من المحرّم من دون تقییده بتلک السنة التی وقع فیها هذه المصیبة العظمی بل بما هو مرأة و حاک عن مصادیق هذا المفهوم من أی سنة من السنین التی بعد وقوع ذلک الحادث العظیم و نفس تلک السنة و معلوم أنّ هذا المعنی باق بمر الدهور إلی قیام یوم القیامة و هکذا الحال فی لفظة المیلاد و غیره ممّا یشبهه».

الذات فیه أوضح من أن یخفی.

بیان ذلک: إنّه لا إشکال فی أنّ لفظ السبت و أوّل الشهر و غیرهما من أسماء الأزمنة موضوعة لمعان کلیة، لها أفراد تدریجیة و لایمکن اجتماع فردین منها فی الوجود، فإن کان أسماء الأزمنة المصطلحة کالمقتل و المضرب و غیرهما موضوعة لزمان کلّی متصف بالقتل و الضرب ککلّی الیوم العاشر من المحرّم مثلاً، فلا إشکال فی بقاء الذات و لو مع انقضاء العارض.

و أمّا إذا کان الزمان المأخوذ فیها شخص ذلک الیوم بعینه لا کلیه، فللتوهم المذکور مجال.

لکن کون المأخوذ فیها هو الشخص فی حیّز المنع بل الظاهر أنّه الکلّی کما فی بقیّة أسماء الأزمنة غیر المصطلحة کأسماء الأیام و الشهور و السنین.

ثم یقول: لایخفی أنّ هذا الذی اخترناه أولی مما اخترناه فی الدورة السابقة من أنّ المعروض هو الشخص و لکنّه یجرّد عن الخصوصیّة فیکون باقیاً بعد زوال الوصف.

ملاحظة علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

(1)

مقتضی التحقیق هو تمامیة ما أفاده من أنّ ذات الزمان الذی هو معروض المشتق أمر کلی عند العرف و لذا هو باق بوجود أفراده مثل الیوم العاشر من المحرّم، فإنّ هذا العنوان کلی عند العرف و له فی کلّ سنة فرد واحد، فعلی هذا نظریته وافٍ بدفع الإشکال.

ص: 425


1- . فی منتهی الأصول، ص80: «أنت خبیر بأنّه لو کان الموضوع للفظ مقتل الحسین (علیه السلام) هو ماهیة یوم العاشر من دون ملاحظة وجودها الخارجی لکان لهذا الکلام وجه لأنّ الماهیة الکلیة لاتتبدل بتبدل الأفراد فیکون الموضوع محفوظاً بعد انقضاء المبدأ و أمّا لو کان الموضوع هو الیوم العاشر من المحرم مثلاً بوجوده الخارجی بمعنی أنّ المفهوم موضوع و لکن بما هو حاک عن وجوده الخارجی و مرأة له فذلک الوجود الذی کان متلبساً بالمبدأ انقضی قطعاً لأنّ وجود الطبیعة فی ضمن کل فرد غیر وجوده فی ضمن فرد آخر فیعود الإشکال». و فی مناهج الوصول، ص198: «هو لایخلو من غرابة لأنّ اسم الزمان موضوع لکل زمان یکون وعاء الحدث لا لکل زمان مطلقاً و معلوم أنّ وعاءه هو الزمان الخارجی و هو غیر باق». و فی تحریرات فی الأصول، ص319: «أنت خبیر بما فیه: فأوّلاً: إنّ العنوان الکلی المأخوذ یتصور فی بعض الأمثلة لا فی جمیع الحوادث الزمانیة و اختراع العنوان الکلی خروج عن المتبادر من مفاد هیأة اسم الزمان؛ ثانیاً: معنی ما أفاده جواز إطلاق "القائم" علی من لم یتلبس بالقیام بعد لأنّ العنوان المأخوذ فیه هو "الإنسان الکذائی" أو سائر العناوین القابلة للانطباق علی الأفراد الأخر فما أفاده خروج عن الجهة المبحوث عنها: "و هی زوال الوصف و المبدأ عن الشخص الموصوف و بقاؤه بشخصه و هو غیر متصور هنا کما صرّح به نفسه الشریفة (رحمة الله)؛ ثالثاً: القائلون بالأعم یریدون إطلاق اسم "المقتل" علی مطلق الأیام المتأخرة عن الیوم العاشر من المحرّم لا علی الأفراد المسانخة معه فی الاسم و هو کل یوم عاشر من المحرم فافهم».

لکن یلاحظ علیه: أنّ الزمان الذی هو معروض أسماء الأزمنة و یعبّر عنه بالذات غیر الزمان الذی أخذ فی مفهوم عارضه الذی هو اسم الزمان من المشتقات و الکلام فی بقاء الذات مع انقضاء المبدأ فی الذات التی هی معروضة للمشتق، فما قال من أنّ أسماء الأزمنة إمّا موضوعة للزمان الکلی أو للزمان الشخصی لایتمّ، حیث إنّ المشتق لم یوضع للذات التی یعرضها المشتق بل الزمان المأخوذ فی المشتق غیر الذات التی تکون معروضة له و إن قلنا بأخذ الذات فی مفهوم المشتق حیث إنّ الذات المأخوذ فی المشتق مبهم من حیث الکلیة و الشخصیة. مضافاً إلی أنّه یصرّح ببساطة المشتق و خروج الذات عن المشتق.((1))

ص: 426


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص98.
النظریة الرابعة: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

و تبعه السید الصدر (قدس سره) ((2)) و قد نسب هذا القول إلی المحقق الطهرانی (قدس سره) مؤلف حاشیة الرسائل المسمی بمحجّة العلماء.((3))

ص: 427


1- المقالات، ج1، ص179؛ نهایة الأفکار، ج1، ص129. و فی منتهی الأصول، ص80: «التحقیق فی الجواب انّ الیوم و الشهر و السنة و القرن و أمثالها و لو کان بالنظر الدقیق ما لم ینعدم جزء منها لایوجد الجزء اللاحق لذلک الجزء و لکنّه عند العرف توجد هذه الأمور تماماً و کمالاً فی آن أوّل وجودها و فیما بعد ذلک الآن و یری العرف بقاء وجودها لا حدوث الأجزاء الأخر و سیجیء بیان هذا المطلب فی باب استصحاب الزمان و الأمور التدریجیة غیر القارة مفصلاً إن شاء الله فبناء علی هذا یکون الیوم العاشر من المحرم الذی قتل فیه الحسین (علیه السلام) مثل (زید) مثلا له حدوث و بقاء فإذا کان فی ساعة منه متلبساً بالمبدأ و فی ساعة أخری غیر متلبس به بل کان منقضیاً عنه یصدق فی الساعة الثانیة أنّ هذه الذات کانت متلبسة بهذا الحدث و الآن انقضی عنها مع بقاء الذات». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص118: «الثانی ما أفاده السید الأستاذ (حفظه الله) و هو أنّ الزمان لیس کما توهمه المستشکل من أنّ کل آن منه فرد حتی یقال بانصرامه و عدم بقاءه و ذلک لاستلزامه تتالی الآنات و هی تستلزم القول بالجزء الذی لایتجزأ مع أنّه باطل عقلاً بل إنّما یکون الزمان من أوّل وجوده إلی آخر وجوده فرداً واحداً مستمراً کالخط المستطیل و علیه یتضح جریان النزاع فی اسم الزمان أیضاً لصدق عنوان الانقضاء بالنسبة إلی المبدء مع بقاء الذات المتلبس به و هو الزمان»؛ و راجع أیضاً نهایة الأصول، ص64 و مناهج الوصول، ص198 و حقائق الأصول، ص99.
2- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص369.
3- فی الرافد، ص241: «الجواب الثانی: إنّ بقاء الذات الزمانیة مع انقضاء المبدأ الواقع فی خلالها أمر معقول و بیان معقولیة ذلک بأحد تصویرین: أ- اعتبار الزمان کلیاً. ب- اعتبار الزمان کلاً. التصویر الأوّل و هو النظر للزمان بنحو الحرکة التوسطیة و یشتمل هذا النظر علی أربعة أمور: 1) إنّ معنی الحرکة التوسطیة هو أن یؤخذ الزمان بمعنی الآن السیال الذی تکون نسبته للآنات المتصلة المتعاقبة نسبة الکلی لجزئیاته و أفراده فهو مسبوق بآن و ملحوق بآن آخر و هذا هو مرادهم بالحرکة التوسطیة. 2) إنّ هذا الآن لا امتداد له بالنظر لماهیته بل الماهیة محدودة بحد قبلها و حد بعدها و لکنّه ممتد بالنظر لوجوده بلحاظ تعاقب الآنات و اتصالها. 3) إنّ هذا الآن غیر قابل للتقسیم بل هو کالنقطة لاتقبل الانقسام فی الأبعاد الثلاثة باعتبار لحاظه حداً مندمجاً فیما بعده و مرتبطاً بما قبله. 4) إنّ بقاء هذا الآن ببقاء أفراده المتصلة المتعاقبة کما ذکر فی القسم الثالث من القسم الثالث من استصحاب الکلی ... التصویر الثانی: و هو النظر للزمان بنحو الحرکة القطعیة و یشتمل هذا النظر علی أمرین: أ- إنّ معنی الحرکة القطعیة هو ملاحظة قطعة الزمان بنحو الکل المرکب بحیث تکون الآنات أجزاءً لهذه القطعة ... ب- إنّ الکل المرکب من أجزاء الزمان مفهوم متقوم بالامتداد ... و بعد اتضاح التصویرین المذکورین للزمان یقع الکلام فعلاً فی أنّ أی واحد منهما هو الأنسب بالبحث فی المشتق لتصور بقاء الذات فیه و إن انقضی المبدأ الواقع فیه و قد اختار المحقق الطهرانی التصویر الأوّل و اختار المحقق العراقی کما فی بدائع الأفکار التصویر الثانی».

قال المحقق العراقی (قدس سره):

العمدة فی الجواب عن الإشکال هو ما ذکرناه هناک (أی فی البحث عن الإشکال المعروف فی استصحاب الأمور التدریجیة غیرِ القارّة من حیث عدم بقاء الموضوع و عدم اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة) من أنّ الأزمنة و الآنات و إن کانت وجودات متعددة متعاقبة متحدة بالسنخ و لکنه حیثما لایتخلّل بینها سکون، یعدّ المجموع عند العرف موجوداً واحداً مستمراً نظیر الخط الطویل من نقطة کذا إلی نقطة کذا، فیتصور أمر قارّ وحدانی ینقضی عنه التلبس بالمبدأ.

ثم قال (قدس سره): نعم ذلک إنّما هو فی ما لم یکن تلک القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذة موضوعاً للأثر فی لسان الدلیل معنونة بعنوان خاص کالسنة و الشهر و الیوم و الساعة و نحوها و إلّا فلابدّ من لحاظ جهة الوحدانیة فی خصوص ما عنون بعنوان خاصّ من القطعات فیلاحظ جهة المقتلیة مثلاً فی السنة أو الشهر أو الیوم أو الساعة بجعل مجموع الآنات التی فی ما بین طلوع الشمس مثلاً و غروبها أمراً واحداً مستمراً فیضاف المقتلیة إلی الیوم و الشهر و السنة.

ص: 428

مناقشتان من المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی (قدس سرهما):
اشارة

(1)

المناقشة الأولی:

إنّ اتصال الهویات المتغایرة لایصحّح بقاء تلک الهویة التی وقع فیها الحدث حقیقة و إلّا لصحّ أن یقال: کل یوم مقتل الحسین (علیه السلام) للوحدة المزبورة.

ص: 429


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص170. فی مناهج الوصول، ص199: «و فیه: أنّ العرف کالعقل کما یحکم بالوحدة الاتصالیة للزمان یری تجدّده و تصرمه و عدم اجتماع لاحقة بسابقة فللزمان هویة إتصالیة لکنّها متصرمة متقضیة فالیوم لدی العرف عبارة عن هویة باقیة لکن علی نحو التصرم لا بمعنی کون حدّه الأوّل باقیاً إلی آخره فیری أوّله غیر وسطه و آخره فإذا حدثت فی أوّل الیوم حادثة لایری زمان الوقوع باقیاً و قد زال عنه المبدأ بل یری الیوم باقیاً و زمان الوقوع منقضیاً» و فی الرافد، ص249: «و قد یرد علی هذا التصویر بعض الملاحظات و نحن نکتفی بعرض واحدة منها و هی أنّ النظر للزمان بنحو الحرکة القطعیة و الوجود الترکیبی الامتدادی علی لونین: أ- لحاظ التغایر بین المجموعات الزمانیة کیوم السبت و یوم الجمعة و شهر جمادی و شهر رجب و عام الحرب و عام الصلح و بهذا اللحاظ لایعقل بقاء الذات بعد انقضاء المبدأ الواقع فیها ... ب- لحاظ التداخل بین المجموعات الزمانیة کالساعة بالنسبة للیوم و الیوم بالنسبة للأسبوع و الأسبوع بالنسبة للشهر و الشهر بالنسبة للسنة و بهذا اللحاظ لایتصور انقضاء المبدأ أصلاً فلایعقل النزاع أیضاً. بیان ذلک: إنّ الزمان تارة ینظر إلیه من زاویة (المتی) و تارة من زاویة (الکم) ... و الذی یرتبط بمحل کلامنا هو علاقة الظرفیة لا علاقة المقدار الکمی لأنّ علاقة المقداریة لا بقاء لها بعد زوال المقدر بهذا المقدار بینما محور النزاع فی بحث المشتق یقتضی بقاء الذات المتلبسة حتی بعد زوال المبدأ و هذا إنّما یتلائم مع علاقة الظرفیة و الاشتمال لا مع علاقة الکمیة و المقدار و إذا نظرنا للزمان من الزاویة الأولی و هی زاویة المتی التی تعنی نسبة الشیء للزمان المشتمل علیه فقد ذکر الفلاسفة أنّه یتحقق التلبس بالمبدأ بمجرد اشتمال الزمان بسعته علی ذلک المبدأ حیناً من الأحیان ... یقال یوم العاشر مقتل الحسین (علیه السلام) و یقال شهر عاشوراء مقتل الحسین (علیه السلام) و یقال عام (61.ه) مقتل الحسین (علیه السلام) و یقال القرن الأوّل مقتل الحسین (علیه السلام) و کل هذه الإطلاقات علی نسق واحد بلا عنایة و لاتجوز عرفاً ممّا یکشف عن کون النظرة للزمان بنحو الکل المرکب إذا توجهت للمجموعات الزمانیة المتداخلة فلایتصور حینئذٍ انقضاء المبدأ أبداً بل کلّما وسعت الرؤیة لمجموعة زمانیة أوسع من المجموعات الأولی رأیت التلبس بالمبدأ ما زال صادقاً و ما زال الإطلاق حقیقیاً باعتبار تداخل المجموعات و اندراجها تحت عمود زمنی واحد و مع عدم انقضاء المبدأ لایصح النزاع فی کون إطلاق المشتق حقیقیاً أم مجازیاً».
المناقشة الثانیة:

ربما یطلق المقتل و یراد مثلا الشهر الواقع فیه القتل فهو -ما دام الشهر باقٍ- متلبس بالقتل و لا انقضاء فهذا من أنحاء التلبس حقیقتاً و بعد مضی الشهر لا بقاء للذات التی یطلق علیها المشتق فلایجری النزاع.

جواب السیّد الصدر (قدس سره) عن المناقشة الأولی

((1))

إنّ الاعتراض متّجه فی الجزء و الکل العرضیین لا التدریجیین، لأنّ الکل التدریجی یکون موجوداً بتمامه بوجود کل جزء من أجزائه فالنهار موجود بشخصه لا بجزئه فی جمیع الآنات المتدرجة منه.

نعم قد یقال: إنّه یلزم علی القول بالوضع للأعم حینئذ صحة إطلاق اسم الزمان علی الزمان إلی یوم القیامة، فیقال: إنّ هذا الزمان مثلاً مقتل زکریا لأنّه متصل بزمان قتله.

و الجواب هو أنّ المناط فی تقطیع الزمان بنظر العرف الذی یقطع الزمان إلی دهور و سنین و شهور و أسابیع و أیّام و ساعات فالمقتلیة مثلاً لیست وصفاً للدهر کله بل لتقطیع یدخل فیه لحظة القتل.

مقتضی التحقیق:

إنّ مقتضی التحقیق تمامیة بیان السیّد الصدر (قدس سره) ولکن المناقشة الأولی، واردة

ص: 430


1- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص369.

علی المحقق العراقی (قدس سره) باعتبار أنّه یری أنّ مناط وحدة القطعة المبانة من الزمان هو اتصال الآنات و عدم تخلل السکون بینهما و هذا المناط باطل عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) لأنّه لو صحّ هذا المناط للزم اتحاد جمیع الأزمنة بحیث یمکن أن یقال هذا الیوم مقتل الحسین (علیه السلام) .

نعم اصل کلام المحقق العراقی (قدس سره) من الوحدة العرفیة لقطعات الزمان مثل الساعة و الیوم و الشهر و السنة صحیح، لکن ما ذکره فی مناط الوحدة العرفیة المذکورة باطل و إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناظر إلی المناط المذکور لا إلی الوحدة العرفیة لقطعات الزمان.

نعم إنّ جواب المحقق العراقی (قدس سره) یبتنی علی اتخاذ الزمان عرفاً بنحو الکل التدریجی و إن کانت هویة الزمان التی وقع فیه الحدث منقضیة بنفسها فی الحقیقة.

لکن الحق هو أنّ المناقشة الثانیة التی أوردها المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی المحقق العراقی (قدس سره) تام، لأنّ إطلاق المقتل علی الشهر الذی وقع فیه القتل بعد مضی العاشر من المحرّم هو باعتبار تلبس الشهر بوقوع القتل فیه فهو مرتبط بأنحاء التلبس فلو اعتبرنا تلبس الیوم العاشر لایمکن أن یقال: الیوم الثانی عشر مقتل الحسین (علیه السلام) باعتبار الوحدة العرفیة للشهر فلایجری النزاع حینئذ مع عدم بقاء الذات، و هکذا لو اعتبرنا تلبس الشهر فإطلاق مقتل الحسین (علیه السلام) حینئذ باعتبار تلبس الشهر بوقوع القتل فیه و بعد مضی الشهر لا بقاء للذات و هکذا لو اعتبرنا تلبس السنة فإطلاق المقتل بعد الشهر یکون باعتبار السنة التی تتلبس بوقوع القتل فیها و أمّا بعد السنة فلا بقاء للذات المعروضة لاسم الزمان و حیث لم یتعارف وحدة اعتباریة فی وعاء عشر سنین مثلاً لایمکن إطلاق مقتل

ص: 431

الحسین (علیه السلام) باعتبار بقاء الذات و انقضاء المبدأ.

و التحقیق هو أن یقال:

إنّ العرف قد یلاحظ الزمان بشخصه و لایشک فی انقضائه و مضیه و قد یلاحظ قطعة من الزمان و هو أیضا ینقضی و یمضی بانقضاء تلک القطعة.

و لکن قد یلاحظ عناوین کلیة باقیة فی الزمان و ذلک اللحاظ العرفی مثل بقاء أیّام السنة فکأنّ الزمان المذکور عنده ینقضی ثم یتجدد و هکذا بالنسبة إلی فصول السنوات فإنّه یتصور بقاء الیوم العاشر من المحرّم مع انقضاء ما وقع فیه من الداهیة الکبری، فإنّ أمر الزمان من حیث بقائه موکول إلی العرف، فیمکن جریان النزاع فی إطلاق المقتل علی الیوم العاشر من محرّم سنتنا هذه مع علمنا بانقضاء مبدأ القتل بأنّه هل یکون الإطلاق حقیقیاً أو مجازیاً.

فتحصّل أنّ الجواب الصحیح هو ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) و أیضاً ما یستفاد من کلام المحقق النائینی (قدس سره) الذی حقّقناه قبل أسطر.

ص: 432

المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المصادر المجردة
اشارة

((1))

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ من الواضح خروج الأفعال و المصادر المزید فیها عن حریم النزاع لکونها غیر جاریة علی الذوات.

و هذا لا ریب فیه إلّا أنّه لم یذکر المصادر المجردة حیث إنّها عند بعض علماء الأدب أصل فی الاشتقاق و لیست من المشتقات الأدبیة.

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً تبع صاحب الکفایة (قدس سره) فی بیانه إلّا أنّه زاد علیه المصادر المجردة أیضاً لأنّها ترکبت من المادة و الهیأة التی تدلّ علی النسبة

ص: 433


1- فی الفصول، ص60: «الأوّل لا خفاء فی أنّ المشتق المبحوث عنه هنا لایعمّ الأفعال و المصادر المزیدة فإنّ عدم مساعدة النزاع المحرر علی ذلک واضح جلی». و فی درر الفوائد، ص58: «إنّ النزاع لیس فی جمیع المشتقات لأنّ الماضی و المضارع و الأمر و النهی خارجة عن محل النزاع قطعاً و کذا المصادر و إن قلنا بأنّها مشتقات أیضاً». و فی نهایة النهایة، ص61: «هناک طائفة أخری من الألفاظ قد وضعت بإزاء المرکب من المعانی الثلاثة المتقدمة أعنی بها الذوات و العوارض و النسب و هذه الطائفة المعبّر عنها بالمشتقات علی قسمین قسم منها قد وضع بإزاء الذوات لکن لا مطلقة بل محدودة بحد خاص و متخصصة بمبدأ مخصوص من المبادی کاسم الفاعل و المفعول و أضرابها و قسم آخر قد وضع بإزاء الأحداث المنتسبة إلی الذات بنحو من النسبة کالمصادر و الأفعال ... و محل البحث فی المقام إنّما هو القسم الأوّل». و راجع أیضاً مقالات الأصول، ص178؛ و وسیلة الوصول، ص134.
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص174.

الناقصة فما اشتهر من أنّ المصدر هو الأصل فی الکلام ممّا لایرجع إلی محصل.((1))

هل تدلّ الأفعال علی الزمان؟
اشارة

البحث عنه فی صورتین:

قال صاحب الکفایة (قدس سره): قد اشتهر فی ألسنة النحاة دلالة الفعل علی الزمان حتی أخذوا الاقتران بها فی تعریف الفعل و هو اشتباه.

و لابدّ من بیان ذلک: إنّ المشهور بین النحویین هو أنّ الفعل الماضی یدلّ علی تحقق المبدأ فی الزمان السابق علی التکلم و المضارع یدل علی تحققه فی زمان الحال و الاستقبال، و الأمر یدلّ علی طلب الفعل فی زمان الحال.

و لکن المشهور عند الأصولیین عدم دلالة الأفعال علی الزمان.

الصورة الأولی: الدلالة بالمطابقة أو بالتضمن
اشارة

(2)

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی الکفایة:

إنّ الأمر و النهی یدلّان علی إنشاء طلب الفعل أو الترک غایة الأمر نفس

ص: 434


1- فی الرافد، ص211: «أمّا المصدر و هو الدال علی الحدث المنتسب لفاعل ما فلایصحّ جعله أصلاً للمشتقات باعتبار أنّ الأصالة إن أرید بها کونه أوّل لفظ موضوع فذلک یحتاج لدلیل تاریخی و إن أرید بها سریان المعنی و الصیاغة البنائیة فی جمیع المشتقات فالمصدر لایطرد معناه فی جمیع المشتقات کاسم المصدر مثلاً فإنّ معناه یغایر المعنی المستفاد من المصدر فکیف یکون متفرعاً عنه کما أنّه لایمکن سریان الهیأة البنائیة لجمیع المشتقات لاستحالة کون المادة متشکلة بهیئتین متغایرتین».
2- . فی نهایة الأفکار، ص125: «الجهة الثانیة: قد اشتهر فی کلماتهم دلالة الفعل علی زمان حتی أنّهم أخذوا الاقتران بالزمان فی تعریفه و جعلوه فارقاً بینه و بین الأسماء فعرفوا الاسم بأنّه کلمة تدلّ علی معنی فی نفسه غیر مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة و الفعل بأنّه کلمة تدلّ علی معنی فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة قال شارح الجامی: الفعل ما کان دالّاً علی معنی فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة باعتبار معناه التضمنی أعنی الحدث و نحوه کلام ابن مالک فی منظومته قال: المصدر اسم ما سوی الزمان من مدلولی الفعل کامن من امن و ظاهر کلامهما هو کون الزمان مدلولاً تضمنیاً للفعل و أصرح من ذلک عبارة نجم الأئمة حیث قال فیما حکی عنه فی شرح قول ابن الحاجب: الاسم ما دلّ علی معنی غیر مقترن بأحد الأزمنة ما لفظه المحکی عنه: قوله غیر مقترن صفة بعد الصفة لقوله معنی و یبین معنی قوله غیر مقترن ببیان قوله فی حد الفعل: بأنّه ما دلّ علی معنی فی نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أی علی معنی واقع فی أحد الأزمنة الثلاثة معیناً بحیث یکون ذلک الزمان المعین أیضاً مدلول ذلک اللفظ الدالّ علی ذلک المعنی بوضعه له أوّلاً فیکون الظرف و المظروف مدلولی لفظ واحد بالوضع الأصلی إنتهی و مثله أو ما یقرب منه عبائر غیره من النحویین فراجع حیث تری إطباقهم ظاهراً علی دلالة الفعل علی الزمان بمقتضی وضعه». ثمّ أورد علیه فقال: «و لکنّ الذی یقتضیه التحقیق هو خلافه کما یظهر وجهه بالتأمل فیما ذکرنا من انحلال الوضع فی المشتقات إلی وضع نوعی للمادة فیها و وضع شخصی للهیأة فی کل واحد من الصیغ إذ نقول: بأنّ الدلالة المزبورة لو کانت فإمّا أن تکون من طرف المادة أو من طرف الهیأة مع أنّه لایکون فی شیء منهما الدلالة وضعه علی ذلک» الخ.

الإنشاء بهما فی الحال.((1))

و أمّا الفعل الماضی و المضارع فیمکن دلالتهما علی الزمان بشرطین: إطلاق الکلام و إسنادهما إلی الزمانیات.

و مع فقد هذین الشرطین لایدلّان علی الزمان لأنّه یلزم حینئذ المجاز عند الإسناد إلی غیر الزمانیات من نفس الزمان و المجردات (مثل مضی الزمان و علم الله).((2))

ص: 435


1- راجع هدایة المسترشدین، ج2، ص51 و الفصول، ص75. و راجع أیضاً تعلیقة إلی معالم الأصول، ج3، ص222 و درر الفوائد، ص59.
2- و فی مباحث الأصول، ص186: «إنّه قد یمنع دلالة الفعل علی الزمان و المعروف بحسب النقل و السماع الدلالة و قد یوجه المنع بلزوم التجرید مع الإسناد إلی غیر الزمانی کالمجردات و الزمان و فیه أنّ المدلول السبق علی زمان النسبة أو المقارنة و لیس لازم ما یعمّ السبق و المقارنة عدم الأزلیة کما لایلزم عدم الأبدیة فالحدوث الزمانی و الانقطاع بعد الحدوث فی الحادث کلاهما غیر ما یستلزمه السبق أو المقارنة بل المقوم له التحقق فی زمان متقدّم علی زمان النسبة أو مقارن بتحقق المطلق المجامع للأزلی و الأبدی و غیرهما» الخ. و قال فی ص188: «إنّ الظاهر أنّ الهیأة الدالة علی خصوصیة النسبة و أنّها ماضویة أو غیرها إنّما هو فیما إذا أسند الفعل إلی الزمان أو الزمانی بل فیما کان الفعل زمانیاً مسبوقاً بالعدم فی الزمان کما فی مثل «خلق الله نوحاً قبل إبراهیم (علیهما السلام) » فالهیأة الخاصة تدلّ علی أنّ الزمان المفهوم متعین فی زمان خاص فلو أسند إلی غیره فلا زمان مفهوم للفعل أصلاً حتی یتعین بالهیأة فلایلزم التجرید فی مثل علم الله» الخ.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ الزمان معنی اسمی و الهیأة لاتدلّ علی المعنی الاسمی بل مفاد الهیئات المعانی الحرفیة و السیّد الروحانی (قدس سره) أیضاً اختار هذا البیان.((2))

الصورة الثانیة: الدلالة بالالتزام (هنا نظریات ثلاث:)
اشارة

(3)

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

لایبعد أن یکون لکل من الماضی و المضارع (بحسب المعنی) خصوصیة

ص: 436


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص176 و أیضاً أشیر إلیه فی ج1، ص181.
2- منتقی الأصول، ج1، ص335.
3- . فی وقایة الأذهان، ص168: «إنّ دلالة الفعل علی الزمان لیس بالتضمن کما یظهر من جمهور علماء العربیة لخروج الزمان - بداهة- عن مدلوله و إنّما هو بالالتزام البین بالمعنی الأخص لأنّ مدلوله لمّا کان الحدث المقید بالزمان فتصوّره یتوقف علی تصوّر الزمان کما فی العمی و البصر إذ العمی لما کان موضوعاً لعدم البصر ممّا هو من شأنه فتصوّر العمی موقوف علی تصوّر البصر» الخ و فی فوائد الأصول، ص100: «انّ الفعل الماضی إنّما هو متکفل لبیان النسبة التحققیة أی کون العرض متحققاً فی الخارج مع انتسابه إلی فاعله بنسبة تامة خبریة فالماضی إنّما یدلّ علی تحقق الحدث من فاعله و لیس مفاده أزید من ذلک و ما اشتهر من أنّه یدلّ علی الزمان الماضی فهو اشتباه بل إنّ الفعل الماضی بمادته و هیأته لایدلّ إلّا علی تحقق الحدث من فاعله نعم لازم الإخبار بتحققه عقلاً هو سبق التحقق علی الإخبار آناً ما قبل الإخبار و إلّا لم یکن إخباراً بالتحقق» و فی نهایة الأفکار، ص127: «حیثما انّ فی الأفعال فی مثل الفعل الماضی و المضارع خصوصیة زائدة عن المعنی الحدثی الذی هو مبدأ الاشتقاق بنحو ینسبق منها فی الذهن جهة السبق فی الماضی و اللحوق فی المضارع أمکن دعوی الدلالة علیه بنحو الالتزام بتقریب أنّه کما أنّ للمبدأ نحو خصوصیة و ربط خاص بالنسبة إلی ما یقوم به و هو الفاعل کذلک له نحو خصوصیة و ربط بالنسبة إلی الظرف الذی یقع فیه بنحو ینتزع عنه مفهوم السبق فی الماضی و اللحوق فی المضارع و ذلک أیضاً لا بمعنی خصوص السبق و اللحوق الزمانیین بل الأعم منه و من غیره ... ثمّ إنّه بمثل هذا البیان أیضاً أمکن أن یوجه کلامهم بدلالة الفعل علی الزمان و ذلک بحمل الدلالة فی کلامهم علی الدلالة بنحو الالتزام بالبیان الذی ذکرنا و دخول الزمان فیه علی الدخول بنحو خروج القید و دخول التقید و إن کان یساعد لهذا الحمل کلام بعضهم فتدبر» و فی منتهی الأصول، ج1، ص88: «جمیع الأفعال و الأحداث لکل واحد منها أنحاء من اللحاظ» ثمّ عدّ ستة أنحاء قال فی ص89: «ثالثها ملاحظتها منتسبة إلی الذات بالنسبة التحققیة الانقضائیة و بهذا الاعتبار تکون مفاد هیأة الفعل الماضی. رابعها ملاحظتها منتسبة إلی الذات بالنسبة التحققیة التلبسیة أی بتحقق الارتباط بین الذات و الحدث و بهذا الاعتبار تکون مفاد هیأة الفعل المضارع».

أخری موجبة للدلالة علی وقوع النسبة فی الزمان الماضی فی الماضی و فی الحال و الاستقبال فی المضارع، فی ما کان الفاعل من الزمانیات. ((1))

و قال المحقق المشکینی (قدس سره) فی توضیح مرامه: ((2))

ص: 437


1- راجع إلی نهایة النهایة، ص64 و فی حقائق الأصول، ص102.
2- و فی عنایة الأصول، ص125 أیضاً: «و هی التحقق فی فعل الماضی و الترقب فی فعل المضارع». و فی منتقی الأصول، ص336: «قد وقع الکلام فی الکشف عن هذه الخصوصیة و بیان حقیقتها فقیل: إنّها تحقق الفعل فی الماضی و ترقبه فی المضارع و تحقق الفعل من الفاعل الزمانی لابدّ أن یکون فی الزمان الماضی کما أنّ ترقبه منه یلازم صدوره منه فعلاً أو بعد حین فی الزمان المستقبل و لکنّه یشکل ذلک: بأنّ الفعل المضارع قد یستعمل فی مورد لایشتمل فیه علی هذه الخصوصیة بلا مسامحة و لا عنایة مثل قول القائل: "إنّی أترقب أن یعلم زید أو یأکل أو یسافر" ... و قیل: إنّ الخصوصیة لیست هی التحقق فی الماضی و الترقب فی المضارع کی یرد هذا الإشکال بل هی بالنسبة التحققیة فی الماضی و النسبة الترقبیة فی المضارع بمعنی أنّ مدلول المضارع هو النسبة القابلة لورود الترقب علیها و التی من شأنها تعلّق الترقب بها کما أنّ مدلول الماضی هو النسبة التحققیة شأناً لا فعلاً و أنت خبیر: بأنّ هذا لیس تفریقاً و بیاناً لجهة الفرق بل هو عین المدعی إذ المطلوب بیان الجهة الواقعیة التی بها کانت النسبة المدلولة للفعل الماضی هی غیر النسبة المدلولة للفعل المضارع و الکشف عن حقیقة الخصوصیة المفرقة و ما ذکر لایفی بذلک إذ هو لایعدو کونه بیاناً لأنّ مدلول الماضی و المضارع هو النسبة و لکنّها مختلفة فیهما بخصوصیة ما بلا بیان لتلک الخصوصیة و ظاهر أنّ هذا هو عین التسائل السابق الذی صرنا فی مقام الإجابة عنه فلاحظ جیداً».

إنّ هیأة الماضی موضوعة للنسبة التحققیة و هیأة المضارع موضوعة للنسبة التوقعیّة.

و قال السیّد الجزائری (قدس سره) فی شرحه علی الکفایة: إنّ الخصوصیة فی الماضی تحقق النسبة و فی المضارع الحالی التلبس بالمبدأ و فی المضارع الاستقبالی التهیّؤ لإیجاد مقدمات حصول المبدأ.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

(1)

أمّا کیفیة اشتمال الماضی و المضارع علی الزمان فمجمل القول فیها:

ص: 438


1- . نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص177 و 181. و فی مناهج الوصول، ص205: «الفرق بین الماضی و المضارع أنّ الأوّل یحکی عن سبق تحقق الحدث و الثانی عن لحوقه لکن لا بمعنی وضع اللفظ بإزاء الزمان الماضی و المستقبل أو بإزاء السبق و اللحوق بل اللفظ موضوع لحصة من التحقق الملازم للسبق أو اللحوق لزوماً بیناً فإنّ الإیجاد بعد الفراغ عنه یکون سابقاً لا محالة و إذا لم یتحقق لکن یصیر متحققاً یکون لاحقاً لا محالة» الخ. و فی منتقی الأصول، ص337: «التحقیق أن یقال: إنّ الخصوصیة التی یدلّ علیها الفعل الماضی الملازمة للزمان فی الزمانیات هی السبق فهو یدلّ علی سبق تحقق النسبة و الخصوصیة التی یدلّ علیها الفعل المضارع هی اللحوق فهو یدلّ علی لحوق تحقق النسبة و توضیح ذلک: أنّ السبق و اللحوق لایتقومان بالزمان... الشیئان إذا لوحظ أحدهما بالإضافة إلی الآخر فتارة یکون أحدهما موجوداً فی فرض وجود الاخر و أخری لایکون أحدهما موجوداً فی فرض وجود الآخر فعلی الأوّل ینتزع عنوان التقارن و علی الثانی ینتزع عنوان السبق و اللحوق ... فوضع الماضی للأولی و المضارع للثانیة فیکون دالّاً علی الزمان بالالتزام فیما کان الفاعل زمانیاً لملازمة السبق و اللحوق للزمان فی الزمانیات تأمل تعرف».

أمّا بالنسبة إلی المحبوسین فی الزمان فإنّ هیأة الماضی موضوعة للنسبة المتقیدة بالسبق الزمانی علی ما أضیفت إلیه (بالمعنی المتقدم من السبق) بنحو یکون التقید داخلاً و القید خارجاً.

و هیأة المضارع موضوعة للنسبة المتقیّدة بعدم السبق الزمانی علی ما أضیفت إلیه علی الوجه المذکور (بنحو یکون التقیّد داخلاً و القید خارجاً).

فالخصوصیة الموجبة لاشتمال الماضی و المضارع علی الزمان هی السبق و اللحوق الزمانیان مع خروج هذه الخصوصیة عن معنی الفعل و تقیّد المعنی بها فزمان المضی أو الحال أو الاستقبال غیر مأخوذ فی الهیأة.

و أمّا بالنسبة إلیه تعالی فله تبارک و تعالی مع الزمان السابق معیّة قیومیة لاتنافی تقدسه عن الزمان فهو تعالی باعتبار معیّته مع السابق سابق و باعتبار معیّته مع اللاحق لاحق، کما قال تعالی: (وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ). ((1))

و أمّا بالنسبة إلی المجردات و المفارقات فإنّها و إن لم تکن فی الزمان إلّا أنّها معه بمعنی أنّ للمجردات معیة مع الزمان و الزمانیات و کون عالمها فی طول عالم الطبیعة لاینافی معیّتها لما فی عالم الطبیعة فی الوجود.

فتوصیف الشیء بالسبق و اللحوق الزمانیین بأحد الاعتبارین: إمّا اعتبار وقوعه فی الزمان السابق و اللاحق کالزمانیات و إمّا اعتبار المعیّة مع الزمان السابق أو اللاحق کما فی المقام.

إیراد السیّد الخوئی علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

((2))

احتمال کون الزمان قیداً لمدالیل الأفعال بأن یکون معنی الفعل مقیداً به علی

ص: 439


1- سورة الحدید(57):4.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص234 و ط.ج. ص267.

نحو یکون القید خارجاً عنه و التقیّد به داخلاً فهو و إن کان أمراً ممکناً فی نفسه إلّا أنّه غیر واقع و ذلک لأنّ دلالة الأفعال علیه لابدّ أن تستند إلی أحد أمرین: إمّا وضع المادة أو وضع الهیأة و من الواضح أنّ المادة وضعت للدلالة علی نفس طبیعی الحدث اللابشرط و الهیأة وضعت للدلالة علی تلبس الذات به بنحو من أنحائه کما عرفت و شیء منهما لایدل علی الزمان.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بخروج السبق الزمانی -و هو القید- عن الموضوع له و یصرح بأنّ الزمان الماضی و المضارع و الحال غیر مأخوذ فی الهیأة بل الهیأة تدلّ علی أنحاء النسب إلّا أنّ الخصوصیة التی توجب اشتمال الفعل علی الزمان بالدلالة الالتزامیة هی السبق و اللحوق الزمانیان و هی خارجة عن معنی الفعل مع تقیّد معنی الفعل (و هی النسبة) بها.

النظریة الثالثة: من السیّد الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الأفعال لاتدلّ علی الزمان لا بنحو الجزئیة و لا بنحو القیدیة لا بالدلالة المطابقیة و لا بالدلالة الالتزامیة.

نعم إنّها تدل علی الزمان بالدلالة الالتزامیة إذا کان الفاعل أمراً زمانیاً و هذه الدلالة غیر مستندة إلی الوضع بل هی مستندة إلی خصوصیة الإسناد إلی الزمانی.

و هذه الخصوصیة فی الفعل الماضی هی أنّه وضع للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة عن تحقق المادة مقیداً بکونه قبل زمان التکلم و فی الفعل المضارع هی أنّه

ص: 440


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص236 و ط.ج. ص269.

وضع للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة عن تحقق المادة فی زمان التکلم أو بعده و لایدلّ علی وقوعها فی زمان الحال و الاستقبال، فقولنا علم الله و ما شاکله یدل علی أنّ المتکلم قاصد للإخبار عن تحقق المادة و تلبس الذات بها قبل زمان التکلم و إن کان صدور الفعل ممّا هو فوق الزمان لایقع فی زمان.

ملاحظتان علی هذه النظریة:

أوّلاً: إنّه جعل الموضوع له قصد المتکلم و هذا مبنی علی مختاره فی الوضع و هو مسلک التعهد و نحن لانلتزم به.

و ثانیاً: إنّ مفاد الهیأة لیس إلّا النسبة و هذه النسبة إن کانت متقیدة بالسبق الزمانی فهی نسبة تحققیة و إن کانت متقیدة بعدم السبق فهی نسبة توقعیة و لکن ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) خال عن بیان النسبة المذکورة.

فالحق فی المقام هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 441

المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول
نظریة صاحب الفصول و المحقق النائینی (قدس سرهما):
اشارة

قال المحقق النائینی تبعاً لصاحب الفصول (قدس سرهما) بخروجهما عن محل النزاع.

أمّا اسم الآلة:

تقریب ذلک أنّ الهیأة فی اسم الآلة قد وضعت للدلالة علی قابلیة الذات للاتصاف بالمادة شأناً (القابلیة و الاستعداد) و هذا الصدق حقیقی و إن لم تتلبس الذات بالمبدأ فعلاً.

و أمّا اسم المفعول:((1))

فلأنّ الهیأة فیه وضعت لأن تدلّ علی وقوع المبدأ علی الذات و هذا المعنی لایعقل فیه الانقضاء، لأنّ ما وقع علی الذات کیف یعقل انقضاؤه عنها، ضرورة أنّ الشیء لاینقلب عمّا وقع علیه و المفروض أنّ الضرب قد وقع علیها، فدائماً یصدق أنّها ممّا وقع علیه الضرب، إذا لافرق فی صدق المشتق بین حال التلبس و الانقضاء، فهو فی کلا الحالین علی نسق واحد بلا عنایة فی البین بل لایتصور فیه الانقضاء.

ص: 442


1- فی هدایة المسترشدین، ص369: «و ربّما یقال بخروج اسم المفعول عن محل البحث ... لظهور الوضع للأعم... و یضعفه إطلاق کلمات الأصولیین من غیر إشارة منهم إلی تخصیص النزاع باسم الفاعل و التعبیر الغالب فی کلماتهم بلفظ المشتق الشامل للجمیع و قد فرع غیر واحد من الأفاضل علی المسألة کراهة الوضوء بالماء المسخن بالشمس بعد زوال حرارته مع أنّه من قبیل اسم المفعول... و کیف کان فمع البناء علی الإطلاق فی محل البحث کما هو الظاهر یکون التخصیصات المذکورة فی بعض الوجوه تفصیلاً فی المسألة».
إیراد المحقق الخوئی علی المحقق النائینی (قدس سرهما):

((1))

ما أفاده فی اسم الآلة، فیرد علیه:

أنّ الهیأة فی اسم الآلة إذا دلّت علی قابلیة الذات للاتصاف بالمادة شأناً، فما دامت القابلیة موجودة کان التلبس فعلیاً و إن لم تخرج المادة عن القابلیة إلی الفعلیة أصلاً.

فما أفاده مبتن علی الخلط بین شأنیة الاتصاف بالمبدأ و فعلیته به، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) تخیل أنّ المعتبر فی التلبس إنّما هو التلبس بفعلیة المبدأ.

و ما أفاده فی اسم المفعول، فیرد علیه:

أوّلاً: ((2)) أنّه ینقض علیه باسم الفاعل حیث إنّ الهیأة فیه موضوعة لأن تدلّ علی صدور الفعل عن الفاعل و من المعلوم أنّه لایتصور انقضاء الصدور عمّن صدر عنه الفعل خارجاً، لأنّ الشیء لاینقلب عمّا وقع علیه و المبدأ الواحد کالضرب لایتفاوت حاله بالإضافة إلی الفاعل أو المفعول غایة الأمر أنّ قیامه بأحدهما قیام صدوری و بالآخر قیام وقوعی.

و ثانیاً: ((3)) أنّ اسم المفعول کاسم الفاعل وضع للمفهوم الکلی لما تقدم من أنّ الألفاظ وضعت بإزاء المعانی لا بإزاء الموجودات الخارجیة لأنّها غیر قابلة لأن تحضر فی الأذهان و من هنا قد یکون للموضوع له مطابق فی الخارج و قد لایکون، فالمضروب قد یکون موجوداً و قد یکون معدوماً، فالنزاع هنا فی أنّ

ص: 443


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص239 و ط.ج. ص273.
2- الجواب النقضی.
3- الجواب الحلّی.

اسم الفاعل أو اسم المفعول موضوع لمعنی لاینطبق إلّا علی خصوص المتلبس أو لأعم منه و من المنقضی؟

مثلاً لو فرض أنّ زیداً کان عالماً بقیام عمرو ثم زال عنه العلم به، فالنزاع جارٍ فی صحة إطلاق المعلوم علی قیام عمرو أو عدم صحة إطلاقه علیه إلّا علی نحو المجاز -کما أنّ النزاع جارٍ فی صحة إطلاق العالم علی زید أو عدم صحة إطلاقه علیه إلّا مجازاً- ضرورة أنّه لا فرق بین الهیأتین هنا أصلاً فإنّ المبدأ فی کلتیهما واحد و المفروض أنّه بزوال ذلک المبدأ کان إطلاق العالم علی زید و إطلاق المعلوم علی قیام عمرو من الإطلاق علی المنقضی عنه المبدأ لا محالة.

التحقیق حول جریان النزاع فی اسم الفاعل و اسم المفعول:

هذا الإشکال ینحل بملاحظة البحث الآتی أعنی أنحاء تلبس الذات بالمبدأ.

توضیح ذلک: إنّ فی الأفعال الخارجیة مثل القتل و الضرب قد یکون صدور الفعل عن الفاعل و وقوعه علی المفعول بحیث کلّما اشتغل به الفاعل یعدّ متلبساً به مثل الباکی و الضاحک و هکذا کلما وقع علیه المفعول یعدّ متلبساً به.

و أخری یکون الفعل نادر الوجود و بعید التحقق مثل القتل و التلبس به یتحقق بصدور الفعل و لو مرّة.

و بعبارة أخری ملاک التلبس یکون تارة حدوث المبدأ و إن لم یبق فی ما بعده و أخری فعلیة المبدأ.

فإذا ظهر ذلک تبین أنّه إذا کان ملاک التلبس هو حدوث المبدأ فلایتصور زوال التلبس بعد حدوثه فلا مصداق للفرد المنقضی عنه المبدأ فالنزاع حینئذ و إن کان جاریاً بملاحظة عموم المفهوم إلّا أنّه لا ثمرة له لأنّه لایتصور المصداق المنقضی عنه المبدأ.

ص: 444

المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس

إنّ مبادئ المشتقات علی أقسام أربعة: ((1))

القسم الأوّل: ما یکون من قبیل الملکة((2)) و القوّة کما فی المجتهد و المفتاح و

ص: 445


1- فی القوانین، ص78: «تتمیم ینبغی أن یعلم أنّ مبادئ المشتقات مختلفة فقد یکون المبدأ حالاً کالضارب و المضروب و قد تکون ملکة و قد یعتبر مع کونه ملکة کونه حرفة و صنعة مثل الخیاط و النجّار و البناء و نحوها و قد یکون لفظ یحتمل الحال و الملکة و الحرفة کالقاری و الکاتب و المعلم و التلبس و عدم التلبس یتفاوت فی کل منها فالذی یضرّ بالتلبس فی الملکة هو زوالها بسبب حصول النسیان و فی الصناعة الأعراض الطویل بدون قصد الرجوع و أمّا الأعراض مع قصد الرجوع و لو کان یوماً أو یومین بل و شهراً أو شهرین أیضاً مع إرادة العود فغیر مضرّ و یصدق علی من لم ینس و من أعرض و قصد العود فی العرف أنّه متلبس بالمبدء فیهما و إن طرء الضد الوجودی لأصل ذلک الفعل أیضاً و أمّا فی الأحوال فالتلبس فیها أیضاً یختلف فی العرف فأمّا فی المصادر السیّالة فیکفی الاشتغال بجزء من أجزائه و أمّا فی غیرها کالسواد و البیاض و غیرهما من الصفات الظاهرة و الباطنة فالمعتبر بقاء نفس الصفات و قد اختلط علی بعض المتأخرین و اشتبه علیه الأمر و أحدث مذهباً فی التفصیل» و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج1، ص395 و الفصول، ص60 و تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص462، و نهایة الأفکار، ص131 و نهایة الدرایة، ص126 و منتهی الأصول، ص83 و نهایة الأصول، ص60 و أصول الفقه، ص103 و مناهج الوصول، ص208 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص237 و ط.ج. ص270 و مباحث الأصول، ص191، و الرافد، ص252.
2- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص463: «و لیس المراد بالحال و الملکة هاهنا ما هو المعنی المصطلح علیه عند أهل المعقول أعنی الکیفیة النفسانیة - أی المختصة بذوات الأنفس الغیر الراسخة فی المحل و هو الحال أو الراسخة فیه و هو الملکة- بل معناهما العرفی المعبّر عنه بالفعل علی معنی التلبس بالعمل فعلاً و القوة القریبة من الفعل و الأولی إسقاط قید "القرب" لتشمل نحو الملکة الاستعدادیة الفطریة کما فی الشجرة المثمرة علی ما ینساق منها عرفاً من صلاحیة الإثمار و إن لم یثمر فعلاً بل و لم یبلغ أوان الإثمار ... و نحو الملکة الاستعدادیة الجعلیة کما فی المجلس و المسجد و غیرهما من کثیر من أسماء المکان و المفتاح و المقراض و غیرهما من أسماء الآلة فإنّ إطلاقهما فی العرف علی ما أعد لأن یجلس أو یسجد فیه و ما أعد لأن یفتح أو یقرض به کثیر ... و نحو الملکة العملیة و هی القوة المتأکدة علی العمل الناشئة عن الممارسة و تکرّر العمل ... فالحال مع الملکة بمعنی القوة العملیة حیثیتان فی المبدأ تلحقان الذات فی مرتبتین مترتبتین لتأخر مرتبة الملکة عن مرتبة الحال».

ینقضی بانقضائهما و من کان واجداً لهذه الملکة و القوة متلبس بهما بالفعل.

القسم الثانی: ما یکون من قبیل الحرفة و الصناعة((1)) کما فی البنّاء و الخیّاط و القاضی و ینقضی بانقضاء الحرفة و ترکها و من اتّخذ حرفة و شغلاً متلبس بها بالفعل.

القسم الثالث: ما یکون من قبیل الأفعال النادر الوجود و البعید التحقق التی لها تبعات و آثار عرفاً و التلبس بها یدور مدار بقاء الآثار و التبعات عرفاً کما فی القتل و الضرب و الشکایة فإذا صدر الضرب عن رجل و وقع علی شخص آخر ثم شکی المضروب عن الضارب فیصدق علیهما الضارب و المضروب و الشاکی ما بقیت تلک التبعات و هذه التبعات مختلفة دواماً، مثلاً بعد التیام أثر الضرب و حلّ الخصومة و رفع الشکایة یزول التلبس بالضرب عرفاً، فلایصدق علیهما الضارب و المضروب بعد زوال المبدأ عرفاً و إن کان التلبس حقیقة حین الضرب فقط.

و قد یکون الفعل بعید التحقق و نادر الصدور من الفاعل و شدید الأثر و التبعة علی المفعول مثل القتل فإنّ ملاک التلبس حینئذٍ صدور المبدأ عن الفاعل و وقوعه علی المفعول و لذا یصدق علیهما بعد حدوثه القاتل و المقتول مادام الحیاة.

نعم، یتصور فیهما أیضاً ارتفاع الأثر مثل تجدید حیاتهما بالرجعة فلایصدق

ص: 446


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص464: « أمّا الحرفة مع الصنعة فقد یقال بعدم الفرق بینهما بحسب المعنی و هو المستفاد أیضاً من بعض أهل اللغة حیث یأخذ کلا منهما فی تفسیر صاحبه و قد یفرق بینهما بأنّ الحرفة ما لایقتصر إلی آلة و لا إلی صرف مال بخلاف الصنعة».

علیهما القاتل و المقتول إلّا فی مصادیق قلیلة مثل قتلة کربلاء مع أنّ القتل فی ترتب الآثار و التبعات یتوقف علی کونه عمدیاً أو غیر عمدی و أیضاً علی علوّ المقتول و دنوّه مثلاً قتل الإنسان و قتل الحیوان مختلفان من هذه الجهة.

القسم الرابع: ما یکون من قبیل الصفات و الأفعال المتدوالة الکثیر الوقوع و المدار فی التلبس بها وجود تلک الصفة و ذلک الفعل مثل العالم و الجواد.

ص: 447

المقدمة الثالثة: فی معنی الحال المذکور فی محمول المسألة
اشارة

((1))

هنا ستة احتمالات فی تعیین المراد من الحال:((2))

الأوّل: زمان النطق، الثانی: حال النطق، الثالث: زمان النسبة، الرابع: حال النسبة، الخامس: زمان التلبس، السادس: حال التلبس.

ص: 448


1- فی حقائق الأصول، ص107 عند التعلیقة علی قوله: «المراد بالحال»: «إذا قیل: زید عالم فهناک أحوال ثلاث حال النطق و حال التلبّس أعنی تلبّس زید بالعلم و حال الجری و هو حال النسبة الإیقاعیة و لا إشکال فی کون المشتق حقیقة مع اتفاق هذه الأحوال کما إذا قلت: «زید عالم الآن» و کان زید عالماً فی حال النطق أمّا لو اختلفت هذه الأحوال فقد یکون حقیقة بالاتفاق و قد یکون مجازاً بالاتفاق و قد یکون محل الخلاف فی هذه المسألة و قد وقع الخلاف فی معیار الاختلاف و الاتفاق فالتحقیق الذی بنی علیه المصنف (رحمة الله) و غیره أنّ المعیار هو اختلاف زمان الجری مع زمان التلبس و اتفاقهما فإن اتفقا کان حقیقة بالاتفاق و إن تقدّم زمان الجری علی زمان التلبس فهو مجاز بالاتفاق أیضاً کما إذا قلت: «زید قائم أمس» إذا کان لیس بقائم أمس و إنّما کان قائماً حال النطق و إن تأخر زمان الجری عن زمان التلبس فهو محل الخلاف فی هذا المبحث و لا عبرة بزمان النطق أصلاً و المحکی عن صریح بعض أنّ العبرة بزمان النطق فإن اتفق مع زمان التلبس کان حقیقة بالاتفاق و إن تقدّم علیه کان مجازاً بالاتفاق و إن تأخّر عنه کان محل الخلاف فی المقام». و فی وسیلة الوصول، ص146: «إنّ هنا أزمنة ثلاثة: زمان التلبس و زمان النطق و زمان الجری و الاتحاد فهل یقاس زمان التلبس إلی زمان النطق فإن کان زمان التلبس ماضیاً بالنسبة إلیه کان محل الخلاف فی کونه حقیقة أو مجازاً و إن کان حالاً بالنسبة إلیه کان حقیقة اتفاقاً و إن کان مستقبلاً کان مجازاً اتفاقا ... أو یقاس زمان التلبس إلی زمان الجری و الحمل فإن کان زمان التلبس ماضیاً بالنسبة إلیه کان محل الخلاف و إن کان حالاً بالنسبة إلیه کان حقیقة اتفاقاً و إن کان مستقبلاً بالنسبة إلیه کان مجازاً اتفاقاً و الظاهر هو الأخیر کما یظهر من کلمات بعض المحققین بل کثیر منهم و إن کان فی عبارتهم نوع تشویش و اضطراب و قصور عن إفادة المراد لکن بعد التأمّل یظهر أنّه المراد».
2- قد وقع فی بعض الکلمات تعبیرات أخر مثل: 1) حال الإطلاق و الإجراء و الحمل کما فی درر الفوائد، ص61؛ و مثل: 2) حال الجری و التطبیق کما فی نهایة الأصول، ص66؛ و المراد منهما ظاهراً حال النسبة.

ثم إنّ المختار هو أنّ المراد من الحال فی عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق (بمعنی زمان النطق) و لا حال النسبة و لا زمان کل منها بمعنی أنّ الحمل و الإسناد (إسناد المشتق إلی الذات و جریه علیها) و الجری و التطبیق إن کان بلحاظ حال فعلیة التلبس فلا نزاع فی کونه حقیقة و إن کان بلحاظ سبق فعلیة التلبس فهو محل النزاع.

الاحتمال الأوّل: زمان النطق
إیرادان علی الاحتمال الأوّل:

إنّ هذا الاحتمال لیس بمراد قطعاً و الدلیل علیه:

أوّلاً: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) من أنّه إن کان المراد زمان النطق فیلزم مجازیة قولهم: «کان زید ضارباً أمس» أو «سیکون غداً ضارباً» إذا کان متلبّساً بالضرب فی الأمس فی المثال الأول و متلبساً به فی الغد فی المثال الثانی مع أنّه حقیقة بلا شک.

ثانیاً: ما أفاده المحقق الإصفهانی((2)) و تبعه هنا المحقق الخوئی (قدس سرهما) ((3)) من أنّ الزمان خارج عن مدالیل الأسماء((4)) و منها الأوصاف، کما أنّ الوصف ربّما

ص: 449


1- فی الکفایة، ص 43 و 44: «خامسها: إنّ المراد بالحال فی عنوان المسألة هو حال التلبس لا حال النطق ضرورة أنّ مثل " کان زید ضارباً أمس" أو "سیکون غداً ضارباً" حقیقة إذا کان متلبساً بالضرب فی الأمس فی المثال الأوّل و متلبساً به فی الغد فی الثانی فجری المشتق حیث کان بلحاظ حال التلبس و إن مضی زمانه فی أحدهما و لم یأت بعد فی آخر کان حقیقة بلا خلاف».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص187.
3- المحاضرات ط.ق. ج1، ص240و241 و ط.ج. ص274، الأمر الرابع.
4- فی بحوث فی علم الأصول، ص370: «إنّا لانتبادر من المشتقات زمان الحال و لا أی زمن من الأزمنة لا بنحو المعنی الاسمی و لا الحرفی و یدلّ علیه: إنَّ الزمان بنحو المعنی الاسمی لا دالّ علیه فی المشتقات إذ لو أرید استفادته من موادها فالمفروض أنّها لم توضع إلّا للدلالة علی المبدأ بنحو الوضع النوعی القانونی و إن أرید استفادته من هیئاتها فهی لاتدلّ علی معنی اسمی و أمّا استفادة الزمان بنحو المعنی الحرفی فلها صیغتان کلتاهما ممّا لایمکن المساعدة علیهما: الأولی أن یدعی تقید النسبة المدلول علیها بهیأة المشتق بالمقارنة لزمان النطق. الثانیة أن یدعی تقیدها بالتقارن لزمان الجری و التطبیق - أی زمان الحکم و إسناده فیه إلی موضوع فی نسبة تامة و أمّا النسبة الناقصة المدلول علیها بالمشتق نفسه فلیست جریاً لأنّها مفهوم إفرادی کما تقدّم و یرد علی الفرضیة الأولی-: 1- لزوم أن یکون قولنا: «زید ضارب بالأمس أو غداً» مجازاً و هو خلاف الوجدان العرفی. 2- إن أرید التقید بمفهوم زمان النطق فهو واضح الفساد و إن أرید التقید بواقع زمان النطق و وجوده التصدیقی الخارجی فکلمة «عالم» مثلاً موضوعة للمتلبس بالعلم مقارناً مع صدور النطق به من شخص فلازمه أن لایتصور معنی للفظ من دون تحقق نطق خارجاً مضافاً: إلی استلزامه أن یکون المدلول الوضعی التصوری متقیداً بأمر تصدیقی و هو غیر معقول علی ما حقّقناه سابقاً و یرد علی الفرضیة الثانیة: 1- ما أوردناه ثانیاً علی الفرض السابق. 2- إنّ واقع الحکم لو کان هو القید فهو فی طول المحمول المنتسب إلی موضوعه فکیف یعقل أن یؤخذ فیه فالصحیح عدم تقیّد المشتق بالزمان علی القول بوضعه للمتلبس».

لایکون زمان لمبدئه و لتلبس الذات بهذا المبدأ کما فی الوجودات المفارقة و المجردات التی هی فوق الزمان.

الاحتمال الثانی: حال النطق
اشارة

((1))

و هذا القول هو مختار العلّامة المحقق السیّد علی البهبهانی الرامهرمزی (قدس سره) فی مقالات حول مباحث الألفاظ.((2))

ص: 450


1- فی القوانین، ص75: «قد یعبّر بإرادة ما حصل له المبدأ و انقضی قبل زمان النطق فیعتبر المضی بالنسبة إلی زمان النطق و ما ذکرناه أحسن». و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج1، ص364.
2- مقالات حول مباحث الألفاظ، ص46.
الإیراد علی الاحتمال الثانی

((1))

و هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد لما نقلنا عن صاحب الکفایة (قدس سره) فی الوجه الأوّل.

الاحتمال الثالث: زمان النسبة
إیرادان علی الاحتمال الثالث:

و هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد، و الدلیل علیه: أوّلاً: إذا قلنا «إنّ زیدا سیکون ضارباً غداً» فالتلبس استقبالی کما أنّ النسبة أیضاً استقبالیة و لا شبهة فی کونه مجازاً مع أنّه یلزم حینئذ أن یکون الاستعمال حقیقیاً.

ثانیاً: إنّ الوصف قد یکون فی المجردات الخارجة عن أفق الزمان.

الاحتمال الرابع: حال النسبة
اشارة

الاحتمال الرابع: حال النسبة (2)

الإیراد علی الاحتمال الرابع:

هذا الاحتمال أیضاً لیس بمراد لما تقدم فی الملاحظة الأولی ذیل الاحتمال الثالث

ص: 451


1- فی الرافد، ص217: «أمّا المعنی الأوّل [أی حال النطق] فهو غیر مراد قطعاً لوجهین:أ) لو کان زمان النطق مدلولاً لکانت الأوصاف دالّة علی الزمان و لیست کذلک بدلیل إسنادها إلی نفس الزمان بدون عنایة أصلاً فیقال الزمان مسرع و إسنادها إلی المجردات الخارجة عن وعاء الزمان نحو الله عالم و خالق و الملائکة قائمون و نحوه فإذا صحّ إطلاقها علی المجرد عن الزمان و علی الزمان نفسه و علی الزمانی بلا عنایة تبین خلوّها من الدلالة علی الزمان فانسباق زمان النطق فی بعض الاستعمالات نحو زید قائم لاتحاد زمان النطق مع زمان الجری و الانطباق فلو لم یتحدا لم یتحقق هذا الظهور نحو "لاتکرم الفاسق" فإنّ الظاهر منها فعلیة الفسق حین الإکرام لا حین النطق بالجملة.ب) إنّ لازم هذا القول کون قولنا زید قائم أمس و کان زید قائماً مجازاً لعدم التلبس حال النطق مع أنّه حقیقة بلا ریب عندهم».
2- . فی الرافد، ص218: «أمّا المعنی الثانی: و هو أنّ المراد بالحال حال الجری و النسبة أی حال انتساب المحمول للموضوع سواءً تقدّم علیه النطق أم تأخّر أم قارن فظاهره أنّ البحث فی المشتق بحث فی مرحلة التطبیق و الإسناد لا بحث فی المدلول الأفرادی للمشتق أی أنّه بعد الفراغ عن المفهوم المتبادر من لفظ المشتق بما هو لفظ نبحث فی صدقه و تطبیقه علی الموضوع فنقول: هل یشترط فی صدقه علی الموضوع تلبسه بالمبدأ حال النسبة و الإسناد أم یصحّ صدقه علیه بمجرّد تلبسه به فی الزمان السابق و إن لم یکن متلبساً به فعلاً إذن فعلی هذا القول لایکون البحث بحثاً لغویاً حول مدلول لفظ المشتق بل هو بحث متعلّق بمقام الإسناد و النسبة».
الاحتمال الخامس: زمان التلبس
إیرادان علی الاحتمال الخامس:

و هذا أیضاً غیر مراد أوّلاً: لما تقدم عن المحقق الإصفهانی (قدس سره) حول الاحتمال الأوّل.

و ثانیاً: لأنّ أخذ التلبس متقیداً بزمانه لغو فی ما إذا کان زمانیاً، لأنّ التلبس بالمبدأ فی الزمانیات لایعقل تخلفه عن زمانه و أمّا فی غیر الزمانیات من المجردات فهو باطل.

الاحتمال السادس: حال التلبس

(1)

و بعد بطلان سائر الاحتمالات یتعیّن هذا الوجه الأخیر و هذا الاحتمال

ص: 452


1- . فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص441: «و شمول الخلاف ... مبنی علی تحقیق معنی الحال فی قضیة الاتفاق علی الحقیقیة فیه و النظر فی أنّ المراد به هل هو حال النطق کما زعمه بعضهم ... أو هو حال الاتصاف و النسبة و هی التی یقصد المتکلم إفادتها کما جزم به جماعة من الفحول و غیر واحد من أساطین أهل الأصول ... و یظهر الثمرة فی"زید کان قائماً بالأمس" أو "یصیر قائماً غداً" أو فی مثل "أکرمت قائماً" أو "سأکرم قائماً" إذا کان المراد "بالقائم" من له الوصف حال الإکرام لا حال النطق فإنّ الأوّل من کل من المثالین یدخل فی محل الخلاف علی المعنی الأوّل و یخرج عنه علی المعنی الثانی ... و التحقیق فی ذلک: هو مختار الجماعة لوضوح أنّ الوضع للذات المتصفة لایقتضی إلّا اعتبار حال الاتصاف و کونه فی زمان النطق ممّا لا مدخل له فی الوضع مع أنّه لا مستند له إلّا توهم تبادر الحال فی مثل "زید قائم" و "عمرو قاعد" و هذا کما تری خلط بین مقتضی المشتق و ما هو من مقتضیات القضیة الحملیة التی یغلب علیها الحکم بثبوت المحمول للموضوع فی زمان النطق» الخ و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج1، ص363 و الفصول، ص60 و نهایة الأفکار، ص118 و فوائد الأصول، ص90 و منتهی الأصول، ص81 و مناهج الوصول، ص210 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص240 و ط.ج. ص274 و الرافد، ص218 و مباحث الأصول، ص190 و منتقی الأصول، ص340.

سلیم عن المناقشات((1)) فالصحیح من الاحتمالات الستّة هو «حال التلبس».

ص: 453


1- فی منتقی الأصول، ص341: «قد یستشکل فیما ذکره المحقق الخراسانی لوجهین: الأوّل الاتفاق القائم علی مجازیة مثل "زید ضارب غداً" فإنّه لو کان المراد بالحال فعلیة التلبس و اعتبار اتحادها مع الجری لم یکن ذلک مجازاً کما تقدّم نظیره. الثانی أنّ الظاهر من الحال عند إطلاقه و عدم تحدیده بشیء هو زمان الحال المساوق لحال النطق کما أنّه - أی زمان الحال- الظاهر من المشتق لانصرافه من الإطلاق أو لمقدمات الحکمة و علیه فلابدّ أن یراد بالحال فی عنوان النزاع حال النطق و زمان الحال و یدفع الأوّل بأنّ مجازیة مثل المثال المزبور إنّما هو لأجل انفکاک الجری عن فعلیة التلبس إذ الظاهر من الإطلاق و قضیته کون الجری فی الحال و القید المذکور و هو "غداً" بیان لزمان التلبس فالجری فی الحال و التلبس فی الاستقبال و هو مجاز ... و یدفع الثانی بأنّ المقام مقام تعیین الموضوع له المشتق و بیانه و أنّه هل خصوص المتلبس فی حال النطق أو مع فعلیة التلبس أو الأعم منه و ممّا انقضی عنه فلایثبت بحدیث الانسباق و القرینة العامة» الخ.

ص: 454

المقصود فی الموضوع له للمشتق (هنا أمران)
الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی (هنا صورتان)
اشارة

لابدّ من ملاحظة مقتضی الأصل عند الشک فی ما وضع له المشتق.

مقتضی الأصل قد یقع من جهة لحاظ المسألة الأصولیة و قد یقع من جهة لحاظ المسألة الفقهیة.

الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة
اشارة

الأصل إمّا أصل لفظی عقلائی و إمّا أصل عملی

أما الأصل اللفظی العقلائی
اشارة

فلهذا الأصل تقریران:

ص: 455

التقریر الأوّل:
اشارة

((1))

إنّ الأمر یدور بین وضع المشتق للمعنی الأعم و نتیجته الاشتراک المعنوی و وضع المشتق لخصوص المتلبس و نتیجته مجازیة الأعم.

و إذا دار الأمر بین الاشتراک المعنوی و المجاز فالراجح هو الاشتراک المعنوی.

أوّلاً: لأنّ الاشتراک خیر من المجاز.

و ثانیاً: لأنّه الأغلب و الشیء یلحق بالأعم الأغلب فی السیرة العقلائیة (من جهة أماریة الغلبة).

ص: 456


1- و فی هدایة المسترشدین، ص372: «حجة القول بعدم اشتراط البقاء وجوه: أحدها: الأصل فإنّها تستعمل تارة فی الحال و أخری فی الماضی و الأصل فیما استعمل فی معنیین أن یکون حقیقة فی القدر المشترک بینهما دفعاً للاشتراک و المجاز» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص449: «قد یذکر فی المقام أصل لفظی و هو أولویة الاشتراک معنی علیه لفظاً مع المجاز فإنّ المشتق مستعمل فی کل من المتلبس بالمبدأ و المنقضی عنه المبدأ و کونه علی وجه الاشتراک أو علی وجه المجاز فی الثانی خلاف الأصل فتعین کونه للجامع بینهما و هو المتصف بالمبدأ الموجود و قد تبین فی محله إنّ هذا الأصل حیثما قابل المجاز للاشتراک المعنوی ممّا لم یتبین له أصل» و فی عنایة الأصول، ص134: «لم أر فیما راجعته من الکتب الأصولیة من تعرّض حال الأصل سوی صاحب البدائع (رحمة الله) فالمصنف قد اقتدی به و أخذه منه» و فی قبال ذلک قال فی القوانین، ص76: «الثانی أنّه لا ریب فی کونه حقیقة فی حال التلبس فلو کان حقیقة فیما انقضی عنه أیضاً للزم الاشتراک و المجاز خیر منه کما مرّ مراراً و ما یقال من أنّ المشتق إنّما یستعمل فی المعنی الأخیر من الثلاثة المتقدمة و هو أعمّ من الماضی و الحال و استعمال العام فی الخاص حقیقة إذا لم یرد منه الخاص من حیث الخصوصیة فلا مجاز و لا اشتراک ففیه أنّه مناف لکلمات أکثرهم و کثیر منهم ادعی الإجماع علی کونه حقیقة فی الحال و لو کان حقیقة فی ذلک المعنی العام أیضاً للزم الاشتراک» الخ.
إیرادان علی التقریر الأوّل:

((1))

أوّلاً: إنّ رجحان الاشتراک المعنوی علی المجاز غیر ثابت، لأنّ المجاز قد یشتمل علی لطیفة لیست موجودة فی الاشتراک المعنوی (و هی لمکان العلائق و المناسبات المجازیة).

و ثانیاً: إن غلبة الاشتراک المعنوی و تحقق السیرة العقلائیة بالأخذ بالأغلب فهو محل التأمل صغرویاً و کبرویاً کما قال بعض الأساطین (حفظه الله)((2)) فإنّ الصغری ممنوع لأنّ الغلبة غیر ثابتة((3)) و الکبری أیضاً ممنوع لأنّ السیرة غیر مسلّم و لذا أستاذنا المحقق البهجة (قدس سره) أیضا ناقش فی اعتبار الکبری.((4))

التقریر الثانی:
اشارة

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء الأمر السادس((5)) قد یحمل علی الأصل العملی کما حمله کذلک المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و السیّد الصدر (قدس سره) ((6)) و سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

ص: 457


1- فی الکفایة، ص45: «و أمّا ترجیح الاشتراک المعنوی علی الحقیقة و المجاز. إذا دار الأمر بینهما لأجل الغلبة فممنوع لمنع الغلبة أوّلاً و منع نهوض حجة علی الترجیح بها ثانیاً».
2- تحقیق الأصول، ج1، ص373.
3- فی حقائق الأصول، ص110 فی التعلیقة علی قوله: «لمنع الغلبة»: «کیف و قد قیل: إنّ أکثر لغة العرب مجاز».
4- مباحث الأصول، ص193.
5- قال (قدس سره) فی الکفایة، ص45: «سادسها: إنّه لا أصل فی نفس هذه المسألة یعوّل علیه عند الشک و أصالة عدم ملاحظة الخصوصیة مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم لا دلیل علی اعتبارها فی تعیین الموضوع له».
6- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص379.

و قد یحمل علی الأصل اللفظی کما قرّره أستاذنا المحقق البهجة (قدس سره) ((1))و احتمله صاحب منتقی الأصول (قدس سره) أیضاً.((2))

و أمّا بیان الأصل اللفظی علی هذا التقریر فهو أنّ أصالة عدم ملاحظة الخصوصیة تقتضی الوضع للأعم من المتلبس و المنقضی عنه المبدأ.

إیرادان علی التقریر الثانی:

((3))

أوّلاً: إنّها معارضة بأصالة عدم ملاحظة عموم الموضوع له بنحو الاشتراک

ص: 458


1- مباحث الأصول، ج1، ص192.
2- منتقی الأصول، ج1، ص343.
3- فی مباحث الأصول، ص192: «لا أصل فی المسألة یتعین بها المشکوک المبحوث عنه لفظیاً لتعارض أصالتی عدم تخصص الموضوع له بالتلبس و عدم عمومه بنحو الاشتراک المعنوی مع أنّه علی تقدیر السلامة عن المعارضة لا دلیل علی اعتبارها من بناء من العقلاء فی تعیین الأوضاع و لیس کأصالة عدم القرینة فی تعیین المراد لإحراز البناء فیها». و فی بحوث فی علم الأصول، ص379: «هذه الدعوی لا مأخذ لها إذ یرد علیه من أوجه المفارقة: أوّلاً: ابتنائه علی تخیل أنّ لحاظ المعنی الأعم أو الأخص من باب المطلق و المقید الذی یکون أصل الجامع متیقّناً فی مقام لحاظه و الشک فی الخصوصیة و هو غیر صحیح فإنّ المعنیین و إن کانا متّحدین بحسب الصدق فی الخارج إلّا أنّهم بحسب عالم اللحاظ و المفهوم متباینان - بناء علی إمکان تصویر معنی جامع أعمّ- فلیس الشک فیما لاحظه الواضع حین الوضع دائراً بین الأقل و الأکثر لینفی الزائد بالأصل؛ ثانیاً: ابتنائه علی کون التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل السلب و الإیجاب لا تقابل الضدّین - کما اختاره السید الأستاذ- أو العدم و الملکة کما یظهر من المحقق النائینی و إلّا کان إثبات الوضع للأعم ینفی الخصوصیة من الأصل المثبت؛ ثالثاً: إنّ غایة ما یثبت من نفی لحاظ الخصوصیة أنّ الواضع قد لاحظ حین الوضع المعنی الأعم الجامع بین المتلبس و المنقضی و ما هو موضوع الحکم الشرعی بالحجیة إنّما هو الظهور المسبب من الوضع فلایمکن تعیینه فی الأعمّ بالاستصحاب المذکور إلّا بالأصل المثبت أیضاً».

المعنوی. ((1))

و ثانیاً: لا دلیل علی اعتبارهما. ((2))

و أما الأصل العملی
اشارة

فهذا بأن نحمل کلام صاحب الکفایة (قدس سره) علی الاستصحاب فحینئذٍ تقریره هو

ص: 459


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص448: «الثالث قد یقال: لیس فی المسألة أصل یرجع إلیه فی الموارد المشتبهة أو علی تقدیر بقاء الشبهة لرجوع الشک فیها إلی الحادث من جهة دوران الموضوع له بعد الیقین بحدوث الوضع بین المتبائنین و هما المتلبسة بالمبدأ و المتصفة بالمبدأ الموجود فإنّهما و إن کانا من قبیل الفرد و الکلی إلّا أنّهما بحسب الذهن مفهومان متغایران و إن کانا قد یتحدان بحسب الخارج و المعتبر فی باب الأوضاع مفاهیم الأشیاء لا وجوداتها الخارجیة ... أقول: و یمکن الذب عنه بفرض جریان الأصل فی نحو ما نحن فیه من دون محذور فإنّ الوضع المردّد بین الکلی و الفرد قد یستلزم فی لحاظ الواضع ملاحظة الماهیة الکلیة علی کلا تقدیری تعلّقه بالکلی أو بالفرد علی وجه یرجع الشک إلی ملاحظة الزیادة الموجبة لفردیة الفرد و اعتبارها مع الماهیة الملحوظة فی متن الوضع ... و قد لایستلزم ملاحظتها علی أحد التقدیرین ... و هذا هو الذی لا مجری للأصل فیه لکون الشک فیه من جهة الحادث بخلاف الصورة الأولی لرجوع الشک فیها إلی الحدوث بالنسبة إلی الزیادة و الأصل یدفعها و محل البحث من هذا الباب لتیقّن ملحوظیة الذات المتصفة بالمبدأ الموجود و رجوع الشک إلی قید کون الوجود فی حال الاتصاف. نعم یبقی الکلام فی اعتبار هذا الأصل فی نظائر المقام و هو فی محل منع لعدم نهوض مدرک له کما أشرنا إلیه مراراً». و راجع أیضاً نهایة النهایة، ص69 و نهایة الدرایة، ص133 و حقائق الأصول، ص110 و المباحث الأصولیة، ج2، ص377.
2- فی حقائق الأصول، ص110 فی التعلیقة علی قوله: «لا دلیل علی اعتبارها»: «یعنی إلّا بناء علی القول بالأصل المثبت إذ لا أثر شرعی لعدم ملاحظة الخصوصیة إلّا بتوسط إثبات الوضع لیثبت به الظهور فیثبت به الأثر الشرعی». و فی عنایة الأصول، ص135: «لا دلیل علی اعتبارها فی تعیین الموضوع له. أقول بل لا دلیل علی اعتبارها من أصلها إذ لم یثبت بناء من العقلاء علی عدم ملاحظة الخصوصیة عند الشک فی ملاحظتها أو ملاحظة العموم».

أنّ استصحاب عدم لحاظ الواضع خصوصیة حالة التلبس یقتضی الوضع للأعم.

إیرادات ثلاثة علیه:

((1))

أوّلاً: إنّها معارضة باستصحاب عدم لحاظ العموم.

ثانیاً: إنّ لحاظ الخصوصیة أو لحاظ العموم أو عدمهما کلها لیست موضوع الأثر حتی یجری فیها الاستصحاب.

ثالثاً: إنّ جریان استصحاب عدم لحاظ الخصوصیة لازمه لحاظ الأعم کما أنّ جریان استصحاب عدم لحاظ العموم لازمه لحاظ خصوص المتلبس فالاستصحاب فی الطرفین أصل مثبت.

وهذا الإشکال الثالث مما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) فی المقالات((2)) و أیضاً بعض الأساطین (حفظه الله).

ص: 460


1- فی مباحث الأصول، ص192: «مع أنّ الوضع المحقّق بأحد اللحاظین لایجری فیه الأصل إن رجع إلی الاستصحاب لعدم الحالة السابقة إلّا محمولیاً فتقع المعارضة لو عمّت الحجیة للمثبت و لم نبحث عن المدرک و إن لم یرجع إلیه فلابدّ من دلیل علی حجیة الأصل المذکور».
2- مقالات الأصول، ص186.
الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):
اشارة

((1))

إذا کان زید متلبساً بالعلم ثم زال عنه و من جهة أخری أمر المولی بإکرام العلماء، فإنّه یتصور فی هذه المسألة صورتان:

الصورة الأولی: إن کان زوال التلبس مقدماً علی أمر المولی بإکرام العلماء

ص: 461


1- قال (قدس سره) فی الکفایة، ص45: «و أمّا الأصل العملی فیختلف فی الموارد فأصالة البراءة فی مثل "أکرم کل عالم" یقتضی عدم وجوب إکرام ما انقضی عنه المبدأ قبل الإیجاب کما أنّ قضیة الاستصحاب وجوبه لو کان الإیجاب قبل الانقضاء». و فی بحوث فی علم الأصول، ص 379 و 380: «فی ما یتعلّق بالأصل فی المسألة الفقهیة الفرعیة إن أرید إجراء الاستصحاب الموضوعی و نعنی به: استصحاب بقاء صدق المشتق بعد الانقضاء لترتیب أثره الشرعی ففیه: أنّه من الأصل فی الشبهة المفهومیة و هو خلاف ما حقّقناه فی موضعه من بحوث الاستصحاب و إن أرید استصحاب بقاء الحکم المترتب علی المشتق فتارة ... و أخری یفرض ترتبه [أی الحکم] علی مطلق وجوده [أی المشتق] کما إذا قال: "أکرم کل عالم" ... و فی الفرض الثانی فصل صاحب الکفایة (قدس سره) بین ما إذا تنجّز الحکم بعد انقضاء المبدأ و ما إذا کان متنجّزاً من حین التلبس فشک فی ارتفاعه بانقضاء التلبس فحکم باستصحاب عدم الحکم فی الأوّل و استصحاب بقاء الحکم فی الثانی و فی کلا الشقّین من هذا التفصیل کلام: أمّا الشقّ الأوّل فلأنّ مقتضی التحقیق المطابق مع مسالکه (قدس سره) أیضاً التفصیل بین حالتین: الأولی ما إذا تأخّر جعل الحکم عن زمان التلبس فتجری أصالة البراءة عن التکلیف أو استصحاب عدمه لکونه من الشک فی حدوث التکلیف. الثانیة ما إذا کان الجعل ثابتاً فی زمان التلبس أیضاً و لکنّه کان معلّقاً علی شرط - کنزول المطر مثلاً- یتحقق بعد انقضاء التلبس و فی مثله یجری استصحاب الحکم بنحو القضیة التعلیقیة حیث یقال إنّ المطر لو کان قد نزل قبل الانقضاء کان الحکم فعلیاً و یشک فی فعلیته بعده لاحتمال دخل فعلیة التلبس فیه کاحتمال دخل العنبیة فی حرمة العصیر المغلی فیجری الاستصحاب التعلیقی عند القائلین به» الخ. و راجع درر الفوائد، ص61 و مباحث الأصول، ص193.

فنشک فی وجوب إکرام زید من جهة احتمال صدق العالم علیه بناء علی وضع المشتق للأعم فتجری البراءة.((1))

الصورة الثانیة: و إن کان الأمر بالإکرام مقدماً علی زوال التلبس بالعلم، نشک بعد زوال التلبس فی بقاء وجوب إکرام زید فحینئذ نستصحب وجوب إکرامه.

إیرادان من المحقق الخوئی علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سرهما):
اشارة

((2))

إنّ الأصل العملی عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی البراءة فی کلتا الصورتین و لذا نراه یناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من جریان الاستصحاب فی الصورة الثانیة بوجهین:

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة عندنا دائماً معارض باستصحاب عدم سعة المجعول فیتساقط الاستصحابان.

جواب عن هذا الإیراد:

إنّه إشکال مبنائی و نذکر إن شاء الله فی مبحث الاستصحاب أنّ الحق

ص: 462


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص448: «قد یقال: لیس فی المسألة أصل یرجع إلیه فی الموارد المشتبهة ... نعم ربّما یجری فیه - کنظائره- الأصل فی نفی الآثار المترتبة علی الحقیقة و الموضوع له فیما لو قال الشارع: "یجوز التیمم علی الصعید" و "یکره البول تحت الأشجار المثمرة" فإنّ القدر المتیقن من مورد الحکم هو المفهوم الخاص لأنّه إمّا نفس الحقیقة أو فرد منه و ما عداه موضع شک فینفی الحکم عنه بالأصل لأصالة عدم تعلقه بالزائد». و فی حقائق الأصول، ص111: «أقول: الأولی الرجوع فی الفرض الأوّل إلی استصحاب عدم وجوب الإکرام عکس الفرض الثانی لا أصالة البراءة».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص243 و ط.ج. ص278.

جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة و الموضوعیة کما هو المشهور و اختاره الشیخ الأنصاری (قدس سره) .

الإیراد الثانی:

((1))

إنّه شبهة مفهومیة و الاستصحاب لایجری فی الشبهات المفهومیة لا حکماً و لا موضوعاً.

أمّا عدم جریانه حکماً فلأنّا إذا شککنا فی بقاء وجوب صلاة العصر أو الصوم بعد استتار القرص و قبل ذهاب الحمرة المشرقیة عن قمة الرأس من جهة الشک فی مفهوم المغرب فإن کان مفهوم المغرب متقوماً باستتار القرص فالنهار منقض و معدوم و إن کان مفهوم المغرب متقوّماً بذهاب الحمرة المشرقیة فالنهار باقٍ و موجود.

فالأمر مردّد بین متیقن الزوال و متیقن البقاء فلم نحرز وحدة القضیة المتیقنة

ص: 463


1- و فی نهایة النهایة، ص69، فی التعلیقة علی قوله: «کما أنّ قضیة الاستصحاب»: «الموضوع فی الاستصحاب المذکور لم یحرز بقائه لتردّده بین ما هو باق جزماً أعنی به الأعم من المتلبس و المنقضی و ما هو مرتفع جزماً أعنی به خصوص المتلبس و معه لایجری الاستصحاب علی ما بین فی محلّه». و فی بحوث فی علم الأصول، ص381: «الاعتراض الثانی مبنی علی دعوی السیّد الأستاذ (حفظه الله) ذکرها فی أبحاث الاستصحاب، حاصلها: إنّ الشبهات المفهومیة لا مجال فیها للاستصحاب الحکمی کما لا مجال للاستصحاب الموضوعی لأنّ الشک فی بقاء الحکم ناشئ عن الشک فی بقاء الموضوع و یشترط فی الاستصحاب إحراز بقائه و قد أوضحنا هناک: أنّ مسألة انحفاظ موضوع الحکم المستصحب و عدمه لا ربط لها بکون الشبهة الحکمیة مفهومیة أم لا و إنّما ترتبط بمدی تشخیص العرف للحیثیة المفقودة المحتمل دخلها فی الحکم و اعتبارها رکناً مقوّماً للموضوع أم لا فقد تکون الشبهة مفهومیة و مع ذلک لاتکون حیثیة التلبس المنقضیة مقوّمة للموضوع بحسب نظر العرف فیکون الاستصحاب جاریاً فالصحیح ملاحظة هذه النکتة فی التفصیل کما هو واضح». و راجع وسیلة الوصول، ص150 و منتقی الأصول، ص344.

و المشکوکة لعدم إحراز بقاء الموضوع فلایجری الاستصحاب.

و أمّا عدم جریانه موضوعاً فلعدم الشک فی الأمر الخارجی لأنّ استتار القرص خارجاً معلوم لنا بالعیان و هکذا ذهاب الحمرة غیر محقق بالعیان و الاستصحاب متقوم بالیقین السابق و الشک اللاحق مع أنّ الشک اللاحق مفقود فی المقام.

تتمیم صور المسألة:

هنا صورة أخری و هی أن یتعلق الأمر بوجوب الإکرام بعنوان العالم بنحو الإطلاق البدلی فحینئذٍ إن أکرمنا من انقضی عنه المبدأ فشککنا فی امتثال الأمر فالأمر یدور بین امتثال الفرد المنقضی عنه المبدأ أو المتلبس تخییراً و امتثال المتلبس بالمبدأ تعییناً، فهذه المسألة صغری دوران الأمر بین التعیین و التخییر.

و قال المحقق العراقی (قدس سره) هنا بالاشتغال و نتیجته هو وجوب خصوص المتلبس بالمبدأ و لکن مختار بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) و أیضاً السیّد الصدر (قدس سره) ((2)) البراءة.

ص: 464


1- تحقیق الأصول، ج1، ص377.
2- مباحث الدلیل اللفظیة، ج1، ص380؛ فی بحوث فی علم الأصول، ص 379 و 380: «تارة یفرض أنّ الحکم مرتب علی المشتق بنحو الإطلاق البدلی علی صرف وجوده کما إذا قال: "أکرم عالماً" ... ففی الفرض الأوّل الذی یکون الشک فیه بحسب الحقیقة فی متعلّق الحکم لا موضوعه - فیما إذا لم یفرض انحصار العالم فی المنقضی عنه المبدأ- یکون الدوران بین التعیین و التخییر الذی هو مجری أصالة البراءة عن التعیین عندنا مطلقاً فیجوز الاکتفاء فی مقام الامتثال بإکرام من کان عالماً سابقاً».
الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق
اشارة

إنّ أکثر أعلام المتأخرین قالوا بوضع المشتق لخصوص المتلبس بالمبدأ و لکن اختلفوا فی کیفیة الاستدلال.

فبعضهم منعوا الوضع للأعم ثبوتاً لعدم الجامع بین الفرد المتلبس و المنقضی کما أفاده المحقق النائینی((1)) و المحقق الإصفهانی((2)) و السیّد الخوئی (قدس سرهم) فی الدورة السابقة((3))- و لکن عدل عنه فی المحاضرات- و السیّد الروحانی((4)) و السیّد الصدر (قدس سرهم) .((5))

و بعضهم قالوا بوضعها لخصوص المتلبس للدلیل الإثباتی مثل صاحب الکفایة و المحقق العراقی((6)) و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سرهم) ((7)) و بعض

ص: 465


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص 110 و 115 و فی فوائد الأصول، ص119 و 120: «لا وجه للتفصیل بین مبادئ المشتقات أو هیئاتها فالعمدة فی المسألة هو إثبات وضع المشتق لخصوص المتلبس مطلقاً فی جمیع الموارد أو وضعه للأعمّ کذلک مطلقاً و الأقوی: انّه موضوع لخصوص المتلبس مجاز فی غیره».
2- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص195.
3- دراسات فی علم الأصول، ج1، ص120 و 121، قال هنا بعدم إمکان الجامع علی القول بالأعم بین المتصف و غیر المتصف و صرّح بامتناع الجامع لکن عدل عن ذلک فی المحاضرات.
4- منتقی الأصول، ج1، ص349.
5- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص374، قال (قدس سره): «یکفینا دلیلاً علی بطلان الوضع للأعم ما تقدّم من عدم تیسّر تصوّر معنی جامع بین المتلبس و المنقضی عنه المبدأ».
6- مقالات الأصول، ص186 قال (قدس سره): «و أمّا الأقوال فکثیرة من دخل خصوص حال التلبس مطلقاً و عدمه کذلک و التفاصیل المزبورة فی کتبهم بأنحاء مختلفة لایهمّنا شرحها بعد ما لم یکن لها أساس قابل للذکر فالعمدة هو القولان الأوّلان و الذی یقتضیه النظر فیهما أیضاً هو اختیار القول الأوّل».
7- مباحث الأصول، ج1، ص180 و 193 و..

الأساطین (حفظه الله) و هو المختار فی المحاضرات((1)) و تهذیب الأصول.((2))

و لذا لابدّ من بحثین فی ضمن المقامین:

المقام الأول: بحث ثبوتی؛ و المقام الثانی: بحث إثباتی.

و هنا أقوال أخری فی بحث المشتقّ لا یهمّنا الکلام حولها، فعدلنا عنها. ((3))

ص: 466


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص251و252 و ط.ج. ج1، ص287 «إن تصویر الجامع علی القول بالأعم بأحد هذین الوجهین بمکان من الإمکان و علی هذا الضوء یظهر أن للنزاع فی مقام الإثبات مجالا واسعا ... و أما الکلام فی مقام الإثبات فلاینبغی الشک فی أن المشتق وضع للمتلبس بالمبدأ فعلا و یدل علی ذلک أمور» الخ .
2- تهذیب الأصول، ج1، ص85، مستدلاً بخصوص التبادر.
3- هنا أقوال أخری: 1) فی مبادئ الوصول، ص67: «لایشترط بقاء المعنی فی صدقه [أی المشتق]» و فی زبدة الأصول، ص59: «و لایلزم بقاء المعنی فی صدقة [أی المشتق] حقیقة». و فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371 ذکر أنّ هذا القول «هو المعروف بین أصحابنا و قد نصّ علیه العلّامة (رحمة الله) فی عدة من کتبه و السید العمیدی و الشهید و المحقق الکرکی و عزاه جماعة إلی أصحابنا الإمامیة مؤذنین باتفاقهم علیه منهم السید العمیدی و الشهید الثانی و أسنده فی المبادئ إلی أکثر المحققین و فی المطوّل إلی الأکثر و قد ذهب إلیه کثیر من العامة منهم عبد القاهر و الشافعی و من تبعه و حکی ذلک من الجبائی و المعتزلة و عزی إلی ابن سینا و غیره». و راجع تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص451 و إیضاح الفوائد، ج3، ص52 و جامع المقاصد، ج1، ص103 و روض الجنان، ج1، ص83 و الفوائد الملیة، ص46 و المسالک، ج9، ص179 و مصابیح الظلام، ج6، ص80 و معالم الدین، ج1، ص398 و ذخیرة المعاد، ج1، ص144 و أنوار الفقاهة، کتاب النکاح، ص82. 2) فی القوانین، ص76: «و المشهور بینهم فی محلّ الخلاف قولان المجاز مطلقاً و هو مذهب أکثر الأشاعرة و الحقیقة مطلقاً و هو المشهور من الشیعة و المعتزلة و هناک أقوال أخر منتشرة و الظاهر أنّها محدثة من إلجاء کل واحد من الطرفین فی مقام العجز عن ردّ شبهة خصمه ففصل جماعة ... و الأقوی کونه مجازاً مطلقاً». و ذکر فی هدایة المسترشدین، ج1، ص371، أنّ هذا القول «عزی إلی الرازی و البیضاوی و الحنفیة و حکاه فی النهایة عن قوم». و فی شرح طهارة قواعد الأحکام للشیخ جعفر کاشف الغطاء، ص96: «أمّا لو بنی علی أنّ المشتق حقیقة فی المتصف بالمبدأ حال التلبس کما هو الأقوی». راجع تقریرات المجدّد الشیرازی، ص263 و رسالة فی المشتق، ص148 و الکفایة، ص45 و درر الفوائد، ص62 و وسیلة الوصول، ص156 و وقایة الأذهان، ص175 و منتهی الأصول، ص103 و أصول الفقه، ص102 و زبدة الأصول، ص140 و المحکم فی أصول الفقه، ص237: و الرافد، ص252 و إیضاح الفوائد، ج4، ص145 و الحدائق، ج2، ص71. و راجع أیضاً إلی المستمسک، ج4، ص17 و مصباح الهدی، ج3، ص96 و جامع المدارک، ج14، ص204. 3) فی الوافیة، ص62: «الحق: أنّ إطلاق المشتق باعتبار الماضی حقیقة إذا کان اتصاف الذات بالمبدأ أکثریاً بحیث یکون عدم الاتصاف بالمبدأ مضمحلاً فی جنب الاتصاف و لم تکن الذات معرضة عن المبدأ أو راغبة عنه سواء کان المشتق محکوماً علیه أو محکوماً به و سواء طرأ الضد أم لا لأنّهم یطلقون المشتقات علی المعنی المذکور من دون نصب القرینة کالکاتب و الخیاط و القارئ و المتعلم و المعلّم و نحوها و لو کان المحل متصفاً بالضد الوجودی کالنوم و نحوه». 4) فی هدایة المسترشدین، ج1، ص386: «الذی یتقوی فی بادئ النظر أن یقال بالتفصیل بین المشتقات المأخوذة علی سبیل التعدیة و لو بواسطة الحرف و المأخوذة علی سبیل اللزوم فالأولی موضوعة للأعم من الماضی و الحال و الثانیة موضوعة لخصوص الحال فیکون هناک وضعان نوعیان متعلقین بالمشتقات باعتبار نوعیها و لو مع اتحاد الصیغة فاعتبر فی أحدهما حصول الاتصاف فی الجملة سواء کان حاصلاً فی الحال أو لا و فی الآخر تحقّقه بالفعل علی النحو المذکور. یشهد بذلک استقراء الحال فی المشتقات». و فی الفصول، ص60: «الحق أنّ المشتق إن کان مأخوذا من المبادی المتعدیة إلی الغیر کان حقیقة فی الحال و الماضی أعنی فی القدر المشترک بینهما و إلّا کان حقیقة فی الحال فقط». و راجع مفتاح الکرامة، ج18، ص396. 5) فی نهایة النهایة، ص70 عند التعلیقة علی قوله: «لأجل توهم اختلاف المشتق باختلاف»: «المختار عندنا هو التفصیل تفصیلاً ثلاثیاً بین اسم الفاعل و اسم المفعول و سائر المشتقات بأن یقال إنّ اسم الفاعل لایعتبر فی مدلوله التلبس بالمبدأ أصلاً لأنّ مدلوله لایزید علی الذات مقیدة بکونه علة و مصدراً للمبدأ فالذات الفاعل للمبدأ فاعلیة اقتضائیة مدلول اسم الفاعل سواء کان هناک تأثیر فی الخارج فی إحدی الأزمنة أم لم یکن و أمّا اسم المفعول فیعتبر فی مدلوله التلبس بالمبدأ فی الجملة أعمّ من الفعلی و الانقضائی و لاتکفی القابلیة الاقتضائیة فیه و أمّا بقیة المشتقات فیعتبر فی مدالیلها فعلیة التلبس بالمبدأ» الخ. 6) فی نهایة الأصول، ص64، قال بعد ذکر القول بأنّه حقیقة فی الأعم إن کان مبدئه ممّا ینصرم و فی الأخص إن کان ممّا یمکن بقائه و ثباته: «کان هذا القول وجیهاً عندنا فی السابق». و راجع أیضاً تحریرات فی الأصول، ص345. 7) فی مصباح الهدایة فی إثبات الولایة للسیّد علی البهبهانی، ص131: «إنّما لایصدق المشتق حقیقة علی ما انقضی عنه المبدأ إذا کان المبدأ من قبیل الصفات کالعالم و الجاهل و القائم و القاعد و أمّا إذا کان المبدأ من قبیل الأفعال التی یکون العنوان المأخوذ منها منتزعاً من حدوث المبدأ من الذات کالضارب و القاتل و الوالد و الولد فصدق المشتق فیها دائر مدار حدوث المبدأ و لایعتبر فیه بقاؤه» الخ.

ص: 467

ص: 468

المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی (هنا نظریتان:)
اشارة

(1)

قال بعض الأعلام بعدم إمکان الوضع للأعم.

ص: 469


1- . و فی مناهج الوصول، ص212: «إنّ الجامع الذاتی بینهما غیر ممکن لأنّ المدعی أنّ الفاقد یصدق علیه المشتق فی حال فقدانه لأجل التلبس السابق لا الجری علیه بلحاظ حال التلبس فإنّه لا نزاع فی أنّه حقیقة حتی فیما سیأتی و معلوم أنّ الجامع بین الواجد و الفاقد ممّا لایعقل و الجامع الانتزاعی البسیط - أیضاً - غیر متصوّر بحیث یدخل فیه الواجد و الفاقد الذی کان متلبساً و یخرج منه ما سیتلبس و الجامع البسیط الذی ینحلّ إلی المرکب - أیضاً - غیر معقول لأنّ مثله إنّما یتصوّر فیما إذا کان الواقع کذلک فإنّه مأخوذ منه فلابدّ من الالتزام بالترکیب التفصیلی و هو یرجع إلی الاشتراک اللفظی و لو بوضع واحد ... و یعود محذور عدم الجامع مطلقاً و الترکیب التفصیلی الراجع إلی الاشتراک اللفظی فلیس للقائل بالأعم وجه معقول یعتمد علیه» الخ. و فی جواهر الأصول، ج2، ص73: «یظهر من المحقق العراقی (قدس سره): أنّه یمکن تصویر الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه علی بعض الأقوال فی المشتق و لایمکن تصویره علی بعض آخر و ذلک لأنّه لو قلنا: إنّ المشتق موضوع لمفهوم مرکب من الذات و المبدأ و النسبة أو قلنا بأنّه موضوع للحدث المنتسب إلی الذات بحیث تکون النسبة داخله و الذات خارجه أو قلنا بأنّه موضوع للحدث المنتسب إلی ذات ما بنحو تکون الذات و النسبة معاً خارجین عن مفهومه و یکون الموضوع له عبارة عن الحصة من الحدث المقترنة بالانتساب إلی ذات ما فیمکن تصویر الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه و أمّا لو قلنا بأنّ مفاده الحدث الملحوظ لابشرط فی قبال المصدر و اسمه - اللذین یکون مفادهما الحدث الملحوظ بشرط شیء- فیشکل تصویر الجامع ... انتهی ملخصاً». و فی مباحث الأصول، ص197: «قد یستدلّ للوضع للمتلبس بما دلّ علی بساطة المشتق فإنّ النزاع مبتن علی الترکیب الذی یتحقق معه بقاء الذات المأخوذ فی المشتق مع انقضاء التلبس بالوصف المأخوذ فی المشتق انتساب الذات إلیه و أمّا علی البساطة فالمشتق کالجامد فی کون المدلول شیئاً فارداً لا بقاءً له مع الانقضاء إذ المنتفی فیهما نفس المدلول لا صفة مأخوذة فیه بل القائم حینئذٍ کالقیام و الحجریة فی عدم مجیء احتمال الصدق مع الانقضاء و إن افترقت ببقاء علاقة التجوّز فی القائم دون القیام و الحجر و نحوهما و قد نسب القول بابتناء النزاع علی الترکیب إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی ما عن بعض تلامذته»
النظریة الأولی:ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

ما أفاده فی المقام أوّلاً هو التفصیل و الوجه فیه ابتناء النزاع علی القول ببساطة المشتق (فیکون موضوعاً لخصوص المتلبس) أو ترکّبه (فیکون موضوعاً للأعم)

فقال: إن قلنا بالترکّب فحیث إنّ مفهوم المشتق أخذ فیه انتساب المبدأ إلی الذات و یکفی فی الانتساب التلبس فی الجملة فلامحالة یکون موضوعاً للأعم.

و إذا قلنا بالبساطة فإنّه علیها لیس المشتق إلّا نفس المبدأ المأخوذ لابشرط فهو ملازم لصدق نفس المبدأ و مع انتفائه (أی انتفاء المشتق) ینتفی العنوان الاشتقاقی أیضاً و یکون حاله حینئذ حال الجوامد بعینها فی أنّ مدار صدق العنوان هو فعلیة المبدأ فکأنّ معنی المنقضی عنه المبدأ المنقضی عنه المشتق.

ثم عدل عن هذا البیان و قال بالوضع لخصوص المتلبس سواء قلنا بالبساطة أم بالترکیب، فقال ثانیاً: إنّه لایمکن تصور الجامع حتی بناء علی الترکیب.

بیانه: إنّ مفهوم المشتقات بناء علی الترکیب لیس مرکباً من مفهوم المبدأ و نسبة ناقصة تقییدیة حتی یکون المفهوم مرکباً من مفهوم اسمی و حرفی، إذ علیه لایمکن الحمل علی الذات أبداً، بل القائل بالترکّب إنّما یدّعی الترکّب من الذات و المبدأ، غایة الأمر أنّ المفهوم متضمن لمعنی حرفی کأسماء الإشارة و الموصولات

ص: 470


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص110 و 115 و فی بحوث فی علم الأصول، ص376 عدّ من الوجوه التی استدلّ بها علی الوضع لخصوص المتلبس ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) و قال: «یتألف من خطوتین أولاهما أنّ مدلول المشتق أمر بسیط کمدلول المصدر نفسه و لکن ملحوظاً لا بشرط من ناحیة الحمل. الثانیة: إنّ المشتق إذا کان بسیطاً فلایعقل وضعه للأعم لعدم الجامع عندئذٍ بین حالتی التلبّس و الانقضاء و الخطوة الثانیة من هاتین صحیحة علی ما تقدّم أیضاً إلّا أنّ الأولی منهما محل تأمّل بل منع علی ما تقدّم الکلام فیه مفصلاً فی الهیآت الإفرادیة».

و غیر ذلک و لذا قلنا: إنّه بناء علی الترکب فالذات هی الرکن، لکنّها لم تؤخذ مطلقة بحیث یکون المفهوم مرکباً من المبدأ و الذات علی إطلاقها بل بما هی متضمنة لمعنی حرفی فلما کان فردیة الفردین (أی المنقضی عنه و المتلبس) بلحاظ الزمان، فلابدّ أن یکون هناک زمان جامع بینهما و من المعلوم أنّ مفاهیم المشتقات عاریة عن الزمان، فماذا یکون جامعاً بینهما مع قطع النظر عن الزمان؟

فمع عدم اعتبار الزمان فی المفهوم و عدم تعقّل جامع آخر بین المتلبس و المنقضی عنه لابدّ أن یکون المشتق موضوعاً لخصوص المتلبس.

بیان منتقی الأصول لتوجیه نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ نسبة المبدأ إلی الذات فی حال التلبس تختلف عنها فی حال الانقضاء فإنّ الربط بین المبدأ و الذات فی حال التلبس ربط حقیقی واقعی و فی حال الانقضاء ربط مسامحی و ادعائی، إذ لا ارتباط حقیقة بینهما عند انعدام المبدأ لانعدام أحد طرفی النسبة فسنخ نسبة المبدأ إلی الذات حال التلبس یختلف عن سنخ نسبته إلیها فی حال الانقضاء.

فالوضع للأعم مع أخذ النسبة فی مفهوم المشتق یتوقف علی تصور جامع بین هاتین النسبتین و قد عرفت أنّ الجامع بین سنخین من النسبة مفقود لتغایر أنحاء

ص: 471


1- منتقی الأصول، ج1، ص349، قال (قدس سره) بعد ذکر إشکال المحقق الخوئی (قدس سره): «و التحقیق تمامیة ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) من عدم إمکان تصوّر الجامع سوی الزمان. بیان ذلک: أنّه قد عرفت فیما تقدّم أنّ المعانی الحرفیة من سنخ الوجود لا المفاهیم و علیه فکل منها یغایر الآخر لتغایر الوجودین فلایتصور الجامع بین سنخین من النسبة و الربط نعم الجامع بین أفراد سنخ واحد من الربط ممکن کالجامع بین النسب الظرفیة و هو النسبة الظرفیة و غیرها و من الظاهر أنّ نسبة المبدأ إلی الذات» الخ.

النسب و تباینها و لعل نظر المحقق النائینی (قدس سره) إلی هذا المعنی.

قبل بیان الملاحظات علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من ملاحظة عدول هذا المحقق عما أفاده أوّلاً من أنّه إن قلنا بالترکیب فالجامع بین المتلبس و المنقضی موجود و هو تلبس الذات بالمبدأ فی الجملة و الوجه فی عدوله عنه هو أنّ المشتق المرکب یتضمن المعنی الحرفی.

مناقشتان فی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

الأولی: مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالبساطة

((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّر فی ابتداء کلامه نظریة أستاذه المحقق النائینی (قدس سره) علی المبنی حیث لایتصور عنده الجامع بین المتلبس و المنقضی((3)) بل زوال المبدأ و انقضاؤه بمعنی انقضاء المشتق لاتحاد المبدأ و المشتق علی هذا القول.

ثم ناقش فی کلام المحقق النائینی (قدس سره) بوجهین فقال أوّلاً: إنّ المبنی مخدوش لترکّب المشتق؛ و ثانیاً: علی فرض بساطة المشتق لایکون المشتق عین مفهوم المبدأ بل هو مباین له.

ص: 472


1- فی منتهی الأصول، ص105: «و أنت خبیر بأنّ الجامع هو حصول التلبس بمبدأ للذات سواء کان باقیاً إلی زمان الجری و الانتساب أو کان منقضیاً عنها و هذا المعنی ملازم للزمان من جهة أنّ حصول التلبس أمر یقع فی الزمان کسائر الحوادث الزمانیة فلایلزم من الالتزام بمثل هذا الجامع دخول الزمان فی مفهوم الاسم و مدلوله کی یلزم منه ذلک المحذور».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص251 و ط.ج. ص287.
3- فی بحوث فی علم الأصول، ص371: «لاینبغی التردّد فی عدم معقولیة الجامع الأعم بناء علی القول ببساطة المشتق و أنّه موضوع بإزاء المبدأ ملحوظاً لا بشرط من حیث الحمل لعدم صدق المبدأ علی الفاقد له و لو لوحظ لا بشرط من حیث الحمل بداهة رکنیة المبدأ حینئذٍ فی صدقه».

و أمّا بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالترکیب:

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش لوجود الجامع بأحد الوجهین:((1))

الوجه الأوّل: إنّ الجامع هو اتصاف الذات بالمبدأ فی الجملة فی مقابل الذات التی لم تتّصف به بعد فالموضوع له علی القول بالأعم هو صرف الوجود للاتصاف العاری عن أیّة خصوصیة کما هو شأن الجامع.

أو فقل: إنّ الجامع بینهما خروج المبدأ من العدم إلی الوجود.

الوجه الثانی: إنّا لو سلمنا أنّ الجامع الحقیقی بین الفردین غیر ممکن، إلّا أنّه یمکننا تصویر جامع انتزاعی بینهما و هو عنوان أحدهما و لا ملزم هنا لأن یکون الجامع ذاتیاً، لعدم مقتضٍ له، إذ فی مقام الوضع یکفی الجامع الانتزاعی، لأنّ

ص: 473


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص 371 - 373: «أمّا تصویر معنی جامع أعمّ علی القول بترکب المشتق فیمکن أن یذکر بشأنه عدة وجوه» الثالث و الرابع منها هو ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) و جاء فی المتن قال: «1- أن یفرض المعنی الجامع عبارة عن الذات التی لها التلبس بالمبدأ فی أحد الزمانین الماضی أو الحاضر و فیه: ما تقدّم من عدم أخذ الزمان فی مدلول المشتق 2- إنّ الجامع هو الذات التی صدر عنها المبدأ بأن یکون مفاد الفعل الماضی بنحو النسبة الناقصة مأخوذاً فی مدلول المشتق "فعالم" یعنی"من علم" و "قائم"، "من قام" و هکذا فیصدق علی المتلبس و المنقضی عنه التلبس بالمبدأ معاً و فیه: أوّلاً: یلزم عدم صدق المشتق علی الذات بلحاظ آن حدوث المبدأ ... و ثانیاً: یلزم عدم صحة إجراء المشتق بلحاظ المستقبل ... و ثالثاً: عدم صحة أخذ مفاد الفعل الماضی فی جمیع المشتقات کما یتّضح بمراجعة أسماء الآلة أو المکان و الزمان أو غیرها من المشتقات و رابعاً: إنّ الفعل الماضی یدلّ علی حرکة المبدأ و صدوره من ذات و مثل هذا المعنی غیر مأخوذ فی المشتقات فإنّها تحکی عن الذات المتّصفة بالمبدأ و لاتحکی عن حیثیة حرکة المبدأ و صدوره منها» و قال فی ص373: «5- أن یکون الجامع عبارة عن الذات المنتقض عدم المبدأ الأزلی فیه و هو صادق علی المنقضی لأنّ عدم المبدأ فیه لیس بأزلی و فیه: ما تقدّم فی الاعتراض الأوّل علی الوجه السابق» أی الوجه الأوّل ممّا ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) .

الحاجة التی دعت إلی تصویر جامع هنا هی الوضع بإزائه وهو لایستدعی أزید من تصویر معنیً ما، سواء کان المعنی من الماهیات الحقیقیة أم من الماهیات الاعتباریة أم من العناوین الانتزاعیة.

یلاحظ علیها:

أمّا الوجه الأوّل:((1)) فهو المستفاد من کلام المحقق النائینی (قدس سره) فی أوّل الأمر ثم أعرض عنه و وجّهه فی منتقی الأصول بعدم إمکان الجامع بین سنخین من النسبة و قد نقلنا بیانهما. و أمّا الاتصاف الجامع فلیس مدلولاً للهیأة لأنّ الهیأة لاتدلّ علی المعنی الاسمی.

و أمّا الوجه الثانی: فقد أشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله)((2)) و السیّد الصدر (قدس سره) ((3)) بأنّه لو وضع المشتق لعنوان أحدهما فلابدّ أن یحضر هذا المعنی فی الذهن مع عدم

ص: 474


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص373: «فیه: أوّلاً: عدم انفهام انتقاض عدم المبدأ أو خروجه من العدم فی المشتقات بل العرف بشکل عام یفهم معانی المشتقات من طرف وجود المبادئ فیها ابتداءً لا بتوسیط إعدامها؛و ثانیاً: إن أرید أخذ مفهوم الانتقاض الاشتقاقی کعنوان المنتقض فهو أیضاً مشتق لابدّ من تحدید معنی جامع له لکی لایختص بالمنتقض فیه العدم بالفعل و إن أرید أخذ الانتقاض بنحو الفعل الماضی رجع إلی الوجه الثانی المتقدّم و قد عرفت عدم المساعدة علیه و إن أخذ مبدأ الانتقاض منسوباً إلی الذات بنحو النسبة الناقصة کان کنسبة أی مبدأ اشتقاقی بحاجة إلی تصویر معنی جامع یشمل صورة انقضائه تلبس الذات به».
2- تحقیق الأصول، ج1، ص382.
3- مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص372 و 373، قال (قدس سره): «إنّ مجرّد معقولیة جامع انتزاعی کعنوان أحدهما الذی یمکن أن ینتزع من النقیضین فضلاً عن غیرهما، لایکفی إذ المقصود تصویر جامع یحتمل بشأنه أن یکون هو المعنی الموضوع له للمشتقات و لا إشکال فی عدم انفهام مفهوم أحدهما عن المشتق و لو کان المشتق موضوعاً بإزاء مفهوم أحد الفردین المتلبس و المنقضی لزم عدم تعقل الشمولیة فیه لأنّ عنوان أحدهما أو واحد منها عنوان بدلی دائماً».

انفهام مفهوم أحدهما عن المشتق.

الثانیة: ملاحظتنا علی کلام المحقق النائینی (قدس سره)

یلاحظ علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) و تقریر منتقی الأصول بأن الوضع للأعم لایتوقف علی أن یکون الموضوع له هو المعنی الجامع الأعم حتی یقال باستحالة الجامع الحقیقی بین أنحاء النسب التی هی مفاد الهیأة بل الموضوع له فی الهیئات ذات النسب الشخصیة و آحادها.

بل یکفی فی الوضع للأعم وجود الجامع العنوانی و تصوره حین الوضع بحیث یکون الموضوع له معنوناته والجامع العنوانی بین المتلبس و المنقضی عنه موجود مثل الاتصاف و التلبس فی الجملة فالوضع للمعنی الأعم ممکن.

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هنا فروض ثلاثة:
اشارة

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أشار إلی مبانی الأعلام فی هذا البحث من جهة إمکان وجود الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه.

ص: 475


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص195؛ و فی مناهج الوصول، ص214: «و یتلوه ما قیل: من أنّ مفهوم الوصف بسیط، إمّا علی ما یری العلّامة الدوانی من اتحاد المبدأ و المشتق ذاتاً و اختلافهما اعتباراً أو علی نحو آخر و معه لایعقل الوضع للأعم ثمّ أخذ فی الاستدلال علی الامتناع و فیه: أنّ بساطة مفهوم المشتق و ترکیبه فرع الوضع و طریق إثباته التبادر لا العقل و سیأتی الکلام فی الوجوه العقلیة التی أقاموها علی البساطة و بالجملة هذه المسألة اللغویة الراجعة إلی مفهوم اللفظ لا طریق لإثباتها إلّا مبانی إثبات سائر اللغات و العقلیات بمراحل عنها إلّا أن یکون المقصود تقریبات لإثبات التبادر و الحق تبادر المتلبس لا المعنی الأعم علی فرض تصویره».
الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره)

إنّ المحقق الدوانی (قدس سره) یری اتحاد المبدأ و المشتق ذاتاً و اختلافهما اعتباراً فإنّ المبدأ یلاحظ من أطوار موضوعه و شؤونه و یکون مرتبة من الموضوع فحینئذ مع زوال المبدأ و انقضاء التلبس به لا شیء هناک حتی یعقل لحاظه من أطوار موضوعه، فکیف یعقل الحکم باتحاد المبدأ مع الذات فی مرحلة الحمل مع عدم قیام المبدأ بالذات؟ و مع القول بالبساطة بهذا الوجه لایعقل الوضع للأعم.

الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هو المختار

إنّ مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ مفهوم المشتق صورة مبهمة متلبسة بالقیام علی نهج الوحدانیة کما هو کذلک فی الخارج.

فعلی هذا إنّ مطابق هذا المعنی الوحدانی لیس إلّا الشخص علی ما هو علیه من القیام مثلاً، فحینئذٍ لایعقل معنی بسیط یکون له الانتساب حقیقة إلی الصورة المبهمة المقوّمة لعنوانیة عنوان المشتق و مع ذلک یصدق علی فاقد التلبس. و مع القول بالبساطة بهذا الوجه أیضاً لایعقل الوضع للأعم.

الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق (هنا احتمالان: )
اشارة

أمّا علی القول بترکب مفهوم المشتق حقیقة - سواء کان مفهوم المشتق «من حصل منه الضرب» مثلاً کما هو الرأی فی بادی النظر عن العلّامة (قدس سره) (فی تهذیب الأصول إلی علم الأصول) أو کان مفهوم المشتق «من له الضرب» کما عن صاحب الفصول (قدس سره) - فإنّ الصدق علی الأعم فی «من حصل منه الضرب» بملاحظة أنّ من زال عنه الضرب یصدق علیه أنّه من حصل منه الضرب و

ص: 476

الصدق علی الأعم فی «من له الضرب» بملاحظة إهمال النسبة من حیث الفعلیة و الانقضاء.

الاحتمال الأوّل: ترکب المشتق بمعنی من حصل منه الضرب
إیرادان علی هذا الاحتمال:

أوّلاً: یلزم ترکب المشتق من الفعل الماضی (حصل) و زیادة.

ثانیاً: یلزم المجازیة فی مثال «زید ضارب الآن» أو «زید ضارب غداً» لأنّ قید الآن و قید غداً مناف للفعل الماضی المأخوذ فی المشتق.

الاحتمال الثانی: ترکب المشتق بمعنی من له الضرب
إیرادان علی الاحتمال الثانی:
اشارة

أوّلاً: علی فرض الإهمال فی النسبة من حیث الفعلیة و الانقضاء تکون النسبة مهملة بالنسبة إلی الاستقبال أیضاً فیصدق علی من یتلبّس استقبالاً بالحقیقة لا بالمجاز.

ثانیاً: إنّ النسبة حقیقتها الجامعة لجمیع أنحائها هو الخروج من العدم إلی الوجود و هو عین الفعلیة فلا معنی لإهمالها و لا لکونها أعم من الوجود و العدم. (فإنّ النسبة متشخصة و الشخصیة عین الفعلیة).

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن هذین الإیرادین:

أجاب بعض الأساطین (حفظه الله) عن بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی القول بترکب المشتق و تفسیر المشتق «بمن له الضرب» مثلاً:

ص: 477

أمّا الجواب عن إیراده الأوّل: فبأنّ الإهمال لیس من جمیع الجهات بل إهمال النسبة من جهة الفعلیة و الانقضاء أمّا النسبة فهی متعینة من جهة الاستقبال فلاتصدق علی المستقبل إلّا بالمجاز.

و أمّا الجواب عن إیراده الثانی: فبالنقض فی مثل عنوان الممتنع و المعدوم حیث یستحیل خروجهما من العدم إلی الوجود و هکذا بالنقض فی المجردات فإنّها لاتخرج من العدم إلی الوجود.

تحقیق المقام:

إنّ النسب اللفظیة حاکیة عن النسب الواقعیة الخارجیة أو نفس الأمریة و لکن النسبة الواقعیة بین الذات و المبدأ منتفیة فی المنقضی عنه المبدأ فمطابق النسبة فی المنقضی عنه المبدأ معدوم.

و لایجدی سبق وجود النسبة فی المقام، لأنّ ذلک یتوقف علی وجود ما یدلّ علی معنی السبق مع خلوّ المادة و الذات و مفاد الهیأة عن إفادة ذلک.

نعم، إن کان فی المشتق ما یدل علی الاتصاف فی الجملة أو علی الزمان الأعم فیمکن تصحیح الوضع للأعم و لکن لیس فی المشتق ما یدل علیهما.

هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تصحیح کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) لکن التحقیق هو ما ذکرناه فی المناقشة علی کلام المحقق النائینی (قدس سره) .

بیانه: إنّ الکلام فی إمکان الوضع للجامع لا وقوعه فإنّ الوضع للجامع یصح بتصویر الجامع العنوانی الأعم حین الوضع و نتیجته الوضع لذات النسبة التقییدیة الناقصة المحققة سابقاً أو فعلاً علی أن یکون السبق خارجاً عن الموضوع له و لکن معرفاً لذات النسبة المحققة سابقاً و النسبة دائماً فعلیة إلّا أنّ

ص: 478

النسبة الفعلیة قد یکون وعاؤها الزمان السابق((1)) فلابدّ من البحث عن وقوع ذلک فی مقام البحث عن الدلالة الإثباتیة و عدم وجود ما یدلّ علی ذلک بل وجود ما یدلّ علی خلافه مرتبط بمقام الإثبات لا الثبوت.

فالمتحصّل أنّه إن قلنا ببساطة المشتق فیستحیل وضعه للمعنی الأعم من المتلبس و المنقضی و إن قلنا بترکب المشتق فیمکن وضعه للمعنی الأعم.

ص: 479


1- و الزمان السابق لیس قیداً للنسبة بل ظرف و وعاء له کما ذکرنا فی بحث دلالة الفعل علی الزمان الماضی.
المقام الثانی: فی البحث الإثباتی
استدلال القائلین بالوضع لخصوص المتلبس:
اشارة

قد استدل علی القول بوضع المشتق لخصوص المتلبس بأمور و المهمّ منها: التبادر و صحة السلب عن المنقضی عنه المبدأ و برهان التضادّ.

الدلیل الأوّل: التبادر
اشارة

((1))

بیانه: إنّ المرتکز عند أذهان أهل اللغة هو المتلبس بالمبدأ فعلاً أمّا ما انقضی عنه التلبس فلایصدق المشتق علیه إلّا بالقرینة.

و ذلک فی المشتقات الأدبیة -التی لها وضع نوعی باعتبار هیئاته- لایختصّ

ص: 480


1- فی القوانین، ص76: «لنا وجوه الأوّل تبادر الغیر منه و هو المتلبس بالمبدأ و هو علامة المجاز». و فی الکفایة، ص45: «و یدلّ علیه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ فی الحال». و فی نهایة الأصول، ص64: «و عمدة الدلیل علیه هو التبادر». و فی منتهی الأصول، ص103: «و الدلیل علی ذلک هو تبادر خصوص المتلبس و صحة سلب المشتق عن المنقضی عنه مبدأ الاشتقاق بلا شک و ارتیاب فإنّه یصحّ أن یقال للرجل الذی کان عادلاً و الآن هو فاسق أنّه الآن لیس بعادل بحیث یکون الآن قیداً للموضوع أو للسلب لا للمسلوب». و فی أصول الفقه، ص102: «و دلیلنا: التبادر و صحة السلب عمّن زال عنه الوصف فلایقال لمن هو قاعد بالفعل: "إنّه قائم" و لا لمن هو جاهل بالفعل: "إنّه عالم" و ذلک لمجرّد أنّه کان قائماً أو عالماً فیما سبق. نعم، یصحّ ذلک علی نحو المجاز أو یقال: "إنّه کان قائماً" أو "عالما" فیکون حقیقة حینئذٍ إذ یکون الإطلاق بلحاظ حال التلبس». و فی مناهج الوصول، ص213: «إنّ التبادر هو الدلیل الوحید فی مثل المقام الذی یکون البحث فیه لغویاً لا عقلیاً و هو یساعد علی المتلبس به لا الأعم و صحة السلب ترجع إلیه کما تقدّم و کذا ما یقال من تضاد الصفات المأخوذة من المبادئ المتضادة علی ما ارتکز لها من المعانی فإنّه لولا التبادر لما کان بینها تضاد ارتکازاً».

بلغة دون لغة لاشتراک اللغات فی الوضع النوعی.

و هذا التبادر مستند إلی حاق اللفظ و لایستند إلی القرینة کما هو المفروض و أیضاً لایستند إلی کثرة الاستعمال فی خصوص المتلبس.

إشکال فی المقام:

(1)

إنّ التبادر ینشأ من الإطلاق حیث إنّ المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد

ص: 481


1- . فی هدایة المسترشدین، ص380 بعد أن قال: «أحدها: أنّ المتبادر من الأحمر و الأصفر و الأبیض و الحسن و القبیح و الجمیل و الکریم و الصالح و التقی و الزاهد و العالم و الجاهل و نحوها هو خصوص من اتصف بتلک المبادئ فی الحال و التبادر دلیل الحقیقة» قال: «و یجاب عنه تارة بمنع کون التبادر المدعی مستندا إلی نفس اللفظ بل إلی غلبة الاستعمال و یکشف عنه أنّه لو کان کذلک لاطّرد فی غیرها من المشتقات لاتّحاد جهة الوضع فیها لما تقرّر من کون أوضاعها نوعیة و لعدم قائل بالتفصیل فی الألفاظ علی ما یظهر من کلماتهم کما عرفت و لیس کذلک إذ لایتبادر ذلک فی نحو القاتل و الجارح و البائع و المشتری و المعلّم و المضروب و المنصور و نحوها و أخری بأنّ التبادر المدعی فی تلک الأمثلة معارض بتبادر خلافه فی أمثلة أخری فإن أجیب بکون تبادر الأعم فی تلک الأمثلة من جهة الغلبة لم یکن ذلک أولی من العکس» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص457: «حجة القول باشتراط بقاء المبدأ وجوه: منها: تبادر المتلبس بالمبدأ دون المنقضی عنه المبدأ و التبادر علامة الحقیقة کما أنّ عدمه علامة المجاز و فیه: أنّ تلبس الذات بالمبدأ لا معنی له إلّا وجود المبدأ للذات فإن أرید بتبادره تبادر وجود المبدأ علی أنّه مدلوله باعتبار الوضع ففیه: منع تقدّم وجهه فإنّ وجود المبدأ و إن حصل الانتقال إلیه إلّا أنّه لیس لدخوله فی الوضع بل لکونه من باب الخارج اللازم لما دخل فیه و هو النسبة الواقعیة التی لاتتأتی بین الذات و المبدأ إلّا بوجوده و دخوله فی ظرف الخارج و إن أرید به تبادره علی أنّه مدلول له بالالتزام فهو لایقضی بمدخلیة بقائه فی بقاء مدلوله باعتبار الوضع» الخ. و فی تحریرات فی الأصول، ص348: «قد عرفت فی محلّه: أنّ الدور فی التبادر غیر قابل للدفع و لو سلّمنا تمامیته هناک فهاهنا مشکل آخر لأنّ الذی یتبادر من المفاهیم التصوریة هی الذات المبهمة مع الوصف و المبدأ و أمّا أنّ التلبس یکون بوصف الفعلیة أو الأعم فهو ممّا لایتبادر من اللفظ تصوّراً. نعم، المتبادر منه حال التطبیق و الصدق هو الفعلیة و لکنّه لایثبت کون منشأ التبادر هو الوضع فی هیأة المشتق بل من الممکن کون المنشأ أمراً آخر من غیر دخالة هیأة المشتق فی ذلک».

الأکمل أو ینصرف إلی الفرد الأغلب، فحیث إنّ التلبس الفعلی بالمبدأ هو الأغلب ینصرف المشتق إلیه و هو ینسبق إلی الذهن و التبادر الإطلاقی لیس دلیلاً علی الوضع.

جوابان عن هذا الإشکال:
اشارة

((1))

الجواب الأوّل: عن المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بکثرة استعمال المشتق فی موارد الانقضاء لو لم یکن بأکثر.

إشکال السیّد الصدر علی جواب المحقق الخراسانی (قدس سرهما):

(2)

استشکل السیّد الصدر علی جواب المحقق الخراسانی (قدس سرهما) فقال: إنّ موارد استعمالات المشتق إمّا الجملة غیرُ التطبیقیة کما إذا وقع المشتق فی سیاق الإنشاء و لا شبهة فی عدم صحة الاستشهاد بها علی الاستعمال فی المنقضی.

ص: 482


1- فی مباحث الأصول، ص193: «المناقشة فی التبادر بإمکان کونه من الانسباق من الإطلاق لا من الوضع غیر مقبولة هنا کما فی سائر موارد الاستدلال بالتبادر فی الوضع للخاص فی قبال الوضع للعام کالصحیح و الأعم و غیره و الجواب فی الجمیع أنّه إن کان انسباقاً معوّلاً علیه عند العرف المنسوب إلیهم الانسباق بحیث یحکمون به و لایتوقفون فی العمل علیه فلا فرق فی مقام العمل بین الانصراف المانع عن الأخذ بالإطلاق بهذا القید و بین الوضع فی جمیع موارد عدم القرینة علی الخلاف و إن کان غیر معوّل علیه فإن کان موجباً لتحیر العرف فهو خلف الفرض من دعوی ما لایتوقف معه فی العمل و إن کان غیر مانع عن العمل عندهم بالإطلاق الموافق للوضع للأعم فلازمه أنّه - مع خلوّ الذهن عمّا لا قرینیة له و لا اعتماد علیه و قصر النظر إلی حاق اللفظ - فالمتبادر حینئذٍ الأعم و الموجود فیه صحة الحمل لا صحة السلب و المفروض أنّه مع قطع النظر عن الأمور الخارجیة من مثل کثرة الاستعمال و قلّته فالمتبادر من حاق اللفظ هو المتلبس فی الحال» الخ.
2- . مباحث الدلیل اللفظی، ج1، ص275. و فی مباحث الأصول، ص195 بعد ذکر جواب الکفایة: «و یمکن المناقشة فیه بأنّ الجری بلحاظ حال التلبس أو بلحاظ حال الجری معنیان لا معنی واحد فیکون حقیقة علی الأعم مطلقاً بخلاف الوضع للخاص حیث یکون مجازاً إلّا مع ملاحظة حال التلبس فلا مجوّز للتجوّز مع التمکن من الاستعمال الحقیقی بلحاظ حال التلبس إلّا أن یقال: إنّ المعنیین متحدان بالنتیجة و الاختلاف بعد لحاظ حال التلبس فی الاستعمال المجازی فی حال الانقضاء و عدمه فیقال: الکثرة مشترکة بین المتلبس بالفعل فی زمان الجری و المتلبس بلحاظ الزمان الماضی فتبادر الأوّل لایکون منشأه الکثرة المشترکة مع کون الاستعمال حقیقیاً فی النحوین بل لا منشأ له إلّا الوضع لخصوص المتلبس فعلاً فی زمان الجری و الحمل کما یشهد به تبادر هذا من حاق اللفظ لا من کثرة الاستعمال کما مرّ فإنّه لا داعی علی الأعم إلی ملاحظة غیر زمان الجری مع کون الاستعمال حقیقة باللحاظین فلایکون انسباق المتلبس معلولاً إلّا للوضع للمتلبس لعدم الداعی إلی تبادر المتلبس مع الوضع للأعم و کون الإطلاق علی الحقیقة بلحاظ زمان الجری».

و إمّا الجملة التطبیقیة الإسنادیة مثل الضرب و ضربت العالم و الاستعمال فیها بلحاظ زمان إسناد الفعل.

و إمّا الجملة التطبیقیة الحملیة و فیها قد لاتکون الذات باقیة حین استعمال المشتق مثل قولنا: « الشیخ المفید عالم» و یتعین فیها أن یکون الجری بلحاظ زمان التلبس.

فموارد الاستعمال فی ما انقضی عنه التلبس بالمبدأ لیست کثیرة فضلاً عن أن تکون أکثر.

الجواب الثانی: عن السیّد الصدر (قدس سره)

لو سلّمنا استناد التبادر إلی الانصراف الناشئ من کثرة الاستعمال فی المتلبس فعلاً یکشف عن تعیّن اللفظ فیه تدریجاً.

فالتبادر إمّا یکشف عن الوضع التعیینی للمتلبس خاصّة أو لا أقل من کشفه

ص: 483

عن تعیّن الوضع له و هو علی حد الوضع التعیینی من جهة غرض الفقیه.

الدلیل الثانی: صحة السلب
اشارة

((1))

بیانه: إنّه یصحّ السلب مطلقاً عمّا انقضی عنه المبدأ کالمتلبس به فی الاستقبال حیث إنّ المشتق لایصدق علی من لم یکن متلبساً بالمبدأ و إن کان متلبساً به قبل الجری و الانتساب و یصح سلبه عنه.

إیراد المحقق الرشتی (قدس سره):

(2)

إنّه أورد علی الاستدلال بصحة السلب بأنّه إن أرید من صحة السلب

ص: 484


1- فی الفصول، ص61: «حجة القول بأنّه مجاز فی الماضی أنّه یصدق السلب المطلق أعنی السلب فی الجملة لصدق الأخص منه و هو السلب فی الحال فلایکون حقیقة فیه». و فی عنایة الأصول، ص 137 و 138: «لایخفی أنّ صحة السلب عمّا انقضی عنه المبدأ هی دلیل أقوی من التبادر فإنّ التبادر قد یناقش فیه الخصم بدعوی کونه إطلاقیاً مستنداً إلی کثرة الاستعمال لا حاقیاً مستنداً إلی الوضع أو یناقش فیه بالمنع عنه رأساً بدعوی تبادر الأعم و لکن صحة السلب عمّا انقضی عنه المبدأ هی سالمة عن جمیع هذا کلّه سیما إذا انضمّ إلیها کلمة الآن فنقول بعد انقضاء الضرب مثلاً عن زید، "إنّ زیداً لیس بضارب الآن" فلو کان المشتق موضوعاً للأعم لم یصح ذلک قطعاً بل صحّ أن یقال: "إنّ زیداً ضارب الآن».
2- . فی بدائع الأفکار، ص180: «و ربّما أورد علی صحّة السّلب و حاصله أنّه إن أرید بصحّة السّلب صحّته مطلقاً فممنوع و إن أرید صحّته مقیداً بالحال فغیر مجد لأنّ علامة المجاز صحّة السّلب المطلق و أجیب بأنّ التقیید بالحال فی القضیة السلبیة کقوله هذا لیس بضارب الآن إذا انقضی عنه الضرب إنّما یلاحظ بالقیاس إلی السلب دون المسلوب فالمراد النفی المقید بالحال لا نفی التقیید و من الواضح أنّ النفی المقید یستلزم نفی المطلق ضرورة ثبوت الملازمة بین الخاصّ و العام». و فی هدایة المستشردین، ص381: «ثانیها: صحة السلب مع انتفاء التلبس فی الحال فی الأمثلة المذکورة و یرد علیه المعارضة المذکورة بعدم صحته فی الأمثلة الأخیرة و قد یقرّر ذلک بوجه آخر، بیانه: أنّه یصحّ أن یقال لمن انقضی عنه الضرب فی الحال: "إنّه لیس بضارب الآن" و إذا صحّ السلب المقید صحّ السلب المطلق ضرورة صدق المطلق بصدق المقید ... و یمکن الإیراد علیه بالنقض و الحلّ، أمّا الأوّل فلأنّه لو تمّ ذلک لدلّ علی صحة سلبه عن المتلبس فی الحال أیضاً إذ یصحّ أن یقال لمن لم یکن متلبساً بالضرب فی الماضی و قد تلبّس به فی الحال: "إنّه لیس بضارب أمس" و صدق المقید یستلزم صدق المطلق... إلی آخر الدلیل و أمّا الثانی فبأنّ قوله: "الآن" إمّا أن یؤخذ قیداً فی المحمول أو ظرفاً للحکم فعلی الأوّل یسلم صدق السالبة المذکورة لکن لایکون نفس السلب حینئذٍ مقیداً بل یکون من قبیل سلب المقید و من البین أنّ سلب المقید لایستلزم سلب المطلق و علی الثانی صدق القضیة المذکورة ممنوع بل هو أوّل الدعوی إذ القائل بعدم اشتراط البقاء یقول بصدق الضارب علیه فی الحال مع تلبسه به فی الماضی» الخ. و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص457: «و منها: صحة سلب الاسم عن المنقضی عنه المبدأ لوضوح صحة قولنا - لمن ضرب بالأمس-: "إنّه لیس بضارب الآن" و فیه: إنّ السلب فی صحة السلب و عدمها تابع لما یقصد من اللفظ فإن قصد إرجاع السلب إلی التلبس بمعنی وجود المبدأ فی الذات فصحته مسلّمة غیر أنّه لایقضی بعدم صدق اللفظ باعتبار ما بقی بعد الانقضاء من الارتباط الواقعی... و إن قصد إرجاعه إلی أصل الارتباط لیکون مفاده إنّ الذات لا ربط بینها و بین المبدأ الموجود منها بعد انقضائه ففیه: إنّه کذب و فریة بل دعوی صحة السلب علی هذا التقدیر مدافعة لضرورة الوجدان». و راجع تحریرات فی الأصول، ص349.

صحته مطلقاً (أی زید لیس بضارب فی جمیع الأزمنة) فهذا غیر سدید لأنّه کذب حیث إنّ المفروض تلبس زید بالضرب فی الزمان الماضی.

و إن أرید من صحة السلب صحته مقیداً (أی زید لیس بضارب الآن) فهو صحیح لکنّه غیر مفید لأنّ علامة المجاز هی صحة السلب المطلق لا المقید.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

(1)

هنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: إرادة صحة السلب مقیداً بتقیید المسلوب (أعنی المشتق)

ص: 485


1- . فی منتهی الأصول، ص103: «بناء علی ما ذکرنا لایرد علی هذا الدلیل أنّه إن أراد المستدل صحة السلب مطلقاً فغیر سدید و إن أراد صحته مقیداً فغیر مفید لأنّنا أخذنا التقیید فی ناحیة الموضوع أو السلب و مثل هذا التقیید لایضر بالاستدلال». و فی عنایة الأصول، ص143 بعد ذکر جواب صاحب الکفایة: «أقول: و الإنصاف أنّ الجواب ممّا لایحتاج إلی مثل هذه التکلّفات بل نلتزم برجوع القید إلی نفس المسلوب کما هو ظاهر قولک: "زید لیس بضارب الآن" و نقول فی مقام الجواب إنّ صحة سلب الضارب المقید بالآن و إن لم یکن علامة لکون الضارب مطلقاً مجازاً فیه و لکنّه لا محالة علامة لکون الضارب المقید بالآن مجازاً فیه و هو یکفی إذ الذی نحن ندعیه فی المسألة هو هذا المقدار فقط أی کون الضارب الآن مجازاً فیه و إن لم یکن الضارب مطلقاً مجازاً فیه بل کان حقیقة فیه سابقاً فالذی نحن ندعیه یثبته صحة السلب المقید و ما لم یثبته هو نحن لاندّعیه و لانقول به». و فی بحوث فی علم الأصول، ص376: «هذا الاعتراض نشأ من الخلط بین تقیید الوصف الاشتقاقی بالفعلیة و تقیید مبدأ الاشتقاق فإنّ الذی لایضرّ بمقالة الخصم تقیید مبدأ الاشتقاق بالفعلیة و أمّا تقیید جری المشتق نفسه بذلک فی قولنا: "زید الآن لیس بجاهل" فهو ضار بمقالته لا محالة و الصحیح المناقشة فی کبری علامیة صحّة السلب بالنحو الذی تقدّم شرحه فی علامات الحقیقة و المجاز». و فی مباحث الأصول، ص 213 - 216: «أجیب بأنّ تقیید المسلوب و إن کان غیر مقتض للمجازیة کما تقدّم إلّا أنّه ممنوع و المسلّم تقیید السلب أو المسلوب عنه بحال الانقضاء مع إطلاق المسلوب فإنّه یقتضی المجازیة لصدق المطلق فی جمیع الأحوال و علی جمیع أطوار موضوعه فالسلب فی بعضها یکشف عن عدم إطلاق الموضوع له و أمّا لزوم التقیید فلمکان القطع بعدم صحة السلب مطلقاً بنحو یعمّ حال التلبس فالتقیید لأجل إخراج الجری بلحاظ حال التلبس الذی هو حقیقة علی کل من القولین و أمّا کون القید إحترازیاً فلایقتضی تقیید المسلوب لأنّ الاحتراز إنّما هو عن الجری فی زمان التلبس أو بلحاظ التلبس الماضی الزائل لا لتقیید المسلوب» الخ. و راجع أیضاً مقالات الأصول، ص 186 و 187.

مثل زید لیس بضارب فی حال الانقضاء و صحة هذا السلب علامة لعدم وضع المشتق لخصوص المنقضی عنه المبدأ و لیس علامة لعدم وضع المشتق للأعم من المتلبس و المنقضی، إلّا أنّه لا دلیل علی تقیید المشتق بحال الانقضاء.

الاحتمال الثانی: أن یکون القید للسلب، فصحة السلب حینئذ علامة للمجاز، لأنّ سلب الضارب عن زید فی ما إذا کان السلب بلحاظ حال الانقضاء معناه

ص: 486

أنّ زیداً لیس من أفراد الضارب بحسب حال انقضاء التلبس، فوضع المشتق لیس للأفراد المنقضی عنها المبدأ، فلو کان وضع المشتق للأعم فلابدّ من صدق الضارب علی زید لأنّ المطلق یصدق علی أفراده.

الاحتمال الثالث: أن یکون القید للمسلوب عنه أی الذات التی یحمل علیها المشتق، فصحة السلب حینئذ مطلق لا مقید، فتکون علامة علی مجازیة الضارب بالنسبة إلی ما انقضی عنه المبدأ.

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره): (هنا فرضان)
اشارة

((1))

إنّ صحة السلب بالحمل الأوّلی و صحة السلب بالحمل الشائع إذا کان بنحو حمل الطبیعی علی أفراده و حمل الجنس علی نوعه و الفصل علی نوعه (السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه الاتحاد فی الوجود لا السلب الشائع قبال الحمل الشائع الذی معناه اندراج الموضوع تحت المحمول و مضی بیان الفرق بینهما فی بحث علائم الحقیقة و المجاز فراجع) علامة علی المجازیة عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن بعض الأعلام خالفوا فی ذلک و قالوا بعدم علامیتها علی المجازیة مطلقاً (مثل المحقق الخوئی و السیّد الصدر (قدس سرهما)) و بعد اختیار مبنی المحقق الإصفهانی (قدس سره) یصح الاستدلال بصحة السلب بالحمل الأوّلی و بالحمل الشائع.

و لکن هناک تصاویر متعددة لصحة السلب و المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی ابتداء الأمر یقول بأنّ جمیع التصاویر یثبت المجازیة و تکون صحة السلب علامة علیها

ص: 487


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص197.

إلّا أنّ بعض هذه التصاویر لایمکن الالتزام بها.

الفرض الأوّل: أن یعتبر السلب بالحمل الأوّلی الذاتی

إنّ السلب إن اعتبر بالحمل الأوّلی الذاتی فاللازم سلب ما ارتکز فی الأذهان أو تعارف فی عرف أهل اللسان من المعنی الجامع، لا من خصوص ما انقضی عنه المبدأ بمعنی أنّا نتصوّر المفهوم الجامع بین المتلبّس و المنقضی عنه المبدأ فی موضوع القضیة ثم نتصور المشتق بمعناه الارتکازی فی محمول القضیة ثم نحکم بسلب مفهوم المشتق بمعناه الارتکازی عن المعنی الجامع بین المتلبس و المنقضی عنه و نتیجة السلب الذاتی تغایر مفهوم المشتق و المعنی الجامع فلیس المشتق حقیقة فی المعنی الأعم.

الفرض الثانی: أن یعتبر السلب بالحمل الشائع

إن اعتبر السلب بالحمل الشائع فهنا صور ثلاث:

الصورة الأولی: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للسلب مثل زید لیس فی حال انقضاء الضرب بضارب فنسلب الضارب بمعناه المرتکز عن زید و لکن السلب بلحاظ حال الانقضاء فلو کان المشتق موضوعاً للأعم لما صحّ سلبه عن مصداقه فی حین من الأحیان.

الصورة الثانیة: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للمسلوب عنه (و هو زید مثلاً) فی حال الانقضاء و نسلب عنه المشتق بسلب مطلق مثل: زید فی حال انقضاء الضرب لیس بضارب و صحة السلب حینئذ مطلق و هذا السلب أیضاً علامة للمجازیة لأنّه لو وضع المشتق للمعنی الأعم لما صح سلبه عن مصداقه بحسب وجود هذا المصداق فی زمان من الأزمنة.

ص: 488

الصورة الثالثة: و هی أن نلاحظ الزمان قیداً للمسلوب (فالمشتق مثلاً ضارب الیوم) و نسلب المسلوب المقید بزمان الیوم عن ذات الموضوع (زید) مثل: زید لیس بضارب فی هذا الیوم فلو کان المشتق موضوعاً للأعم فعنوان ضارب لابدّ أن یصدق علیه سواء کان عنوان الضارب مطلقاً أم مقیداً بالماضی أو الحال (أی بهذا الیوم).

فاتضح بما ذکرنا أماریة صحة السلب مقیداً للمجازیة سواء کان القید قیداً للسلب أم المسلوب أم المسلوب عنه.

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الالتزام بهذه الصور الثلاث:

مناقشة فی الصورة الأولی:

أمّا الصورة الأولی و هی تقیید السلب فقط فیرد علیه أنّه غیر سدید لأنّ العدم غیر واقع فی الزمان، بل القضایا السلبیة لیست کالقضایا الإیجابیة مشتملة علی النسبة بل مفادها سلب النسبة الإیجادیة.

مناقشة فی الصورة الثانیة:

أمّا الصورة الثانیة و هی تقیید المسلوب عنه (زید فی المثال) بالزمان فیرد علیه أنّه لایخلو عن الإشکال لأنّه لامعنی لتقیّد الثابت و تحدّده بالزمان.

مناقشة فی الصورة الثالثة:

أمّا الصورة الثالثة و هی تقیید المسلوب أیضاً بالزمان فیرد علیه: أنّه لا معنی له، توضیحه: إنّ القابل للتقیّد و التحدد بالزمان نفس التلبس بالضرب الذی هو نحو حرکة من العدم إلی الوجود، فإنّه واقع بنفسه فی الزمان ثم إنّ النسبة

ص: 489

الاتحادیة بین الوصف و الموصوف موصوفة بالوقوع فی الزمان بالتبع، أمّا الوصف بما هو وصف غیر واقع فیه، لأنّ الوصف بما هو وصف غیر موجود إلّا بتبع وجود زید متلبساً بالضرب.

التزام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالصورة الثانیة بتقریب آخر:

إنّه (قدس سره) التزم بتصویر تقیید المسلوب عنه بالزمان فقال:((1)) و یمکن إصلاح قیدیة الزمان للمسلوب عنه بتقریب أنّ الثابت الذی له وحدة مستمرّة بلحاظ الوجود و إن لم یتقدر بالزمان (لأنّه شأن الأمر غیرِالقارّ) لکنّه (أی هذا الأمر الثابت مثل زید) مع کلّ جزء من أجزاء الزمان و بهذا الاعتبار (معیّة زید مع أجزاء الزمان) یقال بمرور الزمان علیه.

فصح أن یلاحظ زید مع جزء من الزمان الذی له المعیة معه فیسلب عنه (مطلقاً) مطلق الوصف. (صحة السلب عن زید المقید بالزمان صحة السلب المطلق). تمّ کلامه رفع مقامه.

ملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی کلامه الأخیر:

یمکن أن یقال: إنّ ما صحّحه به تقیید المسلوب عنه بالزمان یجری بالنسبة إلی تقیید المسلوب (أی المشتق) بالزمان أیضاً حیث قال قبل أسطر: «لأنّ الوصف بما هو وصف غیر موجود إلّا بتبع وجود زید متلبساً بالضرب» فلهذا للوصف أیضاً بتبع موصوفه معیّة مع أجزاء الزمان فیمکن تقییده بالزمان.

و هکذا فی تقیید السلب بالزمان فإنّ السلب لیس عدماً مطلقاً بل هو عدم مضاف فله معیة مع أجزاء الزمان باعتبار المضاف إلیه.

ص: 490


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص200.
النظریة المختارة:

مقتضی التحقیق فی المسألة بعد اختیار نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بیان الملاحظة علی بعض ما یتعلق به، هو أنّ هنا أربعة أمور کلّها علامة علی عدم وضع المشتق للمعنی الأعمّ:

الأوّل: صحة السلب بالحمل الأوّلی.

الثانی: صحة السلب بتقیید المسلوب عنه.

الثالث: صحة السلب بتقیید المسلوب.

الرابع: صحة السلب بتقیید السلب.

الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم
اشارة

قرّره صاحب الکفایة (قدس سره) نقلاً عن صاحب البدائع (قدس سره) . (1)

بیان ذلک: إنّه لا ریب فی مضادّة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادی

ص: 491


1- . بدائع الأفکار، ص181: «و قد یستدلّ أیضاً بما أشار إلیه العضدی معارضة لبعض أدلّته النافی الآتی و ارتضاه المحقق القمّی (رحمة الله) أیضاً و بیانه علی ما فی حاشیة المحقق الشّریف و الباغنوی هو أنّ صدق الأبیض حقیقة علی الجسم بعد عروض البیاض له کما یدّعیه النافی للاشتراط ملزوم لمحال و هو اجتماع الضدین و ملزوم المحال محال بیان الملازمة أنّ صدق الأبیض علی الجسم المتحد فی الخارج مع مفهوم الأسود لایکون إلّا مع وجود مفهوم أبیض فی ذلک الجسم و اتحاده معه فی الوجود ضرورة توقف الصّدق الحقیقی علی وجود مفهوم اللّفظ فی المصداق و من الواضح تضادّ مفهوم أبیض مع مفهوم أسود و استحالة تصادقهما فی موضوع واحد فی آنٍ واحد و بعبارة أخری إنّ مفهوم أبیض بعد عروض السّواد إن کان فانیاً کان الصّدق مجازیاً و إلّا لزم تصادق المتضادین قلت و هذا الاستدلال فی غایة السقوط و نهایة الفساد لأنّ مفهوم أبیض علی القول بعدم اشتراط بقاء المبدأ فی صدق المشتق لیس مضاداً لمفهوم أسود بل النسبة بینهما علی هذا القول نسبة التخالف بطریق العموم من وجه لا نسبة التضاد کما لایخفی فالجسم العارض له السواد بناء علی هذا القول مادة لاجتماع المفهومین فلا إشکال». و فی القوانین، ص76: «الثالث أنّه إذا کان جسم أبیض صار أسوداً فینعدم عنه حینئذٍ مفهوم الأبیض جزماً و إلّا للزم اجتماع المتضادین فإطلاق لفظ الأبیض حین انعدام مفهومه إطلاق علی غیر ما وضع له و یرد علی أنّه إنّما یسلّم لو لم یکن مراد من لایشترط بقاء المبدأ هو المعنی العام و إلّا فلا منافاة حینئذٍ و لایلزم اجتماع الضدین». و فی هدایة المسترشدین، ص383، «ثالثها: أنّها لو کانت موضوعة للأعم لصحّ إطلاق القاعد علی القائم و القائم علی القاعد و النائم علی المستیقظ و المستیقظ علی النائم و نحوها و من الواضح فساده و کذا یلزم صحة إطلاق الکافر علی المؤمن و المؤمن علی الکافر و لیس کذلک و إلّا لکان جملة من أکابر الصحابة کفاراً علی الحقیقة و المرتد عن الدین مؤمناً علی الحقیقة و لیس کذلک إجماعاً». و راجع أیضاً الکفایة، ص45 و مقالات الأصول، ص186 و منتهی الأصول، ص104.

المتضادة علی ما ارتکز لها (لتلک الصفات) من المعانی مثل العالم و الجاهل المأخوذ من العلم و الجهل.

فلو کان المشتق حقیقة فی الأعمّ لما کان بینها مضادّة بل مخالفة لتصادقها فی ما انقضی عنه المبدأ و تلبس بالمبدأ الآخر، فارتکاز التضاد بین هذه العناوین بمعانیها من دون وجود قرینة فی البین دلیل علی الوضع للمتلبّس.

استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

(1)

إنّ هذا الاستدلال لیس دلیلاً علی حدة غیر التبادر، فإنّ مفاد الاستدلال یرجع إلی أنّ المعنی المتبادر من حاقّ لفظ «قائم» هو ضد المعنی المتبادر من حاقّ لفظ «قاعد» مثلاً و التضاد بین المعنیین المرتکزین متفرّع علی التبادر المذکور.

ص: 492


1- . تحقیق الأصول، ج1، ص395. و فی هدایة المسترشدین، ص383: «و أجیب أوّلاً: بالتزام المنع و التخصیص فی محل النزاع لطریان الضد الوجودی فی المقام و محل النزاع ما إذا لم یطرأ ذلک و کون المبدأ ثبوتیاً فی بعضها و محل النزاع ما إذا کان حدوثیاً و قد عرفت ما فیه؛ ثانیاً: بأنّ ذلک معارض بأنّه لو کان موضوعاً للحال لما صحّ إطلاق القاتل و الضارب و الجارح و البائع و المشتری و نحوها علی من انقضی عنه المبدأ إلّا علی سبیل المجاز مع أنّ ملاحظة الاستعمالات تشهد بخلافه». و فی مباحث الأصول، ص196: «و یمکن المناقشة فی ذلک بأنّ التضاد حکم عقلی لاینوط بالأوضاع و لایرتبط به الأوضاع و حقیقة التضاد فی التشخص الذی هو الوجود و جریانه فی المفاهیم و الکلیات أمر بالعرض فالتضاد بین "القائم" و "القاعد" لیس إلّا التضاد بین القیام و القعود وافق الوضع فی العنوانین أو لا و اللازم فی التضاد المعتبر فیه وحدات التناقض اجتماع الوجودین المتخالفین فی موضوع واحد بتلک الوحدات فتضاد العنوانین یتبع تضادهما و لیس للعقل فیهما حکم مستقلاً بالتضاد حتی یتبع الوضع أو یعرف الوضع و لیس شیئاً یعرف من قبل الوضع و لا من العرف العارف بالوضع و لا ربط لشیء من الوضع و التضاد بالآخر». و راجع أیضاً تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص458؛ و تحریرات فی الأصول، ص351.
یلاحظ علیه:

إنّ التضادّ المتفاهم معلول للعلم الإجمالی بالمعنی الموضوع له ارتکازاً و کاشف عنه کما أنّ التبادر أیضا معلول للعلم بالوضع.

و هنا أدلّة أخری لا یهمّنا التعرض بها، احترازاً عن التطویل. ((1))

ص: 493


1- هنا أدلّة أخری أیضاً: 1) فی القوانین، ص76: «الرابع إنّا لانفهم من لفظ المشتق إلّا الذات المبهمة و الحدث و النسبة و لکن یتبادر منه حصول المبدأ فی زمان صدق النسبة الحکمیة» الخ. 2) فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص 458 و 459: «و منها: أنّ حال المشتقات کالجوامد فی اعتبار فعلیة الاتصاف بمبادئها. ألا تری أنّ الماء و النار لایصدقان إلّا مع بقاء وصف المائیة و الناریة فکذلک المشتق فإنّه لایصدق إلّا مع بقاء وصف المبدأ». 3) فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص459: «و منها: إنّه لولا اعتبار بقاء المبدأ فی الصدق لجاز ترتیب آثار العدالة علی من کان عادلاً ففسق أو آثار الفسق علی من کان فاسقاً فعدل و هذا ضروی البطلان». 4) فی درر الفوائد، ص62: «و الدلیل علی ذلک أنّک عرفت عدم اعتبار المضی و الاستقبال و الحال فی معانی الأسماء و بعد ما فرضنا عدم اعتبار ما ذکر فی مثل ضارب و أمثاله من المشتقات فلم یکن مفاهیمها إلّا ما أخذ من الذوات مع اعتبار تلبسها بالمبادی الخاصة إمّا علی نحو التقیید و الترکیب و إمّا علی نحو انتزاع المعنی کما سیأتی و علی أی حال المعنی المتحقق بالذات و المبدأ من دون اعتبار أمر زائد لایصدق إلّا علی الذات مع المبدأ لدخالة المبدأ فی تحقق المعنی بنحو من الدخالة» الخ. 5) فی وقایة الأذهان، ص175: «الحق أنّها حقیقة فی المتلبس به فی ظرف الحمل و زمان النسبة کما فی الجوامد فی العناوین المنتزعة من الذات بما هی ذات فکما أنّ الحجر لایصدق علی ما کان حجراً سابقاً و النطفة علی من هو إنسان فعلاً فکذلک الضارب و نحوه إذ لا فرق بین الجوامد و بین المشتقات من هذه الجهة و هذا لوضوحه غنی عن إطالة البیان و مع ذلک یرد علی من یجعله حقیقة فیما انقضی عنه المبدأ أن یکون المشتق مشترکاً بین الحال و الاستقبال فیلزم أن یتوقف بینهما إذا ورد اللفظ مجرّداً عن القرینة و یحتاج فی التعیین إلی القرینة و الوجدان یدلّ علی خلافه إلّا أن یتمسک الخصم بالتبادر الإطلاقی نظراً إلی کثرة استعماله فی الحال و هو ممنوع. هذا علی أنّ لازم مذهبه أن یصح قول القائل: "زید ضارب" فعلاً فی المستقبل و هذا لوضوحه لاینبغی أن یکون محطاً لأنظار العلماء». 6) فی مقالات الأصول، ص186: «یکفی له مساعدة الوجدان بعدم صدق الفارغ علی المشتغل و بالعکس». 7) فی مناهج الوصول، ص214: «و قد یستدلّ بوجوه عقلیة: من أنّ الحمل و الجری لابدّ له من خصوصیة و إلّا لزم حمل کل شیء علی کل شیء و هی نفس المبادئ القائمة بالذوات و لایمکن الحمل علی الفاقد المنقضی عنه المبدأ فلابدّ للقائل بالأعمّ أمّا إنکار الخصوصیة فی الجری و هو خلاف الضرورة أو دعوی بقاء الخصوصیة بعد الانقضاء و لیس بعده شیء إلّا بعض العناوین الانتزاعیة. هذا و فیه: أنّ هذا الوجه إن رجع إلی التبادر فوجیه بأن یقال: إنّ المشتق یتبادر منه المتلبس بالفعل و إلّا فالحمل و الجری متأخران عمّا هو محل البحث فلو وضع اللفظ لمعنی أعمّ یکون الحمل صحیحاً بعد الانقضاء علی فرض تصویر الجامع». 8) فی بحوث فی علم الأصول، ص374: «الواقع أنّ قلیلاً من التدبّر و التأمّل فی إطلاقات المشتق کافٍ فی رأینا للجزم بوضعها للمتلبس بالمبدأ خاصة لأنّ المشتق له مادة و هیئة، أمّا المادة فموضوعة للدلالة علی الحدث و أمّا الهیأة فللدلالة علی نسبة ذلک الحدث إلی الذات و تلبّسها به علی اختلاف أنحائه و کیفیاته و هی فرع وجود الحدث و عدم انقضائه».

ص: 494

أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة:
الدلیل الأوّل: التبادر
اشارة

((1))

إیراد علی الدلیل الأوّل:

فیه ما عرفت من أنّ المتبادر هو خصوص حال التلبس.

الدلیل الثانی:
اشارة

(2)

و هو عدم صحة السلب فی مضروب و قاتل عمّن انقضی عنه المبدأ.

ص: 495


1- فی هدایة المسترشدین، ص372: «ثانیها: التبادر، إذ المتبادر من القاتل و الضارب و المحسن و المکرم و البائع و المشتری و نحوها هو من تحقق منه تلک المبادئ سواء کان فی حال صدوره أو بعدها». و قال فی الجواب عنه فی ص376: «و أمّا عن الثانی فبما عرفت من انتقاضه بتبادر خلافه أیضاً فی موارد کثیرة أخری علی أنّ تبادر القدر المشترک منها فی الأمثلة المذکورة محل نظر حسب ما یأتی بیانه إن شاء الله تعالی». و فی الکفایة، ص48: «الأوّل: التبادر و قد عرفت أنّ المتبادر هو خصوص حال التلبس». و فی مناهج الوصول، ص215: «منها: دعوی التبادر فی مثل "المقتول" و "المضروب" حتی التجأ بعض الأعاظم إلی إخراج اسم المفعول عن محط النزاع قائلاً: إنّ اسم المفعول موضوع لمن وقع علیه الحدث و هو أمر لایعقل فیه الانقضاء و فیه: منع التبادر و إنّما استعمال "المضروب" و "المقتول" و أمثالهما بلحاظ حال التلبس و إلّا فالضاربیة و المضروبیة متضایفان عرفاً فلا فرق بینهما مع أنّ لقائل أن یعارضه و یقول: إنّ اسم الفاعل وضع لمن صدر منه الضرب و هو أمر لایعقل فیه الانقضاء ثمّ العجب منه (رحمة الله) مع إشکاله فی تصویر الجامع التزم بالأعم».
2- . فی هدایة المسترشدین، ص372: «ثالثها: عدم صحة السلب إذ لایصحّ سلب القاتل و الضارب مطلقاً عمّن وقع منه القتل أو الضرب و انقضی فیفید ذلک اندراجه فی المفهوم المذکور فیکون موضوعاً لما یعمّه». و قال فی الجواب عنه فی ص376: «و أمّا عن الثالث فبأنّه إن أرید بذلک عدم صحة سلب الضارب عنه بالنسبة إلی ماضی النطق و إن کان بملاحظة حال تلبسه به فممنوع و لایفید إلّا کونه حقیقة فی حال التلبس و هو کما عرفت خارج عن محل البحث و إن أرید عدم صحة سلبه عنه بحسب حال النطق نظراً إلی تلبسه به فی الماضی فممنوع علی أنّه معارض بصحة السلب فی أمثلة کثیرة أخری ممّا تقدّم الإشارة إلیها» و فی الکفایة، ص48: «الثانی: عدم صحة السلب فی مضروب و مقتول عمّن انقضی عنه المبدأ و فیه: إنّ عدم صحته فی مثلهما إنّما هو لأجل أنّه أرید من المبدأ معنی یکون التلبس به باقیاً فی الحال و لو مجازاً».
الإیراد علی الدلیل الثانی:

قد أشبعنا الکلام حول المثالین فی بحث أنحاء التلبس فراجع.

الدلیل الثالث:
اشارة

((1))

و هو استدلال الإمام (علیه السلام) بقوله تعالی: (لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ)((2)) علی أنّ من کان من عبدة الأوثان فی بعض أیّام عمره یکون ظالماً لقوله تعالی: (إِنَّ

ص: 496


1- فی هدایة المسترشدین، ص 373 و 374: «عاشرها: ما یستفاد من ظاهر غیر واحد من الأخبار: فعن الصادق (علیه السلام) بعد ذکر قوله تعالی: (لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ): ( البقرة:124) «من عبد صنماً أو وثناً لایکون إماماً» و لیس الوجه فی ذلک إلّا صدق الظالم علیه بذلک و إن تاب عنه و فی خبر آخر عن النبی (صلی الله علیه و آله و سلم) أنّه قال: «أنّا دعوة أبی إبراهیم» فسئل عن ذلک فذکر (صلی الله علیه و آله و سلم) ما أوحی الله إلی إبراهیم من جعله إماماً للناس و سؤاله ذلک لبعض ذریته إلی أن قال: «قال لاأعطیک لظالم من ذریتک عهداً» فقال إبراهیم عندها: «و اجنبنی و بنی أن نعبد الأصنام»، قال (صلی الله علیه و آله و سلم): «فانتهت الدعوة إلی و إنی و علی لم نسجد للصنم و اتخذنی نبیاً و اتخذ علیاً وصیاً» فإنّ الظاهر من سیاقه أنّ من سجد للصنم لایناله العهد و لیس ذلک إلّا لاندراجه فی الظالم». و فی الکفایة، ص49: «الثالث: استدلال الإمام (علیه السلام) تأسیاً بالنبی (صلی الله علیه و آله و سلم) کما عن غیر واحد من الأخبار بقوله:(لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ)علی عدم لیاقة من عبد صنماً أو وثناً لمنصب الإمامة و الخلافة تعریضاً بمن تصدّی لها ممّن عبد الصنم مدة مدیدة و من الواضح توقف ذلک علی کون المشتق موضوعاً للأعم و إلّا لما صحّ التعریض لانقضاء تلبسهم بالظلم و عبادتهم للصنم حین التصدی للخلافة». و فی عنایة الأصول، ص146: «هذا من أهمّ الوجوه التی تمسّک بها القائلون بوضع المشتق للأعم و قد تعرضه من بین الأصولیین صاحب البدائع (رحمة الله)».
2- سورة البقرة(2):124.

الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ)((1)) فلایناله عهد الخلافة و منصب الإمامة و هذا الاستدلال متفرّع علی الوضع للأعم و إلّا لو ادّعی انقضاء المبدأ (عبادة الأوثان) فلایصدق الظالم.

إیراد علی الدلیل الثالث:

(2)

إنّ معنی الآیة الشریفة هو أنّ من تلبس بالظلم و صدق علیه الظالم لایناله عهدالله و هو انتصابه لمنصب الخلافة الإلهیة لا حین الظلم و لا بعده فإنّ الظالم

ص: 497


1- سورة لقمان(31):13.
2- . فی الکفایة، ص49: «الجواب منع التوقف علی ذلک بل یتمّ الاستدلال و لو کان موضوعاً لخصوص المتلبس و توضیح ذلک یتوقف علی تمهید مقدمة و هی: إنّ الأوصاف العنوانیة التی تؤخذ فی موضوعات الأحکام تکون علی أقسام: أحدها: أن یکون أخذ العنوان لمجرّد الإشارة إلی ما هو فی الحقیقة موضوعاً للحکم لمعهودیته بهذا العنوان من دون دخل لاتصافه به فی الحکم أصلاً. ثانیها: أن یکون لأجل الإشارة إلی علیة المبدأ للحکم مع کفایة مجرّد صحة جری المشتق علیه و لو فیما مضی. ثالثها: أن یکون لذلک مع عدم الکفایة بل کان الحکم دائراً مدار صحة الجری علیه و اتصافه به حدوثاً و بقاءً. إذا عرفت هذا فنقول: إنّ الاستدلال بهذا الوجه إنّما یتمّ لو کان أخذ العنوان فی الآیة الشریفة علی النحو الأخیر» الخ. و فی درر الفوائد، ص63: «و الجواب أنّ الظلم علی قسمین قسم له دوام و استمرار مثل الکفر و الشرک و قسم لیس له إلّا وجود إنّی من قبیل الضرب و القتل و أمثال ذلک و هو بمقتضی الإطلاق بکلا قسمیه موضوع للقضیة و الحکم المرتب علی ذلک الموضوع أمر له استمرار إذ لا معنی لعدم نیل الخلافة فی الآن العقلی فإذا جعل الموضوع الذی لیس له إلّا وجود إنّی موضوعاً لأمر مستمر یعلم أنّ الموضوع لذلک الأمر لیس إلّا نفس ذلک الوجود الإنّی و لیس لبقائه دخل إذ لا بقاء له بمقتضی الفرض» الخ. و فی عنایة الأصول، ص148 بعد ذکر جواب المصنف: «لا محیص فی المشتق المأخوذ موضوعاً فی الآیات الثلاث و أمثالها عن الالتزام بکونه مستعملاً فی الأعم و إن الموضوع للحکم فیها هو عنوان من تلبس بالزنی أو السرقة أو الظلم سواء کان المبدأ باقیاً أو زائلاً و نجیب حینئذٍ عن المستدل باستدلال الإمام علیه السلام انّ استدلال الإمام و إن کان مبنیاً علی استعمال المشتق فی الآیة الشریفة فی الأعم أی فیمن تلبس بالظلم سواء کان الظلم باقیاً أو زائلاً و لکنّ الاستعمال فیه أعمّ من الحقیقة کما أشیر قبلاً فی تعارض الأحوال فتذکر». و راجع أیضاً فوائد الأصول، ص126 و منتهی الأصول، ص105 و مناهج الوصول، ص217 و المحاضرات، ط.ق. ج1، ص259 و ط.ج. ص295 و مباحث الأصول، ص 217 – 219.

استعمل فی خصوص المتلبس و لایعمّ المنقضی عنه المبدأ و المستدل توهم أنّ استدلال الإمام (علیه السلام) متوقف علی تعمیم عنوان الظالم و لکن الاستدلال لایتوقف علیه بل الظالم مختص بمن تلبس و لکن الحکم یعمّ زمان الحال و الاستقبال کما هو ظاهر الآیة الشریفة.

ص: 498

تنبیهات مسألة المشتق
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أشار إلی تنبیهات فی آخر بحث المشتق، فإنّ التنبیه الأوّل و الثانی مرتبط بتفسیر المحمول الذی هو المشتق و التنبیه الثالث إلی السادس مرتبط ببیان رابطة الموضوع (أی الذات) و المحمول (أی المشتق).

توضیح ذلک: إنّ التنبیه الأوّل لبیان بساطة المشتق أو ترکیبها((1)) و التنبیه الثانی لبیان نسبة المشتق و المبدأ کما أنّ التنبیه الثالث لبیان رابطة ذات الموضوع و المشتق و أمّا سائر التنبیهات فهی لبیان رابطة ذات الموضوع و المبدأ.

فلنشرع فی بیان اهم التنبیهات تفصیلاً:

ص: 499


1- فی فوائد الأصول، ص103: «هو من أشکل الأمور المبحوث عنها فی المشتق».
التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟ (هنا مطلبان)
اشارة

((1))

قال بعض الأعلام((2)) ببساطة المشتق مثل المحقق الخراسانی((3))و المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی((4)) و المحقق العراقی و المحقق الدوانی (قدس سرهم) و السیّد الشریف الجرجانی.

ص: 500


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص410: «و قد یفصل فی المقام بین ما لو کان المشتق للثبوت کالأبیض و الأسود و الحسن و القبیح و العطشان و الجوعان و الشریف و الظریف و الطاهر و النجس و ما أشبه ذلک فإنّ المنساق منها - حسبما یجده الذوق السلیم و الوجدان المستقیم- لیس إلّا أموراً بسیطة ... و بین ما لو کان للحدوث کالضارب و القاتل و الناصر و البایع و ما أشبه ذلک فإنّ معانیها مفاهیم مرکبة تتضمّن نسباً إجمالیة ... و هذا التفصیل قد استفدناه من بعض مشایخنا (حفظه الله) فالأقوال ثلاث» و فی تعلیقة حفید المؤلف السیّد علی الموسوی القزوینی: «من المظنون قویاً أنّه هو الشیخ الأعظم (قدس سره) ».
2- فی نهایة النهایة، ص76: «و التحقیق أنّ مفهوم المشتق مفهوم واحد بسیط أعنی به الذات مقیدة بقید التخصص بالمبدأ بضرب من التخصص و من أجله لایحمل إلّا علی الذات المزبورة و أمّا الفعل فهو بعکس ذلک لأنّ مفهومه الحدث المتخصص بالذات المتعلق و المرتبط به بنحو من التعلق و الارتباط» الخ. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص134: «إنّ مفهوم المشتق علی ما أفاده السید الأستاذ أمر بسیط و مفهوم واحد لا ترکیب فیه أصلاً خلافاً لمن ذهب إلی أخذ الذات أو الشیء فی مفهومه».
3- فی الکفایة، ص51: «الأوّل إنّ مفهوم المشتق - علی ما حقّقه المحقق الشریف فی بعض حواشیه-: بسیط منتزع عن الذات - باعتبار تلبسها بالمبدأ و اتصافها به- غیر مرکب». و فی نهایة النهایة، ص75 فی التعلیقة علی قوله: «بسیط منتزع عن الذات»: «یعنی بذلک أنّ الصورة الوحدانیة التی تقع فی النفس عند مشاهدة زید قائماً و علی صفة القیام و عمرو علی هیأة القعود و نحوهما بسیطة منتزعة عن الذات باعتبار تلبّسها بالمبدأ» الخ.
4- إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) عدّه من القائلین بالترکیب (المحاضرات، ط.ق. ج1، ص267 و ط.ج. ص304) و لکن سیجیء أنّه قائل بالبساطة العنوانیة (نهایة الدرایة، ج1، ص219) و لاینافی ذلک قوله بالترکیب من جهة أخری، کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

و خالفهم شارح المطالع و المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و السیّد الصدر (قدس سره) . ((1))

و هذا البحث وقع أوّلاً بین المنطقیین، فقال صاحب المطالع فی تعریف الفکر إنّه «ترتیب أمور معلومة لتحصیل أمر مجهول».

و ربما یورد علیه بالحدّ أو الرسم الناقص حیث لیس فیهما إلّا أمر واحد، لا أمور معلومة.

و أجاب عنه صاحب المطالع بأنّ الفصل و الخاصّة بحسب الواقع مرکّبان من أمرین (أی الذات و المبدأ).((2))

و استشکل علیه السیّد الشریف الجرجانی فی حاشیة المطالع بأنّ المشتق أمر

ص: 501


1- و فی الرافد، ص335: «إنّ مختارنا هو کون المشتق عنواناً انتزاعیاً و العناوین الانتزاعیة بسیطة فی عالم التصوّر مرکبة فی عالم التحلیل ... و الفرق بین الترکیب الماهوی المتحقق فی مفهوم الإنسان و الترکیب التحلیلی المتحقق فی مفهوم المشتق أمران: أ- إنّ العناصر التی ینحلّ لها المفهوم الماهوی للإنسان ذات دور واحد و هو دور تقویم الماهیة فإنّ الحیوانیة و الناطقیة کلاهما عنصران مقوّمان لمفهوم الإنسان بینما العناصر التی ینحلّ لها مفهوم المشتق ذات دور مختلف ... ب- إنّ الترکیب الماهوی لمفهوم الإنسان طارئ علیه بینما الترکیب التحلیلی لمفهوم المشتق سابق علیه و لاحق به» ثمّ قال: «النقطة الثالثة: إنّ دلیلنا علی مختارنا - و هو البساطة اللحاظیة مع الترکیب التحلیلی- هو الوجدان فإنّ الوجدان شاهد بأنّ المتبادر العرفی من لفظ المشتق حین إطلاقه هو صورة واحدة لا متعدّدة و لکن مع التأمل العقلی یتبین الترکیب التحلیلی فیه» الخ.
2- فی تعلیقة فوائد الأصول، ص109: «إلیک نصّ عبارته: و إنّما قال أمور لأنّ الترتیب لایتصور فی أمر واحد و المراد منها ما فوق الواحد ثمّ قال الشارح: و الإشکال الذی استصعبه قوم بأنّه لایشتمل تعریف النظر التعریف بالفصل وحده أو بالخاصة وحدها حتی غیروا التعریف إلی ترتیب أمر أو أمور فلیس من تلک الصعوبة فی شیء و ذلک لأنّ التعریف بالمفردات إنّما یکون بالمشتقات و المشتق و إن کان فی اللفظ مفرداً إلّا أنّ معناه شیء له المشتق منه فیکون من حیث المعنی مرکباً».

بسیط منتزع عن الذات باعتبار تلبّسها بالمبدأ، ثمّ استدلّ علی استحالة ترکیبه بما سیأتی إن شاء الله تعالی.((1))

ص: 502


1- فی حقائق الأصول، ص120 عند التعلیقة علی قوله: «و قد أفاد فی وجه ذلک»: «ذکر هذا فی حاشیته علی شرح المطالع بعد ما عرف ماتنه النظر بأنّه ترتب أمور... الخ فذکر الشارح: إنّما قال أمور لأنّ الترتیب لایتصور فی الأمر الواحد... إلی أن قال: و الإشکال الذی استصعبه قوم من أنّه لایشمل التعریف بالفصل وحده أو بالخاصة وحدها فلیس فی تلک الصعوبة فی شیء لأنّ التعریف بالمفردات إنّما یکون بالمشتقات و المشتق و إن کان فی اللفظ مفرداً إلّا أنّ معناه شیء له المشتق فیکون من حیث المعنی مرکباً فأورد الشریف فی حاشیته علیه بأنّ مفهوم الشیء لایعتبر ... الخ».
المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة (هنا قولان)
اشارة

قد اختلف فی أنّ المراد هنا من البساطة((1)) هل هی البساطة الإدراکیة أو البساطة التحلیلیة.

فإنّ بعض المحققین((2))مثل صاحب الکفایة (قدس سره) و المحقق الحائری (قدس سره) قالوا: إنّ محل النزاع البساطة المفهومیة و الإدراکیة و اللحاظیة((3)) و لکن جمع من

ص: 503


1- فی الرافد، ص271: «الأمر الأوّل: فی بیان معانی الترکیب و البساطة و هی أربعة: المعنی الأوّل: الترکیب اللفظی و هو الذی عبّر عنه علماء النحو و علماء المنطق بقولهم: "المرکب ما دلّ جزؤه علی جزء معناه" کغلام زید ... المعنی الثانی: الترکیب اللحاظی و المقصود منه: أنّ لفظ المشتق إذا خطر فی الذهن فهل تخطر معه صورتان أم صورة واحدة؟ ... المعنی الثالث: الترکیب الماهوی و المراد به: انحلال الماهیة عند التأمل العقلی لجزءین عقلیین و هما ما به الاشتراک و ما به الامتیاز ... المعنی الرابع: الترکیب الإسنادی و المقصود به: أنّ مفهوم المشتق هل هو مفهوم إسنادی أخذت الذات فیه أم أنّه مفهوم إفرادی لا دخالة للذات فیه بغض النظر عن کون ماهیة المشتق فی واقعها ماهیة بسیطة أم مرکبة» الخ.
2- فی وسیلة الوصول، ص166: «المراد بالبساطة و الترکیب البساطة و الترکیب بحسب المفهوم لا بحسب الذات إذ قد یکون الشیء مرکباً ذاتاً من الجنس و الفصل و المادة و الصورة و یکون بسیطاً مفهوماً کالإنسان - مثلاً- » الخ
3- و البسیط بهذا المعنی هو مختار المحقق الحائری (قدس سره) قال فی درر الفوائد، ص66: «هل یکون هذا المفهوم مرکباً من الذات و غیرها کما اشتهر فی ألسنتهم من أنّ معنی الضارب مثلاً ذات ثبت له الضرب و کذا باقی المشتقات أو لایکون کذلک بل هو مفهوم واحد من دون اعتبار ترکیب فیه و إن جاز التحلیل فی مقام شرح المفهوم کما یصحّ أن یقال فی مقام شرح مفهوم الحجر أنّه شیء أو ذات ثبت له الحجریة الحق هو الثانی لأنّا بعد المراجعة إلی أنفسنا لانفهم من لفظ ضارب مثلاً إلّا معنی یعبّر عنه بالفارسیة (به زننده) و بعبارة أخری (دارای ضرب) و لا إشکال فی وحدة هذا المفهوم الذی ذکرنا و إن جاز فی مقام الشرح أن یقال شیء أو ذات ثبت له الضرب».

الأعلام((1)) مثل المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) قالوا: إنّ البحث فی البساطة التحلیلیة.((2))

القول الأوّل: البساطة الإدراکیة

قال به المحقق الخراسانی (قدس سره) ((3)) و هو المختار.

«لایخفی أنّ معنی البساطة بحسب المفهوم وحدته إدراکاً و تصوراً، بحیث لایتصور عند تصوّره إلّا شیء واحد لا شیئان و إن انحلّ بتعمّل من العقل إلی شیئین((4)) کانحلال مفهوم الشجر و الحجر إلی شیء له الحجریة و الشجریة مع وضوح بساطة مفهومهما و بالجملة لاینثلم بالانحلال إلی الإثنینیة بالتعمل

ص: 504


1- فی وقایة الأذهان، ص170: «لا شک أنّ المشتق دال واحد علی معنی واحد و هذا من الوضوح ممّا لایرتاب فیه أحد و القائل بالترکیب فی معناه لایرید به هذا المعنی و إنّما یرید به کونه ذا أجزاء و أنّه قابل للتحلیل إلیها و فی مقابل هذا القول أنّه بسیط لایقبل الانحلال و إن کان منشؤه ذا أجزاء فعلیة اللّهم إلّا باللحاظ الثانوی الذی هو حقیقة غیر معنی المشتق فإنّه لایضرّ بالبساطة» و فی نهایة الأصول، ص69: «انّ النزاع بین المحقق الشریف و بین خصمه لیس فی بساطة مفهوم المشتق و ترکّبه عند النظر إلیه إجمالاً بل فی بساطته و ترکّبه عند التحلیل العقلی و النظر الدقیق الفلسفی کیف و لاینسب إلی البلهاء أیضاً النزاع فی أنّ مفهوم المشتق هل هو بسیط أو مرکب عند النظر الإجمالی و المسامحی فکیف ینسب إلی المحققین و المدققین». و راجع أیضاً جواهر الأصول، ص83 و منتقی الأصول، ص354 و بحوث فی علم الأصول، ص320 و مباحث الأصول، ص220 و الرافد، ص274.
2- فی حاشیته علی کفایة الأصول، ص140 اختار کون المشتق بسیطاً بهذا المعنی.
3- کفایة الأصول، ص 54 و 55.
4- قال فی نهایة النهایة، ص80 فی توضیحه: «لکن ذلک لایضرّ ببساطة المعنی الموضوع له لأنّ الصورة الانحلالیة العقلیة لم توضع اللفظ لها بل الصورة الواحدة البسیطة الحاصلة فی النفس ابتدأ و فی بدو النظر هی التی وضع اللفظ بإزائها فلا منافاة بین الالتزام بهذا المعنی و القول ببساطة المعانی الاشتقاقیة».

العقلی وحدة المعنی و بساطة المفهوم کما لایخفی و إلی ذلک یرجع الإجمال و التفصیل الفارقان بین المحدود و الحد مع ما هما علیه من الاتحاد ذاتاً، فالعقل بالتعمل یحلل النوع و یفصّله إلی جنس و فصل بعد ما کان أمراً واحداً إدراکاً و شیئاً فارداً تصوراً فالتحلیل یوجب فتق ما هو علیه من الجمع و الرتق.»

القول الثانی: البساطة التحلیلیة
نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

الغرض من البساطة و الترکّب هی البساطة و الترکب بحسب التحلیل العقلی و إلّا فلا ریب فی أنّ مفهوم المشتق لیس مرکباً من مفاهیم تفصیلیة و هی مفهوم «ذات ثبت له المبدأ» و القائل بالترکب یسلّم وحدة المفهوم، غایة الأمر یدّعی انحلاله إلی أمور متعددة فی العقل، بداهة أنّ لازم الترکب المفهومی هو انقلاب الإدراک التصوری اللازم فی المحمول إلی إدراک تصدیقی و لایلتزم به أحد من القائلین بالترکب.

یلاحظ علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

إن کان النزاع فی البساطة التحلیلیة لا الإدراکیة و اللحاظیة فکیف یستشکل علی القول بالترکیب بقوله: ((2))

إنّ الواضع الحکیم لابدّ أن یلاحظ فی أوضاعه فائدة مترتّبة علیها، و لاتترتّب فائدة علی أخذ الذات أصلاً فهذا الإشکال یتّجه فی ما إذا کان النزاع فی المعنی

ص: 505


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص95 و راجع أیضاً فوائد الأصول، ص103.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص99.

الموضوع له.

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّه بعد بیان معنی البساطة اللحاظیة قال: إنّ البساطة اللحاظیة ممّا لم یقع لأحد فیها شک و ریب، إنّما الکلام فی البساطة الحقیقیة من وجهین:

أحدهما: ما هو المعروف الذی استدلّ له السیّد الشریف و هی البساطة من حیث خروج الذات عن المشتقّات و تمحّضها فی المبدأ و النسبة.

ثانیهما: ما ادّعاه المحقق الدوانی (قدس سره) من خروج النسبة کالذات عن المشتقات و تمحّضها فی المبدأ فقط و أنّ الفرق بین مدلول لفظ المشتق و مدلول لفظ المبدأ بالاعتبار.

ملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّه یمکن الملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بأنّه یستدل بالوجدان علی إدراک صورة مبهمة متلبّسة بالقیام و یبرهن علی لزوم تلک الصورة المبهمة المقوّمة لعنوان المشتق و إلّا لایصحّ حمل المبدأ علی الذات و یقول فی مقام الاستدلال بالوجدان بأنّا لانشک عند سماع لفظ القائم فی تمثّل صورة مبهمة متلبّسة بالقیام.

فإنّه و إن قال ببساطة المشتق إلّا أنّ تلک الصورة المبهمة عنده هی المدرکة من سماع اللفظ و المحقق الخوئی (قدس سره) یقول: إنّ هذه الصورة المبهمة هی مفهوم الذات خلافاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث یقول: إنّها مبهمة حتی من جهة

ص: 506


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص 216 و 218.

کونها ذاتاً و علی أی حال إن لم نتمکّن من تصویر وحدانیّتها -مع إدراک هذه الصورة المبهمة- یلزم ترکب المشتق تصوراً من تلک الصورة المبهمة و المبدأ.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ البساطة اللحاظیة لاتصلح لأن تکون محوراً للبحث و مرکزاً لتصادم الأدلّة و البراهین العقلیة، بل لاتقع تحت أی بحث علمی کما لایخفی، بل المرجع فی إثبات البساطة اللحاظیة فهم العرف و مناط البساطة اللحاظیة وحدة المفهوم إدراکاً و وحدة المفهوم فی مرحلة التصوّر فی کل مفهوم و مدلول للفظ واحد ممّا لم یقع لأحد فیه شک و ریب.

یلاحظ علی بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

(2)

إن کان البحث فی البساطة التحلیلیة و الترکیب التحلیلی فکیف یستدل علی

ص: 507


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص265 و266 و ط.ج. ص304 و فی منتهی الأصول، ص92 بعد اختیاره کون معنی البساطة ما لاینافی التحلیل العقلی: «إن قلت: فما المرکب فی مقابل هذا المعنی؟ لأنّه إذا کان التحلیل العقلی غیر مضرّ بالبساطة فلابدّ أن یکون المفهوم المرکب مرکباً من الصورتین فی الذهن بدون تحلیل من طرف العقل و لیس فی باب المفاهیم الأفرادیة ما یکون کذلک بل جمیع المفاهیم الأفرادیة تأتی بصورة وحدانیة إلی الذهن غایة الأمر العقل یحلّل بعضها إلی أجزاء عقلیة دون بعض آخر».
2- . فی منتهی الأصول، ص92 بعد ذکر الإشکال: «قلت: إنّ المفاهیم من هذه الجهة علی أربعة أقسام: الأوّل - أن یکون فی الذهن مرکباً من صورتین متمایزتین من دون أن تکون وحدانیة فی البین و هذا کمفاهیم الجمل ... و هذا القسم من الترکیب خارج عن محل بحثنا لأنّ کلامنا فی المفاهیم الأفرادیة أی ما یفهم من الألفاظ المفردة و هذا من الجمل و الألفاظ المرکبة. الثانی - أن تأتی إلی الذهن صورة وحدانیة و لکن حیث إنّ ما ینطبق علیه ذلک المفهوم الواحد مرکب خارجی له أجزاء خارجیة و الصورة الذهنیة طبق ما فی الخارج ... و هذا القسم هو محل النزاع فی مسألة المشتق بناء علی ما هو المشهور عند المحققین فمن یقول بالترکیب یقول بأنّ الصورة الذهنیة من المشتق صورة وحدانیة و لکن لها فی الذهن أجزاء من دون احتیاج إلی تحلیل عقلی ... الثالث - أن تأتی إلی الذهن صورة وحدانیة بسیطة بحیث لایمکن تعدّد الأجزاء إلّا بالتحلیل العقلی و ذلک کماهیات الأنواع فی الذهن حیث أنّها مفاهیم بسیطة لا تعدّد فیها إلّا باعتبار التحلیل العقلی فلو کان المشتق من هذا القسم لکان بسیطاً عند جماعة من المحققین خلافاً لشیخنا الأستاذ حیث یراه مرکباً لو کان کذلک. الرابع - هو أن تأتی إلی الذهن صوره بسیطة لایمکن تجزئتها حتی بالتحلیل العقلی و ذلک کمفهوم اسم الجلالة و مفهوم الوجود و شیخنا الأستاذ (قدس سره) یقول: إنّ مفهوم المشتق بناء علی البساطة من هذا القبیل غایة الأمر بالنسبة إلی جزئیة الذات لا مطلقاً».

مختاره و هو الترکیب التحلیلی بالتبادر العرفی وجداناً.((1))

فتحصل من ذلک: أنّ النزاع فی البساطة اللحاظیة و الإدراکیة أو الترکیب اللحاظی و الإدراکی لا البساطة التحلیلیة العقلیة أو الترکیب التحلیلی العقلی.

مع أنّ التحلیل العقلی باب واسع و مع فتح هذا الباب یمکن تحلیل أکثر المشتقات بالأجناس و الفصول فلایبقی للقول بالبساطة مجال((2)) فالحق مع صاحب الکفایة (قدس سره) .

و المتحصل عندنا هو أنّ الذهن یتصور من القائم حقیقتین أحدهما جوهری

ص: 508


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص268 و ط.ج. ص306.
2- فی منتهی الأصول، ص91 بعد ذکر معنیین للبساطة و ذهاب شیخه الأستاذ (قدس سره) إلی البساطة الحقیقیة: «لایقال: کیف یقول بالبساطة بهذا المعنی مع أنّ نفس المبدأ لیس بسیطاً هکذا لأنّ العقل یحلّله إلی جنس و فصل فکیف یکون المشتق بسیطاً بهذا المعنی؟ و الحال أنّ البسیط - بهذا المعنی- منحصر بواجب الوجود جلّ جلاله ... (لأنّا نقول): إنّ مقصود شیخنا الأستاذ (قدس سره) من البساطة فی باب المشتق بهذا المعنی لیس أنّه لایحلّلها العقل حتی إلی جنس و فصل لأنّ المبدأ - کما تقدّم- یحلّله العقل إلی جنس و فصل فکیف لایکون المشتق کذلک بل المراد أنّه لیس مرکباً من الذات و المبدأ حتی بالتحلیل العقلی و لبّ هذا الکلام یرجع إلی أنّ الذات خارجة عن مفهوم المشتق رأساً و لذا نقول بأنّها لیست مأخوذة فی مفهوم المشتق حتی عند التحلیل».

و الآخر عرضی و لایمکن اتحادهما مفهوماً و إدراکاً لاختلافهما ذاتاً.

نعم إذا قلنا بالترکیب اللحاظی و الإدرکی من مفهوم الذات أو الصورة المبهمة و مفهوم المبدأ فیلزم الترکیب الحقیقی و التحلیلی أیضاً.

ص: 509

المطلب الثانی: فی استدلال القائلین بالبساطة و الترکیب
اشارة

((1))

الأدلة علی بساطة المشتق خمسة:
اشارة

(2)

الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره)
اشارة

إنّ المشتق عنده أمر بسیط منتزع عن الذات باعتبار تلبسها بالمبدأ و قال الجرجانی فی وجه استحالة الترکیب:

ص: 510


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص321: «الأقوال فی المشتق من حیث البساطة و الترکیب: 1) ما اختاره المحقق الدوانی و تبعه المحقق النائینی (قدس سرهما) من أنّ المشتق موضوع بمادّته للحدث و بهیئته للدلالة علی أنّه ملحوظ لا بشرط عن الحمل علی الذات بخلاف المصدر الملحوظ بشرط لا عن الحمل. 2) ما یظهر من کلمات المحقق الخراسانی (قدس سره) من دلالة المشتق علی معنی بسیط منتزع عن الذات بلحاظ تلبسها بالمبدأ بحیث تکون نسبته إلیها نسبة العنوان الانتزاعی إلی منشأه و نسبته إلی المبدأ نسبة العنوان المنتزع إلی مصحح الانتزاع. 3 ) ما یظهر من کلمات المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ المشتق یدلّ بمادته علی الحدث و بهیئته علی نسبته إلی الذات فیکون مدلول "قائم" مثلاً قیام صادر من ذات. 4) ما یظهر من کلمات المحقق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه السید الأستاذ (حفظه الله) من دلالة المشتق علی الذات المنتسب إلیها المبدأ فیکون مدلول "قائم" مثلاً ذات لها القیام» و راجع أیضاً نهایة الأفکار، ص141و منتهی الأصول، ص93 و مباحث الأصول، ص220 و ص243.
2- . و فی درر الفوائد، ص66: «إنّا بعد المراجعة إلی أنفسنا لانفهم من لفظ ضارب مثلاً إلّا معنی یعبّر عنه بالفارسیة (به زننده) و بعبارة أخری (دارای ضرب) و لا إشکال فی وحدة هذا المفهوم الذی ذکرنا و إن جاز فی مقام الشرح أن یقال شیء أو ذات ثبت له الضرب و لیس فی باب فهم معانی الألفاظ شیء أمتن من الرجوع إلی الوجدان». و فی فوائد الأصول، ص106: «الأوّل أنّ المشتق علی ما عرفت مراراً إنّما ینتزع من لحاظ المبدأ لابشرط فلو کانت الذات مأخوذة فی مفهومه و جزء لمدلوله لخرج عن کونه لابشرط إلی بشرط شیء و هذا خلف إذ الفرق بین المشتق و مبدئه لیس إلّا باللابشرطیة و البشرط اللائیة و اعتبار الذات یلازم البشرط الشیئیة و هو خلاف ما اتفقوا علیه. الثانی أنّ الألفاظ موضوعة بإزاء المفاهیم بما أنّها مرآة الحقایق لا بما هی هی حتی یمتنع صدق ما وضع له الألفاظ علی الخارجیات و المفهوم عبارة عن المدرک العقلانی و هو فی غایة البساطة لیس فیه شائبة الترکیب فلایمکن أن یکون مفهوم المشتق مرکباً من الذات و المبدأ». و راجع أیضاً وقایة الأذهان، ص 170 و 171و حاشیة علی کفایة الأصول، ص134 و وسیلة الوصول، ص171 و منتهی الأصول، ص99. و أورد فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص 410 علی بساطة المشتق بقوله:«مع ما فی القول بالأمر البسیط المنتزع من فساده بعدم معقولیة معنی هذه العبارة فإنّ معنی اللفظ الموضوع الدائر فی الاستعمالات الجاری علی لسان کافة أهل اللسان لابدّ و أن یکون أمراً معقولاً مدرکاً بحسب الذهن یعرفه کل أحد و یمتنع کونه وضعاً لما لایعقله أحد أو لایعقله إلّا الأوحدی و نحن لانتعقل من الأمر البسیط المنتزع سوی اللفظ الخالی عن المعنی».

إنّ الشیء لو کان مأخوذاً فی المشتقات فإمّا أن یراد منه مفهوم الشیء و إمّا أن یراد منه مصداق الشیء.

فإن قلنا بأنّ مفهوم الشیء (أو فقل: مفهوم الذات کما قرّره السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات)((1)) معتبر فی مفهوم الناطق فیلزم دخول العرض العام فی الفصل و إن قلنا بأنّ مصداق الشیء معتبر فی مفهوم الناطق فیلزم انقلاب مادة الإمکان الخاص إلی الضرورة، فإنّ جملة: الإنسان ضاحک قضیة ممکنة حیث إنّ الضحک بما له من المعنی ممکن الثبوت للإنسان فلو قلنا باعتبار مصداق الشیء فی الضاحک یکون المعنی: الإنسان الشیء (الإنسان) الذی له الضحک و ثبوت الشیء لنفسه ضروری. هذا ما أفاده السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره) .

ص: 511


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص269 و ط.ج. ص307.
التحقیق حول استدلال السیّد الشریف علی البساطة:
اشارة

((1))

هنا صورتان:

و لابدّ من تحقیق هذا الاستدلال بملاحظة کلتا الصورتین (أخذ مفهوم الشیء و مصداقه).

الصورة الأولی: أخذ مفهوم الشیء فی المشتق
اشارة

تقریبات ثلاثة للمناقشة فی الصورة الأولی:((2))

قد نوقش فی أخذ مفهوم الشیء فی المشتق بتقریبات:
اشارة

الأوّل ما أفاده السیّد الشریف و الثانی ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) و الثالث ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .

ص: 512


1- فی فوائد الأصول، ص116: «علی کل حال لا إشکال فیما ذکره السید الشریف فی کلا شقی التردید و إن کان الأولی تبدیل الشق الأوّل بدخول الجنس فی الفصل» و فی نهایة الأصول، ص68: «ما ذکره الشریف من بساطة مفهوم المشتق حق لا مریة فیه دلیلنا التبادر إذ المتبادر من لفظ الکاتب فی"زید کاتب" لیس إلّا حیثیة الکتابة من دون أن یتصوّر مفهوم الشیئیة أو ذات الموضوع ثانیاً» و ذکر فی الرافد، ص 312 و 313 هذا الدلیل بعنوان الإیراد الرابع علی القول بترکیب المشتق. و راجع أیضاً الفصول، ص62 و تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص411 و نهایة الأفکار، ص147 و مناهج الوصول، ص222.
2- فی حقائق الأصول، ص127: «یمکن جعل التالی فی الشرطیة الأولی قولنا: لزم عدم صحة التعبیر عن مفهوم الناطق بموجود له النطق أو ذات لها النطق أو نحو ذلک لمباینة هذه المفاهیم لمفهوم الشیء و التالی باطل أو لزم دخول الأمر الاعتباری فی الفصل بناء علی أنّ الشیء من المفاهیم الاعتباریة و دخول الاعتباری فی الفصل أشکل من دخول العرضی فیه أو قولنا: لکان إمّا داخلاً فی مفهوم المادة أو فی مفهوم الهیأة أو فی مفهوم المرکب و التالی باطل بأقسامه أمّا الأوّل فلأنّ لازمه دخوله فی مفهوم جمیع المشتقات حتی الفعل و المصدر لوجود المادة فیها و أمّا الثانی فلأنّ الهیأة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة و أمّا الثالث فلأنّ لازمه خروجه عن کونه مشتقاً بل یکون موضوعاً وضع الجوامد بوضع واحد لمادته و هیأته».
التقریب الأوّل من السیّد الشریف:
اشارة

((1))

إنّ السیّد الشریف الجرجانی یعتقد بأنّه یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی المشتق دخول العرض العام فی الفصل.

أجوبة عن التقریب الأوّل:
اشارة

((2))

الجواب الأوّل: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

إنّه أجاب صاحب الفصول (قدس سره) ((3)) من إشکال دخول العرض العام فی الفصل

ص: 513


1- فی الفصول، ص61: «إنّ المراد بالذات و الشیء إن کان مفهومهما لزم دخول العرض العام فی مفهوم الفصل فیکون الفصل عرضیاً للنوع لأنّ مفهوم الذات و الشیء عرضی لأفراده و المرکب من الذاتی و العرضی لایکون ذاتیاً بالضرورة».
2- و فی نهایة النهایة، ص76 فی التعلیقة علی قوله «و یدفع الإشکال بأنّ کون الناطق»: «قد عرفت أنّ إطلاق الفصل علیه باعتبار أنّ به یتحقق الفصل و یمتاز النوع عن سائر ما عداه و إطلاق الفصل علی الناطق واقعاً لایقتضی بوجه کونه بتمام مدلوله فصلاً بحیث لایشتمل مفهومه علی معنی خارج عن الفصل» الخ و فی بحوث فی علم الأصول، ص331: «أمّا الصیاغة المنسوبة إلی المحقق الشریف فجوابها: أنّ ما مثل به المناطقة للفصول کالناطق و الصاهل لم یرد جعله بتمام مدلوله اللغوی فصلاً ... و الواقع انّ ما ذکره المحقق الشریف أجنبی عن مسألتنا الأصولیة بالمرة لأنّه یذکر کلامه هذا فی التعلیق علی مقالة شارح مطالع الأنوار فی دفع شبهة کان یوجه علی تعریف الإدراک بأنّه: ترتیب أمور معلومة یتوصّل به إلی أمر مجهول من لزوم خروج التعریف بالحد الناقص الذی هو تعریف بالفصل فقط حیث أجاب عنها: بأنّ الفصل أیضاً مرکّب من أمور و لیس بسیطاً فالناطق مثلاً عبارة عن شی ء له النطق فعلّق علیه المحقق الشریف بلزوم دخول العرض فی الذاتی و واضح انّ تمام نظره إلی الفصل الحقیقی و التعریف به مع قطع النظر عن باب الدلالات اللغویة» و راجع أیضاً الرافد، ص314 و نهایة الأفکار، ص147 و وسیلة الوصول، ص168 و فوائد الأصول، ص111 و مناهج الوصول، ص 222 و 223.
3- فی الفصول، ص61: «یمکن أن یختار الوجه الأوّل و یدفع الإشکال بأنّ کون الناطق مثلاً فصلاً مبنی علی عرف المنطقیین حیث اعتبروه مجرّداً عن مفهوم الذات و ذلک لایوجب أن یکون وضعه لغة کذلک» و اختار هذا الجواب المحقق البروجردی (قدس سره) فی حاشیته علی کفایة الأصول، ص137 بقوله: ثانیاً الخ.

بأنّ ما اشتهر بینهم من کون الناطق مثلاً فصلاً مبنی علی عرف المنطقیین حیث اعتبروه مجرّداً عن مفهوم الذات و ذلک لایوجب وضعه لغةً کذلک.

إیراد صاحب الکفایة علی صاحب الفصول (قدس سرهما):

((1))

إنّ الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف فی معناه.((2))

الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین والحکیم السبزواریوصاحب الکفایة
اشارة

الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین((3))والحکیم السبزواری((4))وصاحب الکفایة((5))

إنّهم أجابوا بأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً((6)) بل هو فصل مشهوری منطقی

ص: 514


1- فی الکفایة، ص52: «فیه: إنّه من المقطوع أنّ مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرّف فی معناه أصلاً بل بماله من المعنی کما لایخفی». و فی حقائق الأصول، ص121 فی التعلیقة علی قوله: «مبنی علی عرف»: «یعنی أنّ مفهوم الناطق عند المنطقیین غیر مفهومه عند اللغویین فعند الأوّلین تدخل فیه الذات و عند الآخرین تخرج عنه لکن هذا لایدفع الإشکال عن شارح المطالع لأنّ کلامه کان فی الفصل المنطقی الذی یکون معرفاً فافهم».
2- فی حقائق الأصول، ص121: «هذا غیر ظاهر بل الظاهر منهم کون الفصل هو النطق و کون العرض العام و الخاص هو المشی و الضحک و التعبیر عنها بالمشتقات لتصحیح الحمل فی التعریف حداً أو رسماً مع الإشارة بها إلی مبادیها التی هی أجزاء الماهیة أو أعراضها فی الحقیقة».
3- الأسفار، ج2، ص25.
4- شرح المنظومة، قسم المنطق، ط.ق. ص35.
5- فی الکفایة، ص52: «التحقیق أن یقال إنّ مثل الناطق لیس بفصل حقیقی بل لازم ما هو الفصل و أظهر خواصه و إنّما یکون فصلاً مشهوریاً منطقیاً یوضع مکانه إذا لم یعلم نفسه بل لایکاد یعلم کما حقّق فی محله» الخ.
6- فی مباحث الأصول، ص221: «و أورد علیه بأنّ مثل "الناطق" لیس بفصل إمّا لأنّ البسیط لایعلم بالعلم الحصولی المتحصل فی الحد المشتمل علی الجزئین المتوقف علی الترکب لأنّه خلف کما عن الشیخ الرئیس و یمکن الخدشة فیه بأنّ ترکب المحدود و الحد لایستلزم ترکب کل جزء من أجزاء الحد و هو المدعی فی الفصل أو لأنّ حقائق الأشیاء غیر معلومة لغیر خالقها و یمکن الخدشة فیه بأنّ المنحصر فیه تعالی العلم بالکنه مطلقاً و فی جمیع ما ینتهی إلیه المعلومات فی الشیء لا مطلق العلم بالحقائق کما یظهر من تعلیمه تعالی "آدم" للأسماء أو لأنّ النطق بمعنی التکلم من الکیف المسموع و بمعنی إدراک الکلیات من الکیف النفسانی و هما غیر ذاتیین للحقیقة الجوهریة الإنسانیة و إنّما هو لازم الفصل و دخول العرض فیه غیر مستحیل و سیأتی ما یرجع إلی الوجه الأخیر».

یوضع مکان الفصل الحقیقی حیث لایکاد یعلم، فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق.

و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلامهم:((1))

إنّ المراد من النطق إمّا هو النطق الظاهری و هو کیف مسموع فلایکون مقوّماً للجوهر النوعی و إما هو النطق الباطنی أعنی إدراک الکلیات و هو کیف نفسانی أو إضافة أو انفعال و علی أی حال إنّه من الأعراض و لایکون فصلاً مقوّماً للنوع الجوهری و لا محصلاً للجوهر الجنسی.

و سرّ جعل مثله فی مقام التحدید هو أنّ الذاتی لمّا لم یعلم، بل لایکاد یعلم (کما عن الشیخ الرئیس فی التعلیقات((2)) علی ما حکی عنه) لم یکن بدّ إلّا من التعریف باللوازم و الخواصّ.

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی الجواب الثانی:

(3)

إنّ الناطق بمعنی المتکلم أو مدرک الکلیات و إن کان من عوارض الإنسان إلّا أنّه بمعنی صاحب النفس الناطقة یکون فصلاً حقیقیاً فیلزم من أخذ مفهوم

ص: 515


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص204.
2- التعلیقات، ص34.
3- . أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص102. و فی نهایة النهایة، ص76 عند التعلیقة علی قوله: «و التحقیق أن یقال»: «هذا أوهن ممّا أفاده صاحب الفصول (قدس سره) لأنّه یستلزم انحصار الکلیات فی اثنین إذ کما لا طریق لنا إلی الفصل کذلک لا طریق لنا إلی الجنس و النوع فکل المفاهیم التی تحصل فی نفوسنا هی من قبیل الأعراض إمّا عامّاً أو خاصاً و هذا خلاف مبنی المنطقیین و صریح تقسیمهم الکلیات إلی خمس مع أنّ مفهوم الشیء کما أنّه أجنبی عن الفصل أجنبی عن ما هو لازم الفصل و ما هو أظهر خواصه و إنّما لازمه هو النطق و لیس مفهوم الشیء بعد تقییده بالنطق لازم الفصل نعم هو بعد هذا التقیید یکون خاصة للإنسان و ملازماً لفصله». و فی حقائق الأصول، ص121 فی التعلیقة علی قوله: «فلا بأس بأخذ مفهوم الشیء فی مثل الناطق»: «الإشکال لایختص بالناطق بل هو جار فی جمیع المشتقات التی لایتمیز الفصل منها عن الخاصة و لا الجنس عن العرض العام فیرجع الإشکال لا علی التفصیل بل علی الإجمال فتأمل». و فی نهایة الأفکار، ص148: «و علی مقالة الکفایة من سلب الفصلیة عن الناطق و جعله فصلاً مشهوریاً و من أظهر الخواص یتوجه علیه محذور لزوم دخول الخارج المحمول فی الخاصة التی هی من المحمولات بالضمیمة من جهة أنّ مفهوم الذات لایکون إلّا أمراً الخاصة التی هی من المحمولات بالضمیمة من جهة أنّ مفهوم الذات لایکون إلّا أمراً اعتباریاً منتزعاً عن منشئه من دون أن یکون له ما بإزاء فی الخارج أصلاً و معلوم أیضاً أنّ محذور دخول الخارج المحمول فی الخاصة لایکون بأقل من محذور دخول العرض فی الذاتی». و فی نهایة الأصول، ص68: «فیه أنّه یلزم علی هذا أیضاً تجریده من الشیئیة فإنّ ما هو من أظهر خواص الفصل الحقیقی للإنسان لیس هو الشیئیة المقیدة بالنطق بل نفس حیثیة النطق و ضمّ الشیئیة إلیه نظیر ضمّ الحجر إلی جنب الإنسان» و راجع أیضاً منتهی الأصول، ص101.

الشیء فیه أخذ العرض العام فی الفصل.

(و سیجیء أنّ المحقق النائینی (قدس سره) یغیّر الإشکال بأنّه یلزم دخول الجنس فی الفصل فیوجب انقلاب الفصل إلی النوع و هو محال).

مناقشة المحقق الخوئی علی کلام المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ صاحب النفس الناطقة هو الإنسان و هو نوع لا فصل، إذن لا مناص من الالتزام بکون الناطق فصلاً مشهوریاً وضع مکان الفصل الحقیقی لتعذّر

ص: 516


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص270، ط.ج. ص 309.

معرفته غالباً بل دائماً.

یلاحظ علیه:

إنّ النوع هو تمام ذاتیات الإنسان و هو مرکب من الجنس و الفصل ولکن النفس الناطقة هی النفس المختصة بالنوع الإنسانی و أما النفس الحیوانیة هی ما یشترک بین النوع الإنسانی و سائر انواع الحیوانیات فالنفس الناطقة لاتکون نوعاً بل هی فصل مقوم للنوع الإنسانی.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) رأی صحة الجواب الثانی و لذا قال: إنّه کان صواباً کیف و قد صدر عن جملة من الأکابر.

و لکن لاحظ علیه بأنّه یمکن أن یجعل الناطق فصلاً حقیقیاً للإنسان و أفاد فی بیان ذلک وجهین:

الأوّل: أن یکون المراد منه ما له نفس ناطقة و النفس الناطقة بما هی مبدأ لهذا الوصف فصل حقیقی. ((2))

ص: 517


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص204 و 205.
2- فی مباحث الأصول، ص222: «قد یتفصی عن الإشکال بجعل الفصل مبدأ الاشتقاق الجعلی و هو النفس الناطقة و إنّما یحتاج فی التعبیر عنه بما یصح حمله علی الآخر و علی النوع إلی المشتق الجعلی کالناطق أو إضافة کلمة ذی بمعنی الصاحب المتحد معنی مع المشتق الجعلی و فیه: أنّه هدم لصحة الحمل فی الأجزاء التحلیلیة فی بعضها علی البعض و فی مجموعها علی الکل لأنّ المحمول حینئذٍ غیر الجزء منتزع عن الشیء الذی له الجزء و الجزء غیر قابل للحمل لأنّ ترکب غیر النفس معها لیس حینئذٍ حقیقیاً و الحمل یستدعی الاتحاد الحقیقی فی المفهوم فی المقام و فی الوجود فی الحمل الشائع» الخ.

فإنّ کلام بعض الأکابر و الأعلام من أنّ الناطق فصل مشهوری یلاحظ علیه أنّه یمکن أن یجعل الناطق فصلاً حقیقیاً من دون محذور (أی لایترتب علیه محذور دخول العرض العام فی الفصل أو دخول الجنس فی الفصل و انقلاب الفصل إلی النوع) بأن یکون المراد منه ما له نفس ناطقة و النفس الناطقة بما هی مبدأ لهذا الوصف فصل حقیقی الإنسان.

ثم أعرض عن هذا الوجه لأنّ توصیف النفس بالناطقة بمعنی المدرکة للکلیات یوجب أن لایکون الفصل ذاتیاً.

الثانی: أن یکون المراد منه مبدأ الناطق و هو النطق و هذا المبدأ هو الفصل الحقیقی للإنسان و أخذ الشیء و الذات و نحوهما لتصحیح الحمل.

[أقول: إنّ النطق بمعنی إدراک الکلیات من مقولة العلم و العلم أمر وجودی، و ماهیته جوهریة، فلا إشکال فی إمکان جعله فصلاً.]

ثم حاول لدفع إشکال السیّد الشریف الجرجانی بطریق آخر؛

بیانه: إنّ مفهوم الشیء لم یتخذ فی مبدأ الناطق الذی هو النطق و هو الفصل الحقیقی للإنسان بل اعتبر فی المشتق لأنّ النطق هو بشرط لا عن الحمل لأنّه المبدأ فما لم یلحظ لابشرط عن الحمل لایقبل الحمل فلذا یجب فی تصحیح الحمل من إضافة لفظة «ذو» فیقال: الإنسان ذو نطق أو من اشتقاق لغوی أصلی أو جعلی فیقال: الإنسان ناطق.

و أخذ مفهوم الشیء و الذات و نحوهما لتصحیح الحمل فإنّ أخذ مفهوم الشیء فی هذا المشتق الجعلی لایوجب محذور دخول العرض فی الذاتی بداهة أنّ الفصل الحقیقی هو المبدأ.

کما لا شبهة فی أنّ خاصة الإنسان هو الضحک و لایصح حمله إلّا بعنوان

ص: 518

اشتقاقی جعلی مثل الضاحک فمناقشة المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً مدفوع حیث إنّه توهّم أنّ فصل الإنسان هو الناطق لا النطق و أنّ خاصّة الإنسان مثلاً هو الضاحک لا الضحک.

ملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره):

و التحقیق هو أن یقال تفسیر النطق بإدراک الکلیات صرف اصطلاح جعلی لایوافق العرف و اللغة فالأولی أن یجعل فصل الإنسان مبدء النفس الملهمة أی الإلهام و معنی الملهمة هی المدرکة شأناً للکلیات و الحقائق من الأسماء الإلهیة و من الخیرات و الشرور المتنزلة منها.

و لذلک قال تعالی: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)((1)) و قال تعالی:(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا). ((2))

التقریب الثانی: من صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) قرّب الإشکال فی هذا الفرض بنحو آخر.

بیان ذلک: إنّه یلزم من أخذ مفهوم الشیء فی المشتق انقلاب القضیة الممکنة إلی الضروریة مثلاً قضیة: الإنسان شاعر ممکنة و لکن لو قلنا بأخذ مفهوم الشیء یلزم کونها ضروریة، لأنّ صدق الشیء علی جمیع الأشیاء ضروری.

ص: 519


1- سورة البقرة(2):31.
2- سورة الشمس(91): 7-8.
3- الفصول، ص61 قال (قدس سره): «لایذهب علیک أنّه یمکن التمسّک بالبیان المذکور علی إبطال الوجه الأوّل أیضاً لأنّ لحوق مفهوم الذات أو الشیء لمصادیقهما أیضاً ضروری و لا وجه لتخصیصه بالوجه الثانی».
مناقشة الأعلام علیه:

إنّ صاحب الکفایة ((1)) و المحقق النائینی((2)) و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ((3)) ناقشوا فی ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) فی هذا الفرض بأنّ مفهوم الذات إن أخذ مطلقاً فهو ضروری الثبوت و لکنّه إذا أخذ مقیداً بقید غیر ضروری کما فی المقام فهو غیر ضروری أیضاً.((4))

ص: 520


1- کفایة الأصول، ص54 قال (قدس سره): «و قد انقدح بذلک عدم نهوض ما أفاده (رحمة الله) بإبطال الوجه الأوّل کما زعمه (قدس سره) فإنّ لحوق مفهوم الشیء و الذات لمصادیقهما إنّما یکون ضروریاً مع إطلاقهما لا مطلقاً و لو مع التقید إلّا بشرط تقید المصادیق به أیضاً و قد عرفت حال الشرط فافهم». و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص139: «بیانه أنّ ثبوت مفهوم الشیء لمصداقه مثل الإنسان مثل و لحوقه له إنّما یکون ضروریاً فیما إذا اعتبر المفهوم مطلقاً و مجرّداً عن التقیید و التوصیف بالوصف الکذائی کالضحک و أمّا مع التقید و التوصیف فلایکون ثبوته و لحوقه کذلک ضروریاً کما ذکرناه آنفاً فی إبطال الوجه الثانی، نعم القضیة بشرط المحمول و ثبوته واقعاً کما ذکره أخیراً فی تصحیح الانقلاب تصیر القضیة ضروریة لکنّه عرفت أنّ المناط فی القضایا بحسب الجهات و المواد إنّما هو ملاحظة نفسها بما هی هی من دون النظر إلی الواقع ثبوتاً أو نفیاً فافهم».
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص107.
3- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص273 و ط.ج. ص312.
4- فی نهایة الدرایة، ص149 عند التعلیقة علی قوله «فإنّ لحوق مفهوم الذات و الشیء لمصادیقهما إنّما یکون ضروریاً»: «الأولی أن یقال أنّ إلزام الشریف بالانقلاب إن کان من باب ثبوت الشیء لنفسه کما هو ظاهر الشریف فمن البدیهی أنّ مفهوم الشیء غیر مفهوم الإنسان و إن کان من باب أنّ الموجهة بجهة الإمکان لیس بالإمکان بل بالضرورة ففیه أنّ الإنسان بإنسانیته یقتضی الکتابة لکنّ الشیء بشیئیته لایقتضی الکتابة بل الشیء إن کنی به عن الإنسان کان مقتضیاً بالإمکان فیرجع إلی مصداق الشیء و إن کنی به عن غیر الإنسان لم یکن بهناک اقتضاء بل صحّ السلب بالضرورة فالشیء بشیئیته لا حکم له و إن کان إلزامه من باب أنّ الإنسان شیء لا أنّه لا شیء و الشیئیة لاتنسلخ عنه فی جمیع المراتب ففیه أنّه قابل للتقیید بقید لایکون بما هو ضروریاً للإنسان و لیس کنفس الإنسان کی یکون محفوظاً فی جمیع المراتب حتی یکون حمله غلطاً للزوم حمل الأخص مفهوماً علی الأعم بل مفهومه حینئذٍ أعمّ مفهوماً من الموضوع، نعم انحلال القضیة إلی ضروریة و ممکنة من باب انحلال الخبر إلی خبرین جار بناء علی إرادة مفهوم الشیء و إن کان ظاهر کلام صاحب الفصول هو الشق الثالث». و فی حقائق الأصول، ص126: «المصنف (رحمة الله) لما حمل عبارته المتقدمة علی إرادة شرط المحمول حمل هذه العبارة أیضاً علی ذلک فأورد علیها بما تقدّم من أنّ الانقلاب إلی الضروریة بشرط المحمول و إن کان صحیحاً إلّا أنّه خارج عن محل الکلام و حیث عرفت مراده ممّا سبق تعرّف مراده هنا و إنّ الانقلاب إلی الضروریة لایختص بأخذ المصداق بل یتمّ و لو أخذ مفهوم الشیء المقید بالوصف المقید بمادّته الواقعیة إذ یصدق الإنسان شیء کاتب بالإمکان بالضرورة لأنّ الشیء الممکن له الکتابة ضروری الثبوت للإنسان لکنّه سابقاً ردّد بین الإیجاب الضروری و السلب الضروری لتردّد الذات بین الواجدة للوصف الخاص و الفاقدة له و هنا عین الانقلاب إلی الإیجاب الضروری لتعین کون الشیء واجداً للوصف المذکور و فیه مضافاً إلی ما عرفت من خروجه عن محل الکلام أنّ مفهوم الشیء ممّا لایقبل الوصف المذکور فاللازم الانقلاب إلی الضروریة السالبة» الخ. و فی عنایة الأصول، ص 159 و 160: «أقول: قد أشرنا آنفاً أنّ المصنف (قدس سره) استفاد من کلام الفصول فی وجه التنظر أی من قوله لأنّ الذات المأخوذة مقیدة بالوصف ... الخ إنّ المراد هو الذات المجعول موضوعاً فی القضیة و ذلک بقرینة ما أورده علیه من أنّ مرجع ذلک إلی صیرورة القضیة بشرط المحمول ... ألخ و هاهنا قد استفاد من کلام الفصول فی جواز التمسّک بالبیان المذکور علی إبطال الوجه الأوّل أنّ المراد هو الذات المأخوذة فی المشتق و ذلک بقرینة ما أورده علیه من أنّ لحوق مفهوم الشیء و الذات لمصادیقهما ... الخ مع أنّ کلامی الفصول فی المقامین علی نمط واحد بل شیء واحد و هذا من المصنف عجیب جداً» الخ. و راجع أیضاً الرافد، ص 329.
التقریب الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قرّر الإشکال بنحوآخر فقال:((1)) التحقیق أنّ الشیء لیس من العرض العام فی شیء، فإنّ العرض العام ما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید کالماشی و المتحّیز مثلاً و الشیئیة تعرض کل ماهیة من الماهیات و هی

ص: 521


1- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص102.

جهة مشترکة بین جمیعها و لیس ورائها أمر آخر یکون هی الجهة المشترکة و جنس الأجناس حتی تکون الشیئیة عارضةً و خاصةً له.

فإنّ الشیء جهة مشترکة بین تمام الموجودات فلامحالة یکون جنساً عالیاً لها فاللازم علی تقدیر أخذ مفهوم الشیء فی المشتق هو دخول الجنس فی الفصل.

مناقشتان للمحقق الخوئی فی تقریب المحقق النائینی (قدس سرهما):

((1))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ناقش تارةً فی ما ذکره من ملاک العرض العام و أخری فی ما أفاده من أنّ مفهوم الشیء جنس الأجناس.

المناقشة الأولی فی ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره):

إنّ ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره) هو ما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید و فیه: أنّ المراد من العارض هنا ما هو خارج عن ذات الشیء و محمول علیه و لذا ذکروا أنّ الوجود من عوارض الماهیة بمعنی أنّه خارج عن حیطة ذاتها و محمول علیها، فانحصار العرض بما کان خاصّة للجنس القریب أو البعید لا وجه له.

المناقشة الثانیة فی ما أفاده من أنّ الشیء جنس الأجناس: (2)

أنّ الشیء لایعقل أن یکون جنساً عالیاً للأشیاء جمیعاً من الواجب و الممکن و الممتنع بداهة استحالة الجامع الماهوی بین المقولات المتأصلة و

ص: 522


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 271و272 و ط.ج. ص310و311.
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ص 330 و 331: «إنّ الشیء لیس جنساً أعلی ... لأنّ مفهوم الشی ء لو کان جنساً لزم ترکب کلّ مقولة منه و من فصّل یمیزه عن المقولات الأخری و ذاک الفصل شی ء لامحالة و إلّا لم یکن جزءاً زائداً فإن کان تمام حقیقته الشیئیة لزم اتحاد الجنس و الفصل و إن کانت جزئه لزم ترکّبه من جزئین فننقل الکلام إلی جزئه الثانی الذی هو شی ء لامحالة فإمّا نرجع إلی الشیئیة فی النهایة أو نتسلسل إلی ما لا نهایة دون أن نصل إلی ما یمیز المقولات و کلاهما باطل کما هو واضح» الخ.

الماهیات المنتزعة و الأمور الاعتباریة بل کیف یعقل أن یکون الشیء جامعاً ماهویّاً بین ذاته تعالی و بین غیره؟

أمّا دعوی أنّه جنس لما تحته من المقولات الواقعیة التی هی أجناس عالیات دون غیرها فیرد علیها:

أوّلاً: أنّ صدق الشیء علی المقولات الواقعیة و غیرها علی حد سواء و لیس صدقه علی المقولات ذاتیاً و علی غیرها عرضیّاً.

و ثانیاً: أنّ الشیء لایمکن أن یکون جنساً للمقولات الحقیقیة لاستحالة جامع حقیقی بینها بل قد برهن فی محلّه أنّ الجامع الحقیقی لایعقل بین المقولات التسع العرضیة فضلاً عن الجامع بین جمیع المقولات.

فالتحقیق أنّ مفهوم الشیء مفهوم عام مبهم معرّی عن کل خصوصیة من الخصوصیات کمفهوم الأمر و الذات و یصدق علی الأشیاء جمیعاً صدقاً عرضیاً فیکون من العرض العام لا من العرض المقابل للجوهر (تمّ کلام المحقق الخوئی (قدس سره)).

فتحصل إلی هنا أنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق یوجب دخول العرض العام فی الفصل عند السیّد الشریف و دخول الجنس فی الفصل عند المحقق النائینی (قدس سره) .

و صدر المتألهین و الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق

ص: 523

الخوئی (قدس سرهم) قالوا بعدم لزوم ذلک لأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً بل هو فصل مشهوری.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال بأنّ مبدء الناطق مجرداً عن الذات هو الفصل الحقیقی فلایلزم دخول العرض العام أو الجنس فی الفصل و ما أفاده هو الأدقّ.

الصورة الثانیة: أخذ مصداق الشیء فی المشتق
مناقشات ثلاث فی الصورة الثانیة:
اشارة

((1))

إنّه قد نوقش فی أخذ مصداق الشیء فی المشتق مناقشات عدیدة، المناقشة الأولی ما قاله السیّد الجرجانی و المناقشة الثانیة ما أفاده الحکیم السبزواری و تبعه صاحب الکفایة (قدس سرهما) و المناقشة الثالثة ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .

ص: 524


1- فی بحوث فی علم الأصول، ص334: «الصحیح عدم أخذ مصداق الشیء فی المشتق علی القول بالترکیب إذ لو أرید به ما جعل موضوعاً للقضیة فمن الواضح أنّ المشتقات لاتکون محمولات دائماً کما فی قولنا: "أکرم الکاتب" و إن أرید أخذ الطبیعة التی من شأنها الاتصاف بالمبدأ کالإنسان فهو ینافی ما نحسّه وجداناً من صحّة استعمال الکاتب مثلاً فی غیر الإنسان و إن کانت القضیة کاذبة فیتعین أن یکون المشتق مرکباً من مفهوم الشی ء و المبدأ و النسبة إلّا أنّ هذا الکلام إنّما نقوله فی المشتقات الموضوعة بوضع نوعی أی الأوصاف الاشتقاقیة بحسب مصطلح النحاة لا مثل السیف و الصارم و السریر و نحوها فانّ المأخوذ فیها واقع الشی ء بمعنی الطبیعی الذی یکون معروضاً لمبادئها و لذلک لایصدق علی غیره کما یظهر بمراجعة العرف و اللغة». و فی مباحث الأصول، ص233: «إنّ الالتزام بأخذ المصداق فی مفهوم المشتق أمر مستبعد لا داعی إلیه فإنّه لا مانع من الوضع للجامع العنوانی کعنوان کل قابل للاتصاف بحیث یکون تطبیقه علی المصداق فی مرحلة الاستعمال بید المتکلم و یکون الاستعمال فی ذلک الجامع المراد به شیء خاص بخصوصیة جنسیة أو نوعیة أو شخصیة أو نحوها من الخصوصیات».
المناقشة الأولی:

((1))

قد استشکل السیّد الشریف (قدس سره) بلزوم انقلاب((2)) القضیة الممکنة إلی الضروریة.

ص: 525


1- فی الفصول، ص61: «إن أرید ما صدق علیه الذات أو الشیء فمع أنّه لایناسب وقوعه محمولاً یلزم أن ینقلب مادة الإمکان الخاص ضروریة لأنّ ذاتاً أو شیئاً له الکتابة أو الضحک هو الإنسان لا غیر فیصدق کل إنسان کاتب أو ضاحک بالضرورة لأنّ ثبوت الشیء لنفسه ضروری» و فی بحوث فی علم الأصول، ص332 بعد أن ذکر المناقشة الأولی و الجواب عنها حلّاً و نقضاً: «هناک عدة محاولات لتوجیه الاعتراض بنحو یسلّم عن هذا الجواب نذکر بعضها فیما یلی: 1) تغییر مورد الإشکال من مثال "الإنسان کاتب" إلی "زید کاتب" فلو کان المأخوذ واقع الشی ء فی الکاتب رجع إلی قولنا "زید زید له الکتابة" و التقیید فی هذا المثال غیر معقول لأنّ زیداً جزئی لایقبل التقیید و إنّما هو مجرّد معرف و مشیر فتکون القضیة ضروریة ... 2) إنّ القید الإمکانی إن أرید به المعرفیة و المشیریة إلی ذات المقید کان المحمول نفس الموضوع فتکون القضیة ضروریة و إن أرید به التقیید و التحصیص فالمقید بما هو مقید و إن کان ثبوته غیر ضروری إلّا أنّه یستلزم أن یکون الحمل وضعیاً لا طبعیاً لکونه من حمل الأخص علی الأعم بحسب المفهوم و هو باطل و بهذه المحاولة یندفع الحل و النقض معا ... 3) أن أخذ واقع الشیء فی المشتق یستلزم انحلال القضیة الواحدة الممکنة إلی قضیتین: إحداهما: ضروریة و هی"الإنسان إنسان" و الأخری ممکنة هی"الإنسان له الکتابة" مع أنّ "الإنسان کاتب" لیس إلّا قضیة واحدة عقلاً و عرفاً و هذه المحاولة لاتدفع النقض و إن کانت تعالج الحل» و أورد علی کل منها. و راجع أیضاً الرافد، ص331.
2- فی الرافد، ص316: «إنّ الجهات قد تتداخل و من ألوان التداخل انقلاب الممکنة للضروریة و هناک ثلاثة موارد یحتمل فیها الانقلاب من الإمکان للضرورة: 1- أخذ المحمول فی الموضوع نحو الإنسان الکاتب کاتب و هو المعبّر عنه بالضرورة بشرط المحمول لأنّ الکتابة و إن کانت ثابتة للإنسان بالإمکان إلّا أنّها ثابتة للکاتب بالضرورة فهذا المورد من موارد انقلاب الممکنة للضروریة 2- دخول الجهة فی المحمول نحو الإنسان کاتب بالإمکان علی نحو یکون قید بالإمکان مرتبطاً بالمحمول - و هو کاتب- لا بنسبة المحمول للموضوع و هذا المورد من موارد انقلاب القضیة الممکنة للضروریة باعتبار أنّ ثبوت الکتابة بما هی للإنسان أمر ممکن إلّا أنّ ثبوت الکتابة المقیدة بالإمکان له أمر ضروری و هذا التصوّر لیس خاصاً بجهة الإمکان بل هو عام لسائر الجهات أیضاً و قد ذهب شیخ الإشراق السهروردی إلی رجوع جمیع القضایا الممکنة للضروریة باعتبار أخذ الجهة قیداً فی المحمول لا مرآة معبّرة عن نسبة المحمول للموضوع ... 3- أخذ الموضوع فی المحمول بعکس المورد الأوّل و هو أخذ المحمول فی الموضوع و مثاله: محلّ کلامنا فإنّا إذا قلنا الإنسان کاتب فبناءً علی الترکیب تنحل القضیة لقولنا: "الإنسان إنسان له الکتابة" فهل هذا المورد من موارد انقلاب الممکنة للضروریة أم لا؟».

جواب صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) عن المناقشة الأولی: (2)

أجاب عنه صاحب الفصول (قدس سره) بأنّ المحمول لیس مصداق الشیء و الذات مطلقاً بل المحمول هو مصداق الشیء مقیداً بوصف المبدأ و ثبوت الشیء المقید بوصف المبدأ للموضوع لیس ضروریاً.

ص: 526


1- فی الفصول، ص61: «یمکن أن یختار الوجه الثانی أیضاً و یجاب بأنّ المحمول لیس مصداق الشیء و الذات مطلقاً بل مقیداً بالوصف و لیس ثبوته حینئذٍ للموضوع بالضرورة لجواز أن لایکون ثبوت القید ضروریاً و فیه نظر لأنّ الذات المأخوذة مقیدة بالوصف قوّة أو فعلاً إن کانت مقیدة به واقعاً صدق الإیجاب بالضرورة و إلّا صدق السلب بالضرورة و لکن یصدق زید الکاتب بالفعل أو بالقوة بالضرورة» و استشکل فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص414 ما أورده صاحب الفصول (قدس سره) علی الوجه الثانی و قال: «فیه: من المغالطة ما لایخفی فإنّ ما أخذ فی الواقع قیداً لذات الإنسان المأخوذ موضوعاً إنّما هو الوصف بالقوة و المأخوذ فی طرف المحمول لیس إلّا الوصف بالفعل فکون الأوّل ضروریاً لذات الإنسان لایناقض عدم ضروریة الثانی فیصدق قولنا: " کل إنسان کاتب بالضرورة" مع قولنا: "لا شیء من الإنسان بکاتب بالإمکان" إذا اعتبر الأوّل بمعنی الکتابة بالقوة و الثانی بمعناها بالفعل» و فی الکفایة، ص53 بعد ذکر إیراد صاحب الفصول (قدس سره): «لایذهب علیک أنّ صدق الإیجاب بالضرورة بشرط کونه مقیداً به واقعاً لایصحّح دعوی الانقلاب إلی الضروریة ضرورة صدق الإیجاب بالضرورة بشرط المحمول فی کل قضیة و لو کانت ممکنة کما لایکاد یضرّ بها صدق السلب کذلک بشرط عدم کونه مقیداً به واقعاً لضرورة السلب بهذا الشرط» الخ و فی نهایة الدرایة، ص143: «هذا الذی أجاب به فی الفصول ممّا قد سبقه إلیه بعض أهل المعقول و سبقهما إلیه نفس المورد أعنی المحقق الشریف فی کلام آخر له و حاصله أنّ المقید بغیر الضروری غیر ضروری» و اختار هذا الجواب المحقق البروجردی (قدس سره) فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص137 و فی عنایة الأصول، ص154. و راجع أیضاً بحوث فی علم الأصول، ص332.
2- . فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص413 دفع الانقلاب بقوله: «أنّ الجهة من الضرورة و اللاضرورة و غیرهما إنّما تتبع النسبة المأخوذة فی القضیة و هی تتبع الحیثیة التی أخذ المحمول محمولاً بالنظر إلیها فإن کان النظر فیه إلی حیث هی هی کما فی" کل إنسان حیوان" لابدّ و أن یعتبر الجهة راجعة إلی حیث هی هی و لذا یکون هذه القضیة ضروریة و إن کان النظر فیه إلی حیث الوصف کما "فی کل إنسان کاتب" لابدّ و أن یعتبر الجهة راجعة إلی حیث الوصف و لذا یکون هذه القضیة ضروریة إن أخذ وصف الکتابة بمعنی الکتابة بالقوة و ممکنة خاصة إن أخذ الوصف بمعنی الکتابة بالفعل فإنّه الذی لیس وجوده کعدمه ضروریاً للإنسان» الخ و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص136: «لایلزم من أخذ مصداق الشیء محذور عقلی أصلاً غایة الأمر یکون علی خلاف مذهبهم [أی المنطقیین] من أنّ مثل قضیة "الإنسان ضاحک" قضیة ممکنة و علی فرض أخذ مصداق الشیء تکون ضروریة و أنّه خلاف ما یتبادر منها من کونها ممکنة و لکن قول المنطقیین لیس وحیاً منزلاً حتی یجب علینا اتباعهم». و فی فوائد الأصول، ص116: «یمکن أن یجاب عن الشق الثانی و هو لزوم انقلاب الممکنة إلی الضروریة بأنّ الانقلاب إنّما یکون إذا أخذ الکاتب مثلاً بمفهومه المرکب من الذات و المبدأ محمولاً فی القضیة و أمّا إذا جرّد عن الذات کما لا محیص عنه لئلّا یلزم حمل الشیء علی نفسه فلاتنقلب القضیة إلی الضروریة». و راجع أیضاً مباحث الأصول، ص231.

توضیح ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات:((1)) إنّ قضیة «الإنسان کاتب» مثلاً و إن انحلّت علی هذا إلی قضیة «الإنسان إنسان له الکتابة» إلّا أنّ المحمول فیها لیس هو الإنسان وحده لیکون ثبوته للإنسان من قبیل ثبوت الشیء لنفسه الذی هو ضروری، بل المحمول هو الإنسان المقید بالکتابة و من المعلوم أنّ ثبوته بهذا الوصف لایکون ضروریاً.

دفاع المحقق السبزواری ((2)) و الخراسانی (قدس سرهما) عن السید الشریف: (3)

إنّ المحقق السبزواری (قدس سره) حاول الدفاع عن نظریة السیّد الشریف بلزوم

ص: 527


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص274 و ط.ج. ص314.
2- حاشیة الأسفار، ج1، ص42.
3- . فی نهایة الدرایة، ص143: «الذی یسنح بالبال عدم سلامة هذا الجواب عن الإشکال ... لأنّ بعض الموضوعات کالجزئیات الحقیقیة غیر قابلة للتقیید لأنّها لا تتعدّد بإضافة القیود فلیست کالأجناس کی تصیر بالقیود أنواعاً و لا کالأنواع کی تصیر بالقیود أصنافاً فلا معنی لقولک [زید] زید له الکتابة و أمّا بعض الموضوعات الأخر القابلة للتقیید فلاتقبل الحمل و لا السلب ... لأنّ حمل الأخص علی الأعم بحسب المفهوم غیر صحیح فلایصح أن یقال [لحیوان إنسان] إلّا بنحو القضیة الشرطیة المنفصلة بأن یقال الحیوان إمّا إنسان أو حمار أو غیر ذلک و علیه فالحمل غیر صحیح لا أنّه صحیح و انقلاب المادة مانع» الخ. و فی فوائد الأصول، ص114: «إذا أخذ مصداق الشیء فی مفهوم الضاحک مثلاً فلایمکن أن یکون المصداق مقیداً بالضحک لأنّ المصداق لیس هو إلّا الجزئی و قد عرفت أنّ الجزئی غیر قابل للتقیید فلیس المحمول فی قولک: "زید ضاحک" أو "الإنسان ضاحک" هو زید المقید بالضحک بل المحمول زید الموصوف بالضحک و من المعلوم: أنّ المحمول حینئذٍ یکون کلاً من الموصوف و الصفة فتنحلّ قضیة "زید ضاحک" أو "الإنسان ضاحک" إلی قولنا: "الإنسان إنسان" و قولنا: "الإنسان ذو ضحک" لأنّ القضیة تتعدّد حسب تعدّد الموضوع أو المحمول و فی المقام المحمول متعدّد واقعاً و إن کان واحداً صورة لما عرفت من أنّ المحمول یکون کلاً من الصفة و الموصوف و لیس المحمول أمراً واحداً مقیداً فقضیة "الإنسان ضاحک" أو کاتب تنحل إلی قضیة ضروریة و هی قولنا: "الإنسان إنسان" و إلی قضیة ممکنة و هی قولنا: "الإنسان ذو ضحک أو کتابة" و المراد من الانقلاب فی کلام السید الشریف هو هذا» الخ.

الانقلاب فی هذا الفرض و تبعه صاحب الکفایة (قدس سره) و قال:

«إنّ عدم کون ثبوت القید ضروریاً لایضرّ بدعوی الانقلاب فإنّ المحمول إن کان ذات المقیّد و کان القید خارجاً و إن کان التقید داخلاً بما هو معنی حرفی (تقیّد جزء و قید خارجی)، فالقضیة لامحالة تکون ضروریة، ضرورة ضروریة ثبوت الإنسان الذی یکون مقیداً بالنطق للإنسان.

و إن کان المقیّد به بما هو مقید علی أن یکون القید داخلاً فقضیة «الإنسان ناطق» تنحلّ فی الحقیقة إلی قضیتین: إحداهما قضیة «الإنسان إنسان» و هی ضروریة و الأخری قضیة «الإنسان له النطق» و هی ممکنة».

ص: 528

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن المحققینِ (قدس سرهما):((1))

أمّا بالنسبة إلی الشقّ الأوّل (و هو خروج القید عن المحمول و دخول التقیید فیه) فیرد علیه((2)) أنّ المحمول حینئذ هو الإنسان المتقیّد بالضحک مثلاً (أی تلک

ص: 529


1- المحاضرات ط.ق. ج1، ص274 و ط.ج. ص314. و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص 137 و 138: «اعلم أنّ ما أجاب المصنف به عن "الفصول" ... لایخلو عن تأمّل و إشکال لأنّ خروج القید من المحمول مع کون التقید داخلاً فیه لایوجب کون القضیة ضروریة بل إنّما تکون ممکنة لأنّ ثبوت الذات إنّما یکون ضروریاً فیما إذا کان مطلقاً و أمّا مع التقید و الاتصاف فلا کما لایخفی هذا فی الشق الأوّل و أمّا فی الشق الثانی منه فلأنّ انحلال القضیة الواحدة الممکنة إلی القضیتین: الضروریة و الممکنة لایوجب خروجها عن الإمکان و انقلابها إلی الضرورة فی حال وحدتها و قبل الانحلال بلا إشکال فتأمل». و فی حقائق الأصول، ص123: «إنّه لم یتضح إشکال المصنف (رحمة الله) علی الفصول علی کل من التقدیرین إذ مرجع الإشکال إن کان إلی أنّ الانحلال لایقول به فی الفصول فهو غیر ظاهر و إن کان إلی أنّه لایقول به أحد لأنّ الانحلال عندهم فی عقد الوضع لا عقد الحمل ففیه إنّ بناءهم علی عدمه کان من جهة بنائهم علی کون المحمول فی جمیع القضایا هو المفهوم لا المصداق و الکلام هنا مع الشریف بعد فرض کون المحمول هو المصداق» الخ. و فی نهایة الأفکار، ص150: «لایخفی علیک أنّه لا مجال لإیراد هذا الإشکال علی الفصول لأنّ المحمول بعد إن کان عبارة عن المقید بالوصف بما هو مقید یلزمه لامحالة کونه أخص و أضیق من الموضوع و معه لایکون ثبوت الخاص للعام ضروریاً بل إنّما هو یکون بالإمکان هذا بناء علی فرض دخول التقید و أمّا علی فرض دخول القید فکذلک أیضاً من جهة أنّ دائرة المحمول لا محالة تکون أخص و أضیق من الموضوع و معه یکون ثبوته له بالإمکان لا بالضرورة» الخ.
2- و فی نهایة النهایة، ص 76 و 77 بعد بیان له: « و من ذلک ظهر فساد ما أورده المصنف (قدس سره) من ضروریة ثبوت الذات المقیدة علی أن یکون التقیید داخلاً فی المحمول دون قیده فإنّ الضروری إنّما هو ثبوت الذات المهملة للذات أو الذات المقیدة لنفسها و أمّا ثبوت الذات المقیدة بقید ممکن للذات المهملة فلامحالة یکون ممکناً سوءً أخذ القید داخلاً أم کان القید خارجاً و التقید داخلاً» و فی عنایة الأصول، ص155 بعد ذکر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) فی الشقّ الأوّل: «و فیه ما لایخفی فإنّ ثبوت الإنسان المقید بالضحک للإنسان لیس ضروریاً بالضرورة فإنّ القید و إن فرض کونه خارجاً و التقید داخلاً و لکن مجرّد دخول التقید بعد کونه أمراً ممکناً فی حدّ ذاته ممّا یکفی فی صیرورة القضیة ممکنة». و فی نهایة الأصول، ص68: «فیه أنّ ثبوت الذات المقیدة بقید إمکانی لیس ضروریاً لنفسها نعم إن کان مراده أنّ القید لا دخالة له فی الحکم أصلاً بل جیء به لمحض الإشارة إلی المحکوم به کان دعوی الانقلاب بحالها إلّا أنّ التقید علی هذا مثل نفس القید فی خروجه من المحکوم به هذا مضافاً إلی أنّه خلاف موارد استعمال المشتقات إذ المراد من "زید قائم" لیس إثبات أنّ زیداً زید و یکون عنوان القیام للإشارة إلی زید بل المراد إثبات القیام له». و فی الرافد، ص318: «أمّا الشقّ الأوّل فیرد علیه عدّة وجوه: أ) إنّ مسلکنا فی المعنی الحرفی یختلف عن مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) و ذلک لأنّ مسلکنا هو کون الفارق بین المعنی الحرفی و الاسمی بالخفاء و الوضوح لا بالآلیة و الاستقلالیة... ب) إنّ التقیید لیس معنی حرفیاً مرآتیاً بل هو عمل إبداعی تقوّم به النفس بهدف الربط بین ماهیتین و حینئذٍ فلایعقل أن لایکون له أی موضوعیة فی الحمل و أن یکون مجرّد مرآة حاکیة عن المقید أو القید... ج) إنّ التقیید بناءً علی مرآتیته: إمّا أن یکون مرآة لذات المقید بما هی ذات و إمّا أن یکون مرآة لذات المقید بما هی مقیدة فإن کان مرآة لذات المقید بما هی ذات فلازم ذلک اللغویة ... و إن کان مرآة لذات المقید بما هی مقیدة فلایلزم من ذلک الانقلاب من الإمکان إلی الضرورة» الخ.

الحصة من الإنسان) و ثبوته حینئذ لیس بضروری.

و أمّا بالنسبة إلی الشقّ الثانی (1) (و هو دخول القید فی المحمول و انحلال القضیة إلی قضیتین) ففیه أنّ الانحلال المذکور باطل.

ص: 530


1- . فی نهایة النهایة، ص77: «و أمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّ القضیة بعد فرض أخذ الذات فی المحمول تنحلّ إلی قضیتین ... ففیه إنّه إذا کان ثبوت القید للذات ممکناً کان ثبوت الذات المقیدة للذات المهملة الذی هو مفاد أصل القضیة لامحالة ممکناً فلاتکون القضیة ضروریة لأنّ الذات إذا أخذت فی طرف المحمول مقیدة لحقها حکم قیدها و لیس المحمول فی أصل القضیة الذات المهملة و إن آلت القضیة فی مقام التحلیل إلیها و إلی ثبوت القید للذات المهملة و المدار فی جهات القضایا علی ما هو جهاتها فعلاً لا علی ما هو جهاتها فی مقام تحلیلها» الخ. و فی عنایة الأصول، ص155 بعد ذکر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) فی الشق الثانی: «و فیه ما لایخفی أیضاً فإنّ المحمول إذا کان هو الإنسان المقید بالضحک علی أن یکون القید داخلاً فلاتنحلّ القضیة إلی قضیتین تامّتین بل تنحلّ إلی قضیتین إحداهما تامّة و هی الإنسان إنسان له الضحک و أخراهما ناقصة و هی محمول القضیة التامة أی إنسان له الضحک و شیء من القضیتین لیس ضروریاً قطعاً» الخ. و فی منتهی الأصول، ص102، بعد ذکر إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) فی الشقّ الثانی: «و أنت خبیر بعدم تمامیة هذا الکلام لأنّ المرکب من أمرین تارة یکون کل جزء منه خبراً مستقلاً للمبتدأ المتقدّم علیهما مثل زید شاعر کاتب و أخری یکون المجموع خبراً واحداً من دون تقیید أحدهما بالآخر کقولک: "هذا الرمان حلو حامض" و ثالثة یکون المجموع أیضاً و لکن مع تقیید أحدهما بالآخر کقولک: "هذه رقبة مؤمنة" أو "زید رجل طویل القامة" و هذا الکلام لایستقم إلّا فی الشق الأوّل من هذه الشقوق الثلاثة ... و لا شکّ فی أنّ ما نحن فیه من قبیل الشقّ الثالث لأنّ المحمول فیه مصداق الذات مقیداً بکونه کذا فلاینحلّ إلی قضیتین کما توهم». و فی نهایة الأصول، ص68: «أمّا ما ذکره ثالثاً: من کون قضیة "الإنسان ناطق" منحلة إلی قضیتین فمردود أیضاً إذ المقصود لیس إلّا إثبات أمر واحد لموضوع فارداً عنی إثبات النطق للإنسان أو إثبات الشیئیة أو الإنسانیة المقیدة بالنطق له بناء علی أخذ الذات فی المشتق و لیس المقصود إثبات الإنسانیة للإنسان و إثبات النطق له ثانیاً». و فی الرافد، ص319: «أمّا الشق الثانی من کلامه فیرد علیه وجهان: أوّلاً: إنّ التحلیل العقلی لعقد الحمل فی قولنا: "الإنسان کاتب" بناءً علی الترکیب یقتضی الالتزام بأحد أمرین علی سبیل منع الخلو: إمّا عدم الانقلاب و إمّا الانقلاب الصحیح ... و ثانیاً: إنّ دعوی انحلال عقد الحمل - و هو قولنا إنسان له الکتابة- إلی قضیتین معناه أخذ المحمول - و هو لفظ کاتب- علی نحو العموم الاستغراقی بلحاظ أجزائه التی ینحلّ إلیها بناءً علی الترکیب مع أنّ القول بالترکیب یقتضی النظر إلی المحمول علی نحو العموم المجموعی و هو کون المحمول عبارة عن وحدة ترکیبیة اعتباریة تنتفی بانتفاء أحد أجزائها فلاتوجد حینئذٍ قضیتان مختلفتان جهة و محمولاً کما هو المدعی».

و أمّا الوجه فی بطلان الانحلال فهو أنّه إن أرید بالانحلال انحلال عقد الوضع إلی قضیة فعلیة أو ممکنة علی النزاع بین الشیخ الرئیس و الفارابی (قدس سرهما)، فهو جارٍ فی جمیع القضایا فلایختص ببعض دون بعض (لکنّه لیس مراد صاحب الکفایة (قدس سره) قطعاً کما صرّح به فی عبارته).

و إن أرید به الانحلال الحقیقی بأن یدّعی أنّ قضیة الإنسان کاتب مثلاً تنحل حقیقة إلی قضیتین ففیه أنّا لانعقل له معنی محصّلاً بل المحمول منحلّ إلی أمرین

ص: 531

و هذا لیس من انحلال القضیة إلی قضیتین. بل القضیة الأولی علی فرض الانحلال لیس مراد المتکلم لأنّ محمولها طبیعی الإنسان مع أنّ مراد المتکلم مصداق الشیء المتقید بحصة الضحک و هو أخصّ من طبیعة الإنسان (إنّ عقد الوضع هو اتصاف ذات الموضوع بوصف الموضوع مثلاً إذا قلنا: کل کاتب متحرک الأصابع فعقد الوضع هو زید الکاتب و الشیخ الرئیس (قدس سره) یقول بأنّ عقد الوضع ینحل إلی قضیة مطلقة عامة یعنی زید الکاتب بالفعل و الفارابی (قدس سره) یقول بأنّ عقد الوضع ینحل إلی قضیة ممکنة یعنی زید الکاتب بالإمکان العام).

فالحق مع صاحب الفصول (قدس سره) و إشکال السیّد الشریف علی أخذ مصداق الشیء فی المشتق لا وجه له.

المناقشة الثانیة: عن الحکیم السبزواری و تبعه المحقق الخراسانی (قدس سرهما)

((1))

قال المحقق السبزواری (قدس سره):((2)) إنّ أخذ مصداق الشیء یوجب أخذ النوع فی الفصل((3)) و هذا أسدّ و أحکم ممّا جعله السیّد الشریف (قدس سره) .

ص: 532


1- قال فی الکفایة، ص54: «ثمّ إنّه لو جعل التالی فی الشرطیة الثانیة لزوم أخذ النوع فی الفصل ضرورة أنّ مصداق الشیء الذی له النطق هو الإنسان کان ألیق بالشرطیة الأولی بل کان أولی لفساده مطلقاً و لو لم یکن مثل الناطق بفصل حقیقی ضرورة بطلان أخذ الشیء فی لازمه و خاصته فتأمّل جیداً».
2- حاشیة الأسفار، ج1، ص42.
3- قال فی نهایة النهایة، ص80 فی توضیحه: «إنّ من جملة أجزاء النوع هو الفصل فیلزم بالآخرة أخذ الفصل فی نفسه و بالجملة أخذ الذات فی المشتق یستلزم ترکب الفصل من نفسه و من النوع المرکب من الجنس و الفصل المفروض کونه نفس مدلول اللفظ ابتدأ». و فی نهایة الدرایة، ص149 عند التعلیقة علی قوله: «لزوم أخذ النوع فی الفصل»: «التحقیق أنّ النطق و هو إدراک الکلیات لیس لازماً لماهیة الإنسان بل لهویة النفس الإنسانیة فیلزم دخول الشیء فی لازم وجوده و من الواضح أنّ الشیء لایتأخر بالوجود عن وجود نفسه إلّا أن یقال کما أشرنا إلیه فی بعض الحواشی المتقدّمة أنّ الناطق ماله نفس ناطقة و الفصل الحقیقی مبدأ هذا العنوان فدخول الإنسان فی هذا العنوان لایستلزم الدخول فی الفصل الحقیقی و کذا لو قلنا بأنّ الناطق لازم الفصل فإنّ اللازم الحقیقی مبدئه لا المعنی الاشتقاقی و الاشتقاق لتصحیح الحمل فی مقام التعریف فلایلزم دخول النوع فی لازمه و لا فی لازم وجوده».

و وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه أولی لفساده مطلقاً و إن قلنا بأنّ الناطق لیس فصلاً حقیقیاً حیث یلزم حینئذٍ أخذ النوع فی العرضی الخاص.

المناقشة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((2)) إنّ هذه الدعوی باطلة لاستلزامها تکثّر معنی المشتق حیث إنّ الذات المأخوذة فی کل واحدة من الجمل مباینة للذات المأخوذة فی غیرها (مثل زید قائم و الجدار قائم) فیلزم أن یکون الوضع عاماً و الموضوع له خاصّاً و هذا مخالف للفهم العرفی.

و المتحصل إلی هنا هو أنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق لا محذور فیه و إشکال السیّد الشریف و المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

و أمّا أخذ مصداق الشیء فی المشتق فهو أوّلاً مستلزم لأخذ النوع فی الفصل کما أفاده الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و ثانیاً إنّه خلاف المتفاهم العرفی کما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی المناقشة الثالثة.

ص: 533


1- فی نهایة الأصول، ص69: «إنّه یلزم علی القول بأخذ مصادیق الشیء فی المشتقات کون الوضع فیها عامّا و الموضوع له خاصاً فإنّ مصادیق الشیء أمور غیر متناهیة لایمکن لحاظها حین الوضع إلّا بعنوان جامع و الفرض أنّ ألفاظ المشتقات موضوعة لذوات المصادیق فیلزم ما ذکر».
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 267 و ط.ج. ص305.
الدلیل الثانی علی بساطة المشتق: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهم)

((1))

قال المحقق السبزواری (قدس سره):((2)) دلیل آخر علی عدم دخل الذات فی المشتق هو أنّا نعلم بالبدیهة أنّه لیس فی توصیف الثوب بالأبیض تکرار الموصوف أصلاً لا بطریق العموم و لا بطریق الخصوص و الحال أنّه لو اعتبر فیه الشیء (و الذات) لیلزم التکرار فإنّ الترکب مستلزم لتکرار الموصوف سواء قلنا بأنّ المشتق مرکب من مفهوم الشیء أم من مصداق الشیء.

و قد أوضحه صاحب الکفایة ((3)) و أیضاً المحقق النائینی (قدس سرهما) ((4)) بأنّ أخذ مفهوم الشیء فی المشتق مستلزم لتکرار الموضوع فی قضیة زید قائم و الإنسان کاتب و أمثال ذلک و هذا خلاف الضرورة و الوجدان.

جواب المحقق الخوئی (قدس سره): (5)

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) فصّل هنا بین أخذ مفهوم الشیء فالتزم بعدم لزوم

ص: 534


1- و فی حاشیة علی کفایة الأصول، ص134: «و الشاهد علیه... عدم التکرار وجداناً فی مثل "زید عالم" مع أنّه علی فرض أخذ الذات فی مفهومه یلزم التکرار».
2- تعلیقة الأسفار، ج1، ص42.
3- کفایة الأصول، ص54 قال (قدس سره): «یمکن أن یستدلّ علی البساطة بضرورة عدم تکرار الموصوف فی مثل "زید الکاتب" و لزومه من الترکب و أخذ الشیء مصداقاً أو مفهوماً فی مفهومه» و لکن فی حقائق الأصول، ص128: «هذه الضرورة غیر ظاهرة بعد ما اشتهر و ارتکز فی الأذهان أنّ معنی المشتق ذات لها المبدأ».
4- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص100.
5- . المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 275 و ط.ج. ص315 و فی وسیلة الوصول، ص172: «فیه: أنّه لو أخذ مصداق الشیء یلزم التکرّر لأنّه یصیر المعنی فی: "زید کاتب"، "زید زید کاتب" و أمّا لو أخذ فیه مفهوم الشیء فلایلزم التکرّر لأنّه یصیر المعنی حینئذٍ زید شیء له الکتابة و لیس فیه تکرّر». و فی منتهی الأصول، ص100: «فیه أنّه لو کان المأخوذ فیه هو مفهوم الذات لا مصداقها لارتفع کلا الإشکالین أمّا الإشکال الثانی فواضح لأنّ مبناه علی أخذ المصداق لا المفهوم و أمّا الأوّل فلأنّ الموضوع فی القضایا غالباً هو مصداق الذات و المأخوذ فی جانب المحمول - أی المشتق- هو المفهوم علی الفرض فلا تکرار و لا رکاکة فی حمل مفهوم الذات متصفة بصفة علی مصداقها». و فی مباحث الأصول، ص244: «أمّا لزوم التکرّر من أخذ المفهوم أو المصداق فقد مرّت الإشارة إلی دفعه فیما تقدّم و الظاهر عدم لزومه فی أخذ الشیء و نحوه من المفاهیم العامة و لیس تطبیق الکلی علی مصادیقه مستلزماً للتکرار و لیس لاعتبار المصداق وجه حتی یدفع محذور التکرار فیه بوجه». و راجع أیضاً مناهج الوصول، ص 224 و 225.

التکرار و بین أخذ مصداقه فالتزم حینئذ بلزوم التکرار فقال:

إنّ المأخوذ فی المشتق شیء مبهم معرّی عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ به و لا تعیّن له إلّا بالانطباق علی ذوات معینة فی الخارج کزید و عمرو و نحوهما و علیه لایلزم التکرار بداهة أنّه لا فرق بین جملة «الإنسان کاتب» و جملة «الإنسان شیء له الکتابة» و ذکر کلمة «شیء» فی الجملة الثانیة لایعدّ تکراراً.

نعم، إن قلنا بأنّ المأخوذ فی المشتق مصداق الشیء فیلزم التکرار و لکنّک عرفت أنّه خلاف الفهم العرفی.

الدلیل الثالث علی بساطة المشتق: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

(1)

إنّه قد استدلّ المحقق النائینی (قدس سره) علی بساطة المشتق بلغویة أخذ الذات فی

ص: 535


1- . ذکره فی الرافد، ص307 بعنوان الإیراد الثانی علی القول بالترکیب قال: «الإیراد الثانی: ما فی کلمات المحقق النائینی (قدس سره) من لغویة أخذ الذات فی مفهوم المشتق و بیانه یتمّ بأمرین: أ) إنّ المنطلق الذی انطلقت منه الحرکة اللغویة هو الحاجة للتفهیم و التفهم و مقتضاه عدم حشویة اللغة و زیادتها علی مقدار حاجة التفهیم و التفهم سواءً کانت اللغة ظاهرة فردیة کما یتصوّره معظم علماء الأصول أم کانت ظاهرة اجتماعیة کما هو المختار. ب) إنّ المتکلم فی مقام الإسناد یحتاج لتفهیم ثلاثة مدالیل: 1- الموضوع. 2- المحمول. 3- الربط بینهما ... فالقول ببساطة المشتق منسجم مع مقدار الحاجة للتفهیم بینما القول بالترکیب مستلزم لتفهیم موضوع القضیة مرتین» الخ ثمّ ذکر ملاحظات ثلاث علیه قال: «1) إنّ لغویة أخذ الذات فی مفهوم المشتق ناشئ من تکرار الدلالة علی الموضوع فی الجملة الإسنادیة المعتمدة علی الأعلام الشخصیة و هذا المنشأ غیر مطرد لجمیع موارد استعمال المشتق ... 2) إنّ محذور اللغویة الناشئ عن تکرار الإشارة للذات تارة علی نحو الصراحة و أخری علی نحو الاندماج مشترک الورود بین القول بالبساطة و القول بالترکیب ... 3) إنّ اللغة میثاق عرفی و تسالم عقلائی ناشئ عن الحاجة للتفهیم و التفهم عند المجتمع فتحدید دائرة اللغة تبعاً لتحدید مقدار الحاجة لها بید البناء العرفی نفسه لا بید العقل و الارتکاز العقلائی العرفی لایری تکرار الإشارة للذات مخلاً بمقدار الحاجة للتفهیم و التفهم».

المشتق فقال فی أجود التقریرات:((1)) إنّ الواضع الحکیم لابدّ أن یلاحظ فی أوضاعه فائدة مترتبة علیها و لاتترتب فائدة علی أخذ الذات أصلاً.

مناقشة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) علیه:

قال السیّد الخوئی ((2))تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سرهما):((3))

الجواب أنّ أخذه مصحح لحمل المبدأ علی الذات لاحتیاج حمل العرض علی موضوعه لأنّ وجود الجوهر مباین لوجود العرض خارجاً و ملاک صحة الحمل هو الاتحاد فی الوجود و مجرد اعتبار العرض لابشرط لایوجب اتحاده معه حیث

ص: 536


1- أجود التقریرات، ط. مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)،ج1، ص99.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص275 و ط.ج. ص316 «لایخفی أن أخذ الذات فی المشتق مما لابد منه لاحتیاج حمل العرض علی موضوعه إلی ذلک» الخ.
3- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص219.

إنّ المغایرة بینهما لیست اعتباریاً حتی تنتفی باعتبار آخر.

الدلیل الرابع علی بساطة المشتق: من المحقق الشیرازی (قدس سره)
اشارة

((1))

نسبه إلیه المحقق النائینی (قدس سره) . ((2))

إنّه یلزم من أخذ الذات فی المشتق أخذ النسبة فیه أیضاً فیلزم اشتمال الکلام الواحد علی نسبتین فی عرض واحد إحداهما فی کل الکلام و هی النسبة التامة و الأخری فی محمول الکلام و هی النسبة التامة الخبریة و لحاظ النسبة التقییدیة متقدمة علی النسبة التامة الخبریة فی المحمول و علی النسبة التامة الخبریة فی کل الکلام فینقلب الإدراک التصوری إلی الإدراک التصدیقی.

الجواب عن الدلیل الرابع:

(3)

إنّ الإدراک التصوری لم ینقلب إلی التصدیقی بل هو مقدم علی الإدراک التصدیقی و لا مانع من وجود نسبتین فی الکلام إحداهما تقییدیة و الأخری تامة.

ص: 537


1- فی الرافد، ص310: «الإیراد الثالث: [علی القول بترکیب المشتق] ما فی کلمات المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً و خلاصته: إنّ البرهان الآنی قائم علی بساطة المشتق لا علی ترکیبه بیان ذلک: إنّ المشتق لو کان مرکباً لکان متضمناً لمعنی النسبة الإسنادیة و النسبة معنی حرفی فیکون المشتق متضمناً لمعنی حرفی و کل ما هو متضمن لمعنی حرفی فهو مبنی لا معرّب بحسب القاعدة النحویة فلازم ذلک کون المشتق مبنیاً و لکنّه معرّب و إعرابه دلیل بساطته و عدم ترکیبه» ثمّ ذکر عدّة وجوه فی الملاحظة علی هذا الإیراد.
2- أجود التقریرات، ط.مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه)، ج1، ص100.
3- . فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص276 و ط.ج. ص316: «أمّا ما ذکره (قدس سره) أوّلاً: من لزوم اشتمال الکلام الواحد علی نسبتین فی عرض واحد فیرده: أنّ ذلک لو صحّ فإنّما یلزم فیما لو کان المأخوذ فیه ذاتاً خاصة مع أنّه لایلزم علی هذا أیضاً لأنّ النسبة فی طرف المحمول لم تلحظ بنفسها و باستقلالها لتکون نسبة تامّة خبریة فی عرض النسبة فی تمام القضیة بل هی نسبة تقییدیة مغفول عنها فی الکلام و إنّما تصیر تامّة خبریة فی صورة الانحلال و هی خلاف الفرض و لا مانع من اشتمال الکلام الواحد علی نسبة تقییدیة و نسبة تامّة خبریة فلو کان هذا محذوراً لم یختص ذلک بالمشتقات بل یعمّ کثیراً من القضایا و الجملات کما لایخفی. هذا کلّه علی تقدیر أن یکون المأخوذ فی مفهوم المشتق مصداق الشیء و لکن عرفت أنّ الأمر لیس کذلک بل المأخوذ فیه هو ذات مبهمة معراة عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ بها و علیه فلا موضوع لما أفاده (قدس سره) ».

و النسبة التی فی المشتق فی محمول القضیة و إن کانت فی تقریر بعض المنطقیین نسبة تامة حیث اظهروها بقولهم: «ذات ثبت له النطق» ولکن یمکن اظهارها بصورة النسبة الناقصة و هی قولهم: «ذات ثابت له النطق» مع أن الکلام فی النسبة التی بین الذات و الوصف و المراد من الوصف هنا عبارة «له النطق» و هذا الوصف کما یمکن تبیینها بصورة النسبة التامة (ثبت له النطق) یمکن تبیینها أیضاً بصورة النسبة الناقصة.

نعم، وجود النسبتین التامتین فی الکلام تکرار و هذا یرجع إلی استدلال المحقق السبزواری (قدس سره) (حیث إنّ تکرار الموصوف یوجب تکرار النسبة).

نعم، هذا الإشکال متّجه علی القائل بالترکیب إذا أخذ مصداق الشیء فی المشتق لا فی ما أخذ مفهومه کما هو الحق عند القائل بالترکیب (مثل المحقق الخوئی و السیّد الصدر (قدس سرهما)).

الدلیل الخامس علی بساطة المشتق:

و هو استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی بساطة المشتق بالبساطة العنوانیة (و إن کان مرکباً من جهة أخری).

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1)) تحقیق الحق فی المقام یقضی باعتبار أمر مبهم

ص: 538


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص219.

مقوّم لعنوانیة العنوان لمکان الوجدان و البرهان.

أمّا الوجدان: فإنّا نتصور عند سماع لفظ القائم صورةً مبهمةً متلبّسة بالقیام و وحدانیته فی الذهن علی حدّ وحدانیته فی الخارج، فکأنّ الصورة الخاصة الخارجیة انطبعت فی مرآة الذهن.

أمّا البرهان: فإنّ المبدأ حیث إنّه مغایر لذی المبدأ لایصح الحکم باتّحاده معه فی الوجود و إن اعتبر فیه ألف اعتبار، إذ جمیع هذه الاعتبارات لاتوجب انقلاب حقیقة المبدأ عمّا هی علیه من المباینة و المغایرة و لیست المغایرة بمجرد الاعتبار حتی تنتفی بالاعتبار.

و من المعلوم أنّ النسبة الواجدیة ما لم یعتبر فی طرفها الأمر المبهم المقوم للعنوان لم یصح حمل نفسها علی ما یقوم به المبدأ (الموضوع) و المجموع من المبدأ و النسبة أیضاً کذلک (و سیأتی تحقیق ذلک ضمن الأمر الآتی عند بیان رابطة المشتق و المبدأ).

فلا مناص من وضع هیأة ضارب للعنوان البسیط و هی الصورة المتلبسة بالقیام المبهمة من جهة کونها جوهراً أو عرضاً أو أمراً اعتباریاً بل هی مبهمة من حیث إنّها عین المبدأ فی الخارج أو لا، فالوجود موجود لهذا الوجه.

بل هی مبهمة من جهة مفهوم الذات أو الشیء و المفاهیم المندرجة تحتهما و لذا لاینافی القول بعدم أخذ الذات (عموماً أو خصوصاً) فی المشتقات ما ذکرنا.

و اعتبار هذا الأمر المبهم لاینافی البساطة العنوانیة، بمعنی تمثّل صورة وحدانیة فی الذهن علی حدً الوحدانیة فی الخارج.

فالمشتق بحسب وجوده الجمعی بسیط بهذا المعنی من البساطة و بحسب وجوده الفرقی التفصیلی «ما له مبدأ الاشتقاق».

ص: 539

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی الدلیل الخامس: ((2))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) ناقش فی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث قال: إنّ الأمر المبهم لیس من مفهوم الذات و لا من المفاهیم المندرجة تحتها، فقال:

إنّ شیخنا المحقق بعد ما اعترف بمغایرة المشتق و مبدئه و أنّ مفهوم المشتق قد أخذ فیه ما یصح حمله علی الذات ذکر أنّ المأخوذ فیه هو الأمر المبهم من جمیع الجهات لمجرد تقوّم العنوان و لیس من مفهوم الذات و لا من المفاهیم المندرجة تحتها فی شیء، بل هو مبهم من جهة انطباقه علی المبدأ نفسه کما فی قولنا: «الوجود موجود» أو «البیاض أبیض» و من جهة عدم انطباقه علیه کما فی قولنا: «زید قائم».

و الإشکال علیه (المحقق الإصفهانی (قدس سره)) یبتنی علی مقدمتین:

المقدمة الأولی: أنّ الأمر المبهم القابل للانطباق علی الواجب و الممکن و الممتنع یکون عنواناً عاماً یدخل تحته جمیع ذلک و المقدمة الثانیة: أنّا لانجد فی المفاهیم أوسع من مفهوم الشیء و الذات.

ص: 540


1- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص282 و ط.ج. ص323.
2- فی مباحث الأصول، ص239: «لایخفی أنّ إبهام ما وضع له اللفظ إن رجع إلی المجهولیة فلایعقل جهل الواضع بالموضوع له و إن رجع إلی الإطلاق فلابدّ من تشخیص مصبه و لیس فی کلامه الشریف ما یمنع عن أخذ الشیء و لا عن التعبیر عنه بالشیء المتلبس بالضرب مثلاً فإنّ الصورة المتلبسة تشمل علی محاذیر أخذ الشیء المتلبس و لاتزید علی محاسنه و التوسعة المترائاة من الصورة المبهمة حاصلة فی الشیء المتلبس أیضاً ... و الذی ینقدح فی الذهن: أنّ حال الهیأة الاشتقاقیة مع الجملة الدالة علی تحقق النسبة بطرفیها مطابقة فی کیفیة الدلالة و تعیین المدلول کحال السقف مع البیت فی الأسماء فی أنّ المعتبر واحداً اعتباریاً قد یوضع اللفظ لمجموع أجزائه بلا أولویة لبعضها فیکون المجموع مدلولاً مطابقیاً له و قد یوضع لبعض ذلک المجموع فی حال الاجتماع فیکون غیر ذلک البعض مدلولاً التزامیاً» الخ.

و النتیجة هی أنّ المراد من الأمر المبهم هو مفهوم الذات و الشیء.

یلاحظ علیه:

إنّ نظر المحقق الإصفهانی (قدس سره) إلی أنّ الشیئیة تساوق الوجود و إطلاق الشیء علی الممتنع لایخلو عن التسامح.

أمّا مفهوم الذات فلیس مرادفاً لمفهوم الشیء و لا مساوقاً له و لذا إنّ الوجود المنبسط مثلاً (و هو الوجود المطلق المتقوم) لا ماهیة له و لا ذات، کما أنّ بعض الأعلام صرّحوا بذلک و برهنوا علیه، فمفهوم الذات لایمکن أن یشمله بخلاف مفهوم الشیء فإنّه یشمله.

و هکذا فی الممتنع بالذات فإنّه لا ماهیة له و لا ذات بل لایعمّه مفهوم الشیء أیضاً و لذا قال بإبهامه من تلک الجهات و للکلام تتمة ستأتی.

ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

لابدّ من الإبهام من جهة وصف المتلبس لما سیأتی (حتی یشمل ما له المبدأ و ما هو المبدأ) و التعبیر بالنسبة الواجدیة کما صرّح به فی نهایة الدرایة ((1)) هو الأولی.

و التحقیق هو أنّ البساطة علی أربعة أقسام:

الأول: البساطة المفهومیة؛

الثانی: البساطة الإدراکیة و اللحاظیة و التصوریة؛

الثالث: البساطة التحلیلیة و الحقیقیة؛

ص: 541


1- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص220.

الرابع: البساطة العنوانیة أی البساطة فی التصویر لاالبساطة فی التصوّر فنرید من البساطة العنوانیة بساطة نفس العنوان من غیر نظر إلی ما یشتمل علیه من المفاهیم بل بما أنّه عنوان واحد و تصویر فأرد ولکن البساطة بهذا المعنی لیس محل النزاع، کما صرّح به المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً.

الاستدلال علی ترکّب المشتق
اشارة

((1))

استدلّ المحقق الخوئی (قدس سره) علی ترکب المشتق بوجهین: ((2))

لعلّ کلماته متخذة من عبارات أستاذه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) إلّا أنّه خالف أستاذه فی أمرین: فی إبهام الأمر المأخوذ فی المشتق من حیث کونه مفهوم الذات و الشیء و فی أنّ الصورة المتلبسة بالقیام مثلاً أمر وحدانی و له البساطة العنوانیة من وجه و الترکّب من وجه آخر

ص: 542


1- فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج2، ص408: «الجهة الأولی: قضیة ما حققناه من ثبوت وضعین لکل مشتق ترکّب مفهومه ضرورة اقتضاء تعدّد الوضع المقصود منه الدلالة تعدّد الدلالة و هو فرع علی تعدّد المدلول کما أنّه فرع علی تعدّد الدال من غیر فرق فی ذلک بین المشتقات الفعلیة و الاسمیة حتی نحو اسمی الفاعل و المفعول» الخ. و فی ص410: «التحقیق علی ما یساعد علیه النظر هو [القول] الأوّل [أی ترکب المشتق] و وجهه - مضافا إلی ما مرّ من قضیة ثبوت الوضعین- التبادر فی مثل "أکرم العالم" و "رأیت عالماً" علی ما یدرک بالوجدان من انفهام الذات و الوصف القائم بها و لذا یتردّد الذهن فی الثانی لمکان الإبهام فی الذات المدلول علیها و یصحّ السؤال عن تعیینه بعبارة "و من العالم"». و راجع أیضاً المحاضرات، ط.ق. ج1، ص281 و ط.ج. ص322 و الرافد، ص336.
2- المحاضرات، ط.ق. ج1، ص 268 و ط.ج. ص306 «یدل علی ترکب المعنی الاشتقاقی بالمعنی الذی أوضحناه الوجدان و البرهان» الخ.
3- نهایة الدرایة، ط.مؤسسة آل البیت (علیهم السلام)، ج1، ص219.
الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان
اشارة

إنّ المتبادر عرفاً من المشتق عند إطلاقه هو الذات((1)) المتلبّسة بالمبدأ علی نحو الإبهام و الاندماج مثلاً عند إطلاق لفظ ضارب تمثّل فی النفس ذات مبهمة متلبسة بالضرب و هکذا و هذا المعنی وجدانی لا ریب فیه.

إشکال علی تبادر الذات من المشتق:

إنّ مفاد الهیأة لابدّ أن یکون معنی حرفیاً، فلاتدلّ علی مفهوم الذات و الشیء، لأنّهما مفهومان اسمیان.

الوجه الثانی: البرهان
اشارة

إنّه لایمکن تصحیح حمل المشتق علی الذات إلّا بأخذ مفهوم الشیء فیه لأنّ المبدأ مغایر لها ذاتاً و عیناً و لایمکن تصحیح حمله علیها بوجه، لمکان المغایرة بینهما حقیقة و خارجاً و مجرد اعتباره لابشرط لایوجب اتحاده معها و لایقلبه عمّا هو علیه من المغایرة و المباینة، لأنّ المغایرة لم تکن اعتباریة لتنتفی باعتبار آخر.

ص: 543


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص267 و ط.ج. ص306: «ما هو المراد من الذات المأخوذة فی المشتقات؟ فنقول: المراد منها ذات مبهمة فی غایة الإبهام و معراة عن کل خصوصیة من الخصوصیات ما عدا قیام المبدأ بها فهی لمکان إبهامها و اندماجها قابلة للحمل علی الواجب و الممکن و الممتنع علی نسق واحد بل هی مبهمة من جهة أنّها عین المبدأ أو غیره و من هنا یصدق المشتق علی الجوهر و العرض و الأمر الاعتباری و الانتزاعی و الزمان و ما فوقه من الواجب تعالی و غیره علی وتیرة واحدة من دون لحاظ عنایة فی شیء منها فهی کالموصولات فی جهة الإبهام فکما أنّها مبهمة من جمیع الجهات إلّا من ناحیة صلتها - و لذا سمّیت بالمبهمات - فکذلک هذه و من هنا یصحّ التعبیر عنها ب "ما" و "من" الموصولتین أو بکلمة "الذی" علی اختلاف الموضوعات باعتبار کونها من ذوی العقول أو من غیرها».
یلاحظ علیه:

إنّ إبهام الصورة المتلبسة یقتضی التعبیر عنها بلفظ ما الموصولة لأنّ إبهامها أکثر من إبهام مفهوم الشیء و الذات بل إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من وصف التلبس للصورة المبهمة مختصّة بمثال القیام و ما أشبهه و لم یدع تعمیمها لسائر الموارد مثل «الوجود موجود» فإنّ تلبس الصورة المبهمة بالمبدأ یتمّ فی «زید قائم» و لکنّه لایتمّ فی مثل إطلاق الموجود علی نفس الوجود.

فالمشتق کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) یلاحظ بصورتین:

فإنّه قد یلاحظ بوجوده الجمعی((1))

و هذا بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول: بملاحظة صورة مبهمة بسیطة عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) لکن هذه الصورة متلبسة بالقیام.

(أقول: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری بساطة هذه الصورة ولکن یلاحظ علیه: أوّلاً: أنّه یقول: موضوع البحث هو البساطة التحلیلیة مع أنّ الصورة المذکورة المتلبسة بالقیام عند التحلیل لیست بسیطة بل هی مرکب تحلیلی من صورة المعروض إبهاماً و عرضه الذی هو القیام. و ثانیاً: أنّ الالتزام بالبساطة الإدراکیة و اللحاظیة فی الصورة المبهمة المتلبسة بالقیام ممنوع، لأنّا کما ندرک هذه الصورة هکذا ندرک قیامه فالمدرک متعدّد. نعم لابدّ من أن یراد هنا من البساطة البساطة العنوانیة بالمعنی المتقدم.)

ص: 544


1- أیضاً المشتق الأصولی الذی هو من قبیل الذاتیات (و إن لم یتصور فیه الوجود الجمعی لأنّه من الماهیات) حمله علی الذات لیس تلبس الذات به مثل الإنسان ناطق.

و الوجه الثانی: بملاحظة تلک الصورة مع المبدأ و لکن علی مبنی صدر المتألهین (قدس سره) فی الحرکة الجوهریة و مبنی آقا علی المدرس (قدس سره) من اتحاد العرض و معروضه وجوداً.

و الوجه الثالث: فی مثل الوجودموجود و البیاض أبیض((1)) (و هکذا إطلاق أسمائه الذاتیة) و المشتق بهذا اللحاظ بسیط.

و قد یلاحظ بوجوده الفرقی التفصیلی و هذا بملاحظة الصورة المبهمة و النسبة الواجدیة و ما له المبدأ و المشتق بهذا المعنی مرکب (إنّ صیغة اسم المکان لایتصور فیها البساطة قطعاً) و لمّا کان المتفاهم العرفی هو وحدة الوضع والموضوع له فی المشتقات و انتفاء الاشتراک اللفظی فلابدّ من تصویر معنی المشتق بحیث یکون جامعاً للوجود الجمعی و الوجود الفرقی.

فالمشتق موضوع للمعنی الجامع بین ما له المبدأ و ما هو المبدأ و لابدّ حینئذ من ملاحظة الإبهام فی ناحیة التلبس و العینیة (له و هو هویة) و إن کانت النسبة التلبسیة غیر النسبة العینیة و لا جامع حقیقی بین النسبتین، لکن یکفی فی الوضع للأعم منهما الجامع العنوانی الأعم.

کما قلنا سابقاً (عند الإشکال علی المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) فی إمکان وضع المشتق للمتلبس و المنقضی عنه المبدأ): إنّ الوضع للمعنی الأعم من أنحاء النسب لایتوقف علی أن یکون الموضوع له هو المعنی الجامع الأعم حتی یقال باستحالة الجامع الحقیقی بین أنحاء النسب التی هی مفاد الهیئات بل

ص: 545


1- بعض الأساطین (حفظه الله) یلتزم بمجازیة استعمال الوجود موجود و البیاض أبیض و لذا لایرتضی بإبهام الصورة المذکورة من حیث إنّها عین المبدأ أو لا، بل یقول بخروج موارد عینیة الصورة للمبدأ عن وضع المشتق و سیأتی ما فی الأمر الرابع.

الموضوع له ذوات النسب بل یکفی تصور الجامع العنوانی((1))حین الوضع بحیث یکون الموضوع له معنونه، و هذا سرّ الإبهام الذی تصوره الإصفهانی (قدس سره) فی الموضوع له إلّا أنّه لابدّ من ملاحظة الإبهام فی ناحیة النسبة التلبسیة و النسبة العینیة.

ص: 546


1- و هو النسبة الواجدیة؛ إنّ السیّد الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات ط.ق. ج1، ص292 و ط.ج. ص335 و 336، یقول بأنّ المراد من التلبس الواجدیة و هی کما تصدق علی واجدیة الشیء لغیره کذلک تصدق علی واجدیة الشیء لنفسه و فیه أنّ ما أفاده فی أعمیة الواجدیة صحیح و لکن التلبس لیس بمعنی مطلق الواجدیة بل واجدیة الشیء لنفسه لایعدّ تلبساً.
التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ
اشارة

قد اشتهر بین الحکماء أنّ الفرق بین المبدأ و المشتق هو باعتبار لابشرط و بشرط لا؛((1)) و لهذا الکلام تفسیران مهمّان: (2)

اختلف صاحب الکفایة و صاحب الفصول (قدس سرهما) فی تفسیر ذلک.

ص: 547


1- فی مباحث الأصول، ص229: «أمّا کون المشتق نفس المبدأ لابشرط بأن یکون الفرق بینهما هو اعتبار البشرط لائیة فی المبدأ دون المشتق منه فقد عرفت فساده و أنّ الصالحیة للحمل و الاتحاد لایکون جزافاً أو اعتباریة بلا منشأ صحیح و أنّه یتعین أن یکون هناک شیء یصلح للاتحاد مع الموضوع و لیس إلّا عنواناً ینطبق علی ذات الموضوع فی حال تلبسه بالمبدأ» الخ. و فی الرافد، ص276 کلام لایخلو من فائدة فإنّه بعد أن ذکر أنّ الاعتبار عمل إبداعی تقوم به النفس بمقتضی خلاقیتها الفعالة و له أقسام ثلاثة: الاعتبار اللفظی و القیاسی و الحملی قال: «2- الاعتبار القیاسی: و هو الاعتبار المتقوّم بالمقارنة و المقایسة بین ماهیتین المسمی عند الفلاسفة بباب اعتبارات الماهیة مخلوطة مطلقة مجرّدة عند اعتبارات علیها موردة و یسمّی عند علماء الأصول بباب المطلق و المقید و تحلیله بثلاث نظریات: أ- ما طرحه الحکماء و مشهور الأصولیین من أنّ الماهیة کالرقبة إذا قیست إلی ماهیة أخری کالإیمان فإمّا أن تلاحظا متقارنتین و هو المعبّر عنه بشرط شیء و إمّا أن تلاحظا متنافرتین و هو المعبّر عنه بشرط لا و إمّا أن لاتلاحظا لا بلحاظ التقارن و لا بلحاظ التنافر و هو المعبّر عنه لا بشرط ... ب- ما ذهبنا إلیه من أنّ الذهن عند مقایسة ماهیة إلی ماهیة أخری إمّا أن یقوّم بخلق حالة من الالتحام و الارتباط بین الماهیتین و هو التقیید المعبّر عنه بشرط شیء و إمّا أن یقوم بالربط بین إحداهما و عدم الأخری و هو التقیید المعبّر عنه بشرط لا و إمّا أن لایقوم الذهن بخلق أی لون من ألوان الارتباط بین الماهیتین الملاحظتین ... ج- ما ذهب له الأستاذ السید الخوئی (قدس سره) من أنّ التقیید عبارة عن لحاظ الماهیة متحصصة بالماهیة الأخری وجوداً کالرقبة المؤمنة أو عدماً کالرقبة الغیر عربیة و الإطلاق عبارة عن لحاظ الماهیة مرسلة رافضة للقیود و التحصیص» الخ.
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ص 323 - 326 بعد أن قال: «القول الأوّل ینحلّ إلی دعوی سلبیة ... و دعوی إیجابیة هی وضع الهیأة للدلالة علی اللابشرطیة من ناحیة الحمل» قال: «أمّا الدعوی الإیجابیة فبالإمکان تفسیرها بأحد وجوه: 1- ما هو مقتضی ظاهر عنوان لا بشرطیة الحمل و بشرط لائیته من اعتبار المبدأ بشرط لا و المشتق لا بشرط و قد اعترض علیه: بأنَّ اعتبار اللا بشرطیة لایصحح الحمل، بل لابدّ من الاتحاد و العینیة بین المحمول و المحمول علیه فلو کان المبدأ متّحداً مع الذات صحَّ حمله علیه و لو اعتبرناه لابشرط و ما أفید فی هذا الاعتراض من عدم کفایة اعتبار اللابشرطیة فی صحة الحمل صحیح ... 2- ما یظهر من خلال کلمات المحقق النائینی (قدس سره) تلویحاً أو تصریحاً من أنّ اللابشرطیة و البشرط لائیة لم تلحظ بالنسبة إلی الحمل ابتداءً بل لخصوصیة أخری فی مدلول اللفظ نتیجة صحة الحمل فی المشتق و عدمها فی المصدر و تلک الخصوصیة هی أنّ الأعراض أطوار و مظاهر للموجود الخارجی إلّا أنّها تلحظ تارة: بما هی طور من أطواره فیکون وجودها فی نفسها عین وجودها لموضوعها و بهذا الاعتبار تکون متحدة مع الموضوع و أخری تلحظ بما هی فتری کأنّها موجودة بوجود مستقل مغایر مع موضوعها ... و قد اعترض علیه السید الأستاذ (حفظه الله) بوجوه عدیدة ... 3- أن یراد باللابشرطیة و البشرط لائیة تباین المفهومین ذاتاً فالمصدر موضوع للحدث و هو مغایر مع الذات مفهوماً و وجوداً و بذلک یکون بشرط لا عن الحمل و المشتق موضوع لعنوان بسیط ینتزع عن الذات فی حال تلبسها بالمبدأ و بما أنّ العناوین الانتزاعیة متحدة مع مناشئها کان المشتق لابشرط من الحمل».
التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره)

((1))

فقال صاحب الفصول (قدس سره) بأنّ مرادهم اعتباریة الفرق بین المبدأ و المشتق فإنّ المبدأ هو بشرط لا عن الحمل و المشتق هو لا بشرط من الحمل مع أنّ المفهوم منهما واحد((2)) و لذا استشکل علیهم بأنّ هذا الفرق ذاتی حیث إنّ الفرق بین

ص: 548


1- فی درر الفوائد، ص64: «قد یقال إنّها موضوعة للمعانی البسیطة التی لایکون لها جزء حتی عند التحلیل نظراً إلی ما یستفاد ممّا نقل من أهل المعقول من أنّ الفرق بین المشتق و مبدئه هو الفرق بین الشیء لابشرط و الشیء بشرط لا و ظاهر هذا الکلام بل صریحه أنّ المشتق و المبدأ یشترکان فی أصل المعنی و یختلفان بملاحظة الاعتبار».
2- فی الرافد، ص283 بعد أن قال: «إنّ المحقق النائینی (قدس سره) ذهب إلی القول ببساطة المشتق و أنّ الموضوع له فیه هو نفس المعنی الموضوع له المبدأ و لا فرق بینهما إلّا تضمن المشتق لحیثیة اللابشرط عن الحمل و تضمن المبدأ حیثیة البشرط لا عنه» ذکر عدة إیرادات علیه: «الإیراد الأوّل: ما طرحه بعض الأعاظم و خلاصته أمران: أ- إنّ الحمل متقوّم بشرط واقعی و هو الاتحاد المفهومی فی الحمل الأوّلی و الاتحاد الوجودی فی الحمل الشائع فإذا تمّ هذا الشرط بین طرفین صحّ حمل أحدهما علی الآخر بلا حاجة لاعتبار اللابشرط ... ب- إنّ ما ذکره الحکماء فی باب اعتبارات الماهیة و هو أنّ الماهیة قد تؤخذ بنحو اللابشرط و قد تؤخذ بنحو البشرط لا و قد تؤخذ بشرط شیء لایمکن حمله علی ظاهره و ذلک لأنّ ظاهره تغیر الواقعیات بتغیر الاعتبارات و هو مستحیل ... فلابدّ أن یحمل الکلام علی غیر ظاهره و هو أنّ هذه الاعتبارات انعکاس عن الواقع نفسه ... و لکنّنا لانوافق علی هذا الإیراد لعدّة أمور: أوّلاً: إنّنا ذکرنا سابقاً أنّ الحمل عمل نفسی لا أنّه إدراک للواقع فقط فإنّ الوجدان شاهد بأنّ الإنسان بعد إدراکه للواقع و انفعاله به یقوم بحمل شیء علی شیء بخلق الهوهویة بینهما استناداً للاتحاد المفهومی أو الوجودی بینهما لا أنّ نفس الإدراک و الانفعال هو الحمل ... ثانیاً: إنّنا لاننکر أنّ الاعتبارات الذهنیة المذکورة فی باب اعتبارات الماهیة و باب الجنس و الفصل لیست مجرّد فرض ذهنی فقط بل لها مناشئ واقعیة و حیثیات وجودیة و لکن وجود المنشأ الواقعی لاینافی تحقق الاعتبار فالاعتبارات علی ثلاثة أنواع: 1- اعتبار لایستند لمنشأ واقعی بل هو مجرّد اختراع ذهنی بلا هدف أو بهدف التأثیر علی المشاعر و العواطف کالاعتبارات الأدبیة. 2- اعتبار یستند لمنشأ واقعی استناد المدعو إلیه للداعی کالاعتبارات القانونیة ... 3- اعتبار یستند لمنشأ واقعی علی نحو الاقتضاء لا العلیة التامة ... فالاعتبارات التی طرحها الفلاسفة فی باب اعتبارات الماهیة و باب الجنس و الفصل اعتبارات فرضیة ناشئة عن حیثیات واقعیة کما أوضحنا ذلک فلا مانع حینئذٍ من کون المشتق متحداً فی المعنی مع المبدأ و کون الفرق بینهما فرقاً اعتباریاً راجعاً إلی اللابشرط و البشرط لا بحیث یصحّ الحمل بناءً علی أحد الاعتبارین و لایصحّ بناءً علی الاعتبار الآخر و لا دلیل عندنا علی أنّ کل اعتبار لابدّ أن یکون قابلاً للزوال باعتبار یغایره فإنّ ذلک خاص بالاعتبارات الأدبیة و نحوها و أمّا الاعتبار الناشئ عن حیثیة واقعیة فلایزول ما دام المنشأ الواقعی له موجوداً» ثمّ ذکر الأمر الثالث فی الجواب عن الإیراد الأوّل و فی ص333: «أمّا القول بالبساطة الذی اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو کون المبدأ و المشتق متحدین بالحقیقة مختلفین باللحاظ بمعنی أنّ الحدث إذا لوحظ بنحو اللابشرط فهو المشتق إذا لوحظ بنحو البشرط لا فهو المبدأ فهذا القول موضع للملاحظة من ناحیتین: أ- إنّ الفارق الذی طرحه المحقق النائینی (قدس سره) بین المبدأ و المشتق فارق لحاظی مرتبط بمرحلة الحمل و لیس فارقاً بین المبدأ و المشتق بما هما مع أنّنا نری بالوجدان أنّ الفارق بینهما أعمق و أوسع من مرحلة الحمل علی الذات ... ب- إنّ القول بالبساطة یقتضی الالتزام بالحمل الشائع المجازی و هو خلاف الارتکاز العرفی... و کل ذلک خلاف الارتکاز العرفی جزماً مع أنّه هو المرجع فی تشخیص المفاهیم و المدالیل ممّا یکشف عن ضعف القول بالبساطة».

الذات و العلم فی مثل زید عالم لیس اعتباریا بل الفرق بالذات و لذا یمتنع حمل العلم علی زید و إن اعتبر لا بشرط ألف مرّة.

ص: 549

التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

و قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ مرادهم اختلاف المشتق و مبدئه مفهوماً لا اعتباراً فإنّ المشتق بمفهومه لایأبی عن الحمل علی ما تلبس بالمبدأ لما بینهما من نحوٍ من الاتحاد، بخلاف المبدأ حیث إنّه بمفهومه یأبی عن الحمل بل المبدأ غیر الموضوع الذی تلبس به و المراد من لا بشرط هو عدم إباء المفهوم عن الحمل و من بشرط لا إباء المفهوم عن الحمل.

والتحقیق هو فی مقامین: المقام الأوّل فی مراد أهل المعقول و المقام الثانی فی القول الصحیح.

المقام الأوّل: فی مراد أهل المعقول

إنّ الظاهر من کلمات بعض الحکماء بل صریح بعض کلماتهم هو اتحاد مفهوم المشتق و مفهوم مبدئه کما هو الصریح کلام المحقق الدوانی (قدس سره) بل قال صدر المتألهین (قدس سره) فی شواهد الربوبیة:((1)) «مفهوم المشتق عند جمهور علماء الکلام متحصّل من الذات و الصفة و النسبة و عند بعض المحققین (أی العلّامة الدوانی) هو عین الصفة لاتحاد العرض و العرضی عنده بالذات و الفرق بکون الصفة عرضاً غیر محمول إذا أخذ فی العقل بشرط لا شیء و عرضیاً محمولاً إذا أخذ لا بشرط».

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((2)) إنّ إرجاع صاحب الکفایة (قدس سره) کلمات أهل المعقول إلی مختاره لعلّه لحسن ظنّه بهم.

ص: 550


1- شواهد الربوبیة، ص43.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص247.
المقام الثانی: فی القول الصحیح

((1))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أوّل التعلیقة یقول بصحة مبنی صاحب الکفایة و صاحب الفصول (قدس سرهما) (حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) اختار المبنی الصحیح و لکن توهم أنّه مبنی الحکماء، و صاحب الفصول (قدس سره) أیضا اختار المبنی الصحیح و لذا استشکل علی الحکماء) و یخالف المحقق الدوانی.

و استدل علی ذلک بأنّ طور الشیء لیس نفس الشیء فلا وجه لدعوی أنّه الشیء فملاحظة العرض من أطوار موضوعه لاتصحّح دعوی أنّ وجوده وجود موضوعه و إن کان وجوده فی نفسه وجوده لموضوعه.

و من الواضح أیضا أنّ تعدد العرض و موضوعه لیس بالاعتبار حتی ینتفی بطرو اعتبار آخر.

فإن قلت: فما الوجه فی حمل الجنس علی الفصل مع أنّ طبیعة الجنس فی الخارج غیر طبیعة الفصل؟

ص: 551


1- فی درر الفوائد، ص64: «تحقیق المقام أنّ الأعراض و إن کان لها وجود و لکن لیس وجودها إلّا مندکاً فی وجود المحل بحیث یعدّ من أطوار المحل و کیفیاته و هذا النحو من الوجود التبعی الاندکاکی قابل لأن یلاحظ فی الذهن علی قسمین: تارة یلاحظ علی نحو یحکی عن الوجود التبعی المندک فی الغیر و هو المراد من قولهم ملاحظته علی نحو اللابشرط و أخری یلاحظ علی نحو الاستقلال و یتصوّر بحیاله فی قبال وجود المحل و هو المراد من قولهم ملاحظته علی نحو بشرط لا فإذا لوحظ علی النحو الأوّل یکون عین المحل لأنّه من کیفیات وجود المحل و أطواره و لیس وجوداً مستقلاً فی قباله و إذا لوحظ علی النحو الثانی فهو وجود مستقل فی قبال المحل و علی النحو الأوّل یصحّ أن یقال باتحاده مع المحل و هو مفاد هیأة المشتق کضارب و قاتل و قاعد و أمثالها ممّا یحمل علی الذوات و علی النحو الثانی هو مفاد الألفاظ الدالة علی المواد کضرب و قعود و نحوهما ... و الحاصل انّ مقتضی ما ذکرنا أنّ مفهوم المشتق هو مفهوم آخر مباین لمفهوم المبدأ لا أنّهما متحدان ذاتاً مختلفان بالاعتبار».

قلت: إنّ التحقیق فیه کما عن صدر المتألهین هو أنّ الترکیب بین الجنس و الفصل ترکیب اتحادی حقیقی اتحاد المتحصل (الفصل) و اللّا المتحصل (الجنس) بخلاف الترکیب بین العرض و موضوعه فإنّه ترکیب انضمامی لا حقیقی لعدم اتحادهما فی الوجود و مع المغایرة الحقیقیة بینهما لایمکن حمل أحدهما علی الآخر بأی اعتبار کان.

ثمّ یستدرک عن ذلک بناء علی اتحاد الأعراض و معروضاتها فیقول((1)): نعم بناء علی اتحاد الأعراض مع موضوعاتها فی الوجود کما عن بعض أهل التحقیق (آقا علی المدرس (قدس سره)) بل یستفاد من بعض الأکابر فی مسألة إثبات الحرکة الجوهریة (من أنّ التبدّل فی الأعراض تبدل فی موضوعاتها و لولا الاتحاد لما صحّ ذلک) یصحّ حمل العرض علی موضوعه.

و المراد من الاتحاد نظیر اتحاد الجنس و الفصل و هو أنّ إفاضة الوجود تتعلق أوّلاً و بالذات بالموضوع و بعرضه ثانیاً، کما أنّ الوجود أولاً للصورة بما هی صورة و ثانیاً للمادة بما هی مادة و لهذا الاتحاد فی الوجود الساری فی الموضعین یصحّ الحمل إذا أخذ لا بشرط لا إذا أخذ بحسب مرتبة من الوجود و درجة من التحصّل و لانعنی بالحمل إلّا الاتحاد فی الوجود فقط و علی هذا المعنی من لابشرط و بشرط لا لابدّ من أن یحمل ما یوجد فی کلمات أهل النظر لا علی الوجه المشتهر الذی ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) فافهم و تدبّر.

تتمة فی کلام المحقق الإصفهانی: ((2))

کل ما ذکرنا إنّما یصحّح حمل العرض علی موضوعه و اتحاد العرض و

ص: 552


1- نهایة الدرایة، ج1، ص229.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص230.

العرضی بحسب الواقع لا أنّ مفهوم الأبیض عرفاً نفس حقیقة البیاض المأخوذة لا بشرط، إذ صحة الحمل لا ربط لها بالعینیة و الاتحاد من حیث المفهوم فی الأبیض و البیاض.

و غرض العلّامة الدوانی کما هو صریح کلامه و النافع للأصولی عینیة المفهومین ذاتاً و لا دلیل علیها.

ص: 553

التنبیه الثالث: ملاک الحمل (رابطة المشتق و الذات)
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ ملاک الحمل الذاتی هو الهوهویة بالذات و الحقیقة، و المغایرة بالاعتبار الموافق للواقع لا المغایرة بالاعتبار الفرضی.

و ملاک الحمل الشائع هو الاتحاد فی الوجود و المغایرة بالمفهوم، فلابدّ فیه من وجود واحد ینسب إلی صورتین معقولتین بالذات أو بالعرض فی الطرفین أو فی طرف واحد.

فملاک الحمل الذاتی الاتحاد فی الذات و التغایر الاعتباری و ملاک الحمل الشائع الاتحاد فی الوجود و التغایر المفهومی و علی هذا لایصح حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر.

نظریة صاحب الفصول (قدس سره):
اشارة

((2))

یجوز حمل أحد المتغایرین بالوجود علی الآخر بالقیاس إلی ظرف التغایر بشروط ثلاثة:

1. أخذ المجموع من حیث المجموع أی تنزیل الأشیاء المتغایرة وجوداً منزلة شیء واحد و ملاحظتها من حیث المجموع فتحصل بین المتغایرین وجوداً

ص: 554


1- نهایة الدرایة، ج1، ص232.
2- الفصول، ص62.

وحدة اعتباریة.

2. أخذ الأجزاء لا بشرط حتی یصحّ حمل بعض الأجزاء علی الآخر و أیضاً حمل الأجزاء علی المرکب الاعتباری.

3. اعتبار الحمل بالنسبة إلی المجموع من حیث المجموع بأن یحمل الجزء علی مجموع الأجزاء (و لو فی حمل الجزء علی الجزء) حتی یصحّ الحمل و إلّا فالجزءان بما هما جزءان متغایران وجوداً و لا اتحاد بینهما و وجه الاتحاد هو ملاحظة الوحدة الاعتباریة فی الکل المرکب منهما فلابدّ من ملاحظة المرکب الاعتباری بوحدته حتی یصحّ الحمل.

و مثّل لذلک بقولهم: الإنسان جسم أو الإنسان ناطق فإنّ الإنسان مرکب فی الخارج حقیقة من بدن و نفس و البدن و النفس متغایران وجوداً و مفاد لفظ البدن و النفس هو بشرط لا و مفاد لفظ الجسم و الناطق هو لا بشرط.

إشکالان علی نظریة صاحب الفصول (قدس سره):
الإشکال الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ لحاظ المرکب و وحدته الاعتباری لیس مصحّحاً للحمل بل هو مخلّ بالحمل لأنّه یوجب المغایرة بین الموضوع و المحمول و بین الکل و جزئه و لا إشکال فی عدم جواز حمل الجزء علی الکل مثل الإنسان یدٌ.

الإشکال الثانی: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

کما أنّ لابشرطیة لاتصحح حمل أحد المتغایرین فی الوجود علی الآخر، کذلک

ص: 555


1- نهایة الدرایة، ج1، ص233.

ملاحظتهما من حیث المجموع واحداً و اعتبار الحمل بالنسبة إلیه، إذ بناءً علی هذا لا اتحاد لأحد الجزأین مع الآخر فی الوجود کما لا اتحاد لأحدهما مع الکل بل الوحدة فی الحقیقة وصف اللحاظ و الاعتبار فلایصح أن یقال: هذا ذاک، بل هذا ذاک فی اللحاظ و الاعتبار الذی مرجعه إلی أنّه یجمعهما لحاظ واحد لا وجود واحد و الحمل هو اتحاد الموضوع و المحمول فی الوجود لا الجمع فی لحاظ واحد.

أمّا تمثیل صاحب الفصول (قدس سره) بحمل الناطق علی الإنسان (الإنسان ناطق) فیرد علیه: أنّ هذا الحمل لیس من باب حمل الجزء علی الکل بل حمل الناطق علی الإنسان دلیل علی الترکیب الاتّحادی و لذا استدلّ صدر المتألهین (قدس سره) علی الترکیب الاتحادی بین الجنس و الفصل بصحة حمل الناطق علی الإنسان.

ص: 556

التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات

الحق هو عدم اعتبار المغایرة بین الذات و المبدأ وجوداً بل یکفی التغایر المفهومی بل قد تکون الذات عین المبدء کما فی قضیة «الوجود موجود» و «البیاض أبیض» فإنّ الذات هی عین المبدء، کما أنّ النسبة بینهما النسبة الواجدیة و الواجدیة کما تصدق علی واجدیة الشیء لغیره کذلک تصدق علی واجدیة الشیء لنفسه (کما صرّح به المحقق الخوئی (قدس سره)).((1)) نعم، هذه الواجدیة أعمّ من التلبّس حیث إنّ التلبّس هو واجدیة الشیء لغیره لأنّه من اللبس (خلافاً للسیّد الخوئی (قدس سره) حیث قال: المراد من التلبس الواجدیة و خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال فی الأمر الخامس من التنبیهات عند البحث عن اتصاف الذات المتعال بالصفات الذاتیة: إنّ تلبس الذات تبارک و تعالی بالصفات الذاتیة تلبس بنحو العینیة).

و بعد بیان هذین الأمرین لایبقی شک فی حمل صفاته علیه تعالی بنحو الحقیقة لا المجاز کما توهمه صاحب الفصول (قدس سره) . ((2))

انتهی بحث المشتق.

ص: 557


1- فی المحاضرات، ط.ق. ج1، ص292 و ط.ج. ص335 و 336.
2- فی الفصول، ص62.

ص: 558

البحث الثالث: المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول

اشارة

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم

الفصل الثانی: مراتب الحکم

ص: 559

ص: 560

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم

اشارة

إنّ الحکم ینقسم إلی الحکم التکلیفی و الحکم الوضعی فإنّ المجعول فی کلّ منهما غیر الآخر فلابدّ من البحث حولهما فی أمرین:

الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته
أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی
القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی
اشارة

قال الشیخ المحقق علی کاشف الغطاء (قدس سره): «... إنّ الحکم و تعیینه عبارة عن الإرادة أو هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی».((1))

و علی هذا المنهج قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة: «حقیقة الحکم هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی.»((2))

ص: 561


1- النور الساطع فی الفقه النافع، ج2، ص162.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص308. و فی الأصول علی نهج الحدیث: حقیقة الحکم إن کانت هی الإرادة، فلا محالة تشتدّ بوجود ملاک شدید أو بوجود ملاکین، لاستحالة تعلَّق إرادتین بمراد واحد، فلا فرق بین تعدد الملاک وشدّته، و علی أی حال الإرادة غیر قابلة للرفع، حیث إنّها صفة نفسانیة قهریة توجد بمبادئها لا بالاختیار، فلا وضع لها و لا رفع فضلا عن رفع شدّتها، و استصحابها بحدها الضعیف إنّما یجدی لو ترتب علیها أثر شرعی مع سبق الیقین بحدّها الضعیف واحتمال تبدله بالقوی، لا ما إذا دار الأمر بین القوی والضعیف من الأول، و إن کان الحکم هو البعث الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی فهو غیر قابل للشدة والضعف، فشدة الملاک وتعدده فی عرض واحد لکنه کالإرادة فی عدم تعقل تعلَّق بعثین بموضوع واحد. بحوث فی علم الأصول ص49.

و المراد من الإنشاء هنا لیس إنشاء الحکم فی عالم الاعتبار، بل المراد من الإنشاء هو الأمر فی القضیة الشرعیة الدالّ علی الحکم، کما صرّح به فی حاشیة المکاسب و نهایة الدرایة.((1))

یلاحظ علیه:

أوّلاً: بالنقض حیث إنّ فی الشریعة أحکاماً مجعولة، لم یصل ظرف إبلاغها و

ص: 562


1- «غایة ما یقتضیه ظهور الأمر فی الإنشاء بداعی جعل الداعی- لا بداعی تنجیز الواقع، و ظهوره فی عنوانیة موضوعه، و أنه بما هو مطلوب لا بما هو معرّف للواقع- هو انبعاث هذا الحکم الحقیقی عن مصلحة غیر مصلحة الواقع، و أمّا بدلیتها عن مصلحة الواقع فلا موجب لها.» نهایة الدرایة، ص454. «أنّ کل قضیة متکفلة للإنشاء بداعی جعل الداعی أو لثبوت حق من الحقوق فهی ظاهرة فی حقیقة الحکم و الحق المساوقة للفعلیة، و فی قباله الإرشاد إلی المقتضی و الملاک للحکم أو الحق، و الإرشاد إلی الملاک خلاف الظاهر من الإنشاء البعثی المتعلق بنفس المادة. ... أنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی اقتضاء، بحیث یکون مع شرطه و عدم مانعه فعلیا و إن کان معقولا إلّا أنّه کما أنّ الظاهر هی المولویة دون الإرشاد، کذلک الظاهر هو الفعلی المترتب علیه الدعوة بلا شرط دون الاقتضائیة، و کذا الأمر فی القضیة المتکفلة لحق من الحقوق، فإنّ سوق القضیة فی مقام بیان ثبوت المحمول لموضوعه اقتضاء و إن کان معقولا کما فی القضایا المتکفلة للخواص و الآثار مثل «النار محرقة» و «الشمس مشرقة» و «السم قاتل» و «السنا مسهل» إلّا أنّ ظاهر کل قضیة فی نفسها فعلیة محمولها لموضوعها إلّا بقرینة تدل علی الثبوت اقتضاء. حاشیة کتاب المکاسب، المحقق الإصفهانی (قدس سره)، ج 4، ص100.

لذا تری أنّ الشارع لایبعث نحوها مع أنّها مجعولة و مسألة تأخیر البیان عن وقت الحاجة من هذا القبیل.

ثانیاً: بالحلّ حیث إنّ الحکم مقدّم رتبة علی البعث، فإنّ الشارع یوجد الحکم و ینشأه أوّلاً ثمّ یبعث المکلّف نحو المأمور به بإظهار الحکم فی القضایا الشرعیة.

ثالثاً: إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قد یعبّر عن مرحلة الإنشاء التی هی المرتبة الثانیة من مراتب الحکم عند صاحب الکفایة (قدس سره) بمرحلة الفعلیة من قبل المولی أو الفعلیة من حیث نفسه و هذه الفعلیة لایناسب مع التزامه بأنّ الحکم هنا حکم بالحمل الأوّلی لا بالحمل الشایع، فإن کان الحکم فی مرحلة الإنشاء فعلیاً من قبل المولی فهو حکم فعلی بحمل الشایع و لعلّ منشأ هذا الدعوی هو توهّم اتّحاد الحکم و البعث فإنّ البعث نحو المأمور به فی مرحلة الإنشاء لیس بعثاً فعلیاً بل هو البعث بالحمل الأوّلی، بخلاف الحکم فی هذه المرحلة فهو حکم فعلی.

القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی
اشارة

و هو مختار بعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکنّه أفاد فی تقریر ذلک بیانین، نشیر إلیهما:

البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

أنّ حقیقة الحکم الحقیقی الذی علیه مدار الإطاعة و العصیان هو الإنشاء بداعی البعث و التحریک و جعل الداعی.

و لایتصف الإنشاء بشیء من الأوصاف المزبورة و هی کونه باعثاً و محرکاً و داعیاً حتی یصل إلی من أرید انبعاثه و تحرکه و انقداح الداعی فی نفسه، لا لتلازم

ص: 563

البعث و الانبعاث و التحریک و التحرک کتلازم الإیجاد و الوجود بداهة دخالة اختیار العبد و إرادته فی ذلک، مع أنّ البعث الحقیقی موجود أراد العبد امتثاله أم لا، بل لکون المراد من البعث الحقیقی الذی أمره بید المولی جعل ما یمکن أن یکون باعثاً و محرکاً و داعیاً للعبد بحیث إذا خلا عمّا ینافیرسوم العبودیة و ینافر مقتضیات الرقیة، لخرج من حدّ الإمکان إلی حدّ الوجوب و تحقق البعث و الانبعاث خارجاً و لایتصف الإنشاء بهذه الأوصاف موجهاً بجهة الإمکان إلّا بعد وصوله إلی العبد.((1))

البیان الثانی للمحقق الإصفهانی (قدس سره):

أنّ حقیقة الحکم خصوصاً فی الأحکام الشرعیة عبارة عن البعث و الزجر أعنی الإنشاء بداعی جعل الداعی.((2))

ص: 564


1- قال بعده: فلا یمکن أن یکون الإنشاء الواقعی باعثا ومحرکا وداعیا وزاجرا وناهیا بما هو أمر واقعی، بل ولا بما هو ملتفت إلیه من دون قیام الحجة علیه، إذ لا یکون الإنشاء المزبور بعثا علی أی تقدیر إلا بلحاظ باعثیته فی أفق النفس، فما فی أفق النفس هو الباعث بالذات، وما فی الخارج باعث بالعرض، کالمعلوم بالذات والمعلوم بالعرض، ولا یعقل أن یکون ما فی أفق النفس باعثا علی أی تقدیر إلا بوجوده العلمی التصدیقی، ففرض جعل الإنشاء الخارجی داعیا علی أی تقدیر بوجوده النفسانی هو فرض جعل وجوده العلمی التصدیقی داعیا فإنه الداعی علی أی تقدیر، مضافا إلی أن الإنشاء المزبور لا یکون باعثا لزومیا فی نفوس العامة إلا إذا کان بحیث یستحق علیه العقاب فکونه کذلک محقق لدعوته بنحو اللزوم. و منه علم أن مرتبة الفعلیة والتنجز فی مطلق الأحکام الحقیقیة من النفسیة و الطریقیة، واحدة. نهایة الدرایة، ج2، ص93.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص124. و قال أیضاً: حقیقة الحکم هو الانشاء المنبعث عن إرادة حتمیة أو غیر حتمیة بداع البعث والتحریک مثلا فإنه الذی یدور علیه الإطاعة والعصیان الموجب لاستحقاق الثواب والعقاب دون الانشاء بداع اخر کالتعجیز والتسخیر والارشاد وأشباه ذلک. نهایة الدرایة، ج2، ص329؛ ج3، ص215.
نکتة مهمّة حول البیان الأوّل و الثانی:

إنّ البعث فی البیان الأوّل هو الداعی من الإنشاء و فی البیان الثانی هو نفس الإنشاء و السرّ فی هذا هو أنّ الإنشاء المذکور بعث حقیقی عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) و یترتّب علیه البعث و الانبعاث الخارجیین عند وصوله إلی المکلّف فالإنشاء بعث حقیقی بداعی إیجاد البعث الخارجی الإمکانی.

یلاحظ علیه:

إنّ الإنشاء متأخّر عن الحکم، لأنّه مبرز للحکم و هو صیغة بعث شرعی نحو المأمور به و إن لم یتحقق حقیقة البعث إلّا بعد وصوله إلی المکلف.

القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب
بیان المحقق العراقی (قدس سره):

إرادة هی حقیقة الحکم و روحه.((1))

إنّ حقیقة الحکم و هی الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب، فعلیة دائماً فی الخطابات المشروطة و غیرها و إنّ مرجع الإناطة و الاشتراط فیها إلی فعلیة الإرادة و الاشتیاق التام فی فرض لحاظ الشیء خارجیاً قبال الإرادة المطلقة الراجعة إلی الاشتیاق إلی الشیء لا فی ظرف وجود شیء آخر فی لحاظه (لا أنّ) مرجع الإناطة فیها إلی اشتیاق تقدیری بفرض وجود المنوط به خارجاً.

نعم مرتبة محرکیة مثل هذه الإرادة منوطة بوجود المنوط به خارجاً کإناطتها

ص: 565


1- نهایة الأفکار3،ص18

بالعلم به أیضاً و لکنّه غیر مرتبة فعلیة أصل الإرادة.((1))

بیان المحقق البروجردی (قدس سره):
اشارة

إنّ ما هو حقیقة الحکم و روحه عبارة عن إرادة المولی صدور الفعل عن العبد فإنّه الذی یتعلّق به شوق المولی أوّلاً، غایة الأمر أنّه لما کان الفعل من الأفعال الإرادیة للعبد وکان تحققه منوطاً بتحرک عضلاته نحوه، تولد فی نفس المولی من إرادة الفعل إرادة تحرک عضلات العبد وحیث إنّ تحرک عضلاته متوقف علی وجود الداعی فی نفسه حتی ینبعث منه لو کان بحسب ملکاته ممن ینبعث من الدواعی الإلهیة فلامحالة تتولد فی نفس المولی إرادة بعثه و إنشاء الحکم بالنسبة إلیه حتی یعلم به فینبعث منه نحو المقصود فما هو المراد أوّلاً و بالذات و یکون متعلقاً للشوق هو نفس صدور الفعل عن العبد و أمّا البعث و انبعاثه منه فمرادان بالتبع من جهة أنّه یتسبب بهما إلی ما هو المقصود بالذات.

و لایخفی أنّ إرادة الفعل و إن کانت مطلقة، لکن إرادة انبعاث العبد من الخطاب و البعث مقصورة علی صورة علم العبد بالخطاب من جهة أنّه لایعقل داعویة البعث ما لم یتعلّق به العلم، حیث إنّه بوجوده العلمی یصیر داعیاً و محرّکاً و علی هذا تصیر إرادة الفعل الثابتة بنحو الإطلاق، داعیة للمولی إلی إیجاد خطاب آخر فی طول الخطاب الواقعی، حتی یصیر هو الداعی للعبد نحو الفعل المقصود بعد أن لم یطلع علی الخطاب الواقعی و لم یمکنه الانبعاث منه.((2))

ص: 566


1- نهایة الأفکار4،ص167
2- نهایة الأصول، ص134.
إیراد المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی و البروجردی (قدس سرهما):

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استدلّ علی عدم لزوم إرادة أو کراهة عند تحقق الحکم (الذی هو الإنشاء بداعی جعل الداعی أو هو البعث الاعتباری المنتزع منه) بالنسبة إلی فعل المکلف فی المبدأ الأعلی و لا فی سائر المبادی العالیة، بل فی مطلق من کان بعثه أو زجره لأجل صلاح الغیر.

بداهة أنّ الشوق النفسانی لایکون إلّا لأجل فائدة عائدة إلی جوهر ذات الفاعل أو إلی قوة من قواه و إلّا فحصول الشوق الأکید بالإضافة إلی الفعل علی حدّ المعلول بلا علّة.

و إنّما یتصور الشوق الأکید إلی فعل الغیر إذا کان ذا فائدة عائدة إلی المرید إیاه وحیث إنّ أفعال المکلفین لایعود صلاحها وفسادها إلّا إلیهم فلذا لا معنی لانقداح الإرادة فی النفس النبویة و الولویة فضلاً عن المبدأ الأعلی.

مع اختصاصه تعالی بعدم الإرادة التشریعیة من جهة أخری تعرضنا لها فی مبحث الطلب و الإرادة مستوفی و لعلنا نشیر إلیها عمّا قریب إنشاء الله تعالی.

و أمّا الإرادة المتعلقة بنفس البعث و الزجر فهی إرادة تکوینیة لتعلّقها بفعل المرید لا بفعل المراد منه و لاترد علی ما ورد علیه البعث کما لایخفی و علیه فلیس بالنسبة إلی فعل المکلف إرادة أصلاً، فضلاً عن الإرادتین، بل لو فرضنا انبعاث الإرادة التشریعیة عن فائدة عائدة إلی المراد منه لم یلزم ثبوت إرادتین تشریعیتین، لما مرّ مراراً من أنّ الشوق ما لم یصل إلی حدّ ینبعث عنه العضلات أو ینبعث منه البعث الحقیقی لایکاد یکون مصداقاً للإرادة التکوینیة أو التشریعیة و سیأتی إنشاء الله تعالی عدم مصداقیة الإنشاء الواقعی للبعث الحقیقی فکما لا بعث

ص: 567

حقیقی واقعاً لا إرادة تشریعیة واقعاً.((1))

ملاحظتان علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره):

أولاً: إنّ الإرادة التکوینیة تتعلّق بالفعل المأمور به بما أنّه داخل فی النظام الأحسن و الفرق بین فاعلیة الفواعل الإمکانی و فاعلیته تعالی عند بعض المحققین هو أنّ الفواعل الإمکانی من قبیل الفاعل الربطی و فاعلیته تعالی من قبیل الفاعل الاستقلالی و عند المحقق الطوسی (قدس سره) فاعلیة الفواعل الإمکانی من قبیل الفاعل القریب و فاعلیته تعالی من قبیل الفاعل البعید.

فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ إرادته تعالی لاتتعلّق بفعل الغیر لعدم عود مصالح الأفعال و مفاسدها إلیه تعالی، مبنی علی مذهب بعض المتکلّمین و لایوافق مبناه من تعلّق إرادته تعالی بالنظام الأحسن.

ثانیاً: التحقیق یقتضی ثبوت الإرادة التشریعیة لا بالمعنی الذی التزم بها القوم، بل بمعنی آخر، فإنّ وجود الحکم أمر اعتباری و کذلک إیجاده، لأنّ الإیجاد و الوجود متّحدان حقیقةً و الإرادة المتعلّقة بالفعل الاعتباری إرادة اعتباریة و هکذا الإرادة المتعلّقة بالوجود الاعتباری إرادة اعتباریة.

و الإرادة التشریعیة عندنا غیر الإرادة التشریعیة التی التزم بها هؤلاء الأصولیین فإنّ الإرادة التشریعیة عندهم تتعلّق بفعل الغیر، خلافاً للإرادة التشریعیة عندنا فهی تتعلّق بإیجاد الحکم الشرعی الاعتباری فی وعاء التشریع و الأحکام الموجودة بهذه الإرادة التشریعیة من فروع الدین و لذا الدین القویم الإلهی یشتمل علیه فمتی تحقّق الدین فی العالم وجد تلک الأحکام الشرعیة.

ص: 568


1- نهایة ج2،ص124

و الإرادة التشریعیة تتعلّق به و هذه الإرادة التشریعیة اعتباریة کما أنّ متعلّقها أیضاً اعتباری و الإنشاء الاعتباری یتعلّق بهذا الحکم و أمّا الإنشاء الذی ینتزع البعث و الزجر منه هو أمر خارجی مرکّب من کیف مسموع و کیف نفسانی و هو مبرز للحکم و إنشاؤه الاعتباری.

القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه
اشارة

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إن حقیقة التکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمة المکلف و إبرازه فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو ما شاکلها و لانتصور للتکلیف معنی غیر ذلک، کما أنّا لانتصور للإنشاء معنی ما عدا إبراز ذلک الأمر الاعتباری.

و علی الجملة فإذا حللنا الأمر بالصلاة- مثلاً- أو غیرها نری أنّه لیس فی الواقع إلّا اعتبار الشارع کون الصلاة علی ذمة المکلف و إبراز ذلک بمبرز فی الخارج ککلمة «صلّ» أو نحوها و لانتصور شیئاً آخر غیر هذین الأمرین: 1- (اعتبار الفعل علی ذمّة المکلف)؛ 2- (إبراز ذلک بمبرز فی الخارج) نسمیه بالطلب تارة و بالبعث أخری و بالوجوب ثالثة.

و من هنا قلنا إنّ الصیغة لاتدلّ علی الوجوب و إنّما هی تدلّ علی إبراز الأمر الاعتباری القائم بالنفس و لکنّ العقل ینتزع منه الوجوب و لزوم الامتثال بمقتضی قانون العبودیة و المولویة ما لم تنصب قرینة علی الترخیص فی الترک فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم إبراز شی ء علی ذمّة المکلف إذا لم تکن قرینة علی الترخیص و أمّا الطلب فقد ذکرنا أنّه عبارة عن التصدی لتحصیل شی ء فی الخارج فلایقال طالب الضالة إلّا لمن تصدی لتحصیلها فی الخارج.

ص: 569

و علی ضوء ذلک فصیغة الأمر أو ما شاکلها من أحد مصادیق هذا الطلب، لا أنّه مدلول لها فإنّ الآمر یتصدی بها لتحصیل مطلوبه فی الخارج فهی من أظهر مصادیق الطلب.((1))

یلاحظ علیه:

و علی هذا لابدّ أن یکون الوجوب مرکّباً من الاعتبار و الإبراز و هذا یخالف ما هو مختاره و ما هو المرتکز من بساطة الحکم فقد تقدّم أنّ الإبراز أمر خارجی و الحکم أمر اعتباری و المحقق الخوئی (قدس سره) ممّن یعتقد باعتباریة الحکم فکیف یقول بترکیبه من الأمرین، أحدهما اعتباری و الآخر تکوینی.

فإنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی مبحث اجتماع الأمر و النهی عند البحث عن عدم التضادّ بین الأحکام: «الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة.» ((2))

القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة

و هذا القول هو المختار من التعاریف، فإنّ الحکم علی هذا التعریف أمر اعتباری و متعلّق الحکم هو فعل المکلّف، و الاعتبارهنا لیس جعلاً بسیطاً اعتباریاً بل هو جعل مرکب اعتباری بمعنی أنّ الاعتبار المذکور لیس فقط اعتبار الفعل، بل اعتباره علی العهدة أو لا علی العهدة، فإنّ اعتبار الحکم و تعلّقه بالفعل إمّا جعله علی عهدة المکلف وجوداً(کما فی الواجب و المستحب) أو عدماً(کما فی الحرام و المکروه) و إمّا جعله لا علی عهدته ترخیصاً.

ص: 570


1- المحاضرات، (طبع دار الهادی)، ج 3، ص67.
2- المحاضرات، ط.ج: ج3، ص450.

فعلی هذا تعریف الحکم التکلیفی عندنا هو: اعتبار الفعل علی عهدة المکلّف وجوداً أو عدماً، لزوماً(باعتبار اللابدّیة بنحو بشرط شیء کما فی الوجوب أو الحرمان بنحو بشرط لا کما فی الحرمة) أو من غیر لزوم أو اعتباره لا علی عهدته ترخیصاً بنحو اللّابشرط.

فإنّ التعبیر عن الوجوب باللابدّیة و عن الحرمة بالحرمان متداول بین الأعلام، قال العلّامة الخوانساری فی مشارق الشموس: «الوجوب بمعنی اللابدیة»((1)) و قال الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی کتاب الصلاة: «فإنّ الظاهر أنّ الأمر للوجوب بمعنی اللزوم و اللّابدیة»((2)) و قال المحقق النائینی (قدس سره): «لیس الحرام فی اللّغة إلّا بمعنی الحرمان».((3))

أما انقسامات الحکم التکلیفی:

إنّ الحکم التکلیفی ینقسم إلی أقسام خمسة: الوجوب و الاستحباب و الحرمة و الکراهة و الإباحة.

و هنا نشیر إلی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما لاحظنا علیه.

أمّا بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

أمّا الإیجاب و الاستحباب: و الجامع بین الإیجاب و الاستحباب هو الإنشاء بداعی جعل الداعی.

ص: 571


1- مشارق الشموس، ج1، ص38.
2- کتاب الصلاة،ج2، ص96.
3- کتاب الصلاة، المحقق النائینی (قدس سره)، ج 1، ص327

و ذلک، لأنّ الشخص إذا تصوّر الفعل و صدّق بما فیه من الفائدة یشتاقه قهراً، فإذا کان المشتاق إلیه من أفعال نفسه و بلغ شوقه إلیه حدّ النصاب، حدث هیجان فی الطبیعة فیحرّک عضلاته نحوه فیوجده و إذا کان من أفعال الغیر فحیث إنّ فعل الغیر تحت اختیاره و إرادته و تنبعث إرادته عن الداعی فلامحالة یتسبب إلی جعل الداعی له لیرید و یفعل

فإذا کانت إرادته لفعل الغیر منبعثة عن مصلحة لزومیة، کان البعث المنبعث منها إیجاباً و إلّا کان استحباباً، کما یمکن أن یفرق بینهما باعتبار البعث الأکید و غیره لمن لایعتقد انبعاث الحکم عن مصلحة أو لا إرادة تشریعیة فی المبدأ تعالی أو لا شدة و لا ضعف فی الإرادة فی مقام استیفاء الغرض الذی لابدّ له منه و غیر ما لابدّ له منه فإنّه فی جمیع هذه الصور یکفی- اعتبار البعث الأکید و غیره علی طبق التحریک الخارجی- فارقاً بین الإیجاب و الاستحباب.

و أمّا التحریم و الکراهة: فالإنسان إذا توجّه إلی ما فیه مفسدة و ما لایلائمه فلامحالة تحدث فی نفسه کراهة موجبة لانقباضه عنه فلایفعله و إذا کان ما یکرهه نفساً فعل الغیر فلا محالة یزجره عنه لتحدث فی نفسه کراهة موجبة لانقباضه عنه و بقائه علی عدمه.

و أمّا الإباحة و الترخیص: فمجمل القول فیها: أنّ المباح و إن کان لا اقتضاء، لعدم المصلحة و المفسدة فیه مطلقاً، إلّا أنّ عدم المقتضی لازمه عدم الأحکام الأربعة لا ثبوت حکم خامس فالإباحة عن مصلحة فی نفسها، إذ کما أنّ الحکمة الإلهیة تقتضی إیصال المصلحة بالبعث و الصدّ عن الوقوع فی المفسدة بالزجر، کذلک تقتضی إرخاء العنان و الترخیص لئلّایکون العبد فی الضیق صدوراً و وروداً، حیث إنّ رسم العبودیة و زی الرقّیة یقتضی صدور

ص: 572

العبد و وروده عن رأی مولاه.((1))

یلاحظ علیه:

ما أفاده فی وجه افتراق الإیجاب و الاستحباب، لایتمّ علی ما سلکناه من أنّ الإیجاب لیس بعثاً منبعثاً عن مصلحة لزومیة و لیس بعثاً أکیداً و هکذا الاستحباب فهو لیس بعثاً منبعثاً عن مصلحة غیر لزومیة و لا بعثاً غیر أکید.

و کذلک الحرمة لیس زجراً متسبّباً عن مفسدة ملزمة أو زجراً أکیداً و هکذا الکراهة فهو لیس زجراً متسبّباً عن مفسدة غیر ملزمة أو زجراً غیر أکید.

بل إنّها اعتبارات تشریعیة مجعولة و هی اعتبار جعل الفعل علی عهدة المکلّف وجوداً و عدماً فیمکن التفریق بین الإیجاب و الاستحباب بأنّ الإیجاب اعتبار الفعل علی عهدة المکلّف و ذمّته بنحو اللزوم و اللابدیّة و فی الاستحباب یکون هکذا بغیر نحو اللزوم و اللابدّیة.

ص: 573


1- بحوث فی الأصول، ج 1، ص45
الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته
اشارة

قال بعض المحققین (قدس سرهم): «المراد بالوضع إیجاد صفة لشی ء فعلًا کان أو غیره، أو إمضاء الشارع لتلک الصفة کما سیظهر و من المعلوم مباینة مفهوم الحکم التکلیفی لمفهوم السببیة و غیرها من الأحکام الوضعیة.

... [و الحکم الوضعی] قد یتعلق بفعل المکلف کقوله: «من أتلف مال الغیر فهو له ضامن» و قد لا یتعلق به، کقوله: «الدلوک سبب لوجوب الصلاة».((1))

فإنّ الحکم الوضعی إمّا اعتبار موضوع لأحکام تکلیفیة، من قبیل الزوجیة و کذلک الملکیة و إمّا اعتبار منتزع عن الأحکام التکلیفیة و هی مجعولة بالتّبع أو بالعرض(مجاز)، مثل شرطیة الشی ء أو مانعیته بالنسبة إلی المکلّف به أو التکلیف.

أما انقسامات الحکم الوضعی:
اشارة

إنّ الحکم الوضعی علی أقسام ثلاثة و وقع البحث فی أنّه مجعول بالاستقلال أو مجعول بالتبع أو أنّه مجعول بالعرض بمعنی أنّه غیر مجعول حقیقة و من قبیل ذلک الأمور الانتزاعیة فإنّ الأمر الانتزاعی مجعول بالعرض، لا مجعول بالتبع و أنّ المجعول بالعرض لا جعل له بالحقیقة.((2))

نظریة العلّامة الأنصاری (قدس سره): انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة

((3))

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) التزم بأنّ الوضعیات منتزعة من الأحکام التکلیفیة

ص: 574


1- منتهی الدرایة، المحقق الجزائری (قدس سره)، ج 7، ص248.
2- نهایة الدرایة، ط.ق. ج 3، ص117.
3- - فرائد الأصول، ج2، ص601.

فی مواردها بل نسب ذلک إلی المشهور فإنّ الخطاب الوضعی مرجعه إلی الخطاب الشرعی و أنّ کون الشیء سبباً لواجب هو الحکم بوجوب ذلک الواجب عند حصول ذلک الشیء.

سنشیر فی مبحث الاستصحاب إلی بعض إیرادات المحقّق النائینی (قدس سره) علی نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) .((1))

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2)) التفصیل بین أقسام ثلاثة

قال (قدس سره): التحقیق أنّ ما عُدّ من الوضع علی أنحاء:

القسم الأوّل:

ما لایکاد یتطرّق إلیه الجعل تشریعاً أصلاً، لا استقلالاً و لا تبعاً و إن کان مجعولاً تکویناً عرضاً بعین جعل موضوعه کذلک. (و مثاله: السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتکلیف).

القسم الثانی:

ما لایکاد یتطرّق إلیه الجعل التشریعی إلّا تبعاً للتکلیف فله الجعل التبعی (و مثاله: الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمکلّف به).

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول القسم الثانی:((3)) و الجزئیة و الشرطیة بهذه المرتبة لا واقعیة لهما إلّا فی مرحلة الطلب و البعث فالبعث مصحّح لانتزاع البعضیة من کلّ واحد من تلک الأمور و یصحّح انتزاع الشرطیة من قیدها المنوطة به فی مرحلة البعث و ما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) فی هذا القسم من الجعل الانتزاعی و إن کان صحیحاً، لکن قد عرفت أنّ الأمر الانتزاعی مجعول

ص: 575


1- أجود التقریرات، ج 4، ص74-75؛ فوائد الأصول، ج4، ص386-387.
2- کفایة الأصول، ص 400-401.
3- نهایة الدرایة، ج5-6، ص109؛ الأصول علی النهج الحدیث ص49.

بالعرض لا بالتبع.((1))

القسم الثالث: ما یمکن فیه الجعل استقلالاً بإنشائه و تبعاً للتکلیف بکونه منشأ لانتزاعه و إن کان الصحیح انتزاعه من إنشائه و جعله (أی بجعل استقلالی) و کون التکلیف من آثاره و أحکامه (و مثاله: الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة).

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: بأنّ المحتمل فی هذه الموارد بالنظر البدوی أمران: الأوّل انتزاعها من الأحکام التکلیفیة التی تکون فی مواردها کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری (قدس سره)، و الثانی جعلها استقلالاً بإنشاء أنفسها و صاحب الکفایة (قدس سره) ذهب إلی الثانی.

ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی:
اشارة

ثمرة هذا البحث یظهر فی جریان الاستصحاب، و تفصیل ذلک موکول إلی مبحث الاستصحاب و سنشیر هنا إلی ذلک إجمالاً:

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ذهب إلی عدم جریان الاستصحاب فی القسم الأوّل من أقسام الحکم الوضعی، لأنّه مجعول بالعرض و إلی جریانه فی القسم الثانی و الثالث، لأنّ القسم الثانی مجعول بالتبع و القسم الثالث مجعول استقلالی.

ص: 576


1- بحوث فی الأصول، ج 1، ص49.
2- کفایة الأصول ص403

یلاحظ علیها:

أوّلاً: قد تقدّم فی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أنّ القسم الأوّل و الثانی کلیهما من قبیل المجعول بالعرض.

ثانیاً: إذا کان الحکم الوضعی مجعولاً بالعرض فجریان الاستصحاب فیه مشکل فی بعض صوره کما سیجیء تفصیله عند بیان نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

أمّا بالنسبة إلی القسم الأوّل: الکلام تارة فی استصحاب الشرطیة و المانعیة و أخری فی استصحاب ذات الشرط و المانع فاختار فی بعضها جریان الاستصحاب و فی بعضها عدم جریانه و سیأتی بیانها إن شاء الله تعالی فی الاستصحاب.

أمّا بالنسبة إلی القسم الثانی: فقال بأنّ جریان الاستصحاب مشکل.

أمّا بالنسبة إلی القسم الثالث: فقال بعدم المحذور فی جریان الاستصحاب لتعلّق الجعل الاستقلالی بالحکم الوضعی فی هذا القسم.

سنتعرض لأقسام الحکم الوضعی فی مبحث الاستصحاب إن شاء الله تعالی.

ص: 577


1- نهایة الدرایة ج5-6، ص124.

ص: 578

الفصل الثانی: مراتب الحکم

اشارة
القول الأول: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّه یری للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأُولی: مرتبة الاقتضاء و هی مرتبة وجود الملاک و مناط الحکم فی المتعلّق و هی المصلحة و المفسدة الملزمتان و المحبوبیة و المبغوضیة (و بعض الأعلام قسّموا هذه المرتبة إلی مرحلتین: المرحلة الأولی و هی وجود الملاک فی المتعلّق و المرحلة الثانیة و هی ما یترتب علی هذه المصلحة أو المفسدة من الإرادة و الکراهة).((1))

المرتبة الثانیة: مرتبة الإنشاء و هی مرتبة جعل الحکم و إنشائه.

المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلیة و هی بلوغ الحکم إلی مرتبة البعث و الزجر و مناط بلوغه إلی هذه الدرجة هو فعلیة موضوعه.

المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز و هی مرتبة وصول الحکم و التکلیف.

ص: 579


1- راجع منتقی الأُصول، ج3، ص81.
القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((1))

یشتمل علی تحقیقه حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .

إنّ الحکم له مراتب أربع:

المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً

و هنا ثلاثة احتمالات فی تفسیر هذه المرتبة من مراتب الحکم:

الاحتمال الأوّل: أن یکون المراد هو ثبوت المقتضی بثبوت المقتضی و هذا الثبوت لیس إلّا ثبوتاً خارجیاً عرضیاً.

و فیه: أنّ هذا المعنی هو شأن المقتضی بمعنی السبب الفاعلی، حیث إنّ المعلول یترشّح من مرتبة ذات العلّة الفاعلیّة لکنّ المقتضی هنا بمعنی الغایة الداعیة إلی ذیها فإنّ ذا الغایة لیس فی مرتبة ذات الغایة لا بوجودها الخارجی و لا بوجودها العلمی فهذا الاحتمال مخدوش رأساً.

الاحتمال الثانی: أن یکون المراد هو ثبوت المقبول بثبوت القابل، کالإنسان فی النطفة القابلة و هذا الثبوت أیضاً ثبوت خارجی عرضی.

و فیه: أنّ هذا الاحتمال أیضاً لایجری فی المقام، لأنّ المصلحة الداعیة لیست فی صراط المادیّة.

الاحتمال الثالث: أن یکون المراد ثبوت الحکم شأناً، ثبوتاً ماهویاً تقدیریاً، لا ثبوتاً خارجیاً عرضیاً، حیث إنّ طبیعی الفعل مستعدّ باستعداد ماهوی لا باستعداد مادّی لأن یترتّب علیه المصلحة إذا وجد فی الخارج و هی صالحة

ص: 580


1- نهایة الدرایة، ج4، ص230.

للتأثیر فی الإنشاء بداعی البعث و التحریک فی مرتبة ذاتها و ماهیتها فالوجوب بهذه الملاحظة له شأنیة الوجود.

فالصحیح من الاحتمالات الثلاثة هذا الاحتمال الأخیر.

المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً

و هو وجود طبیعی البعث المفهومی بتبع اللفظ الذی ینشأ به فاللفظ موجود بالذات و البعث النسبی المفهومی بالعرض و الحکم الإنشائی هو حکم بحمل أوّلی.

المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً

و هو ما یکون بالحمل الشائع بعثاً أو زجراً عند العقلاء، بحیث یکون قابلاً للباعثیة و الزاجریة فعلاً و فی هذه المرحلة یبلغ الحکم درجة حقیقة الحکمیة و یکون حکماً حقیقیاً و بعثاً و زجراً جدیاً.

المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته

و هی مرتبة تنجّز الحکم و هذه المرتبة نشأة من نشآت تحقّق الحکم.

و حیث إنّ البعث المفهومی الإنشائی لا أثر له، لایترتّب علی القطع به شیء و لیس التعبد به ذا أثر فلذا عدل (قدس سره) عن هذا المسلک فی هذا الکتاب و التزم بفعلیة الواقع من وجه، بحیث یکون له أثر عند تعلّق العلم به.

المراد من الفعلی من جمیع الجهات و الفعلی من بعض الجهات:

أمّا الفعلی من جمیع الجهات فهو أنّ الغرض الباعث علی التکلیف ربما یکون

ص: 581

بحدّ یبعث المولی إلی جعله فعلیاً منجّزاً بإیصاله و لو بنصب طریق موافق أو بجعل احتیاط لازم و دفع موانع تنجّزه بأی نحو کان و مثله یستحیل الترخیص فی خلافه لأنّه نقض للغرض.

و ربّما لایکون الغرض بذلک الحدّ، بل یدعوه إلی التکلیف بحیث إذا وصل إلی المکلّف من باب الاتّفاق تنجّز علیه فهو فعلی من حیث نفسه، لا من حیث إیصاله إلی المکلّف فلایجب حینئذٍ دفع موانع تنجّزه و لاینافیه إبداء المانع عن تنجّزه فإنّ إبقاء المانع و إبداء المانع فی نظر العقل علی حدّ سواء و لیس الترخیص نقضاً للغرض، لأنّ سدّ باب تنجّزه لاینافی تنجّزه لو وصل من باب الاتفاق.

و ربّما یتوهّم أنّ المراد من الحکم الفعلی من جمیع الجهات هو الحکم البعثی و الزجری و التحریک الجدّی و من الحکم الفعلی من وجه هو الإنشاء بداعی إظهار الشوق إلی الفعل فالحکم البعثی و الزجری فعلی من قبل هذه المقدّمة و هو کون ذات الفعل مشتاقاً إلیه و لا منافاة بین الشوق إلی ذات الفعل و الترخیص فی ترکه، بل المنافاة بین التحریک و الترخیص.

و فیه: أوّلاً: أنّ الإرادة التشریعیة بإزاء الإرادة التکوینیة فإذا بلغ الشوق مبلغاً لو کان المشتاق إلیه من أفعال المشتاق لتحرک عضلاته نحوه، سبب إلی إیجاده بالبعث إذا کان من أفعال الغیر فلاینفک مثل هذا الشوق عن البعث.

و إذا لم یکن الشوق هذا المقدار فکما لایوجب حرکة العضلات فی التکوینیات کذلک لیس علّة للبعث فی التشریعیات و لا أثر له لو علم به تفصیلاً أیضاً.

و ثانیاً: أنّ الإنشاء بأی داع کان، لیس وصوله موجباً إلّا لفعلیة ذلک الداعی ففعلیة مثل هذا الإنشاء فعلیة إظهار الشوق فلایعقل أن یکون مثله واقعاً فی

ص: 582

صراط فعلیة البعث.

فتحصّل إلی هنا: أنّ مراد صاحب الکفایة (قدس سره) من الفعلی من جمیع الجهات هو بلوغ الغرض الباعث علی التکلیف حدّاً یبعث المولی إلی جعله فعلیاً منجّزاً بإیصاله فیستحیل الترخیص فی خلافه لأنّه نقض للغرض و مراده من الفعلی من جهة هو عدم بلوغ الغرض ذلک الحدّ و حینئذٍ یمکن جعل الترخیص فی خلافه.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یعتقد بأنّ مراتب الحکم ثلاث: الاقتضاء و الإنشاء و التنجّز و لیس الحکم الحقیقی إلّا المرتبة الأخیرة و أمّا مرتبتی الاقتضاء و الإنشاء فلیستا إلّا الحکم بالحمل الأوّلی و ذلک لأنّ المراد من الفعلیة إمّا الفعلیة من قبل المولی کما هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) و إمّا الفعلیة بقول مطلق.

فإن کان المراد هو الحکم الفعلی من قبل المولی فإنّه عین مرتبة الإنشاء، حیث إنّ الإنشاء بلا داع محال و بداع آخر غیر جعل الداعی لیس من مراتب الحکم الحقیقی و بداعی جعل الداعی عین الفعلی من قبل المولی.

و إن کان المراد هو الحکم الفعلی بقول مطلق فهو متقوم بالوصول و هو مساوق للتنجّز. هذا ما أفاده فی مراتب الحکم.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی لیس حکماً و إنشاءً حقیقیاً ما لم یصل إلی المکلّف بل هو حکم بحمل أوّلی لا بحمل شائع فلایکون مصداقاً للبعث الجدی و فرداً له.

و استدلّ علی ذلک بوجهین: ((1))

الوجه الأوّل: إنّ موطن الدعوة أُفق النفس فلاتعقل دعوة الإنشاء المزبور

ص: 583


1- نهایة الدرایة، ج3، ص89 و أفاد ذلک ببیان أبسط فی المجلد الرابع، ص235.

إلّا بوجوده العلمی الواقع فی موطن الدعوة، لا بوجوده الواقعی الخارج عن أُفق النفس.

الوجه الثانی: إنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی لایدعو فی نفوس العامّة إلّا باعتبار ما یترتّب علی مخالفته من العقوبة فما لم یصل بنحو یستحقّ علی مخالفته العقاب لایمکن أن یکون داعیاً فلابدّ من وصوله تحقیقاً لدعوته.

خمس ملاحظات علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره):

الملاحظة الأُولی:

ما أفاده فی تفسیر مرتبة الاقتضاء من ثبوت الحکم شأناً ثبوتا ما هویا تقدیریا مما لایمکن المساعدة علیه لعدم شأنیة الثبوت الاعتباری فی الأمر الحقیقی الخارجی و الإقتضاء المذکور قائم بالأمر التکوینی الخارجی فلایمکن عدّه من مراتب ما هو موجود فی عالم الاعتبار و الحکم أمر اعتباری.

الملاحظة الثانیة:

إنّ الحکم قبل مرتبة التنجّز یکون حکماً حقیقیاً، لاشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل فلو کان الوصول سبباً لکون الحکم حقیقیاً لما کان الأحکام الحقیقیة مشترکاً بینهما، لأنّ الجاهل لم یصل إلیه الحکم فلابدّ أن لایکون الحکم بالنسبة إلیه حکماً حقیقیاً، مع أنّ الحکم الحقیقی مشترک بینه و بین العالم، هذا بالنسبة إلی مرتبة الفعلیة.

بل الحکم فی مرحلة الإنشاء أیضاً یکون حکماً حقیقیاً، لأنّ الحکم الاعتباری یوجد فی مرتبة الإنشاء فی عالم الاعتبار و حقیقة الحکم هو وجوده الاعتباری سواء وجد له الموضوع الخارجی أم لا و الحکم فی مرحلة إیجاد الحکم فی عالم

ص: 584

الاعتبار و إبرازه و إبلاغه حکم حقیقی إنشائی.

إنّ الحکم الإنشائی هو الحکم حقیقة، لأنّه هو مجعول الشارع فی عالم الاعتبار و وجود کلّ شیء بحسبه فإنّ وجود الحکم لیس وجوداً خارجیاً و لایمکن إیجاده فی الخارج بل وعاؤه عالم الاعتبار و هو یوجد فی وعاء الاعتبار بمحض إنشاء الشارع للحکم و تحقّق موضوعه فی الخارج لایوجب إیجاده فی الخارج بل هو من مراتب الحکم الحقیقی و الحکم بعد تحقّق موضوعه یسمّی حکماً فعلیاً و لیس المراد من الفعلیة، فعلیة نفس الحکم کما توهّم، بل المراد فعلیة الحکم فی حقّ المکلّف.

الملاحظة الثالثة:

إنّ مصداق الحکم الحقیقی فی مرتبة کونه حکماً حقیقیاً مقدم علی مرتبة کونه بعثاً اعتباریاً و بعثاً حقیقیاً فالحکم أمر اعتباری یجعل لأن یترتّب علیه بعثاً حقیقیاً فإنّ الحکم بعد ایجاده فی عالم الاعتبار و إظهاره و إبرازه و بعد تحقق موضوعه فی الخارج و بعد وصوله إلی المکلّف و تحقق داعویته الإمکانیّة یکون بعثاً حقیقیاً.

و الداعویّة الإمکانیّة ظرفها عالم النفس و التکوین و لکن الحکم ظرفه عالم الاعتبار فلو کانت الداعویّة الإمکانیّة دخیلة فی کون الحکم حقیقیاً إمّا یلزم کون التکوینی اعتباریاً أو کون الاعتباری تکوینیاً و کلاهما محال. و البعث الحقیقی و الداعویّة الإمکانیّة متلازمان فإذا کان الحکم موجباً للداعویّة الإمکانیّة فی نفس المکلّف یتّصف بالبعث الحقیقی و ذلک لایکون إلّا فی مرحلة التنجّز.

الملاحظة الرابعة:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) لم یعتبر مرحلة الفعلیة من مراحل الحکم و لکن لابدّ

ص: 585

من عدّها من مراحل الحکم، لأنّ الحکم بوجود الموضوع یتعلق بذمّة المکلّف غالباً و لابدّ من عدّ تعلق الحکم و فعلیته فی حق المکلّف من مراتب الحکم فهو أمر متوسط بین الفعلیة من قبل المولی و الفعلیة المطلقة من جمیع الجهات.

فللفعلیة ثلاث مراحل: الأولی فعلیة الحکم من قبل المولی و الثانیة فعلیة الحکم فی حق المکلف بفعلیة الموضوع و شرائط الحکم و هذه المرحلة مرتبة تعلّق الحکم بالمکلف و القدرة الإجمالیة علی الفعل شرط مرحلة التعلق مثل القدرة علی اصل الصوم، أما القدرة التفصیلیة فهی شرط مرتبة التنجز و الثالثة الفعلیة من جمیع الجهات و هی تساوق معنی التنجز.

الملاحظة الخامسة:

إنّ للتنجّز مراتب مختلفة فإنّ التنجز لیس فقط بوصول الحکم بل بالعلم بوجود الموضوع و المتعلق و بالقدرة الإجمالیة فمراتب التنجز ثلاث:

المرتبة الأُولی: من التنجز هو وصول الحکم أی العلم بإنشاء الحکم.

المرتبة الثانیة: من تنجز الحکم هو العلم بموضوع الحکم أعنی وجود المکلّف و تحقق الموضوع لمتعلق الحکم فإنّ الحرمة تتعلّق بشرب الخمر و الشرب هو المتعلق و موضوعه الخمر.

المرتبة الثالثة: من تنجز الحکم هو العلم بمتعلق الحکم بشخصه.

و التنجّز التام یتحقق فی ما تحقّق الوصول التامّ، أمّا إذا کان الوصول ناقصاً فالتنجّز لیس تامّاً بل هو تنجّز ناقص و التنجّز الناقص و إن کان مستلزماً لاستحقاق العقاب علی مخالفته إلّا أنّ متعلقه عنوان «ما لایخرج عن أطراف العلم» لا نفس طرف العلم الإجمالی و إرشاد الجاهل بالنسبة إلی من لایعلم

ص: 586

إنشاء الحکم واجب و أمّا إرشاده بالنسبة إلی من لایعلم وجود الموضوع أو لایعلم خصوص متعلق الحکم بشخصه فلیس بواجب إلّا فی ما هو المهم مثل الدماء و الفروج.

والجهل بالمرتبة الأُولی و الثانیة من وصول الحکم یوجب انتفاء التنجّز و أمّا إذا علم المکلف إنشاء الحکم و علم أیضاً وجود الموضوع للحکم فیوجب ذلک تحقق اقتضاء التنجّز فالعلم حینئذ مقتض للتنجّز بالنسبة إلی کل طرف من أطراف العلم الإجمالی و العلم بمتعلق الحکم بشخصه یوجب تحقق التنجّز التامّ و العلم بهذه المرتبة الثالثة علة تامّة للتنجّز.

و العلم الإجمالی یوجب وصول الحکم بالمرتبة الثانیة للوصول فهو مقتض للتنجّز بالنسبة إلی کل طرف من أطراف العلم الإجمالی.

القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

و بیانه تشتمل علی مناقشته فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .

قال (قدس سره): إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ الحکم الواقعی لیس فعلیاً من جمیع الجهات مع عدم العلم به و لازم ذلک هو مدخلیة العلم فی مقام فعلیة التکلیف و یرد علیه أنّ العلم لا دخل له فی فعلیة الحکم بل العلم شرط لتنجّز الحکم و التنجّز لیس من مراتب الحکم.

توضیح ذلک هو أنّ للحکم مرتبتین:

المرتبة الأُولی: مرتبة الجعل و الإنشاء و هی إنشاء الحکم للموضوع المقدّر وجوده علی نحو القضیة الحقیقیة. کما فی قوله تعالی: (وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ

ص: 587

مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا).((1))

المرتبة الثانیة: مرتبة فعلیة الحکم و هی تتحقق بتحقق الموضوع خارجاً، کما إذا صار المکلّف فی المثال المذکور مستطیعاً.

فلا مدخلیة للعلم فی مراتب الحکم بل هو دخیل فی تنجّز الحکم و لذا لایصحّ العقاب علی مخالفة التکلیف إلّا مع العلم به.

و الدلیل علی عدم دخالة العلم فی فعلیة الحکم أمران:

الأوّل: هو اشتراک الأحکام بین العالم و الجاهل بالحکم فلو قلنا بأنّ العلم دخیل فی فعلیة الحکم یلزم عدم فعلیة الأحکام فی حق الجاهل بها.

الثانی: هو ما تقدم من عدم إمکان أخذ العلم بالحکم فی موضوع الحکم و إلّا یلزم تقدم الشیء علی نفسه.

الملاحظة علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ ما أفاده فی مراتب الحکم لایتمّ، لأنّ التنجّز أیضاً من مراتب الحکم حیث إنّ حقیقة الحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی و لایحصل الداعویة الفعلیة إلّا بالتنجّز و التحقیق هو أنّ مراتب الحکم أربع: الإنشاء و الإبراز و الفعلیة (التعلّق) و التنجّز.

القول الرابع: نظریتنا

قد ظهر ممّا تقدم حول نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأولی: إنشاء الحکم الحقیقی فی وعاء عالم التشریع الاعتباری، و هذا

ص: 588


1- سورة آل عمران (3):97.

الإنشاء هو ایجاد اعتباری و حیث إن الایجاد عین الوجود، فهذا المرتبة مرتبة وجود الحقیقی للحکم، و لا بعث فی هذه المرحلة لا بعثاً حقیقیاً و لا بعثاً مفهومیاً. و هذه المرتبة هی المرحلة الأولی من الفعلیة.

المرتبة الثانیة: إبراز الحکم بالصیغة الإنشائیة، فإنّ الإبراز متفرّع علی وجود الحکم. و البعث فی هذه المرحلة بعث بالحمل الأولی.

المرتبة الثالثة: فعلیّة الحکم بفعلیة موضوعه و فی هذه المرحلة یتعلّق الحکم بالمکلّف و إن لم یتنجّز علیه الحکم لفقدان شرائط الفعلیة، مثل: القدرة التفصیلیة علی امتثال الحکم. و هذه المرتبة هی المرحلة الثانیة من الفعلیة.

المرتبة الرابعة: تنجّز الحکم

و التنجّز یتحقق أولاً بالعلم بإنشاء الحکم و ثانیاً بالعلم بوجود الموضوع للحکم و ثالثاً بالعلم بمتعلق الحکم بشخصه من غیر تردید بین الأمرین أو بین الأمور و رابعاً بالقدرة التفصیلیة علی امتثال الحکم.

و التنجّز إمّا تنجّز ناقص و إمّا تنجّز تام. فإذا حصل الأمور الأربعة المذکورة یحصل التنجز التام و أما لو لم یحصل العلم بالمتعلق بشخصه کما فی العلم الإجمالی فالتنجز ناقص.

ص: 589

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة:

هنا فصول أخری من المبادی التصوریة الأحکامیة أشار إلیها المحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن عادة الأصولیین هو البحث عنها فی ضمن مباحث الأوامر و المباحث العقلیة (المذکورة فی مباحث الألفاظ مثل مقدمة الواجب) فلانبحث عنها فی المبادی، خوفاً من التطویل، و نشیر إلی عناوینها إجمالاً:

الفصل الثالث: انقسام الواجب إلی المطلق و المشروط

الفصل الرابع: انقسام الواجب إلی المنجز و المعلّق

الفصل الخامس: انقسام الواجب إلی النفسی و الغیری

الفصل السادس: انقسام الواجب إلی التعینی و التخییری

الفصل السابع: انقسام الواجب إلی العینی و الکفائی

الفصل الثامن: انقسام الواجب إلی الموسّع و المضیّق

الفصل التاسع: انقسام الواجب إلی التعبّدی و التوصّلی

ص: 590

البحث الرابع: المبادی التصدیقیّة الأحکامیة لعلم الأُصول

اشارة

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها

ص: 591

ص: 592

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها

اشارة
نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع:
اشارة

و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بوقوع التضادّ فی مرحلة الفعلیة لا فی مرحلة الإنشاء لعدم البعث و الزجر فیها فالأحکام بوجوداتها الإنشائیة لا تضادّ بینها عند صاحب الکفایة (قدس سره) .

و هنا أقوال أُخر: منها عدم التضادّ بین الأحکام و لو فی مرتبة الفعلیة و هو مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فلا تضادّ فی مرحلة مبادی الحکم و الاقتضاء و لاتضادّ أیضاً فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة نعم إنّ التنافی بین الحکمین یکون بحسب المنتهی و مقام الامتثال.

و منها عدم التضادّ بین الأحکام فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة و وقوع التنافی بینها بحسب مبادی الحکم و المنتهی (أی مقام الامتثال) و هذا مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .

و منها وقوع التضادّ بین الأحکام بحسب مقام الفعلیة و الإنشاء کما یقع بینها التنافی بحسب المبدأ و المنتهی و هذا مختار صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((1)) و

ص: 593


1- منتقی الأصول، ج3، ص81.

بعض الأساطین (حفظه الله).((1))

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

اختار صاحب الکفایة (قدس سره) تضادّها فقال: إنّه لاریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها و بلوغها إلی مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامّة بین البعث نحو شیء فی زمان و الزجر عنه فی ذلک الزمان.

و أمّا قبل مرحلة الفعلیة فلا تضادّ بین الأحکام بوجوداتها الإنشائیة لعدم البعث و الزجر فیها فعلی هذا تکون مسألة الاجتماع مستحیلاً من باب التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من تضاد الأحکام بأنّ الأحکام أمور اعتباریة فلاتضاد فیها و نشیر إلی تفصیل مناقشة المحقق الإصفهانی فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) عند بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2)) و هو المختار

بیانه: إنّ حدیث تضادّ الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهوراً لکنّه ممّا لا أصل له، لأنّ التضادّ و التماثل من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و لیس الحکم بالإضافة إلی متعلّقه کذلک، سواء أُرید به البعث و الزجر الاعتباریان

ص: 594


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص65-67.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص308.

العقلائیان أو الإرادة و الکراهة النفسیتان.

أمّا إذا کان الحکم عبارة عن البعث و الزجر:

فلابدّ له من ثلاثة أُمور: الأوّل: منشأ الانتزاع؛ الثانی: المعتبر؛ الثالث: طرف الإضافة.

أمّا منشأ الانتزاع:

إنّ البعث و الزجر عبارة عن المعنی الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی و من الواضح أنّ الإنشاء الخاصّ مرکّب من کیف مسموع و هو اللفظ- هذا فی الموالی العرفیة و الأصحّ أن یقال بدل ذلک: إظهار الحکم المعتبر- و من کیف نفسانی و هو قصد ثبوت المعنی به

و هما قائمان بالمنشِئ، لا بالفعل الخارجی القائم بالغیر.

فالبعث و الزجر من حیث منشأ انتزاعهما لایقومان بالفعل الخارجی القائم بالغیر بل منشأ انتزاعهما بکلا جزئیه قائم بالمنشِئ.

و أمّا المعتبر:

إنّ البعث و الزجر الاعتباریین بما هما أمران اعتباریان قائمان بالمعتبر لا بغیره، لایقومان بالفعل الخارجی و لا بمن یصدر عنه الفعل الخارجی.

أمّا طرف إضافة البعث و الزجر:

إنّه لابدّ لهما من طرف الإضافة لأنّ البعث المطلق غیرَ المضاف إلی شیء لایوجد، سواء لوحظ البعث بنحو القوة کما فی قیامه بمنشأ الانتزاع أو بنحو الفعلیة کما فی قیامه بمعتبره و طرف إضافة البعث و الزجر لایعقل أن یکون الهویة العینیة القائمة بالمکلّف، لأنّ البعث الحقیقی یوجد سواء وجدت الهویة العینیة من المکلّف أم لا و یستحیل أن یتقوّم البعث الموجود و یتشخص بالفعل

ص: 595

المعدوم بل ما لایوجد أصلاً کما فی بعث العصاة.

فلامحالة یکون متعلّقه المقوّم له و المشخّص هو الفعل بوجوده العنوانی الفرضی الموافق لأفق الأمر الاعتباری و المسانخ له.

فالبعث و الزجر لایقومان بالفعل الخارجی و الهویة العینیة حتی یتحقّق فیهما التضادّ فإنّ التضادّ یتحقّق فی الأُمور الخارجیة و العینیة.

قد یتوهّم وقوع التضادّ فی طرف إضافة الحکم الذی هو وجود عنوانی فرضی اعتباری و یدفعه أنّ التضادّ لایقع إلّا فی الواحد الشخصی، أمّا الواحد الطبیعی من الجنسی و النوعی و نحوهما ممّا له نحو من الکلّیة من دون تشخص و تعین وجودی فیجتمع فیه الأوصاف المتباینة.

فاتضح من جمیع ما ذکرنا أنّ البعث و الزجر لیسا من الأحوال الخارجیة بل هما من الأُمور الاعتباریة و أنّ متعلّقهما لیس من الموجودات العینیة بل العنوانیة و أنّ الوحدة المفروضة لیست شخصیة بل طبیعیة فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّین من البعث نحو شیء و الزجر عنه.((1))

ثمّ إنّه قد استدلّ علی عدم تعلّق البعث و الزجر بالهویة الخارجیة بأنّ الفعل بوجوده الخارجی یسقط البعث و الزجر فکیف یکون معروضاً لهما؟

و قد مرّ ما فیه فی مبحث الترتّب حیث إنّ الفعل الخارجی لو کان مسقطاً

ص: 596


1- ثمّ استفاد من ذلک فی مبحث اجتماع الأمر و النهی فقال: و ممّا ذکرنا تبین أیضاً: أنّ مناط القول بالجواز لیس تعدّد المتعلّق اعتباراً لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه کما هو مسلک جماعة من المجوّزین، بل ما ذکرنا صحیح حتّی مع وحدة العنوان (الذی قلنا: إنّه واحد طبیعی لا شخصی) و الغرض رفع التضادّ فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد العنوان و المعنون بل القول بالجواز ممّا لامناص منه و لو علی القول بوحدة العنوان و وحدة المعنون.

للأمر و البعث یلزم علیة البعث لعدم نفسه (حیث إنّ البعث هو جزء العلّة لتحقّق الفعل الخارجی فلایکون الفعل الخارجی علّة لعدم البعث و سقوطه)، بل ینتهی أمد البعث بوجود المبعوث إلیه حیث إنّه یسقط الغرض الداعی إلی البعث بحصوله.

و أمّا إذا کان الحکم عبارة عن الإرادة و الکراهة: (کما هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق البروجردی (قدس سره)).

فإنّ الإرادة و الکراهة و إن کانتا من المقولات الحقیقیة و الموجودات العینیة إلّا أنّ موضوعهما النفس و متعلّقهما الفعل.

أمّا من حیث الموضوع فلا مانع من اجتماع إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد، لبساطة النفس و تجرّدها فلاتضیق النفس عن قبول إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد.

لایقال: الوجدان شاهد علی قیام إرادات متعددة بأُمور متعدّدة لا بأمر واحد و کذلک قیام الإرادة و الکراهة بالإضافة إلی أمرین لا بالنسبة إلی أمر واحد.

لأنا نقول: متعلّق الإرادة مشخِّص فردها، لا مقوِّم طبیعتها و حقیقتها و العبرة فی التضادّ و التماثل بنفس الحقیقة و التشخّص تشخّص المتضادّین و المتماثلین فوجودان من حقیقة واحدة متماثلان و وجودان من حقیقتین بینهما غایة البعد و الخلاف متضادّان و المتعلّق أجنبی عن الحقیقة. ((1))

ص: 597


1- لقد قلنا فی مجلس البحث بأنّ ما أفاده هنا لایمکن المساعدة علیه لأنّ المتعلق هنا عین الإرادة لإتحاد الإرادة و المراد بالذات کما أنّ المعلوم بالذات إذا تعلّق به العلم فهو عین العلم فالمتعلق عین التشخص الإرادة و الحق فی جواب (لایقال) هو أن المتعلق الإرادة و الکراهة متعددان عنواناً فإن الإرادة تعلق بعنوان الصلاة و الکراهة بعنوان الغصب. و لایسریان إلی المعنون الخارجی.

و أمّا من حیث المتعلّق فهنا ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: لا ریب أنّ الشوق المطلق لایوجد فی النفس بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه و یستحیل أن یکون الخارج عن أُفق النفس مشخّصاً لما فی أُفق النفس و إلّا لزم إمّا کون الحرکات الأینیة و الوضعیة القائمة بالجسم نفسانیة أو کون الإرادة النفسانیة من عوارض الجسم خصوصاً فی الإرادة التشریعیة فإنّه کیف یعقل أن تکون الحرکات القائمة بالمکلّف مشخّصة لإرادة المولی.

الوجه الثانی: إنّ البعث و مبدأه (و هی الإرادة التشریعیة) موجودان و إن لم یوجد الفعل أصلاً فکیف یعقل أن یتشخّص الإرادة المحقّقة بما لا تحقّق له و لایتحقّق أصلاً (کما فی العصاة).

الوجه الثالث: إنّ طبیعة الشوق بما هو شوق لاتتعلّق إلّا بالحاصل من وجه و المفقود من وجه إذ الحاصل من جمیع الجهات لا جهة فقدان له کی یشتاق إلیه النفس و المفقود من جمیع الوجوه لا ثبوت له بوجه کی یتعلّق به الشوق فلابدّ من حصوله بوجوده العنوانی الفرضی لیتقوّم به الشوق و لابدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقیقی، کی یکون للنفس توقان إلی إخراجه من حدّ الفرض و التقدیر إلی حدّ الفعلیة.

هذا تمام کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):
اشارة

إنّ حدیث تضادّ الأحکام ممّا لا أصل له لأنّ الأحکام الشرعیة أمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة فلا مانع من اعتبار وجوب شیء و حرمته معاً و الوجه فی ذلک هو أنّ المضادّة إنّما تکون

ص: 598

طارئة علی الموجودات التکوینیة الخارجیة و أمّا الأمور الاعتباریة فالمفروض أنّه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر، لیکون بعضها مضاداً لبعضها الآخر.

نعم المضادّة بین الأحکام من ناحیتین: المبدأ (اشتمال الفعل علی المحبوبیة و المبغوضیة) و المنتهی (مرحلة الامتثال).

أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ الوجوب و الحرمة بناءً علی وجهة نظر مذهب العدلیة کاشفان عن المحبوبیة و المبغوضیة و المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی المتعلّق فالمضادّة بین الوجوب و الحرمة إنّما هی بالعرض و المجاز.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلأنّ اجتماعهما فی شیء واحد یستلزم التکلیف بالمحال و بغیر المقدور، لفرض أنّ المکلّف فی هذا الحال غیر قادر علی امتثال کلیهما معاً. ((1))

یلاحظ علیها:

لا تضادّ من ناحیة المبدأ و المنتهی:

أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ المتعلّق ذو حیثیتین فبإحداها یکون محبوباً و بالأخری یکون مبغوضاً، کما أنّه لا شبهة فی أنّ المتعلّق واجد للمفسدة و المصلحة بل کلّ منهما بالغ إلی حدّ الإلزام.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلما سیجیء إن شاء الله ذیل نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول جواز الاجتماع من عدم التکلیف بالمحال.

ص: 599


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص450.
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

((1))

إنّ التضادّ بین الحکمین لاینحصر فی المبدأ و المنتهی، بل هما متضادّان فی مرحلة الفعلیة و الإنشاء.

بیان ذلک یتوقف علی ترسیم أُمور:

الأوّل: إنّ التضادّ المبحوث عنه هو التضادّ الأُصولی لا الفلسفی بمعنی أنّ اجتماع الأمر و النهی فی الواحد ذی العنوانین بنفسه محال لا من جهة استلزامه التکلیف بالمحال.

ثانیاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: إنّ حقیقة الحکم هو الباعث و الزاجر الإمکانیان فالمولی یأمر بداعی جعل الباعث و الداعی الإمکانی للفعل و ینهی بداعی جعل الزاجر الإمکانی عن الفعل فقوله: «صلّ» باعث إمکانی و قوله: «لاتغصب» زاجر إمکانی و هذا یسمّی بالإنشاء و مع عدم المانع یصل إلی مرحلة الفعلیة.

ثالثاً: إنّ متعلّق الحکم إمّا مطلق و إمّا مقید و لایمکن إهماله فی مقام الثبوت فالصلاة بما هی متعلّق البعث إمّا مطلق بالنسبة إلی الغصب و إمّا مقید و لا ریب فی عدم تقیدها بالغصب وجوداً و لا عدماً، أمّا تقیدها بوجود الغصب فهو قطعی العدم و أمّا تقیدها بعدم الغصب فلا دلیل إثباتی له فلابدّ من أن تکون الصلاة مطلقة بالنسبة إلی الغصب و هکذا الغصب بما هو متعلّق الزجر مطلق بالنسبة إلی الصلاة.

و معنی إطلاق الصلاة هو إمکان الداعویة إلی کلّ أفراد الصلاة و إن کانت فی المکان المغصوب و إلّا لایکون الأمر بالصلاة مطلقاً مع أنّا نری استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة إلی الصلاة

ص: 600


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص65.

فی المکان المغصوب و إذا استحالت فعلیة الداعویة الإمکانیة استحال جعله و إنشاؤه، لأنّ انشاء الحکم لابدّ أن یکون بداعی جعل الداعویة الإمکانیة فإذا استحالت الداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی مورد الاجتماع فلا داعی إلی إنشاء الحکم و جعله؛ هذا علی مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی حقیقة الحکم.

و أمّا علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) من أنّ حقیقة الحکم هو الاعتبار المبرز فنقول: إنّ المراد من الاعتبار المبرز إمّا مطلق الاعتبار المبرز أو خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل.

أمّا مطلق الاعتبار المبرز فلایکون حکماً لأنّ الغرض من الحکم الشرعی هو جعل الداعی للمکلّف فلابدّ أن یکون المراد خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل و هذا الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الصلاة یکون مطلقاً بالنسبة إلی الغصب لعدم الإهمال و التقیید کما مرّ و لکن حیث تستحیل فعلیة داعویته بالنسبة إلی الصلاة فی المکان المغصوب یستحیل جعله و إنشاؤه

فتحصّل من هذا البیان وقوع التضادّ فی مرحلة فعلیة الحکم و إنشائه و جعله.

یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری تعلّق الحکم بالفرد و لکن لیس لازم تعلّق التکلیف به دخول لوازم الوجود و لوازم التشخّص فی المکلّف به، بل اللازم هو تعلّق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود و هذه الماهیة المتشخصة بالوجود الحقیقی الفرضی (لا الحقیقی التحقیقی) مطلوبة للشارع و هی فی مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلی جمیع أفراده من دون دخول لوازم تشخّصها فی متعلّق

ص: 601

التکلیف.

و استحالة الداعویة الإمکانیة هی أوّل الکلام فإنّ القائل بالجواز یری إمکان ذلک بخلاف القائل بالامتناع فهو یری استحالتها.

فالداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی جمیع أفراد الصلاة فعلیة و منجّزة عند وجود المندوحة و المکلف إن کان واقعاً فی الأرض المغصوبة بسوء اختیاره فهو خالف النهی عن الغصب فإن قلنا ببطلان صلاته وقع العصیان أیضاً بالنسبة إلی الصلاة أیضاً و إن قلنا بعدم بطلان صلاته لأنّه واجب فی کل حال فهو مرتکب لمعصیة واحدة و هذا الأخیر هو الأولی ولکن لابدّ له من إقامة الصلاة حین الخروج بالحرکات الإیمائیة و قضائها بعداً و أمّا مع عدم المندوحة فیقع التزاحم بین تنجّز الداعویة الإمکانیة فی البعث نحو الصلاة و تنجّز الزاجریة الإمکانیة فی الزجر عن الغصب فلابدّ من إعمال مرجحات التزاحم.

ثانیاً: إنّ استحالة تنجّز الداعویة الإمکانیة و تنجّز الزاجریة الإمکانیة فی فرض عدم المندوحة، لاتوجب استحالة فعلیتهما و إنشائهما لعدم التلازم بین مرحلة الإنشاء و الفعلیة و مرحلة التنجّز فی الاستحالة و الإمکان.

فتحصّل إلی هنا عدم وقوع التضادّ فی مرحلة مبدأ الحکم و لا فی الحکم الإنشائی و لا فی الحکم الفعلی بل لایستلزم ذلک مشکلة التکلیف بالمحال کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

ص: 602

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة:

هنا فصول أخری من المبادی التصدیقیة الأحکامیة و لکن الأعلام أدرجوا البحث عنها فی مباحث الألفاظ و المباحث العقلیة فنشیر إلی عناوینها إجمالاً:

الفصل الثانی: إمکان أخذ قصد القربة فی متعلّق الأمر

الفصل الثالث: مقدمیة ترک الضدّ لفعل الضدّ الآخر

الفصل الرابع: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

الفصل الخامس: حقیقة الإیجاب مرکبة أو بسیطة

ص: 603

ص: 604

فهرس العناوین تفصیلاً

ص: 605

ص: 606

فهرس العناوین تقصیلا

مقدمات خمس:

— المقدمة الأولی: تعریف علم الأُصول ...................................................... 43

القواعد الأُصولیة علی أقسام أربعة ............................................................................ 43

فائدة علم الأُصول .................................................................................................. 45

ذکروا لعلم الأُصول تعاریف سبعة: ........................................................................... 45

التعریف الأوّل: من القدماء و المشهور ................................................................. 45

إیرادان علی هذا التعریف: ............................................................................ 46

جواب عن الإیراد الثانی .................................................................................. 47

التعریف الثانی: مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) ............................................................. 47

إیراد علیه ....................................................................................................... 48

التعریف الثالث: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................ 49

إیرادان علیه: .................................................................................................. 49

الإیراد الأوّل ............................................................................................... 49

جواب عن هذا الإیراد ............................................................................... 49

یلاحظ علیه ............................................................................................... 50

الإیراد الثانی ............................................................................................... 50

التعریف الرابع: مختار المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................. 50

إیرادان علیه: .................................................................................................. 51

ص: 607

الإیراد الأوّل ............................................................................................... 51

الإیراد الثانی ............................................................................................... 52

یلاحظ علیه ............................................................................................... 52

التعریف الخامس: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................... 52

إیرادات ثلاثة من المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 53

مناقشات فی إیرادات المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 53

تحقیق المقام ........................................................................................................ 54

التعریف السادس: مختار المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................ 54

إیراد علیه ....................................................................................................... 54

التعریف السابع: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) (فیه نکتتان) ....................................... 55

النکتة الأُولی .................................................................................................. 55

إشکال علیها ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................. 55

جوابان عن هذا الإشکال من المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 56

الجواب الأوّل ...................................................................................... 56

یلاحظ علیه ........................................................................................ 56

الجواب الثانی ...................................................................................... 57

یلاحظ علیه ........................................................................................ 57

النکتة الثانیة .................................................................................................. 57

— المقدمة الثانیة: ملاک امتیاز العلوم (فیه أربعة أقوال): .............................. 58

القول الأوّل: الموضوع ................................................................................................. 58

مناقشتان فی هذا القول ....................................................................................... 58

القول الثانی: المحمول .................................................................................................. 59

إیراد علیه ............................................................................................................. 59

القول الثالث: الغرض و هذا هو الصحیح .................................................................. 60

القول الرابع: الغرض أو الموضوع ............................................................................... 61

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 61

— المقدمة الثالثة: لزوم الموضوع لکل علم ................................................. 64

استدلال بعض الأُصولیین علی لزوم الموضوع لکل علم ............................................. 64

ملاحظتان علی هذا الاستدلال ............................................................................. 64

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی المقام ........................................................................... 65

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی لزوم وجود الموضوع الواحد لکل علم ..................... 66

ص: 608

التحقیق النهائی للمحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................... 66

— المقدمة الرابعة: موضوع علم الأُصول (فیه أقوال أربعة): ............................ 68

القول الأوّل: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) (و هو الحق) .................... 68

القول الثانی: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................... 69

إیراد علیه ............................................................................................................. 69

القول الثالث: مختار صاحب القوانین (قدس سره) ...................................................................... 70

القول الرابع: مختار صاحب الفصول (قدس سره) ........................................................................ 70

مناقشة فی القول الثالث و الرابع ......................................................................... 70

جواب الشیخ الأنصاری (قدس سره) عنها .............................................................................. 71

ناقش فیه صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................................................. 71

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنها ............................................................................ 72

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 72

— المقدمة الخامسة فی تقسیم مبادی علم الأُصول (و هی أربعة): .................... 73

1. المبادئ اللغویة التصوریة ....................................................................................... 73

2. المبادئ اللغویة التصدیقیة ..................................................................................... 74

3. المبادئ الأحکامیة التصوریة ................................................................................... 75

4. المبادئ الأحکامیة التصدیقیة ................................................................................. 76

البحث الأوّل:

المبادی اللغویة التصوریة لعلم الأُصول

( فیه فصول ستة):

الفصل الأوّل: فی الوضع / 81

(فیه أمران و تنبیه)

— الأمر الأوّل: حقیقة الوضع (هنا أقوال سبعة): ......................................... 83

القول الأوّل: المناسبة الذاتیة ...................................................................................... 83

إشکالات أربعة علی هذا القول ........................................................................... 84

القول الثانی: نظریة الملازمة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره)) ................................... 86

إیرادان علی هذا القول ........................................................................................ 87

ص: 609

القول الثالث: نظریة التعهد (و لهذا المبنی خصوصیات خمس) ............................. 88

أدلة نظیة التعهد أربعة: ............................................................................................ 92

1- الدلیل الأوّل .................................................................................................... 92

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 92

2- الدلیل الثانی .................................................................................................... 93

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 93

3- الدلیل الثالث .................................................................................................. 93

یلاحظ علیه .......................................................................................................... 93

4- الدلیل الرابع .................................................................................................... 94

أجوبة ثلاثة عن الدلیل الرابع .............................................................................. 95

الجواب الأوّل: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ..................................................... 95

یلاحظ علیه .................................................................................................... 95

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً ............................................. 95

ملاحظتان علیه ................................................................................................ 95

الجواب الثالث ............................................................................................... 96

القول الرابع: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ....................................................................... 97

إشکالات ثلاثة علی هذا القول ............................................................................. 97

الإشکال الأوّل ................................................................................................... 97

یلاحظ علیه ..................................................................................................... 98

الإشکال الثانی ................................................................................................... 98

یلاحظ علیه ..................................................................................................... 98

الإشکال الثالث ................................................................................................ 98

القول الخامس: نظریة الوجود التنزیلی ..................................................................... 99

إشکالات أربعة علی هذا القول ......................................................................... 100

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 100

الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً .................................................. 101

یلاحظ علیه ............................................................................................ 101

الإشکال الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ................................................ 102

یلاحظ علیه ............................................................................................ 102

الإشکال الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ................................................. 102

یلاحظ علیه ............................................................................................ 103

ص: 610

ملاحظتنا علی القول الخامس ........................................................................ 103

بیان للمحقق العراقی (قدس سره) یوهم اختیاره للقول الخامس ..................................... 103

یلاحظ علیه ............................................................................................ 104

القول السادس: نظریة السیّد الصدر (قدس سره) ..................................................................... 105

إیرادات ثلاثة علی هذا القول ............................................................................ 106

القول السابع: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 108

مناقشتان من المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا القول .................................................... 109

المناقشة الأُولی .............................................................................................. 109

جواب عنها .................................................................................................... 110

المناقشة الثانیة .............................................................................................. 110

جواب عنها .................................................................................................... 110

— الأمر الثانی فی انقسامات الوضع (هنا تقسیمان): .................................... 113

التقسیم الأوّل: الوضع شخصی و نوعی .................................................................. 113

اختلف فی وضع الهیآت علی قولین: .................................................................. 115

القول الأوّل: کونه نوعیاً (و هو مختار المشهور) ......................................... 115

تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) لقول المشهور ..................................................... 116

مناقشة بعض الأساطین (قدس سره) ......................................................................... 117

یلاحظ علیها ........................................................................................... 117

القول الثانی: کونه شخصیاً (و هو مختار بعض الأساطین (حفظه الله)) ..................... 117

التقسیم الثانی: تقسیم الوضع بلحاظ المعنی الملحوظ حال الوضع (هنا أربعة أقسام): . 118

القسم الأوّل: الوضع الخاص و الموضوع له الخاص ........................................... 118

القسم الثانی: الوضع العام و الموضوع له العام ................................................. 118

بحث فی أنّ الموضوع له فی اسم الجنس العام الشأنی أو العام الفعلی؟ ...... 118

ثمرة القولین ................................................................................................. 120

القسم الثالث: الوضع العام و الموضوع له الخاص ........................................... 121

إشکال فی ثبوت القسم الثالث .................................................................... 121

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 122

یلاحظ علیه ................................................................................................. 122

ص: 611

القسم الرابع: الوضع الخاص و الموضوع له العام ............................................. 123

استدلّ علی إمکان هذا القسم بوجهین ...................................................... 124

الوجه الأوّل: من المحقق الحائری (قدس سره) ............................................................. 124

الجواب عنه ............................................................................................ 125

الوجه الثانی: من المحقق الجزائری (قدس سره) ............................................................ 125

الجواب عنه ............................................................................................ 126

— تنبیه فی حقیقة استعمال اللفظ فی المعنی (هنا وجوه أربعة) ..................... 127

الفصل الثانی: فی المعانی الحرفیة / 129

(و فیه تنبیهان)

— الأقوال فی المعانی الحرفیة ثمانیة: ......................................................... 131

القول الأوّل: علامیة الحروف ................................................................................... 133

الإیراد علیه ........................................................................................................ 134

القول الثانی: نظریة التفتازانی ................................................................................... 134

استشکل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 135

القول الثالث: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) (تفسیران لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):) ...................... 137

التفسیر الأوّل ..................................................................................................... 139

ملاحظتان علیه .............................................................................................. 140

التفسیر الثانی ..................................................................................................... 140

ملاحظتان علیه .............................................................................................. 141

القول الرابع: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ..................................................................... 142

استشکل علیه من وجوه أربعة ......................................................................... 143

القول الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الخمس ................................... 145

مناقشات ستّ فی هذه النظریة ........................................................................ 149

القول السادس: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (نذکرها فی ضمن عناوین أربعة): .................. 152

1. المعنی الحرفی و الاسمی متباینان بالذات ..................................................... 154

2. إنّ النسبة وجودها لا فی نفسها .................................................................... 154

ص: 612

3. الوجود الرابط ذاته و وجوده تعلقی ........................................................... 155

4. تحقیق فی حقیقة النسبة و وجودها ............................................................ 156

مناقشات أربع فی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره): ............................................. 158

المناقشة الأولی بالنسبة إلی الاستدلال علی الوجود الرابط من محاضرات .. 158

یلاحظ علیها ........................................................................................... 158

المناقشة الثانیة: إنکار الوجود الرابط خارجاً (نسب إلی السیّد السیستانی (حفظه الله)) ........ 159

ملاحظتان علیها ...................................................................................... 160

المناقشة الثالثة من محاضرات أیضاً ............................................................ 161

یلاحظ علیها ........................................................................................... 161

المناقشة الرابعة من محاضرات أیضاً ........................................................... 162

یلاحظ علیها ........................................................................................... 162

القول السابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) (نذکرها فی ضمن عناوین خمسة): ........................ 163

1. القسم الأول من الحروف یباین الاسم ذاتاً ................................................... 163

2. معانی الحروف حکائیة .................................................................................. 164

3. امتیاز هذا القول عن سائر الأقوال ............................................................... 165

4. حال القسم الثانی من الحروف حال الجمل الإنشائیة .................................. 165

5. الموضع له علی هذه النظریةخاص و الوضع عام ......................................... 166

مناقشتان فی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 167

أدلة أربعة علی هذه النظریة ............................................................................ 168

المناقشة فی الأدلة الأربعة ............................................................................ 169

القول الثامن: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) تنقسم الحروف إلی ثلاثة أقسام ............... 170

یلاحظ علیه ........................................................................................................ 171

— التنبیه الأوّل: إنّ الموضوع له فی الحروف عام أو خاص؟ ........................... 173

— التنبیه الثانی: ثمرة البحث عن حقیقة المعنی الحرفی (هنا ثمرتان): ................ 175

الثمرة الأُولی .......................................................................................................... 175

الثمرة الثانیة .......................................................................................................... 177

ص: 613

الفصل الثالث: فی الإنشاء و الإخبار / 179

(فیه أمران):

— الأمر الأوّل: فی مفاد الجملة الإنشائیة (هنا نظریات أربع): ................................ 181

النظریة الأولی: مبنی المشهور ................................................................................ 181

تقریر بعض الأساطین (حفظه الله) لقول المشهور ................................................................... 181

النظریة الثانیة: للمحقق الخراسانی (حفظه الله) ..................................................................... 182

استشکل علیها المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................ 183

النظریة الثالثة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 183

یلاحظ علیها .......................................................................................................... 184

النظریة الرابعة: للمحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 184

یلاحظ علیها .......................................................................................................... 185

— الأمر الثانی: فی حقیقة الإنشاء (نذکر فیه نظریات ستّ): ........................... 187

النظریة الأولی: مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................. 186

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها .......................................................................... 189

مناقشة فی هذا الإیراد ....................................................................................... 189

الجواب عن هذه المناقشة ................................................................................ 189

النظریة الثانیة: .............................................................................. 190

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 191

النظریة الثالثة: مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 192

مناقشات ثلاث فیها: ......................................................................................... 193

المناقشة الأُولی .................................................................................................. 193

المناقشة الثانیة: من تحقیق الأُصول ................................................................. 194

الجواب عن المناقشة الثانیة ............................................................................. 195

المناقشة الثالثة: من تحقیق الأُصول أیضاً ........................................................ 195

الجواب عن هذه المناقشة ................................................................................ 195

النظریة الرابعة: مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 196

ص: 614

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 196

النظریة الخامسة .................................................................................................... 197

ملاحظتان علیها ................................................................................................. 197

النظریة السادسة: (و هی الرأی الصحیح) ............................................................ 197

الفصل الرابع: فی أسماء الإشارة و الضمائر و الموصولات / 199

اختلف الأعلام فی معانیها علی ثلاثة أقوال: ............................................... 201

النظریة الأولی: للمحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 201

ملاحظتنا علیها ...................................................................................................... 202

النظریة الثانیة: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 203

النظریة الثالثة: للمحقق البروجردی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) .................................... 203

یلاحظ علیها .......................................................................................................... 204

الفصل الخامس: فی تبعیة الدلالة للإرادة / 205

مقدمة: أقسام الدلالة ثلاثة ....................................................................................... 207

القسم الأوّل: الدلالة التصوریة ............................................................................... 207

القسم الثانی: الدلالة التصدیقیة الأُولی .................................................................. 209

القسم الثالث: الدلالة التصدیقیة الثانیة ................................................................ 209

هل الدلالة تابعة للإرادة أو لا؟ .............................................................................. 210

النظریة الأُولی: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ...................................................... 211

النظریة الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................... 212

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 213

الفصل السادس: فی الحقیقة و المجاز / 215

علائم الحقیقة و المجاز ثلاث: ................................................................................... 217

العلامة الأولی: التبادر ............................................................................................. 219

ص: 615

إشکال الدور فی التبادر ..................................................................................... 220

جوابان عن هذا الإشکال ................................................................................... 221

العلامة الثانیة: صحة الحمل و عدم صحة السلب (هنا مقامان): ....................... 224

المقام الأوّل: الحمل الأوّلی الذاتی ...................................................................... 224

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .............................................................................. 225

هل یکون السلب الذاتی علامة المجازیة؟ .................................................. 226

المقام الثانی: الحمل الشائع الصناعی( هنا أقسام ثلاثة) ................................. 227

بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................. 228

هل یکون السلب الشائع علامة المجازیة؟ ................................................ 229

العلامة الثالثة: الاطراد ............................................................................................ 230

بیانان لعلامیة الاطراد ......................................................................................... 232

الأوّل: بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................... 232

یلاحظ علیه ................................................................................................. 233

الثانی: بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................................. 233

یلاحظ علیه ................................................................................................. 233

البحث الثانی:

المبادئ اللغویة التصدیقیة لعلم الأُصول

(فیه فصول خمسة)

الفصل الأوّل: فی الحقیقة الشرعیة / 237

(فیه مقدمتان و تنبیه)

المقدمة الأولی: إنّ هذا البحث من المبادئ اللغویة التصدیقیة .............................. 239

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لکون هذا البحث من المسائل الأُصولیة ............................ 240

ملاحظتان علی هذا البیان ....................................................................................... 240

ص: 616

المقدمة الثانیة: هل یتحقق الوضع بالاستعمال؟(فیه نظریتان): ..................... 242

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................. 242

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................................................... 242

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا تصویران) ....................................................... 244

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................. 246

الدلیل علی ثبوت الحقیقة الشرعیة ................................................................. 248

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّها حقائق لغویة ................................................. 250

یلاحظ علیها ...................................................................................................... 251

تنبیه: فی ثمرة هذا البحث؛ هل لهذا البحث ثمرة؟ (فیه قولان): ............................. 253

القول الأوّل: وجود الثمرة (مختار المحقق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما)) ............. 253

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................................ 254

القول الثانی: إنکار وجود الثمرة (مختار المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله)) 255

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................................... 256

الفصل الثانی: فی الصحیح و الأعم / 257

(فیه مقدمتان و مقامان)

— المقدمة الأولی: فی صلة هذا البحث بالبحث السابق ........................................... 259

قد اختلف فی جریان هذا البحث علی القول بعدم ثبوت الحقیقة الشرعیة علی ثلاث نظریات: 259

النظریة الأولی: من الشیخ الأنصاری (قدس سره) .............................................................. 259

ملاحظتان علیها ............................................................................................ 260

النظریة الثانیة: من صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................. 261

النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 264

یلاحظ علیها ................................................................................................. 265

— المقدمة الثانیة: فی معنی الصحة (هنا نظریتان): ................................................ 267

ص: 617

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................... 267

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 270

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................. 270

ملاحظتان علیه ............................................................................................. 271

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................... 271

إیرادان علیها ................................................................................................. 273

الأوّل: ملاحظتنا علی ما أفاده فی آخر کلامه ................................................... 273

الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 273

یلاحظ علیه .................................................................................................. 274

— المقام الأوّل: فی أنّ أسماء العبادات وضعت للصحیحة أو للأعم؟ (فیه أمران و تنبیه): 275

1) الأمر الأوّل: فی إمکان الوضع للصحیحة أو للأعم ........................................... 276

الدلیل علی لزوم وجود الجامع ............................................................................ 276

استدلال علی عدم لزوم الجامع ........................................................................... 277

إشکالان من المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................................... 277

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم لزوم الجامع ...................................................... 278

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................ 279

ما الجامع عند الصحیحی؟ (هنا ثلاث نظریات): ................................................... 281

النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................ 281

إیرادان علیها: ............................................................................................... 282

الأوّل: إیراد المحقق البروجردی (قدس سره) .................................................................... 282

الجواب عنه ............................................................................................ 283

الثانی: إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................... 283

النظریة الثانیة: من المحقق العراقی (قدس سره) .................................................................. 284

ملاحظات ثلاث علیها .................................................................................... 284

النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................... 286

1. أما الجامع الذاتی .................................................................................... 286

ص: 618

إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 286

2. أما الجامع العنوانی [المرکب] ................................................................. 287

إیرادان من المحقق الإصفهانی علیه .......................................................... 287

3. أما الجامع العنوانی البسیط ................................................................... 287

إیرادان من المحقق الإصفهانی علیه .......................................................... 288

4. أما الجامع الاعتباری .............................................................................. 288

إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 288

یلاحظ علیه ..................................................................................... 289

5. أما الجامع الترکیبی التشکیکی .............................................................. 289

إیراد المحقق الإصفهانی علیه .................................................................... 289

6. أما الجامع الترکیبی المختار لمراتب الصلاة ............................................ 290

ملاحظتنا علیها: الحق وجود الجامع العنوانی و الاعتباری و الترکیبی .... 292

تصویران للجامع العنوانی ........................................................................... 294

تصویر الجامع الاعتباری ............................................................................. 295

تصویران للجامع الترکیبی ........................................................................... 295

ما الجامع عند الأعمی؟ (هنا ثلاثة تصاویر): ........................................................... 297

التصویر الأوّل: نظریة المحقق القمی (قدس سره) ............................................................ 297

إشکالات ثلاثة علیه لصاحب الکفایة (قدس سره) ......................................................... 298

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................... 298

التصویر الثانی: ما نسب إلی المشهور ............................................................... 300

إشکالان لصاحب الکفایة (قدس سره) علیه ................................................................... 301

أجاب عنهما المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 301

ملاحظة من المحقق الخوئی (قدس سره) لتصحیح التصویر الثانی .................................. 304

التصویر الثالث: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................... 305

إشکالان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ............................................................... 305

الجواب عنهما ................................................................................................ 306

ص: 619

2) الأمر الثانی: الاستدلال علی القول بالصحیح و الأعم (هنا أقوال ثلاثة): ... 309

القول الأوّل: مختار الشیخ الأنصاری و المحقق النائینی (قدس سرهما) ............................. 309

مناقشتان من المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا القول ............................................ 310

القول الثانی: وضع الألفاظ للصحیحة (مختار صاحب الکفایة و المحقق البهجة (قدس سرهما)) ............. 311

أدلة القول بالصحیح خمسة: ............................................................................ 311

الدلیل الأوّل: التبادر ................................................................................... 311

الدلیل الثانی: صحة السلب ......................................................................... 311

الدلیل الثالث: الأخبار (هی علی طائفتین) ............................................... 312

یلاحظ علی هذه الأدلة الثلاثة ................................................................ 313

الدلیل الرابع: الاستدلال بطریق اللم ......................................................... 314

الدلیل الخامس: الاستدلال بطریق اللم أیضاً ............................................ 314

بیان لتکمیل الدلیل الرابع و الخامس ......................................................... 315

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان ................................................. 316

یلاحظ علیه ............................................................................................ 317

القول الثالث: وضع الألفاظ للأعم (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الحائری و العراقی و الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (حفظه الله)) 319

أدلة القول الثالث ......................................................................................... 320

الدلیل الأول ................................................................................................... 320

یلاحظ علیه .................................................................................................... 320

الدلیل الثانی ................................................................................................... 321

یلاحظ علیه .................................................................................................... 321

القول الرابع: و هی نطریتنا ............................................................................. 323

3) تنبیه فی ثمرة البحث (هنا ثمرتان): .................................................................... 325

الثمرة الأولی: جریان البراءة و الاشتغال (هنا أقوال خمسة): .......................... 325

القول الأوّل: نظریة المحقق القمی و السیّد علی الطباطبائی (قدس سرهما) ................ 326

القول الثانی: نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ..................... 327

ص: 620

القول الثالث: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................... 327

یلاحظ علیه ............................................................................................ 329

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 329

بیانه (قدس سره) فی دراسات ................................................................................... 329

بیانه (قدس سره) فی محاضرات ................................................................................ 330

القول الخامس: نظریة المحقق الحائری (قدس سره) ................................................... 331

مناقشة فی هذا القول ............................................................................. 332

الثمرة الثانیة: جواز التمسک بالإطلاق اللفظی ............................................... 334

مقدمة فی أنّ الإطلاق علی قسمین: مقامی و لفظی ................................ 334

إشکالات ثلاثة علی هذه الثمرة ........................................................... 336

الإشکال الأوّل: من المحقق العراقی (قدس سره) ................................................... 336

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................... 337

الإشکال الثانی ........................................................................................ 339

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................ 340

الإشکال الثالث ..................................................................................... 340

یلاحظ علیه .................................................................................... 342

— المقام الثانی: فی أنّ ألفاظ المعاملات وضعت للصحیحة أو الأعم؟ (فیه أُمور ثلاثة) 345

الأمر الأوّل: إنّ أسامی المعاملات موضوعة للأسباب أو المسبّبات؟(هنا نظریتان) ..... 347

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................ 347

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 347

النظریة الثالثة: من السید المحقق الحکیم (قدس سره) ................................................. 348

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأعلام من تلامذه .................. 348

الأمر الثانی: هل یجری النزاع علی القول بوضعها للمسبّبات؟ (فیه نظریات ثلاث): ... 350

النظریة الأولی: من صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) (و هی عدم جریان النزاع) 350

ص: 621

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) (و هی التفصیل) ................................. 352

یلاحظ علیها .......................................................................................... 352

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین (حفظه الله) (هی جریان النزاع علی بعض المبانی) .. 353

یلاحظ علیها ............................................................................................ 353

الأمر الثالث: فی جواز التمسک بإطلاق المعاملات عند الشک فی اعتبار شیء فی تأثیرها شرعاً 355

قال المشهور بجواز التمسک بإطلاق المعاملات ............................................. 355

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی تقریر مبنی المشهور ........................................ 357

إشکال علی التمسک بالإطلاق .................................................................... 358

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 359

الفصل الثالث: فی الاشتراک (و فیه تنبیه) / 363

اختلفوا فیه علی أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: وجوب الاشتراک ...................................................................................... 365

الاستدلال علی هذا القول ....................................................................................... 366

أجاب عنه المحقق الخراسانی (قدس سره) بوجوه أربعة .......................................................... 366

الوجه الأوّل و الثانی و الثالث ........................................................................... 366

إشکال المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثالث ................................................ 366

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) ....................................................................... 367

الوجه الرابع ....................................................................................................... 367

القول الثانی: استحالة الاشتراک ..................................................................................... 367

دلیلان علی القول الثانی ............................................................................................... 367

الدلیل الأوّل ............................................................................................................. 367

جوابان من المحقق الخراسانی (قدس سره) عنه ................................................................. 368

الدلیل الثانی: استدلال القائلین بمبنی التعهد ......................................................... 368

یلاحظ علیه ....................................................................................................... 369

ص: 622

القول الثالث: إمکان الاشتراک و هو المختار ................................................................ 369

قال المحقق الخوئی (قدس سره) بما ینتج نتبجة الاشتراک ............................................................. 369

الإیراد علیه .............................................................................................................. 370

تنبیه: فی توهم عدم وقوع الاشتراک فی القرآن الحکیم ................................................ 371

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................................... 371

الفصل الرابع: استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد / 373

(و فیه تنبیه)

أدلة القائلین بالاستحالة أربعة ................................................................................... 377

الدلیل الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 377

مناقشتان فی هذا الدلیل ................................................................................... 378

المناقشة الأولی: عن المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 378

جواب عنها .................................................................................................. 379

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................ 379

الدلیل الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ............................................................... 380

بیان المحقق االنائینی (قدس سره) ..................................................................................... 380

یلاحظ علیه ................................................................................................. 381

تقریر المحقق العراقی (قدس سره) .................................................................................... 381

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل ................................................. 381

الدلیل الثالث...........................................................................................................

382

إیرادات ثلاثة علی هذا الدلیل .......................................................................... 383

الدلیل الرابع: تقریر المحقق الإصفهانی (قدس سره) للاستحالة ............................................... 383

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................ 384

الإیراد الأوّل ....................................................................................................... 384

جواب عن هذا الإیراد ................................................................................ 385

ص: 623

الإیراد الثانی ....................................................................................................... 386

الإیراد الثالث ..................................................................................................... 386

تنبیه: هل یکون استعمال اللفظ فی أکثر من معنی خلاف الظهور العرفی؟ ................. 389

الفصل الخامس: المشتق / 391

( فیه مقدمات ثلاث و أمران و تنبیهات أربعة)

— مقدمات ثلاث ......................................................................................................... 393

1) المقدمة الأولی: فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق (و فیها بحثان) ..... 395

البحث الأوّل: فی مغایرة المشتق الأُصولی و الأدبی ................................................. 395

المشتق الأدبی (و هو علی قسمین) .................................................................. 395

الجامد الأدبی (و هو أیضاً علی قسمین) .......................................................... 398

المشتق الأُصولی (و هو ما کان مشتملاً علی رکنین) ........................................ 398

استشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی علی دخول القسم الثانی من الجامد الأدبی فی محل النزاع 401

تحقیق فی هذا الفرع (هنا نظریتان) ............................................................... 402

النظریة الأولی: من المشهور ....................................................................... 402

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................... 404

إیرادات ثلاثة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................... 405

الإیراد الأوّل ............................................................................................ 405

الإیراد الثانی ............................................................................................ 407

الإیراد الثالث: روایة علی بن مهزیار فی الکافی ......................................... 407

نوقش فی سند هذه الروایة بصالح بن أبی حماد ................................ 408

ملاحظتنا علیها: الحق توثیقه بأدلة ثلاثة ...................................... 409

البحث الثانی: تعمیم المشتق الأُصولی لبعض المصادیق(فهنا مطالب أربعة) ...... 414

المطلب الأوّل: جریان النزاع فی اسم الزمان ........................................................ 414

إشکال علی جریان النزاع فی اسم الزمان .................................................... 414

محاولات الأعلام لدفع الإشکال (هنا نظریات أربع) ................................. 415

ص: 624

1) النظریة الأولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ( إنّه (قدس سره) أجاب عن الإشکال بوجهین) 416

الوجه الأوّل: الجواب الحلّی .............................................................. 416

الوجه الثانی: الجواب النقضی (و هو اثنان) ....................................... 417

مناقشة بعض الأعلام بالنسبة إلی النقض الأوّل .................................. 417

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی النقض الثانی .......................... 419

2) النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ......................................... 419

إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیها ............................................................... 422

یلاحظ علیه ..................................................................................... 424

3) النظریة الثالثة: من المحقق النائینی (قدس سره) ............................................ 424

یلاحظ علیها ................................................................................... 425

4) النظریة الرابعة: من المحقق العراقی (قدس سره) ........................................... 427

مناقشتان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی المحقق العراقی (قدس سره) .............. 429

المناقشة الأُولی .............................................................................. 429

المناقشة الثانیة .............................................................................. 430

جواب السیّد الصدر (قدس سره) عن المناقشة الثانیة ......................................... 430

المطلب الثانی: عدم جریان النزاع فی الأفعال و المصادر المزیدة و المجرّدة ........ 433

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................................. 433

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................... 433

هل تدلّ الأفعال علی الزمان؟ (نبحث عنها فی صورتین) .......................... 434

الصورة الأولی: الدلالة بالمطابقة أو بالتضمن ........................................... 434

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................... 434

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................... 436

الصورة الثانیة: الدلالة بالالتزام (هنا نظریات ثلاث) ............................... 437

1) النظریة الأولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................ 437

2) النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................ 438

إیراد السیّد الخوئی (قدس سره) علیها ............................................................... 439

ص: 625

یلاحظ علیه .................................................................................. 440

3) النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................ 440

ملاحظتان علیها ............................................................................. 441

المطلب الثالث و الرابع: جریان النزاع فی اسم الآلة و اسم المفعول ................. 442

نظریة المحقق النائینی (قدس سره): خروج اسم الآلة و اسم المفعول عن محل النزاع 442

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .................................................................. 443

التحقیق حول جریان النزاع فی اسم الفاعل و اسم المفعول ..................... 444

2) المقدمة الثانیة: فی معرفة محمول المسألة من جهة أنحاء التلبس .................... 445

مبادئ المشتقات علی أقسام أربعة .................................................................. 445

3) المقدمة الثالثة: فی معنی الحال (هنا احتمالات ستة) ......................................... 448

الإحتمال الأوّل: زمان النطق ............................................................................. 449

إیرادان علی الاحتمال الأوّل ........................................................................ 449

الاحتمال الثانی: حال النطق .............................................................................. 450

الإیراد علیه ................................................................................................. 451

الاحتمال الثالث: زمان النسبة .............................................................................. 451

إیرادان علی الاحتمال الثالث ...................................................................... 451

الإحتمال الرابع: حال النسبة ................................................................................ 451

الإیراد علیه ................................................................................................. 451

الاحتمال الخامس: زمان التلبس ........................................................................... 452

إیرادان علی الاحتمال الخامس ................................................................... 452

الاحتمال السادس: حال التلبس و هو المتعیّن .................................................... 452

— المقصود فی الموضوع له للمشتق ...................................................... 455

1) الأمر الأوّل: فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی (هنا صورتان) ........................ 455

الصورة الأولی: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة (و هو اثنان) ..... 455

الأوّل: الأصل اللفظی العقلائی (و له تقریران) ................................................ 455

التقریر الأوّل ............................................................................................... 456

ص: 626

إیرادان علی هذا التقریر ......................................................................... 457

التقریر الثانی ............................................................................................... 457

إیرادان علی التقریر الثانی ....................................................................... 458

الثانی: الأصل العملی ......................................................................................... 459

إیرادات ثلاثة علیه ...................................................................................... 460

الصورة الثانیة: فی تأسیس الأصل بالنسبة إلی المسألة الفقهیة ............................ 461

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) (هنا صورتان) ......................................................... 461

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .............................................................. 462

الإیراد الأوّل ............................................................................................ 462

جواب عن هذا الإیراد ............................................................................ 462

الإیراد الثانی ............................................................................................ 463

تتمیم صور المسألة ........................................................................................... 464

2) الأمر الثانی: التحقیق حول نظریات الأعلام فی مسألة المشتق (فیه مقامان) .... 465

المقام الأوّل: فی البحث الثبوتی (هنا نظریتان) ...................................................... 469

النظریة الأولی: من المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................. 470

بیان منتقی الأُصول لتوجیه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................... 471

مناقشتان فی هذه النظریة ......................................................................... 472

الأُولی: مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 472

بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالبساطة ......................................... 472

بالنسبة إلی ما أفاده علی القول بالترکیب .......................................... 473

یلاحظ علیها ......................................................................................... 474

الثانیة: ملاحظتنا علی هذه النظریة .................................................... 475

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا فروض ثلاثة) ............................ 475

الفرض الأوّل: القول بالبساطة التی ذهب إلیها المحقق الدوانی (قدس سره) ............. 476

الفرض الثانی: القول بالبساطة التی هی المختار ........................................ 476

الفرض الثالث: القول بترکب مفهوم المشتق (هنا احتمالان) .................... 476

ص: 627

الأوّل: ترکب المشتق بمعنی من حصل منه الضرب .................................. 477

إیرادن علی هذا الاحتمال ....................................................................... 477

الثانی: ترکب المشتق بمعنی من حصل له الضرب ..................................... 477

إیرادان علی الاحتمال الثانی ..................................................................... 477

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عنهما ............................................................... 477

المقام الثانی: فی البحث الإثباتی ............................................................................... 480

الف) أدلة القائلین بالوضع لخصوص المتلبس ثلاثة ....................................... 480

1) الدلیل الأوّل: التبادر .............................................................................. 480

إشکال فی المقام ...................................................................................... 481

الجواب الأوّل عن هذا الإشکال: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ......................... 482

إشکال السیّد الصدر (قدس سره) .............................................................................. 482

الجواب الأوّل عن هذا الإشکال: من السیّد الصدر (قدس سره) ................................. 483

2) الدلیل الثانی: صحة السلب ................................................................... 484

إیراد المحقق الرشتی (قدس سره) ............................................................................. 484

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره): هنا احتمالات ثلاثة .................................... 485

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) (هنا فرضان) ................................................... 487

الفرض الأول: أن یعتبر السلب بالحمل الأوّلی الذاتی .......................... 488

الفرض الثانی: أن یعتبر السلب بالحمل الشائع (هنا صور ثلاث) ....... 488

الصورة الأُولی و الثانیة و الثالثة ................................................ 488

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الالتزام بهذه الصور ..................... 489

التزام المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالصورة الثانیة بتقریب آخر ............... 490

ملاحظة علیه ............................................................................. 490

النظریة المختارة ..................................................................................... 491

3) الدلیل الثالث: برهان التضاد بین المفاهیم .......................................... 491

استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................. 492

یلاحظ علیه ............................................................................................ 493

ب) أدلة القائلین بالوضع للأعم ثلاثة .............................................................. 495

ص: 628

1) الدلیل الأوّل: التبادر .............................................................................. 495

إیراد علیه .............................................................................................. 495

2) الدلیل الثانی ........................................................................................... 495

إیراد علیه .............................................................................................. 496

3) الدلیل الثالث ......................................................................................... 496

إیراد علیه .............................................................................................. 497

— تنبیهات مسألة المشتق .................................................................. 499

1) التنبیه الأوّل: هل یکون المشتق بسیطاً أو مرکباً؟ (هنا مطلبان) .................. 500

المطلب الأوّل: فی المراد من البساطة (هنا قولان) .............................................. 503

القول الأوّل: البساطة الإدراکیة (و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره)) ................... 504

القول الثانی: البساطة التحلیلیة ........................................................ 505

نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 505

یلاحظ علیها ............................................................................ 505

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .............................................................. 506

ملاحظة علیها .......................................................................... 506

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................... 507

یلاحظ علیه ............................................................................ 507

المطلب الثانی: فی الاستدلال علی البساطة و الترکب ............................. 510

أدلة القائلین بالبساطة خمسة ......................................................... 510

1- الدلیل الأوّل: من السیّد الشریف الجرجانی (قدس سره) ................................. 510

التحقیق حول هذا الاستدلال (هنا صورتان) ................................................. 512

الصورة الأولی: أخذ مفهوم الشیء فی المشتق ............................... 512

قد نوقش علیه بتقریبات ثلاثة ................................................. 512

التقریب الأوّل: من السیّد الشریف .......................................................... 513

جوابان عن هذا التقریب .......................................................................... 513

ص: 629

الجواب الأوّل: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) ................................................. 513

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه .................................................................. 514

الجواب الثانی: ما أفاده صدر المتألهین و الحکیم السبزواری و صاحب الکفایة (قدس سرهم) 514

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی الجواب الثانی ........................................... 515

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ................................................................... 516

یلاحظ علیه ......................................................................................... 517

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی الجواب الثانی ............................. 517

ملاحظة علی کلام المحقق الإصفهانی ................................................ 519

التقریب الثانی: من صاحب الفصول (قدس سره) ....................................................... 520

مناقشة صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) ................. 520

التقریب الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره) ..................................................... 521

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی هذا التقریب ................................................. 522

الإیراد علی ملاک العرض العام عند المحقق النائینی (قدس سره) ............................... 522

الإیراد علی کون الشیء جنساً لما تحته من الأجناس العالیة ...................... 522

الصورة الثانیة: أخذ مصداق الشیء فی المشتق ............................ 524

مناقشات ثلاث فیها ............................................................... 524

المناقشة الأولی: من السیّد الجرجانی ......................................................... 525

جواب صاحب الفصول (قدس سره) عن هذه المناقشة .............................................. 526

دفاع المحقق السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) عن السیّد الشریف .......... 527

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن المحققین (قدس سرهما) .................................................... 529

المناقشة الثانیة: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) .............. 532

المناقشة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 532

2- الدلیل الثانی: من الحکیم السبزواری و المحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهم) 534

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................... 534

3- الدلیل الثالث: من المحقق النائینی (قدس سره) ........................................... 535

ص: 630

مناقشة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) ................................. 536

4- الدلیل الرابع: من المحقق الشیرازی (قدس سره) .......................................... 537

الجواب عن هذا الدلیل ............................................................. 537

5- الدلیل الخامس: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................... 538

مناقشتان فی هذا الدلیل ............................................................ 540

1) مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................... 540

یلاحظ علیها ......................................................................... 541

2) ملاحظتنا علیه .................................................................. 541

استدل المحقق الخوئی (قدس سره) علی ترکب المشتق بوجهین .............................. 542

الوجه الأوّل: التبادر بالوجدان ........................................................ 543

إشکال علی هذا الوجه .............................................................. 543

الوجه الثانی: البرهان .................................................................... 543

ملاحظة علیه ........................................................................... 544

2) التنبیه الثانی: الفرق بین المشتق و المبدأ .......................................... 547

المشهور بین الحکماء أنّ الفرق بین المبدأ و المشتق هو باعتبار لابشرط و بشرط لا (و لهذا الکلام تفسیران) 547

التفسیر الأوّل: من صاحب الفصول (قدس سره) ............................................. 548

التفسیر الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................. 550

المقام الأوّل: فی مراد أهل المعقول ................................................... 550

المقام الثانی: فی القول الصحیح ....................................................... 551

3) التنبیه الثالث: رابطة المشتق و الذات (ملاک الحمل) ........................ 554

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 554

نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................... 554

إشکالان علی هذه النظریة ......................................................... 555

ص: 631

الأوّل: إشکال صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................. 555

الثانی: إشکال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 555

4) التنبیه الرابع: رابطة المبدأ و الذات ................................................ 557

البحث الثالث:

المبادی التصوریّة الأحکامیةلعلم الأُصول

الفصل الأوّل: حقیقة الحکم / 561

الأمر الأوّل: حقیقة الحکم التکلیفی و انقساماته ..................................... 561

أما الأقوال فی حقیقة الحکم التکلیفی .................................................. 561

القول الأوّل: البعث الاعتباری الانتزاعی ............................................................. 561

إیرادات ثلاثة علی القول الأول .................................................................... 562

القول الثانی: الإنشاء بداعی جعل الداعی (فیه بیانان) ...................................... 563

البیان الأوّل للمحقق الإصفهانی .................................................................... 563

البیان الثانی للمحقق الإصفهانی .................................................................... 564

ملاحظة علی القول الثانی .......................................................................... 565

القول الثالث: الإرادة التشریعیة المبرزة بالخطاب (فیه بیانان) .......................... 565

بیان المحقق العراقی: إرادة هی حقیقة الحکم و روحه .............................. 565

بیان المحقق البروجردی ................................................................................ 566

إیراد المحقق الإصفهانی علی المحقق العراقی و البروجردی ........................... 567

ملاحظتان علی ما أفاده المحقق الإصفهانی .................................................. 568

القول الرابع: اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و إبرازه و إنشائه .......................... 569

بیان المحقق الخوئی ...................................................................................... 569

یلاحظ علیه ............................................................................................. 570

القول الخامس: اعتبار الفعل علی الذمة وجوداً أو عدماً أو لا علی الذمة ......... 570

أما انقسامات الحکم التکلیفی ........................................................... 571

بیان المحقق الإصفهانی ........................................................................................ 571

ملاحظ علی هذا البیان ...................................................................................... 573

ص: 632

الأمر الثانی: حقیقة الحکم الوضعی و انقساماته ...................................... 574

أما انقسامات الحکم الوضعی ........................................................... 574

نظریة العلّامة الأنصاری: انتزاع الوضعیات من الأحکام التکلیفیة ...................... 574

نظریة صاحب الکفایة: التفصیل بین أقسام ثلاثة ............................................. 575

القسم الأول: (السببیة و الشرطیة و المانعیة و الرافعیة للتکلیف) ..................... 575

القسم الثانی: (الجزئیة و الشرطیة و المانعیة و القاطعیة للمکلّف به) ............... 575

نظریة المحقّق الإصفهانی حول القسم الثانی ....................................................... 575

القسم الثالث: (الحجّیة و القضاوة و الولایة و النیابة و الحریة و الرقیة و الزوجیة و الملکیة) 576

ثمرة البحث عن أقسام الحکم الوضعی .............................................................. 576

نظریة صاحب الکفایة .................................................................................... 576

إیرادان علیها .................................................................................................. 577

نظریة المحقّق الإصفهانی ................................................................................. 577

الفصل الثانی: مراتب الحکم / 579

القول الأول: نظریة صاحب الکفایة ..................................................... 579

القول الثانی: نظریة المحقّق الإصفهانی:(یشتمل علی تحقیقه حول نظریة صاحب الکفایة) إنّ الحکم له مراتب أربع 580

المرتبة الأُولی: ثبوته اقتضاءً (هنا ثلاث احتمالات) .................................... 580

الاحتمال الأوّل ................................................................................................ 580

و فیه ............................................................................................................. 580

الاحتمال الثانی ................................................................................................ 580

و فیه ............................................................................................................. 580

الاحتمال الثالث: (و هو الصحیح من الاحتمالات الثلاثة) ................................... 580

المرتبة الثانیة: ثبوته إنشاءً .................................................................................. 581

المرتبة الثالثة: ثبوته فعلاً و حقیقةً ..................................................................... 581

المرتبة الرابعة: ثبوته بحیث یستحق العقاب علی مخالفته ................................ 581

المراد من الفعلی من جمیع الجهات و الفعلی من بعض الجهات ...................... 581

خمس ملاحظات علی ما أفاده المحقق الإصفهانی .............................................. 584

ص: 633

القول الثالث: نظریة المحقق الخوئی (و بیانه تشتمل علی مناقشته فی نظریة صاحب الکفایة) 587

الملاحظة علی ما أفاده المحقق الخوئی ...................................................................... 588

القول الرابع: نظریتنا ........................................................................ 588

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصوریة الأحکامیة / 590

(نبحث عنها فی ضمن مباحث الأوامر و المباحث العقلیة)

البحث الرابع:

المبادی التصدیقیّة الأحکامیة

الفصل الأول: تضادّ الأحکام و إمکان اجتماعها / 593

نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع .................................................... 593

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................... 594

ملاحظة علیه ................................................................................ 594

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (و هو المختار) ........................ 594

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی ................................................ 598

یلاحظ علیها ............................................................................ 599

النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین .............................................. 600

إیرادان علیه ............................................................................. 601

الفصول الأخری من مباحث المبادی التصدیقیة الأحکامیة / 603

(نبحث عنها فی مباحث الألفاظ و المباحث العقلیة)

ص: 634

فهرس الآیات و الروایات

(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)...................... 358, 359

(إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ).................... 497

(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَی عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْکَرِ ) 272

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)............................ 358

(ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوکًا لَا یقْدِرُ عَلَی شَیءٍ) 338

(فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُهَا أُنْثَی وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ) 95

(کُتِبَ عَلَیکُمُ الصِّیامُ کَمَا کُتِبَ عَلَی الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ) 250

(لَا ینَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ).................. 496

(لَوْ کَانَ فِیهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللّهُ لَفَسَدَتَا)..... 87

(وَأَذِّنْ فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ)..................... 250

(وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)....................... 96

(وَأَوْصَانِی بِالصَّلَاةِ وَالزَّکَاةِ مَا دُمْتُ حَیا). 251

(وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ)..................... 96

(وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ کُلَّهَا)............. 97, 519

(وَلِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 587

(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) 519

(وَهُوَ مَعَکُمْ أَینَ مَا کُنْتُمْ)................. 439

(یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ) 338

(فِیهِ آیاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) 371

الروایات:

بِکَ عَرَفْتُکَ وَ أَنْتَ دَلَلْتَنِی.................... 101

قیل له إنّ رجلاً تزوّج بجاریة صغیرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة له أخری فقال ابن شبرمة حرمت علیه الجاریة و امرأتاه فقال أبو جعفر (علیه السلام) أخطأ ابن شبرمة.................................................. 407

هِی الْعَلَامَة........................................ 109

یا مَنْ دَلَ عَلَی ذَاتِهِ بِذَاتِه..................... 101

ص: 635

ص: 636

فهرس الأعلام

الامام الحسین (علیه السلام) ....................... 431, 432

الامام جعفر الصادق (علیه السلام) ...................... 407

الامام الرضا (علیه السلام) .................................... 109

الف

ابن إدریس............................. 401

ابن الغضائری.......................... 408

ابن الولید............................... 410

ابن شبرمة.............................. 407

أبی العبّاس بن نوح..................... 410

الإصفهانی 52, 54, 60, 64, 65, 66, 72, 73, 75, 108, 116, 132, 152, 157, 158, 161, 167, 169, 170, 171, 173, 183, 186, 187, 188, 189, 191, 192, 194, 198, 203, 204, 212, 213, 224, 225, 226, 227, 228, 229, 231, 232, 234, 239, 244, 245, 246, 247, 260, 270, 271, 273, 274, 280, 283, 286, 287, 288, 289, 295, 305, 306, 316, 319, 329, 338, 348, 350, 354, 357, 376, 381, 383, 384, 385, 414, 416, 419, 421, 422, 429, 431, 432, 433, 436, 438, 439, 440, 441, 449, 452, 465, 475, 476, 477, 478, 487, 489, 490, 491, 500, 504, 506, 515, 517, 519, 524, 533, 536, 538, 540, 541, 542, 544, 545, 546, 550, 551, 552, 554, 555, 561, 563, 564, 565, 567, 568, 571, 575, 577, 580, 583, 584, 585, 588, 590, 593, 598,594, 599, 600, 601

آقا علی المدرس............ 159, 545, 552

ص: 637

الإیروانی................................. 99

ب

البروجردی 203, 204, 282, 416, 420, 566, 567, 597

بعض الأساطین 68, 69, 72, 95, 109, 117, 120, 170, 173, 188, 197, 203, 204, 240, 246, 256, 319, 337, 338, 353, 379, 384, 414, 421, 457, 460, 464, 466, 474, 477, 492, 501, 594, 600

البهبهانی الرامهرمزی (سید علی)...... 450

البهجة 73, 74, 170, 239, 311, 411, 414, 421, 457, 458, 465

ت

التفتازانی.................. 131, 134, 173

ج

الجرجانی 500, 501, 506, 510, 511, 512, 513, 518, 523, 524, 525, 527, 532, 533

الجزائری................. 124, 125,438

ح

الحائری 88, 89, 124, 319, 331, 332, 503

الحکیم السبزواری 514, 523, 524, 532, 533, 534

الحکیم (السید) ........................ 348

الحلّی.................................... 211

حمّاد..................................... 339

خ

الخراسانی 49, 55, 57, 60, 69, 71, 72, 132, 134, 135, 137, 138, 139, 154, 173, 182, 183, 187, 188, 191, 201, 211, 242, 244, 250, 253, 254, 261, 267, 269, 270, 280, 281, 282, 298, 301, 311, 327, 328, 331, 333, 335, 346, 347, 350, 366, 368, 376, 377, 380, 414, 416, 433, 434, 436, 449, 451, 457, 459, 461, 462, 465, 482, 485, 491, 499, 500, 503, 504, 508, 514, 520, 523, 524, 527, 528, 531, 532, 533, 534, 547, 550, 551, 552, 555, 557, 563, 575, 576, 579, 580, 583, 587, 593, 594

الخوئی

46, 53, 55, 56, 64, 66, 68, 69, 88, 89, 91, 92, 100, 109, 122, 132, 163, 166, 167, 173, 183, 184, 188, 196, 197, 225, 227, 231, 233, 234, 245, 246, 256, 264, 270, 271, 273, 274,

ص: 638

277, 279, 280, 295, 298, 299, 300, 301, 303, 304, 305, 306, 310, 319, 320, 329, 335, 338, 340, 343, 349, 352, 353, 359, 361, 366, 368, 369, 370, 371, 378, 389, 404, 405, 414, 416, 418, 421, 439, 440, 441, 443, 449, 457, 462, 465, 472, 473, 487, 501, 504, 506, 507, 516, 520, 522, 523, 524, 527, 529, 533, 534, 536, 538, 540, 542, 557, 569, 570, 587, 588, 593, 598, 601

الخوانساری............................ 571

د

الدوانی.. 476, 500, 506, 550, 551, 553

ر

الرشتی.................... 124, 225, 484

الرضی.................................. 137

الروحانی 414, 416, 421, 436, 458, 465, 593

س

السبزواری.......... 527, 532, 534, 538

السیستانی............................... 159

ش

الشیخ الأنصاری 47, 71, 259, 300, 327, 329, 331, 342, 463, 574, 575, 576

الشیخ الرئیس....... 210, 515, 531, 532

الشیرازی............................... 537

ص

صاحب الفصول 70, 442, 476, 512, 513, 514, 519, 520, 526, 532, 547, 548, 551, 554, 555, 556, 557

صالح بن أبی حمّاد............... 407, 408

صدر المتألهین 145, 160, 295, 514, 523, 545, 550, 552, 556

الصدر 105, 414, 416, 422, 424, 427, 430, 457, 464, 465, 474, 482, 483, 487, 501, 538

الصدوق............................... 410

ط

الطباطبائی..................... 418,326

الطهرانی................................ 427

الطوسی........... 67, 99, 100, 211, 568

ع

العراقی 54, 60, 86, 103, 132, 142, 165, 173, 245, 253, 280, 284,

ص: 639

319, 336, 337, 343, 376, 380, 381, 414, 416, 427, 428, 429, 431, 460, 464, 465, 500, 565, 567, 597

علی بن محمد............................ 407

علی بن مهزیار.......................... 407

ف

الفارابی.......................... 531, 532

الفضل بن شاذان....................... 410

ق

القمی........... 70, 297, 304, 326, 328

ک

کاشف الغطاء (علی)................... 561

م

محمد بن یعقوب........................ 407

المشکینی................................ 437

المظفر..................................... 99

المیرداماد.................................. 83

ن

النائینی 47, 50, 85, 97, 98, 132, 145, 146, 148, 149, 164, 171, 173, 174, 242, 244, 255, 256, 278, 281, 309, 327, 342, 350, 376, 380, 411, 414, 416, 424, 425, 432, 442, 443, 465, 470, 471, 472, 473, 474, 475, 478, 500, 504, 505, 512, 515, 516, 519, 520, 521, 522, 523, 533, 534, 535, 537, 545, 571, 575

النجاشی................................ 408

النهاوندی........................... 88, 89

و

الوحید البهبهانی........................ 275

ص: 640

المجلد 2

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

عُیونُ الأنظار

(الجزء الثانی)

مباحث الألفاظ (1)

البحث الأول: الأوامر

البحث الثانی: النواهی

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الأوّل : « الأوامر» / 15

الفصل الأول : مادةالأمر / 17

الأمر الأول :معنی مادةالأمر. 19

البحث الأول: معنی الأمر لغةً و عرفاً 19

المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی.. 21

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی.. 22

النظریة الأُولی: من العلامة القوچانی (قدس سره) 24

النظریة الثانیة: من معلّق الکفایة المحقق المشکینی (قدس سره) 25

النظریة الثالثة: من صاحب الفصول (قدس سره) 26

النظریة الرابعة: من صاحب الکفایة (قدس سره) 26

النظریة الخامسة: من المحقق البروجردی (قدس سره) 31

النظریة السادسة: من المحقق العراقی (قدس سره) 34

النظریة السابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 36

النظریة الثامنة : من المحقق النائینی (قدس سره) 37

النظریة التاسعة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 39

البحث الثانی : معنی « الأمر » اصطلاحاً 48

النظریة الأُولی: و هی مختار المشهور. 48

النظریة الثانیة: و هی المختار عندنا 50

ص: 5

البحث الثالث: الأصل العملی فی المقام. 52

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 52

نظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) : 52

الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء. 53

الأمر الثالث:دلالة مادة الأمر علی الوجوب... 55

النظریة الأُولی: مادة الأمرحقیقة فی الندب... 56

النظریة الثانیة: الاشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب... 56

الوجه الأول: 57

الوجه الثانی: 57

النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب... 58

النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب... 66

النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 66

التقریر الأول: 67

التقریر الثانی (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال): 67

التقریر الثالث: ما عن المحقق البروجردی (قدس سره) 70

التقریر الرابع: 75

التقریر الخامس: 76

التقریر السادس: 77

التقریر السابع: و هو المختار. 78

النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب... 81

النظریة السابعة: السیرة العقلائیة. 85

الأمر الرابع:فی النسبة بین الأمر و الطلب... 91

القول الأول: الأمر مطلق الطلب... 91

القول الثانی: الأمر الطلب بالقول. 92

القول الثالث: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ 94

القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر. 95

القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة. 95

القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر و هو القول المختار. 95

ص: 6

الأمر الخامس:فی تطابق معنی الطلب و الإرادة. 97

هل یتحد معنی الطلب و الإرادة؟. 97

المحاولة الأُولی: اتحاد معنی الطلب و الإرادة. 97

المحاولة الثانیة: تغایر معنی الطلب و الإرادة. 98

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 98

النظریة المختارة. 98

نظریة صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) و المحقق النائینی (قدس سره) 99

نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) 100

نظریة الأشاعرة. 101

التنبیه الأول: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة. 110

المطلب الأول فی الإرادة التکوینیة. 110

الجهة الأُولی: معنی الإرادة. 110

الجهة الثانیة: الإرادة الذاتیة و الفعلیة لله تعالی.. 115

أما الإرادة الذاتیة لله تعالی.. 115

أما الإرادة الفعلیة لله تعالی.. 120

المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة. 123

التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر. 123

التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة. 124

التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین.. 127

تقریرات أربعة لنظریة الأمر بین الأمرین: 130

التقریر الأول: ما حکی عن الحکیم المحقق الطوسی (قدس سره) 130

التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 131

التقریر الثالث: ما أفاده العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 137

التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 141

الفصل الثانی: صیغة الأمر / 145

الأمر الأول:معنی صیغة الأمر. 147

القول الأول: 147

القول الثانی: إنشاء الطلب... 149

القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة. 150

ص: 7

القول الرابع: النسبة الإرسالیة. 151

القول الخامس: النسبة البعثیة. 152

القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف... 152

القول السابع: إبراز النسبة البعثیة. 154

الأمر الثانی:الجمل الخبریة فی مقام البعث... 157

الموضع الأول: معنی هذه الجمل.. 157

النظریة الأُولی: 158

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 158

التقریب الأول: 158

التقریب الثانی: 159

النظریة الثالثة: مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) 160

الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب... 161

الأمر الثالث:الواجب التعبدی و التوصلی... 163

مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی... 164

مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی... 167

المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأول. 167

أما مقتضی الأصل اللفظی.. 167

القول الأول: 167

القول الثانی: 167

أما مقتضی الأصل العملی... 170

النظریة الأولی: من المشهور. 170

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 170

النظریة الثالثة: تفصیل السید الصدر (قدس سره) فی المقام. 171

المبحث الثانی: مقتضی الأصل علی المعنی الثانی.. 173

أما مقتضی الأصل اللفظی.. 173

القول الأول: أصالة التوصلیة. 173

القول الثانی: أصالة التعبدیة. 173

أما مقتضی الأصل العملی... 179

القول الأول: 179

القول الثانی: 179

ص: 8

المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث... 180

القسم الأول: 180

أما مقتضی الأصل اللفظی.. 180

أما مقتضی الأصل العملی.. 181

القسم الثانی: 182

القول الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 182

القول الثانی: و هو المختار. 183

المبحث الرابع: مقتضی الأصل علی المعنی الرابع. 185

تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع. 185

التعریف الأول: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 185

التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 187

التعریف الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 188

مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع. 189

المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة. 189

الوجه الأول: قصد الأمر. 189

الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلّق الأمر ب- «قصد الأمر»؟. 190

الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقییدهل یستحیل الإطلاق أو لا؟. 209

الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته. 218

الوجه الخامس: قصد الجامع بین الدواعی و هو قید الانتساب إلیه تعالی.. 224

الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة. 226

المورد الثانی: نتیجة الإطلاق.. 228

بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی: 228

المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی.. 234

الوجه الأول: 234

الوجه الثانی: 236

الوجه الثالث: 237

مقتضی الأصل المقامی علی المعنی الرابع. 240

التقریر الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) 240

التقریر الثانی: 240

مقتضی الأصل العملی علی المعنی الرابع. 243

المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ 243

ص: 9

البیان الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) : 243

البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین.. 245

المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ 246

القول الأول: جریان أصالة الاشتغال. 246

القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة. 246

التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ 249

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : 249

الأمر الرابع:اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة. 251

البحث الأول. 251

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) : 251

البحث الثانی.. 254

الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری.. 254

استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین: 254

الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری.. 255

الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی.. 256

الأمر الخامس:الأمر عقیب الحظر. 259

البحث الأول: فی دلالته علی الوجوب... 259

أمّا ذکر الأقوال. 259

تحقیق المسألة. 262

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 264

بیان بعض الأساطین (دام ظله) : 264

الأمر السادس:المرة و التکرار. 265

المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرة و التکرار. 265

المقدمة الثانیة: فی تحقیق انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع.. 266

البحث الأول: فی دلالة الصیغة علی المرة و التکرار. 267

أمّا الدلالة بالوضع. 267

أمّا الدلالة بالإطلاق.. 267

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی... 267

تنبیه: الامتثال بعد الامتثال. 268

ص: 10

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) من التفصیل.. 268

النظریة الثانیة: ما أفاده السید الخوئی (قدس سره) 270

الأمر السابع: الفور و التراخی.. 271

المقدمة: 271

دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی.. 272

أمّا الدلالة بالوضع. 272

أمّا الدلالة بالإطلاق.. 272

أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة. 273

الوجه الأول: الدلیل العقلی... 273

الوجه الثانی: 274

الوجه الثالث: 275

مقتضی الأصل العملی... 278

الفصل الثالث: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد / 279

المقام الأول: التحقیق فی المسألة. 281

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) 281

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الأُستاذ العلامة الشاه آبادی.. 284

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 286

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 287

المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة. 290

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة: 290

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة: 296

الفصل الرابع:هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 299

تمهید. 301

المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً 304

التقریر الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 304

التقریر الثانی: 305

المقام الثانی: فی مقام الإثبات... 309

ص: 11

المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی... 312

القول الأول: جریان الاستصحاب... 312

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره) 312

النظریة الثانیة: ما أفاده السید المحقق الحکیم (قدس سره) 312

النظریة الثالثة: 313

القول الثانی: عدم جریان الاستصحاب... 313

الفصل الخامس:الواجب التخییری / 315

حقیقة الواجب التخییری.. 317

النظریة الأُولی: 317

النظریة الثانیة: 317

النظریة الثالثة: 319

النظریة الرابعة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 321

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 328

النظریة السادسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) 332

النظریة السابعة: ما اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) 334

النظریة الثامنة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) 339

تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر.. 344

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر: 344

الفصل السادس:الواجب الکفائی / 347

مقدمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع.. 349

نظریات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی.. 351

النظریة الأُولی: التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله. 351

النظریة الثانیة: الوجوب المشروط.. 351

النظریة الثالثة: التکلیف متوجه إلی الفرد المردد. 352

النظریة الرابعة: الوجوب علی مجموع المکلفین.. 352

النظریة الخامسة: من المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .. 353

النظریة السادسة: موضوع التکلیف هو صرف الوجود للمکلفین.. 354

ص: 12

البیان الأول: من المحقق النائینی (قدس سره) 354

البیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) 357

الفصل السابع:الواجب الموسع و المضیق / 361

الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق.. 363

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء. 367

المطلب الأول: الأقوال فی المسألة. 367

المطلب الثانی: تحقیق المسألة. 369

المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی... 372

الوجه الأول: جریان البراءة. 372

الوجه الثانی: جریان الاستصحاب... 373

البیان الأول: إستصحاب شخص الحکم. 374

البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم. 376

المطلب الرابع: ثمرة المسألة. 377

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته. 378

نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی (قدس سره) : 378

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381

البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء. 383

القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأساطین: 384

القول الثانی: عن المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) 384

البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی.. 387

نظریة المحقق العراقی (قدس سره) : 387

الفصل التاسع:الأمر بعد الأمر / 391

البحث الثانی: « النواهی » / 395

الفصل الأول:معنی صیغة النهی / 397

القول الأول: طلب الکف... 399

ص: 13

القول الثانی: طلب الترک.. 399

القول الثالث: الزجر. 401

القول الرابع: الکراهة. 402

القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی.. 403

الفصل الثانی:توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد / 407

النظریة الأُولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره) 409

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقق الفشارکی و المحقق الحائری (قدس سرهما) .. 413

النظریة الثالثة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 414

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی توضیح هذه النظریة: 415

النظریة الرابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 418

الفصل الثالث:سقوط النهی بالمعصیة / 423

النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة (قدس سره) 425

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) 426

النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره) 426

فهرس العناوین تفصیلاً.. 431

ص: 14

البحث الأوّل : « الأوامر»

اشارة

وفیه تسعة فصول

الفصل الأول: مادة الأمر

الفصل الثانی: صیغة الأمر

الفصل الثالث : تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟

الفصل الخامس: الواجب التخییری

الفصل السادس: الواجب الکفائی

الفصل السابع: الواجب الموسع و المضیق

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء

الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر

ص: 15

ص: 16

الفصل الأول : مادةالأمر

اشارة

و فیه خمسة أُمور

الأمر الأول: معنی مادة الأمر

الأمر الثانی: فی اعتبار العلو و الاستعلاء

الأمر الثالث: دلالة مادة الأمر علی الوجوب

الأمر الرابع: فی النسبة بین الأمر و الطلب

الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة

ص: 17

ص: 18

الأمر الأول :معنی مادةالأمر
اشارة

هنا ثلاثة أبحاث:

البحث الأول: معنی الأمر لغةً و عرفاً
اشارة

ذکر للفظ «الأمر» معانٍ منها الطلب و الشأن و الفعل و الفعل العجیب و الشیء و الحادثة و الغرض.((1))

و قد أورد علیها صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) فقال: «لایخفی أنّ عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم ضرورة أنّ الأمر فی "جاء زید لأمر" ما استعمل فی معنی الغرض بل اللام قد دل علی الغرض نعم یکون مدخوله [أی اللام] مصداقه [أی الغرض] فافهم »((3))

ص: 19


1- المعانی المذکورة هنا – وفاقاً للکفایة- جاءت بعینها فی هدایة المسترشدین، ص130.
2- کفایة الأُصول، ص61، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الأُولی.
3- قال صاحب الکفایة فی تتمة کلامه: «و هکذا الحال فی قوله تعالی فلما جاء أمرنا یکون مصداقاً للتعجب لا مستعملاً فی مفهومه و کذا فی الحادثة و الشأن». و فی عنایة الأُصول، ج1، ص174: «مقصود المصنف علی ما یظهر من کلماته الآتیة أنّ ما سوی الطلب و الشیء و الفعل و هو الغرض و الحادثة و الفعل العجیب و الشأن عنده من معانی لفظ الأمر من اشتباه المصداق بالمفهوم» و فی بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص11«قد ذکر لها معان عدیدة... و لا شک فی أنّ الطلب من معانیها و أمّا سائر المعانی فکثیر مما ذکر منها لیس معنی له و إنّما یستفاد فی موارد استعماله من دوالّ و خصوصیات أُخری خارجة عن کلمة الأمر... فیکون من اشتباه المفهوم بالمصداق». بل فی حقائق الأُصول، ج1، ص140 ادّعاء هذا الأمر فی الطلب أیضاً قال فی التعلیقة علی قوله «منها الطلب»: «الطلب عرفاً هو السعی نحو الشیء... فلایبعد أن یکون المصحح لاستعماله فی الأمر کون الأمر نحواً من السعی نحو المأمور به و علیه فعدّ الطلب من معانی الأمر یکون من قبیل اشتباه المفهوم بالمصداق اللهم إلّا أن یکون الاستعمال فیه بلغ حد الحقیقة التعیینیة فتأمّل» الخ. و أمّا استعمال الأمر فی الشیء ففی نهایة الدرایة، ج1، ص173: «و لم أقف علی مورد یتعین فیه إرادة الشیء حتی مثل قوله تعالی (أَ لَا إِلَی اللهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ) (الشوری:53) لإمکان إرادة المصنوعات فإنّ الموجودات کلها باعتبار صنعه و فعله تعالی...». و أما استعمال الأمر فی الفعل ففی نهایة النهایة، ج1، ص87: «و أمّا بقیة المعانی من الفعل و الشأن و الحادثة و غیر ذلک فهی خصوصیات مستفادة من القرائن الخارجیة».

هذه المعانی استعمل فیها الأمر و أما الموضوع له للفظ الأمر، ففیه أقوال و هنا نبحث عن محاولتین مهمّتین؛((1))

ص: 20


1- أمّا المحاولة الثالثة: فکونه حقیقة فی معنی و مجازاً فی غیره و أشار إلیه فی کفایة الأُصول، ص62 قال «و قد استعمل فی غیر واحد من المعانی فی الکتاب و السنة و لا حجة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی أو الحقیقة و المجاز». و هو مختار الشیخ و العلامة (قدس سرهما). قال الأوّل فی عدّة الأُصول، ج1، ص159: «الأمر عبارة عن قول القائل لمن هو دونه: افعل و الفعل لایسمی أمراً إلّا علی وجه المجاز و الاستعارة و هذا مذهب أکثر المتکلمین و الفقهاء»؛ و قال الثانی فی مبادئ الوصول، ص90: «الأمر هو اللفظ الدال علی طلب الفعل علی جهة الاستعلاء و هو حقیقة فی القول مجاز فی الفعل و إلّا لزم الاشتراک». و هو مختار المحقق القمی (قدس سره) أیضاً قال فی القوانین، ص32 «و ما قیل باشتراکه مع ذلک بین الفعل و الشأن و غیر ذلک بعید لعدم تبادرها و المجاز خیر من الاشتراک و الاستعمال أعم من الحقیقة...» بل لعله قول الأکثر قال فی هدایة المسترشدین، ص130 «و المحکی عن الأکثر فی کلام جماعة هو اختصاصه بالقول المخصوص و کونه مجازاً فی غیره و قد نص علیه جماعة من العامة و الخاصة و عزاه فخر الإسلام إلی الجمهور و السید العمیدی إلی المحققین...» و فی بدائع الأفکار، ص243 «أما الجهة الثانیة و هو أنّ الأمر هل هو مشترک بین المعانی المذکورة لفظاً أو معنی أو حقیقة و مجاز فاختلفوا فیها علی أقوال: أحدها أنّه حقیقة فی القول المخصوص و فیما عداه مجاز عُزی إلی الشیخ و العلامة و العمیدی و الشهید الثانی و غایة البادی و البیضاوی و الإصفهانی و الحاجبی و العضدی و نسبه الفخر إلی الجمهور و السید العمیدی إلی المحققین...» و أمّا المحاولة الرابعة: ما ذهب إلیه فی جواهر الأُصول، ج1، ص109. قال: «قد یقال:... إنّ لفظ الأمر مشترک لفظی... و قال بعض آخر: إنّ لفظ الأمر مشترک معنوی... و الذی یقتضیه التحقیق عدم استقامة کلا القولین... و ذلک لأنّ الذی یشتق منه و یکون مادّة المشتقات کما علیه المحققون هو مادة الأمر غیر المتهیأة بهیأة حتی هیأة المصدریة أو اسمها أعنی”أ م ر“ فالموضوع لنفس الطلب هو مادة ” أ م ر“ غیر المتهیأة و أمّا الموضوع لسائر المعانی فهو نفس لفظ الأمر بمادته و هیأته و بعبارة أُخری لفظ الأمر جامداً وضع لسائر المعانی فلم یکن الموضوع هنا شیئاً و لفظاً واحداً حتی یصح أن یقال بأنّه مشترک لفظی أو معنوی بین الطلب و سائر المعانی».

المحاولة الأُولی: کون اللفظ «الأمر» مشترکاً لفظیاً و المحاولة الثانیة: کونه مشترکاً معنویاً.((1))

المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی

و القول بالاشتراک اللفظی علی صورتین:

ص: 21


1- قد ذکر فی هدایة المسترشدین، ص130 أقوالاً ستة ثلاثة منها مذکورة هنا «اشتراکه لفظاً بین القول و الفعل، کونه مشترکاً بین القول المخصوص و الشیء و الشأن و کونه حقیقة فی القول المخصوص و ما یعم المعانی المذکورة». و فی بدائع الأفکار للمحقق الرشتی (قدس سره) ، ص243 أقوالاً تسعة ثلاثة منها مذکورة هنا «اشتراکه بین القول و الفعل، اشتراکه بین الطلب و شأن و اشتراکه بین القول المخصوص و القدر الجامع بین سائر المعانی المذکورة» و نقل عن الآمدی أنّه حقیقة فی القدر المشترک بین القول و الفعل و هو القول بالاشتراک المعنوی.

الصورة

الأُولی: الاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین((1)) و هنا نظریتان.((2))

الصورة الثانیة: الاشتراک اللفظی بین معنیین و فیها خمس نظریات کما سیأتی.

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی
اشارة

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (3)

و فی تعیین المعنی الواحد للفظ «الأمر» نظریتان کما سیأتی.

ص: 22


1- قال فی کفایة الأُصول، ص61 «الأُولی إنّه قد ذکر للفظ الأمر معانٍ متعددة. منها... و لا یخفی أنّ عد بعضها من معانیه من اشتباه المصداق بالمفهوم». نقول: هنا جهتان: 1. لفظ الأمر یطلق علی معانٍ عدیدة 2. هل الأمر مشترک بین المعانی المذکورة لفظاً أو معنی أو حقیقة و مجاز؟و هاتان الجهتان مذکورتان فی هدایة المسترشدین و بدائع الأفکار صراحةً و عبارة الکفایة أیضاً مشتملة علی کلتا الجهتین فیبدأ الکلام بذکر الجهة الأُولی و یختم بذکر الثانیة و الظاهر من الإشکال الذی أورده صاحب الکفایة1 علی النظریة الأُولی أنّ الکلام فی الجهة الأُولی؛ أما کون الأمر مشترکاً لفظیاً بین هذه المعانی السبعة فلم یذکر اختیاره من أحد فما فی جواهر الأُصول، ج2، ص109 «قد یقال و لعله المعروف بینهم إنّ لفظ الأمر مشترک لفظی بین معانی متعددة» لا یخلو من إشکال و کذا التفریع الذی جاء فی تحریرات فی الأُصول، ج2، ص5 «المعروف و المشهور أنّ لفظة الأمر لها معانٍ کالطلب و الشأن و... فیکون مشترکاً لفظیاً فی الکل».
2- هنا نظریة ثالثة ففی معارج الأُُصول، ص61 «و توسط أبو الحسین فقال هو مشترک بین القول المخصوص و بین الشیء و الصفة و الشأن و الطریق».
3- . ذکرت هنا نظریتان و لکن فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص12: «و أمّا المحاولة الثانیة و هی توحید معانی الأمر فی معنی واحد جامع فقد وقعت هذه المحاولة بأحد أنحاء ثلثة» و قال فی ص13: «الثالث أنّ الأمر موضوع للجامع بین الطلب و الواقعة» ثمّ أورد علیه. و ذکر وجهاً آخر المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأُصول، ج1، ص109 قال: «غایة ما یمکن أن یقال فی تصویر الجامع بین الکل هو أنّ الفعل باعتبار معناه المصدری یشمل جمیع ما تعلقت به إرادة الله جل جلاله حتی إنّه بهذا الاعتبار تکون الأحکام الشرعیة أیضاً فعلاً لأنّها أیضاً تعلقت بها الإرادة التشریعیة أی إنّها أیضاً فعل و مجعول فی عالم الاعتبار و التشریع فالطلب الذی ینتزع عن إبراز الإرادة التکوینیة أو التشریعیة بالقول أو الفعل أو الکتابة الذی هو أحد معانی الأمر أیضاً داخل تحت هذا المعنی لأنّه أیضاً فعل و من مصادیقه بهذا المعنی» الخ. و أمّا المحققون فقد ذکروا إشکالات علی هذه المحاولة: قال المحقق القوچانی (قدس سره) فی حاشیته علی الکفایة، الرقم108 عند التعلیقة علی قوله: «و لایخفی أنّ عدّ بعضها من معانیه»:«... و جعله جامعاً بین المعانی حتی یصیر الأمر مشترکاً معنویاً بینهما یبعده عدم صحة اشتقاق التصاریف منه بمعناه الحقیقی حینئذ و صحته منه بمعناه المجازی فی موارد استعماله فی بعض أفراده مثل الطلب لا فی موارد إطلاقه علی أفراده مطلقاً و لایخفی ما فیه حیث إنّ ذلک یحتاج إلی عنایة فی المشتقات منه و المترائی خلافه» الخ. و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج1، ص257 عند التعلیقة علی قوله: «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل»: «و التحقیق بعد الاعتراف بالاستعمال فی ما عدا الطلب أنّه لابد من الالتزام بالاشتراک اللفظی دون المعنوی أو الحقیقة و المجاز... و من الواضح أنّ اللفظ لو کان حقیقة فی أحد المعنیین من الطلب و غیره و کان فی الآخر مجازاً لما اختلف جمع الأمر بأحد المعنیین مع جمعه بمعنی آخر کما هو المشاهد فی سائر الحقائق و المجازات... مع اختصاص الاشتراک المعنوی بین الطلب و الشیء بإشکال آخر و هو أنّ الأمر ممّا لا إشکال إجمالاً فی اشتقاقه و الجامع بین ما یقبل الاشتقاق و ما لایقبله غیر معقول إذ الشیء بما هو غیر قابل للقیام بشیء حتی یکون قابلاً لطروّ النسب علیه بذاته أو فی ضمن معنی جامع» الخ. و فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص306 فی التعلیقة علی قوله «و منها الغرض»: «و هل هو حقیقة فی جمیعها اشتراکاً لفظیاً أو معنویاً... وجوه لا سبیل إلی الأوّل إذ فیه... و کذا الثانی لأنّه فرع وجود الجامع و هو مفقود و توهم کونه مفهوم الشیء فیه مضافاً إلی کونه أحد المعانی فکیف یکون جامعاً أنّه لایصح الاشتقاق منه لأنّ القابل له هو الحدث لا المفهوم المنطبق علیه و علی غیره». و راجع أیضاً أُصول الفقه، ج1، ص59 و مباحث الأُصول، ج1، ص250 و بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص13 و 14. و أجاب المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأصول، ج1، ص111 فقال: «نعم یبقی الإشکال من ناحیة الجمع حیث إنّ الأمر بمعنی ما عدا الطلب یجمع علی أُمور و بمعناه یجمع علی أوامر و إن کان یمکن أن یقال: إنّه لا مانع من أن یکون المفهوم الواحد إذ أُرید منه بعض المصادیق یجمع علی کذا و إذا أُرید منه البعض الآخر یکون له جمع آخر. و لکن مع ذلک کله یبقی إشکال الاشتقاقات فإنّه إن أرید من الأمر ذلک المعنی الحدثی فی جمیع الموارد فلماذا تکون الاشتقاقات مخصوصة بهذا المعنی؟ و إن کان یمکن أیضاً أن یقال: إنّ الاشتقاقات من جهة اختلاف نسب المعنی الحدثی فإذا کانت اختلافات النسب فی معنی حدثی قلیلة من جهة قلة الاحتیاج إلیها فقهراً تکون الاشتقاقات قلیلة و إذا کانت کثیرة تکون کثیرة و ذلک حسب الاحتیاج فالأمر بمعنی ما عدا الطلب من سائر المعانی یحتاج إلی اختلافات النسب بخلاف ما إذا کان بمعنی الطلب فإنّ الاحتیاج إلیها کثیر». و قال بعد ذلک: «هذا و لکن مع ذلک کله لایخلو هذا الکلام عن مناقشات».

ص: 23

النظریة الأُولی: من العلامة القوچانی (قدس سره)

النظریة الأُولی: ((1)) من العلامة القوچانی (قدس سره)

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین. ذهب (قدس سره) إلی أنّ الأمر حقیقة فی معانٍ ثلاثة : «الطلب»((2)) و «الشأن» و «الشیء».((3))

ص: 24


1- و هو مختار المحقق (قدس سره) أیضاً. قال فی هدایة المسترشدین، ص130 «و عن أبی الحسین البصری... و حکی عنه فی المعارج القول باشتراکه بین القول المخصوص و بین الشیء و الصفة و الشأن و الطریق و اختار القول به و ظاهر ما ذکره فی الاحتجاج علیه إرجاعه الطریق إلی الشأن و الصفة و الغرض إلی الشیء فیکون عنده مشترکاً بین الثلاثة». و راجع معارج الأصول، ص61.
2- فی بدائع الأفکار، ص243: «اختلفوا بعد اتّفاقهم علی أنّ الأمر... فمنهم من جعله حقیقة فی مطلق الطلب سواء کان مستکشفاً من القول أو الإشارة أو الکتابة و مجازاً فی القول کما فی الفصول؛ و منهم من جعله حقیقة فی کل من القول و الطلب کالسید المحقق الکاظمی؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول ساکتاً عن الطلب و هو المصرّح به فی کلمات الکل بل ادّعی جماعة من المحققین علیه الإجماع؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول الدالّ علی الطلب لا القول المجرّد صرّح به فی التهذیب و وافقه المحقق القمی» أمّا کون الأمر الطلب الحاصل بالقول فهو مختار المحقق القمی (قدس سره) کما عرفت و المحقق الرشتی و العلامة الطباطبائی (قدس سرهما) ففی القوانین، ص32: «الأمر علی ما ذکره أکثر الأُصولیین هو طلب فعل بالقول استعلاءً»؛ و فی بدائع الأفکار، ص243: «و الذی یقتضیه التحقیق بعد إمعان النظر فی کلماتهم أنّ کلاً من القول و الطلب مأخوذ فی معنی الأمر فیکون کل واحد جزءً للموضوع له و تمامه هو القول الدال علی الطلب أو الطلب الحاصل بالقول»؛ و فی حاشیة الکفایة للعلامة، ص69: «معنی الأمر لیس هو الإرادة مطلقاً من الأمر سواء دلّ علیها أم لا و لا هو الإرادة المدلول علیها مطلقاً سواء کان الدالّ علیها اللفظ أو غیره من الإشارات... بل معنی الأمر هو”الصیغة الدالّة علی إنشاء الإرادة“». و لعلّ المحقق النائینی (قدس سره) یوافق هذا القول ففی أجود التقریرات، ج1، ص86 عبّر عن المعنی الأول بالطلب المنشأ بإحدی الصیغ الموضوعة له. و فی قبال ذلک قال المحقق المظفر (قدس سره) فی أصول الفقه، ج1، ص59: «و المراد من الطلب إظهار الإرادة و الرغبة بالقول أو الکتابة أو الإشارة أو نحو هذه الأُمور ممّا یصحّ إظهار الإرادة و الرغبة و ابرازهما به فمجرد الإرادة و الرغبة من دون إظهارها بمظهر لاتسمّی طلباً». و لعل المحقق البهجة (قدس سره) وافق هذا القول حیث عبّر فی مباحث الأصول، ج1، ص249 عن المعنی الأوّل بالطلب المدلول بدالّ إنشاءً.
3- حاشیة الکفایة، ص51، التعلیقة108 علی هذه العبارة «و لایخفی أنّ عد بعضها من معانیه» قال (قدس سره) : «لایخفی أنّ الأمر إما... أو حقیقة فی الثلاثة و هی الشیء و الشأن و الطلب المخصوص و هو التحقیق». و فی الذریعة، ج14، ص34 «شرح الکفایة للشیخ علی بن قاسم القوچانی مطبوع و هو کان من أجلاء تلامیذ المصنف فکان یقرر درس أُستاذه فی حیاته بعد انقضاء الدرس و یسمع تقریره جمع من التلامیذ و صار مدرساً بعد وفاة أُستاذه و لم یطل زمانه بعده فابتلی بالسل و ذهب إلی الکاظمیة للعلاج و لم ینجح و توفی بها فی شهر رمضان سنة 1333» و ذکره أیضاً فی ج 26، ص267 بعنوان «الحاشیة علی کفایة الأصول». و ذکر له تألیفاً آخر فی ج4، ص380 قال (قدس سره) : «التقریرات للشیخ علی القوچانی النجفی المتوفی بالکاظمیة فی شهر رمضان 1333 عن نیف و أربعین سنة کان من أجلاء تلامیذ شیخنا آیة الله الخراسانی و مقرری درسه فی حیاته و المدرس بعد وفاته و کتب کثیراً من تقریراته و طبع حاشیته علی الکفایة و تزوج أخیراً بابنة المرحوم السید محمد بن إبراهیم اللواسانی الآتی ذکر تقریراته».
النظریة الثانیة: من معلّق الکفایة المحقق المشکینی (قدس سره)
اشارة

هی أیضا للقائل بالاشتراک اللفظی بین أکثر من معنیین. ذهب (قدس سره) إلی أنّ معانیه : «الطلب» و «الفعل» و «الشیء».((1))

أما المناقشة فی النظریة الأُولی و الثانیة:

فیظهر بعد ملاحظة ما یأتی من مناقشة سائر النظریات.

ص: 25


1- حواشی المشکینی، ج1، ص308، التعلیقة علی هذه العبارة «و بذلک ظهر ما فی دعوی الفصول» قال (قدس سره) : «اعلم أنّ فی المسألة...أقوالاً:... الرابع ما هو المختار من کونه حقیقة فی الأولین [أی الشیء و الطلب] مع الفعل». و فی الذریعة، ج6، ص186 «الحاشیة علیها [أی کفایة الأصول] للمیرزا أبی الحسن بن عبدالحسین المشکینی المتوفی بالنجف فی یوم الاثنین 27 ج2 1358 طبع الجزء الأول منها فی النجف و طبعت کلها علی هامش الکفایة بطهران سنة 364» و ذکره أیضاً فی ج14، ص34 بعنوان «شرح الکفایة».
النظریة الثالثة: من صاحب الفصول
اشارة

((1))

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین. إنّه (قدس سره) ذهب إلی أنّهما «الطلب» و «الشأن».((2))

المناقشة فی النظریة الثالثة:

((3))

أولاً: إنّ معنی «الشأن » لایخطر فی الذهن من الأمر غیر الطلبی.((4))

ثانیاً: المناقشة الأُولی علی النظریة السادسة مع الملاحظة علیها.

النظریة الرابعة: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً،فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال لم

ص: 26


1- فی الذریعة، ج16، ص241 «الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة للشیخ محمد حسین بن محمد رحیم (عبد الرحیم) الطهرانی الإصفهانی الحائری المتوفی 1250 کما فی نجوم السماء و هو أخو الشیخ محمد تقی صاحب الحاشیة الکبیرة علی المعالم.
2- الفصول الغرویة، ص62، المقالة الأولی، القول فی الأمر «فصل الحق أنّ لفظ الأمر مشترک بین الطلب المخصوص کما یقال: أمره بکذا و بین الشأن کما یقال: شغله أمر کذا الخ». و فی معارج الأصول، ص61: «لنا أنّ القائل إذا قال: هذا أمر... و إن قال: مستقیم عُلم الشأن».
3- و فی حواشی المشکینی1، ج1، ص308: «فیه مضافاً إلی ما ذکر فی المتن من کونه من قبیل اشتباه المصداق بالمفهوم أنّ اللازم حینئذ فی ما استعمل فی غیر المعنیین المذکورین نحو رأیت أمراً إمّا کونه من مصادیقهما أو وقوع الاستعمال مجازاً و کلاهما منتفٍ أمّا الأوّل فلأنّ لازمه صحة التبدیل بأحد المعنیین علی سبیل منع الخلو و لایخفی عدم صحته و أمّا الثانی فلوجهین: الأوّل انتفاء المناسبة اللزومیة بینهما و بین مفهوم الشیء و عدم علاقة معهودة علی الخلاف غیر العموم و الخصوص و هو غیر معتبر. الثانی عدم لحاظ العرف علاقة فیه».
4- فی تحقیق الأصول، ج2، ص8 «و أما رأی صاحب الفصول فواضح الضعف إذ لا حکایة للفظ الأمر عن الشأن و لاینسبق منه إلی الذهن».

یبعد((1)) کونهما حقیقة فی «الطلب» و «الشیء».((2))

ص: 27


1- إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) و إن قال أوّلاً فی ص62: «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء» و لکن یقول بعد ذلک عبارات ربّما ینافی کونه مختاره فإنّه یقول بعد أسطر: «و إنّما المهم بیان ما هو معناه عرفاً و لغةً لیحمل علیه فیما إذا ورد بلا قرینة و قد استعمل فی غیر واحد من المعانی فی الکتاب و السنّة و لاحجة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی أو المعنوی أو الحقیقة و المجاز... نعم لو علم ظهوره فی أحد معانیه و لو احتمل أنّه کان للانسباق من الإطلاق فلیحمل علیه و إن لم یعلم أنّه حقیقة فیه بالخصوص أو فیما یعمّه کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل». جاء فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص312 فی التعلیقة 228 علی قوله: «و لا حجة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی»: «و هذا منافٍ لما اختاره فی أول البحث من کونه مشترکاً لفظیاً بین الطلب و الشیء» بل ذکر فی عنایة الأصول اختلاف النسخ فی العبارة الأولی و لیس «و الشیء» فی بعضها و جعلها الأصل و قال بعد ذلک: «إنّ فی بعض النسخ هکذا: حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء» ثم بعّد ما فی هذه النسخة و ذکر ممّا یبعّده قوله: «و لا حجّة علی أنّه علی نحو الاشتراک اللفظی» و قال فی توضیحه: «إذ لو کان حقیقة فی الطلب و الشیء کان لامحالة مشترکاً لفظیاً بینهما». و عند التعلیقة علی قوله: «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل». قال فی نهایة الدرایة، ج1، ص177: «مع أنّه (قدس سره) لم یستبعد أولا کونه حقیقة فی الطلب و الشیء». و فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص313: «و لکن ظهوره فیه من بین المعانی ممنوع بل هو مجمل بینه و بین مفهوم الشیء لولا القرینة الخارجیة الشخصیة». و فی حقائق الأصول، ج1، ص143: «قد تقدم منه أنّه لایبعد کون لفظ الأمر حقیقة فی الطلب و فی الشیء و حینئذ فدعوی ظهوره فی الأوّل غیر ظاهرة الوجه». و فی عنایة الأصول، ج1، ص180: «أی کما لایبعد أن یکون الأمر ظاهراً فی المعنی الأوّل و هو الطلب و لو احتمل أنّه کان للانسباق من الإطلاق لا من الحاقّ فلایعلم کونه حقیقة فیه أقول: هذا مناف لما تقدم منه آنفاً من قوله” و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة“» و فی ص 176 ذکر أنّ هذه العبارة مما یبعّد النسخة التی فیها «و الشیء». و لکن فی منتهی الدرایة، ج1، ص369 جمع بین هاتین العبارتین و قال: «إنّ دعوی الحقیقة فی المعنیین لاتنافی ظهور اللفظ فی خصوص أحدهما کالطلب فی المقام لجهة خارجیة مثل کثرة الاستعمال فیه فإنّ الظهور الناشیء عن جهة خارجیة فی أحد المعنیین بالخصوص لاینافی الوضع لهما کما لایخفی».
2- ذهب إلیه قبل صاحب الکفایة (قدس سره) ، صاحب هدایة المسترشدین و بدائع الأفکار". ففی الأوّل، ص130 «و کیف کان فالأظهر کونه حقیقة فی القول المخصوص و ما یعمّ المعانی المذکورة و لا یبعد أن یجعل الشیء هو المعنی الشامل لها ما عدا القول فیکون کل من تلک الخصوصیات مفهوماً من الخارج و یکون اللفظ مشترکاً بین المعنیین المذکورین». و فی الثانی، ص243 «و أمّا الجهة الثانیة و هو أنّ الأمر هل هو مشترک بین المعانی المذکورة لفظاً أو معنی أو حقیقة و مجاز فاختلفوا فیها علی أقوال:... التاسع أنّه مشترک بین القول المخصوص و القدر الجامع بین سائر المعانی المذکورة و هو مختار بعض المحققین من متأخری المتأخرین و هو المختار». أما وجه هذه النظریة ففی هدایة المسترشدین، ص130 بعد اختیار هذا القول: «لنا تردد الذهن بین المعنیین حال الإطلاق و هو دلیل الاشتراک». و فی الحاشیة علی الکفایة للمحقق البروجردی (قدس سره) ، ج1، ص153: «لکن التحقیق أنّه مستعمل فی العرف و اللغة فی الطلب و الشیء فی الجملة علی نحو الحقیقة أمّا الاستعمال فلوجوده فی الآثار و الأخبار و الکتاب و السنّة و الأدعیة و أمّا کونه علی نحو الحقیقة فللتبادر و الانسباق».
مناقشات ثلاث فی النظریة الرابعة:
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

قال: «کونه حقیقةً فی هذین الأمرین و إن کان مختار جملة من المحققین علی ما حُکی إلا أنّ استعمال الأمر فی الشیء مطلقاً لایخلو عن شیء إذ الشیء یطلق علی الأعیان و الأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة فلایقال: "رأیت أمراً عجیباً" إذا رأی فرساً عجیباً و لکن یحسن ذلک إذا رأی فعلاً عجیباً من الأفعال».

ص: 28


1- و فی حواشی المشکینی (قدس سره) ، ج1، ص309: «و یرد علیه ما أوردنا علی الفصول حرفاً بحرف فی قولهم: أمر فلان معجب».
2- نهایة الدرایة، ج1، ص250، التعلیقة 139 علی هذه العبارة «و لایبعد دعوی کونه حقیقةً فی الطلب فی الجملة و الشیء». و فی منتهی الأصول للمحقق البجنوردی (قدس سره) ، ج1، ص111: «ثم علی تقدیر صحّة ما ذهبوا إلیه فالجامع بین ما عدا الطلب لیس هو مفهوم الشیء لإطلاق الشیء علی الأعیان و الذوات جواهراً کانت أم أعراضاً بخلاف الأمر فإنّه لایطلق علی الذوات و الأعیان إلّا باعتبار صدورها عن فاعلها و خالقها».
یلاحظ علیها:

أنّ عدم تداول الاستعمال لایضر بصحته کما یقال: هذا (زید) أمر متشخص بذاته و جزئی خارجی. مضافاً إلی أن هذا المحقق (قدس سره) أعرض عن هذه المناقشة و استدرک عنها و قال بأنّ الشیء بمعناه المصدری المبنی للمفعول یطلق علی الأعیان الخارجیة أیضاً، و التزم بأن مفهوم الأمر حینئذٍ مساوق لمعنی الشیء و الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال معنی الطلب.

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین

((1))

إنّه

لایجوز إطلاق الأمر علی الله تعالی مع أنّه یطلق علیه الشیء فیقال: شیء لا کالأشیاء.((2))

ص: 29


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص8 و 9 «و أما رأی صاحب الکفایة... فیه أنّ الشیء یطلق علی... و علی ذات الباری لکن الأمر لایصح إطلاقه علی هذه الموارد... و فی الأخبار أنّه یقال لله شیء لکنه شیء بخلاف الأشیاء فیطلق علیه الشیء و لکن لایطلق الأمر».
2- قد ذکر فی الکافی باب إطلاق القول بأنه شیء و فی التوحید باب أنه تبارک و تعالی شیء و ما ورد بهذا المضمون علی أقسام: الأول: ما ورد بلسان المعصوم أنه تعالی شیء بخلاف الأشیاء و هو حدیثان: 1) فی الکافی،ج1، ص81، کتاب التوحید، باب حدوث العالم و إثبات المحدث، ح5: علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن عباس بن عمرو الفقیمی عن هشام بن الحکم فی حدیث الزندیق الذی أتی أبا عبد الله (علیه السلام) ... قال: فما هو؟ قال: شیء بخلاف الأشیاء ارجع بقولی إلی إثبات معنی وأنه شیء بحقیقة الشیئیة غیر أنه لا جسم ولا صورة ولا یحس ولا یجس ولا یدرک بالحواس الخمس، لا تدرکه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغیره الأزمان. و جاء أیضا فی الکافی، ج1، ص83، باب إطلاق القول بأنه شیء، ح6 و فی التوحید، ص104، باب7، ح2 و ص244، باب36، ح1و فی معانی الأخبار، ص8، معنی قول الأئمة (علیهم السلام) إن الله تبارک و تعالی شیء، ح1 و فی الاحتجاج، ج2، ص70. 2) فی عیون أخبار الرضا، ج2، ص120، باب ما جاء عن الرضا علی بن موسی (علیه السلام) من الأخبار فی التوحید، ح28: حدثنا محمد بن علی ماجیلویه رضی الله عنه قال: حدثنی عمی محمد بن أبی القاسم قال: حدثنی أبو سمینه محمد بن علی الکوفی الصیرفی عن محمد بن عبد الله الخراسانی خادم الرضا (علیه السلام) قال: دخل رجل من الزنادقة علی الرضا (علیه السلام) عنده جماعه... فقال أبو الحسن (علیه السلام) : ویلک لما عجزت حواسک عن ادراکه أنکرت ربوبیته و نحن إذا عجزت حواسنا عن ادراکه أیقنا أنه ربنا و إنه شیء بخلاف الأشیاء. الثانی: ما قرر المعصوم أنه تعالی شیء لا کالأشیاء فی التوحید، ص107، باب أنه تبارک وتعالی شیء، ح8: حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة، قال: حدثنی عدة من أصحابنا، عن محمد بن عیسی بن عبید، قال: قال لی أبو الحسن (علیه السلام) : ما تقول إذا قیل لک: أخبرنی عن الله عز وجل شیء هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شیئا حیث یقول: (قل أی شیء أکبر شهادة قل الله شهید بینی وبینکم) فأقول: إنه شیء لا کالأشیاء، إذ فی نفی الشیئیة عنه إبطاله ونفیه، قال لی: صدقت وأصبت. الحدیث. الثالث: ما أجاب المعصوم بالإثبات لهذا السؤال: أیجوز أن یقال إن الله شیء؟ فی الکافی، ج1، ص82، باب إطلاق القول بأنه شیء، ح2: محمد بن أبی عبد الله، عن محمد بن إسماعیل عن الحسین بن الحسن، عن بکر بن صالح، عن الحسین بن سعید قال: سئل أبو جعفر الثانی (علیه السلام) : یجوز أن یقال لله: إنه شیء؟ قال: نعم، یخرجه من الحدین: حد التعطیل وحد التشبیه. و فی ص85، ح7: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عیسی، عمن ذکره قال: سئل أبو جعفر (علیه السلام) : أیجوز أن یقال: إن الله شیء؟ قال: نعم یخرجه من الحدین: حد التعطیل وحد التشبیه. الرابع: ما أجاب المعصوم بالإثبات لهذا السؤال: أتوهم شیئا؟ فی نفس المصدر، ح1: محمد بن یعقوب، عن علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسی، عن عبد الرحمن ابن أبی نجران قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن التوحید فقلت: أتوهم شیئا؟ فقال: نعم، غیر معقول ولا محدود، فما وقع وهمک علیه من شیء فهو خلافه، لا یشبهه شیء و لاتدرکه الأوهام، کیف تدرکه الأوهام وهو خلاف ما یعقل، وخلاف ما یتصور فی الأوهام؟! إنما یتوهم شیء غیر معقول و لا محدود الخامس: ما جاء بهذا المضمون: کل ما وقع علیه اسم شیء فهو مخلوق ما خلا الله سبحانه فی نفس المصدر، ح3: علی بن إبراهیم، عن محمد بن عیسی، عن یونس، عن أبی المغرا رفعه، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال: إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، و کلما وقع علیه اسم شیء فهو مخلوق ما خلاالله. و ح4: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقی، عن أبیه، عن النضر بن سوید، عن یحیی الحلبی، عن ابن مسکان، عن زرارة بن أعین قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وکل ما وقع علیه شیء ما خلا الله فهو مخلوق والله خالق کل شیء، تبارک الذی لیس کمثله شیء وهو السمیع البصیر. و ح5: علی بن إبراهیم، عن أبیه، عن ابن أبی عمیر. عن علی بن عطیة، عن خیثمة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: إن الله خلو من خلقه، وخلقه خلو منه، وکل ما وقع علیه اسم شیء ما خلا الله تعالی فهو مخلوق و الله خالق کل شیء.

ص: 30

المناقشة الثالثة:

و هی ما سیأتی من المناقشه الأولی علی النظریة السادسة مع الملاحظة علیها.

النظریة الخامسة: من المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضا. إنّه (قدس سره) ذهب((1)) إلی أنّهما «الطلب» و «الفعل».((2))

ص: 31


1- هذا موافق لما أُفید فی نهایة الأصول، ص75 المقصد الأول، الفصل الأول، المبحث الأول إذ جاء فیه: «و لعل معناه الجمودی عبارة عن الفعل». و أما فی سائر الکتب من حاشیته و تقریراته (قدس سره) فقد ذکر کونه مشترکاً بین الطلب و الشیء. ففی حاشیة علی کفایة الأصول للحجتی، ج2، ص154: «التحقیق أنّه مستعمل فی العرف و اللغة فی الطلب و الشیء فی الجملة علی نحو الحقیقة». و فی الحجة فی الفقه للحائری، المجلد الأول، ص97: «إنّ ما یؤدی إلیه النظر أنّ للأمر معنیین فقط أحدهما بمعناه الحدثی الصدوری أی بمعنی الطلب و منه اشتقاقاته ثانیهما بمعناه الجمودی أی بمعنی الشیء إلا أنّه لایطلق الأمر علی مطلق الأشیاء حتی الجمادات بل إنّما یطلق علی خصوص بعض الأعراض إذ من المستبعد جداً إطلاق الأمر أو الأُمور عند العرف علی الجواهر مثل زید و عمرو و الجبال و البحار و الأشجار و الصحاری لکنّه یطلق علیها الأشیاء و الشیء».
2- ذهب إلیه السید (قدس سره) فی الذریعة و العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی حاشیة الکفایة. ففی الأوّل، ج1، ص27 «اختلف الناس فی هذه اللفظة فذهب قوم إلی أنّها مختصّة بالقول دون الفعل... و قال آخرون: هی مشترکة بین القول و الفعل و حقیقة فیهما معاً و الذی یدلّ علی صحة ذلک...». و فی الثانی، ص69 فی التعلیقة علی قوله «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء»: «یعنی به الاشتراک اللفظی بینهما لکن لایخفی... بل معناه إن کان فهو الطلب و الفعل». و قال المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأُصول، ج1، ص111 بعد ذکر بعض الإشکالات علی القول بالاشتراک المعنوی بین جمیع المعانی: «... و لعلّه لذلک ذهب جمع من المحققین إلی اشتراکه اللفظی بین الطلب و بین جامع ما عداه ثمّ علی تقدیر صحة ما ذهبوا إلیه فالجامع بین ما عدا الطلب لیس هو الشیء... فالأحسن أن یقال: إنّ الجامع بین ما عدا الطلب من تلک المعانی هو الفعل بالمعنی الذی ذکرنا».
المناقشة فی النظریة الخامسة:

قد أورد - علی أنّ معنی الأمر الطلب و الفعل((1)) - بعض أکابر الاساطین (دام ظله)

ص: 32


1- قال السید المرتضی (قدس سره) فی الذریعة، ج1، ص27: «و قال آخرون هی مشترکة بین القول و الفعل و حقیقة فیهما معاً و الذی یدلّ علی صحة ذلک أنّه لا خلاف فی استعمال لفظة الأمر فی اللغة العربیة تارة فی القول و أخری فی الفعل لأنّهم یقولون: أمر فلان مستقیم و إنّما یریدون طرائقه [و] أفعاله دون أقواله و یقولون: هذا أمر عظیم کما یقولون: هذا خطب عظیم و رأیت من فلان أمراً أهالنی أو أعجبنی و یریدون بذلک الأفعال لامحالة و من أمثال العرب فی خبر الزبا لأمرٍما جدع قصیر أنفه و قال الشاعر: لأمرٍما یسود من یسود؛ و ممّا یمکن أن یستشهد به علی ذلک من القرآن قوله تعالی: (حَتَّی إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) (هود:40) و إنّما یرید الله تعالی بذلک الأهوال و العجائب التی فعلها جلّ اسمه و خرق بها العادة و قوله تعالی: (أَتَعْجَبِینَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) (هود:73) و أراد الفعل لامحالة و إذا صحت هذه الجملة و کان ظاهر استعمال أهل اللغة اللفظة فی شیئین أو أشیاء یدلّ علی أنّها حقیقة فیهما و مشترکة بینهما إلّا أن یقوم دلیل قاهر یدلّ علی أنّه مجاز فی أحدهما – و قد بسطنا هذه الطریقة فی مواضع کثیرة من کلامنا و سیجیء مشروحة مستوفاة فی مواضعها من کتابنا هذا – وجب القطع علی اشتراک هذه اللفظة بین الأمرین و وجب علی من ادعی أنّها مجاز فی أحدهما الدلیل». و ردّ علیه الشیخ (قدس سره) فی عدّة الأُصول، ج1، ص159 و قال: «و الذی یدلّ علی ما قلناه من أنّ هذه الصیغة حقیقة فی القول دون الفعل اطّرادها فی القول و وقوفها فی الفعل لأنّه لیس کل فعل یسمّی أمراً ألا تری أنّه لایسمّی الأکل و الشرب و القیام و القعود بأنّه أمر و إنّما یقال لجملة أحوال الإنسان إنّه أمر فیقال: أمره مستقیم و أمره مضطرب و أمّا تفاصیل الأفعال فلاتوصف بذلک... و أیضاً فإنّ هذه اللفظة لها اشتقاق لأنّه یشتق منها اسم الفاعل فیقال آمر و اسم المأمور و فعل الماضی و المستقبل و کل ذلک لایتأتی فی الفعل فعلم بذلک أنّه مجاز فی الفعل و حقیقة فی القول». و ردّ علیه أیضاً المحقق (قدس سره) فی معارج الأصول، ص61 حیث قال: «و احتج من جعله حقیقة فی الفعل بوجوه: أحدها: قوله تعالی (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ) (هود:97) الثانی: قوله تعالی (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ) (القمر:50) الثالث: أنّ أمراً فی الفعل جمعه أُمور و الجمع دلالة الحقیقة الرابع: أنّه مستعمل فی الفعل و الاستعمال دلالة الحقیقة. و الجواب عن الأوّل: أنّه محمول علی القول و یؤیده قوله «فاتبعوا». و عن الثانی: لانسلّم أنّ المراد بذلک الفعل و إلّا لکانت أفعاله کلها واحدة بل الشأن أی شأننا ذلک. و عن الثالث: لانسلّم أنّ التصرف دلالة الحقیقة سلّمنا لکن لانسلّم أنّ أُموراً جمع أمر فإنّه لا فرق بین قولهم: أمر فلان مستقیم و بین قولهم: أُمور فلان مستقیمة سلّمنا لکن إطلاق ذلک لخصوص کونه شأناً لا لعموم کونه فعلاً. و عن الرابع: لانسلّم أنّ الأصل فی الاستعمال الحقیقة سلّمنا لکن معارض بأنّ الأصل عدم الاشتراک» و نفس السید (قدس سره) فی الذریعة قال: «و قد تعلّق المخالف لنا فی هذه المسألة بأشیاء: منها أنّ الأمر یشتق منه فی اللغة العربیة الوصف لفاعله بأنّه آمر و هذا لایلیق إلّا بالقول دون الفعل لأنّهم لایسمّون من فعل فعلاً لیس بقول بأنّه آمر. و منها أنّه لو کان اسماً للفعل فی الحقیقة لاطّرد فی کل فعل حتی یسمّی الأکل و الشرب بأنّه أمر ألاتری أنّ القول لما کان أمراً اطّرد فی کل ما هو بصفته. و منها أنّ من شأن الأمر أن یقتضی مأموراً و مأموراً به کما یقتضی الضرب ذلک و معلوم أنّ ذلک لایلیق إلّا بالقول دون الفعل» إلی آخر الأشیاء السبعة . ثمّ قال فی ص30: «فیقال لهم فیما تعلّقوا به أوّلاً من دلالة الاشتقاق:... فأی دلالة فی ذلک علی أنّ الفعل لایسمّی أمراً... و هذه الطریقة توجب علیهم أن تکون لفظة عین غیر مشترکة لأنّ لقائل أن یقول: إنّ هذه اللفظة إنّما تجری علی ما یشتق منه أعین و عیناء و هذا لایلیق بالجارحة فیجب أن تکون مقصورة علیها و بمثل ما یدفعون به هذا القول یدفع قولهم. و یقال لهم فیما تعلّقوا به ثانیاً: نحن نقول بما ظننتم أنّا نمنع منه و لانفرق بین وقوع هذا الاسم الذی هو الأمر علی الأفعال کلها علی اختلافها و تغایرها و إلّا فضعوا أیدیکم علی أی فعل شئتم فإنّا نبین أنّ أهل اللغة لایمتنعون من أن یسمّوه أمراً. و یقال لهم فیما تعلّقوا به ثالثاً:... و أنتم لایمکنکم أن تنقلوا عن أهل اللغة أنّ کل ما سمی أمراً و إن لم یکن قولاً یقتضی مأموراً به و مأموراً» الخ. و قال العلامة الطباطبائی (قدس سره) فی حاشیة الکفایة، ص69: «لایخفی أنّ صدق الأمر علی غیر الطلب المخصوص موقوف علی اشتمال مصداقه علی نسبة أی معنی حدثی من حیث هو کذلک یشهد بذلک الاستعمالات و الشیء و الشأن و أضرابهما لاتشتمل علی ذلک فلیست من معانی الأمر بل معناه إن کان فهو الطلب و الفعل و أظن أنّ المتأمّل المستأنس بتطورات اللغة و موارد استعمال الأمر خاصّة یذعن... بل معنی الأمر هو الصیغة الدالّة علی إنشاء الإرادة و یجمع علی أوامر ثمّ اشتق منه الأمر بمعنی مطلق الفعل لکونه یتعلّق به الأمر و جمعه علی أُمور و نظائره کثیرة فی اللغات من حیث تطوراتها و کذا سائر المعانی فی اشتقاقات هذه المادّة کالإمرة و الأمارة».

ص: 33

بوجوه ثلاثة:

أولاً: إنّ الأمر الجمودی أعم من

الفعل فیشمل الصفات و الأعراض کما یقال للسواد العارض للشیء أمر و للعلم الذی اتصف به العالم أمر.((1))

ثانیاً: مفهوم الفعل لایخطر فی الذهن من الأمر الجمودی و مصداق الفعل لایکون الموضوع له لأنّه یلزم حینئذٍ الوضع العام و الموضوع له الخاص.

فالمعنی الجمودی الأخص من الشیء الأعم من الفعل.

ثالثاً: ما سیأتی من المناقشة الأُولی علی النظریة السادسة مع ما یلاحظ علیها.

النظریة السادسة: من المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

و هی للقائل بالإشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّ المحقق العراقی و المحقق الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ذهبوا إلی أنّهما «الطلب» و «معنی أخص من الشیء» و بعضهم قیدوا معنی الثانی و قالوا: «أخصّ من الشیء و أعم من الفعل»((2))

ص: 34


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص9 و 10 «و أما رأی السید البروجردی فقد ظهر ما فیه مما تقدم لأنّه قد خص الأمر بالفعل مع کونه یطلق علی غیر الفعل أیضاً هذا أولاً».
2- من الأعلام من صرّح بکون الأمر موضوعاً لمعنی أخص من الشیء أعم من الفعل و هو المحقق الوحید (دام ظله) و نُسب هذا المذهب إلی المحقق الخوئی (قدس سره) و فی تحقیق الأصول: «و هذا القول للمحقق العراقی (قدس سره) ». و لکنّا ما وجدنا من صرّح به إلا بعض الأساطین (دام ظله) حیث قال فی تحقیق الأصول، ج2، ص10، الأوامر، مادة الأمر، ما معنی مادة الأمر؟ «فظهر أنّ الحق کون مفهوم الأمر أوسع دائرةً من الفعل و أضیق من الشیء». و المحقق الفیروزآبادی (قدس سره) جاء بتعبیر قریب منه قال فی عنایة الأُُصول، ج1، ص174 فی التعلیقة علی قوله: «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة»: «... و علی کل حال الحق أنّ للفظ الأمر معنیین بحکم التبادر لا أکثر: أحدهما... ثانیهما ما یقرب من مفهوم الشیء و الفعل». أمّا المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) فهما قائلان بکون معنی الأمر أضیق من الشیء. ففی مقالات الأُُصول، ج1، ص205، المقالة الثالثة عشرة: «و إنّ أصل المعنی ربّما یرجع إلی معنیین: أحدهما عبارة عن مفهوم عام عرضی مساوق لمفهوم الشیء و الذات من حیث کونهما أیضاً من المفاهیم العامة العرضیة و إن کان له نحو أخصیة عمّا یساوقه من العنوانین و بهذا المعنی کان من الجوامد» و إن جاء فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص156اختیار کون الأمر حقیقة فی الشیء بدون ذکر أخصیته. و فی محاضرات، ج1، ص343 و 344 من الطبعة الجدیدة: «و یمکن أن نقول: إنّ مادّة الأمر موضوعة لغة لمعنیین علی سبیل الاشتراک اللفظی: أحدهما... و ثانیهما الشیء الخاص و هو الذی یتقوم بالشخص من الفعل أو الصفة أو نحوهما فی مقابل الجواهر و بعض أقسام الأعراض». و مثلهما المحقق المظفر و المحقق الصدر (قدس سرهما) حیث قال الأوّل فی أُُصول الفقه، ج1، ص59: «و لایبعد أن تکون المعانی التی استعملت فیها کلمة الأمر ماخلا الطلب ترجع إلی معنی واحد جامع بینها و هو مفهوم الشیء... و المراد من الشیء من لفظ الأمر أیضاً لیس کل شیء علی الإطلاق فیکون تفسیره به من باب تعریف الشیء بالأعم أیضاً فإنّ الشیء لایقال له أمر إلّا إذا کان من الأفعال و الصفات و لذا لایقال: رأیت أمراً إذا رأیت إنساناً أو شجراً أو حائطاً». و قال الثانی کما فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص11، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الأُولی، المحاولة الأولی: «و الصحیح أنّ مدلول کلمة الأمر حسب المستفاد من استعمالاتها فی غیر الطلب و إن لم یکن یساوق مفهوم الشیء بعرضه العریض إلّا أنّه لیس مخصوصاً بالحادثة أو الواقعة المهمّة أو الحدث».
المناقشة فی النظریة السادسة:
اشارة

هذه النظریة متعینة لولا مناقشتان:

المناقشة الأُولی:
اشارة

و هی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) من اعتبار خصوصیة فی المعنی الأول - و هو الطّلب - و أن الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان و هذا

ص: 35

قرینة قاطعة علی أنّها لم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و فعل نفسه، فالموضوع له الأول لمادة الأمر هو الطلب فی إطار خاص لا الطلب المطلق.((1))

یلاحظ علیها:

إنّ الأمر یطلق إذا تعلق بفعل نفسه کما قال تعالی: (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) ((2)) فإن المراد من «أمره» هو قوله فی ما بعد «کن» و هو مشتمل علی الطلب الذی لایتعلّق بفعل غیره.

المناقشة الثانیة:

و هی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من إرجاع المعنی غیر الطلبی و هو الأخص من الشیء و الأعم من الفعل إلی المعنی الطلبی و قد نشیر إلیه.

النظریة السابعة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک اللفظی بین معنیین أیضاً. إنّه (قدس سره) ذهب إلی أنّهما «إبراز الاعتبار النفسانی» و «معنی أخص من الشیء».((3))

ص: 36


1- محاضرات (ط ق) ج2، ص7؛ (ط.ج) ج2، ص 343 و 344 «یمکن أن نقول: إنّ مادة موضوعة لغة لمعنیین علی سبیل الإشتراک اللفظی أحدهما الطلب فی إطار خاص لا الطلب المطلق... و من هنا یظهر أن النسبة بین الأمر و الطلب عموم مطلق».
2- یس:82.
3- محاضرات فی أصول الفقه (ط.ق)، ج2، ص8 و 9؛ (ط.ج) ج1، ص345 و 346، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الأولی «فالنتیجة أنّه موضوع بإزاء المعنیین الماضیین علی نحو الاشتراک اللفظی: الحصة الخاصة من الطلب [و] الحصة الخاصة من مفهوم الشیء... هذا علی ما بیناه فی الدورات السابقة و لکن الصحیح فی المقام أن یقال: إنّ مادة الأمر... وضعت للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج».
المناقشة فی النظریة السابعة:

قد استشکل هذه النظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ المناط فی الاعتبار و الإبراز أن یکون المعتبر مدلولاً لللّفظ مثل البیع و النکاح اللذین هما اعتباران لللّفظ نفسانیان نبرزهما بلفظ ملکتک و أنکحتک و لکن فی ما نحن فیه المعتبر هو ثبوت الفعل و وجوبه علی الذمة و المبرز لفظ «آمرک » و معنی الأمر لیس وجوب الفعل و لا إبرازه. نعم الأمر یکون مصداقاً للإبراز کما یستفاد منه وجوب الفعل لکن البحث فی المفهوم و المعنی لا فی المصداق.

النظریة الثامنة : من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

هی للقائل بالاشتراک المعنوی فی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة بعد قوله بالاشتراک اللفظی بینها و بین الطلب. و هی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ((2))

ص: 37


1- تحقیق الأصول، ج2، ص10 «و أما رأی القائل بأنّ مدلول الأمر هو الاعتبار النفسانی و إبرازه... لکن هذا مطلب و کون مدلول هذه الصیغة هو ذاک الاعتبار و إبرازه مطلب آخر».
2- أجود التقریرات، ج1، ص131، المقصد الأول، الفصل الأول: «و التحقیق أنّه لا إشکال فی کون الطلب... معنی له و أنّ استعماله فیه بلا عنایة و أمّا بقیة المعانی فالظاهر أنّ کلها راجعة إلی معنی واحد و هی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة... بل یمکن أن یقال: إنّ الأمر بمعنی الطلب أیضاً من مصادیق هذا المعنی الواحد» و لم نجد التحدید لمعنی الأمر بهذه العبارة أی «الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة» إلّا فی أجود التقریرات ففی فوائد الأصول، ج1، ص128: «بل لایبعد أن یکون ذلک علی نحو الاشتراک المعنوی بین تمام المعانی السبعة أو ما عدا الطلب منها و أنّه بالنسبة إلی الطلب و ما عداه مشترک لفظی کما فی الفصول بل مال شیخنا الأُستاذ مدّ ظله إلی أنّ مادّة الأمر موضوعة لمعنی کلی و مفهوم عام جامع للمعانی السبعة نحو جامعیة الکلی لمصادیقه و إن کان التعبیر عن ذلک المعنی العام بما یسلم عن الإشکال مشکلاً». و فی منتهی الأصول للسید البجنوردی، ج1، ص109: «و حینئذ یدور الأمر بین أن یکون مشترکاً معنویاً بالنسبة إلی الکل کما احتمله شیخنا الأستاذ (قدس سره) [أی المحقق النائینی] أو مشترکاً لفظیاً بین الطلب و بین جامع سائر المذکورات...» فانظر إلی هذه الکلمات: «یمکن أن یقال»، «مال»، «احتمل». و لکن فی مجمع الأفکار لمیرزا هاشم الآملی، ج1، ص144: «قال شیخنا النائینی (قدس سره) : إنّ المعانی یکون علی نحو الاشتراک المعنوی و استدلّ بأنّ مفهوم الشیء یکون منحفظاً فی جمیع الأطوار و الخصوصیات لأنّه مفهوم عام» فتری أنّه ظاهر فی اختیار المحقق النائینی (قدس سره) لهذا القول و أنّ المعنی الواحد للفظ الأمر عنده مفهوم «الشیء».
بیان المحقق النائینی (قدس سره) :

«و التحقیق أنّه لا إشکال فی کون الطلب المنشأ بإحدی الصیغ الموضوعة له، معنی له وأنّ استعماله فیه بلا عنایة و أما بقیة المعانی فالظاهر أنّ کلها راجعة إلی معنی واحد و هی الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة... نعم لابدّ و أن یکون المستعمل فیه فی مادة الأمر من قبیل الأفعال و الصفات فلایطلق علی الجوامد بل یمکن أن یقال إنّ الأمر بمعنی الطلب أیضاً من مصادیق هذا المعنی الواحد فإنّه أیضاً من الأُمور التی لها أهمیة.»

مناقشتان فی النظریة الثامنة:
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی: من المحقق الخوئی و المحقق الصدر (قدس سرهما)

((2)) ((3))

قد یقال: «إنّ هذا الأمر لیس بمهم » فلو أخذ مفهوم الأهمیة فی معنی الأمر

ص: 38


1- فی منتهی الأصول، ج1، ص110: «و قد أفاد شیخنا الأُستاذ فی وجه ما ذهب إلیه بأنّ الاشتراک اللفظی بعید لایمکن المصیر إلیه فلابدّ و أن نقول بالاشتراک المعنوی و العجز عن تعیین جامع قریب ینطبق علی جمیع هذه المعانی لایدلّ علی عدم وجوده بل من الممکن أن یکون و لاندری به. و فیه أنّ صرف إمکان وجود جامع فی البین لایثبت وجوده بل یبقی فی حیز الإمکان نعم لو أثبتنا بطلان الاشتراک اللفظی بین الکل و لم یکن احتمال آخر ههنا غیر الاشتراک المعنوی بین الکل ثبت الاشتراک المعنوی لامحالة کما هو الشأن القیاس الاستثنائی و لکن ها هنا لیس الأمر کذلک بل من الممکن أن یکون مشترکاً معنویاً بین عدّة منها و مشترکاً لفظیاً بین جامع تلک العدة و بین الطلب کما إنّه ذهب إلی هذا القول جمع من المحققین». راجع أیضاً إلی مجمع الأفکار للمحقق الآملی (قدس سره) ، ج1، ص144 و بحوث فی علم الأصول، ج2، ص13.
2- محاضرات فی أصول الفقه، (ط.ق)ج2، ص6 و 7؛ (ط.ج) ج 1، ص342 و 343.
3- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص16 «.. بدلیل عدم التناقض فی قولک: کلام فلان أمر غیر مهم الخ»

لایجوز اتصافه بأنّه لیس بمهم.

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (دام ظله)

إنّه إن أراد مفهوم الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة فهو لایتبادر إلی الذهن عند استماع لفظ الأمر و إن أراد مصداق الواقعة التی لها أهمیة فیستلزم القول بأنّ الوضع فیه عام و الموضوع له خاص لأنّ المصادیق مختلفة و هذا أیضاً باطل.

المناقشة الثالثة:

إنّ الأمر یطلق علی السواد مع أنّه لاتصدق علیها واقعة لها أهمیة فی الجملة.

النظریة التاسعة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

هی أیضا للقائل بالاشتراک المعنوی. قال (قدس سره) ((1))­إنّ معنی مادة «الأمر» هی

ص: 39


1- نهایة الدرایة، ج1، ص251 و 252؛ و اختاره المحقق الإیروانی (قدس سره) فی نهایة النهایة أیضاً. إنّ الأعلام قرروه نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) بعبارات مختلفة: العبارة الأُولی: قال فی محاضرات فی أصول الفقه، ج1، ص345 من الطبعة الجدیدة: «و علی أثر هذا البیان یظهر نقد ما أفاده شیخنا المحقق (قدس سره) من أنّ الأمر وضع لمعنی جامع وحدانی علی نحو الاشتراک المعنوی و هو الجامع بین ما یصح أن یتعلّق الطلب به تکویناً و ما یتعلّق الطلب به تشریعاً مع عدم ملاحظة شیء من الخصوصیتین فی المعنی الموضوع له» و نظیره عبارة زبدة الأصول، ج1، ص162. العبارة الثانیة: قال فی بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص12: «الأوّل إرجاع غیر المعنی الطلبی إلی الطلب کما استقربه المحقق الإصفهانی (قدس سره) فإنّه بعد أن أرجع معنی الأمر إلی الفعل قال: و یمکن القول بأنّ استعماله فی الفعل یرجع إلی استعماله فی الطلب بنحو من العنایة لأنّ الفعل فی معرض أن یطلب فکما یعبر عنه بمطلب و لو لم یتعلّق به الطلب بالفعل کذلک یعبر عنه بأمر بنکتة الشأنیة و المعرضیة لأن یتعلّق به» و نظیره عبارة المباحث الأصولیة للشیخ فیاض، ج3، ص9. العبارة الثالثة: قال فی تحقیق الأصول، ج2، ص11: «و أمّا الإصفهانی فقال: إنّ مفهوم الأمر عبارة عن الإرادة البالغة حدّ الفعلیة سواء کانت التشریعیة أو تکوینیة فیطلق الأمر فی جمیع الموارد بلحاظ کونها قابلة لتعلق الطلب و الإرادة». قال فی ج1، ص87 فی التعلیقة علی قوله «قد ذکر للفظ الأمر معان متعددة»: «بل لایبعد أن یکون إطلاق لفظ الأمر بالمعنی الثانی [أی مفهوم الشیء] مأخوذاً من الأوّل [أی مفهوم الطلب من العالی] و بمناسبة أنّ الشیء یکون متعلقاً للطلب و مورداً له أُطلق علیه لفظ الأمر...» و جدیر بالذکر أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال فی نهایة الدرایة، ج1، ص256 فی التعلیقة 143 علی قوله: «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل»: «... و التحقیق بعد الاعتراف بالاستعمال فی ما عدا الطلب أنّه لابدّ من الالتزام بالاشتراک اللفظی دون المعنوی أو الحقیقة و المجاز» فراجع تفصیل کلامه هناک.

الإرادة البالغة إلی حد الفعلیة. و تبعه صاحب المنتقی (قدس سره) :((1))

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

((2)) قال عند نقد وضع مادة الأمر لمفهوم الشیء: «و لم أقف علی مورد یتعین فیه إرادة الشیء حتی مثل قوله تعالی: (أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)((3))... مع أنّه لایستقیم إرادة الشیء فی مثل أمر فلان مستقیم. نعم لو کان الشیء منحصراً مفهوماً فی المعنی المصدری لشاء یشاء - و کان إطلاقه علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیات وجوداتها فالمصدر مبنی للمفعول - لما کان إشکال فی مساوقته مفهوماً لمفهوم الأمر کما ربما یراه أهل المعقول؛ لکن الشیء بهذا المعنی لم یکن فی قبال الطلب حینئذ.»

ص: 40


1- منتقی الأصول، ج1، ص372 و 373.
2- جمیع من تعرض لکلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) ذکر ما أفاده المحقق المزبور فی نهایة الدرایة فی التعلیقة 139 علی قول الکفایة: «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء» و لکن له کلام آخر فی التعلیقة 143 علی قول الکفایة «کما لایبعد أن یکون کذلک فی المعنی الأوّل» یلزم ذکره للإشراف علی نظریة هذا المحقق فإنّه یقول: «و التحقیق بعد الاعتراف بالاستعمال فی ما عدا الطلب أنّه لابدّ من الالتزام بالاشتراک اللفظی دون المعنوی أو الحقیقة و المجاز» إلی آخر کلامه الطویل و هو یتعرض فی کلامه هذا للإشکالینِ المذکورین فی کلام کثیر من الأُصولیین علی الاشتراک المعنوی و هما الاختلاف فی الجمع و فی التصریف و الاشتقاق.
3- الشوری:53.
و قال عند نقد وضعها لمصداق الفعل:

«و الوضع بإزاء مصادیقه [أی الفعل] - من الأکل و الشرب و القیام و القعود و غیرها - بلا جهة جامعة تکون هی الموضوع لها حقیقة سخیف جداً، والجهة الجامعة بین مصادیق الفعل بما هو فعل لیس إلا حیثیة الفعلیة. فإنّ المعانی القابلة لورود النسب علیها تارة من قبیل الصفات القائمة بشیء و أخری من قبیل الأفعال. ولا فرق بینها من حیث القیام و کونها أعراضاً لما قامت به و إنّما الفرق أنّ ما کان من قبیل الأفعال قابل لتعلق الإرادة به دون ما کان من قبیل الصفات کالسواد و البیاض فی الأجسام و کالملکات و الأحوال فی النفوس.

فیرجع الأمر فی [مادة] الأمر بالأخرة إلی معنی واحد و أنّ إطلاقها علی خصوص الأفعال فی قبال الصفات و الأعیان باعتبار موردیتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعیان و الصفات فإنّها لاتکون معرضاً لذلک. فالأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.»

و کلامه (قدس سره) هو أحسن ما قیل فی المقام.

مناقشات أربع فی النظریة التاسعة:
اشارة

(1)

المناقشة الأُولی: ما ذکره السید الصدر (قدس سره)
اشارة

قال: «و یرد علیه ما عرفت من أنّ استعمال الأمر بغیر المعنی الطلبی لیس

ص: 41


1- . فی المحاضرات ط.ج. ج1، ص345: «و علی أثر هذا البیان یظهر نقد ما أفاده شیخنا المحقق (قدس سره) من أنّ الأمر وضع لمعنی جامع وحدانی علی نحو الاشتراک المعنوی... وجه الظهور ما عرفت من أنّه لا جامع ذاتی بین المعنی الحدثی و المعنی الجامد (فی نهایة الدرایة، ج1، ص257: «و الجامع بین ما یقبل الاشتقاق و ما لایقبله غیر معقول إذ»الخ) لیکون الأمر موضوعاً بإزائه و أمّا الجامع الانتزاعی فهو و إن کان أمراً ممکناً و قابلاً للتصویر إلّا أنّه لم یوضع بإزائه یقیناً علی أنّه خلاف مفروض کلامه...» و هذا الإشکال مذکور فی نهایة الأفکار، ج2-1، ص156:«کما إنّ الظاهر هو کونه من باب الاشتراک اللفظی دون الاشتراک المعنوی بملاحظة عدم جامع قریب بینهما...». و عین ما فی محاضرات جاء فی زبدة الأصول، ج1، ص162. و فی تحقیق الأُُصول، ج2، ص11: «و أمّا الإصفهانی فقال:... لکن شیخنا الأُستاذ أورد علیه: أوّلاً أین انسباق الإرادة و الطلب من مثل (أَلَا إِلَی اللهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ) (الشوری:53)؛ و ثانیاً إنّه فی مورد التشریع یصدق الأمر و لکنّه أعم من الحقیقة و أمّا فی مورد التکوین فلا صدق أصلاً فإنّ الله تعالی یرید مثلاً خلق فلان لا إنّه یأمر بخلقه فلایصدق الأمر علی الإرادة لا لغةً و لا عرفاً؛ و ثالثاً قیاس ما نحن فیه علی المقصد و المطلب بأنّ الأمر یطلق علی الفعل بلحاظ قابلیته لتعلّق الإرادة تکویناً و تشریعاً نظیر إطلاق المقصد و المطلب علیه بلحاظ تلک القابلیة فیه أنّه قیاس مع الفارق لأنّه متی أُطلق المطلب علی فعل فإنّه یتبادر إلی الذهن معنی الطلب من نفس الإطلاق أمّا إذا قیل: هل فعل فلان الأمر الکذائی؟ فلاینسبق من لفظ الأمر مفهوم الطلب».

مخصوصاً بما یکون فعلاً بل قد یطلق علی ما لایمکن أن یطلب کما فی شریک الباری أمر مستحیل».((1))

الجواب عن المناقشة الأُولی:

أولاً: بالنقض علیه فإنّ إطلاق الأمر علی شریک الباری مسامحةٌ و إلّا یرد نفس هذا الإشکال علی السید الصدر (قدس سره) حیث قال « إنّ المعنی الثانی للأمر هو الأخص من الشیء » مع أنّ الشیئیة مساوقة للوجود فکیف یطلق علی الممتنع وجوده؟

ثانیاً: بالحلّ فإنّ الوجه فی هذا الإطلاق هو أنّ من لم یکن راسخاً فی التوحید

ص: 42


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص13، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الأُولی، المحاولة الثانیة، النحو الأول.

یری احتمال وجوده أو المشرک یعتقد بوجوده و هکذا فی سائر الممتنعات فإنّ من لم یکن مدرکاً للعقلیات یری احتمال وجودها.

المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّ الأمر بمعنی الطلب لایمکن إطلاقه فی موارد الأمر غیر الطلبی لأنّ ما أفاده من قابلیة الأفعال لتعلق الإرادة به و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّ الأمر غیر الطلبی متعلق الإرادة و الطلب و الأمر و لایمکن تصویر المفهوم الجامع بین الأمر و متعلقه.

جوابان عن المناقشة الثانیة:
الجواب الأول:

إنّ الإرادة عین المراد و ما ورد من أنّ إرادته إحداثه دلیل علی اتحادهما لأنّ الإحداث الإیجاد و الإیجاد عین الوجود، فإرادته تعالی عین فعله (والمراد الفعل بالمعنی الأعم بحیث یشمل الأعیان و الصفات و الأفعال).

الجواب الثانی:

إنّ الأمر مصدر ثلاثی مجرد (فما کان متعدیاً و علی زنة فَعَلَ یکون مصدره علی زنة فَعل) و المصدر قد یطلق علی اسم المفعول مثل الخلق فإنّه مصدر و لکن یطلق علی اسم المفعول، فالخلق اسم للمخلوق و الأمر اسم للمأمور به (مثلاً إذا أمر المولی جنوده بالحرکة نحو مکان فمهما سئل أنّه ما أمر المولی؟ فیجاب: «الحرکة» مع أنّ الحرکة هو المأمور به).

ص: 43

و لعل ما مثل به فی الکفایة((1)) لمعنی «الفعل» من هذا القبیل فإنّ المراد من (أَمْرُ فِرْعَوْنَ) فی الآیة المبارکة (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ)((2)) ما أمر به فرعون؛ فإنّ فرعون أمر بالکفر بموسی (علی نبینا و آله و علیه السلام).

کما أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) مثّل لذلک بالمصدر المیمی فقال:((3)) الأمر یطلق بمعناه المصدری المبنی للمفعول علی الأفعال کإطلاق المطلب و المطالب علی الأفعال الواقعة فی معرض الطلب کما یقال رأیت الیوم مطلباً عجبیاً و یراد منه فعل عجیب.

و استعمال الأمر بهذا البیان متداول فی الأفعال إلا أنّ الاشتقاق المذکور لم یعتبر فیه العلو؛ ثم إنّ الأمر بهذا المعنی قد یستعمل فی الصفات و الأعراض بل فی الأعیان (سواء کان علماً بالذات أو بالإشارة) و عدم تداوله لایضر بصحته.

المناقشة الثالثة:
اشارة

إنّ الأمر بهذا المعنی لا یطلق علیه تعالی بخلاف الشیء فإنّه یطلق علیه فیقال إنه تعالی شیء لا کالأشیاء، فیعلم من ذلک عدم مساوقة مفهوم الامر و مفهوم الشیء خلافاً للمحق الإصفهانی (قدس سره) حیث ذهب إلی مساوقتهما.

و یلاحظ علیها:

أنّ مفهوم الأمر و المشیة کل منهما مترادف مع الآخر ولکن الترادف لیس

ص: 44


1- کفایة الأصول، ص61 «الأُولی إنّه قد ذکر للفظ الأمر معانٍ متعددة منها... و منها الفعل کما فی قوله تعالی: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ)». (هود:97).
2- هود (11): 96 و 97.
3- نهایة الدرایة، ج1، ص252.

بمعنی اتحاد المعنی من جمیع الجهات و جمیع القیود، بل الالفاظ المترادفة ربما یختلف معناها باختلاف لطیف أدبی کما فصّل فی ذلک بعض اللغویین مثل ابن سکیت و لکنها یجمعها معنی جامع مثل الإنسان و البشر فإنّ الإنسان یطلق علی هذه الماهیة بلحاظ أنسه أو باعتبار نسیانه کما ورد فی بعض الروایات و کلمات الأعلام، و البشر یطلق علیها باعتبار ظواهره حیث إنّ هذه الکلمة قد اشتقّت من البشرة و علی ذلک لا مانع من أن نقول إنّ واجب الوجود بالذات تبارک و تعالی أمر متفرد بذاته. نعم إطلاق الشیء و الأمر علیه تبارک و تعالی من ضیق التعبیر من جهة التوسعة التی تقع فی هذه الکلمات فإنّ الوضع اللغوی قد اقتضی استعمالها فی ما تعلق به الأمر و المشیة ولکن حیث إنّ الأعیان الخارجیة کلّها نفس المشیة الفعلیة الجزئیة، قد أطلق علیها الشیء کما أنّ التوسعة الثانیة اقتضت إطلاق الأمر علی شریک الباری و أمثال ذلک حیث إنّ العقل یفرض لهذه الأُمور وجوداً نفس الأمری أو فقل ثبوتاً ذهنیاً.

المناقشة الرابعة:

إنّ القول بالإشتراک المعنوی باطل لأنّ الأمر بالمعنی الطلبی یجمع علی صیغة الأوامر و الأمر بالمعنی غیر الطلبی یجمع علی صیغةالأمور و هذا یدلّ علی الاشتراک اللفظی.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة:

أما إشکال اختلاف الجمع حیث إنّ الأمر بمعنی الطلب المخصوص یجمع علی الأوامر و بالمعنی الآخر علی الأمور فیمکن دفعه بأنّ الأمر حیث یطلق علی الأفعال لایلاحظ فیه تعلق الطلب تکویناً أو تشریعاً فعلاً بل من حیث قبول

ص: 45

المحل له فکأنّ المستعمل فیه متمحض فی معناه الأصلی الطبیعی الجامد و الأصل فیه حینئذٍ أن یجمع الأمر علی أمور کما هو الغالب فی ما هو علی هذه الزنة. ((1))

ملاحظتان علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) :
اشارة

و هذه الملاحظات تتّجه إلی بیانه لا إلی أصل نظریته.

الملاحظة الأُولی:

إنّه قال:((2)) بعدم إطلاق «الأمر» علی الصفات و الأعراض و بعدم قابلیتها لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:

بأنّه لایتم ذلک لأنّ الأمر الجمودی یطلق علی الصفات و الأعراض کما هو مذهب المحقق العراقی و السید الصدر5 و کما صرّح به بعض الأساطین (دام ظله) عند الإشکال علی السید المحقق البروجردی (قدس سره) حیث قال بأنّه یطلق علی السواد العارض للشیء أمرٌ و للعلم الذی اتصف به العالم أمرٌ.

الملاحظة الثانیة:

إنّه ذکر سابقاً فی مقام الإشکال علی صاحب الکفایة (قدس سره) - إذ قال:((3)) إنّ الأمر الجمودی وضع بإزاء مفهوم الشیء- أنّ «الشیء یطلق علی الأعیان والأفعال مع أنّ الأمر لایحسن إطلاقه علی العین الخارجیة» و صرّح أیضاً بعدم قابلیة الأعیان

ص: 46


1- إنّ الثلاثی المجرد إذا کان موصوفاً و کان علی زنة فَعل یجمع علی فُعول ک: فَلس و فُلوس.
2- ص 252 «و إنّما الفرق أنّ ما کان من قبیل الأفعال قابل لتعلق الإرادة به دون ما کان من قبیل الصفات... و أنّ إطلاقها علی خصوص الأفعال فی قبال الصفات و الأعیان باعتبار موردیتها لتعلق الإرادة بها بخلاف الأعیان و الصفات فإنّها لاتکون معرضاً لذلک».
3- کفایة الأصول، ص62 «و لایبعد دعوی کونه حقیقة فی الطلب فی الجملة و الشیء».

لتعلق الإرادة بها، فیلاحظ علیه:

بأنّ الأعیان أیضاً قد یطلق علیها الأمر کما مرّ و إن لم یکن متداولاً و لذا یطلق علی الأعیان الخارجیة أنّها أمر متشخص بذاته و أنّها أمر بسیط أو مرکب و غیر ذلک.

و المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) عند الإشکال علی المحقق الخراسانی (قدس سره) : «إنّ إطلاق الشیء علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیئات وجودها»؛ فعلی هذا، الأعیان متعلقات للإرادة التکوینیة الإلهیة و عدم قابلیة إرادتنا لأن تتعلق بالأعیان لاینافی تعلق الإرادة الإلهیة بها.

فتحصل أنّ مقتضی التحقیق تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) مع إصلاحها باطلاق الأمر علی الأعیان و الصفات و الأعراض فإنّ الاستعمال قد یکون بالنسبة إلی بعض مصادیقه شایعاً و بالنسبة إلی بعض مصادیقه نادراً و غیر متعارف و هذه الندرة و عدم التعارف لایضر بصحة الاستعمال.

ص: 47


1- ص251 «نعم لو کان... و کان إطلاقه علی الأعیان الخارجیة باعتبار أنّها مشیات وجوداتها فالمصدر مبنی للمفعول الخ».
البحث الثانی : معنی « الأمر » اصطلاحاً
النظریة الأُولی: و هی مختار المشهور
اشارة

إنّه قد حکی المحقق الخراسانی (قدس سره) نظریة المشهور فقال:((1)) «و أما بحسب الاصطلاح فقد نقل الاتفاق علی أنّه [أی الأمر] حقیقة فی القول المخصوص و مجاز فی غیره».

و قال بعد أسطر: «القول المخصوص أی صیغة الأمر».

إیرادان علی نظریة المشهور:
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ القول المخصوص جامد و لایمکن الاشتقاق منه مع أنّا نری أنّ الاشتقاقات من الأمر تکون بهذا المعنی المصطلح علیه فلابدّ أن یکون معناه حدثیاً لأنّ مبدأ الاشتقاق معنی حدثی قابل للتصریف.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

إنّ الأمر بهذا المعنی المصطلح علیه یکون مبدأ للاشتقاق .

قال (قدس سره) :((3)) «إنّ وجه الإشکال إن کان توهم أنّ الموضوع له لفظ لا معنی... و

ص: 48


1- کفایة الأُصول، ص62.
2- «و لایخفی أنّه علیه لایمکن منه الاشتقاق... فتدبر».
3- نهایة الدرایة، ج1، ص254، التعلیقة 141 علی هذه العبارة «و لایخفی أنّه علیه لایمکن الاشتقاق منه فإنّ معناه حینئذ لایکون معنی حدثیاً».

إن کان وجه الإشکال ما هو المعروف من عدم کونه معنی حدثیاً ففیه أنّ لفظ ”اضرب“ صنف من أصناف طبیعة الکیف المسموع و هو من الأعراض القائمة بالمتلفظ به؛ فقد یلاحظ نفسه - من دون لحاظ قیامه و صدوره عن الغیر - فهو المبدء الحقیقی الساری فی جمیع مراتب الاشتقاق و قد یلاحظ قیامه فقط فهو المعنی المصدری المشتمل علی نسبة ناقصة و قد یلاحظ قیامه و صدوره فی الزمان الماضی فهو المعنی الماضوی و قد یلاحظ صدوره فی الحال أو الاستقبال فهو المعنی المضارعی و هکذا؛ فلیس هیأة ”اضرب“ مثلاً کالأعیان الخارجیة و الأُمور غیر القائمة بشیء حتی لایمکن لحاظ قیامه فقط أو فی أحد الأزمنة».

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قوّی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و استشکل علی المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ ما ذکره فی إطاره و إن کان فی غایة الصحة و المتانة إلا أنّه لا صلة له بما ذکرناه و السبب فی ذلک أنّ لکل لفظ حیثیتین موضوعیتین:

الأُولی: حیثیة صدوره من اللافظ خارجاً و قیامه به کصدور غیره من الأفعال کذلک .

الثانیة: حیثیة تحققه و وجوده فی الخارج فاللفظ من الحیثیة الأُولی و إن کان قابلا للتصریف و الاشتقاق إلا أنّ لفظ الأمر لم یوضع بإزاء القول المخصوص من هذه الحیثیة و إلا لم یکن مجال لتوهم عدم إمکان الاشتقاق و الصرف منه بل هو موضوع بإزائه من الحیثیة الثانیة و من الطبیعی أنّه بهذه الحیثیة غیر قابل

ص: 49


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص13؛ ج1، ص350، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الأولی، المعنی الاصطلاحی للأمر.

لذلک کما عرفت فما أفاده مبنی علی الخلط بین هاتین الحیثیتین.»

ملاحظة علی المحقق الخوئی (قدس سره) :

إنّ ما لابدّ منه هو أن یکون بحیث یمکن صدوره عن الفاعل و هذا یکفی فی الاشتقاق و عدم لحاظ قیامه باللافظ لایوجب انقلاب ذاته فإنّ اللحاظ و عدم اللحاظ اعتباری و ما هو شرط للاشتقاق هو أن یکون بحسب ذاته قابلا للصدور عن الفاعل و القیام بالغیر حتی یطرأ علیه أنحاء الصدور و یشتق منه المشتقات و الشرط حاصل فی المقام.

الإیراد الثانی: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ مبدأ الاشتقاق لابدّ أن یکون خالیاً عن جمیع الخصوصیات لیقبل کل خصوصیة ترد علیه و لذا قال فی بحث المشتق: إنّ المصدر لایصلح أن یکون مبدأ للاشتقاق لأنّ المصدر مشتمل علی الهیأة أیضاً (و إن لم تکن هیأته تامة).

یلاحظ علیه:

إنّ الأمر بمعناه الإصطلاحی لیس مصدراً حتّی یرد علیه ذلک، بل هو اسم للصیغة الخاصّة الصادرة من اللافظ القائمة به.

النظریة الثانیة: و هی المختار عندنا

إنّ الأمر الاصطلاحی اسم للطلب المخصوص و الإرادة المبرزة التی هی أعم من کونه بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیر ذلک مما یفهم

ص: 50


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص11؛ ج 1، ص348.

منه الأمر فإذا قال قائل «إنّی أمرتهم بکذا» فهذا أعمّ من أن یکون أمره بصیغة افعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریة أو بغیرها.

ص: 51

البحث الثالث: الأصل العملی فی المقام
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) :

((1))

لابدّ مع التعارض من الرجوع إلی الأصل فی مقام العمل (و مراده هو تعارض الوجوه المرجحة مثل غلبة المجاز علی الاشتراک فإنّه لو سلمنا غلبته یکون معارضاً بقاعدة أخری و هی أنّ الاشتراک المعنوی خیر من المجاز و إن فرضنا عدم المعارض له یکون وجها استحسانیاً و لا دلیل علی اعتباره) فمع سقوط المرجحات لابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی.

نظریة بعض أکابر الأساطین (دام ظله) :

أما علی مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) فإذا ورد أمر و دار الأمر بین الحمل علی معنی الطلب الفعلی التشریعی (حتی یکون ذا أثر شرعی) و بین الحمل علی الطلب الفعلی التکوینی (حتی لایکون ذا أثر شرعی) یعامل معه معاملة المشترک اللفظی عند فقد القرینة المعینة فیکون شبهة حکمیة لإجمال الدلیل و لا مرجع هنا إلا أصل البراءة.

و الأمر کذلک علی مسلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث یدور الأمر بین معنی الواقعة الشرعیة التی لها أهمیة فی الجملة و بین معنی الواقعة التکوینیة التی لها أهمیة فی الجملة فیرجع إلی أصل البراءة.

و هکذا علی مسلک القائلین بالاشتراک اللفظی تجری أصالة البراءة عند دوران الأمر بین المعنی الطلبی و المعنی غیر الطلبی.

ص: 52


1- کفایة الأصول، ص62.
الأمر الثانی:فی اعتبار العلو و الاستعلاء

الحق اعتبار العلو فی مفهوم الأمر و عدم اعتبار الاستعلاء و طلب الدانی المستعلی یقبح لاستعلائه((1)) فما یصدر منه لیس بأمر لا عرفا و لا عقلاً و إلا لتوجه القبح إلی أمره أیضاً. والدلیل علیهما صحة سلب الأمر عن طلب السافل إذا کان مستعلیاً و عدم صحته عن طلب العالی إذا کان مستخفضاً لجناحه .

ص: 53


1- فی کفایة الأصول، ص63 «و تقبیح الطالب السافل من العالی المستعلی علیه و توبیخه بمثل” إنّک لِمَ تأمرُه؟ “ إنّما هو علی استعلائه لا علی أمره حقیقةً بعد استعلائه».

ص: 54

الأمر الثالث:دلالة مادة الأمر علی الوجوب
اشارة

لا إشکال فی استظهار الوجوب من مادة الأمر عند الإطلاق و الکلام فی منشأ ذلک؛ فهل یکون المنشأ هو الوضع أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو إنّ الدلالة لیست لفظیة بل هی دلالة عقلیة أو عقلائیة؟

أما الأقوال، فسبعة:

1. مادة الأمر حقیقة فی الندب.

2. إنّها مشترک معنوی بین الوجوب و الندب من جهة الوضع اللغوی.

3. إنّ للأمر ظهوراً وضعیاً فی الوجوب.

4. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمعنی غلبة الاستعمال.

5. إنّ للأمر ظهوراً إطلاقیاً فی الوجوب بمقدمات الحکمة.

6. إنّ دلالة الأمر علی الوجوب عقلیة.

7. إنّ الدلالة علی الوجوب عقلائیة (السیرة العقلائیة).

ص: 55

النظریة الأُولی: مادة الأمر حقیقة فی الندب
اشارة

استدلوا علیه: بأنّ کل فعل مندوب طاعةٌ و کل طاعة مأمورٌ بها فکل مندوب مأمورٌ به.

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :
اشارة

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((1))

الإیراد الأول:

((2))

إنّ غایة ما یثبت به هو أنّ استعمال الأمر فی الندب یکون علی نحو الحقیقة و أما الوضع له فلا دلیل علیه لوضوح إمکان الوضع للمشترک المعنوی و حینئذ یکون الاستعمال فی الندب حقیقیاً لا مجازیاً.

الإیراد الثانی:

«القیاس المذکور یشتمل علی مصادرة [بالمطلوب] فقولهم: کل طاعة مأمور بها أول الکلام [بل یمکن أن یدّعی أنّ الطاعة الوجوبیة هی المأمور بها]»

النظریة الثانیة: الاشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب
اشارة

((3))

و هی مختار المحقق العراقی (قدس سره) من جهة وضعها حقیقةً، و یمکن الجمع بین

ص: 56


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص14، الأوامر، مادة الأمر، هل تدل مادة الأمر علی الوجوب؟
2- «و فیه أولاً: هذا القیاس إن تم فیدل علی استعمال المادة فی الندب أما کون الندب هو الموضوع له فلایثبته الخ»
3- نهایة الأفکار، ج1، ص160، المقصد الأول، المبحث الأول، الجهة الثالثة «فی أنّ الأمر هل هو حقیقة فی خصوص الطلب الوجوبی أو إنّه حقیقة فی مطلق الطلب الجامع بین الوجوبی و الاستحبابی؟ فیه وجهان أظهرهما الثانی الخ».

هذا و بین دلالتها علی الوجوب بمقدّمات الحکمة، و استُدِلّ علیه بوجهین:

الوجه الأول:
اشارة

و هو «صدق الأمر حقیقة علی الطلب الصادر من العالی إذا کان طلبه استحبابیا».

یرد علیه:

إنّ ذلک الإطلاق من موارد استعمال کلمة الأمر، والاستعمال اعمّ من الحقیقة. مثلاً إن صدق الناطق علی الإنسان لیس بمعنی وضع الناطق لمفهوم الإنسان.

الوجه الثانی:
اشارة

((1))

صحة التقسیم إلی الأمر الوجوبی و الأمر الندبی کاشفة عن وجود المقسم فی کلا قسمیه.

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :

((2))

إنّ التقسیم لو کان بلحاظ ذات المعنی فیصح الاستدلال به و أما صحة التقسیم بلحاظ حال المستعمل فیه فلاتکون دلیلاً علی الحقیقة کما فی تقسیم الماء إلی المطلق و المضاف فحینئذ صحة التقسیم لا تصلح دلیلاً علی حدة بل لابدّ من التبادر أو صحة الحمل.

ص: 57


1- «و مما یشهد لذلک بل یدل علیه أیضاً صحة التقسیم إلی الوجوب و الاستحباب فی قولک الخ».
2- تحقیق الأصول، ج2، ص14 «و فیه أنّ هذا التقسیم صحیح لکنه لیس بما للمادة من المعنی الحقیقی الخ».
النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب
اشارة

و استدل علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه:

الوجه الأول: التبادر
اشارة

((1))

إیراد علی الوجه الأول:

إنّ الوجوب لاینسبق من مادة الأمر و لم یعدّ من معانیها و الظهور فی الوجوب غیر الوضع له .

الوجه الثانی:

قال (قدس سره) : «و یؤید((2)) قولُه تعالی:((3)) (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)((4)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) «لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((5)) و قولُه (صلی الله علیه و آله) بعد قولها: أتأمرنی یا رسول الله (صلی الله علیه و آله) ”لا بل إنّما أنا

ص: 58


1- کفایة الأصول، ص63، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الثالثة «لایبعد کون لفظ الأمر حقیقة فی الوجوب لانسباقه عنه عند إطلاقه».
2- إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عبّر عن تلک الآیات و الروایات بالتأیید لأنّها استعمال و هو أعم من الحقیقة و المجاز.
3- النور (24): 63.
4- أولاً من جهة الأمر بالحذر من مخالفة الأمر و ثانیاً من جهة ترتب الفتنة أو العذاب الألیم علی مخالفة أمر النبی (صلی الله علیه و آله) .
5- روی هذا الحدیث عندنا بثلاثة أنحاء: الأول: فی الکافی، ج3، ص22، باب السواک، ح1: «علی بن محمد، عن سهل، وعلی بن إبراهیم، عن أبیه جمیعا، عن جعفر بن محمد الأشعری، عن عبد الله بن میمون القداح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: رکعتان بالسواک أفضل من سبعین رکعة بغیر سواک، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک مع کل صلاة». و فی علل الشرائع، ج1، ص293: «أبی رحمه قال: حدثنا علی بن إبراهیم، عن أبیه عن عبد الله بن میمون عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک مع کل صلاة». الثانی: فی المحاسن، ج2، ص561: «عنه عن جعفر بن محمد، عن ابن القداح، عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک عند کل صلاة». الثالث: فی من لا یحضره الفقیه، ج1، ص55: «وقال النبی صلی الله علیه وآله: لولا أن أشق علی أمتی لأمرتهم بالسواک عند وضوء کل صلاة» و کذا فی مکارم الأخلاق، ص.50 و ورد فی دعائم الإسلام ج1، ص119 بعبارة أخری قال: «قال (صلی الله علیه و آله) : لولا أن أشق علی أمتی لفرضت علیهم السواک مع الوضوء، ومن أطاق ذلک فلا یدعه».

شافع“(1) إلی غیر ذلک.»

الوجه الثالث:
اشارة

قال (قدس سره) :«و [یؤید] صحةُ الاحتجاج علی العبد و مؤاخذته بمجرد مخالفة أمره

ص: 59


1- . فی عوالی اللئالی ج 3، ص 349: «وروی ابن عباس ان زوج بریرة کان عبدا أسود یقال له: مغیث. کأنی انظر إلیه یطوف خلفها یبکی ودموعه تجری علی لحیته. فقال النبی (صلی الله علیه و آله) للعباس: " یا عباس ألا تعجب من حب مغیث بریرة، ومن بغض بریرة مغیثا؟ فقال لها النبی (صلی الله علیه و آله) : " راجعیه فإنه أبو ولدک " فقالت: یا رسول الله أتأمرنی؟ فقال: " لا، إنما أنا أشفع " فقالت: لا حاجة لی فیه». و فی الکافی،ج5، ص485، باب الأمة تکون تحت المملوک فتعتق أو یعتقان جمیعا ستة أحادیث فیها -غیر الحدیث الثالث- ذکرُ بریرة و زوجها و لکن فیها تخییر رسول الله (صلی الله علیه و آله) إیاه بین الإقامة مع زوجها و مفارقته و لیس فیها هذه الجملة و کذا فی تهذیب الأحکام، ج7، ص341و342 ح 26-29 فراجع. و أما فی کتب أهل السنة فروی فی أربعة من الصحاح: فی صحیح البخاری، ج6، ص171و172؛ و فی سنن ابن ماجة، ج1، ص671؛ و فی سنن أبی داود، ج1، ص497؛ و فی سنن النسائی، ج8، ص245و246 و السنن الکبری، النسائی، ج3، ص480؛ و فی مسند احمد، ج1، ص215؛ سنن الدارمی، ج2، ص169؛ صحیح ابن حبان، ج10، ص96؛ المعجم الکبیر، ج11، ص273؛ سنن الدارقطنی، ج2، ص135 و ج 3، ص204؛ السنن الکبری، البیهقی، ج7، ص222؛ المصنف، عبد الرزاق الصنعانی، ج7، ص250.

و توبیخه علی مجرد مخالفته کما فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((1))».

الطریق الأول للتمسّک بالآیتین علی الوضع للوجوب: عن المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الاستدلال بالآیة یبتنی علی جواز التمسک بأصالة العموم بالنسبة إلی ما هو خارج عن حکم العام و شک فی أنّه من مصادیق العام و خروجه من باب التخصیص أو أنّه لیس من مصادیق العام بل خروجه من باب التخصص فإنّ أصالة العموم تقتضی التحفظ علی عموم العام و عدم تخصیصه؛ فأصالة العموم یثبت خروج الأمر الاستحبابی عن مادة الأمر فی الآیتین و الروایتین تخصصاً و إلا لابدّ من تخصیص العام و عدم کونه مراداً جدیاً بالنسبة إلی الأمر الاستحبابی و الوجه فی خروج الأمر الاستحبابی عن حکم العام فی الآیتین و الروایتین واضح لا غبار علیه لعدم ترتب تلک اللوازم من وجوب الحذر و إصابة الفتنة و العذاب - فی آیة (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)((3))- و التوبیخ - فی قوله تعالی: (مَا مَنَعَکَ أَلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)((4))- و المشقة - فی

ص: 60


1- الأعراف ( 7 ): 12.
2- نهایة الأفکار، ج1-2، ص161 و 162 «... فنقول بأنّه یرد علی الجمیع بابتناء صحة الاستدلال المزبور علی جواز التمسک بعموم العام للحکم بخروج ما هو خارج عن حکم العام عن موضوعه الخ»
3- النور ( 24 ): 63.
4- الأعراف ( 7 ): 12.

قوله (صلی الله علیه و آله) :« لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ»((1)) - علی الأمر الاستحبابی.

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علی الاستدلال بهذا البیان:

«و لکنه نقول بقصور أصالة العموم و الإطلاق عن إفادة إثبات ذلک، فإنّ عمدة الدلیل علی حجیته [أی أصالة العموم و الإطلاق] إنّما کان هو السیرة و بناء العرف و العقلاء و القدر المسلم منه إنّما هو فی خصوص الشکوک المرادیة و هو لایکون إلا فی موارد کان الشک فی خروج ما هو المعلوم الفردیة للعام عن حکمه و حینئذ فلایمکننا التمسک بالأدلة المزبورة لإثبات الوضع لخصوص الطلب الإلزامی خصوصاً بعد ما یری من صدقه أیضاً علی الطلب الاستحبابی کما هو واضح.»

الطریق الثانی للتمسک بالآیتین: عن بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((2))

«إنّه یعتبر فی مورد دوران الأمر بین التخصیص و التخصص أن یکون قابلاً لهما کخروج زید عن ”أکرم العلماء“ أما المورد الذی لایکون الحکم فیه قابلاً للتخصیص فلیس بموضوع لکبری تلک القاعدة و الآیة الکریمة من هذا القبیل لأنّ ترتب العذاب بلا استحقاق له محال کما فی قوله تعالی: (وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا)((3)) و استحقاق العذاب من الأحکام العقلیة و الاحکام العقلیة لایدور أمرها بین التخصیص و التخصص فمورد عدم استحقاق

ص: 61


1- راجع: ص58.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص17.
3- سورة الإسراء ( 17 ): 15.

العقاب و هو الأمر الندبی خارج خروجاً تخصصیاً فالکبری غیر منطبقة علی الآیة الکریمة».

یمکن أن یلاحظ علیه:

إنّ التخصیص المستحیل فی الأحکام العقلیة هو التخصیص بحسب الواقع أما تخصیص العنوان العام لیتحقق العنوان الخاص الذی هو موضوع حکم العقل فمآله إلی التخصص غیرِ المستحیل و هو واقع فی الأحکام العقلیة؛ مثلاً إذا قلنا: الواحد لایصدر عنه إلا الواحد و أخرجنا عن الموضوع، الواحدَ النوعی و العنوانی و غیر ذلک فهذا و إن کان تخصیصاً بحسب الظاهر و لکن یرجع إلی التخصص و أنّ المراد من بدو الأمر هو الواحد بالوحدة الحقة الحقیقیة لا الواحد النوعی و الواحد العنوانی و غیر ذلک فلایلزم التخصیص فی الأحکام العقلیة.

بیان بعض الأساطین للاستدلال:
اشارة

ذکر هذا المحقق فی الدورة السابقة أنّ الاستدلال بالآیة و الروایة لایبتنی علی القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال بل وجه الاستدلال هو أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) أفصح الناس و الکتاب الذی أنزل إلیه أفصح الکلمات و الأمر فی کلام الله و الکلام النبوی مستعمل فی الأمر الوجوبی بلاعنایة و لا قرینة.((1))

ص: 62


1- تحقیق الأصول، ج2، ص16 و 17 «... فأجاب فی الدورة السابقة بعدم ابتناء الاستدلال بالآیة و الروایة علی القاعدة المذکورة حتی یجاب عنه بما قال لأنّ وجه الاستدلال هو أنّ حدود مفاهیم الألفاظ یرجع فیها إلی أهل اللسان الخ»
إیراد هذا المحقق (دام ظله) علی الاستدلال بهذا البیان:

((1))

إنّا نجد بعد الرجوع إلی الروایات الواردة فی تفسیر الآیة أنّ الأمر أعم من الوجوبی و الاستحبابی.

و من ذلک ما رواه الکلینی (قدس سره) بالسند الصحیح((2)) فی الکافی:

ص: 63


1- تحقیق الأصول، ج2، ص18 و 19، الحق فی الجواب «ثم قال شیخنا دام ظله بأنّ الحق فی الجواب عن الاستدلال بالآیة و الروایة و أمثالهما هو أنّ الأمر کما أُطلق فی الکتاب و السنة و دل علی الوجوب کذلک قد أُطلق فی موارد لایمکن حمل الأمر فیها علی الوجوب الخ»
2- فی الحدائق، ج1، ص114 عبر عنه ﺑ «صحیحة عمر بن یزید» فی معجم رجال الحدیث، ج14، ص59 «8806- عمر بن محمد: قال النجاشی ” عمر بن محمد بن یزید أبو الأسود بیاع السابری مولی ثقیف کوفی ثقة جلیل أحد من کان یفد فی کل سنة روی عن أبی عبد الله و أبی الحسن (علیهما السلام)ذکر ذلک أصحاب کتب الرجال الخ“... و قال الشیخ” عمر بن یزید ثقة له کتاب الخ“و عده فی رجاله فی أصحاب الصادق (علیه السلام) مرتین فقال مرة: عمر بن یزید بیاع السابری کوفی و قال ثانیاً: عمر بن یزید الثقفی مولاهم البزاز الکوفی و عده فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) أیضاً و قال: عمر بن یزید بیاع السابری ثقة له کتاب. و فیه، ج7، ص65 «3580- الحسین بن عمر بن یزید: ثقة من أصحاب الرضا (علیه السلام) (رجال الشیخ) و عده البرقی فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) ... 3581- الحسین بن عمر بن یزید: من أصحاب الصادق (علیه السلام) (رجال الشیخ ) کذا عن نسخة خطیة صحیحة و لکن فی النسخة المطبوعة الموافقة لنسخة السید التفریشی و المیرزا فی رجالیه و المولی عنایة الله: الحسین بن عمرو أقول: الظاهر صحة النسخة الخطیة الخ» و فیه، ج6، ص96 «الحسن بن محبوب:... و قال الشیخ ” الحسن بن محبوب السراد و یقال له الزراد یکنی أبا علی مولی بجیلة کوفی ثقة روی عن أبی الحسن الرضا (علیه السلام) و روی عن ستین رجلاً من أصحاب أبی عبد الله (علیه السلام) و کان جلیل القدر یعد فی الأرکان الأربعة فی عصره و له کتب کثیرة منها کتاب المشیخة، کتاب الحدود، کتاب الدیات، کتاب الفرائض، کتاب النکاح، کتاب الطلاق، کتاب النوادر نحو ألف ورقة الخ“ و عده فی رجاله فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) قائلاً: مولی ثقة و فی أصحاب الرضا (علیه السلام) قائلاً: مولی بجیلة کوفی ثقة و ذکره البرقی فی أصحاب الکاظم (علیه السلام) مرتین فمرة وصفه بالسراد و أُخری بالزراد و عده الکشی من الفقهاء الذین أجمع أصحابنا علی تصحیح ما یصح عنهم عند تسمیة الفقهاء من أصحاب أبی إبراهیم و أبی الحسن الرضا (علیه السلام) ... وقال فی ترجمته ”الحسن بن محبوب: علی بن محمد القتیبی قال حدثنی جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب نسبة جده الحسن بن محبوب أنّ الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب... و مات الحسن بن محبوب فی آخر سنة 224 و کان من أبناء 75 سنة...“ الخ». و أما أحمد بن محمد و محمد بن یحیی فسیأتی.

«مُحَمَّدُ بْنُ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ((1))عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حُسَینِ بْنِ عُمَرَ بْنِ یزِیدَ عَنْ أَبِیهِ((2))قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی((3))إِعْجَاباً شَدِیداً

ص: 64


1- فی المحاسن: عنه [أی أحمد بن محمد بن خالد] عن الحسن بن محبوب الخ. فی الرعایة فی علم الدرایة، ص371 فی روایة المتفق و المفترق «و ذلک کروایة الشیخ (رحمة الله) و من سبقه من المشایخ عن أحمد بن محمد و یطلق فإنّ هذا الاسم مشترک بین جماعة منهم أحمد بن محمد بن عیسی و أحمد بن محمد بن خالد و أحمد بن محمد بن أبی نصر و أحمد بن محمد بن الولید و جماعة أُخری من أفاضل أصحابنا من تلک الأعصار و یتمیز عند الإطلاق بقرائن الزمان فإنّ المروی عنه إن کان من الشیخ فی أول السند أو ما یقاربه فهو أحمد بن محمد بن الولید و إن کان فی آخره مقارباً للرضا (علیه السلام) فهو أحمد بن أبی نصر البزنطی و إن کان فی الوسط فالأغلب أن یرید به أحمد بن محمد بن عیسی و قد یراد غیره و یحتاج فی ذلک إلی فضل قوة و تمییز و اطلاع علی الرجال و مراتبهم و لکنه مع الجهل لایضر لأنّ جمیعهم ثقات و الأمر فی الاحتجاج بالروایة سهل؛ و فی الرسائل الرجالیة لأبی المعالی الکلباسی (قدس سره) ، ج3، ص119 «لکن کثیراًما یروی [أی الکلینی (رحمة الله) ] عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد و المقصود بأحمد المروی عنه أحمد بن محمد بن عیسی بشهادة التقیید بابن عیسی فی بعض الموارد بل کثیر منها مضافاً إلی دخوله فی أعداد عدة أحمد بن محمد بن عیسی». تنبیه: قال أبو المعالی (قدس سره) فی ج 3، ص149 «قال الکشی فی ترجمة أحمد بن محمد بن عیسی: لایروی عن ابن محبوب من أجل أنّ أصحابنا یتهمون ابن محبوب فی روایته عن ابن أبی حمزة ثم تاب أحمد بن محمد فرجع قبل ما مات الخ».
2- لیس «عن أبیه» فی المحاسن.
3- فی المحاسن «فأعجبتنی» ولکن نقل فی البحار عنه بدون التاء.

فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ((1)) فَذَکَرْتُهَا لَهُ((2))فَقَالَ (علیه السلام) :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا((3))وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی((4)) إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال (علیه السلام) : (فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ)».((5))

فإنّ شراء الإبل لیس بحرام و المورد غیر الوجوب و الحرمة و الفتنة و العذاب هنا البلیة الدنیویة فالأمر الوجوبی یترتب علی مخالفته العذاب الأُخروی و الأمر الاستحبابی لایترتب علیه ذلک بل غایة ما یترتب علی ترک الأمر الاستحبابی و فعل النهی التنزیهی هو البلیة الدنیویة .

یؤیده أنّ علی بن إبراهیم رحمة الله فسّر «الفتنة» ﺑ- «البلیة»((6)) مع أنّ الفتنة بحسب العرف و اللغة و الآیات و الروایات لاتختص بالبلاء الأخروی کما قال تعالی: (إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)((7))کما أنّ المراد من الأمر فی قوله تعالی:(إِنَّ اللَّهَ

ص: 65


1- فی المحاسن: علی أبی عبد الله (علیه السلام) .
2- فی نقل الوسائل عنه بدون «له» و فی المحاسن «فذکرته».
3- فی المحاسن «اکتریتها» ولکن نقل البحار عنه بدون التاء و هو الصواب.
4- فی المحاسن «غلمانی» بدل «غِلْمَانٍ لِی».
5- الکافی، ج6، ص543، کتاب الدواجن، باب اتخاذ الإبل، ح 7؛ المحاسن، ج2، ص639، کتاب المرافق، الباب 15 (باب الإبل)؛ وسائل الشیعة، ج11، ص501، أبواب أحکام الدواب فی السفر و غیره، الباب 24، ح 2؛ بحار الأنوار، ج61، ص135، أبواب الحیوان و أصنافها و أحوالها و أحکامها، الباب2، ح31.
6- تفسیر القمی، ج2، ص110، سورة النور، الآیة 63 «( أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ) یعنی بلیة (أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) قال: القتل».
7- (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ) (الأنفال: 28)؛ (إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ وَ اللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ ) (التغابن: 15).

یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) ((1)) لایختص بالأمر الوجوبی بل یعم الأمر الاستحبابی؛ فالمستفاد من الآیات و الروایات کون الأمر أعم من الوجوبی و الاستحبابی.

أما روایة بریرة فسندها غیر صحیح و غیر معتبر و الروایات الأُخر لاتعارض ما قلناه.

النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب
اشارة

و هو لأنّ المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأغلب أو إلی الفرد الأکمل.

الإیراد الصغروی عن المحقق العراقی (قدس سره) علیها

قال (قدس سره) :((2)) «و أما الغلبة فدعواها ساقطة بعد وضوح کثرة استعماله فی الاستحباب».

الإیراد الکبروی:

إنّ الإطلاق الانصرافی لایوجب ظهور الأمر فی الفرد الأغلب أو الأکمل، بل العرف فی موارد الاستعمال یتمسک بالإطلاق اللفظی و یقول بشمول اللفظ لجمیع مصادیقه. نعم قد نعلم من الدلیل الخارجی أنّ المتکلم لایرید إطلاق کلامه بل یرید فرداً خاصاً من أفراد الإطلاق و هو الفرد الاغلب أو الاکمل فهذا یحتاج إلی قرینة بخصوصه.

ص: 66


1- سورة النحل (16): 90.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص162، المقصد الأول، المبحث الأول، الجهة الثالثة.
النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة
اشارة

و نذکر لهذا القول سبعة تقریرات:

التقریر الأول:

((1))

إنّ الطلب حقیقة تشکیکیة ذات مراتب مختلفة من المرتبة الشدیدة و الضعیفة و المرتبة الشدیدة هی الحقیقة بلا زیادة تحدید و لا قید و أما المرتبة الضعیفة فهی الحقیقة مع الحد العدمی، لأنّ المرتبة الکاملة بسیطة لا ترکیب فیها و أما الناقصة فمرکبة من الحقیقة و العدم، فالناقصة کما تحتاج إلی مؤنة زائدة علی أصل الحقیقة فی مقام الثبوت کذلک تحتاج إلیها فی مقام الإثبات فمقتضی الإطلاق بعد کون الآمر بصدد البیان هو کون طلبه وجوبیاً لا استحبابیاً.

و سیجیءُ الکلام حول بطلان هذا التقریر عند تحقیق المطلب و نبین وجه الملاحظة علیه.

التقریر الثانی (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال):
اشارة

((2))

قال (قدس سره) : «و ثانیهما و لعله أدقّ من الأول ... بتقریب أنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء وجود متعلقه فی مرحلة الخارج و لو باعتبار منشأیته لحکم العقل بلزوم

ص: 67


1- نهایة الأفکار، ج1، ص162 و 163، المقصد الأول، المبحث الأول، الجهة الثالثة «و حینئذ فلابدّ و أن یکون الوجه فی ذلک هو قضیة الإطلاق و مقدمات الحکمة و تقریبه من وجهین: أحدهما أنّ الطلب الوجوبی لما کان أکمل بالنسبة إلی الطلب الاستحبابی... و حینئذ فکان مقتضی الإطلاق بعد کون الأمر بصدد البیان هو کون طلبه وجوبیاً لا استحبابیاً»؛ تحقیق الأصول، ج2، ص19 «دلیل القول بالدلالة علی الوجوب بالظهور الإطلاقی... إنّ أحسن ما استدل به لهذا القول تقریبان: أحدهما للمحقق العراقی (قدس سره) فقال ما حاصله الخ»
2- نهایة الأفکار، ج1، ص163.

الإطاعة و الامتثال فتارة یکون اقتضائه بنحو یوجب خروج العمل عن اللااقتضائیة للوجود بنظر العقل بحیث کان حکم العقل بالإیجاد من جهة الرغبة لما یترتب علیه من الأجر و الثواب و أخری یکون اقتضائه لتحریک العبد بالإیجاد بنحو أتم بحیث یوجب سدّ باب عدمه [أی العمل] حتی من طرف العقوبة علی المخالفة [الأنسب أن یقال: لما یترتب من العذاب و العقاب علی ترک الفعل] علاوةً عما یترتب علی إیجاده من المثوبة الموعودة.

و فی مثل ذلک نقول بأنّ قضیة إطلاق الأمر یقتضی کونه علی النحو الثانی من کونه بالنحو الأتمّ فی عالم الاقتضاء للوجود بحیث یقتضی سد باب عدم العمل حتی من ناحیة ترتب العقوبة علی المخالفة لأنّ غیر ذلک فیه جهة نقص فیحتاج إرادته إلی مؤنة بیان من وقوف اقتضائه علی الدرجة الأُولی الموجب لعدم ترتب العقوبة علی المخالفة و بالجملة نقول بأنّ الأمر بعد أن کان فیه اقتضاء التحریک للإیجاد و کان لاقتضائه مراتب فعند الشک فی وقوف اقتضائه علی المرتبة النازلة أو عبوره إلی مرتبة السببیة لحکم العقل بالإیجاد کان مقتضی الإطلاق کونه علی النحو الأتم و الأکمل الموجب لحکم العقل بلزوم الإیجاد فراراً عن تبعة ما یترتب علی مخالفته من العقاب علاوة عما یترتب علی موافقته من الأجر و الثواب فتدبر.»

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (دام ظله) علی التقریر الثانی:
الإیراد الأول(نقضاً):

((1))

لو أمر المولی بتنویر البیت أو إیجاد الحرارة یکتفی العبد بإتیان کل ما هو مصداق للتنویر أو الحرارة عرفاً و إن لم یکن أتم المصادیق و أکملها و لایصح

ص: 68


1- تحقیق الأصول، ج2، ص20.

للمولی أن یؤاخذه بعدم إتیانه بأتمّ المصادیق التی یتمکن العبد من إتیانها بل یکفی کل ما هو محصل للغرض من التنویر أو إیجاد الحرارة و إن لم یکن أکمل المصادیق.

الإیراد الثانی(حلاً):

((1))

إنّ مدلول اللفظ نفس الحقیقة و کل ما زاد علی الحقیقة خارج عن مدلوله و الشدة کالضعف داخلة فی مراتب الحقیقة التشکیکیة کما یقال فی عداد مراتب الوجود «مرتبة الواجب» و هذا لاینافی قولهم بأنّ الشدة فی الوجود بنفس حقیقة الوجود لأنّ الکلام فی المعنی و الموضوع له و لا خفاء فی أنّ المرتبة الشدیدة مرتبة من مراتب حقیقة الوجود.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ الأمر یلقَی إلی العرف العام و هذا الإطلاق فی المراتب التشکیکیة بفرض صحته خارج عن طور إدراک العوام.

ص: 69


1- فی تحقیق الأصول «قال شیخنا دام بقاه فی الدورتین جواباً عن هذا الوجه بأنّ الحقیقة التشکیکیة کالحقیقة المتواطیة فی عدم کفایتها لإفادة الحقیقة فکما إنّ لفظ الأسد مثلاً موضوع للحیوان المفترس لایمکن أن یدل علی إرادة فرد بخصوصه بل یحتاج إلی بیان زائد کذلک لفظ النور مثلاً... هذا کله أولاً»؛ و فی محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص129؛ ج1، ص480 «و لنأخذ بالمناقشة علیه من وجوه:... الثانی... إلا أنّ دعوی کون الإرادة الشدیدة لاتزید علی الإرادة بشیء فهی إرادة صرفة دون الإرادة الضعیفة فإنّها لمکان ضعفها زائدة علی الإرادة... خاطئة جداً و ذلک لأنّ الإرادة بشتی ألوانها و أشکالها محدودة بحد من دون فرق فی ذلک بین الإرادة الشدیدة و الضعیفة الخ»
2- فی تحقیق الأُصول «و ثانیاً و قد أفاده فی الدورة اللاحقة: إنّ الخطابات الشرعیة کلها ملقاة إلی العرف العام و منها ما یشتمل علی الأمر مادة أو صیغة الخ»؛ و فی محاضرات فی أُصول الفقه «الثالث لو تنزلنا عن ذلک أیضاً و سلمنا أنّ الإرادة الشدیدة غیر محدودة بحد بخلاف الإرادة الضعیفة إلا أنّه مع ذلک لایمکن التمسک بإطلاق الصیغة و الحمل علی الوجوب الخ».
التقریر الثالث: ما عن المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الوجوب و الندب قسمان من الطلب الإنشائی الذی هو اعتبار من اعتبارات العقلاء و الطلب غیر الإرادة (خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) ((2))) فإنّ الإرادة موضوع لصفة خاصّة من صفات النفس و الصفات النفسانیة من الأُمور الحقیقیة التی یکون بحذائها شیء فی الخارج فلاتقبل الوجود الإنشائی لإباء الأُمور الحقیقیة هذا النحو من الوجود بخلاف الطلب فإنّ له معنی قابلاً لأن یوجد بالإنشاء و هو البعث و التحریک .

(و مسلک الطلب الإنشائی الذی اتخذه هذا المحقق عن صاحب الکفایة5 غیر مسلک إبراز الاعتبار النفسانی للمحقق الخوئی (قدس سره) و إبراز الإرادة للمحقق العراقی (قدس سره) لأنّ الطلب حینئذٍ إنشاء لا إبراز).

«و التحقیق أنّ الفرق بین قسمیه [أی الطلب الإنشائی و هما الوجوب و الندب] بالشدة و الضعف و لکن لا بالشدة و الضعف فی ذات الطبیعة لما عرفت من أنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی بل بالشدّة و الضعف المنتزعین بحسب المقارنات ... و کذلک الاختلاف بین الوجوب و الندب لیس إلا باعتبار المقارنات فالطلب المنشأ بالصیغة أمر واحد و لیس له نوعان متمایزان بالفصل أو بالتشکیک فی ذاتیهما بل یختلف أفراده باعتبار ما یقترن به فقد یقترن

ص: 70


1- نهایة الأصول، ص99 – 104، المقصد الأول، الفصل الأول، المبحث الرابع , ما به یمتاز الوجوب من الاستحباب «و اللازم أولاً أن نبین ما به یمتاز الوجوب من الاستحباب فی مقام الثبوت... و تلخیص المقام هو أنّ الوجوب و الندب قسمان من الطلب الإنشائی الذی هو اعتبار من اعتبارات العقلاء الخ».
2- کفایة الأصول، ص64 «فاعلم أنّ الحق کما علیه أهله وفاقاً للمعتزلة و خلافاً للأشاعرة هو اتحاد الطلب و الإرادة بمعنی أنّ لفظیهما موضوعان بإزاء مفهوم واحد».

هذا الأمر الإنشائی بالمقارنات الشدیدة فینتزع عن الطلب المقترن بها وصف الشدّة و قدیقترن بالمقارنات الضعیفة فینتزع عن الطلب المقترن بها عنوان الضعف و قد لایقترن بشیء أصلاً ...

و إذا اتضح ذلک فیقع النزاع فی أنّ الطلب المجرد من المقارنات هل ینتزع عنه الوجوب أو الندب بعد الاتفاق علی انتزاع الوجوب عن المقترن بالمقارنات الشدیدة و [انتزاع] الاستحباب عن المقترن بالمقارنات الضعیفة.

و الأظهر عندنا أنّ ما ینتزع عنه الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة علی مخالفته هو نفس الطلب الإنشائی الصادر عن المولی بداعی البعث - فی قبال الطلب الاستهزائی و نحوه - فیما إذا لم یقترن بالمقارنات المضعّفة له من الإذن فی الترک و نحوه من غیر فرق بین أن یقترن بالمقارنات الشدیدة أو لم یقترن بشیء أصلاً؛ فالطلب المجرد أیضاً ینتزع عنه الوجوب و یکون موضوعاً لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة بمخالفته و ذلک لوضوح أنّ عتاب المولی و عقابه للعبد عند ترکه الامتثال للطلب البعثی الغیر المقترن بالإذن فی الترک لایقعان عند العقلاء موقع التقبیح بل [العقلاء] یرون العبد مستحقاً للعتاب و العقاب؛ و علی هذا فلانحتاج فی مقام کشف الوجوب إلی استظهار شیء زائد علی حقیقة الطلب ... أما الندب فنحتاج فی کشفه إلی استظهار أمر زائد علی حقیقة الطلب مثل الإذن فی الترک و نحوه و بالجملة ما یحتاج المؤنة الزائدة هو الندب لا الوجوب.

بل یمکن أن یقال: إنّ الطلب البعثی مطلقاً منشأ لانتزاع الوجوب و یکون تمام الموضوع لحکم العقلاء باستحقاق العقوبة و إنّه معنی لایلائمه الإذن فی الترک بل ینافیه لوضوح عدم إمکان اجتماع البعث و التحریک نحو العمل مع

ص: 71

الإذن فی الترک المساوق لعدم البعث و علی هذا فیجب أن یقال: إنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی و لاتتضمن البعث و التحریک و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل و ببالی أنّ صاحب القوانین (قدس سره) أیضاً اختار هذا المعنی فقال: إنّ الأوامر الندبیة کلها للإرشاد ...»

إیرادات أربعة من بعض الأساطین (دام ظله) علی التقریر الثالث:
الإیراد الأول:
اشارة

أفاد (قدس سره) أنّ الطلب الإنشائی فعل المنشِئ و أنّ المستعمِل هو الذی یوجد الطلب بتوسط الصیغة أو المادّة مع أنّه یقول هنا بأنّ الطلب من الاعتبارات العقلائیة فلابدّ أن یکون صادراً من العقلاء؛ فکیف التوفیق بین القولین؟

ملاحظتنا علی الإیراد الأول:

إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری یوجد أولاً فی اعتبار المنشیء بتوسط الصیغة أو المادة و ثانیاً یوجد فی اعتبار العقلاء بعد ابرازه.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ السید البروجردی ذکر «أنّ الطلب المقترن بالمقارنات الشدیدة هو الوجوب و هو کاشف عن الإرادة الشدیدة و المقترن بالمقارنات [الضعیفة هو الاستحباب و هو] کاشف عن الإرادة الضعیفة و غیر المقترن بأحدهما طلب متوسط ».

و فیه: أنّ الطلب إما وجوبی [و] إما ندبی و أما المتوسط بینهما غیر المتصف

ص: 72

بالوجوب أو الندب فغیر قابل للتصور ...

ملاحظتنا علی الإیراد الثانی:

إنّ کلامه (قدس سره) ناظر إلی مقام الإثبات فهو قائل بأنّ الطلب إذا لم یقترن بأحدهما لابدّ أن یکون واجباً، فما أفاده فی مقام تصویر محل النزاع إنّ الطلب غیر المقترن بأحدهما فی مقام الإثبات هو محل النزاع و اختار دلالته علی الوجوب.

الإیراد الثالث:
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : الوجوب و الندب مفترقان بالتشکیک العرضی فنقول: ما المراد من التشکیک العرضی؟

إن کان مراده أنّ الشدة و الضعف وصفان مقارنان للطلب أما الطلب فیتصف بهما بالعرض کاتصاف الجالس فی السفینة بالحرکة، فعلی هذا إسناد الشدة و الضعف إلی الطلب مسامحی و مجازی و إنّا لانرید بالوجدان من الطلب الشدید و الضعیف معنی مسامحیاً.

و إن کان مراده أنّ الطلب الإنشائی یتصف حقیقة بالشدة و الضعف لکن المقارنات کانت السبب فی هذا الاتصاف کاتصاف البیاض بالضعف بسبب اختلاطه بالسواد، فیرد علیه أنّ المقارن هنا لیس دخیلاً فی الطلب الإنشائی بل هو خارج عنه مثلاً ضرب رجلیه علی الأرض و تحریک رأسه و یدیه أُمور شدیدة مقارنة للطلب الإنشائی و خارجة عنه فلایوجب اتصاف الطلب فیه

ص: 73


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص23 «و ثانیها قوله بالتشکیک العرضی فی الطلب بعد نفی التشکیک الذاتی عنه نقول: ما المراد من التشکیک العرضی؟ الخ»

بالشدة و الضعف حقیقة.

ملاحظتنا علی الإیراد الثالث:

إنّ الطلب الإنشائی أمر اعتباری فکما یمکن اعتبار الطلب الإنشائی أیضاً یمکن اعتبار شدته و أما المقارنات الخارجیة فهی مبرزة للأمر الاعتباری؛ فکما أنّ اعتبار الطلب الإنشائی یبرز فی الخارج بالصیغة أو المادة فکذلک اعتبار شدتع یبرز فی الخارج بمقارنات الشدیدة. فالطلب الإنشائی متصف فی وعاء الاعتبار بالشدة و الضعف. نعم لایعقل الاشتداد و الحرکة فی عالم الاعتبار و أما اعتبار الشدة فهو معقول فی الأمور الاعتباریة.

الإیراد الرابع:

((1))

ما أفاده فی آخر بحثه من «أنّ الصیغ المستعملة فی الاستحباب لاتکون مستعملة فی الطلب البعثی ... و إنّما تستعمل بداعی الإرشاد إلی وجود المصلحة الراجحة فی الفعل».

یرد علیه إیرادات:

أولاً: لازم ذلک عدم التمکن من الفتوی بالاستحباب و الکراهة بعنوان الحکم الشرعی المجعول مع أنّا لم نجد فقیهاً حتی نفس القائل (أی السید البروجردی (قدس سره) ) یلتزم بذلک.

ثانیاً: هذا مخالف للنصوص الواردة فی تقسیم الأوامر الشرعیة إلی الفرض

ص: 74


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص24 «و رابعها: إنّه یقول فی نهایة المطلب... و هذا معناه أنّ الأحکام الشرعیة منحصرة بالوجوب و الحرمة فقط الخ».

و النفل.

ثالثاً: حلّ الإشکال هو أنّ التحریک الذی لایلائم الإذن فی الترک هو التحریک الخارجی لا التحریک الاعتباری.

التقریر الرابع:
اشارة

((1))

و هو یترکب من مقدمتین:

«أولاهما: أنّ الوجوب لیس عبارة عن مجرد الطلب لأنّ ذلک ثابت فی المستحبات أیضاً بل لابدّ من عنایة زائدة و لیست هذه العنایة عبارة عن انضمام النهی أو المنع عن الترک إلی الطلب لأنّ النهی بدوره ثابت أیضاً فی باب المکروهات [و النهی عن الترک حینئذ تنزیهی ففی المستحبات أیضاً یمکن طلب الشیء و النهی التنزیهی عن ترکه] و إنّما العنایة الزائدة هی عدم الترخیص فی الترک، خلافاً للاستحباب الذی تکون العنایة فیه الترخیص فی الترک و النتیجة أنّ الوجوب طلب متمیز بقید عدمی و الاستحباب طلب متمیز بقید وجودی و هو الترخیص فی الترک.

ثانیهما: أنّه کلما کان الکلام وافیاً بحیثیة مشترکة و تردّد أمرها بین حقیقتین الممیز لإحداهما أمر عدمی و للأخری أمر وجودی تعین بالإطلاق الحمل علی الأول لأنّ الأمر العدمی لا مؤنة فیه بحسب النظر العرفی فإذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر الوجودی الزائد مع أنّه لم یذکر ذلک الأمر الوجودی الزائد فی الکلام فهذا خرق عرفی لظهور حال المتکلّم فی بیان تمام مرامه بکلامه، و إذا کان المقصود ما یتمیز بالأمر العدمی فلیس هناک خرق عرفاً لأنّ الممیز عندما یکون

ص: 75


1- نقله السید المحقق الصدر فی بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص21، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الثالثة فی دلالة الأمر علی الوجوب، کیفیة تفسیر هذه الدلالة، القول الثالث، الوجه الثانی.

أمراً عدمیاً فکأنّه لایزید علی الحیثیة المشترکة التی یفی بها الکلام.»

الإیراد الأوّل علی التقریر الرابع: من المحقق الصدر (قدس سره) :

((1))

نمنع المقدمة الثانیة فإنّ الأمر العدمی قد یکون بحیث لایلاحظه العرف أمراً زائداً محتاجاً إلی البیان و قد یکون بحیث یلاحظه العرف أمراً زائداً مثل الأمر الوجودی و حینئذ کلاهما محتاجان إلی البیان و الوجوب و الاستحباب من هذا القبیل و لذا کان النسبة بین الوجوب و الاستحباب هی النسبة بین المفهومین المتباینین لا الأقل و الأکثر.

الإیراد الثانی علی التقریر الرابع:

إنّ الوجوب أمر اعتباری بسیط؛ لا مرکب من طلب الشیء مع عدم الترخیص فی الترک.

التقریر الخامس:
اشارة

((2))

«نفس التقریب السابق [و هو التقریر الرابع بحسب ما ذکرنا] مع فرق فی المقدمة الثانیة حیث یقال هنا بأنّ الممیز للوجوب و إن کان بحسب النظر العرفی مؤنة زائدة علی ذات الطلب و بحاجة إلی بیان إلا أنّه حیث یعلم علی کل حال بوجود مؤنة زائدة علی ذات الطلب و هذه الزیادة مرددة بین زیادة أخف هی الأمر العدمی أو زیادة أشد هی الأمر الوجودی؛ فسکوت المتکلم عرفاً عن بیان الزیادة الأشد یکون قرینة علی إرادة الزیادة الأخف فیتعین الوجوب لا محالة.»

ص: 76


1- «و یرد علیه المنع من المقدمة الثانیة فإنّه لیس کل أمر عدمی لایلحظ عرفاً أمراً زائداً الخ».
2- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص22، الوجه الثالث.
ایراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه:

«إنّ هذه النکتة لو سلمت کبری و صغری فلیست فی تمام الموارد بل فی خصوص ما إذا أحرز أنّ المولی بالرغم من سکوته عن بیان الزیادة یکون بصدد بیانها و هذه عنایة لاتحصل دائماً بینما البناء الفقهی و العرفی علی فهم الوجوب فی سائر الموارد.»

التقریر السادس:
اشارة

((1))

«إنّ صیغة الأمر تدل علی الإرسال و الدفع بنحو المعنی الحرفی و لما کان الإرسال و الدفع مساوقاً لسدّ تمام أبواب العدم للاندفاع و التحرک فمقتضی أصالة التطابق بین المدلول التصوری و المدلول التصدیقی أنّ الطلب و الحکم المبرز أیضاً سنخ حکم یشتمل علی سدّ تمام أبواب العدم و هذا یعنی عدم الترخیص فی المخالفة؛ و هذا التقریب لا بأس به و هو جار فی تمام موارد استعمالات صیغة الأمر.»

یلاحظ علیه:

إنّ کلمة الإرسال لایناسب جمیع موارد الأمر فإنّ فی بعضها لایتصوّر إرسال کما فی الأمر بقراءة سورة، فإنّه فی هذا المورد بعث لا ارسال ثم إنّ الکلام هنا فی مادّة الأمر و هذا التقریب یجدی فی صیغة الأمر و لکن الأمر سهل لأنّ هذا البحث و هذه الأقوال بعینه یجری فی صیغة الأمر و نحن نکتفی ببیان الأقوال و البحث حولها فی مادة الأمر.

نعم ما أفاده من أنّ النسبة الإرسالیة مساوقة لسد تمام أبواب العدم - علی

ص: 77


1- مختار السید المحقق الصدر (قدس سره) فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص22، الوجه الرابع.

فرض التسلم لمبنی المحقق العراقی (قدس سره) من أنّ معنی صیغة الأمر النسبة الإرسالیة((1))- صحیح بلا شک.

التقریر السابع: و هو المختار
اشارة

بیان ذلک: إنّ مادة الأمر تدل علی البعث، و البعث یقتضی الانبعاث نحو المطلوب و الانبعاث نحو شیء مساوق لسدّ أبواب عدمه و معنی ذلک هو عدم الترخیص فی ترکه، و علی ذلک إنّ مادة الأمر تدلّ علی الوجوب من غیر احتیاج إلی مؤونة زائدة. نعم إن کان هناک مایدلّ علی الترخیص فی ترک المتعلّق فمادة الأمر تدلّ علی الندب و مع عدم ما یدلّ علی الترخیص فالإطلاق یقتضی الحمل علی الوجوب.

و أحسن الوجوه لتقریر الإطلاق هو التقریرالسابع و بعد ذلک ما أفاده المحقق الصدر (قدس سره) و ما أفاده السید المحقق البروجردی (قدس سره) إلا أنّ المسألة تحتاج إلی تحلیل أوسع.

التحقیق أنّ هنا ثلاث مراتب:
المرتبة الأُولی:
اشارة

و هی مرتبة مبادی الحکم و فیها بیان بطلان التقریر الأول.

یتحقق هنا أمران: الأول المصلحة الموجودة فی متعلق الأمر و الثانی حبّ المتعلق و الشوق و المیل إلیه لما فیه من المصلحة؛ و الطلب فی هذه المرتبة حقیقی و علی مبنی القائلین باتحاد الطلب و الإرادة تتحقق الإرادة فی هذه المرتبة.

ص: 78


1- یأتی فی ص155، الفصل الثانی، الأمر الأول، القول الرابع.

وقد خالف هنا المحقق الخوئی (قدس سره) حیث ینکر تعلّق الإرادة التکوینیة لله تبارک و تعالی بفعل المکلّف الذی هو متعلّق الحکم الشرعی و یقول بأنّ الإرادة التکوینیة التی هی عبارة عن الشوق النفسانی المحرک للإنسان نحو المراد إنّما یعقل تعلقها بفعل الغیر إذا کانت فیه مصلحة عائدة إلی ذات المرید أو إلی إحدی قواه و لایعقل ذلک فی الأحکام الشرعیة فإنّ مصالحها تعود إلی المکلفین لا إلی الشارع.

و التحقیق بطلان نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :

لأنّ المولی الحقیقی سبحانه و تعالی یرید مصالح عباده کما أنّه یریدهم و الإرادة بهذا المعنی ترجع إلی ابتهاجه بذاته فإنّ المبتهج بذاته المبتهج بمعلولاته. نعم إنّ هذا المعنی للإرادة لیس متفقاً بینهم و سیجیء الکلام حوله إن شاء الله تعالی.

ثمّ إنّ هذه المصلحة و هذا الطلب الحقیقی قابلان للشدة و الضعف و الحق هو أنّ الوجوب و الاستحباب مختلفان من حیث مبادیهما شدةً و ضعفاً.

نعم إنّ الإرادة بمعنی التصدی نحو المطلوب هی خارجة عن مبادی الحکم کما أنّها لیست مفاد الطلب الإنشائی و مفاد الأمر بمادته و صیغته و لما أنّها غیر الحکم الشرعی الاعتباری بل هی موجودة فی المکلف عند الامتثال فهذه الإرادة خارجة عن محلّ البحث.

و ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من التشکیک یتصور فی هذه المرحلة و لکنها لایجدی فی البحث حیث إنّ الکلام فی مقام دلالة الأمر مادةً و صیغةً و هو أمر إثباتی لا ثبوتی فظهر بطلان التقریر الأول من التقریرات السبعة.

المرتبة الثانیة:

و هی مرتبة الحکم الاعتباری و فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس.

ص: 79

الوجوب و الاستحباب أمران اعتباریان بسیطان و متباینان مفهوماً و لیسا مرکبین حتی یکون بینهما حیثیة مشترکة و یمتاز کل منهما عن الآخر بما به الامتیاز فلا مجال لأن یقال: إنّ الوجوب لایزید علی الحیثیة المشترکة و لکن الندب یحتاج إلی أمر زائد - و هو ما به الامتیاز الندبی - أو یقال: إنّ بیان ما به الامتیاز فی الوجوب أخف مؤنةً عن بیان ما به الامتیاز فی الندب؛ و بذلک ظهر بطلان التقریر الرابع و الخامس.

المرتبة الثالثة:

و هی مرتبة إبراز الحکم بمادة الأمر أو بصیغته و فیها نبین الحق فی التقریر.

إنّ مادة الأمر تدل علی الطلب الإنشائی و الاعتباری کما أنّ الصیغة تدل علی «النسبة البعثیة» عند بعضهم و «النسبة الإرسالیة» عند الآخر أو غیر ذلک و علی أی حال فإن قلنا بأنّ الأمر الاعتباری لایقبل التشکیک الذاتی فلایبقی مجال لتقریر الإطلاق علی أساس الشدة و الضعف .

نعم التشکیک العرضی یوجب اتصافه بالشدة و الضعف و لکن البعث الشدید أو النسبة البعثیة الشدیدة یقتضی امتثال المتعلق بالسرعة أو بالشدة مثلاً کما أنّ البعث الضعیف أو النسبة البعثیة الضعیفة یقتضی امتثال المتعلق بلا سرعة و لا شدة مثلاً و البعث من المولی أو النسبة البعثیة علی أی نحو کان یقتضی امتثال متعلقه کذلک.

و الأمر الندبی و إن کان بحسب مبادی الحکم له مصلحة غیر ملزمة و طلب ضعیف إلا أنّ مفاد الأمر بمادته و صیغته هو البعث و ما بمعناه لا الترخیص فی ترک الانبعاث؛ و البعث یقتضی انبعاث العبد و لایعقل اقتضاء البعث للترخیص فی ترک الانبعاث.

ص: 80

فعلی هذا إفادة الترخیص فی ترک الانبعاث تحتاج إلی دلیل آخر غیر الأمر و مع فقدانه فلابدّ من أن یحمل الأمر علی الوجوب و لزوم الانبعاث.

و ما أفاده السید المحقق الصدر (قدس سره) من أنّ «الإرسال و الدفع» أو «النسبة الإرسالیة» مساوق لسد أبواب العدم یرجع إلی ما ذکرناه.

النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب
اشارة

((1))

إنّ الوجوب یستفاد من حکم العقل و لیس من المدالیل اللفظیة.((2))

ص: 81


1- فی أجود التقریرات، ج1، ص132، المقصد الأول، الفصل الأول «إنّ صیغة افعل حیث إنّها من مصادیق الأمر و نسبتها إلیه نسبة المصداق إلی المفهوم فیکون الأمر فی الدلالة علی الوجوب کالصیغة فی الدلالة علیه الخ»؛ و فی محاضرات فی أصول الفقه، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الثالثة «لا إشکال فی تبادر الوجوب عرفاً من لفظ الأمر عند الإطلاق و إنّما الإشکال و الکلام فی منشأ هذا التبادر هل هو وضعه للدلالة علیه أو الإطلاق و مقدمات الحکمة أو حکم العقل به؟ وجوه بل أقوال... و لکن الصحیح هو الثالث الخ» و فی ج 2، ص131و 132؛ ج 1، ص483، المقام الثانی، الجهة الثانیة «و من ذلک یظهر أنّ الصیغة کما لاتدل علی الطلب و البعث کذلک لاتدل علی الحتم والوجوب نعم یحکم العقل بالوجوب بمقتضی قانون العبودیة و المولویة الخ»؛ و فی أصول الفقه، ج1، ص61، المقصد الأول، الباب الثانی، المبحث الأول، المسألة الثالثة «و الحق عندنا أنّه دال علی الوجوب و ظاهر فیه... و الحق أنّه لیس قیداً فی الموضوع له و لا المستعمل فیه بل منشأ هذا الظهور من جهة حکم العقل بوجوب طاعة الآمر الخ» و فی ص 65، المبحث الثانی، المسألة الثانیة «و الحق أنّها [ أی الصیغة ] ظاهرة فی الوجوب... و شأنها فی ظهورها فی الوجوب شأن مادة الأمر علی ما تقدم هناک من أنّ الوجوب یستفاد من حکم العقل بلزوم إطاعة أمر المولی و وجوب الانبعاث عن بعثه قضاءً لحق المولویة و العبودیة الخ».
2- إنّ حکم العقل مرتکز فی الذهن بحیث ینتقل الذهن من النسبة البعثیة إلی لزوم الانبعاث فإنّ حکم العقل فی نفسه أعم من اللزوم البین و غیر البین و لکن فی ما نحن فیه لشدة ارتکازه یکون بیناً بالمعنی الأخص و تصح الدلالة الالتزامیة.
بیان المحقق النائینی (قدس سره) :
اشارة

((1))

قبل نقل کلام المحقق النائینی (قدس سره) لابدّ من التنبیه علی نکتة و هی أنّ ما أفاده و إن کان مرتبطا بصیغة الأمر ولکنّه یعم مادة الأمر من حیث المبنی.

و أما بیانه (قدس سره) : «إنّ الصیغة متی صدرت من المولی فالعقل یحکم بلزوم امتثاله باقتضاء العبودیة و المولویة و لایصح الاعتذار عن الترک بمجرد احتمال کون المصلحة غیر لزومیة إلا إذا کانت هناک قرینة متصلة أو منفصلة علی کونها غیر لزومیة و توضیح ذلک أنّ الوجوب لغةً بمعنی الثبوت و هو تارةً یکون فی التکوین و أخری فی التشریع؛ فکما أنّه فی التکوینیات یکون ثبوت شیء تارةً بنفسه و أخری بغیره و ما کان بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات فکذلک الثبوت فی عالم التشریع فما هو ثابت بنفسه نفس إطاعة المولی فإنّها واجبة بنفسها و غیرها یکون واجباً باعتبار انطباق عنوان الطاعة علیه؛ فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلا محالة ینطبق علیه إطاعة المولی فیجب بحکم العقل قضاءً لحق المولویة و العبودیة؛ فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم صدور الصیغة من المولی لا من المدالیل اللفظیة».

إیرادات أربعة علی هذا البیان:

الإیراد الأول: من بعض الأساطین (دام ظله)

((2))

هذا ینافی طریقتهم الفقهیة حیث یقولون: الأمر ظاهر فی الوجوب لأنّ

ص: 82


1- أجود التقریرات، ج1، ص144، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الأول.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص25 «و فیه إشکال و هو أنّه إذا کانت الدلالة عقلیة و لا دور للفظ فیها فما معنی جمع المیرزا نفسه و سائر الفقهاء بین الأمر و بین لا بأس بالترک بالجمع الدلالی؟ إنّهم فی مثل هذین الدلیلین یقولون بأنّ الأمر ظاهر فی الوجوب الخ».

الوجوب حینئذٍ حکم عقلی لا أمر مستفاد من ظهور اللفظ.

الإیراد الثانی: من بعض الأساطین أیضاً (دام ظله)

((1))

هذا أیضاً ینافی ما یقول به من الجمع العرفی بین الإطلاق و التقیید لقرینیة المقید بالنسبة إلی المطلق کما إذا دلّ أمارة علی وجوب عتق «مطلق الرقبة» و أمارة أخری علی وجوب عتق «الرقبة المؤمنة» فالجمع یقتضی حمل المطلق علی المقید مع أنّا لوقلنا بأنّ الوجوب أمر مستفاد من حکم العقل یلزمنا عکس ذلک لأنّ المطلق یدل علی الترخیص بالنسبة إلی قید «المؤمنة» فلایحکم العقل حینئذٍ بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة بل یحکم باستحبابه و لایجدی قرینیة المقید هنا لأنّ القرینیة من شؤون اللفظ و الوجوب هنا لایرجع إلی جهة لفظیة.

و العقدة لاتنحل إلا بإرجاع الدلالة علی الوجوب إلی الظهور اللفظی.

الإیراد الثالث: من المحقق الصدر (قدس سره) :

((2))

و هو « لزوم رفع الید عن دلالة الأمر علی الوجوب فیما إذا اقترن بأمر عام یدل علی الإباحة و الترخیص کما إذا ورد ”أکرم العالم الفقیه و لا بأس بترک إکرام العالم“ و توضیحه أنّ بناء الفقهاء و الارتکاز العرفی علی تخصیص ”العالم“ فی مثل ذلک و الالتزام بوجوب إکرام الفقیه و اعتباره من التعارض غیر المستقر بینما علی هذا المسلک لا تعارض أصلاً... بل المتعین علی هذا المسلک أن یکون العام رافعاً لموضوع حکم العقل بالوجوب لأنّ حکم العقل معلق علی عدم

ص: 83


1- «... و کذلک فی باب الإطلاق و التقیید و العام والخاص فإنّ المیرزا و أتباعه یقولون بأنّ المقید و المخصص قرینة للمطلق و العام و بها ترفع الید عن ظهورهما فی العموم و الإطلاق الخ»
2- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص19، بحوث الأوامر، مادة الأمر، الجهة الثالثة فی دلالة الأمر علی الوجوب، کیفیة تفسیر هذه الدلالة، القول الثانی، الإیراد الثانی.

ورود الترخیص من المولی.»

الإیراد الرابع: من المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

قال: «إنّه لو صدر أمر و لم یقترن بترخیص متصل و لکن احتملنا وجود ترخیص منفصل فالبناء الفقهی و العقلائی علی استفادة الوجوب من الأمر حتی یثبت خلافه مع أنّ هذا مما لایمکن إثباته علی هذا المسلک لأنّه قد فرض فیه أنّ العقل إنّما یحکم بالوجوب معلقاً علی عدم ورود الترخیص من الشارع الخ.»

ملاحظة علی الإیراد الرابع:

إنّ حکم العقل بالجوب معلق علی عدم قیام القرینة علی خلافه لاعدم وروده فیکفی فی حکم العقل عدم إثبات الترخیص المنفصل و عدم إحرازه کما صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) حیث قال: فإذا صدر بعث من المولی و لم تقم قرینة علی کون المصلحة غیر لزومیة فلامحالّة ینطبق علیه اطاعة المولی... الخ.

و التحقیق:

تمامیة الدلیل العقلی و إن کانت الإیرادات الثلاثة واردة علیه فإنّ تلک الإیرادات لاتقتضی بطلان الدلیل العقلی بل تقتضی عدم انحصار وجه دلالة مادة الأمر علی الوجوب فیه، لأنّ جمیع موارد دلالتها علی الوجوب لایستقیم مع الدلالة العقلیة علیه، بل الإطلاق بمقدمات الحکمة أیضاً قد یفید دلالتها علی الوجوب، کما أنّ السیرة العقلائیة الآتی ذکرها أیضاً تدل علی دلالة مادة الأمر علی الوجوب کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

ص: 84


1- بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص19.
النظریة السابعة: السیرة العقلائیة

و هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) قال: إنّ السیرة العقلائیة تدل علی الوجوب توضیحه أنّ الطریقة العقلائیة فی مقام العمل علی استکشاف الوجوب من الأوامر الصادرة عن المولی اذا لم یقِم قرینة دالة علی الرخصة فیها و لا شک فی تحقق هذه السیرة.

أما منشأ السیرة العقلائیة فسیجیء فی بحث البیع أنّه لیس إلا بناء العقلاء و تبانیهم((2)) و مما تؤکّد السیرة العقلائیة النصوصُ مثل صحیحة زرارة و مُحَمَّدِ بْنِ

ص: 85


1- تحقیق الأصول، ج2، ص26 – 30 «و تلخص أنّ دلالة الأمر علی الوجوب لاتتم بحکم العقل مالم یرجع الوجوب إلی اللفظ و ذلک بأحد أُمور ثلاثة: إما دعوی التبادر و هی مردودة... و إما دعوی الظهور الإطلاقی... و إما دعوی السیرة العقلائیة بأنّها قائمة علی استفادة الوجوب عند عدم القرینة علی الرخصة الخ»
2- عبارة تحقیق الأصول، ج2، ص27 هکذا: «و قد ذکر المحقق الإصفهانی فی المعاملات أنّ منشأ هذه السیرة هو حفظ الأُمور المعاشیة» و جاء فی تحقیق الأصول عند البحث عن دلالة الصیغة علی الوجوب، ص53: «مختار الأستاذ و دلیله الخامس السیرة العقلائیة... و مما یشهد به فی الفقه مسألة خیار الغبن فإنّ المستند العمدة علی ثبوت هذا الخیار هو تخلف الشرط إذ الشرط الارتکازی بین العقلاء فی المعاملة هو المساواة بین الثمن و المثمن فبناء العقلاء فی سائر معاملاتهم علی المساواة بینهما کاشف عن وجود هذا الشرط فی کل معاملة و لو مع عدم التلفظ به فی متن العقد فکما یکون البناء العقلائی هناک ذا أثر من هذا القبیل و لدی التخلف یستند إلی ذلک کذلک البناء العقلائی فیما نحن فیه علی ترتب أثر الوجوب و الإلزام علی صیغة افعل کاشف عن دلالتها علی الوجوب و هذا هو التحقیق عند الأُستاذ فی الدورة اللاحقة». أمّا العبارة الأولی فما وجدنا هذا المطلب فی حاشیة المکاسب للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و لکن له کلام فی بحث الاجتهاد و التقلید قال فی نهایة الدرایة، ج3، ص462: «و منها قضیة السیرة و من البین أنّ ما جرت علیه سیرة العقلاء فی مقاصدهم حفظاً لنظام أُمورهم هو العمل بقول العارف بشیء لا عقد القلب علیه و لا أخذه بوجوده الکتبی أو بوجوده العلمی و إن کانا من المقدمات أحیاناً فإنّ کل ذلک أجنبی عن مقاصد العقلاء فی مرحلة انتظام أُمورهم» و فی بحوث فی الأصول، ج3، ص15: «و أمّا ما تقتضیه سیرة العقلاء فهو العمل بقول العارف بشیء حفظاً لنظام أُمورهم فالانقیاد قلباً أو الأخذ بالفتوی بوجودها العملی أو الکتبی و إن کان من المقدمات أجنبی عن مقاصد العقلاء» و لکن کلامه کما تری فی جریان سیرة العقلاء علی العمل بقول العارف بشیء لا استکشاف الوجوب من الأوامر الصادرة عن المولی و أمّا العبارة الثانیة فهی متخذة من کلام المحقق الإصفهانی فإنّه قال فی حاشیة المکاسب، ج4، ص237 فی التعلیقة علی قوله «و یضعف بمنع کون الوصف»: «و یمکن أن یقال: إنّ الغرض النوعی فی المعاملات المتضمنة للمعاوضة متعلق بالتبدیل من حیث المالیة و إعطاء مال و أخذ مال یقوم مقامه فی المالیة و أمّا سائر الأغراض المتعلقة بإعطاء الزائد و أخذ الناقص و بالعکس فهی أجنبیة عن الغرض النوعی المعاملی و مثل هذا الغرض النوعی المعاملی عقدی تکون المعاملة بما هی معاوضة و مبادلة مبنیة علیه و لیس کالأغراض الشخصیة التی لا بناء علیها نوعاً حتی لاتعتبر إلّا مع ذکرها فی متن العقد...» و قال فی ص242 فی التعلیقة علی قوله «و کان وجه الاستدلال أنّ لزوم»: «و ضروریة لزومها [أی المعاملة الغبنیة] بأحد تقریبین: الأوّل أنّ المعاملة کما قدمناه وقعت مبنیة علی ما هو المتعارف بین العقلاء الذی لا غرض لهم فی المعاوضات المالیة إلّا إقامة مال مقام مال فی ما لَه من المالیة...» و قال فی ج5، ص372 فی التعلیقة علی قوله «یجب علی کل من المتبایعین تسلیم»: «توضیح المقام أنّ مدلول عقد البیع بالمطابقة لیس إلّا تملیک عین بعوض من دون تضمنه للتسلیم والتسلم و وجوب التسلیم لأحد وجهین:... و الثانی ما عن غیر واحد و علیه تبتنی الفروع الآتیة من بناء عقود المعاوضات علی کون التملیک فی قبال التملیک و التسلیط الخارجی فی قبال التسلیط لا أن عقد البیع بما هو یقتضی ذلک بتخیل... بل بمعنی أنّ المستکشف من بناء العقلاء فی باب المعاوضات التزام المتعاملین بالتزام بیعی بالملکیة بإزاء الملکیة و التزام شرطی ضمنی بالتسلیط بإزاء التسلیط کما هو التحقیق فی مسألة خیار الغبن من أنّ بناء العقلاء فی باب المعاوضات المالیة علی إقامة مالٍ مقام مالٍ فکأنّهم ضمناً ملتزمون بإقامة ما یساوی المبیع فی المالیة مقامه فیکون الخیار لأجل تخلّف هذا الشرط الضمنی و إلّا فنفس عقد البیع متعلق بتملیک شخص العین لا بعنوان المساوی...».

ص: 86

مُسْلِمٍ((1)) «قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ((2)) فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ (علیه السلام) :((3)) ” إِنَّ اللَّهَ یقُولُ: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ)((4)) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباً((5)) کَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:((6)) إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ:((7)) (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوا((8)) فَکَیفَ أَوْجَبَ((9)) ذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟((10))

ص: 87


1- ورد هذا الحدیث فی الفقیه و تفسیر العیاشی و دعائم الإسلام. و أمّا طریق الفقیه إلی زرارة و محمد بن مسلم ففی ج4، ص424: «و ما کان فیه عن محمد بن مسلم الثقفی فقد رویته عن علی بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبی عبد الله عن أبیه عن جدّه أحمد بن أبی عبد الله البرقی عن أبیه محمد بن خالد عن العلاء بن رزین عن محمد بن مسلم». و فی ص425: «و ما کان فیه عن زرارة بن أعین فقد رویته عن أبی عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن محمد بن عیسی بن عبید و الحسن بن ظریف و علی بن إسماعیل بن عیسی کلّهم عن حماد بن عیسی عن حریز بن عبد الله عن زرارة بن أعین». أما الطریق الأول ففی خاتمة المستدرک، ج5، ص204: «علی من مشایخه و هو و أبوه غیر مذکورین فالسند ضعیف علی المشهور إلا أنّه یمکن الحکم بصحة طریقه إلی محمد بن مسلم من وجوه [ثلاثة]» الخ و فی معجم رجال الحدیث، ج18، ص269: «و الطریق ضعیف بعلی بن أحمد». و الطریق الثانی صحیح عند الجمیع.
2- فی الدعائم: عن أبی جعفر محمد بن علی صلوات الله علیه أنّه سئل عن الصلاة الخ.
3- فی الدعائم و العیاشی: «قال» بدون الفاء.
4- سورة النساء (4): 101.
5- فی الدعائم: قال فالتقصیر فی السفر واجب الخ.
6- فی الدعائم: «قیل له یابن رسول الله» بدل «قالا قلنا».
7- لیس لفظ الجلالة فی العیاشی.
8- فی الدعائم: فلا جناح علیکم و لم یقل اقصروا.
9- فی العیاشی: أوجب الله.
10- لیس «فی الحضر» فی الدعائم.

الحدیث.((1))» ((2)).

و مثل روایة عَلِی بْنُ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ((3))عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ مُعَاوِیةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله: «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ)((4))» الحدیث((5))و هذا یکشف عن أنّ صیغة افعل (أتموا) بلا ضم قرینة تدل

ص: 88


1- فی الفقیه «فقال (علیه السلام) : أو لیس قد قال الله فی الصفا و المروة (فَمَنْ حَجَّ الْبَیتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَیهِ أَنْ یطَّوَّفَ بِهِمَا) (البقرة:158)» إلی آخر الحدیث.
2- من لایحضره الفقیه، ج1، ص434؛ دعائم الإسلام، ج1، ص195؛ تفسیر العیاشی، ج1، ص271، سورة النساء: 101؛ وسائل الشیعة، ج8، ص518، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر، ح 2 عن الفقیه؛ مستدرک الوسائل، ج6، ص542، الباب 16 من أبواب صلاة المسافر، ح 3 عن الدعائم و العیاشی؛ بحار الأنوار، ج2، ص276، الباب 33، ح 26 عن الفقیه و ج 86، ص51 عن العیاشی.
3- کذا فی الوسائل و لکن فی الکافی هکذا: «3. علی بن إبراهیم عن أبیه و محمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن ابن أبی عمیر... 4. ابن أبی عمیر عن معاویة بن عمارالخ» و راجع أیضاً جامع أحادیث الشیعة، ج10، ص222.
4- سورة البقرة ( 2 ): 196.
5- الکافی، ج4، ص265، کتاب الحج، باب فرض الحج و العمرة، ح 4 و تتمة الحدیث: «و إنّما نزلت العمرة بالمدینة قال قلت له: فمن تمتع بالعمرة إلی الحج أیجزئ ذلک عنه؟ قال: نعم»؛ وسائل الشیعة، ج11، ص9، کتاب الحج، الباب 1، ح 5، عنه. و فی التهذیب، ج5، ص433، باب من الزیادات فی فقه الحج، ح 148 «موسی بن القاسم عن حماد بن عیسی عن عمر بن أذینة عن زرارة بن أعین قال قلت لأبی جعفر (علیه السلام) : الذی یلی الحج فی الفضل؟ قال: العمرة المفردة ثم یذهب حیث شاء و قال: العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج لأنّ... و إنّما نزلت العمرة بالمدینة فأفضل العمرة عمرة رجب و قال» الحدیث؛ الوسائل، ج14، ص295، الباب من أبواب العمرة، ح 2، عنه. و فی علل الشرائع، ج1، ص408، الباب 144، ح 1 «حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف عن علی بن مهزیار عن الحسین بن سعید عن ابن أبی عمیر و حماد و صفوان بن یحیی و فضالة بن أیوب عن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج من استطاع لأنّ... و إنّما نزلت العمرة بالمدینة و أفضل العمرة عمرة رجب»؛ الوسائل، ج14، ص297، الباب 1 من أبواب العمرة، ح 8، عنه و فیه «علی من استطاع إلیه سبیلاً» بدل «من استطاع». و فی تفسیر العیاشی، ج1، ص87 «عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: إنّ العمرة واجبة بمنزلة الحج لأنّ... هی واجبة مثل الحج و من تمتع أجزأته و العمرة فی أشهر الحج متعة»؛ الوسائل، ج14، ص307، الباب 6، ح 8، عنه. و فی تفسیر العیاشی، ج1، ص88 «عن معاویة بن عمار الدهنی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: إنّ العمرة واجبة علی الخلق بمنزلة الحج لأنّ... و إنّما نزلت العمرة بالمدینة و أفضل العمرة عمرة رجب»؛ مستدرک الوسائل، ج10، ص176، الباب 2 من أبواب العمرة، ح 2، عنه. و فی دعائم الإسلام، ج1، ص290 «و عن أبی جعفر محمد بن علی أنّه قال: العمرة فریضة بمنزلة الحج علی من استطاع». و فی دعائم الإسلام، ج1، ص333 «روینا عن أبی جعفر محمد بن علی أنّه قال: العمرة فریضة بمنزلة الحج لأنّ...»؛ مستدرک الوسائل، ج10، ص175 الباب 1 من أبواب العمرة، ح1، عنه و لکن فیه «عن علی (علیه السلام) ».

علی الوجوب.

فإذا ثبت وجود السیرة العقلائیة فی صیغة افعل فبالأولویة القطعیة یثبت وجودها فی مادة الأمر .

ثم بین الأُستاذ (دام ظله) بعض الموارد التی لایدل الأمر فیها علی الوجوب و قال: الجمع بین الروایات الواردة فی موارد استعمالات الأمر فی غایة الإشکال و علی أی حال بناء السیرة العقلائیة علی استفادة الوجوب من مادّة الأمر فلایضرّنا تعارض الروایات و تساقطها.

مقتضی التحقیق هنا: أنّ السیرة العقلائیة تجتمع مع سائر الأدلّة فلیست مسلکاً نافیاً لسائر المسالک من الوضع و الإطلاق و حکم العقل، نعم إنّها فی عرض سائر المسالک فی مقام الإثبات أی فی مقام الإستدلال علی دلالة مادّة

ص: 89

الأمر علی الوجوب و أما فی مقام الثبوت فهی هنا تنشأ من هذه المسالک کما قال السید المحقق الخوئی (قدس سره) :((1))

«قیام السیرة إنّما یدل علی کون الوجوب مستفاداً منها [أی الصیغة] و أما کون ذلک بالوضع أو بالإطلاق أو من ناحیة حکم العقل فلایدل علی شیء منها.»

فبالنتیجة: إنّ الأدلة التامة علی «دلالة مادة الأمر علی الوجوب» ثلاثة:

الاوّل: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر السابع.

الثانی: الدلیل العقلی.

الثالث: السیرة العقلائیة.

ص: 90


1- محاضرات فی أُصول الفقه، 2، ص125؛ ج1، ص475، بحث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الثانیة.
الأمر الرابع:فی النسبة بین الأمر و الطلب
اشارة

فیها ستة أقوال:

القول الأول: الأمر مطلق الطلب
اشارة

قد یتوهم أنّ الأمر وضع لمطلق الطلب من غیر تقییده بشیء؛ کما تقدم ذلک فی کلمات جمع من الأعلام.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أن الأمر أخصّ من مطلق الطلب فإن مطلق الطلب یشمل الطلب الذی هو فی نفس المولی قبل إنشائه و لکن الأمر یختصّ بالطلب المنشأ.

قال (قدس سره) : أما مطلق الطلب فلیس معنی مادة الأمر لأنّ « الظاهر من الإطلاقات العرفیة أنّه لایقال لمن أراد قلباً: إنّه اَمَرَ بل یقال: [إنّه] أراد و لم یأمر بالمراد ».((1)) نعم قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة إنّ المظنون قویاً عدم

ص: 91


1- نهایة الدرایة، ج1، ص255، التعلیقة 142 علی هذه العبارة «نعم القول المخصوص أی صیغة الأمر».

صدق الطلب إلا فی الإرادة المظهرة بالقول أو بالفعل.((1))

القول الثانی: الأمر الطلب بالقول
اشارة

قد استدل علی وضع الأمر للطلب القولی بوجهین:

الوجه الأول:
اشارة

الإجماعات المحکیة علی ذلک.

إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه:

((2))

الأول: إنّها مصادمة بتعریف کثیر من القدماء للأمر بصرف الطلب.

الثانی: لا حجیة لتلک الإجماعات بعد مساعدة العرف علی خلافه.

الثالث: یمکن إرادة المجمِعین للفرد الشائع مما ینشأ به البعث.

الوجه الثانی:
اشارة

الآیة الشریفة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ((3)) و تقریر ذلک أنّ أمره تعالی إذا أراد شیئاً منحصر بأن یقول: «کن» فالأمر لایصدق إلا إذا کان مبرزه القول.

ص: 92


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص35 «نعم المظنون قویاً أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً کان أو فعلاً فلا یقال لمن أراد شیئاً قلباً من دون مظهر: [إنّه] طلبه [أی الشیء]»
2- نهایة الدرایة، ج1، ص255 «و الإجماعات المحکیة علی وضع الأمر للطلب القولی مع مصادمتها بتعریف کثیر من القدماء للأمر بصرف الطلب لا حجیة فیها الخ»
3- سورة یس (36): 82. و جاء هذا التعبیر (کُنْ فَیکُونُ) فی القرآن الکریم فی ثمانی آیات نذکر ما یقرب من الآیة المذکورة تیمناً: (بَدِیعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (البقرة: 117)؛ (قَالَتْ رَبِّ أَنَّی یکُونُ لِی وَلَدٌ وَلَمْ یمْسَسْنِی بَشَرٌ قَالَ کَذَلِکِ الله یخْلُقُ مَا یشَاءُ إِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ( آل عمران: 47)؛ (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَیءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (النحل: 40)؛ (مَا کَانَ لِلَّهِ أَنْ یتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (مریم: 35)؛ (هُوَ الَّذِی یحْیی وَیمِیتُ فَإِذَا قَضَی أَمْرًا فَإِنَّمَا یقُولُ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (الغافر: 68)
إیراد علی الوجه الثانی:

إنّ قوله «کن» و إن کان أمراً منه تعالی إلّا أنه لیس طلبا قولیاً و إن کان بصیغة افعل بل أمره عین فعله، توضیح ذلک هو:

«إنّ المراد بقوله: [” کن“] لیس هذه الصیغة الإنشائیة قطعاً بل هذه هی المعبَّر عنها فی کلمات أهل المعرفة ﺑ- ”الکلمة الوجودیة“((1)) و فی خطبة

ص: 93


1- فی شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص231 فی شرح قوله (علیه السلام) «یا من یحق الحق بکلماته»: «قال بعض العارفین: أول کلام شق أسماع الممکنات کلمة کن و هی کلمة وجودیة فما ظهر العالم إلا بالکلام بل العالم کله عین أقسام الکلام بحسب مقاماته و منازله الثمانیة و العشرین فی نفس الرحمان و هو فیض الوجود المنبعث عن منبع الإفاضة و الرحمة»الخ و العبارة بعینها متخذة من الأسفار، ج3، ص4، السفر الثالث، الموقف السابع فی أنّه تعالی متکلم، الفصل الأول فی تحصیل مفهوم التکلم. و المقصود من «بعض العارفین» ابن العربی فی الفتوحات المکیة، ج2، ص181، الباب97 فی مقام الکلام و تفاصیله حیث قال: «أول کلام شق أسماع الممکنات کلمة کن فما ظهر العالم إلا عن صفة الکلام و هو توجه نفس الرحمان علی عین من الأعیان»الخ. و فی شرح الأسماء الحسنی، ج1، ص180 فی شرح قوله (علیه السلام) «یا من قوله حق»: «... و إذا حُمل الحق علی المعانی الأُخر فلیحمل القول علی الأقاویل و الکلمات الوجودیة فکل منها حق أی ثابت و بعضها حق أی دائم و بعضها حق إضافی و هو النفس الرحمانی و کلمة کن قال علی (علیه السلام) فی نهج البلاغة: إنّما یقول لما أراد کونه... فاعلم أنّ الکلمات الوجودیة التی هی نقوش و أرقام فی ألواح المهیات و المواد و بهذا النظر العالم کتاب الله تعالی إذا أُخذت لا بشرط قائمة بالمتکلم متصلة به اتصالاً معنویاً معربة عما فی ضمیره المکنون المخزون کانت من ظهورات الحق الإضافی أعنی کلمة کن الجامعة لکل کلمة کلمة و الحق الإضافی من صقع الحق الحقیقی فکانت کلماته»الخ. و فی تفسیر المیزان، ج2، ص325 ذیل قوله تعالی (مِنْهُمْ مَنْ کَلَّمَ اللهُ) (البقرة: 253) «... و کذا الوجودات الخارجیة لما کانت ممعلولة لعللها و وجود المعلول لمسانخته وجود علته و کونه رابطاً منزلاً له یحکی بوجوده وجود علته و یدل بذاته علی خصوصیات ذات علته الکاملة فی نفسها لدلالة المعلول علیها فکل معلول بخصوصیات وجوده کلام لعلته تتکلم به عن نفسها و کمالاتها»الخ. و فی ج17، ص116 ذیل قوله تعالی(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (یس:82): «و من هنا یظهر أنّ کلمة الإیجاد و هی کلمة کن هی وجود الشی الذی أوجده لکن بما أنّه منتسب إلیه قائم به و أما من حیث انتسابه إلی نفسه فهو موجود لا إیجاد و مخلوق لا خلق».

أمیرالمؤمنین و سید الموحدین (علیه السلام) ”إنّما یقول لما((1))أراد کونه: کن فیکون لا بصوت یقرع و لا بنداء((2)) یسمع و إنّما کلامه فعله((3))“الخ((4)) و سر التعبیر عن أنحاء الوجودات بالکلمات هو أنّ الکلام ما یعرب عن ما فی الضمیر و هذه الموجودات معربة عما فی الغیب المکنون فظهر أنّ فعله تعالی أمره باعتبار دلالته علی تعلّق إرادته به و کذا فی جمیع موارد إنزال العذاب حیث عبر عنه بقوله تعالی: (جَاءَ أَمْرُنَا)((5)) فی غیر مورد فإنّه بلحاظ دلالته علی تحتمه و تعلق الإرادة التکوینیة به فافهم».((6))

القول الثالث: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ

اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، قال:((7)) أما الطلب المنشأ سواء أنشأناه بالقول أو بغیره فیصدق علیه الأمر لأنّ «الأمر» یصدق عرفاً علی البعث بالإشارة و الکتابة. و هذا القول لا بأس به.

ص: 94


1- کذا فی الاحتجاج؛ و فی نهج البلاغة: «لمن» و لکن فی بحار الأنوار نقلاً عن نهج البلاغة: «لما».
2- کذا فی نهج البلاغة؛ و فی الاحتجاج: «و لا نداء».
3- کذا فی نهایة الدرایة؛ و لکن فی نهج البلاغة و الاحتجاج: «و إنّما کلامه سبحانه فعل منه أنشأه».
4- نهج البلاغة، الخطبة 186؛ الاحتجاج، ج1، ص302، احتجاجه [أی علی (علیه السلام) ] فی ما یتعلق بتوحید الله و تنزیهه عما لایلیق به الخ؛ بحار الأنوار، ج4، ص255، ح 8، عن الاحتجاج؛ ج 54، ص30، ح 6، عن نهج البلاغة و الاحتجاج؛ ج 74، ص312، ح 14، عن نهج البلاغة.
5- سورة هود (11): 40، 58، 66، 82، 94؛ سورة المؤمنون (23): 27.
6- نهایة الدرایة، ج1، ص255.
7- نهایة الدرایة، ج1، ص255 «کما إنّ الظاهر صدق الأمر علی الطلب المدلول علیه بدالّ و إن لم یکن بخصوص القول لصدقه عرفاً علی البعث بالإشارة و الکتابة عرفاً الخ».
القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر
اشارة

قد مرّ سابقاً کلام المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّ الطلب الذی هو مفاد الأمر و معناه لابدّ له من تقیید آخر.و بیانه هو أنّ الأمر لایصدق علی الطلب المتعلق بفعل نفس الإنسان فلم توضع للجامع بین ما یتعلق بفعل غیره و ما یتعلق بفعل نفسه.

یلاحظ علیه:

إنّه قد تقدم بطلان ذلک التقیید، فلانعید.

القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة
اشارة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً أو فعلاً.

فعلی هذا یختلف الأمر مع الطلب حیث إنّ الأمر الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة و الطلب مظهرها قولاً کان أم فعلاً.

یلاحظ علیه:

إنّ الطلب لیس مظهراً للإرادة و لایصدق علی القول و الفعل إلاّ من باب خذ الغایات و اطرح المبادی، بل الطلب هو الإرادة التی یظهرها المرید و التصدی نحو حصول المطلوب.

القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر و هو القول المختار

إنّ الطلب عین الأمر، فإنّ الأمر الإرادة البالغة حدّ الفعلیة أو الإرادة

ص: 95


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص7؛ ج1، ص344، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الأُولی «إنّ مادة الأمر بما لها من معنی لاتصدق علی الحصة الثانیة و هی المتعلقة بفعل نفس الإنسان الخ».

المظهرة و الطلب أیضاً الإرادة المظهرة و تصدی المرید حصول مراده و مطلوبه و هذا الوجه یختلف عن القول الأول لأنّ القائل بالقول الأول یری أنّ الطلب أعم من ذلک، فإن الطلب عنده یصدق علی الإرادة و إن لم تُظهَر و لم یتصد المرید نحو تحصیل مراده و أیضاً یختلف هذا الوجه عن القول الثانی لأنّ الطلب علی هذا الوجه صفة نفسانیة و علی القول الثانی مظهر لتلک الصفة النفسانیة قولاً کان أم فعلاً.

ص: 96

الأمر الخامس:فی تطابق معنی الطلب و الإرادة
اشارة

فیه تنبیهان:

یقع الکلام حول اتحاد معنی الطلب و الإرادة أو تغایرهما ثم عند تحقیق القول الرابع ینجرّ الکلام إلی تنبیهین: التنبیه الأول فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة و التنبیه الثانی فی الأمر بین الأمرین.

هل یتحد معنی الطلب و الإرادة؟
اشارة

فیه محاولتان:

المحاولة الأُولی: اتحاد معنی الطلب و الإرادة

إنّ الشیخ الاعظم العلامة الأنصاری (قدس سره) قال فی مطارح الانظار: بأنّ العدلیة یقولون باتحاد معنی الطلب و الإرادة، و قد ذهب إلیه جمع من الأعلام منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))

ص: 97


1- کفایة الأصول، ص64، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة.

و سیتضح لک بطلان هذه النظریة و تغایرهما بحسب المعنی. نعم إنّ الطلب و الإرادة متحدان بحسب الحقیقة لا المفهوم کما سیأتی بیانه إن شاء الله.

المحاولة الثانیة: تغایر معنی الطلب و الإرادة
اشارة

و لأصحاب هذه المحاولة نظریات:

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی رسالة الطلب و الإرادة: إنّ الطلب عنوان لقول أو فعل مظهر للإرادة.

النظریة المختارة

إنّ المختار هو اتحاد حقیقتهما و إن کان مفهوم کل منهما مغایراً للآخر تغایر العنوان الکلی و بعض أصنافه فإن طبیعة الإنسان یغایر العالم الفقیه مفهوماً و لکنهما متحدان حقیقة. فإنّ الطلب عین الإرادة المظهرة علی نحو یتصدی المرید نحو تحصیل المراد، فإن الطلب صنف من أصناف الإرادة، أما القول و الفعل فکل منهما مُظهر للطلب و الإرادة و إطلاق الطلب علیهما فی بعض الأحیان لیس إلّا بالعلاقات المذکورة فی المعانی و البیان، کما أنّ الرقبة مثلاً یطلق علی العبد بعلاقة الکل و الجزء الرئیس منه و نسبة الکل و الجزء و إن کان مذکوراً فی علم المنطق إلّا أن العرف الساذج یستعمل اللفظ من دون التفات تفصیلی إلی هذه العلاقة.

ص: 98


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص35 «المظنون قویاً أنّ الطلب عنوان لمُظهر الإرادة قولاً کان أو فعلاً».
نظریة صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) و المحقق النائینی (قدس سره)

قال المحقق النائینی (قدس سره) :((1)) الشوق المؤکد یسمّی بالإرادة و أما الطلب فهو المرتبة الرابعة (1.التصور 2.التصدیق بالفائدة 3.الشوق المؤکد 4.الطلب و الاختیار) و هذا الطلب یسمی بالاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و بعبارة أخری هو تأثیر النفس فی حرکة العضلات و إطلاقه علی الفعل النفسانی من باب «خُذ الغایات و اطرَح المبادی»، و هذه النظریة مختار جماعة من أعلام المتأخرین مثل المحقق التقی صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره) .

و السید المحقق الخوئی (قدس سره) اختار نظریة المحقق النائینی((2))

و قال بتغایر مفهوم «الأمر» و «الطلب» و «الإرادة» فإنّ مادة «الأمر» عنده

ص: 99


1- أجود التقریرات، ص135، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول، الکلام فی اتحاد الطلب و الإرادة و عدمه «أما الکلام فی الموضع الأول فحاصله أنّ المدعی للوحدة وجداناً إن أراد أنّ المفهوم من أحدهما هو عین المفهوم من الآخر... فالإنصاف أنّ الوجدان علی خلاف ما ادعوه فإنّ الإرادة باتفاق الجمیع عبارة عن الکیف النفسانی القائم بالنفس و أما الطلب فهو عبارة عن التصدی لتحصیل شیء فی الخارج... و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات وفاقاً لجماعة من محققی المتأخرین و منهم المحقق صاحب الحاشیة (قدس سره) الخ».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص16؛ ج 1، ص353 «إنّ الإرادة بواقعها الموضوعی من الصفات النفسانیة و من مقولة الکیف القائم بالأنفس و أما الطلب فقد سبق أنّه من الأفعال الاختیاریة الصادرة عن الإنسان بالإرادة و الاختیار حیث إنّه عبارة عن التصدی نحو تحصیل شیء فی الخارج»؛ و فی ص 372 «نتائج البحث لحد الآن عدة نقاط: الأُولی... و قد عرفت أنّها [ أی مادة الأمر] موضوعة لمعنیین: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج... السادسة أنّ الطلب مغایر للإرادة مفهوماً و واقعاً حیث إنّ الطلب فعل اختیاری للإنسان و الإرادة من الصفات النفسانیة الخارجة عن الاختیار»؛ و فی ص 379 «و أما النقطة الثالثة فهی تامة لوضوح أنّ إرادتنا هی الشوق المؤکد الداعی إلی إعمال القدرة و السلطنة نحو إیجاد المراد»

وضع لإبراز الأمر الاعتباری النفسانی و «الطلب» وضع للتصدی نحو الشیء و «الإرادة» وضعت للشوق المؤکد و هو کیف نفسانی .

و لکن هناک نکتة دقیقة فی افتراق ما أفاده عن نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ، حیث إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال إنّ الطلب هو عبارة أُخری عن الاختیار و یقع فی المرتبة الرابعة من المراتب المذکورة و أما المحقق الخوئی (قدس سره) فقال بأنّ الطلب هو الفعل الاختیاری الصادر عن الإرادة و الاختیار فافتراقهما فی ناحیة الاختیار، فإنّ المحقق النائینی (قدس سره) جعله عین الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) جعله من مبادی الطلب و أمّا اشتراکهما فهو فی عنوان التصدی نحو تحصیل الشیء فی الخارج فإنهما جعلا هذا العنوان عین الطلب.

ثمّ إنه قال فی إرادته تعالی:((1)) «الإرادة لیست الشوق الأکید بل هی إعمال القدرة»، و الوجه فی ذلک هو أنّ الإرادة بمعنی الشوق الأکید لاتعقل فی إرادته تبارک و تعالی.

نظریة المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

قال المحقق البروجردی (قدس سره) ((2)) أیضاً بتغایرهما کما نقلناه فی ص70 من جهة أنّ

ص: 100


1- فی محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص36؛ ج 1، ص377 «إنّ الإرادة لاتخلو من أن تکون بمعنی إعمال القدرة أو بمعنی الشوق الأکید و لا ثالث لهما و حیث إنّ الإرادة بالمعنی الثانی لاتعقل لذاته تعالی تتعین الإرادة بالمعنی الأول له سبحانه و هو المشیة و إعمال القدرة... و من ناحیة ثالثة إنّا لانتصور لإرادته تعالی معنی غیر إعمال القدرة و السلطنة».
2- نهایة الأصول، ص92 و 93، المقصد الأول، الفصل الأول، المبحث الثالث، هل الطلب یغایر الإرادة؟، نقد کلام المحقق الخراسانی (قدس سره) «و اعلم أنّ ما ذکره من اتحاد الطلب و الإرادة مفهوماً و خارجاً و إنشاءً فاسد من أصله فإنّ لفظ الإرادة موضوع لصفة خاصة من صفات النفس و الصفات النفسانیة من الأُمور الحقیقیة التی یکون بحذائها شیء فی الخارج فلا تقبل الوجود الإنشائی الخ».

الإرادة صفة نفسانیة فلاتقبل الوجود الإنشائی بخلاف الطلب فإنّه یقبل الوجود الإنشائی.

یلاحظ علیها:

إنّ ما أفاده فی وجه افتراق الإرادة و الطلب لایرجع إلی محصّل و قد تقدّم الإیراد علیه، فإنّ الإرادة أیضاً قد تکون إنشائیة؛ کما أنّ الطلب أیضاً قد یکون حقیقیاً غیر إنشائی.

نظریة الأشاعرة
اشارة

قال الأشاعرة بتغایر مفهوم الطلب و الإرادة و مصداقهما و استدلوا علی ذلک بوجوه و قالوا: إنّ الطلب هو الکلام النفسی لا الإرادة و التزموا بالکلام النفسی تارة بعنوان الصفات الذاتیة لله تبارک و تعالی((1)) حیث إنّهم اعتقدوا بقدم القرآن و هو کلام الله تعالی مع أنّ ألفاظ القرآن لیست بقدیمة فلابدّ أن یدل ألفاظ الکتاب المجید علی الکلام النفسی الذی هو قدیم. هذا من جهة و من جهة أُخری إنّ المتکلم من أسماء الله و أسماء الله قدیمة قائمة بذاته تعالی و أخری بعنوان صفة موجودة فی أُفق النفس((2)) و قالوا: کل کلام صادر عن المتکلم

ص: 101


1- فی شرح المواقف، ج8، ص93: «قال الحنابلة: کلامه حرف و صوت یقومان بذاته و إنّه قدیم... و قالت المعتزلة: أصوات و حروف یخلقها الله فی غیره کاللوح المحفوظ أو جبریل أو النبی و هو حادث و هذا لاننکره نحن... و نعترف بحدوثه و عدم قیامه بذاته تعالی لکنّا نثبت أمراً وراء ذلک و هو المعنی القائم بالنفس... و هو قدیم قائم بذاته تعالی».
2- نقول: قال بعض ببطلان الکلام النفسی مطلقاً. ففی نهج الحق و کشف الصدق، ص59 بعد أن ذکر الکلام النفسی: «و هذا غیر معقول فإنّ کل عاقل إنّما یفهم من الکلام ما قلناه فأمّا ما ذهبوا إلیه فإنّه غیر معقول لهم و لغیرهم البتة فکیف یجوز إثباته لله تعالی و هل هذا إلّا جهل عظیم؟ لأنّ الضرورة قاضیة بسبق التصوّر علی التصدیق و إذ قد تمهدت هذه المقدمة فنقول: لا شک فی أنّه تعالی متکلم علی معنی أنّه أوجد حروفاً و أصواتاً مسموعة قائمة بالأجسام الجمادیة... و الأشعریة خالفوا عقولهم و عقول کافة البشر و أثبتوا له تعالی کلاماً لایفهمونه هم و لا غیرهم و إثبات مثل هذا الشیء و المکابرة علیه مع أنّه غیر متصور البتة فضلاً عن أن یکون مدلولاً علیه معلوم البطلان و مع ذلک فإنّه صادر منّا أو فینا عندهم و لانعقله نحن و لا من ادعی ثبوته» و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص145: «و قد خالف فی ذلک الأشاعرة فزعموا أنّ الطلب أمر آخر وراء الإرادة و جعلوه من أقسام الکلام النفسی المغایر عندهم للإرادة و الکراهة و قد عرفت أنّ ما ذکروه أمر فاسد غیر معقول مبنی علی فاسد آخر أعنی الکلام النفسی» و فی وقایة الأذهان، ص187: «و ملخص الکلام فیه أنّ الأشاعرة إن أرادوا إثبات صفة نفسانیة أُخری غیر الإرادة فهو واضح الفساد ضرورة أنّا لانجد فی أنفسنا عند الطلب غیر الإرادة... شیئاً آخر... و أنت إذا تأملت فی أدلة الفریقین واطلعت علی ما احتج کل منهما علی ما ذهب إلیه و اعترض الآخر علیه علمت أنّ الذی أثبته الأشاعرة ونفاه العدلیة هو إثبات صفة أُخری غیر الإرادة» و فی المبدأ و المعاد، ص245: «و ما أثبته المتکلمون من الکلام النفسی فإن کان له معنی محصل فیرجع إلی خطرات الأوهام أو تخیل ما یوجد من الکلام» و لکن فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص90: «... أحدها کون النزاع إثباتاً و نفیاً راجعاً إلی وجود ما یکون من المعانی النفسیة مغایراً للعلم و الإرادة و الکراهة فالأشاعرة یثبتونه و المعتزلة ینکرونه... فالحق معهم [أی الأشاعرة]» و فی وقایة الأذهان، ص100: «و بطلان الکلام النفسی مطلقاً غیر معلوم» و قال بعض ببطلان الکلام النفسی فی الباری تعالی. ففی کشف المراد، ص403 قال عند التعلیقة علی قوله: «و عمومیة قدرته تدل علی ثبوت الکلام و النفسانی غیر معقول»: «... لکن الأشاعرة أثبتوا معنی آخر و المعتزلة نفوا هذا المعنی لأنّه غیر معقول إذ لایعقل ثبوت معنی غیر العلم لیس بأمر و لا نهی و لا خبر و لا استخبار و هو قدیم و التصدیق موقوف علی التصور» و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج1، ص90: «و ثالثها کونه راجعاً إلی وجود هذا المعنی المسمّی بالکلام بالقیاس إلی الباری تعالی خاصّة و عدمه و هذا یتصوّر علی وجهین الخ».

إذا قصده مسبوق بتصوره فی ذهنه و هو الکلام النفسی((1)) و الکلام النفسی إمّا

ص: 102


1- ما المراد بالکلام النفسی عند الأشاعرة؟ فی المستصفی، ص80 عبّر عنه ب- «مدلول العبارات و هی المعانی التی فی النفس» و قال: «و کلام النفس ینقسم إلی خبر و استخبار و أمر و نهی و تنبیه و هی معانٍ تخالف بجنسها الإرادات و العلوم و هی متعلقة بمتعلقاتها لذاتها کما تتعلق القدرة و الإرادة و العلم» و فی شرح المواقف، ج8، ص93 عبّر عنه ب- «المعنی القائم بالنفس الذی یعبر عنه بالألفاظ» و قال: «”و نزعم أنّه غیر العبارات إذ قد تختلف العبارات بالأزمنة و الأمکنة و الأقوام“ و لایختلف ذلک المعنی النفسی” بل “نقول: لیس تنحصر الدلالة علیه فی الألفاظ إذ” قد یدلّ علیه بالإشارة و الکتابة کما یدلّ علیه بالعبارة و الطلب “الذی هو معنی قائم بالنفس” واحد لایتغیر“مع تغیر العبارات و لایختلف باختلاف الدلالات” و غیر المتغیر غیر المتغیر“أی ما لیس متغیراً و هو المعنی النفسی مغایر للمتغیر الذی هو العبارات” و إنّه غیر العلم إذ قد یخبر الرجل عمّا لایعلمه بل یعلم خلافه أو یشک فیه و“ إنّ المعنی النفسی الذی هو الأمر” غیر الإرادة...» و فی کشف المراد، ص403: «و قالت الأشاعرة: إنّه متکلم بمعنی أنّه قام بذاته معنی غیر العلم و الإرادة و غیرهما من الصفات تدلّ علیها العبارات و هو الکلام النفسانی و هو عندهم معنی واحد لیس بأمر و لا نهی و لا خبر و لا غیر ذلک من أسالیب الکلام» و فی نهج الحق و کشف الصدق، ص59، المسألة الثالثة فی صفاته تعالی، البحث السابع فی أنّه تعالی متکلم، المطلب الأول فی حقیقة الکلام: «الکلام عند العقلاء عبارة عن المؤلف من الحروف المسموعة و أثبت الأشاعرة کلاماً آخر نفسانیاً مغایراً لهذه الحروف و الأصوات دالّة علیه».

خبر (فی الجمل الخبریة) و إمّا طلب (فی الإنشاء بصیغة الأمر) و قالوا: إنّ الکلام کما یطلق علی الکلام اللفظی کذلک((1)) یطلق علی الکلام النفسی مثل قول القائل:

ص: 103


1- فی المستصفی للغزالی، ص80، القطب الثانی فی أدلّة الأحکام، الأصل الأوّل کتاب الله تعالی، النظر الأوّل فی حقیقته: «و الکلام اسم مشترک قد یطلق علی الألفاظ الدالّة علی ما فی النفس تقول: سمعت کلام فلان و فصاحته و قد یطلق علی مدلول العبارات و هی المعانی التی فی النفس کما قیل: إنّ الکلام لفی الفؤاد و إنّما جعل اللسان علی الفؤاد دلیلاً و قال الله تعالی: (وَیقُولُونَ فِی أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا یعَذِّبُنَا اللهُ بِمَا نَقُولُ) (المجادلة:8) و قال الله تعالی: (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) (الملک:31)، فلا سبیل إلی إنکار کون هذا الاسم مشترکاً» و فی شرح المواقف، ج8، ص93، الموقف الخامس فی الإلهیات، المرصد الرابع فی الصفات الوجودیة، المقصد السابع فی أنّه تعالی متکلم: «ثمّ قال الحنابلة: کلامه حرف و صوت... و هذا لاننکره نحن بل نقول به و نسمّیه کلاماً لفظیاً... لکنّا نثبت أمراً وراء ذلک و هو المعنی القائم بالنفس الذی یعبر عنه بالألفاظ و نقول هو الکلام حقیقة...» و فی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج1، ص89: «فالأولی... أن ینظر فی تشخیص ما هو محل الخلاف بینهم و بین المعتزلة... و الذی یتراءی فی بادئ الأمر لایخلو عن احتمالات:... و ثانیها کونه راجعاً إلی أمر لفظی و هو تسمیة المعنی النفسی المغایر للعلم و الإرادة و الکراهة علی تقدیر ثبوته باتفاق الفریقین بالکلام عرفاً و صدقه علیه صدقاً حقیقیاً کصدقه علی المؤلف من الأصوات و الحروف و عدمه فالأشاعرة یثبتونه و المعتزلة ینکرونه... فالحق مع المعتزلة».

«إنّ فی نفسی کلاماً لاأُرید أن أُبدیه » و یشهد له قوله تعالی: (وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)((1))و قوله تعالی: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ).((2))

و استدلوا علیها بوجهین:
الوجه الأول:
اشارة

((3)) إنّ المولی قد یطلب الشیء من عبده للامتحان و الاختبار و فی هذه الأوامر الامتحانیة الطلب موجود دون الإرادة (مثل طلب ذبح إسماعیل علی نبینا و آله و علیه السلام).

ص: 104


1- سورة الملک (67): 13.
2- سورة البقرة (2): 284.
3- رسالة الطلب و الإرادة، ص37 «ثم اعلم أنّه استدل الأشاعرة علی المغایرة بوجوه أوجهها وجهان: الأول أنّ المولی قد یطلب من العبد ما لایریده واقعاً للامتحان و الاختبار الخ». قال الرازی فی المحصول، ج2، ص18: «المسألة الأُولی: إنّ تلک الماهیة (ماهیة الطلب) عندنا شیء غیر الإرادة و قالت المعتزلة هی إرادة المأمور به. لنا وجوه:... و ثالثها أنّ الحکیم قد یأمر عبده بشیء فی الشاهد و لایرید منه أن یأتی بالمأمور به لإظهار تمرده و سوء أدبه...». و قال الشریف الجرجانی فی شرح المواقف، ج8، ص93: «و إنّ المعنی النفسی الذی هو الأمر غیر الإرادة لأنّه قد یأمر الرجل بما لایریده کالمختبر لعبده هل یطیعه أم لا؟ فإنّ مقصوده مجرد الاختبار دون الإتیان بالمأمور به و کالمعتذر من ضرب عبده بعصیانه فإنّه قد یأمره و هو یرید أن لایفعل المأمور به لیظهر عذره عند من یلومه».
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی الوجه الأول:

((1))

قال (قدس سره) : «و جوابه أنّ الأمر إن کان بصیغة الطلب الإنشائی فالثابت هنا هو الطلب بوجوده الجعلی التنزیلی المعبّر عنه بالإنشائی و الطلب الجعلی الإنشائی کالإرادة الإنشائیة المُنشَأَة بصیغة أُرید مغایر عند الکل مع الإرادة الحقیقیة [و الطلبِ الحقیقی] و هذا الدلیل لیس بکافل لمغایرة الحقیقی منهما و إن کان بصیغة افعل فلا طلب أیضاً لا إنشاءً و لا حقیقةً علی ما هو التحقیق من أن مفادها [أی الصیغة] البعث و التحریک و مغایرتهما للإرادة [الحقیقیة] مما لاریب فیها».

فهذا الدلیل لایثبت تغایر الإرادة الحقیقیة والطلب الحقیقی بل یثبت تغایر الإرادة الحقیقیة و الطلب الإنشائی (الذی هو مفاد مادة الأمر) و البعث و التحریک بالمعنی الحرفی (الذی هو مفاد صیغة الأمر).

الوجه الثانی:
اشارة

((2)) إنّ تکلیف الکفار بالإیمان و تکلیف العصاة بالأعمال تکلیف

ص: 105


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص37 و 38.
2- رسالة الطلب و الإرادة، ص40 «الثانی لو کان الطلب عین الإرادة لزم فی تکلیف الکافر بالإیمان بل مطلق العاصی بالأرکان إما أن لایکون التکلیف حقیقیاً الخ»؛ المحصول، ص19 «... أولها أنّ الله تعالی ما أراد من الکافر الإیمان و قد أمره به فدل علی أنّ حقیقة الأمر غیر حقیقة الإرادة الخ». و فی المحصول، ج2، ص18: «لنا وجوه: أوّلها أنّ الله تعالی ما أراد من الکافر الإیمان و قد أمره به فدلّ علی أنّ حقیقة الأمر غیر حقیقة الإرادة و غیر مشروطة بها و إنّما قلنا إنّه تعالی ما أراد منه الإیمان لوجهین الخ». و فی تفسیر الرازی، ج1، ص26: «و قال أصحابنا: الطلب النفسانی مغایر للإرادة و الحکم الذهنی أمر مغایر للاعتقاد أمّا بیان أنّ الطلب النفسانی مغایر للإرادة فالدلیل علیه أنّه تعالی أمر الکافر بالإیمان وهذا متفق علیه و لکن لم یرد منه الإیمان و لو أراده لوقع و یدلّ علیه وجهان: الأوّل أنّ قدرة الکافر إن کانت موجبة للکفر کان خالق تلک القدرة مریداً للکفر لأنّ مرید العلة مرید للمعلول و إن کانت صالحة للکفر و الإیمان امتنع رجحان أحدهما علی الآخر إلّا بمرجح... و الثانی أنّه تعالی عالم بأنّ الکافر یکفر و حصول هذا العلم ضد لحصول الإیمان والجمع بین الضدین محال»الخ. و ذکر الرازی فی المحصول أربعة أوجه و الوجهان الباقیان هما: «و ثانیها أنّ الرجل قد یقول لغیره إنّی أُرید منک هذا الفعل لکنّنی لا آمرک به... و رابعها أنه سیظهر إن شاء الله تعالی فی باب النسخ أنّه یجوز نسخ ما وجب من الفعل قبل مضی مدة الامتثال...».

جدّی فیشتمل علی الطلب الحقیقی و لکن الإرادة الحقیقیة منتفیة بالنسبة إلی الإیمان و الأعمال فلو قلنا باتحاد الطلب و الإرادة إما یلزم انتفاؤهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیکون التکلیف صوریاً لا حقیقیاً و هذا خلاف الضرورة و إما یلزم ثبوتهما فی تکلیف الکفار و العصاة فیلزم تخلف إرادة الله تعالی عن مراده.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی الوجه الثانی:

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فإنّ الإرادة المتعلقة بالکفر من الکافر إرادة تکوینیة و حقیقتها العلم بما هو صلاح بحسب النظام الکلی و هذا هو الذی لایکاد یتخلف عن المراد حیث إنّ المحل قابلٌ و یسأل بلسان استعداده الدخول فی دار الوجود و المبدأ تامّ الإفاضة لا بخل فی ساحته المقدّسة و الوجود – بما هو هو - خیر محض و محض الخیر فلذا لایعقل التخلف.

و أما إرادة الإیمان من الکافر فهی إرادة تشریعیة و حقیقتها العلم بالمصلحة فی فعل المکلف و حیث یقتضی العنایة الربانیة سوق الأشیاء إلی کمالاتها و إعلام المکلفین صلاحهم و فسادهم یجب علیه تعالی تحریکهم إلی ما فیه الصلاح و

ص: 106


1- کفایة الأصول، ص67، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة «و أما الدفع فهو أنّ استحالة التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة و هی العلم بالنظام علی النحو الکامل التام الخ»؛ فوائد الأُصول، ص26، الفائدة الثانیة.

زجرهم عمّا فیه الفساد فهذه العلة علة البعث دون التکوین لیلزم استحالة التخلف.

«فإذا توافقتا [أی الإرادة التکوینیة و الإرادة التشریعیة] فلابدّ من الإطاعة و الإیمان و إذا تخالفتا فلا محیص عن أن یختار الکفر و العصیان.»

هذا تمام کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و اتضح بما أفاده أنّ هذا الاستدلال لایجدی فی إثبات المغایرة بین الطلب و الإرادة((1)) فلابدّ للقائل بذلک من إثباته ببیان آخر

ص: 107


1- من الأعلام من ذهب إلی المغایرة ففی هدایة المسترشدین، ج2، ص145: «و لایذهب علیک أنّ ما ذکر من أنّ الطلب الذی هو مدلول الأمر عین الإرادة التی هی من الأُمور القائمة بذات الآمر الحاصلة قبل إیجاد الصیغة فاسد حسب ما مرّ تفصیل القول فیه ولنُشِر فی المقام إلی ما فیه من وجوه الفساد: منها أنّه لو کان کذلک لم یمکن تعلق الطلب بمن یعلم الآمر عدم صدور الفعل منه فإنّ صدور الفعل منه حینئذ مستحیل و لو بالغیر و من الواضح عدم إمکان تعلق الإرادة بالأمر المستحیل فإنّ احتمال وقوع المراد و لو مرجوحاً شرط فی تعلق الإرادة. و منها أنّه لو کان کذلک لکان الفعل واجب الحصول عند إرادة الله صدوره من العبد علی نحو ما یرید الآمر منّا صدور الفعل عمن یأمره به لعدم إمکان تخلف إرادة الله کذلک عن مراده. و منها أنّ دلالة الإنشاء حینئذ علی حصول الإرادة من قبیل دلالة الإخبار لکونه حکایةً عن أمر حاصل فی الواقع فقد یطابقه و قد لایطابقه فیکون قابلاً للصدق و الکذب» الخ. و قال فی ص148: «و التحقیق أن یقال حسب ما بینّاه فی محله: إنّ الطلب المدلول للأمر لیس إلّا اقتضاء الفعل منه فی الخارج الذی یعبّر عنه فی الفارسیة ب «خواهش کردن» و هو أمر إنشائی حاصل بتوسط الصیغة لا الإرادة النفسیة المعبّر عنها ب «خواهش داشتن» و الإرادة علی الوجه الثانی مما لایمکن تخلف المراد عنها بالنسبة إلیه تعالی و یعبّر عنها بالإرادة التکوینیة بخلاف الأوّل و یعبر عنها بالإرادة التشریعیة و لا ملازمة بین الإرادتین بل یمکن التخلف من کل من الجانبین عن الآخر و حینئذ فما ذکره العدلیة من اتحاد الطلب و الإرادة إن أرادوا بها الإرادة علی الوجه الثانی ففساده واضح لوضوح المغایرة بینهما کما عرفت و إن أرادوا بها الإرادة علی الوجه الأول فهو الحق الذی لا محیص عنه و ما ذکره الأشاعرة من المغایرة بینهما إن أرادوا بها الوجه الأول فهو فاسد قطعاً کما عرفت و إن أرادوا بها الوجه الثانی کما یومئ إلیه ما استدلوا به علیه فهو متجه و مما بینّّا یقوم احتمال أن یکون النزاع بین الفریقین لفظیاً و کیف کان فالحق فی المسألة ما قررناه». و فی تعلیقة علی معالم الأصول للقزوینی، ج1، ص89: «و الذی یساعد علیه النظر علی ما سیأتی تفصیله فی بحث الأمر وفاقاً لبعض الأفاضل حقیة ما صار إلیه الأشاعرة لکن لا لما ذکروه من التعلیل المتقدم فإنّه علیل جداً لوضوح أنّه إن أرادوا بالطلب الموجود فی الموارد المذکورة ما یکون صوریاً فالإرادة بهذا المعنی أیضاً موجودة معه و إن أرادوا بالإرادة المنتفیة معه ما یکون واقعیاً فالطلب بهذا المعنی أیضاً منتفٍ... بل لما سنحققه فی محله مفصلاً و ملخصه حصول الفرق بین الأمرین بعد الفرق بینهما بحسب المفهوم فی الأحکام و اللوازم و هو من وجوه شتی: منها کون الإرادة کالکراهة من الصفات القهریة التابع حصولها لحصول منشأها و هو رجحان أحد طرفی الفعل و الترک علی الآخر و کون الطلب مبنیاً علی الاختیار علی وجه کان للمرید إیجاده و الإمساک عنه. و منها کون الأمر الأول أمراً نسبیاً بین شیئین المرید و المراد و کون الثانی أمراً نسبیاً بین أشیاء ثلاث الطالب و المطلوب و المطلوب منه. و منها کون الثانی مما یستدعی فی انعقاده استعمال علاج یتحقق معه فعل خارجی من خطاب أو إشارة أو کتابة أو نحوها بخلاف الأوّل». و فی وقایة الأذهان، ص187: «و ملخص الکلام فیه أنّ الأشاعرة إن أرادوا... و إن أرادوا أنّ الطلب معنی ینتزع عن الإرادة فی مرتبة الکشف و الإظهار فهو غیر الإرادة المجردة مفهوماً و إن اتّحدا ذاتاً و بعبارة أُخری: إنّه إظهار الإرادة و إعلام الغیر بها و إلزامه بإیجاد متعلقها منه و نحو ذلک من التعبیر فهو حق لامحیص عنه إذ الوجدان یشهد بتفاوت الحال بین الإرادة المجردة و الإرادة المظهرة و اختلاف حکمهما و الهیئات إنّما وضعت لبیان تلک الصفة النفسیة و إظهارها فقبل إظهارها لایسمّی طلباً و لاأمراً».

و سیأتی الکلام إن شاء الله تعالی حول ذلک.

و التحقیق التام حول نظریة الأشاعرة یقتضی البحث عن تنبیهین:

التنبیه الأول حول مطلبین؛ الأول: الإرادة التکوینیة التی فسّرها صاحب الکفایة (قدس سره) بالعلم بالنظام علی النحو الکامل التامّ (و علی هذا تکون الإرادة من الصفات الذاتیة لا الفعلیة). و الثانی: الإرادة التشریعیة و هناک یقع الکلام فی

ص: 108

عدم وجود الإرادة التشریعیة لعدم الفائدة فیها.

التنبیه الثانی: مسألة الجبر و الاختیار حیث إنّ اختیار الکفر و العصیان علی ما أفاده المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) یندرج تحت الإرادة التکوینیة المتعلقة بالنظام الأحسن.

ص: 109

التنبیه الأول: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة
اشارة

فیه مطلبان:

المطلب الأول فی الإرادة التکوینیة
اشارة

و فیه جهتان:

الجهة الأُولی: معنی الإرادة
اشارة

إنّ الإرادة لها معنی عام و هو مشترک معنوی ذو مراتب تشکیکیة یشمل الشوق (الحاصل بعد تصور فائدة الشیء و التصدیق به) و الشوق الأکید و العزم التام فی النشأة النفسانیة و الابتهاج و الابتهاج التام فی النشأة الإلهیة و النفسانیة و نعبّر عنه بمطلق الابتهاج.

بیان الحکیم الزنوزی (قدس سره) :

فصّل الحکیم الزنوزی (قدس سره) مبادی الأفعال الاختیاریة للانسان بهذا الترتیب:

1. تصور الفعل

2. التصدیق بمنفعته

3. الشوق المنبعث من التصدیق

4. الشوق المتأکد ( المسمی بالإجماع و العزم أی العزم الناقص )

5. العزم التام

6. تحریک القوی المحرِّکة نحو الفعل

ص: 110

و بعضهم أسقط «العزم التام» وأدرجه فی «الشوق المتأکد» کما أنّ بعضهم لم یفرّق بین مجرد الشوق و الشوق المتأکد.

قال (قدس سره) :((1)) إنّ المعارضات و الموانع عن الفعل إذا کثرت واشتدت فیتحقق الشوق الضعیف (مجرد الشوق) و إذا قلّت فیرتقی الشوق إلی المرتبة المتأکدة و إذا ارتفعت الموانع و المعارضات فیکون العزم تامّاً (بعد أن کان ناقصاً فی مرحلة الشوق الأکید) فیتحرک العضلات نحو الفعل ثم یوجد الفعل الاختیاری.

و «مجرد الابتهاج» عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة کما أنّه یشمل الشوق (و الظاهر عمومه لمجرد الشوق و الشوق الأکید).

و «الابتهاج التام» أیضاً عنوان أعم یشمل المحبة الإلهیة البالغة إلی حد التصدی و إعمال القدرة نحو الشیء کما أنّه یشمل العزم التام (فإنّ التعبیر بالشوق یوجب اختصاص الکلام بما هو ذو نفس إنسانیة أو حیوانیة أو غیر ذلک و لکن التعبیر بالابتهاج أعم من ذلک).

«و الحقّ فی معنی الإرادة هو مطلق الابتهاج الشامل للابتهاج الناقص (و قد یعبّر عنه بمجرد الابتهاج و هو المحبة و الشوق) و الابتهاج التام و هو العزم التام».

و لکن قد یتداول استعماله فی خصوص « الابتهاج التام » کما أنّه المبحوث عنه فی عصر الأئمة (علیهم السلام) و الاستعمال فی هذه الحصة استعمال فی الفرد الغالب و المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب و لایخفی أنّ الابتهاج إذا لم یصل إلی حد العزم التام و إعمال القدرة یتصور فی الأسماء و الصفات الذاتیة و الفعلیة بخلاف

ص: 111


1- اللمعات الإلهیة، ص386.

الابتهاج التام فإنّه مختص بالأسماء و الصفات الفعلیة.

بیان المحقق الخراسانی

((1)) و النائینی (قدس سرهما) :((2))

هما اتفقا علی أنّ الإرادة هی الشوق الأکید و افترقا فی أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یقول باتحاد الطلب و الإرادة و المحقق النائینی (قدس سره) یقول بأنّ الطلب یتحقّق بعد الشوق الأکید و هو التصدی نحو الشیء.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) :

((3))

«من البین أنّ مفهوم الإرادة کما هو مختار الأکابر من المحققین هو الابتهاج و الرضا و ما یقاربهما مفهوماً و یعبّر عنه بالشوق الأکید فینا و السر فی التعبیر عنها بالشوق [الأکید] فینا و بصرف الابتهاج و الرضا فیه تعالی أنّا لمکان إمکاننا ناقصون غیر تامّین فی الفاعلیة و فاعلیتنا لکل شیء بالقوة فلذا نحتاج فی الخروج من القوّة إلی الفعل إلی أُمور زائدة علی ذواتنا من تصور الفعل و التصدیق بفائدته و الشوق الأکید الممیلة جمیعاً للقوّة الفاعلة المحرکة للعضلات، بخلاف

ص: 112


1- کفایة الأصول، ص65، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة «... فلا محیص عن اتحاد الإرادة و الطلب و أن یکون ذلک الشوق المؤکد المستتبع لتحریک العضلات فی إرادة فعله بالمباشرة أو المستتبع لأمر عبیده به فی ما لو أراده لا کذلک مسمی بالطلب و الإرادة کما یعبر به تارةً و بها أُخری کما لایخفی»
2- أجود التقریرات، ج1، ص135، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول، اتحاد الطلب و الإرادة «... و الثانی فی أنّ الموجود فی النفس المترتب علیه حرکة العضلات هل هو أُمور ثلاثة: التصور و التصدیق بالفائدة و الشوق المؤکد المعبر عنه غالباً بالإرادة کما هو المعروف...» و فی ص 136 «و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات وفاقاً لجماعة من محققی المتأخرین و منهم المحقق صاحب الحاشیة»
3- نهایة الدرایة، ج1، ص279، التعلیقة 151 علی هذه العبارة: «و أما الدفع فهو أنّ استحالة التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة».

الواجب تعالی فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمکان و جهات القوة و النقصان فاعل و جاعل بنفس ذاته العلیمة المریدة.»

و ما أفاده من معنی الإرادة صحیح مطابق للعرف، إلّا أنّ ما أفاده یفترق عن بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) ، لأنّ الإرادة -التی هی عین المراد علی بیان المدرس الزنوزی (قدس سره) - هی المرتبة الخامسة التی هی الابتهاج التام و العزم التام، و أمّا علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) فهی المرتبة الرابعة (الشوق الأکید).

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) :
اشارة

إن المحقق الخوئی (قدس سره) تبع((1)) المحقق النائینی (قدس سره) فی ابتداء الأمر و لکن عدل عنه بعد ذلک فقال: ((2))

«الإرادة لاتخلو من أن تکون بمعنی إعمال القدرة أو بمعنی الشوق الأکید و لا ثالث لهما و حیث إنّ الإرادة بالمعنی الثانی لاتعقل لذاته تعالی تتعین الإرادة بالمعنی الأول له سبحانه و هو المشیة و إعمال القدرة».

و لایخفی أنّ إعمال القدرة عنده هو التصدی نحو الشیء و هذا المحقق فسّر الطلب بهذا المعنی((3)) کما أنّ أُستاذه المحقق النائینی (قدس سره) قال بأنّ الطلب هو

ص: 113


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص16؛ ج 1، ص353، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الرابعة «إنّ الإرادة بواقعها الموضوعی من الصفات النفسانیة و من مقولة الکیف القائم بالأنفس و أما الطلب فقد سبق أنّه من الأفعال الاختیاریة الصادرة عن الإنسان بالإرادة و الاختیار حیث إنّه عبارة عن التصدی نحو تحصیل شیء فی الخارج الخ».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص36؛ ج1، ص377، بحث و نقد حول عدة نقاط، الثانیة نظریة الفلاسفة.
3- صرّح به فی محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص16.

الاختیار و هو التصدی لتحصیل الشیء و علی هذا لابدّ للمحقق الخوئی (قدس سره) أن یلتزم باتحاد الطلب و الإرادة بالنسبة إلی ذاته تبارک و تعالی.

نعم إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یعتقد بأنّ الإرادة فینا بمعنی الشوق الأکید حیث إنّه قال بعد ذلک:((1)) «إنّ إرادتنا هی الشوق المؤکد الداعی إلی إعمال القدرة و السلطنة نحو إیجاد المراد».

فتحصّل إلی الآن:

أنّ الإرادة عند بعضهم «الشوق الأکید» کالمحقق الخراسانی و المحقق النائینی (قدس سرهما) و عند بعض آخر «إعمال القدرة» و عند المحقق الخوئی (قدس سره) هی فی المخلوق الشوق الأکید الداعی إلی إعمال القدرة و فی ذاته تعالی نفس إعمال القدرة، و عند الحکماء «مجرد الابتهاج» و عند بعضهم((2))«مطلق الابتهاج» الشامل لمجرد الابتهاج و الابتهاج التام و عند بعضهم «العلم بالمصلحة و الاعتقاد بالمنفعة».

و المختار أنّها موضوعة لمعنی عام یشمل الشوق الأکید ببعض مراتبه و الابتهاج ببعض مراتبه الأُخر و لکن الغالب استعماله فی الابتهاج التامّ بحیث یحمل علیه لأنّ المطلق ینصرف إلی الفرد الأغلب نعم ذلک لایوجب الوضع للفرد الأغلب.

و الإرادة التی وردت فی الروایات أنّها من الأسماء الفعلیة لا الذاتیة هی من هذا القبیل.

ص: 114


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص38؛ ج 1، ص379.
2- اللمعات الإلهیة، ص390.
الجهة الثانیة: الإرادة الذاتیة و الفعلیة لله تعالی
أما الإرادة الذاتیة لله تعالی
اشارة

فالکلام فیها تارة من جهة أصل وجودها و أخری من جهة معناها.

أما أصل وجودها ففیه قولان:

القول الأول: ثبوتها

و هو مختار مشهور الحکماء و المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .

القول الثانی: عدم ثبوتها
اشارة

و هو مختار مشهور المحدثین و العلامة الطباطبائی (قدس سره) ..((1))

ص: 115


1- نبین آراء العلامة (قدس سره) فی طی مراحل: الأولی: هل الإرادة هی الشوق المؤکد؟ قال فی نهایة الحکمة، ص360، المرحلة 12، الفصل 13، فی قدرته تعالی: «ثمّ إذا تمّ العلم بکون الفعل خیراً أعقب ذلک شوقاً من الفاعل إلی الفعل فالخیر محبوب مطلقاً مشتاق إلیه إذا فقد و هذا الشوق کیفیة النفسانیة غیر العلم السابق قطعاً و أعقب ذلک الإرادة و هی کیفیة نفسانیة غیر العلم السابق و غیر الشوق قطعاً» و قال أیضاً فی ص155، المرحلة6، الفصل15، فی الکیفیات النفسانیة: «و الکیفیات النفسانیة کثیرة... فمنها الإرادة قال فی الأسفار... و بمثل البیان یظهر أنّ الإرادة غیر الشوق المؤکد الذی عرّفها به بعضهم» الثانیة: هل توجد الإرادة بمعناها الذی فینا فی الباری تعالی؟ قال فی نهایة الحکمة، ص361: «و قد تحقق أنّ کل کمال وجودی فی الوجود فإنّه موجود للواجب تعالی فی حد ذاته فهو تعالی عین القدرة الواجبیة لکن لا سبیل لتطرق الشوق علیه لکونه کیفیة نفسانیة تلازم الفقد و الفقد یلازم النقص و هو تعالی منزّه عن کل نقص و عدم. و کذلک الإرادة التی هی کیفیة نفسانیة غیر العلم و الشوق فإنّها ماهیة ممکنة و الواجب تعالی منزه عن الماهیة و الإمکان علی أنّ الإرادة بهذا المعنی هی مع المراد إذا کان من الأُمور الکائنة الفاسدة لاتوجد قبله و لاتبقی بعده فاتصاف الواجب تعالی بها مستلزم لتغیر الموصوف و هو محال». الثالثة: ما تفسیر «الإرادة» عنده؟ قال فی تعالیق الأسفار، ج6، ص316: «تمامیة الفعل من حیث السبب إذا نسبت إلی الفعل سمیت إرادة له فهو مراد له تعالی و إذا نسبت إلیه تعالی کانت إرادة منه فهو مرید کما إنّ کل ما یستکمل به الشیء فی بقائه فهو رزق و الشیء مرزوق و الله تعالی رازق» نقل عنه هذا الکلام تلمیذه فی محاضرات فی الإلهیات، ص172 ثمّ ذکر ملاحظتین علیه. و قال فی المیزان، ج14، ص363، فی تفسیر (إِنَّ اللهَ یفْعَلُ مَا یشَاءُ)( الحج:18)، فی البحث الروائی: «و فی التوحید بإسناده إلی سلیمان بن جعفر الجعفری قال: قال الرضا (علیه السلام) :... ” فمن زعم أنّ الله لم یزل مریداً شائیاً فلیس بموحد“. أقول: فی قوله (علیه السلام) : ” لم یزل مریداً شائیاً“ تلویح إلی اتحاد الإرادة و المشیة و هو کذلک فإنّ المشیة معنی یوصف به الإنسان إذا اعتبر کونه فاعلاً شاعراً بفعله المضاف إلیه و إذا تمّت فاعلیته بحیث لاینفک عنه الفعل سمّی هذا المعنی بعینه إرادة» و فی حاشیة الکفایة، ص85، عند التعلیقة علی قوله: «إشکال و دفع» فی بحث الطلب و الإرادة: «أقول: و الذی ینبغی أن یقال فی هذا المورد أنّ ما یقع وصفاً له تعالی من المعانی المحمولة علی الممکن و غیره إنّما یوصف تعالی به بالمعنی الذی یحمل به علی الموضوعات الممکنة التی عندنا لما مر من البرهان علی ذلک فی تنبیهات بحث المشتق فمعنی الوصف فیه و فی غیره تعالی واحد کالوجود و العلم و القدرة و من الواضح أنّ هذا القبیل من المعانی یستحیل کونها ذات مهیة و إلا لاستلزم فیه المهیة و هو محال فهذا النوع من المعانی صفات وجودیة غیر ذات مهیة... لکنّک قد عرفت فی ما مر أنّ الإرادة غیر داخلة تحت مقولة من المقولات بل هی کالعلم و القدرة و غیرهما صفة وجودیة غیر زائدة الوجود علی وجود موضوعها البتة و أنّها حیثیة اقتضاء ذاتنا لفعلها من حیث هی عالمة به و هذا الحد بتجریده عن الخصوصیات ممکن الوقوع علی إرادة الواجب تعالی» الرابعة: هل یکون إرادة الله سبحانه بمعنی علمه بالأصلح؟ فی المیزان، ج14، ص363: «و أمّا قول القائل: إنّ معنی الإرادة هو العلم بالأصلح و العلم من صفات الذات فلم یزل مریداً أی عالماً بما فعله أصلح فهو إرجاع للإرادة إلی العلم و لا محذور فیه غیر أنّ عدّ الإرادة علی هذا صفة أُخری وراء الحیاة و العلم و القدرة لا وجه له» و فی بدایة الحکمة، ص212: «قالوا: إرادته تعالی علمه بالنظام الأصلح... أقول: فیه إرجاع تحلیلی لمعنیی الإرادة و الکلام إلی وجه من وجوه العلم و القدرة فلا ضرورة تدعو إلی إفرادهما عن العلم و القدرة» الخامسة: هل إرادته سبحانه من صفات الفعل أو الذات؟ فی الرسائل التوحیدیة، ص111، الرسالة الثالثة فی أفعال الله سبحانه، الفصل العاشر: «و أمّا الإرادة فکثیر الورود فی القرآن و ظاهر الآیة کونه من صفات الفعل قال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِکَ)(الإسراء:16) و قال: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا) (یس:82) و أمثال ذلک من الآیات. و روی الصدوق فی التوحید و العیون مسنداً عن صفوان قال: قلت لأبی الحسن (علیه السلام) : أخبرنی عن الإرادة.. أقول: و الأخبار فی کون الإرادة من صفات الفعل مستفیضة أو متواترة» و فی شیعه در اسلام، الفصل الثالث، 1.معرفة الله تعالی، صفات الفعل: «شیعه دو صفت اراده و کلام را به معنایی که از لفظ آن ها فهمیده می شود صفت فعل می دانند» و فی المیزان، ج17، ص119، فی تفسیر (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) (یس:82) فی البحث الروائی: «أقول: و الروایات عنهم (علیهم السلام) فی کون إرادته من صفات الفعل مستفیضة» و فی المیزان، ج14، ص363: «و علی أی حال هو وصف خارج عن الذات طارٍ علیه و لذلک لایتصف تعالی بها کاتصافه بصفاته الذاتیة کالعلم و القدرة لتنزهه عن تغیر الذات بعروض العوارض بل هی من صفات الفعل» و فی بدایة الحکمة، ص212، المرحلة12، الفصل8، فی إرادته تعالی و کلامه: «و ما نسب إلیه تعالی فی الکتاب و السنّة من الإرادة و الکلام أُرید به صفة الفعل بالمعنی الذی سیأتی إن شاء الله» و لکن فی حاشیة الکفایة، ص85 بعد أن ذکر «أنّها حیثیة اقتضاء ذاتنا لفعلها من حیث هی عالمة به» الخ قال: «فالإرادة الذاتیة فیه تعالی هی نسبة اقتضاء الذات العالمة بذاتها لذاتها و الإرادة الفعلیة نسبة اقتضاء الذات العلمیة لفعلها الخارج عن ذاتها» السادسة: من أی شیء ینتزع الإرادة الفعلیة فی الباری تعالی؟ فی الرسائل التوحیدیة، ص110، الرسالة الثالثة، الفصل التاسع: «و أمّا سائر الأفعال التی نسبها الحق سبحانه إلی نفسه من المشیة و الإرادة... فهذه أفعال منتزعة من أنحاء وجودات الموجودات التی هی أفعاله و إفاضاته سبحانه فالموجود الصادر منه سبحانه حیث إنّه غیر صادر بالاضطرار و الجهل و الغفلة تعالی عن ذلک ینتزع منه أنّ هناک مشیة و إرادة له سبحانه و هو مشیء وجوده و مراد خلقه» و فی المیزان، ج14، ص363: «بل هی من صفات فعله منتزعة من نفس الفعل أو من حضور الأسباب علیه فقولنا: أراد الله کذا معناه أنّه فعله عالماً بأنّه أصلح أو أنّه هیأ أسبابه عالماً بأنّه أصلح» و فی نهایة الحکمة، ص364: «و الإرادة المنسوبة إلیه تعالی منتزعة من مقام الفعل إمّا من نفس الفعل الذی یوجد فی الخارج فهو إرادة ثمّ إیجاب ثمّ وجوب ثمّ إیجاد ثمّ وجود و إمّا من حضور العلة التامّة للفعل کما یقال عند مشاهدة جمع الفاعل أسباب الفعل لیفعل: إنّه یرید کذا مثلاً».

ص: 116

ص: 117

أما تفسیرها ففیه أقوال نذکر القولین المهمّین:

القول الأول: العلم بالنظام الأحسن

اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) .

بیانه (قدس سره) فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم: إنّ مفهوم الإرادة غیر مفهوم العلم((1)) کما یظهر ذلک لمن تصفح فی کلماتهم و کتبهم الحکمیة فما الوجه فی إرجاع الإرادة إلی العلم؟

الوجه فی ذلک أنّ الفعل الاختیاری هو الفعل الصادر عن شعور و رضا من الفاعل فیعتبر فیه العلم و الرضا.

و لذا لیس الفعل الذی صدر عن العلم بلا رضاً، فعلاً اختیاریاً مثل السقوط عن الارتفاع بمجرد تصور أنّه علی حائط دقیق العرض.

و هکذا الفعل الذی صدر عن موافقة الفاعل بلا شعور و علم لیس فعلاً اختیاریاً مثل الآثار و المعالیل الموافقة لطبیعة مؤثراتها و عللها.

«فهذا هو السبب فی تعبیر الحکماء عن إرادته [تعالی] بالعلم بنظام الخیر فإنّهم بصدد [بیان] ما به یکون الفعل اختیاریاً و هو لیس مجرّد الملائمة و الرضا المستفادین من نظام الخیر بل بإضافة العلم».((2))

ص: 118


1- بحار الأنوار، ج4، ص144، ح 15، عن التوحید للصدوق (قدس سره) عن بکر [ کذا؛ و الصواب کما فی التوحید: بکیر ] بن أعین قال قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : علم الله و مشیته هما مختلفان أم متفقان؟ فقال: «العلم لیس هو المشیة» الحدیث
2- رسالة الطلب و الإرادة، ص9؛ و فی نهایة الدرایة، ج1، ص279 «و الوجه فی تعبیر الحکماء عن الإرادة الذاتیة بالعلم بنظام الخیر و بالصلاح أنّهم بصدد ما به یکون الفعل اختیاریاً و هو لیس العلم بلا رضاً الخ».
القول الثانی: ابتهاجه و رضاه تعالی بذاته

اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

قال (قدس سره) :((1)) «و أما الإرادة فمعناها العام هی المحبة و الرضا و الابتهاج و حیث إنّ الواجب تعالی صرف الوجود فهو صرف الخیر إذ الوجود کله خیر بالذات ... فإذا کان الواجب صرف الخیر و الخیر هو الملائم و الموجب للابتهاج و یکون لذیذاً و محبوباً فهو تعالی مبتهج بذاته أتّم ابتهاج [و الابتهاج هو الارادة.]

و حیث إنّ کل ما کان مبدأ لانتزاع وصف اشتقاقی بذاته فهو منشأ لانتزاع مبدأ الوصف فهو مبتهِج و مبتهَج و ابتهاج، و راضٍ و مرضی به و رضا، کما أنّه عالم و معلوم و علم و هکذا و فی هذه المرتبة لا مراد إلا ذاته.

و حیث إنّ ذاته تعالی صرف الوجود فهو کلّ الوجود، فکل وجودٍ مرادٌ فی مرتبة ذاته بمرادیة ذاته لا بمرادیة أُخری».

ص: 119


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص7؛ و فی نهایة الدرایة، ج1، ص279 «و حیث إنّه صرف الوجود و صرف الوجود صرف الخیر فهو مبتهج بذاته أتم ابتهاج و ذاته مرضیة لذاته أتم الرضا و ینبعث من هذا الابتهاج الذاتی و هی الإرادة الذاتیة ابتهاج فی مرحلة الفعل فإنّ من أحب شیئاً أحب آثاره الخ».
أما الإرادة الفعلیة لله تعالی
اشارة

فیها تفسیرات ثلاثة:

لاخلاف فی تحقق الإرادة الفعلیة لله تبارک و تعالی فإنّ المحدّثین و الحکماء و المتکلّمین کلهم متفقون علی وجودها و لکن الکلام فی تفسیرها.

التفسیر الأول: ابتهاجه و رضاه تعالی بفعله
اشارة

اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

و أمّا ما ورد من حدوث المشیة((1)) فالمراد هی المشیة الفعلیة و بعبارة أخری هی المشیة التی یکون المراد فیها غیره تعالی و أما الإرادة التی لیس المراد بالحقیقة

ص: 120


1- فی المحاسن، ج1، ص245، کتاب مصابیح الظلم، الباب 26 «عنه عن أبیه عن محمد بن أبی عمیر عن عمر بن أُذینة عن محمد بن مسلم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «المشیة محدثة»؛ الکافی، ج1، ص110، کتاب التوحید، باب الإرادة أنّها من صفات الفعل و سائر صفات الفعل، ح 7: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبیه الخ؛ التوحید، ص147، الباب11، ح18 و ص336، الباب 55، ح1: أبی (رحمة الله) قال حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبیه الخ. بحار الأنوار، ج5، ص122، الباب 3 من أبواب العدل، ح 67 عن المحاسن؛ و ج 54، ص171، الباب 1 من أبواب کلیات أحوال العالم و ما یتعلق بالسماویات، ح 119 عن الکافی و فی التوحید، ص441، الباب 66 ( باب ذکر مجلس الرضا (علیه السلام) مع سلیمان المروزی متکلم خراسان عند المأمون فی التوحید ): «... قال سلیمان: فإنّه لم یزل مریداً قال [ (علیه السلام) ]: فإرادته غیره؟ قال: نعم قال: فقد أثبتَّ معه شیئاً غیره لم یزل قال سلیمان: ما أثبتُّ قال الرضا (علیه السلام) : أهی محدثة؟ قال سلیمان: لا ما هی محدثة فصاح به المأمون و قال: یا سلیمان مثله یعایا أو یکابر علیک بالإنصاف أما تری من حولک من أهل النظر ثم قال: کلمه یا أبا الحسن فإنّه متکلم خراسان فأعاد علیه المسألة فقال: هی محدثة یا سلیمان فإنّ الشیء إذا لم یکن أزلیاً کان محدثاً و إذا لم یکن محدثاً کان أزلیاً» الحدیث و رواه أیضاً فی عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص159، الباب 13.

هناک إلا نفس ذاته - جلّت ذاته - فلا دخل لها بمورد الأخبار [لأنّ المعنی المتفاهم عند الرواة من لفظ الإرادة بعنوان صفته تعالی هذه الإرادة الفعلیة التی لاتنفک عن المراد و لذا أجاب الإمام (علیه السلام) بما هو المتداول من معنی الإرادة و هی المرتبة الفعلیة منها]».

ملاحظتنا علی هذا البیان:

إنّ الإرادة الفعلیة لیست مطلق الابتهاج الفعلی و المحبّة الفعلیة بل الابتهاجُ البالغ إلی التصدی نحو الشیء الذی هو المراد غالباً و الإرادة مستعملة فی الروایات بهذا المعنی و لذا خصّوها بالمرتبة الفعلیة و أنکروا کونها بهذا المعنی صفةً ذاتیةً له تعالی لترتب مفاسد کثیرة علی ذاتیة صفة الإرادة بهذا المعنی (لأنّه یلزم تخلف إرادته الذاتیة عن تحقق المراد أو یلزم وجود المراد قدیماً بقدم الذات).

و من ذلک یظهر أنّ ما ذهب إلیه المحدثون من نفی الإرادة الذاتیة عن الله تبارک و تعالی وفقاً للروایات الواردة فی هذا الباب یرجع إلی هذا المعنی و کلامهم فی غایة المتانة إلّا أنّ تحقق الإرادة الذاتیة بمعنی آخر أو بمرتبة أخری من حقیقة الإرادة لاینافی نفی الإرادة الذاتیة بهذا المعنی.

التفسیر الثانی: إعمال القدرة و التصدی نحو الشیء
اشارة

اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و تقدم کلامه فراجع.

یلاحظ علیه:

إنّ نفس إعمال القدرة لیست إرادة فعلیة بل هی الابتهاج الباعث علی التصدی نحو الشیء.

ص: 121

التفسیر الثالث: الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء( الابتهاج التامّ)

قد اتضح مما ذکرنا عند الملاحظة علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) أنّ الإرادة الفعلیة هی الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء.

ص: 122

المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة
اشارة

و لها تفسیران:

التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر
اشارة

و هذا هو التفسیر الذی ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بیانه هو أنّ الإرادة قد تتعلق بفعل المرید بنفسه و قد تتعلق بفعل غیره فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بفعل الغیر أما البعث و التحریک إلی فعل الغیر فلیسا من الإرادة التشریعیة فإنّهما من أفعال المولی و المشرِّع فنفس أمر المولی و الشارع متعلق إرادته التکوینیة و إیجاد الغیر الفعلَ المأمور به متعلق إرادته التشریعیة.

بیانُ المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی لغویة الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر:

((2))

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) قائل بعدم وجود الفائدة فی تحقق الإرادة التشریعیة فی نفس الشارع و أساس نظریته (قدس سره) یبتنی علی تفسیره للإرادة التشریعیة.

قال (قدس سره) : « [إنّ] من جملة النظام التام الذی لا أتمّ منه نظام إنزال الکتب و إرسال الرسل و التحریک إلی ما فیه صلاح العباد و الزجر عما فیه الفساد فالمراد بالإرادة الذاتیة بالعرض لا بالذات هذه الأُمور دون متعلقاتها ای إنّ الإرادة

ص: 123


1- رسالة الطلب و الإرادة، ص12 و 13، الأمر الأول فی تحقیق حقیقة ما یعبر عنه بالإرادة «تتمة: الإرادة تنقسم إلی تکوینیة و إلی تشریعیة و المقابلة باعتبار تعلق الأُولی بفعل المرید بنفسه و تعلق الثانیة بفعل الغیر أعنی المراد منه و توضیح المقام أنّ فعل الغیر إذا کان له فائدة عائدة إلی الشخص الخ».
2- نهایة الدرایة، ج1، ص282، التعلیقة 151 علی هذه العبارة: «و أما الدفع فهو أنّ استحالة التخلف إنّما تکون فی الإرادة التکوینیة».

الذاتیة تتعلق بنفس ذاته تعالی بالذات و تتعلق بآثاره بالعرض نعم انّ الإرادة الذاتیه بالعرض تتعلق بالبعث و التحریک لا بالفعل المبعوث إلیه بل ربّما لایقع هذا المتعلّق، کما فی الکفار و العصاة، فلا أثر للإرادة التشریعیة فی صفاته الذاتیة - جلّت ذاته و علت صفاته - ... و مما ذکرنا فی المقدمة آنفاً فی الفرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة تعرف أنّه لامجال لانقداح الإرادة التشریعیة فی النفس النبویة و لا فی النفس الولویة - خصّهما الله بألف تحیة - و ذلک لبداهة عدم فائدة عائدة من الفعل إلیهما بل إلی فاعله و عود فائدة من قبل إیصال النفع [إلی العباد] إلی النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) لایوجب کون الإرادة المتعلقة بالبعث و الزجر تشریعیة لأنّهما من أفعالهما الاختیاریة المتوقفة علی الإرادة فهی تکوینیة لا تشریعیة.

فتحصّل من هذا البیان القویم البنیان أنّ حقیقة التکلیف الجدّی البعث إلی الفعل بداعی انبعاث المکلف أو الزجر عنه بداعی الانزجار و هذا المعنی لایتوقف علی إرادة نفس الفعل مطلقاً بل فی ما إذا رجع فائدته إلی المرید.»

التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة
اشارة

و الحق ثبوت الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر.

إنّ الإرادة قد یتعلق بالحقائق التکوینیة و قد یتعلق بالاعتبارات التشریعیة فالإرادة التشریعیة هی ما یتعلق بالأُمور الاعتباریة الشرعیة.

و الفرق بین التفسیر الأول و الثانی هو أنّ متعلق الإرادة التشریعیة علی التفسیر الأول هو الفعل الصادر عن الغیر و علی التفسیر الثانی هو الاعتبار الشرعی المتعلق بفعل الغیر فلایرد علیها ما أورده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ثم إنّ الإرادة التشریعیة علی التفسیر الثانی أیضاً بمعنی الابتهاج فإنّ حب

ص: 124

الذات لذاته هو بعینه حبه لمظاهر صفاته - جلّ جلاله و عظمت صفاته - و نظام التشریع مثل نظام التکوین من مظاهر صفات الله تعالی، فلایضرّنا عدم عود النفع و الفائدة إلی الشارع فإنهما تعودان إلی الفاعل لانّ الوجه فی تعلّق إرادته تعالی بالإعتبارات الشرعیة هو الإبتهاج و حبّه لمظاهر صفاته.

و یشهد لصحّة التفسیر الثانی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

قال (قدس سره) : «لا بأس بإطلاقها [أی الإرادة التشریعیة] علی البعث و الزجر کما فی الخبر الشریف المروی فی توحید الصدوق (قدس سره) ((2)) بسنده عن [مولانا] أَبِی الْحَسَنِ

ص: 125


1- نهایة الدرایة، ج1، ص282
2- التوحید، ص64، الباب 2 (باب التوحید و نفی التشبیه)، ح18 «حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمة الله) قال حدثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی قال حدثنا محمد بن إسماعیل البرمکی قال حدثنا الحسین بن الحسن بن بردة قال حدثنی العباس بن عمرو الفقیمی عن أبی القاسم إبراهیم بن محمد العلوی عن الفتح بن یزید الجرجانی عن أبی الحسن (علیه السلام) قال:... قلت: إنّ عیسی خلق من الطین طیراً دلیلاً علی نبوته و السامری خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسی (علیه السلام) و شاء الله أن یکون ذلک کذلک إنّ هذا لهو العجب فقال: ویحک یا فتح إنّ لله... أوما رأیت أنّه نهی آدم و زوجته عن أن یأکلا من الشجرة و هو شاء ذلک و لو لم یشأ لم یأکلا و لو أکلا لغلبت مشیتهما مشیة الله و أمر إبراهیم بذبح ابنه إسماعیل و شاء أن لایذبحه و لو لم یشأ أن لایذبحه لغلبت مشیة إبراهیم مشیة الله» الحدیث. و فی الکافی، ج1، ص151، کتاب التوحید، باب المشیة و الإرادة، ح 4 «علی بن إبراهیم عن المختار بن محمد الهمدانی و محمد بن الحسن عن عبد الله بن الحسن العلوی جمیعاً عن الفتح بن یزید الجرجانی عن أبی الحسن (علیه السلام) قال: إنّ لله... و یأمر و هو لایشاء» إلی آخر ما نقلناه عن التوحید باختلاف یسیر. بحار الأنوار، ج4، ص139، الباب 4 من أبواب الصفات، ح 5 عن التوحید؛ و ص 292، الباب 4 من أبواب أسمائه تعالی و حقائقها و صفاتها و معانیها، ح 21 عن التوحید؛ و ج 5، ص101، الباب 3 من أبواب العدل، ح 26 عن التوحید و فی فقه الرضا (علیه السلام) ، ص410، الباب 119 (باب القضاء و المشیة و الإرادة) «سئل أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن مشیة الله و إرادته فقال (علیه السلام) : إنّ لله مشیتین مشیة حتم و مشیة عزم و کذلک إنّ لله إرادتین [ إرادة حتم و؛ نقلنا هذه الزیادة من البحار] إرادة عزم و [کذا؛ و الظاهر زیادة الواو و لیس فی نقل البحار] إرادة حتم لاتخطئ و إرادة عزم تخطئ و تصیب و له مشیتان مشیة یشاء ومشیة لایشاء ینهی و هو ما [کذا؛ و لیس فی البحار کلمة ما] یشاء و یأمر و هو لایشاء» الحدیث؛ بحار الأنوار، ج5، ص124، الباب 3 من أبواب العدل، ح 73 عن فقه الرضا (علیه السلام)

[علی بن موسی الرضا (علیه السلام) ] قال (قدس سره) : ”إِنَّ للهِ

إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ“ الخبر و هو ظاهر فی أنّ الإرادة التشریعیة حقیقتها الأمر و النهی و أنّ حقیقة الإرادة و المشیة هی الإرادة التکوینیة»

فعلی هذا مفاد الأمر الإرادة التشریعیة.

ص: 126

التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی الجواب عن الاستدلال الثانی للأشاعرة علی اختلاف الطلب و الإرادة بعدم تعلق إرادته تعالی تکویناً بالإیمان من الکفار و بالطاعات من العصاة و هذا یوهم الجبر.

فلابدّ من تحقیق المسألة علی أساس مذهب أهل البیت (علیهم السلام) لما ورد عنهم فی الأخبار الکثیرة الصحیحة «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ»((2)) وفاقاً للعقل

ص: 127


1- کفایة الأُصول، ص67، المقصد الأول، الفصل الأول، الجهة الرابعة، إشکال و دفع «... و ما لا محیص عنه فی التکلیف إنّما هو هذه الإرادة التشریعیة لا التکوینیة فإذا توافقتا فلابدّ من الإطاعة و الإیمان و إذا تخالفتا فلا محیص عن أن یختار الکفر و العصیان»
2- فی الکافی، ج1، ص159، کتاب التوحید، باب الجبر و القدر و الأمر بین الأمرین، ح 10 «علی بن إبراهیم عن محمد بن عیسی عن یونس بن عبدالرحمن عن صالح بن سهل عن بعض أصحابه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: سئل عن الجبر و القدر فقال: لا جبر و لا قدر و لکن منزلة بینهما فیها الحق التی بینهما لایعلمها إلا العالم أو من علمها إیاه العالم». و فی الکافی، ص160، ح 13 «محمد بن أبی عبد الله عن حسین بن محمد عن محمد بن یحیی عمن حدثه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین أمرین قال قلت: و ما أمر بین أمرین؟ قال: مثل ذلک رجل رأیته علی معصیة فنهیته فلم ینته فترکته ففعل تلک المعصیة فلیس حیث لم یقبل منک فترکته کنت أنت الذی أمرته بالمعصیة»؛ و فی التوحید، ص362، الباب 59 (باب نفی الجبر و التفویض)، ح8 «حدثنا علی بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رحمة الله) قال حثنا محمد بن أبی عبد الله الکوفی عن خنیس بن محمد عن محمد بن یحیی الخزاز عن المفضل بن عمر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال» مثل ما فی الکافی و لکن فیه بدل «کنت أنت»: «أنت». و فی عیون أخبار الرضا (علیه السلام) ، ج1، ص144، الباب 11، ح 17 «حدثنا تمیم بن عبد الله بن [تمیم] القرشی2 قال حدثنا أبی عن أحمد بن علی الأنصاری عن زید [کذا و فی بعض النسخ: یزید] بن عمیر بن معاویة الشامی قال: دخلت علی علی بن موسی بمرو فقلت له: یابن رسول الله روی لنا عن الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) قال: إنّه لا جبر و لا تفویض بل أمر بین أمرین فما معناه؟ قال: من زعم أنّ الله یفعل أفعالنا ثم یعذبنا علیها فقد قال بالجبر و من زعم أنّ الله فوض أمر الخلق و الرزق إلی حججه (علیهم السلام) فقد قال بالتفویض و القائل بالجبر کافر و القائل بالتفویض مشرک فقلت له: یابن رسول الله فما أمر بین أمرین؟ فقال: وجود السبیل إلی إتیان ما أُمروا به و ترک ما نهوا عنه...» و رواه فی الاحتجاج، ج2، ص198. و فی الاحتجاج، ج2، ص253، احتجاج أبی الحسن علی بن محمد العسکری (علیه السلام) فی شیء من التوحید و غیر ذلک من العلوم الدینیة «و مما أجاب به أبو الحسن علی بن محمد العسکری (علیه السلام) فی رسالته إلی أهل الأهواز حین سألوه عن الجبر و التفویض... (فقال) الجبر و التفویض یقول الصادق جعفر بن محمد (علیهما السلام) عندما سئل عن ذلک فقال: لا جبر و لا تفویض بل أمر بین الأمرین قیل: فماذا یابن رسول الله؟ فقال: صحة العقل و تخلیة السرب و المهلة فی الوقت و الزاد قبل الراحلة و السبب المهیج للفاعل علی فعله فهذه خمسة أشیاء فإذا نقص العبد منها خلة کان العمل عنه مطرحاً بحسبه و أنا أضرب لکل باب من هذه الأبواب الثلاثة و هی الجبر و التفویض و المنزلة بین المنزلتین مثلاً یقرب المعنی للطالب الخ» و رواه فی تحف العقول، ص460 باختلاف یسیر. و فی معانی الأخبار، ص212 «... فخُضنا فی المناظرة و حمران ساکت فقال له أبو عبد الله (علیه السلام) : ما لک لاتتکلم یا حمران؟ فقال: یا سیدی آلیت علی نفسی أنّی لاأتکلم فی مجلس تکون فیه فقال أبو عبد الله (علیه السلام) : إنّی قد أذنت لک فی الکلام فتکلم فقال حمران: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له لم یتخذ صاحبةً و لا ولداً خارج من الحدین حد التعطیل و حد التشبیه و أنّ الحق القول بین القولین لا جبر و لا تفویض... فقال [أبو عبد الله (علیه السلام) ]:... فمن خالفک علی هذا الأمر فهو زندیق» الحدیث. و فی مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعی، ص150 «و قد ذکر [أی علی (علیه السلام) ] فی کلامه و مواعظه و خطبه من هذه العلوم ما یشهد بکمال معرفته و متانة إحاطته بعلوم الدین و ها أنا الآن أذکر شیئاً من کلامه فی ذلک... فمنه ما نقله الإمام البیهقی بإسناده عن الشافعی عن یحیی بن سلیم عن الإمام جعفر بن محمد [عن أبیه (علیهما السلام)کما فی تاریخ مدینة دمشق، ج51، ص182] عن عبد الله بن جعفر2عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) أنّه قال:... فقام إلیه رجل ممن شهد معه وقعة الجمل فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: بحر عمیق فلا تلجه فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: بیت مظلم فلا تدخله فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: سر الله فلاتبحث عنه فقال: یا أمیر المؤمنین أخبرنا عن القدر فقال: لما أبیت فإنّه أمر بین أمرین لا جبر و لا تفویض» الخبر و رواه فی بحار الأنوار، ج5، ص56، الباب 1 من أبواب العدل، ح 103. فی عوالی اللآلی، ج4، ص109 «و روی عن الصادق (علیه السلام) مثل ذلک فقال (علیه السلام) : لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین الأمرین».

ص: 128

السلیم و خلافاً لما بنی علیه الجبریة و المفوّضة.

فإنّ الجبریة ینکر استناد الأفعال إلی العباد بل یسندها إلی الواجب تعالی و یقول: عادة الله جرت علی إیجاد ما یسمّی بالأسباب قبل إیجاد الأفعال و لذا یتوهم الناس سببیة هذه الأُمور للأفعال مع أنّ ذلک ینافی الالتزام بالتوحید الأفعالی فإنّه لا مؤثر فی الوجود إلا الله تبارک و تعالی.

و فی قبالهم ینکر المفوّضة استناد الأفعال إلیه تعالی خوفاً من مفسدة استناد القبائح إلیه تعالی و لذا التزموا بفاعلیة العباد استقلالاً.

ص: 129

تقریرات أربعة لنظریة الأمر بین الأمرین:
اشارة

لنظریة الأمر بین الأمرین تقریرات مختلفة نشیر إلی أربعة منها:

التقریر الأول: ما حکی عن الحکیم المحقق الطوسی (قدس سره)

(1)

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) مقرراً ما حُکی عن المحقق الطوسی (قدس سره) :

«تقریب هذه الکلمة المبارکة بوجهین، أحدهما أنّ العلّة الفاعلیة ذاتُ المباشر بإرادته و هی العلة القریبة و وجوده و قدرته و علمه و إرادته لها دخل فی فاعلیة الفاعل و معطی هذه الأُمور هو الواجب تعالی فهو الفاعل البعید فمن قصر النظر علی الأول حکم بالتفویض و من قصر النظر علی الثانی حکم بالجبر و الناقد البصیر ینبغی أن یکون ذا عینین فیری الأول [أی مباشرة الفاعل للفعل] فلایحکم بالجبر و یری الثانی [أی یری أنّ وجوده و قدرته و علمه و إرادته من قبل الله] فلایحکم بالتفویض».

ص: 130


1- . نهایة الدرایة، ج1، ص294، تنبیه و تنزیه، بعد التعلیقة 152 علی هذه العبارة «قلت: إنّما یخرج بذلک عن الاختیار لو لم یکن». و فی گوهر مراد، ص327، المقالة الثانیة، الباب الثالث، الفصل13، فی أفعال العباد: «بدان که در فعل اختیاری عباد سه مذهب است: اوّل جبر... مذهب دوم تفویض... و مذهب سوم مذهب محققین علماء امامیه و جمهور حکماست که گویند: فعل بنده مخلوق بنده است بی واسطه و مخلوق خداست به واسطه مانند سایر موجودات نظر به سایر اسباب و خواجه طوسی (قدس سره) در شرح رساله علم امر بین الامرین را در احادیث [ائمه] طاهرین (علیهم السلام) که ”لا جبر و لا تفویض بل أمر بین الأمرین“ به همین معنا تفسیر کرده». و فی الحکمة المتعالیة، ج8، ص331، الموقف الرابع، الفصل السادس: «قال العلامة الطوسی (رحمة الله) فی شرح رسالة العلم... ثمّ قال فی موضع آخر منه فی بیان الجبر و الاختیار: إنّه لا شک عند الأسباب یجب الفعل و عند فقدانها یمتنع فالذی ینظر إلی الأسباب الأوّل و یعلم أنّه لیست بقدرة الفاعل و لا بإرادته یحکم بالجبر و هو غیر صحیح مطلقاً لأنّ السبب القریب للفعل هو قدرته و إرادته و الذی ینظر إلی السبب القریب یحکم بالاختیار و هو أیضاً لیس بصحیح مطلقاًً لأنّ الفعل لم یحصل بأسباب کلّها مقدوره و مراده و الحق ما قاله بعضهم: ”لا جبر و لا تفویض و لکن أمر بین الأمرین “...».
التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

و قد صحّحه المحقق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة أجود التقریرات.

قال (قدس سره) : «و أما الموضع الثانی فالحق فیه أیضاً أنّ هناک مرتبةً أُخری بعد الإرادة تسمی بالطلب و هو نفس الاختیار و تأثیر النفس فی حرکة العضلات ... و البرهان علیه أنّ الصفات القائمة بالنفس من الإرادة و التصور و التصدیق کلها غیر اختیاریة فإن کانت حرکة العضلات مترتّبة علیها من غیر تأثیر النفس فیها و بلا اختیارها فیلزم أن لاتکون العضلات منقادةً للنفس فی حرکاتها و هو باطل وجداناً فإنّ النفس تامّة التأثیر فی العضلات من دون أن یکون لها مزاحم فی سلطانها و ملکها وللزم أن تصدق شبهة إمام المشککین فی عدم جواز العقاب بأنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة و أن لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان کما ادعاه ... و الحاصل أنّ علیة الإرادة للفعل هادمة لأساس الاختیار و مؤسسة لمذهب الجبر بخلاف ما إذا أنکرنا علیة الصفات النفسانیة من الإرادة و غیرها للفعل و قلنا بأنّ النفس مؤثرة بنفسها فی حرکات العضلات من غیر محرک خارجی و تأثیرها المسمّی بالطلب إنّما هو من قبل ذاتها [أی ذات النفس] فلا یلزم محذور أصلاً و یثبت الأمر بین الأمرین کما هو المذهب الوسط و بهذه النظریة الدقیقة المثبتة للأمر بین الأمرین کما صرحت به روایات أهل

ص: 131


1- أجود التقریرات، ص137 و 138، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول، اتحاد الطلب و الإرادة، الموضع الثانی.

البیت (علیهم السلام) یستدل علی الحق فیهم و معهم فإنّه مما أعیا إدراکه عقول الفلاسفة و ذوی الأفکار».

فالوجه فی اختیاره لهذا التقریر هو شبهة الفخر الرازی((1)) فی عدم جواز العقاب -من أنّ الفعل معلول للإرادة و الإرادة غیر اختیاریة- التی قال بعد بیانها: لایمکن الجواب عنها و لو تظاهر الثقلان.

ملاحظتنا علی هذا التقریر:

هنا دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینة لله تعالی بأفعال العباد و سیجیء بیانهما

ص: 132


1- فی تفسیر الرازی، ج2، ص235 فی تفسیر قوله تعالی: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِکَةِ...)(البقرة: 34)، المسألة الخامسة: «قال القاضی: هذه الآیة تدلّ علی بطلان قول أهل الجبر من وجوهٍ أحدها... و ثانیها... و ثالثها... و رابعها... قال: و من اعتقد مذهباً یقیم العذر لإبلیس فهو خاسر الصفقة. و الجواب عنه أنّ هذا القاضی لایزال یطنب فی تکثیر هذه الوجوه و حاصلها یرجع إلی الأمر و النهی و الثواب و العقاب فنقول له نحن أیضاً: صدور ذلک الفعل عن إبلیس عن قصد و داع أو لا عن قصد و داع؟ فإن کان عن قصد و داع فمن أین ذلک القصد؟ أوقع لا عن فاعل أو عن فاعل هو العبد أو عن فاعل هو الله؟ فإن وقع لا عن فاعل کیف یثبت الصانع؟ و إن وقع عن العبد فوقوع ذلک القصد عنه إن کان عن قصد آخر فیلزم التسلسل و إن کان لا عن قصد فقد وقع الفعل لا عن قصد و سنبطله و إن وقع عن فاعل هو الله فحینئذ یلزمک کل ما أوردتَه علینا. أمّا إن قلت: وقع ذلک الفعل عنه لا عن قصد و داع فقد ترجح الممکن من غیر مرجح و هو یسدّ باب إثبات الصانع. و أیضاً فإن کان کذلک کان وقوع ذلک الفعل اتفاقیاً و الاتفاقی لایکون فی وسعه و اختیاره فیکون یؤمر به و ینهی عنه فیا أیها القاضی ما الفائدة فی التمسک بالأمر و النهی و تکثیر الوجوه التی یرجع حاصلها إلی حرف واحد مع أنّ مثل هذا البرهان القاطع یقلع خلفک و یستأصل عروق کلامک و لو أجمع الأوّلون و الآخرون علی هذا البرهان لما تخلصوا عنه إلّا بالتزام وقوع الممکن لا عن مرجح و حینئذٍ ینسد باب إثبات الصانع أو بالتزام أنّه یفعل الله ما یشاء و یحکم ما یرید و هو جوابنا».

ذیل ملاحظتنا علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره) فی التقریر الرابع و هما کافیان لبیان دخول النفس و أفعالها تحت إرادة الله تعالی.

مع أنّ الانفکاک بین فاعلیة النفس و علیة إرادته بما هی صفة نفسانیة مما لایمکن الالتزام به فإنّ الإرادة فی طریق فاعلیة النفس و بتمامیة الإرادة تتم فاعلیته و فاعلیة النفس تتوقف علی التصورات و التصدیقیات الإدراکیة و الشوق النفسانی و إن کان جمیع ذلک فی ارتکاز النفس بحیث لاتتوجه إلیه.

و إیجاد النفس لما هو منافرٌ لطبعه أو لما تُصدِّق إضرارَه لیس مخالفاً لإرادة النفس لأنّ النفس ذات مراتب کثیرة و إرادات متعددة و قد تغلب إرادته للأمر الباطل علی إرادته لما هو الصواب و الخیر (و المراد من الإرادة الشوق أو الشوق الأکید فی قبال العزم التام).

و یشهد لما ذکرناه الروایات الواردة عن المعصومین (علیهم السلام)

منها: ما رواه الصدوق (قدس سره) ((1)) قال:((2)) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ

ص: 133


1- التوحید، ص360.
2- روی هذا الحدیث فی المحاسن و الکافی و التوحید ففی المحاسن، ج1، ص296، کتاب مصابیح الظلم، الباب 49: «عنه عن علی بن الحکم عن هشام بن سالم عن أبی عبدالله (علیه السلام) قال: إنّ الله أکرم... ما لایطیقون...» و فی الکافی، ج1، ص160، کتاب التوحید، باب الجبر و القدر و الأمر بین الأمرین، ح14:«عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقی عن علی بن الحکم... قال: الله أکرم... ما لایطیقون...» و روی أیضاً فی مشکاة الأنوار، ص257، الفصل العاشر: «عنه [أی أبی عبد الله] (علیه السلام) :الله أکرم من أن یکلف العباد ما لایطیقون...» و رواه فی مختصر بصائر الدرجات، ص133 بالإسناد عن الصدوق و نقل هذا الحدیث فی البحار، ج5، ص41، الباب1 من أبواب العدل، ح64 عن المحاسن و فی ص52، ح87 عن التوحید و نقله فی الفصول المهمّة، ج1، ص622 عن الکافی.

الْوَلِیدِ رحمة الله قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَلِی بْنِ الْحَکَمِ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «اللهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ».

و الحسن بن متّیل وجه من وجوه أصحابنا کثیر الحدیث قاله النجاشی((1)) و المراد من أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی و الروایة إما صحیحة و إما حسنة لمکان الحسن بن متّیل و علی أی حال هی حجّة و معتبرة و صریحة فی ما قلنا.

ص: 134


1- فی رجال النجاشی، ص49، باب الحسن: «الحسن بن متیل وجه من وجوه أصحابنا کثیر الحدیث له کتاب نوادر». و ذکر عبارة النجاشی فی الفهرست، ص106 و خلاصة الأقوال، ص105. أمّا ضبط «متیل» ففی إیضاح الاشتباه، ص145 و خلاصة الأقوال، ص105: «مَتِّیل» و فی رجال ابن داود، ص77: «مُتَّیل» و فی أعیان الشیعة، ج5، ص233: «و فی تکملة الرجال أنّه حکی عن ضوابط الأسماء [للشیخ فخرالدین بن محمد بن علی بن أحمد بن طریح النجفی المتوفی 1085؛ راجع الذریعة، ج15، ص119 و أعیان الشیعة، ج8، ص394] ضبطه کذلک». و نقل الوجهین فی العوائد، ص852، العائدة88. و وصف فی رجال الطوسی، باب الحاء ممن لم یرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام)، الرقم43 ﺑ «القمی» و فی مشیخة الفقیه علی ما حکاه نقد الرجال ب- «الدقاق». و أمّا وثاقته ففی نقد الرجال، ج2، ص55: «قال العلامة: طریق الصدوق إلی جعفر بن ناجیة صحیح و فیه الحسن بن متیل» و فی معجم رجال الحدیث، ج6، ص94: «و مشیخة الفقیه فی طریقه إلی عبد الصمد بن بشیر و جعفر بن الناجیة و الحسن بن السری و قد صحح العلامة (رحمة الله) طریق الصدوق (قدس سره) إلی جعفر بن الناجیة و الحسن بن السری و فیهما الحسن بن متیل». و فی أعیان الشیعة: «عن مزار التهذیب عن ابن الولید عن الحسن بن متیل الدقاق و غیره من الشیوخ انتهی ففهم منه أنّه من شیوخ الإجازة و جلالة شأنهم معروفة حتی قیل: إنّهم لایحتاجون إلی التوثیق».

و منها: الروایات الدالة علی تحقق کل شیء و إن کان معصیةً، بقضاء الله و قدره و مشیته و علمه.((1))

ص: 135


1- روی فی التوحید، ص369 و 370، الباب60، الحدیث9: «... حدّثنا أبو أحمد الغازی قال حدثنا علی بن موسی الرضا قال حدثنا أبی موسی بن جعفر... قال سمعت أبی علی بن أبی طالب:یقول: الأعمال علی ثلاثة أحوال فرائض و فضائل و معاصی و أما الفرائض فبأمر الله و برضی الله و قضاء الله و تقدیره و مشیته و علمه و أما الفضائل فلیست بأمر الله و لکن برضی الله و بقضاء الله و بقدر الله و بمشیته و بعمله و أما المعاصی فلیست بأمر الله و لکن بقضاء الله و بقدر الله و بمشیته و بعلمه ثم یعاقب علیها». و نقله فی میزان الطالب، ص323 عن الخصال [ص168، باب الثلاثة، ح221] و العیون [ج1، ص130، الباب11، ح44] أیضاً. و فی الکافی، ج1، ص148، کتاب التوحید، باب البداء، الحدیث16: «الحسین بن محمد عن معلی بن محمد قال: سئل العالم (علیه السلام) کیف علم الله؟ قال: علم و شاء و أراد و قدر و قضی و أمضی فأمضی ما قضی، و قضی ما قدر، و قدر ما أراد، فبعلمه کانت المشیئة، و بمشیئته کانت الإرادة، و بإرادته کان التقدیر، و بتقدیره کان القضاء، و بقضائه کان الإمضاء، و العلم متقدم علی المشیئة، و المشیئة ثانیة، و الإرادة ثالثة، و التقدیر واقع علی القضاء بالإمضاء» و رواه فی التوحید، ص334، الباب54، الحدیث9 باختلاف یسیر. و فی الکافی، ج1، ص149، باب فی أنّه لایکون شیء فی السماء و الأرض إلّا بسبعة: «1.... عن حریز بن عبد الله و عبد الله بن مسکان جمیعاً عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: ”لایکون شیء فی الأرض و لا فی السماء إلّا بهذه الخصال السبع بمشیة و إرادة و قدر و قضاء و إذن و کتاب و أجل فمن زعم أنّه یقدر علی نقض واحدة فقد کفر“ و رواه علی بن إبراهیم... 2.... عن زکریا بن عمران عن أبی الحسن موسی بن جعفر (علیهما السلام) قال: ” لایکون شیء فی السماوات و لا فی الأرض إلّا بسبع بقضاء و قدر و إرادة و مشیة و کتاب و أجل و إذن فمن زعم غیر هذا فقد کذب علی الله أو ردّ علی الله“». و فی ص150، باب المشیة و الإرادة، ح1: «علی بن محمد بن عبد الله عن أحمد بن أبی عبد الله عن أبیه عن محمد بن سلیمان الدیلمی عن علی بن إبراهیم الهاشمی قال سمعت أبا الحسن موسی بن جعفر (علیهما السلام) یقول: ” لایکون شیء إلّا ما شاء الله و أراد و قدر و قضی“».

و منها: ما ورد من طریق الخاصة و العامة((1)) عن النبی (صلی الله علیه و آله) عن الله تعالی: «...

ص: 136


1- روی بهذه الألفاظ فی موضعین من التوحید و فی تفسیر القمی. أمّا التوحید، ففی ص340، باب المشیة و الإرادة 55، الحدیث10: «حدثنا أبو الحسن علی بن عبد الله بن أحمد الإصبهانی الأسواری... قال حدثنا غیاث بن المجیب عن الحسن البصری عن عبد الله بن عمر عن النبی (صلی الله علیه و آله) : سبق العلم و جف القلم و تم القضاء... قال عبد الله بن عمر: إنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) کان یروی حدیثه عن اللهقال قال: یابن آدم... و بفضل نعمتی علیک قویت علی معصیتی و بعصمتی و عفوی و عافیتی أدیت إلی فرائضی فأنا أولی بإحسانک منک و أنت أولی بذنبک منی»الحدیث و فی ص343، ح13: «حدّثنا أبی و محمّد بن الحسن بن أحمد بن الولید... عن خالد بن سعدان عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) :سبق العلم و جف القلم و مضی القدر... ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : عن الله أروی حدیثی إنّ الله تبارک و تعالی یقول: یابن آدم... و بعصمتی و عونی و عافیتی... أولی بحسناتک... بسیئاتک منی»الحدیث. و روی فی تفسیر القمی، ج2، ص210 فی تفسیر قوله تعالی: (لَوْ یؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا کَسَبُوا)(فاطر: 45)«قال و حدثنی أبی عن النوفلی عن السکونی عن جعفر عن أبیه (علیهما السلام) قال قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : سبق العلم و جف القلم و مضی القضاء... ثم قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) الله یقول: یابن آدم... و بقوتی و عصمتی و عافیتی... و أنا أولی بحسناتک منک و أنت أولی بذنبک منی»الحدیث. و رواه فی الجواهر السنیة، ص152 عن التوحید و فیه «عتاب» بدل «غیاث»؛ و فی البحار، ج5، ص48، ح79 عن التوحید و فی ص93، ح13 عن تفسیر علی بن إبراهیم. و أمّا عند أهل السنة فقد روی فی تأویل مختلف الحدیث لابن قتیبة، ص31 و فی کنز العمال، ج15، ص939 بإسناد أبی نعیم عن ابن عمر. و روی بألفاظ قریبة منها فی الکافی و المحاسن و التوحید. ففی الکافی، ج1، ص152، باب المشیة و الإرادة، ح6 «محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد بن أبی نصر قال: قال أبو الحسن الرضا (علیه السلام) : قال الله: یابن آدم بمشیتی کنت أنت الذی تشاء لنفسک ما تشاء و بقوّتی أدیت فرائضی و بنعمتی قویت علی معصیتی جعلتک سمیعاً بصیراً قویاً ما أصابک من حسنة فمن الله و ما أصابک من سیئة فمن نفسک و ذاک أنّی أولی بحسناتک منک و أنت أولی بسیئاتک منی و ذاک أنّنی لاأُسأل عما أفعل و هم یسألون». و نقل فی میزان المطالب، ص323 عن التوحید [ص338، الباب 55، ح6] «عن البزنطی: قلت لأبی الحسن الرضا (علیه السلام) : إنّ أصحابنا بعضهم یقولون بالجبر و بعضهم یقولون بالاستطاعة فقال (علیه السلام) لی اکتب: قال الله تبارک و تعالی: یابن آدم... تشاء [لنفسک] ما تشاء و بقوتی أدیت إلی... و ذلک... و ذلک أنّی...» و نقل فی ص325 عن المحاسن [ج1، ص244] «عن أبی الحسن (علیه السلام) قال لیونس مولی علی بن یقطین: یا یونس لاتتکلم بالقدر قال: إنّی لاأتکلم بالقدر و لکن أقول: لایکون إلّا ما أراد الله و شاء و قضی و قدر فقال: لیس هکذا أقول و لکن أقول: لایکون إلّا ما شاء الله و أراد و قدر و قضی... یا یونس إنّ القدریة لم یقولوا بقول الله: (مَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ یشَاءَ اللهُ) (الإنسان:30)... ثمّ قال: قال الله: یابن آدم بمشیتی کنت أنت الذی تشاء و بقوتی أدیت إلی... و جعلتک... فما أصابک من حسنة فمنی و ما أصابک من سیئة فمن نفسک و ذلک أنّی لاأُسأل...».

یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ.» ((1))

التقریر الثالث: ما أفاده العلامة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

و جَعَلَ هذا التقریر أدق و أقرب إلی توحید أفعاله تعالی من تقریر المحقق الطوسی (قدس سره) . قال (قدس سره) : «و ثانیهما ما هو أدق و أقرب للتوحید فإنّ الموحد کما یجب أن یکون موحّداً فی الذات و الصفات، کذلک یجب أن یکون موحداً فی الأفعال [فکما لا شریک له تعالی فی الوجود فکذلک لا شریک له فی الإیجاد]».

و هذا التقریر یبتنی علی مقدمتین:

قال (قدس سره) : «و ملخص هذا الوجه أنّ الإیجاد یدور مدار الوجود فی وحدة الانتساب و تعدده و فی الاستقلال و عدمه فلابدّ هاهنا من بیان أمرین: أحدهما بیان کیفیة استقلال الوجود و عدمه و تعدد الانتساب و عدمه ثانیهما تبعیة الإیجاد للوجود کما مرّ.»

ص: 137


1- التوحید، الشیخ الصدوق، ص340.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص294 - 296؛ رسالة الطلب و الإرادة، ص54 – 56.
المقدمة الأُولی: للمجعول بالذات خصیصتان
الخصصیة الأُولی: إنّه عین الربط

«إنّه قد تقرر فی مقره أنّ المجعول بالذات هو الوجود المنبسط [الذی به موجودیة الموجودات المحدودة و الماهیات] و المجعول و المعلول بالذات حیثیة ذاته حیثیة المجعولیة و المعلولیة و الارتباط لا أنّ هناک شیئاً له المجعولیة و الربط [وهی الخصوصیة الأُولی] و البرهان علیه أنّ کل ما کان بذاته مصداقاً [و مطابقاً] لمحمول اشتقاقی [کما أنّ الوجود بذاته مصداق لعنوان المجعول و المرتبط بالحق المتعال] فهو مصداق [و مطابق بذاته] لمبدئه أیضاً [أی ان الوجود بذاته مصداق للجعل و الربط] و إلا لزم مصداقیته له [أی مصداقیة الوجود للمحمول الاشتقاقی الّذی هو عنوان المجعول وعنوان المرتبط] فی المرتبة المتأخرة عن ذاته و هو خلف. [فثبت بذلک انّ الوجود بذاته عین الجعل و الربط] و هذا معنی عدم الاستقلال فی الوجود حیث إنّ الوجود المفروض حینئذ عین الربط و محض الفقر».

الخصیصة الثانیة: له انتسابان إلی الفاعل و القابل

هذا الوجود المطلق المنبسط علی هیاکل الماهیات و المتّحد مع مراتب الموجودات [لأنّ موجودیة الموجودات المقیدة المحدودة به] بما هو عین کل مرتبة بلحاظ إطلاقه و لابشرطیته له انتسابان: [انتساب] إلی الفاعل [و هو الله تبارک و تعالی] بالوجوب و هو بهذا الاعتبار فعله تعالی و صنعه و مشیته الفعلیة و [انتساب] إلی القابل بالإمکان و هو بهذا الاعتبار وجود زید و عمرو و غیرهما من الموجودات المحدودة و الماهیات».

ص: 138

المقدمة الثانیة: تبعیة أثر هذا المجعول بالذات لمؤثره فی هاتین الخصیصتین

إنّ أثر الوجود المجعول بالذات فی المقام الفعل الصادر عن العبد الذی هو مرتبة من مراتب الوجود الإطلاقی، و الکلام فی المقدمة الثانیة یقع فی هذا الأثر فإنّ أثر الوجود الإطلاقی المتحد مع مراتب الموجودات المحدودة تابع لمؤثره فی الخصیصتین المذکورتین و عبّر عن ذلک بتبعیة الإیجاد للوجود فی خصیصة الربط و الانتسابین المذکورین.

«فمختصر الکلام أنّ [الوجود] المجعول بالذات بعد ما کانت حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر فلابدّ من أن یکون أثره کذلک و إلا لانقلب الربط المحض إلی محض الاستقلال و هو محال إذ الجاعل بالذات حیثیة ذاته حیثیة الجاعلیة کما عرفت، فإن کان ذاته مستقلة کانت حیثیة الجاعلیة مستقلة و إن کانت عین الربط و الفقر کانت حیثیة الاقتضاء و الجاعلیة عین الربط و الفقر إذ لا تغایر بین الحیثیتین حقیقةً و من هنا قلنا سابقاً إنّ التفویض شرک بین.»

الحاصل: «إذا عرفت ذلک تعرف أنّ هذا الوجود الإطلاقی - الذی حیثیة ذاته حیثیة الربط و الفقر و کان له انتسابان حقیقةً إلی الفاعل و القابل - عین کل مرتبة فأثرُه [أی أثر کل مرتبة] کذلک [أی له الخصوصیتان] فمن حیث إنّ حیثیة الأثر کحیثیة المؤثّر عین الارتباط تعرف أنّه لا تفویض و من حیث إنّ الأثر کالمؤثر له انتسابان حقیقةً تعرف أنّه لا جبر فأثر کل مرتبة له جهتان: ((1))

ص: 139


1- فی الحکمة المتعالیة، ج2، ص18، الفصل10 یذکر خواص الممکن بالذات: «کل من الذوات الإمکانیة فإنّها فی نفسها و من حیث طبیعتها بالقوة و هی من تلقاء علتها بالفعل فإنّ لها بحکم ماهیتها اللیسیة الصرفة و بحکم وجود سببها التام الأیسیة الفائضة منه فهی مصداق معنی ما بالقوة و معنی ما بالفعل من الحیثیتین» و فی تعلیقة السبزواری (قدس سره) علیه: «و هاتان الجهتان هما المعبر عنهما بالجهة النورانیة والجهة الظلمانیة و وجه یلی الرب و وجه یلی النفس فی ألسنة المتألهین» و فی شرح الأسماء الحسنی، ج2، ص39 فی شرح «و افتح اللهم لنا مصاریع الصباح»: «فکل وضع... مرکب من الوجود و المهیة و کذا مهیته من الجنس و الفصل و وجوده من وجه یلی المهیة و وجه یلی الرب». و فی ص6 فی شرح قوله «یا من دلع لسان الصباح»: «قال المتألهون: کل موجود ذو وجهین وجه من ربّه و وجه من نفسه». و فی ص114 فی شرح قوله: «یا رب القدرة فی الأنام»: «لا اختیار باعتبار الوجه الذی یلی النفس إذ هو القاهر فوق عباده و إنّما الاختیار باعتبار الوجه الذی یلی الرب».

[1-] جهة انتساب إلیه تعالی حیث إنّه أثر فعله الحقیقی الإطلاقی و هذه جهة تلی الرّب.

[2-] جهة انتساب إلی العبد حیث إنّه أثر وجوده الحقیقی و هی جهة تلی الماهیة فکما أنّ وجوده وجوده حقیقةً و بلا عنایة و مع ذلک فهو فعل الله و صنعه حقیقةً کذلک إیجاده إیجاده حقیقةً و بلا تجوز و مع ذلک فهو [إیجاد الله و] أثر فعله تعالی بلا مجاز، فإذا تمکن العبد من نفی وجوده عن نفسه تمکن من نفی إیجاده عن نفسه [و لهذا صحّ إسناد الفعل إلیه تعالی کما ینسب إلی العبد کما ورد فی الآیات و الروایات کثیراً] و لایخفی علیک أنّ الأثر إنّما ینسب إلیه تعالی بما هو مطلق و إلی العبد بما هو محدود و مقید و إلا فجَلَّ جنابه تعالی من أن تستند إلیه الأفعال التی لاتقوم إلا بالجسم و الجسمانی و لو کان من الأعمال الحسنة فضلاً عن الأعمال السیئة [و بالجملة الوجود بما هو لا بما هو محدود بالحدود الوجودیة و الماهویة خیر محض فینسب إلیه تعالی فالکمال راجع إلی الکمال و النقص إلی النقص فاتضح أنّ فعل العبد مع أنّه فعله فهو أحد أفاعیل الحق تعالی] نعم ربما تغلب الجهة التی تلی الرب و تندک فیها الجهة الأُخری کما فی قوله تعالی: (وَ مَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) ((1)) فحینئذ ینفی الانتساب إلی المربوب و ینسب

ص: 140


1- سورة الأنفال (8): 17.

إلی الرب و من ذلک یظهر عدم استناد الأفعال السیئة إلیه تعالی من جهة أُخری فتفطن و افهم أو ذره فی سنبله و الله المسدد».

التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) اختار ما هو قریب من التقریر الأول و لکن زاد علیه: إنّ مشیة الله تعالی لم تتعلق بأفعال العباد و إنّما تعلّقت بمبادیها کالحیوة و القدرة.

بل قال (قدس سره) :((2)) لایمکن تعلق إرادته تعالی بأفعال العباد.

و قال (قدس سره) فی موضع آخر((3)) بعد تقریر المسألة بهذا النحو: «الأفعال الاختیاریة بین الجبر و التفویض و منتسبة إلی المخلوقین من جهة و إلی الخالق من جهة أُخری»

ملاحظتنا علی هذا التقریر:

إنّ خروج أفعال العباد من تحت إرادته تعالی مما لایمکن الالتزام به شرعاً و

ص: 141


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص90 – 94، بحث الأوامر، المقام الأول، الجهة الرابعة، بحث و نقد حول عدة نقاط، النقطة الخامسة ( نظریة الإمامیة ) «قد انتهینا فی نهایة المطاف إلی هذه النتیجة و هی أنّ للفعل الصادر من العبد نسبتین واقعیتین: أحدهما نسبته إلی فاعله بالمباشرة باعتبار صدوره منه باختیاره و إعمال قدرته و ثانیتهما نسبته إلی الله تعالی باعتبار أنّه معطی الحیاة و القدرة له فی کل آن... و مردها إلی أنّ مشیة العبد تتفرع علی مشیة الله سبحانه و تعالی و إعمال سلطنته».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص72، النقطة الثالثة (نظریة الأشاعرة) «بقی هنا عدة وجوه أُخر قد استدل بها علی نظریة الأشعری... الوجه الثانی... و الجواب عن ذلک أنّ أفعال العباد لاتقع تحت إرادته سبحانه و تعالی و مشیته... و علیه فبطبیعة الحال لایمکن تعلق إرادته تعالی بها لسببین:... الثانی أنّ الإرادة بمعنی إعمال القدرة و السلطنة تستحیل أن تتعلق بفعل الغیر بداهة أنّها لاتعقل إلا فی الأفعال التی تصدر من الفاعل بالمباشرة الخ».
3- حاشیة أجود التقریرات، ص137، التعلیقة علی هذه العبارة «و أما الموضع الثانی فالحق فیه».

عقلاً بل لابدّ من القول بدخول الفعل تحت إرادة الفاعل المباشر و بدخوله تحت إرادة الله تعالی أیضاً کما نطقت به بعض الأخبار.((1))

ص: 142


1- فی میزان المطالب، ص328-320، الباب الرابع، المقدمة، المبحث11: [أما ما ورد فی إرادة الله أفعالَ العباد:] (ص324) و فیه [أی التوحید، ص346، الباب 56، ح3] مسنداً عن حمزة بن حمران قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الاستطاعة فلم یجبنی... قلت أصلحک الله فإنّی أقول: إنّ الله تبارک و تعالی لم یکلف العباد إلّا ما یستطیعون و إلّا ما یطیقون فإنّهم لایصنعون شیئاً من ذلک إلّا بإرادة الله و مشیته و قضائه و قدره قال: «هذا دین الله الذی أنا علیه و آبائی» أو کما قال. (ص328) و فی الکشی مسنداً عن حمزة بن حمران قال: قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : یقول زرارة انّ الله عزّوجلّ لم یکلف العباد إلّا ما یطیقون و إنّهم لم یعملوا إلّا أن یشاء الله و یرید و یقضی قال: «هو والله الحق»الحدیث [اختیار معرفة الرجال، ج1، ص359؛ بحار الأنوار، ج5، ص47] (ص322) و فیه [أی الکافی، ج1، ص152، کتاب التوحید، باب الابتلاء و الاختبار، ح1] عن أبی عبد الله (علیه السلام) : «ما من قبض و لا بسط إلّا و لله فیه مشیة و قضاء و ابتلاء» [و أمّا ما ورد بالنسبة إلی إرادة خصوص الکفر:] (ص326) فی الکافی [ ج1، ص162، باب الاستطاعة، ح3 عن صالح النیلی] عن أبی عبد الله (علیه السلام) :«إنّ الله لم یجبر أحداً علی معصیته و لاأراد إرادة حتم الکفر من أحد و لکن حین کفر کان فی إرادة الله أن یکفر»الحدیث (ص324) و فیه [أی المحاسن، ج1، ص245] عن أبی بصیر قلت لأبی عبد الله (علیه السلام) : شاء لهم الکفر و أراده؟ فقال: «نعم» قلت: فأحبّ ذلک و رضیه؟ فقال: «لا» قلت: شاء و أراد ما لم یحب و لم یرض؟ قال: «هکذا خرج إلینا» [و یوجد روایتان فی تقدیر أفعال العباد و خلقها:] (ص320) فی العیون [ج2، ص132، الباب 35، ح1 عن الفضل بن شاذان] عن الرضا (علیه السلام) فیما کتب للمأمون من محض الإسلام: «إنّ الله تبارک و تعالی لایکلّف نفساً إلّا وسعها و إنّ أفعال العباد مخلوقة لله خلق تقدیر لا خلق تکوین و الله خالق کل شیء و لانقول بالجبر و التفویض» الخبر (ص323) و فی العیون [ج1، ص124، الباب 11، ح34] مسنداً عن حمدان بن سلیمان قال: کتبت إلی الرضا (علیه السلام) أسأله عن أفعال العباد مخلوقة أم غیر مخلوقة؟ فکتب (علیه السلام) «أفعال العباد مقدّرة فی علم الله قبل خلق العباد بألفی عام». و فی القرآن أیضاً آیات یمکن أن یستدلّ بها علی خلق أفعال العباد و هی: 1) (وَ اللهُ خَلَقَکُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ( الصافات:96) 2) (أَنَّی یکُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَکُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ کُلَّ شَیءٍ وَهُوَ بِکُلِّ شَیءٍ عَلِیمٌ) (الأنعام:101) (وَخَلَقَ کُلَّ شَیءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِیرًا) (الفرقان:2) (إِنَّا کُلَّ شَیءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) (القمر:49). 3) (ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ فَاعْبُدُوهُ) (الأنعام:102) (قُلِ اللهُ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ( الرعد:16) (اللهُ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ وَهُوَ عَلَی کُلِّ شَیءٍ وَکِیلٌ) (الزمر:62) (ذَلِکُمُ اللهُ رَبُّکُمْ خَالِقُ کُلِّ شَیءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) ( الغافر:62).
دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینیة الإلهیة بأفعال العباد
الدلیل الأول:

کل فعل سواء کان حسناً أم قبیحاً ممکن الوجود فهو لابدّ أن ینتهی سلسلة علله إلی واجب الوجود بالذات و علیة الحق المتعال لاتنفک عن تعلق إرادته التکوینیة به ولو بوسائط کثیرة و إنکار ذلک إما یوجب الالتزام بتعدد واجب الوجود و إما یوجب الالتزام باستقلال الممکن و عدم احتیاجه إلی العلة التی هی واجب الوجود بالذات و کلاهما خلاف العقل و الشریعة فإنّ الأول شرک و الثانی إنکار أُلوهیته و خالقیته بالنسبة إلی بعض مخلوقاته.

الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

قال (قدس سره) : «النظام التام الإمکانی صادر علی طبق النظام الشریف الربانی [فالإیمان من الکافر لو کان مراداً بإرادته الذاتیة التی هی عین ذاته لکان من جملة النظام التام إذ النظام التام الإمکانی کما عرفت صادر علی طبق النظام الربانی] و حیث لم یقع الکفر من المؤمن و الإیمان من الکافر کشف ذلک عن عدم تعلق

ص: 143


1- نهایة الدرایة، ج1، ص281؛ رسالة الطلب و الإرادة، ص47.

الإرادة الذاتیة بهما و عدم دخولهما فی النظام الشریف الربانی و إلا لوجدا فی النظام التام الإمکانی».

فإیمان المؤمن و کفر الکافر و هکذا الفعل الخیر و الطاعة و الفعل القبیح و المعصیة -علی هذا البیان- کلّها داخلة فی النظام الأحسن فالکفر و العمل القبیح و إن کانا فی حدّ أنفسهما قبیحین و لکن النظام الأحسن کما یقتضی وجود الخیرات کذلک یقتضی وجودهما و إلا لایکون النظام تاماً و أحسن من کل نظام (فإنّ إظهار صفة الصبر قد یقتضی وجود المخالف المعاند غایة المعاندة حتی یظهر فی قباله صفة الصبر و هکذا لابدّ من وجود القتال فی کمال المؤمن بالشهادة و هذا یقتضی وجود الکافر أو المنافق حتی یقاتل المؤمنین) فالإرادة التکوینیة الإلهیة لاتتعلق بهذا الفعل القبیح من حیث إنّه فعل قبیح بل تتعلّق به بما أنّه جزء لهذا النظام الأحسن الأتم.

ص: 144

الفصل الثانی: صیغة الأمر

اشارة

و فیه سبعة أُمور

الأمر الأول: معنی صیغة الأمر

الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث

الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی

الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة

الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر

الأمر السادس: المرّة و التکرار

الأمر السابع: الفور و التراخی

ص: 145

ص: 146

الأمر الأول:معنی صیغة الأمر
اشارة

فیه أقوال نذکر منها سبعة

القول الأول:
اشارة

قد ادّعی أنّها استعملت((1)) فی الترجی((2)) و التمنی (ألا انجلی)((3)) و التهدید

ص: 147


1- هذه المعانی مذکورة فی الکفایة، ص69 و هی ثمانیة و تصیر مع الطلب تسعة و أمثلتها مذکورة فی حقائق الأُصول، ج1، ص156 إلّا المثال للإنذار فالمذکور فیه (تَمَتَّعُوا فِی دَارِکُمْ) (هود:65) و من ذکر هذه المعانی لصیغة الأمر صرّح بأنّ الصیغة مستعملة فیها لا أنّها موضوعة لهذه المعانی فلایعدّ هذا من الأقوال فی الموضوع له لصیغة الأمر. و ذکر فی هدایة المسترشدین، ج1، ص596 أربعة و عشرین معنی: المعانی التی ذکرها ابن الحاجب و لکن ذکر «الاحتقار» بدل «التأدیب» و التسعة الباقیة هی: الطلب الجامع بین الوجوب و الندب و الإذن و الالتماس و الترجی و الخبر و التسلیة و انقطاع الأمل و التحزن و التهکم.
2- فی عنایة الأصول، ج1، ص201: «و قد عدّ منها الترجی... و لم أر من مثّل للمعنی الأوّل» و فی بدایة الوصول، ج1، ص352 التمثیل للترجی بهذه الآیة: (اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ یوسُفَ). (یوسف:87)
3- ألا أیها اللیل الطویل ألا انجلی بصبح و ما الإصباح منک بأمثل و هو البیت 46 من قصیدة امرئ القیس المشتملة علی 82 بیتاً.

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)((1)) و الإنذار (قُلْ تَمَتَّعُوا)((2)) و الإهانة (ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)((3)) و الاحتقار (أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)((4)) و التعجیز (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)((5)) و التسخیر (کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)((6)) و غیر ذلک.

ص: 148


1- سورة فصلت ( 41 ): 40.
2- کلمة (تَمَتَّعُوا) مذکورة فی أربع آیات: 1) (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِی دَارِکُمْ ثَلَاثَةَ أَیامٍ ذَلِکَ وَعْدٌ غَیرُ مَکْذُوبٍ) (هود:65) و هذه الآیة هی المذکورة فی حقائق الأُصول. 2) (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِیضِلُّوا عَنْ سَبِیلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِیرَکُمْ إِلَی النَّارِ) (إبراهیم:30) و هی المذکورة فی الکفایة. 3) (وَفِی ثَمُودَ إِذْ قِیلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّی حِینٍ) (الذاریات:43) 4) (کُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِیلًا إِنَّکُمْ مُجْرِمُونَ) (المرسلات:46)
3- سورة الدخان (44): 49. المثال المذکور للإهانة: (کُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِیدًا) (الإسراء:50). و الأمثلة المذکورة للتمنی و التهدید و التسخیر و التعجیز جاءت فی مختصر المعانی، ص141 – 139و المعانی المذکورة فیه عشرة: الطلب و الإهانة و هذه الأربعة و أربعة أُخری قال: «و منها أی من أنواع الطلب الأمر... و الأظهر أنّ صیغته... موضوعة لطلب الفعل استعلاءً... و قد تستعمل لغیره کالإباحة نحو جالس الحسن أو ابن سیرین... و التسویة نحو: (اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا)(الطور:16)... و الدعاء نحو: (رَبِّ اغْفِرْ لِی) (نوح:28) و الالتماس کقولک لمن یساویک رتبةً افعل بدون الاستعلاء» فقد ذکر فیه الإباحة و التسویة و الدعاء و الإلتماس بدل الترجی و الإنذار و الاحتقار.
4- کلمة (أَلْقُوا) مذکورة فی أربع آیات: 1) ( قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْینَ النَّاسِ) (الأعراف:116) 2) ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِیهُمْ یخَیلُ إِلَیهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَی)(طه:66) 3) ( فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَی أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)(یونس:80) 4) (قَالَ لَهُمْ مُوسَی أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (الشعراء:43).
5- سورة البقرة ( 2 ): 23.
6- سورة الأعراف ( 7 ): 166.
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

إنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل إن هذا من باب اشتباه الداعی بالمعنی المستعمل فیه. ( لا من باب إشتباه المعنی الموضوع له بالمعنی المستعمل فیه).

القول الثانی: إنشاء الطلب
اشارة

قال المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) «الأول: إنّه ربما یذکر للصیغة معانٍ قد استعملت فیها و قد عد منها الترجی... و هذا کما تری ضرورةَ أنّ الصیغة ما استعملت فی واحد منها بل [هی موضوعة لمعنی واحد و هو

إنشاء الطلب و] لم یستعمل إلا فی إنشاء الطلب إلا أنّ الداعی إلی ذلک [أی إنشائه] یکون تارةً هو البعث و التحریک نحو المطلوب الواقعی و یکون أُخری أحد هذه الأُمور کما لایخفی».

و قصاری ما یمکن أن یدّعی، وضعُ الصیغة لإنشاء الطلب فی ما کان بداعی البعث و التحریک فعلی هذا إنشاء الطلب فی ما کان الداعی غیر البعث من سائر الدواعی یکون استعمالاً مجازیاً.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علی هذا القول:
اشارة

((2))

الإیراد الأول:

((3))

الإرادة و الطلب مفهومان اسمیان ولکن مفاد الهیأة معنی حرفی بالاستقراء.

ص: 149


1- کفایة الأصول، ص69، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الأول
2- تحقیق الأصول، ج2، ص42، الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الأُولی فی معنی صیغة الأمر، مناقشة رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) .
3- «فقد أشکل علیه... ثالثاً أنّ الإرادة مفهوم اسمی و لم نجد فی الهیآت هیأةً مدلولها معنی اسمی».
الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

إنّ الطلب من الصفات النفسانیة و الصفات النفسانیة لاتقبل الإنشاء فحینئذٍ الطلب الإنشائی غیر معقول. (و هکذا الإرادة الإنشائیة عند السید المحقق البروجردی (قدس سره) لکن الطلب عنده أمر اعتباری فیتصور فیه الإنشاء).

ملاحظة علی الإیراد الثانی:

إنّ الطلب الإنشائی هو ما یستفاد من الأمر بمادته أو صیغته حیث إنّ الأمر یوجب إنشاء الطلب الّذی هو من مبادی الفعل فی نفس المکلّف لأن یکون داعیاً للمکلّف نحو الفعل المأمور به داعویة إمکانیة، فإنّ هذه الداعویة تبلغ إلی الفعلیة بالنسبة إلی المطیع و لاتبلغ إلیها بالنسبة إلی العاصی. و هکذا الأمر فی الإرادة الإنشائیة.

القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة
اشارة

قال المحقق النائینی (قدس سره) :((2)) «و أما صیغة الأمر فهی دالّة علی النسبة الإنشائیة الإیقاعیة فقط فما لم تصدر الصیغة لایتصف المکلف بأنّه وقع علیه المادة فی عالم التشریع و یکون إیقاعها علیه و جعله فی کلفتها بنفس الإنشاء فهی موضوعة للنسبة الإنشائیة الإیقاعیة و لاتستعمل فی غیر ذلک أبداً فإذا ظهر... ظهر لک أنّ القول بکون الموضوع له هو الطلب الإنشائی لا معنی له»

ص: 150


1- «و ثانیاً أنّ الإرادة لیست من الأُمور القابلة للإنشاء الخ».
2- أجود التقریرات، ص134، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الأول.
یلاحظ علیه:

إنّ التعبیر بإیقاع المادة علی المکلّف فی عالم التشریع لایناسب جمیع الموارد، مثلاً إذا أمر المولی عبده بضرب عدوّه أو بإکرام صدیقه و قال «إضرب عدوّی و أکرم صدیقی»، فانّ مادة الضرب أو الإکرام لاتقع علی المکلّف فی عالم التشریع، نعم إنّ وجوبهما یقع فی ذمة المکلّف إلّا أن مفاد الصیغة اولاً هو النسبة البعثیة و ینتزع من ذلک وجوب الضرب و الإکرام.

القول الرابع: النسبة الإرسالیة
اشارة

قال المحقق العراقی (قدس سره) :((1)) «صیغة اضرب مثلاً ... مادتها تدل حسب الوضع النوعی علی نفس الحدث و أما هیأتها الخاصة فهی أیضاً لاتدل إلا علی النسبة الإرسالیة و المحرکیة بین المبدأ و الفاعل لکن لا مفهوم هذه النسبة لأنّه معنی اسمی بل مصداقه و صورة ذلک الربط الخاص الحاصل من تحریک المأمور نحو العمل علی طبق الإرسال الخارجی و حینئذ فلایکون المستعمل فیه فی الصیغة إلا النسبة الإرسالیة لا مفهوم الطلب کما علیه [صاحب] الکفایة (قدس سره) و علیه فلابدّ و أن یکون دلالتها علی الطلب من جهة الملازمة خاصةً الناشی هذا التلازم من جهة کون المتکلم فی مقام الجدّ بالإرسال إذ حینئذ ینتقل الذهن من تلک النسبة الإرسالیة إلی مفهوم الطلب بانتقال تصوّری ففی الحقیقة منشأ هذا التلازم إنّما هو التلازم الخارجی بین منشأیهما و هما البعث و الإرسال الخارجی و الإرادة الخارجیة و عدم انفکاک أحد الأمرین عن الآخر...».

فالصیغة عنده (قدس سره) موضوعة للنسبة الإرسالیة الإیقاعیة و دلالتها علی الطلب

ص: 151


1- نهایة الأفکار، ج1، ص178، المقصد الأول، المبحث الثانی، الجهة الأُولی.

باعتبار کونه من لوازم المدلول.((1))

یلاحظ علیه:

إنّه قد تقدم أنّ الإرسال لایناسب جمیع موارد صیغة الأمر کما فی البعث نحو القراءة، فإنّه لا إرسال هنا نحو فعل.

القول الخامس: النسبة البعثیة

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) :((2)) « إنّ مدلول صیغة افعل و أشباهها لیس الطلب الإنشائی و لا الإرادة الإنشائیة بل البعث المأخوذ علی نحو المعنی الحرفی و المفهوم الأدوی.»

القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف
اشارة

قال السید الخوئی (قدس سره) :((3)) «إنّ المتبادر من الصیغة عند إطلاقها هو إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف فی الخارج و أما إرادة إبراز التهدید منها أو السخریة أو الاستهزاء أو نحو ذلک فتحتاج إلی نصب قرینة و بدونها لا دلالة لها علی ذلک و

ص: 152


1- بعد بطلان نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) والالتزام بأنّ مفاد الهیأة هو المعنی الحرفی فلابدّ من تعیین ذلک أما النسبة الطلبیة فلایکاد یکون مفاد الصیغة لأنّ الطلب کما استظهره المحقق الإصفهانی (قدس سره) منتزع من الإرادة المظهرة فهو متأخر رتبة عن إظهار الإرادة بالصیغة و أما النسبة الإرسالیة فلاتجری فی بعض الأفعال... و أما البعث فکما إنّه یناسب مواردَ الإرسال یناسب البعثَ الباطنی بل الابتهاجَ القلبی.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص266، التعلیقة 146 علی هذه العبارة «الحق کما علیه أهله وفاقاً للمعتزلة و خلافاً للأشاعرة هو اتحاد الطلب و الإرادة».
3- محاضرات فی أصول الفقه، ط.ق: ج2، ص123؛ ط.ج: ج1، ص473، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الأُولی.

من الطبیعی أنّ ذلک علامة کونها موضوعة بإزاء المعنی الأول دون غیره من المعانی».

و قال (قدس سره) فی موضع آخر:((1)) «و نتیجة ما ذکرناه أمران: الأول أنّ صیغة الأمر أو ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف و لاتدلّ علی أمر آخر ما عدا ذلک و الثانی أنّها [أی هذه الصیغة] مصداق للطلب و البعث لا إنّهما معناها و من ذلک یظهر أنّ الصیغة کما لاتدلّ علی الطلب و البعث کذلک لاتدلّ علی الحتم و الوجوب».

و الصیغة فی الاستعمال المجازی إبراز للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک فتکون مصداقاً للتهدید أو السخریة أو غیر ذلک.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) :
اشارة

((2))

الإیراد الأول:

((3))

اعتبار ثبوت الفعل علی ذمّة المکلف معنی اسمی مستقل و هو یناقض مبناه (قدس سره) من أنّ معانی الحروف و ما یلحق بها من الهیآت معانٍ غیر مستقلة.

الإیراد الثانی:
اشارة

((4))

ما أفاده من أنّ الصیغة مصداق للطلب الاعتباری للتهدید و للسخریة و غیر

ص: 153


1- محاضرات فی أصول الفقه، ط.ج: ج1، ص483؛ ط.ق: ج2، ص129.
2- تحقیق الأصول، ص41 و 42.
3- «و أما أنّ المعنی الحقیقی لصیغة الإنشاء هو إبراز اعتبار ثبوت الشیء... فیه أنّ... و رابعاً أنّ اعتبار ثبوت الشیء فی الذمة معنی اسمی و هذا ینافی مسلک المحاضرات فی المعنی الحرفی و الهیأة من أنّه عبارة عن التضییق فی المعانی الاسمیة الخ».
4- «و ثالثاً أنّ المصداقیة من شؤون الحمل الشائع و المناط فیه هو الاتحاد الوجودی الخ».

ذلک غیر معقول لأنّ المصداقیة لایتحقق إلا بالحمل الشائع و مناطه هو الاتحاد فی الوجود و اتحاد وجود الصیغة و الطلب الاعتباری و التهدید و السخریة و أمثالها محال لأنّ وجود الصیغة وجود لفظی من مقولة الکیف المسموع و وجود هذه الدواعی من الکیفیات النفسانیة و اتحاد المقولتین المتباینتین غیر معقول.

و الصحیح أن یقال إنّ النسبة البعثیة قد تکون بداعی التهدید أو بداعی السخریة کما أنّها قد تکون بداعی بعث المکلّف نحو المأمور به.

یلاحظ علیه:

إنّ المصداقیة لیست فی الوجود اللفظی لصیغة الأمر بل إنّ معناها مصداق لهذه الأمور.

القول السابع: إبراز النسبة البعثیة
اشارة

قال بعض الأساطین (قدس سره) :((1)) إنّ صیغة الأمر عبارة عن إبراز البعث النسبی و لیست النسبة البعثیة موجودة بها.

و تفترق نظریتنا عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی أنّ الصیغة عنده (قدس سره) نفس النسبة البعثیة و عندنا مبرز للبعث النسبی و تفترق عن نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) فی أنّ المنکشف عنده (قدس سره) اعتبار ثبوت الفعل علی ذمة المکلف و عندنا هو البعث النسبی.

ملاحظتنا علیه:

أولاً: إنّ معنی الإبراز غیر مأخوذ فی مفاد صیغة افعل، بل إبراز صیغة افعل

ص: 154


1- تحقیق الأصول، ج2، ص43 – 45، رأی الشیخ الأستاذ «لکن التحقیق أنّ هذه النسبة البعثیة التکوینیة التی تقوم الصیغة مقامها لاتوجد بالصیغة بل إنّها تکون مبرزة لها الخ».

الذی هو عین إیجادها و إنشائها بنفسه إبراز النسبة البعثیة، فإنّ إبراز الکلمة إبراز لمعناها، فإن کان المراد من صیغة الأمر وجودها، فما أفاده صحیح؛ لأنّ وجودها عین إیجادها، و إیجادها عین إبرازها، و إبرازها إبراز النسبة البعثیه، و إن کان المراد من صیغة الأمر مفادها و معناها؛ فما أفاده مما لا یمکن المساعدة علیه، لأن مفاد صیغة الأمر نفس النسبة البعثیة لا إبرازها؛ فإنّ الابراز من قبیل الوجود و لیس دخیلاً فی المعنی الموضوع له.

ثانیاً: إنّ معنی الإبراز أیضاً معنی اسمی، فلا یمکن أن یکون الإبراز دخیلاً فی معنی صیغة الأمر.

نتیجة البحث: تمامیة نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 155

ص: 156

الأمر الثانی:الجمل الخبریة فی مقام البعث
اشارة

و الکلام فی موضعین:

الأول: فی أنّ الجمل الخبریة التی تستعمل فی مقام الطلب و البعث هل تستعمل فی معناها الخبری أو تستعمل فی المعنی الإنشائی؛

و الثانی: فی دلالتها علی الوجوب.

الموضع الأول: معنی هذه الجمل
اشارة

و فیه نظریات ثلاث:

قد اختلفوا فی معنی هذه الجمل الخبریة و مفادها مثل جملة یغتسل و یتوضأ و یعید.

قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) « و لیعلم أنّ استعمال الجمل المضارعیة فی مقام الإنشاء کثیر فی الروایات أما استعمال الجمل الماضویة فی مقام الإنشاء فلم نجد

ص: 157


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص132؛ ج 1، ص484، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الثالثة.

إلا فیما إذا وقعت جزاءً لشرط کقوله (علیه السلام) : «مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ»((1)) و نحوه.

النظریة الأُولی:

و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و بعض الأساطین (دام ظله) ، ((3)) و المختار عندنا هذه النظریة.

قال صاحب الکفایة (قدس سره) :«لایخفی أنّه لیست الجمل الخبریة الواقعة فی ذلک المقام أی الطلب مستعملةً فی غیر معناها بل تکون مستعملة فیه إلا أنّه لیس بداعی الإعلام بل بداعی البعث بنحو آکد حیث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه فی مقام طلبه إظهاراً بأنّه لایرضی إلا بوقوعه فیکون آکد فی البعث من الصیغة کما هو الحال فی الصیغ الإنشائیة علی ما عرفت من أنّها أبداً تستعمل فی معانیها الإیقاعیة لکن بدواعی أُخر کما مر».

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

و لها تقریبان:

التقریب الأول:

((4))

قال (قدس سره) : «إنّما الکلام و الإشکال فی أنّها [أی الجملة الخبریة فی مقام بیان الحکم

ص: 158


1- دعائم الإسلام، ج1، ص172 «و روینا عن علی (علیه السلام) أنّه قال: من تکلم فی صلاته أعاد» و ص 191 «و عنه [أی علی (علیه السلام) ] أنّه قال: من تکلم فی صلاته أعادها»؛ مستدرک الوسائل، ج5، ص427، الباب 21 من أبواب قواطع الصلاة، ح1 عن الدعائم؛ بحار الأنوار، ج81، ص307، الباب 17، ح 32 عن الدعائم.
2- کفایة الأصول، ص71، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثالث.
3- تحقیق الأُصول، ج2، ص58، الجملة الخبریة، مختار الأُستاذ «و قال الأُستاذ دام بقاه فی الدورة اللاحقة بأنّ الحق مع المحقق الخراسانی الخ».
4- نهایة الأفکار، ج1، ص180 و 181، المقصد الأول، المبحث الثانی، الجهة الثالثة.

الشرعی] هل کانت مستعملةً فی الطلب أو الإرسال بما هو مفاد الصیغة مجازاً أو إنّها مستعملة فی معناها الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار و هو النسبة الإیقاعیة لکنه بداعی إفادة ملزومه و هو الطلب و البعث ... أو لا هذا و لا ذاک بل کان استعمالها فی معناها الحقیقی الإخباری و کان الغرض و الداعی من الاستعمال أیضاً هو الإعلام و الإخبار دون الطلب و البعث و الإرسال - کما هو قضیة الوجه الثانی - و لکن إعلامه بتحقق الفعل من المکلف إنّما کان بلحاظ تحقق مقتضیه و علته و هو الإرادة و الطلب کما هو الشأن فی غیر المقام من موارد الإخبار بوجود المقتضَی عند تحقق مقتضیه... فهذه وجوه ثلاثة لکن أضعفها أولها... و حینئذ فیدور الأمر بعد بطلان الوجه الأول بین الوجهین الأخیرین و عند ذلک نقول: إنّه و إن کان لکل منهما وجه وجیه و لکن الأوجه هو الوجه الأخیر بملاحظة أقربیته إلی الاعتبار و الوجدان و شیوعه أیضاً عند العرف و العقلاءمن ترتیبهم الآثار علی الأشیاء التی منها الإخبار بوقوعها بمحض العلم بوجود عللها و مقتضیاتها ...»

التقریب الثانی:
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «و علی کل حال ففی المقام وجه رابع لاستفادة الطلب من الجمل الخبریة و لعلّه أوجه من الوجوه المتقدمة و هو أن یقال بأنّ استفادة الطلب من مثل هذه الجمل الواردة فی مقام بیان الحکم الشرعی إنّما هو من جهة کونه من لوازم قضیة الجدّ بإیقاع النسبة التی هی مدلول الجمل و ذلک أیضاً بمقتضی التلازم الثابت بین الإیقاع الخارجی و الإرادة، بتقریب أنّه کما أنّ إخراج المبدأ

ص: 159


1- نهایة الأفکار، ص182 و 183.

من کمون الفاعل خارجاً و إیقاع النسبة بینه و بین الفاعل فی الخارج ملازم مع إرادة الوجود و لایمکن انفکاکه عنها کذلک هذه النسبة الإیقاعیة الذهنیة؛ فإذا کان المتکلم فی مقام الجدّ بهذا الإیقاع فقضیة جدّه بذلک تقتضی ملازمته مع إرادة الوجود من المکلف فعلیه فکان ما هو المستعمل فیه فی تلک الجمل هو النسبة الإیقاعیة التی تستعمل فیها فی مقام الإخبار إلا أنّه لم یقصد بإیقاع تلک النسبة الإیقاعیة فی مقام استعمال الجملة الحکایة عن الواقع الثابت کما فی سائر الجمل الإخباریة. نعم لازمه هو عدم انفکاک قضیة الجدّ بإیقاع النسبة أیضاً عن قصد الإنشاء بعد عدم قصد الحکایة بها عن واقع ثابت کما لایخفی».

ملاحظتنا علیهما:

أولاً: إذا أُتی بهذه الجمل فی مقام الإنشاء، و قُصد معناها الخبری و کان الداعی أیضاً هو الإخبار لا البعث فیلزم الکذب فلاشک فی أنّ الداعی لیس هو الإخبار عن الواقع وجداناً و لایمکن الجمع بینه و بین کونها فی مقام الإنشاء.

ثانیاً: إنّ مقتضی إیجاد الفعل هو الطلب و الإرادة فی نفس المکلّف و هو غیر معلوم التحقق و أما ارادة المولی فهی شرعیة و لیست علّة لتحقق الفعل.

النظریة الثالثة: مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

(1)

إنّ المستعمل فیه فی الجمل الخبریة فی مقام الإنشاء غیر المعنی الذی تستعمل فیه فی مقام الإخبار لأنّ المتفاهم العرفی من کل منهما غیر المتفاهم العرفی من

ص: 160


1- . محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص135؛ ج 1، ص487 و 488، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الثالثة «... فالنتیجة علی ضوئها هی عدم الفرق فی الدلالة علی الوجوب بین تلک الجمل و بین صیغة الأمر لفرض أنّ کلتیهما قد استعملتا فی معنی واحد و هو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج هذا من جانب... و علی الجملة فلاینبغی الشک فی أنّ المتفاهم العرفی من الجملة الفعلیة التی تستعمل فی مقام الإنشاء غیر ما هوالمتفاهم العرفی منها إاذ استعملت فی مقام الإخبار» و فی ص489 «و أما نقطة الافتراق [ افتراق نظریتنا و نظریة المشهور] و هی أنّ تلک الجمل تدل علی الوجوب بحکم العقل علی أساس نظریتنا و لاتدل علیه علی أساس نظریة المشهور»

الآخر و تلک الجمل الخبریة الواقعة فی مقام الإنشاء مفادها مفاد صیغة الأمر قد استعملتا فی معنی واحد و هو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فی الخارج و بعبارة أُخری إبراز اعتبار شیء علی ذمّة المکلف و دلالتهما علی الوجوب بحکم العقل کما مضی بیانه.

استشکل علیه بعض الأساطین (دام ظله) :

((1))

«إنّ الحق مع المحقق الخراسانی (قدس سره) لعدم مجیء مدّعَی القول الثانی [أی مدّعی السید الخوئی (قدس سره) ] إلی ذهن أحد ممّن سمع قول الإمام (علیه السلام) : یعید الصلاة و نحوه أو رواه بل إنّ مفاد هذه الجملة ... نفس مفادها فی مقام الإخبار و المستعمل فیه فی کلا المقامین هو الإعادة غیر أنّ القرائن الحالیة أو المقامیة أفادت أنّ الداعی... هو الطلب و لما کان استعمال الجملة بهذا الداعی فلا مجال لتوهم لزوم الکذب».

الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب

إنّ هذا دائر مدار النکتة التی بها تدل علی الطلب و المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ الدلالة علی الوجوب بحکم العقل.

ص: 161


1- تحقیق الأصول، ج2، ص58.

ص: 162

الأمر الثالث:الواجب التعبدی و التوصلی
تمهید

إنّ الأعلام اختلفوا فی جعل هذا البحث من مباحث صیغة الأمر فالمحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) « إنّ الوجوب فی التوصلی لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً ... و الإطلاق المدّعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب» و خالفه بعض الأساطین (دام ظله) و سنشیر إلیه فی محله إن شاء الله.

و البحث هنا فی أنّ الأصل اللفظی و العملی یقتضی التوصلیة أو التعبدیة؟ و لکنه لابدّ من البحث عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی علی المعانی الأربعة التی للواجب التوصلی.

ص: 163


1- نهایة الدرایة، ج1، ص320، التعلیقة 165 علی هذه العبارة «الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب».
مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی

قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان معانی الواجب التوصلی و التعبدی فإنّ للواجب التوصلی معانی أربعة أشار إلیها المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) إنّ التوصلی یطلق علی معنیین ثم قسّم المعنی الثانی إلی ثلاثة أقسام و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) .((2))

فلابدّ من أن نبحث عن هذه المعانی الأربعة کما قرره المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض من تبعه (قدس سره) :((3))

المعنی الأول: «ما لاتعتبر فیه المباشرة من المکلف بل یسقط عن ذمته بفعل الغیر سواء کان بالتبرّع أم بالاستنابة».

المعنی الثانی: «ما لایعتبر فی سقوطه الالتفات و الاختیار» بل یسقط فی ما صدر منه بغیر اختیار و إرادة و فسره السید الصدر (قدس سره) ﺑ «ما یسقط و لو بالحصة الصادرة عن المکلف اضطراراً و إلجاءً».

المعنی الثالث: «ما لایعتبر فیه إتیانه فی ضمن فرد سائغ [و جائز]» بل یسقط بإتیانه فی ضمن فرد محرم.

ص: 164


1- أجود التقریرات، ج1، ص146، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الأول «إنّ الوظائف العملیة فی شرعنا أو فی سائر الشرائع تارةً یکون تشریعها لأجل التعبد و التقرب بها... و أُخری لأجل مطلق وجودها فی الخارج... فالأول یسمی بالتعبدی و الثانی بالتوصلی و قد یطلق التوصلی علی معنی یعم بعض التعبدیات أیضاً و هو ما یسقط أمره بمطلق وجوده فی الخارج و لو کان بفعل الغیر أو من دون إرادة و اختیار أو بفعل محرم من المحرمات».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، 139؛ ج 1، ص492، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة.
3- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص63، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة.

المعنی الرابع: و هو المعنی المشهور المتداول.

فسّره صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله: « الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده، بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرّباً به منه تعالی.»

و فسّره المحقق النائینی (قدس سره) بأنّ التوصلی ما شُرّع «لأجل مطلق وجودها فی الخارج و إن أمکن التقرب بها أیضاً » و التعبدی ما « یکون تشریعها لأجل التعبد و التقرب بها المعبر عنه فی اللغة الفارسیة ﺑ”پرستش“».((1))

و فسره المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ الواجب التوصلی « ما لایعتبر فیه قصد القربة و ذلک کغسل المیت و کفنه ودفنه و ما شاکل ذلک حیث إنّها واجبات فی الشریعة الإسلامیة ولایعتبر فی صحتها قصد القربة و الإتیان بها مضافاً إلی الله سبحانه و تعالی فلو أتی بها بدون ذلک سقطت عن ذمته. نعم استحقاق الثواب علیها یرتکز علی الإتیان بها بقصد القربة و بدونه لایستحق و إن حصل الإجزاء ... و فی مقابله ما یعتبر فیه قصد القربة و هو المعبر عنه بالواجب التعبدی فلو أتی به بدون ذلک لم یسقط عنه و کان کمن لم یأت به أصلاً. »

و الواجب التوصلی و التعبدی بهذا المعنی الأخیر هو الذی وقع فیه النزاع بین الأعلام کما اعترف به المحقق النائینی (قدس سره) قال:((3))

«و التوصلی بالمعنی الأول [و هو المعنی الأخیر حسب ما ذکرنا] هو الذی

ص: 165


1- أجود التقریرات، ج1، ص146.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص139؛ ج 1، ص491 و 492.
3- أجود التقریرات، ج1، ص147.

وقع فیه النزاع من الأعلام و لعل المشهور علی جواز التمسک بالإطلاق فی إثباته و أما بالمعنی الثانی فلم یدّعِ أحد جواز التمسک بالإطلاق لإثباته».

و مراده من «المعنی الثانی» المعانی الثلاثة التی ذکرناها قبل المعنی الرابع و ذکرها أیضاً قال (قدس سره) :

«و قد یطلق التوصلی علی معنی یعم بعض التعبدیات أیضاً و هو ما یسقط أمره بمطلق وجوده فی الخارج و لو کان بفعل الغیر أو من دون إرادة و اختیار أو بفعل محرم من المحرمات».

ص: 166

مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی
اشارة

هنا أربعة مباحث:

المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأول
اشارة

و المعنی الأول هو ما لایعتبر فیه المباشرة و نتکلم هنا عن مقتضی الأصل اللفظی و العملی.

أما مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

فهنا قولان:

القول الأول:

«إنّ مقتضی الإطلاق سقوطه و کونه واجباً توصلیاً من دون فرق فی ذلک بین کون فعل الغیر بالتسبیب أو بالتبرع أو بغیر ذلک».

و هو قول المشهور کما نسب إلیهم المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))

القول الثانی:
اشارة

عدم السقوط و النتیجة هی التعبدیة، و هو مختار المحقق النائینی((2)) و المحقق

ص: 167


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص14.
2- أجود التقریرات، ج1، ص150 «القسم الأول و هو السقوط بفعل الغیر ینقسم إلی السقوط بفعل الغیر مع الاستنابة و بدونها أما السقوط بالاستنابة فمقتضی الإطلاق عدمه... و أما السقوط بفعل الغیر من دون الاستنابة فینفیه إطلاق الصیغة أیضاً... فتحصل من جمیع ما ذکرنا أنّ مقتضی الأصل اللفظی فی ما إذا شک فی سقوط واجب بفعل الغیر بالاستنابة أو بدونها هو عدم السقوط لإطلاق الصیغة فی التعیینیة من جهة المُصدر و عدم اشتراطه بعدم فعل الغیر له».

الخوئی((1)) و السید المحقق الصدر (قدس سرهم). ((2))

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) :

«إنّ مقتضی الإطلاق لو کان هو عکس ما نسب إلی المشهور و إنّه لایسقط بفعل غیره بلا فرق بین کونه بالتسبیب أو بالتبرع و السبب فی ذلک أنّ التکلیف هنا بحسب مقام الثبوت یتصور علی أحد أنحاء:

الأول: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و فعل غیره فیکون مردّه إلی کون الواجب أحد الفعلین علی سبیل التخییر.

و فیه: أنّ هذا الوجه غیر معقول و ذلک لأنّ فعل الغیر خارج عن اختیار المکلف و إرادته فلایعقل تعلّق التکلیف بالجامع بینه و بین فعل نفسه.

الثانی: أن یکون متعلقه الجامع بین فعل المکلف نفسه و بین استنابته لغیره و نتیجة ذلک هی التخییر بین قیام نفس المکلف به و بین الاستنابة لآخر و هو فی نفسه و إن کان أمراً معقولاً و لا بأس بالإطلاق من هذه الناحیة و شموله لصورة الاستنابة.

ص: 168


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص142 – 144؛ ج 1، ص495 – 498، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة.
2- بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص65، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الأُولی، المقام الأول «المقام الأول فی ما هو مقتضی إطلاق الأمر و الأصل اللفظی و قد ذکر السید الأُستاذ فی المقام أنّ مقتضی القاعدة عدم السقوط أی التعبدیة بالمعنی الأول لأنّ هذا الشک یرجع إلی الشک فی سعة دائرة الوجوب و ضیقه - إطلاق الهیأة – لا سعة دائرة الواجب و ضیقه– إطلاق المادة -... و فیه أولاً... و ثانیاً... و إنّما الصحیح فی المنع عن هذا الإطلاق مطلقاً أو فی الجملة التوجه إلی نکتة أُخری و حاصلها أنّه لا إشکال فی أخذ نسبة المبدأ إلی الفاعل (النسبة الصدوریة) تحت الأمر أیضاً الخ».

إلا أنّه خاطئ من جهة ...أنّ لازم ذلک الإطلاق کون الاستنابة فی نفسها مسقطةً للتکلیف و هو خلاف المفروض بداهة أنّ المسقط له إنّما هو الإتیان الخارجی ...

الثالث: أن یقال: إنّ أمر التکلیف فی المقام یدور بین کونه مشروطاً بعدم قیام غیر المکلف به [فیسقط بقیام غیر المکلف به] و بین کونه مطلقاً أی سواء أقام غیره به أم لم یقم فهو لایسقط عنه.

و یمتاز هذا الوجه عن الوجهین الأولین بنقطة واحدة و هی أنّ فی الوجهین الأولین یدور أمر الواجب بین کونه تعیینیاً أو تخییریاً و لا صلة لهما بالوجوب و فی هذا الوجه یدور أمر الوجوب بین کونه مطلقاً أو مشروطاً و لا صلة له بالواجب ثم إنّ هذا الوجه و إن کان بحسب الواقع أمراً معقولاً و محتملاً و لا محذور فیه أصلاً إلا أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یقتضی عدم الاشتراط و أنّه لایسقط عن ذمّة المکلّف بقیام غیره به و من الطبیعی أنّ الإطلاق فی هذا المقام یکشف عن الإطلاق فی ذاک المقام بقانون التبعیة ... و قد تحصل من ذلک أنّ مقتضی إطلاق کل خطابٍ متوجّهٍ إلی شخص خاصّ أو صنف هو عدم سقوطه عنه بقیام غیره به؛ فالسقوط یحتاج إلی دلیل ... إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی أنّ مقتضی الأصل اللفظی فی المسألة عدم التوصلیة».

ص: 169

أما مقتضی الأصل العملی
اشارة

هنا نظریات:

النظریة الأولی: من المشهور

إنّ الأصل العملی علی المشهور من جریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة هو استصحاب بقاء التکلیف و عدم سقوطه و النتیجة هی التعبدیة.

النظریة الثانیة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

أما علی مختار السید المحقق الخوئی (قدس سره) من عدم جریان الاستصحاب فیها فالأصل العملی هو أصالة الاشتغال و نتیجتها أیضاً التعبدیة.

بیان ذلک: إنّ الشک فی إطلاق التکلیف و اشتراطه قد یکون مع عدم إحراز فعلیة التکلیف و ذلک إذا لم یکن ما یحتمل شرطیته متحققاً من الأول ففی مثل ذلک بطبیعة الحال یرجع الشک فیه إلی الشک فی أصل توجه التکلیف و هو مورد البراءة.

و قد یکون مع إحراز فعلیة التکلیف و ذلک کما إذا کان ما یحتمل شرطیته متحققاً من الابتداء ثم ارتفع و زال و لأجله شک المکلف فی بقاء التکلیف الفعلی وارتفاعه ومن الواضح أنّه مورد لقاعدة الاشتغال دون البراءة و لایختص هذا بمورد دون مورد آخر بل یعمّ کافة الموارد التی شک فیها فی بقاء التکلیف بعد الیقین بثبوته و اشتغال ذمة المکلف به و مقامنا من هذا القبیل.

یلاحظ علیه:

إن ما أفاده یتم علی مبناه من عدم جریان الإستصحاب فی الشبهات الحکمیة

ص: 170

و المبنی مخدوش کما یأتی إنشاء الله تعالی فی مباحث الاستصحاب.

النظریة الثالثة: تفصیل السید الصدر (قدس سره) فی المقام
اشارة

قال (قدس سره) :((1)) «إنّ المحقق الصدر (قدس سره) ذهب إلی التفصیل فی المقام بین الصورتین ففی إحداها قال بجریان البراءة و فی أخریها قال بجریان الإستصحاب... و أما فی الفرض الذی یکون الشک فی سقوط الوجوب بفعل الغیر، فلابدّ من ملاحظة منشأ احتمال سقوط الوجوب بفعل الغیر ذلک أنّ الشک فی السقوط تارةً یکون من جهة احتمال اشتراط الوجوب بعدم فعل الغیر بحیث یکون فعله رافعاً للوجوب من أول الأمر بنحو الشرط المتأخر و أُخری یکون مسقطاً و رافعاً للوجوب بقاءً بنحو الشرط المقارن.

أما فی الحالة الأُولی فمقتضی الأصل العملی هو البراءة لا الاشتغال و لا الاستصحاب لکون الشک فی ارتفاع الوجوب من أول الأمر و أما الحالة الثانیة فینبغی أن یعلم بأنّ سقوط الوجوب بقاءً بفعل الغیر لایمکن أن یکون من جهة تحقق الغرض و الملاک به... بل لابدّ أن یکون إما من جهة احتمال زوال المحبوبیة و ارتفاعها بفعل الغیر أو من جهة أنّ فعل الغیر سبب فوات الملاک بنحو لایمکن تحصیله بعد ذلک ... و مقتضی الأصل فیهما معاً جریان الاستصحاب دون أصالة الاشتغال ...»

یلاحظ علیه:

إنّ الاحتمال الأول خلاف ظواهر الأدلّة و لا مثبت لها (و لنذکر هنا أنّ مبنی

ص: 171


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص66، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الأُولی، المقام الثانی.

المحقق الصدر (قدس سره) تختلف أساساً عن مبنی السید الخوئی (قدس سره) فلو فرضنا عدم جریان الاستصحاب فی هذه الصورة کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالقاعدة عنده الاشتغال و لکن السید الصدر (قدس سره) ذهب إلی أنّ القاعدة حینئذٍ أصالة البراءة و لانحتاج إلی البحث عن ذلک بعد جریان الاستصحاب).

و المتحصّل: أنّ المختار هنا صحّة نظریة المشهور و هو جریان استصحاب بقاء التکلیف.

ص: 172

المبحث الثانی: مقتضی الأصل علی المعنی الثانی
اشارة

المعنی الثانی هو ما لایعتبر فیه الالتفات و الاختیار و هنا یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل العملی.

أما مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

فهنا قولان:

القول الأول: أصالة التوصلیة

قد تمسک بعض الأعلام بأصالة الإطلاق لإثبات أنّ الواجب فی الواقع هو الجامع بین الحصة المقدورة و غیر المقدورة فإذا صدر الفعل من المکلف بغیر اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق اللفظی بمقدمات الحکمة سقوطه عن ذمة المکلف و هذا مختار بعض الأعلام مثل المحقق الخوئی (قدس سره) .

القول الثانی: أصالة التعبدیة
اشارة

و هو عدم سقوط الفعل عن ذمة المکلف إلا إذا صدر منه باختیاره و إرادته.

أدلة أربعة علی القول الثانی:
الدلیل الأول: ما استدل به المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : « تمتاز صیغة افعل عن سائر الأفعال فی الدلالة علی الاختیاریة من

ص: 173


1- أجود التقریرات، ج1، ص153، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الأول.

وجهین: الأول أنّ المطلوب علی المذهب الحق لابدّ و أن یکون حسناً بالحسن الفاعلی و هو لایتحقق إلا فی خصوص الفعل الإرادی . نعم الحسن الفعلی لایتخلّف عن الفعل سواء صدر بالاختیار أم لا، إلا أنّه لیس مصحّحاً للتکلیف بل المصحح له هو الحسن الفاعلی المختص بحال الإرادة و الاختیار».

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:
اشارة

((1))

الإیراد الأول:

«إنّ اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجب زائداً علی الحسن الفعلی و الملاک القائم فیه لا دلیل علیه و الدلیل إنما قام علی اعتبار الحسن الفعلی و هو المصلحة القائمة فی الفعل التی تدعو المولی إلی إیجابه.»

الإیراد الثانی:

«لزم من ذلک [أی من اعتبار الحسن الفاعلی فی الواجبات] محذور آخر ... و ذلک المحذور هو عدم کفایة الإتیان بالواجب عندئذ عن إرادة و اختیار أیضاً فی سقوطه بل لابدّ من الإتیان به بقصد القربة بداهة أنّ الحسن الفاعلی لایتحقق بدونه و من الطبیعی أنّ الالتزام بهذا المعنی یستلزم إنکار الواجبات التوصّلیة و انحصارها بالواجبات التعبدیة و ذلک لأنّ کل واجب عندئذ یفتقر إلی الحسن الفاعلی و لایصح بدونه و المفروض أنّه یحتاج إلی قصد القربة و هذا لایتمشی مع تقسیمه (قدس سره) الواجب إلی تعبدی و توصلی.»

ص: 174


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص150 و 151؛ ج1، ص504 و 505، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الأول، المسألة الثانیة.
الدلیل الثانی: ما استدل به أیضاً المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «الثانی أنّ الطلب التشریعی - کما ذکرناه - هو تحریک عضلات العبد نحو المطلوب بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له لأن یفعل و من البدیهی أنّه إنّما یمکن جعل الداعی فی خصوص الفعل الإرادی لا الأعم منه و من غیره و علیه فالمطلوب دائماً هو الفعل الإرادی».

فإذا شککنا فی سقوط الواجب بمجرد تحقّقه فی الخارج بلا اختیار و إرادة فمقتضی الإطلاق عدم سقوطه لأنّ إجزاء غیر الواجب عن الواجب یحتاج إلی دلیل (و أصالة الإطلاق تنفی اشتراط توجّه الخطاب بعدم تحقق الفعل من دون اختیار و إرادة.)

إیرادات ثلاثة علیه:
الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

«إنّ اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف إنّما هو بحکم العقل لا بمقتضی الخطاب».

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً

«إنّ اعتبار القدرة فیه سواء أکان بحکم العقل أو بمقتضی الخطاب لیس إلا من ناحیة أنّ التکلیف بغیر المقدور لغو و من الطبیعی أنّ ذلک لایقتضی إلا استحالة تعلق التکلیف بغیر المقدور خاصة و أما تعلقه بخصوص الحصة

ص: 175


1- أجود التقریرات، ج1، ص154.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص148 – 150؛ ج 1، ص502 – 504.

المقدورة فحسب فلا، ضرورةَ أنّ غایة ما یقتضی ذلک کون متعلقه مقدوراً و من المعلوم أنّ الجامع بین المقدورِ و غیرِه مقدور فلا مانع من تعلقه به ... هذا بحسب مقام الثبوت و أما بحسب مقام الإثبات فإن کان هناک إطلاق کشف ذلک عن الإطلاق فی مقام الثبوت یعنی أنّ الواجب هو الجامع دون خصوص حصة خاصة فعندئذ إن کان المولی فی مقام البیان و لم یقم قرینةً علی التقیید تعین التمسک بالإطلاق لإثبات [التوصلیة و] صحة الفعل لو جیء به فی ضمن حصة غیر مقدورة».

الإیراد الثالث:

الظاهر أنّه لاتصل النوبة إلی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بل استدلال المحقق النائینی (قدس سره) مخدوش ثبوتاً لأنّ استدلاله یتوقف علی أن یکون توجه الخطاب موجباً لتقیید الفعل الذی تعلق به الحکم الشرعی بوجود الداعویة المستفادة من الخطاب و لمّا کان وجود الداعی ملازماً لاختیاریة الفعل فینتج المطلوب و لکنه مستحیل لأنّ متعلق الحکم مقدم رتبةً علی الحکم کما أنّ الحکم أیضاً مقدم رتبةً علی الحکم الشرعی فلایمکن تقیید متعلق الحکم الشرعی بما هو من شؤون الخطاب فما أفاده (قدس سره) من أنّ المطلوب دائماً هو الفعل الاختیاری ممنوع.

الدلیل الثالث: ما قرره المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1)) بناءً علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره)

قال المحقق الخوئی (قدس سره) : «لا مانع من التمسک بالإطلاق فی هذه المسألة ... هذا بناءً علی نظریتنا من أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید من تقابل التضاد فاستحالة التقیید تستلزم ضرورةَ الإطلاق لا استحالتَه ...

ص: 176


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص150؛ ج 1، ص504.

و أما بناءً علی نظریة شیخنا الأُستاذ [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] من أنّ التقابل بینهما من تقابل العدم والملکة فإذا أمکن أحدهما أمکن الآخر و إذا استحال استحال فلایعقل الإطلاق فی المقام حتی یمکن التمسک به و ذلک لاستحالة التقیید هنا أی تقیید الواجب فی الواقع بخصوص الحصة الغیر المقدورة؛ فإذا استحال استحال الإطلاق.»

إیراد السید المحقق الصدر (قدس سره) علی هذا الوجه:

قال (قدس سره) :((1)) «فیه أنّ هذا الکلام لم یکن مناسباً للسید الأُستاذ فإنّ الإطلاق المطلوب فی المقام إنّما هو الإطلاق فی مقابل التقیید بالحصة الاختیاریة، لأنّ إطلاق الطبیعة لحصة عبارة عن عدم تقییدها بما یقابل تلک الحصة لا عدم تقییدها بتلک الحصة و فی المقام تقیید المادّة بالحصّة الاختیاریة ممکن کما هو واضح فلابدّ و أن یکون إطلاقها المستلزم لانطباقها علی الحصة غیر الاختیاریة ممکناً أیضاً».

الدلیل الرابع:
اشارة

((2))

«دعوی أنّ الفعل عند الإطلاق ینصرف إلی حصة خاصة و هی الحصة المقدورة؛ فالسقوط بغیرها یحتاج إلی دلیل و إلا فالإطلاق یقتضی عدمه.»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

«إنّ منشأ هذا الانصراف لایخلو من أن یکون موادَّ الأفعال أو هیآتَها؛ أما

ص: 177


1- بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص68، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الثانیة، الأصل اللفظی، الوجه الثانی.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص146 و 147؛ ج 1، ص500 و 501.

المواد فقد ذکرنا فی بحث المشتق بشکل موسع أنّها موضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن کافة الخصوصیات و هی المشترکة بین الحصص الاختیاریة و غیرها... نعم وضع بعض المواد لخصوص الحصة الاختیاریة و ذلک کالتعظیم و التجلیل و السخریة و الهتک و ما یشاکل ذلک.

و أما الهیآت فأیضاً کذلک یعنی أنّها موضوعة لمعنی جامع بین المواد بشتی أشکالها و أنواعها أی سواء أکانت تلک المواد من قبیل الصفات کمادة علم و کرم و ابیضّ و اسودّ و احمرّ وما شاکل ذلک أو من الأفعال و هی قد تکون اختیاریة کما فی مثل قولنا: ضرب زید و قام عمرو و ما شاکلهما و قد تکون غیر اختیاریة کما فی مثل قولنا: تحقق موت زید و أسرع النبض و جری الدم فی العروق و نحو ذلک فالنتیجة أنّه لا أساس لأخذ الاختیار فی الأفعال لا مادةً و لا هیأةً».

ص: 178

أما مقتضی الأصل العملی
اشارة

فهنا قولان:

القول الأول:

المرجع عند المحقق النائینی (قدس سره) هو الاستصحاب.

القول الثانی:

قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « الأصل العملی یقتضی البراءة و ذلک لأنّ تعلق الوجوب بالجامع معلوم و إنّما الشک فی تعلقه بخصوص الحصّة المقدورة و من الطبیعی أنّ المرجع فی ذلک هو أصالة البراءة عن وجوب خصوص تلک الحصة و علیه فلو تحقق الواجب فی ضمن فرد غیر مقدور سقط».

و البراءة هنا أصل موضوعی و الاستصحاب أصل حکمی.

ص: 179


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص150؛ ج 1، ص504.
المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث
اشارة

المعنی الثالث هو ما لایعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ.

إما تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب و إما لا تکون فهنا قسمان:

القسم الأول:
اشارة

أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب فالمأتی به فی الخارج مصداق للحرام حقیقةً و یقع الکلام هنا فی مقتضی الأصل اللفظی و العملی:

أما مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

«تارةً نعلم بأنّ الإتیان بالواجب فی ضمن فرد محرم مسقط له و سقوطه من ناحیة سقوط موضوعه ... کغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب حیث یسقط عن ذمته بانتفاء موضوعه و حصول غرضه و ما شاکل ذلک و تارة أُخری نشک فی أنّه یسقط لو جیء به فی ضمن فرد محرم أو لا و ذلک کغسل المیت و تحنیطه و تکفینه و دفنه و ما شاکل ذلک فلو غسل المیت بالماء المغصوب أو دفن فی أرض مغصوبة أو حنط بالحنوط المغصوب أو غیر ذلک و شککنا فی سقوط التکلیف بذلک و عدم سقوطه فنقول: لا إشکال و لا شبهة فی أنّ مقتضی إطلاق الواجب عدم السقوط»((1)) لأنّ ما هو المبعِّد لایکون مقرِّباً فالأصل هو التعبدیة.

بیان أنّ مقتضی الإطلاق التعبدیة:

إنّا نشک فی اشتراط الوجوب و التکلیف بعدم إتیان الفعل فی ضمن الفرد

ص: 180


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص151.

المحرم (و معنی ذلک سقوط التکلیف لو أتی بالفعل فی ضمن الفرد المحرم لحصول ما هو الغرض من التکلیف) أو إطلاق التکلیف و تعلقه بالمکلف سواء أتی به فی ضمن فرد محرم أم لم یأت به أصلاً (فلو أتی به فی ضمن الفرد المحرّم لایسقط التکلیف عنه بل هو باق علی عهدة المکلّف کما أنّه باق علی عهدة المکلف فی ما لم یأت بالفعل أصلاً).

فأصالة الإطلاق تقتضی بقاء التکلیف علی عهدة المکلف و إن أتی به فی ضمن الفرد المحرم.

أما مقتضی الأصل العملی

فهنا قولان:

القول الأول: القاعدة هی استصحاب وجود التکلیف فالأصل العملی یقتضی التعبدیة.

القول الثانی: إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) حیث لایقول بجریان الاستصحاب فی الشبهات الحکمیة التزم بجریان البراءة لأنّ المسألة من صغریات کبری مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیین و اختار فیها جریان البراءة عقلاً و شرعاً.((1))

ص: 181


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص153 «و قد تقدم أنّ مقتضی الإطلاق عدم الاشتراط إن کان و إلا فالمرجع هو الأصل العملی و هو فی المقام أصالة البراءة و ذلک لأنّ المسألة علی هذا الضوء تکون من صغریات کبری مسألة الأقل و الأکثر الارتباطیین الخ».
القسم الثانی:
اشارة

((1))

و هو أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب بل تکون ملازمة له وجوداً.

إما نقول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی، و إما نقول بالجواز.

أما علی الامتناع: فمع ترجیح جانب الأمر و تقدیمه علی النهی ینتفی موضوع البحث و مع القول بترجیح النهی لا مناص من القول بعدم السقوط کما صرح به السید الخوئی (قدس سره) ((2))

و أما علی الجواز، کما هو المختار، ففیه قولان:

القول الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

(3)

إنّه بناءً علی اشتراط الحسن الفاعلی فی الواجب لایسقط التکلیف لعدم الحسن الفاعلی فی ما إذا اجتمع الأمر والنهی و المأتی به لیس مأموراً به.

ص: 182


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص151 و 152 «الثانی أن لایکون المأتی به مصداقاً له کذلک بل یکون ملازماً له وجوداً و ذلک کالصلاة فی الأرض المغصوبة و نحوها بناءً علی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدم اتحاد المأمور به مع المنهی عنه فی مورد الاجتماع و التصادق»
2- حاشیة أجود التقریرات، ج1، ص155، التعلیقة علی هذه العبارة «لایکون متصفاً بالحسن الفاعلی» قال (قدس سره) : «قد عرفت آنفاً أنّه لا موجب لاعتبار الحسن الفاعلی فی اتصاف الفعل الخارجی بکونه مصداقاً للواجب و علیه فمقتضی القاعدة هو سقوط الأمر بإتیان المأمور به فی ضمن الفرد المحرم فی ما کان المورد من موارد اجتماع الأمر و النهی بناءً علی الجواز الخ»
3- 3. أجود التقریرات، ج1، ص155 «و أما القسم الثالث و هو السقوط بفعل المحرم فحاصل الکلام فیه أنّ نسبة دلیل التحریم إلی دلیل الواجب تکون تارةً نسبة الأخص إلی الأعم کما فی باب النهی عن العبادة و أُخری نسبة العموم من وجه کما فی باب اجتماع الأمر و النهی... و إن کان من قبیل الثانی فحیث إنّ المأتی به فی ضمن الفرد المحرم لایکون متصفاً بالحسن الفاعلی لفرض وقوعه مبغوضاً علیه فلا محالة لایکون مأموراً به و إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی الخ»
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

((1))

«یمکن الحکم بالصحة فیه حتی علی القول باعتبار الحسن الفاعلی و ذلک لأنّ صدور العبادة بما هی عبادة حسن منه و إنّما القبیح صدور الحرام و من الواضح أنّ قبح هذا لایرتبط بحسن ذاک فهما فعلان صادران من الفاعل غایة الأمر کان صدور أحدهما منه حسناً و صدور الآخر قبیحاً.»

بیان السیدالصدر (قدس سره)

((2)) لهذا الإیراد:

«و الصحیح أنّه حتّی إذا اشترطنا الحسن الفاعلی صح التمسک بإطلاق المادة بناءً علی الجواز، لأنّ القائل بالجواز إذا قال به علی أساس دعوی تعدد الوجود فما یکون متعدداً وجوداً یکون متعدداً إیجاداً و فاعلیةً لا محالة فیکون الحسن الفاعلی محفوظاً و إذا قال به علی أساس أنّ الوجود الواحد اجتمع فیه حسن و قبح و حرمة و وجوب من جهتین إذن فلتکن الفاعلیة الواحدة أیضاً مجمعاً للحسن و القبح فی وقت واحد من جهتین.»

القول الثانی: و هو المختار

یسقط التکلیف لأنّ متعلق کل منهما غیر الآخر و لا ضیر فی اجتماعهما فی

ص: 183


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص152 و 153؛ ج 1، ص508، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الأول، المسألة الثالثة، الکلام فی القسم الثانی
2- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص72، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة الرابعة، المسألة الثالثة، المقام الأول.

وجود واحد لأنّ جهة المبعدیة والقبح غیر جهة المقربیة و الحسن.

ص: 184

المبحث الرابع: مقتضی الأصل علی المعنی الرابع
اشارة

المعنی الرابع فی الواجب التوصلی هو المعنی المعروف ولکنه وقع النزاع فی تعریف المعنی الرابع و هنا تعاریف ثلاثة و بعد بیان هذه التعریفات یقع الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی و الأصل المقامی و الأصل العملی و نذکر بعد ذلک تنبیهاً.

تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع
اشارة

هنا تعاریف ثلاثة:

التعریف الأول: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

«الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب و یسقط بمجرد وجوده بخلاف التعبدی فإنّ الغرض منه لایکاد یحصل بذلک بل لابدّ فی سقوطه و حصول غرضه من الإتیان به متقرباً منه تعالی.»

ناقش فیه المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

قال (قدس سره) : «لایخفی علیک أنّ الفرق بین التعبدی و التوصلی فی الغرض من الواجب لا الغرض من الوجوب إذ الوجوب - ولو فی التوصلی - لایکون إلا لأن یکون داعیاً للمکلف إلی ما تعلّق به؛ و منه یظهر أنّ الوجوب فی التوصلی

ص: 185


1- کفایة الأصول، ص72، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الأولی.
2- نهایة الدرایة، ص320، التعلیقة 165 علی هذه العبارة «الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب».

لایغایر الوجوب فی التعبدی أصلاً حتی بلحاظ الغرض الباعث للإیجاب.»

أجاب بعض الأساطین (دام ظله) عن هذه المناقشة:
الجواب الأول: ما أفاده فی الدورة الأخیرة

کل ما کان غرضاً من الواجب یکون غرضاً من الوجوب أیضاً؛ برهانه أنّ الغرض من الوجوب إما هو الغرض من الواجب و إما هو الغرض من غیر الواجب أما الثانی فباطل بالضرورة فلابدّ أن یکون الغرض منه هو الغرض من الواجب و هو إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة أو مقید أو مهمل و الإهمال غیر معقول فیثبت المطلوب أی إنّ الغرض من الوجوب إما مطلق بالنسبة إلی قصد القربة و إما مقید.

الجواب الثانی:

((1))

«الوجوب التعبدی و إن کان لایختلف عن الوجوب التوصلی ذاتاً لأنّ الوجوب کیف کان فمعناه واحد و لایختلفان کذلک من ناحیة الغرض الأولی للوجوب و هو جعل الداعی لکنهما مختلفان من جهة الغرض النهائی لأن الغرض من جعل الوجوب هو جعل الداعی و الغرض من جعل الداعی هو حصول المتعلق و الغرض من حصول المتعلق حصول المصلحة المترتبة علی المتعلق؛ فلو کانت المصلحة مقیدة (أی کانت قائمة بالعمل المأتی به مع قصد القربة ) کان الغرض من جعل الداعی هذا العمل المقید ... فلا محالة لایتحقق الغرض من الوجوب المجعول علی الصلاة مثلاً إلا بالإتیان بها بقصد القربة

ص: 186


1- تحقیق الأصول، ج2، ص70، الأوامر، التعبدی و التوصلی، الجهة الأولی، الإطلاق الداخلی.

فقول صاحب الکفایة (قدس سره) ... کلام صحیح لوجود الفرق بینهما [أی الوجوب التوصلی و التعبدی] فی الغرض النهائی و هو المصلحة و إن لم یتفرقا فی الغرض الأولی و هو جعل الداعی.»

ملاحظتنا علی هذین الجوابین:

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف الوجوب التوصلی یشمل التعبدی أیضاً حیث إنّ الغرض من الوجوب یحصل بمجرد حصول الواجب بلا فرق بین الوجوب التوصلی و التعبدی؛ غایة الأمر أنّ حصول الواجب التعبدی مشروط بقصد القربة أو شامل له فیصدق فی الوجوب التعبدی أیضاً أنّه یحصل غرض الوجوب بمجرد حصول الواجب لأنّه ما لم یحصل قصد القربة لم یحصل الواجب سواء قلنا بشرطیة قصد القربة أم بجزئیته؛ و بذلک ظهر صحة ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من عدم مغایرة الوجوب فی الواجب التعبدی و التوصلی.

التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

التوصّلی ما شُرّع لأجل مطلق وجوده فی الخارج و إن أمکن التقرب به أیضاً و التعبدی ما شُرّع لأجل التعبد و التقرب.

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) یشمل التوصلی بالمعانی المتقدمة (سواء صدر من المکلف أم من غیره و سواء صدر عن اختیار المکلف أم بغیر اختیاره و سواء کان فی ضمن فرد سائغ أم کان فی ضمن فرد محرم) إلا أن یقال بأنّ المراد من «مطلق وجوده » إطلاقه من حیث التقیید بقصد القربة و عدمه و الأمر سهل مع أنّه تعریف بالغایة.

ص: 187

التعریف الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) و هو المختار

الواجب التوصلی ما لایعتبر فی صحته قصد القربة و الواجب التعبدی ما یعتبر فیه ذلک.

و هو تعریف للواجب التوصلی و التعبدی بخصوصیتهما و هو أولی من التعریف بالغایة.

و لابدّ هنا من ملاحظة مقتضی الأُصول اللفظیة و المقامیة ثم مقتضی الأصل العملی.

ص: 188

مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع
اشارة

و الکلام فی ثلاثة موارد:

و ذلک لأنّ الأُصول اللفظیة إما داخلیة و إما خارجیة (کما سیأتی الإشارة إلیها) و فی الأُصول اللفظیة الداخلیة قد تمسکوا بالإطلاق بمقدمات الحکمة و أُخری بنتیجة الإطلاق.

المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة
اشارة

و الکلام فیه فی وجوه ستة:

و ذلک لأنّ لقصد القربة وجوهاً متعدّدة و هی: قصد الأمر، قصد مصلحة الفعل، قصد حسن الفعل، قصد محبوبیة الفعل، قصد الجامع بین الدواعی (و هو قید الانتساب إلیه تعالی) و قصد ملازم الجامع بین الدواعی (و هو عدم إتیانه بداع نفسانی الملازم لإتیانه بداع إلهی).

الوجه الأول: قصد الأمر
اشارة

و البحث من جهتین:

حیث إنّ جریان أصالة الإطلاق یتوقف علی معقولیة التقیید (للتقابل بین الإطلاق و التقیید) لنبحث عن إمکان تقیید الأمر بقصد القربة فی المراحل الأربع - کما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) - و هی مرحلة تصوّر الآمر و مرحلة

ص: 189


1- تحقیق الأصول، ج2، ص71 «قال الأستاذ: و الصحییح أن یقع البحث فی مقامات 1. هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر فی مرحلة تصور الآمر؟ الخ».

الإنشاء و مرحلة الفعلیة و مرحلة الامتثال.

فلابدّ فی التمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات التوصلیة من البحث عن هذه الوجوه الستة لقصد القربة من جهة إمکان تقیید الواجب بها فی المراحل الأربع المذکورة.

و العمدة فی المقام تحقیق استحالة الوجه الأول و هو قصد الأمر فی هذه المراحل الأربع أو عدم استحالته (و بیان وجه الاستحالة أو عدمها).

فإن قلنا بإمکان تقیید الواجب ببعض هذه الوجوه الستة یمکن التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة ثبوتاً و مع فرض عدم إمکان التقیید بهذه الوجوه ثبوتاً أو إثباتاً یقع الکلام فی التمسک بنتیجة الإطلاق((1)) (أی بتصحیح أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر بالأمر الثانی) و مع فرض عدم إمکان ذلک یتمسک بالإطلاق المقامی لإثبات توصلیة الواجب و مع فقدان جمیع هذه الوجوه لابدّ من التمسک بالأصل العملی.

هذا کله فی الإطلاق الإثباتی و قد عرفت کفایة الإطلاق الثبوتی لإثبات التوصلیة و لکنه مبنی علی القول باستحالة التقیید الذی أبطلناه.

الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلّق الأمر ب- «قصد الأمر»؟
اشارة

نتکلم فیها فی ضمن مراحل أربع مع ذکر تتمة.

المرحلة الأُولی: تصور الآمر
اشارة

هنا إشکال واحد و هو اشکال الدور.

ص: 190


1- إنّ نتیجة الإطلاق تعد أیضاً إطلاقاً مقامیاً و علی هذه النظریة فهی خارجة عن الأُصول اللفظیة.
تقریر إشکال الدور فی هذه المرحلة:

((1))

لابدّ للآمر من تصور أمره و تصور الأمر یتوقف علی تصور متعلق الأمر لأنّ الأمر ذات تعلق و یستحیل تصور معنی ذاتِ تعلق بلا تصور متعلقه؛ فحینئذ تصور الأمر موقوف علی تصور متعلقه و لازم أخذ قصد الأمر فی متعلقه هو تصور الأمر قبل تصور متعلقه؛ فیلزم أن یتوقف تصور الأمر علی تصور متعلقه و یتوقف تصور متعلقه علی تصور الأمر و هذا دور مستحیل.

جوابان عن إشکال الدور:
الجواب الأول: ما أفاده المحقق المشکینی (قدس سره)
اشارة

((2))

الموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف شخص الأمر و الموقوف علیه طبیعة الأمر فانحل مشکلة الدور لأنّ شخص الأمر غیر طبیعته.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله)

((3))علی المحقق المشکینی (قدس سره) :

هذا البیان لایجدی فی المقام و القیاس مع الفارق لأنّ المراد من قصد الأمر

ص: 191


1- حواشی المشکینی (قدس سره) علی الکفایة، ج1، ص357 و 358، التعلیقة 282 علی هذه العبارة «إن کان بمعنی قصد الامتثال» قال (قدس سره) : «ثم إنّه قد استدل علی امتناع أخذ الأول [ أی قصد امتثال الأمر ] فی متعلق الأمر بوجوه: الأول لزوم الدور و هو قد یقرر فی مقام التصور و حاصله أنّ تصور الأمر موقوف علی تصور متعلقه الخ».
2- «و فیه أنّه کذلک لو کان المأخوذ شخص الأمر لا طبیعته لأنّ لحاظها غیر لحاظه فلا دور لتغایر الموقوف الذی هو لحاظه الموقوف علی الذی هو لحاظها».
3- تحقیق الأُصول، ج2، ص73 و أورد علیه الأُستاذ بالفرق بین المقامین.. فإنّه بعد استحالة الإهمال من الحاکم إما الإطلاق و إما التقیید فإنّه لما یقول: صلّ بقصد الأمر بالصلاة لایرید الإتیان بها بقصد مطلق الأمر الخ».

فی المقام قصد الأمر الشخصی لا قصد الطبیعة فما أُخذ فی متعلق الأمر لیس هو الأمرَ المطلق بنحو اللابشرط ( الأعم من أن یکون متعلقُه الصلاةَ أو الحج أو الزکاة أو غیر ذلک ) و لا الأمرَ المهمل بل شخص الأمر المتوجه إلی هذا المتعلق.

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)

((1))

الآمر قبل تصور متعلق الأمر یتصور الأمر أولاً ثم حین یقصد الأمر یتصور الأمر مرة أُخری و التصور الأول وجود لحاظی شخصی و التصور الثانی وجود لحاظی شخصی آخر فهما وجودان شخصیان أحدهما غیر الآخر فلا دور فی البین.

المرحلة الثانیة: الإنشاء
اشارة

هنا إشکالات خمسة:

إنّ المستشکلین قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق فی مرحلة إنشاء الحکم لوجوه عدیدة

الإشکال الأول: الدور
اشارة

تقریره أنّ إنشاء الحکم بالأمر متأخر وجوداً عن وجود متعلق الأمر کما أنّ العرض متوقف علی وجود معروضه فلو أُخذ الأمر فی متعلقه یلزم توقف المتعلق علی الأمر و هذا دور.

ص: 192


1- تحقیق الأصول، ج2، ص74 «إنّ الآمر یتصور أمره الذی هو فعل من أفعاله الاختیاریة فالأمر الصادر مسبوق بالتصور و لما کان من الأُمور ذات التعلق فإنّه یتصور متعلقه معه و المفروض أنّ متعلق المتعلق نفس هذا الأمر الخ».
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن إشکال الدور:

((1))

قال (قدس سره) : «و فیه أنّ الحکم بالإضافة إلی موضوعه من قبیل عوارض المهیة لا من قبیل عوارض الوجود کی یتوقف عروضه علی وجود المعروض و عارض الماهیة لایتوقف ثبوته علی ثبوتها [أی الماهیة] بل ثبوتها [أی الماهیة] بثبوته کثبوت الجنس بفصله و النوع بالتشخص إذ من الواضح أنّ الحکم لایتوقف علی وجود موضوعه خارجاً؛ کیف و وجوده خارجاً یسقط الحکم فکیف یعرضه؟ کما [إنّ الحکم] لایتوقف علی وجوده [أی وجود موضوعه] ذهناً بداهة أنّ الفعل بذاته مطلوب لا بوجوده الذهنی...»

الإشکال الثانی: اجتماع المتقابلین (تقدم ما هو متأخر بالطبع)
اشارة

إنّ الأمر متأخر رتبة عن المتعلق فلو أُخذ الأمر فی متعلقه فی مرحلة إنشاء الحکم یلزم تقدم ما هو متأخر بالطبع و هو اجتماع المتقابلین.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن إشکال اجتماع المتقابلین:

((2))

قال (قدس سره) : «و لایخفی علیک أنّ إشکال التقدم و التأخر الطبعی أیضاً قابل للدفع عند التأمل، لأنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً و بوجوده الخارجی یکون حکماً للموضوع؛ و الوجود العلمی لایکون متقوماً بالوجود الخارجی بما هو بل بصورة شخصه لا بنفسه فلا خلف کما لا دور.»

ص: 193


1- نهایة الدرایة، ج1، ص323، التعلیقة 167 علی هذه العبارة «و ذلک لاستحالة أخذ ما لایکاد یتأتی إلا من قبل الأمر».
2- نهایة الدرایة، ج1، ص324.
إیراد المحقق العراقی (قدس سره)

((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) علی هذا الجواب:

إنّ المحرک نحو العمل الصورة العلمیة المطابقة للأمر الواقعی الخارجی فالمأخوذ فی المتعلق الصورة العلمیة المطابقة للأمر الخارجی و هی متأخرة بالطبع عن وجود الأمر الخارجی فعاد المحذور لأنّ الصورة الذهنیة المأخوذة فی المتعلق متقدّمة علی وجود الأمر الخارجی بمرتبة واحدة أو بمرتبتین ( لأنّ الأمر متأخر طبعاً عن المتعلق الذی أُخذ فیه قصد الأمر و ذات المتعلق متأخر طبعاً عن الأمر الذی أُخذ قصده فی المتعلق ) و متأخر عنه بمرتبة واحدة؛ فیلزم تقدم الأمر علی نفسه بمرتبتین أو بمراتب ثلاث علی تقریر آخر.

الإشکال الثالث: تقدم الشیء علی نفسه
اشارة

یلزم أن یکون الأمر مفروض الوجود قبل وجوده و وجه الاستحالة تقدم الشیء علی نفسه قرّره المحقق النائینی (قدس سره) . ((3))

و هذا الوجه فی الحقیقة یرجع إلی اجتماع المتقابلین إلا أنّ بیان المحقق

ص: 194


1- بدائع الأفکار، ج1، ص229؛ نهایة الأفکار، ج1-2، ص189.
2- تحقیق الأُُصول، ج2، ص78 و 79 «و أشکل علیه شیخنا دام بقاه تبعاً للمحقق العراقی بأنّه غیر رافع للإشکال لأنّه إن کان المأخوذ فی متعلق الأمر و هو الصلاة هو الصورة العلمیة للأمر مطلقاً أی و إن لم تکن الصورة العلمیة مطابقة للواقع بأن یکون جهلاً مرکباً فما ذکره تام... و أما إن کان المأخوذ هو الصورة العلمیة المطابقة للواقع... فالإشکال باق الخ».
3- أجود التقریرات، ج1، ص161، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الثانی؛ فوائد الأُصول، ص149، المقصد الأول، الأمر السادس، الأمر الثانی «و أما الانقسامات اللاحقة للمتعلق المترتبة علی الحکم کقصد امتثال الأمر فی الصلاة مثلاً فامتناع أخذه فی المتعلق إنّما هو لأجل لزوم تقدم الشیء علی نفسه فی جمیع المراحل... أما فی مرحلة الإنشاء فالکلام فیه هو الکلام فی أخذ العلم فی تلک المرحلة الخ».

النائینی (قدس سره) غیر ما ذکرناه و یعبِّر عنه بمحذور الدور و إن لم یکن دوراً اصطلاحیاً (و مراده أنّ وجه استحالة الدور موجود أیضاً فی هذا التقریر و إن لم یکن دوراً).

بیان المحقق النائینی (قدس سره) : « إنّ الموضوع فی القضایا الحقیقیة دون الفرضیة غیر المعقولة لابدّ و أن یکون مفروض الوجود فی الخارج فی مقام أخذه موضوعاً من دون أن یکون تحت التکلیف أصلاً ... و حینئذ فلو أُخذ قصد امتثال الأمر قیداً للمأمور به فلا محالة یکون الأمر موضوعاً للتکلیف و مفروضَ الوجود فی مقام الإنشاء و هذا ما ذکرناه من لزوم تقدم الشیء علی نفسه و بعبارة واضحة کل أمر - اختیاری أو غیر اختیاری- أُخذ متعلقاً لمتعلق التکلیف فوجود التکلیف مشروط بفرض وجوده بفرضٍ مطابقٍ للواقع و حیث إنّ متعلق المتعلق فیما نحن فیه هو نفس الأمر فیکون وجوده مشروطاً بفرض وجود نفسه فرضاً مطابقاً للخارج؛ فیلزم کونه مفروض الوجود قبل وجوده و هو بعینه محذور الدور».

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

«إنّ لزوم أخذ القید مفروض الوجود فی القضیة فی مقام الإنشاء إنّما یقوم علی أساس أحد الأمرین [لا ثالث لهما و فی غیر هذین الموردین لا موجب لأخذه مفروض الوجود أصلاً].

الأول: الظهور العرفی کما فی قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2))... و من هذا القبیل وجوب الوفاء بالنذر و الشرط و العهد و الیمین و وجوب الإنفاق علی

ص: 195


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص158 – 161؛ ج 1، ص513 – 517، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الثانی، المورد الأول، الدعوی الأُولی، الوجه الأول .
2- سورة المائدة ( 5 ): 1.

الزوجة و ما شاکل ذلک حیث إنّ القیود المأخوذة فی موضوعات هذه الأحکام رغم کونها اختیاریة أُخذت مفروضة الوجود فی مقام جعلها بمقتضی المتفاهم العرفی ... و هذا هو الغالب فی القضایا الحقیقیة.

الثانی: الحکم العقلی و من الطبیعی أنّ العقل إنّما یحکم فیما إذا کان القید خارجاً عن الاختیار حیث إنّ عدم أخذه مفروض الوجود یستلزم التکلیف بالمحال کما فی مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) ((1))...

و أما فی غیر هذین الموردین ... [التزمنا بفعلیة التکلیف قبل وجود موضوعه] و من هنا قد التزمنا بفعلیة الخطابات التحریمیة قبل وجودات موضوعاتها بتمام القیود و الشرائط فیما إذا کان المکلف قادراً علی ایجادها، مثلاً التحریم الوارد علی شرب الخمر فعلی و إن لم یوجد الخمر فی الخارج إذا کان المکلف قادراً علی إیجاده بإیجاد مقدماته فلاتتوقف فعلیته علی وجود موضوعه...

و کلاهما [أی الموردین] منتفٍ فی أمثال المقام [أی لاتشرب الخمر] أما الأول فلأنّ ... بل المتفاهم العرفی من أمثال هذه القضایا هو فعلیة حرمة الشرب مطلقاً و إن لم یکن الخمر موجوداً ... و هذا بخلاف المتفاهم العرفی من مثل قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) کما عرفت؛ و أما الثانی فلأنّ المفروض تمکّن المکلف من إیجاده و فی مثله لایحکم العقل بأخذه مفروض الوجود فالنتیجة أنّ المناط فی فعلیة الخطابات التحریمیة إنّما هو فعلیة قدرة المکلف علی متعلقاتها إیجاداً و ترکاً و لو بالقدرة علی موضوعاتها کذلک؛ فمن کان متمکناً من شرب الخمر و لو بإیجاده [أی الخمر] کانت حرمته فعلیة فی حقه.

ص: 196


1- سورة الإسراء ( 17 ): 78

و بعد ذلک نقول: إنّ القید فی ما نحن فیه و هو نفس الأمر و إن کان خارجاً عن الاختیار إلا أنّ مجرد ذلک لایوجب أخذه مفروض الوجود ...

و عندئذ فهل نری أنّ الملاک لأخذه کذلک موجود هنا أم لا و التحقیق عدم وجوده أما الظهور العرفی فواضح حیث لا موضوع له فی ما نحن فیه فإنّ الکلام هنا إنّما هو فی إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود و عدم إمکانه و من الطبیعی أنّه لا صلة للعرف بهذه الناحیة؛ و أما الحکم العقلی فأیضاً کذلک، لأنّ ملاکه هو أنّ القید لو لم یؤخذ مفروض الوجود فی مقام الإنشاء لزم التکلیف بما لایطاق؛ و من المعلوم أنّه لایلزم من عدم أخذ الأمر مفروض الوجود ذلک [أی التکلیف بما لایطاق] ... و الوجه فی ذلک هو أنّ المعتبر فی صحة التکالیف إنّما هو قدرة المکلف علی الإتیان بمتعلقاتها بکافة الأجزاء و الشرائط فی مرحلة الامتثال و إن کان عاجزاً و غیر قادر فی مرحلة الجعل؛ و علی هذا الضوء فالمکلف و إن لم یکن قادراً علی الإتیان بالصلاة مثلاً بداعی أمرها و بقصده قبل إنشائه و جعله و لکنه قادر علی الإتیان بها کذلک بعد جعله و إنشائه ... و من هنا یظهر أنّ الأمر یمتاز عن بقیة القیود غیر الاختیاریة فی نقطة و هی أنّه یوجد بنفس الإنشاء و الجعل دون غیره ...»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

هذا ینافی ما صرح به فی بحث الترتب((2)) من أنّ القضیة الحقیقیة ترجع إلی

ص: 197


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص83 «و قد تکلم الأُستاذ دام بقاه علی هذا الجواب فأجاب عنه فی الدورة اللاحقة بأنّه إنّما یتمشی مع إنکار رجوع القضیة الحقیقیة إلی القضیة الشرطیة و علیه یمکن للمولی أن یأمر بالصلاة بقصد الأمر الخ»
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج3، ص119؛ ج 2، ص417 و 418، مسألة الترتب، أدلة إمکان الترتب، الدلیل اللمی، الجهة الرابعة «قد ذکرنا غیر مرة أنّ الخطابات الشرعیة بشتی أشکالها لاتتعرض لحال موضوعاتها وضعاً و رفعاً و إنّما هی تتعرض لحال متعلقاتها علی تقدیر وجود موضوعاتها... و السر فی ذلک هو أنّ جعل الأحکام الشرعیة إنّما هو علی نحو القضایا الحقیقیة و معنی القضیة الحقیقیة هو أنّ ثبوت المحمول فیها و وجوده علی تقدیر وجود الموضوع و ثبوته... و من هنا قلنا: إنّ القضیة الحقیقیة ترجع إلی قضیة شرطیة مقدمها وجود الموضوع و تالیها ثبوت المحمول له... و لذلک لو کان أحد الدلیلین ناظراً إلی موضوع الدلیل الآخر وضعاً أو رفعاً فلاینافی ما هو مقتضی ذاک الدلیل أبداً الخ».

قضیة شرطیة موضوعها هو المقدم و حکمها هو التالی؛ و الجزاء فی القضیة الشرطیة لایتکفل الشرط لا وضعاً و لا رفعاً ثم بنی علیه رفع التنافی بین الحاکم والمحکوم، لأنّ الحاکم متعرض لموضوع المحکوم و المحکوم لایتعرض لموضوع نفسه لأنّ المحکوم فی رتبة الجزاء و یترتب علیه حل مشکلة الترتب؛ فعدم إرجاع القضیة الحقیقیة إلی القضیة الشرطیة فی بعض الموارد خلاف مبناه.

أما فی ما نحن فیه فإنّ الأمر یکون موضوع القضیة الحقیقیة فلو کان هو نفس الحکم الذی تعلق بالصلاة مع قصد الأمر یلزم اتحاد المشروط و الشرط وجوداً.

الإشکال الرابع: کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه
اشارة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) أفاد هنا اشکالاً رابعاً فقال (قدس سره) :

«بل التحقیق فی خصوص المقام أنّ الإنشاء حیث إنّه بداعی جعل الداعی فجعل الأمر داعیاً إلی جعل الأمر داعیاً یوجب علیة الشیء لعلیة نفسه و کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه و هو کعلیة الشیء لنفسه ...»

جواب عن هذا الإشکال:

قال (قدس سره) : «نعم هذا المحذور إنّما یرد إذا أُخذ الإتیان بداعی الأمر بنحو

ص: 198


1- نهایة الدرایة، ج1، ص325، التعلیقة 167.

الشرطیة أو بنحو الجزئیة و أما إذا لوحظ ذات المأتی به بداعی الأمر - أی هذا الصنف من نوع الصلاة - و أُمر به فلایرد هذا المحذور.»

الإشکال الخامس: التسلسل
اشارة

قرره المحقق البروجردی (قدس سره) فی المرحلة الرابعة((1)) و لکنه جارٍ هنا أیضاً.

قال (قدس سره) : «إنّ المدعو إلیه للأمر هو الصلاة بداعی الأمر المتعلق بأی شیء؟ فإن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بذات الصلاة فهو خلاف الفرض و إن قلت: إنّه الصلاة بداعی الأمر المتعلق بالصلاة بداعی الأمر فهذا الأمر الثانی أیضاً یحتاج إلی متعلق یکون مدعواً إلیه» و هو لابدّ أن یکون الصلاةَ بداعی الأمر فینقل الکلام إلی متعلق الأمر الثالث و هکذا یتسلسل و هذا المحذور کما یجری فی مقام الامتثال یجری فی مرحلة الإنشاء و الجعل.

یلاحظ علیه:

ما أجاب به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن الإشکال الرابع یجری هنا أیضاً.

المرحلة الثالثة: الفعلیة
اشارة

هنا إشکالات أربعة:

الإشکال الأول و الثانی و الثالث:

هو الدور و کون الأمر محرکاَ إلی محرکیة نفسه و التسلسل.

و الجواب عن هذه الثلاثة: ما ذکرنا فی المرحلة السابقة.

ص: 199


1- نهایة الأصول، ص113، المصد الأول، الفصل الأول، المبحث الخامس، إشکالات مقام الامتثال، الثالث.
الإشکال الرابع:

هو تقدم الشیء علی نفسه قرره المحقق النائینی (قدس سره) .((1))

قال (قدس سره) : «إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه أعنی متعلقات متعلق التکلیف و حیث إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه و متعلق متعلقه فتتوقف فعلیته علی فعلیة نفسه و لازمه تقدم فعلیته علی فعلیته.»

و هذا الإشکال یرجع إلی استحالة اجتماع المتقابلین حیث إنّ الفعلیة اجتمع فیها التقدم و التأخر.

جواب عن هذا الإشکال:

إنّ قوله (قدس سره) « إنّ المفروض أنّ نفسه هو الموضوع لنفسه » ممنوع لما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) من أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر لا الأمر.

المرحلة الرابعة: الامتثال
اشارة

هنا إشکالات ثلاثة:

الإشکال الأول: التکلیف بما لایطاق

ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ((3)) و نقله المحقق الخوئی (قدس سره) ((4)) بهذا التقریر:

ص: 200


1- أجود التقریرات، ج1، ص162.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص325، التعلیقة 167 «... لأنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً» و ص327، التعلیقة 168 «... من أنّ الأمر بوجوده العلمی یکون داعیاً».
3- کفایة الأُصول، ص72، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الثانیة «... فما لم تکن نفس الصلاة متعلقةً للأمر لایکاد یمکن إتیانها بقصد امتثال أمرها».
4- دراسات فی علم الأُصول، ج1، ص196، المقصد الأول، المقام الثالث.

«إنّ المأمور به إنّما هو قصد الأمر الحقیقی لا التشریعی ... و قصد الأمر الحقیقی إنّما یتمکن منه المکلف لو تعلّق أمر بذات العمل و المفروض أنّ الأمر لم یتعلق بذات العمل و إنّما تعلق به مقیداً بقصد الأمر فیکون تکلیفاً بما لایطاق.»

الإشکال الثانی: تقدم الشیء علی نفسه

قرّره المحقق النائینی (قدس سره) فقال:((1)) «إنّ قصد الامتثال متأخر عن إتیان تمام أجزاء المأمور به و قیوده طبعاً فإنّ قصد الامتثال إنّما یکون بها [أی بتلک الأجزاء و القیود] و حیث إنّا فرضنا من جملة الأجزاء و القیود نفس قصد الامتثال... فلابدّ و أن یکون المکلف فی مقام امتثاله قاصداً للامتثال قبل قصد امتثاله فیلزم تقدم الشیء [أی قصد الامتثال بما هو متقدم علی الأجزاء و القیود] علی نفسه [أی قصد الامتثال بما هو متأخر عن الأجزاء و القیود]» و استحالته من باب اجتماع المتقابلین.

الإشکال الثالث:

((2)) کون الأمر محرکاً إلی محرکیة نفسه

قرّره بعض الأساطین (دام ظله) .((3)) و هذا الإشکال بعینه هو الإشکال الذی أورده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((4)) فی مقام الإنشاء ثم أجاب عنه مع الإشکال الذی أفاده

ص: 201


1- أجود التقریرات، ج1، ص162.
2- و الجواب عن جمیع هذه الإشکالات [ أی الأول و الثانی و الثالث ] هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی دفع الإشکال الثالث فی مرحلة الإنشاء من أنّ الأمر تعلق بذات الصلاة لکن حصتها التی تکون بداعی الأمر.
3- تحقیق الأُُصول، ج2، ص89 «المقام الرابع و هو مرحلة الامتثال و فیها وجوه من المحذور... و الثالث أنّ قصد الأمر إما هو قید للصلاة و إما هو جزء من أجزائها؛ فإن کانت الصلاة المقیدة متعلق الأمر کانت ذات الصلاة غیر مأمور بها الخ».
4- المرحلة الثانیة، الإشکال الرابع.

صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی مرحلة الامتثال من التکلیف بما لایطاق فهذا مجموع الإشکالین.

و تقریره أنّ الأمر إما یتعلق بالصلاة المقیدة بقصد الأمر و إما یتعلق بالصلاة المرکبة من قصد الأمر.

أما إتیان الصلاة المقیدة بقصد الأمر فلایمکن إلا أن یتعلق بذات الصلاة أمر و هو خلف الفرض.

و أما إتیان المرکب و امتثاله فمحال أیضاً لأنّ الأمر یدعو إلی متعلقه و محرک نحوه و المفروض أنّ قصد الأمر جزء من هذا المرکب فیقال: تحریک الأمر إلی محرکیته و دعوته إلی داعویته محال لأنّ علیة الشیء لعلیة نفسه محال فبالنتیجة أخذ قصد الأمر فی متعلقه شرطاً و جزءً محال.

تتمة: بیانان لاستحالة أخذ قصد الأمر فی متعلق الأمر و إمکانه
البیان الأول: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2)) وجهاً للاستحالة

قال (قدس سره) : « التحقیق - کما علیه أهله - هو عدمُ جواز أخذ القرب الناشی من دعوة الأمر فی المأمور به بنحو الشرطیة أو الشطریة و امتناعُه و وجه الامتناع ظاهر لأنّ القرب الناشی من دعوة هذا الأمر إنّما هو معلول شخص هذا الأمر و مترتب علیه ... و حینئذ فمع کونه مرئیاً فی هذا اللحاظ عقیب الأمر و فی رتبة متأخرة عنه فکیف یمکن أن یؤخذ مثله فی موضوع [أی متعلق] هذا الأمر فی

ص: 202


1- المرحلة الرابعة، الإشکال الأول.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص188، المقصد الأول، المبحث الثانی، الجهة الرابعة .

هذا اللحاظ وفی رتبة متقدمة علیه و هل هو إلا من المستحیل؟»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

أورد الأُستاذ (دام ظله) علیه بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) من أنّ القرب المأخوذ فی موضوع الأمر هو وجوده العلمی لا القرب الخارجی.

البیان الثانی: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((3))

و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((4)) و هو جواب عن جمیع الإشکالات (و المراد هو الإشکالات المذکورة فی جمیع المراحل لا خصوص مرحلة الامتثال).((5))

و بیان ذلک یبتنی علی مقدمتین:

ص: 203


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص94، قول المحقق العراقی (قدس سره) بالاستحالة، إشکال الأُستاذ علی الوجه المذکور «إنّ الملحوظ متأخراً هو القرب الخارجی و الملحوظ فی الرتبة المتقدمة المأخوذ فی المتعلق هو الوجود العلمی للأمر الخ».
2- تقدم فی تعلیقتنا علی هذه العبارة «ممنوع لما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) » فی آخر المرحلة الثالثة.
3- نهایة الأفکار، ج1-2، ص190 «نعم لو أُغمض عما ذکرناه من الإشکال لایرد علیه محذور لزوم داعویة الأمر إلی شخص نفسه... إذ نقول بأنّه یمکن دفع هذا المحذور من جهة انحلال الأمر إلی أمرین و تقطیعه فی الذهن بقطعة فقطعة متعلقة إحداهما بذات المقید و الأُخری بقید الدعوة حیث نقول حینئذ بأنّ الأمر الضمنی المتعلق بالدعوة إنّما یکون داعیاً إلی دعوة تلک القطعة الأُخری من الأمر الضمنی المتعلق بذات المقید لا إلی دعوة شخص نفسه حتی یتوجه المحذور المزبور... و حینئذ فإذا لم تکن الدعوة المأخوذة قیداً أو جزءً کذات المقید تعبدیة محتاجة إلی قصد الامتثال بل کانت توصلیة صرفة فبإتیان ذات الصلاة عن دعوة الأمر الضمنی المتعلق بها یتحقق المقید و المأمور به أیضاً فیرتفع به محذور عدم تمکن المکلف من الامتثال أیضاً الخ».
4- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص164 – 172؛ ج 1، ص520 – 528، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، الدعوی الأُولی.
5- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص89 – 91 أنّه جواب عن الإشکالات فی مرحلة الامتثال.
المقدمة الأُولی:

«یمکن تصویر الواجب التعبدی علی أنحاء: الأول أن یکون تعبدیاً بکافة أجزائه و شرائطه. الثانی أن یکون تعبدیاً بأجزائه مع بعض شرائطه. الثالث أن یکون تعبدیاً ببعض أجزائه دون بعضها الآخر».

والقسم الأول و الثالث لم نجد لهما مثالاً أما القسم الثانی فهو کأکثر العبادات مثل الصلاة فإنّ جمیع أجزائها عبادیة و أما شرائطها فقد تکون تعبدیة مثل الوضوء و الغسل و قد تکون توصلیة مثل طهارة البدن و الثوب و استقبال القبلة.

المقدمة الثانیة:

«إنّ الأمر المتعلق بالمرکب من عدة أُمور فبطبیعة الحال ینحل بحسب التحلیل إلی الأمر بأجزائه ... و مرد ذلک إلی انحلال الأمر الاستقلالی إلی عدة أوامر ضمنیة حسب تعدد الأجزاء ...

إذا کان الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد أمره الضمنی ... إنّ الواجب فی مثل الفرض مرکب من جزء خارجی و جزء ذهنی - و هو قصد الأمر- و قد تقدم أنّ الأمر المتعلق بالمرکب ینحل إلی الأمر بکل جزء جزء منه و علیه فکل من الجزء الخارجی و الجزء الذهنی متعلق للأمر الضمنی غایته أنّ الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الخارجی تعبدی فیحتاج سقوطه إلی قصد امتثاله و الأمر الضمنی المتعلق بالجزء الذهنی توصلی ... [و النتیجة] أنّ توهم استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلقه یقوم علی أساس أحد أمرین:

الأول: أخذ الأمر مفروض الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء [و هو الإشکال الذی أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ] و لکن قد تقدم نقده بشکل موسع.

ص: 204

الثانی: أن یکون المأخوذ فی متعلقه قصد الأمر الاستقلالی بمعنی أن یکون الواجب مرکباً من الفعل الخارجی و قصد الأمر کذلک و هذا غیر معقول..»

و قد عرفت ابتناء إشکال اجتماع المتقابلین و تقدم الشیء علی نفسه و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الإنشاء و الفعلیة و إشکال تقدم الشیء علی نفسه و التکلیف بما لایطاق و محرکیة الأمر إلی محرکیة نفسه فی مقام الامتثال کلِها علی أخذ قصد الأمر الاستقلالی فی متعلقه و یجاب عن جمیع هذه الإشکالات بأنّ المأخوذ فی المتعلق قصد الأمر الضمنی.

نعم الأمر الضمنی المتعلق بالفعل مقدم رتبة علی الأمر الضمنی المتعلق بقصد الأمر (أی بقصد الأمر الضمنی المتعلق بالفعل) فیلزم أن یکون أحد الأمرین الضمنیین متقدماً علی الآخر و لکنه لامحذور فیه لأنّ هذا الأمر الضمنی غیر الأمر الضمنی الآخر فهما متعددان و لا محذور فی تقدم أحدهما علی الآخر.

« و قد تحصل من جمیع ما ذکرناه أنّه لا مانع من أخذ قصد الأمر فی متعلقه فی مقام الثبوت؛ و أما فی مقام الإثبات فإن کان هنا دلیل یدلنا علی أخذه فیه فهو و إلا فمقتضی الإطلاق عدم أخذه و کون الواجب توصلیاً ...»

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علی هذا البیان:
اشارة

((1))

الإیراد الأول:

((2))

هذا یتم لو انحل الأمر حقیقةً و واقعاً إلی أمرین فی مقام الإنشاء و الجعل و

ص: 205


1- تحقیق الأصول، ج2، ص91 «و تنظر شیخنا الأُستاذ فی هذا الطریق الذی حاصله تعدد الأمر بانحلاله إلی الأوامر الضمنیة فقال الخ».
2- «إنّ هذا الانحلال اعتبار عقلی محض و لا واقعیة له کی تنحل المشکلات عن هذا الطریق و ذلک أنّه لاتوجد أغراض متعددة فی المرکب الارتباطی بل الغرض واحد... و هذا هو الإشکال الأول».

لکن الانحلال اعتبار عقلی بلا واقعیة لأنّ الغرض من المرکب الارتباطی غرض واحد فالإرادة أیضاً لابدّ أن تکون واحدة و هکذا لابدّ أن یکون الأمر أیضاً واحداً لوحدة الغرض و الإرادة فإنّ وزان الأمر بالنسبة إلی الإرادة هو وزان المعلول بالنسبة إلی العلة و حینئذ التحلیل هو باعتبار العقل و مصحح هذا التحلیل تعدد متعلق البعث و هذا التعدد فی المتعلق هو المنشأ لأن یعتبر العقل الأوامر الضمنیة.

الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

إنّ هنا أمرین ضمنیین: الأمر الضمنی التعبدی المتعلق بالطبیعة و الأمر الضمنی التوصلی المتعلق بإتیان الطبیعة بقصد أمرها الضمنی؛ و علی هذا نسبة الأمر الضمنی التعبدی إلی الأمر الضمنی التوصلی نسبة الموضوع إلی الحکم مع أنّهما موجودان بأمر واحد فحینئذ کیف یعقل تحققهما بوجود واحد مع أنّهما مختلفان بالرتبة.

جواب عن الإیراد الثانی:

(2)

قال المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ المشکلة تنحل بما أفدناه فی مبحث الصحیح و

ص: 206


1- «ثم إنّ المحقق العراقی و کذا فی المحاضرات قد التفت إلی أنّ بعض هذه الأوامر الضمنیة التی ذکرها متقدم علی البعض الآخر رتبةً فلما یقول کبّر بقصد الامتثال، الامتثال لأی شیء؟ و هکذا غیره الخ»
2- . محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص169؛ ج 1، ص525 «و من ناحیة أُخری قد تقدم فی مبحث الصحیح و الأعم أنّه لا مانع من أن یکون الواجب مرکباً من جزئین طولیین و من لحاظهما شیئاً واحداً و جعلهما متعلقاً لأمر واحد و ما نحن فیه من هذا القبیل»؛ و قال (قدس سره) فی ج 1، ص137 – 139؛ ج 1، ص156 و 157، الأمر العاشر ( الصحیح و الأعم )، الجهة الثالثة «و کذلک لا شبهة فی دخول شرائط المأمور به فی محل النزاع و توهم أنّها خارجة عن محل النزاع بدعوی أنّ مرتبة الأجزاء مرتبة المقتضی و مرتبة الشرائط متأخرة عن المقتضی... مدفوع بأنّ تأخر الشرائط رتبةً عن الأجزاء لایستلزم عدم إمکان وضع اللفظ بإزاء المجموع... إنّ وضع اللفظ بإزاء شیئین طولیین رتبةً بل زماناً بمکان من الإمکان و لیس فیه أی محذور أبداً و مقامنا من هذا القبیل الخ»

الأعم من أنّ الوضع لما هما مختلفان بالرتبة معقول بمعنی أنّ العلة و المعلول یمکن لحاظهما بلحاظ واحد فیوضع لهما لفظ واحد.

مناقشة فی هذا الجواب:

((1))

إنّ المتخالفین بالطبع یوجدان بوجود واحد إلا أنّ الوجود حینئذ ینسب بالذات إلی المتأخر بالطبع و بالعرض إلی المتقدم بالطبع و لکن أجزاء المرکب بما أنّها أجزاء المرکب کلها فی عرض واحد؛ فلایتم جواب المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) عن الإشکالات و لذا اختار بعض الأساطین (دام ظله) استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق((2)) لمحذور استحالة اجتماع المتقابلین.

خلاصة الأقوال:

المحقق الخراسانی و النائینی و العراقی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) قالوا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و المحقق الإصفهانی (قدس سره) -الذی اخترنا نظریته - و المحقق الخوئی (قدس سره) قالا بعدم استحالة ذلک.

ص: 207


1- فی تحقیق الأُصول «لقد اکتفی فی المحاضرات بالقول بتقدم هذه الدعوی فی مبحث الصحیح و الأعم لکن الذی ذکره هناک هو معقولیة الوضع لأمرین مختلفین فی المرتبة و هو غیر ما نحن فیه لأنّ الوضع یصح حتی للمتناقضین أما کیف یوجد الموجودان المختلفان فی المرتبة بوجود واحد؟ و لذا وقع الإشکال فی شمول دلیل الاستصحاب لقاعدة الیقین الخ».
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص94 «هذا تمام الکلام فی أخذ قصد الأمر فی المتعلق بالأمر الأول و قد ظهر أنّه محال».

أماعدم الاستحالة عند المحقق الخوئی (قدس سره) فمن جهة انحلال الأمر الاستقلالی إلی الأوامر الضمنیة و أخذ قصد الأمر الضمنی فی المتعلق.

و أما عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) فمن جهة أنّ المأخوذ فی المتعلق هو الصورة العلمیة للأمر مع أنّه لیس بمأخوذ فی المتعلق علی نحو الجزئیة و الشرطیة بل هو مأخوذ علی نحو العرفیة بأن یکون خارجاً عن المتعلق و موجباً لتحصص المتعلق (و هو ذات الصلاة مثلاً) فالمتعلق «الحصة التوأمة لقصد الأمر من ذات الصلاة».

هذا تمام البحث من جهة استحالة التقیید بقصد الأمر أو عدم استحالته.

ص: 208

الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقییدهل یستحیل الإطلاق أو لا؟
اشارة

و حینئذ لابدّ من انضمام بحث آخر و هو أنّه علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟

فلابدّ من البحث عن أمرین:

الأول: إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم أو تقابل الضدین أو غیر ذلک؟

الثانی: علی فرض أنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم هل تستلزم استحالة التقیید استحالة الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان):

المسألة الأُولی: تقابل الإطلاق و التقیید
اشارة

هنا قولان:

القول الأول: تقابل الملکة و عدمها
اشارة

قال المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) بأنّ التقابل بینهما تقابل الملکة و العدم و فی قبال ذلک قال العلامة المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بالتفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم.

ص: 209


1- تحقیق الأصول، ج2، ص95 و 96 «هذا و قد اختار الأُستاذ فی الدورة السابقة ابتداءً قول المحقق الإصفهانی ثم عدل عنه للإشکال التالی و هو عدم جواز أخذ خصوصیة المقسم و هو اللحاظ فی القسم ببیان أنّه بعد عدم إمکان الإهمال فإنّ الحاکم إما یلحظ القید و یأخذه فی الذات فتکون الذات بشرط شیء و إما... فما ذهب إلیه المحقق النائینی هو الصحیح من أنّ التقابل من قبیل العدم و الملکة الخ».
بیان هذا القول:

إنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید فکما أنّه فی مقام الإثبات یفسر الإطلاق بعدم بیان التقیید بالنسبة إلی ما یتمکن فیه من التقیید فهکذا الأمر فی مقام الثبوت بمعنی أنّ القید یلحظ و حینئذ إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً؛ فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم الأخذ کما أنّ حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه؛ فاللحاظ مقسم للإطلاق و التقیید و التقیید أمر وجودی و الإطلاق أمر عدمی.

إن قلت: إنّ اللحاظ أمر وجودی و هو موجود فی الإطلاق و مقسم له فکیف یعقل أن یکون الإطلاق أمراً عدمیاً؟

قلنا: نحن و إن صدقنا وجود اللحاظ حتی فی الإطلاق و لکن لانسلم إشراب اللحاظ فی حقیقة الإطلاق؛ و بهذا البیان ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید ثبوتاً تقابل الملکة و العدم لا التضاد.

القول الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره)

القول الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) (1) و المحقق الخوئی (قدس سره)

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) : إنّ کلام المحقق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات صحیح بلا إشکالٍ و أما فی مقام الثبوت فالصحیح أنّ المقابلة بینهما مقابلة

ص: 210


1- . نهایة الدرایة، ج1، ص338، التعلیقة 176 علی هذه العبارة «إذا عرفت بما لا مزید علیه عدم إمکان أخذ قصد الامتثال» قال (قدس سره) : «... نعم لا حاجة إلی إثبات استحالة الإطلاق لأنّها غیر ثابتة الخ» و فی الهامش: «... و أما ما یقال من أنّه لا إطلاق إلا فی ما رتّب الحکم علی المقسم... و لذا جعل الإطلاق فی قبال التقیید من قبیل العدم و الملکة لا من قبیل السلب و الوجود فالجواب عنه أنّ الإطلاق فی جمیع الموارد بمعنی اللابشرطیة القسمیة... و علیه فالإطلاق المقابل للتقیید تارةً من قبیل العدم و الملکة کما فی ما کان ممکناً و أُخری من قبیل السلب و الإیجاب کما فی ما کان ضروریاً فالصحیح أنّ الإطلاق مع إمکان التقیید و مع استحالته ثابت غایة الأمر أنّه لایجدی إلا فی الأول کما فی المتن» و فی بحوث فی الأُصول، الأُصول علی النهج الحدیث، ص82 «إنّ التقیید إذا کان ممکناً فعدمه عدم ملکة و إذا لم یکن ممکناً فعدمه سلب فی قبال الإیجاب لعدم ارتفاع النقیضین فما یقال من أنّه إذا استحال التقیید استحال الإطلاق لیس علی إطلاقه فإنّه یستحیل الإطلاق بمعنی عدم التقیید فی ما یقبل التقیید أی یستحیل أن یکون عدمه عدم ملکة و أما السلب المقابل للإیجاب فضروری فإذا امتنع وجود شیء وجب عدمه لا إنّه امتنع عدمه الخ» و فی ص 95 «و أما استحالة الإطلاق من ناحیة استحالة التقیید نظراً إلی أنّه عدم التقیید فی ما من شأنه التقیید فقد أجبنا عنه فی البحث عن التعبدی و التوصلی من أنّ الإطلاق تارةً محال و أُخری واجب و لا منافاة بین أن یکون عدم التقیید من باب العدم المقابل للملکة محالاً و من باب السلب المقابل للإیجاب واجباً و حینئذ فما امتنع وجوده یجب عدمه لا إنّه یستحیل عدمه»

الضدین لا العدم و الملکة و ذلک لأنّ الإطلاق فی هذا المقام عبارة عن رفض القیود و الخصوصیات و لحاظ عدم دخل شیء منها فی الموضوع أو المتعلق و التقیید عبارة عن لحاظ دخل خصوصیة من الخصوصیات فی الموضوع أو المتعلق و من الطبیعی أنّ کلاً من الإطلاق و التقیید بهذا المعنی أمر وجودی.((1))

فإنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید صحیح بلا إشکال و لکن ما أفاده من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایصح بل لابدّ بعد ملاحظة الخصوصیة إما من أخذه فی المتعلق لدخله فی الغرض و إما من رفضه لعدم دخله فی الغرض و رفض الخصوصیات أمر وجودی.

و إن شئت فقل: إنّ الغرض لایخلو من أن یقوم بالطبیعی الجامع بین کافة خصوصیاته أو یقوم بحصة خاصة منه و لا ثالث لهما؛ فعلی الأول لابدّ من

ص: 211


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص172 – 174؛ ج 1، ص528 – 531، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، إذا شک فی کون الواجب توصلیاً أو تعبدیاً، المقام الثانی، المورد الأول، الدعوی الثانیة، المورد الأول.

لحاظه علی نحو الإطلاق و السریان رافضاً عنه جمیع القیود و الخصوصیات الطارئة علیه أثناء وجوده و تخصصه و علی الثانی لابدّ من لحاظ تلک الحصة الخاصة و لایعقل لهما ثالث فلأنّ مرد الثالث- و هو لحاظه بلا رفض الخصوصیات و بلا لحاظ خصوصیة خاصة - إلی الإهمال فی الواقعیات و من الطبیعی أنّ الإهمال فیها من المولی الملتفت مستحیل.

توضیح ذلک أنّ ما أفادوا -من أنّ اللحاظ أمر وجودی جامع بین الإطلاق و التقیید و بعد لحاظ القید إما یؤخذ فیکون الأمر مقیداً و إما لایؤخذ فیکون مطلقاً- لایستقیم بحسب مقام الثبوت لأنّ هذا اللحاظ الجامع تصور ذهنی من دون أن یشتمل علی حکم و تصدیق و حینئذ إذا حکمنا بأخذ القید فی المتعلق فلا إهمال بالنسبة إلی هذا القید و أما إذا لم نحکم بشیء فذلک إهمال بالنسبة إلی هذا القید و الشارع فی مقام الثبوت لابدّ أن یحکم إما بأخذ القید و إما بعدم أخذه و معنی حکمه و لحاظه لعدم أخذه هو ما یعبر عنه بالرفض و الحکم بعدم الأخذ أمر لحاظی غیر اللحاظ التصوری الأول و لابدّ من هذا اللحاظ الثانوی حتی یخرج المقام من الإهمال و إلا فنفس اللحاظ الأول (غیر المشتمل علی الحکم بالأخذ أو بعدم الأخذ) لایخرج أمر القید من الإهمال کما أنّ عدم أخذ القید أیضاً أمر عدمی فلایوجب خروج القید عن الإهمال و لما کان الإهمال من الشارع بالنسبة إلی القید فی مقام الثبوت و الواقع مستحیلاً فلابدّ من انضمام لحاظ الإطلاق و رفض القیود فی مقام الثبوت و بذلک ظهر أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و فی مقام الثبوت تقابل التضاد.

المسألة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یمکن الإطلاق أو یستحیل؟
اشارة

نتکلم فیها بناءً علی القولین فی المسألة الأُولی.

ص: 212

أما علی القول الأول:
اشارة

فبحسب مقام الثبوت هنا قولان:

القول الأول: الملازمة بین استحالة التقیید و استحالة الاطلاق
اشارة

اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر من المحققین.

و وجه نظریة المحقق النائینی (قدس سره) هو « دعوی أنّ لازم کون التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل العدم و الملکة اعتبار کون المورد قابلا للتقیید فما لم یکن قابلاً له [أی للتقیید] لم یکن قابلاً للإطلاق أیضاً.»((1))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

((2))

«إنّ قابلیة المحل [للتقیید] المعتبرة فی التقابل المذکور [أی تقابل الملکة و العدم] لایلزم أن تکون [قابلیة] شخصیة فی جزئیات مواردها بل یجوز أن تکون صنفیة أو نوعیة أو جنسیة ... و قد تحصل من ذلک بوضوح أنّه لایعتبر فی صدق العدم المقابل للملکة علی مورد قابلیة ذلک المورد بشخصه للاتصاف بتلک الملکة بل یکفی فی ذلک قابلیة صنفه أو نوعه أو جنسه للاتصاف بها [أی بالملکه و إن لم یکن شخص هذا الفرد قابلاً للاتصاف به]» مثلاً الإنسان یتصف بالعجز

ص: 213


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص175؛ و فی أجود التقریرات، ج1، ص169 «فإنّ الإطلاق و إن کان عدمیاً إلا أنّه موقوف علی ورود الحکم علی المقسم و تمامیة مقدمات الحکمة فالتقابل بینهما لا محالة یکون تقابل العدم و الملکة فإذا فرضنا فی مورد عدم ورود الحکم علی المقسم فلا معنی للتمسک بالإطلاق قطعاً».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص175 و 176؛ ج 1، ص532 و 533،...، الدعوی الثانیة، المورد الثانی، الدعوی الأُولی.

عن الطیران مع عدم قابلیته له و وجه ذلک قابلیة جنسه ( الحیوان ) للطیران و لو ببعض أفراده.

القول الثانی: عدم الملازمة اختاره المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

وجه نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :((1)) إنّ الغرض الداعی إلی جعل الحکم إما یقوم بالطبیعی الجامع بین الخصوصیات و إما یقوم بحصته المقیدة بشیء و إما یقوم بحصته المقیدة بعدم ذاک الشیء و إما یقوم بالطبیعة المهملة؛ أما التصویر الرابع فباطل لأنّ الإهمال فی الواقعیات مستحیل (حیث إنّ مرجع الإهمال إلی عدم علم المولی بمتعلق حکمه أو موضوعه من حیث السعة و الضیق و تردده فی ذلک و من الطبیعی أنّ تردده فیه یستلزم تردده فی نفس حکمه و هو من الحاکم غیر معقول).

فیبقی الصور الثلاث الأُخر و أما التصویر الثانی فهو مستحیل علی الفرض و أما التصویر الثالث فلا وجه له هنا أیضاً ( لأنّه لا معنی لتقیید المتعلق بعدم امتثاله بقصد أمره ) فیتعین حینئذ التصویر الأول و هو الإطلاق.

«و لا فرق فی ذلک بین قیود الوضوع و قیود المتعلق و کذا لا فرق بین القیودات [أی الانقسامات] الأولیة و القیودات الثانویة ضرورة أنّ الإهمال کما لایعقل بالإضافة إلی القیودات الأولیة کذلک لایعقل بالإضافة إلی القیودات الثانویة فإنّ الحکم المجعول من قبل المولی الملتفت إلی تلک القیودات لایخلو من أن یکون مطلقاً بإطلاق موضوعه أو متعلقه بالإضافة إلیها - یعنی لادخل

ص: 214


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص177 و 178؛ ج 1، ص534 و 535،...الدعوی الثانیة، المورد الثانی، الدعوی الثانیة.

لشیء منها فیه - أو یکون مقیداً بها و لا ثالث فی البین و علیه فإذا افترضنا استحالة التقیید بقید فلامحالة أحد أمرین ضروری إما الإطلاق أو التقیید بغیره لاستحالة الإهمال فی الواقع.»

و بحسب مقام الإثبات: فقد قال بعض الأساطین (دام ظله) :((1)) لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق.

«إنّه دائماً یکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت؛ فمن مقام الإثبات یستکشف مقام الثبوت و هذه الکاشفیة إنّما تتحقق و یکون الإطلاق حجةً علی المراد فیما إذا تمکن الحاکم من التقیید فی مقامی الثبوت و الإثبات و مع انتفاء التمکن منه فی أحد المقامین لایتحقق الإطلاق الکاشف عن المراد.

و فی ما نحن فیه الحاکم و إن کان قادراً علی بیان القید فی مقام الإثبات إلا أنّه غیر قادر علی تقیید متعلق الأمر بقصد القربة فی مقام الثبوت فلایکون إطلاقه فی مقام الإثبات کاشفاً عن إطلاقه فی مقام الثبوت...»

ملاحظتنا علی هذا القول:

إنّا فی هذا الفرض لانحتاج إلی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لأنّ مقتضی دلیل استحالة التقیید فی مقام الثبوت هو إطلاق المتعلق بالنسبة إلی القید ثبوتاً - کما برهنّا علیه - کما قال المحقق الخوئی (قدس سره) :((2))

ص: 215


1- تحقیق الأصول، ج2، ص97،...، الثانی هل إذا استحال التقیید استحال الإطلاق؟
2- دراسات فی علم الأُصول، ج1، ص199، المقصد الأول، المقام الثالث، المقدمة الثانیة لعدم التمسک بإطلاق دلیل الواجب لإثبات التوصلیة.

«و قد حُکی أنّ الشیخ (قدس سره) [أی الشیخ الأنصاری] کان یتمسک بهذا الإطلاق((1)) و لایخفی أنّ الإطلاق المدعی إنّما هو الإطلاق الثبوتی أعنی المنکشف لا الإطلاق فی مقام الکاشف [کذا] و الإثبات لیقال: إنّه لا أثر لهذا الإطلاق و عدم التقیید الذی یکون منشأه عدم تمکن المولی من التقیید فإنّ ذلک إنّما یکون فی الإطلاق الإثباتی فإنّ من مقدماته أن یکون المولی فی مقام البیان و قادراً علی التقیید فإذا لم یقید یکون ذلک الإطلاق کاشفاً عن إطلاق المراد.

و أما الإطلاق فی مرحلة الثبوت فیترتب علیه الأثر بعد إثبات استحالة الإهمال و استحالة التقیید فیجزم بأنّ المراد الواقعی مطلق و یترتب علیه الأثر.»

و أما علی القول الثانی:

فبحسب مقام الثبوت یکون الإطلاق ضروریاً.

ص: 216


1- أجود التقریرات، ج1، ص168، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی فی التعبدیة و التوصلیة «الأمر الثالث: اختلفت کلمات الأصحاب فی مقتضی الأصل اللفظی فی المقام فاختار جماعة و منهم المحقق الأنصاری (قدس سره) أصالة التوصلیة... و استدل العلامة الأنصاری (قدس سره) علی مختاره بعدم إمکان التقیید فیثبت الإطلاق و بمثل هذا استدل علی شمول الخطاب للجاهلین و عدم اختصاصه بالعالمین و علی عموم وجوب المقدمة لغیر الموصلة و الجامع فی جمیع المقامات عدم إمکان التقیید للزوم المحذور فیه الخ». و فی فوائد الأُصول، ج1، ص394 و 395: «و بما ذکرنا ظهر فساد ما سلکه الشیخ (قدس سره) فی المقام و غیر الشیخ حیث قالوا بإطلاق القول بوجوب المقدمة مطلقاً موصلة کانت أو غیرها لمکان امتناع التقیید بالموصلة فجعلوا نتیجة امتناع التقیید هو الإطلاق مع أنّک قد عرفت أنّ ذلک لایعقل لأنّ امتناع التقیید یوجب امتناع الإطلاق أیضاً و قد سلک الشیخ (قدس سره) هذا المسلک أیضاً فی مسألة امتناع اعتبار قصد القربة فی متعلق الأمر و امتناع تقیید الأحکام بالعلم بها حیث إنّه استنتج الإطلاق من امتناع ذلک و قال بأصالة التوصلیة و اشتراک الأحکام بین العالم بها و الجاهل و قد عرفت أنّ امتناع الإطلاق ملازم لامتناع التقیید مطلقاً فی المقام و فی مسألة اعتبار قصد القربة و فی مسألة العلم بالأحکام».

إنّ الإطلاق فی مقام الثبوت واجب -علی فرض استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق- لعدم أخذ عدم قصد الأمر فیه و لعدم الإهمال فی مقام الثبوت و لانحتاج إلی أصالة الإطلاق فی مقام الإثبات.

و بحسب مقام الإثبات لا مانع من التمسک بأصالة الإطلاق لإثبات التوصلیة لعدم استحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق.

هذا تمام الکلام فی الوجه الأول من وجوه قصد القربة.

ص: 217

الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته
اشارة

هنا إشکالات خمسة:

الإشکال الأول:
اشارة

((1))

إنّ أخذ تلک الدواعی فی متعلق الأمر ممکن ثبوتاً إلا أنّا نعلم عدم أخذها فیه لأنّه لو أُخذت فی متعلق الأمر لم یصح الإتیان بدونها مع أنّا نعلم یقیناً بأنّ الإتیان بقصد الأمر من دون الالتفات إلی إحدی تلک الدواعی یکفی فی مقام الامتثال.

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عنه:

((2))

«إنّ ما ذکره من صحّة العبادة مع قصد أمرها و بدون قصد تلک الدواعی لایکشف إلا عن عدم اعتبارها بالخصوص و أما اعتبار الجامع بین الجمیع و هو إضافة العمل إلیه تعالی فهو بمکان من الإمکان و لا دلیل فی ما ذکره [صاحب الکفایة (قدس سره) ] علی عدم اعتباره فلعل صحة العبادة المأتی بها بداعی أمرها إنّما هی من ناحیة تحقق الجامع القربی به.»

ص: 218


1- کفایة الأُصول، ص74، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس «... هذا إذا کان التقرب المعتبر فی العبادة بمعنی قصد الامتثال و أما إذا کان بمعنی الإتیان بالفعل بداعی حسنه أو کونه ذا مصلحة أو له تعالی فاعتباره فی متعلق الأمر و إن کان بمکان من الإمکان إلا أنّه غیر معتبرفیه قطعاً لکفایة الاقتصار علی قصد الامتثال الذی عرفت عدم إمکان أخذه فیه بدیهةً».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص180؛ ج 1، ص537 و 538، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، الکلام فی بقیة الدواعی القربیة، المقام الأول.
الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

الإرادة التشریعیة تکون علی وزان الإرادة التکوینیة و فی الإرادة التکوینیة الداعی علة للإرادة و الإرادة علة للفعل فلو جعلنا رتبة الداعی إلی الإرادة فی عرض الفعل (أی أخذناه فی المتعلق) یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلول هذا الشیء و هذا محال؛ و حینئذ نقول: الأمر الصادر من المولی هو إرادته التشریعیة و الداعی لتلک الإرادة هو محبوبیة الفعل و مصلحته فلو أخذنا قصد المحبوبیة و المصلحة و الحسن فی المتعلق یلزم جعل علة الشیء فی رتبة معلوله و هذا مستحیل

جوابان من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2)) عنه:

الجواب الأول:

قال (قدس سره) : «و لنأخذ بالمناقشة علیه أولاً بالنقض و ثانیاً بالحل أما الأول فلو تم ما أفاده (قدس سره) من عدم إمکان تعلق الإرادة التشریعیة و التکوینیة بداعٍ من الدواعی القربیة لکان ذلک موجباً لعدم إمکان تعلقهما به بمتمم الجعل و بالأمر الثانی أیضاً مع أنّه (قدس سره) قد التزم بإمکان أخذه بالأمر الثانی و السبب فی ذلک هو ما عرفت من أنّ الداعی عبارة عما تنبعث الإرادة منه فی نفس المکلف للقیام بالعمل و علیه فبطبیعة الحال تکون الإرادة متأخرة عنه فإذن کیف یعقل أن تتعلق الإرادة

ص: 219


1- أجود التقریرات، ج1، ص163 – 165، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الثانی، الأمر الثانی «و أما علی المختار من کون جمیع الدواعی القربیة فی عرض واحد و أنّ الجامع بین الجمیع کون العمل لله - کما یستفاد من قوله (علیه السلام) : و کان عمله بنیة صالحة یقصد بها ربه – فوجه امتناع أخذ الجامع المنطبق عل جمیع الدواعی القربیة فی المأمور به هو أنّ الداعی أیاًما فرض فهو فی مرتبة سابقة علی الإرادة المحرکة للعمل الخ».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص182؛ ج 1، ص539 و 540.

به کما تتعلق بالفعل الخارجی و من الواضح أنّه لافرق فی استحالة أخذه فی متعلق الإرادة بین أن یکون بالأمر الأول أو بالأمر الثانی.»

الجواب الثانی:

قال (قدس سره) :((1)) «و أما الثانی فلأنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یتم فی الإرادة الشخصیة حیث إنّها لایعقل أن تتعلق بما تنبعث منه بداهة... أو فقل: إنّ هذه الإرادة معلولة لذلک الداعی فکیف یعقل أن تتقدم علیه و تتعلق به؟ و أما تعلق فرد آخر من الإرادة به غیر الفرد الناشئ منه فلا استحالة فیه أصلاً و ما نحن فیه من هذا القبیل و ذلک لأنّ الواجب فیه مرکب علی الفرض من فعل خارجی کالصلاة مثلاً و فعل نفسانی کأحد الدواعی القربیة و الاختیار [أو الإرادة] المتعلق بالفعل الخارجی کالصلاة مثلاً غیر الاختیار المتعلق بالفعل النفسانی فإنّ تعدد الفعل بطبیعة الحال یستلزم تعدد الاختیار و إعمال القدرة فلایعقل تعلق اختیار واحد بهما معاً فإذن لایلزم المحذور المتقدم حیث إنّ الاختیار المتعلق بالفعل الخارجی هو الناشئ عن الفعل النفسانی یعنی أحد الدواعی القربیة و الاختیار المتعلق به [أی الفعل النفسانی و هو الداعی القربی] غیر ذلک الاختیار و لم ینشأ منه [أی من الفعل النفسانی].»

جوابان من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((2)) عنه:

الجواب الأول:

«إنّه قد تعلقت الإرادة التشریعیة من الشارع بالصلاة بداعی المصلحة فإن

ص: 220


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص182 و 183؛ ج 1، ص540 و 541
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص106،...، هل یمکن أخذ سائر الدواعی؟، الإشکالات علی ذلک ثلاثة، 2. المیرزا النائینی، جواب المحاضرات

کان الداعی لهذه الإرادة نفس المصلحة لزم المحال لکن داعی المولی للإرادة التشریعیة لیس هو المصلحة بل محبوبیة الصلاة مثلاً و إذا اختلف الداعیان ارتفع محذور الدور.» هذا علی ما فی تحقیق الأُصول.

الجواب الثانی:

للأُستاذ (دام ظله) بیان آخر من جهة تعدد أفراد الداعی الواحد (غیر تعدد نفس الداعی) فقال: إنّ المصلحة الداعیة إلی الإرادة التشریعیة غیر المصلحة المأخوذة فی المتعلق و هما فردان من المصلحة.

الإشکال الثالث: الدور أفاده المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((1))

«إنّ داعویة حسن الفعل مثلاً تتوقف علی کونه حسناً و کونه حسناً یتوقف علی داعویة الحسن فیدور» و هکذا إتیان العمل بداعی مصلحته یتوقف علی کونه ذا مصلحة و کونه ذا مصلحة یتوقف علی إتیانه بداعی مصلحته فیدور.

جوابان من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((2)) عنه:

الجواب الأول بالنقض:

((3))

إنّ التعظیم یتوقف علی قصده؛ مثلاً القیام للقادم إنّما یکون تعظیماً له إذا قصد به التعظیم و أما لو لم یقصد به التعظیم بل قصد به رؤیة شیء أو غیر ذلک فلایکون تعظیماً؛ و من جهة أُخری قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً؛ مثلاً

ص: 221


1- نهایة الأُصول، ص114،... التعبدی و التوصلی، إشکالات الباب تعم أخذ سائر الدواعی فی المأمور به.
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص107،...، 3. السید البروجردی، الجواب .
3- «... أولاً بالنقض بمثل التوهین و التعظیم و نحوهما من العناوین الانتزاعیة التعبدیة الخ».

لایمکن قصد التعظیم بفعل النوم لأنّ النوم لایکون تعظیماً فحینئذ قصد التعظیم یتوقف علی کونه تعظیماً و کونه تعظیماً یتوقف علی قصد التعظیم فیدور.

الجواب الثانی بالحل:

((1))

التعظیم الذی یتوقف علی قصد التعظیم هو التعظیم الفعلی و التعظیم الذی یتوقف علیه قصد التعظیم هو ما یقتضی التعظیم فالموقوف غیر الموقوف علیه لأنّ الموقوف هو التعظیم الفعلی و الموقوف علیه هو التعظیم الاقتضائی؛ هکذا الحسن الذی یتوقف علی قصد الحسن هو الحسن الفعلی و الحسن الذی یتوقف علیه قصد الحسن هو ما یقتضی الحسن فالموقوف هو الحسن الفعلی و الموقوف علیه هو الحسن الاقتضائی.

الإشکال الرابع: العجز عن الامتثال أفاده المحقق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((2))

«إنّ إتیان الصلاة مثلاً بداعی حسنها یتوقف علی کون الذات حسنة و المفروض أنّ الحسن إنّما هو للفعل المقید» لا لذات الفعل فلایمکن حینئذٍ إتیان الصلاة بداعی حسنها ( و هکذا فی سائر الدواعی).

جواب عن هذا الإشکال:

إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) فی دفع الإشکال الثالث یجری فی دفع هذا الإشکال أیضاً؛ فإنّ ذات الفعل له الحسن الاقتضائی و الفعل المقید له الحسن الفعلی.

ص: 222


1- «و ثانیاً بالحل و هو الفرق بین الاقتضاء و الفعلیة إذ الموقوف علی المصلحة فی العمل و علی القصد فی التعظیم مثلاً هو فعلیة القصد و المصلحة الخ».
2- نهایة الأُصول، ص114.
الإشکال الخامس: لزوم التسلسل أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

إنّ متعلق الأمر حسب الفرض هو إتیان العمل بداعی مصلحته و حینئذ إما یراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف لأنّ ذات العمل لا مصلحة فیها بل المصلحة فی إتیانها بقصد المصلحة و إما یراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلی تلک المصلحة الثانیة فإن کان المراد مصلحة ذات العمل فهذا خلف و إن کان المراد مصلحة العمل المقید بقصد المصلحة فننقل الکلام إلیه فهکذا یتسلسل.

الجواب عن الإشکال:

هو ما أفاده الأُستاذ (دام ظله) من أنّ ذات العمل واجدة للمصلحة الاقتضائیة.

ص: 223


1- نهایة الأصول «و بذلک یظهر تقریر التسلسل أیضاً».
الوجه الخامس: قصد الجامع بین الدواعی و هو قید الانتساب إلیه تعالی
اشارة

و هذا مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال: « إنّ ما ذکر من المحاذیر لایلزم شیء منها علی تقدیر أخذه [أی الجامع القربی] هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ الدواعی القربیة بکافة أصنافها فی عرض واحد؛ فلیس واحد منها فی طول الآخر فإنّ المعتبر فی العبادة هو الإتیان بها بقصد التقرب إلی المولی و هو یتحقق بإضافة الفعل إلیه حیث لا واقع له ما عدا ذلک و من المعلوم أنّ الإضافة جامعة بین جمیع أنحاء قصد القربة.

و من ذلک یظهر أنّ کل واحد من الدواعی القربیة غیر مأخوذ فی متعلق الأمر و المأخوذ إنما هو الجامع بین الجمیع و من ثمة لو أتی المکلف بالعبادة بأی داع من تلک الدواعی لکانت صحیحة و لا خصوصیة لواحد منها بالإضافة إلی الآخر أصلاً.»

إشکال علی أخذ الجامع بین الدواعی فی متعلق الأمر:

((2))

إذا قلنا باستحالة أخذ قصد الأمر فی المتعلق و قلنا أیضاً بعدم أخذ غیره من سائر الدواعی فبطبیعة الحال لایمکن أخذ الجامع بین هذه الدواعی لأنّه لایعم غیرها.

ص: 224


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص185؛ ج 1، ص543، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، الکلام فی بقیة الدواعی القربیة، المقام الأول.
2- محاضرات فی أُصول الفقه: «قد یقال کا قیل: إذا افترض استحالة أخذ قصد الأمر فی متعلقه من ناحیة و الیقین بعدم أخذ غیره من الدواعی القربیة فیه من ناحیة أُخری الخ».
جواب المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)) عن هذا الإشکال:

«إنّ الإطلاق عبارة عن رفض القیود و ملاحظة عدم دخل شیء من الخصوصیات فیه من الخصوصیات النوعیة أو الصنفیة أو الشخصیة و لیس عبارة عن الجمع بین القیود و الخصوصیات؛ و علی هذا فلا مانع من أخذ الجامع بین جمیع هذه الدواعی القربیة فی العبادات و لایستلزم عدم اعتبار کل واحد من تلک الدواعی فیها عدم أخذ الجامع و ذلک لأنّ معنی أخذ الجامع لیس أخذ خصوص قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد الملاک و نحو ذلک من الدواعی فی المتعلق » لأنّ الإطلاق ( فی الجامع المذکور ) لیس جمع القیود.

ص: 225


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص184؛ ج 1، ص542
الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة
اشارة

نسبه المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) إلی المیرزا المجدد الشیرازی (قدس سره) .

قال المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)) فی توجیهه: « إنّ کل عمل صادر عن الفاعل المختار لابدّ أن یکون صدوره عن داع من الدواعی التی تدعو المکلف نحو العمل و تبعث نحوه و من الواضح أنّ الداعی لایخلو من أن یکون داعیاً نفسانیاً أو یکون داعیاً إلهیاً فلا ثالث لهما.

و علیه فلو أخذ المولی فی متعلق أمره عدم إتیانه بداع نفسانی فقد وصل به إلی غرضه حیث إنّ هذا العنوان العدمی ملازم لإتیان الفعل المأمور به مضافاً إلی المولی ...»

إشکال المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا الوجه:

((3))

«لو فرضنا و لو [کان هذا الفرض] محالاً انفکاک ذلک العنوان [أو العمل العبادی المعنون بالعنوان المذکور] عن أحد الدواعی [الإلهیة] و بالعکس فلابدّ و أن تکون العبادة صحیحة علی الأول [لأنّها مشتملة علی الداعی الذی أُخذ فی المتعلق] دون الثانی [أی لو فرضنا أنّ المکلف أتی بالفعل مع الداعی الإلهی یلزم کونها باطلة لأنّ الداعی الذی أُخذ فی المتعلق لیس نفس الداعی الإلهی بل

ص: 226


1- أجود التقریرات، ج1، ص166 «إذا عرفت عدم إمکان أخذ داعی القربة فی متعلق الأمر فلابدّ من بیان ما به یمتاز التعبدی عن التوصلی فما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره وجوه: الأول ما حکی عن بعض تقریرات العلامة الشیرازی (قدس سره) و حاصله الخ»
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص185؛ ج 1، ص543
3- أجود التقریرات، ج1، ص166

ما یلازمه و نحن فرضنا انفکاک الداعی الإلهی عن ما یلازمه] مع أنّه لایلتزم به فقیه قطعاً لبداهة صحة العمل مع الداعی القربی قطعاً و إن لم یوجد هناک عنوان أصلاً و فساده مع عدمه و إن وجد ذلک العنوان.»

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

«حیث إنّ عدم الإتیان بالعبادة بداع نفسانی فی الخارج ملازم للإتیان بها بداع إلهی و لاینفک أحدهما عن الآخر خارجاً فلا مانع من اعتباره فیها توصلاً إلی مقصوده أما فرض الانفکاک محالاً فلا أثر له أصلاً حیث إنّه لایخرج عن مجرد الفرض من دون واقع موضوعی له [و لایخرج العنوانین عن الملازمة]...»

ص: 227


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص186؛ ج 1، ص544؛ و أجاب عنه فی حاشیة أجود التقریرات بأنّه «لایخفی أنّ فرض المحال – مع استلزام القید المزبور لأحد الدواعی القربیة خارجاً – لا أثر له فی ما نحن فیه ضرورة أنّه مع علم المولی بالملازمة المزبورة و تمکنه من الوصول إلی غرضه بأخذ القید المزبور لایترتب أثر علی فرض المحال أصلاً».
المورد الثانی: نتیجة الإطلاق
اشارة

علی فرض عدم إمکان أخذ قصد القربة فی متعلق الأمر (سواء فسرناه بقصد الأمر أم بغیره) فقد یقال بتصحیح ذلک بالأمر الثانی و یسمی بمتمم الجعل.

بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی:

إنّ غرض المولی قد یترتب علی الفعل بداعی القربة فإذا أراد المولی استیفاء غرضه و لایمکن له الاکتفاء بأمر واحد فلابدّ له من أمرین: الأمر الأول متعلق بذات الصلاة و الأمر الثانی متعلق بإتیانها بقصد القربة و هذان الأمران کأنهما أمر واحد لوحدة الغرض فیثبتان بثبوت الغرض و یسقطان بسقوطه.

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1)) علی هذا البیان:

الإیراد الأول:

و هو «القطع بأنّه لیس فی العبادات إلا أمر واحد کغیرها من الواجبات و المستحبات».

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

إنّ الأمر الأول إن سقط بإتیان متعلقه بدون قصد القربة فیکون الأمر الثانی

ص: 228


1- کفایة الأُصول، ص74، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس.
2- هکذا قرره بعض الأساطین ففی تحقیق الأُصول، ج2، ص100 «و ذکر المحقق الخراسانی (قدس سره) إشکالاً آخر و حاصله أنّ أخذ قصد الأمر هنا أیضاً غیر ممکن لأنّ حصول الامتثال و سقوط الأمر بإتیان المتعلق بقصد الأمر الأول إن کان ممکناً فالأمر الثانی یکون لغواً الخ»؛ و فی کفایة الأُصول «إنّ الأمر الأول إن کان یسقط بمجرد موافقته و لو لم یقصد به الامتثال کما هو قضیة الأمر الثانی فلایبقی مجال لموافقة الثانی مع موافقة الأول بدون قصد امتثاله فلایتوسل الآمر إلی غرضه بهذه الحیلة و الوسیلة الخ»

لغواً و إن لم یسقط فالوجه فی عدم السقوط لیس إلا عدم حصول غرضه و حینئذ یستقل العقل بلزوم تحصیل الغرض و هو لایحصل إلا بالإتیان بقصد القربة فلا حاجة إلی الأمر الثانی مولویاً ( فلو ورد الأمر الثانی فی کلام الشارع یحمل علی الإرشاد إلی حکم العقل ) لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی و هو الامتثال بقصد الأمر.

أجوبة خمسة عن الإیراد الثانی:
الجواب الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال: «إنّ الإشکال مبنی علی تخیل أن تعدد الأمر إنّما یکون عن ملاک یختص بکل واحد و قد عرفت أنّه لیس المراد من تعدد الأمر ذلک بل لیس هناک إلا ملاک واحد لایمکن أن یستوفی بأمر واحد.»

مناقشة فی هذا الجواب:

هذا خلاف ظاهر ما أفاده فی الکفایة حیث قال: «فلا حاجة فی الوصول إلی غرضه إلی وسیلة تعدد الأمر» و الظاهر من هذه العبارة وحدة الغرض و الملاک.

الجواب الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً
اشارة

إنّ شأن العقل إدراک الواقع علی ما هو علیه و لیس له الجعل و التشریع فی قبال الشارع و علی هذا لو تعلق غرض المولی بإتیان المتعلق بقصد القربة فلابدّ أن یعتبره من قبل نفسه بالأمر الأول و مع عدم إمکانه بالأمر الثانی الذی یکون متمماً للأمر الأول؛ فلذا یکون الأمران بحکم الأمر الواحد.

ص: 229


1- فوائد الأصول، ج1، ص162، المقصد الأول، الأمر السادس، المقام الأول فی ما یقتضیه الأصل اللفظی.
مناقشة فی هذا الجواب:

«إنّ ما أفاده (قدس سره) بعید عن کلام [صاحب] الکفایة [ (قدس سره) ] فإنّه لم یدع کون شأن العقل الآمریة و الشارعیة بل ما أفاده یرجع إلی أنّ العقل یری بمقتضی لزوم إطاعة أمر المولی - و هو الآمر بذات العمل - لزومَ الإتیان بالفعل بداعی القربة ... [و] لزومَ إطاعة الأمر الأول المتوقفة علی الإتیان [بمتعلقه] بقصد القربة لتوقف حصول الغرض علیه و من الظاهر أنّ الإلزام بوجوب الإطاعة حکم عقلی [بمعنی مدرکات العقل] لا شرعی و إلا لزم التسلسل ...»((1))

الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الأول من الإیراد
اشارة

إنّ بیان صاحب الکفایة (قدس سره) مشتمل علی الشقین:

الشق الأول: هو أنّ الأمر الأول إن سقط بإتیانه بلا قصد القربة یکون الأمر الثانی لغواً

الشق الثانی: و هو فرض عدم سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و حکم صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بلغویة الأمر الثانی لاستقلال العقل بوجوب الموافقة علی نحو یحصل به غرض المولی.

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2)) فی الشق الأول

قال: « إنّ موافقة الأول لیست علة تامة لحصول الغرض بل یمکن إعادة المأتی به لتحصیل الغرض المترتب علی الفعل بداعی الأمر. توضیحه ... و

ص: 230


1- منتقی الأصول، ج1، ص448، الأوامر، المطلب الثانی، الجهة الخامسة، أخذ قصد الأمر فی متعلقه بأمر آخر.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص332، التعلیقة 173 علی هذه العبارة «أنّ الأمر الأول إن کان یسقط بمجرد موافقته»

سیجیء إن شاء الله فی المباحث الآتیة((1)) [أی فی بحث الإجزاء] أنّ الامتثال لیس عنده (قدس سره) علة تامة لحصول الغرض کی لاتمکن الإعادة و تبدیل الامتثال بامتثال آخر غایة الأمر أنّ تبدیل الامتثال ربما یکون لتحصیل غرض أوفی فیندب الإعادة و أُخری یکون لتحصیل المصلحة الملزمة القائمة بالمأتی به بداعی الامتثال فتجب الإعادة ...»

ملاحظة علی هذا الجواب:

((2))

هذا خلاف فرض صاحب الکفایة (قدس سره) حیث افترض سقوط الأمر الأول بمجرد موافقته و معنی ذلک حصول غرض المولی من الأمر الأول؛ أما الغرض الأوفی فلیس هو ملاکاً و غرضاً من الأمر الأول بل هو غرض آخر و البحث عنه أجنبی من فرض الشق الأول.

ص: 231


1- کفایة الأُصول، ص79، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثامن، تنبیه «... و التحقیق أنّ قضیة الإطلاق إنّما هو جواز الإتیان بها مرةً فی ضمن فرد أو أفراد... لا جواز الإتیان بها مرةً و مرات فإنّه مع الإتیان بها مرةً لا محالة یحصل الامتثال و یسقط به الأمر فی ما إذا کان امتثال الأمر علةً تامةً لحصول الغرض الأقصی بحیث یحصل بمجرده فلایبقی معه مجال لإتیانه ثانیاً الخ»؛ و فی ص 83، المقصد الأول، الفصل الثالث ( الإجزاء ) الکلام فی موضعین، الموضع الأول «إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی بل بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً یجزی عن التعبد به ثانیاً لاستقلال العبد بأنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأمور به علی وجهه لاقتضائه التعبد به ثانیاً نعم لایبعد أن یقال بأنّه یکون للعبد تبدیل الامتثال و التعبد به ثانیاً بدلاً عن التعبد به أولاً لا منضماً إلیه کما أشرنا إلیه فی المسألة السابقة و ذلک فی ما علم الخ».
2- منتقی الأُصول، ج1، ص444 «... و فیه أولاً أنّه یبتنی علی التزام صاحب الکفایة بجواز تبدیل الامتثال و لو مع سقوط الأمر أما مع الالتزام بجوازه من باب بقاء الأمر لعدم حصول غرضه الأوفی فلایتأتی ما ذکر ههنا لأنّ المفروض سقوط الأمر بمجرد الفعل فلایکون المورد قابلاً لتبدیل الامتثال بعد سقوطه الخ».
الجواب الرابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1)) فی الشق الثانی من الإیراد

«إنّ المولی لایجب علیه أخذ کل ما له دخل فی تأثیر مطلوبه فی غرضه فی متعلق أمره بذات ما یفی بالغرض سواء أمکن أخذه فیه کالطهارة و نحوها أو لم یمکن کالقربة و نحوها؛ بل قد عرفت أنّه بلحاظ لب الإرادة لایعقل تعلقها [أی الإرادة] بذات السبب و شرائطه فی عرض واحد فله الأمر حینئذ بذات السبب و الأمر بکل واحد من الشرائط مستقلاً و عدم سقوط الأمر بالسبب مع عدم الإتیان بشرائطه من لوازم الاشتراط من دون فرق بین القربة و غیرها.

و [حینئذ] کما لایحکم العقل بدخل الطهارة بعنوانها فی ترتب الغرض من الصلاة علیها مع عدم بیان من الشارع کذلک لایحکم العقل بدخل القربة بعنوانها فی ترتب الغرض [مع عدم بیان من الشارع؛ فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من استقلال العقل و حکمه مخدوش].

و حکمه [أی العقل] بدخلها [أی القربة] فی استحقاق الثواب لادخل له بما نحن فیه».

فتحصل من ذلک بطلان إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) لا بما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بل بما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی.

أما الشق الأول فخارج عن فرض القائلین بتصحیح أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی.

ص: 232


1- نهایة الدرایة، ج1، ص334، التعلیقة 174 علی هذه العبارة «و إن لم یکد یسقط بذلک فلایکاد».
الجواب الخامس: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((1)) فی الشق الثانی

«إنّ کلامه مبنی علی القول بأصالة الاشتغال فی ما نحن فیه و لکن سیأتی((2)) فی مبحث مقتضی الأصل العملی أنّ فی المقام قولین: أحدهما البراءة و الآخر هو الاشتغال و علی الأول لایکون الأمر الثانی لغواً.»

و هذا البیان مذکور فی تقریرات المحقق العراقی (قدس سره) ((3)) أیضاً.

ملاحظتنا علی هذا الجواب:

إنّ هذا الإشکال یتعلق بصورة الشک فی سقوط الأمر الأول و لکن فرض صاحب الکفایة (قدس سره) سقوط الأمر لا الشک.

هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی.

ص: 233


1- تحقیق الأصول، ج2، ص101.
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص111؛ و مختاره (دام ظله) البراءة قال فی ص 113 «فالتحقیق أنّ الأصل فی المقام هو البراءة عقلاً و نقلاً».
3- بدائع الأفکار، ج1، ص232.
المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی
اشارة

قال بعض الأعلام: إنّ مقتضی الأصل اللفظی الخارجی التعبدیة.

و استدل علی ذلک بوجوه ثلاثة:

الوجه الأول:
اشارة

و هو قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ). (1)

بیانه أنّ هذه الآیة تدل بمقتضی الحصر علی أنّ الأوامر الصادرة من الله تعالی کلها عبادیة إلا إذا قام دلیل علی کونها توصلیة.

ص: 234


1- . سورة البینة ( 98 ): 5. فی أوثق الوسائل، ص504: «لایذهب علیک أنّه قد استدلّ بالآیة علی أنّ الأصل فی کل أمر أن یکون تعبدیاً و أُخری علی اشتراط قصد القربة و الإخلاص فی العبادات و عدم صحتها مع الریاء و غیره من الضمائم». أمّا دلالة الآیة علی المطلب الأوّل فقد صرّح بها فی کشف الغطاء و الجواهر و الإشارات. ففی الأوّل، ج1، ص276، الفن الثانی، المقصد الثانی، المقام الثانی، المقصد الأوّل فی النیة، المبحث الثانی من الطبعة الحدیثة: «الأصل فی کل عمل مأمور به أن یکون عبادة مشروطة بها [أی النیة]... و لعموم ما فی کتاب المبین من قوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا...) (البینة: 5)» و فی الجواهر، ج15، ص471: «أمّا القول فی النیة... فلا خلاف فی اعتبارها فی الزکاة... فعموم ما دلّ علی اعتبارها من قوله [تعالی] (وَمَا أُمِرُوا)الآیة... لا معارض له هنا و کذا الکلام فی الخمس و إن قلّ المصرّح باعتبارها فیه» و فی ج4، ص118: «ثم یغسّل بماء السدر یبدأ برأسه ثمّ جانبه الأیمن ثم الأیسر مع نیة التقرّب لاشتراطها فی غسل المیت علی الأقوی للمشهور نقلاً و تحصیلاً... و کیف کان فنحن فی غنیة عنه [أی الإجماع] لأصالة العبادة فی کل ما أمر به لقوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا) الآیة» الخ. و فی أجود التقریرات، ج1، ص171: «و استدل الکلباسی (قدس سره) فی الإشارات علی أصالة التعبدیة بوجوهٍ:... الوجه الثانی: قوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا)الآیة» و قد نسب فی الفصول، ص70 الاحتجاج بالآیة علی المطلب الأوّل إلی العلامة (قدس سره) و لکن فی مطارح الأنظار، ص61: «و نسبه بعض الأجلة إلی العلامة و الموجود من کلامه فی المنتهی ما یخالف ذلک» و فی تقریرات الشیرازی، ج2، ص341: «و قد نسب إلی العلامة فی النهایة لکن المحکی من کلامه عن المنتهی مخالف لذلک». أمّا دلالتها علی المطلب الثانی فقد صرّح بها المحقق و العلامة و الشهید الثانی (قدس سرهم). ففی کتاب الطهارة للشیخ الأنصاری (قدس سره) ، ج2، ص11: «و إنّما یمکن أن یدّعی دلالتها [أی الآیة] علی أنّ العبادة لم یؤمر بها إلّا علی جهة الإخلاص و لهذا استدلّ الفاضلان فی ظاهر المعتبر و صریح المنتهی بها علی وجوب الإخلاص فی الواجب المفروغ کونها عبادة». و فی تمهید القواعد، ص240: «و منها الحکم باشتراط الإخلاص فی العبادة و بطلان عبادة الریاء لقوله تعالی (وَمَا أُمِرُوا)الآیة».
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)) علی هذا الوجه:

أولاً:((2)) إنّ الآیة بقرینة صدرها فی مقام تعیین المعبود((3)) و حصر العبادة بعبادته

ص: 235


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص192؛ ج 1، ص551 و 552،...، مقتضی الأصل اللفظی.
2- «... لایمکن الالتزام بهذا الظاهر و ذلک من ناحیة وجود قرینة داخلیة و خارجیة. أما القرینة الداخلیة فهی ورودها فی سیاق قوله تعالی (لَمْ یکُنِ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَالْمُشْرِکِینَ مُنْفَکِّینَ حَتَّی تَأْتِیهُمُ الْبَینَةُ) (البینة:1) حیث یستفاد من هذا» الخ.
3- ذکر هذا الإیراد فی عدّة من الکتب: ففی الفصول: «... مع أنّ الظاهر من سیاقها أنّها قصر أفراد وردت رداً علی الکفار». و فی فرائد الأُصول: «و یرد علیه بعد الإغماض عن عدم دلالة الآیة علی وجوب الإخلاص بمعنی القربة فی کل واجب و إنّما تدلّ علی وجوب عبادة الله خالصة عن الشرک و بعبارة أُخری وجوب التوحید کما أوضحنا ذلک فی باب النیة من الفقه». و فی مصباح الفقیه، ج2، ص130: «و أمّا قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا) (البینة:1) الآیة فهی ظاهره فی إرادة التوحید و نفی الشرک کما تشهد به کلمات جماعة من المفسرین علی ما حکاه عنهم شیخنا المرتضی (رحمة الله) ». و فی أجود التقریرات: «و فیه:... و ثانیاً أنّ مفاد الآیة بقرینة سابقتها و هو قوله عزّوجلّ: (لَمْ یکُنْ)(البینة:1) هو أنّ المؤمنین فی مقام العبادة لم یؤمروا إلّا بعبادة الله دون غیره لا أنّ کل أمر ورد فی الشرع فهو عبادی». و ذکر المحقق الخوئی (قدس سره) فی التعلیقة علیه: «الظاهر أنّ الضمیر فی قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا) الآیة یرجع إلی أهل الکتاب المذکورین قبل هذه الآیة فحاصل المراد أنّ أهل الکتاب لم یکونوا مأمورین إلّا بعبادة الله و التفرق الموجود بینهم إنّما نشأ من قبل أنفسهم من بعد ما جاءتهم البینة فالآیة أجنبیة عن محل الکلام بالکلیة». و فی المستمسک، ج2، ص460: «و أمّا الاستدلال علیه بقوله تعالی: (وَمَا أمِرُوا) الآیة (البینه:5) ففیه أنّه ظاهر فی التوحید کما فسّرها به جماعة».

تعالی و الرد علی المشرکین و الکفار و عبدة الأصنام.

ثانیاً:((1)) علی هذا یلزم تخصیص الأکثر((2)) لأنّ الأوامر الواردة أکثرها توصلیة.

الوجه الثانی:
اشارة

و هو قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ).((3))

بیانه أنّ معنی الإطاعة امتثال الأمر و الامتثال لایتحقق إلا مع قصد الأمر و أما مع عدم قصد الأمر فلاتصدق الإطاعة.

ص: 236


1- «و أما القرینة الخارجیة فهی لزوم تخصیص الأکثر حیث إنّ أغلب الواجبات فی الشریعة المقدسة توصلیة الخ».
2- فی کتاب الطهارة: «منها لزوم تخصیص العموم بأکثر من الباقی». و فی أوثق الوسائل: «مضافاً إلی أنّه لو کان المراد بها معناها المصطلح علیه لزم تخصیص الأکثر لوضوح کون أکثر الواجبات توصلیاً لا تعبدیاً». و فی مصباح الفقیه: «و یرد علی الجمیع إجمالاً أنّه لو کان مفادها کما تخیل المستدل للزم فیها تخصیص الأکثر المستهجن». و فی أجود التقریرات: «و فیه أوّلاً أنّ هذا المعنی مستلزم لتخصیص الأکثر».
3- سورة النساء (4): 59.
إیراد علی هذا الوجه:

((1))

إنّا لانسلم قوله: «مع عدم قصد الأمر لاتصدق الإطاعة» بل الإطاعة تصدق فی الواجبات التوصلیة کما تصدق العصیان فیها و الإطاعة و العصیان متقابلان فالإطاعة و الامتثال یصدقان فی الواجبات التوصلیة.

الوجه الثالث:
اشارة

و هی الروایات الواردة مثل قولهم (علیهم السلام): «لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ» ((2)) و «إِنَّمَا

ص: 237


1- فی بدائع الأفکار، ص237: «و أُجیب عن ذلک بوجوه:... و منها و هو الصحیح عندی أنّ الإطاعة و إن کانت حقیقة متوقفة علی إیجاد المأمور به قاصداً لموافقته إلّا أنّ المراد بها فی أغلب موارد استعمالاتها العرفیة و الشرعیة ما یقابل العصیان و المخالفة فالمراد بها الإتیان بالواجبات و عدم المخالفة بترکها» و قد أُورد علی الاستدلال بهذه الآیة إیرادات أُخر: الأوّل- فی المفاتیح: «و أمّا فی الثالث فبالمنع من إفادته العموم» و فی بدائع الأفکار: «منها ما ذکره بعض من قاربنا عصره من الأجلة من أنّ الأمر بالإطاعة مطلق و لیس بعام فلایتناول محل النزاع» الثانی- فی المفاتیح أیضاً: «یحتمل کون الأمر بالإطاعة للاستحباب». الثالث- فی مصباح الفقیه: «و تفصیل الجواب أمّا عن آیة الإطاعة فبأنّها مسوقة للإرشاد إلی ما یستقل به العقل و لیس الطلب فیها مولویاً حتی یصلح لتقیید الواجبات الواقعیة بالإطاعة».
2- وردت هذه الفقرة إمّا وحدها و إمّا مقرونة بغیرها. أمّا الأوّل: ففی الکافی، ج2، ص84، باب النیة و فی عوالی اللئالی، ج2، ص190 عن النبی (صلی الله علیه و آله) و أمّا الثانی فهو قسمان: القسم الأول: فی الکافی، ج8، ص234: «... عن علی بن الحسین (علیهما السلام) قال: لا حسب لقرشی و لا لعربی إلّا بتواضع و لا کرم إلّا بتقوی و لا عمل إلّا بالنیة و لا عبادة إلّا بالتفقّه ألا و إنّ أبغض الناس إلی الله من یقتدی بسنة إمام و لایقتدی بأعماله»؛ و رواه فی تحف العقول، ص280 عن علی بن الحسین (علیهما السلام) لکن فیه «و لا عمل إلّا بنیة» بدون «ال»؛ و رواه فی الخصال، ص18 بدون الفقرة الرابعة أی «و لا عبادة إلّا بالتفقّه» و فیه «و لا عمل إلّا بنیة» بدون «ال». و فی مستدرک الوسائل، ج1، ص89 عن الجعفریات: «... عن علی (علیه السلام) قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) یقول: لا حسب إلّا التواضع و لا کرم إلّا التقوی و لا عمل إلّا بنیة و لا عبادة إلّا بیقین»؛ و رواه فی کنز الفوائد، ص13 و معدن الجواهر، ص39 عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) و لکن فیه: «لا حسب إلّا بتواضع و لا کرم إلّا بتقوی» الحدیث؛ و رواه فی دعائم الإسلام، ج1، ص105 عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) بهذه الصورة: «لا عمل إلّا بنیة و لا عبادة إلّا بیقین و لا کرم إلّا بالتقوی» أی بدون الفقرة الأُولی؛ و فی أمالی الطوسی، ص590: «... عن علی (علیهم السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) : لا حسب إلّا بالتواضع و لا کرم إلّا بالتقوی و لا عمل إلّا بالنیة» أی بدون الفقرة الرابعة. القسم الثانی: فی تهذیب الأحکام، ج4، ص186، ح3: «و روی عن الرضا (علیه السلام) أنّه قال: لا قول إلّا بعمل و لا عمل إلّا بنیة و لا نیة إلّا بإصابة السنة»؛ راجع عوالی اللئالی، ج2، ص190، و المحاسن، ج1، ص222، و الکافی، ج1، ص70، ح9 و بصائر الدرجات، ص31، و تحف العقول، ص43 و أمالی الطوسی، ص337، و ص385.

الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ» و «لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی».((1))

إیراد علی هذا الوجه:

(2)

إنّ مفاد هذه الروایات هو أنّ العبد لو نوی فی أعماله نیة إلهیة یترتب علی أعماله الثواب و إلا فلا؛ أما فساد العمل بلا نیة فلا دلالة لتلک الأخبار علیها.

ص: 238


1- أمّا فی کتب حدیث الشیعة فوردت: «إنّما الأعمال بالنیات» إمّا وحدها و إمّا مقرونة ب- «لکل امرئ ما نوی». أمّا الأوّل: ففی التهذیب، ج4، ص186: «روی عن النبی (صلی الله علیه و آله) أنّه قال: الأعمال بالنیات»؛ و فی عوالی اللئالی، ج2، ص11 و 190 عن النبی (صلی الله علیه و آله) : «إنّما الأعمال بالنیات». و أمّا الثانی فهو ثلاث صور: الصورة الأولی: هاتان الجملتان فقط. راجع التهذیب، ج1، ص83 و دعائم الإسلام، ج1، ص156 و التهذیب، ج4، ص186و مصباح الشریعة، ص53، و عوالی اللئالی، ج1، ص380 الصورة الثانیة: فی مسائل علی بن جعفر، ص346: «... إنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) أغزی علیاً (علیه السلام) ...فبلغ النبی (صلی الله علیه و آله) فقال: إنّما الأعمال بالنیات و لکل امرئ ما نوی ...»؛ و رواه فی أمالی الطوسی، ص618. الصورة الثالثة: فی دعائم الإسلام، ج1، ص4: «وقد روینا عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنّه قال: إنّما الأعمال بالنیات و إنّما لامرئ ما نوی فمن کانت هجرته إلی الله و رسوله فهجرته إلی الله و رسوله و من کانت هجرته لامرأة یتزوّجها أو لدنیا یصیبها فهجرته إلی ما هاجر إلیه»؛ و راجع عوالی اللئالی، ج1، ص81
2- . فی کتاب الطهارة: «فالأظهر فی هذه الأخبار حمل النبویین منها علی إرادة نفی الجزاء علی الأعمال إلّا بحسب النیة فالعمل لایکون عملاً للعبد یکتب له أو علیه إلّا بحسب نیته فإذا لم یکن له نیة فیه لم یکتب أصلاً و إذا نوی کتب علی حسب ما نواه حسناً أو سیئاً؛ و أمّا قوله: ”لا عمل إلّا بنیة“ فالظاهر منه إرادة العمل الصالح و هی العبادة المنبعثة عن اعتقاد النفع فیه». و فی أجود التقریرات، ج1، ص172: «و فیه أنّ المستفاد من التفاسیر الواردة فی کلمات الأئمة (علیهم السلام) لهذه الکلمة الجامعة [أی: الأعمال بالنیات] أنّ المراد منها هو أنّ لکل امرئ ما نوی فإن کان العمل لله فیجعله الله لنفسه و إلّا فلما عمله من أجله کما ورد عنهم (علیهم السلام): إنّ المجاهد إن جاهد لله فالعمل له تعالی و إن جاهد لطلب المال و الدنیا فله ما نوی فحاصل الروایة الشریفة أنّ عنوان الفعل فی الخارج یتبع نیة الفاعل و قصده فإن فعله لله یقع له و إلّا فلا». قد ذکر فی الفصول إیراداً آخراً علی الاستدلال بروایة «إنّما الأعمال بالنیات» قال: «أما الثانی فلأنّ المتبادر من الأعمال فی الروایة إنّما هو العبادات و لو سلّم فسلامة سندها غیر معلومة». و ذکر الشیخ (قدس سره) فی کتاب الطهارة احتمالاً آخر فی المراد من النیة فی روایة «إنّما الأعمال بالنیات» و «لکل امرئ ما نوی» فراجع.

هذا تمام الکلام فی الأصل اللفظی الداخلی (الإطلاق بمقدمات الحکمة و نتیجة الإطلاق) و الأصل اللفظی الخارجی.

و النتیجة إلی هنا دلالة الأصل اللفظی الداخلی علی أصالة التوصلیة و بطلان الأصل اللفظی الخارجی فی المقام.

ص: 239

مقتضی الأصل المقامی علی المعنی الرابع
اشارة

له تقریران:

التقریر الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره)

((1))

«إذا کان الآمر فی مقامٍ بصدد بیان تمام ما له دخل فی حصول غرضه و إن لم یکن له دخل فی متعلق أمره و معه سکت فی المقام و لم ینصب دلالة علی دخل قصد الامتثال فی حصوله کان هذا قرینةً علی عدم دخله فی غرضه و إلا کان سکوته نقضاً له [أی للغرض] و خلاف الحکمة؛ فلابدّ عند الشک و عدم إحراز هذا المقام من الرجوع إلی ما یقتضیه الأصل [العملی] و یستقل به العقل.»

التقریر الثانی:

و هو ما أفاده المحقق النائینی((2)) تبعاً للشیخ (قدس سرهما)((3)) من تصحیح أخذ قصد

ص: 240


1- کفایة الأصول، ص75، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الثالثة.
2- فی فوائد الأُصول، ج1، ص160 و 161: «و التحقیق فی المقام أنّه ینحصر کیفیة الاعتبار بمتمم الجعل و لا علاج له سوی ذلک فلابدّ للمولی الذی لایحصل غرضه إلا بقصد الامتثال من تعدد الأمر بعد ما لایمکن أن یستوفی غرضه بأمر واحد الخ». و فی أجود التقریرات، ج1، ص 175 «و علی هذا فإذا کان المولی فی مقام بیان إظهار تمام جعله و مع ذلک لم یأمر بقصد القربة فیستکشف من هذا الإطلاق المسمی بالإطلاق المقامی تمامیة الجعل الأول و عدم احتیاجه إلی جعل المتمم ثانیاً فتکون النتیجة کما فی الإطلاق الکلامی... و بالجملة فالفرق بین التوصلیات و التعبدیات إنّما هو بالأمر الثانی و عدمه و التفرقة بینهما بالغرض قد عرفت فسادها و حینئذ فإذا کان المولی فی مقام البیان و لم ینصب قرینةً علی الجعل الثانی المتمم للجعل الأول فمقتضی الإطلاق هو التوصلیة و عدم الجعل الآخر الخ».
3- مطارح الأنظار، ص60، القول فی وجوب مقدمة الواجب، هدایة فی تقسیم الواجب إلی التعبدی و التوصلی «و من هنا قلنا فی بعض المباحث المتقدمة بأنّ الطالب لو حاول طلب شیء علی وجه الامتثال لابدّ له من أن یحتال فی ذلک بأن یأمر بالفعل المقصود إتیانه علی وجه القربة أولاً ثم ینبه علی أنّ المقصود هو الامتثال بالأمر الخ» و فی ص 61 «... و أما الشک فی التقیید المذکور فبعد ما عرفت من أنّه لایعقل أن یکون مفاداً بالکاشف عن الطلب لابدّ له من بیان زائد علی بیان نفس الطلب و الأصل عدمه الخ»

الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و قد مضی بیانه مفصلاً.((1))

فتحصل إلی هنا: أنّ الأصل فی الواجبات، التوصلیة و الدلیل علی ذلک أُمور:

الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة فإنّ المأخوذ فی متعلق الأمر هو قصد الجامع بین وجوه قصد القربة (و قصد الأمر و قصد المحبوبیة و قصد المصلحة و قصد الحسن کلها من مصادیق الجامع فیمکن قصد هذه الوجوه و أیضاً یمکن قصد ملازم ذلک العنوان الجامع) و لامحذور فی أخذها فی المتعلق و الإطلاق بمقدمات الحکمة یدل أیضاً علی التوصلیة علی القول بأنّ المأخوذ فی المتعلق خصوص قصد الأمر کما هو مختار صاحب الجواهر (قدس سره) ((2)) لما بیناه مفصلاً((3)) من عدم استحالة التقیید به

الثانی: لو قلنا بالاستحالة فی خصوص قصد الأمر فلا إشکال أیضاً حیث إنّ

ص: 241


1- قد مضی فی الموضع الرابع، الناحیة الأُولی، المورد الثانی (نتیجة الإطلاق).
2- جواهر الکلام، ج9، ص155 و 156 «أما العبادات فلا إشکال فی اعتبار القصد فیها لعدم صدق الامتثال و الطاعة بدونه و اعتبارهما فی کل أمر صدر من الشارع معلوم بالعقل و النقل کتاباً و سنةً... بل لایصدقان إلا بالإتیان بالفعل بقصد امتثال الأمر فضلاً عن مطلق القصد... و علی کل حال فلا إشکال فی اعتبار قصد الامتثال و التعیین علی الوجه الذی ذکرناه و الظاهر أنّ الأول هو مراد الأصحاب بنیة القربة الخ»؛ و راجع أیضاً ج 2، ص86.
3- الموضع الرابع، الناحیة الأولی، المورد الأول، الوجه الأول، الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر؟

الإطلاق فی مقام الثبوت یکفی لإثبات التوصلیة؛ و هکذا سائرُ وجوه قصد القربة فلا محذور فی التمسک بالإطلاق فی مقام الثبوت لإثبات التوصلیة و لو قلنا بالاستحالة.

الثالث: علی فرض عدم جواز التمسک بالإطلاق الإثباتی اللفظی (الإطلاق بمقدمات الحکمة) و الإطلاق الثبوتی (الإطلاق المتعلق بمرحلة الغرض و الملاک) یمکن أن نتمسک بالإطلاق الإثباتی المقامی تارةً بما قرره الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) من تصحیح أخذ قصد الأمر فی متعلقه بالأمر الثانی و هو المسمی بمتمم الجعل و نتیجة الإطلاق و أُخری بما قرره صاحب الکفایة (قدس سره) من الإطلاق المقامی.

ص: 242

مقتضی الأصل العملی علی المعنی الرابع
اشارة

هنا مسألتان:

المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟
اشارة

نذکر بیانین لعدم الجریان:

البیان الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) :
اشارة

((1))

إنّ استصحاب بقاء الوجوب - علی فرض إمکان أصله - مثبت بالنسبة إلی قصد الامتثال فی المتعلق لأنّه من اللوازم العقلیة بالنسبة إلی بقاء الوجوب.

و إن کان الغرض من الاستصحاب التعبد بدخل قصد القربة فی الغرض فأوضح بطلاناً لأنّ دخل قصد الأمر حسب الفرض فی المتعلق واقعی و لایقبل الجعل الشرعی و التعبد.

و إن کان الغرض من الاستصحاب و التعبد ببقاء الوجوب إثبات موضوع حکم العقل بلزوم إطاعة المولی حتی یحصل الغرض و یسقط.

ففیه أولاً: أنّ حکم العقل بلزوم الإطاعة لإسقاط الغرض هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لا فی الغرض الثابت بالتعبد بالوجوب؛

ص: 243


1- نهایة الدرایة، ج1، ص347، التعلیقة 177 علی هذه العبارة «فاعلم أنّه لا مجال ههنا إلا لأصالة الاشتغال» قال (قدس سره) : «و التحقیق أنّ الاستصحاب لا مجال له هنا لأنّ الغرض منه إن کان التعبد بوجوب قصد الامتثال شرعاً فهو علی فرض إمکان أصله غیر مترتب علی بقاء الأمر شرعاً... وإن کان التعبد بدخله فی الغرض فأوضح بطلاناً... و إن کان التعبد به محققاً لموضوع الحکم العقلی بإسقاط الغرض لکشفه عن بقائه ففیه أولاً الخ».

و ثانیاً: أنّ ذلک لایستقیم علی المبنی المختار فی تفسیر الحجیة فی الاستصحاب و هو جعل الحکم المماثل؛ فإنّ التعبد ببقاء الوجوب کاشف عن تقیید الغرض بقصد القربة فی ما إذا کان البقاء بقاء شخص الحکم الذی یکشف عن ملاکه و غرضه و هذا فی البقاء الحقیقی أما البقاء التعبدی علی المختار من جعل الحکم المماثل فهو بقاء شیء آخر و لایکشف عن الغرض الواقعی.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((1)) علیه:

الإیراد الأول:
اشارة

((2))

إنّا لانسلم تعلیل عدم جریان الاستصحاب بعدم ترتب الأثر لأنّ عدم ترتب الأثر من قبیل وجود المانع و رتبته بعد رتبة تحقق المقتضی مع أنّ المقتضی هنا غیر تام لعدم تمامیة أرکان الاستصحاب.

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) استشکل جریان الاستصحاب علی فرض إمکان أصله کما صرح بهذا فی نهایة الدرایة و هذا یؤمی إلی إیراده علی الاستصحاب من حیث المقتضی أیضاً.

ص: 244


1- تحقیق الأصول، ج2، ص110 و 111،... التعبدی و التوصلی، الجهة الثالثة، الاستصحاب و إشکال المحقق الإصفهانی، نقد الإشکال و الإشکال الحق.
2- «بل الحق فی الإشکال و الذی غفل عنه المحقق الإصفهانی هو عدم المقتضی للاستصحاب فی ما نحن فیه و ذلک لأنّ الوجوب إنّما ینتزع من الأمر و الحکم الخ»
الإیراد الثانی:

(1)

إنّ الصور الثلاث لعدم جریان الاستصحاب التی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) کلها ترجع إلی أنّ الاستصحاب هنا لا أثر شرعی له فهذه الوجوه تتم علی مبنی من یری لزوم تحقق الأثر الشرعی فی جریان الاستصحاب و لکن نحن لانلتزم به لأنّ المستصحب هنا حکم شرعی و یتحقق باستصحابه موضوع حکم العقل بوجوب الطاعة لتحصیل الفراغ عن الذمة فما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ حکم العقل بإسقاط الغرض إنّما هو فی الغرض المنکشف بحجة شرعیة أو عقلیة لایرتبط بالمقام لأنّا لانبحث عن الغرض و حکم العقل بإسقاطه بل نبحث عن اشتغال الذمة و حکم العقل بلزوم فراغ الذمة.

البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین

قال: لا مجال للاستصحاب لعدم تمامیة أرکانه لأنّ الوجوب (المتیقن ثبوته) منتزع عن الأمر و یدور أمره بین قطعی الزوال و قطعی الثبوت فلیس هنا وجوب مشکوک البقاء حتی نستصحبه.

بیان ذلک: إنّ الوجوب إما منتزع عن الأمر بذات المتعلق و إما منتزع عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة و نفرض إتیان المکلف المتعلق بدون قصد القربة فحینئذ علی القول بانتزاع الوجوب من الأمر بذات المتعلق هو قطعی الانتفاء و علی القول بانتزاعه عن الأمر بالمتعلق مع قصد القربة هو قطعی الثبوت.

ص: 245


1- . «إنّ ما ذکره المحقق المذکور فی الإیراد علی الاستصحاب إنّما یتم لو أُرید ترتیب أثر شرعی علی الاستصحاب و لکن المستصحب فی ما نحن فیه هو نفسه حکم شرعی و باستصحابه یثبت الموضوع للحکم العقلی الخ».
المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأول: جریان أصالة الاشتغال

و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) .((1)) قال: « فاعلم أنّه لا مجال هاهنا إلا لأصالة الاشتغال و لو قیل بأصالة البراءة فی ما إذا دار الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین؛ و ذلک لأنّ الشک هاهنا فی الخروج عن عهدة التکلیف المعلوم مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها».

أما عدم جریان البراءة النقلیة فلاستحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق فحینئذ لایکون قصد القربة قابلا للوضع و الرفع شرعاً فلایتحقق موضوع البراءة الشرعیة (أی إمکان الرفع).

و أما عدم جریان البراءة العقلیة فللعلم الإجمالی بأنّ الغرض إما یترتب علی الأقل و إما یترتب علی الأکثر و هذا العلم منجز فلایکون العقاب حینئذ عقاباً بلا بیان فلایتحقق موضوع البراءة العقلیة.

القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة
اشارة

و اختاره المحقق النائینی (قدس سره) ((2)) و المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) و المحقق

ص: 246


1- کفایة الأُصول، ص75، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس.
2- أجود التقریرات، ج1، ص176 «و الحق أنّ مقتضی القاعدة فی المقام هی البراءة لما عرفت من أنّ داعی القربة علی تقدیر دخله فلا محالة یکون بجعل ثانٍ الخ».
3- نهایة الدرایة، ج1، ص347 «هذا و من جمیع ما ذکرنا ظهر أنّه لا مجال للاشتغال... و التحقیق أنّ الاستصحاب لا مجال له هنا».

الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))

و جریان البراءة الشرعیة لما قلنا من عدم استحالة أخذ قصد القربة فی المتعلق خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .

التحقیق جریان البراءة الشرعیة و العقلیة

((3))

یرد علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ العلم الإجمالی منجز فیکون بیاناً أنّه « کما أنّ التکلیف ما لم یصل إلی المکلف لایحکم العقل بتنجزه و وجوب موافقته و قبح مخالفته و غیر ذلک فکذلک الغرض فإنّه ما لم یصل إلیه لایحکم العقل بوجوب تحصیله و استحقاق العقاب علی مخالفته بداهة أنّ العقل إنّما یستقل بلزوم تحصیله بالمقدار الواصل إلی المکلف الثابت بالدلیل و أما الزائد علیه فلایحکم بوجوب تحصیله لأنّ ترکه غیر مستند إلی العبد لیصح عقابه علیه بل هو مستند إلی المولی»((4)) فالمولی متمکن من البیان و المفروض أنّه لم یبین تقیید

ص: 247


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص193؛ ج 1، ص552 «أما علی ضوء نظریتنا من إمکان أخذ قصد الأمر فی متعلقه فحال هذا القید حال سائر الأجزاء و الشرائط و قد ذکرنا فی مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین أنّ المرجع عند الشک فی اعتبار شیء فی المأمور به جزءً أو شرطاً هو أصالة البراءة و ما نحن فیه کذلک حیث إنّه من صغریات تلک الکبری الخ»
2- تحقیق الأصول، ج2، ص112 و 113 «و مما ذکرنا ظهر أنّ الأصل یختلف باختلاف المبنی فی البحوث المتقدمة فی إمکان أخذ القصد فی المتعلق و عدم إمکانه بالأمر الأول أو بالأمر الثانوی أو بغیرهما و قد تقدم إمکانه بالأمر الثانوی فهو یقبل الوضع فیکون قابلاً للرفع فلایبقی ریب فی جریان البراءة الشرعیة»
3- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص196؛ ج 1، ص556، بحوث الأوامر، المقام الثانی، الجهة الرابعة، الکلام فی بقیة الدواعی القربیة، مقتضی الأصل العملی
4- و إن شئت قلت: إنّ الوجوب فی الأقل و الأکثر الارتباطیین منحل بتعداد الأجزاء و بالنسبة إلی الجزء المشکوک تجری البراءة بالنسبة إلی وجوبه

المتعلق بقصد الأمر فیتحقق موضوع البراءة العقلیة أیضاً و هو عدم البیان و لایمنعه العلم الإجمالی فالتحقیق فی مقام الأصل العملی هو جریان البراءة الشرعیة و العقلیة.

هذا تمام الکلام فی الواجب التعبدی و التوصلی.

ص: 248

التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟
بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) :

إنّه عنون محل النزاع بأنّ إطلاق الصیغة هل یقتضی کون الوجوب توصلیاً فیجزی إتیانه مطلقاً ولو بدون قصد القربة أو لا؟

إیراد المحقق الإصفهانی علیه:

«الإطلاق المدعی فی المقام هو إطلاق المادة دون إطلاق الوجوب و الأمر ففی الحقیقة لا وجه لجعل هذا البحث من مباحث الصیغة فتدبر جیداً.»((1))

جواب بعض الأساطین (دام ظله)

((2)) عن هذا الإیراد:

منشأ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من التمسک بإطلاق الصیغة هو توهم اتحاد مفاد الصیغة و الهیأة مع أنّ الأمر لیس کذلک بل الصیغة مرکبة من المادة و الهیأة کما یشهد بذلک قوله فی المقدمة الثالثة:((3)) «فانقدح بذلک أنّه لا وجه لاستظهار التوصلیة من إطلاق الصیغة بمادتها».

ملاحظتان علی هذا الجواب:

أولاً: إنّ المراد من الصیغة هو الجانب الهیوی المقترن بالمادة بقرینة أنّ المعانی

ص: 249


1- نهایة الدرایة، ج1، ص320، التعلیقة 165 علی هذه العبارة «الوجوب التوصلی هو ما کان الغرض منه یحصل بمجرد حصول الواجب».
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص71 «و أما الثانی فإنّه غفلة منه (قدس سره) عن مطلبین: أحدهما أنّ الصیغة مرکبة من المادة و الهیأة فقولهم إطلاق الصیغة مشترک الخ».
3- کفایة الأصول، ص75، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الخامس، المقدمة الثالثة.

التی ذکرها فی أول البحث للصیغة لیست للمرکب من المادة و الهیأة بل هی للهیأة فقط، کما یشهد بذلک قول اللغویین.

ثانیاً: إنّه لو کان کذلک یلزم إدراج سائر مباحث المادة فی مبحث الصیغة.

ص: 250

الأمر الرابع:اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة
اشارة

و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمها و ما یخص کل واحد منها؛ فهنا بحثان:

البحث الأول
اشارة

إنّ الأصل اللفظی یقتضی کون الواجب نفسیاً لا غیریاً و تعیینیاً لا تخیریاً و عینیاً لا کفائیاً و أما مفاد الأصل العملی فیأتی فی بحث مقدمة الواجب.

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) :

((1))

إنّ للوجوب الغیری و التخییری و الکفائی فی مقام الثبوت مؤنة زائدة فلذا یحتاج کل منها فی مقام الإثبات إلی مؤنة زائدة بخلاف النفسی و التعیینی و العینی و « قضیة إطلاق الصیغة کون الوجوب نفسیاً تعیینیاً عینیاً لکون کل واحد ممایقابلها یکون فیه تقیید الوجوب و تضییق دائرته؛ فإذا کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علیه فالحکمة تقتضی کونه مطلقاً وجب هناک شیء آخر أو لا أتی بشیء آخر أو لا أتی به آخر أو لا کما هو واضح لایخفی.»

ص: 251


1- کفایة الأصول، ص76، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث السادس.
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:

((1))

إنّ الإطلاق هنا لیس بمعنی اللابشرط القسمی بل لا معنی لإطلاق الوجوب من حیث انبعاثه عن وجوب آخر و عدمه مثلاً حتی یکون فی ما یقابل النفسی (و هو الوجوب الغیری) تقیید الوجوب و تضییق دائرته.

«و التحقیق أنّ النفسیة لیست إلا عدم کون الوجوب للغیر و کذا البواقی [فللوجوب النفسی فی مقام الثبوت قید عدمی بخلاف الوجوب الغیری فإنّ قیده (کون الوجوب للغیر) وجودی]؛ و [فی مقام الإثبات] عدم القرینة علی القیود الوجودیة دلیل علی عدمها ... [ﻓ] المراد بالإطلاق المعین للنفسیة((2))و أقرانها هو عدم التقیید بما یفید الغیریة و التخییریة و الکفائیة کما صرح به((3)) صاحب الکفایة (قدس سره) فی آخر المطلق و المقید فتدبر جیداً.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن هذا الإیراد:

(4)

إنّه أوّلَ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و فسره بوجه آخر حتی لایرد علیه مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) فقال:

ص: 252


1- نهایة الدرایة، ج1، ص353.
2- هذه العبارة تشیر إلی أنّه فی مقام الإطلاق الإثباتی و لاینافی تفسیر الواجب النفسی فی مقام الثبوت بما هو واجب لذاته.
3- کفایة الأصول، ص252، المقصد الخامس، الفصل الثالث فی المطلق و المقید المتنافیین «تبصرة لاتخلو من تذکرة و هی أنّ قضیة مقدمات الحکمة فی المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات فإنّها تارةً یکون حملها علی العموم البدلی... فالحکمة فی إطلاق صیغة الأمر تقتضی أن یکون المراد خصوص الوجوب التعیینی العینی النفسی فإنّ إرادة غیره تحتاج إلی مزید بیان و لا معنی لإرادة الشیاع فیه فلا محیص عن الحمل علیه فی ما إذا کان بصدد البیان الخ».
4- . تحقیق الأصول، ج2، ص120 و 121، بحث اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و العینیة و التعیینیة، عنوان: تأیید الأُستاذ بیان الکفایة: «و فی نفس الوقت فقد دافع الأُستاذ عن بیان صاحب الکفایة أیضاً فإنّه بعد أن قرّبه فی أول البحث أوضحه مرةً أُخری لیندفع عنه إشکال المحقق الإصفهانی فأفاد بأنّ مراد المحقق الخراسانی هو أنّ الوجوب فی الواجبات الثلاثة - الغیری، التخییری، الکفائی - مضیق و التضییق تقیید واقعی فی الوجوب الخ».

معنی تضییق الوجوب فی الوجوب الغیری و التخییری و الکفائی هو تضییق الغرض و تقییده و کذا معنی إطلاق الوجوب فی الوجوب النفسی و التعیینی و العینی هو إطلاق الغرض فالوجوب النفسی فی مقام الثبوت لایحتاج إلی مؤنة زائدة بخلاف الوجوب الغیری و حینئذ الوجوب النفسی فی مقام الإثبات لایحتاج إلی بیان زائد بخلاف الوجوب الغیری.

مثلاً الغرض من الوضوء مضیق بوجوب الصلاة و تضیق الغرض موجب لتضیق الوجوب.

ص: 253

البحث الثانی
اشارة

و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث:

الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری
اشارة

((1))

استدل المحقق النائینی (قدس سره)

((2)) علی النفسیة بوجهین:

الوجه الأول: ملاحظة دلیل الواجب النفسی و التمسک بإطلاق مادته.

إنّ دلیل الواجب النفسی مثل قوله: صلّ یحتمل تقیید مادته (أی الصلاة) بالطهارة أو استقبال القبلة أو نحو ذلک و إذا شککنا فی هذا التقیید فمقتضی إطلاق الصلاة عدمُه و لازم ذلک هو أنّ الواجب المشکوک غیریته بالنسبة إلی الصلاة (مثل الطهارة) واجب نفسی و هذا اللازم حجة فی باب الأُصول اللفظیة لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجة.

الوجه الثانی: ملاحظة دلیل الواجب المشکوک غیریته و نفسیته و التمسک بإطلاق هیأته.

قال (قدس سره) :«الثانی الأخذ بإطلاق [هیأة] دلیل الواجب المشکوک فی کونه نفسیاً أو غیریاً لأنّ وجوبه [المستفاد من الهیأة] لو کان غیریاً فهو مشروط بطبیعة الحال

ص: 254


1- بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص199؛ ج2، ص4، بحوث الأوامر، المقام الثانی، المسألة الأولی: دوران الواجب بین النفسی و الغیری «... إنّه یمکن إثبات نفسیة الوجوب بطریقین: الأول الأخذ بإطلاق دلیل الواجب النفسی کالصلاة مثلاً و دفع کل ما یحتمل أن یکون قیداً له الخ».
2- فوائد الأصول، ج1، ص220.

بوجوب واجب آخر نفسی و إن کان نفسیاً فهو مطلق و غیر مقید به [أی بوجوب شیء آخر و مقتضی أصالة الإطلاق هنا نفسیة الوجوب]».

الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری

((1))

فی حقیقة الواجب التخییری أقوال ثلاثة.

لابدّ من بیان الأقوال حول حقیقة الواجب التخییری و تعیین الأصل اللفظی بالنسبة إلیها.

«إنّ [أهم] الأقوال فیه ثلاثة:

الأول: أنّ الواجب مااختاره المکلف فی مقام الامتثال ...

الثانی: أن یکون کل من الطرفین أو الأطراف واجباً تعیینیاً و متعلقاً للإرادة و لکن یسقط وجوب کل منهما بفعل الآخر فیکون مرد هذا القول إلی اشتراط وجوب کل من الطرفین أو الأطراف بعدم الإتیان بالآخر.

الثالث: ما اخترناه من أنّ الواجب هو أحد الفعلین أو الأفعال لابعینه... غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی... و قد تقدم منا غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة... و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی..»

مقتضی الإطلاق علی الأقوال الثلاثة هو الوجوب التعیینی.

«و بعد ذلک نقول: إنّ مقتضی إطلاق الأمر المتعلق بشیء هو التعیین لا

ص: 255


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص5 و 6،...، المسألة الثانیة و هی ما إذا دار الأمر بین کون الواجب تعیینیاً أو تخییریاً.

التخییر علی جمیع الأقوال فی المسألة:

أما علی القول الأول: فواضح لفرض أنّ وجوب کل منهما [فی الواجب التخییری] مشروط باختیار المکلف و من الطبیعی أنّ مقتضی الإطلاق [و الأصل إذا شککنا] عدمه [أی عدم الاشتراط باختیار المکلف] و الاشتراط یحتاج إلی دلیل زائد.

و أما علی القول الثانی: فالأمر أیضاً کذلک لفرض أنّ وجوب کلٍ مشروط بعدم الإتیان بالآخر و [إذا شککنا فی اشتراط الوجوب ﻓ] مقتضی الإطلاق عدمه و به یثبت الوجوب التعیینی.

و أما علی القول الثالث: کما هو المختار فلأنّ مرجع الشک فی التعیین و التخییر فیه إلی الشک فی متعلق التکلیف من حیث السعة و الضیق یعنی أنّ متعلقه هو الجامع أو خصوص ما تعلق به الأمر کما إذا ... ففی مثل ذلک لا مانع من الأخذ بإطلاقه لإثبات کون الواجب تعیینیاً لا تخییریاً لأنّ بیانه [أی الوجوب التخییری فی مقام الإثبات] یحتاج إلی مؤنة زائدة و هی ذکر العدل [أی الطرفین أو الأطراف] بالعطف بکلمة أو و حیث لم یکن فیکشف عن عدمه فی الواقع ضرورة أنّ الإطلاق فی مقام الإثبات یکشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت...»

الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی
اشارة

((1))

فی حقیقة الوجوب الکفائی وجوه أربعة:

هنا أیضاً لابدّ من تحقیق الأقوال فی حقیقة الوجوب الکفائی قبل ملاحظة مقتضی أصالة الإطلاق فی المسألة.

ص: 256


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص8 -10...، المسألة الثالثة: دوران الواجب بین العینی و الکفائی.

«إنّ ما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره وجوه:

الأول: أن یقال: إنّ التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله و لکنه یسقط عنه بفعل غیره لفرض أنّ الغرض واحد فإذا حصل فی الخارج فلا محالة یسقط الأمر.

الثانی: أن یقال: إنّ التکلیف فی الواجبات الکفائیة متوجه إلی مجموع آحاد المکلفین من حیث المجموع [أی مجموع الأشخاص علی نحو العموم المجموعی] ...

الثالث: أن یقال: إنّ التکلیف به متوجه إلی عموم المکلفین علی نحو العموم الاستغراقی فیکون واجباً علی کل واحد منهم علی نحو السریان غایة الأمر أنّ وجوبه علی کل [من أفراد المکلفین] مشروط بترک الآخر.

الرابع: أن یکون التکلیف متوجهاً إلی أحد المکلفین لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و هذا الوجه هو الصحیح؛ بیان ذلک ملخصاً هو أنّ غرض المولی کما یتعلق تارة ... کذلک یتعلق تارة بصدوره عن جمیع المکلفین و أُخری بصدوره عن صرف وجودهم فعلی الأول الواجب عینی فلایسقط عن بعض بفعل بعض آخر و علی الثانی فالواجب کفائی ...»

مقتضی الإطلاق علی الوجوه الأربعة هو الوجوب العینی

«إنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو الوجوب العینی علی جمیع هذه الأقوال و الاحتمالات:

أما علی الوجه الأول: فواضح لأنّ((1)) سقوط التکلیف عن شخص بفعل غیره

ص: 257


1- إنّ التکلیف علی القول الأول لا ثبوت له لغیر الواحد المعین حتی یقال بسقوطه بفعل الغیر و الأُولی أن یقرر علی ما أفاده فی القول الرابع.

یحتاج إلی دلیل و إلا فمقتضی إطلاقه عدم سقوطه به ...

و أما علی الوجه الثانی: فمضافاً إلی أنّه فی نفسه غیر معقول فأیضاً الأمر کذلک لأنّ مقتضی إطلاق الدلیل هو أنّ کل واحد من أفراد المکلف موضوع للتکلیف و جعل الموضوع له [أی للتکلیف] مجموع أفراده علی نحو العموم المجموعی بحیث یکون کل فرد من أفراده جزءه لا تمامه [أی جزء الموضوع لا تمام الموضوع] خلاف الإطلاق و عند احتماله یدفع به.

و أما علی الوجه الثالث: فالأمر ظاهر ضرورة أنّ قضیة الإطلاق عدم الاشتراط فالاشتراط یحتاج إلی دلیل خاص.

و أما علی الوجه الرابع: فأیضاً الأمر کذلک [لأنّ التقیید فی ناحیة موضوع التکلیف بخصوص أحد المکلفین یحتاج إلی مؤنة زائدة و مقتضی الإطلاق عدمه].»

فمقتضی الإطلاق علی جمیع الأقوال هو الوجوب العینی.

ص: 258

الأمر الخامس:الأمر عقیب الحظر
اشارة

هنا بحثان:

البحث الأول: فی دلالته علی الوجوب
أمّا ذکر الأقوال

و العمدة منها أربعة:

اختلف الأُصولیون فی الأمر الواقع عقیب الحظر علی ثمانیةأقوال((1)) لایهمنا

ص: 259


1- أمّا الأقوال المعروفة بین الإمامیة فأربعة: الأول: هو کالأمر المبتدأ و هو مختار الذریعة و العدّة و المعارج و مبادئ الوصول ففی الأوّل، ج1، ص73: «و الصحیح أنّ حکم الأمر الواقع بعد الحظر هو حکم الأمر المبتدأ فإن کان مبتدؤه علی الوجوب أو الندب أو الوقف بین الحالین فهو کذلک بعد الحظر». و فی الثانی، ج1، ص183: «و قال قوم: إنّ مقتضی الأمر علی ما کان علیه من إیجاب أو ندب أو وقف و لا اعتبار بما تقدم و هذا هو الأقوی عندی». و فی الثالث، ص65: «صیغة الأمر الواردة بعد الحظر کحالها قبله» و فی الرابع، ص98: «فالأمر الوارد بعد الحظر کالأمر المبتدأ عند المحققین» و فی هدایة المسترشدین، ص155: «أحدها أنّه یفید الوجوب کالوارد فی سائر الموارد و حکی القول به عن... و الشهید الثانی و جماعة من العامّة منهم الرازی و البیضاوی و عزاه فی الإحکام إلی المعتزلة» و فی مفاتیح الأُصول، ص116: «و هو ل... و ابن زهرة... و حکی عن أبی إسحاق الشیرازی و القاضی أبی الطیب و أبی المظفر السمعانی... بل نسب إلی أکثر المحققین» و فی بدائع الأفکار: «و ذهب العلّامة (رحمة الله) فی التهذیب إلی دلالتها علی الوجوب» الثانی: رفع الحظر و هو مختار کثیر من الأصولیین ففی الوافیة، ص74: «و الحق أنّ صیغة الأمر إذا وردت بعد الحظر أو الکراهة أو فی مقام مظنة الحظر أو الکراهة بل فی موضع تجویز السائل واحداً منهما - کأن یقول العبد: هل أنام أو أخرج أو نحو ذلک فیقول المولی: افعل ذلک - لاتدلّ إلّا علی رفع ذلک المنع التحریمی أو التنزیهی المحقق أو المحتمل و هو کالإذن فی الفعل أمر مشترک بین الإباحة و الندب و الوجوب» الخ و فی القوانین، ج1، ص89: «و الأقوی کونه للإباحة بمعنی الرخصة فی الفعل و یلزمه بیناً رفع المنع السابق للتبادر بمعنی أرجحیته فی النظر من الوجوب» و فی هدایة المسترشدین، ص155: «و کیف کان فالذی یقتضیه التأمّل فی المرام أن یقال: إنّ ورود الأمر عقیب الحظر قرینة ظاهرة فی کون المراد بالأمر الإذن فی الفعل فمفاده رفع الحظر من غیر دلالة فیه بنفسه علی ما یزید علی ذلک من وجوب الفعل أو ندبه أو إباحته حسبما یشهد به التأمّل فی الاستعمالات» و فی فرائد الأُصول، ج1، ص74: «إنّ الأمر الواقع عقیب الحظر ظاهر بقرینة وقوعه فی مقام رفع الحظر فی مجرد رفع الحظر دون الإلزام» و فی ص75: «... کما یدّعی أنّ الأمر عقیب الحظر بنفسه مجرداً عن القرینة یتبادر منه مجرد رفع الحظر دون الإیجاب و الإلزام و احتمال کونه لأجل قرینة خاصّة یدفع بالأصل فیثبت به کونه لأجل القرینة العامة و هی الوقوع فی مقام رفع الحظر فیثبت بذلک ظهور ثانوی لصیغة افعل بواسطة القرینة الکلیة» و راجع أیضاً مطارح الأنظار، ص136 و 163. و فی غایة المسؤول، ص215 و 216: «أصل قد سبق أنّ الأمر حقیقة فی الوجوب فاعلم أنّه إنّما یحمل علیه إذا لم یکن قرینة علی الخلاف و من جملة القرائن وقوع الأمر عقیب الحظر فإنّ الظاهر منه عرفاً محض رفع الحظر لا رفعه و إثبات الوجوب لکن بشرط أن یکون الأمر فی مقام رفع الحظر و إلّا فیحمل علی الوجوب لفهم العرف» الخ و فی تقریرات الشیرازی، ج2، ص47: «الحق أنّ وقوع الأمر عقیب الحظر بنفسه موجب لظهور الأمر فی توجّهه إلی ارتفاع النهی السابق و أنّ المراد منه الرخصة فی الفعل ظهوراً نوعیاً غیر مختص بمقام دون آخر أو بمتکلم دون آخر» الخ و فی بدائع الأفکار، ص239: «الخامس أنّ الأمر الواقع عقیب الحظر ظاهر فی الإباحة المطلقة المساویة لرفع الحرج فی الفعل و مجمل بالقیاس إلی الأنواع الأربعة المندرجة تحت تلک الإباحة المطلقة و مرجعه إلی القول بالتوقف فی تمام المراد و لعلّ هذا أیضاً هو مراد الأکثر» و فی أُصول الفقه، ج1، ص67: «و أصحّ الأقوال هو الثالث و هو دلالتها علی الترخیص فقط» الثالث: التفصیل الذی اختاره فی الفصول، ص70 فإنّه قال: «و التحقیق عندی أنّ حکم الشیء قبل الحظر إن کان وجوباً أو ندباً کان الأمر الوارد بعده ظاهراً فیه فیدلّ علی عود الحکم السابق و إن کان غیر ذلک کان ظاهراً فی الإباحة کما ذهب إلیه الأکثرون» الرابع: التفصیل الذی اختاره فی عنایة الأُصول، ج1، ص236 فإنّه قال: «أقول: و لعلّ لتحقیق أنّ الفعل الذی قد أُمر به بعد الحظر إن کان محکوماً بحکم سابقاً قبل الحظر من وجوب أو ندب أو غیرهما فالأمر الواقع عقیب الحظر یکون ظاهراً فی عود الحکم السابق و أمّا إذا لم یکن محکوماً بشیء قبلاً بل کان النهی أوّل حکم قد تعلّق به فالأمر الواقع عقیب الحظر یکون ظاهراً فی الإباحة کما نسب إلی المشهور» الخ.

ص: 260

ذکرها جمیعاً بل نعد منها الأقوال الرئیسة:

القول الأول: الدلالة علی الوجوب.

القول الثانی: الدلالة علی الإباحة،((1)) اختاره جمع من الفقهاء.

ص: 261


1- فی الذریعة: «اعلم أنّ أکثر المتکلمین فی أُصول الفقه أطبقوا علی أنّ الأمر الوارد بعد الحظر یقتضی الإباحة و إطلاق الحظر الذی تقدم و إن کانوا یذهبون إلی أنّه لو انفرد و کان مبتدأ اقتضی الوجوب» و فی العدّة: «ذهب أکثر الفقهاء و من صنّف أُصول الفقه إلی أنّ الأمر إذا ورد عقیب الحظر یقتضی الإباحة» و فی هدایة المسترشدین: «ثانیها القول بأنّه للإباحة حکاه جماعة عن الأکثر و یستفاد من الإحکام کون المراد بالإباحة فی المقام هو رفع الحجر دون الإباحة الخاصّة و قد صرّح بعض الأفاضل بتفسیر الإباحة هنا بمعنی الرخصة فی الفعل» و فی بدائع الأفکار: «الظاهر کما صرّح به غیر واحد أنّ قولهم بإفادته للإباحة لایراد به إفادتها الإباحة الخاصّة و منه یظهر أنّ من جعل القول بالتوقف مقابلاً للقول بالإباحة مفسراً لها بالرخصة المحضة و هو جملة من الأعلام لیس علی ما ینبغی» الخ.

القول الثالث: الدلالة علی ما یدل علیه قبل الحظر.((1))

القول الرابع: الإجمال

اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .

تحقیق المسألة

و هذا البحث یبتنی علی کیفیة دلالة الأمر علی الوجوب من الظهور الوضعی أو الإطلاقی أو من جهة حکم العقل أو من جهة السیرة العقلائیة و الوجه فی هذا الابتناء هو أنّ وقوع الأمر عقیب الحظر مما یحتمل قرینیته و صارفیته عن معناه فلابدّ من ملاحظة وجه الظهور فی الوجوب و أنّه هل یبقی هذا الظهور مع وجود ما یحتمل صارفیته عنه أو لا؟

أما علی القول بالظهور الوضعی فی الوجوب فإن کان أصالة الحقیقة حجة من باب التعبد کما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) فمع الشک فی المعنی نتمسک بأصالة الحقیقة و نحمل الأمر علی معناه الحقیقی و هو الوجوب.

و إن کان حجة من باب الظهور کما هو الحق فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة لأنّ احتفاف الکلام بما یحتمل قرینیته و صارفیته عن المعنی الحقیقی یوجب انتفاء الظهور فلایمکن التمسک بأصالة الحقیقة (و هذا هو مختار

ص: 262


1- فی الوافیة عبّر عنه ب: «تابعیة ما قبل الحظر» و لکن فی بدائع الأفکار: «و قد یتخیل أنّ فی المسألة قولاً بظهورها فی الحکم السابق مطلقاً و الظاهر أنّه اشتباه من صاحب الوافیة أو مسامحة منه فی نقل تمام تفصیل العضدی» و عبّر عنه فی القوانین ب: «تابعیتها لما قبل الحظر إذا علّق الأمر بزوال علّة عروض النهی». و جاء فی الفصول: «و قیل: إن علّق الأمر بزوال علّة عروض النهی کان کما قبل النهی قال العضدی بعد نقله: و هو غیر بعید».

المشهور و لذا نری أنّهم لایتمسکون بأصالة الحقیقة فی ما إذا شک فی قرینیة الموجود بل مورد أصالة الحقیقة عندهم هو ما إذا شک فی وجود القرینة).

و أما علی القول بالظهور الإطلاقی فالإشکال آکد حیث إنّ الإطلاق لاینعقد مع الشک فی قرینیة الموجود.

و أما علی القول بالدلالة من جهة حکم العقل فلایدل الأمر علی الوجوب أیضاً و بیان ذلک علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)): « أنّ العقل إنّما یحکم بلزوم قیام المکلف بما أمر به المولی بمقتضی قانون المولویة و العبودیة إذا لم تقم قرینة علی الترخیص و جواز الترک؛ و حیث یحتمل أن یکون وقوع الصیغة أو ما شاکلها عقیب الحظر أو توهمه قرینة علی الترخیص فلا ظهور لها فی الوجوب بحکم العقل.»

و أما علی القول بالدلالة من جهة السیرة العقلائیة (مختاربعض الأساطین (دام ظله) ) فلایدل أیضاً علی الوجوب و الوجه فی ذلک ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) من أنّ بناء العقلاء دلیل لبی و مع احتمال قرینیة الموجود (أی قرینیة وقوع الأمر بعد الحظر علی الإباحة مثلاً أو علی غیر ذلک) نشک فی تحقق السیرة العقلائیة فلابدّ من الأخذ بالقدر المتیقن و هو ما إذا لم یقع الأمر بعد الحظر.

فتحصل إلی هنا أنّ الأمر عقیب الحظر مجمل.

ص: 263


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص205؛ ج 2، ص12، الأمر عقیب الحظر.
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص126، الأمر عقیب الحظر «و أما علی القول بدلالة الأمر علی الوجوب ببناء العقلاء فإنّ بناء العقلاء دلیل لبی و هل مع وقوعه بعد الحظر و احتمال قرینیة الموجود یتحقق الظهور للکلام؟ الخ».
البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی
بیان بعض الأساطین (دام ظله) :

((1))

إنّ أصالة البراءة شرعاً و عقلاً تجری هنا؛ أما الاستصحاب فلاوجه له لأنّ الحکم السابق علی الحظر منتف قطعاً و الحکم الجدید بعد الحظر أمر حادث فلا حالة له سابقة حتی یستصحب.

ص: 264


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص127 و 128 «و لما کان المختار عند الأُستاذ هو الإجمال فالنوبة تصل إلی البراءة شرعاً ثم عقلاً أقول: و هلا جری الاستصحاب کما ذکر فی الدورة السابقة الخ».
الأمر السادس:المرة و التکرار
اشارة

فیه مقدمتان و تنبیه أیضاً

المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرة و التکرار

ههنا أقوال ثلاثة:

القول الأول: بعضهم فسر المرة بالفرد و التکرار بالأفراد.

القول الثانی: و بعضهم فسرهما بالوجود الواحد و الوجودات.

القول الثالث: و بعضهم فسرهما بالدفعة و الدفعات.

و الدفعة أعم من الفرد و الأفراد و الوجود و الوجودات کما صرح به بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) أما الفرد و الأفراد فقد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) بأنّه الوجود الواحد و الوجودات قال (قدس سره) : « لوضوح أنّ المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات و إنّما عبر بالفرد لأنّ وجود الطبیعة فی الخارج هو الفرد».((2))

ص: 265


1- تحقیق الأصول، ج2، ص131، المرة و التکرار، المقدمة الأولی «و الدفعة تجمع مع وحدة الوجود و تعدده فهی أعم من الفرد إذ الوجود الواحد المستمر یصدق علیه عنوان الدفعة مع اشتماله علی أکثر من فرد فهی أعم منه و هو أخص من الدفعة و النسبة العموم المطلق».
2- کفایة الأصول، ص79، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثامن.
المقدمة الثانیة: فی تحقیق انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع
اشارة

إنّ انحلال الحکم بحسب تعدد أفراد المکلفین لا إشکال فیه بلافرق بین الأحکام التحریمیة و الوجوبیة.

أما فی الأحکام التحریمیة: فلا خلاف فی انحلال الحکم بانحلال موضوعاته ضرورة انعقاد الظهور العرفی فی مثل قضیة «لاتشرب الخمر» فی أنّه متی وجد الخمر فی الخارج یحکم علیه بالحرمة.

و أما فی الأحکام الوجوبیة: فقال المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) بالتفصیل؛ بیانه أنّ الحکم تنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ)((2)) و استدل علی الانحلال بالظهور العرفی کما أنّه لاتنحل بتعداد الموضوعات فی بعض الموارد مثل قوله تعالی: (لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا)((3)) فإنّ وجوب الحج لاینحل بتعدد الاستطاعة فی الخارج لأنّ المستفاد من الظهور العرفی هو أنّه إن امتثل مرة واحدة یکفی و لایلزم التکرار و إن بقیت الاستطاعة.

و أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله) :((4)) إنّ الظهور العرفی منتفٍ هنا بل المرجع

ص: 266


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص14، المرة و التکرار «و أما التکالیف الوجوبیة... و أما انحلالها بانحلال موضوعاتها فیختلف ذلک باختلاف الموارد فتنحل فی بعض الموارد دون بعضها الآخر و من الأول قوله تعالی الخ».
2- سورة الإسراء ( 17 ): 78.
3- سورة آل عمران ( 3 ): 97.
4- تحقیق الأصول، ج2، ص132 «الحق أنّه لا ظهور لقوله: یجب الصلاة عند زوال الشمس فی وجوب الصلاة کلما حصل الزوال فتکون واجبة علی عدد ما یتحقق من الزوال إذ لا دلیل عقلی و لا وضعی علی ذلک الخ»

فی ذلک القرائن المحفوف بها الکلام.

و یقع الکلام فی بحثین:

البحث الأول: فی دلالة الصیغة علی المرة و التکرار
أمّا الدلالة بالوضع

الدلالة الوضعیة علی المرة و التکرار منتفیة لأنّ الصیغة إن دلت علی المرة أو التکرار فإما تدل بمادته أو بهیأته أما مادته فموضوعة للدلالة علی الطبیعة المهملة المعراة عن جمیع الخصوصیات مثل الوحدة و التعدد (فی الأفراد العرضیة) و المرة و التکرار (فی الأفراد الطولیة).

و أما هیأته فإنّها موضوعة إما للطلب الإنشائی أو النسبة الإیقاعیة أو النسبة الإرسالیة أو النسبة البعثیة أو إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فلاتدل علی المرة و التکرار و الوحدة و التعدد.

أمّا الدلالة بالإطلاق

إنّ مقتضی الإطلاق هو الاکتفاء بالمرة الواحدة فی الأفراد الطولیة و الوجود الواحد فی الأفراد العرضیة لأنّ متعلق الأمر صرف الطبیعة و هو یصدق مع الامتثال مرة واحدة و الامتثال بالوجود الواحد؛ و صدق الطبیعة یوجب حصول الغرض و سقوط الأمر فلایبقی مقتضٍ للتکرار و التعدد.

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی

الحق جریان استصحاب عدم التکلیف؛ و لو قلنا بعدم جریانها فی الشبهات الحکمیة فالأصل البراءة.

ص: 267

تنبیه: الامتثال بعد الامتثال
اشارة

وقع الخلاف فی إتیان المأموربه ثانیاً بعد إتیانه أولاً و یسمی بالامتثال بعد الامتثال.

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1)) من التفصیل

بیانه: «إنّه مع الإتیان بها مرة لا محالة یحصل الامتثال و یسقط به الأمر فی ما إذا کان امتثال الأمر علة تامة لحصول الغرض الأقصی ... فلایبقی مجال لامتثاله أصلاً؛ و أما إذا لم یکن الامتثال علة تامة لحصول الغرض کما إذا أمر بالماء لیشرب أو یتوضأ فأتی به و لم یشرب أو لم یتوضأ فعلاً فلایبعد صحة تبدیل الامتثال بإتیان فرد آخر أحسن منه بل مطلقاً کما کان له ذلک قبله علی ما یأتی بیانه فی الإجزاء.»

إیرادان علی النظریة الأولی:
الإیراد الأول: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((2)) تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3))

قال (قدس سره) : «و من ضوء هذا البیان یظهر نقطة الخطأ فی کلام صاحب الکفایة و

ص: 268


1- کفایة الأصول، ص79، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث الثامن.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج2، ص210؛ ج 2، ص18، الامتثال بعد الامتثال.
3- نهایة الدرایة، ج1، ص361، التعلیقة 190 علی هذه العبارة «و أما إذا لم یکن الامتثال علةً تامةً لحصول الغرض» قال (قدس سره) : «التحقیق أنّ إتیان المأمور به بحدوده و قیوده علة تامة للغرض الباعث علی البعث إلیه و الغرض القائم بإحضار الماء تمکن المولی من رفع عطشه به مثلاً لا نفس رفع العطش کما هو واضح نعم هو غرض مقدمی لا أصیل و هو غیر فارق الخ».

هی الخلط بین الغرض المترتب علی وجود المأمور به فی الخارج من دون دخل شیء آخر فیه و بین غرض الآمر کرفع العطش مثلاً حیث إنّ حصوله یتوقف علی فعل نفسه و هو الشرب زائداً علی الإتیان بالمأمور به ... فالواجب علی المکلف لیس إلا تمکین المولی من الشرب و تهیئة المقدمات له فإنّه تحت اختیاره و قدرته [أی المکلف] لا الشرب و هو یحصل بصرف الامتثال الأول.»

الإیراد الثانی: من السید المحقق الصدر (قدس سره)

((1))

إنّ بیان المحقق الصدر (قدس سره) فی الحقیقة إیراد علی صاحب الکفایة (قدس سره) و علی المستشکلین علیه، مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره) ، فإنّ السید الصدر یری أنّ ربط مسألة إمکان تبدیل الامتثال بغرض الآمر غیر تامّ، لأنّ «سقوط الأمر غیر مرتبط بحصول غرض المولی بل یرتبط بإمکانیة التحریک و عدمه و هو یکون بالامتثال و عدمه و لیس تابعاً لبقاء الغرض و عدمه أصلاً بل یستحیل ذلک لأنّ الأمر لو بقی بشخصه [بعد الامتثال الأول و بعد تحقق الفرد الأول من الطبیعة] متعلقاً بالجامع بین الفرد الواقع و بین سائر الأفراد کان طلباً للحاصل و لو بقی متعلقاً بغیر الفرد الواقع استحال أن یکون شخص ذلک الأمر الأول.»

ملاحظتنا علی کلام المحقق الصدر (قدس سره) :

إنّ إتیان المأمور به علة تامة للغرض الداعی إلی البعث إلیه و الغرض القائم بإحضار الماء غرض مقدمی و هو تمکن المولی من رفع العطش لا نفس رفع

ص: 269


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص128، بحوث الأوامر، صیغة الأمر، الجهة السابعة، تذنیب (تبدیل الامتثال).

العطش الذی هو الغرض الأصیل فالمناط عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) الغرض المقدمی و المستشکل توهم ارتباط المسألة بالغرض الأصیل.

النظریة الثانیة: ما أفاده السید الخوئی (قدس سره)

قال (قدس سره) : «و الصحیح هو عدم جواز الامتثال بعد الامتثال و ذلک لأنّ مقتضی تعلق الأمر بالطبیعة بدون تقییدها بشیء کالتکرار أو نحوه حصول الامتثال بإیجادها فی ضمن فردٍ ما فی الخارج لفرض انطباقها علیه قهراً... و معه لامحالة یحصل الغرض و یسقط الأمر فلایبقی مجال للامتثال مرة ثانیة.» ((1))

ص: 270


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص209؛ ج 2، ص18، الامتثال بعد الامتثال.
الأمر السابع: الفور و التراخی
المقدمة:

الواجب إمّا موسع و إمّا مضیق و المضیق إمّا مقید بالتأخیر و إمّا مقید بالتقدیم و هذا هو الواجب الفوری.

أقسام الواجب الفوری:

الأول: أن یکون بنحو وحدة المطلوب؛ و وجوب إتیان هذا القسم منحصر بأول أزمنة الإمکان فلو لم یمتثل عصی و یسقط الأمر فی الزمان الثانی مثل وجوب رد السلام

الثانی: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و بقاء الوجوب فوراً ففوراً؛ فالتأخیر فی امتثاله کما لایوجب سقوط أصل الوجوب لایوجب سقوط فوریته أیضاً.

الثالث: أن یکون بنحو تعدد المطلوب و انقلابه إلی الموسع مع فوات الفوریة بمعنی أنّ الواجب الفوری إذا لم یمتثل ینقلب إلی الواجب الموسع؛ فالمکلف إذا عصی سقطت فوریة الواجب و لکن وجوب أصل الطبیعة باقٍ بحاله.

ص: 271

دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی
أمّا الدلالة بالوضع

الدلالة الوضعیة علی الفور و التراخی منتفیة و الوجه فی ذلک هو أنّ دلیل الواجب لو دل علی الفور و التراخی فإما یدل بمادته أو بصیغته.

أما المادة فموضوعة للطبیعة المهملة العاریة عن جمیع الخصوصیات فلا دلالة لها علیهما.

و أما الهیأة فهی موضوعة((1)) للطلب الإنشائی (کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ) أو البعث النسبی (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) أو النسبة الإرسالیة (و هو مختار المحقق العراقی (قدس سره) ) أو النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) أو إبراز الاعتبار النفسانی (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) فلادلالة للهیأة علی الفور و التراخی أیضاً.

أمّا الدلالة بالإطلاق

إذا شککنا فی الواجب من جهة فوریة وجوبه أو عدم فوریته (أی التراخی) فمقتضی إطلاق الدلیل عدم تقیید الوجوب بالفوریة و التراخی بل الواجب هو الطبیعی المطلق و یتخیر المکلف بین الفور و التراخی.

ص: 272


1- قد مضت أقوال سبعة فی ما وُضع له صیغة الأمر فی الفصل الثانی، الأمر الأول.
أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة
اشارة

و هی وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: الدلیل العقلی
اشارة

و هو الذی أفاده المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) :((1)) « إنّ وزان الإرادة التشریعیة وزان العلة التکوینیة و الأمر علة تشریعیة لحصول المتعلق و کما أنّ التکوینیة لاتنفکّ عن المعلول فالتشریعیة کذلک و نتیجة عدم الانفکاک هو الفوریة.» ((2))

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین (دام ظله) علیه:
الإیراد الأول:

((3))

إنّ علیة الأمر للمتعلق محل الخلاف بین الأعلام فبعضهم أنکرها و المختار هو أنّ الأمر علة ناقصة و من العلة علم المکلف بالأمر و ما أفاده (قدس سره) من عدم الانفکاک بین العلة والمعلول إنّما هو فی العلة التامة لا الناقصة.

ص: 273


1- کتاب الصلاة، ص573، المقصد السادس فی صلاة القضاء، المبحث الثانی فی الترتیب و ما یتبعه، المسألة الرابعة: المشور بین المتأخرین عدم وجوب الفوریة فی قضاء الصلوات الفائتة، تنبیه.
2- العبارة من تحقیق الأُصول، ج2، ص139 و 140، الفور و التراخی؛ و فی کتاب الصلاة «قلنا فی صدر المسألة: إنّ الشک فی فوریة القضاء... مرجعها البراءة لکن فیه إشکال یجب التنبیه علیه... لأنّه یمکن أن یقال بأنّ الفوریة و إن کانت غیر ملحوظة للأمر قیداً للعمل إلا أنّها من لوازم الأمر المتعلق به فإنّ الأمر تحریک إلی العمل و علة تشریعیة و کما إنّ العلة التکوینیة لاتنفک عن معلولها فی الخارج کذلک العلة التشریعیة تقتضی عدم انفکاکها عن معلولها فی الخارج الخ».
3- «ثم أورد علیه الأُستاذ بما یلی: أولاً لقد أنکر بعضهم علیة الأمر للمتعلق لکنّا نقول بها غیر أنّ هذه العلیة ناقصة الخ».
الإیراد الثانی:

((1))

علی فرض العلیة التامة نقول: إنّ الأمر علة تامة لقابلیة المتعلق للتحقق و لیس علة لفعلیة المتعلق و حصوله.

الإیراد الثالث:

«إنّ قیاس الإرادة التشریعیة علی الإرادة التکوینیة فی غیر محله لأنّ نسبة الإرادة التشریعیة إلی المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی لا العلة إلی المعلول کما فی التکوینیات.»

الوجه الثانی:
اشارة

إنّه لایعقل تحقق البعث مع عدم الانبعاث للتضایف بینهما فالبعث یقتضی لزوم الانبعاث و هذا معنی الفوریة.

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

أولاً:((2)) إنّ التضایف بین البعث التشریعی و الانبعاث اعتباری لا واقعی و لذا یمکن انفکاکهما.

ثانیاً:((3)) إنّ الأمر هو ما یمکن أن یکون داعیاً و باعثاً و تحقق داعویة الأمر و باعثیته یتوقف علی علم المکلف به و قبوله له.

ص: 274


1- «و ثانیاً لو سلمنا العلیة فهو علة تامة لقابلیة المتعلق للتحقق لا لفعلیته».
2- «و فیه أنّ هذا القانون إنّما هو فی المتضایفین التکوینیین لا الأمرین الحاصل بینهما التضایف بالاعتبار الخ».
3- «وثانیاً أنّ الأمر بعث إمکانی و لیس بعثاً فعلیاً الخ».
الوجه الثالث:
اشارة

و هو قوله تعالی (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)((1)) و قوله تعالی (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).((2))

بیان ذلک: إنّ الله أمر باستباق الخیرات و المسارعة إلی المغفرة و کل مأمور به خیر و سبب للمغفرة فلابدّ من الاستباق و المسارعة إلی کل مأمور به؛ فإن عصی المکلف و ترک المأموربه فی الزمان الأول فیجب الاستباق و المسارعة نحوه فی الزمان الثانی و الثالث و هکذا.

فعلی هذا وجوب التکالیف الشرعیة فوری علی نحو تعدد المطلوب و بقاء الفوریة.

إیرادات أربعة علی هذا الوجه:
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((3))

«إنّ سیاق آیة (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ)و کذا آیة (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلی المغفرة و الاستباق إلی الخیر من دون استتباع ترکهما للغضب و الشر ضرورة أنّ ترکهما [أی الاستباق و المسارعة] لو کان

ص: 275


1- (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِینَ). آل عمران: 133.
2- (وَلِکُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّیهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ أَینَ مَا تَکُونُوا یأْتِ بِکُمُ اللهُ جَمِیعًا إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ). سورة البقرة(2):148. (...وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَکِنْ لِیبْلُوَکُمْ فِی مَا آَتَاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ إِلَی اللهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعًا فَینَبِّئُکُمْ بِمَا کُنْتُمْ فِیهِ تَخْتَلِفُونَ) سورة المائدة(5):48.
3- کفایة الأُصول، ص80، المقصد الأول، الفصل الثانی، المبحث التاسع.

مستتبعاً للغضب و الشر کان البعث بالتحذیر عنهما أنسب کما لایخفی فافهم.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن هذا الإیراد:

((1))

إنّ الأمر ظاهر فی الوجوب سواء کان مع التحذیر من الترک أم لم یکن؛ فلو اعتبرنا فی الوجوب ورود التحذیر من الترک للزم حمل أکثر الواجبات علی الاستحباب.

الإیراد الثانی: من المحقق الخراسانی و المحقق الحکیم و المحقق الخوئی
اشارة

الإیراد الثانی: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الحکیم ((3)) و المحقق الخوئی((4))

إنّ الأمر فیهما إرشادی کما هو الظاهر من الآیتین بحسب المتفاهم العرفی لأنّ مفادهما هو الإرشاد إلی مااستقل به العقل من حسن المسارعة و الاستباق نحو الإتیان بالمأمور به کالآیات و الروایات الواردة فی الحث علی أصل الطاعة.

ص: 276


1- تحقیق الأُصول، ج2، ص143 «و فیه ما لایخفی إذ لو کان عدم التحذیر من الترک دلیلاً علی الاستحباب لزم حمل کثیر من الأوامر أو أکثرها علی الاستحباب علی أنّ هیأة افعل تدل علی الوجوب بأیة مادة من المواد کانت الخ».
2- کفایة الأُصول، ص80 «و لایبعد دعوی استقلال العقل بحسن المسارعة و الاستباق و کان ما ورد من الآیات و الروایات فی مقام البعث نحوه إرشاداً إلی ذلک کالآیات و الروایات الواردة فی الحث علی أصل الطاعة الخ».
3- حقائق الأُصول، ج1، ص188 و 189، التعلیقة علی هذه العبارة «ضرورة أنّ ترکهما» قال (قدس سره) : «... و الأُولی أن یقال: المغفرة فی الآیة الأُولی یراد منها سببها و هو الإطاعة و کما یمتنع أخذ الإطاعة قیداً للواجب الشرعی یمتنع أخذ المسارعة إلیها کذلک و کما إنّ الأمر بالإطاعة إرشادی کذلک الأمر بالمسارعة فیها الخ».
4- محاضرات فی أُصول الفقه، ج2، ص214؛ ج 2، ص25، الفور و التراخی، المقام الثانی «الثانی... إنّ دلالتهما علی ما نحن بصدده تقوم علی أساس أن یکون الأمر فیهما مولویاً و أما إذا کان إرشادیاً کما هو الظاهر منه بحسب المتفاهم العرفی فلا دلالة لهما علیه أصلاً الخ».
جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة:

((1))

قال (قدس سره) : « بینهما [أی بین الأمر بالاستباق و المسارعة و بین الأوامر الواردة فی الحث علی أصل الطاعة] فرق و هو عدم إمکان غیر الإرشادیة [أی المولویة] فیها [أی فی الأمر بالطاعة] دون ما نحن فیه لإمکان الأمر المولوی بالفعل فوراً؛ فبعد الإمکان و الظهور الذاتی فی المولویة لا مجال لحمل ما ورد فی هذا الباب علی الإرشاد قیاساً بما ورد فی أصل الإطاعة.»

الإیراد الثالث: من المحقق الخراسانی و بعض الأساطین

الإیراد الثالث: من المحقق الخراسانی((2)) و المحقق الخوئی((3)) و بعض الأساطین((4))

یلزم تخصیص الأکثر و هو مستهجن و بیان ذلک أنّ المستحبات مصادیق للخیر و سبب للمغفرة فیلزم خروجهما عن تحت الآیتین بالتخصیص؛ و إنّ بعض الواجبات موسعة فلایجب فیها الفوریة و حینئذ یلزم خروج تلک الواجبات الموسعة عن تحت الآیتین بالتخصیص أیضاً؛ و الواجبات المضیقة التی لایجب الإتیان بها إلا فی وقت خاص لا فی أول وقت الإمکان تخرج عن تحت آیة الاستباق و آیة المسارعة أیضاً و هذا هو تخصیص الأکثر و هو مستهجن.

ص: 277


1- نهایة الدرایة، ج1، ص363، التعلیقة 192 علی هذه العبارة «کالآیات و الروایات الواردة فی البعث»
2- کفایة الأُصول «مع لزوم کثرة تخصیصه فی المستحبات و کثیر من الواجبات بل أکثرها».
3- محاضرات فی أصول الفقه «الثالث... إنّه لابدّ من حمله علی الاستحباب و لو حمل علی ظاهره و هو الوجوب لزم تخصیص الأکثر و هو مستهجن و السبب فی ذلک هو أنّ المستحبات بشتی أنواعها و أشکالها مصداق للخیر و سبب للمغفرة فلو حملنا الأمر فیهما علی الوجوب الخ».
4- تحقیق الأصول، ج2، ص145 «الوجه الخامس أنّ هذا الأمر الاستحبابی لیس بوجوبی فقد جاء لحمل المکلف علی السعی لتحصیل الثواب إذ لو حمل علی الوجوب و الإلزام لزم تخصیص الأکثر المستهجن الخ».
الإیراد الرابع: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

«إنّ الآیتین الکریمتین أجنبیتان عن محل الکلام رأساً ... أما آیة الاستباق فلأنّ کلمة (فَاسْتَبِقُوا) فیها من الاستباق بمعنی المسابقة لغة و علی هذا فظاهر الآیة المبارکة هو وجوب المسابقة علی العباد نحو الخیرات... و إن شئت قلت: إنّ مدلول الآیة الکریمة هو ما إذا کان العمل خیراً للجمیع و أمکن قیام کل واحد منهم به ... و من الواضح أنّه لا صلة لهذا المعنی بما نحن فیه أصلاً و ذلک لأنّ الکلام فیه إنّما هو فی وجوب المبادرة علی المکلف نحو امتثال الأمر المتوجه إلیه خاصة علی نحو الاستقلال مع قطع النظر عن الأمر المتوجه إلی غیره ...

و أما آیة المسارعة فالظاهر من المغفرة فیها هو نفس الغفران الإلهی فالآیة عندئذ تدل علی وجوب المسارعة نحوه [أی الغفران الإلهی] بالتوبة و الندامة التی هی واجبة بحکم العقل و لیس المراد منها الأفعال الخارجیة من الواجبات و المستحبات ...»

و علی هذا فلا دلالة للآیتین علی فوریة التکالیف.

مقتضی الأصل العملی

إذا شککنا فی اعتبار خصوصیة الفور أو التراخی فی الواجب فأصالة البراءة تقتضی عدم اعتبارها.

ص: 278


1- محاضرات فی أُصول الفقه «و لنأخذ بالنقد علیه من عدة وجوه: الأول الخ».

الفصل الثالث: تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

اشارة

و الکلام فی مقامین

المقام الأول: التحقیق فی المسألة

المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة

ص: 279

ص: 280

تعلق الأمر بالطبیعة أو الفرد

و الکلام فی مقامین:

المقام الأول: التحقیق فی المسألة
اشارة

هنا نظریات أربع

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال:إنّ متعلق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و لما کان الأمر بمعنی طلب الوجود یکون متعلق الأمر هو الطبیعی.

أما الفرد فلایتعلق به الأمر کما أنّ الطبیعة بما هی هی لیست متعلقة للأمر أیضاً «و فی مراجعة الوجدان للإنسان غنی و کفایة عن إقامة البرهان علی ذلک حیث یری إذا راجعه [أی الوجدان] أنّه لا غرض له فی مطلوباته إلا نفس الطبائع و لا نظر له إلا إلیها من دون نظر إلی خصوصیاتها الخارجیة و عوارضها

ص: 281


1- کفایة الأُصول، ص138، المقصد الأول، الفصل السابع

العینیة و أنّ نفس وجودها السعی بما هو وجودها تمام المطلوب و إن کان ذاک الوجود لایکاد ینفک فی الخارج عن الخصوصیة فانقدح بذلک أنّ المراد بتعلق الأوامر بالطبائع دون الأفراد أنّها [أی الطبائع] بوجودها السعی بما هو وجودها قبالاً لخصوص الوجود متعلقة للطلب لا أنّها بما هی هی کانت متعلقة له [أی للطلب] کما ربما یتوهم فإنّها کذلک لیست إلا هی ... لایعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک و إنّه لابدّ فی تعلق الطلب من لحاظ الوجود أو العدم معها [أی مع الطبیعة] ...»

إیرادات أربعة علی هذه النظریة:
الإیراد الأول:
اشارة

((1))

إنّ ما ذهب إلیه من أنّ الأمر هو طلب الوجود مخدوش لأنّ کثیراً من الأوامر یکون بصیغة الأمر و مفادها معنی حرفی و الطلب معنی اسمی.

ملاحظة علی الإیراد الأول:

إنّ هذا الإیراد مبنائی((2)) لأنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لایعتقد بأنّ مفاد الهیأة معنی حرفی.

ص: 282


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص275، هل الأوامر و النواهی متعلقة بالطبائع أو الأفراد؟، الإشکال علی المحقق الخراسانی «أولاً إنّه جعل مدلول الأمر طلب الفعل و مدلول النهی طلب الترک فیرد علیه الإشکال فی الأوامر التی هی هیآت عارضة علی المواد و هی الأکثر فی الأوامر الخ».
2- «فإن قیل: إنّ المحقق الخراسانی لایفرق بین المعنی الاسمی و المعنی الحرفی قلنا: نعم لکنه یری الاختلاف بینهما باللحاظ و هذا یتم فی مثل الابتداء و الانتهاء و نحوهما أما الطلب فلایقبل اللحاظین».
الإیراد الثانی:

((1))

إنّه أخذ معنی الوجود فی معنی الأمر (حیث قال: الأمر هو طلب الوجود) مع أنّ صیغة الأمر و مادته لاتدلان علی الوجود و لایمکن أن یکون المدلول بلا دال علیه.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّه قال: الأمر و النهی کلاهما بمعنی الطلب إلا أنّ الأمر یدل علی طلب الوجود و النهی علی طلب الترک؛ و فیه أنّ هذا خلاف ما هو المرتکز فی الأذهان من أنّ الأمر و النهی متغایران فی أصل معناهما، لا فی متعلق المعنی ( أی الوجود و الترک).

الإیراد الرابع:

إنّ الوجود السعی یتصور علی أنحاء: منها الوجود الإطلاقی و هو وجود المجردات و هو لایرتبط بما نحن فیه؛ و منها الجهة الجامعة المفهومیة و هی لیست من حقیقة الوجود و هی غیر مرادة لصاحب الکفایة (قدس سره) ؛ و منها الجهة الجامعة الحقیقیة بین أفراد الطبیعة و فی هذا النحو إن کان الوجود السعی المذکور مع صفة الوحدة و التشخص فلیس قابلا للانطباق علی کل فرد فرد و السعة حینئذ لیس بمعنی الکلیة (کما أنّ السعة بمعنی الإطلاق لایتصور فی المقام

ص: 283


1- «وثالثاً إنّه أدخل الوجود و العدم فی مدلولی الأمر و النهی لکنّ کلاً من الأمر و النهی مرکب من المادة و الهیأة الخ».
2- «و ثانیاً إنّه جعل الاختلاف بین الأمر و النهی فی ناحیة المتعلق... و فیه أنّ هذا خلاف الارتکاز العرفی إذ العرف العام علی أنّهما متغایران بالذات».

أیضاً).

و إن کان الوجود السعی المذکور بدون صفة الوحدة و التشخص فلیس هو من حقیقة الوجود.

و الجهة الجامعة الحقیقیة بین أنحاء الوجودات غیر معقول لأنّ الوجود الحقیقی فی کل موجود عین تشخصه و الوجود بسیط.

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الأُستاذ العلامة الشاه آبادی
اشارة

بیان المحقق النائینی (قدس سره) : إنّه (قدس سره) قال فی موضع من کلامه: ((1)) «إنّ متعلقات الأحکام هی الطبائع الفانیة فی أفرادها.»

و قال فی موضع آخر:((2)) « إنّ متعلق الأمر هی الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصل کما أنّ متعلق النهی أیضاً کذلک؛ غایة الأمر أنّ تعلق الأمر بها یقتضی طلب تحصلها و تعلق النهی بها یقتضی طلب عدم تحصلها.»

بیان الأُستاذ العلامة الشاه آبادی: یتعلق الطلب بالطبیعة و لکن غایته هو إیجاد الطبیعة.((3))

ص: 284


1- أجود التقریرات، ج2، ص154، فصل فی مبحث اجتماع الأمر و النهی، أدلة القول بالجواز، الرابع و الخامس.
2- أجود التقریرات، ج2، ص155 و العبارة: «و إن أُرید بذلک أنّ متعلق الأمر هی الماهیة... و تعلق النهی بها یقتضی طلب عدم تحصلها فالفرق بینهما إنّما هو من ناحیة الهیأة و إلا فالمتعلق فیهما واحد فهو و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّه أجنبی عن المقام فإنّ القول بالجواز لایبتنی علی ذلک الخ».
3- فی ص 68 من مکتوباته فی مسألة اجتماع الأمر و النهی: «ثم ینقدح مما ذکرنا أنّ کلام العلامة الخراسانی (قدس سره) فی امتناع اجتماع الأمر و النهی لتضاد الأحکام و لسریان الأحکام من الطبیعة إلی الفرد و الخارج لایخلو عن إشکال بل إشکالات:... الثانی أنّ الأمر و النهی یستحیل أن یتعلق بفعل المکلف و ما هو الصادر عنه لأنّه تحصیل الحاصل فی الأوامر و اجتماع النقیضین فی النواهی فکیف یعقل تعلق الأمر و النهی بنفس ما هو الصادر من المکلف فعلی هذا یتعلق الأمر و النهی بطبیعة الصلاة و طبیعة الغصب و لایسری منهما إلی الخارج و العین نعم غایة هذا الأمر و النهی لأن یوجِد المکلف الطبیعة فی الخارج فی باب الأوامر و لأن یترک الطبیعة فی باب النواهی»؛ و عبارة الکفایة فی ص 158: «ثانیتها: إنّه لا شبهة فی أنّ متعلق الأحکام هو فعل المکلف و ما هو فی الخارج یصدر عنه و هو فاعله و جاعله الخ» و فی ص 160 «... لما عرفت من کون فعل المکلف بحقیقته و واقعیته الصادرة عنه متعلقاً للأحکام لا بعناوینه الطارئة علیه الخ». و فی ص 155 منها: «155. قوله [ أی العلامة النائینی (قدس سره) ]:” لأنّ المأمور به یکون حینئذ مغایراً للمنهی عنه بالهویة “ أقول:... و ثانیاً لایتعلق الأمر و النهی بالهویة و المقولة لأنّه تحصیل الحاصل فی الأمر و اجتماع النقیضین فی النهی بل متعلقهما هو طبیعة الصلاة بداعی الإیجاد و طبیعة الغصب بداعی عدم الإیجاد من غیر فرق فی ذلک بین الوجوب و التحریم و بین الوجوب و الکراهة فافهم و تأمل»؛ و العبارة فی أجود التقریرات، مسألة اجتماع الأمر و النهی، الجهة الأُولی فی سرایة کل واحد من الأمر و النهی إلی متعلق الآخر و عدمه، التنبیه الثانی ( الکراهة فی العبادة )، القسم الأول ( ما إذا کانت النسبة العموم و الخصوص من وجه).
إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة:
الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

«إنّ الطبیعة بما هی هی لیست إلا هی [و] لایعقل أن یتعلق بها طلب لتوجد أو تترک».

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2)) عنه:

«لایذهب علیک أنّ کون الماهیة من حیث هی خالیة عن جمیع الأوصاف لایستدعی عدم عروض وصف لها من حیث هی؛ فإنّ الماهیة من حیث هی هی

ص: 285


1- کفایة الأُصول، ص139، المقصد الأول، الفصل السابع.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص259، التعلیقة 131 علی هذه العبارة «فإنّها کذلک لیست إلا هی».

لا موجودة و لا معدومة مع أنّها بنفسها إما موجودة أو معدومة بالحمل الشائع؛ فکل مفهوم یباین مفهوماً آخر بالحمل الأولی و إن کانا متحدین بالحمل الشائع و علیه فلا منافاة بین کون الصلاة فی حد ذاتها و ماهیتها لا مطلوبة و لا غیر مطلوبة و بلحاظ تعلق الطلب بها مطلوبة [نعم إنّ تعلق الطلب بها بالعرض]»

الإیراد الثانی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

«الحق تعلق الجعل بوجودها [أی الطبائع]؛ فکذا الطلب ضرورة أنّ الصادر بالذات هو المراد بالذات بلا عنایة .

و إنّما یعبر عن المطلوب بالصلاة الموضوعة للماهیة لا للوجود، لأنّ المفاهیم الثبوتیة مطابقها عین الوجود المنتزع عنه طبیعة الصلاة؛ و المفروض أنّ متعلق الإرادة هی الصلاة بالحمل الشائع فافهم جیداً فإنّه دقیق جداً.»

الإیراد الثالث:

إنّ الماهیات أُمور اعتباریة منتزعة عن الموجودات باعتبار حدودها و النفس تطلب الحقائق لا الاعتباریات کما لایکون متعلق الطلب أیضاً أمراً اعتباریاً بل هو أمر وجودی فی أُفق النفس.

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2))

قال: إنّ المقصود من تعلق الأمر و الطلب بالطبیعی هو لحاظه بما هو خارجی أی بما هو مرآة إلی الخارج.

ص: 286


1- نهایة الدرایة، ج2، ص260.
2- نهایة الأفکار، ج1و2، ص380، المقصد الأول، المبحث السابع، المقدمة الثانیة.

«إنّ من المعلوم أنّ لحاظ الطبیعة یتصور علی وجوه: منها لحاظها بما هی فی الذهن و محلاة بالوجود الذهنی، و منها لحاظها بما هی شیء فی حد ذاتها، و منها لحاظها بما هی خارجیة بحیث لایلتفت إلی مغایرتها و اثنینیتها مع الخارج و لایری فی هذا اللحاظ التصوری إلا کونها عین الخارج و متحدة معه بحیث لو سئل بأنّه أی شیء تری فی هذا اللحاظ؟ یقول بأنّه ما أری إلا الخارج و إن کان بالنظر التصدیقی یقطع بخلافه فیری کونها غیر موجودة فی الخارج و ... لیس المقصود من تعلق الأمر بالطبیعی عند القائل به هو الطبیعی بما هو موجود فی الذهن من جهة وضوح أنّه بهذا العتبار مع کونه کلیاً عقلیاً غیر قابل للصدق علی الخارج لایکون مما تقوم به المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب ... کوضوح عدم کون المقصود أیضاً هو الطبیعی بالاعتبار الثانی [أی بما هو شیء فی حد ذاته] من جهة وضوح أنّ الطبیعة بهذا الاعتبار لیست إلا هی فلاتکون هی أیضاً مَرکَب المصلحة حتی یتعلق به الأمر و الطلب بل و إنّما المقصود من ذلک عند القائل به هو الطبیعی بالاعتبار الثالث الذی یری کونها عین الخارج ...»

ملاحظة علی النظریة الثالثة:

یرد علیه الإیراد الأول و الثانی علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فلانعید.

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

و هو أنّ الأمر یتعلق بالفرد بمعنی وجود الطبیعة.

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) : « إنّ هذه المسألة إما مبتنیة علی مسألة إمکان

ص: 287


1- نهایة الدرایة، ج2، ص253 – 257، التعلیقة 127 علی هذه العبارة «من دون تعلق غرض بإحدی الخصوصیات».

وجود الطبیعی فی الخارج و امتناعه؛ فمن یقول بامتناعه لابدّ له من القول بتعلق التکلیف بالفرد لئلایلزم التکلیف بغیر المقدور؛ لکن لیس لازم تعلق التکلیف به [أی بالفرد] دخول لوازم الوجود و لوازم التشخص فی المکلف به بل اللازم - بلحاظ عدم القدرة علی إیجاد الطبیعی و القدرة علی إیجاد الشخص- تعلق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود - أعنی ذات هذه الماهیة المتشخصة القابلة للوجود - فإنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی الطبیعی و أُخری مضافة إلی قید کلی فالمضاف هی الحصة لامجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو الفرد.

فذات الإنسانیة الموجودة بوجود زید فی قبال الإنسانیة الموجودة بوجود عمرو هی الماهیة الشخصیة و هی المطلوبة بلا دخل للوازمها، لا فی کونها شخصیة و لا فی مطلوبیتها و من یقول بإمکان وجود الطبیعی و أنّ الماهیة الواحدة کلیة فی مرحلة الذهن و شخصیة بإضافة الوجود إلیها فالطبیعی متشخص بالوجود فهو یقول بإمکان تعلق الأمر به فلا نظر إلی اللوازم علی أی حال [فعلی هذا لوازم الوجود خارجة عن متعلق الأمر سواء قلنا بتعلق الأمر بالطبیعی أو بفرده].

و إما مبتنیة علی مسألة تعلق الجعل بالماهیة أو بالوجود فإنّ المراد بالذات هو الصادر بالذات؛ فمن جعله الوجود قال بتعلق الإرادة به و من جعله الماهیة قال بتعلق الإرادة بها من دون فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة ... و لعل ذهاب المشهور إلی تعلق الأمر بالطبیعة لذهاب المشهور من الحکماء و المتکلمین إلی أصالة الماهیة و تعلق الجعل بها.

فالتحقیق حینئذ تعلق الأمر بالفرد بمعنی وجود الطبیعة؛ توضیحه أنّ طبیعة

ص: 288

الشوق من الطبائع التی لاتتعلق إلا بما له جهة فقدان و جهة وجدان، إذ لو کان موجوداً من کل جهة لکان طلبه تحصیلا للحاصل و لو کان مفقوداً من کل جهة لم یکن طرف یتقوم به الشوق ... بخلاف ما لو کان موجوداً من حیث حضوره للنفس مفقوداً من حیث وجوده الخارجی فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فإنّ له قوة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع کما له ملاحظة الشیء بالحمل الأولی فیشتاق إلیه؛ فالموجود بالفرض و التقدیر مقوم للشوق لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و الشوق یوجب خروجه من حد الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقق و هذا معنی تعلق الشوق بوجود الطبیعة لا کتعلق البیاض بالجسم حتی یحتاج إلی موضوع حقیقی لیقال: إنّ الموجود الخارجی لاثبوت له فی مرتبة تعلق الشوق و لایعقل قیام الشوق بالموجود الخارجی. کیف؟ و الوجود یسقطه [أی الشوق] لما عرفت من اقتضاء طبیعة الشوق عدم الوجدان من کل جهة [فعلی هذا متعلق الشوق الذی یتقوم الشوق به وجوداً و تحققاً هو الوجود الحقیقی بوجوده الفرضی لابوجوده التحققی]».

ص: 289

المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة
اشارة

إنّ بعض الأعلام أنکروا ثمرة هذا البحث مثل المحقق الخوئی (قدس سره) و أکثرهم أثبتوها.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة:
اشارة

((1))

«إنّ مرد النزاع فی هذه المسألة إلی أنّ الأوامر هل تتعلق بالطبائع مع قطع النظر عن مشخصاتها و لوازم وجوداتها فی الخارج بحیث تکون تلک اللوازم و المشخصات خارجة عن دائرة متعلقاتها... أو تتعلق بالأفراد مع تلک المشخصات بحیث تکون المشخصات مقومة للمطلوب و المراد و داخلة فی دائرة المتعلقات...

و علی هذا فتظهر الثمرة بین القولین فی باب اجتماع الأمر و النهی؛ و ذلک لأنّه علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد ففی مورد الاجتماع کالصلاة فی الدار المغصوبة مثلاً لایسری الأمر من متعلقه و هو طبیعة الصلاة إلی متعلق النهی و هو الغصب و لا العکس لفرض أنّهما طبیعتان مستقلتان ... فإذن لا مناص من القول بالجواز فی تلک المسألة و أما علی القول بتعلق الأوامر و النواهی بالأفراد دون الطبائع فلا مناص من الالتزام بالقول

ص: 290


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص16 و 17؛ ج 3، ص196؛ و فی أجود التقریرات، ج1، ص306، المقصد الأول، الفصل السابع «... بل المراد من هذا النزاع علی نحو یکون نزاعاً معقولاً هو أنّ الإرادة الفاعلیة الموجدة للشیء فی الخارج هل تتعلق بنفس الشیء مع قطع النظر عن مشخصاته و هی إنّما توجد معه قهراً لاستحالة وجود الشیء بدون التشخص أو إنّ المشخصات تکون مقومةً للمراد بما هو مراد الخ».

بالامتناع فی تلک المسألة و ذلک لفرض أنّ الأمر علی هذا القول متعلق بالصلاة مع مشخصاتها و المفروض أنّ الغصب فی مورد الاجتماع مشخص لها [أی للصلاة] فإذن یکون متعلقاً للأمر و الحال أنّه متعلق للنهی أیضاً فیلزم عندئذ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و هو محال ضرورة استحالة کون شیء واحد مأموراً به و منهیاً عنه.»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

((1))

إنّ کل وجود فی ذاته مباین لوجود آخر و کل ماهیة تمتاز عن ماهیة أُخری بالوجود لا بذاتها؛ فالماهیة الجوهریة متشخصّة بوجودها و الماهیة العرضیة متشخصة بوجود آخر و الماهیات العرضیة لایعقل أن تکون مشخصات لوجود الجواهر بل إطلاق المشخصات علی تلک الأعراض الملازمة للجوهر تسامحی.

فحینئذ نقول: إنّ الکلام فی تعلق الأمر بالطبیعة أو بفردها؛ أما الطبائع الأُخری و أفرادها فهی خارجة عن متعلق الأمر علی کلا القولین فمتعلق الأمر بالصلاة أجنبی عن متعلق النهی عن الغصب؛ فالأمر و النهی لایجتمعان فی مورد واحد فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.

نعم لو قلنا بأنّ المتلازمین لابدّ أن یتحدا فی الحکم فیسری الحکم من متعلق

ص: 291


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص18-20؛ ج 3، ص198 – 201 «کل وجود سواء أکان جوهراً أم عرضاً متشخص فی الخارج بذاته فلایعقل أن یکون متشخصاً بوجود آخر... و هذا بخلاف الماهیة فإنّ تشخصها إنّما یکون بالوجود و امتیازها عن ماهیة أُخری به لا بذاتها... و علی ضوء هذه النتیجة إنّ الأُمور اللازمة للوجود الجوهری خارجاً التی لاتنفک عنه کأعراضه... موجودات أُخری فی قبال ذلک الموجود و مباینة له ذاتاً و حقیقةً و متشخصات بنفس ذواتها... فلایعقل أن تکون مشخصات لذلک الوجود لما عرفت من أنّ الوجود هو نفس التشخص الخ».

أحدهما إلی الآخر فلابدّ من القول بالامتناع لکنه خاطئ جداً بل الثابت هو أنّ المتلازمین لایکون أحدهما واجباً و الآخر محرماً و أما کونهما متوافقین فی الحکم فلم یثبت.

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

جواب بعض الأساطین (دام ظله) ((1)) عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

«إنّ المیرزا [أی المحقق النائینی (قدس سره) ] یصور النزاع علی أساس أنّ التشخص بالوجود بأنّه إن کانت المشخصات عارضة علی الطبیعة قبل عروض الوجود فالوجود لا محالة یکون طاریاً علی الماهیة المشخصة و تکون العوارض موجودة بعین وجود الفرد [فحینئذ یجتمع متعلق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالامتناع] و إن کانت غیر عارضة علی الطبیعة قبل وجود الفرد بل فی نفس تلک المرتبة التی طرء فیها الوجود علی الفرد فالماهیة حینئذ غیر متشخص بالعوارض بل یکون تشخصها بالوجود [فمتعلق الأمر غیر متعلق النهی فلایتحدان فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی]».

ملاحظتنا علی هذا الجواب:

إنّه لامعنی محصل لعروض المشخصات (أی العوارض المشخصة عند المشهور) علی الطبیعة قبل عروض الوجود بل لا معنی لعروض الوجود الواحد علی کلیهما بل الوجود العارض علی الطبیعة وجود فی نفسه لنفسه و الوجود العارض علی المشخصات وجود فی نفسه لغیره فلافرق فی عروضه علی الطبیعة قبل عروض الوجود أو بعده.

ص: 292


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص279، هل الأوامر و النواهی متعلقة بالطبائع أو الأفراد؟، نظریة المیرزا، إشکال السید الخوئی، جواب الأُستاذ عن الإشکال.
ملاحظتنا علی إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) :

هنا إشکال مبنائی علی مسلک بعض الحکماء مثل آقا علی المدرس (قدس سره) من أنّ الأعراض جلوات لوجود الجواهر((1)) فالطبیعة العرضیة متحدة مع وجود

ص: 293


1- جاء هذا القول فی مواضع عدیدة من مجموعه مصنفات حکیم مؤسس آقا علی مدرس طهرانی (1307-1234): فی ج2، ص363، فی التعلیقة16 علی حواشی شرح حکمة الإشراق لصدر المتألهین [المتن لشهاب الدین یحیی بن حبش السهروردی (587) و الشرح لقطب الدین محمود بن مسعود الشیرازی(710)] علی قوله: «و السواد عینی و الأسودیة اعتبار عقلی». قال: «إذا کان السواد فی الخارج موجوداً علی حدة و بوجوده حالّاً فی الجسم فبمجرّد أخذه مبهماً لایحمل علی الجسم حملاً بالذات أو بالعرض و إن کان یحمل عند أخذه کذلک علی أفراده حملاً بالذات إذ مفاد الحمل هو الاتحاد فی الوجود و الأمر المغایر للآخر بالوجود فی الواقع لایتحد معه بالوجود فی الواقع بمجرّد اعتبار العقل و عمله... فإذن یجب أن یصار فی تصحیح هذا القول إلی القول بأنّ الأعراض متّحدة الوجود مع موضوعاتها» الخ. و فی ص356 فی التعلیقة 2 علی قوله: «لاستحالة وجود عرض واحد» قال: «کل موضوع فهو بالنسبة إلی العرض الموجود فیه معین و مشخِّص له و المراد بکونه مشخِّصاً کونه بشخصه مستدعیاً لشخص ذلک العرض و إلّا فحصوله فیه دون غیره ترجح من دون مرجح فإذن کل موضوع فحیثیة ذاته بشخصه حیثیة الاقتضاء و العلیة بالإضافة إلی شخص العرض الموجود فیه... و بهذا البیان بعینه یجب و أن یکون حیثیة ذات کل عرض بشخصه حیثیة الارتباط و المعلولیة بالقیاس إلی شخص الموضوع المحلّ له... و من ذلک تحدس اللبیب أنّ العرض مطلقاً متحد الموضوع فی الوجود». ثمّ استدلّ علیه فی ثلثة أقسام من الأعراض و هی: «الأعراض التی هی صفات المفارقات» و «الأعراض التی هی صفات لازمة للصور النوعیة» و «الأعراض المتجددة الواردة علی الموضوعات بواسطة استعدادات الموادّ» و قال فی آخر کلامه: «و من هنا یظهر بأدنی تأمل أنّ الطبائع الموضوعة المتجددة متجدّدة بذاتها متحرکة بجوهرها و من ذلک یعلم سرّ اتحاد العاقل بما هو عاقل بالمعقول فافهم ذلک». و راجع أیضا رسالة سبیل الرشاد فی إثبات المعاد، ص112 و رسالة فی مباحث الحمل، ص259، الفقرة 33 و ص262. و فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة ج 1 - ص 159 – 160 و ص229 و 230 من طبع آل البیت فی التعلیقة علی قوله «الفرق بین المشتق ومبدئه مفهوما أنه بمفهومه الخ»: «نعم بناء علی اتحاد الأعراض مع موضوعاتها فی الوجود کما عن بعض أهل التحقیق بل یستفاد من بعض الأکابر فی مسألة إثبات الحرکة الجوهریة من أن التبدل فی الأعراض تبدل فی موضوعاتها» الخ. و فی الحکمة المتعالیة فی الأسفار العقلیة الأربعة ج 4 - ص 103 - 104: «برهان آخر مشرقی کل جوهر جسمانی له نحو وجود مستلزم لعوارض ممتنعه الانفکاک عنه نسبتها إلی الشخص نسبه لوازم الفصول الاشتقاقیة إلی الأنواع وتلک العوارض اللازمة هی المسماة بالمشخصات عند الجمهور و الحق انها علامات للتشخص ومعنی العلامة هاهنا العنوان للشیء المعبر بمفهومه عن ذلک کما یعبر عن الفصل الحقیقی الاشتقاقی بالفصل المنطقی... وعلی هذا المنوال لوازم الأشخاص فی تسمیتها بالمشخص فان التشخص بنحو من الوجود إذ هو المتشخص بذاته وتلک اللوازم منبعثة عنه انبعاث الضوء من المضئ والحرارة من الحار والنار فإذا تقرر هذا فنقول کل شخص جسمانی یتبدل علیه هذه المشخصات کلا أو بعضا کالزمان والکم والوضع والأین وغیرها فتبدلها تابع لتبدل الوجود المستلزم إیاها بل عینه بوجه فان وجود کل طبیعة جسمانیة یحمل علیه بالذات انه الجوهر المتصل المتکمم الوضعی المتحیز الزمانی لذاته فتبدل المقادیر والألوان والأوضاع یوجب تبدل الوجود الشخصی الجوهری الجسمانی وهذا هو حرکة فی الجوهر إذ وجود الجوهر جوهر کما أن وجود العرض عرض». و فی نهایة الحکمة ص 262 – 263: «حجة أخری [علی وقوع الحرکة فی مقولة الجوهر]: الأعراض من مراتب وجود الجواهر، لما تقدم أن وجودها فی نفسها عین وجودها لموضوعاتها، فتغیرها وتجددها لا یتم إلا مع تغیر موضوعاتها الجوهریة وتجددها، فالحرکات العرضیة دلیل حرکة الجوهر». و فی بدایة الحکمة ص 162: «ویمکن أن یستدل علی الحرکة فی الجوهر بما تقدم أن وجود العرض من مراتب وجود الجوهر، من حیث کون وجوده فی نفسه عین وجوده للجوهر، فتغیره وتجدده تغیر للجوهر وتجدد له». و فی الرافد فی علم الأصول ص 20 - 21: «ومن النظریات الفلسفیة التی نهتم بها کثیرا فی بحوثنا الأصولیة نظریة وحدة الموجود. بیان ذلک: أن النظریة المشهورة فی الفلسفة التقلیدیة هی تعدد الموجود لجوهر وعرض، وأن الوجود الجوهری ما کان موجودا لا فی موضوع والوجود العرضی ما کان وجوده فی الموضوع، واختلف أصحاب هذه النظریة فی کون الترکیب بینهما إذا اجتمعا هل هو ترکیب اتحادی أم ترکیب انضمامی کانضمام الحجر للحدید فی بناء الدار مثلا، ولکننا نختار ما طرحه بعض فلاسفة الغرب کالفیلسوف الفرنسی روسوا [کذا و الظاهر خطأ المقرِّر] وبعض فلاسفة الشرق وهو آقا علی المدرس من اتحاد هذین المفهومین وهما الجوهر والعرض وجودا، وذلک لان الموجود شیء واحد فی الخارج إلا أنه یعیش حرکة تطوریة تکاملیة والاعراض ما هی إلا أنحاء وجوده التطوری وألوان حرکته التکاملیة المتجددة لا أنها وجودات محمولیة أخری ترتبط بوجوده وتنضم إلیه، وقد رتبنا علی هذه النظریة کثیرا من البحوث الفلسفیة، منها عدم الحاجة لدعوی واقعیة الوجود الرابط خارجا کما هو المشهور فی الفلسفة... کذلک بعض البحوث الأصولیة التی ترتبط بهذه النظریة، فمثلا بحث اجتماع الأمر والنهی قد ربطه المحقق النائینی بنظریة تعدد الموجود» الخ. و فی ص 281: «إن هناک مسلکین فی وجود الاعراض: 1 - مسلک الآقا علی المدرس وهو المختار عندنا، ومحصله: أن الاعراض لیس لها وجود محمولی خاص بها وإنما الوجود الجوهری یعیش فی صمیمه حرکة تطوریة تتشأن بعدة شؤون وتتلون بعدة ألوان والاعراض هی ألوان ذلک الوجود الجوهری المتطور، فحینئذ لیس عندنا وجودان فی الخارج بل وجود واحد والاعراض نابعة من صمیم هذا الوجود الواحد من دون أن توجب تعددا وجودیا له» الخ.

ص: 294

الجوهر فلیست خارجة عنه.

و أما ملاحظتنا فهو إشکال بنائی فهو أنّ الماهیات المرکبة الشرعیة قد تترکب من مقولات متعددة و حینئذ قد یکون جزء الماهیة الجعلیة الشرعیة المأمور بها جزءً للماهیة المنهی عنها فیجتمع فیها الأمر و النهی.

مضافاً إلی أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدد الوجه و العنوان فی الواحد هل یوجب تعدد متعلق الأمر و النهی أو لایوجبه؟ و لذا قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إنّ تعدد الوجه إن کان یجدی بحیث لایضر معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد لکان یجدی و لو علی القول بالأفراد ... و إلا لما کان یجدی أصلاً حتی علی القول بالطبائع کما لایخفی لوحدة الطبیعتین وجوداً و اتحادهما خارجاً ...»

فما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ینفع فی مقام تعدد الوجه و العنوان؛ فإن قلنا بأنّ

ص: 295


1- کفایة الأُصول، ص154، المقصد الثانی، الفصل الثانی فی اجتماع الأمر و النهی، الأمر السابع.

تعدد الوجه یجدی فی حل مشکلة اجتماع الأمر و النهی فلابدّ من أن نلتزم بالجواز.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة:

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) فی إنکار الثمرة:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قرّرالنزاع من ناحتین، نشیر هنا إلی الناحیة الأولی منهما، فقال: «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة هو أنّه یمکن تقریر النزاع فیها من ناحیتین:

الأُولی: من جهة ابتناء ذلک علی القول بوجود الکلی الطبیعی فی الخارج و القول بعدم وجوده؛ فعلی الأول یتعلق الأمر بالطبیعة و علی الثانی بالفرد.

بیان ذلک: هو أنّه لا شبهة فی [أنّ تشخص الحصة و تفردها بالوجود و أما تشخص الوجود و تفرده فهو بنفس ذاته و] أنّ کل وجود فی الخارج بذاته و شخصه یمتاز عن وجود آخر و یباینه و یستحیل اتحاد وجود [متشخص بذاته] فیه مع وجود آخر ضرورة أنّ کل فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری و کل وجود یباین وجوداً آخر و یأبی عن الاتحاد معه ...»

فعلی هذا امتیاز کل حصة عن حصة أُخری لیس بالذات بل إنّما هو بالوجود لأنّ کل ما بالغیر لابدّ أن ینتهی إلی ما بالذات.

و الکلام هنا فی أنّ الوجود المضاف إلی الفرد الخارجی هل یضاف إلی الکلی الطبیعی علی نحو الحقیقة أو بالمجاز؟ و القائل بأنّ الکلی الطبیعی موجود فی الخارج یقول بأنّ إضافة هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی بنحو الحقیقة و القائل

ص: 296


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص13-16؛ ج 3، ص192 – 195، هل الأوامر متعلقة بالطبائع أو الأفراد؟

بعدم وجود الکلی الطبیعی فی الخارج یقول بأنّ إسناد هذا الوجود إلی الکلی الطبیعی یکون بالعرض و المجاز.

«و الصحیح فی المسألة أنّ الطبیعی موجود فی الخارج حقیقة و ذلک لصحة حمل الوجود علیه [و عدم صحة سلبه] فلا فرق بین قولنا: زید موجود و قولنا: الإنسان موجود ... هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّه لا شبهة فی صحة حمله علی الفرد فیقال: زید إنسان و من المعلوم أنّه یعتبر فی صحة الحمل الاتحاد فی الوجود الخارجی و إلا فالحمل غیر صحیح و هذا لعله من الواضحات.

و بعد ذلک نقول: إنّه علی القول بوجود الطبیعی فی الخارج یتعلق الأمر به و علی القول بعدم وجوده فیه یتعلق بالحصة و الفرد و لکن بإحدی الحصص الخارجیة لا بالمعین منها فالنتیجة علی کلا القولین هی التخییر بین تلک الحصص و الأفراد عقلاً.

أما علی القول الأول [أی وجود الطبیعی فی الخارج] فواضح و أما علی القول الثانی فلفرض أنّ الأمر لم یتعلق بالحصة الخاصة بل تعلق بواحدة منها لا بعینها و من المعلوم أنّ تطبیقها علی هذه و تلک بید المکلف و لانعنی بالتخییر العقلی إلا هذا و من هنا یظهر أنّه لاثمرة للبحث عن هذه المسألة أصلاً...»

ص: 297

ص: 298

الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟

اشارة

و الکلام فی مقامات ثلاثة

المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً

المقام الثانی: فی مقام الإثبات

المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی

ص: 299

ص: 300

هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟

تمهید

(1)

اختلف الکلام بین الأعلام فقال بعضهم بعدم بقاء الجواز مثل صاحب

ص: 301


1- . ذهب العلامة (قدس سره) فی مبادئ الوصول إلی بقاء الجواز و مال إلیه الشهید الثانی (قدس سره) فی تمهید القواعد و صاحب المعالم و الفصول بحسب ما ذکروا فی مقام الاستدلال و فی تمهید القواعد: ذهب الأکثر إلی أنّها باقیة. و فی قبالهم صاحب القوانین (قدس سره) ، و صرّح فی هدایة المسترشدین و أجود التقریرات و محاضرات بعدم البقاء و به قال الغزالی (حکاه فی تمهید القواعد). استدلال القائلین ببقاء الجواز مرکب من مقدمتین: المقدمة الأولی: فی القوانین: «الأمر الإیجابی دلّ علی الجواز مع المنع من الترک» و فی مبادئ الوصول: «الوجوب ماهیة مرکبة من الإذن فی الفعل و المنع من الترک» و عبّروا عنهما بالجنس و الفصل. و أُجیب عنها تارة بأنّ الترکب عقلی لا خارجی (کما فی القوانین و هدایة المسترشدین؛ و فی الهدایة: «الاشتباه فی المقام إنّما وقع من جهة الخلط بین الترکیب العقلی و الخارجی») و أُخری بعدم کون المنع من الترک من أجزاء الوجوب العقلیة أیضاً (کما فی هدایة المسترشدین). و قول المحقق النائینی و الخوئی ببساطة الوجوب معناه إنکار کون الوجوب ذا أجزاء تحلیلیة عقلیة المقدمة الثانیة: «رفع المرکب لایستلزم رفع جزءیه معاً بل أحدهما لا بعینه»( مبادئ الوصول). و أُجیب عنها بأنّ المحققین صرّحوا بکون الفصل علة لوجود الجنس(کما فی القوانین) و أنّ المعلول ینتفی بانتفاء علّته(کما فی الفصول). و القائلون بالبقاء ردّوا هذا الجواب: تارة بأنّ الخلاف واقع فی کون الفصل علة للجنس فقد أنکره بعضهم و قال إنّهما معلولان لعلّة واحدة. (کما فی المعالم). و ثانیة بأنّه لایعقل التوقف و العلیة بینهما أی الجنس و الفصل و معنی علیة الفصل للجنس أنّ مفهوم الفصل إذا انضمّ إلی مفهوم الجنس فی الذهن میزه عن إبهامه المانع من قبوله للوجود خارجاً بل و ذهناً إلّا فی مجرّد الاعتبار و کان علّة لتصیره نوعاً مخصوصاً صالحاً للوجود ذهناً و خارجاً و ذلک لایوجب العلیة بینهما فی الوجود. الفصول، ص112. و ثالثةً بأنّ الجنس إنّما یرتفع بارتفاع الفصل إذا لم یخلفه فصل آخر و من البین أنّ ارتفاع المنع من الترک مقتضٍ لثبوت الإذن فیه و هو فصل آخر للجنس الذی هو الجواز.(کما فی المعالم). و ببیان الفصول: «إنّما یتوقف الجنس فی الوجود و البقاء علی فصلٍ ما لا علی فصل بخصوصه و لا ریب أنّه إذا انعدم الفصل الأوّل أعنی المنع من الترک تحقق جواز الترک» الخ و قال: «لانسلّم أنّ زوال العلة یقتضی زوال المعلول مطلقاً بل إذا لم یقم مقامه علّة أُخری و قد بینا قیام فصل الإباحة مقام فصل الوجوب فلا وجه لزوال الجنس». و استشکل علی هذا الرد الثالث فی القوانین بأنّ تحصل الجنس فی ضمن الفصل الأوّل غیر تحصله فی ضمن فصل آخر فإذا انتفی التحصل الأوّل فما الذی أوجب حصوله ثانیاً؟ و جاء فی الفصول دافعاً لإشکال القوانین: «إنّه یکفی احتمال تحقق الفصل و لا حاجة إلی إثباته». و حیث یمکن الإیراد علیه بأصالة عدمه قال: «و أصالة عدمه لایعارض أصالة بقاء الجنس لکونه أصلاً مثبتاً و هو غیر معتبر».

الکفایة ((1)) و المحقق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) وهو المختار، و فی قبالهم قال المحقق العراقی (قدس سره) ((4)) بإمکان بقاء أصل الجواز و الرجحان ثبوتاً و أما إثباتاً فإنّ دلیل الناسخ ظاهر فی رفع الحکم المنسوخ بجمیع مراتبه من الإلزام و

ص: 302


1- یأتی بیانه (قدس سره) فی المقام الثانی.
2- محاضرات فی أصول الفقه، الطبعة الجدیدة، ج3، ص203، النسخ «غیر خفی أنّ الوجوب إذا نسخ فلا دلالة فیه علی بقاء الجواز لا بالمعنی الأعم و لا بالمعنی الأخص و الوجه فی ذلک واضح».
3- تحقیق الأُصول، ج3، ص29، النسخ «فالمختار فی المقام هو عدم البقاء ثبوتاً من جهة أنّ الوجوب أمر بسیط سواء کان انتزاعیاً أو واقعیاً».
4- یأتی بیانه (قدس سره) لمقام الثبوت فی الموضع الأول، التقریر الأول و لمقام الإثبات فی الموضع الثانی.

الرجحان و الجواز إلا إذا کان الناسخ مجملا من حیث إنّه رافع للإلزام أو مطلق الرجحان أو الجواز.

و البحث هنا وقع بینهم فی ثلاث مقامات:

المقام

الأول فی مقام الثبوت؛

و المقام الثانی فی مقام الإثبات؛

و المقام الثالث فی مقتضی الأصل العملی.

ص: 303

المقام الأول: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً
اشارة

هنا تقریران للإمکان

التقریر الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال: «لاینبغی الإشکال فی أنّه لا ملازمة بین ارتفاع الوجوب و بین ارتفاع جوازه و ذلک من جهة أنّه بعد أن کان له مراتب عدیدة من حیث أصل الجواز و الرجحان الفعلی و من حیث الإلزام و المنع عن النقیض فلاجرم أمکن أن یکون المرتفع لأجل دلیل النسخ هو خصوص جهة إلزامه و منعه عن النقیض مع بقاء رجحانه الفعلی غیر المانع عن النقیض علی حاله کإمکان ارتفاعه حتی بمرتبة رجحانه الفعلی أیضاً مع بقائه علی الجواز بمعنی تساوی فعله و ترکه کإمکان ارتفاعه [بجمیع مراتبه] حتی بمرتبة جوازه أیضاً.

و حینئذ فأمکن ثبوتاً بقاء کل واحد من هذه المراتب بعد ارتفاع الوجوب بدلیل النسخ من غیر أن یکون برهان عقلی علی امتناعه بوجه أصلاً ...»

و الوجه فی ذلک هو أنّ الوجوب و الاستحباب عنده من التشکیکیات فالوجوب هی الإرادة الشدیدة و الاستحباب هی الإرادة الضعیفة.

إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر:
الإیراد الأول: من المحقق الخوئی (قدس سره) و هو مبنائی

إنّ الوجوب أمر انتزاعی و منشأ انتزاعه هو اعتبار الشارع لابدّیة الشیء علی

ص: 304


1- نهایة الأفکار، ج1و2، ص389، المقصد الأول، المبحث التاسع، المقام الأول.

ذمة المکلف((1)) و الأمر الانتزاعی لیس تشکیکیاً.

(إنّ الوجوب عند المحقق الخوئی (قدس سره) لیس مجعولاً شرعیاً بل منتزع منه).

الإیراد الثانی: و هو مبنائی أیضاً

إنّ الوجوب حکم اعتباری مجعول للشارع و هو بسیط إما یعتبر فیوجد و إما لایعتبر فلایوجد و الاستحباب و الجواز اعتباران آخران فانتفاء اعتبار الوجوب لایوجب إثبات اعتبار آخر.

الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) .

((2))

إنّ ما أفاده (قدس سره) یبتنی علی أن یکون الترخیص فی الترک دخیلاً فی حقیقة مرتبة حکم الوجوب مع أنّ «الإرادة و هی الشوق الأکید غیر المحدود کیف نفسانی تکوینی و الترخیص أمر جعلی اعتباری فکیف [یمکن أن] یکون [الأمر الاعتباری] من أجزاء الأمر التکوینی؟»

التقریر الثانی:
اشارة

(3)

إنّ الوجوب أمر اعتباری انتزاعی و منشأ انتزاعه هو طلب الشیء مع المنع

ص: 305


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص23؛ ج 3، ص203، النسخ «إنّ الوجوب و الحرمة و الاستحباب و الکراهة جمیعاً منتزعة من اعتبار الشارع بحکم العقل و لیس شیء منها مجعولاً شرعیاً فالمجعول إنّما هو نفس ذلک الاعتبار غایة الأمر إن نصب الشارع قرینةً علی الترخیص فی الترک فینتزع العقل منه الاستحباب و إن لم ینصب قرینةً علیه فینتزع منه الوجوب».
2- تحقیق الأصول، ج3، ص293، النسخ، المقام الأول، تصویر المحقق العراقی بقاء الجواز علی القول بالبساطة، مناقشته.
3- . بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص386 «التقریب الثالث مبنی علی مسلک المحقق النائینی (قدس سره) من أنّ الوجوب لیس مدلولاً للفظ و إنّما هو بحکم العقل المنتزع من طلب الفعل و عدم الترخیص فی الترک فإنّه علی هذا المبنی یتعین إثبات الجواز بالمعنی الأعم بلا حاجة إلی إنکار شیء من التبعیتین فی الحجیة و الوجه فی ذلک واضح الخ»

من الترک فإذا ورد الدلیل علی الترخیص بالنسبة إلی الترک فحینئذ یرتفع الوجوب و ینتزع الاستحباب (و هذا التقریر لاینافی بساطة الوجوب).

إیراد علی هذا التقریر:

إنّ المنع من الترک لیس إلا لإبراز الحکم فهو أمر إثباتی بعد ثبوت الحکم الاعتباری فلایمکن أن ینتزع عنه الحکم.

تتمة:

إنّ بعضهم توهم جعل تلک المسألة مبتنیاً علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل((1)) فإن کان الترکیب بینهما اتحادیاً فلایمکن بقاء الجنس بعد ارتفاعه و إن

ص: 306


1- قد مرّ عبارة أجود التقریرات: «حدیث إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل أجنبی عن المقام بعد فرض بساطة الأحکام» و عبارة محاضرات: «إنّه لا موضوع لدعوی ابتناء النزاع فی المسألة علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل لما مرّ من أنّ الاعتبار بسیط فی غایة البساطة فلا جنس و لا فصل له» بل فی حاشیة المشکینی (قدس سره) : «إنّه لا فرق فی هذا النزاع بین القول بکون الأحکام من قبیل البسائط أو المرکبات بأن یکون کل واحد مرکباً من جنس و فصل و کذا علی الثانی لا فرق بین القول بکون الفصل علة للجنس و عدمه». و لکن فی بحوث فی علم الأُُصول: «المشهور بینهم عدم إمکان إثبات الجواز... مع أنّ الصحیح التفصیل بلحاظ المسالک المختلفة فإنّه بناء علی بعضها لابدّ من القول بإمکان إثبات الجواز و هذا ما یمکن بیانه بعدة تقریبات:... ثمّ إنّه اتّضح مما تقدّم وجه ما ذکره المشهور فی المقام من ربط المسألة و تفریعها علی المسألة الفلسفیة المعروفة من أنّ النوع إذا ارتفع بارتفاع فصله فهل یمکن أن یبقی الجنس المتضمن فیه و لو فی ضمن نوع آخر أو لایمکن ذلک؟ فعلی القول بإمکانه قیل فی المقام ببقاء الجواز الذی کان بمثابة الجنس للوجوب و لو ارتفع ما کان بمثابة فصله و هو المنع من الترک فإنّ المقصود من هذا البیان هو التقریب الثانی من التقریبات الثلاثة أی التمسک بالمدلول التضمنی للدلیل المنسوخ إلّا أنّه مبنی علی إمکان بقاء الجنس و لو فی ضمن نوع آخر و إلّا کان المدلول التضمنی أیضاً مرتفعاً. فلایرد علیه ما أورده السید الأُستاذ من وجوهٍ عدیدة حیث أفاد: أوّلاً:... و ثانیاً: إنّ الأحکام من الأُُمور الاعتباریة و هی بسائط و لیست مرکبة من مادة و صورة فضلاً عن الجنس و الفصل وثالثاً:... أقول: هذه الاعتراضات لایمکن المساعدة علی شیء منها بعد توجیه کلام المشهور بما ذکرناه إذ فیما یتعلّق بالاعتراض الأوّل یرد علیه... و فیما یتعلّق بالاعتراض الثانی یرد أنّ مدّعی المشهور لم یکن هو تحلیل الأمر الاعتباری المسمّی بالوجوب بالحمل الشائع إلی جنس و فصل فی أُفق وجوده کی یقال بأنّ الاعتبار من البسائط و إنّما المدّعی أنّ الوجوب عبارة عن مجموع اعتبارین- طلب الفعل و المنع من الترک - مندکین فی اعتبار واحد فهما بمثابة الجنس و الفصل له و الدلیل الناسخ غایة ما یدلّ علیه ارتفاع المجموع لا الجمیع فیمکن إثبات أصل الجواز بالدلیل المنسوخ. نعم التعبیر عن ذلک بالجنس و الفصل الذین هما من الأجزاء التحلیلة العقلیة و إرادة معناهما الحقیقی فی المقام لابدّ أن یکون مسامحة و کان الأُولی أن یعبّروا بالمدلول التضمنی و المطابقی کما تقدّم فی التقریب الثانی». و جاء التعبیر بدلالة التضمن فی تمهید القواعد فراجع.

کان انضمامیاً فیمکن ذلک.

و لکن النزاع قبل ذلک هو فی أنّ الوجوب بسیط أو مرکب؛ فإن قلنا ببساطة الوجوب (کما هو الحق)((1)) فلاتصل النوبة إلی البحث عن بقاء الجنس لأنّ

ص: 307


1- حدیث ترکب الوجوب جاء فی کلام کلّهم إلّا هدایة المسترشدین و أجود التقریرات و محاضرات حیث قالوا ببساطته. ففی الأوّل: «یدلّ علی المختار أنّ الوجوب معنی بسیط فی الخارج قد دلّ علیه الأمر فإذا فرض رفعه بالنسخ ارتفع بالمرّة... نعم إنّما یثبت له أجزاء تحلیلیة عقلیة من الإذن بالفعل و المنع بالترک و غیرها [کذا] إن ثبت کونها أموراً ذاتیة له و من البین أنّ ذلک لایوجب ترکّباً بحسب الخارج بأن یکون هناک موجودات متعدّدة منضمة لیصحّ القول برفع بعضها دون بعض فالاشتباه فی المقام إنّما وقع من جهة الخلط بین الترکیب العقلی و الخارجی بل قد مرّ [ما] فی کون الأمر بالترک [کذا و الصواب: المنع من الترک] من أجزاءه العقلیة أیضاً حتی قیل بکونه من لوازمه البینة بالمعنی الأعم». و فی الثانی: «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ و لا لدلیل المنسوخ علی الجواز أصلاً لکون الأحکام کلّها بسائط یضاد بعضها بعضها الآخر فارتفاع بعضها لایکون فیه دلالة علی ثبوت واحد معین منها و حدیث إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل أجنبی عن المقام بعد فرض بساطة الأحکام کما بینّاه سابقاً». و فی الثالث: «إنّه لا موضوع لدعوی ابتناء النزاع فی المسألة علی إمکان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل لما مرّ من أنّ الاعتبار بسیط فی غایة البساطة فلا جنس و لا فصل له». و فی کلام القوانین أیضاً إشارة إلی ذلک حیث قال: «إنّ الجنس و الفصل وجودهما فی الخارج متحد و وجودهما إنّما هو فی ضمن الفرد فلا معنی للتفکیک بینهما». و صاحب الفصول و إن کان فی کلامه ما یقرب منه مال إلی القول ببقاء الجواز قال (قدس سره) : «إنّ الجنس و الفصل موجودان فی الخارج بوجود واحد و لولاه لما صحّ الحکم بأنّ أحدهما عین الآخر کما هو مفاد الحمل» و استدلّ بکلامه هذا علی عدم العلیة بین الفصل و الجنس.

الوجوب حینئذ لا جنس له.

و التحقیق هو أنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة و الأمر الاعتباری لا جنس له و لا فصل لأنّ الجنس و الفصل لایتحققان إلا فی المرکبات الحقیقیة فالوجوب أمر بسیط.

نعم إنّ الماهیات الجعلیة الشرعیة الاعتباریة تتشکل فی الخارج عن بعض الأُمور الحقیقیة إلا أنّه من حیث وحدتها الاعتباریة لا جنس لها و لا فصل فهی بسیطة فی عالم الاعتبار بل الأُمور الخارجیة محصل للماهیة الاعتباریة.

و الحاصل: عدم إمکان بقاء الجواز ثبوتاً.

ص: 308

المقام الثانی: فی مقام الإثبات
اشارة

بعد بیان عدم إمکان ذلک ثبوتاً لانحتاج إلی مقام الإثبات و لکن نشیر إلی ذلک لمن لم یلتزم بما مضی.

قال صاحب الکفایة (قدس سره) :((1)) «إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدلیل الناسخ و لا المنسوخ علی بقاء الجواز بالمعنی الأعم و لا بالمعنی الأخص کما لا دلالة لهما علی ثبوت غیره من الأحکام [إنّ الجواز بالمعنی الأخص هو الإباحة و لم یثبت من قبل حتی یقال ببقائه فلابدّ من أن یقال بعدم الدلیل علی ثبوته لا علی بقائه فما أفاده (قدس سره) تسامح فی التعبیر] ضرورة أنّ ثبوت کل واحد من الأحکام الأربعة الباقیة بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممکن و لا دلالة لواحد من دلیلی الناسخ و المنسوخ بإحدی الدلالات علی تعیین واحد منها کما هو أوضح من أن یخفی فلابدّ للتعیین من دلیل آخر.»

دلیل علی البقاء جاء فی کلام المحقق العراقی (قدس سره) :

((2))

«إنّ القدر المتیقن الذی یقتضیه دلیل الناسخ إنما هو رفع خصوص جهة إلزامه ففی ما عداه یؤخذ حینئذ بدلیل المنسوخ و یحکم بمقتضاه باستحبابه، نظیر ما إذا ورد دلیل علی وجوب شیء و دلیل آخر علی عدم وجوبه فکما أنّه هناک یجمع بینهما فیؤخذ بظهور دلیل الوجوب فی مطلق الرجحان و یرفع الید عن ظهوره فی الإلزام و جهة المنع عن النقیض کذلک فی المقام أیضاً؛ فإذا لم یکن لدلیل النسخ دلالة أزید من رفع الوجوب فلا جرم یؤخذ بظهور دلیل

ص: 309


1- کفایة الأُصول، ص140، المقصد الأول، الفصل الثامن.
2- نهایة الأفکار، ج1و2، ص390، المقصد الأول، المبحث التاسع، المقام الثانی.

المنسوخ فی مطلق رجحانه و بذلک یثبت استحبابه حیث لانعنی من الاستحباب إلا ذلک.»

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علیه:

«فیه أنّ هذا الجمع إنّما یصح فی غیر الحاکم و المحکوم و أما فیهما فلایتأتی مثل هذا الجمع بل لابدّ من الأخذ بدلیل الحاکم و رفع الید عن دلیل المحکوم و إن کان ظهوره أقوی بمراتب من دلیل الحاکم ...

و حینئذ فلئن خودش فی ذلک فلابدّ من الخدشة فی أصل المطلب بدعوی قوة ظهور دلیل الناسخ فی نظره إلی رفع جمیع مراتب الحکم [أی حکم المنسوخ] کما لعله لیس بعید أیضاً لظهوره فی رفعه لأصل الحکم الثابت بدلیل المنسوخ بما له من المراتب و علیه لایبقی مجال للأخذ بظهور دلیل المنسوخ فی مطلق الرجحان لإثبات الاستحباب.

نعم لو فرضنا إجمال دلیل الناسخ فی نفسه و تردده بین رفع خصوص جهة إلزامه أو رفعه حتی بمرتبة رجحانه و جوازه ففی مثله لا بأس بدعوی الرجوع إلی دلیل المنسوخ لإثبات مطلق الرجحان لولا دعوی سرایة إجماله إلیه أیضاً فتدبر.»

إشکالان من بعض الأساطین (دام ظله) علیه:
اشارة

((1))

الإشکال الأول:

((2))

إنّ ما أفاده (قدس سره) أخیراً من سرایة إجمال الناسخ إلی المنسوخ مستحیل لأنّ

ص: 310


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص297، المقام الثانی.
2- «لکن الإشکال الوارد علیه فی استثنائه صورة إجمال الناسخ إذ فیه أولاً أنّ الناسخ دلیل منفصل عن المنسوخ فیستحیل سرایة إجماله إلیه الخ».

الناسخ منفصل عن المنسوخ فلو قلنا بسرایة الإجمال هنا للزم القول بسرایة الإجمال فی کل مخصص منفصل بالنسبة إلی العام فلایمکن التمسک بالعام.

الإشکال الثانی:

((1))

ما أفاده (قدس سره) فی صورة إجمال الناسخ من جهة رفع خصوص الإلزام أو رفعه بمرتبة رجحانه و جوازه یتوقف علی دلالة المنسوخ علی الرجحان و هذه الدلالة عند المحقق العراقی (قدس سره) تضمنی لأنّ الرجحان عنده من مراتب الوجوب و عندنا التزامی و علی أی حال الدلالة التضمنیة و الالتزامیة کلاهما فرع للدلالة المطابقیة حدوثاً و بقاءً فمع سقوط الدلالة المطابقیة لاتبقی الدلالة التضمنیة و لا الالتزامیة.

ص: 311


1- «و ثانیاً أنّ بقاء الرجحان فی حال عدم سرایة الإجمال – إن کان مجملاً – إلی المنسوخ موقوف علی دلالة المنسوخ علی الرجحان و هی إما بالالتزام و إما بالتضمن و هو یقول بالثانی الخ».
المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی
هل یجری الاستصحاب أو لا؟
اشارة

هنا قولان:

القول الأول: جریان الاستصحاب
اشارة

و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث:

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق العراقی (قدس سره)

((1))

إنّه (قدس سره) یری جریان الاستصحاب بناء علی مسلکه من تصویر التشکیک بین الوجوب و الاستحباب فالاستصحاب یجری لأنّ المشکوک (و هو الجواز أو الاستحباب) یکون عرفاً من مراتب ما هو المتیقن سابقاً بحیث کان تقدیر بقائه عرفاً بقاءً لما علم بتحققه سابقاً.

نعم المحقق العراقی (قدس سره) یقول: إن قلنا بأنّ الأحکام متباینات کل منها مع الآخر فلایجری الاستصحاب من جهة عدم اتحاد القضیة المشکوکة و القضیة المتقینة عرفاً لکنه خلاف مختاره فی حقیقة الأحکام.

النظریة الثانیة: ما أفاده السید المحقق الحکیم (قدس سره)

((2))

قال: «یکفی فی إثبات الجواز استصحاب الرضا بالفعل الثابت حال وجوبه

ص: 312


1- نهایة الأفکار، ج1و2، ص391، المقصد الأول، المبحث التاسع، المقام الثانی «و أما الاستصحاب فیبتنی جریانه علی أن یکون المشکوک عرفاً من مراتب ما هو المتیقن سابقاً بحیث علی تقدیر بقائه یعدّ کونه عرفاً بقاءً لما علم بتحققه سابقاً الخ».
2- حقائق الأصول، ج1، ص331، التعلیقة علی هذه العبارة «فلا مجال للاستصحاب».

إذ لو ثبت الرضا به بعد ارتفاع الوجوب لایکون وجوداً آخر للرضا بل یکون الرضا الأول باقیاً [فنستصحب رضا الشارع بالفعل] و إذا ثبت الرضا به [أی بالفعل] و لو بالاستصحاب کان جائزاً عقلاً ...

و یکفی فی إثبات الاستحباب استصحاب نفس الإرادة النفسانیة إذ مجرد رفع الوجوب لایدل علی ارتفاعها و إذا ثبتت الإرادة المذکورة ثبت الاستحباب لأنّه یکفی فیه الإرادة للفعل مع الترخیص فی الترک الثابت قطعاً بنسخ الوجوب.»

النظریة الثالثة:

إنّ القائلین بترکیب الوجوب من طلب الشیء و المنع من الترک ترکیباً انضمامیاً لا مانع عندهم من جریان الاستصحاب حیث نشک فی أنّ المنسوخ هو خصوص المنع من الترک أو کلا الجزأین فنستصحب بقاء طلب الشیء و هذا هو استصحاب فرد واحد شخصی.

القول الثانی: عدم جریان الاستصحاب

و هو نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ((1)) إنّه یقول بعدم جریان الاستصحاب لأنّ الوجوب عنده مباین للاستحباب عرفاً و مباین لسائر الأحکام عقلاً و عرفاً و الاستصحاب فی المقام یکون من القسم الثالث من أقسام استصحاب الکلی و هو لایجری و إلیک نص عبارته:

«لا مجال لاستصحاب الجواز إلا بناء علی جریانه فی القسم الثالث من أقسام

ص: 313


1- کفایة الأصول، ص140، المقصد الأول، الفصل الثامن.

استصحاب الکلی و هو ما إذا شک فی حدوث فرد کلی مقارناً لارتفاع فرده الآخر و قد حققنا فی محله((1)) أنّه لایجری الاستصحاب فیه ما لم یکن الحادث المشکوک من المراتب القویة أو الضعیفة المتصلة بالمرتفع بحیث عد عرفاً - لو کان - أنّه باقٍ لا أنّه أمر حادث غیره.

و من المعلوم أنّ کل واحد من الأحکام مع الآخر عقلاً و عرفاً من المباینات و المتضادات غیر الوجوب و الاستحباب فإنّه و إن کان بینهما التفاوت بالمرتبة و الشدة و الضعف عقلاً إلا أنهما متباینان عرفاً؛ فلامجال للاستصحاب إذا شک فی تبدل أحدهما بالآخر فإنّ حکم العرف و نظره یکون متبعاً فی هذا الباب.»

فتحصّل إلی هنا: أنّ الوجوب بسیط فمع ارتفاعه لایمکن ثبوتاً بقاء حکم آخر و لا بقاء الجواز بالمعنی الأعم الذی هو فی ضمن هذا الفرد من الوجوب کما أنّه لایجری استصحاب الجواز بالمعنی الأعم لأنّه من القسم الثالث من استصحاب الکلی؛ أما مبادی الحکم من الرضا بالفعل و الإرادة النفسانیة فلیس مثل الجواز بالمعنی الأعم لأنّ الجواز بالمعنی الأعم أمر اعتباری تابع للوجوب حدوثاً و بقاءً و أما الرضا فلیس تابعاً للوجوب بل من مبادیه فاستصحابه من القسم الأول لا القسم الثالث من استصحاب الکلی کما أنّ استصحاب الإرادة النفسانیة من القسم الرابع و هو استصحاب فی التشکیکیات.

ص: 314


1- کفایة الأصول، ص406، تنبیهات الاستصحاب، التنبیه الثالث «و أما إذا کان الشک فی بقائه من جهة الشک فی قیام خاص آخر فی مقام ذاک الخاص الذی کان فی ضمنه بعد القطع بارتفاعه ففی استصحابه إشکال أظهره عدم جریانه الخ».

الفصل الخامس: الواجب التخییری

اشارة

ص: 315

ص: 316

حقیقة الواجب التخییری
اشارة

فی حقیقة الواجب التخییری نظریات ثمان:

النظریة الأُولی:
اشارة

الواجب هو الواحد المعین عند الله تعالی.

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره) علیها:

((1))

أولاً: « کل منهما مثل الآخر فی أنّه وافٍ بالغرض.»

ثانیاً: إنّه مخالف لظهور الأدلة فی وجوب کل منهما لا أحدهما المعین.

النظریة الثانیة:
اشارة

الواجب هو الواحد المعین الذی یختاره المکلف فی مقام الامتثال.

و کل من الأشاعرة و المعتزلة نسب هذا القول إلی الآخر و تبرأ منه لسخافته

ص: 317


1- کفایة الأُصول، ص141، المقصد الأول، الفصل التاسع.

و «لازم هذه النظریة هو أنّ الواجب یختلف باختلاف المکلفین بل باختلاف حالاتهم.»((1))

إیرادات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها:
الإیراد الأول:

«إنّه مخالف لظواهر الأدلة الدالة علی وجوب فعلین أو أفعال علی نحو التنخییر و لا تعین لما هو الواجب علی المکلف فی الواقع و نفس الأمر فما یختاره مصداق للواجب لا إنّه الواجب بعینه.»

الإیراد الثانی:

«إنّه منافٍ لقاعدة الاشتراک فی التکلیف... التی هی من القواعد الضروریة.»

الإیراد الثالث:

«إنّ لازم هذا القول أن لایکون وجوب فی الواقع عند عدم اختیار المکلف أحدهما و ترک امتثاله و عصیانه ... و لازمه هو أنّه لا وجوب له قبل اختیاره ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه کما هو واضح؛ فإذن لا موضوع للعصیان و استحقاق العقوبة عند ترک المکلف الإتیان بالجمیع ضرورة أنّ إیجاد الشرط غیر واجب علیه و هذا بدیهی البطلان.»

الإیراد الرابع:
اشارة

«إنّه إذا لم یکن شیء منهما واجباً فی حال العصیان فلایکون واجباً فی حال

ص: 318


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص26 و 27؛ ج 3، ص207 – 209، الواجب التخییری.

الامتثال أیضاً و الوجه فی ذلک هو أنّ کلاً من العصیان و الامتثال وارد علی موضوع واحد ... فإذا فرض أنّه لم یکن واجباً فی حال العصیان فلایعقل أن یکون واجباً فی حال الامتثال ...»

جواب عن هذا الإیراد:

إنّ المکلف فی حال الامتثال یختار أحدهما المعین و لابدّ -مع تحقق الاختیار- أن یکون الواجب هو ما اختاره المکلف حیث إنّ حصول الاختیار شرط لذلک و الشرط حاصل فالمشروط أیضاً لابدّ من أن یکون حاصلاً.

النظریة الثالثة:
اشارة

إنّ فی أطراف الوجوب التخییری وجوبات تعیینیة کل منها مشروط بترک الآخر و قد یعبر عنه بأنّه یجب کل من الأطراف مع السقوط بفعل أحدها و الوجوب بالنسبة إلی کل من الأطراف تعیینی؛ غایة الأمر أنّ امتثال واحد من الأطراف مسقط لغیره.

إیرادات خمسة علیها:
الإیراد الأول: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إن أمکن استیفاء ما فی کل منها من الغرض فلایسقط الوجوب بفعل الآخر و إن لم یمکن فلایجوز الإیجاب کذلک.

ص: 319


1- کفایة الأصول، ص141 «فلا وجه فی مثله للقول بکون الواجب هو... و لا کل واحد منهما تعیناًً مع السقوط بفعل أحدهما بداهة عدم السقوط مع إمکان استیفاء ما فی کل منهما من الغرض الخ».
الإیراد الثانی: من المحقق الإیروانی (قدس سره)

((1))

إنّه یلزم فعلیة وجوب جمیع الأطراف و لزوم الإتیان بجمیعها عند ترک الإتیان بها؛ و هذا ینافی حقیقة الوجوب التخییری.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّه یلزم تعدد العقاب عند ترک الإتیان بجمیع الأطراف لحصول شرط فعلیة وجوب جمیع الأطراف؛ و تعدد العقاب مما لایرتضی به القائل کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) استشکل((3)) الترتب بلزوم تعدد العقاب.

الإیراد الرابع:

((4))

إنّه یلزم عدم تحقق الامتثال و عدم وقوع شیء من الأطراف علی صفة

ص: 320


1- نهایة النهایة، ج1، ص200، المقصد الأول، مبحث الواجب التخییری، التعلیقة علی هذه العبارة «ففی وجوب کل واحد علی التخییر» قال (قدس سره) : «... مثلاً إذا قلنا: إنّ معنی وجوب الکفارة مخیراً بین خصالها هو وجوب کل خصلة مشروطاً بعدم الأُخری اتجه السؤال بأنّ الشرط هو عدم الأُخری قبل وجود هذه أو عدمها مطلقاً و لو مع هذه بأن لاتکون موجودة و لو مقارنة معها أو عدمها مطلقاً و لو کان وجودها عقیب هذه فإن کان الأول کان اللازم حین عدم الإتیان بشیء من الخصال وجوب الإتیان بالجمیع دفعةً لحصول شرط وجوب کل منهما و هو عدم الأُخری و ذلک باطل الخ».
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص323 «و الرابع: إنّه فی صورة ترک کلیهما یلزم تعدد العقاب و هو خلاف الضرورة و فیه أنّه إشکال مبنائی الخ».
3- کفایة الأُُصول، ص135 و 136، فصل: الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضده أو لا؟ «ثم إنّه لاأظن أن یلتزم القائل بالترتب بما هو لازمه من الاستحقاق فی صورة مخالفة الأمرین لعقوبتین ضرورة قبح العقاب علی ما لایقدر علیه العبد و لذا کان سیدنا الأُستاذ لایلتزم به علی ما هو ببالی و کنا نورد به علی الترتب و کان بصدد تصحیحه الخ».
4- تحقیق الأُصول «الخامس: إنّ لازم هذا القول أن لایتحقق الامتثال بالإتیان بکلا الفردین مع الیقین بحصول الامتثال بذلک و هذا هو الإشکال الصحیح».

المطلوبیة عند الإتیان بجمیع الأطراف مع أنّه لا شبهة فی حصول الامتثال إذا أتی المکلف بجمیع الأطراف فی زمان واحد.

الإیراد الخامس:

((1))

إنّه مخالف لظهور الأدلة لأنّ أطراف الوجوب التخییری معطوفة بعضها ببعض بکلمة « أو » و حمل ذلک علی اشتراط الوجوب فی بعضها بترک البعض الآخر خلاف الظاهر.

النظریة الرابعة: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

قال: «التحقیق أن یقال: إنّه إن کان الأمر بأحد الشیئین بملاک أنّه هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما بحیث إذا أتی بأحدهما حصل به تمام الغرض و لذا یسقط به الأمر کان الواجب فی الحقیقة هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما بحسب الواقع عقلیاً لاشرعیاً.

و ذلک لوضوح أنّ الواحد لایکاد یصدر من الاثنین بما هما اثنان ما لم یکن بینهما جامع فی البین لاعتبار نحو من السنخیة بین العلة و المعلول.

و علیه فجعلهما متعلقین للخطاب الشرعی لبیان أنّ الواجب هو الجامع بین هذین الاثنین.

و ان کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه کان کل واحد واجباً بنحو من الوجوب

ص: 321


1- تحقیق الأصول «و السادس: إنّ هذا الوجه لاتساعده ظواهر الأدلة فی مقام الإثبات فقد جاءت الأفراد معطوفةً بأو الخ».
2- کفایة الأُصول، ص140 و 141، المقصد الأول، الفصل التاسع.

یستکشف عنه تبعاته من عدم جواز ترکه إلا إلی الآخر و ترتب الثواب علی فعل الواحد منهما و العقاب علی ترکهما.»

إیرادات ثلاثة علی الفرض الأول:
الإیراد الأول: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

«لایخفی علیک أنّ قاعدة «عدم صدور الکثیر عن الواحد» و «عدم صدور الواحد عن الکثیر» مختصة بالواحد الشخصی لا الواحد النوعی کما یقتضیه برهانها فی الطرفین.

[أما البرهان علی تلک القاعدة] ﻓ [هو] أنّ تعین کل معلول فی مرتبة ذات علته لئلا یلزم التخصص [أی تخصص المعلول] بلا مخصص و کون الخصوصیة الموجبة لتعینه [أی المعلول] ذاتیة للعلة إذ الکلام فی العلة بالذات.

و لزوم الخلف من تعین معلولین فی مرتبة ذات علة واحدة من جمیع الجهات للزوم [وجود اﻟ] خصوصیتین فیها [أی فی العلة التی فرضنا کونها واحدة من جمیع الجهات] لا ربط له بعدم صدور الکثیر عن الواحد النوعی [فالکثیر لایصدر عن علة واحدة من جمیع الجهات].

[و أما البرهان علی طرفها الآخر فهذا بیانه:] کما أنّ کل ممکن لیس له إلا وجود واحد و وجوب واحد - فهو یقتضی أن لایکون له وجوبان فی مرتبة ذات علتین – مورده صدور الواحد الشخصی عن علتین شخصیتین [فالواحد الشخصی لایصدر عن الکثیر].

ص: 322


1- نهایة الدرایة، ج2، ص266 – 269، التعلیقة 137 علی هذه العبارة «لوضوح أنّ الواحد لایکاد یصدر من الاثنین».

و کذا کون استقلال کل من العلتین فی التأثیر مع دخل کل من الخصوصیتین فی وجود شیء واحد موجباً لعدم علیة کل منهما مستقلاً و [مع] عدم دخل الخصوصیتین [أی خصوصیة العلتین] موجباً لکون الجامع علة لا ربط له أیضاً باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد بل مفاد کلا البرهانین عدم صدور الواحد الشخصی عن الکثیر و عدم صدور الکثیر بالشخص عن الواحد الحقیقی؛ و لذا قیل باستناد الواحد النوعی إلی المتعدد کالحرارة المستندة إلی الحرکة تارة و إلی النار أُخری و إلی شعاع الشمس ثالثةً و إلی الغضب أیضاً و کالأجناس فإنّها لوازم الفصول [أی هکذا قیل باستناد الواحد الجنسی إلی المتعدد کالجنس الذی یتفصل بفصول متعددة و یندرج تحته أنواع متعددة] و الفصل کالعلة المقیدة لطبیعة الجنس فیستند الواحد الجنسی إلی فصول متعددة مع تباین الفصول بتمام ذواتها...

و أما مسألة المناسبة و السنخیة بین العلة و المعلول فلاتقتضی الانتهاء إلی جامع ماهوی ضرورة أنّ المؤثر هو الوجود و مناسبة الأثر لمؤثره لایقتضی أن یکون هذا المقتضی و المقتضی الآخر مندرجین بحسب الماهیة تحت ماهیة أُخری.

ألا تری أنّ وجودات الأعراض مع تباین ماهیتها - لکونها أجناساً عالیة أو منتهیة إلیها - مشترکة فی لازم واحد و هو الحلول فی الموضوعات.

و کذا الحلاوة مثلاً لازم واحد سنخاً للعسل و السکر و غیرهما من دون لزوم اندراج الحلاوة و موضوعها تحت جامع ماهوی و لا اندراج موضوعاتها تحت جامع ماهوی بل اقتضاء کل من الموضوعات لها بذاتها ... فلیکن الغرض اللازم لوجود الصوم و العتق و الإطعام کذلک».

فإنّ هذا الغرض و إن کان واحداً إلا أنّه لایستدعی الجامع الذاتی بینها و علی

ص: 323

أی حال هذا الأثر القائم بهذه الأفعال یقوم بها قیام العرض بموضوعه کقیام الحرارة بالنار و الحلاوة بالعسل أو بالسکر و لیس العرض فی مرتبة ذات موضوعه و مترشحاً من مقام ذاته حتی یقال: إنّ الحلاوة مثلاً إذا کانت فی مرتبة ذات العسل و السکر فحیثیة ذات العسل و السکر حیثیة الحلاوة فلابدّ من جامع ذاتی بین العسل و السکر و إذا لم تکن الحلاوة فی مرتبة ذاتهما بل کانت قائمةً بهما فلا موجب لاندراج «الحلاوة» و «العسل و السکر» تحت جامع ذاتی فضلاً عن العسل و السکر المتناسبین بالعرض.

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

«إنّ ما أفاده (قدس سره) لو تم فإنّما یتم فی ما یمکن وجود جامع حقیقی بینهما کأن یکونا فردین أو نوعین من طبیعة واحدة و أما فی ما إذا لم یمکن وجود جامع کذلک - کما إذا کان کل منهما من مقولة علی حدة - فلایتم أصلاً و من الواضح أنّ التخییر بین فعلین أو أفعال لایختص بما إذا کانا من مقولة واحدة بل کما یمکن أن یکونا کذلک یمکن أن یکون أحدهما من مقولة و الآخر من مقولة أُخری أو أن یکون أحدهما أمراً وجودیاً و الآخر أمراً عدمیاً ...»

الإیراد الثالث: من المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((2))

لو فرضنا وجود الجامع الذاتی فهو مما لایصلح أن یکون متعلقاً للأمر لأنّه

ص: 324


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص36 و 37؛ ج 3، ص219، الواجب التخییری، المذهب الثالث، النقطة الأُولی.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص37 «و ثالثاً لو تنزلنا عن ذلک و سلمنا أنّ ما أفاده (قدس سره) صحیح إلا أنّ الجامع المزبور مما لایصلح أن یکون متعلقاً للأمر الخ».

لیس أمراً عرفیاً بل هو مستکشف بالبرهان العقلی و خارج عن أذهان العرف.

جواب عن هذا الإیراد:

إنّه لا مانع من عدم تعلق الأمر بالجامع بعد تعلقه بهذه الأفعال.

إیرادات خمسة علی الفرض الثانی:
الإیراد الأول: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ لکل منهما غرض لایکاد یحصل مع حصول الغرض فی الآخر بإتیانه إما یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین و إما یکون بینهما تضاد إجمالی ( التضاد الأُصولی ) و إما یکون بینهما تضاد علی الإطلاق.

و «عدم حصول الغرض من أحدهما مع حصوله من الآخر إن کان [من دون تضاد بینهما بل] لمجرد أنّ استیفاء أحدهما لایبقی مجالاً لاستیفاء الآخر- مع کون کل من الغرضین لازم الحصول فی نفسه - فلامحالة یجب الأمر بها دفعة تحصیلاً للغرضین.

و لو فرض عدم حصولهما إلا تدریجاً لعدم إمکان اجتماعهما فی زمان واحد [أی کان ذلک للتضاد الإجمالی بینهما] کانا کالمتزاحمین؛ فإنّ التزاحم قد یکون فی الأمر و قد یکون فی ملاکه و کما أنّ التخییر فی المتزاحمین - من حیث الأمر - تخییر عقلی لا مولوی کذا التخییر هنا.

و إن کان تضاد الغرضین علی الإطلاق لا من حیث إنّ اجتماع المحصلین فی

ص: 325


1- نهایة الدرایة، ج2، ص269 و 270، التعلیقة 138 علی هذه العبارة «و إن کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد».

زمان واحد غیر ممکن و سبق کل منهما لا یبقی مجالاً لاستیفاء الآخر بل من حیث إنّ ترتب الغرض علی أحدهما مقید فی نفسه بعدم ترتب الغرض علی الآخر و لازمه عدم حصول شیء من الغرضین عند الجمع بین المحصلین فهذا مع عدم انطباقه علی الواجبات التخییریة الشرعیة خارج عن محل الکلام لأنّ التخییر حینئذ عقلی أیضاً لا مولوی شرعی.»

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

«إنّها مخالفة لظواهر الأدلة فإنّ الظاهر من العطف بکلمة ”أو“ هو أنّ الواجب أحدهما لا کلاهما.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عنه:

((2))

«القول بتعلق التکلیف بالأحد أیضاً خلاف ظواهر الأدلة لعدم وجود هذا العنوان فیها [أی فی لسان الأدلة] بل الموجود [فیها] هو العطف ﺑ [کلمة] أو؛ و هی فی أمثال المقام للتردید ...»

أجاب الأُستاذ (دام ظله) بوجهین لم نذکر الوجه الأول.((3))

و التحقیق هو أنّ کلمة « أو » یستعمل للتخییر و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لیس مخالفاً لظواهر الأدلة.

ص: 326


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص37؛ ج 3، ص220
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص312، الوجوب التخییری، إشکالات المحاضرات علی الکفایة.
3- «و أجاب دام بقاه... بأنّه خلاف القاعدة لأنّ صاحب الکفایة یری أنّ التکلیف غیر متعلق بأحدهما لا مفهوماً و لا مصداقاً... و إذ لم یمکن ثبوتاً تعلق الإرادة بالأحد فلابدّ من التصرف فی مقام الإثبات و ظواهر الأدلة فالإشکال غیر وارد علیه»
الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

«إنّ فرض کون الغرضین متضادین فلایمکن الجمع بینهما فی الخارج مع فرض کون المکلف قادراً علی إیجاد کلا الفعلین فیه بعید جداً بل هو ملحق بأنیاب الأغوال ضرورة أنّا لانعقل التضاد بین الغرضین مع عدم المضادة بین الفعلین؛ فإذا فرض أنّ المکلف متمکن من الجمع بینهما خارجاً فلا مانع من إیجابهما معاً عندئذ.»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عنه:

((2))

إنّ التباین و التضاد بین الأغراض کثیر تکویناً و عقلاً فقد یکون فعل محصلاً لغرض من جهة و مسقطاً لغرض آخر مثل الدواء الذی یوجب حصول صحة البدن من جهة و یکون سبباً لمرض آخر.

(قد عرفت عند بیان الإیراد الأول أنّ کلام صاحب الکفایة (قدس سره) یحتمل فیه عدم التضاد بین الغرضین فیمکن أن یحمل علیه).

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً

((3))

«إنّ من الواضح جداً أنّه لا مضادة بین ترکیهما [أی الغرضین] معاً فیتمکن المکلف من ترک کلیهما بترک الإتیان بکلا الفعلین خارجاً هذا من ناحیة و من ناحیة أُخری إنّ العقل مستقل باستحقاق العقاب علی تفویت الغرض الملزم ... فالنتیجة علی ضوء هذه النواحی هی أنّه یستحق العقابین عند جمعه بین الترکین

ص: 327


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص37؛ ج 3، ص220
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص312 «و أما عن الثانی فبأنّ التباین بین الأغراض شائع تکویناً و عقلاً الخ»
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص37 و 38؛ ج 3، ص220.

لفرض أنّه مقدور له فلایکون العقاب علیه عقاباً علی ما لیس بالاختیار؛ هذا نظیر ما ذکرناه فی بحث الترتب» حیث إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) استشکله((1)) بلزوم تعدد العقاب و لذا لم یرتضِ بالترتب و أبی أن یکون فی هذه الموارد تعدد العقاب مع أنّ مبناه (قدس سره) فی هذا البحث مستلزم لتعدد العقاب.

(نعم نحن التزمنا بتعدد العقاب و قلنا: لامحذور فیه).

الإیراد الخامس: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً

((2))

«إنّ الغرضین المزبورین لایخلوان من أن یمکن اجتماعهما فی زمان واحد... و أن لایمکن اجتماعهما فیه أصلاً ... و علی الثانی فلازمه هو أنّ المکلف إذا أتی بهما معاً فی الخارج و فی زمان واحد أن لایقع شیء منهما علی صفة المطلوبیة إذ وقوع أحدهما علی هذه الصفة دون الآخر ترجیح من دون مرجح و وقوع کلیهما علی تلک الصفة لایمکن لوجود المضادة بینهما، مع أنّه من الواضح البدیهی أنّ المکلف إذا أتی بهما فی زمان واحد یقع أحدهما علی صفة المطلوبیة ضرورة أنّه ... امتثل الواجب و حصل الغرض منه لا محالة و هذا ظاهر.»

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّه (قدس سره) قال بأنّ الواجب هو الفرد المردد. «إنّ امتناع الإبهام و عدم التردد فی متعلق الإرادة یختص بالإرادة التکوینیة و لایعم التشریعیة ...

توضیحه أنّ کل ما فرض اعتباره فی الإرادة التکوینیة فإن کان معتبراً فیها لا

ص: 328


1- کفایة الأصول، ص135.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص39؛ ج 3، ص222.
3- أجود التقریرات، ج1، ص265 – 267، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث الخامس

لخصوصیة کونها تکوینیة بل لکونها إرادة فهو معتبر فی التشریعیة أیضاً لا محالة بخلاف ما إذا کان اعتباره فیها لأجل خصوصیة کونها تکوینیة فلایعمّ التشریعیة قطعاً و لابأس فی افتراقهما فی بعض الأُمور.

مثلاً تنقسم الإرادة التشریعیة إلی تعبدیة و توصلیة ... و هذا الانقسام من خواص الإرادة التشریعیة التی تتعلق بفعل الغیر و لایعم التکوینیة بالضرورة.

و کذا یمکن تعلق الإرادة التشریعیة بالکلی الملغی عنه الخصوصیات الفردیة و الصنفیة ... و هذا بخلاف الإرادة التکوینیة فإنّها لکونها علة لإیجاد المراد لاتتعلق إلا بالشخص لامتناع إیجاد الکلی فی الخارج إلا فی ضمن فرده.

والذی یترجح فی النظر أن یکون امتناع تعلق الإرادة التکوینیة بالمردد و ما له بدل من لوازمها خاصّة و لایعم التشریعیة؛ فإنّ الغرض المترتب علی کل من الفعلین إذا کان أمراً واحداً - کما هو ظاهر العطف بکلمة ”أو“ و لو کان عطف جملة علی جملة کما هو الغالب أو عطف مفرد علی مفرد - فإنّه بحسب مقام الإثبات الموافق لمقام الثبوت یدل علی أنّ هناک غرضاً واحداً یترتب علی واحد من الفعلین علی البدل؛ فلابدّ و أن یتعلق طلب المولی بأحدهما علی البدل أیضاً لعدم الترجیح بینهما.

و لیس هنا ما یتوهم کونه مانعاً عن تعلق الطلب بشیئین کذلک لا ثبوتاً و لا إثباتاً إلا ما تقدم من دعوی امتناع تعلقه بالمبهم و المردد و قد عرفت أنّه یختص بالتکوینیة التی لاینفک المراد عنها و یوجد بها فلابدّ و أن یکون متعلقها أمراً معیناً شخصیاً فیوجد بها فی الخارج.»

ملاحظتنا علیها:
اشارة

فی تعلق الإرادة و ماشابهها بالفرد المردد أقوال ثلاثة:

ص: 329

القول الأول: من الشیخ الأنصاری (قدس سره)

قال (قدس سره) فی بحث بیع الصاع من الصبرة:((1)) الصفة الوجودیة الخارجیة لاتتعلق بالمردد أما الصفة الاعتباریة فتتعلق به کما فی بیع الکلی فی الذمة.

القول الثانی: مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)

(2)

قال: الصفة الوجودیة الحقیقیة إذا کانت مثل العلم فتتعلق بالمردد کما فی العلم الإجمالی أما ما لیس بصفة بل له الباعثیة و المحرکیة مثل البعث فلایتعلق بالمردد بل لابدّ أن یکون متعلقه مشخصاً.

ص: 330


1- فی نهایة الدرایة، ج2، ص272، التعلیقة 139 فی الهامش «و مما ذکرنا تبین أنّ منشأ الاستحالة لیس توهم أنّ العرض یحتاج إلی موضوع و الموجود فی الخارج معین لا مردد حتی یقال بأنّ المحال تعلق العرض المتأصل بالمردد دون الاعتباری کالملکیة کما عن شیخنا العلامة الأنصاری1 فی بیع أحدصیعان الصبرة مردداً الخ»؛ و فی کتاب المکاسب، ج4، ص251 «مسألة: بیع بعض من جملة متساویة الأجزاء کصاع من صبرة مجتمعة الصیعان أو متفرقتها أو ذراع من کرباس أو عبد من عبدین و شبه ذلک یتصور علی وجوه:... الثانی أن یراد به بعض مردد بین ما یمکن صدقه علیه من الأفراد المتصورة فی المجموع نظیر تردد الفرد المنتشر بین الأفراد و هذا یتضح فی صاع من الصیعان المتفرقة و لا إشکال فی بطلان ذلک مع اختلاف المصادیق فی القیمة... و أما مع اتفاقهما فی القیمة کما فی الصیعان المتفرقة فالمشهور أیضاً کما فی کلام بعض المنع... و استدل علی المنع بعضهم... و رابع بأنّ الملک صفة وجودیة محتاجة إلی محل تقوم به کسائر الصفات الموجودة فی الخارج و أحدهما علی سبیل البدل غیر قابل لقیامه به لأنّه أمر انتزاعی من أمرین معینین و یضعف الأول... و أما الرابع فبمنع احتیاج صفة الملک إلی موجود خارجی فإنّ الکلی المبیع سلماً أو حالّاً مملوک للمشتری و لا وجود لفرد منه فی الخارج بصفة کونه مملوکاً للمشتری فالوجه أنّ الملکیة أمر اعتباری یعتبره العرف و الشرع أو أحدهما فی موارده و لیست صفة وجودیة متأصلة کالحموضة و السواد و لذا صرحوا بصحة الوصیة بأحد الشیئین بل لأحد الشخصین و نحوهما الخ»
2- . کفایة الأصول، ص141، فصل [فی الوجوب التخییری] قوله (قدس سره) : «فلا وجه فی مثله للقول بکون الواجب هو أحدهما لا بعینه مصداقاً و لا مفهوماً کما هو واضح» فی الهامش: «فإنّه و إن کان مما یصح أن یتعلق به بعض الصفات الحقیقیة ذات الإضافة کالعلم فضلاً عن الصفات الاعتباریة المحضة کالوجوب و الحرمة و غیرهما مما کان من خارج المحمول الذی لیس بحذائه فی الخارج شیء غیر ما هو منشأ انتزاعه إلا أنّه لایکاد یصح البعث حقیقةً إلیه و التحریک نحوه کما لایکاد یتحقق الداعی لإرادته و العزم علیه ما لم یکن مائلاً إلی إرادة الجامع و التحرک نحوه فتأمل جیداً. منه (قدس سره) ».
القول الثالث: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه فیه بعض الأساطین حفظه الله

((1))

قالا: الحق هو أنّ المردد لا وجود له و لا ماهیة و لاتتعلق به الإرادة التکوینیة و التشریعیة و لا الصفة الحقیقیة و الاعتباریة.

و ما أفاده (قدس سره) فی وجه ذلک یرجع إلی برهانین علی الاستحالة:((2))

«أحدهما أنّ المردد فی ذاته محال حیث لا ثبوت له ذاتاً و وجوداً؛ فلایتعلق به أیة صفة کانت - حقیقیة أو اعتباریة - لتقوم الصفة التعلقیة بطرفها و حیث یستحیل الطرف فلایعقل تحقق تلک الصفة المتقومة به.

و ثانیهما أنّ تعلق الصفة بالمردد یلزمه أمر محال و هو تردد المعین أو تعین المردد و کلاهما خلف » بداهة أنّ تلک الأُمور مثل الإرادة التکوینیة و التشریعیة و الصفة الحقیقیة و الاعتباریة کلها موجودة و التشخص رفیق الوجود یدور معه حیثما دار؛ فلو تعلقت بالمردد لزم اتحادها معه و هو محال لأنّ المعین و المتشخص لایتحد مع المبهم و المردد و إلا لزم تردد المعین أو تعین المردد.

ص: 331


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص317، الأنظار فی کیفیة تعلق الإرادة و نحوها بالمردد «و بالنظر إلی هذین البرهانین نقول وفاقاً للمحقق الإصفهانی بعدم صلاحیة المردد لأن یکون متعلقاً للإرادة و تبقی المناقشة بذکر نقوض من قبیل الوصیة بعتق أحد العبدین و تملیک أحد الولدین أو هبة أحد المالین أو بیع المعدوم کما فی بیع السلف و لابدّ من حلها فی کتاب البیع».
2- ذکرها فی هامش نهایة الدرایة، ج2، ص271، التعلیقة 139 علی هذه العبارة «فلا وجه للقول بکون الواجب».
النظریة السادسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یفسر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص و یصور فی المقام أربع صور و إلیک نص عبارته:

«إذا تعلق الأمر بأحد الشیئین أو الأشیاء علی وجه التخییر فالمرجع فیه کما عرفت إلی وجوب کل واحد منها لکن بإیجاب ناقص بنحو لایقتضی إلا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو الترک فی حال ترک البقیة من غیر فرق فی ذلک بین أن یکون هناک غرض واحد یقوم به کل واحد منهما و لو بملاحظة ما هو القدر الجامع بینهما أو أغراض متعددة بحیث کان کل واحد منهما تحت غرض مستقل و تکلیف مستقل و کان التخییر بینهما من جهة عدم إمکان الجمع بین الغرضین إما من جهة التضاد بین متعلقیهما کما فی المتزاحمین أو من جهة التضاد بین نفس الغرضین فی عالم الوجود بحیث مع استیفاء أحد الغرضین فی الخارج لایبقی مجال لاستیفاء الآخر أو فی مرحلة أصل الاتصاف بحیث مع تحقق أحد الوجودات و اتصافه بالمصلحة لاتتصف البقیة بالغرض و المصلحة...

نعم غایة ما هناک من الفرق بین الصور المزبورة إنما هو من جهة وحدة العقوبة و تعددها عند ترک الجمیع حیث إنّ فی بعضها کالصورة الأُولی و الأخیرة لایترتب علی ترک الجمیع إلا عقوبة واحدة و فی بعضها الآخر کالصورة الثانیة و الثالثة تترتب عقوبات متعددة حسب وحدة الغرض و تعدده.»

ص: 332


1- نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص391 و 392، المقصد الأول، المبحث العاشر.
ملاحظتان علیها:
الملاحظة الأُولی: من المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مبحث الترتب

قال المحقق العراقی (قدس سره) هناک أیضاً بالإیجاب الناقص فحل مسألة الترتب((1)) و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام الإیراد علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة.((2))

ص: 333


1- نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص366 و ما بعده «إنّما الکلام فی ما ینتهی إلیه مرجع هذا التخییر... فنقول: إنّ المتصور فی ذلک هو أُمور... و ثالثها رجوعه إلی وجوب کل واحد منهما علی التعیین و لکنه لا بإیجاب تام بنحو یقتضی المنع عن جمیع أنحاء تروکه حتی الترک الملازم مع وجود ضده بل بإیجاب ناقص مقتضاه عدم المنع إلا عن بعض أنحاء تروکه و هو الترک فی حال ترک الآخر الراجع إلی إیجاب حفظ الوجود فی کل منهما من قبل سائر الجهات فی ظرف انحفاظ وجوده من قبل بدیله و عدم ضده من باب الاتفاق... و أما بحسب مقام التصدیق فلاینبغی الإشکال فی أنّ المتعین منها هو الوجه الأخیر الخ» و فی ص 368 «و من ذلک البیان ظهر الحال فی کلیة التخییرات الشرعیة أیضاً إذ نقول برجوع الأمر التخییری فی جمیع الموارد إلی إیجاب کل واحد من الفردین أو الأفراد لکن بإیجاب ناقص الخ» و فی ص 369 «و کیف کان فبالتأمل فی ما ذکرنا فی الضدین المتساویین ظهر أیضاً حال ما إذا کان أحدهما أهم و الآخر مهماً فإنّه فیهما أیضاً أمکن بالتقریب المزبور الجمع بین الأمرین فی رتبة واحدة أمر تام بالأهم و أمر ناقص بالمهم علی نحو کان مقتضاه لزوم حفظ المهم من سائر الجهات فی ظرف انحفاظه من باب الاتفاق من قبل ضده الأهم... فأمکن حینئذ الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة من دون احتیاج إلی الترتب المعروف الخ»
2- نهایة الدرایة، ج2، ص223، التعلیقة 122 علی هذه العبارة «بدعوی أنّه لا مانع عقلاً من تعلق الأمر بالضدین کذلک» قال (قدس سره) : «... وما قیل فی تقریب عدم المطاردة بین الأمرین المترتبین وجوه ثلاثة:... ثانیها أنّ وجود کل شیء طارد لجمیع أعدامه المضافة إلی أعدام مقدماته أو وجود أضداده... و إن أُرید من التقریب المتقدم مجرد أنّ صحة الترتب لاتدور مدار الواجب المشروط و تحقیق کیفیة الإناطة بل یصح بناءً علی الواجب المعلق ففیه أنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و لا علی تحلیل العدم إلی حصص متعددة الخ»

و لایخفی أنّ ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) هو قریب من نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و الاختلاف فی حقیقة الوجوب.((1))

نعم قال بعض الأساطین (دام ظله) بعدم التفاوت الجوهری بین النظریتین((2)) و فیه ما لایخفی.

الملاحظة الثانیة:

إنّ الالتزام بتعدد العقاب فی الصورة الثانیة و الثالثة مما لایمکن الالتزام به بل هو خلاف الضرورة الفقهیة (و بلحاظ اختلاف نظریة المحقق العراقی عن نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) من جهة تعدد العقاب فی بعض الصور عند المحقق العراقی (قدس سره) التزمنا باختلاف النظریتین).

النظریة السابعة: ما اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((3))

قال فی تصویر الوجوب التخییری بإمکان الفرضین الآتیین و إلیک نص عبارته:

[الفرض الأول:]

« یمکن أن یفرض غرضان لکل منهما اقتضاء إیجاب محصله، إلا أنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی الترخیص فی ترک أحدهما فیوجب کلیهما لما فی کل

ص: 334


1- لأنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الإیجاب تام کما فی الوجوب التعیینی لکن مصلحة التسهیل زاحمه إلا فی أحد الأطراف و هذا مغایر لما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الإیجاب الناقص.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص327، الطریق الخامس، قال الأُستاذ «و لا فرق جوهری بین هذا الطریق و طریق المحقق الإصفهانی لأنّ الوجوب الناقص فی الحقیقة هو الوجوب المشوب بجواز الترک نعم بینهما فرق من جهة أنّه علی القول بالوجوبین المشوبین بجواز الترک یکون العقاب المترتب فی حال ترک کل الأطراف عقاباً واحداً أما علی قول المحقق العراقی فقد صرح بلزوم تعدد العقاب فی بعض الصور الخ»
3- نهایة الدرایة، ج2، ص270 و 271، التعلیقة 138 علی هذه العبارة «و إن کان بملاک أنّه یکون فی کل واحد».

منهما من الغرض الملزم فی نفسه و یرخّص فی ترک کل منهما إلی بدل؛ فیکون الإیجاب التخییری شرعیاً محضاً من دون لزوم الإرجاع إلی الجامع فتدبر جیداً.»

و قال (قدس سره) فی هامشه: «توضیحه أنّ القائم بالصوم و العتق و الإطعام أغراض متباینة لا أغراض متقابلة و حیث إنّ کلها لزومیة فلذا أوجب الجمیع و حیث إنّ مصلحة الإرفاق و التسهیل تقتضی تجویز ترک کل منها إلی بدل فلذا أجاز کذلک؛ فإذا ترک الکل کان معاقباً علی ما لایجوز ترکه إلا إلی بدل و لیس هو إلا الواحد منها لا کلها، کما أنّه إذا فعل الکل دفعة واحدة کان ممتثلاً للجمیع و الشاهد علی ماذکرنا أنّه ربما لایکون تمام الإرفاق کما فی کفارة الظهار و القتل الخطأی فإنّه أمر أولاً بالعتق و مع عدم التمکن یجب الصوم و ربما لا إرفاق أصلاً کما فی کفارة الإفطار بالحرام فإنّه یجب الجمع بین الخصال فیعلم منه أنّ الأغراض غیر متقابلة.»

[الفرض الثانی:]

«و یمکن فرض نظیره فی ما إذا کان الغرض المرتب علی الخصال واحداً نوعیاً بتقریب أنّ الغرض و إن کان واحداً سنخاً إلا أنّ اللزومی منه وجود واحد منه فحیث إنّ نسبة الکل إلی ذلک الواحد اللزومی علی السویة فیجب الجمیع لأنّ إیجاب أحدها المردد محال و إیجاب أحدها المعین تخصیص بلامخصص و حیث إنّ وجوداً واحداً منه لازم فیجوز ترک کل منها إلی بدل، و کما أنّ الإیجاب التخییری علی الفرض الأول شرعی لانبعاثه وجوباً و جوازاً عن المصلحة فی نظر الشارع، کذلک الإیجاب التخییری فی هذا الفرض لأنّ أصل الإیجاب [منبعث] عن [وجود] مصلحة و تجویز الترک [هو] عن وحدانیة ما هو اللازم منها [أی المصلحة] فی نظر الشارع فتدبر جیداً.»

ص: 335

ثم إنّ الفرق بین ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) هو أنّ نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) یبتنی علی تقابل الأغراض و لکن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینکر تقابل الأغراض سواء کان هنا غرض واحد بالوحدة النوعیة أم کانت أغراض متباینة غیر متقابلة.

کما أنّ ما أفاده (قدس سره) لیس تصحیحاً للقول بالوجوب المشروط و تقریراً منه - کما توهّم((1))- لأنّ فعلیة الوجوب المشروط دائر مدار الشرط فإن أتی المکلف بجمیع الأطراف معاً لم یحصل الشرط فینتفی الوجوب المشروط؛ و لیس الأمر کذلک علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

إیرادات خمسة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها:
الإیراد الأول:
اشارة

((2))

قال (قدس سره) : «أما تفسیرها الأول [أی الفرض الأول] فیرد علیه أولاً أنّه مخالف لظاهر الدلیل حیث إنّ ظاهر العطف فیه بکلمة ” أو“ هو وجوب أحدهما أو أحدها لا وجوب الجمیع کما هو واضح [و هکذا الأمر فی الفرض الثانی]»

جواب عن الإیراد الأول:

إنّ ظاهر الأدلة هو وجوب الأطراف تخییراً لا وجوب أحدها کما أنّ کلمة «أو» تدل علی التخییر.

ص: 336


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص28؛ ج 3، ص209 «المذهب الثانی أن یکون کل من الطرفین أو الأطراف واجباً تعیینیاً و متعلقاً للإرادة و لکن یسقط وجوب کل منهما بفعل الآخر فیکون مرد هذا القول إلی اشتراط وجوب کل من الطرفین أو الأطراف بعدم الإتیان بالآخر و قد صحح هذه النظریة بعض مشایخنا المحققین بأحد نحوین الخ»
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص28 و 29؛ ج 3، ص210، الواجب التخییری، المذهب الثانی.
الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

«ثانیاً إنّا قد ذکرنا غیر مرة أنّه لاطریق لنا إلی إحراز الملاک فی شیء ماعدا تعلق الأمر به و حیث إنّ الأمر فی ما نحن فیه تعلق بأحد الطرفین أو الأطراف فلا محالة لانستکشف إلا قیام الغرض به فإذن لا طریق لنا إلی کشف تعدد الملاک أصلاً [فالحکم بتعدد الأغراض دعوی بلا دلیل]»

جوابان عن هذا الإیراد:

الجواب الأول: إنّ الأمر تعلق بنفس العتق و الصوم و الإطعام لا بعنوان «أحدها» إلا أنّ کلمة «أو» أفاد معنی التخییر.

الجواب الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان هذا الفرض فی عالم الثبوت و لم یقل بوقوعه فی جمیع موارد الوجوب التخییری و لذا أفاد فرضاً ثانیاً.

الإیراد الثالث:
اشارة

((2))

«و ثالثاً إنّه لا طریق لنا إلی أنّ مصلحة التسهیل و الإرفاق علی حد توجب جواز ترک الواجب ...»

جواب عن الإیراد الثالث:

إنّه قدثبت ذلک فی بعض الموارد مثل الحدیث النبوی فی السواک « لولا أن أشق علی أُمتی لأمرتهم بالسواک.»((3))

ص: 337


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص29؛ و تکون هذه المناقشة بالنسبة إلی الفرض الأول.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص29.
3- مرت مصادر الحدیث فی البحث الأول (الأوامر)، الفصل الأول (مادة الأمر)، الأمر الثالث (دلالة مادة الأمر علی الوجوب)، النظریة الثالثة (وضع المادة للوجوب)، الوجه الثانی (الذی استدل به صاحب الکفایة علی هذه النظریة).
الإیراد الرابع:
اشارة

((1))

«لازم ذلک هو الالتزام فی صورة المخالفة و عدم الإتیان بشیء منها باستحقاق العقاب علی ترک کل منها ضرورة أنّه لایجوز ترک الواجب بدون الإتیان ببدله ... و بکلمة أُخری إنّ ترک کل واحد منها مقتضٍ لاستحقاق العقاب لفرض أنّه ترک الواجب و المانع منه إنّما هو الإتیان بالآخر؛ فإذا فرض أنّه لم یأت به أیضاً و ترکه فلامانع من استحقاقه العقاب أصلاً ... مع أنّ من الواضح جداً أنّه لایمکن الالتزام بتعدد العقاب فی المقام أبداً و لم یلتزم به أحد فی ما نعلم.»

جواب عن الإیراد الرابع:

إنّ مقتضی کون الواجب معطوفاً علی بدیله بکلمة « أو » و الترخیص فی ترکه إلی البدل هو أنّ العقاب إما یکون علی ترک هذا أو علی ترک ذاک فما أفاده المستشکل (قدس سره) من لزوم تعدد العقاب فی صورة ترک جمیع الأطراف مبنی علی إرجاع هذه النظریة إلی القول بالوجوب المشروط و قد عرفت بطلانه للتفاوت الجوهری بین النظریتین.

الإیراد الخامس:
اشارة

((2))

«و أما تفسیرها الثانی فیرده أولاً ... و ثانیاً أنّه لاطریق لنا إلی إحراز أنّ

ص: 338


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص30 و 31؛ ج 3، ص211 و 212.
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص31؛ ج 3، ص213.

الغرض المترتب علی الخصال واحد بالسنخ و النوع و أنّ الإلزامی منه وجود واحد فإنّه یحتاج إلی علم الغیب.»

جواب عن الإیراد الخامس:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو إمکان الفرض الثانی لا وقوعه بمعنی أنّ الفرض الثانی إن تحقق فهو من مصادیق الوجوب التخییری الشرعی.

النظریة الثامنة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «الذی ینبغی أن یقال فی هذه المسألة تحفظاً علی ظواهر الأدلة هو أنّ الواجب [عنوانُ] أحد الفعلین أو الأفعال لا بعینه [الذی هو جامع انتزاعی] و تطبیقه علی کل منهما [أی الفعلین أو منها أی الأفعال] فی الخارج بید المکلف کما هو الحال فی موارد الواجبات التعیینیة؛ غایة الأمر أنّ متعلق الوجوب فی الواجبات التعیینیة الطبیعة المتأصلة و الجامع الحقیقی و فی الواجبات التخییریة الطبیعة المنتزعة و الجامع العنوانی...

و تخیلُ أنّه لایمکن تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی و هو عنوان ” أحدهما “ فی المقام ضرورة أنّه [أی الجامع الانتزاعی] لیس له واقع موضوعی غیر تحققه فی عالم الانتزاع و [أُفق] النفس فلایمکن أن یتعدی عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج و من الواضح أنّ مثله لایصلح أن یتعلق به الأمر خیالٌ خاطئ جداً بداهة أنّه لا مانع من تعلق الأمر به أصلاً بل تتعلق به الصفات الحقیقیة کالعلم و الإرادة و ما شاکلهما فما ظنک بالحکم الشرعی الذی هو أمر اعتباری محض و قد تقدم منا

ص: 339


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص40 – 42؛ ج 3، ص222 و 223، الواجب التخییری.

غیر مرة أنّ الأحکام الشرعیة سواء أکانت وضعیة أو تکلیفیة أُمور اعتباریة و لیس لها واقع ما عدا اعتبار الشارع و من المعلوم أنّ الأمر الاعتباری کما یصح تعلقه بالجامع الذاتی کذلک یصح تعلقه بالجامع الانتزاعی؛ فلا مانع من اعتبار الشارع ملکیة أحد المالین للمشتری عند قول البائع:”بعت أحدهما“ بل وقع ذلک فی الشریعة المقدسة کما فی باب الوصیة،((1)) فإنّه إذا أوصی المیت بملکیة

ص: 340


1- الکلام فی صورتین: الصورة الأولی: الوصیة بأحد الأمرین فی تذکرة الفقهاء ط.ق. ج2، ص480: «لو أوصی بأحد العبدین صحت الوصیة» الخ و فی تحریر الأحکام، ج3، ص338: «لایشترط فی الموصی به... و لا کونه معیناً فیصح الوصیة بأحد العبدین» و فی مفتاح الکرامة ط.ق. ج9، ص443: «لانعلم خلافاً فی تجویز الوصیة بالمجهول کما فی التذکرة... قال: و لو أوصی بأحد العبدین صحت الوصیة» الخ و راجع أیضاً أحکام الصلاة لشیخ الشریعة (قدس سره) ، ص216 و تقریرات ثلاث للسید البروجردی (قدس سره) ، ص23 و تحریر المجلة، ج2، ق3، ص60 هذا ما عثرنا علیه من التصریح بنفوذ الوصیة فیه و قد عرفت دعوی عدم الخلاف من مفتاح الکرامة و دعوی اتّفاق الأصحاب من أحکام الصلاة و أماما جاء فی تقریرات ثلاث من حکایة قولین عن العلامة فی التذکرة فهو سهو ظاهراً فإنّها فی الموصی له لا الموصی به و أمّا الدلیل علیه: ففی التذکرة: «لأنّ الوصیة محتملة للجهالة و الغرر فلایقدح الإبهام» و فی تقریرات ثلاث: «لأنّ الوصیة تستلزم استحقاق الموصی له لما یوصی به و المفروض أنّه أوصی بذلک فیستحق ما أوصی له» الصورة الثانیة: الوصیة لأحد الشخصین فی الدروس: «لایشترط تعیین الموصی له علی الأقرب... فلو أوصی لأحد هذین أو أحد هؤلاء... صحّ» و فی جامع المقاصد بعد ذکر عبارة القواعد: «فی اشتراط التعیین إشکال فإن لم نقل به [أی الاشتراط] لو أوصی لأحد هذین احتمل تخییر الوارث و القرعة» الخ قال: «ینشأ من... و الأصحّ عدم الاشتراط» و فی مفتاح الکرامة بعد ذکر عبارة القواعد قال: «ینشأ من... فلایشترط و هو خیرة الدروس و الحواشی [أی حواشی الشهید علی القواعد المسمّی بالحواشی النجاریة] و جامع المقاصد... و هو ظاهر الأکثر و أشدّهما ظهوراً المبسوط و الوسیلة و نحوهما ما قیل فیه: فی الموصی له یشترط کذا و کذا و لم یذکر فیه التعیین کالشرائع و النافع و الإرشاد و اللمعة و غیرها و هو الأشبه بقواعد الباب و الأظهر من کلام الأصحاب» الخ هذا کلام من عثرنا علیه ممن صرّح بالنفوذ و أمّا القول بعدم الصحة ففی مفتاح الکرامة: «قرّبه فی موضع من التذکرة و لاترجیح فی موضع آخر منها کما إنّه لا ترجیح فی الإیضاح و کذا الحواشی» و أمّا الدلیل علیه: 1) ففی التذکرة قال: «قد یحتمل فی الموصی به ما لایحتمل فی الموصی له» و فی جامع المقاصد: «باب الوصیة أوسع من غیره فی احتمال الجهالة» 2) و فی کنز الفوائد استدلّ بأصالة الجواز 3) و فی إیضاح الفوائد: «من صحة الوصیة لفقیر أو فقیرین» و فی جامع المقاصد: «من الإطباق علی صحة الوصیة لفقیر و فقیرین» 4) و فی الدروس: «لعموم الآیة» 5) و فی جامع المقاصد: «لأصالة عدم الاشتراط» و فی قبال ذلک استدلّ بوجوهٍ: 1) ففی التذکرة: «منهم من منع کما فی التملیکات» و فی جامع المقاصد: «إنّها تملیک فیمتنع وقوعه لمجهول» 2) و فی إیضاح الفوائد: «الملک أمر معین و هو نسبة فلابدّ من منتسب الیه معین» 3) و فیه أیضاً: «لاقتضاء الوصیة تعلق حق الموصی له فلابدّ أن یکون معیناً» 4) و فی کنز الفوائد: «إنّها کالعقد و لهذا یفتقر إلی القبول فلایصحّ بیع مجهول کسائر العقود» و أجاب عن الأخیر فی مفتاح الکرامة فقال: «و الأمر فی القبول سهل لأنّه یقبل بعد الاختیار أو القرعة کما یأتی».

أحد المالین لشخص بعد موته فلا محالة یکون ملکاً له بعد موته و تکون وصیته بذلک نافذة...

و من هنا یظهر أنّ مرادنا من تعلق الأمر بالجامع الانتزاعی لیس تعلقه به بما هو موجود فی [أُفق] النفس... بل مرادنا تعلق الأمر به بما هو منطبق علی کل واحد من الفعلین أو الأفعال فی الخارج و یکون تطبیقه علی ما فی الخارج بید المکلف.»

ص: 341

ملاحظتان علی هذه النظریة:
الملاحظة الأُولی:

((1))

إنّ ذلک مخالف لظهور الأدلة حیث إنّ الوجوب تعلق بنفس الصوم و العتق و الإطعام إلا أنّ بعضها معطوف علی بعض بکلمة « أو » فالأدلة خالیة عن عنوان « أحدهما » أو « أحدها » مثل ما ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ».((2))

ص: 342


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص334، الرأی النهائی «و بعد أن رفع الأُستاذ الإشکال عن مسلک السید الخوئی و الذی کان قد اختاره سابقاً لکونه الأقرب إلی ظواهر النصوص ذکر أنّ مقتضی الدقة فی النصوص شیء آخر غیر المسلک المزبور فأورد بعض النصوص و استظهر منها کون المجعول فی موارد الوجوب التخییری - الذی هو مفاد أو - هو التخییر... و عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی کفارة الیمین: یطعم عشرة مساکین... فالمجعول الشرعی کونه بالخیار و السند صحیح بلا کلام قال الأُستاذ: إنّ هذا هو الظاهر من الأخبار و إذ لا مانع ثبوتاً و إثباتاً من الأخذ به فمقتضی الصناعة العلمیة هو الأخذ بالظهور الخ».
2- وسائل الشیعة، ج22، ص375، کتاب الإیلاء و الکفارات، أبواب الکفارات، الباب 12، ح 1 «محمد بن یعقوب عن أبی علی الأشعری عن محمد بن عبد الجبار و عن محمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان جمیعاً عن صفوان عن ابن مسکان عن الحلبی عن أبی عبد الله (علیه السلام) الحدیث». و روی فی الکافی، ج7، ص451، باب کفارة الیمین، ح 1؛ و فی التهذیب، ج8، ص295، ح 83؛ و فی الاستبصار، ج4، ص51، أبواب الکفارات، باب ما بجزی من الکسوة فی کفارة الیمین، ح 1 و فی کلها «أی الثلاثة صنع» و فی الأول «من الثلاثة» بدل «من الثلاث» و فی الأخیرین «واحد من الثلاثة» بدل «واحدة من الثلاث» و روی فی تفسیر العیاشی، ج1، ص338، سورة المائدة (5): 89 بهذه الألفاظ «... لکل مسکین مدین مد من حنطة و مد... أی الثلاثة شاء صنع... فالصیام علیه واجب صیام ثلاثة أیام».
الملاحظة الثانیة:

إن کان متعلق الوجوب هو عنوان « أحدهما » أو « أحدها » فیکون التخییر بین مصادیقها تخییراً عقلیاً حیث إنّه قد یتعلق الوجوب بالطبیعة المتأصلة کما فی الواجب التعیینی فالتخییر بین أفرادها عقلی و قد یتعلق بالطبیعة المنتزعة کما یفسر السید المحقق الخوئی (قدس سره) الواجب التخییری بذلک فعلی هذا لابدّ أن یکون التخییر بین أفراد الطبیعة المنتزعة أیضاً عقلیاً فإنّ المنتزِع هو الشارع أما التخییر فعقلی.

فتحصل من ذلک أنّ المختار هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 343

تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر:

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر:

«هل یمکن التخییر عقلاً أو شرعاً بین الأقل و الأکثر أو لا؟ ربما یقال بأنّه محال... لکنه لیس کذلک فإنّه إذا فرض أنّ المحصل للغرض فی ما إذا وجد الأکثر هو الأکثر لا الأقل الذی فی ضمنه بمعنی أن یکون لجمیع أجزائه حینئذ دخل فی حصوله و إن کان الأقل لو لم یکن فی ضمنه کان وافیاً به أیضاً فلامحیص عن التخییر بینهما.»

فإنّ الأقل حینئذ أُخذ بشرط لا فیکون وافیاً بالغرض و أما الأقل الذی فی ضمن الأکثر و جزءٌ للأکثر فهو مأخوذ لابشرط و لایکون وافیاً بالغرض فالتخییر بین الأقل بشرط لا و الاکثر ممکن

«و بالجملة إذا کان کل واحد من الأقل و الأکثر بحده مما یترتب علیه الغرض فلا محالة یکون الواجب هو الجامع بینهما و کان التخییر بینهما عقلیاً إن کان هناک غرض واحد، و تخییراً شرعیاً فی ما کان هناک غرضان.»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان:

((2))

«إنّ الأقل إن کان مأخوذاً بشرط لا فالتخییر بینه و بین الأکثر و إن کان أمراً معقولاً إلا أنّه بحسب الواقع داخل فی کبری التخییر بین المتباینین لا الأقل و

ص: 344


1- کفایة الأصول، ص142، المقصد الأول، الفصل التاسع.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص47 و 48؛ ج 3، ص230 و 231، الواجب التخییری، هل یمکن التخییر بین الأقل و الأکثر أم لا؟

الأکثر کما عرفت، و إن کان مأخوذاً لابشرط فلایعقل التخییر بینه و بین الأکثر ضرورة أنّه بمجرد تحقق الأقل و لو فی ضمن الأکثر یحصل الغرض و معه لایبقی مجال للإتیان بالأکثر أصلاً فإذن جعله فی أحد طرفی التخییر یصبح لغواً محضاً فلایصدر من الحکیم ...

و من هنا یظهر أنّ التخییر بین القصر و التمام فی الأمکنة الأربعة لیس تخییراً بین الأقل و الأکثر واقعاً و حقیقةً [فإنّهما متباینان] ... و أما التسبیحات الأربع فالمستفاد من الروایات هو وجوب إحداها لا جمیعها فإذن لایعقل التخییر بین الواحدة و الثلاث ... نعم الإتیان بها [أی بالبقیة] مستحب.»

ص: 345

ص: 346

الفصل السادس: الواجب الکفائی

اشارة

ص: 347

ص: 348

الواجب الکفائی

مقدمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع

اختلف کلمات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی کما اختلفت فی الواجب التخییری و قبل الورود فی البحث ینبغی ترسیم مقدمة فی المقام لتصویر الوجوب الکفائی کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و أوضحه المحقق الخوئی (قدس سره) مع بسط فیها فقال: ((2))

«لایخفی أنّ الأمر الوارد من قبل الشرع کما أنّه بحاجة إلی المتعلق کذلک بحاجة إلی الموضوع ... و لا فرق فی ذلک بین وجهة نظر و وجهة نظر آخر فإنّ حقیقة الأمر سواء أکانت عبارة عن الإرادة التشریعیة أم کانت عبارة عن الطلب

ص: 349


1- هامش نهایة الدرایة، ج2، ص277، التعلیقة 142 علی هذه العبارة «کما هو قضیة توارد العلل المتعددة» قال (قدس سره) : «هذا إنّما یتم بالنسبة إلی الفعل الواحد الشخصی القائم بجماعة الخ» و فی الهامش: «قولنا: هذا إنّما یتم بالنسبة الخ لا بأس بتوضیح الکلام فی الوجوب الکفائی فنقول: لا ریب فی أنّ حقیقة البعث کما هی متقومة بالمبعوث إلیه و هو الفعل المتعلق به البعث کذلک متعلقة بالمبعوث و هو المکلف الذی هو موضوع التکلبف الخ».
2- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص50 و 51؛ ج 3، ص235، الواجب الکفائی.

الإنشائی کما هو المشهور أم کانت عبارة عن البعث و التحریک کما عن جماعة أم کانت عبارة عن الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج بمبرز ما من صیغة الأمر أو نحوها کما هو المختار عندنا علی جمیع هذه التقادیر بحاجة إلی الموضوع کحاجته إلی المتعلق.

أما علی الأول [أی الإرادة التشریعیة] فواضح و ذلک لأنّ الإرادة لاتوجد فی أُفق النفس بدون المتعلق [و هو «المراد منه»] لأنّها من الصفات الحقیقیة ذات الإضافة فلایعقل أن توجد بدونه فالمتعلق إذا کان فعل نفسه ... و إن کان فعل غیره فلا محالة یکون المراد منه ذلک الغیر بمعنی أنّ المولی أراد صدور هذا الفعل منه فی الخارج.

و أما الثانی [أی الطلب الإنشائی] فأیضاً کذلک ضرورة أنّ الطلب کما لایمکن وجوده بدون المطلوب کذلک لایمکن وجوده بدون المطلوب منه...

و أما علی الثالث [أی البعث] فلأنّ البعث نحو شیء لایمکن أن یوجد بدون بعث أحد نحوه [أی الشیء] و التحریک نحو فعل لایمکن أن یتحقق بدون متحرک ضرورة أنّ التحریک لابدّ فیه من محرِّک و متحرک و ما إلیه الحرکة [و ما منه الحرکة] من دون فرق فی ذلک بین أن تکون الحرکة حرکة خارجیة و أن تکون اعتباریة کما هو واضح [فوجود المتحرک لازم].

و أما علی الرابع [أی الأمر الاعتباری النفسانی المبرز فی الخارج] فأیضاً الأمر کذلک لما عرفت من أنّ معنی الأمر هو اعتبار الفعل علی ذمة المکلف ... و من المعلوم أنّه کما لایمکن أن یتحقق فی الخارج بدون متعلق کذلک لایمکن أن یتحقق بدون فرض وجود المکلف فیه کما هو واضح.»

و بعد تمامیة هذه المقدمة لابدّ من ذکر أنظار الأعلام فنقول: فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ست:

ص: 350

نظریات الأعلام فی حقیقة الواجب الکفائی
اشارة

و هی ستّ:

النظریة الأُولی: التکلیف متوجه إلی واحد معین عند الله
إیراد علی النظریة الأُولی:

أورد علیه بوجوه((1))منها «أنّ هذا خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ التکلیف متوجه إلی طبیعی المکلف لا إلی فرد واحد منه معین فی علم الله کما هو واضح.»

النظریة الثانیة: الوجوب المشروط
اشارة

إنّ الأمر فی الواجب الکفائی متوجه إلی کل واحد من المکلفین و لکنه مشروط بعدم إتیان مکلف آخر بذلک الفعل الذی هو المتعلق و ذلک لوحدة الغرض؛ فالوجوب الکفائی یرجع إلی الوجوب المشروط.

إیراد علی النظریة الثانیة:

إنّ لازم هذا القول عدم تحقق الامتثال فی ما إذا قام جمیع المکلفین بإتیان الفعل دفعةً لأنّ الوجوب مشروط بعدم إتیان الآخر بالفعل و هذا الشرط مفقود فی فرض إتیان الجمیع بالمتعلق دفعةً فالوجوب منتفٍ بانتفاء الشرط.

ص: 351


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص52؛ ج 3، ص237
النظریة الثالثة: التکلیف متوجه إلی الفرد المردد
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:

((1))

«أما الواحد المردد فقد عرفت سابقاً [فی بحث الواجب التخییری] استحالته من حیث نفسه حیث لا ثبوت له ماهیةً و هویةً، ذاتاً و حقیقةً و من حیث لازمه حیث إنّ المردد لایتحد مع المعین و إلا لزم إما تعین المردد أو تردد المعین و کلاهما خلف.»

النظریة الرابعة: الوجوب علی مجموع المکلفین
اشارة

إنّ الوجوب الکفائی یتوجه إلی مجموع المکلفین فالموضوع للتکلیف هو العام المجموعی فی قبال العام الاستغراقی.

إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:
اشارة

((2))

الإیراد الأول:

«أما تعلق الحکم بمجموع أشخاص مع أنّه لجعل الداعی فهو غیر معقول إذ لیس مجموع الأشخاص شخصاً ینقدح الداعی فی نفسه بل لابدّ من انقداح الداعی فی نفس کل واحد، و هو مع شخصیة البعث محال فلابدّ من تعدده فیؤول الأمر إلی تعلق أفراد من طبیعی البعث بأفراد من عنوان المکلف ...»

ص: 352


1- نهایة الدرایة، ج2، ص277، التعلیقة 142، الهامش.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص279، التعلیقة 142، الهامش.
الإیراد الثانی:

«إنّ الواجب الکفائی یحصل بفعل البعض ویسقط عن الباقین فلا معنی لأمر المجموع الذی لازمه عدم حصول الامتثال بترک البعض [لانتفاء المجموع بانتفاء بعض أفراده]»

النظریة الخامسة: من المحقق الخراسانی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما)
اشارة

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) :((1)) « التحقیق أنّه [أی الوجوب الکفائی] سنخ من الوجوب و له تعلق بکل واحد [من المکلفین أی إلی جمیعهم] بحیث لو أخل بامتثاله الکل لعوقبوا علی مخالفته جمیعاً - و إن سقط عنهم لو أتی به بعضهم – و ذلک لأنّه قضیة ما إذا کان هناک غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن الکل أو البعض کما أنّ الظاهر هو امتثالُ الجمیع لو أتوا به دفعةً و استحقاقُهم للمثوبة و سقوطُ الغرض بفعل الکل کما هو قضیة توارد العلل المتعددة علی معلول واحد.»

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بیانه:

((2))

«هذا إنّما یتم بالنسبة إلی الفعل الواحد الشخصی القائم بجماعة کما إذا اشترکوا فی تغسیل المیت و تکفینه و دفنه لا فی ما إذا صلوا علیه دفعةً فإنّ هناک وجودات من الفعل و من الغرض المترتب علیه إلا أنّ اللازم تحصیله وجود واحد من الغرض؛ و حیث إنّه لا مخصص لأحد وجودات الفعل و الغرض

ص: 353


1- کفایة الأُصول، ص143، المقصد الأول، الفصل العاشر.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص277.

فلایستقر الامتثال علی وجود خاص منها و معنی استقراره علی الجمیع سقوط الأمر و الغرض الباعث علیه قهراً بفعل الجمیع؛ و لا علیة لوجود الفعل و الغرض بالإضافة إلی سقوط الأمر و الداعی حتی ینتهی الأمر إلی توارد العلل المتعددة علی معلول واحد بل بقاء الأمر ببقاء الداعی الباقی ببقاء عدم وجود الغایة الداعیة فی الخارج علی حاله؛ فإذا انقلب العدم إلی الوجود [و حصل وجود الغایة] سقط الداعی - أعنی تصور الغایة - عن الدعوة لتمامیة اقتضائه لا لعلیة وجودها [أی الغایة] خارجاً لعدم وجودها بصفة الدعوة بداهة أنّ ما کان علة لوجود شیء لایکون ذلک الوجود علة لعدمه [أی لعدم علته] و إلا کان الشیء علة لعدم نفسه ... و لایخفی أنّ الأمر و إن کان شرطاً لتحقق الإطاعة و العصیان بعنوانهما و لا بأس بأن یکون المشروط موجباً لانعدام شرطه إلا أنّ الکلام فی علیة ذات الفعل لسقوط الأمر الذی هو علة بوجوده العلمی لذات الفعل بالواسطة فتدبر جیداً.»

النظریة السادسة: موضوع التکلیف هو صرف الوجود للمکلفین
اشارة

هنا بیانان:

البیان الأول: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

«توضیح الحال فیه یحتاج إلی بیان مقدمة و هی أنّ الغرض من المأمور به تارةً یترتب علی صرف وجود الطبیعة و أُخری علی مطلق وجودها الساری؛ و الأول منهما یستتبع حکماً واحداً متعلقاً بصرف وجود الطبیعة فیکتفی فی امتثاله بالإتیان بفرد واحد و هذا بخلاف الثانی فإنّ الحکم فی مورده ینحل و یتعدد

ص: 354


1- أجود التقریرات، ج1، ص270 و 271، المقصد الأول، الفصل الثانی، المقام الثانی، المبحث السادس.

بتعدد أفراد تلک الطبیعة و لایجتزأ فی مقام الامتثال بإیجاد فرد منها ...

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّ الغرض من المأمور به کما أنّه یختلف باعتبار ترتبه علی صرف الوجود أو علی مطلق الوجود، کذلک یختلف بالإضافة إلی المکلف فتارةً یترتب الغرض علی صدور الفعل من صرف وجود المکلف و أُخری یترتب علی صدوره من مطلق وجوده؛ و علی الثانی فالوجوب یکون عینیاً لایسقط بفعل أحدهم عن الباقین بخلاف الأول إذ المفروض فیه أنّ موضوع التکلیف هو صرف وجود المکلف، فبامتثال أحد المکلفین یتحقق الفعل من صرف وجود الطبیعة فیسقط الغرض فلایبقی مجال لامتثال الباقین

و منه ظهر أنّه لو حصل الفعل من الجمیع فی عرض واحد لاستحق کل واحد منهم ثواب امتثال ذلک الأمر - کما لو کان منفرداً به - لصدق صرف الوجود علیه کما أنّه عند مخالفة الجمیع یستحق کل واحد منهم العقاب لتحقق مناطه فیه؛ و هذا الوجه الذی ذکرنا هو التحقیق فی تصویر الواجب الکفائی.»

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان:

((1))

«إنّ صرف الوجود بمعناه المصطلح علیه فی المعقول لامطابق له إلا الواجب تعالی و فعله الإطلاقی حیث إنّه لاحد عدمی لهما و إن کان الثانی محدوداً بحد الإمکان.

ص: 355


1- نهایة الدرایة، ج2، ص278، التعلیقة 142، الهامش؛ بحوث فی الأُُصول، الجزء 1، ص65، الفصل السادس «کیفیة تعلق التکلیف بالمکلفین و ما قیل فیه وجوه:... ثانیها ما عن بعض أعلام العصر من تعلق التکلیف بصرف وجود المکلف فی قبال مطلق وجوده... و الجواب عنه... أنّ المراد بصرف الوجود إما ما عن بعض أجلة العصر من أنّه ناقض العدم المطلق و ناقض العدم الکلی و ناقض العدم الأزلی الخ»

و بمعناه المصطلح علیه فی الأُصول [یحتمل فیه وجوه:] إما أن یراد منه ناقض العدم المطلق و ناقض العدم الکلی کما فی لسان بعض أجلة العصر((1)) [أی المحقق الحائری (قدس سره) فی درر الأُصول] و إما أن یراد المبهم المهمل من حیث الخصوصیات و إما أن یراد منه اللابشرط القسمی ...

فإن أُرید منه ناقض العدم المطلق و العدم الکلی ففیه أنّ کل وجود ناقض عدمه البدیل له، و لیس شیء من موجودات العالم ناقض کل عدم یفرض فی طبیعته المضاف إلیها الوجود.

و إرجاعه إلی «أول الوجودات» باعتبار أنّ عدمه یلازم بقاء سائر الأعدام علی حاله، فوجوده ناقض للعدم الأزلی المطلق لا کل عدم فهو لایستحق إطلاق الصرف علیه، فإنّه وجود خاص من الطبیعة بخصوصیة الأولیة، مع أنّه غیر لائق بالمقام فإنّه من المعقول إرادة أول وجود من الفعل و لاتصح إرادته من أول وجود من عنوان المکلف فإنّ مقتضاه انطباقه علی أسنّ المکلفین.

ص: 356


1- فی التعلیقة علی نهایة الدرایة: هو المیرزا النائینی (قدس سره) ، و لکن لم أجد هذه التعبیرات لا فی أجود التقریرات و لا فی فوائد الأُصول؛ و لکن یوجد التعبیرات الثلاث فی درر الفوائد: أما «العدم المطلق» ففی ج 2، ص111 «أحدها أن تتعلق بها باعتبار صرف الوجود أعنی المقابل للعدم المطلق» و فی ص 135 «منها جعلها باعتبار صرف الوجود أعنی الوجود اللابشرط من جمیع الخصوصیات الذی یکون نقیضاً للعدم المطلق و بعبارة أُخری الذی ینتقض به العدم» و فی ص175 «لو جعلت الطبیعة باعتبار صرف الوجود... لأنّه فی مقابل العدم المطلق»، و أما «العدم الکلی» ففی ج 1، ص137 «أحدها أن یکون السبب صرف الوجود لتلک الطبیعة أعنی حقیقته التی هی فی مقابل العدم الکلی» و فی ص 139 «أو صرف الوجود فی مقابل العدم الکلی»، و أما «العدم الأزلی» ففی ج 1، ص45 «الثالث أن یعتبر صرف الوجود مقابل العدم الأزلی».

کما لایصح إرجاعه إلی أول من قام بالفعل((1))فإنّ موضوع التکلیف لابدّ من أن یکون مفروض الثبوت و لایطلب تحصیله، فمقتضاه فرض حصول الفعل لا طلب تحصیله.

و إن أُرید المبهم المهمل فلا إهمال فی الواقعیات و قد مر وجهه مراراً.

و إن أُرید اللابشرط القسمی- و هی الماهیة الملحوظة بحیث لاتکون مقترنةً بخصوصیة و لا مقترنةً بعدمها و مع لحاظ المکلف بهذا الاعتبار الإطلاقی فیستحیل شخصیة الحکم و البعث إذ لایعقل شخصیة الحکم و نوعیة الموضوع و سعته - فلابدّ من انحلال الحکم حسب انطباقات الموضوع المطلق علی مطابقاته و مصادیقه ...»

البیان الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

المحقق الخوئی (قدس سره) فسر صرف الوجود بالواحد لا بعینه((3)) و قال:

« لا مانع من أن یأمر الشارع المکلفین بإیجاد فعل فی الخارج ... من دون أن یتعلق غرضه بصدوره عن خصوص واحد منهم بل المطلوب وجوده فی الخارج من أی واحد منهم کان فإنّ نسبة ذلک الغرض الواحد إلی کل من المکلفین علی السویة فعندئذ تخصیص الواحد المعین منهم بتحصیل ذلک الغرض خارجاً بلامخصص و مرجح، و تخصیص المجموع منهم بتحصیل ذلک مع أنّه

ص: 357


1- و أما إرجاعه إلی أول من یقوم بالفعل ففیه أنّه یلزم فعلیة الحکم مع التردید فی موضوعه مع أنّ التکلیف ثابت علی موضوعه و إن لم یقم أحد المکلفین به.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص55 – 57؛ ج 3، ص240 – 242، الواجب الکفائی، ما قیل أو یمکن أن یقال فی تصویره، الوجه الرابع
3- و یلاحظ علیه أنّ الواحد لابعینه أمر انتزاعی مفهومی فلایصح تفسیر الأمر الوجودی به.

بلامقتض و موجبٍ باطلٌ بالضرورة کما عرفت، و تخصیص الجمیع بذلک علی نحو العموم الاستغراقی أیضاً بلامقتض و موجب إذ بعد کون الغرض واحداً یحصل بفعل واحد منهم فوجوب تحصیله علی الجمیع لا محالة یکون بلامقتض و سبب؛ فإذن یتعین وجوبه علی الواحد لا بعینه المعبر عنه بصرف الوجود و یترتب علی ذلک أنّه لو أتی به بعض فقد حصل الغرض لا محالة و سقط الأمر لفرض أنّ صرف الوجود یتحقق بأول الوجود و لو أتی به جمیعهم.»

إیراد علی ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) :
اشارة

إنّ ما أفاده (قدس سره) لایناسب مقام الإثبات حیث إنّ عنوان أحدهما لیس مأخوذاً فی الأدلة و إلیک بعض روایات الباب:

الروایة الأُولی:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبِی وَلَّادٍ وَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ جَمِیعاً عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِِ (علیه السلام) قَالَ: «ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ...» ((1))

ص: 358


1- وسائل الشیعة، ج3، ص59، أبواب صلاة الجنازة، الباب 1، ح 1 و قال بعده: «رواه الکلینی عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن الحسن بن محبوب؛ و رواه ابن إدریس فی آخر السرائر نقلاً من کتاب المشیخة للحسن بن محبوب مثله؛ محمد بن علی بن الحسین فی العلل عن محمد بن موسی بن المتوکل عن عبد الله بن جعفر عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب مثله». راجع الکافی، ج3، ص166، باب أنّ المیت یؤذن به الناس، ح 1 و فیه «و علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعاً» بدل «عن علی بن إبراهیم عن أبیه» و «لمیتهم» بدل «له»؛ و مستطرفات السرائر، ص596 «أبو ولاد الحناط و عبد الله بن سنان قالا سمعنا أبا عبد الله (علیه السلام) یقول... قال ثم قال أبو عبد الله (علیه السلام) : و ینبغی لأولیاء المیت منکم... فیشهدوا جنازته و یصلوا علیه و یستغفروا له فیکتسب لهم الأجر و یکتسب لمیته الاستغفار و یکسب هو الأجر فیهم و فی ما اکتسب لمیته من الاستغفار»؛ و العلل، ج2، ص301، الباب 240 و فیه حدیث واحد و لیس فیه «منکم» و «و یستغفرون له» و فیه «فیکسب لهم الأجر و یکسب لمیته الاستغفار و یکسب هو الأجر فیهم و فی ما اکتسبه لمیته من الاستغفار».
الروایة الثانیة:

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی فِی قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ طَرِیفٍ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَانَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا». ((1))

الروایة الثالثة:

عنه [أی عَلِی بْنُ الْحُسَینِ] عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّابِ عَنْ غِیاثِ بْنِ کَلُّوبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً».((2))

الروایة الرابعة:

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنْ یحْیی بْنِ زَکَرِیا عَنْ أَبِیهِ

ص: 359


1- وسائل الشیعة، ج3، ص84، الباب 6، ح 13 و قال بعده: «و عن السندی بن محمد عن أبی البختری عن جعفر بن محمد عن أبیه نحوه». و الروایة فی قرب الإسناد، ص88 و فی ص 134: «[السندی بن محمد البزاز قال حدثنی] أبو البختری [وهب بن وهب القرشی] عن جعفر بن محمد عن أبیه أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) صلی علی جنازة فلما فرغ جاءه ناس فقالوا: یا رسول الله لم ندرک الصلاة علیها فقال: لاتصلوا علی جنازة مرتین و لکن ادعوا لها».
2- وسائل الشیعة، ج3، ص87، الباب 6، ح 23؛ التهذیب، ج3، ص324 و الاستبصار، ج1، ص484 و فیهما «عن غیاث بن کلوب بن فیهس البجلی» و «ادعوا له» بدل «ادعوا لها».

زَکَرِیا بْنِ مُوسَی عَنِ الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ».((1))

الروایة الخامسة:

عنه [أی سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّامٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ((2)) غَزْوَانَ((3)) السَّکُونِی عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) : «صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ».((4))

ص: 360


1- وسائل الشیعة، ج3، ص120، الباب 28 و فی هذا الباب حدیث واحد و قال بعده: «و رواه الشیخ بإسناده عن علی بن إبراهیم و رواه الصدوق بإسناده عن الیسع بن عبد الله»؛ الکافی، ج3، ص167، ح 1 و فیه «عن رجل» بدون ال؛ التهذیب، ج3، ص309 و فیه «القاسم بن عبید الله القمی» بدل «الیسع بن عبد الله القمی»؛ الفقیه، ج1، ص166 «و سأل الیسع بن عبد الله القمی أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل یصلی علی الجنازة وحده» الحدیث.
2- کذا فی التهذیب و الوسائل لکن الصواب کما فی الاستبصار: «بن» بدل «عن» فقد روی محمد بن سعید بن غزوان عن السکونی فی موارد عدیدة کما فی التهذیب، ج1، ص194و 201 و الاستبصار، ج1، ص163و 164 و الخصال، ص9، 15، 19، 25، 36، 111، 196، 238 و غیرها.
3- جاء فی الهامش: فی المصدر [ أی التهذیب و الاستبصار ] زیادة «عن».
4- وسائل الشیعة، ج3، ص133، الباب 37، ح 3 و قال بعده: «و رواه الصدوق مرسلاً»؛ التهذیب، ج3، ص328؛ الاستبصار، ج1، ص468؛ الفقیه، ج1، ص166 «و قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) :» الحدیث و فیه «القاتل» بدل «القتال».

الفصل السابع: الواجب الموسع و المضیق

اشارة

فیه أُمور ثلاثة

الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته

ص: 361

ص: 362

الواجب الموسع و المضیق

الأمر الأول: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق
اشارة

إنّ الواجب إمّا موقّت و إمّا غیر موقّت و الواجب الموقّت إما یکون وقته أزید من زمان فعله کالصلوات الیومیة و إما یکون وقته بقدر إتیان فعله بحیث ینطبق کل جزء من الفعل علی کل جزء من الزمان کصوم شهر رمضان.

الإشکال فی إمکان الواجب الموسّع:
اشارة

نقل عن بعض الأعلام المتقدّمین، أنّهم ذهبوا إلی عدم إمکانه، لأنّ القول به یستلزم جواز ترک الواجب فی أول وقته مع أنّ ترک الواجب غیر جائز.((1))

ص: 363


1- فی المعالم، ص73: «أصل: الأمر بالفعل فی وقت یفضل عنه جائز عقلاً واقع علی الأصح و یعبّر عنه بالواجب الموسّع کصلاة الظهر مثلاً... و أنکر ذلک قوم لظنّهم أنّه یؤدّی إلی جواز ترک الواجب ثمّ إنّهم افترقوا علی ثلاثة مذاهب: أحدها أنّ الوجوب فی ما ورد من الأوامر التی ظاهرها ذلک مختص بأوّل الوقت... و ثانیها أنّه مختص بآخر الوقت و لکن لو فعل فی أوّله کان جاریاً مجری تقدیم الزکاة فیکون نفلاً یسقط به الفرض و ثالثها أنّه مختص بالآخر و إذا فعل فی الأوّل وقع مراعی فإن بقی المکلف علی صفات التکلیف تبین أنّ ما أتی به کان واجباً و إن خرج عن صفات المکلفین کان نفلاً؛ و هذان القولان لم یذهب إلیهما أحد من طائفتنا و إنّما هما لبعض العامّة» و فی ص76: «حجة من خص الوجوب بأوّل الوقت أنّ الفضلة فی الوقت ممتنعة لأدائها إلی جواز ترک الواجب فیخرج عن کونه واجباً و حینئذٍ فاللازم صرف الأمر إلی جزء معین من الوقت فإمّا الأوّل أو الأخیر لانتفاء القول بالواسطة و لو کان هو الأخیر لما خرج عن العهدة بأدائه فی الأوّل و هو باطل إجماعاً فتعین أن یکون هو الأوّل» و فی مفاتیح الأُصول، ص298: «أمّا الحکم الثالث [زیادة الوقت علی الفعل] ففقد اختلفوا فیه علی قولین: الأوّل إنّه جائز و واقع و هو للذریعة و العدة و الغنیة و المعارج و التهذیب و النهایة و المنتهی و السرائر و المبادی و شرحه و المنیة و المعالم و شرح الزبدة لجدی الصالح (رحمة الله) و المختصر و شرحه و المعراج! و نقل فی المعالم و النهایة هذا القول عن أکثر الأصحاب و فی شرح الزبدة: هو الحق عندنا. و أمّا العلامة فقد نقل فی النهایة هذا القول عن محمد بن شجاع البلخی و أصحاب الشافعی و الجبائیین و أصحابهما و أبی الحسین البصری و فی شرح الزبدة عن کثیر ممن خالفنا و قال فی الإحکام: ذهب إلیه أکثر أصحابنا [أی الأشاعرة] و أکثر الفقهاء و فی المختصر و شرحه: ذهب إلیه الجمهور. الثانی: إنّه غیر جائز و هو المحکی فی النهایة عن جماعة من الأشاعرة و جماعة من الحنفیة و أبی الحسن الکرخی». و قال فی التنبیه الأوّل: «ذهب بعض من المانعین من الموسع إلی أنّ الوجوب فی ما ورد من الأوامر التی ظاهرها التوسعة یختص بأوّل الوقت و أنّ بعده یصیر قضاءً و فی المعالم: هو الظاهر من کلام المفید علی ما ذکره العلامة و حکی هذا القول فی النهایة و المنیة عن جماعة من الأشاعرة و فی المعارج عن بعض الحنفیة و فی شرح المختصر عن قوم من الشافعیة».
جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

«... غیر خفی ما فیه من المغالطة لأنّ الواجب هو الجامع بین المبدء و المنتهی المعرّی عنه جمیع خصوصیات الأفراد من العرضیة و الطولیة و الواجب علی المکلف هو الإتیان بهذا الجامع بین هذین الحدین لا فی کل آن و وقت لیکون ترکه فی أول الوقت ترکاً للواجب و لو أتی به فی آخر الوقت بل ترکه فیه ترک

ص: 364


1- محاضرات فی أصول الفقه، ج4، ص60؛ ج 3، ص245، الواجب الموسع و المضیق.

لفرده و هو لیس بواجب علی الفرض و لذا لو ترک المکلف الصلاة فی أول الوقت و أتی بها فی آخر الوقت فلایقال: إنّه ترک الواجب.»

الإشکال فی إمکان الواجب المضیق:
اشارة

((1))

و هو «بدعوی أنّ الانبعاث لابدّ و أن یتأخر عن البعث و لو آناًما و علیه فلابدّ من فرض زمان یسع البعث و الانبعاث معاً أعنی الوجوب و فعل الواجب و لازم ذلک هو زیادة زمان الوجوب علی زمان الواجب. مثلاً إذا فرض تحقق وجوب الصوم حین الفجر فلابدّ و أن یتأخر الانبعاث عنه آناًما و هو خلاف المطلوب ضرورة أنّ لازم ذلک هو خلوّ بعض الآنات من الواجب، و إذا فرض تحقق وجوب الصوم قبل الفجر یلزم تقدم المشروط علی الشرط و هو محال و علیه فلابدّ من الالتزام بعدم اشتراطه بدخول الفجر لئلّایلزم تقدم المعلول علی علته و لازم ذلک هو عدم إمکان وجود الواجب المضیق.»

جوابان من المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإشکال:
الجواب الأول:

«إنّ الملاک فی کون الواجب مضیقاً هو ما کان الزمان المحدد له وقتاً مساویاً لزمان الإتیان بالواجب بحیث یقع کل جزء منه فی جزء من ذلک الزمان بلازیادة و نقیصة، و أما کون زمان الوجوب أوسع من زمان الواجب أو مساویاً له فهو أجنبی عما هو الملاک فی کون الواجب مضیقاً

و من هنا لا شبهة فی تصویر الواجب المضیق و الموسع علی القول بالواجب

ص: 365


1- نقلنا الإشکال عن محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص61؛ ج 3، ص246.

المعلق مع أنّ زمان الوجوب فیه أوسع من زمان الواجب و لن یتوهم أحد و لایتوهم أنّه لایتصور المضیق علی هذه النظریة کما هو واضح.»

الجواب الثانی:

«إنّ تأخر الانبعاث عن البعث لیس بالزمان لیلزم المحذور المزبور بل هو بالرتبة کما لایخفی.

نعم العلم بالحکم و إن کان غالباً متقدماً علی حدوثه أی حدوث الحکم زماناً إلا أنّه لیس ممّا لابدّ منه، بداهة أنّ توقف الانبعاث عند تحقق موضوع البعث - کالفجر فی المثال المزبور [أی الصوم] مثلاً - علی العلم به أی بالبعث رتبی و لیس زمانیاً کما هو واضح کتقدم العلم بالموضوع علی العلم بالحکم.»

ص: 366

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء
اشارة

و فیه مطالب أربعة:

المطلب الأول: الأقوال فی المسألة

اختلف الأعلام فی أنّ القضاء تابع للأداء أو هو بأمر جدید؟ و بعبارة أُخری: إنّ الأمر بالشیء فی الوقت المعین هل یدل علی وجوب إتیانه فی خارج الوقت أو إنّ وجوب القضاء یحتاج إلی أمر جدید؟

و هنا أقوال أربعة: (1)

القول الأول: إنّ الأمر الأول یدل علی وجوب متعلقه مطلقاً.

ص: 367


1- . عدّ الأقوال «اثنین» فی روض الجنان و حاشیة السلطان و الوافیة و هدایة المسترشدین و «ثلاثة» فی فوائد الأُُصول و أُصول الفقه و «أربعة» فی منتهی الأصول. أکثر الفقهاء و الأُصولیین علی أنّ القضاء بأمر جدید. أمّا الکتب الفقهیة فقد قال به فی تذکرة الفقهاء، ج4، ص408 و مختلف الشیعة، ج2، ص70 و منتهی المطلب، ج2، ص189 و إیضاح الفوائد، ج1، ص325 و روض الجنان، ص128 و جامع المقاصد، ج1، ص486 و رسائل الکرکی، ج2، ص52 و مجمع الفائدة و مدارک الأحکام، ج1، ص342 و مشارق الشموس و کشف اللثام و الحدائق الناضرة و ریاض المسائل و عوائد الأیام و مستند الشیعة و جواهر الکلام و کتاب الصوم للشیخ الأنصاری و مصباح الفقیه و غیرها. و أمّا الکتب الأصولیة فقد قال به فی الذریعة، ج1، ص80 و العدة ط.ج. ج1، ص210 و مبادئ الوصول، ص117 و القواعد و الفوائد، ج2، ص229 و حاشیة السلطان، ص279 و فرائد الأُصول، ج1، ص393 و أوثق الوسائل، ص64 و تقریرات الشیرازی (قدس سره) ، ج2، ص180 و فوائد الأُصول، ج1، ص237 و دراسات فی علم الأُصول، ج1، ص234 و أُصول الفقه، ج1، ص96. ففی الأوّل: «إنّ القضاء لایتبع فی وجوبه وجوب المقضی بل هو منفصل عنه و قد یجب کل واحد من الأمرین و إن لم یجب الآخر ألا تری أنّ الحائض یلزمها قضاء الصوم و إن لم یکن الأداء علیها واجباً و الجمعة إذا فاتت لایجب قضاءها و إن وجب أداءها». و فی الثانی: «إن ّالقضاء فرض ثان یحتاج إلی دلیل مستأنف و لیس ما دلّ علی وجوب الفعل دلّ علی قضائه» الخ. و فی الثالث: «الحق أنّ الأمر إن کان مقیداً بوقت و لم یفعل فیه لایقتضی وجوب القضاء و إنّما یجب القضاء بأمر جدید». و فی الرابع: «الإخلال بالفعل لایستعقب القضاء إلّا بأمر جدید و قد نصّ علی قضاء عبادات و استدراکها». و فی هدایة المسترشدین، ص312 عبر عن هذا القول ب- «المعروف بینهم» و قال فی الوافیة فی الأُصول، ص84: قوّاه الأکثر. هذا عندنا . أمّا القول الثانی و هو التبعیة مطلقاً فلم نجد له قائلاً من أصحابنا. أمّا القول الثالث ففی وسیلة الوصول إلی حقائق الأُُصول، 242: «و الحق التفصیل بین ما إذا ثبت التوقیت بدلیل متصل کصم یوم الخمیس فلایدلّ علی مطلوبیة الفعل فی خارج الوقت و بین ما إذا ثبت التوقیت بدلیل منفصل کما إذا قال: صم ثم قال: ولیکن الصوم یوم الخمیس فإنّه یدل علی مطلوبیة أصل الفعل فی خارج الوقت». و أمّا القول الرابع و هو مختار صاحب الکفایة فقد ذهب إلیه المحقق البجنوردی (قدس سره) فی منتهی الأُصول، ج1، ص230 أیضاً.

القول الثانی: عدم دلالة الأمر الأول علی وجوب متعلقه خارجَ الوقت.

القول الثالث: التفصیل بین کون الدلالة علی التقیید بالزمان بالقرینة المتصلة أو المنفصلة.

القول الرابع: التفصیل بین ما إذا کان دلیل أصل الوجوب مطلقاً و الدلیل علی تقییده بالوقت قرینة منفصلة مجملة فحینئذ یدل علی وجوب القضاء و غیره فلایدل (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) ).

ص: 368

المطلب الثانی: تحقیق المسألة
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الثالث:

((1))

«إنّه لا فرق فی ما نحن فیه بین القرینة المتصلة و المنفصلة بیان ذلک أنّ القرینة المتصلة کما هی تدل علی التقیید و علی کون مراد المولی هو المقید بهذا الزمان، کذلک القرینة المنفصلة فإنّها [أیضاً] تدل علی تقیید إطلاق دلیل المأمور به و کون المراد هو المقید من الأول فلا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلاً. نعم فرق بینهما من ناحیة أُخری و هی أنّ القرینة المتصلة مانعة عن ظهور الدلیل فی الإطلاق و معها لاینعقد له ظهور و القرینة المنفصلة مانعة عن حجیة ظهوره فی الإطلاق دون أصله [و علی أی حال لایجوز التمسک بالإطلاق سواء کانت القرینة متصلة أم منفصلة] ...»

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) :

((2))

إنّ دلیل التقیید بالوقت إن کان متصلاً بدلیل أصل الوجوب فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق فی خارج الوقت لأنّ دلیل التقیید بالوقت یوجب تقیید الوجوب بالحصة الواقعة فی هذا الزمان فی ما إذا کان مبیناً، و أما إذا

ص: 369


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص63؛ ج 3، ص248.
2- کفایة الأُصول، ص144، المقصد الأول، الفصل الحادی عشر «ثم إنّه لا دلالة للأمر بالموقت بوجه علی الأمر به فی خارج الوقت بعد فوته فی الوقت لو لم نقل بدلالته علی عدم الأمر به نعم لو کان التوقیت بدلیل منفصل لم یکن له إطلاق علی التقیید بالوقت و کان لدلیل الواجب إطلاق لکان قضیة إطلاقه ثبوت الواجب بعد انقضاء الوقت و کون التقیید به بحسب تمام المطلوب لا أصله»؛ و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و وافقه بعض الأساطین ثبوتاً لا إثباتاً.

کان مجملاً فیسری إجماله إلی دلیل أصل الوجوب لاتصاله به

و أما إن کان دلیل التقیید بالوقت منفصلاً عن دلیل أصل الوجوب فهناک صور أربع:

الصورة

الأُولی: أن یکونا مجملین فلا دلالة لدلیل الوجوب علی لزوم الإتیان بالمتعلق خارج الوقت.

الصورة الثانیة: أن یکونا مطلقین فیکون دلیل التقیید بالوقت مقیداً لإطلاق دلیل الوجوب فلا دلالة له علی القضاء خارج الوقت.

الصورة الثالثة: أن یکون دلیل الوجوب مجملاً و دلیل التقیید بالوقت معیناً و حینئذ لا دلالة له علی لزوم الفعل خارج الوقت.

الصورة الرابعة: أن یکون دلیل الوجوب مطلقاً و دلیل التقیید مجملاً فحینئذ مقتضی إطلاق دلیل أصل الوجوب هو ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت و کون التقیید بالوقت بحسب تمام المطلوب لا أصله.

و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بعدم دلالة دلیل الوجوب علی ثبوت الوجوب خارج الوقت إلا فی الصورة الرابعة.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) :

(1)

إنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) و إن کان صحیحاً ثبوتاً إلا أنّه لایتم بحسب مقام الإثبات لأنّ الارتکازات العرفیة و العقلائیة تقتضی تقیید دلیل الوجوب؛

ص: 370


1- . تحقیق الأُصول، ج3، ص367، الوجوب الموسع و المضیق، الجهة الثانیة، رأی الأُستاذ «و قد وافق الأُستاذ المحقق الخراسانی علی النظریة و أنّها خالیة من الإشکال الثبوتی غیر أنّ مقام الإثبات لایساعد علیها لأنّ مقتضی الارتکازات العرفیة و العقلائیة ورود القید علی أصل الوجوب و أنّه فی غیره لایبقی وجوب... هذا ما ذکره فی الدورة اللاحقة و أما فی الدورة السابقة فقد وافق الکفایة علی أصل النظریة کذلک إلا أنّه خالفه فی إطلاقها فاختار عدم دلالة دلیل الوجوب علی بقائه بعد الوقت بالنسبة إلی المکلف الفاعل المختار و دلالته علی ذلک بالنسبة إلی العاجز و هذا ما أفاده الإیروانی فلیلاحظ».

و التمسک بإطلاق دلیل الوجوب متفرع علی الشک فی بقائه و لکن العقلاء لایشکون فی عدم بقاء إطلاق دلیل الوجوب.

نعم بناءً علی أنّ ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) فی الصورة الرابعة مجرد فرض یمکن وقوعها، لا خلاف فی البین.

ص: 371

المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی
اشارة

فیه وجهان:

إذا علمنا بالوجوب المقید بالوقت و شککنا فی ثبوته خارج الوقت فهل تجری البراءة بالنسبة إلی الوجوب خارج الوقت أو یستصحب نفس الوجوب لأنّ الوجوب قبل خروج الوقت متیقن فنشک فی بقائه بعد الوقت فنستصحبه؟

الوجه الأول: جریان البراءة

إنّ أکثر الأعلام قالوا بجریان البراءة دون الاستصحاب مثل الشیخ و صاحب الکفایة (قدس سرهما)((1)) و الوجه فی ذلک((2)) هو عدم اتحاد القضیة المتیقنة و

ص: 372


1- کفایة الأُُصول، ص144 «و مع عدم الدلالة فقضیة أصالة البراءة عدم وجوبها فی خارج الوقت و لامجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت فتدبر جیداً»
2- فرائد الأُصول، ج3، ص203 – 208، المقام الثانی فی الاستصحاب، ینبغی التنبیه علی أُمور، الأمر الثانی «إنّه قد علم من تعریف الاستصحاب و أدلته أنّ مورده الشک فی البقاء و هو وجود ما کان موجوداً فی الزمان السابق و یترتب علیه عدم جریان الاستصحاب فی... و کذا فی المستقر الذی یؤخذ قیداً له... و التحقیق أنّ هنا أقساماٌ ثلاثة:... و أما القسم الثالث و هو ما کان مقیداً بالزمان فینبغی القطع بعدم جریان الاستصحاب فیه و وجهه أنّ الشیء المقید بزمان خاص لایعقل فیه البقاء لأنّ الیقاء وجود الموجود الأول فی الآن الثانی الخ»؛ کفایة الأُصول، ص409، المقصد السابع فی الأُصول العملیة، فصل فی الاستصحاب، ههنا تنبیهات، الرابع «و أما الفعل المقید بالزمان فتارةً یکون الشک فی حکمه من جهة الشک فی بقاء قیده و طوراً مع القطع بانقطاعه و انتفائه من جهة أُخری... فإن کان من جهة الشک فی بقاء القید... و إن کان من الجهة الأُخری فلا مجال إلا لاستصحاب الحکم فی خصوص ما لم یؤخذ الزمان فیه إلا ظرفاً لثبوته لا قیداً مقوماً لموضوعه و إلا فلا مجال إلا لاستصحاب عدمه فی ما بعد ذلک الزمان فإنّه غیر ما علم ثبوته له فیکون الشک فی ثبوته له أیضاً شکاً فی أصل ثبوته بعد القطع بعدمه لا فی بقائه الخ».

المشکوکة((1)) للشک فی تبدل الموضوع لأنّ المتیقن هو الوجوب المقید بالوقت و المشکوک هو الوجوب خارج الوقت.

الوجه الثانی: جریان الاستصحاب
اشارة

و له بیانان:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) بعد أن وافق القوم فی عدم جریان الاستصحاب فی نهایة الدرایة قال بإمکان استصحاب شخص الحکم و کلی الحکم فی هامش نهایة الدرایة.((2))

ص: 373


1- فی حقائق الأُُصول، ج1، ص341 عند التعلیقة علی هذه العبارة «و لامجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت»: «و الوجه فیه ما سیأتی فی تنبیهات الاستصحاب من أنّ الزمان إذا أُخذ قیداً للفعل کان الفعل المقید به غیر الفعل الواقع فی خارجه فتسریة الحکم من الأوّل إلی الثانی من قبیل تسریة الحکم من موضوع إلی آخر فیکون من القیاس لا من الاستصحاب لأنّه یعتبر فی صحة الاستصحاب وحدة الموضوع لیتحقق الإبقاء الذی هو قوام الاستصحاب» الخ و فی منتقی الأُُصول، ج2، ص512: «قد یتوهم أنّ مقتضی الاستصحاب ثبوت القضاء... لکن نفاه صاحب الکفایة و لم یبین وجهه و لعلّه لأجل و ضوحه فإنّ المعتبر فی الاستصحاب اتحاد القضیة المتیقنة و المشکوکة موضوعاً و الزمان إذا کان مأخوذاً فی المتعلق یکون مقوّماً لا حالةً بنظر العرف بخلاف ما یؤخذ فی الموضوع و المفروض انتفاء الزمان فلا تتحد القضیتان فلایجری الاستصحاب و هذا المعنی یحقق فی محلّه من مسألة الاستصحاب». و فی تحقیق الأُُصول، ج3، ص368: «ذهب الشیخ الأعظم و المحقق الخراسانی و أتباعهم إلی البراءة لعدم جریان الاستصحاب لعدم وحدة الموضوع فقد کان مقتضی الدلیل هو الصلاة فی الوقت و إذا خرج الوقت تغیر الموضوع».
2- فی حقائق الأُصول، ج1، ص341: «أقول: هذا و إن ذکره المصنف و شیخنا الأعظم فی ذلک المقام لکن قد یشکل بأنّه مبنی علی الرجوع فی اتحاد موضوع الاستصحاب إلی الدلیل أما لو کان المرجع فیه العرف فالموضوع فی نظره واحد و یصح أن یقال: کانت الصلاة واجبة فهی علی ما کانت و سیأتی إن شاء الله توضیح ذلک فی محلّه». و فی منتقی الأُُصول، ج2، ص512: «و لکن الحق جریان الاستصحاب فی کلی الوجوب المردد بین الوجوب الضمنی و النفسی الاستقلالی الثابت أوّلاً فیکون من القسم الثانی من استصحاب الکلی و ذلک بناء علی انحلال الأمر بالمشروط لا وحدته الذی هو مبنی جریان البراءة فی المشروط فإنّ الوجوب الثابت للعمل بذاته فی السابق مردد بین الضمنی بناء علی وحدة المطوب و الاستقلالی بناء علی تعدده فیستصحب الکلی الثابت أوّلاً و یترتب علیه أثره من الدعوة و التحریک».
البیان الأول: إستصحاب شخص الحکم
اشارة

((1))

«یمکن أن یقال: أما استصحاب شخص الحکم مع فرض تعلقه بالموقت فیصح لأنّ الموضوع و إن کان بحسب الدلیل بل بحکم العقل هو الموقت بما هو موقت إلا أنّ العبرة فی الموضوع إنّما هو بنظر العرف، و العرف یری أنّ الموضوع هو الفعل و أنّ الوقت من حالاته لا من مقوماته، و لا قطع بخطأ نظر العرف إلا بلحاظ حال الاختیار دون العذر و إلا لم یکن معنی للشک و التکلم فی استصحاب الحکم.

مضافاً إلی ما مر مراراً من أنّ الخصوصیة المأخوذة فی الواجب تارةً تکون مقومة للمقتضی بحیث یکون الخاص واجباً و أُخری تکون دخیلة فی فعلیة الغرض و مثلها یکون شرطاً للواجب؛ فعلی الأول یکون المقید بما هو [مقید] واجباً نفسیاً و علی الثانی یکون الواجب النفسی مقیداً فمعروض الوجوب النفسی حینئذ ذات الفعل و إنما قید الواجب بتلک الخصوصیة لدخلها فی الغرض، فیکون تحصیلها واجباً بوجوب مقدمی

و علیه نقول: إنّ خصوصیة الوقت ظاهراً کخصوصیة الطهارة و التستر و الاستقبال شرط للواجب لا إنّ المتخصص بها واجب؛ و حینئذ فمعروض

ص: 374


1- نهایة الدرایة، ج2، ص283 و 284، التعلیقة 145 علی هذه العبارة «و لا مجال لاستصحاب وجوب الموقت»، الهامش.

الوجوب علی فرض بقائه نفس الفعل فیستصحب للشک فی دخالة الخصوصیة مطلقاً.»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

لابدّ فی الاستصحاب من وحدة الموضوع بین القضیة المتیقنة و المشکوکة و الموضوع فی القضیة المتیقنة هو الواجب الموقت لا ذات الواجب لأنّ الواجب إما مطلق بالنسبة إلی الوقت و إما مقید و إما مهمل.

أمّا الإهمال فی موضوع الحکم الشرعی فمستحیل و أما الإطلاق فخلاف الفرض أیضاً فالواجب مقید بالوقت و هو الموضوع فی القضیة المتیقنة و الموضوع فی القضیة المشکوکة هو ذات الواجب.

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی أن یکون الوقت شرطاً للواجب و دخیلاً فی فعلیة الغرض فیکون تمام نظر العرف إلی ذات الفعل و یری الوقت من حالات الفعل و ما أفاده المستشکل (دام ظله) ناظر إلی تقیید الفعل بالوقت شرعاً و لا کلام فیه بل الکلام فی الموضوع عند العرف لا عند الشرع، و ملاک وحدة الموضوع فی الاستصحاب هو نظر العرف.

مع أنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرح بأنّ هذا النظر العرفی یکون بلحاظ حال العذر لا حال الاختیار.

ص: 375


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص369، الوجوب الموسع و المضیق، الجهة الثالثة «و فیه أنّ الملاک فی وحدة الموضوع و عدمها فی الاستصحاب هو نظر العرف و الموضوع فی ما نحن فیه هو الصلاة مع الطهارة لا ذات الصلاة الخ».
البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم
اشارة

((1))

قال (قدس سره) : «یمکن تصحیحه علی القسم الثانی من القسم الثالث بتقریب أنّ شخص الحکم له تعلق بالذات بالموقت و بالعرض بالفعل، فطبیعی الحکم له تعلق بالعرض بکل ما یتعلق به شخص الحکم ذاتاً و عرضاً و لازمه تعلق الحکم الکلی بالفعل الکلی بالعرض بواسطتین کما لایخفی.»

ملاحظة علیه:

و ما أفاده (قدس سره) فی استصحاب کلی الحکم هو استدراک لما أفاده فی متن نهایة الدرایة حیث قال:((2)) « لایقال: إذا تعلق شخص الحکم بطبیعی الفعل - و لو بالتبع - فقد تعلق طبیعی الحکم المتحقق بتحقق شخصه أیضاً به».

فأجاب عنه بأنّ تبعیة طبیعی الحکم لشخصه تقتضی تعلقه بما تعلق به فرده و لیس هو إلا الموقت و لکن هنا صحح تعلق کلی الحکم بذات الفعل و ذلک مبنی علی جریان استصحاب القسم الثانی من القسم الثالث فمع القول بعدم جریانه لامجال لاستصحاب الکلی فی هذا المقام.

ص: 376


1- نهایة الدرایة، ج2، ص284، الهامش.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص2850.
المطلب الرابع: ثمرة المسألة

((1))

قال المحقق الخوئی (قدس سره) : « لابدّ من فرض الکلام فی ما نحن فیه أما مع قطع النظر عن جریانهما [قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أو فی ما إذا لم تجریا کما إذا فرض أنّ شخصاً توضأ بمائع معین فصلی ثم بعد مضی الوقت حصل له الشک فی أنّ هذا المائع الذی توضأ به هل کان ماءً لیکون وضوءه صحیحاً أو لم یکن ماءً لیکون وضوءه فاسداً أو فرض أنّه صلی إلی جهة ثم بعد خروج الوقت شک فی أنّ القبلة هی الجهة التی صلی إلیها أو جهة أُخری و هکذا؛ ففی أمثال ذلک لایجری شیء منهما [أی قاعدة الحیلولة و قاعدة الفراغ] أما قاعدة الحیلولة فلأنّ موردها الشک فی أصل وجود العمل [أی إتیان الصلاة] فی الخارج و تحققه لا فی ما إذا کان الشک فی صحته و فساده بعد الفراغ عن أصل وجوده [و العلم بوقوع الصلاة قطعاً؛ فلاتجری فی ما نحن فیه]»

و أما قاعدة الفراغ فهی و إن کانت جاریة فی مورد الشک فی کیفیة إتیان الصلاة إلا أنّه ورد فی دلیل قاعدة الفراغ التعلیل بالأذکریة حین العمل؛ فإن قلنا بانحصار مورد قاعدة الفراغ فی مورد التعلیل فلاتجری فی ما نحن فیه لأنّ منشأ الشک فی المثالین لیس من موارد أذکریة المصلی حین العمل بل منشؤه الشک فی کون المائع ماءً أو کون الجهة قبلة.

فحینئذ إن قلنا بتبعیة القضاء للأداء فنشک فی فراغ الذمة عن عهدة الأمر الأول فیجری الاشتغال و لابدّ من قضاء الصلاة، و إن قلنا بأنّ القضاء بأمر جدید فنشک فی تعلق الأمر الجدید بوجوب القضاء فتجری أصالة البراءة.

ص: 377


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص68 و 69؛ ج 3، ص254.
الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته
اشارة

إذا ثبت وجوب القضاء (مثل الصلاة) فشک المکلف فی خارج الوقت فی أنّه أتی بالمأمور به فی وقته أو لا فهل یمکن جریان استصحاب عدم الإتیان فیثبت به عنوان فوت الواجب فی وقته؟

و هذا مبنی علی أنّ الفوت أمر وجودی أو أمر عدمی؛ فإن کان أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالواجب فی وقته یکون بالنسبة إلیه أصلاً مثبتاً، و إن کان أمراً عدمیاً فاستصحاب عدم الإتیان یجری فیثبت عنوان الفوت.

نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی (قدس سره) :

((1))

قال (قدس سره) : «الصحیح هو أنّه [أی الفوت] عنوان وجودی و ذلک للمتفاهم العرفی ضرورة أنّه بنظرهم [أی العرف] لیس عین الترک بل هو بنظرهم عبارظ عن خلو الوقت عن الفعل و ذهاب الواجب من کیس المکلف ... [فلیس أمراً عدمیاً] فعلی هذا الضوء لایمکن إثباته بالاستصحاب المزبور و لا أثر له بالإضافة إلیه أصلاً و علیه فیرجع إلی أصالة البراءة.»

إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علیها:

((2))

أولاً:((3))إنّ الفوت لو لم یکن عند العرف عدمیاً فلم یثبت کونه وجودیاً عندهم.

ص: 378


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص71 و 72؛ ج 3، ص258، الواجب الموسع و المضیق.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص370.
3- «و ذهب الأُستاذ إلی أنّه و إن کان لغةً کذلک لکن العبرة فی الاستصحاب بنظر العرف و کونه وجودیاً عندهم غیر واضح إن لم یکن عدمیاً».

ثانیاً:((1)) إنّ موضوع وجوب القضاء فی الأدلة الشرعیة لاینحصر فی عنوان الفوت بل الموضوع قد یکون عنوان ترک الواجب و أُخری عنوان نسیانه و ثالثة عنوان عدم الإتیان فیجری الاستصحاب بالنسبة إلیها؛ و إلیک بعض النصوص:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ [بْنِ سَعِیدٍ] عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَینَةَ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ: «یقْضِیهَا إِذَا ذَکَرَهَا فِی أَی سَاعَةٍ ذَکَرَهَا مِنْ لَیلٍ أَوْ نَهَارٍ» الْحَدِیثَ.((2))

ص: 379


1- «لکن المهم أنّه لیس موضوع وجوب القضاء فی ظواهر النصوص فکما جاء فی بعضها عنوان الفوت کذلک یوجد عنوان النسیان و الترک و عدم الإتیان أیضاً الخ».
2- وسائل الشیعة، ج4، ص274، أبواب المواقیت، الباب57، ح 1 و جاء بعده: «و رواه الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر مثله و بإسناده عن الطاطری عن ابن زیاد عن زرارة و غیره عن أبی جعفر (علیه السلام) مثله»؛ و ص 284 و قال بعده «و رواه الکلینی عن علی بن إیراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر و رواه الشیخ بإسناده عن محمد بن یعقوب مثله» و فیه «قال: یقضیها»؛ و ج 8، ص253، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1، ح 1 و فیه «قال: یقضیها» و قال بعده «و رواه الکلینی کما یأتی و بإسناده عن الطاطری عن ابن زیاد عن زرارة و غیره مثله إلا أنّه قال: فی أیة ساعة ذکرها لیلاً أو نهاراً» و ص256 بإسناد الکلینی (قدس سره) و قال بعده «محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن یعقوب مثله»؛ التهذیب، ج2، ص266 «الحسین بن سعید الخ»؛ الاستبصار، ج1، ص286، ح 1 «أخبرنی الشیخ عن أحمد بن محمد عن أبیه عن الحسین بن الحسن بن أبان عن الحسین بن سعید الخ»؛ الکافی، ج3، ص292، باب من نام عن الصلاة أو سها عنها، ح 3 «علی بن إبراهیم عن أبیه الخ»؛ التهذیب، ج2، ص172 و ج 3، ص159 «و عنه [ أی محمد بن یعقوب ] عن علی بن إبراهیم الخ» و فیهما «أو نسی صلاةً». التهذیب، ج2، ص171 «و عنه [ أی الطاطری ] عن ابن زیاد عن زرارة و غیره عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: سئل... قال: یصلیها إذا ذکرها فی أیة ساعة ذکرها لیلاً أو نهاراً».

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّضْرِ [بن سوید] عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ وَ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: «کُلُّ مَا ((1)) تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ».((2))

ص: 380


1- کذا فی الوسائل و الاستبصار؛ و فی التهذیب «شیء» بدل «ما».
2- وسائل الشیعة، ج8، ص264، أبواب قضاء الصلوات، الباب 4، ح 1؛ التهذیب، ج4، ص244، ح11 «النضر عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) » الحدیث و فیه «صلواتک» بدل «صلاتک»؛ التهذیب، ج3، ص304، ح 13 و الاستبصار، ج1، ص459، ح 13 «فأما ما رواه الحسین بن سعید عن فضالة الخ».

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء

اشارة

و فیه بحثان

البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء

البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی

ص: 381

ص: 382

الأمرُ بالأمر بشیء

البحث الأول: هل یکون الأمرُ بالأمر بشیء أمراً بذلک الشیء
اشارة

اختلفت کلمات الأعلام فی أنّ الأمر بالأمر بشیء، أمر بنفس ذاک الأمر الثانی أو أمر بالشیء الذی تعلق الأمر الثانی به أو أمر بهما.

فهناک ثلاثة احتمالات و تظهر الثمرة بالنسبة إلی شرعیة عبادات الصبی حیث ورد فی الکافی:

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ عَنْ أَبِیهِ عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ عَنْ حَمَّادٍ عَنِ الْحَلَبِی عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِیهِ (علیهما السلام) قَالَ: «إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ».((1)) الْحَدِیثَ.

ص: 383


1- وسائل الشیعة، ج4، ص19، أبواب أعداد الفرائض و نوافلها و ما یناسبها، الباب 3، ح 5 و قال بعده: «و رواه الشیخ بإسناده عن علی بن إبراهیم و بإسناده عن محمد بن یعقوب و رواه الصدوق مرسلاً»؛ الکافی، ج3، ص409، باب صلاة الصبیان و متی یؤخذون بها، ح 1؛ التهذیب، ج2، ص380، ح 1 و الاستبصار، ج1، ص409، ح 6 «علی بن إبراهیم عن أبیه الخ»؛ الفقیه، ج1، ص280 «قال الصادق (علیه السلام) : إنّا... و هم أبناء خمس سنین... أبناء سبع سنین» الحدیث. أما روایة الشیخ بإسناده عن محمد بن یعقوب فلم نجدها و الموجود روایته (قدس سره) لتتمة الحدیث ففی التهذیب، ج4، ص282 و الاستبصار، ج2، ص123 «محمد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن أبیه...: إنّا نأمر صبیاننا بالصیام إذا کانوا بنی سبع سنین» الحدیث.

و هنا قولان مهمّان:

القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأساطین:

القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین:((2))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) : «إنّه لا دلالة بمجرد الأمر بالأمر علی کونه أمراً به [أی بالشیء] و لابدّ فی الدلالة علیه من قرینة علیه.»

و قال بعض الأساطین (دام ظله) : «إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو أنّ متعلق الأمر الأول هو الأمر الثانی و مطلوبیة هذا الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی تحتاج إلی قرینة تدل علیه.»

و التحقیق: یقتضی تمامیة هذا القول، لأنّ الظاهر من الأمر بالأمر هو تعلّق الأمر بنفس ذلک الأمر و أمّا ظهوره فی سرایة الأمر إلی نفس ذلک الشیء فیحتاج إلی قرینة فی مقام الإثبات.

القول الثانی: عن المحقق العراقی (قدس سره) و المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ المحقق العراقی (قدس سره) یری وجود کلا الاحتمالین فی مقام الثبوت: الاحتمال الأول هو أن یکون الأمر بنفس الأمر الثانی و الاحتمال الثانی هو أن یکون الأمر فی الحقیقة إلی الشیء الذی تعلق به الأمر الثانی.

ص: 384


1- کفایة الأُصول، ص144، المقصد الأول، الفصل الثانی عشر.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص377، الأمر بالأمر، رأی الأُُستاذ «و أفاد بعض الأساطین بأنّ مقتضی الظهور الأولی کون متعلق الأمر الأول هو الأمر من الثانی الخ».
3- ما أفاده المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

و لکن بحسب مقام الإثبات قال:((1))

«کان الظاهر من نحو تلک القضایا و لو بملاحظة قضیة الارتکاز هو الثانی من کون الأمر بالأمر بشیء لمحض التوصل إلی الوجود لا من جهة مطلوبیة أمر الآمر الثانی نفسیاً و إن لم یترتب علیه الوجود فی الخارج.

و علی ذلک فلابأس باستفادة شرعیة عبادة الصبی مما ورد من أمر الأولیاء بأمر الصبیان بإتیان العبادات.»

و صرّح المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً بذلک فقال:((2))

«إنّه [أی الأمر بالأمر بفعل] بحسب مقام الثبوت و الواقع یتصور علی وجوه:

الأول: أن یکون غرض المولی قائماً بخصوص الأمر الثانی باعتبار أنّه فعل اختیاری للمکلف...

الثانی: أن یکون [الغرض] قائماً بالفعل الصادر من المأمور الثانی فیکون الأمر الثانی ملحوظاً علی نحو الطریقیة من دون أن یکون له دخل فی غرض المولی أصلاً و لذا لو صدر الفعل من المأمور الثانی من دون توسط أمر من المأمور الأول لحصل الغرض و لایتوقف حصوله علی صدور الأمر منه... فهذا القسم فی طرف النقیض مع القسم الأول فإنّ غرض المولی فی القسم الأول متعلق بالأمر الصادر من المأمور الأول دون الفعل الصادر من الثانی فیکون المأمور به هو الأمر فقط و فی هذا القسم متعلق بالفعل دون الأمر ... و هذا القسم [أی القسم الثانی] هو الغالب و المتعارف من الأمر بالأمر بشیء لا القسم الأول.

ص: 385


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص399، المقصد الأول، المبحث الثالث عشر.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص73 - 75؛ ج 3، ص261 و 262، الأمر بالأمر بفعل أمر بذلک الفعل أم لا؟

الثالث: أن یکون الغرض قائماً بهما معاً ... ».

ثم قال: «... إنّ الظاهر من الأمر بالأمر بشیء هو القسم الثانی دون القسم الأول و الثالث ضرورة أنّه المتفاهم من ذلک عرفاً ».

یلاحظ علیه:

لم نجد فی إرتکاز العرف دلالةً للأمر بالأمر بالشیء، علی أمر المولی بذلک الشیء، کما أنّ الأغلبیة لا یوجب الحمل علی ذلک.

ص: 386

البحث الثانی:شرعیة عبادات الصبی
نظریة المحقق العراقی (قدس سره) :

قال (قدس سره) ((1)) بعد إثبات أصل شرعیة عبادات الصبی بالأمر بالأمر به: « نعم هذا المقدار من الشرعیة أیضاً لایفی بإثبات وفاء المأتی به حال الصغر بمصلحة الواجب کی یلزمه الاجتزاء به عن فعل الواجب فی ما لو کان بلوغه بعد الفراغ عن العبادة أو فی أثنائها من جهة أنّ القدر الذی یستفاد من قضیة الأمر بالأمر إنّما هو کون فعلهم فی حال عدم البلوغ مشروعاً و واجداً للمصلحة و أما کون هذه المصلحة من سنخ تلک المصلحة الملزمة الثابتة فی حال البلوغ فلا؛ و من هذه الجهة أیضاً تشبث بعضهم للاجتزاء به و عدم وجوب الإعادة بعد البلوغ بإثبات المشروعیة من جهة نفس الخطابات الأولیة و حاصله إنّما هو دعوی شمول إطلاق الخطابات فی التکالیف مثل ”أقیموا الصلاة“ و نحوه للصبی الذی یبلغ بعد یوم أو نصف یوم أو ساعة، حیث إنّ دعوی انصرافها عن مثل هذا الصبی أیضاً کما تری بعیدة غایته، إذ لایکاد یفرق العرف فی شمول تلک الخطابات بین البالغ سنّه إلی خمس عشرة سنة کاملة و بین من نقص سنّه من ذلک بیوم أو نصف یوم أو ساعة واحدة بل کان العرف یری شمول تلک الخطابات لکل منهما و حینئذ فإذا شمل تلک الخطابات لمثل هذا الصبی یتعدی عنه بمقتضی عدم الفصل إلی من هو دون ذلک فی العمر إلی أن یبلغ فی طرف القلة إلی ست أو سبع سنین فیستفاد من ذلک حینئذ أنّ الصبی الممیز و المراهق کالبالغ ... من

ص: 387


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص399.

حیث اشتمال عباداته علی المصالح الملزمة غایة الأمر بمقتضی دلیل رفع القلم یرفع الید عن جهة إلزام التکلیف ...»

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها:

((1))

«إنّ الأمر سواء أکان عبارةً عن الإرادة أو عن الطلب أو عن الوجوب أو عن الاعتبار النفسانی المبرز فی الخارج بمبرزما، بسیطٌ فی غایة البساطة؛ و علی هذا فمدلول هذه العمومات سواء أکان طلبَ هذه الأفعال أو وجوبها أو إرادتها أو اعتبارها فی ذمة المکلف، لا محالة یقید بغیر الصبی و المجنون و ما شاکلهما بمقتضی حدیث الرفع لفرض أنّ مفاد الحدیث هو عدم تشریع مدلول تلک العمومات للصبی و نحوه؛ فإذن کیف تکون هذه العمومات دالةً علی مشروعیة عبادته ...

و توهمُ أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک و المرفوع بحدیث الرفع هو المنع من الترک لا أصل الطلب بل هو باق و علیه فتدل العمومات علی مشروعیتها خاطئٌ جدّاً و غیر مطالق للواقع قطعاً.

و الوجه فی ذلک:

أما أولاً فلأنّه... لا شبهة فی أنّه [أی الوجوب] أمر بسیط...

و أما ثانیاً: فلأنّه علی فرض تسلیم أنّ الوجوب مرکب من طلب الفعل مع المنع من الترک، مع ذلک لاتتم هذه النظریة و ذلک لأنّها ترتکز علی أن یبقی الجنس بعد ارتفاع الفصل و هو خلاف التحقیق بل لایعقل بقاءه بعد ارتفاعه کیف فإنّ الفصل مقوم له ...»

ص: 388


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص77 و 78؛ ج 3، ص264 و 265.
إیرادان من بعض الأساطین (دام ظله) علیها:
اشارة

((1))

الإیراد الأول:

إنّ الأمر بالأمر بالشیء لیس أمراً بالشیء حتی یستفاد من ذلک شرعیة عبادات الصبی خلافاً للمحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .

الإیراد الثانی:

لو سلمنا أنّ الأمر عرفاً ظاهر فی الطریقیة فیکون أمراً بالشیء و لکنه لایستفاد منه أزید من تعلق الغرض بهذا الشیء، أما هذا الغرض فلم یثبت أنّه هو الغرض الحاصل من عبادات البالغین کما صرح فی بعض روایات الباب أنّ الغرض هو التعوید (حَتَّی یتَعَوَّدُوا)((2)) فإثبات شرعیة عبادات الصبی مشکل.

ص: 389


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص378 «و أما ظهور الأمر عرفاً فی الطریقیة فإنّه لو سلم لایکفی لترتب الثمرة و هو شرعیة عبادات الصبی لأنّ غایة ما یفید ذلک هو تعلق غرض للآمر الأول بذلک بالفعل کالصلاة و لکن هل الغرض هو نفس الغرض فی عبادات البالغین الخ»
2- فی تتمة الحدیث المذکور آنفاً «و نحن نأمر صبیاننا بالصوم إذا کانوا بنی سبع سنین بما أطاقوا من صیام الیوم إن کان إلی نصف النهار أو أکثر من ذلک أو أقل فإذا غلبهم العطش و الغرث أفطروا حتی یتعودوا الصوم و یطیقوه فمروا صبیانکم إذا کانوا بنی تسع سنین بالصوم ما استطاعوا من صیام الیوم فإذا غلبهم العطش أفطروا»

ص: 390

الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر

اشارة

ص: 391

ص: 392

الأمر بعد الأمر

إذا ورد الأمر بشیء بعد الأمر به قبل امتثاله فهذا الأمر الثانی تأسیسی أو تأکیدی؟

للمسألة صور:

الصورة

الأُولی: أن لایذکر سبب أصلاً مثل أن یقال: صلّ ثم یقال: صلّ

فإنّ مقتضی إطلاق المادة هو التأکید، لأنّ الطلب تأسیساً لایکاد یتعلق بطبیعة واحدة مرتین من دون أن یجیء تقیید لها فی البین و لو کان بمثل قولهم: «مرة أُخری» حتی یکون متعلق کل منهما غیر متعلق الآخر و إلا یلزم اجتماع المثلین لأنّ صرف الوجود لایتثنی و لایتکرر.

و مقتضی إطلاق الهیأة هو التأسیس فیوجب إتیان الفعل مکرراً لأنّ إنشاء الوجوب یقتضی التأسیس.

و اختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی (قدس سرهما) و الأُستاذ المحقق الوحید الخراسانی (دام ظله) تقدم مقتضی إطلاق المادة و حمل ذلک علی التأکید و الدلیل علی ذلک عند الأستاذ هو أنّ الأمر الثانی لمّا کان قبل امتثال الأمر الأوّل وحصول الغرض منه، فإنّ العرف یفهم منه التأکید للأمر الأوّل، و لا یراه صادراً بداعی

ص: 393

البعث، فکان هذا الفهم العرفی هو الوجه لحمل المادّة علی التأکید.

الصورة الثانیة: أن یذکر السبب لکلا الأمرین، مثل قوله: «إذا طلع الفجر فصلّ» و قوله: «إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، فهنا لاشبهة فی لزوم تکرار الصلاة، لظهور السبب فی ذلک.

الصورة الثالثة: أن یذکر السبب لأحد الأمرین، مثل قوله: «صلّ» و قوله:«إذا رأیت کسوف الشمس فصلّ»، و القاعدة هنا أیضاً تکرار الصلاة، لأنّ الظاهر حمل الأمر الثانی علی لزوم إتیانه عند حصول السبب الخاصّ، دون الأمر الأول، فإنّه تکلیف آخر لا یرتبط بوجود السبب المذکور.

الصورة الرابعة: أن یذکر قید «مرّة أخری»، فهنا أیضاً لا شبهة فی لزوم إتیان الصلاة مرّة أخری لصراحة الدلیل.

ص: 394

البحث الثانی: « النواهی »

اشارة

فیه ثلاثة فصول

الفصل الأول: معنی صیغة النهی

الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد

الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة

ص: 395

ص: 396

الفصل الأول: معنی صیغة النهی

اشارة

ص: 397

ص: 398

معنی صیغة النهی

إنّ المشهور عند قدماء الأُصولیین هو أنّ الأمر و النهی کلیهما یدلان علی الطلب، و الاختلاف بینهما من ناحیة المتعلق فمتعلق الأمر هو الفعل و متعلق النهی هو الترک علی قول و الکف علی قول آخر.

و لکن أکثر المتأخرین اعترضوا علیهم و قالوا: مدلول النهی یختلف عن مدلول الأمر ذاتاً فهما متغایران بحسب المدلول؛ و لکنهم اختلفوا فی تعیین مدلول النهی علی اتجاهات ثلاثة ﻓ:

هنا خمسة أقوال:

القول الأول: طلب الکف

بعض الأصولیین من القدماء ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الکف عن الفعل و نسب ذلک إلی الفاضل الجواد (قدس سره) فی شرح الزبدة.

القول الثانی: طلب الترک
اشارة

إنّ مشهور القدماء و بعض المتأخرین مثل صاحب الکفایة ((1))و المحقق

ص: 399


1- کفایة الأصول، ص149، المقصد الثانی، الفصل الأول «الظاهر أنّ النهی بمادته و صیغته فی الدلالة علی الطلب مثل الأمر بمادته و صیغته غیر أنّ متعلق الطلب فی أحدهما الوجود و فی الآخر العدم... نعم یختص النهی بخلاف و هو أنّ متعلق الطلب فیه هل هو الکف أو مجرد الترک و أن لایفعل؟ و الظاهر هو الثانی الخ».

النائینی((1))و المحقق الروحانی ((2)) (قدس سرهم) ذهبوا إلی أنّ النهی یدل علی طلب الترک.

إیرادان علی هذین القولین:
الإیراد الأول:

یلزم من ذلک إدخال معنی الترک أو الکف فی مدلول المادة أو الصیغة مع أنّ کلتیهما عاریتان عن معناهما، أما المادة فلاتدل إلا علی الطبیعة و أما الهیأة فمفادها المعنی الحرفی و معنی الترک أو الکف معنی اسمی فلایمکن أن تدل علیهما الهیأة.

الإیراد الثانی:

إنّ الطلب علی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ینتزع من الإرادة المظهرة فهو متأخر رتبةً عن إظهار الإرادة بالصیغة.((3))

ص: 400


1- فوائد الأُصول، ج1-2، ص394، الجزء الثانی، المبحث الأول «لا إشکال فی أنّ متعلقات النواهی کمتعلقات الأوامر إنّما هی الطبائع الکلیة و إن کان المطلوب فی باب الأوامر هو وجود الطبیعة و فی باب النواهی هو الترک و لیس المطلوب فی باب النواهی هو الکف الخ»؛ أجود التقریرات، ج2، ص119 و 120.
2- منتقی الأُصول، ج3، ص6، النواهی، الجهة الأُولی «و الذی أفاده صاحب الکفایة عن ذلک أنّها کصیغة الأمر و مادته فی الدلالة علی الطلب و الاختلاف بینهما فی المتعلق... و التحقیق موافقة صاحب الکفایة فی ما ذهب إلیه من الرأی الخ»
3- نهایة الدرایة، ج1، ص267، التعلیقة 146 علی هذه العبارة «الحق کما علیه أهله... هو اتحاد الطلب و الإرادة» قال (قدس سره) : «... إلا أنّ المظنون قویاً أنّ الطلب عنوان لمظهر الإرادة قولاً أو فعلاً فلایقال لمن أراد قلباً: طلبه إلا إذا أظهر الإرادة بقول أو فعل الخ» راجع ص 202 من هذا المکتوب
القول الثالث: الزجر
اشارة

إنّ مشهور المتأخرین مثل المحقق العراقی((1)) و المحقق الإصفهانی((2)) و المحقق البروجردی ((3)) و السید الصدر (قدس سرهم) ((4)) و بعض أکابر الأساطین (دام ظله) ((5)) قالوا: إنّ مدلول النهی و مدلول الأمر متغایران ذاتاً فإنّ النهی یدل علی الزجر و الأمر یدل علی البعث.

ص: 401


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص402، المقصد الثانی، المبحث الأول «الظاهر أنّ مفاد الهیأة فی النهی عبارة عن الزجر عن الطبیعة المعبر عنه بالفارسیة ﺑ” بازداشتن“ قبال الأمر الذی یکون مفاد الهیأة فیه عبارةً عن البعث إلی الطبیعة و الإرسال نحوها الخ».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص286، التعلیقة 146 علی هذه العبارة «الظاهر أنّ النهی بمادته و صیغته» قال (قدس سره) : «قد عرفت فی مباحث الأمر أنّ صیغة الأمر للبعث و التحریک بمعنی أنّ الهیأة موضوعة للبعث التنزیلی النسبی بإزاء البعث الخارجی نحو المادة علی ما شرحناه فی مبحث الطلب و الإرادة کذلک صیغة النهی موضوعة للزجر و المنع التنزیلی النسبی بإزاء المنع و الزجر الخارجی».
3- نهایة الأُصول، ص248، المقصد الثانی، الفصل الأول «و الحاصل أنّ الأمر و النهی یشترکان بحسب المتعلق بمعنی أنّ المتعلق فی کلیهما عبارة عن وجود الطبیعة و لکنهما مختلفان بحسب الحقیقة و المبادی و الآثار فحقیقة الأمر هی البعث و التحریک نحو المتعلق و یعبر عنه بالفارسیة واداشتن و حقیقة النهی عبارة عن الزجر و المنع عن المتعلق و یعبر عنه بالفارسیة بازداشتن».
4- بحوث فی علم الأُصول، ج3، ص13، بحوث النواهی، الفصل الأول، الجهة الأُولی «الکلمة الأُولی ما نسبه السید الأُستاذ إلی مشهور المعترضین علی الرأی السابق فی مفاد النهی حیث ذکروا أنّ الأمر یدل علی البعث نحو الطبیعة و التحریک إلیها بینما النهی یدل علی الزجر و التبعید عنها... الکلمة الثالثة ما هو المختار فنقول: إنّ ما قیل فی الکلمة الأُولی من الفرق بین مفاد صیغة النهی و مفاد صیغة الأمر صحیح فکل من الصیغتین لها دلالة تصوریة و تصدیقیة و هما تختلفان فی کلتا الدلالتین علی ما تقدم الخ».
5- تحقیق الأُصول، ج4، ص10، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، الرأی المختار «و قد اختار شیخنا فی کلتا الدورتین ما ذهب إلیه جماعة من المحققین کالإصفهانی و العراقی و البروجردی5من أنّ النهی عبارة عن الزجر کما إنّ الأمر عبارة عن البعث».
بیان بعض الأساطین (دام ظله) :

((1))

إنّ الإنسان إذا رأی الفعل و فیه المصلحة یشتاق إلیه تکویناً و یتحرک بنفسه إلیه أو یبعث الغیر نحوه بأن یأمره إلیه، و هکذا إذا رأی الفعل و فیه المفسدة ینزجر عنه تکویناً و یجتنب عنه بنفسه أو یزجر غیره عنه بأن ینهاه عنه؛ فعلی هذا معنی الأمر و النهی هو البعث و الزجر (و یعبر عنهما بالفارسیة ﺑ : وا داشتن و بازداشتن) و الحق هو هذا القول لموافقته الوجدان و للتبادر.

القول الرابع: الکراهة
اشارة

إنّ النهی یدل علی الکراهة کما أنّ الأمر یدل علی الإرادة.

قال المحقق الحائری (قدس سره) :((2)) «و الذی أتعقل من الإنشائیات أنّها موضوعة لأن تحکی عن حقائق موجودة فی النفس، مثلاً هیأة افعل موضوعة لأن تحکی عن حقیقة الإرادة الموجودة فی النفس ...»

إیراد علی هذا القول:

إنّ الإرادة من مبادئ الحکم فلایمکن أن تکون مدلولاً للأمر و قد نشیر إلی ذلک ببیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) قال:((3)) «سرّ هذا التأثیر و التأثر [تأثر القوة العاملة المنبثة فی العضلات من الشوق الحاصل من القوة الشوقیة] أنّ النفس فی

ص: 402


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص10 و 11 «و توضیح ذلک أنّه کما فی الإرادة التکوینیة یلحظ الإنسان الشیء کالصلاة مثلاً فیری فیه المصلحة و یتعلق به غرضه فیشتاق إلیه و یتحرک نحوه الخ».
2- درر الفوائد، ج1، ص39، المقصد الأول، الفصل الأول .
3- نهایة الدرایة، ج2، ص73، التعلیقة 32 علی هذه العبارة «فیه أنّ الإرادة تتعلق بأمر متأخر».

وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات ففی مرتبة القوة العاقلة مثلاً تدرک فی الفعل فائدةً ...، و فی مرتبة القوة الشوقیة ینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل فإذا لم یجد مزاحماً و مانعاً [أی فی مرتبة کمال الشوق و مرتبة الإرادة] یخرج ذلک الشوق [الذی کان ناقصاً فی المرتبة السابقة] من حد النقصان إلی حد الکمال ... [و یصیر إرادةً] فینبعث من هذا الشوق البالغ حد نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات ...» هذا فی الإرادة التکوینیة.

«أما الإرادة التشریعیة فهی علی ما عرفت فی محله((1)) إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و حیث إنّ المشتاق إلیه فعل الغیر الصادر باختیاره فلا محالة لیس بنفسه تحت اختیاره بل بالتسبب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فلا محالة ینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرک القوة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث إلیه، فالشوق المتعلق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة و إلا فلا.»((2))

القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی
اشارة

هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ((3))و بیان ذلک: «إنّه إذا حللنا الأمر المتعلق بشیء تحلیلاً موضوعیاً فلانعقل فیه ما عدا شیئین:

أحدهما اعتبار الشارع ذلک الشیء فی ذمة المکلف من جهة اشتماله علی

ص: 403


1- فی حاشیة نهایة الدرایة: و ذلک فی التعلیقة 151، ج1 عند قوله «ثم إنّ تقسیم الإرادة»
2- نهایة الدرایة، ج2، ص 76 .
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص85 و 86؛ ج 3، ص274 و 275، المقصد الثانی، الجهة الأُولی.

مصلحة ملزمة، و ثانیهما إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة الأمر أو ما یشبهها ...

و نتیجة ما ذکرناه أمران:

الأول: أنّ صیغة الأمر و ما شاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز الأمر الاعتباری النفسانی ...

الثانی: أنّها [أی صیغة الأمر] مصداق للبعث و الطلب لا أنّهما معناها ...

[و کذا نقول:] إنّا إذا حللنا النهی المتعلق بشیء تحلیلاً علمیاً لانعقل له معنی محصلاً ما عدا شیئین:

أحدهما: اعتبار الشارع کون المکلف محروماً عن ذلک الشیء باعتبار اشتماله علی مفسدة ملزمة و بعده عنه؛ ثانیهما: إبراز ذلک الأمر الاعتباری فی الخارج بمبرز کصیغة النهی أو ما یضاهیها.

و علیه فالصیغة [أی صیغة النهی] أو ما یشاکلها موضوعة للدلالة علی إبراز ذلک الأمر الاعتباری النفسانی لا للزجر و المنع. نعم هی مصداق لهما.

و من هنا یصح تفسیر النهی بالحرمة باعتبار دلالته علی حرمان المکلف عن الفعل فی الخارج کما أنّه یصح تفسیر الأمر بالوجوب بمعنی الثبوت باعتبار دلالته علی ثبوت الفعل علی ذمة المکلف بل هما معناهما لغةً و عرفاً ...

و علی ضوء بیاننا هذا قد ظهر أنّ الأمر و النهی مختلفان بحسب المعنی ... و متحدان بحسب المتعلق ... و الوجه فی ذلک واضح و هو أنّه بناءً علی وجهة نظر العدلیة من أنّ الأحکام الشرعیة تابعة للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها فلا محالة یکون النهی کالأمر متعلقاً بالفعل، ضرورة أنّ النهی عن شیء ینشأ عن

ص: 404

مفسدة لزومیة فیه ... و لم ینشأ عن مصلحة کذلک [أی لزومیة] فی ترکه.»

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه:

((1))

إنّ الحرمان فی مورد النهی موجود عقلاً و لکنه لیس مدلولاً للنهی؛ و الدلیل علی ذلک هو أنّ الحرمان الاعتباری لاینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل فلو کان هو مدلول صیغة النهی یلزم أن ینسبق إلی الذهن من صیغة لاتفعل کما أنّه ینسبق إلی الذهن من مادة الحرمان، مع أنّه لیس کذلک.

فیعلم من ذلک أنّ معنی الحرمان من لوازم معنی صیغة النهی و لیس عین معناها.

فتحصّل من ذلک:

أنّ النهی یدل علی الزجر فالصحیح من الأقوال هو القول الثالث.

ص: 405


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص10 «و فیه: لا إشکال فی وجود الحرمان فی موارد النهی و أنّه یصح أن یقال بأنّ المکلف قد حرم من الفعل الکذائی لکن محط البحث هو تعیین مفاد النهی مجرداً عن لوازمه الخ».

ص: 406

الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد

اشارة

ص: 407

ص: 408

توجیه اقتضاء النهی لتر ک جمیع الأفراد

لا خلاف بینهم فی عدم الدلالة اللفظیة الوضعیة لصیغة النهی علی الدوام و التکرار و لکن نری أنّ الأمر إذا تعلق بطبیعة یکتفی بإتیان فرد واحد من أفراد الطبیعة بخلاف النهی فإنّه إذا تعلق بطبیعة فلابدّ من ترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.

و فی توجیه ذلک نظریات أربع:

النظریة الأُولی: من المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قال: إنّ ذلک لأجل اختلاف حکم العقل بین الأمر و النهی فإنّ مقتضی حکم العقل فی الأوامر هو سقوط الطلب بإیجاد فرد من الطبیعة لأنّ وجود الفرد وجود للطبیعة فمتی تحقق أول فرد للطبیعة حصل الغرض من الأمر فیسقط بامتثاله.

ص: 409


1- کفایة الأُصول، ص149، المقصد الثانی، الفصل الأول «ثم إنّه لا دلالة لصیغته علی الدوام و التکرار کما لا دلالة لصیغة الأمر و إن کان قضیتهما عقلاً تختلف و لو مع وحدة متعلقهما... ضرورة أنّ وجودها یکون بوجود فرد واحد و عدمها لایکون إلا بعدم الجمیع کما لایخفی».

و أما مقتضی حکم العقل فی النواهی هو عدم سقوطه إلا بترک جمیع أفراد الطبیعة لأنّ عدم الطبیعة لایتحقق إلا بعدم جمیع الأفراد.

«و من ذلک یظهر أنّ الدوام و الاستمرار إنّما یکون فی النهی إذا کان متعلقه طبیعةً مطلقة غیر مقیدة بزمان أو حال فإنّه حینئذ لایکاد یکون مثل هذه الطبیعة معدومة إلا بعدم جمیع أفرادها الدفعیة [أی العرضیة] و التدریجیة [أی الطولیة]... » بخلاف ما إذا کان النهی تعلق بطبیعة مقیدة بزمان أو حال، فإنّ الاستمرار و الدوام یکون حینئذ مختصاً بهذا الزمان أو الحال.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها:

((1))

«[إنّ] ما اشتهر من أنّ تحقق الطبیعة بتحقق فرد و انتفاءها بانتفاء جمیع أفرادها لا أصل له حیث لا مقابلة بین الطبیعة الملحوظة علی نحو تتحقق بتحقق فرد منها و الطبیعة الملحوظة علی نحو تنتفی بانتفاء جمیع أفرادها.»((2))

«[توضیح ذلک] أنّ الطبیعة توجد بوجودات متعددة و لکل وجود عدم هو بدیله و نقیضه، فقد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة المهملة التی کان النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها فیقابله إضافة العدم إلی مثلها و نتیجة المهملة جزئیة، فکما أنّ مثل هذه الطبیعة تحقق بوجود واحد کذلک عدم مثلها.

و قد یلاحظ الوجود مضافاً إلی الطبیعة بنحو الکثرة فلکل وجود منها عدم هو بدیله فهناک وجودات و أعدام و قد یلاحظ الوجود بنحو السعة - أی بنهج الوحدة فی الکثرة - بحیث لایشذ عنه وجود فیقابله عدم مثله و هو

ص: 410


1- نهایة الدرایة، ج2، التعلیقة 149 علی هذه العبارة «ضرورة أنّ وجودها یکون».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص 290.

ملاحظة العدم بنهج الوحدة فی الأعدام المتکثرة – أی طبیعی العدم - بحیث لایشذ عنه عدم.

و لایعقل أن یلاحظ الوجود المضاف إلی الماهیة علی نحو یتحقق بفردٍما و یکون عدمه البدیل له بحیث لایکون إلا بعدم الماهیة بجمیع أفرادها.»((1))

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی توضیح الإیراد:
اشارة

((2))

«بکلمة واضحة: الوجود قد یضاف إلی الطبیعة المهملة... و قد یضاف إلی الطبیعة المطلقة الساریة إلی أفرادها و مصادیقها فی الخارج و قد یضاف إلی الطبیعة بنحو السعة و الإحاطة و الوحدة فی الکثرة.»

«أما الصورة الثالثة((3))... فقد تبین مما تقدم أنّ ... المراد من الوجود السعی کما عرفت هو عدم ملاحظة خصوصیة وجود فرد دون آخر فیه، بل هو مضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات و لذا لایغیب و لایشذ عنه أی وجود من وجودات هذه الطبیعة و ینطبق علی کل وجود من وجوداتها بلا خصوصیة فی البین؛ و من هنا یعبر عنه بالوحدة فی الکثرة باعتبار أنّه یلاحظ فیه جهة السعة و الوحدة فی هذه الکثرات.

و مقابل هذا الوجود السعی العدم السعی و هو العدم المضاف إلی الطبیعة مع إلغاء کل خصوصیة من الخصوصیات فیه، و لأجل ذلک هذا عدم لایغیب و لایشذ عنه أی عدم من أعدام هذه الطبیعة و ینطبق علی کل عدم منها من دون

ص: 411


1- نهایة الدرایة، ج2، ص 289.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص100؛ ج 3، ص289، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، النقطة الثانیة، المقام الأول.
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص104؛ ج 3، ص292.

جهة خصوصیة فی البین و من الواضح أنّه لایکون فی مقابل هذا العدم وجود فرد منها کما أنّه لایکون فی مقابل هذا الوجود عدم فرد منها [و الطبیعة حینئذ ملحوظة علی نحو الإطلاق و العموم البدلی]».

فالألفاظ و إن کانت موضوعة للطبیعة المهملة من تمام الجهات ما عدا النظر إلی ذاتها و ذاتیاتها إلا أنّ الشارع فی مقام جعل الحکم علیها لابدّ أن یلاحظها علی أحد الأنحاء الثلاثة المذکورة لاستحالة الإهمال فی الواقع، فلا محالة إما یلاحظها علی نحو الإطلاق و السریان أی العموم الاستغراقی أو علی نحو العموم البدلی أو العموم المجموعی فلا رابع لها؛ و علی جمیع هذه التقادیر و الفروض لا فرق بین الحکم التحریمی و الوجوبی أصلاً.

و المتحصل:

هو أنّ الطبیعة إن أُخذت علی نحو الإطلاق أو العموم الاستغراقی فمطلق وجودها یتوقف علی إیجاد أفرادها تماماً و مطلق ترکها یتوقف علی ترک أفرادها تماماً، و إن أُخذت علی نحو السعة و الوحدة فی الکثرة فیتوقف وجودُها علی وجود أحد أفرادها و ترکُها علی أحد أفراد ترکها، و إن أُخذت علی نحو العموم المجموعی فامتثال الأمر بالطبیعة یتوقف علی إتیان مجموعة الأفراد و امتثال نهیها علی ترک مجموعة الأفراد (کما أنّه لو فرضنا الطبیعة مهملةً یکون المطلوب فی الأمر صرفَ وجودها و هو یتحقق بأول وجوداتها و یکون المطلوب فی النهی صرفَ ترکها و هو یتحقق بأول ترکها).((1))

ص: 412


1- راجع محاضرات فی أُصول الفقه، الطبعة الجدیدة، ج3، ص279.
النظریة الثانیة: ما اختاره المحقق الفشارکی و المحقق الحائری (قدس سرهما)
اشارة

((1))

بیان ذلک أنّ المطلوب صرف الوجود «و هو ناقض العدم الکلی و طارد العدم الأزلی بحیث ینطبق علی أول الوجودات - و نقیضه عدم ناقض العدم [الکلی] و هو بقاء العدم الکلی علی حاله - فلازم مثل هذا الوجود تحقق الطبیعة بفرد و لازم نقیضه انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.» ((2))

إیرادان علی هذه النظریة:
الإیراد الأول: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

«إنّ طارد العدم الکلی لا مطابق له فی الخارج، لأنّ کل وجود یطرد عدمه البدیل له لا عدمه و عدم غیره، فأول الوجودات أول ناقض للعدم و نقیضه عدم هذا الأول و لازم هذا العدم الخاص [أی عدم الوجود الأول] بقاء سائر

ص: 413


1- درر الفوائد، ج1، ص45، المقصد الأول، الفصل الخامس «هیأة افعل تدل بوضع المادة علی الطبیعة اللابشرط من جمیع الاعتبارات... و حیث إنّ الطبیعة اللابشرط حتی من حیث الوجود و العدم لایمکن أن تکون محلاً للإرادة عقلاً یجب اعتبار وجودٍما زائداً علی ما یقتضیه وضع المادة و الهیأة و الوجود المذکور الذی یجب اعتباره عقلاً علی أنحاء:... الثالث أن یعتبر صرف الوجود مقابل العدم الأزلی من دون آمر آخر وراء ذلک... و حیثما لایدل الدلیل علی أحد الاعتبارات یتعین الثالث لأنّه المتیقن من بینها و غیره یشتمل علی هذا المعنی و أمر زائد... و لازم ما ذکرنا الاکتفاء بالمرة سواء أتی بفرد واحد من الطیبعة أم أزید منه لانطباق الطبیعة المعتبرة فیها حقیقة الوجود من دون اعتبار شیء آخر علی ما وجد أولاً فیسقط الأمر الخ» و فی ج 2، ص111 «إنّ التکالیف المتعلقة بالطبیعة علی أنحاء: أحدها أن تتعلق بها باعتبار صرف الوجود أعنی المقابل للعدم المطلق... لأن الأمر بالطبیعة علی هذا النحو یقتضی إیجاد فردٍما منها... و تعلق النهی بها علی هذا النحو یقتضی ترک جمیع الأفراد لأنّ الطبیعة لاتترک إلا بترک جمیع الأفراد»
2- نهایة الدرایة، ج2، ص289، التعلیقة 149 علی هذه العبارة «ضرورة أنّ وجودها یکون».

الأعدام علی حالها، فإنّ عدم الوجود الأول یستلزم عدم الوجود الثانی و الثالث و هکذا لا إنّه عینها [فعلی هذا لازم عدم الوجود الأول هو عدم سائر الوجودات و معناه بقاء العدم الکلی الأزلی]».

الإیراد الثانی:

إن قلنا بأنّ الطبیعة أُخذت مهملة فیکون متعلق الأمر صرف وجود الطبیعة و متعلق النهی صرف ترک الطبیعة و هو یتحقق بأول أفراد الترک فلا ملزم للاجتناب عن سائر الأفراد.

و إن قلنا بأنّ الطبیعة المنهی عنها هو أول الوجودات من الطبیعة فیلاحظ علیه:

أولاً: أنّه ما الدلیل علی تقیید الطبیعة بقید أول الوجودات فی مقام الإثبات؟

ثانیاً: أنّه یلزم من ذلک عدم بقاء النهی فی ما إذا خولف فی أول وجود الطبیعة.

ثالثاً: أنّ النهی لم یتعلق بالطبیعة و لا بأفرادها بل تعلق بأول فرد منها فلا محل لقولهم: انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها.

النظریة الثالثة:
اشارة

((1)) من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((2))

قال: «[إنّ] لازم الإطلاق بمقدمات الحکمة حصول امتثال الأمر بفرد و عدم حصول امتثال النهی إلا بعدم جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها لأنّ الباعث علی الأمر وجود المصلحة المترتبة علی الفعل و الواحد کأنّه لایزید علی وجود

ص: 414


1- و هو الافتراق بین الأمر و النهی من ناحیة المبدأ ( أی المصالح و المفاسد).
2- نهایة الدرایة، ج2، ص290، التعلیقة 149.

الطبیعة عرفاً، و الباعث علی النهی المفسدة المترتبة علی الفعل فتقتضی الزجر عن کل ما فیه المفسدة.»

فالنتیجة أنّ المصلحة فی طرف الأمر قائمة بالوجود الواحد من وجودات الطبیعة أما المفسدة فی طرف النهی فقائمة بمطلق وجود الطبیعة إلا إذا قامت القرینة علی خلاف ذلک.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))فی توضیح هذه النظریة:

«إنّ قیام مصلحة [أو مفسدة] بطبیعة فی مقام الثبوت و الواقع یتصور علی [أربع] صور: الأُولی أن تکون المصلحة قائمة بصرف الوجود [العموم البدلی] الثانیة أن تکون قائمة بمطلق الوجود علی نحو العموم الاستغراقی الثالثة أن تکون قائمة بمجموع الوجودات علی نحو العموم المجموعی الرابعة أن تکون قائمة بعنوان بسیط متولد من هذه الوجودات الخارجیة. هذا کله بحسب مقام الثبوت» و فی مقام الإثبات إطلاق الأمر یقتضی القسم الأول و إطلاق النهی یقتضی القسم الثانی.

إیرادات ثلاثة علیها:
الإیراد الأول: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

«إنّ هذا الفرق أخص من المدعی فإنّه لایثبت التفرقة بین الأمر و النهی مطلقاً و علی وجهة نظر جمیع المذاهب، حیث إنّه یرتکز علی وجهة نظر مذهب

ص: 415


1- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص، 95؛ ج 3، ص283 و 284، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، النقطة الأُولی.
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص96 و 97؛ ج 3، ص285.

من یری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی متعلقاتها و لایجری علی وجهة نظر مذهب من لایری التبعیة کالأشاعرة، فإذن لایجدی مثل هذا الفرق أصلاً.»

جواب عن الإیراد الأول:

إنّ الحق عند الإمامیة تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد و لا عبرة بالمبانی الفاسدة فی أُصول فقهنا.

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً
اشارة

«إنّ هذا الفرق و إن کان صحیحاً فی نفسه إلا أنّه لا طریق لنا إلی إحرازه مع قطع النظر عما هو مقتضی إطلاق الأمر و النهی بحسب المتفاهم العرفی و مرتکزاتهم و ذلک لما ذکرناه غیر مرة من أنّه لا طریق لنا إلی ملاکات الأحکام مع قطع النظر عن ثبوتها.

و علی هذا الضوء فلایمکننا إحراز أنّ المفسدة فی المنهی عنه قائمة بمطلق وجوده و المصلحة فی المأمور به قائمة بصرف وجوده مع قطع النظر عن تعلق النهی بمطلق وجوده و تعلق الأمر بصرف وجوده ...»

جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن الإیراد الثانی:

((1))

إنّ المرتکز فی الأذهان فی ما إذا لم تقم قرینة علی خلاف ذلک هو أنّ المصلحة الداعیة إلی جعل الحکم و بعث المکلف مترتبة علی صرف وجود الفعل و

ص: 416


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص17، الجهة الثانیة فی الفرق بین الأمر و النهی من جهة الاقتضاء، رأی المحقق الإصفهانی، إشکال المحاضرات، نظر الأُستاذ فی الرأی و الإشکال علیه «و أفاد الأُستاذ بأنّ الأساس فی رأی المحقق الإصفهانی هو الارتکاز فإنّ المرتکز فی الأذهان کون المصلحة مترتبةً علی صرف الوجود و المفسدة مترتبة علی جمیع الوجودات الخ».

المفسدة الموجبة لزجر المکلف مترتبة علی جمیع الوجودات، فإذا أراد من الأمر و النهی غیر ذلک فلابدّ أن ینصب الشارع قرینة علی مراده، و هذا الارتکاز مستند إلی الغلبة و أین هذا من مسألة کشف ملاکات الأحکام؟

الإیراد الثالث: من بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

((1))

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان و هو مستند إلی الغلبة و لکن الحق عدم ثبوت هذه الغلبة بل المطلوب فی الأوامر الندبیة هو جمیع الوجودات؛ فإنّ جمیع الفضائل التی تعلق بها البعث فی الشریعة تکون مصلحتها فی مطلق وجوداتها لا فی صرف وجودها مثل ذکر الله و إکرام المؤمن و إکرام العالم و تحصیل العلم.

ملاحظات علی الإیراد الثالث:
الملاحظة الأُولی: ما أفاده السید الصدر (قدس سره)

(2)

إنّ المدعی غلبة نشوء النواهی العرفیة عن المفسدة لا النواهی الشرعیة و غلبة کون المفسدة انحلالیة بعدد الأفراد.

ص: 417


1- «لکن الإشکال الوارد هو عدم ثبوت هذه الغلبة و یشهد بذلک أنّ الأوامر الواردة فی المندوبات لیس المطلوب فیها صرف الوجود الخ»
2- . بحوث فی علم الأُصول، ج3، ص18، بحوث النواهی، الفصل الأول، الجهة الثانیة «و من هنا قلنا فی بحث المرة و التکرار: إنّ الأصل فی الموضوعات هو الإطلاق الشمولی و الأصل فی المتعلقات هو الإطلاق البدلی و لکنه یوجد استثناءان لذلک أحدهما عن الأصل الأول... و الاستثناء الثانی عن الأصل الثانی فی المتعلقات حیث یستثنی منه متعلقات النواهی فإنّه یستفاد منها أنّ کل فرد من المتعلق موضوع مستقل للحرمة و هو معنی الشمولیة و قرینة ذلک غلبة نشوء النهی عن المفسدة و غلبة کون المفسدة انحلالیة بعدد الأفراد علی ما تقدم شرحه مفصلاً فی أبحاث المرة و التکرار [ ج 2، ص126 ] و قد تعرض السید الأُستاذ إلی هذه القرینة فی المقام و لم یرتضها بل اعترض علیها بأمرین:... و کلا الاعتراضین مما لایمکن المساعدة علیهما... و بهذا یندفع الأمر الثانی أیضاً إذ المدعی غلبة انحلالیة ملاکات النواهی العرفیة لا الشرعیة و هذه الغلبة تستوجب الظهور فی النهی فیکون حجةً لو صدر ذلک النهی عن الشارع أیضاً»
الملاحظة الثانیة:

إنّ ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) مبنی علی ما هو المرتکز فی الأذهان سواء کان منشأ الارتکاز هو الغلبة أم أمراً آخر، فالإشکال فی ثبوت الغلبة لایضر بما أفاده (قدس سره) ما لم یشَک فی هذا الأمر الارتکازی.

الملاحظة الثالثة:

یمکن أن یقال: إنّ الأمثلة المذکورة لایضر بالغلبة حیث إنّ فی تلک الموارد الخاصة دلت القرائن الکثیرة علی مطلوبیة مطلق وجودات الطبیعة، دون سائر الأفعال الندبیة سواء کانت مقیدة بالزمان المخصوص مثل أکل الرمان لیلة الجمعة أم غیر مقیدة مثل أکل خبز الشعیر.((1))

النظریة الرابعة:
اشارة

((2)) من المحقق الخوئی (قدس سره) ((3))

قال: «بیان ذلک هو أنّه لا شبهة فی أنّ الأمر إذا تعلق بطبیعة کالصلاة مثلاً أو

ص: 418


1- قال المؤلف الأُستاذ فی حاشیة تحقیق الأصول عند قوله «أنّ الأوامر الواردة»: «إنّ المصلحة الملزمة قائمة بصرف الوجود کما إنّ المفسدة الملزمة تترتب علی جمیع الوجودات بل الغلبة ثابتة فی المستحبات أیضاً فکیف نلتزم مثلاً باستحباب أکل الرمان لیلة الجمعة مستمراً فی طول اللیل و أمثال ذلک».
2- و هو الافتراق بین الأمر و النهی من ناحیة المنتهی
3- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص106 – 108؛ ج 3، ص295 – 297، المقصد الثانی، الجهة الأُولی، النقطة الثانیة، المقام الثانی.

نحوها فلایعقل أن یراد من المکلف إیجاد تلک الطبیعة بکل ما یمکن أن تنطبق علیه هذه الطبیعة فی الخارج بداهة استحالة ذلک علی المکلف و أنّه لایقدر علی إیجادها کذلک، هذا من ناحیة، و من ناحیة أُخری إنّ الأمر المتعلق بها مطلق و غیر مقید بحصة خاصة من مرة أو تکرار أو غیرهما.

فالنتیجة علی ضوء هاتین الناحیتین هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هو جواز الاکتفاء فی مقام الامتثال بإیجاد فرد من أفرادها أراد المکلف إیجاده فی الخارج.

و ذلک لأنّه بعد استحالة أن یکون المطلوب منه هو إیجاد جمیع أفرادها فی الخارج من العرضیة و الطولیة ضرورة عدم تمکن المکلف من ذلک و تقییدُه بحصة خاصة منها دون أُخری یحتاج إلی دلیل یدل علیه و حیث لا دلیل فی البین فلا مناص من الالتزام بأنّ قضیة الإطلاق هی أنّ المطلوب صرف وجودها فی الخارج.

أو فقل: إنّ المطلوب لایمکن أن یکون جمیع وجودات الطبیعة و بعضُها دون بعضها الآخر یحتاج إلی دلیل، و عند فرض عدمه لا محالة کان المطلوب هو إیجادها فی ضمن فردٍما المنطبق فی الخارج علی أول وجوداتها؛ غایة الأمر یتخیر المکلف فی مقام الامتثال فی تطبیقها علی هذا أو ذاک.

و هذا بخلاف النهی فإنّه إذا ورد علی طبیعة لیس المراد منه حرمان المکلف عن فردٍما منها ضرورةَ أنّ الحرمان منه حاصل قهراً، فالنهی عنه تحصیل للحاصل و هو محال. هذا من جانب؛ و من جانب آخر إنّه لم یقید النهی عنه بحصة خاصة منها بحسب الأفراد العرضیة أو الطولیة، فالنتیجة علی ضوءهما هی أنّ مقتضی الإطلاق الثابت فیه بمقدمات الحکمة هو منع المکلف و حرمانه

ص: 419

عن جمیع أفرادها الدفعیة و التدریجیة ...

و بکلمة واضحة إنّ السبب الموضوعی لاختلاف نتیجة مقدمات الحکمة إنّما هو اختلاف خصوصیات الموارد؛ ففی موردٍ لخصوصیة فیه تنتج مقدمات الحکمة الإطلاق الشمولی و فی مورد آخر لخصوصیة فیه تنتج الإطلاق البدلی مع أنّ الموردین یکونان متحدین بحسب الموضوع و المتعلق. مثلاً فی مثل قوله تعالی: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)((1)) تنتج المقدمات الإطلاق الشمولی ببیان أنّ جعل الطهور لفردٍما من الماء فی العالم لغو محض فلایصدر من الحکیم فإذن لا محالة یدور الأمر بین جعلِه لکل ما یمکن أن ینطبق علیه هذا الطبیعی فی الخارج و جعلِه لخصوص حصة منه کالماء الکر مثلاً أو الجاری أو نحو ذلک؛ و حیث إنّه لا قرینة علی تقییده بخصوص حصة خاصة فلا محالة قضیة الإطلاق الثابت بمقدمات الحکمة هی إرادة الجمیع فإنّ الإطلاق فی مقام الإثبات کاشف عن الإطلاق فی مقام الثبوت بقانون تبعیة المقام الأول للثانی [أی الإثبات للثبوت] و أما فی مثل قولنا: جئنی بماء فتنتج المقدمات [أی مقدمات الحکمة] الإطلاق البدلی [لعدم إمکان إرادة الإطلاق الشمولی] ...»

إیرادات أربعة علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) :
الإیراد الأول: من السید الصدر (قدس سره)

((2))

قال (قدس سره) : «فی موارد متعلقات الأوامر ما أُفید غیر کاف للانتهاء إلی البدلیة و ذلک لأنّنا إذا بنینا علی عدم شرطیة القدرة فی الخطاب أصلاً و افترضنا أنّه شرط

ص: 420


1- سورة الفرقان (25): 48.
2- بحوث فی علم الأُصول، ج3، ص17.

فی مقام الامتثال فقط - کما ادعاه الأُستاذ فی بحث الترتب و إن لم أعهد منه التفریع علیه فی مورد أصلاً - فلا مانع من إطلاق الخطاب لکل أفراد المتعلق؛ غایة الأمر أنّ الامتثال اللازم بحکم العقل یختص بالمقدور منها.

و أما إذا قلنا بأنّ شرطیة القدرة بحکم العقل فحیث إنّ هذا المقید لبی کالمتصل فلاینعقد إطلاق لغیر المقدور من أفراد المتعلق ... و کذلک الحال لو قلنا بأنّ الخطاب یقتضی تقیید المادة بالمقدور منها بل الحال علی ذلک أوضح کما لایخفی.»

الإیراد الثانی: من بعض الأساطین (دام ظله)

((1))

إنّ جمیع الوجودات غیر مقدور و لا معین لمرتبة صرف الوجود من بین سائر المراتب فیلزم إجمال الدلیل و المرجع حینئذ هو الأصل العملی.

الإیراد الثالث: من بعض الأساطین (دام ظله) أیضاً

((2))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تعلق النهی بصرف الترک تحصیل للحاصل مخالف لما أفاده فی موضع آخر من أنّ المصلحة قد یتصور فی الترک بأن تکون إما فی صرف الترک بنحو العموم البدلی أو فی جمیع التروک بنحو العام الاستغراقی أو فی مجموع التروک بنحو العام المجموعی أو فی المسبب عن جمیع التروک؛ و الطلب یتعلق

ص: 421


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص17، رأی المحاضرات، الإشکال علیه «و أورد علیه شیخنا بوجوه: الأول أنّ کل تعین محتاج إلی معین بلحاظ خصوصیة و علیه فما المعین لصرف الوجود عند العجز عن جمیع الوجودات الخ».
2- تحقیق الأُصول، ج4، ص18 «و الثانی أنّ کلامه منقوض بما ذکره فی الجهة الثانیة من أنّ المصلحة قد تکون فی الفعل و الترک و هی فی الترک تتصور علی أربعة أنحاء الخ».

بهذه الأقسام الأربعة لوجود المصلحة فیها و من هذه الأقسام تعلق الطلب بصرف الترک.

الإیراد الرابع: ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله) أیضاً
اشارة

((1))

إنّ حقیقة القدرة هی أنّه إن شاء فعل و إن لم یشأ لم یفعل فإذا لم یکن الفعل مقدوراً فترکه أیضاً غیر مقدور؛ و حینئذ إن کان جمیع الوجودات غیر مقدور فجمیع التروک أیضاً لابدّ أن یکون غیر مقدور.

فتحصل من ذلک:

أنّ القول الصحیح من بین الأقوال هو نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هو أنّ الإطلاق بمقدمات الحکمة یقتضی حصول امتثال الأمر بفرد واحد و امتثال النهی بترک جمیع أفراد الطبیعة المنهی عنها.

ص: 422


1- «و الثالث أنّ معنی القدرة هی أنّه إن شاء فعل و إن لم یشأ لم یفعل فهی القدرة علی الفعل و الترک و فی کل مورد یکون الفعل غیر مقدور فالترک کذلک الخ».

الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة

اشارة

ص: 423

ص: 424

سقوط النهی بالمعصیة

إذا ورد نهی و شک فی سقوطه بعد المعصیة فما مقتضی القاعدة؟

إنّ النواهی الشرعیة علی قسمین:

القسم الأول: قد تکون الطبیعة بصرف وجودها منهیاً عنها بحیث لو خولف فلایبقی النهی مثل التکلم فی الصلاة.

القسم الثانی: قد یکون کل فرد فرد من أفراد الطبیعة منهیاً عنه بحیث لو خولف بعض الأفراد یبقی النهی بالنسبة إلی سائر وجودات الطبیعة مثل شرب الخمر.

فإذا ورد النهی و شککنا أنّه من أی القسمین فهل یسقط هذا النهی بعد المعصیة أو لا؟ هنا ثلاث نظریات:

النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة (قدس سره)

(1)

قال (قدس سره) :إنّ مقتضی القاعدة هو بقاء النهی بعد المعصیة عند وجود الإطلاق

ص: 425


1- . کفایة الأُصول، ص150، المقصد الثانی، الفصل الأول «ثم إنّه لا دلالة للنهی علی إرادة الترک لو خولف أو عدم إرادته بل لابدّ فی تعیین ذلک من دلالة و لو کان إطلاق المتعلق من هذه الجهة و لایکفی إطلاقها من سائر الجهات فتدبر جیداً».

من هذه الجهة فحیث لم یقید النهی بالمرّة و غیرها نتمسک بإطلاقها و نحکم ببقائها بعد المعصیة، فإنّ مقتضی أصالة الإطلاق بقاء النهی مطلقاً عصی أم لم یعص، و معنی ذلک تعلق النهی بالطبیعة بنحو العموم الاستغراقی.

النظریة الثانیة: من المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

إنّه (قدس سره) تمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإثبات أنّ متعلق النهی هو العموم الاستغراقی کما ذکرناه، فإذا تعلق النهی بکل فرد من أفراد الطبیعة لم یکن مانع من بقاء النهی علی حاله بواسطة عصیانه فی بعض متعلقه لأنّه فی الحقیقة نواه متعددة.

النظریة الثالثة: من المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

إنّه (قدس سره) یقول:((2)) إنّ المصلحة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متحصل من

ص: 426


1- نهایة الدرایة، ج2، ص290، التعلیقة 150 علی هذه العبارة «ثم إنّه لا دلالة للنهی علی إرادة الترک» قال (قدس سره) : «لایذهب علیک أنّ أعدام الطبیعة إذا لوحظت متمایزة بالقیاس إلی نقائضها و رتب الحکم علی کل واحد واحد کما فی العام الاستغراقی لم یکن مانع من بقاء النهی... و إذا لوحظت أعدام الطبیعة بنحو الوحدة فی الکثرة أی عدم الطبیعة بحیث لایشذ عنه عدم الخ».
2- محاضرات فی أُصول الفقه، ج4، ص114؛ ج 3، ص304 و 305، المقصد الثانی «الجهة الثانیة: إنّ الأمر کما یتعلق بالفعل من ناحیة اشتماله علی مصلحة لزومیة قد یتعلق بالترک کذلک و کما إنّه علی الأول یتصور علی صور کذلک علی الثانی بیان ذلک هو أنّ المصلحة القائمة بالفعل لاتخلو من أن تقوم بصرف وجوده فی الخارج الخ».

الوجودات الخارجیة؛ و هکذا المصلحة تقوم بصرف ترک الطبیعة أو بتمام تروکها أو بمجموع تروکها أو بعنوان بسیط متولد من هذه التروک الخارجیة و مرجع هذه الصور الأربع إلی إیجاب الترک فلا حرمة حینئذ و إن کان الدلیل بصورة النهی، لأنّ النهی ینشأ من المفسدة اللزومیة لا المصلحة اللزومیة، و تروک الإحرام فی الحج من هذا القبیل فإنّها یجب ترکها لا إنّها یحرم فعلها؛ ثم إنّ المفسدة تقوم بالفعل إما بصرف الوجود و إما بجمیع الوجودات و إما بمجموع الوجودات و إما بعنوان بسیط متولد من الوجودات الخارجیة، و هکذا تکون المفسدة أیضاً إما فی صرف الترک و إما فی جمیع التروک و إما فی مجموع التروک و إما فی العنوان البسیط المتولد من التروک فهذه الصور کلها نهی حقیقةً و إن کان مبرزها صیغة الأمر.((1))

أما الأمر المتعلق بالترک فإما ضمنی متعلق بعدم إیجاد شیء فی العبادات [مثل النواهی الواردة عن لبس المیتة أو ما لا یؤکل لحمه أو النجس فی الصلاة فإنّها إرشاد إلی مانعیة هذه الأُمور و لاتدل علی الحرمة التشریعیة، فعلی هذا هذه النواهی لا تنشأ من وجود مفسدة ملزمة بل تقیید الصلاة بترک هذه الأُمور لأجل وجود مصلحة ملزمة فی الترک] ((2)) أو المعاملات و إما استقلالی متعلق

ص: 427


1- محاضرات فی أُصول الفقه، الطبعة الجدیدة، ج3، ص308 «... و العبرة إنّما هی للمبرَز فإنّه إذا کان ناشئاً عن مصلحة فی متعلقه سواء أکان متعلقه فعلاً أم ترکاً فهو أمر حقیقةً و إن کان مبرِزه فی الخارج صیغة النهی و إذا کان ناشئاً عن مفسدة فی متعلقه کذلک فهو نهی حقیقةً و إن کان مبرِزه فی الخارج صیغة الأمر أو ما یشبهها».
2- فی ص 307 «و علی ضوء هذا البیان یظهر حال النواهی الواردة فی أبواب العبادات منها ما ورد فی خصوص باب الصلاة کموثقة سماعة... فإنّ هذه الروایات و إن کانت واردةً بصورة النهی إلا أنّها فی الحقیقة إرشاد الخ».

بعدم إیجاد شیء مستقلاً و تروک الإحرام من هذا القبیل.((1))

و نکتفی مما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بذکر مثال للأمر الاستقلالی المتعلق بالترک((2)) و هو مورد اضطرار المکلف إلی بعض أفراد الطبیعة فی ما إذا کان المطلوب ترکها فإنّ المصلحة إما فی صرف الترک فحینئذ یسقط التکلیف إذا کان الاضطرار مستوعباً لجمیع الوقت و لایسقط التکلیف إذا لم یکن الاضطرار مستوعباً و إما فی جمیع أفراد الترک فلایسقط التکلیف و إما فی مجموع التروک فیسقط التکلیف لانتفاء المجموع بانتفاء أحد أفراده و إما فی العنوان المسبب من التروک فیسقط التکلیف عند المعصیة لأنّه بالمخالفة لمورد واحد ینتفی حامل الغرض فلا غرض فلایبقی التکلیف.

إیرادات أربعة من بعض الأساطین (دام ظله) علیها:
اشارة

((3))

الإیراد الأول:

((4))

إنّ المصلحة أمر وجودی و لایعقل قیامها بالترک لأنّ قیام الأمر الوجودی بالعدمی غیر معقول.

ص: 428


1- «و نتیجة ما ذکرناه هی أنّ الأمر المتعلق بالترک علی قسمین: أحدهما أنّه أمر ضمنی متعلق... أما القسم الأول فهو بمکان من الکثرة فی أبواب العبادات و المعاملات و أما القسم الثانی فهو قلیل جداً نعم یمکن أن یکون الصوم من هذا القبیل... و من هذا الباب أیضاً تروک الإحرام فی الحج الخ».
2- «أما الکلام فی المورد الأول فتظهر الثمرة بین تلک الصور فی موضعین: الأول فی ما إذا فرض أنّ المکلف قد اضطر إلی إیجاد بعض أفراد الطبیعة فی الخارج التی کان المطلوب ترکها فیه الخ».
3- تحقیق الأُصول، ج4، ص22 – 25، النواهی، الجهة الثالثة، بیان المحاضرات، مناقشة الأُستاذ و رأیه
4- «و لقد أورد علی کلام المحاضرات أولاً قوله بترتب المصلحة علی الترک کترتبها علی الفعل فیه أنّ المصلحة أمر وجودی و قیام الأمر الوجودی بالأمر العدمی غیر معقول الخ».
الإیراد الثانی:

((1))

إنّ الصورة الرابعة و هی قیام المصلحة بالمسبب من التروک غیر معقول لأنّ التروک العدمیة لایکون سبباً للأمر الوجودی.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ الصورة الأُولی و هی تعلق الطلب بصرف الترک خلف لما أفاده (قدس سره) قبلاً من أنّ تعلق الطلب بصرف الترک تحصیل للحاصل.

الإیراد الرابع:

((3))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ تروک الإحرام فی الحقیقة لیست محرمات بل الحق فیه وجوب الترک لا حرمة الفعل مخدوش لأنّ قوله تعالی: (وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا)((4))صریح فی الحرمة کما أنّ ظهور قوله تعالی: (لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )((5))هو الحرمة لظهور هیأة لاتفعل فی الحرمة، و المستفاد من

ص: 429


1- «و ثانیاً جعله المسبب من الأفعال أو التروک هو المتعلق للنهی من الأقسام الأربعة و فیه نظر لأنّ کون التروک سبباً لوجود شیء غیر معقول».
2- «و ثالثاً إنّه قد ذکر سابقاً بأنّ صرف الترک لایقبل تعلق التکلیف لأنّه ضروری الحصول فلو تعلق به الطلب کان من تحصیل الحاصل الخ».
3- «و رابعاً قوله... و جعله تروک الإحرام من هذا القبیل... قال: و إنّ الفقهاء قد تسامحوا حیث عبروا عنها بمحرمات الإحرام و فیه أنّ النصوص ظاهرة فی أنّها محرمات و الحق مع الفقهاء فی تعبیرهم بذلک و رفع الید عن الظهور بلا دلیل غیر صحیح الخ».
4- سورة المائدة ( 5 ): 96.
5- سورة المائدة ( 5 ): 95.

النصوص و ظواهر الروایات((1)) أیضاً حرمة هذه الأفعال لا وجوب ترکها.

ص: 430


1- ذکر فی تحقیق الأُصول ثلاث روایات: الأُولی: عن معاویة بن عمار عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی حدیث قال «إذا فرض علی نفسه الحج ثم أتی بالتلبیة فقد حرم علیه الصید و غیره و وجب علیه فی فعله ما یجب علی المحرم» وسائل الشیعة، ج12، ص417، أبواب تروک الإحرام، الباب 1، ح 7 الثانیة: و عنه عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال «لاتأکل شیئاً من الصید و أنت محرم و إن صاده حلال» ص419، الباب 2، ح 2. الثالثة: عن الحلبی عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال «... فإذا أحرمت فقد حرم علیک الدهن حتی تحل» ص458، الباب 29، ح 1.

فهرس العناوین تفصیلاً

ص: 431

ص: 432

فهرس العناوین تفصیلاً

البحث الأول: الأوامر

(و فیه تسعة فصول)

الفصل الأول: مادة الأمر

(و فیه خمسة أُمور)

—الأمر الأول: معنی مادة «الأمر» (و الکلام فی مواضع ثلاثة) .......................... 19

البحث الأول: معنی «الأمر» لغةً و عرفاً ............................................... 19

المحاولة الأُولی: الاشتراک اللفظی (هنا صورتان) .................................................. 21

المحاولة الثانیة: الاشتراک المعنوی (فهنا تسع نظریات) ...................................... 22

1.الطلب و الشأن و الشیء (و هو مختار العلامة القوچانی (قدس سره) ) ............................. 24

2.الطلب و الفعل و الشیء (و هو مختار المحقق المشکینی (قدس سره) ) ........................... 25

المنافشة علی النظریة الأُولی و الثانیة ......................................................... 25

3.الطلب و الشأن (و هو مختار صاحب الفصول (قدس سره) ) ........................................... 26

مناقشتان علی النظریة الثالثة: ................................................................... 26

4.الطلب و الشیء (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................................... 26

مناقشات ثلاث علی النظریة الرابعة: .......................................................... 26

5.الطلب و الفعل (و هو مختار المحقق البروجردی (قدس سره) ) ....................................... 31

إیرادات ثلاثة علی النظریة الخامسة: .......................................................... 32

6.الطلب و ما هو أخص من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق العراقی و الصدر (قدس سرهما) و بعض الأساطین) 34

ص: 433

ملاحظتان علی النظریة السادسة: ............................................................... 35

7.إبراز الاعتبار النفسانی و ما هو أخصّ من الشیء و أعم من الفعل (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 36

مناقشة بعض الأساطین علی النظریة السابعة: ............................................ 37

8.الواقعة التی لها أهمیة فی الجملة (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ) ................. 37

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................ 38

المناقشة الأُولی علی النظریة الثامنة: ما ذکره المحقق الخوئی و الصدر (قدس سرهما) 38

المناقشة الثانیة علی النظریة الثامنة: ما ذکره بعض الأساطین ............... 39

المناقشة الثالثة .................................................................................... 39

9.الإرادة البالغة إلی حدّ الفعلیة (و هو مختار المحقق الإصفهانی و الروحانی (قدس سرهما) ) 39

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 39

مناقشات أربع علی النظریة التاسعة: ................................................... 41

الملاحظة الأُولی: ما ذکره المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 41

جواب عن الملاحظة الأُولی .................................................................. 42

الملاحظة الثانیة: .................................................................................. 43

جوابان عن الملاحظة الثانیة: ................................................................ 43

الملاحظة الثالثة ................................................................................... 44

الملاحظة الرابعة .................................................................................. 45

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذه المناقشة: ....................................... 45

ملاحظتان علی بیان المحقق الإصفهانی .................................................. 46

البحث الثانی: معنی «الأمر» اصطلاحاً .................................................. 46

نظریة المشهور: إنّ الأمر اصطلاحا حقیقة فی القول المخصوص أی صیغة الأمر 48

الإیراد الأول علی نظریة المشهور ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................ 48

جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ...................................................... 48

رد المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الجواب .................................................................... 49

ملاحظتنا علی هذا الرد .................................................................................. 50

الإیراد الثانی علی نظریة المشهور: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ............................. 50

البحث الثالث: مقتضی الأصل العملی .................................................. 52

نظریة صاحب الکفایة .................................................................. 52

نظریة بعض الأساطین: ................................................................. 52

ص: 434

—الأمر الثانی: فی اعتبار العلوّ و الاستعلاء (الحق اعتبار العلو و عدم اعتبار الاستعلاء) .......... 53

— الأمر الثالث: دلالة مادّة «الأمر» علی الوجوب (هنا نظریات سبع) .................... 55

النظریة الأُولی: مادّة الأمر حقیقة فی الندب .......................................... 56

إیرادان من المحقق الوحید علیه: .................................................... 56

النظریة الثانیة: الإشتراک المعنوی بین الوجوب و الندب (استدل علیه بوجهین) . 56

الوجه الأول ............................................................................... 57

إیرد علیه .................................................................................. 57

الوجه الثانی ............................................................................... 57

إیراد بعض الأساطین علیه ............................................................ 57

النظریة الثالثة: وضع المادة للوجوب (و استدل علیه المحقق الخراسانی بوجوه ثلاثة) 58

الوجه الأول: التبادر ..................................................................... 58

الإیراد علیه بمنع التبادر ................................................................................. 58

الوجه الثانی: .............................................................................. 58

الوجه الثالث: ............................................................................ 59

الطریق الأول للتمسک بالأیتین علی الوضع للوجوب عن المحقق العراقی (قدس سره) . 60

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) علی الاستدلال بهذا البیان: .................................. 61

الطریق الثانی للتمسک بالأیتین عن بعض الأساطین...................................... 61

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 62

بیان بعض الأساطین للاستدلال: .................................................................... 62

إیراد بعض الأساطین علی الاستدلال بهذا البیان: .................................... 63

النظریة الرابعة: انصراف المطلق إلی الواجب ......................................... 66

الإیراد الصغروی عن المحقق العراقی علیه بکثرة استعمال الأمر فی المستحب 66

الإیراد الکبروی ........................................................................... 66

النظریة الخامسة: الإطلاق بمقدمات الحکمة (و نذکر لهذا القول ستة تقریرات) .. 67

الف) التقریر الأوّل: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 67

ب) التقریر الثانی: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) أیضاً (الأتمیة فی مرحلة التحریک للامتثال) 67

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علی هذا التقریر: ....................... 68

الإیراد الأول: (نقضاً) ............................................................... 68

الإیراد الثانی: (حلاً) ................................................................. 69

ص: 435

الإیراد الثالث: ...................................................................... 69

ج) التقریر الثالث: ما ذکره المحقق البروجردی (قدس سره) ................................. 70

إیرادات أربع من بعض الأساطین علیه: ....................................... 72

الإیراد الأول .......................................................................... 72

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 72

الإیراد الثانی .......................................................................... 72

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 73

الإیراد الثالث ........................................................................ 73

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................ 74

الإیراد الرابع: ........................................................................ 74

د) التقریر الرابع: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) ( و هو یترکب من مقدمتین) ... 75

الإیراد الأول علی هذا التقریر (من المحقق الصدر (قدس سره) ) ...................... 76

إیراد الثانی علی هذا التقریر .................................................... 76

ه- ) التقریر الخامس: ما نقله المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ............................ 76

إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه ........................................................ 77

و) التقریر السادس: ما اختاره المحقق الصدر (قدس سره) ................................... 77

ملاحظتنا علیه ....................................................................... 77

ز) التقریر السابع: و هو المختار ..................................................... 78

التحقیق أنّ هنا ثلاث مراتب: ........................................................ 78

الأُولی: مرتبة مبادی الحکم (فیها بیان بطلان التقریر الأول) .................. 78

الثانیة: مرتبة الحکم الاعتباری (فیها بیان بطلان التقریر الرابع و الخامس) ... 79

الثالثة: مرتبة إبراز الحکم (فیها نبین الحق فی التقریر) ............................ 80

النظریة السادسة: حکم العقل بالوجوب (أفاده المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 81

بیان المحقق النائینی (قدس سره) : .................................................................. 82

إیرادات أربعة علی هذا البیان: .................................................. 82

الإیراد الأول: أفاده بعض الأساطین .............................................. 82

الإیراد الثانی: أفاده بعض الأساطین أیضاً ....................................... 83

الإیراد الثالث: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) ............................................ 83

الإیراد الرابع: أفاده المحقق الصدر (قدس سره) أیضاً ...................................... 84

ص: 436

ملاحظة علی الإیراد الرابع ................................................... 84

النظریة السابعة: السیرة العقلائیة (اختاره بعض الأساطین) ...................... 85

مقتضی التحقیق ......................................................................... 89

— الأمر الرابع: فی النسبة بین «الأمر» و «الطلب» (و فیها أقوال أربعة) ............ 91

القول الأول: الأمر مطلق الطلب ......................................................... 91

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ........................................................ 91

القول الثانی: الأمر الطلب بالقول (و قد استدل علیه بوجهین) ................... 92

الوجه الأوّل: الإجماع المنقول ......................................................... 92

إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ................................................... 92

الوجه الثانی: آیة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) ........... 92

إیراد علی هذا الوجه .............................................................. 93

القول الثالث: الأمر الطلب المنشأ (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) ................... 94

القول الرابع: إنّ مادة الأمر وضعت للطلب المنشأ من الغیر ...................... 95

إیراد علیه ................................................................................. 95

القول الخامس: للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی رسالة الطلب و الإرادة ................... 95

إیراد علیه ................................................................................. 95

القول السادس: عینیة الطلب و الإرادة بأُسلوب آخر (هو القول المختار) ...... 95

— الأمر الخامس: فی تطابق معنی الطلب و الإرادة (فیه تنبیهان) ..................... 97

هل یتحد معناهما أو لا؟ فیه محاولتان ................................................. 97

المحاولة الأُولی: الاتحاد (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 97

المحاولة الثانیة: التغایر (و هنا نظریات) ........................................ 98

النظریة الأُولی: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................. 98

النظریة الثانیة: نظریة المختارة ................................................. 98

النظریة الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و اختارها المحقق الخوئی (قدس سره) ........ 99

النظریة الرابعة: نظریة المحقق البروجردی (قدس سره) .............................. 100

یلاحظ علیه ................................................................... 101

النظریة الرابعة: نظریة الأشاعرة (واستدلّوا علیها بوجهین) ........... 101

الوجه الأوّل: الطلب موجود فی الأوامر الامتحانیة دون الإرادة .. 104

ص: 437

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الطلب الإنشائی و الحقیقی 105

الوجه الثانی: التکلیف و الطلب الحقیقی تعلّق بإیمان الکفار دون الإرادة 105

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه بالفرق بین الإرادة التشریعیة و التکوینیة 106

تنبیهان للتحقیق التام حول نظریة الأشاعرة ............................. 108

التنبیه الأوّل: فی الإرادة التکوینیة و التشریعیة (فیه مطلبان) ................ 108

المطلب الأوّل: فی الإرادة التکوینیة (فیه جهتان) ............................. 110

الجهة الأُولی: معنی الإرادة .................................................... 110

بیان الحکیم الزنوزی (قدس سره) .......................................................

110

بیان المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................... 112

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................... 112

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................ 113

الجهة الثانیة: الإرادة الإلهیة (و هی قسمان) ............................ 115

الف) الإرادة الذاتیة ........................................................ 115

القول الأوّل: العلم بالنظام الأحسن (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 118

بیان المحقق الإصفهانی فی وجه تعبیر الحکماء عن إرادته تعالی بالعلم 118

القول الثانی: ابتهاجه ورضاه تعالی بذاته (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 119

ب) الإرادة الفعلیة (و لها تفسیرات ثلاثة) ........................... 120

التفسیر الأوّل: ابتهاجه و رضاه بفعله تعالی (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 120

ملاحظتنا علی هذا البیان ........................................ 121

التفسیر الثانی: إعمال القدرة و التصدی نحو الشیء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) 121

یلاحظ علیه ......................................................... 121

التفسیر الثالث: الابتهاج البالغ إلی التصدی نحو الشیء ....... 122

ص: 438

المطلب الثانی: فی الإرادة التشریعیة (و لها تفسیران) ........................ 123

التفسیر الأول: الإرادة المتعلقة بفعل الغیر (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .. 123

بیان المحقق الإصفهانی لغویة الإرادة التشریعیة بهذا التفسیر ...... 123

التفسیر الثانی: الإرادة المتعلقة بالاعتبارات الشرعیة (الحق ثبوت الإرادة التشریعیة) 124

التنبیه الثانی: فی الأمر بین الأمرین (لهذه النظریة تقریرات نشیر إلی أربعة منها) 127

التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الطوسی فی التجرید .......................... 130

التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) (و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........ 131

ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 132

التقریر الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) (یبتنی علی مقدمتین) ........ 137

المقدمة الأُولی: للمجعول بالذات خصیصتان ................................ 138

الخصصیة

الأُولی: إنّه عین الربط ......................................... 138

الخصیصة الثانیة: له انتسابان إلی الفاعل و القابل ..................... 138

المقدمة الثانیة: تبعیة أثر هذا المجعول بالذات لمؤثره فی هاتین الخصیصتین 139

التقریر الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات .......................... 141

ملاحظتنا علی هذا التقریر ...................................................... 141

دلیلان علی تعلق الإرادة التکوینیة الإلهیة بأفعال العباد ................. 143

الفصل الثانی: صیغة الأمر (و فیه سبعة أُمور): / 145

— الأمر الأوّل: معنی صیغة الأمر (فیه أقوال نذکر منها سبعة): ..................... 147

القول الأوّل: الترجی و التمنی و التهدید و غیر ذلک ............................. 147

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علیه ...................................................... 149

القول الثانی: إنشاء الطلب (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) ......................... 149

إیرادان علی هذا القول (أفادهما بعض الأساطین) ........................... 149

القول الثالث: النسبة الإنشائیة الإیقاعیة (اختاره المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 150

إیراد علیه ............................................................................... 151

القول الرابع: النسبة الإرسالیة الإیقاعیة (اختاره المحقق العراقی (قدس سره) ) .......... 151

إیراد علیه ............................................................................... 152

ص: 439

القول الخامس: النسبة البعثیة (اختاره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) .................... 152

القول السادس: إبراز اعتبار الفعل علی ذمة المکلف (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) ) .. 152

إیرادان من بعض الأساطین علیه ................................................. 153

القول السابع: إبراز النسبة البعثیة (اختاره المحقق الوحید) ................... 154

ملاحظتنا علی هذا القول ........................................................... 154

— الأمر الثانی: الجمل الخبریة فی مقام البعث (و الکلام فی موضعین): .............. 157

الموضع الأوّل: معناها (و فیه نظریات ثلاث) ...................................... 157

النظریة الأُولی: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) و بعض الأساطین ........... 158

النظریة الثانیة: أفادها المحقق العراقی (قدس سره) (و لها تقریبان): ................. 158

التقریب الأوّل .................................................................... 158

التقریب الثانی ..................................................................... 159

ملاحظتنا علیهما .................................................................. 160

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................... 160

إیراد بعض الأساطین علیها .................................................... 161

الموضع الثانی: دلالتها علی الوجوب ................................................... 161

— الأمر الثالث: الواجب التعبدی و التوصلی ............................................ 161

مقدمة: فی بیان المعانی الأربعة للواجب التوصلی .................................. 164

مقتضی الأصل فی الواجب التوصلی (هنا أربعة مباحث) ........................ 167

المبحث الأول: مقتضی الأصل علی المعنی الأوّل (ما لایعتبر فیه المباشرة) 167

أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان) .................................... 167

القول الأوّل: مقتضی الإطلاق کون الواجب توصلیاً (و هو المنسوب إلی المشهور) 167

القول الثانی: مقتضی الإطلاق کون الواجب تعبدیاً (و هو المختار المحقق النائینی و الخوئی و الصدر) 167

بیان المحقق الخوئی ......................................................... 168

أما مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات): ................................. 170

النظریة الأولی من المشهور ............................................... 170

النظریة الثانیة من المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 170

یلاحظ علیه .............................................................. 170

ص: 440

النظریة الثالثة تفصیل السید الصدر فی المقام ....................... 171

یلاحظ علیه .............................................................. 171

المبحث الثانی: مقتضی الأصل التوصلی علی المعنی الثانی (ما لا یعتبر فیه الالتفات و الاختیار) 173

أما مقتضی الأصل اللفظی (هنا قولان): .................................... 173

القول الأول: مقتضی الإطلاق سقوط الواجب إذا صدر الفعل بغیر اختیار (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 173

القول الثانی: مقتضی الأصل عدم سقوط الواجب إلّا إذا صدر باختیار المکلف (و الأدلة علیه أربعة): 173

الف) الدلیل الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ....................... 173

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................... 174

ب) الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً .................. 175

إیرادات ثلاثة علیه: ...................................................... 175

الإیراد الأول و الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................... 175

الإیراد الثالث: ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................. 176

ج) الدلیل الثالث: ما قرّره المحقق الخوئی (قدس سره) بناء علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 176

إیراد المحقق الصدر (قدس سره) علیه: ............................................. 177

د) الدلیل الرابع: ......................................................... 177

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: ............................................. 178

أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 179

الف) القول الأوّل: الاستصحاب (أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ) ......... 179

ب) القول الثانی: البراءة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) .................... 179

المبحث الثالث: مقتضی الأصل علی المعنی الثالث (ما لا یعتبر فیه أن یکون فی ضمن فرد سائغ) و متعلق الحرمة علی قسمین: 180

القسم الأوّل: أن تکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب: ....... 180

أما مقتضی الأصل اللفظی ..................................................... 180

بیان أنّ مقتضی الإطلاق التعبدیة .............................................. 180

أما مقتضی الأصل العملی (هنا قولان): .................................... 181

ص: 441

الف) القول الأوّل: الاستصحاب .......................................... 181

ب) القول الثانی: البراءة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) ........... 181

القسم الثانی: أن لاتکون الحرمة متعلقة بنفس عنوان الواجب (و فی مسألة اجتماع الأمر و النهی إمّا نقول بالامتناع و إمّا نقول بالجواز(ففی الجواز قولان) ............................................ 182

الف) القول الأوّل: ماأفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................. 182

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: .................................................. 183

بیان المحقق الصدر (قدس سره) لهذا الإیراد ........................................... 183

ب) القول الثانی: (و هو المختار) ........................................... 183

المبحث الرابع: الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (فیه مقدمة و الکلام فی ثلاث نواحی و تنبیه) 185

تعریف الواجب التوصلی بالمعنی الرابع (هنا تعاریف ثلاثة): ....... 185

التعریف الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................... 185

إیراد المحقق الإصفهانی علیه ........................................... 185

جوابان من المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ........................ 186

ملاحظتنا علی هذین الجوابین: ........................................ 187

التعریف الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 187

ملاحظتنا علی هذا التعریف: .......................................... 187

التعریف الثالث: ما لا یعتبر فی صحته قصد القربة (أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ) 188

مقتضی الأصل اللفظی علی المعنی الرابع ...................................... 189

المورد الأول: الإطلاق بمقدمات الحکمة ..................................... 189

الوجه الأوّل: قصد الأمر (و البحث من جهتین) ........................ 189

الجهة الأُولی: هل یمکن تقیید متعلق الأمر بقصد الأمر؟(نتکلم فیها فی مراحل أربع مع ذکر تتمّة) 190

المرحلة الأُولی: تصور الآمر هنا إشکال واحد ........................ 190

إشکال الدور ........................................................ 191

جوابان عن هذا الإشکال ......................................... 191

الجواب الأول: ما أفاده المحقق المشکینی ..................... 191

ص: 442

ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب ................................ 191

الجواب الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ........................ 192

المرحلة الثانیة: الإنشاء (هنا إشکالات خمسة): ..................... 192

1- الدور ............................................................. 192

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................... 193

2- اجتماع المتقابلین (تقدم ما هو متأخر بالطبع) .......... 193

جواب المحقق الإصفهانی عنه ................................. 193

ردّ المحقق العراقی و الوحید لهذا الجواب ................. 194

3- تقدّم الشیء علی نفسه (ما أفاده المحقق النائینی) ..... 194

جواب المحقق الخوئی عنه: .................................... 195

ردّ بعض الأساطین: ............................................. 197

4-کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 198

جواب عنه ....................................................... 198

5- التسلسل ........................................................ 199

المرحلة الثالثة: الفعلیة (هنا إشکالات أربعة) ....................... 199

الإشکال الأول و الثانی و الثالث ................................. 199

الجواب عن هذه الثلثة (ما ذکرنا فی المرحلة السابقة) ...... 199

الإشکال الرابع: تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحظقق النائینی) 200

جواب عنه .......................................................... 200

المرحلة الرابعة: الامتثال (هنا إشکالات ثلثة) ....................... 200

1- التکلیف بما لایطاق (أفاده المحقق الخراسانی) ........... 200

2- تقدّم الشیء علی نفسه (قرّره المحقق النائینی) .......... 201

3- کون الأمر محرّکاً إلی محرّکیة نفسه (قرّره بعض الأساطین) 201

تتمّة: بیانان لاستحالة أخذ قصد الأمر فی متعلّق الأمر و إمکانه . 202

البیان الأول: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) .................................... 202

إیراد بعض الأساطین علیه .................................................. 203

البیان الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) ............... 203

إیرادان من بعض الأساطین علی هذا البیان ....................... 205

جواب عن الإیراد الثانی: (ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی محاضرات) ... 206

ص: 443

ردّ لهذا الجواب ................................................................. 207

الجهة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یستحیل الإطلاق أو لا؟ (هنا مسألتان): 209

المسألة الأُولی: تقابل الإطلاق و التقیید (هنا قولان): .............. 209

القول الأوّل: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی و بعض الأساطین) 209

بیان هذا القول ................................................... 210

القول الثانی: التضاد فی مقام الثبوت و الملکة و عدمها فی مقام الإثبات (و هو المختار المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ) 210

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا القول ................................ 210

المسألة الثانیة: علی فرض استحالة التقیید هل یمکن الإطلاق أو یستحیل؟ (تکلم فیها علی القولین فی المسألة السابقة) 212

أمّا علی القول الأوّل: فبحسب مقام الثبوت (هنا قولان): ..... 213

1- الملازمة بین استحالة التقیید و استحالة الإطلاق (اختاره المحقق النائینی) 213

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ....................................... 213

2- عدم الملازمة (اختاره المحقق الخوئی) ........................ 213

و بحسب مقام الإثبات (قال بعض الأساطین: لایمکن التمسک بأصالة الإطلاق) 215

ملاحظتنا علی هذا القول ......................................... 215

و أمّا علی القول الثانی: ........................................... 216

الوجه الثانی و الثالث و الرابع: قصد مصلحة الفعل و حسنه و محبوبیته (هنا إشکالات خمسة): 218

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی ........................... 218

جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................... 218

الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ............................. 218

جوابان من المحقق الخوئی عنه: ....................................... 219

جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 220

الإشکال الثالث: الدور (أفاده المحقق البروجردی) ................. 221

جوابان من المحقق الوحید عنه: ...................................... 221

ص: 444

الإشکال الرابع: عدم إمکان الامتثال (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 222

جواب عنه: ................................................................ 222

الإشکال الخامس: لزوم التسلسل (أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) أیضاً) 223

الجواب عنه هو الجواب عن الإشکال السابق ..................... 223

الوجه الخامس: قصد الجامع و هو الانتساب إلیه تعالی (مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 224

إشکال: فی الوجه الخامس .............................................. 224

جواب المحقق الخوئی عنه: ............................................ 225

الوجه السادس: ما یلازم قصد القربة (و هو المنسوب إلی المیرزا الشیرازی) 226

إشکال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................... 226

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عنه ............................................ 227

المورد الثانی: نتیجة الإطلاق .................................................... 228

بیان إمکان أخذ قصد القربة فی المتعلق بالأمر الثانی ............... 228

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا البیان: ..................... 228

أجوبة خمسة عن الإیراد الثانی: .......................................... 229

الجواب الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ............................ 229

ردّ لهذا الجواب: .......................................................... 229

الجواب الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) أیضاً ...................... 229

ردّ لهذا الجواب: (أفاده المحقق الروحانی (قدس سره) ) .......................... 230

الجواب الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الأوّل من الإیراد 230

مناقشة المحقق الؤصفهانی فی الشق الأول ........................... 230

ملاحظة علی هذا الجواب: أفادها

المحقق الروحانی (قدس سره) ............. 231

الجواب الرابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی الشق الثانی من الإیراد 232

الجواب الخامس: ما أفاده بعض الأساطین فی الشق الثانی ........ 233

ملاحظتنا علی هذا الجواب ............................................. 233

ص: 445

المورد الثالث: الأصل اللفظی الخارجی ..................................... 234

قال بعض الأعلام: إنّ مقتضاه التعبدیة (و استدل علی ذلک بوجوه ثلثة) ... 234

الوجه الأول: قوله تعالی: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234

إیرادان علی هذا الوجه (ما أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ...................... 235

الوجه الثانی: قوله تعالی: (أَطِیعُوا اللَّهَ) الآیة .............................. 236

إیراد علیه ....................................................................... 237

الوجه الثالث: قولهم: (علیهم السلام) «إنّما الأعمال بالنیات» و... ..................... 237

إیراد علیه: ...................................................................... 238

مقتضی الأصل المقامی (و له تقریران): ......................................... 238

التقریر الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................. 240

التقریر الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بتبع الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..... 240

مقتضی الأصل العملی (هنا مسألتان): .......................................... 241

المسألة الأُولی: هل یجری الاستصحاب أو لا؟ لایجری (نذکر بیانین لعدم الجریان) 243

الف) البیان الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................... 243

إیراد الإول من بعض الأساطین علیه: ................................. 244

ملاحظتنا علی هذا الإیراد: .............................................. 244

الإیراد الثانی من بعض الأساطین علیه أیضاً .......................... 245

ب) البیان الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ................................ 245

المسألة الثانیة: هل یجری الاشتغال أو البراءة؟ (فیه قولان) ........... 246

الف) القول الأوّل: جریان الاشتغال (اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ) .... 246

ب) القول الثانی: جریان البراءة الشرعیة (اختاره المحقق النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین) 246

ج) و التحقیق جریان البراءة الشرعیة و العقلیة ........................ 247

التنبیه: هل یکون هذا البحث من مباحث صیغة الأمر؟ ................... 249

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) : ............................................................................. 249

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه .................................................... 249

جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ......................................... 249

ملاحظتنا علی هذا الجواب ...................................................... 249

ص: 446

— الأمر الرابع: اقتضاء إطلاق الصیغة النفسیة و التعیینیة و العینیة (و الکلام فیه علی نحوین: ما یعمّها و یخصّ کل واحد منها فهنا بحثان) ........................................................................................... 251

البحث الأوّل: ............................................................................... 251

نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 251

إیراد المحقق الإصفهانی علیها ...................................................... 252

جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: .......................................... 252

البحث الثانی: (و الکلام فیه فی نواحٍ ثلاث) ......................................... 254

الناحیة الأُولی: الوجوب النفسی و الغیری ..................................... 254

استدل المحقق النائینی (قدس سره) علی النفسیة بوجهین ............................... 254

الناحیة الثانیة: الوجوب التعیینی و التخییری ................................. 254

الأقوال فی حقیقته الوجوب التخییری ثلثة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب التعیینی 254

الناحیة الثالثة: الوجوب العینی و الکفائی ...................................... 256

الوجوه فی حقیقة الوجوب الکفائی أربعة و مقتضی الإطلاق علی کل منها الوجوب العینی 257

— الأمر الخامس: الأمر عقیب الحظر (هنا بحثان) ...................................... 257

البحث الأوّل: فی دلالته علی الوجوب ............................................... 259

أما ذکر الأقوال (و العمدة منها أربعة) ......................................... 259

تحقیق المسألة ......................................................................... 262

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی ................................................. 264

بیان المحقق الوحید: یجری البراءة الشرعیة و العقلیة ...................... 264

— الأمر السادس: المرّة و التکرار (فیه مقدّمتان و تنبیه) .............................. 265

المقدمة الأُولی: فی تفسیر المرّة و التکرار (ههنا أقوال ثلثة): .................... 265

المقدمة الثانیة: فی انحلال الحکم بحسب تعدد الموضوع (الأحکام علی قسمین: تحریمیة و وجوبیة) 266

أمّا فی الأحکام التحریمیة فینحلّ الحکم بلا خلاف ........................... 266

و أمّا فی الأحکام الوجوبیة فقال المحقق الخوئی (قدس سره) : فیه تفصیل ............. 266

إیراد بعض الأساطین: ........................................................... 266

البحث الأوّل: فی دلالة الصیغة علی المرّة أو التکرار .......................... 267

ص: 447

أما الدلالة بالوضع ............................................................... 267

أما الدلالة بالإطلاق .............................................................. 267

البحث الثانی: مقتضی الأصل العملی ............................................ 267

الحق جریان استصحاب عدم التکلیف ........................................ 267

تنبیه: الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ......................................... 268

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................... 268

إیراد الأول علی النظریة

الأُولی: عن المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .. 268

إیراد الثانی علی النظریة

الأُولی: عن محقق الصدر (قدس سره) : .................. 269

ملاحظتنا علی الإیراد الثانی ..................................................... 269

النظریة الثانیة: لامجال للامتثال ثانیاَ (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) .......... 270

— الأمر السابع: الفور و التراخی (فیه مقدّمة) ........................................... 271

المقدّمة: فی أقسام الواجب من حیث الفور و التراخی ........................... 271

دلالة الصیغة علی الفور أو التراخی: .................................................. 272

أما الدلالة بالوضع .................................................................... 272

أما الدلالة بالإطلاق ................................................................... 272

أدلة القول بدلالة الأمر علی الفوریة (هی وجوه ثلاثة): ........................ 273

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) فی کتاب الصلاة .................... 273

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین علیه: .................................... 273

الوجه الثانی: ............................................................................ 274

إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................ 274

الوجه الثالث: قوله تعالی: (وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ) 275

إیرادات أربعة علی هذا الوجه: .............................................. 275

1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی .......................... 275

جواب المحقق الوحید عن هذا الإیراد: ................................ 276

2- الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی والحکیم و الخوئی .. 276

جواب المحقق الإصفهانی عنه: ............................................ 277

3- الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین 277

ص: 448

4- الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................ 278

مقتضی الأصل العملی (الأصل الجاری فی المسألة البراءة) ....................... 278

الفصل الثالث: تعلّق الأمر بالطبیعة أو الفرد (و الکلام فی مقامین) / 279

— المقام الأوّل: التحقیق فی المسألة (هنا نظریات أربع) ............................... 281

النظریة

الأُولی: متعلق الطلب الوجود السعی للطبیعة (أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) ) 281

إیرادات أربعة علیها ................................................................. 282

ملاحظة علی الإیراد الأول ........................................................... 282

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی و الشاه آبادی (قدس سرهما) ..................... 284

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 284

بیان العلامة الشاه آبادی (قدس سره) : متعلق الطلب الطبیعة بغایة إیجادها ....... 284

إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة .................................................. 285

1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................. 285

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عنه: ............................................... 285

2- الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................... 286

3- الإیرادالثالث: .................................................................. 286

النظریة الثالثة: متعلق الطلب الطبیعة التی تلحظ بما هی خارجیة (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 286

ملاحظة علیها .......................................................................... 287

النظریة الرابعة: متعلق الأمر الفرد بمعنی وجود الطبیعة (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) 287

بیان المحقق الإصفهانی ................................................................... 287

— المقام الثانی: ثمرة هذه المسألة (هنا بیانان) ........................................... 290

البیان الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الثمرة ........................ 290

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه: یجوز اجتماع الأمر و النهی علی القولین ... 291

جوابان عن هذا الإیراد: ............................................................. 292

1- ما أفاده بعض الأساطین: ................................................. 292

ملاحظتنا علی هذا الجواب: ................................................... 292

ص: 449

2- ملاحظتنا علی هذا الإیراد .................................................. 293

البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الثمرة ........................... 296

الفصل الرابع: هل یبقی الجواز بعد نسخ الوجوب؟ / 297

(و الکلام فی مقامات ثلاثة)

— المقام الأوّل: إمکان بقاء الجواز ثبوتاً (هنا تقریران للإمکان) ..................... 304

التقریر الأوّل: ماأفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................. 304

إیرادات ثلثة علی هذا التقریر: .................................................... 304

1- الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (و هو مبنائی) .................... 304

2- الإیراد الثانی: (و هو مبنائی أیضاً) ............................................. 305

3- الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین .................................. 309

التقریر الثانی: ............................................................................... 305

إیراد علی هذا التقریر ............................................................... 306

تتمّة ...................................................................................... 306

— المقام الثانی: فی ذکر الأدلّة علی البقاء و عدمه ........................................ 307

استدلال علی البقاء فی کلام المحقق العراقی ........................................ 307

إیراد المحقق العراقی علیه: ........................................................ 310

إشکالان من بعض الأساطین علیه: ............................................... 310

— المقام الثالث: مقتضی الأصل العملی (هل یجری الاستصحاب أو لا؟ هنا قولان) 312

القول الأوّل: جریان الاستصحاب (و فی تصویر جریانه نظریات ثلاث) ..... 312

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ..................................... 312

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الحکیم (قدس سره) ...................................... 312

النظریة الثالثة ......................................................................... 313

القول الثانی: عدم جریانه (و هو نظریة المحقق الخراسانی) .................... 313

الفصل الخامس: الواجب التخییری /315

( فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ثمان)

النظریة الأُولی: الواجب الواحد المعین عند الله تعالی ................................. 317

ص: 450

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علیها ................................................. 317

النظریة الثانیة: الواجب الواحد المعین الذی یختاره المکلف ......................... 317

إیرادات أربعة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................ 318

جواب عن الإیراد الرابع .................................................................. 319

النظریة الثالثة: کل من الأطراف واجب تعیینی ولکن یسقط الوجوب بفعل أحدها . 319

إیرادات خمسة علیها: .................................................................... 319

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی ............................................ 319

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 320

الإیراد الثالث و الرابع و الخامس: .................................................... 320

النظریة الرابعة: ما أفادها المحقق الخراسانی (قدس سره) (و فی کلامه فرضان أُورد علی کل منهما) ...... 321

إیرادات ثلاثة علی الفرض الأوّل: ....................................................... 322

1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 322

2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 324

3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 324

جواب عن هذا الإیراد: ......................................................... 325

إیرادات خمسة علی الفرض الثانی: .................................................... 325

1- ما أفاده المحقق الإصفهانی ..................................................... 325

2- ما أفاده المحقق الخوئی ......................................................... 325

جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326

3- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 326

جواب بعض الأساطین عنه: ................................................... 326

4- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .................................................. 327

5- ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................ 328

النظریة الخامسة: الواجب هو الفرد المردّد (أفادها المحقق النائینی (قدس سره) ) ............. 328

ملاحظتنا علیها (فی تعلق الإرادة و ما شابهما بالفرد المردد أقوال ثلاثة) .... 329

القول الأول: من الشیخ الأنصاری ................................................. 330

القول الثانی: مختار المحقق الخراسانی ........................................... 330

القول الثالث: من المحقق الإصفهانی و تبعه فیه بعض الأساطین ......... 331

ص: 451

النظریة السادسة: تفسیر الوجوب التخییری بالإیجاب الناقص (أفادها المحقق العراقی (قدس سره) ) 332

ملاحظتان علیها ............................................................................ 333

النظریة السابعة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................... 334

إیرادات خمسة من المحقق الخوئی (قدس سره) علیها: ......................................... 336

الإیراد الأول ................................................................................. 336

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 336

الإیراد الثانی ................................................................................. 337

جوابان عن هذا الإیراد ................................................................... 337

الإیراد الثالث ............................................................................... 337

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 337

الإیراد الرابع ................................................................................ 338

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338

الإیراد الخامس ............................................................................. 338

جواب عن هذا الإیراد .................................................................... 338

النظریة الثامنة: الواجب جامع انتزاعی (أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) ) ................... 339

ملاحظتان علی هذه النظریة ........................................................... 342

تنبیه: فی التخییر بین الأقل و الأکثر ........................................................ 344

بیان المحقق الخراسانی لإمکان التخییر بین الأقل و الأکثر ....................... 344

إیراد المحقق الخوئی علی هذا البیان ............................................. 344

الفصل السادس: الواجب الکفائی /347

(فی حقیقته آراء نذکر منها نظریات ستّ)

مقدّمة: فی احتیاج الأمر إلی الموضوع بناء علی جمیع المبانی ........................... 349

النظریة الأُولی: المکلف الواحد المعین عند الله تعالی ................................... 349

إیراد علیها ................................................................................... 341

النظریة الثانیة: الوجوب المشروط .......................................................... 341

إیراد علیها ................................................................................... 341

النظریة الثالثة: المکلف الفرد المردّد ....................................................... 352

ص: 452

إیراد المحقق الإصفهانی علیها ........................................................... 352

النظریة الرابعة: الأمر متوجه إلی مجموع المکلّفین بنحو العام المجموعی .......... 352

إیرادان من المحقق الإصفهانی علیها: .................................................. 352

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) .......................... 353

بیان المحقق الخراسانی: ................................................................... 353

إیراد المحقق الإصفهانی و بیانه: ........................................................ 353

النظریة السادسة: الموضوع صرف الوجود من المکلفین (أفادها المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما) ) و هنا بیانان: 354

البیان الأول: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) .............................................. 354

إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا البیان: ........................................ 355

البیان الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................ 357

إیراد علی هذا البیان ................................................................. 358

الفصل السابع: الواجب الموسّع و المضیق /363

(فیه أُمور ثلثة)

الأمر الأوّل: فی تصویر الواجب الموسّع و المضیق(قد استشکل فی إمکان کلّ منهما) .... 363

الإشکال فی إمکان الواجب الموسّع (و هو المنقول عن العلامة (قدس سره) ) ............... 363

جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال: ........................................ 363

الإشکال فی إمکان الواجب المضیق .................................................... 365

جوابان من المحقق الخوئی عن هذا الإشکال ................................... 365

الأمر الثانی: تبعیة القضاء للأداء (فیه مطالب أربعة) ................................... 367

المطلب الأوّل: الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ................................... 367

المطلب الثانی: تحقیق المسألة .......................................................... 369

إیراد المحقق الخوئی علی القول الثالث: ........................................ 369

نظریة المحقق الخراسانی ............................................................ 369

إیراد بعض الأساطین علیها ......................................................... 370

المطلب الثالث: مقتضی الأصل العملی (فیه وجهان) ............................ 372

ص: 453

الوجه الأوّل: جریان البراءة (مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) ) 372

الوجه الثانی: جریان الاستصحاب (قال بإمکانه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ) وله بیانان: 373

البیان الأوّل: استصحاب شخص الحکم ..................................... 374

إیراد بعض الأساطین علیه ................................................ 375

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ................................................. 375

البیان الثانی: استصحاب کلی الحکم ......................................... 376

ملاحظة علیه ................................................................. 376

المطلب الرابع: ثمرة المسألة ............................................................. 377

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................. 377

الأمر الثالث: جریان الاستصحاب إذا شک المکلف بعد الوقت فی إتیان المأمور به فی وقته 378

نظریة جمع من الأعلام منهم المحقق الخوئی: ..................................... 378

إیرادان من بعض الأساطین علیها ..................................................... 378

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بشیء / 381

(و فیه بحثان)

البحث الأوّل: هل یکون ذلک أمراً بذلک الشیء؟ (فیه قولان) ........................... 383

القول الأوّل: ماأفاده بعض الأساطین..................................................

384

القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و الخوئی (قدس سرهما) .................................. 384

البحث الثانی: شرعیة عبادات الصبی ........................................................ 387

نظریة المحقق العراقی: .................................................................. 387

إیراد المحقق الخوئی علیها: ......................................................... 388

إیرادان من بعض الأساطین علیها ................................................. 389

الفصل التاسع: الأمر بعد الأمر / 391

هل الأمر الثانی قبل امتثال الأمر الأوّل تأسیس أو تأکید؟ (للمسألة صور أربع) .. 393

ص: 454

البحث الثانی: النواهی / 395

(و فیه ثلاثة فصول)

الفصل الأوّل: معنی صیغة النهی / 397

(فیه خمسة أقوال)

القول الأوّل: طلب الکف (و هو منسوب إلی الفاضل الجواد (قدس سره) ) ........................ 391

القول الثانی: طلب الترک (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الروحانی) .... 391

إیرادان علی هذین القولین.................................................................

391

القول الثالث: الزجر (و هو مختار المحقق العراقی و الإصفهانی و البروجردی و الصدر و الوحید) 401

بیان بعض الأساطین ........................................................................ 402

القول الرابع: الکراهة (وهو مختار المحقق الحائری (قدس سره) ) ................................... 402

إیراد علی هذا القول: ....................................................................... 402

القول الخامس: إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و هو الحرمة (و هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) ) 403

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................................ 403

إیراد بعض الأساطین: ....................................................................... 405

الفصل الثانی: توجیه اقتضاء النهی لترک جمیع الأفراد / 407

(فی توجیه ذلک نظریات أربع)

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 409

إیراد المحقق الإصفهانی علیها .............................................................. 409

بیان المحقق الخوئی فی توضیح الإیراد .................................................... 411

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الفشارکی والحائری (قدس سرهما) ................................. 413

إیرادان علی هذه النظریة .................................................................. 413

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی علیها ......................................... 413

ص: 455

الإیراد الثانی ................................................................................... 414

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................... 414

بیان المحقق الخوئی فی توضیح هذه النظریة ............................................ 415

إیرادات ثلثة علیها: ..................................................................... 415

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................ 415

جواب عنه: .......................................................................... 416

الإیراد الثانی ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ........................................... 416

جواب بعض الأساطین عنه: ...................................................... 416

الإیراد الثالث: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 417

ملاحظات علی هذا الإیراد: ....................................................... 417

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................. 418

إیرادات أربعة علیها: ........................................................................ 418

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الصدر ................................................ 418

الإیراد الثانی و الثالث و الرابع: ما أفاده بعض الأساطین .......................... 421

الفصل الثالث: سقوط النهی بالمعصیة / 423

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................ 425

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................ 426

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................... 426

إیرادات أربعة علیها (أفادها بعض الأساطین) .......................................... 428

ص: 456

فهرس الآیات

(أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِی الْأَمْرِ مِنْکُمْ) 236

(اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ)................ 148

(أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوکِ الشَّمْسِ إِلَی غَسَقِ اللَّیلِ) 196, 266

(أَلَا إِلَی اللَّهِ تَصِیرُ الْأُمُورُ)........... 40

(أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ)............. 148

(أَمْرُ فِرْعَوْنَ)...................... 44

(إِنَّ اللَّهَ یأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)..... 65

(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَیئًا أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُونُ) 92

(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیئاً أَنْ یقُولَ لَهُ کُنْ فَیکُون) 36

(إِنَّمَا أَمْوَالُکُمْ وَأَوْلَادُکُمْ فِتْنَةٌ)........ 65

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)............ 195, 196

(جَاءَ أَمْرُنَا)....................... 94

(ذُقْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ)............ 148

(فَاسْتَبِقُوا)...................... 278

(فَاسْتَبِقُوا الْخَیرَاتِ).............. 275

(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ) 58, 65

(فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ)... 60

(قُلْ تَمَتَّعُوا)...................... 148

(کُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِینَ)............ 148

(لَا تَقْتُلُوا الصَّیدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )...... 429

(لِلَّهِ عَلَی النَّاسِ حِجُّ الْبَیتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَیهِ سَبِیلًا) 266

(لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ).............. 87

(مَا مَنَعَکَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ)..... 60

(وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ).......... 88

(وَ مَا کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا) 61

ص: 457

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) 87

(وَأَسِرُّوا قَوْلَکُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِیمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) 104

(وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِی أَنْفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یحَاسِبْکُمْ بِهِ اللَّهُ) 104

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)..... 420

(وَحُرِّمَ عَلَیکُمْ صَیدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا) 429

(وَسَارِعُوا إِلَی مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ).... 275

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَی بِآیاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِینٍ إِلَی فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِیدٍ) 44

(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ) 234

(وَمَا رَمَیتَ إِذْ رَمَیتَ وَلَکِنَّ اللَّهَ رَمَی) 140

ص: 458

فهرس الروایات

الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ عَلَی الْخَلْقِ بِمَنْزِلَةِ الْحَجِ عَلَی مَنِ اسْتَطَاعَ» ثم علل الإمام (علیه السلام) وجوبه بقوله : «لِأَنَّ اللهَ تَعَالَی یقُولُ: (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ) 88

اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی أَکْرَمُ مِنْ أَنْ یکَلِّفَ النَّاسَ مَا لَا یطِیقُونَهُ وَ اللَّهُ أَعَزُّ مِنْ أَنْ یکُونَ فِی سُلْطَانِهِ مَا لَا یرِیدُ 134

إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ جَاءَ قَوْمٌ فَقَالُوا: فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ عَلَیهَا فَقَالَ: «إِنَّ الْجِنَازَةَ لَا یصَلَّی عَلَیهَا مَرَّتَینِ ادْعُوا لَهَا وَ قُولُوا خَیراً 359

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) صَلَّی عَلَی جِنَازَةٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا جَاءَ قَوْمٌ لَمْ یکُونُوا أَدْرَکُوهَا فَکَلَّمُوا رَسُولَ اللَهِ (صلی الله علیه و آله) أَنْ یعِیدَ الصَّلَاةَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهُمْ «قَدْ قَضَیتُ الصَّلَاةَ عَلَیهَا وَ لَکِنِ ادْعُوا لَهَا....................... 359

إِنَّ لِلَهِ إِرَادَتَینِ وَ مَشِیتَینِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ ینْهَی وَ هُوَ یشَاءُ وَ یأْمُرُ وَ هُوَ لَا یشَاءُ 126

إِنَّا نَأْمُرُ صِبْیانَنَا بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی خَمْسِ سِنِینَ فَمُرُوا صِبْیانَکُمْ بِالصَّلَاةِ إِذَا کَانُوا بَنِی سَبْعِ سِنِینَ 383

إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّیاتِ................ 238

حَتَّی یتَعَوَّدُوا..................... 389

سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ صَلَّی بِغَیرِ طَهُورٍ أَوْ نَسِی صَلَوَاتٍ لَمْ یصَلِّهَا أَوْ نَامَ عَنْهَا فَقَالَ صَلُّوا عَلَی الْمَرْجُومِ مِنْ أُمَّتِی وَ عَلَی الْقَتَّالِ نَفْسَهُ مِنْ أُمَّتِی لَا تَدَعُوا أَحَداً مِنْ أُمَّتِی بِلَا صَلَاةٍ......................... 360

عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام) فِی کَفَّارَةِ الْیمِینِ «یطْعِمُ عَشَرَةَ مَسَاکِینَ لِکُلِ مِسْکِینٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ مُدٌّ مِنْ دَقِیقٍ وَ حَفْنَةٌ أَوْ کِسْوَتُهُمْ لِکُلِّ إِنْسَانٍ ثَوْبَانِ أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَ هُوَ فِی

ص: 459

ذَلِکَ بِالْخِیارِ أَی ذَلِکَ شَاءَ صَنَعَ فَإِنْ لَمْ یقْدِرْ عَلَی وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثِ فَالصِّیامُ عَلَیهِ ثَلَاثَةُ أَیامٍ» 342

عَنِ الرَّجُلِ یصَلِّی عَلَی جِنَازَةٍ وَحْدَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: فَاثْنَانِ یصَلِّیانِ عَلَیهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ وَ لَکِنْ یقُومُ الْآخَرُ خَلْفَ الْآخَرِ وَ لَا یقُومُ بِجَنْبِهِ» 360

قَالَ: اشْتَرَیتُ إِبِلًا وَ أَنَا بِالْمَدِینَةِ مُقِیمٌ فَأَعْجَبَنِی إِعْجَاباً شَدِیداً فَدَخَلْتُ عَلَی أَبِی الْحَسَنِ الْأَوَّلِ [ (علیه السلام) ]فَذَکَرْتُهَا لَهُ فَقَالَ [ (علیه السلام) ] :” مَا لَکَ وَ لِلْإِبِلِ؟ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّهَا کَثِیرَةُ الْمَصَائِبِ؟“ قَالَ: فَمِنْ إِعْجَابِی بِهَا أَکْرَیتُهَا وَ بَعَثْتُ بِهَا مَعَ غِلْمَانٍ لِی إِلَی الْکُوفَةِ قَالَ: فَسَقَطَتْ کُلُّهَا فَدَخَلْتُ عَلَیهِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَال [ (علیه السلام) ] : فَلْیحْذَرِ الَّذِینَ یخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِیبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ یصِیبَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ 64

قَالا قُلْنَا لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِی الصَّلَاةِ فِی السَّفَرِ؟ کَیفَ هِی؟ وَ کَمْ هِی؟ فَقَالَ [ (علیه السلام) ]:”إِنَّ اللَّهَ یقُولُ:

(وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِی الْأَرْضِ فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ) فَصَارَ التَّقْصِیرُ فِی السَّفَرِ وَاجِباًکَوُجُوبِ التَّمَامِ فِی الْحَضَرِ “قَالا: قُلْنَا:إِنَّمَا قَالَ اللَهُ: (لَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ) وَ لَمْ یقُلْ: افْعَلُوافَکَیفَ أَوْجَبَذَلِکَ کَمَا أَوْجَبَ التَّمَامَ فِی الْحَضَرِ؟ 87

قوله (صلی الله علیه و آله) :«لَوْ لَا أَنْ أَشُقَّ عَلَی أُمَّتِی لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاکِ» 61,58

قوله (علیه السلام) : مَنْ تَکَلَّمَ فِی صَلَاتِهِ أَعَادَ.... 158

کُلُّ مَا تَرَکْتَهُ مِنْ صَلَاتِکَ لِمَرَضٍ أُغْمِی عَلَیکَ فِیهِ فَاقْضِهِ إِذَا أَفَقْتَ 380

لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِیضَ بَلْ أَمْرٌ بَینَ..... 127

لَا عَمَلَ إِلَّا بِالنِّیةِ.................. 237

لِکُلِ امْرِئٍ مَا نَوَی................. 238

یا ابْنَ آدَمَ بِمَشِیتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تَشَاءُ لِنَفْسِکَ مَا تَشَاءُ وَ بِإِرَادَتِی کُنْتَ أَنْتَ الَّذِی تُرِیدُ لِنَفْسِکَ مَا تُرِیدُ 137

ینْبَغِی لِأَوْلِیاءِ الْمَیتِ مِنْکُمْ أَنْ یؤْذِنُوا إِخْوَانَ الْمَیتِ بِمَوْتِهِ فَیشْهَدُونَ جِنَازَتَهُ وَ یصَلُّونَ عَلَیهِ وَ یسْتَغْفِرُونَ لَهُ فَیکْتَبُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَ یکْتَبُ لِلْمَیتِ الِاسْتِغْفَارُ. 358

ص: 460

فهرس الأعلام

رسول الله (صلی الله علیه و آله) ... 58, 124, 136, 359, 360

امیر المؤمنین (علیه السلام) ..................... 94

الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 87, 88, 134, 342, 358, 359, 360, 379, 380, 383

الامام الکاظم (علیه السلام) .................... 65

الامام الرضا (علیه السلام) .................... 126

الف

ابْنِ أَبِی عُمَیر................ 379, 383

أَبِی هَمَّامٍ إِسْمَاعِیلَ بْنِ هَمَّام.......... 360

أَبِی وَلَّاد......................... 358

أحمد بن أبی عبد الله أحمد بن محمد بن خالد البرقی 134

أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی بْنِ فَضَّال... 360

إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّار.................. 359

الإصفهانی 28, 36, 39, 40, 44, 45, 46, 47, 48, 49, 52, 91, 94, 95, 98, 105, 112, 113, 115, 118, 119, 120, 122, 123, 124, 125, 130, 137, 143, 152, 154, 155, 163, 185, 187, 193, 198, 199, 200, 201, 203, 207, 208, 209, 210, 230, 232, 243, 244, 245, 246, 249, 252, 268, 269, 270, 272, 277, 285, 286, 287, 322, 325, 331, 333, 334, 336, 337, 339, 343, 349, 352, 353, 355, 373, 375, 400, 401, 402, 410, 413, 414, 417, 418, 422, 426

آقا علی المدرس................... 293

ص: 461

الإیروانی......................... 320

ب

البروجردی 31, 46, 70, 74,72, 78, 100, 150, 199, 221, 222, 223, 401

بعض الأساطین 29, 34, 39, 46, 56, 57, 61, 62, 68, 72, 82, 83, 85, 149, 153, 154, 158, 161, 163, 186, 189, 191, 192, 194, 197, 201, 203, 205, 207, 209, 215, 220, 221, 222, 233, 244, 245, 247, 249, 252, 262, 263, 264, 265, 266, 273, 274, 276, 277, 292, 302, 305, 310, 326, 327, 331, 334, 368, 370, 375, 378, 384, 389, 393, 402, 405, 416, 417, 421, 422, 428

ح

الحائری......... 273, 356, 402, 413

الْحَسَنِ بْنِ طَرِیف................. 359

الْحَسَنُ بْنُ مَتِّیل................... 134

الحسن بن متّیل................... 134

الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوب............ 358,64

الْحَسَنِ بْنِ مُوسَی الْخَشَّاب......... 359

حُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 379

الْحُسَینِ بْنِ سَعِید.................. 380

الْحُسَینِ بْنِ عُلْوَان................. 359

الحکیم.......................... 312

الْحَلَبِی........................... 383

حَمَّاد............................. 383

الخراسانی 19, 26, 46, 47, 48, 49, 52, 58, 70, 97, 106, 107, 108, 109, 112, 114, 115, 118, 127, 149, 151, 158, 161, 165, 185, 187, 200, 202, 207, 218, 228, 230, 231, 232, 233, 240, 242, 246, 247, 249, 251, 252, 262, 265, 268, 269, 272, 275, 276, 277, 281, 282, 283, 285, 287, 295, 302, 309, 313, 317, 319, 320, 321, 326, 327, 328, 330, 336, 344, 353, 368, 369, 370, 371, 372, 384, 393, 399, 409, 425

خ

الخوئی 35, 36, 38, 49, 50, 70, 79, 90, 95, 99, 100, 113, 114,

ص: 462

121, 131, 133, 141, 152, 154, 157, 160, 161, 164, 165, 167, 168, 170, 172, 173, 174, 175, 176, 177, 179, 181, 182, 183, 188, 195, 200, 203, 206, 207, 208, 209, 210, 213, 214, 215, 218, 219, 224, 225, 226, 227, 235, 247, 262, 263, 266, 268, 269, 270, 272, 276, 277, 278, 290, 291, 292, 293, 295, 296, 302, 304, 305, 318, 324, 326, 327, 328, 336, 339, 343, 344, 349, 357, 358, 364, 365, 368, 369, 377, 378, 384, 385, 388, 389, 393, 403, 411, 415, 416, 418, 420, 426, 428

ر

الروحانی........................ 400

ز

زرارة........................ 85, 379

زَکَرِیا بْنِ مُوسَی.................. 360

الزنوزی.................... 110, 113

س

سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله............. 359, 360

السَّکُونِی......................... 360

السید المرتضی................... 262

ش

الشاه آبادی...................... 284

الشیخ الأنصاری 97, 216, 240, 242, 330, 372

الشیرازی (المیرزا المجدد).......... 226

ص

صاحب الفصول................... 26

صاحب القوانین................... 72

صاحب هدایة المسترشدین.......... 99

صاحب الجواهر.................. 241

الصدر 34, 38, 41, 42, 46, 76, 77, 78, 81, 83, 84, 164, 168, 171, 172, 177, 183, 269, 401, 417, 420

الصدوق................... 125, 133

ط

الطباطبائی....................... 115

الطوسی.................... 130, 137

ع

عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی......... 359

ص: 463

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَان............ 358, 380

العراقی 34, 46, 56, 60, 61, 66, 70, 78, 79, 151, 158, 194, 202, 203, 207, 233, 272, 286, 302, 304, 309, 310, 311, 312, 332, 333, 334, 384, 387, 389, 401

عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیم.......... 66, 359, 383

عَلِی بْنُ الْحُسَین................... 359

عَلِی بْنِ الْحَکَم.................... 134

عُمَرَ بْنِ أُذَینَة..................... 379

غ

غِیاثِ بْنِ کَلُّوب.................. 359

ف

الفاضل الجواد................... 399

الفخر الرازی.................... 132

الفشارکی........................ 413

فَضَالَةَ عَنِ ابْنِ سِنَان.............. 380

ق

القوچانی.......................... 24

ک

الکلینی........................... 63

م

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِید.. 134

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَن........ 358, 379, 380

مُحَمَّدِ بْنِ سَعِید.................... 360

مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِم..................... 87

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوب............ 359, 383

المشکینی..................... 25, 191

ن

النائینی 37, 38, 52, 82, 84, 99, 100, 112, 113, 114, 131, 150, 164, 165, 167, 173, 175, 176, 177, 179, 187, 194, 195, 200, 201, 204, 207, 209, 210, 213, 219, 226, 229, 232, 240, 242, 246, 254, 272, 284, 290, 292, 328, 354, 400

النجاشی......................... 134

نَضْرِ بن سوید.................... 380

ه-

هِشَامِ بْنِ سَالِم.................... 134

ی

یحْیی بْنِ زَکَرِیا.................... 359

الْیسَعِ بْنِ عَبْدِ اللَهِ الْقُمِّی........... 360

ص: 464

المجلد 3

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

ص: 2

عُیونُ الأَنظار

(المجلد الثالث)

مباحث الألفاظ: القسم الثانی

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الثالث: «المفاهیم»

تمهید مقدمات / 21

المقدمة الأولی: فی کلمة المفهوم. 21

المطلب الأوّل: المراد من کلمة المفهوم فی هذا البحث... 21

المطلب الثانی: تعریف المفهوم. 22

القول الأوّل: 23

القول الثانی: 25

المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجّیته؟. 27

المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة. 28

المطلب الأوّل: تعریف هذه الدلالات الثلاث... 28

أمّا دلالة الاقتضاء: 28

أمّا دلالة التنبیه و الإیماء: 29

أمّا دلالة الإشارة: 29

المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟. 30

المقدمة الرابعة: فی أنّ المسألة أُصولیة أو غیرها و أنّها لفظیة أو عقلیة؟. 33

المطلب الأوّل: هل المسألة أُصولیة أو لا؟. 33

ص: 5

المطلب الثانی: هل المسألة لفظیة أو عقلیة؟. 33

الفصل الأول: مفهوم الشرط / 35

المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط.. 43

الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط: من طریق العلیة المنحصرة. 43

أمّا الرکن الأول: 44

أمّا الرکن الثانی.. 45

أمّا الرکن الثالث: 49

أما الرکن الرابع: 52

الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط: 76

مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق: 76

بیان العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی (قدس سره): 77

الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط: 78

مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة: 78

الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط: 81

المقدمة: 81

الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط: 84

المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط.. 88

الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) 88

الوجه الثانی: 89

الوجه الثالث: عن السید المرتضی (قدس سره) 90

التنبیه الأول: هل المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم أو شخص الحکم؟. 97

المطلب الأوّل: فی أنّ مفاد المفهوم انتفاء سنخ الحکم. 97

المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً 99

الأوّل: مسلک الشیخ الأنصاری (قدس سره) 99

الثانی: مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) 100

الثالث: مسلک المحقق النائینی (قدس سره) 101

الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) 102

الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره) 103

ص: 6

التنبیه الثانی: فیما إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء. 105

أما الوجه الأوّل: 109

أما الوجه الثانی: 111

أما الوجه الثالث: 113

أما الوجه الرابع: 115

أما الوجه الخامس: 118

التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات... 121

المطلب الأوّل: تداخل الأسباب... 122

الجهة الأُولی: 122

الجهة الثانیة: الأقوال فی المقام. 131

الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلّة. 134

الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المقام. 141

المطلب الثانی: تداخل المسبّباب... 143

الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل. 143

الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة. 144

الفصل الثانی:مفهوم الوصف / 151

المقدمة الأُولی: محل النزاع.. 153

المقدّمة الثانیة: 153

الأقوال فی المسألة أربعة: 155

القول الأوّل: دلالة الوصف علی المفهوم. 155

أدلّة القول الأول: 156

القول الثانی: عدم دلالة الوصف علی المفهوم. 162

دلیل القول الثانی: 163

القول الثالث: تفصیل العلامة الحلّی (قدس سره) 164

دلیل القول الثالث... 164

القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) 165

دلیل القول الرابع: 165

القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه. 168

ص: 7

الفصل الثالث: مفهوم الغایة / 175

المقام الأوّل:هل تدلّ الغایة علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟. 178

القول الأوّل: 178

القول الثانی: 179

القول الثالث: 180

القول الرابع: 181

القول الخامس: 182

أدلّة الأقوال و مناقشتها 184

أمّا الدلیل علی القول الأول و الثانی و الکلام حولهما: 184

أمّا الدلیل علی القول الثالث: 184

بیان القول الرابع و الدلیل علیه: 186

بیان القول الخامس و الدلیل علیه: 187

المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟. 191

القول الأول: عدم دخول الغایة فی المغیی.. 191

القول الثانی: دخول الغایة فی المغیی.. 192

القول الثالث: 193

القول الرابع: 194

القول الخامس: 195

القول السادس... 196

أما ذکر الأدلّة و مناقشتها 200

دلیل صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول: 200

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی القول الأول: 200

الفصل الرابع: مفهوم الحصر / 203

أما کلمة «إلاّ». 206

المطلب الأوّل: دلالتها علی المفهوم. 206

المطلب الثانی: 207

المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟. 208

ص: 8

أما کلمة «إنّما». 210

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد / 215

البحث الرابع: العامّ و الخاصّ

الفصل الأول: تعریف العام و أقسامه / 227

أما تعریف العامّ. 229

التعریف الأوّل: 229

التعریف الثانی: 230

التعریف الثالث: 231

التعریف الرابع: 231

التعریف الخامس: 232

التعریف السادس: 233

التعریف السابع: 233

التعریف الثامن: 234

أما أقسام العامّ: ففیه ثلاثة مطالب... 235

المطلب الأوّل: 235

المطلب الثانی: الفرق بین العامّ و المطلق الشمولی.. 236

المطلب الثالث: الفرق بین العامّ و لفظ «عشرة» و نظائرها 237

الفصل الثانی: ألفاظ العموم / 239

الأمر الأوّل: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟. 242

و استدل علی إنکار الوضع بوجهین: 242

الوجه الأوّل: 242

الوجه الثانی: 243

الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم. 244

المورد الأول: لفظ «کلّ». 244

المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی.. 246

ص: 9

المسألة الأولی: هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟ 246

المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟ 248

المورد الثالث: الجمع المحلّی ب- «أل» و المفرد المحلّی ب- «أل». 250

القول الأوّل: 250

استدلال صاحب الکفایة (قدس سره): 251

القول الثانی: 251

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص / 253

الأمر الأوّل: هل العام المخصَّص مجاز أو لا؟. 257

الأمر الثانی: هل العام المخصَّص حجة فی الباقی أو لا؟. 259

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام / 261

المقام الأوّل: الشبهة المفهومیة. 265

الصورة الأُولی: المخصّص المتّصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر.. 265

الصورة الثانیة: المخصّص المتّصل المردّد بین المتباینین.. 265

الصورة الثالثة: المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر.. 265

القول الأول: 266

القول الثانی: 266

القول الثالث: 267

الصورة الرابعة: المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین.. 272

المقام الثانی: الشبهة المصداقیة. 273

الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً 276

المخصّص اللفظی المتّصل: 276

المخصّص اللفظی المنفصل: 276

الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً 279

النظریة الأُولی: 279

النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 279

النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 281

النظریة الرابعة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 283

ص: 10

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی / 287

الأمر الأوّل: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟. 289

آراء الأعلام فی هذه المسألة: 290

الأوّل: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) 290

الثانی: استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی التعنون. 292

الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره) 293

الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره) 294

الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون. 295

الأمر الثانی:ما الأصل العملی إذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟. 297

المطلب الأوّل: الأصل العملی إمّا موضوعی و إمّا حکمی.. 297

المطلب الثانی: قد یکون الأصلُ الموضوعی استصحاب العدم الأزلی.. 297

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 298

الأوّل: محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره) 298

الثانی: بیان نظریته (قدس سره) 299

الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی جریان استصحاب العدم الأزلی.. 299

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 304

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین بمقدماتها الخمس... 305

المقدّمة الأُولی: 305

المقدّمة الثانیة: 306

المقدّمة الثالثة: 306

المقدّمة الرابعة: 307

المقدّمة الخامسة: 307

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماتها الثلاث... 308

المقدّمة الأُولی: 309

المقدّمة الثانیة: 310

المقدّمة الثالثة: 311

النظریة الخامسة: ما اختاره المحقّق العراقی (قدس سره) 312

التنبیه الأوّل: 317

ص: 11

التنبیه الثانی: 319

القول الأوّل: 319

القول الثانی: 319

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص / 321

مقدّمة: 325

نظریة المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما): 325

الأمر الأوّل: 328

الدلیل الأوّل: 329

الدلیل الثانی: 330

الدلیل الثالث: 331

الدلیل الرابع: 335

الدلیل الخامس: 336

الدلیل السادس: 337

الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم. 340

الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟ / 343

الأمر الأوّل: إمکان تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب... 346

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): 346

الأمر الثانی: إمکان مخاطبة الغائبین و المعدومین.. 349

قول المحقّق الخراسانی (قدس سره): 349

تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المقام: 349

الأمر الثالث: عموم الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائبین و المعدومین.. 351

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره): 351

التنبیه الأوّل: فی تفصیل أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 353

التنبیه الثانی: ثمرة البحث... 354

ص: 12

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده / 355

أقوال فی المسألة. 359

القول الأوّل: 359

استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأوّل: 359

دلیل آخر علی القول الأوّل: 363

تذییل المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 363

القول الثانی: 364

دلیل القول الثانی: 365

القول الثالث: 367

دلیل القول الثالث: 367

الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم / 369

المقدّمة: بیان المحقق النائینی (قدس سره): 371

هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف؟. 376

القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم. 377

القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ. 378

الوجه الأوّل: 378

الوجه الثانی: 379

القول الثالث: التفصیل الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 379

القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) 381

الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل / 385

القول الأوّل: 388

القول الثانی: 388

القول الثالث: 388

القول الرابع: 389

القول الخامس: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) و هو المختار. 389

ص: 13

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد / 393

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة. 395

الأمر الثانی: فی ذکر الأدلّة. 397

الوجه الأوّل: 397

الوجه الثانی: 397

أمّا التحقیق حول أقوال العامّة: 399

الدلیل علی القول الأوّل أوجه أربعة: 399

الوجه الأوّل: 399

الوجه الثانی: 400

الوجه الثالث: 400

الوجه الرابع: 401

الدلیل علی القول الثانی: 402

الدلیل علی القول الثالث: 402

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ / 403

مقدمة: فی بیان صور المسألة. 405

أما الصورة الأُولی: 408

القول الأوّل: 408

الاستدلال علی عدم إمکان ناسخیة الخاصّ: 408

القول الثانی: 409

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة: 409

أما الصورة الثانیة: 413

النظریة الأُولی: التفصیل.. 413

النظریة الثانیة: 414

أما الصورة الثالثة: 417

أما الصورة الرابعة: 418

الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 418

الوجه الثانی: استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی کون الخاصّ مخصّصاً 421

ص: 14

أما الصورة الخامسة: 422

أما الصورة السادسة و السابعة: 423

أما الصورة الثامنة: 424

التنبیه الأوّل: 425

التنبیه الثانی: 428

البحث الخامس: المطلق و المقید و المجمل و المبین

الفصل الأوّل: المراد من المطلق / 433

الأمر الأوّل: تعریف «المطلق». 435

التعریف الأوّل: 435

التعریف الثانی: 437

التعریف الثالث: 437

الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید. 438

القول الأوّل: 438

القول الثانی: 439

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق» / 441

الأمر الأوّل: اسم الجنس... 444

الموضع الأوّل: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدّمات الحکمة؟. 444

القول الأوّل: 444

القول الثانی: 444

الموضع الثانی: فی ما وضع له «اسم الجنس». 446

القول الأوّل: الکلی الطبیعی.. 446

القول الثانی: ذات المعنی.. 448

بیان القول الثانی: 449

بیان القول الأوّل بتفسیره الثالث: 452

الأمر الثانی: علم الجنس... 455

القول الأوّل: 455

ص: 15

القول الثانی: 455

استدلّ علی ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه: 456

استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الثانی: 457

الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام. 459

الموضع الأوّل: فی أقسام المعرّف باللام. 459

ما الدال علی هذه الخصوصیات؟ 460

الموضع الثانی: فی مدلول اللام. 462

القول الأوّل: 462

القول الثانی: 462

الأمر الرابع: الجمع المحلّی باللام. 465

القول الأوّل: توقفه علی جریان مقدمات الحکمة. 465

القول الثانی: عدم توقفه علی جریان مقدمات الحکمة. 465

الوجه الأوّل: الوضع. 465

الوجه الثانی: 466

الأمر الخامس: النکرة. 468

الموضع الأوّل: المراد من النکرة. 468

البیان الأوّل: 468

البیان الثانی: 469

البیان الثالث: القول المختار. 469

الموضع الثانی: هل یکون النکرة من مصادیق «المطلق»؟. 471

القول الأوّل: 471

القول الثانی: 471

التنبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟. 473

الفصل الثالث:فی مقدّمات الحکمة / 475

الأمر الأوّل: فی تعیین مقدمات الحکمة. 477

القول الأوّل: 477

القول الثانی: 478

الأمر الثانی: فی بیان مقدمات الحکمة. 479

ص: 16

المقدمة الأولی: فی أن المتکلم لابد أن یتمکن من البیان.. 479

مقام الثبوت... 479

مقام الإثبات... 479

المقدمة الثانیة: فی أن المتکلم فی مقام البیان.. 481

الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة. 481

الناحیة الثانیة: إذا شک فی أنّ المتکلّم فی مقام البیان. 482

الوجه الثالث: 484

الوجه الرابع: 484

المقدمة الثالثة: فی عدم الاتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة. 485

المقدمة الرابعة: فی القدر المتیقن فی مقام التخاطب... 486

الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟ / 489

الموضع الأوّل و الثانی: 491

الموضع الثالث: 492

الموضع الرابع: 493

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید / 495

المقام الأوّل: 498

المقام الثانی: 501

نظریة المشهور: عدم الحمل.. 502

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار: 502

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات / 505

النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) 507

النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) 508

الأوّل: أن یکون ذا مفهوم. 508

الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم. 508

الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید. 508

الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو. 509

ص: 17

النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین.. 510

الفصل السابع: المجمل والمبین / 511

تفسیر المجمل و المبین.. 513

أقسام المجمل.. 513

أمّا الإجمال الحقیقی: 514

أمّا الإجمال الحکمی: 514

المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟. 514

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة. 514

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة. 515

تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع.. 515

الفهارس... 517

ص: 18

البحث الثالث: «المفاهیم»

اشارة

فیه أربع مقدمات و خمسة فصول

مقدمات:

1) فی کلمة «المفهوم»

2) هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجیته؟

3) دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة

4) هل المسألة اصولیة أو لا؟ و لفظیة أو عقلیة؟

الفصل الأول: مفهوم الشرط

الفصل الثانی: مفهوم الوصف

الفصل الثالث: مفهوم الغایة

الفصل الرابع: مفهوم الحصر

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد

ص: 19

ص: 20

تمهید مقدمات

اشارة

قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان مقدمات:

المقدمة الأُولی: فی کلمة المفهوم
اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأوّل: المراد من کلمة المفهوم فی هذا البحث

إطلاقان لکلمة المفهوم:

إنّ کلمة «المفهوم» قد یطلق علی کلّ ما یفهم من اللفظ أو غیره، فهو یساوق کلمة «المعنی» و یقابله کلمة «المصداق».

و قد یطلق علی المعنی الترکیبی الذی یفهم من اللفظ بالعلاقة اللزومیة إمّا باللزوم البین بالمعنی الأخصّ أو باللزوم البین بالمعنی الأعم و هو المراد ههنا.

و یقابله کلمة «المنطوق» و هو یطلق علی المعنی الترکیبی الذی یدلّ علیه اللفظ بالمطابقة أو بالإطلاق أو بمعونة القرائن العامّة أو الخاصّة.

ص: 21

المطلب الثانی: تعریف المفهوم
اشارة

هنا قولان((1)) فی تعریف «المفهوم» نشیر إلیهما:

ص: 22


1- . راجع الفصول، ص146و مطارح الأنظار، ص168و غایةالمسئول، ص330 و وقایة الأذهان، ص409 و حواشی المشکینی ج2، ص264 و هدایة المسترشدین، ج2، ص410: المفهوم حکم دلّ علیه اللفظ حال کون متعلّقه غیر مذکور و قد یفسّر الموصول بالموضوع و یکون الضمیر راجعاً إلیه باعتبار الحکم المتعلّق به و یکون المجرور حینئذٍ حالا عن الموصول فمناط الفرق بین المنطوق و المفهوم علی هذین الوجهین هو اعتبار ذکر الموضوع فی المنطوق و اعتبار عدمه فی المفهوم من دون ملاحظة حال الحکم المدلول علیه... فالأولی أن یقال: إنّ دلالة المفهوم هو دلالة الکلام علی ثبوت الحکم المذکور فیه لموضوع غیر مذکور أو نفیه عنه أو ثبوته علی تقدیر غیر مذکور أو نفیه کذلک و دلالة المنطوق ما کان بخلاف ذلک و المدلول فی الوجهین هو المفهوم أو المنطوق إن جعلناهما من أقسام المدلول کما هو الظاهر و إن جعلناهما من أقسام الدلالة فالحدّان المذکوران ینطبقان علیهما. و فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص137: «لابدَّ و أَنْ تکون هناک نکتة أُخری إضافیة مع وجودها یصبح المدلول الالتزامی مفهوماً، فما هی تلک النکتة الإضافیة؟و فی مقام بیان هذه النکتة توجد وجوه عدیدة: الوجه الأوّل: ما ذکره المحقّق النائینی (قدس سره) علی ما فی تقریرات بحثه... و هذا الوجه لاینطبق علی واقع البحث الذی یبحثه الأصولیون فی باب المفاهیم بما فیهم هذا المحقّق نفسه ...حیث قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص476: إنّ المفهوم- علی ما عرفت منّا مراراً- عبارة عن المدرک العقلانی الذی یدرکه العقل عند الالتفات إلی الشی ء... و المقصود فی المقام بیان أنّ المراد من المنطوق: هو المدلول المطابقی للجملة الترکیبیة و المراد من المفهوم: هو المدلول الالتزامی لها علی وجه یکون بیناً بالمعنی الأخصّ... و قال فی ص478: لایهمّنا البحث و إطالة الکلام فی التعریفات التی ذکروها للمنطوق و المفهوم، مع ما یرد علیها من عدم الانعکاس و الاطراد، فإنّها تعاریف لفظیة قلّما تسلم عن الإشکال الوجه الثانی: ما ذکره المحقّق الخراسانی (قدس سره) ... الوجه الثالث: ما ذکره المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنَّ المفهوم عبارة عن التابع فی الانفهام مع فرض کون حیثیة الانفهام مأخوذة فی المنطوق فإنَّ حیثیة انفهام المدلول الالتزامی من المنطوق الذی هو المدلول المطابقیسواءً کان من أصله أو من حدّه و خصوصیته کما ذکر الخراسانی- تارة: یدلّ علیها المنطوق أیضاً، کما فی دلالة الجملة الشرطیة علی الانحصار و أخری: لایدلّ علیها المنطوق، کما فی دلالة الأمر بشی ء علی وجوب مقدمته فإنَّ حیثیة الملازمة لاتُستفاد من المنطوق بل لابدَّ من البرهنة علیها من الخارج فالأوّل هو المفهوم و الثانی لیس بمفهوم ...الوجه الرابع: ما هو الصحیح عندنا و حاصله: إنَّ القضیة التی تربط بین جزءین لامحالة یکون اللازم لهما إمّا لازماً لنفس هذین الجزءین بنحو لو بدّلنا أحد الجزءین بشی ء آخر فلایثبت اللازم أو لازماً للربط بین الجزءین بنحو یکون اللازم ثابتاً ما دام أنَّ الربط الخاصّ ثابت و إن تغیر طرفاه فالقسم الثانی من اللازم هو المفهوم دون الأوّل».
القول الأوّل:
اشارة

قد عرّف الحاجبی و الشیخ البهائی (قدس سره) ((1)) «المنطوق» بأنّه ما دلّ علیه اللفظ فی محل النطق و «المفهوم» بأنّه ما دلّ علیه اللفظ لا فی محل النطق.((2))

ص: 23


1- . زبدة الأصول، ص149.
2- . فی الفصول، ص145: «و الظاهر أنّ الظرف فی المقامین متعلّق بدل و أنّ المراد بکون الدلالة فی محل النطق أن تکون ناشئة من اللفظ ابتدأ أی بلا واسطة المعنی المستعمل فیه و من کونها لا فی محل النطق أن تکون ناشئة بواسطة المعنی المستعمل فیه» و فی تقریرات آیة الله المجدّد الشیرازی للمولی علی الروزدری، ج3، ص135: «و المراد بالموصول إنّما هو الحکم و الظاهر أنّ قولهم: (فی محل النطق) ظرف لغو متعلق ب:(دلّ) و أنّ المراد بالنطق إنّما هو النطق باللفظ أی التلفظ به فالمراد أنّ المنطوق هو المفهوم من اللفظ بحسب التلفظ به و المفهوم هو المنفهم منه فی غیره بحسب التلفظ». ذکروا علی هذا التعریف إیرادات: و فی القوانین، ص167: «و فیه مسامحة فإنّ المعیار فی الفرق بینهما هو کون ما له المدلول أی الموضوع فی محل النطق و عدمه و المقصود من المدلول هو الحکم أو الوصف فلایتمّ جعل قوله فی محل النطق حالاً من الموصول إلّا بارتکاب نوع من الاستخدام و لو جعل الموصول کنایة عن الموضوع یلزم خروجه عن المصطلح و ارتکاب نوع استخدام فی الضمیر المجرور و کیف کان فالأمر فی ذلک سهل» و فی مقالات الأصول، ص395: «لایخفی ما فیه من أنّ هذا البیان فی المفهوم یشمل مطلق المدالیل الالتزامیة حتی غیر البینة منها فضلاً عن البینة منها بالمعنی الأعم و لازمه کون المنطوق منحصراً بالدلالة المطابقیة و التضمنیة لأنّها یکون مدلولها فی محل النطق لا غیر و الحال أنّ بناءهم علی حصر المفهوم المصطلح بالبینات بالمعنی الأخص الذی کانت الملازمة بینهما بمثابة من الوضوح الموجب للانتقال من [الملزوم] إلی اللازم فی عالم التصوّر بلا التفات إلی الملازمة تفصیلاً، بل یختص المفهوم المصطلح أیضاً بالقضایا و لایشمل دلالة المفردات علی لازمها و لو کانت بتلک المثابة کدلالة الحاتم علی الجود، بل ینحصر اصطلاح (المفهوم) بصورة تعلیق سنخ الحکم لا شخصیته و إلّا فلیس ذلک بمفهوم». راجع الفصول، ص145.

و فسّره العضدی((1)) بأنّ المنطوق ما یکون حکماً لمذکور و حالاً من أحواله سواء ذکر ذلک الحکم و نطق به أم لا؛ و «المفهوم» (و هو ما دلّ علیه اللفظ لا فی محل النطق) بخلافه بأن یکون حکماً لغیر المذکور و حالاً من أحواله.

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):((2))

إنّ المفهوم إنّما هو حکم غیرُ مذکورٍ، لا أنّه حکم لغیر مذکور و إلّا یلزم خروج مفهوم الشرط ومفهوم الغایة عن المفهوم، لأنّ الموضوع فی مفهوم الشرط و الغایة مذکور فی المنطوق.((3))

ص: 24


1- . و کذا فسّره فی الوافیة ص231 و فی تجرید الأصول، لمحمّد مهدی النراقی، ص211 و عرّف به فی القوانین المنطوق قال فی ص167: «إنّ المنطوق هو مدلول یکون حکماً من أحکام شیء مذکور و حالاً من أحواله و أمّا نفس ذلک المدلول فقد لایکون مذکوراً فی المنطوق أیضاً». تفاسیر أخر لتعریف ابن الحاجب: فی منتهی الأصول، ص421: «و الظاهر من هذه العبارة هو أنّ المنطوق هو المدلول المطابقی للفظ أو التضمنی إن قلنا بأنّ للفظ مدلول تضمنی خلافاً لما ذهب إلیه شیخنا الأستاذ من إنکاره و أنّ مدالیل الألفاظ ... بسائط لیس لها أجزاء حتی تکون دلالة اللفظ علی بعض تلک الأجزاء دلالة تضمنیة، لأنّ هذین القسمین هما مدلولا اللفظ فی محل النطق، بخلاف المدلول الالتزامی لیس مدلولاً فی محل النطق، بل لاینتقل الذهن إلیه إلّا بواسطة الملازمة التی تکون بین مدلول اللفظ و بینه و لذلک لو لم یعلم بتلک الملازمة لا إجمالاً و ارتکازاً و لا تفصیلاً لاینتقل ذهنه إلیه فهو معنی خارج عن محل النطق أی لیس مدلولاً لنفس اللفظ ابتداء و بلا واسطة».
2- . کفایة الأصول (آل البیت) ص193، المقصد الثالث فی المفاهیم: مقدمة [تعریف المفهوم و أنّه من صفات المدلول أو الدلالة].
3- . فی مطارح الأنظار، ص168: «أورد علیه أوّلاً: بخروج المفاهیم کمفهوم الشرط مثل قولک: إن جاء زید فأکرمه فإنّ الموضوع فی المفهوم هو زید المذکور فی المنطوق و مفهوم الغایة کقولک: صم إلی اللیل فإنّه لایجب فیه إلی الصیام و هو مذکور و مفهوم الحصر کقولک: إنّما زید قائم و بمفهوم اللقب نحو قولک: یجب إکرام غیر زید و بنحو فاسئل القریة فیختل التعریفان طرداً و عکساً و ثانیاً: أنّهم ذکروا أنّ الإیماء و الإشارة من المنطوق و مثلوا لهما بالآیتین فإنّ دلالتهما علی أنّ أقلّ الحمل ستة بالمنطوق مع أنّ أقلّ الحمل الذی هو الموضوع غیر مذکور و ثالثاً: أنّ المدالیل الالتزامیة التی لایعدّ عندهم من المفهوم فی الأغلب لایکون الموضوع فیهما مذکوراً».
القول الثانی:

قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی تعریف «المفهوم»: إنّه عبارة عن حکم إنشائی أو إخباری یستتبع (هذا الحکم الإنشائی أو الإخباری) خصوصیة المعنی المنطوقی بحیث یکون هذا الحکم الإنشائی أو الإخباری من لوازم المعنی المنطوقی لوجود تلک الخصوصیة، سواء کان الدال علی الخصوصیة هو الوضع أو الإطلاق بقرینة الحکمة. ((1))

ص: 25


1- . إشکالات علی التعریف الثانی: فی نهایة النهایة، ص255: «إنّ التعریف منقوض بتمام المدالیل الالتزامیة لصدقه علیها مع أنّها لیست من المفهوم اصطلاحاً و یمکن إخراجها بتقییده بما تستتبعه الخصوصیة المستفادة من هیئة الجملة دون المستفادة من موادها موضوعها أو محمولها». و فی حاشیة علی الکفایة، ص429: «یستشکل بأنّ الخصوصیة الکذائیة إن کانت خارجة عن معنی اللفظ، ینافی ما یتبادر من کلامهم بأنّ المفهوم هو ما دلّ علیه اللفظ و إن کانت داخلة فی معناه کما هو ظاهر کلامه (قدّس سرّه)، تکون من المدالیل الالتزامیة کما یظهر بالتأمّل» و فی حواشی المشکینی، ج2، ص264: «و فیه: أنّه لایصدق علی حرمة الشتم المستفادة من قوله تعالی: (وَ لاَ تَقُل لَهُمَا أفٍّ)(الإسراء:23) الآیة، إذ هی لیست لازمة لخصوصیة من خصوصیات المعنی المراد من اللفظ» و فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص139: «و فیه: أوّلاً: أنّه بناء علی التعریف السابق الذی بینه للمفهوم لایعقل إدخال مفهوم الموافقة فی المفاهیم فإنّه لازم لأصل المدلول المطابقی لا لخصوصیة فیه فمثلاً حرمة الضرب تکون لازماً لأصل المدلول المطابقی لقوله تعالی: (وَ لاَ تَقُل لَهُمَا أفٍّ) (الإسراء:23) و إِنْ کان بحسب الغرض مفهوم الموافقة خارجاً عن هذا البحث المعقود لأجل مفاهیم المخالفة بالخصوص. ثانیاً: إنَّ ما ذکره من التعریف لیس مانعاً فإنّه قد ینطبق علی ما لیس مفهوماً کوجوب المقدمة الذی هو لازم لوجوب ذی المقدمة، بناء علی أنَّ المدلول المطابقی لصیغة الأمر لیس هو الوجوب و إنَّما هو الطلب و الوجوب مستفاد من الإطلاق و مقدمات الحکمة فإنّه حینئذٍ یصبح وجوب المقدمة لازماً لخصوصیة فی المدلول المطابقی مع أنّه لیس من المفاهیم حتی بناء علی استفادة الوجوب من مقدمات الحکمة».

و نکتفی هنا بما تقدّم من بیان المراد من «المفهوم».

ص: 26

المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجّیته؟

إنّ البحث هنا عن دلالة الجمل الترکیبیة علی المفهوم فمع ثبوت الدلالة یتحقق صغری أصالة الظهور و مع عدم ثبوته فلا صغری لأصالة الظهور.

و علی هذا فالبحث هو فی ثبوت الدلالة، أمّا حجّیتها فهی مفروغ عنها، لأنّ الظهور حجة کما یجیء فی مبحث الحجج.

ص: 27

المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة
اشارة

و فیه مطلبان:

المطلب الأوّل: تعریف هذه الدلالات الثلاث
اشارة

قبل بیان الأقوال لابدّ من تعریف تلک الدلالات.((1))

أمّا دلالة الاقتضاء:

فهی مقصودة للمتکلم و یتوقف صدق الکلام أو صحته عقلاً أو شرعاً

ص: 28


1- . هدایة المسترشدین، ج 2، ص415: «إنّ جماعة قسّموا الدلالة فی المنطوق الغیر الصریح إلی: دلالة الاقتضاء و دلالة التنبیه و الإیماء و دلالة الإشارة و ذلک لأنّه إمّا أن تکون الدلالة مقصودة للمتکلّم بحسب مفاهیم العرف، أو لا و علی الأوّل فإمّا أن یتوقّف علیه صدق الکلام أو صحّته عقلاً أو شرعاً و هو دلالة الاقتضاء، کما فی قوله صلّی الله علیه و آله و سلّم: «رفع عن أمّتی الخطأ» فإنّ صدق الکلام یتوقّف علی تقدیر المؤاخذة و نحوها و قوله تعالی: (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ) فإنّ صحّة ذلک عقلاً یتوقّف علی تقدیر الأهل و قولک: «أعتق عبدک عنّی علی ألف» أی مملّکاً علی ألف لتوقّف صحّة العتق علیه شرعاً. أو لایتوقّف علی ذلک، بل یکون مقترناً بشی ء لو لم یکن ذلک الشی ء علّة له لبعد الاقتران، کما فی قوله علیه السّلام: «کفر» بعد قول الأعرابی: «واقعت أهلی فی نهار رمضان» فإنّه یفید أنّ الوقاع فی نهار رمضان موجب للکفّارة و هذا هو دلالة التنبیه و الإیماء و الثانی و هو ما لاتکون الدلالة مقصودة فی ظاهر الحال دلالة الإشارة، کدلالة الآیتین علی أقلّ الحمل فلو کانت مقصودة بحسب المتفاهم کما لو فرض ورودهما فی مقام بیان أقلّ الحمل لم تکن من دلالة الإشارة و أنت خبیر بأنّ ما ذکروه غیر حاصر لوجوه دلالة الالتزام ممّا لایندرج فی المفهوم و الأولی فی التقسیم أن یقال: إنّ الدلالة الالتزامیة ممّا لایعدّ من المفهوم إمّا أن تکون مقصودة للمتکلّم بحسب العرف و لو بملاحظة خصوص المقام، أو لا و علی الأوّل فإمّا أن یتوقّف صدق الکلام أو صحّته عقلاً أو شرعاً أو عادة أو لغة علیه، أو لا فالأوّل هو دلالة الاقتضاء، کما فی الأمثلة المتقدّمة... و الثانی دلالة التنبیه و الإیماء و ذلک إنّما یکون بدلالة الکلام و لو بانضمام ما یقترن به من القرینة اللفظیة أو الحالیة ما یقطع معه بإرادة ذلک اللازم أو یستبعد خلافه من غیر أن یتوقّف صدق أصل الکلام و لا صحّته علی ذلک.

علیها مثل «لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ»((1)) فإنّ صدق الکلام یتوقف علی تقدیر «الأحکام» بمعنی لا ضرر فی أحکام الإسلام و مثل (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ)((2)) فإنّ صحّة الکلام عقلاً یتوقف علی تقدیر «الأهل» بمعنی و اسأل أهل القریة ومثل «أعتق عبدک عنّی بألف دینار» فإنّ صحة الکلام شرعاً یتوقف علی طلب تملیک العبد بألف دینار أولاً ثم عتقه لأنّه لا عتق إلّا فی ملک. فیکون المعنی ملّکنی هذا العبد بألف دینار ثم أعتقه عنّی.

أمّا دلالة التنبیه و الإیماء:

فهی أیضاً مقصودة للمتکلم ولکن صدق الکلام و صحته لایتوقف علیها مثل قول الرجل لرسول الله (صلی الله علیه و آله): «هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ. فَقَالَ (صلی الله علیه و آله) وَ مَا أَهْلَکَکَ؟ قَالَ أَتَیتُ امْرَأَتِی فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِی (صلی الله علیه و آله): أَعْتِقْ رَقَبَةً»((3)) بعنوان الکفارة، فإنّه یدلّ علی أنّ من واقع أهله فی صوم شهر رمضان یجب علیه الکفارة.

أمّا دلالة الإشارة:

فهی غیر مقصودة مثل دلالة الآیتین: (وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)((4))

(وَ الْوالِداتُ یرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَینِ کامِلَینِ)((5)) علی أقل الحمل.

ص: 29


1- . الخلاف، الطوسی، ج3، ص81؛ عوالی اللئالی، ج1، ص220؛ الوسائل، ج26، ص14، ح10؛ و... أیضاً: عن النبی (صلی الله علیه و آله): «لَا ضَرَرَ وَ لَا إِضْرَارَ فِی الْإِسْلَام» من لایحضره الفقیه، ج4، ص334، ح5718؛ عوالی اللئالی، الإحسائی، ج1، ص383، و... .
2- .سورة یوسف (12): 82.
3- . الوسائل: ج10، ص46، الباب 8 من أبواب ما یمسک عنه الصائم، ح5.
4- . سورة الأحقاف (46): 15.
5- . سورة البقرة (2): 233.
المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟
اشارة

قد اختلف فی دخول دلالة الاقتضاء و التنبیه (الإیماء) و الإشارة فی محل النزاع. هنا ثلاثة أقوال:

القول الأوّل: إنّ المحقّق القمی (قدس سره) قال بأنّها دلالة منطوقیة غیر صریحة.

القول الثانی: إنّ المحقّق النائینی((1)) و الخوئی (قدس سره) قالا بأنّها لا منطوقیة و لامفهومیة مع اختلاف بینهما فی تقریر ذلک.

القول الثالث: إنّ بعض الأعلام قالوا بدخول بعضها فی الدلالة المفهومیة.

أما تحقیق المطلب:

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی أنّ هذه الدلالات لیست مفهومیة:((2))

ص: 30


1- . قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص477: «و اللازم فی الدلالة الالتزامیة، إمّا أن یکون لازماً بالمعنی الأخصّ و إمّا أن یکون لازماً بالمعنی الأعمّ و اللازم بالمعنی الأعم، سواء کان فی المعانی الأفرادیة أو فی الجمل الترکیبیة، لیس من المدالیل اللفظیة لأنّ اللفظ لایدلّ علیه و لاینتقل الذّهن إلیه بواسطة اللفظ، بل یحتاج إلی مقدّمة عقلیة و من هنا قلنا: إنّ مسألة مقدمة الواجب و مسألة الضد، لیست من المباحث اللّفظیة، لکون اللازم فیها لازماً بالمعنی الأعم، لتوقف اللزوم علی توسیط حکم العقل و لعلّ دلالة الاقتضاء کقوله تعالی: (وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ) و دلالة الإشارة و الإیماء کدلالة الآیتین علی أنّ أقلّ الحمل یکون ستة أشهر و دلالة قوله (صلی الله علیه و آله): «کفّر»، عقیب قول السائل: «هلکت و أهلکت جامعت أهلی فی نهار شهر رمضان» علی علیة الجماع للتکفیر- إذ لو العلیة لبطل الاقتران- کلّ ذلک یکون اللازم فیه من اللازم بالمعنی الأعمّ فلایکون من الدلالة اللفظیة و علی تقدیر تسلیم کون بعضها من الدلالة اللّفظیة فهو لیس من المنطوق و المفهوم المبحوث عنه فی المقام، إذ المراد من المنطوق: هو ما دلّ علیه الجملة الترکیبیة بالدلالة المطابقیة و المراد من المفهوم: هو ما دلّت علیه الجملة الترکیبیة بالدلالة الالتزامیة بالمعنی الأخص.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص244.

إنّ انفهام مفهوم ترکیبی من جملة ترکیبیة إن استند إلی دلالة نفس الجملة فی حدّ ذاتها علی ذلک المعنی کانت الدلالة منطوقیةً.

و إن استند إلی لزومه لانفهام منطوق الجملة بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ لتکون الدلالة لفظیةً کانت الدلالة مفهومیةً.

و بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم لتکون الدلالة عقلیةً کانت الدلالة سیاقیةً کما فی دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة و غیرها من دون فرق فی ذلک بین دلالة جملة واحدة علی المعنی الترکیبی و دلالة جملتین علیه.

و قال((1)) فی وجه الفرق بین الدلالة الالتزامیة بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم:

إنّ الدلالة الالتزامیة تنقسم إلی قسمین: لفظیة و عقلیة.

و وجهه أنّ لزوم انفهام شیء لانفهام الموضوع له إن کان بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ (کما فی مثال الضوء و الشمس أو العمی و البصر) فالدلالة لفظیة، لعدم احتیاج دلالة اللفظ حینئذ إلی مقدمة أُخری عقلیة.

و إن کان بنحو اللزوم البین بالمعنی الأعم بأن یکون الانفهام اللازم لانفهام الموضوع له محتاجاً إلی مقدّمة عقلیة خارجیة کانفهام وجوب المقدمة من وجوب ما یتوقف علیها، کانت الدلالة عقلیةً.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:((2))

أولاً: إنّ دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة و ما شاکل ذلک خارجة عن محلّ

ص: 31


1- . أجود التقریرات، ج2، ص243.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص195.

الکلام، لأنّ اللزوم فی تلک الموارد لزوم غیر بین و یحتاج الانتقال إلی اللازم فی تلک الموارد إلی مقدمة خارجیة.

ثانیاً: إنّ ما أفاده خلط بین اللزوم البین بالمعنی الأعم و اللزوم غیر البین.

توضیح ذلک:((1)) إنّ اللزوم البین بالمعنی الأعم إنّما یمتاز عن اللزوم البین بالمعنی الأخص بأنّه یکفی فی اللزوم البین بالمعنی الأخصّ تعقّل نفس الملزوم فی الانتقال إلی لازمه، بخلاف اللزوم البین بالمعنی الأعم، فإنّه لایکفی فیه ذلک، بل لابدّ فیه من تصوّر اللازم و الملزوم و النسبة بینهما.

و أمّا إذا کان لزوم انفهام شیء لانفهام شیء آخر محتاجاً إلی ضمّ مقدمة عقلیة خارجیة، فاللزوم لایکون بیناً أصلاً و علیه فانفهام وجوب المقدمة من وجوب ذی المقدمة بما إنّه یحتاج إلی حکم العقل بثبوت الملازمة یکون من قبیل اللزوم غیر البین.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علیه((2))

إنّ بعض أقسام تلک الدلالات لایحتاج إلی المقدمة الخارجیة حتی یکون من اللزوم غیر البین بل اللزوم فیها لزوم بین بالمعنی الأعم و ذلک مثل دلالة الآیتین علی أقلّ الحمل فی دلالة الإشارة و مثل قوله (صلی الله علیه و آله): «کفّر» فی دلالة التنبیه.

نعم بعض أقسام تلک الدلالات یحتاج إلی المقدمة الخارجیة مثل قوله: «أعتق عبدک عنّی بألف دینار» و المقدمة الخارجیة هی «لا عتق إلّا فی ملک».

ص: 32


1- . علی ما فی هامش أجود التقریرات، ج2، ص244.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص171.
المقدمة الرابعة: فی أنّ المسألة أُصولیة أو غیرها و أنّها لفظیة أو عقلیة؟
المطلب الأوّل: هل المسألة أُصولیة أو لا؟
اشارة

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی کونها أُصولیة:((1))

قال (قدس سره): أمّا کونها من المسائل الأُصولیة فلوقوعها فی طریق الاستنباط بنفسها من دون ضمّ کبری أو صغری أُصولیة إلیها (لأنّ کبری حجیة الظواهر مفروغ عنها و لم یختلف فیه الأعلام فلانحتاج إلی ضمّها فی قیاس استنباط الحکم الشرعی).

إیراد بعض الأساطین علی المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ بحث حجیة الظواهر أیضاً محتاج إلی الدلیل الإثباتی و لذا یستدلّ علیها بالسیرة العقلائیة فلابدّ من ضمّ هذه الکبری الأُصولیة إلی بحث المفاهیم فی قیاس الاستنباط.

و لکن المختار هو أنّ المسألة أُصولیة لأنّ مناط أُصولیة المسألة هو وقوع نتیجتها فی قیاس استنباط الحکم الشرعی و إن انضمّ إلیها الکبری.

المطلب الثانی: هل المسألة لفظیة أو عقلیة؟
اشارة

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها ذات حیثیتین:((3))

ص: 33


1- . المحاضرات (ط. ج): ج 4، ص197 و (ط.ق): ج 5، ص59.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص172.
3- . المحاضرات، ج4، ص197.

إنّ للمفاهیم حیثیتین واقعیتین فإنّه بالنظر إلی کون الحاکم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل فهی من المسائل العقلیة و بالنظر إلی کون الکاشف عن العلیة المنحصرة هو الکاشف عن لازمها و هو اللفظ فهی من المسائل اللفظیة.

إیراد بعض الأساطین علی هذا البیان:

إنّ المختار هو أنّ المسألة لفظیة و إن کان الحاکم بانتفاء المعلول عند انتفاء العلّة هو العقل لأنّ المفهوم مدلول للفظ بالدلالة الالتزامیة.

یلاحظ علیه:

إن قلنا: الدلالة الالتزامیة اللفظیة یشترط فیها کون اللزوم بیناًَ بالمعنی الأخصّ فیشکل کونها مسألة لفظیة.

ص: 34

الفصل الأول: مفهوم الشرط

اشارة

ص: 35

ص: 36

مفهوم الشرط

تحریر محل النزاع

إنّ الجملة الشرطیة تدلّ علی ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ولکن اختلف فی دلالتها علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بالوضع أو بالقرائن العامّة بحیث یحمل علیه فی جمیع الموارد إلّا إذا قامت قرینة علی خلافه.

أمّا دلالتها علی المفهوم فی بعض الموارد (من دون دلالة وضعیة أو قرینة عامّة) فلا شبهة فیها، کما أنّه قد استعمل فی بعض الموارد فی مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط بلا دلالة علی انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط لوجود قرینة خاصّة.

ثلاثة أقوال فی المسألة
اشارة

إنّ الأعلام اختلفوا فی دلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم:((1))

ص: 37


1- . مفاتیح الأصول، ص207: «أن فی المسألة أقوال. الأوّل أنّ ذلک یدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الشرط و هو للفاضلین و الشهید و صاحب المعالم و الفاضل البهائی و جدی رحمه الله و والدی العلّامة مدّ ظلّه و البیضاوی و المحکی عن الشیخین و الشهید الثانی و صاحب المدارک و المدقّق الشیروانی و الشافعی و أبی الحسین البصری و أبی الحسین الکرخی و الرازی و أتباعه و الحاجبی و حکاه الشهید الثانی و المحقّق الثانی و غیرهما عن أکثر المحقّقین الثانی أنّه لایدلّ علی ذلک و هو للمحکی عن السید و ابن زهرة و الحرّ العاملی و الفاضل البشروی و أبی عبد الله البصری و القاضیین و الآمدی و مالک و أبی حنیفة و أتباعه و أکثر المعتزلة و حکی عن بعض أصحابنا المتأخرین المیل إلیه. الثالث أنّه یدلّ علیه فی الشرع لا غیر. الرابع أنّه یدلّ علیه فی الخبر لا غیر.
القول الأول:

إنّ بعض الأصولیین أنکروا دلالتها مثل السید المرتضی و ابن زهرة و الشیخ الحرّ العاملی و صاحب الکفایة (قدس سرهم) .((1))

ص: 38


1- . کفایة الأصول (طبع آل البیت)، ص194. فی الذریعة، ص406: «إنّ الشّرط عندنا کالصّفة فی أنّه لایدلّ علی أنّ ما عداه بخلافه و بمجرّد الشرط لایعلم ذلک و إنّما نعلمه فی بعض المواضع بدلیل منفصل» و فی زبدة الأصول، ص150 – 151: «مفهوم الشرط حجة ... خلافاً للمرتضی و موافقیه» و فی الوافیة، ص232: «و مختار المرتضی رحمه الله قوی» و فی الفوائد الطوسیة، الفائدة 63، ص279: «اختلف العلماء فی حجیة مفهوم الشرط ... و دلیل حجیته لایخفی ضعفه و أنّه ظنی و هی مسألة أصولیة فالعمل فیها بالدلیل الظنی یستلزم رد الآیات الکثیرة و الروایات المتواترة بالنهی عن العمل بالظن» إلخ و فی مفاتیح الأصول، ص207: «فی المسألة أقوال ... الثانی أنه لایدلّ علی ذلک و هو للمحکی عن السید و ابن زهرة و الحر العاملی و الفاضل البشروی و أبی عبد الله البصری و القاضیین و الآمدی و مالک و أبی حنیفة و أتباعه و أکثر المعتزلة و حکی عن بعض أصحابنا المتأخرین المیل إلیه» و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص424 عند التعلیقة علی قوله «و هو قول جماعة من العامة»: «فقد حکی القول به عن مالک و أبی حنیفة و أتباعه و أکثر المعتزلة و أبی عبد الله البصری و القاضی أبی بکر و القاضی عبد الجبار و الآمدی و اختاره من متأخری أصحابنا الشیخ الحر وغیره» و فی کفایة الأصول، ص196: «أنّه لم ینهض دلیل علی وضع مثل (إن) علی تلک الخصوصیة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء و لم تقم علیها قرینة عامة، أمّا قیامها أحیاناً کانت مقدمات الحکمة أو غیرها، ممّا لایکاد ینکر فلایجدی القائل بالمفهوم، أنّه قضیة الإطلاق فی مقام من باب الاتفاق» و فی درر الفوائد، ج1، ص191: «لایبعد دعوی ظهورها فی ترتّب التالی علی المقدّم و أمّا کون المقدّم من قبیل العلة المنحصرة أو جزئها المنحصر فلانجزم به بعد مراجعة الوجدان مراراً أتری أنّه لو قال المتکلم: إن جاءک زید فأکرمه فسئل المخاطب إن لم یجئ و لکنّه أکرمنی هل أکرمه أو لا؟ فأجاب أکرمه. هل یکون کلاماً منافیاً للظهور المنعقد لکلامه الأوّل؟ لاأظنک تجزم بذلک بعد التأمّل و أمّا الأدلة التی یستدلّ بها فی المقام فکلّها مخدوش». فی المکاسب المحرمة، ج2، ص86: «...فیه مضافاً إلی عدم المفهوم للشرطیة کما حقّق فی محله» إلخ؛ راجع عنایة الأصول، ج2، ص169 و نفی عنه الحجیة فی الخلاف، ج5، ص395 و السرائر، ج1، ص109.
القول الثانی:

إنّ بعضهم أثبتوها مثل المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) .((1))

ص: 39


1- . راجع المعتبر، ج1، ص32 و معارج الأصول، ص68 و ذکری الشیعة، الشهید الأوّل، ج1، ص53 و فی معالم الدین، ص77: «الحق أنّ تعلیق الأمر بل مطلق الحکم علی شرط، یدلّ علی انتفائه عند انتفاء الشرط و هو مختار أکثر المحقّقین و منهم الفاضلان و ذهب السید المرتضی إلی أنّه لایدلّ إلّا بدلیل منفصل و تبعه ابن زهرة و هو قول جماعة من العامة» و فی زبدة الأصول، ص150 و 151: «مفهوم الشرط حجة عند الأکثر وعلیه المحقّق و العلّامة» و فی تجرید الأصول لملّا مهدی النراقی (قدس سره)، ص213: «مفهوم الشرط حجة خلافاً للمرتضی» و فی مفاتیح الأصول، ص207: «فی المسألة أقوال: الأوّل أنّ ذلک یدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الشرط و هو للفاضلین و الشهید و صاحب المعالم و الفاضل البهائی و جدی رحمه الله و والدی العلّامة مد ظلّه و البیضاوی و المحکی عن الشیخین و الشهید الثانی و صاحب المدارک و المدقّق الشیروانی و الشافعی و أبی الحسین البصری و أبی الحسین الکرخی و الرازی و أتباعه و الحاجبی و حکاه الشهید الثانی و المحقّق الثانی و غیرهما عن أکثر المحقّقین» و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص424 عند التعلیقة علی قوله «و هو مختار أکثر المحققین»: «و قد عزاه إلیهم المحقّق الکرکی و الشهید الثانی وعزّی إلی الشیخین والشهیدین (رحمهما الله) أیضاً و اختاره جماعة من المتأخرین و حکی القول به عن جماعة من العامة أیضاً، منهم أبو الحسین البصری و ابن شریح و أبو الحسین الکرخی و البیضاوی و الرازی و جماعة من الشافعیة» و قال بحجیته: فی مختلف الشیعة، ج2، ص426؛ منتهی المطلب (ط.ق)، ج2، ص779؛ جامع المقاصد، ج6، ص136؛ شرح اللمعة، ج5، ص193؛ روض الجنان (ط.ق) ص51؛ مدارک الأحکام، ج8 ص420؛ الحبل المتین (ط.ق)، ص206؛ مشارق الشموس (ط.ق)، ج1، ص186؛ الحدائق الناضرة، ج3، ص30؛ کشف الغطاء (ط.ق)، ج1، ص31؛ ریاض المسائل، ج13، ص326؛ مستند الشیعة، ج14، ص444؛ قوانین الأصول، ص175؛ الفوائد الحائریة، ص183؛ الفصول الغرویة، ص147؛ مطارح الأنظار، ص171؛ جواهر الکلام، ج29، ص346؛ کتاب النکاح، للشیخ الأنصاری، ص142؛ مصباح الفقیه (ط.ق)، ج1، ص154؛ نهایة الأفکار، ج1 – 2، ص481؛ مستمسک العروة، ج14، ص267؛ جامع المدارک، ج4، ص154؛ فقه الصادق (علیه السلام)، ج13، ص126.
القول الثالث:

((1))

و بعضهم قالوا بالتفصیل مثل العلّامة و فخر المحققین و الشیخ الأنصاری (قدس سرهم) . و هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها.

(2)

التحقیق فی المسألة:
اشارة

و هو یتمّ ببیان أدلة الطرفین فی ضمن مقامین: الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط؛ الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط.

ص: 40


1- . فی مفاتیح الأصول، ص207: «فی المسألة أقوال ... الثالث أنّه یدلّ علیه فی الشرع لا غیر. الرّابع أنّه یدلّ علیه فی الخبر لا غیر» و فی ص212 و 211: «و للقول الثالث غلبة إرادة النفی عن غیر المذکور فی التعلیقات الشرعیة و ضعف هذه الحجة فی غایة الظّهور و یضعف هذا القول مضافاً إلی ما تقدّم إلیه الإشارة أمران أحدهما ندرة القائل به و شذوذه و ثانیهما أنه لو ثبت الدلالة فی الشرع فاللازم أن یکون فی اللّغة کذلک لأصالة عدم النقل و للقول الرابع أنّ المتبادر کون الشرط شرطاً لإیقاع الحکم أی إصداره من المتکلّم فإنّ قوله: إن جاءک فأکرمه یفهم منه إن لم یجئک فلا حکم بوجوب الإکرام و قوله: إن نزل الثلج شتاء یفهم منه إن لم ینزل الثلج فلا أحکم بأنّ الزمان شتاء و ذلک فی الإنشاء یستلزم نفی الحکم عن غیر المذکور فإنّ عدم حکمه بالمعنی المصدر یستلزم عدم الحکم فی نفس الأمر لأنّه تابع له و لیس ذلک جاریاً فی الخبر لأنّ عدم الإخبار لایستلزم عدم وقوع النسبة الخبریة و ذلک واضح و فیه نظر للمنع من تبادر ذلک بل المتبادر ما ذکرناه کما صرّح به التفتازانی فقال مرجع ما قلتموه إلی الاختلاف فی أنّ أثر الاختلاف فی أنّ أثر الشرط فی منع السبب أو فی منع الحکم فقط لکنّ الحق الثانی للقطع فی قولنا: إن دخلت الدار فأنت حرّ بأنّ الدخول شرط لوقوع العتق لإیقاعه الذی هو تصرّف منّا بالتنجیز أو التعلیق انتهی هذا و القول المذکور فی غایة الشذوذ فلایمکن المصیر إلیه من هذه الجهة أیضاً» و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج2، ص424.
2- . نشیر إلیها إجمالاً: 1) فی تمهید القواعد، ص112، قاعدة 26: «إنّما یکون مفهوم الشرط و الوصف حجة عند القائل به إذا لم تظهر للتقیید فائدة غیر نفی الحکم فإن ظهرت له فائدة أخری لم یدلّ علی النفی فمن الفائدة أن یکون العاری عن تلک الصفة أولی بالحکم من المتصف بها أو یکون رجوعاً بالسؤال، کالسائل مثلاً عن سائمة الغنم هل فیها زکاة؟ فقال: فی سائمة الغنم الزکاة فلایدلّ علی النفی، لأنّ ذکر السوم و الحالة هذه لمطابقة کلام السائل أو لکون السوم هو الغالب فإن ذکره إنّما هو لأجل غلبة حضوره فی ذهنه» و فی بحار الأنوار، ج86، ص7: «المفهوم وإن کان حجة لکن بشرط عدم ظهور فائدة للتقیید، سوی المفهوم»؛ راجع أیضاً: زبدة البیان، ص119 و ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 1، ص54 و وقایة الأذهان، ص418 – 420. 2) فی الفصول الغرویة ص148: «إنّ دلالة التعلیق بالشرط علی انتفاء التالی علی تقدیر انتفاء المقدّم فی الجملة مستندة إلی الوضع لأنّ ذلک قضیة التعلیق و علی انتفائه عند انتفائه مطلقاً مستندة إلی ظهور التعلیق فی شرطیة المقدّم و ظهور الشرطیة فی الشرطیة التعیینیة فقول القائل: إن جاءک زید فأکرمه و إن أکرمک فأکرمه مخالف للظهور دون الوضع و أمّا نحو: أکرم زیداً إن جاءک و إن لم یجئک فالظاهر أنّه مخالف للوضع إذ لا تعلیق فیه حقیقة». 3) فی محاضرات فی أصول الفقه، ج5، ص83: «السابعة: إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم ترتکز علی ضوء نظریتنا فی بابی الأخبار و الإنشاء و لایمکن إثبات المفهوم لها علی ضوء نظریة المشهور فی هذین البابین»؛ راجع دراسات فی علم الأصول، ج2، ص198. 4) فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص171: «و فی المقام لنا عدة وجدانات عرفیة لابدَّ من التفکیر فی تخریج نظری موحد لها یمکن أَنْ ینسّق علی أساسه کل هذه الوجدانات فمن ناحیة نحس وجداناً بثبوت المفهوم للجمل الشرطیة التی یکون الجزاء فیها إنشائیاً و لم یکن الشرط مقوّماً لموضوعه و من ناحیة ثانیة نری أنَّ دلالتها علی المفهوم لیست بنحو بحیث لو لم یکن لها المفهوم کان استعمال أداة الشرط فی ذلک المورد مجازاً و بعنایة کما أدرک ذلک الأصولیون أنفسهم و من ناحیة ثالثة لابدَّ و أَنْ نلحظ بأنَّ دلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم سنخ دلالة قابلة للتبعیض و التجزئة بمعنی أنّه إذا ثبت وجود علّة أخری بدلیل خارج غیر الشرط المصرّح به فی الجملة الشرطیة لایلغو المفهوم بذلک رأساً بل یتبعض و یثبت المفهوم بلحاظ ما عدا العلّتین و لو فرض أنَّ الانحصار فی ذلک الشرط قد انتقض علی کل حال و من ناحیة رابعة نری بوجداننا العرفی أنّه لا مفهوم للجمل الشرطیة التی یکون الجزاء فیها جملة خبریة، کما إذا قیل: «إذا أکلتَ السمَّ مُتّ» فإنّه لایدلّ علی عدم الموت إذا لم یأکل السم فلابدَّ من وضع تخریج نظری فنی لدلالة الجملة الشرطیة علی المفهوم بنحو تفی بتفسیر کل هذه الوجدانات الأربعة و الظاهر أنَّ المنکرین للمفهوم إنّما أنکروه لأنّهم لم یستطیعوا التوفیق بین هذه الوجدانات فشککوا فی أصل ثبوت مفهوم للجملة الشرطیة و أمّا تفسیر هذه الوجدانات فی صیاغة نظریة موحدة فی المقام فیکون بالنحو التالی: إنَّ الجملة الشرطیة تتضمّن ثلاث دلالات مختلفة ینتج من مجموعها الدلالة علی المفهوم بنحو لایتهافت مع ما یقتضیه الوجدان من الخصائص المذکورة لهذه الجملة و تلک الدلالات علی ما یلی: 1) الدلالة الوضعیة علی الربط بین الجزاء و الشرط بنحو النسبة التوقفیة و لانرید بالنسبة التوقفیة الترتّب العلّی الفلسفی، بل لانرید حتی اللزوم الفلسفی و إنّما معنی أوسع من کل ذلک و هو مطلق الالتصاق العرفی و عدم الانفکاک بین الجزاء و الشرط و لو کان ذلک من جهة الصدفة و الاتفاق و هذه دلالة ندّعی أنّها مأخوذة فی مدلول أداة الشرط وضعاً بشهادة الانسباق و التبادر العرفی. 2) الدلالة الإطلاقیة علی أنَّ المعلّق علی الشرط إنّما هو طبیعی الحکم لا شخصه بالنحو المتقدّم شرحه. 3) الإطلاق الأحوالی للنسبة التوقفیة و أنّها ثابتة فی جمیع حالات الشرط و لیست مخصوصة بحالة دون أخری فقولنا: «أکرم زیداً إِنْ جاءک» یتضمّن إطلاقاً أحوالیاً دالّاً علی ثبوت توقّف وجوب الإکرام علی مجی ء زید فی جمیع الحالات فی قبال ما إذا قید بحال صحته مثلاً فقال: أکرمه إذا جاءک ما دام صحیحاً».

ص: 41

ص: 42

المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط
اشارة

إنّ لإثبات المفهوم للشرط خمسة أدلة، الدلیل الأول، من طریق إثبات العلیة المنحصرة و أربعة منها من سائر الطرق.

الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط: من طریق العلیة المنحصرة
اشارة

و فی هذا الدلیل ثمانیة وجوه سنتکلم حولها عند البحث عن الرکن الرابع.

فإنّ ثبوت مفهوم الشرط من هذا الطریق یبتنی علی أربعة أرکان: ((1))

الرکن الأوّل: تعلیق الجزاء و ترتّبه علی الشرط.

الرکن الثانی: أن یکون الترتب و التعلیق لزومیاً فلابدّ من إثبات الملازمة بین الجزاء و الشرط.

الرکن الثالث: أن یکون ترتب الجزاء علی الشرط من باب ترتب المعلول علی العلّة.

ص: 43


1- . قال المحقّق النائینی فی فوائد الأصول، ج 2، ص479: «إنّ ثبوت المفهوم للقضیة الشرطیة یتوقف علی کون الترتّب بین الجزاء و الشرط ناشئاً عن علاقة ثبوتیة فی نفس الأمر و الواقع و لیس الترتّب بینهما لمجرّد الاتفاق و المصادفة، کما فی قولک: إذا کان الإنسان ناطقاً فالحمار ناهق، إذ لا علاقة بین نهیق الحمار و نطق الإنسان فی نفس الأمر، بل العلاقة بینهما تکون علاقة جعلیة لحاظیة و علی أن یکون الترتّب ترتّب العلیة و المعلولیة، بأن تکون العلاقة بین الجزاء و الشرط علاقة العلیة و المعلولیة لا علاقة التلازم و التضایف و أن تکون العلّة هو المقدّم و الشرط لا التالی و الجزاء و أن یکون الشرط علّة منحصرة لایخلفه شرط آخر و لایکون لشی ء آخر دخل فی علیته فإذا تمّت هذه الأمور للقضیة الشرطیة کان لها مفهوم و إذا انتفی أحد هذه الأمور لم یکن للقضیة مفهوم و السرّ فی اعتبار هذه الأمور واضح».

الرکن الرابع: أن یکون الشرط علّة منحصرة للجزاء.

هذا الرکن الرابع هو الرکن الأساسی و سیأتی الوجوه الثمانیة الدالة علی إثبات مفهوم الشرط من طریق العلیة المنحصرة فی ضمن الرکن الرابع.

أمّا الرکن الأول:
اشارة

فهو تعلیق الجزاء و ترتبه علی الشرط؛ فهو صحیح بلا إشکال لأنّ الجملة الشرطیة ظاهرة عرفاً فی تعلیق الجزاء و ترتبه علی الشرط و هذا الترتب عند المحقق الإصفهانی (قدس سره) أعمّ من الترتب الخارجی و الترتب فی ظرف عقد القضیة الشرطیة بفرض العقل و اعتباره کما فی مثال «إن کان النهار موجوداً فالشمس طالعة» و سیجیء البحث حول ما أفاده (قدس سره) فی الأمر الثانی إن شاء الله.

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) استدلّ فی إثبات هذا الأمر بوجهین:

الوجه الأوّل:
اشارة

((1))

إنّ أدوات الشرط إنّما وضعت لتعلیق مفاد جملة علی مفاد جملة أُخری من دون فرق بین أن تکون الجملة المعلّقة إنشائیةً و أن تکون خبریة.

أورد علیه بعض الأساطین:

((2))

إنّ صحّة الحمل فی جملة «إن کان النهار موجوداً فالشمس طالعة» تدلّ علی عدم وضع الجملة الشرطیة للترتّب.

ص: 44


1- . أجود التقریرات، ج2، ص247.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص175.
یلاحظ علیه:

إنّ الجملة الشرطیة فی المثال المذکور أیضاً تدل علی الترتّب و لکن الترتّب هو فی ظرف عقد القضیة الشرطیة باعتبار العقل کما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) .

الوجه الثانی:

((1))

إنّ ظاهر جعل شیء مقدماً و جعل شیء تالیاً هو ترتّب التالی علی المقدم (و قد صرّح بذلک المحقق النائینی (قدس سره) عند بیان کون العلّة منحصرة).

تتمّة: إنّ تمامیة تعلیق الجزاء و ترتّبه علی الشرط تتوقف علی رجوع القید فی القضیة الشرطیة إلی الهیأة دون المادة، أمّا لو قلنا برجوعه إلی المادة کما ذهب إلیه الشیخ الأنصاری (قدس سره) فیرجع مفهوم الشرط إلی مفهوم الوصف لأنّ الشرط حینئذ یکون قیداً للمادة و المراد بالوصف فی مفهوم الوصف هو القید سواء کان القید وصفاً أم غیر وصف من سائر القیود.

و لکن الحق هو رجوع القید إلی الهیأة خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) و خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث توهم استحالة تقیید مفاد الهیأة لأنّه معنی حرفی.

أمّا الرکن الثانی
اشارة

و هو الملازمة بین الشرط و الجزاء فقال أکثر الأعلام بثبوتها.

و قد استدل علیه بوجهین:

الوجه الأوّل:

ادّعی صاحب الکفایة (قدس سره) وضع الجملة الشرطیة لذلک فقال:

ص: 45


1- . أجود التقریرات، ج2، ص249.

منع دلالة الجملة الشرطیة علی اللزوم و دعوی کونها اتفاقیة فی غایة السقوط لانسباق اللزوم منها قطعاً. ((1))

الوجه الثانی:
اشارة

قال المحقق النائینی (قدس سره) ((2)) و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((3)): إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی کون العلاقة بین الشرط و الجزاء لزومیة ظاهرة لندرة استعمالها فی موارد الاتفاق جدّاً، بل إنّ ذلک غیر صحیح فی نفسه، و لابدّ فی صحّة الاستعمال فی تلک الموارد من رعایة علاقة و إعمال عنایة، ضرورة أنّه لایصحّ تعلیق کل شیء علی کل شیء.

استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی نفیه:

((4))

یمکن أن یقال: إنّ الشرطیة لاتلازم اللزوم لشهادة الوجدان علی أنّ الشرطیة الاتفاقیة کاللزومیة من دون عنایة.

و الوجه فیه أنّ شأن الأداة الشرطیة جعل متعلّقها و مدخولها واقعاً موقع الفرض و التقدیر و أنّ الشرطیة لیست إلّا لمصاحبة المقدم مع التالی بلا دلالة علی لزوم أو اتفاق و ترتّب الجزاء علی الشرط لایدلّ علی اللزوم، لأنّ الترتّب المستفاد من الجملة الشرطیة أعمّ من الترتّب الخارجی و الترتّب فی ظرف عقد

ص: 46


1- . کفایة الأصول، ص194.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص249 و فی فوائد الأصول، ج 2، ص: 480 قال: لو لم یکن بین الجزاء و الشرط علقة ثبوتیة و کانا متقارنین من باب الاتفاق، لم یکن انتفاء الشرط مستتبعاً لانتفاء الجزاء، إذ لا مدخلیة للشرط حینئذٍ فی وجود الجزاء.
3- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص199 - 200.
4- . نهایة الدرایة، ج2، ص413 - 414.

القضیة الشرطیة باعتبار العقل و فرضه و تقدیره، کما إنّ الفاء بین الجزاء و الشرط تدلّ علی الترتیب إلّا أنّ الترتیب قد یکون باعتبار العقل فلادلالة لمطلق الترتّب علی اللزوم.

فتحصّل: أنّه لا دلالة لأداة الشرط و لا للفاء الواقعة بین الشرط و الجزاء علی الترتّب بنحو الملازمة.

أورد علیه بعض الأساطین (دام ظله):
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) صرّح بدلالة أداة الشرط و الفاء علی التعلیق و الترتّب بین الشرط و الجزاء و التعلیق لیس إلّا الارتباط بین الشیئین و لانعنی من اللزوم إلّا هذا.

یلاحظ علیه:

إنّ الارتباط بین الجزاء و الشرط یکون تارة اتفاقیاً و أُخری لزومیاً فنفس الارتباط و التعلیق لایدلّ علی اللزوم.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ التقسیم الذی ذکره أهل المنطق من أنّ القضیة الشرطیة إمّا لزومیة أو اتفاقیة تقسیم مجازی لا حقیقی، فلا دلالة للقضیة الشرطیة علی کونها لزومیة.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) لم یستدلّ بالتقسیم المذکور بل استدل بالموارد التی

ص: 47


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص177.

تکون القضیة الشرطیة فیها اتفاقیة و الترتّب بین الجزاء و الشرط باعتبار العقل و فرضه فی ظرف القضیة الشرطیة.

الإیراد الثالث:
اشارة

إنّ إناطة وجوب الإکرام بالمجیء فی مثال «إذا جاءک زید فأکرمه» هی المستفاد من أداة الشرط، فمفهوم الأدوات الشرطیة الإناطة و التعلیق لا مجرد الفرض و التقدیر.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً صرّح بدلالة أداة الشرط علی التعلیق و لکن قال: التعلیق قد یکون خارجیاً و قد یکون بمجرد فرض العقل و اعتباره فی ظرف القضیة الشرطیة.

الإیراد الرابع:
اشارة

إنّ الفاء دالّة علی ترتّب الجزاء علی الشرط و لکن لو حذفنا الفاء نجد القضیة الشرطیة بنفسها دالّة علی الترتّب فما یدلّ علی الترتّب هو وقوع الجزاء بعد الشرط.

یلاحظ علیه:

نفس وقوع جملة بعد جملة لایدل علی الترتّب بینهما ما لم یکن بینهما ربط خاص و أداة الشرط و الفاء وُضِعتا لتدلّا علی الربط بین الجملتین و الترتّب بینهما و المحقق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الربط التعلیقی و الترتّبی قد یکون بفرض العقل فی ظرف القضیة الشرطیة.

ص: 48

ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ الترتّب المطلق یدلّ علی اللزوم و لکن إذا کان الترتّب فی ظرف القضیة الشرطیة بفرض العقل فاللزوم أیضاً یکون فی ظرف القضیة الشرطیة بفرض العقل.

فتحصّل من ذلک: أنّ القضیة الشرطیه کما تدلّ علی ترتّب الجزاء علی الشرط تدلّ علی أنّ الترتّب و التعلیق یکون لزومیاً فالدلالة علی الترتّب لفظیة و أمّا اللزوم فیدرکه العقل لأنّ الترتّب مستلزم عقلاً للزوم بین المترتب و المترتب علیه.

أمّا الرکن الثالث:
اشارة

و هو أن یکون ترتّب الجزاء علی الشرط من باب ترتّب المعلول علی العلّة.

فهذا أیضاً قد اختلف فیه الأعلام فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و المحقق الخوئی (قدس سره) و بعضاً آخر أنکروا ذلک و فی قبالهم المحقق النائینی (قدس سره) و جمع آخر أثبتوه حیث قالوا بأنّ المقدّم فی القضیة الشرطیة علّة للتالی.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی إثبات الرکن الثالث:

(2)

إنّ ظاهر جعل شیء مقدماً و جعل شیء آخر تالیاً هو ترتّب التالی علی المقدم، فإن کان هذا الترتّب موافقاً للواقع و نفس الأمر بأن یکون المقدم علّة للتالی فهو

ص: 49


1- . کفایة الأصول (طبع آل البیت)، ص194.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص249 و فی الفوائد قال: «و کذا لو فرض أنّ بینهما علاقة ثبوتیة و لکن لم تکن تلک العلاقة علاقة العلیة و المعلولیة بل کانت علاقة التلازم فإنّه أیضاً لایقتضی انتفاء الشرط انتفاء الجزاء، لأنّ انتفاء أحد المتلازمین لایستلزم انتفاء اللازم الآخر. إلّا إذا کان التلازم دائمیاً، بحیث کانا معلولین لعلّة ثالثة منحصرة، فإنّ انتفاء أحد المتلازمین فی مثل هذا یقتضی انتفاء الآخر، إلّا أنّ القضیة الشرطیة حینئذٍ لاتدلّ علی هذا الوجه من التلازم فإنّ العلّة لم تکن مذکورة فی القضیة حتی یستفاد منها الانحصار أو عدم الانحصار و أقصی ما تقتضیه القضیة الشرطیة- بناء علی عدم استفادة علیة الشرط للجزاء- هو مجرّد التلازم بین الشرط و الجزاء و أمّا کونه علی هذا الوجه أو علی ذلک الوجه فلیس للقضیة الشرطیة دلالة علیه و لابدّ فی إثبات ذلک من الخارج فیخرج عمّا نحن فیه: من دلالة نفس القضیة الشرطیة علی المفهوم».

و إلّا لزم عدم مطابقة ظاهر الکلام للواقع مع کون المتکلم فی مقام البیان علی ما هو الأصل فی المخاطبات العرفیة و علیه فبظهور الجملة الشرطیة فی ترتّب التالی علی المقدم یستکشف کون المقدم علّة للتالی.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

هذا الذی أفاده (قدس سره) و إن کان غیر بعید فی نفسه نظراً إلی أنّ المتکلم إذا کان فی مقام بیان تفرع الجزاء علی الشرط و ترتّبه علیه بحسب مقام الثبوت و الواقع لدلّت القضیة علی ذلک فی مقام الإثبات أیضاً للتبعیة نظیر ما إذا قلنا «جاء زید ثم عمرو» فانّه یدل علی تأخر مجیء عمرو عن مجیء زید بحسب الواقع و نفس الأمر و إلّا لم یصحّ استعماله فیه.

و لکن إذا لم یکن المتکلم فی مقام بیان ذلک بل کان فی مقام الإخبار أو الإنشاء فلایتمّ ما أفاده (قدس سره) و ذلک لأنّ القضیة الشرطیة عندئذ لاتدلّ إلّا علی أنّ إخبار المتکلم عن وجود الجزاء متفرع علی فرض وجود الشرط أو إنشاء الحکم و اعتباره متفرع علی فرض وجوده و تحققه.

و أمّا أنّ وجود الجزاء واقعاً مترتب علی وجود الشرط فلا دلالة للقضیة علی ذلک أصلاً ضرورة أنّه لا مانع من أن یکون الإخبار عن وجود العلّة متفرعاً علی

ص: 50


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص203.

فرض وجود المعلول فی الخارج، و الإخبار عن وجود أحد المتلازمین متفرعاً علی فرض وجود الملازم الآخر فیه.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی إنکار الرکن الثالث:

((1))

إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی الترتّب صحیحة کما هو مقتضی کلمة الفاء إلّا أنّها لاتدل علی أنّ هذا الترتّب من ترتّب المعلول علی العلّة التّامة، بحیث یکون استعمالها فی غیره مجازاً، بل هی تدل علی مطلق الترتّب سواء کان من قبیل ترتّب المعلول علی العلّة التامّة أو من قبیل ترتّب العلّة علی المعلول (کما فی برهان الإنّ) أو من قبیل ترتّب أحد معلولین لعلّة ثالثة علی المعلول الآخر (کقوله: إن کان النهار موجوداً فالعالم مضیء).

و من ناحیة أُخری إنّ القضیة الشرطیة لاتدل علی المفهوم فی موارد البرهان الإنّی لوضوح أنّ غایة ما تقتضیه القضیة الشرطیة فی تلک الموارد هو أنّ تحقق المقدم یستلزم تحقق التالی و یکشف عنه فیکون وسطاً للإثبات و العلم دون الثبوت و الوجود و لاتدل علی امتناع وجود التالی من دون وجود المقدم، بداهة أنّ وجود المعلول و إن کان یکشف عن وجود العلّة إلّا أنّ عدمه لایکشف عن عدمها، لإمکان أن یکون عدمه مستنداً إلی وجود المانع لا إلی عدمها، مثلاً وجود الممکن فی الخارج کاشف عن وجود الواجب بالذات و لکن عدمه لا یکشف عن عدم الواجب بالذات و لا عن عدم وجود ممکن آخر، لجواز أن یکون عدمه مستنداً إلی ما یخصّه من المانع.

نعم عدم المعلول یکشف عن عدم علّته التامّة کما أنّ وجوده یکشف عن

ص: 51


1- . المحاضرات (ط.ج): ج4، ص200.

وجودها و عدم أحد المعلولین لعلّة ثالثة یکشف عن عدم الآخر کما یکشف عن عدم علته التامّة.

و التحقیق فی المقام:

أنّ الترتّب المطلق (لا مطلق الترتّب) هو الترتّب بنحو العلیة و حینئذ یقع الکلام فیما إذا لم تقم قرینة علی تعیین نوع الترتّب فهل لنا طریق إلی إحراز کون الترتّب هنا ترتباً مطلقاً أو لا؟ فإنّه یمکن أن یستدل بالإطلاق الانصرافی((1)) أو بالإطلاق بمقدمات الحکمة لإحراز الترتّب المطلق و یأتی بیان طرق إحراز ذلک فی المرحلة الرابعة، فإن تمّ بعض هذه الطرق فی المرحلة الرابعة یجدی ذلک فی إحراز علیة الشرط فی المرحلة الثالثة أیضاً.

أما الرکن الرابع:
اشارة

و هو أن یکون الشرط علّة منحصرة((2)) فإنّه قد ادّعی هنا إثبات العلّیة المنحصرة و إحرازها بوجوه متعدّدة فلابدّ من البحث حولها و هنا ثمانیة وجوه.

ص: 52


1- . أی المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأکمل.
2- . قال النائینی فی فوائده ج2 ص481: «کذا لو فرض عدم دلالة القضیة الشرطیة علی کون الشرط علة منحصرة فإنّ انتفاء الشرط فی مثل ذلک أیضاً لایقتضی انتفاء الجزاء، لإمکان أن یخلفه شرط آخر» و قیل فی غایةالمسؤول، ص334 و 335: «إنّ المستفاد من التّعلیق هو توقف الجزاء علی الشرط و انتفائه بانتفائه و مقتضی المنطوق هو وجوده عند وجوده و لکن لایستفاد من ذلک کون المقدّم علة تامة لاحتمال کونه جزء الأخیر أو کونهما معلولی علة واحدة أو کونهما متضائفین أو یکون شی ء آخر علة لکن یتوقف تأثیره علی وجود المقدم نحو إن لقیت صدیقی فسلّم علیه فإنّ اللقاء لیس علّة للسلام بل العلّة هی الصداقة و لکنّها لاتؤثر فی وجوب السلام إلاّ حال اللقاء و بالجملة فیکفی فی تحقّق المفهوم استفادة التّوقیف و التعلیق من الشرط و أن یثبت العلیة التامّة فافهم فقد علم بما ذکرنا أنّ الحق هو ثبوت المفهوم لأنّ المتبادر من الجملة الشرطیة هو التعلیق و لازمه ثبوت المفهوم کما عرفت و بهذا یعلم دفع ما یتوهّم من التناقض بین حکمهم بثبوت المفهوم و بین حکمهم بعدم تکرّر الحکم عند تکرر الشرط إذ لو کان الشرط علّة تامّة لوجب تکرّر المشروط بتکرّره».
الوجه الأول: الوضع
اشارة

((1))

إیراد علی هذا الوجه:

قد أنکره صاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال: دعوی تبادر الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة بعیدة لکثرة استعمال الجملة الشرطیة فی الترتّب علی غیر العلّة أو الترتّب علی العلّة غیر المنحصرة بلا عنایة و مجاز. ((2))

ص: 53


1- . فی زبدة الأصول، ص151: «لنا التبادر» و فی قوانین الأصول ص175: «لنا أنّ المتبادر من قولنا: إن جائک زید فأکرمه، إن لم یجئک فلایجب علیک إکرامه، لا لاتُکرمهُ فلا توهم و هو علامة الحقیقة فإذا ثبت التبادر فی العرف ثبت فی الشرع و اللغة لأصالة عدم النقل» و فی الفصول الغرویة ص147: «لنا أنّ المتبادر من التقیید ب- إن و أخواتها تعلیق الجزاء علی الشرط بمعنی إفادة أنّ الثانی لازم الحصول لحصول الأوّل و مرجعه إلی أنّ للشرط علقة بالجزاء یقتضی بها عدم انفکاکه عنه» و فی مطارح الأنظار، ص171: «لنا قضاء صریح العرف بذلک فإنّ المنساق إلی الأذهان الخالیة من الجمل و الشرطیة هو التعلیق علی وجه ینتفی الحکم بانتفاء الشرط و کفانا بذلک دلیلاً و حجة ملاحظة الاستعمالات الواردة فی العرف و ذلک لاینافی ثبوت استعمال الجملة فی معنی آخر فإنّ باب المجاز غیر منسدّ و لم یزل البلغاء و الفصحاء یستعملونه فی موارد تقضی بها الحال» و فی غایةالمسئول، ص334: «الأولی هو إسناد الظهور إلی الوضع لا لأصالة کون التبادر وضعیاً لأنّ حجّیة الأصل فی اللغات من باب الظّن و استفادة الظّن منه فی المقام غیر معلوم بل لأنّ الظّهور لایخلو إمّا أن یکون للوضع أو لغلبة الاستعمال و لا ریب أنّه لو کان من جهة الغلبة لاحتاج المخاطب فی فهم الظاهر إلی ملاحظة الغلبة کما فی المجاز المشهور و لکنّا إذا راجعنا أنفسنا نری أنّا نفهم التّعلیق من الجملة الشرطیة من غیر التفات إلی أنّ ذلک هو المعنی الغالب الاستعمال بل قد علمت أنّ فی أصل غلبة هذا الاستعمال منعاً ظاهراً فکیف یستند الظّهور إلیها».
2- . فی کفایة الأصول، ص194- 195: «و دعوی تبادر اللزوم و الترتّب بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة- مع کثرة استعمالها فی الترتّب علی نحو الترتّب علی الغیر المنحصرة منها بل فی مطلق اللزوم- بعیدة، عهدتها علی مدعیها، کیف؟ و لایری فی استعمالها فیهما عنایة و رعایة علاقة، بل إنّما تکون إرادته کإرادة الترتّب علی العلّة المنحصرة بلا عنایة، کما یظهر علی من أمعن النظر و أجال البصر فی موارد الاستعمالات و فی عدم الإلزام و الأخذ بالمفهوم فی مقام المخاصمات و الاحتجاجات و صحة الجواب بأنّه لم یکن لکلامه مفهوم و عدم صحته لو کان له ظهور فیه معلوم» و فی حواشی المشکینی، ج2، ص271: «و قد أجیب عنها بوجوه: الأوّل أنّ استعماله فی غیر الترتّب العلّی المنحصر لایحتاج إلی لحاظ العنایة، مثل: «إذا بلت فتوضّأ» و «إذا نمت فتوضّأ» لایقال: لعلّه لکون التصرّف فی الإرادة اللُّبیة نظیر: «زید أسد» فإنّه یقال: إنّه أیضاً محتاج إلی لحاظ العنایة. الثانی: عدم إلزام المتکلّم بالقضیة الشرطیة بالمفهوم و صحّة الجواب: بأنّه لم یکن لکلامه مفهوم و هذان الوجهان قد أشار إلیهما المصنّف. الثالث: ما قاله الأستاذ (قدس سره): من أنّه لو وضع للمعنی المذکور لزم عدم صحّة الاستعمال فی غیره، لأنّ المصحّح له إمّا الوضع أو العلاقة و الفرض عدم الأوّل و الثانیة مفقودة أیضاً، إذا استعمال مقید فی مقید آخر غیر جائز و القول بأنّه مستعمل فی مطلق اللُّزوم و الخصوصیة الأخری أریدت من دالّ آخر، غیر نافع، لأنّ استعمال الخاصّ فی العامّ -أیضاً- غیر جائز. انتهی و فیه: أنّ المصحّح للاستعمال فی غیر الموضوع له هی المناسبة الذوقیة و هی موجودة» و راجع أیضاً حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص436 و منتقی الأصول، ج3، ص223.
الوجه الثانی: الإطلاق الانصرافی
اشارة

و بیانه هو أنّ الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة أکمل أفراد الترتّب و المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی أکمل الأفراد، أو فقل: إنّ أکمل أفراد العلقة اللزومیة هو اللزوم بین العلّة المنحصرة و معلولها فلابدّ أن ینصرف المطلق عند الإطلاق إلیه و هذا الإطلاق الانصرافی یوجب أن یحمل الترتّب و اللزوم فی القضیة الشرطیة علی الترتّب المطلق و اللزوم المطلق.

ص: 54

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بمنع الصغری و الکبری:

((1))

أما منع الکبری: فلعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلی الأکمل، سیما مع کثرة الاستعمال فی غیره.

و أما منع الصغری: فلعدم کون اللزوم بین العلة المنحصرة و معلولها أکمل مما إذا لم تکن العلّة بمنحصرة فإنّ الانحصار لایوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لابدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها آکد و أقوی.

ص: 55


1- . فی کفایة الأصول ص195: «و أمّا دعوی الدلالة، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومیة إلی ما هو أکمل أفرادها و هو اللزوم بین العلّة المنحصرة و معلولها ففاسدة جداً، لعدم کون الأکملیة موجبة للانصراف إلی الأکمل، لاسیما مع کثرة الاستعمال فی غیره، کما لایکاد یخفی. هذا مضافاً إلی منع کون اللزوم بینهما أکمل ممّا إذا لم تکن العلة بمنحصرة فإنّ الانحصار لایوجب أن یکون ذاک الربط الخاص الذی لابدّ منه فی تأثیر العلّة فی معلولها آکد و أقوی» و فی غایة المسئول، ص334: «و فیه نظر أمّا أوّلاً: فلأنّ وضع الحروف شخصی و الموضوع له فیها جزئی لا فرد له حتی ینصرف إلیه و أمّا ثانیاً: فلأنّ انصراف المطلق إلی الفرد الکامل غیر مسلم ما لم یکن شائع الاستعمال فیه و شیوع الاستعمال فی المقام غیر مسلم لکثرة استعمال الشرطیة فی الاتفاقیات و الوصلیات و موارد معلولیة الأوّل للثانی و أمّا ثالثاً: فلأنّ کون علقة العلیة أکمل لایوجب إلاّ ظهور تحقّق العلیة بین المقدّم و التالی فما وجه الحکم بعلیة الأوّل للثانی دون العکس» و فی حواشی المشکینی، ج2، ص272: «و منشؤه إن کانت دعوی الأکملیة ففیه ما أورده المصنّف من الوجهین: من منع الکبری، لأنّ المنشأ هو التشکیک اللفظی و هو أنس اللفظ بالمعنی و کونه من مراتب وجوده، لا التشکیک الحقیقی الخارجی و من منع الصغری، لکون التأثیر فی کلا القسمین علی نسق واحد ... و إن کانت کثرة الاستعمال فهی ممنوعة صغری، بل دعوی کثرته فی غیر المنحصرة غیر بعیدة و إن کانت غلبة الوجود فهی ممنوعة صغری و کبری» و راجع أیضاً درر الفوائد ج1، ص192– 193؛ نهایة الأفکار ج1 - 2، ص481؛ عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص172؛ بحوث فی علم الأصول، ج3، ص164.
الوجه الثالث:
اشارة

و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الأول.((1))

إنّ مقتضی الإطلاق بمقدمات الحکمة هو العلّیة المنحصرة کما أنّ مقتضی إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی.

بیانه: إنّ الوجوب النفسی مقید بقید عدمی و هو الوجوب لا للغیر و الوجوب الغیری مقید بقید وجودی و هو الوجوب للغیر.

و قد تقدم فی بحث الوجوب النفسی أنّه فیما إذا تمّت مقدمات الحکمة یتمسک بالإطلاق لإثبات أنّ الوجوب نفسی لأنّ القید العدمی لایحتاج إلی البیان الزائد أما القید الوجودی فیحتاج إلی مؤونة بیان زائد.

و هذا الإطلاق أیضاً یجری فی مفهوم الشرط، فإنّ العلّة المنحصرة هی التی لیس معها شیء و العلّة غیر المنحصرة هی ما یکون معها عدل فی العلّیة و مع عدم بیان عدل للشرط فیتمسک بالإطلاق و هو یقتضی انحصار العلّة.

ص: 56


1- . فی کفایة الأصول، ص195: «إن قلت: نعم و لکنّه قضیة الإطلاق بمقدّمات الحکمة، کما أنّ قضیة إطلاق صیغة الأمر هو الوجوب النفسی». و فی حواشی المشکینی، ج2، ص273: «تقریبه: أنّ کلمة «إن» أو هیئة الجملة الشرطیة، موضوعة لمطلق اللزوم، إلاّ أنّ له فردین: اللزوم بنحو الانحصار و اللزوم لا معه فإذا جرت المقدّمات الثلاث اللازمة فی کلّ مقام و ضمّ إلیها العلم بعدم إرادة الجامع، لعدم کون شی ء واحد علّة منحصرة و غیر منحصرة، یحمل علی الأولی دون الثانیة، نظیر التمسُّک بإطلاق صیغة الأمر فی إثبات النفسیة».
إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر:
الإیراد الأول:
اشارة

((1))

«هذا فیما تمّت هناک مقدمات الحکمة و لا تکاد تتم فی ما هو مفاد الحرف کما ههنا و إلا لما کان معنی حرفیا کما یظهر وجهه بالتأمل».((2))

بیان ذلک: إنّه یعتبر فی جریان الإطلاق بمقدمات الحکمة أن یکون المعنی قابلاً للإطلاق و المعنی الحرفی لیس کذلک.

و الوجه فیه: أولاً: جزئیة المعنی الحرفی لأنّ الجزئی لا یکون قابلاً للتقیید فلایکون قابلاً للإطلاق أیضاً.

ثانیاً: أنّ المعنی الحرفی لا یلحظ استقلالاً و ما لا یلحظ استقلالاً لایکون قابلاً للإطلاق و التقیید، فالإطلاق و التقیید یجریان فی المعانی الاسمیة التی تلحظ استقلالاً لا المعانی الحرفیة التی تلحظ آلیاً.

ص: 57


1- . فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج1، ص609 عند التعلیقة علی قوله کما یظهر وجهه بالتأمّل: «إذ ملاحظة العلیة و اللزوم و الترتّب بنحو الإطلاق المقتضی لشرطیة المقدّم فقط لاتکون إلّا بالنظر الاستقلالی فیوجب إنقلاب المعنی الحرفی اسمیاً». و فی حواشی المشکینی، ج2، ص273: «و أورد علیه بوجوه: أوّلها أنّ قرینة الحکمة مثل الانصراف لابدّ فیه من استعمال اللفظ فی الطبیعة لا بشرط، لا فیها مع القید و لو کان هو الشمول ثمّ لحاظ انطباقها علی المقید و لذا یقولون بکون المطلق حقیقة فی کلا المقامین فحینئذٍ یلزم من الثانی کون المعنی الحرفی ملحوظاً استقلالاً، لأنّ الانطباق نسبة بین المنطبق و المنطبق علیه و هی لاتتحقّق بلا لحاظ طرفیها استقلالاً و هو مناف لکونه معنی حرفیاً و هو الذی أشار إلیه بقوله: (قلت: أوّلاً) إلی آخره».
2- . کفایة الأصول، ص195.
أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((1))

أولاً: بالنقض حیث إنّ مدالیل الهیئات کلها معان حرفیة و مع ذلک تمسکوا بإطلاقها لإثبات نفسیة الوجوب و عینیته و تعیینیته فی قبال الغیریة و الکفائیة و التخییریة فإن قلنا بأنّ المعنی الحرفی غیر قابل للإطلاق و التقیید فلا یمکن أن نتمسک بإطلاق هیأة «افعل».

ثانیاً: بالحلّ فإنّ مفاد الهیئات علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) مثل مفاد المعانی الاسمیة کما قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی بحث الواجب المشروط أما حدیث عدم الإطلاق فی مفاد الهیأة فقد حققنا سابقاً أنّ کل واحد من الموضوع له و المستعمل فیه فی الحروف یکون عامّاً کوضعها.

و أما علی ما هو مقتضی التحقیق أیضاً یکون المعنی الحرفی قابلاً للإطلاق و التقیید.

و لعلّ وجه ذلک هو أنّ خصوصّیة المعنی الحرفی و جزئیته بتقومها بطرفیها فالمعانی الحرفیة لیست کلیة بمعنی ما لا مانع من صدقها علی الکثیرین لعدم الجامع الذاتی بین أفرادها بل هی کلیة بمعنی قبولها للوجودات، و تقیید المعانی الحرفیة و الهیئات هو بمعنی أنّ البعث الملحوظ نسبة بین أطرافها من الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه ربما یکون مطلقاً و أُخری یکون مخصّصاً و مشروطاً من جهة الشرط الذی علّق علیها.

و الإطلاق و التقیید فی المعانی الحرفیة لیسا بمعنی سعة المفهوم و تضییقه حتی یستشکل علیه بعدم إمکان سعة مفهومه و تضییقه بل الإطلاق بمعنی عدم

ص: 58


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص180.

تعلیق الفرد الموجود علی شیء و تعلیق الطلب لیس من شؤونه حتی یکون موجباً لتضییق دائرة مفهومه، فالتقیید بمعنی تعلیقه علی أمر مقدر الوجود.((1))

ص: 59


1- . راجع نهایة الدرایة، ج2، ص59. هنا أجوبة أخر: الجواب الأوّل: ما فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج1، ص609 قال: «و هو منقوض بالوجوب الإطلاقی فی قبال المشروط و فی استفادة الوجوب من الطلب الجامع بمقدّمات الحکمة و حله علی مسلکه (قدّس سرّه) بملاحظة المعنی الحرفی الوسیع أو الضیق بتبع المعنی الاسمی فملاحظة العلّة و المعلول علی نحو لاینفکّ أحدهما عن الآخر ملاحظة العلیة المنحصرة بالتبع» و فی منتقی الأصول، ج3، ص225 – 226 بعد ذکر نقض المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و حله: «و هذا الحل لو تمّ فهو ممّا یمکن الالتزام به فی الواجب المطلق فیلتزم بأنّ مجری المقدّمات هو المادة و متعلّق الوجوب فیتمسک بإطلاقه فی نفی تقید الوجوب و من المحتمل أن یکون نظر صاحب الکفایة فی ذلک المقام إلی هذا الطریق و أمّا فی الوجوب و الندب فلایمکن الالتزام به، إذ الاختلاف بین الوجوب و الندب لایمت إلی متعلّقهما بصلة أصلاً، بل هو اختلاف فی حقیقتهما و متعلّق الوجوب نفسه هو الذی یکون متعلّقاً للندب لو کان هو المراد بالکلام بلا تغیر فیه أصلاً فإطلاق المادّة یجدی فی إثبات الوجوب أو الندب و أمّا فیما نحن فیه فدعوی أنّ إطلاق المتعلّق یفید تعیین أحد النوعین من الترتب و إن کانت موجودة - کما ستعرف إن شاء الله تعالی - إلّا أنّه یمتنع أن یکون نظر المدعی للوجه الأوّل من الإطلاق إلیه، إذ المفروض أنّه ذکر وجها فی قبال الوجه القائل بالتمسک بإطلاق الشرط نفسه، بل المنظور فی هذا الوجه کون محل الإطلاق نفس الترتّب لا متعلّقه فیتجه علیه الإشکال المذکور فی الکفایة کما لایخفی». الجواب الثانی: ما فی حقائق الأصول ج1، ص451 عند التعلیقة علی قوله «کما یظهر وجهه» قال: «إن کان من أجل أنّ معنی الحروف جزئیاً لایقبل الإطلاق و التقیید فقد تقدّم منه فی معانی الحروف و فی الواجب المشروط و غیرهما خلافه و أنّه کلی لا جزئی و إن کان من جهة أن الإطلاق یتوقّف علی لحاظ المعنی مستقلاً و المعنی الحرفی لایلحظ کذلک فقد تقدّم فی الواجب المشروط إمکان إرجاع القید فی القضایا الشرطیة إلی هیئة الجزاء مع أنّها موضوعة وضع الحروف». الجواب الثالث: ما فی حواشی المشکینی، ج2، ص274 قال: «فیه أوّلاً: إنّ لحاظ التطبیق لبّی لا استعمالی فلایلزم المحذور و ثانیاً: إنّ الانطباق لیس ملحوظاً فی استعمال کلمة «إن»، بل هو ناشئ من قبل القرینة سواء کانت شخصیة أو نوعیة کالانصراف و قرینة الحکمة و ثالثاً: أنّه مناف لتمسّکه فی صیغة الأمر بإطلاقها فی إثبات النفسیة و التعینیة و العینیة و الوجوب علی فرض کونها حقیقة فی مطلق الطلب، کما تقدّم منه فی الأوامر». الجواب الرابع: ما فی عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص173 قال: «و فیه ما تقدّم من المصنّف هناک من کون اللحاظ الآلی خارجاً عن المعنی الحرفی کخروج اللحاظ الاستقلالی عن المعنی الاسمی و إلّا لکان الاسمی أیضاً جزئیاً کالحرفی و مع خروج اللحاظ عن المعنی الحرفی و کونه کالاسمی یکون قابلاً لا محالة لانعقاد الإطلاق کما لایخفی».
الإیراد الثانی:

(1)

«تعینه [أی تعین اللزوم و الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة] من بین أنحائه [أی أنحاء اللزوم و الترتّب] بالإطلاق المسوق فی مقام البیان بلا معین و مقایسته بتعینالوجوب النفسی بإطلاق صیغة الأمر مع الفارق، فإنّ النفسی هو الواجب

ص: 60


1- . فی منتقی الأصول، ج3، ص226 – 227: «إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ذکر- فی مقام توضیح الإیراد الثانی: إنّ الوجوب النفسی و الغیری یختلفان سنخاً فکان مقتضی الإطلاق تعیین النفسی و لیس کذلک الترتّب المنحصر وغیره فإنّهما متحدان سنخاً فلایعین الإطلاق أحدهما و نحن و إن اتفقنا معه فی الرأی، لکن لانوافقه علی أسلوب البیان فإنّ التمسک بالإطلاق لایتوقف علی اختلاف السنخ، بل هو لأجل نفی الخصوصیة الزائدة و لو اتحد المطلق و المقید سنخاً و حقیقة، کما فی الوجوب النفسی و الغیری فإنّهما متحدان حقیقة و إن اختلفا فی الخصوصیات، بل لابدّ من الاتحاد فی الحقیقة کما لایخفی. اللّهمّ إلّا أن یکون مراده من اختلاف السنخ الاختلاف فی الخصوصیات الطارئة علی الحقیقة الواحدة المنوعة لها أو المصنفة، لا الاختلاف فی الحقیقة و الماهیة فلاحظ» و فی درر الفوائد، ج1، ص193: «و لو سلّم أنّ حمله علیهما إنّما یکون من جهة مقدّمات الإطلاق فقیاس ما نحن فیه علیه قیاس مع الفارق فإن حمل الطلب علی النفسی و التعیینی عند الإطلاق من جهة أنّهما قسمان من الطلب فی قبال قسمین آخرین منه و لکل من الأقسام أثر خاص فلو لم یحمل علی قسم خاص فلابدّ من الالتزام بالإهمال و المفروض کونه فی مقام البیان فیجب أن یحمل علی ما هو أخفّ مئونة من الأقسام و النفسی أخفّ مئونة من الغیری فإنّ الغیری یحتاج إلی لحاظ الغیر و کذا التعیینی أخفّ مئونة من التخییری لأنّه یحتاج إلی ذکر البدل و هذا بخلاف انحصار العلّة فإنّه عنوان منتزع من عدم علة أخری و من المعلوم أنّ وجود علة أخری و عدمها لیسا موجبین لتفاوت العلة أصلاً فلو أراد بیان الانحصار یحتاج إلی دالّ مستقل آخر کما أنّه لو أراد بیان عدمه یحتاج إلی مبین آخر فافهم».

علی کل حال بخلاف الغیری فإنّه واجب علی تقدیر دون تقدیر، فیحتاج بیانه إلی مؤونة التقیید بما إذا وجب الغیر، فیکون الإطلاق فی الصیغة مع مقدمات الحکمة محمولاً علیه.

و هذا بخلاف اللزوم و الترتّب بنحو الترتب علی العلّة المنحصرة، ضرورة أنّ کل واحد من أنحاء اللزوم و الترتّب محتاج فی تعینه إلی القرینة مثل الآخر، بلاتفاوت أصلاً».((1))

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ الانحصار و عدمه لیسا من شؤون العلّیة أصلاً حتی یکون الإطلاق مقتضیاً لإثبات الخصوصیة أو نفیها بل حیثیة العلّیة أجنبیة عن حیثیة الانحصار و عدمه و إنّما هما من شؤون العلّیة، و الکلام فی الإطلاق من حیث السببیة لا الإطلاق من حیث وحدة السبب و تعدّده.

فتحصّل من ذلک بطلان الطریق الثالث (أی التقریر الأول للتمسک بالإطلاق بمقدمات الحکمة).

ثم إنّ الطریق الثالث لو ثبت یکون دلیلاً علی انحصار العلّیة فی الشرط بعد الفراغ عن أصل علّیته فلایکاد أن یتمسک به لإثبات العلّیة أوّلاً و انحصارها فی الشرط ثانیاً بخلاف الطریق الثانی و هو الإطلاق الانصرافی.

ص: 61


1- . أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی کفایة الأصول، ص195 و فی حواشی المشکینی، ج2، صفحه 274: «و فیه: أنّه قد مرّ فی مبحث الأمر: أنّ التوسّع فی مقام الثبوت لایوجب الحمل علیه فی مقام الإثبات بعد کون اللفظ حقیقة فی المقسم».
2- . أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص416.

هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها. ((1))

الوجه الرابع:
اشارة

و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الثانی((2)) (إطلاق الشرط و العلّة).

ص: 62


1- . فی درر الفوائد، ج1، ص193: «و فیه أوّلاً: أنّه لیس حمل الطلب علی النفسی و التعیینی من جهة الإطلاق بل یحمل علی النفسی عند الشک فی کونه نفسیاً أو غیریاً و علی التعیینی عند الشک فی کونه تعییناً أو تخییریاً إمّا من جهة ظهوره عرفاً فیها عند خلوّ اللفظ عمّا یدلّ علی غیرهما و إمّا من جهة أنّ الطلب المتعلّق بشیء حجة عقلاً علی کونه واجباً نفسیاً تعیینیاً بمعنی أنّه لو کان کذلک فی الواقع یصحّ العقوبة علی مخالفته و لایجوز عند العقل الإتیان بما یحتمل أن یکون بدلاً له» و فی حواشی المشکینی، ج2، صفحه 275: «و أورد علیه بوجوه: ... الثالث: أنّ المقام و إن کان مثل صیغة الأمر من کلّ جهة، إلاّ أنّ بناء العرف هناک علی إرادة النفسی عند جریان المقدّمات دون الغیری لأنّ بناءهم فیه علی نصب قرینة خاصّة، بخلاف المقام، فإنّهم ینصبون فی کلّ منهما قرینة خاصّة و فیه: أنّ الظاهر تحقّق البناء فی کلّ من المقامین. الرابع: أنّ کلمة إن أو هیئة الجملة موضوعة بالوضع العامّ للأشخاص الخارجیة فلیس هنا مطلق حتی یعین به أحد فردیه و قد تمسّک به فی التقریرات فی منع الانصراف و هو جار فی المقام أیضاً و فیه: منع هذا المبنی کما مرّ مراراً، مضافاً إلی أنّه لایمنع ما ذکرناه فی ذیل ردّ الوجه الثالث فإنّ البناء المذکور یکون قرینة علی کون هذا الفرد مراداً، نعم لایکون من باب الإطلاق. الخامس: أنّه لاینفع القائل بالمفهوم لأنّ الإطلاق المذکور یدور مدار جریان المقدّمات و لیس دائمیاً و مقصوده إثبات الظهور بحیث یکون متّبعاً ما لم تکن قرینة شخصیة علی الخلاف کما مرّ» و فی عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص173: «(أقول) بل قد عرفت منّا فی المبحث السادس من مباحث الصیغة أنّ إطلاق الصیغة أیضاً ممّا لایقتضی کون الوجوب نفسیاً لا غیریاً (و علیه) فیرد علی التمسک المذکور مضافاً إلی المنع فی المقیس أنّ اقتضاء الإطلاق کون الوجوب نفسیاً فی المقیس علیه أیضاً ممنوع».
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص164 و 165 ذکر تقریباً هو نظیر التقریر الثانی قال: «إنّ هناک فقرات لابدّ من إثباتها للتوصل إلی المفهوم فی الجملة الشرطیة ... الفقرة الثالثة کون العلیة انحصاریة ... و أمّا الانحصاریة فلأنّها مقتضی الإطلاق الأحوالی للشرط فإنَّ مقتضی الجملة الشرطیة ثبوت الاستلزام و العلّیة للشرط مطلقاً سواء اقترن بشی ء آخر أو سبقه شی ء آخر أو لا و هذا لایکون إلّا مع افتراض الشرط علّة منحصرة و بعبارة أخری: فی حالة اجتماع الشرط مع شی ء آخر یحتمل علّیته إمّا أن یکون کل منهما علّة مستقلة لحکم واحد أو یکون کل منهما علّة مستقلة لفرد من الحکم غیر الآخر أو و یکون کل منهما جزء العلّة للحکم الواحد و کل هذه الاحتمالات مستحیلة إذ یلزم من الأوّل اجتماع علّتین مستقلتین علی معلول واحد و یلزم من الثانی اجتماع الحکمین المثلین علی متعلّق واحد و یلزم من الثالث مخالفة ظهور الشرطیة فی أنّ الشرط تمام السبب لترتّب الجزاء کما یعترف به المنکر للمفهوم أیضاً و هذا التقریب لو تمّ ثبت المفهوم بلحاظ مرحلة المدلول التصدیقی للکلام المستکشف بالإطلاق و مقدّمات الحکمة» ثمّ ذکر فیه إشکالات ثلاثة فقال بعد الإشکال الأوّل: «و ثانیاً: ما جاء فی الفقرة الثالثة من إمکان إثبات العلّیة الانحصاریة بالإطلاق الأحوالی للشرط إنّما یجدی فی علّة محتملة یمکن أَنْ تجتمع مع الشرط فی الجملة الشرطیة و أمّا إذا کانت العلّة المحتملة ممّا لایمکن اجتماعها مع الشرط فلا معنی للتمسک بالإطلاق الأحوالی المذکور حینئذٍ، إذ یمکن اختیار الشقّ الثانی من الشقوق الثلاثة فی ذلک التقریب أعنی احتمال کون العلّة الأخری علّة مستقلّة أیضاً لحصة أخری من الحکم إذ لایلزم منه اجتماع حکمین مثلین علی موضوع واحد بعد أن افترضنا عدم اجتماع الشرطین معاً و ثالثاً: إمکان اختیار الشقّ الثالث من الشقوق المتقدّمة فی التقریب، أعنی احتمال کون الشرط حین اجتماعه مع العلّة الأخری المحتملة کل منهما جزء العلّة لإیجاد الجزاء الواحد، لأنَّ هذه الجزئیة لیست ناشئة عن القصور الذاتی للشرط کی یکون خلاف ظاهر الجملة الشرطیة فی کفایة الشرط لإیجاد الجزاء و إنّما هو قصور بالعرض و نتیجة الاقتران بین علّتین مستقلّتین فی نفسهما و مثل هذه الجزئیة غیر منفیة بالإطلاق لأنَّ الترتّب و العلّیة بین الشرط و الجزاء محفوظ فی هذه الحالة أیضاً غایة ما هنالک وجود فرق فی کیفیة تخریج هذه العلّیة فلسفیاً و حلّ إشکال عقلی فی کیفیة استناد المعلول إلی علّته و لا ربط لذلک بالدلالة».

إنّه لو لم یکن الشرط منحصراً یلزم علی المتکلم تقییده بأمر سابق أو مقارن ضرورة أنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثّر وحده بل التأثیر للأمر السابق فیما إذا سبق غیره و للجامع بینهما أو لمجموعهما فی صورة المقارنة و مقتضی إطلاق الشرط هو کونه شرطاً من دون دخل أمر سابق أو مقارن و هذا الإطلاق یدل علی أنّ الشرط هی العلّة المنحصرة.

ص: 63

إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر:
اشارة

((1))

الإیراد الأول: من صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ هذا الإطلاق لو تمّ فلاتکاد تنکر الدلالة علی المفهوم إلّا أنّ انعقاد الإطلاق لو لم نقل بعدم اتفاقه فهو نادر تحققاً، لعدم إحراز أنّ المتکلم کان فی مقام بیان انحصار الشرط و العلّة بل المتکلم هو فی مقام بیان ترتّب الجزاء علی الشرط من دون نظر و التفات إلی أنّه بنحو الترتّب علی العلّة المنحصرة أو لا. (فالقضیة الشرطیة تدل علی استناد الجزاء إلی الشرط و لاتدل علی أنّ الشرط هو تمام ما هو المؤثر و المستند).

یلاحظ علیه:

إنّ الأصل فی الخطابات الشرعیة هو کون الشارع فی مقام بیان تمام القیود، کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

الإیراد الثانی: من المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):
اشارة

الإیراد الثانی: (3) من المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح الإیراد (إیراد صاحب الکفایة (قدس سره)) علی هذا الطریق:

ص: 64


1- . إیرادان آخران: الإیراد الأوّل: ما فی فوائد الأصول، ج1 - 2، ص481؛ و الإیراد الثانی: ما فی عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص174– 175 فراجع.
2- . فی کفایة الأصول، ص196: «وفیه: أنّه لاتکاد تنکر الدلالة علی المفهوم مع إطلاقه کذلک، إلّا أنّه من المعلوم ندرة تحققه، لو لم نقل بعدم اتفاقه».
3- . فی منتقی الأصول، ج3، ص228: «و لم یعلم المقصود من کلام الکفایة و ما هو المراد من عدم کونه فی مقام البیان من هذه الجهة و المحتملات فیه متعدّدة. الاحتمال الأوّل: ما ذکره المحقّق الإصفهانی- و بعض المحشین علی الکفایة و هو المشکینی، کما ذکره المحقّق النائینی فی مقام الإیراد علی هذا الوجه- من أنّ القضایا الشرطیة الشرعیة لیست فی مقام بیان فعلیة تأثیر هذا الشرط و علّیته فعلاً، بل هی فی مقام بیان اقتضاء هذا الشرط لتحقق الجزاء و هو لاینافی عدم ترتّب الجزاء علیه لاحتفافه بالمانع أو عدم الشرط، کما لاینافی کون غیره مقتضیاً و جزء المؤثر و علیه فتأثیر غیره فی الجزاء لو سبقه لاینافی کونه مقتضیاً، کما لایخفی، نعم لو کانت فی مقام بیان أنّه شرط ومؤثر فعلاً کان مقتضی الإطلاق انحصار الشرط فیه و هذا التوجیه لایمکننا الالتزام به لأنّه غیر صحیح فی نفسه فإنّ الالتزام به یقتضی تأسیس فقه جدید، لأنّ مقتضاه أن لایستفاد من القضایا الشرطیة الواردة فی لسان الشارع فعلیة الوجوب عند تحقّق الشرط، إذ لا رافع لاحتمال وجود المانع أو انتفاء الشرط و هذا ممّا لایتفوّه به أحد فهل تری أحداً یتوقف فی الحکم بوجوب الوضوء عند النوم استناداً إلی قوله: إذا نمت فتوضأ؟»

إنّ القدر المسلّم من القضیة الشرطیة إفادة العلّیة و صلاحیة الشیء للتأثیر من دون دخل شیء وجوداً أو عدماً فی علیته الذاتیة، و أما ترتّب المعلول بالفعل علی العلّة فهو أمر آخر قد یتفق سوق الإطلاق بلحاظه. ((1))

کما قال المحقق النائینی (قدس سره): إنّ استناد التالی فی وجوده إلی المقدم بالفعل فلیس المتکلم فی مقام بیانه قطعاً لیتمسک بإطلاق کلامه لإثبات انحصار العلّة بالمقدم.((2))

و توضیح ذلک:

إنّ القضیة الشرطیة هی فی مقام بیان اقتضاء الشرط و صلاحیته للتأثیر فی تحقق الجزاء و ترتّبه علیه لا فی مقام بیان فعلیة تأثیر الشرط فی تحقق الجزاء و لذا لاینافی ذلک عدم ترتّب الجزاء لوجود مانع کما أنّه لاینافی کون غیره جزء المؤثر.

أمّا الجواب عن هذا الإیراد:

قال (قدس سره) فی منتقی الأصول:((3)) إنّ مقتضی هذا الإیراد هو أن لایستفاد من القضایا

ص: 65


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص416.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص250؛ فوائد الأصول، ج2، ص481.
3- . منتقی الأصول، ج3، ص228.

الشرطیة فی لسان الشارع فعلیة الوجوب عند تحقق الشرط فلابدّ أن یتوقف فی الحکم بوجوب الوضوء فی قوله «إذا نُمْتَ فَتوَضأ».

و قال بعض الأساطین (دام ظله):((1))بعد الفراغ عن الترتّب و علّیة الشرط یقال: إنّ الألفاظ تفید فعلیة وجود المعنی لا شأنیته فأداة الشرط ظاهرة فی الشرطیة الفعلیة لا الشرطیة الشأنیة.

و لایخفی أنّ هذا الإطلاق لو تمّ یدلّ علی انحصار العلّة فلابدّ فیه من إحراز کون الشرط علّة حتی یتمسّک بهذا الإطلاق لبیان انحصاره و أما لو لم یثبت علّیة الشرط للجزاء فلایفید التمسک بهذا الإطلاق.

الإیراد الثالث:
اشارة

(2)

بعض الأعلام استشکل هذا التقریر بأنّه یبتنی علی دلالة القضیة الشرطیة علی ترتّب الجزاء علی الشرط بنحو ترتّب المعلول علی العلّة مع أنّه غیر ثابت.

ص: 66


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص183.
2- . فی درر الفوائد، ج1، ص194: «و الجواب أنّه لو تکرّر المسبّب بتعدّد الأسباب فلایلزم إهمال السبب أو استناد المسبّب إلی مجموع السببین فیحفظ الإطلاق المستفاد من القضیة و هو أنّه متی یوجد الشرط یترتّب علیه الجزاء من دون لزوم القول بالحصر و أمّا لو فرضنا الجزاء واحداً علی کل حال فاللازم علی تقدیر تعدّد الأسباب و إن کان عدم ترتّبه علی الشرط أصلاً أحیاناً و عدم کونه مستقلاً کذلک لکنّک عرفت ممّا تقدّم أنّا ما سلمنا دلالة القضیة علی کون الشرط علّة تامّة بل المقدار المسلّم وقوع الجزاء عقیب الشرط مع ربط بینهما و تکفی فی الربط کونه صالحاً للتأثیر فیه و إن منع من تأثیره سبق علّة أخری» و فی فوائد الأصول ج1 - 2، ص481 – 482: «و لکنّ الإنصاف: أنّ هذا التقریب لایستقیم، لأنّه أوّلاً ... و ثانیاً: إنّ القضیة الشرطیة لا دلالة لها علی استناد الجزاء إلی الشرط و کون وجوده معلولاً لوجوده، بل غایة ما تدلّ علیه القضیة الشرطیة، هو الترتّب بین الجزاء و الشرط و وجود الجزاء عند وجود الشرط و هذا المعنی لایتفاوت الحال فیه، بین کون الشرط علّة منحصرة أو غیر منحصرة فإنّ الجزاء یکون مترتباً علی الشرط علی نسق واحد، سواء کان هناک شرط آخر أو لم یکن» و فی المحاضرات ج5، ص65: «هذا القول خاطئ جداً و لا واقع موضوعی له و السبب فی ذلک هو أنّ غایة ما تدلّ القضیة الشرطیة علیه هو ثبوت الملازمة بین التالی و المقدّم فحسب و أمّا ترتّب التالی علی المقدّم فإنّه لیس مدلولاً لها و إنّما هو قضیة تفریعه علیه فی ظاهر القضیة و تعلیقه و من هنا قلنا أنّ القضیة مع هذا التفریع لاتدلّ إلّا علی مطلق ترتّب الجزاء علی الشرط و أمّا الترتّب الخاص و هو ترتّب المعلول علی العلّة فلایستفاد منها إلّا بقرینة خاصة فضلاً عن کون هذا الترتّب من ترتّب المعلول علی العلّة المنحصرة».
أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((1))

إنّه إشکال مبنائی لأنّا افترضنا مفروغیة علّیة الشرط للجزاء (فإنّ بعض الأساطین (دام ظله) من أساتیذنا اختار ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)).

و الحاصل: أنّه لایبعد تمامیة هذا الوجه.

الوجه الخامس:
اشارة

و هو الإطلاق بمقدمات الحکمة بتقریره الثالث((2)) (إطلاق الشرط أیضاً).

قد أورده فی الکفایة بعنوان التوهم ثم ناقش فیه((3)) و فی قبال صاحب الکفایة (قدس سره) بعض الأعلام مثل المحقق النائینی (قدس سره) اعتمدوا علی هذا الوجه.

بیان المحقق النائینی (قدس سره):

(4)

تقریره لإطلاق الشرط هو أنّ الشرط المذکور فی القضیة الشرطیة إما یکون

ص: 67


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص182.
2- . اختار هذا التقریر فی الفوائد الحائریة، ص184، و فی أصول الفقه، ج1، ص162 – 163 فراجع.
3- . کفایة الأصول، ص196.
4- . أجود التقریرات، ج2، ص251 و فی فوائد الأصول، ج2، ص483: «و إن کان الشرط، علی الوجه الأوّل، کمجیء زید و رکوبه و جلوسه و غیر ذلک من الحالات التی لایتوقف إکرامه علیها عقلاً فلا محالة یکون الجزاء مقیداً بذلک الشرط فی عالم الجعل و التشریع و معنی التقیید هو إناطة الجزاء بذلک الشرط و مقتضی إناطته به بالخصوص هو دوران الجزاء مداره وجوداً و عدماً، بمقتضی الإطلاق و مقدّمات الحکمة، حیث إنّه قید الجزاء بذلک الشرط بخصوصه و لم یقید بشیء آخر ... و مقتضی ذلک هو دوران الجزاء مدار ما جعل شرطاً فی القضیة، بحیث ینتفی عند انتفائه و هو المقصود من تحقّق المفهوم للقضیة فمقدمات الحکمة إنّما تجری فی ناحیة الجزاء من حیث عدم تقییده بغیر ما جعل فی القضیة من الشرط، لا فی الشرط ... و الحاصل: أنّ إطلاق الجزاء فی المقام بالنسبة إلی ما عدا الشرط فی اقتضائه المفهوم یکون کإطلاق الوجوب فی اقتضائه النفسیة العینیة التعیینیة، من غیر فرق بین المقامین أصلاً، حیث إنّ مقدّمات الحکمة إنّما تجری لاستکشاف المراد و أنّ المراد النفس الأمری هو ما تضمّنه الکلام بعد إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان، کما هو الأصل الجاری عند العقلاء فی محاوراتهم، حیث إنّ الأصل العقلائی یقتضی کون المتکلّم فی مقام بیان مراده النفس الأمری، إلّا أن تکون هناک قرینة نوعیة علی الخلاف و فی المقام مقتضی تقیید الجزاء بالشرط هو کون المتکلّم فی مقام البیان».

فی حدّ ذاته ممّا یتوقف علیه عقلاً وجود ما هو متعلق الحکم فی الجزاء، و إما لا یکون کذلک.

و علی الأوّل فبما أنّ ترتّب الجزاء علی الشرط و تقیده به قهری فلایکون للقضیة مفهوم مثل قولهم: إن رزقت ولداً فاختنه حیث إنّه لبیان تحقق الحکم عند تحقق الموضوع.

و أما علی الثانی فالحکم الثابت فی الجزاء إما مطلق بالنسبة إلی الشرط المذکور أو مقید به و ظاهر القضیة الشرطیة هو أنّه مقید بوجود الشرط، و بما أنّ المتکلم فی مقام البیان و قد أتی بقید واحد و لم یقیده بشیء آخر سواء کان التقیید بذکر عدل له ب- «أو» أم بانضمام شیء إلیه ب- «الواو» فیستکشف من عدم تقیید الشرط بالشیء الآخر الذی یعطف علیه ب- «الواو» عدم کون الشرط مرکباً من المذکور

ص: 68

فی القضیة و غیره و أیضاً یستکشف من إطلاقه و عدم تقییده بمثل العطف ب: «أو» انحصار الشرط بما هو مذکور فی القضیة.

و هذا نظیر استفادة الوجوب التعیینی من إطلاق الصیغة، فکما أنّ إطلاقها یقتضی عدم سقوط الواجب بإتیان ما یحتمل کونه عدلاً له فیثبت به کون الوجوب تعیینیاً، کذلک مقتضی الإطلاق فی المقام هو انحصار قید الحکم بما هو مذکور فی القضیة، فیثبت به أنّه لا بدل له فی ترتّب الحکم علیه.

بیان الفرق بین التقریر الثانی و الثالث:

((1))

إنّ کلیهما من باب إطلاق الشرط لکن الإطلاق بتقریره الثانی کان بلحاظ حالات الشرط من جهة انضمام شیء إلی الشرط سواء کان مسبوقاً أم مقارناً و أما الإطلاق بتقریره الثالث فکان بلحاظ عدل الشرط و بدله و إن کان الشرط منعدماً ففی الإطلاق بالتقریر الثانی لوحظ وجود الشرط منضمّاً و فی الإطلاق بالتقریر الثالث لم یلاحظ وجوده منضمّاً.

ص: 69


1- . فی حقائق الأصول، ج1، ص453، عند التعلیقة علی قوله «و أمّا توهّم أنّه قضیة إطلاق»: «الفرق بین هذا التقریب و ما قبله أنّ هذا بلحاظ ظهور کلمة "إن" فی کون الشرط شرطاً بذاته للجزاء و إن لم یکن مؤثراً فعلاً و ما قبله بلحاظ ظهورها فی کونه علّة تامّة مؤثراً فعلاً» و فی منتقی الأصول، ج3، ص232: «و الفرق بین هذا الوجه و سابقه واضح فإنّ سابقه یحاول إثبات الانحصار من طریق إثبات ترتّب الجزاء علی الشرط و عدم تأثیر غیره فیه لو سبقه أو قارنه و هذا الوجه یحاول إثبات الانحصار من طریق عدم تأثیر غیره فیه لو انعدم هنا الشرط و جاء غیره فلو لم یثبت الوجه السابق -کما تقرّر- و لم یعلم انفراد تأثیر الشرط و عدمه فی صورة تقدّم غیره علیه أو مقارنته أمکن دعوی ثبوت هذا الإطلاق و إثبات الانحصار به، لاختلافهما منهجاً و إن اتّحد نتیجة فلاحظ».
إیرادان علی هذا التقریر:
الإیراد الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

لا یجوز قیاس القضیة الشرطیة بالوجوب التعیینی و التخییری فإنّ وجود البدل و العدل للعلّة غیر وجود البدل و العدل للواجب لأنّ سنخ الوجوب التخییری مباین لسنخ الوجوب التعیینی فإنّهما مغایران ثبوتاً و إثباتاً.

أما ثبوتاً فلأنّ مصلحة الوجوب التعیینی قائمة بنفس الواجب و مصلحة الوجوب التخییری قائمة إما بالجامع بین أفراد التخییر أو بکل منهما علی حدة و الوجوب التعیینی غیر مشوب و لکن الوجوب التخییری وجوب مشوب بجواز ترکه إلی البدل.

و أما إثباتاً فلأنّ الواجب التخییری یحتاج إلی بیان زائد بالعطف ب- «أو» بخلاف الواجب التعیینی فإنّه لایحتاج إلی بیان زائد و حینئذٍ لابدّ من بیان العدل لو کان موجوداً و إلّا لأخلّ عدم البیان بسنخ الوجوب و أما سنخ العلّة

ص: 70


1- . فی کفایة الأصول، ص196 – 197: «فیه أنّ التعین لیس فی الشرط نحواً یغایر نحوه فیما إذا کان متعدّداً کما کان فی الوجوب کذلک و کان الوجوب فی کل منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر، لابدّ فی التخییری منهما من العدل و هذا بخلاف الشرط فإنّه واحداً کان أو متعدّداً، کان نحوه واحداً و دخله فی المشروط بنحو واحد، لاتتفاوت الحال فیه ثبوتاً کی تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً و کان الإطلاق مثبتاً لنحو لایکون له عدل لاحتیاج ما له العدل إلی زیادة مؤونة و هو ذکره بمثل (أو کذا) و احتیاج ما إذا کان الشرط متعدّداً إلی ذلک إنّما یکون لبیان التعدّد، لا لبیان نحو الشرطیة فنسبة إطلاق الشرط إلیه لاتختلف، کان هناک شرط آخر أم لا، حیث کان مسوقاً لبیان شرطیته بلا إهمال و لا إجمال. بخلاف إطلاق الأمر فإنّه لو لم یکن لبیان خصوص الوجوب التعیینی فلامحالة یکون فی مقام الإهمال أو الإجمال، تأمّل تعرف» و أیضاً راجع المحاضرات، ج5، ص70.

المنحصرة لا یختلف مع سنخ العلّة غیر المنحصرة فعدم بیان العدل و البدل لایضر بسنخ العلّة و لذا لا ملزم لکون المتکلم فی مقام بیانه.((1))

الإیراد الثانی عن المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ الإطلاق لا یکون إلاّ مع انحفاظ مطلق فالإطلاق من حیث الضمیمة معقول و أما الإطلاق من حیث کونه ذا بدل فلا، إذ لا یکون بدله إلّا فی ظرف عدمه فلا یعقل إطلاق القید فی ظرف عدم نفسه.((3))

و هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها. ((4))

ص: 71


1- . فی حواشی المشکینی، ج2، ص278: «أقول: فیه: أنّه قد تقدّم أنّ ملاک التمسّک بالإطلاق فی صیغة الأمر فی إثبات النفسیة أو التعیینیة لیس تضیق الوجوب لأنّه لیس ملاکاً فی ظهور الألفاظ، بل الملاک هو بناء العرف و الظاهر وجوده فی المقام أیضاً. نعم قوله: مع أنّه لو سلّم لم یجد القائل إلی آخره، وارد علیه، کما أوردناه علی [التقریبین] الأوّلین أیضاً» و فی نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص482: «فیه أنّه لا وجه لهذا الإشکال بعد تسلیم أصل الإطلاق فإنّ معنی تعین الشرط إنّما هو کونه مؤثراً بالاستقلال بخصوصیته الشخصیة فی المشروط و لازم ذلک هو ترتّب الانتفاء عند انتفائه علی الإطلاق، کان هناک أمر آخر لا فإذا أثبت ذلک حینئذٍ قضیة الإطلاق و کان الحکم أیضاً سنخیاً فقهراً یلزمه الانتفاء عند الانتفاء، نعم لو کان الحکم شخصیاً أو ملحوظاً بنحو الطبیعة المهملة لم یلزمه انتفاء الحکم بقول مطلق عند انتفائه، من جهة إمکان أن یکون هناک علّة أخری توجب شخص حکم آخر مثله عند انتفائه فتدبّر».
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص417، هامش التعلیقة.
3- . قد استشکل بعض الأساطین (دام ظله) علی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بإیرادات.
4- . فی غایةالمسئول، ص334: «و منها: أنّ الظّهور المذکور من جهة إطلاق لفظ الشرط فإنّ قوله: إن جاء زید فأکرمه یقتضی بإطلاق لفظ جاء أنّ المجی ء مستقل فی السببیة إذ لو کان هناک شرط آخر وجب ذکره و فیه: أنّه إن أراد من الاستقلال فی الشرطیة أنّ الشرط لیس أمراً مرکباً من أمور یکون المجی ء جزءً منها بل هو مستقل فی الشرطیة کنفس الوضوء للصلاة و لیس من قبیل أجزاء الوضوء مثلاً فمسلّم لکن لاینافی ذلک وجود شرط مستقل آخر فإنّ الوضوء شرط مستقل للصلاة و لاینافی کون ستر العورة أیضاً شرطاً و إن أراد أنّه سبب تامّ بحیث لا مدخلیة لشی ء آخر فی الشرطیة فاقتضاء إطلاق الشرط لذلک ممنوع بل نقول إنّ إطلاق الشرط لایفید الاستقلال بالمعنی الأوّل أیضاً». أیضاً راجع المحاضرات، ج5، ص69 – 70 و بحوث فی علم الأصول، ج3، ص168 و منتقی الأصول، ج3، ص234 – 235.
الوجه السادس: الإطلاق المقامی

((1))

و بیانه یتوقف علی مقدّمة و هی أنّ الشارع یکون فی مقام بیان الأحکام الشرعیة بجمیع قیوده و ذلک من سیرته فی جمیع کلماته إلّا فیما إذا کانت المصلحة فی عدم البیان و لایضرّ تلک الموارد بظهور القضایا الشرعیة فی کونها لبیان جمیع القیود و الشرائط.

ص: 72


1- . أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص418. و فی حواشی المشکینی، ج2، ص278: «الرابع: التمسّک بالإطلاق المقامی، بأن یقال: إنّه إذا أحرز کون المولی فی مقام بیان وحدة السبب و تعدّده فحیث اقتصر علی واحد یعلم أنّها علّة منحصرة و إلّا لکان ناقصاً لغرضه. الخامس: التمسّک به أیضاً و لکن بوجه آخر بأن یقال: إنّه إذا أحرز کونه فی مقام بیان ما هو المؤثّر فی الجزاء و أنّه هل المجی ء بما هو أو الجامع بینه و بین غیره؟ و اقتصر علیه، یستکشف أنّها علّة منحصرة و إلّا لزم نقض غرضه إذ المؤثّر -علی فرض التعدّد- هو الجامع بناء علی القول بامتناع استناد الواحد إلی الکثیر و لم یبینه مع أنّه فی مقام بیانه و لایخفی أنّ هذا غیر سابقه لأنّ الأوّل لایحتاج إلی المقدّمة العقلیة المذکورة، بخلافه و لکن یرد علیهما: أنّهما غیر نافعین للقائل بالمفهوم لأنّهما لیسا دائمین» و فی منتقی الأصول، ج3، ص236 و 237: «لیس لدینا بعد إنکار ما تقدّم من الوجوه سوی طریقین:... الثانی: أن تکون مستعملة فی مقام إفادة ما هو الشرط، فیکون مقتضی الإطلاق المقامی انحصار الشرط بالمذکور و هذا الوجه قریب إلی نظر العرف و حینئذٍ یقال: إنّه حیث کان الغالب فی الاستعمالات العرفیة استعمال القضیة الشرطیة فی هذا المقام ففی مورد یشک فیه یلحق بالغالب فإنّ الغلبة بحدّ تکون من الأمارات العرفیة الموجبة لظهور الکلام فی ذلک و لولا هذا الوجه لما کان للمفهوم وجه یرتکن علیه و إنکاره یستلزم تأسیس فقه جدید فالتفت و بالجملة: فلا طریق إلی إثبات المفهوم سوی الإطلاق المقامی».

و بحث مفهوم الشرط أعمّ من مقام استنباط الأحکام الشرعیة بل هو یشمل المباحث التفسیریة و أیضاً یشمل جمیع المحاورات العرفیة و لکنّا نبحث عنه من جهة کونه فی طریق استنباط الأحکام الشرعیة و لذا لانشک فی کون الشارع فی مقام بیان الأحکام و أما فی المباحث التفسیریة فلم یثبت کون القضیة الشرطیة فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط و لذا نری أنّ المحدث الحر العاملی (قدس سره) ادعی فی الفوائد الطوسیة((1)) أنّ الآیات القرآنیة التی لا مفهوم للشرط فیها تبلغ مأة و عشرین آیة و لکن الآیات التی اعتبرت فیها مفهوم الشرط لاتبلغ هذا المقدار و لذا جعل ذلک دلیلاً علی عدم حجیة مفهوم الشرط و لکنه یرد علیه أنّ عدم دلالة أکثر الآیات المشتملة علی القضیة الشرطیة علی المفهوم هو من جهة عدم کونها فی مقام البیان و لکن البحث هنا یقع فیما إذا کان المتکلم فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط فهل حینئذ یدلّ القضیة الشرطیة علی المفهوم أو لا؟

فنقول: إذا کان المولی فی مقام بیان کل ما له العلّیة (أو فقل: فی مقام بیان جمیع القیود و الشرائط) فاقتصر علی خصوص المجیء مثلاً، کشف ذلک عن انحصاره فیها و إلّا کان ناقضاً لغرضه.

و هذا البیان الذی أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) هو الاستدلال بالإطلاق المقامی فی قبال الاستدلال بالإطلاق الانصرافی و الإطلاق اللفظی.

و الحاصل: تمامیة الإطلاق المقامی الّذی تمسّک به المحقق الإصفهانی (قدس سره) عندنا.

ص: 73


1- . الفوائد الطوسیة، ص291.
الوجه السابع: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ مقتضی الترتّب العلّی علی المقدم بعنوانه أن یکون بعنوانه الخاصّ به علّة، و لو لم تکن العلّة منحصرة لزم استناد التالی إلی الجامع بینهما و هو خلاف ظاهر الترتب علی المقدم بعنوانه.

یلاحظ علیه:

((2))

إنّ ذلک یتمّ فی ما إذا قلنا بجریان قاعدة «الواحد لایصدر إلّا عن الواحد» فی هذا المقام و لکنّه ممّا لا یمکن الإلتزام به لأنّ هذه القاعدة لاتجری فی العلل الطبیعیة کما أنّها لاتجری فی موضوعات الأحکام التی هی کالعلل للأحکام.

ص: 74


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص416. و فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص166: «التقریب الرابع: و هو کسابقه فی الفقرات الثلاث و لکنّه یختلف عنه فی کیفیة البرهنة علی الفقرة الثالثة فإنَّه یتمسّک هنا بظهور آخر فی الجملة الشرطیة لإثبات الانحصاریة و هو ظهورها فی کون الشرط بعنوانه دخیلاً فی مقام التأثیر فی الجزاء لا بعنوان آخر ملازم أو مقارن و هذا لایکون إلّا حیثما یکون الشرط علّة منحصرة للجزاء إذ لو کان هناک علّة أخری فإمّا أن یکون کل من العلّتین بخصوصیته علّة للجزاء أو بالجامع بینهما و الأوّل مستحیل لأنّه یلزم منه صدور الواحد بالنوع من الکثیر و الثانی خلاف ظاهر الشرطیة فی دخل خصوصیة الشرط فی الحکم أیضاً».
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص167: «و هذا التقریب غیر تامّ أیضاً، لأنّه یمکن أن یختار الشقّ الأوّل و لایلزم منه محذور، أمّا علی القول باختصاص قانون (الواحد لایصدر إلاّ من واحد) بالواحد الشخصی فواضح و أمّا علی القول بعمومها للواحد النوعی أیضاً فلأنَّ الواحد بالنوع فی المقام إن أرید به الوجوب فإن أرید به المجعول فهو لیس أمراً حقیقیاً تصدیقیاً کی یطبق علیه قوانین العلّیة و إنّما هو أمر فرضی حالی تصوری علی ما تقدّم توضیحه مراراً و لو أُرید به الجعل فهو صادر عن الجاعل و معلول له و لیس معلولاً للشرط أصلاً و دور الشرط بحسب الحقیقة دور التحصیص و التقیید و إنْ أرید بالواحد النوعی الملاک فلا موجب لافتراض وحدته بالنوع فی الوجوبین المستندین إلی العلّتین».
الوجه الثامن: عن المحقق العراقی (قدس سره)

((1))

و هو الطریق الأول الذی سلکه المحقق العراقی (قدس سره)، فقال: إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی التلازم بین المقدم و التالی بل و علی کون اللزوم بینهما بنحو العلّیة و المعلولیة، فالظاهر هو کونها فی غایة الوضوح کما یشهد به الوجدان و یوضحه المراجعة إلی العرف و أهل المحاورة و اللسان فی نحو هذه القضایا حیث تری أنّهم یفهمون منها الترتّب بین المقدّم و التالی بنحو العلّیة فضلاً عن اللزوم بینهما و علیه فدعوی المنع عن الدلالة علی اللزوم أو الترتّب بنحو العلیة فی غایة السقوط.

و لکن لدعوی المنع عن الترتّب بنحو العلّیة المنحصرة مجال ثم استدل علی ذلک بالإطلاق الانصرافی و بالإطلاق بمقدمات الحکمة.

تم الکلام هنا عن الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط و هو الاستدلال علیه من طریق إثبات العلیة المنحصرة، و قد تقدم أنّ لإثبات المفهوم الشرط خمس أدلة، فتصل النوبة إلی الدلیل الثانی.

نتیجة الکلام:

تمامیة هذا الدلیل الأول بالإطلاق بمقدّمات الحکمة بالتقریر الثانی و بالإطلاق المقامی.

ص: 75


1- . نهایة الأفکار، ج 2، ص481.
الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط:
اشارة

و هو ما أفاده أبو المجد الإصفهانی (قدس سره) فی وقایة الأذهان((1)) و الشهرستانی (قدس سره) فی غایة المسؤول.((2))

قبل بیان مختارهما نتعرض لمقدمة حتی یتضح ذلک:

مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق:

إنّ المحقق الأنصاری (قدس سره) قال: إنّ لفظ التعلیق مشعر بالانتفاء عند الانتفاء((3)) و قال أیضاً صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((4)) بالفرق بین معنی الترتّب و التعلیق (خلافاً لبعض الأعلام مثل المحقق الإصفهانی (قدس سره)) و فسّر التعلیق بأنّه ربط أحد الشیئین بالآخر بنحو لایتخلف عنه و لایمکن تحققه بدونه فهو یساوق العلّیة المنحصرة إذ من الواضح أنّ الشیء إذا کان یوجد بسببین لایقال: إنّه معلّق بکل منهما.

و فی قباله بعض الأعلام استعملوا التعلیق فیما لایفید الانتفاء عند الانتفاء مثل صاحب المعالم (قدس سره) حیث عبّر فی مفهوم الوصف أیضاً بالتعلیق((5)) و کما تقدّم ذلک فی کلام المحقق الإصفهانی (قدس سره) حیث أردفه بالترتّب.

ص: 76


1- . وقایة الأذهان، ص419.
2- . غایة المسؤول فی علم الأصول، ص334.
3- . مطارح الأنظار، ص169.
4- . منتقی الأصول، ج3، ص213.
5- . معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص79: «و اختلفوا فی اقتضاء التعلیق علی الصفة نفی الحکم عند انتفائها فأثبته قوم و هو الظاهر من کلام الشیخ و جنح إلیه الشهید فی الذکری و نفاه السید و المحقّق و العلّامة و کثیر من الناس و هو الأقرب».
بیان العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((1))

قال: إنّ التعلیق یدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء.

و قال: إن ثبت مفهوم للشرط فلیس لوضع «إن» و سائر حروف الشرط لذلک بل یثبت من التعلیق الذی دلّت أدواته علیه، فالأدوات تدل علی التعلیق و التعلیق یدل علی المفهوم حیث إنّه لاشک فی ظهور التعلیق فی اختصاص الحکم و التخصیص بالشرط لابدّ له من باعث صالح یدعو إلیه و احتمال وجود نکته أُخری غیر اختصاص الحکم بالشرط لایضرّ بالظهور فی اختصاصه به کما لایضرّ احتمال وجود القرینة الصارفة بظهور اللفظ فی المعنی الحقیقی فیدفع هنا بالأصل کما یدفع هناک و التعلیق یدل علی الملازمة بین الشرط و الجزاء بل هو معنی التعلیق و للملازمة أقسام و الظاهر الغالب کونها من قبیل سببیة الشرط للجزاء ما لم تکن قرینة علی خلافها و بالغ جماعة فجعلوها ظاهرة فی العلّة التامّة المنحصرة و یکفی فی فساده القطع بأنّ من قال «إن أکرمک فأکرمه» و قال بعده «إن زارک فأکرمه» لیس لکلامه الثانی أدنی مخالفة لکلامه الأول.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده من الظهور الغالب فی السببیة لایکفی لإثبات مفهوم الشرط بل لابدّ من إثبات الانحصار فما أفاده من أنّ الظهور فی العلّة التامّة المنحصرة فاسد لایناسب المقام بل ما أفاده من أنّ التعلیق ظاهر فی اختصاص الحکم لیس إلّا من باب انحصار سببیة الشرط، نعم إنّ ادعاء وضع القضیة الشرطیة للعلة التامّة المنحصرة فاسد لا ادعاء الظهور فیها.

ص: 77


1- . وقایة الأذهان، ص419.
الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط:
اشارة

و هو ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ((1)) و إنّه سلک من طریقین تارةً من طریق إثبات العلّة المنحصرة کما تقدم و أخری من طریق آخر غیر إثبات انحصار العلّة فی الشرط و البحث هنا فی هذا الطریق الثانی.

مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة:

قبل بیان مفاد القضیة الشرطیة لابدّ من تحلیل معنی القضیة الحملیة، فإنّ القضیة الحملیة لاتقتضی أزید من کون المتکلم فی مقام إثبات حکم وجوب الإکرام لزید بنحو الطبیعة المهملة و لایقتضی أن تکون بصدد إثبات سنخ الحکم و الطبیعة المطلقة (و المهملة فی قوة القضیة الشخصیة و لاینافی هذا الإهمال إطلاق الموضوع و الحکم بحسب حالات الموضوع).

نعم مقتضی القضیة الحملیة ثبوت الحکم للموضوع (و هو «زید» فی المثال المذکور) من جهة جمیع حالاته من القیام و القعود و المجیء و غیر ذلک و هذا معنی إطلاق الموضوع.

و لمّا کان موضوع الحکم مطلقاً بحسب الحالات من المجیء و غیره یلزمه إطلاق فی طرف الحکم المترتب علیه أیضاً بحسب تلک الحالات.

و یلزم من ذلک (إطلاق الحکم و الموضوع بحسب حالات الموضوع) عدم جواز ثبوت وجوب آخر أیضاً لذلک الموضوع فی حال القیام و القعود و المجیء من جهة ما یلزمه حینئذٍ بعد هذا الإطلاق من لزوم محذور اجتماع المثلین.

ص: 78


1- . نهایة الأفکار، ج 2، ص478.

(و عدم جواز ثبوت وجوب آخر شخصی لما یلزمه من محذور اجتماع المثلین هو ممّا یبتنی علیه الاستدلال علی مفهوم الشرط).

بیان المحقق العراقی (قدس سره):
اشارة

و حینئذ نقول: إنّ طبع أداة الشرط الوارد علیها أیضاً فی نحو قوله: «إن جاء زید یجب إکرامه» لایقتضی إلّا مجرد إناطة النسبة الحکمیة بما لها من المعنی الإطلاقی بالشرط و هو المجیء.

فإذا کان مقتضی طبع القضیة الحملیة فی مثل قوله «أکرم زیداً» هو ثبوت حکم شخصی محدود ل- «زید» علی الإطلاق (جمیع حالات زید) الملازم لانحصار الحکم الشخصی و عدم وجود فرد آخر منه فی بعض حالات الموضوع (مثل حالة عدم المجیء) فلاجرم بعد ظهور الشرط فی دخل الخصوصیة بمقتضی ما بیناه یلزمه قهراً انتفاء وجوب الإکرام عن زید عند انتفاء المجیء و عدم ثبوت وجوب شخصی آخر له فی غیر حال المجیء و یلزمه عقلاً انتفاء سنخ الحکم (وجوب الإکرام) عن الموضوع (زید) عند انتفاء الشرط (المجیء) و لانعنی من المفهوم إلّا ذلک.

و قد استشکل علیه بعض الأعلام بما لایمکننا المساعدة علیه فلا نتعرض له.

ملاحظتنا علی هذا الوجه:

و الحق فی الإیراد علیه: هو أنّ الإطلاق الأحوالی ل- «زید» إن کان موضوعاً للحکم الشخصی بوجوب الإکرام و بعد ذلک قید بحالة المجیء فیصح ما أفاده حیث إنّ الحکم الشخصی اختصّ بحالة المجیء و لم یبق وجه لهذا الحکم فی صورة عدم المجیء و لکن إن قلنا بأنّ الموضوع لوجوب الإکرام من الأول هو

ص: 79

زید فی حالة مجیئه کما هو الظاهر من القضیة الشرطیة فلاینافی ذلک وجود حکم شخصی آخر لزید فی حالة عدم مجیئه، لأنّ کل موضوع یقبل حکماً شخصیاً غیر الحکم الشخصی الذی یختصّ بموضوع آخر.

ص: 80

الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط:
اشارة

و هو ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1))

المقدمة:

إنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الحکایة و الإخبار عن ثبوت النسبة فی الواقع أو نفیها عنه و ذلک لأمرین:

الأول: إنّها لاتدلّ علی ثبوت النسبة فی الواقع أو عدمه مع قطع النظر عن حال المخبر من حیث وثاقته و قطع النظر عن القرائن الخارجیة.

الثانی: إنّ الوضع عبارة عن التعهّد و الالتزام النفسانی المبرز بمبرزٍما فی الخارج فاللفظ یدلّ علی أنّ المتکلم به أراد تفهیم معنی خاصّ و التعهد و الالتزام یتعلقان بالفعل الاختیاری فلا یتعلقان بثبوت النسبة فی الواقع أو عدم ثبوتها فیه لأنّ ثبوت النسبة و عدمها خارج عن اختیار المتکلم بل هو تابع لثبوت عللها فی الواقع، فالتعهد و الالتزام یتعلقان بإبراز قصد الحکایة و الإخبار عن ثبوت النسبة أو عدمها فی الخارج.

فالجملة الخبریة تشترک مع الجملة الإنشائیة فی الدلالة علی قصد المتکلّم لأنّ الجملة الإنشائیة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلّم إبراز الأمر الاعتباری النفسانی فهما لاتتصفان بالصدق و الکذب نعم إنّ لمدلول الجملة الخبریة واقعاً موضوعیاً دون مدلول الجملة الإنشائیة و لذا تتصف الجملة الخبریة بالصدق و الکذب بملاحظة مطابقة مدلولها للواقع و عدم مطابقته له.

ص: 81


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص212.

و القضیة الشرطیة إذا کانت إخباریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الإخبار عن وجود التالی علی تقدیر وجود المقدّم فهی بطبیعة الحال تدلّ بالالتزام علی انتفاء الإخبار عنه علی تقدیر انتفاء المقدّم و هذا معنی دلالتها علی المفهوم بالدلالة الالتزامیة الوضعیة.

أما القضایا الشرطیة إذا کانت إنشائیة فعلی نوعین:

الأول: ما یتوقف الجزاء علی الشرط تکویناً مثل إن رزقت ولداً فاختنه

و الثانی: ما لایتوقف الجزاء علی الشرط تکویناً بل یکون التعلیق و التوقف بجعل المولی و اعتباره.

أما النوع الأول فهو خارج عن محل الکلام و لا یدل علی المفهوم.

و أما النوع الثانی فهو یدل علی المفهوم، لأنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: أن یکون الموضوع فیها غیر الشرط الذی علّق علیه الجزاء

الرکیزة الثانیة: أن لا یکون التعلیق تکوینیاً و عقلیاً.

و هذه الرکیزتان موجودتان فی النوع الثانی، دون النوع الأول حیث إنّه فاقد للرکیزة الثانیة.

بیان ذلک: إنّ حقیقة الإنشاء عبارة عن اعتبار المولی الفعل علی ذمّة المکلف و إبرازه فی الخارج بمبرزٍما.

و من الطبیعی أنّ هذا الاعتبار قد یکون مطلقاً و قد یکون معلقاً علی شیء خاص و تقدیر مخصوص فإنّه بطبیعة الحال یکشف عن ثبوت هذا الاعتبار عند ثبوت تقدیر خاصّ و عن انتفائه عند انتفائه فی الخارج و الدلالة علی انتفاء

ص: 82

الاعتبار عند انتفاء التقدیر الخاص هی بالدلالة الالتزامیة لأنّ الملازمة بینهما بینة بالمعنی الأخصّ.

و السرّ فیه ما عرفت من أنّ اعتبار المولی إذا کان مقیداً بحالة خاصّة فلازمه عدم اعتباره عند انتفاء هذه الحالة و من الطبیعی أنّ هذا اللازم بین بالمعنی الأخصّ حیث إنّ النفس تنتقل إلیه من مجرد تصور عدم الإطلاق فی اعتبار المولی و أنّه یکون علی تقدیر خاصّ و مقیداً به، فالقضیة الشرطیة التی تدلّ علی الأول بالمطابقة فلامحالة تدلّ علی الثانی بالالتزام.

ثمّ إنّ هذه الدلالة مستندة إلی الوضع أی وضع أدوات الشرط للدلالة علی ذلک ککلمة: إن و إذا و لو و ما شاکل ذلک و لم تکن مستندة إلی الإطلاق و مقدمات الحکمة، لفرض أنّها لازمة بینة بالمعنی الأخص لدلالتها المطابقیة و هی دلالتها علی التعلیق و الثبوت.

یلاحظ علیه:

أنّا لانری لمسلک التعهد هنا أثراً و علی أی حال یرد علیه أنّ تقیید الجزاء علی الشرط یفید انتفاء شخص حکم الجزاء عند انتفاء الشرط لا انتفاء سنخه نعم إنّ التعلیق أمر غیر التقیید.

ص: 83

الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط:

و هو الاستدلال بالروایات:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ (الْأَهْوَازِی) عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَیدٍ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ یعْنِی (الْمُرَادِی) قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) عَنِ الشَّاةِ تُذْبَحُ فَلَا تَتَحَرَّکُ وَ یهَرَاقُ مِنْهَا دَمٌ کَثِیرٌ عَبِیطٌ فَقَالَ (علیه السلام): «لَا تَأْکُلْ إِنَّ عَلِیاً (علیه السلام) کَانَ یقُولُ: إِذَا رَکَضَتِ الرِّجْلُ أَوْ طَرَفَتِ الْعَینُ فَکُل».((1))

فإنّ استدلال الإمام الصادق (علیه السلام) بکلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) یدلّ علی ثبوت مفهوم الشرط فإنّ الإمام (علیه السلام) استدلّ بمفهوم کلام أمیرالمؤمنین (علیه السلام) من دون قرینة و هو: إذا لم ترکض الرجل أو لم تطرف العین فلاتأکل.

و لا إشکال فی اعتبار سند الروایة، و هناک روایات أُخر استدلّوا بها علی مفهوم الشرط أیضاً.((2))

ص: 84


1- . الوسائل، ج24، کتاب الصید و الذباحة، الباب12، ح1. فی أصول الفقه، ج1، ص163: «فإنّ استدلال الإمام بقول علی (علیه السلام) لایکون إلّا إذا کان له مفهوم و هو إذا لم ترکض الرجل أو لم تطرف العین فلاتأکل».
2- . فی الحدائق الناضرة، المحقّق البحرانی، ج1، ص58: «و لم نقف فی النصوص علی ما یقتضی الحجیة فی شیء منها سوی مفهوم الشرط فقد ورد فی جملة منها ما یدلّ علی ذلک» ثمّ ذکر الروایة الأولی و الثانیة و الثالثة التی تذکر فی هدایة المسترشدین و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص428 – 430: «و یمکن الاحتجاج علی ذلک بوجهین آخرین: ... ثانیهما: عدة من الروایات الدالّة علیه منها: ما رواه القمی فی تفسیره و الصدوق فی معانی الأخبار أَنَّهُ سُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِی قِصَّةِ إِبْرَاهِیمَ (علیه السلام) قالَ: (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا ینْطِقُونَ)(الأنبیاء:63). قَالَ (علیه السلام) مَا فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ وَ مَا کَذَبَ إِبْرَاهِیمُ (علیه السلام) قِیلَ وَ کَیفَ ذَلِکَ فَقَالَ (علیه السلام) إِنَّمَا قَالَ إِبْرَاهِیمُ (فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا ینْطِقُونَ). إِنْ نَطَقُوا فَکَبِیرُهُمْ فَعَلَ وَ إِنْ لَمْ ینْطِقُوا فَلَمْ یفْعَلْ کَبِیرُهُمْ شَیئاً فَمَا نَطَقُوا وَ مَا کَذَبَ إِبْرَاهِیم (علیه السلام) ... و منها: ما ورد فی تفسیر قوله تعالی:(فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیصُمْهُ)(البقرة:185). فی ما رواه المشایخ الثلاثة بإسنادهم عن عبید بن زرارة أنّه سأل الصادق (علیه السلام) عن تلک الآیة فقال: «مَا أَبْینَهَا مَنْ شَهِدَ فَلْیصُمْهُ وَ مَنْ سَافَرَ فَلَا یصُمْه» ... و منها: ما ورد فی قوله تعالی: (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ)(غافر:60). فی ما رواه القمی فی الصحیح عن الصادق (علیه السلام) أنه قَالَ لَهُ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاکَ- إِنَّ اللهَ یقُولُ (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ) وَ إِنَّا نَدْعُو فَلَایسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ لِأَنَّکُمْ لَاتَفُونَ اللهَ بِعَهْدِهِ وَ إِنَّ اللهَ یقُولُ (أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِکُمْ) (غافر:60) فمعناه أنّ قضیة التعلیق الظاهر من الآیة انتفاء وفائه تعالی بانتفاء وفائکم فحیث لاتفون الله بعهده لایفی لکم بعهدکم و منها: ما ورد فی قوله تعالی: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِی یوْمَینِ فَلَا إِثْمَ عَلَیهِ) حیث قال: لو سکت لم یبق أحد إلّا تعجل، و لکنّه قال: (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَیهِ)(البقرة:203) فإنّ ظاهره أنّ ذلک من أجل إثبات الإثم بالتأخیر من جهة المفهوم لولا أنّه تعالی صرّح بخلافه، إلی غیر ذلک ممّا ورد ممّا یقف علیه المتتبع» و فی الفصول الغرویة ص150 ذکر الروایة الثانیة و الرابعة ثمّ قال: «و قد یستدلّ ... و بما فی صحیحة جمیل عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: قَالَ لَهُ رَجُلٌ جُعِلْتُ فِدَاکَ إِنَّ اللهَ یقُولُ (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ) وَ إِنَّا نَدْعُو فَلَایسْتَجَابُ لَنَا، قَالَ لِأَنَّکُمْ لَا تَفُونَ اللهَ بِعَهْدِهِ وَ إِنَّ اللهَ یقُولُ (أَوْفُوا بِعَهْدِی أُوفِ بِعَهْدِکُمْ) وَ اللهِ لَوْ وَفَیتُمْ لله لَوَفَی اللهُ لَکُم ولا دلالة فیها علی ذلک أیضاً فإنّ المستفاد منها أنّ ما وعد الله به عباده من إجابة دعائهم مقید بصورة وفائهم بعهده فلا وعد بالإجابة علی تقدیر عدم الوفاء به و هذا المعنی یستفاد من ضمّ أحد المنطوقین إلی الآخر من غیر حاجة إلی اعتبار المفهوم و قد یستدلّ أیضاً بروایات أخر ممّا لا دلالة لها علی ذلک ترکنا التعرض لها مخافة الإطناب» و ذکر جمیع هذه الروایات الستّة إلّا الروایة المتعلّقة بآیة (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ) السید عبد الله الشبر (قدس سره) فی الأصول الأصلیة. فی هدایة المسترشدین، ج2، ص430: «و قد یستدلّ فی المقام بعدة من الأخبار و لا دلالة فیها علی ذلک. منها: ما رواه العیاشی عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِیادٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَتْ بِالْمُتْعَةِ أَ تَحِلُّ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ قَالَ لَا، لَاتَحِلُّ لَهُ حَتَّی تَدْخُلَ فِی مِثْلِ الَّذِی خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَ ذَلِکَ قَوْلُهُ: (فَإِنْ طَلَّقَها فَلاتَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّی تَنْکِحَ زَوْجاً غَیرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَیهِما أَنْ یتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ یقِیما حُدُودَ اللهِ) وَ الْمُتْعَةُ لَیسَ فِیهَا طَلَاقٌ».

و المتحصّل هو ثبوت مفهوم الجملة الشرطیة بالدلیل الأول و الخامس، فإنّ الدلیل الأول هو إثبات مفهوم الشرط من طریق العلّیة المنحصرة بالإطلاق

ص: 85

بمقدمات الحکمة و بالإطلاق المقامی و الدلیل الخامس هو الاستدلال بالروایات، و هنا وجوه أخر نصفح الوجه عن بیانها. ((1))

ص: 86


1- . قد استدلّ علی ثبوت المفهوم بوجوه أخر: فی الوافیة ص233 – 234: «احتجّ الخصم بوجوه ضعیفة، أقواها: أنّ التعلیق علی الغایة و الشرط و الصفة و غیرها، یجب أن یکون لفائدة و الفائدة هی مخالفة حکم المذکور للمسکوت عنه، لأنّ الأصل عدم غیرها من الفوائد و هی أمور: الأوّل أن یکون قد خرج مخرج الأغلب، مثل: (وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُمْ)(النساء:23) فإنّ الغالب کون الربائب فی الحجور فقید لذلک، لا لأنّ حکم اللاتی لسن فی الحجور بخلافه. الثانی: أن یکون لسؤال سائل عن المذکور أو لحادثة مخصوصة به، مثل أن یسأل: هل فی الغنم السائمة زکاة ؟ فیقول: فی الغنم السائمة زکاة أو یکون الغرض بیان ذلک لمن له السائمة دون المعلوفة. الثالث: أن تکون المصلحة فی السکوت عن المسکوت عنه، وعدم إعلام حاله و غیر ذلک من الفوائد المذکورة فی المطولات و المخالفة ممّا لایحتاج إلی القرینة، بخلاف الفوائد الأخر فإنّها محتاجة إلی القرائن الخارجة فیصیر عند عدم القرینة من قبیل اللفظ المردّد بین المعنی الحقیقی و المجازی فظاهر أنّه محمول علی المعنی الحقیقی، عند التجرّد عن القرینة» و راجع أیضاً قوانین الأصول، ص176؛ مفاتیح الأصول، ص209. و فی معارج الأصول ص68: «لنا أنّ قول القائل: اعط زیداً درهماً إن أکرمک، جار مجری قولنا: الشرط فی (إعطائه) إکرامک و فی الثانی ینتفی العطاء عند انتفاء الإکرام فکذلک فی مسألتنا و أیضاً فإنّ الشرط هو ما (یتوقّف) علیه الحکم فلو حصل بدونه لم یکن شرطاً» و فی الفوائد الحائریة، ص183: «إنّ مفاد کلمة (إذا) مثلاً الشرطیة أی شرطیة شی ء لشیء. هذا بحسب اللغة و العرف معاً و مقتضی معنی الشرط انتفاء المشروط عند انتفائه و لا فرق بین أن یکون مفاد الکلمة الاسمیة أو الفعلیة أو الحرفیة. مثل أعط زیداً درهماً، بشرط أن یکرمک أو الشرط فیه أن یکرمک أو یشترط فیه أن یکرمک، أو إن أکرمک أو إذا أکرمک و ممّا ذکر ظهر أنّ حکم المفهوم عامّ، کما هو المعروف من المشهور، لأنّ معنی الشرطیة أنّه کلّما انتفی الشرط انتفی المشروط» و فی مفاتیح الأصول، ص208: «و منها أنّ کلمة إن للشرط و هو ما یلزم من انتفائه انتفاء المشروط. أمّا المقدمة الأولی فلوجهین: أحدهما أنّه لافرق بین أن یقول إن جاءک فأکرمه و بین أن یقول یجب إکرامه بشرط مجیئه و یعبّر عن مضمون کلّ منهما بالآخر و لیس ذلک إلّا لاتّحاد معناهما و ممّا یؤکد ذلک أنّه لو نذر أن لایشترط فقال: إن جاءک فأکرمه کان عاصیاً و ثانیهما تصریح النحاة فیما حکی عنهم جماعة بأنّ کلمة إن حرف الشرط و إجماعهم حجة و أمّا المقدمة الثانیة فلوجوه الأوّل أنّ المتبادر من لفظ الشرط حیثما یطلق ما ذکرناه فإنّه إذا قیل یشترط فی وجوب الصلاة دخول الوقت و فی وجوب الزکاة الحول و فی صحة الصّلاة الطهارة فإنّه یفهم من غیر شک الحکم بانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. الثانی أنّ الأمة متفقة علی أنّ الحیاة شرط لوجود العلم و کذا القدرة و الإرادة و نحو ذلک و أنّ الحول شرط لوجوب الزکاة و حکموا بانتفاء العلم و القدرة و الإرادة عند عدم الحیاة و بانتفاء الزکاة عند عدم الحول و لولا أن مقتضی الشرط ذلک لما کان الأمر کذلک. الثالث أنّ الشرط لایلزم من وجوده وجود المشروط لأنّه لیس علّة له و لا مستلزماً فلو لم یستلزم عدمه عدم المشروط لجاز أن یطلق علی کلّ شی ء أنّه شرط لکلّ شی ء و هو باطل قطعاً» و راجع أیضاً الوافیة، ص235؛ قوانین الأصول، ص175؛ هدایة المسترشدین، ج2، ص432 و ص428 و زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص151؛ درر الفوائد، ج1، ص192؛ حواشی المشکینی، ج2، ص279؛ نهایة الأصول ص269 – 270.

ص: 87

المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط
اشارة

هنا وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الحکم فی الجزاء معلّق علی الشرط و لا مانع من أن یخلفه و ینوب عنه شرط آخر یجری مجراه مثل قوله تعالی: (وَ اسْتَشْهِدُوا شَهیدَینِ مِنْ رِجالِکُمْ)((2)) حیث إنّه ینوب عن الآیة شهادة رجل و امرأتین و أیضاً ضمّ الیمین إلی الشاهد الأول.

الإیراد علی هذا الوجه:

(3)

إنّه لا إشکال فی نیابة شرط عن شرط آخر و قیامه مقامه و لاشک فی احتمال

ص: 88


1- . فی الذریعة، ج1، ص403: «و منها أنّ تعلیق الحکم بالشرط لمّا دلّ علی انتفائه بانتفاء الشرط فکذلک الصّفة و الجامع بینهما أنّ کلّ واحد منهما کالآخر فی التخصیص، لأنّه لا فرق بین أن یقول: «فی سائمة الغنم الزکاة» و بین أن یقول: فیها إذا کانت سائمة الزکاة ... و الجواب عن الثالث أنّ الشرط عندنا کالصّفة فی أنّه لایدلّ علی أنّ ما عداه بخلافه و بمجرّد الشرط لایعلم ذلک و إنّما نعلمه فی بعض المواضع بدلیل منفصل، لأنّ تأثیر الشرط أن یتعلّق الحکم به و لیس یمتنع أن یخلفه و ینوب عنه شرط آخر یجری مجراه و لایخرج من أن یکون شرطاً، ألاتری أنّ قوله تعالی: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِیدَینِ مِنْ رِجَالِکُمْ)(البقرة:282) إنّما منع من قبول الشاهد الواحد حتی ینضمّ إلیه الآخر فانضمام الثانی إلی الأوّل شرط فی القبول ثمّ یعلم أنّ ضمّ امرأتین إلی الشاهد الأوّل یقوم مقام الثانی ثمّ یعلم بدلیل أنّ ضمّ الیمین إلی الشّاهد الواحد یقوم مقام الثانی فنیابة بعض الشروط عن بعض أکثر من أن یحصی» و فی کفایة الأصول، الآخوند الخراسانی، ص197: «ثمّ إنّه ربّما استدلّ المنکرون للمفهوم بوجوه: أحدها: ما عزی إلی السید من أنّ تأثیر الشرط، إنّما هو تعلیق الحکم به» إلخ.
2- . سورة البقرة(2): 282.
3- . فی قوانین الأصول ص177: «أنت خبیر بأنّ الاحتمال لایضرّ بالاستدلال بالظواهر و إلّا لانسدّ باب الاستدلال فی الآیات و الأخبار» و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، الشیخ محمّد حسین الحائری، ص151: «الجواب ما أشرنا إلیه سابقاً من أنّ المتبادر من اعتبار شیء شرطاً عند الإطلاق أن یکون شرطاً علی التعیین و هذا الظهور لایختصّ بالمقام ألاتری أنّ المتبادر من قولک هذا واجب أو مندوب أنّه کذلک علی التعیین مع أنّ الکل حقیقة فی البدل أیضاً علی ما هو التحقیق هذا إذا أرید المنع من إطلاق المفهوم وإن أرید المنع منه مطلقاً فالجواب عنه واضح إذ لا خفاء فی أنّ زوال الشرط یستلزم زوال المشروط فی الجملة» و فی کفایة الأصول، ص197– 198: «و الجواب: أنّه (قدس سره) إن کان بصدد إثبات إمکان نیابة بعض الشروط عن بعض فی مقام الثبوت و فی الواقع فهو ممّا لایکاد ینکر، ضرورة أنّ الخصم یدعی عدم وقوعه فی مقام الإثبات و دلالة القضیة الشرطیة علیه و إن کان بصدد إبداء احتمال وقوعه فمجرّد الاحتمال لایضرّه، ما لم یکن بحسب القواعد اللفظیة راجحاً أو مساویاً و لیس فیما أفاده ما یثبت ذلک أصلاً، کما لایخفی» و راجع أیضاً و فی مطارح الأنظار، ص172 و درر الفوائد، الشیخ عبدالکریم الحائری، ج1، ص195.

ذلک بحسب مقام الثبوت، و لکن الکلام هو فی مقام الإثبات فإنّ المدّعی هو أنّ ظاهر الجملة الشرطیة ینفی هذا الاحتمال.

فما أفاده السید (قدس سره) خلط بین مقام الثبوت و الإثبات.

الوجه الثانی:
اشارة

((1))

إنّ القضیة الشرطیة لو دلّت علی المفهوم لکانت بإحدی الدلالات الثلاث المطابقی و التضمنی و الالتزامی و کلها مفقودة فی المقام.

ص: 89


1- . فی هدایة المسترشدین، ج2، ص440: «و هناک وجوه أخر قد یتمسّک بها القائل بنفی المفهوم المذکور، لابأس بالإشارة إلی جملة منها: أنّه لو دلّت لکانت بإحدی الدلالات الثلاث و کلّها منتفیة. أمّا المطابقة و التضمّن فظاهر، کیف؟ و لو دلّ علیه بأحد الوجهین لکان منطوقاً و أمّا الالتزام فلأنّ من شروطه اللزوم العقلی أو العرفی و کلاهما منتفیان فی المقام، ضرورة أنّه لا ملازمة بین حصول الجزاء عند حصول الشرط و انتفائه عند انتفائه لا عقلاً و لا عادة و لذا لایراد بها الانتفاء عند الانتفاء فی کثیر من المقامات» و فی کفایة الأصول، ص198: «ثانیها أنّه لو دلّ لکان بإحدی الدلالات و الملازمة کبطلان التالی ظاهرة».
الإیراد علی هذا الوجه:

((1))

إنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم هی بالدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأخصّ.

الوجه الثالث: عن السید المرتضی (قدس سره)
اشارة

(2)

لو دلّت القضیة الشرطیة علی المفهوم یلزم دلالة هذه الآیة (وَ لا تُکْرِهُوا

ص: 90


1- . فی مفاتیح الأصول، ص209 و 210: «التحقیق أنّ التعلیق المفروض یدلّ علی ذلک بالدلالة الالتزامیة و أنّه لاینفک تصوّر نفی وجوب إکرام زید عند عدم المجی ء إذا قال: إن جاءک زید فأکرمه عن وجوب إکرامه عند المجی ء و هو آیة الدّلالة الالتزامیة و الشواهد علی ذلک کثیرة منها أنّا نجد التناقض الصّریح لو قال أکرم العلماء فی جمیع أحوالهم قیامهم و قعودهم و استلقائهم فقال بلا فصل أکرمهم إن کانوا قائمین و حملنا ذلک علی البداء من القائل و لو قاله بعد مدّة حملناه علی النسخ و منها» إلخ و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص440: «الأظهر فی الجواب أن یقال بحصول الدلالة الالتزامیة، لا بدعوی حصول الملازمة بین ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط و عدمه عند عدمه، لوضوح خلافه، بل لأنّ المفهوم من القضیة الشرطیة شیء یلزم من إرادته الانتفاء عند الانتفاء إمّا عقلاً أو عادةً أو عرفاً، نظراً إلی جریان المخاطبات العرفیة علی ذلک و انصراف ذلک منه عند الإطلاق» و فی مطارح الأنظار، ص172: «و الجواب أنّا نمنع بطلان التالی إذ الالتزام ثابت فإنّا قد قدمنا أنّ العرف قاضٍ بأنّ المستفاد من أداة الشرط هو التعلیق علی وجه خاص یلزم منه الانتفاء عند الانتفاء و ذلک نظیر قضاء العرف باستفادة الطلب من الأمر علی وجه لایرضی الطالب بترکه و هو المعبّر عنه بالوجوب فیکون الوجوب مدلولاً التزامیاً وضعیاً للأمر» و فی کفایة الأصول، ص198: «و قد أجیب عنه بمنع بطلان التالی و أنّ الالتزام ثابت و قد عرفت بما لا مزید علیه ما قیل أو یمکن أن یقال فی إثباته أو منعه فلاتغفل».
2- . فی الأحکام لابن حزم، ج7، ص920: «فصل فی إبطال دعواهم فی دلیل الخطاب ... و کذلک قوله تعالی: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33). أتراه مبیحاً للبغاء إن لم یردن تحصن». المحصول، الرازی (606)، ج2، ص127: «احتج المخالف بالآیة و الحکم. أمّا الآیة فهو أنّ المعلّق إن علی شیء لو کان عدماً عند عدم ذلک الشیء لکان قوله عزّوجلّ: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33) دلیلاً علی أنّه ما حرم الإکراه علی البغاء إن لم یردن التحصن وقوله تعالی: (فَکَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِیهِمْ خَیرًا) (النور:33) و قوله ... ففی جمیع هذه الآیات الحکم غیر منتف عند انتفاء الشرط». تفسیر الرازی، فخر الدین الرازی، ج10، ص77 – 78: «و إمّا أن تستدلّوا به من حیث إنّ المعلّق بکلمة "إن" علی الشیء عدم عند عدم ذلک الشیء و هذا أیضاً ضعیف و یدلّ علیه آیات: إحداها: قوله: (وَاشْکُرُوا لِلَّهِ إِنْ کُنْتُمْ إِیاهُ تَعْبُدُونَ)(البقرة:172) فالشکر واجب سواء عبد الله أو لم یعبد و ثانیها: قوله تعالی: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُکُمْ بَعْضًا فَلْیؤَدِّ الَّذِی اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) (البقرة:283) و أداء الأمانة واجب سواء ائتمنه أو لم یفعل ذلک و ثالثها: (فَإِنْ لَمْ یکُونَا رَجُلَینِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ) (البقرة:282) و الاستشهاد بالرجل و المرأتین جائز سواء حصل الرجلان أو لم یحصلا و رابعها: (وَلَمْ تَجِدُوا کَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) و الرهن مشروع سواء وجد الکاتب أو لم یجده و خامسها: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33) و الإکراه علی البغاء محرّم، سواء أردن التحصن أو لم یردن و سادسها: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِی الْیتَامَی فَانْکِحُوا مَا طَابَ لَکُمْ مِنَ النِّسَاءِ)(النساء:3) و النکاح جائز سواء حصل ذلک الخوف أو لم یحصل و سابعها: (فَلَیسَ عَلَیکُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ) (النساء:101) و القصر جائز، سواء حصل الخوف أو لم یحصل و ثامنها: (فَإِنْ کُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَینِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَکَ)(النساء:11) و الثلثان کما أنّه حق الثلاثة فهو أیضاً حق الثنتین و تاسعها: قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَینِهِمَا فَابْعَثُوا حَکَمًا مِنْ أَهْلِهِ) (النساء:35) و ذلک جائز سواء حصل الخوف أو لم یحصل و عاشرها: قوله: (إِنْ یرِیدَا إِصْلَاحًا یوَفِّقِ اللهُ بَینَهُمَا) (النساء:35) و قد یحصل التوفیق بدون إرادتیهما و الحادی عشر: قوله: (وَإِنْ یتَفَرَّقَا یغْنِ اللهُ کُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) (النساء:130) و قد یحصل الغنی بدون ذلک التفرق و هذا الجنس من الآیات فیه کثرة. الإحکام، الآمدی (631)، ج3، ص91: و ربّما احتج القاضی عبد الجبار و أبو عبد الله البصری بأنّه لو منع الشرط من ثبوت الحکم عند عدمه، لکان قوله تعالی: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33). یمنع من تحریم الإکراه علی الزنا عند عدم إرادة التحصن و هو محال مخالف للاجماع. معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ابن الشهید الثانی (1011)، ص78 - 79: و احتج موافقوه [أی السید المرتضی (قدس سره) ] مع ذلک: بأنّه لو کان انتفاء الشرط مقتضیاً لانتفاء ما علق علیه، لکان قوله تعالی: (وَلَا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا)(النور:33) دالّاً علی عدم تحریم الإکراه، حیث لایردن التحصن و لیس کذلک، بل هو حرام مطلقاً.

ص: 91

فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)((1))علی جواز الإکراه بالبغاء إن لم یردن التحصّن.

إیرادان علی هذا الوجه:
الإیراد الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ استعمال الجملة الشرطیة فیما لا مفهوم له أحیاناً و بالقرینة لایکاد ینکر کما فی هذه الآیة و غیرها و إنّما الکلام فی ظهورها فی المفهوم وضعاً أو بقرینة عامّة.

أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((3))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) بوجود المانع و لکن هنا لا مقتضی للدلالة علی المفهوم فلاتصل النوبة إلی القول بوجود المانع.

الإیراد الثانی:

(4)

الحق فی الإیراد هو أنّ الشرط فی الآیة مسوق لبیان تحقق الموضوع فلا مقتضی للدلالة علی المفهوم.

ص: 92


1- . سورة النور(24):33.
2- . کفایة الأصول، ص198؛ فی الفصول، ص151: «الثانی أنّ المقصود ظهور التعلیق بالشرط فی انتفاء الحکم عند انتفائه و ذلک لاینافی قیام قرینة علی عدم إرادته کما فی المقام حیث قام الإجماع فیه علی تحریم الإکراه مطلقاً». و فی مطارح الأنظار، ص172: «و الجواب أنّ مجرّد الاستعمال أعمّ من الحقیقة و نحن لاننکر استعمال الجمل الشرطیة فیما یلغو فیه المفهوم و إنّما الکلام فی الظهور العرفی و وجود الاستعمالات المخالفة و إن کانت غالبة غیر مضرّ فیه لاقترانه بالقرینة فی الکل».
3- . تحقیق الأصول، ج4، ص193 - 194.
4- . فی زبدة الأصول، ص151: «انتفاء التحریم لامتناع المنهی عنه» و فی قوانین الأصول، ص177: «جوابه أنّ السالبة هنا بانتفاء الموضوع» و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص151: «و [الجواب] عن الثانی بوجوه مرجعها إلی وجهین: الأوّل أنّ قضیة الشرط عدم تحریم الإکراه علی تقدیر عدم إرادتهنّ التحصن و هو لایستلزم الإباحة لانتفاء الموضوع الذی هو محل الحکم لأنّهن إذا لم یردن التحصن و هو التعفّف فقد أردن البغاء و علی تقدیر إرادتهن له یمتنع إکراههن علیه» و راجع أیضاً درر الفوائد، الشیخ عبد الکریم الحائری، ج1، ص196 و عنایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج2، ص17.

هذا تمام الکلام فی أدلّة الطرفین، و هنا وجوه أخر أعرضنا عن بیانها.((1))

ص: 93


1- . فی مفاتیح الأصول، ص210 و 211: «و منها: أنّه لا فرق بین قولنا [زک الغنم السائمة و] زک الغنم إن کانت سائمة فکما أنّ الأوّل لایدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الصفة فکذا الثانی و قد أشار إلی هذا بعض المحققین و فیه نظر للمنع من عدم الفرق إن قلنا بعدم دلالة التعلیق علی الانتفاء عند الانتفاء و إلّا فلا فرق بینهما و منها: أنّ التعلیق لو دلّ علی الانتفاء عند الانتفاء لزم التناقض أو التأکید المخالف للظاهر إذا صرّح بجریان حکم المذکور فی غیر المذکور أو تحقّق نقیضه فیه نحو إن جاءک فأعطه و إن لم یجئک فأعطه أو لایجب علیک الإعطاء و الأصل عدمها و فیه نظر لأنّ الأصل ظاهر و ما ذکرناه قاطع فیقدم و منها: أنّ التعلیق لو دلّ علی ذلک لما جاز الاستفهام عن حکم غیر المذکور و اللازم باطل فإنّه یصحّ أن یستفهم عقیب قوله: إن جاءک فأکرمه عن حکم عدم المجی ء فیقول: هل یجب الإکرام إذا لم یجیء فالملزوم مثله بیان الملازمة أنّ الاستفهام لایکون إلّا فی موضع الإجمال و الاشتباه فینا فی فرض الوضوح و الدلالة و لذا لایجوز الاستفهام من الضرب و القتل بعد تحریم التأفیف و فیه نظر ... و منها: أنّ ألفاظ النفی مفارقة لألفاظ الإثبات فی لغة العرب فلایجوز أن یفهم من لفظ الإثبات النفی و بالعکس فلایفهم من قولنا: إن جاءک فأکرمه الذی هو إثبات النفی و فیه نظر للمنع من أنّ ألفاظ النفی مفارقة لألفاظ الإثبات ... و منها: أنّه لو کان التعلیق دالّاً علی ذلک للزم عدم الانحصار فی المدلول و اللازم باطل و الملزوم مثله بیان الملازمة أنّ قولک لایجب إکرام غیر القائم إن لم یکن عندک فلأنّ مفهومه وجوب إکرام غیر القائم إذا کان عندک فلان و غیر القائم لاینحصر فی عدد فلایتعلّق به التکلیف و إلّا لزم التکلیف بما لایطاق و التخصیص بالبعض ترجیح من غیر مرجح و فیه نظر ... و منها: أنّ الحکم بالدلالة لابدّ و أن یکون بدلیل و لیس لأنّه إمّا عقلی و لا مدخل له فی مثل المسألة أو نقلی و هو إمّا متواتر أو آحاد. الأوّل مفقود و إلّا لما وقع الخلاف و الثانی لایفید إلّا الظنّ و المسألة علمیة و فیه نظر ... و منها: أنّه لو کان التعلیق دالّاً علی ذلک لجاز أن یبطل حکم المنطوق و یبقی حکم دلالة المفهوم کما یجوز أن یبطل حکم دلالة المفهوم و یبقی حکم المنطوق و هو ممتنع و فیه نظر لما ذکره فی المعالم ...» و ذکر الأوّل و الثانی و الثالث و السادس و السابع من هذه الوجوه فی هدایة المسترشدین، ج2، ص440 – 442 و زاد علیها فقال: «منها: أنّه قد جرت الاستعمالات بذکر الشرط تارة و إرادة الانتفاء بالانتفاء و تارة مع عدم إرادته و قد وقع استعمال الفصحاء و البلغاء علی الوجهین و قد حکی عن الشیخ الحرّ: أنّه ذکر فی الفوائد الطوسیة مائة وعشرین آیة من القرآن لم یوجد فیها مفهوم الشرط و ذکر أنّ الآیات التی اعتبر فیها مفهوم الشرط لاتکاد تبلغ هذا المقدار و کذا الأخبار و أکثر کلام البلغاء و حینئذٍ فکیف یوثق به و یجعل دلیلاً علی إرادة المتکلّم له من غیر قیام قرینة علیه ؟ ... و منها: أنّه یصحّ التصریح بالمفهوم بعد ذکر المنطوق من غیر أن یعدّ ذلک لغواً فیصحّ أن یقال: «إن جاءک زید فأکرمه و إن لم یجئک لم یجب علیک إکرامه» و لو دلّ الأوّل علی الثانی لکان ذکر الثانی بعد الأوّل لغواً مستهجناً و لیس کذلک، کما یشهد به العرف و ضعفه أیضاً واضح ...» و فی الفوائد الطوسیة، الفائدة 63، ص279 فی ضمن استدلاله: «و الذی ینبغی الجزم و القطع به و یحصل منه العلم و الیقین و لایشک فیه منصف أنّ المتکلم قد یقصد مفهوم الشرط و قد لایقصده و تتبع کلام الفصحاء و البلغاء یفید القطع بذلک فکیف یوثق بقصد المتکلّم له من غیر قرینة ظاهرة علی إرادته و أمثلة عدم إرادته أکثر من أن تحصی ... فمن جملة الأمثلة التی لم یقصد فیها مفهوم الشرط قوله تعالی: (وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَیةٍ لَیقُولَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ)(الروم:58) مع أنّهم کانوا یقولون ذلک و یعتقدونه قبل مجیء الآیة» و یذکر 129 آیة ثمّ یقول فی ص291: «هذا حال مفهوم الشرط ... قد وجدناه غیر معتبر فی القرآن فی أکثر من مائة و خمسة و عشرین موضعاً و لو أردنا الأمثلة من غیر القرآن لوجدناه ألوفاً متعدّدة فکیف یوثق بإرادة المتکلم له من غیر قرینة واضحة» إلخ و فی غایة المسئول، ص335: «و استدلّ لمنع ثبوت المفهوم بأنّ للجملة الشرطیة استعمالات ثلاث أحدها أن تستعمل فی سببیة الأوّل للثانی نحو إن کانت الشمس طالعة فالنّهار موجود و هذا یفید المفهوم و الثّانی أن تستعمل فی تلازمهما مع قصد الاستدلال بانتفاء التالی علی انتفاء المقدّم نحو: (لَوْ کَانَ فِیهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا)(الأنبیاء:22) و الثالث أن تستعمل فی تلازمهما من دون القصد المذکور نحو إن کان هذا إنساناً کان حیواناً و مع ثبوت هذه الاستعمالات یجب الحکم بوضعها للقدر المشترک و هو مطلق التلازم حذراً من الاشتراک و المجاز و حینئذٍ فلا دلالة لها علی المفهوم و فیه نظر».

ص: 94

و لهذه المسألة ثمرات مهمّة.((1))

ص: 95


1- . لهذه المسألة ثمرات کثیرة فی الفقه لا بأس بالإشارة إلی نبذة منها: فی مختلف الشیعة، ج2، ص426: «وجه الاستدلال به أمران: الأوّل: إنّ مفهوم الشرط فی قوله: "من حفظ سهوه فأتمه فلیس علیه سجدتا السهو" یدلّ علی أنّ من لم یحفظ سهوه یجب علیه السجدتان» و فی منتهی المطلب (ط.ق)، ج2، ص779: «فی حدیث معاویة بن عمّار الصحیح عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی قوله: إذا أردت أن تخرج من مکة و یأتی أهلک فودع البیت دلالة علی استحباب الوداع للخارج من مکة و عدمه من غیره بدلیل مفهوم الشرط» و فی جامع المقاصد، ج1، ص330: «فإن قلت: إذا ثبت الحکم هنا بالروایة ثبت فی غیره بالإجماع المستفاد من عدم القائل بالفرق. قلنا: ینافیه مفهوم الشرط فی قوله: (فَإِذَا کَانَ لِلدَّمِ حَرَارَةٌ وَ دَفْعٌ وَ سَوَادٌ فَلْتَدَعِ الصَّلَاة) فإنّه حجة عند کثیر» و فی ج6، ص136: «یدلّ علی الکراهیة قول الباقر (علیه السلام): «لَا یأْکُلُ الضَّالَّةَ إِلَّا الضَّالُّون» و هو مخصوص بقول الصادق (علیه السلام): «الضَّوَالُّ لَا یأْکُلُهَا إِلَّا الضَّالُّونَ إِذَا لَمْ یعَرِّفُوهَا» فإنّ مفهوم الشرط معتبر» و فی ج12، ص265: «اختلف الأصحاب فی أنّه هل تقبل شهادة النساء فی الرضاع منفردات علی قولین: ... و ذهب المفید و السید و سلّار و ابن حمزة و جمع من الأصحاب إلی القبول ... و لمفهوم روایة: عَبْدِ اللهِ بْنِ بُکَیرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) فِی امْرَأَةٍ أَرْضَعَتْ غُلَاماً وَ جَارِیةً قَالَ: یعْلَمُ ذَلِکَ غَیرُهَا؟ قَالَ قُلْتُ: لَا. قَالَ: لَا تُصَدَّقُ إِنْ لَمْ یکُنْ غَیرُهَا فإنّ مفهوم الشرط أنّها تصدق إذا کان معها غیرها و هو أعمّ من الرجال و النساء» و راجع أیضاً ریاض المسائل، ج13، ص326 و جواهر الکلام، ج29، ص346 و فی ج13، ص242 – 243: «و هذا هو المختار، لأنّ فی صحیحة داود بن سرحان السابقة: "و إن کان بها زمانة لایراها الرجال أجیز شهادة النساء علیها" فإنّ ظاهرها أنّ الرد منوط بالزمانة فإنّ مفهوم الشرط معتبر عند جمع من المحقّقین» و فی روض الجنان (ط.ق)، ص51: «و یدلّ علی الجمیع أیضاً ما رواه زرارة فی الصحیح عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ وَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ و فی إذا معنی الشرط فینتفی المشروط بانتفائه لأنّ مفهوم الشرط حجة عند کثیر من الأصولیین و منهم المصنّف» و فی شرح اللمعة، ج5، ص193 – 195: «و کذا لایجوز للحرّ أن یتزوج الأمة مع قدرته علی تزویج الحرّة أو مع عجزه إذا لم یخش العنت ... و علی اعتبار الشرطین ظاهر الآیة قال الله تعالی: (وَ مَنْ لَمْ یسْتَطِعْ مِنْکُمْ طَوْلًا أَنْ ینْکِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَکَتْ أَیمَانُکُمْ مِنْ فَتَیاتِکُمُ الْمُؤْمِنَاتِ...)(النساء:25) و بمعناها روایة محمّد بن مسلم عن الباقر (علیه السلام) [قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ یتَزَوَّجُ الْمَمْلُوکَةَ قَالَ إِذَا اضْطُرَّ إِلَیهَا فَلَا بَأْسَ] و دلالتهما بمفهوم الشرط و هو حجة عند المحقّقین» و راجع أیضاً نهایة المرام، ج1، ص160 و مستمسک العروة،ج 14، ص267 و فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1 ق 1، ص2: «الثانی أنّ مفهوم الشرط حجة عند أکثر الأصولیین فالآیة (یا أَیهَا الَّذِینَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ....)(المائده:6) تدلّ علی عدم وجوب الوضوء عند عدم إرادة الصلاة فلایکون واجباً لنفسه و فیه أنّ المسلّم حجیة مفهوم الشرط إذا لم یکن للتعلیق بالشرط فائدة أخری سوی التخصیص و هیهنا لیس کذلک إذ یجوز أن تکون الفائدة هیهنا بیان أنّ الوضوء واجب لأجل الصلاة و إن کان واجباً فی نفسه فیکون الغرض متعلّقاً بالوجوب العارض له حین إرادة الصلاة باعتبار التوصّل به إلیها و کونه من مصالحها» و فی زبدة البیان، ص435 فی باب الربا: «و لایخفی أنّ مفهوم الشرط المعتبر عند أکثر الأصولیین [فی قوله تعالی: (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَکُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِکُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)(البقرة:279)] یفید عدم جواز أخذ رأس مالهم، مع عدم الرجوع و هو محلّ التأمّل» و فی مجمع الفائدة، ج2 ص337: «و صحیحة عمر بن یزید (الثقة علی الظاهر) عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا کَانُوا سَبْعَةً یوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْیصَلُّوا فِی جَمَاعَة ... إلّا أنّ دلالتها علی عدم الوجوب بالخمسة بالمفهوم لکنه مفهوم الشرط و هو معتبر عند أکثر الأصولیین» و فی مدارک الأحکام، ج8، ص420: «مقتضی مفهوم الشرط فی قوله: "و إن کان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثمّ خرج فغشی فقد أفسد حجه و علیه بدنة" الانتفاء إذا وقع ذلک بعد تجاوز الثلاثة» و راجع أیضاً ریاض المسائل، ج7، ص384 و فی الحبل المتین (ط.ق)، ص206: «و ذهب الشیخان و ابن البراج و ابن حمزة إلی وجوبهما [أی الأذان و الإقامة] فی صلاة الجماعة ... و الحدیث الحادی عشر [عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِاللهِ (علیه السلام) قَالَ: یجْزِیکَ إِذَا خَلَوْتَ فِی بَیتِکَ إِقَامَةٌ وَاحِدَةٌ بِغَیرِ أَذَانٍ] و العشرون یدلّان علی ما ذهب إلیه الشیخان فإنّ مفهوم الشرط حجة و قوله (علیه السلام) إذا خلوت فی بیتک یراد به إذا صلیت منفرداً».

ص: 96

التنبیه الأول: هل المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم أو شخص الحکم؟
المطلب الأوّل: فی أنّ مفاد المفهوم انتفاء سنخ الحکم

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)): إنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحکم المعلّق علی الشرط عند انتفاء الشرط.

أما انتفاء شخص الحکم بانتفاء الشرط فهو عقلی و لیس قابلاً للنزاع و الخلاف و الوجه فیه هو أنّ ما هو المشهور من أنّ انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه ممّا لاخلاف فیه بین الأعلام.

و لذا نسب((2)) إلی الشهید (قدس سره) فی تمهید القواعد((3)) أنّه قال: إنّ انتفاء الحکم فی

ص: 97


1- . کفایةالأصول، ص198و قال النائینی فی فوائده، ج2، ص484: «إنّ المراد من انتفاء الحکم عند انتفاء الشرط- المعبّر عنه بالمفهوم- هو انتفاء سنخ الحکم و نوعه، لا شخصه، فإنّ انتفاء الشخص إنّما یکون بانتفاء موضوعه عقلاً و فی زبدة الأصول، ج 3، ص215 و فوائد الأصول، ج 2، ص484 و المحاضرات (ط.ج)، ج 4، ص223 و مطارح الأنظار (ط. ج)، ج 2، ص37.
2- . نقل عنه فی هدایة المسترشدین، ص281، و مطارح الأنظار، ج 2، ص37.
3- . تمهید القواعد، ص110.

باب الوصایا و الأوقاف و ما شاکلهما لیس من باب مفهوم الشرط بل من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه، لأنّ الواقف إذا وقف شیئاً علی أحد أو مورد فینتفی شخص هذا الوقف عن غیر هذا المورد، کما أنّ الوقف أیضاً ینتفی بانتفاء العنوان العام الذی وقف الشیء له و ذلک من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه.

و الفرق بین باب مفهوم الشرط و باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه هو أنّ الحکم المنتفی فی باب مفهوم الشرط هو سنخ الحکم و الدلیل علی انتفائه هو ظهور الجملة الشرطیة سواء کان منشأه الوضع أو الإطلاق الانصرافی أو الإطلاق بمقدمات الحکمة أو الإطلاق المقامی أو غیر ذلک و لکن الحکم المنتفی فی باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه هو شخص الحکم و الدلیل علی انتفاء شخص الحکم هو العقل.

ص: 98

المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً
اشارة

هناک مشکلة فیما إذا کان جزاء الشرط جملة إنشائیة حیث إنّ الحکم المذکور فی الجزاء یستفاد من الهیأة و الهیئات تفید المعانی الحرفیة فلابدّ أن یکون الحکم المستفاد من الهیئات شخص الحکم.

و أیضاً هنا مشکلة أُخری و هی أنّ الهیأة تفید المعنی الحرفی فلا یلحظ مفاد الهیأة استقلالاً فلا یجری فیها الإطلاق و التقیید مع أنّ الجزاء فی القضیة الشرطیة مقید بالشرط و للأعلام مسالک فی حلّ هذه المشکلة.

الأوّل: مسلک الشیخ الأنصاری (قدس سره)

إنّه قال بالفرق بین الوجوب الإخباری و الإنشائی بأنّ الوجوب الإخباری کلی و الوجوب الإنشائی خاصّ و لکن ارتفاع مطلق الوجوب فی الوجوب الإنشائی من فوائد العلّیة المنحصرة المستفادة من الجملة الشرطیة.

قد نقل فی المحاضرات((1))عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أنّه فصّل بین ما کان الحکم فی الجزاء مستفاداً من المادّة کقوله (علیه السلام): «إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ»((2)) و ما کان مستفاداً من الهیأة کقولنا «إن جاءک زید فأکرمه» حیث نسب إلیه (قدس سره) أنّه التزم بدلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم فی الأول دون الثانی بملاک أنّ الحکم فی الأول کلی و فی الثانی جزئی.

ص: 99


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص226.
2- . «محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن حمّاد عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) ...». الوسائل، ج1، ص372، الباب 4 من أبواب الوضوء، ح1.

(و لکن النسبة المذکورة إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) غیر صحیح فإنّه صرّح فی مطارح الأنظار((1)) بعدم التفصیل).

و قد تقرّر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) بثلاث مقدمات:((2))

المقدمة الأُولی: لابدّ من أن یلاحظ مناسبة الحکم و الموضوع فقد یعمّم بالنسبة إلی الحکم الذی هو بالنظر البدوی حکم شخصی إلی أنّه سنخ الحکم بالنظر إلی مناسبة سنخ الحکم للموضوع.

المقدمة الثانیة: إنّ نسبة الشرط إلی الجزاء هی نسبة المقتضی إلی المقتضی.

المقدمة الثالثة: قد افترضنا أنّ الشرط علّة منحصرة للجزاء، و الشرط إما یرجع إلی الهیأة کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و إما یرجع إلی المادة کما هو مختار الشیخ (قدس سره) فعلی أی حال مناسبة الحکم و الموضوع یقتضی أن یکون المراد سنخ الحکم.

الثانی: مسلک صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ المعلّق علی الشرط إنّما هو نفس الوجوب الکلی الذی هو مفاد الصیغة و معناها لا شخص الوجوب و الدلیل علی ذلک هو أنّ التشخّص و الجزئیة و الخصوصیة ناشئة عن الاستعمال (أی استعمال الصیغة فی معناها) فلایدخل فی المستعمل فیه لما تقدم فی البحث عن المعنی الحرفی من أنّ المعنی الاسمی و الحرفی واحد و الاختلاف بینهما فی اللحاظ فإنّ المعنی الحرفی ملحوظ آلیاً و المعنی الاسمی ملحوظ استقلالیاً و اللحاظ الآلی مثل اللحاظ الاستقلالی من

ص: 100


1- . مطارح الأنظار (ط ق)، ص173 و (ط ج)، ج 2، ص37.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص196.
3- . کفایة الأصول (ط آل البیت)، ص199.

خصوصیات الاستعمال لا خصوصیات المستعمل فیه، بل یستحیل أن یکون من خصوصیات المستعمل فیه لأنّ الاستعمال متأخر عن المعنی المستعمل فیه فیستحیل أن تکون خصوصیات الاستعمال دخیلاً فی المستعمل فیه و إلّا یلزم تقدم المتأخر.

فالموضوع له فی الحروف عام کما أنّه کذلک فی أسماء الأجناس.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا الجواب یتم بناءً علی ما ذهب إلیه فی المعنی الحرفی، و لایجدی لمن لم یلتزم بنظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی اتحاد المعنی الحرفی و المعنی الاسمی.

الثالث: مسلک المحقق النائینی
اشارة

((1))

إنّ المعلق فی القضیة الشرطیة لیس هو مفاد الهیأة لأنّه معنی حرفی و ملحوظ آلی، بل المعلق فیها هی نتیجة القضیة المذکورة فی الجزاء و إن شئت عبّرت عنها بالمادة المنتسبة (کما ذکرنا تفصیل ذلک فی بحث الواجب المشروط) و علیه یکون المعلّق فی الحقیقة علی الشرط المذکور فی القضیة الشرطیة هو الحکم العارض للمادة کوجوب الصلاة فی قولنا «إذا دخل الوقت فصلّ» فینتفی هو بانتفاء شرطه، غایة الأمر أنّ المعلّق علی الشرط حینئذٍ هو حقیقة الوجوب مثلاً من دون توسط مفهوم اسمی فی البین.

ص: 101


1- . أجود التقریرات، ج2، ص254 و فی الفوائد، ج2، ص484: إنّ الشرط لایرجع إلی الهیئة و إن قلنا بأنّ الموضوع له فی الحروف عامّ لأنّ المعنی غیر قابل للتّعلیق و التقیید فإنّ التقیید و التعلیق یقتضی لحاظ الشی ء معنی اسمیاً، بل الشرط یرجع إلی المحمول المنتسب، أی المحمول فی رتبة الانتساب، علی ما تقدّم تفصیله فی الواجب المشروط فالمعلّق علیه هو وجوب الإکرام علی جمیع الصور و هو الذی ینتفی بانتفاء الشرط و ممّا ذکرنا ظهر: أنّه لایبتنی التوهم المذکور علی کون الوضع فی الحروف خاصّاً و لا جوابه علی کون الوضع فیها عامّاً فتأمّل جیداً.
یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده من ارجاع الشرط إلی المادّة المنتسبة خلاف ظاهر الجملة الشرطیة فإنّ ظاهر الجملة الشرطیة هو تعلیق مفاد الجزاء علی الشرط لا نتیجة الجزاء علی الشرط.

الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ التحقیق هو أنّ المعلّق علی العلّة المنحصرة نفس وجوب الإکرام المُنشَأ فی شخص هذه القضیة، لکنّه لا بما هو متشخص بلوازمه، فإنّ انتفاءه بانتفاء موضوعه و شخص علّته (و إن لم تکن منحصرة) عقلی، لا یحتاج إلی إفادة انحصار علّته بأداة أو غیرها، بل بما هو وجوب، فإذا کانت علّة الوجوب بما هو وجوب منحصرة فی المجیء مثلاً، استحال أن یکون للوجوب فرد آخر بعلّة أُخری.

فالمعلّق علی المجیء فیه احتمالات أربعة:

الأول: أن یکون وجود طبیعة الوجوب بحیث لایشذّ عنه فرد منها و حینئذٍ یلزم من انتفائه انتفاء سنخ الحکم عقلاً إلّا أنّه خلاف ظاهر الجملة الشرطیة

الثانی: أن یکون وجود طبیعة الوجوب بمعنی وجودها الناقض للعدم و تعلیق الوجوب علی الشرط فی هذا الاحتمال لا یکون مقتضیاً لانتفاء سنخ الحکم و الوجه فیه هو أنّ الوجود نقیض العدم و کل وجود بدیل عدم نفسه لا العدم المطلق، فانتفاءه انتفاء نفسه لا انتفاء سنخ الوجوب.

ص: 102


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص419.

الثالث: أن یکون وجود شخص الحکم بما هو وجود شخصی و حینئذ انتفاءه بانتفاء موضوعه عقلی و لیس فیه خلاف بین الأعلام و لکنه غیر مرتبط ببحث مفهوم الشرط.

الرابع: أن یکون وجود الحکم المنشأ فی شخص هذه القضیة بما هو وجود الوجوب، لا بما هو متشخص بلوازمه

و هذا الاحتمال الرابع هو المختار من بین الاحتمالات الأربعة و هو المستفاد من ظهور القضیة الشرطیة فی انحصار الشرط فی العلّیة.

الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ حقیقة إنشاء الوجوب عبارة عن إظهار اعتبار کون فعلٍ ما علی ذمّة المکلف فإذا کان المعتبر بالاعتبار المزبور معلقاً علی وجود شیء مثلاً، استلزم ذلک انتفاءه بانتفائه و لایفرق فی ذلک بین أن یکون الاعتبار مستفاداً من الهیأة و أن یکون مستفاداً من المادّة المستعملة فی المفهوم الاسمی باعتبار فنائه فی معنونه.

و هذا الجواب تام علی ما ذهب إلیه.

فالمتحصل: أنّ ما أفاده صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) وافٍ بحل المشکلة علی مبانیهم و أما علی المبنی المختار فالحق فی الجواب هو ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) و مع التنزل عنه فما أفاده المحقق الأنصاری (قدس سره) فی غایة المتانة.

ص: 103


1- . أجود التقریرات، ج2، ص254.

ص: 104

التنبیه الثانی: فیما إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء
بیان المشکلة:

إنّه إذا قلنا بثبوت مفهوم الشرط یقع الکلام فیما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء و ذلک مثل قضیة «إذا خفی الأذان فقصّر» و قضیة «إذا خفی الجدران فقصّر» فیقع التعارض بین القضیتین فلابدّ من التصّرف فی ظهور أحدهما أو کلیهما حتی یرتفع التعارض و ینحل المشکلة.((1))

ص: 105


1- . فی کفایة الأصول، ص201: «إذا تعدّد الشرط مثل إذا خفی الأذان فقصر و إذا خفی الجدران فقصر فبناء علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم لابدّ من التصرّف و رفع الید عن الظهور إمّا بتخصیص مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر فیقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطین و إمّا برفع الید عن المفهوم فیهما فلا دلالة لهما علی عدم مدخلیة شی ء آخر فی الجزاء بخلاف الوجه الأوّل فإنّ فیهما الدلالة علی ذلک و إمّا بتقیید إطلاق الشرط فی کل منهما بالآخر فیکون الشرط هو خفاء الأذان و الجدران معاً فإذا خفیا وجب القصر و لایجب عند انتفاء خفائهما و لو خفی أحدهما و إمّا بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما بأن یکون تعدّد الشرط قرینة علی أنّ الشرط فی کل منهما لیس بعنوانه الخاص بل بما هو مصداق لما یعمّهما من العنوان» و راجع حواشی المشکینی، ج2، ص293؛راجع أیضاًحقائق الأصول، ج1 ص459.
هناک وجوه لحلّ هذه المشکلة:
اشارة

((1))

الوجه الأول: أن یرفع الید عن ظهور کل منهما فی المفهوم لیرتفع التعارض

ص: 106


1- . أورد صاحب الکفایة (قدس سره) -کما عرفت فی التعلیقة السابقة- الوجه الأوّل إلی الرابع المذکور فی المتن و فی مطارح الأنظار، ص174 ذکر هذه الوجوه الأربعة و قال عند ذکر الوجه الثالث [فی الکفایة]: «ثالثها تقیید إطلاق الشرط فی کل منهما بالآخر وجوداً فیکون المراد فی المثال المذکور إذا خفی الأذان عند خفاء الجدران فقصّر أو عدماً فالمعنی إذا خفی الأذان و لم یکن الجدران مخفیة فقصّر» و زاد وجهاً خامساً فقال: «إبقاء إحدی الجملتین بحالها مفهوماً و منطوقاً و التصرّف فی الأخری کذلک کما هو الظاهر من الحلّی فی المثال» و فی غایة المسؤول، ص340 جعل الوجه الثالث عند الشیخ (قدس سره) وجهین و فی تقریرات المجدد الشیرازی (قدس سره)، ج3، ص191 – 195 جعل الوجه الثالث [فی الکفایة] وجهین فقال: «رابعها: حمل کل منها علی بیان جزء السبب للجزاء لا تمامه، بأن یجعل السبب التامّ له هو المجموع المرکّب منها و یکون الغرض من الجمیع تعلیق الجزاء علی ذلک المجموع من حیث المجموع ... و خامسها: تقیید سببیة کل من الشروط المذکورة فیها بکونه مع الشروط الأخر المذکورة فی الخطابات الأخر بمعنی حمل کلّ من الخطابات علی إرادة ذلک» و قال بدل الوجه الرابع [فی الکفایة]: «إبقاء کلّ من الخطابات المذکورة علی ظاهره، لکن مع التصرّف فی وجه صدورها بحمل کلّ منها علی التوطئة مع کون الغرض من المجموع من حیث إفادة کون کلّ واحد من الشروط المذکورة فیها سبباً للجزاء علی البدل علی نحو دلالة الإشارة» و فی أجود التقریرات، ج1، ص423 زاد وجهاً خامساً فقال: «أن یکون کل منهما شرطاً مستقلّاً و علیه یترتّب لزوم تقیید إطلاق کل من الشرطین المذکورین فی القضیتین بإثبات العدل له فیکون وجود أحدهما کافیاً فی ثبوت الجزاء» ثمّ قال: لایخفی أنّه فی ما إذا لم یکن هناک جامع عرفی بین الشرطین المذکورین فی القضیتین کما هو الواقع فی المثال المتقدّم و ما شاکله یرجع الوجه الرابع [فی الکفایة] إلی هذا الوجه فیکون الشرط فی الحقیقة أحد الأمرین المزبورین و أمّا الوجه الثانی [فی الکفایة] فهو أیضاً یرجع إلی التصرّف فی منطوق کل من القضیتین بإثبات العدل له فیرجع إلی هذا الوجه و فی المحاضرات، ج5، ص98 قال بدل الوجه الرابع [فی الکفایة]: «أن یلتزم فی هذه الموارد إنّ الشرط هو عنوان أحدهما الذی هو نتیجة العطف بکلمة "أو" و علیه فإن کان لهما جامع ذاتی فذلک الجامع الذاتی هو الشرط فی الحقیقة و إن لم یکن لهما جامع کذلک فالجامع الانتزاعی هو الشرط فیها».

بینهما و هذا الوجه هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .((1))

الوجه الثانی: أن یقید مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر من دون تصرف فی المنطوقین.((2))

الوجه الثالث: أن یکون الشرط فی الحقیقة هو الکلی الجامع بین الأمرین و هو عنوان «أحدهما» أو «أحدها» و کل واحد من الشرطین مصداقاً لهذا الکلی الجامع.((3))

ص: 107


1- . و اختاره أیضاً فی حقائق الأصول، ج1، ص461 قال: «و الانصاف یقتضی الأخذ بما ذکره المصنّف من ترجیح التصرّف فی ظهور الشرط فی الخصوصیة فإنّه - کما ذکر - ممّا یساعد علیه العرف جدّاً و لاسیما فی مثل کلمة (إذا) ممّا کان من الظروف المتضمّنة لمعنی الشرط» و لعلّ هذا الوجه هو مختار وقایة الأذهان ص424 – 426.
2- . هذا الوجه هو الوجه الأوّل الذی ذکر فی کفایة الأصول ص201 قال: «إذا تعدّد الشرط مثل إذا خفی الأذان فقصر و إذا خفی الجدران فقصر فبناء علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم لابدّ من التصرّف و رفع الید عن الظهور إمّا بتخصیص مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر» إلخ و اختاره بعض الأصولیین. ففی تقریرات المجدد الشیرازی، ج3، ص195: أقربها هو الوجه الأوّل لکونه أقرب من غیره بالنسبة إلی ظاهر القضیة الشرطیة. و فی حواشی المشکینی، ج2، ص294: «إنّ الظاهر ترجیح الأوّلین علی الأخیرین ... و کذا الظاهر ترجیح الأوّل علی الثانی و إن کانا مشترکین فی طرح ظهورین، إلّا أنّه بناء علی الأوّل ظهور کلمة «إن» فی الانحصار محفوظ فی الجملة، دون الثانی، کما یظهر فی بیان الثمرة و من المعلوم أنّ الظهور المنعقد لایخرج عنه إلّا بمقدار الیقین» و فی المحاضرات تقریرات المحقّق الداماد (قدس سره)، ج1، ص406 أیضاً اختار هذا الوجه و فی عنایة الأصول، ج2، ص189: «الذی یساعده العرف من بین الوجوه المذکورة هو الوجه الأوّل».
3- . فی مطارح الأنظار، ص175: «و لعلّ العرف یساعد علی ذلک بعد الاطلاع علی التعدّد» و فی غایة المسئول، ص341: «الظاهر من القضیتین المذکورتین فی العرف کون القدر المشترک سبباً». و فی نهایة الأصول ص274: «... الظاهران المعتبر فی تحقّق القصر هو البعد عن البلد عرفاً بحیث یخفی علیه آثاره و یتحقّق هذا بطریقین: أحدهما: طریق یدرک بالبصر و الآخر: طریق یدرک بالسمع فهما أمارتان لأمر یکون هو المعیار فی ثبوت القصر و هو تحقّق البعد المخصوص عن البلد» و فی عنایة الأصول ج2، ص190: «و العقل فی مقام الثبوت و اللب یری الجامع بینهما هو السبب المؤثر فی الجزاء لقاعدة الواحد لایصدر إلّا من الواحد» و راجع أیضاً لمحات الأصول، ص290 و فی مباحث الأصول للمحقّق البهجة (قدس سره)، ج2، ص441: «اللازم الموافق لما جرّوا علیه رفع الید عن الظهور المقتضی للانحصار وضعاً کان أو إطلاقاً إلّا أنّه بالإضافة إلی الثابت شرطیته لا مطلقاً فینتفی بهما شرطیة الثالث فیکشف ذلک عن أنّ العلة هو الجامع أو أحد الأمرین» إلخ.

الوجه الرابع: أن یقید الشرط فی کل من القضیتین من ناحیة استقلالهما فی العلّیة بالعطف ب- «الواو» و هذا مختار المحقق النائینی (قدس سره) .((1))

ص: 108


1- . فوائد الاصول، ج 2، ص488: إن قیل فیه وجوه أربعة أو خمسة: من تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الأخری و من رفع الید عن المفهوم فی کلّ منهما و غیر ذلک، کما لاتخفی علی المراجع. إلّا أنّ الإنصاف: أنّ ذلک تطویل بلا طائل، بل لا محصّل لبعض الوجوه فإنّ تقیید مفهوم کلّ منهما بمنطوق الأخری لایستقیم، إذ لیس المفهوم قضیة مستقلّة یمکن تقییدها ما لم یقید أولا المنطوق فإنّ المفهوم تابع للمنطوق فی جمیع القیود فلایعقل تقیید المفهوم بلا تقیید المنطوق فالتحقیق، هو أن یقال: إنّه بعد ما کان الشرط ظاهراً فی العلّة التامّة المنحصرة و کان تعدّد الشرط ینافی ذلک فلابدّ إمّا من رفع الید عن کونه علّة تامة و جعله جزء العلّة فیکون المجموع من الشرطین علّة تامّة منحصرة ینتفی الجزاء عند انتفائهما معاً و یکون قوله: مثلاً، إذا خفی الأذان فقصّر و إذا خفی الجدران فقصّر، بمنزلة قوله: إذا خفی الأذان و الجدران فقصّر و إمّا: من رفع الید عن کونه علّة منحصرة مع بقائه علی کونه علّة تامّة فیکون الشرط أحدهما تخییراً و یکون المثال بمنزلة قوله: إذا خفی الأذان أو خفی الجدران فقصّر و یکفی حینئذٍ أحدهما فی ترتّب الجزاء، مع قطع النظر عن کون خفاء الأذان یحصل قبل خفاء الجدران دائماً و حینئذٍ لابدّ من رفع الید عن أحد الظهورین، أمّا ظهور الشرط فی کونه علّة تامة و أمّا ظهوره فی کونه علة منحصرة و حیث لم یکن أحد الظهورین أقوی من ظهور الآخر و لا أحدهما حاکماً علی الآخر- لمکان أنّ کلّاً من الظهورین إنّما یکون بالإطلاق و مقدّمات الحکمة، علی ما تقدّم- کان اللازم الجری علی ما یقتضیه العلم الإجمالی من ورود التقیید علی أحد الإطلاقین. نسبه فی مختلف الشیعة، ج3، ص110 إلی السید المرتضی (قدس سره) و فی مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص379 إلی الشهید (قدس سره) فی غیر اللمعة و قال: «و إلیه ذهب العلّامة و الشهید الثانی و أکثر المتأخرین» و اختار هذا القول فی نهایة الإحکام، ج2، ص172؛ روض الجنان (ط.ق)، ص392؛ مشارق الشموس؛ ریاض المسائل ج4، ص435 و نسبه فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411 إلی الشیخ فی الخلاف و فی روض الجنان إلی المشهور بین المتأخّرین و فی مدارک الأحکام، ج4، ص457 إلی أکثر المتأخرین.

الوجه الخامس: أن یقید الشرط فیهما من ناحیة انحصارهما فی العلّیة بالعطف ب «أو» و هذا هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) .((1))

أما الوجه الأوّل:
اشارة

فهو مختار صاحب الکفایة((2)) (قدس سره) حیث ادّعی أنّ العرف یساعد علی هذا الوجه((3)).

ص: 109


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص199: «إنّ هذا یرجع بالنتیجة إلی التقیید بأو». المعتبر ج2، ص473 و اختاره أیضاً فی تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج4، ص377؛ مجمع الفائدة ج3، ص397؛ مدارک الأحکام، ج4 ص456؛ ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411؛ الحدائق الناضرة، ج11، ص406 و نسبه فی مختلف الشیعة، ج3، ص109إلی الشیخ فی النهایة و المبسوط و الخلاف و ابن البرّاج و فی روض الجنان (ط.ق)، ص392 إلی أکثر المتقدّمین و فی منتهی المطلب (ط.ق)، ج1، ص391 إلی أکثر علمائنا و فی مدارک الأحکام و ذخیرة المعاد إلی أکثر الأصحاب.
2- . توضیحات حول الوجه الأوّل الذی اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) فی کفایة الأصول، ص201: «... فلابدّ من المصیر إلی أنّ الشرط فی الحقیقة واحد و هو المشترک بین الشرطین بعد البناء علی رفع الید عن المفهوم و بقاء إطلاق الشرط فی کل منهما علی حاله و إن کان بناء العرف و الأذهان العامیة علی تعدّد الشرط و تأثیر کل شرط بعنوانه الخاص فافهم» و فی نهایة الدرایة، ج1، ص613 و 614: «و أمّا ما أفاده من أنّ الجامع یکون شرطاً بعد البناء علی رفع الید عن المفهوم فإن أراد (قدس سره) أنّه لاتصل النوبة إلی الالتزام بالجامع إلّا بعد الفراغ عن الثبوت عند الثبوت فی کل منهما و الالتزام بالمفهوم مطلقاً فی کل منهما بمعنی عدم الالتزام بالثبوت عند الثبوت فی کل منهما فلایجب الالتزام بتأثیر الجامع فیندفع بأنّ الالتزام بالمفهوم و إن کان التزاماً بالمحال من حیث إنّه التزام بالنقیضین لکنّه من حیث الالتزام بالثبوت عند الثبوت فی کلیهما التزام بمحال آخر و هو تأثیر المتبائنین أثراً واحد و إن أراد أنّ الالتزام بالجامع بعد عدم الالتزام بالمفهوم فإنّه محال فهو غیر مختص بهذا الوجه بل سائر وجوه التصرف أیضاً أنّما یلتزم بها من أجل أنّ الالتزام بظاهر القضایا جمیعاً محال و الظاهر إرادة الشقّ الأوّل کما یؤمی إلیه اقترانه ببقاء إطلاق الشرط فی کل منهما علی حاله فظاهره أنّه کما لا مجال للجامع مع کون کل منهما جزء العلة کذلک لا مجال مع الالتزام بالمفهوم». راجع حقائق الأصول، ج1،ص 461 و منتقی الأصول، ج3، ص251.
3- . فی الکفایة رجح الوجه الثانی علی الأوّل و لکن لبعض الأصولیین تفصیل: فی منتقی الأصول ج3، ص248: «التحقیق أن یقال: إنّ طریق الجمع بین الدلیلین یختلف بحسب اختلاف طریق إثبات المفهوم فإن التزمتا بالمفهوم من طریق الإطلاق المقامی و کون المتکلّم فی مقام بیان ما هو الشرط، تعین رفع الید عن المفهوم فی کل منهما، لأنّ ذکر الشرط الآخر یکشف عن عدم کونه فی مقام بیان ما هو الشرط فینتفی الإطلاق الذی هو مستند المفهوم فلایثبت المفهوم و هکذا الحال لو التزمنا بالمفهوم من طریق کون الجملة الشرطیة ظاهرة فی تعلیق الجزاء علی الشرط الملازم للانحصار، لأنّ تعدّد الشرط یکشف عن عدم استعمال الأداة أو الهیئة فی التعلیق لمنافاته لتعدّد الشرط و إن التزمنا بالمفهوم من طریق الإطلاق اللفظی بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة، تعین رفع الید عن إطلاق المفهوم لا نفس المفهوم، لأنّ تعدّد الشرط لایخلّ بانعقاد الإطلاق لفظاً و إنّما یکشف عن أنّه غیر مطابق للمراد الجدّی فیقید إطلاق کل منهما المقتضی للمفهوم بالشرط الأخر و یبقی علی حاله فی غیر مورده کسائر موارد المطلق و المقید و من هنا ظهر أنّه لا وجه لما ذکره صاحب الکفایة بقول مطلق من أنّ العرف یساعد علی الوجه الثانی، إذ عرفت أنّه متعین علی تقدیر دون آخر»؛ راجع تهذیب الأصول ج1، ص347.
إیرادان علی هذا الوجه:
الإیراد الأوّل: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّه بلا مقتض و موجب، بداهة أنّ الضرورة تتقدر بقدرها، و من الطبیعی أنّ الضرورة لاتقتضی رفع الید عن مفهوم کلتا القضیتین معاً و الالتزام بعدم دلالتهما علیه أصلاً، بل غایة ما تقتضی هو رفع الید عن إطلاق کل منهما بتقییده بالأُخری بمثل العطف بکلمة «أو» أو بکلمة «الواو».

ص: 110


1- . المحاضرات (ط.ج): ج4، ص241. و فی المحاضرات، تقریرات المحقّق الداماد (قدس سره)، ج1، ص406: هو کما تری «ضرورة أنّه لا وجه لرفع الید عن الظهور بهذا المقدار مع عدم ما یدلّ علیه» و فی عنایة الأصول، ج2، ص189 أیضاً: «إنّه ضعیف جداً فإنّ رفع الید عن المفهوم رأساً بمجرّد تعدّد الشرط ممّا لا وجه له بل اللازم علی القول بالمفهوم هو الاقتصار فی رفع الید عنه علی القدر الذی ورد به دلیل و هو منطوق الآخر لا أکثر».
الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (دام ظله)

((1))

إن کان أحد الدلیلین متصلاً بالآخر فلایدلّان علی المفهوم لأنّ کلاً منهما قرینة علی عدم المفهوم فی الآخر، و إن کانا منفصلین فمع تمامیة القول بالمفهوم فلا وجه لعدم ظهور کل منهما فی المفهوم بل القول بعدم المفهوم حینئذ مستلزم للتفکیک بین العلّة و المعلول.

أما الوجه الثانی:
اشارة

فهو تقیید مفهوم کل منهما بمنطوق الآخر بدون التصرف فی المنطوقین.((2))

ص: 111


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص198.
2- . أمّا الدلیل علی هذا الوجه: ففی مطارح الأنظار، ص174: «و الوجه فی ذلک ما هو المعروف من أنّ دلالة اللفظ علی منطوقه أقوی من دلالته علی مفهومه و لاریب أنّه عند التعارض یقدّم الأقوی» و فی منتقی الأصول ج3، ص247:«الالتزام بتقیید مفهوم کل منهما بمنطوق الأخری إذ النسبة بینهما العموم و الخصوص المطلق» و فی دروس فی علم الأصول، ج3، ص237: «هنا قد یقال بأنّ منطوق کل منهما یقدّم علی مفهوم الأخری و ینتج أنّ للتقصیر علّتین مستقلّتین إمّا لأنّ دلالة المنطوق دائماً أظهر من دلالة المفهوم و إمّا بدعوی أنّ المنطوق فی المقام أخصّ فیقدّم تخصیصاً لأنّ المفهوم فی کل جملة یدلّ علی انتفاء الجزاء بانتفاء شرطها و هذا مطلق لحالتی وجود شرط الجملة الأخری و عدم وجوده و المنطوق فی الجملة الأخری یدلّ علی ثبوت الجزاء فی حالة وجود شرطها فیکون مخصّصاً» و قد أورد علی هذا الاستدلال فی الأخیر فقال: «و نلاحظ علی ذلک منع الأظهریة و منع الأخصیة. أمّا الأوّل: - فلأنّ الدلالة علی المفهوم مردها إلی دلالة المنطوق علی الخصوصیة التی تستتبع الانتفاء عند الانتفاء فالتعارض دائماً بین منطوقین و أمّا الثانی: - فلأنّنا لابدّ أن نلتزم إمّا بافتراض الشرطین علّتین مستقلّتین للجزاء و هذا یعنی تقیید المفهوم و إمّا بافتراض أنّ مجموع الشرطین علّة واحدة مستقلة و هذا یعنی الحفاظ علی إطلاق المفهوم و تقیید المنطوق فی کل من الشرطیتین بانضمام شرط الأخری إلی شرطها فالتعارض إذن بین إطلاق المنطوق و إطلاق المفهوم و النسبة بینهما العموم من وجه فالصحیح أنّهما یتعارضان و یتساقطان و لا جمع عرفی»؛ راجع عنایة الأصول ج2، ص188.
أورد علیه المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّه غیر معقول، إذ المفهوم لیس هو بنفسه مدلولاً للکلام مستقلاً لیتصرف فیه بتخصیص أو تقیید، بل هو تابع للمنطوق، فإذا لم یتصرّف فیه امتنع التصرف فی المفهوم.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی المقام:

((2))

تقدم أنّ المفهوم لازم عقلی للمنطوق باللزوم البین بالمعنی الأخصّ و علیه فلا یعقل التصرف فیه بتقیید أو تخصیص من دون التصرف فی المنطوق أصلاً

ص: 112


1- .أجود التقریرات، ج2، ص260 و فی فوائد الأصول، ج1 - 2 ص487: «إنّ تقیید مفهوم کل منهما بمنطوق الأخری لایستقیم، إذ لیس المفهوم قضیة مستقلّة یمکن تقییدها ما لم یقید أولا المنطوق فإنّ المفهوم تابع للمنطوق فی جمیع القیود فلایعقل تقیید المفهوم بلا تقیید المنطوق» و فی مطارح الأنظار، ص175: «یلزم المجاز کما عرفت و إن لم نقل بأنّ التخصیص مجاز و الوجه فیه أنّ المفهوم من اللوازم العقلیة للمنطوق و لایعقل التصرّف فی المدلول الالتزامی إلّا بعد التصرف فی المدلول المطابقی» و فی نهایة الأفکار ج1 – 2، ص484: «إنّ المفهوم فی نفسه غیر قابل للتقیید، لأنّه من اللوازم العقلیة للقضیة اللفظیة حسب مالها من الخصوصیات الموجبة لذلک فکان مرجع تقییده حینئذٍ مع إبقاء القضیة اللفظیة المنطوقیة علی حالها بما لها من الخصوصیة إلی نحو تفکیک بین الملزوم و لازمه و هو کما تری من المستحیل جدّاً» و راجع أیضاً تقریرات المجدّد الشیرازی، ج3، ص192؛ حقائق الأصول، ص460؛ تحقیق الأصول، ج4، ص198؛ مجمع الفرائد لفریدة الإسلام (قدس سره)، ص41 و فی مباحث الأصول للمحقّق البهجة (قدس سره)، ج2، ص443: «أمّا استلزام التصرّف فی المفهوم للتصرّف فی المنطوق فإنّ الأوّل من شؤون الثانی و لوازمه العقلیة بمعنی حکم العقل بالملازمة بین أمرین شرعیین فلایوجب بمجرّده المجازیة لإمکان التصرّف بذلک فی إطلاق المنطوق لا فی ظهوره الوضعی».
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص241.

بداهة أنّ مردّ ذلک إلی انفکاک اللازم من الملزوم و المعلول من العلّة و هو مستحیل و علی الجملة قد عرفت أنّ دلالة القضیة الشرطیة علی المفهوم إنّما هی بدلالة التزامیة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و من الطبیعی أنّ هذه الدلالة بما أنّها دلالة قهریة ضروریة لدلالة القضیة علی المنطوق، فلایمکن رفع الید عنها و التصرف فیها من دون رفع الید و التصرف فی تلک.

فإذن لابدّ من إرجاع هذا الوجه إلی الوجه الخامس (التقیید بالعطف ب- «أو»).((1))

أما الوجه الثالث:
اشارة

((2))

فهو أن یکون الشرط الکلی الجامع و استدلّ علیه صاحب الکفایة (قدس سره) بقاعدة «الواحد لایصدر إلّا عن الواحد».

ص: 113


1- . فی المحاضرات ج5، ص99 جعل هذا الوجه الوجه الرابع و قال: «أمّا الوجه الرابع فبظاهره غیر معقول إلّا أن یرجع إلی الوجه الثانی والسبب فی ذلک هو ما تقدم من أنّ المفهوم لازم عقلی للمنطوق باللزوم البین بالمعنی الأخص ... فلایمکن رفع الید عنها و التصرف فیها من دون رفع الید و التصرف فی تلک فإذن لابدّ من إرجاع هذا الوجه إلی الوجه الثانی» و الوجه الثانی عنده «أن یلتزم فی هذه الموارد أنّ الشرط هو عنوان أحدهما الذی هو نتیجة العطف بکلمة "أو" و علیه فإن کان لهما جامع ذاتی فذلک الجامع الذاتی هو الشرط فی الحقیقة و إن لم یکن لهما جامع کذلک فالجامع الانتزاعی هو الشرط فیها» فراجع.
2- . فی کفایة الأصول، ص201: «... و إمّا بجعل الشرط هو القدر المشترک بینهما، بأن یکون تعدّد الشرط قرینة علی أنّ الشرط فی کل منهما لیس بعنوانه الخاص، بل بما هو مصداق لما یعمّهما من العنوان ..، کما أنّ العقل ربّما یعین هذا الوجه، بملاحظة أنّ الأمور المتعدّدة بما هی مختلفة، لایمکن أن یکون کل منها مؤثراً فی واحد فإنّه لابدّ من الربط الخاص بین العلّة و المعلول و لایکاد یکون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنین بما هما اثنان و لذلک أیضاً لایصدر من الواحد إلّا الواحد»؛راجع عنایة الأصول ج2، ص189.
یلاحظ علیه:

إنّ هذه القاعدة تجری فی الوحدة الحقّة الحقیقیة کما تقدّم مراراً.

و لذا قال المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما) بإرجاعه إلی الوجه الخامس أیضاً بل المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی الوجه الخامس بلزوم الجامع الذاتی أو الجامع الانتزاعی. ((1))

ص: 114


1- . فی المحاضرات، ج5، ص100: «یرد علیه: أوّلاً: ما ذکرناه غیر مرّة من أنّ هذه القاعدة إنّما تتمّ فی الواحد الشخصی الحقیقی حتی یکشف عن جامع وحدانی کذلک و لاتتمّ فیما إذا کانت وحدة المعلول اعتباریة فإنّه لایکشف إلّا عن وحدة کذلک و من المعلوم أنّ وحدة الجزاء فی المقام وحدة اعتباریة لا حقیقیة و علیه فلایکشف عن جامع واحد ذاتی و ثانیاً: أنّه لا شمول و لا عموم لتلک القاعدة بالإضافة إلی جمیع الأشیاء بشتّی ألوانها و أشکالها بل أنّ لها إطاراً خاصاً و موضعاً مخصوصاً و هو إطار سلسلة العلل و المعالیل الطبیعتین دون إطار سلسلة الأفعال الاختیاریة و قد تقدّم الحجر الأساسی للفرق بین السلسلتین فی ضمن لقد مذهب التفویض بشکل موسّع و قلنا هناک باختصاص القاعدة بالسلسلة الأولی فحسب دون الثانیة و علیه فلاتنطبق علی ما نحن فیه و ذلک لما ذکرناه غیر مرّة من أنّ الأحکام الشرعیة بأجمعها أمور اعتباریة و لا واقع موضوعی لها ما عدی اعتبار المعتبر و لیست بأمور تکوینیة و أنّها فعل اختیاری للشارع و صادرة منه باختیاره و إعمال قدرته و لیس للأمور الخارجیة دخل و تأثیر فیها أصلاً و إلّا لکانت أموراً تکوینیة بقانون التطابق و السنخیة ... و ثالثاً: أنّه قد لایعقل الجامع الماهوی بینهما و ذلک کما إذا افترضنا کون أحد الشرطین من مقولة و الشرط الآخر من مقولة أخری فإذن لایعقل أن یکون بینهما جامع حقیقی، لاستحالة وجود الجامع کذلک بین المقولتین» و فی منتقی الأصول، ج3، ص250: «یرد علیه: أوّلاً: أنّه إنّما یتمّ إذا کان المسبّب واحداً شخصیاً، أمّا الواحد النوعی فلا مانع من تأثیر المتعدّد فیه فیجوز تأثیر شرط فی مسبّب و تأثیر غیره فی فرد آخر کما نری ذلک بالوجدان فإنّ النار تؤثر فی الحرارة کما أنّ الکهرباء یؤثر فیها و بالجملة: فبرهان السنخیة إنّما یتمّ فی الواحد الشخصی لا النوعی و ثانیا: أنّه إنّما یجری فی الأسباب و المسبّبات التکوینیة التی یکون تأثیرها واقعیاً ناشئاً عن ربط خاص بین العلّة و المعلول – و إلّا لزم تأثیر کل شیء فی کل شیء، لا الأسباب الشرعیة التی هی فی الحقیقة تنتزع عن ترتّب تحقّق شیء علی وجود آخر بلا أن یکون للسبب تأثیر فی المسبّب نحو تأثیر العلّة فی المعلول فلا مانع من اعتبار شیء واحد مرتّباً علی أحد شیئین». أمّا سائر الأدلّة المذکورة للوجه الرابع: الدلیل الأوّل: هو مقتضی الجمع بین الروایتین راجع ذکری الشیعة، ج4، ص421؛ روض الجنان (ط.ق)، ص392؛ ریاض المسائل، ج4، ص435؛ الإشکال الأوّل: ارتکاب التخصیص فی المفهوم أولی من ارتکابه فی المنطوق. راجع مجمع الفائدة، ج3، ص398و 399 و مدارک الأحکام، ج4 ص456 و ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411 و مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص380؛ جواهر الکلام ج14، ص288. الإشکال الثانی: تأخیر البیان عن وقت الحاجة راجع مجمع الفائدة، ج3، ص398 و ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص411 و الحدائق الناضرة ج11، ص406. الإشکال الثالث: لیس هذا الجمع مقتضی متفاهم العرف راجع مستند الشیعة، ج8، ص293 أجیب عن هذا الإشکال فی کتاب الصلاة (ط.ق)، الشیخ الأنصاری، ص398. الدلیل الثانی: هو الأوفق لمقتضی الأصل راجع ریاض المسائل، ج4، ص435 و مستند الشیعة، ج8،ص293 و جواهر الکلام، ج14، ص288 – 289 و کتاب الصلاة (ط.ق)، الشیخ الأنصاری، ص398.
أما الوجه الرابع:
اشارة

فهو مختار المحقق النائینی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «الواو».

فقد قال المحقق النائینی (قدس سره) فی وجهه((1)): التحقیق أنّ دلالة کل من الشرطیتین علی ترتّب الجزاء علی الشرط المذکور فیها باستقلاله من غیر انضمام شیء آخر إلیه إنما هی بالإطلاق المقابل للعطف ب- «أو» و بما أنّه لابدّ من رفع الید عن أحد الإطلاقین و لا مرجّح لأحدهما علی الآخر((2)) یسقط کلاهما عن الحجیة، لکن

ص: 115


1- . أجود التقریرات، ج2، ص261.
2- . ذکروا لترجیح الإطلاق المقابل للتقیید بأو علی الآخر وجوهاً: ففی نهایة الأفکار، ج1 – 2، ص485: «فی مقام التوفیق یدور الأمر بین رفع الید عن أحد الظهورین، إمّا عن ظهور الشرطین فی الاستقلال ... و إمّا عن ظهورهما فی الدخل بعنوانهما الخاص بجعل الشرط الجامع بینهما أو عن قضیة ظهور إطلاقهما فی الانحصار ... و فی مثله نقول: بأنّه و إن کان الظهوران کلاهما بمقتضی الإطلاق و لکن أمکن دعوی تعین الثانی و ترجیح ظهور الشرطین فی الاستقلال علی ظهورهما فی الدخل بعنوانهما الخاص و فی الانحصار، إذ علی هذا الفرض کان ظهور کل واحد من الشرطین فی الاستقلال فی التأثیر علی حاله، بخلاف العکس، فإنّه علاوة عمّا یلزمه من رفع الید عن ظهور الشرطین فی الاستقلال یلزمه أیضاً رفع الید عن ظهورهما فی الانحصار و واضح حینئذٍ أنّه عند الدوران کان المتعین هو الأوّل، لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها» و فی أصول الفقه، ج1، ص164: «لابدّ من التصرّف فیهما بأحد وجهین: الوجه الأوّل: أن نقید کلا من الشرطین من ناحیة ظهورهما فی الاستقلال بالسببیة - ذلک الظهور الناشئ من الإطلاق الذی یقابله التقیید بالعطف بالواو ... الوجه الثانی: أن نقیدهما من ناحیة ظهورهما فی الانحصار - ذلک الظهور الناشئ من الإطلاق المقابل للتقیید بأو - و الأوجه- علی الظاهر هو التصرّف الثانی، لأنّ منشأ التعارض بینهما هو ظهورهما فی الانحصار الذی یلزم منه الظهور فی المفهوم فیتعارض منطوق کل منهما مع مفهوم الآخر، کما تقدّم فلابدّ من رفع الید عن ظهور کل منهما فی الانحصار بالإضافة إلی المقدار الذی دلّ علیه منطوق الشرطیة الأخری، لأنّ ظهور المنطوق أقوی. أمّا ظهور کل من الشرطیتین فی الاستقلال فلا معارض له حتی ترفع الید عنه» و فی البحوث، ج3، ص187: «المقطع الثالث: ما أُفید من تکافؤ الظهورین المتعارضین لأنّ کلّاً منهما بالإطلاق و مقدّمات الحکمة فیحکم بالتساقط و قد علّق علی هذا المقطع السید الأستاذ، بما یلی: "الظاهر أنّه لابدَّ فی محل الکلام من رفع الید عن خصوص الإطلاق المقابل للعطف بکلمة أو و إبقاء الإطلاق المقابل للعطف بالواو علی حاله و السرّ فی ذلک أنَّ الموجب لوقوع المعارضة بین الدلیلین فی المقام إنّما هو ظهور کل من القضیتین فی المفهوم و ظهور القضیة الأخری فی ثبوت الجزاء عند تحقّق الشرط المذکور فیها مع قطع النظر عن دلالتها علی المفهوم و عدم دلالتها علیه ... و بما أنّ نسبة کل من المنطوقین بالإضافة إلی مفهوم القضیة الأخری نسبة الخاص إلی العام لابدَّ من رفع الید عن عموم المفهوم فی مورد المعارضة و بما أنّه یستحیل التصرف فی المفهوم نفسه لأنّه مدلول تبعی و لازم عقلی للمنطوق لابدَّ من رفع الید عن ملزوم المفهوم بمقدار یرتفع به التعارض و لایکون ذلک إلّا بتقیید المنطوق و رفع الید عن إطلاقه المقابل للتقیید بکلمة أو و أمّا رفع الید عن الإطلاق المقابل للتقیید بالواو لتکون نتیجة ذلک اشتراط الجزاء بمجموع الأمرین المذکورین فی الشرطیتین فهو و إن کان موجباً لارتفاع المعارضة بین الدلیلین إلّا أنّه بلا موجب ضرورة أنّه لا مقتضی لرفع الید عن ظهور دلیل ما مع عدم کونه طرفاً للمعارضة بظهور آخر و لو ارتفع بذلک أیضاً التعارض بین الدلیلین اتفاقا" و یستخلص منه ضابطاً عامّاً و تطبیقاً له علی المقام و کلاهما ممّا لایمکن المساعدة علیه» إلخ.

ص: 116

ثبوت الجزاء کوجوب القصر فی المثال یعلم بتحققه عند تحقق مجموع الشرطین علی کل تقدیر، و أما فی فرض انفراد کلّ من الشرطین بالوجود فثبوت الجزاء فیه یکون مشکوکاً فیه، و لا أصل لفظی فی المقام علی الفرض لسقوط الإطلاقین بالتعارض، فتصل النوبة إلی الأصل العملی، فتکون النتیجة موافقة لتقیید الإطلاق المقابل للعطف ب- «الواو».

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه:

إنّ المورد لیس من صغریات الرجوع إلی الأصل العملی بل المقام هو مجری الأصل اللفظی من عموم أو إطلاق.((1))

ص: 117


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص246-251. هنا إیرادات علی المحقق النائینی (قدس سره): ففی منتقی الأصول، ج3، ص249: «وجه الإشکال فیه ما عرفت من أنّ الجمع الدلالی إنّما یکون فی مورد التعارض فلایدور الأمر بین الإطلاقین، بل یتعین التصرف بالإطلاق المقابل للعطف ب "أو" و بتعبیر آخر: إطلاق کل من الشرطین المقتضی لإستقلالهما فی التأثیر لیس مورد التعارض، بل هو منشأ التعارض کالدلیل الدال علی حجیة الخبر و هو لایسوّغ التصرف فیه مع إمکان الجمع فی مورد المعارضة» و فی البحوث، ج3، ص185 عند مناقشة المقطع الأوّل من کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حیث ذکر إنّ مقتضی الأصل العملی بعد التساقط هو التقیید بالواو أی رفع الید عن إطلاق المنطوق: «هذا الکلام إذا أُرید به أنّ مقتضی الأصل العملی هو ذلک فی خصوص هذا المثال ورد علیه أوّلاً: - إنَّ مقتضی القاعدة بعد التساقط الرجوع إلی العموم الفوقانی الدالّ علی وجوب التقصیر فی السفر الصادق قبل خفاء الجدران أو الأذان، لأنّ دلیل التقیید المتمثل فی هاتین الشرطیتین أجمل بالتعارض فیقتصر علی قدره المتیقّن و هو ما إذا خفی الجدران و الأذان معاً و لو فرض الشک فی صدق مفهوم السفر مع خفاء أحدهما کان المرجع عمومات أقیموا الصلاة الدالّة علی وجوب الصلاة تماماً إذا فرض الإطلاق فیها و ثانیاً: - لو فرض عدم العموم الفوقی مع ذلک لاتجری أصالة البراءة إذ لو أُرید به أصالة البراءة عن وجوب القصر فهو طرف لعلم إجمالی و لو أُرید استصحاب بقاء وجوب التمام فهذا أصل تعلیقی فی کثیر من الأحیان حیث لایکون الوجوب فیها فعلیا قبل بلوغ حدّ الترخص و إنْ أرید تطبیقه بشکل کلی فی تمام موارد التعارض بین شرطیتین من هذا القبیل فالإشکال أوضح، إذ قد لایکون الحکم المعلّق إلزامیاً بل ترخیصی فیکون مقتضی أصالة البراءة العکس و کفایة أحد الشرطین فی رفع الإلزام و علی کل حال لایوجد هناک ضابط عام للأصل العملی الجاری بعد التساقط بل یختلف الحال من مسألة إلی أخری فلابدَّ من ملاحظة کل مورد بخصوصه» و إیرادات علی الوجه الرابع: ففی حقائق الأصول، ج1، ص461: «إنّ ظهور الشرط فی الاستقلال و لو بالإطلاق أقوی من غیره فیتعین رفع الید عن غیره» و فی منتقی الأصول، ج3، ص249: «و أمّا الوجه الثالث: فلاطریق إلی إثباته أصلاً و لأجل وضوح بطلانه لم یتعرّض صاحب الکفایة لنفیه و ذلک: لأنّ قواعد المعارضة و الجمع الدلالی بین المتعارضین هو التصرف فی مرکز المعارضة و محطّها من الظهور و من الواضح أنّ التعارض بین مفهوم کل منهما و منطوق الأخر أمّا ظهور کل منهما فی الاستقلال فلیس محطّ المعارضة و إن کان رفع الید عنه موجباً لارتفاع المعارضة، لکن لاتنتهی النوبة إلیه ما دام یمکن الجمع و التصرف فی مورد التعارض و لذا لایتوهّم أحد مع إمکان الجمع الدلالی التصرف فی أحد المتعارضین من حیث الجهة أو السند مع أنّه یرفع التعارض فالجمع بالوجه الثالث جمع تبرّعی» و فی عنایة الأصول، ج2، ص189: «إنّ تقیید شرطیة کل منهما بوجود الآخر تصرف فی منطوق کل منهما بلا ملزم».
أما الوجه الخامس:
اشارة

فهو ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) .((1))

إنّ القاعدة تقتضی تقیید الإطلاق المقابل للعطف ب- «أو» دون العطف ب- «الواو» (کما اختاره المحقق النائینی (قدس سره)) و السبب فی ذلک هو أنّه لا منافاة بین منطوقی القضییتین الشرطیتین المتقدمتین، ضرورة أنّ وجوب القصر عند خفاء

ص: 118


1- . المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص248.

الأذان لاینافی وجوبه عند خفاء الجدران أیضاً لفرض أنّ ثبوت حکم لشیء لایدلّ علی نفیه عن غیره و کذا لا منافاة بین مفهومیهما لوضوح أنّ عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان لاینافی عدم وجوبه عند عدم خفاء الجدران، إذ عدم ثبوت حکم عند شیء لایقتضی ثبوته عند عدم شیء آخر لیکون بینهما تنافٍ.

فالنتیجة: أنّ المنافاة إنما هی بین إطلاق مفهوم إحداهما و منطوق الأُخری مع قطع النظر عن دلالتها علی المفهوم و لذا لو کان الوارد فی الدلیلین «إذا خفی الأذان فقصّر» و «یجب تقصیر الصلاة عند خفاء الجدران»، کان بین ظهور القضیة الأُولی فی المفهوم و ظهور القضیة الثانیة فی ثبوت وجوب التقصیر عند خفاء الجدران تعارض لامحالة فإنّ مقتضی إطلاق مفهوم الأُولی عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان و إن فرض خفاء الجدران و مقتضی القضیة الثانیة وجوب القصر فی هذا الفرض.

و حیث إنّ نسبة المنطوق إلی المفهوم نسبة الخاصّ إلی العام فبطبیعة الحال یقید إطلاقه و بما أنّ التصرف فی المفهوم بدون التصرف فی المنطوق لایمکن لما عرفت من أنّه لازم عقلی له فیدور مداره سعةً وضیقاً فلایمکن انفکاکه عنه و لو بالإطلاق و التقیید فلامحالة یستلزم التصرف فیه التصرف فی المنطوق.

و التصرف فی إطلاق مفهوم کل من القضیتین بهذا الشکل لامحالة یستدعی التصرف فی إطلاق منطوق کل منهما بنتیجة العطف بکلمة «أو» و لازم ذلک هو أنّ الشرط أحدهما فالنتیجة هی عدم وجوب التقصیر إلّا إذا خفی أحدهما.

أما التقیید بالعطف بکلمة «الواو» فلا مقتضی له أصلاً و إن کان یرتفع به التعارض.

فالحق هو التقیید بالعطف بکلمة «أو».

ص: 119

تقریر العلّامة المظفر (قدس سره)

((1)) لهذا الوجه:

إنّ منشأ التعارض بین الدلیلین هو ظهورهما فی الانحصار الذی یلزم منه الظهور فی المفهوم فیتعارض منطوق کل منهما و مفهوم الآخر کما تقدّم فلابدّ من رفع الید عن ظهور کل منهما فی الانحصار بالإضافة إلی المقدار الذی دلّ علیه منطوق الشرطیة الأُخری، لأنّ ظهور المنطوق أقوی، أما ظهور کل من الشرطیتین فی الاستقلال فلا معارض له حتی ترفع الید عنه، و حینئذ یکون کل من الشرطین مستقلاً فی التأثیر فإذا انفرد أحدهما کان له التأثیر فی ثبوت الحکم و إن حصلا معاً فإن کان حصولهما بالتعاقب کان التأثیر للسابق و إن تقارنا کان الأثر لهما معاً و یکونان کالسبب الواحد، لامتناع تکرار الجزاء حسب الفرض.

و هنا وجوهاً أخری، لحلّ المشکلة، لانشیر إلیها. ((2))

ص: 120


1- . أصول الفقه (ط. اسماعیلیان)، ج 1، ص115.
2- . نشیر إلی سائر الوجوه: منها: اعتبار الخروج من بیته؛ فی المعتبر، ج2، ص474: «و قال بعض أصحاب الحدیث من أصحابنا (علی بن بابویه): إذا خرج من منزله، لقول أبی عبد الله (علیه السلام): إِذَا خَرَجْتَ مِنْ مَنْزِلِکَ فَقَصِّرْ إِلَی أَنْ تَعُودَ إِلَیه». منها: اعتبار خفاء الأذان؛ نسبه فی مختلف الشیعة، ج3، ص110إلی الشیخ المفید (قدس سره) و فی مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص379: «و ظاهر کلام الحسن و المفید و سلّار و أبی الصلاح و صریح ابن إدریس اعتبار الاذان خاصة» و راجع أیضاً تحریر الأحکام، ج1، ص337. هنا وجوه أخر للجمع بین الصحیحتین: الأوّل: فی مصباح الفقیه (ط.ق)، ج2، ق 2، ص751؛ الثانی: فی کتاب الصلاة، الشیخ عبد الکریم الحائری، ص622؛ الثالث: فی صلاة المسافر، الشیخ الإصفهانی، ص109 – 110؛ الرابع: فی مستمسک العروة، ج8، ص90 – 92؛ الخامس: فی کتاب الصلاة، السید الخوئی، ج8 ص202؛ السادس: فی جامع المدارک، ج1، ص586.
التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات
اشارة

و فیه مطلبان:

قال المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) و تبعه المحقق الخوئی (قدس سره) ((2)): إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء و ثبت من الخارج أو من نفس ظهور الدلیلین کون کل شرط مستقلاً فی ترتّب الجزاء علیه، فهل القاعدة تقتضی تداخل الشروط فی تأثیرها أثراً واحداً فیما إذا تقارنت زماناً أو تقدّم بعضها علی بعض، أو إنّها تقتضی تعدّد الأثر عند تعدّد المؤثر؟ و یعبّر عن ذلک بتداخل الأسباب و عدمه.

و فی المقام نزاع آخر و هو أنّه علی تقدیر تعدّد الأثر کوجوب الغسل المترتب علی الجنابة و وجوبه المترتب علی الحیض فهل یجوز امتثالهما بفعل واحد أو إنّه یجب أن یکون امتثال کل منهما بفعل مغایر لما یتحقق به امتثال الآخر؟ و یعبّر عن ذلک بتداخل المسبّبات و عدمه.

فلابدّ من البحث عن مطلبین: تداخل الأسباب و تداخل المسببات.((3))

ص: 121


1- . أجود التقریرات، ج2، ص262؛ فوائد الأصول، ج 2، ص489.
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص252.
3- . هدایة المسترشدین (ط.ج)، ج 1، ص707.
المطلب الأوّل: تداخل الأسباب
اشارة

و الکلام فیه فی أربع جهات:

الجهة الأُولی:
اشارة

فیها خمس مقدّمات:

قد أفاد الأعلام مثل المحقق النائینی((1)) و المحقق الخوئی (قدس سرهما) مقدمات قبل الورود فی البحث نذکر بعض تلک المقدمات:

المقدمة الأُولی:

قال المحقق الخوئی (قدس سره):((2)) إنّ الکلام هو فیما إذا لم یعلم التداخل أو عدمه من الخارج کما فی بابی الوضوء و الغسل حیث علم من الخارج أنّه لایجب علی المکلّف عند اجتماع أسبابه إلّا وضوء واحد و کذا الحال فی الغسل.

أما فی باب الوضوء فلأنّ الوارد فی لسان روایاته هو التعبیر بالنقض مثل: «لَاینْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ»((3))و من الطبیعی أنّ صفة النقض لاتقبل التکرر و التکثّر.

ص: 122


1- . قال النائینی فی فوائد الأصول، ج 2، ص489: «أمّا المراد من تداخل الأسباب فهو أنّ اجتماع الأسباب المتعدّدة لایقتضی إلّا إیجاد جزاء واحد، بمعنی أنّ الأسباب التی هی عند الانفراد تقتضی إیجاد جزاء واحد فعند الاجتماع لاتقتضی أیضاً إلّا إیجاد جزاء واحد، لا أنّها یقتضی کلّ سبب إیجاد جزاء حتی یتعدّد الجزاء حسب تعدّد الأسباب».
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص253.
3- . الوسائل، ج1، ص180، الباب 3 من أبواب نواقض الوضوء، ح 4.

و أما فی باب الغسل فلأنّ بعض روایاته ظاهرة فی تداخل المسببات فیدلّ علی إجزاء غسل واحد عن المتعدد مثل صحیحة زُرارَة: «إِذَا اغْتَسَلْتَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَکَ غُسْلُکَ ذَلِکَ لِلْجَنَابَةِ وَ الْجُمُعَةِ وَ عَرَفَةَ وَ النَّحْرِ وَ الْحَلْقِ وَ الذَّبْحِ وَ الزِّیارَةِ وَ إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَیکَ حُقُوقٌ أَجْزَأَهَا عَنْکَ غُسْلٌ وَاحِد».((1))

المقدمة الثانیة:

قال المحقق النائینی (قدس سره):((2))

إنّ ظاهر کل من الشرطیتین هو ترتّب الجزاء علی وجود الشرط المذکور فیها و حدوثه عند حدوثه، فالقول بالتداخل یستلزم رفع الید عن هذا الظهور و حمل الکلام علی خلاف ظاهره کما أنّ ظاهر الجزاء (علی ما قیل) هو تعلّق الحکم بصرف الوجود و کونه حکماً واحداً، لأنّ صرف الوجود یمتنع أن یکون محکوماً بحکمین متضادین أو متماثلین فالقول بعدم التداخل یستلزم رفع الید عن هذا الظهور.

فمن نظر إلی الظهور الأول ذهب إلی عدم التداخل، کما أنّ من نظر إلی الظهور الثانی ذهب إلی التداخل.

ص: 123


1- . الوسائل، ج2، ص261، الباب 43 من أبواب الجنابة، ح1.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص263 و فی فوائد الأصول، ج 2، ص490: مقتضی الأصل العملی عند الشک فی تداخل الأسباب، هو البراءة، لرجوع الشک فیه إلی الشک فی التکلیف، لأنّ الشک فی تداخل الأسباب یرجع إلی الشک فی اقتضاء السبب الثانی لتعقّبه بالجزاء و توجّه التکلیف به زائداً علی التکلیف المتوجّه بالسّبب الأوّل و أمّا الشک فی تداخل المسبّبات فالأصل فیه یقتضی الاشتغال لرجوع الشک فیه إلی الشک فی فراغ الذمّة بإیجاد جزاء واحد، مع أنّها قد کانت مشغولة بالمتعدّد و المرجع فی ذلک هو الاشتغال لیس إلّا. هذا فی باب التکالیف و أمّا باب الوضعیات: فربّما یختلف الأصل فیه. مثلاً لو شک فی اقتضاء العیب للخیار زائداً علی ما اقتضاه بیع الحیوان أو المجلس فمقتضی الأصل و إن کان عدم ثبوت خیار العیب و لکن یمکن أن یقال: إنّ مقتضی الأصل بقاء الخیار بعد الثلاثة أیام فتأمّل جیداً.

لکن المحقق النائینی (قدس سره) فی خلال البحث استشکل علی ما قیل من الظهور الثانی فقال:((1))

لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلق الطلب بعد عدم کونه مدلولاً علیه بالهیأة و لا بالمادة.

المقدمة الثالثة:

قال المحقق الخوئی: (قدس سره) ((2)) إنّ محل الکلام فی تداخل الأسباب أو المسببات إنّما هو فیما إذا کان الجزاء قابلاً للتعدد کالوضوء أو الغسل، و أما إذا لم یکن قابلاً لذلک فهو خارج عن محل الکلام کالقتل فیمن یستحق ذلک بارتداد أو قصاص أو نحوهما.

المقدمة الرابعة:

قال المحقق الخوئی: (قدس سره) ((3)) إنّ محل الکلام هو فیما إذا کان الشرط قابلاً للتعدد و التکرر و أما إذا لم یکن قابلاً له فهو خارج عن محل الکلام لعدم الموضوع عندئذ للقول بالتداخل و عدمه و ذلک کالإفطار متعمداً فی نهار شهر رمضان((4))

ص: 124


1- . أجود التقریرات، ج2، ص268.
2- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص255.
3- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص259.
4- . فی کتاب الصوم، السید الخوئی، ج1 ص314 – 315: «إنّ الأسباب فی محل الکلام لایتصوّر فیها التعدّد کی یبحث عن تداخلها و عدمه، إذ الکفارة لم تترتّب فی شیء من النصوص علی عنوان الأکل أو الشرب أو الارتماس و نحوها من ذوات المفطرات ما عدا الجماع و ما یلحق به کما ستعرف – و إنّما ترتّبت علی عنوان الإفطار مثل قوله (علیه السلام): من أفطر متعمّداً فعلیه الکفارة فالإفطار هو السبب و الموجب لتعلّق الکفارة و من البدیهی أن لا معنی للإفطار بعد الإفطار، إذ هو نقض الصوم و هدمه المتحقّق بأوّل وجود لاستعمال ما یجب الإمساک عنه فإنّ الصوم و الإفطار متضادّان علی ما مرّ مراراً و أحدهما مقابل للآخر حتی فی الاستعمال الدارج فی ألسنة العوام فیقال علی فطورک أی عند رفع الید عن الإمساک فالصائم هو الممتنع عن تلک الأمور و یقابله المفطر و هو غیر الممتنع فإذا نقض صومه فقد أفطر فلیس هو بصائم بعد ذلک و لو فرض أنّه وجب علیه الإمساک حینئذٍ أیضاً فهو حکم آخر ثبت بدلیل آخر فعنوان الصوم و الإفطار ممّا لایجتمعان أبداً بحیث یقال له فعلاً أنّه مفطر صائم و علیه فقد تحقّق الإفطار بالوجود الأوّل و تعلّقت الکفارة و انتقض الصوم و انعدم و معه لایتصوّر إفطار ثانٍ کی یبحث عن تداخله أو عدمه مطلقاً أو مع التفصیل فکأنّهم استفادوا أنّ الکفارة مترتّبة علی تناول ذات المفطر من عنوان الأکل و الشرب و نحو ذلک، مع أنّه لم یوجد ما یدلّ علیه حتی روایة ضعیفة، بل الموجود ترتّب الکفارة علی عنوان الإفطار الذی له وجود واحد لایقبل التکریر حسبما عرفت، من غیر فرق فی ذلک بین اتحاد الجنس و اختلافه أو تخلل التکفیر و عدمه کما هو ظاهر جداً». راجع المعتبر، ج2، ص680؛ مجمع الفائدة، ج5، ص140؛ و فی مدارک الأحکام، ج6، ص111 و مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص418 و ریاض المسائل، ج5، ص388 و غنائم الأیام، ج5، ص181 و جواهر الکلام، ج16، ص303 و 304 و مستمسک العروة، ج8، ص353 .

الذی هو موضوع لوجوب الکفارة((1)) حیث إنّه من العناوین التی لاتقبل التعدد

ص: 125


1- . أمّا موضوع وجوب الکفارة: فی العروة الوثقی، السید الیزدی، ج3، ص589: «فصل المفطرات المذکورة کما أنّها موجبة للقضاء کذلک توجب الکفارة إذا کانت مع العمد و الاختیار من غیر کره و لا إجبار، من غیر فرق بین الجمیع حتی الارتماس و الکذب علی الله و علی رسوله، بل و الحقنة و القئ علی الأقوی؛ نعم الأقوی عدم وجوبها فی النوم الثانی من الجنب بعد الانتباه بل و الثالث» و فی کتاب الصوم، السید الخوئی، ج1، ص283 – 284: «قد ورد فی غیر واحد من النصوص وجوب الکفارة علی من أفطر متعمّداً کصحیحة عبد الله بن سنان و غیرها کما لایخفی علی من لاحظها و مقتضی إطلاقها عدم الفرق بین أقسام المفطرات و أنّ الاعتبار بنفس الإفطار الذی هو مضاد للصوم ولا ثالث لهما فإنّ الإفطار فی نظر العرف فی مقابل الاجتناب عن خصوص الأکل و الشرب و لکنّ الشارع اعتبر الصوم مؤلّفاً من الاجتناب عن عدّة أمور أخر أیضاً زائداً علی ذلک من الارتماس و الجماع و الکذب و الحقنة و نحو ذلک ممّا تقدّم فمتی تحقّق الإمساک بهذا النحو کان صائماً و إلّا فهو مفطر فیندرج حینئذٍ تحت إطلاق هذه النصوص الدالّة علی ثبوت الکفارة علی من أفطر و دعوی الانصراف إلی خصوص الأکل و الشرب کما فی الجواهر غیر مسموعة، بعد کون الصوم فی نظر الشرع مؤلّفاً من مجموع تلک التروک و مضادّاً للإفطار من غیر ثالث کما عرفت و الاقتصار فی بعض الأخبار علی القضاء لایدلّ علی نفی الکفارة، غایة الأمر أنّها ساکتة عنها و غیر متعرضة لها فتثبت بعموم النصوص المشار إلیها و قد تقدّم التعرض لذلک عند التکلّم عن کل واحد من هذه الأمور و علی الجملة فالظاهر أنّ الحکم المزبور عام لجمیع المفطرات» إلخ؛ راجع مستمسک العروة، ج8، ص338.

و التکرر و من هنا لو أکل أو شرب فی نهار شهر رمضان مرّات عدیدة لایصدق علی الأکل فی المرة الثانیة الإفطار العمدی فلم یجب علیه إلّا کفارة واحدة ((1)).

ص: 126


1- . فی مشارق الشموس (ط.ق)، ج2 ص418: «إنّ أقوالهم فی مسألة تکرّر الکفارة بتکرّر الموجب فی الیوم الواحد سبعة» و نحن نذکرها و نکمّلها. الأوّل: قول الشیخ و ابن حمزة بعدم التکرّر مطلقاً و استشبه المحقّق و جمع من الأصحاب و فی ریاض المسائل، ج5، ص388: «هل تتکرّر ... أو لایتکرّر مطلقاً، کما علیه الشیخ فی المبسوط و الخلاف و ابن حمزة فی الوسیلة و الماتن فی کتبه الثلاثة و الفاضل فی المنتهی». راجع الوسیلة، ص146و المختصر النافع، ص67 و المعتبر، ج2، ص680 و شرائع الإسلام، ج1، ص144 و منتهی المطلب (ط.ق)، ج2، ص58. و اختاره فی کشف الرموز، ج1، ص291 و مجمع الفائدة، ج5، ص140 و مدارک الأحکام، ج6، ص111 و مشارق الشموس (ط.ق)، ج2، ص418 و غنائم الأیام، ج5، ص181 و تحریر الوسیلة، ج1، ص289 و تعلیقة علی العروة الوثقی، السید علی السیستانی، ج2، ص439. الثانی: ما نقله الشیخ أخیراً عن بعض الأصحاب من تکرّرها بتکرر الموجب مطلقاً و اختاره المحقّق الثانی و مال إلی تصحیحه الشهید الثانی. فی مسالک الأفهام، ج2، ص36 «و اختار المحقّق الشیخ علی تکرّرها مطلقاً و هو الأصح إن لم یکن قد سبق الإجماع علی خلافه». الثالث: ما ذکره الشیخ من قول ابن الجنید و هو التکرّر مع تخلّل التکفیر و عدم التکرّر إن لم یتخلّل. الرابع: قول السید بتکرّرها مع تکرّر الوطئ دون غیره علی الظاهر و اختاره فی مستند الشیعة، ج10، ص528 و جواهر الکلام، ج16، ص304 و رسائل فقهیة (مخطوط)، الشیخ الجواهری، ص168 و العروة الوثقی، ج3، ص593 و منهاج الصالحین، السید الخوئی، ج1، ص270. الخامس: قول المصنّف بالتکرّر مع تکرّر الوطئ أو تغایر الجنس أو تخلّل التکفیر و عدم التکرّر فی غیر الوطئ مع اتحاد الجنس و عدم تخلّل التکفیر و فی اللمعة الدمشقیة، ص47: «و تتکرّر الکفارة بتکرّر الوطء أو تغایر الجنس أو تخلّل التکفیر أو اختلاف الأیام و إلّا فواحدة». السادس: قول العلّامة فی بعض کتبه بالتکرّر مع اختلاف جنس المفطر و الاتحاد مع اتحاده. السابع: قوله فی المختلف بالتکرّر مع تغایر الجنس مطلقاً و مع اتحاده و تخلّل التکفیر و عدم التکرّر مع اتحاده و عدم التخلّل و فی ریاض المسائل، ج5، ص388: «هل تتکرّر ... أو مع تغایر الجنس و إلّا فلا، إلّا مع تخلّل التکفیر فیتکرّر، کما علیه الفاضل فی القواعد و المختلف» راجع مختلف الشیعة، ج3، ص450.

لکن صاحب العروة (قدس سره) قال((1)) فی جواب بعض المسائل: إنّ الکفارة تتعدد بتعدد الجماع و الأکل بدعوی أنّ عنوان الإفطار فی الروایات کنایة عن الأکل و الشرب.

و فیه: أنّ ظاهر الروایات هو أخذ عنوان الإفطار بنفسه موضوعاً لوجوب

ص: 127


1- . فی سؤال و جواب (فارسی)، السید الیزدی، ص121 – 122: «سؤال 205: [شخصی] عمداً روزه رمضان نگرفت با وصف غیر معذور بودن، کفاره لازم دارد، یا نه ؟ جواب: با فرض این که قصد روزه نکرده اگر همه مفطرات را ترک کرده باشد، اظهر عدم وجوب کفاره است، به جهت عدم صدق افطار به مجرد عدم نیت صوم. و حکم کفاره در أخبار معلق است بر افطار، یا بر عناوین خاصه از اکل، وشرب، و جماع. لکن احوط دادن کفاره است چنانچه [چنان که] بعضی تقویت کرده اند، از جهت این که ممکن است که مراد از من افطر فعلیه کذا که در أخبار است من لم یصم باشد. و اما اگر با عدم قصد صوم، ایجاد یکی از مفطراتی که کفاره دارد کرده باشد مثل: اکل و شرب و جماع و نحو اینها پس اقوی وجوب آن است، چون در بعض أخبار آن تعلیق حکم شده است بر ایجاد بعض عناوین خاصه در نهار رمضان. مثل قوله (علیه السلام): «من جامع فی شهر رمضان معتمدا فعلیه کذا» و در اخبار دیگر که فرموده است: «من افطر...». ظاهر این است که مراد من اوجد ذات المفطر است یعنی من اکل او شرب مثلا، نه این که مراد ایجاد مفطر به وصف المفطریه تا گفته شود که: با عدم روزه صدق عنوان افطار نمیکند. (والله العالم).

الکفارة من دون أن یکون کنایة عن الأکل و الشرب و ما أفاده فی العروة الوثقی((1)) هو وحدة الکفارة.

المقدمة الخامسة:

قد نسب صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) إلی فخر المحققین (قدس سره) ((3)) أنّه قال((4)) بابتناء القول بالتداخل و عدمه علی أنّ الأسباب الشرعیة معرّفات أو مؤثرات، فإن کانت من المعرفات لا مانع من التداخل لإمکان اجتماع معرّفات عدیدة علی شیء واحد و حکایتها عنه و إن کانت من الأسباب و المؤثرات لایمکن القول بالتداخل.

ص: 128


1- . فی العروة الوثقی، ج3، ص593 – 594: «مسألة 2: تتکرّر الکفارة بتکرّر الموجب فی یومین و أزید من صوم له کفارة و لاتتکرر بتکرّره فی یوم واحد فی غیر الجماع و إن تخلّل التکفیر بین الموجبین أو اختلف جنس الموجب علی الأقوی».
2- . کفایة الأصول، ص205.
3- . حکی الشیخ الأعظم نسبته إلی فخر المحقّقین و احتمل تبعیة النراقی له فی العوائد. مطارح الأنظار، ص175.
4- . فی إیضاح الفوائد، ج1، ص145: «قال دام ظلّه: لا تداخل فی السهو و إن اتفق السبب علی رأی. أقول: ذهب الشیخ فی المبسوط إلی التداخل مطلقاً لتعلّق وجوبهما علی السهو من حیث هو هو و الأمر المعلّق علی شرط أو صفة لایتکرّر بتکرّرها إلّا بدلیل خارج و لیس و ذهب ابن إدریس إلی التداخل فی المتفق لا المختلف قال المصنّف کل واحد سبب تام مع الانفراد فکذا مع الاجتماع لأنّه لایخرج الحقیقة عن مقتضاها و لاستلزام التداخل خرق الإجماع أو تخلّف المعلول عن علّته التامّة لغیر مانع أو تعدّد العلل التامة مع تشخص المعلول أو الترجیح من غیر مرجح أو عدم تساوی المتساویات فی اللوازم و الکل محال و التحقیق أنّ هذا الخلاف یرجع إلی أنّ الأسباب الشرعیة هل هی مؤثرة أو علامات».
إیرادات ثلاثة علی قول فخر المحققین (قدس سره):
الإیراد الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ المعرفیة فی الشرط لاتوجب القول بالتداخل لاحتمال أن یکون کلّ من الشرطین أو الشروط معرفاً لسبب حقیقی علی حدة، لا أن یکون جمیع الشروط معرفاً لسبب واحد و الدلیل علی ذلک هو أنّ ظاهر القضیة الشرطیة هو تعدد المسبب بتعدد السبب فإنّ هذا الظهور یدل علی التعدد فی الأسباب الحقیقیة.

الإیراد الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً

لا أصل لما اشتهر من أنّ الأسباب الشرعیة معرّفات، بل الحقّ هو أنّ الأسباب الشرعیة علی نوعین معرفات و مؤثرات و مثال السبب الشرعی المؤثر هو الاستطاعة التی هی مؤثرة فی وجوب الحج و مثال السبب الشرعی المعرف هو خفاء الأذان و خفاء الجدران و هما معرّفان لما هو مؤثّر فی وجوب القصر فی الصلاة و هی المسافة الخاصّة التی نسمیها بحد الترخص.

ص: 129


1- . کفایة الأصول، ص204: «أنّ المجدی للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التی ذکرناها لا مجرّد کون الأسباب الشرعیة معرّفات لا مؤثّرات فلا وجه لما (عن الفخر و غیره من ابتناء المسألة علی أنّها معرّفات أو مؤثّرات) مع أنّ الأسباب الشرعیة حالها حال غیرها فی کونها معرّفات تارة و مؤثّرات أخری ضرورة أنّ الشرط للحکم الشرعی فی الجمل الشرطیة ربّما یکون ممّا له دخل فی ترتّب الحکم بحیث لولاه لما وجدت له علة کما أنّه فی الحکم الغیر الشرعی قد یکون أمارة علی حدوثه بسببه و إن کان ظاهر التعلیق أنّ له الدخل فیهما کما لایخفی. نعم لو کان المراد بالمعرّفیة فی الأسباب الشرعیة أنّها لیست بدواعی الأحکام التی هی فی الحقیقة علل لها و إن کان لها دخل فی تحقّق موضوعاتها بخلاف الأسباب الغیر الشرعیة فهو و إن کان له وجه إلّا أنّه ممّا لایکاد یتوهّم أنّه یجدی فیما هم و أراد».
الإیراد الثالث: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

قال (قدس سره): إنّ القول بکون الأسباب الشرعیة معرفات خاطئ جداً.

و السبب فیه أنّه إن أُرید بکونها معرّفات أنّها غیر دخیلة فی الأحکام الشرعیة کدخل العلّة فی المعلول فهذا و إن کان متیناً لأنّ ملاکات الأحکام الشرعیة داعیة لجعل الشارع و لکن یرد علیه أنّه لا ملازمة بین عدم دخلها فی الأحکام الشرعیة و کونها معرفات بل هذا أمر ثالث و هو کونها موضوعات للأحکام و تتوقف فعلیة الأحکام علی فعلیة هذه الموضوعات و من هنا تشبه العلّة التامة.

و إن أُرید بذلک کونها معرفات لموضوعات الأحکام فی الواقع و لا مانع من اجتماع معرفات متعددة علی موضوع واحد

فیرد علیه: أنّ ذلک خلاف ظواهر الأدلة فإنّ الظاهر منها هو أنّ العناوین المأخوذة فی ألسنة الروایات بنفسها موضوعات الأحکام لأنّها معرفات له

و إن أُرید بذلک کونها معرفات للملاکات الواقعیة للأحکام

فیرد علیه: أنّها لیست بکاشفة عنها فإنّ الکاشف عنها إجمالاً هو نفس الحکم الشرعی و أما ما سمی سبباً له فلایکون بکاشف عنها.

ص: 130


1- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص257.
الجهة الثانیة: الأقوال فی المقام
القول الأوّل: التداخل

(1)

و هو مختار المحقق الخوانساری (قدس سره) .

ص: 131


1- . ذهب إلیه العلّامة الخوانساری (قدس سره) فی مشارق الشموس، ص61 و اختار هذا القول فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 1، ص8؛ ج1 ق 3، ص511. راجع الحدائق الناضرة، ج3، ص97 – 98 و ص272؛ مستند الشیعة، ج2، ص367و 370 و عوائد الأیام، ص293و ص298 – 299 و بین هذا القول و استدلّ علیه فی ص296 و 297 و قال: أنّ الأصل الأوّلی فی جمیع الأسباب الشرعیة التداخل إلّا ما شذّ و ندر و إن جوّزنا کون بعضها مؤثّرات حقیقیة و مقتضیات بأنفسها، إذ لایمکن العلم بالعلّة الحقیقیة غالباً» إلخ. تنبیه: فی زبدة الأصول، ج2، ص265: «أمّا الکلام فی المقام الأوّل و هو التداخل فی الأسباب ففیه أقوال: 1 - عدم التداخل و هو المشهور بین الأصحاب. 2 - التداخل اختاره جماعة منهم المحقّق الخوانساری و المحقّق صاحب العروة فی ملحقات العروة» إلخ و فی العروة الوثقی، ج6، ص164 – 165: «مسألة 8): اختلفوا فی أنّ مقتضی القاعدة مع قطع النظر عن الدلیل الخارجی - من الأخبار أو غیرها- تعدّد العدّة مع تعدّد الموجب أو التداخل و کفایة عدّة واحدة عنهما مع تساویهما و دخول الأقل تحت الأکثر مع اختلافهما فی الزیادة و النقصان ... قلت: التحقیق فی المقام هو التداخل بمقتضی الأصل و القاعدة، أمّا إذا کان الموجبان من نوع واحد کما إذا تعدّد الوطء بالشبهة مع استمرار الاشتباه أو بالارتفاع ثمّ العود أو مع کون الوطئ متعدّداً فلأن الموجب حینئذٍ جنس الوطئ الصادق علی الواحد و المتعدّد فبحصول العدّة دفعة واحدة یصدق حصول مقتضی کل منها ویکون من باب التداخل فی السبب نظیر الجنایات المتعدّدة و أمّا إذا کانا من نوعین مع کون المسبّب أمراً واحداً کالطلاق مع الوطئ شبهة فکذلک یصدق بمرّة واحدة من الأشهر أو الأقراء حصول مسبب کل منهما بعد عدم خصوصیة و قید فی المسبّب و کون المدار علی وجوده فی الخارج بأی وجه اتفق و بأی قصد کان و لذا یکفی إذا لم تعلم بوجود الموجب إلی ما بعد الأقراء أو الأشهر، بل و کذا إذا کان المسبّب متعدّداً کما إذا کان مسبّب الطلاق الوضع و مسبّب وطئ الشبهة الأشهر أو الأقراء فإنّه لا منافاة بینهما بعد عدم اعتبار خصوصیة و قید فیهما فیصدق بعد مضی ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء حصول مقتضی وطء الشبهة و بعد الوضع حصول مقتضی الطلاق و کذا فی الطلاق و الوفاة فظهر أنّ مقتضی القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار و الإجماع هو التداخل مطلقاً و الوجه فیه عدم اعتبار خصوصیة فی مقتضی کل منهما، بل المناط وجوده فی الخارج بأی کیفیة کانت و بأی قصد کان، هذا مجمل المطلب بحسب الأصل و القاعدة» و لکن عبارته (قدس سره) کما رأیت: «التحقیق فی المقام» و لذا قال فی العروة الوثقی، ج4، ص514 – 515: (مسألة 19): إذا نذر الحج و أطلق من غیر تقیید بحجة الإسلام و لا بغیره و کان مستطیعاً أو استطاع بعد ذلک فهل یتداخلان فیکفی حج واحد عنهما أو یجب التعدّد أو یکفی نیة الحج النذری عن حجة الإسلام دون العکس؟ أقوال؛ أقواها: الثانی لأصالة تعدّد المسبّب بتعدّد السبب و القول بأنّ الأصل هو التداخل ضعیف».
القول الثانی: عدم التداخل

و هو مختار المشهور منهم صاحب الکفایة و المحقق النائینی((1)) و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))

القول الثالث: التفصیل

المحقق ابن إدریس الحلّی (قدس سره) قال((3)) بالتفصیل بین ما إذا کان السبب مختلفاً ذاتاً

ص: 132


1- . فوائد الأصول، ج 2، ص 493: «إنّ الأصل اللفظی یقتضی عدم تداخل الأسباب و المسبّبات».
2- . مطارح الأنظار (ط.ق)، ص175؛ کفایة الأصول، ص239- 242؛ نهایة الأفکار، ج2، ص489؛ المحاضرات، ج5، ص118؛ تحقیق الأصول، ج 4، ص206 و ص215: بأنّ الإطلاق فی طرف الشرط منعقدٌ منجّزاً، لکنّه فی طرف الجزاء معلّق علی عدم تعدّد البعث و المفروض تعدّده فیثبت عدم التداخل فی الأسباب.
3- . فی السرائر، ج1، ص258: «إن سها المصلّی فی صلاته بما یوجب سجدتی السهو مرات کثیرة، فی صلاة واحدة، أیجب علیه بکل مرّة سجدتا السهو أو سجدتا السهو عن الجمیع؟ قلنا: إن کانت المرّات من جنس واحد فمرّة واحدة یجب سجدتا السهو، مثلاً تکلّم ساهیاً فی الرکعة الأولة و کذلک فی باقی الرکعات فإنّه لایجب علیه تکرار السجدات، بل یجب علیه سجدتا السهو فحسب، لأنّه لا دلیل علیه و قولهم (علیهم السلام): من تکلّم فی صلاته ساهیاً یجب علیه سجدتا السهو و ما قالوا دفعة واحدة أو دفعات فأمّا إذا اختلف الجنس فالأولی عندی بل الواجب، الإتیان عن کل جنس بسجدتی السهو، لأنّه لا دلیل علی تداخل الأجناس، بل الواجب إعطاء کل جنس ما تناوله اللفظ، لأنّ هذا قد تکلّم مثلاً و قام فی حال قعود و أخلّ بإحدی السجدتین و شک بین الأربع و الخمس و أخلّ بالتشهد الأوّل و لم یذکره إلّا بعد الرکوع فی الثالثة و قالوا (علیهم السلام): من فعل کذا یجب علیه سجدتا السهو و من فعل کذا فی صلاته ساهیاً یحب علیه سجدتا السهو و هذا قد فعل الفعلین فیجب علیه امتثال الأمر و لا دلیل علی تداخلهما، لأنّ الفرضین لایتداخلان بلا خلاف من محقّق».

مثل سببیة مسّ المیت و الجنابة و الحیض فی الغسل فحینئذ لا تداخل و ما إذا کان السبب واحداً مثل تکرار الجنابة الموجبة للغسل فحینئذ المختار هو التداخل.

ص: 133

الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلّة
اشارة

استدلّ علی عدم التداخل بعدّة أوجه((1)) نذکر بعضها:

الوجه الأوّل: استدلال صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) اختار القول بعدم التداخل، لأنّ القول بالتداخل مستلزم لاجتماع الحکمین المتماثلین.

بیان ذلک هو أنّ القضیة الشرطیة ظاهرة فی علیة الشرط و سببیته للجزاء أو ظاهرة فی کاشفیة الشرط عن الأمر الذی هو سبب الجزاء و مقتضی ذلک هو تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط، لکن الأخذ بهذا الظهور و الالتزام بالقول بعدم التداخل فیما إذا کان الجزاء واحداً حقیقة مستلزم لاجتماع المثلین، مثل قولهم «إذا

ص: 134


1- . فی مختلف الشیعة، ج2، ص427 – 430: «مسألة: لو تعدّد ما یوجب السجدتین قال الشیخ فی الخلاف: الأحوط أنّ علیه لکل واحدة سجدتی السهو سواء اختلف أو تعدّد ... و الأقرب عدم التداخل مطلقاً. لنا: إنّ التداخل ملزوم لأحد محالات ثلاثة و هو إمّا خرق الإجماع أو تخلّف المعلول عن علّته التامة لغیر مانع أو تعدّد العلل المستقلّة علی المعلول الواحد الشخصی و کل واحد منها محال فالملزوم محال. بیان الملازمة: إنّ السهو الأوّل إمّا أن لایوجب السجدتین أو یوجبهما فإن کان الأوّل لزم خرق الإجماع و إن کان الثانی فالثانی إمّا أن لایوجب شیئاً و هو خرق الإجماع و قول بالترجیح من غیر مرجح لتساوی الأوّل و الثانی فرضاً و المتساویان یتشارکان فی الأحکام و اللوازم و قول بمخالفة الاستصحاب و قد ثبت کونه دلیلاً لإفادته الظن و هو واجب العمل به فی الشرعیات فإنّ الثانی قبل وجود الأوّل قد کان مسبباً فیستصحب الحکم بعد وجود الثانی و قول یکون الأوصاف العرضیة - أعنی کون الثانی بعد الأوّل - مزیلاً للصفات اللازمة للماهیة من الإیجاب و کل ذلک محال و إمّا أن یوجب فإن کان هو ما أوجبه الأوّل لزم استناد المعلول الشخصی إلی علّتین مستقلّتین بالتأثیر و هو محال فیبقی أن یکون الثانی غیر الأوّل و هو المطلوب» إلخ.
2- . کفایة الأصول، ص202.

بُلتَ فَتوَضأ» و قولهم أیضاً «إذا نُمتَ فتَوضأ» حیث إنّ الوضوء حقیقة واحدة و حینئذ یلزم اجتماع الوجوبین للوضوء إلّا أن نتلزم بتعدد وجود أفراد طبیعة الوضوء بأن یکون القضیة الشرطیة الأُولی دالّة علی وجوب فرد من الوضوء و القضیة الشرطیة الثانیة دالّة علی وجوب فرد آخر فیرتفع إشکال اجتماع الحکمین المتماثلین علی القول بعدم التداخل.

و لکن القائل بالتداخل لا مفرّ له من هذا الإشکال لأنّه ملتزم بأنّ الجزاء ظاهر (بالظهور الإطلاقی) فی أنّ الطبیعة مأخوذة بما هی واحدة (أی صرف وجود الطبیعة) و بعبارة أُخری: إنّ إطلاق متعلق الوجوب ظاهر فی صرف الوجود من الطبیعة فلابدّ له من أن یلتزم بأحد التصرفات الثلاثة:

الأول: التصرف فی ظهور القضیة الشرطیة بالالتزام بعدم دلالتها فی هذا الحال علی حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بل تدل حینئذ علی مجرد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط.

الثانی: التصرف فی متعلق الجزاء بالالتزام بأنّ متعلق الجزاء و إن کان واحداً صورةً إلّا أنّه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط، متصادقة علی واحد، فالذمة و إن اشتغلت بتکالیف متعددة، حسب تعدد الشروط إلّا أنّ الاجتزاء بواحد لکونه مجمعاً لها، کما «فی أکرم هاشمیاً و أضف عالماً» فأکرم العالم الهاشمی بالضیافة.

الثالث: التصرف فی الأثر بأن یلتزم بحدوث الأثر عند وجود کل شرط إلّا أنّ الأثر للشرط الأول هو وجوب الوضوء فی المثال المذکور و الأثر للشرط الثانی هو تأکد وجوب الوضوء.

و لایخفی أنّه لا وجه لأن یصار إلی واحد منها للإشکال فیها.

ص: 135

أما الإشکال الأول

((1)):

فهو أنّ الالتزام بهذه الوجوه هو رفع الید عن الظاهر.

أما الإشکال الثانی:

((2))

فهو أنّ فی الوجهین الأخیرین لابدّ من إثبات أنّ متعلق الجزاء متعدد متصادق علی واحد و إن کان صورة واحداً سمّی باسم واحد کالغسل مع عدم وجود دلیل علی ذلک.

أما الإشکال الثالث:

((3))

فهو أنّ فی الوجه الثالث لابد من إثبات أنّ الحادث بالشرط الثانی تؤکد ما حدث بالشرط الأول و مجرد احتمال ذلک لایجدی، ما لم یکن فی البین ما یثبته.

إشکال بالنسبة إلی القول بعدم التداخل:

إنّ ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث یقتضی عدم التداخل و لکن ظهور إطلاق المتعلق فی الجزاء یقتضی أن یکون متعلق الوجوب هو صرف وجود الطبیعة و هو واحد.

و الجواب: هو أنّ هذا الظهور إطلاقی فهو معلّق علی عدم البیان و ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث یکون قرینة علی سقوط هذا الظهور الإطلاقی و بیاناً علی تعدد الجزاء.

ص: 136


1- . و هو بالنسبة إلی جمیع الوجوه الثلاثة.
2- . و هو بالنسبة إلی الوجه الثانی و الثالث.
3- . و هو بالنسبة إلی الوجه الثالث.
الوجه الثانی: استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی عدم التداخل

((1))

و هو ما تقدم فی المقدمة الثانیة من أنّ هناک ظهورین: الظهور الأول هو ظهور الشرط فی الحدوث عند الحدوث و هو یقتضی عدم التداخل و الظهور الثانی هو ظهور الجزاء (الظهور الإطلاقی) فی تعلق الحکم بصرف الوجود و کونه حکماً واحداً و هو یقتضی القول بالتداخل.

و لکن الظهور الثانی مخدوش عنده حیث قال: لا موجب لأخذ صرف الوجود فی متعلق الطلب بعد عدم کونه مدلولاً للهیأة و لا للمادة.

الوجه الثالث: استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی عدم التداخل

((2))

إنّ العرف إذا أُلقی إلیه القضیتان فکأنّه یری مقام الإثبات مقترناً بمقام الثبوت و یحکم بمقتضی تعدد السبب بتعدد متعلق الجزاء من غیر التفات إلی أنّ مقتضی إطلاق المتعلق خلافه، و هذا المقدار من الظهور العرفی کاف فی المقام

بل التحقیق: أنّ الوحدة التی یقتضیها إطلاق المتعلّق و قرینة الحکمة (الموجبة لصلوح المتعلق لتعلق الحکم به) هی وحدة المتعلق من حیث المطلوبیة بالطلب المتعلق به، بمعنی أنّ البعث المتعلق بالإکرام مثلاً یقتضی وجوداً واحداً من الإکرام و لایقتضی عدم البعث إلی وجود آخر بل هو لااقتضاء بالنسبة إلی وجود آخر بوجوب آخر، و البعث الآخر مقتضٍ لوجود آخر بنفسه.

و منه علم أنّ مطلوبیة وجود آخر لیس من باب تقیید المتعلق بالآخر ضرورة

ص: 137


1- . أجود التقریرات، ج2،ص269.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص426 و 427.

أنّ کل قضیة لیست ناظرة إلی قضیة أُخری بل کل قضیة مفادها التحریک إلی وجود واحد من الإکرام.

(و هذا البیان دلیل علی بطلان قولهم بإطلاق متعلق الوجوب فی الجزاء علی أنّ المتعلق هو صرف الوجود من الطبیعة).

و هنا وجوه أخری لانطیل الکلام بذکرها.((1))

ص: 138


1- . فی عوائد الأیام ذکر ستة وجوه لأصالة عدم التداخل و أجاب عن جمیعها. ففی ص299: «حجة القائلین بثبوت هذا الأصل وجوه: الأوّل: أنّ السببین إذا تعاقبا فلا ریب فی ثبوت المسبّب السبب الأوّل فإذا وجد الثانی فإمّا یجب به شیء أو لا و الثانی باطل، لأنّ السببین متساویان فی دلیل السببیة و الاقتضاء فالحکم بثبوت المسبّب بأحدهما دون الآخر تحکّم و لأنّه لو تقدّم یثبت به المسبّب قطعاً فکذا لو تأخّر، لأنّ ما دلّ علی سببیته یتناول الصورتین من غیر فرق فتعین الأوّل و هو ثبوته بالثانی و حینئذٍ فإمّا أن یکون الثابت به عین ما یثبت بالأوّل أو غیره و الأوّل باطل، لأنّ المسبّب یترتّب علی السبب فلایکون متقدّماً علیه فوجب أن یکون الثابت به أمراً مغایراً للأوّل فیتعدّد المسبّب بتعدّد السبب و هو المطلوب» ثمّ ذکر له تقریراً ثانیاً و ثالثاً ثمّ استشکله و فی ص301: «الثانی: أنّ المتبادر اختصاص کل سبب بالمسبب و هو مقتضٍ للمتعدّد فإنّ المفهوم من قوله: "إذا تکلّمت فی الصلاة ناسیاً فاسجد سجدتی السهو" وجوب السجود لخصوص التکلم و من قوله: "إذا شککت بین الأربع و الخمس فاسجد" وجوب سجود آخر للشک غیر الأوّل و کذا نحو: "من تعمّد الأکل فی نهار رمضان فلیکفر و من تعمّد الجماع فلیکفر" فإنّ المتبادر منه وجوب کفارتین: کفارة للأکل و کفارة أخری للوطئ، من غیر تفاوت فی الأوّل بین وقوع السهو و الشک فی صلاة واحدة أو متعدّدة و لا فی الثانی بین وقوع الأکل و الوطئ فی الیوم و الأیام، مع تخلّل الکفارة و بدونه و لا بین هذه الأمثلة و نحوها من مواضع الخلاف و غیرها ممّا أجمعوا فیه علی التعدّد أو الاتحاد فإنّ المتبادر فی جمیع ذلک اختصاص کل سبب بمسبّبه بلا اختلاف یعود إلی دلالة اللفظ فیکون المطلوب فی الجمیع متعدّداً إلّا ما صرف عنه الدلیل کما فی أسباب الوضوء و من ثمّ تری الفقهاء یعلّلون التداخل فیما یقولون به بإلغاء الخصوصیة أو وجود الظن المعتبر و أمّا إذا انتفی الدلیل علی ذلک فیه فإنّهم لایرتابون فی الاختصاص، أخذاً بظاهر اللفظ من غیر معارض و کفی بذلک شاهداً علی التبادر، مع حکم الوجدان و شهادة العرف» إلخ ثمّ استشکله. و فی ص303: «الثالث: ما مرّت الإشارة إلیه من أنّ کل سبب یقتضی اختصاص مسبّبه به، بمعنی أن یؤتی بمسبّبه لأجل أنّه مسبّب من ذلک السبب، بل هو مقتضی وجوب الامتثال فإنّ صدق الامتثال عرفاً بأن یقصد تعیین ما یأتی به، فإنّه لایحصل امتثال الأمر بغسل الجنابة إلّا مع قصد أنّه غسل الجنابة، أی مسبب من الجنابة فلو لم یقصدها أو قصد غیرها لم یعد ممتثلاً و کذا غسل الجمعة و مقتضی ذلک وجوب الإتیان بکل مسبّب بقصد أنّه مسبّب من السبب الفلانی فلازم ذلک أصالة عدم التداخل» ثمّ أورد علیه و فی ص304: «الرابع: ما ذکره بعض سادة مشایخنا فی بعض فوائده، من اتفاق الفقهاء -عدا من شذ- علیه فإنّهم قطعوا به و استندوا إلیه فی جمیع أبواب الفقه و أرسلوه إرسال المسلّمات و سلکوا به سبیل المعلومات و لم یخرجوا عنه إلّا بدلیل و اضح أو اعتبار لائح و ربّما ترکوا الظواهر بسببه و طرحوا النصوص لأجله، کما صنعه جماعة فی تداخل الأغسال و غیره و لم یعهد منهم طلب الدلیل علی عدم التداخل فی شیء من المسائل فلو ذهب أحد إلی التداخل فی شیء طالبوه بالدلیل و لیس ذلک إلّا لکونه من الأصول المسلّمة و القواعد المعلومة و إلّا لکان الأمر بعکس ما صنعوه و خلاف ما قرّروه، لأنّ الأصل فیما دار بین الاتحاد و عدمه هو الاتحاد و ما یتفق لبعضهم من الاستناد إلی الأصل فیما قالوا فیه بالتداخل فالوجه فیه عدم ظهور التعدّد فی تلک الموارد و لا شک فی أنّ الأصل فیه هو الاتحاد» ثمّ أورد علیه و فی ص305: «الخامس: ما ذکره أیضاً و هو: استقراء الشرعیات فی أبواب العبادات و المعاملات. قال رحمة الله: فإنّ المدار فیها من الطهارات إلی الدیات علی تعدّد المسبّبات إذا تعدّدت أسبابها، عدا النزر القلیل، المستند إلی ما جاء فیه من الدلیل، علی اختلاف فی أکثره و شک فی أغلبه و إنّک متی تجاوزت ذلک و ارتقیت فی الأسباب وجدتها علی ما وصفناه من غیر شک و لا ارتیاب و لذا تری أنّ أسباب الصلاة و الزکاة و الصوم و الحج و الإیمان و النذور و الدیات و الحدود و غیرها علی کثرتها، کثیراً ما تجتمع مع توافق مسبباتها فی الجنس و الکیفیة و الوقت و هی مع هذا متعدّدة متغایرة، کالصلاة المتوافقة من فائتة و حاضرة و الفوائت المتعدّدة من الفرائض و النوافل، الراتبة و غیر الراتبة، الموافقة و غیرها و کصلاة الفجر مع الطواف و الزلزلة مع الکسوف و العید مع الاستسقاء و کذا أنواع الصیام من القضاء و الکفارة و أفرادهما المتکثرة و أقسام الزکاة، مثل زکاة المال و الفطرة و أفرادهما الکثیرة و الدیون المستقرة فی الذمة بأسباب مختلفة، کالبیع و الصلح و الإجارة و غیر ذلک من صور اجتماع الأسباب مع توافق المسبّبات ممّا لایمکن حصره فإنّ البناء فی جمیعها علی التعدّد، بحیث لایحتمل فیها التداخل و الاکتفاء بالواحد عن المتعدّد، کصلاة واحدة من ألف صلاة و صوم یوم عن ألف یوم أو دفع دینار بدلاً عن قنطار و لو أنّ أحداً حاول ذلک، لکان مخالفاً لقانون الشریعة، خارجاً عن الدین و الملة و لاندعی أنّ الأسباب کلّها بهذه المثابة فإنّها تختلف جلاءً أو خفاءً و لکنّ الفحص و الاستقراء و تتبع الجزئیات التی لاتحصی یکشف عن استناد الأمر فی ذلک کلّه علی شیء جامع مطرد فی الجمیع و لیس إلّا أصل عدم التداخل و هذا من قبیل الاستدلال بالنصوص المتفرقة الواردة فی جزئیات المسائل علی ثبوت ما اجتمعت علیه من المطالب الکلیة و ذلک لیس من الظن و القیاس فی شیء» ثمّ ذکر إشکالاً علیه و فی ص307: «السادس: ما ذکره أیضاً و هو أنّ اختلاف المسبّبات إمّا أن یکون بالذات، کالصوم و الصلاة و صلاة الفجر و الظهر أو بالاعتبار، کصلاة الفجر أداءً و قضاءً و الاختلاف فی الثانی لیس إلّا اختلاف النسبة و الإضافة إلی السبب فإنّ صلاة رکعتین بعد الفجر ممّن علیه صبح فائتة، صالحة لها و للحاضرة و إنّما تختلف و تتعدّد باعتبار نسبتها إلی دخول الوقت و خروجه فإن أضیفت إلی الأوّل کانت أداءً و إلّا قضاءً و مثل ذلک الاختلاف یتحقّق فی کل ما ینفی فیه التداخل، لأنّ المفروض فیه اختلاف الأسباب التی تختلف معها النسبة ثمّ إنّه متی کان هذا الاختلاف فی النسبة مقتضیاً للتعدّد فی مورد واحد، کان مقتضیاً له فی غیره، لأنّ المعنی المقتضی للتعدّد یتحقّق فی الجمیع، قائم فی الکل من غیر فرق فیکون الأصل تعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب و لایلزم منه امتناع التداخل، لأنّه إنّما یلزم لو کان اختلاف النسبة سبباً تامّاً للتعدّد و لیس کذلک فإنّه مقتضٍ له و التخلّف عن المقتضی جائز مع وجود المانع و هو موجود فی کل ما یثبت فیه التداخل فإنّا لانقول به إلّا علی تقدیر وجوده» ثمّ ذکر إشکالاً علیه.

ص: 139

ص: 140

الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المقام
بیان المحقق النائینی (قدس سره)

((1)):

إذا شک فی تداخل الأسباب کان مقتضی الأصل تداخلها و عدم ثبوت تکلیف زائد علی التکلیف الواحد المتیقن علی کل تقدیر، فإنّه مشکوک فیه و مقتضی القاعدة فیه الرجوع إلی البراءة عقلاً و نقلاً و أما إذا شک فی تداخل المسببات، کان مقتضی الأصل عدم تداخلها لأنّه إذا ثبت تکلیفان أو تکالیف متعددة و شک فی جواز امتثالها بفعل واحد فقاعدة الاشتغال تقضی بعدم جواز الاکتفاء به فی مقام امتثال کلا التکلیفین أو جمیعها هذا فی الأحکام التکلیفیة.((2))

أما فی الأحکام الوضعیة فلیس فی مواردها ضابط کلی.

إیراد المحقق الخوئی علی ما أفاده المحقق النائینی (قدس سرهما) بالنسبة إلی الأحکام الوضعیة

((3))

إنّ هذا لایفرق فیه بین الأحکام الوضعیة و التکلیفیة، لوضوح أنّ الشک إذا کان فی وحدة الحکم و تعدده عند تعدد شرطه فمقتضی الأصل عدم تعدّده، یعنی عدم حدوث حکم آخر زائداً علی المتیقن و من المعلوم أنّه لا یفرق فیه بین أن یکون المشکوک حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً، کما أنّه إذا شک فی سقوطه بعد العلم

ص: 141


1- . أجود التقریرات، ج2، ص263.
2- . تحقیق الأصول، ج 4، ص207: «أمّا الأسباب فمقتضی الأصل هو التداخل و عدم التعدّد فإذا تعدّد السبب و شک فی إیجابها للآثار المتعدّدة، کما فی الوضوء مثلًا، فإنّ الشک یرجع إلی دوران الأمر بین الأقل و الأکثر، لکنّ هذا العلم الإجمالی ینحلّ من جهة کون الأقل متیقّناً، أمّا الزائد فمشکوک فیه فیستصحب عدم تعلّق الجعل الشرعی به و هذا هو الأصل الأوّل الحاکم فی المقام.
3- . المحاضرات (ط.ج)، ج4، ص255.

بثبوته فمقتضی الأصل العملی عدم سقوطه و لایفرق فیه أیضاً بین کونه حکماً تکلیفیاً أو وضعیاً.

ص: 142

المطلب الثانی: تداخل المسبّباب
اشارة

و فیه جهتان:

الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل
اشارة

و الدلیل علیه ثلاث:((1))

إنّ مقتضی القاعدة فی المسببات أیضاً عدم التداخل و استدل علیه تارةً بإطلاق الخطاب و أُخری بالاستصحاب و ثالثةً بالاشتغال.

الدلیل الأوّل:

و هو إطلاق دلیل الحکم لأنّ دلیل الحکم یقتضی الإتیان بمتعلقه مطلقاً سواء امتثل متعلق حکم آخر أم لا، فلکلّ حکم امتثال لایتداخل مع امتثال الآخر.

الدلیل الثانی:

و هو استصحاب بقاء الحکم فیما إذا شککنا فی سقوطه بالامتثال عن أحد السببین فمقتضی القاعدة بقاء وجوب الامتثال بالنسبة إلی السبب الآخر.

الدلیل الثالث:

و هو اشتغال الذمّة حیث نشک فی فراغ الذمّة فیما إذا تعدّدت الأسباب واکتفینا بامتثال مسبّب واحد و القاعدة تقتضی اشتغال الذمّة.

ص: 143


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص215.
الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة

استثنی عن ذلک ما إذا کانت النسبة بین متعلقی الحکمین نسبة العموم و الخصوص من وجه مثل قوله «أکرم العلماء» و «أکرم هاشمیاً» فإنّهما حکمان مختلفان و لکن بین متعلقهما و هما «العالم» و «الهاشمی» العموم و الخصوص من وجه، فإذا أتی المکلّف بالمجمع مرّة واحدة و أکرم العالم الهاشمی یکتفی به فی مقام امتثال کلا التکلیفین (مثل نافلة المغرب و صلاة الغفیلة و أیضاً مثل صلاة الجعفر و النوافل الیومیة أو نافلة اللیل).

و اختلف الأعلام هنا فی وجه الاکتفاء بالامتثال الواحد:

فقال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) بأنّ الحکم الشرعی واحد لامتناع اجتماع المثلین و الخطاب الثانی هو مؤکّد للحکم.

ص: 144


1- . فی کفایة الأصول، ص202، الأمر الثالث [تداخل المسببات]: إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء فلا إشکال علی الوجه الثالث و أمّا علی سائر الوجوه فهل اللازم لزوم الإتیان بالجزاء متعدّداً حسب تعدّد الشروط أو یتداخل و یکتفی بإتیانه دفعة واحدة. فیه أقوال و المشهور عدم التداخل و عن جماعة منهم المحقّق الخوانساری التداخل و عن الحلی التفصیل بین اتحاد جنس الشروط و تعدّده و التحقیق أنّه لما کان ظاهر الجملة الشرطیة حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه أو بکشفه عن سببه و کان قضیته تعدّد الجزاء عند تعدّد الشرط کان الأخذ بظاهرها إذا تعدّد الشرط حقیقة أو وجوداً محالاً ضرورة أنّ لازمه أن یکون الحقیقة الواحدة مثل الوضوء بما هی واحدة فی مثل إذا بلت فتوضأ و إذا نمت فتوضأ أو فیما إذا بال مکرّراً أو نام کذلک محکوماً بحکمین متماثلین و هو واضح الاستحالة ک: المتضادین فلابدّ علی القول بالتداخل من التصرّف فیه... .
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص218.

و قال المحقق النائینی (قدس سره) ((1)) بتعدد الحکم الشرعی و انطباق متعلق الحکمین علی مورد واحد انطباقاً قهریاً و العقل یحکم بالإجزاء لأنّه لایعتبر عقلاً فی تحقق الامتثال إلّا الإتیان بما ینطبق علیه متعلق الأمر فی الخارج و هذا هو مختار المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً.

و الحق هو الوجه الأخیر لأنّ المتعلق فی کل من الحکمین غیر المتعلق فی الحکم الآخر و انطباقهما فی الخارج علی مورد واحد، لا دخل له فی مرحلة جعل الحکم للمتعلق، فلابدّ من الالتزام بوجود الحکمین.

ثم إنّ ما قلنا من أنّ القاعدة تقتضی عدم تداخل المسببات هو فیما إذا لم تقم قرینة علی التداخل و أما إذا دلت القرینة علی التداخل فهی متّبعة مثل ما ورد فی باب الغسل من جواز الاکتفاء بالغسل الواحد فی ما إذا تعددت الأسباب((2)).

ص: 145


1- . أجود التقریرات، ج2، ص273؛ المحاضرات، ج4، ص269.
2- . قال النائینی (قدس سره) فی الفوائد، ج2، ص498: «إنّ هذا الذی ذکرنا من عدم تداخل الأسباب، إنّما هو بمقتضی القواعد اللفظیة فأصالة عدم التداخل تامّة لو لم یقم دلیل علی خلافها، کما فی کلّ أصل قام الدلیل علی خلافه فمن جملة ما قام الدلیل فیه علی خلاف هذا الأصل موجبات الوضوء و بعض موجبات الکفّارة». راجع القواعد و الفوائد، ج1، ص43 – 45 و ص165 – 169؛ الأقطاب الفقهیة، لابن أبی جمهور، ص38 – 40 و للتداخل ثمرة فی کثیر من مسائل الفقه نذکر نبذاً منها: 1) نزح البئر: فی المعتبر، ج1، ص78: «إذا وقع أکثر من واحد فمات فإن کانت الأجناس مختلفة لم یتداخل النزح، "کالطیر" و " الإنسان" ... و إن کان الجنس واحداً ففی التداخل تردّد» و راجع أیضاً نهایة الإحکام، ج1، ص260 و تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج1، ص29؛ منتهی المطلب (ط.ج)، ج1، ص107؛ جامع المقاصد، ج1، ص147؛ مدارک الأحکام، ج1، ص97 – 98؛ کفایة الأحکام، ج1، ص53. 2) سجدتا السهو: فی المعتبر ج2، ص402 – 403: «قال الشیخ فی الخلاف: إذا سهی بأنواع مختلفة أو متجانسة فالأحوط أن یقول لکل سهو سجدتان،... وجه ما ذکره الشیخ: إنّ کل واحد من تلک الأسباب لو أنفرد أوجب سجدتی السهو فمع الإجماع یکون کذلک عملاً بمقتضی السبب، لأنّ تداخل الأسباب خلاف الظاهر» إلخ و راجع أیضاً إیضاح الفوائد، ج1، ص145؛ ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة، ج4، ص90 – 91؛ کفایة الأحکام، ج1، ص133. 3) لو جامع نهاراً فی صوم الاعتکاف: فی کشف الرموز، ج1، ص321: «أقول: اتفق أصحابنا، علی أنّ الصوم شرط فی الاعتکاف و تجب بالجماع فیه کفارة و هل یلزم کفارتان لو جامع نهاراً؟ کلام الشیخ فی المبسوط و الخلاف و الجمل مشعر ب- "نعم" و اختاره الراوندی ... و ثانیاً: لانعقاد الإجماع، علی أنّ الجماع فی الاعتکاف موجب للکفارة و کذا فی رمضان نهاراً و لا دلیل علی التداخل فیجب العمل بمقتضی کل منهما» و راجع أیضاً تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج6، ص316 – 317. 4) لو لبس قمیصاً و عمامة فی الإحرام: فی تذکرة الفقهاء (ط.ج)، ج8، ص8: «و لو لبس قمیصاً و عمامة و خفین و سراویل، وجب علیه لکل واحد فدیة، لأنّ الأصل عدم التداخل، خلافاً لأحمد» و راجع أیضاً مجمع الفائدة، ج7، ص38 – 39. 5) لو کرّر الحلق: فی مجمع الفائدة، ج7، ص60: «و لو کرّر الحلق إلخ یعنی لو حلق بعضاً من رأسه بحیث صدق علیه الحلق عرفاً غدوة مثلاً ثمّ حلق کذلک عشیته، تکرّرت الکفارة لتکرّر موجبها و یحتمل التداخل هنا لصدق الحلق» إلخ. 6) من نذر الحج: مختلف الشیعة، ج4، ص375 – 376: «الناذر إن نذر حجة الإسلام تداخلتا و إن نذر غیرها لم یتداخلا إجماعاً و إن أطلق ففیه الخلاف، قیل: بعدم التداخل و هو الحق و هو اختیار الشیخ فی الجمل و الخلاف و اختیار ابن البراج و ابن حمزة و ابن إدریس، خلافاً للشیخ فی النهایة» و راجع أیضا مسالک الأفهام، ج2، ص157. 7) غسل الیدین من الإحداث: فی منتهی المطلب (ط.ج)، ج1، ص296: «العاشر: المستحب عندنا غسل الیدین من حدث البول و النوم مرّة واحدة و من الغائط مرّتین و من الجنابة ثلاثاً، لأنّ تفاوت الأحداث ینساب تفاوت الغسل، و الجمهور استحبوا غسلهما من حدث النوم ثلاثاً خاصة الحادی عشر: لو تعدّدت الأحداث فالأولی التداخل سواء اتحد الجنس أو اختلف». 8) لو اجتمع الاغسال: فی ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 1، ص8: «و لایتداخل أی لایتداخل هذه الأغسال بأن یکفی غسل واحد عند اجتماع سببین أو أکثر من أسباب الغسل و إلی هذا ذهب جماعة من الأصحاب منهم المصنّف استناداً إلی أنّ کل واحد منهما سبب مستقل فی استحباب الغسل و الأصل عدم التداخل و التداخل فی بعض الصور علی خلاف الأصل خارج عن هذا الحکم بدلیل مختص به» و راجع أیضاً نهایة الإحکام، ج1، ص113 و ص179. 9) الغسل للاستحاضه و الانقطاع: فی الحدائق الناضرة، ج3، ص242: «إن قلنا بالتداخل بین الأغسال -کما هو الحق فی المسألة- یجب علیها للصلوات الخمس خمسة أغسال و إن قلنا بعدم التداخل یجب علیها للصلوات الخمس ثمانیة أغسال مع کثرة الدم، خمسة للانقطاع و ثلاثة للاستحاضة». 10) الوطئ أثناء کفارة الظهار: فی إیضاح الفوائد، ج3، ص416 – 417: «إنّه هل یکفی الاستیناف عن کفارة الوطئ قبل إکمال التکفیر ذکر فیه إشکالاً ینشأ (من) أنّه یصدق علیه أنّه کفر فیکفی عن کفارة الوطئ و عن کفارة الظهار (و لأنّه) لم یطأ قبل التکفیر لأنّه فی أثنائه و الکفارة الثانیة إنّما تجب علی من وطئ قبل التکفیر (و من) أنّه لم یکفر بعد و لتعدّد السبب و الأصل عدم التداخل». 11) لو ظاهر من واحدة مراراً: فی مسالک الأفهام، ج9، ص516 – 517: «الثانیة: لو ظاهر من واحدة مراراً متعدّدة ففی تعدّد الظهار أقوال: أحدها -و هو الأشهر: التعدّد مطلقاً، سواء اتحد المجلس أم تعدّد و سواء اتحدت المشبه بها أم اختلفت، لأنّ کل ظهار سبب تام موجب للکفارة مع العود بالآیة و تعدّد الأسباب یقتضی تعدّد المسبّبات، إلّا أن یدلّ دلیل من خارج علی التداخل أو الاتحاد ... و ثانیها: تعدّدها [مطلقاً] مع تراخی أحدهما عن الآخر أو توالیها من غیر أن یقصد به التأکید و إلّا فواحدة و هو قول الشیخ فی المبسوط و تبعه ابن حمزة و ثالثها: التفصیل بتعدّد المشبه بها - کالأمّ و الأخت- فتتعدّد الکفارة و اتحادها - کالأم - فتتحد و إن فرق، إلّا أن یتخلل التکفیر فتتعدّد و هو قول ابن الجنید» 12) لو تعدّد النجاسات: فی البیان (ط.ق)، ص40: «و لو نجس بالولوغین فالسبع بالماء بعد التراب بخلاف نجاسة أخری مع ولوغ الکلب فإنّها یتداخل و کذا یتداخل النجاسة الأخری مع نجاسة الخنزیر و الفأرة و لو تعدّد الخنزیر أو الفأرة فالسبع و لو اجتمعا فالأجود التداخل». 13) تکرّر وطئ الحائض: فی جامع المقاصد، ج1، ص323 – 324: «قوله: (فإن کرّره تکرّرت مع الاختلاف أو سبق التکفیر و إلّا فلا) ... و ذهب ابن إدریس إلی عدم التکرّر مطلقاً و شیخنا الشهید إلی التکرّر مطلقاً، لأصالة عدم التداخل و هو أقرب» فی جامع المقاصد، ج6، ص250: «قوله: و إن کان بالاستعمال کنقص الثوب باللبس فالأقرب المساواة للأوّل فتثبت الأجرة و الأرش و یحتمل وجوب الأکثر من الأرش و الأجرة؛ أی: لو کان نقص القیمة باستعمال المغصوب المثلی له لو کان ثوباً و لم یکن ذلک لسقوط عضو فالأقرب المساواة للأوّل؛ أی: لما إذا انتقص بسقوط عضو فتثبت الأجرة و الأرش معاً ... و وجه القرب تعدّد السبب فإنّ الأجزاء الناقصة بدلها الأرش و المنفعة -و هی اللبس- غیرها فیجب عوضها و هو أجرة المثل، لأن الأصل فی الأسباب إذا اجتمعت عدم التداخل و یحتمل أکثر الأمرین». 15) کفّارة الحمام علی المحرم فی الحرم: شرح اللمعة، ج2، ص343: «و یجتمعان الشاة و الدرهم علی المحرم فی الحرم، الأوّل لکونه محرّماً و الثانی لکونه فی الحرم و الأصل عدم التداخل، خصوصاً مع اختلاف حقیقة الواجب». 16) لو أحصر و کان السیاق واجباً بالإشعار أو التقلید: فی شرح اللمعة، ج2، ص367 – 368: «(و متی أحصر الحاج بالمرض عن الموقفین أو المعتمر عن مکة بعث) کل منهما (ما ساقه) إن کان قد ساق هدیاً (أو) بعث (هدیاً أو ثمنه) إن لم یکن ساق و الاجتزاء بالمسوق مطلقاً هو المشهور، لأنّه هدی مستیسر و الأقوی عدم التداخل إن کان السیاق واجباً و لو بالإشعار أو التقلید لاختلاف الأسباب المقتضیة لتعدّد المسبب» و راجع أیضاً مسالک الأفهام، ج2 ص390؛ مجمع الفائدة ج7 ص404 – 405؛ التحفة السنیة (مخطوط) ص194. و نشیر إلی مسائل أخر أیضاً: هل یضمن المشتری الواطی أرش البکارة أیضاً لو ظهرت الأمة مستحقة؟ شرح اللمعة ج3، ص328؛ وجوب أرش البکارة مع المهر لو کانت المکرهة بکراً کشف اللثام (ط.ج)، ج11، ص400 – 401؛ لو شهدا علیه بسرقة أخری قبل القطع شرح اللمعة، ج9، ص288؛ لو قلع الأجفان مع العینین شرح اللمعة، ج10، ص204؛ مجمع الفائدة، ج14، ص362؛ إذا کان الصید مملوکاً مسالک الأفهام، ج2، ص473 – 474؛ لو قتل المحرم صیداً فی الحل و أکل منه مجمع الفائدة، ج6، ص393 – 394؛ لو طلق الزوج الأمة ثمّ باعها المالک هل یجب أن یستبرأها المشتری زیادة عن العدّة؟ مسالک الأفهام، ج8، ص63 – 72؛ لو وطئ امرأة بالشبهة مرّتین کشف اللثام (ط.ج)، ج8، ص150 – 151؛ لو تکرّر الیمین- کتاب الإیلاء مسالک الأفهام، ج10، ص168؛ کفایة الأحکام، ج2، ص411؛ لو وطئ مملوکة و افتضها بإصبعة مسالک الأفهام، ج12، ص229 – 230؛ لو کرّر القذف مجمع الفائدة، ج13، ص16؛ تکبیرة الرکوع ذخیرة المعاد (ط.ق)، ج1، ق 2، ص267؛ هل یجزی غسل النجس عن غسل الجنابة؟ کشف اللثام (ط.ج)، ج2، ص48؛ مفتاح الکرامة، ج3، ص115 – 116؛ طواف النساء کشف اللثام (ط.ج)، ج6، ص228؛ لو کانت تحته حرّة مسلمة و أمة کتابیة کشف اللثام (ط.ج)، ج7، ص500.

ص: 146

ص: 147

ص: 148

ص: 149

ص: 150

الفصل الثانی: مفهوم الوصف

اشارة

ص: 151

ص: 152

مفهوم الوصف

إنّ المحقّقین قبل الورود فی البحث أفادوا مقدّمتین لتحریر محل النزاع.((1))

المقدمة الأُولی: محل النزاع

إنّ محلّ النزاع هو الوصف المعتمد علی موصوفه و أمّا الوصف غیر المعتمد علی الموصوف فهو فی الحقیقة یرجع إلی البحث عن مفهوم اللقب و لا خلاف فی أنّه لا دلالة له علی المفهوم، و ذلک مثل قوله تعالی: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَیدِیهُمَا)((2)) حیث لا دلالة لها علی المفهوم.

المقدّمة الثانیة:

إنّ الوصف إمّا یکون أخصّ من موصوفه مطلقاً أو أخصّ منه من وجه أو یکون مساویاً له أو یکون أعمّ منه.

ص: 153


1- . أجود التقریرات، ج2، ص275 و قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص501: و لایخفی: أنّ عنوان محلّ البحث و إن جعل فی کلمات الأساطین- کالکفایة بل التقریر- هو الأعمّ و لکنّ الحق هو اختصاص محلّ النزاع بالوصف المعتمد علی الموصوف دون غیره فإنّ غیره لیس إلّا کمفهوم اللقب.
2- . سورة المائدة(5): 38.

أمّا الوصف المساوی أو الأعم فهما خارجان عن محل النزاع والوجه فی ذلک ما أفاده الأعلام (مثل المحقق النائینی (قدس سره))((1))من أنّ الوصف فی هذین القسمین لایوجبان تضییق الموصوف و لذا مع انتفاء الوصف ینتفی الموضوع فلا مجال للبحث عن دلالته علی المفهوم.

أمّا الوصف الأخصّ فهو داخل فی محل النزاع قطعاً.

أمّا الوصف الأخصّ من موصوفه من وجه فهو داخل فی محل البحث بالنسبة إلی مورد افتراق ذات الموصوف عن الوصف کما صرّح به المحّقق الخراسانی((2)) و المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهم) مثل ما ورد من أنّ «فِی الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّکَاة»((3)) فإنّ مفهومه هو عدم وجوب الزکاة فی الغنم غیر السائمة (أی الغنم المعلوفة).

و أمّا بالنسبة إلی مورد افتراق الوصف عن ذات الموصوف فلا دلالة له علی المفهوم فلایجری النزاع مثل غیر الغنم السائمة أو غیر الغنم غیر السائمة و الوجه فی ذلک هو عدم کون الموضوع فی القضیة و هو الموصوف محفوظاً فی المفهوم و لذا خلاف بعض الشافعیة حیث قالوا بعدم وجوب الزکاة فی الإبل المعلوفة فی هذا المثال لایخلو عن الإشکال.

ص: 154


1- . أجود التقریرات، ج2، ص275.
2- . کفایة الأصول، ص207: «لایخفی أنّه لا شبهة فی جریان النزاع فیما إذا کان الوصف أخصّ من موصوفه و لو من وجه فی مورد الافتراق من جانب الموصوف».
3- . عوالی اللئالی، ج 1، ص399، ح50. أیضاً: عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الزَّکَاةُ فِی الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ یعْنِی الرَّاعِیة...». دعائم الإسلام، ج 1، ص257؛ مستدرک الوسائل، ج7، ص63، ح1. أیضاً: محمد بن الحسن بإسناده عن علی بن أسباط عن محمد بن زیاد عن عمر بن أذینة عن زرارة قال: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَدَقَاتِ الْأَمْوَالِ فَقَالَ (علیه السلام): فِی تِسْعَةِ أَشْیاءَ لَیسَ فِی غَیرِهَا شَی ءٌ فِی الذَّهَبِ ... وَ الْإِبِلِ وَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ السَّائِمَةِ...» الوسائل، ج9، ص57، الباب8 من أبواب ما تجب فیه الزکاة، ح9.
الأقوال فی المسألة أربعة:
اشارة

((1))

القول الأوّل: دلالة الوصف علی المفهوم
اشارة

و هو مختار الشیخ الطوسی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) و نسب ذلک إلی الشهید (قدس سره) فی الذکری((2)).

ص: 155


1- . مفاتیح الأصول، ص218: اختلف الأصولیون فی أنّ تعلیق الحکم علی الصفة هل یدلّ علی انتفائه فی غیر محلّها أو لا؟ علی أقوال: الأوّل أنّه یدلّ و هو اختیار الشهید فی الذکری و السید الأستاذ و البیضاوی و العضدی کما عن الشیخ و شیخه و الشافعی و مالک و أحمد بن حنبل و أبی الحسن الأشعری و إمام الحرمین و جماعة من الفقهاء و المتکلّمین و أهل العبریة و فی شرح المختصر أنّه مذهب کثیر من العلماء و فی بعض مصنفات السید الأستاذ ذهب إلیه کثیر من الفقهاء و الأصولیین الثانی أنّه لایدلّ و هو اختیار السید و ابن زهرة و الفاضلین و صاحب المعالم و الآمدی کما عن الشهید الثانی و أبی حنیفة و القاضی أبی بکر و ابن شریح و القفّال و الجوینی و الغزالی و ابن داود و الرازی و أبی علی و أبی هاشم و أبی بکر الفارسی و إمام الحرمین و أکثر الإمامیة و المتکلّمین و عزّاه فی العدة إلی جماهیر المعتزلة الثالث إنّه یدلّ لکن فی مواضع ثلاثة الأوّل أن یکون الخطاب قد ورد للبیان کما فی قوله (علیه السلام) فی الغنم السّائمة زکاة الثانی أن یکون للتعلیم کما فی خبر التحالف عند التحالف و السلعة قائمة الثالث أن یکون ما عدا الصفة داخلاً تحتها کالحکم بالشاهدین فإنّه یدلّ علی نفیه عن الشاهد الواحد لدخوله فی الشاهدین و لایدلّ فیما عدا ذلک و قد حکاه فی النهایة عن أبی عبد الله البصری و توقّف الحاجبی.
2- . قال الشیخ البهائی (قدس سره) فی زبدة الأصول، ص151 – 152 قال: «فصل: مفهوم الصفة حجة عند الشیخ و الشهید فی الذکری و نفاه الأکثر کالمرتضی والمحقّق و العلّامة. فی معالم الدین، ص79: «جنح إلیه الشهید فی الذکری» و فی زبدة الأصول، ص151: «مفهوم الصفة حجة عند ... الشهید فی الذکری» و فی الوافیة، ص232: «مال إلیه الشهید» و فی ذکری الشیعة، ج1، ص53 – 54: «و خامسها: دلیل الخطاب و هو المسمّی بالمفهوم و أقسامه کثیرة. الوصفی و الشرطی و هما حجّتان عند بعض الأصحاب و لا بأس به و خصوصاً الشرطی» و فی الذریعة، ج1، ص393 و 394 و ذهب أکثر أصحاب الشافعی و جمهورهم إلی أنّ تعلیق الحکم بصفة دالّ بمجرّده علی نفی الحکم عمّا لیس له تلک الصفة و فی عدّة الأصول (ط.ج)، ج2، ص467: «ذهب الشافعی و أکثر أصحابه إلی أنّ الحکم إذا علق فی الموصوف بصفة دلّ علی انتفاء ذلک الحکم إذا زالت تلک الصفة... و أکثر أصحاب الشافعی و جلّهم و جمهورهم علی المذهب الأوّل ... و کان شیخنا رحمه الله یذهب إلی المذهب الأوّل». الوافیة ص232: «به قال أکثر العامة» و فی تجرید الأصول، ص215 نسبه إلی الأشاعرة و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص475: «قوله: و جنح إلیه الشهید فی الذکری حیث نفی البأس عن القول بحجیته، بل جعل مفهوم الغایة - الذی هو أقوی من مفهوم الشرط - راجعاً إلی مفهوم الوصف و قد حکی القول به عن المفید و عن جماعة من العامة، منهم: الشافعی و مالک و أحمد بن حنبل و الأشعری و إمام الحرمین و البیضاوی و العضدی و جماعة من الفقهاء و المتکلّمین و حکاه فی النهایة و الإحکام عن أبی عبیدة و جماعة من أهل العربیة و عزی القول به إلی کثیر من العلماء و عزاه الغزالی إلی الأکثرین من أصحاب الشافعی و مالک و اختار حجیته أیضاً شیخ الشریعة الإصفهانی (قدس سره) فی نخبة الأزهار، تقریر بحث الإصفهانی، للسبحانی، ص120 و 121. أمّا الشیخ الطوسی (قدس سره) ففی معالم الدین، ص79: «أثبته قوم و هو الظاهر من کلام الشیخ» و فی زبدة الأصول، ص151: «مفهوم الصفة حجة عند الشیخ» و فی الوافیة، ص232: «و الشیخ الطوسی رحمة الله: قال بحجیة مفهوم الصفة» و فی تجرید الأصول، ص215: «مفهوم الصفة حجة وفاقاً للشیخ» و لکن فی عدة الأصول (ط.ج)، ج2، ص481، بعد ذکر القولین و أدلتهما مفصلاً قال فی ختام البحث: «و فی هذه المسألة نظر» و راجع: ج1، ص111 – 112 و راجع الخلاف، ج3، ص223 و ج5، ص395 و ج6، ص371 – 372 و وقایة الأذهان، ص427.
أدلّة القول الأول:
اشارة

نذکر منها ستة:

الدلیل الأوّل: لغویة الوصف
اشارة

((1))

لو لم نقل بمفهوم الوصف یلزم لغویة الوصف المذکور و عدم الفائدة فی ذکره.

ص: 156


1- . فی الإحکام، الآمدی، ج3، ص76 – 77: «و أمّا الحجج العقلیة فخمس حجج. الحجة الأولی: أنّه لو کان حکم السائمة و المعلوفة، سواء فی وجوب الزکاة لما کان لتخصیص السائمة بالذکر فائدة» و فی زبدة الأصول، ص151: «للأوّل: لولاه للغی [أعنی الوصف]: کالإنسان الأبیض حیوان»
ملاحظة علی هذا الدلیل:

إنّ الفائدة لاتنحصر فی المفهوم بل قد تکون الفائدة تضییق الموضوع و تحدید دائرته فقط.

الدلیل الثانی: أصالة الاحترازیة فی الوصف
اشارة

استدلّ به المحقّق صاحب الحاشیة (قدس سره) ((1)) فإنّ المشتهر هو أنّ الأصل فی القیود أن تکون احترازیة و مقتضی احترازیة الوصف دلالته علی المفهوم.

إیراد علی هذا الدلیل:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) أورد علیه بأنّ معنی الاحترازیة هو تضییق الموضوع فإنّ الاحترازیة لاتوجب إلّا تضییق دائرة موضوع الحکم فی القضیة، مثل ما إذا کان بهذا الضیق بلفظ واحد، فلا فرق بین أن یقال: جئنی بإنسان أو بحیوان ناطق.

الدلیل الثالث: ما هو الملاک فی حمل المطلق علی المقید
اشارة

نُسب الاستدلال به إلی الشیخ البهائی (قدس سره) ((3))، بیانه هو أنّ المطلق و المقید إذا کانا مثبتین فنحمل المطلق علی المقید و الوجه فی الحمل المذکور لیس إلّا التنافی بینهما، لأنّه لولا التنافی لم یبق وجه لحمل المطلق علی المقید و التنافی لایتحقّق إلّا فیما إذا دلّ المقید علی المفهوم فیکون مفهوم المقید منافیاً لمنطوق المطلق.

ص: 157


1- . هدایة المسترشدین، ص294.
2- . کفایة الأصول، ص206.
3- . معالم الدین، ص314 و زبدة الأصول، ص143.
إیرادان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: ما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه لا وجه لحمل المطلق علی المقید لو کان ذلک بلحاظ مفهوم الوصف لأنّ ظهور المقید فی المفهوم لیس بأقوی من ظهور المطلق فی الإطلاق بل الأمر بالعکس حیث إنّ ظهور المطلق فی الإطلاق دلالة منطوقیة و ظهور المقید فی المفهوم دلالة مفهومیة و لاشک فی تقدیم الدلالة المنطوقیة علی المفهومیة لبناء العقلاء علی تقدیم الأظهر علی الظاهر و لو لم نقل بأقوائیة الدلالة المنطوقیة للمطلق لا أقلّ من تساویهما و تعارضهما فیتساقطان فلایبقی وجه للحمل المذکور.

یلاحظ علیه:

إنّ دلالة المقید و إن فرضت أنّها مفهومیة و لکنها نصّ فی مورده بخلاف المطلق فیکون المقید قرینة بالنسبة إلی المطلق و بیاناً له، کما أنّ الخاصّ یقدّم علی العامّ و إن کانت دلالة الخاصّ مفهومیة و دلالة العامّ منطوقیة، بل الأمر فی المطلق و المقید أسهل لأنّ الاطلاق یتوقّف علی مقدّمات الحکمة و منها عدم البیان و عدم وجود القرینة و المقید یکون بیاناً علی المطلق.

الإیراد الثانی: ما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ قضیة حمل المطلق علی المقید لیس إلّا أنّ المراد بالمطلق هو المقید لأنّ المقید قرینة علی المراد و کأنّه لایکون فی البین غیر الدلیل الذی هو المقید، فموضوع

ص: 158


1- . علی ما فی مطارح الأنظار، ص183.
2- 2. کفایة الأصول، ص206.

الحکم لیس مطلقاً بل هو مقید فالوجه لصحّة حمل المطلق علی المقید لیس دلالة المقید علی المفهوم بل الوجه هو تضییق دائرة الموضوع کما یقتضی ذلک الدلیل المقید، من دون حاجةٍ إلی دلالة الوصف علی المفهوم.

ملاحظة علیه:

یلاحظ علی کلام صاحب الکفایة (قدس سره) ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) من أنّ المعارضة بین المطلق و المقید لیس من ناحیة مجرّد التقیید (کما توهّمه صاحب الکفایة (قدس سره)) بل بلحاظ استفادة وحدة التکلیف من الخارج.

الدلیل الرابع:
اشارة

و هو دعوی تبادر المفهوم من الوصف((2)) و قد نقل ذلک عن الشیخ (قدس سره) ((3)).

یلاحظ علیه:

إنّه یتمّ فیما إذا رجع مفهوم الوصف إلی مفهوم الشرط کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أمّا إذا رجع مفهوم الوصف إلی مفهوم اللقب فلا موقع لهذا التبادر.

الدلیل الخامس: أنّ الوصف علّة منحصرة
اشارة

استدلّ بذلک المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((4)) فقال بعد إحراز أنّ الأصل فی القید أن یکون احترازیاً:

ص: 159


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص436.
2- . و استدلّ بالتبادر أیضاً المحقّق ملّا مهدی النراقی (قدس سره) فی تجرید الأصول، ص215.
3- . مطارح الأنظار، ص184.
4- . نهایة الدرایة، ج2، ص435 و 436.

إنّ معنی قیدیة شیء لموضوع الحکم حقیقة هو أنّ ذات الموضوع غیر قابلة لتعلّق الحکم بها إلّا بعد اتصافها بهذا الوصف، فالوصف متمّم قابلیة القابل و هو معنی الشرط حقیقة فعادت الجملة الوصفیة إلی الجملة الشرطیة و یکون الوصف بمثابة الشرط فی الجملة الشرطیة.

و حیث إنّ الظاهر دخل الوصف بعنوانه الخاصّ و أنّ المنوط بهذا الوصف نفس الوجوب بما هو وجوب، لا بما هو شخص من الوجوب، فلامحالة ینتفی سنخ الوجوب بانتفاء ما هو دخیل فی موضوعیة الموضوع لسنخ الحکم.

فالوصف هنا علّة للحکم و هذا معنی أنّ الوصف مشعر بالعلّیة و المراد من العلّیة هنا أعمّ من المقتضی و الشرط و عدم المانع.

فالحکم ینتفی بانتفاء أحد أجزاء علّته التامّة.

و الدلیل علی أنّ الوصف هنا علّة منحصرة هو عین ما مرّ فی القضیة الشرطیة من أنّ إناطة الحکم بشیء بعنوانه (وصفاً کان أو غیره) تقتضی الانحصار.

ملاحظة علی صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ ما أفاده یتمّ فیما إذا کان الموضوع عند العرف نفس الموصوف، و کان الوصف قیداً له، و أمّا فیما إذا کان الموضوع عندهم ذا جزءین بحیث یمکن تبدیل الوصف بالموصوف و الموصوف بالوصف مثل «أکرم البالغ الذکر»، فالعرف یری الموضوع مرکّباً و یؤول ذلک إلی مفهوم اللقب، فالحقّ هو التفصیل فی المقام و سیأتی الإشارة إلیه إن شاء الله تعالی.

ص: 160

الدلیل السادس: الاستدلال الروائی

((1))

عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَ مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَا تَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ)((2)) فَمَا خَلَا الْکِلَابَ فَلَیسَ صَیدُهُ بِالَّذِی یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرَکَ ذَکَاتُهُ»((3))

ص: 161


1- . فی الأصول الأصلیة للسید عبد الله الشبر (قدس سره)، ص38 و 39، باب مفهوم الوصف: «قال الله تعالی: (وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُکَلِّبِینَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَکُمُ اللهُ فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)(المائدة:4)... الکافی، مُحَمَّدُ بْنُ یحْیی، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِی بْنِ الْحَکَمِ، عَنْ مُوسَی بْنِ بَکْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ: عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ... فَأَمَّا خِلَافُ الْکَلْبِ مِمَّا یصِیدُ الْفَهْدُ وَ الصَّقْرُ وَ أَشْبَاهُ ذلِکَ فَلَا تَأْکُلْ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ) فَمَا کَانَ خِلَافَ الْکَلْبِ فَلَیسَ صَیدُهُ مِمَّا یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرِکَ ذَکَاتَهُ» و رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمّد و رواه أیضاً بإسناده عن موسی بن بکر. تفسیر العیاشی، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) «قَالَ: مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورَةُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَاتَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ قَالَ (مُکَلِّبِینَ) فَمَا خَلَا الْکِلَابَ فَلَیسَ صَیدُهُ بِالَّذِی یؤْکَلُ إِلَّا أَنْ تُدْرَکَ ذَکَاتُهُ» و فی الکافی، ج5، ص25 فی حدیث: «ثُمَّ قَالَ: یا عَمْرُو دَعْ ذَا أَ رَأَیتَ لَوْ بَایعْتُ صَاحِبَکَ الَّذِی تَدْعُونِی إِلَی بَیعَتِهِ ثُمَ اجْتَمَعَتْ لَکُمُ الْأُمَّةُ فَلَمْ یخْتَلِفْ عَلَیکُمْ رَجُلَانِ فِیهَا فَأَفَضْتُمْ إِلَی الْمُشْرِکِینَ الَّذِینَ لَایسْلِمُونَ وَ لَایؤَدُّونَ الْجِزْیةَ أَ کَانَ عِنْدَکُمْ وَ عِنْدَ صَاحِبِکُمْ مِنَ الْعِلْمِ مَا تَسِیرُونَ بِسِیرَةِ رَسُولِ اللهِ (صلی الله علیه و آله) فِی الْمُشْرِکِینَ فِی حُرُوبِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَصْنَعُ مَا ذَا؟ قَالَ: نَدْعُوهُمْ إِلَی الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَوْا دَعَوْنَاهُمْ إِلَی الْجِزْیةِ قَالَ: وَ إِنْ کَانُوا مَجُوساً لَیسُوا بِأَهْلِ الْکِتَابِ؟ قَالَ: سَوَاءٌ قَالَ وَ إِنْ کَانُوا مُشْرِکِی الْعَرَبِ وَ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ؟ قَالَ: سَوَاءٌ. قَالَ: أَخْبِرْنِی عَنِ الْقُرْآنِ تَقْرَؤُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: اقْرَأْ: (قاتِلُوا الَّذِینَ لا یؤْمِنُونَ بِا اللهِ وَ لا بِالْیوْمِ الْآخِرِ وَ لایحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَ رَسُولُهُ وَ لایدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتابَ حَتَّی یعْطُوا الْجِزْیةَ عَنْ یدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ) فَاسْتِثْنَاءُ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اشْتِرَاطُهُ مِنَ الَّذِینَ أُوتُوا الْکِتَابَ فَهُمْ وَ الَّذِینَ لَمْ یؤْتَوُا الْکِتَابَ سَوَاء؟».
2- . سورة المائدة(5):4.
3- . الوسائل، ج23، ص339، الباب4 من أبواب الصید، ح3.

فإنّ الإمام (علیه السلام) تمسّک بمفهوم الوصف فی کلمة (مُکَلِّبِینَ) و مفهوم الوصف هنا یرجع إلی مفهوم الشرط و الروایة معتبرة سنداً.

القول الثانی: عدم دلالة الوصف علی المفهوم
اشارة

و هو مختار المشهور مثل: الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة و المحقق النائینی و المحقق العراقی (قدس سرهم) .((1))

ص: 162


1- . فی مطارح الأنظار، اختار الشیخ (قدس سره) عدم حجیة مفهوم الوصف قال فی ص182 و هکذا فی فرائد الأصول، ج1، ص256 – 257؛ ج1، ص175 – 176. و فی کفایة الأصول، ص206: «فصل: الظاهر أنّه لا مفهوم للوصف». و فی فوائد الأصول، ج 2، ص502: «و الحق: عدم الدلالة مطلقا». الذریعة، ج1، ص392 – 394؛ عدة الأصول (ط.ج)، ج2، ص468 و منهم من قال: إنّه لایدلّ علی أنّ ما عداه بخلافه و هو الذی نصره أبو عبد الله البصری و حکاه عن أبی الحسن و هو قول أبی العباس ابن سریج و من تبعه من أصحاب الشافعی، کأبی بکر الفارسی و أبی بکر القفال و غیرهما و ذکر أبو العباس: أنّ الحکم إذا علّق بصفة إنّما یدلّ علی ما یتناوله لفظه إذا تجرّد و قد تحصل فیه قرائن أو أسباب یدلّ معها علی أنّ ما عداه بخلافه ... و هذا المذهب -أعنی الأخیر- هو الذی اختاره سیدنا المرتضی رحمة الله و إلیه ذهب أبو علی و أبو هاشم و أکثر المتکلّمین و فی المعتبر، ج1، ص31: «الثالث دلیل الخطاب و هو تعلیق الحکم علی أحد وصفی الحقیقة کقوله: فِی سَائِمَةِ الْغَنَمِ الزَّکَاة فالشیخ یقول: هو حجة و علم الهدی ینکره و هو الحق» . راجع مبادئ الوصول، ص100؛ زبدة الأصول، ص151 – 152؛ الوافیة ص232؛ الفوائد الطوسیة، الفائدة 63، ص279 و فی تجرید الأصول، ص215: «فصل مفهوم الصفة حجة ... خلافاً للسید و المعتزلة و الحنفی» و فی الفوائد الحائریة، ص185: «و أمّا مفهوم الصفة ففیه إشعار، لأنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلیة فیکفی لجعله مؤیداً أو یخرج شاهداً أو بأدنی قرینة یصیر دالّاً و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص476: «قوله: و نفاه السید و المحقّق و العلّامة. قد وافقهم فی ذلک کثیر من أصحابنا، منهم ابن زهرة و الشهید الثانی، بل عزی ذلک إلی أکثر الإمامیة. قوله: (وَکَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ)(الحج:18). قد اختاره الغزالی و الآمدی و قد حکی القول به عن أبی حنیفة و القاضی أبی بکر و أبی علی و أبی هاشم و أبی بکر الفارسی و ابن شریح و الجوینی و الشافعی و القفال و المروزی و ابن داود و الرازی و جماهیر المعتزلة و أسنده الغزالی إلی جماعة من حذاق الفقهاء و الآمدی إلی أصحاب أبی حنیفة ... ثمّ إنّ الأظهر عندی هو القول بعدم دلالة مجرّد التعلیق المفروض علی الانتفاء بالانتفاء» و فی الفصول الغرویة، ص151: «إذا تقرّر هذا فالحق عندی أنّ التقیید بالوصف لا إشعار فیه فی نفسه بانتفاء الحکم من غیر محلّه نعم کثیراً ما یفید ذلک لمعاضد خارجی من قرینة مقال أو شهادة حال فیتّجه التعویل علیه حینئذٍ» و من النافین لمفهوم الوصف جمع من الأعلام نشیر إلی مواضع نفی مفهوم الوصف فی کتبهم: معالم الدین، ص79؛ درر الفوائد، ج1، ص200؛ منتهی الأصول، ج1، ص435؛ أصول الفقه، ج1، ص172؛ دروس فی علم الأصول ج2، ص110؛ أجود التقریرات ج1، ص435؛ مجمع الفائدة ج11 ص210؛ وسائل الشیعة، ج27، ص347 – 348؛ ریاض المسائل ج13، ص301؛ جواهر الکلام ج41، ص93؛ الحدائق الناضرة ج1، ص58؛ مستند الشیعة ج1، ص113و ص393؛ العروة الوثقی ج6، ص728.
دلیل القول الثانی:
اشارة

((1))

إلیک نصّ عبارة المحقّق النائینی (قدس سره):

دلالة الوصف علی المفهوم تتوقّف علی کونه قیداً لنفس الحکم لا لموضوعه و لا لمتعلّقه، و بما أنّ الظاهر فی الأوصاف أن تکون قیوداً للمفاهیم الإفرادیة

ص: 163


1- . أجود التقریرات، ج2، ص277 و ط.ج. ج4، ص274؛ فوائد الأصول، ج 2، ص502. هنا أدلّة أخری أیضاً: درر الفوائد ج1، ص200 و التحقیق عدم دلالتها علی کون الوصف المذکور فی القضیة علّة للحکم فضلاً عن کونه علّة منحصرة لاحتمال کون ذکره فی القضیة من جهة وجود مانع من تعلّق الحکم بالمطلق فی مرحلة الإثبات و إن کان ثابتاً له فی مرحلة الثبوت أو لکون الاهتمام بشأنه أو لعدم احتیاج غیره إلی الذکر و غیر ذلک من النکات نعم قد یستظهر العلّیة من جهة المناسبة بین الحکم و الموضوع کوجوب الإکرام المتعلّق بالعالم أو وجوب التبین المتعلّق بخبر الفاسق. راجع: الذریعة ج1، ص394 و مبادئ الوصول ص100؛ معالم الدین ص79؛ زبدة الأصول ص152؛ الفصول الغرویة ص152؛ منتهی الأصول ج1، ص435.

یکون الأصل فیها عدم الدلالة علی المفهوم، کما هو الحال فی اللقب عیناً، غایة الأمر أنّ الموضوع أو المتعلّق فی اللقب أمر واحد یمکن التعبیر عنه بلفظ واحد، بخلافهما فی المقام، فإنّهما لایمکن التعبیر عنهما غالباً إلّا بلفظین، و هذا لایکون فارقاً بین الموردین بعد اشتراکهما فی ملاک عدم الدلالة علی المفهوم، أعنی به کون الحکم غیر مقید بشیء. ((1))

یلاحظ علیه:

لایتمّ ما أفاده بالنسبة إلی جمیع الموارد فالحقّ هو التفصیل کما تقدّم فی ذیل استدلال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

القول الثالث: تفصیل العلامة الحلّی (قدس سره)
دلیل القول الثالث:

(2)

إنّ الوصف الذی یکون علّة منحصرة للحکم یدلّ علی المفهوم و أمّا الوصف الذی لایکون علّة أو یکون علّة و لایکون منحصرة فلایدلّ علی المفهوم.

ص: 164


1- . فی فوائد الأصول، ج 2، ص502: ذلک لما ظهر فی مفهوم الشرط: من أنّ کون القضیة ذات مفهوم إنّما یتصوّر فیما إذا کان القید راجعاً إلی الحکم، بالمعنی المعقول الذی بیناه و هو تقیید المتحصّل من الجملة، لا ذات الانتساب الذی هو معنی حرفی و أمّا لو کان القید راجعاً إلی عقدی الوضع و الحمل- أی لو کان القید وارداً قبل الانتساب و کان مقیداً لأحد المنتسبین- فلایتصوّر ثبوت المفهوم للقضیة و فی المقام لایمکن إرجاع القید إلّا إلی الموضوع، فیکون کالشرطیة التی سیقت لفرض وجود الموضوع، فلا مجال لتوهم المفهوم فیها. و بالجملة: القید فی المقام لیس کالقید فی باب القضیة الشرطیة، و لا کالغایة التی یمکن أن تکون غایة للحکم.
2- . و قد أشار إلیه صاحب الکفایة (قدس سره) فی أوّل البحث. فی هدایة المسترشدین، ص498: «و منها: التفصیل بین کون الوصف علّة للحکم و غیره، کما یظهر من کلام العلّامة فی النهایة، حیث قال: إنّ الأقرب أنّ تقیید الحکم به لایدلّ علی النفی إلّا أن یکون علّة. وتبعه غیره، وکأنّه لایرید التفصیل فی محل المسألة، لأنّه لایعمّ صورة التصریح بعلیة الوصف، لرجوعه إلی مفهوم العلة، و هو أمر آخر غیر ما نحن فیه. نعم، یمکن أن یعدّ من التفصیل ما یشعر به کلام البعض من التفرقة فی محل المسألة بین الوصف المناسب للعلیة، کقولک: " أکرم العلماء" و "أهن الفساق" و "لاترکن إلی الظالمین" و أمثال ذلک و غیره کما فی المثال المعروف "فی السائمة زکاة" و نحو ذلک، فیقال بثبوت المفهوم فی الأوّل دون غیره. و وجهه: ظهور الکلام عرفاً علی الأوّل فی إفادة العلّیة و إن لم یصرّح بها فیرجع إلی مفهوم العلّة بخلاف الثانی و فیه: أنّ مجرّد المناسبة إنّما یفید صلاحیته للعلّیة و ذلک أعمّ من الوقوع، و القابلیة حاصلة فی القسم الثانی أیضاً».

و لابدّ من إرجاع هذا التفصیل إلی وجه الجمع بین نظریة المشهور المنکرین لمفهوم الوصف و نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره)
دلیل القول الرابع:

((1))

قال (قدس سره): إنّ المفهوم تارة بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی انتفاء الحکم عن غیره و هذا مما لایمکن الالتزام به کما تقدّم، لأنّه یرجع إلی مفهوم اللقب.

و أُخری بمعنی أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق و الظاهر هو أنّ الوصف یدلّ علی المفهوم بهذا المعنی.

و نکتة هذه الدلالة هی ظهور القید فی الاحتراز و دخله فی موضوع الحکم أو متعلّقه إلّا أن تقوم قرینة علی عدم دخله فیه، ففی مثل قولنا «أکرم رجلاً عالماً»

ص: 165


1- 1. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص278.

یدلّ علی أنّ وجوب الإکرام لم یثبت لطبیعی الرجل علی الإطلاق و لو کان جاهلاً، بل ثبت لخصوص حصّة خاصّة منه و هی الرجل العالم.

و الضابط أنّ کلّ قید أُتی به فی الکلام فهو فی نفسه ظاهر فی الاحتراز و دخله فی الموضوع أو المتعلّق أی إنّ الحکم غیر ثابت له إلّا مقیداً بهذا القید لا مطلقاً و إلّا لکان القید لغواً فالحمل علی التوضیح أو غیره خلاف الظاهر فیحتاج إلی قرینة.

و الحاصل أنّ مثل قولنا «أکرم رجلاً عالماً» و إن لم یدلّ علی نفی الوجوب عن حصة أُخری من الرجل کالعادل أو نحوه و لو بملاک آخر، إلّا أنّه لا شبهة فی دلالته علی أنّ وجوب الإکرام غیر ثابت لطبیعی الرجل علی نحو الإطلاق (و لذا إن کان فاسقاً فلا یجب إکرامه). (1)

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) یری أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف یدلّ علی عدم ثبوت الحکم له علی نحو الإطلاق، و لکن سیجیء القول المختار و هو أنّ تقیید الموضوع أو المتعلّق بالوصف، قد یدلّ علی ثبوت عدم الحکم، بمعنی ارتفاع سنخ الحکم عند ارتفاع الوصف، لا عدم ثبوت الحکم علی إطلاقه فقط.

ص: 166


1- . تظهر ثمرة اختیار هذا القول فی کثیر من المسائل: 1) منها ما ذکره السید الخوئی (قدس سره) فی کتاب الطهارة ج2، ص20، حیث استدل صاحب الحدائق علی عدم حرمة الدم المتخلف فی الذبیحة مطلقاً بقوله تعالی: (قُلْ لَا أَجِدُ فِی مَا أُوحِی إِلَی مُحَرَّمًا عَلَی طَاعِمٍ یطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ یکُونَ مَیتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا)(الأنعام:145). فقال السید الخوئی (قدس سره) عند مناقشته: «... و إن کان نظره إلی توصیف الدم فی الآیة المبارکة بکونه مسفوحاً و إنّ مفهوم الوصف یقتضی حلیة غیر المسفوح منه فیتوجّه علیه: إنّا و إن التزمنا بمفهوم الوصف أخیراً إلّا أنّ مفهومه علی ما شرحناه فی محله أنّ الحکم لم یترتّب علی طبیعة الموضوع أینما سرت لاستلزام ذلک لغویة التوصیف إلّا فیما إذا کان له فائدة ظاهرة فیستفاد منه أنّ الحکم مترتّب علی حصة خاصة منها - مثلاً- إذا ورد أکرم الرجل العادل یدلّ توصیف الرجل بالعدالة علی أنّ طبیعیه علی إطلاقه غیر واجب الإکرام و إلّا لم یکن وجه لتقییده بالعدالة بل إنّما یجب إکرام حصة خاصة منه و هو الرجل المتّصف بالعدل، و لکن لا دلالة له علی أنّ فاقد الوصف أعنی المتصف بصفة أخری غیر محکوم بذلک الحکم و لو بسبب وصف آخر و علی الجملة أنّ التوصیف و إن کان ظاهراً فی الاحتراز إلّا أنّه لایدلّ علی نفی الحکم عن غیر موصوفه فالآیة لا دلالة لها علی عدم حرمة الدم غیر المسفوح». 2) و منها ما ذکره فی کتاب الطهارة ج9 ص78 حیث قال عند الاستدلال علی وجوب أصل الدعاء فی صلاة المیت: «یدلّ علی ما ذکرناه صحیحة زرارة و محمّد بن مسلم و معمر بن یحیی و إسماعیل الجعفی عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «لَیسَ فِی الصَّلَاةِ عَلَی الْمَیتِ قِرَاءَةٌ وَ لَا دُعَاءٌ مُوَقَّتٌ تَدْعُو بِمَا بَدَا لَکَ» و ذلک لما ذکرناه فی مفهوم الوصف من أنّ له مفهوماً غیر المفهوم المدعی للقیود بمعنی أنّه إذا ورد "أکرم الرجل العالم" لم یدلّ ذلک علی أنّ الرجل العادل غیر واجب الإکرام إذ لایستفاد منه العلیة المنحصرة بل یمکن أن یدلّنا دلیل ثان علی أنّ العدالة علّة أخری للإکرام إلّا أنّه یدلّ علی أنّ للعالمیة مدخلیة فی ترتّب الحکم علی موضوعه و أنّ وجوب الإکرام لم یترتّب علی طبیعی الرجل بل لعلی الحصة الخاصة منه و هو المقید بالعلم و إلّا لکان أخذه فی لسان الدلیل لغواً محضاً و علی هذا یتبین أنّ نفی الوجوب فی الصحیحة إنّما ترتّب علی الدعاء الموقّت أی المعین و أمّا أصل الدعاء فلم ینف وجوبه فیها فیستفاد منه أنّ أصل الدعاء واجب فی صلاة الأموات لامحالة». 3) و منها ما ذکره فی کتاب الصلاة، ج3، ص288 – 289، حیث قال عند بیان الأدلّة علی وجوب قراءة سورة کاملة بعد الحمد: «و منها: صحیحة عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: یجُوزُ لِلْمَرِیضِ أَنْ یقْرَأَ فِی الْفَرِیضَةِ فَاتِحَةَ الْکِتَابِ وَحْدَهَا وَ یجُوزُ لِلصَّحِیحِ فِی قَضَاءِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بِاللَّیلِ وَ النَّهَار. فإنّ التقیید بالمریض یدلّ علی عدم جواز الاقتصار علی الفاتحة فی حال الصحة و أورد علیه بأنّ مفهوم الوصف لیس بحجة و من الجائز فی حقه و یندفع بما حقّقناه فی الأصول من ثبوت المفهوم له لا بالمعنی المصطلح، أعنی الانتفاء عند الانتفاء، بل معنی عدم کون الطبیعی علی إطلاق و سریانه موضوعاً للحکم و إلّا کان التقیید لغواً محضاً و علیه فتدلّ الصحیحة بمقتضی المفهوم علی أنّ الموضوع لجواز الاقتصار علی الفاتحة لیس هو مطلق المکلّفین و أنّ السورة واجبة علی بعضهم فی الجملة و هو المطلوب إذ لاندعی وجوبها علی الإطلاق و لذا ذکرنا آنفاً سقوطها لدی الاستعجال». 4) و منها ما ذکره فی کتاب الصلاة، ج7، ص77 – 78، حیث قال عند ذکر الأدلّة علی اختصاص البطلان بزیادة الرکن بالفریضة: «و منها: و هو العمدة ما ورد فی صحیحة زُرَارَةَ وَ بُکَیرٍ ابْنَی أَعْینَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «إِذَا اسْتَیقَنَ أَنَّهُ زَادَ فِی صَلَاتِهِ الْمَکْتُوبَةِ رَکْعَةً لَمْ یعْتَدَّ بِهَا وَ اسْتَقْبَلَ صَلَاتَهُ اسْتِقْبَالًا... إلخ». دلّت علی اختصاص البطلان بالمکتوبة لا من أجل القضیة الشرطیة ... بل من أجل مفهوم الوصف، أعنی تقیید الصلاة بالمکتوبة الذی لا مناص من کونه احترازاً عن غیرها و إلّا لأصبح التقیید لغواً ظاهراً فإنّا قد ذکرنا فی الأصول أنّ الوصف و إن لم یکن له مفهوم بالمعنی المصطلح أعنی الدلالة علی العلّیة المنحصرة المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء کما فی مفهوم الشرط فیمکن ثبوت الحکم فی غیر مورد التوصیف أیضاً بأن یرتب علی الموضوع مقیداً بقید آخر فلا منافاة و لا معارضة بین قوله: "أکرم رجلاً عادلاً " و بین قوله: "أکرم رجلاً عالماً "، کما کانت ثابتة بینهما لو کانت الجملتان علی صورة القضیة الشرطیة بدلاً عن القضیة الوصفیة. إلّا أنّه یدلّ لا محالة علی أنّ موضوع الحکم لیس هو الطبیعی علی إطلاقه و سریانه کذات الرجل فی المثال و إلّا کان التقیید بالعدالة لغواً ینزه عنه کلام الحکیم فهذا المقدار من المفهوم ممّا لا مناص عن الالتزام به، أعنی الدلالة علی أصل العلیة لا انحصارها رعایة لظهور القید فی الاحتراز و نتیجة ذلک وقوع المعارضة بین القضیة الوصفیة و بین ما لو ورد دلیل آخر تضمّن تعلق الحکم علی الطبیعی». 5) و منها ما ذکره فی کتاب الصوم، ج1، ص228 – 229، قال: «قد عرفت حرمة الاحتقان بالمایع بمقتضی الصحیحة فهل یستوجب ذلک البطلان و فساد الصوم فیجب قضاؤه أو أنّ الحرمة تکلیفیة محضة ... الأظهر الأوّل ... فقوله (علیه السلام) فی الصحیح: لایجوز. إلخ أو البأس المستفاد من مفهوم الموثق - بالمعنی الذی نقول به فی مفهوم الوصف - ظاهر فی البطلان و الفساد کما هو الحال فی سائر المرکبات الارتباطیة» و راجع أیضاً مصباح الفقاهة ج2، ص712.

ص: 167

القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه

هو التفصیل جمعاً بین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و المشهور و هذا هو المختار فإنّ مقتضی التحقیق هو الجمع بین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من ثبوت مفهوم الوصف فیما إذا کان الموضوع هو الموصوف و لکن اتصافه بالوصف هو الشرط لثبوت الحکم له و ظهور حال الوصف هو هذا المعنی حیث إنّ الوصف متمّم لقابلیة القابل فیکون شرطاً فی الحقیقة.

ص: 168

أمّا إذا کان الموضوع هو المرکّب من قیدین و أُشیر إلیهما بصورة الموصوف و الصفة و لکنهما فی الحقیقة یرجعان إلی اللقب المرکّب فلا مفهوم حینئذ.

أمّا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) مثل قوله «أکرم رجلاً عالماً» فإنّه یدلّ علی المفهوم بالمعنی المتعارف و لکنه فی مقام بیان موضوع الإکرام من حیث صفة العلم و الجهل لا من سائر الجهات مثل العدالة و الفسق و لذا یکون مفهوم «أکرم رجلاً عالماً» عدم وجوب إکرام الرجل الجاهل، أمّا عدم وجوب إکرام الرجل العادل فإنّه خارج عن نطاق الکلام.

فتحصّل من ذلک أنّ مقتضی التحقیق هو القول الخامس((1)).

ص: 169


1- . لهذا البحث ثمرة فی کثیر من المسائل نذکر بعضا منها: فی شرح اللمعة ج4، ص56 – 57: «و إنّما یتمّ الرهن (بالقبض علی الأقوی) للآیة و الروایة و معنی عدم تمامیته بدونه کونه جزء السبب للزومه من قبل الراهن کالقبض فی الهبة بالنسبة إلی المتهب. و قیل: یتمّ بدونه للأصل و ضعف سند الحدیث، و مفهوم الوصف فی الآیة. و اشتراطه بالسفر فیها و عدم الکاتب یرشد إلی کونه للإرشاد». فی شرح اللمعة ج6، ص184: «نسبته إلی القول یؤذن بتوقفه فیه. و وجهه أصالة عدم الاشتراط، و الحکم فی الآیة وقع مقیداً بالوصف و هو لایدلّ علی نفیه عمّا عداه، و جاز خروجه مخرج الأغلب، و قد روی أنّ النبی (صلی الله علیه و آله) لاعن بین عویمر العجلانی و زوجته و لم یسألهما عن البینة». فی شرح اللمعة ج7، ص277: «لیس فی الباب حدیث صحیح غیر ما دلّ علی التحریم فالقول به متعین و لعل المخصص استند إلی مفهوم حدیث أبی یحیی، لکنّه ضعیف». فی مسالک الأفهام ج5 ص27: «قوله: إذا استأجر أرضا مدّة معینة لیغرس فیها ما یبقی. .. إلخ». وجه الأوّل: أنّ المستأجر غیر متعدّ بالزرع، لأنّه مالک المنفعة تلک المدة، فله الزرع، و ذلک یوجب علی المالک إبقاؤه، لمفهوم قوله (صلی الله علیه و آله): «لَیسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَق». فی مصباح الفقیه (ط.ق) ج2، ص161: «و توهم اختصاص ما دلّ علی الستر بالحرة المنصرفة عنها أیضا فبقی علی حکم الأصل مدفوع بأنّ أخبار الستر مطلقة و الاختصاص نشأ من الأخبار الواردة فی الأمة فیختصّ بها المطلقات و یقتصر فی تخصیصها علی ما ینصرف إلیه الأخبار المخصّصة نعم ورد التقیید بالحرة فی بعض أخبار الستر کصحیحة یونس المتقدّمة و لکن هذا لایجدی فی صرف سائر الروایات إلیها إلّا بلحاظ مفهوم الصفة لو اعتبرناه إذ لاتنافی بینه و بین المطلقات بحسب المنطوق و أمّا مفهومه مع ضعفه فی حدّ ذاته و عدم کونه إلّا مجرّد إشعار خصوصاً فی مثل الصحیحة المتقدّمة ممّا لیس الوصف فیه معتمداً علی موصوف مذکور فهو علی تقدیر الحجیة لایصلح لتقیید المطلقات إلّا بالنسبة إلی الأمة المنصرفة عن المبعضة لأنّها هی المقابلة للحرة التی ینسبق إلی الذهن إرادته من المفهوم علی تقدیر تسلیمه فلیتأمل». فی شرح العروة الوثقی، السید محمد باقر الصدر، ج2، ص286 فی التعلیقة علی قوله «نعم یکره سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن»: «لروایتی عبد الله بن سنان و عمار المتقدمتین، و إن کان اثبات الکلیة بمفهوم الوصف فیهما مشکلا، فإنّ مفهوم الوصف یدل علی الانتفاء عند الانتفاء بنحو القضیة المهملة، کما بیناه فی الأصول».

و فی المسألة تفصیلات أخر تظهر لمن راجع إلی کتب الأعلام. ((1))

ص: 170


1- . فی هدایة المسترشدین ج2، ص476 هناک قولان آخران بالتفصیل أحدهما: ما تقدم من التفصیل الذی ذکره شیخنا البهائی، إذ لا أقل من ذهابه إلیه. ثانیهما: ما حکاه فی النهایة و الإحکام عن أبی عبد الله البصری من التفصیل بین ما إذا ورد فی مقام البیان أو فی مقام التعلیم، أو کان ما عدا الصفة داخلاً تحت الصفة ... وهذا القول فی الحقیقة راجع إلی القول بنفی المفهوم، وإنّما یستفاد المفهوم فی تلک الصورة لانضمام شهادة المقام» و أشار إلی تفصیل الشیخ البهائی (قدس سره) المیرزا القمی (قدس سره) فی قوانین الأصول ص329 – 330 قال: «إنّ هیهنا کلاماً من المحقق البهائی رحمة الله فی حواشی زبدته فی مباحث المفاهیم و هو أنّه قال قد یقال: إنّ القائلین بعدم حجیة مفهوم الصفة قد قیدوا المطلق بمفهومها فی نحو أعتق فی الظهار رقبة أعتق فی الظهار رقبة مؤمنة فإذا لم یکن مفهوم الصفة حجة عندهم کیف یقیدون به المطلق فما هذا إلّا التناقض والجواب أنّ مفهوم الصفة إمّا أن یکون فی مقابله مطلق کما فی المثال المذکور أو لا نحو جاء العالم ففی الثانی لیس مفهوم الصفة حجة عندهم فلایلزم من الحکم بمجیء العالم نفی مجیء الجاهل إلّا إذا قامت قرینة علی إرادة ذلک أمّا الأوّل فقد أجمع أصحابنا علی أنّ مفهوم الصفة فیه حجة کما نقله العلامة طاب ثراه فی نهایة الأصول فالقائلون بعدم حجیة مفهوم الصفة یخصون کلامهم بما إذا لم یکن فی مقابلها مطلق لموافقتهم فی حجیة ما إذا کان فی المقابل مطلق ترجیحا للتأسیس علی التأکید وقریب من هذا الاعتراض علی القائلین بأنّ الأمر حقیقة فی الوجوب کیف قالوا بأنّ الأمر الوارد عقیب الحظر حقیقة فی الإباحة انتهی» و فی الإحکام، الآمدی، ج3، ص72: «و فرق أبو عبد الله البصری من المعتزلة، و قال: الخطاب المتعلق بالصفة دالّ علی النفی عما عداها فی أحد أحوال ثلاث، وهی: أن یکون الخطاب قد ورد للبیان، کما فی قوله (صلی الله علیه و آله): فی الغنم السائمة زکاة أو التعلیم، کما فی خبر التحالف عند التخالف والسلعة قائمة أو یکون ما عدا الصفة داخلاً تحتها، کالحکم بالشاهدین، فإنّه یدلّ علی نفیه عن الشاهد الواحد لدخوله فی الشاهدین، و لایدلّ علی النفی فیما سوی ذلک». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص495: «وعلی هذا فیمکن استفادة أقوال أخر فی المسألة من کلام جماعة من الأصولیین و لو فی غیر المقام». الأوّل: فی ص496: «منها: التفضیل بین ذکر الموصوف فی الکلام و اعتماد الوصف علیه و عدمه، فإنّ المستفاد من کلام غیر واحد منهم عدّ القسم الثانی من مفهوم اللقب مع القول بعدم حجیته، بل دعوی الوفاق علیه، و اختصاص محلّ المسألة بالقسم الأوّل، کما نصّ علی ذلک بعضهم فی تعلیق الحکم علی الفاسق فی آیة النبأ عند ردّ الاحتجاج بها علی حجیة أخبار الآحاد» الثانی: فی ص499: «و منها: التفصیل بین الأوقاف والوصایا والنذور والأیمان ونحوها، فیعتبر مفهوم الوصف فی أمثال تلک المقامات وغیر ذلک فلا یعتبر، یظهر القول به من کلام شیخنا الشهید الثانی (قدس سره) حیث قال فی مفهومی الشرط والوصف: إنّه لا إشکال فی دلالتهما فی مثل ما ذکر، کما إذا قال: وقفت هذا علی أولادی الفقراء أو إن کانوا فقراء، أو نحو ذلک. ویرد علیه: أنّ إثبات المفهوم فی تلک الموارد إنّما هو لاختصاص الانشاء بالموصوف بالوصف المفروض فینتفی فی غیره». الثالث: فی ص500: «و منها: التفصیل بین الخبر والإنشاء، فإنّ التعلیق علی الأوصاف فی الإخبار، و لایکاد یدلّ علی انتفاء المخبر به عن المخبر عنه بانتفائها فی الخارج، غایته عدم تعلّق الإخبار به، و لا إشعار فیه بعدم وجوده فی نفس الأمر، کقولک: «أکرمت رجلاً عالماً» و «ضربت فاسقاً» و «جاءنی العبد الصالح» و«مررت بالمظلوم فنصرته» و «رأیت الفقیر فأغنیته و الظالم فأهنته» إلی غیر ذلک، فإنّ شیئاً من ذلک لایفید نفی وقوع تلک الأفعال عن غیر المتصف بتلک الأوصاف فی الواقع، و إنّما تعلّق الغرض ببیان المذکورات، و هذا بخلاف الإنشائات، لوضوح انتفاء مدلولاتها عن غیر المتصف بالأوصاف التی علّقت علیها. و هذا التفصیل قد یستفاد من کلام بعضهم فی غیر المقام، و مقتضاه عدم ثبوت المفهوم فی الأخبار الواردة فی بیان الأحکام الشرعیة إلّا مع ورودها علی وجه الإنشاء، کالأمر و النهی و غیرهما، و هو ضعیف جداً، لوضوح اشتراک الإخبار والإنشاء فی عدم تعلّقهما بغیر المذکور» إلخ. الرابع: فی ص501: «و منها: التفصیل بین التوصیف بوصف الغیر و ما یؤدی مؤدّاه، کقولک: «أکرم الناس غیر الکفار و سوی الفساق» و غیر ذلک، فیدلّ علی انتفاء الحکم بانتفاء الأوّل دون غیره، ذهب إلیه بعض المتأخرین، و هو خروج عن محل الکلام، إذ الأوّل یجری مجری الاستثناء و یفید معناه، و لا کلام عندنا فی دلالته إذا علی المعنی المذکور، و أین ذلک ممّا نحن فیه من دلالة التعلیق علی الوصف من حیث هو علی ذلک ؟». و فی مستند الشیعة ج1، ص318: و قد بینّا فی الأصول أنّ مفهوم الوصف المستفاد من لفظ الغیر الوصفی حجة و إن لم نقل بحجیة مطلق مفهوم الوصف. الخامس: فی ص501 و 502: «و منها: التفصیل بین الوصف الصریح و الوصف المفهوم من الکلام، أو بضمیمة قرائن المقام، کالوصف المستفاد من قوله (صلی الله علیه و آله): «لِأَنْ یمْتَلِئَ جَوْفُ الرَّجُلِ قَیحاً خَیرٌ مِنْ أَنْ یمْتَلِئَ شِعْرا» لدلالته علی الشعر الموصوف بالکثرة، و ظاهر الأکثر عدم الفرق بین المقامین، و لذا احتجوا بقول أبی عبیدة فی المثال المذکور ونحوه، إلّا أنّ ظاهر العنوان لایتناوله». السادس: فی ص502: «و منها: التفصیل بین الوصف الظاهر فی المدح أو الذم أو التأکید أو الجواب عن السؤال المخصوص، أو غیرها من الفوائد و ما لایظهر منه سوی إناطة الحکم به، فإنّ الأوّل یفید التوضیح، و نحوه لو ظهر هناک مانع من عذر أو جهالة من بیان الحکم فی غیر مورد الوصف. و الثانی ظاهر فی الاحتراز، و الظاهر خروج الأوّل عن محل المسألة کما مرّت الإشارة إلیه فی محل النزاع» إلخ و فی ذخیرة المعاد (ط.ق) ج1 ق 2، ص269: «إنّ التحقیق أنّ مفهوم الصفة إنّما یکون حجة إذا حصل الظن بأنّ ذکر الصفة بخصوصیتها لا فائدة له سوی التخصیص و الأمر هیهنا لیس کذلک» و فی حاشیة المکاسب، الإصفهانی، ج2، ص377: «إنّ الوصف إنّما یکون له مفهوم إذا لم یکن لإیراده فی الکلام فائدة». السابع: فی ص502: «و منها: التفصیل بین التوصیف بالوصف الوارد فی مورد الغالب، کما فی قوله تعالی (وَرَبَائِبُکُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِکُمْ)(النساء:23). و غیره، فلا دلالة فی الأوّل علی المفهوم، لظهوره فی إرادة التوضیح تنزیلاً للأفراد النادرة منزلة المعدوم، فلایظهر منه إرادة الانتفاء عند الانتفاء، و لا أقل من الشک، فلایمکن الاحتجاج به. و یمکن التفصیل فی ذلک بین غلبة الوجود و غلبة الإطلاق، و یقابل الأوّل ندرة الوجود، و الثانی ندرة الإطلاق. کما فرّقوا بذلک فی شمول المطلقات للأفراد النادرة و عدمه. فعلی الثانی لایکون الموصوف شاملاً للفرد النادر من أصله، فیکون الوصف توضیحیاً کما فی الأوصاف اللازمة، و لایکون هناک تخصیص بعد التعمیم لیفید حکم المفهوم، بخلاف الأوّل لشموله للأفراد النادرة، فیظهر من التخصیص بغیرها إرادة المفهوم کما فی غیرها». و ذکر فی ص498 تفصیل العلّامة (قدس سره) الذی جعل فی المتن: «و منها: التفصیل بین کون الوصف علّة للحکم و غیره، کما یظهر من کلام العلّامة فی النهایة» إلخ. هنا تفصیلان آخران: الأوّل: فی کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31: «التاسع و العاشر والحادی عشر و الثانی عشر - مفهوم الصفة و العدد زیادة و نقصاً و الزیادة و النقصان فی أی محل کان و کشف الحال أنّها حکمها الاختلاف باختلاف المواضع فمتی وقعت جواباً عن المطلق أفادت المفهوم نفی الحکم عند انتفاء الصفة و نفی زیادة العدد و نفی النقصان و نفی الزیادة و إن وقعت جواباً عن المقید لم یفد ذلک و إن أطلقت و ظهرت حکمه للتعیین سوی التخصیص فلا دلالة و إن لم تظهر أفادت و علی کل حال فالمدار علی حصول الفهم بحیث یعدّ فهما فی العرف و الإجماع و السیرة و احتجاجات السلف قاضیة بحجیتها مع القید المذکور» و نظیره ما فی الفصول، ص152. الثانی: فی المحاضرات تقریر درس المحقّق الداماد (قدس سره)، ج1، ص412: «إنّ فی المسألة أقوالاً ... الثالث التفصیل بین ما یفید النفی أو الإثبات» و لم نظفر بمأخذه. تتمّة: جاء فی هدایة المسترشدین ج2، ص476: «و قد یزاد قول خامس، و هو البناء علی الوقف إن عدّ قولاً و علیه الحاجبی فی مختصره، و یمیل إلیه کلام بعض أفاضل المتأخرین». و الظاهر أنّ مراده من هذا البعض المحقّق القمی (قدس سره) قال فی قوانین الأصول ص181: «ولی فی المسألة التوقّف و إن کان الظاهر فی النظر أنّه لایخلو عن إشعار کما هو المشهور إذ التعلیق بالوصف مشعر بالعلیة لکن لا بحیث یعتمد علیه فی الاحتجاج إلّا أن ینضمّ إلیه قرینة کما فی صحیحة الفضیل المتقدّمة و من هذا القبیل القیود الاحترازیة فی الحدود و الرسوم» و راجع أیضاً غنائم الأیام ج2، ص497؛ مناهج الأحکام ص82؛ جامع الشتات ج2، ص402؛ جامع الشتات ج3، ص380 و للوحید البهبهانی (قدس سره) هنا کلام ما أکثَرَ فائدته قال (قدس سره) فی الفوائد الحائریة ص343 – 344: «خاتمة قد عرفت ضرر عدم معرفة شرائط الاجتهاد، و عدم مراعاتها، و الخطر الشدید الذی فیها، لکن فی معرفة تلک الشرائط خطر أیضاً لابدّ من عدم الغفلة عنه، و حفظ النفس عنه، و ذلک الخطر من وجوه: الأوّل: أنّه - من شدة الأنس بها، و الاستناد إلیها و الاعتماد علیها - ربّما یغفل عن قرائن الحدیث غافل، و لاتنجلی له سیما إذا کانت خفیة. مثلاً: حقّق فی أصول الفقه أنّ مفهوم الوصف لیس بحجة، و فی کثیر من الأخبار یظهر اعتبار ذلک المفهوم باعتبار خصوصیة المقام، فالغافل یعترض علیه: بأنّه مفهوم الوصف، و هو لیس بحجة - علی ما هو محقّق فی الأصول - سیما إذا کانت القرینة لم تکن بذلک الجلا، إذ قد عرفت أنّ تعلیق الحکم علی الوصف مشعر بالعلیة و الإشعار موجود علی أی حال فإذا تقوی ذلک الإشعار بخصوصیة مقام یحصل القدر المعتبر من الظهور، و إن کان الإشعار لایکفی لو لم یکن القوة. و بالعکس إلّا أنّه بانضمامهما معاً حصل الکفایة، بل ربّما یجد القرینة فی غایة الظهور، و مع ذلک یعترض ذلک الاعتراض. مثل: ما ورد فی صحیحة الفضیل فی غایة خیار الحیوان، فإنّه قَالَ: قُلْتُ لَهُ مَا الشَّرْطُ فِی الْحَیوَانِ؟ فَقَالَ: إِلَی ثَلَاثَةِ أَیامٍ لِلْمُشْتَرِی. قُلْتُ فَمَا الشَّرْطُ فِی غَیرِ الْحَیوَانِ؟ قَالَ الْبَیعَانِ بِالْخِیارِ مَا لَمْ یفْتَرِقَا. و هذا کالصریح فی تخصیصه بالمشتری، و مع ذلک یعترض: بأنّ دلالته بمفهوم الوصف، و هو لیس بحجة. و قس علی ذلک سائر القواعد الأصولیة، و کذا القواعد النحویة، أو الصرفیة، أو غیرهما».

ص: 171

ص: 172

ص: 173

ص: 174

الفصل الثالث: مفهوم الغایة

اشارة

ص: 175

ص: 176

مفهوم الغایة

و البحث هنا یقع فی مقامین:
اشارة

الأول: فی المفهوم و هو أنّ التحدید بالغایة هل یدلّ علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی و نذکره هنا.

الثانی: فی المنطوق و هو أنّ الغایة هل هی داخلة فی حکم المغیی أو لا؟

ص: 177

المقام الأوّل:هل تدلّ الغایة علی انتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟
اشارة

أما الأقوال المهمّة فی مفهوم الغایة فهی خمسة:

القول الأوّل:

و هو ما اشتهر((1)) عند الأصولیین من دلالة الغایة علی المفهوم((2)) و هو المختار.

ص: 178


1- . ادعی التفتازانی کون مفهوم الغایة إجماعیاً و فی تفسیر الآلوسی ج26، ص7 «إنّ قوله [أی التفتازانی] فی التلویح: "إنّ مفهوم الغایة متفق علیه" لایخلو من الخلل».
2- . فی زبدة البیان ص173: «و تحریم الأکل و الشرب بعد الفجر للغایة لأنّ مفهوم الغایة حجة کما هو الحق المبین فی الأصول». و فی زبدة الأصول، ص152 – 153: «فصل مفهوم الغایة حجة عند الأکثر، إلّا المرتضی و بعض العامة. لنا: إنّ المتبادر من نحو: "صوموا إلی اللیل" بیان آخر وجوبه». و فی الرواشح السماویة ص299: «و منها: "مفهوم الغایة ". و ما قال شیخنا فی الذکری: " أنّه راجع إلی الوصفی" غیر مستبین السبیل، و هو أقوی من مفهوم الشرط، و من لایقول بحجیته لایعتدّ بقوله. فإذا قیل -مثلاً: "یصام" أو "لایؤکل و لایشرب فی الصوم حتی یغیب الشمس" کان لا محالة معناه: آخر وجوب الصوم، أو: آخر حرمة الأکل و الشرب فی الصوم غیبوبة الشمس، فلو قدرنا ثبوت الوجوب أو الحرمة بعد ما غابت، لم تکن الغیبوبة آخراً و ذلک خلاف صراح المنطوق». و فی تجرید الأصول ص218: «فصل مفهوم الغایة أقوی المفاهیم و حجة عند الکل إلّا المرتضی و لا بعض الجماهیر لنا ما مرّ من التبادر و غیره و لولاه للغی ذکرها و لم یکن بیاناً لاخر الفعل مع أنّه صریح المنطوق فی مثل صم إلی اللیل و قم إلی النهار و لکون المفهوم لازماً له یرتفع بارتفاعه لایلزم إیجادهما» و فی کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31: «الثالث: مفهوم الغایة فإذا أتی بصیغة تفیدها علی نحو المفهوم دلّت علی خروج ما بعد الغایة». و فی قوانین الأصول، ص186: «قانون الحق أنّ مفهوم الغایة حجة وفاقاً لأکثر المحقّقین و الظاهر أنّه أقوی من مفهوم الشرط و لذلک قال به کل من قال بحجیة مفهوم الشرط و بعض من لم یقل بها». و فی مفاتیح الأصول، ص213: «اعلم أنّ فی المسألة قولین أحدهما ثبوت الدلالة و هو الذی اختاره المحقّق و العلّامة و السید عمید الدین و صاحب المعالم کما عن أبی الحسین البصری و القاضیین و الرازی و الغزالی بل مستفاض نقله عن أکثر المحققین و جعله العضدی أقوی من مفهوم الشرط قال: و قال به کل من قال بمفهوم الشرط و بعض من لم یقل به کالقاضی عبد الجبّار انتهی و تعدّی بعض و قال: إنّه منطوق لا مفهوم ... و الأقرب الأوّل لأنّ معنی صوموا إلی اللیل بحکم التبادر صوموا صوماً یکون آخره اللیل فلو وجب بعد مجیئها لم یکن اللیل آخراً بل وسطاً». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص531 – 533 عند التعلیقة علی قوله «وفاقاً لأکثر المحقّقین»: «هذا القول هو المعروف بین أصحابنا و العامة، ذهب إلیه المحقّق فی المعارج، و العلّامة فی موضعین من النهایة، و موضع من التهذیب، و السید عمید الدین فی المنیة، و شیخنا البهائی فی الزبدة، و شارحه الجواد، و المازندرانی، و المحقق البهبهانی، و صاحب القوانین، وغیرهم، وجنح إلیه فی الذکری، لأنّه أرجعه إلی مفهوم الوصف. وعزاه الآمدی إلی أکثر الفقهاء وجماعة من المتکلمین، کالقاضی أبی بکر، والقاضی عبد الجبار، وأبی الحسین البصری، وغیرهم وفی الزبدة إلی الأکثر. وفی غایة المأمول إلی أکثر أصحابنا والعامة. ونسبه جماعة من أصحابنا والعامة إلی کل من قال بمفهوم الشرط، وبعض من لم یقل به مصرحین بأنّه أقوی منه، فیکون أقوی من مفهوم الوصف إن قلنا به بطریق أولی». و فی نهایة الأفکار ج1 - 2، ص497: «ومن المفاهیم الغایة وقد اختلف کلماتهم فی أنّه هل التقیید بالغایة یقتضی انتفاء سنخ الحکم عمّا بعد الغایة ... أو أنّه لایقتضی ذلک ؟ و لکنّ الذی یقتضیه التحقیق هو الأوّل، و ذلک لعین ما ذکرنا فی مفهوم الشرط». و فی مجمع الأفکار، ج2، ص129: «نحن فی الدورة السابقة اخترنا تبعاً لأساتیذنا عدم المفهوم له و لکن فی هذه الدورة نرجع عنه لأنّ السیر إذا صار مقیداً یکون مثل ما إذا صار الحکم بالسیر مقیداً فإرجاع القید إلی المتعلق یکون مثل إرجاعه إلی الحکم و لقد أجاد شیخنا النائینی (قدس سره) حیث قال بأنّ قید الفعل یکون حاله حال الشرط فی وجود المفهوم له فلایرجع قید الفعل إلی اللقب فی عدم المفهوم و لاتکون الغایة مثل الوصف الذی لایکون له مفهوم لأنّ المتفاهم العرفی فی الغایة غیره فی الوصف». و راجع غایةالمسئول، ص350؛ نهایة النهایة ج1، ص269.
القول الثانی:

نسب إلی بعضهم مثل السید المرتضی و الشیخ الطوسی (قدس سرهما) عدم ثبوت مفهوم الغایة. ((1))

ص: 179


1- . فی الوافیة ص232: «ولما کان حجیة مفهوم الغایة أقوی من باقی الأقسام، فنحن نتکلّم فیه و یظهر منه حال البواقی، من غیر تأمّل» ثمّ استدلّ علی عدم حجیته. و فی الحدائق الناضرة ج3، ص245: «... وفیه (أوّلاً): أنّ مدار الاستدلال علی حجیة مفهوم الغایة کما ذکره، وهو و إن سجل علی حجیته بما ذکره إلّا أنّه غیر ظاهر عندی لما قدمناه فی مقدمات الکتاب من أنّه لم یقم دلیل شرعی علی حجیة شیء من المفاهیم المذکورة سوی مفهوم الشرط کما تقدم، والتعویل علی مجرد ما یذکر فی الأصول من الدعاوی التی یزعمونها أدلة غیر ثابت عندی، بل المدار عندی فی الاستدلال إنّما هو علی الکتاب والسنة وهما الثقلان اللذان أمر (صلی الله علیه و آله) بالتمسک بهما بعده». و فی مفاتیح الأصول، ص213: «اعلم أنّ فی المسألة قولین ... و ثانیهما المنع من الدلالة و هو الذی حکی عن المرتضی و الآمدی و أبی حنیفة و أصحابه و جماعة من المتکلمین و الفقهاء». و فی هدایة المسترشدین ج2 ص532 عند التعلیقة علی قوله «وخالف فی ذلک السید»: «قد وافق السید (رحمه الله) فی ذلک الشیخ فی العدة فی جمیع ما ذکره، لکنّ الذی یظهر من آخر کلامه هو التوقف، فإنّه بعد أن بالغ فی التسویة بین مفهوم الغایة والوصف والمنع منهما ذکر أخیرا: أنّ له فی ذلک نظراً و اختار هذا القول جماعة من أصحابنا، منهم صاحب الوافیة وغیره، ومن العامة الآمدی فی الإحکام وجماعة. وعزاه الآمدی إلی أصحاب أبی حنیفة وجماعة من الفقهاء». و راجع أیضاً بحوث فی علم الأصول، ج3، ص211 و دروس فی علم الأصول، ج2، ص111؛ اقتصادنا ص704.
القول الثالث:

و هو ما اختاره المحقّق الخراسانی (قدس سره) ((1)) من التفصیل بین ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم و قیداً للموضوع.

ص: 180


1- . فی کفایة الأصول ص208 – 209. و فی درر الفوائد ج1، ص204: «الحق أن یقال إنّ الغایة بحسب القواعد العربیة تارة تکون غایة للموضوع وأخری تکون غایة للحکم (الأوّل) مثل سر من البصرة إلی الکوفة (والثانی) مثل اجلس من الصبح إلی الزوال ففی الأوّل حالها حال الوصف فی عدم الدلالة و إن کان تحدید الموضوع بها یوجب انتفاء الحکم المذکور فی القضیة عند حصولها لکن قد مر أنّ هذا لیس قولاً بالمفهوم وفی الثانی الظاهر الدلالة فإنّ الغایة جعلت بحسب مدلول القضیة غایة للحکم المستفاد من قوله اجلس وقد حقّقنا فی محله أنّ مفاد الهیئة إنشاء حقیقة الطلب لا الطلب الجزئی الخارجی فیکون الغایة فی القضیة غایة لحقیقة الطلب المتعلّق بالجلوس ولازم ذلک ارتفاع حقیقة الطلب عن الجلوس عند وجودها». و فی مقالات الأصول ج1، ص416 و 417: «قد یفصل بین کون الغایة قیداً للموضوع أو المحمول وبین کونه قیدا للنسبة، بالالتزام بانتفاء السنخ من ظاهر القضیة فی الآخر دون الأولین ... وحینئذ فلک أن تختار التفصیل المزبور فی المسألة تبعاً لبعض الأعلام بأخذ المفهوم فی الأخیر دون الأوّلین فتدبر فی المقام فإنّه من مزال الأقدام» و اختار هذا القول فی مقام الثبوت بعض الأعلام و إن اختلفوا فی التعبیر: ففی منتهی الأصول ج1، ص438: «قد عرفت فی باب مفهوم الوصف أنّ المناط فی کون القضیة ذات مفهوم هو أن یکون التقیید المذکور فی القضیة من شرط أو وصف أو غایة قیداً للحکم بالمعنی المعقول منه أی یکون قیدا لمفاد الجملة و نتیجتها بعد تحقق الإسناد، بمعنی أن یکون التقیید فی رتبة نفس الإسناد و لایکون متقدماً علیه (وبعبارة أخری) لایکون التقیید راجعاً إلی عقد وضع القضیة أو عقد حملها حتی یکون الإسناد وارداً علی عقد الوضع المقید أو عقد الحمل کذلک و بناء علی هذا إن کانت الغایة المذکورة فی القضیة قیداً للحکم المذکور فیها، فتکون القضیة ذات مفهوم. وأمّا إن کانت قیداً للموضوع أو للمحمول فلا. (هذا) کله بحسب مقام الثبوت» و أمّا بحسب الإثبات فالأقوال مختلفة: ففی نهایة النهایة ج1، ص269 عند التعلیقة علی قوله «و التحقیق أنّه إذا کانت»: «الظاهر أنّ ضابط الأمرین أعنی رجوع القید بحسب القواعد العربیة إلی الحکم أی ثبوت المحمول للموضوع ورجوعه إلی الموضوع و کونه من حدوده أنّه إن ذکر القید عقیب ذکر الجملة بموضوعها و محمولها کان ظاهره أنّه راجع إلی الجملة من حیث هی جملة أعنی مفاد هیئتها الذی هو ثبوت المحمول للموضوع دون مفاد مواد الجملة أعنی موضوعها ومحمولها وإن ذکر فی أثناء الموضوع قبل ذکر الحکم کان ظاهره أنّه قید للموضوع و إن أمکن فی کل من الموردین العکس بقرینة مقامیة». راجع منتهی الأصول ج1، ص438.
القول الرابع:

و هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) و هو دلالة الغایة علی المفهوم بحسب مقام الإثبات.

ص: 181


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص280.
2- 2. تحقیق الأصول، ج4، ص231.
القول الخامس:

و هو التفصیل الذی اختاره المحقق الخوئی و سیأتی کلام حوله إنشاء الله.

و هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها. ((1))

ص: 182


1- . الأول: فی الرواشح السماویة ص299 – 300: «وفی حزب أولی تدقیق النظر من قال: التحقیق یستدعی تفصیلاً و هو أنّ الغایة إمّا أن تکون منفصلة عن ذی الغایة حسّاً ک «اللیل» فی قوله تعالی: (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ) (البقرة:187). فإنّه غایة لزمان الصوم، و هو منفصل عن ذلک الزمان حساً أو لاتکون کذلک ک (الْمَرَافِقِ) فی قوله: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ) (المائدة:6). فإنّه غایة للید، غیر منفصل عنها حساً و القسم الأوّل یقتضی أن یکون حکم ما بعد الغایة خلاف ما قبلها؛ لأنّ انفصال أحدهما عن الآخر معلوم حساً و القسم الثانی لایقتضی ذلک؛ لأنّ (الْمَرَافِقِ) لما لم یکن منفصلاً عن الید حساً لم یکن تعینه؛ لکونه غایة أولی من سائر مفاصل الید، فلایجب خروجه عمّا قبله. قلت: إنّما حریم البحث دخول ما بعد الغایة فی الحکم بالذات وعلی القصد الأوّل، ومن المنصرح أنّ قضیة التعینیة قاضیة بخروج ما بعد الغایة المتعینة فی الواقع و عند شارع الحکم وإن لم تکن متعینة فی حس المکلّف عن القصد بالذات. و ما ذکره من عدم الانفصال حساً لیس یقتضی إلّا إدخال جزء ما ممّا بعد الغایة الحقیقیة فی المأتی بالعرض وعلی القصد الثانی من باب المقدمة؛ تحصیلاً لما هو الغایة فی الواقع حقیقة، و لیس الکلام فیه». و فی هدایة المسترشدین ج2 ص532: «هناک قول ثالث بالتفصیل بین ما إذا کانت الغایة منفصلة عن ذی الغایة بمفصل محسوس، کما فی قوله تعالی: (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). وما لم یکن کذلک، کما فی قوله سبحانه: (وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ)(المائدة:6). ففی الأوّل یجب أن یکون حکم ما بعد الغایة مخالفا لما قبلها، للعلم حسا بانفصال أحدهما عن الآخر. و فی الثانی یجوز أن یکون ما بعدها داخلاً فی ما قبلها، حکاه العلامة فی النهایة، واختاره فی المبادئ وموضع من التهذیب. وبه قال الرازی فی المحصول، وهو فی محل المسألة لایخلو من غرابة. وإنّما یناسب الکلام فی نفس الغایة، کما مرّ فی تبیان الأقوال المذکورة فیها، وکأنّه یؤید ما قیل من اختصاص النزاع بنفس الغایة دون ما بعدها، إلّا أنّ کلماتهم فی عنوان المسألة بین صریحة وظاهرة فی اختصاصه بما بعد الغایة کما عرفت. نعم، کلام بعضهم یحتمل إرادة الغایة وما بعدها، فیکون الکلام فی نفس الغایة مندرجاً فی محل المسألة، فلعل الجماعة المذکورة بهذا الاعتبار ذهبوا إلی التفصیل المذکور» الثانی: فی هدایة المسترشدین ج2 ص532: «قد یذکر فی المسألة قول رابع، و هو: أنّ التقیید بالغایة یقتضی المخالفة بالنسبة إلی الحکم المذکور، بحیث یکون المفهوم من المثال المعروف انقطاع الصوم المأمور به بذلک عند مجئ اللیل، ولایقتضی مخالفة ما بعدها لما قبلها مطلقا حتی یکون مدلوله أنّ لا أمر بالصیام بعدها مطلقا ولو بأمر آخر. و أنت إذا أحطت خبرا بما قدمناه فی محل النزاع تعلم رجوع هذا التفصیل إلی النفی المطلق، إذ لایتصور القول بکون الصوم المطلوب بذلک الخطاب مستمرا بعد اللیل و هو ظاهر». و اختار هذا التفصیل فی الفصول الغرویة ص153، قال (قدس سره): «ولنحرر أولا محل النزاع فاعلم أنّ النزاع یتصوّر هنا فی مقامین الأول أنّ التقیید بالغایة هل یقتضی مخالفة ما بعدها لما قبلها مطلقاً بحیث یکون المفهوم من قولنا صم إلی اللیل أنّه لا أمر بالصیام بعدها مطلقا ولو بأمر آخر ولایقتضی ذلک الثانی أنّ التقیید بها هل یقتضی المخالفة بالنسبة إلی الحکم المذکور بحیث یکون المفهوم فی المثال المذکور انقطاع الصوم المأمور به بذلک الأمر عند مجیء اللیل أو لایقتضی ذلک حتی أنّه یجوز أن یکون الصوم المطلوب بذلک الخطاب مستمراً بعد اللیل أیضاً من غیر شهادة فی اللفظ علی خلافه فنقول إن کان النزاع فی المقام الأوّل کما هو ظاهر بل صریح بعضها فالحق فیه مع من أنکر الدلالة وإن کان فی المقام الثانی فالحق فیه مع من أثبتها قلنا فی المقام إذن دعویان نفی الدلالة فی المقام الأوّل و إثباتها فی المقام الثانی». الثالث: فی هدایة المسترشدین ج2 ص533 ویظهر من بعضهم التوقف فی المسألة، فیرجع فیما بعد الغایة إلی مقتضی الأصل العملی، سواء وافق القول بالمخالفة أو خالفه، فیکون ذلک هو رابع الأقوال، والله سبحانه هو العالم بحقیقة الحال». الرابع: فی منتقی الأصول ج3، ص284: «التحقیق أن یقال: إنّ الکلام إذا کان مسوقاً لبیان الغایة فقط مع کون الحکم مفروغا عنه، وانّما کان المولی فی مقام بیان غایته وحده، کان مقتضی الإطلاق المقامی ثبوت المفهوم وارتفاع الحکم بحصول الغایة، و إلّا لم تکن الغایة غایة للحکم، ومثاله قوله تعالی: (کُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ..)(البقرة:187). فإنّ أصل جواز الأکل معلوم و الآیة مسوقة لبیان غایته. وإن کان مسوقاً لبیان الحکم المغیی فلا دلالة له علی المفهوم لما عرفت من أنّ اعتبار حکم مقید بقید لایتنافی مع اعتباره مقیداً بقید آخر أو غیر مقید بقید فتدبّر والتفت». الخامس: فی عنایة الأصول ج2، ص214: «إنّ الغایة و إن لم تدل علی ارتفاع الحکم بحصول الغایة مطلقاً علی وجه لو قال صم إلی الیوم العاشر ثمّ قال ومن العشرین إلی الآخر کان الثانی منافیاً لمفهوم الأوّل بحیث وجب تخصیص المفهوم به ولکنّها مما تدلّ علی ارتفاع الحکم بحصول الغایة فی الجملة وإلّا لکان التحدید بها لغواً غالباً (و أمّا التحدید) بها لأجل شدة الاهتمام بما قبل الغایة أو لغیرها و إن کان قد یتفق أحیاناً ولکنّه لیس دائماً من هذا القبیل ففی الأغلب یکون لأجل ارتفاع الحکم بحصول الغایة ولو فی الجملة وإلّا لکان التحدید بها عبثاً جداً».

ص: 183

أدلّة الأقوال و مناقشتها
أمّا الدلیل علی القول الأول و الثانی و الکلام حولهما:

فیظهر من البحث حول القول الثالث و الرابع و الخامس.

أمّا الدلیل علی القول الثالث:
اشارة

إذا کانت الغایة قیداً للحکم مثل «کلّ شیء حلال حتّی تعرف أنّه حرام» فقد تدلّ علی المفهوم و الدلیل علیه:

أوّلاً: هو التبادر.

و ثانیاً: هو حکم العقل بذلک، لأنّه مقتضی تقیید الحکم بالغایة و إلّا یلزم عدم کون ما جعل غایة للحکم غایة له و معنی ذلک لغویة الغایة.

و أمّا ما إذا کانت الغایة قیداً للموضوع مثل «سر من البصرة إلی الکوفة» فحال الغایة حال الوصف فی عدم الدلالة علی المفهوم، لأنّ مقتضاه هو عدم الحکم فی القضیة إلّا بالنسبة إلی المغیی فالغایة جاءت لتحدید الموضوع.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده بالنسبة إلی الغایة التی تکون قیداً للحکم فهو صحیح، فإنّها تدلّ علی المفهوم و أمّا ما کانت قیداً للموضوع فقد تکون مثل الوصف دالّة علی المفهوم کما تقدّم فی مفهوم الوصف بل التفصیل الذی مضی فی مفهوم الوصف لایجری هنا، لأنّ الغایة تکون من قبیل الأوصاف التی ترجع إلی مفهوم الشرط لا التی ترجع إلی مفهوم اللقب.

ص: 184

فالحق هو دلالة الغایة علی المفهوم.

هنا إیرادات أخر لانطیل الکلام بذکرها.((1))

ص: 185


1- . الأوّل: فی نهایة النهایة ج1، ص269: «إنّ المصنف (قدس سره) أخطأ فی مقامین (أحدهما) عدّ مثال سر من البصرة إلی الکوفة ممّا یرجع فیه القید بحسب القواعد العربیة إلی الموضوع مع أنّه بمقتضی الضابط الذی ذکرناه یرجع إلی الحکم وإنّما القرینة تصرفه عن هذا الظهور (ثانیهما) تفصیله بین ما یرجع فیه القید بحسب القواعد العربیة إلی الحکم وما یرجع بحسبها إلی الموضوع مع أنّ الصواب التفصیل بین مطلق ما یرجع إلی الحکم وما یرجع إلی الموضوع من غیر فرق بین أن یکون ذلک بحسب القواعد العربیة أو لقرینة مقامیة». الثانی: فی وسیلة الوصول ص355 – 356: «الحق عدم الفرق بین کونها غایة للحکم أو الموضوع، وذلک لأنّ الحکم کالوجوب - مثلاً- لابدّ له [ من ] موجب، لأنّه لایمکن أن یکون بلا مصلحة وبلا علّة، فکما یمکن أن یکون للحکم موضوع آخر غیر الموضوع المذکور فی القضیة ویکون مبدؤه منتهی ذلک الموضوع المذکور و إثباته للموضوع لایدلّ علی انتفائه عن غیره یمکن أن تکون مصلحة مقتضیة لجعل حکم إلی ذلک الحد المذکور فی القضیة ومصلحة أخری أیضاً مقتضیة لجعل حکم آخر مماثل للحکم الأوّل لما بعد ذلک الحد، فکما یمکن تعدّد الموضوعات یمکن تعدّد الوجوبات. ولو قیل بأنّه یستفاد من الجملة أو من الخارج انحصار علّة الوجوب بما قبل الغایة یمکن أن یقال مثله بالنسبة إلی الموضوع، وأنّه یستفاد أنّ الموضوع منحصر به. وبعبارة أخری إن استفیدت العلیة المنحصرة ففی کلیهما یقتضی انتفاؤه عمّا بعد الغایة، وإلّا ففی کلیهما لایقتضی انتفاؤه، فالتفصیل بین ما لو کانت الغایة غایة للحکم أو الموضوع لا وجه له فتأمّل». الثالث: فی عنایة الأصول ج2، ص214: «وأمّا الفرق بین تحدید الحکم بها وبین تحدید متعلّقه بها فمما لا وجه له فإنّ الحکم الظاهری کما فی الحدیثین الشریفین وإن کان ممّا یرتفع مطلقاً بمجرّد حصول غایته وهو العلم إذ لایعقل ثبوت الحلیة الظاهریة أو الطهارة الظاهریة مع حصول العلم وارتفاع الجهل ولکن الحکم الواقعی لیس من هذا القبیل فیجوز أن یجتمع مع حصول غایته ولو فی الجملة فإذا قال مثلاً یجب علیک الصوم من أوّل الشهر إلی العاشر جاز أن یقول ومن العشرین إلی الآخر من دون أن یکون بینهما تناف عرفاً (و بالجملة) التحدید بالغایة فیما سوی الحکم الظاهری مما یدل علی ارتفاع الحکم فی الجملة وإن لم یدل علی ارتفاعه مطلقا من غیر فرق بین کون الغایة قیدا للحکم الواقعی أو لمتعلقه».
بیان القول الرابع و الدلیل علیه:
اشارة

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) جعل البحث فی مقام الثبوت أوّلاً ثم فی مقام الإثبات ثانیاً.

أمّا البحث الثبوتی فهو أنّ ملاک الدلالة علی المفهوم هو کون القید راجعاً إلی الجملة الترکیبیة، و ملاک عدم الدلالة علی المفهوم هو رجوع القید إلی المفهوم الإفرادی و لذا بنی علی ظهور الجملة الشرطیة فی المفهوم دون الوصفیة.

و أمّا البحث الإثباتی فهو أنّ الأدوات الموضوعة للغایة لم توضع لخصوص تقیید المفاهیم الإفرادیة (کالوصف) و لا لخصوص تقیید الجمل الترکیبیة (کأدوات الشرط) فعلی هذا أدوات الغایة لیست ظاهرة فی المفهوم و لا غیر ظاهرة فیه بحسب الوضع.

و لکن هذه الأدوات بحسب التراکیب الکلامیة لابدّ أن تتعلّق بشیء و المتعلّق لها هو الفعل المذکور فی الکلام، فتکون حینئذ ظاهرة فی کونها من قیود الجملة، لا من قیود المفهوم الإفرادی، فتلحق بأدوات الشرط من هذه الجهة، فتکون ظاهرة فی المفهوم.

فالمتحصل من کلام المحقّق النائینی (قدس سره) أنّ الغایة تدلّ علی المفهوم بحسب مقام الإثبات و لذا یمکن إرجاع هذا القول إلی القول الأوّل.((2))

ص: 186


1- . فوائد الأصول، ج2، ص505: ظاهر القضیة بحسب القواعد العربیة رجوع الغایة إلی اسناد المحمول إلی الموضوع، فکأنّه جعل وجوب إتمام الصیام مغیا بغایة اللیل، فیقتضی رجوع الغایة إلی الحکم انتفائه عمّا بعد الغایة، و ینفی ثبوت حکم آخر من سنخ هذا الحکم للّیل.
2- . أجود التقریرات، (ط عرفان)، ج 1، ص437.
إیراد علی هذا الدلیل:

المحقّق الخوئی (قدس سره) استشکل علی کلام المحقّق النائینی (قدس سره) بحسب مقام الإثبات حیث إنّ الغایة عند المحقّق الخوئی (قدس سره) قد یکون ظاهرة فی رجوعه إلی متعلّق الحکم و أُخری یکون ظاهرة فی رجوعه إلی نفس الحکم و ثالثةً لایبقی للغایة ظهور فی رجوعه إلی متعلّق الحکم أو نفس الحکم و سیتضح ذلک إن شاء الله تعالی عند بیان مختاره (قدس سره) .

بیان القول الخامس و الدلیل علیه:
اشارة

((1))

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2)): أمّا بحسب مقام الثبوت فإنّ أدوات الغایة إن کانت قیداً للموضوع کما فی قوله تعالی: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ)((3)) أو کانت قیداً للمتعلّق فدلالتها علی المفهوم تبتنی علی مسألة

ص: 187


1- . بیان الفرق بین القول الرابع و الخامس عند المحقق الصدر (قدس سره) . فی بحوث فی علم الأصول، ج3، ص211: «الغایة تارة: تکون راجعة إلی موضوع الحکم کما فی قوله تعالی: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَأَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ)(المائدة:6).، و أخری إلی متعلق الحکم فی قولنا "صُمْ إلی اللیلِ"، و ثالثة: إلی نفس الحکم المستفاد من مدلول الهیئة و النسبة التامة کما فی قولنا "صُمْ حتی تصبح شیخا"، و رابعة: ترجع إلی الحکم المستفاد من مفهوم اسمی أفرادی کما فی قولنا "الصوم واجب إلی اللیلِ" أی وجوبا مستمراً إلی اللیل. و مدرسة المحقق النائینی (قدس سره)، تفصل بین هذه الأنحاء فتری ثبوت المفهوم فی بعضها دون بعض علی خلاف بین ظاهر کلام المیرزا نفسه و کلام السید الأستاذ، فالظاهر من کلام المحقق النائینی إنَّ المفهوم ثابت فیما إذا کانت الغایة راجعة إلی مدلول الهیئة التامة فی الجملة الإنشائیة و هو النحو الثالث من الأقسام فقط، و ظاهر کلام السید الأستاذ ثبوته فیما إذا کانت الغایة راجعة إلی الحکم سواءً کان مفاداً بنحو المعنی الاسمی أو النسبی».
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص283؛ أجود التقریرات، ج2، ص280.
3- . سورة المائدة(5): 6.

مفهوم الوصف، لأنّ التقیید بالغایة حینئذ من إحدی صغریات التقیید بالوصف، إذ المراد بالوصف فی ذلک المبحث لیس خصوص الوصف المصطلح علیه فی علم النحو، بل المراد به مطلق ما یکون قیداً لموضوع الحکم أو لمتعلّقه فی الکلام.

و إن کانت قیداً للحکم فتدلّ علی انتفاء الحکم عند تحقق غایته، بل لایبعد أن یقال: إنّ دلالة تقیید الحکم بغایةٍ ما علی المفهوم أقوی من دلالة تعلیق الحکم علی الشرط علی المفهوم.

و أمّا بحسب مقام الإثبات فهنا ثلاث صور:

الصورة الأولی: أن یکون الحکم مستفاداً من الهیأة، فالغایة ترجع إلی متعلّق الحکم إذ الظاهر هو رجوع القید إلی المعنی الحدثی، فرجوعه إلی الموضوع خلاف الظاهر کما أنّ رجوعه إلی مفاد الهیأة و إن کان أمراً ممکناً فی نفسه إلّا أنّه علی خلاف المتفاهم العرفی ما لم تقم قرینة علیه.

الصورة الثانیة: أن یکون الحکم مستفاداً من مادّة الکلام و لم یذکر متعلّق الحکم فی الکلام، کما فی قولنا «یحرم الخمر إلی أن یضطرّ إلیه المکلّف» فلاینبغی الشک فی ظهور الکلام فی رجوع القید إلی نفس الحکم.

الصورة الثالثة: أن یکون الحکم مستفاداً من مادة الکلام و کان المتعلّق مذکوراً کما فی قولنا «یجب الصیام إلی اللیل»، فلایکون للکلام ظهور فی رجوع القید إلی الحکم أو إلی متعلّقه، فلایکون له دلالة علی المفهوم، لو لم تقم قرینة فی الکلام أو من الخارج علیها.

انتهی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 188

إیراد علی قول المحقق الخوئی (قدس سره):

قد استدلّ بعض الأساطین (دام ظله) علی حجیة مفهوم الغایة فیما إذا کان الحکم مدلول الهیأة (خلافاً لما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الصورة الأُولی من صور مقام الإثبات) و کانت الغایة قیداً للمتعلّق (خلافاً لما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی مقام الثبوت) بما رواه الکلینی (قدس سره) بالسند الصحیح:

مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلَینِ قَامَا فَنَظَرَا إِلَی الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ذَا وَ قَالَ الْآخَرُ مَا أَرَی شَیئاً قَالَ (علیه السلام): فَلْیأْکُلِ الَّذِی لَمْ یسْتَبِنْ لَهُ الْفَجْرُ وَ قَدْ حَرُمَ عَلَی الَّذِی زَعَمَ أَنَّهُ رَأَی الْفَجْرَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یقُولُ: (کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)( سورة البقرة: 187).((1))

التحقیق فی المقام:

هو أنّ الغایة إن رجع إلی نفس الحکم فتدلّ علی المفهوم قطعاً و إن رجع إلی متعلّق الحکم تدل علی المفهوم أیضاً بناء علی ما اخترنا من حجیة مفهوم الوصف کما تقدّم فی ذیل کلام صاحب الکفایة (قدس سره) نقداً علیه.

فالمتحصّل هو ثبوت مفهوم الغایة مطلقاً.((2))

ص: 189


1- 1. الوسائل، ج10، ص119، الباب 48 من أبواب ما یمسک عن الصائم و وقت الإمساک، ح1.
2- . تنبیه: مفهوم الغایة أقوی المفاهیم عند بعض الأعلام: فی جامع المقاصد ج1 ص333 عند شرح قوله «و یجوز لزوجها وطؤها قبل الغسل علی کراهیة، وینبغی له الصبر حتی تغتسل، فإن غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها»: «المشهور بین الأصحاب جواز وطئ الحائض إذا طهرت قبل أن تغتسل من الحیض، وقال ابن بابویه بتحریمه، قبل الغسل. لنا: قوله تعالی: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یطْهُرْنَ)(البقرة:222). بالتخفیف، کما قرأ به السبعة، أی: حتی یخرجن من الحیض، جعل سبحانه غایة التحریم خروجهن من الحیض، فثبت الحل بعده بمقتضی الغایة، و لایعارض بمفهوم قوله سبحانه: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ)(البقرة:222). لأنا نقول: تعارض مفهوما الغایة والشرط فیتساقطان، إن لم یکن مفهوم الغایة أقوی، ویرجع إلی حکم الأصل وهو الحل فیما لم یقم دلیل علی تحریم». و فی الوافیة ص232: «ولما کان حجیة مفهوم الغایة أقوی من باقی الأقسام» إلخ. و فی تجرید الأصول ص218: «فصل مفهوم الغایة أقوی المفاهیم». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص556 عند التعلیقة علی قوله «إنّه أقوی دلالة من التعلیق بالشرط»: «قد صرح بذلک جماعة، ویشهد به مضافاً إلی الفهم العرفی أمران: أحدهما: ما ذکره من أنّ کل من قال بمفهوم الشرط قال بثبوته، وقد قال به بعض من أنکره أیضاً، کما صرح بذلک جماعة من الخاصة والعامة. والآخر: أنّ استعمال أداة الغایة فی غیر ما یفید انتهاء المغیا إلیها أو انقطاعه عندها نادر بخلاف أداة الشرط، لکثرة استعمالها فی غیر ما یفید معنی الشرطیة، کالشروط المسوقة لبیان الموضوع فإنّها شائعة فی الاستعمالات جداً، والواردة فی مورد الغالب وغیرها، وحیث إنّ مفهوم الشرط أقوی من الوصف والعدد عند القائل بهما - إذ الدلالة فی الأوّل وضعیة دون الأخیرین کما عرفت - کان مفهوم الغایة أقوی منهما أیضاً بطریق أولی. وتظهر الفائدة فی صورة المعارضة، کتعارض مفهومی الغایة والشرط فی قوله سبحانه: (وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّی یطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ.. .) الآیة، فیقدم الأول مع انحصار الدلیل وفقد المرجح الخارجی. وأما القول بالوقف فمرجعه بحسب العمل إلی نفی المفهوم، للزوم الرجوع إلی الأصل العملی مع الشک فی الدلالة کالجزم بنفیها» إلخ. و فی ج2، ص475 – 476: «جعل [الشهید (قدس سره) فی الذکری] مفهوم الغایة - الذی هو أقوی من مفهوم الشرط - راجعاً إلی مفهوم الوصف».

ص: 190

المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟
اشارة

اختلفوا فی أنّ الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا، فاختاروا أقوالاً:

القول الأول: عدم دخول الغایة فی المغیی

و هو مختار صاحب الکفایة((1)) و نجم الأئمة الرضی(علی ما نسب إلیه)((2)) و مال إلیه المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهم)، و هو المختار. ((3))

ص: 191


1- . کفایة الأصول، ص209: «هل هی داخلة فی المغیی بحسب الحکم؟ أو خارجة عنه؟ و الأظهر خروجها».
2- . نسب إلیه فی مطارح الأنظار، ص185 و فی (ط ج): ج 2، ص96، حیث قال: أمّا المقام الأوّل، فاختلف القوم فیه علی أقوال: فذهب نجم الأئمة إلی الخروج مطلقا؛ نظرا إلی أنّ حدود الشی ء خارجة عنه، و حمل الموارد الّتی یظهر فیها الدخول علی وجود القرینة فیها. و قیل بالدخول مطلقا. و فصّل ثالث: بین «حتّی» و «إلی»، فقال بالدخول فی الأوّل و بعدمه فی الثانی. اختاره الزمخشری علی ما نسب إلیه. و ادّعی بعض النحاة الإجماع علی الدخول فی «حتّی». و لعلّه خلط بین العاطفة و الخافضة، کما نصّ علیه ابن هشام. و فصّل بعضهم: بین ما إذا کان ما قبل الغایة و ما بعدها متّحدین فی الجنس فقال بالدخول، و بین غیره. و هنا أقوال أخر. و فی عنایة الأصول ج2، ص216 و حکی عنه النراقی فی المناهج، ص132 القول بالخروج مطلقاً و لکن هو ممن یفصّل بین "حتی" و "إلی "، کما سیأتی بیانه إن شاء الله.
3- . اختار عدم الدخول کثیر من الأعلام: فی کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31: و الأقوی دلالتها علی خروج الغایة مع التجانس وعدمه والانفصال وعدمه ومحسوسیة المفصل و عدمها. و فی قوانین الأصول ص186: و الحق عدم الدخول لأنّه الأصل بمعنی أنّ اللفظ لایدل علی الدخول و الأصل عدم إرادة المتکلم ذلک و إلّا فقد یکون الدخول موافقاً للأصل بل المتبادر من اللفظ عدم الدخول فیکون ذلک أیضاً مفهوماً من التعلیق بکلمة إلی و أمّا دخول المرفق فی آیة الوضوء فإنّما هو من دلیل خارج لا لأنّ إلی بمعنی مع لأنّ الحق أنّه لانتهاء الغایة و کونه بمعنی مع مجاز و إنّما یصار إلیه من جهة الدلیل الخارجی. و فی الفصول الغرویة، ص153: أظهرها القول الثانی من أنّها لاتقتضی الدخول مطلقاً بدلیل التبادر وصحة السلب فإن السیر فی الکوفة لیس سیراً إلی الکوفة قطعاً وکذلک الصوم فی اللیل لیس صوماً إلی اللیل قطعاً. و فی نهایة الأفکار ج1 - 2، ص498: التحقیق هو خروجها عن المغیی مطلقاً، و الوجه فیه ظاهر إذا الغایة للشیء عبارة عمّا ینتهی إلیه وجود الشیء و لایتعدّی عنه فیستحیل حینئذٍ دخولها فی الشیء. و فی مجمع الأفکار، ج2، ص129 و 130: و الحق هو عدم دخولها فی المغیا مطلقاً لأنّ المعانی الحرفیة النسبیة فی مقابل المعانی الاسمیة وضعت للنسبة ففی المثال کلمة من وضعت للنسبة الابتدائیة و کلمة إلی للنسبة الانتهائیة و طرفا النسبة خارجان عنها فإنّ ما قبل لفظة من لو کان داخلاً أیضاً فیما بعده یکون خلاف وضع هذه الکلمة للابتداء و وضع کلمة "إلی " و "حتی " للانتهاء فإن کان ما بعدها داخلاً فیما قبلها یکون خلاف وضعها فلا یکون الغایة داخلاً فی المغیا أصلاً. ففی شرح الرضی علی الکافیة ج4، ص274: «و أمّا دخول الفجر المجرور بحتی فی حکم ما قبلها، ففیه أقوال، جزم جار الله، بالدخول مطلقاً، سواء کان جزءً ممّا قبلها، أو ملاقی آخر جزء منه، حملاً علی العاطفة، و تبعه المصنف و جوز ابن مالک الدخول و عدم الدخول ... و فصل عبد القاهر، و الرمانی، و الأندلسی، و غیرهم فقالوا: الجزء داخل فی حکم الکل، کما فی العاطفة، و الملاقی غیر داخل» إلخ. و راجع غایةالمسئول، ص350.
القول الثانی: دخول الغایة فی المغیی

و هو مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الإیروانی (قدس سرهما) .((1))

ص: 192


1- . فی مطارح الأنظار، ص185 قال الشیخ الأنصاری (قدس سره) بعد الإشارة إلی الأقوال: «و لعلّ الأظهر بمقتضی لفظ النهایة الدخول مطلقاً حیث قد عرفت من أنّها الأمر المنتزع عمّا نفرض جزءً أخیراً للشی ء المفروض امتداده بملاحظة ما یغایره» إلخ و اختار هذا القول فی نهایة النهایة ج1، ص269 – 270: حیث قال عند التعلیقة علی قوله «و الأظهر خروجها»: «بل الأظهر دخولها فإنّ غایة الشیء عرفاً هو الجز الذی ینتهی إلیه الشیء لا جز فغایة النهار هو آخر جزء منه عرفاً دون اللیل و غایة الدار هو جز من آخر الدار و هو الذی یتصل بخارج الدار لا خارج الدار و هذا واضح جداً وهذا الجز الآخر العرفی یقتطع من البقیة و یجعل مدخول "إلی " کما أنّ الجز الأول یقتطع و یجعل مدخول "من" فإذا أراد المولی إکرام عشرین دار مما یلی داره یقول أکرم الجیران إلی عشرین دارا و لایقول أکرم إلی واحد و عشرین لأجل إفادة عشرین فاستعمال اغسلوا إلی المرافق جار علی مقتضی الظهور الأولی دون مثل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187)». و قال السید المجاهد فی المفاتیح ص100: و القول بالدخول مطلقا شاذّ لایعرف قائله.
القول الثالث:

((1)):

و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة من جنس المغیی فتدخل فیه نحو قولهم «أمسکت النهار من الطعام إلی اللیل» حیث إنّ اللیل من جنس النهار و بین ما إذا لم تکن من جنسه مثل «کل شیء لک حلال حتی تعرف الحرام منه بعینه».

ص: 193


1- . فی شرح الرضی علی الکافیة ج4، ص271: «و قیل: إن کان ما بعدها من جنس ما قبلها نحو: أکلت السمکة حتی رأسها، فالظاهر الدخول، وإلّا، فالظاهر عدم الدخول، نحو: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)» و ذکر هذا التفصیل فی المغنی، ج1، ص74 فی"إلی ". و فی قوانین الأصول، ص186: «اختلفوا فیه علی أقوال ثالثها دخولها فی المغیا إن کانتا من جنس واحد کقولک بعتک هذا الثوب من هذا الطرف إلی هذا الطرف و إلّا فلا کقول القائل صوموا إلی اللیل و الظاهر أنّ دلیلهم فی ذلک عدم التمایز فیجب إدخاله من باب المقدمة کما فی إدخال المرفق فی الغسل بخلاف ما لو اختلفا فی الماهیة و تمیزا فی الخارج فلایظهر حینئذ ثمرة بین هذا القول و بین القول بالعدم مطلقاً». و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص515: «و فصل غیر واحد منهم بین المجانس وغیره، فإن کانا من جنس المغیا حکم بدخولهما فیه، کما صرّح به الشهید فی الذکری حیث قال بدخول الحد المجانس فی الابتداء [والانتهاء]، مثل: بعت الثوب من هذا الطرف إلی هذا الطرف. و عزاه جماعة فی الثانی إلی المبرد، و حکاه ابن هشام و نجم الأئمة قولا».
القول الرابع:

((1))

و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة بعد کلمة «إلی» فلاتدخل فی المغیی و ما إذا کانت الغایة بعد کلمة «حتّی» فتدخل فی المغیی و هذا القول منسوب إلی نجم

ص: 194


1- . اختار هذا التفصیل الرضی (قدس سره) فی شرحه علی الکافیة ج4، ص277 قال: «و من الفرق بین "حتی "، و"إلی " ... أنّ الأظهر دخول ما بعد حتی فی حکم ما قبلها کما اخترنا، بخلاف إلی، فإنّ الأظهر فیها عدم الدخول إلّا مع القرینة، و إن کان أیضاً، جزءً ... و ما اخترناه أظهر عند النحاة» و فی مغنی اللبیب ج1، ص122 – 123: «"حتی " حرف یأتی لأحد ثلاثة معان: انتهاء الغایة، و هو الغالب ... و تستعمل علی ثلاثة أوجه: أحدها: أن تکون حرفاً جاراً بمنزلة إلی فی المعنی و العمل، ولکنّها تخالفها فی ثلاثة أمور: ... الثانی: أنّها إذا لم یکن معها قرینة تقتضی دخول ما بعدها کما فی قوله: "ألقی الصحیفة کی یخفف رحله * و الزاد، حتی نعله ألقاها" أو عدم دخوله کما فی قوله: "سقی الحیا الأرض حتی أمکن عزیت *لهم فلا زال عنها الخیر مجدودا" حمل علی الدخول، و یحکم فی مثل ذلک لما بعد "إلی " بعدم الدخول، حملاً علی الغالب فی البابین، هذا هو الصحیح فی البابین». و قال فی ج1، ص74 – 75: «إلی حرف جر، له ثمانیة معان: أحدها: انتهاء الغایة ... وإذا دلّت قرینة علی دخول ما بعدها نحو "قرأت القرآن من أوله إلی آخره " أو خروجه نحو" (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). و نحو: (فَنَظِرَةٌ إِلَی مَیسَرَةٍ) ا(لبقرة:280). عمل بها، و إلا فقیل ... و قیل: لایدخل مطلقاً و هو الصحیح، لأنّ الأکثر مع القرینة عدم الدخول، فیجب الحمل علیه عند التردد». و فی الحدائق الندیة، الحدیقة الثانیة، ص111 عند بیان حروف الجر: «تنبیه متی دلّت قرینة علی دخول الغایة فی حکم ما قبلها أو علی عدمه عمل بها و إلّا فأقوال أصحها الحکم بالدخول مع "حتی" دون "إلی " حملاً علی الغالب لأنّ الأکثر مع القرینة عدم الدخول فی"إلی " و الدخول فی"حتی"». و فی تاج العروس ج20، ص367: «إلی ... حرف جر من حروف الإضافة تأتی لانتهاء الغایة، و الفرق بینها و بین حتی أنّ ما بعد "إلی " لایجب أن یدخل فی حکم ما قبلها بخلاف "حتی "». و ذکر هذا التفصیل فی الفصول، ص153 من جملة الأقوال. و فی مقالات الأصول ج1، ص415: «الظاهر أنّ مرکز البحث المزبور فی نفی الحکم عمّا بعد أداة الغایة. و حینئذٍ ربما [اختلفت الأدوات] فی ذلک. فإن کانت مثل "حتی " فالظاهر [ظهورها] فی دخول [ مدخولها ] فی المغیا مثل: قوله أکلت السمکة حتی رأسها. و صوموا حتی [اللیل]. وأمّا لو کانت مثل "إلی " فالظاهر عدم [دلالتها] علی دخول المدخول فی المغیا و [تفارق] من تلک الجهة کلمة "حتی "».

الأئمة الرضی (قدس سره) ((1)) و الزمخشری و قد اختاره المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)).

القول الخامس:

و هو التفصیل بین ما إذا کانت الغایة قیداً للفعل مثل «سرت من البصرة إلی الکوفه» فتکون داخلة فی المغیی و بین ما إذا کانت قیداً للحکم مثل «صم من الفجر إلی اللیل» فتکون خارجة عنه و هذا هو مختار المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) ((3)).

ص: 195


1- . نسب إلیه فی مطارح الأنظار، ص185 و عنایة الأصول ج2، ص216 القول بالخروج مطلقاً و لکن هو ممن یفصّل بین "حتی" و "إل" ففی شرح الرضی علی الکافیة ج4، ص271: «اعلم أن "إلی " تستعمل فی انتهاء غایة الزمان والمکان بلا خلاف، نحو: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). و الأکثر عدم دخول حدی الابتداء، و الانتهاء فی المحدود، فإذا قلت: اشتریت من هذا الموضع إلی ذلک الموضع، فالموضعان لایدخلان ظاهراً فی الشراء، و یجوز دخولهما فیه مع القرینة ... و المذهب هو الأوّل». و فی ج4، ص274 و 275 فی بحث حتی: «و جوز ابن مالک الدخول و عدم الدخول، جزءً کان، أو ملاقی آخر جزء منه ... و مذهب ابن مالک قریب، لکن الدخول مطلقاً أکثر و أغلب» و فی ج4، ص277: «ومن الفرق بین "حتی " و "إلی " ... وأنّ الأظهر دخول ما بعد حتی فی حکم ما قبلها کما اخترنا، بخلاف إلی، فإنّ الأظهر فیها عدم الدخول إلّا مع القرینة، وإن کان أیضاً، جزءً ... وما اخترناه أظهر عند النحاة» و راجع أیضاً هدایة المسترشدین، ج2، ص514 و 515.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص279.
3- . درر الفوائد، ص174. قال (قدس سره): «التحقیق فی هذا المقام أنّ الغایة التی جعلت محلّاً للکلام فی هذا النزاع لو کان المراد منها هو الغایة عقلاً ... و إن کان محل النزاع هو مدخول "حتی " و "إلی " و إن لم یکن غایة حقیقة فإنّه قد یکون شیئا له أجزاء متصلة کالکوفة و قولنا "سر من البصرة إلی الکوفة" و اللیل فی قولنا: "صم من الفجر إلی اللیل" فالحق التفصیل بین کون الغایة قیداً للفعل کالمثال الأوّل و بین کونها غایة للحکم کالمثال الثانی. ففی الأوّل داخلة فی المغیا فإنّ الظاهر من المثال المذکور دخول جزء من السیر المتخصص بالکوفة فی المطلوب کما أنّ الظاهر منه دخول السیر المتخصص بالبصرة أیضاً فی المطلوب و فی الثانی خارجة عنه فإنّ المفروض أنّها موجبة لرفع الحکم فلایمکن بعثه إلی الفعل المتخصص بها کما لایخفی».
القول السادس:

(1)

لاتکون القضیة ظاهرة فی کون الغایة داخلة فی المغیی و لا ظاهرةً فی عدمه،

ص: 196


1- . فی قوانین الأصول ص186: «اختلفوا فیه علی أقوال ... و رابعها التوقف لتعارض الاستعمالات و عدم الترجیح». و فی هدایة المسترشدین ج2، ص516: و توقف آخرون بین الدخول والخروج، فلا یحمل اللفظ علی أحدهما إلّا بدلیل من خارج، ویتصوّر ذلک علی وجوه: أحدها: التردد بین القولین أو الأقوال و عدم الجزم بصحة أحدهما أو فساده، فیتوقف حینئذ فی تعیین المعنی الموضوع له أو المعنی المراد من اللفظ. الثانی: الجزم باشتراکه لفظاً بین المعنیین، فیکون التردد فی الثانی دون الأول، فیتوقف حمله علی أحدهما علی القرینة المعینة. الثالث: الجزم بعدم الدلالة علی شیء منهما وصلاحیته لکل منهما إلی أن یقوم دلیل علی أحدهما، فیکون موضوعا للقدر المشترک بین الأمرین، و هذا هو الظاهر من کلام جماعة منهم صاحب الکشاف، حیث قال: إنّ " إلی " للغایة، و أما دخولها وخروجها فیدور مع الدلیل، إلی أن قال: و قوله تعالی: (إِلَی الْمَرَافِقِ) (المائدة:6) لادلیل فیه علی أحد الأمرین، و به قال فی مشرق الشمسین و غایة المأمول و غیرهما». و فی وسیلة الوصول ص353 – 354: «الحق هو إلإجمال و عدم الظهور فی الدخول و عدم الدخول للجملة بنفسها، بل بواسطة الأمور الخارجیة قد تکون ظاهرة فی الدخول، و قد تکون ظاهرة فی عدم الدخول، و فیما کانت ظاهرة فی الدخول لابدّ أیضاً من القرینة الخارجیة علی أنّ الداخل هو تمام البدایة و النهایة أو یکفی جزء منهما. و الحاصل: أنّ الجملة المغیاة بغایة لیس لها فی حد نفسها ظهور نوعی یکون هو المرجع عند الشک بحیث لایمکن رفع الید عنه إلّا بدلیل. فعلی هذا لابدّ فی باب التکالیف المغیاة بغایة الرجوع إلی الأصول العملیة عند الشک، و هی تختلف باعتبار کون الغایة للحکم أو غایة للموضوع الذی ورد علیه الحکم، فإن کانت الغایة غایة للحکم المرجع هو الاستصحاب إن لم یناقش فیه من جهة الشک فی المقتضی، و إن کانت غایة للموضوع فالمرجع هی البراءة برجوع الشک إلی الشک فی التکلیف المردّد بین الأقل و الأکثر. و المرجع فیه البراءة اتفاقاً إن کانا غیر ارتباطیین، و إن کانا ارتباطیین فعلی الخلاف فیه، و أمّا فی الوضعیات کجعل شهر کذا أو سنة کذائیة مبدأ للإجارة أو غایة لها و نحوها فلابدّ من التعیین لئلّا یوجب الغرر، و لعلّ بناء العرف أیضاً علی التعیین». و فی دراسات فی علم الأصول، ج2، ص226: «الصحیح: أنّه لیس لذلک ضابط کلی، بل یختلف دخول الغایة فی المغیا باختلاف الموارد و القرائن الخاصة، و لو لم یکن فی البین قرینة یکون الکلام مجملاً من ذلک الحیث، فیرجع إلی الأصل العملی». و فی منتقی الأصول ج3، ص285: «و الذی یناقش به صاحب الکفایة أنّ موارد الاستعمالات مختلفة، فبعضها ظاهر فی دخول الغایة، کما لو قال: " انتظرتک إلی یوم الجمعة " فإنّ یوم الجمعة داخل فی الانتظار، و لذا یصحّ أن یجیبه المخاطب: " بأنی جئت یوم الجمعة و لم أجدک ". و یعضها ظاهر فی عدم دخولها کقوله تعالی: (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ) (البقرة:187). و علیه فلا یمکن الجزم بأحد الطرفین و اختیار أحد الاحتمالین، و الکلام بدون قرینة یکون مجملاً». و فی عنایة الأصول ج2، ص216: «الحق أنّ الغایة تختلف دخولاً و خروجاً باختلاف المقامات و لا ضابطة لها (فقد تکون) خارجة عن المغیا کما فی قوله تعالی (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). (و قد تکون) داخلة فیه کما فی قولک صم إلی آخر الشهر و هکذا الأمر فی حتی الخافضة التی هی للغایة و تکون بمعنی إلی (فقد تکون) الغایة فیها خارجة عن المغیا کما فی قوله تعالی (وَکُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ)(البقرة:187). أو کما نمت البارحة حتی الصباح (و قد تکون) داخلة فیه کما فی قولک سرت الیوم حتی الکوفة أو صمت الشهر حتی آخره فاللازم فی کل مورد مراعاة القرائن و الشواهد الحالیة أو المقالیة الموجودة فیه فإن کان هناک دلیل علی خروجها أو دخولها فهو و إلّا فنفس الغایة بطبعها الأصلی ممّا لا دلالة لها علی الدخول و لا الخروج فلابدّ عند الشک فی حکمها من حیث اللحوق بما قبلها و عدمه من الرجوع إلی الأصل العملی». و قال الجصاص بالتوقف فی خصوص "إلی " فی الفصول فی الأصول ج1، ص93 قال: «إلی للغایة بمعنی حتی وقد تدخل تارة فی الحکم ولا تدخل أخری قال الله تعالی (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187). فاللیل غیر داخل فیه وقال تعالی (إِلَی الْمَرَافِقِ) (المائدة:6) والمرافق داخلة».

بل لابدّ من ملاحظة القرائن الموجودة فی الکلام و اختاره العلامة المظفر و المحقّق الجزائری المروج (قدس سرهما) ((1)).

و لانطیل الکلام بذکر سائر الأقوال.((2))

ص: 197


1- . منتهی الدرایة، ج3، ص422.
2- . هنا أقوال أخر: الأوّل: التفصیل بالتمیز بمفصل حسی و عدمه ففی المحصول، للرازی، ج1، ص378 – 379: «الحق أنّ الغایة إن کانت متمیزة عن ذی الغایة بمفصل حسی کما فی اللیل والنهار وجب خروجها وإن لم تکن متمیزة عنها بمفصل حسی کما فی الید والمرفق وجب دخولها لأنّه لیس بعض المقادیر أولی من بعض فلیس تقدیر القدر الذی یجوز إخراجه من المرفق عن وجوب الغسل بقدر معین أوّلی من تقدیره بما هو أزید أو أنقص» و فی هدایة المسترشدین ج2، ص515: «وفصل آخرون بین ما إذا کان أحدهما منفصلاً عن المغیا بمفصل محسوس فیخرج عن الحکم، وما إذا لم یکن کذلک فیدخل، قاله السیوری فی التنقیح فیهما معاً، وبه صرح الشهید الثانی فی الانتهاء، وعلیه یحمل کلام العلامة فی غیر موضع من کتبه، و الرازی کما یأتی إن شاء الله تعالی و أنت خبیر بأنّ اختلاف الجنس یلازم الانفصال، إذ لایطلب وراءه فاصل آخر، فیظهر الفرق بین التفصیلین فی المجانس، لإمکان الفاصل المحسوس فیه. و قد یعقل اختلاف الجنس فی غیر المحسوس فیظهر الفرق فیه أیضا، و یکون النسبة بینهما من قبیل العموم من وجه. و لایخفی بعده، فإنّ تقیید الفاصل بالمحسوس إنّما یراد به فیما یکون المغیا محسوساً ففی مثل الملکات النفسانیة و غیرها إنّما یتحقّق الفصل باختلاف الجنس» الثانی: التفصیل باختلاف الجنس أو التمیز بمفصل حسی و عدمهما ففی هدایة المسترشدین ج2، ص516: «و منهم من جمع بین التفصیلین، فاکتفی فی الدخول بأحد الوصفین، کما یظهر من الذکری حیث علل الحکم بدخول المرفق فی الغسل بکل من الوجهین». الثالث: تفصیل آخر فی هدایة المسترشدین، ج2، ص516: «و حکی فی التمهید قولاً بدخول الغایة، إلّا أن تقترن ب "من" نحو: "بعتک من هذه الشجرة إلی هذا"، فلاتدخل الغایة حینئذٍ». و فی منتهی الأصول ج1، ص439 ما یمکن أن یعدّ قولاً آخر قال (قدس سره): «و أمّا مسألة دخول الغایة فی المغیا فإن کان المراد منه موضوعاً بمعنی أنّه داخل فی موضوع حکم المغیا فهذا شیء یمکن أن یکون و یمکن أن لایکون، ولکن فی مقام الإثبات والاستظهار ربّما یختلف باختلاف التعبیرات، فإذا قال مثلاً مات الناس حتی الأنبیاء أو قدم الحاج حتی المشاة فلا شک فی ظهور ما ذکر فی الدخول، کما أنّه لو قال سرت من الکوفة إلی البصرة لا شک فی ظهوره فی عدم الدخول و إن کان المراد هو الحکم المغیا بمعنی أن تکون الغایة قیداً للحکم، فلا شک فی خروجه، لأنّ معنی کون الحکم مغیا بغایة - زماناً مثل (أَتِمُّوا الصِّیامَ إِلَی اللَّیلِ)(البقرة:187) بناء علی أن تکون الغایة قیداً للحکم أو زمانیاً مثل آبق فی هذا المکان إلی أن یجی زید - انتهاء ذلک الحکم عند الوصول إلی تلک الغایة، فکیف یمکن أن تکون تلک الغایة داخلة فی ذلک الحکم المغیا».

ص: 198

تکملة:

لاینبغی أن یعمّ النزاع بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) لأنّه غیر معقول لاستلزامه اجتماع الضدّین؛ مثلاً فی قوله (علیه السلام): «کُلّ شَی ءٍ طَاهِرٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِر»((2)) فإنّه یلزم من دخول الغایة فی حکم المغیی أن یکون معلوم النجاسة داخلاً فی حکم الطهارة و معنی ذلک اجتماع الطهارة و النجاسة فی معلوم النجاسة و هذا من اجتماع الضدّین.

و قد أفاد صاحب الکفایة (قدس سره) فی وجه ذلک أنّ المغیی حینئذ (أی حینما کانت الغایة قیداً للحکم) هو نفس الحکم، لا المحکوم به لیصحّ أن ینازع فی دخول الغایة فی حکم المغیی.

ص: 199


1- . کفایة الأصول ص208: و التحقیق أنّه إذا کانت الغایة بحسب القواعد العربیة قیداً للحکم کما فی قوله: "کل شی ء حلال حتی تعرف أنّه حرام" و "کل شی ء طاهر حتی تعلم أنّه قذر" کانت دالّة علی ارتفاعه عند حصولها لانسباق ذلک منها کما لایخفی و کونه قضیة تقییده بها و إلّا لما کان ما جعل غایة له بغایة و هو واضح إلی النهایة و أمّا إذا کانت بحسبها قیداً للموضوع مثل: "سر من البصرة إلی الکوفة" فحالها حال الوصف فی عدم الدلالة و إن کان تحدیده بها بملاحظة حکمه و تعلّق الطلب به و قضیته لیس إلّا عدم الحکم فیها إلّا بالمغیا من دون دلالة لها أصلاً علی انتفاء سنخه عن غیره لعدم ثبوت وضع لذلک و عدم قرینة ملازمة لها و لو غالباً دلّت علی اختصاص الحکم به و فائدة التحدید بها کسائر أنحاء التقیید غیر منحصرة بإفادته کما مر فی الوصف.
2- . المقنع، ص15«...إلّا ما علمت...»؛ المستدرک، ج2، ص582، باب30، ح4.
أما ذکر الأدلّة و مناقشتها
دلیل صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول:

((1))

و قد أخذ هذا الاستدلال من نجم الأئمة الرضی (قدس سره) .

إنّ الأظهر خروج الغایة عن المغیی بحسب الحکم لأنّ الغایة من حدود المغیی فلاتکون محکومة بحکم المغیی لأنّ الحدّ خارج عن المحدود.

و أمّا دخول الغایة فی المغیی فی بعض الموارد إنّما یکون بمعونة القرائن الخاصّة المحفوفة بالکلام کما فی قولنا «سرت من البصرة إلی الکوفة» و «قرأت الکتاب من أوّله إلی آخره».

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی القول الأول:

((2))

مبدأ الشیء و منتهاه تارةً بمعنی أوّله و آخره و أُخری بمعنی ما یبتدئ من عنده و ما ینتهی عنده الشیء و دخول الأوّلین کخروج الآخرین من الشیء واضح و الکلام فی أنّ مدخول «حتّی» و «إلی» هو المنتهی بالمعنی الأوّل أو بالمعنی الثانی.

ثم اعترض المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی استدلال نجم الأئمة (قدس سره) و صاحب

ص: 200


1- . فی کفایة الأصول، ص209: «الأظهر خروجها، لکونها من حدوده، فلاتکون محکومة بحکمه، و دخوله فیه فی بعض الموارد إنما یکون بالقرینة، وعلیه تکون کما بعدها بالنسبة إلی الخلاف الأول، کما أنّه علی القول الآخر تکون محکومة بالحکم منطوقاً، ثمّ لایخفی أنّ هذا الخلاف لایکاد یعقل جریانه فیما إذا کان قیداً للحکم، فلاتغفل».
2- 2. نهایه الدرایة، ج2، ص439.

الکفایة (قدس سره) (بأنّ الحدّ خارج عن المحدود) بقوله: و کون الحدّ المصطلح خارجاً عن حقیقة الشیء لا یقتضی أن یکون مدخولهما حدّاً اصطلاحیاً.

ثم استظهر صحّة ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره)، (کما أنّه صرّح بذلک أیضاً فقال فی کفایة الأصول:((1)) و الأظهر خروج الغایة عن المغیی) فقال: نعم أکثر الموارد و لعلّه الأظهر کون مدخولهما ما ینتهی عنده الشیء فالغایة خارجة عن المغیی.

و بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً یرجع إلی ذلک حیث ادعی أنّ المتفاهم العرفی هو عدم دخول الغایة فی المغیی. و مما ذکرنا یظهر وجه ضعف سائر الأقوال.

إیراد علی القول الثالث:

إنّ الاستظهار العرفی هو خروج الغایة عن المغیی سواء اتّحدا فی الجنس أم اختلفا.

إیراد علی القول الرابع:

(2)

قد استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال: إنّه نشأ من الخلط بین مورد استعمال کلمة «حتّی» الجّارة و کلمة «حتّی» العاطفة، فإنّ «حتّی» فی محل البحث هو «حتّی» الجارة و هی التی تکون للغایة و أمّا «حتّی» العاطفة و إن

ص: 201


1- . کفایة الأصول، ص209.
2- . قال المحقّق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج1، ص436: (فصل فی مفهوم الغایة) و قد وقع الکلام فی هذا المقام من جهتین: الأولی من جهة المنطوق و الثانیة من جهة المفهوم أمّا الجهة الأولی فقد اختلفوا فیها من حیث دخول الغایة فی حکم المغیا و عدمه علی أقوال ثالثها التفصیل بین کون الغایة من جنس المغیا و عدمه و رابعها التفصیل بین کون الغایة مدخولة لکلمة إلی و مدخولة لکلمة حتی و هذا التفصیل و إن کان حسناً فی الجملة لأنّ کلمة حتی تستعمل غالباً فی إدخال الفرد الخفی فی موضوع الحکم فتکون الغایة حینئذٍ داخلة فی المغیا لامحالة لکن ذلک لیس بنحو الکلیة و العموم فلابدّ من ملاحظة کل مورد بخصوصه و الحکم فیه بدخول الغایة فی حکم المغیا أو عدمه و لکن قال المحقق الخوئی فی حاشیته: لایخفی أنّ کلمة حتی التی تستعمل لإدراج الفرد الخفی کما فی قولنا مات الناس حتی الأنبیاء لاتدل علی کون ما بعدها غایة بل هی من أداة العطف فاستدلال شیخنا الأستاذ (قدس سره) علی دخول الغایة فی المغیا فیما إذا کانت الغایة مدخولة لکلمة حتی باستعمال هذه الکلمة غالباً لإدراج الفرد الخفی إنّما نشأ من الخلط بین موارد استعمالها عاطفة و موارد استعمالها لإفادة کون مدخولها غایة لما قبلها فلاتغفل.

کانت للغایة فی بعض الأحیان و لکنّه لا خلاف فی دخول ما بعدها بمقتضی العطف فی حکم المعطوف علیه مثل قولنا «مات الناس حتّی الأنبیاء».((1))

إیراد علی القول الخامس:

لایصّح النزاع بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للحکم و أمّا بالنسبة إلی ما إذا کانت الغایة قیداً للفعل فدخول الغایة فی حکم المغیی ممنوع إلّا فیما قامت القرائن الخاصّة.

ص: 202


1- 1. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص282.

الفصل الرابع: مفهوم الحصر

اشارة

ص: 203

ص: 204

مفهوم الحصر

إنّ للحصر((1)) أدوات مثل کلمة «إلّا» و «إنّما» قد تکلّموا حول دلالتها علی المفهوم.

ص: 205


1- . ما المراد من مفهوم الحصر؟ قوانین الأصول ص188: قانون مفهوم الحصر حجة و المراد به علی ما ذکره جماعة من المحققین هو أن یقدم الوصف علی الموصوف الخاص خبرا له مثل الأمیر زید و الشجاع عمرو فیستفاد منه الحصر لأنّ الترتیب الطبیعی خلافه و العدول عنه إنّما هو لذلک و قد یقال إنّ الأولی تعمیم المبحث فی کل ما قدم و کان حقه التأخیر علی ما ذکره علماء المعانی و فیه إشکال لتعدد الفایدة مثل الاهتمام بالذکر أو التلذذ أو غیر ذلک فلابدّ إمّا من دعوی التبادر و هو غیر مسلّم فی الجمیع أو ذکر دلیل آخر و سیجیء الدلیل فی خصوص ما نحن فیه. هدایة المسترشدین ج2، ص568 – 569: و إنّما وقع الکلام هنا فی بعض الأمور المفیدة له، و هو أمر آخر مرجعه اللغة و العرف، و یعرف الحال فی ما اشتبه من ذلک بالرجوع إلی کتب العربیة. فدلالة الحصر علی معنی الانتفاء عند الانتفاء و إن کانت من الأمور البدیهیة إلّا أنّ الحال فی ذلک یختلف باختلاف أدلة الحصر وضوحا و خفاء، فقد یکون باعتباره أضعف من أکثر المفاهیم، و قد یکون أقوی. و الذی تداول علی ألسنة القوم منها فی المقام تقدیم الوصف العام المعرف بالإضافة، أو اللام علی الموصوف الخاص، کقولک: العالم زید، و صدیقی عمرو، فقد اشتهر فی کلامهم التعبیر عن مدلوله بمفهوم الحصر. الفصول الغرویة ص155: و أمّا مفهوم الحصر و المراد به القصر المستفاد من تأخیر الموصوف عن الوصف حملا له علی الوصف نحو صدیقی زید و العالم عمرو حیث لا عهد و قد یطلق مفهوم الحصر علی ما یعم الأقسام المذکورة و غیرها فقد اختلفوا فی إثباته و نفیه و ربما یظهر من تمثیلهم بما ذکر اختصاص البحث بالوصف المحلی باللام و المعرف بالإضافة و منهم من عمم البحث فی تقدیم کل ما حقه التأخیر و الحق أنّ حمل الوصف المحلی أو الحمل علیه ظاهر فی التخصیص مطلقاً و أمّا ما سواه فلا ظهور له فیه علی الإطلاق بل یختلف باختلاف الموارد و المقامات. و ممن قال بحجیته الشهید ففی مقدمة ذکری الشیعة ج1، ص19: غایة المراد فی شرح الإرشاد فی الفقه... و فی أصول الفقه، فقد احتوی الکتاب علی العدید من آرائه، نذکر منها:... مفهوم الحصر حجة. و فی مدارک الأحکام ج1 ص353: و عن الخبر بأنّ دلالته من باب مفهوم الخطاب، و هو ضعیف. و فی هذا نظر، إذ الظاهر أنّ دلالته من باب مفهوم الحصر، و هو حجة. و فی زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص153: و اختلف فی"إنّما" و نحو: "العالم زید" و الأظهر حجیتهما .
أما کلمة «إلاّ»
اشارة

ففیها ثلاثة مطالب:

المطلب الأوّل: دلالتها علی المفهوم

إنّ هذه الکلمة قد تستعمل بمعنی الاستثناء و حینئذ صرّح الأعلام بدلالتها علی المفهوم لأنّها تدلّ علی انتفاء الحکم المذکور للمستثنی منه عن المستثنی و نتیجة الاستثناء من الإثبات هو النفی کما أنّ نتیجة الاستثناء من النفی هو الإثبات و لم یخالف فی ذلک إلّا أبو حنفیة و هو لایعتنی به.

و قد تستعمل بمعنی «غیر» فهی حینئذ وصفیة و دلالتها علی المفهوم متوقّفة

ص: 206

علی مفهوم الوصف و لذا صرّح صاحب الکفایة و المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) ((2)) بعدم دلالتها علی المفهوم و لکن قد تقدّم دلالتها علیه فی مفهوم الوصف.

(قال المحقّق الخوئی (قدس سره): إنّ المعنی الظاهر عرفاً من کلمة «إلّا» هو معنی الاستثناء).

فالحقّ هو أنّ کلمة «إلّا» تدلّ علی المفهوم بکلا المعنیین.

المطلب الثانی:

قد اختلفوا فی أنّ دلالة الاستثناء علی ذلک دلالة مفهومیة أم منطوقیة و لکن تعیین ذلک لایکاد یفید کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) و الظاهر کونها دلالة مفهومیة.

ص: 207


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص283 و فی طبع آخر ج1، ص438: کلمة إلّا فهی قد تستعمل وصفیة و قد تستعمل استثنائیة أمّا إذا استعملت وصفیة فهی لاتفید إلّا تقیید المفهوم الأفرادی نظیر بقیة الأوصاف المذکورة فی الکلام و قد مرّ أنّ تقیید المفهوم الأفرادی لایدلّ علی المفهوم و أمّا إذا استعملت استثنائیة فهی لامحالة تدلّ علی المفهوم و علی نفی الحکم السابق الثابت للمستثنی منه عن المستثنی لأنّ الاستثناء لایکون إلّا عن الجملة فتفید ثبوت نقیض الحکم المذکور فی القضیة للمستثنی؛ و فی الفوائد، ج2، ص505.
2- 2. المحاضرات، ط.ج. ج4، ص286.
3- . کفایة الأصول، ص211: ثمّ إنّ الظاهر أنّ دلالة الاستثناء علی الحکم فی طرف المستثنی بالمفهوم و أنّه لازم خصوصیة الحکم فی جانب المستثنی منه التی دلّت علیها الجملة الاستثنائیة نعم لو کانت الدلالة فی طرفه بنفس الاستثناء لا بتلک الجملة کانت بالمنطوق کما هو لیس ببعید و إن کان تعیین ذلک لایکاد یفید.
المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟

قد استشکل فی کلمه «لا إله إلّا الله» من جهة الخبر حیث إنّه إن کان الخبر «ممکن» فیدلّ علی إمکان ذاته تعالی و إن کان الخبر «موجود» فلایفید نفی الإمکان عن شریک الباری حیث إنّ نفی الوجود أعم من نفی الإمکان.

و الجواب هو أنّ الخبر «ممکن» بالإمکان العامّ و الإمکان العامّ فی الواجب تعالی لاینافی ضرورة الوجود و أیضاً یمکن أن یجعل الخبر «موجود»((1)).

ص: 208


1- . هنا أجوبة مختلفة نذکر منها ثمانیة: الجواب الأوّل: عدم الاحتیاج إلی تقدیر خبر مطارح الأنظار، ص187 ثمّ إنّهم اختلفوا فی الکلمة الطیبة التوحیدیة بین من یقول باستغناء لا عن الخبر کما ذهب إلیه التمیمیون و بین من یقول بأنّ الخیر موجود أو ممکن و الأظهر الأوّل و تحقیقه أنّ الوجود کما قد یؤخذ محمولاً و قد یؤخذ رابطة فکذلک العدم قد یکون محمولاً کقولک زید معدوم و قد یکون رابطة کقولک لیس زید قائماً و الثانی یحتاج إلی الطرفین لامتناع تحقّق الرابط بدونهما و الأوّل لایحتاج إلیهما فالعدم المستفاد من کلمة لا علی طریقة التمیمیین عدم محمول و لایحتاج إلی تقدیر خبر و المعنی نفی عنوان الإلهیة مطلقاً إلّا فی الله کما فی قولک لا مال و لا أهل فإنّه یراد منه انتفی المال و الأهل و هذا المعنی لایحتاج إلی خبر لتمام الکلام بدونه. راجع فوائد الأصول ج1 - 2، ص509؛ غایةالمسئول، ص252؛ زبدة الأصول ج2، ص285. الجواب الثانی: المراد بإله واجب الوجود أو المعبود بالحق و الخبر المقدر موجود. راجع غایةالمسئول، ص253. الجواب الثالث: الخبر المقدر موجود و کفایة الإقرار بعدم وجود مبدأ سوی الله. راجع نهایة النهایة ج1، ص271؛ المحکم فی أصول الفقه ج1، ص606. الجواب الرابع: المراد بإله الخالق نهایة الدرایة ج1، ص628 وأمّا ما یقال من أنّ الإله بمعنی الخالق، وأنّه تعالی حیث إنّه الخالق لما عداه دون غیره فعلاً یلزم أن لایکون لغیره الخالقیة إمکاناً أیضاً لأنّ المخلوق لایمکن أن یکون خالقا، فغیر وجیه فإنّ الکلام هنا فی أنّ نفی الفعلیة یلازم نفی الإمکان أم لا ؟ وأمّا نفی الإمکان من جهة التضائف بین الخالقیة والمخلوقیة وأنّه تعالی إذا کان خالقاً فغیره مخلوق له والمخلوق لایمکن أن یکون خالقاً فهو أجنبی عمّا نحن فیه فإنّ العبارة مرکبة من عقد سلبی، و هو نفی الخالقیة عن غیره تعالی، و من عقد إیجابی، وهو إثبات الخالقیة له تعالی، وأمّا إثبات مخلوقیة غیره تعالی فهو خارج عن العبارة، وعلیه فنفی الخالقیة فعلاً لایکون دلیلاً علی نفیها إمکاناً إذ المفروض أنّها لم تکن فکانت فلتکن فی غیره تعالی کذلک. نعم الخالقیة بمعنی المبدئیة الذاتیة الراجعة إلی تخصص المعلول فی مرتبة ذات علته فنفی الفعلیة یستلزم نفی الإمکان لأنّ الذات الواحدة بما هی إذا لم تکن بالفعل کک فیمتنع أن ینقلب عمّا هی علیه هذا. راجع زبدة الأصول ج2، ص284 – 286. الجواب الخامس: المراد بإله واجب الوجود و الخبر المقدر موجود أو ممکن راجع فوائد الأصول ج1 - 2، ص509 – 510؛ أجود التقریرات، ج1، ص439؛ محاضرات فی أصول الفقه ج5، ص147 – 148؛ تحریرات فی الأصول ج5، ص174 – 178؛ زبدة الأصول ج2، ص284 – 286. الجواب السادس: المراد بإله المعبود بالحق نهایة الدرایة ج1، ص629 - 630: الظاهر أنّ المراد من الإله هو المعبود من "أله" بمعنی عبد فهو بمعنی المصدر المبنی للمفعول، وأنّ التوحید المراد لیس التوحید فی وجوب الوجود ولا فی الصانعیة والخالقیة بل فی المعبودیة فی قبال المشرکین فی العبادة فإنّ مشرکی العرب کانوا عبدة الأصنام لا أنّهم کانوا یعتقدون وجوب وجودها أو خالقیتها وعلیه. فنقول إذا أرید المعبودیة التی هی من الصفات الفعلیة المضائفة للعابدیة فنفی الفعلیة لایستلزم نفی الإمکان کما عرفت فی الخالقیة فکما لم تکن فیه تعالی فکانت فلیکن فی غیره تعالی کک وتقیید المعبود بکونه حقاً لایفید إذ مع عدم العبادة لیس هناک معبود بالحق حقیقة لتقومه من حیث التضائف بالعابدیة فکما أنّ نفی الفعلیة فیه تعالی لایکشف عن عدم الإمکان فکذلک فی غیره تعالی. نعم الإله بمعنی المستحق للعبادة وإن لم یعبد بالفعل راجع إلی الصفات الذاتیة الراجعة إلی نفس الذات فإنّ استحقاق العبادة من أجل المبدئیة و الفیاضیة فیستحق العلة انقیاد المعلول لها، وتخضعه لها فنفی فعلیة هذا المعنی فی غیره تعالی لعدم کونه بذاته مبدء مقتضیاً لذلک، ویستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه . راجع زبدة الأصول ج2، ص285 – 286؛ تحریرات فی الأصول ج5، ص176.

ص: 209

أما کلمة «إنّما»

فإنّها غالباً تستعمل فی قصر الصفة علی الموصوف مثل «إنّما القدرة لله تعالی» و حینئذ تدلّ علی انتفاء القدرة عن غیره تعالی و قد تستعمل للمبالغة و التجوّز مثل «إنّما زید عالم» مع أنّ له صفات أُخری غیر العلم و حینئذ لاتدلّ علی الحصر الحقیقی((1)).

ص: 210


1- . راجع شرح الرضی (686) علی الکافیة ج1، ص195 – 196. إنّ المشهور عند النحاة و الأصولیین أنّ معنی: إنّما ضرب زید عمراً: ما ضرب زید إلّا عمراً فإن قدمت المفعول علی هذا، انعکس الحصر، کما ذکرنا فی: ما ضرب زید إلّا عمراً. قد خالف بعض الأصولیین فی إفادته الحصر، استدلالاً بنحو قوله (صلی الله علیه و آله): «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّیات»، و " إنّما الولاء للمعتق". و أجیب بأنّ المراد فی الخبرین: التأکید، فکأنّه لیس عمل إلّا بالنیة، و لیس الولاء إلّا بالعتق، کقوله (صلی الله علیه و آله): «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلَّا فِی الْمَسْجِد». راجع مختصر المعانی ص120 – 122؛ تاج العروس ج18، ص32. و قال مفاتیح الأصول، ص105: «اختلف القوم فی إفادة إنّما الحصر علی أقوال: الأوّل أنّها لاتفید الحصر بل تفید تأکید الإثبات و هو للمحکی عن الآمدی و أبی حیان و النحویین الثانی أنّها مشترکة لفظاً و هو لظاهر الفیومی فی المصباح المنیر الثالث أنّها تفید الحصر و هو للشیخ فی التهذیب و الفاضلین فی المعارج و التهذیب و النهایة و المبادی و الطّبرسی فی مجمع البیان و نجم الأئمة فی شرح الکافیة و الطریحی فی مجمع البحرین و السّید عمید الدّین فی المنیة و الرازی فی المعالم و البیضاوی فی المنهاج و السکاکی فی المفتاح و القزوینی فی الإیضاح و غیرهم و حکی عن الجوهری و الفیروزآبادی و بالجملة هذا هو المشهور و لهم وجوه» إلخ. و راجع هدایة المسترشدین ج2، ص578؛ مختلف الشیعة ج7، ص182؛ منتهی المطلب (ط.ج) ج2، ص25؛ النافع یوم الحشر، الفاضل المقداد (826) – ص108؛ زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص153؛ کتاب الأربعین، محمد طاهر القمی الشیرازی (1098)، ص106 - 107؛ کشف الغطاء (ط.ق) ج1، ص31؛ نیل الأوطار، الشوکانی (1250)، ج1، ص162؛ العناوین الفقهیة، الحسینی المراغی (1250)، ج2، ص88؛ فوائد الأصول (1355) ج1 - 2، ص510؛ نهایة الأفکار (1361) ج2، ص502؛ وسیلة الوصول (1365) ص361؛ مجمع الفرائد، الشیخ علی الکاشانی (1374)، ص47؛ منتهی الأصول (1379) ج1، ص441؛ أصول الفقه (1388) ج1، ص179؛ أضواء البیان، الشنقیطی (1393)، ج2، ص169؛ دروس فی علم الأصول ج2، ص112؛ محاضرات ج5، ص140 – 141؛ کتاب الصلاة، السید الخوئی، ج8، ص118؛ کتاب الطهارة، السید الخوئی، ج7، ص270. هدایة المسترشدین ج2، ص568: وعبروا عن الحصر بإنّما بمفهوم إنّما، واختلفوا فی حجیته وعدمها، أی فی إثباته ونفیه علی أقوال: ... وعن الحنفیة والقاضی أبی بکر وجماعة من المتکلمین نفیه. وعن بعضهم التوقف فیه. و قال فی مغنی اللبیب (761) ج1، ص39 – 40 ص308 – 309: «وزعم جماعة من الأصولیین والبیانیین أن» ما «الکافة التی مع إن نافیة، وأنّ ذلک سبب إفادتها للحصر» ثمّ ردّ هذا الزعم. راجع تعلیقة مستند الشیعة ج2، ص235؛ مطارح الأنظار، ص188؛ درر الفوائد ج1، ص208؛ حواشی المشکینی، ج2، ص335؛ تحریرات فی الأصول، ج5، ص184 – 185؛ خلل الصلاة وأحکامها، الشیخ مرتضی الحائری، ص303؛ الوافیة، ص231– 232؛ غایةالمسئول، ص354.

و اختلف أیضاً فی أنّ دلالتها بالمفهوم أو بالمنطوق (کما صرّح به المحقّق النائینی (قدس سره) ((1))) و لایکاد یفید البحث عنه و مخالفة الفخر الرازی و إنکاره لدلالة «إنّما» علی الحصر ذیل آیة (إِنَّما وَلِیکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ)((2)) لیس إلّا من باب مکابرة الحقّ((3)).

ص: 211


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص183 و فی طبع آخر ج1، ص438: لایخفی أنّ ما کان من أدوات الحصر دالّاً علی ثبوت شی ء لشی ء و نفیه عن غیره بنفس اللفظ کما هو الحال فی کلمة إنّما فهو خارج عن محل الکلام و داخل فی الدلالات المنطوقیة و قال فی الفوائد: ثمّ إنّه لا إشکال فی إفادة کلمة «إنّما» الحصر، کإفادة الاستثناء له، إمّا: لأنّه بمعنی ما و إلّا، و إمّا: لأنّها مرکبة من کلمة «إنّ» التی للتحقیق و إثبات الشی ء و کلمة «ما» التی لنفی الشی ء، و النّفی یرد علی تالی إنّما، و الإثبات علی الجزء الآخر.
2- 2. سورة المائدة(5): 55.
3- . تفسیر الرازی ج12، ص30. أمّا الوجه الذی عولوا علیه وهو أنّ الولایة المذکورة فی الآیة غیر عامة، والولایة بمعنی النصرة عامة، فجوابه من وجهین: الأوّل: لانسلم أنّ الولایة المذکورة فی الآیة غیر عامة، ولا نسلم أنّ کلمة «إنّما» للحصر، والدلیل علیه قوله (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَیاةِ الدُّنْیا کَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ)(یونس:24) ولا شک أنّ الحیاة الدنیا لها أمثال أخری سوی هذا المثل، وقال (إِنَّمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(محمد:36). ولا شک أنّ اللعب واللهو قد یحصل فی غیرها. و أجاب عنه فی المحاضرات ج5، ص141 – 144 فقال: «ثمّ إنّ العجب من الفخر الرازی حیث أنکر دلالة کلمة "إنّما" علی الحصر وقد صرح بذلک فی تفسیر قوله تعالی (إِنَّمَا وَلِیکُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یقِیمُونَ الصَّلَاةَ وَیؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ)(المائدة:55). ... والجواب عنه أولا بالنقض بقوله تعالی: (وَمَا الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ)(الأنعام:32). و قوله: سبحانه (وَمَا هَذِهِ الْحَیاةُ الدُّنْیا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ)(العنکبوت:64). حیث لا شبهة فی إفادة کلمة «إلّا» الحصر ولاینکرها أحد فیما نعلم إلّا أبی حنیفة، فإذن ما هو جواب الفخر الرازی عن هاتین الآیتین، ... وثانیاً بالحل. بیان ذلک: أنّ الحیاة مرّة تضاف إلی الدنیا. وأخری تکون الدنیا صفة لها أمّا علی الأوّل فالمراد منها حیاة هذه الدنیا فی مقابل حیاة الآخرة ... وأمّا علی الثانی وهو أن تکون الدنیا صفه للحیاة فالمراد منها الحیاة الدانیة فی مقابل الحیاة العالیة الراقیة، وهی بهذا المعنی تارة تطلق ویراد منها الحیاة فی مقابل الحیاة الأخرویة ... وتارة أخری تطلق ویراد منها الحیاة الدانیة فی هذه الدنیا، فی مقابل الحیاة الراقیة فیها ... وبعد ذلک نقول: إنّ المراد من الحیاة فی الآیة الثانیة هی الحیاة الدانیة فالدنیا صفة لها، وهی تنحصر باللعب واللهو ... ثمّ إنّه ذکر فی مقام تقریب عدم دلالة الآیة الثانیة علی الحصر بان اللعب واللهو قد یحصلان فی غیرها أی غیر الحیاة الدنیا ففیه مضافاً إلی منع ذلک أنّ الآیة فی مقام بیان حصر الحیاة الدنیا بهما، لا فی مقام حصرهما بها» إلخ. و صرّح نفس الرازی فی عشرة مواضع من تفسیره و فی المحصول بإفادة إنّما الحصر: 1. تفسیر الرازی ج5، ص11 – 12؛ 2. ج12، ص179؛ 3. ج13، ص219 – 222؛ 4. ج14، ص66 – 67؛ 5. ج16، ص10؛ 6. ج16، ص104 – 105؛ 7. ج16، ص122؛ 8. ج20، ص130 – 131؛ 9. ج21، ص176 – 177؛ 10. ج22، ص232. 2. المحصول، الرازی، ج1، ص381 – 383: المسألة السادسة لفظة إنّما للحصر خلافاً لبعضهم لنا ثلاثة أوجه أحدها أنّ الشیخ أبا علی الفارسی حکی ذلک فی کتاب الشیرازیات عن النحاة وصوبهم فیه وقولهم حجة وثانیها التمسک بقول الأعشی: ولست بالأکثر منهم حصی وإنّما العزة للکاثر وبقول الفرزدق: أنا الذائد الحامی الذمار وإنّما یدافع عن أحسابهم أنا أو مثلی، ولو لم تحمل إنّما ها هنا علی الحصر لما حصل مقصود الشاعر وثالثها أنّ کلمة إن تقتضی الإثبات وما تقتضی النفی فعند ترکیبها یجب أن یبقی کل واحد منهما علی الأصل لأنّ الأصل عدم التغییر فإمّا أن نقول کلمة إن تقتضی ثبوت عین المذکور وکلمة ما تقتضی نفی المذکور وهذا هو الحصر و هو المراد واحتج المخالف بقوله تعالی (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذَا ذُکِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(الأنفال:2). وأجمعنا علی أن من لیس کذلک فهو مؤمن أیضاً والجواب أنّه محمول علی المبالغة.

ص: 212

ص: 213

ص: 214

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد

ص: 215

ص: 216

مفهوم اللقب و العدد

قد صرّح الأعلام بأنّه لا دلالة للقب((1)) و العدد علی المفهوم. و هذا امر واضح لاسترة علیه فلا ینبغی الخلاف فی هذا الأمر.

ص: 217


1- . قال الشهید الأول (قدس سره) (786): دلیل الخطاب، وهو المسمی بالمفهوم، وأقسامه کثیرة ... أما اللقبی فلیس حجة. [ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة -، ج1، ص53 – 54]. و قال الشهید الثانی (قدس سره) (965): مفهوم اللقب أی تعلیق الحکم بالاسم، طلباً کان أم خبراً، لیس بحجة عند الجمهور، فإذا قال قائل: أکرم زیدا، أو قام زید، أو بعتک هذا العبد، فلایدلّ اللفظ الصادر منه بمفهومه علی نفی ذلک عن غیره، بل یکون مسکوتا عنه، و إن کان منفیاً بالأصل، لأنّه لو دلّ علی ذلک للزم أن یکون قول القائل: محمّد رسول الله، دالّاً علی نفی رسالة غیره من الرسل، و هو کفر. [تمهیدالقواعد، ص117قاعدة «29»]. و قال الشیخ البهائی (قدس سره): ومفهوم اللقب لیس حجة و المخالف نادر [زبدة الأصول، ص153]. و قال الوحید البهبهانی (قدس سره): إنّ المفاهیم کلّها حجة ... إلّا مفهوم الصفة و مفهوم اللقب ... و أمّا مفهوم اللقب فهو أضعف من مفهوم الوصف، إذ لیس فیهما دلالة، لأنّ إثبات الشیء لاینفی ما عدا، و لیس فی الأخیر إشعار أیضاً [الفوائد الحائریة، (1205)، ص184]. و قد أنکروا مفهوم اللقب جمع من الأعلام فی کتبهم، راجع: تجرید الأصول، محمّد مهدی النراقی (1209)، ص219؛ کشف الغطاء (ط.ق)، الشیخ جعفر کاشف الغطاء، ج1، ص31؛ ریاض المسائل، السید علی الطباطبائی، ج12، ص85، ص628؛ مناهج الأحکام، المیرزا القمی، ص761؛ مفاتیح الأصول، ص217؛ هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج2، ص590؛ جواهر الکلام، الشیخ الجواهری، ج12، ص145؛ مطارح الأنظار، ص190. تنبیه: قال السید محمد جواد العاملی: أنّ مفهوم اللقب معتبر إجماعاً فی عبارات الفقهاء و به یثبت الوفاق و الخلاف [مفتاح الکرامة، ج12، ص90]. و أورد علیه الشیخ الأنصاری (قدس سره) و قال: و ما یدعی أنّ مفهوم اللقب معتبر فی کلام الفقهاء، فهو علی إطلاقه خلاف المحسوس، بل التحقیق أنّه قد یفهم منه ذلک بقرینة المقام .[کتاب الصلاة، ج1، ص418]. قال المحقّق النائینی فی الأجود، ج1، ص435: بما أنّ الظاهر فی الأوصاف أن تکون قیوداً للمفاهیم الأفرادیة یکون الأصل فیها عدم الدلالة علی المفهوم کما هو الحال فی اللقب عینا غایة الأمر أنّ الموضوع أو المتعلّق فی اللقب أمر واحد یمکن التعبیر عنه بلفظ واحد بخلافهما فی المقام فإنّه لایمکن التعبیر عنهما غالباً إلّا بلفظین و هذا لایکون فارقا بین الموردین بعد اشتراکهما فی ملاک عدم الدلالة علی المفهوم.

نعم قال بعض الأعلام: إن کان العدد جاء لتحدید المعدود و حصره فی عدد معین فهو یدلّ علی المفهوم و إلّا فلا((1)).

ص: 218


1- .فی مفهوم العدد أقوال ثلاثة: القول بالثبوت، القول بالنفی و القول بالتفصیل. الأوّل: القول بالثبوت الحدائق الناضرة ج12، ص234: مع أنّ جمعا من محققی الأصولیین یذهبون إلی حجیة مفهوم العدد، بل قال شیخنا الشهید الثانی فی تمهیده أنّه مذهب أکثر الأصولیین. ریاض المسائل ج10، ص484: و الدلالة فی الأوّل صریحة، و فی الثانی ظاهرة، من حیث مفهوم العدد الذی هو حجة. مفاتیح الأصول، ص216: الثانی أنّه یدلّ علیه و هو للمحکی عن الشافعی و البلخی و اختاره جدی رحمه الله فی فوائده. مطارح الأنظار، ص191: و حکی القول بالإثبات مطلقاً و لم نعرف قائله و فصل جماعة منهم الآمدی فی ذلک. الثانی: القول بالنفی مسالک الأفهام (965)، ج8 ص375: و مع ذلک لا دلالة فیه علی نفی الزائد عن التسعة إلّا من باب مفهوم العدد، و لیس بحجة . وسائل الشیعة (1104)، ج27، ص238: علی أنّ مفهوم العدد لیس بحجة قوانین الأصول، ص191 – 192: و أمّا مفهوم العدد فمذهب المحقّقین عدم الحجیة هدایة المسترشدین، ج2، ص585: و الحق أنّ تعلیق الحکم علی العدد المعین کتعلیقه علی سائر الألقاب لایدلّ بمجرّده علی حکم غیره من الأعداد إلّا بقرینة تفید ذلک، لأنّ الأعداد المختلفة قد تتفق أحکامها، و قد تختلف، فتعلیق الحکم علی شیء منها لایدلّ علی ثبوته فیما عداه، و لا علی نفیه، فلو دلّ علی شیء من ذلک لکان باعتبار زائد علی مجرد التعلیق، لأن دلالته علی ذلک علی فرض ثبوتها لیست مستندة إلی وضع المفردات، و لا إلی وضع الهیئة الترکیبیة، کما مر بیانه فی مفهوم الوصف، و لذا لایلزم التجوز عند التصریح بخلافه، للقطع بعدم صحة السلب حینئذ، فتکون مستندة إلی أمر زائد، و هو ما ذکرناه مطارح الأنظار، ص191: هدایة الأقوی وفاقا لجمع کثیر من أصحابنا و مخالفینا أنّه لا مفهوم فی العدد بل و ادعی بعضهم وفاق أصحابنا فیه شرح مسلم، النووی (676)، ج11، ص120، ج13، ص88؛ الجوهر النقی، الماردینی (750)، ج3، ص180؛ عمدة القاری، العینی (855)، ج14، ص115، ج18، ص210 الثالث: القول بالتفصیل تجرید الأصول، ص216 – 218: فصل قیل مفهوم العدد حجة تقدم و قوله (صلی الله علیه و آله) لأزیدن علی السبعین و لزوم تحصیل الحاصل لولاه فی مثل خبر الولوغ و خمس رضعات یحرمن و قیل بالمنع لعدم ما یقتضی المخالفة و ظهور السبعین فی المبالغة فالزائد مثله و لعله (صلی الله علیه و آله) علم خروجه هنا من خارج و لو سلم ففهم جوازه من الأصل لا المفهوم و الحق أنّ العدد إن کان علة أفاد المخالفة فی الأقل لزوال المعلول بزوال علته و الموافقة فی الأکثر لاشتماله علی العلة و الزیادة غیر منافیة و إلّا لم یفد النفی عمّا عداه کالإثبات فیه لعدم المقتضی له و اختلافه فیهما باختلاف الموارد إفادة مطلق الاتصاف بالعلیة ممته فإنّ اتصافه ببعض الأحکام لایوجب علیه له و لذا لایتصف به الأقل و الأکثر و القول بأنّ الحکم إن کان حظراً أو کراهة أفاد الإثبات فی الزائد دون الناقص و إن کان غیرهما فبالعکس لیس کلیاً مع أنّه استنباط من القرائن لامن العدد ندائه ثمّ تصفح موارده فی الاحکام یقرّر ما اخترناه. مفاتیح الأصول، ص216: اعلم أنّه اختلف الأصولیون فی أنّ تعلیق الحکم علی عدد نحو اضربه عشرة أسواط و یطهر خمس غسلات هل یدل علی نفیه عن غیره ممّا تقصر عنه أو زاد علیه کما فی التعلیق بکلمة إن أو لا؟ علی قولین: الأوّل أنّه لایدلّ علی نفیه عن غیره ممّا تقصر عنه أو زاد علیه کما فی التعلیق بکلمة إن أو لا علیه و هو للعلامة و المحقق و السید عمید الدین و الشهید الثانی و الآمدی و المحکی عن المرتضی و أبی حنیفة و الرازی و البیضاوی بل حکاه السید عمید الدّین عن المحققین ... للأولین انتفاء الدلالات الثلاث و فیه نظر فإنّ الظاهر عرفاً من اضربه عشرة أسواط و رأیت عشرین رجلاً و یستحب لک خمس صلوات و یباح لک أربع زوجات دائمات نفی الحکم فیها عن غیر محل النطق کما فی التعلیق بإن و لذا یحکم بالتخصیص لو قال بعد قوله أکرم العلماء أکرم عشرین عالما و لذا أیضاً یکذب من قال رأیت أربعین رجلا و قد رأی خمسین نعم إذا قال لایجب علیک ضربه خمسة أسواط لایدلّ علی وجوب ضربه عشرة أسواط و کذا لو قال علی أربعة دراهم لایدلّ علی ثبوت الزائد علیه و بالجملة المقامات الّتی علق الحکم فیها علی العدد مختلفة بحسب العرف فلا یمکن دعوی الکلّیة فی منع الدلالة و ثبوتها بل اللازم الرجوع إلی العرف فی محلّ الشک. هدایة المسترشدین، ج2، ص583؛ هدایة المسترشدین، ج2، ص583 – 584؛ هدایة المسترشدین، ج2، ص584. نهایة الأفکار، ج1 - 2، ص503: «ومن المفاهیم مفهوم العدد، و الحق فیه أیضاً عدم الدلالة علی المفهوم، إلّا إذا أحرز من الخارج أنّ المتکلم کان فی مقام التحدید، و حیث إنّه لم یکن فی البین قرینة نوعیة عامة علی ذلک فلا جرم یحتاج فی استفادة المفهوم إلی القرائن الخاصة، فلابدّ حینئذٍ من لحاظ الموارد الخاصة و المقامات المخصوصة المقتضیة لذلک، هذا تمام الکلام فی المفهوم و المنطوق». و راجع أیضاً مقالات الأصول، ج1، ص425. الأصول المهذبة ص41: «ومن قبیل ذلک مفهوم العدد فإنّه لا مفهوم لها إلّا ما ورد فی مقام التحدیدات». تتمة فی أقسام المفهوم: فی کشف الغطاء (ط.ق)، الشیخ جعفر کاشف الغطاء، ج1، ص31: «المفاهیم کثیرة کما یظهر من أحوال المخاطبات فی جمیع اللغات و العمل فیها غالباً علی الثمانیة المتقدمة» ثمّ عدّ منها عشرین مورداً. و فی هدایة المسترشدین، الشیخ محمّد تقی الرازی، ج2، ص560:«ولنختم الکلام فی باب المفاهیم بذکر ما أهمله المصنف (رحمه الله) فیها ممّا تداول ذکره فی کتب القوم مع الإشارة إلی غیره، و کان اقتصاره علی المفاهیم الثلاثة [مفهوم الشرط و الغایة و الصفة] و ترک التعرض للباقی، لظهور الحکم فی بعضها بالنفی أو الإثبات و رجوع بعضها إلی المنطوق» ثمّ ذکر جمیع ما فی کشف الغطاء إلّا مفهوم البدایة و زاد علیها خمسة موارد. و نحن نورد ما فی کشف الغطاء و نکمّله بما فی هدایة المسترشدین مع ذکر صفحة الهدایة: الأوّل: مفهوم الشرط؛ الثانی: مفهوم البدایة؛ الثالث: مفهوم الغایة؛ الرابع: مفهوم الحصر (ص 566)؛ الخامس: مفهوم الأولویة (ص599 و أمّا مفهوم الموافقة بقسمیه المذکورین سابقاً من فحوی الخطاب و لحن الخطاب فقد مرت الإشارة إلیه)؛ السادس: مفهوم العلة (ص 593 و منها مفهوم العلة، فکل ما دل علی العلیة من اسم أو حرف أو غیرهما کلفظ " العلة " و " السبب " أو " لام التعلیل " أو التعلیق علی الوصف فی بعض المقامات أو غیر ذلک یدلّ علی ثبوت الحکم فی غیر الموضوع المذکور عند ثبوت العلة فیه و انتفائه عنه عند انتفائه، لدوران الحکم مدار علته وجوداً و عدماً و عن الغزالی إنکار دلالته علی انتفاء الحکم بانتفائه)؛ السابع: مفهوم التلازم (ص 595 منها مفهوم التلازم کما فی قوله (علیه السلام): " إن قصرت أفطرت، و إن أفطرت قصرت ")؛ الثامن: مفهوم الاقتضاء کإیجاب المقدمة و النهی عن الضد العام (ص 596 و منها مفهوم الاقتضاء، کإیجاب المقدمة، و النهی عن الضد العام، و هو غیر ما تقدّم فی أقسام المنطوق من دلالة الاقتضاء)؛ التاسع: مفهوم الصفة؛ العاشر مفهوم العدد زیادة و نقصاً (ص 583)؛ و الحادی عشر و الثانی عشر: مفهوم الزیادة و النقصان فی أی محل کان (ص 596 – 597 و منها مفهوم الزیادة و النقصان، کما لو علق المنع فی النکاح علی الزائد علی الأربع، و فی الصلاة فی التنجس بالدم علی ما یزید علی الدرهم، و الانفعال علی الناقص عن حد الکر إلی غیر ذلک، فإنّ المفهوم منها انتفاء الحکم فی الناقص علی الأوّل، و فی الزائد علی الثانی، و مرجعه إلی الوصف)؛ الثالث عشر: مفهوم اللقب (ص 590 و منها مفهوم اللقب، و المعروف بینهم التعبیر به عن تعلیق الحکم بالاسم)؛ الرابع عشر: مفهوم ترتیب الذکر فی القران أو مطلقاً علی ترتیب الحکم (ص 597 و منها مفهوم ترتیب الذکر فی القرآن أو مطلقا حیث یدلّ علی ترتیب الحکم، فإن استند فی ذلک إلی النص الدال علی وجوب الابتداء بما بدأ الله تعالی به کان من المنطوق، و إلّا فلا دلالة علیه إلّا إذا دلّت القرینة علی استعمال الواو فیه للترتیب ولو علی سبیل المجاز، فیرجع إلی المنطوق أیضاً)؛ الخامس عشر: مفهوم ترک البیان فی موضع البیان کالجمع بین الفاطمیتین (ص 597 و منها مفهوم ترک البیان فی موضع البیان کالجمع بین الفاطمیتین و مثله الحکم فی کل حکم یعمّ البلوی به فتشتد الحاجة إلیه، فترک البیان فی مثله یدلّ علی انتفاء الحکم فیه، و هو الذی یعبر عنه بعدم الدلیل دلیل العدم، و لا ربط لذلک بالمفهوم)؛ السادس عشر: مفهوم التعریض کرب راغب فیک أو انی راغب فی امرأة جمیله تشابهک فی الجمال (ص 597 – 598 و منها مفهوم التعریض الحاصل بإیراد الکلام فی معرض بیان حال المخاطب مثلا: کرب راغب فیک، أو إنی راغب فی امرأة تشابهک فی الجمال، أو قال لخصمه مشیرا إلیه: لست زانیا، و لا أمی زانیة، أو قال لمن أصابه من ناحیته أذیة: " المسلم من سلم المسلمون من یده و لسانه " مشیرا به إلی خصوص المؤذی، إلی غیر ذلک من الألفاظ الدالة من جهة الإشارة و السیاق علی مقصود خاص بطریق الإمالة، من غیر أن یکون ذلک المعنی بخصوصه مأخوذا فی المعنی المراد من نفس اللفظ علی وجه الحقیقة أو المجاز أو الکنایة، فلا یکون اللفظ حینئذ مستقلا فی إفادة المعنی المذکور، و إنّما یفهم من الإشارة به إلی خصوصیة خارجة عن مدلول اللفظ مستندة إلی القرائن الحالیة و المقالیة، و هی غیر محصورة)؛ السابع عشر: مفهوم الاعراض کما إذا عد قوما فاعرض عن ذکر أعظمهم قدرا (ص 598 و منها مفهوم الاعراض کما إذا عد قوما فأعرض عن ذکر أعظمهم قدرا، و ذلک حیث لایکون هناک مانع من ذکره من خوف أو احترام أو نحوهما، و لایکون ترکه لوضوحه و ظهوره فی الذهن و الاستغناء به عن ذکره، فالدلالة فیه إذا ناشئة من جهة السکوت عنه و عدم التعرض له فی مقام البیان، لا من نفس اللفظ، کما فی محل المسألة)؛ و الثامن عشر: مفهوم الجمع کمفهوم الندب أو الکراهة مثلا عند تعارض الأدلة (ص 598 و منها مفهوم الجمع، کما قد یفهم الندب و الکراهة - مثلا - عند تعارض الأدلة. و فیه: أنّ فهم المعنی المذکور إمّا من جهة کون أحد الدلیلین قرینة علی ما هو المراد من الآخر، أو من باب ترجیح أحد المتعارضین لقوة الدلالة فیه أو غیرها، و لیس ذلک من المفهوم فی شیء)؛ و التاسع عشر: مفهوم تغیر الأسلوب فی الدلالة علی تبدل الحکم (ص 599)؛ و العشرون: مفهوم النکات البیانیة و البدیعیة و یتبعها التقیید و التلویح و الإشارة و التلمیح و تتبع الموارد و السکوت و المکان و الزمان و الجهة و الوضع و الحال و التمیز و نحوها وربما رجعت إلی الأدلة (ص599) والمعیار فی الجمیع علی حصول الفهم المعتبر عند أرباب النظر و علیک بإفادة الفکر فی هذا المقام فإنّه من مزال الأقدام و إلیک ما فی الهدایة من الزیادة: ص 560 منها مفهوم الاستثناء بکل ما دل علیه من الأسماء أو الحروف؛ ص 582 و منها مفهوم الاختصاص و التوقیت و التحدید و البیان حیث لایکون فی محل النطق، و هی قریبة من معنی الحصر، بل راجعة إلیه فی الحقیقة؛ ص 589 و منها مفهوم المقدار و المسافة، فإذا علق الحکم علی مقدار معین بحسب الکیل أو الوزن أو المساحة أو غیرها فهل یدل علی انتفائه فیما دونها أو ما فوقها ؟ الظاهر جریان الحکم السابق فی العدد فیه أیضا فإنه أیضا من الکم، و إنّما الفرق بینهما: أنّ ذلک کم منفصل، و هذا کم متصل فلا فرق بینهما؛ ص 589 و منها مفهوم الزمان و المکان، فإذا قید الحکم أو النسبة فی الإنشاءات و الإخبار بأحدهما فهل یدل علی انتفائه فی غیرهما ؟ یختلف الحال فی ذلک أیضا باختلاف المقامات؛ ص 598 – 599 و منها مفهوم تعارض الأدلة حیث یبنی علی التخییر أو الترجیح، و لیس شیء منهما من المفهوم فضلا عن حکم التساقط.

ص: 219

ص: 220

ص: 221

ص: 222

ص: 223

ص: 224

البحث الرابع: العامّ و الخاصّ

اشارة

فیه اثنا عشر فصلاً

الفصل الأول: تعریف العام و تقسیمه

الفصل الثانی: ألفاظ العموم

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم

الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ

ص: 225

ص: 226

الفصل الأول: تعریف العام و أقسامه

اشارة

ص: 227

ص: 228

تعریف العام و أقسامه

أما تعریف العامّ
اشارة

فإنّ الأقوال المهمّة فی تعریف العام ثمانیة:((1))

التعریف الأوّل:

إنّ أبا الحسین البصری((2)) قال: إنّه اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له((3)).

ص: 229


1- . قال النائینی (قدس سره) فی الفوائد: بعد ما عرفت من انّ معنی العموم هو الشمول اللّفظی، فلاحاجة إلی اتعاب النّفس و تعریف العموم بما لایسلم عن إشکال عدم الاطراد و الانعکاس، فإنّ مفهوم العموم أجلی و أوضح من أن یحتاج إلی التعریف.
2- . أبو الحسین البصری: شیخ المعتزلة، و صاحب التصانیف الکلامیة، أبو الحسین، محمد ابن علی بن الطیب، البصری ... توفی ببغداد فی ربیع الآخر سنة ست و ثلاثین و أربع مئة و قد شاخ ... و له کتاب " المعتمد فی أصول الفقه. [سیر أعلام النبلاء، الذهبی، ج17، ص587 – 588]
3- . رسائل المرتضی، الشریف المرتضی (436)، ج2، ص277: العام و العموم: کل کلام وضع لاستغراق جمیع ما یصلح له. معارج الأصول، المحقق الحلی (676)، ص79 – 81: العام هو المستغرق لجمیع ما یصلح له إذا أفاد فی الکل فائدة واحدة. مبادئ الوصول، العلامة الحلی (726)، ص120: العام: هو اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له بحسب وضع واحد. إیضاح الفوائد، ابن العلامة (770)، ج2 - شرح ص404: العام هو اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له بحسب وضع واحد. ذکری الشیعة فی أحکام الشریعة، الشهید الأول (786)، ج1، ص46: عام، و هو: اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له بوضع واحد. جامع المقاصد، المحقق الکرکی (940)، ج9 - شرح ص109: إنّ تعریف العموم منزل علی مذاهب القوم فی جواز استعمال المشترک فی معنییه بطریق الحقیقة، فمن جوزه اکتفی فی تعریف العام بأنّه اللفظ المستغرق لجمیع ما یصلح له، و من منع زاد فیه بوضع واحد لیخرج المشترک، و حینئذ فلا فرق بین المفرد و الجمع. و کذا فی مسالک الأفهام، الشهید الثانی (965)، ج5، ص390؛ و قد أورد المحقق التقی (قدس سره) علیه بوجوه. راجع هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص144 – 146.
التعریف الثانی:

إنّ الغزالی قال: إنّه اللفظ الواحد الدالّ علی شیئین فصاعداً من جهة واحدة((1)).

ص: 230


1- . المستصفی، الغزالی، ص224 تجرید الأصول، محمد مهدی النراقی، ص161: و قیل اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة علی شیئین فصاعدا و ینتقضان طردا بالجمع المنکر و المثنی و الأخیر عکسا بالممتنع و الموصول. هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص146 – 148: ثانیها: ما حکی عن الغزالی من " أنّه اللفظ الواحد الدال من جهة واحدة علی شیئین فصاعدا " ... و یرد علیه أیضا أمور [خمسة]: منها: أنّه یخرج عنه الجمع المضاف و الموصول بل الجمع المحلی باللام أیضا، إذ لیس شیء منها لفظا واحدا، و أیضا فقوله من جهة واحدة مغن عن ذلک فإنّ الدلالة هناک من جهة وضعین أو أوضاع متعددة فلا حاجة إلی التقیید به. و قد یذب عن الأول ... و قد یجاب أیضا ... و فیه: ... و عن الثانی بأنّ إغناء القید الآخر عن الأول غیر مستنکر فی التعریفات و إنّما المرغوب عنه عکسه. و منها: أنّه ینتقض بالمثنی و المجموع لدلالة الأول علی شیئین و الثانی علی أزید منها مع عدم اندراجها فی العام. و قد یذب عن الانتقاض بالمثنی ... و أنت خبیر: بأنّه مع حمل العبارة علی ذلک لا وجه للتعبیر المذکور ... و عن الانتقاض بالجمع: أنّه یقول بعموم الجمع المنکر و فیه إلخ و منها: أنّه یندرج فیه أسماء العدد کعشرة و نحوها إلّا أن یلتزم أیضاً بعمومها . و منها: أنّه یندرج فیه العمومات المخصصة مع عدم اندراجها فی العام. و منها: أنّه ینتقض بنحو قولک " کل مستحیل و کل معدوم " فإنّ کلا منهما عام شامل لأفراده، مع أنّ مدلوله لیس شیئا إذ الشیئیة تساوق الوجود. و یدفعه: أن إلخ.
التعریف الثالث:

قال المحقّق (قدس سره) فی المعارج: إنّ العامّ اللفظ الدالّ علی اثنین فصاعداً من غیر حصر.((1))

التعریف الرابع:

قال العلّامة (قدس سره) فی النهایة:((2)) إنّ العامّ اللفظ الواحد المتبادل بالفعل لما هو صالح له بالقوة مع تعدد موارده.((3))

ص: 231


1- . المعتبر، المحقق الحلی، ج1، ص28: و الظاهر أنواع ... الرابع: (العام) الدال علی اثنین فصاعداً من غیر حصر، فإنّه فی دلالته علی استیعاب الأشخاص ظاهر لا قاطع. وصول الأخیار إلی أصول الأخبار، والد البهائی العاملی، ص89: و منه (العام) و هو اللفظ الدال علی اثنین فصاعدا من غیر حصر، فإنّ دلالته علی استیعاب الأفراد ظاهر لا قاطع . هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص150: رابعها: ما اختاره المحقّق فی المعارج من " أنّه اللفظ الدال علی اثنین فصاعدا من غیر حصر " و ینتقض بالمثنی و الجمع المنکر، إلّا أن یراد به الدلالة علی ما یزید علی الاثنین فحینئذ یخرج عنه المثنی... و ینتقض أیضا بلفظ الکثیر و نظائره لدلالتها علی الکثرة من غیر حصر، و بالعام المخصوص کأکرم العلماء إلّا زیدا .
2- . نهایة الوصول إلی علم الأصول، ج 2، ص114.
3- . تجرید الأصول، محمد مهدی النراقی، ص161: قیل اللفظ الواحد المتناول بالفعل لما هو صالح له بالقوة و زید مع تعدد موارده لیخرج ما له فرد واحد و نقض عکسه بالجمع المضاف و أسماء الشرط و الموصول و دفعه بأدنی غایة ممکن زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص125: العلامة: هو اللفظ الواحد المتناول بالفعل لما هو صالح [ له] بالقوة مع تعدد موارده، و یرد سبق الصلوح العموم مع انتقاض عکسه بالأطفال و علماء البلد و الموصولات کالذی یأتی، و بأسماء الشرط ک "مهما تأکل" لتناولها قوة ما لایتناوله فعلا، و یمکن توجیهه بتکلف . هدایة المسترشدین، الشیخ محمد تقی الرازی، ج3، ص150 – 151: خامسها: ما ذکره العلامة فی النهایة من " أنّه اللفظ الواحد المتناول بالفعل لما هو صالح له بالقوة مع تعدد موارده " و احترز بالواحد عن الجملة، و بالمتناول بالفعل عن النکرة، لصلاحیتها بالقوة لجمیع الآحاد لکنها غیر متناول لها فعلا، و باعتبار التعدد فی موارده عما له معنی واحد - کالأعلام الشخصیة ... و قد یورد علی الحد المذکور أمور [أربعة]: أحدها: أنّ الفعلیة تقابل القوة فلا یجتمعان فکیف یقید حصول أحدهما بحصول الآخر. و یدفعه ... نعم یرد علیه: أنّه إنّما یشمل الألفاظ التی یطرؤها العموم بسبب أدواته، و أمّا ما یفید العموم وضعا - کأسماء الاستفهام و المجازات - فلا یندرج فیه إلخ. ثانیها: أنّه ینتقض بالأطفال، إذ لیس متناولاً بالفعل لما هو صالح له بالقوة من المشایخ و کذا الحال فی العلماء و السلاطین و فی غیرهما. و یدفعه إلخ. ثالثها: أنّه ینتقض بالعشرة و نحوها من أسماء العدد إن أرید مفاهیمها. و یدفعه إلخ. رابعها: أنّه إن أرید بموارده الجزئیات المندرجة تحته انتقض بالجمع المحلی، فإنّه إنّما یتناول أجزاءه دون جزئیاته من مراتب الجموع. و إن أرید ما یعم ذلک و الأجزاء اندرج فیه أسماء الأعداد، فإنّها و إن لم یتناول جزئیاتها إلّا أنّها متناولة فعلا لما یصلح له من أجزائها. و یمکن دفعه بما سیجیء الإشارة إلیه .
التعریف الخامس:

إنّ الشیخ البهائی (قدس سره) قال: إنّه اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه و جزئیاته((1)).

ص: 232


1- . زبدة الأصول، الشیخ البهائی، ص125: و لا یبعد أن یقال: هو اللفظ الموضوع للدلالة علی استغراق أجزائه أو جزئیاته. قوانین الأصول، المیرزا القمی، ص192 – 193: فالعام هو اللفظ الموضوع للدلالة علی استغراق أجزائه أو جزئیاته کما عرفه شیخنا البهائی رحمه الله . هدایة المسترشدین، الشیخ محمّد تقی الرازی، ج3، ص151: سادسها: ما اختاره شیخنا البهائی من " أنّه اللفظ الموضوع لاستغراق أجزائه أو جزئیاته " . ویرد علیه تارة: أنّ عدة من ألفاظ العموم لیست موضوعة لاستغراق أجزائها أو جزئیاتها و إنّما یفید العموم ظهورا أو من جهة الالتزام کما هو الحال فی الجمع المحلی باللام و النکرة فی سیاق النفی - حسب ما یأتی الکلام فیها إن شاء الله- و تارة: أنّهم عدوا لفظة کل من ألفاظ العموم و لیس کل من الجزئیات جزءً من الکل الاستغراقی و لا جزئیاً له، ولو جعل لفظة کل أداة للعموم وعد مدخوله عاما فهو خارج عن الحد أیضا لعدم وضعه للاستغراق. و أخری: أنّه یندرج فیه العام المخصوص و المستعمل فی غیر العموم من جهة المبالغة و غیرها لصدق الحد علیه مع عدم اندراجه إذن فی العام هذا.
التعریف السادس:

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) قال: إنّه ما استغرق جمیع جزئیات مفهومه لفظاً.((1))

التعریف السابع:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عرّفه بشمول المفهوم لجمیع ما یصلح أن ینطبق علیه.((2))

ص: 233


1- . الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، الشیخ محمد حسین الحائری، ص159. و المختار فی حده أن یقال هو ما استغرق جمیع جزئیات مفهومه وضعا و المراد بالموصولة ما یتناول المفرد و المرکب فدخل نحو کل رجل إذ یصدق علیه أنّه یستغرق جمیع جزئیات مفهوم الرجل المشتمل علیه مفهوم کل رجل و دخل فیه أیضا نحو الرجال لاستغراقه جمیع جزئیات مفهوم الرجل المشتمل علیه مفهوم الجمع المعرف و کذلک النکرة المنفیة و یمکن تخصیص الموصولة بالمفرد نظرا إلی أنّ العموم هناک لیس صفة للکل بل للجز المقید أعنی الرجل المضاف إلیه الکل و النکرة المنفیة و هذا أقرب إلی الاعتبار و المراد بالمفهوم ما یعم المفهوم المعتبر مطلقا و المعتبر مقیدا فدخل الجمع المعرف لتناوله جزئیات مفهوم المطلق أعنی المجرد عن اعتبار التقیید بوصف الجمعیة و إن اعتبر مقیدا بغیره کالوصف و دخل نحو علماء البلد من المجموع المضافة و شبهها لشمولها جزئیات مفهومها المقید و هی داخلة فی الحد السابق أیضا إلخ.
2- . کفایة الأصول، ص215: فالظاهر أنّ الغرض من تعریفه إنّما هو بیان ما یکون بمفهومه جامعا بین ما لا شبهة فی أنّها أفراد العام لیشار به إلیه فی مقام إثبات ما له من الأحکام لا بیان ما هو حقیقته و ماهیته لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل الکلام بحسب الأحکام من أفراده و مصادیقه حیث لایکون بمفهومه العام محلا لحکم من الأحکام.
التعریف الثامن:

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) عرّفه بمعنی الشمول لغةً و عرفاً و اصطلاحاً.

و لکن الأمر سهل سیما مع ملاحظة ما أفاده صاحب الکفایة من أنّ المعنی المرکوز من العامّ فی الأذهان أوضح ممّا عُرّف به مفهوماً و مصداقاً.

فائدة: قال المحقق الخراسانی (قدس سره): إنّ تعریفات القوم کلّها تعاریف لفظیة تقع فی جواب السؤال عنه ب- «ما» الشارحة (شرح الاسم).

و قد استشکل علیه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((2)) بأنّ شرح الاسم المرادف لمطلب «ما» الشارحة لایساوق التعریف اللفظی.

ص: 234


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص299.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص50 و 444.
أما أقسام العامّ: ففیه ثلاثة مطالب
المطلب الأوّل:
اشارة

إنّ «العامّ» ینقسم إلی الاستغراقی و المجموعی و البدلی کما صّرح به صاحب الکفایة (قدس سره) .

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره):

قال: «الظاهر أنّ ما ذکر له من الأقسام من الاستغراقی و المجموعی و البدلی إنّما هو باختلاف کیفیة تعلّق الأحکام به و إلّا فالعموم فی الجمیع بمعنی واحد.»((1))

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ منشأ التقسیم إنّما هو اختلاف کیفیة تعلّق الحکم بالعامّ مع أنّ الأمر لیس کذلک، فإنّ المولی فی مقام جعل الأحکام لایلاحظ الطبیعة بما هی هی مع قطع النظر عن أفرادها، بل یلاحظها بأحد الأنحاء الثلاثة:

النحو الأوّل: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی أفرادها علی نحو الوحدة فی الکثرة و هو العموم الاستغراقی و معنی ذلک أنّه یلاحظ الأفراد الکثیرة واقعاً وحقیقةً فی ضمن مفهوم واحد و یجعل الحکم علی الأفراد، فالحکم و إن کان واحداً، فی مقام الإنشاء إلّا أنّه متعدّد فی مقام الثبوت و الواقع.

ص: 235


1- . کفایة الأصول، ص216.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص299 -300.

النحو الثانی: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی الأفراد علی نحو الوحدة فی الجمع و هو العموم المجموعی و معنی ذلک هو أنّه یلاحظ الأفراد المتکثرة علی نحو الجمع حقیقة تحت مفهوم واحد و یجعل المجموع من حیث المجموع موضوعاً واحداً بحیث یکون کل فرد جزء الموضوع لا تمامه.

النحو الثالث: أن یلاحظ الطبیعة فانیة فی صرف وجودها فی الخارج و هو العموم البدلی و معنی ذلک هو أنّه یلاحظ صرف وجود الطبیعة الساریة إلی جمیع أفرادها و یجعل الحکم علیه و لما کان صرف الوجود واحداً غیر قابل للتعدد فالحکم فی مقام الإثبات و الثبوت واحد.

فعلی هذا منشأ التقسیم لیس کیفیة تعلّق الحکم بالعامّ بل کیفیة ملاحظة الطبیعة فی ناحیة العامّ.

المطلب الثانی: الفرق بین العامّ و المطلق الشمولی

إنّ العامّ هل یفترق عن المطلق الشمولی مثل: (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((1)) أو هما لایفترقان؟

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): ((2))

إنّ المطلق الشمولی و إن کان یدلّ علی شمول الحکم لجمیع أفراد مدخوله إلّا أنّ دلالته بالإطلاق و مقدّمات الحکمة و أمّا دلالة العامّ علی شمول الحکم لجمیع أفراده هو بالوضع و سیجیء إن شاء الله مزید بیان.

ص: 236


1- 1. سورة البقرة(2): 275.
2- 2. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص299.
المطلب الثالث: الفرق بین العامّ و لفظ «عشرة» و نظائرها

إنّ دلالة العامّ علی سرایة الأحکام علی کل فرد من أفراده استقلالیة من جهة انطباقه علیه و أمّا دلالة لفظ «عشرة» علی کل فرد من أفرادها ضمنیة لا استقلالیة حیث إنّه من جهة شمول المرکب والکل لأجزائه.

ص: 237

ص: 238

الفصل الثانی: ألفاظ العموم

اشارة

ص: 239

ص: 240

ألفاظ العموم

فیه أمران:

قد وقع البحث فی وجود الألفاظ الموضوعة للعموم کبرویاً ثمّ فی تعیینها صغرویاً. ((1))

ص: 241


1- . قال فی الهدایة المسترشدین(ط ج): ج 3، ص141: الفصل الأوّل فی الکلام علی ألفاظ العموم. أصل الحقّ: أنّ للعموم فی لغة العرب صیغة تخصّه. و هو اختیار الشیخ، و المحقّق، و العلّامة، و جمهور المحقّقین. و قال السید رحمه اللّه و جماعة: إنّه لیس له لفظ موضوع إذا استعمل فی غیره کان مجازا، بل کلّ ما یدّعی من ذلک مشترک بین الخصوص و العموم. و نصّ السید علی أنّ تلک الصیغ نقلت فی عرف الشرع إلی العموم، کقوله بنقل صیغة الأمر فی العرف الشرعی إلی الوجوب. و ذهب قوم إلی أنّ جمیع الصیغ الّتی یدّعی وضعها للعموم حقیقة فی الخصوص، و إنّما یستعمل فی العموم مجازا. لنا: أنّ السید إذا قال لعبده: «لا تضرب أحدا» فهم من اللفظ العموم عرفا، حتّی لو ضرب واحدا عدّ مخالفا. و التبادر دلیل الحقیقة؛ فیکون کذلک لغة؛ لأصالة عدم النقل، کما مرّ مرارا. فالنکرة فی سیاق النفی للعموم لا غیر، حقیقة، و هو المطلوب. و أیضا، لو کان نحو: «کلّ» و «جمیع» من الألفاظ المدّعی عمومها، مشترکة بین العموم و الخصوص، لکان قول القائل: «رأیت الناس کلّهم أجمعین» مؤکّدا للأشتباه، و ذلک باطل بیان الملازمة: أنّ «کلا» و «أجمعین» مشترکة عند القائل باشتراک الصیغ، و اللفظ الدالّ علی شی ء یتأکّد بتکریره؛ فیلزم أن یکون الالتباس متأکّدا عند التکریر. و أمّا بطلان اللازم؛ فلأنّا نعلم ضرورة أنّ مقاصد أهل اللغة فی ذلک تکثیر الإیضاح و إزالة الاشتباه.
الأمر الأوّل: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟
اشارة

((1))

فیه قولان: القول الأوّل: ثبوت الوضع، و القول الثانی: إنکار الوضع.

و استدل علی إنکار الوضع بوجهین:
الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ إرادة الخصوص متیقّنة و لو فی ضمن العموم بخلاف إرادة العموم و جعل اللفظ حقیقة فی المتیقّن أولی.

ص: 242


1- . قیل فی المفاتیح، ص150: اعلم أنّه اختلف القوم فی ثبوت لفظ موضوع للعموم لا غیر فعن المرحبة و غیرهم المنع و قالوا لیس للعموم صیغة تخصه بالوضع أصلا بل کل ما یدّعی للعموم فهو للخصوص و إنّما یفید أقلّ ما یمکن أن یکون مراداً فإذا استعمل فی العموم کان مجازا و عن المرتضی أن کلّ ما یدعی للعموم فهو مشترک بینه و بین الخصوص و حکی عن الأشعری أیضا کما حکی عنه الوقف کما عن أهل الوقف و قال العضدی قال القاضی بالوقف إمّا علی أنّا لاندری أ وضع لها أم لا أو ندری أنّه وضع لها و لاندری أ حقیقة منفردا أو مشترکا أم مجازا انتهی و فی النهایة و من الواقفیة من فصّل بین الأخبار و الوعد و الوعید و الأمر و النّهی فقال بالوقف فی الأخبار و الوعد و الوعید دون الأمر و النّهی انتهی و الحق عندی ثبوت ذلک وفاقا للأکثر منهم العلاّمة فی النهایة و التهذیب و المبادی و الشیخ فی العدة و الشهید الثانی فی التمهید و ولده فی المعالم و الشیخ البهائی فی الزبدة و البیضاوی فی المنهاج و الحاجبی فی المختصر و حکاه فی المنیة عن جماعة من المعتزلة و الشافعی و کثیر من الفقهاء و فی غایة البادی عن جمهور المعتزلة و جماعة من الفقهاء و فی المعالم عن المحقق و جمهور من المحققین و فی العدّة عن أکثر المتکلّمین و الفقهاء بأسرهم و فی التمهید عن الجمهور و فی المختصر و غیره عن جمیع المحققین لنا ما سنبینه فی تحقیق ما ندّعیه من وضع ألفاظ للعموم خاصّة. و فی هدایة المسترشدین، ج3،ص141: أصل الحقّ: أنّ للعموم فی لغة العرب صیغة تخصّه. و هو اختیار الشیخ، و المحقّق، و العلّامة، و جمهور المحقّقین. و قال السید و جماعة: إنّه لیس له لفظ موضوع إذا استعمل فی غیره کان مجازا، بل کلّ ما یدّعی من ذلک مشترک بین الخصوص و العموم.
إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1)):

أوّلاً: إنّ وضع بعض الألفاظ للعموم ممّا لا شبهة فیه.

ثانیاً: إنّ تیقّن إرادة الخصوص لایوجب اختصاص الوضع به، فإنّ ما استدلّ به القائل من أنّ جعل اللفظ حقیقة فی المتیقّن أولی وجه استحسانی و لیست قاعدة لغویة و لا عرفیة و لا عقلیة.

الوجه الثانی:
اشارة

إنّ التخصیص قد اشتهر و شاع حتّی قیل «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» و الظاهر یقتضی وضع اللفظ لما هو الغالب و هو الخصوص لا العموم و إلّا یلزم أن یکون المجاز أکثر من الحقیقة.

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره)

((2)):

أوّلاً: إنّ العموم أیضاً کثیراً یراد.

ثانیاً: إنّ التخصیص لایلازم المجازیة بل التخصیص من باب تعدّد الدالّ و المدلول فإنّ اللفظ العامّ فیما إذا خصّص بمخصّص استعمل فی معناه العامّ و الدالّ علی التخصیص لفظ آخر.

ثالثاً: تقدّم فی الجواب عن الوجه الأوّل أنّ وضع بعض الألفاظ للعموم ممّا لا شبهة فیه.

ص: 243


1- . کفایة الأصول، 216.
2- . نفس المصدر.
الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم
اشارة

و البحث فی ثلاث موارد:

من ألفاظ العموم لفظ «کل» و ما بمعناه مثل لفظ «الجمیع» و لفظ «تمام» فی لغة العرب و ما بمعناه فی سائر اللغات.

و منها النکرة فی سیاق النفی أو النهی.

و منها الجمع المحلّی ب- «ال» و هکذا المفرد المعرّف ب- «ال».

و لابدّ من البحث عن کل منها:

المورد الأول: لفظ «کلّ»
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

قد یستفاد من کلام صاحب الکفایة (قدس سره) أنّ دلالته علی العموم متوقّفة علی جریان مقدّمات الحکمة لأنّها موضوعة للدلالة علی عموم الطبیعة المدخولة للفظ «کلّ»، فلابدّ من إجراء مقدّمات الحکمة بالنسبة إلی مدخول کلمة «کلّ» فإن کان مطلقاً فهو و إلّا یدلّ علی إرادة المتیقّن من مدخوله.((1))

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ لفظة «کلّ» أو ما شاکلها التی هی موضوعة لإفادة العموم تدلّ بنفسها

ص: 244


1- . کفایة الأصول، ص: 217.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص307.

علی إطلاق مدخولها و عدم أخذ خصوصیة فیه و لایتوقف ذلک علی جریان مقدّمات الحکمة، بل هی تدلّ علی سرایة الحکم إلی جمیع ما یمکن أن ینطبق علیه مدخولها بما له من المعنی وضعاً، لا إنّ دلالتها علی العموم و الشمول مستندة إلی عدم قیام قرینة علی تقییده بقیدٍما و إلّا لکفی جریان مقدّمات الحکمة فی إثبات العموم من دون حاجة إلی أداته و علیه فبطبیعة الحال یکون الإتیان بلفظة «کلّ» لغواً، و هذا خلاف الارتکاز العرفی، ضرورة أنّ العرف یفرّق بین قولنا «أکرم کل عالم» و قولنا «أکرم العالم»، و یری أنّ دلالة «أکرم کل عالم» لاتحتاج إلی أیة مؤونة زائدة ما عدا دلالة اللفظ علیه بخلاف «أکرم العالم» فإنّ دلالته علی العموم تحتاج إلی مؤونة زائدة و هی إجراء مقدّمات الحکمة.

فتحصّل أنّ دلالة لفظة «کلّ» علی عموم مدخولها لاتحتاج إلی مقدّمات الحکمة.((1))

ص: 245


1- . ثمّ اعلم أنّ الألفاظ الدالّة علی العموم قد تکون هی بنفسها عامّة فتکون دالّة علی معانیها علی سبیل العموم و الشمول، و قد یکون اللفظ دالّا علی العموم لکن ذلک العموم لم یکن وضعا لمعناه بل لمعنی آخر فیکون العامّ هو اللفظ الدالّ علی ذلک المعنی و تکون إرادة العموم من اللفظ الأوّل باعثا علی عموم ذلک اللفظ- کما فی لفظ کلّ و نظائره- فإنّ العامّ إنّما هو مدخوله و هو أداة العمومیة و حینئذ فالموضوع للعموم إنّما هو الأداة المذکور دون اللفظ الآخر، فمحلّ الخلاف فی المقام هو ما یعمّ الوجهین و لذا عدّوا لفظة «کلّ» و نظائره من ألفاظ العموم. هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص156.
المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی
اشارة

المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی((1))

فیه مسألتان:

المسألة الأولی: هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟
اشارة

((2))

فیه قولان:

القول الأوّل: توقفها علی جریان مقدمات الحکمة

قال المحقّق الخراسانی (قدس سره): إنّ دلالتها علی العموم متوقفة علی أخذ النکرة طبیعة مرسلة لا بشرط و أمّا إذا أخذناها طبیعة مبهمة مهملة فتکون بحکم

ص: 246


1- . هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص232 و مفاتیح الأصول، ص153.
2- . هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص234: ثمّ ذکر أنّ هذا تحقیق مذهب النحاة، و حکی من أرباب الاصول إطلاق القول بالعموم، قال: و التحقیق ما قال النحاة. و ظاهر کلامه إطباق النحاة علیه، حیث أسنده إلیهم من غیر نقل خلاف عنهم. و ظاهر ما یستفاد من کلامه أنّ استفادة العموم من النکرة فی الأوّلین إنّما هی من جهة نفی الجنس القاضی بنفی جمیع الآحاد لا من جهة الوضع بالخصوص، و عدم الدلالة فی الأخیر من جهة کون المنفی خصوص الواحد، فلا یدلّ علی نفی ما عداه. ثمّ إنّ ظاهر ما حکی عن الاصولیین إنّها تفید العموم بالوضع، و قد اختاره جماعة من المتأخّرین، و حینئذ فالموضوع للعموم إمّا الهیئة الترکیبیة أو خصوص النکرة المقیدة بالوقوع فی سیاق النفی. و عن السبکی و الحنفیة أنّ دلالة النکرة المنفیة علیه التزامیة، و هذا هو الظاهر عندی. و قد احتجّوا علی کونها للعموم بوجوه. و فی مفاتیح الأصول، ص153: صرح الشیخ فی العدّة و المحقق فی المعارج و العلامة فی النهایة و التهذیب و الشهید الثانی و الفاضل البهائی فی الزبدة و صاحب المعالم و نجم الأئمة و جمال الدین الخونساری و الفاضل التونی و التّفتازانی و الرّازی و الحاجبی و العضدی بأن النکرة فی سیاق النّفی تفید العموم و موضوعة له و عزاه المحقق فی المعارج إلی المحققین و لهم وجوه.

الجزئیة و حینئذ إذا وقعت الطبیعة المهملة المبهمة فی سیاق النفی أو النهی فلاتفید إلّا نفی هذه الطبیعة فی الجملة و لو فی ضمن صنف منها.

و حینئذ دلالتها علی العموم تتوقف علی جریان مقدّمات الحکمة لإحراز إرسال الطبیعة و کونها مطلقة بنحو اللابشرط.((1))

المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً اختار ذلک فقال((2)): إنّ مقدّمات الحکمة إذا جرت فی مدخول کلمة «لا» سواء أکانت نافیة أم ناهیة، فنتیجتها هی العموم الشمولی کقولنا مثلاً «لا أملک شیئاً» فانّ کلمة شیء و إن استعملت فی معناها الموضوع له و هو الطبیعة المهملة الجامعة بین جمیع الأشیاء، إلّا أنّ مقتضی الإطلاق و عدم تقییده بحصّة خاصّة هو نفی ملکیة کلّ ما یمکن أن ینطبق علیه عنوان «الشیء» لا نفی فردٍمّا منه و وجود البقیة عنده، فإنّ هذا المعنی باطل فی نفسه فلایمکن إرادته منه، و أمّا إذا افترضنا أنّه لا إطلاق له یعنی أنّ مقدّمات الحکمة لم تجر فیه فهی لاتدلّ علی العموم و الشمول و إنّما تدلّ علی النفی بنحو القضیة المهملة التی تکون فی حکم القضیة الجزئیة.

القول الثانی: عدم توقفها علی جریان مقدمات الحکمة
اشارة

بعض الأصولیین مثل المحقّق القمی (قدس سره) قالوا بأنّ دلالة النکرة فی سیاق النفی أو النهی علی العموم وضعیة و لا حاجة إلی جریان مقدّمات الحکمة.((3))

یلاحظ علیه:

و لکن أنّا نری عدم وضع النکرة و عدم وضع أدات النفی و النهی علی ذلک.

ص: 247


1- . کفایة الأصول (ط. آل البیت)، ص217.
2- 2. المحاضرات، ط.ج. ج4، ص307.
3- . القوانین المحکمة فی الأصول (ط ج): ج 1، ص504.

فالحقّ هو ما أفاده صاحب الکفایة و المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) من أنّ دلالتها علی العموم لایتمّ إلّا بجریان مقدّمات الحکمة.

المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟
القول الأوّل:
اشارة

إنّ دلالتها علی العموم عقلیة عند صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام و لیست وضعیة.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

أمّا عدم کونها وضعیة فلأنّ أدوات النفی أو النهی لم توضع للعموم کما أنّ مدخولها أیضاً هی الطبیعة و هی أیضاً لم توضع للعموم و لا وضع للترکیب بینهما.

أمّا کونها عقلیة فلأنّ العقل یحکم بأنّ انتفاء الطبیعة بانتفاء جمیع أفرادها کما أنّها توجد بوجود فرد منها.

ص: 248


1- . أجود التقریرات، ج 1، ص440؛ و قال فی ص446: فالظاهر أنّ الأداة و هیئة الجمع تردان معا علی المادة فی عرض واحد و یستفاد العموم من ورودهما معا علیها فالعموم یکون وارد أعلی نفس الطبیعة فیستفاد منه العموم الاستغراقی و تحتاج حینئذ إفادة العموم المجموعی إلی مئونة زائدة و أما النکرة فی سیاق النفی أو النهی فاستفادة السالبة الکلیة منها و إن کانت ممّا لاتنکر إلّا أنّ السلب فیهما متعلق بنفس الطبیعة فیدل علی سلب جمیع أفرادها و أمّا تعلق السلب بمجموع الأفراد فهو لازم تعلقه بالجمیع لا أنّه بنفسه مدلول للکلام لما عرفت من احتیاج اعتبار الأمور الکثیرة أمراً واحداً إلی عنایة زائدة فمع عدم القرینة علیها لا موجب لحمل الکلام علی العموم المجموعی.
2- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص446.
القول الثانی: دلالتها لا عقلیة و لا وضعیة

إنّ المحقق الإصفهانی (قدس سره) ناقش فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فقال:

إنّ الثبوت و النفی هنا غیر متقابلین، بل لوحظت الطبیعة فی طرف الثبوت مهملة و فی طرف النفی مرسلة، و نقیض کل وجود عدمه البدیل له، و لایکون بدیلاً له إلّا إذا لوحظا بالإضافة إلی شیء واحد. ((1))

(و قد تقدّم بیان ذلک فی أوائل مبحث النواهی).

فالدلالة علی العموم هنا و إن کانت بمعونة جریان مقدّمات الحکمة إلّا أنّها لیست عقلیة کما أنّها لیست وضعیة.

ص: 249


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص448.
المورد الثالث: الجمع المحلّی ب- «أل» و المفرد المحلّی ب- «أل»
اشارة

((1))

هل یتوقف دلالتها علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟

القول الأوّل:
اشارة

المحقّق الخراسانی و المحقّق الإصفهانی0((2)) و جمع من الأعلام قالوا بعدم دلالتهما علی العموم إلّا بمقدّمات الحکمة المقتضیة للإطلاق.

ص: 250


1- . هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص159: قوله الجمع المعرف بالأداة لا خلاف بینهم علی ما نص علیه غیر واحد منهم فی إفادة الجمع المحلی باللام للعموم علی العموم و هو المحکی عن أبی الهاشم و جماعة من المحققین و عزی إلی أکثر البیانیین و الأصولیین و عن الشیخ فی العدة و شیخنا البهائی عدم دلالته علی العموم و حکی ذلک عن المبرد و الشافعی و أبی علی الجبائی و الحاجبی و البیضاوی و عزاه فی التمهید إلی جماعة من الأصولیین و جعله المعروف من مذهب البیانیین و حکاه الآمدی عن الأکثرین و نقله الرازی عن الفقهاء و الحق أنّه عند التجرد عن القرائن لایفید العموم و إن لم یکن إرادة الاستغراق منه خروجا عن مقتضی وضعه و استعمالا له فی غیر ما وضع له...و اختلفوا فی إفادة المفرد المحلّی باللام لذلک: فعن المحقّق و الشهید الثانی عدم دلالته علی العموم و هو المحکی عن أبی هاشم و جماعة من المحقّقین و عزی إلی أکثر البیانیین و الاصولیین و عن الشیخ فی العدّة و شیخنا البهائی عدم دلالته علی العموم و حکی ذلک عن المبرّد و الشافعی و أبی علی الجبائی و الحاجبی و البیضاوی و عزاه فی التمهید إلی جماعة من الاصولیین و جعله المعروف من مذهب البیانیین. و حکاه الآمدی عن الأکثرین و نقله الرازی عن الفقهاء. و الحقّ أنّه عند التجرّد عن القرائن لایفید العموم و إن لم تکن إرادة الاستغراق منه خروجا عن مقتضی وضعه و استعمالا له فی غیر ما وضع له.
2- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص448: الجمع المحلّی باللام، و الفرد المحلّی باللام: فحیث لم یثبت دلالة اللام علی الاستغراق، فلا دلالة لهما علی العموم إلّا بمقدّمات الحکمة المقتضیة للإطلاق.
استدلال صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

دلالة المحلّی ب«اللام» (جمعاً کان أم مفرداً) علی العموم وضعاً محل منع، بل إنّما یفیده فیما إذا اقتضته الحکمة أو قرینة أُخری و ذلک لعدم اقتضائه وضع «اللام» و لا مدخوله و لا وضع آخر للمرکّب منهما.

و الاستدلال المذکور تمام فالحقّ مع صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) .

القول الثانی:
اشارة

قال المحقّق القمی (قدس سره) ((2)) بوضعهما للعموم.

استدلّ علی ذلک أوّلاً بالتبادر و ثانیاً بجواز الاستثناء منه و ثالثاً بأنّ اللام وضعت للاستغراق (فیما لم یکن للعهد).

یلاحظ علیه:

إنّ الدلیل الأول (التبادر) و الثالث مصادرة للمطلوب، و الدلیل الثانی و هو جواز الاستثناء أعمّ من کونه وضعیاً أو إطلاقیاً.

ص: 251


1- 1. کفایة الأصول، ص217.
2- 2. القوانین، ص216.

ص: 252

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص

اشارة

ص: 253

ص: 254

عدم مجازیة العام المخصص

إنّ الأعلام اختلفوا فی العامّ المخصّص بالتخصیص المتّصل أو المنفصل حیث إنّ العامّ حینئذ استعمل فی المعنی الخاصّ و أُرید منه ذاک المعنی الخاصّ فهل یکون العامّ حینئذ مجازاً لأنّه وضع للمعنی العامّ و لکن لم یستعمل فیه.

و حینئذ یقع نزاع آخر فیما إذا قلنا بأنّه مجاز فی الباقی و هو أنّ العامّ المخصّص إذا کان مجازاً فهل یکون حجّة فی الأفراد الباقیة من العامّ أو لا؟((1)) و وجه ذلک

ص: 255


1- . قال فی مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص: 131: هدایة [الکلام فی حجیة العام المخصّص فی الباقی] إذا خصّص العامّ بأمر معلوم مفهوما و مصداقا، فلاینبغی الإشکال فی حجیة العامّ فی الباقی، و لیس ممّا یتطرّق علیه الاشتباه کما علیه المشهور، بل و لم یظهر من أصحابنا فیه خلاف، و إنّما نسب الخلاف إلی بعض العامّة کأبی ثور. و ذهب جماعة- منهم البلخی علی ما حکی- إلی التفصیل بین المخصّص المتّصل- کالوصف و الغایة و بدل البعض و الاستثناء، علی تأمّل فیه- فقال بالحجّیة، و بین المنفصل فقال بعدمها. لنا: ظهور العامّ فی الباقی بعد التخصیص علی وجه لایشوبه شائبة الإنکار فی العرف. و یشهد له انقطاع عذر العبد المأمور بإکرام العلماء إلّا زیدا عند عدم الامتثال به کما هو ظاهر، و لانعنی بالحجیة فی المقام إلّا ذلک، و یظهر بالرجوع إلی الوجدان الخالی عن الاعتساف. و یزید ظهورا بملاحظة الاحتجاجات الواردة فی کلمات الأئمّة و أرباب العصمة- صلوات اللّه علیهم- و أصحاب النبی صلّی اللّه علیه و آله من أهل اللسان و العلماء فی موارد جمّة، علی وجه لایمکن إنکاره، بل و لولاه لانسدّ باب الاجتهاد.

هو أنّ العامّ بعد التخصیص لم یستعمل فی معناه الحقیقی فلابدّ أن یحمل علی المعنی المجازی و لکن المعانی المجازیة کثیرة یمکن أن یکون مستعملاً فی کل من هذه المعانی المجازیة، فإن کانت قرینة معینة فهی المتّبع و إلّا یکون المعنی مجملاً من حیث عدم تعیین ما هو المراد من المعانی المجازیة، فلایمکن التمسّک بالعامّ المخصّص بالنسبة إلی الأفراد الباقیة تحت العامّ.

فهنا أمران:

الأول: إنّ تخصیص العامّ هل یوجب مجازیته؟

الثانی: إنّه علی فرض المجازیة هل یکون حجّة فی الباقی؟

ص: 256

الأمر الأوّل: هل العام المخصَّص مجاز أو لا؟
اشارة

و التحقیق هو أنّ العامّ یستعمل دائماً فی معناه الحقیقی و هو العموم و لا مجازیة فی البین سواء کانت القرینة المخصّصة متصلة به أم منفصلة و هذا هو القول الأوّل و اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) و هو القول الحقّ من بین الأقوال.

و بعض آخر قالوا: إنّه مجاز مطلقاً و هناک قول ثالث و هو أنّ العامّ المخصّص بالقرینة المتّصلة مجاز دون ما خصّص بالقرینة المنفصلة و لبعضهم قول رابع عکس القول الثالث.((1))

دلیل القول الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((2)

)

إنّه لایلزم من التخصیص کون العامّ مجازاً سواء کان المخصّص متّصلاً أم منفصلاً.

أمّا التخصیص بالمخصّص المتّصل فإطلاق التخصیص علیه مسامحة لأنّ

ص: 257


1- . أجود التقریرات، ج1، ص446: فیه أقوال ثالثها التفصیل بین المخصص المتصل و المنفصل و رابعها التفصیل بین الاستثناء و غیره و الحق کونه حقیقة مطلقا وفاقا للمحققین من المتأخرین و قد استدل علی المختار بوجوه [ثلاثة]
2- . کفایة الأصول، ص218. و فی فصول الغرویة، ص187: فإنّ التخصیص بالإخراج لایوجب التجوز فی لفظ العام کما سنحقّقه. و فی زبدة الأصول، المتن، ص348: التجوّز: إشارة إلی أنّ العامّ المخصّص مجاز فی الباقی؛ کما هو مذهب أکثر المحقّقین من علمائنا؛ ک: «الشیخ»، و «المحقّق» و «العلّامة» - فی غیر «التهذیب»- و هو مذهب «الحاجبی». و ذهب [العلّامة]- قدّس اللّه سرّه- فی «التهذیب» إلی أنّه: إن خصّ بما لایستقلّ من شرط، أو صفة، أو استثناء، أو غایة، فهو فی الباقی حقیقة؛ و إن خصّ بمستقلّ من عقل، أو سمع، فمجاز؛ و هذا موافق ل: «أبی الحسین البصری». و ذهب الحنابلة إلی أنّه حقیقة مطلقا.

العامّ غیر مخصّص فی الحقیقة فعلی هذا أدوات العموم لاتستعمل إلّا فی العموم غیر أنّ دائرة مدخوله قد تکون موسعة و أُخری مضیقة، فمعنی «أکرم کل عالم إلّا الفسّاق منهم» هو أنّ مدخول أداة العموم هو العلماء العدول و أداة العموم مثل «کلّ» فی المثال المذکور یدلّ علی وجوب إکرام جمیع العلماء العدول فأداة العموم دلّت علی عموم مدخولها و شمول الحکم لجمیع أفراد المدخول.

(و الشاهد علی ذلک هو أنّه لایصحّ أن یجعل مکان «کلّ» کلمة «بعض»، فلو قال مثلاً «أکرم بعض العلماءإلّا الفسّاق منهم» یکون المعنی غیر صحیح.)

فالمخصّص یوجب تضییق مدخول الأداة من باب تعدّد الدالّ و المدلول و أداة العموم توجب شمول الحکم بالنسبة إلی مدخوله.

و أمّا التخصیص بالمخصّص المنفصل فالأمر فیه أسهل، لأنّ العامّ استعمل فی معناه و انعقد ظهور أداة العموم فی عمومیة المدخول من غیر أن یخصّص بحسب الإرادة الاستعمالیة و لکن المخصّص یوجب عدم حجیة ظهوره و یدلّ علی عدم تعلّق الإرادة الجدّیة بالمعنی العامّ فأداة العموم استعملت فی معناه و استعمل مدخوله أیضاً فی معناه من غیر تضییق و لکن هذا المعنی الظاهر من القضیة العامّة لم یکن بعمومه مراداً جدیاً.

فالمتحصّل هو أنّ أداة العموم استعملت فی معناها الحقیقی و إن خصّصت بالمخصّص المتّصل أو المنفصل.

ص: 258

الأمر الثانی: هل العام المخصَّص حجة فی الباقی أو لا؟

حجیة العامّ المخصّص فی الأفراد الباقیة تحت العامّ نتیجتها جواز التمسّک بالعامّ فلا شک فیه و لا وجه للنزاع فیه بعد اثبات استعمال أدوات العامّ فی معناها الحقیقی بل هذا النزاع یجری فیما إذا قلنا بالمجازیة مطلقاً أو بالمجازیة فی العامّ المخصّص بالقرینة المتّصلة أو بالمجازیة فی العامّ المخصّص بالقرینة المنفصلة.((1))

ص: 259


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص297 و فی المفاتیح، ص103: بناء علی ما هو التحقیق من أنّ العام المخصّص حجة فی الباقی و فی نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (ط ق): ج 1، ص635 و فی کفایة الأصول فی أسلوبها الثانی، ج 3، ص303 و فی دررالفوائد (ط ج): ص212.

ص: 260

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصص إلی العام

اشارة

ص: 261

ص: 262

سرایة إجمال المخصص إلی العام

((1))

فیه مقامان:

إنّ الشک فی المخصّص قد یسری إلی العامّ فیوجب إجماله و حینئذ لایمکن التمسک بالعامّ بالنسبة إلی مورد الشک.

فإنّ إجمال المخصّص قد یکون بالشبهة المفهومیة و أُخری بالشبهة المصداقیة و المراد من الشبهة المفهومیة هو الشک فی مفهوم المخصّص و المراد من الشبهة المصداقیة هو الشک فی دخول فرد العامّ فی المخصّص، من دون إجمال فی مفهوم المخصّص.

ص: 263


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص151: إجمال المخصّص یسری إلی العامّ فیوجب إجماله عند أکثر المحقّقین، بل نفی الخلاف فیه جماعة (مثل المحقّق القمّی فی القوانین، ج1، ص265، و صاحب الفصول فی الفصول، ص199، و الکلباسی فی الإشارات، الورقة، ص54، و القزوینی فی ضوابط الأصول، ص211) و ادّعی بعضهم الإجماع صریحاً (ادّعاه الکلباسی فی الإشارات). و ینبغی أن یکون مرادهم من سرایة الإجمال أنّه لایؤخذ بعمومه کما یؤخذ به فیما إذا لم یکن مجملا، و لیس مرادهم سقوطه عن الاعتبار بالمرّة فلا یستفاد منه شی ء بوجه من الوجوه، و لعلّه یشعر بذلک تصریح جماعة بسقوطه من جهة إجماله (صرّح به المحقّق القمّی فی القوانین، و مثله صاحب الفصول و الضوابط.)، فلو کان مبینا من جهة أخری یلزم الأخذ، لوجود المقتضی و انتفاء المانع.

ثمّ إنّ الإجمال قد یکون حقیقیاً و أُخری حکمیاً، فإنّ إجمال المخصّص إذا کان موجباً لسقوط ظهور اللفظ العامّ فی الإرادة الاستعمالیة و عدم انعقاده فهو إجمال حقیقی، و إذا کان موجباً لسقوط ظهوره فی الإرادة الجدّیة فهو إجمال حکمی.

و هذا الإجمال إمّا یکون بالتردید بنحو الأقلّ و الأکثر و امّا یکون بالتردید بین المتباینین و المخصّص إمّا یکون متصلاً بالعامّ و إمّا یکون منفصلاً عنه.

و حینئذ یقع البحث فی مقامین: الشبهة المفهومیة و الشبهة المصداقیة.((1))

ص: 264


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص260: إنّ المخصص المتّصل المجمل مطلقاً یوجب الإجمال الحقیقی فی العام... و فی تهذیب الأصول، ج 2، ص175 و فی فوائد الأصول، ج 4، ص60 و فی المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص331 و فی منتقی الأصول، ج 3، ص315.
المقام الأوّل: الشبهة المفهومیة
اشارة

إنّ البحث عن سرایة إجمال المخصّص (فی الشبهة المفهومیة) إلی العامّ یقع فی ضمن صور أربع:

الصورة الأُولی: المخصّص المتّصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر

و الحق هو أنّ إجمال المخصّص یسری إلی العامّ و یوجب إجماله و عدم جواز التمسّک بالعامّ لدخول الأمر المشکوک فی حکم العامّ (مثاله «کل ماء طاهر إلّا ما تغیر طعمه أو لونه أو ریحه» فإنّه یشمل التغیر الحسّی قطعاً و نشک فی شموله للتغیر التقدیری).

والوجه فی ذلک هو أنّ المخصّص المتّصل قرینة متّصلة بالکلام و هو یمنع عن انعقاد ظهور العامّ فی الإرادة الاستعمالیة بالنسبة إلی المشکوک، و یصیر العامّ مجملاً حقیقیاً.

الصورة الثانیة: المخصّص المتّصل المردّد بین المتباینین

و الحقّ هنا أیضاً سرایة إجمال المخصّص بالعامّ و إجماله حقیقةً بنفس البیان المذکور فی الصورة الأُولی. (مثاله «أکرم العلماء إلّا زیداً» فیما إذا تردّدنا أنّه زید بن عمرو أو زید بن بکر مثلاً)

الصورة الثالثة: المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر
اشارة

فیها أقوال ثلاثة:

ص: 265

القول الأول:

قال المحقق الحائری الیزدی (قدس سره) ((1)) بسرایة الإجمال (حیث إنّ المتکلّم بنی علی بیان مخصّصات کلامه فی مجلس آخر فحینئذ المخصّصات المنفصلة فی کلامه یکون بحکم المخصّصات المتّصلة).

القول الثانی:

إنّ المشهور منهم صاحب الکفایة((2)) و المحقّق النائینی((3)) و المحقّق

ص: 266


1- 1. درر الفوائد، ص215.
2- . کفایة الأصول، ص220: إذا کان الخاص بحسب المفهوم مجملا بأن کان دائرا بین الأقل و الأکثر و کان منفصلا فلایسری إجماله إلی العام لا حقیقة و لا حکما بل کان العام متبعا فیما لایتبع فیه الخاص لوضوح أنّه حجة فیه بلا مزاحم أصلا ضرورة أنّ الخاص إنّما یزاحمه فیما هو حجة علی خلافه تحکیما للنص أو الأظهر علی الظاهر لا فیما لایکون کذلک کما لایخفی و إن لم یکن کذلک بأن کان دائراً بین المتباینین مطلقاً أو بین الأقل و الأکثر فیما کان متصلا فیسری إجماله إلیه حکما فی المنفصل المردد بین المتباینین و حقیقة فی غیره.
3- . [3] طبع آخر لأجود التقریرات، ج1، ص455: فنقول المخصص إما أن یکون متصلا أو یکون منفصلا و علی کل تقدیر فإمّا أن یکون إجماله لدورانه بین الأقل و الأکثر أو لدورانه بین المتباینین (أمّا المخصص المتصل) فالحق أنّ إجماله یسری إلی العام مطلقا فإنّ القرینة المتصلة و إن لم تصادم الدلالة التصوریة اللازمة لسماع اللفظ عند العالم بالوضع إلّا أنّها کما عرفت تصادم الدلالة التصدیقیة أعنی بها دلالة الکلام علی ما یریده المتکلم به فیدلّ التخصیص المتصل علی أنّ ما أراده المتکلم إنّما هو خصوص المقید من أوّل الأمر و علیه فإذا کانت القرینة مجملة فیما أرید بها لدورانه بین المتباینین أو لدورانه بین الأقل و الأکثر کان ما أراده المتکلم من مجموع کلامه بعد ضمّ بعضه إلی بعضه الآخر مردّداً عند السامع فلاینعقد لکلامه ظهور فیما أراده فیکون مجملاً لا محالة (و أمّا المخصّص المنفصل) فقد عرفت أنّه لایوجب ارتفاع الدلالة التصدیقیة من العام غایة الأمر أنّه یکون کاشفا عن قصر المراد الواقعی علی غیر موارد التخصیص فلایبقی مجال للزوم اتباع العام علی إطلاقه.

الخوئی (قدس سرهم) ((1)) قالوا بعدم سرایة إجمال المخصّص المنفصل المردّد بین الأقلّ و الأکثر إلی العامّ.

القول الثالث:
اشارة

قال بعض الأساطین (دام ظله) بالتوقّف و الاحتیاط لا التمسّک بالعامّ فی القدر الزائد علی المتیقّن فی المخصّص المجمل مفهوماً و لذا یرجع ما أفاده مآلاً إلی سرایة الإجمال إلی العامّ.((2))

استدلّ علی القول الثانی بوجوه:
الوجه الأوّل لنظریة المشهور:

إنّ العامّ انعقد ظهوره فی العموم، و الخاصّ یقدّم علیه بقدر ما أُرید منه قطعاً، أمّا القدر الزائد فالخاصّ فیه مجمل و لا حجّة علیه و لم یثبت قرینیة الخاصّ بالنسبة إلیه، فلا وجه لکونه رافعاً للظهور المنعقد للعامّ فی هذا المقدار.

مثال ذلک قول المولی: «أکرم کل عالم» و قوله بعد ذلک منفصلاً عنه: «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، ثم شککنا فی أنّ الفاسق هل یشتمل من یرتکب الصغیرة أو لا، و ذلک بعد أن علمنا بأنّ من یرتکب الکبیرة فاسق قطعاً.

الوجه الثانی للتمسک بالعامّ:

قال المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)): إنّ أصالة الظهور لاتکون فی الحجیة بأضعف من

ص: 267


1- . المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص332.
2- . تحقیق الأصول، ج 4، ص260.
3- . أجود التقریرات، ج2، ص315 و فی طبع آخر ج1، ص456.

الأصول العملیة، فکما أنّ دلیل حرمة إکرام العالم الفاسق إذا تردّد الأمر فیه بین أن یکون المراد بلفظ الفاسق فیه خصوص مرتکب الکبیرة أو الأعم منه و من مرتکب الصغیرة لایکون مانعاً من إجراء أصالة البراءة عن إکرام مرتکب الصغیرة، کذلک لایکون ذلک الدلیل مانعاً من التمسّک بعموم دلیل وجوب إکرام العلماء، المفروض شموله لمرتکبی الصغائر من العلماء أیضاً.

الوجه الثالث: ما قرّره بعض الأساطین (دام ظله)
اشارة

إنّ دلالة العامّ إمّا وضعیة و إمّا بمعونة مقدّمات الحکمة التی منها عدم القرینة علی الخلاف و المراد من عدم القرینة إمّا عدم القرینة إلی الأبد و إمّا عدم القرینة فی مجلس التخاطب.

فإن کانت دلالة العامّ علی العموم بالوضع، فالمخصّص المنفصل لایزاحمه فی القدر الزائد المشکوک.

و إن کانت دلالته بمقدّمات الحکمة و لکن کان جریانها متوقّفة علی عدم القرینة إلی الأبد فالأمر مشکل، لأنّ هنا ما یحتمل قرینیته بالنسبة إلی القدر الزائد علی المتیقّن و بعبارة أُخری هنا قرینة علی خلاف العامّ و لها قدر متیقّن و هو فی المثال المرتکب للکبیرة و أیضاً لها قدر زائد مشکوک تکون القرینة بالنسبة إلیها مجملاً و هو المرتکب للصغیرة و حیث لم ینعقد للعامّ دلالة علی العموم إلّا بعد إحراز عدم القرینة علی خلافه و وجود القرینة بالنسبة إلی المرتکب للصغیرة مشکوک فلایمکن إحراز عدمها فلاینعقد للعامّ ظهور بالنسبة إلی هذا القدر الزائد المشکوک و إن کانت دلالته بمقدّمات الحکمة و کان جریانها متوقّفة علی إحراز عدم القرینة فی مجلس التخاطب کما هو الحق، فالعامّ ینعقد له الظهور من

ص: 268

دون أن یمنع عنه مانع بالنسبة إلی القدر الزائد المشکوک (أی المرتکب للصغیرة)((1)).

إشکال علی هذا الوجه:

(نقله المحقّق النائینی (قدس سره) بعنوان «إن قلت» ثم أجاب عنه).

إنّ دلیل حرمة إکرام العالم الفاسق و إن لم یکن رافعاً لظهور العامّ أی الإرادة الاستعمالیة إلّا أنّه یوجب تقیید المراد الواقعی (الإرادة الجدیة) بغیر الفاسق و بما أنّ المفروض إجمال مفهوم الفاسق لتردّده بین الأقل و الأکثر فالمراد الواقعی و الجدّی من العامّ أیضاً یکون مردّداً بین الأقلّ و الأکثر و حینئذ العامّ له ظهور بالإرادة الاستعمالیة بالنسبة إلی القدر الزائد (و هو المرتکب للصغیرة) و لکن بالنسبة إلیه بالإرادة الجدّیة مجمل، فالإجمال یسری إلی العامّ.

جواب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((2))

إنّ الأحکام إنّما تتعلّق بالمفاهیم باعتبار کونها مرآة للحقائق التی تطابقها فی الخارج، لا بما هی مفاهیم و علیه فإذا کان دلیل وجوب إکرام العالم عامّاً بالنسبة إلی کل انقسام یمکن أن یفرض فی مفهوم العالم ککونه مرتکب الکبیرة و غیره و کونه مرتکب الصغیرة و غیره، فبإزاء کل انقسام یفرض فی العامّ تکون فیه جهة إطلاق لاترفع الید عنها إلّا بدلیل.

و المرتکب للصغیرة هنا لایعلم دخوله فی مفهوم الفاسق المقید للعامّ بما أنّه حاک عن مطابقه فی الخارج، فلایکون هناک موجب لرفع الید عن ظهور العامّ.

و أمّا حجیة ظهور العامّ، فالمانع منها منحصر بما یدلّ علی عدم وجوب إکرامه،

ص: 269


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص264.
2- 2. أجود التقریرات، ج2، ص316 و فی طبع آخر ج 1، ص: 456.

الکاشف عن تقید المراد الواقعی بعدمه و المفروض أنّه لادلیل علیه، لإجمال المخصّص فیبقی ظهور العامّ فیه بلا معارض فیکون رفع الید عنه بلا موجب.

(فإنّ العقلاء بنوا علی أنّ الإرادة الاستعمالیة أُریدت جدّاً إلّا إذا قامت قرینة علی الخلاف).

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علی جواب المحقّق النائینی (قدس سره) نقضاً:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی مسألة من کان مدیوناً لرجل و شک فی أنّه تسعة دنانیر أو عشرة: لایجب علیه إلّا إعطاء تسعة دنانیر و تجری البرائة بالنسبة إلی الدرهم الزائد و لکن إذا کان هناک عنوانٌ مثل عنوان «ما هو مکتوب فی الذمة» فیجب علیه إعطاء عشرة دنانیر.((1))

فإنّه رتّب الحکم و الأثر علی العنوان باعتبار التردید بین صدقه علی العشرة أ و التسعة فحکم باشتغال الذمّة إلّا إذا أعطی عشرة دنانیر و هذا خلاف المبنی الذی ذکره فی الجواب هنا حیث إنّ عنوان «ما فی الذمّة» باعتبار کونه مرآة للحقائق التی تطابقها فی الخارج ینطبق علی تسعة دنانیر و الدینار الزائد المشکوک لم یعلم دخوله فی مفهوم ما هو مکتوب فی الذمّة بما أنّه حاک عن مطابقه فی الخارج.

ص: 270


1- . تحقیق الأصول، ج 4، ص: 266 و قد أورد الأستاذ- فی الدورتین- علی المیرزا بالنقض بما ذهب إلیه فقهاً و أصولًا من ترتیب الأثر علی العنوان، کما فی مسألة الفحص عن المخصّص، فلو علم إجمالًا بورود المخصّصات علی العام، فعثر علی تسعةٍ منها، قال بانحلال العلم و إن احتمل وجود العاشر، لکنّه لایقول بهذا فی الأخبار المخرجة فی الکتب الأربعة، إذا کان موضوع العلم الإجمالی متعنوناً بعنوان «ما فی الکتب الأربعة» بل علیه الفحص ... و کما فی مسألة ما لو کان مدیناً لزیدٍ و شک فی أنّه تسعة دنانیر أو عشرة، فلایجب علیه العشرة إلّا إذا کان الموضوع «ما هو مکتوبٌ فی الدفتر»، فإنّه لو تردّد بین الأقل و الأکثر وجب أن یدفع الأکثر المسجّل فی الدفتر.
جواب بعض الأساطین (دام ظله) عن الإشکال:

إنّ المخصّص المنفصل إنّما یکون مانعاً عن حجیة العامّ فیما إذا کان بنفسه حجّة و إلّا فلا اقتضاء له للمانعیة عن انعقاد ظهور العامّ فی حجیته، و العام حجّة بالنسبة إلی القدر المتیقّن، أمّا بالنسبة إلی القدر الزائد المشکوک فلیس بحجّة.((1))

استدلال بعض الأساطین (دام ظله) علی القول الثالث:
اشارة

((2))

إنّ أصالة العموم من الأُصول اللفظیة و الدلیل علی حجیتها هو بناء العقلاء فإنّهم یتمسّکون بأصالة العموم للکشف عن المراد الجدّی للمتکلّم و لکنّا نری أنّهم یتوقفون فی أمثال ما نحن فیه و الشاهد علیه أنّه إذا قال المولی: «اشتر لی قطعة من السجّاد» و قال بدلیل منفصل عنه «لاتشتر السجّاد من صنائع مدینة کذا» فشککنا فی أنّه یمنع من السجّاد المصنوع فی داخل البلد أو الأعّم منه و من حومته فإنّ العقلاء حینئذ یتوقّفون حتّی یتّضح المراد عندهم.

یلاحظ علیه:

ینبغی أن نمثّل بالعامّ الذی خصّص بالمخصّص المنفصل (لا بالمطلق المقید)

فنقول: إذا قال المولی «أکرم کل عالم» أو قال «أکرم العلماء» ثم بعد ذلک قال بدلیل منفصل عنه «لاتکرم الفسّاق من العلماء» فنری أنّ العقلاء یعاملون «لاتکرم الفسّاق» معاملة «لاتکرم المرتکب للکبیرة» حیث إنّه لا یتحقّق لهذه الجملة ظهور فی حرمة إکرام المرتکب للصغیرة فضلاً عن حجیة هذا الظهور و

ص: 271


1- 1. تحقیق الأصول، ج4، ص267.
2- . و هو التوقّف و عدم جواز التمسّک بأصالة العموم.

حینئذ إذا قاموا بالجمع بین الأدلّة یرون أنّ العامّ هو إکرام کل عالم و الخاصّ هو حرمة إکرام المرتکب للکبیرة و الجمع بین الأدلّة یقتضی التمسّک بعموم «أکرم کل عالم» إلّا المرتکب للکبیرة، فالحق جواز التمسّک بالعامّ فی هذه الصورة.

فإنّ توقف العقلاء فی المثال الذی ذکره قد یکون من باب التفحّص عن المخصّص حیث یمکن الاتصال بالمولی و الاستفسار عنه و أمّا فی الروایات الواردة عن المعصومین (علیهم السلام) فلانجد روایة حتّی یعین لنا حکم حومة البلد.

الصورة الرابعة: المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین

إنّ الحقّ هو أنّ إجمال المخصّص یسری فی هذه الصورة إلی العامّ و إن کان ظهور العامّ ینعقد فی العموم و لکنّ العلم الإجمالی بخروج أحد المتباینین عنه یمنع عن حجیة هذا الظهور بالنسبة إلیهما، فالمقتضی لشمول العامّ للمتباینین موجود و لکن العلم الإجمالی بخروج أحدهما عن العامّ یمنع عنه و قد یستفاد من کلام بعضهم أنّ أصالة العموم قاصرة اقتضاء عن شمول المتباینین و علی أی حال لایمکن التمسّک بأصالة العموم، و یکون العامّ مجملاً حکماً. (و مثاله قول المولی «أکرم کل عالم» و قوله منفصلاً عنه «لاتکرم زیداً العالم» مع أنّ زیداً العالم مردد بین رجلین.)

ص: 272

المقام الثانی: الشبهة المصداقیة
اشارة

إنّ الأعلام اختلفوا فی جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة فقال بعضهم بجواز التمسّک بالعامّ و بعضهم بعدم الجواز.

و قد اختلفوا أیضاً فی تعیین القائلین بالجواز.((1))

ص: 273


1- . أشار بعض الفضلاء فی حاشیة الکفایة ج2، ص154: لایخفی علیک: أنّ هذه المسألة من المسائل الّتی یبتنی علیه کثیر من الفروع الفقهیة. و فیها أقوال: القول الأوّل: عدم جواز التمسّک بالعامّ مطلقا. ذهب إلیه کثیر من المتأخّرین، منهم المحقّقان: العراقی و الحائری، و المحقق الخوئی و بعض الأعاظم. فراجع درر الفوائد ج1، ص184؛ نهایة الأفکار، ج2، ص518؛ المحاضرات، ج5، ص183؛ مناهج الوصول، ج2، ص245- 254. القول الثانی: جواز التمسّک به مطلقا. و هذا منسوب إلی المشهور من قدماء الأصحاب کما فی نهایة الأفکار، ج2، ص518. و نسب إلی المحقّق النهاوندی علی ما فی تهذیب الاصول، ج2، ص19. و قد ینسب إلی الفقیه الیزدی حسبما أفتی فی کثیر من الفروع علی الأخذ بالعامّ فی الشبهة المصداقیة. و لکن السید المحقّق الخوئی دفع نسبته إلیه، فراجع المحاضرات، ج5، ص185- 188. القول الثالث: التفصیل بین المخصّص اللبّی و المخصّص اللفظی، فیجوز التمسّک به فی الأوّل و لایجوز فی الثانی. و هذا القول نسبه المحقّق النائینی إلی الشیخ الأعظم الأنصاری و قال: «أوّل من أفاد ذلک هو الشیخ علی ما فی التقریر». فوائد الأصول، ج2، ص536. و لکنّ السید البروجردی دفع نسبته إلی الشیخ، و نسب إلیه- بعد ما ذکر نصّ ما فی مطارح الأنظار، ص194- أنّه فرّق بین ما إذا کان للمخصّص عنوان، و ما إذا ما لم یکن للمخصّص عنوان، فلایجوز التمسّک بالعامّ علی الأوّل، و یجوز علی الثانی. نهایة الأصول، ص297- 298. القول الرابع: التفصیل بین المخصّص اللفظی و المخصّص اللبّی المتّصل الّذی یصحّ أن یتّکل علیه المتکلّم فی بیان مراده و بین المخصّص اللبّی المنفصل الّذی لایصحّ أن یتّکل علیه المتکلّم فی بیان مراده، فلا یجوز التمسّک بالعامّ فی الأوّل، و یجوز فی الثانی. و هذا ما اختاره المصنّف فی المقام، کما یأتی. القول الخامس: التفصیل بین المخصّص اللفظی و المخصّص اللبّی الّذی لایوجب تقیید موضوع الحکم و تضییقه و بین المخصّص اللبّی الّذی یوجب تقیید موضوع الحکم. فلا یجوز التمسّک به فی الأوّل، و یجوز فی الثانی. و هذا ما اختاره المحقّق النائینی فی فوائد الأصول، ج2، ص536- 539.

قال المحقّق النائینی (قدس سره):((1)) إنّ القول بالجواز منسوب إلی المشهور بل الأشهر و ربما نسب أیضاً إلی الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2)).

و نسب هذا القول إلی الشهید الثانی (قدس سره) من القدماء و إلی صاحب العروة (قدس سره) من المتأخرین و لکن کل ذلک مستنبط من الفروع الفقهیة التی أوردوها فی کتبهم و لذا اختلف فی صحّة الانتساب و تردّد بعض الأعلام منهم المحقّق النائینی((3)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی صحّة انتساب القول بالجواز إلی هؤلاء الأعلام.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: إنّ النزاع وقع فی المخصّص المنفصل أمّا المخصّص المتّصل فلا نزاع بین الأعلام فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فیه((4)).

ص: 274


1- . أجود التقریرات، ج 1، ص458: ربما ینسب إلی المشهور أو الأشهر جوازه لأجل فتواهم بالضمان فیما إذا دار أمر الید بین أن تکون ید ضمان و عدمه بل ربّما ینسب إلی العلامة الأنصاری التمسک بعمومات أدلة انفعال الماء فی الحکم بنجاسة الماء المردد أمره بین کونه قلیلا قابلا للانفعال و کونه کثیراً معتصماً بنفسه و سیأتی الکلام فی صحة نسبة ذلک إلی المشهور و عدمها إن شاء الله تعالی (و کیف کان) فالحق هو عدم جواز التمسک بعموم العام عند الشک من جهة الشبهة الخارجیة سواء فی ذلک القضیة الحقیقیة و القضیة الخارجیة.
2- . مطارح الأنظار، ص192- 193.
3- . أجود التقریرات، ج 1، ص461: و أما نسبة التمسک بالعموم فی موارد الشبهة المصداقیة إلی المشهور من جهة ذهابهم إلی الضمان فیما إذا دار الأمر بین کون الید عادیة و کونه غیر عادیة (فتحقیق الحال) فیها هو ان مسألة جواز التمسک بالعموم فی الشبهات المصداقیة و عدمه لم تکن محررة فی کلام المشهور و لم یعلم أنّ وجه ذهابهم إلی الضمان هو ما ذا فقد ذهب بعضهم إلی أنّه من جهة تجویزهم التمسک بالعموم فی الشبهات المصداقیة و ذهب آخر إلی أنّه من جهة التمسک بقاعدة المقتضی و المانع و فی فوائد الأصول، ج 2، ص523.
4- . المحاضرات، ج4، ص334.

ثم إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((1)) قد فصّل بین ما إذا کان المخصّص لفظیاً فلایجوز التمسّک بالعام فیه و ما إذا کان المخصّص لبیاً فیجوز التمسّک بالعامّ فیه و صاحب الکفایة (قدس سره) قال بعدم جواز التمسّک بالعامّ فی المخصّص اللفظی و فصّل فی المخصّص اللبی.((2))

فلابدّ أن نبحث هنا عن جهتین:

الجهة الأُولی المخصّص اللفظی و الجهة الثانیة المخصّص اللبّی.

ص: 275


1- . مطارح الأنظار، ط.ق، ص194.
2- . کفایة الأصول، ص222؛ و أمّا إذا کان لبیاً فإن کان ممّا یصح أن یتکل علیه المتکلم إذا کان بصدد البیان فی مقام التخاطب فهو کا لمتصل حیث لایکاد ینعقد معه ظهور للعام إلّا فی الخصوص و إن لم یکن کذلک فالظاهر بقاء العام فی المصداق المشتبه علی حجیته کظهوره فیه.
الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً
اشارة

و هو إمّا متصل أو منفصل.

المخصّص اللفظی المتّصل:

لا خلاف فی عدم جواز التمسّک بأصالة العموم فیه و الوجه فی ذلک هو أنّ المخصّص المتّصل یمنع عن انعقاد الظهور فی العموم فلا اقتضاء للعامّ بالنسبة إلی شموله للفرد المشکوک بالشبهة المصداقیة.

المخصّص اللفظی المنفصل:
القول الأوّل: لایجوز التمسّک بالعامّ فیه أیضاً.

الوجه فی ذلک: إنّ العامّ بعد مجیء الخاصّ یتعنون بما هو غیر الخاصّ أو ضدّ الخاصّ فیصیر «أکرم کل عالم» بعد التعنون بغیر الخاصّ أو ضدّه: «أکرم کل عالم غیر فاسق» و المخصّص المنفصل هو قوله «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، و الفرد المشکوک هو دائر بین دخوله فی هذا أو ذاک و هذا من دوران الفرد بین الحجتین و لایمکن التمسّک بإحدی الحجتین فیه.

هذا مضافاً إلی أنّ العامّ حکم علی موضوع معین و مرتبة الحکم متأخر عن مرتبة الموضوع فلایمکن إحراز الموضوع بالتمسّک بعموم الدلیل فیما إذا شککنا فی کون الفرد موضوعاً للدلیل أم لا و إلّا یلزم أن یکون المتأخّر متکفّلاً للمتقدّم و هو محال.

ص: 276

القول الثانی: جواز التمسّک بعموم العامّ فی الشبهة المصداقیة
اشارة

استدل علیه بوجهین:

الوجه الأوّل: قاعدة المقتضی و المانع
اشارة

((1))

إنّ عنوان العامّ من قبیل المقتضی لثبوت الحکم لکل واحد من الأفراد المتحقّقة فی الخارج و عنوان الخاصّ من قبیل المانع له و إذا أحرزنا وجود المقتضی و شککنا فی وجود المانع فتجری قاعدة المقتضی و المانع.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذا الاستدلال:

((2))

أمّا صغرویاً: فإنّ عنوان المخصّص لا ینحصر فی کونه من قبیل المانع دائماً، بل ربّما یکون من قبیل الشرط أو الجزء کما فی قوله (علیه السلام): «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ»((3)) أو «بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب».((4))

ص: 277


1- . الأصل فیها هو المحقّق الشیخ هادی الطهرانی و ملخّص ذلک: إنّه کلّما علم بالمقتضی و شک فی المانع فالأصل عدمه، و العام وزانه وزان المقتضی و وزان الخاص وزان المانع، فمن علم بکونه من العلماء و شک فی عدالته و فسقه فهو من أفراد العام و حکمه وجوب الإکرام، و لایصلح المخصص للمانعیة للشک فی کونه فاسقاً.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص322 و ط آخر ج 1، ص460.
3- . محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن حماد بن عیسی عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ. الوسائل، ج1، کتاب الطهارة، الباب1من أبواب الوضوء، ح1، ص365. أیضاً: محمد بن علی بن الحسین قال: قال أبو جعفر (علیه السلام): لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ. الوسائل، ج1، ص366، کتاب الطهارة، الباب1 من أبواب الوضوء، ح6.
4- . عوالی اللآلی، قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله): لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب. المستدرک، ج4، ص158، ح5، باب1. أیضاً: محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن فضالة عن العلاء عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الَّذِی لَا یقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْکِتَابِ فِی صَلَاتِهِ قَالَ لَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا أَنْ یقْرَأَ بِهَا فِی جَهْرٍ أَوْ إِخْفَات...» الوسائل، ج6، ص37، الباب1 من أبواب القراءة فی الصلاة، ح1.

و أمّا کبرویاً: فإنّ قاعدة المقتضی و المانع ممّا لم یدلّ علیها دلیل شرعی أو عقلی فکیف یمکن التمسّک بها فی إثبات قاعدة صولیة أو فرعیة.

الوجه الثانی:
اشارة

إنّ عموم العامّ حجّة فیما لایکون هناک حجّة أقوی علی خلافه و بما أنّ دلیل المخصّص لایکون حجّة فی الأفراد التی لم یحرز دخولها تحت عنوان موضوعه، تبقی حجیة العامّ فیها بلا معارض.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ دلیل المخصّص (بعد تقییده للعامّ بغیر أفراد الخاصّ الواقعیة و ثبوت هذا التقیید عند المخاطب) یوجب ارتفاع حجیة دلیل العامّ إلّا فی المقید بغیر عنوان الخاصّ و صدق العامّ المقید بغیر عنوان الخاصّ علی الأفراد المشتبهة مشکوک فلایمکن التمسّک بعموم العامّ.

فالحق هو عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة فی المخصّص اللفظی المتّصل و المنفصل (وفاقاً للشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سرهم) و سائر الأعلام).

ص: 278


1- . أجود التقریرات، ج2، ص323.
الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً
اشارة

فی هذا القسم نذکر أربع نظریات:

النظریة الأُولی:

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و بعض الأعلام قالوا بجواز التمسّک بالعامّ مطلقاً فیما إذا کان المخصّص لبیاً.((1))

النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المخصّص اللبّی علی قسمین:

الأوّل: أن یکون ممّا یصحّ عرفاً أن یتکل و یعتمد علیه المتکلّم فیما إذا کان فی مقام البیان بأن کان حکماً عقلیاً ضروریاً أو کان ارتکازاً قطعیاً عقلائیاً بحیث یعد عرفاً قرینة متّصلة بالکلام مانعة عن انعقاد الظهور فی العموم، و حینئذ لایجوز التمسّک بالعامّ.

الثانی: ألّا یکون بهذه المثابة، بل یکون حکماً عقلیاً نظریاً أو بناءً عقلائیاً أو إجماعاً بحیث لم یعدّ عند العرف قرینة متّصلة بالکلام، فحینئذ یجوز التمسّک بالعامّ.

ص: 279


1- . و أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) قال بالتفصیل و فی قبال ذلک قال المحقّق النائینی (قدس سره) بعدم جواز التمسّک بالعامّ و استثنی عنه مورداً خاصّاً.
2- 2. کفایة الأصول، ص222.
و استدل علیه بوجوه أربعة:
الوجه الأول:

هو أنّ العامّ الملقی من المولی الکاشف عن الإرادة الجدیة حجّة ما لم تقم قرینة قطعیة علی خلافه فإذا قال المولی «أکرم جیرانی» و علمنا بأنّه لایرید إکرام من کان عدواً له من الجیران فحینئذ العامّ حجّة فی جمیع أفراد الجیران إلّا من علم بخروجه للعلم بعداوته، أمّا الفرد المشکوک العداوة فلا حجّة علی خروجه، فالعامّ حجّة بالنسبة إلی الفرد المشکوک من دون قیام حجّة أُخری علیه.

الوجه الثانی:

إنّه یصحّ مواخذة المولی علی العبد لو لم یکرم واحداً من جیرانه، لاحتمال عداوته له فحینئذ تصحّ عقوبة العبد علی مخالفته للمولی و لایصحّ الاعتذار من العبد عن هذه المخالفة بمجرد احتمال العداوة.

الوجه الثالث:

إنّ السیرة المستمرة المألوفة بین العقلاء التی هی ملاک حجیة أصالة الظهور استقرت علی حجیة الظهورات مع احتمال إرادة ما هو خلاف الظاهر، فإنّ العقلاء لایرفعون الید عن تلک الظهورات (التی منها الظهور فی العموم) بمجرد احتمال إرادة خلافه.

الوجه الرابع:

هو أنّه یمکن أن یقال: إنّ مقتضی جریان أصالة العموم بالنسبة إلی الفرد

ص: 280

المشکوک هو أنّه لیس من أفراد المخصّص فیقال فی مثال «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» إنّ فلاناً (مثل عمر بن عبد العزیز) داخل تحت عموم جواز لعن بنی أُمیة و إن شککنا فی إیمانه، و کل من جاز لعنه لایکون مؤمناً فینتج أنّه لیس بمؤمن.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علی هذه الوجوه:

((1))

أما الوجه الأول فیرد علیه: إنّ هنا قامت حجّة أُخری فإنّ الإجماع حجّة و السیرة العقلائیة حجّة و حکم العقل حجّة و الفرد المشکوک مردّد بین الحجتین.

أما الوجه الثانی فیرد علیه: إنّ المؤاخذة هی فیما قامت الحجّة من دون حجّة أُخری علی خلافه و هنا الفرد المشکوک مردّد بین الحجتین.

أما الوجه الثالث فیرد علیه: إنّ السیرة العقلائیة فی أمثال المقام هو التوقف.

أما الوجه الرابع فیرد علیه: إنّ حجیة العامّ و حجیة المخصّص بالنسبة إلی الفرد المشکوک بمثابة واحدة فهو مردّد بینهما فلایجریان بالنسبة إلیه.

النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المخصّص اللبّی إذا کان حکماً عقلیاً ضروریاً بأن کان صارفاً لظهور الکلام و موجباً لعدم انعقاد الظهور إلّا فی الخاصّ من أوّل الأمر فحکمه حکم القرینة المتّصلة اللفظیة فکما لایمکن التمسّک بالعموم فی الشبهة المصداقیة مع القرینة المتّصلة کذلک لایجوز التمسّک بالعموم معه.

أمّا إذا کان حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً بحیث لم یکن صالحاً لصرف ظهور

ص: 281


1- 1. تحقیق الأصول، ج4، ص274.
2- 2. أجود التقریرات، ج2، ص342.

العامّ من أوّل الأمر فحکمه حکم المخصّص المنفصل اللفظی، إذ کما أنّ المخصّص اللفظی بعد تقدّمه علی عموم العامّ یکشف عن تقید المراد الواقعی و عدم کون موضوع الحکم الواقعی مطلقاً، فلایمکن التمسّک به عند عدم إحراز تمام موضوعه، لأجل الشک فی وجود القید، کذلک المخصّص اللبّی یکشف عن التقید المزبور، فلایمکن التمسّک بالعموم عند عدم إحراز تمام موضوعه، فإنّ الاعتبار فی عدم جواز التمسّک بالعموم إنّما هو بالمنکشف أعنی به تقید موضوع الحکم لبّاً لا بخصوصیة الکاشف من کونه لفظیاً أو عقلیاً.

فالتحقیق أن یقال: إنّ ما یسمّی بالمخصّص العقلی إن کان بمعنی ما یوجب تقیید موضوع الحکم و تضییقه نظیر تقیید الرجل فی قوله (علیه السلام): «ینْظُرَانِ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْکُم قَدْ رَوَی حَدِیثَنَا وَ نَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا»((1)) إلی آخره، بکونه عادلاً لقیام الإجماع علی ذلک فحاله حال المخصّص اللفظی فی عدم جواز التمسّک بالعموم معه فی الأفراد المشکوک فیها، لما عرفت من أنّ المخصّص اللبّی إذا کان عقلیاً ضروریاً فحکمه حکم القرینة المتّصلة و إذا کان عقلیاً نظریاً أو إجماعاً فحکمه حکم القرینة المنفصلة.

و علی کلّ تقدیر لایمکن التمسّک بالعموم بعد تقیید موضوع الحکم واقعاً.

و أمّا إذا کان المراد من المخصّص اللبّی إدراک العقل ما هو ملاک حکم الشارع واقعاً إمّا بنفسه أو لأجل قیام الإجماع علی ذلک من دون أن یتقید موضوع الحکم به لعدم صلوح تقید موضوع الحکم بما هو ملاکه فلا إشکال فی جواز التمسّک بالعموم حینئذ و کشفه بطریق الإنّ عن وجود الملاک فی تمام الأفراد، فإذا شک فی وجود الملاک فی فرد، کان عموم الحکم کاشفاً عن وجود

ص: 282


1- . الوسائل، ج27، ص136، الباب11 من أبواب صفات القاضی و مایجوز أن یقضی به، ح1.

الملاک فیه هذا نظیر قوله (علیه السلام): «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» مع حکم العقل بأنّ ملاک لعنهم إنّما هو بغضهم لأهل البیت (علیهم السلام)، فالمؤمن منهم علی تقدیر وجوده لایشمله اللعن المزبور فإذا شک فی إیمان فرد منهم، جاز التمسّک بالعموم و یحکم علیه حینئذ بأنّه غیر مؤمن و إلّا لما جاز لعنه.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیها:

((1))

إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ المخصّص اللبّی قد یدور أمره بین أن یکون کاشفاً عن ملاک الحکم و أن یکون قیداً للموضوع لایمکن المساعدة علیه بوجه حیث إنّ کل ما یمکن انقسام الموضوع بالنسبة إلیه إلی قسمین أو أزید یستحیل أن یکون من قبیل ملاکات الأحکام، بل لابدّ من أن یکون الموضوع بالإضافة إلیه مطلقاً أو مقیداً بوجوده أو بعدمه.

النظریة الرابعة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) قد وافق المحقّق النائینی (قدس سره) فی عدم جواز التمسّک بالعامّ فیما کان المخصّص اللبّی حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً أو نحو ذلک إذا کانت القضیة المتکفّلة لإثبات حکم العامّ من القضایا الحقیقیة التی یکون تطبیق الموضوع علی أفراده فی الخارج بنظر نفس المکلّف.

و لکنّه قد خالف المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)) فی ما إذا کانت القضیة من قبیل

ص: 283


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص359.
2- . المحاضرات، ج4، ص354 إلی 359.
3- . قال بعض الأساطین: إنّ المیرزا رحمه الله قال بعدم جواز التمسّک بالعام عند الشک من جهة الشبهة الخارجیة، سواء فی ذلک القضیة الحقیقیة و الخارجیة، فقال: أمّا الحقیقیة، فلما عرفت من أنّ شأن أداة العموم فیها إنّما هو تسریة الحکم إلی کلّ قسمٍ من الأقسام التی یمکن انقسام مدخول الأداة بالإضافة إلیها ... و أمّا القضیة الخارجیة، فلأنّ غایة ما یمکن أن یتمسّک به لجواز التمسک بالعموم فی الشبهة المصداقیة فیها، هو أنّ المتکلّم فی موارد القضایا الخارجیة هو الذی تکفّل بإحراز انطباق عنوان العام علی المصادیق الخارجیة، فیکون ظهور کلامه متّبعاً فی غیر ما علم خروجه من حکم العام بالعلم بدخوله فی عنوان الخاص. لکنه یندفع: بأنّا لانشک فی أنّ نحو استعمال العام فی القضایا الخارجیة لایباین نحوه فی القضایا الحقیقیة فی أنّ عنوان العام إنّما یؤخذ فی موضوع الحکم فی مقام الإثبات مرآةً إلی أفراده الخارجیة أو المقدّرة ... لکنّ السید الخوئی فی المحاضرات ذهب إلی التفصیل. ثمّ قال بعض الأساطین: أنّ مجرّد الفرق بین القضیتین- بأنّه فی الحقیقیة جُعل إحراز الموضوع إلی نظر المکلّف، بخلاف الخارجیة حیث إنّ المولی قد أحرز وجوده- غیر کافٍ، بل الظاهر ضرورة وجود قرینة حالیة أو مقالیة- علاوةً علی کون القضیة خارجیة- للدلالة علی عدم إیکال إحراز الموضوع إلی نظر المکلّف، مثلًا: إذا قال المولی: «أکرم من فی المدرسة» کان الموضوع هو «من فی المدرسة» لکنّه لایتکفَّل وجود زیدٍ فیها، بل الفحص عن هذا بعهدة المکلّف ... تحقیق الأصول، ج4، ص278.

القضایا الخارجیة، فقال: إن علم من الخارج أنّ المولی وکّل إحراز موضوع العامّ إلی نفس المکلّف فحاله حال المخصّص اللفظی، کما إذا ورد فی دلیل: «أعط لکل طالب علم فی النجف الأشرف کذا و کذا دیناراً»، و علم من الخارج أنّ مراد المولی هو المعیل دون المجرّد، و لازم ذلک بطبیعة الحال هو العلم بتقید موضوع العامّ بعدم کونه مجرّداً، فعندئذ إذا شکّ فی طالب علم أنّه معیل أو مجرّد لم یمکن التمسّک بعمومه، لعدم إحراز أنّه من مصادیق العامّ.

و إن لم یعلم من الخارج ذلک، صحّ التمسّک بالعموم فی موارد الشبهة المصداقیة و السبب فیه أنّ ظهور کلام المولی فی العموم کاشف عن أنّه بنفسه أحرز انطباق موضوع حکمه علی جمیع الأفراد، و لم یکل ذلک إلی المکلّف، و من المعلوم أنّ هذا الظهور حجّة علی المکلّف فی الموارد المشکوک فیها، فإذا أمر

ص: 284

المولی خادمه بإکرام جمیع جیرانه، فإنّ ظهور کلامه فی العموم کاشف عن أنّه لاحظ جمیع أفراد موضوع حکمه و أحرز وجود الملاک فی الجمیع و هذا الظهور حجّة و لایجوز التعدّی عن مقتضاه إلّا إذا علم بأنّ زیداً مثلاً عدوّه و لا ملاک لوجوب الإکرام فیه جزماً و سکوت المولی عن بیانه لعلّه لأجل مصلحة فیه أو مفسدة فی البیان فی المولی الحقیقی و العرفی أو لغفلة أو جهل بوجود الملاک فی المولی العرفی فقط.

فتحصّل من ذلک أنّ هنا صوراً أربع:

إنّ المخصّص اللبّی إن کان حکماً عقلیاً ضروریاً أو ارتکازاً قطعیاً عقلائیاً((1)) بحیث یعدّ قرینة متصلة فیوجب عدم انعقاد الظهور فی العموم فلایمکن أن یتمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة وفاقاً لصاحب الکفایة (قدس سره) و من تبعه و خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) .

و أمّا إن کان حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً أو سیرة عقلائیة أو متشرعیة بحیث لایعدّ عند العرف قرینة متصلة فحینذ إذا کان العامّ بنحو القضیة الحقیقیة((2)) فلایمکن التمسّک بالعامّ وفاقاً للمحقق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و خلافاً لصاحب الکفایة (قدس سره) حیث إنّ المخصّص اللبّی (و إن لم یکن لفظیاً فلایوجب تقیید لفظ العموم بحسب القضیة اللفظیة) إلّا أنّه یعطی للعامّ لوناً بحسب المراد الواقعی و مرحلة الحجیة فیوجب تقیید العامّ، فلایمکن التمسّک به فی الشبهة المصداقیة، کما تقدّم فی المخصّص المنفصل.

ص: 285


1- . و هی الصورة الأولی.
2- . و هی الصورة الثانیة.

و أمّا إذا کان العامّ بنحو القضیة الخارجیة فإن علمنا أنّ المولی ((1)) وکل إحراز موضوع العامّ إلی المکلّف فلایمکن التمسّک بالعامّ.

و إن لم یعلم ذلک((2)) فظهور الکلام هو أنّ المولی تکفّل لإحراز ذلک فیتمسّک بالعامّ بالنسبة إلی الأفراد المشکوک فیها فی الشبهة المصداقیة (و مثال «لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة» من هذا القبیل، فإنّه قضیة خارجیة تکفّل الشارع لإحراز انطباق موضوع حکم اللعن علی جمیع الأفراد).

خلاصة البحث:

إنّ إجمال المخصّص فی الشبهة المفهومیة یسری إلی العامّ فلایمکن التمسّک بالعامّ إلّا فی المخصّص المنفصل المردد بین الأقلّ و الأکثر و فی الشبهة المصداقیة یسری إلی العامّ مطلقاً فیما إذا کان المخصّص لفظیاً فلایمکن التمسّک بالعامّ أیضاً.

و أمّا الشبهة المصداقیة فیما إذا کان المخصّص لبیاً یسری إجماله إلی العامّ فلایمکن التمسّک بالعامّ أیضاً إلّا فی صورة واحدة و هی أن یکون المخصّص اللبّی حکماً عقلیاً نظریاً أو إجماعاً و کانت القضیة خارجیة فیما إذا لم یعلم أنّ المولی وکل إحراز موضوع العامّ إلی المکلّف أو فقل: فیما إذا تکفل المولی لإحراز موضوع العامّ.

ص: 286


1- . و هی الصورة الثالثة.
2- . و هی الصورة الرابعة.

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی

اشارة

ص: 287

ص: 288

إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملی الموضوعی

فیه أمران و تنبیهان:

الأمر الأوّل: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟
اشارة

اختلف الأعلام هنا علی مسلکین:((1))

أمّا المسلک الأوّل:

فهو أنّ قضیة التخصیص هی کالتقیید فی المطلقات حیث إنّه یقتضی إحداث عنوان إیجابی أو عنوان سلبی فی الأفراد الباقیة بعد التخصیص فیتقید موضوع الحکم فی «أکرم کل عالم» بالعالم العادل أو بالعالم غیر الفاسق.

و أمّا المسلک الثانی:

فهو أنّ قضیة التخصیص مجرّد إخراج بعض الأفراد أو الأصناف عن تحت حکم العامّ الموجب لقصر حکم العامّ علی بقیة الأفراد أو الأصناف، من دون

ص: 289


1- . کما أفاده المحقّق العراقی (قدس سره) عند بیان نظریته من جریان الاستصحاب الحکمی. نهایة الأفکار، ج1- 2، ص527.

اقتضائه لإحداث عنوان إیجابی أو سلبی فی موضوع حکم العامّ فی الأفراد أو الأصناف الباقیة، و إن فرض ملازمة تلک الأفراد الباقیة بعد خروج الفسّاق مثلاً من باب الاتّفاق للعدالة أو عدم الفسق.

فالمحقّق العراقی((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) ((2)) قالا بعدم تعنون العامّ بعنوان عدم المخصّص خلافاً للمحقق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .

آراء الأعلام فی هذه المسألة:
الأوّل: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

قال: «إنّ الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص».((3))

تفسیران لکلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

أمّا قوله: «کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان خاص» فقد اختلف فی تفسیره:

التفسیر الأوّل:

قال المحقق الإیروانی (قدس سره): إنّ تعبیره «بل بکل عنوان» مسامحة و مراده هو أنّ الباقی تحت العامّ بعد التخصیص غیر معنون بعنوان خاص وجودی مقابل

ص: 290


1- . نهایة الأفکار، ج1- 2، ص527.
2- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص452.
3- . کفایة الأصول، ص223.

لعنوان المخصّص و لکنه معنون بالعنوان العدمی (و هو عدم عنوان المخصّص).((1))

قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((2))یکون مراده منه أنّ العامّ لایعنون بشیء من العناوین إلّا بنقیض عنوان الخاصّ و إن کانت العبارة قاصرة عن إفادته.

و هکذا فسّره فی منتهی الدرایة((3)) فقال: أمّا تعنونه بعنوان خاص عدمی و هو عدم عنوان المخصّص فممّا لابدّ منه، فإذا خصّص العلماء فی قوله «أکرم العلماء» بمثل «لاتکرم النحویین»، فیعنون الباقی تحت العامّ بالعلماء غیر النحویین.

فالباقی تحت العامّ بعد التخصیص لایتعنون بعنوان خاصّ بل هو باقٍ علی ما کان علیه العامّ قبل التخصیص من اللاعنوانیة، فکلّ عنوان کالهاشمیة و الغنی و الفقر و العربیة و العجمیة و غیرها مما کان ثابتاً للعامّ (کالعلماء) قبل التخصیص، فهو باق علی حاله و لم ینثلم شیء من تلک العناوین بطروّ التخصیص علیه إلّا عنوان الخاصّ، فإنّه خرج عن العناوین التی کانت تحت العامّ فکان العامّ معنوناً بعدم عنوان المخصّص.

التفسیر الثانی:

قد استظهر المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) من کلام صاحب الکفایة (قدس سره) أنّه نفی تعنون العامّ بعد التخصیص بعنوان وجودی أو عدمی حتّی عنوان عدم المخصّص.

هذا اختلاف الأعلام فی تفسیر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) .

ص: 291


1- . نهایة النهایة، ج1، ص284.
2- . علی ما فی هدایة فی الأصول، ج2، ص335.
3- . منتهی الدرایة، ج3، ص540.
الصواب فی تفسیر کلامه (قدس سره):

و الحقّ مع المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) ((2)) فإنّ إطلاق قول صاحب الکفایة (قدس سره) «لما کان غیر معنون بعنوان خاص» هو عدم تعنون الباقی تحت العامّ بعنوان خاصّ وجودیاً کان أو عدمیاً.

أمّا قوله بعد ذلک «بل بکلّ عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ» فقد فسّرها بعضهم بأنّ العامّ یتعنون بکلّ عنوان مثل الهاشمیة و الفقر و الغنی و أمثالها، إلّا أنّه خرج عنه عنوان المخصّص فعلی هذا لایدل عبارته علی تعنون العام بعدم عنوان المخصّص.

و یحتمل أن یکون کلام صاحب الکفایة (قدس سره) هکذا «بل غیر معنون بکل عنوان لم یکن بعنوان الخاصّ»((3)) بمعنی أنّ إطلاق العامّ و إن یشمل جمیع الحالات من الفقر و الغنی و الهاشمیة و غیرها إلّا أنّ العامّ لایتعنون بهذه العناوین کما أنّه لایتعنون بعنوان الخاصّ (المخصّص) لا وجودیاً و لا عدمیاً، فإنّ العامّ و إن کان شاملاً لجمیع تلک الأحوال إلّا أنّه لایتعنون بعنوانها فی نفس الدلیل و علی هذا الاحتمال أیضاً لایتعنون العامّ بعنوان عدم المخصّص.

الثانی: استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی التعنون

((4))

إذا فرضنا خروج قسم من الأقسام عن حکم العامّ: فإمّا یکون الباقی تحته بعد

ص: 292


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص458.
2- . تحقیق الأصول، ج 4، ص289.
3- . کفایة الأصول، ص223.
4- . أجود التقریرات، ج2، ص330.

التخصیص مقیداً بنقیض ما هو الخارج (أی معنوناً بعدم المخصّص) فیکون دلیل المخصّص مقیداً لإطلاق العامّ و هو المطلوب.

و إمّا یبقی علی إطلاقه بعد التخصیص و لا ثالث لهما لأنّ الإهمال من الشارع محال و بما أنّ الثانی باطل جزماً لاستلزامه التناقض بین مدلولی دلیل العامّ و الخاصّ یتعین الأوّل.

الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) ذیل قول صاحب الکفایة (قدس سره) «لما کان غیر معنون بعنوان خاص»: کما أشرنا إلیه سابقاً: إنّ الواقع لاینقلب عما هو علیه، فما هو الموضوع لحکم العامّ بحسب الظهور المنعقد له، یستحیل أن ینقلب عمّا هو علیه بسبب ورود کاشف أقوی، بل یسقط عن الحجیة فی المقدار المزاحم.

لایقال: یکشف المخصّص عن أنّ الموضوع الحقیقی للحکم ما عدا الخاصّ، لا إنّه یوجب انقلاب الظهور لیقال: إنّه محال.

لأنّا نقول: لیس للموضوعیة للبعث الحقیقی (الموجود بوجود منشأ انتزاعه) مقام إلّا مقام تعلّق البعث الإنشائی بشیء و جعل الداعی إلی غیر ما تعلق به البعث الإنشائی محال، لأنّه مصداق جعل الداعی و المفروض تعلّقه بهذا العنوان فصیرورته داعیاً إلی غیر ما تعلّق به خلف محال.

فلیس شأن المخصّص إلّا إخراج بعض أفراد العامّ، و قصر الحکم علی باقی الأفراد من دون أن یجعل الباقی معنوناً بعنوان وجودی أو عدمی.

و یشهد له (مضافاً إلی البرهان) أنّ المخصّص إذا کان مثل «لاتکرم زیداً

ص: 293


1- . نهایه الدرایة، ج2، ص458.

العالم» لایوجب إلّا قصر الحکم علی ما عداه، لا علی المعنون بعنوان «ما عدا زیداً» أو شبهه هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یصحّ بالنسبة إلی القضیة اللفظیة و لکن العبرة فی تعیین موضوع العامّ هو مقام الجعل لأنّ الحکم أمر اعتباری یتعلّق بالموضوع فی مقام الجعل و الأدلّة اللفظیة کاشفة عن الحکم و موضوعه و الکشف عن الموضوع قد یتم فی نفس الدلیل العامّ و أُخری یتمّ فی دلیل آخر لفظیاً کان أو لبیاً.

الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره)
اشارة

قال صاحب منتقی الأصول (قدس سره) ((1)) فی بیان وجه کلا القولین:

و الذی نراه أنّ الاختلاف بینهما مبنائی، فکلّ منهم علی حق فی دعواه بناء علی ما التزم به فی مدلول أدوات العموم.

توضیح ذلک: إنّه إذا التزم برجوع العامّ إلی المطلق و أنّ شأن أدوات العموم لیس إلّا إفادة الاستغراقیة أو المجموعیة أو البدلیة و عموم المدخول مستفاد من جریان مقدّمات الحکمة (کما التزم به المحقّق النائینی (قدس سره) و قرّبناه)((2)) کان التخصیص مستلزماً للتقیید بلا تردد، و ذلک لأنّ الملحوظ فی العامّ ثبوتاً و فی مقام تعلّق الحکم هو الطبیعة الشاملة، فإذا خرج بعض الأفراد عن الحکم امتنع

ص: 294


1- . منتقی الأصول، ج3، ص347.
2- . منتقی الأصول، ج3، ص302.

لحاظ الطبیعة حینئذ بنحو الشمول و هذا هو معنی امتناع الإطلاق، فیتعین أن تلحظ مقیدة بعدم عنوان الخاصّ.

و إن التزم بأنّ العامّ یختلف عن المطلق، و أنّ العموم مدلول الأداة نفسها و المدخول هو الطبیعة المهملة، فیکون مفاد العموم إرادة جمیع أفراد الطبیعة المهملة، لم یکن التخصیص مستلزماً للتقیید، لأنّه لم یلحظ فی مقام تعلّق الحکم الطبیعة القابلة للإطلاق و التقیید کی یتأتی فیه التردید المزبور، بل لوحظ جمیع أفراد الطبیعة المهلمة، و لا معنی للإطلاق و التقیید فیه کی یتأتی التردید المتقدّم بعد التخصیص، لأنّ الإطلاق و التقیید شأن الطبیعة و واقع «جمیع الأفراد» لیس کذلک.

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده فی منتقی الأصول و إن کان متیناً إلّا أنّه لیس تمام الملاک للقول بتعنون العامّ بعدم المخصّص و عدم تعنونه، کما أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) التزم بالمبنی الثانی و مع ذلک یقول بتعنون العامّ.

الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون

((1))

إنّ القول بعدم التعنون مخدوش و الوجه فی ذلک هو أنّ العامّ یقتضی جریان حکمه علی جمیع أفراده و هذا الاقتضاء مما لا شبهة فیه، فالمخصّص لابدّ أن یدلّ علی فقدان شرط(مثل العدالة) أو وجود مانع (مثل الفسق) بالنسبة إلی المقتضی حتّی یوجب قصر الحکم.

ص: 295


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص288.

فالباقی تحت العامّ هو ما یکون الشرط فیه موجوداً و المانع مفقوداً و الخارج عنه هو ما یکون الشرط فیه مفقوداً أو المانع موجوداً و حینئذ لابدّ من القول بتعنون العامّ بعنوان الخاصّ.

و الحاصل من الأمر الأول تعنون العام بعدم المخصِّص.

ص: 296

الأمر الثانی:ما الأصل العملی إذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟
اشارة

قبل بیان النظریات نذکر مقدمة فیها مطلبان:

المطلب الأوّل: الأصل العملی إمّا موضوعی و إمّا حکمی

إذا قلنا بعدم جواز التمسّک بالعامّ بالنسبة إلی الفرد المشتبه، فلابدّ أن نرجع إلی الأصل العملی و حینئذ إن قلنا بجریان الأصل الموضوعی فهو مقدّم رتبة علی جریان الأصل الحکمی فلاتصل النوبة إلیه، و إن قلنا بعدم جریان الأصل الموضوعی فالمرجع هو الأصل الحکمی.

و صاحب الکفایة و جمع من الأعلام (قدس سرهم) قالوا بجریان الأصل العملی الموضوعی و خالفهم المحقّق العراقی (قدس سره) فقال بجریان الأصل الحکمی.

المطلب الثانی: قد یکون الأصلُ الموضوعی استصحاب العدم الأزلی
اشارة

إنّ المخصّص قد یکون من الأعراض الطارئة علی الذات بحیث یکون الفرد المشتبه غیر متّصفة بها سابقاً (مثل الفسق و العدالة و العلم و الجهل) فحینئذ یستصحب عدم فسق الفرد المشتبه فی المثال المعروف «أکرم العلماء و لاتکرم الفسّاق منهم» فیحکم علیه بمفاد العامّ.

و قد یکون من الأوصاف اللازمة للذات غیر المنفکّة إیاها فحینئذ لیست للذات حالة سابقة تکون فیها فاقدة لهذه الأوصاف (مثال ذلک قرشیة المرأة) و لذلک یکون جریان الاستصحاب بالنسبة إلیها مشکلاً.

و الأعلام حاولوا لحلّ هذه المشکلة من طریق جریان استصحاب العدم الأزلی.

ص: 297

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

نذکرها ضمن مطالب ثلاثة:

الأوّل: محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ محل النزاع عند صاحب الکفایة (قدس سره) هو ما إذا کان المخصّص عنواناً وجودیاً موجباً لتعنون العامّ بعدمه و ذلک یکون فی الموردین الأولین من الموارد الثلاثة التی نذکرها:

المورد الأوّل: ما إذا کان العامّ مثل «أکرم العلماء» ثم جاء المخصّص المنفصل و هو «لاتکرم الفسّاق من العلماء»، فحینئذ یتعنون العامّ بعدم عنوان المخصّص.

المورد الثانی: ما إذا کان المخصّص المتّصل بالعامّ نظیر الاستثناء مثل «أکرم العلماء إلّا الفسّاق منهم» و نظیر الشرط مثل «أکرم العلماء إذا لم یکونوا من الفسّاق» و نظیر الغایة مثل «أکرم العلماء إلی أن یکونوا من الفسّاق».

المورد الثالث: ما إذا کان المخصّص المتّصل بالعامّ بحیث یوجب دخالة عنوان وجودی فی الحکم مثل «أکرم کل عالم عادل» أو مثل «أکرم کل عالم إذا کان عادلاً».

و المورد الثالث خارج عن محل الکلام فالبحث یقع فی الموردین الأولین و ذلک لوضوح أنّه لا أصل لإحراز عدالة الفرد المشکوک فی المورد الثالث، إلّا إذا علمنا بسبق عدالته و شککنا فی بقائها و أمّا فیما لم نعلم عدالته سابقاً فلا أصل عملی یحرز عدالته.

ص: 298

الثانی: بیان نظریته (قدس سره)

إنّ الباقی تحت العامّ بعد تخصیصه بالمخصّص المنفصل أو بالمخصّص المتّصل الذی هو کالاستثناء أو الشرط أو الغایة (أی المورد الأوّل و الثانی من الموارد الثلاثة المذکورة) لما کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ کان إحراز المشتبة منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد إلّا ما شذّ (و هو مورد توارد حالتی الفسق و العدالة علی شخص بحیث لم یعلم ما هو المتقدّم منهما و ما هو المتأخر، فالأصل حینئذ لایجری فی شیء منهما) ممکناً فبذلک الأصل الموضوعی یحکم علی الفرد المشتبه بحکم العامّ و إن لم یجز التمسّک بالعامّ بلا کلام.((1))

الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) فی جریان استصحاب العدم الأزلی
مقدمة: فی بیان آراء الأعلام فی استصحاب العدم الأزلی

اختلفت أنظارهم فیه: فقال بعضهم بجریان استصحاب العدم الأزلی مثل صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) و بعض الأساطین (دام ظله) .((3))

و قال بعضهم بعدم جریان استصحاب العدم الأزلی مثل المحقّق النائینی((4)) و المحقق البروجردی (قدس سرهما) ((5)).

ص: 299


1- . کفایة الأصول، ص223.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص461.
3- . تحقیق الأصول، ج 4، ص291-298.
4- . أجود التقریرات، ط ق، ج 1، ص464.
5- . نهایة الأصول، ص302.

و فصّل بعضهم فقالوا بجریانه بالنسبة إلی عوارض الوجود و بعدم جریانه بالنسبة إلی عوارض الماهیة مثل المحقّق الحکیم (قدس سره) .((1))

کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ الدلیل قام علی تحیض المرأة إلی خمسین سنة و هذا الدلیل عامّ و قد خصّص بالمرأة القرشیة.

فإنّه قد ورد عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام): «إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِینَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَکُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَیشٍ».((3))

فإنّ موضوع العامّ هی المرأة و موضوع المخصّص هی امرأة من قریش فإذا شک أنّ امرأة تکون قرشیة أم لا، فلا أصل عملی یحرز أنّها قرشیة أو أنّها غیر قرشیة لأنّ المرأة إذا وجدت إمّا قرشیة و إمّا غیر قرشیة.

فلابدّ هنا من جریان استصحاب عدم تحقّق الانتساب بین هذه المرأة و بین قریش و هذا یکفی فی اثبات حکم العامّ بالنسبة إلی المرأة التی شک فی کونها قرشیة.

ص: 300


1- . حقائق الأصول، ج1، ص506 و المستمسک فی شرح العروة الوثقی ج1، ص153.
2- . کفایة الأصول، ص223: إیقاظ [إحراز المشتبه بالأصل الموضوعی]. لایخفی أنّ الباقی تحت العام بعد تخصیصه بالمنفصل أو کالاستثناء من المتصل لما کان غیر معنون بعنوان خاص بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاص کان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعی فی غالب الموارد إلّا ما شذ ممکناً فبذلک یحکم علیه بحکم العام و إن لم یجز التمسک به بلا کلام ضرورة أنّه قلما لایوجد عنوان یجری فیه أصل ینقح به أنّه ممّا بقی تحته مثلاً إذا شک أنّ امرأة تکون قرشیة أو غیرها فهی و إن کانت وجدت إمّا قرشیة أو غیرها فلا أصل یحرز أنّها قرشیة أو غیرها إلّا أنّ أصالة عدم تحقّق الانتساب بینها و بین قریش تجدی فی تنقیح أنّها ممن لاتحیض إلّا إلی خمسین لأنّ المرأة التی لایکون بینها و بین قریش انتساب أیضا باقیة تحت ما دلّ علی أنّ المرأة إنّما تری الحمرة إلی خمسین و الخارج عن تحته هی القرشیة فتأمّل تعرف.
3- . الوسائل، ج2، ص580، الباب 31 من أبواب الحیض. الحدیث 2.

و الوجه فی ذلک هو أنّ العامّ قد خرج عنه المرأة التی کانت من قریش، و أمّا المرأة غیر القرشیة و أیضاً المرأة التی لم یتحقّق الانتساب بینها و بین قریش کلاهما داخلان و باقیان تحت العامّ و کونُها المرأةَ غیر القرشیة و إن کان غیر ممکن إحرازها، و لکن یمکن إحراز أنّها هی المرأة التی لم یتحقّق الانتساب بینها و بین قریش و ذلک بجریان استصحاب عدم تحقّق الانتساب بینها و بین قریش بنحو استصحاب العدم الأزلی.

إیراد المحقّق البروجردی (قدس سره) علی استصحاب العدم الأزلی:

((1))

إنّ استصحاب العدم الأزلی لیس بحجّة و أدلّة الاستصحاب منصرفة عنه، لأنّه لا عرفیة له، فإنّ المرأة قبل وجودها فی الأزل لا «هذیة» لها، فکیف یستصحب عدم الانتساب بینها و بین قریش فی الأزل.

أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((2))

إنّ الانصراف قد یکون لندرة وجود بعض الأفراد و أُخری لکثرة استعمال اللفظ فی بعض الحصص دون الأُخری و ثالثة للتشکیک فی صدق المفهوم عرفاً علی بعض الأفراد، و لا وجه هنا لدعوی انصراف الأدلّة، لأنّ العرف مرجع فی تعیین المفاهیم و تشخیصها و أمّا تطبیق المفاهیم علی مصادیقها فالمرجع فیه هو العقل و لابدّ فیه من إعمال الدقّة العقلیة و ما ادّعی هنا من التشکیک فی الصدق، فلایمکن الالتزام به لصدق «لاتنقض» فی المقام، خصوصاً مع أنّ المشهور قالوا بجریان استصحاب عدم الجعل و هو من موارد استصحاب العدم الأزلی و

ص: 301


1- . نهایة الأصول، ص302.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص301.

لذلک قال السید المحقّق الخوئی (قدس سره) بعدم جریان الاستصحاب بالنسبة إلی الأحکام الکلّیة حیث إنّ استصحاب بقاء الحکم المجعول معارض باستصحاب عدم الجعل.

و أمّا ما ادعی من أنّ المرأة قبل وجودها لا«هذیة» لها و لاتقبل الإشارة إلیها فیرد علیه أنّا نشیر إلی هذه المرأة الموجودة و نقول: إنّ هذه المرأة مسبوقة بالعدم ذاتاً و أوصافاً أمّا عدم ذاتها فقد انتقض بوجودها و أمّا عدم صفاتها و منها القرشیة فلم یعلم انتقاضها بالوجود فنستصحب عدم قرشیتها.

فتحصّل من جمیع ذلک صحّة جریان استصحاب العدم الأزلی خلافاً للمحقّق النائینی و المحقّق البروجردی0 و وفاقاً لصاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی5 و بعض الأساطین (دام ظله) .

إیرادان علی النظریة الأُولی:
الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ عنوان المخصّص لاینتفی بالأصل المذکور و الحاجة إلی استصحاب العدم الأزلی إنّما هو للفراغ عن حکم الخاصّ، لا للإدخال تحت العموم، لصدق عنوان العامّ بلا حاجة إلی الاستصحاب المذکور، فلابدّ من جریان الاستصحاب حتی نثبت خروج الفرد المشتبه عن تحت عنوان المخصّص و استصحاب العدم الأزلی لایجدی فی ذلک، لأنّ انتساب المرأة إلی قریش لایکون موضوعاً للمخصّص بنحو الوجود المحمولی، بل یکون موضوعاً للمخصّص بنحو الوجود النعتی (الوجود الرابط)، فعلی هذا نفی کونه المحمولی لیس نفیاً لعنوان المخصّص حتّی ینفی به حکمه، بل نفی الکون

ص: 302

المحمولی ملازم لعدم إمکان الکون الرابط عقلاً، فالأصل بالنسبة إلی عنوان المخصّص أصل مثبت.

جواب المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عن الإیراد الأوّل:

((1))

إنّ الغرض من الأصل العملی فی هذا المقام و أمثاله، لیس هو نفی عنوان المخصّص بل الغرض إحراز عنوان مضادّ لعنوان المخصّص من العناوین الداخلة تحت العموم، فینفی حکم المخصّص بمضادّة هذا العنوان المحرز الذی هو تحت العامّ و محکوم بحکم العامّ.

فما هو المترتب علی الأصل بلا واسطة شیء، هو حکم العامّ الثابت له بأی عنوان غیر العنوان الخارج (و العنوان الخارج هو عنوان المخصّص) و ثبوت هذا الحکم لهذا الموضوع المضادّ للعنوان الخارج یوجب نفی ضدّه و هو حکم الخاصّ.

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

إنّ استصحاب العدم الأزلی لایجری هنا، لأنّ مجری الاستصحاب لابدّ أن یکون حکماً شرعیاً أو موضوعاً له، و موضوع العامّ عند صاحب الکفایة (قدس سره) هو عنوان «العلماء» و أمّا أقسامه و أوصافه الطارئة علیه فلم یوخذ شیء منها فی موضوع العامّ، فالموضوع هو «العلماء» فی المثال السابق أو «المرأة» فی هذا المثال الأخیر و هما محرزان بالوجدان أمّا «العلماء الذین لم یتصفوا بالفسق» أو «المرأة التی لاتنتسب إلی قریش» فلیسا هما موضوعاً للعامّ فی المثالین المعروفین.

ص: 303


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص460.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص287.
یمکن أن یجاب عنه:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ عنوان العامّ یشتمل علی تلک العناوین کما صرّح ببقاء تلک العناوین تحت عنوان العامّ، بل یصرّح بتعنون العامّ بتلک العناوین (علی أحد التفسیرین لقوله «بل بکل عنوان لم یکن ذاک بعنوان الخاصّ» و قد تقدّم بیانه مفصلاً) فعلی هذا مفاد الاستصحاب موضوع للحکم الشرعی و لکن هذا الجواب لایستقیم علی التفسیر الآخر علی ما صرّح به المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)).

قال: «إنّ ما أفاده (قدس سره) من کفایة إحراز العنوان الباقی تحت العامّ فی إثبات حکمه لایخلو عن محذور لأنّ العناوین الباقیة لیست دخیلة فی موضوع الحکم العمومی بوجه من الوجوه، فلا معنی للتعبّد بأحدها، لیکون تعبّداً بالحکم العمومی، حتی ینفی حکم الخاصّ بالمضادّة».

(فعلی هذا لابدّ أن یفسّر قوله «بل بکل عنوان» بأنّ مراده أنّ العامّ غیر معنون بکل عنوان لم یکن ذلک بعنوان الخاصّ حتی یصحّ الکلام).

النظریة الثانیة: ما اختاره المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

یمکن نفی حکم الخاصّ من وجه آخر و هو أنّ العامّ یدل بالمطابقة علی وجوب إکرام العلماء، و بالالتزام علی عدم منافاة عنوان من عناوینه لحکمه، فهو بالالتزام ینفی کل حکم مباین لحکم العامّ عن کل عنوان یفرض فیه، و من العناوین المباینة للعنوان الخارج موضوعاً و المباینة للعنوان الخارج (أی العنوان

ص: 304


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص461.
2- . و هو تقریره لجریان استصحاب العدم الأزلی؛ نهایة الدرایة، ج2، ص461.

المخصّص) فی الحکم، عنوانٌ أُحرز بالأصل، المحکوم بنقیض حکم الخاصّ التزاماً، فینفی به حکم الخاصّ من باب المناقضة، لا من باب المضادة، و بنحو الالتزام، لا بنحو المطابقة.

النظریة الثالثة: من بعض الأساطین بمقدماتها الخمس
اشارة

((1))

إنّ هذه النظریة تختلف عن نظریة صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) فی المبنی المتقدّم من تعنون العامّ أو عدم تعنونه بعدم المخصّص، فإنّ صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) یقولان بعدم التعنون و هذه النظریة علی أساس القول بالتعنون و قد اخترنا ذلک.

و بیان نظریته یتوقف علی ذکر مقدّمات أفادها فی المقام: (نذکرها ملخّصاً).

المقدّمة الأُولی:

إنّ عنوان الموضوع علی أنحاء ثلاثة:

النحو الأوّل: أن یکون عنواناً ذاتیاً و هو العنوان المنتزع من الصورة الجوهریة مثل عنوان «زید» المنتزع عن الشخص.

النحو الثانی: أن یکون عنواناً غیر ذاتی غیر ملازم للذات و هذا هو العنوان العرضی کالفسق و العدالة.

النحو الثالث: أن یکون عنواناً غیر ذاتی ملازم للذات مثل قرشیة المرأة و هذا ینقسم علی قسمین: لوازم الوجود و لوازم الماهیة، و قد فصّل بینهما کما هو

ص: 305


1- . و هو تقریره لجریان استصحاب العدم الأزلی؛ تحقیق الأصول، ج4، ص291.

مختار المحقّق الحکیم و المحقّق العراقی (قدس سرهما) و البحث عن المخصّص یقع فی جمیع هذه الأقسام.

المقدّمة الثانیة:

إنّ الوجود الرابط یکون بین الوصف و الموصوف و هو مفاد کان الناقصة و الهلیة المرکّبة فی قبال کان التامة و الهلیة البسیطة فلایتصور الوجود الرابط فی مفاد کان التامة لاستحالة الرابط بین الشیء و نفسه.

و أیضاً لایتصور الوجود الرابط فی مفاد السلب التام للشیء و هو لیس التامة (أی ما هو مقابل ل- «کان» التامة) لأنّ العدم لا ثبوت له و لکن الوجود الرابط هو ثبوت شیء لشیء.

و أیضاً لایتصور الوجود الرابط فی مفاد «لیس» الناقصة مثل لیس زید بفاسق لأنّه سلب الشیء عن الشیء بل مفاد «لیس» الناقصة هو سلب الربط، لا ربط السلب.

المقدّمة الثالثة:

إنّ رفع العرض قد یکون بسلب الوجود عنه بنحو الوجود المحمولی و قد یکون بسلب الوجود عنه بنحو الوجود النعتی و هذا مختار القائلین باستصحاب العدم الأزلی، أمّا المنکرون لذلک ذهبوا إلی أنّ رفع العرض لا یتحقّق إلّا برفع الوجود النعتی.

مثال ذلک قرشیة المرأة، فإنّ القرشیة وصف للمرأة و هو متأخر وجوداً عن وجود المرأة لتأخر الوصف عن وجود موصوفه و لکن عدم القرشیة لیس کذلک فإنّه قد یکون مع وجود المرأة و قد لایکون.

ص: 306

المقدّمة الرابعة:

إنّ القضایا علی أنحاء:

القضیة الموجبة المعدولة المحمول مثل المرأة غیر القرشیة.

القضیة الموجبة السالبة المحمول مثل المرأة التی لیست قرشیة.

القضیة السالبة المحصّلة مثل لم تکن المرأة بقرشیة.

أمّا فی القسمین الأولین و هما القضیة الموجبة المعدولة المحمول و القضیة الموجبة السالبة المحمول یکون عدم القرشیة وصفاً للموضوع، فلایمکن استصحاب هذا العدم قبل وجود الموضوع لأنّا فرضنا کونه متاخراً عن الموضوع، و عدم الوصف قبل الموضوع یغایر عدم الوصف بعد الموضوع.

و أمّا فی القسم الأخیر و هی القضیة السالبة المحصّلة، فلایکون العدم وصفاً للموضوع، و علی هذا یجری الاستصحاب بالنسبة إلیه فإنّه لم تکن المرأة بقرشیة أزلاً و نستصحب ذلک و نقول: و لاتکون المرأة بقرشیة الآن.

و البحث فی تعنون العامّ بعدم المخصّص من قبیل القسم الأخیر حیث إنّ عدم المخصّص قضیة سالبة محصلة.

المقدّمة الخامسة:
اشارة

إنّ تعنون العامّ بعدم المخصّص یتصور علی نحوین:

الأوّل: أن یکون عنوان عدم المخصّص وصفاً لعنوان العامّ و حینئذ لایجری الاستصحاب إلّا علی القول بالأصل المثبت، لأنّ الوصف متأخر عن الموضوع و مرتبط به.

ص: 307

الثانی: أن یکون عنوان «عدم المخصّص» جزءً للموضوع المرکّب، فالعامّ بعد التخصیص یترکّب موضوعه من الجزءین و الجزء الأوّل هو عنوان «العموم» و هو محرز بالوجدان و الجزء الثانی هو عنوان «عدم المخصّص» و هو محرز بالاستصحاب.

و الحق هو أنّ تعنون العامّ بعدم المخصّص من قبیل الترکیب لا التوصیف لأنّ دلیل تعنون موضوع العامّ بعد التخصیص یقتضی اعتبار عنوان عدم المخصّص فی ناحیة موضوع العامّ لا أزید من ذلک، فالارتباط التوصیفی بین موضوع العامّ و بین عنوان «عدم المخصّص» مما لا دلیل علیه.

إذا عرفت تلک المقدّمات، فیتّضح لک تمامیة استصحاب العدم الأزلی.

توضیح ذلک:

إنّ عنوان المخصّص هو المرأة القرشیة و قد أُخذ عدمها فی عنوان العامّ و مفاد عدم المرأة القرشیة هو مفاد سلب الربط، کما تقدّم ذلک فی المقدّمة الثانیة و القضیة المتکفّلة لذلک قضیة سالبة محصّلة (لم تکن المرأة بقرشیة) و یجری فیها الاستصحاب کما تقدّم فی المقدّمة الرابعة، و موضوع العامّ مرکّب من عنوان المرأة و عنوان «لیست هی بقرشیة» و علی هذا الجزء الأوّل من هذا الموضوع محرز بالوجدان و الجزء الثانی منه محرز باستصحاب العدم الأزلی.

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1)) بمقدماتها الثلاث

التمسّک بأصالة العدم لإثبات حکم العامّ للفرد المشکوک فیه غیر صحیح و

ص: 308


1- 1. أجود التقریرات، ج2، ص329- 337 و فی طبع آخر: ج 1، ص465 و فی فوائد الأصول، ج 2، ص535.

ذلک لأنّ العدم النعتی الذی هو موضوع الحکم لا حالة سابقة له علی الفرض لیجری فیه الأصل، أمّا العدم المحمولی الأزلی فهو و إن کان مجری للأصل فی نفسه، إلّا انّه لایثبت به العدم النعتی الذی هو المأخوذ فی الموضوع إلّا علی القول بالأصل المثبت.

و توضیح ذلک إنّما هو برسم مقدّمات:

المقدّمة الأُولی:

إنّ التخصیص سواء کان بالمنفصل أو بالمتّصل (استثناءً کان المتّصل أم غیره) إنّما یوجب تقیید عنوان العامّ بغیر عنوان المخصّص فإذا کان المخصّص أمراً وجودیاً، کان الباقی تحت العامّ معنوناً بعنوان عدمی و إن کان المخصّص أمراً عدمیاً، کان الباقی معنوناً بعنوان وجودی.

و السرّ فی ذلک هو أنّه لایعقل أن یکون الحاکم فی مقام جعل حکمه جاهلاً بموضوع حکمه و غیر ملاحظ له علی نحو الإطلاق و التقیید و علیه فإذا فرضنا خروج قسم من الأقسام من حکم العامّ، فإمّا یکون الباقی تحته بعد التخصیص مقیداً بنقیض المخصّص فیکون دلیل المخصّص رافعاً لإطلاقه فهو المطلوب، و إمّا یبقی علی اطلاقه بعد التخصیص أیضاً، فلیزم التهافت و التعارض بین مدلولی دلیل العامّ و دلیل التخصیص.

نعم هناک فرق بین المخصّص المتّصل و المخصّص المنفصل، فإنّ التقیید فی المخصّص المتّصل إنّما هو بحسب الدلالة التصدیقیة، إذ المفروض فی موارد التخصیص بالمتّصل أنّه لاینعقد الظهور للکلام إلّا فی الخاصّ من أوّل الأمر و هذا بخلاف التقیید فی موارد التخصیص بالمنفصل، فإنّ التقیید فیه إنّما یکون

ص: 309

بالإضافة إلی المراد الواقعی، لا بالنسبة إلی ما یستفاد من الکلام لفرض تمامیة الظهور فی العموم.

لکن هذا المقدار من الفرق لایکون بفارق فی المقام، بعد اشتراکهما فی تقیید المراد الواقعی.

المقدّمة الثانیة:

إنّ العنوان الخاصّ إذا کان من قبیل الأوصاف القائمة بالعنوان العامّ، سواء کان ذلک العنوان الخاصّ من العناوین المتأصلة أم من العناوین الانتزاعیة، فلامحالة یکون موضوع الحکم بعد التخصیص مرکّباً من المعروض و عرضه القائم به أعنی به مفاد «لیس» الناقصة، المعبّر عنه فی کلام العلّامة الأنصاری (قدس سره) بالعدم النعتی.

و السرّ فی ذلک هو: أنّ انقسام العامّ باعتبار أوصافه و نعوته القائمة به إنّما هو فی مرتبة سابقة علی انقسامه باعتبار مقارناته، فإذا کان التخصیص کاشفاً عن تقییدٍما و رافعاً لإطلاقه بمقتضی المقدّمة الأُولی، فلابدّ من أن یکون هذا التقیید بلحاظ الانقسام الأولی أعنی به الانقسام باعتبار نعوته و أوصافه، فیرجع التقیید إلی التقیید بمفاد «لیس» الناقصة.

و الدلیل علیه: أنّ التقیید لو کان راجعاً إلی التقیید بعدم مقارنته لوصفه القائم به علی نحو مفاد لیس التامّة، لیکون الموضوع فی الحقیقة مرکّباً من عنوان العامّ و عدم عروضه المحمولی فإمّا یکون ذلک مع بقاء الإطلاق بالإضافة إلی جهة کون العدم نعتاً لیرجع استثناء الفسّاق من العلماء فی قضیة «أکرم العلماء إلّا فسّاقهم» إلی تقیید العلماء، بأن لایکون معهم فسق سواء کانوا فاسقین أم لا، أو یکون ذلک مع التقیید من جهة کون العدم نعتاً أیضاً لیرجع مفاد القضیة المزبورة إلی

ص: 310

وجوب إکرام العلماء المعتبر فیهم أن لایکونوا فاسقین و أن لایکون معهم فسق و کلا الوجهین باطل:

أمّا الأوّل فلأنّه غیر معقول، لوضوح التدافع بین الإطلاق من جهة کون العدم نعتاً و التقیید بالعدم المحمولی.

و أمّا الثانی فلأنّه مستلزم للغویة التقیید بالعدم المحمولی، لکفایة التقیید بالعدم النعتی عنه و هذا هو المیزان الکلی فیما إذا کان الموضوع مرکّباً من العرض و محلّه، فإنّ اللازم فیه أن یکون التقیید بلحاظ مفاد «کان» الناقصة أو «لیس» الناقصة.

المقدّمة الثالثة:

إنّ تقابل الوجود النعتی (مفاد کان الناقصة) و العدم النعتی (مفاد لیس الناقصة) إنّما هو من قبیل تقابل العدم و الملکة، الذی یشترط فیه وجود الموضوع و یمکن فیه ارتفاع المتقابلین بارتفاع الموضوع القابل للاتصاف بهما، إذ الموضوع بعد وجوده هو الذی یوجد فیه الوصف فیکون الوجود نعتاً أو لایوجد فیه ذلک فیکون العدم نعتاً، و أمّا الموضوع قبل وجوده فهو غیر قابل لأن یعرضه الوجود النعتی أو العدم النعتی.

هذا بخلاف التقابل بین نفس وجود العرض المعبّر عنه بالوجود المحمولی (مفاد کان التامة) و عدم ذلک العرض المعبّر عنه بالعدم المحمولی (مفاد لیس التامّة) فإنّه من تقابل الإیجاب و السلب الذی لایمکن فیه ارتفاع المتقابلین و علیه فکما لایعقل تحقّق الوجود النعتی قبل وجود موضوعه، کذلک لایعقل تحقّق العدم النعتی المقابل له.

إذا عرفت هذه المقدّمات تعرف أنّ خروج المخصّص عن تحت العامّ یستلزم

ص: 311

تقیید الباقی بنقیض هذا العنوان بمقتضی المقدّمة الأُولی، و أنّه لابدّ من أن یکون هذا التقیید علی نحو مفاد لیس الناقصة بمقتضی المقدّمة الثانیة و أنّه یستحیل تحقّق هذا العنوان المأخوذ فی الموضوع قبل وجود موضوعه بمقتضی المقدّمة الثالثة.

فلایمکن إحراز قید موضوع حکم العامّ بأصالة العدم الأزلی فإنّ المستصحب إمّا یکون العدمَ النعتی المأخوذ فی الموضوع، فهو مشکوک فیه من أوّل الأمر و لا حالة سابقة له کما اعترف هو (قدس سره) بذلک.

و إمّا یکون العدمَ المحمولی الملازم للعدم النعتی بقاءً، فلایمکن إحراز تمام الموضوع باستحصاب العدم المحمولی إلّا علی القول بالأصل المثبت.

الإیراد علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ المقدّمة الأُولی و الثالثة فی غایة المتانة و لکن الکلام فی المقدّمة الثانیة و محل النزاع فیها هو أنّ المأخوذ فی موضوع حکم العامّ بعد التخصیص هل هو العدم النعتی أو العدم المحمولی، و الحق هو أنّ التقیید بلحاظ عدم الاتصاف بالعرض الوجودی لا بلحاظ الاتصاف بعدمه.

النظریة الخامسة: ما اختاره المحقّق العراقی (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ المرجع بعد سقوط العامّ عن الحجیة فیما شک فی کونه من مصادیق الخاصّ لفظیاً أو لبیاً إنّما هو الأُصول العملیة و حیئنذ لو کان هناک أصل حکمی من استصحاب وجوب أو حرمة و نحوه فلا إشکال.

ص: 312


1- . أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص337 و 331؛ المحاضرات (ط.ج): ج4، ص370.
2- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص275.

و أمّا الأصل الموضوعی فیبتنی جریانه علی المسلکین((1)) فی التخصیصات: تعنون العام بعنوان عدم المخصِّص و عدمه

فعلی المسلک الأوّل لا بأس بجریان الأصل الموضوعی فی المشتبه حیث یحرز به کونه من أفراد العامّ، فیحکم علیه بحکم العامّ بعد إحراز جزئه الآخر (و هو العالمیة) بالوجدان، نظیر سائر الموضوعات المرکبة التی یحرز بعضها بالأصل و بعضها بالوجدان ففی المقام أیضاً إذا جری استصحاب العدالة أو عدم الفسق فی الفرد المشکوک فبانضمام الإحراز الوجدانی للجزء الآخر و هو العالمیة یحرز ما هو موضوع حکم العامّ و هو العالم العادل، أو العالم الذی لم یکن فاسقاً فیحکم علیه بحکمه.

أمّا علی المسلک الثانی الذی هو المختار((2)) فلا مجال لجریان الأصل الموضوعی المزبور من جهة عدم ترتب أثر شرعی علیه حینئذ، فإنّه علی هذا المسلک لایکون لمثل هذه العناوین دخل فی موضوع الحکم و الأثر و لو علی نحو القیدیة حتی یجری فیها استصحابها، بل و إنّما موضوع الأثر حینئذ عبارة عن ذوات تلک الأفراد الباقیة بخصوصیاتها الذاتیة من دون طروّ لون علیها من قبل دلیل المخصّص.

و قد نقل المحقّق الخوئی (قدس سره) عنه فی المحاضرات أنّه یری أنّ التخصیص کالموت فکما أنّه لایتلون العامّ بموت بعض العلماء لایتلون بالتخصیص بهم.

ثم أورد علیه((3)) بأنّ القیاس باطل حیث إنّ الموت یوجب انتفاء الحکم بانتفاء

ص: 313


1- . تقدّم ذکرهما فی ابتداء الأمر الأوّل.
2- . و أیضاً اختاره المحقّق الإصفهانی؛ نهایة الدرایة، ج2، ص458.
3- . المحاضرات، ج4، ص364.

موضوعه فی مرحلة التطبیق و لکن التخصیص یوجب تقیید الحکم فی مرحلة الجعل فی مقام الثبوت بمعنی أنّ دلیل المخصّص یکشف عن أنّ الحکم من الأوّل خاصّ و فی مقام الإثبات یدلّ علی انتفاء الحکم مع بقاء الموضوع.

غایة الأمر هو اقتضاء خروج أفراد الفسّاق مثلاً لملازمة الأفراد الباقیة بعد التخصیص عقلاً للعدالة أو عدم الفسق و من المعلوم فی مثله حینئذ عدم إجزاء قضیة استصحاب العدالة أو عدم الفسق للمشکوک لإثبات کونه من الأفراد الباقیة الملازمة لعدم الفسق إلّا علی القول بالمثبت.

نعم لو کان مفاد الدلیل الخاصّ نقیضاً لحکم العامّ، کما لو کان مفاد العامّ وجوب إکرام العلماء و کان مفاد الخاصّ عدم وجوب إکرام الفسّاق من العلماء ففی مثله أمکن إثبات وجوب الإکرام الذی هو حکم العامّ بمقتضی استصحاب عدم الفسق، من جهة أنّه باستصحابه یترتب علیه نقیض اللاوجوب الذی هو عبارة عن وجوب الإکرام.

و هذا بخلافه فی فرض کون مفاد الخاصّ عبارة عن حرمة الإکرام التی هی ضد الحکم العامّ حیث إنّه فی مثله لایمکن إثبات وجوب الإکرام باستصحاب العدالة أو عدم الفسق لأنّ غایة ما یقتضیه الأصل المزبور هو عدم حرمة إکرام الفرد المشکوک لا وجوب إکرامه إلّا علی القول بالأصل المثبت.

مناقشات بعض الأساطین علی المحقّق العراقی (قدس سره):
المناقشة الأُولی:

إنّ القول بعدم التعنون مخدوش.((1))

ص: 314


1- . مرّ وجهه فی الأمر الأوّل، الرأی الخامس: استدلال بعض الأساطین علی التعنون.
المناقشة الثانیة:

إنّ الخاصّ یوجب تقیید الإرادة الجدّیة فی ناحیة العامّ بالنسبة إلی موضوعه حیث إنّه بعد ورود المخصّص لایعقل إطلاق الإرادة الجدّیة بالنسبة إلی موضوع العامّ و لایعقل أیضاً إهماله. (یلزم من ذلک تعنون العامّ حیث إنّ تقیید الإرادة الجدّیة لاینفک من لون للعامّ و تعنونه).

المناقشة الثالثة:

إنّ جریان الأصل العملی الحکمی إذا أُرید به الاستصحاب کما صرّح المحقّق العراقی (قدس سره) ممنوع، لأنّ المعتبر فی جریان الاستصحاب صدق عنوان «لاتنقض» بالنسبة إلی الیقین السابق، فلابدّ من وحدة الموضوع فی القضیة المتیقّنة و المشکوکة بأن یکون الفرد المشتبه داخلاً فی موضوع المتیقّنة ثم نشک فی خروجه عنه، و لکن الشبهة المصداقیة هنا لیس من هذا القبیل لأنّ شمول العامّ له مشکوک من أوّل الأمر، فعلی هذا أرکان الاستصحاب لایتم بالنسبة إلی الفرد المشتبه فی الشبهة المصداقیة.

المناقشة الرابعة:

إنّ ما أفاده (قدس سره) - من أنّه إذا کان الفرق بین حکم العامّ و حکم المخصّص بنحو التضادّ فالاستصحاب یکون أصلاً مثبتاً و إذا کان بنحو التناقض فالاستصحاب جار و نتیجته جریان حکم العامّ - ممنوع، لأنّ رفع عدم الوجوب لیس هو عین الوجوب بل الوجوب مصداق له فإنّ مفهوم نفی النفی لیس هو عین مفهوم الإثبات بل نفی النفی یصدق علی الإثبات، إلّا إذا قلنا بجریان الاستصحاب مع خفاء الواسطة کما هو مختار الشیخ (قدس سره) و لکن نحن لانلتزم بذلک.

ص: 315

فالاستصحاب هنا أصل مثبت، کما أنّ استصحاب عدم الفسق بالنسبة إلی إثبات العدالة أیضاً أصل مثبت.

ص: 316

التنبیه الأوّل: دوران الأمر بین التخصیص و التخصّص

دوران الأمر بین التخصیص و التخصّص فی الفرد الذی حکمه خلاف حکم العامّ.

إذا ورد عامّ مثل أکرم العلماء و جاء دلیل آخر یدلّ علی حرمة إکرام زید مثلاً و لا ندری هل یکون زید من أفراد العامّ و قد خرج عنه بالتخصیص أو لیس من أفراد العامّ بل هو خارج عنه تخصّصاً، فهل تجری هنا أصالة العموم و عدم التخصیص حتی یثبت کونه خارجاً عن العامّ بالتخصّص؟ و مثّل لذلک فی المحاضرات((1)) بملاقی ماء الاستنجاء فهل یکون داخلاً تحت عموم ما دلّ علی انفعال ملاقی النجس و قد خرج عنه بالتخصیص لورود ما یدلّ علی طهارته، أو کان خارجاً عن تحت هذا العموم بالتخصّص.

فاختلف الأعلام فی تقدّم التخصیص علی التخصّص أو العکس، و المشهور بینهم هو أنّ التخصّص مقدّم علی التخصیص و استدلّوا علی ذلک بأصالة عدم التخصیص و أصالة العموم.((2))

و الحق هو عدم جریان أصالة العموم و أصالة عدم التخصیص فی المقام، لأنّ الأصول اللفظیة تجری فی ما إذا کان المراد مشکوکاً، و أمّا إذا کان المراد

ص: 317


1- . المحاضرات (ط ج)، ج 4، ص391.
2- . مطارح الأنظار، (ط ق): ص194 و (ط ج): ج 2، ص149؛ أجود التقریرات، ط ق، ج 2، ص157؛ تنقیح الأصول، ج 2، ص: 366؛ تحقیق الأصول، ج 4، ص313؛ مقالات الأصول، ج1، ص450- 451؛ تهذیب الأصول، ج 2، ص206؛ کفایة الأصول، ص264؛ عمدة الأصول، ج 4، ص118؛ المحاضرات (ط ق)، ج 5، ص236.

معلوماً فلم یثبت جریان السیرة العقلائیة علی التمسّک بالأصول اللفظیة، کما صرّح بذلک المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) .

ص: 318

التنبیه الثانی: صورة أُخری من دوران الأمر بین التخصیص و التخصص
اشارة

فیه قولان:

إذا ورد دلیل عامّ مثل «أکرم العلماء» و ورد بعد ذلک دلیل آخر مثل «یحرم إکرام زید» و لکن تردّد أمر زید من جهة الشبهة المفهومیة و شککنا فی أنّ المراد منه هو زید العالم أو زید الجاهل، فإن کان المراد منه زیداً العالم فیکون الدلیل الثانی مخصّصاً للعامّ و إن کان المراد منه زیداً الجاهل فیکون خارجاً عن العامّ تخصّصاً.

القول الأوّل:

قال المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) بالتمسّک بالعامّ بالنسبة إلی زید العالم حتی یجری فیه حکم العامّ و بذلک ینحل العلم الإجمالی بحرمة إکرام زید العالم أو زید الجاهل، لأنّه بعد جریان حکم العامّ علی زید العالم ینطبق حرمة الإکرام علی زید الجاهل.

فعلی هذا إجمال الخاصّ لایسری إلی العامّ بل العامّ یوجب رفع الإجمال عن الخاصّ.

القول الثانی:
اشارة

اختار بعض الأساطین (دام ظله) عدم جواز التمسّک بالعامّ فی هذا المقام لأنّ السیرة

ص: 319


1- . أجود التقریرات، ج2، ص318.
2- . المحاضرات، ج4، ص391.

العقلائیة قائمة علی التمسّک بالعامّ فی موارد الشک البدوی و ما یرجع إلیه (مثل الشبهة المفهومیة بین الأقلّ و الأکثر)، أمّا فی موارد العلم الإجمالی بخروج أحد الفردین عن تحت العامّ فلم یثبت السیرة العقلائیة علی التمسّک بالعامّ. ((1))

یمکن الملاحظة علیه:

إنّ العامّ یشمل زیداً العالم و لم یثبت وجود المخصّص للعامّ حتّی نقول بتعنون العامّ بعدم المخصّص (کما قد تقدّم فی الشبهة المفهومیة فی المخصّص المنفصل المردّد بین المتباینین) و حیث إنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجّة فتدلّ العامّ علی وجوب إکرام زید العالم و إثبات حرمة إکرام زید الجاهل و ینحلّ العلم الإجمالی و السیرة العقلائیة قائمة علی التمسّک بالعموم فیما إذا شک فی خروج فرده و إنّما الکلام فی مانعیة العلم الإجمالی و قد عرفت أنّه لیس بمانع عنه.

ص: 320


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص315.

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

اشارة

ص: 321

ص: 322

عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص

فیه مقدمة و أمران:

إنّ الأعلام اتفقوا علی لزوم الفحص عن المخصّص و لکن اختلفوا فی وجه ذلک أوّلاً و فی المقدار الواجب من الفحص ثانیاً، و لذا لابدّ من البحث فی مقامین.((1))

ص: 323


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص157: هدایة [- هل یجوز الأخذ بالعام قبل الفحص عن المخصّص] الحقّ کما علیه المحقّقون عدم جواز الأخذ بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص. و ربّما نفی الخلاف فیه کما عن الغزالی و الآمدی، بل ادّعی علیه الإجماع کما عن النهایة. و حکی عن ظاهر التهذیب اختیار الجواز و تبعه العمیدی و المدقّق الشیروانی و جماعة من الأخباریة، منهم صاحب الوافیة و شارحها و مال إلیه بعض الأفاضل فی المناهج. و حکی من بعضهم: أنّ مراد القائل بالجواز وجوب الاعتقاد بالعموم واقعا حتی یظهر المخصّص فیحکم بکونه ناسخا. اللّهم إلّا أن یکون مرادا لبعض من لم نقف علی کلامه. و نقل التفصیل بین ضیق الوقت فالجواز و بین عدمه فالمنع عن بعض. و قیل: إنّه مبنی علی جواز تأخیر البیان عن وقت الخطاب، و هو علی تقدیر صحّته ممّا ینادی کلام المجوّز بخلافه. و کیف کان، فمن اللازم تقدیم مقدّمة یعلم فیها أمران... . و فی المفاتیح، ص187: اختلفوا فی جواز العمل بالعمومات الشرعیة و التّمسک بها قبل البحث و الفحص عن مخصّصها أولاً علی قولین الأوّل أنّه لایجوز فلایجوز الحکم بصحة عقد و لا بحلیة طیب بمجرّد ملاحظة قوله تعالی أوفوا بالعقود أحلّ لکم الطّیبات من غیر فحص عن مخصّصها فلو حکم به کان کمن حکم بمجرّد التشهی و هو للنّهایة و المنیة و المعالم و الزبدة و شرحها لجدی الصّالح رحمه الله و المختصر و الإحکام و المحکی عن ابن شریح و إمام الحرمین و الغزالی و فی شرح الزبدة لجدی الصّالح هذا ممّا ذهب إلیه جمّ غفیر من محقّقین و فی حاشیة الفاضل الشیروانی أنّه مذهب أکثر الأصولیین الثانی أنّه یجوز و هو للمحکی فی النهایة و المنیة عن الصیرفی و المحکی فی شرح الزبدة لجدی الصالح عن العلامة و صاحب المنهاج و استفاده فی المعالم من التهذیب و یظهر من الفاضل الشیروانی فی حاشیة المعالم المصیر إلیه للأوّلین وجوه و فی ص191: هل یلزم علی المختار من لزوم الفحص عن المخصص فی التمسّک بالعمومات الفحص عنه حتی یحصل العلم بعدمه فلو لم یحصل العلم لم یجز العمل بها مطلقاً و لو حصل الظن المتأخم إلی العلم بعدمه أولا بل یکفی الظن بالعدم اختلفوا فی ذلک علی قولین الأوّل أنّه لایشترط العلم بعدم المخصّص و هو للنهایة و التهذیب و المنیة و المعارج و الزبدة و شرحها لجدی رحمه الله و الإحکام و المختصر و شرحه للعضدی و شرح الشرح و المحکی فی الإحکام عن الغزالی و إمام الحرمین و ابن شریح و فی المعالم و شرح الزبدة لجدی الصّالح و الإحکام و المختصر و شرحه للعضدی أنّه مذهب الأکثر الثانی أنّه یشترط ذلک و هو للمحکی فی جملة من الکتب عن القاضی و فی الإحکام هو مذهب القاضی أبی بکر و جماعة من الأصولیین للأولین ما تمسّک به فی الزبدة و المعالم و المنیة و شرح الزبدة لجدی الصّالح و الإحکام و المختصر و شرحه للعضدی.

ولکن قبل الورود فی البحث یجب تقدیم مقدّمة نافعة (کما قدّمها المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) قبل الورود فی البحث).

ص: 324

مقدّمة:
اشارة

هل یفترق الفحص فی موارد الأُصول اللفظیة عن الفحص فی موارد الأُصول العملیة؟

قال صاحب الکفایة((1)) و المحقّق النائینی (قدس سرهما) بالفرق بینهما و خالفهما المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال بعدم الفرق.

نظریة المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما)

((2)):

إنّ الفحص فی هذا المقام و نظائره فحص عن المزاحم لحجیة الدلیل بعد تمامیة المقتضی (و هو ظهوره فی العموم فی هذا البحث) أمّا الفحص فی الشبهات البدویة فحص عن أصل الحجیة و تمامیة المتقضی.

أمّا فی البراءة العقلیة فلأنّ العقل لایستقل بقبح العقاب بلا بیان ما لم یتحقّق الفحص و لذا لایحرز موضوع البراءة العقلیة و هو عدم البیان قبل الفحص.

و أمّا فی البراءة الشرعیة فلأنّ أدلّة حجیة البراءة الشرعیة و إن کانت مطلقة بالنسبة إلی الفحص إلّا أنّ الدلیل العقلی قام علی لزوم الفحص و الدلیل النقلی و الإجماع أیضاً قاما علی لزوم الفحص و لهذا یکون موضوع البراءة النقلیة و هو «ما لایعلمون» مقیداً بما بعد الفحص.

ص: 325


1- . کفایة الأصول، ص226.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص351.
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذه النظریة

((1))

إنّ الفحص فی کلا المقامین تارة عن ثبوت المقتضی و الموضوع و أُخری عن وجود المزاحم و المانع.

فإنّ العمومات الواردة فی الکتاب و السنّة أو من الموالی العرفیة علی نحوین:

النحو الأوّل: ما کان فی معرض التخصیص بحیث قد قامت قرینة علی أنّ المتکلّم قد اعتمد فی بیان مراداته علی القرائن المنفصلة المتقدّمة أو المتأخرة زماناً و لایبین ذلک فی مجلس واحد لأجل مصلحة تقتضی ذلک أو مفسدة فی البیان کخلاف تقیة أو نحوها، و هذه العمومات لایکون حجّة قبل الفحص لعدم إحراز بناء العقلاء علی العمل بها قبل الفحص (فإنّ دلیل حجیتها هو بناء العقلاء) و مثال ذلک العمومات الواردة فی الکتاب حیث إنّ الله تعالی أوکل بیانه إلی النبی (صلی الله علیه و آله) و الأوصیاء (علیهم السلام) و مثل العمومات الواردة عنهم (علیهم السلام) و هذه العمومات لامقتضی للعمل بها قبل الفحص و حالها حال البراءة الشرعیة و العقلیة فی الشبهات الحکمیة.

النحو الثانی: ما لم یکن فی معرض التخصیص، فهذه العمومات کاشفة عن أنّ المراد الاستعمالی مطابق للمراد الجدّی و ظاهرة فی ذلک و هذا الظهور حجّة ما لم تقم قرینة علی الخلاف و حینئذ لا مانع من العمل بتلک العمومات قبل الفحص لجریان السیرة العقلائیة علی العمل بها قبل الفحص.

و مثال ذلک أکثر العمومات الواردة من الموالی العرفیة بالإضافة إلی عبیدهم و خدمهم أو من الموکلین بالإضافة إلی وکلائهم أو من الأُمراء بالإضافة إلی المأمورین.

ص: 326


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص405.

نعم إذا علم إجمالاً بورود مخصّص علیها فعندئذ یجب الفحص لأجل هذا العلم الإجمالی، و الفحص حینئذ لوجود المانع و المزاحم مع ثبوت المقتضی له و ذلک مثل الأُصول العملیة فی الشبهات الموضوعیة فإنّ المقتضی للعمل بها تامّ و لایتوقف علی الفحص إلّا فی موارد العلم الإجمالی مثل العلم الإجمالی بنجاسة أحد الإناءین. فتحصل أنّه لا فرق بین الفحص فی موارد الأمارات و الأُصول العملیة.

ص: 327

الأمر الأوّل:
اشارة

فی الأدلّة التی أقاموها علی عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص، و هی ستة:((1))

ص: 328


1- . راجع فرائد الأصول، ج 2، ص412 و قال فی المطارح ص162-179: [وجوه القول بعدم جواز الأخذ بالعامّ قبل الفحص:] الأوّل: ما قاله بعض الأعلام فی الإشارات (الإشارات: 158) بعد ما نقله عن الوافیة، و محصّله: أنّ إطاعة اللّه و إطاعة خلفائه واجبة و هی لاتتحقّق إلّا بعد العلم بالمراد أو الظنّ، و هو لایحصل إلّا بالفحص. الثانی: أنّه لا إشکال فی أنّ الخاصّ أقوی من العامّ و العمل بأقوی الدلیلین واجب إجماعاً و نصّاً فیجب تحصیله؛ لکونه من الواجبات المطلقة، و هو المراد بالفحص. الثالث: أنّه لا سبیل إلی تشخیص تخصیص المراد من العامّ إلّا بأصالة عدم التخصیص، و هی موهونة فی المقام. الرابع من الأدلّة: دعوی الإجماع علی الفحص و الالتزام به. الخامس: الأخبار الدالّة علی أنّ فی الکتاب و السنّة عامّاً و خاصّاً و مطلقاً و مقیداً، کما ورد فی نهج البلاغة 325، الخطبة 210. و غیره فی الوسائل، ج18، ص129 و 152، الباب 13 و 14 من أبواب صفات القاضی. احتج المجوّز بأمور: الأوّل: ما حکاه الآمدی فی الإحکام، ج3، ص56 عن الصیرفی من التعویل علی الظنّ الحاصل من أصالة عدم التخصیص. الثانی: أنّه لو وجب الفحص عن المخصّص لوجب الفحص عن قرینة المجاز أیضاً و التالی باطل، و الملازمة ظاهرة، حیث إنّه لا فارق. الثالث: إطلاق ما دلّ من الآیات و غیرها علی اعتبار أخبار الآحاد کآیة النبأ و النفر و السؤال فإنّ قضیة إطلاقها وجوب الأخذ بالخبر من دون انتظار أمر آخر من الفحص و غیره. الرابع: ما أشار إلیه المستدلّ المتقدّم و اعتمد علیه فی الوافیة و قرّره بوجه أتمّ و أتقن بعض الأفاضل، فقال: الضرورة الدینیة واقعة علی اشتراکنا مع الموجودین المشافهین فی التکلیف، و لازمه لزوم تحصیل تکلیفاتهم، و لایمکن ذلک إلّا بالرجوع إلی ما خوطبوا به، و تحصیل تکلیفهم منها لایمکن إلّا بتحصیل طرق فهمهم، و هو الغرض من تأسیس الأصول اللفظیة، و لازم ذلک استخراج الأحکام من الأخبار بطریق استخراجهم، و إذا علمنا أنّهم لایتربّصون للفحص عن المخصّص کما هو معلوم لمن استعلم حال السلف، فإنّ الصحابة و التابعین کانوا یعملون بالعمومات و یحتجّون بها علی المتنازعین و لم یطلب أحد من المتنازعین فی المسألة التوقف من صاحبه حتی یبحث عن المعارض، فکیف نتربّص فی العمل بهذه العمومات، فهل هذا إلّا التناقض؟ و من هنا یظهر وجه آخر، و هو تقریر الإمام علیه السّلام العامل بها من دون فحص، فیکون حجّة أخری علی الخصم. الخامس: ما استدلّ به بعض الأفاضل (و هو المحقّق النراقی فی المناهج، ص111): من أخبار التسامح المستفیضة الواردة فی من بلغه ثواب، فإنّ إطلاق تلک الأخبار یدلّ علی کون العامل بالعموم مثاباً فی جمیع أفراده. و عن بعض الأساطین علی ما فی تحقیق الأصول، ج4، ص317: فالمشهور بل کاد یکون متَّفقاً علیه ذلک، إلّا أنّ الاختلاف فی کیفیة إقامة الدلیل. فقد ذهب جماعة إلی أنّه لمّا کان مناط الأخذ بالأصول اللفظیة هو الظن الشخصی بالمراد، فإنّه ما لم یفحص عن المخصّص أو المقید أو القرینة، لایحصل الظنّ الشخصی حتی یأخذ بأصالة العموم أو الإطلاق أو الحقیقة. و هذا الوجه یبتنی- کما عرفت- علی القول بدوران حجیة الاصول مدار الظن الشخصی، لکن التحقیق دورانه مدار الظن النوعی و ذهب المیرزا القمی فی قوانین الأصول ج1، ص233 إلی وجهٍ آخر و هو: إنّه لمّا کانت الخطابات الشرعیة مختصّةً بالمشافهین، و سائر الناس مکلّفون بها من باب الظن المطلق، فالقدر المتیقّن من دلیل اعتبار الظن المطلق هو حالة بعد الفحص عن المخصّص. و هذا الوجه- کما تری- مبنی علی اختصاص الخطابات الشرعیة بالمشافهین و قانون الانسداد، و مع القول بعدم انسداد باب العلمی، و أیضاً عدم اختصاص الخطابات ... یسقط. فالعمدة هو الأدلة المقامة من الشیخ و صاحب (الکفایة) و المیرزا، و هی ثلاثة.
الدلیل الأوّل:
اشارة

إنّ حجیة أصالة العموم تدور مدار حصول الظنّ بمراد المولی و بما أنّ العامّ لایفید الظنّ بمضمونه قبل الفحص عن المخصّصات، فیجب الفحص حتّی یحصل الظنّ به فلزوم الفحص إنّما هو لتحصیل الظنّ به.

ص: 329

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

أوّلاً: إنّه أخصّ من المدّعی، لأنّ المدّعی هو وجوب الفحص مطلقاً و إن فرض حصول الظن قبل الفحص، مع أنّ لازم هذا الوجه هو عدم وجوب الفحص فی فرض حصول الظنّ قبل الفحص.

ثانیاً: إنّ حجیة أصالة العموم إنّما هی من باب إفادة الظنّ النوعی دون الشخصی فلایضرّ بحجیة أصالة العموم قیام الظنّ الشخصی علی الخلاف.

الدلیل الثانی:
اشارة

((2))

قال الشیخ (قدس سره): إنّ العلم الإجمالی بورود معارضات کثیرة بین الأمارات الشرعیة التی بأیدینا الیوم حاصل لمن لاحظ الکتب الفقهیة و استشعر اختلاف

ص: 330


1- 1. المحاضرات، ط.ج. ج4، ص408.
2- 2. و هو دلیل عقلی عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی المطارح، (ط.ق): ص202: إنّ العلم الإجمالی بورود معارضات کثیرة بین الأمارات الشرعیة التی بأیدینا الیوم حاصل لمن لاحظ الکتب الفقهیة و استشعر اختلاف الأخبار، و المنکر إنّما ینکره باللسان و قلبه مطمئن بالإیمان بذلک، و لایمکن إجراء الأصول فی أطراف العلم الإجمالی- کما قرّرناه فی محلّه- فتسقط العمومات عن الحجیة للعلم بتخصیصها إجمالاً عند عدم الفحص. و أمّا بعد الفحص فیستکشف الواقع و یعلم أطراف الشبهة تفصیلا بواسطة الفحص ...» إلی أن قال: فإن قلت: إنّ هذا العلم الإجمالی إنّما هو من شعب العلم الإجمالی بمطلق التکالیف الشرعیة التی تمنع عن الرجوع إلی الأصول فی مواردها، و احتمال ثبوت التکلیف فی موارد العام و أفراده إنّما هو بواسطة ذلک العلم الإجمالی باق و حکم ذلک العلم الإجمالی باق بعد الفحص ما لم یقطع بعدم المخصّص، و قیام الظن مقامه یوجب التعویل علی الظن المطلق کما عرفت فیما تقدم. قلت: إنّ العلم الإجمالی بثبوت مطلق التکالیف الذی أوجب الفحص عن مطلق الدلیل یکفی فی رفع حکمه الأخذ بظاهر العموم المعمول فیه الاصول، و ما هو المدعی فی المقام یغایر ذلک العلم الإجمالی و لا مدخل لأحدهما بالآخر وجودا و عدماً. نقل هذا الدلیل فی منتهی الأفکار، ص279 و أورد علیه.

الأخبار، و المنکر إنّما ینکر باللسان و قلبه مطمئن بالإیمان بذلک، و لایمکن إجراء الأُصول فی أطراف العلم الإجمالی کما قرّرنا فی محلّه، فیسقط العمومات عن الحجیة للعلم بتخصیصها إجمالاً عند عدم الفحص، و أمّا بعد الفحص فیستکشف الواقع و یعلم أطراف الشبهة تفصیلاً بواسطة الفحص.

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

لو کان هذا العلم الإجمالی هو المقتضی لوجوب الفحص، فبطبعیة الحال إنّما یقتضی وجوبه مادام لم ینحلّ فإذا انحلّ العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال، لم یکن مقتضٍ لوجوب الفحص بعده لامحالة.

و علیه فلا مانع من التمسّک بالعموم قبل الفحص، مع أنّ المدّعی وجوب الفحص مطلقاً و لو بعد الانحلال، و من هنا یعلم أنّ العلم الإجمالی بما هو لا یصلح أن یکون مدرکاً لوجوبه علی الإطلاق.

الدلیل الثالث:
اشارة

((2))

لیس المیزان فی انحلال العلم الإجمالی مجرّد وجود القدر المتیقن فی البین، لیترتّب علیه انحلال العلم الإجمالی بالظفر بالمقدار المعلوم بالإجمال من التکالیف أو المخصّصات، المستلزم لعدم وجوب الفحص بعد ذلک عند احتمال تکلیف أو تخصیص، بل المیزان فی الانحلال أمر آخر لابدّ فی توضیحه من بیان أُمور:

الأوّل: إنّه لابدّ فی موارد العلم الإجمالی من تشکیل قضیة شرطیة علی سبیل

ص: 331


1- 1. المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص411.
2- . و هو أیضاً دلیل عقلی عن المحقّق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج2، ص355.

منع الخلوّ، ضرورة أنّه لازم العلم بأصل وجود الشیء، مع الشک فی خصوصیته و انطباقه علی کل واحد من أطرافه.

الثانی: إنّ موارد العلم الإجمالی مختلفة

المورد الأوّل: أن تکون القضیة الشرطیة (التی لابدّ منها فی موارد العلم الإجمالی) مؤتلفة من قضیة متیقّنة و قضیة أُخری مشکوک فیها، کأن یشک المدین بین الألف و الألفین و هذا فی موارد دوران الأمر بین الأقلّ و الأکثر.

و انحلال العلم الإجمالی فی هذا المورد مما لا ریب فیه بل فی الحقیقة لا علم إجمالی.

المورد الثانی: أن تکون القضیة الشرطیة مؤتلفة من قضیتین، تکون کلّ منهما مشکوکاً فیها، و ذلک مثل ما إذا علمنا إمّا بنجاسة هذا الإناء و إمّا بنجاسة الإناء الآخر و هذا فی موارد دوران الأمر بین المتباینین.

و هنا لا ریب فی عدم انحلال العلم الإجمالی.

المورد الثالث: أن تکون تلک القضیة، جامعة لکلتا الخصوصیتین، فهی من جهة تکون مؤتلفة من قضیة متیقّنة و أُخری مشکوک فیها، و من جهة أُخری مؤتلفة من قضیتین مشکوک فیهما، و لازم ذلک انحلال العلم الإجمالی إلی علمین إجمالیین أحدهما من قبیل القسم الأوّل و الثانی من قبیل القسم الثانی.

مثال ذلک: هنا إناءان أحدهما لزید و لانعرفه بعینه ثمّ علمنا بوجوب الاجتناب إمّا عن الإناء الأوّل و إمّا عن کلا الإناءین وهذا مورد العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ والأکثر و بعد ذلک قال المولی بوجوب الاجتناب عن إناء زید و هذا یوجب العلم الإجمالی بوجوب الاجتناب عن الإناءین من باب التردید بین

ص: 332

المتباینین ثم إنّ فی انحلال العلم الإجمالی فیه و عدم انحلاله خلافاً، و توهّم الانحلال فیه هو الموجب لتوهّم الانحلال فی المقام.

و لکن التحقیق عدم الانحلال لأنّ العلم الإجمالی المردد بین الأقلّ و الأکثر و إن کان منحلاً بالاجتناب عن المقدار الأقلّ (و هو الإناء الأوّل) إلّا أنّ وجوب الاجتناب عن إناء زید منجّز و لاینحلّ بالاجتناب عن الإناء الأوّل.

تطبیق هذا علی هذا البحث: إنّ هنا علمین إجمالیین، أحدهما العلم الإجمالی بوجود المخصّصات فیما بأیدینا من الکتب المعتبرة و هذا من قبیل العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین، بأنّ هذه المخصّصات إما لهذا العامّ أو للعامّ الآخر و ثانیهما العلم الإجمالی بوجود المخصّصات و هو مردّد بین الأقلّ و الأکثر.

و العلم الإجمالی الأوّل لاینحلّ و إن انحلّ العلم الإجمالی الثانی بالظن بالمقدار المتیقّن من المخصّصات (و القدر المتیقّن هو المقدار الأقلّ).

فلایجوز العمل بالعامّ قبل الفحص لعدم انحلال العلم الإجمالی فلابدّ من الفحص حتّی یجوز العمل بالعامّ.

قد ناقش فیه بعض الأساطین (دام ظله):
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی:

إنّ ما أفاده لاینطبق علی ما نحن فیه، لأنّ العلم الإجمالی بوجود المخصّصات فیما بأیدینا من الکتب المعتبرة أیضاً من موارد العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ و الأکثر و ینحل ذلک بالظفر بالمقدار الأقلّ من المخصّصات.

ص: 333


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص320.
المناقشة الثانیة:

إنّ ما أفاده لایتمّ علی مختاره فی مبحث تنجیز العلم الإجمالی.

توضیح ذلک: إنّ فی مبحث العلم الإجمالی قولین:

القول الأوّل: الذی اختاره الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (دام ظله) و هو القول بالاقتضاء.

القول الثانی: الذی اختاره المحقّق العراقی (قدس سره) و هو القول بالعلّیة.

و مقتضی القول بمسلک الاقتضاء هو أنّه إذا لم یجر الأصل بالنسبة إلی أحد الطرفین للعلم الإجمالی للعلم بالنجاسة فهو جار بالنسبة إلی الطرف الآخر بلا معارض و ینحلّ بذلک العلم الإجمالی ولایبقی علی التنجیز، سواء کان العلم الإجمالی مردداً بین الأقلّ و الأکثر أم کان مردّداً بین المتباینین و فیما نحن فیه إنّ الظفر بالقدر المتیقّن من المخصّصات کما یوجب انحلال العلم الإجمالی المردّد بین الأقلّ و الأکثر یوجب انحلال العلم الإجمالی المردّد بین المتباینین حیث إنّ أحد الطرفین من هذا العلم الإجمالی قد ظفرنا به و تجری البراءة بالنسبة إلی الطرف الآخر.((1))

نعم علی مسلک المحقّق العراقی (قدس سره) - و هو القول بالعلیة- لایمکن إجراء البراءة بالنسبة إلی الطرف الآخر فی مقامنا هذا.

المناقشة الثالثة:

إنّ مانعیة العلم الإجمالی مبنی علی ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) ((2)) و اختاره

ص: 334


1- . نهایة الأفکار، ج(1- 2)، ص529.
2- . کفایة الأصول، ص226.

المحقّق النائینی (قدس سره) من أن الفحص عن المخصّص هو الفحص عما هو مزاحم لحجیة أصالة العموم.

ولکن الحق کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) هو أنّ عمومات الکتاب و السنّة لما کانت فی معرض التخصیص فالفحص فیها عن المخصّص هو بمعنی عدم تمامیة الحجیة و اقتضائها فی طرف العامّ.

الدلیل الرابع:

الدلیل الرابع: ((2))

إنّ العقل یستقلّ بلزوم الفحص عن المخصّصات بحیث إنّه قبل الفحص لا اقتضاء لحجیة عمومات الکتاب و السنّة.

توضیحه: إنّ ما دلّ علی وجوب الفحص عن الحجّة فی موارد الأُصول العملیة هو بنفسه دلیل علی وجوب الفحص فی الأُصول اللفظیة. فإنّ العقل یستقلّ بأنّ وظیفة المولی لیست إلّا تشریع الأحکام و إظهارها علی المکلّفین بالطرق العادیة، ولایجب علیه تصدّیه لجمیع ما له دخل فی الوصول إلیهم أی لایجب علی المولی إیصال التکلیف إلی العبد و لو بغیر الطرق العادیة المتعارفة إذا امتنع العبد من الاطلاع علی تکالیف مولاه بتلک الطرق.

کما أنّ العقل یستقلّ أیضاً بأنّ وظیفة العبد إنّما هی الفحص عن تکالیف المولی التی جعلها و أظهرها بالطرق العادیة لئلّایقع فی مخالفتها، ضرورة أنّه لو لم یتصدّ للفحص عنها و تمسّک بأصالة البراءة أو استصحاب العدم فی کل مورد احتمل التکلیف فیه لزم إبطال فائدة بعث الرسل.

ص: 335


1- . المحاضرات (ط ج): ج 4، ص421.
2- . و هو أیضاً دلیل عقلی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص426.

و هذا الوجه بعینه جار فی موارد الرجوع إلی الأُصول اللفظیة، فإنّ المکلّف لو تمسّک بها بدون الفحص عن القرائن علی خلافها، مع علمه بأنّ بیان الأحکام الشرعیة کان علی نحو التدریج و بالطرق العادیة المتعارفة، لوقع فی مخالفة تلک الأحکام کثیراً و لایکون معذوراً، حیث إنّ العقل یری أنّ وظیفته هی الفحص عن القرائن المحتملة فی الواقع و أنّه لو تفحّص عنها لوصل إلیها لو کانت موجودة و معه کیف یکون معذوراً.

الدلیل الخامس:

و هو دلیل عقلائی أفاده المحقّق الخراسانی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((1)) و بعض الأساطین (دام ظله) .((2))

و قبل بیان الدلیل لابدّ من الإشارة إلی أنّ أصالة العموم من الأُصول اللفظیة التی مبنی حجیتها بناء العقلاء و سیرتهم و ملاک سیرة العقلاء هو أنّهم یرون التطابق بین الإرادة الاستعمالیة و الإرادة الجدّیة إلّا فیما إذا قامت قرینة علی خلاف ذلک.

أمّا استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی ذلک:((3)) فهو أنّه لایجوز التمسّک بالعامّ قبل الفحص، فیما إذا کان العامّ فی معرض التخصیص، کما هو الحال فی عمومات الکتاب و السنّة و ذلک لأجل أنّه لولا القطع باستقرار سیرة العقلاء علی عدم العمل بالعامّ قبل الفحص فلا أقلّ من الشک. کیف؟ و قد ادّعی

ص: 336


1- . نهایة الأفکار، ج1-2، ص529.
2- . تحقیق الأصول، ج4، ص320.
3- . کفایة الأصول، ص226 .

الإجماع علی عدم جواز التمسّک بأصالة العموم، فضلاً عن نفی الخلاف عنه، و هو کافٍ فی عدم الجواز.

و أمّا إذا لم یکن العامّ فی معرض التخصیص، کما هو الحال فی غالب العمومات الواقعة فی ألسنة أهل المحاورات، فلا شبهة فی أنّ السیرة علی العمل به بلا فحص عن المخصّص.

الدلیل السادس:
اشارة

و هو دلیل نقلی أفاده المحقق العراقی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) .((2))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) استدلّ علی ذلک بالآیات و الروایات الدالّتین علی وجوب التعلّم و الفحص.

أمّا الآیات: فمنها قوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون).((3))

و منها قوله تعالی: (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ).((4))

أمّا الروایات: فمنها قوله (علیه السلام) «إنّ الله تعالی یقول لعبده فی یوم القیامة: هلّا عملت؟ فقال: ما علمت فیقول: هلّا تعلّمت».((5))

ص: 337


1- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص530.
2- . المحاضرات، ط.ج. ج4، ص427؛ أجود التقریرات، ج2، ص360.
3- . سورة النحل(16):43.
4- . سورة التوبة(9):122.
5- . قال أخبرنی أبو القاسم جعفر بن محمد قال حدثنی محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیری عن أبیه عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زیاد قال سمعت جعفر بن محمد (علیه السلام)، وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی: (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَی یقُولُ لِلْعَبْدِ یوْمَ الْقِیامَةِ عَبْدِی أَ کُنْتَ عَالِماً؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَهُ أَ فَلَا عَمِلْتَ بِمَا [ممّا] عَلِمْتَ؟ وَ إِنْ قَالَ کُنْتُ جَاهِلًا قَالَ لَهُ أَ فَلَا تَعَلَّمْتَ حَتَّی تَعْمَلَ فَیخْصِمُهُ وَ ذَلِکَ (الْحُجَّةُ الْبَالِغَة). الأمالی للمفید، ص228، المجلس السادس و العشرون، ح6 و ص292، المجلس الخامس و الثلاثون، ح1؛ الأمالی للطوسی، ص9، المجلس الأول، ح10، و.. و فی فرائد الأصول، ج2، ص413: «یقال للعبد یوم القیامة هل علمت؟ فإن قال نعم، قیل: فهلا عملت؟ و إن قال: لا! قیل له هلا تعلمت حتی تعمل؟».

و هذا الوجه لایختص بموارد الرجوع إلی الأُصول العملیة، بل یعمّ غیرها من موارد الرجوع إلی الأُصول اللفظیة أیضاً ضرورة أنّه لایکون فی الآیات و الروایات ما یوجب اختصاصهما بها.

إیراد بعض الأساطین (دام ظله) علی الدلیل السادس:

((1))

إنّ هذه الآیات و الروایات تختصّ بمن لا حجّة عنده، فالموضوع فیها عدم الحجّة و البحث هنا فی وجوب الفحص و عدم حجیة العامّ قبل الفحص.

یمکن أن یلاحظ علیه:

إنّ المخصّص حجّة و یجب علی المکلّف الفحص عنها بمقتضی الآیات و الروایات، فالمکلّف من حیث عدم اطّلاعه علی المخصّص یعدّ ممّن لا حجّة عنده، و هذا الدلیل یوجب الفحص عنه و تعلّمه.

و لما کان المخصّص یوجب تعنون العامّ فیکون تعیین موضوع حجیة العامّ و العلم به متوقفاً علی العلم بالمخصّص، فلایمکن التمسّک بالعامّ قبل الفحص عنه بل یجب تعلّم موضوع حجیة العامّ قبل العمل به بمقتضی الآیات و

ص: 338


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص322: أنّ تلک الأخبار إنّما یتمسّک بها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص، لا لعدم حجیة العام قبل الفحص، و الاستدلال بها لما نحن فیه مستلزم للدور. لأنّ الخطاب المذکور إنّما یتوجّه إلی من لا حجّة لدیه، فموضوعه عدم الحجّة، فکیف یکون حجّةً علی وجوب الفحص عن المخصص و عدم حجیة العام قبله؟

الروایات فتحصّل من ذلک تمامیة الاستدلال الرابع و الخامس و السادس علی عدم جواز التمسّک بالعامّ قبل الفحص.

ص: 339

الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم

هنا وجوه ثلاثة:((1))

الأوّل: الفحص بمقدار یحصل له العلم الوجدانی بعدم وجود المخصّص.

الثانی: الفحص بمقدار یحصل له الاطمینان بذلک.

الثالث: الفحص بمقدار یحصل له الظنّ بذلک.

أمّا الأوّل: فلا دلیل علیه بل العقلاء لایبنون فی أُمورهم علی حصول العلم الوجدانی مع أنّ حصوله یتوقّف علی الفحص فی جمیع الکتب و جمیع أبوابها و یلزم منه الحرج.

أمّا الثالث: فلا دلیل علیه أیضاً بل الدلیل علی خلافه للعمومات الناهیة عن العمل بالظنّ.

و أمّا الثانی: فهو الصحیح لأنّ الاطمینان حجّة عند العقلاء ولابد من القول بحجیته بالسیرة العقلائیة و العقلاء یکتفون به فی أُمورهم.

ص: 340


1- . مطارح الأنظار (ط ج): ج 2، ص179: اختلف القائلون بوجوب الفحص فی مقداره، فنسب إلی القاضی لزوم تحصیل القطع و الأکثرون علی کفایة الظنّ و احتجّ القاضی: بأنّ القطع ممّا یتیسّر حصوله للمجتهد بالفحص، فلابدّ من تحصیله... و التحقیق فی المقام: أنّه یجب الفحص إلی أن یرتفع ما یقتضی الفحص، و قد عرفت أنّ ما یقتضی الفحص عندهم أمور: فعلی القول باعتبار الظنّ الشخصی و منع حصوله قبل الفحص لابدّ من القول بکفایة الظنّ بعدم المخصّص عند حصول الظنّ بالمراد بعد الفحص، و إن کان ذلک غیر مرضی عندنا، کما نبّهنا علیه. و علی ما اخترنا: من أنّ المانع عن العمل بالعامّ هو العلم الإجمالی و ارتفاعه بالفحص، یظهر أنّ الفحص یفید القطع بعدم المخصّص الذی کان احتماله مانعا من الأخذ بالعموم.

فتحصّل من ذلک أنّه یجب الفحص عن المخصّصات حتی یحصل الاطمینان بعدمها و لایجوز التمسّک بالعامّ قبله.((1))

ص: 341


1- . کما قال النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج 1، ص488: أمّا مقدار الفحص فهل یجب فیه تحصیل القطع أو الاطمئنان أو یکفی فیه مطلق الظن بعدم وجود المخصص فیه وجوه أقواها أوسطها لعدم الدلیل علی جواز الاکتفاء بمطلق الظن و لا علی وجوب تحصیل الزائد علی مرتبة الاطمئنان مضافاً إلی ما فی الإلزام بتحصیل الیقین من العسر و الحرج المنفیین فی الشریعة المقدسة.

ص: 342

الفصل السابع: هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟

اشارة

ص: 343

ص: 344

هل الخطابات الشفاهیة تعمّ الغائبین و المعدومین؟

قال المحقّق الخراسانی (قدس سره):((1)) إنّ النزاع هنا یتصوّر فی ثلاث جهات:

الأولی: فی تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب.

الثانیة: فی إمکان المخاطبة لهما.

الثالثة: فی عموم وضع أدوات الخطاب لهما.

و البحث عن الجهتین الأُولی و الثانیة عقلی و عن الجهة الثالثة لغوی.

ص: 345


1- . کفایة الأصول، ص228: فاعلم أنّه یمکن أن یکون النزاع فی أنّ التکلیف المتکفل له الخطاب هل یصح تعلقه بالمعدومین کما صحّ تعلقه بالموجودین أم لا أو فی صحة المخاطبة معهم بل مع الغائبین عن مجلس الخطاب بالألفاظ الموضوعة للخطاب أو بنفس توجیه الکلام إلیهم و عدم صحتها أو فی عموم الألفاظ الواقعة عقیب أداة الخطاب للغائبین بل المعدومین و عدم عمومها لهما بقرینة تلک الأداة. و فی مطارح الأنظار ج2ص183: هدایة [- إمکان شمول الخطاب للمعدومین علی وجه الحقیقة].الحقّ إمکان شمول الخطاب للمعدومین علی وجه الحقیقة.
الأمر الأوّل: إمکان تعلّق التکلیف بالمعدوم و الغائب
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

((1))

إنّ لجعل التکلیف معنیین:

المعنی الأوّل: أن یکون بمعنی البعث أو الزجر الفعلیین، و جعل التکلیف بهذا المعنی لایعقل ثبوته للمعدومین و الغائبین، ضرورة أنّّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقةً و لایکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة، فإنّ التکلیف الفعلی یقتضی ثبوت موضوعه خارجاً و التفاته إلی التکلیف و إلّا یستحیل فعلیته.

المعنی الثانی: أن یکون بمعنی الطلب الإنشائی، بنحو القضیة الحقیقیة بلا بعث فعلی أو زجر فعلی، فإنّ الإنشاء خفیف المؤونة، فالحکیم تبارک و تعالی ینشئ علی وفق الحکمة و المصلحة طلب شیء قانوناً من الأفراد الموجودین و المعدومین حین الخطاب لیصیر فعلیاً بعد ما وجد الشرائط و فقد الموانع، بلا حاجة إلی إنشاء آخر.

و هذا نظیر مسألة الوقف علی البطون المتأخرة، حیث إنّ المعدوم منهم، یصیر مالکاً للعین الموقوفة بعد وجوده بإنشاء الوقف، فالبطون المعدومة اللاحقة یتلقّی الملکیة من الواقف لا من البطن السابق، و إنشاء الوقف فی حق

ص: 346


1- . کفایة الأصول، ص228: إذا عرفت هذا فلا ریب فی عدم صحة تکلیف المعدوم عقلاً بمعنی بعثه أو زجره فعلا ضرورة أنّه بهذا المعنی یستلزم الطلب منه حقیقة و لایکاد یکون الطلب کذلک إلّا من الموجود ضرورة نعم هو بمعنی مجرّد إنشاء الطلب بلا بعث و لا زجر لا استحالة فیه أصلا فإن الإنشاء خفیف المئونة.

الموجودین یؤثّر فی الملکیة الفعلیة ولایؤثّر فی الملکیة الفعلیة فی حق المعدومین، إلّا أنّه یؤثّر فی حق المعدومین استعداد الملکیة الفعلیة، لأن تصیر ملکاً لهم بعد وجودهم.

الإیراد الأوّل علی ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المعنی الأوّل:

((1))

التکلیف (سواء کان بمعنی الإرادة و الکراهة النفسیتین أم البعث و الزجر الحقیقیین) یمکن تعلّقه بالمعدوم، بناء علی مبناه (قدس سره) من صحّة تعلّق الإرادة و البعث حقیقة بأمر استقبالی، فإنّ إرادة شیء فعلاً ممّن یوجد استقبالاً کإرادة ما لم یمکن فعلاً بل یمکن تحقّقه استقبالاً (و هو الواجب المعلّق الذی بنی صاحب الکفایة (قدس سره) علی إمکانه) فإذا قلنا بجواز تعلّق البعث بالفعل المعدوم فلابدّ أن نقول بجواز تعلّقه بالمکلّف المعدوم. هذا علی ما سلکه صاحب الکفایة (قدس سره) .

أمّا علی ما سلکناه من أنّ حقیقة البعث و الزجر جعل ما یمکن أن یکون باعثاً أو زاجراً بحیث لو انقاد العبد لمولاه انبعث فعلاً ببعثه و انزجر بزجره، فلامحالة لایعقل تعلّقه بالمعدوم فعلاً و إن کان یوجد استقبالاً، إذ لا طرف للبعث فعلاًً حتی یمکن انبعاثه فعلاً فلا بعث حقیقی بل هنا إنشاء البعث.

الإیراد الثانی عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی تنظیر المعنی الثانی:

(2)

الأمر فی الوقف و إن کان کذلک، لکنه لیس لعدم قبول المعدوم للملک، بل لعدم قبول عین واحدة لملکیة الموجود و المعدوم بالاستقلال، و إلّا فالملکیة

ص: 347


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص469.
2- . کفایة الأصول، ص229: و نظیره من غیر الطلب إنشاء التملیک فی الوقف علی البطون فإنّ المعدوم منهم یصیر مالکاً للعین الموقوفة بعد وجوده بإنشائه و یتلقی لها من الواقف بعقده فیؤثر فی حق الموجود منهم الملکیة الفعلیة و لایؤثّر فی حق المعدوم فعلاً إلّا استعدادها لأن تصیر ملکاً له بعد وجوده هذا إذا أنشیء الطلب مطلقاً و أمّا إذا أنشیء مقیداً بوجود المکلّف و وجدانه الشرائط فإمکانه بمکان من الإمکان.

قابلة للتعلّق بالمعدوم مالکاً و مملوکاً، فإنّ الملکیة الحقیقیة و إن کانت من المقولات المحتاجة إلی موضوع موجود، إلّا أنّ الملکیة الشرعیة و العرفیة اعتبار ذلک المعنی لا نفسه، و لذا تتعلّق بالکلّی مع أنّ العرض الحقیقی لایعقل تعلّقه بغیر الموجود فی الخارج.

و علیه فلا مانع من اعتبار الملکیة للمعدوم فعلاً أو اعتبار ملک المعدوم فعلاً إذا دعت المصلحة إلی اعتبارها.((1))

ص: 348


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص471.
الأمر الثانی: إمکان مخاطبة الغائبین و المعدومین
قول المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

لا ریب فی عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقیقة و عدم إمکانه، ضرورة عدم تحقّق توجیه الکلام نحو الغیر حقیقة إلّا إذا کان موجوداً، و کان بحیث یتوجّه إلی الکلام و یلتفت إلیه.

تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المقام:

((2))

إن أرید من الخطاب، الخطاب الحقیقی الذی یکون الداعی إلیه قصد التفهیم، لایمکن توجیهه إلی الغائب بل إلی الحاضر، إذا کان غافلاً فضلاً عن المعدوم.

و إن أُرید الخطاب الإنشائی الذی یکون الداعی إلیه إظهار العجز أو الشوق أو الولاء أو ما شاکل ذلک (کما هو المشاهد فی الصبی کثیراً حینما یخاف أو

ص: 349


1- . کفایة الأصول، ص229. و فی المطارح: اعلم أنّ کلماتهم قد اختلفت فی تحریر العنوان فقال فی المعالم: ما وضع لخطاب المشافهة نحو «یا أیها الناس» و «یا أیها الذین آمنوا» لایعمّ بصیغته من تأخّر عن زمن الخطاب و إنّما یثبت حکمه لهم بدلیل آخر. و ظاهر المثالین- و لو بعد تصرّف فی الثانی بتجریده عن الماضویة، أو بالقول بأنّ المناط اتّصافهم بالإیمان حال وجودهم و تعبیر الماضویة بالنسبة إلیها، کما قیل - اعتبار أن یکون فی تلو أداة الخطاب لفظ شامل للمتأخّر عن زمن الخطاب لو لا المخاطبة فیرجع النزاع إلی أنّ لفظ «الناس» بعده توجیه لغیر المخاطب فی نفسه هل یصلح له بعد الخطاب أیضا لعدم ما یقضی بالتقیید و التخصیص، أو لایصلح لاقتضاء أداة الخطاب ذلک؟ و قال بعض الأجلّة فی فصوله: اختلفوا فی أنّ الألفاظ التی وضعت للخطاب ک «یا أیها الناس» و «یا أیها الذین آمنوا» هل یکون خطابا لغیر الموجودین و یعمّهم بصیغته أو لا؟
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص432.

یضربه شخص، نادی یا أباه، یا أُمّاه، مع أنّه یعلم بأنّ أباه أو أُمّه غیر حاضر عنده، فغرضه من هذا الخطاب إظهار العجز و التظلّم) فتوجیهه إلی المعدوم فضلاً عن الغائب ممکن.

و هناک شق ثالث للخطاب و هو أن یقصد المتکلّم تفهیم المخاطب حینما وصل إلیه الخطاب لا من حین صدوره، کما إذا افترضنا أنّ المخاطب نائم فیکتب المتکلّم و یخاطبه بقوله: «إذا قمت من النوم افعل الفعل الکذائی» أو سجّل خطابه فی شریط ثم یرسله إلی مکان أو بلد آخر، فیکون قصده تفهیمهم من حین وصول الخطاب إلیهم و سماعهم إیاه لا من حین صدوره، فلا مانع من أن یکون المقصود بالتفهیم من الخطابات الواردة فی الکتاب و السنّة جمیع البشر إلی یوم القیامة، یعنی کل من وصلت إلیه تلک الخطابات فهو مقصود بها کما هو کذلک، و کیف ما کان فلا إشکال فی إمکان ذلک أصلاً.

ص: 350

الأمر الثالث: عموم الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائبین و المعدومین
نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إذا قلنا بأنّ الخطابات القرآنیة نزلت علی قلبه (صلی الله علیه و آله) قبل قرائته فلا موضوع عندئذ لهذا النزاع، حیث إنّه لم یکن حال نزولها - علی هذا الفرض - من یتوجّه إلیه الخطاب حقیقة لیقع النزاع فی اختصاصها بالحاضرین فی مجلس الخطاب أو عمومها للغائبین و المعدومین و ذلک هو مقتضی التحقیق فی المقام.

و أمّا إذا قلنا بأنّ تلک الخطابات صدر من الله تعالی بلسان رسوله (صلی الله علیه و آله) إلی أُمّته فیقع النزاع فی أنّ أدوات الخطاب هل هی موضوعة للدلالة علی الخطاب الحقیقی أو الإنشائی.

فإن کانت تلک الأدوات للخطاب الحقیقی فلایمکن شموله للغائبین فضلاً عن المعدومین بل لایمکن شموله للحاضر فی مجلس الخطاب إذا کان غافلاً عنه.

و إن کانت تلک الأدوات للخطاب الإنشائی، فلا مانع من شموله للمعدومین و الغائبین، حیث إنّ مفادها حینئذ إظهار توجیه الکلام نحو مدخولها بداعٍ من الدواعی، فلا مانع عندئذ من شمولها للغائب بل المعدوم بعد فرضه بمنزلة الموجود، کما هو لازم کون القضیة حقیقیة.

ص: 351


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص433 و 434. قال فی المطارح، ج2، ص190: و تحقیق ذلک: أنّ أداة الخطاب إنّما هی موضوعة لأن یخاطب بها، و المخاطبة إنّما تقتضی أن تکون إلی مخاطب یتوجّه إلیه الخطاب، و ذلک لایعقل فی حقّ المعدوم، إلّا بتنزیله منزلة الموجود و ادّعاء أنّه الموجود، و مجرّد ذلک یکفی فی استعمال اللفظ الموضوع للمخاطبة من دون استلزام لتصرّف آخر فی اللفظ باستعماله فی غیر معناه، و هل هذا إلّا مثل استعمال الأسد فی الرجل الشجاع بادّعاء أنّه الحیوان المفترس حقیقة؟

و الظاهر أنّها موضوعة للدلالة علی الخطاب الإنشائی لوجهین:

الوجه الأوّل: أنّ المتفاهم العرفی من أدوات الخطاب هو الخطاب الإنشائی.

الوجه الثانی: أنّ لازم القول بوضعها للخطاب الحقیقی فی موارد استعمالاتها فی الخطابات الشرعیة هو اختصاص تلک الخطابات بالحاضرین فی مجلس التخاطب و عدم شمولها للغائبین فضلاً عن المعدومین و هذا ممّا نقطع بعدمه

فلا مناص من الالتزام باستعمالها فی الخطاب الإنشائی و لو کان ذلک بالعنایة.

فتحصّل من ذلک: أنّ الحق فی الجهة الأُولی هو أنّ جعل التکلیف بمعنی البعث الفعلی أو الزجر الفعلی، لایتعلق بالمعدوم علی مبنی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و هو المختار.

و أمّا المخاطبة للغائبین و المعدومین ففیه ثلاثة وجوه و قلنا بجواز المخاطبة لهما علی الوجه الثانی و الثالث و الخطابات الشرعیة من قبیل الوجه الثالث.

و أمّا وضع أدوات الخطاب للأعم منهما فلا إشکال فیه، لأنّها موضوعة للخطاب الإنشائی مع أنّا فی غنی من هذا البحث لنزول حقیقة القرآن علی قلب النبی الأکرم (صلی الله علیه و آله) قبل نزول ألفاظه.

ص: 352

التنبیه الأوّل: فی تفصیل أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الخطاب فی القضایا الحقیقیة یشمل المعدومین فضلاً عن الغائبین حیث إنّ الموضوع فیها مفروض الوجود و أمّا فی القضایا الخارجیة فالخطاب یختصّ بالمشافهین فإنّ عمومه للغائبین فضلاً عن المعدومین یحتاج إلی عنایة زائدة.

استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ ذلک لایتمّ، فإنّ کون القضیة حقیقیة و إن کان یقتضی بنفسه فرض الموضوع فیها موجوداً إلّا أنّ مجرد ذلک لایکفی فی شمول الخطاب للمعدومین؛ ضرورة أنّ صرف وجود الموضوع خارجاً لایکفی فی توجیه الخطاب إلیه بل لابدّ من فرض وجوده فی مجلس التخاطب و التفاته إلی الخطاب.

و الجواب صحیح إلّا أنّ قوله «التفاته إلی الخطاب» لا وجه له، بل یکفی التفات المتکلم إلیه فی مجلس الخطاب.

ص: 353


1- . ذهب المحقّق النائینی (قدس سره) إلی التفصیل بین القضایا الخارجیة فتختصّ بالمشافهین، لأنّ عموم الخطاب فیها للغائبین- فضلاً عن المعدومین- یحتاج إلی عنایة زائدة، و بین القضایا الحقیقیة فتعمّ المعدومین فضلا عن الغائبین، لأنّ توجیه الخطاب إلیهم لایحتاج إلی أزید من تنزیلهم منزلة الموجودین الّذی هو المقوّم لکون القضیة حقیقیة. فوائد الأصول، ج2، ص550. و أورد علیه السید المحقّق الخوئی (قدس سره) - تبعا للمحقّق الاصفهانی (قدس سره) - بأنّه لایکفی فی شمول الخطاب للمعدوم و الغائب تنزیلهم منزلة الموجود، بل لابدّ من تنزیلهم منزلة الحاضر فی مجلس التخاطب، و هو أمر زائد علی مقتضی القضیة الحقیقیة، فینفیه الأصل مع عدم الدلیل علیه. راجع نهایة الدرایة، ج1، ص652- 653؛ أجود التقریرات، ج2، ص367.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص434.
التنبیه الثانی: ثمرة البحث

قیل: إنّ للبحث ثمرتین:((1))

الثمرة الأُولی: حجیة ظهور خطابات الکتاب للمعدومین کالمشافهین.((2))

الثمره الثانیة: صحّه التمسّک بإطلاقات الخطابات القرآنیة بناء علی التعمیم، لثبوت الأحکام لمن وجد و بلغ من المعدومین.((3))

و بعد اختیار تعمیم الخطاب إلیهم و وضع الأدوات للأعمّ منهم لاینفعنا البحث عن ترتّب الثمرة أو عدمه.

ص: 354


1- . قال فی المطارح، ج2، ص194: ذکر بعضهم: أنّ الغرض من هذه المسألة و ذکرها بیان الحقّ فیها، فلا یترتّب علیها أثر عملی، إذ الظاهر تحقّق الإجماع علی مساواة جمیع الامّة فی الحکم (الوافیة: 134). و اعترض علیه بعض المحقّقین (المناهج: 91) بأنّه غفلة، لوجود الثمرة فی مقامین.
2- . المحقّق القمی فی قوانین الأصول، ج1، ص233.
3- . نسبها السید القزوینی (فی حواشیه علی قوانین الأصول، ج1، ص233) إلی العلّامة البهبهانی.

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

اشارة

ص: 355

ص: 356

تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

إنّ العامّ إذا تعقّب بضمیر یرجع إلی بعض أفراده، فهل یوجب تخصیص العامّ به أو لا؟((1))

مثال ذلک الآیة الشریفة: (وَ الْمُطَلَّقاتُ یتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْیوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ

ص: 357


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص205: هدایة [- تعقّب العام بضمیر یرجع إلی بعض أفراده] إذا تعقّب العامّ ضمیر یرجع إلی بعض ما یتناوله فذلک لایوجب تخصیص العامّ، وفاقا لجماعة من المحقّقین، منهم الشیخ و العلّامة فی أحد قولیه و الحاجبی. و ذهب جماعة إلی تخصیصه و أخری إلی التوقّف مثاله قوله تعالی: (وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) حیث إنّ الضمیر فی «بعولتهنّ» راجع إلی بعض المطلّقات و هی الرجعیات. و محلّ الکلام فی المقام هو ما إذا کان الحکم الثابت للضمیر مغایرا للحکم الثابت لنفس المرجع، سواء کان الحکمان واحداً و فی کلام واحد کقولک: «أکرم العلماء واحدا منهم» إذا فرض عود الضمیر لعدولهم، أو متعدّداً و فی کلامین کما فی الآیة المبارکة، حیث إنّ حکم العامّ وجوب التربّص، و حکم الضمیر أحقّیة الزوج بالرجوع و الردّ. و راجع العدّة فی أصول الفقه ج1،ص384، الإحکام (للآمدی) ج2، ص336، الفصول الغرویة، ص211، مطارح الأنظار، ط ق207، فوائد الاصول ج2، ص552- 663، نهایة الأفکار، ج2، ص545- 546؛ مناهج الوصول، ج2، ص294.

أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)((1)) فإنّ (الْمُطَلَّقاتُ) أعمّ من المطلقّة الرجعیة و البائنة، و أمّا قوله تعالی: (بُعُولَتُهُنَّ) فإنّما یراد منه خصوص المطلّقة الرجعیة بقرینة مناسبة الحکم و الموضوع، لأنّ الحکم هنا هو أحقّیة بعولتهنّ بالرجوع و ذلک لایکون إلّا فی الرجعیة و محلّ الخلاف ما إذا وقعا فی کلامین أو فی کلام واحد مع استقلال العامّ بما حکم علیه فی الکلام و أمّا إذا لم یکن العامّ مستقلاً بالحکم مثل: «المطلقات أزواجهنّ أحقّ بردّهن» فلا شبهة فی تخصیصه به.

ص: 358


1- . سورة البقرة(2):228.
أقوال فی المسألة
اشارة

((1))

القول الأوّل:
اشارة

تجری أصالة العموم فی ناحیة العامّ و یلتزم باستخدام الضمیر و هذا هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) (علی ما استظهر بعض الأساطین (دام ظله) من عبارته عند استدراکه فی آخر کلامه) و أیضاً هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)).

استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأوّل:

(3)

إنّ أصالة الظهور فی ناحیة العامّ سالمة عن أصالة الظهور فی ناحیة الضمیر و بعبارة أوضح إنّ أصالة العموم لاتعارضها أصالة عدم الاستخدام. و ذلک لأنّ

ص: 359


1- . فی المسألة ثلاثة أقوال: رجوعه إلی الکل و نسبه السید المرتضی إلی مذهب الشافعی و أصحابه. الذریعة إلی أصول الشریعة، ج1، ص249، راجع المعتمد فی أصول الفقه، ج1، ص245، و شرح المختصر للعضدی، ج1 ص260. و رجوعه إلی خصوص الأخیرة و نسب هذا إلی أبی حنیفة. و الثالث أنّه لا ظهور له کما فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج1، ص249. و للعلامة فی هذا المجال قولان: اختار التخصیص فی «النهایة» و نقله فی «المعالم»، ص302، و فی «الزبدة»، ص142 و أنکره القاضی کما فی «المعارج»: ص100، و منعه الشیخ و الحاجبی کما عن «الزبدة»: ص141، و «العدة»: ج1، ص385، و الآمدی فی «الإحکام»: ج1، ص466 و البیضاوی فی «المنهاج» و حکی المحقق عن الشیخ إنکار ذلک و هو قول جماعة من العامة و اختار هو التوقف، و وافقه العلّامة فی «التهذیب» و هو مذهب المرتضی أیضاً عن «المعالم» و هو الأقرب عنده کما فی «المعالم»: ص302، و الشیخ البهائی فی «الزبدة»: ص142 قال: و المرتضی و المحقق بالوقف و هو أسلم.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص369.
3- . کفایة الأصول، ص233: و التحقیق أن یقال إنّه حیث دار الأمر بین التصرف فی العام بإرادة خصوص ما أرید من الضمیر الراجع إلیه أو التصرف فی ناحیة الضمیر إما بإرجاعه إلی بعض ما هو المراد من مرجعه أو إلی تمامه مع التوسع فی الإسناد بإسناد الحکم المسند إلی البعض حقیقة و إلی الکل توسعا و تجوزا کانت أصالة الظهور فی طرف العام سالمة عنها فی جانب الضمیر و ذلک لأنّ المتیقن من بناء العقلاء هو اتباع الظهور فی تعیین المراد لا فی تعیین کیفیة الاستعمال و أنّه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإسناد مع القطع بما یراد کما هو الحال فی ناحیة الضمیر. و بالجملة أصالة الظهور إنّما یکون حجة فیما إذا شک فیما أرید لا فیما إذا شک فی أنّه کیف أرید فافهم لکنّه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم بأن لایعد ما اشتمل علی الضمیر ممّا یکتنف به عرفا و إلّا فیحکم علیه بالإجمال و یرجع إلی ما یقتضیه الأصول إلّا أن یقال باعتبار أصالة الحقیقة تعبداً حتی فیما إذا احتف بالکلام ما لایکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعض الفحول. و قال السید البروجردی فی نهایة الأصول، ص358: بالجملة المراد فی ناحیة الضمیر معلوم، و الشک إنّما هو فی کیفیة استعماله، و أنّه بنحو الحقیقة أو المجاز، و هذا الشک مسبب عن الشک فیما أرید من العام، و قد حقّق فی محله أنّ الأصل یجری فی السبب، و لایعارضه الأصل المسببی، و إنّما یرتفع الشک فی ناحیته قهرا بإجراء الأصل السببی ... و الذی یقتضیه التحقیق فی المسألة هو أن یقال: إنّ هنا احتمالا آخر غیر ما ذکره فی الکفایة من الوجوه الثلاثة، و هو أنّک قد عرفت أنّ العام یستعمل دائماً فی العموم، غایة الأمر أنّ الإرادة الجدیة قد تطابق الإرادة الاستعمالیة، فیکون المراد الجدی أیضاً هو العموم، و قد تخالفها فیکون الخصوص مراداً جدیاً، و بناء العقلاء علی الحکم بتطابق الإرادتین دائماً ما لم تثبت إرادة الخصوص، ففیما نحن فیه یکون کل واحد من العام و الضمیر الراجع إلیه مستعملا فی العموم، و یکون الاستعمال فی کلیهما بنحو الحقیقة، غایة الأمر: أنّه قد ثبت بالدلیل الخارجی أنّ المراد الجدی فی ناحیة الضمیر هو الخصوص فیحمل علیه، و لا دلیل علی تخالف الإرادتین فی ناحیة العام، فالأصل العقلائی الحاکم بتطابق الإرادتین هو المحکم فی ناحیته، و رفع الید عن أصالة التطابق فی ناحیة الضمیر لایوجب رفع الید عنها فی ناحیته، فتأمّل جیداً.

القدر المتیقّن من بناء العقلاء هو اتّباع الظهور فی تعیین المراد، لا فی تعیین کیفیة الاستعمال و أنّه علی نحو الحقیقة أو المجاز فی الکلمة أو الإسناد مع القطع بما یراد، کما هو الحال فی ناحیة الضمیر.

و بالجملة أصالة الظهور إنّما تکون حجّة فیما إذا شکّ فیما أُرید، لا فیما إذا شک فی أنّه کیف أُرید.

ص: 360

هذا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء کلامه و هو ظاهر فی القول الأوّل.

إیراد ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) علی هذا الاستدلال:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عدل عن ذلک البیان و استشکل علی جریان أصالة العموم فقال: «لکنّه إذا انعقد للکلام ظهور فی العموم بأن لایعدّ ما اشتمل علی الضمیر ممّا یکتنف به عرفاً و إلّا فیحکم علیه بالإجمال و یرجع إلی ما یقتضیه الأُصول العملیة» و حاصله أنّ الکلام محتفّ بما یصلح للقرینیة و معه لاتجری أصالة العموم.

ثم استدرک عنه علی مبنی بعض الفحول (و هو صاحب الفصول (قدس سره) أو صاحب هدایة المسترشدین (قدس سره)) فقال: إلّا أن یقال باعتبار أصالة الحقیقة تعبّداً حتّی فیما إذا احتفّ بالکلام ما لایکون ظاهراً معه فی معناه الحقیقی کما عن بعض الفحول.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) حیث یری أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یثبت عنده مبنی بعض الفحول فأسند إلیه القول الثالث و هو عدم جریان أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام و کون المرجع الأصل العملی.

و الحق مع المحقّق الخوئی (قدس سره) . کما سیأتی فی المباحث الآتیة عدم التزام صاحب الکفایة (قدس سره) بمبنی بعض الفحول.((1))

ص: 361


1- . یحتمل أن یکون هو صاحب الفصول فإنّه بعد ما رجح الاستخدام علی تخصیص العام (قال ما لفظه): فلا أقل من الشک فی تحقّق التکافؤ و هو لایکفی فی صرف ما ثبت عمومه عن العموم بل لابدّ من ثبوت الصارف (و حاصله): إنّ مع احتمال التکافؤ بین التصرفین و عدم إحراز ظهور العالم فی العموم نأخذ بعمومه إلی أن یثبت الصارف عنه و هو عین العمل باصالة الحقیقة تعبدا و إن لم یکن هناک ظهور عرفا و لکنه تنظر فیه أخیرا بقوله و فی هذا نظر و هو فی محله. راجع عنایة الأصول، ج2، ص314. و قیل فی البدایة فی توضیح الکفایة، ج2، ص463: قال بهذه المقالة صاحب الحاشیة علی المعالم قدّس سرّه و هو أخ لصاحب الفصول. و فی دروس فی الکفایة، ج 3، ص379 المراد من بعض الفحول هو صاحب الفصول أو الحاشیة. و أیضا فی منتهی الدرایة فی توضیح الکفایة، ج 3، ص620 الفصول، ص212.
جواب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

إنّه أجاب عمّا أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة.((1))

قال (قدس سره): بقی الکلام فیما توهّم من عدم جریان أصالة العموم فی المقام لتوهم أنّه من قبیل اکتناف الکلام بما یصلح للقرینیة.

و التحقیق فساد هذا التوهّم، لأنّ الملاک فی باب اکتناف الکلام بما یصلح للقرینیة، إنّما هو اشتمال الکلام علی لفظ مجمل من حیث المفهوم الإفرادی أو الترکیبی بحیث لو اتّکل علیه المولی فی مقام بیان مراده لما کان مخلاً بمراده.

و أمّا فی المقام فلا ریب فی أنّ الجملة المشتملة علی الضمیر، إنّما هی متکفّلة ببیان حکم آخر غیر الحکم الذی تکفّلت ببیانه الجملة المشتملة علی العامّ.

فلو کان المولی أراد من العامّ خصوص بعض أفراده و اتّکل فی بیان ذلک علی العلم بإرادة ذلک الخاصّ فی الجملة الأُخری لکان مخلاً ببیانه.

و علیه لایصلح ذلک لکونه قرینة علی إرادة الخاصّ، فتبقی أصالة العموم حینئذ بلا مزاحم.

فتحصل من ذلک: أنّ احتفاف الکلام المشتمل علی العامّ بما یصلح للقرینیة

ص: 362


1- . أجود التقریرات، ج2، ص374.

یوجب إجمال العامّ فلاتجری أصالة العموم و هذا الکبری ممّا نقطع به خلافاً لبعض الفحول.

و لکن لاینطبق هذا الکبری فی المقام کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)، فما أفاده بعض الفحول إشکال کبروی و لکن لم یثبت الإشکال الکبروی علی ذلک و لذا لانسلّم مبنی بعض الفحول و أمّا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) إشکال صغروی و هو فی غایة المتانة.

دلیل آخر علی القول الأوّل:

((1))

لا مجال هنا لاستخدام الضمیر، لأنّ الضمیر استعمل فی العموم أیضاً، و هو «المطلّقات» لا «الرجعیات» و إنّما أُرید «الرجعیات» بدالّ آخر و هو عقد الحمل (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)((2)) حیث إنّ هذا الحکم یناسب «الرجعیات» فالضمیر قد استعمل فیما استعمل فیه مرجعه.

تذییل المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)

((3)):

ما أفاده من کون الضمیر مستعملاً فی العموم صحیح و لکن ما أفاده من أنّ ما دلّ علی اختصاص الحکم ب- «الرجعیات» هو عقد الحمل فی الآیة المبارکة أعنی به قوله تعالی (أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ)، فلایصحّ.

و ذلک لوضوح أنّ المستفاد من الآیة المبارکة هو ثبوت الحکم المذکور فیها

ص: 363


1- . أفاده المحقّق النائینی (قدس سره): أجود التقریرات، ج2، ص372.
2- . سورة البقرة(2):228.
3- . حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص373.

لجمیع المطلّقات و عدم اختصاصه بقسم خاص منها، فلیس فی الآیة المبارکة ما یدلّ علی عدم ثبوت هذا الحکم لبعض المطلّقات و إنّما ثبت ذلک بدلیل خارجی.

ملاحظة علی هذا الاستدلال:

ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی هذا الدلیل و إن کان صحیحاً، إلّا أنّه لیس دلیلاً علی القول الأوّل بل هو إشکال علی انطباق هذه المسألة علی الآیة الشریفة، فعدّ ذلک من أدّلة البحث ممنوع.

نعم ذلک لایوجب خروج الآیة عن محلّ النزاع بل النزاع یجری أیضاً بنحو آخر و هو أنّ الضمیر إذا أُرید منه بعض أفراد العامّ لقیام الدلیل الخارجی علی ذلک فهل یوجب تقیید المراد الواقعی الجدّی فی المرجع بما هو مفاد المراد الجدّی من الضمیر أو لا؟

ثمّ إنّه إذا ناقشنا فی التمثیل بالآیة لابدّ أن نأتی بمثال آخر یکون الدلیل علی استعمال الضمیر فی بعض الأفراد داخلاً فی نفس الدلیل مثل قولهم «أکرم العلماء و اکتب فقههم».

فالحق فی الاستدلال علی القول الأوّل هو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی ابتداء البحث، و أمّا إشکال احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة فممنوع لما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) .

القول الثانی:
اشارة

تجری أصالة عدم الاستخدام فی ناحیة الضمیر، فیتصرّف فی العامّ فیلتزم بتخصیصه و إرادة خصوص ما أُرید من الضمیر، من العامّ أیضاً و هذا هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 364

دلیل القول الثانی:

((1))

الظاهر بحسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف فی أمثال المقام هو جریان أصالة عدم الاستخدام و تقدیمها علی أصالة العموم.

أمّا وجه جریان أصالة عدم الاستخدام: فهو أنّ المراد من الضمیر و إن کان معلوماً، إلّا أنّ من یدّعی جریان أصالة عدم الاستخدام لایدّعی ظهور نفس الضمیر فی إرادة شیء، بل إنّما یدّعی ظهور الکلام بسیاقه فی اتحاد المراد من الضمیر و ما یرجع إلیه، یعنی ظهور الضمیر فی رجوعه إلی عین ما ذکر أوّلاً، لا إلی غیر ما أُرید منه و حیث إنّ المراد بالضمیر فی مورد الکلام معلوم، فبطبیعة الحال یدور الأمر بین رفع الید عن الظهور السیاقی الذی مردّه إلی إرادة العموم من العامّ و رفع الید عن العموم الذی یقتضی الالتزام بالاستخدام أو رفع الید عن أصالة عدم الاستخدام و التمسّک بالعموم.

و أمّا وجه تقدیم أصالة عدم الاستخدام: فهو أنّ الظاهر بحسب ما هو المرتکز فی أذهان العرف فی أمثال المقام هو تقدیم أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن

ص: 365


1- . و هو ما أفاده المحقّق الخوئی: المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص446 و أشکل علیه بعض الأساطین: صحیحٌ أنّ الموضوع لکلٍّ من أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام متحقّق یقتضی جریانه فی المقام، إلّا أنّ کلّاً من الأصلین المذکورین تعلیقی و لیس بتنجیزی، لأنّ أصالة العموم معلقة ذاتاً علی عدم القرینة، و أصالة عدم الاستخدام- و هو الظهور السیاقی للکلام- معلّقة علی عدم القرینة، فکما یمکن أن یکون الظهور السیاقی قرینة علی سقوط أصالة العموم، کذلک یمکن أن تکون أصالة العموم قرینة علی سقوط الظهور السیاقی. و أمّا دعوی قیام القرینة من جهة المرتکز العرفی لتقدم أصالة عدم الاستخدام، فعهدتها علی مدّعیها، بل إنّ طبع المطلب کون الظهور السیاقی أضعف من الظهور اللّفظی الوضعی، نعم، قد یتقدّم الظهور السیاقی کما فی مثاله المذکور، لکنْ لیس الأمر کذلک فی جمیع الموارد. تحقیق الأصول، ج4، ص340

أصالة العموم، بل الأمر کذلک بنظرهم حتّی فیما إذا دار الأمر بین رفع الید عن أصالة عدم الاستخدام و رفع الید عن ظهور اللفظ فی کون المعنی المراد به المعنی الحقیقی، یعنی یلزم فی مثل ذلک أیضاً رفع الید عن ظهور اللفظ فی إرادة المعنی الحقیقی و حمله علی إرادة المعنی المجازی، مثلاً فی مثل قولنا «رأیت أسداً و ضربته» یتعین حمله علی إرادة المعنی المجازی و هو الرجل الشجاع، إذا علم أنّه المراد بالضمیر الراجع إلیه.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: یوجد الفرق بین أصالة عدم الاستخدام و بین الظهور السیاقی للکلام فی اتحاد المراد بالضمیر و المراد بمرجعه فإنّ أصالة عدم الاستخدام تجری بالنسبة إلی الضمیر و هو من أجزاء الکلام، أمّا الظهور السیاقی فهو ظهور الکلام من جهة ارتباط بعض أجزائه بالبعض و جریان أصالة عدم الاستخدام إنّما هو للکشف عن المراد بالنسبة إلی الضمیر إذا شککنا فیه، ولا مجری لهذا الأصل فیما إذا کان المراد من الضمیر معلوماً.

و لو سلّم جریانه هنا مع معلومیة المراد من الضمیر فهو غیر الظهور السیاقی للکلام.

نعم بعد جریان أصالة عدم الاستخدام، فإذا علمنا بأنّ المراد من الضمیر هو الخاصّ فالظهور السیاقی یقتضی التطابق بین الضمیر و مرجعه فیکون المراد من مرجع الضمیر أیضاً هو المعنی الخاصّ، فأصالة عدم الاستخدام محقِّقة لموضوع الظهور السیاقی.

ثانیاً: إنّ أصالة العموم عند العقلاء توجب الظهور اللفظی بالوضع و هو أقوی من الظهور السیاقی الذی یتحقّق موضوعه بجریان أصالة عدم

ص: 366

الاستخدام، فعلی هذا لو قلنا بجریان أصالة عدم الاستخدام و معارضته لأصالة العموم فالمقدَّم هو أصالة العموم لأنّه الأقوی و العقلاء لایرفعون الید عن أصالة العموم إلّا بوجود المخصّص و الضمیر لایعدّ عند العقلاء مخصّصاً بل هو قرینة بغیر لسان التخصیص.

فتحصّل من ذلک:

أوّلاً: لاتجری أصالة عدم الاستخدام لأنّ الأصل اللفظی یجری فیما إذا شک فی المراد و أمّا إذا علمنا المراد الواقعی فلا مجری للأصل اللفظی.

ثانیاً: لو قلنا بجریان أصالة عدم الاستخدام و معارضته لأصالة العموم فالتقدیم مع أصالة العموم لأنّه الأقوی.

القول الثالث:
اشارة

تتعارض الأصلان، لأنّ أصالة العموم و أصالة عدم الاستخدام کلاهما تعلیقی لاتنجیزی فیتعارضان و یتساقطان فلابدّ من الرجوع إلی الأصل العملی و هذا القول قد نسب إلی المحقّق الخراسانی (قدس سره) (کما فی المحاضرات).

و بعض الأساطین (دام ظله) اختار هذا القول الثالث((1)).

دلیل القول الثالث:

إنّ أصالة العموم تعلیقی لاتنجیزی، کما أنّ أصالة عدم الاستخدام أیضاً تعلیقی فهما تجریان فیما إذا لم یقم قرینة علی الخلاف و کلاهما محفوف بما یحتمل

ص: 367


1- ­[1]. تحقیق الأصول، ج4، ص341.

قرینیته، و الأصلان کل منهما یعارض الآخر فیتساقطان فلابد من الرجوع إلی الأصل العملی.

یلاحظ علیه:

إنّه قد تقدّم ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) من أنّ الضمیر لایصلح أن یکون قرینة علی إرادة الخاصّ من العامّ، فأصالة العموم فی هذا المقام غیر محفوف بما یصلح أن یکون قرینة علی إرادة الخاصّ، فلایکون فی المقام ما یمنع و یزاحم جریان أصالة العموم.

أمّا أصالة عدم الاستخدام فلا مجری لجریانه، لأنّها تجری فیما إذا شک فی المعنی المراد و هنا لا نشک فی إرادة بعض أفراد العامّ من الضمیر.

فتحصّل من ذلک: أنّ الحق هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و قد تقدّم بیانه (فی ابتداء بیان نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)) و أمّا القول الثانی و هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فلایمکن الالتزام به، لأنّ أصالة عدم الاستخدام لا مجری لها هنا و القول الثالث و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) (علی ما هو التحقیق) و بعض الأساطین (دام ظله) فلانلتزم به أیضاً.

ص: 368


1- . أجود التقریرات، ج2، ص374.

الفصل التاسع: تعارض المفهوم و العموم

اشارة

ص: 369

ص: 370

تعارض المفهوم و العموم

و قبل الورود فی البحث نتعرّض لمقدّمة أفادها المحقّق النائینی (قدس سره) .((1))

المقدّمة: بیان المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

إنّ المفهوم إمّا المفهوم الموافق و إمّا المفهوم المخالف.

و المفهوم الموافق هو ما إذا توافق المفهوم و المنطوق فی الإیجاب و السلب.

و المفهوم المخالف هو ما إذا تخالف المفهوم و المنطوق فی ذلک.

و المفهوم الموافق ینقسم إلی أربعه أقسام:

القسم الأوّل: المفهوم الموافق بالأولویة العقلیة.

القسم الثانی: المفهوم الموافق بالأولویة العرفیة.

القسم الثالث: المفهوم الموافق بالمواساة مع حصول المناط القطعی للحکم.

القسم الرابع: المفهوم الموافق بالمواساة مع عدم حصول المناط القطعی.

ص: 371


1- . أجود التقریرات، ج2، ص379.

أمّا المفهوم الموافق بالأولویة العقلیة فإنّما یتحقّق فیما إذا کانت الأولویة من المدرکات العقلیة.

و المفهوم الموافق بالأولویة العرفیة مثل قوله تعالی: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)((1)) الدالّ علی حرمة ضربهما مثلاً بالدلالة العرفیة، فالمدلول فیه خارج عن المفهوم و داخل فی المدالیل اللفظیة العرفیة.

و المفهوم الموافق بالمواساة مع حصول المناط القطعی للحکم فهو یتحقّق فیما إذا کانت علة الحکم منصوصة، بأن کانت العلّة المذکورة فیه واسطة فی العروض لثبوت الحکم للموضوع المذکور فی القضیة، بأن یکون الموضوع الحقیقی هو العنوان المذکور فی التعلیل کما فی قضیة «لاتشرب الخمر لأنّه مسکر» فیسری الحکم إلی کل مسکر.

و المفهوم الموافق بالمواساة مع عدم حصول المناط القطعی للحکم فهو یتحقّق فیما إذا کانت العلّة المذکورة واسطة فی الثبوت و من قبیل دواعی جعل الحکم علی موضوعه، من دون أن تکون هو الموضوع فی الحقیقة کما فی قضیة «لاتشرب الخمر لإسکاره» فإنّها ظاهرة فی أنّ موضوع الحرمة فیها إنّما هو نفس الخمر، غایة الأمر أنّ الداعی إلی جعل الحرمة علیها إنّما هو إسکارها، فلایسری الحکم إلی غیر الموضوع المذکور فی القضیة ممّا یشترک معه فی العلّة المذکورة فیها إذ یحتمل حینئذ أن تکون فی خصوص العلّة المذکورة فی القضیة خصوصیة داعیة إلی جعل الحکم علی الموضوع المذکور فیها، فإذا احتمل أنّ فی خصوص إسکار الخمر مثلاً خصوصیة داعیة إلی جعل الحرمة علیها، لم تکن تلک الخصوصیة فی إسکار شیء آخر فلایمکن الحکم بحرمة شیء آخر لإسکاره.

ص: 372


1- . سورة الإسراء(17): 23 .
إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علیه

((1)):

إنّ وسائط الثبوت فی المقام علی ثلاثة أنحاء:

النحوالأوّل: السبب الفاعلی للحکم -و هو الشارع- و هو أجنبی عما نحن فیه.

النحو الثانی: شرط تأثیر المصلحة و المفسدة.

و الشرط بمعنی مصحّح فاعلیة الفاعل، من تصوّره و تصدیقه و قدرته و إرادته، لایتفاوت فی لزومه مورد عن مورد و الشرط بمعنی متمّم قابلیة القابل لتعلّق الحکم به أمر معقول یختلف الموارد بالإضافة إلیه و من الواضح أنّ مجرد وجود الشرط بهذا المعنی فی مورد لایقتضی سرایة الحکم إلیه بل اللازم وجود ذات القابل التی هی بمنزلة المقتضی لتلک المصلحة المنوط فعلیتها بالشرط.

النحو الثالث: العلّة الغائیة، فمع فرض ترتّبها علی مورد آخر فلامحالة یترتبّ علیها معلولها، بداهة أنّ المعلول لاینفک من علّته التامّة، و المفروض أنّ الإسکار (بما هو) علّة غائیة، أو لازم مساوٍ لها.

فالغرض من إخراج الواسطة فی الثبوت هنا إن کان مثل الشرط فهو صحیح و إن کان مثل العلّة الغائیة فهو غیر صحیح.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما):

إنّه فرق بین قوله «لاتشرب الخمر لأنّه مسکر» و قوله «لاتشرب الخمر

ص: 373


1- . هامش نهایة الدرایة، ج2، ص478؛ و تبعه فی ذلک المحقّق الخوئی و أضاف قد تبعه السید الخوئی فی هامش الأجود، ج2، ص380 و أضاف: بأنّ عدم الفرق بین «لأنّه مسکر» و «لإسکاره» فی أنّ تمام الموضوع للحکم هو الإسکار و لا موضوعیة للخمر، هو المتفاهم عند أهل العرف، فمقتضی القاعدة هو التعمیم فی کلا الموردین.

لإسکاره»، فإنّ «المسکر» عنوان کلی ینطبق علی الخمر و یمکن أن ینطبق علی أمر آخر و أمّا إسکاره فلاینطبق علی غیر الخمر لأنّ العلة الغائیة فیه لیس هو الإسکار مطلقاً بل الإسکار المضاف إلی الخمر، فیمکن أن یکون للإسکار المضاف إلی الخمر خصوصیة فی المقام. ((1))

ولابدّ من ذکر مثال لتوضیح ذلک:

إذا قال المولی: «لاتجالس زیداً الجاهل لسوء خلقه» فلایدلّ ذلک علی عدم جواز الجلوس مع عمرو العالم السیء الخلق، و ذلک لاحتمال أن یکون العلّة الغائیة سوء الخلق المضاف إلی زید الجاهل، لخصوصیة فی ذلک و هو جهله أمّا العالم و إن کان خلقه سیئاً و لکن لا إشکال فی الجلوس معه لیستفید من علمه.

یلاحظه علیه:

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الواسطة فی الثبوت التی تذکر فی تعلیل الحکم فی الأدلّة الشرعیة علی قسمین:

أحدهما الشرط بمعنی متمّم قابلیة القابل و ثانیهما العلة الغائیة و قد غفل عن ذلک المحقّق النائینی (قدس سره) .

ثم قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی مقام التطبیق علی المثال أنّ قضیة «لاتشرب الخمر لإسکاره» لیس من قبیل الشرط بل هو من قبیل العلّة الغائیة و قد أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2)) بأنّ العرف لایشک فی أنّ المستفاد من قوله (علیه السلام):«إِنَّ اللَّهَ عَزَّ

ص: 374


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص344.
2- . هامش أجود التقریرات، ج2، ص380 و أیضاً فی المحاضرات (ط.ج): ج 4، ص452.

وَجَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا»((1)) هو أنّ الإسکار علّة غائیة(لأنّ عاقبة الخمر إسکاره).

فلنرجع إلی أصل البحث.

ص: 375


1- . محمد بن یعقوب عن محمد بن یحیی عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علی بن یقطین عن أخیه الحسین عن أبیه علی بن یقطین عن أبی الحسن الماضی (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا فَمَا کَانَ عَاقِبَتُهُ عَاقِبَةَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْر. (و رواه الشیخ بإسناده عن أحمد بن محمد مثله). الوسائل، ج25، ص342، الباب19 من أبواب الأشربة المحرمة، ح1. أیضاً: عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زیاد عن الحسن بن علی بن یقطین عن یعقوب بن یقطین عن أخیه علی بن یقطین عن أبی إبراهیم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا فَمَا فَعَلَ فِعْلَ الْخَمْرِ فَهُوَ خَمْرٌ. الوسائل، ج25، ص343، الباب19 من أبواب الأشربة المحرمة، ح2.
هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف؟
اشارة

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) قال:((1)) إنّهم اتّفقوا علی جواز تخصیص العامّ بالمفهوم الموافق((2)) و ذلک مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((3)) حیث إنّه بعمومه یشمل کلّ عقد و قد ورد دلیل آخر یدلّ علی اعتبار الماضویة فی صیغة العقد و هذا الدلیل بالأولویة یدلّ علی اعتبار العربیة فی صیغة العقد علی الفرض، و هذا المفهوم الموافق بالأولویة یخصّص عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و یدلّ علی بطلان العقد بصیغة المضارع من لسان آخر، و هذا ممّا لا خلاف فیه.

لکنهم اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف:

و مثال ذلک «الماء کله طاهر» فإنّه عامّ و قد ورد فی دلیل آخر «الماء إذا بلغ قدر کرّ لم ینجّسه شیء» فهذا الدلیل بمفهومه یدلّ علی أنّ الماء إذا لم یبلغ قدر کرّ ینجّسه بعض الأشیاء و العامّ یخصّص بهذا المفهوم المخالف.

و أیضاً مثل قوله تعالی (إِنَّ الظَّنَّ لا یغْنی مِنَ الْحَقِّ شَیئاً)((4)) و قد ورد فی آیة

ص: 376


1- . کفایة الأصول، ص233: فصل قد اختلفوا فی جواز التخصیص بالمفهوم المخالف مع الاتفاق علی الجواز بالمفهوم الموافق علی قولین و قد استدل لکل منهما بما لایخلو عن قصور.و تحقیق المقام... .
2- .مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص213. هدایة [- تخصیص العام بمفهوم الموافقة و بلحن الخطاب] لا کلام فی تخصیص العامّ بمفهوم الموافقة الراجع إلی دلالة اللفظ بحکم العقل علی ثبوت الحکم فی الأشدّ بطریق أولی. و أمّا دلالة اللفظ علی مساواة المدلول لغیره- و هو المعبّر عنه بلحن الخطاب فی بعض الألسنة- فهو علی تقدیر القول به أیضا لاینبغی الکلام فی التخصیص.
3- . سورة المائدة(5):1.
4- . سورة یونس(10):36 و سورة النجم(53):28.

أُخری (إِنْ جاءَکُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَینُوا)((1)) فتدلّ الآیة علی جواز الأخذ بخبر العادل فیخصّص بها عموم الآیة الأُولی الدالّة علی عدم جواز العمل بالظنّ.

فهناک أقوال أربعة:
اشارة

القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم، القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ، و هنا تفصیل لصاحب الکفایة (قدس سره)، و تفصیل آخر للمحقق الخوئی (قدس سره) .

القول الأوّل: تقدیم العامّ علی المفهوم
اشارة

استدلّ علی ذلک بأنّ دلالة العامّ ذاتیة أصلیة و دلالة المفهوم تبعیة فتکون دلالة العامّ مطابقیة و دلالة المفهوم التزامیة، و الدلالة الأصلیة المطابقیة أقوی من الدلالة التبعیة الالتزامیة.

أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ دلالة القضیة علی المفهوم من ناحیة دلالتها علی خصوصیة مستتبعة للمفهوم و دلالتها علی تلک الخصوصیة إمّا بالوضع و إمّا بمقدّمات الحکمة.

و دلالة العامّ أیضاً إمّا وضعیة کما فی لفظة کلّ و جمیع و إمّا بمقدّمات الحکمة

ص: 377


1- . سورة الحجرات:6.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص450. و أجاب عنه بعض الأساطین: إنّه لا تفاوت بین الدلالتین فی مقام الدلالة و الموضوعیة، و کلاهما فی مرتبةٍ واحدة فی الکشف عن المراد الجدّی و المراد الاستعمالی. و بعبارة أخری: إنّ دلالة الکلام علی المفهوم مستندةٌ إمّا إلی الوضع و إمّا إلی مقدّمات الحکمة، و کذلک دلالة العام علی العموم، فهی إمّا من جهة اللّفظ و إمّا من جهة مقدّمات الحکمة، فکلاهما فی مرتبة واحدة، فالتقدیم بما ذکر بلا وجه. تحقیق الأصول، ج4، ص345

کما فی النکرة الواقعة فی سیاق النفی أو النهی و کما فی الجمع المحلّی ب- «ال» و المفرد المحلّی ب- «ال».

القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ
اشارة

((1))

استدلّ علیه بوجهین:

الوجه الأوّل:
اشارة

قد استدلّ علی ذلک بأنّ المفهوم أخصّ من العامّ فیکون قرینة علیه، و إن کان ظهور العامّ أقوی منه، إلاّ أن یکون العامّ نصّاً فیکون العامّ هو القرینة علی عدم المفهوم فالتقدیم بمناط الأخصّیة.

الجواب عن الاستدلال الأوّل:

إنّ ما أفاده المستدلّ لایتصوّر إلّا فی العموم و الخصوص المطلق و أمّا إذا

ص: 378


1- . بیان بعض الأساطین للقول الثانی و تحقیقه فی المسألة: «استدلّ للقول بتقدم المفهوم: بأنّ التعارض الموجود هو بین العموم و المفهوم، و هنا مورد إعمال قواعد التعارض. هذا من جهةٍ. و من جهةٍ أخری فإنّ المنطوق و المفهوم متلازمان بالتلازم العقلی أو العرفی، و هما فی هذه الملازمة متساویان، و مع التلازم بینهما لایعقل انفکاک أحدهما عن الآخر، بل سقوط أحدهما یوجب سقوط الآخر. و بعد ذلک: فإنّه مع تقدّم العموم و سقوط المفهوم، هل یبقی المنطوق علی حاله أو یسقط؟ أمّا بقاؤه بعد سقوط المفهوم، فیستلزم الانفکاک، و أمّا سقوطه أیضاً فیستلزم إجراء أحکام التعارض فی غیر مورد التعارض، لأنّ المنطوق لم یکن طرفاً للمعارضة، بل طرفها هو المفهوم، فهذا المحذور یوجب تقدیمه علی العموم. التحقیق هو أنّ القول بأنّ عدم تقدّم المفهوم یستلزم إجراء قواعد التعارض فیما لیس طرفاً للمعارضة غیر تام، لاستحالة وقوع المفهوم طرفاً لها و عدم وقوع المنطوق، بل المنطوق یکون کذلک و تجری قواعد التعارض.» تحقیق الأصول، ج4، ص346.

کانت النسبة بین العامّ و المفهوم المخالف العموم و الخصوص من وجه فلایجری ما أفاده و سیجیء إن شاء الله تحقیق ذلک.

الوجه الثانی:
اشارة

قد استدلّ أیضاً علی ذلک بأنّ دلالة القضیة علی المفهوم عقلیة و دلالة العامّ علی العموم لفظیة و توضیح ذلک هو أنّ المفهوم لازم عقلی للخصوصیة التی کانت فی المنطوق ولایمکن رفع الید عن المفهوم من دون رفع الید عن تلک الخصوصیة، لاستحالة انفکاک اللازم من الملزوم.

و رفع الید عن تلک الخصوصیة بلا موجب، لأنّ تلک الخصوصیة لیست طرفاً للمعارضة مع العامّ فحینئذ یتعین رفع الید عن العامّ.

الجواب عن الاستدلال الثانی:

((1))

إنّ ما یکون معارضاً للملزوم و یدلّ علی نفیه، فلامحالة یدلّ علی نفی لازمه و کذا العکس لأنّ نفی الملزوم مستلزم لنفی اللازم و نفی اللازم مستلزم لنفی الملزوم.

فعلی هذا: العامّ بعمومه کما یکون منافیاً لمفهوم القضیة یکون منافیاً لمنطوقه، و لامحالة یمنع عن دلالة القضیة علی الخصوصیة المستتبعة للمفهوم.

القول الثالث: التفصیل الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

بیانه (قدس سره): إذا ورد العامّ و ما له المفهوم فی کلام أو کلامین و لکن علی نحو

ص: 379


1- . المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص452.
2- . کفایة الأصول، ص233.

یصلح أن یکون کل منهما قرینة متّصلة للتصرف فی الآخر، و دار الأمر بین تخصیص العموم أو إلغاء المفهوم، فالدلالة علی کل منهما إن کانت بالإطلاق بمعونة مقدّمات الحکمة أو بالوضع، فلایکون هناک عموم و لا مفهوم لعدم تمامیة مقدّمات الحکمة فی واحد منهما لأجل المزاحمة، کما فی مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر وضعاً، فلابدّ من العمل بالأُصول العملیة فیما دار الأمر بین العموم و المفهوم إذا لم یکن أحدهما أظهر.

و إن کان أحدهما أظهر، فإن کانت الدلالة فی کلیهما بمقدّمات الحکمة فیکون الأظهر مانعاً عن انعقاد الظهور فی الآخر و إن کانت الدلالة فی کلیهما بالوضع فیکون الأظهر مانعاً عن استقرار الظهور فی الآخر.

و أمّا إذا کان أحدهما وضعیاً و الآخر بمقدّمات الحکمة فیتقدّم الظهور الوضعی.

و أمّا إذا لم یکن بین ما دلّ علی العموم و ما له المفهوم ذلک الارتباط الموجب لقرینیة أحدهما علی الآخر فإن کانت دلالة کل منهما بالوضع أو بالإطلاق بمقدّمات الحکمة فإن کان أحدهما أظهر فهو المقدّم و إن لم یکن أحدهما أظهر فنعامل کلاً منهما معاملة المجمل.

و أمّا إذا کانت دلالة أحدهما بالوضع و دلالة الآخر بمقدّمات الحکمة، یقدّم ما کانت دلالته بالوضع علی الآخر.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده لایستقیم فیما إذا کانت النسبة بین الدلیلین العموم و الخصوص المطلق، کما أنّ ما أفاده بالنسبة إلی ما إذا کانت النسبة بینهما العموم من وجه و سیتضح ذلک عند بیان نظریه المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 380

القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

بیانه (قدس سره): إنّ التعارض فی الحقیقة، إنّما هو بین منطوق القضیة و عموم العامّ، لا بینه و بین مفهوم القضیة لما تقدّم من أنّ المفهوم لازم عقلی للخصوصیة الموجودة فی طرف المنطوق.

و علیه فلابدّ من ملاحظة النسبة بینهما، و من الطبیعی أنّ النسبة قد تکون عموماً من وجه و قد تکون عموماً مطلقاً.

أمّا إن کان التعارض بالعموم من وجه فهناک ثلاث صور:

الصورة الأُولی: أن یکون أحدهما ناظراً إلی موضوع الآخر و رافعاً له، دون العکس فإنّ ما کان ناظراً إلی موضوع الآخر یتقدّم علی الآخر، لأنّه حاکم علیه.

و ذلک مثل مفهوم آیة النبأ و هو حجیة خبر العادل فهذا المفهوم حاکم علی عموم تعلیل آیة النبأ (و هی إصابة القوم بجهالة) حیث إنّه بعد حجیة خبر العادل فالعمل بخبره لیس من قبیل إصابة القوم بجهالة.

هذا خلافاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) حیث قال: «عموم العلّة فی آیة النبأ آبٍ عن التخصیص و لذا یقدّم علی مفهوم آیة النبأ».((2))

و المحقّق النائینی (قدس سره) استشکل علی الشیخ الأنصاری (قدس سره) بأنّ مفاد مفهوم آیة النبأ یوجب خروج خبر العادل عن موضوع العلّة فی آیة النبأ، فلایکون العمل به موجباً لإصابة القوم بجهالة، فیکون المفهوم حاکماً علی عموم العلّة أیضاً و ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا مأخوذ من کلام أُستاذه المحقّق النائینی (قدس سره) ((3)).

ص: 381


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص455-462.
2- . راجع مطارح الأنظار، ص210.
3- . أجود التقریرات، ج2، ص384.

الصورة الثانیة: أن لایکون أحدهما حاکماً علی الآخر، فعندئذ إن کان تقدیم أحدهما موجباً لإلغاء العنوان المذکور فی موضوع الدلیل الآخر و تقدیم الدلیل الآخر لایوجب إلغاء العنوان المذکور فی الدلیل الأوّل، فحینئذ لابدّ من تقدیم ما لایوجب إلغاء العنوان فی الدلیل الأوّل.

مثال ذلک:

إنّ صحیحة عبد الله بن سنان قال: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) اغْسِلْ ثَوْبَکَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا یؤْکَلُ لَحْمُه»((1)) دلّت علی نجاسة بول ما لایؤکل لحمه و موثقة أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام): «کُلُّ شَی ءٍ یطِیرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ»((2)) دلّت علی طهارة بول الطائر و خرئه و هما تتعارضان فی الطائر غیر المأکول اللحم، فلو قدّمنا صحیحة عبدالله بن سنان فیخصّص موثقة أبی بصیر و ینتج: «إنّ کلّ شیء یطیر و هو مأکول اللحم فلا بأس ببوله و خرئه» و لازم ذلک هو إلغاء عنوان الطائر، حیث إنّ کل ما کان مأکول اللحم فبوله و خرءُه طاهر سواء کان طائراً أما غیر طائر.

و أمّا إذا قدّمنا موثقة أبی بصیر علی صحیحة عبد الله بن سنان فیخصّص الصحیحة و یکون بعد التخصیص: إنّ بول ما لایؤکل لحمه نجس إلّا الطائر، فلایلزم حینئذ لغویة موثقة أبی بصیر فلابدّ من تقدیم موثقه أبی بصیر علی عموم صحیحة عبد الله بن سنان.

ص: 382


1- . محمد بن یعقوب عن أبیه عن عبد الله بن المغیرة عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) ... الوسائل، ج3، ص405، الباب 8 من أبواب النجاسات، ح 2.
2- . محمد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن عبد الله بن المغیرة عن جمیل بن دراج عن أبی بصیر عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال... الوسائل، ج3، ص412، الباب 10 من أبواب النجاسات، ح1.

الصورة الثالثة: أن لایکون من الصورتین الأُولیین، فلابدّ من الرجوع إلی مرجّحات باب التعارض إن کانت، و إلّا فالحکم هو التساقط.

و أمّا إن کان التعارض بالعموم و الخصوص المطلق:

فلا شبهة فی تقدیم الخاصّ علی العامّ، حیث إنّه یکون بنظر العرف قرینة علی التصرّف فی العامّ و من المعلوم أنّ ظهور القرینة یتقدّم علی ظهور ذیها و إن افترض أنّ ظهورها بالإطلاق و مقدّمات الحکمة و ظهور ذی القرینة بالوضع، کما إذا افترضنا ورود دلیل یدلّ بالوضع علی أنّ کل ماء طاهر، لاینفعل بالملاقاة إلّا إذا تغیر لونه أو طعمه أو ریحه، فإنّه مع ذلک لایقاوم مفهوم روایات الکرّ، علی الرغم من أنّ دلالته علی انفعال الماء القلیل بالملاقاة و مقدّمات الحکمة.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) بالنسبة إلی تعارض الدلیلین بالعموم و الخصوص المطلق، فهو فی غایة الصحّة و المتانة، کما أنّ ما أفاده بالنسبة إلی تعارض الدلیلین بالعموم من وجه فی الصورة الأُولی و الصورة الثانیة فهو تامّ.

أمّا ما أفاده فی الصورة الثالثة فهو خاطئ جدّاً، بل الأمر فی هذه الصورة هو کما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) .

توضیح ذلک:

إنّ الدلیلین إن کان دلالتهما بالوضع أو بالإطلاق بمقدّمات الحکمة و لکن کان أحدهما أظهر من غیره، فتیقدّم ما هو الأظهر، و إن تساویا فی الظهور، فیتساقطان و المرجع هو الأصل العملی.

و إن کان لأحد الدلیلین الظهور الوضعی، و للدلیل الآخر الظهور

ص: 383

الإطلاقی بمقدّمات الحکمة، فیتقدّم ما له الظهور الوضعی علی ما له الظهور الإطلاقی. نعم بعض العمومات لا دلالة لها إلّا بمقدّمات الحکمة فهی فی قوة الظهور الإطلاقی بمقدّمات الحکمة.

ص: 384

الفصل العاشر: تعقّب الاستثناء للجمل

اشارة

ص: 385

ص: 386

تعقّب الاستثناء للجمل

إنّ الاستثناء إذا تعقب لعمومات متعدّدة فهل یرجع إلی جمیع تلک العمومات أو إلی خصوص العموم الوارد فی الجملة الأخیرة.

مثال ذلک قوله تعالی:

(وَ الَّذینَ یرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ یأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانینَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذینَ تابُوا)((1))

و هکذا مثل قولهم: «أکرم العلماء و أضفهم و جالس العلماء إلّا الفسّاق منهم».

فی المسألة أقوال نذکر منها خمسة:
اشارة

فی المسألة أقوال((2)) نذکر منها خمسة:

ص: 387


1- . سورة النور(24):5 و 4.
2- . زبدة الأصول، ج 3، ص396 و فی نهایة الوصول، ج 2، ص260 و فی هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 3، ص304.
القول الأوّل:

و هو رجوع الاستثناء إلی جمیع العمومات و هذا منسوب إلی الشیخ الطوسی و صاحب المعالم (قدس سرهما).((1))

القول الثانی:

و هو رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة إلّا مع وجود القرینة علی رجوعه إلی الکل.((2))

القول الثالث:

و هو عدم ظهوره فی واحد منهما و إن کان رجوعه إلی الأخیرة متیقّناً، أمّا بالنسبة إلی غیر الأخیرة فلاینعقد لها ظهور فی العموم فلاتجری أصالة العموم و هذا مختار صاحب الکفایة (قدس سره) .((3))

ص: 388


1- . أنّ الاستثناء یرجع إلی جمیع الجمل، و تخصیصه بالأخیرة یحتاج إلی الدلیل. و هذا مذهب الشافعیة من العامّة و الشیخ الطوسی من الإمامیة. راجع الإحکام (للآمدی)،ج2، ص300؛ و العدّة، ج1، ص321. ولکن صاحب المعالم یؤول إلی غیر هذا یعنی القول بأنّه لا ظهور له فی واحد منهما لکونه مشترکا معنویا. راجع معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص122.
2- . ظهور الکلام فی رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة منسوب إلی أبی حنیفة کما فی الإحکام (للآمدی)، ج2، ص300. و اختاره العلّامة فی مبادئ الوصول، ص136، و صاحب الفصول فی الفصول الغرویة، ص204. و فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج 1، ص270: قد بینّا أنّ تعقّب الاستثناء للجمل لایجب القطع علی عوده إلیها أجمع إلّا بدلالة و قیل فی المفاتیح، ص33: یکون الأصل فیما إذا تعقب الاستثناء جملا متعاطفة نحو أکرم العلماء و أهن الجهال و جالس الکرام إلا زیدا اختصاص الاستثناء بالأخیرة.
3- . عدم ظهور الکلام فی واحد منهما، و إن کان رجوعه إلی الأخیرة متعینا. فیبقی ما عدا الأخیرة مجملا. و هذا ما یتراءی من کلام السید المرتضی فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج1، ص249. و قال فی کفایة الأصول، ص234: و الظاهر أنّه لا خلاف و لا إشکال فی رجوعه إلی الأخیرة علی أی حال ضرورة أن رجوعه إلی غیرها بلا قرینة خارج عن طریقة أهل المحاورة و کذا فی صحة رجوعه إلی الکل.
القول الرابع:

و هو التفصیل بین أن یکون عقد الوضع (الموضوع) مکرّراً فی الجملة الأخیرة کما فی مثل الآیة الکریمة أو لایکون کذلک بل عقد الوضع مذکور فی صدر الکلام، فإن کان عقد الوضع مکرّراً فیرجع الاستثناء إلی خصوص الجملة الأخیرة، لأنّ الجملة الأخیرة انقطعت بتکرار عقد الوضع عن الجمل السابقة، فیتمسّک فی الجمل السابقة بأصالة العموم و إن کان عقد الوضع مذکوراً فی صدر الکلام فالاستثناء یرجع إلی جمیع الجمل، لأنّ الاستثناء یرجع إلی عقد الوضع (الموضوع) و هذا مختار المحقّق النائینی (قدس سره) .((1))

القول الخامس: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) و هو المختار

(2)

إنّ تعدّد العمومات، إمّا بتعدّد خصوص موضوعاتها و إمّا بتعدّد خصوص محمولاتها و إمّا بتعدد الموضوع و المحمول معاً.

ص: 389


1- . فوائد الأصول، ج2، ص555: التّحقیق هو التّفصیل بین ما إذا کانت الجمل المتقدّمة مشتملة علی الموضوع و المحمول، و بین ما إذا حذف فیها الموضوع. ففی الأوّل یرجع إلی خصوص الأخیرة. و فی الثّانی یرجع إلی الجمیع.
2- . التفصیل بین ما إذا لم یتکرّر الموضوع و ما إذا کرّر. فعلی الأوّل یرجع الضمیر إلی المذکور فی الجملة الأولی، فیوجب تخصیصه بالإضافة إلی جمیع الأحکام الثابتة له. و علی الثانی یرجع إلی ما أعید فیه الموضوع و ما بعده. و هذا ما أفاده السید المحقّق الخوئی فی المحاضرات، (ط ق): ج5، ص308- 309 و قال فی الأجود، ج1، ص497: الصحیح فی تقریب التفصیل فی المقام أن یقال إنّ تعدّد الجمل المتعقبة بالاستثناء إمّا أن یکون بتعدّد خصوص موضوعاتها أو بتعدّد خصوص محمولاتها أو بتعدّد کلیهما و علی الأوّلین فإمّا أن یتکرّر ما بتعدّده تتعدّد القضیة فی الکلام أو لایتکرر فیه ذلک فالأقسام خمسة أمّا القسم الأوّل أعنی به ما تعدّدت فیه القضیة بتعدّد موضوعاتها و لم یتکرر فیه عقد الحمل کما إذا قیل أکرم العلماء و الأشراف و الشیوخ إلّا الفساق منهم فالظاهر فیه رجوع الاستثناء إلی الجمیع لأنّ القضیة فی مثل ذلک و إن کانت متعدّدة صورة إلّا أنّها فی حکم قضیة واحدة قد حکم فیها بوجوب إکرام کل فرد من الطوائف الثلاث إلّا الفساق منهم فکأنّه قیل أکرم کل واحد من هذه الطوائف إلّا من کان منهم فاسقاً و أمّا القسم الثانی أعنی به ما تعددت فیه القضیة بتعدد موضوعاتها مع تکرر عقد الحمل فیه کما إذا قیل أکرم العلماء و الأشراف و أکرم الشیوخ إلّا الفساق منهم فالظاهر فیه رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرر فیها عقد الحمل و ما بعدها من الجمل لو کانت لأنّ تکرار عقد الحمل فی الکلام قرینة علی قطع الکلام عمّا قبله و بذلک یأخذ الاستثناء محلّه من الکلام فیحتاج تخصیص الجمل السابقة علی الجملة المتکرر فیه عقد الحمل إلی دلیل آخر مفقود علی الفرض و أمّا القسم الثالث و الرابع أعنی بهما ما تعدّدت فیه القضیة بخصوص تعدّد محمولاتها مع تکرّر عقد الوضع فی أحدهما و عدم تکرّره فی الآخر فیظهر الحال فیهما ممّا أفید فی المتن و أمّا القسم الخامس أعنی به ما تعددت القضیة فیه بکل من الموضوع و المحمول کما إذا قیل أکرم العلماء و جالس الأشراف إلّا الفساق منهم فالظاهر فیه رجوع الاستثناء إلی خصوص الأخیرة و یظهر الوجه فی ذلک مما تقدم.

أمّا الصورة الأولی و هی تعدّد خصوص الموضوعات فهی علی قسمین:

إن لم یتکرّر عقد الحمل مثل «أکرم الفقهاء و الأُصولیین و المتکلمین إلّا الفسّاق منهم» فیرجع الاستثناء إلی الجمیع حیث إنّ ثبوت الحکم الواحد لهم جمیعاً قرینة عرفاً علی أنّ الجمیع موضوع واحد فی مقام الجعل.

و أمّا إذا کرّر فیها عقد الحمل مثل «أکرم العلماء و أکرم الشیوخ إلّا الفسّاق منهم» فیرجع إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الحمل و ما بعده من الجمل لو کانت، لأنّ تکرار عقد الحمل قرینة عرفاً علی أنّه کلام آخر منفصل عما قبله من الجمل فلا مانع من التمسّک بأصالة العموم فی الجمل السابقة.

ص: 390

أمّا الصورة الثانیة و هی تعدّد خصوص المحمولات فهی أیضاً علی قسمین:

إن کان الموضوع فیها غیر متکرّر مثل الآیة الشریفة و مثل قولهم «بع کتبی و أجرها إلّا ما کان مکتوباً علی ظهره إنّه مخصوص لی»، فالظاهر رجوع الاستثناء إلی الجمیع لأنّ الاستثناء یرجع إلی الموضوع.

و إذا تکرّر الموضوع فیها مثل «أکرم العلماء و أضفهم و جالس العلماء إلّا الفسّاق منهم» فالظاهر رجوع الاستثناء إلی خصوص الجملة المتکرّر فیها عقد الوضع و ما بعدها من الجمل لأنّ تکرار عقد الوضع قرینة علی قطع الکلام عما قبله ولا مانع من جریان أصالة العموم بالنسبة إلی الجمل السابقة.

قد یدّعی أنّ الجمل السابقة محفوفة بما یصلح للقرینیة فلایتمسّک فیها بأصالة العموم و الجواب هو أنّ مورد احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة إنّما هی موارد إجماله و اشتباه المراد منه للسامع، بخلاف المقام حیث لا إجمال فی الاستثناء فی ظهوره إلی خصوص الجملة الأخیرة فی مفروض المسألة.

أمّا الصورة الثالثة و هی ما إذا تعدّدت القضیة بتعدّد الموضوع و المحمول معاً فإنّ الاستثناء فیها یرجع إلی الجملة الأخیرة دون ما سبقها من الجمل کما عرفت.

ص: 391

ص: 392

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد

اشارة

ص: 393

ص: 394

تخصیص الکتاب بخبر الواحد

فیه أمران:

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة

(1)

المشهور بین الإمامیة جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد و لکن العامّة اختلفوا فی ذلک:

فبعضهم أنکر تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد مطلقاً.

ص: 395


1- . مفاتیح الأصول، ص160: لا إشکال و لا شبهة فی عدم جواز تخصیص عام الکتاب بخبر الواحد إن قلنا بأنّه لیس بحجّة مطلقا کما أشار إلیه فی الذّریعة و العدة و أمّا إذا قلنا إنّه حجة کما هو التحقیق و علیه المعظم فهل یجوز تخصیص ذلک به أو لااختلف الأصولیون من الخاصة و العامّة فیه علی أقوال الأوّل أنّه یجوز تخصیصه به مطلقا و هو للعلامة فی النهایة و المبادی و السید عمید الدّین و صاحب غایة البادی فی شرح المبادی و سبط الشهید الثّانی فی المعالم و السّید الأستاذ رحمه الله و والدی العلامة و الرّازی فی المحصول و الحاجبی فی المختصر و العضدی فی شرحه و البیضاوی فی المنهاج و الأسنوی و العبری فی شرحه و حکاه صاحب غایة البادی و الرازی و العبری عن الشافعی و أبی حنیفة و مالک و فی النهایة و الإحکام و المختصر و شرحه أنّه مذهب الفقهاء الأربعة و فی العدّة هو مذهب أکثر الفقهاء و المتکلّمین و هو الظاهر من الشافعی و أصحابه عن أبی الحسین و غیره الثانی أنّه لایجوز تخصیصه به مطلقا و هو للعدّة و حکاه فی المعارج و المنیة عن السّید و فی المحصول و المنهاج و غیرهما عن قوم الثالث أنّه یجوز تخصیصه به إن کان قد خصّ قبل ذلک بدلیل مقطوع متصلا کان أو منفصلا و إلاّ فلا و هو للمحکی فی جملة من الکتب عن عیسی بن أبان الرابع أنّه یجوز تخصیصه به إن کان قد خصّ بدلیل منفصل قطعیا کان أو ظنیا و إن خص بدلیل متّصل أو لم یخصّ لم یجز و هو للمحکی فی جملة من الکتب عن أبی الحسین البصری و توقف فی المسألة القاضی أبو بکر علی ما حکاه جماعة.

و بعضهم فصّل بین ما إذا خصّص قبله بمخصّص قطعی فیجوز و ما إذا لم یخصّص قبله بمخصّص قطعی فلایجوز.

و بعضهم فصّل بین المخصّص المتّصل فیجوز التخصیص به و بین المخصّص المنفصل فلایجوز التخصیص به.

و بعضهم توقف فی ذلک.

و الحق هو جواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد کما علیه جمیع علمائنا.((1))

ص: 396


1- . و ادعی مخالفة الشیخ الطوسی (قدس سره)، فی العدة، ج1، ص344، لکن المحقق الخوئی (قدس سره) ادّعی عدم الخلاف بین الطائفة فی جواز تخصیصه بخبر الواحد. المحاضرات، ج5، ص309. مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص219: یجوز تخصیص الکتاب بالکتاب و بالخبر المتواتر، کما یجوز تخصیصه بهما بلا خلاف معتدّ به. و أمّا تخصیص الکتاب بالخبر الواحد، فالأقرب جوازه أیضا، وفاقا لأکثر المحقّقین و حکی عن الذریعة و العدة و المعارج عدم الجواز مطلقا. و لعلّ منع السید مبنی علی أصله من إنکار حجّیة الخبر الواحد و فصّل بعضهم بین تخصیص العامّ الکتابی بمخصّص قطعی فیجوز، و عدمه فلا یجوز. و حکی عن المحقّق أیضا الوقف و لعلّه توقّف منه فی العمل، و إلّا فالمحکی عنه هو العدم، کما عرفت.
الأمر الثانی: فی ذکر الأدلّة
اشارة

استدلّ صاحب الکفایة (قدس سره) علی جواز التخصیص بوجهین:((1))

الوجه الأوّل:

إنّ سیرة الأصحاب إلی زمن الأئمة (علیهم السلام) علی العمل بأخبار الآحاد فی قبال عمومات الکتاب، و احتمال أن یکون ذلک بواسطة القرینة واضح البطلان.

الوجه الثانی:
اشارة

لو لم نقل بتخصیص الکتاب بخبر الواحد یلزم الغاء الخبر بالمرّة أو یلزم ما هو بحکم إلغاء الخبر، ضرورة ندرة خبرٍ لم یکن علی خلافه عموم الکتاب.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی المقام

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّه لایوجد فی المجامیع المعتبرة خبر لایکون علی خلافه عموم فی الکتاب و لو کان ذلک العموم من قبیل عمومات الحلّ و نحوها.((2))

استشکل علیه المحقّق الخوئی (قدس سره):

إنّ جلّ الروایات الدالّة علی تعیین أجزاء العبادات و شرائطها و موانعها لیس

ص: 397


1- . کفایة الأصول، ص235.
2- . استدلال النائینی (قدس سره) و إشکال المحقق الخوئی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج2، ص390 و طبع آخر، ج1، ص505.

فیها ما یخالف الکتاب و لو کانت مخالفتها له مخالفةً بدویة (من قبیل مخالفة المطلق و المقید و مخالفة العامّ و المخصّص) لأنّ الأوامر المتعلّقة بالعبادات فی القرآن کلها واردة فی مقام التشریع و لیست فی مقام البیان و لیس لشیء منها إطلاق یقتضی عدم اعتبار شیءٍ ما فی متعلّقاتها لتکون الروایة الدالّة علی اعتباره فیها مخالفة للکتاب بنحو من المخالفة و هکذا الأوامر الواردة فی الکتاب فی غیر المعاملات، فلیس فیها ما یدلّ بعمومه أو بإطلاقه علی حلیة کل فعل صادر من المکلّف، لیکون الخبر الدالّ علی الحرمة مخالفاً له.

أجاب عنه بعض الأساطین (دام ظله):

((1))

إنّ بعض العمومات الکتابیة فی مقام البیان کما یظهر ذلک من استدلال الأئمة (علیهم السلام) ببعض العمومات الکتابیة کما یستدلّ بإطلاق (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا)((2)) و یستدلّ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((3)) فلابدّ من أن یقال: إنّ تلک العمومات و الإطلاقات الکتابیة واردة فی مقام البیان لا فی مقام أصل التشریع.

ص: 398


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص361.
2- . سورة البقرة(2):275.
3- . سورة المائدة(5):1.
أمّا التحقیق حول أقوال العامّة:
الدلیل علی القول الأوّل أوجه أربعة:
اشارة

((1))

الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ العامّ قطعی الصدور و خبر الواحد ظنّی السند، فلایجوز رفع الید عن القطعی بالظنی.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً بالنقض: حیث إنّه لو صحّ ذلک لما جاز تخصیص المتواتر بخبر الواحد مع أنّه جائز قطعاً.

و ثانیاً بالحلّ: حیث إنّ خبر الواحد لایعارض سند الکتاب و صدوره حتی یقال بعدم جوازه بل یعارض و ینافی عموم الکتاب و دلالة الکتاب علی العموم لیست بقطعیة.

و ثالثاً: إنّ الخبر بدلالته و سنده صالح للقرینیة علی التصرف فی عموم الکتاب، بخلاف أصالة العموم فی الکتاب حیث إنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتبار الخبر.

ص: 399


1- . ذکرها صاحب الکفایة (قدس سره) وأجاب عنها فی ص236: (و کون العام الکتابی قطعیا صدورا و خبر الواحد ظنیا سندا لایمنع عن التصرف فی دلالته الغیر القطعیة قطعا و إلّا لما جاز تخصیص المتواتر به أیضا مع أنّه جائز جزماً و السر أنّ الدوران فی الحقیقة بین أصالة العموم و دلیل سند الخبر مع أنّ الخبر بدلالته و سنده صالح للقرینیة علی التصرف فیها بخلافها فإنّها غیر صالحة لرفع الید عن دلیل اعتباره و لاینحصر الدلیل علی الخبر بالإجماع کی یقال بأنّه فیما لایوجد علی خلافه دلالة و مع وجود الدلالة القرآنیة یسقط وجوب العمل به.)
الوجه الثانی:
اشارة

إنّ دلیل حجیة الخبر لیس إلّا الإجماع و هو دلیل لبّی و یؤخذ بالقدر المتیقّن منه و هو الخبر الذی لیس مخالفاً لعموم الکتاب.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ دلیل حجیة الخبر لاینحصر فی الإجماع، و قد عرفت أنّ سیرتهم مستمرّة علی العمل به فی قبال العمومات الکتابیة.

الوجه الثالث:
اشارة

إنّ الأخبار الدالة علی أنّ الأخبار المخالفة للقرآن یجب طرحها أو ضربها علی الجدار أو أنّها زخرف أو أنّها مما لم یقل بها الإمام (علیه السلام) ((1)) یوجب عدم تخصیص الکتاب بخبر الواحد.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً: إنّ المراد من المخالفة فی هذه الأخبار غیر مخالفة العموم (حیث إنّ المخالفة فی هذه الأخبار مخالفة بالتباین و أمّا المخالفة بین خبر الواحد الخاصّ و العام الکتابی مخالفة بدویة).

ثانیاً: إنّ العرف لایری بین المخصّص و العامّ مخالفة بل المخصّص قرینة لتبیین معنی العامّ.

ثالثاً: یحتمل أن یکون المراد فی هذه الأخبار هو أنّ الأئمة (علیهم السلام) لایقولون بغیر

ص: 400


1- . الوسائل، ج18، ص79، الباب 9 من أبواب صفات القاضی.

ما هو قول الله تبارک و تعالی واقعاً، و إن کان هو علی خلاف قول الله تبارک و تعالی ظاهراً لکنّه موافق له واقعاً و شارح لمراده تعالی و بیان لمراده من کلامه.

رابعاً: الأخبار المخالفة للکتاب بهذه المخالفة عنهم (علیهم السلام) کثیرة جدّاً بحیث لایمکن إنکاره.

الوجه الرابع:
اشارة

إذا قلنا بجواز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، فلابدّ أن نقول أیضاً بجواز نسخ الکتاب بخبر الواحد و لکن نسخ الکتاب بخبر الواحد باطل إجماعاً فالمقدّم لابد أن یکون باطلاً أیضاً، فلایجوز تخصیص الکتاب بخبر الواحد، أمّا الدلیل علی الملازمة هو أنّ النسخ أیضاً من قبیل التخصیص و الفرق بینه و بین التخصیص المصطلح هو أنّ النسخ یکون راجعاً إلی الأزمان و التخصیص المصطلح راجع إلی الأفراد، فالنسخ تخصیص أزمانی کما أنّ التخصیص المصطلح تخصیص أفرادی.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ النسخ یفترق عن التخصیص من جهة أنّ الإجماع قائم علی جواز تخصیص عموم الکتاب بخبر الواحد و الإجماع قائم أیضاً علی عدم جواز نسخ الکتاب بخبر الواحد.

هذا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقام.

ص: 401


1- . کفایة الأصول، ص237: و الملازمة بین جواز التخصیص و جواز النسخ به ممنوعة و إن کان مقتضی القاعدة و جوازهما لاختصاص النسخ بالإجماع علی المنع مع وضوح الفرق بتوافر الدواعی إلی ضبطه و لذا قل الخلاف فی تعیین موارده بخلاف التخصیص.
الدلیل علی القول الثانی:
اشارة

لعلّ دلیلهم هو أنّ العام بعد التخصیص یکون مجازاً فالتخصیص الثانی لایوجب التجوّز ثانیاً.

الإیراد علیه:

إنّ العام بعد التخصیص لایکون مجازاً کما تقدّم.

الدلیل علی القول الثالث:
اشارة

هو توهم أنّ المخصص المتصل لایوجب التجوّز بخلاف المخصص المنفصل.

الإیراد علیه:

بطلان ذلک یظهر ممّا تقدّم بالنسبة إلی القول السابق حیث إنّ العامّ بعد التخصیص لایکون مجازاً سواء کان المخصّص متصلاً أم منفصلاً مضافاً إلی أنّ تصور القرینة المتّصلة فی الخبر الواحد بالنسبة إلی عموم الکتاب فی غایة الإشکال.

ص: 402

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ

اشارة

ص: 403

ص: 404

الدوران بین التخصیص و النسخ((1))

فیه مقدمة و تنبیهان أیضاً:

مقدمة: فی بیان صور المسألة
اشارة

و هی ثمانٍ:

إذا ورد عامّ و خاصّ فقد نشک بحسب الحالات المختلفة لهما فی أنّ الخاصّ

ص: 405


1- . اختلفوا الأعلام فی معنی النسخ: قیل: إنّ النسخ تخصیص و تقیید فی الأزمان، فإنّ الدلیل کما یمکن تخصیصه بحسب الأفراد، یمکن تخصیصه بحسب الأزمان أیضاً... و علیه: فالنسخ و التخصیص روحهما شی ء واحد، لکن أحدهما تصرف فی عامود الزمان، و الآخر تصرف فی الأفراد. و بناء علی هذا المسلک، یکون معنی أصالة عدم النسخ، عبارة عن أصالة الإطلاق و العموم فی المجعول بلحاظ الزمان. و قیل: أنّ النسخ تصرف فی مرحلة الثبوت و فی عالم الجعل و التشریع، و ذلک بأن یکون المولی قد جعل الحکم مطلقاً من دون أن یأخذ الزمان قیداً فی المجعول، علی نهج القضیة الحقیقیة، فالإطلاق فی الدلیل کان مطابقاً للواقع، لأنّ الجعل کان علی وجه الإطلاق، و الدلیل کان یعبر عن هذا الإطلاق فی الجعل، غایة الأمر، أنّ هذا الجعل الذی صدر من المولی علی وجه کلی و مطلق کان له نحو بقاء و استمرار عرفی و خارجی بحسب عالم المولویة ما لم یرفع المولی یده عنه، و حینئذ، المولی حینما یرید أن ینسخ الحکم، یرفع یده عن هذا الجعل، فالنسخ إذن، لیس عبارة عن انتهاء أمد المجعول، لأنّ المجعول لم یؤخذ فیه قید بزمان خاص لینتهی أمده بانتهاء ذلک الزمان، بل النسخ هو رفع الید عن نفس الجعل. بحوث فی علم الأصول، ج7، ص424-425.

مخصّص للعامّ أو ناسخ له أو منسوخ له، و لتحقیق ذلک لابدّ من أن نلاحظ جمیع الصور المتصوّرة بین العامّ و الخاصّ.((1))

توضیح ذلک:

إنّ الخاصّ إمّا یکون منفصلاً عن العام

فإذا کان الخاصّ منفصلاً عنه فله ثلاثة فروض:

الأول: إمّا یکونان معلومی التاریخ.

و العامّ و الخاصّ المنفصل عنه فیما إذا کانا معلومی التاریخ لهما خمس صور:

ص: 406


1- . قال فی مطارح الأنظار (ط ج): ج 2، ص227: هدایة [- الخاصّ المخالف لحکم العام قد یکون بیاناً له و قد یکون ناسخا] الأقرب أنّ الخاصّ المخالف لحکم العامّ إنّما هو بیان له تارة و ناسخ له أخری، وفاقا لجلّ المحقّقین بل کلّهم... لا وجه لتخصیص محلّ الکلام بالعامّ و الخاصّ المطلقین، إذ بعد ما صرّح جماعة بجریانه فی العامّین من وجه- کالتفتازانی و صاحب المعالم و الفاضل الشیروانی- أنّ ملاک البحث موجود فیه أیضا... و توهم جماعة منهم المحقق القمی فی القوانین ج1ص 314، و سلطان العلماء فی حاشیته علی المعالم ص149، و النراقی فی المناهج ص117، و غیرهم اختصاص النزاع بالمطلقین. و فی منتهی الأصول (ط ج)، ج 2، ص739 و منتقی الأصول، ج 3، ص397. و فی هدایة المسترشدین (ط ج)، ج 1، ص316: فمن ظاهر المعظم ترجیح التخصیص مطلقا، و هو الأظهر؛ إذ هو المفهوم بحسب العرف سیما مع تأخّر الخاصّ، بل الظاهر الاتّفاق علیه حینئذ، و لغلبة التخصیص علی النسخ، و لما فی النسخ من رفع الحکم الثابت و مخالفة ظاهر ما یقتضیه المنسوخ من بقاء الحکم، بخلاف التخصیص؛ إذ لیس فیه إلّا مخالفة لظاهر العامّ، کما مرّت الإشارة إلیه، و أیضا قد عرفت تقدّم المجاز علی النسخ فیقدم علیه التخصیص الراجح علی المجاز. و عن جماعة منهم السید و الشیخ القول برجحان النسخ علی التخصیص فی الخاصّ المتقدّم علی العامّ، لدعوی فهم العرف، و أنّ التخصیص بیان فلا یتقدّم علی المبین. و هما مدفوعان بما لایخفی، و سیجی ء تفصیل القول فی ذلک إن شاء الله تعالی فی مباحث العموم و الخصوص عند تعرّض المصنّف رحمه الله له.

إمّا نعلم بتقدّم العامّ و جاء الخاصّ قبل وقت العمل و هی الصورة الأولی.

أو جاء بعد وقت العمل و هی الصورة الثانیة.

و إمّا نعلم بتقدّم الخاصّ و جاء العامّ قبل وقت العمل و هی الصورة الثالثة.

أو جاء بعد وقت العمل و هی الصورة الرابعة.

و إما نعلم بتقارنهما و هی الصورة الخامسة.

الثانی: و إما یکونان مجهولی التاریخ و هی الصورة السادسة.

الثالث: و إما یکون أحدهما مجهول التاریخ و الآخر معلوم التاریخ و هی الصورة السابعة.

و إما یکون الخاص متصلاً بالعام و هی الصورة الثامنة.

ص: 407

أما الصورة الأُولی:
اشارة

((1))

فیها قولان:

قد اختلف الأعلام فی أنّ الخاصّ هل یمکن أن یکون ناسخاً للعام أو لا؟

القول الأوّل:
اشارة

قد اختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و جمع من الأعلام مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (دام ظله) ((3)) عدم إمکان کون الخاصّ ناسخاً للعامّ بل الخاصّ یتمحض فی هذه الصورة فی کونه مخصّصاً للعامّ.

الاستدلال علی عدم إمکان ناسخیة الخاصّ:

قد استدلّ علی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال:((4)) إنّه لایعقل جعل الحکم من المولی الملتفت إلی عدم تحقّقه و فعلیته فی الخارج بفعلیة موضوعه ضرورة أنّه مع علم المولی بانتفاء شرط فعلیته، کان جعله لغواً محضاً، حیث إنّ الغرض من جعله إنّما هو صیرورته داعیاً للمکلّف نحو الفعل، فإذا علم بعدم بلوغه إلی هذه المرتبة لانتفاء شرطه، فلامحالة یکون جعله بهذا الداعی لغواً، فیستحیل أن یصدر من المولی الحکیم.

ص: 408


1- . تقدّم العامّ مع ورود الخاصّ قبل وقت العمل بالعامّ.
2- . کفایةالأصول، ص237: لأنّ الخاص إن کان مقارنا مع العام أو واردا بعده قبل حضور وقت العمل به فلا محیص عن کونه مخصصا و بیانا له.
3- . تحقیق الأصول، ج 4، ص365.
4- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص476.

نعم یمکن ذلک فی الأوامر الامتحانیة، حیث إنّ الغرض من جعلها لیس بلوغها مرتبة الفعلیة و لذا لا مانع من جعلها مع علم المولی بعدم قدرة المکلّف علی الامتثال، نظراً إلی أنّ الغرض منها مجرد الامتحان و هو یحصل بمجرد إنشاء الأمر.

القول الثانی:
اشارة

قال المحقق النائینی و المحقق العراقی (قدس سرهما) ((1)) بإمکان ناسخیة الخاص للعام.

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة:

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) علی إمکان ناسخیة الخاصّ فی القضیة الحقیقیة:

إنّ ما ذکروه فی المقام، إنّما نشأ من عدم تمییز أحکام القضایا الخارجیة من أحکام القضایا الحقیقیة، لأنّ الحکم المجعول إن کان من قبیل الأحکام المجعولة فی القضایا الخارجیة لصحّ ما ذکروه و أمّا إذا کان من قبیل الأحکام المجعولة فی القضایا الحقیقیة الثابتة للموضوعات المقدّر وجودها (کما هو الواقع فی أحکام الشریعة المقدّسة) فلا مانع من نسخها بعد جعلها و لو کان ذلک بعد زمان قلیل کیوم واحد أو أقلّ، لأنّه لایشترط فی صحّة جعله وجود الموضوع له خارجاً، لأنّ موضوعه أُخذ مفروض الوجود، نعم یستثنی من ذلک القضیة الحقیقیة الموقتة قبل حضور وقت العمل به، فإنّه یستحیل تعلّق النسخ به کما هو الأمر فی القضایا الخارجیة (القضیة الحقیقیة الموقتة مثل وجوب صوم شهر رمضان حیث إنّه واجب له وقت مخصوص لایصیر وجوبه فعلیاً قبل الوقت المذکور).

ص: 409


1- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص552.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص394 و طبع آخر، ج1، ص506.

فعلی هذا إنّ النسخ بالنسبة إلی القضایا الحقیقیة غیر الموقتة أو القضایا الحقیقیة الموقتة بعد حضور وقت العمل، بمکان من الإمکان.

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

إنّ جعل الحکم بداعی البعث حقیقة مع علم المولی بانتفاء موضوعه و شرطه فی الخارج لغو محض فلایمکن صدوره من الحکیم المتفت إلی ذلک، من دون فرق فی ذلک بین الأوامر و النواهی و القضایا الحقیقیة و الخارجیة.

نعم إذا کان جعل الحکم و تشریعه فی الشریعة المقدسة سبباً لانتفاء موضوعه و شرطه، فلا مانع منه کما هو الشأن فی جعل القصاص والدیات و الحدود، حیث إنّ تشریع هذه الأحکام سبب لمنع المکلّف و زجره من إیجاد موضوعها فی الخارج.

(إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ناظر إلی الإمکان العقلی للنسخ و ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ناظر إلی أنّه مستحیل بالعرض لأنّ اللغو لایصدر من الحکیم).

استدلال المحقّق العراقی (قدس سره) علی إمکان النسخ:

(2)

إنّه قال (قدس سره): بناء علی ما هو المشهور فی الأحکام المجعولة المشروطة من عدم فعلیة التکلیف فیها إلّا بعد حصول الشرط خارجاً، لایلزم فی إمکان النسخ أن یکون الحکم الثابت فعلیاً علی الإطلاق بل یکفی فی صحّته کونه رفعاً لحکم

ص: 410


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص478 و 479.
2- . نهایة الأفکار، ج2-1، ص552 و قرّب المحقق العراقی وجه تقدیم التخصیص علی النسخ فی المقالات، ج1، ص486: أنّه إذا دار الأمر بین التصرّف الدلالی و التصرّف الجهتی یقدّم الأصل الجهتی علی الأصل الدلالی من جهة أنّه لولا إحراز أصل صدور الکلام عن المعصوم علیه السّلام لاتنتهی النوبة إلی مقام التعبّد بظهوره و دلالته. و بما أنّ باب النسخ کان من باب التوریة و التقیة فی کونه من قبیل التصرّف فی الجهة لا من قبیل التصرّف فی الدلالة، و کان الخاصّ من قبیل التصرّف فی الدلالة، فمع الدوران فی العامّ بین کونه منسوخا بالخاصّ و کونه مخصّصا به یقدّم الأصل الجاری فی جهته- و هو أصالة عدم النسخ- علی الأصل الجاری فی ظهوره و دلالته- و هو أصالة العموم، فیقدّم التخصیص علی النسخ.

ثابت فی الجملة و لو بمرتبة إنشائه الحاصل بجعل الملازمة بینه و بین شرطه و سببه کما فی الواجبات المشروطة، فکما یصح فی الأحکام العرفیة نسخ الحکم فی الموقّتات و المشروطات قبل حصول شرطها یصح ذلک فی الأحکام الشرعیة، فیکفی فی صحته أیضاً مجرد کونه رفعاً لما تحقّق بالإنشاء السابق و لو لم یکن حکماً فعلیاً علی الإطلاق، فإنّ باب النسخ أشبه شیء بباب التوریة و التقیة فی کونه من باب التصرف فی الجهة، من حیث إظهاره سبحانه حکماً بنحو الدوام و الاستمرار لمصلحة تقتضیه، مع علمه سبحانه بنسخه فیما بعد حسب ما یری فی علمه من المصالح المقتضیة لذلک، فالمرفوع هو تلک الملازمة الثابتة بین الشیء و شرطه و بناء علی ما اخترنا من أنّ الحکم هو نفس الإرادة المبرزة و الکراهة المبرزة، فالحکم (و هی الإرادة المبرزة) موجود بالفعل و إن لم یتحقّق الشرط، لأنّ التکلیف فیها بجعل المنوط به هو الشیء فی فرضه و لحاظه طریقاً إلی الخارج، فلایحتاج إلی جعل المرفوع هو الملازمة، حیث کان المرفوع حینئذ هو الحکم الفعلی.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ إظهار الحکم الشرعی بنحو الاستمرار مع علمه بنسخه فیما بعد، هو للمصالح المقتضیة لذلک، و إن کان ممکناً عقلاً، إلّا أنّا

ص: 411

لانری وقوع تلک المصلحة فیما بأیدینا من الأمثلة و الموارد و مع فرض وقوعها فهی نادر الوجود جداً، و لکن التخصیص أمر دارج کثیر، فالظهور العرفی یقتضی حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ، هذا علی المبنی المشهور و علی المبنی الذی اختاره.

ثانیاً: قد تقدّم فی مبحث الواجب المعلّق، أنّ المختار فی المقام (تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره))((1)) هو أنّ البعث الحقیقی یقتضی إمکان الانبعاث، فمع عدم إمکان الانبعاث لایتحقّق البعث الحقیقی فلم یتحقّق هنا حکم حقیقی حتّی یقال بنسخه فالنسخ محال عقلاً لا إنّه لغو فقط.

فتحصل من ذلک: أنّ الخاصّ فی الصورة الأُولی یحمل علی التخصیص دون النسخ.

ص: 412


1- . نهایة الدرایة فی شرح الکفایة، ج 2، ص72.
أما الصورة الثانیة:
اشارة

((1))

و فیها نظریتان:

النظریة الأُولی: التفصیل
اشارة

قال الشیخ((2)) و المحقّق الخراسانی((3)) و المحقق الحائری((4)) و المحقّق العراقی((5)) و المحقّق البروجردی (قدس سرهم) ((6)) بالتفصیل قالوا: إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الواقعی فالخاصّ ناسخ له، و لایکون الخاصّ حینئذ مخصّصاً لأنّه یلزم تأخیر البیان عن وقت الحاجة، و إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری فالخاصّ مخصّص له، بمعنی أنّ الناس مکلّفون بالعمل علی طبق العامّ ما لم یرد علیها المخصّص فإذا ورد الخاصّ فهو مخصّص بالنسبة إلی الإرادة الجدّیة و ناسخ بالنسبة إلی الحکم الظاهری.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا البیان:

((7))

إنّ ما أفاده من أنّ الخاصّ ناسخ بالنسبة إلی الحکم الظاهری و مخصّص بالنسبة إلی الإرادة الجدّیة فیما إذا کان العامّ وارداً لبیان الحکم الظاهری ممنوع،

ص: 413


1- . تقدّم العامّ مع ورود الخاصّ بعد وقت العمل بالعامّ.
2- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص229 و فرائد الأصول، ج4، ص93 و 94.
3- . کفایةالأصول، ص237.
4- . دررالفوائد (ط ج)، ص229.
5- . نهایة الأفکار، دفتر انتشارات اسلامی، ج2، 554 و ج 4 قسم 2، ص152.
6- . نقلاً عن بعض الأساطین فی تحقیق الأصول، ج 4، ص366.
7- . نهایة الدرایة، ج2، ص483.

فإنّ الخاصّ لایکون ناسخاً للحکم الظاهری و ذلک لأنّ انتهاء أمد المصلحة بوصول الخاصّ و إن کان یشبه النسخ، فیتوهّم کونه ناسخاً، إلّا أنّ الفرق بین ما نحن فیه و بین النسخ هو أنّ الناسخ کاشف عن انتهاء أمد المصلحة فی المنسوخ، و الخاصّ هنا بوصوله موجب لانتهاء أمدها لا کاشف عن انتهاء أمدها واقعاً، و ما نحن فیه هو مثل قیام الدلیل الاجتهادی علی خلاف الأصل العملی، فإنّ الدلیل الاجتهادی و الأمارة یوجب ارتفاع موضوع الأصل العملی و لایکون قیام الأمارة ناسخاً للحکم الظاهری، و هکذا فیما نحن فیه فإنّ وصول الخاصّ یوجب ارتفاع موضوع الحکم الظاهری المستفاد من العامّ و لایکون من باب النسخ.

النظریة الثانیة:
اشارة

و هی حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ أفادها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .((1))

استدلال المحقّق الإصفهانی علی مخصصیه الخاص لا ناسخیته:

إنّ الوجه عند دوران الأمر بین التخصیص و النسخ هو الأوّل، لأنّ ظاهر الخاصّ مثل قوله «لاتکرم العالم الفاسق» هو حرمة إکرام العالم الفاسق فی الشرع و أنّه حکم إلهی فی شریعة الإسلام، لا أنّه حکم شرعی من هذا الحین، و إن کان فعلیته من الحین و حیث إنّه أظهر من «أکرم العلماء» یقدّم علیه و یخصّصه.

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

((2))

إنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة إنّما هو لأحد الأمرین:

ص: 414


1- . هامش نهایة الدرایة، ج2، ص484.
2- . المحاضرات (ط ج)، ج 4، ص481.

الأوّل: إنّه یوجب وقوع المکلّف فی الکلفة و المشقّة من دون مقتضٍ لها فی الواقع کما إذا افترضنا أنّ العامّ مشتمل علی حکم إلزامی فی الظاهر و لکن کان بعض أفراده فی الواقع مشتملاً علی حکم ترخیصی، فإنّه لامحالة یوجب إلزام المکلّف و وقوعه بالإضافة إلی تلک الأفراد المباحة فی المشقّة و الکلفة من دون موجب و مقتضٍ لها و هذا من الحکیم قبیح.

الثانی: إنّه یوجب إلقاء المکلّف فی المفسدة أو یوجب تفویت المصلحة عنه، کما إذا افترضنا أنّ العامّ مشتمل علی حکم ترخیصی فی الظاهر، و لکن کان بعض أفراده فی الواقع واجباً أو محرّماً فإنّه علی الأوّل یوجب تفویت المصلحة الملزمة عن المکلّف و علی الثانی یوجب إلقاءَه فی المفسدة و کلاهما قبیح من المولی الحکیم.

و من المعلوم أنّ قبح تأخیر البیان عن وقت الحاجة لا یکون کقبح الظلم لیستحیل انفکاک القبح عنه، بل هو کقبح الکذب (و عبّروا عنه بأنّه یقتضی القبح و لیس علّة تامّه له).

فحینئذٍ اذا طرأ عنوان آخر مثل المصلحة الملزمة التی تکون أقوی من مفسدة التأخیر أو کان فی تقدیم البیان مفسدة أقوی من مفسدة تأخیره، فلا یکون قبیحاً.

و بکلمة أُخری: إنّ حال تأخیر البیان عن وقت الحاجة فی محل الکلام، کحال تأخیره فی أصل الشریعة المقدسة، حیث إنّ بیان الأحکام فیها کان علی نحو التدریج واحداً بعد واحد لمصلحة التسهیل علی الناس، نظراً إلی أنّ بیانها دفعة واحدة عرفیة یوجب المشقّة علیهم و هی طبعاً توجب الإعراض عن الدین، و مصلحة التسهیل علی الناس و رغبتهم فی الدین أقوی من مصلحة الواقع التی تفوت المکلّف.

ص: 415

ثمّ انّ المحقّق الخوئی (قدس سره) بعد بیان هذه المقدّمة قال: و علی ضوء هذه النتیجة یتعین کون الخاصّ المتأخر الوارد بعد حضور وقت العمل بالعامّ مخصّصاً لا ناسخاً.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا البیان، غایة ما یقتضیه هی أنّ التخصیص أیضاً ممکن کما یمکن حمل الخاصّ علی کونه ناسخاً، و أمّا تعین التخصیص فلایستفاد من هذا البیان.

و تحصّل أنّ الخاصّ فی الصورة الثانیة یتعین کونه مخصّصاً للعامّ.

ص: 416

أما الصورة الثالثة:

و هی تقدّم الخاصّ مع ورود العامّ قبل وقت العمل بالخاصّ و فی هذه الصورة یتعین حمل الخاصّ علی کونه مخصّصاً للعامّ و لا یمکن جعل العامّ ناسخاً للخاصّ لاستلزامه محذورین:

المحذور الأوّل: ما تقدّم من المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) من أنّه یلزم أن یکون جعل الحکم لغواً محضاً.

المحذور الثانی: ما أشرنا إلیه سابقاً تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ البعث الحقیقی یقتضی إمکان الانبعاث فمع عدم إمکان الانبعاث فلا بعث حقیقی و مع عدم البعث الحقیقی فلا حکم حتّی یتحقّق النسخ.

ص: 417


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص484.
أما الصورة الرابعة:
اشارة

((1))

استدلّ علی کون الخاص مخصّصاً بوجهین:

الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) یری أنّ الأظهر هو أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ و إلیک نصّ عبارته:

کما یحتمل أن یکون الخاصّ مخصّصاً للعامّ، یحتمل أن یکون العامّ ناسخاً له، و إن کان الأظهر أن یکون الخاصّ مخصّصاً، لکثرة التخصیص، حتی اشتهر «ما من عامّ إلّا و قد خصّ» مع قلّة النسخ فی الأحکام جدّاً، و بذلک یصیر ظهور الخاصّ فی الدوام و لو کان بالإطلاق، أقوی من ظهور العامّ و لو کان بالوضع، کما لایخفی.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علیه:

((3))

إنّ دلیل الحکم یستحیل أن یکون متکفلاً لاستمرار ذلک الحکم و دوامه أیضاً، ضرورة أنّ استمرار الحکم فی مرتبة متأخرة عن نفس الحکم، فلابدّ من فرض وجود الحکم أوّلاً ثم الحکم علیه بالاستمرار کما هو الحال فی جمیع القضایا الحقیقیة التی أُخذ الموضوع فیها مفروض الوجود.

ص: 418


1- . تقدّم الخاصّ مع ورود العامّ بعد وقت العمل بالخاصّ.
2- . کفایةالأصول، ص237.
3- . أجود التقریرات، ج 1، ص511.

و من الطبیعی أنّ الدلیل الواحد لایعقل أن یکون متکفلاً لإثبات نفس الحکم و إثبات ما یتوقف علی کون ذلک الحکم مفروض الوجود فی الخارج و هو استمراره.

فإذن لابدّ له فی الحکم باستمراره إمّا من الرجوع إلی استصحاب عدم النسخ، أو إلی قوله (علیه السلام): «حَلَالَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ»((1)) إلخ.

و لکن کلا الأمرین غیر تام:

أمّا الأوّل: فلأنّه محکوم بدلیل اجتهادی و هو أصالة العموم فی المقام، حیث إنّ الأمر دائر فیه بین التمسّک بها و التمسّک بأصالة عدم النسخ، و المفروض أنّ الأُولی حاکمة علی الثانیة نظراً إلی أنّها من الأُصول اللفظیة و تلک من الأُصول العملیة.

ص: 419


1- . «حدثنا إبراهیم بن هاشم عن یحیی بن أبی عمران عن یونس عن حماد قال سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) یقُولُ مَا خَلَقَ اللَّهُ حَلَالًا وَ لَا حَرَاماً إِلَّا وَ لَهُ حَدٌّ کَحَدِّ الدُّورِ وَ إِنَّ حَلَالَ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ وَ حَرَامَهُ حَرَامٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ...» بصائر الدرجات، ج1، ص148، باب13، ح7. روایة محمّد بن علی بن عثمان الکراجکی- فی کتاب کنز الفوائد- عن محمّد بن علی بن طالب البلدی، عن محمّد بن إبراهیم بن جعفر النعمانی، عن أحمد بن محمّد بن سعید بن عقدة، عن شیوخه الأربعة، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن النعمان الأحول، عن سلام بن المستنیر، عن أبی جعفر الباقر (علیه السلام) قال: قال جدّی رسول الله (صلی الله علیه و آله): أیها الناس حلالی حلال إلی یوم القیامة، و حرامی حرام إلی یوم القیامة؛ ألا و قد بینهما الله- عزّ و جلّ- فی الکتاب، و بینتُهما لکم فی سُنّتی و سیرتی، و بینهما شبهات من الشیطان و بدع بعدی، مَن ترکها صَلُح له أمر دینه، و صلحت له مروّته و عرضه، و من تلبّس بها، و وقع فیها و اتّبعها، کان کمن رعی غنمه قرب الحِمی، و من رعی ماشیته قرب الحِمی نازعته نفسه إلی أن یرعاها فی الحمی، ألا و إنّ لکلّ مَلکٍ حِمیً، ألا و إنّ حمی الله- عزّ و جلّ- محارمه، فتوقّوا حِمی الله و محارمه. (کنز الفوائد، ج1، ص352، الوسائل، ج18، ص124، کتاب القضاء، الباب12 من أبواب صفات القاضی، الحدیث 47 و فی الکافی: باب البدع و الرّأی و المقاییس، ح 19).

و أمّا الثانی: فلأنّ الظاهر منه هو استمرار الشریعة المقدّسة إلی یوم القیامة و أنّها لاتنسخ بشریعة أُخری،و لاینافیه نسخ بعض الأحکام و عدم استمراره، أو فقل: إنّ المراد منه لیس استمرار کل حکم فی هذه الشریعة حتی یتمسّک بعموم هذا الدلیل فی کل مورد یشکّ فیه فی استمرار الحکم.

أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ الاستمرار مرّة یلاحظ بالإضافة إلی نفس الحکم فحسب و مرّة أُخری یلاحظ بالإضافة إلی متعلّقه و موضوعه، و ما أفاده (قدس سره) من أنّ دلیلاً واحداً لایعقل أن یکون متکفّلاً لإثبات نفس الحکم و استمراره معاً، إنّما یتمّ فی الفرض الأوّل، دون الفرض الثانی، حیث لا مانع من استفادة استمرار الحکم من إطلاق متعلّقه و موضوعه، إذا کان الدلیل المتکفّل له فی مقام البیان کقولنا «لاتشرب الخمر» فإنّه کما یدلّ بإطلاقه علی العموم بالإضافة إلی أفراده العرضیة (الخمر المتخذ من العنب أو التمر أو غیرهما) کذلک یدلّ بالإضافة إلی أفراده الطولیة (بحسب الأزمان) لإطلاق المتعلّق و الموضوع و عدم تقیییده بزمان خاصّ مع کون المتکلّم فی مقام البیان.

فالخاصّ بظهوره الإطلاقی یدلّ علی الدوام و الاستمرار و هو فی المقام مقدّم علی أصالة العموم الذی هو أصل لفظی و قد یکون دلالته علی العموم بالظهور الوضعی (کما فی مثل لفظة کل و جمیع) کما أنّه قد یکون دلالته علی العموم بالإطلاق بمقدّمات الحکمة (کما فی النکرة فی سیاق النهی أو النفی) و الخاصّ قرینة عرفیة بالنسبة إلی العامّ لأخصیة دائرته و لذا یقدّم علی العامّ وإن کان ظهور الخاصّ إطلاقیاً و ظهور العامّ وضعیاً.

ص: 420


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص486.
الوجه الثانی: استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی کون الخاصّ مخصّصاً

((1))

إنّ الأحکام الشرعیة بأجمعها ثابتة فی الشریعة الاسلامیة المقدّسة،حیث إنّها هی ظرف ثبوتها، فلا تقدّم و لا تأخر بینها فی هذا الظرف، و إنّما التأخر و التقدّم بینها فی مرحلة البیان فقد یکون العامّ متأخراً عن الخاصّ فی مقام البیان و قد یکون بالعکس، مع أنّه لا تقدّم و لا تأخّر بینهما بحسب الواقع.

فالعامّ المتأخر الوارد بعد حضور وقت العمل بالخاصّ و إن کان بیانه متأخراً عن بیان الخاصّ زماناً، إلّا أنّه یدلّ علی ثبوت مضمونه فی الشریعة المقدّسة مقارناً لثبوت مضمون الخاصّ، فلا تقدّم و لا تأخّر بینهما فی مقام الثبوت و الواقع.

فالنتیجة أنّ الروایات الصادرة من الأئمة الأطهار (علیهم السلام) من العمومات و الخصوصات بأجمعها تکشف عن ثبوت مضامینها من الأوّل و لا إشکال فی هذه الدلالة و الکشف و من هنا یصّح نسبة حدیث صادر عن الإمام المتأخر إلی الإمام المتقدّم کما فی الروایات.

فالعامّ الصادر عن الصادق (علیه السلام) مقارن للخاصّ الصادر عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) بل عن رسول الله (صلی الله علیه و آله)، و التأخیر إنّما هو فی بیانه، فلا موجب لتوهّم کونه ناسخاً للخاصّ، بل لامناص من جعل الخاصّ مخصّصاً له، فالخاصّ کاشف عن تخصیص الحکم من الأوّل لا من حین صدوره و بیانه.

ص: 421


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص488- 489.
أما الصورة الخامسة:

و هی الخاصّ المنفصل عن العامّ إذا کانا معلومی التاریخ و تقارنا ففی هذه الصورة لا مجال لاحتمال النسخ لا عرفاً و لا عقلاً، لأنّ العامّ و إن کان ظهوره منعقداً فی العموم إلّا أنّه بعد ملاحظة الخاصّ المنفصل لاتصل إلی مرحلة الحجیة حتی یثبت حکم العام و مع عدم ثبوت حکم العامّ فلایتصور فیه النسخ.

ص: 422

أما الصورة السادسة و السابعة:

و هما الخاصّ المنفصل عن العامّ فیما کانا مجهولی التاریخ أو کان أحدهما مجهول التاریخ و الآخر معلوم التاریخ، ففیهما وجوه من جهة تقدّم الخاصّ علی العامّ أو تقدّم العامّ علی الخاصّ و أیضاً من جهة مجیء الدلیل المتأخّر قبل وقت العمل بالدلیل المتقدّم أو بعده و یظهر حکم جمیع هذه الوجوه من الصور الآتیة، فإن قلنا بإمکان النسخ فی بعض هذه الصور یلزم هنا الرجوع إلی الأصل العملی بحسب تلک الصورة و إن لم نقل بإمکانه یکون الخاصّ مخصّصاً.

ص: 423

أما الصورة الثامنة:

و هی الخاصّ المتّصل بالعامّ ففی هذه الصورة یکون الخاصّ مخصّصاً متصلاً و لاینعقد ظهور العامّ فی عمومه و علی هذا لایبقی وجه لاحتمال النسخ، لأنّ النسخ هو رفع الحکم الثابت و حکم العامّ بعمومه غیر ثابت بل لایعقل جعل الحکم و رفعه فی آنٍ واحد کما صرّح به المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)).

فتحصّل: أنّ الخاصّ فی جمیع هذه الصور یکون مخصّصاً للعامّ و لایکون الخاصّ ناسخاًً للعامّ و لا بالعکس.

ص: 424


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص478.
التنبیه الأوّل:

نحن و إن استظهرنا مخصّصیة الدلیل الخاصّ بالنسبة إلی العامّ و لکن ذلک من جهة کونه أظهر من النسخ((1))، لا من جهة امتناع النسخ، فکان النسخ ممکناً و لو قبل حضور وقت العمل، و ذلک لأنّ النسخ هو انتفاء الحکم بانتهاء أمده، بمعنی أنّ المقتضی لجعل الحکم ینتهی فی ذلک الزمان ثبوتاً، فلسان دلیل الناسخ و إن کان رفع الحکم الثابت إثباتاً، إلّا أنّه فی الحقیقة دفع للحکم الثابت ثبوتاً بمعنی انتهاء مقتضیه، و الغرض من جعل الحکم المنسوخ هو وجود المقتضی و المصلحة الداعیة إلی جعله مع أنّه تعالی عالم بعدم استمرار وجود المقتضی للحکم المنسوخ فلایلزم الإشکالات الثلاثة التی توهّم فی المقام من أنّ النسخ مستلزم إمّا لصدور اللغو و إمّا لکونه جاهلاً بحقیقة الحال تعالی الله عن ذلک و إمّا للبداء المحال فی حقّه تبارک و تعالی و هو تغیر إرادته تعالی.

فهو تبارک و تعالی عالم بحقیقة الحال و لم یتغیر إرادته بل تعلّقت إرادته بالحکم المنسوخ إلی زمان النسخ من حین جعله.

ولکن لم یظهر ذلک لوجود مصلحة فی ذلک أو لدفع مفسدة عن عباده، و لابدّ من جعل المنسوخ لوجود مصلحة ملزمة فی جعله أو لوجود مفسدة فی عدم جعله.

و من ذلک یظهر أنّ البداء فی التکوینیات لیس بمعنی تغیر إرادته تعالی حتّی یکون مستحیلاً، بل البداء الذی نعتقد به هو بمعنی أنّه یظهر ثبوت شیء لوجود مصلحة فی إظهاره مع علمه بعدم تحقّق ذلک.

ص: 425


1- . کفایة الأصول، ص237- 238.

و الوجه فی ذلک هو أنّه یخبر عن وجود المقتضی لذلک الشیء و لکن یخفی علی العباد وجود المانع عن ذلک المتقضی، و ذلک لمصلحة و هی إمّا علم العباد بوجود المقتضی أو المانع (کما فی قضیة من أساء إلی النبی (صلی الله علیه و آله) فأخبر النبی (صلی الله علیه و آله) بأنّه یقتل بسمّ الحیة و لکن لم یتحقّق موته فأخبر النبی (صلی الله علیه و آله) بأنّ المانع من ذلک هو الصدقة التی أعطاها و لم یطّلع علیها إلّا الله تعالی فأخبر بذلک النبی (صلی الله علیه و آله) و أیضاً أراه الحیة حتّی یعتقد بعلم النبی (صلی الله علیه و آله) بالغیب)((1)) و إمّا تحریک العباد و بعثهم

ص: 426


1- . علی بن محمد عن أحمد بن محمد عن محمد بن علی عن عبد الرحمن بن محمد الأسدی عن سالم بن مکرم عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ: مَرَّ یهُودِی بِالنَّبِی (صلی الله علیه و آله) فَقَالَ السَّامُ عَلَیکَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) عَلَیکَ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ إِنَّمَا سَلَّمَ عَلَیکَ بِالْمَوْتِ قَالَ الْمَوْتُ عَلَیکَ قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله) وَ کَذَلِکَ رَدَدْتُ ثُمَّ قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله) إِنَّ هَذَا الْیهُودِی یعَضُّهُ أَسْوَدُ فِی قَفَاهُ فَیقْتُلُهُ قَالَ فَذَهَبَ الْیهُودِی فَاحْتَطَبَ حَطَباً کَثِیراً فَاحْتَمَلَهُ ثُمَّ لَمْ یلْبَثْ أَنِ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) ضَعْهُ فَوَضَعَ الْحَطَبَ فَإِذَا أَسْوَدُ فِی جَوْفِ الْحَطَبِ عَاضٌّ عَلَی عُودٍ فَقَالَ یا یهُودِی مَا عَمِلْتَ الْیوْمَ قَالَ مَا عَمِلْتُ عَمَلًا إِلَّا حَطَبِی هَذَا احْتَمَلْتُهُ فَجِئْتُ بِهِ وَ کَانَ مَعِی کَعْکَتَانِ فَأَکَلْتُ وَاحِدَةً وَ تَصَدَّقْتُ بِوَاحِدَةٍ عَلَی مِسْکِینٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) بِهَا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ وَ قَالَ إِنَّ الصَّدَقَةَ تَدْفَعُ مِیتَةَ السَّوْءِ عَنِ الْإِنْسَانِ. الکافی، ج4، ص5، أبواب الصدقة، باب أنّ الصدقة تدفع البلاء، ح3. أیضاً:حدثنا علی بن عیسی رضوان الله علیه قال حدثنا محمد بن علی ماجیلویه عن أحمد بن أبی عبد الله البرقی عن أبیه عن محمد بن سنان المجاور عن أحمد بن نصر الطحان عن أبی بصیر قال سمعت أبا عبد الله الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) أَنَّ عِیسَی رُوحَ اللَّهِ مَرَّ بِقَوْمٍ مُجَلِّبِینَ فَقَالَ مَا لِهَؤُلَاءِ قِیلَ یا رُوحَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ تُهْدَی إِلَی فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِی لَیلَتِهَا هَذِهِ قَالَ یجَلِّبُونَ الْیوْمَ وَ یبْکُونَ غَداً فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ وَ لِمَ یا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِأَنَّ صَاحِبَتَهُمْ مَیتَةٌ فِی لَیلَتِهَا هَذِهِ فَقَالَ الْقَائِلُونَ بِمَقَالَتِهِ صَدَقَ اللَّهُ وَ صَدَقَ رَسُولُهُ وَ قَالَ أَهْلُ النِّفَاقِ مَا أَقْرَبَ غَداً فَلَمَّا أَصْبَحُوا جَاءُوا فَوَجَدُوهَا عَلَی حَالِهَا لَمْ یحْدُثْ بِهَا شَی ءٌ فَقَالُوا یا رُوحَ اللَّهِ إِنَّ الَّتِی أَخْبَرْتَنَا أَمْسِ أَنَّهَا مَیتَةٌ لَمْ تَمُتْ فَقَالَ عِیسَی (علیه السلام) یفْعَلُ اللَّهُ ما یشاءُ فَاذْهَبُوا بِنَا إِلَیهَا فَذَهَبُوا یتَسَابَقُونَ حَتَّی قَرَعُوا الْبَابَ فَخَرَجَ زَوْجُهَا فَقَالَ لَهُ عِیسَی (علیه السلام) اسْتَأْذِنْ لِی إِلَی صَاحِبَتِکَ قَالَ فَدَخَلَ عَلَیهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ رُوحَ اللَّهِ وَ کَلِمَتَهُ بِالْبَابِ مَعَ عِدَّةٍ قَالَ فَتَخَدَّرَتْ فَدَخَلَ عَلَیهَا فَقَالَ لَهَا مَا صَنَعْتِ لَیلَتَکِ هَذِهِ قَالَتْ لَمْ أَصْنَعْ شَیئاً إِلَّا وَ قَدْ کُنْتُ أَصْنَعُهُ فِیمَا مَضَی إِنَّهُ کَانَ یعْتَرِینَا سَائِلٌ فِی کُلِّ لَیلَةِ جُمُعَةٍ فَنُنِیلُهُ مَا یقُوتُهُ إِلَی مِثْلِهَا وَ إِنَّهُ جَاءَنِی فِی لَیلَتِی هَذِهِ وَ أَنَا مَشْغُولَةٌ بِأَمْرِی وَ أَهْلِی فِی مَشَاغِیلَ فَهَتَفَ فَلَمْ یجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ هَتَفَ فَلَمْ یجَبْ حَتَّی هَتَفَ مِرَاراً فَلَمَّا سَمِعْتُ مَقَالَتَهُ قُمْتُ مُتَنَکِّرَةً حَتَّی أَنَلْتُهُ کَمَا کُنَّا نُنِیلُهُ فَقَالَ لَهَا تَنَحَّی عَنْ مَجْلِسِکِ فَإِذَا تَحْتَ ثِیابِهَا أَفْعًی مِثْلَ جِذْعَةٍ عَاضٍّ عَلَی ذَنَبِهِ فَقَالَ (علیه السلام) بِمَا صَنَعْتِ صَرَفَ اللَّهُ عَنْکِ هَذَا. الأمالی (للصدوق) ص500، المجلس الخامس و السبعون، ح13.

حسب وجود هذا الأمر الذی تحقّق فیه البداء مثل البداء فی ظهور الفرج.

ص: 427

التنبیه الثانی:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) احتمل فی ذلک ارتقاء نفس النبی (صلی الله علیه و آله) أو الولی (علیه السلام) إلی عالم المحو و الإثبات و هو عالم المثال و لذلک لم یطّلع علی ما فی اللوح المحفوظ و قال:((1))

أمّا من شملته العنایة الإلهیة و اتّصلت نفسه الزکیة بعالم اللوح المحفوظ الذی هو من أعظم العوالم الربوبیة و هو أُم الکتاب، تنکشف عنده الواقعیات علی ما هی علیها.

فإنّ ما أفاده هنا حقیق بالنسبة إلی الأنبیاء السابقین و أوصیائهم و الأولیاء غیر الکاملین، أمّا النبی (صلی الله علیه و آله) فهو العقل الأوّل کما ورد «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِی»((2)) و هکذا أیضاً ورد فی أوصیائه (علیهم السلام).

و العقل الأوّل هو من عالم الجبروت و هو محیط باللوح المحفوظ و الکتاب المبین، ثم إنّهم مع حفظ مرتبتهم فی عالم العقل الأوّل یحضرون فی جمیع المراتب

ص: 428


1- . کفایة الأصول، ص240.
2- . قَالَ رَسُولُ الله (صلی الله علیه و آله) «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی» عوالی اللئالی، ج4 ص99؛ بحار الأنوار، ج1، ص97 عن العوالی. أیضاً: جابر بن عبد الله، قال: سألت رسول الله صلّی الله علیه و آله عن أوّل ما خلق الله تعالی، فقال (صلی الله علیه و آله): «یا جابر، أوّل ما خلق اللّه نور نبیک، اشتقّه من نوره...». غرر الأخبار، الدیلمی، ص195. و أیضاً فی البحار ج15، ص24: «عَنْ جَابِرٍ أَیضاً قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی ابْتَدَعَهُ مِنْ نُورِهِ وَ اشْتَقَّهُ مِنْ جَلَالِ عَظَمَتِه» و فی ج25، ص21: «عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) أَوَّلُ شَی ءٍ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَی مَا هُوَ؟ فَقَالَ: نُورُ نَبِیکَ یا جَابِرُ خَلَقَهُ اللَّهُ ثُمَّ خَلَقَ مِنْهُ کُلَّ خَیر» و فی ج54، ص70: «عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ نُورِی فَفَتَقَ مِنْهُ نُورَ عَلِی».

المخلوقة لأنّهم خلیفة الله تبارک و تعالی فی جمیع العوالم من الملک إلی الملکوت و الجبروت.

و هذا هو معنی «جمع الجمع» لجمیع الحقائق الربوبیة فلا معنی لارتقائهم (علیهم السلام) إلی عالم اللوح المحفوظ بل هم متحدون مع اللوح المحفوظ کما فسّر (الْکِتابِ الْمُبینِ)((1)) بوجود أمیر المؤمنین (علیه السلام) .((2))

ص: 429


1- . یوسف(12):1؛ الشعراء(26):2؛ القصص(28):2؛ الزخزف(43):2؛ الدخان(44):2.
2- . قال الإمام موسی الکاظم ذیل آیة: (حم وَ الْکِتابِ الْمُبِینِ) «أَمَّا (حم) فَهُوَ مُحَمَّدٌ (صلی الله علیه و آله) وَ هُوَ فِی کِتَابِ هُودٍ الَّذِی أُنْزِلَ عَلَیهِ وَ هُوَ مَنْقُوصُ الْحُرُوفِ وَ أَمَّا (الْکِتابُ الْمُبِین) فَهُوَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِی (علیه السلام) ...» الکافی، ج1، ص478.

ص: 430

البحث الخامس: المطلق و المقید و المجمل و المبین

اشارة

فیه فصول سبعة:

الفصل الأوّل: المراد من المطلق

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»

الفصل الثالث: فی مقدّمات الحکمة

الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

الفصل السابع: المجمل والمبین

ص: 431

ص: 432

الفصل الأوّل: المراد من المطلق

اشارة

ص: 433

ص: 434

المراد من المطلق

و فیه أمران:

الأمر الأوّل: تعریف «المطلق»
اشارة

نذکر تعاریف ثلاثة:

التعریف الأوّل:
اشارة

إنّ أکثر الأصولیین علی ما صرّح به المحقّق القمی (قدس سره) ((1))عرّفوه بما دلّ علی شائع فی جنسه.((2))

ص: 435


1- . القوانین، (ط.ق): ص317 و (ط ج): ج1، ص321: قال فی تفسیره: «أی: علی حصّة مهملة محتملة الصدق علی حصص کثیرة مندرجة تحت جنس تلک الحصّة، و هو المفهوم الکلّی الّذی یصدق علی هذه الحصّة و علی غیرها من الحصص».
2- . قال فی مطارح الأنظار (ط ج): ج 2، ص241: عرّف المطلق بأنّه: ما دلّ علی شایع فی جنسه. و فسّره غیر واحد منهم بأنّه: حصّة محتملة لحصص کثیرة ممّا یندرج تحت أمر مشترک و الظاهر أنّه تفسیر للمدلول. (منهم صاحب المعالم فی المعالم، ص150، و صاحب الفصول فی الفصول: ص217، و العضدی فی شرحه علی المختصر: ص284، و نسبه فی ضوابط الأصول: ص221 إلی المشهور، و فی القوانین، (ط ج): ج1، ص321 إلی أکثر الأصولیین.) و فی مفاتیح الأصول، ص193: اختلف الأصولیون فی تعریف المطلق المتکرر علی ألسنتهم فعرفه صاحب المعالم و الفاضل البهائی و الحاجبی و العضدی و الطوسی و التفتازانی و الأبهری کما عن الآمدی أنّه ما دلّ علی شائع من جنسه قال العضدی ... و عرفه المحقق فی المعارج و العلامة فی التهذیب و المبادی و ابنه فی شرحه و الشهیدان فی الذکری و الروضة و البیضاوی فی المنهاج و الأسنوی و العبری و الأصفهانی کما عن الرازی أنّه اللّفظ الدالّ علی الماهیة لا بقید وحدة و لاتعدد و صرّح العلامة و السید عمید الدّین و الرازی بأنّ التعریف الأول خطاء ... و ظهر من العلامة فی النهایة أنّ المطلق یطلق علی کلا القسمین فإنّه قال قد عرفت فیما سبق أنّ المطلق هو اللّفظ الدال علی الماهیة من حیث هی هی و نرید هنا أعم من ذلک.
إیراد علی هذا التعریف:

قد استشکل علیه صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) و بعض الأعلام طرداً و عکساً.((2))

جواب عن الإیراد:

أجابهم صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) بأنّ التعریف المذکور شرح الاسم و هو ممّا یجوز أن لایکون بمطّرد و لابمنعکس.

و مراده من «شرح الاسم» هو شرح اللفظ کما تقدّم بیان ذلک عند إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علیه.

ص: 436


1- . الفصول الغرویة، ص218. إنّ صاحب الفصول ذکر للمطلق تعریفا آخر، و هو قوله: «المطلق ما دلّ علی معنی شائع فی جنسه شیوعا حکمیا» ولکن نوقش فیها فی مناهج الوصول، ج2، ص313.
2- . أمّا عدم الإطراد: فلشموله لألفاظ العموم البدلی، کمن و ما و أی الاستفهامیة، فإنّها تدلّ علی معنی شائع فی أفراد جنسها مع أنّها لیست من مصادیق المطلق. و أمّا عدم الانعکاس: فلعدم شموله للألفاظ الدالّة علی نفس الماهیة، کأسماء الأجناس، مع أنّهم عدّوها من المطلق.
3- . کفایة الأصول، ص243.
التعریف الثانی:

الشهید الثانی (قدس سره) عرّفه فی تمهید القواعد((1)) بالماهیة و قال فی بیان الفرق بینه و بین العام: «إنّ المطلق هو الماهیة لا بشرط شیء و العامّ هو الماهیة بشرط الکثرة المستغرقة».

التعریف الثالث:

المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی و المحقّق المظفّر (قدس سرهم) قالوا بأنّه لیس للأُصولیین اصطلاح جدید فی لفظ «المطلق» بل المراد من «المطلق» عندهم هو المعنی اللغوی و هو الإرسال و المطلق هو المرسل الذی لم یقید بشیء کما یقال «فلان مطلق العنان» بمعنی أنّه غیر مقید بشیء و هذا هو الصحیح فی المقام فلانحتاج إلی البحث عن التعاریف و ما أُورد علیها.((2))

ص: 437


1- . تمهید القواعد، ص222.
2- . راجع أجود التقریرات، ج2، ص413. و فی المحاضرات، ج4، ص510: المطلق فی اللغة بمعنی المرسل الذی لم یقید بشی ء فی مقابل المقید الذی هو مقید به، ومنه یقال: إنّ فلاناً مطلق العنان یعنی أ نّه غیر مقید بشی ء. وأمّا عند الأصولیین فالظاهر أنّه لیس لهم فی إطلاق هذین اللفظین اصطلاح جدید، بل یطلقونهما بمالهما من المعنی اللغوی والعرفی. و قال النائینی فی الفوائد، ج2، ص562: الإطلاق هو الإرسال، یقال: أطلق الدّابة- أی أرسلها و أرخی عنانها- فی مقابل تقییدها. و الظّان أن لایکون للأصولیین اصطلاح خاصّ فی الإطلاق و التقیید غیر ما لهما من المعنی اللغوی و العرفی. و قال المحقق المظفر فی أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص224: و الظاهر أنّه لیس للُاصولیین اصطلاح خاصّ فی لفظی «المطلق» و «المقید» بل هما مستعملان بما لهما من المعنی فی اللغة، فإنّ المطلق مأخوذ من الإطلاق و هو الإرسال و الشیوع، و یقابله التقیید تقابلَ الملکة و عدمها، و الملکة: التقیید، و الإطلاق: عدمها.
الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید
اشارة

فیه أقوال و اهمها قولان:((1))

القول الأوّل:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید هو تقابل الملکة و العدم.((2))

ص: 438


1- . إنّ فی تقابل الإطلاق و التقیید أقوالا أخر. فالأقوال اربعة: منها: أنّ التقابل بینهما تقابل العدم و الملکة، و هو المنسوب إلی سلطان العلماء و من تبعه من المتأخّرین، کما فی فوائد الأصول، ج2، ص565. و منها: أنّه تقابل التضادّ، و هو رأی المشهور إلی زمان سلطان العلماء، کما فی فوائد الأصول، ج1، ص565 و استدلّ له فی دراسات فی علم الأصول، ج1، ص340. و منها: تقابل التضادّ فی مرحلة الثبوت، و العدم و الملکة فی مرحلة الإثبات. و هذا ما اختاره المحقّق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی فی المحاضرات، ج2، ص173. و منها: أنّه تقابل التناقض. و هو مذهب الشهید الصدر فی الدروس، ج2، ص90- 91.
2- . أجود التقریرات، ج 1، ص156 و ص295: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید أنّما هو تقابل العدم و الملکة و إنّ امتناع التقیید یساوق امتناع الإطلاق. و أیضا: أجود التقریرات، ج 1، ص520: إنّه لا إشکال فی أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید علی تقدیر کون الإطلاق مأخوذا فی الموضوع له کما نسب ذلک إلی المشهور یکون من قبیل تقابل التضاد لأنّ کلا منهما علی ذلک أمر وجودی یمتنع اجتماعه مع الآخر فی موضوع واحد (و أمّا) علی تقدیر خروج الإطلاق عن الموضوع له کما ذهب إلیه سلطان العلماء و من تبعه من المحققین المتأخرین قدس الله تعالی أسرارهم فلا محالة یکون الإطلاق أمرا عدمیا أعنی به عدم التقیید و علیه فهل التقابل بینه و بین التقیید من تقابل الإیجاب و السلب (أو) أنّه من تقابل العدم و الملکة (الحق) هو الثانی. و فی منتهی الأصول للبجنوردی، ج1، ص376: أنّ تقابل الإطلاق و التقیید کما سنبین تقابل العدم و الملکة؛ بمعنی أنّه فی کلّ مورد لایتطرّق فیه التقیید و یکون محالا فالإطلاق أیضا یکون محالا.

فحقیقة الإطلاق هی لحاظ القید و عدم أخذه و حقیقة التقیید هی لحاظ القید و أخذه، فعلی هذا إنّ الإطلاق و التقیید متلازمان فی الإمکان و الاستحالة فإذا أمکن التقیید أمکن الإطلاق، و إذا استحال التقیید یلزم منه استحالة الإطلاق.

القول الثانی:

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال بالتفصیل بین مقامی الثبوت و الإثبات فإنّ التقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضاد و فی مقام الإثبات تقابل الملکة و العدم و الحق هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))، فإنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ لحاظ الخصوصیة أمر جامع بین الإطلاق و التقیید فی غایة المتانة و لذلک نقول بأنّ التقابل بینهما فی مقام الإثبات تقابل العدم و الملکة، و لکن ما اختاره من أنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو عدم أخذ الخصوصیة فلایخلو من إشکال فإنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو لحاظ الخصوصیة و رفضه و رفض الخصوصیة أمر وجودی فالتقابل بینهما فی مقام الثبوت تقابل التضّاد((2)).

و یلزم من ذلک نتیجة مهمّة و هی أنّ استحالة التقیید بشیء فی مقام الثبوت مستلزم لضرورة الإطلاق فی هذا المقام.

ص: 439


1- . المحاضرات (ط ج)، ج 1، ص529: الصحیح هو التفصیل بین مقامی الإثبات والثبوت.
2- . تقدم بیانه مفصلاً فی المجلد الثانی ص209؛ نهایة الدرایة فی شرح الکفایة (ط ق)، ج 1، ص667 و (ط ج) ج 2، ص493.

ص: 440

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»

اشارة

ص: 441

ص: 442

ألفاظ «المطلق»

فالأُمور خمسة:

هناک ألفاظ یطلق علیها «المطلق» و یبحث عما وضع له بعض هذه الألفاظ مثل اسم الجنس و علم الجنس و المفرد المعرف ب- «ال» و الجمع المعرف ب- «ال» و النکرة. ((1))

ص: 443


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص160: [المقام] الأوّل فی بیان الجنس و اسم الجنس أفرادیا و جمعیا و علم الجنس و المعرّف بلام الجنس و غیرها و النکرة و الجمع و اسم الجمع. و فی مفاتیح الأصول، ص156: اختلف الأصولیون فی إفادة اسم الجنس المعرف باللاّم نحو البیع و الرّجل العموم وضعا علی قولین الأوّل أنّه لایفیده و هو للمحقق و الشّهید الثانی و حکاه عن أبی هاشم و جماعة من المحققین و فی شرح الوافیة عن إلی آخره إلی أکثر البیانیین و الأصولیین و فی التّمهید المفرد المحلّی باللام و المضاف للعموم عند جماعة من الأصولیین و المعروف من مذهب البیانیین و نقله الآمدی عن الأکثرین و نقله الفخر الرّازی عن الفقهاء و المبرّد ثم اختاره هو و مختصر کلام عکسه و هو الأظهر الثانی أنّه یفیده وضعا و أنّه موضوع له و هو للشیخ فی العدّة و الفاضل البهائی فی الزبدة و المحکی عن البیضاوی و الحاجبی و أبی علی الجبائی و المبرّد و الشافعی و جماعة من الفقهاء للأوّلین.
الأمر الأوّل: اسم الجنس
اشارة

فیه موضعان:

المراد من اسم الجنس المعنی الأعم من اسم الجنس المنطقی فیعمّ النوع و الصنف مثل «إنسان» و «فرس» و «حیوان» و «رجل» من الجواهر و مثل «سواد» و «بیاض» من الأعراض و مثل «زوج» و «مالک» من العرضیات.

الموضع الأوّل: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدّمات الحکمة؟
اشارة

اختلف الأعلام فی أنّ الدلالة علی الإطلاق فی أسماء الأجناس بالوضع أو بمقدّمات الحکمة.

القول الأوّل:
اشارة

إنّ القدماء قالوا بأنّ الإطلاق فیها وضعی فیکون الإطلاق عندهم داخلاً فی المعنی الموضوع له بحیث لو استعمل فی المقید یکون مجازاً.

و هذا یتصوّر علی وجهین:

الأوّل: أن یکون الموضوع له هو المعنی المطلق (بأن یعتبر لا بشرط).

الثانی: أن یکون الموضوع له هو المعنی بشرط الإطلاق (بأن یعتبر بشرط شیء).

القول الثانی:
اشارة

قال سلطان العلماء (قدس سره) فی حاشیة معالم الأصول((1)) بأنّ الألفاظ موضوعة

ص: 444


1- . السید الأجل الحسین بن رفیع الدین محمّد الحسینی الآملی الأصبهانی المتوفی سنة 1064. و طبعت هذه الحاشیة ضمن المعالم المطبوع سنة 1378، المکتبة العلمیة الإسلامیة: 155.

للمعانی بما هی هی و الإطلاق یستفاد من مقدّمات الحکمة، و تبعه فی ذلک جمیع الأعلام المتأخرین.

و الحق هو ما أفاده سلطان العلماء (قدس سره) .

استدلّ علی ذلک بوجوه:
الوجه الأوّل:

و هو التبادر، لأنّ المتبادر من اسم الجنس لیس إلّا ذات الماهیة من دون انسباق الخصوصیات، فالإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له.

الوجه الثانی:

و هی صحة التقسیم، فإنّ اللفظ الدالّ علی اسم الجنس ینقسم بما له من المعنی إلی ذات الماهیة مجرّدة عن جمیع الخصوصیات و ذات الماهیة مع جمیع تلک الخصوصیات و صحّة التقسیم علامة لوضع اللفظ للمعنی الأعمّ منهما، فالإطلاق خارج عن المعنی الموضوع له، لأنّ الإطلاق أیضاً خصوصیة من الخصوصیات.

و إلی غیر ذلک من الوجوه التی لایهمّنا التعرّض لها.

بل المهمّ هنا تعیین الموضوع له مع ملاحظة اعتبارات الماهیة، بأن نبحث عن کونها دخیلة فی الموضوع له أو لا؟

ص: 445

الموضع الثانی: فی ما وضع له «اسم الجنس»
اشارة

((1))

القول الأوّل: الکلی الطبیعی
اشارة

و فی تفسیره ثلاث نظریات:

قال الأعلام: إنّ «اسم الجنس» وضع للکلی الطبیعی و هی الماهیة إلّا أنّهم اختلفوا فی أنّ الکلی الطبیعی هی الماهیة المهملة أو هی الماهیة اللابشرط المقسمی أو هی الماهیة اللابشرط القسمی.

ص: 446


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص161: اسم الجنس عبارة عن اللفظ الموضوع لتلک الماهیة المطلقة من دون ملاحظة الأفراد و التعدّد علی ما هو ظاهر إطلاقاتهم فلیس المثنّی و المجموع من اسم الجنس و إن أشیر بهما إلی الجنس- کما فی لا أتزوّج الثیبات فیما أشرنا إلیه- و قد صرّح بوضع أسماء الأجناس للماهیة المطلقة غیر واحد من محقّقی أهل العربیة- کنجم الأئمّة و الأزهری- و هو ظاهر التفتازانی فی مطوّله. و ذهب بعضهم إلی وضعه للفرد المنتشر- کالنکرة- و الأوّل هو الأظهر، لتبادر نفس الجنس عند سماعه مجرّدا عن اللواحق الطارئة، و لأنّه المفهوم منه عند دخول اللام علیه أو «لا» الّتی لنفی الجنس، و لو کان موضوعا للفرد المنتشر لکان مجازا أو موضوعا هناک بالوضع الجدید. و کلاهما فی غایة البعد، إذ لا وجه لالتزام التجوّز فی مثله مع کثرته و عدم خروجه عن الظاهر- کما یظهر بالتأمّل فی الإطلاقات- و القول باختصاص وضعه بتلک الحال کأنّه خروج عن ظاهر الطریقة فی الأوضاع، و لایرد ذلک فی النکرة نظرا إلی کونها حقیقة فی الفرد المنتشر، إذ یمکن أن یقال بکون نفس اللفظ فیها دالّا علی الجنس و التنوین علی الخصوصیة. فوضعه للجنس المطلق لاینافی إطلاقه علی الفرد مع دلالة شی ء آخر علی إرادة الخصوصیة بخلاف ما لو قیل بوضعه للفرد، إذ لایمکن إرادة الجنس منه إذن علی الحقیقة. فظهر بما بینّا أنّ النکرة دالّة علی الفرد المنتشر لا بوضع واحد بل بوضعین، فإنّ نفس اللفظ تدلّ علی الجنس المطلق و التنوین اللاحق له علی کون ذلک الجنس فی ضمن فرد، فیدلّ مجموع الاسم و التنوین علی الفرد المنتشر، و هذا هو المراد بکون النکرة حقیقة فی الفرد المنتشر لا بمعنی أنّها موضوعة للفرد المنتشر بوضع مخصوص، فلا تغفل. و من هنا یظهر مؤیدا آخر لما ذکرناه من وضع أسماء الأجناس للماهیات المطلقة.
التفسیر الأوّل:

إنّ الشیخ و المحقّق الطوسی، قالا((1)): إنّ الکلی الطبیعی الماهیة اللابشرط القسمی (نقله العلامة الآملی (قدس سره) فی درر الفوائد عند تعلیقته علی کلام المحقّق السبزواری (قدس سره) فی المنظومة) و تبعهما المحقّق النائینی و السید الصدر".((2))

التفسیر الثانی:

المحقّق السبزواری (قدس سره) قال: إنّ الکلی الطبیعی الماهیة اللابشرط المقسمی.((3))

و قد یستظهر ذلک من کلام المحقّق الخراسانی (قدس سره) .((4))

ص: 447


1- . راجع الشفاء- قسم المنطق: 42- المقالة الأولی من الفنّ الأوّل، الفصل الثامن، عند قوله: (و ذلک لأنّ معنی دلالة اللفظ، هو أن یکون اللفظ اسما لذلک المعنی علی سبیل القصد الأوّل). و ذکر ذلک العلّامة الحلّی فی الجوهر النضید فی شرح التجرید: 7- سطر 5- 6، و منطق التجرید لأستاذه المحقّق الطوسی و ذکر هذه الحکایة عنهما فی الفصول الغرویة، ص17- 18.
2- . أجود التقریرات، ج2، ص421؛ بحوث فی علم الأُصول، موسسة دائرة المعارف، ج3، ص406.
3- . المنظومة، (ط.ق). ص97. قال الحکیم السبزواری فی شرح المنظومة، ص90: مطلقة، مخلوطة، مجردة عند اعتبارات علیها موردة فالحکیم السبزواری یشیر إلی أنّ التقسیم لیس للماهیة بما هی هی بل للماهیة الملحوظة، و ذلک لأنّ الماهیة ما لم تقع فی أُفق اللحاظ و لم تر نوراً بالوجود الخارجی أو الذهنی یساوق العدم فهی کالمعدوم المطلق لایخبر عنها فلذلک قال الشیخ الرئیس: ما لا وجود له لا ماهیة له، فأی حکم علی الماهیة فرع تنوّرها بنور الوجود و لو وجوداً ذهنیاً غایة الأمر یکون الوجود الذهنی مغفولًا عنه، و الإنسان یحکم علیها بواسطة تنوّرها بالوجود.إرشاد العقول، ج2، ص677.
4- .[4] کفایة الأصول، ص243: و بالجملة الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنی و صرف المفهوم الغیر الملحوظ معه شی ء أصلا الذی هو المعنی بشرط شی ء و لو کان ذاک الشی ء هو الإرسال و العموم البدلی و لا الملحوظ معه عدم لحاظ شی ء معه الذی هو الماهیة اللابشرط القسمی و ذلک لوضوح صدقها بما لها من المعنی بلا عنایة التجرید عما هو قضیة الاشتراط و التقیید فیها کما لایخفی مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم علی فرد من الأفراد و إن کان یعم کل واحد منها بدلا أو استیعابا و کذا المفهوم اللابشرط القسمی فإنّه کلی عقلی لا موطن له إلّا الذهن لایکاد یمکن صدقه و انطباقه علیها بداهة أنّ مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجا فکیف یمکن أن یتحد معها ما لا وجود له إلا ذهنا. هذا ولکن قال السید الصدر بعد الإیراد بمقالة المحقق السبزواری فی البحوث، ج7، ص470: فالصحیح: ما ذهب إلیه صاحب الکفایة، من أنّ الکلّی الطبیعی، هو عبارة عن الماهیة الملحوظة بنحو اللّابشرط القسمی، بمعنی أنّ ذات الملحوظ بهذا اللحاظ هو، الکلّی الطبیعی، لأنّه جامع صادق علی واجد القید و فاقده، کالإنسان مثلا، لا أنّه عین اللحاظ. و قد استشکل فی ذلک السید الخوئی، حیث ذکر، أنّ الکلّی الطبیعی هو ما یکون صالحاً للانطباق علی أفراده خارجا، بینما الماهیة اللّابشرط القسمی هو، ما کان منطبقاً بالفعل علی أفراده و فانیاً فیها، و علیه، فلایکون أحدهما عین الآخر. إلّا أنّ هذا الاستشکال غیر تام.
التفسیر الثالث:

المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: الکلی الطبیعی الماهیة المهملة و قال أیضاً: إنّ الماهیة المهملة غیر الماهیة اللابشرط المقسمی خلافاً لبعض الأعلام کما أنّ الماهیة المهملة التی هی الکلی الطبیعی غیر الماهیة المهملة التی ذکرها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) (فما توهّمه جمع من الأعاظم من أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) تابع فی رأیه هنا المحقّق الإصفهانی (قدس سره) خاطئ جدّاً).((1))

القول الثانی: ذات المعنی

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال: إنّ «اسم الجنس» وضع لذات المعنی و لکن الماهیة فی مرحلة الوضع ملحوظة بنحو اللابشرط القسمی و اللحاظ المذکور خارج عن المعنی الموضوع له و تبعه فی ذلک المحقّق المظفر (قدس سره) .((2))

ص: 448


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص514.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص493؛ أصول الفقه، ج2-1، ص182.
بیان القول الثانی:
اشارة

و قبل بیان ذلک لابدّ من تمهید مقدّمة فی بیان اعتبارات «الماهیة»:((1))

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

اعلم أنّ کل ماهیة من الماهیات، إذا لوحظت و کان النظر مقصوراً علیها بذاتها و ذاتیاتها (من دون نظر إلی الخارج عن ذاتها) فهی الماهیة المهملة التی لیست من حیث هی إلّا هی.

و إذا نظر إلی الخارج عن ذاتها، ففی هذه الملاحظة لایخلو حال الماهیة من أحد أُمور ثلاثة:

أحدها: أن تلاحظ بالإضافة إلی الخارج عن ذاتها مقترنة بنحو من الأنحاء و هی الماهیة بشرط شیء (الماهیة المخلوطة).

و ثانیها: أن تلاحظ بالإضافة إلیه مقترنة بعدمه و هی الماهیة بشرط لا (الماهیة المجرّدة).

و ثالثها: أن تلاحظ بالإضافة إلیه لا مقترنة به و لا مقترنة بعدمه و هی الماهیة لابشرط (الماهیة المطلقة).

و حیث یمکن اعتبار أحد هذه القیود فی الماهیة بلا تعین لأحدها فهی أیضاً لابشرط من حیث قید «بشرط شیء» و قید «بشرط لا» و قید «اللابشرط». فاللابشرط حتّی عن قید اللابشرطیة هو «اللابشرط المقسمی» و اللابشرط

ص: 449


1- . کشف المراد، ص86- 88؛ الحکمة المتعالیة (الأسفار)، ج2، ص16- 22؛ شرح المنظومة (قسم الحکمة)، ص95.
2- . نهایة الدرایة، ج2، ص490.

بالنسبة إلی القیود التی یمکن اعتبار اقترانها و عدم اقترانها، هو «اللابشرط القسمی».

نتیجة ذلک البیان:

إنّ المعنی الذی لوحظ لابشرط بالنسبة إلی القید الخارج عن ذاته، هو اللابشرط القسمی دون اللابشرط المقسمی فإنّ اعتبار اللابشرط المقسمی و إن کان بالنظر إلی خارج الماهیة إلّا أنّه لابشرط بالنسبة إلی الاعتبارات الثلاثة لا بالنسبة إلی القید الخارجی.

و أیضاً ظهر من ذلک أنّ الماهیة المهملة هی الماهیة من حیث هی هی و هی الماهیة التی کان النظر مقصوراً علیها بلا نظر إلی الخارج عن ذاته، و اللابشرط المقسمی أمر آخر و هی الماهیة التی اعتبرت لابشرط من حیث اعتبار لابشرط و اعتبار بشرط لا و اعتبار بشرط شیء، لا لابشرط من کل حیثیة، و الماهیة اللابشرط المقسمی بمجرد النظر إلی الخارج عن ذات الماهیة خرجت عن لحاظها من حیث هی هی.

الموضوع له ل«اسم الجنس» علی وجهة نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ مفاهیم الألفاظ هی نفس معانیها، من دون اعتبار أمر زائد علی ذوات معانیها و اللابشرط المقسمی و اللابشرط القسمی کلاهما أمران زائدان علی ذوات المعانی، لأنّ اللابشرط المقسمی هو الإطلاق من حیث الاعتبارات الثلاثة فقط (لا من حیث القیود الخارجیة الطارئة) و اللابشرط القسمی أیضاً اعتبار زائد علی ذات المعنی، و هو لتسریة الوضع إلی جمیع أطوار المعنی بل

ص: 450


1- . نهایة الدرایة، ج2، ص492 -493.

اللابشرط القسمی موطنه الذهن، إذ الماهیة بحسب الخارج إمّا توجد مقترنة بالکتابة أو مقترنة بعدمها، فعدم اعتبار «الکتابة و عدمها» فی الماهیة اللابشرط القسمی یوجب کونها ذهنیة لأنّه لاوعاء لهذا الاعتبار إلّا الذهن.

و أمّا توصیف اللابشرط القسمی بالکلی العقلی مسامحة وقعت من صاحب الکفایة((1)) و من غیره، إذ الکلی العقلی فی قبال الکلی الطبیعی و المنطقی، لا مطلق الأمر الذهنی، لأنّ ذهنیتها ملاک جزئیتها.

فالموضوع له ذات المعنی و اعتبار اللابشرط المقسمی و القسمی خارجان عنه، هذا من جانب و من جانب آخر: إنّ الموضوع له لایمکن أن یلاحظ بنحو الماهیة المهملة لأنّها هی الماهیة التی لیست واجدة إلّا لذاتها و ذاتیاتها و الماهیة بهذا الاعتبار لیست إلّا هی فلایحکم بها و لایحکم علیها.

و الوضع حکم محمول علی الماهیة و خارج عن ذاتها و ذاتیاتها فالموضوع له لایلاحظ بنحو الماهیة المهملة بل لابدّ أن یلاحظ الموضوع له بالنسبة إلی أمر خارج عن ذات الماهیة و ذاتیاتها فیجب أن یلاحظ الماهیة مع أحد الاعتبارات الثلاثة و لیس هو إلّا اعتبار اللابشرط القسمی أمّا الماهیة اللابشرط المقسمی فلیست هی إلّا أحد الاعتبارات الثلاثة.

فتحصّل من ذلک أنّ الموضوع له ل«اسم الجنس» هو ذات المعنی الذی هو غیر واجد إلّا لذاته و ذاتیاته و هی الماهیة المهملة لا الماهیة اللابشرط المقسمی و لا اللابشرط القسمی، إلّا أنّه حین الوضع لوحظ باعتبار اللابشرط القسمی و لکن هذا الاعتبار (اللابشرط القسمی) مصحّح لموضوعیة الموضوع، من دون أخذه فی الموضوع له.

ص: 451


1- . کفایة الأصول، ص243.
بیان القول الأوّل بتفسیره الثالث:
اشارة

إنّ ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ((1)) یفترق عن نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی جانبین:

الأوّل: إنّه یری أنّ الکلی الطبیعی هو ما سمّیناه بالماهیة المهملة و لکن یفسّرها بأنّها هی الجامعة بین جمیع الأقسام بشتّی لحاظاتها و أنّها معرّاة من جمیع الخصوصیات و التعینات الذهنیة و الخارجیة، حتّی خصوصّیة قصر النظر علیها.

فالمهملة الحقیقیة فوق جمیع الاعتبارات و اللحاظات الطارئة علیها و أمّا الماهیة المقصور النظر فیها علی ذاتها و ذاتیاتها فلیست بمهملة بتمام المعنی و حقیقة، نظراً إلی أنّها متعینة من هذه الجهة (أی من جهة قصر النظر علی ذاتها) فتسمیة هذه بالماهیة المهملة لاتخلو من مسامحة.

الثانی: إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) و أیضاً المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الماهیة اللابشرط القسمی لا وجود لها إلّا فی الذهن خاطئ جدّاً.

و منشأ الخطأ تخیل أنّ لحاظ السریان قد أُخذ قیداً لها و من الطبیعی أنّ الماهیة المقیدة به، لا موطن لها إلا الذهن.

و لکنه تخیل فاسد، فإنّ معنی لحاظ سریانها هو لحاظها فانیة فی جمیع مصادیقها و أفرادها الخارجیة بالفعل من دون أخذ اللحاظ قیداً لها، فالمعتبر فیها هو واقع السریان الفعلی لا لحاظه الذهنی و وجوده فی أُفق النفس فمعنی

ص: 452


1- . المحاضرات، (ط ج): ج 4، ص512: إنّ اسم الجنس موضوع للماهیة المهملة دون غیرها من أقسام الماهیة وهی الجامعة بین جمیع تلک الأقسام بشتی لحاظاتها.

الإرسال و الإطلاق هو عدم دخل خصوصیة من الخصوصیات الخارجیة فی الحکم الثابت لها.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ ما أفاده من أنّ الماهیة المهملة هی الجامعة لجمیع الأقسام و هی معرّاة من جمیع الخصوصیات حتی خصوصیة قصر النظر علی ذاتها و ذاتیاتها.((1))

فیرد علیه: أنّ الماهیة واجدة لذاتها و ذاتیاتها فإن لم تُقَس إلی الخارج فیکون النظر مقصوراً علی ذاتها و ذاتیاتها و یلاحظ من حیث هی لیست إلّا هی و تسمّی بالماهیة المهملة من حیث إهمال النظر بالنسبة إلی وجودها مقیسة إلی الخارج.

و إن قیست إلی الخارج فتتصف بالاعتبارات المذکورة.

ثانیاً: إنّ الماهیة اللابشرط القسمی قسیم للماهیة بشرط شیء و بشرط لا فکیف یتصوّر سریانها الفعلی فیهما بل اللابشرط القسمی هو لحاظ الماهیة بأن لایعتبر فیها الکتابة مثلاً و لاعدم الکتابة مع أنّها فی الواقع إمّا مقترنة بها أو مقترنة بعدمها فهذا اللحاظ أمر ذهنی.

ثالثاً: إنّ ما أفاده من أنّ الکلی الطبیعی الماهیة المهملة التی هی جامعة لجمیع الأقسام و معرّاة من جمیع الخصوصیات الذهنیة و الخارجیة حتّی خصوصیة قصر النظر علیها.

فیرد علیه: مضافاً إلی ما تقدّم من بطلان التفسیر الذی ذکره للماهیة المهملة، أنّ الکلی الطبیعی قد أُخذ فیه وصف الکلیة و ذلک الوصف هو باعتبار قیاس

ص: 453


1- . المحاضرات، ج 4، ص513.

الطبیعی إلی الخارج، و لذا یقال: الکلی الطبیعی موجود بوجود فرده:

کلی

الطبیعی هی الماهیة

وجوده

وجودها شخصیة((1))

فالماهیة إذا قیست إلی الخارج یکون هو الکلی الطبیعی و هو اللابشرط المقسمی لأنّ اللابشرط القسمی لا وعاء له إلّا الذهن، نعم ینطبق علی الخارج انطباق الأُمور الذهنیة علی الخارج.((2))

ص: 454


1- . قال المحقق السبزواری فی منظومته: کلی الطبیعی هی الماهیة وجوده وجودها شخصیة إذ لیس بالکلیة مرهونا بکل الأطوار بدا مقرونا (منظومة السبزواری، قسم المنطق، ص22- 21)
2- . قال المحقّق المظفر فی جمع الأقوال فی أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص235: أمّا المتأخّرون ابتداء من سلطان العلماء قدّس سرّه فإنّهم جمیعا اتّفقوا علی أنّ الموضوع له ذات المعنی، لا المعنی المطلق حتّی لایکون استعمال اللفظ فی المقید مجازا. و هذا القول بهذا المقدار من البیان واضح. ولکنّ العلماء من أساتذتنا اختلفوا فی تأدیة هذا المعنی بالعبارات الفنّیة ممّا أوجب الارتباک علی الباحث و إغلاق طریق البحث فی المسألة. لذلک التجأنا إلی تقدیم المقدّمتین السابقتین لتوضیح هذه الاصطلاحات و التعبیرات الفنّیة التی وقعت فی عباراتهم. و اختلفوا فیها علی أقوال: 1) منهم من قال: إنّ الموضوع له هو الماهیة المهملة المبهمة، أی الماهیة من حیث هی. 2) و منهم من قال: إنّ الموضوع له الماهیة المعبّرة باللاشرط المقسمی. 3) و منهم من جعل التعبیر الأوّل نفس التعبیر الثانی. 4) و منهم من قال: إنّ الموضوع له ذات المعنی، لا الماهیة المهملة، و لا الماهیة المعبّرة باللابشرط المقسمی، و لکنّه ملاحظ حین الوضع باعتبار «اللابشرط القسمی» علی أن یکون هذا الاعتبار مصحّحا للموضوع، لا قیدا للموضوع له. و علیه، یکون هذا القول نفس قول القدماء علی التصویر الثانی إلّا أنّه لایلزم منه أن یکون استعمال اللفظ فی المقید.
الأمر الثانی: علم الجنس
اشارة

فی الموضوع له لعلم الجنس، قولان:

القول الأوّل:

المشهور بین أهل الأدب، هو أنّ «أُسامة» علم لجنس الأسد و الموضوع له لعلم الجنس هی الطبیعة بما هی متعینة بالتعین الذهنی و لذا یعامَل معاملة المعرفة.((1))

القول الثانی:
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره):((2)) إنّ «علم الجنس» مثل «اسم الجنس» فی المعنی و

ص: 455


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص162: علم الجنس ما وضع للجنس بملاحظة حضوره و تعینه فی الذهن، فمدلوله کمدلول المعرّف بلام الجنس و لذا کانا من المعارف، و مجرّد اسم الجنس و إن دلّ علی الماهیة- کما مرّ- إلّا أنّ مدلوله لم یتقید بشرط الحضور. و یقول ابن مالک فی ألفیته: و وضعوا لبعض الأجناس علم کاعلم الأشخاص لفظاً و هو عمّ من ذاک أُم عریط للعقرب و هکذا ثعالة للثعلب و مثله بَرّة للمبرّة کذا فجارُ علم للفجْرة ولکن اختلفوا فی بیان سبب تعریف علم الجنس: فمنهم من یقول بتعریفه اللفظی کالرضی فی شرحه و منهم من یقول بأنّه موضوع للطبیعة المتعینة فی الذهن و المحقق الخراسانی نسب هذا إلی أهل العربیة و منهم من یقول بأنّ علم الجنس موضوع للطبیعة فی حال التعین و بهذا یشعر ما فی المحاضرات: ج5، ص355. و منهم من یقول بأنّ الماهیة فی رتبة متأخرة متعینة بذاتها کما فی تهذیب الأصول، ج1، ص530.
2- . کفایة الأصول، ص244.

الفرق بینهما لفظی، حیث یعامَل «علم الجنس» معاملة المعرفة فیقع مبتدأ و یوصف بالمعرفة و لایدخل علیه لام التعریف و ذلک کتأنیث «ید» و «رجل» و «شمس» فإنّه تأنیث لفظی.

و قد نقل عن نجم الأئمة الرضی (قدس سره) شارح الکافیة أنّه قال: إذا کان لنا تأنیث لفظی فلا بأس أن یکون لنا تعریف لفظی إمّا باللام و إمّا بالعلمیة کما فی «أُسامة».((1))

استدلّ علی ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه:
اشارة

((2))

الوجه الأوّل:

إن لم یکن «علم الجنس» موضوعاً لصرف المعنی لما صحّ حمله علی الأفراد، لأنّه علی قول المشهور متعین بالتعین الذهنی فیکون کلّیاً عقلیاً و الکلی العقلی لایصحّ حمله علی الأفراد، إلّا بالتصرف و التأویل بإلغاء التعین الذهنی.

الوجه الثانی:

إنّ «علم الجنس» یحمل علی الأفراد من دون تأویل و تصرّف و لایکاد یکون بناء العرف فی القضایا المتعارفة علی التصرّف و التأویل بإلغاء التعین الذهنی.

الوجه الثالث:

إنّ وضع «علم الجنس» لما هو متعین بالتعین الذهنی ثم تجریده عن هذا التعین فی مقام الاستعمال لغو لایکاد یصدر عن الجاهل، فضلاً عن الواضع الحکیم.

ص: 456


1- . شرح الکافیة، ج1، ص497 و ج3، ص245- 246.
2- . کفایة الأصول، ص244.
إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی الوجه الأوّل:

((1))

إنّ أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له علی أنحاء ثلاثة:

النحو الأوّل: أن یؤخذ علی نحو الجزئیة؛ یعنی کل من التقید و القید داخلان فی الموضوع له.

النحو الثانی: أن یؤخذ علی نحو الشرطیة، بمعنی أنّ القید خارج عن الموضوع له و التقید داخل فیه.

النحو الثالث: أن یؤخذ علی نحو المرآتیة و المعرفیة.

و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من البرهان علی عدم أخذ التعین الذهنی فی الموضوع له حیث قال: «إن کان التعین الذهنی مأخوذاً فی الموضوع له لما صحّ انطباقه علی الأفراد الخارجیة»، یتمّ علی أحد النحوین الأولین، و أمّا علی النحو الثالث فلا مانع من انطباقه علی الأفراد الخارجیة، لأنّ التعین الذهنی حینئذ مرآة للخارج.

استدلال المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الثانی:

(2)

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) وافق صاحب الکفایة (قدس سره) فی عدم الفرق بین «اسم

ص: 457


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص521: و هذا الذی أفاده (قدس سره) متین جداً. نعم، یمکن المناقشة فی البرهان الذی ذکره علی عدم أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له لأعلام الأجناس... فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من البرهان علی عدم أخذ التعین الذهنی فی المعنی الموضوع له، و هو أنّه لو کان مأخوذاً فیه لم یکن المعنی قابلًا للانطباق علی الخارجیات، إنّما یتم إذا کان أخذه فیه علی أحد النحوین الأوّلین.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص520: التحقیق أ نّه لا فرق بین أسماء الأجناس وأعلام الأجناس، فکما أنّ الأولی موضوعة لصرف الطبیعة من دون لحاظ شی ء من الخصوصیة- الذهنیة أو الخارجیة- معها، فکذلک الثانیة یعنی أعلام الأجناس. والدلیل علی عدم الفرق بینهما ما عرفت من أنّه لایمکن أن تکون الخصوصیة الذهنیة مأخوذةً فی معناها الموضوع له، والخصوصیة الخارجیة مفروضة العدم. فإذن بطبیعة الحال لا فرق بینهما من هذه الناحیة أصلا.

الجنس» و «علم الجنس» فی المعنی لمطابقة ذلک أوّلاً للمرتکزات الوجدانیة و ثانیاً للاستعمالات المتعارفة من أهل اللسان.

فتحصل من ذلک: أنّ علم الجنس أیضا مثل اسم الجنس موضوع للماهیة المهملة الحقیقیة کما ذهب إلیه المحقق الاصفهانی (قدس سره) .

ص: 458

الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام
اشارة

(1)

و فی هذا الأمر موضعان:

الموضع الأوّل: فی أقسام المعرّف باللام
اشارة

إنّ المشهور بینهم هو أنّ المعرّف بالألف واللام علی أقسام:

المعرّف بالألف واللام الجنس مثل قولنا «الرجل خیر من المرأة».

ص: 459


1- . هدایة المسترشدین (ط ج): ج 3، ص205: المقام الرابع فی بیان الحال فی المفرد المعرّف و قد عرفت وقوع الخلاف فی إفادته العموم و ظاهر ما یتراءی من کلماتهم و صریح المصنّف فیما یأتی کون الخلاف فی وضعه لخصوص العموم علی أن یکون استعماله فی غیره مجازا فلا یکون موضوعا لما عدا العموم و لا مشترکا بین العموم و غیره. و أنت خبیر بوهن ذلک جدّا، کیف و استعماله فی العهد ممّا لا مجال لإنکار کونه علی وجه الحقیقة، بل هو أظهر من إرادة الجنس و العموم قطعا و لذا ینصرف إلیه عند وجود المعهود، و قد قیدوا إفادة الجمع المحلّی للعموم بما إذا لم یکن هناک عهد فیکون الحال کذلک فی المفرد بطریق أولی. و الذی یخطر بالبال فی المقام أنّ الخلاف هنا نظیر الخلاف فی الجمع المحلّی فی تقدیم تعریفه للأفراد علی تعریف الجنس بعد انسداد طریق العهد. و فی القوانین المحکمة، ج1، ص485: و أمّا المفرد المعرّف باللّام فقیل: بإفادته العموم، و قیل: بعدمه و القائل بالعموم هو کالشیخ فی «العدة»: ج1، ص276، و اختار المحقق فی «المعارج»: ص86، و العلّامة فی «التهذیب»: ص129 العدم، و کذا الرازی فی «المحصول»: ج2، ص497 الّذی قال: الواحد المعرّف بلام الجنس لایفید العموم خلافا للجبّائی و الفقهاء و المبرّد. و أمّا الشهید فی «التمهید» ص166: فقال: المفرد المحلّی باللام و المضاف، للعموم عند جماعة من الأصولیین، و المعروف من مذهب البیانیین و نقله الآمدی عن الأکثرین، و نقله الفخر الرازی عن الفقهاء و المبرّد، ثم اختار هو و مختصر کلامه عکسه و هو الأظهر و أمّا فی «المستصفی» فقد فصّل راجعه، ج2، ص31.. و طریقة تقسیمهم الجنس المعرّف باللّام إلی أقسامه تقتضی القول بکونه حقیقة فی الجمیع لکن لا علی سبیل الاشتراک، بل من باب استعمال الکلّی فی الأفراد کما أشرنا إلیه. و قد یستشمّ من بعضهم القول بالاشتراک اللّفظی. الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص170؛ حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص295 و فی المفاتیح، ص158: أنّ المفرد المعرف باللام و إن لم یکن موضوعا للعموم الاستغراقی و لکنه قد یفیده کما فی قوله تعالی أحلّ اللّه البیع و حرّم الرّبا و قد یفید العموم البدلی کما فی قوله آتنی بالرجل و فی ص194 مثله.

المعرّف بالألف واللام الاستغراق مثل قوله تعالی (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفی خُسْرٍ)((1))

بمعنی أنّ کل إنسان لفی خسر و مثل قوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((2)) بمعنی أحلّ الله کلّ بیع.

المعرّف بالألف واللام العهد الذهنی مثل قولنا «ادخل السوق» حیث نشیر إلی فرد حاضر فی الذهن بلا تعین له.

المعرّف بالألف و اللام العهد الذکری مثل قوله تعالی: (أَرْسَلْنا إِلی فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصی فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ).((3))

المعرّف بالألف و اللام للعهد الخارجی مثل ما إذا أشار إلی فرد معین حاضر عند المخاطب.

ما الدال علی هذه الخصوصیات؟
القول الأوّل:

ادّعی المشهور أنّ المعرّف باللام إمّا مشترک لفظی بین هذه الأقسام (بأن یقال بتعدّد الوضع للمفرد المعرّف باللام بحسب تلک الأقسام مثلاً: إنّ لفظ

ص: 460


1- . سورة العصر(103):2.
2- . سورة البقرة(2):275.
3- . سورة المزمل(73):16 و 15.

«الإنسان» تارة وضع لتعریف الجنس و أُخری للاستغراق و ثالثة للعهد الذهنی و رابعة للعهد الذکری و خامسة للعهد الخارجی) و إمّا مشترک معنوی بینها.

القول الثانی:

رأی صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) هنا أنّ مدخول اللام استعمل فی معنی واحد سواء دخل علیه اللام أم لا، و تلک الخصوصیات المذکورة لهذه الأقسام إمّا تستفاد من خصوص اللام أو من قرائن المقام، و ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) هنا فی غایة المتانة.

ص: 461


1- . کفایة الأصول، ص245.
الموضع الثانی: فی مدلول اللام
القول الأوّل:

إنّ المعروف بینهم هو أنّ اللام موضوعة للتعریف و مفیدة للتعیین((1)) فی غیر العهد الذهنی، حیث إنّها فی العهد الذهنی لاتفید تعیناً زائداً علی ما یفیده مدخولها فوجود اللام و عدمه سیان. ((2))

القول الثانی:

و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((3)) قال: اللام للتزیین مطلقاً کما فی «الحسن» و«الحسین»، و استفادة الخصوصیات (أی خصوصیة تعریف الجنس و الاستغراق و العهد الذهنی و الذکری و الخارجی) إنّما تکون بالقرائن.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول الأول:

((4))

أوّلاً: إنّ اللام لو کانت موضوعة للتعریف و التعیین یلزم عدم صحّة حمله علی الأفراد الخارجیة، لأنّ تعینه یکون ذهنیاً، و یکون کلّیاً عقلیاً فلایصحّ حمله علی الأفراد الخارجیة إلّا بالتصرف بإلغاء التعین الذهنی.

ص: 462


1- . بحوث فی علم الأصول، ج 3، ص435 و بیان الأصول، ج 1، ص529 و عمدة الأصول، ج 4، ص32 و ج 4، ص43 و ص270 و فرائد الأصول (مع حواشی أوثق الوسائل)، ج 5، ص109 و الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص167 و الفوائد الحائریة، ص190.
2- . و بعبارة أخری أنّ العهد الذهنی هو ما یشار به إلی فرد ما بقید حضوره فی الذهن و لاتعیین لفرد ما فاللام لاتفید التعیین فی العهد الذهنی.
3- . کفایة الأصول، ص245.
4- . هذه الإیرادات بعینها تقدّم فی علم الجنس.

ثانیاً: یلزم التصرف و التأویل فیما إذا حملناه علی الفرد الخارجی و هذا لایخلو من التعسف، لعدم بناء العرف فی القضایا المتعارفة المتداولة علی التأویل و التصرف.

ثالثاً: یلزم اللغویة، حیث إنّ الوضع لما لا حاجة له (و هو المعنی مع التعین الذهنی) ثم استعمال اللفظ بالتجرید عن هذا التعین الذهنی لغو، لایصدر عن الحکیم.

مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) یبتنی علی أن یکون التعین الذهنی جزءً للمعنی الموضوع له فی مدخول اللام لکن الأمر لیس کذلک، فإنّ وضع اللام للتعیین و التعریف لایسلتزم کون التعین جزء معنی مدخولها أو قیده، ضرورة أنّ «اسم الجنس» موضوع لمعنی واحد، سواء أکان مع اللام أم بدونه.

مختار المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّا بالارتکاز العرفی و الوجدان فی الاستعمالات المتعارفة و التبادر نری أنّ اللام تدلّ علی التعریف و الإشارة من غیر أن یستلزم کون التعین الذهنی جزء لمعنی مدخولها أو قیداً له.

و ذلک مثل اسم الإشارة حیث إنّه موضوع للدلالة علی تعریف مدخوله و تعیینه فی موطنه حیث قد یشار به إلی الموجود الخارجی (کقولنا: هذا زید) و قد

ص: 463


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص524.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص525.

یشار به إلی الکلی (کقولنا: هذا الکلی الذی هو إنسان أخصّ من الکلی الذی هو حیوان) و قد یشار به إلی المعدوم (کقولنا: هذا الشیء معدوم) فهکذا کلمة اللام قد یشار به إلی الجنس (کقولنا: أکرم الرجل) و قد یشار به إلی الاستغراق (کقولنا: أکرم العلماء بناء علی دلالة الجمع المعرف باللام علی العموم) و قد یشار به إلی العهد الذهنی أو العهد الذکری أو العهد الخارجی.

فتحصل إلی هنا أنّ اللام تدلّ علی التعریف من دون استلزامه لکون التعین الذهنی جزء لمعنی مدخول اللام أو قیداً له کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .((1))

ص: 464


1- . لقد أجاد العلامة الإصفهانی رحمه الله فی هدایة المسترشدین، (ط ج): ج3، ص167-189 فی تفصیل معانی اللام حیث قال: فنقول المعانی المذکورة لها ثلاثة: أحدها الجنسیة ... ثانیها: الاستغراق... و ثالثها: أن یکون للعهد أی الإشارة إلی المعهود.
الأمر الرابع: الجمع المحلّی باللام
اشارة

هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة؟ فیه قولان:

القول الأوّل: توقفه علی جریان مقدمات الحکمة

إنّ صاحب الکفایة((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) ((2)) قالا فیما تقدّم بأنّ دلالته بمقدّمات الحکمة أو قرینة أُخری، لعدم وضع اللام و لا مدخولها و لا المرکب منهما للعموم.

القول الثانی: عدم توقفه علی جریان مقدمات الحکمة
اشارة

ما المستند فی هذه الدلالة؟ فیه وجهان:

الوجه الأوّل: الوضع
اشارة

قال المحقّق القمی (قدس سره) بأنّ دلالته علی العموم وضعی.((3))

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره):

صاحب الکفایة (قدس سره) قال هنا بأنّ دلالة الجمع المعرف باللام علی العموم مستندة إلی وضع المرکب من اللام و مدخولها للاستغراق، لا إلی دلالة اللام علی

ص: 465


1- . کفایة الأصول، ص217، بحث العامّ و الخاصّ.
2- . نهایة الدرایة، ج 2، ص448.
3- . عن المحقق القمی فی القوانین، ص216 دعوی عدم الخلاف فی الدلالة علی العموم وضعاً، للتبادر و جواز الاستثناء، و أنّ اللّام للاستغراق- إن لم یکن عهد- فیدلّ علی العموم.

الإشارة إلی المعین، لیکون التعریف باللام، و إن أبیت إلّا عن استناد الدلالة علی الاستغراق إلی اللام، فلا محیص عن دلالتها علی الاستغراق بلا دلالتها علی التعیین، فلاتدلّ اللام علی التعیین بل تدلّ علی الاستغراق فقط.((1))

یلاحظ علیه:

لم یثبت وضع اللام ولا وضع المرکب من اللام و الجمع المعرّف به للإستغراق فالدلالة علیه لایکون إلّا بمقدّمات الحکمة.

الوجه الثانی:
اشارة

قد استدلّ بعضهم علی دلالة اللام علی العموم الاستغراقی فقال:

إنّ اللام موضوعة للتعیین و التعریف، فلابدّ أن یراد جمیع أفراد مدخولها، لأنّه لا تعیین لسائر مراتب أفراد مدخولها إلّا لتلک المرتبة، یعنی المرتبة الأخیرة المشتملة علی جمیع أفراد المدخول، فالتعیین یقتضی دلالة الجمع المعرّف باللام علی استغراق جمیع أفراده.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی هذا الاستدلال:

إنّ ذلک لا یتمّ، لأنّه کما أنّ لتلک المرتبة الجامعة لجمیع الأفراد تعیناً فی الواقع کذلک للمرتبة الأُولی و هی أقلّ مراتب الجمع و لا دلالة علی تعیین المرتبة الأخیرة أو أقل مراتب الجمع.

ص: 466


1- . کفایة الأصول، ص245. أجیب عن هذا الکلام فی تهذیب الأصول، ج1، ص467: بأنّ استفادة العموم لازم کون اللام لتعریف الجمع، و القابل للتعریف، هو أقصی المراتب، دون غیره، لأنّ له عرضاً عریضاً و مراتب متعددة، لایمکن الإشارة إلی واحد منها.
أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ هذه المرتبة أی أقلّ مرتبة الجمع لا تعین لها فی الخارج و إن کان لها تعین بحسب مقام الإرادة، فإنّ الثلاثة التی هی أقلّ مرتبة الجمع تصدق فی الخارج علی الأفراد الکثیرة و لها مصادیق متعدّدة فیه کهذه الثلاثة و تلک و هکذا و من ناحیة أُخری إنّ کلمة اللام تدلّ علی التعین الخارجی و التعین الخارجی منحصر فی المرتبة الأخیرة من الجمع و هی إرادة جمیع أفراد مدخولها حیث إنّ له مطابقاً واحداً فی الخارج فلاینطبق إلّا علیه.

ص: 467


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص526.
الأمر الخامس: النکرة
اشارة

((1))

الموضع الأوّل: المراد من النکرة
اشارة

فیه ثلاثة بیانات:

البیان الأوّل:

قیل: إنّ النکرة هی الفرد المردّد. ((2))

ص: 468


1- . القوانین المحکمة فی الأصول (ط ج)، ج 1، ص139؛ قوانین الأصول (ط ق)، ص67: المتبادر من النّکرة المنفیة المفیدة للعموم هو نفی أفراد ماهیة واحدة و أیضا الاسم المنکر إذا اعتبر خالیا عن اللام و التنوین و علامة التثنیة و الجمع حقیقة فی الماهیة لابشرط شی ء و إذا لحقه التنوین یراد به فرد من أفراد تلک الماهیة غیر معین و إذا لحقه الألف و النون أو الواو و النون مثلا یراد به فردان أو أفراد من تلک الماهیة و إذا لحقه الألف و اللام فإمّا أن یشار بها إلی الفرد أو لا؟ فالثّانی یراد به تعریف الجنس و تعیینه و الأوّل فإمّا أن یراد به الإشارة إلی فرد غیر معین فهو المعهود الذّهنی و هو فی معنی النکرة أو إلی فرد معین فهو المعهود الخارجی أو إلی جمیع الأفراد فهو الاستغراق. و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص178. و فی المحاضرات (مباحث أصول الفقه)، ج 1، ص442.
2- . فی هدایة المسترشدین، ط ج، ج3، ص233: إعلم أنّ من ألفاظ العموم النکرة فی سیاق النفی، و لاخلاف ظاهرا بین الاصولیین- ممّن قال بأنّ للعموم صیغة تخصّه کما هو المعروف- أنّها تفید العموم إذا کان إسماً لا وصفا... نعم قد یقال: إنّ النکرة فی قولک: «لیس عندی رجل» یحتمل أن یراد به الفرد المعین فی الواقع، المبهم عند المخاطب، کما فی النکرة الواقعة متعلّقا بالخبر المثبت فی کلام بعضهم، حسب ما مرّت الإشارة إلیه، و حینئذ فلا دلالة فیها علی العموم أصلا. و ربما کان المفرد فی قولک: «عندی رجل» ظاهرا فی العموم، من جهة احتمال أن یراد بالتنوین فی «رجل» الوحدة البدلیة المقابلة للتثنیة و الجمع، و لذا صحّ أن یقول: «بل رجلان أو رجال» کما مرّت الإشارة إلیه. و أمّا لو ارید به الوحدة المطلقة فلا فرق بینه و بین «لا رجل» إذ لافرق بین نفی الطبیعة و نفی فرد مّا فی إفادة العموم، حسب ما عرفت. و هذا الاحتمال قائم فی الجمع الأفراد، إذ لایصحّ أن یراد بالتنوین فیه الإشارة إلی جمع واحد، و لذا لایجوز أن یقابله بنفی الستّة أو التسعة- مثلا- و إن أمکن أن ینفی الجمیع، فإنّ ذلک من الأمور النادرة و لایلحظ بالتنوین المقابلة لهما.
البیان الثانی:

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)): النکرة علی قسمین:

القسم الأوّل: ما هو معین فی الواقع غیر معین للمخاطب و ذلک مثل «رجل» فی قوله تعالی (وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدینَةِ رَجُلٌ یسْعی)((2)).

القسم الثانی: ما هی حصّة کلّیة و طبیعة مقیدة بالوحدة قابلة للانطباق علی کثیرین، مثل «رجل» فی «جئنی برجل».

البیان الثالث: القول المختار

و هو ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) قال: النکرة هی الطبیعی المقید بالوحدة.

إیراد علی البیان الأوّل:

إنّ الفرد المردد لاینطبق علی الفرد الخارجی لأنّ المردّد لا تعین فیه و بعبارة أُخری لا وجود له و لا ماهیة له مع أنّ الأفراد الخارجیة متعینّه و متشخّصة و ذات وجود و ماهیة.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی البیان الثانی:

((3))

ما ذکره من أنّ «النکرة» قد تستعمل فی الواحد المعین عند المتکلّم و المجهول

ص: 469


1- . کفایة الأصول، ص246.
2- . سورة یس:20.
3- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص528.

عند المخاطب کما فی قوله تعالی (وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدینَةِ رَجُلٌ یسْعی)((1)) لایمکن الأخذ به ضرورة أنّ لفظ «رجلٌ» فی الآیة لم یستعمل فی المعین الخارجی المجهول عند المخاطب بل استعمل فی الطبیعی المقید بالوحدة من باب تعدد الدالّ و المدلول، غایة الأمر أنّ مصداقه فی الخارج معلوم عند المتکلّم و مجهول عند المخاطب.

ف «النکرة» تستعمل دائماً فی الطبیعی الجامع، و الوحدة مستفادة من دالّ آخر (أی التنوین) فإذن لا فرق بین النکرة و اسم الجنس أصلاً، فالنکرة هی اسم الجنس غایة الأمر یدخل علیها التنوین لیدلّ علی الوحدة.

ص: 470


1- . سورة یس:20.
الموضع الثانی: هل یکون النکرة من مصادیق «المطلق»؟
اشارة

((1))

فیه قولان:

القول الأوّل:

إنّ الظاهر صحّة إطلاق «المطلق» عندهم حقیقة علی «اسم الجنس» و «النکرة» بالمعنی الثانی((2)) کما یصحّ لغة و لا یبعد أن یکون المراد من «المطلق» عند الأصولیین هو هذا المعنی اللغوی (کما تقدّم ذلک فی أوّل بحث «المطلق» عن المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)).

القول الثانی:

قد نسب إلی المشهور أنّ لهم اصطلاحاً فی کلمة «المطلق» فی علم الأُصول و هو أنّ المطلق عندهم الماهیة المقیدة بالإرسال و الشمول البدلی و المطلق بهذا المعنی غیر قابل لطرو التقیید، لأنّ المعنی الاصطلاحی المذکور مقید بالإرسال و هذا ینافی التقیید، فإنّ الماهیة بشرط الإرسال و السعة لایقبل التضییق و التقیید.

و علی هذا لایصدق هذا المعنی الاصطلاحی علی «اسم الجنس» و «النکرة»

ص: 471


1- . فی مفاتیح الأصول، ص153: صرح الشیخ فی العدّة و المحقق فی المعارج و العلامة فی النهایة و التهذیب و الشهید الثانی و الفاضل البهائی فی الزبدة و صاحب المعالم و نجم الأئمة و جمال الدین الخونساری و الفاضل التونی و التّفتازانی و الرّازی و الحاجبی و العضدی بأنّ النکرة فی سیاق النّفی تفید العموم و موضوعة له و عزاه المحقق فی المعارج إلی المحققین و لهم وجوه.
2- . أی القسم الثانی المذکور فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره) .

حیث إنّهما قابلان للتقیید، لأنّ الماهیة فیهما أُخذت مهملة، و لم تؤخذ بشرط الإرسال.

ولکن صحّة ما نسب إلی المشهور محلّ تأمّل، لأنّهم عدّوا «اسم الجنس» و «النکرة» من أمثلة المطلق، فلو صحّ هذا المعنی الاصطلاحی و التزام المشهور به، لم یبق وجه لعدّ «اسم الجنس» و «النکرة» من أمثلة المطلق.

ص: 472

التنبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟

((1))

الإطلاق و التقیید علی مسلک المتأخرین مثل صاحب الکفایة((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((3))، خارجان عن حریم المعنی الموضوع له، فإذا قید لفظ المطلق لایلزم من ذلک استعمال لفظ المطلق فی غیر معناه الموضوع له، بل المطلق استعمل فی معناه و لکن التقیید یستفاد من دالّ آخر فاللفظ مستعمل فی معناه الموضوع له من دون استلزام المجازیة.

أمّا علی مسلک القدماء((4)) من دخول الإطلاق فی حریم المعنی الموضوع له، فقد اختلف فی أنّ التقیید یوجب المجازیة أو لا؟

أمّا فیما إذا کان التقیید مستفاداً من القرینة المتّصلة، فلابدّ من الالتزام بالمجازیة لأنّه استعمال اللفظ فی غیر المعنی الموضوع له.

و أمّا فیما إذا کان التقیید مستفاداً من القرینة المنفصلة، فاللفظ استعمل فی

ص: 473


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص249: هدایة [- هل التقیید یوجب مجازا فی المطلق أم لا؟] الحقّ- کما علیه جماعة من أرباب التحقیق- أنّ التقیید لایوجب مجازا فی المطلق من جهته، و أوّل من صرّح بذلک [من أئمّة الفنّ علی ما اطّلعت علیه هو] السید السلطان [و إن کان یظهر ذلک من جماعة من المحقّقین فی غیر الفنّ، کما لایخفی علی المتدرّب]. و ذهب بعضهم (المحقّق القمی فی القوانین، ج1، ص325) إلی أنّه مجاز بل نسب إلی المشهور و لاأظنّ صدق النسبة و فصّل ثالث بین التقیید بالمتّصل فاختار ما اخترناه، و بین التقیید المنفصل فذهب إلی أنّه مجاز (القزوینی فی ضوابط الأصول، ص225- 326)؛ فوائد الأصول، ج2، ص516.
2- . کفایة الأصول، ص255- 256؛ درر الفوائد، ص212.
3- . المحاضرات، ج 4، ص313 و ص541.
4- . عدّة الأصول، ص116- 117؛ معارج الأصول، ص97.

المعنی الإطلاقی فالمراد الاستعمالی هو المعنی المطلق، إلّا أنّ الإرادة الجدّیة تعلّقت بالمعنی التقییدی فلم تستلزم المجازیة.((1))

ص: 474


1- . إنّ بعض الأساطین أشار إلی مسلک السید البروجردی (قدس سره) و مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) (نهایة الدرایة، ج2، ص451) و قال فی جمع المباحث: حاصل الکلام: إنّه إن کان الکلام مبیناً لاإجمال فیه، فإنّ الظهور ینعقد للعام فی العموم و لایتوقّف العقلاء فی دلالته علی المراد، فإنّهم یفهمون ماذا قال، ثمّ مع مجی ء المخصص المنفصل یفهمون- بعد الجمع بینه و بین العام- أنّه ما ذا أراد. و علی الجملة، فإنّ المخصّص یکون محدّداً للمراد لا مبیناً لما دلّ علیه لفظ العام، و أمّا ما زاد عمّا جاء به المخصّص فباق علی حجیته، لوجود المقتضی و هو دلالة اللّفظ علی العموم، و عدم المانع، لأنّه إنّما قام بمقدار ما دلّ علیه المخصّص ... فلا مجاز حتی یحتمل إجمال العام فی غیر مورد التخصیص. تحقیق الأصول، ج 4، ص252. و قال فی ص412-413: «قد تقدَّم الخلاف بین المشهور و السلطان و المتأخرین. فعلی هذا المبنی حیث إنّ الإطلاق و التقیید خارجان عن المعنی الموضوع له اللّفظ، فإنّ کلّاً منهما مستفادٌ من القرینة، أمّا الإطلاق فقرینته مقدمات الحکمة، و أمّا التقیید فالقرینة الخاصة القائمة علیه من قولٍ أو حال ... لوضوح أن اللّفظ- علی هذا المسلک- موضوعٌ للماهیة من حیث هی أو للطبیعة المهملة ... و المجاز استعمال اللّفظ فی غیر ما وضع له.» فلا مجازیة علی مسلک المتأخرین. أمّا علی مسلک الجمهور من دخول الإطلاق فی المعنی، أمّا فی المقید المتّصل فالمجازیة حاصلة، لأنّ اللّفظ قد استعمل فی غیر الموضوع له و هو المطلق. و أمّا فی المنفصل: فالمیرزا علی المجازیة کذلک، و خالفه تلمیذه فی (المحاضرات)، و تبعه بعض الأساطین: بأنّ المنفصل إنّما یصادم الحجّیة دون الظهور، لوجود المقتضی له و عدم المانع، فلا بدّ- علی مسلکهم- من التفصیل بین المتصل و المنفصل.

الفصل الثالث: فی مقدّمات الحکمة

اشارة

ص: 475

ص: 476

فی مقدّمات الحکمة

فیه أمران:

الأمر الأوّل: فی تعیین مقدمات الحکمة
اشارة

فیها أقوال نتعرّض ببعضهم:

القول الأوّل:

إنّ بعضهم مثل المحقّق النائینی((1)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) قالوا: إنّ مقدّمات الحکمة ثلاثة:

المقدّمة الأُولی: أن یکون المتکلّم متمکناً من البیان.

المقدّمة الثانیة: أن یکون فی مقام البیان و لایکون فی مقام الإهمال و الإجمال.

المقدّمة الثالثة: أن لایأتی المتکلّم بقرینة لا متّصلة و لا منفصلة.

ص: 477


1- . أجود التقریرات، ج 1، ص528 و (ط ج): ج2، ص429.
2- . المحاضرات، ج 4، ص530.
القول الثانی:

صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و تبعه المحقّق المظفر (قدس سره) ((2)) قد اختار هنا نظریة أُخری فحذف من تلک المقدّمات المقدّمة الأولی و أضاف فی آخرها مقدمة أُخری و هی انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب.

هنا أقوال أُخر لانطیل الکلام بذکرها.((3))

ص: 478


1- . کفایة الأصول، ص247.
2- . أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص238.
3- . الأوّل: أنّها اثنتان: 1) انتفاء ما یوجب التقیید. 2) کونه واردا فی مقام بیان تمام المراد. مطارح الأنظار، 218. و فوائد الاصول ج1، ص326 و ج2، ص573- 576. الثانی: أنّها ثلاث: 1- کون المتکلّم فی مقام البیان. 2- انتفاء ما یوجب تعیین مراده. 3- انتفاء القدر المتیقّن فی مقام التخاطب و لو کان المتیقّن ثابتا بملاحظة الخارج عن مقام التخاطب. کفایة الأصول، ص245 و منهاج الأصول، ج 2، ص: 346 و منتقی الأصول، ج 3، ص: 427 الثالث: أنّها ثلاث: 1) أن یکون متعلّق الحکم أو موضوعه قابلاً للانقسام، و إلّا فلا یتمکّن المتکلّم من تقییده بإتیان القید. 2) أن یکون المتکلّم فی مقام البیان. 3) أن لایأتی المتکلّم فی کلامه قرینة علی التقیید. أجود التقریرات، ج1، ص528- 529 و المحاضرات ج 4، ص530 و مصباح الأصول (مباحث الفاظ - مکتبة الداوری)، ج 2، ص592 و زبدة الأصول، ج 3، ص447. الرابع: أنّها ثلاث: و هی ما ذکر فی المتن من دون تقیید الثالثة بمقام التخاطب، أی عدم وجود القدر المتیقّن مطلقا و لو فی الخارج. نهایة الأفکارج2، ص567. الخامس: أنّها أربعة یعنی أن لایکون القدر المتیقن فی مقام التخاطب و هذا مضافا إلی القول الثالث. منتهی الأصول (ط ج): ج 1، ص681 و أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص238. السادس: أنّها واحدة. و هی إحراز کون المتکلّم فی مقام البیان. و هذا مختار السید البروجردی، و بعض الأعاظم. نهایة الاصول، ص381 و مناهج الوصول، ج2، ص325- 327؛ تنقیح الأصول، ج 2، ص430.
الأمر الثانی: فی بیان مقدمات الحکمة
اشارة

لابدّ من البحث حول تلک المقدّمات ثم البحث عما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقام.

المقدمة الأولی: فی أن المتکلم لابد أن یتمکن من البیان
اشارة

لابدّ هنا من البحث تارة فی مقام الثبوت و أُخری فی مقام الإثبات.

مقام الثبوت

قد تقدّم أنّ تقابل الإطلاق و التقیید فی مقام الثبوت تقابل التضادّ کما اختار ذلک الشیخ و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهم) و نتیجة ذلک أنّه إذا استحال التقیید للزم من ذلک کون الإطلاق ضروریاً.

و لکن المحقّق النائینی (قدس سره) قال: إنّ تقابل الإطلاق و التقیید فی مقام الثبوت تقابل العدم و الملکة فإذا قلنا باستحالة التقیید یستلزم ذلک استحالة الإطلاق أیضاً.

و قد أشرنا سابقاً إلی بطلان ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فلانعید.

مقام الإثبات

إنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید فی هذا المقام تقابل العدم و الملکة علی وفاق بین المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) مع المحقّق النائینی (قدس سره) و نتیجة ذلک هو أنّه إن تمکّن المتکلّم من البیان، و لم یأت بقرینة و قید فی المقام مع أنّه فی مقام

ص: 479

البیان فیکون الإطلاق فی مقام الإثبات کاشفاً عن الإطلاق فی مقام الثبوت، بمعنی أنّ المراد الجدّی للمتکلّم هو المعنی الإطلاقی.

ص: 480

المقدمة الثانیة: فی أن المتکلم فی مقام البیان
اشارة

و الکلام فی ناحیتین:

الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة

إذا لم یکن المتکلم فی مقام البیان لم ینعقد الظهور الإطلاقی فی کلامه((1))، و ذلک مثل قوله تعالی (أَقیمُوا الصَّلاةَ)((2))، فإنّه فی مقام بیان أصل التشریع، لا کیفیة إقامة الصلاة، فلایمکن التمسّک بإطلاقه فیما إذا شککنا فی شرطیة شیء للصلاة.

نعم قد یکون المتکلّم فی مقام البیان من جهة دون جهة أُخری فحینئذ یتمسّک بإطلاق کلامه بالنسبة إلی الجهة التی یکون فی مقام بیانها و ذلک مثل قوله (علیه السلام): «فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ»((3)) فإنّه فی مقام البیان من جهة مقدار الدم، لا من جهة کونه من دم مأکول اللحم أو غیر مأکول اللحم.

و أیضاً مثل قوله تعالی: (فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)((4)) فإذا شک فی اعتبار

ص: 481


1- . أورد علیه المحقق الحائری فی درر الفوائد: 234.
2- . سورة البقرة:4(2): 2 و 83 و 110و...
3- . محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن علی بن محبوب عن الحسین بن الحسن عن جعفر بن بشیر عن إسماعیل الجعفی عن أبی جعفر (علیه السلام) قال: فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ وَ إِنْ کَانَ أَکْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَ کَانَ رَآهُ فَلَمْ یغْسِلْهُ حَتَّی صَلَّی فَلْیعِدْ صَلَاتَهُ وَ إِنْ لَمْ یکُنْ رَآهُ حَتَّی صَلَّی فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ. الوسائل، ج3، ص430، کتاب الطهارة، الباب20 من أبواب النجاسات، ح2.
4- . سورة المائدة(5):4.

الإمساک من الحلقوم فی تذکیته یتمسّک بإطلاق الآیة من هذه الناحیة حیث إنّه فی مقام البیان من هذه الجهة (جهة حلیة الأکل) و أمّا إذا شک فی طهارة المحل فلایمکن التمسّک بإطلاق الآیة حیث إنّ الآیة لیست فی مقام البیان من جهة الطهارة. (و هذان المثالان ممّا أفادهما المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))).

الناحیة الثانیة: إذا شک فی أنّ المتکلّم فی مقام البیان
اشارة

فلابدّ أن یتمسّک ب- «أصالة البیان» و استدلّ علیها بأوجه أربعة:

الوجه الأوّل:
اشارة

و هو أصل تطابق مقام الثبوت و الإثبات، فإذا لم یقید بقید فی مقام الإثبات نکشف من ذلک إطلاق مقام الثبوت، حیث إنّ فی القضایا الشرعیة لایتصوّر الإهمال فی مقام الثبوت، فالأصل یقتضی أن لایکون إهمال فی مقام الإثبات أیضاً إلّا إذا دلّت علیه قرینة. نعم فی القضایا العرفیة یمکن وجود الإهمال فی مقام الثبوت لطروّ النسیان و الغفلة علی الحاکم العرفی و المقنّن.

یلاحظ علیه:

إنّ الإهمال فی القضایا الشرعیة لایتصور فی مقام الثبوت بل یستحیل من الشارع الحکیم بخلاف الإهمال فیها فی مقام الإثبات، فإنّه قد یکون لازماً حیث إنّ المقام مقام أصل التشریع.((2))

ص: 482


1- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص533.
2- . أورد بعض الأساطین علی أصل التطابق بأنه مع احتمال کون المتکلّم مهملًا فی مقام الإثبات، لایحصل الکشف عن مقام الثبوت و التطابق بین المقامین، و المفروض هو الشک فی مقام الإثبات. تحقیق الأصول، ج 4، ص400
الوجه الثانی:
اشارة

إنّ المستند لأصالة البیان السیرة العقلائیة علی حمل کلام المتکلّم علی کونه فی مقام البیان إذا شک فی ذلک.((1))

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ السیرة العقلائیة تشمل ما إذا کان منشأ الشک هو أنّ المتکلّم کان فی مقام أصل التشریع أو کان فی مقام بیان تمام مراده، کما فی قوله تعالی: (وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ)((3)) فحینئذ تجری أصالة کونه فی مقام البیان.

و أمّا إذا کان منشأ الشک هو سعة الإرادة أو ضیقها، بأن علم أنّ فی کلامه إطلاقاً من جهة و لکن نشک فی إطلاقه من جهة أُخری فلایمکن التمسّک بأصالة البیان و ذلک کالمثالین المذکورین (فَکُلُوا مِمَّا أَمْسَکْنَ عَلَیکُمْ)((4))، و «فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ»((5)) لعدم قیام السیرة علی حمل کلامه علی کونه فی مقام البیان.((6))

ص: 483


1- . کفایة الأصول: 248.
2- . فی المحاضرات، ط.ج. ج4، ص536.
3- . سورة البقرة(2):275.
4- . سورة المائدة(5):4.
5- . راجع ص481.
6- . إنّ بعض الأساطین بعد قبول بتمامیة السّیرة أشکل بأنّها إنّما تجری فی کلام من دأبه بیان الخصوصیات فی مجلسٍ واحدٍ، و لیس دأب الشارع هکذا، فإنّ الخصوصیات الدخیلة فی الأحکام الشرعیة قد ذکرت علی لسان أحد الأئمة (صلی الله علیه و آله) بعد أن جاءت المطلقات فی القرآن أو فی کلام النبی (صلی الله علیه و آله) ... تحقیق الأصول، ج 4، ص401.
الوجه الثالث:
اشارة

إنّ المستند لأصالة البیان سیرة أهل المحاورات علی ذلک کما ذکره صاحب الکفایة (قدس سره) .

ملاحظة علیه:

ما أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی السیرة العقلائیة یجری هنا أیضاً.

الوجه الرابع:

إنّ المستند لها سیرة المتشرعة من أصحاب الأئمة (علیهم السلام) حیث إنّهم یأخذون الحکم و لاینتظرون شیئاً بل یذهبون إلی بلادهم و یعملون علی طبق ما أخذوه من الأئمة (علیهم السلام) و هذه السیرة غیر مردوعة، فالدلیل علی أصالة البیان هو سیرة المتشرعة و هذا الوجه هو مختار بعض الأساطین (دام ظله) .((1))

ص: 484


1- . فالتحقیق هو التفصیل بین کلام غیر الشارع ممن دأبه إعطاء الخصوصیات فی المجلس الواحد، فالسیرة العقلائیة جاریة علی الأخذ بإطلاق کلامه، و بین کلام الشارع، ففی کلامه یکون المستند للإطلاق هو سیرة المتشرعة، فإنّ أصحاب الأئمّة علیهم السلام و غیرهم لمّا کانوا یرجعون إلیهم و یأخذون الحکم الشرعی منهم، ما کانوا ینتظرون شیئاً، بل کانوا یذهبون و یعملون بما أخذوه، بل کان بعضهم ربما لایری الإمام بعد تلک الجلسة ... فهذه السیرة غیر المردوعة من الأئمة هی المستند لأصالة البیان و الأخذ بإطلاق الکلام بلا توقف. تحقیق الأصول، ج4، ص401.
المقدمة الثالثة: فی عدم الاتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة

إذا لم یأت المتکلم بقرینة لامتصلة و لامنفصلة فیثبت لکلامه إطلاق فی مرحلة الإثبات، و تطابق مقام الثبوت و الإثبات و تبعیة الإطلاق الإثباتی للإطلاق الثبوتی یوجب الکشف عن الإطلاق الثبوتی.

مضافاً إلی أنّ السیرة العقلائیة أیضاً قامت علی کاشفیة الإطلاق فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت.

و مع تمامیة المقدّمات الثلاث المذکورة یتمسّک بالإطلاق.

ص: 485

المقدمة الرابعة: فی القدر المتیقن فی مقام التخاطب
اشارة

بقی الکلام فی المقدّمة التی أضافها صاحب الکفایة (قدس سره) و هی وجود القدر المتیقّن فی مقام التخاطب.((1))

توضیح نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ القدر المتیقّن إمّا هو القدر المتیقّن الخارجی، فإنّ هذا لایوجب المنع عن التمسّک بالإطلاق، لأنّ ذلک موجود غالباً فی کلّ مطلق، مثلاً إذا قال المولی: «أکرم فقیهاً» فالقدر المتیقّن منه الفقیه الجامع للشرائط.

و إمّا هو القدر المتیقّن فی مقام التخاطب بأن یکون مورد السؤال مثلاً خصوص شیء و حینئذ جواب الإمام (علیه السلام) و إن کان مطلقاً بالنسبة إلیه فیشمل غیره لکن القدر المتیقّن من الجواب هو مورد السؤال و حینئذ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّ إرادة القدر المتیقّن فی جواب الإمام (علیه السلام) لا شبهة فیه و أمّا إرادة غیره فیکون محتملاً، و هذا القدر المتیقّن یصلح لأن یکون قرینة علی مراد الإمام (علیه السلام)، فلو أراد المولی الأعمّ منه فلابدّ أن یبین أنّ الموضوع هو المطلق فلو لم یبین ذلک لایمکن التمسّک بالإطلاق، لأنّ الکلام محفوف بما یصلح أن یکون قرینة لإرادة ما هو المتیقّن.

إیرادان علی هذا البیان:
إیراد الأوّل: عن بعض الأساطین (دام ظله) نقضاً:

إنّ بعض أدلّة الاستصحاب مثل «أنّ الشک لاینقض الیقین» وارد فی مورد

ص: 486


1- . کفایة الأصول: 248.

باب الوضوء و بقاء الطهارة عند تحقّق الخفقة أو الخفقتین، فالقدر المتیقّن فی مقام التخاطب هو بقاء الطهارة الوضوئیة و لکن صاحب الکفایة (قدس سره) أخذ بإطلاق الدلیل و قال بشموله للاستصحاب فی موارد الشک فی المقتضی.

مضافاً إلی أنّ القدر المتیقّن فی مقام التخاطب لاینحصر فی موارد السؤال عن شیء خاصّ بل ورود الدلیل فی واقعة خاصّة هو من مصادیق القدر المتیقّن فی مقام التخاطب، فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) یقتضی عدم التعدّی عن تلک الواقعة مع أنّه (قدس سره) أیضاً لایلتزم بذلک. ((1))

إیراد الثانی: مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره) حلاً

((2))

إنّ ظهور الکلام فی المعنی الإطلاقی منعقد قطعاً، فالإطلاق الإثباتی محقّق بلا کلام و المولی بحکم المقدّمات السابقة یکون فی مقام البیان، فلابدّ أن یکشف الظهور الإطلاقی فی مقام الإثبات عن الإطلاق فی مقام الثبوت لما تقدّم من أنّ مقام الإثبات تابع لمقام الثبوت.

ص: 487


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص406.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص539. و أیضاً تحقیق الأُصول، ج4، ص407 و أورد المحقق الروحانی فی زبدة الأصول،ج3، ص454: أوّلاً: بأنّ لازم ذلک عدم التمسک بالإطلاقات فی أکثر المطلقات المتضمنة لبیان الأحکام فإنّها واردة فی موارد خاصة، و من المعلوم ان المورد هو المتیقن، کون مرادا من اللفظ المطلق مع أنّه لم یلتزم به احد، و لذا اشتهر أنّ المورد، لایکون مخصصا، و لامقیدا و لایلتزم هو أیضاً به، إلّا فی بعض الموارد، مثل المطلقات الواردة فی مورد قاعدة التجاوز حیث إنّه التزم باختصاصها بالصلاة من جهة أنّ الأمثلة المذکورة فی صدر النصوص من أجزاء الصلاة. و ثانیا: إنّه إذا فرضنا أنّ المولی کان فی مقام بیان تمام مراده، و کان القید دخیلاً فی حکمه لاخل بغرضه، و إن کان قدر المتیقن فی مقام التخاطب موجودا، فإنّ المطلق الشامل لذلک المورد قطعا، لایدل علی دخل القید فی الحکم، و إنّما یدل علی ثبوت الحکم لذات المقید و هو أعم من دخل القید و عدمه.

و لذا لو سئل المولی عن مجالسة شخص معین فی الخارج و أجاب بعدم جواز مجالسة الفاسق لم یحتمل بحسب الفهم العرفی اختصاص الحکم بذاک الشخص المعین فی الخارج، فلامحالة یعمّ الحکم غیره.

ص: 488

الفصل الرابع: هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟

اشارة

ص: 489

ص: 490

هل یمنع الانصراف عن التمسّک بالإطلاق؟

قیل بتحققه فی مواضع:((1))

الموضع الأوّل و الثانی:

المحقّق الخوئی (قدس سره) قال: إنّ ذلک یتحقّق فی موردین:

المورد الأوّل: علوّ مرتبة بعض أفراد الماهیة علی نحو یوجب انصرافها عنه و حملها علی سائر الأفراد و ذلک مثل لفظ «الحیوان»، فإنّ معناه اللغوی یشمل الإنسان، إلّا أنّ معناه العرفی منصرف عن الإنسان.

و من ذلک هو أنّ قوله (علیه السلام) «لاتصل فیما لایؤکل لحمه»((2)) ینصرف عن

ص: 491


1- . مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص263 و (ط ق)، ص219؛ کفایة الأصول، ص249 و تحقیق الأصول، ج 4، ص408 و أجود التقریرات، ج 1، ص532: إنّ الانصراف و إن کان مانعاً من جواز التمسک بالإطلاق إلّا أنّه یختص ببعض أقسام الانصراف و لایعمّ جمیعها. و فی أصول الفقه (طبع انتشارات اسلامی)، ج 1، ص242. دراسات فی الأصول، ج 2، ص604.
2- . الوسائل، ج4، ص346، الباب 2 من أبواب لباس المصلی، الحدیث 6. نص الحدیث: «محمد بن علی بن الحسین بإسناده عن حماد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبیه عن جعفر بن محمد (علیه السلام) عن آبائه فی وصیة النبی (صلی الله علیه و آله) لعلی (علیه السلام) قال: یا عَلِی! لَا تُصَلِّ فِی جِلْدِ مَا لَا یشْرَبُ لَبَنُهُ وَ لَا یؤْکَلُ لَحْمُه.»

الإنسان عرفاً مع أنّ الإنسان أیضاً مما لایؤکل لحمه.((1))

المورد الثانی: دنوّ مرتبة بعض أفراد الماهیة علی نحو یکون صدقها علیه مورداً للشک. ((2))

توضیح ذلک: إنّ المطلق قد یصدق علی فرد و لکن نشک فی خروجه عن الإطلاق باحتمال وجود قرینة علی ذلک فهنا تجری أصالة الإطلاق، لأنّ صدق المطلق علی هذا الفرد محرز.

و قد یکون صدق المطلق عرفاً علی بعض الأفراد مشکوکاً و إن کانت ماهیة المطلق تشمله، و بعبارة أُخری صدق اللفظ علی بعض الأفراد خفی بینما صدقه علی سائر أفرادها جلی، فهنا یقولون بانصراف المطلق إلی الفرد الجلی، و وجه انصرافه عن الفرد الخفی فی هذا المورد هو دنوّ رتبته و قد مثل لذلک فی المحاضرات بصدق الماء علی ماء الکبریت.

الموضع الثالث:
اشارة

ندرة وجود بعض الأفراد توجب انصراف المطلق عنه.((3))

ص: 492


1- . شرح العروة الوثقی، ج12، ص179.
2- . المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص540.
3- . تحقیق الأصول، ج 4، ص408: لقد قال المتقدّمون بالانصراف علی أثر ندرة الوجود لحصّةٍ من حصص الطبیعة، و أنّ الظهور ینعقد فی الحصّة الغالبة ... إلّا أنّ المتأخرین یقولون بأنّ ندرة الوجود لاتکون منشأً لانصراف اللّفظ عن النادر، و لاغلبة الوجود تکون منشأً لانصرافه نحو الغالب ... لأنّ اللفظ صادق علی النادر حقیقةً کصدقه علی الغالب فی الوجود، و یحصرون الانصراف بصورة التشکیک فی الصدق، بأنْ یکون صدق اللفظ علی حصّةٍ جلیاً و علی الأخری خفیاً، فیقولون بانصرافه إلی ما هو فیه جلی.
الإیراد علیه:

فیه أنّ المطلق یصدق علی الفرد النادر فندرة الوجود لایوجب الانصراف عنه.

الموضع الرابع:
اشارة

غلبة وجود بعض الأفراد توجب انصراف المطلق إلی الفرد الغالب و من ذلک قالوا: المطلق عند الإطلاق ینصرف إلی الفرد الأکمل.

الإیراد علیه:

فیه أنّ غلبة وجود بعض الأفراد لایوجب عدم صدق المطلق علی سائر أفراده و لا انصراف عنه مع صدقه علیه.((1))

ص: 493


1- . قال فی بدائع الأفکار، ص219: إنّ انصراف اللّفظ الموضوع للماهیة المطلقة إلی مرتبة معینة منها یتسبّب بأسباب منها مؤانسة الذهن به باعتبار کثرة الوجود و کثرة الابتلاء و منها غلبة الاستعمال البالغة حدّ النّقل أحیانا و منها بعض القرائن العامة الموجودة فی العرف العام أو الخاصّ و أمّا مجرّد الکمال أو الأکملیة فقد حقّقنا فی مبحث الأوضاع عدم صلاحیته لصرف اللّفظ خلافا لبعض من أشرنا إلیه هنالک و لو سلّم فلیس مطلق الأکملیة فی مطلق الألفاظ کذلک و لو سلّم فهو إنّما یتمّ إذا لم یکن بین الإفراد ترتب بحسب المفهوم نظیر أفراد الماء إذا فرض انصراف لفظه إلی بعضها مطلقا أو فی بلد مخصوص و أمّا إذا کانت الأفراد مترتبة و مختلفة من حیث الشدّة و الضّعف فالظّاهر أنّ دعوی الانصراف إلی الفرد الأوّل الّذی یحصل فی ضمنه القدر المشترک أولی من دعوی الانصراف إلی الفرد الثانی الّذی فوقه و لذا لم یقل أحد بانصراف لفظ الوجود عند الإطلاق إلی وجود الواجب أو انصراف لفظ السّواد إلی السّواد الشّدید أو انصراف لفظ الحرکة إلی الحرکة الشّدیدة و علی تقدیر التّسلیم فهذا الانصراف غیر صالح لبناء الأحکام الشرعیة علیه. و فی دررالفوائد (ط ج)، ص309: لیس الأکملیة سببا للانصراف، لوضوح أنّ الانصراف إنّما ینشأ من أنس المعنی باللفظ فی الذهن، و لیس الأکملیة ملازمة لهذا، و إلّا لزم أن یکون لفظ الإنسان منصرفا إلی خاتم النبیین (صلی الله علیه و آله) لکونه أکمل أفراده.

ص: 494

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید

اشارة

ص: 495

ص: 496

حمل المطلق علی المقید

إنّ البحث هنا یقع فی مقامین:

(1)

الأول: المطلق الذی لوحظ بنحو صرف الوجود عند الحکم علیه.

و الثانی: المطلق الذی لوحظ بنحو مطلق الوجود عند الحکم علیه.

ص: 497


1- . فی مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص263: هدایة [شروط حمل المطلق علی الإطلاق] قد عرفت أنّ حمل المطلق علی الإطلاق موقوف علی أمرین: أحدهما عدمی، و الآخر وجودی، و یتولّد من کلّ واحد منهما شرط للحمل علی الإطلاق، کما أفاده بعض المحقّقین فی فوائده: (الفوائد الحائریة، ص361، الفائدة 5). الأوّل: أن لایکون منصرفاً إلی بعض الأفراد و الوجه فی ذلک: الاشتراط ظاهر بعد قیام الانصراف مقام التقیید اللفظی، إلّا أنّه لابدّ من توضیح موارده.... و فی مطارح الأنظار (ط ج)، ج 2، ص271: هدایة [صور حمل المطلق علی المقید و عدمه]. إذا ورد مطلق و مقید، فإمّا أن یکون المحکوم به متّحدا أو متعدّدا، و علی التقدیرین فهما إمّا منفیان أو مثبتان أو مختلفان، و علی التقادیر إمّا أن یکون الموجب فیهما مذکورا أو لا؛ و علی الأوّل إمّا أن یکون الموجب واحدا أو متعدّدا و تنقیح البحث فی طی مقامات. و فی مفاتیح الأصول، ص198: إذا ورد أمر بماهیة مطلقة و کان متعلقا بمکلّف نحو أعتق رقبة و ورد أیضاً نحو ذلک الأمر أمر آخر متعلق بنوع أو صنف من تلک الماهیة و بذلک المکلف نحو أعتق رقبة مؤمنة و علم باتحاد سببهما و بأنّه لم یجب علی ذلک المکلّف إلّا فعل واحد و بالجملة علم بوقوع التعارض بین ظاهریهما بحیث لایمکن العمل به فهل یجب هنا حمل المطلق علی المقید أو لاصرح بالأوّل فی العدة و المعارج و النهایة و التهذیب و المبادی و شرحه و المنیة و قواعد الشهید و غایة المأمول و المعالم و المختصر و شرحه للعضدی و المعارج و لهم وجوه. و فی تحقیق الأصول، ج 4، ص414 و فی ص426: إنّ الوجه فی تقدّم المقید علی المطلق فی المقید المتصل لیس الأظهریة و لا القرینیة و لا غیرهما، بل هو التنجیزیة فی طرف المقید، أی ظهور صیغة الأمر فی الوجوب بلا تعلیقٍ علی شی ءٍ، و قد ذکرنا أنّ ذلک ثابت إمّا بالوضع من جهة التبادر علی رأی و إمّا بحکم العقل علی الرأی الآخر. بل إنّه مستفادٌ من ظواهر النصوص (انتهی) وفی ص429 تبین وجه المقید المنفصل. و فی درر الفوائد (1- 2)، ص236- 237 و المحاضرات، ج4، ص541 و تهذیب الأصول، ج 2، ص74 و 277 و زبدة الأصول، ج 3، ص458 و ضوابط الأصول، ص250 والفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص219 و فوائد الاصول، ج 2، ص577 و القوانین المحکمة فی الأصول (ط ج): ج 2، ص180 و المحاضرات، ج 4، ص542 و حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص305 و منتهی الأصول (ط ج)، ج 1، ص685 و دراسات فی علم الأصول، ج 2، ص342.
المقام الأوّل:
اشارة

و هو المطلق الذی لوحظ بنحو صرف الوجود.

و المقید هنا یکون علی نحوین:

الأوّل: المقید الذی یکون مخالفاً للمطلق: مثلاً إذا قال: «أعتق رقبة» ثم جاء المقید المخالف فقال: «لاتعتق رقبة کافرة»، فهذا المقید یشتمل علی حکم مخالف لحکم المطلق.

الثانی: المقید الذی یکون موافقاً للمطلق مثل قوله فی المثال المذکور «أعتق رقبة مؤمنة» فإنّ حکم المقید موافق حینئذ لحکم المطلق.

ص: 498

و اختلف هنا فی أنّ المطلق (و هو قوله: أعتق رقبة) یحمل علی المقید، أو یؤخذ بظاهره و یحمل المقید علی أنّه أفضل الأفراد.((1))

و هذا النحو الثانی علی صورتین:

الصورة الأُولی:

إذا علمنا من الخارج بأنّ الحکم المذکور فی القضیة المطلقة و المقیدة واحد غیر متعدّد.

الحق هنا حمل المطلق علی المقید، لأنّ ظهور المطلق فی إطلاقه تعلیقی یتوقف علی عدم البیان و أمّا ظهور المقید فی الوجوب تنجیزی فیکون بیاناً فی قبال المطلق، فیحمل المطلق علی المقید.

الصورة الثانیة:

و إذا احتملنا من الخارج أنّ الحکم متعدد. و المحتمل فیها أوجه خمسة:

الوجه الأوّل: یحمل المطلق علی المقید و هو المختار لما تقدّم فی الصورة الثانیة.

الوجه الثانی: یحمل المقید علی أفضل الأفراد.

الإیراد علی الوجه الثانی: فیه أنّ ظهور المطلق تعلیقی و ظهور المقید تنجیزی و لازم هذا الوجه هو الأخذ بالظهور التعلیقی و التصرّف فی الظهور التنجیزی.

ص: 499


1- . تحقیق الأصول، ج4، ص444: مقتضی القاعدة هو الحمل إن کان المطلق بنحو صرف الوجود، بمناط القرینیة و غیره من المبانی المذکورة. لکنَّ الفقهاء یحملون الأدلّة المقیدة فی المستحبّات علی الأفضلیة. و قد ذکروا فی توجیه ذلک وجوها.

الوجه الثالث: یکون کلاهما مأخوذاً بوجوبهما من قبیل واجب فی واجب آخر مثل وجوب الغسل و وجوب کونه بماء الکافور أو السدر.

الإیراد علی الوجه الثالث: فیه أنّ ما قیل من کونهما علی نحو الواجب فی واجب آخر خلاف ظاهر الدلیل لأنّ الأمر فی المقید یحمل حینئذ علی الإرشادیة أو الجزئیة لا علی المولویة و الظاهر من الدلیل المقید هنا هو الحکم المولوی.

الوجه الرابع: یکونان واجبین مستقلّین و یسقط الحکم بالمطلق عند إتیان المقید.

الإیراد علی الوجه الرابع: فیه أنّ ذلک یستلزم لغویة الحکم بالمطلق، لأنّ الإتیان بالمقید لازم علی أی حال و کافٍ عن المطلق فی کلّ حال، فلاوجه للحکم بالمطلق.

الوجه الخامس: یکونان واجبین مستقلّین و لایسقط الحکم بالمطلق عند إتیان المقید.

الإیراد علی الوجه الخامس: أنّه خلاف الظاهر حیث یلزم فی هذا الاحتمال تقیید الحکم بالمطلق بغیر الحصّة المقیدة و إلّا فلا وجه لعدم سقوط المطلق بالإتیان بالمقید لأنّ المطلق ینطبق علی المقید انطباق الطبیعی علی حصّته.

فجمیع هذه الوجوه خلاف الظاهر إلّا الوجه الأوّل فإنّه من باب الأخذ بالظهور التنجیزی و حمل المقید علی کونه بیاناً للمطلق فیحمل المطلق علی المقید.

ص: 500

المقام الثانی:
اشارة

و هو المطلق الذی لوحظ بنحو مطلق الوجود. و المقید فی هذا المقام علی نحوین أیضاً:

الأول: المقید الذی یکون مخالفاً لحکم المطلق، فهما یکونان من المتخالفین.

و له مثالان معروفان، أمّا المثال الأول: فالمطلق، مثل: «أَحَلَّ الله الْبَیعَ»((1)) و المقید، مثل: «نهی النبی (صلی الله علیه و آله) عن بیع الغرر»((2)) و أمّا المثال الثانی: فالمطلق، مثل: «أکرم العالم» و المقید، مثل: «و لاتکرم العالم الفاسق».

و فی هذا النحو من الإطلاق و التقیید، فلابدّ أن یحمل المطلق علی المقید، لمکان التنافی بینهما.

الثانی: المقید الذی یکون موافقاً لحکم المطلق، فهما یکونان من المثبتین. ((3))

ص: 501


1- . البقره(2):275.
2- . فِی الْأَحَادِیثِ الصَّحِیحَةِ أَنَّهُ (صلی الله علیه و آله) نَهَی عَنْ بَیعِ الْغَرَر. عوالی اللئالی، ج 2، ص 248. أیضاً: نَهَی رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) عَنْ بَیعِ الْمُضْطَرِّ وَ عَنْ بَیعِ الْغَرَر. عیون أخبار الرضا، ج 2، ص46؛ الوسائل: ج17، ص448، کتاب التجارة، الباب40 من أبواب آداب التجارة، ح3. أیضا: رُوِّینَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) عَنْ أَبِیهِ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) نَهَی عَنْ بَیعِ الْغَرَرِ. دعائم الإسلام، ج2، ص21.
3- . أجود التقریرات، ج 1، ص534: إذا ورد مطلق و مقید متنافیان سواء توافقا فی الإیجاب و السلب أم تخالفا فی ذلک فهل القاعدة تقتضی حمل المطلق علی المقید فیه خلاف و الحق هو التفصیل و قال فی ص537: إنّ حمل المطلق علی المقید یتوقف علی ثبوت التنافی بین الدلیلین کما أشرنا إلیه و التنافی بین الدلیلین یتوقف علی وحدة التکلیف المتکفل بإثباته کل من الدلیل المطلق و الدلیل المقید و هی متوقفة علی ثلاثة أمور: الأوّل: أن یکون الحکم فی کل من المطلق و المقید مرسلا أو معلقاً علی شی ء واحد... الثانی: أن یکون کل من التکلیفین إلزامیا... الثالث: أن یکون متعلق کل من الخطابین صرف الوجود الّذی ینطبق قهرا علی أوّل وجود ناقض للعدم إذ بذلک تتحقق المنافاة بین الدلیلین.

أما مثاله المعروف: فالمطلق، مثل:«أکرم العالم» و المقید، مثل: «أکرم العالم العادل».

و هنا نظریتان مهمّتان:

نظریة المشهور: عدم الحمل

دلیله عدم التنافی بین «أکرم العالم» وأکرم العالم العادل، فإنّ المطلق قد تعلَّق بمطلق العالم، والمقید قد تعلّق بخصوص حصّة العالم العادل، و مع عدم التنافی فلا وجه لحمل المطلق علی المقید، بل المقید یحمل علی أفضل الأفراد.

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) بعد نقل نظریة المشهور، ناقش فیه من جهة التزامه إجمالاً بمفهوم الوصف بمعنی خاصّ قد تقدّم بیانه و قلنا بأنّا أیضاً نلتزم بمفهوم الوصف تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض أکابر أساتیذنا من تلامذة المحقق الإصفهانی (قدس سره)، و لذلک نلتزم بمقالة المحقق الخوئی (قدس سره) فی الجملة.

قال المحقق الخوئی (قدس سره): هذا إنّما یتم فیما إذا لم نقل بدلالة الوصف علی المفهوم بالمعنی الذی تقدم فی محلّه، وأمّا إذا قلنا بها کما هو الظاهر فلا یتمّ.

بیان ذلک: أنّ القید تارةً یقع فی کلام السائل من جهة توهمه أنّ فیه خصوصیة تمنع عن شمول الحکم له، کما إذا افترض أنّه توهم أنّ الاطلاقات الدالة علی

ص: 502

طهوریة الماء لا تشمل ماء البحر من جهة أنّ فیه خصوصیة و هی ملاحته، یمتاز بها عن غیره من المیاه، فلأجل ذلک سأل الإمام (علیه السلام) عن طهوریته فأجاب (علیه السلام) بأنّه طاهر، ففی مثل ذلک لا شبهة فی عدم دلالته علی المفهوم. و کذا إذا أتی الإمام (علیه السلام) بقید فی کلامه لرفع توهم السائل أنّ فیه خصوصیة یمتاز بها عن غیره، بأن قال (علیه السلام): «ماء البحر طاهر»((1)).

و أمّا إذا لم تکن قرینة علی أنّ الاتیان بالقید لأجل رفع التوهم، ففی مثل ذلک لامانع من الالتزام بالمفهوم، و قد ذکرنا فی بحث مفهوم الوصف أنّه ظاهر فیه و إلاّ لکان الاتیان به لغواً محضاً، کما أنّا ذکرنا هناک أنّ المراد بالمفهوم هو دلالته علی أنّ الحکم فی القضیة غیر ثابت للطبیعی علی نحو الاطلاق و إلاّ لکان وجود القید و عدمه سیان، و لیس المراد منه دلالته علی نفی الحکم عن غیر مورده کما هو الحال فی مفهوم الشرط، و قد تقدم تمام هذه البحوث بشکل موسّع هناک فلاحظ.

و علی أساس ذلک فلامناص من حمل المطلق علی المقید هنا أیضاً .

فالنتیجة: أنّه لا فرق فی لزوم حمل المطلق علی المقید بین ما إذا کان التکلیف فی طرف المطلق متعلقاً بصِرف وجوده أو بمطلق وجوده، فلاوجه لما عن المشهور من التفصیل بینهما، و علی ذلک تترتب ثمرة فقهیة فی بعض الفروع. ((2))

ص: 503


1- . محمد بن یعقوب عن علی بن إبراهیم عن محمد بن عیسی عن یونس بن عبد الرحمن عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَ طَهُورٌ هُوَ قَالَ (علیه السلام): نَعَم. الوسائل، ج1، ص136، کتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 2:(باب أن ماء البحر طاهر مطهر و کذا ماء البئر و ماء الثلج)، ح1.
2- . المحاضرات، (ط. ج): ج4، ص549-550 و (ط ق): ج5، ص381.

ص: 504

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

اشارة

ص: 505

ص: 506

حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

هنا نظریات مهمة بین الأعلام

النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّ المشهور قالوا بأنّ حمل المطلق علی المقید لایجری فی المستحبات، و قد ذکر لذلک وجوه، منها: إنّ المستحبات غالباً متعدّدة من حیث مراتب الفضل، و هذه الغلبة قرینة علی حمل المقید علی الفرد الأفضل.

الإیراد الأوّل:

إنّ المتعلّق إذا أخذ علی نحو صرف الوجود باصطلاحهم، و قامت قرینة علی أنّه بنحو وحدة المطلوب، فلایمکن الحمل علی الأفضلیة، فما أفاده المشهور لایجری علی جمیع التقادیر.

الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره)

أنّ مجرد الغلبة لایوجب ذلک بعد ما افترض أنّ دلیل المقید قرینة عرفیة علی تعیین المراد من المطلق، ضرورة أنّ الغلبة لیست علی نحو تمنع عن ظهور دلیل المقید فی ذلک.

ص: 507

النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

إنّ الدلیل الدالّ علی التقیید یتصور علی وجوه أربعة لا خامس لها:

الأوّل: أن یکون ذا مفهوم

بمعنی أن یکون لسانه لسان القضیة الشرطیة، کما إذا افترض أنّه ورد فی دلیل أنّ صلاة اللیل مستحبة و هی إحدی عشرة رکعة، و ورد فی دلیل آخر أنّ استحبابها فیما إذا کان المکلف آتیاً بها بعد نصف اللیل، ففی مثل ذلک لامناص من حمل المطلق علی المقید عرفاً، نظراً إلی أنّ دلیل المقید ینفی الاستحباب فی غیر هذا الوقت من جهة دلالته علی المفهوم.

الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم

فإذا دلّ دلیل علی استحباب الإقامة مثلاً فی الصلاة ثمّ ورد فی دلیل آخر النهی عنها فی مواضع کالإقامة فی حال الحدث أو حال الجلوس أو ما شاکل ذلک، ففی مثل ذلک لامناص من حمل المطلق علی المقید، و الوجه فیه: ما ذکرناه غیر مرّة من أنّ النواهی الواردة فی باب العبادات و المعاملات ظاهرة فی الارشاد إلی المانعیة، و أنّ الحدث أو الجلوس مانع عن الإقامة المأمور بها، و مرجع ذلک إلی أنّ عدمه مأخوذ فیها فلا تکون الإقامة فی حال الحدث أو الجلوس مأموراً بها.

الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید

کما إذا افترض أنّه ورد فی دلیل أنّ الإقامة فی الصلاة مستحبة، و ورد فی دلیل آخر فلتکن فی حال القیام أو فی حال الطهارة، فالکلام فیه هو الکلام فی القسم

ص: 508

الثانی حیث إنّ الأمر فی قوله: فلتکن، ظاهر فی الارشاد إلی شرطیة الطهارة أو القیام لها، و لا فرق من هذه الناحیة بین کون الإقامة مستحبة أو واجبة، فما هو المشهور من أنّه لا یحمل المطلق علی المقید فی باب المستحبات لا أصل له فی الأقسام المتقدمة.

الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو
اشارة

کما هو الغالب فی باب المستحبات، مثلاً ورد فی استحباب زیارة الحسین (علیه السلام) مطلقات و ورد فی دلیل آخر استحباب زیارته (علیه السلام) فی أوقات خاصة کلیالی الجمعة و أوّل و نصف رجب، و نصف شعبان، و لیالی القدر و هکذا، ففی مثل ذلک هل یحمل المطلق علی المقید؟

الظاهر أنّه لایحمل علیه، و السبب فیه: أنّ الموجب لحمل المطلق علی المقید فی الواجبات هو التنافی بین دلیل المطلق و المقید، حیث إنّ مقتضی إطلاق المطلق ترخیص المکلف فی تطبیقه علی أی فرد من أفراده شاء فی مقام الامتثال، و هو لایجتمع مع کونه ملزماً بالاتیان بالمقید، و هذا بخلاف ما إذا کان دلیل التقیید استحبابیاً فانّه لاینافی إطلاق المطلق أصلاً، لفرض عدم إلزام المکلف بالاتیان به، بل هو مرخّص فی ترکه، فإذا لم یکن تناف بینهما فلا موجب لحمل المطلق علی المقید، بل لابدّ من حمله علی تأکد الاستحباب و کونه الأفضل، و هذا هو الفارق بین الواجبات و المستحبات .

و من هنا یظهر أنّ دلیل المطلق إذا کان متکفلاً لحکم إلزامی دون دلیل المقید فلابدّ من حمله علی أفضل الأفراد أیضاً بعین الملاک المزبور. فالنتیجة: أنّ دلیل المقید إذا کان متکفلاً لحکم غیر إلزامی فلا بدّ من حمله علی الأفضل، سواء أکان

ص: 509

دلیل المطلق أیضاً کذلک أو کان متکفلاً لحکم إلزامی، و السر فیه ما عرفت من عدم التنافی بینهما أبداً.

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) أشار إلی صورة تعلّق الحکم بالطبیعة فی ما إذا أخذ بنحو مطلق الوجود و لم یتعرّض لصورة تعلّقه بالطبیعة علی نحو صرف الوجود باصطلاحهم، و لذا ما أفاده ناقص من جهة اشتماله علی جمیع الصور.

النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین

إنّ ما أفاده بعض الأساطین (دام ظله)، بعد ملاحظة الوجوه الثلاثة المتقدمة فی کلام المحقق الخوئی (قدس سره)، یعدّ تتمیماً لما أفاده فی الوجه الرابع، و قد تقدم نقصان الصور المذکورة فی الوجه الرابع، و هذه النظریة تکمله.

بیان ذلک: إنّ المتعلّق فی الوجه الرابع إن کان بنحو مطلق الوجود فالأمر کما أفاده و إن کان بنحو صرف الوجود و أحرزنا تعدّد المطلوب، فلایحمل المطلق علی المقید و إن کان بنحو وحدة المطلوب فلحمل المطلق علی المقید وجه، و المرجع هو الأصل العملی فی المقام.((1))

ص: 510


1- . فإنّه إذا کان المتعلَّق مطلق الوجود لا صرف الوجود، و فی المقید هو الحصّة، فالحکم متعدّد، و مقتضی القاعدة عدم الحمل. و إن کان المطلق بنحو صرف الوجود، فإنْ ثبت بدلیل أو قرینة من الخارج تعدّد المطلوب، کمثال زیارة الحسین (علیه السلام)، فلا حمل بل یحمل علی الأفضلیة. وإنْ اُحرز وحدة المطلوب أو لم تقم قرینة علی تعدّده، فالمرجع هو الأصل العملی علی ما سیأتی فی مباحث دوران الأمر بین الأقل و الأکثر. تحقیق الأصول، ج4، ص 448.

الفصل السابع: المجمل و المبین

اشارة

ص: 511

ص: 512

المجمل و المبین

تفسیر المجمل و المبین
اشارة

إنّ المجمل ما یکون معناه غیر واضح و مشتبهاً و لم یکشف عن معناه، سواء کان إجماله حقیقیاً بالذات أو حقیقیاً بالعرض أو حکمیاً.

والمبین ما یکون معناه ظاهراً و واضحاً و کاشفاً عن معناه.

فالمراد من المجمل والمبین إنّما هو المعنی اللّغوی منهما، فلیس اصطلاح خاص لهما.

قال المحقق العراقی (قدس سره):

إن المجمل عبارة عمّا لا یکون بحجّة ولا یستطرق به إلی الواقع، فیقابله المبین وهو الذی یستطرق به إلی الواقع.

أقسام المجمل
اشارة

إنّ المجمل إما حقیقی و إما حکمی.

ص: 513

أمّا الإجمال الحقیقی:

فهو ما لم یظهر فی المراد الاستعمالی، إما لإجماله بالذات کالمشترک اللفظی، و إمّا لإجماله بالعرض، لاحتفافه بما یصلح للقرینیة. و مثّلوا لللفظ المجمل الحقیقی بلفظ «الصعید» و «الغناء».

أمّا الإجمال الحکمی:

فهو ما لم یعلم المراد الجدی منه، کما فی العامّ بعد تخصیصه بالمخصص المنفصل، فی ما إذا کان مخصّصه المنفصل مردّداً بین الأمرین المتباینین و حینئذ إجمال المخصص یسری إلی العامّ حکماً، لا حقیقةً، لانعقاد ظهور العامّ فی العموم و الإجمال فی المراد الجدی منه.

المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری أنّهما من الأُمور الإضافیة، لأنّ اللفظ قد یکون مجملاً عند شخص لجهله بمعناه و مبیناً عند شخص آخر لعلمه به.

و تبعه بعض الأساطین (دام ظله) و قال: بأنّ لفظ «الکرّ» مثلاً مبین عند ابن أبی عمیر، لعلمه بمعناه و مجمل عند بعض الآخرین، لجهلهم بمعنی «الکرّ».((1))

ص: 514


1- . و قد یکون لفظٌ مبیناً بالإضافة إلی شخص و مجملاً بالإضافة إلی غیره، کلفظ «الکر» حیث إنّه لیس بمجمل عند ابن أبی عمیر الذی سأل الإمام (علیه السلام) عنه و أجاب بأنّه ألف و مأتان رطل، لکنّه بالنسبة إلینا مجمل. تحقیق الأصول، ج4، ص454.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه:

إنّ الجهل بالوضع و العلم به لایوجبان الاختلاف فی معنی الإجمال والبیان، فجهل شخص بمعنی لفظ و عدم علمه بوضعه له لایوجب کونه من المجمل إلاّ لزم أن تکون اللغات العربیة مجملةً عند الفرس و بالعکس، مع أنّ الأمر لیس کذلک.

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة

قال المحقق الخوئی (قدس سره): إنّ الإجمال و البیان من الأُمور الواقعیة فالعبرة بهما إنّما هی بنظر العرف، فکلّ لفظ کان ظاهراً فی معناه و کاشفاً عنه عندهم فهو مبین، و کل لفظ لایکون کذلک - سواء أکان بالذات أو بالعرض - فهو مجمل فلا واسطة بینهما.

... قد یقع الاختلاف فی إجمال لفظ فیدعی أحد أنّه مجمل و یدعی الآخر أنّه مبین، ولکن هذا الاختلاف إنّما هو فی مقام الاثبات، و هو بنفسه شاهد علی أنّهما من الأُمور الواقعیة و إلاّ فلا معنی لوقوع النزاع و الخلاف بینهما لو کانا من الأُمور الإضافیة التی تختلف باختلاف أنظار الأشخاص، نظیر الاختلاف فی بقیة الأُمور الواقعیة فیدعی أحد أنّ زیداً مثلاً عالم و یدعی الآخر أنّه جاهل، مع أنّ العلم و الجهل من الأُمور الواقعیة النفس الأمریة.

تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع
قال المحقق الخوئی (قدس سره):

أنّه لا ضابط کلّی لتمییز المجمل عن المبین فی هذه الموارد، فلابدّ من الرجوع

ص: 515

فی کل مورد إلی فهم العرف فیه، فإن کان هناک ظهور عرفی فهو و إلاّ فیرجع إلی القواعد والأُصول و هی تختلف باختلاف الموارد.

ص: 516

الفهارس

اشارة

فهرس العناوین تفصیلا

فهرس الآیات

فهرس الروایات

فهرس الأعلام

ص: 517

ص: 518

فهرس العناوین تفصیلا

البحث الثالث: المفاهیم

(و فیه أربع مقدمات و خمسةفصول)

تمهید مقدمات

المقدمة الأُولی: فی کلمة «المفهوم» (و فیه مطلبان)............................................................. 21

المطلب الاول: المراد من کلمة «المفهوم» فی هذا البحث ................................................ 21

إطلاقان لکلمة «المفهوم» ..................................................................................... 21

المطلب الثانی: تعریف «المفهوم» ................................................................................. 22

القول الاول: قول الحاجبی ................................................................................... 23

تفسیر العضدی لهذا القول ............................................................................... 24

ایراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی التعریف بهذا التفسیر ......................................... 24

القول الثانی: قول المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................... 25

المقدمة الثانیة: هل النزاع فی ثبوت «المفهوم» أو حجیته؟ .............................. 27

المقدمة الثالثة: دلالة الاقتضاء و التنبیه و الإشارة (و فیه مطلبان) ........................ 28

المطلب الأول: تعریف هذه الدلالات الثلاث ................................................................ 28

أما دلالة الاقتضاء .................................................................................................. 28

أما دلالة التنبیه و الأیماء ..................................................................................... 29

أما دلالة الإشارة .................................................................................................... 29

المطلب الثانی: هل هذه الدلالات الثلاث من الدلالة المفهومیة؟ ................................... 30

ص: 519

القول الاول: قول المحقق القمی (قدس سره) ......................................................................... 30

القول الثانی: قول المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) .................................................... 30

القول الثالث: قول بعض الأعلام ........................................................................... 30

أما تحقیق المطلب: (استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی أنّ هذه الدلالات لیست مفهومیة) .............. 30

إیراد المحقق الخوئی علیه ................................................................................. 31

إیراد بعض الأساطین علیه ................................................................................ 32

المقدمة الرابعة: هل المسألة اصولیة أو غیرها؟ و أنها لفظیة أو عقلیة؟ (و فیه مطلبان)....... 33

المطلب الاول: هذه المسألة أُصولیة أو لا؟ .................................................................... 33

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی کونها أصولیة (و هو یشتمل علی فقرتین) ..................... 33

الفقرة الأُولی: المسألة الأُصولیة ما تقع فی طریق الاستنباط من دون ضمّ کبری أُصولیة إلیها 33

الفقرة الثانیة: فی هذه المسألة لانحتاج إلی ضمّ کبری أصولیة ............................ 33

ایراد بعض الأساطین علی المحقق الخوئی (قدس سره) ......................................................... 33

المطلب الثانی: هذه المسألة لفظیة أو عقلیة؟ .............................................................. 33

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها ذات حیثیتین (و هو یشتمل علی جهتین) ....................... 33

الجهة الأُولی: کونها لفظیة ................................................................................ 34

الجهة الثانیة: کونها عقلیة ................................................................................ 34

إیرادان علی هذا البیان ......................................................................................... 34

الإیراد الأَول: ایراد بعض الأساطین علی الجهة الثانیة ........................................ 34

الإیراد الثانی: ملاحظتنا علی الجهة الأُولی .......................................................... 34

أقسام المفاهیم

(یقع الکلام هنا فی خمسة فصول)

الفصل الأول: مفهوم الشرط

تحریر محل النزاع ........................................................................................................... 37

ثلاثة أقوال فی المسألة ...................................................................................................... 37

القول الأول: قول المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) بثبوت مفهوم الشرط ................................. 38

القول الثانی: قول السید المرتضی و ابن زهره (قدس سرهما) و من تبعهما بعدم ثبوت مفهوم الشرط ..... 39

القول الثالث: قول العلامة و فخر المحققین (قدس سرهما) و من تبعهما بالتفصیل ................................ 40

التحقیق فی المسألة (و هو یتمّ ببیان أدلة الطرفین فی المقامین) ........................................................ 40

المقام الأول: أدلة ثبوت مفهوم الشرط .......................................................................... 43

ص: 520

الدلیل الأول علی إثبات مفهوم الشرط من طریق العلیة المنحصرة ................................... 43

أما الرکن الأولی ..................................................................................................... 44

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علیه بوجهین: ........................................................... 44

الوجه الأول: وضع أدوات الشرط للترتّب ..................................................... 44

إیراد بعض الأساطین علیه .................................................................... 44

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ..................................................................... 45

الوجه الثانی: ظهور جعل شیء مقدماً و شیء تالیاً فی الترتب ........................ 45

الحاصل ............................................................................................................ 45

تتمة فی توقف الترتب علی رجوع القید إلی الهیأة فی القضیة الشرطیة ............... 45

أما الرکن الثانی ....................................................................................................... 45

الإستدلال علیه بوجهین: ................................................................................... 45

الوجه الاول: استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) بوضع الجملة الشرطیة للزوم و انسباق اللزوم منها 45

الوجه الثانی: استدلال المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) بندرة استعمال القضیة الشرطیة فی الاتفاقیة و لزوم رعایة علاقة فیها 46

استدلال المحقق الاصفهانی (قدس سره) علی نفیه ................................................................ 46

إیراد بعض الأساطین علی هذا الاستدلال بأربعة أوجه ................................ 47

ملاحظتنا علی الأوجه الأربعة ..................................................................... 47

ملاحظتنا علی نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................... 49

الحاصل ............................................................................................................ 49

أما الرکن الثالث: ................................................................................................... 49

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علیه ......................................................................... 49

ایراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الاستدلال .................................................... 50

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی نفیه .................................................................... 51

الحاصل ............................................................................................................ 52

أما الرکن الرابع ...................................................................................................... 52

الاستدلال علیه بخمسة أوجه: ........................................................................... 52

الوجه الأول: الوضع .......................................................................................... 53

ایراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ..................................................... 53

الوجه الثانی: الإطلاق الانصرافی ......................................................................... 54

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ........................................... 55

الوجه الثالث: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الأول .................................... 56

إیرادات ثلاث علی هذا التقریر: .................................................................. 57

ص: 521

الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 57

جواب بعض الأساطین عن هذا الایراد نقضاً و حلاً ..................................... 58

الإیراد الثانی من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 60

الإیراد الثالث من المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................... 61

الوجه الرابع: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الثانی(إطلاق الشرط و العلة) ......... 62

إیرادات ثلاثة علی هذا التقریر: .................................................................. 64

الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 64

یلاحظ علیه ......................................................................................... 64

الإیراد الثانی من المحقق النائینی و الاصفهانی (قدس سرهما) ......................................... 64

جواب المحقق الروحانی (قدس سره) و بعض الأساطین عن هذا الإیراد ................... 65

جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد .................................................. 66

الإیراد الثالث ............................................................................................. 66

جواب بعض الأساطین عن هذا الإشکال ............................................... 67

الوجه الخامس: الإطلاق بمقدمات الحکمة بالتقریر الثالث ............................... 67

ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) و استدل به المحقق النائینی (قدس سره) ........................... 67

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لهذا التقریر ............................................................. 67

بیان الفرق بین التقریر الثانی و الثالث ....................................................... 69

إیرادان علی هذا التقریر ...................................................................... 70

الإیراد الأول من المحقق الخراسانی (قدس سره) ...................................................... 70

الإیراد الثانی من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................... 71

الوجه السادس: الإطلاق المقامی و استدل به المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................... 72

الوجه السابع: ما أفاده المحقق الاصفهانی (قدس سره) ........................................................ 74

ملاحظتنا علی هذا الوجه ............................................................................ 74

الوجه الثامن: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................... 75

الدلیل الثانی علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده الشهرستانی و أبو المجد (قدس سره) .......................... 76

مقدمة فی الفرق بین الترتب و التعلیق .................................................................... 76

بیان العلامة أبی المجد الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 77

ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 77

الدلیل الثالث علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ................................... 78

مقدمة فی تحلیل معنی القضیة الحملیة .................................................................. 78

بیان المحقق العراقی (قدس سره) .............................................................................................. 79

ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 79

الدلیل الرابع علی إثبات مفهوم الشرط: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................... 81

ص: 522

مقدمة فی أنّ الجملة الخبریة موضوعة للدلالة علی قصد المتکلم الإخبار عن ثبوت النسبة 81

ملاحظتنا علی هذا الوجه .................................................................................. 83

الدلیل الخامس علی إثبات مفهوم الشرط: (الاستدلال بالروایات نحو روایة أبی بصیر عن الصادق (علیه السلام)) ........ 84

الحاصل ........................................................................................................................ 85

المقام الثانی: أدلة انتفاء مفهوم الشرط ........................................................................... 88

الوجه الأول: ما نسب إلی السید المرتضی (قدس سره) ....................................................................... 88

الإیراد علی هذا الوجه .............................................................................................. 88

الوجه الثانی ................................................................................................................... 89

الإیراد علی هذا الوجه .............................................................................................. 90

الوجه الثالث: ما حکی عن السید المرتضی (قدس سره) .................................................................... 90

إیرادان علی هذا الوجه ............................................................................................. 92

الإیراد الأول: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................... 92

جواب بعض الأساطین عن هذا الإیراد ................................................................. 92

الإیراد الثانی: ............................................................................................................. 92

التنبیه الأول: هل المدلول فی المفهوم، انتفاء شخص الحکم أو انتفاء سنخ الحکم؟ (و فیه مطلبان) 97

المطلب الأول: فی أنّ مفاد المفهوم، انتفاء سنخ الحکم و الفرق بین باب المفهوم و باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه 97

المطلب الثانی: مشکلتان نشأتا من کون مفاد الهیأة معنی حرفیاً (و للأعلام عدم فی حلهما مسالک) 99

المسلک الأول: مسلک المحقق الأنصاری (قدس سره) .......................................................................... 99

المسلک الثانی: مسلک المحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 100

ملاحظتنا علی هذا المسلک ...................................................................................... 101

المسلک الثالث: مسلک المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................ 101

ملاحظتنا علی هذا المسلک ...................................................................................... 102

المسلک الرابع: مسلک المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................................... 102

المسلک الخامس: مسلک المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 103

الحاصل ...................................................................................................................... 103

التنبیه الثانی: فیما إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء ....................................................... 105

بیان المشکلة ............................................................................................................... 105

ص: 523

هناک وجوه لحلّ المشکلة ............................................................................................ 106

الوجه الأول: ما اختاره المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................ 109

إیرادان علی هذا الوجه: ................................................................................... 110

الإیراد الأول: من المحق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 110

الإیراد الثانی: من بعض الأساطین ....................................................................... 111

الوجه الثانی: ........................................................................................................... 111

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا الوجه ............................................................... 112

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لهذا الإیراد ....................................................................... 112

الوجه الثالث: ........................................................................................................ 113

ملاحظتنا علی هذا الوجه ................................................................................. 114

الوجه الرابع: ما اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «الواو» ................. 115

إیراد المحقق الخوئی علی هذا الوجه .................................................................. 117

الوجه الخامس: ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و هو التقیید بالعطف ب- «أو» .................. 118

تقریر العلامة المظفر (قدس سره) لهذا الوجه ...................................................................... 120

الحاصل ...................................................................................................................... 120

التنبیه الثالث: تداخل الأسباب و المسببات (و فیه مطلبان) .............................................. 121

المطلب الأول: تداخل الأسباب و الکلام فیها فی خمس جهات .................................... 122

الجهة الأُولی: خمس مقدمات ذکرها المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما) ................................ 122

الف) المقدمة الأُولی: النزاع فیما لم یعلم التداخل أو عدمه من الخارج ....................... 122

ب) المقدمة الثانیة: ................................................................................................ 123

ج) المقدمة الثالثة: النزاع فیما کان الجزاء قابلاً للتعدد .............................................. 124

د) المقدمة الرابعة: النزاع فیما کان الشرط قابلاً للتعدد ............................................. 124

هل الإفطار یقبل التعدد؟ (فیه قولان) .............................................................. 124

القول الأول: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 124

القول الثانی: ما أفاده المحقق الیزدی (قدس سره) ................................................................ 127

ملاحظتنا علی هذا القول .......................................................................... 127

ه) المقدمة الخامسة: هل النزاع مبنی علی کون الأسباب الشرعیة معرفات أو مؤثرات؟ . 128

بیان القول بالبناء المنسوب إلی فخر المحققین (قدس سره) .................................................. 128

إیرادات ثلاثة علی هذا القول ................................................................... 129

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................. 129

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً .......................................... 130

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................... 130

ص: 524

الحاصل ........................................................................................................... 130

الجهة الثانیة: الأقوال فی المسألة (و هی ثلاثة) ............................................................... 131

القول الأول: التداخل (اختاره المحقق الخوانساری (قدس سره)) ................................................. 131

القول الثانی: عدم التداخل (اختاره المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) ............ 132

القول الثالث: التفصیل (اختاره ابن ادریس (قدس سره)) ........................................................... 132

الجهة الثالثة: فی ذکر الأدلة (استدل علی عدم التداخل بثلاثة أوجه) ............................... 134

الوجه الأول: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................. 134

الوجه الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ..................................................................... 137

الوجه الثالث: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 137

الجهة الرابعة: الأصل العملی فی المسألة ......................................................................... 141

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................................................. 141

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان ....................................................................... 141

المطلب الثانی: تداخل المسببات (و فیه جهتان) ................................................................. 143

الجهة الأُولی: الحق عدم التداخل (و الدلیل علیه ثلاث) ................................................ 143

الف) الدلیل الأول: إطلاق دلیل الحکم .................................................................... 143

ب) الدلیل الثانی: استصحاب بقاء الحکم .................................................................. 143

ج) الدلیل الثالث: الاشتغال ..................................................................................... 143

الجهة الثانیة: فی استثناء ذکر فی المسألة (و هو ما کانت النسبة بین المتعلقین العموم من وجه) ........ 144

الفصل الثانی: مفهوم الوصف

المقدمة الأولی: محل النزاع ما کان الوصف فیه معتمداً علی موصوعه ....................... 153

المقدمة الثانیة فی نسبة الوصف إلی موصوفه و أنّه فی أی نسبة یجری النزاع؟ ........... 153

للوصف بالنسبة إلی موصوفه أربع نسب: ................................................................ 154

التساوی: و هذه الصورة خارجة عن محلّ النزاع ................................................. 154

العموم المطلق: و هذه الصورة خارجة عن محلّ النزاع أیضاً ............................... 154

وجه خروج هذین الصورتین ببیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................... 154

الخصوص المطلق: و هذه الصورة داخلة ............................................................. 154

العموم و الخصوص من وجه ............................................................................... 154

مورد افتراق الموصوف عن الوصف داخل (صرّح به المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) .. 154

مورد افتراق الوصف عن الموصوف خارج .......................................................... 154

ص: 525

الأقوال فی المسألة (و هی أربعة) ........................................................................................ 155

القول الأول: ثبوت مفهوم الشرط (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما) ...... 155

أدلة القول الأول (نذکر منها ستة) ............................................................................ 156

الدلیل الأول: لغویة الوصف علی القول بعدم ثبوت المفهوم ........................... 156

ملاحظة علی هذا الدلیل .............................................................................. 157

الدلیل الثانی: الأصل فی القیود الحترازیة (استدل به الشیخ محمد تقی الإصفهانی (قدس سره)) ......... 157

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الدلیل .................................................... 157

الدلیل الثالث: ما استدل به الشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................... 157

إیرادان علی هذا الدلیل: .............................................................................. 158

الإیراد الأول ما ذکره الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..................................................... 158

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ......................................................................... 158

الإیراد الثانی ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................... 158

ملاحظة علی هذا الإیراد (أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره)) ............................... 159

الدلیل الرابع: التبادر (أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره)) ................................................ 159

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ............................................................................ 159

الدلیل الخامس: ما استدل به المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................. 159

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ............................................................................ 160

الدلیل السادس: الاستدلال الروائی (روایة زرارة) ..................................................... 161

القول الثانی: عدم ثبوت مفهوم الوصف (مختار الشیخ البهائی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما)) .......... 162

دلیل القول الثانی: أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ......................................................... 163

ملاحظتنا علی هذا الدلیل .................................................................................. 164

القول الثالث: تفصیل العلامة الحلی (قدس سره) ..................................................................... 164

دلیل القول الثالث .............................................................................................. 164

القول الرابع: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ..................................................................... 165

دلیل القول الرابع ................................................................................................ 165

القول الخامس: التفصیل الّتی اخترناه .................................................................... 168

التحقیق فی المسألة تفصیل ثالث و هو القول الخامس ......................................... 169

الفصل الثالث: مفهوم الغایة

(والبحث هنا یقع فی مقامین)

المقام الأول: هل تدل الغایة علی إنتفاء سنخ الحکم عن غیر المغیی؟ ....................... 178

ص: 526

أما الأقوال المهمّة فهی خمسة: ................................................................................. 178

القول الأول: ثبوت مفهوم الغایة(و هو قول المشهور) ........................................ 178

القول الثانی: عدم ثبوت مفهوم الغایة (و هو المنسوب إلی السید و الشیخ (قدس سرهما)) .... 179

القول الثالث: التفصیل بین ما کانت الغایة قیداً للحکم و قیداً للموضوع (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) 180

القول الرابع: التفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین و هو راجع إلی القول الأول) 181

القول الخامس: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................. 182

أما ذکر الأدلة و مناقشتها ......................................................................................... 184

الدلیل علی القول الأول و الثانی و مناقشتهما ....................................................... 184

الدلیل علی القول الثالث ...................................................................................... 184

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ................................................................................. 184

بیان القول الرابع و الدلیل علیه ........................................................................... 186

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ................................................................ 187

بیان القول الخامس و الدلیل علیه ....................................................................... 187

ایراد بعض الأساطین علی هذا الدلیل ................................................................ 189

التحقیق فی المسألة ثبوت مفهوم الغایة مطلقاً ......................................................... 189

المقام الثانی: هل الغایة داخلة فی حکم المغیی أو لا؟ (اختلفوا فاختاروا أقوالا) ...................... 191

أما الأقوال ................................................................................................................. 191

القول الأول: الدخول ............................................................................................ 191

القول الثانی: عد الدخول (و هو مختار المحقق الرضی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) و غیرهما) ................. 192

القول الثالث: التفصیل بین ما کانت الغایة من حنس المغیی و ما لم تکن .......... 193

القول الرابع: التفصیل بین «حتی» و «إلی» و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) ......... 194

القول الخامس: التفصیل بین ما کانت الغایة قیداً للفعل؟ و ما کانت قیداً للحکم (و هو مختار المحقق الحائری (قدس سره)) 195

القول السادس: عدم الظهور فی أحدهما (و هو مختار المحقق المظفر و الجزائری (قدس سرهما)) ........... 196

تکملة: محل النزاع ما لم تکن الغایة قیداً للحکم ................................................. 199

أما ذکر الأدلة و مناقشتها ........................................................................................ 200

ص: 527

دلیل صاحب الکفایة علی القول الأول ................................................................. 200

بیان المحقق الإصفهانی بالنسبة إلی القول الأول .................................................. 200

إیراد علی القول الثالث ........................................................................................ 201

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الرابع ................................................................ 201

إیراد علی القول الخامس ...................................................................................... 202

الفصل الرابع: مفهوم الحصر

(و فیه أمران)

أما فی کلمة «إلّا» (ففیه ثلاثة مطالب) ....................................................................... 206

المطلب الأول: دلالتها علی المفهوم ........................................................................... 206

«إلّا» علی قسمین: ................................................................................................. 206

الف) القسم الأول: بمعنی «الاستثناء» و هذه تدل علی المفهوم خلافاً لأبی حنیفة . 206

ب) القسم الثانی: بعمنی «غیر» ........................................................................ 206

اختار المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) و غیرهما عدم دلالتها علی المفهوم، والحق دلالتها علی المفهوم لما تقدم فی مفهوم الوصف 207

المطلب الثانی: هل دلالة الاستثناء مفهومیة أو منطوقیة؟ ......................................... 207

المطلب الثالث: ما الخبر فی کلمة التوحید؟ ............................................................... 208

أما فی کلمة «إنما» ........................................................................................................ 210

فی دلالتها علی المفهوم ............................................................................................... 222

«إنما» تستعمل فی معنیین: ..................................................................................... 210

الف) لقصر الصفة علی الموصوف و هی تدل علی المفهوم فی هذه الصورة .......... 210

ب) للمبالغة و هی لاتدلّ علی المفهوم فی هذه الصورة ...................................... 210

هل دلالتها مفهومیة أو منطوقیة؟ ............................................................................ 211

الفصل الخامس: مفهوم اللقب و العدد

أمّا اللقب فالحق فیه عدم ثبوت المفهوم ..................................................................... 217

و أمّا العدد ففیه قولان: ................................................................................................ 217

القول الأول و هو قول الأکثر: عدم ثبوت المفهوم ..................................................... 217

القول الثانی: التفصیل بین ما کان العدد لحصر المعدود فی معین و غیره ................. 218

ص: 528

البحث الرابع: العام و الخاص

(و فیه اثنا عشر فصلاً)

الفصل الأول: تعریف العام و تقسیمه

(فیه أمران)

أما تعریف العام .......................................................................................................... 229

التعریف الأول: من أبی الحسن البصری .................................................................... 229

التعریف الثانی: من الغزالی ........................................................................................ 230

التعریف الثالث: من المحقق (قدس سره) فی المعارج .................................................................. 231

التعریف الرابع: من العلامة (قدس سره) فی النهایة ..................................................................... 231

التعریف الخامس: من الشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................................... 232

التعریف السادس: من صاحب الفصول (قدس سره) .................................................................. 233

التعریف السابع: من المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................... 233

التعریف الثامن: من المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 234

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی کون التعاریف لفظیة ...................................................... 234

ایراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیه ................................................................................... 234

أما الثانی: أقسام العام (ففیه ثلاثة مطالب) ................................................................. 235

المطلب الأول: انقسام العام إلی الإستغراقی و المجموعی و البدلی ........................... 235

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی منشأ هذا التقسیم .......................................................... 235

إیراد المحقق الخوئی علیه ........................................................................................ 235

المطلب الثانی: الفرق بین العام و المطلق الشمولی ................................................... 236

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) فی الفرق ................................................................................. 236

المطلب الثالث: الفرق بین العام و نظائر «العشرة» ................................................. 237

الفصل الثانی: ألفاظ العموم

(فیه أمران)

الأمر الأول: هل وُضعت ألفاظ للعموم؟ (فیه قولان) ...................................................... 242

واستدل علی إنکار الوضع بوجهین ........................................................................... 242

الوجه الأول: .............................................................................................................. 242

ص: 529

إیرادان من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ......................................................... 243

الوجه الثانی: .............................................................................................................. 243

إیرادات ثلاثة من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................ 243

الأمر الثانی: تعیین ألفاظ العموم (والبحث فی ثلاثة موارد) .................................................... 244

المورد الأول: «کل» وما بمعناه ................................................................................... 244

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) فی توقف دلاله علی العموم علی مقدمات الحکمة ................ 244

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ...................................................................................... 244

المورد الثانی: النکرة فی سیاق النفی أو النهی (فیه مسألتان) ........................................... 246

المسألة الأُولی: هل یتوقف دلاله علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة (فیه قولان) . 246

الف) القول الأول: توقفها علی جریان مقدمات الحکمة ..................................... 246

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................................................. 246

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................. 247

ب) القول الثانی: عدم توقفها علی جریان مقدمات الحکمة (مختار المحقق القمی (قدس سره)) ... 247

یلاحظ علیه .............................................................................................. 247

ج) التحقیق: ما أفاده المحقق الخراسانی و الخویی (قدس سرهما) ......................................... 248

المسألة الثانیة: هل دلالتها علی العموم عقلیة أو وضعیة؟ (نذکر فیه قولین) .............. 248

الف) القول الأول: دلالتها عقلیة لا وضعیة ........................................................ 248

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................................................. 248

ب) القول الثانی: دلالتها لا عقلیة و لا وضعیة .................................................... 249

بیان المحقق الاصفهانی (قدس سره) .............................................................................. 249

ج) الحاصل ..................................................................................................... 249

المورد الثالث: الجمع و المفرد المحلّی ب- «أل» ........................................................... 250

هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة (فیه قولان): ................ 250

الف) القول الأول: التوقف (و هو مختار المحق الخراسانی و الإصفهانی (قدس سرهما) و غیرهما) ............. 250

استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................ 251

ب) القول الثانی: عدم التوقف (و هو مختار المحقق القمی (قدس سره)) ............................. 251

استدلال المحقق القمی (قدس سره) بوجوه ثلاثة .......................................................... 251

یلاحظ علیه ........................................................................................ 251

الفصل الثالث: عدم مجازیة العام المخصص

الأمر الأول: هل العام المخصّص مجاز أو لا؟ (فیه أربعة أقوال) .......................................... 257

ص: 530

القول الأول: هو مجاز مطلقاً .................................................................................... 257

القول الثانی: هو حقیقة مطلقاً (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ............................. 257

القول الثالث: التفصیل بین التخصیص المتصل و المنفصل ......................................... 257

القول الرابع: عکس القول الثالث .............................................................................. 257

دلیل المحقق الخراسانی (قدس سره) علی القول الثانی .................................................................. 257

الحاصل ..................................................................................................................... 258

الأمر الثانی: هل العام المخصص حجة فی الباقی أو لا؟ ................................................ 259

الفصل الرابع: سرایة إجمال المخصِّص إلی العام

(فیه مقامان)

المقام الأول: الشبهة المفهومیة (فیه صور أربع) .................................................................. 265

الصورة الأُولی: کون المخصص متصلاً مردداً بین الأقل و الأکثر (الحق فیه سرایة الإجمال) . 265

الوجه فی سرایة الإجمال .......................................................................................... 265

الصورة الثانیة: کون المخصص متصلاً مردداً بین المتباینین (الحق فیه سرایة الإجمال أیضاً) ... 265

الصورة الثالثة: کون المخصص منفصلاً مردداً بین الأقل و الأکثر (فیه ثلاثة أقوال) ........... 265

القول الأول: سرایة الإجمال (و هو مختار المحقق الحائری (قدس سره)) ................................................ 266

دلیل القول الأول ............................................................................................. 266

القول الثانی: عدم السرایة (و هو مختار المحقق الخراسانی و النائینی و الخوئی و المشهور) ................ 266

القول الثالث: التوقف (و هو مختار بعض الأساطین) ............................................... 267

استدل علی القول الثانی بوجوه ......................................................................... 267

الف) الوجه الأول لنظریة المشهور .................................................................... 267

ب) الوجه الثانی للتمسک بالعام ( أفاده المحقق النائینی (قدس سره)) .................................. 267

ج) الوجه الثالث ( قرره بعض الأساطین) .......................................................... 268

إشکال علی هذا الوجه(نقله المحقق النائینی (قدس سره)) ............................................ 269

جواب المحقق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال .................................................... 269

ردّ بعض الأساطین لهذا الجواب .................................................................. 270

جواب بعض الأساطین عن هذا الإشکال ...................................................... 271

استدلال بعض الأساطین علی القول الثالث ........................................................ 271

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال ............................................................................ 271

الصورة الرابعة: کون المخصص منفصلاً مردداً بین المتباینین (الحق فیه سرایة الإجمال) ...... 272

الوجه فی سرایة الإجمال .......................................................................................... 272

ص: 531

المقام الثانی: الشبهة المصداقیة (المخصّص علی قسمین: لفظی و لبّی) ......................................... 273

الجهة الأُولی: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لفظیاً .............. 276

المخصّص اللفظی المتّصل: ....................................................................................... 276

المخصّص اللفظی المنفصل: ..................................................................................... 276

القول الأول: لایجوز التمسک بالعام فیه أیضا.................................................................

276

القول الثانی: جواز التمسک بعموم العام فی الشبهة المصداقیة (استدل علیه بوجهین) .. 277

الوجه الأوّل: قاعدة المقتضی و المانع ........................................................... 277

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذا الاستدلال: .................................................. 277

الوجه الثانی: .............................................................................................. 278

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره): .............................................................................. 278

الجهة الثانیة: التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة إذا کان المخصّص لبّیاً (فی هذا القسم نذکر أربع نظریات) 279

النظریة الأُولی: ....................................................................................................... 279

النظریة الثانیة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................................... 279

إنّ المخصّص اللبّی علی قسمین: ........................................................................ 279

الأوّل: .............................................................................................................. 279

الثانی: (و استدل علیه بوجوه أربعة) ........................................................................... 279

الوجه الأوّل: .............................................................................................. 280

الوجه الثانی: .............................................................................................. 280

الوجه الثالث: ............................................................................................ 280

الوجه الرابع: ............................................................................................. 280

إیراد بعض الأساطین علی هذه الوجوه: ................................................ 281

أما الوجه الأول فیرد علیه: ................................................................... 281

أما الوجه الثانی فیرد علیه: ................................................................... 281

أما الوجه الثالث فیرد علیه: ................................................................. 281

أما الوجه الرابع فیرد علیه: ................................................................... 281

النظریة الثالثة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) ....................................................................... 281

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیها ............................................................................... 283

النظریة الرابعة: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) ................................................................... 283

فتحصّل من ذلک أنّ هنا صوراً أربع: .................................................................. 285

خلاصة البحث ........................................................................................................... 286

ص: 532

الفصل الخامس: إحراز المصداق المشتبه بالأصل العملة الموضوعی

(فیه أمران و تنبیهان)

الأمر الأول: هل یتعنون العام بنقیض عنوان الخاص أو لا؟ ....................................... 289

آراء الأعلام فی هذه المسألة ........................................................................................ 290

الأول: رأی المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................... 290

الف) تفسیران ذکرا لکلام المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................... 290

التفسیر الأول: ما ذکره المحقق الإیروانی و الخوئی و الجزائری (قدس سرهم) ........................... 290

التفسیر الثانی: ما ذکره المحقق الإصفهانی (قدس سره) ......................................................... 291

ب) الصواب فی تفسیر کلامه ................................................................................... 292

الثانی: إستدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی التعنون ........................................................... 292

الثالث: رأی المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................. 293

ملاحظتنا علیه ...................................................................................................... 294

الرابع: بیان المحقق الروحانی (قدس سره) .................................................................................... 294

ملاحظتنا علیه ...................................................................................................... 295

الخامس: إستدلال بعض الأساطین علی التعنون ........................................................ 295

التحقیق فی المسألة: (و هو تعنون العام بعدم الخاص) ........................................................... 295

الأمر الثانی: ما الأصل العملی اذا شک فی دخول فرد تحت العام أو الخاص؟ (فیه نظریات) . 297

مقدمة (فیها مطلبان) ...................................................................................................... 297

المطلب الأول: الأصل العملی إما موضوعی و إما حکمی ........................................... 297

المطلب الثانی: قد یکون الأصل الموضوعی استصحاب العدم الأزلی ............................. 297

النظریة الأولی: ما أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) (نذکرها ضمن مطالب ثلاثة).............................. 298

المطلب الأول: محل النزاع عند صاحب الکفایة ........................................................ 298

المطلب الثانی: بیان نظریته ..................................................................................... 299

المطلب الثالث: تتمة نظریة صاحب الکفایة فی جریان استصحاب العدم الأزلی .......... 297

مقدمة: فی بیان آراء الأعلام فی استصحاب العدم الأزلی ........................................ 299

إیراد المحقق البروجردی (قدس سره) علی استصحاب العدم العزلی ...................................... 301

جواب بعض الأساطین عنه ............................................................................... 301

إیرادان علی النظریة الأولی .................................................................................... 302

الإیراد الأول ........................................................................................................... 302

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد .......................................................... 303

ص: 533

الإیراد الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ...................................................................... 303

جواب عن هذا الإیراد ............................................................................................ 304

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی ............................................................... 304

النظریة الثالثة: ما أفاده بعض الأساطین بمقدمتها الخمس ....................................... 305

النظریة الرابعة: ما أفاده المحقق النائینی بمقدماتها الثلاث ...................................... 308

إیراد المحقق الخوئی علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................... 312

النظریة الخامسة: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ............................................................. 312

إیرادات أربعة من بعض الأساطین .......................................................................... 314

الحاصل ..................................................................................................................... 316

التنبیه الأول: دوران الأمر بین التخصیص و التخصص ................................................ 317

قال المشهور: إنّ التخصص مقدم ............................................................................... 317

استدلال المشهور ....................................................................................................... 317

إیراد علی هذا الاستدلال ......................................................................................... 317

التنبیه الثانی: صورة أُخری من دوران الأمر بین التخصیص و التخصص (فیه قولان) ........ 319

القول الأول: جواز التمسک بالعام (اختاره المحقق النائینی و الخوئی (قدس سرهما)) .................. 319

القول الثانی: عدم جواز التمسک بالعام (اختاره بعض الأساطین) .............................. 319

دلیل علی هذا القول .............................................................................................. 319

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 320

الفصل السادس: عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص

(فیه مقدمة و أمران)

مقدمة: هل یفترق الفحص فی موارد الأُصول اللفظیة و العملیة؟ ............................... 325

قول المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما): (هما یفترقان) ................................................... 325

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول ....................................................................... 326

الحاصل انّه لافرق بینهما ........................................................................................ 327

الأمر الأول: الأدلة التی أقاموها علی عدم الجواز (و هی ستة) .................................. 328

الدلیل الأول .............................................................................................................. 329

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ............................................................ 330

الدلیل الثانی: ما ذکره الشیخ الأنصاری (قدس سره) ..................................................................... 330

ص: 534

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل ...................................................................... 331

الدلیل الثالث: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................... 331

إیرادات ثلاثة من بعض الأساطین ............................................................................ 333

الدلیل الرابع: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................... 335

الدلیل الخامس: و هو دلیل عقلائی ذکره المحقق الخراسانی و العراقی (قدس سرهما) و اختاره بعض الأساطین 336

الدلیل السادس: و هو دلیل نقلی ذکره المحقق العراقی و الخویی (قدس سرهما) ....................... 337

إیراد بعض الأساطین علی هذا الدلیل ...................................................................... 338

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ....................................................................................... 338

الأمر الثانی: فی مقدار الفحص اللازم (و فیه وجوه ثلاثة) ..................................................... 340

الوجه الأول: ما یحصل به العلم ................................................................................ 340

الوجه الثانی: ما یحصل به الاطمینان ......................................................................... 340

الوجه الثالث: ما یحصل به الظن .............................................................................. 340

الحاصل ..................................................................................................................... 341

الفصل السابع: عموم الخطابات الشفاهیة للغائبین و المعدومین

(و النزاع هنا فی أُمور ثلاثة)

الأمر الأول: إمکان تعلق التکلیف بالغائب و المعدوم ................................................ 346

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 346

إیرادان من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 347

الحاصل ................................................................................................................. 348

الأمر الثانی: إمکان خطاب الغائب و المعدوم ............................................................. 349

قول المحقق الخراسانی (قدس سره) بعدم صحة خطابهما ........................................................... 349

قول المحقق الخوئی (قدس سره) بالتفصیل .................................................................................. 349

الحاصل ..................................................................................................................... 350

الأمر الثالث: فی شمول الموضوع له فی أدوات الخطاب للغائب و المعدوم ................. 351

قول المحقق الخوئی (قدس سره) بالشمول، لوضع تلک الأدوات للخطاب الإنشائی ..................... 351

التنبیه الأول: فی تفصیل ذکره المحقق النائینی (قدس سره) بین القضایا الحقیقیة و الخارجیة ...... 353

ص: 535

إیراد المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما) علیه .................................................................. 353

التنبیه الثانی: فی ثمرة هذا البحث ................................................................................. 354

الفصل الثامن: تعقّب العامّ بضمیر یرجع إلی بعض أفراده

(هناک أقوال ثلاثة)

القول الأول: ما اختاره المحقق النائینی من جریان أصالة العموم ............................... 359

استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا القول .............................................................. 359

إیراد ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الاستدلال ..................................................... 361

جواب المحقق النائینی (قدس سره) عن هذا الإیراد ................................................................... 362

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی هذا القول ................................................................. 363

تذییل المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الاستدلال ............................................................... 363

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال .................................................................................. 364

الحاصل ..................................................................................................................... 364

القول الثانی: ما اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) من جریان أصالة عدم الاستخدام .................. 364

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................... 365

ملاحظتان منّا علی هذا الدلیل ................................................................................ 366

القول الثالث: ما اختاره بعض الأساطین من تعارض الأصلین و الرجوع إلی الأصل العملی . 367

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................... 367

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 368

تحقیق أنّ مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) القول الأول أو القول الثالث؟ ............................ 368

الفصل التاسع: تعارض العموم و المفهوم

مقدمة: فی تقسیم المفهوم إلی المخالف و الموافق و الموافق إلی أربعة أقسام ............. 371

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................................................ 371

إیراد المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما) علیه ................................................................. 373

جواب بعض الأساطین عن الإیراد ............................................................................ 373

ملاحظتنا علی هذا الجواب ..................................................................................... 374

هل یخصَّص العام بالمفهوم المخالف (فیه أقوال أربعة) ...................................................... 376

ص: 536

القول الأول: تقدیم العامّ علی المفهوم ...................................................................... 377

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................ 377

الإیراد علیه ..................................................................................................... 377

القول الثانی: تقدیم المفهوم علی العامّ (و استدل علیه بوجهین) ............................................ 378

الوجه الأول: أخصیة المفهوم .................................................................................... 378

الإیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 378

الوجه الثانی: دلالة العام علی العموم لفظیة و دلالة القضیة علی المفهوم عقلیة .......... 379

الإیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 379

القول الثالث: التفصیل الذی أفاده المحقق الخراسانی (قدس سره) .............................................. 379

الدلیل علی هذا القول ............................................................................................ 380

ملاحظتنا علی هذا الدلیل ....................................................................................... 380

القول الرابع: التفصیل الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) فی حال التعارض بالعموم من وجه 381

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 381

ملاحظتنا علیه ....................................................................................................... 383

الفصل العاشر: تعقب الاستثناء للجمل

(فی المسألة أقوال نذکر منها خمسة)

القول الأول: رجوع الاستثناء إلی الجمیع (و هذا القول منسوب إلی الشیخ و صاحب المعالم (قدس سرهما)) ......... 388

القول الثانی: رجوع الإستثناء إلی الجملة الأخیرة ............................................................ 388

القول الثالث: الإجمال (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ............................................. 388

القول الرابع: التفصیل بین ما لم یکرر عقد الوضع فیرجع إلی الجمیع و بین ما کرّر عقد الوضع فی الجملة تاخیرة فیرجع إلیها 389

القول الخامس: التفصیل الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) بین ما کان تعدد العام بتعدد الموضوع أو المحمول أو کلیهما (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره)) ..................................................................................................................... 389

الحاصل ......................................................................................................................... 391

الفصل الحادی عشر: تخصیص الکتاب بخبر الواحد

(و فیه أمران)

الأمر الأول: فی ذکر الأقوال عند الخاصة و العامة ........................................................ 395

أمّا عند الخاصة فقول واحد (و هو الجواز) .............................................................. 396

و أما عند العامة فالأقوال أربعة: ............................................................................... 396

ص: 537

القول الأول: عدم الجواز مطلقاً ............................................................................... 396

القول الثانی: التفصیل بین ما خصّص بمخصّص قطعی قبلاً و ما لم یخصّص ................. 396

القول الثالث: التفصیل بین المخصص المتصل و المنفصل ........................................... 396

القول الرابع: التوقف .............................................................................................. 396

الأمر الثانی: فی ذکر الأدلة ............................................................................................. 397

أما قول الخاصة بالجواز فاستدل علیه بوجهین: ....................................................... 397

الوجه الأول: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من سیرة الأصحاب ..................................... 397

الوجه الثانی: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً من لزوم إلغاء الخبر بالمرة لو لم نقل بالجواز 397

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................................ 397

جواب بعض الأساطین عن الإیراد ..................................................................... 398

الحاصل ................................................................................................................. 398

و أما أقوال العامة: ................................................................................................... 399

فالدلیل علی القول الأول أربعة وجوه ذکرها المحقق الخراسانی (قدس سره) و أجاب عنها ............ 399

الف) الوجه الأول: عدم جواز رفع الید عن القطعی بالظنی ............................... 399

إیرادات ثلاثة علی هذا الوجه ..................................................................... 399

ب) الوجه الثانی: القدر المتیقن من الدلیل علی حجیة الخبر، الخبر الذی لیس مخالفاً لعموم الکتاب 400

إیراد علی هذا الوجه .................................................................................. 400

ج) الوجه الثالث: الأخبار .................................................................................. 400

إیرادات أربعة علی هذا الوجه .................................................................... 400

د) الوجه الرابع: الملازمة بین التخصیص و النسخ ............................................... 401

إیراد علی هذا الوجه .................................................................................. 401

والدلیل علی القول الثانی أنّ التخصیص الثانی لایوجب التجوز ثانیاً ............................. 402

إیراد علی هذا الدلیل ....................................................................................... 402

والدلیل علی القول الثالث: أنّ المخصص المتصل لایوجب التجوز بخلاف المنفصل ........ 402

إیراد علی هذا الدلیل ....................................................................................... 402

الفصل الثانی عشر: الدوران بین التخصیص و النسخ

(فیه مقدمة و تنبیهان)

مقدمة فی بیان صور المسألة (و هی ثمان): .................................................................. 405

الخاص إمّا منفصل عن العام .................................................................................... 406

ص: 538

إما کلاهما معلوم التاریخ ........................................................................................ 406

الف) إما نعلم بتقدم العام ............................................................................... 407

إما جاء الخاص قبل وقت العمل بالعام (و هی الصورة الأُولی) .................... 407

و إما جاء الخاص بعد وقت العمل بالعام (و هی الصورة الثانیة) ................. 407

ب) و إما نعلم بتدم الخاص ............................................................................. 407

إما جاء العام قبل وقت العمل بالخاص (و هی الصورة الثالثة) ..................... 407

و إما جاء العام بعد وقت العمل بالخاص (و هی صورة الرابعة) .................. 407

ج) و إما نعلم بتقارنهما (و هی الصورة الخامسة) ............................................. 407

و إما کلاهما مجهول التاریخ (و هی الصورة السادسة) ............................................. 407

و إما أحدهما معلوم التاریخ و الآخر مجهول التاریخ (و هی الصورة السابعة) ........... 407

و أما متصل به (و هی الصورة الثامنة) .................................................................... 407

أما الصورة الأُولی: هل یمکن أن یکون الخاص ناسخاً للعام فیه قولان ........................ 408

القول الأول: عدم الإمکان (و هو مختار المحقق الخراسانی و الخویی (قدس سرهما) و بعض الأساطین ......... 408

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول ..................................................... 408

القول الثانی: الإمکان (و هو مختار المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما)) ....................... 409

الف) استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی إمکان النسخ فی القضایا الحقیقیة غیر الموقتة 409

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه .......................................................................... 410

ب) استدلال المحقق العراقی (قدس سره) علی إمکان النسخ ......................................... 410

ملاحظتان علی هذا الاستدلال .................................................................... 411

الحاصل عدم إمکان النسخ فی الصورة الأُولی ..................................................... 412

أما الصورة الثانیة: وفیها نظریتان ............................................................................ 413

النظریة الأُولی: التفصیل بین ورود العام لبیان الحکم الواقعی و الظاهری (و هو مختار الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) و غیرهما) ....................................................................................................................... 413

الدلیل علیها .............................................................................................. 413

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل ..................................................... 413

النظریة الثانیة: الخاص، مخصص لا ناسخ (و هو مختار المحقق الإصفهانی (قدس سره)) ......... 414

استدلال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها ............................................................... 414

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علیها .................................................................... 414

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال ...................................................................... 416

الحاصل کون الخاص مخصصاً فی الصورة الثانیة .................................................. 416

أما الصورة الثالثة: و فی هذه الصورة لایمکن جعل العام ناسخاً، لوجهین ................... 417

الوجه الأول: لزوم اللغویة من النسخ ................................................................ 417

ص: 539

الوجه الثانی: لاحکم حتی یفرض نسخه لعدم إمکان الانبعاث ............................. 417

أما الصورة الرابعة: و فیها یکون الخاص مخصصاً (و استدل علیه بوجوه نذکر منها اثنین) ........ 418

الوجه الأول: ما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 418

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) علیه ........................................................................ 418

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد ........................................................ 420

الوجه الثانی: ما ذکره المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................ 421

أما الصورة الخامسة: و فیها لایمکن النسخ .............................................................. 422

الدلیل علی عدم إمکان النسخ .......................................................................... 422

أما الصورة السادسة و السابعة: و فیهما الصور الأربع المذکورة فی معلومی التاریخ ............... 423

أما الصورة الثامنة: و فیها لایمکن النسخ أیضاً .......................................................... 424

الدلیل علی عدم إمکان النسخ .......................................................................... 424

التنبیه الأول: إمکان النسخ فی نفسه ........................................................................... 425

التنبیه الثانی: فیما ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) من اتصال نفس المعصومین (علیهم السلام) بعالم اللوح المحفوظ 428

البحث الخامس: المطلق و المقید

(فیه فصول سبعة)

الفصل الأول: المراد من «المطلق»

(و فیه أمران)

الأمر الأول: تعریف «المطلق» قد ذکروا له تعاریف کثیرة (نذکر منها ثلاثة) ..................... 435

التعریف الأول: ما دلّ علی شائع فی جنسه (و هو لأکثر الأصولیین) ................................... 435

إیراد علی هذا التعریف من صاحب الفصول (قدس سره) .......................................................... 436

جواب المحقق الخراسانی (قدس سره) عن الإیراد ....................................................................... 436

التعریف الثانی: الماهیة لابشرط شیء (ذکره الشهید الثانی (قدس سره)) ............................................... 437

التعریف الثالث: المرسل الذی لم یقید بشیء و هو معناه اللغوی (ذکره المحقق النائینی و الخوئی و المظفر) 437

الحاصل ..................................................................................................................... 437

الأمر الثانی: فی تقابل الإطلاق و التقیید (فیه قولان) ......................................................... 438

ص: 540

القول الأول: تقابل الملکة و عدمها (و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره)) ....................................... 438

القول الثانی: التفصیل بین مقام الثبوت و الإثبات (مختار المحقق الإصفهانی و الخویی (قدس سرهما)) ....... 439

الفصل الثانی: ألفاظ «المطلق»

(و هی خمسة فالأُمور خمسة)

الأمر الأول: اسم الجنس (فیه موضعان) ..................................................................... 444

الموضع الأول: هل دلالته علی الإطلاق بالوضع أو بمقدمات الحکمة: (فیه قولان) ... 444

القول الأول: الدلالة وضعیة .................................................................................... 444

القول الثانی: الدلالة بمقدمات الحکمة (ذکره سلطان العلماء (قدس سره) فی حاشیة المعالم و تبعه جمیع المتأخرین) (و استدل علیه بوجوه نذکر منها اثنین) 444

الف) الوجه الأول: التبادر ................................................................................. 445

ب) الوجه الثانی: صحة التقسیم ........................................................................ 445

الموضع الثانی: الموضوع له ل- «اسم الجنس» ............................................................ 446

الف) القول الأول: الکلی الطبیعی (و فی تفسیره ثلاثة أقوال) .............................. 446

الماهیة اللابشرط العقلی (و هو مختار الشیخ الرئیس والمحقق الطوسی (قدس سره) و تبعها المحقق النائینی و الصدر (قدس سرهما)) 447

الماهیة اللابشرط العقلی (و هو مختار المحقق السبزواری (قدس سره) و المستظهر من کلام المحقق الخراسانی (قدس سره) 447

الماهیة المهملة (و هو مختار المححقق الخوئی (قدس سره)) .......................................... 448

ب) القول الثانی: ذات المعنی ولکن الماهیة ملحوظة فی مرحلة الوضع ینحو اللابشرط العقلی (و هو مختار المحقق الإصفهانی و المظفر (قدس سرهما)) 448

فی توضیح الأقوال ................................................................................................... 449

الف) بیان القول الثانی .................................................................................... 449

ب) بیان القول الأول بتفسیره الثالث ................................................................ 452

ج) ملاحظات ثلاث علی هذا البیان ................................................................... 453

الأمر الثانی: علم الجنس (فی الموضوع له «علم الجنس» قولان) ...................................... 455

القول الأول: هو الطبیعة بما هی متعینة بالتعین الذهنی (القول المشهور بین أهل الأدب) .. 455

القول الثانی: هو الموضوع له ل- «اسم الجنس» و الفرق بینهما لفظی ...................... 455

استدلال المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا القول بوجوه ثلاثة ........................................... 456

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الأول ............................................................... 457

استدلال المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول بوجهین: .................................................... 457

ص: 541

الحاصل ..................................................................................................................... 458

الأمر الثالث: المفرد المعرف باللام ( و فی هذا الأمر موضعان) ................................................. 459

الموضع الأول: فی أقسام المعرف باللام و هی ثلاثة .................................................... 459

ما الدال علی هذه الخصوصیات؟ (فیه قولان) .......................................................... 460

الف) القول الأول: مدخول اللام (و هو قول المشهور) ........................................ 460

ب) القول الثانی: اللام أو القرائن (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ...................... 461

الموضع الثانی: فی مدلول اللام (و فیه قولان) ............................................................. 462

القول الأول: هی موضوعة للتعریف و التعیین فی غیر العهد الذهنی ........................ 462

القول الثانی: اللام مطلقاً للتنزیین (و هو مختار المحقق الخراسانی (قدس سره)) ........................... 462

إیرادات ثلاثة من المحقق الخراسانی (قدس سره) علی القول الأول.........................................

462

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذه الإیرادات ......................................................... 463

الحاصل ..................................................................................................................... 464

الأمر الرابع: الجمع المعرف باللام، (هل یتوقف دلالته علی العموم علی جریان مقدمات الحکمة فیه قولان) 465

القول الأول: التوقف، (مختار المحقق الخراسانی (قدس سره) فی بحث العام و الخاص و المحقق الإصفهانی) ............ 465

الدلیل علیه ........................................................................................................... 465

القول الثانی: عدم التوقف (و علی هذا القول، ما المستند فی هذه الدلالة؟ فیه وجهان) .................... 465

الوجه الأول: الوضع (و هو مختار المحقق القمی و المحقق الخراسانی (قدس سرهما) هنا) .............................. 465

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................... 465

ملاحظتنا علی هذا البیان .................................................................................. 466

الوجه الثانی: اللام موضوعة للتعیین و لا تعیین إلّا للمرتبة إلی الجامعة لجمیع الأفراد . 466

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) علی هذا الوجه ............................................................ 466

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد .............................................................. 467

الحاصل ..................................................................................................................... 467

الأمر الخامس: النکرة (و فیه موضعان) .............................................................................. 468

الموضع الأول: المراد من «النکرة» (و فیه ثلاثة بیانات) ..................................................... 468

البیان الأول: النکرة هی الفرد المردد ........................................................................ 468

البیان الثانی: النکرة قسمان ...................................................................................... 469

البیان الثالث: النکرة هی الطبیعی المقید بالوحدة .................................................... 469

إیراد علی البیان الأول ....................................................................................... 469

ص: 542

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی البیان الثانی ............................................................... 469

الموضع الثانی: هل یکون «النکرة» مطلقاً؟ (و هو مبنی علی المراد من المطلق) ...................... 471

القول الأول: المراد من المطلق عند الأصولیین معناه اللغوی و علیه یکون النکرة مطلقاً 471

القول الثانی: المراد من المطلق الماهیة المقیدة بالإرسال (و هو المنسوب إلی المشهور و علیه لایکون مطلقاً) 471

الحاصل ..................................................................................................................... 472

التتبیه: إنّ التقیید هل یستلزم المجازیة؟ ..................................................................... 473

هل المطلق المقید مجاز أو لا؟ (و هو مبنی علی القولین من کون دلالة المطلق علی الإطلاق بمقدمات الحکمة أو بالوضع) 473

علی الأول: لیس بمجاز أیضاً ................................................................................. 473

و علی الثانی: ......................................................................................................... 473

إما یستفاد التقیید من القرینة المتصلة، فهو مجاز .............................................. 473

إما یستفاد من القرینة المنفصلة، فلیس بمجاز .................................................... 473

الفصل الثالث: فی مقدمات الحکمة

(فیه أمران)

الأمر الأول: فی تعیینها (و اختلف فیه علی قولین) ...................................................... 477

القول الأول: هی ثلاثة التمکن من البیان، و کون المتکلم فی مقام البیان، و عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة (أفاده المحقق النائینی و الخویی (قدس سرهما)) ................................................................................................................. 477

القول الثانی: هی ثلاثة: کون المتکلم فی مقام البیان و عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة وانتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب، (اختاره المحقق الخراسانی و المظفر (قدس سرهما)) ........................................................................................................ 478

الأمر الثانی: فی بیانها (و الکلام فیه فی أربعة مواضع): .................................................. 479

المقدمة الأولی: التمکن من البیان ........................................................................... 479

مقام الثبوت (و تقدم ان تقابل الإطلاق و التقیید فی هذا المقام، بالتضاد) .................. 479

مقام الإثبات (و تقابل الإطلاق و التقیید فی هذا المقام تقابل الملکة و عدمها) ............ 479

المقدمة الثانیة: کون المتکلم فی مقام البیان (و الکلام فی ناحیتین) ........................... 481

الناحیة الأُولی: بیان هذه المقدمة ............................................................................ 481

الناحیة الثانیة: إذا شک فی کون المتکلم فی مقام البیان أو لا فالمرجع أصالة البیان (واستدلّ علیها بأربعة وجوه) 482

الف) الوجه الأول: أصل تطابق مقام الثبوت و الإثبات ....................................... 482

ص: 543

ملاحظتنا علیه ........................................................................................... 482

ب) الوجه الثانی: السیرة العقلائیة ..................................................................... 483

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه .......................................................................... 483

ج) الوجه الثالث: سیرة أهل المحاورات (ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره)) ...................... 484

جریان إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی هنا أیضاً ................................ 484

د) الوجه الرابع: سیرة المتشرعة ( و هو مختار بعض الأساطین) .......................... 484

ه) الحاصل .................................................................................................... 484

المقدمة الثالثة: عدم الإتیان بقرینة متصلة و لا منفصلة .......................................... 485

المقدمة الرابعة: انتفاء القدر المتیقن فی مقام التخاطب ............................................ 486

بیان هذه المقدمة .................................................................................................. 486

إیرادان علی هذا البیان: .......................................................................................... 486

الف) الإیراد الأول: إیراد بعض الأساطین نقضاً ................................................... 486

ب) الإیراد الثانی: إیراد بعض الأساطین حلاً ........................................................ 487

الفصل الرابع: فی الانصراف

(قیل بتحقق الانصراف المانع عن التمسک بالإطلاق فی مواضع) ................................... 491

الموضع الأول و الثانی: علو مرتبة بعض الأفراد أو دنوها (ذکرهما المحقق الخوئی (قدس سره)) ...... 491

الموضع الثالث: ندرة وجوه بعض الأفراد ....................................................................... 492

الإیراد علیه ................................................................................................................. 493

الموضع الرابع: غلبة وجود بعض الأفراد ........................................................................ 493

الإیراد علیه ................................................................................................................. 493

الفصل الخامس: حمل المطلق علی المقید

(فیه مقامان)

المقام الأول: أن یلاحظ المطلق بنحو صرف الوجود ..................................................... 498

النحو الأول: و «المقید» مخالف ل- «المطلق» ........................................................... 498

النحو الثانی: و المقید موافق ل- «المطلق» و هنا صورتان: ........................................ 498

الصورة الأُولی: إما نعلم بوحدة الحکم فی القضییتین: الحق فیها حمل المطلق علی المقید 498

الصورة الثانیة:

إما نحتمل تعدد الحکم .............................................................. 498

و المحتمل فیها وجوه خمسة ............................................................................ 498

ص: 544

الف) الوجه الأول: حمل المطلق علی المقید ....................................................... 498

ب) الوجه الثانی: حمل المقید علی أفضل الأفراد ................................................. 498

الإیراد علیه ............................................................................................... 499

ج) الوجه الثالث: کونهما من قبیل واجب فی واجاب آخر ................................... 500

الإیراد علیه ............................................................................................... 500

د) الوجه الرابع: کونهما واجبین مستقلین و سقوط المطلق عند إتیان المقید ....... 500

الإیراد علیه ............................................................................................... 500

ه) الوجه الخامس: کونهما واجبین مستقلین و عدم سقوط المطلق عند إتیان المقید 500

الإیراد علیه ............................................................................................... 500

الحاصل ..................................................................................................................... 500

المقام الثانی: أن یلاحظ المطلق بنحو مطلق الوجود ..................................................... 501

الصورة الأُولی: فیها یحمل المطلق علی المقید بلاخلاف ............................................. 501

الصورة الثانیة: ........................................................................................................... 501

هنا نظریاتان مهمتان ................................................................................................ 502

نظریة المشهور: عدم الحمل ...................................................................................... 502

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) و هی المختار ........................................................................ 502

الفصل السادس: حمل المطلق علی المقید فی المستحبات

(هنا نظریات مهمة بین الأعلام)

النظریة الأولی: عن المشهور و صاحب الکفایة ........................................................... 507

الإیراد الأوّل .............................................................................................................. 507

الإیراد الثانی: عن المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................................................. 507

النظریة الثانیة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 508

الأوّل: أن یکون ذا مفهوم ......................................................................................... 508

الثانی: أن یکون دلیل المقید مخالفاً لدلیل المطلق فی الحکم ..................................... 508

الثالث: أن یکون الأمر فی دلیل المقید متعلقاً بنفس التقیید لا بالقید ....................... 508

الرابع: أن یتعلق الأمر فی دلیل المقید بالقید بما هو .................................................. 508

یلاحظ علیه ......................................................................................................... 510

النظریة الثالثة: تفصیل بعض الأساطین .................................................................... 510

ص: 545

الفصل السابع: المجمل والمبین

تفسیر المجمل و المبین ................................................................................................ 513

أقسام المجمل ............................................................................................................... 513

أمّا الإجمال الحقیقی ................................................................................................. 514

أمّا الإجمال الحکمی ................................................................................................. 514

المجمل و المبین من الأمور الواقعیة أو الإضافیة؟ ....................................................... 514

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): أنهما من الأمور الإضافیة..................................................... 514

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه ................................................................................... 515

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): أنهما من الأمور الحقیقیة..................................................... 515

تکلیف الفقیه عند المواجهة مع اللفظ المجمل فی کلام الشارع .................................. 515

ص: 546

فهرس الآیات و الروایات

الآیات:

(أحقّ بردّهنّ)........................ 363

(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَیعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).......... 398

(أَحَلَّ الله الْبَیعَ)....................... 501

(الْمُطَلَّقاتُ)............................ 358

(إِنَّما وَلِیکُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذینَ آمَنُوا الَّذینَ) 211

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)....................... 398

(بُعُولَتُهُنَّ)............................. 358

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) 337

(فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)..................... 372

(فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِیتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ) 337

(کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّی یتَبَینَ لَکُمُ الْخَیطُ الْأَبْیضُ مِنَ الْخَیطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) 189

(مُکَلِّبِینَ)....................... 161, 162

(وَ اسْتَشْهِدُوا شَهیدَینِ مِنْ رِجالِکُمْ).... 88

(وَ الْمُطَلَّقاتُ یتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَ لا یحِلُّ لَهُنَّ أَنْ یکْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فی أَرْحامِهِنَّ إِنْ کُنَّ یؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَ الْیوْمِ الْآخِرِ وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) 358

(وَ الْوالِداتُ یرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَینِ کامِلَینِ) 29

(وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)........ 29

(وَ سْئَلِ الْقَرْیةَ)......................... 29

(وَ لا تُکْرِهُوا فَتَیاتِکُمْ عَلَی الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) 92

ص: 547

الروایات:

أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُورِی................. 428

إِذَا بَلَغَتِ الْمَرْأَةُ خَمْسِینَ سَنَةً لَمْ تَرَ حُمْرَةً إِلَّا أَنْ تَکُونَ امْرَأَةً مِنْ قُرَیشٍ 300

إِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ وَجَبَ الطَّهُورُ وَ الصَّلَاةُ 99

اغْسِلْ ثَوْبَکَ مِنْ أَبْوَالِ مَا لَا یؤْکَلُ لَحْمُه 382

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمْ یحَرِّمِ الْخَمْرَ لِاسْمِهَا وَ لَکِنْ حَرَّمَهَا لِعَاقِبَتِهَا 375

بِفَاتِحَةِ الْکِتَاب.......................... 277

حَلَالَ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله) حَلَالٌ إِلَی یوْمِ الْقِیامَةِ... 419

سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلَینِ قَامَا فَنَظَرَا إِلَی الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ ذَا وَ قَالَ الْآخَرُ مَا أَرَی شَیئاً قَالَ: فَلْیأْکُلِ الَّذِی لَمْ یسْتَبِنْ لَهُ الْفَجْرُ وَ قَدْ حَرُمَ عَلَی الَّذِی زَعَمَ أَنَّهُ رَأَی الْفَجْرَ إِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ یقُولُ:................ 189

فِی الدَّمِ یکُونُ فِی الثَّوْبِ إِنْ کَانَ أقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا یعِیدُ الصَّلَاةَ 481, 483

فِی الْغَنَمِ السَّائِمَةِ الزَّکَاة................ 154

کُلُّ شَی ءٍ طَاهِرٌ حَتَّی تَعْلَمَ أَنَّهُ قَذِر..... 199

کُلُّ شَی ءٍ یطِیرُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ وَ خُرْئِهِ.. 382

لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور.................... 277

لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ فِی الْإِسْلَامِ.......... 29

لَاینْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ........... 122

لَعَنَ اللهُ بَنِی أُمَیةَ قَاطِبَة.... 281, 283, 286

هَلَکْتُ وَ أَهْلَکْتُ. فَقَالَ وَ مَا أَهْلَکَکَ؟ قَالَ أَتَیتُ امْرَأَتِی فِی شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنَا صَائِمٌ. فَقَالَ لَهُ النَّبِی: أَعْتِقْ رَقَبَةً 29

وَ مَا خَلَا الْکِلَابَ مِمَّا یصِیدُ الْفُهُودُ وَ الصُّقُورُ وَ أَشْبَاهُ ذَلِکَ فَلَا تَأْکُلَنَّ مِنْ صَیدِهِ إِلَّا مَا أَدْرَکْتَ ذَکَاتَهُ لِأَنَّ اللهَ یقُولُ: (مُکَلِّبِینَ) 161

ینْظُرَانِ إِلَی مَنْ کَانَ مِنْکُم قَدْ رَوَی حَدِیثَنَا وَ نَظَرَ فِی حَلَالِنَا وَ حَرَامِنَا 282

ص: 548

فهرس الأعلام

الرسول (صلی الله علیه و آله) 29, 326, 352, 421, 426, 428

امیر المؤمنین (علیه السلام) ............. 84, 421, 429

الامام الحسین (علیه السلام) ....................... 509

الامام الباقر (علیه السلام) ........................... 99

الامام جعفر الصادق (علیه السلام) 84, 161, 300, 382, 421

الف

أبا الحسین البصری............... 229

ابن زهرة.......................... 38

أبو المجد الإصفهانی................. 76

أَبِی بَصِیرٍ..................... 84, 382

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ..................... 189

ب

بعض الأساطین........ 67, 109, 132, 144, 181, 189, 267, 290, 291, 292, 295, 299, 302, 318, 319, 334, 336, 359, 367, 368, 408, 484, 502, 510

ح

الحاجبی........................... 23

الْحُسَینِ بْنِ سَعِیدٍ (الْأَهْوَازِی)....... 84

ز

زُرَارَةَ...................... 123, 161

الزمخشری........................ 195

س

سلطان العلماء.............. 444, 445

سَمَاعَةَ........................... 189

السید الجزائری................... 197

السید الروحانی................... 294

ص: 549

السید الصدر..................... 447

السید المحقق البروجردی 299, 301, 302, 413

السید المحقق الحکیم........ 300, 306

السید المرتضی........ 38, 88, 90, 179

ش

الشهرستانی........................ 76

الشهید الثانی................ 274, 437

الشیخ الأنصاری 40, 45, 76, 99, 100, 103, 158, 159, 162, 192, 274, 275, 278, 279, 285, 310, 315, 330, 334, 381, 413, 447, 479

الشیخ البهائی............... 157, 232

الشیخ الحرّ العاملی.............. 38, 73

الشیخ الطوسی................... 155

ص

صاحب الفصول...... 233, 361, 436

صاحب المعالم................ 76, 388

صاحب منتقی الأُصول........ 76, 294

صاحب هدایة المسترشدین........ 361

ع

عَاصِمِ بْنِ حُمَید..................... 84

عبدالله بن سنان.................. 382

عُثْمَانَ بْنِ عِیسَی................... 189

العضدی.......................... 24

العلامة أبی المجد النجفی الإصفهانی. 77

العلامة الآملی.................... 447

العلامة الحلّی..................... 164

العلامة المظفر 120, 197, 437, 448, 478

عمر بن عبد العزیز................ 281

غ

الغزالی........................... 230

ف

الفخر الرازی.................... 211

فخر المحققین........... 40, 128, 129

ک

الکلینی.......................... 189

م

المحقق ابن إدریس الحلّی........... 132

المحقق الإصفهانی 44, 45, 46, 47, 48, 49, 64, 71, 73, 74, 76, 102, 103, 132, 137, 155, 159, 164, 165, 168, 191, 200, 234, 248, 249, 250, 251, 290, 291, 292, 293,

ص: 550

294, 298, 299, 302, 303, 304, 305, 352, 353, 373, 374, 412, 413, 414, 417, 436, 439, 448, 449, 450, 452, 465, 479, 502

المحقق الإیروانی............ 192, 290

المحقق الحائری........ 195, 266, 413

المحقق الخراسانی 24, 25, 38, 45, 49, 53, 55, 58, 64, 67, 70, 92, 97, 100, 101, 103, 107, 109, 113, 128, 129, 132, 134, 144, 154, 157, 158, 159, 162, 180, 189, 191, 199, 200, 201, 207, 233, 234, 235, 243, 244, 246, 248, 249, 250, 251, 257, 266, 275, 278, 279, 285, 290, 291, 292, 293, 297, 298, 299, 300, 302, 303, 304, 305, 318, 325, 334, 336, 345, 346, 347, 349, 359, 361, 362, 364, 367, 368, 376, 377, 379, 383, 388, 397, 399, 400, 401, 408, 413, 418, 428, 436, 447, 451, 452, 455, 456, 457, 461, 462, 463, 465, 466, 469, 473, 478, 479, 484, 486, 487, 507

المحقق الخوانساری............... 131

المحقّق الخوئی 30 ,31, 33, 39, 46, 49, 50, 51, 81, 103, 109, 110, 112, 114, 117, 118, 121, 122, 124, 130, 132, 141, 145, 154, 165, 166, 169, 182, 187, 188, 189, 191, 201, 207, 234, 235, 236, 244, 247, 248, 267, 274, 283, 285, 290, 291, 295, 299, 302, 313, 318, 319, 324, 325, 326, 330, 331, 335, 337, 349, 351, 353, 361, 363, 364, 368, 373, 374, 377, 380, 381, 383, 389, 397, 408, 410, 414, 416, 417, 420, 421, 424, 437, 439, 448, 452, 457, 463, 464, 467, 469, 471, 473, 477, 479, 482, 483, 484, 487, 491, 502, 507, 510

ص: 551

المحقّق السبزواری................ 447

المحقّق الطوسی........ 179, 388, 447

المحقق العراقی 75, 78, 79, 132, 162, 290, 297, 306, 312, 314, 315, 334, 336, 337, 409, 410, 413

المحقّق القمی 30, 247, 251, 435, 465

المحقّق النائینی 30, 39, 44, 45, 46, 49, 50, 64, 65, 67, 101, 103, 108, 112, 114, 115, 118, 121, 122, 123, 124, 132, 137, 141, 145, 154, 162, 163, 181, 186, 187, 195, 207, 211, 248, 266, 267, 269, 270, 274, 277, 278, 281, 283, 285, 290, 292, 294, 299, 302, 308, 312, 319, 324, 325, 334, 335, 353, 359, 362, 363, 364, 368, 371, 374, 381, 389, 397, 409, 410, 418, 437, 438, 439, 447, 471, 477, 479

المحقّق صاحب الحاشیة........... 157

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.................... 84

مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی.................... 189

ن

نجم الأئمة الرضی 191, 195, 200, 456

ص: 552

المجلد 4

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

عُیُونُ الأَنظار

(المجلد الرابع)

المباحث العقلیة (1)

الإجزاء و مقدمة الواجب

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الأول: «الإجزاء» / 17

مقدمات / 19

المقدمة الأُولی: موضوع البحث... 19

القول الأول: 19

القول الثانی: 20

المقدمة الثانیة: 22

المطلب الأوّل: ما هو المراد من «علی وجهه» فی عنوان البحث؟. 22

المطلب الثانی: ما المراد من الاقتضاء فی عنوان البحث؟. 27

المطلب الثالث: ما المراد من الإجزاء فی عنوان البحث؟. 32

المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟. 34

النظریة الأُولی: 34

النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) .. 35

المقدمة الرابعة: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار و مسألة تبعیة القضاء للأداء 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار. 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء. 36

ص: 5

الفصل الأوّل:إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟ / 39

تنبیه: فی جواز الامتثال بعد الامتثال. 44

النظریة الأولی:ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 44

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره): 46

الطائفة الأُولی: 46

الطائفة الثانیة: 49

النظریة الثانیة: 63

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال: 63

الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟ 67

المقام الأوّل: مقام الثبوت... 69

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 69

أمّا الصورة الأُولی: 70

أمّا الصورة الثانیة: 71

أمّا الصورة الثالثة: 72

أمّا الصورة الرابعة: 73

المقام الثانی: مقام الإثبات... 81

الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة. 81

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره): 81

نظریة أُخری لبعض الأعلام: 84

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 85

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 86

نظریة المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما): 87

التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات... 91

التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلّف... 93

المطلب الأوّل: هل تشمله إطلاقات الأوامر الاضطراریة؟ 93

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): 93

ص: 6

المطلب الثانی: هل یستحق العقوبة علیه؟ 94

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): 94

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی فی المقام. 96

استدلّ علی القول الأوّل بوجهین: 97

الاستدلال علی القول الثانی: 97

تقریر الاشتغال بوجهین: 97

الوجه الأوّل: 97

الوجه الثانی: 99

الاستدلال علی القول الثالث: 101

الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟ / 105

مقدمة فی ذکر الأقوال: 107

المقام الأوّل: الأُصول العملیة. 113

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره): 113

المقام الثانی: الأمارات... 133

المبنی الأول: الطریقیة. 133

أدلّة القول بالإجزاء 133

الدلیل الأوّل: 133

الدلیل الثانی: 135

الدلیل الثالث: 136

الدلیل الرابع: 137

الدلیل الخامس: 138

الدلیل السادس: الإجماع علی القول بالإجزاء. 141

الدلیل السابع: تحقّق سیرة الفقهاء علی الإجزاء 146

الدلیل الثامن: 148

الدلیل التاسع: 149

دلیل عدم الإجزاء (علی القول بالطریقیة) 151

المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة. 153

ص: 7

المبنی الثالث: مسلک جعل الحکم المماثل.. 154

تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) بین العبادات و المعاملات: 155

المبنی الرابع: مسلک جعل المؤدّی منزلة الواقع. 159

التفسیر الأول: 159

التفسیر الثانی: 159

الدلیل علی الإجزاء علی التفسیر الثانی: 159

المبنی الخامس: مسلک السببیة. 161

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 161

بیان أقسام السببیة و تحقیق المسألة: 161

الأُولی: السببیة التی نُسبت إلی الأشاعرة. 162

اتفق الأعلام علی بطلان هذه السببیة لأوجه: 162

الثانیة: السببیة التی نُسبت إلی المعتزلة. 163

الثالثة: المصلحة السلوکیة. 164

البحث الأوّل: فی تصویر المصلحة السلوکیة. 164

البحث الثانی فی الإجزاء بناء علی القول بالمصلحة السلوکیة: 167

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدم الإجزاء: 167

تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة. 169

المقام الأوّل: من حیث الإعادة. 169

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء: 169

المقام الثانی: بالنسبة إلی القضاء. 171

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 171

البحث الثانی: مقدمة الواجب / 173

المقدمة / 175

الأمر الأوّل: هذه المسألة من أی قسم من المباحث؟. 177

القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة. 177

القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة. 178

ص: 8

القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة للمسائل الأُصولیة. 180

القول الرابع: إنّ هذه المسألة أُصولیة. 182

الأمر الثانی: ما هو المراد من وجوب المقدّمة؟. 185

الوجه الأوّل: الوجوب العقلی... 185

الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی.. 185

الوجه الثالث: الوجوب المجازی.. 185

الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی.. 185

الوجه الخامس: الوجوب النفسی.... 186

الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی.. 186

الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب... 187

الفصل الأوّل: فی ذکر التقسیمات / 189

الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة. 191

التقسیم الأوّل: 193

المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان.. 193

الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟. 194

الموضع الثانی: هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها؟ 195

القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء. 195

القول الثانی: وجود الاقتضاء. 195

الموضع الثالث: هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی ثبوت المقتضی؟ 196

القول الأوّل: عدم المانع. 196

القول الثانی: وجود المانع. 196

خاتمة فی ثمرة البحث: 203

الثمرة الأُولی: 203

التحقیق فی هذه الثمرة: 205

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لذلک: 206

ص: 9

الثمرة الثانیة: 206

التقسیم الثانی.. 207

مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم. 207

التقسیم الثالث... 211

المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة. 211

التقسیم الرابع. 213

المتقدّم و المقارن و المتأخّر. 213

الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر. 214

البیان الأوّل: 214

البیان الثانی: 215

الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حلّ هذه المشکلة. 216

الأُولی: نظریة المحقّق النراقی (قدس سره) 216

الثانیة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره) 216

الثالثة: نظریة السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) 217

الرابعة: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 220

الصورة الأُولی: شرائط الحکم. 220

التحقیق حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 220

الصورة الثانیة: شرائط المأمور به. 225

الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط.. 231

المقدمة. 233

المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط.. 233

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 234

المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟. 235

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 235

المطلب الثالث: 236

الناحیة الأُولی: 237

القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟. 237

ص: 10

الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال. 237

القول الأوّل: 237

القول الثانی: 237

القول الثالث: 238

الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة. 239

الوجوه التی استدلّوا بها علی عدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة: 239

الوجه الأوّل: 239

الوجه الثانی لعدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة: 243

الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی «إن قلت». 245

الناحیة الثانیة: 255

إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟. 255

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی.. 255

الاستدلال الأوّل للشیخ (قدس سره) 255

الدعوی الکبروی: 256

الدعوی الصغروی: 262

الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره): 263

تنبیه. 266

تحقیق المحقق الخوئی (قدس سره) حول معنی الإطلاق والتقیید فی الهیأة والمادّة: 266

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی... 268

الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب... 269

التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز. 271

الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول (قدس سره) 272

الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلق ثبوتاً 276

فیه قولان: 276

القول الأوّل: استحالة الواجب المعلّق.. 276

الدلیل الأوّل علی الاستحالة: 276

الدلیل الثانی علی الاستحالة: ما ذکره فی الکفایة. 285

الدلیل الثالث علی الاستحالة: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره) 285

ص: 11

القول الثانی: إمکان الواجب المعلق.. 286

الموضع الثالث: ثمرة البحث عن الواجب المعلّق.. 288

المقدّمة: 289

المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟ 289

المطلب الثانی: 290

المسألة الأُولی: المقدّمات الوجودیة المفوّتة. 291

المقام الأوّل: مقام الثبوت... 291

المقام الثانی: مقام الإثبات... 301

المسألة الثانیة: وجوب التعلّم. 303

الصورة الأُولی: إذا علم المکلف أو اطمأن بالابتلاء. 303

الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء. 307

المسألة الثالثة: 313

تنبیه: 314

المطلب الأوّل: هل یجب التعلم علی الصبی غیر البالغ؟ 314

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی القول الأوّل: 314

المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟ 316

الوجه الأوّل: الوجوب النفسی.... 316

الاستدلال علی الوجوب النفسی: 316

الوجه الثانی: الوجوب الغیری.. 318

الاستدلال علی الوجوب الغیری: 318

الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی.. 319

الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی 319

الاستدلال علی الوجوب الإرشادی: 319

الوجه الخامس: الوجوب الطریقی.. 323

الاستدلال علی الوجوب الطریقی: 323

المطلب الثالث: هل تارک تعلم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟ 326

التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری.. 329

الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری.. 329

الأوّل: تعریف المشهور 329

ص: 12

الثانی: تعریف الشیخ الأنصاری (قدس سره) 330

الثالث: تعریف صاحب الکفایة (قدس سره) 332

الرابع: تعریف المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 335

الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 338

السادس: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) 340

الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟. 342

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی.. 342

الأُولی: نظریة الشیخ (قدس سره) 342

الثانیة: نظریة المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) 343

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 346

الرابعة: نظریة المحقّق الإیروانی (قدس سره) 346

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی... 348

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 348

الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) 350

الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث... 353

الرابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) حول الجهات الثلاث... 354

التنبیه الأوّل:فی ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری.. 359

المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتّب الثواب و العقاب... 359

المطلب الثانی: إنّ ترتّب الثواب علی امتثال الواجب النفسی هل هو بالاستحقاق أو بالتفضّل؟ 362

القول الأوّل: 362

القول الثانی: 362

تحقیق السید المحقق الخوئی (قدس سره): 362

المطلب الثالث: ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری.. 363

المطلب الرابع: إنّ ثواب امتثال الأمر الغیری هل یکون غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟ 363

القول الأوّل: 363

استدلال القائلین بوحدة الثواب: 363

ص: 13

القول الثانی: تعدد الثواب... 364

استدلال القائلین بتعدّد الثواب: 364

التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث... 365

القول الأوّل: منشؤها الأمر الغیری.. 366

القول الثانی: منشؤها الأمر النفسی الاستحبابی.. 367

القول الثالث: منشؤها الأمر النفسی الضمنی.. 371

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) 372

القول الخامس: نظریة بعض الأساطین.. 373

القول السادس: 373

التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی.. 375

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الثبوت: 375

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره): 376

بیان مناط الغیریة و مناط التبعیة: 376

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الإثبات: 377

الفصل الثانی: فی تحقیق المسألة / 379

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها 381

أما الأقوال فهی خمسة: 381

القول الأوّل: ما عن صاحب المعالم (قدس سره) 381

القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) 381

القول الثالث: ما عن صاحب الفصول (قدس سره) 382

القول الرابع: ما عن المشهور. 382

القول الخامس: مختار المحقق صاحب الحاشیة و المحقق النائینی (قدس سرهما) .. 383

و أما مناقشة الأقوال: 384

تنبیه حول تفسیر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره): 390

أدلّة سبعة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة: 400

الدلیل الأوّل: لصاحب الفصول (قدس سره) 400

الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا 401

ص: 14

الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا 402

الدلیل الرابع علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة: 403

الدلیل الخامس: 405

الدلیل السادس: 407

الدلیل السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الحصّة التوأمة. 411

تقریر المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الخامس: 413

الأمر الثانی: 415

مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة. 415

قد استدلّوا علی القول الأوّل بوجوه نذکر أربعة منها: 420

الوجه الأوّل: 420

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله): 423

الوجه الثانی: 423

الوجه الثالث: 424

الوجه الرابع: 425

الاستدلال علی القول الثانی: 426

الاستدلال علی القول الثالث: 427

الاستدلال علی القول الرابع: 428

الأمر الثالث: 431

مقتضی الأصل العملی... 431

أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة: 431

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): 431

الثانیة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .. 432

أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة: 433

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة. 433

تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب / 437

الثمرة الأُولی: 437

ص: 15

الثمرة الثانیة: 438

الثمرة الثالثة: 439

الثمرة الرابعة: 441

الثمرة الخامسة: 443

الثمرة السادسة: 445

خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه / 451

أمّا مقدّمة المستحب: 451

أمّا مقدّمة الحرام أو المکروه: 451

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره): 451

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) 452

الفهارس.. 455

ص: 16

البحث الأول: «الإجزاء»

اشارة

فیه مقدمات و ثلاثة فصول

الفصل الأوّل:إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟

الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟

ص: 17

ص: 18

مقدمات

المقدمة الأُولی: موضوع البحث
اشارة

و فیه قولان:

القول الأول:

إنّ عبارة القدماء فی عنوان البحث هو أنّ الأمر بشیء (إذا أُتی به علی وجهه) هل یقتضی الإجزاءأو لا؟((1)) و موضوع البحث حینئذ هو الأمر.

ص: 19


1- فی الذریعة، ج1، ص121 و 122: «فصلٌ فی الأمر هل یقتضی إجزاء الفعل المأمور به؟ إعلم أنّ جمیع الفقهاء یذهبون إلی أنّ إمتثال الفعل المأمور به یقتضی إجزاءه و ذهب قوم إلی أن إجزاءه إنّما یعلم بدلیل، وغیر ممتنع ألّایکون مجزیا و الکلام فی هذا الموضع إنما هو فی مقتضی وضع اللغة وعرفها و أما عرف الشرع فإنّا قد بینّا أنّه قد استقر علی أنّ فعل المأمور به علی الحد الذی تعلق به الأمر یقتضی الإجزاء». و فی عدة الأصول (ط.ج)، ج1، ص212 و 213: «فصل: ذهب الفقهاء بأجمعهم و کثیر من المتکلمین إلی أن الأمر بالشئ یقتضی کونه مجزیا إذا فعل علی الوجه الذی تناوله الأمر و قال کثیر من المتکلمین إنّه لا یدل علی ذلک و لا یمتنع أن لا یکون مجزیا و یحتاج إلی القضاء و الصحیح هو الأول». و فی معارج الأصول (ط.ق)، ص72: «المسألة الثانیة: الأمر یقتضی الإجزاء نعنی بذلک سقوط التعبد عند الإتیان بالمأمور [ به ]». و فی مبادئ الوصول، ص116: «البحث الخامس عشر فی أنّ الأمر یقتضی الإجزاء، الحق ذلک و المراد بالإجزاء خروجه عن عهدة التکلیف بفعل المأمور به علی وجهه». و فی قوانین الأصول ص129: «قانون: الحق أنّ الأمر یقتضی الإجزاء و تحقیق هذا الأصل یقتضی رسم مقدمات». و فی هدایة المسترشدین، ج2، ص700 و 701: «رابعها أنّهم إختلفوا فی دلالة الأمر علی الإجزاء بفعل المأمور به علی وجهه و عدمها». و فی الفصول الغرویة، ص116: «فصل: إختلفوا فی أنّ الأمر بالشیء هل یقتضی الإجزاء إذا أُتی به المأمور علی وجهه أو لا؟».
القول الثانی:
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) عدل عن القول الأول و اختار قولاً آخر و قال (قدس سره): «الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء»((1))، فموضوع البحث عنده إتیان المأموربه.

توجیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) للقول الثانی:

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) وجّهه((2)) بأنّ «الإجزاء من مقتضیات إتیان المأموربه و شؤونه لا من مقتضیات الأمر و لواحقه»، لأنّ الإجزاء و سقوط الأمر متوقّف

ص: 20


1- کفایة الأصول، ص81
2- فی نهایة الدرایة، ج1، ص365 عند التعلیقة علی قوله «الإتیان بالمأمور به علی وجهه یقتضی الإجزاء»: «إنّما عدل (قدس سره) عمّا فی عبارات الأکثرین من أنّ الأمر بشی ء إذا أُتی به علی وجهه یقتضی الإجزاء لأنّ الإجزاء من مقتضیات إتیان المأمور به و شئونه، لا من مقتضیات الأمر و لواحقه بداهةَ أنّ مصلحة المأمور به المقتضیة للأمر إنّما تقوم بالمأتی به، فتوجب سقوط الأمر إمّا نفسا أو بدلا، فاقتضاء سقوط الأمر قائم بالمأتی به لا بالأمر، و مجرّد دخالة الأمر کی یکون المأتی به علی طبق المأمور به لایوجب جعل الأمر موضوعا للبحث، بعد ما عرفت من أنّ الإقتضاء من شئون المأتی به لا الأمر، فجعل الأمر موضوعا و إرجاع الإقتضاء إلیه بلا وجه».

علی حصول مصلحة المأموربه و هذه المصلحة توجد بوجود المأتی به و علی هذا اقتضاء سقوط الأمر قائم بإتیان المأموربه لا بالأمر.

و الحق هو القول الثانی و أن موضوع البحث إتیان المأمور به لأنه المقتضی للإجزاء.

ص: 21

المقدمة الثانیة:
اشارة

و فیها مطالب ثلاثة:((1))

المطلب الأوّل: ما هو المراد من «علی وجهه» فی عنوان البحث؟
اشارة

هنا أقوال ثلاثة:

القول الأول:

و هو مختار صاحب الکفایة((2)) و المحقّق العراقی((3)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین((4)).

إنّ المراد هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً.

أمّا القیود المعتبرة فی المأموربه شرعاً فیکفی فیها عنوان المأموربه لأنّه مع فقد هذه القیود لایصدق علی المأتی به أنّه هو المأموربه.

و أمّا القیود المعتبرة فی المأموربه عقلاً - مثل قصد القربة علی رأی صاحب

ص: 22


1- إنّ هنا أموراً أربعة تعرّضها صاحب الکفایة (قدس سره) نذکر الثلاثة الأُولی هنا و الرابع فی المقدمة الرابعة.
2- فی کفایة الأصول، ص81: «أحدها: الظاهر أنّ المراد من (وجهه) فی العنوان هو النّهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذاک النهج شرعا وعقلا، مثل أن یؤتی به بقصد التقرب فی العبادة».
3- فی نهایة الأفکار، ج1، ص222: «نقول: إنّ من العناوین الواقعة فی حیز موضوع البحث کلمة (علی وجهه) و الظاهر أنّ المراد منها کما قرّبه فی الکفایة هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی المأمورُ به علی ذلک النهج شرعا و عقلا کقصد الامتثال مثلا».
4- فی تحقیق الأصول، ج2، ص153: «و بما ذکرنا ظهر أنّ تعبیر الکفایة أتقن من تعبیر صاحب المفاتیح -حیث قال: إذا أتی المکلَّف بالمأمور به علی الوجه المعتبر شرعاً- لأنّ من القیود ما لایمکن للشارع اعتباره بل المعتبر له هو العقل ... و الحاصل أنّ ما ذکره المحقق الخراسانی هو الصحیح».

الکفایة (قدس سره) من استحالة أخذه فی المأموربه شرعاً- فهی أیضاً لابدّ من أخذه لأنّ الغرض المترتب علی المأموربه لایتحقّق إلّا مع هذه القیود.((1))

القول الثانی:
اشارة

و هو مختار السید المجاهد الطباطبائی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((3)).

إنّ المراد من هذه الکلمة هو خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأموربه شرعاً.

أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

أولاً: علی هذا البیان کلمة «علی وجهه» یکون قیداً توضیحیاً حیث إنّه لابدّ من حصول جمیع الأجزاء و الشرائط الشرعیة حتّی یصدق عنوان المأموربه مع أنّ الأصل فی القیود الاحترازیة((4)).

ثانیاً: «إنّه یلزم خروج التعبدیات عن حریم النزاع بناءً علی المختار ... من أنّ قصد القربة من کیفیات الإطاعة عقلاً لا من قیود المأموربه شرعاً.»

ص: 23


1- و فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص238: «الظاهر أنّ المراد بوجهه فی عنوان النزاع هو ما ذکره فی الکفایة». و فی المحاضرات (مباحث أصول الفقه) ج 1، ص191: «الظاهر إنّ المراد من وجهه فی عناوین کلماتهم ما ذکره فی الکفایة و هو النهج الذی ینبغی ان یؤتی به علی ذلک النهج شرعا أو عقلا»
2- فی مفاتیح الأصول، ص125: «إذا أتی المکلّف بالمأمور به علی الوجه المعتبر شرعا بأن یکونَ جامعا لجمیع الأجزاء و الشرائط و خالیا عن جمیع الموانع صار ممتثلا و خرج عن التکلیف به و لایجب إعادته لا فی الوقت و لا فی خارجه».
3- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص30و (ط.ق)، ج2، ص221.
4- فی کفایة الأصول، ص81: «لا خصوص الکیفیة المعتبرة فی المأمور به شرعا، فإنه علیه یکون (علی وجهه) قیدا توضیحیا، و هو بعید».
و أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1)):

«إنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما یقوم علی أساس نظریته (قدس سره) من استحالة أخذ قصد القربة قیداً فی المأموربه شرعاً و إنّما هو قید فیه عقلاً... أمّا بناء علی نظریتنا من إمکان أخذه إبتداء فی المأموربه أو علی نظریة شیخنا الأستاذ [أی المحقّق النائینی (قدس سره) ] من إمکان أخذه بمتمّم الجعل و لو بالأمر الثانی فلامحالة یکون القید توضیحیاً لا تأسیسیاً حیث لایفید وجوده علی هذا أزید من الإتیان بالمأموربه بتمام أجزائه و شرائطه.»

کما أنّه أجاب عنه المحقّق البروجردی (قدس سره)

((2)):

إنّ قید «علی وجهه» مذکور فی کتب القدماء مع أنّ القول باعتبار قصد القربة عقلاً من النظریات المستحدثة فلابدّ من تفسیره علی رأی القدماء.((3))

ص: 24


1- المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص31و(ط.ق)، ج2، ص221.
2- فی نهایة الأصول، ص125: «و فیه أنّ ما ذکرت من عدم إمکان أخذ قصد القربة فی المأمور به کلامٌ حدث من زمن الشیخ الأنصاری (قدس سره) و زیادة قید علی وجهه فی العنوان سابقة علی زمنه، فلیس إزدیاده فی العنوان لشمول مثل القربة و نحوها و لعل إزدیاده فیه إنّما هو لِردّ عبد الجبار قاضی القضاة فی الری من قبل الدیالمة حیث إستشکل علی الإجزاء بما إذا صلّی مع الطهارة المستصحبة ثم إنکشف کونه محدثا فإنّ صلاته باطلة غیر مجزیة مع إمتثاله الأمر إستصحابی و وجه رده بذلک أنّ المأمور به فی هذا المثال لم یؤتَ به علی وجهه من جهة أنّ الطهارة الحدثیة بوجودها الواقعی شرط».
3- فی جواهر الأصول، ج 2، ص287 فی التعلیقة: «قلت: قد سبق الأستاذ (قدس سره) سماحة أستاذنا الأعظم البروجردی (قدس سره) إلی قدمة إعتبار قید "علی وجهه" فی عنوان المسألة، و قال علی ما فی تقریر بحثه: و لعلّ إزدیاده إنّما هو لرد عبد الجبار قاضی القضاة فی الری من قِبَل الدیالمة، حیث إستشکل علی الإجزاء بما إذا صلی مع الطهارة المستصحبة ثم إنکشف کونه محدثا، بأنّ صلاته باطلة غیر مجزیة مع امتثال الأمر الاستصحابی و وجه رده بذلک: أنّ المأمور به فی المفروض لم یؤتَ به علی وجهه من جهة أنّ الطهارة الحدثیة بوجودها الواقعی شرط. قلت: و الإنصاف أنّ إشکال العلمین- دام ظلهما- غیر وارد علی المحقق الخراسانی قدس سره، و ما أفاداه مناقشة فی المثال».
مناقشة بعض الأساطین فی جواب المحقّق البروجردی (قدس سره)

((1)):

إنّ القیود العقلیة لیست منحصرة فی قصد القربة بل قد ذکروا قیوداً عقلیة أخری مثل عدم ابتلاء متعلّق الأمر بالمزاحم و مثل الفوریة فإنّ أخذها فی متعلّق الأمر عند بعض الأصولیین بحکم العقل.

القول الثالث:
اشارة

((2)):

إنّ المراد من «علی وجهه» هو الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب((3)) أی قصد الوجوب فی الواجبات و قصد الاستحباب فی المستحبات.

ص: 25


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص153: «و لایرد علیه ما ذکره السید البروجردی ... و ذلک لأنّ قصد الأمر هو واحد من القیود التی لم یمکن للشارع أخذها، فکان المعتبر لها هو العقل، کما أشرنا إلی ذلک، فالمعتبرات العقلیة متعدّدة کعدم إبتلاء متعلَّق الأمر بالمزاحم کما ذکر بعضهم و کالفوریة حیث قیل بأنّها معتبرة بحکم العقل فی المتعلَّق إلی غیر ذلک فما ذکره (رحمة الله) فی الإشکال علی صاحب الکفایة غیر وارد».
2- فی مطارح الأنظار(ط.ج)، ج1، ص113و(ط.ق)، ص19: «و قد یتوهم أنّ المراد به هو وجه الأمر الموجود فی ألسنة المتکلمین من نیة الوجوب أو الندب و یزیفه دخول کلمة علی علیه إذا المناسب علی ذلک التقدیر هو دخول اللام».
3- . فی جامع المقاصد، ج1، ص200 - 201: «إختلف فی نیة الوضوء علی أقوال: فقیل بالإکتفاء بالقربة و هو قول الشیخ فی النهایة و قیل بالإکتفاء برفع الحدث أو إستباحة فعل مشروط بالطهارة – و هو قوله فی المبسوط و الظاهر أنّه یرید به مع القربة و قیل بإعتبار الإستباحة و ینسب إلی المرتضی و قیل بالقربة و الوجوب أو الندب و هو مذهب صاحب المعتبر فی الشرائع و قیل بهما مع الرفع و الإستباحة معا و هو مذهب أبی الصلاح و جماعة و قیل بالقربة و الوجه من الوجوب و الندب أو وجههما و أحد الأمرین من الرفع و الإستباحة و هو إختیار المصنف و جمع من الأصحاب و هو الأصح» فالأقوال الثلاثة الأخیرة مشترکة فی إعتبار قصد الوجه». و فی شرح اللمعة، ج1، ص428 فی بحث الصلاة علی المیت: «و فی إعتبار نیة الوجه من وجوب و ندب - کغیرها من العبادات - قولان للمصنف فی الذکری». و فی شرح اللمعة، ج1، ص705 فی بحث سجدتی السهو: «و إختلف أیضا إختیاره فی إعتبار نیة الأداء أو القضاء فیهما و فی الوجه و إعتبارهما أولی». و فی کفایة الأحکام، ج1، ص90 فی کتاب الصلاة: «و المشهور بینهم وجوب نیة الوجه و ظاهر التذکرة إتّفاق الأصحاب علیه و هو غیر بعید». و فی کتاب الصلاة للشیخ الأنصاری، ج1، ص268: یجب أیضا قصد (الوجه) الذی وقع علیه العبادة من الوجوب و الندب (و) لا یکفی قصد (التقرب) بها بل عن التذکرة الإجماع علیه» إلخ. و فی فرائد الأصول، ج1، ص74: «و إطلاقهم إعتبار نیة الوجه» و فی ص75: «إلّا أنّ شبهة إعتبار نیة الوجه - کما هو قول جماعة بل المشهور بین المتأخرین - جعل الإحتیاط فی خلاف ذلک». و فی جواهر الکلام، ج2، ص81 – 82 فی بحث الوضوء: «(و کیفیتها أن ینوی الوجوب) فی الواجب (أو الندب) فی المندوب کما هو خیرة المنتهی و الإرشاد و التحریر و الشهید فی اللمعة و الألفیة و هو المنقول عن الغنیة و المهذب و الکافی و ربما نقل عن الراوندی و ابن حمزة و نسب إلی الأکثر فی بعض حواشی الألفیة و فی آخر أنّه المفتی به و عن کتب أهل الکلام من مذهب العدلیة أنّه یشترط فی إستحقاق الثواب علی واجب أن یوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه و لعله لذا قال فی القواعد " إنّه یجب أن یوقعه لوجوبه أو وجه وجوبه علی رأی " کما هو ظاهر اختیار السرائر والتذکرة وجامع المقاصد و فسر الوجه بأنه اللطف عند أکثر العدلیة و أنّه ترک المفسدة اللازمة من الترک عند بعض المعتزلة والشکر عند الکعبی ومجرد الأمر عند الأشعریة وعن الروضة دعوی الشهرة علی وجوب نیة الوجوب فی الصلاة بل فی ظاهر التذکرة الاجماع علیه هناک و لعله یفرق بین الصلاة و بین ما نحن فیه کما ستسمعه إن شاء الله تعالی ... و علی کل حال فأقصی ما یمکن أن یستدل به لهم أنّ الأمتثال بالمأمور به لا یتحقق إلّا بالإتیان به علی وجهه المطلوب و هذا لایحصل إلا بالإتیان بالواجب واجبا و الندب ندبا و بأنّ الوضوء یقع تارة علی وجه الوجوب وأخری علی الندب و لما کان الفعل قابلا لأن یقعَ لکل منهما کان تخصیصه بأحدهما محتاجا إلی نیة لأنّ قصد جنس الفعل لایستلزم وجوهه ... و لایخفی علیک ما فی الجمیع» إلخ.
أورد علیه صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً: إنّه غیر معتبر عند معظم الأصحاب.

ثانیاً: إنّ من اعتبره لم یعتبره إلّا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات.

ص: 26

ثالثاً: إنّ الخصوصیات المعتبرة فی الواجبات کثیرة و لا وجه لاختصاص قصد الوجه بالذکر((1)).

و الحاصل أن الحق هو القول الثانی و أنّ المراد من «وجهه» فی عنوان البحث هو النهج الذی ینبغی أن یؤتی به علی ذلک النهج شرعاً و عقلاً و إن لم یکن قصد القربة فی العبادیات معتبرا عقلا فلا بأس لأن القیود العقلیة لیست منحصرة فیه.

المطلب الثانی: ما المراد من الاقتضاء فی عنوان البحث؟
اشارة

إنّ الاقتضاء قد یکون بمعنی الکشف و الدلالة و قد یکون بمعنی العلّیة و التأثیر.

فهنا قولان:

القول الأول:

الاقتضاءُ - بناء علی مسلک القدماء فی عنوان البحث من أنّ الأمر یقتضی الإجزاء أو لا؟ - یکون بمعنی الکشف و الدلالة حیث إنّ حیثیة الأمر حیثیة الکاشفیة و الدلالة. ((2))

ص: 27


1- فی کفایة الأصول، ص81: «و لا الوجه المعتبر عند بعض الأصحاب فإنّه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره، إلا فی خصوص العبادات لا مطلق الواجبات - لا وجه لاختصاصه بالذکر علی تقدیر الاعتبار».
2- فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ص238 و 239: «لا یخفی أنّ العمدة فی عقد البحث فی تلک المسألة هو إقتضاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی الذی هو باب واسع یجری فی العبادات و المعاملات بل فی تبدل الرأی و الإجتهاد و التقلید و الأمر الإضطراری عن الأمر الواقعی الأولی الذی هو أیضا باب واسع یجری فی العبادات کالوضوء مع الجبیرة أو التقیة و أمثالهما، و فی المعاملات کالعقد بالإشارة للأخرس و نحوه . و العمدة فی محل البحث و هو الأمر الظاهری و الإضطراری هی دلالة دلیلهما، و أنّ أدلة الأوامر الظاهریة أی الأمارات و الأصول کصدق العادل و لاتنقض الیقین بالشک هل تدل علی الأمر بالعمل بهما علی وجه الطریقیة و الکاشفیة و المعذریة حتی لاتقتضی الإجزاء عند إنکشاف الخلاف و تخلفها عن الواقع و عدم إصابتها الواقع، أو علی وجه السببیة و الموضوعیة و جعل البدل حتی تقتضی الإجزاء؟ و أن أدلة الأوامر الإضطراریة هل تدل علی البدلیة المطلقة حتی تقتضی الإجزاء، أو البدلیة ما دام العذر حتی لاتقتضی الإجزاء؟ فعلی هذا المراد من الإقتضاء فی محل النزاع هو الإقتضاء بنحو الکشف و الدلالة لا بنحو السببیة و العلیة».
القول الثانی:
اشارة

الاقتضاء یکون بمعنی العلّیة و التأثیر بناء علی ما أفاده صاحب الکفایة((1)) و المحقّق الإصفهانی((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) لأنّ إتیان المأمور به و حصول الغرض موجب لسقوط الأمر لأنّ أمد الأمر ینتهی بحصول الغرض فإذا حصل الغرض سقط الأمر بانتهاء أمده.

ص: 28


1- فی کفایة الأصول، ص81: «ثانیها الظاهر أنّ المراد من الإقتضاء ههنا الإقتضاء بنحو العلیة و التأثیر، لا بنحو الکشف و الدلالة، و لذا نسب إلی الإتیان لا إلی الطبیعة».
2- فی نهایة الدرایة، ج1، ص367 و 368 عند التعلیقة علی قوله «الظاهر أنّ المراد من الإقتضاء»: «ینبغی أن یراد من الإقتضاء ما هو المبحوث عنه فی المقام لا ما هو المذکور فی العنوان فإنّ الإقتضاء المنسوب إلی الاتیان لا یکاد یراد منه غیر العلیة و التأثیر کما أنّ المنسوب إلی الأمر فی کلمات الأکثر لا یکاد یراد منه غیر الکشف و الدلالة فما ینبغی التکلم هنا هو أنّ الإقتضاء الذی یناسب البحث عنه فی هذه المسألة هو الإقتضاء الثبوتی دون الاثباتی کما فی العنوان، و لذا نسب إلی الإتیان و علیه یحمل العبارة».
3- فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص31-32 و (ط.ق)، ج2، ص221 و 222: «الثالث: ما هو المراد من الإقتضاء؟ ذکر المحقق صاحب الکفایة (قدس سره) ما هذا لفظه ... ما أفاده (قدس سره) متین جداً و السبب فی ذلک واضح و هو أنّ غرض المولی متعلق بإتیان المأمور به بکافّة أجزائه و شرائطه فإذا أتی المکلف بالمأمور به کذلک حصل الغرض منه لا محالة و سقط الأمر، ضرورة أنّه لا یعقل بقائه مع حصوله، کیف حیث إنّ أمده بحصوله فإذا حصل إنتهی الأمر بانتهاء أمده و إلّا لزم الخلف أو عدم إمکان الإمتثال أبداً، و هذا هو المراد من الإقتضاء فی عنوان المسألة لا العلة فی الأمور التکوینیة الخارجیة کما هو واضح».

و قال المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1))«إن أُرید من الإجزاء إسقاط التعبّد به رأساً ثانیاً أو إسقاط الإعادة و القضاء فالتعبیر بالاقتضاء و تفسیره بالعلّیة و التأثیر مسامحة فی التعبیر و التفسیر لأنّ سقوط الأمر یکون بملاحظة سقوط غرضه و المعلول ینعدم بانعدام علّته فلا اقتضاء و لا علّیة فی البین بل هنا انتفاء العلّیة و الاقتضاء.

و أما إذا أُرید من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأموربه فالإجزاء بهذا المعنی لازم اشتمال المأتی به علی المأموربه بحدوده و قیوده و علی مصلحة الواقع عیناً أو بدلاً، فاقتضاء المأتی به للإجزاء بهذا الوجه من باب اقتضاء الملزوم للازمه العقلی فلا مسامحة لا فی التعبیر و لا فی التفسیر».

الإشکال الذی نقله فی الکفایة و بنی علیه بعض الأساطین (حفظه الله) نظریته:

الإشکال الذی نقله فی الکفایة (2) و بنی علیه بعض الأساطین (حفظه الله) نظریته:

إنّ بحث الإجزاء عقلی بالنسبة إلی الکبری و هی أنّه هل یجزی الإتیان بالمأموربه عن نفس ذلک الأمر (أی یجزی الإتیان بالمأموربه بالأمر الواقعی عن

ص: 29


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص367: «إنّ التعبیر بالإقتضاء و تفسیره بالعلیة و التأثیر، مسامحة فی التعبیر و التفسیر؛ إذ سقوط الأمر بملاحظة عدم بقاء الغرض علی غرضیته و دعوته، و المعلول ینعدم بانعدام علته، لا أنّ القائم به الغرض علة لسقوط الأمر؛ لأنّ الأمر علة لوجود الفعل فی الخارج، فلو کان الفعل علّة لسقوط الأمر لزم علّیة الشی ء لعدم نفسه، بل سقوط الأمر لتمامیة اقتضائه و انتهاء أمده. فافهم جیداً». و فی الهامش: «قولنا: ثم إنّ التعبیر الخ هذا إذا أرید من الإجزاء إسقاط التعبّد به رأسا ثانیا أو إسقاط الإعادة و القضاء و أما إذا أرید من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأمور به ...»
2- . فی کفایة الأصول ص81: «إن قلت: هذا إنّما یکون کذلک بالنسبة إلی أمره و أما بالنسبة إلی أمر آخر کالاتیان بالمأمور به بالأمر الإضطراری أو الظاهری بالنسبة إلی الأمر الواقعی فالنزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما علی اعتباره بنحو یفید الإجزاء أو بنحو آخر لایفیده».

الأمر الواقعی و بالمأموربه بالأمر الاضطراری عن الأمر الاضطراری و بالمأموربه بالأمر الظاهری عن الأمر الظاهری) و أمّا بالنسبة إلی البحثین الصغرویین و هما إجزاء الأمر الاضطراری عن الأمر الواقعی و إجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی فالبحث لفظی و یکون الاقتضاء حینئذ بمعنی الکشف و الدلالة لأنّ النزاع فی الحقیقة فی دلالة دلیلهما، و النزاع المهمّ هو فی البحثین الصغرویین.((1))

أجاب عنه صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره)

إنّ دلیل الأمر الاضطراری و الظاهری إن دلّ علی تنزیل المأمور به الاضطراری و الظاهری منزلة المأمور به الواقعی و بدلیتهما عنه فالإتیان بهما علّة

ص: 30


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص154: «کون بحث الإجزاء عقلیاً إنّما هو بالنظر إلی کبری البحث، حیث نقول: هل الإتیان بالمأمور به- بأی أمرٍ- یجزی عن ذلک الأمر أو لا؟ لکن بالنظر إلی صغری البحث فی إجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی، و إجزاء الأمر الإضطراری عن الأمر الإختیاری، فالبحث لفظی، لأنّه یعود إلی حدّ دلالة أدلّة الحکم الظاهری و أدلّة الحکم الإضطراری فما ذهب إلیه صاحب الکفایة من جعل المسألة عقلیة و أّن الإقتضاء بمعنی العلیة، إنّما یتم فی الکبری، لا فی الصغری و لایخفی أنّ المهمّ فی مسألة الإجزاء هو البحث الصغروی فی الموردین، فلا وجه لجعل البحث عنهما تطفلیاً و لعلّه قدّس سرّه إلی هذا الإشکال أشار بقوله: فافهم إذن لابدّ من التفصیل، و علیه یکون الإقتضاء بمعنی العلّیة بالنظر إلی کبری البحث و بمعنی الدلالة بالنظر إلی البحثین الصغرویین». و فی نهایة الأفکار، ج1، ص223: «و من العناوین کلمة الإقتضاء و الظاهر أنّ المراد منها أیضا هو الإقتضاء بنحو العلیة و التأثیر بحسب مقام الثبوت لا الإقتضاء بنحو الکشف و الدلالة بحسب مقام الإثبات، و من ذلک أیضا نسب الإجزاء فی عنوان البحث إلی الإتیان دون مدلول الصیغة. نعم فی الإجزاء بالنسبة إلی المأمور به بالأمر الإضطراری و الظاهری یمکن أن یقال بأنّ الإقتضاء فیهما هو الإقتضاء بنحو الکشف و الدلالة نظرا إلی رجوع جهة البحث حینئذ إلی مدلول الصیغة من جهة الدلالة علی وفاء المأتی به الإضطراری بمصلحة المأمور به الإختیاری».

لسقوط الأمر الواقعی و إلّا فلا فالاقتضاء هنا أیضاً بمعنی العلّیة.((1))

و الحاصل أن الحق - بناء علی کون موضوع البحث إتیان المأمور به الذی مرّ فی المطلب الأول و کون المراد من الإجزاء کفایة المأتی به عن المأمور به الذی یأتی فی المطلب الثالث- إرادة العلیة و التأثیر من المأمور به فی البحث الکبروی و الصغروی معا.

ص: 31


1- فی کفایة الأصول، ص82: «قلت: نعم، لکنه لاینافی کون النزاع فیهما کان فی الإقتضاء بالمعنی المتقدم غایته أنّ العمدة فی سبب الإختلاف فیهما إنّما هو الخلاف فی دلالة دلیلهما هل أّنه علی نحو یستقل العقل بأنّ الإتیان به موجب للإجزاء و یؤثر فیه و عدم دلالته؟ و یکون النزاع فیه صغرویا أیضا بخلافه فی الإجزاء بالإضافة إلی أمره فإنّه لایکون إلّا کبرویا لو کان هناک نزاع کما نقل عن بعض فافهم». فی نهایة الدرایة، ج1، ص368 و 369 عند التعلیقة علی قوله: «غایته أنّ العمدة فی سبب الإختلاف فیهما»: «لایخفی علیک أنّ نتیجة المسألة الأصولیة لابد من أن تکون کلیة فکما لا یکاد یمکن أن تکون نتیجة البحث جزئیة کذلک لایکاد یمکن أن یکون مبنی البحث کذلک لأول الأمر إلی ذلک فابتناء النزاع فی اقتضاء إتیان المأمور به بالأمر الإضطراری مثلا للإجزاء بنحو الکلیة علی دلالة قوله (علیه السلام) "التراب أحد الطهورین" من حیث الإطلاق الملازم للإجزاء و عدمه لایناسب المباحث الأصولیة. نعم القول بالإجزاء مع الاطلاق و عدمه مع عدمه بنحو الکلیة یناسب المسألة الأصولیة کما هو واضح، و علیه فلیس مبنی النزاع صغرویا بل النزاع الصغروی من المبادی التصدیقیة للإطلاق و عدمه المبنی علیهما الإجزاء، و عدمه، مضافا إلی أنّ منشأ الخلاف لو کان الإختلاف فی دلالة دلیل الأمر الإضطراری و الظاهری لکان الأنسب تحریر النزاع فی المنشأ، و تفریع الأجزاء و عدمه علی کیفیة دلالة دلیلهما خصوصا لو لم یکن نزاع حقیقة فی أجزاء المأتی به بالإضافة إلی أمره و لعله أشار قدس سرّه إلی بعض ما ذکرنا بقوله (قدس سره) فافهم». فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص32 و (ط.ق)، ج 2، ص222: «إنّ عمدة النزاع فی المسألة إنّما هی فی الصغری یعنی فی دلالة أدلة الأمر الإضطراری أو الظاهری علی ذلک و عدم دلالتها و لکن بعد إثبات الصغری فالمراد من الإقتضاء فیهما هذا المعنی [العلیة و التأثیر] فإذن لا فرق بین اقتضاء الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الإجزاء عن أمره و بین اقتضاء الإتیان بالمأمور به بالأمر الإضطراری أو الظاهری الإجزاء عنه فهما بمعنی واحد و هو ما عرفت».
المطلب الثالث: ما المراد من الإجزاء فی عنوان البحث؟

إنّ المراد من الإجزاء هو معناه اللغوی و هو الکفایة و لم یثبت له معنی اصطلاحی و هو إسقاط التعبد و القضاء بل لازمه إمّا سقوط الإعادة و القضاء أو سقوط القضاء لا الإعادة((1)).

و مثّل المحقّق الخوئی (قدس سره) لسقوط القضاء فقط بمن صلّی فی الثوب المتنجس نسیاناً حیث إنّه إذا تذکّر فی الوقت وجبت الإعادة علیه و إذا تذکّر فی خارج الوقت لم یجب علیه القضاء عند المشهور[بین المتأخّرین]((2)) -و إن کان الأقوی عنده وجوبه.

ص: 32


1- فی کفایة الأصول، ص82: «ثالثها: الظاهر أنّ الإجزاء - ها هنا - بمعناه لغة، و هو الکفایة و إن کان یختلف ما یکفی عنه فإنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی یکفی فیسقط به التعبد به ثانیا و بالأمر الإضطراری أو الظاهری الجعلی فیسقط به القضاء لا أنّه یکون ههنا إصطلاحا بمعنی إسقاط التعبد أو القضاء فإنّه بعید جدّا» و راجع أیضا محاضرات فی الأصول، ج2، ص222.
2- و هذا القول منسوب إلی المشهور بین المتأخرین ففی مصابیح الأصول، ج 1، ص258: «و کمن صلی فی النجس نسیانا فإنّه إذا تذکّر فی الوقت وجبت علیه الإعادة و إذا تذکر خارج الوقت لم یجب علیه القضاء علی قول نسب الی المشهور بین المتاخرین». و فی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج2، ص 367: «و عن الشیخ فی استبصاره و الفاضل فی بعض کتبه وجوب الإعادة فی الوقت دون خارجه بل نسب إلی المشهور بین المتأخرین». و أمّا وجه مناسبة هذه المسألة للإجزاء ففی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج 2، ص 367 – 368: «و قد یتوهم أنّ هذا [أی الحکم بعدم وجوب الإعادة و القضاء] هو مقتضی القاعدة إمّا لأجل أنّ الناسی غیر مکلف بما نسیه لاستحالة تکلیف الغافل بشئ و حیث إنّه لا یتمکن إلا من الصلاة فی النجس فترکه الطهارة مستند إلی اضطراره، و الإتیان بالمأمور به الإضطراری مجزٍ عن التکلیف الواقعی علی ما حُقِّق فی محله و إما من جهة أنّ النسیان من التسعة المرفوعة عن أمة النبی صلی الله علیه و آله ... و لا یخفی فساده و ذلک لأنّ الإضطرار علی ما أسلفناه فی محله إنّما یرفع الأمر بالواجب المرکب من الجزء أو الشرط المضطر إلی ترکه ...». هنا موضعان: الموضع الأول: هل یجب الإعادة؟ قال فی العروة الوثقی، ج 1، ص 199: « إذا صلی فی النجس ... و أما إذا کان ناسیا فالأقوی وجوب الإعادة أو القضاء مطلقا، سواء تذکر بعد الصلاة أو فی أثنائها، أمکن التطهیر أو التبدیل أم لا». و فی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج 2، ص 367– 371: «إذا علم بنجاسة ثوبه أو بدنه قبل الصلاة و تساهل إلی أن نسیها و صلی و إلتفت إلیها بعد الصلاة تجب علیه الإعادة فی الوقت و خارجه علی الأشهر بل المشهور ... و عن بعضهم القول بعدم وجوب الإعادة فی الوقت و لا فی خارجه إلحاقاً له بجاهل النجاسة، ذهب الشیخ (قدس سره) إلی ذلک فی بعض أقواله و استحسنه المحقق فی المعتبر و جزم به صاحب المدارک (قدس سره) کما حکی ... لا مانع من التمسک بحدیث لا تعاد فی الحکم بعدم وجوب الإعادة و القضاء فی المقام ... إلا أنّ النوبة لا تصل إلی التمسک بِلا تعاد لوجود النصوص المتضافرة الواردة فی أنّ ناسی النجاسة یعید صلاته عقوبةً لنسیانه و تساهله فی غسلها ... و بإزائها صحیحة العلا عن أبی عبد الله علیه السلام ... ». الموضع الثانی: هل یجب - بعد تسلیم وجوب الإعادة- القضاء أو لا؟ قال فی المستمسک: «و عن الشیخ فی الاستبصار، و الفاضل فی بعض کتبه نفیه حملاً لنصوص نفی الإعادة علیه بشهادة صحیح ابن مهزیار ... لکن یشکل بأنّ ذیله ... غیر ظاهر فی الناسی» إلخ. و فی کتاب الطهارة للسید الخوئی ج 2، ص 372: «و أما القضاء فقد تقدم أنّ المشهور عدم الفرق فی وجوب الإعادة بین الوقت و خارجه و عن جماعة عدم وجوبها فی خارجه،... فالصحیح ما سلکه المشهور فی المقام من أنّ الناسی لا فرق فی وجوب الإعادة فی حقه بین الوقت و خارجه».

و بالمسافر الذی یتمّ فی السفر نسیاناً أو جهلاً بالموضوع حیث إنّه إذا تذکّر أو ارتفع جهله فی الوقت وجبت الإعادة علیه و إن تذکّر أو ارتفع جهله فی خارج الوقت لم یجب القضاء((1)).

ص: 33


1- فی العروة الوثقی، ج 3، ص 511: «مسألة 3: لو صلی المسافر بعد تحقق شرائط القصر تماما ... و کذا إذا کان عالما بالحکم جاهلا بالموضوع کما إذا تخیل عدم کون مقصده مسافة مع کونه مسافة فإنّه لو أتم وجب علیه الإعادة أو القضاء و أما إذا کان ناسیا لسفره أو أنّ حکم السفر القصر فأتم فإن تذکر فی الوقت وجب علیه الإعادة، و إن لم یعد وجب علیه القضاء فی خارج الوقت، و إن تذکر بعد خروج الوقت لایجب علیه القضاء» و فی کتاب الصلاة للسید الخوئی ج 8، ص 366 – 370: «یبقی تحت صحیح زرارة و کذا صحیح الحلبی الجاهل بالخصوصیات أو الموضوع و الناسی و العالم فتجب علیهم الإعادة لصدق أنّهم ممن قرئت علیهم آیة التقصیر و فسرت، و معنی ذلک الحکم بالبطلان حسبما ذکرناه . و قد خرج عن ذلک الناسی أیضا بمقتضی صحیح أبی بصیر ... فیستفاد منها أنّ شرطیة التقصیر، أو فقل جزئیة التسلیم فی الرکعة الثانیة ذکریة و منوطة بالإلتفات إلیها فی الوقت فلا تعتبر لو کان التذکر خارج الوقت ... و ورد هناک مخصص ثالث، و هو صحیح العیص المفصل بین الانکشاف أو التذکر فی الوقت فیعید و بین خارجه فلایعید ... و المتحصل من مجموع الروایات بعد ضمّ بعضها ببعض أنّ العالم العامد یعید فی الوقت و فی خارجة، و الجاهل المحض لایعید فی الوقت و لا فی خارجة، و الناسی و الجاهل بالخصوصیات، و الجاهل بالموضوع یعید فی الوقت لا فی خارجه ... و قد ظهر مما ذکرناه أنّه لا وجه لتخصیص صحیح العیص بالناسی کما عن غیر واحد، بل هو عام له و لغیره مما عرفت، و إنّما المختص به صحیحة أبی بصیر کما تقدم» راجع مستمسک العروة، ج 8، ص 163.
المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟
اشارة

((1))

فیه نظریتان:

النظریة الأُولی:

المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ((2)) ذهبا إلی أنّ المسألة عقلیة لأنّ الحاکم هنا هو العقل.

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) بعد تبیین موضوع البحث: إنّ الإجزاء لیس من

ص: 34


1- إنّ ملاک کون المسألة عقلیة أو لفظیة، هو أنّه بحکم العقل أو باقتضاء اللفظ.
2- فی المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص30و(ط.ق)، ج2، ص220: «الأول أنّ هذه المسألة من المسائل العقلیة کمسألة مقدمة الواجب و مسألة الضد و ما شاکلهما ... بکلمة أخری إنّ الضابط لإمتیاز مسألة عقلیة عن مسألة لفظیة إنّما هو بالحاکم بتلک المسألة فإن کان عقلاً فالمسألة عقلیة، و إن کان لفظا فالمسألة لفظیة و حیث إنّ الحاکم فی هذه المسألة هو العقل فبطبیعة الحال تکون عقلیة».
3- فی نهایة الدرایة،ج 1، ص365 - 366: «و مما ذکرنا تعرف عدم کون البحث علی هذا الوجه من المباحث اللفظیة، و لا من المبادی الأحکامیة إذ لایرجع البحث إلی إثبات شی ءٍ للأمر ...».

المباحث اللفظیة و لا من المبادی الأحکامیة، «إذ لایرجع البحث إلی إثبات شیء للأمر لا من حیث إنّه مدلول الکتاب و السنّة و لا من حیث إنّه حکم من الأحکام ... فلامناص من إدراجه فی المسائل الأصولیة العقلیة [فهو من] حیث إنّه یقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی من وجوب الإعادة و القضاء و عدمهما فهو من المسائل و [من] حیث إنّه بحکم العقل ... فهو من الأُصول العقلیة.»

النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)

النظریة الثانیة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ((1))

إن کان موضوع البحث هو إتیان المأموربه بأنّه هل یقتضی الإجزاء أو لا؟ فهذا البحث عقلی.

و إن کان موضوع البحث أدلّة الأوامر الاضطراریة و الظاهریة بأنّ أدلّة الأوامر الاضطراریة هل تدلّ علی الإجزاء عن الأمر الاختیاری أو لا؟ و أنّ أدلّة الأوامر الظاهریة هل تدلّ علی الإجزاء عن الأمر الواقعی أو لا؟ فهذا البحث لفظی. (سیجیء الجواب عنه فی الأمر الثانی).

و الحق النظریة الأولی أی إن الإجزاء من المسائل العقلیة.

ص: 35


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص151: «التحقیق أن یقال: إنّه إن کان النظر فی عنوان البحث إلی حکم الإتیان بالمأمور به- بنفسه أو ببدله- من حیث الإجزاء، فالبحث عقلی بلا إشکال فی جمیع مسائله، لأن کون الإتیان بالشی ء أو بدله- الذی ثبتت بدلیته- مسقطاً للأمر أو غیر مسقطٍ، إنّما یکون بحکم العقل، و لا علاقة له بعالَم الألفاظ و أمّا إن کان النظر فی حدّ دلالة الأدلّة فی المسقطیة، بأن یراد البحث عن أّن الأمر الإضطراری هل تدلّ أدلّته علی إجزائه عن الأمر الإختیاری أو لا؟ و أنّ مقتضی أدلّة الأمر الظاهری هو الإجزاء عن الأمر الواقعی أو لا؟ فإنّ البحث حینئذٍ یکون لفظیاً، لرجوعه إلی إطلاق أدلّة الأمر الإضطراری أو الأمر الظاهری، و عدم إطلاق تلک الأدلّة».
المقدمة الرابعة: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار و مسألة تبعیة القضاء للأداء
أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار

((1))

فیمکن أن یتوهّم: أنّ القول بالإجزاء هو القول بالمرّة و أنّ القول بعدم الإجزاء هو القول بالتکرار.

و الجواب: هو أنّ البحث فی مسألة المرّة و التکرار فی تعیین حدود المأموربه شرعاً فی وقته من حیث السعة و الضیق فإن قلنا بالمرّة فتکون الطبیعة المأموربها مقیدة و مضیقة و إن قلنا بالتکرار فتکون موسّعة و لکن البحث فی الإجزاء هو أنّه بعد الفراغ عن تعیین حدود الطبیعة المأموربها هل یجزی الإتیان بهذه الطبیعة المأموربها عن الواقع عقلاً.

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء

((2))

فیمکن أن یتوهّم هنا أیضاً: أنّ القول بعدم الإجزاء هو القول بتبعیة القضاء

ص: 36


1- فی کفایة الأصول، ص82: «رابعها: الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرة و التکرار لایکاد یخفی، فإنّ البحث ههنا فی أنّ الإتیان بما هو المأمور به یجزی عقلا، بخلافه فی تلک المسألة، فإنّه فی تعیین ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصیغة بنفسها أو بدلالة أخری. نعم کان التکرار عملا موافقا لعدم الإجزاء لکنّه لا بملاکه».
2- فی کفایة الأصول، ص82 و 83: «و هکذا الفرق بینها وبین مسألة تبعیة القضاء للأداء فإنّ البحث فی تلک المسألة فی دلالة الصیغة علی التبعیة و عدمها بخلاف هذه المسألة فإنّه کما عرفت فی أنّ الإتیان بالمأمور به یجزی عقلا عن إتیانه ثانیا أداء أو قضاء أو لایجزی».

للأداء حیث إنّ القائل بالتبعیة یعتقد بقاء الأمر بعد وقته عند عدم امتثاله فی وقته.

و الجواب أولاً: إنّ المسألتین تفترقان موضوعاً فإنّ موضوع بحث الإجزاء هو الإتیان بالمأموربه و موضوع بحث التبعیة عدم الإتیان بالمأموربه و لا جامع بین الوجود و العدم.

و ثانیاً: إنّ البحث فی مسألة التبعیة فی تعیین حدود المأموربه فی خارج وقته من جهة أنّ الأمر هل یدلّ علی مطلوبیة المأموربه فی خارج الوقت قضاءً عند عدم امتثاله فی الوقت أو لا؟ (سواء قلنا بوجوب المأموربه فی الوقت مرّة واحدة أم قلنا بالتکرار) و لکن البحث فی الإجزاء فی وجود الملازمة بین إتیان المأموربه و إجزائه عن الواقع عقلاً (سواء قلنا بأنّه واجب فی الوقت مرّة واحدة أم قلنا بالتکرار و سواء قلنا بدلالته علی وجوب المأموربه خارج الوقت قضاءً عند عدم امتثاله فی الوقت أم قلنا بعدم دلالته علیه).

أمّا تحقیق المقام فیستدعی الکلام فی مسائل ثلاث:

الأُولی: إنّ الإتیان بالمأمور به یقتضی الإجزاء عن أمره عقلاً أو لا؟ سواء کان الأمر واقعیاً أو اضطراریاً أو ظاهریاً.

الثانیة: إنّ الإتیان بالمأموربه بالأمر الاضطراری هل یجزی عن الأمر الواقعی؟

الثالثة: إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری هل یجزی عن الأمر الواقعی؟

ص: 37

ص: 38

الفصل الأوّل:

اشارة

إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

ص: 39

ص: 40

إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

بیان صاحب الکفایة(قدس سره):
اشارة

((1))

«إنّ الإتیان بالمأموربه بالأمر الواقعی بل بالأمر الاضطراری أو الظاهری أیضاً یجزی عن التعبّد به ثانیاً، لاستقلال العقل بأنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتیان المأموربه علی وجهه لاقتضائه التعبّد به ثانیاً.»

تقریبان لهذا البیان:
التقریب الأول: ما ذکره المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

إنّه لو لم یسقط الأمر مع حصول الغرض إمّا یلزم الخلف أو یلزم بقاء المعلول بلا علّة.

أما لزوم الخلف فلأنّ «بقاء الأمر إمّا لأنّ مقتضاه [أی مقتضی الأمر] تعدّد المطلوب فهو خلف، لأنّ المفروض وحدة المطلوب و إمّا لأنّ المأتی به لیس علی نحو یؤثّر فی حصول الغرض فهو خلف أیضاً» و الخلف بدیهی الاستحالة.

ص: 41


1- کفایة الأصول، ص83.

و أمّا لزوم بقاء المعلول بلا علّة فلأنّ بقاء الأمر مع عدم اقتضاء الأمر لتعدّد المطلوب و مع فرض حصول الغرض فهو بقاء المعلول أی الأمر بلا علّة و هو أیضاً مستحیل.((1))

التقریب الثانی: ما أفاده المحقّق الحائری (قدس سره)
اشارة

قال (قدس سره): إنّ الأمر بعد امتثاله و حصول غرضه یسقط فلو قلنا بعدم سقوط الأمر و بقائه بعد حصول غرضه یلزم طلب الحاصل.((2))

و استشکل المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هذا التقریب:

إنّ طلب الحاصل معناه طلب الموجود بما هو موجود فحیث إنّ إیجاد الموجود محال فطلب الموجود أیضاً محال، أمّا طلب الفعل ثانیاً فلیس من طلب الحاصل بل هو إیجاد للوجود الثانی لا للوجود الأوّل حتّی یکون طلب الحاصل.((3))

ص: 42


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص372 عند التعلیقة علی قوله «إنّ الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی»: «سواء کان الإجزاء بمعنی الکفایة عن التعبد به ثانیا أو عن تدارک المأتی به إعادة أو قضاء، أما بالنسبة إلی التعبد به ثانیا فلأنّ المفروض وحدة المطلوب و إتیان المأمور به علی الوجه المرغوب فلو لم یسقط الأمر مع حصول الغرض عند الإقتصار علیه و عدم تبدیله بامتثال آخر کما مرّ لَلزم الخلف وهو بدیهی الإستحالة أو بقاء المعلول بلا علة لأن بقاء الأمر إما لأنّ مقتضاه ... و إما لا لشئ من ذلک بل الأمر باق و لازمه عدم الأجزاء فیلزم بقاء المعلول بلا علة ... و أما بالنسبة إلی التدارک فلأنّ التدارک لایعقل إلا مع خلل فی المتدارک و هو خلف إذ المفروض إتیان المأمور به علی وجهه».
2- فی دررالفوائد، ص77: «الفصل السادس لا إشکال فی أنّ الإتیان بالمأمور به بجمیع ما أُعتبر فیه شرطا و شطرا یوجب الإجزاء عنه بمعنی عدم وجوب الإتیان به ثانیا باقتضاء ذلک الأمر لا أداء و لا قضاء لسقوط الأمر بإیجاد متعلقه ضرورة انّه لو کان باقیا بعد فرض حصول متعلقه لزم طلب الحاصل و هو محال و لا فرق فی ذلک بین الواجبات التعبدیة و التوصلیة» .
3- فی نهایة الدرایة، ج1، ص372: «و أما شبهة طلب الحاصل من بقاء الأمر فقد عرفت سابقا دفعها فإنّ المحال طلب الموجود بما هو موجود لأنّ إیجاد الموجود محال فطلبه محال و أما طلب الفعل ثانیا فلیس من طلب الحاصل».

فالوجه الصحیح فی الاستحالة هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

ص: 43

تنبیه: فی جواز الامتثال بعد الامتثال
اشارة

و المهمّ من الأقوال، نظریتان:

النظریة الأولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

النظریة الأولی((1)):ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

هنا صور ثلاث:

الصورة الأُولی((2)): أن یکون الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض و حینئذ

ص: 44


1- فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص229: «و الحق هو الجواز و إمکان الامتثال بعد الامتثال عقلا و عدم لزوم محذور منه حتی یوجب رفع الید عن ظاهر دلیل یدلّ علی جوازه شرعا کما فی الصلاة المعادة جماعة، و أنّ الله یختار أحبّهما إلیه بأحد التقریبین». و فی ص246: «و المقصود بیان إمکان الامتثال عقیب الإمتثال بأحد هذین التقریبین حتی لو ورد فی الشرع ما یکون من هذا القبیل کما فی إعادة الصلاة جماعة و نحوها لم نطرح الخبر من جهة توهّم عدم معقولیة الإمتثال عقیب الإمتثال». و فی تحریرات فی الأصول، ج 4، ص20: «قد فرغنا من إمکان تصویر کون الإمتثال إختیاریا، و أنّه لیس من الأمور القهریة- و تعرضنا لذلک فی مباحث الإجزاء و عرفت هناک: أنّ الإمتثال عقیب الإمتثال بمکان من الإمکان، و ذکرنا هناک طریقین: أحدهما: أنّ سقوط الأمر معناه سقوطه عن الباعثیة الإلزامیة، و بقاؤه علی باعثیته الندبیة حسب القرائن الخارجیة، و تفصیله فی محله ثانیهما: أنّ للشرع اعتبار عدم سقوط الأمر بداعی قیام العبد نحو المصداق الأتم، و یعتبر للمکلف إختیار کون المصداق المأتی به فردا ممتثلا به الأمر، أو عدم کونه کذلک». و فی انوار الأصول، ج 1، ص317: «بقی هنا شی ء و هو جواز الإمتثال بعد الإمتثال فی الجملة. ذهب المحقّق الخراسانی رحمه الله إلی جوازه و تبعه المحقّق النائینی رحمه الله و ذهب المحقّق العراقی إلی عدم جوازه و تبعه بعض أعاظم العصر». و فی ص318: «أقول: الحقّ جواز تبدیل الإمتثال بالإمتثال وفاقاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی رحمهما الله».
2- قال فی کفایة الأصول، ص83: «نعم فی ما کان الإتیان علة تامة لحصول الغرض فلایبقی موضع للتبدیل کما إذا أمر بإهراق الماء فی فمه لرفع عطشه فأهرقه».

فلایجوز الامتثال بعد الامتثال و لایبقی موقع لتبدیل الامتثال بالامتثال الآخر کما إذا أمر المولی بإهراق الماء فی فمه لرفع العطش فأهرقه العبد.

الصورة الثانیة:((1)) «أن مجرد امتثاله لایکون علّة تامّة لحصول الغرض [و بعبارة أُخری لم یحصل الغرض الأقصی من الأمر] و إن کان [الامتثال الأوّل] وافیاً به [أی بالغرض] لو اکتفی به، کما إذا أتی بماء أمر به مولاه لیشربه فلم یشربه بعد فإنّ الأمر بحقیقته و ملاکه لم یسقط بعد و لذا لو أُُهریق الماء و اطّلع علیه العبد وجب علیه إتیانه ثانیاً کما إذا لم یأت به أوّلاً» و حینئذ یجوز للعبد تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر.

الصورة الثالثة:((2)) لو لم یعلم المکلّف أنّ الامتثال علّة تامّة للغرض أو لا فحینئذ أیضاً یجوز له تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر باحتمال أن لایکون علّة.

(و المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً یقول((3)) بجواز تبدیل الامتثال بامتثال آخر فی ما إذا لم یحصل الغرض الأقصی.)

ص: 45


1- «لایبعد أن یقال بأنّه یکون للعبد تبدیل الإمتثال و التعبد به ثانیا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إلیه کما أشرنا إلیه فی المسألة السابقة و ذلک فیما علم أنّ مجرد إمتثاله لا یکون علة تامة ... کما إذا لم یأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم یحصل غرضه الداعی إلیه و إلا لما أوجب حدوثه فحینئذ یکون له الإتیان بماء آخر موافق للأمر کما کان له قبل إتیانه الأول بدلا عنه».
2- «بل لو لم یعلم أنّه من أی القبیل فله التبدیل باحتمال أن لایکون علة فله إلیه سبیل».
3- فی فوائد الأصول، ج1، ص243: «إنّ تبدیل الامتثال یحتاج إلی عدم سقوط الغرض عند سقوط الأمر، کما لو أمر بالماء لغرض الشرب و أتی به العبد و المولی لم یشربه بعد، فإنّ الأمر بالإتیان بالماء و إن سقط الّا أنّ الغرض بعد لم یحصل، فللعبد تبدیل الإمتثال و رفع ما أتی به من الماء و تبدیله بماء آخر، فیحتاج تبدیل الإمتثال إلی بقاء الغرض أو مقدار منه، و إمکان قیام الفعل الثانی مقام الغرض».

ثم قال صاحب الکفایة:((1)) و یؤید ذلک بل یدلّ علیه ما ورد من الروایات فی باب أنّ من صلّی فرادی یستحب له الإعادة جماعةً.

أمّا استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام ببعض الأخبار علی جواز الامتثال بعد الامتثال فیظهر النقاش فیه بعد ملاحظة الأخبار و التأمّل فیها.

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2)):

إنّ أخبار باب المعادة طائفتان((3)):

الطائفة الأُولی
اشارة

((4)):

ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین إماماً و مأموماً.

ص: 46


1- فی کفایة الأصول، ص83 - 84: «و یؤید ذلک بل یدل علیه ما ورد من الروایات فی باب إعادة من صلی فرادی جماعة و أنّ الله تعالی یختار أحبهما إلیه».
2- نهایة الدرایة، ج1، هامش ص374.
3- إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) زاد علیهما مورداً آخر و هو ما ورد فی جواز إعادة من صلّی صلاة الآیات ثانیاً مثل صحیحة معاویة بن عمّار قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَه (علیه السلام) «صَلَاةُ الْکُسُوفِ إِذَا فَرَغْتَ قَبْلَ أَنْ ینْجَلِی فَأَعِدْ» ثمّ أجاب عنه برفع إلید عن ظهور تلک الروایات فی وجوب الإعادة و حملها علی الاستصحاب. راجع المحاضرات، ج2، ص226. و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص165: «و أمّا فی مرحلة الإثبات فالروایات هی فی عدّة أبواب: 1- باب صلاة الآیات 2- باب الصّلاة مع المخالفین 3- صلاة الجماعة و العمدة فی المقام روایات باب صلاة الجماعة، لأنّ فیها ما یدلُّ علی اختیار الله للعمل و أمّا روایات باب صلاة الآیات فلیس فیها إلّا الإتیان بالصلاة قبل انجلاء القرص و تکرارها مرّات».
4- «الأولی ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین إماما و مأموما و هذه الطائفة مختلفة، ففی بعضها أما تحب أن تحسب لک بأربع و عشرین صلاة، و فی بعضها أنّه یجعلها تسبیحا و المراد منه کما فی روایة أخری أنّه ذکر محض لا نافلة و تطوع قائلا لو قبل التطوع لقبلت الفریضة».

مثل صحیحة((1)) عمر بن یزید عن أبی عبد الله (علیه السلام):

«مَا مِنْکُمْ أَحَدٌ یصَلِّی صَلَاةً فَرِیضَةً فِی وَقْتِهَا ثُمَ یصَلِّی مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِیةً وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ إِلَّا کَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً فَارْغَبُوا فِی ذَلِکَ».((2))

و مثل صحیحة((3)) عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام) قَالَ:

«مَا مِنْ عَبْدٍ یصَلِّی فِی الْوَقْتِ وَ یفْرُغُ ثُمَ یأْتِیهِمْ وَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ هُوَ عَلَی وُضُوءٍ إِلَّا کَتَبَ اللَهُ لَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً».((4))

ص: 47


1- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص425: «و ما کان فیه عن عمر بن یزید [1-] فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن محمد بن یحیی العطار عن یعقوب بن یزید عن محمد بن عمیر و صفوان بن یحیی عن عمر بن یزید [2-] و قد رویته أیضا عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن محمد بن عبد الحمید عن محمد بن عمر بن یزید عن الحسین بن عمر بن یزید عن أبیه عمر بن یزید [3-] و رویته أیضا عن أبی رحمه الله عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن إسماعیل عن محمد بن عباس عن عمر بن یزید». و فی تعلیقة المرحوم علی أکبر الغفاری: «الطریق الأول صحیح و کذا الثالث و أما الثانی فقوی أو حسن بمحمد بن عمر بن یزید».
2- فی من لا یحضره الفقیه ج1 ص382: «و روی عنه عمر بن یزید أنّه قال: ما منکم أحد» الحدیث؛ و فی وسائل الشیعة، ج8، ص302، باب استحباب إیقاع الفریضة قبل المخالف أو بعده و حضورها معه، ح1: «محمد بن علی بن الحسین بإسناده عن عمر بن یزید، عن أبی عبد الله (علیه السلام) » الحدیث .
3- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص431: «و ما کان فیه عن عبد الله بن سنان فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن أیوب بن نوح عن محمد بن أبی عمیر عن عبد الله بن سنان» و فی التعلیقة: «و طریق المصنف إلیه صحیح».
4- فی من لا یحضره الفقیه ج1 ص407 «و روی عبد الله بن سنان عنه (علیه السلام) أنّه قال: ما من عبد» الحدیث بدون لفظ «له»؛ وسائل الشیعة، ج8، ص302، ح2: «و باسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبی عبد الله (علیه السلام) أنّه قال: ما من عبد» الحدیث.
أجاب عنها المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

«إنّ هذه الطائفة أجنبیة عن أصل مشروعیة الإعادة فضلاً عن احتسابها فریضة باستقرار الامتثال علیها»((1)).

کما أفاد المحقّق الخوئی فی الجواب عنها

کما أفاد المحقّق الخوئی((2)) (قدس سره) فی الجواب عنها((3)):

إنّ الروایات الدالّة علی جواز الإعادة تقیة لاتدلّ علی جواز الامتثال بعد الامتثال.

عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ».

ص: 48


1- و لجوابه تتمة فراجع نهایة الدرایة، ج1، هامش ص374.
2- فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص38و (ط.ق)، ج2، ص226: «و هذه الطائفة لاتدل علی مشروعیة الإمتثال بعد الإمتثال أصلا و السبب فی ذلک أنّها وردت فی مقام التقیة فتکون الإعادة لأجلها و لو لا التقیة لم یکن لنا دلیل علی جوازها و مشروعیتها».
3- و فی منتهی الدرایة، ج2، ص24: «و أنت خبیر بأجنبیة مفادها عن أصل مشروعیة الإعادة - فضلاً عن احتسابها فریضة - حتی یصح الإستدلال بها علی جواز تبدیل الإمتثال، لدلالة بعضها علی مقدار الأجر و الثواب، کصحیحی ابن سنان، و صحیحی عمر بن یزید و نشیط بن صالح، و بیان الأجر و الثواب لایدل علی مشروعیة هذا العمل من حیث هو، إذ لعلّ الأجر إنّما هو لأجل المخالطة مع العامة الموجبة لحسن ظنهم بالشیعة و الأمن من مکائدهم و دلالة بعضها الآخر علی عدم کون المأتی به تقیة بصلاة حتی نافلة، بل هو تسبیح، و مع نفی الصلاتیة لا معنی لجواز تبدیل الامتثال، لأنّ جوازه مبنی علی کون المأتی به ثانیاً بعنوان التبدیل فرداً للطبیعی الّذی تعلق به الأمر أوّلا، فالثواب إنّما یکون لأجل التقیة و المداراة معهم، فهذه الطائفة بمضامینها أجنبیة عن أصل مشروعیة الإعادة، فضلاً عن جعلها من باب تبدیل الإمتثال».
الطائفة الثانیة
اشارة

((1)):

ما لایختص بالإعادة مع المخالف، کما فی صحیحة((2)) هشام بن سالم عَنْ أَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ:

«فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ»((3))

و کما فی روایة حفص بن البختری((4)) بإسقاط کلمة «إن شاء».

ص: 49


1- «الطائفة الثانیة: ما لایختص بالإعادة مع المخالف کما فی روایة هشام بن سالم ... و مثلها روایة حفص البختری بإسقاط کلمة إن شاء، و بمعناهما روایات أخری تتکفل مشروعیة الإعادة و أنّ الإعادة أفضل». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص166 و 167 زاد روایتین هما «روایة الحلبی: فصلّ معهم و إجعلها تسبیحاً و روایة الصدوق: یحسب له أفضلهما و أتمّهما».
2- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص424 و 425: «و ما کان فیه عن هشام بن سالم [1-] فقد رویته عن أبی و محمد بن الحسن بن أحمد بن الولید رضی الله عنهما عن سعد بن عبد الله و عبد الله بن جعفر الحمیری جمیعا عن یعقوب بن یزید و الحسن بن ظریف و أیوب بن نوح عن النضر بن سوید عن هشام بن سالم [2-] و رویته عن أبی رضی الله عنه عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن محمد بن أبی عمیر و علی بن الحکم جمیعا عن هشام بن سالم الجوالیقی».
3- فی من لا یحضره الفقیه ج1، ص383 و 384: «و روی هشام بن سالم عنه علیه السلام أنّه قال فی الرجل یصلی الصلاة وحده» الحدیث؛ وسائل الشیعة، ج8، ص401، باب إعادة المنفرد صلاته إذا وجدها جماعة إماما کان أو مأموما حتی جماعة العامة للتقیة و عدم وجوب الإعادة، ح1: «محمد بن علی بن الحسین بإسناده عن هشام بن سالم، عن أبی عبد الله (علیه السلام) ».
4- فی الکافی، ج3، ص379، باب الرجل یصلی وحده ثم یعید فی الجماعة أو یصلی بقوم و قد کان صلی قبل ذلک، ح1: «محمد بن إسماعیل عن الفضل بن شاذان و علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعا عن ابن أبی عمیر عن حفص بن البختری عن أبی عبد الله (علیه السلام) فی الرجل یصلی الصلاة وحده ثم یجد جماعة قال: یصلی معهم و یجعلها الفریضة».

و صحیحة زرارة((1)) عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِی حَدِیثٍ قَالَ: «لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَهُمْ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا وَ إِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی».((2))

و خبر((3)) إسحاق بن عمّار، تُقَامُ الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ فَقَالَ (علیه السلام): «صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَات»((4)) (أشار إلیها و جعلها قرینة لتفسیر صحیحة هشام بن سالم

ص: 50


1- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص425: «و ما کان فیه عن زرارة بن أعین فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله ابن جعفر الحمیری عن محمد بن عیسی بن عبید و الحسن بن ظریف و علی بن إسماعیل بن عیسی کلهم عن حماد بن عیسی عن حریز بن عبد الله عن زرارة بن أعین» و فی التعلیقة: «الطریق صحیح عند الجمیع».
2- فی الکافی، ج3، ص382 - 383، ح8: «عنه عن الفضل و علی بن إبراهیم عن أبیه جمیعا عن حماد بن عیسی عن حریز، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام): رَجُلٌ دَخَلَ مَعَ قَوْمٍ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَاینْوِیهَا صَلَاةً فَأَحْدَثَ إِمَامُهُمْ فَأَخَذَ بِیدِ ذَلِکَ الرَّجُلِ فَقَدَّمَهُ فَصَلَّی بِهِمْ أَ یجْزِیهِمْ صَلَاتُهُمْ بِصَلَاتِهِ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً؟ فَقَالَ: لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَ قَوْمٍ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَاینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا صَلَاةً فَإِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی وَ إِلَّا فَلَا یدْخُلْ مَعَهُمْ قَدْ تُجْزِی عَنِ الْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ وَ إِنْ لَمْ ینْوِهَا»؛ من لا یحضره الفقیه، ج1، ص403: «و قال زرارة لأبی جعفر علیه السلام: رجل دخل مع قوم فی صلاتهم» الحدیث باختلاف یسیر؛ وسائل الشیعة، ج8، ص401، ح2 عن الفقیه.
3- فی من لا یحضره الفقیه، ج4، ص423: «و ما کان فیه عن إسحاق بن عمار فقد رویته عن أبی رضی الله عنه عن عبد الله بن جعفر الحمیری عن علی بن إسماعیل عن صفوان بن یحیی عن إسحاق بن عمار» و فی التعلیقة: «رجال الطریق کلهم ثقات کما فی الخلاصة، و علی بن إسماعیل -قد یقال له علی بن السندی- و هو من أصحاب الرضا (علیه السلام) ».
4- فی من لا یحضره الفقیه، ج1، ص407: «و روی إسحاق بن عمار عنه (علیه السلام) أنّه قال: صل و إجعلها لما فات»؛ تهذیب الأحکام، ج3، ص51 و 279: «الحسین بن سعید عن محمد بن أبی عمیر عن سلمة صاحب السابری عن إسحاق بن عمار قال قلت لأبی عبد الله (علیه السلام): تقام الصلاة و قد صلیت فقال: صل و إجعلها لما فات»؛ وسائل الشیعة، ج8، ص404، باب جواز الاقتداء فی القضاء بمن یصلی أداءً و بالعکس، ح1 عن التهذیب و الفقیه.

باحتمال حمل الصلاة المعادة علی فریضة فائتة قضاءً((1))).

و روایة أبی بصیر((2))، قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ الله (علیه السلام): أُصَلِّی ثُمَ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَتُقَامُ

ص: 51


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص381: «و قوله (علیه السلام) یجعلها الفریضة إما بمعنی ... و إما بمعنی یجعلها لما فات من فرائضه کما فی خبر آخر: تُقَامُ الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ فَقَالَ (علیه السلام): صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَاتَ.و لیس فیما ورد فیه یجعلها الفریضة عنوان الإعادة کی یأبی عن هذا الإحتمال فراجع».
2- فی فوائد الأصول، ج1، ص243: «و لم نعثر فی الشریعة علی دلیل یقوم علی جواز تبدیل الإمتثال، الّا ما ورد فی باب إعادة الصلاة جماعة و إنّ الله یختار أحبهما إلیه، و ذلک مقصور أیضا علی إعادة المنفرد صلوته جماعة، أو إعادة الإمام صلوته إماما لا مأموما و لا منفردا مرة واحدة، و لیس له الإعادة ثانیا و ثالثا علی ما هو مذکور فی محله». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص165 - 166: «و المهمّ فی روایات باب الصلاة جماعةً هی روایة أبی بصیر حیث جعلها صاحب الکفایة و المحقق العراقی الدلیل علی ما ذکراه فی مقام الثبوت مع وضوح الفرق بین مسلکیهما حیث إنّ صاحب الکفایة قائل بتبدیل الإمتثال و یجعل الروایة مؤیدةً بل یجعلها دلیلًا علی ذلک و العراقی لایری تبدیل الإمتثال و لا تعدده، بل عنده أنّ الإمتثال یتقید أحیاناً بالحصّة التی یختارها الله کما هو ظاهر الروایة کما قال و الحاصل أنّهما مختلفان فی الإستظهار من الروایة بالإضافة إلی اختلافهما فی مقام الثبوت». و فی ص167 قال بعد ذکر روایة أبی بصیر: «و هذه مستند المحقق العراقی». و فی ص170: «و أمّا دلالة روایة أبی بصیر- بعد أنْ ظهر عدم دلالة غیرها علی الإمتثال بعد الإمتثال- فقد ذکر المحقّق الأصفهانی فی الأصول علی النهج الحدیث أنّها محمولة علی الصّلاة تقیةً، لأّن موضوعها الصّلاة فی المسجد جماعة، و المساجد کانت فی ذلک الزمان کلّها بید العامّة و أئمتها منهم، فکان المراد من یختار الله أحبّهما هو الصلاة الأولی التی أتی بها منفرداً، إذ الثانیة التی أتی بها تقیةً لیست بصلاةٍ، و قد یمکن کونها محبوبةً لجهةٍ من الجهات. و أشکل علیه الأستاذ أوّلًا: بأنّ فی الروایات ما یدلّ علی کون الإمام فی بعض المساجد من أصحابنا و ثانیاً: بأن مقتضی بعض الروایات الآمرة بالصلاة مع القوم أحبّیتها من التی صلّاها منفرداً إلّا أنّه دام بقاه ذکر أنّ الروایة لاتدلّ علی مسلک العراقی، لأنّه ذهب إلی لغویة الصّلاة الثانیة، و الحال أنّ ظاهر لفظ الأحب کون التی إختارها أحبّ من الأخری، فتلک أیضاً محبوبة. نعم، هناک وجه آخر لِما ذکره، و هو أنّ فی أخبار الصّلاة معهم ما هو نصٌّ فی أنّ الصّلاة معهم کالصّلاة خلف الجدار و هی تصلح لأن تکون قرینةً علی تعین الصلاة الّتی أدّاها منفرداً للإمتثال فبالنّظر إلی ما ورد فی ثواب الصلاة معهم، تکون التی صلّاها جماعةً محقّقةً للامتثال، و بالنظر إلی ما ورد من أنّ الصّلاة معهم کالصّلاة خلف الجدار، تکون التی صلّاها منفرداً هی المحقّقة للإمتثال، فینتهی أمر روایة أبی بصیر إلی الإجمال، فلاتبقی دلالة علی ما ذهب إلیه المحققان الخراسانی و العراقی، و الله العالم».

الصَّلَاةُ وَ قَدْ صَلَّیتُ، فَقَالَ (علیه السلام) «صَلِّ مَعَهُمْ یخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَیهِ» ((1))

أجاب عنها المحقّق الإصفهانی(قدس سره):

((2))

«أمّا ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة و أنّه یجعلها الفریضة و یختار الله تعالی أحبهما إلیه و أنّه یحسب له أفضلهما و أتمّهما، فلا دلالة له علی أنّ ذلک من باب تبدیل الامتثال بالامتثال و کون سقوط الأمر مراعی بعدم تعقّب الأفضل و ذلک لأنّ کلّ ذلک لاینافی حصول الغرض و سقوط الأمر، بتقریب أنّ سقوط الأمر بحصول الغرض الملزم أمر و اختیار المعادة و احتسابها فی مقام إعطاء الأجر و الثواب أمر آخر.

و السرّ فی جعل [الصلاة] المعادة - لمکان أفضلیتها من الأُولی کما دلّت علیه طائفة من الأخبار- میزاناً للأجر و الثواب دون [الصلاة] الأُولی [هو] اشتراکها مع [الصلاة] الأُولی فی [ذات] المصلحة القائمة بها مع زیادة، فلیس مدار الثواب

ص: 52


1- فی الکافی، ج3، ص379، ح2: « عَلِی بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِیادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِیدِ عَنْ یونُسَ بْنِ یعْقُوبَ عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام) أُصَلِّی ثُمَ أَدْخُلُ الْمَسْجِدَ» الحدیث؛ تهذیب الأحکام ج3، ص270 بإسناده عن سهل بن زیاد و فیه «یعقوب» بدل «یونس بن یعقوب»؛ وسائل الشیعة ج8 - ص403 عن التهذیب و الکافی. و أشار إلیها فی نهایة الدرایة، ج1، ص374 حیث قال: «أمّا ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة و أنّه یجعلها الفریضة و یختار الله تعالی أحبهما إلیه» إلخ.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص374 و 380.

علی الأولی المقتضیة لدرجة واحدة من القرب بل علی الثانیة المقتضیة لدرجات من القرب و الأُولی و إن استوفت بمجرد وجودها درجة من القرب لکن حیث إن المعادة تکرار ذلک العمل بنحو أکمل فلایحتسب ما به الاشتراک مرتین فصحّ أن یقال باحتسابهما و اختیارهما معاً کما دلّ علیه قوله (علیه السلام) [فی صحیحة زرارة] «و إن کان قد صلّی کان له صلاة أُخری» و یصحّ أن یقال باختیار [الصلاة] المعادة و جعلها مدار القرب لوجود ما یقتضیه الأولی فیها و زیادة فتفطن».

ثمّ إنّه فی هامش التعلیقة أشار((1)) إلی الاحتمالات المذکورة حول صحیحة هشام بن سالم فقال: «مع تطرّق الاحتمال لایجوز الاستدلال بهذه الروایة و غیرها علی جواز تبدیل الامتثال بالامتثال.»

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی روایة أبی بصیر:

((2))

إنّ بعض الأساطین (حفظه الله) أشار إلی البحث السندی المذکور حول روایة أبی بصیر من حیث اشتماله علی سهل بن زیاد.

و التحقیق: توثیقه من جهات و قد اختار توثیقه جمع من الأعلام منهم المحدث النوری (قدس سره) ((3)) و الأستاذ المحقق الرجالی السید الزنجانی.

ص: 53


1- قال (قدس سره): «وما یجدی فی مقامنا قوله علیه السلام و یجعلها الفریضة و له احتمالات [أربعة] ... و قد عرفت التکلیف الشدید فی الإحتمالین الأولین حتی أنّ غیر واحد من الأصحاب حکم بمقتضی سلامة فطرته و طبعه بعدم معقولیة أوّلهما و الثالث أیضا لایخلو عن تکلف و إن کان معقولا فالأرجح هو الإحتمال الرابع و علی أی حال فمع تطرق الإحتمال...».
2- تحقیق الأصول، ج 2، ص167، التحقیق عن سهل بن زیاد.
3- فی خاتمة المستدرک، ج5، ص216 – 225: «و نحن نذکر خلاصة ما قیل أو یمکن أن یقال فیه مدحا و قدحا أما الأوّل فهی أمور: ... ب: إنّه ممّن یروی عن ثلاثة من الأئمة (علیهم السلام) و هم الجواد و الهادی والعسکری (علیهم السلام) کما یظهر من ذکره فی رجال الشیخ ... و لایخفی علی من أنس بکلماتهم أنّهم یذکرون ذلک فی مقام مدح الراوی وعلوّ مقامه و إذا لوحظ مع ذلک أنّه لم یرد فیه طعن من أحدهم (علیهم السلام) ... مع أنّه کان معروفا مشهورا یروی عنهم (علیهم السلام) - کانت دلالته علی المدح القریب من الوثاقة ظاهرة. ج: ما فی النجاشی قال: و قد کاتب أبا محمد العسکری (علیه السلام) علی ید محمد بن عبد الحمید العطار ... و هذه المکاتبة هی ما رواه الصدوق... قال السید المعظم فی الرسالة: و لایخفی أنّ فیه دلالة علی مدحه من وجوه: منها کونه ممن کاتب أبا محمد العسکری (علیه السلام) لاسیما علی ید محمد بن عبد الحمید الذی وثقه النجاشی و العلامة. د: روایة أجلة هذه الطبقة عنه مثل الشیخ الجلیل الفضل بن شاذان کما یأتی و شیخ الأشعریین محمد بن یحیی العطار و شیخ أصحابنا و وجههم بقم الحسن بن متیل القمی کما فی کامل الزیارات... و محمد بن الحسن الصفار... و علی ما ذکره جماعة من کونه داخلا فی عدة ثقة الإسلام فروایته عنه لاتحصی و لکن عرفت ضعفه فی الفائدة السابقة و محمد بن علی بن محبوب ... و علی بن إبراهیم فی الکافی ... و أبو الحسین محمد بن جعفر الأسدی کثیرا و محمد بن قولویه و محمد بن الحسن بن الولید أو ابن علی بن مهزیار و أبو الحسن علی بن محمد بن إبراهیم الرازی المعروف بعلان بل و ثقة الإسلام الکلینی ... و أحمد بن أبی عبد الله و محمد بن أحمد بن یحیی و سعد بن عبد الله کما فی الکشی فی ترجمة القاسم الیقطینی و الحسین بن الحسن بن بندار القمی من مشایخ الکشی و محمد بن عقیل الکلینی من مشایخ ثقة الاسلام. و: کونه کثیر الروایة جدا و أکثرها سدیدة مقبولة مفتی بها کما صرح فی التعلیقة و قد ورد فی النصوص أنّ منزلة الرجال علی قدر روایتهم عنهم (علیهم السلام) ففی أصل زید الزراد، عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَه (علیه السلام)، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام): یا بُنَی، إعْرِفْ مَنَازِلَ شِیعَةِ عَلِی ٍ[ (علیه السلام) ] عَلَی قَدْرِ رِوَایتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِم و فی غیبة النعمانی، وَ عَنْ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ (علیهما السلام) إعْرِفُوا مَنَازِلَ شِیعَتِنَا عِنْدَنَا عَلَی قَدْرِ رِوَایتِهِمْ عَنَّا وَ فَهْمِهِمْ مِنَّا،... و ظاهر الجمیع کون کثرة الروایة عنهم (علیهم السلام) مع الواسطة أو بدونها مدحا عظیما کما علیه علماء الفن، فإنّهم عدّوها من أسبابه ... قال العلّامة الطباطبائی فی رجاله مضافا إلی کثرة روایاته فی الفروع و الأصول و سلامتها عن وجوه الطعن و التضعیف خصوصا عما غمز به من الإرتفاع و التخلیط فإنّها خالیة عنهما و هی أعدل شاهد علی برائته عما قیل فیه إنتهی» إلخ. و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص198: «و بالجملة أمارات الوثاقة و الإعتماد و القوة التی مرت الإشارة إلیها مجتمعة فیه کثیرة مع أنّا لم نجد من أحد من المشایخ القدماء تأمّلاً فی حدیث بسببه ...».

ص: 54

أما أدلة توثیقه:

الأولی: إنّه من رجال تفسیر القمی((1)).

الثانیة: إنّه من رجال کامل الزیارات.((2))

ص: 55


1- فی تفسیر القمی، ج2، ص59: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی عَبْدِ اللَّه قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِیادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَارِدٍ أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَه (علیه السلام) ...و فی ج2، ص351: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی عَبْدِ اللَه قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِیادٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِیشِ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ الثَّانِی (علیه السلام) . تکملة: فی تفسیر القمی، ج1، ص4: «و نحن ذاکرون و مخبرون بما ینتهی إالینا و رواه مشایخنا و ثقاتنا عن الذین فرض الله طاعتهم و أوجب ولایتهم و لایقبل عمل الّا بهم». و فی کلیات فی علم الرجال، ص307 – 309 ... ما ورد فی أسناد تفسیر القمی و قال: «ربما یستظهر أنّ کل من وقع فی أسناد روایات تفسیر علی بن إبراهیم المنتهیة إلی المعصومین (علیهم السلام) ثقة لأنّ علی بن إبراهیم شهد بوثاقته ... و قال صاحب الوسائل: قد شهد علی بن إبراهیم أیضا بثبوت أحادیث تفسیره و أنّها مرویة عن الثقات عن الأئمة وقال صاحب معجم رجال الحدیث معترفا بصحة استفادة صاحب الوسائل: إنّ علی بن إبراهیم یرید بما ذکره إثبات صحة تفسیره و أنّ روایاته ثابتة و صادرة من المعصومین علیهم السلام و أنّها إنتهت إلیه بوساطة المشایخ و الثقات من الشیعة و علی ذلک فلا موجب لتخصیص التوثیق بمشایخه الذین یروی عنهم علی بن إبراهیم بلا واسطة کما زعمه بعضهم». و لکن قال فی ص315 – 317: «أنّ أبا الفضل الراوی لهذا التفسیر قد روی فی هذا التفسیر روایات عن عدة من مشایخه 1. علی بن إبراهیم فقد خص سورة الفاتحة و البقرة و شطرا قلیلا من سورة آل عمران بما رواها عن علی بن إبراهیم عن مشایخه قال قبل الشروع فی تفسیر الفاتحة: حدثنا أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسی بن جعفر (علیه السلام) قال حدثنا أبو الحسن علی بن إبراهیم ... ثم ذکر عدة طرق لعلی بن إبراهیم و ساق الکلام بهذا الوصف إلی الآیة 45 من سورة آل عمران و لما وصل إلی تفسیر تلک الآیة ... أدخل فی التفسیر ما أملاه الإمام الباقر علیه السلام لزیاد بن المنذر أبی الجارود فی تفسیر القرآن ... و بهذا تبین أنّ التفسیر ملفق من تفسیر علی بن إبراهیم و تفسیر أبی الجارود و لکلّ من التفسیرَین سند خاص ... راجع أیضاً ص317 – 320.
2- وقع سهل بن زیاد فی أسناد کامل الزیارات فی 11 موضعاً. و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص169: «أمّا کونه من رجال کامل الزیارات و تفسیر القمی فبناءً علی إفادة ذلک للوثاقة فهما توثیقان عامّان یصلحان للتخصیص». تکملة: فی کامل الزیارات، ص37: «و لم أخرج فیه حدیثا روی عن غیرهم إذا کان فیما روینا عنهم من حدیثهم صلوات الله علیهم کفایة عن حدیث غیرهم، و قد علمنا أنّا ل نحیط بجمیع ما روی عنهم فی هذا المعنی و لا فی غیره، لکن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا رحمهم الله برحمته، و لا أخرجت فیه حدیثا روی عن الشذاذ من الرجال، یؤثر ذلک عنهم عن المذکورین غیر المعروفین بالروایة المشهورین بالحدیث و العلم». و فی کلیات فی علم الرجال جعل الخامس من التوثیقات العامة «ما وقع فی أسناد کتاب کامل الزیارة». و قال فی ص300 – 302 بعد نقل عبارة ابن قولویه المذکورة: «و ربما یستظهر من هذه العبارة أنّ جمیع الرواة المذکورین فی أسناد أحادیث ذلک الکتاب ممن روی عنهم إلی أن یصل إلی الإمام من الثقات عند المؤلف ... فاستخرج أسامی کل من ورد فیها فبلغت 388 شخصا و قد أشار بما ذکرنا الشیخ الحر العاملی فی الفائدة السادسة من خاتمة الکتاب و قال: و قد شهد علی بن إبراهیم أیضا بثبوت أحادیث تفسیره، و أنّها مرویة عن الثقات عن الأئمة و کذلک جعفر بن محمد بن قولویه فإنّه صرح بما هو أبلغ من ذلک فی أول مزاره " و ذهب صاحب معجم رجال الحدیث إلی أنّ هذه العبارة واضحة الدلالة علی أنّه لایروی فی کتابه روایة عن المعصوم إلا و قد وصلت إلیه من جهة الثقات من أصحابنا ... ثم قال: "ما ذکره صاحب الوسائل متین فیحکم بوثاقة من شهد علی بن إبراهیم أو جعفر ابن محمد بن قولویه بوثاقته اللهم إلا أن یبتلی بمعارض" أقول: ... الحق ما إستظهره المحدث المتتبع النوری فقد استظهر منه أنّه نص علی توثیق کل من صدر بهم سند أحادیث کتابه لا کل من ورد فی أسناد الروایات و بالجملة یدل علی توثیق کل مشایخه لا توثیق کل من ورد فی أسناد هذا الکتاب و قد صرح بذلک فی موردین: الأول: فی الفائدة الثالثة من خاتمة کتابه المستدرک قال: ... و قال:" من جملة الأمارات الکلیة علی الوثاقة کونها من مشایخ جعفر بن قولویه فی کتابه کامل الزیارات"». و قال فی ص304: «و إذا کان الحق ما استظهره المحدث النوری و أنّ العبارة لاتدل إلا علی وثاقة مشایخه فعلینا بیان مشایخه التی لاتتجاوز 32 شیخا حسب ما أنهاهم المحدث النوری و إلیک أسماؤهم».

الثالثة: إکثار الکلینی (قدس سره) الروایة عنه((1)) (أکثر من 2300 روایة).

ص: 56


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص169: «و اعتماد الکلینی علیه بکثرةٍ و فی الکتاب الموصوف بما تقدَّم یمنعنا من الجزم بضعفه»، راجع اإستقصاء الإعتبار فی شرح الإستبصار، ج 1، ص134. و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص197 – 198: «قوله "سهل بن زیاد" إشتهر الآن ضعفه و لایخلو من نظر لتوثیق الشیخ و کونه کثیر الروایة جدّاً و لأنّ روایاته سدیدة مقبولة مفتی بها و لروایة جماعة من الأصحاب عنه کما هو المشاهد و صرح به هنا (جش) بل و روایة أجلّائهم عنه بل و إکثارهم من الروایة عنه منهم عدة من أصحاب الکلینی و سیجیء ذکرهم فی الخاتمة و الکلینی مع نهایة احتیاطه فی أخذ الروایة و إحترازه عن المتهمین کما هو ظاهر و مشهور و ینبّه علیه ما سیجیء فی ترجمته إکثاره من الروایة عنه بمکان سیما فی کافیه الذی قال فی صدره ما قال فتأمل» و للوحید (قدس سره) مناقشات فی کلام المحقق الشیخ محمد، فراجع ص198 – 200. و فی خاتمة المستدرک، ج5، ص222 – 224: «ه - إعتماد المشایخ العظام علیه و إکثارهم من الروایة عنه أمّا ثقة الإسلام فلایخفی - علی من راجع جامعه الکافی - کثرة إعتنائه به و إکثاره من نقل الحدیث بتوسطه و عدّه فی عداد المشایخ الأجلة حتی عدّ له عدة و هکذا الشیخ الصدوق فی جمیع کتبه التی بأیدینا و أما الشیخ أبو عبد الله المفید ففی رسالته العددیة فی الرد علی الصدوق بعد أن ذکر حدیث حذیفة بن منصور و فی سنده محمد بن سنان و طعن علیه بسببه و ذکر حدیثا سنده محمد بن یحیی عن سهل بن زیاد الآدمی عن بعض أصحابه، عن الصادق (علیه السلام) و طعن علیه بوجوه کثیرة ترجع إلی العلة فی المتن و الإرسال فی السند و لم یصنع بسهل ما صنع قبیله بمحمد ... و أمّا الشیخ فقد تقدم ما یدل علی ذلک و ذکره أیضا فی المشیخة فی عداد من نقل عن أصله أو کتابه».

الرابعة: توثیق الشیخ الطوسی (قدس سره) له فی رجاله((1)).

الخامسة((2)): إنّ بعض الأعلام قالوا بوثاقته مثل الشهید الثانی و المحقّق الثانی و صاحب الوسائل و الوحید البهبهانی و صاحب الجواهر و الشیخ الأنصاری (قدس سره).

ص: 57


1- فی رجال الطوسی، ص387: «سهل بن زیاد الآدمی یکنّی أبا سعید ثقة رازی». و فی خاتمة المستدرک، ج5، ص214: «أ- قول الشیخ فی أصحاب الهادی (علیه السلام) من رجاله: سهل الآدمی یکنی أبا سعید ثقة رازی و قد ألّفه بعد تألیف الفهرست لقوله فی ترجمة الصدوق و الکلینی و العیاشی: إنّی ذکرت کتبهم فی الفهرست و یعلم من التهذیب أیضا أنّ بناءه کان علی ذلک فإنّه (رحمة الله) کما نص علیه الأستاذ الأکبر کثیرا ما یتأمل فی أحادیث جماعة بسببهم و لم یتفق له فی کتبه مرة ذلک فی حدیث بسببه، بل و فی خصوص الحدیث الذی هو واقع فی سنده ربما یطعن بل و یتکلف فی الطعن من غیر جهة و لایتأمل فیه أصلا» إلخ. و فی قبال ذلک قال فی معجم رجال الحدیث، ج 9، ص356: «المظنون قویا وقوع السهو فی قلم الشیخ، أو أنّ التوثیق من زیادة النساخ و یدل علی الثانی خُلوّ نسخة ابن داود من التوثیق و قد صرح فی غیر موضع بأنّه رأی نسخة الرجال بخط الشیخ- قدس سره- و الوجه فی ذلک أنّه کیف یمکن أن یوثقه الشیخ مع قوله: إنّ أبا سعید الآدمی ضعیف جدّاً عند نقاد الأخبار».
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص168: «قال الحرّ العاملی و الوحید البهبهانی (قدس سرهما) عنه: ثقة [و] الشهید و المحقق الثانیان أخذا بروایاته و قال صاحب الجواهر و الشیخ الأعظم: الأمر فی سهلٍ سهلٌ».
و أمّا جهات تضعیف

((1)):

الأولی: استثناء ابن الولید و الصدوق إیاه من رجال نوادر الحکمة((2)).

ص: 58


1- فی خاتمة المستدرک، ج5، ص225: «ثانیها [أی الثانی من أسباب قدحه]: ما فی الکشی قال علی بن محمد القتیبی: سمعت الفضل بن شاذان یقول فی أبی الخیر و هو صالح بن سلمة أبو حماد الرازی: أبو الخیر کما کنی، و قال علی: کان أبو محمد الفضل یرتضیه و یمدحه و لایرتضی أبا سعید الادمی، و یقول: هو أحمق. و ثالثها: ما فی الخلاصة و نقد التفریشی عن الغضائری فی ترجمته: کان ضعیفا جدّاً فاسد الروایة و المذهب، و کان أحمد بن محمد بن عیسی الأشعری أخرجه من قم و أظهر البراءة منه و نهی الناس عن السماع منه و الروایة عنه، و روی المراسیل و یعتمد المجاهیل [راجع رجال ابن الغضائری، ص66 و 67]» و أجاب عنهما فی ص227 – 247.
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص169: «و أمّا إستثناء ابن الولید و ابن بابویه فغیر واضح دلالته علی الجرح لأنّ إستثناء روایات الراوی لایدل علی ضعف الراوی نفسه علی أنّ الصدوق یروی عن سهل فی الفقیه و قد إلتزم بالفتوی بما فیه». و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص 200: «و إستثناء ابن الولید إیاه من رجال محمد بن أحمد بن یحیی علی ما سیجیء فیه لو سلم دلالته علی القدح لعله لما فعل أحمد لأنّه کان المرجع فی قم و کیف کان یظهر حاله فی الفائدة فتأمل». و فی بحوث فی فقه الرجال، تقریر بحث الفانی، ص179: «و أما النقطة السابعة من الإستدلال فیرد علیها: أوّلاً - أنّ المستثنی هو ابن الولید شیخ الصدوق و رأس المتشددین فی لزوم ضبط الروایة عن الثقات و الإثبات و فی اللعن علی معتمدی المراسیل و الضعفاء فإستثناؤه مع هذا المبین لایدل علی أکثر من ذلک . و یدل علیه قول الشیخ فی الفهرست: و قال أبو جعفر بن بابویه إلا ما کان فیها من غلوّ أو تخلیط إلخ مما یدل دلالة واضحة علی أنّ الإستثناء نشأ من عدم وضوح تلک الروایات و اختلاطها آنذاک و من هنا فقد إستثنی العبیدی أیضا مع شهادة ابن نوح بکونه علی ظاهر العدالة و الوثاقة». و قد تقدم فی الجزء الأول -بعد ذکر روایة علی بن مهزیار و المناقشة بضعف الروایة بصالح بن أبی حماد- ملاحظة علی تلک المناقشة بأنّ الحق وثاقة صالح بأدلة ثلاثة الدلیل الثانی منها أنّه من رجال صاحب نوادر الحکمة و ذکرنا فی التعلیقة ما یتعلق بتلک الرجال نقلا عن معجم رجال الحدیث، ج1، ص70 و ما یتعلق بصاحب نوادر الحکمة نقلا عن معجم رجال الحدیث، ج16، ص48. راجع الجزء الأول، الفصل الخامس (المشتق)، المقدمة الأولی (فی معرفة موضوع المسألة و هو عنوان المشتق)، الموضع الأول (فی مغایرة المشتق الأصولی و الأدبی)، إستشهاد صاحب الکفایة (قدس سره) بفرع فقهی علی دخول القسم الثانی من الجامد الأدبی فی المشتق الأصولی، تحقیق فی هذا الفرع (بذکر نظریتین)، الثانیة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)، الإیراد الثالث علی نظریته (قدس سره) .

الثانیة: قال النجاشی((1)) «ضعیف فی الحدیث غیر معتمد علیه((2)) و إنّ أحمد

ص: 59


1- فی رجال النجاشی، ص185: «سهل بن زیاد أبو سعید الآدمی الرازی کان ضعیفا فی الحدیث غیر معتمد فیه و کان أحمد بن محمد بن عیسی یشهد علیه بالغلو و الکذب و أخرجه من قم إلی الری و کان یسکنها و قد کاتب أبا محمد العسکری علیه السلام علی ید محمد بن عبد الحمید العطار للنصف من شهر ربیع الاخر سنة 255 ... له کتاب التوحید ... و له کتاب النوادر» إلخ.
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص169: «و تبقی کلمة النجاشی: ضعیف فی الحدیث غیر معتمد علیه أمّا ضعیف فی الحدیث فلایدلّ علی ضعف الرجل نفسه، فلو کانت هذه الجملة وحدها فلا إشکال، لکنّ قوله: غیر معتمد علیه یمنعنا من الجزم برجوع التضعیف إلی روایاته دون نفسه». راجع الفوائد الرجالیة للشیخ مهدی الکجوری الشیرازی، ص144؛ و إستقصاء الإعتبار فی شرح الإستبصار، ج 3، ص، 236؛ و بحوث فی فقه الرجال، تقریر بحث الفانی، ص176 و 177. و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص198: «فیه أنّه لانسلّم دلالته [أی قوله: ضعیف فی الحدیث] علی الجرح و إن سلمنا دلالة "ضعیف" علیه کما مر فی الفائدة بل ربما یشعر بخلافه و حکم المشایخ بعدم المنافاة بین توثیق الشیخ و قول (جش) "ضعیف فی الحدیث" فی شان محمد بن خالد البرقی و مرّ فی سلمة بن الخطاب عن (جش) کان ضعیفا فی حدیثه غض ضعیف و ربما یظهر من (صه) أیضا ذلک فیه و ربما یومی إلیه أیضا فلان فاسد المذهب ضعیف الروایة و فلان و إن کان فاسد المذهب إلّا أّنه ثقة فی الروایة و هما منهم فی غایة الکثرة و فی معاویة بن عمار و زیاد بن أبی الحلال ما ینبّه فتأمل و مر فی الفائدة الفرق بین ثقة و ثقة فی الحدیث علی أنّه یحتمل أن یکون ذلک أیضا من جملة ما ذکره عن شیخیه برجوع ذلک إلی الکل لقوله رواه عنه جماعة مع قوله فی عبد الله بن سنان و غیره ما قال فیکون له نوع تأمل فیه أیضا و لعل ابن نوح ذکر الضعف فی الحدیث و غض ضعیف فاختار الأوّل لأنّه أقوی من الثانی عنده کما هو الظاهر فی غیر الموضع و ذکروا فی ابن نوح ما ذکروا و فی غض ما أشیر إلیه مضافا إلی نوع تأمل فیه فتأمل». و فی خاتمة المستدرک جعل الأول من أسباب قدحه ما فی النجاشی ثم قال فی ص226 و 227: «أما الجواب عن الأول: ... و أما قول النجاشی فلاینافی الوثاقة و لایعارض توثیق رجال الشیخ فإنّ المراد من الضعف فی الحدیث الروایة عن الضعفاء و المجاهیل و الإعتماد علی المراسیل و هی غیر قادحة فی العدالة کما فعل العلامة و جمهور الفقهاء فی محمد بن خالد الذی وثقه الشیخ و قال فیه النجاشی ما قال فی سهل فحکموا بوثاقته مع بنائهم علی تقدیم الجارح خصوصا إذا کان مثل النجاشی و هکذا فی غیره».

بن محمد بن عیسی شهد علیه بالغلو و الکذب((1)).»

الثالثة: تضعیف الشیخ الطوسی (قدس سره) له فی الفهرست((2)) و قال فی الاستبصار((3)):

ص: 60


1- فی تحقیق الأصول: «و أمّا شهادة أحمد بن محمّد بن عیسی فیشکل الإعتماد علیها فقد ذکروا أنّه کان متسرّعاً فی رمی الأشخاص و قضیته مع محمّد بن عیسی بن عبید مشهورة علی أنّ فی نقل النجاشی أنّه کان یرمی الرجل بالغلوّ و هذا یرجع إلی عقیدة أحمد بن محمد بن عیسی فی مفهوم الغلوّ و مصداقه». و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص199و 200: «و ما شهد به أحمد مع کونه فی غایة الضعف لو سلم معارضته فغیر لازم أن یکون کل کذب من تقصیر و حراما کیف و فسر فی المشهور بما فسر و لا بعد فی کونه من أسباب الضعف عند القدماء کنظایره مما أشیر فی الفائدة فتأمل مع إحتمال أنّ أحمد توهّم کونه من تقصیر و حراما فتأمل علی أنّه مر فی الفائدة ما فیه أیضا فلاحظ و الغلو لو سلم عدم إمکان توجیهه غایة الأمر أن یکون موثقا إذ الغلاة حالهم حال الفطحیة و الواقفیة و أمثالهما بالنسبة إلی الأدلة و الکفر ملة واحدة إلّا توهم اشتراط الإسلام فی الراوی و فی عدم ثبوت اجماع حجة علی ذلک بل و عدم ظهوره سیما بالنسبة إلی مثل الغلو بل لایخفی علی المتتبع فی الرجال و کتب الأخبار أنّ مشایخنا القدماء و رواتهم کانوا یعتمدون علی المعتمدین من الغلاة بالنسبة إلی الرجال و الأخبار فلاحظ». راجع بحوث فی فقه الرجال - تقریر بحث الفانی ص177.
2- فی الفهرست، ص142: «سهل بن زیاد الآدمی الرازی یکنی أبا سعید ضعیف له کتاب» الخ .
3- فی الإستبصار، ج3، ص260 و 261: «فإن قیل کیف یقولون إنّ الظهار بشرط واقع و قد رویت أخبار أنّه إذا کان مشروطا لایقع روی ذلک أحمد بن محمد بن یحیی عن أبی سعید الآدمی عن القاسم بن محمد الزیات ... قیل له أول ما فی هذه الأخبار أنّ الخبرین منهما و هما الأخیران مرسلان و المراسیل لایعترض بها علی الأخبار المسندة لما بیناه فی غیر موضع و أما الخبر الأول فراویه أبوسعید الآدمی و هو ضعیف جدا عند نقاد الاخبار و قد إستثناه أبو جعفر بن بابویه فی رجال نوادر الحکمة».

ضعیف عند نقّاد الخبر((1)).

ص: 61


1- فی تحقیق الأصول: «و الشیخ و إن ضعَّف الرجل فی الفهرست و الإستبصار فقد وثقه فی رجاله فمن جهةٍ یتقدّم توثیقه لکونه فی الکتاب المعدّ للجرح و التوثیق و من جهةٍ نراه فی الإستبصار یقول: ضعیف عند نقّاد الأخبار، فلیس ضعیفاً عنده فقط لکن لقائل أن یقول بأنّ الکلمة تشعر برجوع التضعیف منهم إلی أخباره لا إلی نفسه، فتأمّل». و فی تعلیقة الوحید البهبهانی علی منهج المقال، ص198بعد نقل کلام المحقق الشیخ محمد (قدس سره): «فیه أوّلاً أنّ تضعیف الشیخ لایدل علی القدح فی نفس الراوی کما مر فی الفائدة الثانیة و لیس ما ذکرت الا من الخلط بین إصطلاح القدماء و المتأخرین کما خلط جمع فی قولهم صحیح الحدیث فحکم بإرادة العدالة فاعترضت أنت و غیرک أیضا علیهم به و علی الفرق بناء المحقق الآن. فإن قلت نفس تضعیفه و إن لم یدل الا إنّ الظاهر أنّ منشأه شهادة أحمد بن محمد بن عیسی و إخراجه من قم قلت فإذن یرتفع الوثوق لما مر فی الفائدة من ذکر الطیارة و قال المحقق المذکور أنّ أهل قم کانوا یخرجون الراوی بمجرد توهّم الریب». و فی خاتمة المستدرک بعد أن جعل الرابع من أسباب قدحه ما فی الفهرست قال فی ص247 و 248: «و من جمیع ذلک ظهر الجواب عن الرابع و هو تضعیف الشیخ فی الفهرست لوجوب تقییده بقاعدة الجمع بما فی النجاشی الغیر المنافی للوثاقة مع رجوعه عنه فی رجال الشیخ المتأخر عن الفهرست و احتمال التعارض فی کلامیه ثم التساقط فاسد بعد معلومیة التأخر کما علیه عمل الأصحاب بالنسبة إلی فتاوی صاحب المؤلفات المتعددة المعلوم تأخر بعضها عن بعض مضافا إلی عدم مقاومته لجمیع ما مر فلاحظ و تأمل». راجع الفوائد الرجالیة للشیخ مهدی الکجوری الشیرازی، ص144 -145؛ و بحوث فی فقه الرجال، تقریر بحث الفانی ص175 و 176. و فی معجم رجال الحدیث، ج 9، ص357 بعد أن قال بضعفه أو عدم ثبوت وثاقته: «بقی هنا أمور: الأوّل: قال العلّامة فی ترجمة سهل بن زیاد من الباب 7 من فصل السین، من القسم الثانی: إختلف قول الشیخ الطوسی (قدس سره) فیه، فقال فی موضعٍ إنّه ثقة، و قال فی عدة مواضع: إنّه ضعیف، أقول: لم نظفر علی قول الشیخ فی تضعیفه إلا فی موردین و قد تقدما، و لعله- قدس الله نفسه- قد ظفر بما لم نظفر به. الثانی: أنّ بعض من حاول توثیق سهل بن زیاد، ذکر فی جملة ما ذکر أنّ تضعیف الشیخ لایعارض توثیقه، فإنّ کتاب الرجال متأخر عن کتاب الفهرست، فیکون توثیقه عدولا عن تضعیفه. و هذا الکلام مخدوش من وجوه: الأول: أنّ هذا إنّما یتم فی الفتوی دون الحکایة و الإخبار، فإنّ العبرة فیها بزمان المحکی عنه دون زمان الحکایة، فبین الحکایتین معارضة لامحالة. الثانی: أنّ تضعیف الشیخ فی الفهرست، و إن کان متقدما علی توثیقه، إلا أنّ تضعیفه فی الإستبصار غیر متقدم علیه. الثالث: أنّ توثیق الشیخ معارض بما ذکرناه من التضعیفات، و لاسیما شهادة أحمد بن محمد بن عیسی بکذبه».

و بعض الأساطین (حفظه الله) یقول((1)) بالتوقف و الاحتیاط الواجب فی روایات سهل مع عدم جواز الرجوع فی هذا الاحتیاط الواجب إلی غیره، لأنّه فتوی بالاحتیاط لا أنّه احتیاط فی الفتوی.

ملاحظتنا علیه:

إنّ هنا أنظار بین الأعلام، و قد أشرنا إلیه فی المباحث الرجالیة و ملخّص الکلام هو أنّ بعض الأعلام مثل المحقّق الخوئی و الأستاذ آیة الله المیرزا جواد التبریزی((2)) (قدس سرهما) ذهبا إلی عدم وثاقته.

و فی قبالهم بعض الأعلام قالوا بوثاقته لوجوه، منها کثرة نقل الأجلاء عنه و منها کثرة روایاته، و منها اعتماد الشیخ الکلینی (قدس سره) علیه. و هذا القول مختار المحدث النوری (قدس سره) و الأستاذ المحقق الرجالی السید الزنجانی.

و المعتمد هو القول الأخیر، لأنّ تضعیف القدماء إیاه معلّل بالغلوّ و تضعیف القدماء المستند إلی الغلوّ لا اعتبار به لما هو محرّر فی محلّه و لذا لایعارض توثیقه.

فالحقّ عندنا هو توثیقه.

ص: 62


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص170: «فالحق هو التوقّف و القول بالإحتیاط الوجوبی فی روایاته فی الأحکام الشرعیة».
2- عدّه ضعیفا فی تنقیح مبانی الأحکام، کتاب الدیات، ص118 و 174 و کتاب القصاص، ص312.
النظریة الثانیة:
اشارة

ما أفاده المحقّق الإصفهانی((1)) و المحقّق الخوئی((2)) (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) .

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال:

أمّا الامتثال بعد الامتثال فباطل من جهة أنّ المأتی به من أفراد الطبیعة المأموربها و به یتحقّق الامتثال و یسقط الأمر (کما مضی الاستدلال علیه) و إذا سقط الأمر فلا معنی للامتثال حیث إنّ صدق عنوان الامتثال متقوّم بوجود الأمر((3)).

ص: 63


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص373 و 374 فی التعلیقة علی قوله «نعم لایبعد أن یقال بأنّه یکون للعبد تبدیل الإمتثال»: «قد أشرنا فی آخر مبحث المرة و التکرار إلی أنّ إتیان المأمور به بحدوده و قیوده علة تامة لحصول الغرض فیسقط الأمر قهرا ... و أما ما ورد من الأمر بالإعادة فی باب المعادة ... فلا دلالة له علی أنّ ذلک من باب تبدیل الإمتثال بالإمتثال».
2- فی المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص36و(ط.ق)، ج2، ص225: «إنّ المکلف إذا جاء بالمأمور به و أتی به خارجاً واجداً لجمیع الأجزاء و الشرائط حصل الغرض منه لامحالة و سقط الأمر و الّا لزم الخلف أو عدم إمکان الإمتثال أبداً، أو بقاء الأمر بلا ملاک و مقتض، و الجمیع محال: أما الأول فلأنّ لازم بقاء الأمر تعدد المطلوب لا وحدته و هو خلف و أما الثانی فلأنّ الإمتثال الثانی کالإمتثال الأول، فإذا لم یکن الأول موجباً لسقوط الأمر فالثانی مثله، و هکذا. و أما الثالث فلأنّ الغرض إذا تحقق فی الخارج و وجد کیف یعقل بقاء الأمر؟ ضرورة استحالة بقائه بلا مقتض و سبب فالنتیجة أنّ إجزاء الإتیان بالمأمور به عن أمره ضروری من دون فرق فی ذلک بین المأمور به الواقعی و الظاهری و الإضطراری أصلا و علی ضوء ما بیناه قد ظهر أنّ الإمتثال عقیب الإمتثال غیر معقول».
3- فی تحقیق الأصول، ج2، ص160: «أمّا الإمتثال بعد الإمتثال، ففیه أنّ المفروض تعلّق الأمر بطبیعی المأمور به، و المفروض إتّحاد الطبیعی مع الفرد و وجوده بوجوده، فیکون انطباق المأمور به علی المأتی به قهریاً، و معه یتحقق الإمتثال، و إذا تحقق سقط الأمر، و إذا سقط فلا موضوع للإمتثال، لوضوح تقوّمه بالأمر، و مع عدم الأمر، کیف یکون الوجود الثانی إمتثالًا؟».

و أمّا تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر فباطل أیضاً.

أوّلاً: لعدم صدق عنوان الامتثال بعد سقوط الأمر.

و ثانیاً: تبدیل الامتثال بالامتثال الآخر انقلاب للموجود و انقلاب الموجود محال((1)).

قیل بإمکان تبدیل الامتثال بإتیان مصداق آخر من الطبیعة المأموربها بما أنّه فرد من الطبیعة المذکورة لا بما أنّه امتثال.

و فیه أنّ إشکال الانقلاب باق بحاله و إن لم یرد علی هذا البیان الإشکال الأوّل (أی عدم صدق الامتثال بعد سقوط الأمر)((2)).

و الحاصل أن الحق النظریةُ الثانیة و عدمُ جواز الامتثالِ بعد الامتثال و تبدیلِ الامتثال و عدمُ دلالة الروایات علیه.

و لهذا البحث ثمرة فی مسائل من الفقه: ((3))

ص: 64


1- «و أمّا تبدیل الإمتثال، ففیه- مضافاً إلی ما تقدّم- إنّه مع تحقق الإمتثال یکون تبدیله بإمتثالٍ آخر إنقلاباً للموجود، و إنقلاب الموجود محال».
2- «و به یظهر ما فی کلام بعضهم من إمکان تبدیل الفرد المأتی به بمصداقٍ آخر من الطبیعة بما أنّه فرد من الطبیعة- لا بعنوان الإمتثال- غیر أنّ المولی یحصّل غرضه من هذا الفرد الثانی فإنّه لایرفع إشکال الإنقلاب، للزومه، سواء أتی به بعنوان الإمتثال أو بعنوان الفردیة للطبیعة».
3- أما بعض ثمراته: ففی کتاب الصلاة (للنائینی)، ج 1، ص175 - 176: «و أما الصلاة المعادة جماعة فهی و إن کانت مستحبّة شرعا إلّا أنّ قوله علیه السلام "لیختار الله أحبّهما إلیه" یدلّ علی أنّها تکون من باب الامتثال عقیب الامتثال، فلا بدّ أن تکون أیضا واجدة لجمیع الشرائط حتّی یمکن أن تکون أحبّهما إلیه». و فی مهذب الأحکام، ج 6، ص286 - 287: «إنّ حرمة العدول هل هی نفسیة أو غیریة؟ إستدل علی الأخیر بأنّه من الزیادة العمدیة و أنّه من القران الممنوع و من الإمتثال بعد الإمتثال و الکلّ مخدوش ... و الثانی ممنوع صغری و کبری و الأخیر کذلک أیضا». و فی ج 8، ص177: «فروع- الأول: یجوز تکرار المعادة- إماما أو مأموما أو هما معا- لغرض صحیح شرعی لأنّ ذلک خیر محض فیشمله إطلاق قوله تعالی (فَاسْتَبِقُوا الْخَیراتِ) مع أنّ الإمتثال بعد الإمتثال رجاء بداعی أن یختار الله أحبّهما إلیه من أجلّ مقامات العبودیة و الإنقیاد ... الثانی: تجوز إعادة الفریضة مطلقا لدرک شرف و فضیلة لم تکن فی المبتدأة من فضل مکان، أو حالة انقطاع إلیه تعالی، لما مرّ فی بعض الأخبار من أنّه "یختار اللّه أحبّهما إلیه" مع أنّ صحة الإمتثال بعد الإمتثال موافق للقاعدة- کما ثبت فی محله- إلّا إذا کان امتثال الأول علة تامة منحصرة لسقوط الأمر خطابا و ملاکا و قبولا بجمیع مراتب القبول و أنّی للعبد القاصر حصول العلم بذلک؟». هذه موارد من کلام من یری جواز الإمتثال عقیب الإمتثال و فی قبالهم یقول کثیر من الأساطین باستحالته: ففی جواهر الکلام، ج 9، ص133: «و أما أذان الصلاة فلا ریب فی عدم جواز تکراره للمنفرد إذا لم یحصل مقتض له من فصل معتد به بینه و بین الصلاة و نحوه، لعدم معقولیة الإمتثال عقیب الإمتثال». و فی کتاب الإجارة (للأصفهانی)، ص206: «حیث إنّ وحدة البعث تقتضی عقلا وحدة المبعوث إلیه، لاستحالة وحدة الحکم و تعدد متعلقة وجودا فالمطلوب وجود واحد من الطبیعة ... و کما لایعقل إطلاقه من حیث المرّة و المرّات مع استحالة الإمتثال عقیب الإمتثال کذلک لایعقل إطلاقه من حیث الوحدة و التعدد مع استحالة وحدة البعث و تعدد المبعوث الیه». و فی مستمسک العروة الوثقی، ج 7، ص492: «و الإجزاء لایلازم إنقلاب ما فی الذمة، فإذا کان الواقع محفوظاً فی نفسه، کان امتثاله مسقطاً لأمره جزماً، فیرتفع موضوع الإحتیاط. اللهم إلا أن یقال: أدلة حرمة الإبطال راجعة إلی تحریم تبدیل الإمتثال، فلایصح، و لو لم یوجب بطلان العمل. فتأمل ... أو یقال: بأنّ الإستئناف یتوقف علی بقاء الأمر بالأجزاء المستأنفة، و مقتضی فرض صحة الأجزاء المأتی بها سقوطه و الامتثال عقیب الامتثال ممتنع». راجع مصباح الهدی فی شرح العروة الوثقی لمیرزا محمد تقی الآملی، ج 7، ص84، ج 12، ص23 و کتاب الصلاة (للأراکی)، ج 1، ص470 و 471.

ص: 65

ص: 66

الفصل الثانی:

اشارة

هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری

یجزی عن الأمر الواقعی؟

ص: 67

ص: 68

المقام الأوّل: مقام الثبوت
اشارة

((1))

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ هنا أربع صور فی مقام الثبوت، لابدّ من بیانها و بیان حکمها من حیث الإجزاء عن الأمر الواقعی و جواز البدار إلی امتثال الأمر الاضطراری.

الصورة الإجمالیة من کلام صاحب الکفایة((2)) (قدس سره):

التکلیف الاضطراری إمّا واف بتمام مصلحة الواقع (الإجزاء و جواز البدار فی بعض صوره).

و إمّا غیر واف بتمام مصلحة الواقع و هو علی قسمین:

القسم الأوّل: الباقی غیر ممکن الاستیفاء (الإجزاء و عدم جواز البدار).

القسم الثانی: الباقی ممکن الاستیفاء و هو علی وجهین:

ص: 69


1- أی الأنحاء و الصور التی یمکن أن یقع علیه الأمر الإضطراری.
2- فی کفایة الأصول، ص84: «إعلم أنّه یمکن أن یکون التکلیف الإضطراری فی حال الإضطرار کالتکلیف الاختیاری فی حال الإختیار وافیا بتمام المصلحة و کافیا فیما هو المهم و الغرض و یمکن أن لایکون وافیا به کذلک بل یبقی منه شیء أمکن إستیفاؤه أو لایمکن و ما أمکن کان بمقدار یجب تدارکه أو یکون بمقدار یستحب».

الوجه الاوّل: واجب التدارک (عدم الإجزاء و التخییر).

الوجه الثانی: مستحب التدارک (الإجزاء و جواز البدار).((1))

أمّا الصورة الأُولی

((2)):

و هی أن یکون الأمر الاضطراری وافیاً بتمام المصلحة فحینئذ لایبقی مجال للتدارک لا قضاءً ولا إعادةً، فالأمر الاضطراری یجزی عن الواقع بلا إشکال.

أمّا جواز البدار فهنا احتمالات ثلاثة:

الاحتمال الأوّل: أن یکون العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً وافیاً بتمام المصلحة (أی الموضوع مجرد الاضطرار) فخینئذ یجوز البدار مطلقاً.

ص: 70


1- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص165: «لایخفی أنّ ما قاله المحقق المذکور من إنحصار الأقسام لیس فی محله، بل یمکن أن نفرض أقساما أخر و نذکر عجالة قسما آخر و هو أن لایکون التکلیف الإضطراری وافیا بالمصلحة أصلا، مثلا یمکن أن یکون أمر الشارع من بقی قضاء صومه من رمضان إلی رمضان آخر إعطاء مد من طعام لکل یوم کذلک، حیث إنّ مصلحة الصوم تفوت عن المکلف کلیة و یکون التکلیف بأداء مد تکلیف آخر، و المحقق المذکور قال بأنّ التکلیف الإضطراری إما أن یکون وافیا بتمام المصلحة أو وافیا ببعض المصلحة، فیمکن أن نفرض فی مورد لم یکن التکلیف الإضطراری وافیا بالمصلحة أبدا و بقیت المصلحة تماما، و هذا واضح. فعلی هذا حصر الأقسام باطل، لما قلنا». و فی المحاضرات ج 1، ص202: «الظاهر أنّ الأنحاء المتصورة فی ذلک المقام لاتکون مقصورة علی ما ذکره لأنّ جمیع الأقسام التی ذکرها مشترکة فی کون المأمور به الإضطراری وافیا بمصلحة المأمور به الإختیاری کلها أو بعضها و هنا قسم آخر و هو أن لایکون وافیا بشی ءٍ منها بل کان فیه مصلحة أخری فیکون هناک مصلحتان: إحداهما فی المأمور به الثانوی و الأخری فی المأمور به الأولی ... و بالجملة لا ینحصر الأنحاء فیما ذکرها و إنّما یتصور أنحاء آخر لا فائدة فی إطالة الکلام بذکرها».
2- فی کفایة الأصول، ص84: «و لایخفی أنّه إن کان وافیا به یجزی فلایبقی مجال أصلا للتدارک لا قضاء و لا إعادة ... و أما تسویغ البدار أو إیجاب الإنتظار فی الصورة الأولی، فیدور مدار کون العمل-بمجرد الإضطرار مطلقا، أو بشرط الإنتظار، أو مع الیأس عن طروّ الإختیار- ذا مصلحة و وافیا بالغرض».

الاحتمال الثانی: أن یکون العمل بشرط الانتظار وافیاً بتمام المصلحة(أی الموضوع الاضطرار فی جمیع الوقت) فحینئذ لایجوز البدار.

الاحتمال الثالث: أن یکون العمل بشرط الیأس عن طروّ الاختیار وافیاً بتمام المصلحة فحینئذ یجوز البدار بحصول الیأس.((1))

أمّا الصورة الثانیة

((2)):

و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً بتمام المصلحة و المصلحة الباقیة غیر ممکن الاستیفاء فهنا أیضاً یجزی عن الواقع.

أمّا البدار فلایجوز لأنّه یوجب تفویت مقدار من المصلحة و هو نقض الغرض.((3))

ص: 71


1- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص166: «ما قال من الإجزاء فی الصورة الاولی لیس فی محله، إذ یمکن أن تکون المصلحة المأمور بها بالأمر الإضطراری مادامیا و لم تکن مطلقة، مثلا یمکن أن یکون للتکلیف بالتیمم مصلحة مشروطة و معلقة بحال الإضطرار، فإذا خرج المکلف عن حال الإضطرار و صار مختارا یلزم علیه الإعادة أو القضاء، فما قاله من أنّه مطلقا لو کان وافیا بتمام المصلحة کان مجزیا لیس فی محله، بل إن کانت مصلحة التکلیف الإضطراری وافیة بتمام مصلحة التکلیف الإختیاری مطلقا یمکن أن یقال بالإجزاء و عدم لزوم الإعادة أو القضاء».
2- فی کفایة الأصول، ص84: «ولایخفی أنّه إن کان وافیا به یجزی ... و کذا لو لم یکن وافیا و لکن لایمکن تدارکه و لایکاد یسوغ له البِدار فی هذه الصورة إلّا لمصلحٍة کانت فیه لما فیه من نقض الغرض وتفویت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فیه من الأهم فافهم. لایقال: علیه فلا مجال لتشریعه ولو بشرط الإنتظار لإمکان استیفاء الغرض بالقضاء فإنّه یقال: هذا کذلک، لولا المزاحمة بمصلحة الوقت».
3- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص166: «و هکذا فی الصورة الثانیة و هی ما لم یکن وافیا بتمام المصلحة إلّا أّنه تکون مصلحته الباقیة غیر ممکنة التدارک فما قاله من الإجزاء فاسد، إذ یمکن أن لایتمکن تدارک المصلحة الفائتة، و مع هذا لم یکن مجزیا کما أنّه یمکن أن یکون کذلک حکم الإتیان بصلاة الظهر ممن حضر لصلاة الجمعة، و فی حال انعقاد الصلاة لم یکن مع الوضوء فأمره بمقتضی الروایة بالتیمم و الإتیان بصلاة الجمعة، و مع هذا یجب علیه الإعادة أو قضاء صلاة الظهر، ففی المورد الذی فقد فیه عن المکلف مصلحة صلاة الجمعة و لم یمکن تدارکها و مع هذا أمره الشارع بإتیان صلاة الظهر فیمکن فرض مورد لم یمکن درک المصلحة الفائتة و مع ذلک لایجزی و یلزم علیه الإتیان به أو ببدله».
أمّا الصورة الثالثة

((1)):

و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً مع إمکان تدارک الباقی و وجوب تدارکه فحینئذ لایجزی بل لابدّ من إیجاب الإعادة أو القضاء.

و هنا یتخیّر بین أمرین:

الأوّل: البدار إلی العمل الاضطراری ثم إتیان العمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار.

الثانی: الانتظار إلی رفع الاضطرار و الإتیان بالعمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار.((2))

ص: 72


1- فی کفایة الأصول، ص85: «وإن لم یکن وافیا و قد أمکن تدارک الباقی فی الوقت أو مطلقا و لو بالقضاء خارج الوقت فإن کان الباقی مما یجب تدارکه فلایجزی بل لابد من إیجاب الإعادة أو القضاء ... یتخیر ... بین البدار والإتیان بعملین: العمل الإضطراری فی هذا الحال و العمل الإختیاری بعد رفع الإضطرار أو الإنتظار و الإقتصار بإتیان ما هو تکلیف المختار».
2- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص167: «و کذلک فی الصورة الثالثة و هی الصورة التی لم یحصل المکلف تمام المصلحة و یکون ما بقی من المصلحة اللازمة التدارک فقال المحقق المذکور بلزوم الإعادة أو القضاء، و هذا فاسد أیضا، إذ یمکن أن یکون مقدار من المصلحة باقیا و ملزما و مع ذلک لایرید الشارع من المکلف درکه کما یمکن أن یکون کذلک فی صلاة و صوم الحائض حیث أمرها الشارع بقضاء الصوم و لم یأمرها بقضاء الصلاة، و لا شک فی أنّ من الحائض فاتت مصلحة الصلاة و لم تدرکها و کان بالإمکان تدارکها و تکون مصلحتها ملزمة و مع ذلک رفع الشارع عنها تسهیلا کما ورد فی الروایة. فثبت أنّه یمکن فی هذا الفرض أنّه مع فوت المصلحة و لزوم درکها لم یأمر الشارع بالإتیان و یکون ما أتی به فی حال الإضطرار مجزیا، و فی هذا المثال فات عن الحائض تمام المصلحة و مع ذلک لم یأمرها الشارع بالقضاء فیمکن أن نکون کذلک فی مورد فوت بعض المصلحة، فافهم».
أمّا الصورة الرابعة

((1)):

و هی أن لایکون الأمر الاضطراری وافیاً مع إمکان تدارکه و استحباب ذلک فحینئذ یجزی الأمر الاضطراری عن الأمر الواقعی الأولی.

و یجوز البدار و یستحب الإعادة بعد طروّ الاختیار.((2))

ص: 73


1- فی کفایة الأصول، ص85: «فإن کان الباقی مما یجب تدارکه فلایجزی ... و إلّا فیجزی ... و فی الصورة الثانیة یجزی البدار و یستحب الإعادة بعد طروّ الإختیار».
2- إنّ کلام المحقق الخراسانی مبتنٍ علی تعدد الأمر الإختیاری و الإضطراری –کما أفاد المحقق البروجردی- و فی قباله المحقق الآشتیانی و البروجردی قائلان بوحدة الأمرین فقالا بالإجزاء. راجع الرسائل التسع لمیرزا محمدحسن الآشتیانی، ص73؛ و الحجة فی الفقه، ص142. و المحقق الأردکانی یقول بابتناء الإجزاء و عدمه علی وحدة الأمرین و تعددهما. ففی غایة المسؤول فی علم الاصول، ص281: «و مبنی النزاع فی هذا و هو أنّ الأوامر المذکورة هل هی من الوجوه و الکیفیات للتکلیف الواحد بالنسبة إلی إمکان وقوعه؟ علی أنحاء متعددة بحسب أحوال المکلف فالمطلوب هو طبیعة الصلاة لکن یرید إیجادها مع الوضوء عند القدرة و مع التیمم عند العذر أو لا بل التکلیف متعدد بتعدد الحالات و بما ذکرنا علم أنّ النزاع إنّما هو فی أمر عقلی و هو التلازم بین إتیان المأمور به بأمر و بین سقوط المأمور به بغیر ذلک الأمر» راجع أیضاً ص289. و الأستاذ المحقق البهجة (قدس سره) و إن کان قائلا بوحدة الأمرین و لکن یقول: لاملازمة بین الوحدة و الإجزاء. قال فی مباحث الأصول، ج 1، ص315: «إن کان تکلیف کل من المختار و المضطر متعلقا بعنوان واحد، هو الصلاة المختلف معنوناتها بحسب اختلاف أحوال المکلف من الإختیار و الإضطرار و السفر و الحضر، فمع تسلم الأمر و صدق الصلاة التی هی المأمور بها علی عمل المضطر، فلایعقل بقاء الأمر بعد تحقق متعلقه؛ کما لایعقل بقاء شی ء من مصلحته بعد فعلیة الإنطباق علی ما فی الخارج مما وقع امتثالا للأمر بها و إن کان کل من المضطر و المختار مکلفا بشی ء یغایر الواجب علی الآخر و إن اشترکا فی صدق الصلاة، إلّا أنّ الواجب علی کل، مرتبة خاصة، لا نفس الطبیعة؛ فللبحث عن بقاء مصلحة المرتبة الأخری المصححة للأمر بعد رفع الإضطرار ثبوتا و إثباتا مع فعلیة امتثال الأمر بمرتبة أخری، مجال. فعلی الأول، یکون الإمتثال مجزیا، لوضوح الإجزاء عن الأمر بنفس ما تعلق به هذا الأمر؛ و اختلاف المصادیق ما لم یوجب اختلاف الأمر باختلاف المأمور به، لا یجدی شیئا و علی الثانی، یمکن عدم الإجزاء، لمکان أنّ الإمتثال یمکن أن لا یکون مجزیا عن الأمر الآخر بمرتبة أخری مغایرة للمرتبة الحاصلة امتثالا للأمر بها. فالظاهر أنّ استدلال الشیخ قدس سره للإجزاء، یبتنی علی إثبات الوجه الأول، کما أن ما فی الکفایة من ملاحظة أنحاء المصلحة، یبتنی علی إثبات الوجه الثانی أو عدم تعین أحدهما ...». و لکنّه ناقش فی هذا المطلب فقال: «و یمکن المناقشة فی التردید المتقدم...» أیضاً راجع المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص167.
مناقشات أربع فی هذه النظریة:
الإیراد الأول: مناقشة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الصورة الثانیة
اشارة

((1))

«أما الإجزاء من حیث عدم إمکان استیفاء بقیة المصلحة فهو أجنبی عن مورد البحث فإنّه لایعقل الأمر بما لایبقی معه مجال لاستیفاء الباقی لأنّه نقض للغرض من المولی الآمر فلا أمر حتّی یتکلّم فی إجزائه، و منه تعرف أنّ وجود الأمر الاضطراری فی الوقت لایجامع عدم جواز البدار بتاتاً بل یلازم جوازه».

یلاحظ علیه:

إنّ فی بعض الموارد نری فوات المصالح الملزمة من دون استدراک کما إذا نام عن الصلاة فإنّ المصلحة الملزمة فی الصلاة متدارکة بالقضاء و لکن المصلحة الملزمة الموجودة فی الوقت لایمکن تدارکها.

ص: 74


1- بحوث فی الأصول،ج1، الأصول علی النهج الحدیث، ص115.
الإیراد الثانی: مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الصورة الثالثة
اشارة

((1))

«إنّ ما أفاده [المحقّق الخراسانی (قدس سره) ] من التخییر فی هذه الصورة غیر معقول و ذلک لأنّه من التخییر بین الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین، و قد حققنا فی محلّه أنّ التخییر بینهما مستحیل إلّا إذا رجع إلی التخییر بین المتباینین.»

توضیحه: إنّه بعد فرض أنّ الشارع لم یرفع الید عن الواقع و أوجب علی المکلّف الإتیان به علی کلّ من تقدیری الإتیان بالعمل الاضطراری الناقص فی أوّل الوقت و عدم الإتیان به، فعندئذ بطبیعة الحال لا معنی لإیجابه الفرد الناقص حیث إنّه لایترتب علی وجوبه أثر، بل لازم ذلک وجوبه علی تقدیر المبادرة و عدم وجوبه علی تقدیر عدم المبادرة، فالتخییر المذکور غیر معقول.

فالحقّ هو أنّ المکلّف إذا کان قادراً علی الإتیان بالصلاة مع الطهارة المائیة مثلاً فی الوقت لم تصل النوبة إلی الصلاة مع الطهارة الترابیة لفرض أنّ الأمر الاضطراری فی طول الأمر الاختیاری و مع تمکّن المکلّف من امتثال الأمر الاختیاری لا موضوع للأمر الاضطراری و لازم ذلک عدم جواز البدار هنا واقعاً.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن إشکال المحقّق الخوئی (قدس سره):

أولاً: هذا الإشکال یجدی علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) فهو قائل بالتخییر فی هذه المسألة فالاختلاف مبنائی((2)).

ص: 75


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص44 و (ط.ق): ج2، ص232.
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص173: «و أجاب شیخنا أوّلاً بأنّ هذا الإشکال مبنائی لأنّ صاحب الکفایة یقول بالتخییر بین الأقل و الأکثر». و راجع الجزء الثانی من الکتاب، البحث الأول (الأوامر)، الفصل الخامس (الواجب التخییری)، تنبیه فی التخییر بین الأقل و الأکثر [بعد ذکر نظریات ثمان فی حقیقة الواجب التخییری] و قد ذکر بیان صاحب الکفایة (قدس سره) و إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیه، و الظاهر تمامیة نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) .

ثانیاً: إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یقول باستحالة التخییر بین الأقلّ و الأکثر الاستقلالیین إلّا إذا رجع إلی التخییر بین المتباینیین و نحن نقول: هنا یرجع التخییر بینهما إلی التخییر بین المتباینین، لأنّ الأقلّ هو العمل الاختیاری فی آخر الوقت بشرط لا عن العمل الاضطراری فی أوّل الوقت و الأکثر هو العمل الاضطراری فی أوّل الوقت و العمل الاختیاری فی آخره بشرط شیء بالنسبة إلی العمل الاضطراری.

و الفرق بین العمل الاختیاری فی آخر الوقت إذا کان بشرط لا عن الاضطراری فی أوّل الوقت مع العمل الاختیاری فی آخر الوقت إذا کان بشرط شیء بالنسبة إلی العمل الاضطراری فی أوّل الوقت هو أنّ العمل الاختیاری بشرط لا عن الاضطراری واجد لتمام مصلحة الواقع و العمل الاختیاری بشرط شیء بالنسبة إلی الاضطراری واجد لبعض مصلحة الواقع (و أمّا بعضها الآخر فهو حاصل فی ضمن العمل الاضطراری).((1))

ص: 76


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص174: «و ثانیاً: إنّ مناط استحالة التخییر بین الأقل و الأکثر هو حصول الغرض بالأقل و سقوط الأمر بذلک، کما أشار إلیه و هذا حاصل فیما إذا أتی بالأقل قبل الأکثر، کما فی التسبیحات الأربع، أمّا فیما نحن فیه، فإنّ الأکثر مقدَّم فی الإتیان علی الأقل، لأن الأقل هو الصلاة الإختیاریة المأتی بها فی آخر الوقت، فلو إنتظر المکلَّف حتی آخر الوقت من غیر أن یأتی بالأکثر، فقد إستوفی تمام المصلحة بالأقل، فیکون هذا العِدل من الواجب التخییری- و هو الصّلاة الإختیاریة فی آخر الوقت- بشرط لا عن الصّلاة الإضطراریة فی أوّله، فهی واجبة علیه بشرط أن لایأتی بالإضطراریة قبلها، لا أنّها لا بشرط عن ذلک، و المستشکل نفسه أیضاً یری أنّ موارد بشرط لا و بشرط شی ء لیست من دوران الأمر بین الأقل و الأکثر بل هما من المتباینین، بأن یکون الغرض مترتّباً إمّا علی الصلاة الإختیاریة بشرط عدم تقدّم الإضطراریة و إمّا علی الإضطراریة فی أول الوقت و الإختیاریة فی آخره. و إذا کان هذا مفروض کلام الکفایة فالإشکال غیر وارد علیه لأنّ حاصل کلامه أنّ الإختیاریة فی آخر الوقت- بشرط عدم الإتیان بالإضطراریة فی أوّله- وافیة بتمام الغرض و أمّا لو أتی بالإضطراریة فی أوّله فقد إستوفی حصّةً من الغرض، فلامحالة یجب الإتیان بالإختیاریة فی آخره لیستوفی الغرض». و أورد علی المحقق الخوئی فی آراؤنا فی أصول الفقه، ج 1، ص117 فقال: «یرد علیه أنّه لانری مانعا منه، فإنّ التخییر بین الاقل و الاکثر إنّما یکون محالا لأجل أنّه إذا وجد الأقل یحصل الإمتثال فلا مجال للإتیان بالباقی، و أما فی المقام فقد فرض بقاء الملاک الملزم و لایحصل إلّا باإاتیان بالعمل الإختیاری فلا مجال لقیاس أحد المقامین علی الآخر و علیه لا مانع من أنّ المولی یأمر بالجامع بین الأمرین و یکون المکلف مختارا بینهما، و بعبارة أخری لا وجه لإلزام خصوص الإختیاری لأنّ المفروض حصول الغرض بأحد نحوین فلا وجه لترجیح أحدهما علی الآخر».
الإیراد الثالث: ملاحظتنا علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

أمّا بالنسبة إلی الصورة الثانیة:

فإنّ الاحتمالات الثلاثة المذکورة فی الصورة الأُولی تطرّقُ فی هذه الصورة أیضاً فیقال: إنّ المصلحة الحاصلة غیر الوافیة بمصلحة الواقع

إمّا تترتب علی العمل بمجرد الاضطرار مطلقاً

و إمّا تترتب علی العمل بعد تحقّق الاضطرار فی جمیع الوقت بحیث لابدّ من الإنتظار إلی آخر الوقت حتّی تترتب المصلحة

و إمّا تترتب علی العمل بمجرد حصول الیأس عن ارتفاع الاضطرار و بعبارة أخری بمجرد حصول الاطمینان ببقاء الاضطرار.

ص: 77


1- بالنسبة إلی الصورة الثانیة و الثالثة.

و علی الاحتمال الأوّل لابدّ من ملاحظة المصلحة الباقیة و حینئذ:

إن حصل العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار إلی آخر الوقت (و إن شئت فقل: إن حصل الیأس عن ارتفاع الاضطرار المساوق للاطمینان ببقاء الاضطرار) فیجوز البدار مطلقاً.

و إن لم یحصل ذلک فلایجوز البدار إلی العمل الاضطراری لئلّا تفوت تلک المصلحة الباقیة.

و علی الاحتمال الثانی لاتصل النوبة إلی ملاحظة المصلحة الباقیة بل تحقّق المصلحة الحاصلة مشروط بتحقّق الاضطرار فی جمیع الوقت و إلی آخره، فإذا امتدّ الاضطرار إلی آخر الوقت یوجد فی العمل الاضطراری المصلحة الحاصلة غیر الوافیة بمصلحة الواقع فعلی هذا لایجوز البدار.

و علی الاحتمال الثالث: إنّ المصلحة الحاصلة فی العمل الاضطراری تتحقّق عند حصول الیأس عن ارتفاع الاضطرار الملازم لحصول العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار فلامانع للبدار من جهة المصلحة الحاصلة بعد حصول الیأس عن الاضطرار و أمّا المصلحة الباقیة التی تفوت بمجرد الإتیان بالعمل الاضطراری فهی تقتضی بدواً عدم البدار لاحتمال ارتفاع الاضطرار و تحصیل تمام مصلحة الواقع إلّا أنّ العلم أو العلمی ببقاء الاضطرار الملازم للیأس عن ارتفاع الاضطرار حجّة شرعاً فیوجب عدم الاعتناء باحتمال ارتفاع الاضطرار فحینئذ یجوز البدار إلی العمل الاضطراری.

أمّا بالنسبة إلی الصورة الثالثة:

فإنّ الإحتمالات المذکورة تطرّقُ هنا أیضاً و بناءً علی الاحتمال الأوّل یجوز

ص: 78

البدار ثم الإتیان بالعمل الاختیاری و علی الاحتمال الثالث أیضاً یجوز البدار من حین حصول الیأس ثم الإتیان بالعمل الاختیاری و لکن علی الاحتمال الثانی لایجوز البدار لأنّ حصول المصلحة فی العمل الاضطراری مشروط بالانتظار حتی یتحقّق الاضطرار فی آخر الوقت.

الإیراد الرابع: تحقیق المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

«تحقیق الحال فیه [أی فیما لم یکن وافیاً بتمام المصلحة و قد أمکن استیفاؤه هو]أنّ بدلیة شیء عن شیء و قیامه مقامه و لو بنحو الترتیب لایعقل إلّا مع جهة جامعة وافیة بسنخ غرض واحد.

[و البدل علی نحوین: البدل العرضی (أی مایکون فی عرض المبدل) و البدل الطولی (أی مایکون فی طول المبدل)]

فإن کان البدل فی عرض المبدل لزم مساواته له [أی للمبدل] فی تمام المصلحة إمّا ذاتا أو بالعرض و الوجه واضح.

و إن کان البدل فی طول المبدل کما فی مفروض البحث فاللازم مجرد مسانخة الغرضین [أی غرض البدل و غرض المبدل] ...

و حدیث إمکان استیفاء بقیة مصلحة المبدل إنّما یصح إذا کان المبدل مشتملاً علی مصلحتین:

إحداهما تقوم بالجامع بین المبدل و البدل و الأُخری بخصوص المبدل، بحیث تکون کلتا المصلحتین ملزمة قابلة لانقداح البعث الملزم فی نفس المولی.

ص: 79


1- بالنسبة إلی الصورة الثالثة و الرابعة. نهایة الدرایة، ج1، ص382.

وأمّا إذا کان المصلحة فی البدل و المبدل واحدة و کان التفاوت بالضعف و الشدّة، فلاتکاد تکون بقیة المصلحة ملاکاً للبعث إلی المبدل بتمامه إذ المفروض حصول طبیعة المصلحة القائمة بالجامع الموجود بوجود البدل، فتسقط عن الاقتضاء [نعم المصلحة الموجودة فی المبدل أشدّ] و [لکن] الشدّة بما هی [شدّة] لایعقل أن تکون ملاکاً للأمر بالمبدل بکماله» إلخ.

فعلی هذا إمکان استیفاء بقیة مصلحة المبدل لایصح فی هذا التصویر.

فإمکان استیفاء المصلحة فی الصورة الثالثة و الرابعة لایتصور إلّا مع الالتزام بقیام مصلحتین إحداهما بالجامع فقط و أُخری بالجامع المتخصّص بالخصوصیة.((1))

هذا تمام الکلام بحسب مقام الثبوت.

و الحاصل أن الاحتمالات الثلاثة التی ذکرها صاحب الکفایة للصورة الأولی جاریة فی الصورة الثانیة و الثالثة أیضا و لا بأس بنظریة المحقق الخراسانی فی مقام الثبوت بعد ملاحظة ما ذکرنا و ملاحظة کلام المحقق الإصفهانی بالنسبة إلی الصورة الثالثة و الرابعة.

ص: 80


1- فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص168: «یرد علیه إشکال آخر لأنّ ما قاله المحقق المذکور یتم إن کان المراد من المصلحة فی الأمر و النهی هو المصلحة فی المأمور به و المنهی عنه و أما علی ما قاله هذا المحقق من أنّه یمکن أن تکون المصلحة فی نفس الأمر و النهی فما قاله من الآثار لیس فی محله، إذ یمکن فی تمام الفروض أن تکون المصلحة فی الأمر، فإذا کانت المصلحة فی الأمر یمکن أن لاتکون المصلحة فی المأمور به أصلا حتی یفرض الصور التی قالها فی الکفایة حیث إنّ الفروض التی قالها کانت فی المورد الذی کانت المصلحة فی المأمور به فتجی ء الصور التی قالها و أما إن کانت المصلحة فی الأمر ففی کلامه ما فیه، فافهم و اغتنم». هکذا راجع آراء حول مبحث الألفاظ فی علم الأصول، ج 1، ص392.
المقام الثانی: مقام الإثبات
اشارة

فیه موضعان((1)):

الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة
اشارة

هنا نظریات(2):

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره):

«وأما ما وقع علیه فظاهر إطلاق دلیله [أی دلیل الامر الاضطراری] مثل

ص: 81


1- هنا لابدّ من ملاحظة أدلّة الأوامر الإضطراریة من جهة دلالتها علی الإجزاء ثم ملاحظة اقتضاء الأصل العملی.
2- . فی بحوث فی علم الأصول، ج2، ص140 – 150: «یبقی الکلام فی مرحلة الإثبات و بحسب ظاهر دلیل الأمر الاضطراری و البحث عن ذلک یقع ضمن مسألتین: الأولی ما إذا ارتفع العذر فی أثناء وقت الواجب فهل تجب الإعادة أم لا؟ الثانیة ما إذا ارتفع بعد الوقت فهل یجب القضاء أم لا؟ اما المسألة الأولی فتارة: یفترض ان دلیل الأمر الاضطراری قد أخذ فی موضوعه إستمرار العذر إلی آخر الوقت و هذا خارج عن موضوع البحث و أخری یفترض أنّ دلیل الأمر الإضطراری لم یشترط فیه إستمرار العذر إلی آخر الوقت. و حینئذ تارة: یفرض أنّ دلیل الحکم الإختیاری یشمل و لو بإطلاقه من صدر منه الفعل الإضطراری ثم زال عذره، و أخری: یفرض عدم إطلاقه له فإن فرض الأول کان من الواضح أنّ مقتضی هذا الإطلاق عدم الإجزاء، فالکلام لابد و أن یکون فی أنّ دلیل الأمر الإضطراری هل یکون مقیدا لهذا الإطلاق لدلیل الأمر الإختیاری أم لا؟ و فی المقام منهجان لإثبات هذا التقیید: المنهج العقلی و هو الذی انتهجته مدرسة المحقق النائینی (قدس سره) و المنهج الإستظهاری ... اما المنهج العقلی فحاصله دعوی الدلالة الالتزامیة العقلیة لدلیل الأمر الإضطراری علی الإجزاء بتقریب أنّه قد مضی انحصار المحتملات الثبوتیة للواجب الإضطراری فی أربعة فروض کلها کانت مقتضیة للإجزاء و عدم الإعادة إلّا الفرض الرابع، فلو أُقیم البرهان العقلی علی إبطال الفرض الرابع تعین الإجزاء فنقول: أنّ دلیل الأمر الإضطراری لاینسجم مع الفرض الرابع ... و أمّا المنهج الإستظهاری فیمکن أن یبینَ بعدّة تقریبات: التقریب الأول: إنّ دلیل الأمر الإضطراری ظاهر فی التصدی لبیان تمام ما هو وظیفة المکلف فلو لم یکن الفعل الإضطراری وحده کافیا فی هذا المقام و کان لابد علیه أن یعید العمل إذا ارتفع عذره بعد ذلک لَکان ینبغی أن یبینه... التقریب الثانی: إنّ دلیل الأمر الإضطراری إذا استفید من لسانه اللفظی - کما فی مثل (التراب أحد الطهورین) أو من مجموعة القرائن المقامیة و اللفظیة المتنوعة - البدلیة و تنزیل الوظیفة الإضطراریة منزلة الوظیفة الإختیاریة کان مقتضی إطلاق البدلیة حینئذ البدلیة علی الإطلاق، أی فی کل الجهات و المراتب و هو یقتضی الأجزاء لامحالة ... التقریب الثالث: ما ذکره المحقق العراقی (قدس سره) فی مقالاته و هو یتألف من مجموع مقدمتین: الأولی: أنّ ظاهر دلیل الأمر الإضطراری کالإختیاری تعلقه بخصوص الفعل الإضطراری و تعیینه و هذا ظهور ناشئ من تعلق الأمر بعنوان و أخذه فیه. الثانیة: أنّ هناک محتملات ثلاثة فی حق الفعل الإضطراری فی المقام: عدم الإجزاء و الإجزاء بملاک الوفاء بتمام الغرض، و الإجزاء بملاک التفویت. و علی الإحتمالین الأول و الثانی لابد و أن یکون الأمر الإضطراری متعلقا بالجامع بینه و بین الاختیاری لا بخصوص الوظیفة الإضطراریة، بل علی الإحتمال الثانی لابد و أن یکون الأمر الإختیاری أیضا بالجامع ... و أمّا علی الإحتمال الثالث فلابد من تعلق الأمر الإضطراری بالوظیفة الإضطراریة بالخصوص ... و فیه [إشکالان] ... التقریب الرابع: ما ذکره المحقق الأصفهانی (قدس سره) ... و حاصله: إنّ إطلاق دلیل الأمر بالصلاة الإختیاریة إنّما یدل بظاهره علی الأمر بذی الخصوصیة و هی الصلاة القیامیة لا الأمر بالخصوصیة و هی القیام فی الصلاة، و هذا یعنی أنّ ما هو ظاهر الدلیل غیر محتمل و ما هو یحتمل فی صالح عدم الاجزاء - و هو فرض الأمر بالخصوصیة - لایستفاد من دلیل الأمر، و منه یعرف أنّ هذا التقریب إنّما یبرهن علی عدم دلالة دلیل الأمر الإختیاری علی عدم الاجزاء و لایبرهن علی الإجزاء فإذا تمّ وجب الرجوع فی مقام الإثبات إلی إطلاق أو أصل أولی و هو یثبت الإجزاء ...

ص: 82

قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((1)) و قوله (صلی الله علیه و آله): التراب أحد الطهورین و یکفیک عشر سنین هو الإجزاء و عدم وجوب الإعادة أو القضاء و لابدّ فی إیجاب الإتیان به ثانیاً من دلالة دلیل بالخصوص».((2))

ص: 83


1- النساء: 43 و المائده: 6.
2- کفایة الأصول، ص85. فی منتقی الأصول، ج2، ص25: «قد لایتضح بدواً الإرتباط بین ما ذکره فی مقام الثبوت من التفصیل و بین ما انتهی إلیه بحسب الدلیل الإثباتی بحیث یری أنّ ما ذکره فی مقام الثبوت تطویل بلا طائل بعد أن کان إطلاق الدلیل یقتضی الإجزاء فلابد من بیان جهة الإرتباط بنحو یخرج کلامه الثبوتی عن اللغویة و التطویل ثم بیان تقریب دلالة الإطلاق علی الإجزاء». و فی ص26 - 27: «إنّه حیث أفاد فی مرحلة الثبوت أنّ جمیع الصور الثبوتیة تقتضی الإجزاء ما عدا الصورة الثالثة و بین أنّ مقتضاها ثبوت الأمر التخییری بالفعل الإضطراری حال الإضطرار و الإختیاری بعد ارتفاعه أو خصوص الفعل الإختیاری بعد ارتفاع الإضطرار، لمّا کان الحال کذلک کان مقتضی الإطلاق هو نفی کون الأمر الإضطراری علی الصورة الثالثة، فمقتضاه الإجزاء حینئذ، إذ ما عدا هذه الصورة من الصور یقتضی الإجزاء فجهة الإرتباط بین مرحلة الثبوت و مرحلة الإثبات واضحة، فإنّ المقصود بدلالة الدلیل علی الإجزاء هو نفیه الصورة الثالثة. و أمّا وجه اقتضاء إطلاق الدلیل نفی هذه الصورة الملازم لدلالته علی الإجزاء فهو أنّ الصورة الثالثة - کما عرفت - تقتضی التخییر فی الواجب بین الفعل الإضطراری عند الإضطرار و الإختیاری بعده و بین خصوص الفعل الإختیاری بعد ارتفاع العذر، فیکون الواجب الإضطراری فی هذه الصورة مشتملا علی خصوصیتین خصوصیة التقیید بالفعل الآخر الإختیاری التی هی مفاد الواو و خصوصیة التخییر بینه و بین الفعل الإختیاری التی هی مفاد أو و لایخفی أنّ کلتا هاتین الخصوصیتین منافیتان لمفاد الإطلاق لأنّ کلّا منهما جهة زائدة علی أصل الوجوب فی الواجب. فیکون مقتضی الإطلاق المنعقد لدلیل الأمر الإضطراری نفیَ کلتا الخصوصیتین و أنّ الواجب هو خصوص الفعل الإضطراری لا هو و غیره و لا هو أو غیره الملازم لنفی الصورة الثالثة المستلزم للإجزاء فمقتضی الإطلاق فی النتیجة هو الإجزاء. و هذا البیان واضح فی مثل قوله تعالی: (فتیمموا صعیداً) مما اشتمل علی الأمر و أمّا فی مثل التراب أحد الطهورین مما لایشتمل علی الأمر فلایتأتی فیه هذا التقریب إذ لایتکفل بیان الوجوب و لا الواجب کی یتمسک بإطلاقه فی نفی تقییده و التخییر بینه و بین غیره».
نظریة أُخری لبعض الأعلام:
اشارة

((1))

لانحتاج إلی إطلاق أدلّة الأوامر الاضطراریة بل «مجرد الأمر بالبدل یفید إسقاط القضاء و [الأمر] بضمیمة جواز البدار یفید إسقاط الإعادة أیضاً.»

و الدلیل علی ذلک:

إنّ البدل إن کان مشتملاً علی مصلحة المبدل بصرف تحقّق الاضطرار مطلقاً (فیکون البدل ذا مصلحة فی تمام الوقت) فلا مجال للتدارک إعادةً و قضاءً فالحق هو الإجزاء مطلقاً.

و إن کان مشتملاً علی مصلحة المبدل فی آخر الوقت أو مع الیأس فلا مجال للتدارک قضاءً فلابدّ من القول بالإجزاء قضاءً لا إعادةً.

و إن لم یکن مشتملاً علی مصلحة المبدل فلا وجه للأمر به.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی هذه النظریة:

قد عرفت فی البحث عن الصور الثبوتیة «إمکان اشتمال البدل علی مقدار من

ص: 84


1- من القائلین بهذه النظریة المحقق الآشتیانی کما تقدم عبارته. و فی نهایة الدرایة، ج1، ص386: «و توهّم أن مجرّد الأمر بالبدل ... کما عن غیر واحد بملاحظة أنّ البدل إن لم یکن مشتملا علی مصلحة المبدل فلا وجه للأمر به و إن کان مشتملا علیها فلا مجال للتدارک- إعادة و قضاء- إن کان کذلک فی تمام الوقت و قضاء فقط إن کان کذلک فی آخر الوقت أو مع الیأس مثلا مدفوع» إلخ.

المصلحة الملزمة للمبدل فیجب عقلاً الأمر به [أی بالمبدل] و إمکان استیفاء البقیة [أی بقیة المصلحة] إعادةً و قضاءً فیجب الأمر بهما [أی بالبدل و المبدل منه] غایة الأمر أنّ الأمر بالبدل و بالقضاء تعیینیان و [الأمر] به [أی بالبدل] و بالإعادة تخییریان.» ((1))

نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((2))

«إنّ المطلق إن کان مثل قوله (صلی الله علیه و آله): "التراب[التیمم] أحد الطهورین" فإطلاقه بلحاظ جمیع الآثار نافع جداً.

و إن کان مثل قوله تعالی: (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((3)) الآیة ففیه تفصیل:

فإن کان له إطلاق من جهتین: ارتفاع العذر فی الوقت و عدم تقیید الأمر بالتخییر [قد أفاد فی المتن لزوم الإطلاق من جهتین و لکن أعرض عنه فی هامش التعلیقة فی مثل الصلاة عن الطهارة المائیة و الترابیة و قال: له إطلاق من جهة ارتفاع العذر فی الوقت] کما هو ظاهر الأمر عند إطلاقه کان [الإطلاق] لا محالة دلیلا علی عدم وجوب الإعادة و اشتمال البدل علی ما لایبقی معه مجال للتدارک فیتبعه عدم وجوب القضاء حیث لا مجال للتدارک [بطریق أولی لأنّه إذا قلنا بعدم إمکان استیفاء المصلحة فی الوقت أداءً فلابدّ أن نقول أیضاً بعدم إمکان استیفائها خارج الوقت قضاءً]...

ص: 85


1- نهایة الدرایة، ج1، ص386.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص386.
3- النساء: 43 و المائده:6.

و إن لم یکن له إطلاق و لو من إحدی الجهتین فلا مجال للإجزاء من حیث الإعادة و القضاء لما عرفت من أنّ تجویز البدار لاینافی الأمر بما هو تکلیف المختار فی الوقت علی نحو التخییر [أی بالبدل و الإعادة تخییراً] کما أنّ ظهور الأمر فی التعیین [أو قل:الأمر بالبدل تعییناً] لاینافی عدم تجویز البدار» فکلّ من تجویز البدار و عدمه یجتمع مع القول بالإجزاء و عدمه.

تقریر الإطلاق المقامی عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

«إنّ المولی إذا کان فی مقام بیان وظیفة الوقت و مع ذلک اقتصر علی إیجاب البدل و لم یضف إلیه إیجاب المبدل بعد ارتفاع العذر کان کاشفاً عن عدم الضمیمة لوظیفة الوقت، فمدار الإجزاء و عدمه فی مقام الإثبات علی هذا الإطلاق و عدمه، و إذا انتفی وجوب الإعادة بالإطلاق انتفی وجوب القضاء.

نعم مع استیعاب العذر فی الوقت و عدم المجال للإعادة لا دافع لوجوب القضاء إلّا الإطلاق المقامی بأن یکون المولی فی مقام بیان تمام ما هی وظیفة المکلّف لا فی مقام بیان وظیفة الوقت بمجردها فتدبر جیدا.»

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2)):

«لا إطلاق لأدلّة مشروعیة التیمم بالقیاس إلی من یتمکن من الإتیان بالعمل الاختیاری فی الوقت بداهة أنّ وجوب التیمم وظیفة المضطر ولایکون مثله مضطراً لفرض تمکّنه من الصلاة مع الطهارة المائیة فی الوقت و مجرد عدم تمکّنه

ص: 86


1- بحوث فی الأصول، ج1، ص117.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص47 و (ط.ق): ج2، ص235.

منها فی جزء منه لایوجب کونه مکلّفاً بالتکلیف الاضطراری ما لم یستوعب تمام الوقت و قد ذکرنا فی بحث الفقه أنّ موضوع وجوب التیمم هو عدم التمکّن من استعمال الماء عقلاً أو شرعاً فی مجموع الوقت بمقتضی الآیة الکریمة و ماشاکلها فلو افترضنا عدم استیعاب العذر لمجموع الوقت و ارتفاعه فی الأثناء لم یکن المکلّف مأموراً بالتیمم لعدم تحقّق موضوعه...

و من ذلک تبین أنّه لایجوز البدار هنا واقعاً بداهة أنّ جوازه کذلک ملازم للإجزاء.»

أمّا إذا ارتفع العذر بعد خروج الوقت ف«لا مانع من التمسّک بإطلاق أدلّة الأمر الاضطراری لإثبات عدم وجوب القضاء فی خارج الوقت و ذلک لأنّ المولی إذا کان فی مقام بیان تمام الوظیفة الفعلیة للمکلّف بهذه الأدلّة و مع ذلک سکت عن بیان وجوب القضاء علیه فی خارج الوقت فبطبیعة الحال کان مقتضی إطلاقها المقامی عدم وجوبه و إلّا کان علیه البیان.»((1))

نظریة المحقق النائینی و العراقی (قدس سرهما):

أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فقد قال بالإجزاء((2)) و جواز البدار کما أنّ المحقّق

ص: 87


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص53-54 و (ط.ق): ج2،ص240 - 241.
2- فی أجود التقریرات، ج1، ص284-285: «و أمّا المسألة الثانیة و هی أنّ الإتیان بالمأمور به الإضطراری هل یجزی عن الإعادة فیما إذا ارتفع العذر قبل خروج الوقت أو لا؟ فالحق فیها الإجزاء أیضاً و بیانه أنّ المکلف إمّا أن یکون متمکنا من الطهارة المائیة فی تمام الوقت أو لایکون متمکنا منها کذلک أو یکون متمکنا فی بعضه دون الآخر. لا إشکال فی التخییر العقلی بین الأفراد الطولیة فی الشقین الأولین و أما الأخیر فبما أنّ ملاک التخییر هو تساوی الأفراد فی الملاک فلایحکم العقل فیه بالتخییر و لایجوز الإتیان بالفرد الفاقد قطعاً فإذا ثبت جواز البدار مع الیأس أو الظن أو القطع مع فرض ارتفاع العذر بعد الإمتثال فإمّا أن یکون جواز البدار حکما ظاهریا طریقیا أو واقعیا و علی الأول فیبتنی القول بالإجزاء بعد ارتفاع العذر علی القول به فی مسألة انکشاف الخلاف بعد الإتیان بالمأمور به الظاهری و لایکون له مساس بما نحن فیه و علی الثانی فلا ریب فی أنّ وجود الأمر الواقعی بعد قیام الضرورة و الإجماع علی عدم وجوب صلاتین علی المکلف فی یوم واحد یکشف عن أنّ الفعل الفاقد فی حال الإضطرار و لو مع عدم استدامة العذر یکون وافیا بتمام الملاک و یکون فی هذا الحال فی عرض الأفراد الواجدة واقعاً فلامحالة یترتب علیه الإجزاء و تکون الإعادة بعد استیفاء الملاک بتمامه من باب الإمتثال بعد الإمتثال» إلخ. أیضا راجع تحقیق الأصول، ج 2، ص182.

العراقی (قدس سره) أیضاً قال بالإجزاء((1)) و لانطیل الکلام بذکر جمیع الاستدلالات((2))

ص: 88


1- نهایة الأفکار، ج1، ص241؛ راجع تحقیق الأصول، ج 2، ص185.
2- قد تقدم الإستدلال علی الإجزاء بالإطلاق اللفظی و المقامی و بالأمر بالبدل بضمیمة جواز البدار و لا بأس هنا بنقل باقی الأدلة: فی أصول الفقه ط. اسماعیلیان ج 1، ص248: «هناک وجوه أربعة تصلح أن تکون کلها أو بعضها مستندا للقول بالإجزاء نذکرها کلها: 1) أنّه من المعلوم أنّ الأحکام الواردة فی حال الإضطرار واردة للتخفیف علی المکلفین و التوسعة علیهم فی تحصیل مصالح التکالیف الأصلیة الأولیة (یریدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیسْرَ وَ لا یریدُ بِکُمُ الْعُسْرَ). و لیس من شأن التخفیف و التوسعة أن یکلفهم ثانیاً بالقضاء أو الأداء و إن کان الناقص لا یسد مسد الکامل فی تحصیل کل مصلحته الملزمة. 2) أنّ أکثر الأدلة الواردة فی التکالیف الإضطراریة مطلقة مثل قوله تعالی (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً) أی أنّ ظاهرها بمقتضی الإطلاق الإکتفاء بالتکلیف الثانی لحال الضرورة و أنّ التکلیف منحصر فیه و لیس وراءه تکلیف آخر فلو أنّ الأداء أو القضاء واجبان أیضا لوجب البیان و التنصیص علی ذلک و إذ لم یبین ذلک علم أنّ الناقص یجزئ عن أداء الکامل أداءً و قضاءً لاسیما مع ورود مثل قوله (علیه السلام): إنّ التراب یکفیک عشر سنین. 3) إنّ القضاء بالخصوص إنمّا یجب فیما إذا صدق الفوت و یمکن أن یقال إنّه لایصدق الفوت فی المقام لأنّ القضاء إنمّا یفرض فیما إذا کانت الضرورة مستمرة فی جمیع وقت الأداء و علی هذا التقدیر لا أمر بالکامل فی الوقت و إذا لم یکن أمر فقد یقال: إنّه لایصدق بالنسبة إلیه فوت الفریضة إذ لا فریضة. و أما الأداء فإنّما یفرض فیما یجوز البدار به و قد إبتدر المکلف حسب الفرض إلی فعل الناقص فی الأزمنة الأولی من الوقت ثم زالت الضرورة قبل انتهاء الوقت و نفس الرخصة فی البدار لو ثبتت تشیر إلی مسامحة الشارع فی تحصیل الکامل عند التمکن و إلّا لفرض علیه الإنتظار تحصیلا للکامل. 4) إذا کنا قد شککنا فی وجوب الأداء و القضاء و المفروض أنّ وجوبهما لم ننفه بإطلاق و نحوه فإنّ هذا شک فی أصل التکلیف و فی مثله تجری أصالة البراءة القاضیة بعدم وجوبهما. فهذه الوجوه الأربعة کلها أو بعضها أو نحوها هی سرّ حکم الفقهاء بالإجزاء قضاء و أداء و القول بالإجزاء علی هذا أمر لا مفرّ منه و یتأکد ذلک فی الصلاة التی هی العمدة فی الباب» و سیأتی الوجه الرابع فی الموضع الثانی عند ذکر مقتضی الأصل العملی. راجع مبانی الأحکام فی أصول شرائع الإسلام، ج 1، ص313؛ و المدخل إلی عذب المنهل، ص313؛ و منتقی الأصول، ج 2، ص27 و ص31 و ص43.

بل لابدّ من ملاحظة أدلّة الأوامر الاضطراریة فی کلّ مورد و نذکر موردا بعنوان المثال:

قال بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فی مورد الصلاة مع الطهارة الترابیة: إنّ المستفاد من صحیحة زرارة ((2)) «إِذَا لَمْ یجِدِ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَلْیطْلُبْ مَا دَامَ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَنْ یفُوتَهُ الْوَقْتُ فَلْیتَیمَّمْ وَ لْیصَلِّ» هو أنّه مادام الوقت باقیاً لاتصل النوبة إلی التیمم فموضوع البدار منتف فی المقام و علی هذا فمعنی الآیة (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً)((3)) هو أنّه إن لم تجدوا ماءً فی تمام الوقت فتیمّموا((4)).

ص: 89


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص186: «إنّ الدلیل علی عدم الإجزاء لیس الآیة المبارکة- أو لیس الآیة بوحدها- بل صحیحة زرارة ... و مدلولها أنّه ما دام الوقت باقیاً فلاتصل النوبة إلی التیمّم و هذه الصحیحة توضّح معنی الآیة أی و إنْ لم تجدوا ماءً فی تمام الوقت فتیمّموا و لیس معناها: و إنْ لم تجدوا ماءً فی زمانٍ و إنْ کان الوقت باقیاً فلا إطلاق للآیة».
2- وسائل الشیعة، ج3، ص366، باب 14، رقم 3.
3- النساء: 43 و المائده:6.
4- فی العروة الوثقی، ج2، ص216 – 217: «مسألة 3: الأقوی جواز التیمم فی سعة الوقت ( 1 ) و إن إحتمل ارتفاع العذر فی آخره بل أو ظن به ( 2 ) نعم مع العلم بالإرتفاع یجب الصبر ( 3 ) لکن التأخیر إلی آخر الوقت مع احتمال الرفع أحوط و إن کان موهوما نعم مع العلم بعدمه و بقاء العذر لا إشکال فی جواز التقدیم فتحصّل أنّه إمّا عالم ببقاء العذر إلی آخر الوقت أو عالم بارتفاعه قبل الآخر أو محتمل للأمرین فیجوز المبادرة مع العلم بالبقاء و یجب التأخیر مع العلم بالإرتفاع و مع الإحتمال الأقوی جواز المبادرة خصوصا مع الظن بالبقاء و الأحوط التأخیر ( 4 ) خصوصا مع الظن بالإرتفاع» و علّق علیه جماعة من الأعلام رتّبنا تعلیقاتهم بتصرّفٍ منّا: ( 1 ) بل الأقوی عدم جوازه مع رجاء زوال العذر فی الوقت ( البروجردی و الخوانساری ) الأقوی عدم جواز البدار إلّا مع الیأس عن وجدانه فی تمام الوقت ( آقا ضیاء) [و المحقق الحکیم یوافقهم أیضاً] الأظهر عدم جوازه إلّا مع الیأس عن زوال العذر أو احتمال طرو العجز ظعنه مع التأخیر (السیستانی). ( 2 ) لایجوز مع الظن به ( الفیروزآبادی). ( 3 ) علی الأحوط ( الگلپایگانی ) [و ظاهر کلام المحقق الحائری موافقة هذا القول]. ( 4 ) هذا الإحتیاط لایترک ( الخوئی ) [و ظاهر کلام المحقق النائینی موافقة هذا القول]. و وافق المتن الإصفهانی و کاشف الغطاء و الشیرازی. فهنا: [1.] قول بجواز التیمم إلّا مع العلم بارتفاع العذر من صاحب العروة و موافقیه و [2.] قول بجواز التیمم إلّا مع العلم أو الظن من السید الفیروزآبادی و [3.] قول بعدم جواز التیمم إلّا مع الیأس من المحقق العراقی و موافقیه و السید الخوئی یقول بالتأخیر إحتیاطا مع احتمال الإرتفاع و السید الگلپایگانی لایفتی بوجوب الصبر مع العلم بالإرتفاع بل یحتاط. و راجع مستمسک العروة، ج4، ص442 – 447. و فی العروة الوثقی، ج2، ص220: «مسألة 8: لایجب إعادة الصلوات التی صلاها بالتیمم الصحیح بعد زوال العذر لا فی الوقت ولا فی خارجه مطلقا نعم الأحوط إستحباباً إعادتها فی موارد» إلخ. و فی مستمسک العروة، ج4، ص451 – 452 فی التعلیقة علی قوله «بعد زوال العذر»: «کما هو المعروف بل المدّعی علیه الإجماع فی محکی کلام جماعة ویقتضیه ظاهر أدلة البدلیة، وخصوص النصوص الدالة علی نفی الإعادة لو وجد المتیمم الماء المتقدمة فی مسألة المواسعة و المضایقة. نعم عن ابن الجنید وأبی علی وجوب الإعادة مع وجدان الماء فی الوقت. و قد یشهد لهما صحیح ابن یقطین و موثق منصور بن حازم المتقدمان هناک إلّا أنّهما غیر صریحین بمنافاة القاعدة المذکورة، بل ظاهرهما بطلان التیمم فلو بنی علی صحة التیمم فی السعة - لما تقدم مما دل علی عدم الإعادة - تعین حملهما علی الإستحباب، بل الثانی منهما مما لا مجال للأخذ باطلاقه، لعدم القائل بالإعادة لو وجد الماء خارج الوقت منا ولا من غیرنا إلّا طاووس علی ما حکی».

ص: 90

التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) أشار إلی الصور الإثباتیة فی المسألة فقال((1)):

الصورة الأُولی((2)): إطلاق دلیل الأمر الاضطراری و إطلاق دلیل الأمر الواقعی الأوّلی فإنّ دلیل الأمر الاضطراری مقدّم علی دلیل الأمر الواقعی الأوّلی بالحکومة کما یتقدّم دلیل لا ضرر علی الأوامر الواقعیة الأوّلیة و القاعدة هی الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء.

الصورة الثانیة:((3)) إطلاق دلیل الأمر الواقعی الأوّلی و عدم إطلاق الأمر الاضطراری و القاعدة هنا عدم الإجزاء و وجوب الإعادة و القضاء.

ص: 91


1- المحاضرات، ج2، ص244.
2- «و أما الدلیل الاجتهادی فصوره أربع: الأولی أن یکون کل من دلیل الأمر الإضطراری و دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة مطلقا ... أما الصورة الأولی فلاینبغی الشک فی أنّ إطلاق دلیل الأمر الإضطراری یتقدم علی إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة و ذلک لحکومته علیه و من الطبیعی أنّ إطلاق دلیل الحاکم یتقدم علی إطلاق دلیل المحکوم کما هو الحال فی تقدیم جمیع الأدلة المتکفلة لإثبات الأحکام بالعناوین الثانویة کأدلة لا ضرر و لا حرج و ما شاکلهما علی الأدلة المتکفلة لإثباتها بالعناوین الأولیة و علی ضوء ذلک فقضیة إطلاق الأمر الإضطراری من ناحیة و تقدیمه علی إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة من ناحیة أخری هی الإجزاء و عدم وجوب الإعادة حتی فیما إذا ارتفع الإضطرار فی الوقت فضلاً عن خارج الوقت و السبب فی ذلک هو أنّ الإطلاق کاشف عن أنّ الفعل الإضطراری تمام الوظیفة و أنّه وافٍ بملاک الواقع وإلّا لکان علیه البیان و لازمه بطبیعة الحال عدم إعادة العمل حتی فی الوقت فما ظنک بخارج الوقت».
3- «الثانیة: أن یکون لدلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة إطلاق دون دلیل الأمر الإضطراری ... و أما الصورة الثانیة فمقتضی إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة هو عدم سقوطهما فی حال الإضطرار هذا من ناحیةٍ. و من ناحیة أخری أنّه لا إطلاق لدلیل الأمر الإضطراری علی الفرض فالنتیجة بطبیعة الحال هی عدم الإجزاء و وجوب الإعادة إذا عادت القدرة للمکلف».

الصورة الثالثة:((1)) عکس الصورة الثانیة و القاعدة هی الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء.

الصورة الرابعة:((2)) عدم الإطلاق فی کلا الدلیلین الاضطراری و الواقعی الأوّلی و المرجع هنا الأُصول العملیة.

ص: 92


1- «الثالثة بعکس ذلک بأن یکون لدلیل الأمر الإضطراری إطلاق دون دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة ... فهی بعکس الصورة الثانیة تماماً یعنی أنّ مقتضی إطلاق دلیل الأمر الإضطراری من ناحیة و عدم إطلاق دلیل اعتبار الجزئیة أو الشرطیة من ناحیة أخری هو الإجزاء لامحالة و عدم وجوب الإعادة عند إعادة القدرة».
2- «الرابعة: أن لایکون لشی ء من الدلیلین إطلاق ... و أما الصورة الرابعة فحیث إنّه لا إطلاق لکل من الدلیلین فالمرجع فیها هو الأصول العملیة».
التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلّف
اشارة

فیه مطلبان:

المطلب الأوّل: هل تشمله إطلاقات الأوامر الاضطراریة؟
اشارة

((1))

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):

اختار السید الخوئی (قدس سره) ((2)) انصراف أدلّة الأوامر الاضطراریة عما إذا کان الوقوع فی الاضطرار باختیار المکلّف و الوجه فی الانصراف هو الارتکاز و الظهور العرفی.

یلاحظ علیه:

إذا وقع فی الاضطرار بسوء اختیاره مثلاً فإمّا لایکون مکلّفاً بالصلاة أو یکون مکلّفاً و التکلیف بالصلاة إمّا بالأمر بالصلاة بدون الطهارة فهو باطل أو

ص: 93


1- نظیر ما إذا کان عنده الماء للوضوء أو الغسل فأراقه فصار مضطراً.
2- فی المحاضرات(ط.ج): ج2، ص54-55و(ط.ق): ج2، ص241-242: «إنّ الإضطرار قد یکون بغیر اختیار المکلف، و قد یکون باختیاره ... و أما الثانی و هو ما إذا کان الإضطرار باختیاره کما إذا کان عنده ماء یکفی لوضوئه أو غسله فأراقه فأصبح فاقداً للماء أو کان عنده ثوب طاهر فأنجسه و بذلک إضطرّ إلی الصلاة فی ثوب نجس أو کان متمکناً من الصلاة قائماً فأعجز نفسه عن القیام و هکذا فهل تشمل إطلاقات الأوامر الإضطراریة لهذه الموارد أم لا؟ وجهان و الظاهر هو الثانی و السبب فی ذلک هو أنّ تلک الإطلاقات بمقتضی الظهور العرفی و ارتکازهم منصرفة عن الإضطرار الناشئ عن اختیار المکلف و إرادته لوضوح أنّ مثل قوله تعالی: (فان لم تجدوا ماء فتیمموا صعیداً طیباً) إلخ ظاهر بمقتضی المتفاهم العرفی فیما إذا کان عدم وجدان الماء و الإضطرار إلی التیمم بطبعه و بغیر اختیار المکلف و منصرفة عما إذا کان باختیاره و کذا قوله (علیه السلام) «إذا قوی فلیقم» و ما شاکل ذلک» إلخ.

یکون مکلّفاً بها مع الطهارة المائیة فهو لایمکن امتثاله بعد تحقّق الاضطرار أو یکون مکلّفاً بها مع الطهارة الترابیة فهو المطلوب.

المطلب الثانی: هل یستحق العقوبة علیه؟
نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)):

إنّه لایجوز للمکلّف إیقاع نفسه فی الاضطرار اختیاراً و «لو فعل ذلک استحق العقوبة علی ترک الواجب الاختیاری التام أو علی تفویت الملاک الملزم فی محله و من الواضح أن العقل لایفرق فی الحکم باستحقاق العقاب بین تفویت الواجب الفعلی و تفویت الملاک الملزم فی ظرفه إذا کان کذلک فکما یحکم بقبح الأوّل و استحقاق العقوبة علیه فکذلک فی الثانی.»

یلاحظ علیه:

إنّ إیقاع المکلّف نفسه فی الاضطرار قد یکون بعد فعلیة التکلیف الاختیاری فیوجب استحقاق العقوبة و قد یکون قبل فعلیته فلا إشکال فیه کما أنّ ذلک قد یوجب تفویت الملاک الملزم فهو مستحق للعقاب عقلاً وقد لایوجب ذلک و هذا فیما إذا اشتمل البدل لتمام المصلحة المبدل.

ثمّ إنّ نتیجة انصراف أدلّة الأوامر الاضطراریة هنا هو عدم تحقّق الأمر فی تلک الموارد فلا مجال للبحث عن أنّ امتثاله مجزٍ عن الواقع أم لا.

إلّا أنّه فی باب الصلاة نعلم یقیناً بأنّ الصلاة لاتترک بحال و لکنّ الصلاة

ص: 94


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص55 و(ط.ق): ج2، ص242.

المذکورة لاتجزی عن الواقع لعدم شمول الأوامر الاضطراریة بالنسبة إلیها.

و استثنی من ذلک الاضطرار الناشئ من التقیة، فإنّ فی موارد التقیة یجوز للمکلّف إیقاع نفسه فی الاضطرار و ذلک لإطلاق أدلّة التقیة فیجوز له البدار إلیها من دون إعادة و قضاء.

ص: 95

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی فی المقام
اشارة

فیه ثلاثة أقوال:

قال بعضهم مثل صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) بالبراءة.

و قال المحقّق العراقی (قدس سره)

بالاشتغال، و قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) بأنّ القضاء إن کان بالأمر الجدید فتجری البراءة و إن کان بالأمر الأول فیجری الاشتغال و لکنه اختار الشقّ الأوّل فقال بالبراءة أیضاً.

ص: 96


1- فی نهایة الدرایة، ج1، ص388 -391 فی التعلیقة علی قوله «لکونه شکّا فی أصل التکلیف»: «لایخفی أنّه مع عدم جواز البدار و وجوب الصلاة آخر الوقت، لا موقع للشک فی الإعادة حیث لایمکن الإعادة بل یتمحّض الشک فی وجوب القضاء و هو شکّ فی أصل التکلیف و أما بناء علی جواز البدار فالصلاة عن طهارة ترابیة مأمور بها لکن یشکّ فی أنّ وجوبها بنحو التخییر بین المتباینین أو بنحو التخییر بین الأقلّ و الأکثر و هو أنّ البدل المنضمّ إلی المبدل فرد و المبدل فقط فرد آخر فوجوب البدل علی أی حال معلوم کوجوب المبدل منفردا و وجوب المبدل منضمّا إلیه غیر معلوم و حیث إنّ وجوب المبدل- منضمّا أو منفردا- بأمر آخر من دون ارتباط من حیث اشتمال کلّ من البدل و المبدل علی مقدار من المصلحة و عدم إناطة صحة أحدهما و فساده بصحة الآخر و فساده فلذا لیس حال ما نحن فیه حال الأقلّ و الأکثر من حیث استحالة الإنحلال هناک علی القول باستحالته». و فی بحوث فی الأصول، ص118: «تتمیم فی ما هو مقتضی الأصل مع عدم الإطلاق و حیث إنّ الأمر الإضطراری مفروغ عنه فالشکّ إنّما هو فی نحوی التخییر هل هو التخییر بین الإضطراری فی حال الإضطرار و الإختیاری فی حال الاختیار کما هو مقتضی الإجزاء أو هو التخییر بین العملین الإضطراری و الإختیاری بعده و العمل الإختیاری مع عدم سبق الإضطراری کما هو مبنی عدم الإجزاء؟ و أمّا رجوع الأمر إلی التعیین و التخییر و الحکم بالاشتغال فهو مقتضی الأصل فی المسألة الفقهیة عند الشکّ فی أصل الأمر الإضطراری لا فی المسألة الأصولیة التی قد مرّ مراراً أنّ وجود الأمر الإضطراری مفروغ عنه و إنّما البحث فی اجزائه و حیث إنّ مرجع الشکّ فی نحوی التخییر إلی احتمال وجوب الضمیمة مع الفراغ عن وجوب الإضطراری فمقتضی الأصل البراءة عن وجوبها».

و قال المحقّق الإیروانی (قدس سره) بجریان الاستصحاب.

استدلّ علی القول الأوّل بوجهین:

أمّا المحقّق الخراسانی (قدس سره) فقال بالبراءة لأنّ الشک فی وجوب الإعادة یرجع إلی الشک فی أصل التکلیف و هکذا الشک فی وجوب القضاء((1)).

و أمّا المحقّق الخوئی (قدس سره) فقال بالبراءة من جهة أُخری، حیث إنّ المقام عنده (و عند المحقّق العراقی (قدس سره) من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر و مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هذه الموارد هو البراءة((2)).

الاستدلال علی القول الثانی:
اشارة

أمّا المحقّق العراقی (قدس سره) فذهب إلی أنّ هذه المسألة من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر و اختار فیه الاشتغال.

تقریر الاشتغال بوجهین
اشارة

((3)):

الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ الشک فی وجوب الإعادة نشأ من الشک فی القدرة علی استیفاء المصلحة

ص: 97


1- فی کفایة الأصول، ص85 - 86: «و بالجملة فالمتبع هو الإطلاق لو کان و إلّا فالأصل و هو یقتضی البراءة من إیجاب الإعادة لکونه شکا فی أصل التکلیف و کذا عن إیجاب القضاء بطریق أولی» إلخ.
2- فی المحاضرات(ط.ج)، ج2،ص62و(ط.ق)، ج2، ص248: «إنّ دوران الأمر فی المقام و إن کان بین التعیین و التخییر إلّا أنّه ... یدخل فی کبری مسألة الأقل و الأکثر الإرتباطیین ... فمقتضی الأصل فیه البراءة و قد تحصل مما ذکرناه أنّ الصحیح هو ما ذهب إلیه المحقق صاحب الکفایة قده من أنّ الأصل یقتضی البراءة عن وجوب الإتیان بالفعل الإختیاری».
3- راجع المحاضرات(ط.ج): ج2، ص60و (ط.ق): ج2، ص245 - 246.

الباقیة من العمل الاختیاری فإنّ الغرض أوّلاً تعلّق بالأمر الاختیاری و نحتمل عدم استیفاء المصلحة و عدم حصول الغرض التامّ من الإتیان بالأمر الاضطراری و معنی ذلک احتمال القدرة علی تحصیل الغرض و استیفاء المصلحة الباقیة و هذا مورد الاشتغال العقلی. ((1))

یلاحظ علیه

((2)):

إنّ تعلّق الغرض بالأمر الاختیاری فی موارد الاضطرار هو أوّل الکلام، بل الاضطرار أوجب تعلّق الغرض بالأمر الاضطراری أمّا بعد امتثال الأمر الاضطراری فنشک فی تعلّق الغرض بالأمر الاختیاری لاحتمال عدم استیفاء المصلحة و هذا المورد مجری البراءة.

ص: 98


1- فی مقالات الأصول، ج1، ص271: «رابعها: إنّ مقتضی الأصل بالنّسبة إلی الإجزاء فی الوقت عدمه لأنّه علی الإجزاء بمناط التفویت مع الجزم بعدم الوفاء بتمام مصلحة المختار فمرجعه إلی الشک فی القدرة علی [تحصیل] الزائد، و العقل فی مثله مستقلّ بالإحتیاط». و فی محاضرات: «و ذهب بعض الأعاظم قده إلی أنّ مقتضی الأصل هنا الإشتغال دون البراءة و قد قرب ذلک بوجهین: الأوّل أنّ الشک فی وجوب الإعادة فیما إذا ارتفع العذر فی الوقت نشأ من الشک فی القدرة علی استیفاء المصلحة الباقیة من العمل الإختیاری و هذا و إن کان شکاً فی أصل التکلیف، و مقتضی الأصل فیه البراءة إلّا أنّه لما کان ناشئاً من الشک فی القدرة فالمرجع فیه هو قاعدة الإشتغال، لما تقرر فی محله من أنّ الشک فی التکلیف إذا کان ناشئاً عن الشک فی القدرة علی الإمتثال فهو مورد لحکم العقل بالإشتغال دون البراءة کما لایخفی».
2- و استشکل الوجه الأول فی المحاضرات بقوله: «و لنأخذ بالنقد علی کلا الوجهین: أما الوجه الأول فلما حققناه فی محله من أنّه لا فرق فی الرجوع إلی أصالة البراءة فی موارد الشک فی التکلیف بین أن یکون منشائه الشک فی القدرة أو الشک من جهة أخری کعدم النص أو إجماله أو تعارض النصین أو نحو ذلک، ضرورة عدم الفرق بینهما و لا موجب لتقیید أصالة البراءة بغیر الموارد الأول، فإنّه بلا دلیل و مقتض».
الوجه الثانی
اشارة

((1)):

إنّ المسألة من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر فإنّا نعلم بأنّ الجامع بین الفعل الاضطراری و الاختیاری واجد لمقدار من المصلحة و لکن نشک فی أنّ تمام المصلحة قائم بالجامع بین الفعل الاضطراری و الاختیاری أو أنّ تمام المصلحة قائم بخصوص الفعل الاختیاری.

فهذا المورد من صغریات دوران الأمر بین التعیین (أی خصوص الصلاة الاختیاریة) و التخییر (أی التخییر بین الصلاة الاختیاریة و الاضطراریة من جهة تعلّق التکلیف بالجامع بینهما)

و القاعدة فی هذا المورد هو الاشتغال.

ص: 99


1- فی مقالات الأصول: «و مع احتمال الوفاء بتمام مصلحة المختار فلأنّ مرجع الشّک فیه إلی الشک فی وجوب الفعل الإختیاری بخصوصه أو التخییر بینه و بین الإضطراری و مرجع المسألة حینئذ إلی التعیین و التخییر و العقل مستقلّ بعدم حصول الفراغ إلّا بالمعین». و فی المحاضرات: «الثانی إنّ المقام داخل فی کبری مسألة دوران الأمر بین التعیین و التخییر ببیان أنّا نعلم إجمالا بأنّ الجامع بین الفعل الإضطراری و الإختیاری مشتمل علی مقدار من المصلحة، و لکنّا نشکّ فی أنّ المقدار الباقی من المصلحة الملزمة أیضاً قائم بالجامع لتکون نتیجته التخییر بین الإتیان بالفعل الإضطراری و الإتیان بالفعل الإختیاری، و لازم ذلک هو إجزاء الإتیان بالفعل الإضطراری عن الواقع لأنّ المکلف مع الإتیان به قد إمتثل الواجب فی ضمن أحد فردیه- و هو الإضطراری- أو أنّه قائم بخصوص الفرد الإختیاری، لتکون نتیجته التعیین، و لازمه عدم إجزائه عنه، لفرض أنّه غیر وافٍ بتمام مصلحته فلابد عندئذٍ من الإتیان به ثانیاً، و حیث إنّنا لانحرز هذا و لا ذاک بالخصوص فبطبیعة الحال نشک فی أنّ التکلیف فی المقام هل تعلق بالجامع أو بخصوص الفرد الاختیاری؟ و هذا معنی دوران الأمر بین التعیین و التخییر و المرجع فیه التعیین بقاعدة الإشتغال».
قد أُورد علیه کبرویاً و صغرویاً:
الإشکال الکبروی:

قد استشکله المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)) بأنّ المختار فی هذه الموارد البراءة لا الاشتغال و استدلّ علی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّ «تعلّق التکلیف بالجامع معلوم و تعلّقه بالخصوصیة الزائدة مشکوک فیه و مقتضی الأصل البراءة عنه و هذا کما فی دوران الأمر بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین و بعد ذلک نقول إن دوران الأمر فی المقام و إن کان بین التعیین و التخییر إلا أنه حیث کان فی مقام الجعل لا فی مقام الفعلیة و الامتثال فبطبیعة الحال یدخل فی کبری مسألة الأقلّ و الأکثر الارتباطیین لفرض أنّ تعلّق الأمر بالجامع بین الفعل الاختیاری و الاضطراری معلوم، و تعلّقه بخصوص الفعل الاختیاری مشکوک فیه للشک فی أنّ فیه ملاکاً ملزماً یخصّه فمقتضی الأصل فیه البراءة.»

ص: 100


1- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص61و(ط.ق): ج2، ص247: «أما الوجه الثانی فلأنّ ما أفاده (قدس سره) من دوران الأمر فی المقام بین التعیین و التخییر و إن کان صحیحاً إلّا أنّ ما ذکره (قدس سره) من أنّ المرجع فیه قاعدة الإشتغال خاطئ جدّاً و لا واقع موضوعی له، و السبب فی ذلک هو أنّنا قد حقّقنا فی موطنه أنّ المرجع فی کافة موارد دوران الأمر بین التعیین و التخییر هو أصالة البراءة دون قاعدة الإشتغال إلّا فی موردین: الأول فیما إذا دار الأمر بینهما فی الحجیة کما إذا دل دلیل علی وجوب شی ء و الآخر علی حرمته و فرضنا العلم الخارجی بحجیة أحدهما فی هذا الحال ... الثانی فیما إذا دار الأمر بین التعیین و التخییر فی موارد التزاحم و الإمتثال ... و أمّا فی غیر هذین الموردین فالمرجع هو أصالة البراءة، و ذلک لأنّ تعلق التکلیف بالجامع معلوم و تعلقه بالخصوصیة الزائدة مشکوک فیه، و مقتضی الأصل البراءة عنه، و هذا کما فی دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الإرتباطیین».
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص191: «أمّا من النّاحیة الکبرویة، فالمختار وفاقاً لجماعةٍ هو البراءة لا الإشتغال».
الإشکال الصغروی:

قال بعض الأساطین (حفظه الله) بأنّ المسألة لیست من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر لأنّ وجوب العمل الاضطراری فی أوّل الوقت معلوم و نشک فی وجوب العمل الاختیاری بعد ارتفاع الاضطرار فإنّ الشک فی وجوب العمل الاختیاری بعد رفع الاضطرار شک فی أصل التکلیف((1)).

الاستدلال علی القول الثالث:
اشارة

أمّا المحقّق الإیروانی (قدس سره) فقال بجریان الاستصحاب و ملخّص ذلک هو أنّ الأمر بالصلاة مع الطهارة المائیة موجود من أوّل الأمر و نشک فی سقوطها بالصلاة الاضطراریة بالطهارة الترابیة فنستصحب بقاء وجوبها((2)).

ص: 101


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص191: «و أمّا من الناحیة الصغرویة، فإنّ ما نحن فیه لیس من صغریات دوران الأمر بین التعیین و التخییر- و لذا قال فی الکفایة هنا بالبراءة مع ذهابه فی الکبری إلی الإشتغال- و ذلک: لما تقدَّم فی کلام المحقق الخراسانی من أنّ الأمر هنا دائر بین الصّلاة مع التیمم فی أوّل الوقت ثم الإتیان بها مرّةً اخری مع الوضوء فی آخره، و بین الإنتظار و الصّلاة مع الوضوء فی آخره إذن، عندنا یقین بوجوب الصّلاة مع التیمّم فی أول الوقت، و الشک فی أنّه هل یجب علیه بالإضافة إلی ذلک- الإتیان بالصّلاة فی آخر الوقت بالطهارة المائیة أو لا؟ فإن وجب ضمّ ذلک، کانت الصلاتان معاً عِدلًا للصّلاة مع الطهارة المائیة المأتی بها منفردةً فی آخر الوقت فیرجع الشک حینئذٍ إلی وجوب هذه الإضافة بعد الصّلاة مع التیمّم، و هذا من الشک فی أصل التکلیف، و هو مجری البراءة».
2- فی نهایة النهایة،ج1، ص126 عند التعلیقة علی قوله «و هو یقتضی البراءة»: «بل یقتضی الإشتغال فإنّ الأمر بالإتیان بالعمل فی مجموع الوقت یتوجه بنفس دخول الوقت لا أنّ أمر کل جزء یتجدد بحدوث ذلک الجزء و علیه فالأمر بالعمل بالنسبة إلی الأجزاء المتأخرة یکون کالتعلیق و إذا فرضنا اختلاف حال المکلف فی أجزاء الوقت بوجدان الماء و عدمه أو بالصحّة و المرض أو بالسفر و الحضر لا جرم کان الأمر المتوجه بدخول الوقت هو الإتیان بالعمل فی کل جزء بحسب إقتضاء حال المکلف فی ذلک الجزء فیتوجه الأمر بالصلاة مع الطهارة المائیة فی قطعة الوجدان للماء و مع الطهارة الترابیة فی قطعة الفقدان مخیراً بینهما من غیر فرق بین أن یکون الحال الفعلی هو الوجدان أو الفقدان و ذلک بأن دخل الوقت و هو غیر واجدٍ للماء فإذا توجه هذا الأمر إستصحب بعد الإتیان بالعمل الإضطراری للشک فی إسقاطه للمأمور به الإختیاری و احتمال کون العمل الإختیاری واجبا عینیا لایسقط بالإتیان بالعمل الإضطراری و مقتضی هذا الإستصحاب ثبوت التکلیف بالعمل الإختیاری علی وجه التنجیز بعد رفع الإضطرار». و فی تحقیق الأصول: «المرحلة الاولی: فی تقریب الإستصحاب لمن صلّی مع التیمّم ثم تمکّن فی بعض الوقت من الماء کما قال المحقق الإیروانی فی تعلیقته علی الکفایة: إنّ الخطاب بالصلاة مع الطهارة المائیة متوجّه إلی المکلَّف بمجرّد دخول الوقت، و هو موجود إلی آخره، فهو وجوب واحد مستمر، غیر أنّه یکون لمن عجز عن الماء فی أول الوقت معلَّقاً علی وجدانه و التمکّن منه، و یکون الوجوب فی حقّه فعلیاً و الواجب استقبالیاً، هذا من جهة الطهارة المائیة و من جهة الطهارة الترابیة، فإنّ دلیله کالروایة: التیمّم أحد الطهورین یجعل الطهارة الترابیة للعاجز عن الماء فالنتیجة هی التخییر و مع فرض عدم الإطلاق الدالّ علی وفاء الصلاة مع الطهارة الترابیة بتمام المصلحة یشک فی سقوط الواجب المعلَّق بإتیان الصلاة معها و إذا عاد الشک إلی سقوط الواجب، جری إستصحاب بقاء وجوب الصلاة مع الطهارة المائیة و هو إستصحاب تنجیزی و معه لا مجال لغیره من الأصول».
أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

(1)

إنّ الشخص المضطر مکلّف بالعمل الاضطراری أمّا تکلیفه بالصلاة مع الطهارة المائیة من أوّل الوقت فهو مشکوک من أوّل الأمر فلا یقین سابق حتّی نستصحبه.

ص: 102


1- . فی تحقیق الأُصول، ج2، ص190: «و أورد علیه شیخنا دام بقاه أوّلًا: إّنه من جهة یصرِّح بالوجوب التخییری لمن کان فاقداً للماء فی بعض الوقت و واجداً له فی البعض الآخر، بین الطهارة المائیة و الطهارة الترابیة، و من جهةٍ أخری یقول باحتمال التعیین المقوّم للإستصحاب، و کیف یمکن الجمع بین هذین الحکمین؟ و ثانیاً: إنّ وجوب الصلاة مع الطهارة المائیة علی من أتی بها مع الطهارة الترابیة، إن کان مطلقاً بمعنی وجود هذا الوجوب سواء أتی بها مع الترابیة أو لا؟ فهو لایجامع التخییر کما تقدم و إن کان مقیداً بعدم الإتیان بها مع الترابیة کان موضوع وجوبها مع المائیة مقیداً بمن لم یصلّ مع التیمّم، و حینئذٍ، فالمکلّف الذی صلّاها مع التیمم ثم تمکّن من الماء خارج عن هذا الموضوع، و الشرط فی الإستصحاب وحدة الموضوع. و تلخّص إنّ الصحیح عدم جریان الإستصحاب، لعدم الیقین بوجوب الصّلاة مع الطهارة المائیة بالنسبة للمکلَّف فی أوّل الوقت بالتیمّم، و مع عدم الیقین السابق بالتکلیف لایجری الإستصحاب».

ص: 103

ص: 104

الفصل الثالث:

اشارة

هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری

عن الأمر الواقعی؟

ص: 105

ص: 106

مقدمة فی ذکر الأقوال:
اشارة

هل یجزی الإتیان بالمأموربه بالأمر الظاهری عن المأموربه بالأمر الواقعی فیما إذا انکشف الخلاف بعلم وجدانی أو تعبّدی؟ قد اختلف الأعلام إلی أقوال((1)):

ص: 107


1- فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص44: «و هل یجزی الإتیان بالمأمور به الظاهری عن الواجب واقعا إعادة أو قضاء أو لایجزی؟ فیه خلاف فقد یقال: بالإجزاء مطلقا و أخری یلتزم بعدمه کذلک و فصل الماتن قده بین العبادات و المعاملات بالمعنی الأخص أعنی العقود و الإیقاعات و بین غیرهما من الأحکام الوضعیة و التکلیفیة حیث ذکر فی المسألة الثالثة و الخمسین: إذا قلّد من یکتفی بالمرة- مثلا- فی التسبیحات الأربع و اکتفی بها أو قلد من یکتفی فی التیمم بضربة واحدة ثم مات ذلک المجتهد فقلد من یقول بوجوب التعدد لایجب علیه إعادة الأعمال السابقة و کذا لو أوقع عقدا أو إیقاعا بتقلید مجتهد یحکم بالصحة، ثم مات و قلد من یقول بالبطلان یجوز له البناء علی الصحة. نعم فیما سیأتی یجب علیه العمل بمقتضی فتوی المجتهد الثانی و أمّا إذا قلد من یقول بطهارة شی ء کالغسالة ثم مات و قلد من یقول بنجاسته فالصلوات و الأعمال السابقة محکومة بالصحة و إن کانت مع استعمال ذلک الشی ء و أمّا نفس ذلک الشی ء إذا کان باقیا فلایحکم بعد ذلک بطهارته. و کذا فی الحلیة و الحرمة فإذا أفتی المجتهد الأوّل بجواز الذبح بغیر الحدید- مثلا- فذبح حیوانا کذلک فمات المجتهد و قلّد من یقول بحرمته، فإن باعه أو أکله حکم بصحة البیع و إباحة الأکل. و أمّا إذا کان الحیوان المذبوح موجودا فلایجوز بیعه و لا أکله و هکذا». و فی الأصول فی علم الأصول، ج 2، ص464: «مسألة: إذا اضمحلّ الإجتهاد السابق بعد العمل علی طبقه، فهل یجزی ما أتی به أوّلاً، أو لایجزی، بل تجب علیه الإعادة و القضاء علی طبق الإجتهاد اللاحق، أو التفصیل بین أن یکون الإجتهاد السابق مستندا إلی القطع أو إلی الأدلة التعبدیة بالإجزاء فی الثانی دون الأوّل، أو التفصیل بین ما کان منه فی الأحکام أو فی الموضوعات المستنبطة بالإجزاء فی الثانی دون الأول؟ هذا بعد الإتفاق علی أنّ الأعمال اللاحقة ینبغی أن تکون علی طبق الإجتهاد اللاحق فَاعلم أنّ هذه المسألة جزئی من جزئیات مسألة الإجزاء المتقدمة فی مباحث الألفاظ، فالخلاف هو الخلاف فیها، و لذا نقتصر علی ذکر المختار، و هو التفصیل بین الموضوعات فلایجزی، و بین الأحکام فیجزی عکس التفصیل الأخیر، لکن بشرط کون مدرک الإجتهاد الأول غیر القطع، و إلّا لم یجز أیضا».

الأول: الإجزاء مطلقاً((1)). (نسب إلی المحقق الإصفهانی و البروجردی (قدس سرهما) .)

الثانی: عدم الإجزاء مطلقاً((2)).

ص: 108


1- بحوث فی علم الاصول: 120- 125، نهایة الاصول، ج1، ص129».
2- و هذا القول مختار المحقق العراقی أیضا و إن نسب بعض إلیه القول بالتفصیل. فإنّه ذکر ثلاثة إشکالات علی الإجزاء فی هذا القسم و أجاب عن الآخر فقط. الإشکال الأول: قال فی نهایة الأفکار، ج 1، ص249: «و أمّا ما کان منها بلسان رفع المشکوک فیه کحدیث الرفع و الحَجب فتوهّم الإجزاء فیها إنّما هو من جهة خیال اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئیة و الشرطیة الواقعیة و اقتضائها بالملازمة لتحدید دائرة المأمور به بما عدا الجزء أو الشرط المشکوک الجزئیة و الشرطیة، و لکنّه من الغفلة عن استحالة اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئیة الواقعیة ... و حینئذ فبعد عدم اقتضاء اللسان المزبور لرفع الجزئیة الواقعیة حقیقة فلابد و أن یکون الرفع رفعا تعبدیا تنزیلیا بلحاظ عدم وجوب الإحتیاط فی مقام العمل و علیه نقول: بأنّه بعد انکشاف الخلاف لابد من الإعادة، لاقتضاء الجزئیة الواقعیة حینئذ وجوب الإعادة و القضاء عند انکشاف الخلاف. الإشکال الثانی: قال فی ص250: «علی أنّ مثل هذا اللسان باعتبار سوقه فی مقام الإمتنان لایکاد یرفع إلّا ما یکون فی وجوده ضیق علی المکلف و هو لایکون إّلا إیجاب الإحتیاط لأنّه هو الذی یکون المکلف فی ضیق من جهته و هو الذی فی رفعه امتنان علی المکلف دون التکلیف الواقعی أو الجزئیة الواقعیة، لعدم کونهما بوجودهما الواقعی ضیقا علی المکلف حال الجهل حتی یقتضی الإمتنان رفعه، کما هو واضح. و معلوم حینئذ فی مثله أنّه لا مجال لتوهم الإجزاء بعد انکشاف الخلاف کما لایخفی». الإشکال الثالث: «و کیف کان قد یورد علیه إشکال آخر فی أصل اقتضاء اللسان المزبور لإثبات التکلیف بالبقیة، بتقریب: إنّ ثبوت التکلیف بما عدا الجزء المشکوک الجزئیة إنّما هو من لوازم عدم کونه جزء واقعیا، و بعد عدم اقتضاء مثل هذا اللسان لرفع الجزئیة الواقعیة حقیقة لا مجال أیضا لإثبات التکلیف بالبقیة بمحض جریان دلیل الرفع و اقتضائه لنفی الجزئیة ظاهرا إلّا علی القول بالمثبت». الجواب عن الإشکال الأخیر: «هذا و لکنّه یمکن التفصّی عن هذا الإشکال بأنّ ثبوت التکلیف بما عدا المشکوک الجزئیة حینئذ و إن کان مبنیا علی المثبت و لکنّه من جهة جلاء الواسطة فیه لایضر به جهة المثبتیة، إذ هو حینئذ نظیر الأبوّة و البنوّة من حیث فهم العرف من جهة شدة الملازمة بینهما عدم انفکاک تنزیل أحدهما عن تنزیل الآخر، فتأمل». و راجع أیضا بدائع الافکار فی الأصول، ص305؛ منهاج الأصول، ج 1، ص248.

الثالث: التفصیل بین الأمارات و الأصول الجاریة لإثبات أصل التکلیف فلایجزی و بین الأصول الجاریة لإثبات موضوع التکلیف فیجزی (مختار صاحب الکفایة (قدس سره).

الرابع: التفصیل بین القول بالسببیة فیجزی و القول بالطریقیة فلایجزی (مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))).

الخامس: التفصیل بین الطریقیة و المصلحة السلوکیة فلایجزی و سائر أقسام السببیة فیجزی((2)).

السادس: التفصیل بین ما إذا انکشف الخلاف بعلم وجدانی فلایجزی و بعلم تعبّدی فیجزی.

ص: 109


1- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص76 و (ط.ق): ج2، ص260: «و الصحیح هو التفصیل بین نظریة الطریقیة فی باب الأمارات و الحجج و نظریة السببیة، فعلی ضوء النظریة الأولی مقتضی القاعدة عدم الإجزاء مطلقا یعنی فی أبواب العبادات و المعاملات و فی موارد الأصول و الأمارات إلّا أن یقوم دلیل خاص علی الإجزاء فی مورد. و علی ضوء النظریة الثانیة مقتضی القاعدة الإجزاء کذلک إلّا أن یقوم دلیلٌ خاصٌّ علی عدمه فی مورد».
2- یمکننا أن لانعدّ القول الرابع و الخامس من الأقوال.
و أمّا المقصود

فنقول: إنّ الأمر الظاهری علی قسمین:

الأوّل: مفاد الأُصول العملیة و هو الحکم المجعول فی ظرف الشک و الجهل بالواقع بما هو جهل من دون النظر إلی الواقع.

الثانی: مفاد الأمارت و هو الحکم المجعول فی ظرف الشک و الجهل بما أنّه ناظر إلی الواقع و کاشف عنه.

ثمّ إنّ الأمر الظاهری بقسمیه قد یجری لإثبات أصل التکلیف و قد یجری لتنقیح موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه.

أمّا ما یجری لإثبات أصل التکلیف

ففیه نظریتان:

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

لا وجه لإجزائها مطلقاً سواءً قلنا بالطریقیة أو بالسببیة کما إذا قام الطریق أو الأصل علی وجوب صلاة الجمعة فی عصر الغیبة ثم انکشف وجوب صلاة الظهر و وجه عدم الإجزاء هو أنّ التکلیف الواقعی بقی علی ما هو علیه من المصلحة الواقعیة((1)) و المأموربه بالأمر الظاهری علی القول بالطریقیة لا مصلحة

ص: 110


1- فی المستمسک، ج 1، ص81 فی التعلیقة علی قوله «مسألة 53: إذا قلد من یکتفی بالمرة مثلا فی التسبیحات الأربع و اکتفی بها، أو قلد من یکتفی فی التیمم بضربة واحدة، ثمَّ مات ذلک المجتهد فقلد من یقول بوجوب التعدد، لایجب علیه إعادة الأعمال السابقة»: «هذا إما مبنی علی اقتضاء موافقة الأمر الظاهری للإجزاء. لکنّ المحقَّق فی محله خلافه، لقصور أدلته عن إثبات ذلک، و إطلاق دلیل الواقع محکّم». و لکن فی المدخل إلی عذب المنهل، ص312: «إعلم أنّ لکثیر من متأخری المتأخرین أنظاراً دقیقة فی مبحث الإجزاء حریة بأن یصرف فیها الفکر لکّنها مبتنیة علی أصل لهم لانوافقهم علیه و هو أنّ الجاهل مکلف بالواقع، و إن کان معذورا، بل و عاجزا عن تحصیل العلم قالوا: و إلّا یلزم التصویب و نحن نمنع لزوم التصویب کما مر». و قال فی ص224: «إن قلت: ورد فی الحدیث: إنّ الجاهل و العالم مشترکان فی الحکم و أنّ لله تعالی فی کل واقعة حکما یشترک فیه الجاهل و العالم قلنا: أوّلاً لایرتبط هذا مع مسألة التصویب و التخطئة، و ثانیاً لم یتبین لنا صحة هذه الأحادیث، و ثالثاً هی معارضة بما ورد فی حدیث الرفع من أنّ ما لایعلمون مرفوع عنهم، و رابعاً أنّ المراد من تکلیف الجاهل تکلیفه بالإجتهاد فی تحصیل العلم مع الإمکان، لا أنّه مکلف و لو مع الیأس عن الظفر بالدلیل، أو مع العجز بعد استفراغ الوسع، إلّا أن یتشبّث بالتکلیف الغیر المنجز الذی لایتصور إلّا مشتملا علی التناقض، إذ معناه التکلیف الذی لیس بتکلیف».

فیه حتّی یتدارک الواقع و علی القول بالسببیة و إن کان ذا مصلحة ملزمة إلّا أنّها أجنبیة عن مصلحة الواقع و لا صلة له بها لأنّهما سنخان مختلفان لیس أحدهما بدلاً عن الآخر بل کلّ منهما أجنبی عن الآخر((1)).

نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره):

و یجیء((2)) تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) و نختاره بالنسبة إلی الأمر الظاهری الذی جاء لبیان أصل التکلیف.

ص: 111


1- فی کفایة الأصول، ص87: «و أما ما یجری فی إثبات أصل التکلیف کما إذا قام الطریق أو الأصل علی وجوب صلاة الجمعة یومها فی زمان الغیبة فانکشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر فی زمانها فلا وجه لإجزائها مطلقا غایة الأمر أن تصیر صلاة الجمعة فیها أیضا ذات مصلحة لذلک و لاینافی هذا بقاء صلاة الظهر علی ما هی علیه من المصلحة کما لایخفی إلّا أن یقوم دلیل بالخصوص علی عدم وجوب صلاتین فی یوم واحد».
2- ما یجری لتنقیح موضوع التکلیف و تحقیق متعلقه، المقام الثانی (الأمارات)، المبنی الثالث (جعل الحکم المماثل)، تفصیل المحقق الإصفهانی بین العبادات و المعاملات.
و أمّا ما یجری لإثبات موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه

فالبحث عنه یقع فی مقامین:

المقام الأوّل: الأُصول العملیة؛ المقام الثانی: الأمارات.

ص: 112

المقام الأوّل: الأُصول العملیة
نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره):

«إنّ ما کان منه [أی من الأمر الظاهری] یجری فی تنقیح ما هو موضوع التکلیف و تحقیق متعلقه و کان بلسان تحقّق ما هو شرطه [أی المأموربه] أو شطره کقاعدة الطهارة [کلّ شیء طاهر] أو [قاعدة] الحلّیة [کلّ شیء لک حلال حتّی تعلم أنّه حرام] بل و استصحابهما [استصحاب الحلّیة أو الطهارة] فی وجه قوی و نحوها [مثل قاعدة التجاوز و الفراغ] بالنسبة إلی کل ما اشترط بالطهارة أو الحلیة یجزی.

فإنّ دلیله [أی الأصل العملی] یکون حاکما علی دلیل الاشتراط و مبیناً لدائرة الشرط [و موجباً لتوسعتها لأنّ ما دلّ علی شرطیة الطهارة أو الحلّیة للصلاة مثلاً ظاهر فی الطهارة أو الحلّیة الواقعیة و الدلیل الحاکم یوجب توسعتها] و أنه [أی الشرط] أعمّ من الطهارة الواقعیة و الظاهریة.

فانکشاف الخلاف فیه [بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة] لایکون موجبا لانکشاف فقدان العمل لشرطه بل بالنسبة إلیه یکون من قبیل ارتفاعه من حین ارتفاع الجهل».

ص: 113

بل لایعقل تحقّق انکشاف الخلاف فی الشرط لأنّ الشرط أعمّ من الواقعیة و الظاهریة، فالتعبیر بانکشاف الخلاف فی هذه الموارد بلحاظ الطهارة الواقعیة أو الحلّیة الواقعیة أمّا شرط الواجب فهو محقّق علی أی حال من دون انکشاف خلاف.

فالحقّ فی المقام الأول هو القول بالإجزاء مطلقاً.((1))

ص: 114


1- فی أصول الفقه للشیخ حسین الحلی، ج 2، ص377: «لنجعل الکلام معه قدّس سرّه فی أخسّ هذه الصور، و هو ما لو إعتمد فی الشبهة الموضوعیة بالنجاسة علی أصالة الطهارة ثم انکشف بعد العمل نجاسة ذلک الثوب مثلاً إنکشافا قطعیا، فقد حکم فی ذلک بالإجزاء. و کلامه فی ذلک یدور علی أمور ثلاثة: الأوّل: أنّ مفاد أصالة الطهارة هو تحقیق الشرط. الثانی: أنّها تکون حاکمة علی ما یدل علی اشتراط الطهارة فی اللباس، و مبینة لأنّ الشرط هو الأعمّ من الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة. الثالث: أنّه عند تبین نجاسة ذلک الثوب لایکون من قبیل تبین الخلاف و أنّه لم یکن واجدا لذلک الشرط، بل یکون من قبیل تبدل الموضوع، و یکون العلم بنجاسة ذلک الثوب رافعا للشرط من حین التبین لا من أوّل الأمر. و لا یخفی أنّ هذه الجهات تکون فی بادئ النظر کالمتناقضة، فإنّ مقتضی الثالث هو کون الحکم الظاهری الثابت بقاعدة الطهارة حکما واقعیا و أّن التبدل إلی النجاسة و فقدان الشرط یکون من قبیل تبدل الموضوع، و هذا لایلتئم مع ما فی الأمر الثانی من أنّ الشرط هو الأعم من الطهارة الواقعیة و الظاهریة». ثم ذکر توجیهین لقول صاحب الکفایة بالإجزاء و ناقش فیهما: أما التوجیه الأول فقال فی ص378: «ربما یقال فی توجیه أصل ما أفاده قدّس سرّه من الإجزاء: إنّه مبنی علی کون مفاد قاعدة الطهارة هو جعل الطهارة الواقعیة لما هو مشکوکها، فإنّ الطهارة بعد فرض کونها من الأحکام الشرعیة کان من الممکن جعلها لما هو المشکوک کما کان من الممکن جعلها للشی ء بعنوانه الأولی کالماء مثلا، و بناء علی ذلک تکون طهارة المشکوک حکما واقعیا، غایته أنّها ثابتة للشی ء بعنوان کونه مشکوکا لا بعنوانه الأولی، و حینئذ تکون محققة لما هو الشرط، و یکون ما دل علی اشتراط الطهارة شاملا للطهارة الثابتة للشی ء بعنوانه الأولی و للشی ء بعنوانه الثانوی، و یکون العلم الطارئ بالنجاسة من قبیل التبدل من موضوع إلی آخر، فلایتصور فیه انکشاف الخلاف، و یکون مقتضاه الإجزاء قطعا». و ناقش فی التوجیه الأول بخمسة وجوه، فراجع. و أما التوجیه الثانی فقال فی ص381: «و یمکن أن یقال: إنّ ما أفاده قدّس سرّه لایبتنی علی کون مفاد قاعدة الطهارة هی الطهارة الواقعیة، بل إنّه مبنی علی أنّها من الأصول التنزیلیة، و أنّها ل تتکفل إلّا الطهارة الظاهریة، لکن هذه الطهارة بالنسبة إلی ما یشترط فیه الطهارة مثل الصلاة تکون مؤثرة أثرا واقعیا و هو صحة الصلاة، لکونها واجدة لما هو الشرط فیها الذی هو الأعم من الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة، فتکون قاعدة الطهارة محققة لما هو الشرط واقعا، و بواسطة تکفلها لتنزیل ما هو مشکوک الطهارة منزلة الطاهر الواقعی فی ترتیب أثره علیه الذی هو صحة الصلاة معه، تکون موجبة لتعمیم دائرة الشرط و أنّه الأعم من الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة، و بواسطة أنّ الحکم الواقعی و هو وجدان الشرط یکون تابعا لوجود ذلک الحکم الظاهری، و أنّه عند تبین النجاسة ینقطع الحکم الظاهری فیتبدل الشرط من الوجود إلی العدم، لا أنّه ینکشف عدم وجوده من أوّل الأمر، و بذلک یتم ما أفاده من المطالب الثلاثة، أعنی کون القاعدة محققة لما هو الشرط، و موجبة لتعمیم دلیل الشرط، و أنّه عند العلم بالنجاسة یکون بالنسبة إلی وجدان الشرط من قبیل تبدل الموضوع». ثم ناقش فی هذا التوجیه أیضاً، فراجع.
مناقشة المحقّق النائینی (قدس سره) فی کلام المحقّق الخراسانی (قدس سره) حول الأصول العملیة:
المناقشة الأُولی:
اشارة

((1))

«إنّ الحکومة عند هذا القائل لابدّ و أن تکون بمثل کلمة أعنی و أردت و أشباه ذلک، و لأجله لم یلتزم بحکومة أدلّة نفی الضرر علی أدلّة الأحکام الواقعیة و لابحکومة الأدلّة الاجتهادیة علی الأُصول العملیة و من الواضح عدم تحقّق الحکومة بهذا المعنی فی المقام.»((2))

ص: 115


1- أجود التقریرات، ج1، ص287.
2- و أجاب عن هذه المناقشة الشیخ حسین الحلی فقال فی أصول الفقه، ج 2، ص385: «إنّ هذا إشکال مستقل فی تفسیره الحکومة بما ذکره من الشارحیة، و لا خصوصیة للمقام فی ذلک. مضافاً إلی إمکان أن یکون مراده بالحکومة هنا هی حکومة ما دل علی حکم الشی ء بعنوانه الثانوی علی ما دل علی حکمه بعنوانه الأولی، فإنّ الطهارة فی قاعدتها و إن کانت ظاهریة إلّا أنّها لمّا کانت واردة علی عنوان الشک الذی هو عنوان ثانوی بالنسبة إلی العناوین الأولیة، التی هی مورد الحکم بنجاسة مثل البول و شرطیة طهارة الثوب، کانت حاکمة علیها من هذه الجهة، و إن لم تکن شارحة و مفسّرة لها و لا رافعة لموضوعها».
أجاب عنها بعض الأساطین (حفظه الله)

((1)):

«إنّه [أی صاحب الکفایة (قدس سره) ] فی تعلیقته علی کلام الشیخ فی باب التعادل و التراجیح حیث ذکر الشیخ (قدس سره) کون الحکومة بنحو الشرح و التفسیر مثل أی و أعنی و نحو ذلک قال: الحکومة تتحقّق بکون الدلیل الحاکم معمِّماً لموضوع الدلیل المحکوم أو مضیِّقاً لدائرته و قد صرّح هناک [أی فی بحث التعادل و التراجیح فی التعلیقة] بتقدّم أدلّة الأمارات بالحکومة علی أدلة الأُصول [العملیة] من جهة رفعها لموضوعها [أی موضوع الأُصول] و هو الشک و الجهل [رفعاً تعبدیاً لا واقعیاً]...((2))

ص: 116


1- تحقیق الأصول، ج2، ص203.
2- فی فرائد الأصول، ج 4، ص11: «و هو [أی التعارض] لغة من العرض بمعنی الإظهار و غلب فی الإصطلاح علی تنافی الدلیلین و تمانعهما باعتبار مدلولهما ... و منه یعلم أنّه لا تعارض بین الأصول و ما یحصله المجتهد من الأدلة الإجتهادیة ... و الدلیل المفروض إن کان بنفسه یفید العلم ... و إن کان بنفسه لایفید العلم، بل هو محتمل الخلاف، لکن ثبت اعتباره بدلیل علمی فإن کان الأصل مما کان مؤدّاه بحکم العقل- کأصالة البراءة العقلیة، و الإحتیاط و التخییر العقلیین- فالدلیل أیضا وارد علیه و رافع لموضوعه ... و إن کان مؤداه من المجعولات الشرعیة- کالإستصحاب و نحوه- کان ذلک الدلیل حاکما علی الأصل، بمعنی أنّه یحکم علیه بخروج مورده عن مجری الأصل، فالدلیل العلمی المذکور و إن لم یرفع موضوعه- أعنی الشک- إلّا أنّه یرفع حکم الشک، أعنی الإستصحاب و ضابط الحکومة أن یکون أحد الدلیلین بمدلوله اللفظی متعرضا لحال الدلیل الآخر و رافعا للحکم الثابت بالدلیل الآخر عن بعض أفراد موضوعه، فیکون مبیناً لمقدار مدلوله، مسوقا لبیان حاله، متفرعا علیه و میزان ذلک أن یکون بحیث لو فرض عدم ورود ذلک الدلیل لکان هذا الدلیل لغوا خالیا عن المورد» إلخ. و فی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة التعادل، ص428 فی التعلیقة علی قوله «و ضابط الحکومة»: «لایخفی أنّه لایعتبر فی الحکومة إلاّ سوق الدّلیل، بحیث یصلح للتّعرّض لبیان کمیة موضوع الدّلیل الآخر تعمیما أو تخصیصا لو کان و لو بعده بزمان، من دون اعتبار أن یکون المحکوم قبله أو معه، فضلا من أن یکون الحاکم متفرّعا علیه بحیث لایکون له وقع و محلّ بدونه، کیف و أظهر أفرادها هو أدلّة الأمارات بالإضافة إلی الأصول التّعبدیة، و بالبداهة لاتکون الأدلّة متفرّعة علیها، بل لو لم تکن الأصول مجعولة بعد، بل و إلی یوم القیامة، کانت تلک الأدلّة علی ما هی علیها من الفائدة التّامّة و الإستقلال التّام بلا إشکال و لا کلام و من هنا إنقدح فساد ما أثبت من قوله: مسوقا لبیان حاله متفرّعا علیه و من قوله ... فیا لیت قد ضرب علیهما کما ضرب علی ما جعله میزانا للحکومة، و لعلّ منشأ توهّم التّفرّع علیه و اللغویة بدونه، کون الحاکم بمنزلة الشّرح و تبعیته للمشروح لایحتاج إلی بیان و شرح، لکنّک عرفت أنّ الحاکم مفید للفائدة التّامّة المستقلّة و إن کان مسوقا بحیث یبین کمیة موضوع الحکم بالخصوص و العموم أیضا، لا أنّه لیس مسوقا إلاّ لذلک، فتدبّر».

و أیضاً قال بحکومة الأمارات علیه و صرح بأن الأمارات حاکمة علی جمیع الأصول.((1))

ص: 117


1- قال الشیخ فی فرائد الأصول، المقصد الثالث (فی الشک)، ج 2، ص11: «و مما ذکرنا من تأخر مرتبة الحکم الظاهری عن الحکم الواقعی- لأجل تقیید موضوعه بالشک فی الحکم الواقعی- یظهر لک وجه تقدیم الأدلة علی الأصول؛ لأنّ موضوع الأصول یرتفع بوجود الدلیل، فلا معارضة بینهما، لا لعدم إتحاد الموضوع، بل لارتفاع موضوع الأصل- و هو الشک- بوجود الدلیل». و فی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة البراءة، ص184 فی التعلیقة علی قوله: «یظهر لک وجه تقدیم»: «و مجمل الکلام فی تقدیم الدّلیل علی الأصل هو أنّه إمّا وارد علیه برفع موضوعه حقیقة، کما هو الحال فی الدّلیل العلمی بالنّسبة إلی الأصل العملی مطلقا، أو الدّلیل مطلقا بالإضافة إلی خصوص أصل کان مدرکه العقل ... و إمّا حاکم علیه برفع موضوعه حکماً، کما هو الحال فی الدّلیل الغیر العلمی بالنّسبة إلی کلّ أصل کان مدرکه النّقل و من المعلوم أنّه لا منافاة بین الوارد و المورود، و کذا بین الحاکم و المحکوم، فإنّ الحاکم بمنزلة الشّارح لما هو المراد ممّا له من إطلاق أو عموم، و قد فصّلنا الکلام فی شرح معنی الحکومة و کیفیة حکومة الدّلیل علی الأصل بما لا مزید علیه فیما علّقناه سابقاً علی أواخر الإستصحاب و أوائل التّعادل و التّرجیح من الکتاب فلانعید». و فی ص430 فی الحاشیة علی رسالة التعادل: «الثانی إنّ الحاکم کما یخصص موضوع الدلیل المحکوم و یقلله، کذا ربما یعممه، و هذان قد یجتمعان فی حاکم واحد بالإضافة إلی شی ء واحد بالنسبة إلی المحکومین بل المحکوم الواحد من جهتین، کما یظهر هذا کله من ملاحظة دلیل البینة مع الإستصحاب و أدلة الأحکام الواقعیة إذا قامت البینة علی خمریته بعد ما کان خَلّا سابقا یخرج بدلیل البینة عن موضوع الإستصحاب و یدخل فی أفراد الخمر فیشمله دلیل حکمه فی کل باب، و من ملاحظة جمیع أدلة الأمارات معه بملاحظة لفظی الشک و الیقین الواقعین فیه، فمورد کل أمارة کان مورد الإستصحاب یخرج من حکم الشک و یدخل فی حکم الیقین».

و ... فی بحث التعادل و التراجیح من الکفایة فی کلام له ناظر إلی کلام الشیخ فی معنی الحکومة یصرّح بحکومة أدلّة لاضرر علی أدلّة الأحکام [الواقعیة].((1))

و کذلک فی آخر مبحث البراءة من الحاشیة حیث یورد کلام الفاضل

ص: 118


1- ذکر هذا المطلب فی تعلیقة الرسائل فی قاعدة لاضرر: قال الشیخ فی فرائد الأصول، ج 2، ص462 و 463: «ثمّ إنّ هذه القاعدة حاکمة علی جمیع العمومات الدالّة بعمومها علی تشریع الحکم الضرری، کأدلّة لزوم العقود، و سلطنة الناس علی أموالهم، و وجوب الوضوء علی واجد الماء، و حرمة الترافع إلی حکّام الجور، و غیر ذلک و ما یظهر من غیر واحد من أخذ التعارض بین العمومات المثبتة للتکلیف و هذه القاعدة، ثمّ ترجیح هذه ... فهو خلاف ما یقتضیه التدبّر فی نظائرها من أدلّة رفع الحرج و رفع الخطأ و النسیان و نفی السهو علی کثیر السهو و نفی السبیل علی المحسنین و نفی قدرة العبد علی شی ء و نحوها ... و المراد بالحکومة أن یکون أحد الدلیلین بمدلوله اللفظی متعرّضا لحال دلیل آخر من حیث إثبات حکم لشی ء أو نفیه عنه فالأوّل: مثل ما دلّ علی الطهارة بالإستصحاب أو شهادة العدلین، فإنّه حاکم علی ما دلّ علی أنّه لا صلاة إلّا بطهور فإنّه یفید بمدلوله اللفظی أنّ ما ثبت من الأحکام للطهارة فی مثل لا صلاة إلّا بطهور و غیرها، ثابت للمتطهّر بالإستصحاب أو بالبینة و الثانی مثل الأمثلة المذکورة». و فی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة البراءة، ص282 فی التعلیقة علی قوله: «ثمّ إنّ هذه القاعدة حاکمة علی جمیع العمومات»: «حکومتها یتوقّف علی أن یکون بصدد التّعرّض لبیان حال أدلّة الأحکام المورثة للضّرر بإطلاقها أو عمومها علی ما أفاده قدّه أو حال الأدلّة الدّالّة علی جواز الإضرار بالغیر، أو وجوب تحمّل الضّرر عنه بالإطلاق أو العموم علی ما ذکرنا، و إلاّ بأن یکون لمجرّد بیان ما هو الواقع من نفی الضّرر، فلا حکومة لها، بل حالها کسائر أدلّة الأحکام».

التونی (قدس سره) فهناک أیضا یصرح بأن وزان لاضرر وزان (فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ)».((1))

ص: 119


1- البقرة:197. راجع درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة البراءة، ص282. إنّ المحقق الخراسانی لم یقل فی موضع من الکفایة بالحکومة فی النسبة بین قاعدة لاضرر و الأحکام الأولیة و النسبة بین الأمارات و الأصول الشرعیة بل صرح فیه بالتوفیق العرفی. ففی کفایة الأصول، ص382 فی قاعدة لاضرر: «و من هنا لایلاحظ النسبة بین أدلة نفیه و أدلة الأحکام و تقدم أدلته علی أدلتها مع أنّها عموم من وجه حیث إنّه یوفق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین الأولیة اقتضائی یمنع عنه فعلا ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلته ...». و راجع ص430، و فی ص437 و 438، المقصد الثامن فی تعارض الأدلة و الأمارات: «التعارض هو تنافی الدلیلین أو الأدلة بحسب الدلالة و مقام الإثبات علی وجه التناقض أو التضاد حقیقة أو عرضا بأن علم بکذب أحدهما إجمالا مع عدم امتناع اجتماعهما أصلا و علیه فلا تعارض بینهما بمجرد تنافی مدلولهما إذا کان بینهما حکومة رافعة للتعارض و الخصومة بأن یکون أحدهما قد سِیقَ ناظراً إلی بیان کمیة ما أرید من الآخر مقدما کان أو مؤخرا أو کانا علی نحو إذا عرضا علی العرف وفق بینهما بالتصرف فی خصوص أحدهما کما هو مطرد فی مثل الأدلة المتکفلة لبیان أحکام الموضوعات بعناوینها الأولیة مع مثل الأدلة النافیة للعسر و الحرج و الضرر و الإکراه و الإضطرار مما یتکفل لأحکامها بعناوینها الثانویة حیث یقدم فی مثلهما الأدلة النافیة و لاتلاحظ النسبة بینهما أصلا و یتفق فی غیرهما کما لایخفی أو بالتصرف فیهما فیکون مجموعهما قرینة علی التصرف فیهما أو فی أحدهما المعین و لو کان الآخر أظهر و لذلک تقدم الأمارات المعتبرة علی الأصول الشرعیة فإنّه لایکاد یتحیر أهل العرف فی تقدیمها علیها بعد ملاحظتهما حیث لایلزم منه محذور تخصیص أصلا بخلاف العکس فإنّه یلزم منه محذور التخصیص بلا وجه أو بوجه دائر کما أشرنا إلیه فی أواخر الإستصحاب و لیس وجه تقدیمها حکومتها علی أدلتها لعدم کونها ناظرة إلی أدلتها بوجه و تعرضها لبیان حکم موردها لایوجب کونها ناظرة إلی أدلتها و شارحة لها». و نذکر هنا عبارة لمزید الإطّلاع علی مختار صاحب الکفایة قال فی عنایة الأصول، ج 6، ص13: «بقی شی ء و هو أنّ المصنف قد صرح فی آخر الاستصحاب أنّ وجه تقدم الأمارات علی الإستصحاب هو الورود و ظاهر قوله فی المقام: و لذلک تقدم الأمارات إلخ هو الإشارة إلی التوفیق العرفی و هما لایخلوان عن التنافی و لکنّ الظاهر أنّ مراده من ذلک هو الإشارة إلی التوفیق العرفی بمعنی عام الشامل للورود ...». أما تعلیقة الرسائل فقد عرفت مواضع صرح فیها بالحکومة و لکن یصرح فی مواضع آخر من التعلیقة بعدم الحکومة، ففی درر الفوائد فی الحاشیة علی رسالة الظن، ص135 و فی ص297فی الحاشیة علی رسالة الإستصحاب و فی ص390، و فی ص392 و فی ص412 و فی ص413 و فی تعلیقة ص430 فی الحاشیة علی رسالة التعادل؛ و فی فوائد الاصول، الفائدة التاسعة (فی معنی المتعارضین)، ص102. و وجه الإختلاف فی کلمات الآخوند هو اختلاف زمن تألیفاته إذ هو فی ابتداء الأمر کان قائلا بمبنی الشیخ الأنصاری أی الحکومة و قد رأیت عبارته فی التعلیقة علی رسالة البراءة و التعادل من فرائد الأصول و تاریخ فراغه من الأول سنة 1295 و من الثانی سنة 1291. ثم إختار الورود و رأیت عباراته فی التعلیقة علی رسالة الظن و الإستصحاب من فرائد الأصول و فی فوائد الأصول و تاریخ فراغه من الأول سنة 1302 و من الثانی سنة 1305 و من الثالث سنة 1301 و أما ما نقلناه عنه من عبارته فی ص430 من تعلیقته علی رسالة التعادل حیث صرح بعدم الحکومة فهو حاشیة منه علی التعلیقة و هو فی عبارة التعلیقة مصرح بالحکومة فراجع. ثم عبر فی کفایة الأصول بالتوفیق العرفی تارة و الورود أخری و تاریخ فراغه منه سنة 1320 أو 1321. تکملة: قد عرفت أنّ صاحب الکفایة یری أنّ النسبة بین دلیل نفی الضرر و أدلة الأحکام لیست حکومة و استشکل هذا الکلام عدة من الأعلام بناء علی مختاره فی معنی قاعدة لاضرر: راجع حقائق الأصول، ج 2، ص386؛ عنایة الأصول، ج 4، ص 318؛ منتهی الدرایة، ج 6، ص525 – 527. و القول بالحکومة هو المشهور بین المحققین ففی قاعدة لا ضرر و لا ضرار للسید علی السیستانی، ص232: «التنبیه الثالث فی وجه تقدیم لا ضرر علی أدلة الأحکام الأولیة و قد ذکر فی ذلک وجوه کثیرة إلّا أنّ المشهور بین المحققین أنّه علی نحو الحکومة التضییقیة و هو الصحیح».
المناقشة الثانیة:
اشارة

«إنّ وجود الحکم الظاهری لابدّ و أن یکون مفروغاً عنه حین الحکم بعموم الشرط الواقعی للطهارة الواقعیة و الظاهریة أو بعمومه [أی الشرط الواقعی] للإباحة کذلک [أی الواقعیة و الظاهریة] و من الواضح أنّ المتکفّل لإثبات

ص: 120

الحکم الظاهری لیس إلّا نفس دلیل قاعدة الطهارة أو أصالة الإباحة، فکیف یمکن أن یکون هو المتکفّل لبیان کون الشرط أعمّ من الواقعیة و الظاهریة منهما.»((1))

و أجاب عنها المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

«الحکم بکون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر و إن کان یستلزم کون وجود الحکم الظاهری مفروغاً عنه حین الحکم بعموم الشرط، إلّا أنّ المدعی فی المقام هو أنّ جعل الطهارة الظاهریة یستلزم ترتّب أحکام الطهارة الواقعیة التی من

ص: 121


1- بیّن الشیخ حسین الحلی مراد أستاذه المحقق النائینی فقال فی أصول الفقه، ج 2، ص386: «المراد أنّ الدلیل المتکفل لجعل الطهارة الظاهریة لایکفی فی تعمیم دلیل الشرط، بل لابدّ أن یکون تعمیم ذلک الدلیل إلی الطهارة الواقعیة و الطهارة الظاهریة مستفاداً من دلیل آخر، و لابد أن تکون مرتبة ذلک الدلیل الآخر بعد جعل تلک الطهارة الظاهریة. و بعبارة أخری أنّ تعمیم الشرط إلی الطهارة الظاهریة لابدّ أن یکون بعد الفراغ عن جعل الطهارة الظاهریة، فلایعقل أن یکون دلیل جعلها وافیا بذلک التعمیم». ثم أجاب عن هذه المناقشة فقال: «و لایخفی أّن هذا الإشکال إنمّا یکون متوجها لو کان التعمیم واقعیا، و هو من فروع کون الحکومة واقعیة لا ظاهریة. أمّا لو کان التعمیم المذکور تعمیما ظاهریا و کانت الحکومة أیضا حکومة ظاهریة، فلایتوجه هذا الإشکال، لأنّ الدلیل المتکفل لتنزیل المشکوک منزلة الظاهر الواقعی فی ترتیب أثره و هو الشرطیة کاف فی توسعة ذلک الشرط، غایته أّنها توسعة ظاهریة، و مرادنا من التوسعة هو ما عرفت من أنّ لازم التنزیل هو جواز الدخول فی الصلاة و صحتها ظاهرا الذی هو عبارة عن کونها واجدة للشرط ظاهرا، و المفروض أنّه لم تکن واجدة إلّا للطهارة الظاهریة، فکان الشرط حینئذ هو الطهارة الظاهریة، و هذا هو المراد من توسعة الشرط. و الحاصل أنّ المراد من توسعة الشرط هنا هو توسعته ظاهرا إلی ما لیس بطاهر واقعا، لا توسعته واقعا إلی الطهارة الظاهریة».
2- فی حاشیة أجود التقریرات،ج1، ص288 تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج1، ص394.

جملتها شرطیتها للصلاة مثلاً علی الطهارة الظاهریة، فالمحکوم به إنّما هی الطهارة الظاهریة لا کون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر.

و أمّا عموم الشرط فهو من لوازم جعل الطهارة ظاهراً فلا محذور من هذه الجهة فی دعوی کون الشرط أعمّ من الواقع و الظاهر فتدبر جیدا.»

المناقشة الثالثة:
اشارة

«إنّ الحکومة التی توسّع دائرة المحکوم و تضیّقها إنّما تصحّ إذا کانت واقعیة بأن یکون الحاکم فی مرتبة المحکوم، کقوله (علیه السلام): لاشک لکثیر الشک بالإضافة إلی أدلّة الشکوک.

و أمّا إذا کانت الحکومة ظاهریة و کان الحکم متأخراً رتبة عن المحکوم لتقوّم موضوعه بالشک فی المحکوم -کما فیما نحن فیه- فلایعقل أن یکون الحاکم موسّعاً و مضیّقاً، إذ یستحیل أن یکون موضوعه فی عرض أفراد موضوع المحکوم حتّی یوسّعه أو یضیّقه.»((1))

ص: 122


1- قرّرها المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هکذا فی هامش نهایة الدرایة، ص394 و 395 بعنوان الإشکال الخامس و قال بعد ذکره: «و هذا أقوی إشکال یورد هنا». و فی أجود التقریرات، ج1، ص288: «و ثالثاً أنّ الحکومة فی المقام و إن کانت مسلمة إلّا أنّها لاتستلزم تعمیم الشرط واقعاً فإنّ الحکومة علی قسمین: قسم یکون الدلیل الحاکم فی مرتبة الدلیل المحکوم و لایکون الشک فی المحکوم مأخوذاً فی الدلیل الحاکم کقوله علیه السلام لا شک لکثیر الشک الحاکم علی أدلة الشکوک فی الصلاة فلامحالة یکون الدلیل الحاکم موجباً لعموم الدلیل المحکوم أو مخصصاً له بلسان الحکومة و یسمی هذا القسم حکومة واقعیة (و قسم آخر) یکون الشک فی المحکوم مأخوذا فی الدلیل الحاکم فلامحالة یکون الدلیل الحاکم متأخراً عن المحکوم لأخذ الشک فیه موضوعاً فی الدلیل الحاکم فیستحیل کونه معمما أو مخصصاً له فی الواقع فتکون حکومته ظاهریة لامحالة و یترتب علی ذلک» إلخ.

«و یترتب علی ذلک جواز ترتیب آثار الواقع ما لم ینکشف الخلاف، فإذا انکشف الخلاف ینکشف عدم وجدان العمل لشرطه و یکون مقتضی القاعدة هو عدم الإجزاء کما فی الأمارات».((1))

ص: 123


1- هذه التتمة من أجود التقریرات. و فی عنایة الأصول، ج 1، ص269 و 270: «إنّ هذه الأصول و إن کانت هی حاکمة علی أدلة الشرط أو الجزء کما أفاد المصنف و لکنّها حکومة ظاهریة لا حکومة واقعیة و الفرق بینهما أنّ الحاکم الواقعی مما یوسع دائرة المحکوم واقعا أو یضیقها کذلک کما إذا قال: أکرم العالم ثم قال: ولد العالم عالم أو قال: إنّ النّحوی لیس بعالم و الحاکم الظاهری کالأصل العملی مما لایوسع دائرة الشرط واقعا بل ظاهرا بمعنی أنّ قاعدة الطهارة مثلا لاتجعل شیئا فی قبال الطهارة الواقعیة تتوسع بها دائرتها حقیقة سوی الترخیص فی البناء علی الطهارة الواقعیة فی ظرف الشک و المعاملة مع المشکوک معاملة الظاهر الواقعی ما دام کون الشک موجودا و من المعلوم أنّ مجرد ذلک مما لایقضی فیما إذا إنکشف الخلاف و ظهر فقدان العمل للطهارة واقعا أنّ العمل الفاقد لها یجزی عن العمل الواجد لها إعادة أو قضاء ثم إنّ کلام المصنف کله مفروض فی الأصول العملیة الموسعة لدائرة الشرط أو الجزء کقاعدتی الطهارة و الحل و استصحابهما و یجری الکلام بعینه فی الأصول العملیة التی تضیق دائرة الشرط أو الجزء کحدیث الرفع بالنسبة إلی دلیل الشرط أو الجزء فهو یضیق دائرته و یحصره بصورة العلم فقط دون الجهل و مقتضاه أنّه إذا شک فی وجوب شرط أو جزء و جرت البراءة عنه بشرائطها ثم انکشف الخلاف و أنّه کان معتبرا واقعا فیجزی العمل المأتی به بلا شرط أو جزء عن المأمور به الواقعی و لایکاد نحتاج إلی القضاء أو الإعادة أصلا و سیأتی التصریح منه بالبراءة النقلیة و بحکومتها علی دلیل الواقع فی الإجتهاد و التقلید فی تبدل رأی المجتهد إلّا أنّ ذلک ضعیف أیضا لِعین ما مرّ فی الأصول الموسعة حرفا بحرف فإنّ حکومة حدیث الرفع علی دلیل الشرط أو الجزء هی حکومة ظاهریة و لایکاد یرتفع به الشرط أو الجزء فی حال الجهل من أصله و إنّما یرتفع به التنجز و المؤاخذة علیه و من المعلوم أنّ مجرد رفعه کذلک مما لایقتضی الإجزاء و سقوط الإتیان بالعمل ثانیا بعد ما انکشف فقد أنّه للشرط أو الجزء واقعا (و بالجملة) أنّ الحکومة الظاهریة سواء کانت معممة أو مخصصة مما لاتکاد تقتضی الإجزاء عن الواقع إذا انکشف خلافه و إتّضح غیره بخلاف الحکومة الواقعیة التی توسع دائرة الشرط أو الجزء أو تضیقها حقیقة و واقعا». و ذکر الشیخ حسین الحلی بعض الملاحظات فی کلام المحقق النائینی فقال فی أصول الفقه، ج 2، ص387: «لایخفی أنّ هذا التأخر الرتبی فی قاعدة الطهارة إنّما هو عن الدلیل الدال علی حکم ما جرت فیه القاعدة من نجاسة أو طهارة، لا عن دلیل اشتراط الطهارة فی لباس المصلی ثم الظاهر أنّ میزان کون الحکومة ظاهریة لیس هو مجرد التقدم الرتبی، بل إنّ میزانه هو کون ما یتضمنه الحاکم حکما ظاهریا لا واقعیا، فإنّ قاعدة الطهارة و إن لم تکن متأخرة رتبة عن اشتراط الطهارة فی اللباس، إلّا أنّها لمّا کانت متضمنة للحکم الظاهری کان تقدمها علیه من قبیل الحکومة الظاهریة لا الواقعیة، کما أنّه لابدّ فی کون الحکومة واقعیة من عدم کون الشک فی المحکوم مأخوذا فی الدلیل الحاکم، أما کون الحاکم فی رتبة الدلیل المحکوم فعلی الظاهر أنّه لایعتبر فیها، بل لابدّ فی الحکومة الواقعیة من تأخر الحاکم رتبة باعتبار کون الحکم فیه متفرعا عن أصل الحکم فی المحکوم، إذ لو لم یکن حکم الشک هو البناء علی الأکثر لم یتوجه نفی الشک عن کثیر الشک بمعنی نفی حکمه عنه، فتأمل».
أجاب عنها العلامة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

«إنّ التعمیم و التخصیص الحقیقی و إن کان مستحیلاً إلّا أنّه لایجب أن تکون الحکومة المؤثرة فی الإجزاء متکفّلة للتعمیم و التخصیص الحقیقیین، إذ لیست الحکومة بمعنی الشرح و التفسیر بل بمعنی إثبات الموضوع و نفیه تنزیلاً.

و الشرطیة الواقعیة و إن کانت للطهارة الواقعیة إلّا أنّ الشرطیة الفعلیة للطهارة العنوانیة فهو تعمیم عنوانی، حیث إنّه أُلحق بالطاهر الواقعی فی حکمه ما هو طاهر عنواناً، کما أنّه أُخرج عن النجس الواقعی فی حکمه ما هو غیر نجس عنواناً و لا محذور فی إعطاء حکم الطاهر الواقعی للطاهر عنواناً إلّا توهّم التصویب.

و سیجیء إن شاء الله تعالی أنّا لانقول بسقوط الطهارة الواقعیة عن الشرطیة حتّی فی حال الشک فیها، و إنّما نقول بأنّ الطهارة العنوانیة جعلت شرطاً بدلاً عن الطهارة الواقعیة لکونها ذات مصلحة بدلیة، فیسقط الأمر بالصلاة عن

ص: 124


1- نهایة الدرایة، ج1، ص395.

طهارة واقعیة بإتیان الصلاة عن طهارة عنوانیة لحصول ملاکه، لا للکسر و الانکسار بین مقتضی الحکمین الواقعی و الظاهری لیلزم التصویب.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1)):

إنّ ترتّب آثار الطهارة الواقعیة علی الطهارة العنوانیة لایکون إلّا فی ظرف الشک فی الطهارة الواقعیة و بعد زوال الشک لا مجال لذلک لأنّ الشک موضوع للطهارة العنوانیة و بعد ارتفاع الشک لایبقی موضوع للطهارة العنوانیة و مع انتفاء الطهارة العنوانیة لا وجه لإجزاء الأمر الظاهری عن الأمر الواقعی.

یلاحظ علی إیراد بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ هذا البیان یجدی فی ظرف ارتفاع الشک، و الطهارة العنوانیة منتفیة بعد انتفاء الشک لا قبله، فما لم یرتفع الشک لا وجه لارتفاع الطهارة العنوانیة، ثم إنّ وجه الإجزاء عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هو أنّ الطهارة العنوانیة واجدة للمصلحة البدلیة، فالصلاة مع الطهارة الظاهریة توجب حصول ملاک الأمر الواقعی فیجزی عنه.

ص: 125


1- فی تحقیق الأصول، ج2، ص206: «و أورد علیه الأستاذ بأنّ عنوان الشی ء غیر الشی ء، فالطهارة العنوانیة مغایرة للطّهارة، و إذا کان الأثر یترتب علی الطهارة العنوانیة فإنّما هو إلی زمان وجودها المتفرّع علی الشک فی الطّهارة الواقعیة، و بمجرّد زوال الشک فلایبقی موضوع للطهارة العنوانیة، و إذ لا موضوع فلا حکم، لاستحالة بقاء الحکم بعد زوال الموضوع، و حینئذٍ یبقی إطلاق دلیل الطّهارة الواقعیة بوحده. و حاصل إشکال المیرزا هو أنّ الحکومة و ترتّب الأثر علی الطهارة الظّاهریة- أو العنوانیة کما یقول المحقّق الأصفهانی- إنّما یکون ما دام الشک موجوداً، أمّا مع زواله و انقضاء ظرف الشک و انکشاف الخلاف، فلا دلیل علی کفایة العمل بالأمر الظاهری فما ذکره المحقق الأصفهانی غیر دافع للإشکال».
ملاحظة علی ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی هذا المقام:

إنّ تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یتوقف علی أحد أمرین: إما علی فرض وجود المصلحة البدلیة للحکم الظاهری و إمّا علی استیفائها لتمام مصلحة الأمر الواقعی أو استیفائها لبعضها و کون المصلحة الباقیة إمّا غیر قابلة للتدارک أو غیر واجبة التدارک، و أمّا إذا فرضنا أنّ المصلحة الباقیة قابلة للاستیفاء و واجبة التدارک فلا مجال حینئذ للقول بالإجزاء و لا دلیل و لا إطلاق فی مقام الإثبات حتّی یعیّن بعض هذه الصور، إلّا أن یقال بإطلاق صلّ مع الطهارة.

المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

«إنّ الحکومة المدّعاة فی المقام لیست إلّا من باب جعل الحکم الظاهری و تنزیل المکلّف منزلة المحرز للواقع فی ترتیب آثاره و هذا مشترک فیه بین جمیع الأحکام الظاهریة سواء ثبتت بالأمارة أم بالأصل محرزاً کان أم غیر محرز، بل الأمارة أولی بذلک من الأصل، فإنّ المجعول فی الأمارات إنّما هو نفس صفة الإحراز و کون الأمارة علماً تعبّداً، و أمّا الأُصول فلیس المجعول فیها إلّا التعبّد بالجری العملی و ترتیب آثار إحراز الواقع فی ظرف الشک.»((2))

ص: 126


1- أجود التقریرات، ج1، ص289.
2- قال الشیخ حسین الحلی فی أصول الفقه، ج 2، ص388: «یمکن الجواب عن هذا الإشکال بأنّ التعمیم لدلیل الشرط إنّما یکون مستفادا من دلیل التنزیل. فإن کان لسان دلیل الحکم الظاهری متکفلا للتنزیل ترتب علیه تعمیم الشرط، أما إذا لم یکن مفاده إلّا الحکم بإحراز الواقع فلایترتب علیه التعمیم المذکور، و لایکون دخوله فی الصلاة من باب الحکم علیه بأنّه طاهر تنزیلا، کی یکون بذلک واجدا لأحد فردی الشرط الذی هو الطهارة الظاهریة، بل إنّما یکون جواز دخوله فیها من باب کونه محرزا للشرط و تنزیله منزلة العالم به، و ذلک لایلزمه وجدان الشرط، بل لایکون حاله إلّا کحال العالم بالشرط و بالجملة: فرق بین الحکم علیه بأنّه محرز للواقع الذی هو الطهارة و تنزیل ذلک الإحراز الذی تکفله الأصل الإحرازی أو الأمارة منزلة العلم الوجدانی، و بین الحکم علی ذلک المشکوک بأنّه طاهر، و أنّه منزّل منزلة الطاهر الواقعی فی ترتیب أثره علیه الذی یکون من جملته هو تحقق الشرط. فإنّ الأول لایوجب تعمیم الشرط بخلاف الثانی فإنّه یوجبه. نعم یرد علیه ما تقدم مراراً من أنّ هذا التعمیم لایکون تعمیما واقعیا، بل لایکون إلّا ظاهریا، فلایکون موجبا للإجزاء».
أجاب عنها المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1)):

«إنّ الحکومة بلحاظ لسان القاعدة فإنّ مفادها [أی الأُصول العملیة مثل الاستصحاب و قاعدة الطهارة و الحلّیة] جعل الطهارة [أو الحلّیة مثلاً] ابتداء من دون نظر إلی الواقع و فی الأمارة بالنظر إلی الواقع و البناء علی وجودها فی الواقع.»

فالمجعول فی الأُصول العملیة بنفسه حکم شرعی و هذا یوجب توسعة فی أدلّة الشروط فإنّ الصلاة کانت مشروطة بالطهارة و بعد جعل الطهارة الظاهریة یوجد مصادیق أُخری للطهارة و هذا معنی التوسعة فی أدلّة الشروط.

و لکن هذا المعنی مفقود فی الأمارات لأنّ المجعول فیها لیس إلّا جعل الطریقیة و الکاشفیة عن الواقع و الحکم بثبوت الواقع عند قیام الأمارة علیه، فإذا قامت الأمارة علی وجود الشرط واقعاً ثمّ انکشف خلافها بعد ذلک فالعمل المأتی به یکون فاقداً لشرطه واقعاً و لا مجال حینئذ للقول بالإجزاء.

المناقشة الخامسة:
اشارة

((2))

«إنّ الحکومة لو کانت واقعیة فلابدّ من ترتیب جمیع آثار الواقع لا خصوص

ص: 127


1- نهایة الدرایة، ج1، ص394 و تبعه فی ذلک المحقّق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة أجود التقریرات، ج1، ص289و بعض الأساطین (حفظه الله) فی تحقیق الأُصول، ج2، ص204.
2- أجود التقریرات، ج1، ص289.

الشرطیة فلابدّ و أن لایحکم بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً و لو انکشف نجاسته بعد ذلک و لا أظنّ أن یلتزم به أحد.»

و أجاب عنها المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

«إنّه بعد البناء علی أنّ الطهارة و النجاسة من الموضوعات الواقعیة التی کشف عنها الشارع، لاتصرّف من الشارع جعلاً إلّا التکلیف و الوضع بجواز الارتکاب و بجعل الشرطیة [فی الطهارة] و بحرمة الارتکاب و جعل المانعیة [فی النجاسة]، و إلّا فلایعقل أن یتأثّر المغسول بالنجس الواقعی بأثر الطهارة اقتضاء أو إعداداً.»

توضیح ذلک: إنّ الطهارة و النجاسة من الموضوعات الواقعیة و الشارع عند الشک فی تلک الموضوعات الواقعیة یجعل أحکاماً وضعیة و تکلیفیة و بعد ارتفاع الشک ینتهی أمد تلک الأحکام بانتفاء موضوعها الذی هو الشک و بعبارة أُخری مع انکشاف الواقع لا مجال لتلک الأحکام الوضعیة و لذلک یحکم بنجاسة الملاقی لما هو محکوم بالطهارة ظاهراً.

نعم إنّ جعل الطهارة العنوانیة یوجب أثراً وضعیاً و هو التوسعة فی الشرطیة و ذلک یرجع إلی إطلاق دلیل الشرط بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و الطهارة العنوانیة التی هی حکم مجعول شرعی.

إیراد المحقّق الخوئی علی مبنی المحقّق الخراسانی و دفاعه عن المناقشة الخامسة

((2)):

«إنّ ما أفاده خاطئ نقضاً و حلاً:

ص: 128


1- حاشیة نهایة الدرایة، ج1، ص394.
2- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص70 و (ط.ق)، ج2، ص254.

أمّا الأول [أی نقضاً] فلأنّ الالتزام بما أفاده لایمکن فی غیر باب الصلاة من أبواب الواجبات کالعبادات و المعاملات و من هنا لو توضأ بماء قد حکم بطهارته من جهة قاعدة الطهارة أو استصحابها ثم انکشف نجاسته لم یلتزم أحد من الفقهاء و المجتهدین حتّی هو (قدس سره) بالإجزاء فیه و عدم وجوب إعادته.

و کذا لو غسل ثوبه أو بدنه فی هذا الماء ثم انکشف نجاسته لم یحکم أحد بطهارته...

و من هذا القبیل ما إذا افترضنا أنّ زیداً کان یملک داراً مثلاً ثم حصل لنا الشک فی بقاء ملکیته فأخذنا باستصحاب بقائها [أی ملکیته] ثم اشتریناها [أی الدار] منه و بعد ذلک انکشف الخلاف و بان أنّ زیداً لم یکن مالکاً لها فمقتضی ما أفاده (قدس سره) هو الحکم بصحّة هذا الشراء لفرض أنّ الاستصحاب حاکم علی الدلیل الواقعی و أفاد التوسعة فی الشرط و جعله أعمّ من الملکیة الواقعیة و الظاهریة مع أنّه لن یلتزم و لایلتزم بذلک أحد»

و أمّا حلّاً: فملخّص ما أفاده (قدس سره) هو أنّ «الأحکام الظاهریة فی الحقیقة أحکام عذریة فحسب و لیست أحکاماً حقیقیة فی قبال الأحکام الواقعیة و المکلّف مأمور بترتیب آثار الواقع علیها (أی علی الأحکام الظاهریة) مادام الجهل، و إذا ارتفع ارتفع عذره و بعده لایکون معذوراً فی ترک الواقع و ترتیب آثاره علیه من الأوّل.»((1))

و قد تحصّل من ذلک أنّه لافرق بین هذه القواعد و الأُصول و بین الأمارات فإنّها من واد واحد.

ص: 129


1- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص73و (ط.ق)، ج2، ص257.
تحقیق حول إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) نقضاً و حلاً:

إنّ ما أفاده فی النقض الأوّل یتوجه إلی المحقّق الإصفهانی و أستاذه المحقّق الخراسانی (قدس سرهما) نعم إنّ ما أفاده العلامة الإصفهانی (قدس سره) وافٍ لحلّ النقض الثانی کما أنّ النقض الثالث خارج عن حریم النزاع و سیجیء البحث عن ذلک إن شاء الله تعالی.

و لکن النقض الأوّل فهو بعین ما نحن فیه لأنّ طهارة الماء شرط للوضوء کما أنّ الطهارة شرط للصلاة، فإنّ أدلّة الأُصول العملیة إن کانت حاکمة علی أدلّة اشتراط الصلاة بالطهارة لابدّ أن تکون حاکمة علی أدلّة اشتراط ماء الوضوء بالطهارة أیضاً.

و یمکن أن یقال: لابدّ من أن یلاحظ دلیل الاشتراط فإن وجدنا دلیلاً علی شرطیة الطهارة بما أنّها من الموضوعات الواقعیة فلایبقی حینئذ مجال لإطلاق دلیل الاشتراط بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و العنوانیة و لکن إن لم نجد دلیلاً علی شرطیة الطهارة المقیدة بکونها واقعیة فحینئذ نتمسّک بإطلاق الطهارة و الأمر فی ما نحن فیه کذلک فإنّ الطهارة فی دلیل اشتراط ماء الوضوء بالطهارة، لیست مطلقة و یستفاد ذلک من الأدلّة و القرائن.

أمّا ما أفاده فی حلّ المطلب من أنّ الأحکام الظاهریة فی الحقیقة أحکام عذریة فحسب و لیست أحکاماً حقیقیة فی قبال الأحکام الواقعیة فهو مخالف لمبناه حیث إنّه یقول بأنّ الحکم الظاهری فی باب الأُصول حکم مجعول شرعی کما هو الظاهر من خطاب «کلّ شیء طاهر» فإنّ کلمة «طاهر» فی کلام الشارع ظاهر فی أنّه اعتبار و حکم شرعی.

ص: 130

و علی فرض تسلّم ذلک إنّه جواب مبنائی و لایجدی فی حقّ من لم یلتزم بهذا المبنی (أی کونها عذریة).

فتحصّل إلی هنا: أنّ الأُصول العملیة إذا جرت لإثبات موضوع التکلیف و تحقیق متعلّقه مجزیة عن الواقع لوجهین:

الوجه الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی الکفایة من حکومة أدلّة الأُصول علی أدلّة الاشتراط و نتیجتها التوسعة فی دائرة الشرط و إطلاقه بالنسبة إلی الطهارة الواقعیة و الظاهریة.

و هذا فیما لم یثبت من الأدلّة تقیید الشرط بالموضوعات الواقعیة کما فی اشتراط طهارة ماء الوضوء فإن استصحبنا طهارته فتوضأنا ثم علمنا بنجاسته لایحکم بصحّة الوضوء باستصحاب طهارة الماء.

الوجه الثانی: ما أفاده المحقّق الاصفهانی (قدس سره) من جهة حصول ملاک الأمر الواقعی و ذلک لأنّ المأموربه بالأمر الظاهری فیما إذا کان أصلاً عملیاً هو حکم ظاهری واجد للمصلحة البدلیة (ولابدّ من تتمیم بیانه بالصور الأربع الثبوتیة ثم التمسّک باطلاق صلّ مع الطهارة واقعیة کانت أو ظاهریة لإثبات الإجزاء)

هذا کلّه بالنسبة إلی الأُصول العملیة.

ص: 131

ص: 132

المقام الثانی: الأمارات
اشارة

نبحث فیه بناءً علی المبانی المختلفة فیها و هی خمسة((1)):

المبنی الأول: الطریقیة
اشارة

إنّ المشهور بین القدماء هو القول بالإجزاء علی الطریقیة و لکن المتأخرین قالوا بعدم الإجزاء((2)) و خالفهم السید البروجردی (قدس سره) ((3)).

أدلّة القول بالإجزاء:
اشارة

أدلّة القول بالإجزاء(4):

الدلیل الأوّل:
اشارة

إنّا نفرض وجود الأمارتین: الأمارة الأُولی (التی انکشف خطأها بالأمارة

ص: 133


1- قال صاحب الکفایة (قدس سره) بعدم الإجزاء فیها بناءً علی القول بالطریقیة و التنجز و بالإجزاء بناء علی القول بالسببیة و له بحث آخر بناءً علی عدم إحراز معنی الحجیة من السببیة و الطریقیة.
2- فی تحقیق الأصول، ج2، ص211: «أمّا بناءً علی الطریقیة فالمشهور بین المحققین عدم الإجزاء و قیل بالإجزاء».
3- نهایة الأُصول، ط.ق. ص132.
4- . فی تحقیق الأصول، ج2، ص211: «قد ذکر الأستاذ فی الدورة السابقة ثلاثة و فی اللاحقة خمسة وجوه و قد أجاب عنها کلّها». و فی ص228: «هذا تمام الکلام فی مقتضی الأدلّة الأوّلیة و استدل للقول بالإجزاء بوجوهٍ من الأدلّة الثانویة عمدتها ما یلی: قاعدة لاضرر و لاحرج، الإجماع، السیرة». و فی 232: «تلخّص أنّه لا دلیل علی الإجزاء من الأدلّة الثانویة».

الثانیة) و الأمارة الثانیة و کلتاهما حجّتان لکن مبنی القول بعدم الإجزاء هو ترجیح الأمارة الثانیة علی الأُولی و هو ترجیح بلا مرجح((1)).

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ الفرض هو انکشاف الخلاف بالنسبة إلی الأمارة الأولی فتسقط عن الحجیة.((3))

ص: 134


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص211: «الوجه الأول: إنّ الأمارة الاولی حجّة و الأمارة الثانیة أیضاً حجّة و القول بعدم الإجزاء مبناه تقدیم الثانیة و هذا ترجیح لإحدی الحجّتین علی الأخری بلا مرجّح». و فی مطارح الأنظار (ط.ج)، ج1، ص163و ط.ق. ص30: «الخامس أنّ الأخذ بالأمارة الثانیة فی الوقائع المترتبة علی الوقائع السابقة دون الأمارة الأولی ترجیح بلا مرجح و تخصیص بدون ما یقضی به فإنّ المفروض أنّ الأمارتین کلتاهما ظنیتان فلایعلم بمطابقة إحداهما دون الأخری للواقع و لا وجه للأخذ بإحداهما دون الأخری. قال الشیخ الأجلّ کاشف الغطاء عن وجوه التحقیقات بعد کلام له فی المقام ما لفظه علی أنّه لا رجحان للظن علی الظن السابق حین ثبوته، إنتهی». و فی کشف الغطاء ط.ج. ج 1، ص217: «و علیه یلزم علی المجتهد و مقلّدیه بعدوله عن الإجتهاد، الحکم علی ما مرّ بالفساد و لزوم الإعادة و القضاء فیما فیه قضاء و إن کان هو الموافق للأصل و غیره من الأدلّة کما مر لترتّب الحرج علی ذلک، و خلوّ الأخبار و المواعظ و الخطب عن بیانه، مع أنّ وقوع مثله من الأصحاب کثیر لایعدّ بحساب، علی أنّه لا رجحان للظّنّ علی الظنّ السابق حین ثبوته».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «فیه أنّه واضح الفساد لأنّه مع قیام الثانیة لا حجیة للاولی فالأخذ بالثانیة هو الأخذ بالحجّة و علی فرض التنزّل فإنّ الأمارتین تتعارضان و تتساقطان فلایبقی للإجزاء وجه».
3- فی مطارح الأنظار(ط.ج): ج1،ص164و ط.ق. ص30: «قلت: و فساد هذا الوجه مما لایکاد یخفی أمّا أوّلاً فلأنّ المفروض قیام الدلیل علی اعتبار الظن الثانی و معنی اعتباره علی ما هو ظاهر تنزیله منزلة العلم بمعنی أنّه یجب الأخذ به علی حسب کشفه عن الواقع و من المعلوم عدم سقوط الواقع بمقتضی کشف الظن الثانی عن الواقع فیجب الإتیان بما هو مسقط عنه عقلا و نقلا فإن أرید من عدم الترجیح عدم دلالة الأمارة الثانیة علی فساد العمل الواقع أوّلاً علی حسب الأمارة الأولی فهو فی غایة السقوط فإنّ ذلک أمر قهری لازم من الظن بجزئیة السورة و إن أرید عدم دلالة دلیل علی اعتبار الظن بالنسبة إلی غیر الواقعة الغیر المرتبطة بسابقها فقد عرفت فساده بما لا مزید علیه. و أمّا ثانیاً فلأنّ بعد فرض عدم الترجیح لأحد الظنین علی الآخر لا وجه للأخذ بالأمارة الأولی فیها أیضا لایقال: إنّ ذلک طریق جمع بینهما لأنّا نقول کلاّ بل ذلک طرح للأمارة الثانیة و لا قاضی بالجمع بعد کشف فساد الأولی بالثانیة و بالجملة فمطالبة الترجیح مما لاینبغی أن یصغی إلیه فإنّ ذلک إنّما یستقیم عند التعارض و لایعقل التعارض فی المقام سواء قلنا بأنّ الأمارات المعمولة فی الأحکام مغیرة للواقع أم لا نقول به أمّا علی الأول فهو ظاهر إذ لایعارض بعد اختصاص کل منهما بموضوع لایرتبط بموضوع الآخر و أمّا علی الثانی فلأنّ قضیة اعتبار الثانی فساد الأول و لا تعارض بین الدلیل و ما لیس بدلیل». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص 59: «و بما سردناه یندفع ما ربما یتوهم من أنّ الحکم بعدم الإجزاء عملا بالحجة الثانیة ترجیح بلا مرجح ... و الوجه فی الإندفاع أنّ الحجة السابقة قد سقطت عن الحجیة فی ظرف الرجوع بخلاف الحجة الثانیة و هذا هو المرجح لها علی سابقتها».

و علی فرض التنزّل، فالأمارتان تتعارضان و تتساقطان فلایبقی مجال للقول بالإجزاء.

الدلیل الثانی:
اشارة

إنّ ظرف العمل بالأمارة السابقة مضی و الأمارة الثانیة لاتکون منجزة للتکلیف السابق إذا انقضی ظرفه (فالأمارة الأُولی حجّة بالنسبة إلی الظرف السابق و إن انکشف خلافه بالأمارة الثانیة).((1))

ص: 135


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «الوجه الثانی: إنّ العمل علی طبق الأمارة السابقة قد وقع و ذلک الظرف قد مضی و لایمکن أن یکون للحجّة اللاحقة أثر بالنسبة إلی ذاک العمل بأن یکون منجّزاً له فلا بدّ و أن یکون الأمارة السابقة هی الحجّة علی العمل و مقتضی القاعدة حینئذٍ هو الإجزاء».
إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیه:

((1))

إنّ الأمارة الثانیة و إن وردت فی الظرف اللاحق و لکن یؤثر فی تنجیز التکالیف السابقة إعادةً و قضاءً (فیما إذا احتملنا اشتغال الذمّة بالتکالیف السابقة) لأنّ أثر الأمارة السابقة قابل للتنجیز بقاءً.

الدلیل الثالث:
اشارة

إنّ الأمارة الثانیة ما لم تصل إلی المکلّف لیست بحجّة أبداً و حینئذ الأمارة الأُولی بالنسبة إلی الزمان السابق حجّة و لاحجیة للأمارة الثانیة فی الظرف السابق بل حجیتها تنحصر فی الزمان اللاحق، فالأمارة الأُولی مجزیة بالنسبة إلی الأعمال السابقة((2)).

ص: 136


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «إنّ الحجة الثانیة غیر منجّزة للعمل السابق و غیر مؤثرة فیه فی الظرف السابق لکن لها أثر فی التنجیز بالنسبة إلیه بقاء إمّا إعادة و إمّا قضاء لأنّه أثر باق و هذا الأثر قابل للتنجیز».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «الوجه الثالث: إنّ الحجّة الثانیة فی ظرف العمل السابق لم تکن واصلةً إلی المکلَّف کی تکون حجة و قد تقرّر أنّ الحجیة تدور مدار الوصول بل کان الواصل هو الحجّة الأولی و قد وقع العمل علی طبق الحجّة و مقتضی القاعدة إجزاؤه». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 3، ص711: «و إن بلغ إجتهاده الثانی إلی حدّ الظنّ أو تردّد فی المسألة و قضی أصل الفقاهة عنده بخلاف ما أفتی به أوّلاً فظاهر المذهب عدم وجوب الإعادة و القضاء للعبادات الواقعة منه و من مقلّدیه، و یدلّ علیه بعد لزوم العسر و الحرج فی القول بوجوب القضاء أنّ غایة ما یفیده الدلیل الدالّ علی وجوب الأخذ بالظنّ الأخیر هو بالنسبة إلی حال حصوله و أمّا بالنظر إلی ما قبل حصوله فلا دلیل علی وجوب الأخذ به، و قد وقع الفعل المفروض علی مقتضی حکم الشرع، و ما دلّ علیه الدلیل الشرعی فیکون مجزئا، و الظنّ المذکور القاضی بفساده لم یقم دلیل علی وجوب الأخذ به بالنسبة إلی الفعل المتقدّم. و حینئذ فلا داعی إلی الخروج عن مقتضی الظنّ الأوّل بعد وقوع الفعل حال حصوله و کون إیقاعه علی ذلک الوجه مطلوبا للشرع، و منه یعلم الحال بالنسبة إلی من قلّده» إلخ.
أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

أنّ حجیة الأمارة إذا وصلت لاتنحصر بزمان دون زمان فإنّ الأمارة طریق إلی الواقع بالنسبة إلی جمیع الأزمنة و جمیع الأعمال فالتفصیل بین حجیة الأمارة بین زمان الوصول و قبل زمان الوصول غیر وجیه.

الدلیل الرابع:
اشارة

إنّ العمل الواحد لایقبل اجتهادین، فالاجتهاد الأوّل هو حکم الأعمال السابقة و الاجتهاد الثانی هو حکم الأعمال اللاحقة فالاجتهاد الأوّل مجز بالنسبة إلی الأعمال السابقة((2)).

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

أولاً: بالنقض بالموارد التی یکون الموضوع فیها باقیاً فإنّ العمل الواحد حینئذ لابدّ أن یقبل الاجتهادین و ذلک مثل ذبح الحیوان بغیر الحدید فإنّه إذا

ص: 137


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «إنّه عند ما تقوم الحجّة الثانیة و تصل إلی المکلَّف تکون طریقاً إلی الواقع بالنسبة إلی جمیع الأعمال فإذا تبدّل رأی المجتهد من فتوی إلی أخری أفادت الثانیة أنّ الحکم الإلهی فی المسألة کذا و أنّ العمل السابق قد وقع علی خلاف الشریعة المقدَّسة، إذن تجب إعادته أو قضاؤه و لا إجزاء».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص212: «الوجه الرابع: إنّ القضیة الواحدة لاتتحمَّل اجتهادین فحکم العمل یکون علی الإجتهاد الذی وقع علی طبقه، و هذا هو الإجزاء». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص160-161و (ط.ق): ص29: «أمّا ما یمکن أن یکون وجها للأول فأمور ... الثانی ما قد قیل من أنّ الواقعة الواحدة لاتحتمل إجتهادین و لعل المراد به منع الدلیل الدال علی وجوب إتّباع الأمارة الثانیة فی الواقعة المجتهد فیها و إلّا فهو بظاهره مما ل یکاد یعقل و قد عرفت فیما تقدم فساده بما لا مزید علیه».

فرضنا صحّة ذلک علی الاجتهاد الأوّل ثم تبدّل الاجتهاد مع بقاء اللحم فإنّه لایجوز أکله علی الاجتهاد الثانی((1)).

و ثانیاً: بالحلّ فإنّ أثر العمل باق إعادةً و قضاءً هذا من جهة بقاء أثر العمل و من جهة أخری إنّ حجیة الاجتهاد و قول المجتهد (و أیضاً حجیة الأمارة و طریقیته) لاتنحصر بزمان دون زمان بل تشمل جمیع الأزمنة((2)).

الدلیل الخامس:
اشارة

إنّ قاعدة لاحرج و أیضاً قاعدة لا ضرر تجریان فی المقام، لأنّ کثرة مبانی الاجتهاد من القواعد الأصولیة و الرجالیة و أیضا اختلاف الاستظهارات بحسب القرائن و الوجوه الکثیرة فی الجمع بین الروایات توجب کثرة تبدّل آراء المجتهدین و حینئذ فلو قلنا بعدم الإجزاء یلزم حصول الضرر و الحرج علی نوع المکلّفین فتجری قاعدة لاحرج و أیضاً قاعدة لاضرر((3)).

ص: 138


1- «قد تکون القضیة الواقعة طبق الإجتهاد السابق باقیةً إلی زمان الإجتهاد اللاحق کما لو ذبح حیوان بغیر الحدید فأُکل من لحمه و کانت بقیة اللحم موجودة حین الإجتهاد الثانی بأنّه یشترط فی الذبح أن یکون بالحدید فلایجوز أکل هذا اللحم فإذا کان الموضوع باقیاً تحمّل إجتهادین».
2- «و أیضاً فإنّ الصلاة مثلاً و إن وقعت علی طبق الإجتهاد السابق بتسبیحةٍ واحدة مثلا لکن أثرها باق فهی مورد للإعادة و القضاء بثلاثة تسبیحات فهی تتحمّل الإجتهادین بلحاظ الأثر».
3- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص213: «الوجه الخامس: لزوم العسر و الحرج و الضرر من القول بعدم الإجزاء». و فی ص228.«و استدل للقول بالإجزاء بوجوهٍ من الأدلّة الثانویة عمدتها ما یلی: 1 و 2- قاعدة لاحرج و لاضرر فإنّه لا شک فی کثرة تبدّل الرأی عند الفقهاء علی أثر الاختیارات و المختارات فی المبانی و القواعد و فی علم الرجال و غیر ذلک و لا شک أنّه إذا قیل بوجوب الإعادة علی المکلّفین أو القضاء فیه حصول الضرر و الحرج علی نوع المکلّفین و هما مرفوعان فی الشریعة. و لذا قال صاحب الجواهر ما حاصله: إنّه مع کثرة تبدّل الآراء عند الفقهاء حتی فی الکتاب الواحد لم یکن من دأبهم محو ما کانوا أفتوا به من قبل أو کتبوه سابقاً و إعلام المقلّدین بالخطأ فی الفتاوی المتقدّمة منهم إلّا إذا رجعوا عنها بأدلّة قطعیةٍ تثبت بطلان الفتوی السابقة». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص164و (ط.ق): ص30: «و أمّا ما یمکن أن یکون وجها لخروج ما نحن بصدده عن القاعدة المقررة فوجوهٌ أحدها و هو عمدة ما یتمسک به فی عدم جواز الأخذ بالأمارة الثانیة من أنّ ذلک یوجب حرجا عظیما و یورث عسرا شدیدا و هو منفی فی الشریعة السمحة السهلة و بیان اللزوم أنّ من رأی طهارة الغسالة و جواز العقد بالفارسیة و عدم وجوب السورة و عدم نشر الحرمة بعشر رضعات فی أوائل بلوغه بواسطة تقلید أو إجتهاد و عمل بتلک الوقائع فی مدة مدیدة فلم یجتنب عن الغسالة و صاحب مع ذلک لجمع کثیر و جمّ غفیر و اشتری عِقارا کثیرة بالعقود الفارسیة و صلی جمیع دهره بلا سورة و عقد علی المرتضعة المذکورة أو مرضعتها ثم بدا له بإجتهاد أو تقلید نجاسة الغسالة و فساد العقود الفارسیة و وجوب السورة و نشر الحرمة إلی غیر ذلک من الأحکام فی الموارد المختلفة لو وجب علیه النقض بالنسبة إلی تلک الآثار کان یجب علیه قضاء الصلاة التی صلی مع عدم الإجتناب عن الغسالة و تطهیر ثیابه و غیرها من عقاره و منقوله و یکون أملاکه معزولة عنه و المرأة بائنة عنه من دون طلاق إلی غیر ذلک عسرا شدیدا و حرجا أکیدا یقطع بنفیه فی هذه الشریعة».
قد أورد علیه بوجوه:

((1))

منها إیرادان من بعض الأساطین (حفظه الله) علیه:

أولاً: إنّ قاعدة لاضرر و قاعدة لاحرج رافعتان للتکلیف لا جاعلتان فعلی هذا کلّ من القاعدتین ترفع عدم الإجزاء و لایجعل الإجزاء((2)).

ص: 139


1- إیراد ثالث علی الدلیل الخامس من المحقق الخوئی (قدس سره): قال فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص60: «إنّ هذا الدلیل لو تم فإنّما یتم فی القضاء و لایأتی فی الإعادة لأنّه فی مثل الصلاة إذا عدل إلی فتوی المجتهد الذی یری بطلانها- و لم یفت بعد وقت الصلاة- لم یکن فی إعادتها حرج بوجه. نعم قد یتحقق الحرج فی الحج لو قلنا بوجوب إعادته و الإتیان به مطابقا لفتوی المجتهد الثانی».
2- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص229: «أوّلاً: إنّه قد تقرّر فی محلّه أنّ أدلّة رفع الحرج و الضرر نافیة و رافعة للتکلیف لا أنّها تجعل و تضع التکلیف و الحاصل: إنّها ترفع عدم الإجزاء لا أنّها تضع الإجزاء».
یلاحظ علیه:

إنّ لا حرج و لا ضرر یوجب رفع التکلیف بالإعادة و القضاء و هذا یکفی فی القول بالإجزاء.

ثانیاً: إنّ لا ضرر (و أیضاً لا حرج) یرفع الضرر الشخصی لا الضرر النوعی فان لزم من القول بعدم الإجزاء ضرر شخصی أو حرج شخصی ﻓ «لاضرر» و أیضاً «لاحرج» یرفعه أمّا الضرر النوعی أو الحرج النوعی فلا، إلّا إذا قلنا بأنّهما رافعتان للضرر و الحرج النوعیین و حینئذ یجوز الاستدلال بکلتا القاعدتین للزوم الحرج والضرر النوعیین من القول بعدم الإجزاء((1)).

ص: 140


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، ص229: «و ثانیاً: إنّه قد تقرّر فی محلّه کذلک أنّ المرفوع هو الضرر و الحرج الشخصیان نعم، بناء علی کون المرفوع هو الحرج و الضرر النوعیین فلا ریب فی تحقّقهما من الفتوی بعدم إجزاء الأعمال السابقة الواقعة علی طبق الفتوی السابقة». و فی ص213: «هذا اللزوم [أی لزوم العسر و الحرج و الضرر] تامٌّ لو کان الموضوع فی هذه القواعد هو الحرج و العسر و الضرر النوعیین و لکنّه شخصی». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص60: «إنّ الحرج کالضرر المنفیین فی الشریعة المقدسة و المدار فیهما إنّما هو علی الحرج و الضرر الشخصیین لا النوعیین، و الحرج الشخصی أمر یختلف باختلاف الموارد و الأشخاص فکل مورد لزم فیه من الحکم بوجوب الإعادة أو القضاء حرج علی المکلف فلا مناص من أن یلتزم بعدم وجوبهما کما إذا لزم منه وجوب قضاء العبادة خمسین سنة- مثلا- و کان ذلک حرجیا علی المکلف و أمّا الموارد التی لایلزم فیها من الحکم بوجوبهما حرج علیه فلا مقتضی للحکم بعدم وجوب الإعادة أو القضاء کما إذا بنی علی أنّ التیمم ضربة واحدة فتیمم و صلی ثم عدل عن ذلک- غدا- فبنی علی أنّه ضربتان. و من الواضح أنّ قضاء عبادة الیوم الواحد مما لا عسر فیه و لا حرج و معه لا موجب لنفی وجوب الإعادة أو القضاء لانّه لازم کون المدار علی الحرج الشخصی دون النوعی هذا.» راجع المستمسک، ج 1، ص81؛ مطارح الأنظار(ط.ج): ج1، ص165- 168و (ط.ق): ص30 - 31.
الدلیل السادس: الإجماع علی القول بالإجزاء
اشارة

ادّعاه صاحب الجواهر (قدس سره) ((1)) و المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) و لکن یفصّل المحقّق النائینی (قدس سره) بین العبادات((3)) و المعاملات عند عدم بقاء الموضوع فیقول بالإجزاء

ص: 141


1- فی جواهر الکلام، ج 40، ص99: «و ما عن العمیدی من الإجماع علی النقض فی نحو نکاح المرتضعة لم نتحققه، بل لعلّه علی العکس، کما هو مقتضی السیرة». و فی النور الساطع فی الفقه النافع، ج 1، ص284: «قد حکی المامقانی (قدس سره) فی تقریراته للسید حسین الترک عن صاحب الهدایة الإجماع علی العمل بالأمارة الأولی و عدم العمل بالأمارة الثانیة». راجع معالم الزلفی فی شرح العروة الوثقی، ص81 - 82.
2- فی أجود التقریرات،ج 1، ص299: «التحقیق أنّ هناک ثلاثة مقامات (المقام الأول) الإجزاء فی العبادات الواقعة علی طبق الإجتهاد الأول عن الإعادة و القضاء (الثانی) الإجزاء فی الأحکام الوضعیة فیما لم یبق هناک موضوع یکون محلا لإابتلاء کما إذا بنی علی صحة العقد الفارسی إجتهاداً أو تقلیدا فعامل معاملة فارسیة و لکنّ المال الّذی انتقل إلیه بتلک المعاملة أتلفه أو تلف عنده (الثالث) الإجزاء فی الأحکام الوضعیة مع بقاء الموضوع الّذی یکون محلا للإبتلاء کبقاء المال بعینه فی الفرض السابق و کما إذا عقد علی إمرأة بالعقد الفارسی و کانت محل الإبتلاء له بعد انکشاف الخلاف أمّا المقام الأول فلا إشکال فی أنّه القدر المتیقن من مورد الإجماع و أمّا المقام الثالث فلا إشکال فی خروجه عن مورده و فتوی جماعة فیه بالإجزاء إنّما هو لا لأجل ذهابهم إلی کون الإجزاء هو مقتضی القاعدة الأولیة لأجل الإجماع علی ذلک و أمّا المقام الثانی ففی شمول الإجماع له إشکال بل منع و إن کان لایبعد إنعقاد الإجماع علی عدم التبعة فی الأفعال الصادرة علی طبق الإجتهاد الأول سواء کانت التبعة هی الإعادة و القضاء أو الضمان فیشمل المقام الثانی أیضاً لکنّه مجرد نفی البعد و شمول معقد الإجماع له فی غایة الإشکال إن لم نقل بأنّه ممنوع فلابد من التأمل و التتبع التام».
3- فی کفایة الأصول، ص470: «فصل إذا اضمحلّ الإجتهاد السابق بتبدل الرأی الأول بالآخر أو بزواله بدونه فلا شبهة فی عدم العبرة به فی الأعمال اللاحقة و لزوم اتباع إجتهاد اللاحق مطلقا أو الإحتیاط فیها و أمّا الأعمال السابقة الواقعة علی وفقه المختل فیها ما أعتبر فی صحتها بحسب هذا الإجتهاد فلابد من معاملة البطلان معها فیما لم ینهض دلیل علی صحة العمل فیما إذا إختل فیه لعذر کما نهض فی الصلاة و غیرها مثل لاتعاد و حدیث الرفع بل الإجماع علی الإجزاء فی العبادات علی ما أدعی».

فیها و بین المعاملات فیقول بعدم الإجزاء فیها عند بقاء الموضوع.((1))

و أیضاً نقل عن صاحب الفصول (قدس سره) هذا التفصیل بین ما إذا کان الموضوع باقیاً فالإجماع منعقد علی عدم الإجزاء و بین ما إذا کان الموضوع غیر باق فالإجزاء إجماعی((2)).

ص: 142


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص229: «3- الإجماع علی الإجزاء، و هو ظاهر کلام صاحب الجواهر ردّاً علی کلام العضدی فی دعوی الإجماع علی عدم الإجزاء، و قد ادّعی المیرزا هذا الإجماع صریحاً ... بل المیرزا أیضاً إنّما یدّعیه فی باب العبادات، سواء فی الصلاة و غیرها، ففی الصّوم مثلًا إذا کان المجتهد یجوّز الإرتماس علی الصائم ثم تبدّل رأیه فلایجب قضاء الصوم، و کذا فی الحج، کما لو إعتمد علی فتوی فقیه العامّة و قاضی الجماعة بالهلال و عمل، و کان یری جواز العمل علی حکم القاضی منهم، ثم تبدّل رأیه إلی عدم الجواز، فلاتجب الإعادة ... ففی مثل هذه الموارد لایتردّد المیرزا فی الإجزاء. لکنّه یقطع بعدم الإجزاء فی المعاملات مع بقاء الموضوع، کما لو تزوَّج أو باع بالعقد الفارسی، فإنّ المرأة إذا کانت باقیةً و تبدّل رأی المجتهد إلی اشتراط العربیة ترتّب أثر الفساد، و کذا فی حال بقاء الثمن و المثمن فی المعاملة، و إن أمکن وجود الموضوع للضمان و الحاصل إنّ المیرزا یفرّق بین العبادات و المعاملات، و فی المعاملات بین صورة بقاء الموضوع و عدم بقائه».
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص231: «و عن صاحب الفصول التفصیل بین ما إذا کان الموضوع باقیاً فالإجماع علی عدم الإجزاء، و ما إذا کان غیر باق فالإجزاء ... و قد أوضح المحقّق الأصفهانی فی کتاب الإجتهاد و التقلید و فی الأصول علی النهج الحدیث رأی صاحب الفصول بأنّ الواقعة قد تقع و تنقضی کما لو صلّی طبق الفتوی و تبدّل الرأی، و قد تقع و هی غیر منقضیة کما لو قال بتحقّق التذکیة و اللّحم لایزال باقیاً ثمّ تبدّل رأیه إلی عدمها، ففی الصورة الاولی قال بالإجزاء، أمّا فی الثانیة فلا و علی هذا، ففی العبادات أیضاً لابدَّ من التفصیل، فلو کانت الواقعة غیر منقضیة و تبدّل الرأی، وجب ترتیب أثر الفتوی اللّاحقة علی مسلک الفصول، کما لو توضّأ بماءٍ حکم بطهارته بالفتوی الأولی، لکنّه کان باقیاً بعدُ و تبدّل الرأی، فالصّلاة تلک صحیحة، إلّا أنّ الماء لایجوز الوضوء به مرةً أخری، بل یجب الإجتناب عنه، و کذا یجب تطهیر مواضع الوضوء». و فی أصول الفقه للشیخ حسین الحلی، ج 2، ص430: «إنّه فی الکفایة نقل عن الفصول التفصیل بین الأحکام و متعلقاتها، فیکون الرجوع مؤثرا فی الأول دون الثانی لکنّ الظاهر من مراجعة الفصول بعد التأمل أنّه یفصّل بین العمل الذی وقع علی طبق الفتوی السابقة، مثل ما لو صلی تارکا للسورة أو فی شعر الأرانب بانیا علی الجواز ثم رجع، فإنّه لایعید ذلک العمل الذی وقع علی طبق الفتوی السابقة...».

و أمّا عبارته فی الفصول الغرویة، (ص409 - 410) فهکذا: «فصل إذا رجع المجتهد عن الفتوی انتقضت فی حقه بالنسبة إلی مواردها المتأخرة عن زمن الرجوع قطعا ... و أمّا بالنّسبة إلی مواردها الخاصة التی بنی فیها قبل رجوعه علیها فإن قطع ببطلانها واقعا فالظاهر وجوب التعویل علی مقتضی قطعه فیها بعد الرجوع ... و کذا لو قطع ببطلان دلیله واقعا و إن لم یقطع ببطلان نفس الحکم ... و إن لم یقطع ببطلانها أو لا ببطلانه فإن کانت الواقعیة مما یتعین فی وقوعها شرعا أخذها بمقتضی الفتوی فالظاهر بقاؤها علی مقتضاها السّابق فیترتب علیها لوازمها بعد الرجوع إذ الواقعة الواحدة لا یحتمل اجتهادین و لو بحسب زمانین لعدم دلیل علیه و لئلا یؤدّی إلی العسر و الحرج المنفیین عن الشریعة السّمحة لعدم وقوف للمجتهد غالبا علی رأی واحد فیؤدی إلی الاختلال فیما یبنی فیه علیها من الأعمال و لئلا یرتفع الوثوق فی العمل من حیث إن الرجوع فی حقه محتمل و هو مناف للحکمة الداعیة إلی تشریع حکم الاجتهاد و لا یعارض ذلک بصورة القطع لندرته و شذوذه و لأصالة بقاء آثار الواقعة إذ لا ریب فی ثبوتها قبل الرجوع بالاجتهاد و لا قطع بارتفاعها بعده إذ لا دلیل علی تأثیر الاجتهاد المتأخر فیها فإن القدر الثابت من أدلته جواز الاعتماد علیه بالنسبة إلی غیر ذلک فیستصحب ... و أمّا عدم جریان الأصل بالنسبة إلی نفس الحکم حیث لا یستصحب إلی الموارد المتأخرة عن زمن الرجوع فلمصادمة الإجماع مع اختصاص مورد الاستصحاب علی ما حققناه بما یکون قضیته البقاء علی تقدیر عدم طرو المانع و لیس بقاؤه بعد الرجوع منه لأن الشک فیه فی تحقق المقتضی لا فی طرو المانع فإنّ العلة فی ثبوته هی ظنه به و کونه مؤدّی نظره و قد زالت بعد الرجوع فلو بقی الحکم بعد زوالها لاحتاج إلی علة أخری و هی حادثة فیتعارض الأصلان أعنی أصالة بقاء الحکم و أصالة عدم حدوث العلة و کون العلة هنا

ص: 143

إعدادیة و استغناء بعض الحوادث فی بقائها عن علتها الإعدادیة غیر مجد لأن الأصل بقاء الحاجة لثبوتها عند الحدوث فتستصحب و لا یتوجّه مثله فی استصحاب بقاء الآثار بعد الرجوع فإنّ المقتضی لبقائها حینئذ متحقق و هو وقوع الواقعة علی الوجه الذی ثبت کونه مقتضیا لاستتباع آثارها و إنما الشک فی مانعیة الرجوع فیتوجّه التمسّک فی بقائها بالاستصحاب ... و بالجملة فحکم رجوع المجتهد فی الفتوی فیما مرّ حکم النسخ فی ارتفاع الحکم المنسوخ عن موارده المتأخرة عنه و بقاء آثار موارده المتقدمة إن کان لها آثار ... و لو کانت الواقعة مما لا یتعین أخذها بمقتضی الفتوی فالظاهر تغیر الحکم بتغیر الاجتهاد کما لو بنی علی حلیة حیوان فذکاه ثم رجع بنی علی تحریم المذکی منه و غیره أو علی طهارة شی ء کعرق الجنب من الحرام فلاقاه ثم رجع بنی علی نجاسته و نجاسة ملاقیه قبل الرجوع و بعده أو علی عدم تحریم الرضعات العشر فتزوّج من أرضعته ذلک ثم رجع بنی علی تحریمها لأنّ ذلک کله رجوع عن حکم الموضوع و هو لا یثبت بالاجتهاد علی الإطلاق بل ما دام باقیا علی اجتهاده فإذا رجع ارتفع کما یظهر من تنظیر ذلک بالنسخ». ((1))

ص: 144


1- فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی؛ الاجتهاد و التقلید، ص61: «الجواب عن ذلک أنّ الإجماع المدعی لو کان محصلا لم نکن نعتمد علیه لما یأتی بیانه فما ظنک بما إذا کان إجماعا منقولا بالخبر الواحد و سرّه أنّ تحصیل الإجماع فی المسألة دونه خَرطُ القتاد، إذ کیف یمکن إستکشاف قوله (علیه السلام) فی المقام و لم یتعرض أکثر الأصحاب للمسألة و لم یعنونوها فی کلماتهم؟! هذا علی أنّا لو سلمنا إتّفاقهم أیضا لم یمکننا الإعتماد علیه لأنّا نعلم أو نظن و لا أقل من أنّا نحتمل إستنادهم فی ذلک إلی بعض الوجوه المستدل بها فی المقام و معه لایکون الإجماع تعبدیا کاشفا عن قوله (علیه السلام) ». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص231: «و أمّا الکبری، فلایخفی الإحتمال بل الظنّ بکونها مستندةً إلی احدی الوجوه المُقامة فی المسألة».
أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

نقل عن العلّامة (قدس سره) الإجماع علی عدم الإجزاء((1)) و عن الشیخ (قدس سره) إنکار الإجماع علی الإجزاء((2)).

ص: 145


1- فی نهایة الوصول إلی علم الأصول، ج 5، ص225: «البحث السادس: فی نقض الإجتهاد إذا تغیر إجتهاد المجتهد فإن کان فی حقّه مثل أن یکون قد أدّاه إجتهاده إلی جواز التزویج بغیر ولی أو إلی أنّ الخلع فسخ فنکح امرأة خالعها ثلاثا، ثمّ تغیر اجتهاده فیهما؛ فإن کان الحکم الأوّل قد إتّصل به حکم حاکم و قضاء قاض، سواء کان المجتهد نفسه أو غیره، لم ینقض النکاح و کان صحیحا ... و إن لم یتّصل به حکم الحاکم لزمه مفارقتها إجماعا، و إلّا کان مستدیما یحل الإستمتاع بها علی خلاف معتقده، و مرتکبا لما یحرم بتحریمه، و هو خلاف الإجماع». و قد ردّ إجماع العلامة و السید العمیدی بعض الأعلام: ففی القوانین المحکمة، ط.ج. ج 4، ص544: «إنّ الصّور التی یتصوّر فیها تخالف الرّأیین مع قطع النّظر عن المرافعة و المخاصمة خمسة: الأولی مخالفة المجتهد لرأیه السّابق بسبب التغیر و تبدّل الحکم بالنّسبة إلیه، کما إذا عقد الباکرة بنفسه بدون إذن الولی ثمّ تجدّد رأیه، فالمشهور بینهم، بل إدّعی علیه السید عمید الدّین الإتّفاق أنّه یبنی علی الرّأی الثّانی، فیحرم علیه زوجته قالوا: إلّا أن یلحقه حکم حاکم قبل ذلک، فلاتحرم علیه لکثرة قوّة الحکم، و تأمّل فیه بعضهم لأنّ الحرام لایصیر حلالا بسبب الحکم أقول: و یشکل الحکم بالتّحریم و إن لم یلحق به حکم، لعدم الدّلیل علیه ... و ما إدّعاه السید عمید الدّین من الإجماع فهو ممنوع کما أشرنا». و فی مهذب الأحکام، ج 1، ص93: «و أما ما عن العمیدی و العلامة من دعوی الإجماع علی عدم الإجزاء، فلا اعتبار به مع تسالم القدماء علی الإجزاء».
2- فی مطارح الأنظار(ط.ج)، ج1، ص153الی 156و ط.ق. ص27 و 28: «هدایةٌ فی أنّ الأمر الظاهری الشرعی هل یقتضی الإجزاء فیما لو انکشف الخلاف بواسطة قیام أمارة ظنیة أخری؟ فذهب جماعة من متأخری المتأخرین ممن عاصرناهم أو یقارب عصرهم عصرنا إلی الإجزاء و عدم لزوم الإعادة حتی أنّ بعض الأفاضل قد نسبه إلی ظاهر المذهب فی تعلیقاته علی المعالم و قضیة ما زعموا أن یکون قیام الأمارة اللاحقة بمنزلة النسخ للآثار المترتبة علی الأمارة السابقة ففی الوقائع المتجددة الغیر المرتبطة یؤخذ بالناسخ فلایجوز إیقاع عقد المعاطاة بعد ذلک و لکنّه یؤخذ بالمنسوخ فی الآثار المرتبطة فلایحکم بعدم ملکیة المبیع المعاطاتی و قد صرح بذلک بعض الأجلة أیضا و الحق الحقیق بالتصدیق هو عدم الإجزاء فلابد من الإعادة و عدم ترتیب الأحکام المترتبة علی الأمارة السابقة وفاقا للنهایة و التهذیب و المختصر و شروحه و شرح المنهاج علی ما حکاه سید المفاتیح عنهم بل و فی محکی النهایة الإجماع علیه بل و إدّعی العمیدی قدس سرّه الإتّفاق علی ذلک قال فی نکاح امرأة خالعها زوجها فی المرة الثالثة معتقدا أنّ الخلع فسخ لا طلاق ثم تبدل إجتهاده و إعتقد کونه طلاقا ما هذا لفظه فإن کان قد حکم بصحة ذلک النکاح حاکم قبل تغیر اجتهاده بقی النکاح علی حاله و إن لم یحکم به حاکم لزمه مفارقته إتّفاقا و فی المقام وجوه من التفصیل یطلع علیها إن شاء الله». و فی ص169من الطبع الجدید و ص31 من الطبع القدیم: «الرابع ما یظهر من البعض من دعوی کونه ظاهر المذهب بل قد إدّعی بعض من لا تحقیق له الإجماع بل الضرورة و فیه مع کونه معارضا بدعوی الإجماع من العمیدی و العلامة علی خلافه أنّ ذلک مما لا سبیل إلی إثباته بل المتتبع الماهر فی مطاوی کلماتهم یظهر له بطلان الدعوی المذکورة إذ لم نجد فیما وصلنا من کلمات المتقدمین و المتأخرین ما یلوح منه الحکم بعدم النقض بل یظهر من جملة من الفتاوی فی نظیر المقام خلاف ذلک کما ستطلع علیه مثل ما إذا إقتدی القائل بوجوب السورة بمن لایری ذلک مع علمه ترکها منه إلی غیر ذلک و بالجملة فعلی تقدیر کون الطرق الظاهریة طرقا إلی الواقع لا وجه للقول بالإجزاء إلّا بواسطة دلیل خارج و قد عرفت انتفاء ما یصلح لذلک». أیضاً راجع مفاتیح الأصول، ص579 – 582.

فمع هذا الاختلاف لایبقی مجال للاستدلال بالإجماع((1)).

الدلیل السابع: تحقّق سیرة الفقهاء علی الإجزاء
اشارة

إنّ کثرة تبدّل آراء المجتهدین ممّا لا غبار علیه و لکن لم نجد فی سیرتهم محو ما کانوا أفتوا به سابقاً فی کتبهم و لا إعلامهم للمقلّدین بالخطأ فی فتاویهم إلّا إذا

ص: 146


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص230: «لکن عن العلامة الإجماع علی عدم الإجزاء، و الشیخ کلامه صریح فی عدم الإجماع، بل یقول بأنّ دعواها علی الإجزاء هی ممّن لا تحقیق له». و فی المستمسک، ج 1، ص81: «و فیه- مع أنّه [أی الإجماع علی الإجزاء] غیر ثابت- أنّ المحکی عن العلامة و العمیدی (قدس سرهما) دعوی الإجماع علی خلافه». و فی أصول الفقه للشیخ حسین الحلی، ج 2، ص427: «و أمّا الإجماع فهو علی الظاهر فی خصوص تبدل التقلید، أمّا تبدل الرأی فلم یعلم تحقق الإجماع فیه، بل یمکن تطرق الوهن إلی الأول أیضا».

دلّت الأدلّة القطعیة علی بطلان اجتهادهم.((1))

یلاحظ علیه:

أولاً: لاتتحقّق سیرة عامّة بینهم مع اختلاف آرائهم فی هذه المسألة.((2))

ص: 147


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص232: «سیرة المتشرّعة ... قائمة علی الإجزاء ... و سیرة الفقهاء- عملًا- هو الإجزاء، لما تقدّم عن صاحب (الجواهر) من عدم تنبیههم المقلّدین و العوام علی تبدّل آرائهم، لأّنها کانت مستندةً إلی أدلّة و حجج، اللهم إلّا إذا قام دلیل قطعی علی خلاف الفتوی السابقة». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، ص61: «و منها: السیرة المتشرعیة بدعوی أنّها جرت علی عدم لزوم الإعادة أو القضاء فی موارد العدول و التبدل فی الإجتهاد حیث لانستعهد أحدا یعید أو یقضی ما أتی به من العبادات طیلة حیاته إذا عدل عن رأیه أو عن فتوی مقلده و حیث لم یردع عنها فی الشریعة المقدسة فلا مناص من الإلتزام بالإجزاء و عدم وجوب الإعادة أو القضاء عند قیام حجة علی الخلاف».
2- ظاهر المحقق الحکیم و صریح المحقق الخوئی أیضا جعل الدلیل سیرة المتشرعة و ردُّها ففی المستمسک، ج 1، ص81: «هذا إمّا مبنی علی ... أو علی دعوی قیام الدلیل علیه بالخصوص، و هو إمّا ... و إمّا لدعوی قیام السیرة علیه لکنّها غیر ثابتة أیضا». و فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص62: «و فیه أنّ موارد قیام الحجة علی الخلاف و بطلان الأعمال الصادرة علی طبق الحجة الأولیة- کما إذا کانت فاقدة لرکن من الأرکان- من القلة بمکان و لیست من المسائل عامة البلوی لیستکشف فیها سیرة المتشرعة و أنّهم بنوا علی الإجزاء فی تلک الموارد أو علی عدمه». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص168و (ط.ق): ص31: «الثانی من الوجوه جریان السیرة علی عدم النقض و مخالفتُه للواقع یظهر مما مر من ندرة الوقوع فإنّ ما هو المعلوم بحسب السیرة هو الأخذ بالوقائع السابقة و عدم ترتب آثار خلافها و هو أعم من المدعی من وجوه شتی فإنّ ذلک ربما یکون بواسطة عدم الرجوع و علی تقدیره فربما لایکون من موارد النقض و علی تقدیره فربما لایکون العمل مطابقا للمنقوض و علی تقدیره فربما ینتقل من تقلیده إلی تقلید موافق للأول و فی مورد الإنحصار أو رجوع المجتهد لانسلم جری السیرة علی عدم النقض بل الظاهر جریانها علی النقض هذا مضافا إلی ندرة تحقق الرجوع لاسیما بالنسبة إلی أرباب الأنظار الصائبة التی تعسر إجتهادهم فإنّ العلّامة (قدس سره) مع اشتهاره باختلاف الفتاوی فی کتبه مما لا سبیل إلی إثبات الرجوع فی فتاویه المختلفة علی الوجه المذکور». و لکن بعض الأساطین فصّل بین سیرة الفقهاء و المتشرعة و بین سیرة العقلاء و رد الثانیة فقط قال فی تحقیق الأصول، ج 2، ص231 - 232: «هل المراد سیرة الفقهاء أو سیرة أهل الشرع أو سیرة العقلاء؟ إن أرادوا السیرة العقلائیة، فلا ریب فی أنّ سیرتهم علی عدم الإجزاء سواء ما کان بین الموالی و العبید بالخُصوص، أو بین سائر العقلاء، أمّا بین الموالی و العبید، فواضح، و أمّا بین غیرهم، فإنّ جمیع الأخبار عند العقلاء طریق إلی الواقع، و إذا إنکشف الخلاف فهم یقولون بعدم الإجزاء.» إلخ.

ثانیاً: إنّ اتصال هذه السیرة بزمن المعصوم (علیه السلام) منتف فلیست بحجّة.((1))

ثالثاً: تکون هذه السیرة مدرکیة.((2))

الدلیل الثامن:
اشارة

یمکن الاستدلال بسهولة الشریعة فإنّ القول بعدم الإجزاء ینافی سهولة الشریعة.

یلاحظ علیه:

إنّ سهولة الشریعة لاتوجب عدم قضاء ما فاتته من التکالیف و الأمر من هذا القبیل.

ص: 148


1- فی التنقیح فی شرح العروة الوثقی، الاجتهاد و التقلید، ص62: «علی أنّا لو سلمنا إستکشاف السیرة بوجه فمن أین یمکننا إحراز إتّصالها بزمان المعصومین (علیهم السلام)؟ إذ لا علم لنا بأنّ شخصا واحدا فضلا عن جماعة إتّفق له العدول فی عصرهم (علیهم السلام) و بنی علی عدم إعادة الأعمال المتقدمة و لم یردع عنه الإمام (علیه السلام) حتی نستکشف إتّصال السیرة بزمانهم و کونها ممضاة عندهم علیهم السلام و من الممکن أن تکون السیرة مستندة إلی فتوی جماعة من الفقهاء قدس الله أسرارهم و الذی یوقفک علی ذلک أنّ المسألة لو کانت عامة البلوی فی عصرهم (علیهم السلام) لسئل عن حکمها و لو فی روایة واحدة و حیث لم ترد إشارة إلی المسألة فی شی ء من النصوص فنستکشف بذلک أنّ کثرة الإبتلاء بها إنّما حدثت فی الأعصار المتأخرة و لم یکن منها فی عصرهم (علیه السلام) عین و لا أثر فالسیرة علی تقدیر تحققها غیر محرزة الإتصال بعصرهم و لا سبیل معه إلی إحراز أنّها ممضاة عندهم (علیهم السلام) أو غیر ممضاة».
2- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص232: «و إن أرادوا سیرة المتشرّعة خاصّةً، فهی قائمة علی الإجزاء، لکنّ من المحتمل قریباً استنادها إلی الفتاوی و إن أرادوا سیرة الفقهاء أنفسهم، فسیرة الفقهاء- عملًا- هو الإجزاء ... و [لکن] هذه السیرة أیضاً مدرکیة».
الدلیل التاسع:
اشارة

و هو ما أفاده السید البروجردی (قدس سره) ((1)) من أنّ الأمارات مثل الأصول تکون حاکمة علی أدلّة الاشتراط و لسان أدلّة حجیة الأمارات هو بعینه لسان أدلّة الأصول.

بیان ذلک: هنا فرق بین نفس ما تؤدی عنه الأمارة و تحکیه و بین ما هو المستفاد من دلیل حجّیتها، فإنّ البینة مثلاً إذا قامت علی طهارة شیء کانت هذه البینة بنفسها حاکیة للواقع، جعلها الشارع حجّة أم لا، و لکن الحکم الظاهری فی المقام لیس هو ما یحکیه البینة من الطهارة بل الحکم الظاهری عبارة عن حکم الشارع بوجوب العمل علی طبقها و ترتیب آثار الواقع علی مؤداها، و ظاهر ما دلّ علی هذا الحکم هو قناعة الشارع فی امتثال أمر الصلاة مثلاً بإتیانها فیما قامت البینة علی طهارته و لازم ذلک سقوط الطهارة الواقعیة من الشرطیة فی هذه الصورة، و کذلک إذا دلّ خبر زرارة مثلاً علی عدم وجوب السورة کان قول زرارة حاکیاً للواقع جعله الشارع حجّة أم لا، و لکن الحکم الظاهری لیس عبارة عن مقول زرارة بل هو عبارة عن مفاد أدلّة حجّیة الخبر أعنی حکم الشارع و لو إمضاءً بوجوب ترتیب الآثار علی ما أخبر به الثقة، فلو انحلّ قول «صدّق العادل» مثلاً بعدد الموضوعات کان معناه فیما قام خبر علی عدم وجوب السورة «یا أیها المکلّف الذی صرت بصدد امتثال الأمر الصلاتی، ابنِ علی عدم وجوب السورة».

ص: 149


1- نهایة الأصول، ط.ق. ص132.
یلاحظ علیه:

إنّ قناعة الشارع بالطهارة العنوانیة فی ظرف الشک فی الطهارة الواقعیة من جهة طریقیة البینة إلی الواقع و هذا غیر حکم الشارع بالطهارة (بأن یقال: إنّه طاهر) و أیضاً مفاد دلیل حجّیة الخبر (فیما إذا قلنا بانحلاله بتعداد الموضوعات) هو «ابنِ علی ما دلّ علی عدم وجوب السورة» و ذلک غیر حکم الشارع ظاهراً بعدم وجوب السورة، فإنّ لسان الأصول هو حکم الشارع بأنّ الماء طاهر فی المثال الأوّل و أیضاً حکم الشارع بأنّ السورة لیست بواجبة فی المثال الثانی و لکن لسان الأمارات و أدلّة حجّیتها فاقدة لهذا الحکم فلایمکن حکومتها علی مفاد أدلّة الاشتراط.((1))

ص: 150


1- ذکروا أدلة أخری أیضا ففی مطارح الأنظار(ط.ج)، ج1، ص161و ط.ق. ص29: «الثالث أن یقال بعد تسلیم عدم الموضوعیة و القول بکون الأمارات الظاهریة طرقا إلی الواقع و دلالة الدلیل علی لزوم إتّباع الأخذ بها فی جمیع ما یستفاد منها إنّه یکفی فی صحة الأعمال الواقعة علی حسب الأمارة الأولی سواء کانت عبادة أو معاملة کالصلاة بدون السورة و العقد علی المرضعة عشر رضعات وقوعها عند العامل حال صدور العمل علی الوجه الصحیح و إن إعتقد بعد ذلک فساده فالزوجیة و سقوط القضاء من آثار النکاح الصحیح و الصلاة الصحیحة و المفروض وقوع الصلاة الصحیحة و النکاح الصحیح حال وقوعها لدی العامل فلایجب علیه الإعادة و لا علی ولیه القضاء بعد موته و إن کان الولی ممن یری فساد الصلاة بلا سورة بحسب اجتهاده أو تقلیده و ربما یؤید ذلک بما أفاده الفخر فی الإیضاح حیث إستدل علی صحة نکاح الکفار حال کفرهم بقوله تعالی و امرأة فرعون و قوله و امرأته حمّالة الحطب فإنّ التعبیر عنهما علی وجه الإضافة کاشف عن تحقق نسبة الزوجیة الواقعیة بینهما و بین بعلیهما و لکنّه بعید جدا لإمکان کون الإضافة علی وجه المناسبة و ذلک ظاهر و کیف کان فهذا الوجه أیضا أضعف من سابقیه. الرابع إستصحاب الآثار المترتبة علی ما قامت علیه الأمارة الثانیة من الطهارة و النجاسة و جواز الأکل و البیع و الوطی فإن قبل قیامها کانت تلک الأحکام ثابتة و لایعلم تمیز بینها بعد قیام الأمارة فیجب الحکم بالإستصحاب بعده و فساده مما لایکاد یخفی علی أوائل العقول». و فی ص31: «الثالث إنّ ذلک یوجب رفع الوثوق و الهرج و المرج و فیه أنّه إن أرید بذلک ما یکون رجوعه إلی قاعدة اللطف الواجب علی الحکیم فی مقام التشریع فهو یوجب القول بالعصمة و إن أرید ما هو أهون من ذلک فهو وجه إستحسانی لانقول به مطلقا و لاسیما فی قبال الأدلة الواقعیة القاضیة بالإعادة و القضاء و منه یظهر الوجه فی فساد ما قد یوجد فی کلمات الشیخ الأجلّ کاشف الغطاء من خلو الخطب و المواعظ عن ذلک فإنّ ذلک لایرجع إلی دلیل».
دلیل عدم الإجزاء (علی القول بالطریقیة):
قد أفاد بعض الأساطین (حفظه الله) فی وجه ذلک:

((1)):

إنّ دلیل الحکم الشرعی یکشف عن ملاکه و غرضه (فإنّ الملاک بمثابة العلّة للحکم الشرعی) کما أنّه یقتضی الامتثال (فإنّ دلیل الحکم الشرعی أیضاً بمثابة العلّة لامتثاله) فللحکم الواقعی کاشفیة عن الملاک کما أنّ له اقتضاء للامتثال، و

ص: 151


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص213: «إنّ الدلیل القائم علی التکلیف الواقعی أو علی موضوعه الواقعی، ذو جهتین علی مسلک العدلیة، فهو من جهةٍ یقتضی الإمتثال و الإطاعة، فإذا قام الدلیل علی وجوب صلاة الظهر- مثلًا- کان علّةً لإمتثال هذا الحکم، فهذه جهة إنّیة و من جهةٍ یکون کاشفاً عن الملاک و الغرض للمولی من هذا الحکم، فهو معلول للملاک، و هذه جهة لمّیة- ینکرها الأشاعرة- و علی هذا، فإنّ إجزاء صلاة الجمعة عن صلاة الظهر إنّما یتمُّ بتصرّف الدلیل القائم علیها- و هو الأمارة- فی احدی الجهتین، و إلّا، فإنّ دلیل الواقع یقتضی الإمتثال و العقل یحکم بذلک- تحصیلًا لغرض المولی من الجهة الأولی، و خروجاً عن إشتغال الذمّة من الجهة الثانیة- حتی یأتی البدل عن الحکم الواقعی، کما فی قاعدة الفراغ مثلاً، الدالّة علی قبول العمل بدلاً عن الواقع فی مرحلة الإمتثال ... أمّا فی مرحلة الملاک، فلایمکن التصحیح، لأنّ الملاک کان علةً للحکم الأوّل، و لایعقل أن یصیر ملاکاً للحکم الثانی الذی قامت علیه الأمارة ... إذن، لایمکن للأمارة نفسها و لا دلیل إعتبارها التصرف لا فی الملاک، و لا فی مرحلة الإمتثال، لأنَّ حال الأمارة لیس بأقوی من حال القطع، فکما أنّه بعد انکشاف الخلاف یسقط القطع عن التأثیر و یقال ببقاء الغرض و عدم حصول الإمتثال، کذلک عند انکشاف مخالفة الأمارة للواقع هذا کلّه بناءً علی مسلک الطریقیة بمعنی الکاشفیة عن الواقع ... و إذا لم یمکن ذلک ثبوتاً، فلاتصل النوبة إلی البحث الإثباتی».

إجزاء الأمارة عنه لایتحقّق إلّا إذا تدارک ملاک الواقع و اکتفی فی مقام الامتثال بإتیان مفاد الأمارة.

فلابدّ فی مقام إثبات إجزاء الأمارة إمّا من إحراز استیفاء ملاک الواقع أو إحراز اکتفاء الشارع بامتثاله عن امتثال الواقع

و بناء علی طریقیة الأمارة فلا ملاک لها فیما إذا انکشف خطؤها کما أنّه لا دلیل علی اکتفاء الشارع بالامتثال الظاهری فیما إذا انکشف مخالفتها للواقع.

هذا کلّه علی مسلک الطریقیة فی حجّیة الأمارات.

ص: 152

المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة
اشارة

و الأمر علی هذا المبنی کالأمر علی الطریقیة.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء علی المبنیین الأوّلین:

قال (قدس سره): علی القول بالطریقیة أو التنجز فالحقّ عدم الإجزاء، لأنّ الأمارة إن طابقت الواقع فهی کاشفة عنه علی الطریقیة و مثبتة له إثباتاً تنجیزیاً و إن لم تطابق فلا حکم فی موردها و مفادها لا حکماً واقعیاً و لا ظاهریاً، أمّا الحکم الواقعی فظاهر و أمّا الحکم الظاهری فلأنّ المجعول فی الأمارات بناءً علی الطریقیة هو کاشفیة الأمارة عن الواقع من دون جعل حکم ظاهری فی قبال الحکم الواقعی و أیضاً المجعول فی الأمارات بناءً علی المنجزیة و المعذریة هو معذریة الأمر الظاهری عن الواقع من دون جعل حکم ظاهری فیها.

ص: 153

المبنی الثالث: مسلک جعل الحکم المماثل
اشارة

الحقّ علی هذا المسلک هو إجزاء الأمارة عن الواقع لأنّ الشارع هو الجاعل للحکم المماثل و جعل الشارع لایخلو من ملاک و مصلحة بدلیة و یکون وزان الأمارة حینئذ بعینها وزان الأوامر الاضطراریة و الأصول العملیة.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

((1))

إنّ الحکم المماثل لا بقاء له بعد فرض انکشاف مخالفته للواقع لأنّ ظرف مجعولیته هو الشک فی الواقع فإذا فرضنا انتفاء الشک فی الواقع و انکشاف خطأ الأمارة الأولی فینتفی موضوع الحکم المماثل و لا بقاء للحکم بعد انتفاء موضوعه فحینئذ ملاک الواقع باق علی حاله و یقتضی امتثال الواقع فلا وجه للإجزاء (فإنّ الواقع بحسب الفرض هو مفاد الأمارة الثانیة).

یلاحظ علیه:

إذا فرضنا وجود المصلحة للحکم المماثل بحیث تکون بدلاً عن مصلحة الواقع فلا وجه لبقاء مصلحة الواقع و اقتضائه الامتثال کما مضی مفصّلاً فی البحث عن الأمر الاضطراری و الأصول العملیة.

فلا إشکال فی إجزاء الأمارة عن الواقع بناء علی تفسیر الحجّیة بجعل الحکم المماثل.

ص: 154


1- تحقیق الأصول، ج2، ص215.
تفصیل المحقق الإصفهانی (قدس سره) بین العبادات و المعاملات:
اشارة

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال بالتفصیل بینهما بناءً علی القول بتفسیر الحجّیة بإنشاء الحکم المماثل.

فإنّه (قدس سره) قال((1))بعدم الفرق بین المعاملات و العبادات بناءً علی الطریقیة و أیضاً قال بعدم الفرق بین البابین بناء علی المنجزیة و المعذریة.((2))

أمّا بناء علی أنّ مفاد دلیل حجّیة الأمارات

الشرعیة جعل الحکم المماثل علی طبق مؤدیاتها (کما یقتضیه ظاهر الأمر باتّباعها) فقال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) بأنّ أستاذه المحقّق الخراسانی (قدس سره) و غیره قالوا بأنّ مقتضی تفسیر الحجّیة بهذا القول هو المسببیة و صحّة العبادة و المعاملة، لأنّ المفروض أنّ مؤداها حکم حقیقی فینتهی أمده بقیام حجّة أخری لا أنّه ینکشف خلافه.

ولکن الحقّ هو التفصیل بین العبادات و المعاملات.

أمّا فی العبادات:

فإنّ غایة ما یقتضیه ظهور الأمر هو البعث الحقیقی المنبعث عن مصلحة فی متعلّقه و حیث إنّ المفروض تخلف الأمارة و خلوّ الواقع من مصلحة فیجب الالتزام بأنّ المصلحة فی المؤدّی بعنوان آخر غیر عنوان متعلقه الذاتی.

أمّا کون تلک المصلحة، مصلحة بدلیة عن مصلحة الواقع فلا موجب له و الإجزاء و عدم الإعادة و القضاء یدور مدار بدلیة المصلحة لتوجب سقوط

ص: 155


1- نهایة الدرایة، ج1، ص400.
2- الإجتهاد و التقلید و حاشیة المکاسب، ج1، ص295.
3- الإجتهاد و التقلید، ص12.

الأمر الواقعی بملاکه، فالموضوعیة بمعنی کون المؤدّی بما هو مؤدّی ذا مصلحة مقتضیة للحکم الحقیقی علی أی حال لاتقتضی الإجزاء و لا فرق فیما ذکرنا بین ما إذا کان الواقع و المؤدّی متباینین أو أقلّ و أکثر، لأنّ فعلیة الأمر بمقدار ما علم تعلقه به لاتوجب الإجزاء و لاتکشف إلّا عن مصلحة ملزمة فی المأتی به فی هذه الحال لا عن المصلحة الواقعیة بما علم تعلّقه به بنفسها أو بما یسانخها.

أمّا فی العقود و الإیقاعات:

فیمکن أن یقال: إنّ الوضعیات الشرعیة و العرفیة من الملکیة و الزوجیة و شبههما حیث إنّها (علی ما حققناه فی الأصول) اعتبارات خاصّة من الشرع و العرف لمصالح قائمة بما یسمی بالأسباب، دعت الشارع مثلاً إلی اعتبار الملکیة و الزوجیة مثلاً، فلا کشف خلاف لها، إذ حقیقة الاعتبار بسبب کون العقد الفارسی الذی قامت الحجّة علی سببیة ذو مصلحة و لیست المصلحة المزبورة استیفائیة حتّی یقال: إنّ مصلحة الواقع باقیة علی حالها و إنّ مصلحة المؤدّی غیر بدلیة.((1))

ص: 156


1- فی تحقیق الأصول، ج 2، ص232: «تنبیهات ... الأول: قد نسب فی التنقیح إلی المحقق الأصفهانی القول بالإجزاء فی التکلیفیات و هی العبادات، و فی الوضعیات و هی المعاملات. أمّا فی المعاملات، فلأنّ الملاک فیها هو المصلحة فی نفس جعل الحکم، لا فی فعل المکلّف، فالمصلحة قائمة بنفس جعل الحلیة- کما فی الخل و غیره- من المحلّلات، و الحرمة فی المحرمات- کما فی الخمر و المیتة و غیرهما- و جعل الملکیة- مثلًا- فی المعاطاة، و هکذا. أمّا فی العبادات فهی قائمة بالفعل- کالصلاة- لا فی وجوبها و لمّا کانت المصلحة فی الوضعیات فی نفس الإعتبار و الجعل، فإنّ الإعتبار لایتصوّر فیه کشف الخلاف، بل إذا قامت الأمارة علی الفساد و البطلان أو بالعکس، فإنّه مع قیامها ینتهی أمد الجعل الأول و یتبدّل الموضوع، و حینئذٍ لا معنی لعدم الإجزاء و کذلک الحال فی التکلیفیات، فإنّه و إنْ کانت المصلحة فی المتعلَّق، لکنّ الحجّة اللّاحقة لایمکنها التأثیر فی الأعمال السّابقة الواقعة طبق الحجّة السّابقة، إذ لا معنی لقیام المنجز أو المعذّر بالنسبة إلی ما سبق، و إنّما یکون بالنسبة إلی ما بیده من العمل ... فلا وجه لعدم الإجزاء هذا ما جاء فی التنقیح عن المحقق الأصفهانی فی حاشیة المکاسب و فی الإجتهاد و التقلید. قال الأستاذ: قد إختلف کلام المحقّق الأصفهانی فی کتبه، و بالنّظر إلی المبنی فی الأمارات أمّا فی آخر کتبه- و هو الأصول علی النهج الحدیث- فقد ذکر أنّ حجیة الأمارات، إمّا من باب المنجّزیة و المعذّریة، و إمّا من باب جعل الحکم المماثل، و علی کلا القولین، ففی العبادات لا مجال للإجزاء، أمّا فی المعاملات، فیمکن القول به بمناط أنّ المصلحة فی الوضعیات فی نفس الجعل إذن، هو قائل بالتفصیل فی هذا الکتاب علی کلا المسلکین فی حجیة الأمارات. و أمّا فی نهایة الدرایة فاختار الطریقیة و ذهب علی أساسها إلی عدم الإجزاء فی المعاملات و العبادات معاً. و أما فی حاشیة المکاسب فی مبحث اختلاف المتعاملین إجتهاداً أو تقلیداً، و کذا فی رسالة الإجتهاد و التقلید فقد قال بعدم الإجزاء مطلقاً، بناءً علی المنجزیة و المعذّریة، لأنّ معنی ذلک أن یکون مفاد الأمارة السابقة حجةً ما لم تقم أمارة أخری علی خلافها، لأنّها عذر للمکلَّف، فإذا قامت الأخری علی الخلاف سقطت عن المعذریة، کما لو کان عنده علم، فإنّه حجة ما دام موجوداً، فإذا زال فلا حجیة، بل الحجّة هو الدلیل الجدید القائم علی خلافه. فهذا مقتضی هذا المسلک، سواء للمجتهد أو المقلّد، و سواء فی العبادات أو المعاملات و أمّا بناءً علی جعل الحکم المماثل، فالتفصیل بین العبادات و المعاملات، لأنّ الحکم المماثل فی العبادات إنّما ینشأ عن المصلحة فی المتعلَّق، ففی صلاة الظهر- مثلًا- مصلحة، و هذه المصلحة یجب أن تستوفی- لأنّ المصالح فی العبادات استیفائیة بخلاف المعاملات- و إذا انکشف الخلاف ظهر عدم استیفاء مصلحتها و الغرض من جعل الحکم فیها، إذ المفروض أنّ صلاة الجمعة لم تستوف مصلحة صلاة الظهر، و لا أنّ مصلحتها بدل عن مصلحة الظهر، و حینئذٍ تجب الإعادة بمقتضی إطلاق دلیل الواقع، و بمقتضی قاعدة الإشتغال، و بمقتضی الإستصحاب. هذا فی العبادات أمّا فی المعاملات، فلو قامت الأمارة علی کفایة العقد بالفارسیة مثلًا، و المفروض جعل الشارع الحکم المماثل علی طبقها، فإنّه تعتبر الزّوجیة أو الملکیة إذا اجری العقد، و لیس هناک مصلحة أخری حتی إذا انکشف الخلاف یکون الواجب إستیفاؤها، بل المصلحة فی نفس جعل الحکم المماثل، و هذه المصلحة یستحیل إنقلابها بانکشاف الخلاف».
یلاحظ علیه:

إنّه لافرق بین البابین و الحق هو الإجزاء مطلقاً.

أمّا فی المعاملات فظاهر لما أفاده من أنّها اعتبارات شرعیة و عرفیة و لا مصلحة واقعیة لها سوی الاعتبار حتی یقال بعدم استیفائها.

ص: 157

و أمّا فی العبادات فلأنّ الحکم المماثل لایخلو من المصلحة و حیث إنّ الحکم الظاهری اعتبر مماثلیته للحکم الواقعی فلابدّ أن تکون مصلحته أیضاً ناظراً إلی استیفاء مصلحة الواقع فیجری الاحتمالات الأربعة فی مقام الثبوت (التی ذکرت فی بحث الأمر الاضطراری) و أیضاً یجری الإطلاق المقامی و نتیجته هو القول بالإجزاء (علی ما مضی فی الأمر الاضطراری طابق النعل بالنعل) إلّا أنّ التفصیل الذی ذکره یجری فی الأمر الظاهری الذی هو لبیان أصل التکلیف.

ص: 158

المبنی الرابع: مسلک جعل المؤدّی منزلة الواقع
اشارة

لهذا المسلک تفسیران:

التفسیر الأول:

إنّ المراد هو جعل الشارع للمؤدی فالمؤدّی مجعول للشارع فی ظرف الشک فی الحکم الواقعی.

فعلی هذا لا فرق بینه و بین مسلک جعل الحکم المماثل و الکلام هو عین ما ذکرناه.

التفسیر الثانی:
اشارة

إنّ المراد هو أنّ الإمام (علیه السلام) یعتبر قول الراوی قولاً له و عن لسانه الشریف واقعاً.

الدلیل علی الإجزاء علی التفسیر الثانی:

إنّ الدلیل علی هذا المسلک هو الصحیحة الواردة فی شأن العمری (قدس سره):((1))

عن الکلینی فی الکافی عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیرِی وَ مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی جَمِیعاً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِی الْحَسَنِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ وَ قُلْتُ مَنْ أُعَامِلُ (وَ عَمَّنْ) آخُذُ؟ وَ قَوْلَ مَنْ أَقْبَلُ؟ فَقَالَ (علیه السلام) «الْعَمْرِی ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّی وَ مَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ

ص: 159


1- وسائل الشیعة، ج27، ص138.

أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ» قَالَ وَ سَأَلْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ (علیه السلام) عَنْ مِثْلِ ذَلِکَ فَقَالَ «الْعَمْرِی وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیا إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّیانِ وَ مَا قَالا لَکَ فَعَنِّی یقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ» الْحَدِیثَ.

فعلی هذا إنّ الإمام (علیه السلام) جعل مفاد قول العمری مصداقاً لقوله و وسّع فی الواقع الذی هو عین قوله (علیه السلام) فإذا عمل المکلّف علی طبق قول العمری (قدس سره) امتثل الواقع.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ هذه التوسعة ظاهریة و إلّا لزم التصویب المجمع علی بطلانه فحینئذ إذا انتفی الشک فینتفی جعل الشارع للمؤدی بانتفاء موضوعه (و هو الشکّ) فیبقی الواقع مقتضیاً لامتثاله.

یلاحظ علیه:

إنّ قول العمری نزّل منزلة قول الإمام (علیه السلام) و قول الإمام (علیه السلام) عین المصلحة و تمام المصلحة فالعمل علی طبق قول العمری واجد للمصلحة التامّة و معه لا وجه لبقاء مصلحة الواقع حتّی یقتضی امتثاله.

فالحقّ هو الإجزاء أیضاً.

ص: 160


1- تحقیق الأصول، ج2، ص217.
المبنی الخامس: مسلک السببیة
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

علی القول بالسببیة یقع الکلام أولاً فی الصور الثبوتیة و ثانیاً فی مقام الإثبات

أمّا الصور الثبوتیة فهی علی وزان ما مضی فی الأمر الاضطراری و إلیک بیانه:

المأموربه بالأمر الظاهری:

إمّا واف بتمام الغرض و مصلحة الواقع «الإجزاء».

و إمّا غیر واف به و هنا:

إمّا لایمکن استیفاء الباقی «الإجزاء»

و إمّا یمکن استیفاء الباقی و هنا:

إما یجب استیفائه «عدم الإجزاء»

و إما لایجب بل یستحب استیفائه «الإجزاء».

أمّا البحث الإثباتی فإنّ قضیة إطلاق دلیل الحجیة علی القول بالسببیة هو الاجتزاء بموافقة الأمر الظاهری.

بیان أقسام السببیة و تحقیق المسألة:
اشارة

إنّ السببیة علی وجوه و أقسام: السببیة التی نسبت إلی الأشاعرة و السببیة التی نسبت إلی المعتزلة و المصلحة السلوکیة.

ص: 161

الأُولی: السببیة التی نُسبت إلی الأشاعرة
اشارة

إنّ الله تعالی لم یجعل حکماً واقعیاً غیر ما أدّی إلیه نظر المجتهد بسبب قیام أمارة أو أصل، و إذا تبدّل رأیه ینقلب الحکم إلی رأیه فالحکم الواقعی تابع لرأیه، فلایعقل فیه انکشاف الخلاف.

فلا مصلحة فی المتعلّق قبل قیام الأمارة أو الأصل، و لا معنی حینئذ لاشتراک الحکم بین العالم و الجاهل لعدم تحقّق موضوع الحکم بالنسبة إلی الجاهل، لأنّ موضوع الحکم رأی المجتهد.

و علی هذا القول لا موضوع لبحث الإجزاء لعدم تصویر الحکم الظاهری بل ما أدّی إلیه رأی المجتهد هو الحکم الواقعی.

اتفق الأعلام علی بطلان هذه السببیة لأوجه:

أولاً: إنّه خلاف الضرورة من الشرع و یکذبه الکتاب و السنة إذ لازمه بطلان بعث الرسل و إنزال الکتب.

ثانیاً: اختصاص الحکم بمن قامت عنده الأمارة خلاف الضرورة و ما تسالم علیه الأصحاب.

ثالثاً: اختصاص الحکم به خلاف الإطلاقات الأوّلیة حیث إنّ مقتضاها ثبوت الأحکام الشرعیة فی الواقع من دون فرق بین العالم و الجاهل.

رابعاً: لایعقل الکشف من دون مکشوف و الحکایة من دون محکی فالکشف متوقف علی المکشوف فلو توقّف الحکم الواقعی (المکشوف) علی الأمارة (الکاشفة) لزم الدور أو الخلف.

ص: 162

و أجیب عن الإشکال الرابع بأنّ الأمارة مثل الجهل المرکب الذی لا واقع له بل یحکی عن وجود عنوانی فالأمارة تحکی عن وجود عنوانی للحکم (لا الحکم الواقعی) أمّا الحکم الواقعی فهو متوقّف علی وجود الأمارة فلا دور.

الثانیة: السببیة التی نُسبت إلی المعتزلة
اشارة

إنّ المعتزلة اعترفوا بوجود الأحکام الواقعیة المشترکة بین العالم و الجاهل شأناً و اقتضاءً و قالوا: إنّ الأمارة إن طابقت الحکم الواقعی الاقتضائی فهی توجب فعلیة الواقع و إن لم تطابق فهی توجب إحداث مصلحة فی متعلّقه أقوی من مصلحة الواقع، فتکون مصلحة الواقع اقتضاءً بلا فعلیة، فینقلب الحکم الواقعی إلی ما هو مفاد الأمارة، لأنّ الأحکام الواقعیة تابعة للمصالح و المفاسد فهنا حکم واقعی اقتضائی قد تخالفه الأمارة، و حکم واقعی فعلی و هو مفاد الأمارة.

و علی هذا المعنی لابدّ من الالتزام بالإجزاء، لأنّ الحکم الواقعی الاقتضائی لایقاوم مع الحکم الواقعی الفعلی الذی هو مفاد الأمارة، فلا حکم واقعی فعلی فی قبال الأمارة حتّی نبحث عن الإجزاء بالنسبة إلیها.

هذه السببیة و إن کانت ممکنة ثبوتاً لکنّه مخدوشة إثباتاً لوجهین:
الوجه الأول:

((1)):

إنّ دلیل الاعتبار إمّا السیرة العقلائیة أو الآیات و الروایات.

أمّا السیرة العقلائیة فقد جرت علی العمل بالأمارت بملاک طریقیتها إلی

ص: 163


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص86 و (ط.ق): ج2، ص270.

الواقع و کشفها عنه و الشارع أمضاها بما هی علیه.

أمّا الآیات و الروایات فإنّ الظاهر منها هو إمضاء ما هو حجّة عند العقلاء، فلاتدلان علی حجّیة شیء تأسیساً، و من هنا لم نجد فی الشریعة المقدّسة أن یحکم الشارع باعتبار أمارة تأسیساً، نعم قد زاد الشارع فی بعض الموارد قیداً فی اعتبارها و لم یکن ذلک القید معتبراً عند العقلاء.

الوجه الثانی:

إطلاقات أدلّة الأحکام تقتضی عدم اختصاص مدالیلها بالعالمین بها بل هی محفوظة سواء طابقتها الأمارة أو لا و فیه ما لایخفی.

الثالثة: المصلحة السلوکیة
اشارة

و فیه بحثان:

البحث الأوّل: فی تصویر المصلحة السلوکیة
اشارة

إنّ الأمارة لاتوجب انقلاب الواقع و تغیره بل الواجب الواقعی محفوظ دائماً إلّا أنّ الأمارة سبب لحدوث مصلحة فی السلوک علی وفقها و بها یتدارک ما فات من مصلحة الواقع.

فعلی هذا الأحکام الواقعیة فعلیة و إن قامت الأمارة علی خلافها و هذه الأمارة لاتوجب حدوث المصلحة فی المتعلّق حتّی ینقلب الواقع بل هی توجب حدوث المصلحة فی السلوک نحو الأمارة و هذه المصلحة لاتنافی مصلحة الواقع بل تتدارکها فیما فاتت (أی فاتت مصلحة الواقع).

ص: 164

إشکال بعض تلامیذ الشیخ (قدس سره) فی مجلس بحثه علی المصلحة السلوکیة:

((1)):

إنّ مؤدی الأمارة إن کان وافیاً بتمام مصلحة الواقع یلزم الأمر بالجامع بین الحکم الواقعی و مفاد الأمارة لاشتراکهما من حیث وحدة الأثر فی جامع لهما و یکون الأمر بکلّ من الواقع و المؤدّی تخییریاً، فیمتنع تخصیص الوجوب الواقعی بأحدهما لأنّه لاموجب لهذا التخصیص بل هو ترجیح من دون مرجح فیکون الحکم الواقعی تعیینیاً فی حقّ العالم و تخییریاً فی حقّ الجاهل بالحکم الواقعی الذی قامت عنده الأمارة.

مع أنّ اطلاقات الأوامر ظاهرة فی الوجوب التعیینی فهذا القول یوجب انقلاب الواقع من الوجوب التعیینی إلی التخییری بالنسبة إلی من قامت عنده الأمارة و هذا خلاف الضرورة و الإجماع.

أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((2))

إنّ قوام الوجوب التخییری بأن یکون وجوب طرفیه أو أطرافه فعلیاً و هذا فیما نحن فیه محال، لأنّ فعلیة الأمر بالمؤدّی منوطة بعدم وصول الواقع و فعلیة الواقع منوطة بوصوله فلا واجب فعلی إلّا أحدهما و کما یستحیل فعلیة الأمر بهما تعییناً فکذا تخییراً.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی تصویر المصلحة السلوکیة مع عدم لزوم

ص: 165


1- نقله المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج1، ص404؛ و اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات(ط.ج): ج2، ص89 و(ط.ق): ج2، ص272.
2- نهایة الدرایة، ج1، ص405.

التصویب مخدوش، و توضیح ذلک: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال باستحالة جعل الوجوب التخییری هنا، و نزید إلی ما أفاده استحالة جعل الوجوب التعیینی أیضاً علی القول بالمصلحة السلوکیة فینتج عدم إمکان الالتزام بهذا القول.

أمّا بیان استحالة جعل الوجوب التعیینی فهو أنّه کما أنّ أصل الوجوب تابع للملاک و المصلحة کذلک خصوصیة التعیینیة أیضاً تابعة للملاک و المصلحة و هذا فی مقام الثبوت بأن یکون الواجب واجداً للمصلحة مع خصوصیة أنّ شیئاً آخر لایقوم مقامه، و أمّا فی مقام الإثبات فلابدّ من إطلاق لأنّ الواجب التخییری یحتاج إلی التقیید بکلمة «أو».

فحینئذ إن کانت المصلحة السلوکیة وافیة بمصلحة الحکم الواقعی فلایصحّ إطلاق الحکم الواقعی لأنّ المصلحة السلوکیة تکون بدلاً عن مصلحة الواقع و مفاد الأمارة یکون عدلاً للحکم الواقعی فلایصحّ تحقّق الوجوب التعیینی لأنّ الواجب التعیینی ما لایقوم مقامه شیء آخر.

و من جهة أخری إنّ الحکم الواقعی و مفاد الأمارة کلیهما واجدان للمصلحة فتخصیص الحکم الواقعی بالوجوب دون مفاد الأمارة ترجیح بلا مرجح.((1))

یلاحظ علیه:

إنّ ملاک الواجب التعیینی فی الحکم الواقعی تامّ، لأنّ الحکم الظاهری (مفاد الأمارة) لیس فی عرض الحکم الواقعی بل هو فی طوله (أی عند الشک فی الحکم الواقعی) فإنّ الواجب التعیینی هو ما لیس فی عرضه بدل و عدل له (ثمّ إنّ

ص: 166


1- تحقیق الأصول، ج2، ص222.

التعیینیة بمقتضی إطلاق الوجوب إثباتاً و ملاک الوجوب عند إطلاقه یقتضی التعیینیة ثبوتاً).

البحث الثانی فی الإجزاء بناء علی القول بالمصلحة السلوکیة:
اشارة

قد قال بعض الأعلام مثل المحقّق النائینی (قدس سره) و بعض الأساطین بعدم الإجزاء و خالفهم جمع آخر مثل المحقّق الخوئی (قدس سره) .

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدم الإجزاء:

((1)):

إنّ مصلحة أصل الصلاة غیر مصلحة وقته، فقد تفوت مصلحة الوقت و أمّا مصلحة أصل الصلاة قابلة للتدارک و المصلحة السلوکیة هی بمقدار ما فات من الواجب من مصلحة وقته و لیست بمقدار مصلحة أصل الواجب، فإنّ المصلحة السلوکیة قد تکون بمقدار فضیلة الوقت أمّا مصلحة أصل الوقت فهی باقیة، فإذا انکشف الخلاف فی الوقت فلابدّ من إعادة الواجب تحصیلاً لمصلحة أصل الواجب و مصلحة أصل الوقت، أمّا مصلحة فضیلة الوقت فهی متدارکة بالمصلحة السلوکیة، و قد تکون بمقدار أصل الوقت (تمام الوقت) فإذا انکشف الخلاف بعد وقت الواجب فلابدّ من قضاء الواجب تحصیلاً لمصلحة أصل الواجب أمّا مصلحة أصل الوقت و فضیلته فتدارک بالمصلحة السلوکیة. فالقول بالمصلحة السلوکیة لاینافی عدم الإجزاء إعادةً و قضاءً.

استشکله المحقّق الخوئی (قدس سره):

إنّ ذلک مبنی علی تبعیة القضاء للأداء حیث إنّ المطلوب علی هذا القول

ص: 167


1- فوائد الأصول،ج3،ص97 و أجود التقریرات،ج1،ص293-294.

متعدّد (مطلوبیة أصل الصلاة و مطلوبیة وقته) و لکنه خاطئ جدّاً لأنّ المتفاهم العرفی من تقیید الواجب بأمر زمانی أو بوقت خاص هو وحدة المطلوب لاتعدّده، فإنّ المأموربه هو الطبیعی المقید بهذا القید و الدلیل علی ذلک هو الظهور العرفی لدلیل التقیید، فعلی هذا تبعیة القضاء للأداء باطل و المصلحة السلوکیة لیست بمقدار فضیلة الوقت أو أصل الوقت بل هی بمقدار الواجب المقید بالوقت لما سلکناه من عدم تعدّد المطلوب. ((1))

دفاع بعض الأساطین عن المحقّق النائینی (قدس سره)

((2)):

إنّ القول بعدم الإجزاء لایتوقف علی القول بتبعیة القضاء للأداء بل هو موقوف علی تعدّد المطلوب و هو أعمّ من القول بالتبیعیة أو القول بأنّ القضاء بأمر جدید، و الحقّ هو أنّ أصل الصلاة مطلوب و وقتها مطلوب آخر و لکل منهما مصلحة لابدّ من استیفائها و بعد انکشاف الخلاف لابدّ من استیفاء مصلحة أصل الصلاة أمّا مصلحة وقته فتتدارک بالمصلحة السلوکیة.

یلاحظ علیه:

إنّ الکلام فی عالم الإثبات لا الثبوت، فإنّ فی عالم الثبوت مصلحة أصل الصلاة غیر مصلحة وقته و لکن الدلیل الإثباتی ظاهر عرفاً فی طلب الصلاة المقیدة بالوقت فالمطلوب فی عالم الإثبات واحد.

ص: 168


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص90-91 و (ط.ق): ج2، ص274.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص224.
تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة
اشارة

البحث فی مقامین:

المقام الأوّل: من حیث الإعادة
بیان صاحب الکفایة (قدس سره) لعدم الإجزاء:

((1)):

إذا شک و لم یحرز أنّ الحجیة بمعنی السببیة أو الطریقیة:

أمّا من حیث الإعادة فلایجزی و الإعادة واجبة و الدلیل علی ذلک هو أصالة عدم الإتیان بما یسقط معه التکلیف.

إن قلت: استصحاب عدم فعلیة التکلیف الواقعی فی الوقت یوجب عدم وجوب الإعادة.

قلت: إنّ ذلک لایوجب و لایثبت أنّ ما أتی به مسقط إلّا علی القول بالأصل المثبت.

و قد علم اشتغال ذمّته و یشک فی فراغ الذمّة بذلک المأتی فتجب الإعادة.

أورد علیه المحقق الإصفهانی (قدس سره)

أورد((2))علیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) ((3)):

إنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة، نعم لنا التمسّک بالأصل العملی فی المسألة الفرعیة من وجوب الإعادة أو القضاء و عدمه، و حیث علم عدم موافقة المأتی

ص: 169


1- کفایة الأصول(طبع آل البیت)، ص87.
2- مع أنّه أیضاً یقول بعدم الإجزاء.
3- بحوث فی الأصول، ص129.

به للمأمور به واقعاً و یشک فی کونه محصّلاً لغرضه من حیث کونه ذا مصلحة بدلیة، فلامحالة یشک فی سقوط التکلیف الواقعی بعد الیقین بثبوته، فمقتضی القاعدة و الاستصحاب بقاء اشتغال ذمّته.

و أمّا أصالة عدم الإتیان بما یسقط معه التکلیف و یحصل الغرض فلا موقع لها لعدم ترتیب أثر شرعی علی الإتیان و عدمه.

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ المورد لیس من موارد التمسّک بقاعدة الاشتغال بل هو من موارد التمسّک بقاعدة البراءة.

و الوجه فیه هو أنّ حجّیة الأمارة إن کانت من باب السببیة و الموضوعیة لم تکن ذمّة المکلّف مشغولة بالواقع أصلاً و إنّما تکون مشغولة بمؤدّاها فحسب، حیث إنّه الواقع فعلاً و حقیقةً فلا واقع غیره و إن کانت من باب الطریقیة و الکاشفیة اشتغلت ذمته به و بما أنّه لایدری أنّ حجّیتها کانت علی الشکل الأوّل أو کانت علی الشکل الثانی فبطبیعة الحال لایعلم باشتغال ذمّته بالواقع لیکون المقام من موارد قاعدة الاشتغال، فإذن لامناص من الرجوع إلی أصالة البراءة من وجوب الإعادة، حیث إنّه شک فی التکلیف من دون العلم بالاشتغال به.

و بکلمة أُخری إنّ الشک فیما نحن فیه و إن أوجب حدوث العلم الإجمالی بوجود تکلیف مردّد بین تعلّقه بالفعل الذی جیء به علی طبق الأمارة السابقة و بین تعلّقه بالواقع الذی لم یؤت به علی طبق الأمارة الثانیة إلّا أنّه لا أثر لهذا العلم الإجمالی و لایوجب الاحتیاط و الإتیان بالواقع علی طبق الأمارة الثانیة، و ذلک

ص: 170


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص 95 و (ط.ق): ج2، ص278.

لأنّ هذا العلم حیث قد حدث بعد الإتیان بالعمل علی طبق الأمارة الأُولی کما هو المفروض فلا أثر له بالإضافة إلی هذا الطرف، فلا مانع من الرجوع إلی أصالة البراءة من الطرف الآخر هذا بالنسبة إلی الإعادة.

المقام الثانی: بالنسبة إلی القضاء
اشارة

إنّ مختار صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ القضاء لایجب بناءً علی أنّه فرض جدید و أخذ فی وضعه الفوت و هو غیر محرز.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

أمّا من حیث القضاء فإن قلنا: إنّ القضاء بالأمر الأوّل (تبعیة القضاء للأداء) فلایجزی لأنّ القضاء مثل الإعادة.

و إن قلنا: إنّ القضاء بالأمر الجدید و کان الفوت أمراً وجودیاً فاستصحاب عدم الإتیان بالفریضة فی الوقت بالنسبة إلیه مثبت فلایمکن إحراز عنوان الفوت حتی یقال بتحقّق موضوع القضاء فالقضاء لیس بواجب.

و إن کان الفوت أمراً عدمیاً فیجدی استصحاب عدم الإتیان بالفریضة فی الوقت فی إحراز عنوان الفوت فالقضاء واجب.

و المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً قال بعدم وجوب القضاء حیث إنّه بأمر جدید و هو مشکوک الحدوث.

و المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً یختار مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) فی عدم وجوب القضاء.

ص: 171

ص: 172

البحث الثانی: مقدمة الواجب

اشارة

فیه مقدمة و فصلان و خاتمة

ص: 173

ص: 174

المقدمة

اشارة

قبل الورود فی البحث عن الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته لابدّ من بیان أُمور:

إجمال ذلک هو أنّا نبحث عن مقدّمات للبحث من کونه أُصولیاً أو کلامیاً أو فقهیاً أو غیر ذلک و من معنی الوجوب فی هذا البحث.

ثم نبحث عن تقسیمات المقدّمة:

الأوّل: المقدّمة الداخلیة و الخارجیة.

الثانی: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیة.

الثالث: المقدّمة الوجودیة و الوجوبیة و مقدّمة الصحّة و المقدّمة العلمیة.

الرابع: المقدّمة المتقدّمة و المقارنة و المتأخرة (الشرط المتأخر).

و بعد ذلک یقع الکلام فی تقسیمات الواجب:

الأوّل: المطلق و المقید((1)).

ص: 175


1- عدّ المحقق الخراسانی (قدس سره) المطلق و المقید من تقسیمات الواجب و الحقّ أنّه من تقسیمات الوجوب کما سیأتی.

الثانی: المعلّق و المنجّز.

الثالث: النفسی و الغیری.

الرابع: الأصلی و التبعی.

ثم إنّ هنا بحثاً عن المقدّمة الموصلة و بحثاً آخر عن ثمرة البحث و بحثاً عن تأسیس الأصل و بعد ذلک تصل النوبة إلی تحقیق أدلّة القول بوجوب المقدّمة.((1))

ص: 176


1- فی تشریح الأصول، ص173 و 174: «إنّ النزاع فی وجوب المقدمة محتمل لوجوه: الأول: أن یکون النزاع فی أنّه هل هی واجبة بطلبٍ و إیجابٍ مستقلٍ من الشارع أم لا؟ ... الثانی: أن یکون النزاع بعد فرض استلزام إیجاب ذی المقدمة لإیجابها فی أنّه هل یترتب علی مخالفة إیجابها عقابٌ أم لا؟ ... الثالث: أن یکون النزاع فی أنّه بعد فرض عدم إیجاب و عدم طلب من الأمر بالنسبة إلی المقدمة هل یترتب علی ترک نفسها عقاب أم لا؟ ... الرابع: أن یکون النزاع فی وجوبها التبعی یعنی بعد فرض عدم إیجابها من الأمر و بعد فرض عدم ترتب العقاب علی ترکها هل یجب علی المکلف الإتیان بها عقلا للفرار عن عقاب ذیها أم لا؟».
الأمر الأوّل: هذه المسألة من أی قسم من المباحث؟
اشارة

فیه أقوال أربعة:

إنّ هذه المسألة هل هی من المباحث الکلامیة أو الفقهیة أو الأُصولیة؟

و إن کانت أُصولیة فهل یکون من المبادی الأحکامیة لعلم الأُصول أو یکون من المسائل الأصولیة؟ و إن کانت المسألة أُصولیة فهل یکون مسألة لفظیة أو عقلیة؟

القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة
اشارة

استدلّ علی ذلک بأنّ البحث عنها عقلی لا لفظی.

إجابة عن هذا الدلیل:

أجاب عنه السید الخوئی (قدس سره) ((1))بأنّ کلّ مسألة عقلیة لیست کلامیة بل المسائل الکلامیة هی المسائل العقلیة بالمعنی الأخص و صنف خاص منها و هی المسائل المستقلات العقلیة التی یبحث فیها عن أحوال المبدأ و المعاد.

و إرجاع البحث عنها إلی أحوال المبدأ و المعاد و إن کان ممکناً إلّا أنّ الحیثیة المبحوث عنها هنا هی حیثیة أُصولیة.((2))

ص: 177


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص113و(ط.ق): ج2، ص294.
2- و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص259: «الأمر الثانی: هل المسألة من المسائل الفرعیة ... أو من المسائل الکلامیة باعتبار رجوعها إلی البحث عن استحقاق المثوبة علی الموافقة و العقوبة علی المخالفة؟ فیه وجوه أبعدها الأخیر من جهة وضوح أنّ المقدمة علی القول بوجوبها لیست مما یترتب علیها المثوبة و العقوبة عند الموافقة و المخالفة فإنّ المثوبة و العقوبة کانتا من تبعات موافقة الواجب النفسی و مخالفته لا من تبعات مطلق الواجب و لو غیریا، و ما یری من استحقاق العقوبة عند ترک المقدمة فإنّما هو من جهة تأدیة ترکها إلی ترک ذیها الذی هو الواجب النفسی لا من جهة أنّها مما یقتضی مخالفتها فی نفسها مع قطع النظر عن ترتب ترک ذیها استحقاق العقوبة علیها، کما لایخفی. و مع [ذلک] لا مجال لِعَدّ المسألة من المسائل الکلامیة.
القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة
اشارة

و نسب ذلک إلی بعض المتقدّمین منهم صاحب المعالم (قدس سره) .((1))

استدلّ علی ذلک بأنّ المبحوث عنه هو وجوب المقدّمة و الوجوب حکم فرعی، و لذا استدلّ علی نفی وجوب المقدّمة بانتفاء الدلالات الثلاث اللفظیة.

إشکالان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ البحث هنا عن ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و الأمر بمقدّماته.

الإیراد الثانی: إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی عدّها مسألة فقهیة
اشارة

إنّ الأحکام الفقهیة مجعولة للعناوین الخاصّة مثل الصلاة و الحج و غیرهما و المقدّمة تصدق فی الخارج علی العناوین المتعدّدة و لیست عنواناً لفعل واحد. ((3))

ص: 178


1- فی محاضرات فی أصول الفقه ط.ج. ج 2، ص112: «قیل: إنّها من المسائل الفقهیة، و یظهر ذلک من عبارة جملة من المتقدمین منهم صاحب المعالم (قدس سره) حیث قد استدل علی نفی وجوب المقدمة بانتفاء الدلالات الثلاث ولکنّ هذا القول خاطئٌ جدّاً». و فی معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص62: «لنا أنّه لیس لصیغة الأمر دلالة علی إیجابه بواحدة من الثلاث و هو ظاهر».
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص112و(ط.ق): ج2، ص293.
3- فی أجود التقریرات، ج1،ص310:« و أمّا جعلها من المسائل الفقهیة ففی غایة البعد فإنّ علم الفقه متکفل لبیان أحوال موضوعات خاصة کالصلاة و الصوم و غیرها و البحث عن وجوب کلی المقدمة التی لاینحصر صدقها بموضوع خاص لایتکفله علم الفقه أصلا».
إجابة المحقّق الخوئی (قدس سره) عن الإشکال الثانی:

((1))

إنّ الضابط فی المسائل الفقهیة هو أنّها مجعولة للموضوعات و العناوین الخاصّة، من دون فرق بین کونها منطبقة فی الخارج علی حقیقة واحدة کالصلاة و الحج أو علی حقائق مختلفة کإطاعة الوالد و الأمر بالمعروف و النذر و غیره.((2))

ص: 179


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص113و (ط.ق): ج2، ص294.
2- إیراد المحقق الأردکانی و العراقی و الإصفهانی علی القول الثانی: قال فی غایة المسؤول فی علم الأصول، ص226: «إنّ هذه المسألة من المبادی الأحکامیة التصدیقیة و لیست فقهیة و لا أصولیة و لا لُغویة کما توهم ... و أما الثانی فلأنّ البحث فیها لیس من عوارض الکتاب و السنة و لا عن دلالة الأمر أصلا لما عرفت أنّ البحث إنّما هو غیر التلازم و لو ثبت الوجوب بالإجماع و العقل. لایقال: إنّهما أیضا من موضوع الأصول لأّنا نقول: المسألة الأصولیة ما یبحث فیها عن أحوال الأدلة بعد ثبوتها لا عن نفس وجودها و هنا الکلام فی نفس حکم العقل بوجوب المقدمة فلایرجع إلی الأدلة العقلیة حتی یدخل فی الأصول بل یکون نظیر مسألة أنّ العقل هل یحکم بالحسن و القبح أو لا؟». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص259 فیه: أنّ عنوان البحث و إن کان هو البحث عن وجوب المقدمة و عدم وجوبها و لکن المهم المبحوث عنه کما عرفت لما کان ثبوت الملازمة بین حکم شی ء بواحد من الأحکام الأربعة و بین حکم مقدماته بلا نظر إلی خصوص الوجوب، فلا جرم لاتکون من المسائل الفرعیة غیر المناسبة لتعرض الأصولی إیاها فی الأصول، بل علیه تکون المسألة أصولیة محضة، إذ البحث عن الملازمة حینئذ کالبحث عن سائر الأحکام العقلیة غیر المستقلة فلاترتبط حینئذ بالمسألة الفرعیة. و مع الغض عن ذلک و الأخذ بظاهر عنوان البحث نقول: بعدم ارتباطها أیضا بالمسألة الفرعیة لأنّ الملاک فی المسألة الفرعیة، علی ما یقتضیه الإستقراء فی مواردها إنّما هو وحدة الملاک و الحکم و الموضوع، فکان المحمول فیها دائما حکما شخصیا متعلقا بموضوع وحدانی بملاک خاص کما فی مثل الصلاة واجبة فی قبال الصوم واجب و الحج واجب، و مثل هذا الملاک غیر موجود فی المقام فلایکون تعلق الوجوب المقدمة من باب تعلق شخص حکم بموضوع وحدانی بمناط وحدانی خاص، بل بعد أن کان عنوان المقدمیة من الجهات التعلیلیة لا التقییدیة لا جرم الحکم المحمول علی العنوان المزبور یکون حاکیا عن وجوبات متعددة مختلفة شدّةً و ضعفاً بموضوعات عدیدة بملاکات متعددة، فکان حال المقدمة حینئذ بعد کون وجوبها بمناط دخلها فی ذیها حال کل واجب یترشح إلیه الوجوب من جهة دخله فی ترتب المصلحة الخاصة علیه، فیختلف الوجوب فیها حینئذ حقیقة و ملاکا باختلاف ما یترتب علی المقدمات نظیر اختلاف الوجوبات باختلاف المصالح المترتبة علیها، و علیه فلایکون هذا العنوان فی المقام حاکیا عن محمول واحد متعلق بموضوع واحد بملاک واحد کما فی الصلاة واجبة، و الصوم الواجب بل هو یکون حاکیا و مرآة موضوعا و محمولا عن موضوعات متعددة محکومة بأحکام متعددة بمناطات مختلفة، و من المعلوم حینئذ أنّه لایکون فی البین حینئذ جهة وحدة فی البحث المزبور إلّا حیثیة الملازمة التی عرفت کونها محطّ النظر و البحث، و علیه لایکاد إرتباطها بالمسألة الفرعیة بوجهٍ أصلا، مضافا إلی ما عرفت أیضا من عدم اختصاص مورد البحث بخصوص مقدمة الواجب بل عمومه فی مقدمات الحرام و المکروه و المستحب أیضا مع ما لَها من الإختلاف بحسب المراتب و المناط، فکان المقام من هذه الجهة من قبیل البحث عن أنّ فعل المکلف هل یکون محکوما بالأحکام الخمسة أم لا؟ و معلوم حینئذ عدم ارتباطها بالمسألة الفرعیة، کما هو واضح». و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص134: «کما أنّه بهذا العنوان لاتکون مسألة فقهیة، حیث لاتتکفل ثبوت تکلیف أو وضع لفعل المکلف و لا وجه لعقدها فقهیة و البحث عن وجوب المقدمة مع توقفه علی الملازمة التی لم یبحث عنها فی العلم المتکفل لمبادئه التصدیقیة فتدبر جیدا».
القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة للمسائل الأُصولیة
اشارة

((1))

استدلّ علیه بأنّ المبادی الأحکامیة هی عوارض الحکم و حالاته و البحث هنا فی أنّ وجوب ذی المقدّمة هل یقتضی وجوب مقدّمته.((2))

ص: 180


1- إختاره السید البروجردی (قدس سره) .
2- إختار هذا القول أیضاً الفاضل الأردکانی و میرزا حبیب الله الرشتی (قدس سرهما): ففی غایة المسؤول فی علم الأصول، ص226: «فالتحقیق أنّها من جملة المبادی الأحکامیة التی یبحث فیها عن الحکم و لوازمه کذکر معنی الوجوب و الإستحباب و نحو ذلک». و فی بدائع الأفکار، ص296: «أمّا کونها من مبادی الأصول أو من مسائله اللفظیة أو العقلیة فلکلٍّ وجهٌ بل قولٌ أوجهها الأوّل». و قال الشیخ: إنّ بحث مقدمة الواجب إمّا من المبادی الأحکامیة و إمّا من المسائل الأصولیة العقلیة قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص198: «ثم إنّ من هنا ینقدح لک القول بأنّ الترتیب الطبیعی یقضی بأن تکون ملحقة بالمسائل المذکورة فی المبادئ الأحکامیة- کما صنعه العضدی تبعا للحاجبی- فإنّ من المناسب عند تحقیق الحکم الشرعی و تقسیمه إلی الوضعی و التکلیفی و تنویعه إلی الأنواع الخمسة المعروفة تحقیق لوازم تلک الأحکام، من حیث إنّ الوجوب المتعلق بشی ء یستلزم وجوب مقدماته أو لا. أو مذکورة فی مباحث الأدلة العقلیة- کما صنعه آخرون- من حیث ثبوت حکم العقل فی هذه المسألة، کما فی مسألة ثبوت حکمه فی أصالة الإباحة؛ إذ لا اختصاص لها بما یتفرع علی قاعدة التحسین و التقبیح العقلیین و لا بما یستقل العقل باستفادة حکمه و لو من غیر توسیط للخطاب الشرعی، بل قد عدّت فی عدة مواضع من کلمات المحققین الملازمات العقلیة فی عداد أدلتها». و قال المحقق العراقی: إنّ هذه المسألة تناسب کونها من المسائل العقلیة و کونها من المبادی الأحکامیة و إن کان الأنسب هو الأول، قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص261: «هل هی من المسائل العقلیة کالبحث عن غیرها من الملازمات أم هی من المبادی الأحکامیة باعتبار کونها بحثا عن لوازم وجوب الشی ء؟ و أنّه هل من لوازم وجوب الشی ء وجوب مقدماته أم لا کالبحث عن أنّ من لوازم وجوب الشی ء حرمة ضده؟ فیه وجهان حیث تناسب المسألة کلّاً منهما، فإنّه بعد الفراغ من دلالته الصیغة علی الوجوب کما یناسب البحث عن ثبوت الملازمة بین وجوب الشی ء و وجوب مقدمته کذلک یناسب البحث عن لوازم وجوب الشی ء و إن کان الأنسب هو الأوّل، و علیه تکون المسألة من المسائل العقلیة الأصولیة- حیث کانت من الأحکام العقلیة غیر الإستقلالیة و کان ذکرها فی المقام للمناسبة المزبورة».
إجابة عن هذا الدلیل:

أجاب عنه فی المحاضرات((1))بأنّ البحث هنا لیس عن حالات الحکم و عوارضه بل هو عن إدراک العقل الملازمة بین حکمین شرعیین النفسی و الغیری.

و علی هذا فإن أراد القائل بالمبادی الأحکامیة أنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه یرد علیه أنّ جمیع المسائل الأصولیة بشتّی أنواعها کذلک.

و إن أراد أنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الأصول فهو خاطئ جداً لأنّ هذه

ص: 181


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص114و(ط.ق): ج2، ص295.

المسألة من المسائل الأصولیة التی تقع فی طریق الاستنباط بلا توسط مسألة أُخری أُصولیة.((1))

القول الرابع: إنّ هذه المسألة أُصولیة

و هو الحق لوجود ضابط المسألة الأُصولیة فیها لأنّها تقع فی طریق استنباط الحکم الشرعی بنفسها من دون ضمّ مسألة أُصولیة أُخری((2)).

ص: 182


1- و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص134: «و لا وجه لإدراجها فی المبادئ الأحکامیة، إذ لیس البحث عن ثبوت شی ء لحکم من الأحکام ملاک المبادئ الأحکامیة، بل کما أشرنا إلیه فی أول الفن أنّ المبادئ سواء کانت لغویة أو أحکامیة لاتخلو عن کونها مبدأ تصوریا أو تصدیقیا و من الواضح أنّ مسألة الملازمة لیست مبدأ تصدیقیا لثبوت شی ء للمحمولات الأصولیة».
2- إختار هذا القول معظم الأصولیین المتأخرین: قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص197: «مرجع البحث فیها إلی أنّ العقل هل یحکم بوجوب المقدمة عند وجوب ذیها أو لا؟ فیرجع البحث فیها إلی البحث عن تحقق الملازمة بین الإرادة الجازمة المتعلقة بشی ء و بین إرادة مقدماته. و ذلک کما تری لیس بحثاً عن فعل المکلف، بل هو بحث عن اقتضاء نفس التکلیف و الطلب و إن استلزم العلم بها العلم بکیفیة عمل المکلف من حیث وجوب الإتیان به و إباحته، کما هو الشأن فی جمیع المسائل الأصولیة، فإنّها مهّدت لاستنباط الأحکام الشرعیة الفرعیة منها و من ذلک یظهر شمول الحدّ المذکور للأصول لها أیضاً». و فی کفایة الأصول، ص89: «الظاهر أنّ المهم المبحوث عنه فی هذه المسألة البحث عن الملازمة بین وجوب الشی ء و وجوب مقدمته فتکون مسألة أصولیة لا عن نفس وجوبها کما هو المتوهم من بعض العناوین کی تکون فرعیة و و ذلک لوضوح أنّ البحث کذلک لایناسب الأصولی و الإستطراد لا وجه له بعد إمکان أن یکون البحث علی وجه تکون عن المسائل الأصولیة». و فی فوائد الأصول،ج1،ص261و262:«لاینبغی الإشکال فی کون المسألة من المسائل الأصولیة، و لیست من المبادی الأحکامیة، و لا من المسائل الفقهیة، و ذلک لما تقدّم من أنّ الضابط فی مسألة الأصولیة هو وقوعها فی طریق الإستنباط بحیث تکون نتیجتها کبری لقیاس الإستنباط علی وجه یستنتج منها حکم فرعی کلّی، و هذا المعنی موجود فی المقام، فإنّ البحث فی المقام إنّما یکون عن الملازمة بین وجوب شی ء و وجوب مقدّماته، لا عن نفس وجوب المقدّمة، بل یکون وجوب المقدّمة نتیجة الملازمة علی القول بها، فلا وجه لجعل المسألة من المسائل الفقهیة، کما لا وجه لجعلها من المبادی الأحکامیة الّتی هی عبارة عن البحث عن الأحکام و ما یلازمها، کالبحث عن تضادّ الأحکام الخمسة، و تقسیم الحکم إلی الوضعی و التکلیفی، و غیر ذلک ممّا عدّوه من المبادی الأحکامیة، فی مقابل المبادی التّصوریة و التصدیقیة، فإنّ جعلها من المبادی الأحکامیة بلا موجب، بعد إمکان جعلها من المسائل الأصولیة». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص260: «علی أنّه ینطبق علیه أیضا میزان المسألة الأصولیة، فإنّ میزان کون المسألة أصولیة کما أفادوه هو ما یکون نتیجتها واقعةً فی طریق استنباط الحکم الفرعی علی معنی وقوع نتیجتها کبری فی القیاس لصغری یفید الحکم الفرعی، و مثل هذا المیزان ینطبق علی المسألة کما فی قولک: "هذه مقدمةُ الواجب و کلُّ مقدمةُ الواجبِ واجبةٌ فهذه واجبةٌ" کما ینطبق فی فرض جعل النزاع فی ثبوت الملازمة، غایته أنّه علی ذلک یحتاج إلی تشکیل قیاسین فی إنتاج الحکم الفرعی، بخلافه علی ظاهر عنوان البحث، فإنّه لایحتاج إلّا إلی تشکیل قیاس واحد» إلخ. و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص133، الباب الأول فی المسائل الأصولیة العقلیة: «الفصل الثانی فی الملازمة بین وجوب شی ء و وجوب مقدمته و إنّما أدرجناها فی المسائل لأنّ نتیجتها مبدأ تصدیقی لحکم فقهی و هو وجوب المقدمة». و فی محاضرات فی أصول الفقه ط.ج. ج 2، ص114: «و الصحیح: أنّها من المسائل الأصولیة العقلیة، فلنا دعویان: الأولی أنّها من المسائل الأصولیة. الثانیة أنّها من المسائل العقلیة». و فی تحقیق الأصول، ج 2، ص248: «و تلخَّص تعین کون المسألة من مسائل علم الأصول، و یکفی فی ذلک بعد ثبوت عدم کونها من مسائل غیره من العلوم- إنطباق تعریف العلم علیها، فإنّه یمکن وقوع مسألة مقدمة الواجب فی طریق الإستنباط».

ثم إنّ هذه المسألة لیست لفظیة کما ادّعاه صاحب المعالم (قدس سره) ((1)) بل عقلیة لأنّ

ص: 183


1- إختار کثیرٌ کونَ المسألة من المسائل العقلیة: قال فی مطارح الانظار (ط.ج):ج1،ص199و (ط.ق): ص37:« و أمّا ذکرها فی مباحث الألفاظ- کما صنعه صاحب المعالم و تبعه فی ذلک جماعة فلیس علی ما ینبغی؛ إذ غایة ما یمکن أن یقال فیه هو: أنّ الوجوب لمّا کان من مدالیل الألفاظ صحّ ذکرها فی مباحثها و ذلک ظاهر الفساد، إذ فیه- بعد الغضّ عن أنّ الوجوب کما قد یکون الدلیل علیه هو اللفظ فکذلک قد یکشف عنه العقل أو الإجماع أو الضرورة و نحوها ممّا لیس بلفظ، و النزاع المذکور کما یتأتّی فیما یدلّ علیه اللفظ یجری فی غیره أیضاً من غیر اختصاصٍ بأحدهما، کما أشار إلیه المدقّق الشیروانی[1]- أنّه لایعقل أن یکون البحث فی المقام بحثاً لغویا و نزاعا لفظیا». و فی فوائد الأصول،ج1،ص261: «... نعم هی لیست من المسائل اللّفظیة، کما یظهر من المعالم بل هی من المسائل العقلیة، و لکن لیست من المستقلات العقلیة الراجعة إلی باب التّحسین و التّقبیح و مناطات الأحکام، بل هی من الملازمات العقلیة، حیث إنّ حکم العقل فی المقام یتوقّف علی ثبوت وجوب ذی المقدّمة، فیحکم العقل بالملازمة بینه و بین وجوب مقدّماته، و لیس من قبیل حکم العقل بقبح العقاب من غیر بیان الّذی لایحتاج إلی توسیط حکم شرعی، بل البحث فی المقام نظیر البحث عن مسألة الضدّ و مسألة إجتماع الأمر و النّهی یتوقّف علی ثبوت أمر أو نهی شرعی، حتّی تصل النّوبة إلی حکم العقل بالملازمة کما فی مسألتنا، أو اقتضاء النّهی عن الضّد کما فی مسألة الضّد، أو جواز الإجتماع و عدمه کما فی مسألة جواز اجتماع الأمر و النّهی، و لکن القوم لمّا لم یفرّدوا باباً للبحث عن الملازمات العقلیة- مع أنّه کان حقّه ذلک أدرجوا المسألة و ما شابهها فی مباحث الألفاظ مع أنّها لیست منها کما لایخفی». و فی بحوث فی الأصول، ج 1، ص133: «و إنّما جعلناها عقلیةً لأنّ الحاکم بهذه الملازمة هو العقل وجدانا أو برهانا».

الحاکم بالملازمة هو العقل غیرُ المستقلّ حیث لابدّ من انضمام دلیل وجوب المقدّمة شرعاً إلی کبری الملازمة ثم استنتاج وجوب المقدّمة.

ص: 184

الأمر الثانی: ما هو المراد من وجوب المقدّمة؟
اشارة

فیه وجوه ستة:

الوجه الأوّل: الوجوب العقلی

لیس المراد من وجوب المقدمة الوجوب العقلی و اللابدیة العقلیة، لأنّ ثبوت الوجوب بهذا المعنی ضروری و لا مجال للنزاع فیه.

الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی

و لیس المراد منه الوجوب الإرشادی، لأنّه إرشاد إلی الحکم العقلی و ثبوت الحکم العقلی بوجوب المقدّمة ممّا لا خلاف فیه و البحث هنا فی الوجوب الشرعی للمقدّمة.

الوجه الثالث: الوجوب المجازی

و لیس المراد الوجوب المجازی بمعنی أنّ الوجوب النفسی لذی المقدّمة یستند إلی مقدّمته مجازاً، فإنّ هذا الإسناد صحیح و لکنه بحث لغوی و لیس من شأن الأُصولی البحث عن ذلک.

الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی

و لیس المراد الوجوب الشرعی الطریقی إلی الحکم أی الوجوب الذی هو طریق إلی حکم شرعی کالاحتیاط فإنّ وجوب الاحتیاط یوجب أن نصل إلی الحکم الشرعی و لکن وجوب المقدّمة هنا لیس طریقاً إلی حکم شرعی آخر.

ص: 185

الوجه الخامس: الوجوب النفسی

و لیس المراد الوجوب النفسی لأنّ ذلک یقتضی کونه ذا ملاک و غرض مع أنّ وجوب المقدّمة لیس عن ملاک فی متعلّقه بل ملاکه هو ما یوجد فی ذی المقدّمة من الملاک و الغرض و لأنّ الآمر کثیراً لایلتفت إلی نفس المقدّمة فضلاً عن إیجابها.

الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی

الحق أنّ المراد هو أنّ هنا إرادة تبعیة و طلباً غیریاً توجّه إلی مقدّمة المراد الأصلی و المطلوب النفسی، بحیث لو التفت الشارع إلی المقدّمة لأوجبها تمهیداً لذی المقدّمة لا استقلالاً.

و سمّاها المحقّق الخوئی (قدس سره) بالوجوب الارتکازی لارتکاز هذا الوجوب فی ذهن کل آمر و حاکم.

و هذا الوجوب یسمی عند الأعلام بالوجوب الغیری التبعی.

ص: 186

الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب

إنّ المقدّمة المحرمة بل المستحبة و المکروهة کلّها داخلة تحت البحث فإنّه یبحث عن الأمر الحرام هل تکون مقدّمته حراماً أو لا؟ و الحرمة التی للمقدّمة أیضاً حرمة غیری. و هکذا فی المستحب و المکروه.

ص: 187

ص: 188

الفصل الأوّل: فی ذکر التقسیمات

اشارة

(فیه أمور ثلاثة)

الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة

الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط

الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب

ص: 189

ص: 190

الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة
اشارة

(و هی أربعة):

التقسیم الأوّل: المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان

التقسیم الثانی: مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم

التقسیم الثالث: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة

التقسیم الرابع: المتقدّم و المقارن و المتأخّر

ص: 191

ص: 192

التقسیم الأوّل: المقدّمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان
اشارة

و هذا التقسیم باعتبار دخول المقدّمة فی المأمور به و خروجها عنه.

أمّا المقدّمة الداخلیة فهی أجزاء المأموربه المرکّب.

أمّا المقدّمة الخارجیة فعلی قسمین:

الأول: المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأعمّ و هی الأجزاء التی هی خارجة عن المأموربه قیداً و داخلة فیه تقیداً مثل شرطیة الطهارة و استقبال القبلة فی الصلاة.

الثانی: المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ و هی الأجزاء التی هی خارجة عن المأموربه قیداً و تقیداً مثل توقف زیارة کربلاء و الحج علی طی المسافة.((1))

أمّا دخول المقدّمة الخارجیة فی بحث الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته فلا إشکال فیه.

إنّما الکلام فی دخول المقدّمة الداخلیة فی محل النزاع.

ص: 193


1- راجع أجود التقریرات، ج1، ص313.

و هناک ثلاثة أبحاث حاولها المحقّقون:

البحث الأول: هل یصح إطلاق المقدّمة علی الأجزاء الداخلیة أو لا؟

البحث الثانی: بناء علی صحّة إطلاق المقدّمة علیها، هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری؟

البحث الثالث: بناء علی ثبوت المقتضی هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری؟

نبحث عن المقدمة الداخلیة فی ثلاثة مواضع:

الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟

إنّ للمقدمة إطلاقین:

الإطلاق الأول: «ما له دخل فی الشیء» بأن یکون وجوده غیر وجود الشیء و وجود الشیء یتوقف علیه.

الإطلاق الثانی: «ما یتوقف علیه الشیء» سواء کان وجوده غیر وجود الشیء أم لم یکن.

أمّا المقدمة بالإطلاق الأوّل فلاتصدق علی الأجزاء الداخلیة لأنّ وجود الکلّ عین وجود أجزائه من حیث إنّها أجزائه (أی مع لحاظ اللابشرطیة لا بشرط لائیة، فإنّ الأجزاء مع لحاظ بشرط لائیة لیست أجزاء للمرکّب).

أمّا المقدمة بالإطلاق الثانی فتصدق علی الأجزاء لأنّ وجود الکلّ یتوقف علی وجود أجزائه، فإنّ الکلّ هو الأجزاء بشرط الانضمام و الأجزاء هی ما یلحظ لابشرط الانضمام.

ص: 194

الموضع الثانی: هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) (و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1))) قال فی هامش الکفایة بعدم وجود الاقتضاء لاتصاف الأجزاء بالوجوب الغیری لأنّ الأجزاء عین الکلّ فی الخارج فوجوبها عین وجوب الکلّ (و اتصافها بالوجوب الغیری لغو محض علی تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) فلا ملاک غیر ملاک وجوب الکلّ و التغایر الاعتباری بین الکلّ و الجزء لایوجب ترشح ملاک الوجوب من الکلّ إلی الجزء.

إشکال علی القول الأوّل:

استشکل بعض الأساطین علی بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2))بأنّ إشکال اللغویة مثل إشکال اجتماع المثلین مرتبط بمرحلة المانع لا المقتضی.

القول الثانی: وجود الاقتضاء

الحقّ وجود الاقتضاء فإنّ الملاک و إن کان واحداً إلّا أنّه یوجب تحقّق إرادتین: الإرادة الأصلیة المتعلّقة بالواجب النفسی و الإرادة التبعیة المتعلّقة بمقدّماته و مناط الاقتضاء هو هذه الإرادة التبعیة فإنّها من مبادئ الحکم.

ص: 195


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص118و (ط.ق): ج2، ص299.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص254.
الموضع الثالث: هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری بناءً علی ثبوت المقتضی؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل: عدم المانع

و هو مختار المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما)

القول الثانی: وجود المانع
اشارة

و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق العراقی (قدس سره)

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ المانع هو لزوم اجتماع المثلین لأنّ الأجزاء بشرط الانضمام واجبة بوجوب نفسی فلو وجبت الأجزاء بالوجوب الغیری یلزم اجتماع الحکمین المتماثلین فی شیء واحد و هو محال.

و الوجه فی ذلک هو أنّ عنوان المقدّمیة لیست حیثیة تقییدیة للوجوب الغیری حتی یکون موضوعاً له بل هی حیثیة تعلیلیة فالوجوب للمعنون لا لعنوان المقدّمیة.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ ما فرضه مانعاً فی فرض ثبوت المقتضی لایصلح للمانعیة، لأنّ اجتماع الحکمین المذکورین فی شیء واحد لایؤدّی إلی اجتماع المثلین، بل یؤدّی إلی

ص: 196

اندکاک أحدهما فی الآخر، فیصیران حکماً واحداً مؤکّداً مثل صلاة الظهر بالنسبة إلی صلاة العصر، فإنّ صلاة الظهر واجبة نفسیاً و واجبة أیضاً غیریاً باعتبار توقف صلاة العصر علیها، فهی ذات ملاکین و إذن بطبیعة الحال یندک أحدهما فی الآخر و یتحصّل من مجموعهما وجوب واحد أکید متعلّق بها. ((1))

الدفاع عن صاحب الکفایة (قدس سره) بوجوه أربعة:
الدفاع الأوّل: بیان المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الوجوب الغیری متأخر رتبة عن الوجوب النفسی لأنّه مترشح عنه و علی هذا یکون اتصاف الأجزاء بالوجوب الغیری فی رتبة متأخرة عن اتصافها بالوجوب النفسی و معه لایعقل حصول الاندکاک بینهما.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی الدفاع الأوّل:

((3))

إنّ ما أفاده مبنی علی الخلط بین تقدّم حکم علی حکم آخر زماناً و بین تقدّمه علیه رتبة مع اتحادهما زماناً.

توضیحه: إذا کان الحکمان مختلفین زماناً بأن یکون أحدهما فی زمان و الآخر فی زمان آخر فلایعقل الاندکاک و التأکد.

أمّا إذا کانا متقارنین زماناً و مجتمعین فیه و إن اختلفا رتبةً فلا مناص من

ص: 197


1- أجود التقریرات، ج1، ص315؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2،ص119و (ط.ق): ج2، ص299.
2- نهایة الأفکار، ج1، ص268.
3- نهایة الدرایة، ج2، ص24؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2،ص120و (ط.ق): ج2، ص300.

الالتزام بالتأکّد و الاندکاک، و الوجه فی ذلک هو أن لا أثر لاختلاف الرتبة العقلیة فی الأحکام الشرعیة و الاختلاف فی الرتبة ثابتة للموجودات الزمانیة.

مثال الاندکاک فی التکوینیات هو فیما إذا کان اتصاف شیء بلون خاص موجباً لانعکاس هذا اللون فیه بسبب المرآة مثلاً فاللونان -و إن اختلافا رتبة- یوجب اتحادُهما زماناً اندکاک أحدهما فی الآخر.

مثال الاندکاک فی التشریعیات هو فیما إذا نذر الصلاة فی المسجد أو فی الجماعة، فإنّ الوجوب الآتی من ناحیة النذر متأخر عن الاستحباب النفسی للصلاة فی المسجد و صلاة الجماعة لأنّ رجحان المتعلّق (و هو الاستحباب النفسی فی هذا المثال) مأخوذ فی موضع النذر و لا شبهة فی اندکاک الوجوب الآتی من قبل النذر فی الاستحباب النفسی.

و الظاهر بقاء الاستحباب النفسی لصلاة الجماعة و بقاء وجوب النذر أیضاً.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) مخدوش نقضاً و حلاً:

أمّا نقضاً: فلأنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((2)) إنّ العلّة و المعلول لایقبلان الاتحاد فی الوجود و لکن المتضایفان فی بعض الموارد یقبلان وجوداً واحداً کالحبّ حیث إنّ النفس الإنسانیة تحبّ نفسها فیجتمع المحبّ و المحبوب و هکذا السلطنة حیث إنّ الإنسان مسلّط علی نفسه فیجتمع المسلَّط و المسلَّط علیه

ص: 198


1- تحقیق الأصول، ج2، ص259.
2- حاشیة المکاسب، ج1، ص55.

و یؤیده حدیث «الناس مسلّطون علی أنفسهم».[ لم نجد هذه العبارة فی الجوامع الروائیة و الظاهر أنّه نقل بالمعنی و قیل إنه قاعدة فقهیة].)(1)(

و علی هذا المبنی لایجوز اتحاد الوجوب النفسی و الغیری و اندکاکهما لأنّهما من قبیل العلّة و المعلول لأنّ الوجوب الغیری یترشح من الوجوب النفسی.

أمّا حلاً: فإنّه اشتبه علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) رابطة الوجوب النفسی و الغیری برابطة متعلّقهما فإنّ متعلّق الوجوب الغیری هو الجزء و متعلّق الوجوب النفسی هو الکلّ و الرابطة بینهما هو التقدّم و التأخر الطبیعیان و لذا یمکن وجودهما بوجود واحد مثل الواحد و الإثنین أمّا إذا کان أحد الوجودین علّة للآخر فلایعقل اتحادهما فی الوجود و الحکم النفسی علّة للحکم الغیری فلایعقل فیهما الاندکاک.

یلاحظ علیه:

إنّ النقض و الحلّ کلاهما ممنوعان و الوجه فیه هو أنّ الوجوب النفسی لیس علّة للوجوب الغیری بل هما معلولان لعلّة ثالثة و هی المصلحة و الملاک و ذلک بأنّ الملاک یوجب تحقّق الإرادة الأصلیة و التبعیة و هما یوجبان تحقّق الحکم النفسی و الغیری.

الدفاع الثانی عن صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

الإرادة و إن کانت قابلة للشدّة و الضعف و قابلة للاشتداد و الخروج من حدّ إلی حدّ إلّا أنّ وجود إرادة شدیدة ابتداء أو اشتدادها و الخروج من حدّ

ص: 199


1- . قَالَ النَّبِی (صلی الله علیه و آله) النَّاسُ مُسَلَّطُونَ عَلَی أَمْوَالِهِم. عوالی اللئالی، ج 3، ص208.
2- للمحقق الإصفهانی (قدس سره) فی هامش نهایة الدرایة، ج2، ص22.

الضعف إلی الشدة إنّما یعقل إذا کان فی متعلّقها مصلحة أکیدة أو مصلحتان.

أمّا إذا کان مصلحةٌ قائمةً بمجموع الأجزاء و مصالحُ أُخر قائمةً بکلّ من تلک الأجزاء (کما فی ما نحن فیه) فلایعقل اقتضاء إرادة شدیدة لمجموع الأجزاء و لا اشتداد الإرادة المتعلّقة بنفس المجموع.

و فرض الإرادة الشدیدة لمجموع الأجزاء أو اشتداد الإرادة المتعلّقة بنفس المجموع فی هذا المقام (الذی فرضنا فیه وجود المصالح الأخر القائمة بالأجزاء دون الکلّ) محال للزوم تحقّق المعلول بلا علّة (لأنّه لا علّة للإرادة الشدیدة أو اشتداد الإرادة) إذ کلّ مصلحة تقتضی انبعاث الإرادة نحو ما فیه المصلحة و فرض مصلحة فی الجزء دون المجموع یقتضی تعلّق الإرادة بالجزء دون المجموع، فلایعقل الاندکاک هذا بالنسبة إلی الإرادة التی هی من مبادئ الحکم.

یلاحظ علیه:

إنّ هذا البیان مبنی علی وجود المصلحة فی الجزء بخصوصه و لیس الأمر هنا کذلک لأنّ الوجوب الغیری و إن توقف وجوده علی تحقّق الإرادة التبعیة إلّا أنّ الإرادة التبعیة لاتنشأ من مصلحة خاصةٍ فی الجزء دون الکلّ بل المصلحة هنا واحدة و هی تقتضی الإرادة الأصلیة و الإرادة التبعیة و لا إشکال فی ذلک (کما یقال: من أحبّ شیئاً أحبّ آثاره).

الدفاع الثالث عن صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ البعث أمر اعتباری لا شدة فیه و لا اشتداد، توضیح ذلک:

إنّ الأحکام أُمور اعتباریة و لا اشتداد فی الاعتباریات کما لاشدة فیها

ص: 200


1- المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص23.

فلایعقل فیها التأکّد لأنّ التأکّد یرجع إلی الشدّة أو إلی الاشتداد (أی الخروج من حدّ الضعف إلی حدّ القوة و هذا الخروج یتعقّل فی الأُمور التکوینیة لا الاعتباریة) فلایعقل اندکاک الحکمین فی حکم واحد مع تأکّده.

ناقشه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

أوّلاً بالنقض: لأنّه قال فی رسالة الحقّ و الحکم:

لا مانع من قبول الاعتباریات للشدّة و الضعف إن کانت ذات مرتبة، و حیث إنّ الوجوب علی مسلکه نسبة بعثیة و البعث الاعتباری فی قبال البعث التکوینی و الخارجی الذی هو ذو مراتب فکذا البعث الاعتباری لابدّ أن یکون ذا مراتب فینتج ذلک أنّ الوجوب یقبل الشدّة و الضعف.

ثانیاً بالحلّ: فإنّ معنی الاندکاک هو أنّ الملاکین یوجبان اعتبار المرتبة الشدیدة الأکیدة من الوجوب (أو فقل: إنّ الإرادتین تندک إحداهما فی الأُخری و توجبان جعل الوجوب الشدید المتأکّد).

الدفاع الرابع عن صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ أمر البعث الإعتباری کالإرادة (کما قلنا فی الدفاع الثانی).

توضیحه ببیان زائد هو أنّ البعث الاعتباری نحوَ الواجب الأصلی و الکلِّ ینشأ من إرادته (إرادة الکلّ) و البعث الاعتباری نحو الجزء ینشأ من إرادة الجزء بإرادة تبعیة و هذه الإرادة التبعیة بما أنّها متعلّقة بالجزء لایؤکّد الإرادة المتعلّقة بالکلّ لتفاوت متعلقهما بالجزئیة و الکلیة، نعم الإرادة المتعلّقة بالکلّ توجب

ص: 201


1- تحقیق الأصول، ج2، ص260.
2- المحقق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص23.

تأکّد الإرادة التبعیة المتعلّقة بالجزء و لکن القائل باندکاک الوجوب فی المقدّمة الداخلیة لایرتضی ذلک بل یرید اندکاک الوجوب المتعلّق بالجزء فی الوجوب المتعلّق بالکلّ و هذا لایعقل.

فحدیث الاندکاک و تأکّد الوجوب غیر معقول فالحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) فیما أفاد من لزوم اجتماع المثلین علی القول بوجوب المقدّمة الداخلیة کما یصحّ أن یقال بلغویة ذلک کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 202

خاتمة فی ثمرة البحث:
اشارة

ادّعی لهذا البحث ثمرتان:

الثمرة الأُولی:
اشارة

ثمرة تظهر فی مبحث العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین.

و فی بیان هذه الثمرة قولان:

القول الأوّل: جریان البراءة فی الجزء الأخیر إن قلنا بوجوب المقدمة الداخلیة.

توضیح ذلک: إنّا إذا شککنا فی الواجب أنّ له تسعة أجزاء أو ثمانیة أجزاء؟ فالأقلّ یکون معلوم الوجوب و نشک فی وجوب الجزء التاسع و لذا قال بعض الأعلام بجریان البراءة بالنسبة إلی هذا الجزء الأخیر، لأنّ الشک بالنسبة إلیه بدوی.

و لکن هنا شبهة و هی أنّ الواجب أمره مردد بین الأقلّ و الأکثر فالأقلّ إمّا هو تمام الواجب فوجوبه نفسی و إمّا هو جزء الواجب (بناء علی أنّ الواجب هو الأکثر) و حینئذ لایتصف الأقلّ بالوجوب بناء علی عدم اتصاف الأجزاء الداخلیة بالوجوب، فالشک بین کون الواجب هو الأقلّ أو الأکثر یرجع إلی الشک بین وجوب الأجزاء فی الأقلّ بالوجوب النفسی لأنّها تمام أجزاء الواجب أو عدم وجوب الأقلّ لأنّه جزء الواجب و الجزء الداخلی لایتّصف بالوجوب فلابدّ حینئذ من الاحتیاط بإتیان الأکثر حتّی یحصل العلم بفراغ الذمّة عن إتیان الواجب و أمّا إذا قلنا بأنّ الجزء أیضاً یتّصف بالوجوب الغیری (لصدق عنوان المقدّمة علیه و تحقّق اقتضاء الاتصاف بالوجوب الغیری من دون وجود مانع

ص: 203

عنه) فنتیجة ذلک هو العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ إمّا نفسیاً و هو فیما إذا کان الواجب فی الحقیقة هو الأقلّ و إمّا غیریاً و هو فیما إذا کان الواجب فی الحقیقة هو الأکثر فالشک فی الجزء التاسع یکون شکّاً بدویاً فتجری فیه أصالة البراءة.

و إلی هذا أشار الشیخ (قدس سره) فی أحد تقریبی انحلال العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر فقال: إنّ الأقلّ معلوم الوجوب لأنّه إمّا واجب نفسیاً أو غیریاً فیکون الشک فی الأکثر بدویاً.

القول الثانی: المحقّق العراقی (قدس سره) جعل الثمرة علی عکس ذلک و قال: إن قلنا بوجوب المقدّمة الداخلیة فیجری الاشتغال و إن قلنا بعدم وجوبه تجری أصالة البراءة.و إلیک بیانه:((1))

إن قلنا بالوجوب الغیری للأجزاء ربما یتعین فی تلک المسألة المصیرُ إلی الاشتغال نظراً إلی وجود العلم الإجمالی بالتکلیف و عدم صلاحیة العلم التفصیلی بمطلق وجوب الأقلّ (الأعمّ من الغیری و النفسی) للانحلال، لمکان تولّده من العلم الإجمالی السابق علیه و تحقّق التنجّز فی الرتبة السابقة. [و ذلک لأنّ فرض اتصاف الأقلّ بالوجوب الغیری ینشأ من فرض کون الواجب النفسی هو الأکثر فالعلم التفصیلی بوجوب الأقلّ متأخر عن العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین و لایمکن انحلال العلم الإجمالی بالعلم التفصیلی الذی تولّد منه و إلّا یلزم إسقاط العلّة بمعلولها].

و إن قلنا بعدم الوجوب الغیری للأجزاء الداخلیة إمّا من جهة انتفاء ملاک المقدّمیة فیها أو من جهة محذور اجتماع المثلین، فأمکن القول بمرجعیة البراءة فی

ص: 204


1- نهایة الأفکار، ج1، ص269.

تلک المسألة نظراً إلی رجوع الأمر حینئذ إلی علم تفصیلی بتعلّق إرادة الشارع بذات الأقلّ و لو لا بحدّه و الشک البدوی فی تعلّقها بالزائد و أمّا العلم الإجمالی فإنّما هو متعلّق بحدّ التکلیف و أنّه الأقلّ أو الأکثر و مثل هذا العلم لا أثر له فی التنجّز لأنّ المؤثر منه إنّما هو العلم الإجمالی بذات التکلیف لا بحدّه.

یلاحظ علیه:

أولاً: إنّ العلم الإجمالی بوجوب الأقلّ و الأکثر الارتباطیین فی الصورة الأُولی لایزید علیه فی الصورة الثانیة فکیف قال بتنجیزه هناک و لایقول به فی هذه الصورة فإنّ العلم الإجمالی تعلّق بحد متعلّق التکلیف و إلّا فأصل التکلیف معلوم فهو منجز فی کلتا الصورتین.

ثانیاً: إنّ العلم الإجمالی یتعلّق بالوجوب النفسی بین الأقلّ و الأکثر، و الوجوب الغیری الذی هو أحد أرکان العلم التفصیلی بوجوب الأقلّ معلول للوجوب النفسی لا إنّ العلم التفصیلی معلول للعلم الإجمالی و هذا خلط بین العلّیة فی ناحیة العلم و المعلوم.

ثالثاً: إنّ معلولیة الوجوب الغیری للوجوب النفسی هو مخدوش لما قلنا من أنّ الوجوب الغیری معلول للإرادة التبعیة و الإرادة التبعیة هی معلول للإرادة الأصلیة التی هی علّة للوجوب النفسی أو معلول لملاکها فالعلّیة لمبادئ الحکم النفسی لا لنفسه.

التحقیق فی هذه الثمرة:

التحقیق أنّ جریان البراءة غیر متوقف علی وجوب المقدّمة غیریاً أو عدم وجوبها کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأعلام

ص: 205

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) لذلک:

((1))

إنّ الأمر یدور بین وجوب الأقلّ مطلقاً عن الجزء الزائد أو مقیداً به و جریان البراءة بالنسبة إلی الأقلّ المطلق عن الزائد لا موضوع له لأنّ حدیث الرفع امتنانی و لا امتنان فی رفع الأقلّ المطلق، أمّا الأقلّ المقید بالزائد فتجری فیه البراءة و حدیث الرفع لأنّ رفعه امتنان، فالقاعدة فی العلم الإجمالی بین الأقلّ و الأکثر الارتباطیین هی جریان البراءة عن القید الزائد.

الثمرة الثانیة:

قد یقال: إنّ ثمرة بحث وجوب المقدّمة هو جواز إفتاء الفقیه بالوجوب و جواز قصد المکلّف فعل الواجب فی مقام الامتثال و علی القول بعدم وجوب المقدّمة لایجوز الإفتاء به و أیضاً لایجوز الإتیان بقصد الوجوب لأنّه تشریع محرم.

و الحاصل: أنّ المقدّمة الداخلیة و إن أُطلقت علیها المقدّمة و لها اقتضاء الاتصاف بالوجوب إلّا أنّها لاتتصف بالوجوب لوجود المانع (و هو اجتماع المثلین علی مسلک المحقّق الخراسانی (قدس سره) و اللغویة علی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره).

ص: 206


1- تحقیق الأصول، ج2، ص265.
التقسیم الثانی: مقدّمة الوجوب و مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة و مقدّمة العلم

أمّا مقدّمة الوجوب: فقال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) و سائر الأعلام((2)) بأن لا إشکال فی خروجها عن محل النزاع لأنّ وجوب ذی المقدّمة یتوقّف علی تلک المقدّمة فما لم تحصل المقدّمة لا وجوب لذی المقدّمة و إذا حصلت المقدّمة

ص: 207


1- [1] فی کفایة الأصول، ص92:« و لا إشکال فی خروج مقدمة الوجوب عن محل النزاع بداهةَ عدم إتّصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها».
2- [2] فی فوائد الأصول، ج1،ص390و391:« نعم لو قیل: بأنّ المقدّمة الوجوبیة أیضاً تجب بالوجوب المقدّمی یلزم ذلک، إلّا أنّه لایعقل القول بذلک لما فیه: أوّلاً: من أنّ المقدّمة الوجوبیة تکون علّة لثبوت الوجوب علی ذیها، و لایعقل أن یؤثّر المعلول فی علّته، لأنّ التّأثیر یستدعی سبق الرّتبة، و المعلول لایعقل أن یسبق علّته فی الرّتبة، بل هو متأخّر عنها. و ثانیاً: أنّ المقدّمة الوجوبیة لابدّ أن تؤخذ مفروضة الوجود، و مع أخذها مفروضة الوجود لایعقل أن تجب بالوجوب المقدّمی لاستلزامه طلب الحاصل. و ثالثاً: أنّه یلزم من وجوب المقدّمة الوجوبیة أن یتقدّم زمان وجوب ذیها علی موطنه، و ذلک فی کل مقدّمة تکون سابقة التّحقق فی الزّمان علی موطن وجوب ذی المقدّمة ... و هما (أی الجهتان الأولیان) العمدة لإطّرادها فی جمیع المقدّمات الوجوبیة و اختصاص الجهة الثّالثة بالمقدّمة السّابقة فی الزّمان».

فلاتتصف بالوجوب لأنّه تحصیل للحاصل فإنّ مقدّمة الوجوب أُخذت مفروض الوجود فی مقام جعل وجوب ذی المقدّمة و مثالها الاستطاعة بالنسبة إلی الحج و السفر الذی هو شرط لوجوب القصر فی الصلاة و الإفطار فی الصوم.

و وجوبها بالنذر و أمثال ذلک لیس وجوباً غیریاً فلایرتبط بهذا البحث.

أمّا المقدّمة العلمیة: فقال الأعلام((1)) أیضاً بخروجها عن النزاع، لأنّ العقل و إن استقلّ بوجوبها لکن وجوبها العقلی من باب وجوب الإطاعة إرشاداً لیأمن من العقوبة علی مخالفة الواجب المنجّز فلیس وجوبها مولویاً من باب مقدّمة الواجب و الملازمة بین وجوبها و وجوب ذی المقدّمة.

و مثاله الصلاة إلی أربع جهات عند الجهل بالقبلة فإنّها لتحصیل العلم بوقوعها إلی جانب القبلة فإنّ الصلاة التی وقعت إلی القبلة هی نفس الواجب و لیست مقدّمة له و سائر الصلوات لاتکون مقدّمة واقعیة لهذه الصلاة الصحیحة بل هذه الصلوات مقدّمات علمیة لحصول العلم بفراغ الذمّة عن إتیان الواجب.

أمّا مقدّمة الوجود:((2)) فهی ما یتوقف علیه وجود الواجب و هی ترجع إلی

ص: 208


1- راجع أجود التقریرات، ج1، ص340 و هدایة المسترشدین، ج2، ص92و مطارح الانظار(ط.ج): ج1، ص218 و المحاضرات(ط.ج): ج2، ص122و (ط.ق): ج2، ص302.
2- فی مطارح الانظار (ط.ج)،: ج1، ص215و216:«... فما یتوقّف علیه وجود ذلک الموصوف هی مقدّمة الوجود ثمّ إنّه لا شکّ فی دخول مقدّمة الوجود فی النزاع و ما یتوقّف علیه صحّته هی مقدّمة الصحّة و لا کلام فی دخول مقدّمة الصحّة أیضا». و فی فوائد الأصول، ج1،ص271:«و قد تقسم المقدّمة إلی مقدّمة الصّحة و مقدّمة الوجود، و مقدّمة الصّحة ترجع إلی مقدّمة الوجود، و هی تدخل فی المقدّمة الدّاخلیة أو الخارجیة».

المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ (المقدّمة التی هی خارجة عن ذی المقدّمة قیداً و تقیداً).

أمّا مقدّمة الصحّة: فهی ما تتوقف علیه صحّة الواجب و هی أیضاً ترجع إلی المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأعمّ (المقدّمة التی هی خارجة عن الواجب قیداً و داخلة فیه تقیداً مثل الطهارة بالنسبة إلی الصلاة).

فتحصّل من ذلک أنّ مقدّمة الوجوب و العلم خارجتان عن محل النزاع والبحث هنا عن مقدّمة الوجود و مقدّمة الصحّة.

ص: 209

ص: 210

التقسیم الثالث: المقدّمة العقلیة و الشرعیة و العادیّة
اشارة

((1))

أمّا المقدّمة العقلیة: فهی ما استحال واقعاً وجود الواجب بدونها کطی المسافة للحج فهی داخلة فی محل النزاع و هی المقدّمة الخارجیة بالمعنی الأخصّ.

أمّا المقدّمة الشرعیة: فهی ما استحال شرعاً وجود الواجب بدونها و هی تسمّی بالشرعیة لأنّ الشارع أخذها مقدّمة و شرطاً للواجب، ثمّ إنّه بعد حکم الشارع بأخذها فی الصلاة مثلاً و امتناع الصلاة بغیر طهور تصیر هذه المقدّمة عقلیة، لأنّ العقل حاکم بوجوب الإتیان بها لتحصیل الواجب.

ص: 211


1- فی مطارح الانظار (ط.ج)، ج1،ص214:« و منها: تقسیم المقدّمة إلی العقلیة و الشرعیة و العادیة: فالعقلیة: هی ما یتوقّف وجود الشی ء عقلاً علیه، کالعلوم النظریة، فإنّ حصولها علی وجه النظر موقوفٌ علی العلم بالمقدّمات، ضرورة امتناع حصول المعلول بدون العلّة المقتضیة لذلک. و العادیة: هی ما یتوقّف وجود الشی ء عادةً علیه، کنصب السلّم للصعود علی السطح، فإنّ العقل لایستحیل عنده الصعود علیه بدون ذلک، کأن یطیر مثلا، إلّا أنّه خرق للعادة. و الشرعیة: هی ما یتوقّف علیه الشی ء شرعاً، کالصلاة بالنسبة إلی الطهارة، فإنّها موقوفة علیها شرعا؛ إذ لا توقّف للحرکات المخصوصة وجودا و لا عدما علی الطهارة، کذا یقال».
أمّا المقدّمة العادیة فهی علی قسمین:
القسم الأوّل:

ما یتوقف علیه الواجب عادة بمعنی أنّ العادة جرت علی الإتیان بالواجب بواسطة هذه المقدّمة فهذه المقدّمة لاترجع إلی المقدّمة العقلیة و لاینبغی دخولها فی محل النزاع.

القسم الثانی:

ما یتوقف علیه الواجب عادةً بمعنی عدم التمکّن من غیره عادة و إن کان ممکناً عقلاً مثل توقف الصعود علی السطح علی نصب السلّم لعدم التمکّن من الطیران و غیر ذلک عادةً و إن کان ممکناً ذاتاً، فهذه المقدّمة ترجع إلی المقدّمة العقلیة لاستحالة إتیان الواجب بدونها عند العقل أیضاً لفرض عدم التمکّن من الواجب بدونها.

ص: 212

التقسیم الرابع: المتقدّم و المقارن و المتأخّر
اشارة

((1))

أمّا المقدّمة السابقة: فهی کمقدّمیة الوضوء و الغسل مثلاً للصلاة و مقدّمیة اشتراء الزاد و الراحلة للحج.

أمّا المقدّمة المقارنة: فهی کمقدّمیة الطهور للصلاة بناء علی أنّ الطهور هو الأثر الحاصل من الوضوء و الغسل.

أمّا المقدّمة المتأخرة: فهی کمقدّمیة الإجازة فی عقد الفضولی بناء علی الکشف و مقدّمیة غسل الاستحاضة لیلاً لصحّة صومها نهاراً و هذه المقدّمة هی ما تسمّی بالشرط المتأخر.

و قد اختلف الأعلام فی إمکان الشرط المتأخر.

نتکلم فی الشرط المتأخر فی أمرین:

ص: 213


1- فی فوائد الاصول، ج1، ص271: «و من جملة تقسیمات المقدّمة: تقسیمها إلی المقارنة، و المتقدّمة، و المتأخّرة فی الوجود، و هی المعبّر عنها بالشّرط المتأخّر، و قد وقع النّزاع فی جوازه و امتناعه».
الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر
اشارة

و له بیانان:

البیان الأوّل:
اشارة

إنّ الشرط من أجزاء العلّة التامّة و العلّة بجمیع أجزائها لابدّ أن تتقدّم علی المعلول و لایعقل تأخر بعض أجزاء العلّة التامّة عن معلولها و إلّا لاتتحقّق العلّة التامّة قبل وجود المعلول فلایتحقّق المعلول، فلایجوز تأخر الشرط عن المشروط عقلاً و لذا لابدّ أن یأوّل ما یوهم ذلک.

فالالتزام بالشرط المتأخر نقض للقاعدة العقلیة إلّا إذا قلنا بنفی العلّیة و المعلولیة بین الشرط و المشروط و هو خلف الفرض أو إذا قلنا بتأثیر المعدوم (أی الشرط قبل وجوده) فی الموجود (و هو المشروط) و هذا أیضاً محال.

تعمیم الإشکال للشرط المتقدّم:

قال صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) بالتعمیم لاعتبار مقارنة العلّة و المعلول عنده فکما

ص: 214


1- فی کفایة الاصول، ص92-93:«و منها تقسیمها إلی المتقدم و المقارن و المتأخر بحسب الوجود بالإضافة إلی ذی المقدمة و حیث إنّها کانت من أجزاء العلة و لابد من تقدمها بجمیع أجزائها علی المعلول أشکل الأمر فی المقدمة المتأخرة کالأغسال اللیلیة المعتبرة فی صحة صوم المستحاضة عند بعض و الإجازة فی صحة العقد علی الکشف کذلک بل فی الشرط أو المقتضی المتقدم علی المشروط زمانا المتصرم حینه کالعقد فی الوصیة و الصرف و السلم بل فی کل عقد بالنسبة إلی غالب أجزائه لتصرمها حین تأثیره مع ضرورة اعتبار مقارنتها معه زمانا فلیس إشکال إنخرام القاعدة العقلیة مختصا بالشرط المتأخر فی الشرعیات کما اشتهر فی الألسنة بل یعم الشرط و المقتضی المتقدمین المتصرمین حین الأثر».

لایمکن تأخّر الشرط عن المشروط لایمکن تقدّمه علیه فیعمّ الإشکال الشرط المتقدّم أیضاً.

جواب تعمیم صاحب الکفایة (قدس سره):

أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) بأنّ الشرط هو مصحّح لفاعلیة الفاعل أو متمّم لقابلیة القابل فإنّ شأن الشرط أنّما هو إعطاء استعداد التأثیر للمقتضی فی مقتضاه، و لیس شأنه التأثیر الفعلی فیه حتّی لایمکن تقدّمه علیه زماناً، فلا مانع من تقدّم ما هو معدّ و مقرّب للمعلول حتی یمکن صدوره عن العلّة، و لاتعتبر المقارنة فی الشرط.

البیان الثانی:
إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی الشرط المتأخر

إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) ((2)) علی الشرط المتأخر

إنّ القضایا الشرعیة قضایا حقیقیة، و الموضوع فی القضایا الحقیقیة قد أُخذ مفروض الوجود بتمام شرائطه و قیوده بداهة أنّه ما لم یتحقّق الموضوع فی الخارج یستحیل تحقّق الحکم لأنّ نسبة الموضوع إلی الحکم کنسبة العلّة التامّة إلی معلولها، فإنّ القضایا الحقیقیة قضایا شرطیة مقدّمها وجود الموضوع و تالیها ثبوت المحمول للموضوع فلایمکن وجود التالی قبل وجود الموضوع و لا وجود المعلول قبل وجود العلّة و علی هذا لایمکن تحقّق الشرط المتأخر لأنّه مستلزم لذلک.

ص: 215


1- المحاضرات ط.ق. ج2، ص305 و ط.ج. ج2،ص126.
2- فوائد الاصول، ج1، ص276-278 و ص171-174.
الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حلّ هذه المشکلة
اشارة

قد تصدّی بعض الأعلام لحلّ هذه المشکلة بعدم اعتبار القاعدة العقلیة فی هذا المقام و فی قبالهم بعض المحققین التزموا بهذه القاعدة و حاولوا توجیه الموارد التی یتوهّم فیها انتقاض القاعدة و قد تعرض بعض الأساطین (حفظه الله) لبیان تلک الوجوه و التحقیق حولها.

الأُولی: نظریة المحقّق النراقی (قدس سره)
اشارة

إنّ المشروط متوقّف فی وجوده علی الشرط فلابدّ من تحقّق الشرط فی وجود المشروط، أمّا اشتراط تقارن الشرط و المشروط فلا ملزم له.((1))

أورد علیه بعض الأساطین:

((2))

أنّ هذا الجواب فی الحقیقة إنکار للقاعدة العقلیة و التزام بالإشکال المذکور، و القول بعدم اعتبار التقارن بین الشرط و المشروط یستلزم حصول الأثر قبل حصول مؤثّره (و هذا یرجع إلی تحقّق المعلول بلا علّة).

الثانیة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره)

إنّ الشیخ (قدس سره) ملتزم بالقاعدة العقلیة و لذا یقول: إنّ الشرط المتأخر غیر

ص: 216


1- قال المحقق الخراسانی فی فوائد الاصول، ص58: «ثانیها: ما هو قریب من ذلک و هو أنّ الشرط فی أمثال هذه الموارد إنّما هو الوجود فی الجملة، سبق أو لحق، کما عن النراقی رحمة الله فی مسألة الإجازة فی الفضولی».
2- تحقیق الأُصول، ج2، ص276.

معقول، فالشرط هنا لیس متأخراً و لابدّ له من توجیه الموارد الموهمة للشرط المتأخر، و لذلک أنکر کون الإجازة کاشفة فی الفضولی و قال بأنّ الشرط فی هذه الموارد لیس هذا الأمر بوجوده المتأخر بل بوصف التأخر. ((1))

الثالثة: نظریة السید المجدّد الشیرازی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الشرط لیس المتقدّم أو المتأخر بوجودهما الکونی الزمانی کی یلزم المحذور، بل بوجودهما الدهری و هما بهذا الوجود لایکونان إلّا مقارنین للمشروط، فإنّ المتفرقات فی سلسلة الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر((3)).

ص: 217


1- مطارح الأنظار (ط.ج): ج1،ص290و (ط.ق): ص58.
2- علی ما نقل عنه فی فوائد صاحب الکفایة (قدس سره)، ص58.
3- فی الحکمة المتعالیة، ج3، ص411- 415: «قال المحقق الطوسی فی شرح رسالة مسألة العلم: ... إنّه یکون محیطا بالکلّ عالما بأنّ أی حادث یوجد فی أی زمان من الأزمنة ... و لایحکم علی شئ بأنّه موجود الآن أو معدوم أو موجود هناک أو معدوم أو حاضر أو غائب لأنّه لیس بزمانی ولا مکانی بل نسبه جمیع الأزمنة والأمکنة إلیه نسبه واحده ... و هذا هو المفسر بالعلم بالجزئیات علی الوجه الکلی و إلیه أشیر بطی السماوات التی هی جامع الأزمنة والأمکنة کلها کَطی السجل للکتب فإنّ القاری للسجل یتعلق نظره بحرف حرف علی الولاء و یغیب عنه ما تقدم نظره إلیه أو یتأخر أمّا الذی بیده السجل مطویاً یکون نسبته إلی جمیع الحروف نسبه واحده و لایفوته شئ منها ... أقول: فیه موضع أنظارٍ الأولُ ... و ثالثها أنّ أنحاء وجودات الأشیاء فی أنفسها بحسب ما هو الأمور علیه فی الواقع لایختلف بالقیاس إلی شیءٍ دونَ شیءٍ لأنّها لیست بأجمعها من باب المضاف حتی یختلف باختلاف ما أضیف إلیه فالمادی فی نفسه مادی أبداً و المتغیر بالذات متغیر دائما. و قال المحقق السبزواری فی التعلیقة علی قوله: «إنّ أنحاء وجودات الأشیاء فی أنفسها»: «أقول لیس مراد المحقق قدس سره من الإضافة الإضافة المقولیة بل الإضافة الاشراقیة کما فی قول أساطین الحکمة أنّ الأشیاء الممکنة المتغیرة بالنسبة إلی أنفسها ممکنات متغیرات و بالنسبة إلی الأول تعالی علی الضرورة البحت وعلی الثبات الصرف فالمراد أنّها بما هی وجودات وبما هی إشراقات الله تعالی واجبات ثابتات و من القواعد الموروثة من الأقدمین أنّ الأزمنة و الزمانیات و الأمکنة و المکانیات بالنسبة إلی المبادئ العالیة کالآن و النقطة فضلا عن مبدء المبادئ تعالی شانه و مثّلوا بخَیطٍ ملوّنٍ کان بمحضر إنسان و یمشی علیه نملة و السید المحقق الداماد (قدس سره) قال المتعاقبات فی سلسله الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر و مثل بمن ینظر إلی عسکر یتعاقبون من کوه و من ینظر عن عریش أقول و یعینک علی فهم المطلب أن تنظر ببصرک بیاضا أو بخیالک و أن تنظر بعقلک کل بیاض کما هو موضوع المحصورة الموجبة الکلیة و تحکم علیها بحکم کلی ینسحب علی جمیعا فیحیط عقلک بالکل فالمحدود للمحدود و الوسیع للوسیع» إلخ. و فی ج7، ص13 – 14: «قال بعض المحققین [أی المحقق الطوسی فی آغاز و انجام، الفصل الحادی عشر فی الإشارة إلی طی السموات، ص45 و 46] أنّ الإنسان ما دام فی مضیق البدن و سجن الدنیا مقیدا بقیود البعد و المکان و سلاسل حرکة و الزمان لایمکنه مشاهده الآیات الآفاقیة و الأنفسیة علی وجه التمام و لایتلوها دفعه واحده إلّا کلمة بعد کلمة وحرفا بعد حرف و یوما بعد یوم و ساعة بعد ساعة فیتلوا آیة و یغیب عنه أخری فیتوارد علیه الأوضاع و یتعاقب له الشؤون و الأحوال و هو علی مثال من یقرا طومارا و ینظر إلی سطر عقیب سطر آخر و ذلک لقصور نظره و فتور إدراکه عن الإحاطة بالتمام دفعة واحدة قال تعالی (و ذکّرهم بأیام الله إنّ فی ذلک لَآیاتٍ لکلّ صبّار شکور) فإذا قویت بصیرته و تکحلت عینه بنور الهدایة و التوفیق کما یکون عند قیام الساعة فیتجاوز نظره عن مضیق عالم الخلق و الظلمات إلی فسحه عالم الأمر و النور فیطالع دفعةً جمیع ما فی هذا الکتاب الجامع للآیات من صور الأکوان و الأعیان کمن یطوی عنده السجل الجامع للسطور و الکلمات و إلیه الإشارة بقوله تعالی: (یوم نطوی السماء کطی السجل للکتب) و قوله تعالی: (و السماوات مطویاتٌ بیمینه). و فی تعلیقة المحقق السبزواری علی قوله: «فیطالع دفعة جمیع ما فی هذا الکتاب»: «کما هو مأثورٌ عن أمیر المؤمنین و مولی الموحدین علی علیه السلام و هذا کما قال الحکماء: إنّ الأزمنة و الزّمانیات بالنسبة إلی المبادئ العالیة کالآن و الأمکنة و المکانیات بالنسبة إلیها کالنقطة و إنّ المتعاقبات فی سلسله الزمان مجتمعات فی وعاء الدهر و قد مثلوا لذلک بأمر ممتدٍّ کحبل أو خشب مختلف الأجزاء فی اللون یمر فی محاذاة نملة أو نحوها مما یضیق حدقته عن الإحاطة بجمیع ذلک الإمتداد فیکون تلک الألوان المختلفة متعاقبة فی الحضور لدیها تظهر لها شیئاً فشیئاً لضیق نظرها و متساویة فی الحضور لدیک تراها کلها دفعة واحدة لإحاطة نظرک و سعة حدقتک».

فما أفاده مبتن علی التزامه بالقاعدة العقلیة و حلّ الإشکال بجعل الشرطیة فی الوعاء الذی فوق الزمان.

ص: 218

أورد علیه بعض الأساطین:

((1))

أوّلاً: أنّ الخطابات الشرعیة ملقاة إلی العرف و العرف لایفهم الوجود الدهری بل هو یری الزمان و الزمانیات فالأمر الموجود فی الزمان المتأخر هو المؤثر عند العرف العام علی ما استظهره من الخطابات الشرعیة.

ثانیاً: أنّ الشرط لابدّ أن یکون مقدوراً للمکلّف و المکلّف قادر علی إیجاد الشرط فی الزمان أمّا وجوده الدهری فهو خارج عن تحت قدرة المکلّف فلایمکن أخذه شرطاً للتکلیف.

یلاحظ علیه:

أولاً: أنّ الخطابات الشرعیة أُلقیت لبیان وظائف المکلّفین و لا ریب فی أنّ وظیفة المکلّف مثلاً أداء العمل فی الزمان المتأخر عن المشروط أمّا کون الشرط هو نفس هذا العمل بوجوده الزمانی أو لحاظه و وجوده العلمی أو وجوده الدهری فهو خارج عن نطاق الخطابات بل هو مرتبط بملاکات الأحکام.

ثانیاً: أنّ العمل الزمانی له صورة مثالیة و صورة ملکوتیة و صورة جبروتیة فوق عالم التقدّر و التعلّق به، فما یصدر عن المکلّف الموجود فی عالم الطبیعة لیس عملاً زمانیاً صرفاً بل الصورة الملکوتیة أیضاً صادرة عن المکلّف و إنّما الفرق هو فی إدراک هذه الصور فمن انغمر فی هذه النشأة الدنیویة لایری الصورة الملکوتیة لعمله إلّا إذا خرجت عنها کما قال تعالی: (وَ بُرِّزَتِ الْجَحیمُ لِمَنْ یریٰ)((2)).

ص: 219


1- تحقیق الأصول، ج2، ص275-276.
2- النازعات: 36 .

نعم ما أفاده السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) و إن کان ممکناً ثبوتاً إلّا أنّه لا دلیل علیه فی مقام الإثبات، إلّا أنّ صرف احتمال ذلک یوجب حلّ الإشکال.

الرابعة: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

و الکلام فیها فی صورتین:

الصورة الأُولی: شرائط الحکم
اشارة

أمّا شرائط الحکم فمحصّل الکلام فیها هو أنّ الشرط فی الحقیقة تصور الشیء و وجوده الذهنی فإنّ ما هو دخیل فی تحقّق المشروط لحاظ الشرط.

التحقیق حول نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

أمّا ما أفاده فی شرط الحکم فقد قرّبوه بوجوه ثلاثة:

التقریب الأوّل:
اشارة

إنّ الحکم أمر نفسانی فإنّه الاعتبار القائم بالإرادة النفسانیة (إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) یقول بأنّ الحکم هو ذاک الاعتبار و المحقّق العراقی (قدس سره) یقول: هو الإرادة النفسانیة المذکورة)

و بمقتضی لزوم السنخیة بین العلّة و المعلول فلابدّ أن تکون مبادئ الحکم (من المقتضی و الشرط و عدم المانع) أیضاً أُموراً نفسانیة و لیس ذلک إلّا لحاظ الشرط لأنّ الشرط بوجوده الخارجی لیس أمراً نفسانیاً فیرتفع إشکال الشرط المتأخر بأنّ الشرط لیس متأخراً بل هو مقارن للمشروط.

ص: 220


1- کفایه الأصول، ص93.

فلو تمّ هذا التقریب یکون برهاناً عقلیاً علی أنّ شرط الحکم لابدّ أن یکون وجوداً ذهنیاً.

الإیراد علیه:

إنّ السنخیة بین العلّة و المعلول لاتنحصر فی الوجودات النفسانیة، بل الوجود سنخ واحد و حقیقة واحدة و علی هذا لا مانع من شرطیة الوجود الخارجی لما هو من سنخ الوجودات النفسانیة بل الحکم من الموجودات الاعتباریة و الإرادة التی هی من مبادئ الحکم وجود نفسانی و شرطها إمّا وجود خارجی و إمّا وجود نفسانی و إمّا وجود اعتباری و کلها من سنخ واحد.

التقریب الثانی:
اشارة

إنّ العلم هو المؤثر فی الإرادة لا المعلوم الخارجی، فإنّ العطش بوجوده الخارجی لایوجب إرادة شرب الماء إلّا إذا علم به، فالصورة العلمیة هی المؤثر فی إرادة الشیء، و هکذا یقال: المؤثر فی الملکیة هو العلم بالإجازة لا الإجازة الخارجیة، فالشرط هو الصورة العلمیة و هی مقارنة للمشروط.

و حاصل التقریب الثانی أنّ المؤثّر فی الإرادة و التحریک نحو الشیء هو العلم و الوجود اللحاظی فلابدّ أن یکون الشرط وجوداً علمیاً.

الإیراد علیه:

إنّ العلم و إن کان کذلک من حیث إنّه شرط التنجّز و لکن الحکم الفعلی قبل وصوله بالعلم موجود فالصورة العلمیة للشرط توجب وصول الحکم إلی المکلّف و تنجّزه و أمّا الحکم فهو قبل وصوله إلی المکلّف یکون فعلیاً من جهة تعلّقه بالمکلّف الجاهل فإنّ وجوب الصوم بالنسبة إلی الجاهل بوجوب صوم

ص: 221

شهر رمضان المبارک أو الجاهل بحلول الشهر فعلی و لذا یحکم بقضاء صومه إن مات فی حال جهله نعم إنّ شرط التنجّز قد یکون شرطاً للفعلیة و أُخری لایکون کذلک و لکن هذا لایرتبط بما نحن فیه.

فلا مانع حینئذ من أن یکون شرط فعلیة الحکم وجوداً خارجیاً.

التقریب الثالث:
اشارة

إنّ الحکم یتفاوت حاله عن سائر الموجودات من حیث العلل الأربع، فإنّ الموجودات الخارجیة تحتاج إلی العلل الأربع من العلّة الفاعلیة و الغائیة و الصوریة و المادّیة و لکن الحکم یتحقّق بمجرد العلّة الفاعلیة و العلة الغائیة متصورة عند الحکم مؤثرة بهذا التصور.

و حاصل التقریب الثالث أنّ العلّة الغائیة بوجودها العلمی یؤثر فی التحریک نحو الشیء.

الإیراد علیه:

إنّ الکلام هنا فی شرط الحکم لا فی العلّة الغائیة لحکم وجوب الصلاة، فلا مانع من أن یکون فعلیة الحکم متوقّفةً علی وجود أمر خارجی من جهة توقّف المصلحة الملزمة التی هی فی متعلّق الحکم علی تحقّق هذا الأمر الخارجی و لذا یجعل الشارع إنشاء الحکم و فعلیته متوقّفاً علی هذا الأمر بوجوده الخارجی.

ثمّ إنّ بطلان التقریبات الثلاثة المذکورة لاینافی إمکان إرجاع الشرط المتأخر إلی الصورة العلمیة بنحو الشرط المقارن (فإنّ الشرط قد یکون وجوداً خارجیاً و أُخری وجوداً علمیاً و ثالثة وجوداً دهریاً کما أفاده المحقّق السید المجدّد الشیرازی (قدس سره) علی حسب اعتبار الشارع).

ص: 222

إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

یتوقف بیان الإشکال بالنسبة إلی شرائط الحکم علی مقدّمتین:

المقدمة الأُولی: إنّ العنوان المأخوذ فی موضوع القضیة الخارجیة حیثیة تعلیلیة و الموضوع الحقیقی هو معنونه و أمّا العنوان المأخوذ فی موضوع القضیة الحقیقیة حیثیة تقییدیة و نتیجة ذلک هی أنّ إنشاء الحکم فی القضیة الخارجیة متحد مع الفعلیة و لکن الإنشاء فی القضیة الحقیقیة مقدّم علی الفعلیة.

المقدمة الثانیة: إنّ

مراتب الحکم عند صاحب الکفایة (قدس سره) أربع و هی: الملاک والإنشاء و الفعلیة و التنجز و أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فیقول بخروج الملاک عن مراتب الحکم لأنّ الملاک علّة للحکم و أیضاً یقول بخروج مرحلة التنجّز لأنّ التنجّز هو حکم العقل باستحقاق العقاب.

و حینئذ نقول: إنّ الشرط فی القضیة الخارجیة ینحصر فی شرط الجعل و الإنشاء لاتحاد مرحلتی الإنشاء و الفعلیة فیها، و لکن الشرط فی القضیة الحقیقیة إمّا شرط للجعل و إمّا شرط للمجعول الذی هو الحکم الفعلی.

و شرط مرحلة الفعلیة هو الوجود الخارجی للموضوع المتصور بقیوده أمّا شرط مرحلة الإنشاء فهو لحاظ ذلک فی عالم الاعتبار.

و البحث هنا فی شرائط الحکم فی مرحلة الفعلیة لا شرائط إنشاء الحکم فما قال من أنّ الشرط هو لحاظ الأمر المتأخر لایجدی بالنسبة إلی شرائط فعلیة الحکم.

یلاحظ علی إشکال المحقّق النائینی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

أوّلاً: إنّ فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة موضوعه بتمام قیوده و شرائطه و

ص: 223

لکن یمکن أن یکون شرط الحکم هو العلم من حیث إنّه کیف نفسانی فإنّ العلم بتحقّق أمر فی المستقبل فعلی و إن کان المعلوم بالعرض معدوماً فعلاً و علی هذا یقول صاحب الکفایة (قدس سره): اللحاظ شرط فی الحکم و فعلیة الحکم تتوقف علی فعلیة اللحاظ لا فعلیة الملحوظ بالعرض.

ثانیاً:((1))لا دلیل علی تقارن فعلیة الحکم و فعلیة شرطه، لأنّ الحکم أمر اعتباری و لا واقع له ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار فإذا کان أمره بید الشارع وضعاً و رفعاً و سعةً و ضیقاً کان له جعله بأی شکل و نحو أراد، لأنّ المجعول فی القضایا الحقیقیة حصّة خاصّة من الحکم و هی الحصّة المقیدة بقید فرض وجوده فی الخارج و من الطبیعی أنّ هذا القید یختلف؛

فمرّة یکون قیداً لها بوجوده المتأخر مثل أن یأمر المولی بإکرام زید مثلاً فعلاً بشرط مجیء عمرو غداً فإنّ المجعول فیه هو حصّة خاصّة من الوجوب و هو الحصّة المقیدة بمجیء عمرو غداً فإذا تحقّق القید فی ظرفه کشف عن ثبوتها فی موطنها و إلّا کشف عن عدم ثبوتها فیه؛

و مرّة ثانیة یکون قیداً لها بوجوده المتقدّم کما لو أمر بإکرام زید غداً بشرط مجیء عمرو هذا الیوم و مرة ثالثة بوجوده المقارن.

و مثال الشرط المتأخر فی العرفیات: الحمامات المتعارفة فی زماننا هذا فإنّ المالک یرضی فی نفسه رضیً فعلیاً بدخول الأفراد فیها بشرط أداء الأُجرة، فالرضا فعلی و الشرط متأخر.

ص: 224


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص316 و (ط.ق): ج2،ص134.
الصورة الثانیة: شرائط المأمور به
اشارة

أمّا شرائط المأموربه: فإنّ معنی کون شیء شرطاً للمأموربه هو أنّ المامور به یکون بالإضافة إلی هذا الشرط حسناً فیکون حینئذ متعلّقاً للأمر، فما لم تحصل الإضافة لیس حسناً.

توضیح ذلک: هو أنّ الشیء إمّا علّة تامّة للحسن و القبح مثل العدل و الظلم و إمّا مقتضٍ له مثل الصدق و الکذب و إمّا هو لااقتضاء بالنسبة إلیهما بل یتصف بهما بالوجوه و الاعتبارات مثل الضرب فإنّه حسن للتأدیب و قبیح للتفریح و أمثاله، لأنّ الضرب بالاعتبار الأوّل یکون مصداقاً للعدل و بالاعتبار الثانی یکون مصداقاً للظلم.

ثم إنّ الإضافة کما تکون إلی المقارن تکون إلی المتأخر أو المتقدّم فیکون الشیء (مثل الضرب) بالإضافة إلی المتقدّم أو المتأخر حسناً أو قبیحاً و هنا لابدّ من التفریق بین الإضافة و طرفها، فإنّ ما هو موجب للاتصاف بالحسن و القبح هو الإضافة فمتی تحقّقت الإضافة یتصف الشیء بالحسن و القبح و إن کان طرف الإضافة متقدّماً أو متأخراً.

فالشرط فی الحقیقة هو الإضافة و أمّا المتقدّم و المتأخر فیطلق علیه الشرط تسامحاً من جهة أنّه لولا حصول المتأخر فی محلّه لما کانت للمتقدّم تلک الإضافة.

إشکالان بالنسبة إلی شرائط المأموربه:
الإشکال الأوّل: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

التحقیق هو خروج شرائط المأموربه عن حریم النزاع، بداهة أنّ شرطیة شیء للمأموربه لیست إلّا بمعنی أخذه قیداً فی المأموربه، فکما یجوز تقییده بأمر سابق

ص: 225

أو مقارن یجوز تقییده بأمر لاحق کتقید صوم المستحاضة بالاغتسال فی اللیلة اللاحقة إذا اغتسلت بعد اللیل فهل هذا الغسل یؤثر فی رفع الحدث إلی طلوع الفجر و کذلک الغسل بعد الفجر یؤثر فی رفع الحدث إلی الزوال و کذا الغسل بعد الزوال یؤثر فی رفعه إلی الغروب أو إنّ کلّ غسل یؤثر فی رفع الحدث السابق علیه، فالغسل فی اللیل یرفع الحدث من الزوال إلی اللیل؟

و الأوّل هو مختار المشهور و لذا أفتوا بأنّها لو ترکت الاغتسال فی اللیل بطل صومها فی الغد لطلوع الفجر علیها و هی غیر طاهرة.

و ذهب بعضهم إلی الثانی، و من ثم وقع الإشکال فی إمکان تأثیر الغسل اللاحق فی رفع الحدث السابق.

و مع قطع النظر عن هذه الجهة لاینبغی الإشکال فی جواز تأخّر شرط المأموربه عن مشروطه، إذ لایزید الشرط بالمعنی المزبور علی الجزء الدخیل فی المأموربه تقیداً و قیداً، فکما لا إشکال فی إمکان تأخر الأجزاء بعضها عن بعض لاینبغی الإشکال فی جواز تأخر الشروط عن المشروط بها أیضاً.((1))

جوابان من المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلا بالنقض: إنّ هذا مناقض لما أفاده (قدس سره) من الفرق بین المقدّمات الداخلیة بالمعنی الأخصّ و المقدّمات الخارجیة بالمعنی الأعمّ حیث قال بخروج الأُولی عن محل النزاع دون الثانیة و لکن هنا یقول بأنّ الشرائط الخارجیة بحکم المقدّمات الداخلیة.

ص: 226


1- أجود التقریرات، ج1، ص322.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج2،ص128- 129و (ط.ق):ج2،ص307-308.

ثانیاً بالحلّ: إنّ الشرائط بأجمعها خارجة عن المأمور به و الداخل فیه إنّما هو تقیده بها فإذن کیف یعقل أن تکون متعلّقة للأمر النفسی کالأجزاء.

و علی هذا یکون قیاس شرائط المأموربه بالأجزاء الداخلیة قیاساً مع الفارق فإنّ الأجزاء یجوز تقدیم بعضها علی بعض و هذا فی المرکّب التدریجی و لکن الشرط و المشروط فلا.

الإشکال الثانی: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((1))

إنّ الإضافة أمر واقعی و المتضایفان متکافئان قوّةً و فعلاً و لایعقل وجود الإضافة و المضاف فی وقت مع أنّ الطرف الآخر للإضافة لم یوجد.

و بعبارة أُخری: إنّ تحقّق الإضافة بلاتحقّق طرفها محال، فإنّ المفاهیم التی هی ذات إضافة لاتوجد إلّا مع تحقّق طرف الإضافة فضلاً عن نفس الإضافة، فإنّ تحقّقها بدون تحقّق طرفها خلف، لأنّ الکلام فی الإضافة المقولیة لا الإضافة الإشراقیة).

نقض علی هذا الإشکال:

انتقض علی هذا البیان بأنّ بعض المفاهیم یضاف إلی الزمان السابق أو اللاحق مع أنّ الزمان أمر متصرم و الزمان السابق أو اللاحق غیر موجود فی الحال، مثلاً یقال الیوم الماضی و الیوم المستقبل مع أنّ طرف الإضافه منعدم.

جواب عن هذا النقض:

((2))

أجاب عنه الشیخ الرئیس (قدس سره) بأنّ الإضافة هنا ذهنیة و یمکن اجتماع الأزمنة

ص: 227


1- تحقیق الأصول، ج2، ص284.
2- الشفاء، ج1، ص148.

السابقة و اللاحقة فی ظرف الذهن و وعائه.

(بل الإضافة اعتباریة لأنّها تقوم بطرفیها و إذا کان طرفها أمراً إعتباریاً فهو أیضاً کذلک).

و لذا لانلتزم بما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی شرط الحکم (بل له أن یقول بشرطیة الصورة العلمیة علی وزان ما أفاده فی شرط الحکم) و لکنّه یکفی فی بیان عدم استحالة ما یوهم أنّه شرط متأخّر إمکان إرجاعه إلی شرطیة الصورة العلمیة.

ملخص الکلام:

هذا کلّه بناءً علی الاعتقاد بتحفظ قاعدة العلیة و المعلولیة کما علیه الشیخ الأنصاری و السید المجدّد الشیرازی و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره) و لذا حاولوا توجیه الشرط المتأخر.

أمّا بعض الأعلام مثل صاحب الجواهر و المحقّق النراقی و المحقّق الاصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سره) یرون توسعة عالم الاعتبار.

فمنهم من قال بالتحفّظ للقاعدة العقلیة من جهة أنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی فعلیة شرطه و لکن لم یلتزم بلزوم تقارنهما مثل المحقّق النراقی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و منهم من لم یلتزم بأصل القاعدة العقلیة و قال بتوسعة عالم الاعتبار و أنّه بید المعتبر((1)) و لایمکن الإشکال بالاستحالة لأنّ فی عالم الاعتبار یجتمع

ص: 228


1- ممن لم یلتزم بالقاعدة فی ما نحن فیه العلّامة الطباطبائی و المحقق السیستانی: قال الأوّل فی حاشیة الکفایة، ج 1، ص107: «و الحقّ أن یقال: إنّ البرهان إنّما قام علی استحالة توقف الموجود علی المعدوم فی الأمور الحقیقیة و أمّا الأمور الإعتباریة کما هو محل الکلام فلا لما عرفت مرارا أنّ صحّتها إنّما یتوقف علی ترتب الآثار فلا موجب لهذه التعسفات إلّا الخلط بین الحقائق و الإعتباریات فالصواب فی الجواب أن یقال: إنّ شرط التکلیف أو الوضع ما یتوقف علیه المجعول بحسب وعاء الإعتبار لا بحسب وعاء الخارج و کذلک شرط المأمور به ما یتوقف علیه بحسب ما یتعلق به من الغرض أو یعنون به من العنوان فی ظرف الإعتبار هذا و کأنّه الذی یرومه المصنف (ره) فی کلامه و إن لم یفِ به بیانه». و قال الثانی فی الرّافد فی علم الأصول، ص61: «الجانب الثالث: نتائج التأثر الفلسفی: من أهمّ نتائج تأثر الأصول بالفلسفة وقوع الخلط بین القوانین التکوینیة و الإعتباریة و أمثِلتُنا علی ذلک کثیرةٌ، منها القول بامتناع الشرط المتأخر لاستحالة تقدم المعلول علی علته زمانا مع أنّ الشرط المتأخر من الإعتباریات لا من التکوینیات».

المتضادان و النقیضان و إذا قلنا بعدم استحالة اجتماع النقیضین فلا وجه لاستحالة شیء فی هذا الوعاء لأنّ جمیع المحالات ترجع إلی استحالة اجتماع النقیضین.

فلا مانع من اعتبار شرطیة أمر متأخّر لتحقّق أمر اعتباری کما أنّه لا مانع من اعتبارات متناقضة مثل اعتبار ملکیة زید لهذا الدار من یوم الخمیس إلی یوم الجمعة ثمّ اعتبار عدم ملکیتّه فی خصوص هذا الظرف((1)).

ص: 229


1- أمّا نظریة المحقق العراقی فی المسألة ففی نهایة الأفکار، ج 2، ص285: «الذی یقتضیه التحقیق فی حل الإعضال الوارد علی الشرائط المتأخرة سواء فی شرائط التکلیف أو شرائط الواجب و المأمور به هو ما ذکرنا من إخراج الشرائط طرّاً عن کونها معطیات الوجود و مؤثرات و جعلها طرفا للإضافات و التقیدات و المصیر إلی کون دخلها من قبیل منشأ الإعتبار فی الأمر الإعتباری، فإنّه علی ما ذکرنا یندفع الإشکال المزبور من رأسه فیما ورد من الأدلة المقتضیة لشرطیة الأمر المتأخر للتکلیف أو الواجب و المأمور به، فأمکن الأخذ حینئذ بظاهرها من الإناطة بالأمر المتأخر من دون احتیاج إلی صرف تلک الأدلة عن ظاهرها ... هذا کلّه فی شرائط التکلیف و الواجب و لقد عرفت بأنّ تصویر شرط المتأخر فیها بمکان من الإمکان و أمّا الأحکام الوضعیة فهی باعتبار کونها من الإعتبارات الجعلیة یکون أمر تصویر الشرط المتأخر فیها أوضح مما فی باب التکالیف».

ص: 230

الأمر الثانی: فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط
اشارة

(فیه مقدمة و ناحیتان)

الناحیة الأُولی:القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟

الناحیة الثانیة:إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟

ص: 231

ص: 232

المقدمة
اشارة

و فیها مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط
اشارة

إنّهم قد ذکروا لهما تعریفات کثیرة((1)) و أطالوا الکلام فی ذلک و لکنّها تعریفات لفظیة و لیست بالحدّ و الرسم، و الظاهر هو أنّه لیس للأُصولیین اصطلاح خاصّ فی هذا البحث بل إنّهم أرادوا المعنی اللغوی، کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ((2)) و جمع من الأعلام.

ص: 233


1- قال فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص224و (ط.ق): ص43:«فمن جملة التقسیمات للواجب تقسیمه إلی المطلق و المشروط فالأول علی ما عرّفه به عمید الدین فی شرح التهذیب هو ما لایتوقف وجوبه علی أمر زائد علی الأمور المعتبرة فی التکلیف من العقل و العلم و البلوغ و القدرة و المشروط ما کان وجوبه موقوفا علی أمر آخر أیضا و عرّفه التفتازانی و المحقق الشریف بأنّه ما لایتوقف وجوبه علی ما یتوقف علیه وجوده و المشروط بما یتوقف وجوبه علی ما یتوقف علیه وجوده و زاد بعضهم قید الحیثیة فی الحدّین».
2- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص95.
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: إنّ هذه التعریفات تعاریف لفظیة لشرح الاسم و اتبع فی ذلک تعبیر الحکیم السبزواری (قدس سره) و استشکل هذا القول المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة((1))بأنّ التعریف اللفظی هو ما یقابل شرح الاسم، فإنّ السؤال عن الماهیة قد یکون قبل العلم بوجوده (أی قبل السؤال عن الهلیة البسیطة) فالسؤال عن حدّ الماهیة أو رسمها حینئذ یسمّی بما الشارحة و الجواب عنه هو شرح الاسم و قد یکون بعد العلم بوجوده (أی بعد السؤال عن الهلیة البسیطة) فالسؤال عن حدّ الماهیة أو رسمها یسمی بما الحقیقة و الجواب عنه هو شرح الحقیقة لأنّ الحقیقة هی الماهیة الموجودة.

و لذا قال: المعروف عندهم أنّ الحدود قبل الهلیات البسیطة حدود اسمیة و هی بأعیانها بعد الهلیات تنقلب حدوداً حقیقیة. (کما صّرح به الشیخ الرئیس و المحقّق الطوسی (قدس سرهما).

نعم إنّ شرح الاسم قد یساوق التعریف اللفظی و لکن شرح الاسم المرادف لمطلب ما الشارحة لایساوق التعریف اللفظی.

ص: 234


1- نهایة الدرایة، ج2، ص50.
المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)

((1)):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) جعل هذا التقسیم من تقسیمات الواجب و لایمکن المساعدة علیه کما صرّح به المحقّق الخوئی (قدس سره) ((2))و بعض الأساطین (حفظه الله) ((3)).

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین علیها:

إنّ التقسیم المذکور بناء علی مبنی الشیخ الأنصاری (قدس سره) هو من تقسیمات الواجب و لکن علی مبنی صاحب الکفایة (قدس سره) و جمع من الأعلام لابدّ من عدّه من تقسیمات الوجوب و سیتضح ذلک إن شاء الله تعالی فی خلال البحث (و قد صرح صاحب الکفایة (قدس سره) ((4))بأنّ نفس الوجوب فی الواجب المشروط مشروط بالشرط).

ص: 235


1- [1] کفایة الاصول (ط.آل البیت)،ص94: الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب منها تقسیمه إلی المطلق و المشروط.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص141و (ط.ق): ج2، ص319.
3- تحقیق الأُصول، ج2، ص299.
4- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص95.
المطلب الثالث:

إنّ وصفی الإطلاق و التقیید أمران إضافیان لاحقیقیان کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) و إلّا فجمیع الواجبات مشروطة بالشرائط العامة للتکلیف من البلوغ و العقل فالمراد هو أنّ الشیء الواحد قد یکون مشروطاً بشیء و أُخری یکون مطلقاً بالنسبة إلیه.

ص: 236

الناحیة الأُولی: القیود المأخوذة فی الأدلّة ترجع إلی الهیأة أو المادة؟
اشارة

و فیها موضعان:

قد اختلف الأعلام فی القیود المأخوذة فی الأدلّة علی نحو الشرطیة هل ترجع إلی الهیأة فیکون الوجوب مقیداً و مشروطاً أو ترجع إلی المادّة فیکون الوجوب مطلقاً والواجب مشروطاً.

الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال
اشارة

و المهم هنا ثلاثة من الأقوال:

القول الأوّل:

إنّ المعروف بینهم (کما علیه صاحب الکفایة (قدس سره) و من تبعه) هو أنّ القید یرجع إلی الهیأة.

القول الثانی:

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) یقول برجوع القید إلی المادّة (علی ما نسب إلیه فی

ص: 237

مطارح الأنظار((1)) و المحقق النائینی (قدس سره) نقل عن أُستاذه عن المیرزا الشیرازی (قدس سره) عدم صحّة الانتساب المذکور((2)))

القول الثالث:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بتقیید المادّة المنتسبة بمعنی رجوع القید إلی اتصاف المادّة بالوجوب((3)).

ص: 238


1- مطارح الانظار (ط.ق)، ص48 و(ط.ج)، ج1،ص245.
2- أجود التقریرات، ج1، ص194.
3- أجود التقریرات، ج1، ص194، طبع مؤسسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه). و فی المسألة قول رابع هو للمحقق العراقی قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص316: «و حینئذ فعَلی التحقیق بعد ما أمکن کل من المعلق و المشروط ثبوتا و إثباتا أیضا برجوع القید الواقع فی القضیة إلی الهیأة تارة و المادة أخری فلا جرم یکون المتبع فی استفادة أنّه من أی القبیل هو لسان الدلیل، و فی مثله یفرق بین مثل قوله: إن جاءک زید فأکرمه أو یجب إکرامه أو قوله: أکرم زیدا إن جاءک الظاهر فی إناطة الوجوب بمادّته بالمجی ء و بین قوله: أکرم زیداً الجائی بنحو القضیة الوصفیة الظاهر فی إطلاق الوجوب و فی کون الموضوع هو الذات المتقیدة و المتصفة بالوصف العنوانی فی قبال القضایا الشرطیة الظاهرة فی أنّ تمام الموضوع للحکم فی القضیة هو نفس الذات محضاً».
الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة
اشارة

مقتضی القواعد الأدبیة و المتفاهم العرفی هو أنّ الشرط و القید یرجع إلی الهیأة کما هو ظاهر القضیة الشرطیة لأنّ الظاهر من مثل قوله: «إن جاءک زید فأکرمه» هو أنّ طلب الإکرام و إیجابه مترتب علی تحقّق مجیء زید.

و اعترف الشیخ الأنصاری (قدس سره) بهذا الظهور و لم ینکره إلّا أنّه قد أُقیمت وجوه علی عدم إمکان رجوع القید و الشرط إلی الهیأة کما أنّه استدلّ علی رجوع القید إلی المادّة.

الوجوه التی استدلّوا بها علی عدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة:
الوجه الأوّل:
اشارة

إنّ مفاد الهیأة هو المعنی الحرفی و هو جزئی لا کلی و الوضع فی الحروف و الهیئات عام و الموضوع له خاص، و حیث لم یکن کلّیاً لایتصوّر فیه الإطلاق و کل ما لایقبل الإطلاق لایقبل التقیید أیضاً لأنّهما من قبیل الملکة و العدم، بل المعنی الحرفی لایقبل التقیید لجزئیته (فلو لم نقل بأنّ الإطلاق و التقیید من قبیل الملکة و العدم لایمکن تقییده أیضاً.) فإنّ الشیء الجزئی لایتصوّر فیه سعة حتی یکون مطلقاً فیمکن تقییده.

أجوبة أربعة عن هذا الوجه:
الجواب الأوّل: ما عن المحقّق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

إنّ مفاد الهیئات کما حقّقه المحقّق الخراسانی (قدس سره) لیس من المعانی الحرفیة بل

ص: 239

هو من المعانی الاسمیة و الوضع و الموضوع له و المستعمل فیه فی الحرف عام و الخصوصیة من قبل الاستعمال و هو لحاظ الآلیة.

فعلی هذا یکون الطلب المستفاد من الهیئة مطلقاً و قابلاً لأنّ یقید.((1))

الإشکال علیه:

قد تقدّم بطلان هذا المبنی فی مبحث المعانی الحرفیة.

الجواب الثانی: ما عن المحقق الخراسانی (قدس سره) أیضاً
اشارة

لو سلّمنا جزئیة المعنی الحرفی فإنّ ذلک یمنع من التقیید بمعنی کونه مطلقاً ثمّ تقییده أمّا إذا أُنشئ مقیداً من أوّل الأمر من دون أن یکون مطلقاً (لأنّ إطلاقه عند القائل بالجزئیة محال) فلا إشکال فیه.

الإشکال علیه:

لا فرق بین الصورتین بل نتصوّر إطلاق المعنی الحرفی و تقییده و إن کان جزئیاً و سیجیء بیان ذلک ذیل کلام المحقّق الاصفهانی (قدس سره) .

الجواب الثالث: ما عن المحقق العراقی (قدس سره)
اشارة

إنّ المحقّق العراقی (قدس سره) و إن کان یختلف مبناه عن ما هو علیه المحقّق الخراسانی (قدس سره) و لکنّه أیضاً یقول بعموم الموضوع له فی الحروف لأنّ المعانی الحرفیة عنده من الأعراض النسبیة و الموضوع له فیها الحیثیة السنخیة المحفوظة فی ضمن أنحاء النسب الشخصیة من الابتدائیة و الانتهائیة و الظرفیة((2)).

ص: 240


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص97.
2- مقالات الأصول، ج1، ص92.

فالهیئات و الحروف عنده تقبل الإطلاق و التقیید.

الإشکال علیه:

قد تقدم بطلان مبناه فی البحث عن المعانی الحرفیة.

إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی هذه الأجوبة:

((1))

ما أُجیب به عن ذلک من أنّ المعانی الحرفیة معان کلیة لاجزئیة فهی قابلة للتقیید و الإطلاق فهو غیر صحیح، لأنّ المانع عن الإطلاق والتقیید لیس الجزئیة کما توهمه المجیب بل المانع هو کون المعنی ملحوظاً آلیاً و هذا لایرتفع بکون المعنی کلیاً.

ملاحظتنا علیه:

ما أفاده مبتنٍ علی إشکال آخر فی رجوع الشرط إلی الهیأة و سیجیء تحقیقه إن شاء الله تعالی.((2))

الجواب الرابع: ما عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ المعانی الحرفیة و معانی الهیئات لیست جزئیة ذهنیة و لا عینیة بل جزئیتها و خصوصیتها بتقومها بطرفیها ولذا قلنا: إنّ الوضع فیها عام و الموضوع له خاص کما أنّها غیر کلیة بمعنی صدقها علی کثیرین لأنّها لا جامع ذاتی لها حتی

ص: 241


1- أجود التقریرات، ج1، ص195.
2- و هذا الإشکال هو الوجه الثانی من الوجوه الثلاثة لعدم رجوع الشرط إلی الهیأة.
3- نهایة الداریة، ج2، ص59.

یصدق علی أفرادها، بل کلیتها بمعنی قبولها للوجودات لأنّ القدر المسلّم من خصوصیتها هی الخصوصیة الناشئة من التقوم بطرفیها فقط.

أمّا تقیید المعانی الحرفیة و الهیئات فلا مانع منه، بمعنی أنّ البعث الملحوظ نسبته بین أطرافه من الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه ربما یکون مطلقاً و أُخری یکون مخصّصاً و مشروطاً من جهة الشرط الذی علّق علیه.

و لم یکن جامع ذاتی بین النسبة المطلقة (غیر المتخصصة) و النسبة المتخصّصة المشروطة، لأنّ النسبة لیست لها ماهیة بل لها ذات تعلقیة و وجود ربطی تعلّقی و وجودها لیس محمولیاً حتی تنتزع عنه الماهیة، لأنّ الماهیة هی ما یقال فی جواب ما هو، فلابدّ أن یکون لها وجود محمولی حتّی تکون مقولة فی جواب ما هو و الوجود الربطی هو فی قبال الوجود المحمولی.

فتحصّل أنّ الإطلاق و التقیید فی المعانی الحرفیة لیسا بمعنی سعة المفهوم و تضییقه حتّی یستشکل علیه بعدم إمکان سعة مفهومه و تضییقه، بل الإطلاق بمعنی عدم تعلیق الفرد الموجود علی شیء وتعلیق الطلب لیس من شؤونه حتّی یکون موجباً لتضییق دائرة مفهمومه، فالتقیید بمعنی تعلیقه علی أمر مقدّر الوجود.

إیراد بعض الأساطین علی المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((1)):

إنّ التعلیق فی الشیء لایعقل إلّا إذا کان للشیء فردان و حصّتان مثل البیع فإنّه مطلق و له فردان: البیع المنجّز و البیع المعلّق و علی هذا یکون فرض التعلیق فی المعنی الحرفی ملازماً لإطلاقه بالنسبة إلی صورتی التنجیز و التعلیق فما أفاده لایجدی فی دفع إشکال الشیخ (قدس سره) .

ص: 242


1- تحقیق الأصول، ج2، ص305.
یلاحظ علیه:

قد تقدّم أنّ الإطلاق الذی لایقبله المعنی الحرفی هو الإطلاق الذی بمعنی سعة مفهومه بحیث یشمل الصورتین فی آن واحد کما هو فی موارد الإطلاق الشمولی، أمّا الإطلاق الذی لایشمل الصورتین کما فی موارد الإطلاق البدلی فلا مانع من تصویره فی المعنی الحرفی، فإنّ المعنی الحرفی إمّا منجّز من حیث عدم ترتّبه علی الشرط و إمّا معلّق علی تحقّق الشرط.

الوجه الثانی لعدم إمکان رجوع الشرط إلی الهیأة:
اشارة

و هذا الوجه هو ما اعتمد علیه المحقق النائینی (قدس سره) ((1))فقال برجوع الشرط إلی المادّة المنتسبة و استدلّ علی عدم إمکان رجوعه إلی الهیأة بأنّ التحقیق هو أنّ النسبة مدلولة للهیأة فهی ملحوظة آلةً و معنی حرفیاً و الإطلاق و التقیید من شؤون المفاهیم الاسمیة الاستقلالیة.

جوابان عن الوجه الثانی:
الأول: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

إنّ الإطلاق و التقیید یتقوّمان باللحاظ، أمّا کونهما استقلالیاً فلا بل تابع لما اعتُبِرا فیه فإن کان استقلالیاً فالإطلاق و التقیید کذلک و إن کان آلیاً فهما کذلک.

ص: 243


1- أجود التقریرات، ج1، ص194.
2- تعلیقة نهایة الداریة، ج2، ص91.

(إنّ الآلی بذاته آلی فی جمیع وجوداته و بتمام اعتباراته).

الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((1))

أوّلاً: ربما یکون المعنی الحرفی مورد الالتفات و التوجّه استقلالاً و ذلک کما إذا علمنا بورود زید مثلاً فی بلد و نعلم أنّه سکن فی مکان و لکن لانعلم المکان بخصوصه، فنسأل عن تلک الخصوصیة التی هی معنی الحرف فالمعنی الحرفی هو الملحوظ استقلالا.ً

ثانیاً: علی تقدیر تسلیم لزوم ملاحظة المعنی الحرفی باللحاظ الآلی فإنّ طرو التقیید حین لحاظ المعنی الحرفی باللحاظ الآلی ممنوع و لکن إذا قید المعنی أوّلاً بقید، ثم لوحظ المقید آلیاً فلا محذور فیه أبداً، و علیه فلا مانع من ورود اللحاظ الآلی علی الطلب المقید فی رتبة سابقة علیه.

یلاحظ علیه بالنسبة إلی جوابه الأوّل:

إنّ ذلک مبتن علی مختاره فی المعنی الحرفی و لکن علی ما تقدّم من أنّ المعنی الحرفی تعلّقی ذاتاً و وجوداً (و لیس للنسبة الحقیقیة وجود نفسی محمولی لا عیناً و لا ذهناً بل وجودها عین وجود طرفیها ذهناً و عیناً فإنّ فعلیتها بالعرض بتبع فعلیة الطرفین بالذات، فلذا تکون کالآلة لوقوع طرفیها موقع الظرفیة و المظروفیة و أمثالهما) فلایمکن لحاظه استقلالاً، فما أفاده فی الجواب الأوّل مبنائی و لایمکن لنا الالتزام به أمّا الجواب الثانی فهو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی الجواب الثانی عن الشیخ (قدس سره) بعینه و مضی الکلام عنه.

ص: 244


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص144و (ط.ق): ج2، ص321.
الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی «إن قلت»
اشارة

((1))

تقریره علی ما فی المحاضرات:((2))

إنّ رجوع القید إلی مفاد الهیأة بما أنّه مستلزم لتفکیک الإنشاء عن المنشأ و الإیجاب عن الوجوب الذی هو مساوق لتفکیک الإیجاد عن الوجود فهو غیر معقول، بداهة أنّه لا فرق فی استحالة التفکیک بین الإیجاد و الوجود فی التشریع و التکوین، و علی الجملة إیجاب المولی و وجوبه إنّما یتحقّقان بنفس إنشائه فلا فرق بینهما إلّا بالاعتبار فبملاحظة فاعله إیجاب و بملاحظة قابله وجوب، فلو رجع القید إلی الهیأة لزم تحقّق الإیجاب دون الوجوب و مردّه إلی تخلّف الوجود عن الإیجاد و هو مستحیل.

فالنتیجة تعین رجوع القید إلی المادّة بعد استحالة رجوعه إلی الهیأة.

أجوبة أربعة عن الوجه الثالث:
الجواب الأوّل: ما عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّ المنشأ إذا کان هو الطلب علی تقدیر حصول الشرط فلابدّ أن لایکون قبل حصول الشرط طلب و بعث.

و إن کان الطلب حاصلاً قبل حصول الشرط لتخلّف المنشأ عن الإنشاء، حیث فرضنا کون المنشأ هو الطلب المشروط، فحصوله قبل شرطه یوجب تخلّف المنشأ عن الإنشاء.

ص: 245


1- کفایه الأصول (ط. آل البیت)، ص97.
2- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص145و (ط.ق): ج2، ص322.

و تعلیق المنشأ لایوجب تعلیق الإنشاء کما لایوجب تعلیق المخبر به تعلیقاً فی الإخبار.

إیرادان علی الجواب الأوّل:
الإیراد الأوّل:

قد أورد علیه السید الخوئی (قدس سره) ((1))بأنّه مصادرة إلی المطلوب کما أوردوا علیه ببطلان قیاس باب الإنشاء و الإخبار.

الإیراد الثانی:

قال بعض الأساطین((2)): انّ النسبة بین الإنشاء و المنشأ هی نسبة الإیجاب و الوجوب و نسبة الإیجاد و الوجود بخلاف باب الإخبار فإنّ النسبة بین المخبر و المخبر، نسبة الحاکی و المحکی و تفکیک الإیجاد و الوجود غیر معقول لأنّ تفاوتهما بالإعتبار، أمّا تفکیک الحاکی و المحکی فلا إشکال فیه.

الجواب الثانی: ما عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره)

((3))

إذا أُرید بالإنشاء ما هو من وجوه الاستعمال فتخلفه عن المستعمل فیه محال، سواء وجد البعث الحقیقی أم لا، لأنّ الإنشاء إیجاد المعنی باللفظ و هو نحو من استعمال اللفظ و لایمکن تحقّق الإیجاد الإنشائی من دون وجود المعنی الإنشائی، لاستحالة الاستعمال مع عدم المستعمل فیه فعلاً فی مرتبة وجوده الاستعمالی.

ص: 246


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص145و (ط.ق): ج2، ص322.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص309.
3- نهایة الداریة، ج2، ص64.

و إذا أُرید به البعث التقدیری، فما هو الثابت فعلاً هو البعث بثبوت فرضی تقدیری حیث جعل المرتّب علیه (و هو الشرط) واقعاً موقع الفرض و التقدیر و إثبات شیء کذلک (أی بإثبات فرض) لایتخلّف عن الثابت بذاک النحو من الثبوت الفرضی فلاینفک الإیجاد و الوجود فی هذه المرحلة.

و إذا أُرید به البعث التحقیقی، فثبوت البعث تحقیقاً یتبع ثبوت المرتب علیه (أی الشرط) تحقیقاً، و الإنشاء لایکون مطابقاً و مصداقاً لإثبات البعث تحقیقاً إلّا بعد ثبوته تحقیقاً، و بعد حصول الشرط یتحقّق الإثبات و الثبوت التحقیقیان فلاینفک الإیجاد و الوجود أیضاً.

ثم إنّ المحقّق (قدس سره) أکّد علی عدم إمکان انفکاک الإیجاد و الوجود فی التشریعیات کما لاینفکان فی التکوینیات وقال: توهّم الانفکاک فی عالم التشریع ناش عن عدم الالتفات إلی وجه الاتحاد و کیفیة الاعتبار.

مثال ذلک هو أنّ حقیقة الملکیة الاعتباریة عین اعتبار الملکیة، فالهویة الاعتباریة لها نسبة إلی المعتبر فیکون إیجاداً اعتباریاً منه و لها نسبة إلی طبیعی الملکیة فیکون وجوداً اعتباریاً له، و لایعقل تحقّق الاعتبار فعلاً و تأخّر المعنی المعتبر إذ الاعتبار المطلق لایوجد، فلامحالة یتقوّم بمعنی الملکیة و المفروض عدم الوجود للملکیة إلّا بالاعتبار أوّلاً و آخراً، فلابدّ من تحقّق المعنی المعتبر حین تحقّق الاعتبار.

الجواب الثالث: ما عن المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه لا مدفع لهذا الإشکال بناءً علی نظریة المشهور من أنّ الإنشاء عبارة عن

ص: 247


1- المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص146و (ط.ق): ص323.

إیجاد المعنی باللفظ، ضرورة عدم إمکان تخلّف الوجود عن الإیجاد.

أمّا بناءً علی نظریتنا من أنّ الإنشاء عبارة عن إبراز الأمر الاعتباری النفسانی -و اختاره فی منتقی الأصول((1)) و قال: إنّ مدلول الهیأة الإنشائیة إبراز الاعتبار النفسانی- ببیان أنّه و إن کان الاعتبار فعلیاً لکن المعتبر هو ثبوت الفعل فی الذمة فالمقید هو الثبوت الخارج عن مدلول الهیأة و هو من المعانی الاسمیة فی الخارج بمبرز من قول أو فعل یندفع الإشکال.

لأنّ المراد من الإیجاب إمّا إبراز الأمر الاعتباری النفسانی و إمّا نفس ذلک الاعتبار النفسانی، فعلی کلا التقدیرین لا محذور فی رجوع الشرط إلی مفاد الهیأة.

أمّا علی الأوّل: (بأن یکون الإیجاب إبراز الأمر الاعتباری النفسانی) فلأنّ کلّاً من الإبراز و المبرز و البروز فعلی و لیس شیء منها معلّقاً علی أمر متأخّر.

أمّا علی الثانی: (بأن یکون الإیجاب نفس ذلک الأمر الاعتباری) فلأنّ الاعتبار بما أنّه من الأُمور النفسانیة التعلقیة یعنی ذات الإضافة کالعلم و الشوق و ما شاکلهما من الصفات الحقیقیة لا مانع من تعلّقه بالأمر المتأخر کما یتعلّق بالأمر الحالی.

فکما یمکن تأخر المعلوم عن العلم یمکن تأخر المعتبر عن الاعتبار، فالتفکیک بین الاعتبار و المعتبر لا محذور فیه بخلاف التفکیک بین الإیجاد و الوجود.

أورد علیه بعض الأساطین:

أمّا علی التقدیر الأوّل: فإن قلنا بفعلیة الإبراز و البروز و المبرز فلایلزم انفکاک

ص: 248


1- منتقی الأصول، ج2، ص142.

الإیجاد عن الوجود إلّا أنّه بمعنی إنکار الوجوب المشروط حیث إنّ لازم فعلیة هذه الأُمور هو فعلیة الوجوب قبل حصول الشرط و عدم تعلیقه علیه.

و أمّا علی التقدیر الثانی: فإنّ الإیجاب اعتبار نفسانی و الوجوب هو المعتبر و الانفکاک بین الاعتبار و المعتبر هو الانفکاک بین الإیجاب و الوجوب مع أنّ الانفکاک بین الإیجاب و الوجوب هو بعینه الانفکاک بین الإیجاد و الوجود فما أفاده لایجدی فی دفع الإشکال. ((1))

الجواب الرابع: ما عن بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((2))

إنّ التحقیق یقتضی التفریق بین باب الإنشاء و المنشأ و باب الإیجاد و الوجود لأنّ الإنشاء و المنشأ هما متقابلان تقابل السبب و المسبّب و لا اتّحاد بینهما بخلاف الإیجاد و الوجود فإنّهما متّحدان فی الحقیقة مختلفان بالاعتبار.

و حینئذ نقول: إنّ التخلّف بین الإیجاد و الوجود محال لمکان اتّحادهما بحسب الحقیقة و أمّا التخلّف بین السبب و المسبّب (و هنا الإنشاء و المنشأ) فلا استحالة فیه کما وقع نظیر ذلک کثیراً فی الاعتبارات الشرعیة.

و الدلیل علیه هو أنّهم جعلوا «هی طالق» سبباً للبینونة و «أنکحت» سبباً للزوجیة و «بعت» سبباً للملکیة، کما قال فی المسالک: إنّ العقد سبب للملکیة و هکذا فی جامع المقاصد و المستند و أمثالهما و صرّح المحقّق النائینی (قدس سره) فی بحث الصحیح و الأعمّ بأنّ المشهور هو أنّ الإنشاءات أسباب.

هذا حلّ المشکل بناءً علی مسلک المشهور فی باب الإنشاء.

ص: 249


1- تحقیق الأصول، ج2، ص316-317.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص317

أمّا حلّ الإشکال بناءً علی مسلک الاعتبار و الإبراز، هو أنّ الاعتبار یتعلّق بالأمر المعدوم الذی فرضنا وجوده، مثل الوصیة حیث یفرض ملکیة شخص آخر بعد موت الموصی و یوجده فی عالم الاعتبار و ذلک لأنّ الاعتبار أمر نفسانی فیمکن أن یتعلّق بالأمر المتأخر.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: ما أفاده علی مسلک المشهور فلایتمّ، لأنّ المشهور عرّفوا الإنشاء بإیجاد المعنی باللفظ، فإنّ اللفظ عندهم و إن کان سبباً لإیجاد المعنی إلّا أنّ الإنشاء هو إیجاد المعنی الذی هو المسبّب لا اللفظ الذی هو السبب، و الکلام هو فی أنّ الإنشاء (الذی هو إیجاد المعنی) و المنشأ (الذی هو وجود المعنی) متّحدان اتّحاد الإیجاد و الوجود.

ثانیاً: إنّ مبنی المشهور و ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) لایمکن المساعدة علیه، لأنّ اللفظ لیس له سببیة لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار بل إیجاد المعنی فی عالم الاعتبار هو بنفس اعتبار المعتبر، کما قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)): إنّ اللفظ لیس علّة تکوینیة للمعنی و أیضاً لا سببیة له لإیجاد المعنی فی عالم الاعتبار لأنّ الاعتبار یکفی لتحقّق الوجود الاعتباری بلا حاجة إلی اللفظ و علیة اللفظ لوجود المعنی عیناً أو ذهناً غیر معقولة، لأنّ وجود الشیء عیناً یتّبع مبادئ وجوده لا اللفظ و وجوده ذهناً یتّبع وجود مبادئ الانتقال لا اللفظ، و حضور المعنی ذهناً بتبع حضوره لیس من باب علیة اللفظ بوجوده الخارجی أو بوجوده الذهنی لحضور المعنی، بل للتلازم بین الحضورین لمکان التلازم بین الحاضرین

ص: 250


1- بحوث فی الأصول،ج1، ص27.

جعلاً و بالمواضعة و لذا ربّما ینتقل من تخیل المعنی إلی وجوده اللفظی أو وجوده الکتبی.

ثالثاً: إنّ ما أفاده فی حلّ الإشکال بناءً علی مسلک الاعتبار و الإبراز هو ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی التقدیر الثانی و استشکل علیه بعض الأساطین (حفظه الله) بعینه.

استدلال الشیخ (قدس سره) علی رجوع الشرط إلی المادّة:
اشارة

استدلال الشیخ ((1)) (قدس سره) علی رجوع الشرط إلی المادّة:

إنّ الإنسان إذا توجّه إلی شیء فإمّا یطلبه أو لا، لا کلام علی الثانی.

فإذا طلبه إمّا یکون المطلوب طبیعی ذلک الشیء فیطلبه بإطلاقه و سعته و إمّا یکون المطلوب حصّة خاصّة فیطلبه مقیداً بقید خاص.

و هذا القید إمّا غیر اختیاری کقیدیة زوال الشمس لوجوب الصلاة

و إمّا اختیاری و مورد للطلب کالطهارة بالنسبة إلی الصلاة.

و إمّا اختیاری و لیس مورداً للطلب بل أُخذ مفروض الوجود کالاستطاعة فی الحج.

و الطلب فعلی و المطلوب مقید علی جمیع هذه التقادیر، فما ذکرنا من رجوع القید إلی المادّة أمر وجدانی.

جوابان عن هذا الاستدلال:
جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن بیان الشیخ (قدس سره):

أمّا بناءً علی تبعیة الأحکام لمصالح فیها: فهو أنّ ذلک الشیء کما یمکن أن

ص: 251


1- مطارح الأنظار(ط.ج): ج1،ص267 و (ط.ق): ص52.

یبعث فعلاً إلیه و یطلبه حالاً لعدم مانع عن طلبه کذلک، یمکن أن یبعث إلیه معلّقاً و یطلبه استقبالاً علی تقدیر شرط متوقّع الحصول، لأجل مانع عن الطلب و البعث فعلاً قبل حصول الشرط فلابدّ أن یکون الطلب معلّقاً بحصول الشرط.

و أمّا بناءً علی تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد فی المأمور به و المنهی عنه:

فإنّ تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد الثابتة فی متعلّقاتها إنّما تکون فی الأحکام الواقعیة بما هی واقعیة لا بما هی فعلیة فلا تلازم بین الإنشائیة و الفعلیة.

و ذلک فی موارد متعدّدة:

الأوّل: فی الموارد التی جرت الأُصول علی خلاف الأحکام الواقعیة فتبقی الأحکام علی إنشائیتها.

الثانی: فی موارد قیام الأمارات علی خلاف الأحکام الواقعیة فهذه الأمارات مانعة عن فعلیة الحکم الواقعی.

الثالث: فی موارد عدم بیان بعض الأحکام فی أوائل البعثة تسهیلاً علی المسلمین حتّی یرغبوا فی الدین.

الرابع: فی موارد عدم فعلیة بعض الأحکام إلی ظهور خاتم الأوصیاء (عجل الله تعالی فرجه).((1))

جواب المحقّق الخوئی (قدس سره) عن بیان الشیخ (قدس سره):

إن أراد من الطلب فی کلامه «الشوق النفسانی» فالأمر و إن کان کذلک من

ص: 252


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)،ص97-98.

جهة أقسامه إلّا أنّ الشوق النفسانی لیس من مقولة الحکم لأنّ الحکم الشرعی أمر اعتباری و الشوق أمر تکوینی نفسانی.

و إن أراد من الطلب فی کلامه «الإرادة بمعنی الاختیار» فیرد علیه: أنّه لایتعلّق بفعل الغیر حتی نبحث عن أنّ القید راجع إلیه أو إلی متعلّقه، و من هنا ذکرنا أنّه لا معنی لتقسیم الإرادة إلی التکوینیة و التشریعیة، بداهة أنّا لانعقل للإرادة التشریعیة معنی فی مقابل الإرادة التکوینیة.

و إن أراد بالطلب فی کلامه «جعل الحکم و اعتباره» حیث إنّ حقیقة الطلب هی التصدّی نحو حصول الشیء فی الخارج و التصدّی إمّا خارجی و إمّا اعتباری و جعل الحکم هو مصداق التصدّی الاعتباری نظراً إلی أنّ الشارع تصدّی نحو حصول الفعل من الغیر باعتباره فی ذمّته و هو فعلی دائماً سواء کان المعتبر أیضاً فعلیاً أم کان أمراً استقبالیاً و لکنّ الکلام فی رجوع القید إلی المعتبَر و عدم رجوعه إلیه لا إلی الاعتبار و جعل الحکم ضرورة أنّ الاعتبار و الإبراز غیر قابلین للتقیید و التعلیق أصلاً.

و إن أراد من الطلب ما تعلّق به الاعتبار (أی المعتبَر) المعبّر عنه بالوجوب فصریح الوجدان شاهد علی أنّه قابل للتقیید و الإطلاق.

بیان ذلک هو أنّ الفعل الذی هو متعلّق الوجوب إمّا أن یکون ذا ملاک ملزم فلایتوقّف علی زمان أو زمانی فالوجوب حینئذ فعلی.

و إمّا أن یکون ذا ملاک ملزم و إن کان تحقّق الفعل فی الخارج یتوقّف علی مقدّمات اختیاریة (مثل توقّف الصلاة علی الطهارة) أو غیر اختیاریة ففی مثل ذلک لا مانع من کون الإیجاب حالیاً و الواجب استقبالیاً.

و إمّا ان یکون ذا ملاک فی ظرف متأخّر لا فعلاً بمعنی أنّ ملاکه لایتمّ إلّا بعد

ص: 253

مجیء زمان خاص أو تحقّق أمر زمانی فی ظرف متأخّر فالوجوب حینئذ تقدیری و معلّق علی فرض تحقّق ما له الدخل فی الملاک ففی مثل ذلک لو رجع القید إلی المادّة و کان المعتبر کالاعتبار فعلیاً لکان لغواً صرفاً.

مضافاً إلی ظهور القضایا الشرطیة فی رجوع القید إلی الهیأة دون المادّة فإنّ المتفاهم العرفی هو تعلیق مفاد الجملة الجزائیة علی الشرط لا تعلیق المادّة التی هی المعنی الإفرادی بل القول بأنّ أدوات الشرط تدلّ علی تعلیق المعنی الإفرادی (أی المادّة) علی الشرط غلط أدبی.((1))

ص: 254


1- المحاضرات(ط.ج): ج2،ص 148و (ط.ق): ج2، ص325.
الناحیة الثانیة: إذا تردّد أمر القید بین الرجوع إلی المادّة أو الهیأة فما مقتضی الأصل؟
اشارة

هنا مقامان:

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

و فیه قولان:

القول الأوّل: قال الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) برجوعه إلی المادّة بحسب مقتضی الأصل اللفظی.

القول الثانی: قال صاحب الکفایة و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) برجوعه إلی الهیأة.

قد استدلّ الشیخ (قدس سره) بوجهین:

الاستدلال الأوّل للشیخ (قدس سره):
اشارة

(1)

هذا الاستدلال مشتمل علی دعویین:

الدعوی الأُولی دعوی کبروی و هو تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی.

ص: 255


1- . فی مطارح الأنظار (ط.ج)، ج1،ص252-253و(ط.ق)، ص49:«... و کیف ما کان، ففی هذه الصورة بناء علی مذاق القوم لابدّ من الأخذ بالإطلاق فی جانب الهیئة و الحکم بتقیید المادّة بوجهین: أحدهما: أنّ تقیید الهیئة و إن کان راجعا إلی تقیید المادّة- کما عرفت- إلّا أنّ بین إطلاق المادّة علی الوجهین فرقا، إذ علی تقدیر إطلاقه من جهة الهیئة یکون إطلاقه شمولیا- کما فی شمول العامّ لأفراده- فإنّ وجوب الإکرام علی تقدیر الإطلاق یشمل جمیع تقادیر الإکرام من الأمور التی یمکن أن یکون تقدیرا للإکرام، و إطلاق المادّة من غیر جهة الأمر إطلاق بدلی، فإنّ المطلق غیر شامل للفردین فی حالة واحدة. و السرّ فی ذلک ما قرّر فی محلّه: من الفرق بین الإطلاق الملحوظ فی الأحوال أو فی الأفراد، فتأمّل.»

و الدعوی الثانیة دعوی صغروی و هو أنّ مسألتنا من صغریات تلک الکبری.

الدعوی الکبروی:
اشارة

إنّ مفاد الهیأة إطلاق شمولی (ثبوت الوجوب علی تقدیری حصول القید و عدمه) و مفاد المادّة إطلاق بدلی و إذا دار الأمر بین تقیید إطلاق الهیأة و تقیید إطلاق المادّة تعین الثانی لأنّ رفع الید عن الإطلاق البدلی أولی من رفع الید عن الإطلاق الشمولی.

إیراد صاحب الکفایة(قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ مفاد إطلاق الهیأة و إن کان شمولیاً بخلاف المادّة، إلّا أنّه لایوجب ترجیحه علی إطلاق المادّه، لأنّ إطلاق الهیأة أیضاً کان بالإطلاق و مقدّمات الحکمة، غایة الأمر أنّها تارة تقتضی الإطلاق الشمولی و أُخری الإطلاق البدلی و ترجیح عموم العام علی إطلاق المطلق لأجل کون دلالته بالوضع لا لکونه شمولیاً بخلاف المطلق فإنّ دلالته لایتمّ إلّا بتمامیة مقدّمات الحکمة، فیکون العام أظهر فیقدّم علی الإطلاق.

ص: 256


1- کفایه الأصول (ط.آل البیت)، ص105و106.
بیان لهذا الإیراد:

أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) بأنّ الملاک فی الجمع الدلالی إنّما هو بأقوائیة الدلالة و الظهور و من الطبیعی أنّ ظهور الإطلاق الشمولی لیس بأقوی من ظهور الإطلاق البدلی، لأنّ ظهور کل منهما مستند إلی تمامیة مقدّمات الحکمة، نعم لو کان ظهور أحدهما بالوضع و ظهور الآخر بالإطلاق بمقدّمات الحکمة قدّم ما کان بالوضع علی ما کان بالإطلاق و لکن مسألتنا لیس من هذا القبیل.

دفاع المحقق النائینی (قدس سره) عن الشیخ (قدس سره) بوجوه ثلاثة:
اشارة

إنّ المحقق النائینی (قدس سره) استدلّ علی تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی إذا کانا منفصلین بوجوه:

الوجه الأوّل:
اشارة

((2))

إنّ تقدیم الإطلاق البدلی یقتضی رفع الید عن الإطلاق الشمولی فی بعض مدلوله و هی حرمة إکرام العالم الفاسق فی مفروض المثال.

بخلاف تقدیم الإطلاق الشمولی فإنّه لایقتضی رفع الید عن مدلول الإطلاق البدلی أصلاً، فإنّ المفروض أنّه الواحد علی البدل و هو محفوظ لامحالة، غایة الأمر أنّ دائرته کانت وسیعة فصارت ضیقةً.

و توضیح ذلک علی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ الإطلاق الشمولی عبارة عن انحلال المعلّق علی الطبیعة المأخوذة علی نحو مطلق الوجود فیتعدّد الحکم بتعدّد أفرادها فی الخارج أو أحوالها و یثبت لکل فرد منها حکم مستقل، و

ص: 257


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص157-158و (ط.ق): ج2، ص333.
2- أجود التقریرات، ج1، ص236.

ذلک مثل «لاتکرم فاسقاً» فإنّ الفاسق لوحظ علی نحو مطلق الوجود موضوعاً لحرمة الإکرام فطبعاً تتعدّد الحرمة بتعدّد وجوده خارجاً.

و الإطلاق البدلی عبارة عن حکم واحد مجعول للطبیعة علی نحو صرف الوجود القابل للانطباق علی کل فرد من أفرادها علی البدل فهو حکم واحد ثابت لفردها فلاینحلّ بانحلال الطبیعة و لایتعدّد بتعدّد وجودها مثل أکرم عالماً.

فإذا دار الأمر بین رفع الید عن الحکم (کما هو لازم رفع الید عن الإطلاق الشمولی) أو المحافظة علی الحکم و رفع الید عن توسعته (کما هو لازم رفع الید عن إطلاق البدلی) تعین الثانی.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه

((1)):

أوّلاً: إنّ هذا الوجه مجرد استحسان عقلی و لایکون وجهاً عرفیاً للجمع بینهما، فإنّ الملاک فی الجمع العرفی إنّما هو بأقوائیة الدلالة و الظهور و هی منتفیة فی المقام، والسبب فیه أنّ ظهور کل منهما فی الإطلاق بما أنّه مستند إلی مقدّمات الحکمة فلایکون أقوی من الآخر.

ثانیاً: إنّ الإطلاق البدلی و إن کان مدلوله المطابقی ثبوت حکم واحد لفردٍما من الطبیعة علی سبیل البدل إلّا أنّ مدلوله الالتزامی ثبوت أحکام ترخیصیة متعدّدة بتعدّد أفرادها فإطلاقه من هذه الناحیة شمولی فلا فرق بینه و بین الإطلاق الشمولی من هذه الجهة، غایة الأمر شمول هذا بالدلالة المطابقیة و شمول ذاک بالدلالة الالتزامیة.

ص: 258


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص159-160 و (ط.ق): ج2،ص334-335.

و نفی الإطلاق البدلی یستلزم عقلاً ثبوت الترخیص شرعاً فی تطبیقها علی أی فرد من أفراد صرف الوجود من الطبیعة.

یلاحظ علیه:

أمّا إیراده الأوّل علی المحقّق النائینی (قدس سره) ففیه: أنّ الملاک فی الجمع العرفی و إن کان بأقوائیة الدلالة إلّا أنّ الإطلاق الشمولی أقوی و أظهر.

توضیحه:

إنّ ملاک قوّة الظهور لاینحصر فی کون دلالته بالوضع أو بمقدّمات الحکمة بل یقدّم ما هو أقلّ مخالفةً للظهور علی ما هو أکثر مخالفةً منه للظهور کما آنّه إذا دار الأمر بین معنیین یؤخذ ما هو أقرب من الظهور و یترک ما هو أکثر مخالفةً .

مثلاً إذا کان أحد المعنیین موجباً لتقدیر کلمتین و الآخر موجباً لتقدیر کلمة واحدة یؤخذ بالثانی و یترک الأوّل (فیما إذا کان الثانی أظهر) و فیما نحن فیه مخالفة الظهور الإطلاقی فی المطلق الشمولی أکثر منها فی المطلق البدلی حیث إنّ رفع الید عن الإطلاق الشمولی یوجب رفع الید و إلغاء الحکم عن موضوعه بجمیع حالاته أمّا رفع الید عن الإطلاق البدلی یوجب فقط خروج بعض حالات الموضوع عن تحت الحکم فلابدّ من رفع الید عن الإطلاق البدلی لأنّه أقلّ مخالفة لظهور الکلام.

یرد علیه:

أنّ ذلک خارج عن فهم العرف بل یدرک بالدقّة العقلیة مع أنّ ملاک الظهورات هو العرف فلایمکن القول بالأظهریة.

و أمّا إیراده الثانی علی المحقق النائینی (قدس سره) ففیه: أنّ ملاک الدلالة الالتزامیة هو

ص: 259

اللزوم البین بالمعنی الأخصّ أمّا اللزوم غیرُ البین أو البین بالمعنی الأعم فلیسا من الدلالة الالتزامیة ثمّ إنّ التخییر بین أفراد صرف الوجود من الطبیعة (أی الإطلاق البدلی) آنّما هو بحکم العقل فهذا التخییر عقلی و الترخیص الشرعی الذی ادّعاه المحقّق الخوئی (قدس سره) من فروع التخییر العقلی المذکور مع أنّ الحکم العقلی الذی ذکرناه لیس من ظهورات الکلام فکیف یعدّ الأحکام الترخیصیة المذکورة ظهوراً إطلاقیاً شمولیاً لهذا الکلام.

الوجه الثانی:
اشارة

((1))

إنّه یحتاج الإطلاق البدلی (زائداً علی کون المولی فی مقام البیان و عدم نصب القرینة علی الخلاف) إلی إحراز التساوی بین الأفراد فی الوفاء بالغرض حتّی یحکم بالتخییر بخلاف الإطلاق الشمولی، فإنّه لایحتاج إلی أزید من ورود النهی علی الطبیعة غیرِ المقیدة (مثل لاتکرم الفسّاق) فیسری الحکم إلی الأفراد قهراً، فمع وجود الإطلاق الشمولی لایحرز العقل تساوی الأفراد من حیث الوفاء بالغرض.

فیکون الإطلاق الشمولی حاکماً علی الإطلاق البدلی من حیث دلیلیته و حجیته و إن کان ظهوره منعقداً فی حدّ نفسه لفرض کون القرینة منفصلة.

و بعبارة أُخری: ثبوت الإطلاق البدلی یتوقّف علی إحراز تساوی الأفراد فی الوفاء بالغرض و لایمکن إحراز ذلک مع وجود الإطلاق الشمولی علی خلافه حیث إنّه یکون صالحاً لبیان التعیین فی بعض الأفراد و أشدّیة الملاک فیه و معه لاینعقد الإطلاق البدلی.

ص: 260


1- أجود التقریرات، ج1، ص236.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی:

((1))

إنّ إحراز تساوی الأفراد فی الوفاء بالغرض لیس مقدّمة رابعة فی قبال المقدّمات الثلاث المتقدّمة لکی یتوقّف الإطلاق علیها، ضرورة أنّه یتحقّق بنفس تلک المقدّمات من دون حاجة إلی شیء آخر، فإذا کان الحکم ثابتاً علی الطبیعة بنحو صرف الوجود و کان المولی فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علی الخلاف فبطبیعة الحال کان إطلاق کلامه قرینة علی تساوی أفرادها فی الوفاء بالغرض، إذ لو کان بعض أفرادها أشدّ ملاکاً من غیره لکان علی المولی البیان، فجمیع أفراد البدل وافٍ بالغرض.

الوجه الثالث:
اشارة

((2))

إنّ حجیة الإطلاق البدلی تتوقّف علی عدم المانع فی بعض الأطراف عن التخییر العقلی فلابدّ أن لایکون هناک مانع عن انطباقه علی بعض الأفراد دون بعضها الآخر.

و الإطلاق الشمولی صالح للمانعیة عن بعض أفراد الإطلاق البدلی.

فلو توقّف عدم صلاحیته للمانعیة علی وجود الإطلاق البدلی لزم الدور.

فبالنتیجة إنّ المطلق الشمولی صالح لأن یکون مانعاً عن المطلق البدلی فی مورد المعارضة و الاجتماع دون العکس.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثالث:

إنّ ثبوت الإطلاق فی کلیهما یتوقّف علی تمامیة مقدّمات الحکمة و لامزیة

ص: 261


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص161-162و (ط.ق): ج2،ص336-337.
2- أجود التقریرات، ج1، ص236.

لأحدهما علی الآخر من هذه الناحیة.

فکما أنّ الطلاق الشمولی صالح لأن یکون مانعاً عن البدلی و مقیداً له کذلک البدلی صالح لأن یکون مانعاً عن الشمولی و مخصّصاً له فلا ترجیح لأحدهما علی الآخر و هذا الوجه الثالث بالحقیقة یرجع إلی الوجه الثانی و تقریب له بعبارة أُخری هذا کلّه فی القرینة المنفصلة.

أمّا تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی إذا کانا متّصلین فلأنّ الإطلاق الشمولی رافع للظهور فی البدلی و یکون وارداً علیه و فیه ما لایخفی و لانطیل الکلام حوله و خلاصته أنّ ما أفاده دقّة عقلیة لایفهمه العرف مع أنّ الظهور أمر عرفی.

الدعوی الصغروی:
اشارة

و هو أنّ مسألتنا من صغریات تلک الکبری (و هی تقدیم الإطلاق الشمولی علی الإطلاق البدلی) حیث إنّ مفاد الهیأة له إطلاق شمولی (لثبوت الوجوب علی تقدیری حصول القید و عدمه) و مفاد المادّة له إطلاق بدلی.((1))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الصغری تبعاً للمحقق النائینی (قدس سره):

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الصغری((2)) تبعاً للمحقق النائینی (قدس سره) ((3)):

إنّ المقام لیس من صغریات تقدیم الإطلاق الشمولی علی الإطلاق البدلی لعدم التعارض و التنافی بین الإطلاقین بالذات، بداهة أنّه لا مانع من أن یکون کلّ من الهیأة و المادّة مطلقاً من دون أی منافاة بینهما و التنافی إنّما جاءت من

ص: 262


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص162-163 و(ط.ق): ج2،ص337-338.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص163-164و(ط.ق): ج2،ص338-339.
3- أجود التقریرات، ج1، ص238.

الخارج و هو العلم الإجمالی برجوع القید إلی أحدهما، فلا وجه لتقدیم إطلاق الهیأة علی المادّة، فإذا کان التقیید المزبور بدلیل متّصل فأوجب العلم الإجمالی الإجمال و عدم انعقاد أصل الظهور لفرض احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة، و إذا کان بدلیل منفصل فأوجب سقوط الإطلاقین عن الاعتبار.

الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ القید إذا تردّد رجوعه إلی الهیأة أو إلی المادّة فالأصل یقتضی إرجاعه إلی المادّة، لأنّه لو رجع إلی الهیأة فهو کما یوجب رفع الید عن إطلاق الهیأة یوجب رفع الید عن إطلاق المادّة لفرض عدم الوجوب قبل وجود الشرط و حینئذ لاتکون مصداقاً للواجب مثلاً إذا فرضنا أنّ وجوب إکرام زید مقید بمجیئه یوم

ص: 263


1- فی مطارح الأنظار (ط. ج)، ج 1،ص252- 253 و( ط. ق)، ص49:« ...کیفما کان ففی هذه الصورة بناء علی مذاق القوم لابدّ من الأخذ بالإطلاق فی جانب الهیئة و الحکم بتقیید المادة بوجهین ... و ثانیهما أنّ تقیید الهیئة و إن لم یستلزم تقیید المادة لما عرفت من المحذور إلّا أنّه مع ذلک فالحکم بتقیید المادة أولی لدوران الأمر بین تقییدین أحدهما یبطل محل الإطلاق فی الآخر و یرتفع به مورده و الآخر لایؤثر شیئاً فی مورد إطلاقه و لا شک أنّ التقیید الثانی أولی فلَنا فی المقام أمران: أحدهما إثبات أنّه متی ما دار الأمر بین هذین التقییدین فالثانی أولی و ثانیهما إثبات الصغری أمّا الأوّل فلایکاد یستریب أحد فیه بعد ما هو المدار فی أمثال المقام من الرجوع إلی قاعدة العرف و اللغة و لا شک أنّ التقیید و إن لم یکن مجازاً إلّا أنّه خلاف الأصل و لا فرق فی لبّ المعنی بین تقیید الإطلاق و بین أن یعمل فیه عملا یشرک مع التقیید فی الأثر و إن لم یکن تقییدا مثل ارتفاع محل بیانه الذی هو العمدة فی الأخذ بالإطلاق و أما إثبات أنّ المقام من هذا القبیل فقد عرفت فی محله أنّ الأخذ بالإطلاق لیس إّلا بواسطة قبح تأخیر البیان عن مورد الحاجة فإذا فرضنا أنّ مطلقاً من المطلقات لیس له محلُ بیانٍ فلایمکن الأخذ بإطلاقه فإذا قلنا بتقیید الهیأة لزم أن لایکون لإطلاق المادة محل حاجة و بیان لأنّها لامحالة مقیدة به بمعنی أنّ وجودها لاینفک عن وجود قید الهیئة فبذلک لا محل لإطلاقه بخلاف تقیید المادة فإنّ الأخذ بإطلاق الهیأة مع ذلک فی محله فیمکن الحکم بوجوب الفعل علی تقدیر وجود القید و عدمه».

الجمعة فهذا بطبیعة الحال یستلزم تقیید الواجب (الإکرام) فیدلّ علی أنّ المطلوب لیس هو طبیعی الإکرام علی الإطلاق بل هو حصّة خاصّة منه و هی الحصّة الواقعة فی یوم الجمعة، هذا بخلاف ما إذا رجع القید إلی المادّة فإنّه لایلزم منه رفع الید عن إطلاق الهیأة.

و لا شبهة فی أنّه إذا دار الأمر بین رفع الید عن إطلاق واحد و رفع الید عن إطلاقین، تعین رفع الید عن الإطلاق الواحد.

إیرادان علی الاستدلال الثانی:
الأوّل: مناقشة صاحب الکفایة (قدس سره) و تفصیله فی المقام
اشارة

إنّه سلّم ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی القرینة المنفصلة دون المتّصلة.

أمّا وجه مناقشته فی القرینة المتّصلة هو أنّ التقیید و إن کان خلاف الأصل إلّا أنّه لمکان اتّصاله یوجب عدم جریان مقدّمات الحکمة و انتفاء بعض مقدّماته و حینئذ لایکون هناک إطلاق حتّی یکون التقیید خلاف الأصل، و التقیید هنا یوجب عدم انعقاد الإطلاقین لا رفع الید عن الإطلاقین.

أمّا فی القرینة المنفصلة فکلام الشیخ (قدس سره) صحیح، لأنّ التقیید إذا کان بالقرینة المنفصلة فینعقد للمطلق ظهور إطلاقی و حینئذ تقیید الهیأة یوجب رفع الید عن الظهور الإطلاقی فی جانب الهیأة و المادّة فهو مخالف للأصل من جهتین و أمّا تقیید المادّة فلایوجب إلّا رفع الید عن الإطلاق فی ناحیة المادّة و الإشکال فی تعین ذلک لأنّه أقلّ مخالفةً للأصل. (و مراده هو أنّ تقیید الهیأة یوجب بطلان محل إطلاق المادّة و هذا کتقیید المادّة فی الأثر).

ص: 264

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن تفصیل صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی خصوص القرینة المنفصلة فمبنی علی توهّم أنّ تقیید الهیأة و إن لم یستلزم تقیید المادّة إلّا أنّه یوجب بطلان محل الإطلاق فیها و هو کتقییدها فی الأثر و لکن هذا التوهّم خاطئ لأنّ تقیید الهیأة کما لایستلزم تقیید المادّة لایوجب بطلان محل الإطلاق فیها و توضیح ذلک یقتضی بیان معنی تقیید الهیأة و المادّة.

الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الاستدلال الثانی للشیخ (قدس سره)

((2))

إنّ الشیخ (قدس سره) ادّعی استلزام تقیید الهیأة تقیید المادّة أیضاً (کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً وافقه فی أصل المطلب و قال: علی هذا تقیید المادّة هو القدر المتیقّن و تقیید الهیأة یحتاج إلی خصوصیة زائدة و مؤونة أکثر).

و هذا مبتن علی تخیل أنّ المراد من تقیید المادّة هو عدم وقوعها علی صفة المطلوبیة إلّا بعد تحقّق قید الهیأة و لکن هذا المعنی لیس هو المراد من تقییدها بل معنی تقیید المادّة هو أنّ المولی جعل حصّة خاصّة منها موضوعاً للحکم و متعلّقاً له، فلا ملازمة بین تقیید المادّة و تقیید الهیأة و سیجیء زیادة توضیح لذلک.

ص: 265


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص171 و(ط.ق): ج2، ص346.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص171 و(ط.ق): ج2، ص346.
تنبیه: تحقیق المحقق الخوئی (قدس سره) حول معنی الإطلاق والتقیید فی الهیأة والمادّة:

((1)):

إنّ معنی الإطلاق هو رفض القیود عن شیء و عدم ملاحظتها معه لا وجوداً و لا عدماً فمعنی إطلاق الهیأة عدم اقتران مفادها عند اعتباره بوجود قید و لا بعدمه و معنی تقییدها هو أنّ المجعول حصّة خاصّة من الوجوب و هی الحصّة المقیدة بهذا القید.

و معنی إطلاق المادّة هو أنّ الواجب ذات المادّة من دون ملاحظة دخل قید من القیود فی مرتبة موضوعیتها للحکم، و معنی تقییدها هو جعل حصّة خاصّة منها موضوعاً للحکم و متعلّقاً له و هی الحصّة المقیدة بهذه الخصوصیة.

فظهر أنّ النسبة بین تقیید الهیأة و تقیید المادّة العموم من وجه.

أمّا کون الشیء قیداً لمفاد الهیأة فقط کالاستطاعة فإنّها قید لوجوب الحج دون الواجب و من هنا لو استطاع شخص و وجب الحج علیه و لکنّه بعد ذلک أزال الاستطاعة باختیاره فحجّ متسکّعاً صحّ حجه و لو کانت الاستطاعة شرطاً للواجب لم یصحّ.

أمّا کون الشیء قیداً لمفاد المادّة فقط کاستقبال القبلة و الطهارة عن الحدث و الخبث فإنّها قید للمادّة فقط و لیست قیداً للوجوب.

أمّا کون الشیء قیداً لهما معاً کالوقت الخاص بالإضافة إلی الصلاة کزوال

ص: 266


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص168-170، الواجب المطلق والمشروط، الوجه الثانی:الکلام فی الملازمة بین تقیید الهیأة و تقیید المادّة و(ط.ق): ج2، الواجب المطلق و المشروط، ص343-345.

الشمس و غروبها فإنّ هذه الأوقات من ناحیة کونها شرطاً لصحّة الصلاة قید للمادّة و من ناحیة أنّها ما لم تتحقّق لایکون الوجوب فعلیاً فهی قید للوجوب، فتبین أنّ رجوع القید إلی الهیأة یباین رجوعه إلی المادّة بالعموم من وجه فحینئذ نقول: إنّ القید المردّد بین رجوعه إلی المادّة أو الهیأة إن کان متصلاً فهو مانع عن أصل انعقاد الظهور لفرض احتفاف الکلام بما یصلح للقرینیة علی تقیید کل منهما و معه لاینعقد الظهور لهما جزماً.

و إن کان منفصلاً فظهور کل منهما فی الإطلاق و إن انعقد، إلّا أنّ العلم الإجمالی بعروض التقیید علی أحدهما أوجب سقوط کلیهما عن الإعتبار فلایمکن التمسک بشیء منهما

بیانه هو أنّ المدلول الالتزامی لتقیید المادّة هو تعلّق الوجوب بتقیید المادّة به و المدلول الالتزامی لتقیید الهیأة هو أخذه مفروض الوجود و إرادة کلّ منهما (تقیید المادّة أو الهیأة) تحتاج إلی مؤونة زائدة و مع العلم الإجمالی بتقیید الهیأة أو المادّة لایمکن التمسک بالإطلاق لدفع تقیید الهیأة و لا لدفع تقیید المادّة و لایمکن التمسک به أیضاً لا لنفی أخذ القید مفروض الوجود و لا لنفی تعلّق الوجوب بتقید المادّة به (للعلم الإجمالی بوقوع التنافی فی مدلولهما الالتزامی أیضاً) فیسقط إطلاق الهیأة و المادّة عن الاعتبار هذا تمام الکلام فی مقتضی الأصل اللفظی.

ص: 267

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی

إذا احتملنا رجوع القید إلی الهیأة فما لم یحصل القید نشک فی أصل الوجوب فتجری البراءة.

ص: 268

الأمر الثالث: فی تقسیمات الواجب
اشارة

(و هی ثلاثة):

التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز

التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری

التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی

ص: 269

ص: 270

التقسیم الأوّل: الواجب المعلّق و المنجّز
اشارة

فیه ثلاثة مواضع و تنبیه:

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) ((1)) قال: إنّ الواجب إمّا واجب مطلق و إمّا واجب مشروط، و الواجب المطلق أیضاً ینقسم إلی قسمین: الواجب المنجّز و الواجب المعلّق.

أمّا الواجب المنجّز هو ما کان الواجب فیه حالیاً کالوجوب.

أمّا الواجب المعلّق هو ما کان الوجوب فیه حالیاً و الواجب استقلالیاً.

فإنّ الواجب المعلّق مقید بقید متأخّر خارج عن اختیار المکلّف من زمان أو زمانی.

ص: 271


1- فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، المقالة الأولی فی جملة من المباحث المتعلقة بالکتاب و السنة، القول فی الأمر، تمهید مقال لتوضیح حال، ص79: «... ینقسم باعتبار آخر إلی ما یتعلق وجوبه بالمکلف و لایتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور له کالمعرفة و لیسمّ منجّزا أو إلی ما یتعلق وجوبه به و یتوقف حصوله علی أمر غیر مقدور له و لیسمّ معلقا کالحج فإنّ وجوبه یتعلق بالمکلف من أوّل زمن الإستطاعة أو خروج الرفقة و یتوقف فعله علی مجی ء وقته و هو غیر مقدور له و الفرق بین هذا النوع و بین الواجب المشروط هو أنّ التوقف هناک للوجوب و هنا للفعل».
الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

و هی ثلاثة:

الإیراد الأوّل: کلام الشیخ الأنصاری (قدس سره) فی إنکار الواجب المعلّق

الإیراد الأوّل: کلام الشیخ الأنصاری((1)) (قدس سره) فی إنکار الواجب المعلّق

إنّ الشیخ (قدس سره) أنکر الواجب المعلّق و قال: لانتعقّل واجباً مطلقاً معلّقاً، والوجه فی إنکاره هو أنّه یفسّر الواجب المشروط بما یکون الوجوب فیه فعلیاً حالیاً و الواجب فیه استقبالیاً، و علی هذا الواجب المعلّق الذی تصوّره صاحب الفصول (قدس سره) و أدرجه فی الواجب المطلق هو بعینه الواجب المشروط الذی تصوّره الشیخ (قدس سره) .

و أمّا علی مبنی المشهور من رجوع الشرط إلی مفاد الهیأة (و عدم فعلیة الوجوب ما لم یحصل الشرط) فلایتوجّه ما أفاده الشیخ (قدس سره) علی صاحب الفصول (قدس سره) .

الإیراد الثانی: من صاحب الکفایة(قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ هذا التقسیم لغو، لأنّ الواجب المعلّق و المنجّز کلیهما من أقسام الوجوب المطلق و علی کلا القسمین وجوب ذی المقدّمة مطلق فیقتضی إطلاق وجوب المقدّمة فإنّ ملاک وجوب المقدّمة هو إطلاق وجوب ذی المقدّمة و هذا الملاک موجود فی الواجب المعلّق و المنجّز فلا أثر لهذا التقسیم.

ص: 272


1- مطارح الأنظار(ط.ج): ج1، ص261-263 و (ط.ق): ص51-52.
2- کفایة الأصول ( ط. آل البیت )، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب، ص102.
جواب المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عن إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) من انفکاک زمان الوجوب عن زمان الواجب یجدی فی تصحیح وجوب المقدّمة قبل زمان الواجب، فیصحّ تقسیم الواجب:

الأوّل: ما یتّحد زمانه مع زمان وجوبه فلاتکون مقدّمته واجبة قبل زمانه.

الثانی: ما یتأخّر زمانه عن زمان وجوبه، فیمکن وجوب مقدّمته قبله و لعلّه إلیه أشار (قدس سره) بقوله«فافهم».

الإیراد الثالث: مناقشة المحقّق الخوئی (قدس سره) فی نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ المقسم للواجب المعلّق و المنجّز هو الواجب المشروط لا الواجب المطلق توضیحه:

إنّ وجوب کل واجب قد یکون مشروطاً بشیء من زمان أو زمانی مقارن له أو متأخر عنه فهو الواجب المشروط.

و قد یکون غیر مشروط به فهو الواجب المطلق.

فلابدّ من ملاحظة أنّ وجوب الحج مثلاً مشروط بیوم عرفة أو مطلق.

لا شبهة فی أنّ ذات الفعل و هو الحج مقدور للمکلّف فلا مانع من تعلّق التکلیف به و کذا إیقاع الحج فی زمان (یوم عرفة) أیضاً مقدور للمکلّف، أمّا نفس وجود الزمان فهو غیر مقدور له فلایمکن وقوعه تحت التکلیف.

ص: 273


1- نهایة الدرایة (ط.ج): ج 2، ص،72.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص174و (ط.ق): ج2، ص348.

ربّما لم یتعلّق التکلیف بذات الفعل علی الإطلاق و إنّما تعلّق بإیقاعه فی زمان خاص فعلم من ذلک أنّ للزمان دخلاً فی ملاکه و إلّا فلا مقتضی لأخذه فی موضوعه و علیه فبطبیعة الحال یکون مشروطاً به، غایة الأمر أنّه علی نحو الشرط المتأخر.

و من هنا إذا افترضنا عدم مجیء هذا الزمان الخاصّ و عدم تحقّقه فی الخارج من جهة قیام الساعة مثلاً أو فرضنا أنّ المکلّف حین مجیء هذا الزمان خرج عن التکلیف بالجنون أو نحوه کشف ذلک عن عدم وجوبه من أوّل الأمر.

ثم إنّ المشروط بالشرط المتأخر علی نوعین:

النوع الأوّل: ما یکون متعلّق الوجوب فیه حالیاً.

النوع الثانی: ما یکون متعلّق الوجوب فیه أمراً استقبالیاً کالحج فی یوم عرفة.

فما سمّی فی الفصول بالواجب المعلّق هو النوع الثانی من الشرط المتأخر.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ مرتبة قید الوجوب متقدّم علی مرتبة قید الواجب و الشرط المتأخر بما أنّه دخیل فی الملاک فهو فی مرتبة قید الوجوب و بما أنّ متعلّق الوجوب أمر استقبالی فهو فی مرتبة قید الواجب، فیکون الشرط المتأخر فی تلک المرتبتین (و حینئذ یلزم تقدّم المتأخر أو تأخّر المتقدّم و بعبارة أُخری یلزم تقدّم الشیء علی نفسه).

یلاحظ علیه:

إنّ المحقق الخوئی (قدس سره) قال فی بحث الواجب المشروط:

ص: 274


1- تحقیق الأصول، ج2، ص345.

إنّ الشرط قد یکون قیداً للمادّة (فهو قید للواجب) و قد یکون قیداً للهیأة (فهو قید للوجوب) و قد یکون قیداً لهما معاً و ذلک کالوقت الخاصّ بالإضافة إلی الصلاة کزوال الشمس و غروبها و طلوع الفجر، فإنّ هذه الأوقات من ناحیة کونها شرطاً لصحّة الصلاة هی قید للصلاة و من ناحیة أنّها ما لم تتحقّق لایکون الوجوب فعلیاً هی قید للوجوب.

فعلی هذا ما هو فی المرتبة المتأخرة بما أنّه فی الرتبة المتأخرة لم یتقدّم علی نفسه بل الزمان الواحد شرط لتحقّق المرتبتین و هما و إن اختلفا فی الرتبة و لکنّهما یوجدان فی زمان واحد. (و أمّا تأخّر الشرط عن مشروطه فقد أُجیب عنه فی الواجب المشروط بوجوه متعدّدة فلا مانع من ناحیة تأخّره عن المشروط.) ((1))

ص: 275


1- المحاضرات )ط.ج): ج2، ص169و (ط.ق): ج2، ص344.
الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلق ثبوتاً
اشارة

اختلف الأعلام فی إمکان الواجب المعلّق فقال بعضهم بإمکانه و بعض آخر باستحالته، فلابدّ من ملاحظة مقام الثبوت لتحقیق ذلک.

فیه قولان:
القول الأوّل: استحالة الواجب المعلّق
اشارة

و استدل علیها بأوجه ثلاثة:

الدلیل الأوّل علی الاستحالة:
اشارة

و هو ما أفاده المحقّق النهاوندی (قدس سره) فی تشریح الأُصول و ینسب إلی المحقّق الفشارکی (قدس سره) ((1)) و هو أنّ الإرادة لایمکن أن یتعلّق بما هو متأخّر لأنّ الإرادة

ص: 276


1- فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی ج 1، ص511 قوله: «إشکال فی الواجب المعلق»: « ... و صرّح الأستاذ- رحمه الله- بأنّ هذا البعض هو المحقق النهاوندی (قدس سره) ». و فی هدایة الأصول فی شرح کفایة الأصول، ج 1، ص283: «و المراد من أهل النظر هو المحقق النهاوندی و وافقه فی هذا الإشکال جماعةٌ من الأکابر». و فی منتهی الدرایة، ج 2، ص192: «و هو المحقق النهاوندی علی ما فی حاشیة المحقق المشکینی قدهما و وافقه جماعة من الأکابر». و فی زبدة الأصول، ج 2، ص142: «الأول: ما عن المحقق السید محمد الأصفهانی ره» و فی التعلیقة: «نسب البعض هذا القول إلی المحقق النهاوندی، فی تشریح الأصول، إلّا أنّ المصنف حفظه المولی نقله عن السید الاصفهانی سماعا، کما أفادنا عند مراجعته». و فی عنایة الأصول، ج 1، ص322: «قیل إنّ المراد من بعض أهل النظر هو المحقق الشهیر السید محمد الإصفهانی و هو من أعاظم تلامذة العلامة المجدد السید الشیرازی رحمه الله و قیل هو المحقق النهاوندی صاحب تشریح الأصول». و فی حقائق الأصول، ج 1، ص245 قوله «بعض أهل النظر»: «بل هو الذی أصرّ علیه جماعة من الأعیان».

لاتنفک عن المراد و لا فرق فی ذلک بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة، لأنّ الطلب و الإیجاب فی الإرادة التشریعیة إنّما یکون بإزاء الإرادة المحرّکة للعضلات نحو المراد فی الإرادة التکوینیة، فلابدّ أن لاینفک الإیجاب عما یتعلّق به (الواجب) فلایصحّ الطلب و البعث فعلاً نحو الأمر المتأخر.

إیرادان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

أوّلاً: إنّ الإرادة تتعلّق بالأمر المتأخر الاستقبالی کما تتعلّق بالأمر الحالی ضرورة أنّ تحمّل المشاقّ فی تحصیل المقدّمات فیما إذا کان متعلّق الإرادة بعید المسافة و کثیر المؤونة لیس إلّا لأجل تعلّق الإرادة به.

و لعّل الاشتباه نشأ من أنّهم عرّفوا الإرادة بالشوق المؤکّد المحرّک للعضلات نحو المراد فتوهّم المستشکل أنّ تحریکها نحو المتأخر غیر ممکن و لکنّه غفل عن أنّ کونه محرّکاً نحو المراد یختلف حسب اختلافه فی کونه مما لا مؤونة له کحرکة العضلات أو کونه ممّا له المؤونة و المقدّمات و الجامع هو أن یکون نحو المراد.

ﻓ-:

1- إذا کان المراد حالیاً توجب الإرادةُ تحریک العضلات نحوه فعلاً.

ص: 277


1- کفایة الأصول ( ط. آل البیت )، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث، الإشکال علی الواجب المعلق و دفعه، ص102-103.

2- إذا کان المراد استقبالیاً ذا مقدّمات توجب الإرادةُ التحریک نحوه بفعل المقدّمات.

3- إذا کان المراد استقبالیاً بلا مقدّمة خارجیة غیر مجیء زمان خاص فالإرادة لاتوجب التحریک مع أنّ الإرادة بهذه المرتبة الخاصّة من الشوق موجودة فی أُفق النفس فعدم التحریک من جهة عدم الموضوع لا من جهه قصور فی الإرادة.

ثانیاً: إنّه لایکاد یتعلّق البعث إلّا بأمر متأخّر عن زمان البعث، لأنّ البعث إنّما یکون لإحداث الداعی للمکلّف إلی فعل المکلّف به، بأنّ یتصوّر الفعل بما یترتّب علیه من المثوبة و علی ترکه من العقوبة و لایکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمانٍ ما، فإذا جاز الانفکاک فی هذا الزمان القصیر فلابدّ من أن یجوز فی الزمان الطویل أیضاً لأنّه لایتفاوت طول الانفکاک و قصره فیما هو ملاک الاستحالة و الإمکان فی نظر العقل.

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: لایعقل تعلّق الإرادة بأمر استقبالی و کذا تعلّق البعث به.

أمّا عدم تعلّق الإرادة بالفعل المتأخر:

فتوضیحه یظهر بالتأمل فی حقیقة الإرادة التکوینیة و کیفیة تأثیر القوّة الشوقیة (الباعثة) فی القوّة العاملة التی هی المنبثة فی العضلات.

ص: 278


1- نهایة الدرایة ) ط.ج): ج2، ص73 - 79.

فإنّ سرّ هذا التأثیر و التأثّر هو أنّ النفس فی وحدتها کل القوی فهی مع وحدتها ذات منازل و درجات:

أمّا مرتبة القوّة العاقلة: فتدرک فی الفعل فائدة عائدة إلی جوهر ذاتها أو قوّة من قواها.

أمّا مرتبة القوّة الشوقیة: فینبعث لها شوق إلی ذلک الفعل (و هذا الشوق قد یتعلّق بما لایقع بل بالمحال).

أمّا مرتبة کمال الشوق (الإرادة): -و یعبّر عنه بتصمیم العزم و الإجماع والإرادة- فإنّ الشوق فی المرحلة السابقة إذا لم یجد مزاحماً و مانعاً یخرج من حدّ النقصان إلی حدّ الکمال فیبلغ إلی حدّ یسمّی ﺑ«الإرادة».

أمّا مرتبة القوّة العاملة: فینبعث من الشوق البالغ حدّ نصاب الباعثیة هیجان فی مرتبة القوّة العاملة فیحصل منها حرکة فی مرتبة العضلات.

و من الواضح أنّ الشوق و إن أمکن تعلّقه بأمر استقبالی، إلّا أنّ الإرادة لیست نفس الشوق بأیة مرتبة کان، بل الشوق البالغ حدّ النصاب بحیث صارت القوّة الباعثة باعثةً بالفعل و حیئذ لایتخلّف عن انبعاث القوّة العاملة المنبثة فی العضلات و هو هیجانها لتحریک العضلات غیرِ المنفک عن حرکتها.

و هذا معنی قولهم: «إنّ الإرادة هو الجزء الأخیر من العلّة التامّة لحرکة العضلات»

فمن یقول بإمکان تعلّق الإرادة بأمر استقبالی:

1- إن أراد حصول الإرادة التی هی علّة تامّة لحرکة العضلات، إلّا أنّ معلولها حصول الحرکة فی ظرف کذا فهو عین انفکاک العلّة عن المعلول.

2- و إن أراد أنّ ذات العلّة و هی الإرادة موجودة من قبل إلّا أنّ شرط

ص: 279

تأثیرها و هو حضور وقت المراد لم یحصل و لذا لم تؤثّر العلّة فی حرکة العضلات.

ففیه: أنّ حضور الوقت إن کان شرطاً فی بلوغ الشوق حدّ النصاب و خروجه من النقص إلی الکمال فمعناه هو شرطیته لتحقّق الإرادة فما لم یحضر الوقت لم تحصل الإرادة و إن کان شرطاً فی تأثیر الشوق البالغ حدّ النصاب فهو غیر معقول، لأنّ بلوغ القوّة الباعثة فی بعثها إلی حدّ النصاب مع عدم انبعاث القوّة العاملة تناقض بین، بداهة عدم انفکاک البعث الفعلی عن الانبعاث.

توضیحه: إنّ الشرط إمّا متمّم لقابلیة القابل أو مصحّح لفاعلیة الفاعل، و دخول الوقت خارجاً لیس من خصوصیات الشوق النفسانی البالغ حدّ النصاب حتّی یکون مصحّحاً لفاعلیة الشوق، و کذا القوّة المنبثة فی العضلات تامّة القابلیة فلایکون دخول الوقت متمّماً لقابلیتها.

نعم دخول الوقت متمّم لقابلیة الفعل لتعلّق القدرة و الشوق البالغ حدّ النصاب بهذا الفعل.

أمّا ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من لزوم تعلّق الإرادة بأمر استقبالی إذا کان المراد ذا مقدّمات کثیرة فإنّ إرادة مقدّماته قطعاً منبعثة عن إرادة ذیها فتوضیح الحال فیه: أنّ الشوق إلی المقدّمة بما هی مقدّمة لابدّ من انبعاثه من الشوق إلی ذیها، لکنّ الشوق إلی ذیها لما لم یمکن وصوله إلی حدّ یتحرّک القوّة العاملة به لم یتحقّق الإرادة نحو ذی المقدّمة فلامحالة یقف الشوق فی مرتبته إلی حصول مقدّمات ذی المقدّمة و بعد طی المقدّمات یمکن تحقّق الإرادة أمّا الشوق إلی المقدّمة فلا مانع من بلوغه حدّ الباعثیة الفعلیة.

فالشوق إلی المقدّمة یتبع الشوق إلی ذی المقدّمة أمّا الإرادة فی المقدّمة فهی حاصلة دون الإرادة فی ذی المقدّمة لوجود المانع عنها.

ص: 280

هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة.

أمّا الإرادة التشریعیة فهی إرادة فعل الغیر منه اختیاراً و فعل الغیر لیس تحت اختیار الآمر (فی الموالی العرفیة) بل بالتسبّب إلیه بجعل الداعی إلیه و هو البعث نحوه، فینبعث من الشوق إلی فعل الغیر اختیاراً الشوق إلی البعث نحوه فیتحرّک القوّة العاملة نحو تحریک العضلات بالبعث له.

فالشوق المتعلّق بفعل الغیر إذا بلغ مبلغاً ینبعث منه الشوق نحو البعث الفعلی کان إرادة تشریعیة. (فالإرادة التشریعیة علّة للبعث الفعلی) و هذا البعث الفعلی لایعقل أن یتعلّق بأمر استقبالی، لأنّ البعث هو جعل ما یمکن أن یکون داعیاً عند انقیاد المکلّف و باعثاً له و إمکان الباعثیة یلازم إمکان الانبعاث، و إذا لم یعقل إمکان الانبعاث فعلاً کما فی مفروض المسألة (فی الواجب المعلّق) فلایعقل إمکان البعث فعلاً، فلا مجال لجواز تأخّر الانبعاث عن البعث ضرورة و إمکاناً، فضلاً عن لزوم تأخّره و لو بآنٍ کما عن صاحب الکفایة (قدس سره) .

لایقال: علی هذا لایمکن البعث نحو الفعل فی وقته مع عدم حصول مقدّماته الوجودیة، ضرورة عدم إمکان الانبعاث نحو ذی المقدّمة إلّا بعد وجود مقدّماته مع أنّ البعث إلی المقدّمات الوجودیة ینبعث عن البعث إلی ذی المقدّمة. (فالبعث إلی ذی المقدّمة متوقّف علی إمکان الانبعاث و إمکان الانبعاث متوقّف علی وجود المقدّمات مع أنّ البعث إلی المقدّمات متوقّف علی البعث إلی ذی المقدّمة).

لأنّا نقول: حیث إنّ تحصیل المقدّمات ممکن یتّصف البعث و الانبعاث إلی ذی المقدّمة بصفة الإمکان، بخلاف البعث إلی شیء قبل حضور وقته فإنّ فعل المتقید بالزمان المتأخر مستحیل تحقّقه فی الزمان المتقدّم من حیث لزوم الخلف

ص: 281

أو الانقلاب فهو ممتنع استعدادی و لا إمکان استعدادی بالنسبة إلی تحقّق الفعل المتقید بالزمان المتأخر.

أمّا البعث نحو ما له مقدّمات وجودیة فممکن بالإمکان الاستعدادی، فلا إشکال فی جواز البعث نحوه قبل حصول مقدّماته الوجودیة.

لایقال: کیف الحال فی الفعل المرکّب من أُمور تدریجیة الوجود فإنّ الانبعاث نحو الجزء المتأخر فی زمان الانبعاث نحو الجزء المتقدّم غیر معقول مع أنّ الفعل المرکّب هو مبعوث إلیه ببعث واحد فی أوّل الوقت و ذلک مثل الإمساک فی مجموع النهار فإنّ الإمساک فی الجزء الأخیر غیر ممکن فی أوّل النهار.

لأنّا نقول: الإنشاء بداعی البعث و إن کان واحداً و هو موجود من أوّل الوقت لکن کأنّه بلحاظ تعلّقه بأمر مستمر أو بأمر تدریجی الحصول منبسط علی ذلک المستمر أو التدریجی، فله اقتضاءات متعاقبة بکل اقتضاء یکون بالحقیقة بعثاً إلی ذلک الجزء من الأمر المستمر أو التدریجی فهو لیس مقتضیاً بالفعل لتمام ذلک الأمر المستمر أو المرکّب بل یقتضی شیئاً فشیئاً.

إشکالان من بعض الأساطین علی بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):((1))

أوّلاً: بالنقض بالأُمور التدریجیة مثل الإمساک فی الصوم حیث إنّ الإمساک فی العصر غیرممکن من أوّل النهار.

ولکن أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی لایقال الثانی فلانعید.

ثانیاً: إنّ الحکم إمّا أمر یتعلّق به الجعل الاعتباری استقلالاً و إمّا أمر انتزاعی ینتزع عن الإنشاء بداعی جعل الداعی.

ص: 282


1- تحقیق الأصول، ج2، ص354-355.

فإذا قلنا بأنّ الحکم أمر انتزاعی فنقول:

إنّ الإنشاء إمّا أن یکون فیه إمکان الانبعاث فلا إشکال فیه و إمّا أن لایکون فیه إمکان الانبعاث و هنا وقع الإشکال.

و الحلّ هو أنّ عدم إمکان الانبعاث:

إن کان لقصور فی الإنشاء مثل: إذا زالت الشمس فصلّ فیلازم ذلک عدم إمکان الباعثیة فلابعث فعلی حینئذ حتّی یستشکل بعدم إمکان الانبعاث.

و إن کان لقصور فی المتعلّق مثل ما إذا کان المتعلّق أمراً استقبالیاً متأخّراً فلایضرّ بانتزاع الحکم عن الإنشاء بداعی جعل الداعی، لأنّه لا إشکال فی ناحیة الإنشاء و لا قصور فیه بل القصور من ناحیة المتعلّق من حیث تقییده بالزمان المتأخر. و هذا هو الواجب المعلّق.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الحکم أمر یتعلّق به الجعل الاعتباری الاستقلالی فنقول:

إنّ الحکم حینئذ هو نفس المعتبر (أی اللابدیة و ثبوت الفعل علی الذمّة أو الحرمان) و إذا کان الملاک للحکم تامّاً فیتحقّق الحکم إلّا أنّه لاداعویة للحکم إلّا فی الزمان المتأخر و لایضرّ ذلک لأنّ الحکم لایتقوّم بداعویته، فالمعتبر (الحکم) فعلی و حالی و متعلّقه استقبالی و هذا هو الواجب المعلّق.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إذا فرضنا انتزاع الحکم عن الإنشاء:

فإنّ ما أفاده فی تصویر الواجب المعلّق یوجب دفع إشکال استحالة الواجب المعلّق ذاتاً.

أمّا إشکال لغویته فلایدفع بهذا البیان، فإنّ الإنشاء بداعی جعل الداعی

ص: 283

بالنسبة إلی المتعلّق الذی هو مقید بالزمان المتأخر و لایمکن الانبعاث فیه لغو، کما أنّ جعل الحکم بلا داعویة لغو.

ثانیاً: إذا فرضنا أنّ الحکم یتعلّق به الجعل الاعتباری الاستقلالی:

فإنّ ما أفاده من أنّ الحکم إذا کان ملاکه تامّاً فیتحقّق الحکم بلا داعویة ممنوع فیما إذا قلنا بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد التی هی فی متعلّقاتها، لأنّه علی فرض تقیید المتعلّق بالزمان المتأخر فلا مصلحة تامّة و لا مفسدة تامّة قبل ظرف المتعلّق فیکون الحکم بلا ملاک تامّ.

ثالثاً: إنّ الحکم الذی تصوّره قبل ظرف المتعلّق حکم إنشائی و البعث فیه فرضی لا حقیقی، سواء قلنا بأنّه أمر جعلی معتبر استقلالاً أو قلنا بأنّه أمر انتزاعی من الإنشاء (فإنّ الملاک فی الحکم الإنشائی غیر تامّ و أمّا فی الحکم الفعلی فهو تامّ).

الإیراد الثانی: مناقشة بعض الأساطین فی استحالة الواجب المعلّق بالوجه الأوّل
اشارة

((1))

إنّ الواقع فی الإرادة التشریعیة هو الإرادة و الطلب من المولی.

أمّا الإرادة التی تعلّقت بالطلب و البعث فهی إرادة تکوینیة فلایتخلّف عن المراد.

أمّا الطلب (و هو قد یسمّی بالإرادة التشریعیة) فلا إشکال فی جواز انفکاکه عن المطلوب فإنّ النسبة بین الإرادة التکوینیة و المراد نسبة العلّة التامّة إلی المعلول و لکنّ النسبة بین الإرادة التشریعیة بمعنی الطلب و المراد هی نسبة المقتضی إلی المقتضی فلا مانع من الانفکاک بینهما.

ص: 284


1- تحقیق الأصول، ج2، ص349.
یلاحظ علیه:

أنّ الکلام لیس فی انفکاک الطلب من المطلوب فإنّه لا خلاف فی جواز انفکاکهما فإنّ المکلّف قد یطیع أمر المولی و قد لایطیعه.

بل المراد هو أنّ الباعثیة الإمکانیة لاتنفک عن إمکان الانبعاث.

الدلیل الثانی علی الاستحالة: ما ذکره فی الکفایة
اشارة

((1))

إنّ التکلیف مشروط بالقدرة فلابدّ أن یکون المکلّف قادراً علی امتثاله حین تعلّق التکلیف به، فلو التزمنا بالواجب المعلّق یلزم عدم إمکان امتثال التکلیف.

إیراد علی هذا الدلیل:

إنّ القدرة المعتبرة فی صحّة التکلیف إنّما هی قدرة المکلّف فی ظرف العمل و الامتثال و إن لم یکن قادراً فی ظرف التکلیف.

الدلیل الثالث علی الاستحالة: ما ذکره المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الموضوع و القیود المعتبرة فیه لابدّ أن یؤخذ مفروض الوجود فی إنشاء القضایا الحقیقیة، أمّا فعلیة الحکم فلاتساوق إنشاءه، فإنّ فعلیة الحکم تتوقّف علی فعلیة کلّ ما أُخذ مفروض الوجود فی الخطاب، فإذا فرضنا أنّ الواجب من الموقّتات فتتوقّف فعلیة الحکم علی فعلیة الزمان کما تتوقّف علی فعلیة بقیة القیود

ص: 285


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث، الإشکال علی الواجب المعلق و دفعه، ص103.
2- أجود التقریرات، ج1، ص208.

التی أُخذت فی الخطاب مفروض الوجود و هذا عین إنکار الواجب المعلّق و الالتزام بالاشتراط (و علیه قال باستحالة الشرط المتأخر).

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل:

أورد علیه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هامش أجود التقریرات فقال: أخذ الزمان مفروض الوجود فی الخطاب و إن کان یستلزم اشتراط التکلیف به لامحالة إلّا أنّه لایستلزم تأخّر التکلیف عنه خارجاً لما عرفت من جواز کونه شرطاً متأخّراً.

القول الثانی: إمکان الواجب المعلق
التحقیق الذی أفاده المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

هو یری عدم المانع من الالتزام بالواجب المعلّق بمعنی کون وجوبه مشروطاً بشرط متأخّر خلاصة بیانه هو أنّه:

إن أُرید بالإرادة الشوق النفسانی غیرُ البالغ إلی مرحلة العزم فهو کما یتعلّق بالأمر الحالی یتعلّق بالأمر الاستقبالی.

و إن أُرید الاختیار و إعمال القدرة فإنّها لاتتعلّق بفعل الإنسان نفسه إذا کان فی زمن متأخّر فضلاً عن فعل غیره، و من هنا لایمکن تعلّقها بالمرکّب من أجزاء طولیة زماناً و تدریجیة وجوداً دفعة واحدة إلّا علی نحو تدریجیة أجزائه و ذلک کالصلاة مثلاً فإنّه لایمکن إعمال القدرة علی القراءة قبل التکبیرة و هکذا.

مع أنّه لا أصل للإرادة التشریعیة سواء قلنا بأنّها الشوق النفسانی أو الاختیار لأنّ الشوق النفسانی أمر تکوینی سواء تعلّق بالأمر التکوینی أم بالأمر التشریعی

ص: 286


1- المحاضرات ( ط.ج): ج 2، ص178-180و (ط.ق): ج2، ص351 -353.

و هکذا الاختیار و إعمال القدرة أمر تکوینی سواء تعلّق بالأمر التکوینی أم بالأمر التشریعی.

و إن أُرید بالإرادة الطلب و البعث باعتبار أنّه یدعو المکلّف إلی إیجاد الفعل فی الخارج.

ففیه أنّه لایمکن ترتّب أحکام الإرادة التکوینیة علیه لأنّه أمر اعتباری، فعدم تعلّق الإرادة بالأمر المتأخر زماناً لایستلزم عدم تعلّق البعث به، بل یمکن أن یتعلّق البعث الاعتباری بالأمر المتأخر.

یلاحظ علیه:

((1))

أنّ تعلّق البعث الاعتباری نحو المتأخر بل نحو المحال ممکن ذاتاً إلّا أنّه غیر ممکن بالإمکان الاستعدادی و تعلّق البعث به لغو، فلیس کل ما هو فی عالم الاعتبار صحیحاً نافعاً، فإنّ اعتبار المتناقضین فی عالم الاعتبار ممکن ذاتاً، فیتمکّن المولی من جعل الوجوب و الحرمة فی عالم الاعتبار بالنسبة إلی متعلّق واحد و لکنّه اعتبار لغو و لایصدر من الحکیم.

مع أنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) لایحتاج إلی البحث عن تعلّق الإرادة بمعنی البعث الاعتباری بالأمر المتأخّر لأنّ الزمان المتأخر عنده لیس قیداً لمتعلّق الأمر بل الزمان المتأخر هو الشرط المتأخر لنفس الوجوب.

ص: 287


1- بالنسبة إلی ما أفاده من تعلّق البعث إلی المتأخر.
الموضع الثالث: ثمرة البحث عن الواجب المعلّق
اشارة

و هی تظهر فی ثلاث مسائل مهمّة:

المسألة الأُولی: المقدّمة المفوِّتة، مثل دفع الإشکال عن إیجاب مقدّمات الحج قبل الموسم و هکذا دفع الإشکال عن وجوب إبقاء الاستطاعة بعد أشهر الحج و هکذا دفع الإشکال عن وجوب الغسل فی اللیل علی المکلّف بالصوم فیما إذا احتاج إلی الغسل.

المسألة الثانیة: التعلّم فإنّ البحث عن الواجب المعلّق یثمر فی مقام دفع الإشکال عن وجوب التعلّم قبل زمان الواجب.

المسألة الثالثة: الواجبات التدریجیة

و المهمّ هو البحث عن المسألة الأُولی و الثانیة.

و قد تعرّض السید الخوئی (قدس سره) ((1))لبیان مقدّمة قبل الورود فی البحث.

ص: 288


1- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص185-187و (ط.ق): ج2، ص357-359:«... و قبل التعرض لدفع الاشکال و بیان الأقوال فیه ینبغی تقدیم أمرین: [الأوّل: بحث حول قاعدة الإمتناع بالإختیار]... [الثانی: الکلام فی غیر التعلم من المقدّمات المفوّتة]».
المقدّمة:
اشارة

و فیها مطلبان:

المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟
اشارة

هنا مسالک ثلاثة:

المسلک الأوّل: الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار عقاباً و خطاباً

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا المسلک:((1))

إنّ الخطاب و إن کان لغواً إلّا أنّه لامانع من العقاب، لأنّ المکلّف فی بدایة الأمر کان متمکّناً أن لایجعل نفسه مضطرّاً إلی ارتکاب الحرام فلو جعل نفسه حینئذ مضطرّاً إلی ارتکاب الحرام حکم العقل باستحقاقه العقاب.

المسلک الثانی: الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً
اشارة

((2))

إنّه کما یحکم العقل باستحقاقه للعقاب یحکم الشرع بحرمة تصرّفه فی الأرض المغصوبة عند خروجه عنه و ادّعی أنّه لا مانع من التکلیف بغیر المقدور إذا کان مستنداً إلی سوء اختیاره.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی مختار المحقق القمی (قدس سره):

إنّ الغرض من التکلیف هو إیجاد الداعی للمکلّف بالنسبة إلی المکلّف به فإن

ص: 289


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص186و (ط.ق): ج2، ص358.
2- إختاره المحقق القمی (قدس سره) فی قوانین الأصول (ط.ق): ص124-125.

کان المکلّف به مقدوراً لم یکن التکلیف به لغواً حیث إنّه یمکن أن یصیر داعیاً إلیه، و إن لم یکن مقدوراً کان التکلیف به لغواً، لعدم إمکان کونه داعیاً، و عدم القدرة إذا کان مسبّباً عن سوء الاختیار لایصحّح تکلیف المولی لغیر القادر و إلّا لجاز للمولی أن یأمر عبده بالجمع بین الضدّین معلّقاً علی أمر اختیاری و هو باطل قطعاً حتّی عند المحقّق القمی (قدس سره) .((1))

المسلک الثالث: إنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً لا خطاباً

و معناه أنّه إن اضطرّ الإنسان نفسه باختیاره إلی ارتکاب محرّم مثل الدخول فی الأرض المغصوبة فحینئذ التکلیف عنه ساقط لکونه لغواً لفرض خروج الفعل عن اختیاره أمّا عقاب هذا الشخص فلا قبح فیه، لأنّ هذا الاضطرار منتهٍ إلی الاختیار فیحکم العقل باستحقاقه للعقاب و لا قبح فیه عند العقل.

و الحقّ هو المسلک الثالث أی إنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و ینافیه خطاباً.

المطلب الثانی:

إنّه لا فرق فی حکم العقل باستحقاق العقاب بین مخالفة التکلیف الالزامی الفعلی و بین تفویت حقیقة التکلیف و روحه و هو الملاک التامّ الملزم کما لو أعجز العبد نفسه اختیاراً عن إنقاذ ولد المولی، فإنّ عجزه و إن کان مانعاً عن توجّه التکلیف إلیه لعدم القدرة إلّا أنّه یستحقّ العقاب علی تفویت الغرض الملزم فیه حیث کان قادراً علی حفظ قدرته.

ص: 290


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص185-186و (ط.ق): ج2، ص358.
المسألة الأُولی: المقدّمات الوجودیة المفوّتة
اشارة

و البحث یقع فی مقام الثبوت و الإثبات:

المقام الأوّل: مقام الثبوت
اشارة

یتصوّر فیه وجهان:

الوجه الأوّل:
اشارة

و هو أن یکون ملاک الواجب تامّاً و القدرة غیر دخیلة فی ملاکه مثل حفظ النفس المحترمة أو حفظ نظام المؤمنین و دفع ما یخلّ به و أمثال ذلک.

و فیه نظریات:

الأُولی: نظریة المحقق التقی وصاحب البدائع والمحقق البروجردی
اشارة

(1)

نشیر إلی بیان صاحب البدایع (قدس سره) فإنه قال: إنّ المقدّمة واجبة فی تلک الموارد قبل وقت وجوب ذیها، لا بالوجوب المعلولی المستتبع من وجوب ذیها و لا

ص: 291


1- . فی هدایة المسترشدین (ط. ج)، ج 2، ص168إلی171 [تتمة البحث الاول فی الأوامر]، أصل [:مقدّمة الواجب]: «(ثانیها: أنّه هل یتصوّر تقدّم وجوب المقدّمة علی وجوب ذیها بحیث لو علم أو ظنّ تعلّق الوجوب بذی المقدّمة بعد ذلک وجب علیه الإتیان بالمقدّمة قبل وجوبها أو أنّها لاتجب إلّا بعد وجوب ذیها؟ ....و تحقیق المقام: أنّه إن فسّر الوجوب الغیری بما یکون وجوب الفعل منوطا بوجوب غیره و حاصلا من جهة حصوله من غیر أن یکون له مطلوبیة بحسب ذاته، بل إنّما یکون مطلوبیته لأجل مطلوبیة غیره، فیکون وجوبه فی نفسه عین وجوبه لوجوب غیره لم یتعقّل الوجوب الغیری قبل حصول الوجوب النفسی، لتفرّع حصوله علی حصول ذلک و تقوّمه به و إن تعلّق به أمر أصلی. و إن فسّر الوجوب الغیری بما لایکون المصلحة الداعیة إلی وجوبه حاصلة فی نفسه، بل یکون تعلّق الطلب به لأجل مصلحة حاصلة بفعل غیره لایجوز تفویت المکلّف لها فیجب علیه ذلک لیتمکّن من إتیانه بذلک الغیر أمکن القول بوجوبها قبل وجوب ذیها لا من جهة الأمر الّذی یتعلّق بذیها، بل بأمر أصلی متعلّق بها، و حینئذ فلایکون مطلوبیة الفعل حاصلة من مطلوبیة غیره آتیة من قبله و إنّما هی حاصلة من الطلب المستقلّ المتعلّق به؛ غایة الأمر أن تکون الحکمة الباعثة علی تعلّق الطلب به تحصیل الفائدة المترتّبة علی فعل آخر یکون الفعل المذکور موصلا إلیه إن بقی المکلّف علی حال یصحّ تعلّق ذلک التکلیف به عند حضور وقته». فی نهایة الأصول، ص179-180؛ بعد بیان المقصود من تصویر الواجب المعلق فی تصحیح وجوب مقدمات ثبت وجوبها مع عدم وصول زمان الإتیان بذیها و تقریب الإشکال، قال (قدس سره): « و قد عرفت منّا عدم الإحتیاج إلی تصویر الواجب المعلق، بل یمکن أن یقال: إنّ الوجوب مشروط بنفس الأمر الإستقبالی، و لکن بنحو الشرط المتأخر... و یمکن أن یجاب عن الإشکال أیضا بالإلتزام بکون المقدمة فی هذه الموارد واجبة بالوجوب النفسی التهیئی، و قد أمر بها الشارع، لئلّا یفوت الواجب حین وصول وقته، و یسمی هذا الوجوب بالوجوب للغیر، و یفترق عن الوجوب الغیری، کما لایخفی».

بالوجوب النفسی الثابت لمصلحة نفسها ولا بالوجوب العقلی الإرشادی بل بالوجوب الأصلی الثابت بالدلیل و الخطاب المستقل مراعاةً لمصلحة ذی المقدّمة و یسمّی هذا بالوجوب التهیؤی، لأنّ فائدته التهیوء و الاستعداد لواجب آخر، فهو قسم من أقسام الوجوب یشبه الوجوب النفسی من حیث عدم تولّده و عدم ثبوته من وجوب ذیها و یشبه الوجوب الغیری المقدّمی من حیث کونه ثابتاً لمصلحة غیره، و لو فسرنا الواجب الغیری بما کان مصلحة وجوبه ثابتاً فی غیره فهذا منه، لأنّ الغیری بهذا التفسیر یعمّ ما ثبت وجوبه بخطاب مستقل لمصلحة الغیر أیضاً.((1))

إیراد علی النظریة الأُولی:

فیه: أنّ ما أفاده أخصّ من موضع البحث، لأنّه لم یقم دلیل علی وجوب هذه

ص: 292


1- بدائع الأفکار، ص319.

المقدّمات بخطاب مستقل إلّا فی بعض الموارد فما أفاده من الوجوب النفسی التهیؤی لایجدی فی عموم الموارد.

الثانیة: نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

إنّه تفصّی عن الإشکال فی وجوب المقدّمة فی هذه الموارد بالالتزام بالواجب المعلّق فالوجوب بالنسبة إلی ذی المقدّمة فعلی فلایتوجّه إشکال وجوب المقدّمة قبل وجوب ذی المقدّمة، و سیجیء إن شاء الله تفصیله.

إیراد علی النظریة الثانیة:

قد مضی بطلان الواجب المعلّق.

الثالثة: نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره)

إنّ ما أفاده فی الواجب المشروط من رجوع القید إلی المادّة یجدی فی رفع الإشکال حیث إنّ الوجوب عنده فعلی و الواجب مشروط و علی هذا لیس وجوب المقدّمة مقدّماً علی وجوب ذیها، و سیأتی بیانه إن شاء الله.

إیراد علی النظریة الثالثة:

إنّ هذا القول أیضاً باطل کما مضی.

الرابعة: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

لا إشکال فی وجوب المقدّمة قبل زمان الواجب بناءً علی أنّ وجوب ذی

ص: 293


1- و أیضاً السید البروجردی (قدس سره) کما أنّه قال بنظریة المحقّق التقی (قدس سره) أیضاً، کفایة الأصول، ص104.

المقدّمة حالی و إن کان مشروطاً بشرط متأخّر مع العلم بوجود هذا الشرط فیما بعد، ضرورة فعلیة وجوب ذی المقدّمة و تنجّزه بالقدرة علیه بتمهید مقدّمته، فیترشح الوجوب من ذی المقدّمة علی مقدّمته بناءً علی الملازمة فلایلزم محذور وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها ((1)).

إیراد علی النظریة الرابعة:

إنّا قد بیّنّا فیما سبق عند ذکر تحقیق المحقّق الإصفهانی1 أنّ البعث الحقیقی لاینفک عن إمکان الانبعاث، فلایمکن تصویر الوجوب الحالی و إن کان مشروطاً بالشرط المتأخر فیما إذا کان الواجب استقبالیاً.

الخامسة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((2))

إنّ وجوب المقدّمة لاینبعث من وجوب ذی المقدّمة بل إنّ الشوق إلی ذی المقدّمة ینبعث منه الشوق إلی مقدّمته، و أمّا الشوق إلی ذی المقدّمة فلایمکن وصوله إلی حدّ الإرادة، لأنّ ذلک موقوف علی حضور الوقت فلایتصف بالوجوب و أمّا الشوق إلی المقدّمة فلا مانع من بلوغه إلی حدّ الإرادة و الباعثیة

ص: 294


1- قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص318: «و أمّا سائر القیود الوجودیة للواجب من المقدمات المفوّتة التی لایقدر علی تحصیلها فیما بعد فی زمان الواجب فی المعلق و فی ظرف حصول المنوط به و الشرط فی المشروط، فلا إشکال فیها أیضاً فی ثبوت الوجوب لها فی الحال بحیث یجب علی المکلف تحصیلها فی الحال قبل حصول المنوط به و الشرط فی الخارج و هذا بناء علی ما اخترنا سابقا من فعلیة الإرادة و التکلیف فی المعلق و المشروط قبل حصول المنوط به و الشرط فی الخارج فی غایة الوضوح، لأنّ مقتضی فعلیة الوجوب و التکلیف فیهما حینئذ هو ترشح الوجوب الغیری إلی تلک المقدمات فتصیر حینئذ واجبة بالوجوب الغیری المقدمی».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص73 إلی 79.

الفعلیة و هذا هو السرّ فی اتّصاف المقدّمة بالوجوب دون ذی المقدّمة و اتّضح بهذا البیان أنّه لا مانع من وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها.

السادسة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

و قبل بیان نظریته لابدّ من الإشارة إلی أنّ العقل یحکم بلزوم إتیان المقدّمة التی لها دخل فی تمکّن المکلّف من امتثال ذی المقدّمة فی ظرفه و إلّا یلزم فوت الملاک الملزم باختیار المکّلف، لأنّه یعلم بأنّه لو لم یأت بالمقدّمة لصار عاجزاً عن إتیان الواجب فی وقته و حیث إنّ عجزه مستند إلی اختیاره یستحقّ العقاب بترک المقدّمة.

ثمّ إنّ المحقق النائینی (قدس سره) قال باستکشاف الحکم الشرعی من هذا الحکم العقلی بوجوب المقدّمة و استدلّ علی ذلک بثبوت الملازمة بینهما و قال: إنّ حکم العقل بذلک دلیل علی جعل الشارع الإیجاب للمقدّمة حفظاً للغرض فیکون ذلک الجعل متمّماً للجعل الأوّل.

توضیحه هو أنّ الملاک الملزم إذا فرض کونه تامّاً فی ظرفه و لم یمکن استیفاؤه بخطاب واحد (إذ المفروض عدم التمکّن من امتثاله فی ظرفه علی تقدیر عدم الإتیان بالمقدّمة قبله) فلابدّ للمولی من استیفائه بخطاب نفسی آخر یتعلّق بالمقدّمة حتّی یکون متمّماً للجعل الأوّل، و بما أنّ الجعل الثانی منشأ من شخص الملاک الناشئ منه الجعل الأوّل فیکون هو و الجعل الأوّل فی حکم خطاب واحد و یکون عصیانه موجباً لاستحقاق العقاب علی ترک ما وجب بالجعل الأوّل فی ظرفه.

ص: 295


1- أجود التقریرات، ج1، ص228.
إیراد بعض الأساطین:

((1))

إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره): من «عدم إمکان استیفاء الملاک الملزم التام فی ظرفه علی تقدیر عدم الإتیان بالمقدّمة قبله فلابدّ للمولی من استیفائه بخطاب نفسی آخر یتعلّق بالمقدّمة» ممنوع لأنّ حکم العقل بتحصیل المقدّمة کافٍ لاستیفاء الملاک التام الملزم فلا حاجة إلی الجعل الثانی حتّی یکون متمّماً للجعل الأوّل.

السابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ مثل هذا الحکم العقلی لایعقل أن یکون کاشفاً عن جعل حکم شرعی مولوی فی مورده بداهة أنّه لغو صرف، فإنّ حکم العقل باستحقاق العقوبة علی تقدیر المخالفة و تفویت الغرض یکفی فی لزوم حرکة العبد و انبعاثه نحو الإتیان بالمقدّمات، و علیه فلو ورد حکم من الشارع فی أمثال هذا الموارد لکان إرشاداً إلی حکم العقل.

إیراد بعض الأساطین:

((3))

إنّ لغویة الجعل الثانی ممنوع بل بعض الناس لایتحرّکون من الحکم العقلی و لذا جعل الوجوب الشرعی للمقدّمة لیس لغواً فی هذا الفرض فجعل الوجوب الشرعی بالجعل الثانی و إن لم یکن لازماً و واجباً إلّا أنّه علی فرض تحقّقه لیس لغواً.

ص: 296


1- تحقیق الأصول، ج2، ص360.
2- المحاضرات )ط.ج): ج2، ص189و(ط.ق): ج2، ص361.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص361.
الثامنة: نظریة بعض الأساطین

((1))

إنّ جعل الوجوب الشرعی للمقدّمات ممکن و لایلزم محذور اللغویة نعم إنّه لیس بواجب لکفایة حکم العقل فی مقام الداعویة.

ثمّ إنّا لم نجد دلیلاً شرعیاً علی وجوب المقدّمة فی جمیع الموارد، فعلی هذا جعل الوجوب الشرعی للمقدّمة ممکن لا واجب کما قال المحقّق النائینی (قدس سره) و لا لغو کما قال السید المحقّق الخوئی (قدس سره) .

الوجه الثانی:
اشارة

((2))

و هو أن تکون القدرة دخیلة فی ملاک الواجب (بحیث یلزم تحصیلها و التحفّظ علیها) وهذا علی أقسام ثلاثة:

الأوّل: أن یکون الشرط هو القدرة المطلقة علی سعتها.

الثانی: أن یکون الشرط فی الواجب هو القدرة الخاصّة و هی القدرة بعد حصول شرط خاص من شرائط الوجوب (مثل الاستطاعة)، بمعنی أنّ القدرة المأخوذة فی الواجب (مثل الحج) التی یجب تحصیلها و التحفّظ علیها هی القدرة المقیدة بحصول شرط الوجوب (الاستطاعة).

الثالث: أن یکون الشرط هو القدرة فی وقت الواجب فلایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علی الواجب أو التحفّظ علیها قبل وقت الواجب.

ص: 297


1- تحقیق الأصول، ج2، ص361.
2- الوجه فی هذا التفصیل هو الإشکال الذی ذکره فی الکفایة بقوله: إن قلت.
بیان المحقق الخوئی (قدس سره):
اشارة

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) فی هذا المقام:((1))

أمّا القسم الأوّل:

إنّ القدرة التی هی مأخوذة فی ملاک الواجب و یجب تحصیلها و التحفّظ علیها غیر مقیدة بشیء فهی مطلقة (بمعنی أنّه بمجّرد القدرة فی وقتٍ ما یکون الواجب تامّ المصلحة و إن کان الوجوب مشروطاً بالوقت فالمراد من القدرة المطلقة هنا هو مطلق القدرة)((2))و لذا وجب تحصیلها فی أوّل أزمنة الإمکان و إن کان قبل زمان الوجوب و حرم علیه تفویتها إذا کانت موجودة، لأنّه إن تمکّن من إتیان الواجب فی ظرفه و لو بإعداد أوّل مقدّماته فقد تمّ ملاک الواجب فمع تحقّق القدرة علی الواجب (بإعداد أوّل مقدّماته قبل زمان الوجوب) یتمّ ملاکه فیجب التحفّظ علی القدرة و تحصیل المقدّمات.

فلو أعجز نفسه عن الواجب بعد حصول هذه القدرة المطلقة یکون مستحقّاً للعقاب لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً.

أمّا القسم الثانی:

و هو أن یکون الشرط فی الواجب و الدخیل فی ملاکه هو القدرة بعد حصول شرط الوجوب فحینئذ لایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علی الواجب بإتیان مقدّماته قبل تحقّق شرط الوجوب و أمّا بعد تحقّق شرط الوجوب فیجب

ص: 298


1- المحاضرات (ط.ج)،ج2،ص190الی192و(ط.ق) ج2، ص362-364 و أیضاً راجع أجود التقریرات، ج1، ص220الی223.
2- راجع الهدایة فی الأصول، ج2، ص41.

تحصیل المقدّمات و التحفّظ علیها فلو أعجز نفسه عن المقدّمات (بحیث یکون عاجزاً عن الواجب) یستحق العقاب لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار لأنّه فوّت الملاک الملزم و العقل یری استحقاق العقاب لمن فوّت الملاک الملزم.

و أمّا مع عدم حصول شرط الوجوب (مثلاً الاستطاعة) فلایحکم العقل بوجوب المقدّمات، فلو ترک المقدّمات و استلزم ذلک ترک الواجب فی موطنه و زمانه لایستحقّ العقاب، مثلاً إذا أراد شخص أن یهبه المال لیستطیع فلایجب علیه القبول.

أمّا القسم الثالث:

و هو أن یکون الشرط فی الواجب و ما هو الدخیل فیه هو القدرة فی زمان الواجب فلایجب علی المکلّف تحصیل القدرة علیه بإتیان مقدّماته قبل دخول وقته بل یجوز له تفویتها إذا کانت موجودة.

و ذلک لأنّ الواجب لایکون ذا ملاک ملزم إلّا بعد القدرة علیه فی زمان الواجب أمّا القدرة علیه قبله فیجوز تفویتها.

و مثال ذلک هی الصلاة مع الطهارة المائیة حیث إنّ القدرة المعتبرة فیها هی القدرة علیها بعد دخول وقتها، أمّا قبله فلایجب تحصیلها بل یجوز له تفویتها بجعل نفسه محدثاً أو بإهراق الماء عنده.

نعم إنّ المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) فصّل بین تفویت القدرة قبل الوقت بجعل نفسه محدثاً مع علمه بعدم تمکّنه من الغسل و بین تفویتها بإهراق الماء فقال بالجواز فی الأوّل و بعدم الجواز فی الثانی و استند إلی روایةٍ صحیحة.

ص: 299


1- أجود التقریرات، ج1، ص224-225.

ولکن السید المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال بعدم التفصیل بینهما و عدم ورود أیة روایة فی هذا الموضوع فضلاً عن کونها صحیحة.

ص: 300


1- قال فی تعلیقته علی أجود التقریرات: « لایخفی أنّ تمسک شیخنا الأستاذ قدس سره فی هذا المقام بوجود الروایة الصحیحة إنّما کان من باب الغفلة و الإشتباه و إلّا فلم یرد فی هذا الموضوع روایة صحیحة أو غیر صحیحة و لقد إعترف هو قدس سره بذلک حین ما طالبناه بها و العصمة إنّما هی لأهلها و علی ذلک فحکم إراقة الماء قبل دخول الوقت مع العلم بعدم التمکن منه بعده هو حکم إبطال الوضوء قبله مع العلم بعدم التمکن منه بعده».
المقام الثانی: مقام الإثبات
اشارة

إذا شک فی أنّ القدرة دخیلة فی ملاک الواجب أو لا فهل یلزم إتیان المقدّمات قبل وقته فیما إذا علمنا توقّف الواجب علیه؟

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((1))

لاطریق لنا إلی إحراز الملاکات، غایة الأمر نستکشف تلک الملاکات من الأمر و النهی المولویین، و علیه تکون سعة الملاک فی مرحلة الإثبات بقدر سعة الأمر دون الزائد.

و بما أنّه فیما نحن فیه لم نحرز أنّ ترک المقدّمة قبل الوقت مستلزم لتفویت ملاک الواجب فی ظرفه، لاحتمال أنّ القدرة علی المقدّمات دخیلة فی ملاک الواجب فی وقته، فلو لم یأت بها قبل الوقت (و المفروض عدم تمکّنه منها بعده) لم یحرز فوت شیء منه لا الأمر الفعلی و لا الملاک الملزم.

أمّا الأمر الفعلی فواضح و أمّا الملاک الملزم فلاحتمال دخل القدرة الخاصّة فیه فإنّه قد تقدّم أنّ ملاک حکم العقل بالقبح و استحقاق العقاب أمران: تفویت التکلیف الواقعی و تفویت الملاک الملزم.

و النتیجة هی أن لا ملاک لحکم العقل باستحقاق العقاب فی المقام لفرض عدم إحراز الملاک مثال ذلک: ما إذا علم شخص أنّه إذا نام فی الساعات الأخیرة من اللیل فاتته صلاة الصبح کما إذا لم یبق إلی الصبح إلّا ساعة واحدة فإنّه یجوز له

ص: 301


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص192-193و (ط.ق): ج2، ص365-364.

ذلک لفرض أنّ الأمر غیر موجود قبل الوقت و أمّا الملاک فغیر محرز لاحتمال دخل القدرة الخاصّة فیه.

ثمّ إنّ الواجبات الشرعیة أکثرها من قبیل ما لاتکون القدرة دخیلة فی ملاکه أو ما لها دخل فیه بنحو مطلق أی القدرة فی وقتٍ مّا موجبة لکون الواجب تامّ المصلحة((1)).

ص: 302


1- الهدایة فی الأصول، ج2، تتمة المقصد الأول فی الأوامر، فصل: فی مقدّمة الواجب، الأمر الرابع: فی تقسیمات الواجب،[الکلام فی المقدّمات المفوّتة]،ص43.
المسألة الثانیة: وجوب التعلّم
اشارة

و فیها صورتان:

و إنّما أفردوا البحث عنه لأنّه ذو حیثیتین، فمن حیثیة یکون مقدّمة وجودیة و من حیثیة أُخری یکون مقدّمة علمیة (لإحراز الامتثال).

الصورة الأُولی: إذا علم المکلف أو اطمأن بالابتلاء
اشارة

هنا أقوال أربعة فی وجوبه:

القول الأوّل: الوجوب النفسی التهیؤی

المحقّق الأردبیلی (قدس سره) ((1)) فی مجمع الفائدة و صاحب المدارک (قدس سره) فی مدارک الأحکام قالا بالوجوب النفسی التهیؤی بمعنی التهیؤ للغیر((2)).

القول الثانی: الوجوب العقلی بمناط فوات الواقع

الشیخ الأنصاری (قدس سره) و المشهور قالوا بعدم وجوبه الشرعی بل وجوبه عقلی و

ص: 303


1- مجمع الفائدة و البرهان، ج2، ص110و مدارک الأحکام، ج2، ص345 و ج3، ص219.
2- فی زبدة الأصول، ج 2، ص121: «إنّه فی التعلیم و المعرفة مسالک ثلاثة: الأول: ما ذهب إلیه المحقق الأردبیلی (قدس سره) و تبعه تلمیذه صاحب المدارک، و هو أنّ التعلم واجب نفسی تهیئی، للنصوص الدالة علیه، و هو الأظهر عندنا کما سیأتی الکلام علیه فی بحث الإشتغال، و لازم ذلک هو وجوبه قبل حصول الشرط أیضا لعدم اختصاص تلک الأدلة بالواجبات المطلقة و المشروطة بعد حصول، الشرط، بل تشمل المشروطة قبل حصول شرطها، و یترتب علی هذا القول إستحقاق العقاب علی ترک التعلم سواء صادف عمله الواقع أم لم یصادف».

الدلیل علیه هو أنّ ترک التعلّم یوجب فوات الواقع و هذا صغری قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً».

القول الثالث: الوجوب العقلی بمناط دفع الضرر المحتمل

المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) قال بالوجوب العقلی بملاک لزوم دفع الضرر المحتمل.((2))

ص: 304


1- فی أجود التقریرات، ج1، ص229:« فوجوب التعلم لیس بملاک وجوب المقدمات المعدّة التی یستلزم ترکها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه بل هو بملاک آخر لایبتنی علی قاعدة عدم منافاة الإمتناع بالإختیار للعقاب أصلا و هو لزوم دفع الضرر المحتمل حیث إنّ المفروض مقدوریة الواجب مثلاً فی ظرفه لعدم دخل معرفة الحکم فی القدرة علی فعله بالبداهة فیکون ترکه عصیانا للتکلیف الفعلی مع وجود البیان و لا إشکال فی إستتباعه للعقاب فاحتمال تکلیف تمّت الحجةُ علیه یوجب احتمال الضرر وجداناً فیجب دفعه عقلا».
2- فی زبدة الأصول، ج 2، ص122: «ثالثها: ما اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و هو أنّ وجوبه طریقی من قبیل وجوب الإحتیاط فی موارد لزومه، أی الوجوب الذی یکون بملاک التحفظ علی ما فی المتعلق للحکم الواقعی من المصلحة اللازمة الإستیفاء حتی عند الجهل و بعبارةٍ أخری المجعول تحفّظا علی الحکم الواقعی، و یترتب علیه إستحقاقه العقاب علی ترک التعلم عند أدائه إلی مخالفة الواقع، و الفرق بینه و بین سابقه ظاهر». و فی منتقی الأصول، ج 2، ص197: «و أمّا التعلم و معرفة الأحکام فقد إدّعی المحقق النائینی عدم إندراجها فی المقدمات المفوتة، لعدم انسلاب القدرة علی الإتیان بالواجب بترک التعلم، بل الواجب یکون مقدورا، و لذا یصح تعلق التکلیف به فی حال الجهل کتعلقه به فی حال العلم. و علی هذا فلایکون الوجه فی إیجاب التعلم هو قاعدة: عدم منافاة الإمتناع بالإختیار للإختیار لعدم تحقق موضوعها، إذ لایمتنع الفعل بترک التعلم ... هذا محصل ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) فی المقام و هو- مع غض النظر عما أفاده أخیراً من ثبوت استحقاق العقاب بترک المقدمات المفوتة من حین ترکها، فإنّه لایخلو من بحث لیس المقام محله ... - وجیهٌ و تامٌّ فإنّ التعلم لیس من المقدمات المفوتة، و ملاک وجوبه یختلف عن ملاک وجوبها بالتقریب الذی بیناه».
القول الرابع: التفصیل

المحقّق الخوئی (قدس سره) قال بالتفصیل فی المقام.

بیان تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)): إنّ ترک التعلّم قبل وقت الواجب أو قبل شرطه علی أنحاء و صور:

الصورة الأُولی: قد لایکون لترک التعلّم قبل الوقت أثر بل یتمکّن بعد حصول الوقت من التعلّم تدریجاً مثل أن یتعلّم أحکام الحج فی طول مناسک الحج فحینئذ لایجب التعلّم.

نعم إذا جاء الوقت لم یجز ترک التعلّم لاحتمال مخالفة التکلیف الفعلی المنجز و هو صغری دفع الضرر المحتمل فلابدّ من أن یتعلّم لرفع ذلک.

الصورة الثانیة: قد یکون لترک التعلّم أثر و لکنّ الأثر هو فقد تمییز الواجب من غیره لکنّ المکلّف یتمکّن من إحراز امتثاله إجمالاً بطریق الاحتیاط مثل أن یصلّی قصراً و تماماً و هذا فی ما لم نقل بلزوم قصد التمییز (کما أنّ الحق عدم اعتبار قصد التمییز).

و الظاهر هنا عدم وجوب التعلّم، لأنّ الامتثال الإجمالی فی عرض الامتثال التفصیلی.

الصورة الثالثة: قد یکون ترک التعلّم موجباً لترک الامتثال القطعی سواء کان الامتثال تفصیلیاً أم إجمالیاً، فحینئذ لایتمکّن المکلّف إلّا من الامتثال الاحتمالی و لکنّه غیر کاف بل لابدّ من الامتثال القطعی تفصیلاً أو إجمالاً.

و التعلّم هنا واجب و الوجه فی وجوب التعلّم لیس هو ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی

ص: 305


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص196الی200و (ط.ق): ص367 -370.

أصل البحث من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار لأنّ المفروض هو عدم الامتناع بل یحتمل امتثال التکلیف کما أنّه یحتمل عدم الامتثال.

بل الوجه هنا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جریان قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل لأنّ الامتثال الاحتمالی مساوق لاحتمال مخالفة التکلیف الفعلی من دون مؤمّن فیحتمل العقاب فالعقل یستقل بکبری وجوب دفع الضرر المحتمل و هذا مثل من ضاق علیه الوقت و لایتمکّن إلّا من الإتیان إمّا بصلاة القصر أو بصلاة التمام.

نعم إذا کان فی هذه الصورة غیر قادر علی التعلّم قبل الوقت فهو مضطّر إلی أحد أطراف العلم الإجمالی فیجب علیه إتیان أحدهما فهو معذور فی صورة المخالفة للواقع و هذا مثل الصبی الذی هو عاجز عن التعلّم و لایتمکّن من الجمع بینهما.

الصورة الرابعة: قد یکون ترک التعلّم قبل الوقت موجباً لترک الواجب فی ظرفه إمّا للغفلة عن التکلیف أو لعدم التمکّن من امتثاله.

و التعلّم هنا واجب لاستقلال العقل به لأنّه لو لم یتعلّم لفات الغرض الملزم فی ظرفه لما أفاده الشیخ الأنصاری (قدس سره) من أنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً.

نعم لو قلنا بأنّ الواجب مشروط بقدرة خاصّة من ناحیة التعلّم فلایجب التعلّم حینئذ لأنّه لا وجوب حتّی یجب التعلّم مقدّمة لإتیان الواجب فی ظرفه و لا ملاک ملزم حتّی یستلزم ترک التعلّم تفویته لکنّه مجرّد فرض لأنّ مقتضی الآیات و الروایات الدالّة علی وجوب التعلّم هو عدم أخذ القدرة الخاصّة و أنّه لیس للتعلّم أی دخل فی صیرورة الواجب ذا ملاک ملزم فإنّ إطلاق روایات

ص: 306

«هلّا تعلّمت» یشمل المقام.((1))

هذا کلّه فیما إذا علم المکلّف أو اطمأنّ بالابتلاء.

الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء
اشارة

و فیها أقوال ثلاثة:

القول الأوّل: وجوب التعلّم

المشهور بین الأصحاب وجوب التعلّم.

ص: 307


1- نظریة المحقق العراقی (قدس سره): قال (قدس سره) «إنّ هذا کلّه فی غیر المعرفة من المقدمات و أمّا هی فقد یقال- کما عن بعض الأعلام- بأنّها تکون واجبة بالوجوب الطریقی لتنجیز الواقع عند الإصابة کما فی سائر الطریق بحث کان العقاب علی نفس المخالفة لا علی ترک التعلم، و لکنّ التحقیق خلافه إذ نقول بأنّ التعلم لایخلو أمره إمّا أن یکون ترکه یؤدی إلی الغفلة عن أصل التکلیف فی ظرفه، و إمّا أن لایکون کذلک بل کان بعد یحتمل وجود التکلیف، و علی الثانی إمّا أن یتمکن من الإحتیاط فی ظرفه بالجمع بین المحتملات و إمّا أن لایتمکن من الإحتیاط کما لو دار الأمر بین الوجوب و الحرمة فی فعل شخصی. فعلی الأول یکون حال التعلم حال المقدمات المعدّة التی یلزم من عدم تحصیلها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه لأنّه بعد تأدیة ترکه إلی الغفلة عن التکلیف یکون غیر قادر علی الإتیان بالواجب و معه یکون حکمه حکم سائر المقدمات المفوتة، طابق النعل بالنعل و أمّا علی الثانی فلا وجه لوجوبه رأسا مع فرض تمکّنه من الإحتیاط و البناء علی صحة عمل المحتاط التارک لطریقَی الإجتهاد و التقلید إلّا إذا فرض کونه غیر معذور فی هذا الجهل تکلیفا، و علیه یکون وجوبه إرشادیاً محضاً لا طریقیاً و أمّا علی الثالث فکذلک أیضا حیث إنّه لایکون وجوبه إلّا إرشادیا محضا لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التکلیف الواقعی کما فی موارد العلم الإجمالی بالتکلیف فی الجمع بین المحتملات فعلی کل تقدیر حینئذ لا معنی لدعوی وجوب التعلم بالوجوب الطریقی کما فی الطرق بل هو مما یدور أمره بین کونه واجبا بملاک المقدمات المعدة التی یترتب علی ترکها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه و بین کونه بملاک الإرشاد العقلی لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التکلیف کما فی الجمع بین المحتملات فی موارد العلم الإجمالی فی الشبهة المحصورة کما هو واضح». نهایة الأفکار، ج 2، ص321.
القول الثانی: التفصیل

المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) قال بوجوب التعلّم فی الموارد التی یقع الابتلاء بها عادةً أمّا الموارد النادرة فلایجب.

القول الثالث: الإشکال فی عدم الوجوب

إنّ بعض الأساطین (حفظه الله) ذهب إلی عدم قیام الدلیل علی وجوبه و لکنّه قال: مخالفة المشهور مشکلة. ((2))

القول الرابع:عدم وجوب التعلّم
اشارة

إن بعض الأعلام قالوا بعدم وجوبه.

استدلال القائلین بعدم الوجوب: استصحاب عدم الابتلاء

إنّ عدم الابتلاء فعلاً متیقّن و یشک فیه فی ما بعد فیستصحب عدمه بالإضافة إلی الزمن المستقبل، و هذا الاستصحاب علی عکس الاستصحاب المتعارف.

و نتیجة جریان الاستصحاب هنا هو ارتفاع موضوع حکم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل حیث إنّه مع نفی احتمال الابتلاء بالتعبّد لایبقی مجال لاحتمال الضرر.

ص: 308


1- فی المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص204و(ط.ق)، ج2، ص374: « إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة و هی أن تعلم الأحکام الشرعیة واجب مطلقا أی من دون فرق بین ما إذا علم المکلف الإبتلاء بها أو إطمأنّ و بین ما إذا احتمل ذلک عادة. نعم فیما لایحتمل الإبتلاء کذلک لایجب».
2- تحقیق الأصول، ج2، الأوامر، انقسام الواجب إلی: المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی استصحاب عدم الإبتلاء مستقبلا، ص373.
إیرادات أربعة علی هذا الاستدلال:
الإیراد الأوّل: ما عن صاحب الجواهر (قدس سره)
اشارة

إنّ دلیل الاستصحاب قاصر عن شمول هذا النحو من الاستصحاب الذی هو استصحاب استقبالی بل یختصّ بما إذا کان المتیقّن سابقاً و المشکوک لاحقاً و لایشمل ما إذا کان المتیقّن حالیاً و المشکوک استقبالیاً.

جواب عن هذا الإیراد:

فیه أنّ مفاد أدلّة الاستصحاب عدم نقص الیقین بالشک سواء کان المتیقّن سابقاً أم حالیاً أم استقبالیاً.

الإیراد الثانی:
اشارة

((1))

إنّ الاستصحاب یعتبر فیه أن یکون المستصحب بنفسه حکماً و أثراً شرعیاً أو موضوع حکم و أثر شرعی حتّی یتعبّد به فی ظرف الشک و أمّا إذا لم یکن هناک أثر شرعی أو کان الأثر مترتّباً علی نفس الشک المحرز وجداناً فلا معنی للتعبّد فی مورده، و ما نحن فیه من هذا القبیل، فإنّ وجوب دفع الضرر المحتمل مترتّب علی نفس احتمال الابتلاء المحرز وجداناً، و لیس لواقع الابتلاء بالواقع أثر شرعی حتّی یدفع احتماله بالأصل، فلایبقی مجال لجریان استصحاب عدم الابتلاء بالواقع.

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

إنّ الحکم العقلی غیر قابل للتخصیص و لکنّه قابل للتخصّص و الخروج

ص: 309


1- المحقّق النائینی (قدس سره) فی أجود التقریرات، ج1، ص231.

الموضوعی کما إذا کان الشک موضوع الدلیل ثمّ ارتفع الشک تعبّداً فإنّ لزوم دفع الضرر المحتمل و قبح العقاب بلا بیان من القواعد التی قد استقلّ بها العقل و مع ذلک یسبّب المولی إلی رفعهما برفع موضوعهما بجعل الترخیص فی مورد قاعدة دفع الضرر المحتمل و بجعل البیان فی مورد قاعدة قبح العقاب بلا بیان و فی ما نحن فیه احتمال الابتلاء الذی هو موضوع الأثر و إن کان محرزاً بالوجدان إلّا أنّ استصحاب عدم الابتلاء واقعاً إذا جری کان رافعاً للابتلاء الواقعی تعبّداً و به یرتفع الموضوع و هو احتمال الابتلاء. ((1))

رالإیراد الثالث:
اشارة

((2))

العلم الإجمالی بالابتلاء ببعض الأحکام الشرعیة حاصل، فهذا العلم الإجمالی مانع عن جریان الأُصول النافیة فی أطرافه، حیث إنّ جریانها فی الجمیع مستلزم للمخالفة القطعیة العملیة و جریانها فی البعض دون الآخر مستلزم للترجیح من دون مرجّح فلامحالة تسقط الأُصول النافیة فیستقل العقل بوجوب التعلّم و الفحص.

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

((3))

هذا فیما إذا لم ینحلّ العلم الإجمالی، أمّا مع انحلاله فلا، فالدلیل أخصّ من المدّعی.

ص: 310


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص202و(ط.ق): ج2، ص372-373.
2- المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص203و (ط.ق): ج2، ص373.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص373.
الإیراد الرابع:
اشارة

((1))

إنّ ما دلّ علی وجوب التعلّم و المعرفة من الآیات و الروایات کقوله تعالی: (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون)((2)) و قوله (علیه السلام): «هلاّ تعلّمت» و ما شاکل ذلک وارد فی مورد هذا الاستصحاب، حیث إنّ فی غالب الموارد لایقطع الإنسان بل و لایطمئنّ بالابتلاء، فلو جری الاستصحاب فی هذه الموارد (موارد احتمال الابتلاء) لم یبق تحت العمومات و الإطلاقات إلّا الموارد النادرة و التقیید و التخصیص بالأکثر مستهجن، فلابدّ من عدم جریان الاستصحاب.

أجاب عنه بعض الأساطین:

((3))

إنّ الآیات و الروایات الواردة فی وجوب التعلّم تشمل موارد القطع التفصیلی و الإجمالی بالابتلاء و تلک الموارد کثیرة جدّاً و أمّا موارد احتمال الابتلاء فهی داخلة تحت تلک الأدلّة بدواً و لکن الاستصحاب ینفی الابتلاء و یحرز عدمه فتخرج تلک الموارد (موارد احتمال الابتلاء) عن أدلّة وجوب التعلّم.

فعلی هذا تختصّ وجوب التعلّم بصورة القطع أو الاطمینان بالابتلاء و أمّا فی صورة احتمال الابتلاء فلایجب التعلّم.

و لکن بعض الأساطین یری أنّ مخالفة المشهور مشکلة فلابدّ حینئذ من الاحتیاط الوجوبی بالنسبة إلی التعلّم فی موارد احتمال الابتلاء.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) و إن اختار وجوب التعلّم فی موارد العلم بالابتلاء و

ص: 311


1- المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص203و (ط.ق): ج2، ص373.
2- النحل:43 و الأنبیاء:7.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص373.

الاطمینان به و موارد احتمال ذلک و لکنّه قال بعدم وجوب التعلّم فی الموارد التی یقلّ الابتلاء بها کبعض مسائل الشکوک و الخلل ممّا یکون الابتلاء به نادراً جدّاً.((1))

ص: 312


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص204و (ط.ق): ج2، ص374.
المسألة الثالثة:

هی الواجبات التدریجیة، مثل المضطربة الناسیة للوقت الفاقدة للتمییز و هی تعلم إجمالاً بتحقّق الحیض فی طول الشهر و لکن لاتعلم أیامه بالخصوص فلاتدری أیجوز لها الدخول فی المسجد مثلاً أم لا، فإنّه بناء علی القول بالواجب المعلّق یکون العلم الإجمالی منجّزاً حیث إنّ التکلیف بالحرمة مثلاً فعلی و لکن لایعلم أنّ ما یحرم علیها هو فی الآن أو فی المتأخر، و أمّا بناء علی عدم القول بالواجب المعلّق فلایعلم بتحقّق التکلیف الفعلی فی الآن و حینئذ یمکن القول بجریان البراءة و جواز الدخول فی المسجد.

ص: 313

تنبیه:
اشارة

و فیه مطالب ثلاثة:

المطلب الأوّل: هل یجب التعلم علی الصبی غیر البالغ؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل: قال المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) -و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله) ((2))بوجوب التعلّم علیه

القول الثانی: اختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) عدم وجوب التعلّم علی الصبی.

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) علی القول الأوّل:

إنّ التمسّک بحدیث الرفع لرفع وجوب التعلّم غیر ممکن و ذلک لأنّ وجوبه عقلی و حدیث الرفع لایرفع الوجوب العقلی.((4))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((5))

إنّ حکم العقل فی المقام و إن کان یعمّ الصبی و غیره إلّا أنّه معلّق علی عدم ورود التعبّد من الشارع علی خلافه و معه لامحالة یرتفع حکم العقل بارتفاع

ص: 314


1- أجود التقریرات، ج1، ص218و221و227.
2- تحقیق الأصول، ج2، ص374، انقسام الواجب إلی: المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی تعلّم غیر البالغین.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص204و (ط.ق): ج2، ص374.
4- أجود التقریرات، ج1، ص222.
5- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص205و (ط.ق): ج2، ص375.

موضوعه، و المفروض هو أنّ التعبّد الشرعی قد ورد علی خلافه فی خصوص الصبی.

جواب بعض الأساطین عن إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ وجوب التعلّم لیس شرعیاً و الدلیل علی ذلک هو أنّه إذا قال المولی فی مقام توبیخ العبد: «هلّا تعلّمت» فلایقبل من العبد أن یقول: لم یصل إلی وجوبه فالوجوب عقلی و لایعقل جعل الوجوب الشرعی فی مورده للزوم اللغویة فإذا کان الوجوب عقلیاً لا شرعیاً فلایمکن أن یکون مورداً لحدیث الرفع لأنّه فی مورد الشرعیات.

یمکن أن یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ الإطاعة للمولی وجوبه عقلی و لکن هی مرفوعة عن الصبی فما الفرق بین وجوب الإطاعة و وجوب التعلّم.

ثانیاً: ما أفاده من أنّ جعل الوجوب الشرعی للتعلّم لغو لمکان وجوبه العقلی فهو مخالف لما أفاده قبلاً فی المقدّمة المفوّتة فی مقام الإیراد علی مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) حیث قال: جعل الوجوب الشرعی لإیجاد الداعی بالنسبة إلی المقدّمة المفوّتة لغو((2)) فأجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله) بعدم اللغویة حیث إنّ بعض الناس ینفعلون من تأکید الشارع و الداعی الشرعی و إلّا فما الوجه فی الأوامر الإرشادیة؟ غیر أنّ الأمر الإرشادی شأنه الهدایة إلی ما یدرکه العقل و الأمر الشرعی یوجب تحقّق الداعی الشرعی فهو أبلغ فی تحریک العبد نحو الفعل.((3))

ص: 315


1- تحقیق الأصول، ج2، ص375.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص189و (ط.ق): ج2، ص361.
3- تحقیق الأصول، ج2، ص361، انقسام الواجب إلی: المعلّق و المنجَّز، توضیح المقام و تفصیل الکلام.
الحقّ فی المقام:

هو أنّ ما أفادوا من افتراض توجّه الحکم العقلی بلزوم التعلّم علی الصبی محلّ تأمّل و مناقشة، لأنّ الحکم العقلی هو ما یدرکه العقل و غیر البالغ لم یکمل عقله حتّی یدرک الأحکام العقلیة نعم إنّ الممیز قد یدرک الأحکام العقلیة و لکن مع الترخیص الشرعی کیف یدرک اللزوم العقلی؟ مع أنّ أعلام أهل الفن اختلفوا فی بقاء موضوع حکم العقل فیما إذا جاء الترخیص الشرعی (بحدیث الرفع).

المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟
اشارة

فیه خمسة أوجه:

الوجه الأوّل: الوجوب النفسی
اشارة

((1))

الاستدلال علی الوجوب النفسی:

((2))

الدلیل علیه هو الأمر بالتعلّم مع مطلوبیته بالذات.

إیرادات ثلاثة علیه:
الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ قوله «هلّا تعلّمت» ظاهر فی أنّ وجوب التعلّم لیس إلّا للعمل.

ص: 316


1- إختاره المحقق الأردبیلی (قدس سره) .
2- تحقیق الأصول، ج2، ص377، انقسام الواجب إلی المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی تعلّم غیر البالغین.
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ المستفاد من الروایة هو لزوم التعلّم قبل العمل و لاتدلّ علی أنّ العلم لا فائدة فیه إلّا للعمل و أنّه لیس کمالاً علی حدة.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّه یظهر من السؤال عن الشیء (و الشیء هو التعلم) أنّ الشیء واجد للمصلحة و هو المطلوب و مثال ذلک هو أنّ من یسأل عن الطریق لایطلب إلّا المقصد.

أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ القیاس مع الفارق فإنّ العلم بالطریق لیس کمالاً بخلاف العلم بالأحکام فإنّه کمال فی نفسه.

الإیراد الثالث:

إنّ من لم یتعلّم و خالف التکلیف لایؤاخذ إلّا علی ترک التکلیف لا علی ترک التعلّم، مع أنّ التعلّم إن کان واجباً نفسیاً فلابدّ أن یؤاخذ المکلّف علی ترکه ولایمکن الالتزام بالمؤاخذتین.

فالحقّ فی المقام هو أنّ المستفاد من الأدلّة هو أنّ التعلّم مطلوب بنفسه و أمّا وجوبه فلیس نفسیاً.

توضیحه: هو أنّ الآیات مثل قوله تعالی: (قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یعْلَمُونَ)((1)) و قوله تعالی: (وَ ما یسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصیرُ)((2)) و الروایات

ص: 317


1- الزمر:9 .
2- فاطر:19 و غافر:58.

مثل «الْعِلْمُ وَدِیعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ»((1)) و «لَیسَ الْعِلْمُ بِکَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی قَلْبِ مَنْ یرِیدُ اللَّهُ أَنْ یهْدِیهُ»((2)) تدلّ علی مطلوبیته بنفسه لأنّه نور و أمّا الوجوب النفسی فلایمکن الالتزام به لما مضی فی الإشکال الثالث من لزوم العقابین و المؤاخذتین و هو باطل قطعاً.

الوجه الثانی: الوجوب الغیری
الاستدلال علی الوجوب الغیری:

إنّ التعلم مقدّمة وجودیة لتحقّق الواجب فهو واجب غیری کما فی سائر المقدّمات الوجودیة.((3))

ص: 318


1- نزهة الناظر، ص41؛ ألدّرّة الباهرة، ص14، عن الرسول (صلی الله علیه و آله) .
2- منیة المرید، ص67 عن الصادق (علیه السلام) .
3- إختار کون الوجوب غیریّاً الشیخ الأنصاری إذ جعل التعلم من المقدمات المفوّتة قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص259: «إنّ المقدمات الوجودیة للواجبات المشروطة مما یتّصف بالوجوب علی نحو اتّصاف ذیها به و قضیة ذلک عدم وجوب الإتیان بها قبل وجوب الإتیان بذیها ... و مع ذلک فقد یظهر منهم فی موارد مختلفة الحکم بوجوب الاتیان بالمقدمة قبل اتّصاف ذیها بذلک، کحکمهم بوجوب الغسل قبل الصبح فی لیالی رمضان و قولهم بوجوب السعی إلی الحج قبل أن یهل هلال ذی الحجة و حکمهم بوجوب تحصیل العلم بأجزاء الصلاة و شرائطها قبل دخول الوقت». و فی فوائد الأصول، ج 4، ص281: «و ینبغی أوّلاً أن یعلم أنّ مناط وجوب التعلم و الإحتیاط غیر مناط وجوب حفظ القدرة أو تحصیلها، و لایقاس أحدهما بالآخر، و إن کان یظهر من کلام الشیخ (قدس سره) فی المقام الخلط بین البابین، حیث قاس وجوب التعلم علی وجوب السیر إلی الحجّ عند توجیه کلام المدارک و لکنّ الظاهر أنّ بین البابین فرق» راجع زبدة الأصول، ج 2، ص121.
أورد علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ الإتیان بالواجب لایتوقّف علی التعلّم إلّا فی ما کان الواجب مرکباً فیحتاج المکلّف إلی تعلّم أجزائه و شرائطه، مثل الصلاة.

مع أنّ وجوب التعلّم لایدور مدار ثبوت وجوب المقدّمة بل هو ثابت بالآیات و الروایات.

الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی

بناءً علی القول بوجوب المقدّمة فإن عرفنا الواجب الغیری بحیث لاینافی وجود الخطاب المستقل فنلتزم بالوجوب الغیری التهیوئی أمّا إن عرفناه بحیث لایشمل ما له خطاب مستقل فلابدّ أن نلتزم بالوجوب التهیؤی ثم إنّه مع الإیجاب الشرعی الغیری أو التهیؤی لایعقل حمله علی الوجوب الإرشادی.

و الظاهر هو أنّ الوجوب تهیؤی لأنّ المستفاد من الآیات و الروایات هو أنّ الشارع یرید إیجاد الداعی الشرعی مضافاً إلی الداعی العقلی.

الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی
اشارة

(2)

الاستدلال علی الوجوب الإرشادی:

إنّ العقل یستقلّ بلزوم تعلّم الأحکام الشرعیة فما ورد فی الکتاب و السنّة من الأوامر الواردة بالنسبة إلی التعلّم لابدّ أن یحمل علی الإرشاد بهذا الحکم العقلی.

ص: 319


1- المحاضرات، (ط.ج)، ج2، ص206و(ط.ق)، ج2، ص375.
2- . مال إلیه بعض الأساطین (حفظه الله) و التعبیر مسامحی بل الوجوب عقلی و الأمر إرشادی، راجع تحقیق الأصول، ج2، ص380. و قال المحقق الخراسانی فی کفایة الأصول (ط. آل البیت): ص99: «هذا فی غیر المعرفة و التعلم من المقدمات و أمّا المعرفة فلایبعد القول بوجوبها حتی فی الواجب المشروط بالمعنی المختار قبل حصول شرطه لکنّه لا بالملازمة بل من باب إستقلال العقل بتنجّز الأحکام علی الأنام بمجرد قیام احتمالها إلّا مع الفحص و الیأس عن الظفر بالدلیل علی التکلیف فیستقلّ بعده بالبراءة و أنّ العقوبة علی المخالفة بلا حجة و بیان و المؤاخذة علیها بلا برهان فافهم». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی ج 1، ص503 فی التعلیقة علی قوله: «و أمّا المعرفة فلایبعد القول»: «إن کانت مقدمة وجودیة للواجب ... و أما إذا لم تکن کذلک- کما فی غیر العبادات أو فیها علی التحقیق- فیشکل بأنّها لیست واجدةً لملاک الوجوب الغیری الملازمی، إذ ملاکه توقف وجود الواجب علیه، و هی لیست کذلک، لإمکان إتیانه من دونها- أیضاً- مع قیام الإجماع و الأخبار و الکتاب علی وجوبها و یمکن دفعه بوجوهٍ: الأول: الإلتزام بالوجوب النفسی التهیئی کما ذهب إلیه المدارک. الثانی: الوجوب الإرشادی العقلی- و هو الذی أشار إلیه فی العبارة- و حاصله: أنّ احتمال فعلیة تکلیف قبل الفحص کما هو الفرض منجّزٌ له علی تقدیر وجوده، فیحکم العقل بوجوب المعرفة لکی لایفوته المکلف به المنجز و یعاقب علیه. لایقال: هذا یتم فی الواجبات المطلقة أو فی المشروطة بعد حصول شرطها، و أمّا فیها قبله فلا، إذ لا فعلیة- حینئذ- قطعا، فحینئذ إذا علم عدم التمکن من المعرفة بعد الشرط، فکیف یحکم العقل بوجوبها قبله إرشاداً إلی تحصیل الأمن من العقوبة؟! إذ لا عقوبة علی ترک الواجب قبل الشرط قطعا، و بعده لا تمکّن من مقدمته. و الحاصل: أنّ المنجز هو احتمال الفعلیة فعلاً لا احتمالها بعد الشرط. فإنّه یقال: إنّ الملاک هو احتمال المطلق، فیحکم العقل بالتنجز لقدرته علیه بتمهید مقدمته من الآن» إلخ.
أورد علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

لو کان وجوب التعلّم إرشادیاً یلزم جریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص کما أنّها تجری فی الشبهات الموضوعیة قبل الفحص، مع أنّهم لایقولون بجریانها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص.

ص: 320


1- المحاضرات،(ط.ج)، ج2، ص206و(ط.ق)، ج2، ص376.

توضیحه: هو أنّ المقتضی لجریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص موجود و هو إطلاق أدلة رفع عن أُمّتی ما لایعلمون و المانع عن جریانها هو أدلّة وجوب التعلّم.

فلو قلنا بأنّ تلک الأدلة أوامر إرشادیة فیکون حکمها مثل الأحکام العقلیة مع أنّ الأحکام العقلیة لاتصلح لمنع إطلاق دلیل الرفع و الوجه فیه هو أنّ الحکم العقلی یرتفع موضوعه مع الترخیص الشرعی و أدلّة البراءة الشرعیة ترخیصیة فیرتفع بها موضوع حکم العقل فلایبقی حکم العقل حتی یمنع عن إطلاق أدلة البراءة الشرعیة فیلزم جریانها فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص مع أنّه لایمکن الالتزام به.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن هذا البیان:

((1))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) التزم هناک بقصور مقتضی جریان البراءة الشرعیة فی الشبهات الحکمیة قبل الفحص و قال بعدم إطلاق تلک الأدلّة و وجّهه بأنّها محفوفة بالقرائن العقلیة فقال فی مصباح الأصول:((2))

ص: 321


1- فی تحقیق الأُصول، ج2، انقسام الواجب إلی المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم، الکلام فی تعلّم غیر البالغین، ص379:« إنّ هذا الإشکال لایجتمع مع القول بقصور أدلّة البراءة الشرعیة اقتضاءً، و من قال بکونها غیر مطلقة- لأنّها محفوفة بالقرائن العقلیة، فلاتشمل موارد الشبهة الحکمیة قبل الفحص- فلایمکنه إیراد هذا الإشکال الخ».
2- تحقیق الأصول، ج2، ص494؛ مصباح الأصول (ط موسسة إحیاء آثار السید الخوئی) ج 1، ص572 و ( مباحث حجج و امارات - مکتبة الداوری)؛ ج 1؛ ص494، الأصول العملیة، خاتمة فی شرائط جریان الأصول.

«أمّا الأُصول النقلیة فأدلّتها و إن کانت مطلقة فی نفسها إلّا أنّها مقیدة بما بعد الفحص بالقرینة العقلیة المتّصلة و النقلیة المنفصلة».((1))

ص: 322


1- إختار المحقق العراقی أیضاً کون الوجوب إرشادیّاً قال فی نهایة الأفکار، ج 3، ص476: «الجهة الثالثة فی استحقاق التّارک للفحص للعقاب و عدمه و الأقوال فیه ثلاثة: أحدها هو المنسوب إلی المدارک من استحقاق العقوبة علی ترک الفحص و التعلم مطلقا صادف عمله الواقع أم خالفه. ثانیها یظهر من الشیخ قده و اختاره بعض الأعاظم أیضا من استحقاق العقوبة علی ترک الفحص و التعلم لکن لا مطلقا بل عند أدائه إلی مخالفة الواقع. ثالثها ما نسب إلی المشهور من استحقاق العقوبة علی مخالفة الواقع لو اتّفق لا علی ترک التعلم و الفحص فمن شرب العصیر العنبی من غیر فحصٍ عن حکمه یستحق العقوبة إن اتّفق کونُه حراماً فی الواقع، و إن لم یتفق کونه حراما واقعا فلا عقاب إلّا من حیث تجریه علی القول به. و منشأ هذا الخلاف هو الخلاف فی وجوب التعلم المستفاد من العمومات المتقدمة من نحو قوله: «هَلّا تعلّمتَ» من حیث کونه وجوبا نفسیا استقلالیا کسائر التکالیف النفسیة الإستقلالیة الموجبة للعقوبة علی مخالفتها، أو تهیئا إنشاء لأجل تهیؤ المکلف بالفحص و تعلّم الأحکام لامتثال الواجبات و المحرمات الثابتة فی الشرعیة أو کونه وجوبا طریقیا کسائر الأحکام الطریقیة الثابتة فی موارد الأصول و الأمارات المثبتة الموجبة لاستحقاق العقوبة علی مخالفتها عند مصادفتها للواقع أو وجوبا شرطیا من جهة دعوی شرطیة الفحص تعبدا لحجیة أدلة الأحکام و الأصول النافیة أو کونه وجوبا مقدمیا غیریا نظرا إلی دعوی مقدمیة الفحص و التعلم للعمل بأدلة الأحکام أو کونه إرشادیا محضا إلی حکم العقل بلزوم الفحص للفرار عن العقوبة المحتملة إمّا لأجل العلم الإجمالی، أو لاستقرار الجهل الموجب لعذره، أو لحکمه بمنجزیة احتمال التکلیف قبل الفحص بناءً علی عدم إطلاق أدلة البراءة الشرعیة یشمل مطلق الشک فی التکلیف و لو قبل الفحص. و لکنّ التحقیق هو ما علیه المشهور لإباء مثل هذه العمومات عن کونها مسوقة لإعمال تعبّدٍ فی البین یقتضی کونه أی التعلم واجبا نفسیا أو شرطیا، و ظهور سوقها فی کونها للإرشاد إلی ما هو المغروس فی الذهن من حکم العقل بلزوم الفحص فی الشبهات الحکمیة و عدم جواز الأخذ بالبراءة فیها قبل الفحص، إمّا بمناط العلم الإجمالی بوجود التکلیف فی المشتبهات علی التقریب المختار، أو بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل لعدم استقرار الجهل الموجب لعذره مع عدم إطلاق أیضا دلالة البراءة الشرعیة یشمل مطلق الشک فی التکلیف کما یشهد لذلک أیضا إفهام العبد بما قیل له من قول: «هلّا تعلمت» و عدم تمکّنه من الجواب بعدم علمه بوجوب التعلم، فإنّه لو لا سوق مثل هذه الأوامر للإرشاد إلی ما یحکم به العقل من وجوب الفحص و التعلّم للفرار عن العقوبة المحتملة و عدم معذوریة الجاهل مع التقصیر فی مخالفة التکلیف الواقعی، لَکان له أن یجیب بعدم علمه بوجوب الفحص و التعلم کما أجاب بذلک أوّلاً حین ما قیل له: هل عملت؟ و حینئذ فلا مجال لرفع الید عن ظهور هذه الأوامر فی إرادة الإرشاد بحملها علی الوجوب النفسی الإستقلالی أو التهیؤی أو الوجوب الشرطی. کما لا مجال أیضا لحملها علی الوجوب الطریقی کما أفاده بعض الأعاظم (قدس سره)، بل لایصح ذلک فی المقام لأنّ الأمر الطریقی کما ذکرناه غیر مرة هو ما یکون بحسب لبّ الإرادة فی فرض الموافقة عین الإرادة الواقعیة و یکون موضوعه عین موضوعها بحیث یکون امتثاله و العمل علی وفقه عین امتثال الأمر الواقعی، کما یکون ذلک فی جمیع الأوامر الواردة فی موارد الأمارات و الأصول المثبتة حتی مثل إیجاب الإحتیاط و من المعلوم بالضّرورة أنّه لایکون المقام کذلک، لوضوح مباینة الأمر بتعلم حکم الصلاة مثلاً مع الأمر بالصلاة لاختلاف موضوعهما و عدم کون تحصیل العلم بأحکام الصلاة عین فعل الصلاة و امتثال الأمر بها و معه کیف یمکن توهّم کون الأمر بتحصیل الفحص و التعلم أمرا طریقیا إلّا أن یجعل الأمر بالفحص و التعلم کنایة عن لازمه الذی هو إیجاب الاحتیاط و النهی عن مخالفة التکالیف الواقعیة المحتملة، فیصلح حینئذ للطریقیة، و لکنّه علیه یتعین کونه للإرشاد محضا، حیث لامجال لإعمال المولویة بعد استقلال العقل بوجوبه و حکمه بعد معذوریة الجاهل مع تقصیره فی ترک تحصیل الواقع ... و أمّا احتمال کون الأمر بالفحص و التعلم أمرا غیریا، فیدفعه انتفاء ملاک المقدمیة فیه لوضوح أنّه لایکون الفحص و تحصیل العلم بالأحکام مما یتوقف علیه فعل الواجبات و ترک المحرمات بوجهٍ لإمکان الإحتیاط مع الشک فیها.
الوجه الخامس: الوجوب الطریقی
اشارة

((1))

الاستدلال علی الوجوب الطریقی:

((2))

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) - بعد إبطال احتمال الوجوب النفسی و الغیری و الإرشادی لوجوب التعلّم: إنّه یتعین الاحتمال الأخیر و هو کون وجوب

ص: 323


1- ذهب إلیه المحقق الخوئی (قدس سره) .
2- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص207-206و (ط.ق): ج2، ص376.

التعلّم طریقیاً و یترتّب علیه تنجیز الواقع عند الإصابة، لأنّه أثر الوجوب الطریقی کما هو شأن وجوب الاحتیاط و وجوب العمل بالأمارات.((1))

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یعتقد فی الوجوب الطریقی بأنّه یکون هو المنجّز للواقع فلابدّ أن لایکون قبله منجّزاً للواقع، فعلی هذا لابدّ فی موارد الوجوب الطریقی أن لایکون قبله احتمال العقاب و إلّا فیکون احتمال العقاب هو المنجّز للواقع و وجوب التعلّم إرشاداً إلیه.((3))

فعلی هذا أدلّة وجوب التعلّم إرشادی.((4))

ص: 324


1- إختار المحقق النائینی کون الوجوب طریقیّا قال فی أجود التقریرات ط.ق. ج 1، ص156: «هذا فی غیر التعلم من المقدمات التی لها دخلٌ فی القدرة علی الواجب ذاتا و قیدا أو عنوانا و أمّا هو فحاله حال جمیع الطرق فی أنّ وجوبه طریقی لتنجیز الواقع عند الإصابة و مخالفته لاتوجب استحقاق العقاب إلّا إذا لزم منها مخالفة الواقع إن لم نلتزم بعقاب المتجری و إلّا فیترتب علی مخالفته استحقاق العقاب صادف الواقع أم لم یصادف و قد عرفت أنّ التعلم غیرُ دخیلٍ فی القدرة علی الواجب أصلا و الفعل علی ما هو علیه من کونه مقدورا فی ظرفه و العقل حیثما احتمل تحقّق العصیان فی ظرفه بترکه التعلم مع احتماله البیان فهو لامحالة یحتمل العقاب فیستقل بوجوب دفعه إمّا بالتعلم أو بالإحتیاط فوجوب التعلم لیس بملاک وجوب المقدمات المعدة التی یستلزم ترکها عدم القدرة علی الواجب فی ظرفه بل هو بملاک آخر لایبتنی علی قاعدة عدم منافاة الإمتناع بالإختیار للعقاب أصلاً و هو لزوم دفع الضرر المحتمل حیث إنّ المفروض مقدوریة الواجب مثلا فی ظرفه لعدم دخل معرفة الحکم فی القدرة علی فعله بالبداهة فیکون ترکه عصیانا للتکلیف الفعلی مع وجود البیان و لا إشکال فی استتباعه للعقاب فاحتمال تکلیف تمّت الحجة علیه یوجب احتمال الضرر وجداناً فیجب دفعه عقلا فالفرق بین التعلم و المقدمات التی یستلزم ترکها فوت الواجب فی ظرفه بأمرین» إلخ.
2- تحقیق الأُصول، ج2، انقسام الواجب إلی المعلّق و المنجَّز، بحث التعلّم،ص380.
3- إستفاد ذلک من عبارته فی مصباح الأُصول،(طبع موسسة إحیاء آثار السید الخوئی)، ج 1، ص:331 و (مباحث حجج و امارات - مکتبة الداوری)، ج 1، ص: 286.
4- قد عرفت فی المطلب الثانی أقوالاً خمسة فی وجوب التعلم هی الوجوب النفسی و التهیؤی و الغیری و الإرشادی و الطریقی و الأول هو الوجوب النفسی الإستقلالی و الثانی هو الوجوب النفسی التهیؤی فتصیر أقسام الوجوب أربعة: النفسی و الغیری و الإرشادی و الطریقی ثمّ إنّ احتمال الوجوب لهذه الأقسام یأتی فی بعض المباحث أحدها: بحث وجوب التعلم. ثانیها: بحث وجوب الإحتیاط أو وجوب دفع الضرر أو وجوب التوقف. قال فی نهایة الدرایة، ج 4، ص101 فی التعلیقة علی قوله (قدس سره): «فبما دلّ علی وجوب التوقف عند الشبهة»: «توضیح الإستدلال بهذه الطائفة: أنّ الأمر بالتوقف إمّا نفسی أو طریقی ٌ أو إرشادی: لا مجال للنفسیة ... فیدور الأمر بین کون الأمر بالتوقف طریقیا لتنجیز الواقع المشتبه، أو إرشادیا بداعی إظهار ما فی الإقتحام فی الشبهة من الهلکة الأخرویة». و فی مصباح الأصول ط. الموسسة ج 1، ص329: «إنّ الضرر المحتمل الذی یجب دفعه بحکم العقل إمّا أن یراد به الضرر الاخروی أی العقاب، أو الضرر الدنیوی، أو المفسدة المقتضیة لجعل الحرمة فإن کان المراد به العقاب فإمّا أن یکون وجوب دفعه غیریا أو نفسیا أو طریقیا أو إرشادیا، و لایتصور له خامس». و فی منتهی الدرایة، ج 5، ص309: إنّ وجوب الدفع إمّا شرعی نفسی أو غیری أو طریقی، و إمّا فطری، و إمّا عقلی إرشادی و الظاهر عدم کونه نفسیا، إذ ضابطه- و هو الوجوب المنبعث عن مصلحة فی المتعلق یوجب استحقاق المثوبة علی موافقته و العقوبة علی مخالفته کوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما- لاینطبق علیه». ثالثها: بحث وجوب المقدمة. قال فی تحقیق الأصول، ج 3، ص105: «قد ذکرنا الأقوال، و نتعرّض هنا لأدلتها: و قد استدل للقول بالوجوب مطلقا بوجوهٍ ... الثانی: وقوع الأمر بالمقدمة فی القضایا التکوینیة کقوله: أدخل السّوق و اشتر اللحم، و فی القضایا الشرعیة کما فی الخبر: «إغسل ثوبک من أبوال ما لایؤکل لحمه» .. و الأصل فی الإستعمال هو الحقیقة، و الأمر ظاهرٌ فی الوجوب و هذا الوجوب الثابت للمقدمة غیری بالإستقراء، لأنّ الوجوب إمّا إرشادی و إمّا مولوی طریقی و إمّا مولوی نفسی و إمّا غیری». و قد ذکر بعضٌ الوجوبَ الفطری و الوجوب الشرطی أیضا فتصیر الأقسام ستة فمن الأول المحقق الجزائری فی بحث وجوب الدفع و من الثانی المحقق العراقی فی بحث وجوب التعلم.

ص: 325

المطلب الثالث: هل تارک تعلم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟
قال الشیخ (قدس سره): هو فاسق

إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) أفتی فی «صراط النجاة» بفسق تارک تعلّم مسائل الشک و السهو فیما یبتلی به عامة المکلّفین.((1))

إیراد المحقق النائینی (قدس سره)

((2)):

المحقّق النائینی (قدس سره) لم یرتض بذلک و قال: هذا مخالف لمبنی الشیخ (قدس سره) و لذا احتمل السهو ممن جمع فتاوی الشیخ (قدس سره) و استدلّ علی ذلک بأنّ هذا الفتوی لابدّ أن یستند إلی أحد هذه الأُمور:

الأمر الأوّل: الالتزام بالوجوب النفسی للتعلّم کما هو مختار المحقّق الأردبیلی (قدس سره) و لکن الشیخ (قدس سره) لم یلتزم به فهذا مخالف لمبناه.

الأمر الثانی: الالتزام بحرمة التجرّی و لکنّه أیضاً مخالف لمبناه حیث قال بعدم حرمة التجرّی و أنّ قبحه فاعلی لا فعلی.

الأمر الثالث: الالتزام بالفرق بین مسائل السهو و الشک و سائر المسائل بدعوی أنّ العادة جرت علی الابتلاء بهذه المسائل و لذا یجب تعلّم مسائل السهو و الشک بالخصوص دون غیرها فمن ترکه کان فاسقاً.

ولکنّه أیضاً لایناسب مبنی الشیخ (قدس سره) حیث إنّ وجوب التعلّم عنده وجوب طریقی فلا عقاب علی ترکه بل العقاب علی مخالفة الواقع.

ص: 326


1- صراط النجاة (محشی)، فصل35، مسألة682، ص175.
2- أجود التقریرات، ج1، المبحث الثالث فی تقسیم الواجب إلی المطلق و المشروط، ص231-232.
جواب المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)):

السید المحقّق الخوئی (قدس سره) استشکل و قال: إنّ ما أفاده الشیخ (قدس سره) من أنّ تارک التعلّم محکوم بالفسق مبنی علی أنّ التجرّی کاشف عن عدم وجود ملکة العدالة فإنّ المتجرّی و إن لم یکن مستحقاً للعقاب لعدم ارتکابه للمبغوض الواقعی أو لعدم ترکه للواجب إلّا أنّه أتی بما یعتقد کونه مبغوضاً أو ترک ما یعتقد کونه واجباً و هذا کاشف عن فقد ملکة العدالة و لذا یحکم علیه بالفسق.

الإیراد علی هذا الجواب:

إنّ فقد ملکة العدالة لایلازم الفسق بل الفسق مترتّب علی من صدر عنه الحرام أو ترک الواجب فمن لم تصدر عنه المعصیة لایکون فاسقاً و إن لم یکن عادلاً.

ص: 327


1- قال فی تعلیقته علی أجود التقریرات، ج1، ص232:« لا بُعد فی ذلک بعد کشف التجری عن عدم ملکة العدالة ضرورةَ أنّ مصادفة الواقع و عدمها أجنبیةٌ عما فی نفس المتجری من عدم وجود الملکة فیها هذا و قد عرفت أنّه لابدّ من القول بوجوب التعلم نفسیاً طریقیاً فیکون مخالفته مخالفة للواجب النفسی فلا إشکال».

ص: 328

التقسیم الثانی: الواجب النفسی و الغیری
اشارة

فیه موضعان و تنبیهان:

الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری
اشارة

و فیه ستة تعاریف:

الأوّل: تعریف المشهور
اشارة

إنّ المشهور عرّفوا الواجب النفسی بما أُمر به لنفسه و الواجب الغیری بما أُمر به لأجل غیره.((1))

إیراد الشیخ (قدس سره) علیه:

إنّه یلزم أن یکون جمیع الواجبات الشرعیة أو أکثرها من الواجبات الغیریة،

ص: 329


1- فی هدایة المسترشدین ( ط.ج)، ج 2، ص89 و(ط.ق)، المقصد الثانی، ص184:« و الواجب النفسی: ما یکون مطلوبا لنفسه، و الغیری: ما یکون مطلوبا لأجل غیره أی: لحصول الغیر و الإتیان به.» و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص80:« و ینقسم الواجب باعتبارٍ آخرَ إلی نفسی و غیری فالواجب النفسی ما تعلّق الطلب به لنفسه و الواجب الغیری ما تعلق الطلب به للوصلة إلی غیره».

إذ المطلوب النفسی قلما یوجد فی الأوامر، فإنّ جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها، فالتعریف بالنسبة إلی الواجب النفسی غیر منعکس و بالإضافة إلی الواجب الغیری غیر مطردّ. ((1))

الثانی: تعریف الشیخ الأنصاری (قدس سره)
اشارة

((2))

الأولی فی تحدیدهما هو أن یقال: إنّ الواجب النفسی ما أُمر به لا لأجل التوصّل إلی واجب آخر و الواجب الغیری ما أُمر به للتوصّل إلی واجب آخر.

ثمّ إنّ الواجب النفسی قسمان:

الأوّل: ما کان الداعی محبوبیة الواجب بنفسه کالمعرفة بالله تعالی.

الثانی: ما کان الداعی محبوبیة الواجب بما یترتّب علیه من فائدة کأکثر الواجبات من العبادات و التوصّلیات.((3))

ص: 330


1- فی مطارح الأنظار (ط.ج)، ج1، ص330 و (ط.ق)، ص66:« فاعلم أنّه قد فسّر فی کلام غیر واحد منهم الواجب النفسی بما أمر به لنفسه و الغیری بما أمر به لأجل غیره و علی ما ذکرنا فی التمهید یلزم أن یکون جمیع الواجبات الشرعیة أو أکثرها من الواجبات الغیریة، إذ المطلوب النفسی قلّ ما یوجد فی الأوامر، بل جلّها مطلوبات لأجل الغایات التی هی خارجة عن حقیقتها، فیکون أحدهما غیر منعکس، و یلزمه أن یکون الآخر غیر مطّرد، لانتفاء الواسطة».
2- مطارح الأنظار ( ط.ج): ج 1، ص 331 و (ط.ق): ص66.
3- فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص329 و (ط.ق)، ص66:« ینقسم الواجب باعتبار إختلاف دواعی الطلب علی وجه خاصّ- کما ستعرفه- إلی غیری و نفسی. و تحقیق القول فی تحدیدهما موقوف علی تمهید، و هو: أنّ متعلّق الطلب: قد یکون أمرا مطلوبا فی ذاته علی وجهٍ یکفی فی تعلّق الطلب تصوّره من غیر حاجة إلی غایة خارجة عن حقیقة المطلوب، فلابدّ أن یکون ذلک غایة الغایات، فإذن هو الداعی إلی کلّ شی ء و هو المدعوّ بنفسه، کما فی المعرفة باللّه الکریم و التقرّب إلیه بارتکاب ما یرضیه و الإجتناب عمّا یسخطه، فإنّه هو الباعث علی فعل الطاعات و الداعی إلی ترک المناهی و السیئات، و یلزمه أن یکون المطلوب فی الأمر حصوله فی نفسه، لا حصوله لأجل ما یترتّب علیه. و قد یکون أمراً یترتّب علیه فائدة خارجة عن حقیقة المطلوب، و هذا یتصوّر علی وجهین: أحدهما: أن یکون ما یترتّب علیه أمرا لایکون متعلّقا لطلب فی الظاهر، فیکون من قبیل الخواصّ المترتّبة علی الأفعال التی لیست داخلة تحت قدرة المکلّف حتّی یتعلّق الأمر بها بنفسها. و ثانیهما: أن یکون الغایة الملحوظة فیه تمکّن المکلّف من فعل واجب آخر، فالغایة فیه هو الوصول إلی واجب آخر بالأخرة و إن کانت الغایة الأوّلیة هو التمکّن المذکورالخ».
إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی تعریف الشیخ (قدس سره)

((1)):

إنّ الواجب الذی یکون الداعی فیه محبوبیته بما یترتّب علیه من الفائدة یکون واجباً غیریاً و الوجه فی ذلک هو أنّ الفوائد المترتّبة علی القسم الثانی من الواجب النفسی مطلوبة للمولی بحیث لولا وجوده هذه الفوائد لما دعی إلی إیجاب ذی الفائدة فمطلوبیة القسم الثانی من الواجب النفسی إنّما هی للتوصّل إلی هذه الفوائد التی یجب تحصیلها، فالقسم الثانی واجب لأجل التوصّل إلی واجب آخر فعاد الإشکال.

دفاع عن الشیخ (قدس سره):

إنّ هذه الفوائد التی تترتّب علی القسم الثانی من الواجب النفسی لیست متعلّقة للوجوب، لأنّها خارجة عن حیز قدرة المکلّف فلایصحّ تعلّق التکلیف بها.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

هی داخلة تحت القدرة لدخول أسبابها تحتها و القدرة علی السبب قدرة علی

ص: 331


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، المقصد الأول الأوامر، فصل فی مقدمة الواجب، الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب، و منها تقسیمه إلی النفسی و الغیری، ص107.

المسبّب و لذا یتعلّق الأمر بالتطهیر المسبّب عن الغسل و الوضوء، فالإشکال الذی أورده علی تعریف المشهور یتوجّه إلی تعریفه أیضاً. ((1))

الثالث: تعریف صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ الواجب النفسی هو ما کان وجوبه لأجل حسنه فی حدّ ذاته، سواء کان مقدّمة لأمر مطلوب واقعاً أم لم یکن.

و الواجب الغیری ما کان وجوبه لأجل حسن غیره، سواء کان فی نفسه معنوناً بعنوان حسن کالطهارات الثلاث أم لم یکن. (کما ورد «الوضوء نور» فإنّ وجوب الوضوء لأجل الصلاة وجوب غیری و إن کان الوضوء فی نفسه معنوناً بعنوان حسن و هو نورانیته، فإنّ نورانیة الوضوء بنفسه لیست ملاک وجوبه الغیری).

إیرادات أربعة علیه:
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((3))

لازم ذلک إرجاع جمیع الواجبات النفسیة إلی واجب واحد و هکذا فی المحرّمات توضیحه هو أنّ العناوین الحسنة أو القبیحة علی نحوین:

ص: 332


1- کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، ص108.
2- فی کفایة الأصول( ط. آل البیت )، ص108،بعد إیراد الإشکال علی القسم الثانی من الواجب النفسی عند الشیخ قال:« فالأولی أن یقال: إنّ الأثر المترتب علیه و إن کان لازما إلّا أنّ ذا الأثر لمّا کان معنونا بعنوان حسن یستقل العقل بمدح فاعله بل و بذم تارکه صار متعلقاً للإیجاب بما هو کذلک و لاینافیه کونه مقدمة لأمر مطلوب واقعا بخلاف الواجب الغیری لتمحض وجوبه فی أنّه لکونه مقدمة لواجب نفسی و هذا أیضا لاینافی أن یکون معنونا بعنوان حسن فی نفسه إلّا أنّه لا دخل له فی إیجابه الغیری».
3- نهایة الدرایة، ج2، ص103.

النحو الأوّل: ما هو حسن بالذات أو قبیح بالذات کعنوان العدل و الإحسان فی الحسن الذاتی و کعنوان الظلم و الجور فی القبح الذاتی.

النحو الثانی: ما هو حسن أو قبیح بالعرض کغیر العناوین المتقدّمة من سائر العناوین.

و بعبارة أُخری: إنّ العنوان الحسن أو القبیح قد لایتّصف بالحسن و القبح إذا طرأ علیه عنوان آخر یمنع عن اتّصافه بالحسن أو القبح، کعنوان الصدق و الکذب إذا طرأ علیهما عنوان قتل المؤمن أو إنجاؤه، و هذا عنوان عرضی لقبوله طرو المانع.

و قد لایقبل طرو عنوان آخر یزیل حسنه أو قبحه کعنوان العدل و الظلم فهذا عنوان ذاتی.

و من الواضح أنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات، فجمیع الواجبات النفسیة (إذا کانت واجبة نفسیة من حیث عنوان حسن) لابدّ من أن تنتهی إلی عنوان واحد و کذلک المحرّمات النفسیة کلّها مصادیق واجب واحد أو محرّم واحد بملاک و عنوان واحد، لأنّ عناوینها الحسنة و القبیحة لابدّ من أن تنتهی إلی عنوان ذاتی، فالعنوان الحسن أو القبیح ینحصر فی العنوان الذاتی و إرجاع جمیع الواجبات النفسیة إلی واجب واحد و جمیع المحرّمات النفسیة إلی محرّم واحد مما لایمکن الالتزام به.

لایقال: العنوان الحسن و القبیح لاینحصر فی العنوان الذاتی الذی لایقبل طرّو المانع بل ما بالذات تارة بنحو العلیة و أُخری بنحو الاقتضاء و الواجبات النفسیة و المحرّمات النفسیة لعلّها من قبیل الثانی(أی من قبیل الاقتضاء) فحسنها باعتبار ذواتها و إن کانت قابلة لطرو المانع.

ص: 333

لأنّا نقول: هذا المعنی و إن کان مشهوراً، لکنّه لا أصل له حسبما یقتضیه الفحص و البرهان إذ لا علیة ولا اقتضاء للعنوان بالإضافة إلی حکم العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه.

بل المراد بما بالذات و ما بالعرض أنّ العنوان إذا کان بنفسه مع قطع النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر محکوماً عند العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه لما فیه من المصلحة العامة أو المفسدة العامة کان حسناً أو قبیحاً بالذات و إذا لم یکن بنفسه محکوماً بأحدهما بل باعتبار اندارجه تحت ما کان بنفسه کذلک کان حسناً أو قبیحاً بالعرض.

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) أیضاً

((1))

إنّ جهة الحسن التی هی موجبة لمدح العقلاء غیر الجهة الموجبة لإیجاب الشارع.

توضیح ذلک هو: أنّ قضیة حسن العدل و قبح الظلم من القضایا المشهورة التی اتّفقت علیها آراء العقلاء حفظاً للنظام و إبقاء للنوع فلا منافاة بین الحسن الذاتی عند العقلاء و عدم المحبوبیة الذاتیة عند الشارع لأنّ الجهة الموجبة لمدح العقلاء لا دخل لها بالجهة الموجبة لإیجاب الشارع.

مثلاً: إنّ الصلاة و إن کانت حسنة عند العقلاء من حیث إنّها تعظیم - و هو عنوان حسن فإنّه عدل- و تعظیم العبد لمولاه من مقتضیات الرقیة و رسوم العبودیة فیکون به النظام محفوظاً و النوع باقیاً، إلّا أنّها غیر محبوبة للشارع من

ص: 334


1- نهایة الدرایة،ج2، ص104.

هذه الجهة، بل من جهة استکمال العبد بها و زوال الأخلاق الرذیلة منه بها فیستعدّ لقبول نور المعرفة و أین إحدی الجهتین من الأُخری؟

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)

((1))

إنّ حسن الأفعال الواجبة المقتضی لإیجابها إن کان ناشئاً من مقدّمیتها لما یترتّب علیها من المصالح و الفوائد اللازمة فالإشکال باق علی حاله و إن کان ثابتاً فی حدّ ذاتها مع قطع النظر عما یترتّب علیها فلازم ذلک أن لایکون شیء من الواجبات النفسیة متمحّضاً فی الوجوب النفسی و ذلک لاشتمالها علی ملاکین: النفسی (و هو حسنها الذاتی) و الغیری (و هو کونها مقدّمة لواجب آخر، نظیر صلاة الظهر حیثه إنّها واجبة لنفسها و مقدّمة لواجب آخر أیضاً و هی صلاة العصر).

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ دعوی الحسن الذاتی فی جمیع الواجبات النفسیة دعوی جزافیة لأنّ جلّ الواجبات النفسیة لم تکن حسنة بذاتها و فی نفسها کالصوم فإنّ ترک الأکل و الشرب فی نهار شهر رمضان لیس فی نفسه حسناً و الحسن الذاتی فی بعض الأفعال کالسجود غیر هذا الحسن العقلی.

الرابع: تعریف المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّه لا ریب فی أنّ کلّ ما بالعرض ینتهی إلی ما بالذات مثلاً إذا أراد الإنسان

ص: 335


1- أجودالتقریرات، ج1، ص244.
2- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص216و (ط.ق)، ج2، ص384.
3- نهایة الدرایة، ج2، ص101.

اشتراء اللحم، فلامحالة یکون لغرض و هو طبخه و الغرض من طبخه أکله و الغرض منه إقامة البدل لما یتحلّل من البدن و الغرض منه إبقاء الحیاة و الغرض منه إبقاء وجوده و ذاته، فغایة جمیع الغایات للشوق الحیوانی ذلک و إذا کان الشوق عقلانیاً فغایة بقائه إطاعة ربّه و التخلّق بأخلاقه و ینتهی ذلک إلی معرفته تعالی.

فجمیع الغایات الحیوانیة ینتهی إلی غایة واحدة و هی ذات الشخص الحیوانی و جمیع الغایات العقلانیة ینتهی إلی غایة الغایات و مبدأ المبادی جلّ شأنّه هذا کلّه فی الإرادة التکوینیة.

و أمّا الإرادة التشریعیة، فإنّ حقیقتها إرادة الفعل من الغیر، و من الواضح أنّ الإنسان لو أراد اشتراء اللحم من زید فالغرض منه و إن کان طبخه، لکنه غیر مراد منه، بل لعلّ الطبخ مراد من عمرو و إحضاره فی المجلس مراد من بکر و هکذا.

فلاتنافی بین کون الشیء مراداً من أحد و الغرض منه غیر مراد منه و إن کان الغرض مقصوداً من الفعل لترتّبه علیه، فالاشتراء مراد بالذات من زید و مقدّماته مرادة بالعرض منه و إن لم یکن الغرض من اشتراء اللحم نفسه بل ینتهی الغرض إلی شخص الآمر حیث یرید إبقاء حیأته و إبقاء وجوده و ذاته.

و منه یعلم حال الصلاة و سائر الواجبات النفسیة، فإنّ الغرض من الصلاة و إن کانت مصلحتها، إلّا أنّها غیر مرادة من المکلّف لا بالعرض و لا بالذات، بل المراد بالذات من المکلّف نفس الصلاة.

و جمیع آثار الواجب النفسی من کونه محرّکاً و مقرّباً و موجباً لاستحقاق الثواب علی موافقته و العقاب علی مخالفته یترتّب علی هذه الواجبات النفسیة مثل الصلاة.

ص: 336

[فتحصل من ذلک أنّ الواجب النفسی هو ما یکون مراداً بالذات من المکلّف و إن کان الغرض منه أمراً آخر غیر مراد من المکلّف و الواجب الغیری هو ما یکون مراداً بالعرض لأجل الإیصال إلی ما یکون مراداً بالذات من المکلّف].

أورد علیه بعض الأساطین:

((1))

أوّلاً: إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لایجدی فی الشرعیات، نعم إنّ الغرض فی المثال العرفی الذی أفاده مطلوب من شخص آخر لأنّ المولی أمر زیداً بشراء اللحم و عمراً بطبخه، و لکن الغرض فی الشرعیات مطلوب من نفس المخاطب بالأمر مثلاً إذا أمر الشارع زیداً بإتیان الصلاة فالمطلوب هو الانتهاء من الفحشاء و المنکر و هذا الأثر مطلوب من نفس زید لا من عمرو.

ثانیاً: إنّ ما أفاده لایجدی فی العرفیات أیضاً لأنّ الغرض من اشتراء زید اللحم هو طبخ اللحم الذی أراده المولی من عمرو و الغرض منه هو الأکل و لمّا کان الغرض مقدوراً للمکلّف فیجوز أن یتعلّق به الأمر فیکون واجباً نفسیاً فیصدق تعریف الواجب الغیری علی اشتراء اللحم لأنّه واجب للإیصال إلی واجب آخر فیکون الواجب النفسی واجباً غیریاً فعاد الإشکال.

یلاحظ علیه:

أما ما أفاده فی الإیراد الأوّل ففیه أنّ الغرض فی الشرعیات مطلوب للمولی تکویناً و لکن لیس مراداً من نفس المخاطب لا بالإراده التشریعیة الذاتیة ولا بالإرادة التشریعیة العرضیة و ما مثّل به هو لتفهیم إمکان تعلّق الأمر بالشیء و

ص: 337


1- تحقیق الأصول، ج3، الواجب النفسی و الغیری، طریق المحقّق الأصفهانی، ص17.

توجّهه إلی الشخص الأوّل مع أنّ الغرض من الأمر غیر مراد منه، و الشاهد علیه هو أنّا لو فرضنا عدم ترتّب هذا الغرض علی فعل الصلاة (مثل الصلاة التی لا روح لها و صلّاها المکلّف بلا حضور القلب) لایسقط وجوبها.

و أما ما أفاده فی الإیراد الثانی ففیه أنّ طبخ اللحم فی المثال المذکور لیس مقدوراً لزید کما أنّ أکل المولی اللحم لیس مقدوراً لعمرو فالمراد بالذات من زید هو الاشتراء و من عمرو هو الطبخ.

الخامس: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الأغراض و الغایات المترتّبة علی تلک الواجبات النفسیة علی ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بلا توسط أمر بینهما لا أمر اختیاری ولا أمر غیر اختیاری مثل ترتّب الزوجیة علی العقد و القتل علی الضرب و هکذا فلا مانع من تعلّق التکلیف بها لأنّها مقدورة بواسطة القدرة علی سببها.

الثانی: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بتوسط أمر اختیاری مثل الصعود علی السطح بواسطة نصب السلّم و هنا أیضاً لا مانع من تعلّق التکلیف بالغرض بملاک أنّ الواسطة مقدورة.

الثالث: ما یترتّب علی الفعل الخارجی بتوسط أمر خارج عن اختیار الإنسان فتکون نسبة الفعل إلی الغرض نسبة المعِدّ إلی المعَدّ له لا نسبة السبب إلی المسبّب کحصول الثمر علی الزرع حیث یتوقف علی مقدمات خارجة عن قدرة الإنسان، وهنا لایمکن تعلّق التکلیف بهذا الغرض الأقصی.

ص: 338


1- أجود التقریرات، ج1، ص243.

و ما نحن فیه من هذا القبیل فإنّ نسبة الأفعال الواجبة إلی ما یترتّب علیها من المصالح و الأغراض نسبة المعِدّ إلی المعَدّ له حیث تتوسط بینهما أُمور خارجة عن اختیار المکلّف، و علیه لایمکن تعلّق التکلیف بتلک المصالح و الغایات لخروجها عن تحت قدرة المکلّف.

ناقشه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده بالنسبة إلی الغرض الأقصی صحیح فإنّ نسبة النهی عن الفحشاء و أفعال الصلاة لیست نسبة العلّیة بل الصلاة معدّ و النهی عن الفحشاء هو المعدّ لها إنّ النهی عن الفحشاء هو الغرض القریب فمن صلّی مع حضور القلب یترتب علیه ذلک، أمّا المعراج (الصلاة معراج المؤمن) و القربان المطلق و بعض مراتب القرب فتعد من الغرض الأقصی، لأنّ ترتّب هذا الغرض الأقصی علی الصلاة متوقّف علی مقدّمة أُخری خارجة عن اختیار المکلّف، لکن هذا لایتمّ بالإضافة إلی الغرض القریب لأنّ الغرض القریب له حیثیة الإعداد للوصول إلی الغرض الأقصی، و ترتّب الغرض القریب علی الأفعال الصلاتیة ترتّب المعلول علی علّته و المسبّب علی سببه، فلا مانع من تعلّق التکلیف بالغرض القریب لأنّه مقدور للمکلّف بواسطة القدرة علی سببه و علی هذا یبقی إشکال دخول الواجبات النفسیة فی تعریف الواجب الغیری.

و مثّل له بالأمر بالزرع فی الأرض فإنّ الغرض الأقصی منه و هو حصول النتاج خارج عن اختیار المکلف لکن الغرض القریب و هو إعداد المحلّ لحصول النتاج داخل تحت اختیاره لوجود القدرة علی سببه.

ص: 339


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص218و(ط.ق): ج2، ص385.
السادس: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

أمّا بناء علی نظریة صاحب المعالم (قدس سره) ((2)) من أنّ الأمر بالمسبّب عین الأمر بالسبب فیکون جمیع الأفعال واجباً بالوجوب النفسی، فلیس هنا واجب آخر لیکون وجوبها لأجل ذلک الواجب فیکون غیریاً.

و أمّا بناء علی نظریة المشهور و هو الحقّ (من أنّ السبب کسائر المقدّمات لیس واجباً نفسیاً) فلأنّ المصالح و الغایات المترتّبة علی الواجبات لیست قابلة لتعلّق التکلیف بها، فإنّ تعلّق التکلیف بشیء یرتکز علی أمرین:

الأوّل: أن یکون مقدوراً للمکلّف و الثانی: أن یکون أمراً عرفیاً و قابلاً لأن یقع فی حیز التکلیف بحسب أنظار العرف و تلک المصالح و الأغراض و إن کانت مقدورة له للقدرة علی أسبابها، إلّا أنّها لیست مما یفهمه العرف العام لأنّها من الأُمور المجهولة عندهم و خارجة عن أذهان عامّة الناس فلایحسن توجیه التکلیف إلیها ضرورة أنّ العرف لایری حسناً فی توجّه التکلیف بالانتهاء من الفحشاء أو بإعداد النفس للانتهاء عن کل أمر فاحش فیتعلّق الوجوب النفسی بنفس الأفعال دون غایاتها.

إیراد بعض الأساطین علی کلام المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

إنّ ما ذهب إلیه من أنّ تلک المصالح و الأغراض لیست مما یفهمه العرف العام بل تکون أُموراً مجهولة عندهم ممنوع، حیث إنّ هذه الأغراض قد أُشیر

ص: 340


1- المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص218و(ط.ق)، ج2، ص386.
2- معالم الدین، ص61-62.
3- تحقیق الأصول، ج3، الواجب النفسی و الغیری، إشکال المحاضرات،ص14.

إلیها فی القرآن الکریم مثل غرض الصلاة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ)((1))و قد أُشیر إلیها فی الروایات مثل ما ورد من أنّ الزکاة تطهیر للنفس و توفیر للمال مع أنّ الشارع لایخاطب العرف العام بما لایفهمون، فما أفاده مخالف لبیانیة آیات الکتاب المبین و تفسیریة الروایات، هذا أوّلاً.

و ثانیاً: ما ذهب إلیه مخالف لطریقة الشارع فی خطاباته حیث إنّه لایخاطب العرف بما لایفهمون.

نعم إنّ العرف العام و الخاص لایعلم کیفیة ترتّب الأغراض و الغایات علی الأفعال و الواجبات النفسیة المذکورة و لکن لیس معنی ذلک مجهولیة الأغراض بل هذا مجهولیة سرّ ترتّب الأغراض علی الواجبات النفسیة.

ص: 341


1- العنکبوت: 45.
الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟
اشارة

فیه مقامان:

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی
اشارة

مقتضی الأصل الوجوب النفسی و فی تقریر ذلک نظریات:

الأُولی: نظریة الشیخ (قدس سره)

إنّ الشیخ (قدس سره) یقول باستحالة رجوع القید إلی الهیأة و لزوم رجوعه إلی المادّة ولذا یمکن التمسک بالإطلاق بوجهین:((1))

الوجه الأوّل: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من الجملة الاسمیة مثل قوله (علیه السلام): غسل الجمعة فریضة من فرائض الله؛ و هنا یتمسک بإطلاق هذه الجملة لإثبات کون الوجوب نفسیاً و إلّا لنصب قرینة علی الغیریة لأنّه فی مقام البیان لم ینصب قرینة علی الغیریة فالإطلاق یقتضی عدم غیریة الوجوب.

الوجه الثانی: فیما إذا کان الوجوب مستفاداً من صیغة الأمر فحیث لم یمکن الإطلاق فی ناحیة الهیأة فلابدّ من التمسّک بالإطلاق فی ناحیة المادّة و بیان ذلک هو أنّ المولی کان فی مقام البیان و لم ینصب قرینة علی تقیید الواجب النفسی بوجود شیء مقدّمی مثلاً شککنا فی تقیید الصلاة بالوضوء علی الفرض فلو لم ینصب قرینة علی هذا التقیید نتمسّک بإطلاق الصلاة و لازم ذلک هو عدم کون الوضوء واجباً غیریاً و هذا اللازم حجّة، لأنّ مثبتات الأُصول اللفظیة حجّة.

ص: 342


1- کما قرره المحقّق الخوئی فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص221و(ط.ق): ج2، ص388 علی مبنی الشیخ.
الثانیة: نظریة المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

لابدّ من التمسّک بإطلاق الهیأة، لأنّ الهیأة و إن کانت موضوعة للأعمّ من الوجوب النفسی و الغیری إلّا أنّ الغیری یحتاج إلی مؤونة زائدة لأنّ تقیید وجوب شیء بما إذا وجب غیره یحتاج إلی مؤونة زائدة و حیث لم ینصب قرینة علی ذلک و لم یقیده فمقتضی الإطلاق هو الوجوب النفسی.

إیراد الشیخ (قدس سره) علی نظریة المشهور:

((2))

لا وجه للاستناد إلی إطلاق الهیأة لأنّ مفاد الهیأة هی الأفراد التی لایعقل فیها التقیید لأنّ التقیید عبارة عن التضییق و مفاد الهیأة هو مصداق الطلب و واقعه لا مفهوم الطلب فإنّ مفهوم الطلب قابل للتقیید و التضییق إلّا أنّ مفاد الهیأة لیس مفهوم الطلب و الوجه فی ذلک هو أنّ الأمر هو الطلب الحقیقی و هذا یقتضی أن یکون مفاد الهیأة هو واقع الطلب و مصداقه.

جوابان عن هذا الإیراد:
الجواب الأول: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ الطلب علی قسمین: طلب حقیقی و طلب إنشائی و الطلب الحقیقی هو

ص: 343


1- فی کفایة الاصول (ط.آل البیت)، ص108:« ثم إنّه لا إشکال فیما إذا علم بأحد القسمین و أمّا إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فالتحقیق أنّ الهیأة و إن کانت موضوعة لما یعمّهما إلّا أّن إطلاقها یقتضی کونه نفسیا فإنّه لو کان شرطا لغیره لوجب التنبیه علیه علی المتکلم الحکیم».
2- مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص330 و (ط.ق): ص67، الهدایة 11 من القول بوجوب المقدّمة.
3- کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، فصل فی مقدمة الواجب، و منها تقسیمه إلی النفسی و الغیری، ص89.

ما یکون بالحمل الشائع طلباً و الطلب الإنشائی هو مفهوم الطلب لأنّ الوجود الإنشائی لکلّ شیء لیس إلّا قصد حصول مفهوم بلفظه.

أمّا الطلب الحقیقی فلایمکن أن یکون مفاد الهیأة لأنّ الطلب الحقیقی من الصفات الخارجیة القائمة بالنفس و لایمکن إنشاؤه باللفظ لأنّ الأمر القائم بالنفس لایمکن إنشاؤه باللفظ فإنّ صیغة افعل إنشاء و مفاد الهیأة طلب إنشائی و هو مفهوم الطلب و هو قابل للإطلاق و التقیید فما لیس قابلاً للإطلاق و التقیید هو الطلب الحقیقی. فما أفاده الشیخ (قدس سره) مبنی علی اشتباه المفهوم بالمصداق.

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی جواب صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ مفاد الجملة خبریة کانت أو إنشائیة لیس إلّا النسبة دون أطرافها، إلّا أنّ المعانی الحرفیة (و منها مفاد الهیآت) علی قسمین:

القسم الأوّل: المعانی الحرفیة التی تکون حقائقها حقیقة النسبة کنسبة الظرف إلی المظروف و نسبة العرض إلی معروضه و النسبة الحکمیة الاتحادیة بین الموضوع و محموله و الوجود الرابط فی القضیة الإیجابیة المرکّبة.

القسم الثانی: المعانی الحرفیة التی تکون معان نسبیة، کالبعث و التحریک فإنّهما بذاتهما معنیان قابلان للحاظ الاستقلالی، لکنه إذا لوحظ البعث من حیث إنّه أمر بین الباعث و المبعوث و المبعوث إلیه فقد لوحظ علی وجه الآلیة و النسبیة و هیأة الأمر نزلت منزلة هذه النسبة الخاصة، فلامنافاة بین کون البعث مفهوماً اسمیاً و کونه مأخوذاً بنحو الآلیة و النسبیة و هو بالاعتبار الثانی قابل

ص: 344


1- تعلیقة نهایة الدرایة، ج 2، فصل: مقدمة الواجب،[فی الواجب النفسی و الغیری]، ص، 108.

للإنشاء و من یقول بإنشاء مفهوم الطلب لیس غرضه إنشاءه بما هو مفهوم اسمی، بل بما هو أمر بین الطالب و المطلوب و المطلوب منه.

الجواب الثانی عن إیراد الشیخ (قدس سره) للمحقق الإصفهانی:

((1))

إنّه لایترقّب من الإنشاء إیجاد الشیء حقیقة بل المراد من إنشاء الإرادة النفسانیة الموجودة هو أن یتحقّق لها وجود إنشائی کما یکون لها وجود حقیقی، فلابدّ من إقامة البرهان علی أنّ الموجود الحقیقی غیر قابل لأن یوجد بوجود إنشائی.

بیان ذلک هو أنّ الوجود الإنشائی وجود عرضی للشیء، و لا منافاة بین کون الشیء موجوداً بالحقیقة و موجوداً بالعرض ولایلزم من هذا الوجود الإنشائی عروض الوجود علی الوجود، بل الوجود الإنشائی هو إیجاد طبیعی المعنی بالعرض لینتقل من الموجود بالذات (و هو اللفظ) إلی الموجود بالعرض (و هو معناه) فلابدّ من أن یکون سنخ الموضوع له و المستعمل فیه «طبیعی المعنی» و الوجه فی ذلک هو أنّ الموجود خارجیاً کان أو ذهنیاً غیر قابل لأن یکون انتقالیاً، إذ الانتقال لیس إلّا وجوده الذهنی، و الموجود بما هو لایعقل أن یعرضه الوجود الذهنی.

و هذا هو السّر فی عدم قابلیة الإرادة النفسانیة بحقیقتها للوجود الإنشائی، لأنّ الموجود الحقیقی النفسانی لایقبل الوجود الإنشائی أمّا طبیعی المعنی الذی هو موجود بالوجود النفسانی قابل لأن یوجد بالوجود الإنشائی.

ثم إنّ مفاد الصیغة و ما هو المنشأ من سنخ المعنی لا من سنخ الوجود و لذا

ص: 345


1- تعلیقه نهایة الدرایة، ج 2، فصل: مقدمة الواجب،[فی الواجب النفسی و الغیری]، ص، 108.

قلنا: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام الإیراد علی الشیخ (قدس سره) من أنّ ایراد الشیخ (قدس سره) مبنی علی اشتباه المفهوم بالمصداق متین.

و هذا هو الإشکال الذی یتوجّه علی الشیخ (قدس سره) .

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)

((1))

إنّ الواجب النفسی علی ما فسّره المشهور هو الواجب لا لواجب آخر و الغیری هو الواجب لواجب آخر فالواجب النفسی مقید بأمر عدمی و الواجب الغیری مقید بأمر وجودی، و القید وجودیاً کان أو عدمیاً یحتاج إلی البیان.

لکن الأمر فی القید العدمی أسهل لأنّ عدم البیان للأمر الوجودی عند العرف کاف فی بیان القید العدمی فإذا لم یقید الواجب بکونه لواجب آخر فهذا یکفی فی إثبات أنّه لیس لواجب آخر، فالإطلاق یدلّ علی کون الواجب نفسیاً إلّا أنّه لا مانع من أن یکون هذا الواجب النفسی (أی الوضوء) بدلیله مقدّمة لذلک الغیر (أی الصلاة) فلابدّ فی رفع المقدّمیة و عدم التقیید للغیر من إطلاق ذلک الغیر (أی الصلاة).

الرابعة: نظریة المحقّق الإیروانی (قدس سره)

((2))

إنّ المحقّق الإیروانی (قدس سره) یقول: إنّ الإطلاق الأحوالی یجری بالنسبة إلی الوجوب الذی أمره مردّد بین النفسیة و الغیریة، فإنّ وجوب الوضوء له حالتان: حالة وجوب الصلاة و حالة عدمه و مقتضی الإطلاق الأحوالی عدم تقییده بحالة وجوب الصلاة فالنتیجة هی نفسیة وجوب الوضوء.

ص: 346


1- نهایة الدرایة، ج2، ص109.
2- نهایة النهایة، ج1، ص156؛ و اختاره بعض الأساطین (حفظه الله) راجع تحقیق الأُصول، ج3، ص24.

و هذا الإطلاق الأحوالی غیر الإطلاق الأفرادی فإنّ الإطلاق الأحوالی جار فی المقام سواء قلنا بمقالة الشیخ (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو فرد الطلب) أم قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب).

أمّا الإطلاق الأفرادی فیجری علی مقالة صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب لأنّ مفهوم الطلب یقبل الإطلاق الأفرادی و لکنّه لایجری علی مقالة الشیخ (قدس سره) لأنّ مفاد الهیأة عنده هو فرد الطلب و مصداقه و هو لایقبل الإطلاق و التقیید الأفرادی.

ثم إنّ الإطلاق الأفرادی موضوعه الطبیعة اللابشرط بالنسبة إلی خصوصیات الأفراد فیکون شاملاً لجمیع الأفراد و مفهوم الطلب یقبل هذا الإطلاق الأفرادی إلّا أنّه لایجری فی المقام لأنّ الوجوب فی المقام إمّا نفسی و إمّا غیری و لا معنی لإطلاقه بالنسبة إلی کلا الفردین فعلی هذا إنّ الإطلاق الأفرادی لایجری بناء علی مقالة الشیخ (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مصداق الطلب و فرده) و لایجدی بناء علی مقالة صاحب الکفایة (قدس سره) (من أنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب) لأنه لا فائدة فی إطلاق مفهوم الطلب و کونه أعمّ من الفرد النفسی و الفرد الغیری بل الوجوب إمّا نفسی و إمّا غیری.

فلو أراد صاحب الکفایة (قدس سره) الإطلاق الأُصولی فلابدّ له أن یجیب عن الشیخ (قدس سره) بأنّ الإطلاق الأحوالی جار فی المقام سواء قلنا بأنّ مفاد الهیأة هو مفهوم الطلب أم مصداقه، لکنّه تسلّم عدم قبول مصداق الطلب و فرده للإطلاق و التقیید فیفهم من ذلک أنّ الإطلاق عند صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً هو الإطلاق الأفرادی.

ص: 347

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی
اشارة

و فیه نظریات:

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ وجوب الغیر (مثل الصلاة) الذی هو نفسی (و شککنا فی أنّ هذا الوجوب المشکوک لکونه مقدّمة له فیکون غیریاً أو عدم کونه مقدّمة له فیکون نفسیاً) إمّا فعلی و إمّا غیر فعلی.

أمّا إذا کان فعلیاً فلابد من الإتیان بما نشک فی مقدّمیته للعلم بوجوبه إمّا نفسیاً (إذا فرضنا عدم کونه مقدّمة) و إمّا غیریاً (إذا فرضنا مقدّمیته) فهنا لابدّ من امتثاله.

و أمّا إذا لم یکن فعلیاً فنشک فی فعلیة وجوب هذا الأمر المشکوک لأنّه علی تقدیر مقدمیته فوجوبه الغیری غیر فعلی فی هذا الفرض و علی تقدیر عدم مقدمیته فوجوبه النفسی یکون فعلیاً فعلی هذا فعلیته مشکوکة و الشک البدوی مجری البراءة.

إیراد المحقق الإیروانی (قدس سره) علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ فی صورة العلم بوجوب ذلک الغیر إمّا یکون الوجوب فعلیاً فیجری الاشتغال و إمّا یکون غیر فعلی فقال صاحب الکفایة (قدس سره) بالبراءة و لکنّه لابدّ من

ص: 348


1- کفایة الأصول (ط.آل البیت)، فصل فی مقدمة الواجب، و منها تقسیمه إلی النفسی و الغیری، ص110.
2- نهایة النهایة، ج1، ص158.

التفصیل فی هذا الفرض لأنّ وجوب ذلک الغیر إذا کان غیر فعلی له صورتان:

الصورة الأُولی: أن لایکون مسبوقاً بالوجوب فحینئذ تجری البراءة کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) .

الصورة الثانیة: أن یکون مسبوقاً بالوجوب و لکنّه ارتفع فعلیته فحینئذ یحصل لنا العلم بأنّ ما شک فی نفسیته أو غیریته کان سابقاً واجباً إمّا بالوجوب النفسی أو بالوجوب الغیری فالحالة السابقة هو الوجوب و الآن وجوبه مشکوک بین مقطوع الزوال (إن کان وجوبه غیریاً) و مقطوع البقاء (إن کان وجوبه نفسیاً) فیکون صغری «استصحاب الکلّی القسم الثانی».

فعلی القول بعدم جریان الاستصحاب الکلّی فی القسم الثانی فالمرجع هی البراءة و علی القول بجریانه (کما هو الصحیح عنده) فهو أصل حاکم علی البراءة فلابدّ من إتیان ما نشک فی نفسیته أو غیریته.

جواب بعض الأساطین عن بیان المحقق الإیروانی (قدس سره):

((1))

إنّه یعتبر فی المستصحب أن لایکون التعبّد به لغواً و لذا لابدّ أن یکون المستصحب إمّا حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی أو موضوعاً للحکم العقلی و المستصحب فی الاستصحاب الکلّی هنا لیس حکماً شرعیاً لأنّ الحکم الشرعی إمّا هو الوجوب النفسی أو الوجوب الغیری، أمّا الجامع الانتزاعی بین الوجوب النفسی و الغیری فلیس حکماً شرعیاً و مجعولاً من قبل الشارع، و أیضاً إنّ المستصحب هنا لیس موضوعاً للحکم الشرعی کما هو واضح، و أیضاً إنّ المستصحب لیس موضوعاً للحکم العقلی لأنّ الجامع الانتزاعی إن

ص: 349


1- تحقیق الأصول، ج3،ص27.

کان بین الوجوبین النفسیین فیتحقّق موضوع حکم العقل باستحقاق العقاب و لکن الجامع الانتزاعی هنا بین الوجوب النفسی و الغیری، و الواجب الغیری غیر محکوم بحکم العقل باستحقاق العقاب علی ترکه فالاستصحاب الکلی هنا غیر تامّ.

الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الشک فی النفسیة و الغیریة: تارةً فی فرض العلم بوجوب ذلک الغیر فالأمر کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ البراءة تجری فی فرض عدم فعلیة وجوب ذلک الغیر بعدم دخول وقته، و أمّا فی فرض فعلیة وجوب ذلک الغیر بدخول وقته فلاتجری البراءة (فلابدّ من امتثاله).

و أُخری فی فرض عدم العلم بوجوب ذلک الغیر کما إذا دار الأمر بین أن یکون الطهارة واجبة نفسیاً أو واجبة غیریاً مقدّمة للصلاة، فالطهارة واجبة علی کل حال فإنّ المسألة حینئذ داخلة فی الأقل و الأکثر، و کما أنّ البراءة عن القید فی تلک المسألة لاتنافی وجوب ذات المقید، کذلک البراءة عن تقید الطهارة بوجوب الصلاة هنا لاتنافی وجوب الطهارة فعلاً.((2))

تصویر السید المحقّق الخوئی (قدس سره) صوراً أربع فی المسألة:
اشارة

تصویر السید المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) صوراً أربع فی المسألة:

إنّ هنا صوراً أربع لابدّ من البحث عنها:

ص: 350


1- نهایة الدرایة، ج2، ص109 هامش الکتاب.
2- سیجیء توضیحه ذیل الصورة الثانیة لنظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) راجع أجود التقریرات، ط.ق. ج1، ص171و(ط.ج)، ج1، ص248.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص222-226و(ط.ق): ج2، ص389-393.
أمّا الصورة الأُولی:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب شیء إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هو یعلم بأنّه لو کان واجباً غیریاً لم یکن وجوبه فعلیاً لعدم فعلیة وجوب ذی المقدّمة مثل التردید فی أنّ الوضوء واجب نفسی أو غیری مع علمه بعدم فعلیة الصلاة مثلاً لمانع مثل الحیض أو لعدم دخول وقته و هنا تجری البراءة عقلاً و نقلاً کما أنّ صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) أیضاً ذهبا إلی جریان البراءة.

أمّا الصورة الثانیة:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب شیء فعلاً إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هو یعلم بأنّه إن کان واجباً غیریاً فیکون وجوبه فعلیاً لفعلیة وجوب ذی المقدّمة و هذا مثل تحقّق النذر و التردید فی متعلّقه بین الوضوء و الصلاة فإن کان متعلّق النذر هو الوضوء فهو واجب نفسی و إن کان متعلّقه هو الصلاة فالوضوء واجب غیری فهنا العلم الإجمالی بالوجوب النفسی المردّد بین الوضوء و الصلاة محقّق، ولایمکن انحلال العلم الإجمالی حقیقة و لکن الانحلال الحکمی محقّق کما فی مسألة الأقلّ و الأکثر الارتباطیین.

توضیح ذلک: هو أنّ العلم الإجمالی إنّما یکون مؤثراً فیما إذا تعارض الأُصول فی أطرافه أمّا إذا لم تتعارض فیها فلا أثر له و هنا من هذا القبیل و الوجه فی ذلک هو أنّ البراءة فی المقام لاتجری بالنسبة إلی الوضوء للعلم التفصیلی بوجوبه و استحقاق العقاب علی ترکه سواء کان وجوبه نفسیاً أم غیریاً و حینئذ لا مانع من جریان أصالة البراءة فی ناحیة الصلاة للشک فی وجوبه و عدم قیام حجّة شرعیة علیه فالعقاب علی ترک الصلاة یکون عقاباً بلا بیان.

ص: 351

أمّا الصورة الثالثة:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب کل من الفعلین و شک فی تقیید أحدهما بالآخر مع علمه بتماثلهما من حیث الإطلاق و الاشتراط، مثل الشک فی تقیید الصلاة بالوضوء.

فقال المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) بالرجوع إلی أصالة البراءة عن التقیید (تقیید الصلاة بالوضوء) و النتیجة هی أنّ الوضوء واجب نفسی، ولایلزم إتیانها قبل الصلاة.

ولکن الحقّ هو أنّ أصالة البراءة عن التقیید معارض بأصالة البراءة عن وجوب الوضوء بوجوب نفسی.

بل العلم الإجمالی بأنّ الواجب إمّا نفسی و إمّا غیری موجود فهو مانع عن جریان أصالة البراءة عن النفسیة و الغیریة فلایمکن جریان الأصلین معاً لاستلزامه المخالفة القطعیة العملیة.

فالمرجع «قاعدة الاحتیاط» و هی تقتضی إتیان الوضوء أوّلاً ثم إتیان الصلاة.

أمّا الصورة الرابعة:

فهی أنّ المکلّف علم بوجوب کل من الفعلین و شک فی تقیید أحدهما بالآخر مع عدم علمه بتماثلهما من حیث الإطلاق و التقیید کما إذا علم باشتراط الصلاة بالوقت و شک فی اشتراط الوضوء بالوقت فإن کان الوضوء واجباً

ص: 352


1- أجود التقریرات، ج1، ص248.

نفسیاً فلایکون مشروطاً بالوقت و إن کان واجباً غیریاً فیکون الوضوء مشروطاً بالوقت.

و هنا ثلاث جهات نشک فیها:

الجهة الأُولی: نشک فی تقیید الصلاة بالوضوء و عدم تقییدها به.

الجهة الثانیة: نشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت.

الجهة الثالثة: نشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت.

الثالثة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث

((1))

إنّ المحقّق النائینی قال بجریان البراءة فی جمیع هذه الجهات الثلاث:

أمّا الجهة الأُولی: فنشک فی تقیید الصلاة بالوضوء و هو مجری البراءة فالنتیجة هی صحّة الصلاة بدون الوضوء و هی نتیجة النفسیة فی وجوب الوضوء.

أمّا الجهة الثانیة: فنشک فی وجوب الوضوء قبل الوقت الذی هو شرط لوجوب الصلاة فتجری البراءة و النتیجة هی نتیجة الغیریة فی وجوب الوضوء (حیث إنّه لو کان نفسیاً لکان واجباً قبل الوقت الذی هو شرط لوجوب الصلاة).

أمّا الجهة الثالثة: فنشک فی وجوب الوضوء بعد الوقت بالنسبة إلی من أتی به قبله و مرجع هذا الشک إلی أنّ وجوب الوضوء بعد الوقت مطلق أو مشروط بما إذا لم یؤت به قبله فتجری البراءة عن وجوب الوضوء بعد الوقت و النتیجة هی أنّ الوضوء واجب و المکلّف مخیر بین إتیانه قبل الوقت و بعد الوقت و قبل الصلاة و بعد الصلاة.

ص: 353


1- أجود التقریرات (ط.ج): ج1، ص248و، (ط.ق): ج1، ص171.
الرابعة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) حول الجهات الثلاث
اشارة

((1))

إنّ وجوب الوضوء إن کان نفسیاً فهو إمّا مقید بإیقاعه قبل الوقت و إمّا مطلق و إن کان غیریاً فهو مقید بما بعد الوقت علی کل تقدیر فهنا صورتان:

1- إنّه إمّا نفسی مقید بقبل الوقت أو غیری:

قال المحقّق النائینی (قدس سره) بجریان البراءة عن تقیید الصلاة بالوضوء و نتیجتها هی النفسیة.

و یرد علیه أنّه معارض بجریان البراءة عن وجوبه النفسی قبل الوقت و جریان البراءة بالنسبة إلی کلیهما مستلزم للمخالفة القطعیة العملیة لأنّ البراءة عن تقید الصلاة بالوضوء یوجب عدم وجوب الوضوء بعد الوقت (لأنّه براءة عن الوجوب الغیری و الوجوب الغیری للوضوء مقید ببعد الوقت) و البراءة عن الوجوب النفسی للوضوء یوجب عدم وجوبه قبل الوقت فجریان البراءة فی کلیهما مستلزم لعدم وجوب الوضوء قبل الوقت و عدم وجوبه بعد الوقت و هذا مخالف للعلم الإجمالی بأنّ الوضوء واجب إمّا نفسیاً أو غیریاً، و العلم الإجمالی هنا من التدریجیات لا الدفعیات بمعنی أنّا نعلم إجمالاً إمّا بوجوب الوضوء قبل الوقت لأنّه نفسی و إمّا بوجوب الوضوء بعد الوقت لأنّه غیری، و العلم الإجمالی فی التدریجیات منجّز کالعلم الإجمالی فی الدفعیات فلابدّ من «جریان الاحتیاط» لتنجیز العلم الإجمالی.

و المتحصّل هو أنّه لابدّ من الإتیان بالوضوء قبل الوقت، فإن بقی إلی ما بعده

ص: 354


1- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص227-228و(ط.ق)، ج2، ص393-394.

أجزأه من الوضوء بعده و لایجب علیه الإتیان ثانیاً، و إن لم یبق إلی ما بعد الوقت وجب علیه التوضّؤ ثانیاً بمقتضی الاحتیاط.

فالنتیجة هی نتیجة الحکم بالوجوب النفسی و الغیری معاً من باب الاحتیاط.

2- إنّه إمّا نفسی مطلق (بالنسبة إلی قبل الوقت و بعد الوقت) و إمّا غیری:

و هنا لا معنی لإجراء البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت لعدم احتمال تقیده بقبل الوقت و لأنّ الواجب النفسی فی هذا الفرض هو مطلق غیر مقید بقبل الوقت و البراءة تجری لرفع الضیق عن المکلّف لا رفع السعة و الإطلاق فلایمکن جریان البراءة عن وجوب الوضوء قبل الوقت فی هذا الفرض.

أمّا جریان البراءة عن وجوب الوضوء بعد الوقت فی هذا الفرض (أی الصورة الثانیة) فهو أیضاً لایمکن الالتزام به، لأنّ العقل یحکم بوجوب الوضوء بعد الوقت و ذلک للعلم الإجمالی بوجوب الوضوء إمّا نفسیاً و إمّا غیریاً و هذا العلم الإجمالی منجّز فیجب الاحتیاط. (هذا حکم الجهة الأولی و الثانیة من الجهات الثلاث).

نعم لو شککنا فی وجوب إعادة الوضوء بعد الوقت علی تقدیر کونه غیریاً أمکن رفعه بأصالة البراءة، و ذلک لأنّ تقیید الوضوء بما بعد الوقت یتوقف علی فرض کونه واجباً غیریاً و هو مشکوک فتجری البراءة منه؛ أمّا لو فرضنا وجوبه نفسیاً فهو إمّا مقید بقبل الوقت (کما هو الصورة الأُولی) و إمّا مطلق.

فما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جریان أصالة البراءة لایتمّ فی الجهتین الأُولیین و تامّ فی الجهة الأخیرة.

ص: 355

إیرادان علی نظریة المحقق الخوئی (قدس سره):
المناقشة الأُولی: ما أفاده فی تحقیق الأُصول
اشارة

((1))

إنّ العلم الإجمالی منجّز فی تمام الجهات الثلاث لأنّ العلم الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیری للوضوء مسبوق بعلم إجمالی مردّد بین الوجوب النفسی للوضوء أو الوجوب النفسی للصلاة و المقتضی لجریان الأصل فی طرف الوضوء و هکذا فی طرف الصلاة موجود فالأصلان یجریان و یتعارضان و یتنجّز العلم الإجمالی و یجب الاحتیاط.

ملاحظتنا علی هذا الإیراد:

إنّ العلم الإجمالی بالوجوب النفسی أو الغیری للوضوء غیر مسبوق بعلم إجمالی مردد بین الوجوب النفسی للوضوء و الوجوب النفسی للصلاة بل مفروض المسألة هو العلم التفصیلی بالوجوب النفسی للصلاة کما أنّ المفروض هو العلم بالوجوب الفعلی للوضوء إلّا أنّ وجوب الوضوء مردّد بین النفسیة أو الغیریة بناء علی تقیید الصلاة به، فعلی هذا نحتمل أن تکون الصلاة واجباً نفسیاً غیر مقید بالوضوء مع کون الوضوء أیضاً واجباً نفسیاً فحینئذ لایجب الوضوء بعد دخول وقت الصلاة فالمقام مجری البراءة کما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

المناقشة الثانیة:

إنّ العلم الإجمالی ینحلّ هنا حکماً لجریان البراءة عن تقید الصلاة بالوضوء

ص: 356


1- تحقیق الأصول، ج3، ص39.

بلا معارض و اختاره السید الصدر (قدس سره) فی بحوث فی علم الأصول((1)) و العلامة الصافی الإصفهانی (قدس سره) فی الهدایة فی الأصول((2)) و نکتفی بتقریر الهدایة فی الأصول:

إنّ جریان البراءة الشرعیة یحتاج - مضافاً إلی کون المجری مشکوک الوجود - إلی أمرین آخرین:

أحدهما لزوم التوسعة علی العبد، لأنّها صدرت امتناناً.

ثانیهما أنّها لمّا کانت أصلاً تأمینیاً یؤمّن من العقاب فلابدّ من وجود احتمال العقاب فإذا کان العقاب معلوماً وجوداً أو عدماً فلا مجال لجریان أصالة البراءة.

وکلا الأمرین مفقود فیما نحن فیه

أمّا الأوّل: فلأنّ النفسیة و إن کانت مشکوکة علی الفرض إلّا أنّ رفعها یوجب الضیق علی المکلف، بخلاف رفع الغیریة و ذلک لأنّ وجوب الوضوء إذا کان غیریاً فلابدّ أوّلاً من لزوم إیقاعه قبل ذلک الواجب المحتمل تقیده به و ثانیاً عدم إبطاله حتّی یأتی بذلک الواجب، و أمّا إذا کان نفسیاً فالمکلّف فی سعة من هذا، سواء أتی به قبل ذلک الواجب أم لا، و سواء أبطله أم لا فرفع النفسیة خلاف الامتنان فلاتجری البراءة.

أمّا الثانی: فلأنّ العقاب علی ترک الوضوء قطعی إمّا لترک نفسه إذا کان نفسیاً أو ترک ذلک الواجب إذا کان مقدّمة له، فجریان البراءة عن وجوبه النفسی لایوجب التأمین من العقاب.

ص: 357


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص17.
2- الهدایة فی الأصول، ص81.

فتحصل من ذلک أنّ الحقّ مع المحقّق النائینی (قدس سره) فالعلم الإجمالی ینحلّ حکماً و تجری البراءة عن تقیید الصلاة بالوضوء ولاتجری البراءة عن الوجوب النفسی للوضوء.

ص: 358

التنبیه الأوّل:فی ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری
اشارة

فیه مطالب أربعة:((1))

المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتّب الثواب و العقاب
اشارة

((2))

قال المحقق الإصفهانی (قدس سره): إنّ القول بالثواب و العقاب بوجوه ثلاثة:

الوجه الأوّل: بملاحظه جعل الشارع و تقریبه أنّ «قاعدة اللطف» کما تقتضی إعلام العباد ما فیه الصلاح أو الفساد بالبعث نحو الصلاح و الزجر عن الفساد، کذلک تقتضی تأکید الدعوة فی نفوس العامّة بجعل الثواب و العقاب، فالعبد بعمله یستحقّ ما جعله المولی من المثوبة و العقوبة بحقیقة معنی الاستحقاق.

الوجه الثانی: إنّ العقل و الشرع یشهدان بصحة کون الأعمال الحسنة مقتضیة لصور ملائمة فی الدار الآخرة أو اقتضاء الأعمال السیئة لصور منافرة فی الآخرة لعلاقة لزومیة بینهما.

الوجه الثالث: إنّ العقل العملی (الذی من شأنه أن یدرک ما ینبغی فعله أو ترکه) هو الحاکم بالاستحقاق و لکن لا بما هو قوّة ممیزة للحسن و القبح و شأنها الإدراک بل باعتبار مدرکاته و هی المقدّمات المحمودة و الآراء المقبولة عند عامّة الناس هذا هو الحاکم بالاستحقاق.

أمّا معنی الاستحقاق:

فإنّ المراد من الاستحقاق لیس إیجاب الثواب علی المولی أو العقاب کما یشعر

ص: 359


1- و الکلام یقع أوّلاً فی الواجب النفسی و ثانیاً فی الواجب الغیری.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص110.

به لفظ الاستحقاق حتی یناقش فیه أوّلاً بجواز اکتفاء المولی بإعطاء النعم الدنیویة فی مقام إعطاء الثواب فلایجب علیه إعطاء الثواب الأُخروی و ثانیاً بأنّ حق المولی علی عبده أن ینقاد له فی أوامره و نواهیه، فلا معنی لاستحقاق العبد بانقیاد تکالیف المولی بل المراد بالاستحقاق هو أنّ المدح و الثواب علی الإطاعة هو فی محلّه.

أمّا منشأ حکم العقلاء بالاستحقاق لیس صرف الجعل و المواضعة و اعتبار العقلاء بل منشأ هذا الحکم باستحقاق فاعل العدل للمدح و فاعل الظلم للقدح هو ما یکون فی فعل العدل و الظلم من المصالح العامّة و المفاسد العامّة.

و العقلاء بما هم عقلاء یرون فی ذمتهم جلب المصالح العامّة و المفاسد العامّة لإبقاء النظام و دفع الفساد.

و إبقاء النظام و دفع الفساد یوجب اتّفاق العقلاء علی استحقاق فاعل الخیر للمدح (سواء کان الخیر المذکور واجباً أم مستحباً) و استحقاق فاعل الشرّ للذم (سواء کان حراماً أم مکروها).

و البحث هو فی کل الخیرات سواء کان ترکها ظلماً علی المولی مثل الواجبات أم لا کالمستحبات و هکذا البحث فی کل الشرور.

و من ذلک ظهر أنّ دعوی لزوم الإطاعة من العبد أداء لحقّ المولی لئلاّ یکون ظالماً للمولی أخص من مورد البحث لأنّه یشمل الواجبات فقط دون المستحبات.

(صرّح هذا المحقق((1)) بأنّ اقتضاء المدح و الثواب یشمل الواجبات و المستحبات فلاینحصر بالموارد التی یکون مخالفتها إخلالاً بالنظام).

ص: 360


1- فی هامش ص111.

فعلی هذا زی الرقیة و رسم العبودیة یقتضی التمکین للمولی و الانقیاد له فی کل واجب و مستحب لأنّه عدل و عدم الخروج من ذلک بهتک حرمته و الإقدام علی مخالفته فإنّه ظلم.

فاتّضح من ذلک أنّ إبقاء النظام أوجب اتفاق العقلاء علی استحقاق الثواب لفاعل کل خیر واجب أو خیر مستحب، لا أنّ الخیر الذی یوجب إتیانُه بشخصه إبقاء النظام و ترکُه إخلال النظام هو الذی یوجب استحقاق الثواب عند العقلاء، لأنّ ذلک تخصیص لمورد حکم العقلاء ببعض الواجبات.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ لازم کلام هذا المحقّق عدم وجوب إطاعة المولی فیما لایترتّب علی مخالفته اختلال النظام و هذا باطل لأنّ العقل یستقلّ بلزوم إطاعة المولی الحقیقی فی جمیع الأحوال.

یلاحظ علیه:

إنّه ظهر من تقریر کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عدم ورود هذا الإشکال، لأنّ إبقاء النظام لیس ملاکاً لإطاعة الفعل مستقیماً بل هو ملاک لحکم العقلاء بلزوم مدح فاعل کل خیر و إن کان مستحبّاً و إلا فلو لم یحکم العقلاء بذلک لاختلّ النظام.

ص: 361


1- تحقیق الأصول، ج3، ص42.
المطلب الثانی: إنّ ترتّب الثواب علی امتثال الواجب النفسی هل هو بالاستحقاق أو بالتفضّل؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل:

قال بعضهم: إنّه بالاستحقاق (معظم الفقهاء و المتکلمین).

القول الثانی:
اشارة

قال بعض آخر: هو بالتفضّل (مثل الشیخ المفید (قدس سره).

تحقیق السید المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إن قلنا بأنّ المراد من الاستحقاق للثواب کاستحقاق الأجیر لأُجرته فهذا باطل لأنّ إطاعة العبد لأوامر مولاه و نواهیه جری منه علی طبق وظیفته و رسم عبودیته و هذا لازم بحکم العقل المستقلّ.

و إن قلنا بأنّ المراد من الاستحقاق هو أنّ العبد بقیامه بامتثال أوامر المولی و نواهیه یصیر أهلاً لذلک بحیث لو تفضّل المولی بإعطاء الثواب له کان فی محله و مورده، فهذا المعنی متین مذکور فی نهایة الدرایة.((2))

ص: 362


1- و هو مستفاد من کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره)؛ نهایة الدرایة، ج2، ص110، المحاضرات،(ط.ج)، ج2، ص229و (ط.ق)، ج2، ص395.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص110.

و هذ المعنی الأخیر للاستحقاق جمع بین القولین حیث إنّ الاستحقاق بهذا المعنی لاینافی التفضّل إذ کل إفاضة من المبدأ الأعلی الجواد بذاته (سواء کان بإیجاد الشخص أم رزقه أم إعلامه بصلاحه و فساده أم إعطاء الثواب علی عمله) بمقتضی جوده الذاتی لا باقتضاء من طرف القابل إن کان قبول المورد فی فعلیة الإضافة لازماً.

المطلب الثالث: ترتّب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری

أمّا استحقاق الثواب کاستحقاق الأجیر للأُجرة فلا ریب فی عدمه.

و أمّا استحقاق الثواب بمعنی أنّ العبد بامتثال أوامر المولی و نواهیه یصیر أهلاً للثواب و مورداً و محلاً للتفضّل بالثواب، فهو مترتّب علی امتثال الغیری فیما إذا أتی به بقصد الامتثال و التوصّل، نعم إذا أتی به بدون قصد التوصّل فلایستحق الثواب و الأمر هکذا فی جمیع الواجبات التوصّلیة.

المطلب الرابع: إنّ ثواب امتثال الأمر الغیری هل یکون غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟
اشارة

فیه قولان:

القول الأوّل:
اشارة

إنّ صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سرهما) قالا: إنّ الثواب واحد.

استدلال القائلین بوحدة الثواب:

إنّ الأمر الغیری لیس إلّا للتوصّل إلی الواجب النفسی فالإتیان بالواجب

ص: 363

الغیری بقصد التوصّل إلی الواجب النفسی شروع فی إطاعة الأمر النفسی فیثاب علی إطاعة الواجب النفسی.

أمّا الأمر الغیری بدون قصد التوصّل فلیس شروعاً فی إطاعة الأمر النفسی.((1))

القول الثانی: تعدد الثواب
اشارة

((2))

استدلال القائلین بتعدّد الثواب:

إنّ ملاک ترتّب الثواب علی امتثال الواجب الغیری هو أنّه بنفسه مصداق للانقیاد و التعظیم و إظهار لمقام العبودیة مع قطع النظر عن إتیانه بالواجب النفسی و لذا لو لم یتمکّن من إتیان الواجب النفسی استحقّ الثواب علیه؛ فالإتیان بالأمر الغیری بنفسه موجب للثواب.

هذا بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):

و المستفاد من بعض الروایات الواردة فی بعض الموارد الخاصّة هو ترتّب الثواب علی المقدّمات علی حدة.

ص: 364


1- المحقّق الخراسانی (قدس سره) کفایة الصول (ط.آل البیت)، ص110 و المحقّق النائینی (قدس سره) أجود التقریرات، ج1، ص253.
2- إختاره المحقق الخوئی (قدس سره) المحاضرات (ط.ج): ج2، ص231و (ط.ق): ج2، ص397.
التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث
اشارة

و الأقوال فیه ستة:((1))

الأوّل: إنّ منشأها هو الأمر الغیری.

الثانی: إنّ منشأها هو الأمر النفسی الاستحبابی (صاحب الکفایة (قدس سره).((2))

الثالث: إنّ منشأها هو الأمر النفسی الضمنی (المحقّق النائینی (قدس سره).((3))

الرابع: إنّ منشأها إمّا الأمر النفسی الاستحبابی و إمّا قصد التوصّل بها إلی الواجب (المحقّق الخوئی (قدس سره).((4))

ص: 365


1- المحاضرات، ج2، ص397 - 403.
2- فی کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، ص111، إشکالٌ و دفعٌ: «و أمّا الثانی [و هو الدفع] فالتحقیق أن یقال: إنّ المقدمة فیها بنفسها مستحبة و عبادة و غایاتها إنّما تکون متوقفة علی إحدی هذه العبادات فلابدّ أن یؤتی بها عبادة و إلّا فلم یؤت بما هو مقدمة لها فقصد القربة فیها إنّما هو لأجل کونها فی نفسها أمورا عبادیة و مستحبات نفسیة لا لکونها مطلوبات غیریة و الإکتفاء بقصد أمرها الغیری فإنّما هو لأجل أنّه یدعو إلی ما هو کذلک فی نفسه حیث إنّه لایدعو إلّا إلی ما هو المقدمة فافهم».
3- فی أجودالتقریرات، ج1، ص257:« فتحصّل أنّ توقّف الأمر الغیری فی الطهارات الثلاث علی عبادیتها مسلّمٌ إلّا أنّ توقّف عبادیتها علی الأمر الغیری أو علی الأمر النفسی الإستحبابی المتعلق بأنفسها ممنوع بل العبادیة متوقفةٌ علی الأمر النفسی المتعلق بالمشروط بها»، و ص255.
4- فی المحاضرات (ط.ج): ج2، ص236و (ط.ق): ج2، ص401:« و الصحیح فی المقام أن یقال: إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أمرین علی سبیل منع الخلو: أحدهما: قصد إمتثال الأمر النفسی المتعلق بها مع غفلة المکلف عن کونها مقدمة لواجب أو مع بنائه علی عدم الإتیان به، کاغتسال الجنب مثلاً مع غفلته عن إتیان الصلاة بعده أو مع قصده عدم الإتیان بها، وهذا یتوقف علی وجود الأمر النفسی، وقد عرفت أنّه موجودٌ. و ثانیهما: قصد التوصل بها إلی الواجب».

الخامس: إنّ العبادیة تتحقّق بما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و بقصد الأمر الغیری أیضا (بعض الأساطین (حفظه الله)).((1))

السادس: هذه الأُمور الثلاثة مع قصد المحبوبیة الذاتیة.

القول الأوّل: منشؤها الأمر الغیری
اشارة

((2))

إیرادان من المحقق النائینی (قدس سره)

((3)):

أوّلاً: إنّ الأوامر الغیریة کلّها توصّلیة فلاتقتضی عبادیة متعلّقاتها.

ثانیاً: إنّ الأوامر الغیریة تتعلّق بما هو مقدّمة للواجب و المفروض هو أنّ الطهارات الثلاث بعنوان کونها عبادة مقدّمة للواجب، فالأمر الغیری یتعلّق بها بعنوان کونها عبادة و معه کیف یعقل أن یکون منشأ لعبادیتها.

ص: 366


1- فی تحقیق الأصول، ج 3، ص64:« و تلخّص: إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أُمورٍ ثلاثة: 1- قصد امتثال الأمر الإستحبابی النفسی... 2- قصد التوصّل بها إلی الواجب النفسی... 3- قصد الأمر الغیری ...».
2- فی نهایة الأفکار، ج 2، ص329: «و لکن یدفع هذا الإشکال أیضا بما دفعنا به فی مبحث قصد القربة عن کلیة العبادات بالإلتزام بأمرین یعلق هذا الأمر الغیری بذات الوضوء و ذات الغسل باعتبار کونها مما لها الدّخل فی تحقق ذیها و مما یتوقف علیها وجود الواجب و لو بنحو الضمنیة لأنّها أیضا مما یلزم من عدمها العدم مع الکشف أیضا عن تعلق امر غیری آخر بوصفها و هو إتیانها بداعی امرها المتعلق بها، فإذا أتی المکلف حینئذ بالوضوء فی الخارج بداعی أمره الغیری یتحقق الوضوء القربی الذی جعل مقدمة للصلاة».
3- أجود التقریرات، ج1، ص254.
القول الثانی: منشؤها الأمر النفسی الاستحبابی
اشارة

(1)

إیرادات ثلاثة من المحقق النائینی (قدس سره):
الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) لو تمّ فإنّما یتمّ فی الوضوء و الغسل حیث ثبت استحبابهما شرعاً و أمّا التیمّم فلادلیل علی استحبابه.

ص: 367


1- . إستصوب هذا القول المحقّق الإصفهانی فقال فی حاشیة نهایة الدرایة، ج 2، ص116: «قولنا: "فإن قلت: ما معنی رجحانها الذاتی؟" ینبغی توضیح ما قیل فی تقریب الإشکال فی الطهارات، فنقول: الإشکال من وجوه: ... ثالثها- ما هو ظاهر شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) فی کتاب الطهارة من أنّ الطهارات لابّد من أن تقع عبادیة، و إلّا لم یرتفع الحدث بمجرد إتیان ذات الوضوء إجماعا، و عبادیتها إمّا بأمرها الغیری أو بأمرٍ آخرَ، و لا أمر آخر إمّا لعدم استحبابها النفسی أو لعدم بقائه فینحصر الأمر فی کون عبادیتها بأمرها الغیری، و حیث إنّ الأمر الغیری بمثل هذه المقدمة لابدّ من أن یتعلق بمقدمة عبادیة، فإنّ تعلق بالوضوء المأتی به بداعی الأمر الغیری لزم الدور، و إن تعلق بالخالی عن دعوة الأمر الغیری لزم الخلف، و هو عدم کونه أمرا غیریا متعلقا بالمقدمة التی هی علی الفرض عبادیة. و هذا الإشکال أجنبی عن إشکال عدم مقربیة الأمر الغیری، و عن کون الأمر الغیری توصلیا، بل محذوره- بعد فرض کون عبادة مقدمة للصلاة- لزوم الدور أو الخلف. و لا یخفی أنّ الإلتزام باستحباب الوضوء نفسیا یدفع الإشکال بجمیع وجوهه؛ إذ العبادیة من ناحیة التقرب باستحبابه النفسی، لا من ناحیة الأمر الغیری؛ حتی یرد محذور عدم کون الأمر الغیری مقربا، أو کون الغرض منه التوصل دون التعبد، أو لزوم الدور تارةً من أخذه فی المأمور به، و الخلف أخری من عدم أخذه فیه. و من الواضح: أنّ کون الغرض من الأمر المقدمی هو التوصل لاینافی کون المقدمة مستحبة نفسیا؛ بحیث لایتحقق المقدمة إلّا علی الوجه العبادی، فإنّ الغرض من الأمر الندبی هو التعبد، و لاینافی أن یکون الغرض من الأمر المقدمی هو التوصل، غایة الأمر أنّ ما یتوصّل به عبادی، لا أنّ الغرض من الأمر بالمقدمة هو التعبد؛ حتی یرد المحذور، و عدم انقسام الوجوب الغیری الی التوصلی و التعبدی غیرُ ضائرٍ، نعم هو إشکال علی من یری الواجب الغیری- کالواجب النفسی- منقسما إلی التوصلی و التعبدی. و کذا الجواب الأول الذی حکی عن الشیخ الأعظم (قدس سره) و هو کون العبادیة بقصد العنوان الراجح الواقعی- بالتقریب الذی ذکرناه فی الحاشیة- فإنّ قصد الأمر لیس للتقرب به؛ حتی ینافی کونه غیر قابل للإشارة إلی العنوان الراجح. نعم، الجواب الآخر بکلا وجهَیه لایدفع إلّا الدور، و لایدفع المحذورین الآخرین، فإنّ الأمر الغیری لایوجب العبادیة و لو بألف أمر آخر، کما لاینقلب عن التوصلیة إلی التعبدیة بألف أمر آخر کما هو واضح».
أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره)

((1)):

إنّ قوله (علیه السلام): «التراب أحد الطهورین» بضمیمة الإطلاقات الواردة فی استحباب الطهور یدلّ علی استحباب الطهور الذی منه التیمّم.

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

إنّ الأمر النفسی الاستحبابی ینعدم بعروض الوجوب الغیری، لأنّهما یتضادّان فلابدّ من اندکاک الأمر النفسی الاستحبابی فی الوجوب الغیری.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

أوّلاً: إنّ فی تلک الموارد یندک الأمر الاستحبابی فی ضمن الأمر الوجوبی علی رأی القائل فیتحصّل من ذلک أمر واحد وجوبی مؤکّد و یکون ذلک الأمر الواحد عبادیاً و بعد الاندکاک لایبقی کل منهما (الأمر الاستحبابی النفسی و الأمر الغیری الوجوبی) بحده الخاصّ.

ص: 368


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص233و (ط.ق): ج2، ص398.
2- أجود التقریرات، ج1، ص254.
3- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص233و (ط.ق): ج2، ص398.

ثانیاً: إنّا لانسلّم الاندکاک لأنّه إن تعلّق الأمر الغیری بالطهارات الثلاث بداعی أمرها الاستحبابی فمتعلّق الأمر الغیری غیر متعلّق الأمر الاستحبابی، لأنّ متعلّق الأمر الاستحبابی هو ذات العمل و متعلّق الأمر الغیری هو العمل بداعی أمرها الاستحبابی.

و إن تعلّق الأمر الغیری بذواتها فحینئذ متعلّقهما واحد إلّا أنّه لایوجب زوال الاستحباب و توضیح ذلک هو أنّه لا فرق بین الوجوب و الاستحباب إلّا فی جواز الترک و عدم جوازه فعند عروض الوجوب یتبدّل الجواز بعدمه فالتبدّل لیس فی نفس الاستحباب بل فی هذا الجواز.

یلاحظ علی الشقّ الثانی:

إنّ الجواز المذکور داخل فی حقیقة الاستحباب أمّا علی القول بترکّب الاستحباب فهذا واضح و أمّا علی القول ببساطته فلأنّ الاستحباب مرتبة ضعیفة من البعث لایبلغ إلی حدّ اللزوم فمع فرض تبدّل الجواز لاتبقی تلک المرتبة علی حالها فالحقّ فی الجواب هو أنّ الحیثیة التقییدیة فی المقام توجب عدم الاندکاک فإنّ الوضوء بنفسه مستحب و بغیره واجب.

ثالثاً: إنّ الأمر الاستحبابی النفسی یلازم محبوبیة الفعل نفسیاً و حینئذ یکفی فی عبادیتها هذه المحبوبیة فی أنفسها و إن لم یبق أمرها الاستحبابی بإطاره الخاصّ.

الإیراد الثالث:
اشارة

((1))

إنّه یصحّ الإتیان بجمیع الطهارات الثلاث بقصد الأمر النفسی المتعلّق بذیها

ص: 369


1- أجود التقریرات، ج1، ص254.

من دون التفات إلی الأمر النفسی الاستحبابی المتعلّق بها، بل من دون التفات إلی محبوبیتها و مطلوبیتها فی حدّ ذواتها.

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الإشکال:

((1))

إنّ الاکتفاء بقصد أمرها الغیری إنّما هو لأجل أنّ الأمر الغیری یدعو إلی ما هو المقدّمة و الطهارات الثلاث بما هی مأمور بها بالأمر النفسی الاستحبابی تکون مقدّمة للواجب.

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) فی جواب صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

أوّلاً: إنّ قصد الأمر النفسی علی الفرض مقوّم للمقدّمیة، فکیف یصحّ قصد الأمر الغیری بدونه

و أوضحه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3)) بأنّ قصد الأمر النفسی لو کان مقوّماً للمقدّمیة لم یعقل تحقّقها مع الغفلة عنه رأساً مع أنّه لا شبهة فی تحقّق الطهارات الثلاث مع القطع بعدم الأمر النفسی لها.

ثانیاً:((4)) لازم ذلک هو صحّة صلاة الظهر بقصد أمر صلاة العصر (أو قل: بقصد أمرها الغیری) مع الغفلة عن وجوبها النفسی و هذا ضروری الفساد.((5))

ص: 370


1- کفایةالأصول (ط.آل البیت)، ص111.
2- أجود التقریرات، ج1، ص255.
3- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص234و (ط.ق): ج2، ص399.
4- أجود التقریرات، ج1، ص255؛ المحاضرات، (ط.ج): ج2، ص234و (ط.ق): ج2، ص399.
5- ذکر فی أبحاث أصولیة، مباحث الألفاظ، الجزء الثالث، ص13 جواباً عن مناقشة المحقق النائینی فقال: «قد أورد المحقق النائینی قده علی هذا الجواب بأنّ لازمه جواز الإتیان بصلاة الظهر بقصد امتثال أمرها الغیری الناشئ من اشتراط صلاة العصر - فی سعة الوقت- بإتیان صلاة الظهر قبلها، أو جواز الإتیان بالصوم فی حال الإعتکاف بقصد إمتثال الإمر الغیری به لأجل اشتراط الإعتکاف بالصوم، مع أنّه واضح البطلان. وفیه: أنّه لاوجه لدعوی وضوح بطلان ذلک، فلو لم یکن للمکلف داعٍ إلی الإتیان بصلاة الظهر فی حدّ ذاتها و إنّما أتی بها بداعی التوصل إلی الإتیان بصلاة عصر صحیحة بداعی القربة لم یکن وجهٌ للمنع عن صحة صلاة ظهره أیضاً، و هکذا بالنسبة إلی صوم الإعتکاف. وقد إدّعی بعض الأعلام قده (فی منتقی الأصول، ج2، ص248) وجود فرقٍ بین مثال صلاة الظهر و بین مثال الطهارات الثلاث و هو أنّه حیث یکون الأمر النفسی بصلاة الظهر أمرا وجوبیا فلامحالة یکون هو الغالب علی أمرها الغیری، لأنّ الحکم الضعیف یندکّ فی الحکم القوی کاندکاک النور الضعیف فی النور القوی فلامعنی لقصد الأمر الغیری بها، بینما أنّ الأمر النفسی فی الطهارات الثلاث أمرٌ إستحبابی فلامحالة یندکّ فی الأمر الوجوبی الغیری بها، و نظیر الطهارات الثلاث مثال صوم الإعتکاف إذا کان الصوم مستحبا فی حدّ ذاته و الإعتکاف واجبا. و لکن قد مرّ منّا عدم معقولیة اندکاک الحکمین مطلقا».

فعلی هذا إنّ الإیراد الثالث علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) لا دافع له.((1))

القول الثالث: منشؤها الأمر النفسی الضمنی
اشارة

((2))

إنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة کما یتعلّق بأجزائها یتعلّق بشرائطها و حینئذ کما یتعلّق بکل جزء من أجزاء الواجب أمر نفسی ضمنی یتعلّق بکلّ شرط من شرائطه أمر نفسی جزئی و هذا الأمر النفسی الضمنی هو المنشأ لعبادیة الشرط (و هنا الطهارات الثلاث) فلایسقط الواجب إلّا مع الإتیان بالشرائط بقصد التقرّب.

ص: 371


1- إیراد آخر علی القول الثانی من المحقق العراقی: قال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص329: «... و علیه أیضا لایحتاج فی الجواب عنه إلی کشف رجحان نفسی فی نفس هذه الطهارات کما صنعه فی الکفایة کما لایخفی، خصوصا مع ما یرد علیه علی مسلکه من عدم إجراء تعدد الرتبة لمحذور اجتماع الحکمین المتماثلین أحدهما الرجحان النفسی القائم بذات المقدمة فی رتبة سابقة علی الأمر الغیری و ثانیهما رجحانه الثابت فی رتبة متأخرة عن الأمر الغیری فتأمل».
2- أجود التقریرات، ج1، ص255.

إن قلت: فما الفرق بین الطهارات الثلاث و بقیة الشروط حیث إنّ الأمر النفسی أوجب عبادیة الطهارات الثلاث دون سائر الشروط مع أن تعلّق الأمر النفسی الضمنی بجمیعها علی نحو واحد.

قلت: الفارق هو أنّ الغرض فی خصوص الطهارات الثلاث أعنی به رفع الحدث لایکاد یحصل إلّا إذا أُتی بها عبادة دون سائر الشرائط ولا مانع من اختلاف الشرائط فی هذه الجهة.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الثالث:

((1))

إنّ الأمر النفسی المتعلّق بالصلاة مثلاً إنّما تعلّق بأجزائها و تقیدها بشرائطها، أمّا نفس الشرائط و القیود فهی خارجة عن متعلّق الأمر و إلّا لم یبق فرق بین الجزء و الشرط أصلاً و لذا قد یکون الشرط غیر اختیاری، مضافاً إلی أنّه لو کانت الشرائط داخلة فی متعلّقه فکیف تتصف بالوجوب الغیری و قد تقدّم أنّه لا مقتضی لاتصاف المقدّمات الداخلیة بالوجوب الغیری.

القول الرابع: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ منشأ عبادیة الطهارات الثلاث أحد أمرین علی سبیل منع الخلو:

الأوّل: قصد امتثال الأمر النفسی الاستحبابی مع غفلة المکلّف عن مقدّمیته للواجب أو مع بنائه علی عدم إتیان الواجب.

الثانی: قصد التوصّل بها إلی الواجب و إن لم یکن مأموراً به و لم یکن واجباً

ص: 372


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص236 و (ط.ق): ج2، ص400.
2- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص236 و (ط.ق): ج2، ص401.

شرعاً، فإنّ قصد التوصّل کاف فی تحقّق قصد القربة و الوجه فیه ما مضی فی بحث التعبدی و التوصّلی من أنّه یکفی فی تحقّق قصد القربة إتیان الفعل مضافاً إلی المولی (هذه نظریة الشیخ (قدس سره).

القول الخامس: نظریة بعض الأساطین

((1))

إنّ منشأ العبادیة فی الطهارات الثلاث أحد أُمور ثلاثة: (کل ما یکون العمل به مضافاً إلیه تعالی).

الأمر الأوّل: قصد امتثال الأمر الاستحبابی النفسی(هو ما ذکره المحقّق الخراسانی (قدس سره).

الأمر الثانی: قصد التوصّل بها إلی الواجب النفسی (هو ما ذکره الشیخ (قدس سره) لتصحیح العبادیة).

الأمر الثالث: قصد الأمر الغیری بناء علی ارتفاع إشکال الدور، لأنّ الدور إنّما یلزم لو أُخذ خصوص الأمر الغیری فیها، أمّا مع أخذ العبادیة مطلقاً (بمعنی رفض القیود) فیرتفع إشکال الدور.

القول السادس:

و هو بعینه ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) و ما زاد علیه بعض الأساطین مع زیادة أمر رابع یکون أیضاً منشأ للعبادیة فی الطهارات الثلاث و هو قصد المحبوبیة الذاتیة و المراد هنا لیس محبوبیة الفعل عندنا بل المحبوبیة الذاتیة للفعل عند الله تعالی حتی یکون العمل مضافاً إلیه فلو فرضنا عدم الالتفات إلی کون الطهارات

ص: 373


1- تحقیق الأصول، ج3، ص65.

الثلاث مأموراً بها أیضاً تتحقّق العبادیة بقصد المحبویة الذاتیة للعمل عند الله تعالی.

فالحقّ أنّ منشأ العبادیة فی الطهارات الثلاث أحد أُمور أربعة.

ص: 374

التقسیم الثالث: الواجب الأصلی و التبعی
اشارة

و لهما تفسیران:

إنّ الأصالة و التبعیة قد تلاحظان بحسب مقام الثبوت و هذا هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)) فی تفسیرهما و قد تلاحظان بحسب مقام الإثبات و هذا مختار المحقّق القمی و صاحب الفصول (قدس سرهما) فی تفسیرهما.((2))

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الثبوت:
اشارة

إنّ الواجب الأصلی هو ما کان متعلّقاً للإرادة و الطلب مستقلاً لالتفات المولی

ص: 375


1- فی کفایة الأصول ( ط.آل البیت )، ص122:« و الظاهر أن یکون هذا التقسیم بلحاظ الأصالة و التبعیة فی الواقع و مقام الثبوت...»
2- فی القوانین ( ط.ج): ج 1، ص205 و(ط.ق ): ص99-100:« أنّ الواجب کما أنّه ینقسم باعتبار المکلّف الی العینی و الکفائی... و باعتبار تعلّق الخطاب به بالأصالة و عدمه إلی الأصلی و التّبعی...»؛ الفصول، ص82:« و ینقسم الواجب باعتبار آخر إلی أصلی و تبعی فالأصلی ما فهم وجوبه بخطاب مستقل أی غیر لازم لخطاب آخر و إن کان وجوبه تابعا لوجوب غیره و التبعی بخلافه و هو ما فهم وجوبه تبعا لخطاب آخر و إن کان وجوبه مستقلّا کما فی المفاهیم و المراد بالخطاب هنا ما دّل علی الحکم الشرعی فیعم اللفظی و غیره».

إلیه و الواجب التبعی هو ما کان متعلّقاً لهما تبعاً (و ارتکازاً) لإرادة غیره لأجل کون إرادته لازمةً لإرادة غیره من دون التفات إلیه (استقلالاً) مما یوجب إرادته.

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

لا مقابلة بین الأصلی و التبعی بهذا المعنی إلّا إذا قلنا بأنّ الواجب الأصلی هو ما کان متعلّقاً للإرادة التفصیلیة و الواجب التبعی هو ما کان متعلّقاً للإرادة الإجمالیة الارتکازیة فحینئذ یرد علیه:

أوّلاً: أنّ الإرادة النفسیة ربّما تکون ارتکازیة بمعنی أنّه لو التفت إلی موجبها لأراده، کما فی إرادة إنقاذ الولد الغریق عند الغفلة من غرقه و الحال أنّه لا شبهة فی کونها إرادة أصلیة لا تبعیة.

ثانیاً: أنّه لو کان مناط الأصلیة و التبعیة هو الإرادة التفصیلیة و الإرادة الارتکازیة لما کان وجه لعنوان التبعیة، حیث إنّ تبعیة الإرادة لإرادة أُخری لیست مناط الوجوب التبعی علی هذا التفسیر (تفسیر التبعی بما تتعلّق به الإرادة الارتکازیة) بل مناطه هو ارتکازیة الإرادة لعدم الالتفات إلی موجبها.

بیان مناط الغیریة و مناط التبعیة:

إنّ للواجب (بالنسبة إلی مقدّمته من حیث الوجود و الوجوب) جهتین من العلّیة:

أحدهما: العلیة الغائیة حیث إنّ المقدّمة إنّما تراد لمراد آخر لا لنفسها بخلاف ذی المقدّمة فإنّه مراد لا لمراد آخر کما مرّ مفصلاً، و هذه الجهة مناط الغیریة.

ص: 376


1- نهایة الدرایة، ج2، ص156.

ثانیهما: العلّیة الفاعلیة و هی أنّ إرادة ذی المقدّمة علّة لإرادة مقدّمته و منها تنشأ و تترشح علیها الإرادة و هذه الجهة مناط التبعیة.

فتبین أنّ مناط التبعیة هو معلولیة إرادة المقدّمة لإرادة ذیها سواء أُریدت المقدّمة بالإرادة التفصیلیة (للالتفات إلیها) أو بالإرادة الارتکازیة (للغفلة عنها).

فعلی هذا تعلّق الإرادة التفصیلیة لایقتضی الأصلیة و تعلّق الإرادة الارتکازیة لاتنافی الأصلیة.

فالواجب الأصلی هو ما کانت إرادتها غیر معلولة لإرادة أُخری سواء تعلّقت به الإرادة التفصیلیة أم الارتکازیة.

و الفرق بین التبعی و الغیری هو:((1)) أنّ مناط الغیریة کون الغرض من المقدّمة مجرّد الوصول إلی الغیر فالغرض الأصیل موجود فی الغیر.

و مناط التبعیة هو أنّ الغرض من الإیجاب المقدّمی التمکّن من إیجاب ذی المقدّمة فإیجاب ذی المقدّمة غرض من الإیجاب المقدّمی.

فمناط الغیریة الغرض من الواجب و مناط التبعیة الغرض من الإیجاب.

تفسیر الأصالة و التبعیة بحسب مقام الإثبات:
اشارة

إنّ المراد بالواجب الأصلی هو ما کان مقصوداً بالإفادة و الإفهام و الدلالة علیه مطابقی و الواجب التبعی هو ما کان غیر مقصود بالإفادة و الإفهام علی حدة بل هو لازم الخطاب کما فی دلالة الإشارة و الدلالة علیه بالتبعیة و الالتزام.

ص: 377


1- أفاده فی هامش التعلیقة، ج2، ص157.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

لاینحصر -علی هذا- الواجب فی هذین القسمین بل هنا قسم ثالث و هو ما لم یکن الواجب مقصوداً بالإفهام من الخطاب أصلاً لا أصالةً و لاتبعاً، کما إذا کان الواجب مدلولاً لدلیل لبّی من إجماع أو نحوه.

و إلی هنا تمّ مبحث تقسیمات الواجب.

ص: 378


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص276و (ط.ق): ج2، ص433.

الفصل الثانی: فی تحقیق المسألة

اشارة

(فیه أُمور ثلاثة و تذنیب):

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها

الأمر الثانی: مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة

الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی

تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب

ص: 379

ص: 380

الأمر الأوّل: فی ذکر الأقوال و مناقشتها
اشارة

هل یکون الوجوب الغیری أو الواجب الغیری مطلقاً أو مشروطاً و مقیداً؟ هنا أقوال لابدّ من طرحها و مناقشتها.

أما الأقوال فهی خمسة:
القول الأوّل: ما عن صاحب المعالم (قدس سره)

((1))

إنّ وجوب المقدّمة مشروط بإرادة ذی المقدّمة و العزم علی إتیانه بنحو القضیة الشرطیة أو إنّ وجوبه مقید بحال إرادته و العزم علیه بنحو القضیة الحینیة (علی اختلاف عبارته) فالقصد و العزم هنا قید للوجوب.

القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره)

القول الثانی: ما عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) ((2))

إنّ الواجب هو المقدّمة التی قصد بها التوصل إلی الواجب دون ما لم یقصد به، فالقصد هنا قید الواجب.

ص: 381


1- معالم الدین، ص71.
2- مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص355 و (ط.ق): ص72.
القول الثالث: ما عن صاحب الفصول (قدس سره)

((1))

إنّ الواجب هو خصوص المقدّمة الموصلة إلی إتیان ذی المقدّمة.((2))

القول الرابع: ما عن المشهور

إنّ الوجوب الغیری و الواجب الغیری مطلقان بالنسبة إلی هذه الشروط و التقییدات.((3))

ص: 382


1- الفصول الغرویة، ص86.
2- فی المحاضرات ( مباحث اصول الفقه ) ج 1، ص254: «و أنت بعد إمعان النظر فیما ذکرناه تعرف أنّه لا مفرّ من القول باعتبار الإیصال بهذا المعنی لا علی وجه التقیید، و علیه لایرد شی ء من الإشکالات التی أوردوها علی القول بالمقدمة الموصلة». و فی بحوث فی علم الأصول، ج 2، ص254: «ثم إنّ صاحب الفصول الذی ینسب إلیه تاریخیا القول بالمقدمة الموصلة قد استدل علی مدّعاه بوجوه عدیدة نذکر فیما یلی بعضها ... الدلیل الرابع: ما أفاده صاحب الفصول أیضا من دعوی: إنّ الغرض من الطلب الغیری للمقدمة لیس غیر حصول ذی المقدمة، و هذا لایکون إلّا فی الموصلة منها و الوجوب لایکون أوسع مما فیه الغرض. و هذا الوجه روح ما تقدم منا فی البرهنة علی المقدمة الموصلة، و هکذا إتّضح أنّ الصحیح هو اختصاص الوجوب الغیری علی القول به بالمقدمة الموصلة فقط». و فی زبدة الأصول، ج 2، ص204: «تحصّل مما ذکرناه اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة».
3- فی کفایة الأصول، ص114: «و هل یعتبر فی وقوعها علی صفة الوجوب أن یکون الإتیان بها بداعی التوصل بها إلی ذی المقدمة کما یظهر مما نسبه إلی شیخنا العلامة أعلی الله مقامه بعض أفاضل مقرّری بحثه أو ترتب ذی المقدمة علیها بحیث لو لم یترتب علیها لکشف عن عدم وقوعها علی صفة الوجوب کما زعمه صاحب الفصول قدس سره أو لایعتبر فی وقوعها کذلک شی ء منهما؟ الظاهر عدم الإعتبار». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص332: «یبقی الکلام فی أنّ المقدمة بناء علی وجوبها هل هی واجبة علی الإطلاق بلا دخل لحیث قصد الإیصال إلی ذیها و لا إلی البحث إیصالها إلیه خارجا، أو أنّها واجبة بشرط قصد التوصل بها إلی ذیها إمّا بکون القصد المزبور قیداً للوجوب أو قیداً للواجب- کما هو ظاهر التقریرات- إمّا مطلقا أو فی فرض انحصار المقدمة بالفرد المحرم کما فی إنقاذ الغریق المتوقف علی التصرف فی مال الغیر و أرضه فیعتبر فیه قصد التوصل إلی الواجب فی وجوبها وقوعها علی صفة الوجوب دون غیره، أو أنّها واجبة بشرط الإیصال خارجا إلی ذیها- کما علیه الفصول- و ذلک أیضا إمّا بکونه إلی الإیصال قیدا للوجوب أو للواجب؟ فیه وجوهٌ و أقوالٌ: أقواها فی النظر الوجه الأول و سیظهر وجهه من إبطال التفاصیل المزبورة إن شاء الله تعالی».
القول الخامس: مختار المحقق صاحب الحاشیة و المحقق النائینی (قدس سرهما)

إنّ الوجوب الغیری و الواجب الغیری مهملان بالنسبة إلی الإیصال.((1))

ص: 383


1- الحاشیة،(ط.ج): ج2، ص177و (ط.ق): ص219 و أجود التقریرات، ج1، ص351. و فی المسألة قول سادس و هو عدم وجوب المقدمة: ففی أصول الفقه (ط. انتشارات اسلامی) ج 2، ص351: «لقد تکثّرت الأقوال جدّاً فی هذه المسألة علی مرور الزمن نذکر أهمّها، و نذکر ما هو الحقّ منها. و هی: ... 2- القول بعدم وجوبها مطلقا و هو الحق و سیأتی دلیله» إلخ و فی التعلیقة: «إختاره صاحب القوانین و نسبه إلی الشهید الثانی فی تمهید القواعد ( لکن لم نظفر به فی التمهید) و نسبه المحقق الرشتی إلی ظاهر المعالم و صریح الإشارات بدائع الأفکار: ص 348». و فی ص352: «و قد قلنا: إنّ الحقّ فی المسألة- کما علیه جماعة من المحققین المتأخرین- القول الثانی و هو عدم وجوبها مطلقا» و فی التعلیقة: «أوّل من تنبّه إلی ذلک و أقام علیه البرهان بالأسلوب الذی ذکرناه- فیما أعلم- أستاذنا المحقق الأصفهانی- قدس الله نفسه الزکیة- و قد عضد هذا القول السید الجلیل المحقق الخوئی- دام ظله- و کذلک ذهب إلی هذا القول، و أوضحه سیدنا المحقق الحکیم- دام ظله- فی حاشیته علی الکفایة». و فی منتقی الأصول، ج 2، ص333: «و لکنّ الحقّ عدم وجوب المقدمة، إذ الوجدان لایشهد بذلک، کما أنّ ما استشهد به من الأوامر العرفیة المتعلقة بالمقدمة لایصلح للشهادة علی ما یحکم به الوجدان، إذ لیست هذه الأوامر أوامر مولویة، بل هی إرشادیة، و ذلک لأنّ الأمر المولوی إنّما یجعل لجعل الداعی فی نفس المکلف إلی العمل و تحریکه نحوه، و الأمر الغیری لا صلاحیة له لذلک کما تقدم بیان ذلک. فإنّ العبد إن کان بصدد امتثال أمر ذی المقدمة جاء بالمقدمة کان هناک أمر بها أو لم یکن، و إن لم یکن بصدد امتثاله لم یکن الأمر الغیری داعیا للإتیان بها بما هو أمر غیری، فلا صلاحیة للأمر الغیری للدعوة و التحریک، فلابدّ أن تکون هذه الأوامر المفروض تعلقها بالمقدمة أوامر إرشادیة تتکفل الإرشاد إلی مقدمیة الشی ء و توقّف الواجب علیه. و خلاصة الکلام: إنّه لم یثبت لدینا وجوب المقدمة لعدم الدلیل علیه. و لو ثبت فهو یشمل مطلق المقدمات الموصلة و غیرها و السبب التولیدی و غیره». و فی تحقیق الأصول، ج 3، ص111: «فالحق: عدم وجوب مقدمة الواجب شرعا».
و أما مناقشة الأقوال:
إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی القول الأوّل:
اشارة

((1))

أوّلاً: إنّه بناء علی ثبوت الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّمته یلزم من اشتراط الوجوب التفکیک بینهما و هذا خلف فی ثبوت الملازمة.

ثانیاً: یلزم من ذلک کون وجوب ذی المقدّمة تابعاً لإرادة المکلّف و دائراً مدار اختیاره و عزمه و هو محال لأنّ لازم ذلک عدم الوجوب عند عدم إرادته.

ملاحظة علی الإیراد الثانی:

إنّ لازم ذلک هو کون وجوب المقدّمة تابعاً لإرادة المکلف لا وجوب ذی المقدّمة و لازم ذلک عدم وجوب المقدّمة عند عدم إرادته، و لعلّه اشتباه فی الکتابة و الاستنساخ.

إشکال صاحب الکفایة و المحقق النائینی (قدس سرهما) علی القول الثانی
اشارة

إشکال صاحب الکفایة((2))و المحقق النائینی (قدس سرهما) علی القول الثانی((3)):

إنّ ملاک حکم العقل بوجوب المقدّمة هو توقف الواجب النفسی علی المقدّمة و هذا الملاک موجود سواء قصد بالمقدّمة التوصّل إلی ذی المقدّمة أم لم یقصد فلا یختص وجوب المقدّمة بالحصّة المذکورة.

ص: 384


1- المحاضرات،(ط.ج): ج2، ص241 و (ط.ق): ج2، ص404.
2- کفایة الأصول (ط.آل البیت )، ص114،[دخل قصد التوصل فی تحقق الامتثال].
3- مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) مطارح الأنظار، ص72.
توضیح کلام الشیخ (قدس سره) و إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

انّ الشیخ (قدس سره) یقول: إنّ الواجب الغیری هو الفعل المعنون بعنوان المقدّمیة لاذات الفعل، و عنوان المقدّمیة هو بعینه عنوان قصد التوصّل.

و الإتیان بذات الفعل من دون قصد التوصّل و من دون تعنونه بعنوان المقدّمیة لیس امتثالاً للواجب إلّا أنّه مسقط للغرض.

و أمّا صاحب الکفایة (قدس سره) فهو یری أنّ ما هو الواجب ذات الفعل و حیثیة المقدّمیة حیثیة تعلیلیة لوجوب ذات الفعل کما أنّ المصالح و المفاسد الموجودة فی متعلّقات الأحکام حیثیات تعلیلیة.

دفاع المحقق الإصفهانی (قدس سره) عن نظریه الشیخ (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ الوجه فی اعتبار قصد التوصّل فی مصداقیة المقدّمة للواجب مرکب من أمرین:

الأمر الأوّل:
اشارة

ترجع الحیثیات التعلیلیة إلی الحیثیات التقییدیة فی الأحکام العقلیة، فالتوصّل هو الواجب بحکم العقل لا الشیء لغایة التوصّل لأنّ المطلوب الجدّی و الموضوع الحقیقی للحکم العقلی نفس التوصّل.

توضیح ذلک هو أنّ الحیثیة التعلیلیة فی الأحکام الشرعیة غیر الحیثیة التقییدیة فإنّ المصالح و المفاسد الموجودة فی المتعلّق حیثیة تعلیلیة و عنوان الصلاة و الصوم و الحج و الخمس و الزکاة حیثیات تقییدیة.

ص: 385


1- نهایة الداریة، ج2، ص133.

أمّا الأحکام العقلیة فلیست فیها إلّا الحیثیات التعلیلیة التی تکون هی الموضوع للحکم العقلی أی تکون هی الحیثیة التقییدیة.

اعتراض المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی الأمر الأوّل:

((1))

یمکن الاعتراض علیه بالفرق بین الأحکام العقلیة العملیة و الأحکام العقلیة النظریة، فإنّ مبادی الأُولی (أی الأحکام العقلیة العملیة) هو بناء العقلاء علی الحسن و القبح و مدح فاعل بعض الأفعال و ذمّ فاعل بعضها الآخر و موضوع الحسن مثلاً هو التأدیب لا الضرب لغایة التأدیب، إذ لیس هناک بعث من العقلاء لغایة، بل مجّرد بناء علی المدح و الممدوح هو التأدیب.

بخلاف الأحکام العقلیة النظریة فإنّها لاتتکفل إلّا الإذعان بالواقع و من الواضح أنّ الإرادة التشریعیة علی طبق الإرادة التکوینیة، فکما أنّ الإنسان إذا أراد شراء اللحم یرید المشی إلی السوق -و الأوّل لغرض مترتّب علی الشراء و الثانی لغرض مترتّب علی المشی إلی السوق- إذا وقع أمران طرفاً للإرادة التشریعیة لایرید المولی إلّا ذلک الفعل الإرادی الصادر من العبد و بعثه النفسی و المقدّمی إیجاد تسبیبی للفعل و مقدّمته.

و لیس حکم العقل إلّا الإذعان بالملازمة بین الإرادتین، لا إنّه حکم ابتدائی بوجوب الفعل عقلاً حتّی لایکون له معنی إلّا الإذعان بحسنه الملزم، حیث لا بعث و لا زجر من العاقلة لینتج أنّ الحسن فی نظر العقل هو التوصّل لا الفعل لغایة التوصّل

یمکن أن یقال: إنّ المسألة هنا صغری لحکم العقل العملی بمعنی أنّه یری

ص: 386


1- هامش نهایة الداریة، ج2، ص134.

حسن التوصّل إلی ما هو لازم الإتیان و أیضاً لحکم العقل النظری حیث إنّ طرفی الملازمة وجوب ذی المقدّمة و وجوب التوصّل به، فحیثیة التوصّل حیثیة تقییدیة علی أی حال.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الأمر الأوّل:

((1))

إنّ وجوب المقدّمة بمعنی اللابدّیة خارج عن محل النزاع و غیر قابل للإنکار.

بل النزاع فی وجوب المقدّمة شرعاً الکاشف عنه العقل، و کم فرق بین الحکم الشرعی الذی کشف عنه العقل و الحکم العقلی و قد عرفت أنّ الحیثیة التعلیلیة فی الأحکام الشرعیة لاترجع إلی الحیثیة التقییدیة

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2)) إنّ الجهات التعلیلیة فی الأحکام العقلیة بل فی الأحکام الشرعیة المستندة إلی الأحکام العقلیة ترجع إلی الحیثیات التقییدیة.

الأمر الثانی:
اشارة

إنّ التوصّل إذا کان بعنوانه واجباً فما لم یصدر هذا العنوان عن قصد و اختیار لایقع مصداقاً للواجب و إن حصل منه الغرض مع عدم القصد و العمد إلیه.

توضیحه هو أنّ الشیء لایقع علی صفة الوجوب و مصداقاً للواجب بما هو واجب إلّا إذا أتی به عن قصد و عمد أمّا لزوم إتیانه عن قصد فلأنّ الأمر مثلاً تعلّق بالفعل المعنون بهذا العنوان و العنوان داخل تحت الأمر فلابدّ من إیجاده بالقصد حیث إنّ العناوین غالباً تتحقّق بالقصد أمّا لزوم إتیانه عن اختیار فلأنّ

ص: 387


1- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص245 و (ط.ق): ج2، ص407.
2- فی نهایة الدرایة، ج2، ص145 التعلیقة 77.

التکلیف یتعلّق بالأمر الاختیاری حتی فی التوصّلیات، لأنّ البعث تعبدیاً کان أم توصّلیاً لایتعلّق إلّا بالفعل الاختیاری، فالعمل الصادر بلا اختیار و إن کان مطابقاً لذات الواجب و محصّلاً لغرضه لکنه لایقع علی صفة الوجوب أی مصداقاً للواجب بما هو واجب بل یستحیل أن یتعلّق الوجوب بمثله فکیف یکون مصداقاً له.

اعتراض المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی الأمر الثانی:

((1))

یمکن الاعتراض علی الأمر الثانی بأنّ الممدوح علیه هو التأدیب بالحمل الشائع، کما أنّ الواجب هنا هو التوصّل بالحمل الشائع إلّا أنّ التأدیب بالحمل الشائع اختیاری بقصد عنوان التأدیب، لا باختیاریة الضرب، فإذا صدر الضرب بالاختیار لم یصدر منه تأدیب اختیاری إلّا إذا قصد بالضرب التأدیب.

و هذا بخلاف التوصّل بالحمل الشائع فإنّ عنوانه لاینفک عن المشی إلی السوق فإذا صدر المشی بالاختیار کان توصّلاً اختیاریاً من دون لزوم قصد عنوان التوصّل.

إن قلت: إنّه إذا مشی نحو السوق اختیاراً لا بداعی التوصّل إلی الواجب بل بداع التوصّل إلی غرض آخر فإنّه یصدق علیه أنّه أتی بذات المقدّمة اختیاراً و لایصدق علیه أنّ فعله کان توصّلا إلی الواجب اختیاراً.

قلت: إنّ التوصّل یصدق و لو لم یقصده لأنّه یقال فی اللغة: وصل الشیء إلی غیره فاتّصل و هنا اتّصل إلی الواجب اختیاراً و إن لم یقصد ذلک فإذا وصل شخص حبلاً بمکان یکون الحبل متصلاً به سواء قصد الاتصال أم لا.

ص: 388


1- نهایة الدرایة، ج2، ص134.
إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی الأمر الثانی:

((1))

إنّ القدرة إذا کانت مأخوذة شرعاً فی المأمور به و واردة فی لسان الخطاب فالواجب خصوص الحصّة المقدورة، لأنّه لایمکن کشف الملاک فی أمثال هذه الموارد إلّا فی خصوص الحصّة المقدورة، أمّا الحصّة الخارجة عن القدرة فلا طریق لنا إلی إحراز الملاک فیها.

و إذا کانت القدرة مأخوذه فی المأمور به عقلاً فلایختصّ وجوب المقدّمة بالحصّة المقدورة و الإتیان بالمقدّمة بلا قصد التوصّل یکون مصداقاً للواجب و الوجه فی ذلک هو أنّ المکلّف قدیکون عاجزاً عن إتیان تمام أفراد الواجب فی ظرف الامتثال فبطبیعة الحال یسقط عنه التکلیف و لایعقل بقاؤه، و قدیکون عاجزاً عن امتثال بعض أفراده دون بعضها الآخر (کالصلاة حیث إنّ المکلّف یتمکّن من امتثالها فی ضمن بعض أفرادها العرضیة و الطولیة و لایتمکن بالنسبة إلی بعض أفرادها) ففی مثل ذلک لا موجب لتخصیص التکلیف بخصوص الحصّة المقدورة بل لا مانع من تعلّقه بالجامع بینها و بین الحصّة غیر المقدورة و الجامع بین المقدور و غیر المقدور مقدورٌ ضرورة أنّه یکفی فی القدرة علیه القدرة علی امتثال فرد منه.

فعلی هذا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الأمر الثانی إنّما یتمّ بناءً علی أخذ القدرة شرعاً فی المأمور به و فی الخطاب و أمّا بناءً علی أخذها عقلاً فی المأمور به فلایتمّ.

ص: 389


1- المحاضرات(ط.ج)، ج2، ص245و(ط.ق)، ج2، ص407.
تنبیه حول تفسیر نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره):

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قد احتمل فی کلام الشیخ (قدس سره) ثلاثة وجوه:

الاحتمال الأوّل: أن یکون قصد التوصّل معتبراً فی تحقّق امتثال الوجوب المقدّمی.

الاحتمال الثانی: أن یکون قصد التوصّل قیداً فی متعلّق الوجوب المقدّمی (کما هو المشتهر عنه).

الاحتمال الثالث: أن یکون قصد التوصّل قیداً فی خصوص حال المزاحمة کما إذا کانت المقدّمة محرّمة.

ثم شرع فی تفسیر الاحتمالات الثلاث و تحلیلها:((1))

أمّا علی الاحتمال الأوّل فقال: إن کان نظر شیخنا العلامة الأنصاری (قدس سره) إلی اعتبار قصد التوصّل بالمقدّمة فی حصول الامتثال و التقرّب بها کما یظهر ذلک من جملة من عبارات التقریر فهو حقّ (و صحّحه المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً).((2))

أمّا علی الاحتمال الثانی فقال: إن کان نظره (قدس سره) إلی اعتبار التوصّل فی معروض الوجوب، فیرده أنّ قصد التوصّل لا دخل له فی مقدّمیة المقدّمة أصلاً و بدونه (أی بدون دخله فی مقدّمیة المقدّمة) یستحیل أن یکون قیداً للواجب بداهة أنّ ما لیس له دخل فیما هو ملاک الواجب یستحیل أن یکون قیداً مأخوذاً فی الواجب.

(و قد تقدم الکلام حول الاحتمال الثانی حیث وجهه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ثم اعترض علیه).

ص: 390


1- أجود التقریرات، ج1، ص341 و 342.
2- المحاضرات ( ط.ج): ج2، ص247و (ط.ق): ج2، ص409.

أمّا علی الاحتمال الثالث فقال المحقق النائینی (قدس سره):((1)) إن کان نظره (قدس سره) إلی اعتبار قصد التوصّل فی مقام المزاحمة کما تساعد علیه جملة من عبارات التقریر((2)) و یؤیده ما نقله الأُستاذ عن أُستاذه المحقّق السید العلامة الإصفهانی (قدس سره) (السید محمّد الإصفهانی) من أنّه (قدس سره) کان ینسب ذلک إلی الشیخ (قدس سره) -و إن کان (حفظه الله) تردد فی أنّ النسبة المزبورة کانت مستندة إلی استظهار نفسه أو إلی سماعه ذلک من المحقّق سید أساتیذنا العلامة الشیرازی (قدس سره) عن أُستاذه المحقّق العلامة الأنصاری (قدس سره) - و هو أنّ المقدّمة إذا کانت محرّمة وتوقف علیها واجب فعلی (مثل إنقاذ النفس المحترمة) فیقع التزاحم بین حرمتها و وجوبه و الواجب هنا (مثل إنقاذ النفس المحترمة) أهمّ من الحرمة (مثل الدخول فی ملک الغیر بدون إذنه) فحینئذ إذا أتی بها بقصد التوصّل یرتفع الحرمة و إذا أتی بها بدون قصد التوصّل لاترتفع حرمة المقدّمة، فیرد علیه أنّ المزاحمة إنّما هی بین حرمة المقدّمة و وجوب ما یتوقف علیها (أی ذی المقدّمة) و لو لم نقل بوجوب المقدّمة أصلاً، فلا مناص عن الالتزام بارتفاع الحرمة لفرض کون الواجب أهمّ، سواء فی ذلک القول بوجوب المقدّمة و القول بعدمه، فاعتبار قصد التوصّل فی متعلّق الوجوب المقدّمی أجنبی عمّا به یرتفع التزاحم المذکور بالکلّیة.

فالإتیان بالمقدّمة لایخلو عن ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: الإتیان بها بقصد التوصّل فحینئذ ترتفع الحرمة و لایکون متجرّیاً بالنسبة إلی فعل المقدّمة.

ص: 391


1- أجود التقریرات، ج1، ص235.
2- مطارح الأنظار، ص73.

الوجه الثانی: الإتیان بها بدون قصد التوصّل فحینئذ ترتفع الحرمة أیضاً و هنا صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّه کان متجرّیاً کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّه مع الالتفات إلی المقدّمیة یتجرأ بالنسبة إلی ذی المقدّمة فیما لم یقصد التوصّل إلیه أصلاً و لکن فی تحقّق التجری فی هذه الصورة تأمّل حیث إنّ التجری إمّا یکون بالنسبة إلی المقدّمة أو بالنسبة إلی ذی المقدّمة، أمّا المقدّمة فارتفعت حرمته و أمّا ذو المقدّمة لم یصل ظرف تحقّقه و لم یترک مقدّمته.

الوجه الثالث: الإتیان بها مع عدم وقوع السلوک فیها فی طریق الإنقاذ فتبقی حرمته.

ثم إنّه قال المحقّق الخوئی (قدس سره):((1)) إن قلنا بعدم وجوب المقدّمة فالمسألة صغری التزاحم کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و إن قلنا بوجوب المقدّمة فالمسألة صغری التعارض فتقع المعارضة بین وجوب المقدّمة و حرمتها فیرد الوجوب و الحرمة علی موضوع واحد و حینئذ إن قلنا بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة سقطت الحرمة عنها.

و إن قلنا بوجوب المقدّمة التی قصد بها التوصّل إلی الواجب فالساقط إنّما هو الحرمة عنها سواء أکانت موصلة أم لم تکن.

و إن قلنا بوجوب المقدّمة مطلقاً فالساقط إنّما هو الحرمة عنها کذلک.

أمّا علی القول بعدم وجوب المقدّمة (کما هو مختار السید الخوئی (قدس سره) فالساقط إنّما هو حرمة خصوص المقدّمة الموصلة سواء قصد بها التوصّل أم لا، فتبقی

ص: 392


1- المحاضرات، ج2، ص410.

حرمة المقدّمة غیر الموصلة (نعم لو قصد المکلّف به التوصّل إلی الواجب و لکنه لمانع لم یترتّب علیه فی الخارج کان عندئذٍ معذوراً فلایستحقّ العقاب علیه).

مناقشات أربع فی القول الثالث:
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی:
اشارة

((2))

إنّ الغرض من المقدّمة إنّما هو حصول ما یتمکّن معه من إتیان ذی المقدّمة بحیث لولاه لما أمکن فعل ذی المقدّمة و هذا الغرض یترتّب علی مطلق المقدّمة دون خصوص الموصلة منها، حیث إنّه لا تفاوت فی حصول الغرض بین ما یترتّب علیه الواجب و ما لایترتّب علیه بل أثر المقدّمة (و هو التمکّن من إتیان ذی المقدّمة) لامحالة یترتّب علیهما (أی علی المقدّمة الموصلة و غیر الموصلة).

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره):

((3))

أوّلاً: إنّ هذا لیس غرضاً من إیجاب المقدّمة، لأنّ التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة من آثار التمکّن من الإتیان بالمقدّمات، لأنّ المقدور بواسطة مقدور.

ثانیاً: إنّ القدرة علی الواجب لو توقّفت علی الإتیان بالمقدّمة لجاز للمکلّف تفویت الواجب بترک مقدّمته لأنّ القدرة علی الواجب (أی ذی المقدّمة) لیست بواجب التحصیل.

ص: 393


1- القول الثالث - و هو مختار صاحب الفصول (قدس سره) - هو أنّ الواجب الحصّة الموصلة فیعتبر ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة حتّی تکون هی (أی المقدّمة) واجبة.
2- صاحب الکفایة (قدس سره)، ص115-116.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص255 و (ط.ق): ج2، ص416 (الإشکال الأوّل مذکور فی نهایة الدرایة، ج2، ص138 و هامش التعلیقة، ج2، ص137).

فالغرض من إیجاب المقدّمة لیس إلّا إیصالها إلی الواجب حیث إنّ الاشتیاق إلی الشیء لاینفک عن الاشتیاق إلی ما یقع فی سلسلة علل وجوده دون ما لایقع فی سلسلتها.

المناقشة الثانیة:
اشارة

((1))

إنّ القول بالمقدّمة الموصلة یستلزم إنکار وجوب المقدّمة فی أکثر الواجبات فیلزم انحصار وجوب المقدّمة فی خصوص العلّة التامّة من الأفعال التولیدیة و التسبیبیة.

توضیح ذلک هو أنّ ترتّب الواجب فی الأغلب لیس أثر إتیان جمیع المقدّمات فضلاً عن إحداها لأنّ الواجب (فی أکثر الواجبات) فعل اختیاری یختار المکّلف تارة إتیانه بعد وجود تمام مقدّماته و أُخری عدم إتیانه، فلایمکن أن یکون اختیار إتیان ذی المقدّمة غرضاً من إیجاب کل واحدة من مقدّماته.

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ ملاک الوجوب الغیری هو وقوع المقدّمة فی سلسلة مبادی وجود ذی المقدّمة بالفعل فلا ملاک فی مطلق المقدّمة و إن لم تقع فی سلسلتها، کما أنّ الملاک لاینحصر بخصوص الأسباب التولیدیة.

فالطهارة من الحدث أو الخبث مثلاً إن وقعت فی سلسلة مبادی وجود الصلاة فی الخارج فهی واجبة و إلّا فلا مع أنّها لیست من الأسباب التولیدیة بالإضافة إلی الصلاة.

ص: 394


1- الکفایة (قدس سره)، ص116.
2- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص255و(ط.ق): ج2، ص416.
المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

إذا أتی المکلّف بالمقدّمة غیر الموصلة یسقط الأمر الغیری بمجرد الإتیان بها (من دون انتظار لترتّب الواجب علیها) مع أنّ الأمر الغیری لایسقط إلّا بموافقة أمره أو بالعصیان أو بارتفاع موضوع التکلیف، و یتعین الأوّل منها لأنّ العصیان لم یتحقّق لفرض الإتیان بالمقدّمة و الثانی أیضاً لم یتحقّق لعدم ارتفاع موضوع التکلیف.

أجاب عنها المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلاً بالنقض: بأجزاء الواجب المرکّب کالصلاة حیث إنّ المکلّف إذا جاء بالجزء الأوّل منها و لم یأت ببقیة الأجزاء لایمکن القول بعدم سقوط الأمر الضمنی المتعلّق بالجزء المأتی به لأنّه مستلزم للتکرار فلابدّ من الالتزام بالسقوط مع أنّه لایمکن الالتزام بالسقوط من باب العصیان أو ارتفاع موضوع التکلیف فلابدّ من الالتزام بالامتثال مع أنّه لایمکن المصیر إلی هذا البیان و لابدّ من الجواب عنه و الجواب عن هذه المشکلة هو بعینه الجواب عن صاحب الکفایة (قدس سره) .

ثانیاً بالحلّ: وهو أنّ الواجب علی هذا القول هو حصّة خاصّة من المقدّمة وهی المقدّمة الموصلة التی تقع فی سلسلة العلّة التامّة لذی المقدّمة و لذا إذا وقعت المقدّمة مجردةً عن بقیة أجزاء العلّة التامّة فبما أنّ الغرض من إیجاب المقدّمة لم یترتّب علیها لاتقع المقدّمة علی صفة الوجوب لامحالة و حینئذ یستند

ص: 395


1- کفایة الأصول، (ط.آل البیت)، ص117.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص256 و (ط.ق): ج2، ص417.

سقوط الأمر الغیری إلی العصیان أو نحوه (مثل ارتفاع موضوع التکلیف) لا إلی إتیان المقدّمة و امتثاله لأنّه لم یأت بما هو الواجب منها.

فبالنیتجة إنّ وجود الواجب النفسی فی الخارج کاشف عن تحقّق المقدّمة فیه و عدم وجوده کاشف عن عدم تحقّقها کالشرط المتأخّر.

و من ذلک یظهر الجواب عن مورد النقض بأجزاء الواجب النفسی، فإنّ کل واحد منها إنّما یقع علی صفة الوجوب إذا وقع فی الخارج منضماً إلی بقیة أجزائه و أمّا إذا وقع منفکّاً عنها فلایقع علی هذه الصفة لفرض أنّه لیس بجزء من الواجب.

المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

إنّ اعتبار هذا القید (أی قید الإیصال) فی متعلّق الوجوب المقدّمی (أی المقدّمة) یرجع إلی اعتبار کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری فیلزم أن یکون الواجب النفسی مقدّمة للمقدّمة و واجباً بوجوب ناشئ من وجوبها و هو یستلزم الدور فإنّ وجوب المقدّمة إنّما نشأ من وجوب ذی المقدّمة، فلو ترشح وجوب ذی المقدّمة من وجوبها لزم الدور (هذا تقریر الدور فی الوجوب و لکنه قرّره فی فوائد الأُصول بنحو الدور فی الوجود بمعنی توقّف وجودها علیه و بالعکس بمعنی أنّ اتّصاف المقدّمة بالموصلیة متوقّف علی وجود ذی المقدّمة و من جهة أُخری وجود ذی المقدّمة متوقّف علی وجود مقدّمته).((2))

ص: 396


1- أجود التقریرات، ج1، ص345و346.
2- فی فوائد الأصول، ج 1،ص290:«... نعم یرد علیه: أنّه یلزم حینئذ أن یکون وجود ذی المقدّمة من شرائط وجود المقدّمة، و إن لم یکن من شرائط وجوبها، إلّا أنّه لا فرق فی الإستحالة، ضرورة أنّه لایعقل أن یکون وجود ذی المقدّمة من شرائط وجود المقدّمة لاستلزامه الدّور، فإنّه یلزم أن یکون وجود کلّ من المقدّمة و ذی المقدّمة متوقّفا علی الأخر».

أمّا لزوم التسلسل فبیانه هو أنّ الواجب لو کان هو خصوص المقدّمة الموصلة، فبما أنّ ذات المقدّمة مقدّمة لها (أی للمقدّمة الموصلة) تکون مقدّمة لتحقّقها فی الخارج فإن اختار (قدس سره) وجوب ذات المقدّمة مع عدم اعتبار قید الإیصال إلی جزئها الآخر (أی قید الموصلة) فقد اعترف بما أنکره و کر علی ما فرّ منه و إن اعتبر قید الإیصال فی اتّصاف ذات المقدّمة بالوجوب فقد لزمه التسلسل.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ الوجوب النفسی المتعلّق بذی المقدّمة غیرناش من وجوب مقدّمته حتّی یتوقّف اتّصاف ذی المقدّمة بالوجوب علی وجوب مقدّمته.

بل هنا یلزم اجتماع الوجوب النفسی و الغیری من جهتین فی ذی المقدّمة و هذا مما لا إشکال فیه و توضیح ذلک هو أنّ هنا ثلاثة وجوبات:

الوجوب الأوّل: هو الوجوب النفسی لذی المقدّمة.

الوجوب الثانی: هو الوجوب الغیری لمقدّمته.

الوجوب الثالث: هو الوجوب الغیری لذی المقدّمة (حیث إنّ وجوده شرط لاتّصاف المقدّمة بالوجوب الغیری).

ویمکن جواب الدور فی مرحلة الوجود أیضاً بأنّ اتّصاف المقدّمة بالموصلة و بعبارة أُخری وجود المقدّمة الموصلة بما أنّها مقدّمة موصلة لیس متوقّفاً علی وجود ذی المقدّمة بل هما متلازمان و الدور هو التوقّف فی الوجود الخارجی فعلی هذا إنّ ذی المقدّمة یتوقّف وجوده علی وجود المقدّمة و أمّا وجود المقدّمة

ص: 397


1- المحاضرات (ط.ج)، ج2، ص253-254و(ط.ق)، ج2، ص414-415.

لایتوقّف علی وجود ذی المقدّمة بل وجوب المقدّمة الموصلة یتوقّف علی وجود ذی المقدّمة و هذا لا محذور فیه.

أمّا الجواب عن التسلسل فهو أنّ ذات المقدّمة و إن کانت مقوّمة للمقدّمة الموصلة إلّا أنّ نسبتها إلیها لیست نسبة المقدّمة إلی ذیها لننقل الکلام إلیه بل نسبتها إلیها نسبة الجزء إلی الکلّ، إذ علی هذا القول تکون المقدّمة مرکّبة من جزأین:

الجزء الأوّل: ذات المقید (أی ذات المقدّمة).

الجزء الثانی: تقیدها بقید و هو وجود الواجب فی الخارج.

هذا کلّه علی تقدیر تسلیم کون الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری.

فالتحقیق فی الجواب عن الدور و التسلسل هو أنّ الالتزام بوجوب المقدّمة الموصلة لایستدعی اعتبار الواجب النفسی قیداً للواجب الغیری لأنّ المقدّمات الواقعة فی الخارج علی نحوین: أحدهما ما کان وجوده فی الخارج ملازماً لوجود الواجب فیه و هو ما یقع فی سلسلة علّة وجوده و ثانیهما ما کان وجوده مفارقاً لوجوده فیه و هو ما لایقع فی سلسلتها و القائل بوجوب المقدّمة الموصلة إنّما یدعی وجوب خصوص القسم الأوّل لا القسم الثانی.

یلاحظ علی هذا البیان الأخیر:

إنّ التلازم بین وجود المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة و وجود الواجب النفسی تلازم رتبی فحینئذ إنّ ما أفاده فی القسم الأوّل التزام بالمتناقضین لأنّ ما کان وجوده خارجاً ملازماً لوجود ذی المقدّمة رتبةً لایکون فی سلسلة علّة وجوده لأنّ التلازم یقتضی عدم التقدّم و الوقوع فی سلسلة علّة الوجود یقتضی التقدم و هما نقیضان.

ص: 398

فالصحیح أن یقال: إنّ المقدّمة الموصلة بما أنّها فعل خارجی واقعة فی سلسلة علل وجود ذی المقدّمة و هذه المقدّمة الموصلة بما أنّها موصلة أی متّصفة بالإیصال (لا بما أنّها مقدّمة) ملازمة لذی المقدّمة وجوداً.

ص: 399

أدلّة سبعة علی القول بوجوب المقدّمة الموصلة:
اشارة

هناک عدة تصاویر للمقدّمة الموصلة: تصویر صاحب الفصول (قدس سره) و تصویر المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تصویر المحقّق العراقی (قدس سره) .

الدلیل الأوّل: لصاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ المتیقّن من حکم العقل بوجوب المقدّمة هو خصوص الموصلة.

توضیحه: هو أنّ العقل هو الحاکم بالملازمة العقلیة بین وجوب الشیء و وجوب مقدّماته و هو لایدرک أزید من الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب المقدّمة الموصلة.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ العقل الحاکم بالملازمة دلّ علی وجوب مطلق المقدّمة لا خصوص ما إذا ترتّب علیها الواجب فیما لم یکن هناک مانع عن وجوبه، لأنّ ملاک حکم العقل بالملازمة حصول التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة و هذا الملاک مشترک فی جمیع أقسام المقدّمة.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ التمکّن المذکور لایصلح أن یکون ملاکاً للوجوب الغیری و داعیاً له

ص: 400


1- الفصول، ص86.
2- کفایة الأصول، (ط.آل البیت)، ص118،[المناقشة فی أدلة صاحب الفصول].

لفرض أنّه حاصل قبل الإتیان بالمقدّمة (و قد مضی أنّ ملاک الوجوب الغیری عنده هو وقوع المقدّمة فی سلسلة علّة وجود ذی المقدّمة و هذا الملاک لایوجد فی المقدّمة غیر الموصلة). ((1))

الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا
اشارة

الدلیل الثانی: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2)) أیضا

إنّ العقل لایأبی عن تصریح الآمر الحکیم بعدم إرادة المقدّمة غیرالموصلة فیجوز أن یقول: أُرید الحج و أُرید المسیر الذی یتوصل به إلی فعل الواجب دون ما لم یتوصل به إلیه، فإنّ الضرورة قاضیة بجواز تصریح الآمر بمثل ذلک کما أنّ الضرورة قاضیة بقبح التصریح بعدم مطلوبیة المقدّمات مطلقاً أو بقبح التصریح بعدم مطلوبیة المقدّمة الموصلة و ذلک آیة عدم الملازمة بین وجوب الشیء و وجوب المقدّمات له غیرِ الموصلة.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((3))

إنّه لیس للآمر الحکیم الذی لایجازف التصریحُ بذلک، و إنّ دعوی صاحب الفصول (قدس سره) من أنّ الضرورة قاضیة بجواز التصریح بذلک ممنوع لأنّ الغرض و هو التمکّن من فعل ذی المقدّمة مشترک بین جمیع المقدّمات الموصلة و غیرالموصلة.

ص: 401


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص258و (ط.ق): ج2، ص418.
2- الفصول، ص86.
3- الکفایة (ط.آل البیت )، ص118،[المناقشة فی أدلة صاحب الفصول].
أجاب عنه المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

قد تقدّم أنّ ما ذکره من الغرض لایصلح أن یکون الغرض فلا بأس بهذا التصریح، بل الوجدان أصدق شاهد علی جواز ذلک.

الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) أیضا
اشارة

الدلیل الثالث: لصاحب الفصول (قدس سره) ((2)) أیضا

إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرد التوصّل بها إلی الواجب و حصوله فیکون التوصّل بالمقدّمة إلی ذی المقدّمة و حصوله معتبراً فی مطلبوبیة المقدّمة، فلاتکون المقدّمة مطلوبة إذا انفکّت عن التوصّل.

و صریح الوجدان قاضٍ بأنّ من یرید شیئاً بمجرد حصول شیء آخر، لایریده إذا وقع مجرداً عنه و یلزم منه أن یکون وقوعه علی وجه المطلوب منوطاً بحصول هذا الشیء الآخر.

إیرادان من صاحب الکفایه (قدس سره):
اشارة

((3))

الإیراد الأوّل:
اشارة

أورد علیه أوّلاً بمنع الصغری و هو أنّ الغرض إنّما هو التمکّن من الإتیان بذی المقدّمة لا ترتّبه علیه خارجاً، و هذا الغرض مشترک بین المقدّمة الموصلة و غیرالموصلة.

ص: 402


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص258و (ط.ق): ج2، ص419.
2- الفصول، ص86.
3- کفایة الأصول، ص118.
أجاب عنه المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سرهما):

((1))

إنّ ذلک لیس هو الغرض لأنّ التمکّن من ذی المقدّمة یحصل بمجرد التمکّن من المقدّمة.

الإیراد الثانی:
اشارة

أورد (قدس سره) ثانیاً بمنع الکبری و هو أنّ صریح الوجدان قاضٍ بأنّ المقدّمة التی أُرید لأجل غایة و لم تبلغها واجبة، فلایکون ترتّب ذی المقدّمة علی المقدّمة قیداً للواجب الغیری و إن سلّمنا أنّه الغایة لوجوب المقدّمة.

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ الشیء إذا وجب لغایة فلابدّ من تحقّق الغایة حتی یتّصف بالوجوب و مع عدم تحقّق الغایة لایعقل اتّصافه بالوجوب.

و من هنا قلنا: إنّ وجود ذی المقدّمة (الغایة) کاشف عن تحقّق مقدّمته المتّصفة بالوجوب و عدم وجود ذی المقدّمة کاشف عن عدم تحقّق المقدّمة المتّصفة بالوجوب.

الدلیل الرابع علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة:
اشارة

((3))

إنّه یجوز للمولی أن ینهی عن المقدّمات التی لاتوصل إلی الواجب و

ص: 403


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص258و (ط.ق): ج2، ص418؛نهایة الدرایة، ج2، ص136.
2- المحاضرات(ط.ج): ج2، ص259و (ط.ق): ج2، ص420.
3- عن صاحب العروة (قدس سره) نقله المحاضرات (ط.ج): ج2، ص260 و (ط.ق): ج2، ص420 و البحوث السید الصدر (قدس سره)، ج2، ص54.

لایستنکر ذلک العقل مع أنّه یستحیل أن ینهی عن مطلق المقدّمة أو عن خصوص الموصلة منها، و هذا دلیل عدم وجوب مطلق المقدّمة و وجوب خصوص الموصلة.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

أوّلا: إنّ هذا الدلیل فی مورد المقدّمات المباحة، أمّا إذا کان المقدّمات محرّمة مثل أن یمنع عنه المولی فحینئذ لاتتصف بالوجوب الغیری و لکنّ عدم اتّصافها به لأجل المانع (و هو نهی المولی) لا لأجل عدم المقتضی.

ثانیا: إنّ فی صحّة منع المولی عن المقدّمة غیر الموصلة نظراً لأنّه یوجب تفویت الواجب اختیاراً أو طلب الحاصل.

أمّا لزوم تفویت الواجب فلأنّه إن قلنا بحرمة المقدّمة فلایتمکّن من المقدّمة شرعاً إلّا فی صورة إتیان ذی المقدّمة و مع عدم إتیان ذی المقدّمة لایجوز إتیان المقدّمة لحرمتها علی الفرض فلیس متمکّناً من المقدّمة شرعاً و لازم عدم التمکّن من المقدّمة هو عدم التمکّن أیضاً من ذی المقدّمة، لأنّ وجوب ذی المقدّمة مشروط بالقدرة و مع عدم التمکّن من المقدّمة لیس قادراً علی ذی المقدّمة فیجوز ترک ذی المقدّمة لأنّ تحصیل القدرة علی الواجب النفسی لیس بواجب.

أمّا لزوم تحصیل الحاصل فلأنّ إیجاب ذی المقدّمة فعلاً متوقّف علی جواز المقدّمة شرعاً و جواز المقدّمة شرعاً یتوقّف علی إیصالها إلی ذی المقدّمة و إیصالها إلی ذی المقدّمة یتوقّف علی إتیان ذی المقدّمة.

ص: 404


1- کفایة الأصول، ص120.

و نتیجة ذلک هو أنّ إیجاب ذی المقدّمة (أی طلب حصوله) متوقّف علی إتیانه و حصوله و هذا طلب الحاصل و هو محال.((1))

أجاب عنه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ ما أفاده مبنی علی الخلط بین کون الإیصال قیداً لجواز المقدّمة و وجوب ذی المقدّمة و بین کونه قیداً للواجب.

فلو کان الإیصال قیداً لجواز المقدّمة لتم ما أفاده و لکنّه لیس الأمر کذلک بل الإیصال قید للواجب، فلیس جواز المقدّمة مشروطاً بالإیصال الخارجی و وجود الواجب النفسی، بل الجواز تعلّق بالمقدّمة الموصلة و المفروض تمکّن المکلّف منها، و حینئذ لو ترک الواجب ارتکب المعصیة و استحقّ العقاب لفرض قدرته علیه من جهة قدرته علی مقدّمته الموصلة.

الدلیل الخامس:
اشارة

((3))

و هذا البیان أیضاً یوافق التصویر الذی أفاده صاحب الفصول (قدس سره) .

توضیح هذا التقریب هو أنّ قید الموصلیة و ذی المقدّمة متلازمان فإنّهما معلولان عرضیان للمقدّمة (هذا ما صرّح به السید الصدر (قدس سره) فی تفسیر هذا التقریب)((4)) فإنّ الغرض الأصیل مترتّب علی وجود المعلول (أی ذی المقدّمة) و

ص: 405


1- أفاده أیضاً فی هامش الکفایة، ص120.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص261-262و (ط.ق): ج2، ص421-422.
3- التقریب الأوّل الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) نهایه الدرایة، ج2، ص138.
4- بحوث فی علم الأصول ج2، ص250.

الغرض التبعی من أجزاء علّته هو أن یترتّب المعلول (و هو ذو المقدّمة) علی أجزاء العلّة (و هی المقدّمات) إذا وقعت علیتها فعلیة.

فوقوع کل مقدّمة علی صفة المقدّمة الفعلیة ملازم لوقوع الأُخری علی تلک الصفة و وقوع ذی المقدّمة فی الخارج، و أمّا ذات المقدّمة من دون فعلیة التأثیر مقدّمة بالقوّة لا بالفعل، و المقدّمة غیر الفعلیة (أی ما هو مقدّمة بالقوّة) غیر مرتبط بالغرض الأصیل المترتّب علی وجود ذی المقدّمة فلاتکون مطلوبة بالتبع.

فالمقدّمة غیر الموصلة مقدّمة بالقوة و لیست مطلوبة بالتبع و لا ملازمة بینها و بین ذی المقدّمة و أمّا المقدّمة الموصلة مقدّمة بالفعل و مطلوبة بالتبع و الملازمة بینها و بین ذی المقدّمة ثابتة.

إیراد السید الصدر (قدس سره) علی هذا التصویر من المقدّمة الموصلة:

إنّ أخذ حیثیة ترتّب الواجب النفسی فی متعلّق الواجب الغیری معناه انبساط الوجوب الغیری علی حیثیة لا ربط لها به، فان ملاک تعلق الشوق و الوجوب الغیری بشی ء لیس إلّا وقوع ذلک الشی ء فی طریق تحقیق الواجب النفسی، و من الواضح عدم دخل الحیثیة المذکورة فی ذلک أصلا [و بعبارة أخری: ملاک تعلّق الشوق و الوجوب الغیری بالمقدّمة هو وقوعه فی طریق تحقّق الواجب النفسی مع أنّ حیثیة الموصلیة (بمعنی ترتّب الواجب النفسی) لا مدخلیة لها فی تحقّق الواجب النفسی] بل هی متأخّرة فی الانتزاع و التحقّق عن وجود ذی المقدّمة (حیث إنّ الموصلیة تنتزع عن تحقّق ذی المقدّمة خارجاً) و معه کیف یعقل انبساط الوجوب الغیری علیها؟((1))

ص: 406


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص249 و 250.
یلاحظ علیه:

أولا: إنّهما متلازمان، لا أنّ الموصلیة منتزعة عن تحقّق الواجب النفسی.

ثانیاً: إنّ إتیان ذات المقدّمة واجب عقلاً، لأنّ المقدّمة الموصلة واجبة غیریاً و المکلّف متمکّن منه فلابدّ له من إتیان ذات الفعل حتی یترتّب علیه تحقّق ذی المقدّمة فذات الفعل تحقّق فی طریق إتیان الواجب النفسی.

الدلیل السادس:
اشارة

((1))

إنّ الغرض الأصیل یتعلّق بالمعلول و هو ذو المقدّمة و الغرض التبعی أیضاً یتعلّق بعلّته التامّة حیث إنّها محصّلة للغرض الأصیل و لایتعلّق الغرض التبعی بکل ما له دخل و إن لم یکن محصّلاً للغرض الأصیل، لأنّ وجوده و عدمه مع عدم الغرض الأصیل علی حدّ سواء، و العلّة التامّة هی مجموعة من المقدّمات و تلک المقدّمات واجبة بالوجوب الغیری الواحد و عنوان الموصلیة و إن کان من عوارض المقدّمة لکنّها مقوّمة للمقدّمة بمعنی العلّة التامّة و الموصلیة تنتزع عن المقدّمات بملاحظة بلوغها حیث یترتّب علیها الواجب فهو ملازم لترتّب الواجب لا إنّه منتزع منه.

و الإرادة المتعلّقة بالعلّة التامّة واحدة و إن کانت العلّة مرکّبة کما أنّ الإرادة المتعلّقة بالمعلول واحدة و إن کان المعلول مرکباً

و المنشأ فی العلّة التامّة وحدة الغرض -کما أنّ منشأ وحدة الإرادة فی المعلول وحدة الغرض- و الغرض فی العلّة التامّة هو الوصول إلی المعلول.

ص: 407


1- التقریب الثانی الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص139و إختاره السید الصدر فی بحوثه، ج2، ص251و هذا هو التصویر الثانی للمقدّمة الموصلة.

و الإرادة الکلّیة المتعلّقة بالعلّة المرکّبة لاتسقط إلّا بعد حصولها الملازم لحصول معلولها و إن کان یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً کما أنّ إتیان بعض أجزاء المعلول لایسقط الإرادة النفسیة المتعلّقة بالمرکّب بل هی باقیة إلی آخر الأجزاء و إن کان یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً.

و کما أنّ أجزاء المعلول لاتقع علی صفة المطلوبیة إلّا بعد التمامیة، لاتقع أجزاء العلّة التامّة علی صفة المطلوبیة المقدّمیة إلّا بعد التمامیة لوحدة الطلب فی کلیهما و منشؤها وحدة الغرض.

ثم إنّ إرادة ذی المقدّمة من أجزاء العلّة التامّة و لا مانع من تعلّق الإرادة التشریعیة بها بل لابدّ منها، لأنّ الإنسان إذا اشتاق إلی فعل الغیر عن اختیار فلامحالة یرید إرادة الغیر له کسائر المقدّمات بلا فرق، لکنّه لایمکن البعث نحو الإرادة إذ معنی البعث جعل الداعی و الباعث نحو الشیء و لایکون البعث باعثاً و داعیاً إلّا بواسطة الإرادة فالإرادة بنفسها مقوّمة للانبعاث نحو الفعل فلایعقل أن تکون الإرادة مبعوثاً إلیها.

(لکن السید الصدر (قدس سره) یقول باستحالة تعلّق الإرادة بالإرادة).((1))

إیرادات بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذه النظریه:
اشارة

((2))

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ المراد عین الإرادة و المبعوث علیه موجود بعین وجود البعث و هذا هو ما اعتقد به المحقّق الإصفهانی (قدس سره)، فحینئذ إذا ترکّب العلّة التامّة من المقتضی و

ص: 408


1- بحوث فی علم الأصول، ج2، ص252.
2- علی ما قرّرته فی مجلس درسه.

الشرط و المعدّ فیکون المراد متعدداً لأنّه لایمکن اتحاد المقتضی و الشرط مثلاً لا فی الخارج و لا فی الذهن فمع تعدّد المراد لابدّ أن یتعدّد الإرادة أیضاً لأنّ المراد عین الإرادة.

یلاحظ علیه:

إنّ الإرادة التشریعیة تتعلّق بالعلّة التامّة و العلّة التامّة واحدة لا متعدّدة بل إنّها مرکّبة من الأجزاء فلها وحدة من جهة و ترکّب من جهة أُخری، و الإرادة التشریعیة متعلّقة بجهة وحدتها کما أنّ الإرادة النفسیة المتعلّقة بالواجب النفسی واحدة و إن کان الواجب النفسی مثل الصلاة مرکّبا.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ مبنی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) تعلّق الإرادة التی هی واحد حقیقی بالمرکّب فیقال: کیف یعقل أن یکون المقتضی واحداً و الاقتضاء متعدّداً مع أن نسبة الاقتضاء إلی المقتضی هی نسبة الأثر إلی المؤثر و کیف یعقل أن یکون الأثر متعدّداً و المؤثر (أی محقّق الأثر) واحداً

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ نسبة الاقتضاء و المقتضی لیست نسبة المؤثر و أثره بل الاقتضاء عین المقتضی و النسبة بین المقتضی و المقتضی نسبة المؤثر و الأثر، فإنّ الاقتضاء مصدر متحد مع اسم الفاعل بحسب الحقیقة لا مع اسم المفعول.

ثانیاً: ما أفاده من وحدة الإرادة و تعدّد الاقتضاءات هو یرجع إلی ما قلنا من أنّ العلّة التامّة المرکّبة واحدة لا متعدّدة و إن کانت ذا أجزاء فلها وحدة من جهة عدم تعدّدها و لها أجزاء من حیث ترکّبها، و رابطة الأجزاء و المرکب رابطة

ص: 409

الجزء و الکل لا الجزئی و الکلّی فالإرادة لاتنحل بحسب ترکّب المراد بل الانحلال یتصور فیما إذا کان المراد کلیاً لا فیما إذا کان کلاً.

الإیراد الثالث:
اشارة

إنّ النسبة بین المقتضی و المقتضی نسبة التضایف، فکیف یعقل سقوط الاقتضاء و بقاء المقتضی؟ فما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الإرادة الکلّیة المتعلّقة بالعلّة المرکّبة یسقط اقتضاؤها شیئاً فشیئاً ممنوع.

إذ مع سقوط الاقتضاء إمّا یبقی المقتضی أو لا، فلو بقی المقتضی یلزم عدم تکافؤ المتضایفین و إن لم یبق المقتضی یلزم التعدّد فی ناحیة المقتضی و معنی ذلک هو انحلال الإرادة بالإرادات، فلیست هنا إرادة واحدة بل إرادات متعددة و بتبعها وجوبات غیریة فلکل مقدّمة وجوب غیری.

یلاحظ علیه:

أوّلاً: إنّ الإقتضاء عین المقتضی کما قلنا سابقاً.

ثانیاً: معنی سقوط الاقتضاء فی بعض الأحیان بالنسبة إلی بعض المقدّمات المأتی بها هو سقوط المقتضی و المقتضی فیها بخروجها عن تحت الاقتضاء لحصولها فی الخارج فإنّ المقدّمة التی تحقّقت فی الخارج خرجت عن تحت الاقتضاء.

و لاینافی وحدة الاقتضاء بالنسبة إلی المرکّب مع کونه ذا مراتب.

الإیراد الرابع:

إنّ وحدة الإرادة بالنسبة إلی المقدّمات المتعدّدة مخالفة للمبنی المسلّم عند القوم و إجماعهم.

ص: 410

لکن بعض الأساطین (حفظه الله) - علی ما قررتُ فی مجلس درسه- أعرض عن حتمیة ورود الإشکال و قال: لانُصِرّ علی هذا الإیراد و الوجه فیه واضح لأنّ اجماع الأُصولیین علی مسألة لا اعتبار به فضلاً عن اتفاق بعضهم.

الإیراد الخامس:
اشارة

إنّ تقسیم المقتضی و الشرط بما هو بالفعل و ما هو بالقوّة صحیح أمّا تقسیم المعدّ بما بالقوّة و ما بالفعل فغیر صحیح، فإنّ المعدّ دائماً یکون بالفعل مثلاً کل قدم من أقدام من خرج من بیته إلی المسجد فهو معدّ للکون فی المسجد.

یلاحظ علیه:

إذا ترتّب علی المعدّ وجود المعدّ له فالإعداد فعلی و أمّا إذا لم یترتّب علیه المعدّ له فلا وجه لفعلیة الإعداد.

فالحقّ هو تقسیم المعدّ أیضاً إلی ما بالقوة و ما بالفعل.

الدلیل السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) من الحصّة التوأمة

((1))

قال فی المقالات:((2)) إنّ الواجب فی باب المقدّمة ما هو الموصل منها بحیث یکون هذا العنوان کعنوان نفس المقدّمیة من العناوین المشیرة إلی ما هو واجب، لا إنّه بنفس هذا العنوان کان واجباً.

و قال فی نهایة الأفکار((3)): إذا کان التکلیف المتعلّق بکل مقدّمة تبعاً للتکلیف

ص: 411


1- نهایة الأفکار، ج1، ص340؛ مقالات، ج1، ص332؛ و هذا هو التصویر الثالث للمقدّمة الموصلة
2- المقالات، ج2،ص332.
3- نهایة الأفکار، ج1، ص341-342.

النفسی الضمنی المترشح منه ناقصاً غیر تامّ فی حد نفسه بنحو یقصر عن الشمول لحال عدم تحقّق بقیة المقدّمات فلاجرم یوجب نقصه و قصوره ذلک تخصیص المطلوب أیضاً بما لایکاد انفکاکه عن بقیة المقدّمات التی منها الإرادة الملازم ذلک للإیصال إلی وجود ذیها فی الخارج، و معه یکون الواجب قهراً عبارة عن خصوص ما هو ملازم للإیصال بنحو لایکاد انفکاکه فی الخارج عن وجود الواجب لا مطلق وجود المقدّمة و لو فی حال الانفکاک عن الإیصال، و لکنّه لقصور فی حکمه عن الشمول لحال الانفکاک عن بقیة المقدّمات لایکون مطلقاً أیضاً بنحو یشمل حال عدم الإیصال إلی وجود ذیه فهو أی الواجب حینئذ عبارة عن ذات المقدّمة بما أنّها توأمة و ملازمة للإیصال و ترتّب ذیها علیها، لا بشرط الإیصال کما هو مقتضی کلام الفصول و لا لابشرط الإیصال کما هو مقتضی القول بوجوب المقدّمة مطلقاً.

(إنّ السید الصدر (قدس سره) قد استشکل هذا التصویر بوجهین).((1))

مناقشة القول الرابع:

((2))

یکفی فی الإیراد علیه الأدلة الواردة لإثبات خصوص المقدّمة الموصلة و قد استقصینا بیانها و الدلیل السادس هو أحسن ما فی المقام و هو التقریب الثانی الذی أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) للمقدّمة الموصلة.

ص: 412


1- راجع بحوث فی علم الأُصول، ج2، ص250.
2- القول الرابع هو ما أفاده المشهور و صاحب الکفایة (قدس سره) و هو إطلاق الوجوب الغیری و الواجب الغیری من هذه الشروط.
تقریر المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الخامس:
اشارة

((1))

إنّ الواجب و إن کان هو خصوص المقدّمة فی حال الإیصال لمساعدة الوجدان علی ذلک بناءً علی ثبوت الملازمة إلّا أنّه مع ذلک لم یؤخذ الإیصال قیداً لاتصاف المقدّمة بالوجوب لا بنحو یکون قیداً للواجب و لا بنحو یکون قیداً للوجوب فلو کان قیداً للواجب یلزم الدور و التسلسل و لو کان قیداً للوجوب یلزم التفکیک بین وجوب المقدّمة و وجوب ذیها فی الإطلاق و الاشتراط و هو مستحیل علی ضوء القول بالملازمة بینهما.

و إذا استحال التقیید فتستلزم ذلک استحالة الإطلاق أیضاً لأنّ تقابلهما تقابل الملکة و العدم ثبوتاً و إثباتاً فلابدّ من الالتزام بشقّ ثالث و هو وجوب المقدّمة فی حال الإیصال أو قل کما قال المحقّق صاحب الهدایة (قدس سره):((2)) إنّ المقدّمة إنّما وجبت من حیث الإیصال لا مقیدة بکونها موصلة

ثم قال المحقق النائینی (قدس سره):((3)) و علی ما ذکر فلا مناص من الإهمال و أن یکون الواجب الغیری کوجوبه غیر مقید بالإیصال و لا مطلقاً من هذه الجهة.

یلاحظ علیه:

یکفی فی بیان إبطاله ما مضی من عدم استحالة تقیید الواجب حیث رفعنا

ص: 413


1- القول الخامس هو مختار المحقّق صاحب هدایة المسترشدین و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و المحقّق النائینی (قدس سره) أخذه من المحقّق صاحب الهدایة (قدس سره) و لکن خالفه فی بعض النّقاط. هدایة المسترشدین(ط.ق)، ص219؛ أجود التقریرات، ج1، ص351.
2- هدایة المسترشدین (ط.ق)، ص219.
3- أجود التقریرات، ج1، ص351.

إشکال الدور و التسلسل فلانحتاج إلی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الإیراد علیه و إن شئت فراجع.((1))

ص: 414


1- المحاضرات (ط.ج): ج2،ص 264-265و (ط.ق): ج2، ص423 - 424.
الأمر الثانی: مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة
اشارة

اعلم أنّ أهمّ الأقوال هنا أربعة، نذکرها مع أدلّتها:

القول الأوّل: وجوب المقدّمة شرعاً مطلقاً((1)) (مختار الشیخ و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره).

ص: 415


1- ذهب إلی هذا القول أکثر الأصولیین: ففی معالم الدین، ص60: «أصلٌ: الأکثرون علی أنّ الأمر بالشی ء مطلقا یقتضی إیجاب ما لایتم إلّا به شرطا کان أو سببا أو غیرهما مع کونه مقدورا». و فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216: «القول بالوجوب مطلقا لأکثر الأصولیین». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «إنّ لهم فی المسألة أقوالاً عدیدةً: أحدها: القول بوجوب المقدمة مطلقا ... و إلیه ذهب المعظم من العامة و الخاصة بل لانعلم قائلا بخلافه من الأصحاب ممن تقدم علی المصنف، و حکایة الإجماع علیه مستفیضة علی ما ذکره جماعة؛ و یستفاد من تتبع مطاوی المباحث الفقهیة أنّ ذلک من المسلّمات عندهم، و عن المحقق الدوانی دعوی الضرورة علیه؛ و ربما یستفاد ذلک من کلام المحقق الطوسی أیضا و قد حکی الشهرة علیه جماعة». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص402: «أمّا الأقوال فی المسألة، فعلی ما استقصیناه أربعة: أحدها:- کما هو المنسوب إلی الأکثر- هو الوجوب مطلقا، و قد نقل الآمدی الإجماع علیه [الإحکام فی أصول الأحکام 1: 153] کما حکی عنه و ناقش فیه المحقق الخونساری بأنّ الموجود من عبارة إحکامه دعوی إتّفاق أصحابه و المعتزلة علیه، و نسب الخلاف إلی بعض الأصولیة [حاشیة شرح مختصر الأصول (مخطوط) الورقة 134 و إلیک نصّه: و قد نسب إلی الآمدی إدّعاء الإجماع علیه، و هو فریة، بل إدّعی فی الإحکام: إتّفاق أصحابه المعتزلة علیه، و نسب الخلاف إلی بعض الأصولیة]». و فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص392: «الأقوال فی المسألة علی ما استقصاه بعض المحققین أربعة: القول بوجوب المقدمة مطلقا: و هو منسوب إلی الأکثر، بل قد نقل عن الآمدی أنّه نقل الإجماع علیه». و فی بدائع الأفکار، ص348: «إختلفوا فی وجوب المقدمة علی أقوالٍ الأوّل و هو المشهور المدّعی علیه الإجماع وجوبها مطلقا». و اختاره الشیخ البهائی و صاحب الحاشیة و الفصول و المحقق البجنوردی: ففی زبدة الأصول، ص78: «فصلٌ: ما یتوقف الواجب علیه مقدورا واجب». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «إنّ لهم فی المسألة أقوالا عدیدة أحدها: القول بوجوب المقدمة مطلقا، و هو المختار». و فی الفصول الغرویة، ص82: «فصلٌ: الحقّ أنّ الأمر بالشی ء مطلقا یقتضی إیجاب ما لایتم بدونه من المقدمات الجائزة وفاقا لأکثر المحققین». و فی منتهی الأصول ط.ج. ج 1، ص422: «إنّ الحقّ هو وجود الملازمة بین وجوب شی ء نفسیا و بین وجوب مقدماته غیریا؛ بمعنی أنّ إرادة الشی ء ملازمٌ لإرادة ما یتوقف علیه وجوده إذا التفت إلی أنّه مما یتوقف علیه ذلک الشی ء».

القول الثانی: عدم وجوب المقدّمة شرعاً مطلقاً((1)) (مختار المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و منتقی الأصول).

ص: 416


1- فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216: «و [القول] بعدمه مطلقا نقله البیضاوی فی المنهاج عن بعض الأصولیین، و الشهید الثانی رحمه الله فی تمهید القواعد». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «ثانیها: القول بعدم وجوبها کذلک، حکاه الفاضل الجواد و العضدی قولاً و حکی عن المنهاج أیضا حکایة ذلک و لم ینسبه أحد إلی قائل معروف، بل نصّ جماعة من الأجلّة منهم المصنف علی جهالة القائل». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص402: «و ثانیها: النفی مطلقا، و قد نسبه الآمدی کما تقدم إلی البعض، إلّا أنّ المحقق المذکور نفاه [حاشیة شرح مختصر الأصول( مخطوط) الورقة: 134، و إلیک نصه: و ثانیها عدم الوجوب مطلقا، و لم یظهر قائلٌ به علی التعیین] و الظاهر من عبارة المنهاج وجودُ القائل به و یحتمله عبارة المختصر». و فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص392: «و القول بعدمه [أی عدم وجوب المقدمة] مطلقا: و هو الذی نسبه الآمدی- علی ما حکی عنه المحقق الخوانساری- إلی بعض الأصولیین، و حکی عن ظاهر المنهاج وجود القائل به و عن عبارة المختصر علی إجمالٍ فیها». و فی بدائع الأفکار، ص348: «الثانی عدمه [أی عدم وجوب المقدمة مطلقا] علی ما ذکره صاحب المناهج و هو ظاهر المعالم و صریح الإشارات و غیره». و اختار هذا القول المحقق القمی و المحقق المظفر: ففی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص217: «و الأقرب عندی عدم الوجوب مطلقا». و فی أصول الفقه ط. اسماعیلیان ج 1، ص292: «إنّ الحقّ فی المسألة کما علیه جماعة من المحققین المتأخرین القول الثانی و هو عدم وجوبها مطلقا».

القول الثالث: التفصیل بین المقدّمة السببیة فهی واجبة شرعاً و بین غیرها فهی لیست بواجبة (علم الهدی و صاحب المعالم (قدس سرهما)((1)).

ص: 417


1- فی معالم الدین، ص60: «و فصّل بعضهم فوافق فی السبب و خالف فی غیره فقال بعدم وجوبه و اشتهرت حکایة هذا القول عن المرتضی رضی الله عنه و کلامه فی الذریعة و الشافی غیر مطابق للحکایة و لکنّه یوهم ذلک فی بادی الرأی حیث حکی فیهما عن بعض العامة إطلاق القول بأنّ الأمر بالشی ء أمر بما لایتمّ إلّا به و قال: إنّ الصحیح فی ذلک التفصیل بأنّه إن کان الذی لایتم الشی ء إلّا به سببا فالأمر بالمسبب یجب أن یکون أمراً به و إن کان غیر سبب و إنّما هو مقدمة للفعل و شرط فیه لم یجب أن یعقل من مجرد الأمر أّنه أمر به ثم أخذ فی الإحتجاج لما صار إلیه و قال فی جملته إنّ الأمر ورد فی الشریعة علی ضربین: أحدهما یقتضی إیجاب الفعل دون مقدماته کالزکاة و الحج فإنّه لایجب علینا أن نکتسب المال و نحصل النصاب و نتمکّن من الزاد و الراحلة و الضرب الآخر یجب فیه مقدمات الفعل کما یجب هو فی نفسه و هو الصلاة و ما جری مجراها بالنسبة إلی الوضوء فإذا انقسم الأمر فی الشرع إلی قسمین فکیف نجعلهما قسماً واحداً؟ و فرّق فی ذلک بین السبب و غیره بأنّه محال أن یوجب علینا المسبب بشرط إتّفاق وجود السبب إذ مع وجود السبب لابدّ من وجود المسبب إلّا أن یمنع مانع و محال أن یکلفنا الفعل بشرط وجود الفعل بخلاف مقدمات الأفعال فإنّه یجوز أن یکلفنا الصلاة بشرط أن یکون قد تکلفنا الطهارة کما فی الزکاة و الحج و بنی علی هذا فی الشافی نقض استدلال المعتزلة لوجوب نصب الإمام علی الرعیة بأنّ إقامة الحدود واجبة و لایتم إلّا به و هذا کما تراه ینادی بالمغایرة للمعنی المعروف فی کتب الأصول المشهورة لهذا الأصل و ما اختاره السید فیه محل تأمل و لیس التعرض لتحقیق حاله هنا بمهم». و فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216 و 217: «و [القول] بوجوب السبب دون غیره للواقفیة و نسبه جماعة الی السید رحمه الله [کالعلامة فی التهذیب، ص 110] و هو وهمٌ لأنّه جعل الواجب بالنسبة الی السبب مطلقا، و بالنسبة الی غیره محتملا للإطلاق و التقیید، فیحکم بوجوب السبب مطلقا لعدم احتمال التقیید، و یتوقف فی غیره لاحتمال کون الوجوب مقیدا بالنسبة إلیه و هذا بعینه قول المشهور فی مقدمات الواجب المطلق». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص103: «ثالثها: التفصیل بین السبب و غیره، حکاه فی النهایة عن الواقفیة و عزی القول به إلی السید رحمه الله، و لیس کذلک کما بینه المصنف بل کلامه صریح فی وجوب مقدمة الواجب المطلق مطلقا، بل ظاهر کلامه أنّه من الأمور الواضحة حیث لم یجعله موردا للتأمل و الإشکال». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص402 و 403: «و ثالثها: التفصیل بین السبب و غیره، فقالوا بالوجوب فی الأول و بعدمه فی الثانی. و قد نسبه البعض إلی الواقفیة، و اختاره صاحب المعالم و قد نسبه العلّامة [نهایة الوصول، 94] إلی السید و عبارته علی ما نقلناها عن الذریعة [ج1، ص83] مما لاتأباه بحسب الأنظار البادئة، إلّا أنّ مساق کلامه فیما بعده- علی ما یظهر للمتأمل- یأباه، کما تفطن له صاحب المعالم و قد اعترضه الکاظمی فی شرح الوافیة [الوافی فی شرح الوافیة ( مخطوط)، ص255- 256] و المحصول». و فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص393: «و التفصیل بین السبب و غیره بالقول بوجوب الأول دون الثانی، و نسب هذا إلی الواقفیة [نهایة الوصول- مخطوط ص64] و اختاره صاحب المعالم و نسبه العلّامة قدس سره إلی السید قدس سره [نهایة الوصول- مخطوط- ص64 عند قوله: (و هو مذهب السید المرتضی) و ص65 عند قوله: ( فروع: الأوّل: فرّق السید المرتضی بین السبب و غیره)] و إن کان فیه ما لایخفی کما تفطّن له صاحب المعالم قدس سره». و فی بدائع الأفکار، ص348: «الثالث التفصیل بین السبب و الشرط بوجوب الأول دون الثانی نسب إلی علم الهدی و إن کانت النسبة فی غیر محلها علی ما صرّح به صاحب المعالم و یستفاد من کلامه المحکی من الذریعة و الشافی».

القول الرابع: التفصیل بین المقدّمة الشرعیة فهی واجبة شرعاً و بین غیرها

ص: 418

فهی لیست بواجبة (العضدی و الحاجبی)((1)).

ص: 419


1- فی زبدة الأصول، ص78: «و قیل: إن کان شرطا شرعیا و إلّا فلا». و فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص216: «و [القول] بوجوب الشرط الشرعی لابن الحاجب». و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص104: «رابعها: التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره ذهب إلیه الحاجبی و العضدی فی ظاهر کلامه، و یحتمل ضمّ السبب إلی الشرط الشرعی إن ثبت الإجماع علی وجوب الأسباب أو کان القائل ذاهباً إلیه، و الحاصل أنّه یدور الأمر فی التفصیل المذکور بین الوجهین». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص403: «و رابعها: التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره و هو المنقول عن الحاجبی و تبعه العضدی [المختصر و شرحه للعضدی: 90- 91] فی ذلک و الله الهادی». و فی بدائع الأفکار، ص348: «الرابع التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره فیجب الأول دون الثانی ذهب إلیه ابن الحاجب و إمام الحرمین علی ما عزی إلیه». فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2،ص104: «خامسها: التفصیل بین الشرط و غیره من المقدمات کرفع المانع؛ و هذا القول غیر معروف فی أقوال المسألة إلّا أنّ ظاهر العلامة فی النهایة حکایته عن جماعة». و فی أصول الفقه ط. اسماعیلیان ج 1، ص291: «لقد تکثّرت الأقوال جدّاً فی هذه المسألة علی مرور الزمن نذکر أهمّها و نذکر ما هو الحقّ منها و هی 1 القول بوجوبها مطلقا. 2 القول بعدم وجوبها مطلقا و هو الحقّ و سیأتی دلیله. 3 التفصیل بین السبب فلایجب و بین غیره کالشرط و عدم المانع و المعّد فیجب. 4 التفصیل بین السبب و غیره أیضاً و لکن بالعکس أی یجب السبب دون غیره. 5 التفصیل بین الشرط الشرعی فلایجب بالوجوب الغیری باعتبار أنّه واجب بالوجوب النفسی نظیر جزء الواجب و بین غیره فیجب بالوجوب الغیری و هو القول المعروف عن شیخنا المحقق النائینی. 6 التفصیل بین الشرط الشرعی و غیره أیضا و لکن بالعکس أی یجب الشرط الشرعی بالوجوب المقدمی دون غیره. 7 التفصیل بین المقدمة الموصلة أی التی یترتب علیها الواجب النفسی فتجب و بین المقدمة غیر الموصلة فلاتجب و هو المذهب المعروف لصاحب الفصول. 8 التفصیل بین ما قصد به التوصل من المقدمات فیقع علی صفة الوجوب و بین ما لم یقصد به ذلک فلایقع واجبا و هو القول المنسوب إلی الشیخ الأنصاری. 9 التفصیل المنسوب إلی صاحب المعالم الذی أشار إلیه فی مسألة الضد و هو اشتراط وجوب المقدمة بإرادة ذیها فلاتکون المقدمة واجبة علی تقدیر عدم إرادته. 10 التفصیل بین المقدمة الداخلیة أی الجزء فلاتجب و بین المقدمة الخارجیة فتجب. و هناک تفصیلات أخری عند المتقدمین لا حاجة إلی ذکرها».
قد استدلّوا علی القول الأوّل بوجوه نذکر أربعة منها
اشارة

((1)):

الوجه الأوّل:
اشارة

((2))

إنّ الوجدان أصدق شاهد علی أنّ الإنسان إذا أراد شیئاً له مقدّمات، أراد تلک المقدّمات لو التفت إلیها بحیث ربّما یجعلها فی قالب الطلب مثل ذی المقدّمة و یقول مولویاً: ادخل السوق و اشتر اللحم. (هذا ما فی الکفایة).

و أوضحه المحقّق النائینی (قدس سره) بأنّه لا فرق بین الإرادة التکوینیة و التشریعیة فی جمیع لوازمهما غیر أنّ التکوینیة تتعلّق بفعل نفس المرید و التشریعیة تتعلّق بفعل غیره، و من الضروری أنّ تعلّق الإرادة التکوینیة بشیء یستلزم تعلّقها بجمیع مقدّماته قهراً.((3))

ص: 420


1- أقاموا وجوها أخری أیضا ففی زبدة الأصول، ص79: «لنا ذمّ السید العبد المأمور بالکتابة القادر علی تحصیل القلم المعتذر بفقده علی عدم تحصیله، و إنکاره مکابرة، و استدلال العلّامة بلزوم التکلیف بالمحال لولاه محل بحث».
2- و هو مختار الشیخ الأنصاری و صاحب الکفایة و المحقّق النائینی (قدس سره)؛ مطارح الأنظار (ط.ج): ج1، ص405 و (ط.ق): ص83، الکفایة، ص126، أجود التقریرات، ج1، ص336.
3- فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص393 - 394: «و الذی أُحتجّ به علی مذهب المشهور أو یمکن أن یحتجّ به علیه وجوه، و هی بین جیدة، و ردیئة، و ما بینهما فالجیدة منها وجهان: أولّهما: ما احتجّ به شیخنا الأستاذ- قدس سره- و ارتضاه سیدنا الأستاذ- دام ظله- من أنّ المسألة- کما عرفت- عقلیة، فالمرجع فیها إلی الوجدان و القاضی فیها هو، و لا شبهة أنّ من له وجدان سلیم و طبع مستقیم إذا راجع وجدانه یجد منه أنّه یقضی علی وجه الیقین بالملازمة بین طلب شی ء و بین طلب ما یتوقف حصوله علیه بالمعنی الذی أشرنا إلیه فی تحریر محل النزاع، بمعنی أنّه إذا فرض نفسه طالباً لشی ء یجد فیها حالتین مقتضیة کل واحدة منهما لطلب آمری مولوی عند الإلتفات إلیهما». و فی بدائع الأفکار، ص348: «أمّا القول الأوّل فقد أُحتجّ علیه بوجوهٍ الأول ما إدّعاه جمعٌ من الأعیان کالمحقق الدوانی و المحقق الطوسی و یظهر من کلام سید الحکماء و المتألهین المیر محمد باقر الداماد فی بعض تحقیقاته و تلقّاه بالقبول مشایخنا العظام و أساتیذنا الکرام و سائر المتأخرین الفخام و هو أقوی الأدلة التی استدل بها فی المقام و أسدّها و هو قضاء ضرورة الوجدان بذلک فإنّ من راجع إلی وجدانه حال إرادته بشی ء و أنصف من نفسه و لم یخالطه بالشکوک و الشبهات وجد نفسه مُریداً لما یتوقف علیه ذلک الشی ء و إن لم یکن ملتفتا إلیه و أنّ منشأه لیس إلّا إرادة ذلک الشی ء بحیث لو بنی علی عدم إرادته کان ذلک مجرد فرض لا حقیقة له و یساعده أیضا الإعتبار الصحیح». و فی منتهی الأصول ط.ج. ج 1، ص422: «إنّ الحقّ هو وجود الملازمة بین وجوب شی ء نفسیا و بین وجوب مقدماته غیریا؛ بمعنی أنّ إرادة الشی ء ملازمٌ لإرادة ما یتوقف علیه وجوده إذا التفت إلی أنّه مما یتوقف علیه ذلک الشی ء و یدل علی ذلک ما ذکرناه مراراً من أنّ حال الإرادة التشریعیة حال الإرادة التکوینیة، و لا فرق بینهما إلّا فی أّن متعلق الإرادة التکوینیة فعل نفس المرید و فی الإرادة التشریعیة فعل الغیر و لا شک فی أنّه فی الإرادة التکوینیة إذا تعلّقت إرادته بشی ء و التفت إلی أنّ الشی ء الفلانی مما یتوقف علیه مراده الأصلی: فإمّا أن یرفع الید عن مراده الأصلی إذا رأی فی إیجاد ذلک الشی ء مفسدة غالبة علی مصلحة مراده الأصلی، أو تتعلق إرادته بإیجاده أیضا؛ لتوقف وجود مراده الأصلی علیه، فإذا کان هذا حال الإرادة التکوینیة فلیکن کذلک حال الإرادة التشریعیة کما هو کذلک بالوجدان».

ثمّ إنّ هذا الوجوب وجوب قهری لا وجوب استقلالی، فلو کان الوجوب استقلالیاً (کما هو مختار المحقّق القمی (قدس سره)((1)) لکان إنکاره للزوم اللغویة فی محلّه و لکنّه وجوب قهری ترشحی و إن لم یترتّب علی وجوده ثمرة أصلاً.

إیرادان علی هذا الوجه:
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الدلیل:

((2))

إنّ العقل یذعن بأنّ ذا المقدّمة (المفروض استحقاق العقاب علی ترکه لجعل الداعی نحوه) لایوجد إلّا بإیجاد مقدّمته، فلامحالة ینقدح الإرادة فی نفس المنقاد بالبعث النفسی و لا حاجة إلی جعل داع آخر إلی المقدّمة بنفسها (عدم الحاجة

ص: 421


1- القوانین، ج1، ص101.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص171.

أعم من کونه لغواً لأنّه یمکن تصویره فی صورة التأکید) و لیس جعل الداعی کالشوق بحیث ینقدح فی النفس قهراً بعد حصول مبادیه، فنلتزم بإرادة المقدّمة دون جعل الداعی نحوها.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الدلیل:

((1))

إن أرید من الإرادة الشوق المؤکد الذی هو من الصفات النفسانیة الخارجة عن اختیار الإنسان و قدرته غالباً ففیه:

أوّلاً: أنّ اشتیاق النفس إلی شیء البالغ حدّ الإرادة إنّما یستلزم الاشتیاق إلی خصوص مقدّماته الموصلة لو التفت إلیها لا مطلقاً.

ثانیاً: أنّ الإرادة بهذا المعنی لیست من مقولة الحکم، ضرورة أنّ الحکم فعل اختیاری للشارع و صادر منه باختیاره و إرادته.

و إن أُرید منها الاختیار و إعمال القدرة نحو الفعل فهی بهذا المعنی و إن کانت من مقولة الأفعال، إلّا أنّ الإرادة التشریعیة بهذا المعنی باطلة، و ذلک لما تقدّم بشکل موسّع من استحالة تعلّق الإرادة بهذا المعنی (أی إعمال القدرة) بفعل الغیر.

و إن أُرید منها الملازمة بین اعتبار شیء علی ذمّة المکلّف و بین اعتبار مقدّماته علی ذمّته ففیه:

أوّلاً: أنّ الوجدان أصدق شاهد علی عدمها لأنّ المولی قد لایکون ملتفتاً إلی توقفه علی مقدّماته کی یعتبرها علی ذمّته.

ص: 422


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص281 و (ط.ق): ج2، ص437-438.

ثانیاً: أنّه لا مقتضی لذلک بعد استقلال العقل بلابدّیة الإتیان بها حیث إنّه مع هذا لغو صرف.

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ تمامیة هذا الاستدلال متوقفة علی المبانی المذکورة فی حقیقة الحکم.

فإن قلنا: إنّ حقیقة الحکم هو الإنشاء بداعی جعل الداعی أو قلنا بأنّه اعتبار لابدیة شیء أو حرمانه علی ذمة المکلّف فیکون الحکم فعلاً اختیاریاً و أجنبیاً عن الإرادة و أمّا إن قلنا بأنّ الحکم هو الإرادة المبرزة و الکراهة المبرزة کما هو مختار المحقّق العراقی (قدس سره) فیتمّ الاستدلال المذکور.

الوجه الثانی:
اشارة

((2))

وجود الأوامر الغیریة فی الشرعیات والعرفیات یدل علی هذا القول لوضوح أنّه لایتعلّق الأمر الغیری بالمقدّمة إلّا إذا کان فیها مناط الأمر الغیری و ملاکه مثل «ادخل السوق و اشتر اللحم» فی العرفیات و مثل (إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ)((3)) ثم إنّه لا خصوصیة لهذه الموارد فلابدّ أن یتعدّی منها إلی جمیع المقدّمات و نتیجة ذلک وجود ملاک الأمر الغیری فی مطلق المقدّمة فإذن ثبت وجوب مطلق المقدّمة.((4))

ص: 423


1- تحقیق الأصول، ج3، ص106.
2- الکفایة، ص126.
3- سورة المائدة: 6.
4- فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج 2، ص395 - 396: «و ثانیهما: ما أفاده سیدنا الأستاذ: أنّه لاشبهة فی صحة الطلب الغیر الإرشادی للمقدمة عند طلب ذیها، بل فی وقوعه بالنسبة إلی بعض المقدمات الشرعیة کالأمر بالوضوء عند دخول وقت الصلاة بمعنی أنّ من طلب شیئا یصح له طلب ما یتوقف علیه أیضا بالطلب المولوی، و لایقبح منه ذلک عند العقلاء، و إذا صحّ ذلک فی بعض الموارد یلزم منه صحّته مطلقا لوجود العلة المصححة له فی مورد خاص فی جمیع الموارد بعینها، و هی کون الشی ء مقدمة للمطلوب النفسی الذی لایحصل إلّا بذلک الشی ء، أمّا کون العلة المصحّحة له فی بعض الموارد هذه فواضح، و أمّا وجودها فی جمیع الموارد علی حدّ سواء فلمساواة کل مقدمة مع أختها فی جهة المقدمیة، و هی مدخلیتها فی وجود ذیها بحیث لولاها لمَا حصل ذلک، و إذا صحّ ذلک فی جمیع الموارد لتلک الحکمة یلزم منه وقوعه فی جمیعها ممن التفت إلی تلک الحکمة، لأنّ کل حکمة مصححة لحکم تکون علة لوقوع ذلک الحکم مع عدم المانع من الوقوع کما هو المفروض فی المقام بالضرورة، لأنّ المقتضی لشی ء مع عدم المانع منه علّة تامة لوجوده، و لایعقل تحقق العلة بدون المعلول، فیلزم من صحة ذلک وجوبه لذلک نعم لایجب بیان ذلک الطلب باللسان، بل یصح التعویل فی إفهامه علی العقل أیضا».
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذا الوجه:

((1))

هذا الوجه مبنی علی ظهورها فی الإنشاء بداعی البعث الجدّی فی نفسها.

و أمّا بناءً علی ظهور الأوامر المتعلّقة بالأجزاء و الشرائط فی الإرشاد إلی شرطیتها و جزئیتها -کظهور النواهی فی الموانع و القواطع فی الإرشاد إلی مانعیتها و قاطعیتها، نظیر ظهور النواهی فی باب المعاملات فی الإرشاد إلی الفساد- فلایتمّ المطلوب.

و یؤید هذا الاحتمال نفس الأوامر المتعلّقة بالأجزاء، مع أنّه لا وجوب مقدّمی فیها.

الوجه الثالث:
اشارة

لو لم یجب المقدّمة لجاز ترکها و هذا یستلزم أحد المحذورین لأنّه إن بقی

ص: 424


1- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ نهایة الدرایة، ج2، ص171، المحاضرات (ط.ج): ج2، ص280و (ط.ق): ج2، ص437.

الواجب علی وجوبه فیلزم وجوب إتیان ذی المقدّمة بدون مقدّمته و هو تکلیف بما لایطاق و إن لم یبق وجوب ذی المقدّمة بحاله بل صار مشروطاً بحصول مقدّمته فینقلب الواجب المطلق إلی الواجب المشروط.((1))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه:

((2))

أوّلاً: یکفی فی القدرة علی ذی المقدّمة القدرة علی مقدّمته، فلاتتوقّف علی الإتیان بها خارجاً و لا علی وجوبها شرعاً.

ثانیاً: إنّ الشارع و إن لم یوجب المقدّمة إلّا أنّ العقل یستقل بلزوم إتیانها بحیث لو لم یأت بها و أدّی ذلک إلی ترک ذی المقدّمة لکان عاصیاً بنظر العقل.

الوجه الرابع:
اشارة

((3))

إنّ المقدّمة واجبة بحکم العقل بلا خلاف بینهم، لأنّ العقل یحکم بلزوم إتیان مقدّمة الواجب و إنّما الکلام فی وجوب المقدّمة شرعاً، و یکفی لإثبات ذلک قاعدة الملازمة بین حکم العقل و حکم الشرع حیث قالوا: «کلّ ما حکم به العقل حکم به الشرع» فوجوب المقدّمة عقلاً صغری لقاعدة الملازمة.

یلاحظ علیه:

إنّ الحکم العقلی إمّا من أحکام العقل النظری و إمّا من أحکام العقل العملی.

أمّا العقل النظری فإذا أدرک ملاک الحکم الشرعی بجمیع خصوصیاته من

ص: 425


1- کفایة الأصول، ص127 عن أبی الحسین البصری.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص279و (ط.ق): ج2، ص436.
3- مقتضی الدلیل العقلی.

المقتضی و الشرط و عدم المانع یکشف عن الحکم الشرعی و لکن هذا مجرّد فرض لا وقوع له لعدم إحاطة العقل بملاکات الأحکام.

أمّا العقل العملی فإذا أدرک حسن شیء أو قبحه قال بعضهم بأنّ الشارع أیضاً یحکم بذلک لأنّه رئیس العقلاء و فی قبال ذلک قال بعضهم بأنّ جعل الحکم الشرعی لیس هو إلّا لإیجاد الداعویة و مع وجود الداعی العقلی لمکان الحکم العقلی یکون إیجاد الداعی الشرعی لغواً.

و الحقّ هو قول ثالث و هو أنّ الداعی العقلی یکفی لتحریک العبد إلی إتیان متعلّق الحکم و لا وجه للزوم إیجاد الداعی الشرعی و بهذا یبطل الملازمة المدّعاة إلّا أنّ إیجاد الداعی الشرعی لیس لغواً بل قد یکون للتأکید.

الاستدلال علی القول الثانی:

((1))

قد استدلّ علیه بأنّ جعل الوجوب فاقد للملاک فیستحیل جعله، لأنّ ملاکه إمّا تحریک العبد و إمّا إسناد عمله إلی الأمر الشرعی حتّی یکون عمله مقرباً إلیه تعالی.

أمّا الملاک الأوّل فمفقود لکفایة حکم العقل بلزوم العمل فلایبقی ملاک ملزم لجعل الوجوب شرعاً.

أمّا الملاک الثانی فمفقود أیضاً لأنّ المقرّبیة یمکن تحصیلها بقصد التوصّل إلی ذی المقدّمة.((2))

ص: 426


1- و هو عدم وجوب المقدّمة مطلقاً.
2- فی القوانین المحکمة (ط.ج): ج 1، ص217: «و الأقرب عندی عدم الوجوب مطلقا لنا الأصل و عدم دلالة الأمر علیه بإحدی من الدلالات، أمّا المطابقة و التضمن فظاهر، و أمّا الإلتزام فلانتفاء اللزوم البین، و أمّا الغیر البین فهو أیضا منتفٍ بالنسبة الی دلالة اللفظ، إذ لایقال- بعد ملاحظة الخطاب و المقدمة و النسبة بینهما- أنّ هاهنا خطابین و تکلیفین کما هو واضح، و لذلک یحکم أهل العرف بأنّ من أتی بالمأمور به، إمتثل إمتثالاً واحداً، و إن أتی بمقدمات لاتحصی و کذا لو ترک المأمور به لایحکم إلّا بعصیاٍن واحدٍ، و لایحکم العقل و العرف بترتب المذمة و العقاب علی ترک المقدمة فی نفسها، إذ المذمة و العقاب إمّا لقبحه، أو لحصول العصیان بترکها، و لایستحیل العقل کون ترک شی ء قبیحا بالذات، و لایکون ترک مقدمته قبیحا بالذات، و حصول العصیان یدفعه فهم العرف کما بینّا نعم، یمکن القول باستلزام الخطاب لإرادتها حتماً بالتبع، بمعنی أنّه لایرضی بترک مقدمة، و لایجوز تصریح الأمر بعدم مطلوبیتها للزوم التناقض من باب دلالة الإشارة، و لایستلزم استفادة شی ء من الخطاب کونه مقصودا للأمر مشعوراً به له حتی یقال إنّه ربما نأمر بشی ء و لایخطر ببالنا المقدمة، فکیف یکون واجبا؟ ألا تری أنّا نحکم باستفادة کون أقل الحمل ستة أشهر من الآیتین، مع عدم کونه مقصودا فی الآیتین. و الحاصل، أنّه لا مانع من استفادة وجوب المقدمة تبعا بالمعنی المتقدم، و لایکون علی ترکها ذمٌّ و لا عقاب، بل یکون الذم و العقاب علی ترک ذی المقدمة، و قد سبقنا إلی هذا التحقیق جماعة من المحققین و أمّا المدح و الثواب علی فعلها، فالتزمه بعض المحققین، و نقله عن الغزالی و لا غائلة فیه ظاهرا، إلّا أنّه قول بالإستحباب، و فیه إشکال، إلّا أن یقال: باندراجه تحت الخبر العامّ فیمن بلغه ثواب علی عمل فعمله إلتماس ذلک الثواب أوتیه و إن لم یکن کما بلغه فإنّه یعمّ جمیع أقسام البلوغ حتی فتوی الفقیه».
الاستدلال علی القول الثالث:
اشارة

قد استدلّ علی وجوب السبب بأنّ التکلیف لایتعلّق إلّا بالمقدور و السبب هنا مقدور دون المسبب، و إنّما المسبّب من الآثار المترتّبة علی السبب قهراً فلایکون المسبب من أفعال المکلّف، فلابدّ أن یتعلّق الأمر بالسبب.((1))

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

((2))

أوّلاً: لازم ذلک هو أن یتعلّق الأمر النفسی بالسبب دون المسبب

ص: 427


1- بدائع الأفکار، ص353.
2- کفایة الأصول، ص128.

ثانیاً: إنّ المسبب مقدور للمکلّف بواسطة سببه، و لایعتبر فی التکلیف أزید من القدرة، کانت بلا واسطة أم معها.

الاستدلال علی القول الرابع:
اشارة

قد استدلّ علی وجوب الشرط الشرعی بأنّه لولا وجوبه شرعاً لما کان شرطاً، حیث إنّه لیس مما لابدّ منه عقلاً أو عادة.((1))

إیرادات ثلاثة من صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

الإیراد الأوّل:
اشارة

إنّ الشرط الشرعی یرجع إلی الشرط العقلی أیضاً، لانتفاء المشروط بانتفاء الشرط سواء کان شرطاً عقلیاً أم شرعیاً؛ فالضابط فی الشرط العقلی موجود فی الشرط الشرعی أیضاً.

ناقش بعض الأساطین (حفظه الله) فی الإیراد الأوّل:

((3))

إنّ الشرط الشرعی هو ما لم یکن واضحاً عند العقل فلایدرک شرطیتها إلّا بعد الوجوب الشرعی المجعول له.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّه لایتعلّق الأمر الغیری إلّا بما هو مقدّمة الواجب فلو کان مقدّمیته و

ص: 428


1- فی بدائع الافکار، ص355:«الثانی ما عن ابن الحاجب و العضدی من أنّه لو لم یکن الشرط الشرعی واجبا خرج عن کونه شرطا ...».
2- کفایة الأصول، ص128.
3- تحقیق الأصول، ج3، ص113.

شرطیته متوقفة علی تعلّق الأمر الغیری لزم الدور.

ناقش فیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ الموقوف غیر الموقوف علیه، لأنّ شرطیة الشرط الشرعی للواجب موقوف علی وجوبه الغیری و لکن وجوبه الغیری متوقف علی شرطیة الشرط الشرعی للغرض (أی دخله فی تحقّق الغرض).

الإیراد الثالث:

إنّ الشرطیة فی الشرط الشرعی غیر متوقّفة علی وجوبه الغیری بل شرطیته ینتزع عن التکلیف النفسی المتعلّق بالواجب النفسی المقید بالشرط (مثل صلّ مع الطهارة کما ورد «لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور»((2))).

هذا تمام الکلام فی مقتضی الأدلة اللفظیة و العقلیة.

ص: 429


1- تحقیق الأصول، ج3، ص114.
2- محمد بن الحسن بإسناده عن الحسین بن سعید عن حماد عن حریز عن زرارة عن أبی جعفر (علیه السلام) قال:...» وسائل الشیعة، ج1، ص315، کتاب الطهارة، أبواب أحکام الخلوة، باب9: باب وجوب الإستنجاء و إزالة النجاسات للصلاة، ح1 و...

ص: 430

الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی
أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة:
اشارة

ففیه نظریتان:

الأُولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّه لا مجال لجریان الأصل فی المسألة الأُصولیة، لأنّ الملازمة بین وجوب المقدّمة و وجوب ذی المقدّمة أو عدم الملازمة المذکورة لیست لها حالة سابقة، بل تکون الملازمة أو عدمها أزلیةً.

و أوضحه بعض الأساطین بأنّ تلک الملازمة من قبیل لوازم الماهیة مثل الزوجیة بالنسبة إلی الأربعة فإنّ الأربعة لاتنفک عن الزوجیة، فإنّها ملازمة موجودة عند العقل و لا حالة سابقة لها.((2))

ص: 431


1- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ الکفایة، ص125و المحاضرات (ط.ج): ج2، ص277و (ط.ق): ج2، ص435.
2- تحقیق الاصول، ج3، ص98.
إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی هذه النظریة:

((1))

أوّلاً: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی أن تکون الملازمة المذکورة من لوازم الماهیة و لکن إن قلنا بأنّ الملازمة بین وجوب ذی المقدّمة و وجوب مقدّمته من قبیل لوازم الوجود فلایتمّ ما أفاده لأنّ وجود وجوب ذی المقدّمة و کذا وجود وجوب مقدّمته مسبوقان بالعدم فلهما حالة سابقة، فالملازمة بینهما أیضاً تکون مسبوقة بالعدم و لها حالة سابقة، فالملازمة بین وجود الماهیتین لا بین نفس الماهیتین.

ثانیاً: لایعقل أن تکون للماهیة لوازم لأنّ الماهیات متباینات بالذات مع أنّه لیس للماهیة بقطع النظر عن الوجود استلزام، لأنّ الملازمة من الأُمور الوجودیة فلازم الماهیة یرجع إلی لازم أحد الوجودین الذهنی و الخارجی.

الثانیة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)

((2))

إنّه لا مجال لجریان الاستصحاب لا لما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم وجود الحالة السابقة له، بل من جهة أنّ المستصحب لابدّ أن یکون إمّا حکماً شرعیاً أو موضوعاً للحکم الشرعی، و الملازمة هنا لیست بحکم شرعی بل هی لیست موضوعاً للحکم الشرعی لأنّه لایترتّب علیها حکم شرعی.

نعم اللازم العقلی للمستصحب هو وجود وجوب المقدّمة فالاستصحاب یجری عند من یقول بحجیة الأصل المثبت.

ص: 432


1- و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله)؛ نهایة الدرایة، ج2، ص166 و تحقیق الأُصول، ج3، ص99.
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص99.
أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة:
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):((1)) استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة

إنّ نفس وجوب المقدّمة یکون مسبوقاً بالعدم، لأنّه یکون حادثاً بحدوث وجوب ذی المقدّمة، فالأصل عدم وجوبها.

و معنی هذا الأصل استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البرأءة عن الوجوب.

و قد أُورد علی کل منهما:
اشارة

أما الاستصحاب ففیه إیرادان:

الإیراد الأوّل: قد یتوهم عدم وجود المقتضی للاستصحاب
اشارة

بیان هذا التوهّم هو أنّ وجوب المقدّمة علی القول بثبوت الملازمة من قبیل لوازم الماهیة فلذا لایقبل الجعل البسیط و لا التألیفی و لا أثر آخر مجعول یترتّب علی وجوب المقدّمة و لو کان أثر آخر فلم یکن أثراً مهمّاً، فلذا لایجری الاستصحاب.

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ وجوب المقدّمة لیس قابلاً للجعل البسیط و لا التألیفی کما أفاده المتوهم و لکنه قابل للجعل بالعرض و هذا کاف فی جریان الاستصحاب.

ص: 433


1- کفایة الأصول، ص125، فی تأسیس الأصل فی المسألة.
2- فی الکفایة، ص125: «و توهّم عدم جریانه لکون وجوبها علی الملازمة من قبیل لوازم الماهیة غیر مجعولة و لا أثر آخر مجعول مترتب علیه و لو کان لم یکن بمهمٍّ هاهنا مدفوعٌ...».
ناقش فیه المحقق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ هناک إرادة متعلّقة بذی المقدّمة و بتعبها إرادة أُخری متعلّقة بالمقدّمة و یتعلّق بکل منهما جعل بسیط فلیست المقدّمة مجعولة بجعل عرضی بل هو مجعول بجعل تبعی بسیط (و لایخفی أنّ الجعل التبعی غیر الجعل العرضی).

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی (قدس سره) علی جریان الاستصحاب
اشارة

((2))

إنّ الاستصحاب لایجری فی المقام و إن کان أرکانه تامّة إلّا أنّه لا أثر لهذا الاستصحاب بعد استقلال العقل بلزوم الإتیان بالمقدّمة و لایجری مع عدم ترتّب الأثر علیه.

ملاحظتنا علیه:

الحقّ عدم ورود هذا الإیراد کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((3)) قال فی الهامش: إنّ الوجوب التعبّدی و عدمه کالوجوب الواقعی و عدمه، فإذا کان إیجاب المقدّمة واقعاً معقولاً، کان التعبّد به أو بعدمه أیضاً معقولاً، فلا وجه لمطالبة الأثر الشرعی المترتّب علی مجری الأصل بعد کونه بنفسه أثراً مجعولاً شرعاً.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی جریان البراءة:

إنّ البراءة لاتجری بقسمیه:

ص: 434


1- و تبعه بعض الأساطین؛ نهایه الدرایة، ج2، ص167و تحقیق الأصول، ج3، ص101.
2- المحاضرات، ج2، ص435.
3- هامش تعلیقة نهایة الدرایة، ج2، ص167.

أمّا العقلیة فلأنّها واردة لنفی العقاب مع أنّ المفروض عدم العقاب علی ترک المقدّمة و إن قلنا بوجوبها بل العقاب علی ترک ذی المقدّمة.

أمّا الشرعیة فلأنّها وردت مورد الامتنان فیختصّ موردها بما إذا کانت فیه کلفة علی المکلّف حتی یکون رفع الکلفة امتناناً و لکن لا کلفة فی وجوب المقدّمة لأنّه لا عقاب علی ترکها مع أنّ العقل یستقل بإتیانها سواء کانت واجبة أم لا، فلا منّة فی ارتفاعها.

إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یقول بجریان البراءة فیما کانت المقدّمة محرّمة و قد توقف علیها واجب أهمّ((1)) کما أنّ بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً قال:

قد یترتّب الثمرة علی وجوب المقدّمة مثل ما إذا قلنا بعدم جواز أخذ الأُجرة علی الواجب الشرعی فإن جرت أصالة البراءة الشرعیة عن وجوب المقدّمة سقطت المقدّمة عن وجوبه و حینئذ أثر جریان البراءة هو جواز أخذ الأُجرة علی إتیان المقدّمة.((2))

فتحصّل من ذلک تمامیة مقتضی جریان استصحاب عدم الوجوب و هکذا تمامیة جریان أصالة البراءة الشرعیة.

ص: 435


1- راجع المحاضرات (ط.ج): ج2، ص278 و (ط.ق): ج2، ص435.
2- فی تحقیق الأصول، ج3، ص103:«أفاد الأُستاذ: بأنّ هذا الإشکال یبتنی علی عدم ترتّب ثمرةٍ من الثمرات المذکورة سابقاً علی الإتیان بالمقدّمة، لکنّ تصویر الثمرة ممکن إلخ».

ص: 436

تذنیب: فی ثمرة البحث عن مقدّمة الواجب
اشارة

قد ذکر ستّ ثمرات:

الثمرة الأُولی:
اشارة

((1))

قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ ثمرة البحث فی المسألة الأُصولیة لیست إلّا أن تکون نتیجتها صالحة للوقوع فی طریق الاجتهاد و استنباط حکم فرعی فإن قلنا بثبوت الملازمة فبضمیمة صغری مقدّمیة شیء للواجب النفسی ینتج وجوب هذه المقدّمة.

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذه الثمره:

((2))

إنّ هذه النتیجة لاتصلح أن تکون ثمرة فقهیة للمسألة الأُصولیة و ذلک لعدم ترتّب أثر عملی علیها بعد حکم العقل بلابدّیة إتیان المقدّمة و من هنا نقول: حکم الشارع بوجوب المقدّمة لغو محض.

ص: 437


1- کفایة الأصول، ص123.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص269 و (ط.ق): ج2، ص427.
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ جواز الفتوی بالوجوب الشرعی هو الثمرة العملیة الفقهیة و هذا یکفی فی ترتّب الثمرة علی هذه المسألة.

(مضافاً إلی أنّ ذلک لیس لغواً بل قد یکون مؤکّداً لبعض المکلّفین علی إتیان المقدّمة).

الثمرة الثانیة:
اشارة

إذا کانت المقدّمة عبادة فعلی القول بوجوبها أمکن الإتیان بها بقصد التقرّب و أمّا علی القول بعدم وجوبها فلایمکن.((2))

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذه الثمرة:

((3))

إنّ عبادیة المقدّمة لاتتوقّف علی وجوبها بل منشأ العبادیة أحد الأمرین:

الأمر الأوّل: الإتیان بها بقصد التوصل إلی الواجب النفسی و امتثال أمره.

الأمر الثانی: الإتیان بها بداعی الأمر النفسی الاستحبابی المتعلّق بها کما فی الطهارات الثلاث فالوجوب الغیری لایکون منشأ لعبادیتها.

ص: 438


1- تحقیق الأصول، ج3، ص115.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص269 و (ط.ق): ج2، ص427. قال فی الفصول الغرویة، ص87: «الرابع تظهر ثمرة النزاع فی مواضع منها: فی صحة قصد الإمتثال و القربة بفعلها من حیث کونها مقدمة فعلی القول بالوجوب یصحّ قصد ذلک لأنّ تعلق الطلب بفعل و لو للغیر یوجب صحة قصد الآتی به لتعلق الطلب به إنّه یأتی به لذلک فیصح وقوعها علی وجه العبادة إذا کان مشروعیتها کذلک کما فی الصلاة إلی الجهات و فی الأثواب المشتبهة و لایصح علی القول الآخر لانتفاء الطلب».
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص269 و (ط.ق): ج2، ص427.
أجاب عنه بعض الأساطین (حفظه الله):

قد تقدّم فی منشأ عبادیة الطهارات الثلاث تصحیح عبادیتها بقصد الأمر الغیری فراجع و هذا یکفی فی ترتّب الثمرة.((1))

الثمرة الثالثة:
اشارة

إذا تعلّق النذر بإتیان فعل واجب فمع إتیان المقدّمة یحصل امتثال النذر فیما إذا قلنا بوجوب المقدّمة شرعاً.((2))

ص: 439


1- فی تحقیق الاصول، ج3، ص116:«فأجاب الأُستاذ: بأنّه إشکالٌ مبنائی، و لایعتبر فی الثمرة أن تکون مترتّبةً علی جمیع المبانی، فعلی القول بأنّ العمل بداعی الأمر الغیری غیر مقرّب بل العبادیة إنّما تحصل بأحد الأمرین المذکورین، فلا ثمرة. أمّا علی القول بأنّ الإتیان به مضافاً إلی المولی کافٍ للعبادیة و المقربیة، فإنّ الإتیان به بداعی الأمر الغیری یکون مقرّباً و تترتّب الثمرة».
2- کفایة الأصول، ص123. فی القوانین المحکمة فی الأصول ط.ج. ج 1، ص210: «و یظهر الثمرة فیما لو وجب علیه واجب بالنذر و الیمین و نحوهما». و فی هدایة المسترشدین (ط.ج): ج 2، ص179: «و منها: برء النذر بفعلها فی الصورة المذکورة لو تعلق نذره بفعل الواجب أو واجبات عدیدة بناءا علی الثانی إذا قلنا بشمول الواجب عند الإطلاق للواجبات الغیریة أو صرح الناذر بالتعمیم بخلاف ما لو بنی علی الأول». و فی مطارح الأنظار ( ط.ج): ج 1، ص391: «هدایةٌ: قد ذکروا للنزاع فی وجوب المقدمة و عدمه وجوها من الثمرة أحدها: حصول البرء من النذر فیما لو أتی الناذر لإتیان الواجب بمقدمة من مقدماته علی القول بالوجوب، و عدمه علی القول بعدمه». و فی بدائع الأفکار، ص344: «الأمر الخامس فی ثمرات المسألة و هی أمور: منها أنّه لو نذر أن یأتی بواجب حصل البرء بإتیان المقدمة علی القول بوجوبها و لایحصل علی القول بالعدم».
إیرادات ثلاثة علی هذه الثمرة:
الإیراد الأوّل لصاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ البرء و عدمه إنّما یتبعان قصد الناذر، فلا برء بإتیان المقدّمة لو قصد الوجوب النفسی، کما أنّه عند إطلاق الواجب ینصرف إلی الواجب النفسی.

و ربّما یحصل البرء بإتیان المقدّمة لو قصد ما یعمّ المقدّمة و لو قلنا بعدم الملازمة (و فسّره المحقّق الخوئی (قدس سره) بأنّ النذر تعلّق بمطلق ما یلزم الإتیان به و لو عقلاً).((2))

تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) لهذه الثمرة فی مورد خاص:

((3))

إن کان قصده الإتیان بالواجب الشرعی من دون نظر إلی کونه نفسیاً أو غیریاً، و لو من ناحیة عدم الالتفات إلی ذلک و لم یکن فی البین ما یوجب الانصراف إلی الأوّل کفی الإتیان بالمقدّمة علی القول بوجوبها دون القول بعدم وجوبها.

الإیراد الثانی:

الإیراد الثانی:((4))

إنّ مثل هذه الثمرة لاتوجب کون البحث عن وجوب المقدّمة بحثاً أُصولیاً، لأنّ المسألة الأُصولیة هی ما تقع فی طریق استنباط الحکم الکلی الإلهی بعد ضمّ

ص: 440


1- الکفایة، ص123.
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص270و (ط.ق): ج2، ص428.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.

صغراها إلیها و انطباق حکم النذر علی متعلّقه بناء علی شموله لإتیان المقدّمة لیس استنباطاً.

الإیراد الثالث:

((1))

إنّ هذه الثمرة لو تمّت فإنّما تتمّ علی القول بوجوب مطلق المقدّمة، أمّا بناء علی وجوب خصوص المقدّمة الموصلة فلاتظهر إلّا إذا أتی بذی المقدّمة أیضاً و إلّا لم یأت بالواجب الغیری و عند إتیان ذی المقدّمة لاتظهر الثمرة.

الثمرة الرابعة:
اشارة

علی القول بوجوب المقدّمة لایجوز أخذ الأُجرة علیها، لأنّه من أخذ الأُجرة علی الواجبات.((2))

إیرادان علی هذه الثمرة:
الإیراد الأوّل: من المحقق الخوئی (قدس سره) تبعاً لصاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّا قد حققنا فی محلّه أنّ الوجوب بما هو وجوب لایکون مانعاً من أخذ

ص: 441


1- نفس المصدر.
2- کفایة الأصول، ص123؛ المحاضرات (ط.ج): ج2، ص270و (ط.ق): ج2، ص428. فی هدایة المسترشدین (ط.ج): ج 2، ص179: «و منها: جواز أخذ الأجرة علی فعل المقدمة فی الصورة المفروضة و عدم جوازه علی الوجهین، نظراً إلی ما تقرّر من عدم جواز أخذ الأجرة علی الواجبات بناءً علی عدم الفرق فی ذلک بین الواجبات النفسیة و الغیریة، کما مرّت الإشارة إلیه». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص394: «الثالث: ما ذکره بعضهم من جواز أخذ الأجرة علی المقدمات علی القول بالعدم، و عدمه علی القول بالوجوب». و فی بدائع الأفکار، ص345: «و منها حرمة أخذ الأجرة علیها علی القول بوجوبها أمّا علی القول بالعدم فلا مانع من أخذ الأجرة علیها».

الأجرة علی الواجب، سواء کان الوجوب عینیاً أم کان کفائیاً، توصلیا کان أم عبادیاً إلّا إذا قام دلیل علی لزوم الإتیان به مجّاناً کتغسیل المیت و دفنه، و لا دلیل علی لزوم إتیان المقدّمة مجّاناً فلا مانع من أخذ الأُجرة علیها و إن قلنا بوجوبها.((1))

جواب بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال، و الثمرة مترتّبة علی القول بأنّ کل واجب هو لله و ما کان لله فلاتؤخذ الأُجرة علیه.

(لایخفی انصراف هذا الدلیل إلی الواجبات النفسیة).

الإیراد الثانی:
اشارة

((3))

لو تنزّلنا عن ذلک فلابدّ من التفصیل بین المقدّمات العبادیة، کالطهارات الثلاث و بین غیرها من المقدّمات، فإنّ المانع عن أخذ الأُجرة علیها إنّما هو عبادیتها سواء کانت واجبة أم لم تکن، فلا دخل لوجوبها بما هو وجوب فی ذلک.

بل ربما یکون الشیء غیر واجب و مع ذلک لایجوز أخذ الأُجرة علیه کالأذان فلا ملازمة بین وجوب الشیء و عدم جواز أخذ الأُجرة علیه.((4))

ص: 442


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص271و (ط.ق): ج2، ص429. کفایة الأصول، ص124،[حکم أخذ الأجرة علی الواجبات].
2- تحقیق الأُصول، ج3، ص116.
3- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص270-271 و (ط.ق): ج2، ص429.
4- نظریة الشیخ الأنصاری فی مسألة أخذ الأجرة علی الواجبات: قال فی کتاب المکاسب، ج 2، ص 135 و 136 فی النوع الخامس مما یحرم التکسب به (و هو ما یجب علی الإنسان فعله عینا أو کفایة تعبدا أو توصلا): «و أمّا مانعیة مجرد الوجوب عن صحة المعاوضة علی الفعل، فلم تثبت علی الإطلاق، بل اللازم التفصیل: فإن کان العمل واجبا عینیا تعیینیا لم یجز أخذ الأجرة، لأنّ أخذ الأجرة علیه مع کونه واجباً مقهوراً من قبَل الشارع علی فعله، أکل للمال بالباطل، لأنّ عمله هذا لایکون محترما، لأنّ إستیفاءه منه لایتوقف علی طیب نفسه، لأنّه یقهر علیه مع عدم طیب النفس والإمتناع ... ثم لا فرق فیما ذکرناه بین التعبدی من الواجب و التوصلی، ... و منه یظهر عدم جواز أخذ الأجرة علی المندوب إذا کان عبادة یعتبر فیها التقرّب . و أمّا الواجب التخییری، فإن کان توصلیا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة علی أحد فردیه بالخصوص بعد فرض کونه مشتملاً علی نفع محلّل للمستأجر، و المفروض أنّه محترم لایقهر المکلف علیه، فجاز أخذ الأجرة بإزائه ... و إن کان تعبدیا، فإن قلنا بکفایة الإخلاص بالقدر المشترک و إن کان إیجاد خصوص بعض الأفراد لداع غیر الإخلاص، فهو کالتوصلی. و إن قلنا بأنّ إتّحاد وجود القدر المشترک مع الخصوصیة مانع عن التفکیک بینهما فی القصد، کان حکمه کالتعیینی. و أمّا الکفائی، فإن کان توصلیا أمکن أخذ الأجرة علی إتیانه لأجل باذل الأجرة، فهو العامل فی الحقیقة، و إن کان تعبدیا لم یجز الإمتثال به و أخذ الأجرة علیه». و فی ص 141 – 143: «فالتحقیق علی ما ذکرنا سابقا: أنّ الواجب إذا کان عینیا تعینیا لم یجز أخذ الأجرة علیه و لو کان من الصناعات ... و إن کان کفائیا جاز الإستئجار علیه، فیسقط الواجب بفعل المستأجر علیه، عنه و عن غیره و إن لم یحصل الإمتثال ... ». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص395: «و بالجملة، فالّذی قوّیناه فی محله إختصاص المنع من الإجرة بما إذا إستفدنا من دلیل وجوب العمل لزوم وقوعه علی وجه المجّانیة، کالدفن أو الکفن و نحوهما، فإنّ الساعی فی مقدماتهما مثل الساعی فی أداء ما علیه أداؤه من العمل إذا ملکه الغیر منه، أو فیما إذا کان الواجب تعبدیا. و أما فی غیر هذه الموارد فلا دلیل علی حرمة الأجرة؛ و لذلک قلنا: قضیة القواعد جواز أخذ الأجرة علی القضاء بین المسلمین، و کذا علی السعی إلی المیقات ممن وجب علیه الحج ...».
ملاحظة علیه:

ما أجاب به بعض الأساطین (حفظه الله) یتوجّه أیضاً علی الإیراد الثانی.

الثمرة الخامسة:
اشارة

إنّه علی القول بوجوب المقدّمة یلزم حصول الفسق لتارک الواجب النفسی

ص: 443

مع مقدّماته الکثیرة.((1))

أورد علیه المحقق الخوئی (قدس سره):

((2))

أوّلاً: لابدّ من فرض الکلام فیما إذا کان ترک الواجب النفسی من الصغائر و إلّا فإن کان من الکبائر لکان ترکه بنفسه موجباً لحصول الفسق.

ثانیاً: إنّ هذه الثمرة مبتنیة علی التفصیل بین المعاصی الکبیرة بحصول الفسق فیها و المعاصی الصغیرة بعدم حصول الفسق فیها إلّا فی فرض الإصرار و لکن هذا مما لا أساس له، لأنّ الفسق عبارة عن خروج الشخص عن جادّة الشرع یمیناً و شمالاً و یقابله العدل، فإنّه عبارة عن الاستقامة فی الجادّة و عدم الخروج

ص: 444


1- نقله فی کفایة الأُصول، ص123. فی ضوابط الأصول، ص94: «المقدمة الثامنة فی ثمرة النزاع فعلی ما اخترناه من کون النزاع فی الوجوب بالمعنی الذی ذکره السبزواری تظهر فی الفسق و العدالة فإن کان عادلا و ترک المقدمة کالخروج من البلد النائی إلی الحج أو أفضی ترکها إلی ترک ذی المقدمة فإن قلنا باستحقاقه حین ترک المقدمة ما یترتب علی ترک ذی المقدمة کان هو حین ترک المقدمة عاصیا بترک ذی المقدمة و إن لم یدخل وقت العمل بذی المقدمة فإن کانت تلک المعصیة کبیرة صار فاسقا بمرة واحدة من ترک المقدمة و إن کانت صغیرة کان فاسقاً بالإصرار بترک المقدمة و لو حکما فلایقبل شهادته و لایصلی خلفه الی غیر ذلک من لوازم الفسق و إن قلنا بأنّه لایستحق العقاب علی ترک ذی المقدمة إلّا حین وصول وقته لم یخرج ذلک الشخص من العدالة حین ترک الخروج إلی القافلة مثلا بل یبقی علی العدالة إلی أن یدخل موسم الحج لو لم یکن مانع آخر و یفقد منه الحج فنحکم بفسقه حینئذ». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص391: «الثانی: ترتّب الفسق علی ترکها علی القول بوجوبها، و عدمه علی عدمه کذا ذکره بعضهم». و فی بدائع الأفکار، ص345: «و منها لزوم ترتب الفسق علی ترک المقدمة إذا بلغ حدّ الإصرار علی القول بوجوبها».
2- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص271-272و (ط.ق): ج2، ص429-430.

عنها و من البدیهی أنّ المعصیة الصغیرة کالکبیرة توجب الفسق و الخروج عن الجادّة.

ثالثاً: إنّ هذه الثمرة مبتنیة علی أن یکون الإصرار عبارة عن ارتکاب معاص عدیدة و لو فی زمن واحد و دفعةً واحدة.

ولکن للمناقشة فی هذا الأمر مجال واسع، لأنّ الإصرار علی المعصیة عبارة عرفاً عن ارتکابها مرّة بعد أُخری، أمّا ارتکاب معاصی عدیدة مرّة واحدة فلایصدق علیه الإصرار.

رابعاً: لامجال لهذا الإشکال لما قد عرفت من أنّه لا معصیة فی ترک المقدّمة بما هی مقدّمة و إن قلنا بوجوبها، حتی یحصل الإصرار علی المعصیة، ضرورة أنّ المدار فی حصول المعصیة و هتک المولی إنّما هو بمخالفة الأمر النفسی فلا أثر لمخالفة الأمر الغیری بما هو أمر غیری.

خامساً: إنّه -علی ما ذکرنا فی الإیراد علی الثمرة الثالثة- لاتصلح هذه الثمرة علی تقدیر تسلیمها أن تکون ثمرة للمسألة الأُصولیة.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المحقق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ عنوان المعصیة یتحقّق بترک الواجب سواء کان نفسیاً أم غیریاً.

ثانیاً: یکفی ترتّب الثمرة علی بعض الأقوال (کما قلنا بذلک فی الثمرة الرابعة).

الثمرة السادسة:
اشارة

إذا قلنا بثبوت الملازمة و کانت المقدّمة محرّمة فیجتمع الوجوب و الحرمة،

ص: 445


1- تحقیق الأُصول، ج3، ص118.

فیبتنی علی مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه، بخلاف ما إذا قلنا بعدم الملازمة.((1))

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره):
الإیراد الأوّل:
اشارة

((2))

إنّه لایکون من باب الاجتماع، کی یکون مبتنیا علیه، لما أشرنا إلیه غیر مرّة من أنّ الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدّمة، لا بعنوان المقدّمة فلیس هنا عنوانان حتی یکون من باب الاجتماع بل هنا عنوان واحد تعلّق به کل من الأمر و النهی فتکون مسألتنا بناء علی الملازمة من باب النهی فی العبادة و المعاملة.

ص: 446


1- فی القوانین المحکمة فی الأصول ط.ج. ج 1، ص210: «بل الثمرة تظهر فی جواز الإجتماع مع الحرمة، فلو کانت المقدمة واجبة شرعا، فلایجوز أن یجتمع مع الحرام». و فی الفصول الغرویة، ص88: «و منها ما ذکره بعضهم من الإجتماع مع الحرام و عدمه فعلی القول بالوجوب لایجتمع مع الحرام و علی القول الآخر یصح أن یجتمع». و فی ضوابط الأصول، ص94: «و قیل: یظهر الثمرة فی عدم جواز اجتماع الأمر و النهی علی القول بوجوب المقدمة و جواز اجتماع الأمر و النهی من تلک الجهة لو لم یکن مانعٌ آخر علی القول بعدم الوجوب». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص396 و (ط.ق): ص81: «الرابع: ما قد نسبه البعض إلی الوحید البهبهانی، من أنّه علی القول بوجوب المقدمة یلزم اجتماع الأمر و النهی فی الموارد التی تکون المقدمة محرمة، دون القول بالعدم». و فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها عدم اجتماع المقدمة مع الحرام علی القول بالوجوب و الإجتماع علی القول بالعدم عزی هذا إلی المولی الوحید البهبهانی و هو بظاهره بین الفساد ل ینبغی صدوره من أدنی تلامذته».
2- کفایة الأصول، ص124.
مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی الإیراد الأوّل:

((1))

إنّ عنوان المقدّمة و إن کان عنواناً تعلیلیاً و خارجاً عن متعلّق الأمر، إلّا أنّ المأمور به هو الطبیعی الجامع بین هذا الفرد المحرم و غیره و علیه یکون متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی، فإنّ متعلّق الأمر مثلاً طبیعی الوضوء أو الغسل و متعلّق النهی حصّة خاصّة من هذا الطبیعی بعنوان الغصب و بما أنّ متعلّق الأمر و النهی ینطبقان علی هذه الحصّة فهی مجمع لهما و تکون من موارد الاجتماع.

الإیراد الثانی:
اشارة

((2))

لایتفاوت الحال فی جواز التوصّل بالمقدّمة و عدم جواز التوصّل بین أن یقال بالوجوب و أن یقال بعدمه.

بیان ذلک هو أنّ الغرض من المقدّمة هو التوصّل بها إلی الواجب النفسی.

و المقدّمة إمّا واجب توصّلی و إمّا واجب تعبّدی.

فإن کانت المقدّمة توصّلیة فإنّه یمکن التوصّل بها إلی الواجب النفسی و إن کانت محرّمة، سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.

و إن کانت المقدّمة تعبّدیة، فعلی القول بجواز الاجتماع صحّت العبادة فی مورد الاجتماع سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.

و علی القول بامتناع الاجتماع و تقدیم جانب النهی لاتصّح العبادة سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل.

ص: 447


1- المحاضرات (ط.ج): ج2، ص273و (ط.ق): ج2، ص431.
2- کفایة الأصول، ص125.

فإذن لا ثمرة للقول بالوجوب من هذه الناحیة.

مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إن کانت المقدّمة تعبّدیة و قلنا بجواز الاجتماع فإنّه یعتبر فی المقدّمة قصد القربة، و حینئذ إذا فرضنا کون المقدّمة محرّمة فیمتنع قصد التقرّب بها إلّا علی القول بوجوب المقدّمة، فالثمرة تترتّب فی هذه الصورة.

هنا ثمرات أخر مذکورة، لا نطیل الکلام بذکرها.((2))

ص: 448


1- تحقیق الأصول، ج3، ص120.
2- 1) فی القوانین المحکمة فی الأصول ط.ج. ج 1، ص210: «و یظهر الثمرة ... فی ثبوت العقاب و الثواب علی ترک کل من المقدمات و فعلها و ربما یقال: إنّ القائل بوجوب المقدمة أیضا لایقول بترتب الثواب و العقاب علی فعل المقدمات و ترکها». و فی بدائع الأفکار، ص344: «و منها إستحقاق الثواب و العقاب علیها فعلاً و ترکاً بناء علی وجوبها و عدم الإستحقاق بناء علی العدم». 2) فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص178: «و یتفرّع علی الوجهین المذکورین أمور: منها: أنّه إذا کان للمکلف صارف عن أداء الواجب لم یکن ما یقدم علیه من ترک مقدماته ممنوعا منه علی الأوّل». 3) فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص178: «و منها: أنّه یصح أداء الوضوء و نحوه بقصد الوجوب عند اشتغال الذمة بالغایة الواجبة و إن لم یأت به لأداء تلک الغایة بل لغایة مندوبة بناءا علی الثانی بخلاف الأول». 4) فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص399: «الخامس: ما قیل: من أنّ القول بوجوب المقدمة یؤثر فی صحتها إذا کانت عبادة، کما أنّ القول بعدم الوجوب یقضی بفسادها حینئذ». و فی بدائع الأفکار، ص345: «و منها صحة المقدمة إذا کانت عبادة علی القول بالوجوب و عدم الصحة علی القول بالعدم لفقدان الأمر الذی یتوقف علیه قصد القربة المعتبرة فی العبادة». 5) فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص400: «السادس: ما یقال: من أنّ القول بوجوب المقدمة یؤثر فی فساد العبادة التی یتوقف علی ترکها فعل الضد، بخلاف القول بعدمه، فإنّ الترک لیس مقدمة فلایکون واجبا فلایکون فعله حراما فلایکون فاسدا». و فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها فساد الضد الواجب المضیق کالصلاة فی زمان وجوب إزالة النجاسة عن المسجد علی القول بوجوب المقدمة لأنّ ترک الضد واجب من باب المقدمة فیکون فعله منهیا عنه و النهی یقتضی الفساد بخلاف ما لو لم نقل بوجوبها فلا مانع من الصحة إذ لیس فعله حینئذ منهیا عنه حتی یوجب الفساد». 6) فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها ما ذکره المحقق القمی رحمه الله من أنّ القول بوجوب المقدمة و عدمه یثمران فیما إذا أتی بواجب علی الوجه المنهی عنه بناء علی کون متعلق الأوامر هی الطبیعة و کون الفرد مقدمة للکلی کما إذا إغتسل إرتماسا فی نهار رمضان فإنّه علی القول بوجوب المقدمة یجب الفرد أیضا بالوجوب المقدمی الغیری المذکور فلزم اجتماع الأمر و النهی فیکون صحته و فساده مبنیین علی جواز اجتماع الأمر و النهی و عدمه و أمّا علی القول بعدم الوجوب فلایلزم اجتماع الأمر و النهی لأنّ متعلّق الأمر هی الطبیعة و متعلق النهی هو الفرد». 7) فی بدائع الأفکار، ص346: «و منها ما ذکره العلّامة قدس سره فی التهذیب حیث عدّ من فروع المسألة الصلاة فی الدار المغصوبة بقوله: و بطلان الصلاة فی الدار المغصوبة لأنّ الأمر بالصلاة المعینة أمرٌ بأجزائها التی من جملتها الکون المخصوص». 8) فی بدائع الأفکار، ص347: «و منها ما ذکره بعض فی السفر الموجب لتفویت الواجب من أنّه علی القول بوجوب المقدمة یکون السفر محرما لأنّ ترک السفر مقدمة للواجب فیکون فعله حراما فیترتب علیه أحکام سفر المعصیة من لزوم الإتمام فی الصلاة و عدم سقوط الصوم و لا کذا علی القول بعدم وجوبها».

ص: 449

ص: 450

خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه

أمّا مقدّمة المستحب:

إن قلنا بثبوت الملازمة فلابدّ أن تکون مقدّمة المستحب مستحبّة لعدم الفرق بین الطلب الإلزامی و غیر الإلزامی عند العقل الحاکم بالملازمة.

أمّا مقدّمة الحرام أو المکروه:
اشارة

ففیهما نظریتان:

النظریة الأُولی: ما اختاره صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ مقدّمة الحرام أو المکروه علی قسمین:

القسم الاوّل: مایتمکّن معه من ترک الحرام أو المکروه اختیاراً و هذه المقدّمة لیست علّة تامّة لذی المقدّمة الحرام و لا جزء أخیراً للعلّة التامّة، و فی هذا القسم

ص: 451


1- و هو القول بالتفصیل. کفایة الأصول (ط.آل البیت)، ص128، تتمة [مقدمة المستحب و الحرام و المکروه].

لیست المقدّمة حراماً أو مکروهاً، لأنّه لا یترتّب ذو المقدّمة المحرّم أو المکروه علی هذه المقدّمة بل یترتّب علی سوء اختیاره.

القسم الثانی: ما لایتمکّن معه من ترک الحرام أو المکروه بل کانت مقدّمة سببیة فهی العلّة التامّة أو الجزء الأخیر منها لإتیان ذی المقدّمة و حینئذ کانت المقدّمة حراماً أو مکروهاً لترتّب ذی المقدّمة المحرّم أو المکروه علی هذه المقدّمة.

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

تنقسم مقدّمة الحرام إلی ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: ما لایتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل فهذه المقدّمة سببیة و علّة تامّة أو الجزء الأخیر منها فهی محرّمة نفسیة و الوجه فی ذلک هو أنّ النهی الوارد علی ذی المقدّمة وارد علی سببه حقیقةً.

القسم الثانی: ما یتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل و لکن المکلّف یقصد بإتیان المقدّمة التوصل إلی الحرام.

و هنا حکم بالحرمة و لکنه تردّد فی حرمته بین النفسیة و الغیریة من جهة التردد فی أنّ منشأ الحرمة حرمة التجری أو أنّ حرمتها تترشح من ذی المقدّمة.

القسم الثالث: ما یتوسط بین المقدّمة و ذی المقدّمة اختیار الفاعل و لکن المکلّف لم یأت بها بداعی التوصل إلی الحرام بل لدیه صارف عن الحرام و هنا حکم بعدم الحرمة إذ الموجب لحرمة المقدّمة أحد الأمرین کلاهما مفقودان فی المقام: الأمر الأوّل هو أن تکون علّة تامّة للحرام أو جزء أخیراً منها و الأمر

ص: 452


1- أجود التقریرات، ج1، ص361-362.

الثانی أن یکون الإتیان بها بقصد التوصل إلی الحرام.

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

أمّا ما أفاده فی القسم الأوّل:

إنّ ذی المقدّمة مقدور للمکلّف لأنّ المقدور بالواسطة مقدور فلا وجه لما أفاده من أنّ النهی المتعلّق بذی المقدّمة هو وارد علی المقدّمة حقیقةً.

فلا مقتضی لحرمة المقدّمة حینئذ مضافاً إلی أنّا لانقول بوجوب مقدّمة الواجب و هکذا هنا.

أمّا ما أفاده فی القسم الثانی:

أمّا الحرمة النفسیة للتجری فقد حققنا فی محلّه أنّ التجری لایکون حراماً و إن استحق المتجری العقاب.

نعم یظهر من بعض الروایات أنّ هذه الحرمة من ناحیة نیة الحرام و قد تعرضنا لهذه الروایات و لما دلّ علی خلافها بشکل موسع فی مبحث التجری و لکن هنا لم یصدق التجری لأنّ التجری هو الإقدام علی شیء بتخیل حرمته و لکنّه ینکشف بعداً عدم حرمته فهذا هو التجری الذی بحثوا عن حرمته.

أمّا التجری بمعنی قصد إتیان الحرام من دون إقدام علیه فهذا لیس من التجری الذی بحثوا عن حرمته.

أمّا الحرمة الغیریة فمنتفیة أیضاً و لو قلنا بوجوب مقدّمة الواجب، لأنّ

ص: 453


1- تعلیقة أجود التقریرات، ج1، ص361-362؛ المحاضرات (ط.ج): ج2، ص284-285و (ط.ق): ج2، ص439-440.

المکلّف بعد إتیان المقدّمة قادر علی ترک ذی المقدّمة المحرّم بخلاف مقدّمة الواجب فإنّ المکلّف لایقدر علی الواجب عند ترک مقدّمته.

أمّا ما أفاده فی القسم الثالث:

الأمر کما أفاده لأنّه لا موجب لاتّصاف المقدّمة بالحرمة لعدم الملاک له، فإنّ ملاکه إنّما هو أن تکون المقدّمة علّة تامّة أو الجزء الأخیر منها و المفروض فی هذه الصورة أنّ ترک الحرام لایتوقف علی ترک هذه المقدّمة.

فمقدّمة الحرام لیست بمحرمة إلّا فی صورة واحدة (القسم الأوّل) بناء علی وجوب مقدّمة الواجب، و بما أنّه لم تثبت الملازمة بحکم العقل لا حرمة أصلاً و من هنا یظهر حال مقدّمة المکروه.

هذا تمام البحث فی مقدّمة الواجب و الحمد لله رب العالمین.

ص: 454

الفهارس

اشارة

فهرس العناوین تفصیلا

فهرس الآیات

فهرس الروایات

فهرس الأعلام

ص: 455

ص: 456

فهرس العناوین تفصیلا

المباحث العقلیة

البحث الأوّل: الإجزاء

(فیه مقدّمات أربع و ثلاثة فصول)

مقدمات

المقدّمة الأُولی: موضوع البحث(و فیها قولان:) .......................................................... 19

القول الأوّل: الأمر (و هو مختار القدماء) ..................................................................... 19

القول الثانی: الإتیان بالمأمور به (و هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره)....................................

20

توجیه المحقق الإصفهانی (قدس سره) لهذا القول.......................................................................

20

المقدّمة الثانیة: (و فیها مطالب ثلاثة): ....................................................................... 22

المطلب الأوّل: ما المراد من «الوجه» فی عنوان البحث؟(هنا أقوال ثلاثة): .................... 22

القول الأوّل: مختار صاحب الکفایة و المحقق العراقی (قدس سره) و بعض الأساطین................ 22

القول الثانی: مختار السید المجاهد و المحقق الخوئی (قدس سره) .............................................. 23

إیرادان من صاحب الکفایة (قدس سره): ............................................................................ 23

الإیراد الأوّل ...................................................................................................... 23

الإیراد الثانی ...................................................................................................... 23

جوابان عن الإیراد الثانی: ............................................................................ 24

الجواب الأوّل أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 24

الجواب الثانی أفاده المحقق البروجردی (قدس سره) ..................................................... 24

ص: 457

مناقشة بعض الأساطین فی جواب المحققینِ ............................................... 25

القول الثالث: المراد هو الوجه المعتبر فی العبادات ................................................... 25

إیرادات ثلاثة من صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................... 26

المطلب الثانی: ما المراد من «الاقتضاء» فی عنوان البحث؟ فیه قولان: ........................... 27

القول الأوّل: الکشف و الدلالة بناءً علی مسلک القدماء فی موضوع البحث ............. 27

القول الثانی: العلیة و التأثیر بناءً علی کون موضوع البحث الإتیان أفاده صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) 28

الإشکال الذی نقله فی الکفایة و بنی علیه بعض الأساطین نظریته..................... 29

جواب صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) عن الإشکال ....... 30

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................... 30

المطلب الثالث: ما المراد من «الإجزاء» فی عنوان البحث؟ (المراد معناه اللغوی) .......... 32

المقدمة الثالثة: هل الإجزاء من المسائل العقلیة أو اللفظیة؟ (فیها نظریتان) ......... 34

النظریة الأُولی: إنّها عقلیة (ذهب إلیها المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی (قدس سره) ............. 34

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................................... 34

النظریة الثانیة: القول بالتفصیل (أفاده بعض الأساطین) .............................................. 35

المقدمة الرابعة: (و فیها مطلبان) ................................................................................ 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة المرّة و التکرار ..................................................... 36

توهم اتّحاد المسألتین ............................................................................................. 36

جواب عن هذا التوهم ........................................................................................... 36

أما الفرق بین هذه المسألة و مسألة تبعیة القضاء للأداء ............................................. 36

توهم اتّحاد المسألتین ............................................................................................. 36

جوابان عن هذا التوهم ......................................................................................... 37

الفصل الأوّل: إنّ الإتیان بالمأمور به هل یقتضی الإجزاء عن أمره؟

(و فیه تنبیه)

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره): الإجزاء لاستقلال العقل ....................................................... 41

تقریبان لهذا البیان .................................................................................................... 41

التقریب الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 41

التقریب الثانی: ما أفاده المحقق الحائری (قدس سره) .......................................................... 42

إشکال المحقق الإصفهانی (قدس سره) علی التقریب الثانی .............................................. 42

تنبیه فی جواز الامتثال بعد الامتثال (هنا نظریتان) ................................................... 44

ص: 458

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) (و هو أنّ هنا صوراً ثلاثاً لایجوز فی الأُولی و یجوز فی الأخیرتین) 44

استدلال صاحب الکفایة علیها بأخبار باب الصلاة المُعادة.................................. 46

بیان المحقق الإصفهانی: هذه الأخبار طائفتان ..................................................... 46

الطائفة الأُولی: ما ورد فی باب إعادة الصلاة مع المخالفین ........................... 46

جواب المحقق الإصفهانی عن الطائفة الأُولی .......................................... 48

جواب المحقق الخوئی .............................................................................. 48

الطائفة الثانیة: ما لایختص بالإعادة مع المخالف ......................................... 49

جواب المحقق الإصفهانی .......................................................................... 52

ما أفاده بعض الأساطین فی روایة أبی بصیر خاصة من حیث اشتماله علی سهل بن زیاد 53

ملاحظتنا علی ما أفاده بعض الأساطین....................................................

62

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی و المحقق الخوئی و بعض الأساطین ... 63

بیان بعض الأساطین فی إبطال الامتثال بعد الامتثال و تبدیل الامتثال .............. 63

الفصل الثانی: هل الإتیان بالمأمور به بالأمر الاضطراری یجزی عن الأمر الواقعی؟

(فیه مقامان):

المقام الأوّل: مقام الثبوت ............................................................................................ 69

نظریة صاحب الکفایة: هنا أربع صور لایجزی فی الثالثة و یجزی فی باقی الصور . 69

مناقشات أربع فی هذه النظریة: .......................................................................... 74

1. إیراد المحقق الإصفهانی علی الصورة الثانیة .................................................... 74

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 74

2. مناقشة المحقق الخوئی فی الصورة الثالثة ........................................................ 75

جوابان من بعض الأساطین عن هذه المناقشة ............................................. 75

3. ملاحظة علیها فی الصورة الثانیة و الثالثة ....................................................... 77

4. تحقیق المحقق الإصفهانی فی الصورة الثالثة و الرابعة .................................... 79

المقام الثانی: مقام الإثبات (و فیه موضعان): .............................................................. 81

الموضع الأوّل: مقتضی أدلّة الأوامر الاضطراریة (و فیه تنبیهات ثلاثة): ................ 81

هنا نظریات: ......................................................................................................... 81

1.نظریة المحقق الخراسانی: الإجزاء لإطلاق الأدلّة .............................................. 81

ص: 459

2.نظریة بعض الأعلام: لانحتاج إلی إطلاق الأدلّة ................................................ 84

إیراد المحقق الإصفهانی علی هذه النظریة .................................................... 84

3.نظریة المحقق الإصفهانی: التفصیل بین الأدلّة ................................................. 85

4.نظریة المحقق الخوئی ....................................................................................... 86

5.نظریة المحقق النائینی و المحقق العراقی: الإجزاء و جواز البدار .................. 87

التنبیه الأول: صور المسألة فی مقام الإثبات و هی أربع أفادها المحقق الخوئی 91

التنبیه الثانی: إذا کان الاضطرار باختیار المکلف (ففیه مطلبان): ...................... 93

المطلب الأوّل: انصراف الأدلّة عن هذه الصورة أفاده المحقق الخوئی ............... 93

ملاحظتنا علیه ............................................................................................ 93

المطلب الثانی: استحقاق العقوبة فی هذه الصورة ............................................. 94

ملاحظتنا علیه ............................................................................................ 94

الموضع الثانی: مقتضی الأصل العملی (فیه ثلاثة أقوال) .......................................... 96

القول الأوّل: البراءة أفاده المحقق الخراسانی و النائینی و الإصفهانی و الخوئی و بعض الأساطین 96

القول الثانی: الاشتغال أفاده المحقق العراقی ...................................................... 96

القول الثالث: الاستصحاب أفاده المحقق الإیروانی .............................................. 97

أمّا القول الأوّل فقد استدلّ علیه بوجهین: ......................................................... 97

الوجه الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................... 97

الوجه الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ................................................................ 97

و أمّا القول الثانی فقد قرّر بوجهین: أفادهما المحقق العراقی ........................... 97

الوجه الأوّل ...................................................................................................... 97

یلاحظ علیه ............................................................................................... 98

الوجه الثانی ...................................................................................................... 99

إشکالان علی الوجه الثانی: ........................................................................ 100

1.الإشکال الکبروی من المحقق الخوئی و بعض الأساطین ........................ 100

2.الإشکال الصغروی من بعض الأساطین ................................................. 101

و أمّا القول الثالث فقد استدلّ علیه المحقق الإیروانی ..................................... 101

إیراد بعض الأساطین علی هذا الاستدلال ...................................................... 102

الفصل الثالث: هل یجزی الإتیان بالمأمور به بالأمر الظاهری عن الأمر الواقعی؟

(و فیه مقدمة)

المقدمة فی ذکر الأقوال (و هی ستة): ..................................................... 107

ص: 460

1.الإجزاء مطلقاً ....................................................................................................... 108

2. عدم الإجزاء مطلقاً ............................................................................................. 108

3.التفصیل بین الأُصول و الأمارات أفاده المحقق الخراسانی ................................ 109

4.التفصیل بین القول بالسببیة و الطریقیة أفاده المحقق الخوئی ....................... 109

5.التفصیل بین أقسام السببیة ما عدا المصلحة السلوکیة و بین المصلحة السلوکیة و الطریقیة 109

6.التفصیل بین انکشاف الخلاف بالعلم التعبدی و العلم الوجدانی .................... 109

الأمر الظاهری قد یجری لإثبات أصل التکلیف و قد یجری لتنقیح موضوع التکلیف 110

أمّا الأوّل ففیه نظریتان: ..................................................................................... 110

النظریة الأُولی: ما أفاده المحقق الخراسانی ...................................................... 110

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی من التفصیل و هو المختار ............ 111

و أمّا الثانی فالبحث عنه یقع فی مقامین: .......................................................... 112

المقام الأوّل: الأُصول العملیة ................................................................ 113

نظریة المحقق الخراسانی: الإجزاء مطلقاً لحکومة دلیل الأصل العملی علی دلیل الاشتراط 113

مناقشات خمس من المحقق النائینی فیها: ...................................................... 115

(1) المناقشة الأُولی ........................................................................................ 115

أجاب عنها بعض الأساطین ........................................................................... 116

(2) المناقشة الثانیة ........................................................................................ 120

أجاب عنها المحقق الخوئی تبعاً للمحقق الإصفهانی ......................................... 121

(3) المناقشة الثالثة قرّرها المحقق الإصفهانی و قال: هذا أقوی إشکال یورد هنا 122

أجاب عنها المحقق الإصفهانی ......................................................................... 124

إیرادان علی هذه الإجابة: ........................................................................ 125

1.ما أفاده بعض الأساطین ....................................................................... 125

یلاحظ علیه ............................................................................................. 125

2.ملاحظتنا علی إجابة المحقق الإصفهانی .................................................. 126

(4) المناقشة الرابعة ....................................................................................... 126

أجاب عنها المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی و بعض الأساطین ........... 127

(5) المناقشة الخامسة .................................................................................... 127

أجاب عنها المحقق الإصفهانی ......................................................................... 128

دفاع المحقق الخوئی عن المناقشة الخامسة بالنقض و الحلّ ..................... 128

ص: 461

أمّا النقض فبأُمور ثلثة: ............................................................................ 129

و أمّا الحلّ ............................................................................................... 129

ملاحظتنا علیه ................................................................................... 130

المتحصل فی هذا المقام هو الإجزاء لوجهین ........................................................... 131

المقام الثانی: الأمارات (و نبحث فیه بناءً علی المبانی المختلفة فیها و هی خمسة): 133

[1] المبنی الأول: الطریقیة (و بناءً علیها یوجد قولان): ........................................ 133

القول الأوّل: الإجزاء و هو المشهور بین القدماء و مختار المحقق البروجردی .. 133

أمّا الأدلّة علی هذا القول: ............................................................................... 133

الدلیل الأوّل ................................................................................................... 133

أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 134

الدلیل الثانی ................................................................................................... 135

أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 136

الدلیل الثالث ................................................................................................. 136

أورد علیه بعض الأساطین ........................................................................ 137

الدلیل الرابع .................................................................................................. 137

أورد علیه بعض الأساطین نقضاً و حلاً ..................................................... 137

الدلیل الخامس .............................................................................................. 138

إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................................. 139

الإیراد الأوّل ............................................................................................. 139

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 140

الإیراد الثانی ............................................................................................. 140

الدلیل السادس: الإجماع ادّعاه صاحب الجواهر و المحقق النائینی ................ 141

إیرادان من بعض الأساطین علیه: ............................................................. 145

الدلیل السابع: السیرة الفقهائیة علی الإجزاء .................................................. 146

ملاحظات ثلاث علیه ................................................................................ 147

الدلیل الثامن: سهولة الشریعة ....................................................................... 148

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 148

الدلیل التاسع: ما أفاده المحقق البروجردی ..................................................... 149

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 150

القول الثانی: عدم الإجزاء (و هو مختار المتأخرین منهم صاحب الکفایة) ..... 151

الدلیل علی هذا القول: ما أفاده بعض الأساطین ............................................. 151

[2] المبنی الثانی: المنجزیة و المعذریة (و الأمر علی هذا المبنی کالأمر علی الطریقیة) 153

ص: 462

بیان صاحب الکفایة لعدم الإجزاء علی هذین المبنیین .................................... 153

[3] المبنی الثالث: جعل الحکم المماثل (و الحق فیه الإجزاء) ............................. 154

الدلیل علی الإجزاء .............................................................................................. 154

إشکال بعض الأساطین ................................................................................... 154

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 154

تفصیل المحقق الإصفهانی بین العبادات و المعاملات ...................................... 155

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 157

[4] المبنی الرابع: جعل المؤدی منزلة الواقع (لهذا المبنی تفسیران): ................... 159

التفسیر الأوّل: لا فرق بین هذا المبنی و مبنی جعل الحکم المماثل ............... 159

التفسیر الثانی ...................................................................................................... 159

الدلیل علی الإجزاء علی هذا التفسیر ................................................................ 159

إشکال بعض الأساطین ................................................................................... 160

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 160

[5] المبنی الخامس: السببیة ................................................................................... 161

نظریة صاحب الکفایة (و هی مشتملة علی بحثین): ...................................... 161

1.البحث الثبوتی (و هو علی وزان ما مضی فی الأمر الاضطراری) ...................... 161

2.البحث الإثباتی (و الحق فیه الإجزاء) ........................................................... 161

و التحقیق یقتضی بیان أقسام السببیة (و هی ثلاثة): ..................................... 161

القسم الأوّل: ما نسب إلی الأشاعرة (و اتّفق الأعلام علی بطلانه لأوجهٍ): ......... 161

الوجه الأوّل و الوجه الثانی و الوجه الثالث .............................................. 162

الوجه الرابع: الدور .................................................................................. 162

الجواب عن الوجه الرابع ................................................................... 163

القسم الثانی ما نسب إلی المعتزلة و هذه السببیة مخدوشة إثباتاً لوجهین: .... 163

الوجه الأوّل ............................................................................................. 163

الوجه الثانی .............................................................................................. 164

القسم الثالث: المصلحة السلوکیة (و فیه بحثان): ........................................... 164

البحث الأول: فی تصویر المصلحة السلوکیة ............................................... 164

إشکال بعض تلامیذ الشیخ ................................................................. 165

جواب المحقق الإصفهانی .................................................................... 165

إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 165

ملاحظتنا علیه ................................................................................... 165

البحث الثانی: فی الإجزاء و عدمه بناء علی المصلحة السلوکیة (هنا قولان) 167

القول الأوّل: الإجزاء (اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) .................................... 167

ص: 463

القول الثانی: عدم الإجزاء (اختاره المحقق النائینی و بعض الأساطین) 167

استدلال المحقق النائینی علی هذا القول ....................................... 167

إشکال المحقق الخوئی .................................................................... 167

جواب بعض الأساطین عنه ............................................................ 168

ملاحظتنا علیه ............................................................................... 168

تتمیم: إذا شککنا بین الطریقیة و السببیة (فالبحث فی مقامین) ............. 169

المقام الأوّل: من حیث الإعادة (و فیه قولان) ..................................... 169

القول الأوّل: عدم الإجزاء (اختاره صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی) ... 169

استدلال صاحب الکفایة ................................................................ 169

إیراد المحقق الإصفهانی علی هذا الدلیل ......................................... 169

القول الثانی: الإجزاء (اختاره المحقق الخوئی) .................................. 170

استدلال المحقق الخوئی ................................................................. 170

المقام الثانی: من حیث القضاء (و اختار فیه الإجزاء المحقق الخراسانی و الإصفهانی و الخوئی)

171

بیان صاحب الکفایة .......................................................................... 171

البحث الثانی: مقدمة الواجب

(فیه مقدّمة و فصلان وخاتمة)

المقدمة فی بیان أُمور ثلثة:

الأمر الأوّل: إنّ هذه المسألة هل هی من المباحث الکلامیة أو الفقهیة أو الأُصولیة أو المبادی الأحکامیة؟ (فیه أقوال أربعة): 177

القول الأوّل: إنّها من المسائل الکلامیة ................................................................... 177

الدلیل علی هذا القول ........................................................................................ 177

أجاب عنه السید الخوئی .................................................................................... 177

القول الثانی: إنّها من المسائل الفقهیة .................................................................... 178

الدلیل علیه ......................................................................................................... 178

إشکالان علی هذا الدلیل: .................................................................................. 178

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی ........................................................... 178

الإشکال الثانی: ما أفاده المحقق النائینی ......................................................... 178

جواب المحقق الخوئی عن هذا الإشکال .......................................................... 179

القول الثالث: إنّها من المبادی الأحکامیة اختاره السید البروجردی ..................... 180

ص: 464

الدلیل علی هذا القول ........................................................................................ 180

أجاب عنه فی المحاضرات .................................................................................... 181

القول الرابع: إنّها من المسائل الأُصولیة (و هو الحق) .......................................... 182

الدلیل علیه ......................................................................................................... 182

الأمر الثانی: ما المراد من وجوب المقدمة؟ (فیه وجوه ستة): ......................... 185

الوجه الأوّل: الوجوب العقلی .................................................................................. 185

الوجه الثانی: الوجوب الإرشادی .............................................................................. 185

الوجه الثالث: الوجوب المجازی .............................................................................. 185

الوجه الرابع: الوجوب الشرعی الطریقی ............................................................... 185

الوجه الخامس: الوجوب النفسی ............................................................................ 186

الوجه السادس: الوجوب الغیری التبعی(و هو الحق) .......................................... 186

الأمر الثالث: إنّ النزاع لایختص بالوجوب ................................................ 187

الفصل الأوّل فی ذکر التقسیمات (و فیه أُمور ثلثة):

— الأمر الأوّل: فی تقسیمات المقدّمة (و هی أربعة): .................................. 191

[1] التقسیم الأوّل: المقدمة إمّا داخلیة و إمّا خارجیة و الثانیة قسمان: بالمعنی الأعمّ و بالمعنی الأخصّ (و نبحث فی المقدمة الداخلیة فی ثلثة مواضع و فیه خاتمة): ................................................................................................... 193

الموضع الأوّل: هل یصح إطلاق المقدمة علی الأجزاء الداخلیة؟ (للمقدمة إطلاقان) 194

الإطلاق الأوّل: ما له دخل فی الشیء (و هی لاتصدق علی الأجزاء) ...................... 194

الإطلاق الثانی: مایتوقف علی الشیء (و هی تصدق علی الأجزاء) ........................ 194

الموضع الثانی: بناءً علی صحة إطلاق المقدمة علیها هل یوجد المقتضی لاتصافها بالوجوب الغیری؟ (فیه قولان) 195

القول الأوّل: عدم وجود الاقتضاء اختاره صاحب الکفایة و المحقق الخوئی ........ 195

إشکال بعض الأساطین ......................................................................................... 195

القول الثانی: وجود الاقتضاء (و هو الحق) ............................................................ 195

الموضع الثالث: بناء علی ثبوت المقتضی هل من مانع یمنع عن اتصافها بالوجوب الغیری؟ (فیه قولان) 196

ص: 465

الف) القول الأوّل: وجود المانع (اختاره المحقق الخراسانی و الإصفهانی و العراقی) ............ 196

ب) القول الثانی: عدم المانع (اختاره المحقق النائینی و الخوئی) .......................... 196

بیان صاحب الکفایة: المانع لزوم اجتماع المثلین .............................................. 196

إیراد المحقق النائینی و تبعه المحقق الخوئی .................................................. 196

الدفاع عن صاحب الکفایة بوجوهٍ أربعة ........................................................ 197

الدفاع الأوّل: بیان المحقق العراقی ................................................................. 197

إیراد المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی ......................................... 197

جواب بعض الأساطین نقضاً و حلاً ........................................................... 198

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 199

الدفاع الثانی للمحقق الإصفهانی ...................................................................... 199

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 200

الدفاع الثالث: للمحقق الإصفهانی أیضاً .......................................................... 200

مناقشة بعض الأساطین نقضاً و حلاً ......................................................... 201

الدفاع الرابع: للمحقق الإصفهانی أیضاً ............................................................ 201

الحاصل أنّ الحق مع صاحب الکفایة حیث یری لزوم اجتماع المثلین علی القول بوجوب المقدمة الداخلیة 202

خاتمة فی ثمرة البحث (ادّعی لهذا البحث ثمرتان): .................................................... 203

الثمرة الأُولی: فی مبحث العلم الإجمالی بین الأقل و الأکثر الارتباطیین(فی بیان هذه الثمرة قولان) 203

القول الأوّل: ما أشار إلیه الشیخ فی أحد تقریبی انحلال العلم الإجمالی ......... 203

القول الثانی: ما أفاده المحقق العراقی و هو عکس القول الأوّل ..................... 204

ملاحظات ثلاث علی القول الثانی .................................................................... 205

التحقیق عدم توقف جریان البراءة علی وجوب المقدمة أو عدم وجوبها کما أفاده المحقق الخوئی 205

بیان بعض الأساطین لذلک .................................................................................. 206

الثمرة الثانیة: جواز إفتاء الفقیه بالوجوب و جواز قصد المکلّف فعل الواجب فی مقام الامتثال 206

[2] التقسیم الثانی: (المقدمة علی أربعة أقسام) ......................................... 207

1.مقدمة الوجوب (قال صاحب الکفایة و سائر الأعلام: لا إشکال فی خروجها عن محل النزاع) .... 207

2.المقدمة العلمیة (قال الأعلام بخروجها عن النزاع) ................................................ 208

ص: 466

3.مقدمة الوجود و هی ترجع إلی المقدمة الخارجیة بالمعنی الأخص ...................... 208

4.مقدمة الصحة و هی ترجع إلی المقدمة الخارجیة بالمعنی الأعم........................... 209

[3] التقسیم الثالث: (المقدمة علی ثلاثة أقسام) ..................................................... 211

1.عقلیة (هی داخلة فی محل النزاع) ......................................................................... 211

2.شرعیة ....................................................................................................................... 211

3.عادیة و هی قسمان ................................................................................................ 212

القسم الأوّل لاینبغی دخوله فی محل النزاع .......................................................... 212

القسم الثانی یرجع إلی المقدمة العقلیة .................................................................. 212

[4] التقسیم الرابع: المقدمة إمّا سابقة أو مقارنة أو متأخرة (و الکلام فی إمکان الشرط المتأخر فی أمرین)

213

الأمر الأوّل: الإشکال فی الشرط المتأخر (و له بیانان) ................................................ 214

البیان الأوّل .............................................................................................................. 214

تعمیم الإشکال للشرط المتقدم .......................................................................... 214

أجاب عنه المحقق الخوئی .................................................................................. 215

البیان الثانی (إشکال المحقق النائینی علی الشرط المتأخر) ................................... 215

الأمر الثانی: نظریات الأعلام فی حل هذه المشکلة .................................................... 216

1.نظریة المحقق النراقی: الشرط هو الوجود فی الجملة ........................................ 216

إیراد بعض الأساطین: هذا الجواب فی الحقیقة إنکار القاعدة العقلیة ............. 216

2.نظریة الشیخ الأنصاری ........................................................................................ 216

3.نظریة المجدد الشیرازی ....................................................................................... 217

إیرادان من بعض الأساطین علیها ....................................................................... 219

ملاحظتان علی هذا الإیراد ................................................................................. 219

4.نظریة صاحب الکفایة (و الکلام فیها فی صورتین) ............................................ 220

الصورة الأُولی: شرائط الحکم (الشرط فیها تصور الشیء و وجوده الذهنی ... 220

التقریب الأول .................................................................................................... 220

الإیراد علیه .................................................................................................... 221

التقریب الثانی ..................................................................................................... 221

الإیراد علیه .................................................................................................... 221

التقریب الثالث .................................................................................................. 222

الإیراد علیه .................................................................................................... 222

ص: 467

إشکال المحقق النائینی علی نظریة صاحب الکفایة ................................. 223

یلاحظ علیه: ............................................................................................ 223

الصورة الثانیة: شرائط المأمور به ...................................................................... 225

إشکالان علی ما أفاده فی هذه الصورة ............................................................ 225

الإشکال الأوّل: ما أفاده المحقق النائینی ......................................................... 225

جوابان من المحقق الخوئی بالنقض و الحلّ .............................................. 226

الإشکال الثانی: ما أفاده بعض الأساطین .......................................................... 227

نقض علی هذا البیان ............................................................................... 227

أجاب عنه الشیخ الرئیس ......................................................................... 227

ملخّص الکلام فی الأمر الثانی .............................................................................. 228

— الأمر الثانی فی تقسیم الوجوب إلی المطلق و المشروط (و فیه مقدمة و ناحیتان) . 231

[1] المقدمة (و فیه مطالب ثلاثة) ............................................................................ 233

المطلب الأوّل: تعریف المطلق و المشروط ................................................................ 233

قال صاحب الکفایة: هذه التعاریف لفظیة .......................................................... 234

المطلب الثانی: هل هذا التقسیم من تقسیمات الوجوب أو الواجب؟ .................... 235

نظریة صاحب الکفایة: هو من تقسیمات الواجب ............................................... 235

إیراد المحقق الخوئی و بعض الأساطین: علی مبنی صاحب الکفایة هو من تقسیمات الوجوب 235

المطلب الثالث: الإطلاق و التقیید أمران إضافیان لا حقیقیان ................................. 236

[2] الناحیة الأُولی: القیود المأخوذة فی الأدلّة علی نحو الشرطیة ترجع إلی الهیأة أو المادّة؟ (و فیه موضعان): 237

الموضع الأوّل: فی ذکر الأقوال (و هی ثلثة) ............................................................... 237

القول الأوّل: القیود ترجع إلی الهیأة (و هو المعروف بینهم) .................................... 237

القول الثانی: القیود ترجع إلی المادّة (و هو المنسوب إلی الشیخ الأنصاری) ................. 237

القول الثالث: القیود ترجع إلی اتصاف المادّة بالوجوب (اختاره المحقق النائینی) ... 238

الموضع الثانی: فی ذکر الأدلّة ....................................................................................... 239

أورد علی القول الأوّل بعدم إمکان رجوع القید إلی الهیأة لوجوهٍ: ....................... 239

ص: 468

الف) الوجه الأوّل .................................................................................................... 239

أجوبة أربعة عن هذا الوجه .............................................................................. 239

الجواب الأوّل من المحقق الخراسانی ........................................................... 239

الإشکال علیه ........................................................................................... 240

الجواب الثانی من المحقق الخراسانی أیضاً ................................................... 240

الإشکال علیه ........................................................................................... 240

الجواب الثالث من المحقق العراقی ............................................................ 240

الإشکال علیه ........................................................................................... 241

إیراد المحقق النائینی علی هذه الأجوبة .................................................. 241

ملاحظتنا علی هذا الإشکال................................................................ 241

الجواب الرابع من المحقق الإصفهانی .......................................................... 241

إشکال بعض الأساطین علی هذا الجواب .................................................. 242

ملاحظتنا علی هذا الإشکال ...................................................................... 243

ب) الوجه الثانی: ما اعتمد علیه المحقق النائینی .................................................. 243

جوابان عن هذا الوجه ....................................................................................... 243

1.ما أجاب به المحقق الإصفهانی ................................................................. 243

2.ما أجاب به المحقق الخوئی (و هو اثنان) ............................................... 244

ملاحظتنا علیه بالنسبة إلی جوابه الأول: هو مبنائی و لایمکن لنا الالتزام به .. 244

ج) الوجه الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة فی «إن قلت» .................................... 245

تقریر الوجه الثالث علی ما فی المحاضرات ........................................................ 245

أجوبة أربعة عن هذا الوجه .............................................................................. 245

الجواب الأوّل من صاحب الکفایة .............................................................. 245

إشکالان علی هذا الجواب ........................................................................ 246

1.ما أفاده السید الخوئی ........................................................................... 246

2.ما أفاده بعض الأساطین ....................................................................... 246

الجواب الثانی من المحقق الإصفهانی ........................................................... 246

الجواب الثالث من المحقق الخوئی .............................................................. 247

إشکال بعض الأساطین ............................................................................. 248

الجواب الرابع من بعض الأساطین ................................................................ 249

ملاحظات ثلاث علی هذا الجواب ............................................................. 250

استدلال الشیخ الأنصاری علی القول الثانی ............................................................. 251

جوابان عن هذا الاستدلال ................................................................................. 251

ص: 469

1.ما أفاده صاحب الکفایة .......................................................................... 251

2.ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................................ 252

[3] الناحیة الثانیة: إذا تردد أمر القید بین الرجوع إلی الهیأة و المادّة فما مقتضی الأصل؟ (هنا مقامان): 255

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی (و فیه قولان) .................................... 255

القول الأوّل: رجوعه إلی المادّة (و هو مختار الشیخ و المحقق النائینی) ............. 255

القول الثانی: رجوعه إلی الهیأة (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق الخوئی و استدل الشیخ بوجهین) 255

الاستدلال الأول للشیخ: (و هو مشتمل علی دعویین): .................................... 255

(1) الدعوی الأُولی کبروی و هو تقدیم الإطلاق الشمولی علی البدلی ............... 256

إیراد صاحب الکفایة ...................................................................................... 256

و أوضحه المحقق الخوئی ................................................................................ 257

دفاع المحقق النائینی عن الشیخ بوجوه ثلثة: ................................................. 257

الوجه الأوّل ............................................................................................. 257

إیرادان من المحقق الخوئی ................................................................. 258

ملاحظتنا علی إیرادان ....................................................................... 258

الوجه الثانی .............................................................................................. 260

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 261

الوجه الثالث ........................................................................................... 261

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 261

(2) الدعوی الثانیة و هی صغروی ................................................................. 262

إیراد المحقق الخوئی تبعاً للمحقق النائینی ........................................ 262

الاستدلال الثانی للشیخ ....................................................................................... 263

إیرادان علی هذا الوجه: ................................................................................. 264

1.ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................................. 264

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 265

2.ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................................... 265

تنبیه: تحقیق حول معنی الإطلاق و التقیید فی الهیأة و المادّة (أفاده المحقق الخوئی) 266

المقام الثانی: مقتضی الأصل اللفظی و هو البراءة ....................................... 268

— الأمر الثالث فی تقسیمات الواجب (و هی ثلثة) ..................................... 269

ص: 470

[1] التقسیم الأوّل: الواجب إمّا مطلق أو مشروط و المطلق إمّا معلّق أو منجّز (أفاده صاحب الفصول و فیه ثلاثة مواضع و تنبیه)

271

الموضع الأوّل: فی ما أُورد علی صاحب الفصول و هی ثلثة ...................................... 272

الإیراد الأوّل: ما أفاده الشیخ الأنصاری من إنکار الواجب المعلّق ........................ 272

الإیراد الثانی: ما أفاده صاحب الکفایة ................................................................... 272

جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد .......................................................... 273

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................. 273

جواب بعض الأساطین ......................................................................................... 274

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 274

الموضع الثانی: فی إمکان الواجب المعلّق ثبوتاً (فیه قولان) ...................................... 276

(1) القول الأوّل: استحالته (و استدلّ علیها بأوجه ثلثة) ...................................... 276

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق النهاوندی و نسب إلی المحقق الفشارکی ....... 276

إیرادان علی هذا الوجه .................................................................................. 277

الإیراد الأول: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................ 277

جواب المحقق الإصفهانی .......................................................................... 278

إشکالان من بعض الأساطین ..................................................................... 282

الإشکال الأوّل بالنقض .............................................................................. 282

و الجواب عنه ما أفاده المحقق الإصفهانی ................................................ 282

الإشکال الثانی بالحلّ ................................................................................ 282

ملاحظات ثلاث علیه ................................................................................ 283

الإیراد الثانی: ما أفاده بعض الأساطین ............................................................. 284

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 285

الدلیل الثانی: ما أفاده صاحب الکفایة .............................................................. 285

إیراد علی هذا الوجه ...................................................................................... 285

الدلیل الثالث: ما أفاده المحقق النائینی ........................................................... 285

إیراد المحقق الخوئی ....................................................................................... 286

(2) القول الثانی: إمکانه .......................................................................................... 286

تحقیق المحقق الخوئی فی إمکان الواجب المعلّق .............................................. 286

الموضع الثالث: ثمرة البحث (و هی تظهر فی ثلاث مسائل) ..................................... 288

المقدمة (و فیها مطلبان): ....................................................................................... 289

ص: 471

المطلب الأوّل: الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟ (هنا مسالک ثلثة): .......... 289

المسلک الأوّل: ینافی عقاباً و خطاباً ............................................................ 289

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 289

المسلک الثانی: لاینافی عقاباً و خطاباً اختاره المحقق القمی ........................ 289

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................... 289

المسلک الثالث: ینافی خطاباً لا عقاباً و هو الحق ....................................... 290

المطلب الثانی .................................................................................................. 290

المسألة الأُولی: المقدمات المفوتة و یقع البحث فی مقام الثبوت و الإثبات (و فیها مقدمة أفادها المحقق الخوئی)

291

المقام الأوّل: مقام الثبوت (یتصوّر فیه وجهان) .................................................. 291

الوجه الأوّل: أن یکون ملاک الواجب تامّاً و القدرة غیر دخیلة فی ملاکه (و فیه نظریات) 291

1.نظریة صاحب هدایة المسترشدین و صاحب البدائع و المحقق البروجردی 290

إیراد علیها ......................................................................................... 292

2.نظریة صاحب الفصول ......................................................................... 293

إیراد علیها ......................................................................................... 293

3.نظریة الشیخ الأنصاری ......................................................................... 293

إیراد علیها ......................................................................................... 293

4.نظریة المحقق الخراسانی و البروجردی .................................................. 293

إیراد علیها ......................................................................................... 294

5.نظریة المحقق الإصفهانی ....................................................................... 294

6.نظریة المحقق النائینی ......................................................................... 295

إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 296

7.نظریة المحقق الخوئی ........................................................................... 296

إیراد بعض الأساطین .......................................................................... 296

8.نظریة بعض الأساطین .......................................................................... 297

الوجه الثانی: أن تکون القدرة دخیلة فی ملاک الواجب .................................... 297

بیان المحقق الخوئی .................................................................................. 298

المقام الثانی: مقام الإثبات ..................................................................................... 301

بیان المحقق الخوئی ........................................................................................ 301

المسألة الثانیة: وجوب التعلّم (فیها صورتان) ...................................................... 303

الصورة الأُولی: إذا علم المکلّف أو اطمأن بالابتلاء (هنا أقوال أربعة فی وجوبه) 303

1.وجوبه نفسی تهیؤی (أفاده المحقق الأردبیلی و العاملی) ............................. 303

ص: 472

2.وجوبه عقلی لا شرعی (أفاده المشهور والشیخ الأنصاری) ............................ 303

3.وجوبه عقلی بملاک لزوم دفع الضرر المحتمل (أفاده المحقق النائینی) ......... 304

4.التفصیل بین أربع صور أفاده المحقق الخوئی .......................................... 305

الصورة الثانیة: إذا احتمل الابتلاء (و فیها أقوال ثلاثة) ................................... 307

1.وجوب التعلّم (و هو قول المشهور) ........................................................... 307

2.وجوب التعلّم فی الموارد المبتلی بها عادة (أفاده المحقق الخوئی) ................. 308

3. الإشکال فی عدم الوجوب ........................................................................... 308

4.عدم وجوب التعلّم ..................................................................................... 308

استدلّ علی القول الثالث باستصحاب عدم الابتلاء .......................................... 308

إیرادات أربعة علی هذا الإستدلال ........................................................... 309

1.ما أفاده صاحب الجواهر ...................................................................... 309

جواب عن هذا الإیراد .............................................................................. 309

2.ما أفاده المحقق النائینی ....................................................................... 309

جواب المحقق الخوئی ................................................................................ 309

3.ما أفاده المحقق الخوئی ........................................................................ 310

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 310

4.ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً ................................................................ 311

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 311

المسألة الثالثة: الواجبات التدریجیة ...................................................................... 313

تنبیه (و فیه

مطالب ثلثة): ....................................................................................... 314

المطلب الأوّل: تعلم الصبی غیر البالغ (هل یجب التعلّم علیه؟ قولان) ........... 314

القول الأوّل: وجوب التعلّم (اختاره المحقق النائینی و بعض الأساطین .......... 314

القول الثانی: عدم وجوب التعلّم ( اختاره المحقق الخوئی) .............................. 314

استدلال المحقق النائینی علی القول الأوّل ...................................................... 314

إیراد المحقق الخوئی ....................................................................................... 314

جواب بعض الأساطین .................................................................................... 315

ملاحظتان علیه .............................................................................................. 315

الحق فی المقام ................................................................................................ 316

المطلب الثانی: وجوب التعلّم نفسی أو غیری أو تهیؤی أو إرشادی أو طریقی؟ (ففیه خمسة أوجه): 316

الوجه الأوّل: الوجوب النفسی (اختاره المحقق الأردبیلی) ................................ 316

الاستدلال علی الوجه الأوّل ............................................................................. 316

ص: 473

إیرادات ثلاثة علیه: ........................................................................................ 316

الإیراد الأوّل ............................................................................................. 316

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 317

الإیراد الثانی ............................................................................................. 317

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 317

الإیراد الثالث ........................................................................................... 317

الحق فی المقام أنّ التعلّم مطلوب بنفسه أمّا وجوبه فلیس نفسیاً ............ 318

الوجه الثانی: الوجوب الغیری ............................................................................ 318

الاستدلال علی الوجه الثانی ............................................................................. 318

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 319

الوجه الثالث: الوجوب التهیؤی (و هو الظاهر) .............................................. 319

الوجه الرابع: الوجوب الإرشادی (اختاره بعض الأساطین) ................................ 319

الاستدلال علی هذا الوجه ............................................................................... 319

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 320

جواب بعض الأساطین ............................................................................. 321

الوجه الخامس: الوجوب الطریقی (اختاره المحقق الخوئی) ............................ 323

استدلال المحقق الخوئی علی هذا الوجه ......................................................... 323

إیراد بعض الأساطین ................................................................................ 324

المطلب الثالث: هل تارک تعلّم مسائل الشک و السهو المبتلی بها فاسق؟ .......... 326

قال الشیخ فی صراط النجاة: هو فاسق ........................................................... 326

إیراد المحقق النائینی ............................................................................... 326

جواب المحقق الخوئی ............................................................................... 327

الإیراد علی هذا الجواب ........................................................................... 327

[2] التقسیم الثانی: الواجب إمّا نفسی و إمّا غیری (و فیه موضعان و تنبیهان): .. 329

الموضع الأوّل: تعریف الواجب النفسی و الغیری (و فیه ستة تعاریف): ............... 329

1.تعریف المشهور ................................................................................................... 329

إیراد الشیخ علیه ................................................................................................ 329

2.تعریف الشیخ ...................................................................................................... 330

إیراد صاحب الکفایة علیه ................................................................................. 331

دفاع عن الشیخ .................................................................................................. 331

أجاب عنه صاحب الکفایة ................................................................................. 331

ص: 474

3.تعریف صاحب الکفایة ....................................................................................... 332

إیرادات أربعة علیه ............................................................................................ 332

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی ........................................................... 332

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الإصفهانی أیضاً .................................................. 334

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق النائینی ........................................................... 335

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق الخوئی ............................................................... 335

4.تعریف المحقق الإصفهانی .................................................................................... 335

إیرادان من بعض الأساطین ................................................................................ 337

ملاحظتنا علیه .............................................................................................. 337

5.نظریة المحقق النائینی ........................................................................................ 338

ناقشه المحقق الخوئی ......................................................................................... 339

6.نظریة المحقق الخوئی...........................................................................................

340

إیراد بعض الأساطین .......................................................................................... 340

الموضع الثانی: إذا شک فی واجب أنّه نفسی أو غیری فما مقتضی الأصل؟ (فیه مقامان) ... 342

المقام الأوّل: مقتضی الأصل اللفظی (هو الوجوب النفسی و فی تقریر ذلک نظریات) ...... 342

1.نظریة الشیخ ................................................................................................... 342

2.نظریة المشهور و صاحب الکفایة .................................................................. 343

إیراد الشیخ علیها ........................................................................................... 343

جوابان عن هذا الإیراد ................................................................................... 343

جواب الأول: ما أفاده صاحب الکفایة ............................................................ 343

إیراد المحقق الإصفهانی علی جواب صاحب الکفایة ................................. 344

جواب الثانی عن إیراد الشیخ للمحقق الإصفهانی ............................................ 345

3.نظریة المحقق الإصفهانی ................................................................................ 346

4.نظریة المحقق الإیروانی (و اختارها بعض الأساطین) .................................... 346

المقام الثانی: مقتضی الأصل العملی (و فیه نظریات) ........................................... 348

1.نظریة صاحب الکفایة .................................................................................... 348

إیراد المحقق الإیروانی علیها ............................................................................ 348

جواب بعض الأساطین .................................................................................... 349

2.نظریة المحقق الإصفهانی ................................................................................ 350

قال المحقق الخوئی: هنا صور أربع: ................................................................ 350

نظریة المحقق الخوئی فی الصورة الأُولی و الثانیة و الثالثة ............................... 351

ص: 475

3. نظریة المحقق النائینی فی الصورة الرابعة حول الجهات الثلاث................... 353

4. نظریة المحقق الخوئی حول الجهات الثلاث................................................. 354

إیرادان علی نظریة المحقق الخوئی ................................................................. 356

المناقشة الأولی: ما أفاده فی تحقیق الأصول .............................................. 356

ملاحظتنا علی هذا الإیراد ........................................................................ 356

المناقشة الثانیة ........................................................................................ 356

التنبیه الأوّل: فی ترتب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی و الغیری (و فیه مطالب أربعة): 359

المطلب الأوّل: فی بیان وجوه ترتب الثواب و العقاب علی الواجب النفسی ........ 359

قال المحقق الإصفهانی: هی ثلاثة ....................................................................... 359

إیراد بعض الأساطین .......................................................................................... 361

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 361

المطلب الثانی: ترتب الثواب علی الواجب النفسی بالاستحقاق أو بالتفضل؟ ....... 362

القول الأوّل: هو بالاستحقاق (و هو مختار معظم الفقهاء و المتکلمین) ....... 362

القول الثانی: هو بالتفضل (و هو مختار الشیخ المفید) .................................... 362

تحقیق المحقق الخوئی و هو مستفاد من کلام المحقق الاصفهانی ................... 362

المطلب الثالث: ترتب الثواب و العقاب علی الواجب الغیری .............................. 363

المطلب الرابع: هل ثواب امتثال الأمر الغیری غیر ثواب امتثال الأمر النفسی؟ فیه قولان: 363

القول الأول: الثواب واحد (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقق النائینی) 363

الاستدلال علی وحدة الثواب .......................................................................... 363

القول الثانی: الثواب متعدد (و هو مختار المحقق الخوئی) .............................. 364

الاستدلال علی تعدد الثواب ........................................................................... 364

التنبیه الثانی: منشأ عبادیة الطهارات الثلاث (و الأقوال فیه ستة) .......................... 365

القول الأول: الأمر الغیری ....................................................................................... 366

إیرادان من المحقق النائینی ............................................................................... 366

القول الثانی: الأمر النفسی الاستحبابی (أفاده صاحب الکفایة) .............................. 367

إیرادات ثلثة من المحقق النائینی ...................................................................... 367

الإیراد الأوّل ........................................................................................................ 367

ص: 476

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 368

الإیراد الثانی ........................................................................................................ 368

أجوبة ثلثة من المحقق الخوئی ....................................................................... 368

الإیراد الثالث ...................................................................................................... 369

جواب صاحب الکفایة ................................................................................... 370

مناقشتان من المحقق النائینی ........................................................................ 370

القول الثالث: الأمر النفسی الضمنی (أفاده المحقق النائینی) .............................. 371

إیراد المحقق الخوئی ........................................................................................... 372

القول الرابع: أحد الأمرین: الأمر النفسی الاستحبابی و قصد التوصل بها إلی الواجب (أفاده المحقق الخوئی) 372

القول الخامس: أحد أُمور ثلثة: الأمران المذکوران فی القول الرابع و قصد الأمر الغیری (أفاده بعض الأساطین) 373

القول السادس: أحد أُمور أربعة: الأُمور المذکورة فی القول الخامس و قصد المحبوبیة الذاتیة و هوالحق 373

[3] التقسیم الثالث: الواجب إمّا أصلی و إمّا تبعی (و لهما تفسیران) .................. 375

التفسیر الأوّل: بحسب مقام الثبوت (و هو مختار صاحب الکفایة) ...................... 375

تحقیق المحقق الإصفهانی ........................................................................................ 376

التفسیر الثانی: بحسب مقام الإثبات (و هو مختار المحقق القمی و صاحب الفصول) ......... 377

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 378

الفصل الثانی فی تحقیق المسألة

(فیه أُمور ثلثة و تذنیب)

— الأمر الأوّل فی ذکر الأقوال و مناقشتها ................................................................. 381

أمّا الأقوال فهی خمسة: ...................................................................... 381

القول الأول: وجوب المقدمة مشروطاً بإرادة ذی المقدمة (اختاره صاحب المعالم) ... 381

القول الثانی: وجوب المقدمة التی قصد بها التوصل إلی الواجب (اختاره الشیخ الأنصاری) 381

القول الثالث: وجوب المقدمة الموصلة إلی إتیان ذی المقدمة (اختاره صاحب الفصول) 382

القول الرابع: وجوب المقدمة مطلقاً (و هو قول المشهور) ................................... 382

القول الخامس: إهمال الوجوب بالنسبة إلی الإیصال (اختاره صاحب الحاشیة والمحقق النائینی) 383

ص: 477

و أمّا مناقشة الأقوال: ......................................................................... 384

[1] إیرادان من المحقق الخوئی علی القول الأوّل ................................................... 384

مناقشة علی الإیراد الثانی ................................................................................ 384

[2] إشکال صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی علی القول الثانی ........................ 384

بیان المحقق الإصفهانی لنظریة الشیخ: إن الوجه فی اعتبار قصد التوصل مرکب من أمرین: 385

الأمر الأوّل ...................................................................................................... 385

اعتراض المحقق الإصفهانی علیه ................................................................ 386

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 387

الأمر الثانی ...................................................................................................... 387

اعتراض المحقق الإصفهانی ......................................................................... 388

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................. 389

احتمالات ثلثة فی کلام الشیخ و تفسیرها (أفادها المحقق النائینی) .......... 390

[3] مناقشات أربع علی القول الثالث .................................................................... 393

الإیراد الأول: ما أفاده صاحب الکفایة .............................................................. 393

جوابان من المحقق الخوئی ............................................................................. 393

الإیراد الثانی:ما أفاده صاحب الکفایة أیضاً ....................................................... 394

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 394

الإیراد الثالث: ما أفاده صاحب الکفایة أیضاً ................................................... 395

جوابان من المحقق الخوئی ............................................................................. 395

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقق النائینی ............................................................. 396

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 397

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 398

أدلّة القول الثالث (و هی سبعة) .............................................................................. 400

1.ما أفاده صاحب الفصول ..................................................................................... 400

إیراد صاحب الکفایة .......................................................................................... 400

جواب المحقق الخوئی ......................................................................................... 400

2.ما أفاده صاحب الفصول أیضاً ............................................................................ 401

ص: 478

إیراد صاحب الکفایة .......................................................................................... 401

جواب المحقق الخوئی ......................................................................................... 402

3.ما أفاده صاحب الفصول أیضاً ............................................................................ 402

إیرادان من صاحب الکفایة ............................................................................... 402

الإیراد الأول ........................................................................................................ 402

أجاب عنه المحقق الإصفهانی و الخوئی ............................................................ 403

الإیراد الثانی ........................................................................................................ 403

أجاب عنه المحقق الخوئی ............................................................................... 403

4.ما أفاده صاحب العروة ....................................................................................... 403

إیرادان من صاحب الکفایة: .............................................................................. 404

جواب المحقق الخوئی ..................................................................................... 405

5.التقریب الأوّل الذی قاله المحقق الإصفهانی ....................................................... 405

إیراد السید الصدر علیه ..................................................................................... 406

یلاحظ علیه .................................................................................................. 407

6.التقریب الثانی الذی قاله المحقق الإصفهانی و اختاره المحقق الصدر ............... 407

إیرادات خمسة من بعض الأساطین .................................................................. 408

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 409

7.الحصة التوأمة التی أفادها المحقق العراقی ....................................................... 411

إشکالان من السید الصدر .................................................................................. 512

[4] یکفی فی الإیراد علی القول الرابع الأدلّة الواردة لإثبات وجوب خصوص المقدمة الموصلة 407

[5] الاستدلال علی القول الخامس ......................................................................... 413

الإیراد علیه ......................................................................................................... 413

— الأمر الثانی: مقتضی الأدلّة اللفظیة و العقلیة فی مسألة وجوب المقدمة (هنا أقوال أربعة نذکرها مع أدلّتها) 415

أمّا الأقوال: فهی أربعة ....................................................................... 415

1.وجوب المقدمة شرعاً مطلقاً (اختاره الشیخ و صاحب الکفایة و المحقق النائینی) ......... 415

ص: 479

2.عدم وجوب المقدمة شرعاً مطلقاً (اختاره المحقق الإصفهانی و الخوئی و الروحانی) ....... 416

3.التفصیل بین السبب و غیره (اختاره علم الهدی و صاحب المعالم) ............................. 417

4.التفصیل بین المقدمة الشرعیة و غیرها (اختاره العضدی و الحاجبی) ........................ 418

و أمّا الأدلّة: ..................................................................................... 420

[1] قد استدلّ علی القول الأوّل بوجوه أربعة: ...................................................... 420

الوجه الأوّل: أفاده الشیخ و صاحب الکفایة و المحقق النائینی ...................... 420

إیرادان علی هذا الوجه .................................................................................. 421

الإیراد الأول: ما أفاده المحقق الإصفهانی ......................................................... 421

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی .............................................................. 422

تحقیق بعض الأساطین ................................................................................... 423

الوجه الثانی أفاده صاحب الکفایة ..................................................................... 423

إیراد المحقق الإصفهانی و تبعه المحقق الخوئی ................................................ 424

الوجه الثالث أفاده صاحب الکفایة .................................................................. 424

إیرادان من المحقق الخوئی ............................................................................. 425

الوجه الرابع ........................................................................................................ 425

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 425

[2] الاستدلال علی القول الثانی ............................................................................... 426

[3] الاستدلال علی القول الثالث ............................................................................ 427

إیرادان من صاحب الکفایة ............................................................................ 427

[4] الاستدلال علی القول الرابع .............................................................................. 428

إیرادات ثلثة من صاحب الکفایة .................................................................... 428

الإیراد الأوّل ............................................................................................. 428

مناقشة بعض الأساطین ............................................................................ 428

الإیراد الثانی ............................................................................................. 428

مناقشة بعض الأساطین ............................................................................ 429

الإیراد الثالث ........................................................................................... 429

— الأمر الثالث: مقتضی الأصل العملی ................................................... 431

أمّا الأصل فی المسألة الأُصولیة (ففیه نظریتان) .......................................... 431

ص: 480

النظریة الأُولی: من صاحب الکفایة و تبعه المحقق الخوئی .................................. 431

إیرادان من المحقق الإصفهانی و تبعه بعض الأساطین ..................................... 432

النظریة الثانیة: عن بعض الأساطین ....................................................................... 432

و أمّا الأصل فی المسألة الفقهیة ............................................................. 433

نظریة صاحب الکفایة: استصحاب عدم الوجوب أو أصالة البراءة و قد أُورد علی کل منهما 433

أمّا الاستصحاب ففیه إیرادان ............................................................................. 433

الإیراد الأول: بیان توهم عدم وجود المقتضی للاستصحاب .............................. 433

جواب صاحب الکفایة ................................................................................... 433

مناقشة المحقق الإصفهانی و تبعه بعض الأساطین .......................................... 434

الإیراد الثانی: من المحقق الخوئی ........................................................................ 434

ملاحظتنا علیه: و الحق عدم وروده کما أفاد المحقق الإصفهانی ...................... 434

و أمّا البراءة فقد أورد علیها المحقق الخوئی ...................................................... 434

— تذنیب فی ثمرة البحث عن مقدمة الواجب (قد ذکر ستّ ثمرات:) .................... 437

الثمرة الأولی: ما أفاده صاحب الکفایة ................................................... 437

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 437

جواب بعض الأساطین ............................................................................................. 438

الثمرة الثانیة: ما أفاده فی المحاضرات ..................................................... 438

إیراد المحقق الخوئی ................................................................................................ 438

جواب بعض الأساطین ............................................................................................. 439

الثمرة الثالثة: ما جاء فی الکفایة ............................................................ 439

إیرادات ثلثة علی هذه الثمرة ................................................................................ 440

الإیراد الأوّل: لصاحب الکفایة ................................................................................ 440

تقریر المحقق الخوئی لهذه الثمرة فی مورد خاص .................................................. 440

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ..................................................................... 440

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقق الخوئی أیضاً .......................................................... 441

ص: 481

الثمرة الرابعة: ما جاء فی الکفایة ........................................................... 441

إیرادان علی هذه الثمرة ......................................................................................... 441

الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقق الخوئی تبعاً لصاحب الکفایة ................................. 441

جواب بعض الأساطین ........................................................................................ 442

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقق الخوئی ..................................................................... 442

جواب بعض الأساطین عن الإیراد الأوّل جواب عنه أیضاً ................................ 443

الثمرة الخامسة: ما جاء فی الکفایة ........................................................ 443

إیرادات خمسة من المحقق الخوئی ........................................................................ 444

جوابان من بعض الأساطین ..................................................................................... 445

الثمرة السادسة: ما نسب إلی الوحید البهبهانی .......................................... 445

إیرادان من صاحب الکفایة .................................................................................... 446

الإیراد الأوّل ........................................................................................................ 446

مناقشة المحقق الخوئی ....................................................................................... 447

الإیراد الثانی ........................................................................................................ 447

مناقشة بعض الأساطین ...................................................................................... 448

— خاتمة فی مقدمة المستحب و الحرام و المکروه ....................................... 451

أمّا مقدمة المستحب .......................................................................... 451

و أمّا مقدمة الحرام أو المکروه (ففیها نظریتان) ........................................ 451

1.نظریة صاحب الکفایة: هی علی قسمین ........................................................... 451

2.نظریة المحقق النائینی: هی علی ثلثة أقسام ..................................................... 452

مناقشة المحقق الخوئی ....................................................................................... 453

ص: 482

فهرس الآیات و الروایات

الآیات:

(إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیدِیکُمْ إِلَی الْمَرافِقِ) 423

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لا تَعْلَمُون) 311

(فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِی الْحَجِّ) 119

(فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَیمَّمُوا صَعیداً طَیباً) 83, 85, 89

(قُلْ هَلْ یسْتَوِی الَّذینَ یعْلَمُونَ وَ الَّذینَ لا یعْلَمُونَ) 317

(وَ ما یسْتَوِی الْأَعْمی وَ الْبَصیرُ)... 317

(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهی عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَرِ) 341

الروایات:

إِذَا لَمْ یجِدِ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ فَلْیطْلُبْ مَا دَامَ فِی الْوَقْتِ فَإِذَا خَافَ أَنْ یفُوتَهُ الْوَقْتُ فَلْیتَیمَّمْ وَ لْیصَلِّ 89

الْعِلْمُ وَدِیعَةُ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ.......... 318

الْعَمْرِی ثِقَتِی فَمَا أَدَّی إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّی وَ مَا قَالَ لَکَ عَنِّی فَعَنِّی یقُولُ فَاسْمَعْ لَهُ وَ أَطِعْ فَإِنَّهُ الثِّقَةُ الْمَأْمُونُ 160

الْعَمْرِی وَ ابْنُهُ ثِقَتَانِ فَمَا أَدَّیا إِلَیکَ عَنِّی فَعَنِّی یؤَدِّیانِ وَ مَا قَالا لَکَ فَعَنِّی یقُولَانِ فَاسْمَعْ لَهُمَا وَ أَطِعْهُمَا فَإِنَّهُمَا الثِّقَتَانِ الْمَأْمُونَانِ 160

صَلِّ مَعَهُمْ یخْتَارُ اللَّهُ أَحَبَّهُمَا إِلَیهِ....... 52

صَلِّ وَ اجْعَلْهَا لِمَا فَات.............. 50

فِی الرَّجُلِ یصَلِّی الصَّلَاةَ وَحْدَهُ ثُمَّ یجِدُ

ص: 483

جَمَاعَةً قَالَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ یجْعَلُهَا الْفَرِیضَةَ إِنْ شَاءَ 48, 49

لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُور................ 429

لَا ینْبَغِی لِلرَّجُلِ أَنْ یدْخُلَ مَعَهُمْ فِی صَلَاتِهِمْ وَ هُوَ لَا ینْوِیهَا صَلَاةً بَلْ ینْبَغِی لَهُ أَنْ ینْوِیهَا وَ إِنْ کَانَ قَدْ صَلَّی فَإِنَّ لَهُ صَلَاةً أُخْرَی 50

لَیسَ الْعِلْمُ بِکَثْرَةِ التَّعَلُّمِ وَ إِنَّمَا هُوَ نُورٌ یقْذِفُهُ اللَّهُ تَعَالَی فِی قَلْبِ مَنْ یرِیدُ اللَّهُ أَنْ یهْدِیهُ 318

مَا مِنْ عَبْدٍ یصَلِّی فِی الْوَقْتِ وَ یفْرُغُ ثُمَ یأْتِیهِمْ وَ یصَلِّی مَعَهُمْ وَ هُوَ عَلَی وُضُوءٍ إِلَّا کَتَبَ اللَهُ لَهُ خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً. 47

مَا مِنْکُمْ أَحَدٌ یصَلِّی صَلَاةً فَرِیضَةً فِی وَقْتِهَا ثُمَ یصَلِّی مَعَهُمْ صَلَاةً تَقِیةً وَ هُوَ مُتَوَضِّئٌ إِلَّا کَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا خَمْساً وَ عِشْرِینَ دَرَجَةً فَارْغَبُوا فِی ذَلِکَ 47

ص: 484

فهرس الأعلام

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) 47, 48, 49, 50, 51

الإمام الکاظم (علیه السلام) ................. 159

الإمام الرضا (علیه السلام) .................. 160

الإمام العصر (عجل الله تعالی فرجه)................... 252

الف)

ابن الولید.......................... 58

أَبِی بَصِیرٍ....................... 51, 53

أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ................... 159

أحمد بن محمد بن عیسی.............. 60

إسحاق بن عمّار..................... 50

آیة الله التبریزی..................... 62

ب)

بعض الأساطین 22, 25, 29, 35, 53, 62, 63, 75, 89, 96, 100, 101, 102, 116, 125, 134, 136, 137, 139, 145, 151, 154, 160, 165, 167, 168, 195, 198, 201, 206, 216, 219, 235, 242, 246, 248, 249, 274, 282, 284, 296, 297, 308, 310, 311, 314, 315, 317, 321, 324, 337, 340, 349, 361, 366, 373, 411, 423, 428, 429, 431, 435, 438, 439, 442, 443, 445, 448

ح)

الحاجبی......................... 419

ز)

زرارة بن أعین......... 50, 53, 89, 149

س)

سهل بن زیاد....................... 53

السید الزنجانی.................. 53, 62

ص: 485

السید الصدر 357, 405, 406, 408, 412

السید المجاهد الطباطبائی............ 23

السید المجدّد الشیرازی 217, 220, 222, 228

السید المحقق البروجردی 25, 133, 149, 291

ش)

الشهید الثانی....................... 57

الشیخ الأنصاری 57, 116, 145, 204, 216, 228, 235, 237, 239, 242, 251, 252, 255, 257, 263, 264, 265, 272, 293, 303, 305, 306, 326, 327, 329, 330, 331, 342, 343, 344, 345, 346, 347, 373, 381, 385, 390, 391, 415

الشیخ الرئیس............... 227, 234

ص)

صاحب البدائع................... 291

صاحب الجواهر.... 57, 141, 228, 309

صاحب الحاشیة................... 383

صاحب الفصول 142, 271, 272, 273, 293, 375, 382, 400, 401, 402, 405

صاحب المدارک.................. 303

صاحب المعالم 178, 183, 340, 381, 417

صاحب الوسائل................... 57

صاحب هدایة المسترشدین.... 291, 413

الصدوق.......................... 58

ع)

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْیرِی.......... 159

عبدالله بن سنان..................... 47

العضدی......................... 419

العلّامة الحلی...................... 145

العلامة الشیرازی................. 391

العلامة الصافی الإصفهانی.......... 357

علم الهدی....................... 417

عمر بن یزید....................... 47

العمری.................... 159, 160

ف)

الفاضل التونی.................... 119

ک)

الکلینی................... 56, 62, 159

م)

المحدث النوری................. 53, 62

المحقّق الأردبیلی............. 303, 326

المحقّق الإصفهانی 20, 28, 29, 30, 34,

ص: 486

41, 42, 43, 46, 48, 52, 63, 74, 79, 80, 84, 85, 86, 96, 111, 124, 125, 126, 127, 128, 130, 131, 155, 165, 166, 169, 171, 196, 197, 198, 199, 228, 234, 240, 241, 242, 243, 246, 250, 273, 278, 282, 294, 332, 334, 335, 337, 344, 345, 346, 350, 351, 359, 361, 376, 385, 386, 387, 388, 389, 390, 391, 400, 403, 408, 409, 410, 412, 416, 421, 424, 432, 434

المحقّق الإیروانی 97, 101, 346, 348, 349

المحقّق البروجردی.................. 24

المحقّق الثانی....................... 57

المحقّق الحائری..................... 42

المحقق الخراسانی 20, 22, 23, 26, 28, 30, 41, 44, 46, 69, 75, 77, 80, 81, 96, 97, 109, 110, 113, 115, 116, 128, 130, 131, 153, 155, 161, 169, 171, 195, 196, 197, 199, 200, 201, 202, 206, 207, 214, 215, 220, 223, 224, 228, 233, 234, 235, 236, 237, 239, 240, 244, 245, 251, 255, 256, 264, 265, 272, 273, 277, 278, 280, 281, 293, 331, 332, 343, 344, 346, 347, 348, 349, 350, 351, 363, 365, 367, 370, 371, 373, 375, 384, 385, 392, 395, 400, 401, 402, 404, 415, 427, 428, 431, 432, 433, 437, 440, 441, 446, 451

المحقّق الخوئی 23, 24, 28, 30, 32, 34, 48, 62, 63, 75, 76, 86, 91, 93, 94, 96, 97, 100, 109, 121, 128, 130, 167, 170, 171, 177, 178, 179, 186, 195, 196, 198, 202, 205, 206, 215, 226, 228, 235, 244, 246, 247, 251, 252, 255, 257, 258, 260, 261, 262, 265, 266, 273, 274, 286, 287, 288, 289, 296, 297, 298, 300, 301, 305, 308, 309, 311, 314, 315, 319, 320, 321, 323, 324, 327, 335, 339, 340, 350, 354, 356, 362, 364, 365, 366, 368, 370, 372, 373, 378, 384, 387, 389, 390, 392, 393, 394, 395,

ص: 487

397, 400, 402, 403, 405, 413, 414, 416, 422, 425, 434, 435, 437, 438, 440, 441, 444, 445, 447, 453

المحقّق الطوسی............ 57, 60, 234

المحقّق العراقی 22, 87, 88, 96, 97, 196, 197, 204, 220, 240, 400, 411, 423

المحقّق الفشارکی.................. 276

المحقّق القمی..... 289, 290, 375, 421

المحقّق النائینی 24, 45, 87, 96, 115, 141, 167, 168, 178, 196, 215, 223, 225, 228, 238, 241, 243, 249, 255, 257, 259, 262, 265, 285, 295, 296, 297, 299, 304, 306, 314, 326, 335, 338, 352, 353, 354, 355, 358, 363, 365, 366, 367, 370, 383, 384, 390, 392, 413, 415, 420, 452, 453

المحقّق النراقی............... 216, 228

المحقّق النهاوندی................. 276

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْیرِی........... 159

مُحَمَّدِ بْنِ یحْیی..................... 159

المفید............................ 362

ن)

النجاشی........................... 59

و)

الوحید البهبهانی.................... 57

ه)

هشام بن سالم................... 49, 50

ص: 488

المجلد 5

اشارة

سرشناسه : بهبهانی، محمدعلی، 1352 -

عنوان و نام پدیدآور : عیون الانظار [کتاب]/ محمدعلی بهبهانی.

مشخصات نشر : قم: محمدعلی بهبهانی، 1437ق.= 2016م.= 1395 .

مشخصات ظاهری : 10ج.

شابک : دوره:978-600-04-3019-1 ؛ ج.1 978-600-04-3017-7: ؛ ج.2 978-600-04-3018-4: ؛ ج.3 978-600-04-5819-5 : ؛ ج.4 978-600-04-6758-6 : ؛ ج.5 978-600-04-6759-3 :

یادداشت : عربی.

یادداشت : عنوان روی جلد: عیون الانظار فی علم الاصول.

یادداشت : نمایه .

مندرجات : ج.1. مبادی علم الاصول.- ج.2. مباحث الالفاظ الاول.- ج.3. مباحث الالفاظ الثانی.- ج.4. مباحث العقلیه.

عنوان روی جلد : عیون الانظار فی علم الاصول.

موضوع : اصول فقه شیعه

موضوع : * Islamic law, Shiites -- Interpretation and construction

رده بندی کنگره : BP159/8/ب857ع9 1395

رده بندی دیویی : 297/312

شماره کتابشناسی ملی : 3846970

عیون الأنظار / الجزء الأول

- المؤلف: محمد علی البهبهانی

- شابک الجزء الأول: 7-3017-04-600-978

- شابک الدورة: 1-3019-04-600-978

- الطبعة الأولی

- سنة النشر: 1436ه- ق – 1394 ه- ش

- السعر: 30000

- عدد النسخ: 1000

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

عُیُونُ الأَنظَار

(المجلد الخامس)

المباحث العقلیة (2)

مباحث: «الضد» و «الترتّب» و «اجتماع الأمر و النهی»

و «اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة»

ص: 3

ص: 4

الفهرس

البحث الثالث: الضّد / 15

مقدمات.. 17

المقدمة الأُولی: فی أنّ هذه المسألة أُصولیّة أو فقهیة؟. 17

الوجه الأوّل: 17

الوجه الثانی: 17

المقدمة الثانیة: فی أنّ هذه المسأله عقلیة أو لفظیة. 19

المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث... 20

المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء. 22

المقدمة الخامسة: المراد من الضد. 23

المقام الأوّل: «الضدّ الخاصّ». 27

الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة. 28

تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة. 29

مناقشات فی الوجه الأوّل: 32

التفصیل فی المقدمیة: 49

الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة. 53

مناقشتان فی الوجه الثانی: 54

المقام الثانی: «الضدّ العام». 57

ص: 5

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی: 60

تقریر القول الثالث: 62

بیان القول الرابع: 63

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس: 64

تنبیه: فی ثمرة المسألة. 69

الثمرة الأُولی: 69

الثمرة الثانیة: 69

الثمرة الثالثة: 70

الأمر الأوّل: 74

استدلّ علی الصغری بوجهین: 74

الوجه الأوّل: من المحقّق الخراسانی (قدس سره) 74

الوجه الثانی: من جماعة من المتأخرین منهم المحقّق النائینی (قدس سره) 76

تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف: 80

القول الأوّل: 81

القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) 81

القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 82

الأمر الثانی: 84

البحث الرابع: الترتب / 85

مقدمات.. 87

المقدمة الأُولی: 94

المقدمة الثانیة: 95

المقدمة الثالثة: 96

المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور. 97

قولان فی الصورة الثالثة: 97

بیان المحقق النائینی (قدس سره) للقول الأوّل: 97

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی: 98

ص: 6

المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فی ما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً 99

بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب: 99

تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع: 102

المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتّب... 103

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) بطریق الإنّ. 103

الدلیل الثانی علی إنکار الترتّب: 105

الدلیل الثالث علی إنکار الترتّب: 106

المقام الثانی: أدلة القائلین بالترتّب... 113

الوجه الأوّل لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 113

الوجه الثانی لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 115

الوجه الثالث لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 115

الوجه الرابع لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 117

الوجه الخامس: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماته الخمس... 118

المقدّمة الأُولی: 118

المقدّمة الثانیة: 119

المقدّمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره) 124

المقدّمة الرابعة: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب... 133

وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث: 135

المقدّمة الخامسة: 140

الوجه السادس علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 142

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) لتجویز الترتّب: 143

الوجه السابع علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق العراقی (قدس سره) 144

البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی / 149

المقدمة الأُولی.. 151

الأمر الأوّل: عنوان البحث... 151

ص: 7

نظریة المحقق النائینی (قدس سره): 151

الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟. 153

هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟. 153

هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟. 153

الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة. 155

الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟. 167

بیان المحقّق النائینی (قدس سره): للمسألة صور أربع. 167

المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول. 169

الأمر الأوّل: المراد من الواحد فی عنوان المسألة. 169

مقدمة: فی أقسام الواحد. 169

القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) 170

القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 172

الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة. 174

البیان الأوّل: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) صاحب القوانین.. 174

البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) 174

البیان الثالث: ما عن المدقّق الشیروانی (قدس سره) 176

البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 177

البیان الخامس: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) 177

البیان السادس: 178

الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أُصولیة أو لا؟. 179

القول الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة. 180

القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة. 181

القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة. 183

القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة. 184

القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة. 185

الأمر الرابع: إنّ مسألة الاجتماع عقلیة لا لفظیة. 186

الأمر الأوّل: 186

الأمر الثانی: 186

ص: 8

الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم. 189

هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟. 190

القول الأوّل: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 190

القول الثانی: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) 191

الأمر السادس: فی عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع. 194

وجه اعتبار وجود المندوحة: 194

بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة: 195

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لعدم اعتبار المندوحة فی محلّ النزاع: 198

نظریة المحقّق النائینی (قدس سره): 198

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره): 199

الأمر السابع: ارتباط هذه المسألة بتعلق الأحکام بالطبائع أو الأفراد. 201

التوهّم الأوّل: 201

التوهّم الثانی: 202

تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟. 205

بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم: 205

الأمر الثامن: هل تکون مسألة الاجتماع من صغریات التعارض؟. 207

الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین.. 218

الأمر العاشر: ثمرة البحث... 229

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 229

المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع. 241

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع: 241

المقدّمة الأُولی: تضادّ الأحکام فی مرتبة الفعلیة. 242

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) 242

النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) 245

النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره): 251

النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله): 253

المقدّمة الثانیة: متعلّق الحکم هو المعنون.. 257

النظریة الأُولی: من المحقّق الخراسانی (قدس سره) 257

ص: 9

النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 258

بیان بعض الأساطین (حفظه الله): 259

المقدّمة الثالثة: تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون.. 261

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره): 261

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلام صاحب الکفایة (قدس سره): 261

المقدّمة الرابعة: إنّ الموجود بوجود واحد، له ماهیة واحدة. 263

توهّمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره): 263

دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهّمین: 263

المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز. 267

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 267

الدلیل الثانی للقول بالجواز: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) 273

الدلیل الثالث للقول بالجواز: من المحقّق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .. 285

الدلیل الرابع للقول بالجواز: 287

الدلیل الخامس للقول بالجواز: 289

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الاستدلال: 289

الجواب الإجمالی: 289

الجواب التفصیلی: 290

القسم الأوّل من العبادات المکروهة: کصوم یوم عاشوراء. 291

الطریق الأوّل: طریق الانطباق.. 291

الطریق الثانی: طریق الملازمة. 294

الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر. 295

نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل: 295

النظریة الأُولی: عن المحقّق النائینی (قدس سره) . 295

النظریة الثانیة: عن المحقّق العراقی (قدس سره) . 298

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما) ... 298

تکملة و بحث استطرادی: 302

کلام بعض الأساطین (حفظه الله) حول صوم یوم عاشوراء. 302

القول الأوّل: الحرمة. 302

ص: 10

القول الثانی: الکراهة. 306

القول الثالث: الاستحباب... 307

القول الرابع: الأحوط وجوباً ترکه. 308

القسم الثانی من العبادات المکروهة: کالصلاة فی الحمام. 309

کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی: 309

القسم الثالث من العبادات المکروهة: کالصلاة فی موضع التهمة. 312

تنبیه: فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام. 313

المقام الأوّل: الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار. 313

بیان المحقّق النائینی (قدس سره): 313

فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار. 318

الحالة الأُولی: إذا لم یتمکّن من الخروج.. 318

القول الأوّل: 318

القول الثانی: 319

القول الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .. 321

الحالة الثانیة: إذا تمکّن من الخروج.. 321

الصورة الأُولی: 321

الصورة الثانیة: 322

الصورة الثالثة: 322

المقام الثانی: فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار. 324

الجهة الأُولی: فی حکم الخروج فی حدّ ذاته. 324

القول الأوّل: 324

القول الثانی: نظریة المحقّق القمی (قدس سره) 324

القول الثالث: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) 327

القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما) .. 328

القول الخامس: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) 330

الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی.. 337

الصورة الأُولی: 337

الصورة الثانیة: 338

الصورة الثالثة: 338

ص: 11

البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة / 341

تمهید مقدّمات: 343

المقدّمة الأُولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع. 343

قال جمع من الأعلام فی الفرق بین المسألتین: 343

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 343

المقدّمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟. 346

المقدّمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع. 348

قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام. 348

القسم الأوّل: النهی التشریعی.. 348

القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی.. 348

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لخروجه عن محلّ النزاع: 348

القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری.. 349

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) . 349

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) . 349

النظریة الثالثة: عن صاحب الکفایة (قدس سره) . 351

القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی.. 353

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) . 353

النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره) . 354

النظریة الثالثة: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) بین التفسیرین للنهی التنزیهی.. 354

القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی.. 355

المقدّمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث... 356

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): 356

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): 357

المقدّمة الخامسة: تحریر محل النزاع. 359

المقدّمة السادسة: تعریف الصحّة و الفساد. 360

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 360

النظریة الثانیة: عن المحقق القمی (قدس سره) 360

ص: 12

تنبیه: فی أنّ الصحّة و الفساد عند المتکلّم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی؟ 362

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 362

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 363

النظریة الثالثة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 365

المقدّمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات أربع): 367

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره) 367

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 368

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) 370

النظریة الرابعة: عن بعض الأساطین (حفظه الله) .. 371

المقدّمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة. 373

قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ متعلّق النهی علی خمسة أنحاء. 373

المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة. 377

القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة. 377

القول الأوّل: اقتضاء الفساد. 377

بیانات أربعة فی الاستدلال علی الفساد: 377

بیان الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 377

بیان الثانی: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 379

بیان الثالث: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) 380

بیان الرابع: عن بعض الأساطین (حفظه الله) .. 380

القول الثانی: عدم دلالة النهی عن العبادة علی الفساد. 381

النظریة الأُولی: عن المحقّق العراقی (قدس سره) 381

النظریة الثانیة: عن المحقّق الحائری (قدس سره) 382

القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة. 385

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 385

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 385

القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة. 389

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 389

ص: 13

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 389

القسم الرابع: تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة. 392

القسم الخامس: تعلّق النهی بالوصف غیرِ الملازم للعبادة. 393

المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة. 395

المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع. 396

المطلب الثانی: فی بیان الآراء. 397

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) 398

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره) 399

المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة. 402

الفهارس... 407

ص: 14

البحث الثالث: الضّد

اشارة

فیه مقدّمات خمس و مقامان و تنبیه

ص: 15

ص: 16

مقدمات

المقدمة الأُولی: فی أنّ هذه المسألة أُصولیّة أو فقهیة؟
اشارة

فیه وجهان:

الوجه الأوّل:
اشارة

قد ادّعی أنّها من المسائل الفقهیة، لأنّ البحث فیها عن حرمة فعل الضدّ أو عدمها و هذه مسألة فقهیّة.

الإیراد علیه:

إنّ البحث هنا عن ثبوت الملازمة بین وجوب الشیء و حرمة ضدّه أو عن مقدّمیّة ترک أحد الضدّین لفعل الضدّ الآخر.

الوجه الثانی:
اشارة

إنّ هذه المسألة أُصولیة و لیست من مبادی علم الأُصول و الوجه فی ذلک هو أنّ مناط أُصولیة المسألة موجود هنا.

ص: 17

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لکونها أُصولیة:

((1))

إنّ المسائل الأُصولیة ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: أن تکون استفادة الأحکام الشرعیة من الأدلّة من باب الاستنباط و التوسیط، لا من باب التطبیق أی تطبیق مضامینها بأنفسها علی مصادیقها، کتطبیق الطبیعی علی أفراده، و الکلی علی مصادیقه.

الرکیزة الثانیة: أن یکون وقوعها فی طریق الحکم بنفسها من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أخری.((2))

فکل مسألة إذا ارتکزت علی هاتین الرکیزتین فهی من المسائل الأُصولیة و إلّا فلا و هاتان الرکیزتان قد توفّرتا فی مسألتنا هذه فهی من المسائل الأُصولیة إذ إنّها واقعة فی طریق استفادة الحکم الشرعی من باب الاستنباط و التوسیط بنفسها بلا توسط کبری أُصولیة أخری.

ص: 18


1- المحاضرات، ج3، ص6.
2- تقدّم فی ج1 (المبادی التصوریة و التصدیقیة لعلم الأصول) مقدمات خمس: المقدمة الأولی فی تعریف علم الأصول و ذکر هناک تعریفات سبعة (الأول للقدماء و المشهور. الثانی للشیخ الأنصاری. الثالث لصاحب الکفایة. الرابع للمحقق النائینی. الخامس للمحقق الإصفهانی. السادس للمحقق العراقی و السابع للمحقق الخوئی فی المحاضرات) و بعد ذکر التعریف السابع نقل إشکالاً من المحقق الخوئی و جوابین منه و لکن نُوقِش فیهما؛ و مختارنا هو قول المحقق الإصفهانی باختلافٍ یسیرٍ حیث ذکر هذا المحقق تعریفین لعلم الأصول أخذ فی تعریف المختار من کل منهما شطراً و قال: مقتضی التحقیق فی تعریف علم الأصول هو أن یقال: القواعد الممهّدة لتحصیل الحجّة علی حکم العمل.
المقدمة الثانیة: فی أنّ هذه المسأله عقلیة أو لفظیة

إنّ البحث عن الملازمة أو مقدّمیة ترک أحد الضدّین للضدّ الآخر عقلی، لأنّ الحاکم بهما هو العقل، بل المراد من الأمر هنا أعم من کونه مستفاداً من اللفظ أو الإجماع أو العقل أو الإشارة.

و من جانب آخر: إنّ الاقتضاء اللفظی (أی الدلالة اللفظیة) متصوّر فی بحث الضدّ العام، أمّا اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه فلایتصوّر فی الضدّ الخاصّ کما سیأتی إن شاء الله.((1))

ص: 19


1- سیجیء فی المقام الأول أی الضد الخاص أنّ القائلین بالإقتضاء إستدلّوا بوجهین: المقدمیة و الملازمة و کلاهما دلیل عقلی و قد صرّح أنّ الإقتضاء هنا عقلی فقط و فی المقام الثانی أنّ فی الضد العام أقوالاً خمسة، ثلاثة منها هی القول بالإقتضاء بنحو الدلالة اللفظیة (القول بالعینیة الذی اختاره صاحب الفصول و القول بالدلالة التضمنیة الّذی اختاره صاحب المعالم و القول بالدلالة اللفظیة الإلتزامیة الذی اختاره المحقق النائینی (قدس سره) و واحدة منها هی القول بالإقتضاء بنحو الدلالة العقلیة الإلتزامیة (الذی اختاره صاحب الکفایة (قدس سره) و واحدة منها هی القول بعدم الإقتضاء الذی اختاره المحقق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) و هو المختار.
المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث

إنّ المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث لیس خصوص مادّة الأمر و لاصیغته بل المراد هو الطلب المبرز((1)) سواء أُبرز باللفظ أو الإشارة أم استفید من الإجماع أو العقل، لأنّ البحث أعمّ من ذلک حیث إنّ المبحوث عنه فی المقام هو الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه أو المقدّمیة لترک أحد الضدّین لفعل الضدّ الآخر من غیر فرق بین أن یکون الأمر لفظیاً أو غیر لفظی و أمّا ما یوهم اختصاص محلّ النزاع بالأمر اللفظی فلیس إلّا غلبة هذه الأفراد و کثرتها بالنسبة إلی غیرها.

ص: 20


1- قد ذکر فی هذا الکتاب، ج2، البحث الأول (الأوامر)، الفصل الأول (مادة الأمر)، الأمر الأول (معنی مادة الأمر)، الموضع الثانی (معنی الأمر إصطلاحاً) نظریّتین الأولی و هی مختار المشهور أنّ الأمر حقیقةٌ فی القول المخصوص (أی صیغة الأمر) مجاز فی غیره و الثانیة و هی مختار المؤلف نفسه أنّ الأمر الإصطلاحی إسمٌ للطلب المخصوص و الإرادة المبرزة التی هی أعمّ من کونه بصیغة إفعل أو بمادة الأمر أو بالجملة الخبریّة أو بغیر ذلک مما یفهم منه الأمر. و ذکرنا فی الموضع الأول (معنی الأمر لغةً و عرفاً)، النظریة الأولی (و هی للمحقق القوچانی) فی التعلیقة علی قوله عبارة من المحقق الرشتی فی بدائع الأفکار، ص243 قال: «إختلفوا بعد اتّفاقهم علی أنّ الأمر المقصود للأصولیین المقابل للنهی لایخلو من أحد المعنیین الأولین [أشار إلیهما فی عبارته السابقة حیث قال: منها القول المخصوص و هذا متّفقٌ علیه و منها الطلب ذکره صاحب الفصول و السید المحقق الکاظمی] فمنهم من جعله حقیقة فی مطلق الطلب سواء کان مستکشفاً من القول أو الإشارۀ أو الکتابة و مجازاً فی القول کما فی الفصول؛ و منهم من جعله حقیقة فی کل من القول و الطلب کالسید المحقق الکاظمی؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول ساکتاً عن الطلب و هو المصرّح به فی کلمات الکل بل إدّعی جماعة من المحققین علیه الإجماع؛ و منهم من جعله حقیقة فی القول الدالّ علی الطلب لا القول المجرّد صرّح به فی التهذیب و وافقه المحقق القمی».

ثمّ إنّ بعضهم قرروا الملازمة بین وجوب الشیء و حرمة ضدّه و الملاک أیضاً أعمّ و لایختصّ بما إذا کان الوجوب مدلولاً لدلیل لفظی.

ص: 21

المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء

إنّ المراد من الاقتضاء أعمّ من اللفظی و العقلی و الاقتضاء اللفظی أعم من الدلالة اللفظیة المطابقیة و التضمنیة و الالتزامیة و الاقتضاء العقلی أعمّ من أن یکون من باب مقدّمیة ترک أحد الضدّین لوجود الآخر أو من باب الملازمة بین وجود أحدهما و عدم الآخر.

توضیح ذلک: إنّه إذا کان المراد من الضدّ هو الضدّ العامّ یمکن أن یکون الاقتضاء لفظیاً أو عقلیاً، حیث إنّ بعضهم فسّروا الأمر بطلب الشیء مع المنع من الترک و ما شابه ذلک.

و أمّا إذا کان المراد من الضدّ هو الضدّ الخاصّ فلایمکن أن یکون الأمر بأحد الضدّین نهیاً عن الآخر بإحدی الدلالات اللفظیة، لأنّه لایمکن أن یکون النهی عن الصلاة (أو حرمتها) عین الأمر بالإزالة (أو وجوبها) و لا جزأه و لا لازمه باللزوم البین بالمعنی الأخصّ لانفکاکهما فی مقام التصور.

و علی هذا إن کان المراد منه هو الضدّ الخاصّ فلابدّ أن یکون الاقتضاء عقلیاً من باب المقدّمیة أو الملازمة.

ص: 22

المقدمة الخامسة: المراد من الضد
اشارة

إنّ المراد من الضدّ هو مطلق ما ینافی الشیء.

توضیح ذلک:

إنّ للضدّ اصطلاحین: الاصطلاح الفلسفی و الاصطلاح الأُصولی.

أمّا علی الاصطلاح الفلسفی فإنّ الشیئین إمّا متماثلان و إمّا متخالفان و إمّا متقابلان((1)).

و المتقابلان((2)) علی أربعة أقسام: تقابل التناقض و تقابل العدم و الملکة و

ص: 23


1- [1] الغیران علی ثلاثة أقسام و هذا المطلب مذکور فی الفلسفة: فی شرح المنظومة، ج 2، ص390، 42- غررٌ فی الحمل و تقسیمه: «بکثرة تعلّقت غیریة کذاک بالوحدة هوهویة. قد مهّدنا أوّلاً أنّ الهوهویة التی هی إتّحادٌ مّا و هی مقسم للحمل من العوارض الذاتیة للوحدة فهی من متعلقات الوحدة و الغیریة التی هی مقسم للتقابل و للتخالف و للتماثل بوجه بأنّ یقال الغیران إمّا متقابلان أو متخالفان أو متماثلان من العوارض الذاتیة للکثرة و من متعلقاتها».
2- تعریف التقابل فی الحکمة: فی شرح المنظومة، ج 2، ص398: 43- غررٌ فی التقابل و أقسامه: «قد کان من غیریة تقابل: کما أشرنا إلیه سابقاً عرّفه أصحابنا الأفاضل بمنع جمع فی محل قد ثبت من جهة فی زمنٍ توحّدت هذا الفعل صفة للثلاثة- أی فی محل واحد من جهة واحدة فی زمان واحد فبقید وحدة المحل دخل مثل تقابل السواد و البیاض المجتمعین فی الوجود فی محلین و بقید وحدة الجهة دخل مثل تقابل الأبوّة و البُنوّة المجتمعین فی واحد من جهتین. و بقید وحدة الزمان دخل تقابل المجتمعین فی زمانین. و تنوین جمع عوض عن المضاف إلیه أی الغیرین لأنّ التقابل نوع من الغیریة. فحینئذ خرج التماثل من التعریف لأنّ التماثل و إن کان بوجهٍ من الغیریة لکنّ جهة الإتّحاد و الهوهویة علیه أغلب. أو نقول تنکیر جمع للنوعیة أی التقابل إمتناع نوع اجتماع فی المتخالفین. و ذلک النوع اجتماع متغایرین فی الماهیة». و فی نهایة الحکمة ص187، المرحلة السابعة فی الواحد والکثیر، الفصل الخامس فی الغیریة و أقسامها: «قد تقدّم أنّ من عوارض الکثرة الغیریة و تنقسم الغیریة إلی ذاتیة و غیر ذاتیة فالغیریة الذاتیة هی أن یدفع أحد شیئین الآخر بذاته فلایجتمعان لذاتیهما کالمغایرة بین الوجود و العدم و تسمی تقابلاً و قد عرّفوا التقابل بأنّه إمتناع اجتماع شیئین فی محل واحد من جهة واحدة فی زمان واحد».

تقابل التضاد و تقابل التضایف((1)).

و المتضادّان عندهم هما الأمران الوجودیان بینهما غایة المنافرة لایجتمعان وجوداً فی زمان واحد، فی محل واحد، من جهة واحدة((2)).

ص: 24


1- قد ذکر وجه حصر أقسام التقابل فی أربعة فی أساس الإقتباس، ط. دانشگاه تهران، مقالت دوم (قاطیغوریاس در مقولات عشر)، فصل 8 (در معرفت اقسام تقابل)، ص53. و فی نهایة الحکمة ص189: «و التقابل ینقسم إلی أربعة أقسام و هی: تقابل التناقض و تقابل العدم و الملکة و تقابل التضایف و تقابل التضاد و الأصوب فی ضبط الأقسام أن یقال: إنّ المتقابلین إمّا أن یکون أحدهما عدماً للآخر أو لا، وعلی الأوّل إمّا أن یکون هناک موضوع قابل کالبصر والعمی فهو تقابل العدم و الملکة، أو لا یکون کالإیجاب و السلب و هو تقابل التناقض، و علی الثانی – و هو کونهما وجودیین - فإمّا أن لا یعقل أحدهما إلّا مع الآخر و بالقیاس إلیه کالعلوّ والسفل و هو تقابل التضایف، أو لا و هو تقابل التضاد». و قال المحقق فی التعلیقة: «هذا وجه ضبط ذکره التفتازانی فی شرح المقاصد والقوشجی فی شرح التجرید واللاهیجی فی شوارق الإلهام و صدر المتألهین فی الأسفار و ذکر له وجوهٌ آخر فراجع المباحث المشرقیة و کشف المراد و شرح المواقف» أسقطنا رقم الصفحات لاختلاف الطبعات. و راجع أیضا الحکمة المتعالیة، ج7، المرحلة الخامسة (فی الوحدة و الکثرة)، الفصل السادس (فی بیان أصناف التقابل و أحکام کل منها)، ص105 – 121. و العلّامة المظفر فی المنطق وضع أبحاث المنطق فی ستة أبواب و فی الباب الأول (مباحث الألفاظ) جاء البحث عن الدلالة و تقسیمات ثلاثة للألفاظ و ورد البحث عن أقسام التقابل فی التقسیم الثانی (الترادف و التباین) راجع ص52 – 58.
2- تعریف التضاد عند الحکماء: فی بدایة الحکمة ص136، الفصل السابع فی تقابل التضاد: «التضاد - علی ما تحصّل من التقسیم السابق - کون أمرین وجودیین غیر متضائفین متغایرین بالذات أی غیر مجتمعین بالذات». و فی نهایة الحکمة، ص194، الفصل التاسع فی تقابل التضاد: «قد عرفت أنّ المتحصّل من التقسیم السابق أنّ المتضادین أمران وجودیان غیر متضائفین لا یجتمعان فی محل واحد فی زمان واحد من جهة واحدة و المنقول عن القدماء أنّهم إکتفوا فی تعریف التضاد علی هذا المقدار، و لذلک جوزوا وقوع التضاد بین الجواهر، و أن یزید أطراف التضاد علی اثنین . لکن المشّائین أضافوا إلی ما یتحصل من التقسیم قیوداً آخر، فرسموا المتضادین بأنّهما أمران وجودیان غیر متضائفین متعاقبان علی موضوع واحدٍ داخلان تحت جنس قریب بینهما غایة الخلاف و لذلک ینحصر التضاد عندهم فی نوعین أخیرین من الأعراض داخلین تحت جنس قریبٍ بینهما غایة الخلاف، و یمتنع وقوع التضاد بین أزید من طرفین». و فی تحفة الحکیم، ص45: «تقابل التضاد فی ما امتنعا * لغایة الخلاف أن یجتمعا * هما وجودیان عند الفلسفی * و عند غیره أعم فاعرف».

و قد یقسّم الضدّان بما لا ثالث لهما و بما لهما ثالث. (و فصّل المحقّق النائینی (قدس سره) بینهما فی المقام فقال بالملازمة فی الأوّل دون الثانی).

و أمّا علی الاصطلاح الأُصولی فإنّ الضدّ إمّا ضدّ عام و إمّا ضدّ خاص.

أمّا الضدّ العام فی الأُصول فیشمل المتناقضین و العدم و الملکة.

و أمّا الضدّ الخاصّ فی الأُصول فیشمل الضدّین (المذکور فی المنطق و الفلسفة) و بعض مصادیق المتماثلین و المتخالفین و المتضایفین یکون أیضاً من مصادیق الضدّ الخاصّ الأُصولی و هذا فی ما ینافی امتثال کل واحد منهما امتثال الآخر کما مثّلوا بالحرکة إلی الکربلاء و الحرکة إلی البصرة و صرّحوا بأنّهما متماثلان و هکذا الأمر فی المتخالفین کما مثّّلوا له بوجوب الصلاة و وجوب إزالة النجاسة عن المسجد و هکذا فی المتضایفین فی ما إذا تنافی إکرام الأب و إکرام الابن مثلاً و أمّا مع عدم التنافی بین امتثالهما فلایکون تلک الموارد (المتماثلان، المتخالفیان، المتضایفان) من مصادیق الضدّ الخاصّ.

ثمّ إنّه یقع الکلام فی مبحث الضدّ فی مقامین: الضدّ الخاصّ و الضدّ العامّ.

ص: 25

ص: 26

المقام الأوّل: «الضدّ الخاصّ»

اشارة

قد استدلّ علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاصّ((1)) - و الاقتضاء هنا عقلی فقط- بوجهین:

ص: 27


1- قد تقدّم الأقوال فی الضد العام و هی خمسة: 1- عدم الإقتضاء أصلاً 2- العینیة 3- التضمن 4- الإستلزام لفظاً 5- الإستلزام عقلاً. و فی بدائع الأفکار للمحقق الرشتی، ص388: «و أمّا الضّد الخاص فمقتضی ما یستفاد من عنوان المسألة و الأقوال المذکورة فی کلام کثیر منهم و الأدلّة التی أقاموها لتحقیق الحال فی المقال جریان جمیع الأقوال المذکورة فی الضدّ العام هنا أیضا سوی التضمّن إذ القول به عادم و الوجه الذی یعتمد علیه معدوم و یزید علی تلک الأقوال هنا قولان آخران أحدهما ما حکی عن الشیخ المحقق صاحب المقابیس من التفصیل بین ما إذا کان فعل الضدّ رافعاً للتمکّن عن الواجب إمّا عقلاً کرکوب السّفینة فراراً عن الغریم أو شرعاً کالإشتغال بالصلاة المانع عن أداء الشهادة أو أداء الدّین أو إزالة النجاسة بناءً علی حرمة قطعها فی تلک الحال و بین ما إذا لم یکن کذلک کتلاوة القرآن المانعة عن أداء الشهادة فقال فی الأوّل بالإقتضاء و فی الثانی بعدمه ثانیهما قول الشیخ الفاضل البهائی و هو أنّ الأمر بالشی ء یقتضی عدم الأمر بضدّه الخاصّ دون النهی عنه فیبطل لمکان عدم الأمر و یأتی الکلام فیهما و فی دلیلهما ردّاً و قبولاً». و فی تعلیقة علی معالم الأصول، ج 3، ص656: «و عن البهائی القول بأنّه یقتضی فی الضدّ الخاصّ عدم الأمر به، إلّا أنّ عبارته فی الزبدة لاتقضی بکونه مختاراً له علی سبیل الجزم، لأنّه قال- بعد ما زیف أدلّة القولین باقتضاء النهی و عدمه: "و لو أبدل النهی عن الضدّ الخاص بعدم الأمر به فیبطل لکان أقرب" نعم یظهر الجزم به من السید فی الریاض فی لباس المصلّی فی مسألة کون اللباس مغصوباً». و فی مفتاح الأحکام لملّا أحمد النراقی، ص117: «و من تلک المواضع الأمر بالشی ء فاختلفوا فی أنّه هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟ و الحقّ فیه أیضاً الإستلزام عقلاً باللزوم البین فی الضدّ العامّ و غیر البین فی الخاصّ ... و خالف هنا بعضهم فنفی اللزوم فی الخاصّ لأصالة عدمه و لانتفاء الدّلالات أمّا غیر الإلتزام فظاهر، و أمّا هو فلتوقّفها علی اللزوم البین و ثبوت شبهة الکعبی لأنّ کلّ مباح ضدٌّ لبعض الواجبات». و فی التعلیقة: «قال الفیض الکاشانی رحمه الله فی نقد الأصول: لنا علی عدم الإقتضاء لفظاً أنّه لو دلّ لکانت واحدة من الثلاث، و کلّها منتفیة، أمّا المطابقة و التضمّن فظاهر، و أمّا الإلتزام فلأنّ شرطها اللزوم العقلی أو العرفی، و نحن نقطع بأنّ تصوّر معنی صیغة الأمر لایحصل منه الإنتقال إلی تصوّر الضدّ الخاصّ فضلاً عن النهی عنه».
الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة
اشارة

الدلیل الأوّل علی الاقتضاء هو من جهة المقدّمیة.

ملخصه هو أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، فإذا فرضنا وجوب الضدّ الآخر فیجب وجود مقدّماته و ترک أحد الضدّین من مقدّماته، فإذن کان الترک واجباً، ثمّ إنّه إذا کان ترک فعل الضدّ واجباً فیکون نفس فعله حراماً و حیث إنّ أساس هذا الاستدلال هو أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر فسمّی الاستدلال به الاستدلال من طریق المقدّمیة.

و بعبارة أخری إنّ العلّة التامّة مرکّبة من المقتضی و الشرط و عدم المانع فعلی هذا یکون عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة و إنّ کلّاً من الضدّین یکون مانعاً عن الآخر فیکون ترک کلّ منهما من مصادیق عدم المانع بالنسبة إلی وجود الآخر فیکون عدم کلّ منهما مقدّمة لوجود الآخر.

ص: 28

تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة

قبل الورود فی بیان المناقشات لابدّ من ذکر خلاصة أنظار الأعلام فی المقدّمیة: (علی ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله)).

القول الأوّل: المقدّمیة محققّة مطلقاً، بمعنی أنّ وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر و عدم الضدّ الآخر أیضاً مقدّمة لوجود هذا الضدّ و هکذا بالعکس فإنّ عدم أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر و وجود الضدّ الآخر أیضاً مقدّمة لعدم أحد الضدّین (و هذا القول منسوب إلی الحاجبی و العضدی)((1)).

القول الثانی: إنکار المقدّمیة مطلقا -فی طرف الوجود و العدم کلیهما- فوجود الضدّ لیس مقدّمة لعدم الضدّ الآخر و أیضاً عدم الضدّ لیس مقدّمة لوجود الضدّ الآخر، و هذا القول مختار المحقّقین((2)).

ص: 29


1- فی مطارح الأنظار، ط.ق. ص108: «و ذهب الحاجبی و العضدی إلی التوقف من الطرفین حیث إنّهما ذکرا شبهة الکعبی الآتیة إن شاء الله و أجابا عنها بمنع وجوب المقدمة و هذا إعترافٌ صریحٌ بکون فعل أحد الأضداد مقدمة لترک الضدّ الآخر المحرم ثمّ لمّا جاءا فی بحث اقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن ضده أجابا عن الدلیل المعروف الذی یأتی ذکره إن شاء الله بمنع وجوب المقدمة و هذا أیضا إعترافٌ بأنّ ترک أحد الضدین مقدمةٌ للآخر».
2- هذا قولٌ کثیرٌ من الأصولیین نذکر منهم أحد عشر و هم بحسب تاریخ الوفاة: العلّامة فی التهذیب و الشیخ البهائی و میر داماد و سلطان العلماء و الفاضل الجواد المحقق الکاظمی و المحقق السبزواری و السید یوسف القانئی و السید علی القزوینی و صاحب الکفایة و الشیخ علی القوچانی و صاحب عنایة الأصول. راجع إشارات الأصول، ص155؛ مطارح الأنظار، (ط.ج): ج 1، ص519 و ص535؛ بدائع الأفکار للمحقق الرشتی، ص372؛ وقایة الأذهان للشیخ محمدرضا النجفی، ص296؛ کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص15؛ عنایة الأصول، ج 1، ص422..

القول الثالث: التفصیل و القول بأن وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر فعدم أحد الضدّین متوقّف علی وجود الضدّ الآخر.((1))

القول الرابع: التفصیل و القول بأن عدم أحد الضدّین مقدّمة لوجود الضدّ الآخر لا العکس و هذا مختار المشهور((2)).

ص: 30


1- قال فی فوائد الأصول، ص306: «و علیه یبتنی شبهة الکعبی من نفی المباح». فی مطارح الأنظار، ط.ق. ص108: «فالمذاهب مع مذهب الکعبی القائل بکون الفعل مقدمة للترک أربعة». و فی تعلیقة القوچانی، ج 1، ص311: «ثانیها: توقف الترک علی فعل الضد، کما عن الکعبی». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص15: «الثالث: مقدّمیة الفعل للترک نُقل عن الکعبی». و فی عنایة الأصول، ج 1، ص421: «الثالث التوقف من طرف العدم علی الوجود فعدم أحد الضدین یتوقف علی وجود الآخر دون العکس و هذا القول هو فی قبال المشهور منسوب إلی الکعبی القائل بانتفاء المباح و بمقدمیة أحد الأضداد الخاصة للتروک الواجبة کترک الزنا و ترک الخمر و ترک القمار و نحو ذلک من التروک فإذا وجب أحد هذه التروک للنهی عن فعلها وجب فعل أحد الأضداد الخاصة مقدمة للترک الواجب فإذا لا مباح».
2- فی مطارح الأنظار، ط.ق. ص108: «و المشهور بین المتأخرین من أصحابنا علی ما قیل و المتأخرین منهم کصاحب القوانین و الفصول و أخیه فی حاشیته علی المعالم إثبات التوقف من طرف الوجود دون العدم فقالوا بکون الترک مقدمة للفعل دون العکس حذراً من شبهة الکعبی المبنیة علی توقف الترک علی الفعل». و فی تعلیقة القوچانی علی کفایة الأصول: «أحدها: توقف الفعل علی الترک فقط کما نسب الی المشهور». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی: «الأقوال فی المسألة خمسة: الأوّل: ما هو المشهور من مقدّمیة ترک الضدّ لفعل الضدّ دفعاً و رفعاً دون العکس». و فی قوانین الأصول، ص108: «الثانیة أنّ ترک الضد مما یتوقف علیه فعل المأمور به لاستحالة وجود الضدین فی محل واحد فوجود أحدهما یتوقف علی انتفاء الآخر عقلاً فالتوقف عقلی و إن کان الضد شرعیا إذ المراد بعد فرضه ضدّا». و فی هدایة المسترشدین، ج 2، ص222 فی التعلیقة علی قوله: «أحدهما أنّ فعل الواجب»: «قد عرفت أنّ جلّ القائلین بدلالة الأمر بالشی ء علی النهی عن ضدّه الخاصّ أو کلّهم إنّما یقولون به من جهة الدلالة العقلیة بملاحظة قیام الدلیل العقلی القاطع علیه حسب ما صرّح به المفصّل المذکور، کما یقتضیه هذه الحجّة المقرّرة و هی عمدةُ حُجَجهم علی المسألة و المعوّل علیها کما ستعرف الحال فیها و تقریرها: أنّ ترک کلّ من الأضداد الخاصّة من مقدّمات حصول الواجب نظراً إلی استحالة اجتماع کلٍّ منها مع فعل الواجب فیکون مانعاً من حصولها و ترک المانع من جملة المقدّمات، و قد مرّ أنّ مقدّمة الواجب واجبةٌ فیکون ترک الضدّ واجباً و إذا کان ترکه واجبا کان فعله حراما و هو معنی النهی عنه و قد یورد علیه بوجوه [خمسة]» إلخ و یجیب عنها جمیعا. و فی الفصول الغرویة، ص94: «و الجواب قضیة تضاد الأفعال والأکوان أن یکون وجود کل فرد منها مشروطا بعدم الآخر فإنّ عدم الضد لمانعیته معتبرٌ فی وجود الضد الآخر بخلاف عدم فرد منها فإنّه لایعتبر فیه وجود الآخر و إنّما ذلک من لوازم وجود الموضوع علی ما مرّ التنبیه علیه سابقاً» إلخ.

القول الخامس: التفصیل و القول بأن العدم مقدّمة دون الوجود و لکن المقدّمیة محقّقة بالنسبة إلی الضدّ الموجود لا الضدّ المعدوم، فیکون عدم الضدّ فی ما إذا کان الضدّ موجوداً مقدّمة لوجود الضدّ الآخر. (و هذا التفصیل منسوب إلی المحقّق الخوانساری((1)) و کذا الشیخ الأنصاری((2)) (علیهما السلام))

ص: 31


1- و فی مطارح الأنظار، ط.ج. ج 1، ص517: «و یلوح من أستاذ الکلّ المحقّق الخوانساری تفصیلٌ آخر و هو توقّف وجود الضدّ المعدوم علی رفع الضدّ الموجود، و عدم توقّف رفعه علی وجود الآخر». راجع أیضاً ص530. و فی تعلیقة القوچانی علی کفایة الأصول: «رابعها: التفصیل ... ذهب الیه المحقق الخوانساری مع استظهار ذلک من المحقق الدوانی».
2- فی مطارح الأنظار، (ط.ج): ج 1، ص532: «هذه خلاصة مراده و هی خیر ما یقال فی هذا المقام، و لذا جنح إلیه الأستاذ- دام ظله المتعال- إلّا أنّها مع ذلک لاتخلو عن المناقشة، و الإشکال من وجوهٍ [ثلاثة]».
مناقشات فی الوجه الأوّل:
المناقشة الأُولی لصاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ الضدّین بینهما کمال المعاندة و المنافرة و أمّا بین أحد الضدّین و ما هو نقیض الآخر و بدیله فلامنافاة و لامنافرة، بل بینهما کمال الملاءمة، فوجود أحد الضدّین و نقیض الضدّ الآخر فی مرتبة واحدة.((1))

جواب المحقق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین عن هذه المناقشة:

إنّ کمال الملاءمة بین أحد الضدّین و عدم الضدّ الآخر لایوجب اتحادهما فی المرتبة کما أنّ بین العلّة و المعلول کمال الملاءمة مع أنّ وجود المعلول و العلّة لایتحدان فی المرتبة فلابدّ من ملاک وجودی للمعیة فی الرتبة و لایکفی فیها انتفاء ملاک التقدم و التأخّر.

المناقشة الثانیة لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً:

و هی النقض بالمتناقضین، فإنّ التنافر بینهما أشدّ من التنافر بین الضدّین مع أنّ العدم لیس مقدّمة للوجود (فی المتناقضین) و [هکذا بالعکس فإنّ الوجود أیضاً لیس مقدّمة للعدم]، بل ترک الوجود أیضاً لیس مقدّمة للعدم و لا بالعکس فعدم أحد النقیضین لیس مقدّمة للآخر و لذلک براهین مختلفة، منها أنّ اختلاف المرتبة بین النقیضین محال مع أنّ رتبة المقدّمة و ذی المقدّمة مختلفة.((2))

ص: 32


1- کفایة الأصول، ص130.
2- نفس المصدر.
المناقشة الثالثة لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً:
اشارة

((1))

و هذا هو إشکال الدور المذکور فی هدایة المسترشدین.((2))

بیانه: إنّه لو اقتضی توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه توقّف الشیء علی عدم مانعه، لاقتضی توقف عدم الضدّ علی وجود الشیء توقف عدم الشیء علی مانعه. بداهة ثبوت المانعیة فی الطرفین و کون المطاردة من جانبین.

جواب المحقّق الخوانساری (قدس سره) عن الدور:

((3))

إنّ التوقّف من طرف الوجود فعلی بخلاف التوقف من طرف العدم فإنّه شأنی.

ص: 33


1- کفایة الأصول، ص130.
2- فی هدایة المسترشدین، ج 2، ص222 بعد ذکر الإستدلال علی الإقتضاء: «و قد یورد علیه بوجوه [خمسة]: أحدها المنع من کون ترک الضدّ من مقدّمات الفعل و إنّما هو من الأمور المقارنة له و لیس مجرّد استحالة اجتماع الضدّ مع أداء الواجب قاضیاً بکونه من موانع الواجب لیکون ترکه مقدّمة لفعله، فإنّ الأمور اللازمة للموانع ممّا یستحیل اجتماعها مع الفعل مع أنّها لیست مانعةً منه و لا ترکها مقدّمة لحصوله. و قد یحتجّ علی ذلک أیضا بوجوه [ثلاثة]: ... ثانیها: أنّه لو کان کذلک لزم الدور، فإنّه لو کان فعل الضدّ من موانع فعل الواجب کان فعل الواجب مانعا منه أیضا، ضرورةَ حصول المضادّة من الجانبین، و کما أنّ ترک المانع من مقدّمات حصول الفعل فکذا وجود المانع سبب لارتفاع الفعل فیکون فعل الواجب متوقّفا علی ترک الضدّ و ترک الضدّ متوقّفا علی فعل الواجب، ضرورة توقّف المسبّب علی سببه؛ غایة الأمر إختلاف جهة التوقّف من الجانبین فإنّ أحدهما من قبیل توقّف المشروط علی الشرط و الآخر من توقّف المسبّب علی السبب، و هو غیر مانع من لزوم الدّور. و یرد علی الأوّل ... و علی الثانی: أنّ وجود الضدّ من موانع وجود الضدّ الآخر مطلقا فلایمکن فعل الآخر إلّا بعد ترکه و لیس فی وجود الآخر إلّا شأنیة کونه سبباً لترک ذلک الضدّ، إذ لاینحصر السبب فی ترک الشی ء فی وجود المانع منه، فإنّ انتفاء کلٍّ من أجزاء العلّة التامّة علّة تامّة لترکه، و مع استناده إلی أحد تلک الأسباب لا توقّف له علی السبب المفروض حتّی یرد الدور» ثم یذکر إشکالات ثلاثة مع الجواب عنها.
3- علی ما نقل فی مطارح الأنظار، ص109؛ کفایة الأصول، ص130.

توضیحه: إنّ وجود الضدّ فی الخارج یکون بوجود علّته التامّة من المقتضی و الشرط و عدم المانع و توقف وجود المعلول علی جمیع أجزاء علّته من المقتضی و الشرط و عدم المانع فعلی.

أمّا عدم الضدّ فلایتوقف علی وجود الضدّ الآخر فعلاً بل یستند إلی عدم المقتضی له لا إلی وجود المانع و لعلّ وجود المقتضی له کان مستحیلاً لاحتمال أن یکون وجود أحد الضدّین و عدم الضدّ الآخر منتهیاً إلی تعلّق الإرادة الأزلیة بالضدّ الموجود وعدم تعلّقها بالضدّ المعدوم حسب ما اقتضته الحکمة البالغة الإلهیة فیکون عدم الضدّ دائماً مستنداً إلی عدم المقتضی لا إلی وجود المانع لیلزم الدور.

إن قلت: إنّ استناد عدم الضدّ إلی عدم المقتضی یکون فی ما إذا کانت الإرادة من شخص واحد، و أمّا إذا کان کلّ من الضدّین متعلّقاً لإرادة شخص، فأراد مثلاً أحد الشخصین حرکة شیء و أراد الآخر سکونه، فیکون المقتضی لکلّ منهما حینئذ موجوداً، فالعدم یکون مستنداً إلی وجود المانع.

قلت: إنّ عدم الضدّ فی هذه الصورة (أی صورة إرادة إیجاد الضدّین من شخصین) أیضاً مستند إلی عدم المقتضی، لأنّ إحدی الإرادتین مغلوبة و إذا کانت الإرادة مغلوبة فیصدق عدم المقتضی.

ثمّ إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یعتقد بما أفاده المحقّق الخوانساری (قدس سره) فی دفع الدور و لکن یقول ببقاء ملاک الإشکال و لما کان هذا الإشکال غیر إشکال الدور فیندرج تحت عنوان المناقشة الرابعة.

المناقشة الرابعة لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً:

إنّه یلزم تقدّم المتأخر و تأخر المتقدّم و هکذا یلزم أن یکون ما هو فی رتبة علّة

ص: 34

الشیء فی رتبة معلول ذلک الشیء و هذا یرجع إلی التناقض.((1))

توضیحه: إنّ الضدّ الموجود (مثل الإزالة) متوقف فعلاً علی عدم المانع (مثل عدم الصلاة) و معنی ذلک تقدم عدم الصلاة علی وجود الإزالة مثلاً.

ومن جانب آخر: إنّ عدم الصلاة مثلاً یصلح أن یکون متوقفاً علی الإزالة و بعبارة أُخری إنّ عدم الصلاة متوقف شأناً علی وجود الإزالة بمعنی أنّه إذا فرضنا وجود المقتضی و الشرط لوجود الصلاة فیصلح أن یکون الإزالة مانعاً عنها فیکون عدم الصلاة فی هذا الفرض مستنداً إلی وجود الإزالة و معنی ذلک هو تقدّم الإزالة علی عدم الصلاة.

فیکون عدم الصلاة متقدّماً علی وجود الإزالة و الإزالة متقدّماً علی عدم الصلاة و هذا مستحیل.

المناقشة الخامسة للمحقّق النائینی (قدس سره):
اشارة

إنّه یلزم فی فرض المقدّمیة أن یتحقّق اقتضاء وجود الضدّین فی آن واحد و لکنّه محال لأنّ ما هو محال وجوداً محال اقتضاءً.

بیان ذلک: إنّا فرضنا وجود السواد و مانعیته عن البیاض و فی هذا الفرض نقول: إنّ عدم البیاض مستند إلی وجود مانعه و هو السواد و معنی استناد عدم البیاض إلی وجود مانعه هو تحقّق مقتضی وجود البیاض و شرائطه و إلّا فلابدّ أن یستند عدم البیاض إلی عدم المقتضی أو عدم الشرط لأنّ رتبة المقتضی مقدم علی رتبة الشرط و رتبة الشرط مقدم علی رتبة عدم المانع حیث إنّ أجزاء العلّة التامّة بعضها مقدم علی بعض.

ص: 35


1- کفایة الأصول، ص131.

فحینئذ لزم وجود المقتضی للسواد لأنّه موجود فلابدّ أن یکون له المقتضی و أیضاً لزم وجود المقتضی للبیاض لأنّ عدم البیاض حسب الفرض مستند إلی وجود مانعه وعدم الشیء لایستند إلی وجود مانعه إلّا فی ما إذا کان لذلک الشیء مقتضٍ و شرط و معنی ذلک تحقّق اقتضاء وجود الضدّین و هو محال.

و هذا الاستدلال متوقّف علی مقدّمتین:

المقدّمة الأُولی: أن یکون أجزاء العلّة التامّة بعضها مترتباً علی بعض و بعبارة أُخری أن یکون المقتضی مقدّماً علی الشرط و هو مقدّماً علی عدم المانع.

المقدّمة الثانیة: أن یکون المحال وجوداً محالاً اقتضاءً و بعبارة أُخری أن یستحیل تحقّق اقتضاء للضدّین فلو قلنا بإمکان اقتضاء الضدّین یلزم انقلاب المحال إلی الممکن، فإنّ معنی وجود المقتضی للضدّین هو إمکان وجود الضدّین مع أنّ الضدّین یستحیل تحقّقهما فلابدّ أن یقال بعدم إمکان تحقّق المقتضی لکلا الضدّین فتحصّل من ذلک بطلان المقدّمیة لأنّها توجب تحقّق مقتضی الضدّین و هو محال.

جوابان عن هذه المناقشة:
الجواب الأوّل: من المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

لامانع من ثبوت المقتضی لکلّ من الضدّین فی نفسه، مع قطع النظر عن الآخر و لا استحالة فیه، لأنّ کلّاً من المقتضیین إنّما یقتضی أثره فی نفسه مع عدم ملاحظة الآخر، فمقتضی البیاض مثلاً إنّما یقتضیه فی نفسه کما أنّ مقتضی السواد إنّما یقتضیه کذلک و إمکان هذا واضح و لانری فیه استحالة.

ص: 36


1- المحاضرات، ج3، ص14.

فإنّ المستحیل إنّما هو ثبوت المقتضی لکلّ من الضدّین بقید التقارن و الاجتماع لا فی نفسه، کما أنّ اقتضاء شیء واحد بذاته لأمرین متنافیین فی الوجود أیضاً محال و هذا مصداق قولنا: اقتضاء المحال محال.

برهان ذلک:

إنّه لولا ما ذکرناه من إمکان ثبوت المقتضی لکل منهما فی نفسه لم یمکن استناد عدم المعلول إلی وجود مانعه أصلاً، لأنّ أثر المانع کالرطوبة مثلاً لایخلو من فرضین:

الفرض الأوّل: أن یکون أثر المانع مضادّاً للمعلول (و هو الإحراق مثلاً)

الفرض الثانی: أن لایکون أثر المانع مضادّاً له.

أمّا علی الفرض الأوّل فیستحیل ثبوت المقتضی للمعلول لیکون عدمه مستنداً إلی وجود مانعه، لفرض وجود ضدّه و هو أثر المانع و قد سبق أنّ عند وجود أحد الضدّین یستحیل ثبوت المقتضی للآخر فیکون عدمه من جهة عدم المقتضی لا من جهة وجود المانع مع ثبوت المقتضی له.

و علی الفرض الثانی لا موجب لکونه مانعاً عنه لعدم مضادّته له.

فتحصّل من هذا البیان: أنّه إذا قلنا بإمکان استناد عدم المعلول إلی وجود مانعه فلابد أن نلتزم بثبوت المقتضی لکلا الضدّین فی نفسه.

و تصویر ثبوت المقتضی لکلا الضدّین و استناد عدم المعلول إلی وجود المانع یظهر فی هذا المثال: إذا فرض وجود المقتضی لحرکة شیء إلی طرف المشرق و فرض أیضاً وجود المقتضی أیضاً لحرکته إلی طرف المغرب فکل من المقتضیین إنّما یقتضی الحرکة فی نفسه إلی کلّ من الجانبین مع عدم ملاحظة الآخر.

ص: 37

فعندئذ کان تأثیر کلّ واحد منهما فی الحرکة إلی جانب خاصّ متوقّفاً علی عدم المانع منه فإذا وجدت إحدی الحرکتین دون الأُخری فلامحالة یکون عدم هذه مستنداً إلی وجود الحرکة الأُولی لا إلی عدم مقتضیها، فإنّ المقتضی لها موجود علی الفرض و لولا المانع لکان یؤثر أثره و لکن المانع هو وجود تلک الحرکة و یزاحمه فی تأثیره.

و منشأ غفلة المحقّق النائینی (قدس سره) عن ذلک هو تخیل أنّ المقام من موارد الکبری المتسالم علیها و هی أنّ اقتضاء المحال محال، مع أنّ المقام أجنبی عنه فإنّ اقتضاء المحال إنّما یتحقّق فی موردین:

المورد الأوّل: ما إذا

کان هناک شیء واحد یقتضی بذاته أمرین متنافیین فی الوجود.

المورد الثانی: ما إذا فرض هناک ثبوت المقتضی لکل من الضدّین بقید الاجتماع و التقارن.

ولکن مقام البحث أجنبی عنهما بل هناک مقتضیان لکل واحد منهما مقتضٍ فی نفسه بلا ارتباط له بالآخر (أی من دون تقیید بالاجتماع و التقارن).

الجواب الثانی: من بعض الأساطین (حفظه الله)
الإیراد النقضی:

إنّ لازم ما أفاده هو إنکار مانعیة جمیع الموانع و إبطال الأصل المسلّم الذی هو أنّ عدم المانع من أجزاء العلّة التامّة.

بیانه: إنّ مانعیة المانع لایتصور إلّا فی ما إذا کان بنفسه مانعاً أو فی ما إذا کان بأثره مانعاً و أمّا إذا لم یمنع بنفسه و لا بأثره فلا معنی للمنع و لایبقی مجال للتضادّ.

ص: 38

و إن کان مضاداً بنفسه فتثبت مقدّمیة عدم الضدّ و عدم المانع حینئذ مقدّمة.

و إن کان مضادّاً بأثره و الأثر ضدّ للممنوع و لابدّ حینئذ من أن یکون للمانع مقتضی الوجود فیکون لأثره أیضاً مقتضی الوجود.

و قد قلنا سابقاً: إنّ مانعیة المانع تتوقّف علی وجود المقتضی للممنوع و إلّا فمع عدم المقتضی للممنوع لاتصل النوبة إلی مانعیة المانع.

و نتیجة ذلک هو تحقّق المقتضی لأثر المانع و لوجود الممنوع فثبت تحقّق المقتضی للضدّین.

و بالنتیجة لازم ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) أحد الأمرین:

إمّا إنکار مانعیة المانع و القول بأنّ عدم المانع لیس من المقدّمات و هذا خلاف الضرورة العلمیة و إمّا أن نقول بوجود المقتضی للضدّین.

و بعبارة أُخری:

إن کان المانعیة موجودة فالمقتضی للضدّین أیضاً موجود و إن قلنا بعدم المقتضی للضدّین فلا مانعیة بین الضدّین.

الإیراد الحلّی:

إنّ کلامه مشتمل علی الصغری و الکبری.

أمّا الکبری فهو أنّ اقتضاء المحال محال و هذه الکبری غیر قابل للنقاش لأنّ لازم اقتضاء المحال هو أنّه کان قابلاً للوجود و هذا خروج عن المحالیة الذاتیة و خلف.

و أمّا الصغری و هی أنّه یلزم من مقدّمیة أحد الضدّین للضدّ الآخر الاقتضاء المحال.

ص: 39

و الاستحالة الذاتیة هنا فی اجتماع الضدّین، فإنّ وجود کل واحد من الضدّین لیس بمحال بل الاستحالة فی الجمع بین وجودی الضدّین، فالمقتضی لکلّ من الضدّین فی نفسه لیس بمحال بل المحال هو اقتضاء الجمع بین الضدّین.

فإنّ کل ما له اقتضاء الوجود (المقتضی) له وجودان بالفعل و بالقوة و التمانع بین الضدّین إنّما هو فی الوجود الفعلی منهما، أمّا الوجود بالقوة منهما فلا تضادّ و لا تمانع فیه و بعبارة أُخری: إنّ التضادّ بین الوجود الفعلی منهما لا بین المقتضی لهذا الضدّ و المقتضی للضدّ الآخر، لأنّه لا تضادّ بین الموجودین بالقوة.

و هذا المطلب جار فی جمیع العلل الطبیعیة.

المناقشة السادسة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) أیضاً
اشارة

((1))

و هذه المناقشة تتشکل من ثلاثة أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ وجود الضدّین فی مرتبة واحدة.

الأمر الثانی: إنّ نقیض الشیء فی رتبة نفس هذا الشیء فتثبت وحدة الرتبة بین النقیضین.

الأمر الثالث: (و هی نتیجة الأمرین الأوّلین) إنّ نقیض کل ضدّ هو فی رتبة الضدّ الآخر.

فإذا کان نقیض کل ضدّ متّحداً مع الضدّ الآخر فی الرتبة فتبطل المقدّمیة لأنّ المقدّمة و ذیها لابدّ أن یختلفا فی الرتبة.

ص: 40


1- أجود التقریرات، ج2، ص16.
جواب المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

«إنّ التقدّم و التأخّر بین شیئین إذا کانا بالزمان، فکلّ ما هو متّحد مع المتقدّم فی الزمان متقدّم علی المتأخر لامحالة، کما أنّ مقارن المتأخر متأخّر عن المتقدّم بالضرورة.

و أمّا إذا کان التقدّم و التأخّر بلحاظ الرتبة دون الزمان، فلا استحالة فی کون شیء متقدّماً علی شیء و لایکون متقدّماً علی ما هو متّحد مع المتأخر فی الرتبة، کما لا استحالة فی تأخّر شیء عن شیء و عدم تأخّره عمّا هو متّحد مع المتقدّم فی الرتبة.

و الوجه فی ذلک أنّ التقدّم فی الرتبة لابدّ من أن یکون ناشئاً من ملاک موجب له و لتأخّر المتأخر، فکل ما لایکون فیه الملاک لایعقل فیه التقدّم و التأخّر ... لکن عدم المعلول الذی هو فی مرتبة وجوده، غیر متأخّر عن وجود العلّة، لعدم تحقّق ملاک التأخّر فیه ... فعدم المعلول متّحدٌ فی الرتبة مع وجود المعلول و مع وجود علّته، کما أنّ عدم العلّة متّحد رتبةً مع وجود العلّة و وجود معلولها.

و علی ذلک فعدم أحد الضدّین و إن کان فی رتبة وجوده المتّحد مع وجود الآخر فی المرتبة إلّا أنّه لاینافی کونه فی رتبة سابقة علی وجود الآخر لتحقّق ملاک التقدّم و التأخّر فیهما و عدم تحقّق ملاکهما فی عدم کل منهما بالإضافة إلی وجوده و لا فی وجود کل منهما بالإضافة إلی وجود الآخر.»

و هذا الکلام مأخوذ من عبارة أُستاذه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة.((2))

ص: 41


1- تعلیقة أجود التقریرات، ج2، ص16 و راجع أیضاً المحاضرات، ج3، ص21 – 22.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص181 - 182.
المناقشة السابعة: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ عدم الضدّ إنّما یستند إلی وجود مقتضی الآخر المزاحم لمقتضیه فی التأثیر المساوی له فی القوّة أو الأقوی منه فلایستند عدم أحد الضدّین إلی وجود الآخر أبداً، فیستحیل کون أحد الوجودین مانعاً من الآخر، فیکون توقّف وجود الشیء علی عدم ضدّه محالاً.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره):

إنّ المقتضیین الموجودین فی عرض واحد لایخلوان من أن یکونا متساویین فی القوّة أو أن یکون أحدهما أقوی من الآخر.

أمّا علی الأوّل (أی کونهما متساویین فی القوّة) فلایوجد شیء من الضدّین لاستحالة تأثیر کل منهما أثره مع الآخر و تأثیرُ أحدهما المعین فیه دون الآخر ترجیح من دون مرجّح أو خلف إن فرض له مرجّح و من ذلک یعلم أنّ المانع من وجود الضدّ مع فرض ثبوت مقتضیه إنّما هو وجود المقتضی للضدّ الآخر لا نفس وجود الضدّ فیکون عدم کل من الضدّین مستنداً إلی وجود المقتضی للضد الآخر لا إلی نفسه.

أمّا علی الثانی فیؤثر القوی فی مقتضاه و یکون مانعاً عن تأثیر المقتضی الضعیف و الضعیف لایمکن أن یکون مانعاً من القوی فنفس وجود القوی موجب لفقد شرط من شرائط الضعیف و هو عدم المزاحم فإنّه شرط تأثیره و مصححّ فاعلیته، فیکون عدم القوی شرطاً لتأثیر الضعیف و وجوده مانعاً عنه فالمانع هو الإرادة القویة الغالبة.

ص: 42


1- أجود التقریرات، ج2، ص16؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ج3، ص17.

(و الفرق بین تقریر المحقّق النائینی (قدس سره) و تقریر المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یری عدم إمکان وجود المقتضیین للضدّین و لکن المحقّق الخوئی (قدس سره) یری إمکان المقتضیین لکل من الضدّین فی نفسه کما مضی ذیل بیان الإیراد علی المناقشة الخامسة).

المناقشة الثامنة: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه (قدس سره) قال أوّلاً بتسلیم مقدّمیة عدم الضدّ لوجود الضدّ الآخر بنحو التقدّم بالطبع و قال:

«إلا أنّه مع ذلک لایجدی الخصم شیئاً، إذ لیس کل متقدّم بالطبع یجب بالوجوب المقدّمی کما عرفت فی أجزاء الواجب، فإنّ الجزء له التقدّم الطبعی لکنّه حیث لا وجود للأجزاء بالأسر وراء وجود الواجب النفسی فلا معنی لإیجابها بوجوب غیری زیادة علی وجوبها النفسی و کذا فی عدم الضدّ الموقوف علیه وجود ضدّه.

أمّا فی العدم الأزلی، فإنّ البعث کافٍ فی تحصیله، لأنّه لایوجد إلّا و شرطه متحقّق و هو عدم ضدّه، و لایکون وجوده موقوفاً خارجاً علی تحصیل عدم ضدّه، بخلاف المقدّمات المباینة تحقّقاً لذیها.

أمّا فی العدم الطارئ فإن کان المأمور به ممّا یتحقّق بمجرد الإرادة کالأعراض القائمة بالأشخاص من الإزالة و الصلاة، فوجود الإرادة (و هی مقتضی الإزالة) مساوق لعدم إرادة الصلاة و لو کان فی أثنائها، فعدم الصلاة و رفع الید عنها لایحتاج إلی تسبیب.

ص: 43


1- نهایة الدرایة، ج2، ص186.

و إن کان المأمور به لایتحقّق بمجرد الإرادة، کما إذا أمر بإیجاد البیاض فی محلّ أسود، فإنّ إرادة وجود البیاض و عدم إرادة بقاء السواد لایکفی فی زوال السواد، فلامحالة یجب رفعه و حیث إنّ حک السواد أو غسله أمر وجودی لایؤثّر فی العدم (عدم السواد) بل ملازم له، لانتقال السواد بانتقال الأجزاء الصغار القائم بها فیوجب الحک أو الغسل حرکتها من مکان إلی مکان و هی ملازمة لعدم السواد فی المحلّ، فلامحالة لایجب الحک أو الغسل لعدم المقدّمیة.

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره):

قال (قدس سره): و التحقیق یقتضی طوراً آخر من الکلام و قال فی هذا التحقیق بعدم مقدّمیة ترک أحد الضدّین للضدّ الآخر فإنّ علل الشیء أربع: اثنتان منها من علل الوجود و اثنتان منها من علل القوام.

أمّا علل الوجود:

الأوّل: العلّة الفاعلیة و هی ما منه الوجود و الثانی: العلّه الغائیة و هی ما لأجله الوجود

أمّا علل القوام:

الأوّل: العلّة المادیة و الثانی: العلّة الصوریة.

أمّا الشرائط فهی لیست برأسها من العلل و هی علی قسمین:

القسم الأوّل: ما یؤخذ فی جانب العلّة الفاعلیة فیکون من مصحّحات فاعلیة الفاعل فیکون المقتضی المقترن بکذا تامّ الفاعلیة.

القسم الثانی: ما یؤخذ فی جانب المعلول فیکون من متمّمات قابلیة القابل فیکون المحلّ المتقید بکذا قابلاً لأثر العلّة الفاعلیة.

ص: 44

فنقول: إنّ عدم الضدّ لیس من علل الضدّ الآخر لأنّ الوجود لایترشح من العدم.

بیانه: إنّ عدم الضدّ لیس فاعلاً للضّد الآخر فإنّ العلّة الفاعلیة للضدّ الآخر هو مقتضی وجود ذلک الضدّ.

و عدم الضدّ لیس علّة غائیة أیضاً للضدّ الآخر لأنّ العلّة الغائیة منشأ للفاعلیة کما قال صدر المتألهین (قدس سره) ((1)):

إنّ کل واحد من الفاعل و الغایة سبب للآخر من جهة فالفاعل من جهة سبب للغایة و کیف لا؟ و هو الذی یحصّلها فی الخارج، و الغایة من جهة سبب للفاعل و کیف لا؟ و هی التی یفعل الفاعل لأجلها، و لذلک إذا قیل لک: لم ترتاض؟ فتقول: لأصحّ و إذا قیل: لم صححت؟ فتقول: لأنّی ارتضت، فالریاضة سبب فاعلی للصحّة و الصحّة سبب غائی للریاضة، و الفاعل علّة لوجود ماهیة الغایة فی العین لا لکون الغایة غایة و لا لماهیتها، و الغایة علّة لکون الفاعل فاعلاً.

و عدم الضدّ لایکون منشأ للفاعلیة و عدم الضدّ لایکون جنساً و لا فصلاً حتی یکون من علل القوام فلایکون علّة مادیة و لا علّة صوریة، فلابدّ أن یکون من الشرائط.

أمّا عدم الضدّ فلایکون مصححاً لفاعلیة الضدّ الآخر لأنّ الضدّ لیس فاعلاً حتی تکون تمامیته موقوفة علی عدم ضدّة، بل الضدّ مفعول لعلّته و سببه، فلو کان عدم الضدّ دخیلاً فی فاعلیة الفاعل لکان دخیلاً فی تمامیة سبب ضدّه (لأنّ

ص: 45


1- فی الأسفار، ج2، ص129.

الضدّ لیس فاعلاً بل الفاعل هو سبب الضدّ) فیخرج عن المبحوث عنه، لأنّ الکلام فی مقدّمیة عدم الضدّ لوجود ضدّه حتی یجب بوجوبه، لا مقدّمیته لسبب ضدّه.

و یمکن هنا أن یستدلّ القائل بالمقدّمیة بأنّه یکفی کون عدم الضدّ مقدّمة لسبب ضدّه لأنّا لانرید أزید من مقدّمیته للضدّ الآخر و لو کان بمقدّمیته لسببه.

إیرادان علی هذا التحقیق:

((1))

أوّلاً: إنّه ربّما لایکون سبب ضدّه فعلاً اختیاریاً حتی یکون واجباً فیجب مقدّمة السبب أیضاً، کما فی ترک الصلاة بالإضافة إلی الإزالة التی توجد بالإرادة فلو فرض دخل ترک الصلاة فی تأثیر الإرادة فی الإزالة لم یکن مثل هذا الدخیل واجباً حیث لا تکلیف بالإرادة بل بالإزالة الإرادیة.

ثانیاً: إنّ عدم الضدّ بنفسه لیس مصححاً لفاعلیة سبب الضدّ، إذ لیس الضدّ فی مرتبة سبب ضده و هذا ینافی ما سبق من أن عدم المعلول قد یکون فی مرتبة العلّة حتی یکون عدمه دخیلاً لکون وجوده مانعاً بل المانع المزاحم لسبب الضدّ هو سبب الضدّ الآخر و إن کان منشأ تزاحم السببین تضادّ المسببّین.

أمّا عدم الضدّ فلایکون متمّماً لقابلیة القابل، فإنّ المحلّ إمّا أن یلاحظ من حیث قبوله لکلا الضدّین معاً و إمّا أن یلاحظ من حیث قبوله لکل منهما بما هو.

أمّا المحلّ من الحیثیة الأُولی فغیر قابل لکلا الضدّین معاً و عدم القابلیة من ذاتیات المحل، و أمّا من الحیثیة الثانیة فقابل لکلّ منهما بما هو، فالمحل المشغول بالضدّ لایقبل ضدّاً آخر معه، لا ضدّاً آخر بدلاً عنه و قائماً مقامه.

ص: 46


1- نهایة الدرایة، ج2، ص189.

و الحیثیة الأُولی محال فلایمکن تتمیم قابلیة المحل و الحیثیة الثانیة ممکن لا نقص فی قابلیّته کی تتمّ.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا التحقیق:

((1))

إن کان المراد من قابلیة المحلّ لأحدهما هو الأحد المردّد فهذا غیر معقول لأنّ المردّد لا ذات له و لا وجود، فالمراد هو الأحد الواقعی.

ثمّ إنّ المحلّ القابل لأحد الضدّین لایکون مهملاً بالنسبة إلی الضدّ الآخر لأنّ الإهمال فی الواقعیات محال.

فالمحل القابل لأحد الضدّین إمّا أن یکون مشروطاً بوجود الضدّ الآخر و هذا محال لأنّه یستلزم اجتماع الضدّین و إمّا أن یکون لا بشرط بالنسبة إلی الضدّ الآخر و هذا یستلزم إمکان اجتماعه مع الضدّ الآخر فیلزم اجتماع الضدّین و هذا أیضاً محال، و إمّا أن یکون بشرط لا بالنسبة إلی الضدّ الآخر فیکون عدم الضدّ الآخر شرطاً و مقدّمة له.

الجواب عن هذا الإیراد:

إنّ المحلّ قابل لأحد الضدّین فی ظرف عدم الضدّ الآخر و لیس قابلاً لأحد الضدّین المقید بعدم الآخر لأنّه لا معنی لتقیید المقبول بعدم ضدّه کما قال فی هامش نهایة الدرایة:((2))

إذا کان عدم الضدّ ملحوظاً فی أصل قابلیة القابل کان مفروض الثبوت [لأنّه یکون شرطاً للضدّ الأوّل و کل شرط فهو مفروض الوجود للمشروط] مع أنه

ص: 47


1- تحقیق الأصول، ج3، ص144.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص188.

غیر معقول، إذ المحل لایتأثّر إلّا بنفس البیاض لا البیاض المتقید بعدم السواد فلایکون قابلیته إلّا بالإضافة إلی ما یتأثّر به، و بعد خروج عدم السواد عن مرحلة القابلیة و انّ المحلّ قابل لذات المقبول - و هو البیاض مثلاً- فلا نقص حتی یحتاج إلی تتمیمه فی مرحلة الفعلیة.

المناقشة التاسعة:

و هی البیان الذی أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) تقریراً للمناقشة الأُولی التی أفادها صاحب الکفایة (قدس سره) ((1))و حیث إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) کان دلیلاً مستقلاً -لأنّه یبتنی علی استحالة اجتماع الضدّین بخلاف بیان صاحب الکفایة (قدس سره) فی المناقشة الأُولی فإنّ أساسه علی کمال الملاءمة بین الضدّ و نقیض الضدّ الآخر، و بینهما بون- أفردناه بالذکر.

و توضیح هذه المناقشة هو أنّ الضدّین یستحیل تحقّقهما و وجودهما فی زمان واحد و فی محل واحد و کذلک یستحیل تحقّقهما فی محلّ واحد و فی مرتبة واحدة و لذا کان عدم أحدهما فی کل مرتبة و فی کل زمان ضروریاً، و إلّا یلزم ارتفاع النقیضین فی المرتبة بأن لایکون وجوده فی تلک المرتبة و لا عدمه.

ص: 48


1- راجع المحاضرات، ج3، ص20.
التفصیل فی المقدمیة:
اشارة

و هذا التفصیل منسوب إلی المحقّق الخوانساری و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .

بیانه: إنّ عدم الضدّ الموجود مقدّمة لوجود الضدّ الآخر المعدوم و توضیحه هو أنّ المحلّ إذا تحقّق فیه أحد الضدّین لایکون قابلاً للضدّ الآخر و لذا تحقّقُ الضدّ الآخر فی هذا المحلّ مشروط بارتفاعِ الضدّ الموجود و عدمِه و هذا معنی مقدّمیة عدم الضدّ الموجود لوجود الضدّ الآخر. و أمّا إذا کان المحلّ مجرّداً عن الضدّین فهو قابل لکلّ منهما من دون اشتراط بعدم الضدّ الآخر.

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله) فی ردّ هذا التفصیل:

((1))

إنّ جماعة((2)) قد ذهبوا إلی أن مناط حاجة الممکنات إلی العلّة هو الحدوث و

ص: 49


1- تحقیق الأصول، ج3، ص148.
2- فی بحار الأنوار، ج54، ص256 - 258: «إعلم أنّ علة الحاجة إلی المؤثر حینئذ یمکن أن تکون هی الإمکان... و یمکن أن تکون علة الحاجة إلی المؤثر هی الحدوث أو الإمکان بشرط الحدوث و قد ذهب إلی کل منها جماعة و أحد الأخیرین هو الظاهر من أکثر الأخبار کما أومأنا إلیه فی بعضها و منها حدیث الرّضا علیه السلام فی علة خلق السماوات والأرض فی ستة أیام» إلخ. و فی نهایة الحکمة، المرحلة الرابعة فی مواد القضایا وانحصارها فی ثلاث، الفصل السادس فی حاجة الممکن إلی العلة و أنّ علة حاجته إلی العلة هو الإمکان دون الحدوث، ص79: «و هل علة حاجته إلی العلة هی الإمکان أو الحدوث؟ قال جمعٌ من المتکلمین بالثانی» إلخ. و فی تعلیقة المحقق علی قوله «قال جمع من المتکلمین»: «نسبه إلیهم فی شرح المقاصد و کشف الفوائد و نسبه الشیخ الرئیس إلی ضعفاء المتکلمین فی النجاة و نسبه اللاهیجی إلی قدماء المتکلمین فی الشوارق و کذا العلّامة فی أنوار الملکوت و نسبه صدر المتألهین إلی قوم من المتسمین بأهل النظر و أولیاء التمیز فی الأسفار و نسبه ابن میثم إلی أبی هاشم من المتکلمین فی قواعد المرام فی علم الکلام فالمراد من قوله: "جمعٌ من المتکلمین" هو قدماء المتکلمین و أمّا المتأخرون منهم فذهبوا إلی خلاف ذلک».

فی قبالهم قال المحقّقون((1)): إنّ المناط هو الإمکان، بمعنی أنّ المعلول الممکن

ص: 50


1- فی قواعد المرام فی علم الکلام لابن میثم البحرانی، القاعدة الثانیة (فی أحکام کلیة للمعلومات)، البحث التاسع (فی خواص الممکن لذاته)، ص48: «الثالثة علة حاجة الممکن إلی المؤثر هی إمکانه وعند أبی هاشم هی الحدوث و عند أبی الحسین البصری هی المرکب منهما و عند الأشعری الإمکان بشرط الحدوث لنا وجهان» إلخ. و فی کشف المراد (تحقیق الآملی)، ص77 – 78، المسألة التاسعة و العشرون فی علة الإحتیاج إلی المؤثر: «قال: و إذا لحظ الذهن الممکن موجودا طلب العلة و إن لم یتصور غیره و قد یتصور وجود الحادث فلایطلبها ثمّ الحدوث کیفیة الوجود فلیس علة لما یتقدم علیه بمراتب. أقول: إختلف الناس هنا فی علة إحتیاج الأثر إلی مؤثّره فقال جمهور العقلاء: إنّها الإمکان لا غیر، و قال آخرون: إنّها الحدوث لا غیر، و قال آخرون: هما معاً و الحقّ الأوّل لوجهین». و فی مجمع الفائدة، ج13، ص347: «إنّ علة الإحتیاج هو الإمکان لا الحدوث کما حُقّق فی محله». و فی الحکمة المتعالیة، ج2، ص206 – 207، المرحلة الأولی فی الوجود و أقسامه الأولیة و فیها مناهج، المنهج الثانی فی أصول الکیفیات و عناصر العقود و خواص کل منها، فصلٌ فی أنّ علة الحاجة إلی العلة هی الإمکان فی الماهیات و القصور فی الوجودات: «إنّ قوماً من الجدلیین المتسمّین بأهل النظر و أولیاء التمییز العارین عن کسوة العلم و التحصیل کان أمرهم فُرُطاً و تجشّموا فی إنکارهم سبیل الحق شططا و تفرقوا فی سلوک الباطل فرقا فمنهم من زعم أنّ الحدوث وحده علة الحاجة إلی العلة و منهم من جعله شطرا داخلا فیما هو العلة و منهم من جعله شرطا للعلة و العلة هی الإمکان و منهم من یتأهب للجدال بالقدح فی ضرورة الحکم الفطری المرکوز فی نفس الصبیان بل المفطور فی طباع البهیمة من الحیوان الموجب لتنفره عن صوت الخشب و العیدان و الصوت و الصولجان و کلامهم کله غیر قابل لتضییع العمر بالتهجین و تعطیل النفس بالتوهین لکن نفوس الناس و جمهور المتعلمین متوجهة نحوه طائعة الیه فنقول: ألیس وجوب صفة مّا و امتناعها بالقیاس إلی الذات یغنیان الذات عن الإفتقار إلی الغیر و یحیلان إستنادها الیه بحسب تلک الصفة؟! فلو فرض کون الحدوث مأخوذا فی علة الحاجة شرطا کان أو شطرا کان إنّما یعتبر و یؤخذ فیما هو ممکن للذات لا واجب أو ممتنع فقد رجع الأمر أخیراً إلی الإمکان وحده و هو الخلف. و بسبیلٍ آخر» إلخ. و راجع گوهر مراد، ط. مؤسسة الإمام الصادق، مقاله دوم، باب اول، فصل6، ص230. و فی الفصول الغرویة، ص232 - 233: «أُجیب عن الأوّل ... لما تحقّق فی محله من أنّ الممکن الباقی یحتاج فی بقائه أیضا إلی العلة لأنّ علة الحاجة هی الإمکان دون الحدوث». و فی تحفة الحکیم، ص26 عند ذکر مباحث خاصة بالإمکان: «و علة الحاجة فی الماهیة * إمکانها و هکذا الهویة و لیس للحدوث من علیة * فإنّه کیفیة الإنّیّة» إلخ. و فی تعلیقة العلّامة الشعرانی علی شرح أصول الکافی، ج4، ص171: «قد بینّا مراراً أنّ علة إحتیاج الممکن إلی العلة هی الإمکان دون الحدوث». و فی بدایة الحکمة، المرحلة الرابعة، الفصل الثامن فی حاجة الممکن إلی العلة، و ما هی علة إحتیاجه إلیها؟، ص66: «و هل علة حاجة الممکن إلی العلة هی الإمکان أو الحدوث؟ الحقّ هو الأول و به قالت الحکماء» ثم یذکر برهانین. و فی نهایة الحکمة، المرحلة الرابعة فی مواد القضایا و انحصارها فی ثلاث، الفصل السادس فی حاجة الممکن إلی العلة و أنّ علة حاجته إلی العلة هو الإمکان دون الحدوث، ص79: «و هل علة حاجته إلی العلة هی الإمکان أو الحدوث؟ قال جمعٌ من المتکلمین بالثانی و الحقّ هو الأول و به قالت الحکماء» ثم یذکر برهانین.

یحتاج إلی العلّة حدوثاً و بقاءً((1)).

فلو کان المناط هو الحدوث فیتمّ التفصیل الذی ذکره المحقّق الخوانساری (قدس سره) و الوجه فی ذلک هو أنّ الضدّ الموجود بعد حدوثه لایحتاج إلی المقتضی و لذا یکون مقتضیه معدوماً و الضدّ المعدوم یکون مقتضیه موجوداً بحسب الفرض فیکون عدم وجوده مستنداً إلی وجود الضدّ الموجود لا إلی مقتضی الضدّ الموجود لفرض انتفاء مقتضیه بعد حدوثه، و معنی ذلک مقدّمیة عدم الضدّ الموجود لوجود الضدّ المعدوم.

ص: 51


1- قد عرفت أنّ فی مسألة علة إحتیاج الممکن إلی العلة أقوالاً: 1- الإمکان 2- الحدوث 3- الإمکان و الحدوث معاً 4- الإمکان بشرط الحدوث. و هنا قولً خامسً ففی تعلیقة علی نهایة الحکمة، ص97: «و قد وقع الخلاف بین الفلاسفة و المتکلمین فی تعیین مناط الحاجة ... و قال صدر المتألهین فی موضع من الأسفار بعد الإشارة إلی هذا الإختلاف ما لفظه: "ألحقّ أنّ منشأ الحاجة إلی السبب لا هذا و لا ذاک بل منشؤها کون الشیء تعلّقیا متقوّما بغیره مرتبطا إلیه" و هذا هو الذی یعبر عنه بالإمکان الفقری أو الوجودی».

و إن کان المناط هو الإمکان فلایتمّ لأنّ المقتضی للضدّ الموجود یجب وجوده بقاءً و لذا یکون التمانع بین مقتضی الضدّین فلیس وجود الضدّ الموجود مانعاً عن الضدّ الآخر حتی یکون عدم الضدّ الموجود مقدّمة لتحقّق الضدّ الآخر.

و الحقّ هو ما ذهب إلیه المحقّقون من أنّ مناط حاجة المعلول إلی العلّة هو الإمکان لا الحدوث و بذلک یظهر بطلان التفصیل المنسوب إلی المحقّق الخوانساری و الشیخ (قدس سرهما).

فتحصل من ذلک بطلان القول الأوّل (المنسوب إلی الحاجبی و العضدی و هو المقدّمیة مطلقاً) و القول الرابع (و هو مختار المشهور و هو مقدّمیة عدم أحد الضدّین للضدّ الآخر) و القول الخامس (و هو تفصیل المحقّق الخوانساری1) أمّا القول الثالث (و هو التفصیل المنسوب إلی الکعبی بأن کان وجود أحد الضدّین مقدّمة لعدم الضدّ الآخر) أیضاً فظاهر البطلان فلانطیل الکلام بذکرها فثبت القول الثانی و هو بطلان المقدّمیة مطلقاً.

ص: 52

الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة
اشارة

و هذا الدلیل یتشکّل من مقدّمتین: الصغری و الکبری.

أمّا الصغری فهی أنّ وجود الضدّ ملازم لترک الضدّ الآخر و هذه المقدّمة تتکفّل بیان ثبوت الملازمة بین وجود الشیء و عدم ضدّه.

و أمّا الکبری فهی أنّ المتلازمین لایختلفان فی الحکم فإذا کان أحد الضدّین واجباً فیکون ترک الآخر أیضاً واجباً، و إلّا یلزم تخالفهما فی الحکم.

أمّا الدلیل علی الصغری فهو أنّه إذا فرضنا وجود أحد الضدّین فلو قلنا حینئذ بجواز وجود الضدّ الآخر یلزم اجتماع الضدّین و هو محال.

و أمّا الدلیل علی الکبری فلأنّ المتلازمین لو اختلفا فی الحکم فإمّا یکون الحکم الآخر هی الحرمة فیلزم التکلیف بالمحال و طلب المتناقضین و هو محال بالنسبة إلی الشارع الحکیم، و إمّا یکون الحکم الآخر هو الاستحباب أو الکراهة أو الإباحة فحینئذ یلزم التناقض فی لوازم حکم الشارع و بحسب العقل، لأنّ معنی الأمر بالشیء هو أنّ الشارع لایرخص فی ترک ذلک و هکذا العقل و معنی استحباب ملازمه أو کراهته أو إباحته هو أنّ الشارع یرخص فی ترکه و هکذا العقل و هذا تناقض بین لوازم الحکم الشرعی و تناقض فی حکم العقل و هو محال فالمتلازمان لابدّ أن یکونا متوافقین فی الحکم الشرعی.

ثمّ إنّه لا فرق فی ذلک بین أن یکون الضدّان ممّا لهما ثالث أو ممّا لا ثالث لهما لأنّ ملاک دلالة الأمر بالشیء علی النهی عن ضدّه هو استلزام وجود ذلک الشیء لعدم ضدّه و هو أمر یشترک فیه جمیع الأضداد.

نعم الضدّان اللذان لا ثالث لهما یکون وجود أحدهما ملازماً لترک الآخر و

ص: 53

ترک أحدهما ملازماً لوجود الآخر و أمّا الضدّان اللذان لهما ثالث یکون وجود أحدهما ملازماً لترک الآخر أیضاً و لکن ترک أحدهما لایلازم وجود الآخر لاحتمال وجود الضدّ الثالث و لکن هذا أجنبی عن ملاک الدلالة، هذا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) دفعاً لما ذهب إلیه المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ الدلالة یکون فی ما إذا فرضنا الضدّین اللذینِ لا ثالث لهما دون الضدّین اللذینِ لهما ثالث.

مناقشتان فی الوجه الثانی:
المناقشة الأُولی: من المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ الذی لایمکن الالتزام به هو کون المتلازمین مختلفین فی الحکم بأن یکون أحدهما متعلَّقاً للأمر و الآخر متعلَّقاً للنهی لاستلزام ذلک التکلیف بما لایطاق و بغیر المقدور و أمّا کونهما محکومین بحکم واحد و متوافقین فیه فلا موجب له أصلاً، لأنّ المحذور المتقدّم (و هو لزوم التکلیف بما لایطاق) کما یندفع بالالتزام بکونهما متوافقین فی الحکم یندفع بکون أحدهما غیر محکوم بحکم من الأحکام، فإنّ الالتزام بالتوافق فی الحکم یحتاج إلی دلیل یدلّ علیه و لا دلیل فی المقام بل الدلیل علی خلافه.

و الدلیل علی نفی توافق المتلازمین فی الحکم هو لزوم اللغویة، و ذلک لأنّ الشارع إذا أمر بأحد المتلازمین فالأمر بالآخر لغو، فإذا أمر الشارع باستقبال القبلة مثلاً فالأمر باستدبار الجدی أو کون الیمین علی طرف المغرب و الیسار علی طرف المشرق بلا فائدة، فإنّ تلک الأُمور من ملازمات وجود المأمور به فی الخارج سواء

ص: 54


1- المحاضرات، ج3، ص37.
2- المحاضرات، ج3، ص37.

أکانت متعلّقة للأمر أم لم تکن، و ما کان کذلک فلایمکن تعلّق الأمر به.

نعم لو توقّف ترک الحرام خارجاً علی الإتیان بفعلٍ ما للملازمة بین ترک هذا الفعل و الوقوع فی الحرام وجب الإتیان به عقلاً، أمّا شرعاً فلا، لعدم الدلیل علی سرایة الحکم من متعلّقه إلی ملازماته الخارجیة فالملازمة فی الوجود لاتستلزم الملازمة فی الاعتبار الشرعی.

و بهذا البیان ناقش المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه العامّ فقال:((1))

قد ظهر أنّ الأمر کذلک فی النقیضین و المتقابلین بتقابل العدم و الملکة کالتکلّم و السکوت فإنّ اعتبار الشارع الفعل علی ذمة المکلّف لایستلزم النهی عن نقیضه، کما أنّ اعتبار الملکة فی ذمة المکلف لایستلزم النهی عن عدمها، فإنّ کل حکم شرعی متعلّق بشیء لاینحل إلی حکمین: أحدهما متعلّق به و الآخر بنقیضه، فإنّ النهی عن أحد النقیضین مع الأمر بالنقیض الآخر لغو فلایترتّب علیه أثر.

المناقشة الثانیة: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((2))

أوّلاً بالنقض:
اشارة

فإنّ الأمر بالصلاة یتوجّه إلی طبیعی الصلاة دون خصوصیاته من الزمان و المکان و غیرهما فهذه الخصوصیات لیست محکومة بحکم.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الأمر المتعلّق بطبیعی الصلاة هو الأمر النفسی و الکلام فی الأمر الغیری.

ص: 55


1- المحاضرات، ج3، ص39.
2- تحقیق الأصول، ج3، ص151.
ثانیاً بالحلّ:
اشارة

إنّه هنا قاعدة کلیة و هی «ما من واقعة إلّا و فیها حکم شرعی». و لکن هذه القاعدة لابدّ أن تکون مع ملاک و الملاک أحد الأُمور الثلاثة:

الأمر الأوّل: أنّ الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد فإن ثبت وجود المصحلة الملزمة أو المفسدة الملزمة فنستکشف الوجوب أو الحرمة فلابدّ من وجود الحکم عند وجود مبادیه.

الأمر الثانی: أنّه یجب جعل الحکم لأنّه الداعی إلی تحقّق أغراض الشارع.

الأمر الثالث: أنّه یجب جعل الحکم للزوم خروج المکلّف عن التحیر بالنسبة إلی کل واقعة من الوقائع

و هذه الأُمور کلها مفقودة فی المتلازمین:

أمّا الأوّل: فلأنّه لادلیل علی وجود المصلحة أو المفسدة فی جمیع ملازمات الشیء الذی هو واجد للمصلحة أو المفسدة.

أمّا الثانی: فلأنّ الحکم المجعول للملازم یکفی للداعویة إلی تحقّق غرض الشارع فلانحتاج إلی جعل الداعی بالنسبة إلی جمیع ملازماته.

أمّا الثالث: فلأنّ جعل الحکم لأحد المتلازمین یرفع تحیر المکلّف فی مقام العمل فلا نحتاج إلی جعل الحکم بالنسبة إلی ملازماته.

یلاحظ علیه:

إنّ جعل الحرمة الغیریة للضدّ الآخر لایحتاج إلی ملاک آخر (أی مفسدة فی متعلّقه) کما أنّ جعل الداعی الشرعی بالنسبة إلیه لیس لغواً بل قد یکون مؤکِّداً إلّا أنّه لادلیل إثباتی علی جعل الحرمة الغیریة.

ص: 56

المقام الثانی: «الضدّ العام»

اشارة

و الأقوال المهمّة هنا خمسة((1)):

القول الأوّل: عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ العامّ((2)) (المحقّق

ص: 57


1- فی ضوابط الأصول، ص106: «و أمّا الأقوال فی الضدّ العام فهی العینیة و التضمن و الإلتزام اللفظی و العقلی و هذا الأخیر أعنی الإقتضاء العقلی فی الضدّ العام وفاقی ... و إنّما النزاع فی دلالة الامر علی النهی عن الضدّ العام بالدلالة اللفظیة فبین من أنکرها بأقسامها کالمرتضی ره و منهم من أثبتها و إسناد القول بالإنکار مطلقاً حتی عقلاً إلی السید ره سهوٌ». و فی نتائج الأفکار للسید إبراهیم القزوینی، ص52: «ثمّ أقوال الضد العام أربعةٌ العینیة و التضمن و الإلتزام اللفظی و العقلی الذی هو وفاقی حتی من المرتضی و إسناد الإنکار المطلق الیه سهو». و فی کشف الغطاء عن مبهمات الشریعة الغراء، (ط.ج): ج 1، ص186: «و المفاهیم کثیرةٌ ... الثامن: مفهوم الإقتضاء کإیجاب المقدّمة و النهی عن الضدّ العامّ».
2- فی نهایة الوصول إلی علم الأصول، ج 1، ص530: «و اعلم أنّ الخلاف هنا مع نفرین: أحدهما القائلون بعدم الإستلزام، کالغزالی و المرتضی و الثانی القائلون بالإتّحاد کالقاضی أبی بکر». و فی مطارح الأنظار، ط.ج. ج 1، ص554: «أحدها نفی الإقتضاء رأساً و هذا صریح العضدی و الحاجبی و المنسوب إلی العمیدی و جمهور المعتزلة و کثیرٌ من الأشاعرة و دعوی بعض- کصاحب المعالم- أنّه لا خلاف فی الضدّ العام فی أصل الإقتضاء بل فی کیفیته- کما تقدّم- لا أصل لها». و فی بدائع الأفکار، ص387: «أحدها نفی الإقتضاء رأسا و عزی فی المنیة إلی جمهور المعتزلة و کثیرٌ من الأشاعرة و الفاضل البهائی فی حاشیة الزبدة علی ما حکی عنه إلی البعض و یلوح من کلام العلّامة فی محکی النّهایة أیضا و استظهره غیرُ واحدٍ من کلام علم الهدی فی الذریعة ». و فی أصول الفقه، ص296: «ألحقّ أنّه لایقتضیه بأی نحو من أنحاء الإقتضاء». و فی تحریرات فی الأصول، ج 3، ص305: «و الأخیر [عدم الاقتضاء] هو الأوفق بالتحقیق ». و فی مجمع الأفکار و مطرح الأنظار، ج 1، ص323: «و أمّا الضد العام و هو الترک فهل یکون النهی عنه أم لا بنحو العینیة أو بالتضمن أو بالإلتزام؟ ففیه إختلافٌ فمثّل شیخنا الأستاذ العراقی و النائینی (قدس سرهما) ذهبا إلی أنّه یقتضیه و الحقّ خلافه».

الخوئی((1)) (قدس سره) و بعض الأساطین((2)) (حفظه الله)).

القول الثانی: الاقتضاء بنحو العینیة بمعنی أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ((3)) (صاحب الفصول (قدس سره) ((4))).

ص: 58


1- فی المحاضرات، ج 3، ص48: «و التحقیق هو عدم الإقتضاء و الوجه فی ذلک هو أنّ دعوی استلزام الأمر بشی ء النهی عن ترکه باللزوم البین بالمعنی الأخص واضحة الفساد، ضرورةَ أنّ الآمر ربما یأمر بشی ء و یغفل عن ترکه و لایلتفت إلیه أصلا، لیکون کارِهاً له فلو کانت الدلالة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخص لم یتصور غفلة الآمر عن الترک و عدم إلتفاته إلیه فی موردٍ من الموارد، و من هنا قد إعترف هو (قدس سره) أیضاً ببداهة إمکان غفلة الآمر بشی ء عن ترک ترکه فضلاً عن أن یتعلّق به طلبه، و هذا منه یناقض ما أفاده من نفی البعد عن اللزوم البین بالمعنی الأخصّ». و فی الهدایة فی الأصول، ج 2، ص137: «... و الحقّ هو الأوّل و عدم الإقتضاء بوجهٍ من الوجوه».
2- تحقیق الأصول، ج 3، ص161.
3- فی مطارح الأنظار: «ثانیها: الإقتضاء علی وجه العینیة، علی معنی أنّ الأمر بالشی ء و النهی عن ترکه عنوانان متّحدان ممتازان بحسب المفهوم». و فی بدائع الأفکار: «ثانیها القول علی وجه العینیة و نسبه الفاضل الصّالح المازندرانی إلی جماعة من المحققین و الفاضل الجواد علی ما حکی عنه إلی القاضی و متابعیه و هو مختار بعض المحققین و بعض من تبعه». و راجع کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص29؛ المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص234؛ قواعد الأصول، ص174.
4- فی الفصول الغرویة، ص92: «لنا علی أنّ الأمر بالشی ء عین النهی عن الضد العام إن فسّر الترک فیهما بعدم الفعل أنّ معنی النهی عن الترک حینئذ طلب ترک الترک لأنّ معنی النهی طلب الترک و طلب ترک الترک عین طلب الفعل فی المعنی و ذلک ظاهرٌ و إنّما قلنا إنّه عینه فی المعنی إذ لا ریب فی تغایرهما بحسب المفهوم کالوجود و عدم العدم».

القول الثالث: الاقتضاء بنحو التضمّن (صاحب المعالم (قدس سره) ((1))).

القول الرابع: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة اللفظیة بأن کان اللزوم بیناً بالمعنی الأخصّ (المحقّق النائینی (قدس سره) ((2))).

القول الخامس: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة العقلیة((3)) (صاحب

ص: 59


1- فی معالم الدین، ص64: «و لنا علی الإقتضاء فی العام بمعنی الترک ما عُلِم من أنّ ماهیة الوجوب مرکبة من أمرین أحدهما المنع من الترک فصیغة الأمر الدالة علی الوجوب دالة علی النهی عن الترک بالتضمن و ذلک واضحٌ». و فی بدائع الأفکار: «ثالثها الإقتضاء علی سبیل التضمّن و هو صریح المعالم و نسبه بعضٌ إلی غیره».
2- فی فوائد الأصول، ج 1، ص303: «لا دعوی العینیة تستقیم و لا دعوی التضمّن نعم لا بأس بدعوی اللزوم بالمعنی الأخصّ حیث إنّ نفس تصوّر الوجوب و الحتم و الإلزام یوجب تصوّر المنع من الترک و الإنتقال إلیه و ذلک معنی اللازم بالمعنی الأخصّ».
3- فی حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص284: «قوله "من أنّ ماهیة الوجوب مرکبةٌ من أمرین" لایخفی أنّ ترکب معنی الوجوب من أمرین علی تقدیر تسلیمه لایستلزم تضمن الأمر لهما فإنّ الوجوب حکم من أحکام المأمور به و لیس مفهومه غیر عین مفهوم الأمر بل الحقّ إستلزام الأمر بالشی ء النهی عن ترکه لزوما بیناً بالمعنی الأعم فتأمل». و فی قوانین الأصول، ط.ق. ص108: «قانونٌ: الحقّ أنّ الأمر بالشی ء لایقتضی النّهی عن ضدّه الخاصّ مطلقا و أمّا الضدّ العامّ فیقتضیه إلتزاماً». و فی مفتاح الأحکام لملّا أحمد النراقی، ص117: «و من تلک المواضع الأمر بالشی ء فاختلفوا فی أنّه هل یستلزم النهی عن ضدّه أم لا؟ و الحقّ فیه أیضاً الإستلزام عقلاً باللزوم البین فی الضدّ العامّ و غیر البین فی الخاصّ». و فی بدائع الأفکار: «رابعها الإقتضاء علی سبیل الإلتزام و علیه الباقون و هم بینٌ مطلقٌ للإستلزام و مصرّح بثبوته لفظاً أو مقید بثبوته معنی و هو خیرة جماعةٍ من المحقّقین منهم سید محققی الحکماء و سلطان العلماء و المدقق الشیروانی و الفاضل الصالح و المحقق القمّی». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص376: «و أمّا الضدّ العام بمعنی الترک فلا إشکال فیه فی اقتضاء الأمر بالشی ء للنهی عنه کما تقدّم، و إنّما الکلام و الإشکال فی أنّه هل هو بنحو العینیة أو التضمن أو من جهة الإلتزام؟ حیث إنّ فیه وجوها و فی مثله کان المتعین هو الأخیر من کونه علی نحو الإلتزام دون العینیة و التضمّن».

الکفایة (قدس سره) ((1))).

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی:

أمّا القول الثانی (نظریة صاحب الفصول (قدس سره) - و هو الاقتضاء بنحو العینیة- فإنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) قد احتمل فی معنی العینیة ثلاث صور و احتمالات:((2))

الصورة الأُولی: العینیة فی مقام الإثبات و الدلالة بمعنی أنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ترکه فهما یدلان علی معنی واحد و الاختلاف فی التعبیر.

الصورة الثانیة: العینیة فی مقام الثبوت و الواقع بمعنی أنّ النهی عن الضدّ لایکون نهیاً حقیقیاً ناشئاً عن مبغوضیة الضدّ بل هذا النهی نشأ عن محبوبیة ترک الضدّ و قیام مصلحة بترک الضدّ فهذا أمر حقیقی أُبرز بصورة النهی.

الصورة الثالثة: العینیة فی مقام الثبوت و الواقع بمعنی أنّ النهی عن الضدّ نهی حقیقی و ناشٍ عن مبغوضیة فعل الضدّ و وجود المفسدة الملزمة فیه.

أمّا الصورة الأُولی فهی لا إشکال فیه لأنّ التعبیر عن طلب الشیء بالنهی عن ترکه أمر متعارف فی الروایات فی باب الواجبات و المستحبات و فی کلمات الفقهاء فتری أنّهم یعبّرون عن الاحتیاط الواجب بقولهم: لایترک الاحتیاط و کما

ص: 60


1- فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص28: «و اختار ... بعض اللزوم البین بالمعنی الأخصّ و ظاهر المتن البین بالمعنی الأعمّ، و إثباته موقوفٌ علی مقدّمات: الأولی: أنّ الأحکام من قبیل البسائط سواء کان المراد منها الإرادات و المجعولات، و بها یندفع القول بالتضمّن. الثانیة: أنّ من لوازم الوجوب المنعُ من الترک، و بها یندفع القول بالعینیة بکلا قسمیها. الثالثة: أنّ اللّزوم لیس من قبیل البین بالمعنی الأخص، لأنّه لایلزم من مجرّد تصوّر الوجوب تصوّر المنع من الترک، و لا من قیل غیر البین، لأنّ ثبوته له لایحتاج بعد التصوّرات الثلاثة إلی شی ء آخر. و إلیها أشار بقوله: بمعنی أنّه لو التفت إلی آخره».
2- راجع المحاضرات، ج3، ص45.

أنّه یمکن إبراز کون الصلاة علی ذمة المکلّف مرّة بلفظ صلّ و أُخری بکلمة لاتترک الصلاة و المراد إبراز وجوبها، و لیس المقصود من «صلّ» إبراز وجوبها و من «لاتترک الصلاة» إبراز حرمة ترکها و هذا هو المقصود من الروایات الناهیة عن ترک الصلاة و لیس المراد من النهی فیها النهی الحقیقی الناشی من مفسدة إلزامیة فی متعلّقه و لذلک لم یتوهم أحد حرمة ترک الصلاة و أنّ تارکها یستحق عقابین: عقاب لترکه الواجب و عقاب لارتکابه الحرام و لذا صحّ أن یقال: إنّ الأمر بالشیء عین النهی عن ضدّه العامّ بحسب المعنی و الدلالة علیه.

فإن أُرید من العینیة هذا المعنی فهی صحیحة، لکن الظاهر أنّ العینیة بهذا المعنی لیست مرادة للقائل بها.

أمّا الصورة الثانیة فهی لا معنی له أصلاً لأنّ ترک الترک و إن کان مغایراً للفعل مفهوماً إلّا أنّه عینه مصداقاً و خارجاً، لأنّه عنوان انتزاعی له و لیس له ما بإزاء فی الخارج ما عداه، فإنّ عدم العدم لایتجاوز حدّ الفرض و التقدیر و لیس له واقع فی قبالهما و إلّا لأمکن أن یکون فی الواقع أعدام غیر متناهیة فإنّ لکل شیء عدماً و لعدمه عدماً و هکذا إلی غیر النهایة.

فالقول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه فی قوّة القول بأنّ الأمر بالشیء یقتضی الأمر بذلک الشیء و هو قول لا معنی له أصلاً لاستلزام ذلک النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی نفسه و هذا النزاع لا محصل له أبداً.

أمّا الصورة الثالثة فهی و إن کان معنی معقولاً فی نفسه إلّا أنّه غیر مراد، لاستحالة أن یکون بغض الترک متحداً مع حبّ الفعل أو جزئه و ذلک لاستحالة الصفتین المتضادتین فی الخارج.

فإنّ الأمر الحقیقی و النهی الحقیقی متباینان ذاتاً من ناحیة المبدأ و الاعتبار و المنتهی.

ص: 61

أمّا المبدأ فی الأمر فهو المصلحة الملزمة و فی النهی المفسدة الملزمة و أمّا الاعتبار فی الأمر فهو اعتبار الفعل علی ذمّة المکلّف و فی النهی اعتبار حرمة الفعل علیه و أمّا المنتهی فی الأمر فیمتثل بإتیان المتعلّق و فی النهی بترکه.

تقریر القول الثالث:
اشارة

أمّا القول الثالث (نظریة صاحب المعالم (قدس سره) -و هو الاقتضاء بنحو التضمن- فتقریره هو أنّ الوجوب عرّف بأنّه طلب الفعل مع المنع من الترک فهو مرکب من الجزئین فدلالة الأمر علی المنع من الترک دلالة لفظیة تضمنیة.

إیرادان علی هذا القول:
الإیراد الأوّل:

((1))

إنّ الأعلام ناقشوا فیه بأنّ الوجوب بسیط لا مرکب و التعریف المذکور تسامحی فإنّ حقیقة الوجوب إمّا إرادة نفسانیة و إمّا اعتبار عقلی و إمّا اعتبار شرعی.

أمّا الإرادة فهی من الأعراض و هی من البسائط الخارجیة.

و أمّا الاعتبار العقلی فالوجوب علی هذا أمر انتزاعی عقلی بمعنی أنّ العقل یحکم باللزوم والوجوب عند اعتبار المولی فعلاً علی ذمّة المکلّف مع عدم نصب قرینة علی الترخیص فی الترک و هذا أشدّ بساطة من الأعراض فلایعقل لها الجنس و الفصل.

ص: 62


1- المحاضرات، ج3، ص47.

أمّا الاعتبار الشرعی فهو أیضاً فی غایة البساطة لأنّ الأُمور الاعتباریة کلّها من البسائط و لایعقل لها جنس و فصل.

الإیراد الثانی:

((1))

إنّ بغض الترک کما لایمکن أن یکون عین حبّ الفعل لایمکن أن یکون جزأه لأنّهما صفتان متضادّتان و النهی الحقیقی ینشأ من البغض و الأمر الحقیقی ینشأ من الحبّ.

بیان القول الرابع:
اشارة

أمّا القول الرابع- و هو الاقتضاء بالدلالة اللفظیة الالتزامیة- فإنّ المحقّق النائینی (قدس سره) اختار اللزوم البین بالمعنی الأخص و علی تقدیر التنزّل اختار اللزوم البین بالمعنی الأعم فقال((2)):

أمّا دعوی الدلالة علیه بنحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ بأن یکون نفس تصوّر الوجوب کافیاً فی تصوّر المنع من الترک فلیست ببعیدة، و علی تقدیر التنزّل عنها فالدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأعم ممّا لا إشکال فیها و لا کلام.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علیه:

((3))

إنّ دعوی استلزام الأمر بشیء النهی عن ترکه باللزوم البین بالمعنی الأخص واضحة الفساد ضرورة أنّ الآمر ربّما یأمر بشیء و یغفل عن ترکه و لایلتفت إلیه

ص: 63


1- المحاضرات، ج3، ص48.
2- أجود التقریرات، ج2، ص7.
3- المحاضرات، ج3، ص48.

أصلاً لیکون کارهاً له فلو کانت الدلالة علی نحو اللزوم البین بالمعنی الأخصّ لم یتصوّر غفلة الآمر عن الترک و عدم التفاته إلیه فی مورد من الموارد.

و من هنا قد اعترف هو (قدس سره) أیضاً ببداهة إمکان غفلة الآمر بشیء عن ترک ترکه فضلاً عن أن یتعلّق به طلبه، و هذا منه یناقض ما أفاده من نفی البعد عن اللزوم البین بالمعنی الأخصّ.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس:
اشارة

((1))

و هو الاقتضاء باللزوم العقلی؛ قال صاحب الکفایة (قدس سره):

الوجوب لایکون إلّا طلباً بسیطاً و مرتبة أکیدة من الطلب لا مرکّباً من طلبین، نعم فی مقام تحدید تلک المرتبة و تعیینها ربما یقال: الوجوب یکون عبارة عن طلب الفعل مع المنع من الترک و یتخیل منه أنّه یذکر له حدّاً، فالمنع عن الترک لیس من أجزاء الوجوب و مقدّماته، بل من خواصّه و لوازمه، بمعنی أنّه لو التفت الآمر إلی الترک لما کان راضیاً به لامحالة و کان یبغضه البتة.

فقد أشار صاحب الکفایة (قدس سره) بقوله «لو التفت الآمر إلی الترک» بأنّ الدلالة لیست بیناً بالمعنی الأخصّ.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی مختار صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ الدلالة الالتزامیة باللزوم البین بالمعنی الأعم لا دلیل علیها من العقل و لا من الشرع.

ص: 64


1- کفایة الأصول، ص133.
2- المحاضرات، ج3، ص49.
أمّا من ناحیة العقل:

فلأنّه لایحکم بالملازمة بین اعتبار الشرع وجوب شیء و اعتباره حرمة ترکه لأنّ کلاً من الوجوب و الحرمة یحتاجان إلی اعتبار مستقلّ و کذا لایحکم العقل بالملازمة بین إرادة شیء و کراهة نقیضه، إذ قد یرید الإنسان شیئاً غافلاً عن ترکه و غیر ملتفت إلیه فالحرمة النفسیة للترک باطل لعدم الملاک و کذا الحرمة الغیریة أوّلاً لعدم المقدّمیة و ثانیاً لکونها لغواً.

[ملاحظتنا علی هذا الإیراد: إنّ اللغویة مخدوشة بل الحرمة الشرعیة الغیریة لا مانع منها إلّا أنّه لا دلیل علیها إثباتاً کما مضی.]

و أمّا من ناحیة الشرع:

فلأنّ ما دل علی وجوب شیء لایدلّ علی حرمة ترکه لأنّ الحکم الواحد و هو الوجوب فی المقام لاینحل إلی حکمین أحدهما یتعلّق بالفعل و الآخر بالترک، لیکون تارکه مستحقاً

لعقابین من جهة ترکه الواجب و ارتکابه الحرام.

تحقیق المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ کون الوجوب مرتبة أکیدة وحیدة من الطلب مبنی علی کونه من الکیفیات النفسانیة و توصیفها بالتأکّد بملاحظة ما اشتهر من أنّ الوجوب و الاستحباب مرتبتان من الإرادة متفاوتان بالضعف و الشدّة.

أمّا الذی یقتضیه دقیق النظر و إن کان خلاف ما اشتهر فهو أنّه لا فرق فی الإرادة الوجوبیة و الندبیة من حیث المرتبة، بل الفرق من حیث کیفیة الغرض الداعی و البرهان علیه أنّ المراد التکوینی یختلف من حیث اللزوم و عدمه

ص: 65


1- نهایة الدرایة، ج2، ص205.

کالمراد التشریعی، ضرورة أنّ ما یفعله الإنسان بإرادة لیس دائماً ممّا لابدّ منه و لامناص عنه و مع ذلک ما لم یبلغ الشوق حدّه المحرّک للعضلات لم یتحقّق المراد.

فلیس المراد اللزومی ممّا لابدّ فی إرادته من مرتبة فوق مرتبة إرادة المراد غیرِ اللزومی، بحیث لو لم یبلغ تلک المرتبة لم یتحقّق المراد و إنّما التفاوت فی الغرض الداعی من حیث کونه لزومیاً أو غیر لزومی.

بل الشوق الطبعی ربّما یکون أشدّ من الشوق العقلی لموافقة المراد فی الأوّل (أی الشوق الطبعی) لهوی نفسه دون الشوق العقلی، مع عدم اللابدّیة فی الشوق الطبعی حتّی من حیث هوی النفس و ثبوت اللابدّیة فی الشوق العقلی.

فإذا کان الأمر کذلک فی الإرادة التکوینیة فکذا الإرادة التشریعیة، إذ لا فرق بینهما إلّا من حیث تعلّق الإرادة التکوینیة بفعل نفسه و تعلّق الإرادة التشریعیة بفعل غیره.

فالشوق إلی فعل الغیر إذا بلغ حدّاً ینبعث منه البعث کان إرادة تشریعیة سواء کان المشتاق إلیه ذا مصلحة ملزمة أم لا.

و لیس الغرض من هذا البیان أنّ الإرادة لیست ذات مراتب لبداهة کونها ذات مراتب کسائر الکیفیأت النفسانیة بل الغرض أنّ التحریک الناشئ من الإرادة فی ما لابدّ منه و فی غیر ما لابدّ منه لایختلف من هذه الحیثیة.

و التحقیق: أنّ المراد اللزومی و غیره یختلفان من حیث شدّة الملاءمة للطبع و عدمها، فلا محالة ینبعث منهما شوقان متفاوتان بالشدّة و الضعف و کذا فی الإرادة التشریعیة یکون الشوق المتعلّق بما فیه مصلحة لزومیة أشدّ حیث إنّ ملاءمته لطبع المولی أقوی و إن کان بلوغه دون هذه المرتبة کافیاً فی الحرکة و التحریک فی التکوینی و التشریعی.

ص: 66

[ملاحظتنا فی المقام: بل قد یکون الشوق إلی الأمر غیر الإلزامی أشدّ من الشوق إلی الأمر الإلزامی و لکنه لم یجب لمصلحة تسهیلیة کما فی السواک نعم البعث و الإرادة التشریعیة نحو الأمر غیرِ اللزومی یکون أضعف من البعث و الإرادة التشریعیة نحو الأمر اللزومی؛ و ما هو المنفی فی عالم الاعتبار هو الاشتداد لا الشدة و الضعف].

ثم قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی آخر هذه التعلیقة: إنّ هذه المعانی من المنع عن الترک أو کراهة الترک أو عدم الرضا بالترک أو عدم الإذن فی الترک کلها لوازم الشدّة لا عینها و لوازم الوجوب لا من مقوّماته.

و لایستفاد من هذه العبارة القول بالاقتضاء باللزوم العقلی لأنّ مراده هنا أعمّ من المنع الشرعی من الترک أو المنع العقلی من الترک فلم یثبت قوله بالحرمة الشرعیة للضدّ العامّ و هذا هو المختار.

فتحصل إلی هنا عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه العامّ.

ص: 67

ص: 68

تنبیه: فی ثمرة المسألة

اشارة

إنّهم قد ذکروا فی ثمرة البحث عن الضدّ أُموراً:

الثمرة الأُولی:

و هی ترتّب العقاب علی ارتکاب الضدّ بناء علی اقتضائه للنهی عن الضدّ، و عدم ترتّبه بناء علی عدم اقتضائه.

و هذه الثمرة تجدی فی ما إذا کانت الحرمة الثابتة للضدّ حرمة نفسیة و أمّا إذا کانت الحرمة غیریة فلاتترتّب الثمرة و أکثر القائلین بحرمة الضدّ صرّحوا بأنّها غیریة.

الثمرة الثانیة:

و هی ترتّب عنوان المعصیة فیوجب حیئنذ ترتّب الأحکام التی یکون موضوعها عنوان المعصیة مثل إتمام الصلاة فی السفر إذا کان السفر معصیة فعلی القول بالاقتضاء لابدّ من إتمام الصلاة و علی القول بعدم الاقتضاء لابدّ من التقصیر.

ص: 69

و ترتّب هذه الثمرة متوقّف علی عدم انصراف أدلّة وجوب إتمام الصلاة فی سفر المعصیة عن معصیة النواهی الغیریة.

الثمرة الثالثة:
اشارة

و هی بطلان العبادة بناءً علی الاقتضاء مع ضم الکبری الأُصولیة الآتیة إن شاء الله تعالی من أنّ النهی فی العبادة یوجب فسادها و أمّا مع عدم الاقتضاء أو عدم فساد العبادة بالنهی عنها فلاتبطل العبادة.

و القول ببطلان الصلاة الأدائیة فی ما لم یضق وقتها إذا اشتغلت ذمّتها بالصلاة القضائیة مبنی علی هذا البحث حیث قالوا: إنّ الأمر بالصلاة القضائیة فوری و استفادوا من ذلک النهی عن الضدّ و الصلاة الأدائیة تکون من مصادیق الضدّ الخاص فیتوجّه النهی إلیها بناءً علی الاقتضاء و تبطل بناءً علی اقتضاء النهی للفساد فی العبادة و لکن هذا مبنی علی أنّ النهی الذی یوجب فساد العبادة یشمل النهی الغیری و إلّا فلا تترتّب هذه الثمرة.

أمّا صور المسألة:

إنّ الضدّین المتزاحمین إمّا أن یکون أحدهما مضیقاً و الآخر موسع مثل الأمر بالإزالة حیث إنّه فوری مضیق و الأمر بالصلاة فإنّه موسّع فعلی القول بالاقتضاء تکون الصلاة منهیاً عنه فتبطل بناءً علی اقتضاء النهی الغیری للفساد.

و إمّا أن یکون کلاهما مضیقین، فحینئذ إمّا أن یکون أحدهما أهمّ من الآخر مثل الصلاة فی آخر وقتها و الإزالة فکلاهما فوریان فإنّ الصلاة أهمّ فتقتضی النهی عن الإزالة و مثل الصلاة فی آخر وقتها و إنقاذ النفس المحترمة من الهلکة فالإنقاذ أهمّ فتقتضی النهی عن الصلاة و إمّا أن یکونا متساویین و لا

ص: 70

بحث مهمّ فی صورة التساوی.

إیرادان علی الثمرة الثالثة:
الإیراد الأوّل: من الشیخ البهائی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ العبادة باطلة مطلقاً حتی علی القول بعدم الاقتضاء فهذة الثمرة منتفیة و ذلک لاشتراط صحّة العبادة بتعلّق الأمر بها فعلاً فتفسد عند المزاحمة بالواجب الأهمّ أو المضیق سواء قلنا بالاقتضاء أم بعدمه.

و الوجه فی ذلک هو أنّ الأمر بالشیء لو لم یقتضِ النهی عن ضدّه فلا أقل من أن یکون مقتضیاً لعدم الأمر به لاستحالة تعلّق الأمر بالضدّین، فالعبادة المضادّة لیست مأموراً بها بالأمر الفعلی و حیث إنّ صحّة العبادة مشروطة بتعلّق الأمر بها فعلاً فتکون فاسدة.

جوابان عن هذا الإیراد:
الجواب الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره) و المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّه قد ذکر فی مبحث التعبّدی و التوصّلی مناط صحة العبادة و قلنا هناک: إنّ العبادة یصحّ إتیانها بقصد القربة و مضافاً إلیه تعالی و لاینحصر صحّتها فی صورة قصد الأمر فیصحّ إتیانها بقصد کونها محبوباً لله تعالی و لا دلیل یدلّ علی لزوم قصد الأمر فی صحة العبادة.((3))

ص: 71


1- زبدة الأصول، ص82.
2- المحاضرات، ج3، ص51.
3- کفایة وجود الملاک فی صحّة العبادة هو قولُ کثیرٍ من الأصولیین نذکر عدّة منهم: الأول: الشیخ الأنصاری (أجود التقریرات (ط.ق): ج1، ص309 و منتهی الدرایة، ج2، ص509). الثانی: المحقق الخراسانی (کفایة الأصول، ص133). الثالث: المحقق النائینی (أجود التقریرات ط.ق. ج1، ص265و ج 1، ص387). الرابع: المحقق العراقی (قاعدة لا ضرر و لا ضرار، ص236). الخامس: المحقق داماد (المحاضرات، ج 1، ص292 و ص368). السادس: المحقق الحکیم (مستمسک العروة، ج2، ص159). السابع: الشیخ محمد تقی الآملی (مصباح الهدی فی شرح عروة الوثقی، ج2، ص26). الثامن: بعض الأعاظم فی معتمد الأصول، ص215. التاسع: میرزا هاشم الآملی (مجمع الأفکار ومطرح الأنظار، ج5، ص149). العاشر: المحقق الأراکی (کتاب الصلاة للشیخ محمد علی الأراکی، ج2، ص498). الحادی عشر: المحقق الجزائری (منتهی الدرایة ج3، ص54). و قال بعض الأصولیین بعدم إمکان کشف الملاک إذا فقد الأمر: الأول: المحقق الخوئی (کتاب الطهارة للسید الخوئی، ج2، ص283 – 284) الثانی: المحقق الصدر (دروس فی علم الأصول، ج1، ص318 – 319)؛ الثالث: صاحب تحریرات فی الأصول، ج3، ص339؛ الرابع: المحقق الروحانی (زبدة الأصول، ج2، ص30 و ج2، ص144؛ و ج2، ص218 – 219؛ و فی فقه الصادق (علیه السلام)، ج9، ص402). و أمّا القول بلزوم وجود الأمر فی صحة العبادة فهو لغیر واحدٍ من متأخری المتأخرین: (المحقق الجزائری فی منتهی الدرایة، ج 2، ص493 و فی ریاض المسائل، ج4، ص285 – 286).
الجواب الثانی: من المحقّق الثانی (قدس سره)

((1))

إنّ الإشکال منتفٍ فی بعض الموارد مثل المضیق و الموسّع و أمّا فی بعض الموارد مثل المضیقین فالإشکال باق بحاله.

توضیح ذلک: إنّ التکلیف یتعلّق بالمقدور و مناط اعتبار القدرة حکم العقل خلافاً للمحقّق النائینی (قدس سره) حیث یقول: إنّ مناطه هو اقتضاء الخطاب.

ثمّ إنّ التکلیف یتعلّق بالطبیعة لا بالفرد فإذا کان بعض أفراد الطبیعة مقدوراً فلایمکن أن یقال بانتفاء الأمر بالطبیعة.

ص: 72


1- جامع المقاصد، ج5، ص14؛ أجود التقریرات، ج2، ص22.

فعلی هذا إنّ الأمر بطبیعة الواجب الموسّع لایمکن أن ینتفی.

الإیراد الثانی: من المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّک عرفت فی مبحث التعبّدی و التوصّلی کفایة قصد الملاک فی صحّة العبادة و عدم اشتراطها بقصد الأمر (إذ لم یدل دلیل شرعی علی اعتبار أزید من قصد التقرّب بالعمل فی وقوعه عبادة و أمّا تطبیقه علی قصد الأمر و غیره من الدواعی القربیة فإنّما هو بحکم العقل، و قصد الملاک إن لم یکن أقوی فی حصول التقرّب بنظر العقل من قصد الأمر فلا أقل من کونه مثله).

فإذا بنینا علی کفایة الاشتمال علی الملاک فی الصحّة فلابدّ من الالتزام بصحّة الفرد المزاحم سواء قلنا باقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه أم لم نقل بالاقتضاء، لما عرفت من أنّه تامّ الملاک حتی بناءً علی کونه منهیاً عنه أیضاً، لما ستعرف فی بحث النهی عن العبادة إن شاء الله تعالی من أنّ النهی المانع عن التقرّب بالعبادة إنّما هو النهی النفسی لا الغیری، لأنّ النهی الغیری لاینشأ من مفسدة فی متعلّقه لیکشف عن عدم تمامیة ملاک الأمر.

و ما أفاده هنا یبتنی علی أمرین:

ص: 73


1- أجود التقریرات، ج2، ص25.
الأمر الأوّل:
اشارة

إنّ الفرد المزاحم للواجب المضیق تامّ الملاک مطلقاً حتی علی القول باقتضاء الأمر للنهی عن ضدّه و إنّ قصد الملاک یکفی فی وقوع الشیء عبادة.

إشکال المحقّق الخوئی (قدس سره): الأمر الأوّل متوقف علی کبری و صغری
اشارة

((1))

إنّ بیانه یتوقّف علی إثبات المقدّمتین: إحداهما کبری القیاس و ثانیهما صغراه.

أمّا المقدّمة الأُولی (کبری القیاس) فلا إشکال فیها لأنّ المعتبر فی صحّة العبادة هو قصد القربة بأی وجه تحقّق، سواء تحقّق فی ضمن قصد الأمر أو قصد الملاک أو غیر ذلک من الدواعی القربیة، و لا دلیل علی اعتبار قصد الأمر خاصّة بل قام الدلیل علی خلافه.

و أمّا المقدّمة الثانیة (صغری القیاس) فقد استدلّ علیها بوجوه.

استدلّ علی الصغری بوجهین:
الوجه الأوّل: من المحقّق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

إنّه ادعی القطع بأنّ الفرد المزاحم تامّ الملاک و قال: «إنّ الفرد المزاحم للواجب المضیق أو الأهمّ و إن کان خارجاً عن الطبیعة المأمور بها بما هی مأمور بها إلّا أنّه لما کان وافیاً بغرضها (کالباقی من أفرادها) کان عقلاً مثله فی الإتیان به بداعی الأمر بالطبیعة فی مقام الامتثال بلا تفاوت فی نظر العقل بینه و بین بقیة الأفراد من هذه الجهة أصلاً نعم إنّه یفترق عن البقیة فی أنّه خارج عن الطبیعة

ص: 74


1- المحاضرات، ج3، ص69.

المأمور بها بما هی کذلک و البقیة داخلة فیها و هذا لیس لقصور فیه لیکون خروجه عنها من باب التخصیص و عدم الملاک بل لعدم إمکان تعلّق الأمر بما یعمّه عقلاً.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الأوّل:

((1))

إنّه لاطریق لنا إلی إحراز ملاکات الأحکام الواقعیة و جهات المصالح و المفاسد فی متعلّقاتها مع قطع النظر عن ثبوت تلک الأحکام.

نعم فی لحظة ثبوتها نستکشف اشتمال متعلّقاتها علی الملاک، بناءً علی ما هو الصحیح من تبعیة الأحکام لما فی متعلّقاتها من المصالح و المفاسد الواقعیة و أمّا إذا سقطت تلک الأحکام فلایمکننا إحراز أنّ متعلّقاتها باقیة علی ما کانت علیه من الاشتمال علی الملاک.

إذ کما نحتمل أن یکون سقوطها من جهة المانع مع ثبوت المقتضی لها نحتمل أن یکون من جهة انتفاء المقتضی و عدم ثبوته فلا ترجیح لأحد الاحتمالین.

و علی الجمله حکم العقل بأنّ فعلاً ما مشتمل علی الملاک منوط بأحد الأمرین لا ثالث لهما:

الأوّل: ما إذا کان الشیء بنفسه متعلّقاً للأمر، فإنّ تعلّق الأمر به یکشف عن وجود ملاک فیه لامحالة.

الثانی: ما إذا کان مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به، فإنّه یکشف عن أنّه واف بغرض المأمور به و واجد لملاکه و أمّا إذا لم یکن هذا و لا ذاک فلا ملاک لحکمه أصلاً.

ص: 75


1- المحاضرات، ج3، ص70.

و الفرد المزاحم فی المقام کذلک، فإنّه لیس متعلّقاً للأمر و لا مصداقاً للمأمور به بما هو مأمور به فلایحکم العقل بأنّ فیه ملاکاً و أنّه واف بغرض المأمور به کبقیة الأفراد بل هو حاکم بضرورة التفاوت بینهما فی مقام الامتثال و الإطاعة.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الأحکام التابعة للملاکات لیست خصوص الأحکام الفعلیة المنجزة بل الأحکام الاقتضائیة الفعلیة غیرُ المنجزة تکشف عن الملاکات و التزاحم یوجب عدم التنجّز لاعدم الفعلیة.

الوجه الثانی: من جماعة من المتأخرین منهم المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ سقوط اللفظ فی الدلالة المطابقیة عن الحجیة لایستلزم سقوطه عنها فی الدلالة الالتزامیة إذ الضرورة تتقدّر بقدرها.

فإنّ الدلالة الالتزامیة و إن کانت تابعة للدلالة المطابقیة فی مقام الثبوت و الإثبات إلّا أنّها لیست تابعة لها فی الحجیة.

و الوجه فی ذلک هو أنّ ظهور اللفظ فی معناه المطابقی غیر ظهوره فی معناه الالتزامی و کل واحد من الظهورین حجّة فی نفسه بمقتضی أدلّة الحجیة و لایجوز رفع الید عن حجیة کل واحد منهما بلا موجب فإذا سقط ظهور اللفظ فی معناه المطابقی عن الحجیة من جهة قیام دلیل أقوی علی خلافه فلا وجه لرفع الید عن ظهوره فی معناه الالتزامی لعدم المانع عنه أصلاً.

و بعد ذلک فنقول: بما أنّ الأمر قد تعلّق بفعل غیر مقید بحصّة خاصّة و هی الحصّة المقدورة فهو کما یدلّ علی وجوبه مطلقاً یدل علی کونه ذا ملاک بناءً علی تبعیة الأحکام لما فی متعلّقاتها من المصالح و المفاسد الواقعیة.

ص: 76

غایة الأمر أنّ دلالته علی وجوبه بالدلالة المطابقیة و علی کونه ذا ملاک بالدلالة الالتزامیة.

نتیجة ذلک عدة أُمور:

الأمر الأوّل: إنّ الدلالة الالتزامیة تابعة للدلالة المطابقیة حدوثاً لا بقاءً.

الأمر الثانی: إنّ الملاک قائم بالجامع بین الحصّة المقدورة و غیرها و لازم ذلک صحّة الفرد المزاحم، فإنّ الصغری (و هی کونه تامّ الملاک) محرزة و الکبری (و هی کفایة قصد الملاک فی وقوع الشیء عبادة) ثابتة.

الأمر الثالث: یختص الوجوب بخصوص الحصّة المقدورة من جهة حکم العقل باعتبار القدرة فی متعلّقه أو من جهة اقتضاء نفس التکلیف لذلک.

الأمر الرابع: إنّ الملاک تابع للإرادة الإنشائیة المتعلّقة بالفعل دون الإرادة الجدیة فإنّ الإرادة الإنشائیة تعلّقت بالجامع و الإرادة الجدیة تعلّقت بحصّة خاصّة منه و هی الحصّة المقدورة.

إیرادان من المحقّق الخوئی (قدس سره) علی الوجه الثانی:
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل: یشتمل علی نقوض و حلّ
أمّا الجواب النقضی:

النقض الأوّل: إذا قام البینة علی ملاقاة الثوب للنجاسة – و هی تدلّ بالالتزام علی نجاسة الثوب- ثم علمنا بکذب البینة تسقط الدلالة المطابقیة فهل یمکن بقاء الدلالة الالتزامیة علی نجاسة الثوب (حیث إنّا نحتمل نجاسة الثوب بمنجس آخر و لکن لم یثبت ذلک) و لانظن أن یلتزم بذلک أحد.

ص: 77


1- المحاضرات، ج3، ص74.

النقض الثانی: إذا کانت الدار تحت ید زید و قامت بینة علی کونها لعمرو و بینة أُخری علی کونها لبکر فتساقط البینتان فهل یمکن الأخذ بمدلولهما الالتزامی و هو عدم کون الدار لزید فیعامل الدار معاملة مجهول المالک و لایلتزم به أحد.

النقض الثالث: إذا کانت الدار تحت ید زید و شهد واحد علی أنّ الدار لعمرو و شهد واحد علی أنّها لبکر فإنّ شهادة الواحد تحتاج إلی ضمّ الیمین مع قطع النظر عن معارضة الشهادتین فهل یمکن الأخذ بمدلولهما الالتزامی و هو عدم کون الدار لزید لشهادتهما بلاحاجة إلی ضمّ الیمین و هذا أیضاً لایمکن الالتزام به.

النقض الرابع: إذا کانت الدار تحت ید عمرو و قامت البینة علی أنّها لزید و لکن أقرّ زید بأنّها لیست له فتسقط البینة من جهة الإقرار لأنّ الإقرار مقدم علی البینة فهل یمکن الأخذ بمدلولها الالتزامی و الحکم بأنّ الدار لیست لعمرو فیکون مجهول المالک و هذا أیضاً لایلتزم به فی الفقه.

أمّا الجواب الحلّی:

إنّ الدلالة الالتزامیة ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: ثبوت الملزوم حدوثاً و بقاءً و الرکیزة الثانیة: ثبوت الملازمة بین الملزوم و لازمه.

و تنتجانِ ثبوت اللازم و هو المدلول الالتزامی فإنّ ظهور الکلام فی المدلول الالتزامی غیر ظهوره فی المدلول المطابقی و لکن ظهوره فی المدلول الالتزامی لیس علی نحو الإطلاق بل هو ظاهر فی ثبوت حصّة خاصة منه و هی الحصّة الملازمة للمدلول المطابقی.

ص: 78

مثال ذلک: إنّ الإخبار عن ملاقاة الثوب للدم إخبار عن نجاسته أیضاً و لکنّه لیس هذا المدلول الالتزامی هو الإخبار عن النجاسة علی الإطلاق بأی سبب کان بل إخبار عن حصّة خاصّة من النجاسة و هی الحصّة الملازمة لملاقاة الدم فإذا علمنا بکذب البینة علی ملاقاة الثوب للدم نعلم بکذب نجاسته بالدم و نجاسة الثوب بسبب آخر أجنبیة عن مفاد البینة.

الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ الوجوب إنّما یکشف عن الملاک کشف المعلول عن علّته بمقدار ما تعلّق به واقعاً و المفروض أنّ ما تعلّق به الوجوب هنا هو خصوص الحصّة المقدورة دون الأعم منها و بعبارة أُخری: إنّ ثبوت الملاک علی مذهب العدلیة إنّما هو فی متعلّق الإرادة الجدیة فسعة الملاک فی مقام الإثبات تدور مدار سعة الإرادة الجدیة و لا أثر للإرادة الإستعمالیة فی ذلک أصلاً.

یلاحظ علیه:

إنّ القدرة مأخوذة فی التکلیف عقلاً لا باقتضاء نفس الخطاب خلافاً للمحقّق النائینی (قدس سره) فعلی هذا المبنی الإرادة الجدیة تعلّقت بالحصّة غیرِ المقدورة کما أنّ الإرادة الاستعمالیة تعلّقت بها بل الوجوب أیضاً تعلّق بالحصّة المزاحمة و لذا وقع التزاحم إلّا أنّ الوجوب الفعلی لم یصل إلی حد التنجّز، فإنّ القدرة قد تکون شرطاً لفعلیة التکلیف و أُخری تکون شرطاً لتنجّزه و القدرة المفقودة فی الفرد المزاحم هی القدرة التی تکون شرطاً للتنجّز و إلّا فإنّ المکلّف یقدر علی الإتیان بالفعل و هذا نظیر فقدان القدرة علی الصوم عند المرض فإنّ الوجوب تعلّق بالصوم و هو فعلی إلّا أنّه لم یتنجّز للمرض و هکذا الأمر إن قلنا بأنّ القدرة غیر معتبرة فی صحّة التکلیف کما هو مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 79

تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف
اشارة

((1)):

إنّ هنا ثلاثة أقوال فی اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف:

ص: 80


1- فی آراء حول مبحث الألفاظ فی علم الأصول للفانی الإصفهانی، ج 2، ص75 – 79: «و مما ذکرناه ظهر حالُ مسئلةٍ عویصةٍ صارت معرکةُ الآراء بین متأخّری الأصولیین و هی الترتب حتی ادّعی صاحب الکفایة (قده) استحالته علی مبناه الذی علیه المشهور من دخل القدرة فی التکلیف شرعاً بأحد أنحائه الآتیة و تصدّی جلُّ من تأخّر عنه لو لا الکل لتصحیحه مشیاً علی ارتکاز دخلها فی الإمتثال عقلا مریدین تطبیق المصطلحات علی المرتکز فلم ینجحوا و وقعوا فیما وقعوا من المحاذیر التی ستعرفها ... و توضیح ذلک زیادة عما عرفت آنفاً فی نفی الثمرة یستدعی تفصیل الأقوال فی مورد اعتبار القدرة و الحاکم باعتبارها فنقول و نستمدّ التوفیق من الله عزّ و جل: إنّ اعتبارها یتصور علی أنحاء أربعة: الأوّل أن تکون القدرة شرطا للجعل بالمعنی المصدری أی لصدور التکلیف عن الآمر الملتفت إلی عجز المکلف عن الإمتثال یقبح عقلاً صدور التکلیف منه فمورد اعتبار القدرة علی هذا قبل الجعل و الحاکم بالإعتبار هو العقل فتکون مسئلة کلامیة، و أظنّ بأنّه قد ذهب إلی هذا النحو من الإعتبار بعضُ الأصولیین ... الثانی أن تکون القدرة شرطاً للجعل بالمعنی الإسم المصدری أی حدّا شرعیاً للحکم و قیداً مأخوذاً فی مضمون الخطاب شرعا و الکاشف عن هذا التقیید هو العقل المستقل بقبح توجیه الخطاب نحو العاجز، و قد ذهب إلی هذا النحو من الإعتبار صاحب الکفایة و تبعه بعض تلامذته قدّس سرهم ... الثالث أن تکون القدرة شرطا فی متعلّق الخطاب عقلا بأن یکون التکلیف متعلقا بالحصّة المقدورة من المتعلق دون غیر المقدورة من أوّل الأمر بمقتضی ذات البعث قیاساً للإرادة التشریعیة أی جعل التکلیف بالإرادة التکوینیة أی المیل الطبعی الصادر منه الفعل فی الخارج، إذ کما أنّ الإرادة التکوینیة لاتتعلّق بغیر المقدور فلاتتحرک عضلات الفاعل نحوَ إیجاد ما لایقدر علیه تکویناً و فی عالم الخارج أبداً فلتکن کذلک الإرادة التشریعیة أی البعث الذی حقیقته حمل المکلف و دفعه نحو ایجاد المبعوث إلیه ضرورة أنها تابعة للارادة التکوینیة من الجاعل، فلا یتعلق التکلیف شرعا بفعل غیر مقدور أبداً، و قد ذهب إلی هذا النحو من اعتبار القدرة فی التکلیف بعض الأساطین (ره) علی ما یظهر من شتات کلماته الّتی منها ما تقدّم فی مقام نفی الثمرة إشکالاً علی مقال المحقق الثانی (قده) و منها غیر ذلک ... الرابع ما هو المختار الذی ظهر من خلال کلماتنا السالفة بأن تکون القدرة شرطاً لتنجّز الخطاب أی فی مرحلة امتثال التکلیف عقلاً فقط فوجود القدرة مصحّحٌ للمؤاخذة علی ترک امتثال التکلیف و عدمها أی العجز مُؤمّنٌ عنها، و هذا النحو من الإعتبار مما یوافقه الثبوت و الإثبات معاً».
القول الأوّل:

إنّ القدرة شرط فی صحّة التکلیف بحکم العقل و اختلف القائلون به فبعضهم قالوا: إنّ القدرة علی بعض أفراد الطبیعة تکفی لصحّة الأمر بالطبیعة و هذا هو مختار المحقّق الثانی (قدس سره) و بعضهم قالوا: إذا کان بعض أفراد الطبیعة مقدوراً و بعضها غیر مقدور لایمکن تعلّق الأمر بالطبیعة الجامعة بین الأفراد المقدورة و الأفراد غیرِ المقدورة.

القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ القدرة شرط فی صحّة التکلیف باقتضاء الخطاب و الدلیل علی ذلک هو أنّ المُنشَأ بصیغة الأمر أو ما شاکلها إنّما هو الطلب و البعث نحو الفعل الإرادی، و الطلب و البعث التشریعیان عبارتان عن تحریک عضلات العبد نحو الفعل بإرادته و اختیاره و جعل الداعی له إلی إتیان الفعل و جعل الداعی یقتضی إمکان المدعوّ إلیه، فإنّ النسبة بین الداعی و المدعوّ إلیه نسبة التضایف فإمکان تحقّق الداعی لایکون إلّا فی ما إذا أمکن تحقّق المدعوّ إلیه فحینئذ جعل الداعی إنّما یمکن فی الفعل الذی یکون مقدوراً فاقتضاء الخطاب هو مقدوریة متعلّقه فما هو غیر المقدور لایکون متعلّق التکلیف و لایصحّ توجه الخطاب و الأمر نحوه.

ثمّ إنّ ما لیس مقدوراً بالقدرة الشرعیة لایتوجه إلیه الخطاب أیضاً لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول:

إنّ حقیقة التکلیف عبارة عن اعتبار المولی کون الفعل علی ذمّة المکلّف و

ص: 81

إبرازه فی الخارج بمبرزٍما من صیغة الأمر أو ما شاکلها و لا نتصور للإنشاء معنی ماعدا إبراز ذلک الأمر الاعتباری.

و علی هذا إنّ الصیغة لاتدلّ علی الوجوب بل تدلّ علی إبراز الأمر الاعتباری القائم بالنفس و لکن العقل ینتزع منه الوجوب بمقتضی قانون العبودیة و المولویة ما لم تنصب قرینة علی الترخیص فی الترک.

فالوجوب إنّما هو بحکم العقل و من لوازم إبراز الشیء علی ذمّة المکلّف إذا لم تکن قرینة علی الترخیص.

أمّا الطلب فقد ذکرنا أنّه عبارة عن التصدّی لتحصیل شیء فی الخارج وصیغة الأمر أو ما شاکلها من أحد مصادیق هذا الطلب و لیس مدلولاً للصیغة بل الآمر یتصدّی بصیغة الأمر لتحصیل مطلوبه فی الخارج فالصیغة من أظهر مصادیق الطلب.

فلامقتضی لاختصاص الفعل بالحصّة المقدورة، فإنّ اعتبار المولی الفعل علی عهدة المکلّف و ذمّته، لایقتضی اختصاص الفعل بالحصة المقدورة، ضرورة أنّه لا مانع من اعتبار الطبیعی الجامع بین المقدور و غیر المقدور علی عهدة المکلّف.

کما أنّ إبراز المولی لذلک الأمر الاعتباری النفسانی بمبرز فی الخارج لایقتضی ذلک فبالنتیجة لامقتضی من قبل نفس التکلیف لاعتبار القدرة فی المتعلّق.((1))

القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ القدرة علی المتعلّق لاتعتبر فی صحّة التکلیف فلامانع من تکلیف العاجز؛

ص: 82


1- المحاضرات، ج3، ص66.
2- المحاضرات، ج3، ص67.

و المکلّف إن لم یکن قادراً حین جعل التکلیف و صار قادراً فی ظرف الامتثال صحّ التکلیف و لم یکن التکلیف حینئذ قبیحاً.

بل العقل یحکم بلزوم القدرة علی المتعلّق فی ظرف الامتثال فإنّ ملاک حکم العقل إنّما هو قبح توجیه التکلیف إلی العاجز عنه فی مرحلة الامتثال.

فالعبرة إنّما هی بالقدرة فی مرحلة الامتثال سواء کان قبلها قادراً أم لم یکن فبالنتیجة تحصّل أمران:

الأمر الأوّل: أنّ القدرة لیست شرطاً للتکلیف لا باقتضاء الخطاب و لا بحکم العقل و الأمر الثانی: أنّ القدرة شرط لحکم العقل بلزوم الامتثال و الإطاعة و مأخوذة فی موضوع حکم وجوب الإطاعة و الامتثال.

فلا متقضی لاختصاص الفعل بالحصّة المقدورة.

أمّا الإشکال بأنّ تعلّق التکلیف بالجامع بین المقدور و غیره و إن لم یکن مستحیلاً و لکنّه لغو، إذ المکلّف لاینبعث نحو المقدور و لایتمکّن إلّا من إیجاد المقدور، إذن ما هی فائدة تعلّقه بالجامع؟ فمدفوع؛

أوّلاً: بأنّ الفرد غیر المقدور حین الخطاب قد یکون مقدوراً فی ظرف الامتثال و الفائدة هی توجه الخطاب نحوه لیکون بإتیانه ممتثلاً للتکلیف فی ظرف الامتثال.

ثانیاً: بأنّه قد یکون الفرد مقدوراً عقلاً و غیر مقدور شرعاً من جهة و مصداقاً للطبیعة المأمور بها من جهه أُخری، فحینئذ الإتیان به یکون من مصادیق إتیان المأمور به فإذا أتی به بقصد القربة یکون المکلّف ممتثلاً للتکلیف المتوجه إلی طبیعی المأمور به فیسقط التکلیف بل یسقط التکلیف بتحقّق فرد منه فی الخارج بغیر اختیاره و إرادته (فی الواجب التوصّلی).

ص: 83

الأمر الثانی:
اشارة

الأمر الثانی الذی یتوقف علیه إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی الثمرة الثالثة هو أنّ النهی الغیری لایکون مانعاً من صحّة العبادة لأنّه لاینشأ من مفسدة فی متعلّقه لیکون کاشفاً عن عدم تمامیة ملاک الأمر (کما هو مختار المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما).((1))

إشکال علی هذا الأمر:

قد استشکل علیه بأنّ النهی الغیری نحو الشیء یوجب مبغوضیّته فإنّ ما زجر عنه المولی یکون مبغوضاً عنده و المبغوض لایکون مقرّباً.

بل لا أقل من الشک فی المقرّبیة و المرجع حینئذ قاعدة الاشتغال.

جواب عن هذا الإشکال:

إنّ ما تعلّق به النهی الغیری لیس مغبوضاً فی نفسه بل قد یکون أمراً حسناً و محبوباً للمولی فی نفسه و بحسب العنوان الأوّلی و النهی الغیری تعلّق به بجهة أُخری.

و النهی الغیری لا ملاک له فی متعلّقه فهو کما لایکون واجداً للملاک المستقل فی متعلّقه لایکون موجباً لانعدام ملاک الأمر حیث إنّ ملاک الأمر له واقعیة خارجیة و لاینعدم إلّا إذا وجد فی المتعلّق مفسدة غالبة علیه و غایة ما یقتضیه النهی الغیری هو إسقاط الأمر.

ص: 84


1- المحاضرات، ج3، ص88.

البحث الرابع: الترتب

اشارة

فیه مقدمات خمس و مقامان

ص: 85

ص: 86

مقدمات

اشارة

قد تصدّی جمع من الأعلام((1)) لتصحیح الأمر بالضدّ بنحو الترتّب علی عصیان الضدّ الأوّل أو العزم علی عصیانه.

ص: 87


1- فی الفوائد الأصولیة للشیخ الأنصاری، ص405، فائدة 12 (فی أنّ الأمر بشی ءٍ [هل] یقتضی النهی عن ضدّه أم لا؟): «قد صدر من المحقّق الثانی- فی محکی شرح القواعد- قولٌ بصحّة العبادة و لو کان آثِماً فی تقدیمها علی أداء الدّین ثمّ تبعه بعضٌ من متأخّری المتاخرین کالشیخ الفقیه فی کشف الغطاء و تبعه تلمیذه المحقق الشیخ فی الحاشیة مع زیادة تحقیقٍ منه فی تصحیح ذلک ثم تبعهما فی الفصول و غیره کصاحب القوانین و نحوه». و فی قلائد الفرائد للشیخ غلامرضا القمی (1332)، ج 1، ص653 عند التعلیقة علی قوله رحمه الله: «و الثالث ما ذکره کاشف الغطاء رحمه الله»: «أقول: قد سبقه فی ذلک المحقّق الکرکی فی محکی باب الدِّین و الشهید فی محکی الروض، و تبعهم عدّة من مشایخ متأخّری المتأخّرین». و فی تعلیقة القوچانی (1333) علی کفایة الأصول، ج 1، ص325: «قوله "ثم إنّه تصدّی جماعةٌ من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضد" کصاحب کشف الغطاء و صاحب الحاشیة و صاحب الفصول و السید الشیرازی و بعض تلامذته». و فی أجود التقریرات، ج 1، ص285: «و بالجملة بعد امتناع بقاء کلٍّ من الواجبین المتزاحمین علی حاله و لزوم بقاء إطلاق الأمر بالأهمّ علی ما کان علیه وقع الکلام فی أنّ السّاقط عند المزاحمة هل هو أصل الأمر بالمهم أو إطلاقه؟ ذهب المحقق الثانی قده و جملةٌ ممّن تأخّر عنه و منهم سید أساتیذنا المحقق العلّامة الشیرازی قدّس الله أسرارهم إلی الثانی و لأجله إلتزموا ببقاء الأمر بالمهم أیضا حال المزاحمة مشروطاً بعصیان الأمر بالأهمّ و مترتباً علیه و ذهب بعضهم و منهم العلّامة الأنصاری و المحقق صاحب الکفایة قدّس سرهما إلی الأول و الحقّ ما ذهب إلیه المحقق الثانی قده». و فی دُررالفوائد، ط.ج. ص140: «و الوجه الثانی ما أفاده سید مشایخ عصرنا المیرزا الشیرازی قدّس سرّه و شید ارکانه و أقام برهانه تلمیذه الجلیل و النّحریر الّذی لیس له بدیلٌ سیدنا الأستاذ السید محمد الإصفهانی جزاهما الله عن الإسلام و أهله أفضل الجزاء». و فی إیضاح الفرائد للسید محمد التنکابنی (1359)، ج 2، ص411: «أوّل من قال بالترتب لکن فی مسئلة الضدّین بناء علی أنّ الأمر بالشی ء مقتضٍ للنهی عن ضده الخاص هو المحقق الثانی فی جامع المقاصد علی ما ذکره شیخنا قدّس سره و تلمیذ المصنّف فی مطارح الأنظار و تبعه فی ذلک کاشف الغطاء فی المسألة المزبورة و فی مسئلة الضدّین المضیقین مع کون أحدهما أهمّ و فی مسئلتی القصر و الإتمام و الجهر و الإخفات و قرّره علی ذلک المحقّق المحشّی الإصفهانی و أخوه صاحب الفصول و جمعٌ آخر ممّن عاصرناهم منهم المحقق المدقق العلّامة الحاج میرزا محمّد حسن الشیرازی رفع الله مقاماتهم الشریفة لکن لم یصرّحوا بتسریته إلی المقام و قد نقل شیخنا قدّس سره فی الحاشیة عبارات المحقق الثانی و کاشف الغطاء و المحقق المحشی من أرادها راجع الیها». و فی مقالات الأصول، ج 1، ص341: «و إلیه ذهب جملةٌ من أساطین الفن، مبدؤهم المحقّق الثانی صاحب جامع المقاصد علی ما نسب إلیه و أید هذا المسلک سید الأساطین المیرزا الشیرازی عطّر الله مرقده و تبعه جملةٌ من أساتیذ العصر رضوان الله علیهم». راجع أصول الفقه للشیخ محمد رضا المظفر (1383)، ج 1، ص309؛ و تهذیب الأصول للسید عبدالأعلی السبزواری؛ ج 1 ص230؛ و منتهی الدرایة فی توضیح الکفایة، ج 2، ص468. و القائلین بالترتب عدّةٌ من الأعلام: راجع صاحب هدایة المسترشدین، ط.ج. ج 2، ص271؛ و صاحب الفصول الغرویة، ص98؛ و وقایة الأذهان، ص301 و ص494؛ و حاشیة الکفایة للعلّامة الطباطبائی، ج 1، ص130 و 131؛ و عنایة الأصول، ج 1، ص438 و ص446.

و أوّل من تصدّی لذلک هو المحقّق الثانی (قدس سره) ((1)) و التزم به الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء((2)) و المحقق التقی و صاحب الفصول و السید المجدّد المیرزا

ص: 88


1- جامع المقاصد، ج5، ص12 – 14.
2- کشف الغطاء ط.ق. ج1، ص27.

الشیرازی((1)) و السید الفشارکی((2)) و المحقّق النائینی و المحقّق الحائری((3)) و

ص: 89


1- فی تقریرات آیة الله المجدد الشیرازی، ج2، ص273: «ثمّ إنّه بعد البناء علی جواز تعلیق الوجوب السابق علی الشرط المتأخر و تعلّقه بأحد الوجوه المتقدمة بحیث لایلزم محذورٌ من جهة تأخر شرط الوجوب، فهل یعقل کون ذلک الأمر المتأخر المعلّق علیه الوجوب من المحرّمات إذا کان من المقدمات الوجودیة للواجب أیضاً مع عدم بدلٍ له - بمعنی انحصار المقدمة الوجودیة فیه بمعنی أنّه لایلزم محذورٌ من جهة کون المعلّق علیه المتأخّر حراماً - أو لا؟ المنسوب إلی المشهور هو الثانی لکنّ الحقّ - وفاقاً لجمعٍ من المحققین منهم الکرکی قدّس سره فی باب الدّین من جامع المقاصد فی شرح کلام العلّامة قدّس سره فی بیان اشتغال المدیون المتمکّن من أداء الدِّین بالصلاة مع مطالبة ذی الدین و منهم الشیخ الأجلّ الشیخ جعفر قدّس سره فی مقدّمات کشف الغطاء فی مسألة اقتضاء الأمر النهی عن الضد و بعضُ من تأخّر عنهما من الأعلام – الأوّلُ». و أیضاً راجع ص276 – 278؛ و ج3 ص121 – 124.
2- فی الرسائل الفشارکیة، ص185 - 189: «و قد ذکر لصحّة الترتّب وجوه آخر: أحدها أنّ التکلیف الثانی لمّا کان معلّقا علی أمرٍ اختیاری للمکلّف و هو معصیة التکلیف الأوّل، أو علی أمر حصوله باختیار المکلّف و هو کون المکلّف ممّن یعصی التکلیف الأوّل جاز تنجّزه عند حصول شرطه من لزوم إرادة إیجاد المتنافیین فی زمانٍ لایسع لهما لایمنع عن صحة التکلیف، لأنّ التکلیف بالمحال إذا کان ناشئا من اختیار المکلّف لا ضیر فیه ... و فیه ... الثانی: أنّ التکلیف المشروط مرتبته متأخّرة عن التکلیف المطلق و لیس أحدهما فی مرتبة الآخر و معه لا مانع من تحقّقهما ... و فیه ... الثالث: أنّ التکلیف بالمتنافیین إنّما یکون قبیحا إذا لزم منه إرادة الجمع بینهما، و إذا لم یلزم منه ذلک فلا مانع منه، لأنّ المانع من التکلیف بذلک لیس إلّا التکلیف بغیر المقدور، و الخارج عن قدرة المکلّف هو الجمع بینهما و التکلیف بأحد المتنافیین حال التکلیف بالآخر إنّما یلزم منه إرادة الجمع إذا کان کلاهما مطلقین، و أمّا مع تقیید الثانی بعدم إیجاد المکلّف متعلّق الأوّل لایلزم منه ذلک ... هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تصحیح الأمر بالمتنافیین علی وجه الترتیب و أَمتَنُها الوجه الأخیر الّذی هو من أفکار السید الأستاذ».
3- فی دررالفوائد ط.ج. ص138 - 147: «... و اّلذی یمکن أن یکون وجهاً لذلک أحد أمرین: الأوّل: ما نُقل عن بعض الأساطین من أنّ الأمر بالضد إنّما ینافی الأمر بضدّه الآخر لو کانا مضیقین، أمّا لو کان أحدهما مضیقا و الآخر موسّعا فلا مانع من الأمر بکلیهما، لأنّ المانع لیس إلّا لزوم التکلیف بما لایطاق... و الوجه الثانی: ما أفاده سید مشایخ عصرنا المیرزا الشیرازی ... و هو أن یتعلق الأمر أوّلاً بالضد الذی یکون أهمّ فی نظر الآمر مطلقا من غیر التقیید بشی ءٍ، ثمّ یتعلّق أمرٌ آخر بضدّه متفرّعا علی عصیان ذلک الأمر الأوّل و إثبات هذا المطلب یستدعی رسم مقدّمات [أربع] ... إذا عرفت المقدمات المذکورة فنقول ... هذا غایة ما یمکن أن یقال فی المقام و علیک بالتأمّل التّامّ فإنّه من مزالّ الأقدام.

المحقّق العراقی((1)) و المحقّق الإصفهانی (قدس سره).

و خالفهم فی ذلک المحقّق الخراسانی صاحب الکفایة((2)) (قدس سره) و المشهور عن

ص: 90


1- فی مقالات الأصول، ج 1، ص341: «و إنّما الإشکال و معرکة الآراء فی أنّ الأمر بشی ء یقتضی عدم الأمر بضدّه علی الإطلاق و یقتضی عدم إطلاق أمره و أمّا إذا کان مشروطاً بعصیانه بنحو الشرط المقارن فلایقتضی الأمر بضدّه منعه ... و لایخفی أنّ هذا المسلک یقتضی قهراً طولیة الأمرین و لعلّه وجه مناسبة تسمیة هذه المسألة بالترتّب و عمدة نظرهم فی وجه تصحیح الأمرین المزبور فی زمان واحد هو أنّ وجهَ المضادّة بین الأمرین علی الإطلاق وقوعُ المطاردة بینهما حیث إنّ کلّ أمر یقتضی وجوداً طارداً لضدّه و لازمه إیقاع المکلّف فیما لایطاق، و أمّا إذا کان أحدهما مشروطا بعصیان الآخر فلایقتضی هذا الأمر طردُ الآخر لعدم اقتضاء الأمر المشروط حفظ شرطه کما أنّ الآخر أیضاً لایطارد هذا الأمر المشروط بعصیانه لأنّه فی مرتبة وجود المشروط منعزلٌ عن التأثیر بل لایکون فی هذه المرتبة موجوداً لاستحالة إطلاقه مرتبة عصیانه أو إطاعته و حینئذ فمن قبل هذین الأمرین لایقع المکلّف فیما لایطاق لعدم أوّل أمره إلی الجمع بین الضدین ... هذا ملخّص بیان مرامهم. أقول ما أفید فی بیان المرام فی غایة المتانة و لکنّ هذا المقدار لایقتضی طولیة الأمرین و اشتراط أحدهما بعصیان الآخر و توضیح ذلک بأن یقال: إنّه لا شبهة فی صورة تساوی المصلحتین فی حکم العقل بالتخییر بینهما» إلخ. و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص373: «و من ذلک البیان ظهر أیضا عدم الحاجة إلی التشبث بالترتّب و الطولیة فی إثبات الأمر التامّ بالمهم بإناطة أمره بعصیان الأهمّ، و ذلک لأنّه و إن کان هذا التقریب أیضا بنفسه تقریبا تامّا نفیسا و یرتفع به محذور المطاردة بین الأمرین بلحاظ صیرورة الأمر بالمهمّ حسب إناطته بعصیان الأهمّ فی رتبة متأخرة عن سقوط أمر الأهمّ إلّا أنّه غیرُ محتاجٍ إلیه بعد إمکان الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة و اندفاع محذور المطاردة بینهما بجعل الأمر بالمهم أمراً ناقصاً غیرُ تامٍّ، بل و لئن تدّبرت تری کون مثل هذا التقریب فی طول التقریب الّذی ذکرناه و عدم وصول النوبة إلی الأمر التام بمقتضی الترتب إلّا فی فرض عدم إمکان تأثیر مصلحة المهمّ فی الأمر الناقص فی رتبة الأمر بالأهم».
2- فی درر الفوائد فی الحاشیة علی الفرائد (الحاشیةالجدیدة) ص278 – 280 عند التعلیقة علی قوله قده: «و یردّه أنّا لانعقل التّرتیب بین المقامین» یذکر إشکالات ثلاثة و یجیب عنها: الإشکال الأول: «توجیه التکلیف إلی المتضادّین إنّما یقبح إذا لم یکن بتوسیط إختیار المکلّف فی البین و بعبارةٍ أخری إذا لم یکن له مناصٌ کما کان له فیما نحن فیه، حیث یکون له الإتیان بالأهمّ فی مسألة الضّدّین، و القصر و الجهر فی هذه المسألة لو لا تقصیره فی التعلّم». الإشکال الثانی: «نعم لا مجال لإنکار قبح الأمر بهما علی کلّ حال و لو علّق علی الإختیار لکنّه إذا لزم منه إرادة الأمر للجمع بینهما لا مطلقا و لایلزم ذلک مع الترتیب بینهما کما فیما نحن فیه، کیف و إیجاب أحدهما لمّا کان معلّقاً علی عدم إتیان الآخر فی زمانه، و عصیانه لأمره، کان الجمع بینهما فرضاً محالاً موجباً للتفریق بین التکلیفین لانتفاء ما علّق علیه الثانی منهما فکیف یریده و بالجملة إنّما یراد الجمع لو لم یلزم من فرضه إنتفاء الأمر بأحدهما، کما فیما إذا لم یکن بین تکلیفهما ترتّب». الإشکال الثالث: «التکلیف بالمتضادّین علی نحو الترتّب من العقلاء فوق حدّ الإحصاء من دون نکیر فلولا جوازه عقلاً فکیف یصدر منهم بدون ذلک». و تبعه فی ذلک المحقق القوچانی و المشکینی: ففی تعلیقة القوچانی علی کفایة الأصول، ج 1، ص327: «إنّما الکلام فی صحّته [أی الأمر بغیر الأهمّ] مع تحقّق الوحدتین [أی وحدة زمان الأمرین و زمان الفعلین] و غایة ما یمکن أن یقال فی تقریبه وجهان: أحدهما: أنّ الأمر بالمهم مشروط بترک الأهمّ فی وقته، و المشروط بشی ء لایشمل حال عدمه، فلایتحقق فی ظرف إیجاد الأهمّ ثم إنّ الأمر بالأهمّ لایکون شاملاً لحال عدمه أیضا کما هو شأن کلِّ أمرٍ مطلقٍ، حیث إنّه لایمکن اطلاقه فی رتبة عدمه و إلّا لزم الأمر بالنقیض فی مرتبة نقیضه الآخر و هو محال، و حینئذ فلایجتمعان فی مرتبة واحدة ... و لکنّ التحقیق: عدم صحة التقریب، و بیانه یتمّ برسم أمورٍ». و فی ص332 – 334: «الثانی من التقریبین: أنّه یرجع الأمر بالمهم إلی طلب سدّ أنحاء عدمه إلّا سدّ عدمه الذی ینشأ من قبل فعل الأهمّ ... ثم إنّک بعد ما عرفت البرهان علی امتناع الترتب تعلم أنّه علی تقدیر عدم إتیان المکلف للضدین لایعاقب إلّا بالنسبة إلی مخالفة الأهمّ، دون غیره، لعدم فعلیة أمره؛ و أمّا إستبعاد ذلک من ملاحظة بعض الأمثلة فهو شبهة فی مقابلة الوجدان و إشتباه الأهمّ بغیره ... إذا عرفت ما ذکرنا من عدم صحة القول بالترتب، فیظهر أنّ صحة الضد منحصرةٌ بما ذکرنا من کفایة الحسن الذاتی فی کون الشی ء عبادة و إن لم یکن أمرٌ فی البین». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص44: «إنّ الحقّ بطلان الترتّب، و ما یمکن الإستدلال- أو استدلّ- به علیه وجوهٌ [ثمانیة]».

ص: 91

الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً إنکار الترتّب و لکن قال بعض الأساطین (حفظه الله): إنّ کلمات الشیخ (قدس سره) اختلفت هنا((1)) فیستفاد من بعضها استحالة الترتّب((2)) کما

ص: 92


1- قد أورد بعضٌ علی کلمات الشیخ بالتهافت و أجاب عنه بعضٌ آخر فننقل کلیهما لوضوح الحقّ: ففی أجود التقریرات، ج 1، ص287: «و من الغریب أنّ العلّامة الأنصاری (قدس سره) مع إنکاره الترتب و بنائه علی سقوط أصل خطاب المهم دون إطلاقه ذهب فی تعارض الخبرین بناءً علی السببیة إلی سقوط إطلاق وجوب العمل علی طبق کلٍّ من الخبرین ببیان أنّ محذور التزاحم یرتفع عند سقوط الإطلاقین فیکون وجوب العمل بکل منهما مشروطاً بعدم العمل علی طبق الآخر و هذا التقیید و الإشتراط إنّما نشأ من اعتبار القدرة فی فعلیة التکلیف و حاصل ما ذکره (قدس سره) یرجع إلی الإلتزام بخطابین مترتب کل منهما علی عدم امتثال الآخر (فلیت شعری) لو امتنع ترتّب أحد الخطابین علی عدم امتثال الآخر کما فیما نحن فیه لاستلزامه طلب الجمع بین الضدین کما توهّم فهل ضمّ ترتّب إلی مثله یوجب ارتفاع المحذور؟ إلّا أنّ الإشتباه من الأساطین قدس الله أسرارهم غیرُ عزیزٍ». و راجع زبدة الأصول، ج 2، ص300 – 302 .
2- فی مطارح الأنظار، (ط.ق): هدایةٌ [فی صحة اشتراط الوجوب بمقدمة محرّمة عقلا]، ص56: «قال المحقق الثانی فی شرح قول العلّامة رحمه الله و لایصح الصلاة فی أوّل وقتها ممن علیه دَینٌ واجبُ الأداء فوراً ... و یظهر مراده إجمالاً مما أفاده الشیخ فی الکشف قال فی مبحث اقتضاء الأمر النهی عن ضده: إنحصار المقدمة بالحرام بعد شغل الذمة لاینافی الصحة و إن استلزم المعصیة ... إنتهی قلت و کأنّه یشیر بقوله کما هو أقوی الوجوه إلی الإشکال المعروف بینهم من صحة صلاة الجاهل بهما و لو کان مقصّر!ا مع التکلیف بالواقع و حلّه علی ما زعمه هو أنّ التکلیف بالواقع مقدم علی تکلیفه بما یخالفه فعلی تقدیر المخالفة یصح صلاته و إن کان آثما فی التأخیر و منشأ هذا التوهم هو الخلط بین اشتراط الوجوب بمقدمةٍ محرمةٍ مقدمة علی الواجب زمانا کما عرفت فی طی المسافة إلی المیقات للحجّ و بین اشتراطه بمقدمةٍ مقارنةٍ له فی الوجود و یظهر من بعضهم تقریباً للمطلب المذکور تمثیل فی المقام و هو أنّه لایمتنع عند العقل أن یقول المولی الحکیم لعبده أحرم علیک الکون فی دار زید و لکن لو عصیتنی و کنت فیها فیجب علیک الکون فی زاویةٍ خاصةٍ منها فالعبد حال کونه فی تلک الزاویة منهی عن الکون فیه مطلقا و مأمور به بشرط الکون فیها أقول فساده غیرُ خَفی إذ لایعقل أن یکون الأمر متعلقا بالکون الخاص علی تقدیر تعلق النهی عن مطلق الکون و أمّا ما یری من تجویز ذلک فی بعض المراتب فذلک مما لایجدی ... و لذلک سلک بعض أصحاب هذا القول مسلکا آخر فی تعلیقاته علی المعالم و محصّله أنّه زعم أنّ العصیان إنّما هو من مقدمات الوجوب فلایتّصف بالوجوب لما عرفت من أنّ المقدمة الوجوبیة غیرُ واجبةٍ فالأمر بالصلاة لیس منجّزا ما لم یحصل الشرط و هو و إن استقام کلامه بما زعمه من جهة عدم لزوم التکلیف بما لایطاق و لا اجتماع الأمر فی المقدمة إلّا أنّه مع ذلک غیرُ مستقیمٍ إذ الکلام فی جواز الدخول فی الفعل قبل حصول الشرط و استغربه و دفعه بأمرٍ غیرِ معقولٍ عندنا و هو جواز تأخیر الشرط عن المشروط قال فی جملة کلام له فی ذلک ... إنتهی موضع الحاجة من کلامه بتفاوت قلیل و فیه ما عرفت من أنّه لایعقل اشتراط الشی ء بالشرط المتأخر إذ حال عدم الشرط یمتنع وجود المشروط و إلّا لم یکن شرطا و أمّا الإجازة فی الفضولی فقد بینّا فی محله أنّ القاعدة یقضی بالنقل فیها و علی القول بالکشف لابدّ من الکشف الحکمی و أمّا الکشف الحقیقی فما لا واقع له و إن بالغ فیه بعض الأفاضل و بالجملة فنحن لانؤمن بما لانعقله بعد کونه من الأمور التی من شأنها التعقل کما فی المقام و لذلک قد أعرض عن هذا المسلک أیضاً بعض من تبعهم فی أصل المطلب و زعم تفریع ذلک علی ما توهّمه من الفرق بین الواجب المشروط و الواجب المعلّق و تصدّی لبعض ما ذکرنا من عدم معقولیة تأخر الشرط عن المشروط بأنّ الشرط هو الوصف الإعتباری المنتزع عن الشی ء باعتبار لحوق الشرط له قال بعد إبداء الفرق بین ما تخیله من نوعی الوجوب ... إنتهی ما أفاده قدّس سره و فیه أوّلاً ما عرفت من فساد أصل المبنی مضافاً إلی تناقض صریح بین کلماته إذ الکلام إنّما هو فی الواجب المعلق علی ما زعمه و هو یغایر المشروط». إلخ و راجع فرائد الأصول، ج 2، ص437 – 439. و فی الفوائد الأصولیة للشیخ الأنصاری، ص405: «قال فی کشف الغطاء فی البحث عن المقدمات: « إنحصار المقدمة فی الحرام بعد شغل الذمة ل ینافی الصحة و إن استلزم المعصیة» ... و قد ذکرنا هذه العبارة و غیرها فی بحث مقدمة الواجب، و بینّا فسادها و فساد ما قیل من توجیهها و تشییدها من کلمات الشیخ فی الحاشیة و کلمات أخیه فی الفصول ببیانٍ مُشبِعٍ، فلانطیل بذکرها و ذکر ما فیها هنا» و راجع قلائد الفرائد، ج 1، ص653 و 654.

یستفاد من کلامه فی التعادل و التراجیح عند البحث عن الأصل فی المتعارضین علی القول بالسببیة إمکان الترتّب.((1))

ص: 93


1- تحقیق الأصول، ج3، ص199. و عبارة الشیخ فی فرائد الأصول، ج 4، ص36 و 37 هکذا: «لمّا کان امتثال التکلیف بالعمل بکلٍّ منهما [أی المتعارضین] کسائر التکالیف الشرعیة و العرفیة مشروطاً بالقدرة و المفروض أنّ کلّاً منهما مقدور فی حال ترک الآخر و غیر مقدور مع إیجاد الآخر، فکلّ منهما مع ترک الآخر مقدور یحرم ترکه و یتعین فعله، و مع إیجاد الآخر یجوز ترکه و لایعاقب علیه، فوجوب الأخذ بأحدهما نتیجة أدلّة وجوب الإمتثال و العمل بکلٍّ منهما، بعد تقیید وجوب الإمتثال بالقدرة و هذا ممّا یحکم به بدیهة العقل، کما فی کلّ واجبین إجتمعا علی المکلّف، و لا مانع من تعیین کلّ منهما علی المکلّف بمقتضی دلیله إلّا تعیین الآخر علیه کذلک ... لکن هذا کلّه علی تقدیر أن یکون العمل بالخبر من باب السببیة، بأن یکون قیام الخبر علی وجوب فعل واقعا، سببا شرعیا لوجوبه ظاهراً علی المکلّف، فیصیر المتعارضان من قبیل السببین المتزاحمین، فیلغی أحدهما مع وجود وصف السببیة فیه لإعمال الآخر، کما فی کلّ واجبین متزاحمین» إلخ.

قبل الورود فی البحث لابدّ من تقدیم أُمور:

المقدمة الأُولی:

إنّ البحث عن الترتّب یجدی فی ما إذا قلنا بسقوط الأمر بالعبادة و عدم إحراز تمامیة ملاکه و إلّا فإن قلنا بتصحیح العبادة المضادة للواجب الأهمّ بأحد الأمرین (1- وجود الأمر به و عدم سقوطه 2- وجود الملاک و تمامیته) فلا ثمرة فی البحث عن الترتّب.

و بعض الأعلام مثل السید الخوئی (قدس سره) حیث قال بعدم استکشاف تمامیة الملاک عند تزاحم الواجب الموسّع و الواجب المضیق أو عند تزاحم الواجبین المضیقین و أیضاً قال بعدم الأمر بالواجب المهمّ عند فعلیة الأمر بالأهمّ عند تزاحم الواجبین المضیقین (لاستحالة الأمر بالضدّین) فلابدّ لهم من البحث عن الترتّب لتصحیح العبادة المضادّة للواجب الأهمّ، فللبحث عندهم ثمرة مهمة جداً و للمحقّق النائینی (قدس سره) هنا کلام یأتی فی الأمر الخامس.((1))

ص: 94


1- فوائد الأصول، ص367.
المقدمة الثانیة:

إنّ البحث عن الترتّب من المباحث العقلیة، لأنّ البحث فیه عن إمکان الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب و طولیاً أو استحالته و الحاکم بالإمکان أو الاستحالة هو العقل فهذا البحث بحث عقلی لا لفظی.((1))

ص: 95


1- المحاضرات، ج3، ص94.
المقدمة الثالثة:

((1))

إنّ البحث عن الترتّب بحث ثبوتی و لانحتاج فیه إلی بحث إثباتی لأنّ إمکان تعلّق الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب یکفی لوقوعه.

توضیحه: إنّ الأمر بالضدّین محال لأنّه تکلیف بما لایطاق و تکلیف بالمحال و لکن لدفع هذا المحذور إمّا أن نرفع الید عن الأمر بالمهمّ و نقول بسقوطه و إمّا أن نرفع الید عن إطلاق الأمر بالمهمّ و نقول: إنّ الأمر بالمهم یکون فی فرض عصیان الأمر بالأهمّ أو العزم علی معصیته.

فإذا أمکن رفع الید عن الإطلاق فلاتصل النوبة إلی رفع الید عن أصل الأمر بالمهمّ لأنّ الضرورات تتقدّر بقدرها.

ص: 96


1- المحاضرات، ج3، ص94 - 95.
المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور
اشارة

((1))

إنّ الواجبین المتضادّین یتصوران علی ثلاث صور:

الصورة الأُولی: أن یکونا موسعین و هی لاتدخل فی کبری التزاحم قطعاً لتمکن المکلّف من الجمع بینهما فی سعة الوقت من دون مزاحمة.

الصورة الثانیة: أن یکونا مضیقین کالإزالة و الصلاة فی آخر وقتها و هی القدر المتقین من کبری التزاحم.

الصورة الثالثة: أن یکون أحدهما موسعاً و الآخر مضیقاً.

قولان فی الصورة الثالثة:
اشارة

هی داخلة فی التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) و خارجة عنه عند المحقّق الخوئی (قدس سره) .

والوجه فی ذلک هو أنّ تقابل الإطلاق و التقیید عند المحقّق النائینی (قدس سره) تقابل الملکة و العدم و عند المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) تقابل الضدّین بحسب مقام الثبوت و تقابل الملکة و العدم بحسب مقام الإثبات لأنّ الإطلاق فی مقام الثبوت هو لحاظ القیود و رفضها و الرفض أمر وجودی.

بیان المحقق النائینی (قدس سره) للقول الأوّل:

أمّا وجه دخوله فی التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) فهو أنّ کل مورد لایکون قابلاً للتقیید لایکون قابلاً للإطلاق أیضاً و فی ما نحن فیه یستحیل تقیید

ص: 97


1- المحاضرات، ج3، ص91 - 94.

الواجب الموسع بخصوص الفرد المزاحم فإطلاقه بالنسبة إلیه أیضاً لابدّ أن یکون مستحیلاً.

فعلی هذا یقع التزاحم بین فعلیة الواجب المضیق و إطلاق الواجب الموسع بالنسبة إلی الفرد المزاحم للواجب المقید فلابدّ إمّا من رفع الید عن فعلیة الواجب المضیق حتّی یکون إطلاق الواجب الموسع بالنسبة إلی الفرد المزاحم جاریاً و إمّا من التحفّظ علی فعلیة الواجب المضیق فیکون الإطلاق فی الواجب الموسع مستحیلاً و هذا هو التزاحم.

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی:

أمّا وجه عدم دخوله فی التزاحم عند المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) فهو أنّ استحالة تقیید متعلّق الحکم أو موضوعه بقید خاص تستلزم کون الإطلاق أو التقیید بخلاف ذلک القید ضروریاً فتلک الصورة خارجة عن کبری باب التزاحم، لأنّ معنی إطلاق الواجب الموسع هو أنّ الواجب صرف وجوده الجامع بین المبدأ و المنتهی من دون خصوصیات الأفراد و تشخصاتها فیه و علی هذا إنّ الفرد المزاحم و الفرد غیرَ المزاحم غیر داخلان فی متعلّق الوجوب بل متعلّق الوجوب هو الطبائع، فعند استحالة التقیید یجب الإطلاق لاستحالة الإهمال فی الواقعیات و لذا لا تنافی بین إطلاق الواجب الموسع و فعلیة الواجب المضیق، لأنّ المفروض فی وجوب الصلاة مثلاً هو أنّ الوجوب تعلّق بصرف وجوب الصلاة فی مجموع هذه الأزمنة لا فی کل زمان من تلک الأزمنة لینافی وجوب واجب آخر فی بعضها و لذلک صحّ الإتیان بالفرد المزاحم بداعی الأمر المتعلّق بصرف وجود الواجب فلا حاجة عندئذ إلی القول بالترتّب.

ص: 98


1- المحاضرات، ج3، ص93.
المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فی ما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً
اشارة

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال بعدم جریان الترتّب فی ما إذا کان الواجب المهمّ مشروطاً بالقدرة شرعاً و خالفه المحقّق الخوئی (قدس سره) و فصّل فی المقام بین الأمثلة التی ینطبق علیها کلام المحقّق النائینی (قدس سره) .

بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب:

((1))

إنّ الخطاب المترتّب علی عصیان الخطاب الأهم یتوقّف علی کون متعلّقه حال المزاحمة واجداً للملاک و قد بینا أنّ الکاشف عن ذلک هو إطلاق المتعلّق، فإذا کان المتعلّق مقیداً بالقدرة الشرعیة سواء کان التقیید مستفاداً من القرینة المتّصلة أم المنفصلة لم یبق للخطاب بالمهمّ محل أصلاً.

والوجه فیه هو أنّ الکاشف عن الملاک إطلاق متعلّق الأمر بالمهمّ و أمّا مع تقییده بالقدرة شرعاً فلا أمر عند عدم القدرة فلا کاشف عن الملاک و لایبقی مجال للتکلیف بالواجب المهمّ ترتّباً.

ثمّ قال المحقّق النائینی (قدس سره):

و منه یظهر أنّه لایمکن تصحیح الوضوء فی موارد الأمر بالتیمّم بالملاک أو بالخطاب الترتّبی، فإنّ الأمر بالوضوء مقید شرعاً بحال التمکّن من استعمال الماء بقرینة تقیید وجوب التیمّم بحال عدم الماء، ففی حال عدم التمکّن لا ملاک للوضوء کی یمکن القول بصحّته إمّا من باب الاکتفاء بالاشتمال علی

ص: 99


1- أجود التقریرات، ج2، ص90.

الملاک فی الحکم بالصحّة و إمّا من باب تجویز الخطاب الترتّبی (أی إمّا بالملاک و إمّا بالترتّب).

ولأجل ذلک لم یذهب العلامة المحقّق الشیخ الأنصاری (قدس سره) و لا العلّامة المحقّق تملیذه أُستاذ أساتیذنا1 إلی الصحّة فی الفرض المزبور مع أنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) یری کفایة الملاک فی صحّة العبادة و السید المحقّق المیرزا الشیرازی (قدس سره) یری جواز الخطاب الترتّبی.

و أمّا ذهاب السید المحقّق الطباطبایی الیزدی (قدس سره) إلی الصحّة فی مفروض الکلام فهو ناشئ من الغفلة عن حقیقة الأمر.

و قال فی فوائد الأُصول:((1))

إذا وجب صرف ما عنده من الماء لحفظ النفس المحترمة کان وضوؤه خالیاً عن الملاک، فلو عصی و توضّأ کان وضوؤه باطلاً و لایمکن تصحیحه بالملاک و لا بالأمر الترتّبی و من الغریب ما حکی عن بعض الأعاظم فی حاشیته علی النجاة من القول بصحّة الوضوء و الحال هذه و لایخفی فساده.

إیراد المحقّق الخوئی علی المحقّق النائینی (قدس سره)

((2)):

لابدّ من التفصیل بحسب الموارد و الأمثلة:

أمّا المثال الأوّل: (و هو بطلان الوضوء أو الغسل فی مورد الأمر بالتیمّم بتوهّم کونهما فاقداً للملاک فلایمکن تعلّق الأمر بهما و لو علی نحو الترتّب لاستحالة وجود الأمر بلاملاک).

ص: 100


1- فوائد الأصول، ج1-2، ص367.
2- المحاضرات، ج3، ص97.

فیرد علیه: أنّ القول بجواز تعلّق الأمر بالضدّین علی نحو الترتّب لایتوقّف علی إحراز الملاک فی الواجب المهمّ إذ لایمکن إحرازه فیه إلّا بتعلّق الأمر به فلو توقّف تعلّق الأمر به علی إحرازه لدار.

ولایفرق فی ذلک بین أن یکون الواجب المهمّ مشروطاً بالقدرة عقلاً و أن یکون مشروطاً بها شرعاً؛ و ذلک لما تقدّم من أنّه لایمکن إحراز الملاک إلّا من ناحیة الأمر فلو تمّ هذا التوهّم لکان مقتضاه عدم جریان الترتّب مطلقاً حتّی فی الواجب المشروط بالقدرة عقلاً.

إذن الصحیح هو عدم الفرق فی صحّة الترتّب و إمکانه بین الواجب المشروط بالقدرة الشرعیة و المشروط بالقدرة العقلیة لأنّ مبدأ إمکان الترتّب نقطة واحدة و هی أنّ تعلّق الأمر بالمهمّ علی تقدیر عصیان الأهمّ لایقتضی الجمع بین الضدّین لیکون محالاً، بل یقتضی الجمع بین الطلبین فی زمان واحد و لا إشکال فیه حیث إنّ المطلوب فی أحدهما مطلق و فی الآخر مقید بعدم الإتیان به فلو أتی بهما جمیعاً بقصد الأمر لکان تشریعاً محرّماً.

فعدم جریان الترتّب فی المشروط بالقدرة الشرعیة یبتنی علی أمرین:

الأوّل: أن یکون المهمّ واجداً للملاک حتّی فی حال مزاحمته للأمر بالأهمّ و فیه ما قلنا من أنّ الترتّب لایتوقّف علی إحراز الملاک فی المهمّ.

الثانی: أن یکون الأمر بالأهمّ مانعاً عن الأمر بالمهمّ و فیه أنّ مانعیته یکون فی ما إذا کان فی عرضه أمّا إذا کان فی طوله فلامانعیة.

أمّا المثال الثانی: (وهو ما إذا دار الأمر بین صرف الماء فی الوضوء أو الغسل و صرفه فی تطهیر الثوب و البدن).

فیرد علیه: أنّ عدم جریان الترتّب لیس لاشتراط المهمّ بالقدرة الشرعیة بل

ص: 101

لأنّ التزاحم یجری بین الواجبین النفسیین کالصلاة و الإزالة و لایعقل التزاحم بین أجزاء واجب واحد لأنّ الجمیع واجب بوجود واحد و یسقط الأمر بتعذّر أحد الأجزاء فحینئذ ثبوت الوجوب لسائر الأجزاء یحتاج إلی أمر جدید و هذا الدلیل فی الصلاة موجود و عندئذٍ یعلم إجمالاً بجعل أحد هذین الجزئین أو الشرطین فی الواقع.

ثمّ إنّ ما نسبه المحقّق النائینی (قدس سره) إلی السید الطباطبایی (قدس سره) خلاف ما أفاده فی العروة الوثقی (المسوّغ السادس للتیمّم) حیث قال ببطلان الوضوء أو الغسل فی هذا الفرع.

تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع:

((1))

إنّ الأقوی صحّة الوضوء و الغسل بما أنّهما عبادة فی نفسهما و متعلّق الأمر النفسی الاستحبابی و ذلک بالالتزام بأمره الاستحبابی النفسی ترتّباً.

ص: 102


1- المحاضرات، ج3، ص101.

المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتّب

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) بطریق الإنّ
اشارة

قال (قدس سره):((1))لا أظنّ أن یلتزم القائل بالترتّب، بما هو لازمه من الاستحقاق لعقوبتین فی صورة مخالفة الأمرین، ضرورة قبح العقاب علی ما لایقدر علیه العبد و لذا کان سیدنا الأُستاذ (قدس سره) (السید المجدد المیرزا الشیرازی (قدس سره) لایلتزم بتعدّد العقاب علی ما هو ببالی.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره):

(2)

إنّ الالتزام بجواز الترتّب یستلزم الالتزام بجواز تعدّد العقاب و لایلزم من الالتزام بالترتّب کون العقاب علی الأمرین من العقاب علی الأمر المستحیل ضرورة أنّ معنی إمکان الترتّب هو جواز تعلّق الأمر بالأهمّ علی وجه الإطلاق

ص: 103


1- کفایة الأصول، ص135.
2- المحاضرات، ج3، ص142. و فی رسائل السید جمال الدین گلپایگانی، قاعدة الترتب، ص51: «و ما حکی أستاذنا الأعظم فی الکفایة من أنّ سید مشایخنا رفع الله مقامه، کان غیرُ ملتزمٍ بتعدد العقاب، و کان عدم إلتزامه به، من جهة التأمّل فی تصویر العقابین المترتبین المعلولین للعصیانین المترتبین، فإن کان رحمه الله متأمّلاً فی تعقل الترتب بین عقابیهما، لا فی أصل ترتب العقاب علیهما، فإنّه کان ملتزماً به، کما حکی عنه الأستاذ دام بقاه؛ غایة الأمر کان متأمّلاً فی تعقّله، و قد کان رحمه الله یعتبر عن العقابین المترتبین بتأکّد العقاب، لا أنّه ینفیهما کما هو ظاهر الکفایة، و لکن لا حاجة الی ذلک، حیث إنّ الترتب إنّما کان بین الخطابین، و ذلک لایلازم الترتب بین عقابیهما أیضا، فإنّه فعلٌ للشارع و جزاءٌ للعصیان، و المفروض أنّ المکلف التارک لکلا الخطابین تارکٌ لهما مستقلا، کما إذا لم یکن بینهما ترتّبٌ أصلاً کما لایخفی».

و بالمهمّ مقیداً بعصیان الأهمّ، لفرض أنّهما علی هذا النحو مقدور للمکلّف، فإذا کانا مقدورین فلامحالة یستحق عقابین علی ترکهما فی الخارج.

و فرق بین أن یکون العقاب علی ترک الجمع بین الواجب الأهمّ و المهمّ و أن یکون العقاب علی الجمع فی الترک بمعنی أنّه یعاقب علی ترک کل منهما فی حال ترک الآخر فإنّ الأوّل محال دون الثانی.

فإنّ الترتّب لیس معناه طلب الجمع بین الضدّین بل هو جمع بین طلب الضدّین بنحو طولی بل یمکن أن یقال: إنّ تعدّد العقاب فی صورة مخالفة المکلّف و ترکه الواجب الأهمّ و المهمّ معاً من المرتکزات فی الأذهان، مثلاً إذا فرض وقوع المزاحمة بین صلاة الفریضة فی آخر الوقت و صلاة الآیات بحیث لو اشتغل المکلّف بصلاة الآیات لفاتته فریضة الوقت، فعندئذ لو عصی المکلّف الأمر بالصلاة و لم یأت بها فلامحالة یدور أمره بین أن یأتی بصلاة الآیات و أن یترکها.

و من الواضح جداً أنّه إذا ترکها فی هذا الحال فتشهد المرتکزات العرفیة علی أنّه یستحق العقوبة علیه أیضاً، فإنّ المانع بنظرهم عن الإتیان بصلاة الآیات هو الإتیان بفریضة الوقت و أمّا إذا ترک الفریضة فلایجوز له أن یشتغل بفعل آخر و یترک صلاة الآیات و بذلک نستکشف إمکان الترتّب و إلّا لم یکن هذا المعنی مرتکزاً فی أذهانهم.

ص: 104

الدلیل الثانی علی إنکار الترتّب:
اشارة

إنّ الغرض الداعی إلی جعل التکلیف جعل الداعی له لینبعث منه، و الانبعاث لایمکن إلّا فی ما إذا کان الفعل ممکناً بالإمکان الوقوعی و أمّا إذا کان ممتنعاً وقوعاً فلایمکن الانبعاث نحو الفعل فیکون جعله لغواً فلایصدر من الحکیم لاستحالة تکلیف العاجز.

إیرادان علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل: من المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

إنّ الأمر بالأهمّ و المهمّ و إن کانا فعلیین حال العصیان معاً إلّا أنّ اختلافهما فی الرتبة أوجب عدم لزوم طلب الجمع بین الضدّین، لأنّ الأمر بالأهمّ فی رتبة تقتضی هدم موضوع الأمر بالمهمّ و عدمه و أمّا الأمر بالمهمّ فلایقتضی وجود موضوعه.

جواب المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ الأحکام الشرعیة ثابتة للموجودات الزمانیة و لا أثر لاختلافهما فی الرتبة، فلایجدی تقدّم الأمر بالأهمّ علی المهمّ رتبة بعد ما کانا متقارنین زماناً فإنّ المحال هو طلب الجمع بین الضدّین فی الخارج، لا فی الرتبة لأنّ التضادّ و التماثل و التناقض و ما شاکلها جمیعاً من صفات الموجودات الخارجیة.

و ثانیاً: إنّ الأمر بالأهمّ لایتقدم علی الأمر بالمهمّ رتبة، لأنّ تقدّم شیء علی الآخر بالرتبة یحتاج إلی ملاک کامن فی صمیم ذات المتقدم، فلایتعدی منه إلی ما

ص: 105


1- المحاضرات، ج3، ص149.

هو فی مرتبته فضلاً عن غیره و من الواضح أنّه لا ملاک لتقدّم الأمر بالأهمّ علی الأمر بالمهمّ.

الإیراد الثانی: من المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّه لایلزم من اجتماع الأمرین فی زمان واحد طلب الجمع، لیستحیل داعویة کل منهما لإیجاد متعلّقه فی هذا الزمان، و الوجه فیه أنّ انبعاث المکلّف عن کلا الأمرین فی عرض واحد و إن کان لایمکن، إلّا أنّ انبعاثه عنهما علی نحو الترتّب ممکن بالإمکان الوقوعی، فإنّه عند انبعاثه عن الأمر بالأهمّ لا بعث بالإضافة إلی المهمّ لیزاحمه فی ذلک و یقتضی انبعاث المکلف نحوه و علی تقدیر عدم انبعاثه عنه باختیاره و إرادته لا مانع من انبعاثه عن الأمر بالمهمّ بداهة أنّ المهمّ مقدور للمکلّف فی هذا الحال عقلاً و شرعاً.

الدلیل الثالث علی إنکار الترتّب:
اشارة

إنّ عصیان الأمر بالأهمّ عند أکثر القائلین بالترتّب شرط فی فعلیة الأمر بالمهمّ و هذا العصیان إمّا أن یکون بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن شرطاً لفعلیة الأمر بالمهمّ فحینئذ لایمکن فعلیة الأمرین فی زمان واحد لأنّ فعلیة الأمر بالمهمّ تتحقّق فی زمان سقوط فعلیة الأمر بالأهمّ، فلا نحتاج إلی بحث الترتّب.

و إمّا أن یکون العصیان بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المتأخر أو بوجوده الانتزاعی (بأن یکون المکلّف متصفّاً بأنّه یعصی فی ما بعد) شرطاً لفعلیة

ص: 106


1- المحاضرات، ج3، ص146 - 148.

الأمر بالمهمّ فلامحالة یلزم طلب الجمع بین الضدّین، لأنّ الأمر بالمهم یصیر فعلیاً فی زمان عدم سقوط الأمر بالأهمّ، لأنّ شرط فعلیة الأمر بالمهمّ إمّا هو العصیان المتأخر (علی نحو الشرط المتأخر) و إمّا هو عنوان تعقبه بالعصیان المتأخر و یلزم من هذا الفرض فعلیة الأمرین و طلب الجمع بین الضدّین.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

أمّا الصورة الأُولی من کلامه و هی أنّ العصیان إذا کان شرطاً بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن فلایمکن فیه فرض اجتماع الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ فیرد علیه أنّ ذلک یبتنی علی نقطة فاسدة و هی توهّم أنّ العصیان مهما تحقّق و وجد فی الخارج فهو مسقط للأمر و لکنه غیر صحیح لأنّا إذا حللنا مسألة سقوط الأمر تحلیلاً علمیاً نری أنّ الموجب لسقوطه أمران:

الأوّل: امتثاله حیث إنّ ذلک موجب لحصول الغرض منه و الأمر معلول للغرض الداعی له حدوثاً و بقاء فمع تحقّق الغرض فی الخارج لایعقل بقاء الأمر و إلّا لزم بقاء الأمر بلا غرض و هو کبقاء المعلول بلا علّة محال.

أمّا الامتثال فی نفسه فلایقتضی سقوط الأمر، لأنّ الامتثال معلول للأمر فلایعقل أن یکون معدماً له.

الثانی: امتناع الامتثال و عدم تمکّن المکلّف منه، فإنّه یوجب سقوط الأمر لامحالة لقبح توجیه التکلیف نحو العاجز.

أمّا العصیان بما هو عصیان فلایعقل أن یکون مسقطاً للأمر، لأنّ الأمر لو سقط فی حال الامتثال أو العصیان فلا أمر عندئذ لیمتثله المکلّف أو یعصیه.

ص: 107


1- المحاضرات (ط.ق): ج3، ص153 و (ط.ج): ج2، ص456.

نعم لو استمرّ العصیان إلی زمان لایتمکن المکلّف بعده من الامتثال لسقط الأمر لامحالة، و لکن لا من جهة العصیان بما هو، بل من جهة عدم قدرة المکلّف علیه و عدم تمکّنه منه، کما أنّ الامتثال إذا استمرّ إلی آخر جزء من الواجب لسقط الأمر من جهة حصول الغرض به.

و إذا کان المکلّف متمکّناً من الامتثال و لکنه عصی و لم یأت به فی الآن الأوّل فمن الواضح أنّ مجرد ترکه فی ذلک الآن و عدم الإتیان به فیه لایوجب سقوطه مع تمکّنه منه فی الآن الثانی.

نعم لو کان الواجب الأهمّ آنیاً لسقط الأمر به بالعصیان فی الآن الأوّل من ناحیة عدم تمکّن المکلّف فی الآن الثانی فیخرج هذا الفرض عن الترتّب إلّا فی ما إذا کان الواجب المهمّ أیضاً آنیاً فیدخل فی محل البحث و لایمکن إثبات الأمر به إلّا بناءً علی القول بالترتّب.

و بالنتیجة إنّ الأمر بالأهمّ ثابت حال عصیانه و حال الإتیان بالمهمّ.

أمّا الصورة الثانیة من کلامه و هی أنّ العصیان کان شرطاً بوجوده الخارجی بنحو الشرط المتأخر أو کان شرطاً بعنوانه الانتزاعی، فیرد علیه:

أوّلاً: أنّ العصیان لیس بوجوده المتأخر و لا بعنوانه الانتزاعی شرطاً بل العصیان شرط بوجوده الخارجی و علیه فما لم یتحقّق العصیان فی الخارج لم یصر الأمر بالمهمّ فعلیاً.

توضیح ذلک: نحن إن قلنا بأنّ الشرط لفعلیة الأمر بالمهمّ هو معصیة الأمر بالأهمّ آناً ما بمعنی أنّ معصیة الأهمّ فی الآن الأوّل کافیة لفعلیة الأمر بالمهمّ فی جمیع أزمنة امتثاله فلاتتوقف فعلیته فی الآن الثانی علی استمرار معصیة الأمر بالأهمّ إلی ذلک الآن بل لو تبدّلت معصیته بالإطاعة فی الزمن الثانی کان الأمر

ص: 108

بالمهمّ باقیاً علی فعلیته و هذا مستلزم لطلب الجمع بین الضدّین و لعل هذا هو مورد نظر المنکرین للترتّب کما یظهر من الکفایة.

أمّا إذا قلنا بأنّ شرط فعلیة الأمر بالمهمّ عصیان الأمر بالأهمّ فی جمیع الأزمنة بمعنی أنّ فعلیته تدور مدار عصیانه حدوثاً و بقاءً فلایکفی عصیانه آناً ما لبقاء أمره إلی الجزء الأخیر منه، ففعلیة الأمر بالصلاة عند مزاحمتها بالإزالة مشروطة ببقاء عصیان أمر الإزالة و استمراره إلی آخر أزمنة امتثال الصلاة و بانتفائه فی أی وقت کان ینتفی الأمر بالصلاة.

ثانیاً: أنّ اجتماع الأمرین فی زمان واحد علی نحو الترتّب لایستلزم طلب الجمع و قد ذکرنا((1)) أنّ طلب الجمع إنّما یلزم علی أحد تقادیر لا رابع لها:

التقدیر الأوّل: أن یکون کلا الخطابین علی وجه الاطلاق.

التقدیر الثانی: أن یکون خطاب المهمّ مقتضیاً لوجود موضوعه و هو عصیان الأهمّ.

التقدیر الثالث: أن یکون خطاب المهمّ مشروطاً بإتیان الأهمّ فیکونا مطلوبین علی نحو الاجتماع

و من المعلوم أنّ ما نحن فیه لیس من شیء منها:

أمّا أنّه لیس من قبیل الأوّل فلأنّ الأمر بالمهمّ مقید بعصیان الأمر بالأهمّ فلیس مطلقاً أمّا أنّه لیس من قبیل الثانی فلأنّ الحکم یستحیل أن یقتضی وجود موضوعه فی الخارج أمّا أنّه لیس من قبیل الثالث فلأنّ الأمر بالمهمّ مقید بعدم إتیان الأهمّ لا بإتیانه.

ص: 109


1- فی المحاضرات، ج3، ص147.

هنا أدلة أخری لانطیل الکلام بذکرها.((1))

ص: 110


1- منها ما حکی عن المیرزا محمد تقی الشیرازی: ففی تعلیقة المحقق القوچانی علی کفایة الأصول، ج 1، ص330: «هذا کلّه، مع أنّه یرد علی الترتب کما عن الشیخ المدقق الشیرازی دام ظله بأنّ ترک المهم حرام، فحینئذ لایخلو: إمّا أن یکون المحرّم هو مطلق الترک أعمّ من الموصل إلی الأهمّ و غیره الجامع مع فعل الأهمّ و لا إشکال فی فساده بعد حرمة ترک الأهمّ مطلقاً و عدم تمکّن المکلف من امتثالهما، فلیست ثمرة البعثین إلّا ثبوت العقابین و هو قبیحٌ من الحکیم لو لم نقل باستحالته، لأنّ جعل التکلیف لأجل ترتب العقوبة بلا داع الإمتثال لا شبهة فی فساده و إمّا أن یکون الحرام الترک الخاص غیر الموصل إلی فعل الأهمّ فیرد علیه: أوّلاً بأنّ لازمه عدم وجوب الفعل، لما عرفت سابقا من أنّ نقیض الترک الخاص هو ترک هذا الترک أعمّ من الفعل و الترک الموصل، فیکون الواجب هو ترک الترک الأعمّ، لا الفعل الذی یکون أخصّ منه و ثانیاً: علی تقدیر تسلیم وجوبه لابدّ أن یکون عینیاً بعد حصول شرطه، و حینئذ فیلزم التخییر بین الواجب التعیینی و غیره الذی هو الترک الموصل إلی فعل الأهمّ. و بعبارةٍ أخری: یلزم الوجوب التخییری بین الإزالة و الصلاة؛ و لا معنی للتخییر فی الواجب التعیینی کما هو واضح و ثالثاً: یرد علیه ما عرفت من عدم الثمرة لهذا التکلیف- مع وجود التکلیف بالأهمّ- إلّا ترتب العقوبة علی المخالفة القهریة بالنسبة الی أحدهما، و لا شبهة فی فساده من الحکیم». و فی نهایة الدرایة، ج 2، ص244: «و ربما ینسب إلی بعض الأعلام إشکالٌ آخر فی المقام و هو أنّ الترک المحرّم من المهمّ إمّا هو الترک المطلق حتی إلی فعل الأهمّ، أو خصوص الترک المقارن لترک الأهمّ، و هو الترک الغیر الموصل فإن کان الأوّل فهو منافٍ لفرض الأهمیة، فإنّ مقتضی الأهمیة جواز ترک المهمّ إلی فعل الأهمّ، و منافٍ لفرض طلب المهمّ علی تقدیر ترک الأهمّ، و معه کیف یعقل حرمة ترکه الموصل أیضا؟ و إن کان الثانی فحرمة ترک المهمّ حینئذ نقیضه ترک الترک الغیر الموصل، لا فعل المهمّ، بل له لازمان: أحدهما الترک الموصل، و الآخر فعل المهم، و لایسری الحکم إلی لازم النقیض، و مع فرض السریان أو فرض مصداقیة الفعل لترک الترک یکون الفعل- حیث إنّه له البدل- واجباً تخییریاً، مع أنّ وجوب المهم تعیینی بناءً علی ثبوته». ثم أجاب عنه بقوله: «و یندفع باختیار الشّقّ الأوّل و مقتضی أهمّیة الأهمّ إبطال تقدیر المهمّ و هدمه، فلیس ترکه إلی فعل الأهمّ من جملة تروکه فی فرض مطلوبیته، فترکه المطلق مع حفظ تقدیر وجوبه لازم من دون لزوم المحذور، و لا منافاته لفرض الأهمیة و باختیار الشّقّ الثانی بتقریب أنّ إیجاب المهمّ لیس من ناحیة حرمة ترک المهمّ، بل لدلیله المقتضی لحرمة نقیضه عرضاً». و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج 2، ص48: «الثامن: ما عن المحقّق الورع التّقی الشیرازی- طاب ثراه- و حاصله أنّ وجوب الصلاة المقیدة بترک الإزالة- کما هو المفروض علی القول بالترتّب- مقتضٍ لحرمة نقیضها، و هو عدم هذا المقید حسب اقتضاء الأمر بالشی ء النهی عن النقیض، و حرمة هذا النقیض مقتضیة لوجوب نقیضه حسب اقتضاء النهی عن الشی ء الأمر بنقیضه، و نقیض ترک الصلاة المقیدة بترک الإزالة- المحکوم علیه بالوجوب- هو الجامع بین الصلاة و الإزالة، فیکون کلٌّ منهما واجباً بوجوب تخییری، و الحال أنّ کلّاً منهما واجب تعیینی عند خلوّ المکلّف من الإزالة واقعا. و ما أورد علیه من أنّ تقیید الصلاة بترک الإزالة مبنی علی کون الترتّب بنحو التعلیق، و أمّا علی الإشتراط فإنّ الواجب- حینئذٍ- هی الصلاة المطلقة مردودٌ بأنّ تقیید الطلب هادمٌ لإطلاق المادّة، فالواجب و إن کان غیر مقید، إلّا أنّه متقید، کما تقدّم فی بحث المقدّمة». إلخ.

ص: 111

ص: 112

المقام الثانی: أدلة القائلین بالترتّب

اشارة

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) جاء بکلامٍ یشتمل علی تقریب صحّة الترتّب بوجوه أربعة و الإشکال علی جمیع تلک الوجوه((1))و هنا وجه خامس نشیر إلیه.

الوجه الأوّل لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

هو ما تصدّی جماعة من الأفاضل لتصحیح الأمر بالضدّ أوّلاً بنحو الترتّب علی العصیان و مخالفة الأمر الأهمّ بنحو الشرط المتأخر لا المتقدّم و لا المقارن.

و الوجه فی کونه بنحو الشرط المتأخر هو أنّ عصیان الأهمّ موضوع للأمر بالمهمّ و کل موضوع شرط و کل شرط موضوع، أمّا تأخّره فلأنّ عصیان الأمر بالأهمّ متوقّف علی الإتیان بالمهمّ و الإتیان بالفعل المهمّ متوقّف علی الأمر به، فعلی هذا عصیان الأمر بالأهمّ متأخّر عن الإتیان بالأمر المهمّ.

أمّا کون الشرطاً المتقدّم أو المقارن خارجاً عن محل البحث، فلأنّه إن فرضنا تحقّق عصیان الأمر بالأهمّ قبل فعلیة الأمر بالمهمّ فلایجتمع الأمر بضدّین لأنّ

ص: 113


1- کفایة الأصول، ص134.

الأمر بالأهم یسقط قبل فعلیة الأمر بالمهمّ، و هکذا الشأن إن کان سقوط الأمر بالأهمّ مقارناً لفعلیة الأمر بالمهمّ فلایجتمع الأمر بالأهمّ و المهمّ.

و ثانیاً بنحو الترتّب علی العزم و البناء علی المعصیة بنحو الشرط المتقدّم أو المقارن و لم یذکر بنحو الشرط المتأخر لأنّ العزم و البناء علی عصیان الأهمّ لایتوقّف علی فعل المهمّ حتّی یکون متأخّراً عنه بل قد یکون متقدّماً علی فعل المهمّ و أُخری یکون مقارناً له (نعم لا مانع من کونه بنحو الشرط المتأخر أیضاً إلّا أنّه لا ملزم له).

توضیح استدلال القائلین بالترتّب حسب ما قرّره المحقّق الخراسانی (قدس سره):

إنّه لا مانع عقلاً من تعلّق الأمر بالضدّین کذلک، أی بأن یکون الأمر بالأهمّ مطلقاً و الأمر بغیره معلّقاً علی عصیان ذلک الأمر أو البناء و العزم علیه، بل هو واقع کثیراً عرفاً.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

ما هو ملاک استحالة طلب الضدّین فی عرض واحد آتٍ فی طلبهما ترتّباً، لأنّه و إن لم یلزم طلب الضدّین عند طلب الأهمّ، إلّا أنّه یلزم طلب الضدّین عند طلب المهمّ و هو یتحقّق إمّا بعصیان الأهمّ أو بالعزم علی عصیانه، و الوجه فی ذلک هو فعلیة الأمر بالأهمّ فی هذه المرتبة و عدم سقوط الأهمّ بمجرد المعصیة فی ما بعد ما لم تتحقّق المعصیة (لأنّ المعصیة بنحو الشرط المتأخر) أو بالعزم علی المعصیة و هکذا فعلیة الأمر بالمهمّ لتحقّق شرط فعلیته.

ص: 114


1- کفایة الأصول، ص134.
الوجه الثانی لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

لا إشکال فی طلب الضدّین إذا کان بسوء اختیار المکلّف حیث إنّ المکلّف یعصی فی ما بعد باختیاره، فلولا سوء اختیاره لما یتوجّه إلیه إلّا الطلب بالأهمّ و لا برهان علی امتناع طلب الضدّین إذا کان بسوء الاختیار.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

استحالة طلب الضدّین من الحکیم لاتختصّ بحال دون حال و إلّا لصحّ طلب الضدّین فی ما إذا علّق علی أمر اختیاری فی عرض واحد بلاحاجة إلی تصحیحه بالترتّب.

الوجه الثالث لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

إنّ الطلب فی کل من الضدّین یطارد الآخر إذا کانا عرضیین، و أمّا إذا کانا طولیین فإنّ طلب المهمّ لایطارد طلب الأهمّ لأنّ طلب المهمّ منوط بعدم إتیان الأهمّ و معصیته.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((2))

أوّلاً: إنّ المطاردة موجودة فی الترتّب حیث إنّ أمر المهمّ (فی صورة عصیان الأهمّ فی ما بعد ذلک) یکون فعلیاً و أمر الأهمّ أیضاً یکون فعلیاً مطلقاً فیتحقّق طلب الضدّین فی آنٍ واحد و کل من الأهمّ و المهم یطارد الآخر.

ص: 115


1- کفایة الأصول، ص134.
2- کفایة الأصول، ص135.

ثانیاً: لو سلّمنا انّ طلب المهمّ لایطارد طلب الأهمّ، و لکن طلب الأهم یطارد طلب المهمّ و هذا یکفی فی استحالة الترتّب لأنّه یکفی الطرد من طرف واحد، فإذا قلنا بأنّ طلب الأهم یطرد طلب المهمّ فلایبقی معه مجال لطلب المهمّ فیستحیل حینئذ طلب الأهمّ و المهمّ معاً.

مناقشة المحقّق الخوئی فی جواب المحقّق الخراسانی عن الوجه الأوّل والثالث:

((1))

إنّ المطاردة بین الأهمّ و المهمّ لا أساس لها.

أمّا الأمر بالمهمّ فلایعقل أن یکون طارداً للأمر بالأهمّ بداهة أنّ طرده له یبتنی علی أحد تقدیرین لا ثالث لهما:

التقدیر الأوّل: أن یکون الأمر بالمهمّ مطلقاً و فی عرض الأمر بالأهمّ فحینئذ لامحالة تقع المطاردة بینهما من ناحیة مضادة متعلّقهما و عدم تمکّن المکلّف من الجمع بینهما.

التقدیر الثانی: أن یکون الأمر بالمهمّ علی تقدیر تقییده بعصیان الأهمّ مقتضیاً لترک الأهمّ و عصیانه فعندئذ تقع المطاردة و المزاحمة بین الأمر بالأهمّ و المهمّ باعتبار أنّ الأمر بالمهم یقتضی عصیان الأهمّ و ترک متعلّقه و الأمر بالأهم یقتضی امتثال الأهمّ

و لکن کلا التقدیرین خلاف مفروض الکلام:

أمّا الأوّل فلأنّ محل الکلام ما إذا کان الأمر بالمهمّ مقیداً بحال ترک الأهمّ و عصیان أمره فلایکون مطلقاً.

و أمّا الثانی فلأنّ الحکم یستحیل أن یقتضی وجود موضوعه فی الخارج،

ص: 116


1- المحاضرات، ج3، ص139.

فالأمر بالمهمّ (کما لایکون مطلقاً) لایکون متعرضاً لحال موضوعه و هو عصیان الأهمّ بل هو ثابت علی تقدیر تحقّق موضوعه فیستحیل أن یکون طارداً للأمر بالأهمّ، لأنّ الأمر بالمهمّ لا اقتضاء له بالنسبة إلی حال وجود موضوعه و عدمه و ما لا اقتضاء فیه لایزاحم ما فیه الاقتضاء، فإنّ اقتضاء الأمر بالمهمّ لإتیان متعلّقه إنّما هو علی تقدیر عصیان الأمر بالأهمّ و اقتضاء الأمر بالمهمّ علی هذا التقدیر لاینافی اقتضاء الأمر بالأهمّ.

أمّا الطرد من جانب الأمر بالأهمّ فهو أیضاً غیر متحقّق لأنّ الأمر بالأهمّ إنّما یطارد الأمر بالمهمّ فی ما إذا فرض کونه ناظراً إلی متعلّقه و لکن المفروض أنّه غیر ناظر إلیه و إنّما هو ناظر إلی موضوعه و مقتضٍ لرفعه، و علی هذا فلاتنافی بینهما أصلاً لیکون الأمر بالأهمّ طارداً للأمر بالمهمّ، لأنّ المفروض هو أنّ الأمر بالمهمّ لایقتضی وجود موضوعه فی الخارج و غیر متعرض لحاله أصلاً لا وجوداً و لا عدماً (و موضوعه هو عصیان الأهمّ) و معه کیف یکون الأمر بالأهمّ طارداً له؟ بداهة أنّ الطرد لایتصور إلّا فی مورد المزاحمة، و لا مزاحمة بین ما لا اقتضاء فیه بالنسبة إلی شیء و ما فیه الاقتضاء بالنسبة إلی هذا الشیء.

الوجه الرابع لتصحیح الترتّب فی کلام صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

و هو الدلیل الإنّی علی تصحیح الترتّب لأنّ وقوع الترتّب فی العرفیات دلیل علی إمکانه فلا وجه للالتزام باستحالة الترتّب.

إیراد المحقّق الخراسانی (قدس سره):

إنّ الأمثلة العرفیة یحمل علی أحد الأمرین:

الأمر الأوّل: هو أنّ الأمر بالمهم یکون بعد التجاوز عن الأمر بالأهمّ والصفح

ص: 117

و الإعراض عنه فلا أمر بالأهمّ عند الأمر بالمهمّ.

الأمر الثانی: أنّ الأمر بالمهم یکون إرشادیاً و الأمر بالأهم یکون مولویاً فلیس هنا أمران مولویان توضیح ذلک: إنّ الأمر بالمهمّ إرشاد إلی محبوبیته و بقائه علی ما هو علیه من المصلحة لولا المزاحمة و إرشاد إلی أنّ الإتیان بالمهم یوجب استحقاق المثوبة فیذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة علی مخالفة الأمر بالأهمّ.((1))

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی الوجه الرابع:

((2))

إنّ الأمثلة الفرضیة تشتمل علی الأمرین المولویین مترتّباً، کما أنّ الأب یأمر ابنه بالذهاب إلی المدرسة و علی تقدیر عصیانه یأمره بالجلوس فی الدار و الکتابة فیها و ذلک واقع أیضاً فی المسائل الفقیهة مثل ما إذا وجبت الإقامة علی المسافر فی بلد مخصوص فإن خالف ذلک و ترک قصد الإقامة فیحرم علیه الصوم و یجب علیه تقصیر الصلاة، و مثل ما إذا حرمت الإقامة علی المسافر فی مکان مخصوص فإن خالف ذلک و قصد الإقامة یجب علیه الصوم و إتمام الصلاة.

الوجه الخامس: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بمقدماته الخمس
اشارة

((3))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أفاد فی هذا المقام مقدّمات خمس

المقدّمة الأُولی:

و هذه المقدّمة تشتمل علی أمرین:

ص: 118


1- کفایة الأصول، ص135.
2- المحاضرات، ج3، ص102.
3- فوائد الأصول، ج1، ص336؛ أجود التقریرات، ج2، ص55.

الأوّل: إنّ الفعلین المتضادّین إذا کان التکلیف بکل منهما أو بخصوص أحدهما مشروطاً بعدم الإتیان بمتعلّق الآخر، فلامحالة یکون التکلیفان المتعلّقان بهما طولیین لا عرضیین، و بعبارة واضحة لایلزم من الطلبین کذلک طلب الجمع بین الضدّین، و لذا لو أتی المکلّف بهما بعنوان المطلوبیة (لو فرض إمکان ذلک) لکان ذلک تشریعاً فیستکشف من ذلک أنّ نفس ترتّب الخطابین یمنع تحقّق طلب الجمع.

الثانی: إذا وقع التزاحم فلا مناص عن الاقتصار علی ما یرتفع به التزاحم أمّا الزائد علیه فیستحیل سقوطه فإنّه بلا موجب.

و من ثمّ وقع الکلام فی أنّ الموجب للتزاحم هل هو إطلاق الخطابین لیکون الساقط هو إطلاق خطاب المهمّ فقط دون أصل خطابه أو أنّ الموجب للتزاحم هو نفس فعلیة الخطابین، لیسقط خطاب المهمّ من أصله.

و علی الأوّل یبتنی صحّة الترتّب و علی الثانی یبتنی بطلانه.

المقدّمة الثانیة:
اشارة

إنّ شرائط التکلیف کلّها ترجع إلی قیود الموضوع و لابدّ من أخذها مفروضة الوجود فی مقام الجعل و الإنشاء علی نهج القضایا الحقیقیة، و إنّ فعلیة التکلیف تتوقف علی فعلیتها و تحقّقها فی الخارج فحالها حال الموضوع بعینه، إذ کل موضوع شرط و کل شرط موضوع.

و من الواضح أنّ الموضوع بعد وجوده خارجاً لاینسلخ عن الموضوعیة، فلا وجه لما ذکره بعضهم من أنّ الواجب المشروط بعد تحقّق شرطه ینقلب مطلقاً، إذ هو مساوق للقول بأنّ الموضوع بعد وجوده خارجاً ینسلخ عن الموضوعیة.

ص: 119

و لایبعد أن یکون ذلک من جهة خلط موضوع الحکم بداعی الجعل و علّة التشریع بتوهم أنّ شرط التکلیف خارج عن موضوعه بل هو من قبیل الداعی لجعل الحکم علی موضوعه، فبعد وجوده یتعلّق الحکم بموضوعه و لایبقی للاشتراط مجال.

و قد بینّا أنّ الشرط دائماً یکون من وسائط العروض لا وسائط الثبوت و هذا التوهم یبتنی علی أن تکون القضایا المتکفّلة لبیان الأحکام الشرعیة من قبیل الإخبار عن إنشاء تکالیف عدیدة یتعلّق کل واحد منها بمکلّف خاص عند تحقّق شرطه، و أبطلنا ذلک المبنی.

و لهذا التوهم قالوا: إنّه بعد عصیان الأمر بالأهم یکون الأمر بالمهمّ أیضاً مطلقاً فلامحالة یقع التزاحم بین الخطابین فی هذه المرتبة.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی المقدّمة الثانیة:

((1))

أوّلاً إنّه أنکر الشرطیة بمعنی الوساطة فی الثبوت، و الباعث لهذا القائل (أی المحقّق النائینی (قدس سره) إلی ذلک (أی إرجاع الشرطیة إلی الموضوع و إنکار الوساطة فی الثبوت) أمران:

الباعث الأوّل: أنّ ظاهر أدلة الأحکام، اشتمالها علی أحکام کلّیة متعلّقة بموضوعات خاصّة بنحو القضایا الحقیقیة و فعلیة تلک الأحکام الکلّیة بفعلیة تلک الموضوعات.

ولو کانت هذه الأُمور المسماة بالشرائط من قبیل الوسائط فی ثبوت الحکم له لم یکن هناک جعل الحکم من الأوّل بل کانت الأدلّة متکفّلة بالوعد بإنشائه عند

ص: 120


1- نهایة الدرایة، ج2، ص227.

حصول الشرط، لا جعل الحکم، و أیضاً کانت الأدلة من قبیل الإخبار به لا من قبیل إنشائه.

و الجواب هو أنّ إنشاء الحکم لیس عین جعل الحکم حقیقة، فإنّ للبعث نحوین من الوجود:

الأوّل: إنّ البعث قد یوجد بوجوده الإنشائی الذی تمام حقیقته إیجاد المعنی بإیجاد لفظی عرضی فإنّه نحو من أنحاء استعمال اللفظ فی المعنی.

الثانی: إنّ البعث قد یوجد بوجوده الحقیقی المناسب له فی نظام الوجود و هو المعنی الاعتباری الذی ینتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی.

و بینهما فرق کما بین الموجود بالحمل الأوّلی و الموجود بالحمل الشائع، فالأدلّة متکفّلة لإنشاء الحکم علی تقدیر کذا، و الإنشاء و المنشأئئئئئئ موجودان کالإیجاد و الوجود من دون انفکاک و حیث إنّ هذا الإنشاء متضمن لتعلیق ذلک الأمر الاعتباری الذی هو حقیقة الحکم، فلامحالة لایکون تامّ المنشئیة إلّا بعد تحقّق المعلّق علیه، فکما لا مجعول بالحقیقة لا جعل بالحقیقة لاستحالة الانفکاک.

نعم حیث إنّه جعل ذات المنشأ مع التعلیق فیکون ذلک الأمر الانتزاعی مجعولاً بجعله بالقوة قبل حصول المعلّق علیه و بالفعل بعد حصوله و لا حاجة إلی جعل آخر.

الباعث الثانی: أنّ وساطة المسمّی بالشرط فی الثبوت إمّا تکوینیة و إمّا تشریعیة فإن أُرید الوساطة التکوینیة لزم خروج المجعول التشریعی المنبعث عنه عن کونه مجعولاً تشریعیاً زمام أمره بیده الشارع الجاعل له، فإنّه علی الفرض من رشحات ما لیس زمام أمره بید الشارع و هو خلف.

و إن أُرید الوساطة التشریعیة فهو محال لأنّ القابل للجعل التألیفی ما کان

ص: 121

من المحمول بالضمیمة دون ما کان من خارج المحمول و العلّیة (و هی هنا الشرطیة المجعولة للاستطاعة مثلاً) من قبیل الثانی فیستحیل جعل العلیة لشیء.

و الجواب: أمّا إذا أُرید الوساطة التکوینیة فما أفاده خلط بین المقتضی و الشرط فإنّ المعلول یترشح من العلّة بمعنی السبب و المقتضی لا من الشرط، بداهة أنّ الإحراق یترشح من النار لا من الوضع و المحاذاة و یبوسة المحل و من الواضح أنّ کل فعل طبیعی أو إرادی ینبعث من فاعله و لایخرج عن کونه فعلاً له بدخالة أمر خارجی فی فاعلیة الفاعل أو قابلیة القابل.

و أمّا إذا أُرید الوساطة التشریعیة فتحقیق الحال أنّ الجعل التألیفی لایختصّ بالمحمول بالضمیمة فإنّ ملاک قبول شیء للجعل هو ما إذا لم یکن ضروریاً خارجاً عن حدّ الجعل نظیر ذاتیات شیء بالإضافة إلی ذاته، فإنّ جعل الذات عین جعل ذاتیاته فکما لامعنی لجعل الإنسان إنساناً لا معنی لجعله حیواناً أو ناطقاً و نظیر لوازم الماهیة التی لاتنفک عنها کالزوجیة للأربعة فإنّ جعل الأربعة جعل الزوجیة فلا معنی لجعل الأربعة زوجاً.

أمّا الأُمور الانتزاعیة (التی لیست ذاتیة لذات منشأ الانتزاع کجعل الجسم فوقاً) فهی قابلة للجعل التألیفی، غایة الأمر أنّ سنخ المجعول (حیث إنّه مقولة انتزاعیة) یستحیل قبوله الجعل استقلالاً، بل یتبع جعل منشأ انتزاعه.

و علی هذا شرطیة الطهارة للصلاة لیست من ذاتیات الطهارة و لا من لوازمها غیر المفارقة عنها فیتعلّق بها الجعل التألیفی بجعل مصحّح انتزاعها و هو بالأمر بالصلاة المقیدة بالطهارة، و هکذا شرطیة الاستطاعة لوجوب الحج، فإنّ الإنشاء المتضمن لتعلیق وجوب الحج علی الاستطاعة مصحّح عنوانین متضایفین فی وجوب الحج و الاستطاعة و هما عنوانا المشروطیة و الشرطیة.

ص: 122

فتبین من ذلک أنّه لا مانع من وساطة المسمّی بالشرط للثبوت، فالحاجة إلی إرجاعه إلی الموضوع مع أنّ إرجاعه إلی الموضوع لایخرجه عن العلّیة (الشرطیة) فإنّ دوران الحکم مدار الموضوع لایکون إلّا بنحو من العلّیة، فإنّ التلازم بین الشیئین لایکون إلّا بالعلّیة و المعلولیة أو المعلولیة لعلّة واحدة.

ثانیاً: إنّ إناطة الطلب أو المطلوب (بحیث لایکون الطلب الإنشائی مصداقاً للبعث الحقیقی إلّا بتحقق الشرط، و لایکون المتعلق موصوفاً بالمطلوبیة إلّا بتحقّقه) أمر معقول بحقیقة معنی الشرطیة.

فإنّ الشیء ربما یکون دخیلاً فی المصلحة المترقبة من الصلاة واقعاً فما لم یقترن به الصلاة لایترتّب علیها الأثر المترقب منها کالطهارة مثلاً، فدخلها حینئذ فی فعلیة أثر الصلاة واقعی و الشرطیة واقعیة، بمعنی مصحّح فاعلیة الصلاة لأثرها، أو متمّم قابلیة النفس للتأثر منها، کما هو معنی الشرط حقیقة و ربما یکون دخیلاً فی اتصاف طبیعة الصلاة بالمطلوبیة و حیث إنّ اتصافها بالمطلوبیة لا موطن له إلّا بلحاظ مقام الطلب؛ فلابدّ أن یکون الدخل بلحاظ هذه المرحلة، بمعنی أنّ الصلاة ما لم تلحظ مقترنة بالطهارة لاتنتزع منها المطلوبیة و ما لم تقع فی الخارج مقترنة بها لاتکون مصداقاً للمطلوب بما هو مطلوب فتوهّم أنّ الشرطیة الجعلیة بمعنی التقیید فاسد.

ثالثاً: إنّ عدم خروج الواجب المشروط بتحقّق قیده عن الاشتراط إلی الإطلاق لایتوقف علی إرجاع الشرط إلی الموضوع بل لو کان بمعنی الواسطة فی الثبوت أیضاً کان کذلک لو لم یکن أولی بذلک، فإنّ العلّة بتأثیرها لاتخرج عن العلّیة، ففعلیة الشرطیة فعلیة العلّیة و لاتخرج العلّة بفعلیة العلّیة عن العلّیة، بل هو عین فعلیة الشرطیة و الإناطة.

ص: 123

المقدّمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

هذه المقدّمة تتکفّل لدفع إشکال فی المقام.

بیانه: إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) قال فی الکفایة بلزوم تقدم البعث علی الانبعاث فی جمیع الواجبات فإنّه صرّح فی بحث الواجب المعلّق باعتبار سبق زمان التکلیف علی زمان الامتثال فقال:

«مع أنّه لایکاد یتعلّق البعث إلّا بأمر متأخر عن زمان البعث؛ ضرورة أنّ البعث إنّما یکون لإحداث الداعی للمکلّف إلی المکلّف به، بأن یتصوره بما یترتّب علیه من المثوبة و علی ترکه من العقوبة، و لایکاد یکون هذا إلّا بعد البعث بزمان، فلامحالة یکون البعث نحو أمر متأخر عنه بالزمان»

و قد حکی عن بعض الأعلام أنّه لابدّ فی بعض أقسام الواجب المضیق (و هو ما إذا اتحد زمان وجود الشرط و نفس التکلیف و زمان الامتثال کالصوم حیث إنّ فی الآن الأوّل الحقیقی من طلوع الفجر یثبت التکلیف و هکذا یتحد زمان وجود الشرط و التکلیف و الامتثال فی صلاة الآیات) من تقدیر سبق التکلیف آناً ما قبل زمان الامتثال، لیتمکّن المکلّف من الامتثال و لایمکن أن یقارن التکلیف لزمان الامتثال

و قال فی تقریر ذلک:((1))إنّ وجوب الإمساک مثلاً فی الصوم لو لم یکن متقدّماً علی الإمساک فی أوّل الفجر آناً مّا فإمّا أن یکون المکلّف حین توجه الخطاب إلیه أوّل الفجر متلبساً بالإمساک أو غیر متلبس به، و علی کلا التقدیرین یستحیل توجّه الخطاب إلیه، لأنّ طلب الإمساک ممن فرض تحقّقه منه طلب الحاصل، کما

ص: 124


1- نقله فی أجود التقریرات، ج2، ص60.

أنّ طلبه ممن فرض عدم تلبسه به طلب الجمع بین النقیضین و قد عبّر عنه بطلب ما هو المتعذر و هذا هو الصحیح و التعبیر بطلب الجمع بین النقیضین مسامحی و کلاهما مستحیل فلابدّ من تقدم الخطاب علی زمان الانبعاث و لو آناً ما و لازم ذلک هو الالتزام بالواجب المعلّق و الشرط المتأخر مع أن المحقق النائینی (قدس سره) ینکر الواجب المعلّق و الشرط المتأخر.((1))

ص: 125


1- قد ذکر لهذا الإشکال و هو لزوم تقدّم الخطاب علی الإمتثال زماناً عدّةُ وجوهٍ: الوجه الأول: عن صاحب الکفایة. ذکر المحقق الصدر هذا الوجه ثم أجاب عنه فقال فی بحوث فی علم الأصول، ج 2، ص342: «إنّه لا موجب للإلتزام بلزوم انفکاک الأمر عن الإمتثال، إذ لو کان ذلک من أجل ما ذکره صاحب الکفایة من أنّ الأمر یکون بداعی جعل الداعی فی نفس المکلف نحو الإمتثال و هو موقوفٌ علی حصول مبادیه من التصور و التصدیق بالفائدة و الجزم و العزم و هی أمورٌ زمانیةٌ لابدّ من تحقّقها من سبق زمان فلابدّ من تأخّر الأمر عن تحقق الداعی لامتثاله. ففیه- أنّ هذه المبادئ لایتوقف تحققها علی وجود الأمر و فعلیته بل یمکن تمامیتها قبل فعلیته کما هو واضح». و أشار إلی هذا الوجه أیضا الشیخ حسین الحلّی فقال فی أصول الفقه: «و هناک حجةٌ أخری علی ما ذکروا من التقدیر ... و هی أنّ الإنبعاث عن البعث یحتاج إلی العلم به، و انبعاث الإرادة عن ذلک العلم بتصوره و تصور ما یترتب علی فعله و ترکه من الثواب و العقاب، و ذلک محتاجٌ إلی مقدار من الزمان یتخلّل بین البعث و الإمتثال، فلو کان البعث مقارناً لزمان الإمتثال کما فی المضیقات لم یکن لنا محیصٌ عن الإلتزام بتقدیر البعث قبل زمان الإمتثال بمقدار ما یتوقف علیه من العلم بالبعث و الإرادة المتعلقة بامتثاله. و إلی ذلک أشار فی الکفایة عند التعرّض للشبهة الواردة علی الواجب المعلّق بما حاصله: أنّ الأمر لابدّ أن یکون باعثا علی المتأخر، و یستحیل أن یکون باعثا إلی المقارن». جواب الشیخ حسین الحلی عن الوجه الأول: «و الجواب عن هذه الحجة بعد إصلاحها بأنّه لیس المراد کون المأمور به مقیداً بالتأخر، و أنّ المراد هو أنّ زمان متعلقه لابدّ أن یکون متأخّراً قهراً عن زمانه، أنّ هذه الحجّة لاتتأتی فی الأوامر التی تکون علی نحو القضایا الحقیقیة، لما تقدّم من کفایة تقدّم العلم بالخطاب قبل حصول شرطه فی الإنبعاث عنه عند توجهه، من دون حاجة إلی علمٍ ثانٍ یکون متخلّلاً بین توجّهه و امتثاله. أمّا القضایا الخارجیة فإن کان الواجب فیها موسّعا لم تکن محتاجةً إلی ما ذکر من التقدیر، و إن کان مضیقا کان علی المولی أن ینشئ الوجوب قبل الوقت لیعلم به المکلف و یتمکن من امتثاله فی وقته، فإن لم یقدم ذلک الوجوب کان المولی مفوّتا لغرضه». الوجه الثانی: ما جاء فی بیان المحقق النائینی بتعبیر التوهّم و عرفته فی المقدمة الثالثة. و ذکر هذا الوجه ثم أجاب عنه المحقق الصدر فقال: «و إن کان ذلک من أجل ما أفاده فی تقریرات المیرزا (قدس سره) من أنّ الأمر لابدّ من تقدّمه زماناً علی زمان حصول الإمتثال و إلّا لزم إمّا تحصیل الحاصل إذا کان الطلب فی زمان وجود الإمتثال المحقق أو طلب المستحیل إذا کان الإمتثال فی زمان الأمر معدوماً. ففیه- أنّ ثبوت الأمر فی زمن وجود الإمتثال لیس طلبا للحاصل بل طلب لشی ء غیر حاصل بقطع النظر عن هذا التحصیل فطلب الحاصل أو الممتنع هو ذلک الطلب الذی یکون المطلوب حاصلا أو ممتنعا بقطع النظر عن ذاک التحصیل، کیف و لولا ذلک لورد النقض بالعلل التکوینیة فإنّ المعلول موجودٌ فی زمان وجود العلة و لا انفکاک بینهما فی الزمان فیقال: إنّ هذا یستلزم علیة العلة لمعلول حاصل أی طلبه الحاصل تکویناً و هو مستحیل. بل لو تمّ هذا المحذور لورد حتی علی تقدیر القول بتقدم الأمر علی الإمتثال زماناً إذ لو بقی الطلب إلی الزمن الثانی الذی هو زمن الإمتثال کان بقاؤه تحصیلاً للحاصل و إن ارتفع و انقطع لم یکن یلزم إمتثالٌ أصلاً فیکون کما إذا بدا للمولی فرفع وجوبه». الوجه الثالث: کون الطلب علة لوقوع الامتثال ذکره المحقق الصدر ثم أجاب عنه فقال: « و إن کان ذلک من أجل کون الطلب علة لوقوع الامتثال فلا بد و أن یکون متقدما علیه. ففیه: ان هذا غایة ما یلزم منه التقدم فی الرتبة لا فی الزمان» الوجه الرابع: کون الامتثال علة لسقوط الأمر. ذکره المحقق الصّدر ثم أجاب عنه فقال: «و إن کان ذلک من أجل ما یقال: من أنّ الإمتثال علّةٌ لسقوط الأمر و الطلب فیستحیل أن یکون الأمر ثابتاً فی زمن الإمتثال و إلّا لَاجتمع ثبوته مع سقوطه و هو تهافُتٌ فلابدّ من تقدّم الطلب علی الإمتثال زماناً. ففیه: ما سوف یأتی فی جواب بعض المناقشات الجانبیة الآتیة من عدم کون الإمتثال موجباً لسقوط الأمر فی آن الإمتثال بل فی طوله». الوجه الخامس: ما ذکره الشیخ حسین الحلی. قال فی أصول الفقه، ج3، ص327: «قلت: بل قد یقال: إنّ نفس الطلب مثل قولک: (قم) لایکون المنظور فیه إلّا القیام المتأخر عن نفس هذا الطلب و لو فی ثانی زمانه، بمعنی أّنه لایمکن أن یکون المراد من القیام فی قوله: قم هو القیام المقارن فی الزمان لهذا الطلب، بل لابدّ أن یکون متأخّراً عنه و لو فی الآن الثانی منه و بعد البناء علی ذلک نقول فیما نحن فیه إنّه لایمکننا القول بأنّه قد اجتمع الشرط و الطلب و المطلوب فی آنٍ واحدٍ، کما أنّه لایمکننا القول بأنّ هذا المطلوب و هو الصیام متأخّر عن أول الفجر بمقدار تحقق الطلب لیکون واقعاً فی ثانی زمان الطلب، لأنّ لازم ذلک أن یکون الصیام فی ذلک الآن- أعنی آن الطلب- غیر داخل تحت ذلک الطلب، و هو آن نهاری قامت الضرورة علی دخوله تحت الطلب. فلا مندوحة لنا إلّا اإالتزام بالتقدیر المذکور، بأن نلتزم بتحقق الطلب قبل الفجر إصلاحاً للمسألة، لیکون ذلک الآن- أعنی الآن المقارن لطلوع الفجر- داخلا تحت الطلب، کما أنّه یکون متأخّراً عنه و واقعاً فی الآن الثانی منه، و بذلک نحتفظ بما قامت به الضرورة من کون الإمساک فی أوّل الفجر داخلا تحت الطلب، و بما قدّمناه من القاعدة العقلیة و هی استحالة کون نفس المطلوب مقارنا لزمان الطلب». إیراد هذا المحقق علی الوجه الخامس: «و لکن لایخفی أنّ هذا الإشکال إنّما یتمّ لو قلنا بأنّ التکلیف زمانی یحتاج إلی مقدار من الزمان، فإنّه بناءً علی ذلک لایمکننا القول بکون الفعل الواقع فی ذلک الزمان داخلا تحت ذلک التکلیف إلّا بزحلقة ذلک التکلیف إلی ما قبل الفجر آنا ما. و هذه الدعوی- أعنی کون التکلیف الذی هو البعث و الخطاب یحتاج إلی مقدار من الزمان- هی إحدی موارد الخلط بین القضایا الحقیقیة و القضیة الخارجیة، فیتخیل المتخیل أنّه عند طلوع الفجر یتوجّه الطلب و الأمر بالصوم، بمعنی أن یکون الزمان المذکور شرطاً فی الجعل، و قبله لا جعل أصلاً و لا تشریع، و إنّما یکون الجعل و التشریع عند طلوع الفجر، و لا ریب أنّ الجعل و التشریع فعلٌ من أفعال الشارع الآمر، و هو محتاجٌ إلی زمانٍ یقع فیه ذلک الجعلُ و التشریع».

ص: 126

و هذا الإشکال یتوجّه إلی المحقّق النائینی (قدس سره) فی مسالة الترتّب حیث إنّ شرط التکلیف بالمهمّ و زمان فعلیة التکلیف و زمان امتثال الأمر بالمهمّ واحد أیضاً بناءً علی الترتّب و أجاب المحقّق النائینی (قدس سره) عن هذا الإشکال بوجوه

أجوبة خمسة عن هذا الإشکال: من المحقق النائینی (قدس سره)
اشارة

الوجه الأوّل:((1)) بالنقض لأنّ توقف الانبعاث علی البعث لیس بأزید من توقف المعلول علی علّته فکما أنّ وجود المعلول یکون مستنداً إلی علّته المقارنة له فی الوجود و صادراً عنه یکون الانبعاث مستنداً إلی البعث المقارن له فی الوجود.

ص: 127


1- فوائد الأصول، ص344؛ أجود التقریرات، ج2، ص61.

فلو صحّ تقدّم الخطاب علی الامتثال زماناً یستلزم تقدّم العلّة التکوینیة علی معلولها زماناً أیضاً و هو واضح البطلان.

ملاحظتنا علی الوجه الأول:

إنّ تقدم البعث علی الانبعاث لایقاس بباب العلّة و المعلول لما ذکرنا سابقاً فی بحث الشرط المتأخر من أنّ عالم الاعتبار موسّع فیمکن فیه تأخر العلّة أو أجزائها (مثل الشرط) عن المعلول

الوجه الثانی:((1)) بالحلّ فی المقامین لأنّ المعلول أو الامتثال إذا کان مفروض الوجود فی نفسه حین وجود العلّة أو الخطاب، فیلزم ما ذکر من المحذور و أمّا إذا کان فرض وجوده لا مع قطع النظر عنهما بل لفرض وجود علّته أو لتحریک الخطاب إلیه، فلایلزم من المقارنة الزمانیة محذور أصلاً. ((2))

الوجه الثالث:((3)) هو أنّ المکلّف إن کان عالماً قبل الفجر مثلاً بتوجّه وجوب الصوم إلیه عند الفجر، کفی ذلک فی إمکان تحقّق الامتثال حین الفجر، فوجود التکلیف قبله لغو محض، إذ المحرک له حینئذ هو الخطاب المقارن لصدور متعلّقه، لا الخطاب المفروض وجوده قبله، إذ لایترتّب علیه أثر فی تحقّق الامتثال أصلاً.

ص: 128


1- أجود التقریرات، ج2، ص61.
2- إیراد المحقق الشیخ حسین الحلی علی هذا الوجه: قال فی أصول الفقه بعد ذکر تقریبه- الذی جعلناه الوجه الخامس من وجوه لزوم تقدم الخطاب علی الإمتثال زماناً: «کما أنّه لایدفعه کون الفعل واقعاً بتحریک التکلیف لکونه بمنزلة علته، فإنّا بعد أن قلنا بأنّ التکلیف لایعقل أن یتناول الفعل المقارن له بحسب الزمان کیف یمکننا أن نقول إنّ ذلک الفعل الواقع فی زمان توجّه التکلیف کان واقعا بداعی ذلک التکلیف».
3- أجود التقریرات، ج2، ص61.

و أمّا إذا لم یکن عالماً به قبل الفجر فوجود الخطاب فی نفس الأمر لا أثر له فی تحقّق الامتثال فی ظرف العمل فیکون وجوده لغواً أیضاً.

و لأجل ما ذکرناه (من عدم کفایة وجود التکلیف واقعاً فی تحقّق الامتثال من المکلّف فی ظرفه، بل لابد فیه من وصول التکلیف إلیه) ذهبنا إلی وجوب تعلم الأحکام قبل حصول شرائطها الدخیلة فی فعلیتها، فالقائل بلزوم تقدّم الخطاب علی الامتثال قد التبس علیه لزوم تقدّم العلم علی الامتثال بلزوم تقدم الخطاب علیه((1)).

الوجه الرابع: هو أنّ تقدم الخطاب علی الامتثال ولو آناً ما یستلزم فعلیة الخطاب قبل وجود شرطه فلابدّ من الالتزام بالواجب المعلّق و الشرط المتأخر و قد عرفت استحالتهما((2)).

ص: 129


1- إیراد المحقق الشیخ حسین الحلی علی هذا الوجه: قال فی أصول الفقه بعد ذکر تقریبه: « کما أنّه لاینفع فی ردّه الإستناد إلی العلم بالتکلیف فی محرّکیة المکلف إلی فعل المکلف به فی الزمان المقارن لتعلّق ذلک التکلیف، لأنّ هذا المانع من المقارنة فی الزمان بین نفس التکلیف و نفس الفعل المکلف به هو مانعٌ واقعی، لا دخل له بأنّ المکلّفَ کیف یتحرک إلی المکلف به، کی یندفع بأنّ المحرّک له هو العلم؟».
2- إیراد الشیخ حسین الحلی علی الوجه الرابع: قال فی أصول الفقه بعد ذکر تقریبه: «و لایخفی أنّ تقریب المسألة بهذا الوجه لاینفع فی ردّه کونه مستلزما للشرط المتأخر أو للواجب المعلق، لأنّ صاحب هذه المقالة ملتزمٌ بصحة کل منهما، بل هو إنّما التزم بلزوم تأخّر الفعل الواجب عن الطلب إصلاحاً للواجب المعلق». إیرادٌ آخر علی الوجه الرابع ذکره المحقق الروحانی: قال فی منتقی الأصول، ج 2، ص402: «إنّ المستشکل علی الترتب باستلزامه الشرط المتأخر، و إنّه یبتنی علی القول بإمکانه أخذ جهة انفصال الخطاب عن امتثاله زمانا أمرا مفروغا عنه و مما لابدّ منه، و علیه فرع الإشکال المذکور، فالإلتزام بالواجب المعلق عند المستشکل أمرٌ مسلّمٌ و إنّما الإشکال من جهة ابتناء إمکان الترتب علی الإلتزام بالشرط المتأخر و علیه، فتحریر الإشکال بالنحو الأول الوارد فی کلام المحقق النائینی لیس تحریراً علمیاً صحیحاً، فإنّه أخذ انتهاء القول بالترتب إلی الإلتزام بالواجب التعلیقی محذوراً کانتهائه إلی الإلتزام بالشرط المتأخر، و أورد علیه بسرایة هذا الإشکال إلی جمیع الواجبات، و قد عرفت أنّه لیس محذورا فی نظر المستشکل بل هو أمرٌ مفروغٌ عنه فی محله، و إنّما هو مبنی الإشکال بالشرط المتأخر، فلیس استشکاله من جهة استلزام الترتب للقول بالواجب التعلیقی، لأنّه یقول به بل إستشکاله من جهة استلزامه الترتب للشرط المتأخر فیمتنع عند من یقول به».

الوجه الخامس: لایختص الإشکال بهذا القسم من المضیقات بل یلزم القول بسبق التکلیف حتی فی الموسعات لوضوح صحّة الصلاة المقارنة لأوّل الزوال حقیقة بحیث شرع فیها فی الآن الأوّل الحقیقی من الزوال، فإنّه و إن لم یلزم ذلک إلّا أنّه لا إشکال فی صحّتها و لو فعل ذلک یلزم تقدیر سبق التکلیف بالصلاة علی الزوال لیکون الامتثال عن التکلیف السابق مع أنّ الظاهر أنّ القائل بالإشکال لم یلتزم به فی الموسعات((1)).

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره):
اشارة

((2))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بأنّ علّة سقوط التکلیف بالأهمّ هو عصیانه و نتیجة ذلک هو تقدّم التکلیف و الخطاب و تقدّم عصیانه علی سقوطه، فالتکلیف بالأهمّ مقدّم رتبة علی سقوط الأمر بالأهمّ.((3))

ص: 130


1- إیراد الشیخ حسین الحلی علی هذا الوجه: قال بعد ذکر تقریبه: «و لایخفی أنّ تقریب المسألة بهذا الوجه لاینفع فی ردّه کونُه ... کما أنّه لاینفع فی ردّه النقض بالواجب الموسّع، لأنّه لابدّ من الإلتزام به لمن إلتزم بأنّه لابدّ فی کلّ باب التکالیف من تأخّر الفعل الواجب عن الطلب المتعلق به، بل نحن القائلون ببطلان کلٍّ من الشرط المتأخر و الواجب المعلق یلزمنا بعد تمامیة ما تقدم من استحالة مقارنة الفعل المطلوب لزمان الطلب و أنّه لابدّ من تقدیر الطلب، أن نلتزم بذلک و نجعله من قبیل شرطیة التعقب».
2- نهایة الدرایة، ج2، ص235 ذکرها بعنوان المقدّمة الثانیة.
3- هذا ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی فوائد الأصول، ص348 قبل بیان المقدّمة الرابعة.

و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ ثبوت الأمر بالأهمّ و سقوطه متناقضان و ثبوت الأمر بالأهمّ متقدّم رتبة علی سقوطه.

والوجه فی ذلک هو أنّ الإطاعة لیست علّة للسقوط و کذلک المعصیة لیست علّة للسقوط و إلّا لزم علّیة الشیء لعدم نفسه فی الأُولی (أی فی ما قلنا: إنّ الإطاعة علّة للسقوط) و توقف تأثیر الشیء علی تأثیره فی الثانیة (أی فی ما قلنا بأنّ المعصیة علّة للسقوط)

[توضیح ما أفاده من أنّ المعصیة لو کانت علّة للسقوط یلزم توقف تأثیر الشیء علی تأثیره هو أنّ العلّة الباعثة علی جعل التکلیف یقتضی تأثیر الأمر و الخطاب فی حصول الامتثال، فلو کانت المعصیة مسقطةً للأمر فمعناه أنّه لما لم یؤثر الأمر بالأهمّ فی امتثاله فی الآن الأوّل لتحقّق العصیان فیسقط الأمر بالأهمّ، فلایجوز أن یؤثر فی الامتثال فی سائر الآنات لعدم قابلیتها للفعل، فیتوقّف تأثیر التکلیف فی جمیع الآنات علی تأثیره فی الآن الأوّل و هذا معنی توقّف تأثیر الشیء علی تأثیره] و استحالته ترجع إلی استحالة توقف الشیء علی نفسه بل بالإطاعة ینتهی أمد اقتضاء الأمر و بالمعصیة فی الجزء الأوّل من الزمان یسقط الباقی عن القابلیة للفعل، فلایبقی مجال لتأثیره، فیسقط بسقوط علّته الباعثة علی جعله.

هذا ما أفاده المحقّق الاصفهانی (قدس سره) فی تنقیح ما هو العلّة لسقوط الأمر.((1))

ص: 131


1- قال المحقق الإصفهانی فی بیان المقدمة الثانیة التی أفادها المحقق النائینی: «... و لا فرق بین أن یکون المقارن- المشروط به فعلیة الخطاب- عصیان خطاب آخر أو غیره، فإنّ العصیان و إن کان مسقطاً، إلّا أنّ الترتب بین التوجّه و السقوط أیضاً بالرتبة لا بالزمان من دون حاجةٍ إلی لزوم تقدیره قبل العصیان المسقط له آناً مّا». ثمّ استشکله بقوله: «و أمّا المقدمة الثانیة: فقد تقدم فی الحاشیة السابقة ما هو مناط الإشکال فی الشرط المقارن و جوابه، و أنّ ترتب السقوط علی فعلیة التکلیف و توجهه لایعقل أن یکون بالرتبة؛ لمناقضة الثبوت و السقوط، و أنّ الإطاعة لیست علّةً للسقوط و کذلک المعصیة، و إلّا لزم علیة الشی ء لعدم نفسه فی الأولی» إلخ. و نذکر کلام المحقق النائینی لیتّضح مقصود المحقق الإصفهانی قال فی أجود التقریرات: « فإن قلت: سلّمنا أنّ زمان خطاب المهم هو زمان فعلیة العصیان إلّا أنّ هذا الزمان هو زمان سقوط خطاب الأهمّ فلایجتمع الأمران فی زمانٍ واحدٍ- قلت: إنّ ذلک یبتنی علی القول بلزوم تقدم الخطاب علی الإمتثال زماناً فإنّه علیه لابدّ من تقدمه علی العصیان أیضا فإنّ العصیان و الإمتثال یتواردان علی موضوعٍ واحدٍ و زمان أحدهما هو بعینه الزمان الذی یمکن أن یقع فیه الآخر فإذا کان الخطاب متقدّماً علی الإمتثال فلابدّ من تقدّمه علی العصیان أیضا و لکنّک قد عرفت بطلان هذا المبنی و إنّ زمان الإمتثال أو العصیان متّحدٌ مع زمان الخطاب إذ لا معنی لامتثال الخطاب المعدوم أو عصیانه فیکون زمان فعلیة العصیان هو زمان الأمر بالأهمّ فیجتمع الأمران فی زمانٍ واحدٍ نعم عصیان الخطاب فی ظرفه المنقضی یوجب سقوطه لخروج زمانه لکنّه خارجٌ عن محل الکلام إذ المفروض فیه أنّ شرط فعلیة خطاب المهم هو العصیان المقارن لا المتقدم المنصرم بانصرام ظرفه کما عرفت فظهر مما ذکرناه أنّ زمان فعلیة العصیان هو زمان الأمر بالأهمّ و زمان الأمر بالمهم و زمان امتثاله أو عصیانه». هذا و قد أورد بعض الأساطین علی المحقق الإصفهانی فقال: «إنّا لم نجد فی کلام المیرزا ما یفید أنّ ثبوت الأمر متقدّمٌ رتبةً علی السقوط، نعم، قال: ثبوته متقدم رتبة علی عصیانه، و من الواضح أنّ العصیان غیر السقوط، لأنّ الأمر حال العصیان موجود و هو متقدم علیه رتبة کما ذکر، أمّا سقوطه فهو بعد العصیان». نهایة الدرایة، ج2، ص225.
ملاحظتنا علیه:

إنّ إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) لایتوجّه إلی أجوبة المحقّق النائینی (قدس سره) عن الإشکال، فإنّ الإشکال کما یتوجّه إلی المحقّق النائینی (قدس سره) یتوجّه إلی المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حیث إنّه و إن قال بصحّة الشرط المتأخر و لکن اختار عدم معقولیة الواجب المعلّق (کما مضی صحّة الشرط المتأخر فی الاعتباریات و عدم معقولیة الواجب المعلّق لأنّ البعث یقتضی إمکان الانبعاث).

ص: 132

فالحقّ فی الجواب عن الإشکال هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) نقضاً (فی الوجه الخامس) و حلاً (فی الوجه الثالث).

المقدّمة الرابعة: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب
اشارة

و هی أهمّ المقدّمات، بل علیها یبتنی أساس الترتّب و بیانها أنّ انحفاظ کل خطاب بالنسبة إلی ما یتصور من التقادیر و الانقسامات یکون علی أحد أنحاء ثلاثة:

الأوّل: الإطلاق و التقیید اللحاظی و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر و انقسام یمکن لحاظه عند الخطاب و ذلک إنّما یکون فی التقادیر و الانقسامات المتصورة فی المتعلّق مع قطع النظر عن ورود الخطاب، بحیث أمکن وقوع المتعلّق مقترناً بتلک التقادیر و إن لم یتعلّق به خطاب أصلاً.

الثانی: نتیجة الإطلاق و التقیید و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر و انقسام لاحق للمتعلّق بعد تعلّق الخطاب به، بحیث لایکون لذلک التقدیر وجود إلّا بعد ورود الخطاب کتقدیر العلم و الجهل بالخطاب، حیث إنّ تقدیر العلم و الجهل بالأحکام لایکون إلّا بعد ورود الخطاب (و یسمّی هذا القسم من الإطلاق بالإطلاق الذاتی و الملاکی)((1))

الثالث: اقتضاء ذات الخطاب و ذلک بالنسبة إلی کل تقدیر یقتضیه نفس الخطاب و هو الفعل أو الترک الذی یطالب به أو بنقیضه حیث یکون انحفاظ الخطاب فی حالتی الفعل و الترک بنفسه و باقتضاء هویة ذاته، لا بإطلاقه لحاظاً

ص: 133


1- أجود التقریرات، ج2، ص67.

أو نتیجةً إذ لایعقل الإطلاق و التقیید بالنسبة إلی تقدیری فعل متعلّق الخطاب و ترکه بل یؤخذ المتعلّق معرّی عن حیثیة فعله و ترکه و یلاحظ نفس ذاته، فیحمل علیه بالفعل إن کان الخطاب وجوبیاً، و بالترک إن کان الخطاب تحریمیاً و لایمکن تقیید المتعلّق بالفعل فی مقام البعث إلیه مثل «إنّ الصلاة الموجودة واجبة علیک» و لا تقییده بالترک مثل «إنّ الصلاة المتروکة هی واجبة علیک».

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری أنّ الکلام فی إطلاق الطلب و تقییده لا فی إطلاق المطلوب و تقییده و لذا یکون المثال الأوّل عنده «إن صلیت فهی واجبة علیک» و المثال الثانی عنده «إن عصیت الصلاة فهی واجبة علیک» بالنسبة إلی تقدیری الفعل و الترک، لاستلزامه طلب الحاصل فی الأوّل و طلب الجمع بین النقیضین فی الثانی و کلا المحذورین فی الثالث.

قال (قدس سره):((1)) فإذا کان التقیید بکل من التقدیرین محالاً کان الإطلاق بالإضافة إلیهما أیضاً محالاً، إذ الإطلاق فی قوّة التصریح بکلا التقدیرین، فیکون فیه محذور طلب الحاصل و المحال معاً.

و قد أشرنا فی البحث المذکور إلی أنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید إنّما هو تقابل العدم و الملکة، و أنّ امتناع التقیید یساوق امتناع الإطلاق.

فلابدّ من لحاظ ذات المتعلّق مهملاً معرّی عن کلا تقدیری الفعل و الترک فیخاطب به بعثاً أو زجراً و لیس فیه تقیید و لا إطلاق لا لحاظاً و لا نتیجةً.

و انحفاظ الخطاب فی کلتا حالتی الفعل و الترک إنّما یکون باقتضاء ذاته لأنّه بنفسه یقتضی فعل المتعلّق و طرد ترکه.

ص: 134


1- أجود التقریرات، ج2، ص68.
وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث:

بذلک البیان یظهر لک أنّ الفرق بین هذا التقدیر و التقدیرین الأوّلین من وجهین:

الوجه الأوّل: نسبة تلک التقادیر فی القسمین الأوّلین إلی الخطاب نسبة العلّة إلی معلولها فإن أُخذ تلک التقادیر قیداً وشرطاً للخطاب فلمکان رجوع الشرط إلی الموضوع و کون الموضوع علّة لترتّب الخطاب علیه، یکون ذلک التقدیر علّة للخطاب و إن أُطلق الخطاب بالنسبة إلی تقدیر، فذلک التقدیر و إن لم یکن علّة للخطاب (لعدم أخذ ذلک التقدیر شرطاً) إلّا أنّه یجری مجری العلّة من حیث إنّ الإطلاق و التقیید من الأُمور الإضافیة فهما فی مرتبة واحدة، فإذا کان التقیید علّة للخطاب فالإطلاق الواقع فی رتبته یجری مجری العلّة من حیث الرتبة.

هذا بخلاف تقدیری فعل المتعلّق و ترکه فإنّ الأمر یکون فیه بالعکس، لأنّ الخطاب علّة للتقدیر لأنّ الخطاب یقتضی فعل متعلّقه و طرد ترکه (أی الامتثال) فإذا کانت نسبة الحکم إلی الامتثال نسبة العلّة إلی معلولها، کان الحال کذلک بالإضافة إلی العصیان، لأنّ مرتبة العصیان هی بعینها مرتبة الامتثال.

الوجه الثانی: إنّ الخطاب بالنسبة إلی سائر التقادیر یکون متعرّضاً و متکفّلاً لبیان أمر آخر غیر تلک التقادیر، غایة الأمر یتعرّض لذلک الأمر عند وجود تلک التقادیر فإنّ خطاب الحج یکون متعرضاً لفعل الحج من الإحرام و الطواف و غیر ذلک عند وجود الاستطاعة و لیس لخطاب الحجّ تعرّض لتقدیر الاستطاعة و هذا بخلاف تقدیری الفعل و الترک، فإنّ الخطاب بنفسه متکفّل لبیان هذا التقدیر و متعرّض لحاله حیث إنّه یقتضی فعل المتعلّق و عدم ترکه و لیس للخطاب تعرّض لشیء آخر سوی هذا التقدیر.

ص: 135

إذا عرفت ذلک فاعلم أنّه یترتّب علی ما ذکرناه (من الفرق الذی بین تقدیری الفعل أو الترک و بین سائر التقادیر) طولیة الخطابین و خروجهما من العرضیة و ذلک لأنّ الخطاب الأهمّ حینئذ یکون متعرّضاً لموضوع الخطاب المهمّ و طارداً و مقتضیاً لهدمه و رفعه فی عالم التشریع، لأنّ موضوع الخطاب المهمّ هو عصیان الخطاب الأهمّ و ترک امتثاله و الخطاب الأهمّ دائماً یقتضی طرد الترک و رفع العصیان.

أمّا الخطاب المهمّ فإنّما یکون متعرضاً لحال متعلّقه و لا تعرّض له لحال موضوعه، لأنّ الحکم لایتکفّل حال موضوعه من وضع أو رفع بل هو حکم علی تقدیر وجوده و مشروط به.

و الخطاب الأهمّ واقع فی الرتبة السابقة علی موضوع الخطاب المهمّ و موضوع الخطاب المهمّ أیضاً یکون فی رتبة سابقة علی نفس الخطاب المهمّ، فهو متقدّم علیه برتبتین أو ثلاث، و مع هذا الاختلاف فی الرتبة کیف یعقل أن یکونا فی عرض واحد؟

إیرادات المحقّق الاصفهانی علی کلام المحقّق النائینی (قدس سرهما) فی المقدّمة الرابعة:
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل:

إنّ الکلام فی إطلاق الطلب و تقییده، لا إطلاق المطلوب و تقییده، ففرض إهمال المطلوب فرض تعلّق الطلب بذات الفعل أو ذات الترک لا فرض تعلّقه بالفعل المفروض حصوله أو المفروض عدمه. (لأنّ الکلام فی الترتّب بین الأمرین و الطلبین لا المطلوبین).

ص: 136


1- نهایة الدرایة، ج2، ص236.
الإیراد الثانی:
اشارة

إنّ محذور تقید نفس الطلب بفرض حصول متعلّقه، هو کون الشیء علّة لنفسه فی ما إذا کان الطلب منوطاً بفرض حصوله و لیس المحذور هنا هو طلب الحاصل.

توضیحه: إنّ الأمر علی الفرض من أجزاء علّة وجود متعلّقه فی الخارج، لفرض التسبیب به إلی ذات الفعل، لا إلی سببه و لا إلیه مع سبب آخر لیکون علّة العلّة و جزأها علی الثانی.

و مع فرض کون الأمر من أجزاء علّة وجود متعلّقه فی الخارج بلحاظ ضمیمة إرادة المکلّف فما یکون شرطاً للأمر یکون من أجزاء علّة وجود المتعلّق فی الخارج.

و حینئذ الفعل الخارجی (أی متعلّق البعث) من جهة أنّه متعلّق البعث و الطلب فهو معلول و من جهة أنّه شرط للأمر فهو جزء العلّة، فیلزم أن یکون الفعل جزء العلّة لتحقّق نفسه و هذا هو محذور کون الشیء علّة لنفسه.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله):

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) إشکال آخر و لاینافی ذلک صحّة ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من إشکال طلب الحاصل.

ملاحظتنا علیه:

إنّ

المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1)) إنّ إشکال طلب الحاصل باطل لأنّ

ص: 137


1- نهایة الدرایة، ج2، ص237.

الغرض من هذا البعث علی الفرض إیجاد ما هو موجود بهذا البعث لا بسبب آخر حتّی یکون طلبه طلب الحاصل و سیأتی الاستدراک عن هذا البیان فی الإیراد الرابع.

الإیراد الثالث:

إنّ محذور تقید الطلب بفرض عدم حصول متعلّقه هو کون العلّة معلولة لعدم معلولها.

توضیح ذلک: إنّ المفروض کون الأمر علّة للفعل فلو کانت الأمر (أی العلّة) منوطة بعدم الفعل لزم کون العلّة معلولة لعدم معلولها و بعبارة أُخری لزم إناطة تأثیرها بعدم تأثیرها، لوحدة التأثیر و الأثر ذاتاً و اختلافهما اعتباراً (أی إنّ إناطة علّیة الأمر و هی تأثیرها بعدم الأثر معناه إناطة تأثیرها بعدم تأثیرها لأنّ التأثیر و الأثر متحدان ذاتاً).

الإیراد الرابع:
اشارة

لو فرضنا أنّ الکلام فی تقیید المطلوب و إطلاقة و قلنا: إنّ الحصول قید للمطلوب فحینئذ إذا تعلّق طلب الوجود بالموجود فیلزم طلب الحاصل و وجه استحالته((1)) هو أنّ الطلب إن تعلّق بالموجود بهذا الطلب فمحذوره الخلف، لأنّ فرض وجوده بهذا الطلب هو فرض تعریته عن الوجود فی الرتبة السابقة علی الطلب و فرض وجوده فی مرتبة تعلّق الطلب خلاف ذلک الفرض، و إن تعلّق

ص: 138


1- إنّ طلب وجود ما هو الموجود لیس محالاً بالذات بل محال بالعرض، حیث إنّ الطلب قائمٌ بالنفس و لا استحالة فی وجود الطلب، إلّا أنّ هذا الطلب لغو. ثمّ إنّه لا فرق فی بطلان طلب الحاصل بین أن یکون حاصلاً بهذا الطلب أو بسببٍ آخر و کلاهما مصداقان لطلب الحاصل.

الطلب بإیجاد الموجود بغیر شخص هذا الطلب فمحذوره أنّ الموجود لایعرضه الوجود، فإنّ المماثل لایقبل المماثل، کما أنّ المقابل لایقبل المقابل.

لکن المقام لیس من باب تعلّق طلب الوجود بالموجود، بل الکلام فی تقیید المطلوب بنفسه و جعله مقترناً بنفسه، فلازمه - کما هو معنی التقیید- اثنینیة الواحد حتی یکون هناک قید و مقید فلیس هنا محذور طلب الحاصل کما توهّم.

ملاحظتنا علیه:

إنّ الطلب یتعلّق بالماهیة بداعی إیجادها خارجاً فالمطلوب المقید الماهیة و القید هو وجودها فهنا تقیید الماهیة بالوجود لا تقیید المطلوب بنفسه فلایلزم اثنینیة الواحد فالطلب من حیث تعلّقه بالقید یکون من باب طلب الوجود المتعلّق بالموجود و هو تحصیل الحاصل.

الإیراد الخامس: (و هو المهمّ فی المقام)

إنّ الإطلاق لیس إلّا تسریة الحکم إلی جمیع أفراد المطلق بما هی أفراد ذات المطلق لا بمعنی جمع القیود، فمعنی إطلاق الطلب لفرض الحصول و عدمه، عدم دخل الحصول و عدمه فی وجود الطلب، لا دخل وجوده و عدمه معاً، حتّی یلزم من الإطلاق الجمع بین محذور طلب الحاصل و محذور الجمع بین النقیضین.

فحینئذ إن قلنا بأنّ التقابل بین الإطلاق و التقیید تقابل الملکة و العدم فاستحالة التقیید تمنع عن الإطلاق اللحاظی المولوی، فإنّ قیام المولی مقام الإطلاق من هذه الجهة مع استحالة التقیید لغو.

أمّا الإطلاق الذاتی و هو ثبوت الطلب مقارناً للفعل و مقارناً للترک فهو

ص: 139

معقول فإنّه عدم التقیید بمعنی السلب المقابل للإیجاب و یستحیل خروج الشیء عنهما معاً (و الإطلاق الذاتی فی اقتضاء الأمر بالأهمّ لفعل الأهمّ و ترک معصیته أمر مجعول للشارع بخلاف الاقتضاء الذاتی الذی هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) فإنّه لیس مجعولاً للشارع بل هو اقتضاء العلّیة و المعلولیة.)

و من البین أنّ المانع من الترتّب ورود الطلبین علی تقدیر واحد، فتقیید طلب الأهمّ بترکه محال و هو المضرّ بالترتّب و لیس إطلاقه الذاتی أو إطلاقه اللحاظی علی فرض إمکانه مضراً بالترتّب، إذ لیس لازمه ورود الطلبین علی تقدیر لیکونا عرضیین لا طولیین.

الإیراد السادس:

إنّ تکلّف دفع الإطلاق و التقیید فی طرف الأهمّ لیس بمهمّ کما توهّم، بل النافع للمجوّز تقیید طلب المهمّ بعدم الأهمّ، فإنّه المصحّح للأمر بضدّ الجمع و عدم طلب الجمع.

المقدّمة الخامسة:
اشارة

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) أشار فی هذه المقدّمة إلی صور و فروض کثیرة لانتعرض لها بل نقتصر بما لخصه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من هذه المقدّمة:

إنّ إطلاق کل واحد من الخطابین بالإضافة إلی حالتی فعل الآخر و ترکه، هو الذی یوقع المکلّف فی کلفة الجمع بین الضدّین، بحیث لو لم یکن لهما إطلاق لم یلزم منه محذور، فإذا رتب أحدهما علی عصیان الآخر لم یلزم منه محذور طلب الجمع المحال.

والشاهد علیه أمران:

ص: 140

الأمر الأوّل: هو أنّه إذا فرض الفعلان فی حدّ ذاتهما ممکن الجمع، کقراءة القرآن و الدخول فی المسجد، فإنّه لولا الترتّب یقعان علی صفة المطلوبیة عند اجتماعهما. لکنهما لایقعان علی صفة المطلوبیة مع ترتّب طلب أحدهما علی عدم الآخر (عند اجتماعهما) فعدم وقوعهما علی صفة المطلوبیة برهان إنّی علی عدم مطلوبیة الجمع، و إلّا فلماذا لم یقعا علی صفة المطلوبیة فی فرض وقوعها خارجاً؟

الأمر الثانی: هو أنّ وقوعهما علی صفة المطلوبیة مستلزم للمحال لأنّه مستلزم لوجود الشیء مع فرض ما أُخذ علّة لعدمه (أی مستلزم لوجود فعلیة المهمّ مع فرض وجود الأهمّ حیث إنّ وجود الأهمّ علّة لعدم وجود فعلیة المهمّ) و هذا برهان لمّی علی عدم مطلوبیة الجمع، إذ المفروض إناطة مطلوبیة المهمّ بعدم الأهمّ، ففعل الأهمّ کالعلّة لعدم المطلوبیة فی المهمّ.

فتحقّق مطلوبیة المهمّ مع تحقّق علّة عدمها (أی مع تحقّق الأهمّ) هو المحال المستلزم لاستحالة لازمه و هو طلب الجمع.

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی المقدّمة الخامسة:

إنّ ما ذکر فیها من أنّ لازم إطلاق طلب کل من الضدّین کحالتی فعل الآخر و ترکه هو طلب الجمع بینهما مخدوش بما ذکرنا سابقاً من أنّ الإطلاق لیس جمعاً بین القیود لیکون لازمه طلب کل واحد علی تقدیر فعل الآخر أو مقترناً بفعل الآخر، لیکون طلباً للجمع بین الفعلین، بل الطلب فیهما لا علی تقدیر، و بمعنی عدم دخل فعل الآخر و ترکه فی فعلیة الطلب.

نعم لازم تعلّق الطلبین لا علی تقدیر هو طلب المطلوبین فی زمان واحد بحیث لهما المعیة الزمانیة فی المطلوبیة و لیس ذلک طلب معیتهما فی الزمان.

ص: 141

و بالجملة طلب فعلین لهما المعیة الزمانیة بحسب الفرض محقّق حتی فی الأمرین المترتّبین و طلب معیتهما فی الزمان غیر لازم حتی فی الأمرین المطلقین.

و طلب فعلین لهما المعیة الزمانیة إنّما یستحیل حیث إنّ القدرة الواحدة لاتفی بهما و أمّا مع الترتّب فالقدرة الواحدة تفی بهما، إذ مع إعمال القدرة فی فعل الأهمّ لا أمر بالمهمّ و مع عدم إعمالها فیه، لا مانع من إعمالها فی فعل المهمّ، فلا مانع من فعلیة أمره مع فعلیة الأمر بالأهمّ، حیث لایسقط الأمر به بمقارنته لعدم إعمال القدرة فی امتثاله.((1))

الوجه السادس علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((2))

تفاوت نظریة المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما):

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یغایر ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من جهة أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری فعلیة کلا الأمرین (الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ) خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث یقول بأنّ فعلیة الأمر بالمهم یتوقف علی عصیان الأمر بالأهمّ، و من جهة أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالإطلاق الذاتی للأمر بالأهمّ بالنسبة إلی حالتی الفعل و الترک خلافاً للمحقق النائینی (قدس سره) حیث یقول باستحالة الإطلاق.

فإنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالتعلیق فی فعلیة اقتضاء الأمر المهمّ لا فی فعلیة الأمر فإنّ القدرة الفعلیة علی کلا الأمرین موجودة إلّا أنّ القدرة واحدة و إعمالها فی أحدهما یزاحم إعمالها فی الآخر.

ص: 142


1- نهایة الدرایة، ج2، ص239 نقله بعنوان المقدّمة الرابعة.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص241.
بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) لتجویز الترتّب:
اشارة

إنّ الأمر بالإضافة إلی متعلّقه من قبیل المقتضی بالإضافة إلی مقتضاه.

فإذا کان المقتضیان المتنافیان فی التأثیر لا علی تقدیر و الغرض من کل منهما فعلّیة مقتضاه عند انقیاد المکلّف له، فلامحالة یستحیل تأثیرهما و فعلیة مقتضاهما و إن کان المکلّف فی کمال الانقیاد.

و إذا کان المقتضیان مترتّبین بأن کان أحد المقتضیین (مقتضی الأمر المهمّ) لا اقتضاء له إلّا عند عدم تأثیر الآخر، فلا مانع من فعلیة مقتضی الأمر المترتّب و حیث إنّ فعلیة أصل اقتضاء المترتّب منوطة بعدم تأثیر المترتّب علیه (أی اقتضاء الأمر الأهمّ) فلامحالة یستحیل مانعیته عن تأثیر الأمر المترتّب علیه، إذ ما کان اقتضاؤه منوطاً بعدم فعلیة مقتضی سبب من الأسباب یستحیل أن یزاحمه فی التأثیر و لا مزاحمة بین المقتضیین إلّا من حیث التأثیر و إلّا فذوات المقتضیات بما هی لا تزاحم بینها.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

((1))

إنّ ما التزم به من إطلاق فعلیة کلا الخطابین مخدوش لاستلزامه اللغویة، فإنّه یعتبر فی الإطلاق عدم اللغویة و هنا وجود الأمر بالمهمّ مع إتیان فعل الأهمّ لغو فالإطلاق بالنسبة إلیه باطل: کما أنّ إهمال الأمر أیضاً محال لعدم الإهمال فی حکم الشارع فلابدّ من أن یکون الأمر بالمهمّ مقیداً بترک الأهمّ، فالحقّ هو ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) .

ص: 143


1- تحقیق الأصول، ج3، ص237 و 238.
دفع الإشکال عن نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ الإطلاق لایستلزم اللغویة، لأنّ الإطلاق ثابت فی مرحلة الفعلیة و عدم وفاء القدرة بامتثال کلا الخطابین مربوط بمرحلة الامتثال.

توضیح ذلک: إنّ القدرة الإجمالیة شرط فی فعلیة التکلیف و مع فقدها لایکون التکلیف فعلیاً لاستحالة التکلیف بغیر المقدور من الشارع الحکیم، أمّا القدرة التفصیلیة فهی شرط تنجّز التکلیف و فقدها لایوجب عدم فعلیة التکلیف و هنا القدرة الإجمالیة علی کلا الخطابین موجودة و لکنها لاتفی بهما و أمّا مع الترتّب (عند عدم إعمالها فی الأهمّ) فلا مانع من إعمالها فی المهمّ فالحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

الوجه السابع علی إثبات الترتّب: نظریة المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الضدّین إمّا متساویان فی الملاک و إمّا أن یکون لأحدهما مزیة و هما إمّا مضیقان و إمّا موسعان و إمّا مختلفان، فهنا صور لابدّ من التعرض لها فی بحث الضدّ.

و خلاصة نظریته هو جواز طلب الضدّین بنحو العرضیة بحیث یکون الطلب و المطلوب مطلقان و لکن الإیجاب الناقص هو طریق حلّ المشکلة، فإنّ الإیجاب قد یکون تامّاً یقتضی سدّ جمیع أنحاء عدم الشیء و قد یکون ناقصاً یقتضی سدّ بعض أنحاء عدم الشیء، مضافاً إلی أنّه یجوز الترتّب أیضاً بالإیجاب التامّ و الناقص.

ص: 144


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص365.

توضیح ما أفاده: إنّ الضدّین إذا کانا متساویین فی الملاک و کانا مضیقین فإن لم یکن لهما ثالث کما فی الحرکة و السکون و النوم و الیقظة فالحکم فیهما التخییر العقلی و إن کان لهما ثالث بحیث یتمکّن المکلّف من ترک کلا الأمرین معاً کما فی الأمر بإنقاذ الغریقین و کما فی مثل الصلاة و الإزالة ففی مثله لا إشکال فی أنّه لیس له ترک کلا الأمرین معاً و أنّه یجب علیه الإتیان بأحد الأمرین مخیراً بینهما إنّما الکلام فی ما ینتهی إلیه مرجع هذا التخییر و أنّه هل هو راجع إلی تقیید الطلب فی کل من الأمرین بعدم الآخر و عصیانه أو بتقیید المطلوب أو بإیجاب ناقص، فهنا یتصوّر ثلاثة احتمالات:

الاحتمال الأوّل: تقیید الطلب فی کل من الواجبین بعدم الآخر، إمّا بعدمه المحفوظ قبل الأمر و إمّا بعدمه المتأخر عن الأمر المنتزع عنه عنوان العصیان الذی هو نقیض الإطاعة.

أمّا الشق الأوّل منه فغیر دافع لمحذور المطاردة بین الأمرین من جهة بقاء المطاردة بینهما علی حالها، بملاحظة تحقّق ما هو الشرط فیهما قبل الإتیان بواحد منهما.

و أمّا الشق الثانی فهو و إن اندفع به محذور المطاردة، نظراً إلی وقوع تأثیر کل منهما فی رتبة سقوط الآخر إلّا أنّه یتوجّه علیه حینئذ محذور طولیة الأمرین و تأخر کل منهما عن الآخر برتبتین حسب إناطة کل منهما بعصیان الآخر.

الاحتمال الثانی: تقیید المطلوب فی کل منهما بعدم الآخر مع إطلاق الطلب فیهما و هذا إمّا بأخذ القید فی کل منهما مطلقَ عدم الآخر بنحو یقتضی وجوب تحصیله و إمّا بأخذ القید فی کل منهما العدم الناشی من قبل سائر الدواعی غیر دعوة الأمر و الطلب بحیث لایقتضی الطلب وجوب تحصیله.

ص: 145

و هذا أیضاً بکلا شقّیه کذلک، لأنّ مقتضی الإناطة حینئذ هو تأخّر کل من الواجبین رتبةً عن عدم الآخر و لازمه بمقتضی حفظ الرتبة بین النقیضین هو تأخر کل من الوجودین عن الآخر و هو ملازم لکون کل منهما فی رتبتین و هو محال.

مضافاً إلی أنّ الشقّ الأوّل منه مستلزم لوقوع المطاردة بین الأمرین بلحاظ اقتضاء إطلاق الأمر فی کل منهما لزوم ترک الضدّ الآخر من باب المقدّمة و اقتضاء الأمر به عدم ترکه و لزوم إیجاده، إذ حینئذ یصیر کل واحد منهما وجوداً و عدماً مورداً للتکلیف الإلزامی و هو محال.

و بعد بطلان الوجهین المذکورین یتعین الوجه الثالث.

الاحتمال الثالث: الإیجاب الناقص بنحو لایقتضی إلّا المنع عن بعض أنحاء تروکه و هو النهی عن الترک فی حال ترک الآخر و هذا یرجع إلی إیجاب متمّم الوجود، لا إیجاب الوجود علی الإطلاق و فی مثله یرتفع المطاردة بین الأمرین حیث لاتنافی بین هذین الأمرین بالضدّین بعد کونهما من قبیل متمّم الوجود و عدم اقتضائهما لوجوب الحفظ علی الإطلاق کما فی الأمرین التامّین.

و بعد التأمّل فی ما ذکرنا فی الضدّین المتساویین ظهر أیضاً حال ما إذا کان أحدها أهمّ و الآخر مهمّاً، فإنّه فیهما أیضاً أمکن بالتقریب المزبور الجمع بین الأمرین فی رتبة واحدة: أمر تامّ بالأهمّ و أمر ناقص بالمهمّ علی نحو کان مقتضاه لزوم حفظ المهمّ من سائر الجهات غیر جهة ضدّه الأهمّ، فأمکن حینئذ الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة من دون احتیاج إلی الترتّب المعروف.

و من ذلک البیان ظهر عدم الحاجة إلی التشبث بالترتّب و الطولیة فی إثبات الأمر التامّ بالمهمّ بإناطة أمره بعصیان الأهمّ و ذلک لأنّه و إن کان هذا التقریب أیضاً بنفسه تقریباً تامّاً نفسیاً و یرتفع به محذور المطاردة بین الأمرین إلّا أنّه غیر

ص: 146

محتاج إلیه بعد إمکان الجمع بین الأمرین فی مرتبة واحدة بل لئن تدبّرت تری کون تقریب الترتّب فی طول التقریب الذی ذکرناه ثم قرّب المحقّق العراقی (قدس سره) الترتّب بعین ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1))

إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی نظریة المحقّق العراقی (قدس سره):

((2))

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یحتمل أن یکون مراد المحقّق العراقی (قدس سره) من التقریب المذکور أنّ صحّة الترتّب لاتدور مدار الواجب المشروط و کیفیة إناطة المشروط بالشرط بل یصح الترتّب بناءً علی الواجب المعلّق.

ثم یستشکل علیه بأنّ هذا المعنی لایتوقف علی هذا التقریب الغریب و الالتزام بالإیجاب الناقص و تحلیل العدم إلی حصص متعددة بل لابدّ للمحقّق العراقی (قدس سره) من أن یقول حینئذ بالوجوب الفعلی و الواجب الاستقلالی بأن یکون ظرف الواجب عصیانَ الأهمّ مع أنّ الواجب المعلّق مستحیل عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

مضافاً إلی أنّ ما بنی علیه فی مبحث الواجب المعلّق - من أنّ الوجوب فی المعلّق فعلی لکنّه لا فاعلیة و لا محرکیة له، فینفک الفعلیة عن الفاعلیة و بهما یمتاز الواجب المشروط عن المعلّق- مخدوش بأنّ الأمر الحقیقی لیس إلّا لجعل الداعی بحیث یکون باعثاً للمکلّف و محرّکاً له فلاینفک فعلیته عن فاعلیته من قبل المولی.

و بهذا تمّ مبحث الترتّب.

ص: 147


1- راجع نهایة الأفکار، ج2-1، ص375.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص223.

ص: 148

البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی

اشارة

فیه مقدمتان و مقامان و تنبیه

ص: 149

ص: 150

المقدمة الأُولی

اشارة

فیها أُمور أربعة:

الأمر الأوّل: عنوان البحث
اشارة

عنوان البحث عند القدماء:

إنّ القدماء من الأُصولیین عنونوا هذه المسألة بالنحو المذکور فی الکفایة فقالوا: هل یجوز اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد ذی جهتین أو لا؟

نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

((1))

الأولی أن یجعل عنوان البحث علی وجه آخر و ذلک بأن یقال: إذا تعلّق أمر و نهی بشیئین اتّحدا فی الخارج وجوداً و إیجاداً، فهل یوجب ذلک سرایة کلّ منهما إلی ما تعلّق به الآخر لیلزم سقوط أحدهما لامتناع اجتماع الحکمین المتضادّین فی مورد واحد، أو إنّ اتّحاد الوجودین فی الخارج لایوجب السرایة المذکورة فلایلزم من ثبوت الحکمین فیه اجتماع الضدّین؟

ص: 151


1- أجود التقریرات، ج2، ص125.

و وجّه الأولویة بأنّ العنوان المعروف یوهم أنّ القائل بالجواز لایعترف بتضادّ الحکمین.

ملاحظات ثلاث علیها:

أوّلاً: إنّ تضادّ الحکمین لیس أمراً مسلّماً غیر قابل للتشکیک بل ینکره القائل بالجواز و القائل بالامتناع فإنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بالجواز و ینکر ذلک کما أنّ الأُستاذ العلامة الشاه آبادی (حفظه الله) یقول بالامتناع و لایعتقد بتضادّ الحکمین.

ثانیاً: إنّ العنوان الذی ذُکر فی کلمات القدماء لاینافی القول بتضادّ الحکمین بل یؤمی إلی أنّ الاختلاف نشأ من ناحیة أنّ الواحد الذی هو ذا جهتین هل یکون واحداً حقیقة أو یکون متعدّداً؟ و ذلک لاتّصاف الواحد بوصف ذی الجهتین، فحینئذ إن کان واحداً حقیقة فیمتنع اجتماع الأمر و النهی فیه و إن کان متعدّداً فیجوز اجتماعهما فیه.

ثالثاً: إنّ العنوان الذی وجّهه المحقّق النائینی (قدس سره) غیر لائق بالمقام لأنّه افترض فیه حدیث تضادّ الحکمین مع أنّه محلّ الخلاف بین الأعلام و الحق عدم التضادّ کما سیأتی بیانه إن شاء الله تعالی.

ص: 152

الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟
اشارة

إنّ اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد یوجب المحذور فی ثلاث مراحل:

الأُولی: مرحلة مبادی الحکم و هی المصلحة و المفسدة علی مسلک العدلیة و هکذا الإرادة و الکراهة و الحب و البغض علی مسلک العدلیة و الأشاعرة.

الثانیة: مرحلة الحکم للتضادّ بین الأحکام الخمسة عند مشهور الأُصولیین کما صرّح به صاحب الکفایة (قدس سره) خلافاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

الثالثة: مرحلة امتثال الحکم، لأنّ الأمر یقتضی الانبعاث و امتثال المتعلّق و النهی یقتضی الانزجار عن المتعلّق و ترکه.

هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟

إنّ اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد مستحیل بالذات و بالعرض علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) حیث إنّ تضادّ الأحکام یوجب الاستحالة بالذات و المحذور فی مرحلة المبدأ (المصلحة و المفسدة و الإرادة و الکراهة) و المنتهی (مقام الامتثال) یوجب الاستحالة بالعرض.

و أمّا علی مسلک المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فالاجتماع المذکور یوجب الاستحالة بالعرض لا بالذات لعدم التضادّ بین الأحکام الخمسة علی مسلکه.

هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟

إنّ المحقّق البروجردی (قدس سره) قال: علی القول بالاجتماع یلزم التکلیف المحال و لایلزم التکلیف بالمحال لأنّ الإتیان بمتعلّق الأمر و هکذا الإتیان بمتعلّق النهی لیس محالاً.

ص: 153

و خالفه بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فقال بلزوم التکلیف بالمحال أیضا لأنّ الجمع بینهما محال فیلزم من الأمر و النهی معاً التکلیف بالمحال.

فالمتحصّل: أنّه لا إشکال فی استحالة الاجتماع المذکور کبرویاً و إنّما النزاع فی الصغری بمعنی أنّه هل یسری الحکم من متعلّق الأمر أو النهی إلی الآخر حتّی یتحقّق الاجتماع فیکون محالاً کما یقوله القائل بالامتناع، أم لایسری فلایتحقّق الاجتماع المذکور فلایکون اجتماع الأمر و النهی فی الشیء الواحد محالاً کما هو مسلک القائل بالجواز.

فالنزاع صغروی لا کبروی.

ص: 154


1- علی ما قرّرته فی مجلس الدرس و لکن لم یذکره فی تحقیق الأصول، ج4، ص27.
الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة

و المهم من الأقوال هنا ثلاثة:

الأول: القول بجواز الاجتماع و هو نظریة المحقّق القمی و المحقّق الإصفهانی و المحقّق النائینی((1)) (قدس سره) و هو المختار.

قال المحقّق القمی (قدس سره):((2)) «إنّ القول بجواز الاجتماع هو مذهب أکثر الأشاعرة و الفضل بن شاذان((3)) من قدمائنا و هو الظاهر من کلام السید

ص: 155


1- فی فوائد الأصول، ج 2، ص397 - 398: «إنّ البحث عن مسألة اجتماع الأمر و النّهی یقع فی مقامین: المقام الأوّل هو ما عنونا به المسألة، من أنّ اجتماع متعلّق الأمر و النّهی من حیث الإیجاد و الوجود هل یوجب أن یتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی و لو لمکان إطلاق کلّ منهما لمتعلّق الآخر؟ فیمتنع صدور مثل هذا الأمر و النهی و تشریعهما معاً بلحاظ حال الإجتماع، و یکون بین الدلیلین المتکفّلین لذلک تعارض العموم من وجهٍ أو أنّه لایلزم من الإجتماع المذکور تعلّق کلّ منهما بعین ما تعلّق به الآخر؟ ... و الأقوی عندنا فی المقام الأوّل الجواز و أنّ الإتّحاد لایوجب تعلّق کلّ من الأمر و النّهی بعین ما تعلّق به الآخر».
2- قوانین، ط.ق. ج1، ص138.
3- تردّد بعضٌ فی نسبة القول بالجواز إلی الفضل بن شاذان: ففی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص610: «و الإنصاف أنّ الإستظهار من کلام الفضل ممّا لا وجه له، لأنّه هو الذی نقله الکلینی فی کتاب الطلاق، و هو یدلّ علی صحة الصلاة فی الدار المغصوبة، و هو أعمّ من القول بالجواز من وجوه أقلّها جریان العادة علی عدم الحظر فی الصلاة، و یجری ذلک مجری الإذن أو الأخبار الدالّة علی أنّ للناس حقّا فی الأرض أو القول بأنّ الکون خارج عن الصلاة بل إنّما هو من ضروریات الجسم کما هو المحکی عن البهائی فی حبل المتین و المحقّق فی المعتبر أو القول بأنّ الصلاة من الواجبات التوصّلیة التی تسقط عند اجتماعها مع الحرام». راجع تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج 4، ص555؛ و تعلیقة القوانین المحکمة، ط.ج. ج 1، ص322 - 323.

[المرتضی] فی الذریعة((1)) و ذهب إلیه جلّة من فحول متأخرینا کمولانا المحقّق الأردبیلی((2)) و سلطان العلماء((3)) و المحقّق الخوانساری((4)) و ولده المحقّق((5)) و

ص: 156


1- فی الذریعة إلی أصول الشریعة، ج 1، ص193: «و من احتجّ فی جواز الصّلاة فی الدار المغصوبة بأنّ إجراءها مجری من شاهد طفلا یغرق و هو فی الصلاة، و قال: إذا صحّت صلاته مع المعصیة، فکذلک الصّلاة فی الدّار المغصوبة فقوله باطل، لأنّا نقول فی المسألتین قولاً واحداً، و الصلاتان معا فاسدتان». و لکن فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص610: «و المنقول من السید فی الذریعة أظهر فی عدم الجواز...».
2- نسب إلیه بعضٌ آخر القول بالتفصیل. راجع مجمع الفائدة، ج2، ص110 – 112. و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص611: «و قد ینقل فی المقام قول ثالث، و هو التفصیل بین العقل و العرف، فیجوز عقلا و لایجوز عرفا و نسبه بعضهم إلی الأردبیلی فی شرح الإرشاد.
3- حاشیة السلطان علی معالم الدین، ص292.
4- جاء فی مطارح الأنظار: «کالمحقق الخوانساری فی تداخل الأغسال من المشارق» و لم نجد فی ذلک البحث إشارةً إلی ما نحن فیه و لکن فی مشارق الشموس ط.ق. ج1، ص290 - 291: «إحتجّ العلّامة فی المختلف علی الحکم الأول مما استوجهه الذی هو مسئلتنا هذه بقوله: إنّ من صوّر النزاع الطهارة بالمتغیر من الماء و هو منهی عنه و النهی یدل علی الفساد أمّا الأوّل فلما رواه حریز بن عبد الله فی الصحیح عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: «فإذا تغیر الماء و تغّیر الطعم فلایتوضأ منه و لایشرب منه» و أمّا المقدمة الثانیة فلأنّه لم یأت بالمأمور به فیبقی فی عهدة التکلیف أمّا الصغری فلأنّه أتی بالمنهی عنه و المأمور به غیر المنهی عنه و إلّا لزم التکلیف بالضدین و أمّا الکبری فظاهرة ... و فیه نظر أمّا أوّلاً فلأنّ قوله المأمور به غیر المنهی عنه و إلّا لزم التکلیف بالضدین إن أراد به لزوم التکلیف بالضدین متعلقا بشیءٍ مخصوص الذی هو الممتنع فلزومه ممنوع إذ لو فرض إنّ الأمر أمر بالوضوء بالماء مطلقا و نهی عن الوضوء بالماء المتغیر فإذا اختار المکلف الوضوء بالماء المتغیر و جمع بین الأمر و النهی بأن جعل أمرا واحدا فردا لهما فلم یلزم تعلق التکلیفین بشیءٍ مخصوص بل التکلیفان تعلّقا بطبیعتین کلیتین لکن جعل المکلف فعلا واحدا جزئیا لهما و إن أراد به مجرد جمعهما فی شیءٍ واحدٍ باختیار المکلف فاستحالته ممنوعةٌ لابدّ لها من بیان».
5- التعلیقات علی الروضة البهیة، ص206: «قوله "و یجب کونه غیر مغصوب" ... و معتمد الأصحاب فی حکمهم بالبطلان هو ما ذهبوا إلیه من امتناع کون الواحد مأموراً به و منهیا عنه إذ لا شکّ أنّ الحرکات و السکنات الواقعة فی المکان المغصوب منهیّ عنها لحرمة الغصب فلو صحّت الصلاة فیه لکانت مأموراً بها أیضا ... و للتأمّل فیما ذهبوا إلیه من الإمتناع المذکور مجالٌ کما فصّلنا القول فیه فی الأصول لکن لا محید عمّا علیه أعاظم الأصحاب و الله تعالی أعلم بالصواب».

الفاضل المدقّق الشیروانی((1)) و الفاضل الکاشانی((2)) و السید الفاضل صدر الدین((3)) و أمثالهم رحمهم الله بل و یظهر من الکلینی -حیث نقل کلام الفضل بن شاذان

ص: 157


1- فی القوانین المحکمة، ط.ج. ج 1، ص344: «فلنمثّل بما ذکره بعض المدقّقین بأمر المولی عبده بمشی خمسین خطوة فی کلّ یوم، و نهاه عن الدخول فی الحرم، فإذا مشی المقدار المذکور إلی داخل الحرم، یکون عاصیاً مطیعاً من الجهتین». و فی الحاشیة علی قوانین الأصول للسید علی القزوینی، ج 1، ص107: «قوله فلنمثّل بما ذکره بعضُ المدقّقین ای ذکره جماعةٌ منهم المدقق الشیروانی و السید صدر الدین».
2- فی معتصم الشیعة فی أحکام الشریعة، ج 2، ص235 - 238: «أجمع العلماء کافّةً علی تحریم الصلاة فی المکان المغصوب اختیاراً و أجمع أصحابنا علی بطلانها أیضاً علی ما نقله ... و فیه بحثٌ آخر ذکرناه فی الأصول». و فی مفاتیح الشرائع، ج 1، ص98 - 99: «مفتاح المشهور أنّه یشترط فی مکان المصلی أن یکون مسجدا أو مملوکا أو مأذونا فیه، و لو بالفحوی، أو شاهد الحال، فتبطل فی المغصوب عالماً إختیاراً، أمّا مع الجهل أو الإضطرار فلا. و لیس لهم علی ذلک دلیلٌ تسکن النفس الیه ... و ربما یقال بإطلاق جواز الصلاة فی مکان لم یأذن مالکه الدخول فیه و إن کان عاصیا وفاقاً للفضل بن شاذان رحمه الله لأنّ الدخول فیه منهی عنه صلّی أو لم یصل، فإنّ الله لم یقید النهی عنه بالصلاة و لم یجعله شرطا لها و تحقیق ذلک فی الأصول». راجع أیضاً نقد الأصول الفقهیة للفیض الکاشانی، ص77.
3- فی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج 4، ص576: «إحتجّ أهل القول بجواز الإجتماع بوجهین بل بوجوه منها: ما قرّره المصنّف من أنّ السید إذا أمر عبده بخیاطة الثوب و نهاه عن الکون فی مکانٍ مخصوصٍ ثمّ خاطه فی ذلک المکان فإنّا نقطع بأنّه مطیع عاص لجهتی الأمر بالخیاطة و النهی عن الکون و محصّل هذا الوجه یرجع إلی التمسّک بفهم العرف إستکشافاً عن عدم المنافاة بین الوجوب و الحرمة، أو عن جدوی تعدّد الجهة فی تکثیر الموضوع، و إلّا لما حکم علی العبد المذکور بالإطاعة و العصیان، فإذا جاز ذلک فی العرف لجاز فی الشرع أیضاً لأنّ خطابات الشارع واردةٌ علی طبق القواعد العرفیة. و ربّما یؤکّد هذا التقریر من الدلیل بعبارةٍ أوضح و أصرح فی الدلالة علی الإجتماع فیقال: إنّ السید إذا أمر العبد بالخیاطة فی الجملة و نهاه عن شغله المکان المخصوص و قال: إن ارتکبت النهی ضربتک، و إن امتثلت الأمر فأعتقتک فخاط الثوب فی هذا المکان فیحسن من السید أن یضربه و یعتقه و یقول: أطاع بالخیاطة و عصی بدخول المکان فالخیاطة من حیث هی غیرُ ممنوعٍ عنها قطعا، بل ربّما یتعدّی بإجراء هذا الدلیل أو ما هو أصرح منه فیما لو کان المنهی عنه أخصّ من المأمور به کما عن الفاضل الباغنوی- علی ما حکاه السید صدر الدین فی شرح الوافیة-من أنّه عند ذکره الوجه المذکور للمجوّزین مع اختیاره الجواز، قال: بقی الکلام فی أنّ هذا الدلیل هل هو جارٍ فیما إذا صحّ الإنفکاک من أحد الجانبین کما إذا نهاه عن الخیاطة فی الحرم و أمره بالخیاطة، فإذا خاطه فی الحرم فلا شکّ فی أنّه عاصٍ لمخالفته النهی فهل هو مطیع للآمر؟ و الظاهر أنّه مطیع لأنّه لم یقید أمره بالخیاطة بأن لایکون فی الحرم، فلعلّ غرضه فی الأمر مجرّد خیاطة الثوب مجرّدا عن قید عدم کونها فی الحرم، و جعل النهی قرینة للتقیید ارتکاب للمجاز و إبقاء کلّ من الأمر و النهی أولی من تخصیص أحدهما، فیکون معنی کلامه أنّک لاتفعل الخیاطة فی الحرم، فإنّک لو فعلتها فیه لعاقبتک لکن یحصل ما هو مطلوبی بالأمر لأنّ مطلوبی بالأمر خیاطة الثوب فی مکانٍ مّا أی مکان کان و لایخفی أنّ هذا معنی صحیح غیر مخالف للغة و لا للعقل و لایحتاج فیه إلی ارتکاب التخصیص فی الأمر فلنحمل علیه إلی آخره». و فی ص581: «نعم یتوجّه إلی هذا الجواب [أی الجواب عن الوجه الأول مما احتج به علی الجواز] أنّه مناقشة فی المثال، فللمستدلّ أن یفرض مثالاً یتّحد فیه المأمور به و المنهی عنه کما فرضه جماعة منهم السید صدر الدین و هو ما لو أمر السید عبده بالمشی فی کلّ یومٍ خمسینَ خطوة و نهاه عن الدخول فی الحرم فمشی الخمسین فی الحرم، فإنّه مطیع للعمل بمقتضی الأمر و عاصٍ لمخالفته النهی». و راجع أیضا التعلیقة علی قول المؤلف دام ظله «و الفاضل المدقق الشیروانی».

فی کتاب الطلاق((1)) و لم یطعن علیه- رضاه بذلک بل و یظهر من کلام الفضل أنّ

ص: 158


1- فی الکافی، ج6، ص92 – 94، باب الفرق بین من طلّق علی غیر السنة و بین المطلقة إذا خرجت و هی فی عدّتها أو أخرجها زوجها: «الْحُسَینُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِی حَمْدَانُ الْقَلَانِسِی قَالَ: قَالَ لِی عُمَرُ بْنُ شِهَابٍ الْعَبْدِی مِنْ أَینَ زَعَمَ أَصْحَابُکَ أَنّ مَنْ طَلَّقَ ثَلَاثاً لَمْ یقَعِ الطَّلَاقُ؟ فَقُلْتُ لَهُ: زَعَمُوا أَنَّ الطَّلَاقَ لِلْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَمَنْ خَالَفَهُمَا رُدَّ إِلَیهِمَا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِیمَنْ طَلَّقَ عَلَی الْکِتَابِ وَ السُّنَّةِ فَخَرَجَتِ امْرَأَتُهُ أَوْ أَخْرَجَهَا فَاعْتَدَّتْ فِی غَیرِ بَیتِهَا تَجُوزُ عَلَیهَا الْعِدَّةُ أَوْ یرُدُّهَا إِلَی بَیتِهِ حَتَّی تَعْتَدَّ عِدَّةً أُخْرَی فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ- (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُیوتِهِنَّ وَ لا یخْرُجْنَ) قَالَ فَأَجَبْتُهُ بِجَوَابٍ لَمْ یکُنْ عِنْدِی جَوَاباً وَ مَضَیتُ فَلَقِیتُ أَیوبَ بْنَ نُوحٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ فَقَالَ لَیسَ نَحْنُ أَصْحَابَ قِیاسٍ إِنَّمَا نَقُولُ بِالْآثَارِ فَلَقِیتُ عَلِی بْنَ رَاشِدٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِکَ وَ أَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ فَقَالَ قَدْ قَاسَ عَلَیکَ وَ هُوَ یلْزِمُکَ إِنْ لَمْ یجُزِ الطَّلَاقُ إِلَّا لِلْکِتَابِ فَلَا تَجُوزُ الْعِدَّةُ إِلَّا لِلْکِتَابِ فَسَأَلْتُ مُعَاوِیةَ بْنَ حُکَیمٍ عَنْ ذَلِکَ وَ أَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ عُمَرَ فَقَالَ مُعَاوِیةُ: لَیسَ الْعِدَّةُ مِثْلَ الطَّلَاقِ وَ بَینَهُمَا فَرْقٌ ....وَ قَالَ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ فِی جَوَابٍ أَجَابَ بِهِ- أَبَا عُبَیدٍ فِی کِتَابِ الطَّلَاقِ ذَکَرَ أَبُو عُبَیدٍ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الْکَلَامِ قَالَ إِنَّ اللهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی حِینَ جَعَلَ الطَّلَاقَ لِلْعِدَّةِ لَمْ یخْبِرْنَا أَنَّ مَنْ طَلَّقَ لِغَیرِ الْعِدَّةِ کَانَ طَلَاقُهُ عَنْهُ سَاقِطاً وَ لَکِنَّهُ شَی ءٌ تَعَبَّدَ بِهِ الرِّجَالُ کَمَا تَعَبَّدَ النِّسَاءُ بِأَنْ لَا یخْرُجْنَ مِنْ بُیوتِهِنَّ مَا دُمْنَ یعْتَدِدْنَ وَ إِنَّمَا أَخْبَرَنَا فِی ذَلِکَ بِالْمَعْصِیةِ فَقَالَ (وَ تِلْکَ حُدُودُ اللهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَ مَنْ یتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) فَهَلِ الْمَعْصِیةُ فِی الطَّلَاقِ إِلَّا کَالْمَعْصِیةِ فِی خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَیتِهَا؟ أَ لَسْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَی أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَیتِهَا أَیاماً أَنَّ تِلْکَ الْأَیامَ مَحْسُوبَةٌ لَهَا فِی عِدَّتِهَا وَ إِنْ کَانَتْ لِلهِ فِیهِ عَاصِیةً فَکَذَلِکَ الطَّلَاقُ فِی الْحَیضِ مَحْسُوبٌ عَلَی الْمُطَلِّقِ وَ إِنْ کَانَ لِلهِ فِیهِ عَاصِیاً قَالَ الْفَضْلُ بْنُ شَاذَانَ ....ِ وَ أَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ ذَلِکَ شَی ءٌ تَعَبَّدَ بِهِ الرِّجَالُ... وَ إِنْ کَانَ لِلهِ عَاصِیاً فَیقَالُ لَهُمْ: إِنَّ هَذِهِ شُبْهَةٌ دَخَلَتْ عَلَیکُمْ مِنْ حَیثُ لَا تَعْلَمُونَ وَ ذَلِکَ أَنَّ الْخُرُوجَ وَ الْإِخْرَاجَ لَیسَ مِنْ شَرَائِطِ الطَّلَاقِ کَالْعِدَّةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ شَرَائِطِ الطَّلَاقِ ذَلِکَ أَنَّهُ لَا یحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَیتِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَ لَا بَعْدَ الطَّلَاقِ وَ لَا یحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ یخْرِجَهَا مِنْ بَیتِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ وَ لَا بَعْدَ الطَّلَاقِ فَالطَّلَاق وَ غَیرُ الطَّلَاقِ فِی حَظْرِ ذَلِکَ وَ مَنْعِهِ وَاحِدٌ وَ الْعِدَّةُ لَا تَقَعُ إِلَّا مَعَ الطَّلَاقِ وَ لَا تَجِبُ إِلَّا بِالطَّلَاقِ وَ لَا یکُونُ الطَّلَاقُ لِمَدْخُولٍ بِهَا وَ لَا عِدَّةٌ کَمَا قَدْ یکُونُ خُرُوجاً وَ إِخْرَاجاً بِلَا طَلَاقٍ وَ لَا عِدَّةٍ فَلَیسَ یشَبَّهُ الْخُرُوجُ وَ الْإِخْرَاجُ بِالْعِدَّةِ وَ الطَّلَاقِ فِی هَذَا الْبَابِ وَ إِنَّمَا قِیاسُ الْخُرُوجِ وَ الْإِخْرَاجِ کَرَجُلٍ دَخَلَ دَارَ قَوْمٍ بِغَیرِ إِذْنِهِمْ فَصَلَّی فِیهَا فَهُوَ عَاصٍ فِی دُخُولِهِ الدَّارَ وَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ ذَلِکَ لَیسَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَنْهِی عَنْ ذَلِکَ صَلَّی أَوْ لَمْ یصَلِّ وَ کَذَلِکَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَصَبَ ثَوْباً أَوْ أَخَذَهُ وَ لَبِسَهُ بِغَیرِ إِذْنِهِ فَصَلَّی فِیهِ لَکَانَتْ صَلَاتُهُ جَائِزَةً وَ کَانَ عَاصِیاً فِی لُبْسِهِ ذَلِکَ الثَّوْبَ لِأَنَّ ذَلِکَ لَیسَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَنْهِی عَنْ ذَلِکَ صَلَّی أَوْ لَمْ یصَلِّ وَ کَذَلِکَ لَوْ أَنَّهُ لَبِسَ ثَوْباً غَیرَ طَاهِرٍ أَوْ لَمْ یطَهِّرْ نَفْسَهُ أَوْ لَمْ یتَوَجَّهْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ لَکَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً غَیرَ جَائِزَةٍ لِأَنَّ ذَلِکَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَ حُدُودِهَا لَا یجِبُ إِلَّا لِلصَّلَاةِ».

ذلک کان من مسلمات الشّیعة و إنما المخالف فیه کان من العامّة کما أشار إلی ذلک العلاّمة المجلسی رحمه الله فی کتاب بحار الأنوار أیضا((1)) و انتصر هذا

ص: 159


1- فی بحار الأنوار، ج80، ص278 - 281: «تفریع قد عرفت أنّه یستفاد من تلک الأخبار المتواترة معنی جواز الصلاة فی جمیع بِقاع الأرض إلّا ما أخرجه الدلیل فمنها المکان المغصوب للإجماع علی عدم جواز التصرف فی ملک الغیر إلّا إاذنه صریحا أو فحوی أو بشاهد الحال ... و أمّا بطلان الصلاة مع العلم بالغصب فقال فی المنتهی: ذهب علماؤنا إلی بطلان الصلاة فیه وظاهره دعوی الإجماع وقال فی المعتبر: و هو مذهب الثلاثة و أتباعهم و ظاهره عدم تحقق الإجماع علیه [ حیث ] إنّ الفضل بن شاذان من قدماء أصحابنا ذکر فی جواب من قاس من العامة صحة الطلاق فی الحیض بصحّة العدّة مع خروج المعتدّة من بیت زوجها ما هذا لفظه ... فظهر أنّ القول بالصحة کان بین الشیعة بل کان أشهر عندهم فی تلک الأعصار و کلام الفضل یرجع إلی ما ذکره محقّقوا أصحابنا من أنّ التکلیف الإیجابی لیس متعلقا بهذا الفرد الشخصی بل متعلق بطبیعة کلیة شاملة لهذا الفرد و غیره، و کذا التکلیف السلبی متعلق بطبیعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد، و النسبة بین الطبیعتین عمومٌ من وجه، فطلب الفعل و الترک غیر متعلق بأمر واحد فی الحقیقة حتی یلزم التکلیف بما لایطاق، و إنّما جمع المکلف بینهما فی فرد واحد باختیاره فهو ممتثل للتکلیف الإیجابی باعتبار أنّ هذا فرد الطبیعة المطلوبة، و امتثال الطبیعة إنّما یحصل بالإتیان بفردٍ من أفرادها، و هو مستحقٌّ للعقاب أیضاً باعتبار کون هذا الفرد فردا للطبیعة المنهیة . و قیل: هذا القول غیرُ صحیحٍ علی أصول أصحابنا، لأنّ تعلّق التکلیف بالطبیعة مسلّمٌ، لکن لا نزاع عندنا فی أنّ الطبیعة المطلوبة یجب أن تکون حسنة و مصلحة راجحة متأکّدة یصح للحکیم إرادتها، و قد ثبت ذلک فی محله، و غیر خاف أنّ الطبیعة لاتتّصف بهذه الصفات، إلّا من حیث التحّصل الخارجی باعتبار أنحاء وجوداته الشخصیة و حینئذ نقول: الفرد المحرم لایخلو إمّا أن یکون حسنا و مصلحة متأکّدة مرادة للشارع أم لا؟ و علی الأوّل لایصح النهی عنه، و علی الثانی لم یکن القدر المشترک بینه و بین باقی الأفراد مطلوباً للشارع، بل المطلوب الطبیعة المقیدة بقیدٍ یختصّ به ما عدا ذلک الفرد، فلایحصل الإمتثال بذلک الفرد، لخروجه من أفراد المأمور به. أقول: و یمکن المناقشة فیه بوجوه لو تعرّضنا لها، خرجنا عمّا هو مقصودنا فی هذا الکتاب، و بالجملة الحکم بالبطلان أحوط و أولی، و إن کان إثباته فی غایة الإشکال».

المذهب جماعة من أفاضل المعاصرین ... و الذی یقوی فی نفسی و یترجّح فی نظری هو جواز الاجتماع.»((1))

ص: 160


1- نذکر هنا عدّة من القائلین بالجواز غیر من ذکر: فی تقریرات فی أصول الفقه للسید عبدالحسین اللاری (1342)، ج 2، ص27: «أمّا القول بالجواز مطلقا فمنسوب إلی فضل ابن شاذان ... و أمثالهم من فُحول متأخّرینا کصاحب القوانین و الإشارات و الضوابط بل استظهر من کلام الفضل وفاقُ الإمامیة علیه». و فی إشارات الأصول للشیخ محمدإبراهیم الکرباسی (1261)، ص220: «إنّهمإاختلفوا فی جواز الإجتماع و عدمه علی قولین و المختار الأوّل لوجوهٍ». و فی ضوابط الأصول للسید إبراهیم القزوینی (1262)، ص159: «هنا مقامات: الأوّل فی جواز اجتماع المامور به مع المنهی عنه فی العامین من وجه و فی الأعمّ و الأخصّ مطلقا من حیث الدلالة العقلیة فالکلام أوّلاً فی العامّین من وجه فی الإلزامیین مع کون النهی عینیا و متعلّقا بالوصف الفارق کقولک: صلّ و لاتغصب سواء کان الواجب تعبّدیا صِرفاً أم توصّلیاً کذلک أم مرکّبا منهما إرتباطاً أم إستقلالاً فذهب المشهور إلی عدم الجواز و الحقّ الجواز». و فی دررالفوائد ط.ج. ص180: «و بالجملة أظنّ أنّ التأمّل التّامّ فیما ذکرنا من دلیل المجوزین یوجب القطع بصحة هذا القول فتدبّر جیداً». و فی وقایة الأذهان، ص343: «ثانیها: الجواز مطلقا، ذهب إلیه السید الأستاذ [أی السید محمد الفشارکی] و منه شاع القول به بین المعاصرین». و فی نهایة الأصول، ص260: «إنّک إذا راجعت الوجدان رأیت جواز الإجتماع من أبده البدیهیات، فإذا أمرت عبدک بخیاطة ثوبک و نهیته عن التصرف فی فضاء دار الغیر فخاط العبد ثوبک فی فضاء الغیر، فهل یکون لک أن تقول له: أنت لاتستحق الأجرة لعدم إتیانک بما أمرتک؟ و لو قلت هذا فهل لا تکون مذموماً عند العقلاء؟ لا و الله بل تراه ممتثلاً من جهة الخیاطة و عاصیاً من جهة التصرف فی فضاء الغیر، و یکون هذا العبد عند العقلاء مستحقّاً لأجر العبودیة و الإطاعة، و عقاب التمرّد و العصیان». و فی أصول الفقه، ج 1، ص328: «إنّ الحقّ فی المسألة هو الجواز و قد ذهب إلی ذلک جمعٌ من المحققین المتأخّرین و سندنا یبتنی علی توضیح و اختیار ثلاثة أمور مترتّبة». و فی بحوث فی علم الأصول، ج 3، ص38: «من مجموع ما تقدّم إلی هنا نستطیع أَنْ نستخلص ثلاثة ملاکات و تقریبات لجواز اجتماع الأمر و النهی فی موضوعٍ واحدٍ لو تمّ شی ء منها فی مورد جاز الإجتماع: الملاک الأول: أنَّ الأمر إِذا کان متعلّقاً بصرف وجود الطبیعة فی الخارج فحتی إِذا کان النهی متعلّقاً بالفرد و الحصّة لاتضاد بینهما، إِذ لا محذور فی أَنْ یرید المولی صرف الوجود للجامع و ینهی عن فرد من أفراده الملاک الثانی: أَنْ یکون متعلّق الأمر غیر متعلّق النهی عنواناً و إِنْ انطبقا علی وجودٍ واحدٍ فی مورد خارجاً، لأنَّ تعدد العنوان یؤدّی إِلی تعدد ما هو معروض الأمر و النهی و الحبّ و البغض حقیقةً و ذاتاً الملاک الثالث: أَن یکون الترکیب بین عنوانی المأمور به و المنهی عنه إنضمامیا لا إتّحادیاً، أی یکون تعدد العنوان مستلزماً لتعدد المعنون خارجاً. و الملاک الثالث هو الذی بنی علیه المحقّقون جواز الإجتماع کبرویاً و إِنْ اختلفوا فی تشخیص موارده صغرویاً، و سوف یأتی الحدیث عن ذلک مفصلًا و الملاک الثانی قد أوضحناه الآن و علی أساسه أثبتنا جواز الإجتماع حتّی مع وحدة المعنون و الملاک الأوّل قد بینّا فیما سبق أنَّه و إِنْ کان صحیحاً فی نفسه بلحاظ نفس الأمر و النهی إِلّا أنَّه لو لاحظنا ما ادّعینا وجداناً لزومه عن الأمر بالجامع بنحو صِرف الوجود من التخییر الشرعی فی عالم الحبّ و الإرادة المستلزم لتعلّق الحبّ بالفرد عند ترک سائر الأفراد لزم التضاد بین الأمر بالجامع و النهی عن الفرد فی عالم الحبّ و البغض الّذی هو عالم المبادئ و روح الحکم». و فی جواهر الأصول، ج 4، ص71: «الحقّ جواز اجتماع الأمر و النهی المتعلّقین بعنوانین متصادقین علی موضوع واحد». قد أدّعی کون القول بالجواز مشهورا لدی أصحاب الأئمة أو طریقة الإمامیة ففی القوانین المحکمة ط.ج. ج 4، ص468: «النزاع فی أنّ الأمر و النّهی هل یجتمعان أم لا؟ لانسلّم کونه من المحدثات، بل کان مشهوراً بین القدماء، و یظهر من کلام الفضل بن شاذان علی ما نقله الکلینی رحمه الله فی الکافی فی کتاب الطلاق أنّ طریقة الإمامیة کانت القول بالإجتماع و صحّة الصلاة فی الدّار الغصبیة کما أشار إلیه العلّامة المجلسی رحمه الله فی البحار».

ص: 161

الثانی: القول بالامتناع و هو مسلک المشهور((1)) و منهم صاحب الکفایة (قدس سره) .

ص: 162


1- إدّعی الإجماع علی القول بالإمتناع کثیرٌ من العلماء: ففی نهایة الوصول إلی علم الأصول، المبحث الرابع فی امتناع اجتماع الأمر و النهی، ج 2، ص75: «إعلم أنّ الواحد قد یکون واحدا بالنوع، و قد یکون واحدا بالشخص ... و أمّا الثانی فإمّا أن یکون ذا جهة واحدة أو ذا جهتین فالأوّل، لا خلاف فی استحالة توجّه الأمر و النهی معاً إلیه إلّا عند من یجوّز تکلیف ما لایطاق و أمّا الثانی ففیه النزاع کالصلاة فی الدار المغصوبة، فإنّها قد اشتملت علی وجهتین: إحداهما کونها صلاة، و أخری کونها غصباً و فیه النزاع فمنع منه جماعة الإمامیة و الزیدیة و الظاهریة و الجبائیان [أبوعلی و ابنه أبوهاشم] و هو مروی عن مالک، و هو اختیار فخر الدین الرازی و ذهبوا إلی أنّ الصلاة غیر واجبة و لا صحیحة، و لایسقط بها الفرض ... و هذا الذی اخترناه مذهب جمهور المتکلّمین و قال الغزّالی و جماعة الأشاعرة بالجواز». و فی نهج الحق وکشف الصدق، المسألة السابعة فی ما یتعلق بأصول الفقه، الفصل الأول فی التکلیف، المبحث السادس فی امتناع اجتماع الوجوب والحرمة، ص383: «ذهبت الإمامیة و من تابعهم من الجمهور إلی امتناع أن یکون الشیء واجباً وحراماً من جهةٍ واحدةٍ و إلّا لزم التکلیف بالنقیضین و هو محال ... و کذلک یمتنع أن یکون الشیء الواجب واجباً من جهة و حراماً من جهة أخری مع تلازم الجهة فلم تذهب الإمامیة إلی صحة الصلاة فی الدار المغصوبة و خالف فیه الجمهور إلّا من شذّ و جعلوها واجبة و حراما و لزمهم ما قدّمناه من التکلیف باجتماع النقیضین» و راجع أیضا إحقاق الحقّ، ص319. و فی مدارک الأحکام، ج3، ص217 فی التعلیقة علی قوله: «و المکان المغصوب لاتصحّ فیه الصلاة للغاصب و لا لغیره ممن علم بالغصب فإن صلّی کانت صلاته باطلة»: «أجمع العلماء کاّفةً علی تحریم الصلاة فی المکان المغصوب مع الإختیار . و أطبق علماؤنا علی بطلانها أیضًا لأنّ الحرکات و السکنات الواقعة فی المکان المغصوب منهی عنها کما هو المفروض فلایکون مأموراً بها، ضرورة استحالة کون الشیء الواحد مأموراً به و منهیا عنه و خالف فی ذلک أکثر العامة فحکموا بصحّتها بناءا علی جواز کون الشیء الواحد مأموراً به و منهیاً عنه، و إستدلّوا علیه بأنّ السید إذا أمر عبده بخیاطة ثوب و نهاه عن الکون فی مکانٍ مخصوصٍ ثم خاطه فی ذلک المکان فإنّه یکون مطیعاً عاصیاً لجهتی الأمر بالخیاطة و النهی عن الکون و جوابه أنّ المأمور به فی هذا المثال غیر المنهی عنه، إذ المأمور به الخیاطة، و المنهی عنه الکون، و أحدهما غیر الآخر، بخلاف الصلاة الواقعة فی المکان المغصوب فإنّ متعلق الأمر و النهی فیها واحد، و هو الحرکات و السکنات المخصوصة». و فی معالم الدین، ص93: «أصلٌ: الحقّ امتناع توجّه الأمر و النهی إلی شی ءٍ واحدٍ و لانعلم فی ذلک مخالفاً من أصحابنا و وافقنا علیه کثیرٌ ممن خالفنا و أجازه قوم». و فی مطارح الأنظار (ط.ج): ج 1، ص608: «ذهب أکثر أصحابنا و جمهور المعتزلة و بعض الأشاعرة کالباقلانی إلی الإمتناع، بل عن جماعة- منهم: العلّامة و السید الجلیل فی إحقاق الحقّ و العمیدی و صاحبی المعالم و المدارک و صاحب التّجرید الإجماع علیه، بل ادّعی بعضهم الضرورة و لیس بذلک البعید». و أیضاً راجع حاشیة معالم الدین للمولی صالح المازندرانی، ص118 و الفوائد الحائریة، ص165؛ و تجرید الأصول، ص30؛ و أنیس المجتهدین فی علم الأصول، ج 1، ص147؛ و فی عوائد الأیام، ص273 و مفتاح الأحکام لملّا أحمد النراقی، ص113؛ و جواهر الکلام، ج8، ص141 – 145. و ناقش فی الإجماع علی بطلان الصلاة جماعةٌ من الأعلام: راجع المحاضرات للمحقق السید محمد داماد (1388)، ج 1، ص306؛ و المدخل إلی عذب المنهل للعلّامة الشعرانی، ص270. و نذکر هنا عدّةٌ ممن قال بالإمتناع: ففی الوافیة، الباب الأول، المقصد الثانی، ص90 و 91: «البحث الثالث: هل یجوز تعلق الأمر و النهی بشیءٍ واحدٍ، أو لا؟ و الحقّ عدم الجواز و اعلم أنّ للمسألة صوراً [ثلاثا]». و فی أنیس المجتهدین، ج 1، ص145: «فصلٌ: [14] هل یجوز إتّصاف شی ءٍ واحدٍ بحکمین من الأحکام الخمسة مثل أن یکون واجبا حراما، أو واجبا مکروها، و هکذا؟ و الحقّ عدم الجواز مطلقا». و فی الفصول الغرویة، ص125: «الحقّ عندی ما ذهب إلیه الأوّلون من استحالة الإجتماع و هو عندی من باب التکلیف المحال بالمحال کالإجتماع مع اتّحاد الجهة و سیظهر وجهه من بیاننا الآتی فیتعّدد جهة الإمتناع و لایبتنی علی القول باستحالة التکلیف بالمحال لا کما یظهر من بعض المانعین من کونه من باب التکلیف بالمحال خاصة». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص693: «هذا ما وسعنا من الکلام فی أدلّة المجوّزین و الجواب عنها. و بعد ما عرفت فی جوابها من ثبوت المانع من الأخذ بإطلاقات الأوامر و النواهی فی مورد الإجتماع لا حاجة إلی إیراد احتجاج القول بالإمتناع و قد یذکر فی الدلیل علی الإمتناع وجوهٌ مرجعها إلی ما ذکر فی الأجوبة المتقدّمة، فإن أردتها فارجعها و الله الهادی إلی سواء السبیل». و فی ص701: « ... بعد ما عرفت من امتناع اجتماع الواجب و الحرام فی مورد واحد فی محلّ النزاع». و فی غایة المسؤول، ص305: «هذا غایة ما یمکن أن یقال فی تقریر الدلیل العقلی للمجوّزین و بما أسلفنا فی المقدمات تعلم فساد جمیع ذلک». و هکذا فی ص307. و فی رسائل المحقق أبی المعالی الکلباسی (1315)، ص868: «الحقّ أنّ الحیثیة التقییدیة لاتوجب الکثرة فی ذات الموضوع فی تحلیل الجزئی إلی کلیین و من هذا أنّ الحقّ عدم جواز اجتماع الأمر و النهی». و هکذا فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص303؛ و فی وقایة الأذهان، ص343؛ و فی ص391؛ و فی المحجة فی تقریرات الحجة، ج 1، ص328 و فی المحاضرات للمحقق داماد، ج 1، ص309.

ص: 163

الثالث: القول بالجواز عقلاً و الامتناع عرفاً و هو مختار المقدس الأردبیلی((1)) (قدس سره) (حیث یقول: متعلّق الأمر و النهی متعدّدان بحسب الدقّة العقلیة و لکن العرف لایری فیهما التعدّد).

ص: 164


1- قد مرّ کلام المحقق الأردبیلی فی التعلیقات السابقة. و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص611: « و قد ینقل فی المقام قولٌ ثالثٌ و هو التفصیل بین العقل و العرف، فیجوز عقلاً و لایجوز عرفاً و نسبه بعضهم إلی الأردبیلی فی شرح الإرشاد حیث قال ... و قد ینسب ذلک إلی فاضل الریاض أیضاً و کأنّه مسموعٌ منه شفاها». و فی ص695: «هدایةٌ فی ذکر احتجاج المفصّل بین العرف و العقل کالسید الطباطبائی و یظهر ذلک من سلطان المحقّقین أیضا فی تعلیقاته علی المعالم و المحقّق القمّی فی المسألة الآتیة و قد عرفت فیما تقدّم نسبته إلی المقدس الأردبیلی بما فیها». و فی وقایة الأذهان؛ ص343: «ثالثها الجواز عقلا و الإمتناع عرفاً، نقلوه عن السید الطباطبائی و جماعة و استضعفوه و لیس بذلک الضعف کما یأتی».

هنا أقوال أخر لایهمّنا التعرض لها. ((1))

ص: 165


1- فی المسألة تفصیلات أخری: ففی تعلیقة علی معالم الأصول للسید علی القزوینی، ج 4، ص532: «و قد یحکی فی المسألة قولٌ ... و قول آخر بالتفصیل عن جماعة من متأخّری المتأخرین فیما بین النفسیین فأحالوه و الغیریین و الملفّقین فأجازوه». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص433: «قد تلخّص من جمیع ما ذکرنا أنّ المختار هو جواز الإجتماع فی فرض اختلاف العنوانین و تغایرهما بتمام المنشأ علی نحوٍ کان منشأ انتزاع کلّ عنوانٍ بتمامه غیر ما ینتزع عنه العنوان الآخر، من غیر فرق ... و عدم جواز الإجتماع فیما لم یکن تغایر العنوانین بهذا النحو سواء کان اختلافهما فی صرف کیفیة النظر دون المنظور أو کان اختلافهما فی المنشأ و فی المنظور أیضا لکن لا بتمامه بل بجزءٍ منه، إذ حینئذ بالنسبة إلی الجهة المشترکة بینهما یتوجّه محذورُ اجتماع الضدین و هما الحبّ و البغض فی أمرٍ وُحدانی، و لقد عرفت أیضاً أنّ مثل الصلاة و الغصب الذی هو معرکة الآراء من هذا القبیل حیث إنّه بعد عدم خروج الأکوان عن حقیقتهما کان اختلافهما فی جزء المنشأ خاصّة، لا فی تمامه ... هذا کلّه علی مسلک مکثریة الجهات جوازاً و منعا کما أنّه علی مسلک عدم سرایة الأمر من الطبیعی إلی الفرد کان المتّجه هو المصیر إلی الجواز فی کلّ مورد کان الأمر متعلّقاً بالطبیعی و الجامع و النهی بفرد من أفراده و إن کان المبنی خلاف التحقیق ... و أمّا علی مسلک اختلاف أنحاء حدود وجود الشی ء الوحدانی الجاری حتی فی صورة وحدة عنوان المتعلق فی الأمر و النهی کقوله: صلّ و قوله: لاتصلّ فی الدار المغصوبة أو فی الحمام فقد عرفت أنّ المختار علی هذا المسلک أیضا هو الجواز فی کل مورد کان المطلوب من الأمر هو صرف الطبیعی و الجامع دون الطبیعة الساریة مع أقوائیة المصلحة الجامعیة من المفسدة التعیینیة فی الفرد و إلّا فالمتّجه هو عدم جواز الإجتماع، و من ذلک لایکاد یجدی هذا المسلک أیضا للجواز فی مثال الغصب و الصلاة الّذی هو معرکة الآراء و ذلک أنّما هو من جهة ما یعلم من مذاق الشرع من أهمیة مفسدة الغصب و لو من جهة کونه من حقوق الناس إذ حینئذ یخصّص دائرة رجحان الطبیعی و الجامع عقلاً بما عدا هذا الفرد فیصیر الفرد الغصبی بتمام حدوده مورد تأثیر المفسدة الأهمّ التعیینیة فی المبغوضة الفعلیة و هذا بخلافه فی فرض أهمیة مصلحة الجامع فإنّه فی هذا الفرض یکون التأثیر للمصلحة الأهمّ فیمکن حینئذ الإلتزام بجواز الإجتماع بالتفکیک بین أنحاء حدود الفرد المزبورة بالتقریب المتقدم». و فی وقایة الأذهان؛ ص343: «و ربّما یذکر فیها أقوال أخری کالتفصیل بین التعبّدی و التوصّلی و نحوه مما یظهر ضعفه للمتأمل من غیر احتیاج إلی البیان». و فی الدراسات؛ ج 2؛ ص130: «و بالجملة ملاک الإمتناع و الإمکان هو کون الترکیب إتّحادیا و الحیثیة تعلیلیة، و کونهإانضمامیاً و الحیثیة تقییدیة، فلابدّ و أن ینظر إلی المتعلقین، فإن کانا انتزاعیین من موجودٍ واحدٍ، أو کان أحدهما متأصّلاً و الآخر منتزعاً عنه فالترکیب إتّحادی، فل بدّ من الإمتناع. و أمّا إن کانا متأصّلین، أو کان کلٌّ منهما منتزعاً عن موجود متأصّل مغایرٍ للآخر، أو کان الإنتزاعی منتزعاً عن غیر ذلک المتأصل فالترکیب انضمامی، فیجوز الإجتماع، فیختلف ذلک باختلاف الموارد». و فی مجمع الأفکار، ج 2، ص14: «إختلفوا فی جواز اجتماع الأمر و النهی و امتناعه علی أقوال ... و قیل بأنّه فی مقام الجعل غیر ممتنع و فی مقام الإمتثال ممتنع». و فی مبانی الأحکام فی أصول شرائع الإسلام للشیخ مرتضی الحائری، ج 1، ص414 و 415: «الحقّ عدم جواز الإجتماع بوصف الفعلیة بنحو العرضیة، و لکن لا مانع من الإجتماع بنحو الترتّب کما فی الضدّین و تحقیق ذلک و توضیحه یتمّ بعونه تعالی فی طی أمور». هذا و فی منتقی الأصول، ج 3، ص111: «و یقع الکلام بعد هذا فی بعض التفصیلات و الأقوال فی المسألة مما أشار إلیه صاحب الکفایة و هی: التفصیل الأول: إبتناء القول بالجواز علی الإلتزام بتعلّق الأحکام بالطبائع. و یمکن أن یحرّر بنحوین: أحدهما: ما یعدّ من أدلة الجواز ... ثانیهما: ما یعدّ تفصیلا فی المسألة بأن یبنی القول بالجواز علی کون متعلق الحکم هو الطبیعة لتعدد الطبیعة خارجاً، و یبنی القول بالإمتناع علی اختیار تعلقه بالفرد. و هذا هو الموجود فی الکفایة ... التفصیل الثانی: ما نسب إلی صاحب الفصول و هو ابتناء القول بالجواز و الإمتناع علی الإلتزام باتّحاد الجنس و الفصل و الترکیب بینهما ... التفصیل الثالث: التفصیل بین القول بأصالة الماهیة و القول بأصالة الوجود، فیجوز الإجتماع علی الأوّل لأنّ المتعلق هو الماهیة لأصالتها و هی متعددة، و یمتنع علی الثانی لوحدة المتعلق و هو الوجود... التفصیل الرابع: و هو من أدلة الجواز- و ینسب إلی المحقق القمی (قدس سره) - و هو یبتنی علی کون الفرد مقدمة للطبیعی و یمکن تحریره بنحوین».

ص: 166

الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟
بیان المحقّق النائینی (قدس سره): للمسألة صور أربع

إنّ النزاع هنا فی جهتین:

بیان المحقّق النائینی (قدس سره):((1)) للمسألة صور أربع

إنّ النزاع هنا فی جهتین:

الجهة الأُولی: فی سرایة کلّ واحد من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر و عدم السرایة.

الجهة الثانیة: فی أنّ الجهتین إذا کانتا تقییدیتین (و قلنا بعدم السرایة فی الجهة الأُولی) فهل یوجب انطباقهما علی شیء واحد وقوع التزاحم بین حکمیهما أو لا؟

فهناک صور أربع:

الصورة الأُولی: أن یقال بامتناع الاجتماع لأنّ الجهتین المتحقّقتین فی الجمع تعلیلیتان و نتیجة ذلک سرایة کلّ من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر فیقع التعارض بین دلیلی الواجب و الحرام فالمسألة علی هذا من صغریات التعارض.

الصورة الثانیة: أن یقال بجواز الاجتماع بأن تکون الجهتان تقییدیتین مع عدم المندوحة فوقوع التزاحم بین الحکمین مع عدم المندوحة و انحصار الطبیعة المأمور بها فی المجمع واضح لایخفی فالمسألة علی هذا من صغریات التزاحم.

الصورة الثالثة: أن یقال بجواز الاجتماع مع وجود المندوحة ثم قلنا بأنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف هو من جهة حکم العقل بقبح خطاب العاجز، فالفرد المأتی به و إن کان غیر مقدور علیه، لأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عقلاً إلّا

ص: 167


1- أجود التقریرات، ج2، ص125.

أنّه یصحّ الإتیان به بداعی امتثال الأمر بالطبیعة، لما أفاده المحقّق الثانی (قدس سره) من کفایة القدرة علی بعض أفراد الطبیعة فی صحّة الأمر بها، فإنّ انطباق الطبیعة علی فردها قهری و الإجزاء عقلی.

فالمسألة علی هذا لیس صغری التعارض و لا التزاحم.

الصورة الرابعة: أن یقال بجواز الاجتماع مع وجود المندوحة ثم قلنا بأنّ اعتبار القدرة فی متعلّق التکلیف من جهة اقتضاء نفس الطلب و اعتبرنا فی تحقّق الامتثال القدرة علی الفرد بخصوصه فیقع التزاحم بین الحکمین لأنّ الممنوع شرعاً کالممتنع عقلاً، فلابدّ من سقوط النهی لیکون المجمع مقدوراً و یقع به الامتثال من دون عصیان أو سقوط الأمر لیتمحّض الإتیان بالمجمع فی کونه معصیةً من دون امتثال، فکونه امتثالاً من جهةٍ و عصیاناً من جهة أُخری مستحیل علی هذا التقریر بالضرورة.

فعلی هذا یکون مسألة الاجتماع صغری التزاحم.

ص: 168

المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول

اشارة

فیها عشرة أُمور:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قبل بیان استدلاله علی الامتناع قدّم عشرة أُمور لابدّ أن نتعرّض لها:

الأمر الأوّل: المراد من الواحد فی عنوان المسألة
مقدمة: فی أقسام الواحد

قبل بیان الأقوال لابدّ من تمهید مقدّمة لأقسام الواحد:

إنّ الواحد إمّا حقیقی و إمّا غیر حقیقی.

و الواحد الحقیقی: إمّا ذات هی عین الوحدة و هذا هی الوحدة الحقّة الحقیقیة و إمّا ذات متّصفة بالوحدة و هی إمّا واحد بالخصوص و إمّا بالعموم.

و الواحد بالخصوص هو الواحد بالعدد و الواحد بالعموم: إمّا واحد بالعموم الوجودی و إمّا واحد بالعموم المفهومی.

و الواحد بالعموم الوجودی هو بمعنی السعة الوجودیة کالوجود المنبسط و

ص: 169

الواحد بالعموم المفهومی: إمّا واحد نوعی کالإنسان و إمّا واحد جنسی کالحیوان و إمّا واحد عرضی کالماشی و الضاحک.

و الواحد غیر الحقیقی: هو ما یتّصف بالوحدة لواسطة فی العروض و هو مثل الواحد بالنوع حیث إنّ مثل زید و عمرو متّحدان فی الإنسان و هو نوعهما و هما متماثلان متحدان بالنوع و مثل الإنسان و الفرس فهما واحد بالجنس - و هو الحیوان- و النوع و الجنس هما واسطتان فی عروض الوحدة.

قولان فی المسألة:

القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ صاحب الفصول (قدس سره) فسّر الواحد فی عنوان المسألة بالواحد الشخصی حتّی یخرج مثل السجود الکلّی الذی له نوعان: السجود لله و السجود للصنم عن محلّ النزاع حیث اجتمع فیهما الأمر و النهی و لکنهما لیسا واحداً بالوحدة الحقیقیة بل هما متعدّدان فی الحقیقة و لایمکن أن یجتمعا فی سجدة واحدة فلایجری فیهما بحث اجتماع الأمر و النهی.

إیراد علی هذا القول:

إنّ أکثر الأعلام مثل صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) و غیرهما ناقشوا فی هذا القول فقال المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2))إرادة الواحد الشخصی توجب خروج الواحد الجنسی المعنون بعنوانین کلّیین (کالحرکة الکلّیة المعنونة

ص: 170


1- العضدی من المتقدّمین و المحقّق البروجردی (قدس سره) و المحقّق الإیروانی (قدس سره) من المتأخرین.
2- نهایة الدرایة ج2، ص292.

بعنوان الصلاة و الغصب المنتزعة من الحرکات الخارجیة المعنونة بهما) عن محلّ النزاع مع أنّه لا موجب لإخراجه.

دفاعان عن صاحب الفصول (قدس سره):
الدفاع الأوّل: من المحقّق البروجردی (قدس سره)
اشارة

((1))

ذکر شیخنا الأُستاذ المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الأُولی ما حاصله: أنّ المراد بالواحد فی عنوان المسألة لیس هو الواحد الشخصی فقط، بل أعمّ منه و من الواحد النوعی و الجنسی، فإنّ الصلاة فی الدار المغصوبة عنوان کلّی ینطبق علیه عنوانان تعلّق بأحدهما الأمر و بالآخر النهی فیجری فیها النزاع.

و فی ما ذکره نظر فإنّ ضمّ عنوان کلّی إلی عنوان آخر لایوجب الوحدة، إذ الماهیات و العناوین بأسرها متباینة بالعزلة، فمفهوم الصلاة یباین مفهوم الغصب و إن ضممنا أحدهما إلی الآخر و ما هو الجامع للشتات عبارة عن حقیقة الوجود التی هی عین التشخصّ و الوحدة.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق البروجردی (قدس سره):

((2))

ما أفاده خلط بین الوحدة الشخصیة و النوعیة، فإنّ انضمام الکلّی إلی الکلّی مثل انضمام الفصل إلی الجنس یوجب تحقّق الواحد النوعی نعم إنّ الواحد الشخصی لایتحقّق إلّا بالوجود لأنّ التشخص مساوق للوجود و لکن الکلام فی الواحد النوعی و الجنسی لا الواحد الشخصی فإنّ الواحد الشخصی لایکون مجمع الأمر و النهی.

ص: 171


1- نهایة الأصول، (ط. ق): ص226.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص32.
الدفاع الثانی: من المحقّق الإیروانی (قدس سره)
اشارة

إنّه لیس غرض صاحب الفصول (قدس سره) انحصار الواحد فی الواحد الشخصی حتّی یخرج الواحد النوعی أو الجنسی بل مقصود صاحب الفصول (قدس سره) هو تلاقی العنوانین (أی متعلّق الأمر و متعلّق النهی) فی الواحد الشخصی فالبحث عن اجتماع الأمر و النهی هو فی ما إذا کان العنوانان متشخّصین بالوجود و إن کانا قبل ذلک کلّیین.

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق الإیروانی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ الواحد الشخصی مسقط للأمر حیث إنّ الغرض من الأمر یحصل بالوجود الواحد الشخصی فعلی هذا تعلّق الأمر بالواحد الشخصی غیر معقول.

ثانیاً: إنّ بحث الاجتماع علی القول بالامتناع من صغریات بحث التعارض و التعارض بین الأدلّة الشرعیة لایکون إلّا فی القضایا الحقیقیة و الحکم فی تلک القضایا لایتعلّق بالواحد الشخصی بل یتعلّق بالطبیعة.

القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)

((2))

إنّ المراد بالواحد مطلق ما کان ذا وجهین و مندرجاً تحت عنوانین بأحدهما کان مورداً للأمر و بالآخر للنهی و إن کان کلّیاً مقولاً علی کثیرین کالصلاة فی المغصوب.

ص: 172


1- تحقیق الأصول، ج4، ص32.
2- و اختاره المحقّق الإصفهانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) راجع نهایة الدرایة، ج2، ص292 و المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص366.

و توضیح ذلک: إنّ المراد من الواحد هو المقابل للمتعدّد لا الواحد الشخصی المقابل للکلّی و لذا یدخل فی البحث الصلاة فی الدار المغصوبة لأنّ الطبیعتین (الصلاة و الغصب) توجدان بوجود واحد و یخرج عن البحث السجود الکلّی الذی له نوعان: السجود لله و السجود للصنم لأنّ السجود لله و السجود للصنم لایوجدان بوجود واحد.

و قد عبّر عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالوحدة فی الوجود و قال: التقیید بالواحد لمجرّد إخراج المتعدّد من حیث الوجود لا لإخراج الکلّی فی قبال الشخص.

و هذه النظریة خالیة عن الإشکال.

ص: 173

الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة
اشارة

و فیه بیانات ستّة:

البیان الأوّل: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) صاحب القوانین

((1))

إنّ النسبة بین المتعلّقین فی مسألة الاجتماع هی العموم من وجه، فإنّ طبیعة الصلاة و طبیعة الغصب قد یفترق أحدهما عن الآخر و قد تجتمعان فی مورد واحد و النسبة بین المتعلّقین فی مسألة النهی عن العبادة هی العموم و الخصوص المطلق فإنّ الصلاة المأمور بها و الصلاة فی الحمّام المنهی عنها هما العام و الخاص المطلق.

ملاحظتنا علیه:

تأتی عند ذکر البیان الثانی.

البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ متعلّق الأمر و النهی فی مسألة الاجتماع متغایران بحسب الحقیقة و الذات و إن کانت النسبة بینهما إمّا العموم و الخصوص من وجه کما هو الغالب مثل طبیعة الصلاة المأمور بها و طبیعة الغصب المنهی عنها و إمّا العموم و الخصوص المطلق و هو قلیل کما إذا أمر المولی عبده بالحرکة و نهاه عن القرب

ص: 174


1- القوانین، ج1، ص140.
2- الفصول، ص124.

من مکان مخصوص، فإنّ عنوان الحرکة و عنوان القرب متغایران بحسب الحقیقة و الذات مع أنّ النسبة بینهما بحسب الخارج العموم و الخصوص المطلق (ما أفاده من أنّ النسبة بین متعلّق الأمر و النهی قد یکون العموم و الخصوص من وجه و قد یکون العموم و الخصوص المطلق هو تعریض بما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) من الفرق بین المسألتین).

و أمّا متعلّق الأمر و النهی فی مسألة النهی عن العبادة فمتّحدان بحسب الذات و الحقیقة و النسبة بینهما بحسب الخارج العموم و الخصوص المطلق مثل الأمر بالصلاة و النهی عن الصلاة فی الحمّام، فإنّ متعلّق الأمر (أی الصلاة) مطلق و متعلّق النهی (أی الصلاة فی الحمّام) مقید.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی صاحب الفصول (قدس سره):

((1))

إنّ صرف تعلّق الأمر و النهی بطبیعتین مختلفین علی نحو العموم من وجه أو المطلق فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و علی نحو الإطلاق و التقیید فی مسألة النهی عن العبادة لایوجب الامتیاز بینهما فإنّ میزان تعدّد المسألة و وحدتها فی أمثال هذا العلم إنّما هو تعدّد الغرض و جهة البحث و وحدتهما، لا اختلاف الموضوع و المحمول و عدم اختلافهما.

(إنّ هذا الإیراد کما یتوجّه علی صاحب الفصول (قدس سره) یرد علی صاحب القوانین (قدس سره) حیث إنّه أیضاً فرّق بین المسألتین من ناحیة اختلاف النسبة بین المتعلّقین فی مسألة الاجتماع و النهی عن العبادة).

ص: 175


1- کفایة الأصول، ص151؛ و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)؛ المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص363
البیان الثالث: ما عن المدقّق الشیروانی (قدس سره)
اشارة

إنّ البحث فی مسألة الاجتماع عقلی لأنّ الحاکم بالجواز أو الامتناع هو العقل و أمّا البحث فی مسألة النهی عن العبادة فلفظی لأنّ البحث فی دلالة النهی علی الفساد.

إیرادات ثلاثة علی البیان الثالث:
الإیراد الأوّل: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ البحث فی مسألة النهی عن العبادة لایختصّ بما إذا کانت الحرمة مدلولاً لدلیل لفظی بل لا فرق فیه بین أن تکون الحرمة مستفادة من اللفظ أو من غیره.

الإیراد الثانی:

((2))

إنّ البحث فی مسألة النهی عن العبادة أیضاً عقلی و لا صلة له بعالم الألفاظ، ضرورة أنّ الجهة المبحوث عنها فیهما إنّما هی ثبوت الملازمة بین حرمة العبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة.

الإیراد الثالث:

((3))

إنّ مسألة الاجتماع تغایر مسألة النهی عن العبادة ذاتاً فلا اشتراک لهما لا فی الموضوع و لا فی المحمول و لا فی الجهة و لا فی الغرض و هذا معنی الامتیاز الذاتی و معه لا نحتاج إلی امتیاز عرضی بینهما و هو أنّ البحث فی إحداهما عقلی و

ص: 176


1- کفایة الأصول، ص152؛ المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص364.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص364.
3- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص364.

فی الأُخری لفظی فإنّ الحاجة إلی مثل هذا الامتیاز إنّما هو فی فرض الاشتراک بینهما ذاتاً و أمّا إذا فرض أنّه لا اشتراک بینهما أصلاً فلا معنی لجعل هذا جهة امتیاز بینهما.

البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

وجه الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة هو أنّ الجهة المبحوث عنها فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هی أنّ تعدّد الوجه و العنوان فی الواحد یوجب تعدّد متعلّق الأمر و النهی بحیث یرتفع به غائلة استحالة الاجتماع فی الواحد بوجه واحد أو لایوجبه؟ فالنزاع فی سرایة کلّ من الأمر و النهی إلی متعلّق الآخر، لاتحاد متعلّقهما وجوداً و عدم سرایته لتعدّدهما وجهاً و هذا بخلاف الجهة المبحوث عنها فی المسألة الأُخری، فإنّ البحث فیها فی أنّ النهی عن العبادة أو المعاملة یوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجّه إلیها نعم لو قیل بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع یکون مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة. (فالامتیاز باختلاف جهة البحث و الغرض منه).

البیان الخامس: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ نقطة الامتیاز هی أنّ النزاع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی صغروی و النزاع فی مسألة النهی عن العبادة کبروی.

فإنّ المبحوث عنها فی مسألة النهی عن العبادة إنّما هو ثبوت الملازمة بین

ص: 177


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص362.

النهی عن العبادة و فسادها و عدم ثبوت هذه الملازمة بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هی تعلّق النهی بالعبادة، و أمّا النزاع فی مسألتنا هذه (مسألة الاجتماع) فصغروی لفرض أنّ المبحوث عنه فیها هو سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر و عدم سرایته.

فعلی هذا علی القول بالامتناع و سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به تکون من إحدی صغریاتها و مصادیقها دون القول الآخر.

البیان السادس:
اشارة

إنّ البحث فی مسألة الاجتماع یکون فی الحکم التکلیفی و فی مسألة النهی عن العبادة فی الحکم الوضعی.

ملاحظتنا علیه:

إنّ ما أفاده فی الإیراد علی صاحب الفصول (قدس سره) یتوجّه علی هذا البیان فإنّ ملاک امتیاز المسألة هو تعدّد الغرض و جهة البحث لا اختلاف الموضوع و المحمول.

فتحصل أنّ البیان الصحیح لامتیاز المسألتین هو البیان الرابع و الخامس.

ص: 178

الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أُصولیة أو لا؟
اشارة

فیه خمسة أقوال:

إنّ الأعلام اختلفوا فی أنّ مسألة الاجتماع من أی علم؟

الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة و هذا مختار صاحب الکفایة و المحقّق العراقی((1))و المحقّق الخوئی (قدس سره)((2))و قال فی فوائد الأُصول:((3)) قد کان بناء شیخنا الأُستاذ (حفظه الله) سابقاً علی أنّ البحث فی المقام راجع إلی البحث عن مسألة أُصولیة.

الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة لعلم الأُصول و نسب ذلک إلی الشیخ البهائی (قدس سره) و قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره): إنّها من المبادی الأحکامیة التصدیقیة.

الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة لعلم الأُصول و هذا مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((4)) و الشیخ الأنصاری (قدس سره) علی ما نقل فی منتهی الدرایة((5)) قال أخیراً بکونها من المبادی التصدیقیة و لکن بعض الأساطین (حفظه الله) قال:((6)) إنّ المسلک النهائی للشیخ الأنصاری (قدس سره) هو أنّها من المبادی الأحکامیة.

الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة.

ص: 179


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص407.
2- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص377.
3- فوائد الأصول، ج1-2، ص400.
4- أجود التقریرات، ج2، ص128؛ فوائد الأصول، ج1-2، ص400.
5- منتهی الدرایة، ج3، ص22.
6- تحقیق الأصول، ج4، ص34.

الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة.

القول الأوّل: إنّها من المسائل الأُصولیة العقلیة
اشارة

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):

لنا دعویان: الأُولی: أنّها مسألة عقلیة و لا صلة لها بعالم الألفاظ أبداً و الثانیة: أنّها مسألة أُصولیة تترتب علیها نتیجة فقهیة بلا واسطة.

أمّا الدعوی الأُولی فهی واضحة ضرورة أنّ الحاکم باستحالة اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و إمکانه إنّما هو العقل.

و أمّا الدعوی الثانیة فلأنّ المسألة الأُصولیة ترتکز علی رکیزتین:

الرکیزة الأُولی: أن تقع فی طریق استنباط الأحکام الکلّیة الإلهیة من باب الاستنباط و التوسیط لا من باب الانطباق و بهذه الرکیزة تمتاز المسائل الأُصولیة عن القواعد الفقهیة فإنّ استفادة الأحکام من القواعد الفقهیة من باب التطبیق مع أنّ الأحکام المستفادة منها أحکام شخصیة لا کلّیة.

الرکیزة الثانیة: أن یکون وقوعها فی طریق الاستنباط من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أُخری و بهذه الرکیزة تمتاز عن مسائل بقیة العلوم.

فنقول: إنّ مسألة الاجتماع تحتوی علی کلتا الرکیزتین، فإنّها تقع فی طریق الاستنباط بنفسها من دون حاجة إلی ضمّ کبری أُصولیة أُخری، لما عرفت من أنّه تترتب علیها صحّة العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالجواز بلا ضمیمة مسألة أُخری، و إن لم یترتب علیها أثر شرعی علی القول بالامتناع و لکنّک عرفت أنّ ترتّب الأثر الشرعی علی أحد طرفیها یکفی فی کونها مسألة أُصولیة.

ص: 180

ملاحظة علی هذا البیان:

إن قلنا بجواز الاجتماع فللمسألة صور ثلاث:

الأُولی: ما لم تکن مندوحة فی البین و هذا یحتاج إلی کبری التزاحم.

الثانیة: ما کانت مندوحة فی البین و قلنا باعتبار القدرة باقتضاء الخطاب و اعتبرنا فی تحقّق الامتثال القدرة علی الفرد بخصوصه (کما هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) و هذا أیضاً یحتاج إلی ضمیمة قواعد التزاحم کما صرّح به المحقّق النائینی (قدس سره) .

الثالثة: ما کانت مندوحة فی البین و قلنا باعتبار القدرة من جهة حکم العقل بقبح خطاب العاجز فهنا لا إشکال فی انطباق الطبیعة المأمور بها قهراً علی الفرد المأتی به فیحصل الامتثال من دون احتیاج إلی ضمیمة قواعد التعارض و التزاحم فمسألة الاجتماع بناءً علی هذه الصورة یقع فی طریق استنباط الحکم الکلّی الشرعی من دون ضمیمة کبری أُصولیة أُخری إلیها فتکون مسألة أُصولیة.

القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة
اشارة

إنّ المبادی الأحکامیة هی لوازم الأحکام و عوارضها و خصوصیاتها و هذا البحث بحث عن حال الأحکام من حیث إمکان اجتماع اثنین منها فی شیء واحد ثمّ إنّهم تصوّروا أنّ المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصدیقیة کما أنّهم جعلوا أحد الأقوال کونها من المبادی الأحکامیة و القول الآخر کونها من المبادی التصدیقیة.

ص: 181

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره):

لانعقل المبادی الأحکامیة فی مقابل المبادی التصوریة و التصدیقیة، بداهة أنّه إن أُرید من المبادی الأحکامیة تصور نفس الأحکام کالوجوب و الحرمة و نحوهما فهی من المبادی التصوریة، إذ لا نعنی بها إلّا تصوّر الموضوع و المحمول کما مرّ.

و إن أُرید منها ما یوجب التصدیق بثبوت حکم أو نفیه و منه الحکم بسرایة النهی إلی متعلّق الأمر فی محل الکلام فهی من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه کما هو الحال فی سائر المسائل الأُصولیة.

ملاحظتان علیه:

نلاحظ علیه و علی صاحب الکفایة (قدس سره) و بعض الأعلام:

أوّلاً: إنّ ما أفاده خاطئ جداً من حیث إنّه غفل عن أنّ المبادی الأحکامیة تنقسم إلی المبادی التصوریة و التصدیقیة کما أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) و سائر الأصولیین أیضاً غفلوا عن ذلک و جعلوا المبادی الأحکامیة فی قبال المبادی التصدیقیة.

و الحق هو أنّ المبادی إمّا أحکامیة و إمّا لغویة و کلّ منهما إمّا تصوریة و إمّا تصدیقیة کما صرّح به المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی أوّل بحوث علی النهج الحدیث.

ثانیاً: إنّه جعل مبحث الاجتماع من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه بإرادة ما یوجب التصدیق بثبوت حکم أو نفیه منها مع أنّ البحث هنا فی إمکان اجتماع الحکمین لا فی نفس ثبوت الحکم حتّی یکون المسألة من مبادی علم الفقه.

نعم علی القول بجواز الاجتماع فی بعض صوره تکون هذه المسألة أُصولیة

ص: 182

فتکون من المبادی التصدیقیة لعلم الفقه و لکن علی القول بالامتناع و أیضاً علی القول بالجواز فی سائر صوره تکون المسألة من المبادی التصدیقیة لعلم الأُصول.

فلهذه المسألة حیثیتان: بإحداهما تکون من المسائل الأُصولیة (و المبادی التصدیقیة لعلم الفقه) و بالحیثیة الأُخری تکون من المبادی التصدیقیة الأحکامیة لعلم الأُصول.

و لذا نری أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال:((1))«البحث عن إمکان اجتماع الحکمین و امتناعه من المبادی التصدیقیة الأحکامیة» مع أنّه جعله فی ضمن کتابه الأُصول علی النهج الحدیث من المسائل الأُصولیة العقلیة.

القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة
بیان المحقّق النائینی (قدس سره)

((2)):

التحقیق أنّ المسألة من المبادی التصدیقیة، ضرورة أنّه لایترتّب فساد العبادة علی القول بالامتناع، بل القول به یوجب دخول دلیلی الوجوب و الحرمة فی باب التعارض و إجراء أحکامه علیهما لیستنبط من ذلک حکم فرعی، و قد عرفت فی ما تقدّم أنّ المیزان فی کون المسألة أُصولیة هو ترتّب نتیجة فرعیة علیها بعد ضمّ صغری نتیجة تلک المسألة إلیها، و لیس ذلک متحقّقاً فی ما نحن فیه قطعاً و علیه فالنزاع فی الجهة الأُولی یدخل فی مبادی بحث التعارض، کما أنّ النزاع فی الجهة الثانیة یدخل فی مبادی بحث التزاحم.

ص: 183


1- فی الأصول علی النهج الحدیث، ص18.
2- أجود التقریرات، ج2، ص128.
یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده صحیح بالنسبة إلی بعض صور المسألة (بحسب اختلاف الأقوال) فهذه المسألة بحسب بعض الصور من المبادی التصدیقیة الأحکامیة و بحسب بعضها الآخر من المسائل الأُصولیة.

و علی هذا لابدّ أن یرجع القول الثالث إلی القول الثانی.

القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة
اشارة

وجه ذلک هو أنّ البحث هنا عن عوارض فعل المکلّف فإنّ فعل المکلّف هو موضوع علم الفقه و الصلاة فی المکان الغصبی هو من مصادیق فعل المکلّف و المبحوث عنه هنا هو صحتها أو فسادها.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الرابع:

((1))

إنّ البحث فیها لیس عن صحّة العبادة و فسادها ابتداءً بل البحث فیها متمحّض فی سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به و عدم سرایته و من الواضح جدّاً أنّ البحث من هذه الناحیة لایرتبط بعوارض فعل المکلّف بل الصحّة التی هی من عوارض فعله تترتّب علی القول بعدم السرایة و نتیجةٌ لهذا القول و هذا ملاک کون هذه المسألة مسألة أُصولیة لا غیرها و ذلک لما تقدّم من أنّ المیزان فی کون المسألة أُصولیة ترتب نتیجة فقهیة علیها و لو باعتبار أحد طرفیها من دون ضمّ کبری مسألة أُصولیة أُخری.

ص: 184


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص373.
القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة
اشارة

و ذلک لأنّ البحث فیها عن استحالة اجتماع الأمر و النهی و إمکانه و البحث عن الاستحالة و الإمکان مناسب لعلم الکلام لا الأُصول.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی القول الخامس:

((1))

إنّ الضابط فی کون المسألة کلامیة هو أن یکون البحث فیها عن أحوال المبدأ و المعاد و مسألتنا هذه و إن کانت مسألة عقلیة، إلّا أنّ البحث فیها لیس بحثاً عن أحوال المبدأ و المعاد.

و البحث عن سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر و عدم السرایة لایرتبط بالعقائد الدینیة و المباحث الکلامیة.

نعم یمکن إرجاع البحث فی هذه المسألة إلی البحث عن أحوال المبدأ و المعاد بتقریب أن یجعل البحث فیها عن قبح صدور الأمر و النهی منه تعالی بالإضافة إلی شیء واحد و عدم قبح ذلک منه تعالی و المسألة بهذه العنایة و إن کانت من المسائل الکلامیة، إلّا أنّ البحث فیها لیس عن هذه الجهة.

ص: 185


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص374.
الأمر الرابع: إنّ مسألة الاجتماع عقلیة لا لفظیة
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره):((1))«إنّه قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أنّ المسألة عقلیة» و الوجه فیه هو أنّ الحاکم باستحالة الاجتماع أو إمکانه هو العقل.

ثمّ قال صاحب الکفایة (قدس سره): «و لا اختصاص للنزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع فیها بما إذا کان الإیجاب و التحریم باللفظ» فهذا البحث یشمل ما إذا کان الإیجاب و التحریم مستفاداً من الأدلّة غیر اللفظیة.

هنا أمران یوهم اختصاص النزاع باللفظ:

الأمر الأوّل:
اشارة

و هو التعبیر بالأمر و النهی الظاهرین فی الطلب بالقول.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه:

إنّ الغالب هو دلالة الأمر و النهی اللفظیین علی الإیجاب و التحریم و لهذه الغلبة عبّر عن الإیجاب و التحریم بما یدلّ علیهما غالباً و هو الأمر و النهی.

الأمر الثانی:
اشارة

و هو ذهاب بعض الأُصولیین - و هو المحقّق الأردبیلی (قدس سره) فی شرح إرشاد الأذهان- إلی جواز الاجتماع عقلاً و امتناعه عرفاً فهذا یوهم أنّ مراده من الامتناع العرفی هو دلالة اللفظ عرفاً علی الامتناع فیکون البحث لفظیاً.

ص: 186


1- کفایة الأصول، ص152.
إیرادان علی الأمر الثانی:
الإیراد الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ الامتناع العرفی لیس بمعنی دلالة اللفظ بل معناه هو أنّ الواحد فی عنوان المسألة الذی اجتمع فیه الأمر و النهی بالنظر الدقّی العقلی اثنان و لکن متعلّقهما بالنظر المسامحی العرفی واحد ذو وجهین.

و جواب المحقّق الخراسانی (قدس سره) مبنی علی تفسیر الامتناع العرفی بحیث لایتوهّم منه کون النزاع لفظیاً.

الإیراد الثانی: المحقق الخوئی (قدس سره)

أجاب المحقّق الخوئی (قدس سره) بنحو آخر و هو بطلان القول بالامتناع العرفی فلاتصل النوبة إلی البحث عن مراد القائل من الامتناع العرفی.

فقال:((2)) إنّ نظر العرف إنّما یکون متبعاً فی مقام تعیین مفاهیم الألفاظ سعة و ضیقاً، لا فی مثل مسألتنا هذه حیث إنّه لا صلة لها بعالم اللفظ أبداً و لیس البحث فیها عن تعیین مفهوم الأمر و مفهوم النهی بل البحث فیها عن سرایة النهی من متعلّقه إلی متعلّق الأمر أو عدم السرایة.

فإن کان المجمع واحداً بحسب الواقع و الحقیقة فلابدّ من القول بالسرایة و الامتناع.

و إن کان متعدّداً بحسب الواقع فعندئذ لو قلنا بأنّ الحکم الثابت لأحد

ص: 187


1- کفایة الأصول، ص152.
2- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص380.

المتلازمین یسری إلی الملازم الآخر فلابدّ من القول بالامتناع و لکن هذا مجرّد فرض لا واقع له أصلاً.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الحکم لایسری إلی الملازم الآخر کما هو الصحیح فلابدّ من الالتزام بعدم السرایة و القول بالجواز.

و من الطبیعی أنّ الملاک فی السرایة و عدمها - و هو وحدة المجمع و تعدّده- إنّما هو بنظر العقل.

ص: 188

الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم
اشارة

إنّ ملاک البحث فی مسألة الاجتماع یشمل الواجب النفسی و الغیری و العینی و الکفائی و الواجب التعیینی و هکذا الحرمة النفسیة و الغیریة و العینیة و الکفائیة و التعیینیة.

و أمّا الواجب التخییری و الحرمة التخییریة فقد اختلف الأعلام فیهما:

فإنّ الشیخ الأنصاری و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) یقولون بعدم جریان النزاع فیهما و صاحب الکفایة و المحقّق الإصفهانی (قدس سرهما) و بعض الأعلام یقولون بشمول النزاع لهما.

أمّا التکلیف النفسی و العینی و التعیینی فلا إشکال فی جریان النزاع فیها.

أمّا التکلیف الغیری فکذلک لأنّه لایعقل أن یکون شیء واحد واجباً غیریاً و حراماً غیریاً لعدم إمکان الانبعاث نحو شیء و الانزجار عنه. (و ادّعی بعضهم الاستحالة من ناحیة المبدأ أیضاً لاستحالة محبوبیة الشیء الواحد و مبغوضیته).((1))

و هکذا التکلیف الکفائی فلایمکن اجتماع الوجوب الکفائی و التحریم الکفائی لعدم إمکان اجتماع المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی شیء واحد کما أنّه لایمکن امتثالهما أیضاً کما أفاده المحقّق الخوئی((2)).

ص: 189


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص384.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص385.
هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟
اشارة

هنا قولان:

القول الأوّل: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

إنّ النزاع یشمل جمیع أقسام الإیجاب و التحریم و ذلک لأمرین:

الأمر الأوّل: إنّ ملاک النزاع فی جواز الاجتماع و الامتناع یعمّ جمیع أقسام الإیجاب و التحریم من النفسیین و الغیریین و العینیین و الکفائیین و التعیینیین و التخییریین، لأنّ الملاک و هو لزوم اجتماع الضدّین علی القول بالامتناع یعمّ الجمیع (و هذا دلیل ثبوتی).

الأمر الثانی: مقتضی إطلاق الأمر و النهی فی عنوان المسألة شمولهما لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم (و هذا دلیل اثباتی).

ثمّ إنّ ما قیل من عدم شمول مسألة اجتماع الأمر والنهی للوجوب و التحریم التخییریین لایخلو عن التعسّف.

مثال صاحب الکفایة (قدس سره) لجریان النزاع فی الوجوب و الحرمة التخییریین هو أنّه إذا أمر المولی بالصلاة و الصوم تخییراً بینهما و کذلک نهی عن التصرّف فی الدار و المجالسة للأغیار فصلّی المکلّف فیها مع مجالستهم، کان حال الصلاة فی الدار حال الصلاة التی أُمر بها تعییناً فی کونها جامعة لعنوانین أحدهما واجب و هو الصلاة و ثانیهما حرام و هو التصرّف فی الدار أو المجالسة للأغیار.

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) فی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ الصلاة و التصرّف فی الدار و إن کانا یجتمعان فی واحد ذی وجهین و لکن

ص: 190

التصرف فی الدار لیس متعلّق النهی، بل النهی تعلّق بالجمع بینه و بین مجالسة الأغیار فهذه المجموعة متعلّق النهی و هی لاتوجد مع الصلاة بوجود واحد بل هما متعدّدان وجوداً مضافاً إلی ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) فی الدراسات من أنّ الحرمة التخییریة غیر معقول.

القول الثانی: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

بیان المحاضرات: إنّ النزاع لایجری فی التخییریین، لعدم إمکان اجتماع الوجوب و الحرمة التخییریین فی شیء واحد لیقع التنافی بینهما، و الوجه فیه هو أنّ الحرمة التخییریة تمتاز عن الوجوب التخییری فی نقطة واحدة و تلک النقطة تمنع عن اجتماعهما فی شیء واحد و هی أنّ مردّ الحرمة التخییریة إلی حرمة الجمع بین فعلین باعتبار قیام مفسدة ملزمة بالمجموع لا بالجامع بینهما و إلّا لکان کلّ من الفعلین محرّماً تعییناً.

فالوجوب تعلّق بالجامع بین أطراف الوجوب التخییری و النهی تعلّق بالجمع بینها و لاتنافی بین إیجاب الجامع بین شیئین و حرمة الجمع بینهما لا بحسب المبدأ و لا بحسب المنتهی.

أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا مانع من قیام مصلحة ملزمة بالجامع بینهما و قیام مفسدة ملزمة بالمجموع منهما، ضرورة أنّ المانع إنّما هو قیام کلتیهما بشیء واحد لا قیام إحداهما بشیء و الأُخری بشیء آخر.

و أمّا بحسب المنتهی فلفرض أنّ المکلّف قادر علی امتثال کلا التکلیفین معاً لأنّه إذا أتی بأحدهما و ترک الآخر فامتثل کلیهما.

ص: 191


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص385.

فلاتنافی بینهما أصلاً لا فی المبدأ و لا فی المنتهی؛ هذا بناء علی ما حققناه فی بحث الواجب التخییری من أنّ الواجب هو الجامع بین فعلین أو أفعال.

و أمّا بناء علی أن یکون الواجب هو کلّ واحد منهما بخصوصه، غایة الأمر یسقط أحدهما عند الإتیان بالآخر فلاتنافی بینهما (أعنی بین الواجب التخییری و الحرام التخییری) أیضاً.

أمّا بحسب المنتهی فواضح لأنّه قادر علی امتثال التکلیفین بإتیان أحدهما و ترک الآخر.

و أمّا بحسب المبدأ فلأنّه لا منافاة بین قیام مصلحة بکلّ واحد منهما خاصّة بحیث مع استیفاء تلک المصلحة فی ضمن الإتیان بأحدهما لایمکن استیفاء الأُخری فی ضمن الإتیان بالآخر، و قیام مفسدة بالجمع بینهما فی الخارج کما هو ظاهر.

بیان الدراسات((1)): أمّا الحرمة التخییریة کالوجوب التخییری فالظاهر أنّها غیر معقول و ذلک لأنّ معنی الوجوب التخییری أن تکون المصلحة قائمة بالجامع، فیکون الوجوب فی مقام الجعل متعلّقاً بالجامع بحیث یکون خصوصیات الفعل کلّها ملغاة، و فی التحریم لو فرضنا أیضاً أنّ المفسدة قائمة بالجامع و کانت خصوصیات الأفعال ملغاة، فلازمه حرمة کلّ من الأفعال و عدم جواز الإتیان بشیء منها و هذا خلاف المطلوب و إن کانت المفسدة قائمة بالمجموع و تعلّق النهی أیضاً بالمجموع، فالتخییر و إن کان ثابتاً إلّا أنّه تخییر فی مقام الامتثال لا الجعل، فإنّ المکلّف فی مقام امتثال النهی مخیر بین ترک المجموع و ترک کلّ منهما دون الآخر و هذا غیر التخییر المصطلح و نظیره مسألة التصویر

ص: 192


1- الدراسات، ج2، ص105.

التامّ فإنّه حرام، فیتخیر المکلّف فی مقام الامتثال بین الترک رأساً و ترک تصویر الرأس أو الطرف الأیمن أو الأیسر و هکذا و هذا لیس تخییراً فی الحکم.

ص: 193

الأمر السادس: فی عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع
وجه اعتبار وجود المندوحة:

إنّ المحقّق القمی((1))و صاحب الفصول((2))و المحقّق الخراسانی ((3))و قاطبة المتقدّمین (قدس سره)((4)) قالوا باعتبار وجود المندوحة فی جریان النزاع.((5))

ص: 194


1- فی قوانین الأصول ط.ق. ص153: «الثانی أنّ ما عنون به القانون هو الکلام فی شی ءٍ ذی جهتین یمکن انفکاک کلٍّ منهما عن الآخر و أمّا ما یمکن الانفکاک عن أحدهما دون الآخر کقوله: صلّ و لاتصلّ فی الدار المغصوبة فقد مرّت الإشارة إلی جواز الإجتماع فیه عقلاً و لغةً و إن فهم العرف خلافه و سیجی ء الکلام فیه و أمّا ما لایمکن الإنفکاک عن أحد الطرفین مثل من دخل دار غیره غصباً ففیه أقوال» إلخ. و لکن فی تحریرات فی الأصول، ج4، ص184: «تذنیبٌ: عن المحقق القمی (قدس سره): " أنّ قید المندوحة معتبرٌ، لقبح التکلیف بما لایطاق . نعم، إذا کان العجز عن امتثال الأمر مستنداً إلی سوء إختیار المکلف فلایعتبر " إنتهی».
2- فی الفصول الغرویة، ص124: «و إن اختلفت الجهتان و کان للمکلف مندوحة فی الإمتثال فهو موضع النزاع و من ترک القید الأخیر فقد إتّکل علی الوضوح لظهور اعتباره».
3- فی فوائد الأصول، ص144: 15- فائدةٌ فی اجتماع الأمر و النهی: «قبل الخوض فی المقصود ینبغی تقدیمُ أمورٍ: ... الخامس: ... ثمّ الظاهر أنّه یعتبر فی محل النزاع اعتبار المندرجة فی مقام الإمتثال و إن أطلقه جماعة و یکون لازم المجوز للإجتماع لأجل تعدّد الجهة، و أنّه یوجب تعدد الموضوع إلّا أّن الإطلاق إنّما هو للإتّکال علی الوضوح لظهور اعتباره، کما فی الفصول حیث یلزم التکلیف بالمحال بدون ذلک».
4- کما فی فوائد الأصول، تقریر المحقّق النائینی (قدس سره) ج1-2، ص398.
5- فی زبدة الأصول، ج2، ص143: «السابع: صرّح صاحب الفصول و المحقق القمی (قدس سره) و المحقق الخراسانی فی الفوائد بأنّه لابدّ من اعتبار قید المندوحة فی محل النزاع فی هذه المسألة بل قال صاحب الفصول: أنّ من ترکه فقد إتّکل علی الوضوح لظهور اعتباره». و قال باعتبار المندوحة أیضا الشیخ الأنصاری و صاحب الوقایة و المحقق الشعرانی: ففی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص605: «هدایةٌ: ینبغی أن یذکر أمام المقصود أمورٌ لعلّها مربوطة به الأوّل أنّ متعلق الأمر و النهی إمّا أن یکون متّحداً فی الذهن و الخارج، أو یکون متعددا فیهما، أو متحدا فی الخارج و متعددا فی الذهن، و لا رابع لهذه الأقسام ... و أمّا الثالث: فقد یکون أحدهما ملازما فی الصّدق للآخر کما فی الإنسان و الضاحک، و قد لایکون کأن یکون أحدهما أعمّ من الآخر مطلقا، أو من وجه لا إشکال أیضاً عندهم فی امتناع الإجتماع فی القسم الأول، لإتّفاق کلمتهم علی اعتبار المندوحة فی الإمتثال». و فی ص707: «هدایةٌ: قد عرفت فیما تقدّم اعتبار المندوحة فی حریم النزاع، کما عرفت أنّ الوجه فی ذلک هو دفع ما قد یتوهم من أنّ الإجتماع یوجب التکلیف بما لایطاق، حیث إنّه بعد اعتبار المندوحة لا وجه لذلک». و فی وقایة الأذهان، ص333: «و استبان أیضاً إعتبار المندوحة فی مورد النزاع، کما صرّح به أکثرهم، و اعتذر فی الفصول عمن ترک التقیید به بأنّه إتّکل علی وضوحه و به صرّح الأستاذ فی الفوائد و لکن عدل عنه فی الکفایة، و قال ما حاصله: ... و أری أنّ رأیه الأوّل المطابق لآراء القوم أصوب من هذا الذی تفرّد به، لأنّ المفروض- کما علمت، و یدلّ علیه عنوان المسألة- وجود التکلیفین و تنجّزهما، و کون اختیار المکلف الفرد المجامع للحرام فی مقام الإمتثال من سوء اختیاره، و مع عدم المندوحة لا تکلیف حتی ینازع فی حصول الإمتثال به».

و الوجه فی ذلک هو أنّ المکلّف فی فرض وجود المندوحة قادر علی الصلاة فی خارج الأرض المغصوبة فلا مانع من توجّه التکلیف بالصلاة إلیه و لایکون التکلیف بالصلاة تکلیفاً بالمحال.

أمّا فی فرض عدم المندوحة فلایقدر المکلّف علی الإتیان بالصلاة خارج الأرض المغصوبة لفرض عدم المندوحة و لا فی الأرض المغصوبة لأنّ الممتنع شرعاً کالممتنع عقلاً فالتکلیف بالصلاة حینئذ تکلیف بالمحال فلایجری النزاع حینئذ لعدم إمکان التکلیف بالأمر فینتفی موضوع اجتماع الأمر والنهی.

بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة:
اشارة

إنّ المحقّق الخراسانی (قدس سره) عدل فی الکفایة((1)) عن ما أفاده فی فوائد الأُصول و

ص: 195


1- کفایة الأصول، ص153.

قال بعدم اعتبارها((1)) فی ما هو المهم فی محلّ النزاع من لزوم المحال و هو اجتماع الحکمین المتضادّین أو عدم لزومه حیث إنّ البحث فی أنّ تعدّد الوجه هل یجدی فی رفع غائلة اجتماع الضدّین أو لایجدی؟ و لایتفاوت فی هذا البحث وجود المندوحة و عدمها.

فالمندوحة غیر معتبر فی هذا البحث بلحاظ مرحلة الجعل (جعل الوجوب و الحرمة المتعلّقین بالواحد ذی الوجهین).

أمّا وجود المندوحة فی مقام الامتثال و الإطاعة فمعتبر حیث إنّه بدون وجود المندوحة لایقدر علی الامتثال فلابدّ من اعتبارها فی الحکم بالجواز فعلاً لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً و محالاً.

ص: 196


1- قال بعض الأعلام بعدم اعتبار المندوحة: ففی غایة المسؤول فی علم الأصول، ص297: «قد عرفت أنّ اعتبار المندوحة فی محل النزاع لا وجه له». و فی الحاشیة علی کفایة الأصول للمحقق البروجردی، ج 1، ص355: «إنّ التحقیق هو ما ذهب إلیه المصنف من عدم اعتبار المندوحة فیما هو المهم فی المقام من کفایة تعدّد الجهة و الحیثیة فی رفع غائلة اجتماع الحکمین المتضادّین فی مورد خاص و محلّ مخصوص باعتبار تعدد المتعلق باعتبار تعددها، أو عدم کفایة تعددها فی رفعها باعتبار إتّحاد متعلقیهما، و عدم کفایة تعدد الجهة فی تعدد متعلقیهما و بالجملة لا وجه لاعتبار المندوحة إلّا لأجل اعتبار القدرة فی الإمتثال و عدم لزوم التکلیف بالمحال، و هو محذورٌ آخر، لا دخل له فیما هو المحذور فی المقام من التکلیف المحال بلا کلام». و فی تحقیق الأصول، ج 4، ص39: «و الحاصل أنّه اعتبر فی حاشیة الرسائل- تبعا للفصول- عدم المندوحة حتی لایلزم التکلیف بالمحال، لکنّه فی الکفایة یقول: بأنّ البحث لیس فی التکلیف بالمحال، و إنّما فی أنّه هل یلزم فی مفروض المسألة المحال- و هو اجتماع الضدین- أو لا؟ و لا دخل للمندوحة فیه و هذا هو الصحیح، لأنّا إن قلنا بالإمتناع فلا أثر للمندوحة. و إن قلنا بالجواز و عدم لزوم اجتماع الضدین، فإن کان له مندوحة فلا مشکلة، و إن لم تکن کان المورد من صغریات باب التزاحم ... فظهر أنّ وجود المندوحة إنّما یؤثر علی القول بالجواز، و أمّا فی أصل البحث و طرح المسألة فلا دخل لوجود المندوحة و عدمها».

و لا دخل لاعتبار المندوحة بما هو المحذور فی بحث اجتماع الأمر و النهی من التکلیف المحال.

مناقشة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی بیان الکفایة:

((1))

أوّلاً: إنّ حیثیة تعدّد المعنون بتعدّد العنوان و عدمه حیثیة تعلیلیة للجواز و عدمه و لیست حیثیة تقییدیة مقوّمة للموضوع (أی موضوع مسألة اجتماع الأمر و النهی)، لئلا یحتاج عنوان البحث إلی التقیید بالمندوحة، لیتمحّض البحث فی خصوص الجواز و الامتناع من حیث خصوص التضادّ و عدمه (بل البحث أعمّ من هذه الحیثیة بل هناک حیثیات أُخر دخیلة فی جواز الاجتماع أو امتناعه).

و جعل البحث جهتیاً و حیثیاً (أی من جهة تعدّد المعنون بتعدّد العنوان) غیر صحیح، مع أنّ عنوان مسألة اجتماع الأمر و النهی لایناسب ذلک لأنّه أعمّ من هذه الجهة و الحیثیة.

ثانیاً: إنّ غرض الأُصولی فی بحث جواز الاجتماع یترتّب علی الجواز الفعلی، فلابدّ من تعمیم البحث و إثبات الجواز من جمیع الوجوه اللازمة من تعلّق الأمر و النهی بواحد ذی وجهین، لا الوجوه العارضة من باب الاتفاق فالبحث عن جواز الاجتماع أو امتناعه لایشمل تلک الوجوه العارضة الاتفاقیة غیر اللازمة.

فلایقاس وجود المندوحة أو عدمها ( الذی هو من الوجوه اللازمة) بسائر الجهات الاتفاقیة المانعة عن الحکم بالجواز فعلاً.

ص: 197


1- نهایة الدرایة، ج2، ص296.
بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لعدم اعتبار المندوحة فی محلّ النزاع:

یمکن أن یقال بعدم لزوم التقیید بالمندوحة من طریق آخر و هو أنّه لو کان تعدّد الوجه مجدیاً فی تعدّد المعنون لکان مجدیاً فی التقرب به من حیث رجحانه فی نفسه فإنّ عدم المندوحة یمنع عن الأمر لعدم القدرة علی الامتثال و لایمنع عن الرجحان الذاتی الصالح للتقرب به، فکما أنّ تعدّد الجهة یکفی من حیث التضادّ یکفی من حیث ترتّب الثمرة و هی صحّة الصلاة فلا موجب للتقیید بالمندوحة لا علی القول بالتضادّ لکفایة الاستحالة من جهة التضادّ فی عدم الصحّة و لا علی القول بعدم التضادّ لما عرفت من کفایة تعدّد الجهة من حیث التقرّب أیضاً.((1))

نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((2))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) یری أنّ النزاع فی جهتین:

الجهة الأُولی: هی سرایة کلّ من الحکمین إلی متعلّق الآخر و عدم سرایته.

الجهة الثانیة: هی أنّه بناء علی السرایة هل یوجب انطباقهما علی شیء واحد وقوع التزاحم بین حکمیهما أو لا؟

أمّا النزاع من الجهة الأُولی فلا فرق فیه بین وجود المندوحة و عدمها، و أمّا النزاع من الجهة الثانیة فلابدّ من أن یکون مع وجود المندوحة، إذ وقوع التزاحم مع عدم المندوحة و انحصار الطبیعة المأمور بها فی المجمع واضح لایخفی، و من

ص: 198


1- نهایة الدرایة، ج2، ص297.
2- أجود التقریرات، ج2، ص126و127.

اعتبر قید المندوحة فی محلّ الکلام فقد نظر إلی ذلک ثمّ إنّه بناء علی الجواز فإن قلنا فی اعتبار القدرة بمقالة المحقّق الثانی (قدس سره) فلایکون صغری التزاحم و إن قلنا فی اعتبار القدرة بمقالة المحقّق النائینی (قدس سره) فیکون البحث من صغریات التزاحم.

نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده یفترق عن بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی أمرین:

الأوّل: إنّ المحقّق الخوئی (قدس سره) یری أنّ النزاع هو فی الجهة الأُولی و لذا قال: إنّ اعتبار وجود المندوحة فی مقام الامتثال أجنبی عمّا هو محلّ النزاع فی المسألة، فإنّ محل النزاع فیها کما عرفت السرایةُ و عدمها و هما لایبتنیان علی وجود المندوحة.

الثانی: قال المحقّق النائینی (قدس سره) - بناء علی القول بالجواز مع المندوحة: إنّ البحث من صغریات التزاحم حیث یقول باعتبار القدرة باقتضاء نفس الخطاب کما مضی((2)) فی بحث الضدّ.

و لکن المحقّق الخوئی (قدس سره) مثل المحقّق الثانی (قدس سره) یقول: إنّ البحث لایکون من صغریات التزاحم بل یستنبط منه الحکم الشرعی بدون إعمال قواعد التزاحم.

أمّا مع عدم وجود المندوحة فکلاهما یتّفقان علی أنّ المسألة من صغریات التزاحم.

فتحصّل من ذلک عدم اعتبار قید المندوحة فی عنوان البحث و محل النزاع إلّا

ص: 199


1- المحاضرات، ط.ج. ج3 ص388.
2- راجع ص80 من هذا الکتاب: قولنا: تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف، هنا ثلاثة أقوال، القول الثانی نظریة المحقق النائینی، إیراد المحقق الخوئی علی هذا القول.

أنّه علی القول بالجواز یختلف الحال بحسب وجود المندوحة و عدمها.((1))

ص: 200


1- ذکر فی تحریرات فی الأصول وجوهاً خمسة فی اعتبار المندوحة و کلاما من المحقق الإیروانی نُوردها تتمیماً للفائدة: قال فی ج 4، ص177: «الأمر الثالث: حول اعتبار المندوحة إنّ فی اعتبار شرطیة المندوحة و عدم اعتبارها، أو إضرارها بالنزاع، أو التفصیل فی المسألة، وجوها و أقوالاً لا بأس بالإشارة إلیها إجمالا حتی یتبین الحقّ و یستبان حدوده: الوجه الأول: ما هو صریح الدرر و بعضٌ آخر من أنّ النزاع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی، بعد الفراغ من صدور الأمر و النهی عن جدٍّ، و هو لایعقل إلّا فیما إذا کان العبد متمّکناً من امتثال کلّ واحدٍ منهما، و لو لم یکن یتمکّن من الإمتثال- بأن لایجد أرضاً مباحةً یقیم فیها الصلاة- فلایکون أمرٌ فی البین حتی یتنازع فی اجتماعه مع النهی؛ لأنّ الصلاة فی المغصوب لیست مورد الأمر، و الصلاة المطلقة غیر مقدورة ... الوجه الثانی: لایعتبر قید المندوحة فی صحة نزاع الإجتماع و الإمتناع فی مرحلة الجعل و الإنشاء؛ لأنّ البحوث الأصولیة تکون فرضیة و حیثیة، فالأمر و النهی فرضیان، و البحث حیثی؛ أی یکون حول أنّ الأمر المتعلق بشی ء، و النهی المتعلق بالعنوان الآخر، هل یتداخلان و تلزم الوحدة فی المتعلق فی وعاء الجعل، أو فی وعاء الخارج، و یتجاوزان إلی أنفسهما، أم لا؟ و لایلزم المحالیة من هذه الجهة، و أمّا لزوم الإستحالة من المناشئ الأخری فلا ربط له بهذه المسألة ... الوجه الثالث: أنّ مع الالتزام بفعلیة الأمر و النهی، لا حاجة إلی قید المندوحة؛ بناء علی ما حرّرناه تبعاً للوالد المحقق- مدّ ظله- من أنّ الخطابات القانونیة تکون فعلیةً حتی فی موارد العجز ... و علی کل تقدیر: العبد فی صورة فقدان المندوحة مکلف فعلاً بتکلیفین فعلیین؛ أحدهما: الصلاة، و الآخر: الغصب، فإن أمکن اجتماعهما فی المجمع فهو، و إلّا فلابدّ من انکشاف سقوط أحد التکلیفین معینا، أو القول بالتخییر، فاعتبار قید المندوحة علی القول بأنّ النزاع لیس حیثیاً أیضا ممنوعٌ، فضلاً عمّا إذا کان حیثیاً ... الوجه الرابع: أنّ اعتبار قید المندوحة یلازم الإلتزام بالإجتماع، و یستلزم سقوط النزاع قهراً، فیکون مضرّاً؛ و ذلک لأنّ البحث فی مسألة الإجتماع و الإمتناع، لایدور حول أنّ الأحکام متضادة أم لا، و لایدور حول ... بل أساس النزاع و مبدأ الخلاف و التشاح؛ هو أنّ فی المجمع یمکن المحافظة علی إطلاق الأمر و النهی، و تکون الإرادتان: الآمریة و الزاجریة، باقیتین فیه علی قوتّهما، أم لا، و إذا کان المکلّف متمکّناً من الجمع بین الصلاة و ترک الغصب، فلا معنی للإشکال فی الإمکان المذکور؛ ضرورةَ وضوح جواز ترشّح الإرادتین حتی فی المجمع، فالنزاع یصحّ علی تقدیر عدم وجود المندوحة فی البین ... الوجه الخامس: أنّ النزاع إن کان حیثیا، فلا حاجة إلی قید المندوحة، و إن کان النزاع مطلقا و فرض فعلیة الأمر و النهی، فلاتعتبر المندوحة أیضا و إن لم نقل بالخطابات القانونیة ... إذا تبینت هذه الوجوه الرئیسة فی المسألة و مبانیها، فالذی هو الأقوی فی النظر أنّ المندوحة مضرّة بأساس البحث علی الوجه الذی هو مورد نظرنا ... و الذی ظهر لی أنّ قید المندوحة دائرٌ بین کونه مضرّاً، و بین کونه غیرُ لازمٍ حتی علی القول بأنّ المراد من الأمر و النهی التکلیفین الفعلیین؛ و أنّ الخطابات شخصیة، لا کلیة قانونیة». و فی ج 4، ص184: «عن الفاضل الإیروانی قدّس سره: أنّ اعتبار قید المندوحة لا معنی له؛ بناء علی تعلق الأمر و النهی بالأفراد، ضرورة أنّ المراد من المندوحة هو الفرد المباح من المأمور به الذی یکون المکلف لأجله فی الوسع و الفسحة من الإمتثال، و إذا کان مورد الأمر هو الفرد، فلایکون الفرد الآخر فرداً من المأمور به، بل هو فردٌ آخر مخصوصٌ بأمر آخر، و لایکون فردا للطبیعة التی هی مورد الأمر».
الأمر السابع: ارتباط هذه المسألة بتعلق الأحکام بالطبائع أو الأفراد
اشارة

هل یبتنی أصل النزاع أو اختیار الجواز و الامتناع علی تعلّق الأحکام بالطبائع و الأفراد أو لا؟

هنا توهّمان:
اشارة

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) أشار هنا((1)) إلی توهّمین ثم أجاب عنهما فلابدّ من البحث عنهما لدخلهما فی الحکم بالجواز أو الامتناع.

التوهّم الأوّل:

إنّ النزاع فی الجواز و الامتناع یبتنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع، و

ص: 201


1- کفایة الأصول، ص154.

أمّا بناء علی تعلّق الأحکام بالأفراد فلابدّ من القول بالامتناع و لا وجه حینئذ للقول بالجواز.

توضیح ذلک: إن قلنا بتعلّق الأحکام بالطبائع فقد اختلفوا فی أنّ الإتحاد الوجودی بین الطبیعتین هل یوجب وحدة متعلّق الأمر و النهی حتّی نقول بالامتناع أو لایوجب وحدة متعلّق الأمر و النهی حتّی نقول بالجواز.

و أمّا إن قلنا بتعلّق الأحکام بالأفراد یلزم تعلّق الحکمین بواحد شخصی و لو کان ذا وجهین لأنّ المشخصات مقوّمة للفرد.

التوهّم الثانی:
اشارة

إنّ القول بالجواز مبنی علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع لتعدّد متعلّق الأمر و النهی ذاتاً و إن اتّحدا وجوداً و القول بالامتناع مبنی علی القول بتعلّق الأحکام بالأفراد لاتّحاد متعلّقهما شخصاً خارجاً و کون متعلّقهما فرداً واحداً.

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عنهما:
اشارة

و الجواب یتوقف علی بیان مقدّمات ثلاث:

المقدّمة الأُولی:

قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) فی بیان الفرق بین الطبیعة و الحصّة و الفرد: إنّ الماهیة تارة تلاحظ بنفسها فهی «الطبیعی» و أخری مضافة إلی قید کلّی فالمضاف هی «الحصة» لا مجموع المضاف و المضاف إلیه و ثالثة تضاف إلی الوجود المانع عن صدقها علی کثیرین و هو «الفرد» و تسمّی بالماهیة

ص: 202


1- نهایة الدرایة، ج2، ص255 و بحوث علی النهج الحدیث، ص102.

الشخصیة أو الماهیة الجزئیة أیضاً.

ثمّ إنّ الماهیة الشخصیة المتّحدة مع الوجود موجودة بنفس ذلک الوجود و هذه الماهیة الشخصیة فرد للطبیعة الکلّیة و حیث إنّ الماهیة الشخصیة متّحدة مع الوجود بالذات فطبیعیها متّحد مع الوجود بالعرض و الطبیعی موجود فی الخارج بالعرض و فرده (و هی الماهیة الشخصیة) واسطة فی العروض.

المقدّمة الثانیة:

إنّهم اختلفوا فی متعلّق الأمر و الطلب و خلاصة ذلک:

قال المحقّق الخراسانی (قدس سره): متعلّق الطلب هو الوجود السعی للطبیعة و حیث إنّ الأمر طلب الوجود فمتعلّق الأمر هو الطبیعی.

و المحقّق النائینی (قدس سره) قال: متعلّقات الأحکام الطبائع الفانیة فی أفرادها و أیضاً قال: متعلّق الحکم الماهیة التی لم یلحظ فیها التحصّل.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً صرّح بأنّ الطلب یتعلّق بالطبیعی لا الفرد.((1))

و المحقّق العراقی (قدس سره) رأی أنّ متعلّق الأمر هو الطبیعی بما هو خارجی أی بما أنّه مرآة إلی الخارج.

و المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال: إنّ متعلّق الأمر هو الفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الحقیقی الفرضی لا بوجوده التحقیقی و ذلک لأنّ طبیعة الشوق تتعلّق بما له جهة وجدان و فقدان إذ لو کان موجوداً من کلّ جهة لکان طلبه تحصیلاً للحاصل و لو کان مفقوداً من کلّ جهة لم یکن طرف یتقوّم به الشوق فالعقل یلاحظ الموجود الخارجی فیشتاق إلیه فما هو المقوّم للشوق الموجود بالفرض و

ص: 203


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص194.

التقدیر لا بما هو هو بل بما هو آلة لملاحظة الموجود الحقیقی و ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هنا هو الأصحّ.

المقدّمة الثالثة:

إنّ معنی تعلّق التکلیف بالفرد هو تعلّقه بالماهیة الشخصیة بوجود الحقیقی الفرضی و ما یعبّر عنه بالعوارض المشخّصة هی لوازم الوجود و التشخّص و هی أفراد لطبائع شتّی لکلّ منها وجود و ماهیة، و لیس لازم تعلّق التکلیف بالفرد دخول لوازم الوجود و التشخص فی المکلّف به، بل تشخّص کلّ فرد بنفس وجوده لا بوجود آخر فلایعقل أن یکون عوارض الفرد (التی هی موجودة بوجود آخر غیر وجود هذا الفرد) مشخّصاً لهذا الفرد حتّی یقال بدخولها فی متعلّق التکلیف.

فتحصّل من هذه المقدّمات أنّه لا فرق فی محل النزاع بین تعلّق التکلیف بالطبیعة أو الفرد إلّا بالماهیة الکلّیة و الماهیة الشخصیة المضافة إلی الوجود الفرضی فالعوارض و لوازم الوجود خارجة عن متعلّق الحکم علی کلا القولین کما أنّ الوجود الخارجی الحقیقی أیضا خارج عن متعلّق الحکم.

فعلی هذا إنّ النزاع فی سرایة الحکم من متعلّق الأمر أو النهی إلی الآخر یتصوّر بالنسبة إلی کلا القولین؛ هذا بالنسبة إلی التوهّم الأوّل.

و إنّ تعلّق الأمر و النهی بالطبائع لایقتضی تعدّد المتعلّق و تعلّقهما بالأفراد أیضا لایقتضی وحدة المتعلّق بل ملاک وحدة المتعلّق و تعدّده فی الأمر و النهی هو أنّ تعدّد الوجه و العنوان هل یجدی فی تعدّد المتعلّق بحیث لایضرّ معه الاتحاد بحسب الوجود و الإیجاد أو لا؟ بلا فرق فی ذلک بین تعلّق الحکم بالطبیعی أو الفرد.

ص: 204

تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟
اشارة

توهّم فی المقام:

قد یتوهّم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة هی حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع علی اجتماع الأمر و النهی حیث إنّه:

إن قلنا بأصالة الوجود فیکون متعلّق الأمر و النهی هو الوجود و هو أمر واحد فیسری الحکم من متعلّق الأمر و النهی إلی الآخر فلابدّ من المصیر إلی القول بالامتناع.

و إن قلنا بأصالة الماهیة فیکون متعلّق الأمر و النهی الماهیة و الماهیات متباینة بالذات و لایمکن اتحاد ماهیة مع ماهیة أُخری و نتیجة ذلک تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابد من القول بالجواز.

بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم:

((1))

إنّه علی القول بأصالة الوجود و إن کانت حقیقة الوجود واحدة إلّا أنّ لها مراتب عدیدة و تتفاوت تلک المراتب بالشدّة و الضعف و کلّ مرتبة منها تباین المرتبة الأُخری.

و من ناحیة ثانیة: لکلّ مرتبة منها عرض عریض و أفراد کثیرة.

و من ناحیة ثالثة: لکلّ وجود ماهیة واحدة و حدّ فارد و یستحیل أن یکون لوجود واحد ماهیتان و حدّان کما أنّه لایعقل أن یکون لماهیتین وجود واحد.

ص: 205


1- کفایة الأصول، ص159؛ المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص397.

فالنتیجة هی أنّ المجمع فی مورد الاجتماع و التصادق إذا کان وجوداً واحداً فلامحالة یکون له ماهیة واحدة فلا فرق بین القول بأصالة الوجود و القول بأصالة الماهیة.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده من أنّ لکلّ وجود ماهیة واحدة یصحّ بالنسبة إلی الماهیة الحقیقیة لا الماهیات المرکّبة الجعلیة.

فالحق فی الجواب هو أن یقال: إنّ الحکم الشرعی لایتعلّق بما له الأصالة فی الخارج کما مرّ مراراً و إلّا یلزم تحصیل الحاصل مضافاً إلی أنّ الوجود الخارجی بناء علی أصالة الوجود أو الماهیة الخارجیة بناء علی أصالة الماهیة موجب لسقوط التکلیف فلایعقل أن یتعلّق التکلیف بالمتأصّل الخارجی، فلابدّ أن یتعلّق الحکم بالعنوان.

ص: 206

الأمر الثامن: هل تکون مسألة الاجتماع من صغریات التعارض؟
نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) کان بصدد بیان الفرق بین مسألة الاجتماع و باب التعارض حیث إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و جمعاً من الأعلام ذهبوا إلی أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالامتناع من صغریات التعارض (کما مرّ ذلک فی کلام المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) أیضاً) و لکنّه لم یرتض بذلک و ما أفاده هنا یکون بالنظر إلی مقامی الثبوت و الإثبات.

أمّا بحسب مقام الثبوت فإنّ هنا ثلاثة صور:

الصورة الأُولی: أن یکون لکلّ واحد من متعلّقی الأمر و النهی ملاک الحکم مطلقاً حتّی فی مورد التصادق و الاجتماع فحینئذ إن قلنا بجواز الاجتماع نأخذ بکلا الملاکین و نحکم علی مورد التصادق و المجمع بکلا الحکمین، و إن قلنا بامتناع الاجتماع نأخذ بأقوی المناطین و نحکم علی مورد الاجتماع بحکم المناط الأقوی، و إن لم یکن أحدهما أقوی من الآخر نحکم علی مورد الاجتماع بحکم آخر مثل الإباحة.

الصورة الثانیة: أن یکون أحدهما غیرُ المعین ذا ملاک مطلقاً و کان الآخر فاقداً له أی فاقداً للملاک المطلق بحیث یشمل مورد الاجتماع، فلایکون حینئذ من باب اجتماع الأمر و النهی بل یکون من باب التعارض، و حینئذ مورد الاجتماع محکوم بالحکم الذی ملاکه و مناطه مطلق بحیث یشمل مورد التصادق و الاجتماع.

ص: 207


1- کفایة الأصول، ص15.

الصورة الثالثة: أن یکون کلّ واحد من متعلّق الأمر و النهی فاقداً للملاک المطلق بحیث یشمل مورد الاجتماع فلابدّ أن یحکم فی مورد الاجتماع بحکم آخر غیر الوجوب و الحرمة، لأنّا افترضنا عدم ملاک الوجوب و الحرمة فی مورد الاجتماع، فهذه الصورة أیضاً لیست من باب اجتماع الأمر و النهی.

و أمّا بحسب مقام الإثبات:

إنّ الروایتین الدالّتین علی الحکمین إن کانتا من قبیل الصورة الأُولی المذکورة فی مقام الثبوت فالمقام من صغریات التزاحم بین المقتضیین و یکون من باب اجتماع الأمر و النهی لا التعارض، فحینئذ ربما کان الترجیح مع ما هو أضعف دلیلاً لکونه أقوی مناطاً.

فلا مجال حینئذ لملاحظة مرجّحات الروایة من المرجّحات السندیة و الدلالیة بل لابدّ من ملاحظة مرجّحات المقتضیات المتزاحمات.

ثمّ إنّه إذا احتملنا أنّهما من قبیل الصورة الأُولی لابدّ أن نعدّهما من باب الاجتماع و نحکم علیهما بقواعد التزاحم (حیث قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّه إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی فهما من باب التعارض و إلّا فکان من باب التزاحم فیفهم من هذا الکلام أنّ صورة عدم الإحراز من التزاحم).

ثم استدرک علی ما أفاده بالنسبة إلی الصورة الأُولی فی ما إذا کانت الروایتان ظاهرتین فی الحکم الفعلی فحینئذ یقع التعارض بینهما لکذب أحد الدلیلین.

فلابدّ من ملاحظة مرجحات باب المعارضة لو لم یوفّق بینهما بحمل أحدهما علی الحکم الاقتضائی بملاحظة مرجحات باب المزاحمة.

(ثمّ إنّ قوله «لو لم یوفّق بینهما» إن کان راجعاً إلی ما أفاده من وقوع التعارض فیکون معناه أنّ مورد الجمع العرفی لایجتمع مع مورد التعارض، و إن کان

ص: 208

راجعاً إلی قوله «لابدّ من ملاحظة مرجحات باب المزاحمة» فیکون مورد الجمع العرفی داخلاً فی التعارض و الوجه الأوّل هو الصحیح).

و أمّا إن کانتا من قبیل الصورة الثانیة فیحکم علیهما بقواعد التعارض من الترجیح و التخییر

فالمقام من باب التعارض و لیس من باب اجتماع الأمر و النهی.

و أمّا إن کانتا من قبیل الصورة الثالثة فظاهر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) عدّهما من باب التعارض حیث أشار إلی الصورة الثانیة و الثالثة بقوله «فالرویتان الدالّتان علی الحکمین متعارضتان إذا أُحرز أنّ المناط من قبیل الثانی فلابدّ من عمل المعارضة حینئذ بینهما من الترجیح و التخییر».

لأنّ ما هو من قبیل الثانی عنده هو ما إذا لم یکن للمتعلّقین مناط مطلقاً سواء کان المناط لأحدهما (و هی الصورة الثانیة من الصور الثلاث) أو لم یکن المناط لواحد منهما (و هی الصورة الثالثة من الصور الثلاث).

و لکن بعض شروح الکفایة((1)) فسّره بأنّ الدلیلین الفاقدین للملاک لیسا من باب التعارض و التزاحم.

إیرادات ثمانٍ علی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره):
الإیراد الأوّل: من المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره)

((2))

إنّ النزاع فی المقام کما یجری علی القول بتبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد یجری علی القول بعدم تبعیتها لها، کما ذهب إلیه الأشعری، ضرورة أنّ استحالة

ص: 209


1- منتهی الدرایة، ج3، ص43.
2- أجود التقریرات، ج2، ص146؛ المحاضرات، ط.ج. ج3، ص402.

اجتماع حکمین فی فعل واحد الناشئة من تضادّ الأحکام لایختلف فیها أنظار العقلاء، و الأشعری و غیره فیه سواء.

فما ذکره المحقّق صاحب الکفایة (قدس سره) من ابتناء النزاع فی المقام علی کون المجمع واجداً لملاک الأمر و النهی فی غیر محلّه.

الإیراد الثانی: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ ما أفاده - من أنّ الضابط للتعارض بین الدلیلین، کون مورد اجتماعهما مشتملاً علی مناط أحدهما- لا أصل له، و ذلک لأنّ النزاع یجری حتّی علی قول الأشعری الذی أنکر تبعیة الأحکام للملاکات فالضابط للتعارض هو عدم إمکان ثبوت الحکمین فی مقام الجعل و أنّ ثبوت کلّ منهما ینفی الآخر و یکذبه.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن الإیراد الثانی:

((2))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی بحث التعادل و التراجیح بأنّ التعارض عبارة عن تنافی الدلیلین بالتناقض أو بالتضادّ، إمّا بالذات و إمّا بالعرض.

و التنافی بالتناقض و بالذات مثل دلالة أحد الدلیلین علی الوجوب و الآخر علی عدم الوجوب و التنافی بالتضادّ و بالذات مثل دلالة أحدهما علی الوجوب و دلالة الآخر علی الحرمة و التنافی بالعرض مثل دلالة أحد الدلیلین علی وجوب صلاة الجمعة و دلالة الآخر علی وجوب صلاة الظهر یوم الجمعة مع تحقّق الإجماع و الضرورة علی وجوب أحدهما فنعلم بکذب أحد الدلیلین فعلی

ص: 210


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص404.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص44.

هذا مدار التعارض عنده هو التنافی فی مرحلة الجعل و لکن فی هذا المقام یتحقّق هذا الضابط فی ما إذا لم یکن لأحد الدلیلین ملاک فما أفاده هنا لیس ضابطاً کلّیاً للتعارض.

الإیراد الثالث: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی مقام الإثبات من أنّ الروایتین إذا کانتا من قبیل الصورة الأُولی (وجود الملاکین لکلا الحکمین) أو احتملنا ذلک، کان من باب التزاحم بین المقتضیین فلابدّ من تقدیم ما هو أقوی مناطاً ففیه أنّ التزاحم علی نوعین: التزاحم بین الملاکات و التزاحم بین الأحکام.

أمّا التزاحم بین الملاکات فخارج عن محلّ الکلام، لأنّ الترجیح فیه بید المولی دون العبد فله أن یلاحظ الملاکات الواقعیة و یرجّح بعضها علی بعضها الآخر و لیس ذلک من وظیفة العبد، فإنّ وظیفته امتثال الأحکام المجعولة من قبل المولی.

مضافاً إلی أنّه لیس للعبد طریق إلی معرفة الملاکات مع قطع النظر عن الأحکام المجعولة.

أمّا التزاحم بین الأحکام فهو داخل فی محل الکلام إلّا أنّ صاحب الکفایة (قدس سره) إن أراد من التزاحم بین المقتضیات التزاحم بین الدلیلین فی مرتبة الاقتضاء ففیه أنّ التزاحم هو تنافی الحکمین فی مرتبة الفعلیة الناشئ من عدم قدرة المکلّف علی الجمع بینهما فی مقام الامتثال من دون أی تناف بینهما فی مقام الإنشاء و الجعل.

فما أفاده من أنّه کان من باب التزاحم بین المقتضیین لایرجع إلی معنی محصّل.

ص: 211


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص405.
یلاحظ علی الایراد الثالث:

إنّ التزاحم بین الأحکام فی مرحلة الامتثال فی ما إذا اتّحد الموضوع یرجع إلی التزاحم بین ملاکات الأحکام و حینئذ قد نعرف من لسان الأدلّة الشرعیة و اهتمامها ببعض الواجبات و جعلها من أرکان الدین (مثل الصلاة) أقوائیة ملاکها بالنسبة إلی البعض الآخر و أما إذا لم نعرف ملاکات الأحکام تفصیلاً فالإیراد غیر وارد.

الإیراد الرابع: ما أفاده المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)
اشارة

(و هذا الإیراد هو بالنسبة إلی صغرویة بحث الاجتماع لکبری التزاحم و التعارض فی الصورة الأولی).

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) - و تبعه المحقّق العراقی (قدس سره) ((1))- قال: الصورة الأُولی و هی وجود الملاک لکلا الحکمین یکون من باب الاجتماع لا التعارض فعلی القول بالجواز نحکم علی المجمع بکلا الحکمین و علی القول بالامتناع نحکم علی المجمع بحکم أقوی المناطین و إن لم یکن أحدهما أقوی نحکم علیه بحکم آخر مثل الإباحة.

و خالفهما المحقّق النائینی (قدس سره) ((2))- و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((3))- و إلیک بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): (فإنّ ما أفاده علی القول بالجواز یختلف بحسب مبناه فی أخذ القدرة عمّا أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) کما تقدّم فلانعید).

ص: 212


1- نهایة الأفکار، ج1-2 ص412.
2- أجود التقریرات، 2ج ص125.
3- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص369 و 373.

فی المسألة ثلاث صور:

الصورة الأُولی: فرض القول بالجواز و عدم المندوحة

إنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالجواز و عند عدم المندوحة تدخل فی کبری التزاحم.

الصورة الثانیة: فرض القول بالجواز و وجود المندوحة
اشارة

إذا کانت له مندوحة فهل یدخل فی کبری التزاحم أو لا؟

نظریة المحقق النائینی (قدس سره):

قد اختار المحقّق النائینی (قدس سره) أنّها صغری للتزاحم و قال: إنّ أوّل مرجّحات باب التزاحم هو ما إذا کان لأحد الحکمین المتزاحمین بدل دون الحکم الآخر فیتقدّم ما لیس له بدل علی ما له بدل فی مقام المزاحمة و هذا إنّما یتحقّق فی أحد الموردین:

الأوّل: ما إذا زاحم بعض أفراد الواجب التخییری الواجب التعیینی، کما إذا وقعت المزاحمة بین صرف المال الموجود عنده فی نفقة عیاله و صرفه فی إطعام ستّین مسکیناً مثلاً بعد فرض أنّه لایکفی إلّا أحدهما و حیث إنّ للثانی بدلاً فی عرضه و هو صوم شهرین متتابعین فیتقدّم الأوّل (نفقة العیال) علیه فی صورة المزاحمة مطلقاً و لو کان ما له البدل (إطعام ستین مسکیناً) أهمّ من نفقة عیاله.

الثانی: ما إذا وقعت المزاحمة بین الأمر بالوضوء أو الغسل، و الأمر بغسل الثوب أو البدن للصلاة و بما أنّ للوضوء أو الغسل بدلاً فی طوله و هو التیمم فیتقدّم غسل الثوب و البدن علیه، فتنتقل الوظیفة إلی التیمم.

ص: 213

جواب المحقق الخوئی (قدس سره):

أما المورد الأوّل فإنّه خارج عن کبری التزاحم و ذلک لما ذکرناه فی بحث الواجب التخییری من أنّ الواجب هو الجامع بین الفعلین أو الأفعال لا کلّ واحد منهما، مثلاً: الواجب فی خصال الکفارة هو الواحد لا بعینه، لا کلّ واحد منها خاصة؛ هذا من ناحیة.

و من ناحیة أُخری: قد ذکرنا أنّ منشأ التزاحم بین الحکمین إنّما هو عدم تمکّن المکلّف من الجمع بینهما فی مرحلة الامتثال.

فالنتیجة هو عدم التزاحم لأنّ ما هو الواجب و هو الجامع بینها لایکون مزاحماً للأمر بصرف هذا المال فی النفقة و ما هو مزاحم له و مانع عنه -و هو إطعام ستین مسکیناً- لیس بواجب.

و أما المورد الثانی فقد تقدّم فی بحث التزاحم أنّه داخل فی کبری التعارض.

فبالنتیجة مسألة الاجتماع علی القول بالجواز و وجود المندوحة داخلة فی کبری التزاحم عند المحقّق النائینی (قدس سره) و خارجة عنها عند المحقّق الخوئی (قدس سره) .

الصورة الثالثة: فرض القول بالامتناع

إنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع تدخل فی کبری التعارض و اتّفق فی ذلک المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و نقل ذلک عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً خلافاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق العراقی (قدس سرهما) .

قال المحقّق الخوئی (قدس سره) فی وجه ذلک:((1))

ص: 214


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص368.

(قبل بیان ذلک لابدّ من أن نتذکّر أنّ النقطة الأساسیة للفرق بین التزاحم و التعارض عند المحقّق الخوئی (قدس سره) هو أنّ فی باب التزاحم لایقدر المکلّف علی الجمع بین الحکمین المتزاحمین فی مقام الامتثال بلا منافاة و مضادّة فی مقام الجعل و لکن حقیقة التعارض هی التنافی و التعاند بین الحکمین فی مقام الجعل و الثبوت و عدم إمکان جعل کلیهما).((1))

إنّ القول بالامتناع یرتکز علی سرایة النهی من متعلّقه إلی ما ینطبق علیه المأمور به و علی هذا تقع المعارضة لامحالة بین دلیلی الحکمین کالوجوب و الحرمة مثلاً لما عرفت من أنّ مردّ هذا القول إمّا إلی القول بإتحاد المجمع حقیقة أو القول بسرایة حکم أحد المتلازمین إلی الآخر و علی کلا التقدیرین لامحالة یکون أحد الدلیلین کاذباً فی مورد الاجتماع و ذلک لاستحالة أن یکون المجمع عندئذ مصداقاً للمأمور به و المنهی عنه معاً، و علیه فلامحالة یدلّ کلّ من دلیلی الأمر و النهی علی نفی مدلول الدلیل الآخر مع بقاء موضوعه بحاله.

فإذن لابدّ من الرجوع إلی قواعد باب المعارضة:

فإن کان التعارض بینهما بالإطلاق کما هو الغالب یسقطان معاً فیرجع إلی الأصل اللفظی فی المسألة إن کان و إلّا فإلی الأصل العملی.

و إن کان بالعموم یرجع إلی أخبار الترجیح إذا کان التعارض بین الخبرین و إلّا فإلی قواعد أُخر علی تفصیل مذکور فی محلّه.

و إن کان أحدهما مطلقاً و الآخر عامّاً فیتقدّم العام علی المطلق، لأنّه یصلح أن یکون بیاناً له دون العکس.

ص: 215


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص18.

و إن کان أحدهما لبیاً و الآخر لفظیاً فیتقدّم الدلیل اللفظی علی الدلیل اللبّی کما هو واضح.

و إن کان کلاهما لبیاً فلابدّ من الرجوع فی المسألة من أصل لفظی أو عملی.

الإیراد الخامس:
اشارة

((1))

(و هذا الإیراد یتوجه علی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی).

إنّ موارد التوفیق العرفی غیر موارد التعارض، فإذا فرض التعارض بین الدلیلین فمعناه أنّه لایمکن الجمع العرفی بینهما و أما إذا أمکن ذلک فلا تعارض، ففرض التعارض و فرض إمکان الجمع العرفی لایجتمعان.

یلاحظ علیه:

إنّ ما أفاده مبنی علی التفسیر الثانی لقوله «لو لم یوفق» فی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی و أمّا علی التفسیر الأوّل فلا.((2))

الإیراد السادس:

((3))

[بالنسبة إلی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی].

إنّ التوفیق العرفی بین الدلیلین إنّما یکون بملاحظة مرجّحات باب الدلالة،

ص: 216


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3 ص406.
2- قد تقدم عند ذکر نظریة صاحب الکفایة: إنّ قوله «لو لم یوفّق بینهما» إن کان راجعاً إلی ما أفاده من وقوع التعارض فیکون معناه أنّ مورد الجمع العرفی لایجتمع مع مورد التعارض، و إن کان راجعاً إلی قوله «لابدّ من ملاحظة مرجحات باب المزاحمة» فیکون مورد الجمع العرفی داخلاً فی التعارض و الوجه الأوّل هو الصحیح.
3- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص406.

کأن یکون أحدهما أظهر من الآخر أو نحو ذلک، لا بملاحظة مرجّحات باب المزاحمة، لوضوح الفرق بین البابین و أنّ أحدهما أجنبی عن الآخر بالکلّیة، ضرورة أنّ مرجّحات باب المزاحمة توجب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه و هو القدرة و لاتوجب التصرف بالحمل علی الاقتضاء أو نحوه کما هو ظاهر.

الإیراد السابع:

((1))

[و الإیراد یتوجه إلی استدراک صاحب الکفایة (قدس سره) ذیل الصورة الأُولی].

إنّ هذا الحمل (أی حمل الأمر و النهی علی بیان المقتضی فی متعلّقه) خارج عن الفهم العرفی و لایساعد علیه العرف أبداً.

الإیراد الثامن:

((2))

[و الإیراد یتوجه إلی استدراک صاحب الکفایة ذیل الصورة الأُولی].

إنّ هذا الحمل لایجدی فی دفع المحذور اللازم من اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد و ذلک لأنّ اجتماع المصلحة و المفسدة فی شیء واحد فی نفسه و إن کان لا مانع منه، إلّا أنّ ذلک لایمکن من جهة تأثیر المصلحة فی محبوبیته و تأثیر المفسدة فی مبغوضیته، لاستحالة أن یکون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً.

نتیجة البحث: أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالجواز مع عدم المندوحة من صغریات التزاحم و أمّا مع وجودها فلیس صغری للتعارض و لا للتزاحم (بل هی بهذا الوجه تکون مسألة أُصولیة) و أمّا بناء علی القول بالامتناع فمسألة الاجتماع من صغریات التعارض.

ص: 217


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص406.
2- نفس المصدر.
الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین
بیان المحقّق الخراسانی (قدس سره):
اشارة

((1))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) أوّلاً: إنّ المعتبر فی هذا الباب و هو باب اجتماع الأمر و النهی أن یکون کلّ واحد من الطبیعة المأمور بها و المنهی عنها، مشتملة علی مناط الحکم مطلقاً حتّی فی حال الاجتماع.

ثم قال (قدس سره): إن کان دلیل خارجی مثل قیام إجماع أو نحوه یدلّ علی وجود الملاک فی کلا الحکمین فالمسألة داخلة فی باب اجتماع الأمر و النهی.

و إن لم یکن دلیل خارجی علیه بل لم یکن إلّا إطلاق دلیلی الحکمین فهنا تفصیل:

الصورة الأُولی: أن یکون الإطلاق فی مقام بیان الحکم الاقتضائی فهذا الإطلاق دلیل علی ثبوت المقتضی و المناط فی مورد الاجتماع فیکون من باب الاجتماع.

الصورة الثانیة: أن یکون الإطلاق فی مقام بیان الحکم الفعلی.

فإن قلنا بالجواز فالإطلاق حینئذ یکون دلیلاً و قرینة علی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین بالنسبة إلی المجمع فیکون البحث من باب اجتماع الأمر و النهی إلّا إذا علم من الخارج بکذب أحد الدلیلین و عدم جعله فحینئذ یعامَلان معاملة المتعارضین فلابدّ من الرجوع إلی قواعد باب التعارض.

و إن قلنا بالامتناع فالإطلاق لایکون دلیلاً علی ثبوت المقتضی فی الحکمین فیقع التعارض.

ص: 218


1- کفایة الأصول، ص155.

و بیان ذلک هو أنّ الإطلاقین متنافیان، من غیر دلالة علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الاجتماع أصلاً، فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون لأجل انتفاء المقتضی.

ثم استثنی من ذلک ما یمکن به رفع التعارض بأن یقال: إنّ الإطلاقین (علی القول بامتناع الاجتماع) یحملان علی الحکم الاقتضائی فهما یدلان علی ثبوت المقتضی و المناط فی کلا الحکمین فیکون من باب الاجتماع؛ هذا فی ما إذا لم یکن أحدهما أظهر. و إن کان أحدهما أظهر من الآخر فیحمل ما هو الظاهر علی الحکم الاقتضائی و الأظهر یبقی علی الفعلیة.

مناقشات أربع فی هذا البیان:
المناقشة الأُولی:

((1))

و هی ما تقدّم فی الأمر الثامن من أنّ مسألة الاجتماع لاترتکز علی وجهة نظر مذهب دون آخر فلابدّ من ملاحظة قول من لایری تبعیة الأحکام للمصالح و المفاسد کالأشعری.

المناقشة الثانیة:

و هی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)):

ص: 219


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص409.
2- أجود التقریرات، ج2، ص147؛ المحاضرات، ط.ج. ج3، ص410؛ تحقیق الأصول، ج4، ص47. ففی الأول: «أنّ المحقّق المزبور ذکر فی الأمر الثامن و التاسع من الأمور التی قدّمها علی بیان مختاره فی بحث اجتماع الأمر و النهی أنّ دلیلی الحکمین فی مورد الإجتماع قد یدلّان علی الحکم الفعلی و قد یدلّان علی الحکم الإقتضائی و ذکر أیضا ... و لایخفی ما فی کلا الأمرین المذکورین فی کلامه أمّا الأوّل فلما عرفته فی بعض المباحث السابقة من أنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیاً ثابتاً لموضوعه المقدر وجوده و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً فکون الحکم فی محل الإجتماع فعلیاً مرّةً و إقتضائیاً مرّةً أخری غیر معقول و أمّا الثانی فلما سیجی ء فی محله ... و بالجملة ما ذکره (قده) فی الأمر الثامن و التاسع من مبحث الإجتماع الأمر و النهی مما لا محصّل له». و فی الثانی: « و أمّا الخطّ الثانی: فیقع الکلام فیه من ناحیتین: الأولی: فی بیان مراده (قدّس سره) من الحکم الفعلی الثانیة: فی بیان مراده من الحکم الإقتضائی. أمّا الناحیة الأولی: فإن أراد (قدّس سرّه) من الحکم الفعلی الحکم الذی بلغ إلی مرتبة البعث أو الزجر فقد ذکرنا غیر مرّةٍ أنّ بلوغ الحکم إلی تلک المرتبة یتوقف علی وجود موضوعه بجمیع شرائطه و قیوده فی الخارج، ضرورة استحالة فعلیة الحکم بدون فعلیة موضوعه کذلک، فما لم یتحقق موضوعه خارجا یستحیل أن یکون الحکم فعلیا، فتتبّع فعلیة الحکم فعلیة موضوعه حدوثاً و بقاءً ... و السر فیه هو أنّ الأحکام الشرعیة مجعولةٌ علی نحو القضایا الحقیقیة، أعنی للموضوعات المقدر وجودها فی الخارج، ولایتوقف جعلها علی وجودها فیه أبداً، ضرورة أنّه یصحّ جعلها لها من دون أن یتوقف علی وجود شی ءٍ منها فی الخارج ... و من ذلک قد ظهر أنّ فعلیة الحکم خارجة عن مفاد الدلیل و أجنبیة عنه رأساً و تابعة لفعلیة موضوعه، ضرورة أنّ مفاد الدلیل هو ثبوت الحکم علی نحو القضیة الحقیقیة، و لایدل علی أزید من ذلک، فلا نظر له إلی فعلیته بفعلیة موضوعه أبداً، لوضوح أنّ کل قضیة حقیقیة غیر ناظرة إلی وجود موضوعها فی الخارج و تحقّقه فیه، بل مفادها ثبوت الحکم علی تقدیر وجود موضوعها فیه من دون تعرض لحاله وجوداً و عدماً و علیه فلا معنی لما أفاده (قدس سره) من أنّ إطلاق کل من الدلیلین قد یکون لبیان الحکم الفعلی، و ذلک لما عرفت من أنّ فعلیة الحکم تابعة لفعلیة موضوعه فی الخارج و أجنبیة عن مفاد الدلیل بالکلیة، فلایکون الدلیل متکفّلاً لفعلیته أبداً. وإن أراد منه الحکم الإنشائی و هو الحکم المبرز فی الخارج بمبرز ما ... فیرد علیه ... و أمّا الناحیة الثانیة: فلانعقل للحکم الإقتضائی معنی محصّلاً ما عدا کون الفعل مشتملاً علی مصلحة أو مفسدة، و یکون إطلاق کلٍّ من دلیلی الأمر والنهی فی مقام بیان ذلک، و إرشاد إلی أنّ فیه جهة تقتضی وجوبه وجهة تقتضی حرمته، و هذا هو مراده (قدّس سرّه) من الحکم الإقتضائی. و لکن یرد علیه أوّلاً» إلخ. و فی الثالث: «فأشکل علیه المیرزا بأنّ کون الحکم فی محل الإجتماع فعلیاً تارةً و إقتضائیاً أخری، غیر معقول، لأنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیا ثابتا لموضوعه المقدر الوجود، و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً. و تبعه المحقق الخوئی و شیخنا الأستاذ فی هذا الإشکال و حاصل الکلام هو: إنّ بلوغ الحکم إلی مرتبة الفعلیة- و هی المرتبة الثالثة بناء علی نظریة المحقّق الخراسانی- یتوقّف علی وجود موضوعه خارجاً بجمیع قیوده و شروطه، و علیه، فلایلازم أن یکون فعلیاً حین الجعل و الإنشاء الحقیقیة لما تقرّر من أنّ الأحکام الشرعیة مجعولةٌ علی نحو القضایا الحقیقیة ... فما فی الکفایة من أنّ إطلاق کلّ من الدلیلین قد یکون لبیان الحکم الفعلی، غیر صحیح هذا بالنسبة إلی الدلالة علی الحکم الفعلی. و أمّا بالنسبة إلی دلالة الدلیل علی الحکم الإقتضائی، ففیه: إنّ الحکم الإقتضائی غیر معقول، لأنّ الحکم- سواء کان مجعولا اعتباریاً من الحاکم کما هو التحقیق، أو کان الإرادة أو الکراهة المبرزة- لایمکن أن یتکفل الملاک فی هذه المرتبة، لأنّ مرتبة الإقتضاء هی مبدأ الحکم، و مبدأ الشی ء لیس من مراتبه، إلّا فی الأمور التکوینیة النّار- مثلاً- مبدأ للحرارة و هی موجودة بوجود النار و السبب فی ذلک: أنّ تأثیر الملاک و کون الحکم تابعا له هو بمعنی أنّ الصورة العلمیة للملاک تکون علة فاعلیة للحکم، فالحاکم عند ما یری أنّ لهذا الفعل مصلحة لزومیة، فالصورة العلمیة لها تصیر علة للحکم فینشئ الحکم علی طبقها، لا أنّ الحکم یترشّح من الملاک حتی یکون من قبیل المقتضی و المقتضی لیقال بوجود المقتضی مع المقتضی فی مرتبته هذا هو الإشکال الثبوتی. و أمّا إثباتا، فلأنّه لا دلیل علی کون صلّ و لاتغصب فی مقام بیان الملاک، حتی یؤخذ بإطلاق الدلیل. نعم الدلیل الدال علی الحکم الفعلی یکشف إنبا- علی مسلک العدلیة- عن وجود الملاک فتلخّص عدم تمامیة کلام الکفایة فی کلا طرفیه».

ص: 220

إنّ الحکم قبل وجود موضوعه خارجاً یکون إنشائیاً ثابتاً لموضوعه المقدّر وجوده و بعد وجود موضوعه یستحیل أن لایکون فعلیاً، فکون الحکم فی محل الاجتماع فعلیاً مرّة و اقتضائیاً مرّة أُخری غیر معقول.

توضیح ذلک: إنّ فعلیة الحکم بفعلیة موضوعه و السّر فی ذلک هو أنّ الأحکام الشرعیة مجعولة بنحو القضایا الحقیقیة أعنی للموضوعات المقدّر وجودها فی الخارج و لایتوقف جعلها علی وجود الموضوع فی الخارج و لکن فعلیتها تتوقف علی فعلیة موضوعاتها فعلی هذا فعلیة الحکم خارجة عن مفاد

ص: 221

الدلیل بل تابعة لفعلیة موضوعه فما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) من أنّ إطلاق الدلیل قد یکون لبیان الحکم الفعلی ممّا لایمکن الالتزام به.((1))

ص: 222


1- ذکر فی تفسیر الحکم الإقتضائی و الفعلی الوارد فی کلام صاحب الکفایة تفسیران: التفسیر الأول: ما عرفت فی المناقشة الثانیة و هو أنّ المراد من الحکم الإقتضائی و الفعلی مرتبتان من المراتب الأربع للحکم ذکر هذا التفسیر المحقق النائینی و المحقق الخوئی و بعض الأساطین دام ظله و فسّر بهذا المعنی أیضاً المحقق المشکینی حیث قال فی کفایة الأصول مع حواشی مشکینی، ج 2، ص121فی التعلیقة علی قوله: «التاسع أنّه قد عرفت»: «... نقول: إنّ الدلیلین إمّا أن یکونا متعرّضین للحکم الإقتضائی، بأن یدلّ أحدهما علی وجود مصلحة، و الآخر علی وجود مفسدة، أو یکونا متعرّضین للحکم الفعلی أو مختلفین» إلخ. و فسّر بهذا المعنی أیضا المحقق الفیروز آبادی راجع عنایة الأصول، ج 2، ص32. التفسیر الثانی: الحکم الإقتضائی هو الحکم المترتب علی الموضوع بطبعه مع قطع النظر عن العوارض و الحکم الفعلی هو الحکم المترتب علی الموضوع مع ملاحظة العوارض. و لعلّ الصواب هو هذا التفسیر و لإیضاح الأمر نذکر کلامین لصاحب الکفایة: کلامه هنا و کلامه فی بحث لاضرر. ففی کفایة الأصول، ص155: «أنّ الإطلاق لو کان فی بیان الحکم الإقتضائی لکان دلیلًا علی ثبوت المقتضی و المناط فی مورد الإجتماع فیکون من هذا الباب و لو کان بصدد الحکم الفعلی فلا إشکال فی استکشاف ثبوت المقتضی فی الحکمین علی القول بالجواز إلّا إذا علم إجمالًا بکذب أحد الدلیلین فیعامل معهما معاملة المتعارضین و أمّا علی القول بالإمتناع فالإطلاقان متنافیان من غیر دلالةٍ علی ثبوت المقتضی للحکمین فی مورد الإجتماع أصلاً فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع مع ثبوت المقتضی له یمکن أن یکون لأجل انتفائه إلّا أن یقال: إنّ قضیة التوفیق بینهما هو حمل کل منهما علی الحکم الإقتضائی لو لم یکن أحدهما أظهر و إلّا فخصوص الظاهر منهما». و فی کفایة الأصول، ص382: «و من هنا لایلاحظ النسبة بین أدلة نفیه و أدلة الأحکام و تقدم أدلته علی أدلتها مع أنّها عموم من وجه حیث إنّه یوفق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین الأوّلیة إقتضائی یمنع عنه فعلا ما عرض علیها من عنوان الضرر بأدلته کما هو الحال فی التوفیق بین سائر الأدلة المثبتة أو النافیة لحکم الأفعال بعناوینها الثانویة و الأدلة المتکفّلة لحکمها بعناوینها الأولیة نعم ربما یعکس الأمر فیما أحرز بوجه معتبر أنّ الحکم فی المورد لیس بنحو الإقتضاء بل بنحو العلیة التامة. و بالجملة الحکم الثابت بعنوان أولی تارةً یکون بنحو الفعلیة مطلقا أو بالإضافة إلی عارض دون عارض بدلالة لایجوز الإغماض عنها بسبب دلیل حکم العارض المخالف له فیقدم دلیل ذاک العنوان علی دلیله و أخری یکون علی نحو لو کانت هناک دلالة للزم الإغماض عنها بسببه عرفاً حیث کان اجتماعهما قرینة علی أنّه بمجرد المقتضی و أنّ العارض مانع فعلی». و ذکر هذا التفسیر السید المحقق الإصفهانی و المحقق البروجردی: قال الأوّل فی وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص295: «التاسع: فی أنّه لایخفی أنّ الحکم قد یکون إقتضائیاً و قد یکون فعلیاً. و المراد بالحکم الإقتضائی فی المقام ما جعل للشی ء فی حدّ نفسه مع قطع النظر عن الطواری ء و العوارض و صار المولی بصدد تحصیله و المراد بالحکم الفعلی ما جعل للشی ء بملاحظة جمیع الطواری ء و العوارض و صار المولی أیضا بصدد تحصیله و بلغه إلی العباد، بخلاف مقام الجمع بین الحکم الظاهری و الواقعی حیث یقولون: إنّ الحکم الواقعی اقتضائی و الحکم الظاهری فعلی، فإنّ المراد من الإقتضاء فی ذلک المقام هو کون الشی ء ذا مصلحة موجبة لجعل الحکم علی طبقها و تحصیله من العباد لولا الموانع، و لکن من جهة الموانع ما حصله و ما بلغه الی العباد و المراد بالفعلی ما حصله منهم و بلغه إلیهم، فالإقتضائیة و الفعلیة فی هذا المقام غیر الإقتضائیة و الفعلیة فی ذلک المقام». و قال الثانی فی الحاشیة علی کفایة الأصول، ج 1، ص359: «و إجماله أنّه لایخلو إمّا أن یکون إطلاقه فی مقام بیان الحکم الإقتضائی، بمعنی کونه دلیلا علی ثبوت الحکمین بما هو هو و مع قطع النظر عن طروء الطواری، و إمّا أن یکون فی مقام بیان الحکم الفعلی، بمعنی کونه دلیلا علی ثبوت الحکمین مطلقا و لو فی مورد الإجتماع و طروّ الطواری».
المناقشة الثالثة:

((1))

إنّ ما أفاده من أنّ الإطلاق قد یکون لبیان الحکم الاقتضائی یستلزم حمل الأمر و النهی علی الإخبار عن وجود المصلحة فی الفعل و المفسدة فیه بأن یقال: إنّ المولی فی مقام بیان الإخبار عن المقتضی و هذا مخدوش لأنّ الإخبار عن المصالح و المفاسد خارج عن وظیفة الشارع فإنّ وظیفة الشارع (و ما هو بصدد بیانه) بیان الأحکام الشرعیة (و الحکم الاقتضائی لیس حکماً شرعیاً).

ص: 223


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص412.

مضافاً إلی أنّ الحمل المذکور خارج عن المتفاهم العرفی و بعید عنه بل غیر واقع فی الشریعة المقدسة.

المناقشة الرابعة:

((1))

إن قلنا: إنّ حمل الأمر و النهی علی الحکم الاقتضائی ممکن لعدم المانع من اجتماع المصلحة و المفسدة فی شیء واحد فی نفسه و لکنه لایمکن تأثیرهما فی المحبوبیة و المبغوضیة معاً بداهة استحالة أن یکون شیء واحد محبوباً و مبغوضاً فی آن واحد قد تقدّم أنّ الشیء الواحد یمکن أن یکون محبوباً من جهة و مبغوضاً من جهة أُخری.

کما أنّه لایمکن امتثالهما فی الخارج و من المعلوم أنّ جعل هذا الحکم لغو و صدور اللغو عن الشارع الحکیم مستحیل.

فإذن لایمکن أن یکون الإطلاقان کاشفین عن وجود مصلحة فیه کذلک و مفسدة، فعلی هذا لامحالة تقع المعارضة بینهما لکذب أحدهما فی الواقع علی الفرض و عدم إمکان صدق کلیهما معاً فیرجع عندئذ إلی قواعد باب التعارض.((2))

ص: 224


1- المحاضرات، ط.ج. ج3، ص413.
2- تحقیق المحقق الإصفهانی فی هذا البحث: إنّ المحقق الإصفهانی ذکر فی نهایة الدرایة، ج 2، ص299 فی التعلیقة علی قوله: «إنّ الإطلاق لو کان فی بیان الحکم الإقتضائی» (و فی ج 2، ص303 فی التعلیقة علی قوله: «إلّا أن یقال: ... قضیة التوفیق عرفاً») و فی ج 4، ص454 فی التعلیقة علی قوله: «حیث إنّه یوفّق بینهما عرفاً بأنّ الثابت للعناوین» تحقیقَه بالنسبة إلی کلام المحقق الخراسانی و نذکره بعد الجمع بین کلامه و الترتیب فنقول: المراد من الحکم الإقتضائی فی قبال الحکم الفعلی: «إنّ الحکم الحقیقی المرتب علی موضوع خالٍ عن المانع حکم فعلی، و مع عروض المانع حکم إقتضائی ملاکی». المراد من الحکم الإقتضائی أحد الأمرین: الأمر الأول: الحکم الإقتضائی الثبوتی قال: «إنّ المراد من الحکم الإقتضائی تارةً هو الإقتضائی الثبوتی ... و یقابله ثبوته [أی الحکم] بالفعل بثبوت مختصّ به فی نظام الوجود». وجهان لتصور ثبوت الحکم بنحو الشأنیة و الإقتضاء: الوجه الأول: «ثبوت المقتضَی بتبع ثبوت المقتضِی بثبوت عرضی، بمعنی أنّ الثبوت ینسب أوّلاً و بالذّات إلی الملاک و المقتضِی، و ثانیاً و بالعرض إلی مقتضاه» ذکر المحقق الإصفهانی فی موضعٍ هذا الوجه وحده. الوجه الثانی: ثبوت المقبول بثبوت القابل. الفرق بین الوجهین: «هو أنّ ثبوت المقتضی فی مرتبة ذات المقتضی أقوی من ثبوته الخاص به فی نظام الوجود، بخلاف ثبوت المقبول، فإنّ ثبوته الخاص به أقوی من ثبوته فی مرتبة ذات القابل». الإیراد علی الوجه الأول: «إنّ الحکم بالإضافة إلی ملاکه لیس کالمقتضی بالإضافة إلی سببه و مقتضیه، فإنّ السبب الفاعلی للحکم هو الحاکم، و الملاک هی الغایة الداعیة» و بعبارةٍ أخری «لیس المقتضی بمعنی السبب الفاعلی للحکم إلّا الحاکم، و المصلحة علة غائیة، و لیس ذو الغایة و ما ینبعث عنها فی مرتبة ذات الغایة و مترشّحاً عنها، لیکون ثبوته بثبوتها». الإیراد علی الوجه الثانی: «إنّ المصلحة لیست کالمادة القابلة للحکم حتی یکون الحکم ثابتا بثبوتها، بنحو ثبوت المقبول بثبوت القابل» و بعبارةٍ أخری إنّ الحکم بالإضافة إلی ملاکه «لیس کالمقبول بالنسبة إلی القابل، فإنّ المصلحة لاتترقّی بحسب الإستکمال إلی أن تتصوّر بصورة الحکم- کالنطفة بالإضافة إلی الإنسان- سواء لُوحِظت المصلحة بوجودها العلمی، أو بوجودها العینی، بل بوجودها الخارجی یسقط الحکم، فکیف تتصور بصورة الحکم؟». تقریبٌ آخر للوجه الأول: «غایة ما یتصور فی تقریب ثبوت الحکم بثبوت المقتضِی بمعنی الغایة الداعیة أن یقال: بأنّ الفعل- بلحاظ کونه بحیث یترتّب علیه الفائدة المترقبة منه- مستعدٌّ باستعدادٍ ماهوی للتأثیر فی نفس الحاکم و انبعاث الوجوب منه بلحاظ تلک الفائدة القائمة به قیاما ماهویا، فمع عدم المانع یکون الوجوب فعلیا، و مع المانع یکون شأنیاً- أی بحیث لولاه لکان موجودا بالفعل- و هو وجوب شأنی ملاکی فی قبال ما لا ملاک له أصلا». و بعبارة أخری: «المصلحة- لمکان ترتّبها علی الفعل- إذا وجد فی الخارج لها فی مرتبة تقررها الماهوی استعداد ماهوی للدعوة إلی الحکم، بحیث لو لم یکن هناک مانعٌ لأثر وجودها العلمی فی إیجاد الحکم، فالإیجاب مثلاً له شأنیة الوجود، و الفعل واجب شأنی». الإیراد علی هذا التقریب: ذکر المحقق الإصفهانی بعد العبارة الأولی: «لکنّه لیس مع ذلک ثبوتا حقیقیا لشی ء بالذات حتی یکون للوجوب بالعرض» و بعد العبارة الثانیة: «لکنّه لیس هناک ثبوت لشی ء بالذات حتی یکون ثبوتا بالعرض للحکم، فلا ثبوت للحکم بأی معنی کان». مناقشتان فی الأمر الأول: المناقشة الأولی: نتیجة الإیراد المذکور علی الوجه الأول و الثانی «أنّ الإقتضائی بالمعنی الأوّل بالدقة لا معنی له». المناقشة الثانیة: «مضافاً إلی أنّ الکلام فی الإنشاء الموجود الذی یتکفّله الدلیل، فلا ربط له بالثبوت العرضی». الأمر الثانی: الحکم الإقتضائی الإثباتی قال: «و أعنی به الحکم المرتب علی الموضوع بطبعه، من دون نظرٍ إلی عوارضه، من کونه ضرریا أو حرجیا أو غیر ذلک فمع عدم ذلک العارض یکون فعلیا، و مع وجوده یکون إقتضائیا، لقیام الدلیل علی ثبوته لنفس ذات الموضوع، فله اقتضاء ثبوته، و مع عدم المانع یکون فعلیا». وجوه ثلاثة للحکم الإقتضائی الإثباتی: قال: «أما الحکم الإنشائی، فلابدّ أن یکون بداعٍ من الدواعی؛ لأنّه بلا داع محالٌ» و فی موضع آخر: «الإنشاء المزبور لامحالة منبعثٌ عن داع من الدواعی، فإنّه بدونه غیر معقول، فیدور الأمر بین أحد إمور». الوجه الأول: الإنشاء المنبعث عن داعی الإرشاد إلی بیان الملاک و المقتضی إیرادان علی الوجه الأول: الإیراد الأول: «الإنشاء بداعی بیان الملاک إرشاد، لا دخل له بحقیقة الحکم» و قال فی موضع آخر: «أمّا الإنشاء بداعی بیان الملاک و إظهار المقتضی، فهو فی الحقیقة إرشاد، لا حکم مولوی یجوز اجتماعه مع غیره، أو لایجوز، کما هو محل الکلام» فالحمل علی هذا الوجه خلافُ الظاهر جدّاً. الإیراد الثانی: «لایمکن حمل التکالیف الشاملة لصورة الضرر علی الإرشاد، إذ لایختلف مفادها بالإضافة إلی مورد الضرر و غیره». الوجه الثانی: الإنشاء المنبعث عن داعی جعل الداعی بالإضافة إلی ذات الموضوع، مع قطع النظر عن العوارض. و هذا الإنشاء «من البعث المولوی الفعلی ما لم یعرض عارض و ربما یعبّر عنه بالحکم الطبیعی الذاتی، کما یصح التعبیر عنه بالإقتضائی بلحاظ وجود المقتضی له إثباتا بالنسبة إلی ذات الموضوع». مقرِّب للوجه الثانی: إنّ الحکم الإقتضائی الإثباتی فی الوجه الثانی و هو الحکم علی الموضوع بذاته و بطبعه «یساعده التوفیق العرفی بین الدلیلین اللذین لو خُلِّیا و طبعهما لکان کلٌّ منهما دالّاً علی ثبوت الحکم له مطلقا». الإیراد علی الوجه الثانی: «إنّه لایفید هنا؛ حیث لایدل علی ثبوت المقتضی حتی مع عروض عارض من العوارض» و بعبارةٍ أخری: «لیس [هذا الإنشاء] من الحکم الإقتضائی المفید هنا؛ حیث إنّه لمّا کان مهملا من حیث العوارض فلا دلالة له علی ثبوت الملاک فی جمیع أفراد الموضوع لاحتمال دخل عدم العارض فی ثبوت الملاک و المقتضی.» و بعبارة أخری: «إنّ الإنشاء بداعی البعث بالإضافة إلی الموضوع بذاته و بطبعه معناه الإلتزام بعدم الإطلاق و لا کاشف حینئذ عن ثبوت الملاک حتی فی مورد الضرر، سواءٌ قلنا بأنّ أدلة الأحکام بنفسها ظاهرةٌ فی الإقتضائیة بهذا المعنی، أو کان ذلک مقتضی الجمع بینها و بین القاعدة و أشباهها». الوجه الثالث: الإنشاء المنبعث عن داعی جعل الداعی إقتضاءً و معناه «أنّ الحکم إذا کان له ملاک فی جمیع موارد ثبوت الموضوع، فللبعث مقتضِی الثبوت، بمعنی الغایة الداعیة، فالإنشاء لبیان هذا البعث الحقیقی سِنخُ وجودِه نظیر وجود المقتضَی بوجود المقتضِی، فکما یمکن الإنشاء بداعی جعل الداعی فعلاً حیث لا مانع منه کذلک یمکن الإنشاء بداعی جعل الداعی إقتضاءً، بحیث لو لم یکن هناک مانع لکان هذا الإنشاء بنفسه مصداقاً لجعل الداعی بالفعل، و مع وجوده إقتضائی». و بعبارةٍ أخری: «الإنشاء المزبور إظهارٌ للمقتضَی الثابت بثبوت مقتضِیه علی الإطلاق، فهو بعث إقتضائی حتی فی صورة وجود المانع، و مع عدمه یکون فعلیا، فهو حکم مولوی إقتضائی فی حد ذاته، و یصحح الفعلیة البعثیة عند عدم المانع، و هذا المعنی لو کان مطلقا لکان مفیداً لثبوت الملاک حتی فی صورة الإجتماع». مقرِّب للوجه الثالث: لایرد إیراد الوجه الثانی علی الوجه الثالث «فإنّه حیث إنّه إنشاءٌ بداعی جعل الداعی فالمولویة محفوظة، و حیث إنّه جعل الداعی إقتضاءً فلاینافی الإطلاق لصورة الضرر». إیرادان علی الوجه الثالث: الإیراد الأول: «هو أیضا ... خلاف الظاهر من وجه حیث إنّ الظاهر من الإنشاء کونه بداعی جعل الداعی الفعلی، لا جعل الداعی الإقتضائی». الإیراد الثانی: «لا معنی لجعله مقتضی الجمع و التوفیق عرفا».

ص: 225

ص: 226

ص: 227

ص: 228

الأمر العاشر: ثمرة البحث
بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

هناک وجوه أربعة:

الوجه الأوّل: أن یقال بجواز اجتماع الأمر و النهی و لا إشکال حینئذ فی سقوط الأمر و حصول الامتثال بإتیان المجمع بداعی الأمر علی القول بالجواز مطلقاً و لو فی العبادات و إن کان معصیة أیضاً للنهی.

الوجه الثانی: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب الأمر و حینئذ أیضاً یسقط الأمر بإتیان المجمع و یحصل الامتثال مع أنّه لا معصیة علیه.

الوجه الثالث: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی التوصّلیات و هنا یسقط الأمر بإتیان المجمع لحصول الغرض الموجب للأمر فإنّ الغرض علّة للأمر حدوثاً و بقاءً.

الوجه الرابع: أن یقال بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی العبادات و هنا ثلاث صور:

الصورة الأُولی: مورد الالتفات إلی الحرمة.

و هنا لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّه منهی عنه و لا أمر به و مع الالتفات إلی الحرمة لایمکن حصول قصد القربة.

الصورة الثانیة: مورد عدم الالتفات إلی الحرمة مع الجهل التقصیری.

و هنا أیضاً لایسقط الأمر بإتیان مورد الاجتماع، فإنّ المکلّف -حین عدم الالتفات إلی الحرمة- و إن کان متمکّناً من قصد القربة و قد قصدها، إلّا أنّه مع

ص: 229

التقصیر لایصلح لأن یتقرّب به أصلاً، فلایقع مقرّباً و بدون قصد القربة لایکاد یحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة.

الصورة الثالثة: مورد عدم الالتفات إلی الحرمة مع الجهل القصوری.

و حینئذ یسقط الأمر بإتیان المجمع و مورد الاجتماع بقصد القربة، لقصد التقرّب بما یصلح أن یتقرّب به لاشتماله علی المصلحة مع صدوره حسناً لأجل الجهل بحرمته قصوراً فیحصل به الغرض من الأمر فیسقط به الغرض قطعاً.

أمّا کونه امتثالاً فإن قلنا بتبیعة الأحکام لما هو المؤثر منها فعلاً فی الحسن و القبح مع أنّ الحسن و القبح تابعان لما علم من المصالح و المفاسد (فالنتیجة أنّ الأحکام تابعة للمصالح و المفاسد المعلومة) و حیث إنّ النهی هنا غیر معلوم لعدم الالتفات إلیه فلایکون فعلیاً فتکون الصلاة علی هذا المبنی واجبة شرعاً و لذا یعدّ إتیان المجمع امتثالاً.

و أمّا إن قلنا بتبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح و المفاسد واقعاً فقد قال صاحب الکفایة (قدس سره) أوّلاً بعدم کونه امتثالاً لفعلیة النهی و عدم کون المجمع متعلّقاً للأمر ثم استدرک عنه بإمکان القول بحصول الامتثال لأنّ العقل لایری تفاوتاً بین المجمع (و هو الفرد المبتلی بالمزاحم) و بین سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها و إن لم تَعُمّ الطبیعة بما هی مأمور بها هذا الفردَ الذی هو مورد للاجتماع، لکن عدم شمول الطبیعة المأمور بها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع فإنّ جمیع أفراد الطبیعة متساوٍ بالنسبة إلی المقتضی فکلّها وافٍ بالغرض و لکن المانع و هو التزاحم کان موجباً لعدم شمول الطبیعة المأمور بها لهذا الفرد الذی هو مورد اجتماع الأمر و النهی.

و من هنا انقدح أنّ الإتیان بالمجمع یجزی و لو قیل باعتبار قصد الامتثال فی

ص: 230

صحّة العبادة و عدم کفایة الإتیان بمجرد المحبوبیة لأنّ الجاهل القاصر یقصد امتثال الأمر بالطبیعة و إن کانت الطبیعة مع اعتبار کونها مأموراً بها لایشمل هذا الفرد (أی المجمع) و لکن قصد امتثال الأمر بالطبیعة حاصل فی الجاهل المقصر.

أمّا عدم شمول الطبیعة المأموربها للفرد الذی هو مورد الاجتماع فمبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة (فی مقام الإنشاء) فحیث إنّ جهة الحرمة هی الأقوی من جهة الوجوب فی الواقع تکون هی المؤثرة فی الأحکام الواقعیة فلایکون المجمع واجباً.

وأمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام و عدم تزاحمها فی مقام الإنشاء فإنّ التزاحم علی هذا القول هو بین الجهات الواصلة فی مقام الفعلیة فالوجوب بما أنّه واصل إلی المکلّف یکون فعلیاً دون الحرمة، فلا أثر للملاک الواقعی و لا تأثیر له فی الحکم الشرعی و إن کان أقوی من ملاک الوجوب فالمجمع مصداق للطبیعة المأمور بها و لا حرمة فی مورد الاجتماع.

فالطبیعة المأموربها بهذا الوصف یشمل المجمع و مورد اجتماع الأمر و النهی.

و قد انقدح بذلک الفرق بین باب الاجتماع و باب التعارض:

فإنّه علی القول بالتعارض بین دلیل الوجوب و الحرمة و تقدیم دلیل الحرمة تخییراً أو ترجیحاً لا مجال للصحّة لأنّ التعارض تکاذب الدلیلین و مع ترجیح النهی یکون دلیل الأمر کاذباً فلایکون مشتملاً علی المصلحة و الملاک حتّی یکون الإتیان بالمجمع وفاء بالغرض، فلایبقی وجه للصحّة.

أمّا علی القول بالاجتماع فیکون المجمع واجداً للملاک و المصلحة و صالحاً لأن یتقرب به إلی الله تعالی و إن قلنا بالامتناع مع ترجیح جانب النهی و الحرمة،

ص: 231

فحینئذ إن کان المکلّف جاهلاً قاصراً أو کان ناسیاً فیقع المجمع صحیحاً و هذا وجه حکم الأصحاب بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة مع النسیان أو الجهل بالموضوع أو الحکم إذا کان عن قصور مع أنّ أکثر الأصحاب لولا الکلّ قائلون بالامتناع و تقدیم الحرمة و یحکمون بالبطلان فی غیر موارد العذر.

مناقشات المحقّق الخوئی (قدس سره) فی بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
المناقشة الأُولی:
اشارة

((1))

ما أفاده (قدس سره) فی الوجه الأوّل من صحّة العبادة علی القول بالجواز مطلقاً لایمکن المساعدة علیه بإطلاقه و ذلک لما تقدّم من أنّ المسألة علی هذا القول تدخل فی کبری باب التزاحم مطلقاً علی وجهة نظر شیخنا الأُستاذ (قدس سره) و فی ما إذا لم تکن مندوحة فی البین علی وجهة نظرنا؛ فلابدّ من الرجوع إلی قواعد باب التزاحم و مرجحاته فإن کان الوجوب أهمّ من الحرمة أو محتمل الأهمیة فیقدّم علیها، فتصحّ العبادة و هکذا إذا کان الوجوب مساویاً لها و لکن أخذنا بجانب الوجوب دون الحرمة.

و إن کانت الحرمة أهمّ من الوجوب أو محتمل الأهمّیة فتقدّم علی الوجوب و حینئذ صحّة العبادة متوقفة علی الالتزام بأحد الأمرین: الأوّل: الترتب و الثانی: اشتمال المجمع فی هذا الحال علی الملاک.

أمّا الاوّل - و هو الترتب- فقد أنکره صاحب الکفایة (قدس سره) (فلایمکن تصویر الأمر الترتبی علی مسلکه).

ص: 232


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص431.

و أمّا الثانی فهو و إن اعترف به و قد صحّح العبادة بذلک فی أمثال المورد إلّا أنّا ذکرنا غیر مرّة أنّه لایمکن تصحیح العبادة بالملاک فی هذا الحال و ذلک لما عرفت من أنّه لا طریق لنا إلی ثبوت الملاک و معرفته فی مورد بعد سقوط الحکم عنه، فإنّه کما یمکن أن یکون سقوطه من ناحیة وجود المانع مع ثبوت المقتضی له، یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی و الملاک له.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن هذه المناقشة:

((1))

أوّلاً: إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی الأمر السادس من المقدّمات بأنّ محل النزاع فی مسألة الاجتماع هو لزوم التکلیف المحال أمّا التکلیف بالمحال فهو خارج عن مبحث الاجتماع و عدم وجود المندوحة یوجب التکلیف بالمحال فی مقام الامتثال فلابدّ من اعتبار المندوحة فی الحکم بالجواز فعلاً لمن یری التکلیف بالمحال محذوراً و محالاً و لا دخل لاعتبار المندوحة فی ما هو المحذور فی بحث اجتماع الأمر و النهی من التکلیف المحال.

(فما أفاده من الجواز هو بالنسبة إلی صورة وجود المندوحة و إلّا ففی صورة عدم المندوحة لابدّ من حلّ مشکلة التکلیف بالمحال).

ثانیاً: ما أفاده -من عدم إمکان تصحیح العبادة بالملاک لأنّ سقوط الحکم کما یمکن أن یکون لوجود المانع یمکن أن یکون لعدم المقتضی- مخدوش لأنّ سقوط الأمر عند التزاحم بینه و بین النهی مستند إلی أقوائیة ملاک النهی و هذا فرع وجود الملاک فی جانب الأمر فعلی هذا سقوط الحکم هنا لوجود المانع لا لعدم المقتضی فلا شک فی وجود ملاک الأمر.

ص: 233


1- تحقیق الأصول، ج4، ص54.
المناقشة الثانیة:
اشارة

إنّ ما أفاده فی الوجه الثالث و الرابع لایخلو من إشکال حیث إنّه علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی لایصحّ الإتیان بالمجمع لفرض أنّه منهی عنه فعلاً و یستحیل أن یکون مصداقاً للمأمور به ضرورة أنّ الحرام لایعقل أن یکون مصداقاً للواجب فیقید إطلاق دلیل الواجب بغیر ذلک الفرد، من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الواجب توصلیاً أو تعبدّیاً فإنّ إجزاء غیر المأمور به عن المأمور به یحتاج إلی الدلیل و إلّا فمقتضی القاعدة عدم الإجزاء و لا فرق من هذه الناحیة بین التوصلی و التعبدی أصلاً.

نعم قد یعلم من الخارج أنّ الغرض من الواجب التوصلی یحصل بمطلق وجوده فی الخارج و لو فی ضمن الفرد المحرم کإزالة النجاسة عن البدن و الثوب فإنّ الغرض من الواجب التوصلی هنا حصول المتعلّق و لو کان بماء مغصوب.

و أمّا فی ما لم یعلم ذلک من الخارج فلایحکم بصحّة الواجب و سقوط الأمر عنه و حصول الغرض و ذلک کتکفین المیت مثلاً فإنّه واجب توصّلی و مع ذلک لایحصل الغرض منه بتکفینه بالکفن المغصوب و لایحکم بسقوط الأمر عنه.

فما أفاده فی الوجه الثالث لایصحّ بإطلاقه.

أمّا ما أفاده فی الوجه الرابع أیضاً فیرد علیه أنّ القول بالامتناع مع تقدیم جانب النهی معناه أنّ المجمع مبغوض للمولی و محرم فی الواقع و لیس مصداقاً للواجب واقعاً و فی نفس الأمر هذا فی ما إذا عُلمت الحرمة واضح و کذلک مع الجهل عن تقصیر و قصور فإنّ الأحکام الواقعیة ثابتة لمتعلّقاتها فی الواقع و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم بها أبداً فإنّ الحرام لایعقل أن یکون مصداقاً

ص: 234

للواجب و إن فرض کون المکلّف جاهلاً بحرمته بل معتقداً بوجوبه ضرورة أنّ الواقع لاینقلب عمّا هو علیه.

فإنّ صحّة العبادة ترتکز علی رکیزتین: الأُولی: تحقّق قصد القربة و الثانیة: کون الفعل فی نفسه محبوباً و قابلاً للتقرّب به.

و فی ما نحن فیه و إن أمکن تحقّق قصد القربة من المکلّف باعتبار أنّه جاهل بالحرمة و لکن الفعل لایکون محبوباً فی نفسه و صالحاً للتقرّب به، لتمحّضه فی الحرمة و المبغوضیة فی الواقع هذا بناء علی وجهة نظرنا من أنّ هذه المسألة علی القول بالامتناع تدخل فی کبری باب التعارض.

و یمکن لنا المناقشة فیه علی وجهة نظره (قدس سره) أیضاً ببیان أنّ قصد الملاک إنّما یکون مقرّباً فی ما إذا لم یکن مزاحماًٌ بشیء و لا سیّما إذا کان أقوی منه کما هو المفروض فی المقام و أمّا الملاک المزاحم فلایترتب علیه أی أثر و لایکون قصده مقرّباً بناء علی ما هو الصحیح من تبعیة الأحکام للجهات الواقعیة لا للجهات الواصلة و بما أنّ ملاک الوجوب -فی مفروض الکلام- مزاحم بملاک الحرمة فی مورد الاجتماع فلایکون صالحاً للتقرّب به.

و علی هذا فلایمکن الحکم بصحّة العبادة فی مورد الاجتماع علی القول بالامتناع و تقدیم جانب الحرمة لا من ناحیة الأمر و انطباق المأمور به بما هو علی المأتی به فی الخارج و لا من ناحیة الملاک لفرض أنّه مزاحم بما هو أقوی منه.

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الثانیة:

((1))

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی مسلکه من دخول المسألة فی باب

ص: 235


1- تحقیق الأصول، ج4، ص58.

التزاحم فیکون المجمع واجداً لملاک الوجوب و الحرمة معاً و الجاهل القاصر لایعلم تزاحم ملاک الوجوب و الحرمة علی الفرض و لذا یکون قصده مقرّباً، فلایمکن المناقشة علی صاحب الکفایة (قدس سره) علی وجهة نظره.

نعم یمکن المناقشة فی مبناه من دخول مسألة الاجتماع علی القول بالامتناع فی باب التزاحم حیث إنّ الصحیح عندنا دخولها فی باب التعارض فلایکون المجمع واجداً لملاک الأمر.

المناقشة الثالثة:
اشارة

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال فی الصورة الثالثة من الوجه الرابع: إنّ إتیان المجمع یوجب سقوط الأمر و حصول الامتثال و قال فی وجه حصول الامتثال -بناء علی تبعیة الأحکام لما هو الأقوی من جهات المصالح و المفاسد واقعاً: إنّ العقل لایری تفاوتاً بین المجمع و سائر الأفراد فی الوفاء بغرض الطبیعة المأمور بها و إن لم تعم الطبیعة بما هی مأمور بها للمجمع و لکن عدم شمولها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع و هو التزاحم.

و یرد علیه:

أنّ العقل یری التفاوت بین المجمع و سائر الأفراد بما أنّه لیس مصداقاً للطبیعة المأمور بها فلایمکن إحراز أنّه وافٍ بغرض الطبیعة المأمور بها لأنّ عدم انطباق الطبیعة المأمور بها علیه کما یمکن أن یکون من ناحیة المانع یمکن أن یکون من ناحیة عدم المقتضی فالعقل لایحکم حینئذ بحصول الامتثال بالمجمع و سقوط الأمر.

ص: 236


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص437.
جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الثالثة:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح فی أوّل الأمر التاسع بأنّ إطلاق الدلیلین إن کان فی مقام بیان الحکم الاقتضائی فیدلّ علی ثبوت الملاک فی مورد الاجتماع.

و إن کان فی مقام بیان الحکم الفعلی فإن قلنا بالجواز فیدلّ علی ثبوت الملاک فی المجمع و إن قلنا بالامتناع فلایدلّ علی ثبوت الملاک لوقوع التعارض فإنّ انتفاء أحد المتنافیین کما یمکن أن یکون لأجل المانع یمکن أن یکون لأجل عدم المقتضی.

فما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا مذکور فی الکفایة فی الأمر التاسع و لکنه لایتفق إلّا قلیلاً بل الغالب هو أنّ مسألة الاجتماع بناء علی القول بالامتناع یکون من باب التزاحم و لذا قال هنا: إنّ عدم شمول الطبیعة المأمور بها للمجمع لیس لعدم المقتضی بل لوجود المانع.

فما أفاده هنا مبنی علی نظریته من أنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التزاحم و لیس من صغریات التعارض.

فما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) هنا و إن کان صحیحاً -حیث إنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التعارض و هو تکاذب الدلیلین- و لکنّه إشکال مبنائی.

المناقشة الرابعة:
اشارة

((1))

قال صاحب الکفایة (قدس سره) فی تتمة کلامه السابق((2)): إنّ عدم شمول الطبیعة

ص: 237


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص438.
2- قد تقدم بیان صاحب الکفایة فی أوّل البحث فقال هناک: «... أمّا عدم شمول الطبیعة المأموربها للفرد الذی هو مورد الإجتماع فمبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة (فی مقام الإنشاء) فحیث إنّ جهة الحرمة هی الأقوی من جهة الوجوب فی الواقع تکون هی المؤثرة فی الأحکام الواقعیة فلایکون المجمع واجباً. وأمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام و عدم تزاحمها فی مقام الإنشاء فإنّ التزاحم علی هذا القول هو بین الجهات الواصلة فی مقام الفعلیة فالوجوب بما أنّه واصلٌ إلی المکلّف یکون فعلیاً دون الحرمة، فلا أثر للملاک الواقعی و لا تأثیر له فی الحکم الشرعی و إن کان أقوی من ملاک الوجوب فالمجمع مصداق للطبیعة المأمور بها و لا حرمة فی مورد الجتماع فالطبیعة المأموربها بهذا الوصف یشمل المجمع و مورد اجتماع الأمر و النهی» إلخ.

المأمور بها للمجمع مبنی علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام تأثیرها فی الأحکام الواقعیة و أمّا علی القول بتزاحم الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام فالطبیعة المأمور بها یشمل المجمع لأنّ الحرمة و إن کان لها الملاک الواقعی و لکنّه لایؤثر فی الحرمة لعدم العلم به (لأن المکلّف جاهل قاصر حسب الفرض).

و أورد علیها المحقّق الخوئی (قدس سره):

إنّ الأحکام الشرعیة بناءً علی وجهة نظر العدلیة تابعة لجهات المصالح و المفاسد الواقعیة و هی مقتضیة لجعلها علی نحو القضایا الحقیقیة و أمّا فعلیة تلک الأحکام فهی تابعة لفعلیة موضوعاتها فی الخارج و لا دخل لعلم المکلّفین و جهلهم بها لا فی مرحلة الجعل و لا فی مرحلة الفعلیة.

و علی هذا لا معنی لما أفاده (قدس سره) من التزاحم بین الملاکات فی مقام فعلیة الأحکام بأن یکون المؤثر فی الحکم فعلاً هو الجهة الواصلة دون غیرها، ضرورة أنّ لازم ذلک هو دخل علم المکلّف فی فعلیة الأحکام و هذا غیر معقول لاستلزامه التصویب و انقلاب الواقع.

ص: 238

نعم إنّ الأمر فی الأحکام العقلیة العملیة کالحسن و القبح تابعة للجهات الواصلة فلایتّصف الشیء بالحسن أو القبح العقلی فی الواقع و إنّما یتّصف به فی ما إذا علم المکلّف بجهة محسنة أو مقبحة له، و لکن الأمر فی الأحکام الشرعیة لیس کذلک ضرورة أنّها تابعة للملاکات الواقعیة فی مقام الجعل بلا دخل لعلم المکلّف و جهله فی ذلک المقام أصلاً و فی مقام الفعلیة تابعة لفعلیة موضوعها و تحقّقه فی الخارج.

المناقشة الخامسة:
اشارة

((1))

إنّ ما نسب إلی المشهور من الحکم بصحّة الصلاة فی الدار المغصوبة علی القول بالامتناع و تقدیم جانب الحرمة فی صورة الجهل القصوری بالحکم أو الموضوع، لایمکن تصدیقه بوجه و ذلک لأنّ حکمهم بصحّة الصلاة فی مورد الاجتماع مبنی علی القول بالجواز و تعدّد المجمع و أمّا علی القول بالامتناع فحکموا بالبطلان دون الصحّة.

فتحصّل إلی هنا أنّه:

علی الوجه الأوّل و هو القول بالجواز، إن کانت المندوحة موجودة فالإتیان بالمجمع یوجب حصول الامتثال و سقوط الأمر و إن لم تکن مندوحة فمسألة الاجتماع تصیر صغری التزاحم و حینئذ إن کان ملاک الوجوب أقوی فیحصل الامتثال بإتیان المجمع و یسقط الأمر و إن کان ملاک الحرمة أقوی یسقط الأمر أیضاً و یصحّ العبادة عند إتیان المجمع بقصد الأمر الترتبی (حیث إنّا نلتزم بصحّة الترتب) أو بقصد الملاک.

ص: 239


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص440.

و أمّا علی الوجه الثانی و هو القول بالامتناع و ترجیح جانب الأمر فالأمر کما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فالعبادة صحیحة و لا حرمة فی البین.

و أمّا علی الوجه الثالث و هو القول بالامتناع و ترجیح جانب النهی فی الواجبات التوصّلیة فقد یسقط الأمر فی ما إذا علمنا أنّ الغرض من الواجب التوصّلی یحصل بمطلق وجوده فی الخارج و لو فی ضمن الفرد المحرّم، و أمّا فی ما إذا لم یعلم ذلک فلایسقط الأمر لاحتمال کونه مثل تکفین المیت حیث لایحصل الغرض منه بتکفینه بالکفن المغصوب.

و أمّا علی الوجه الرابع بصوره الثلاث فلاتصحّ العبادة و لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل علی القول بالامتناع؛

هذا بالنسبة إلی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من الوجوه و الصور و لکن الحقّ هو القول بالجواز فتصحّ العبادة مطلقاً و یسقط الأمر سواء کانت المندوحة أم لم تکن

هذا تمام الکلام فی الأُمور التی قدّمها صاحب الکفایة (قدس سره) فلابدّ من أن نشرع فی أدلة القولین.

ص: 240

المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع

نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع:
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره): الحق هو القول بالامتناع کما ذهب إلیه المشهور و تحقیقه یتوقف علی مقدّمات أربع و ملخّصها هو:

أوّلا: أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها لا قبلها.

ثانیاً: أنّ متعلّق الأحکام هو فعل المکلّف و ما هو یصدر عن المکلّف فی الخارج لا ما هو اسمه و عنوانه (متعلّق الحکم هو المعنون)

ثالثاً: أنّ تعدّد الوجه و العنوان لایوجب تعدّد المعنون.

رابعاً: أنّ الموجود بوجود واحد لایکون له إلّا ماهیة واحدة.

و نتیجة تلک المقدّمات هو أنّ الأمر و النهی یتعلّق بالمعنون الخارجی و هو فعل المکلّف و تعدّد العنوان لایوجب تعدّده و نتیجة ذلک اجتماع الحکمین المتضادّین فی مقام الفعلیة و اجتماع الضدین محال.

و لابدّ من تحقیق تلک المقدّمات:

ص: 241

المقدّمة الأُولی: تضادّ الأحکام فی مرتبة الفعلیة
اشارة

نظریات الأعلام فی هذه المسألة أربع:

النظریة الأُولی: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره)

اختار صاحب الکفایة (قدس سره) تضادّها فقال: إنّه لا ریب فی أنّ الأحکام الخمسة متضادّة فی مقام فعلیتها و بلوغها إلی مرتبة البعث و الزجر، ضرورة ثبوت المنافاة و المعاندة التامّة بین البعث نحو شیء فی زمان و الزجر عنه فی ذلک الزمان.

و أمّا قبل مرحلة الفعلیة فلا تضادّ بین الأحکام بوجوداتها الإنشائیة لعدم البعث و الزجر فیها فعلی هذا تکون مسألة الاجتماع مستحیلاً من باب التکلیف المحال لا التکلیف بالمحال.

و لتوضیح ذلک لابدّ من بیان مراتب الحکم:

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری للحکم أربع مراتب:

المرتبة الأُولی: مرتبة الاقتضاء

و هی مرتبة وجود الملاک و مناط الحکم فی المتعلّق و هی المصلحة و المفسدة الملزمتان و المحبوبیة و المبغوضیة (و بعض الأعلام قسّموا هذه المرتبة إلی مرحلتین: المرحلة الأُولی و هی وجود الملاک فی المتعلّق و المرحلة الثانیة و هی ما یترتب علی هذه المصلحة أو المفسدة من الإرادة و الکراهة) ((1)).

المرتبة الثانیة: مرتبة الإنشاء و هی مرتبة جعل الحکم و إنشائه.

ص: 242


1- منتقی الأصول، ج3، ص81.

المرتبة الثالثة: مرتبة الفعلیة و هی بلوغ الحکم إلی مرتبة البعث و الزجر و مناط بلوغه إلی هذه الدرجة هو فعلیة موضوعه.

المرتبة الرابعة: مرتبة التنجز و هی مرتبة وصول الحکم و التکلیف.

و صاحب الکفایة (قدس سره) یقول بوقوع التضادّ فی مرحلة الفعلیة لا فی مرحلة الإنشاء لعدم البعث و الزجر فیها فالأحکام بوجوداتها الإنشائیة لا تضادّ بینها عند صاحب الکفایة (قدس سره) ((1)).

ص: 243


1- ظاهر کلام بعض الأعلام إختیار نظریّة صاحب الکفایة: ففی دررالفوائد ط.ج. ص176: «فی بیان حجة المانع: إعلم أنّ أحسن ما قرّر فی هذا المقام ما أفاده شیخنا الأستاذ دام بقاه فی فوائده، و نحن نذکر عباراته لئلّا یسقط شی ء مما أراده قال- بعد اختیار القول المشهور و هو الإمتناع ما هذا لفظه: و تحقیقه علی وجهٍ یتّضح فساد ما قیل أو یمکن أن یقال للقول بالجواز من وجوه الإستدلال یتوقف علی بیان أمورٍ: أحدها أنّه لا إشکال فی تضادّ الأحکام الخمسة بأسرها فی مقام فعلیتها و مرتبة واقعیتها، لا بوجوداتها الإنشائیة» إلخ. و فی ص180: «أقول: و أنت بعد الإحاطة بتمام ما قدّمناه تعرف موارد الإشکال فی کلامه، فإنّ ما أفاده فی المقدمة الثانیة من کون متعلق الأوامر و النواهی إنّما هی الأفعال بهویاتها و حقائقها غیر معقول.. و أما ما أفاده فی المقدمة الثالثة من وحدة مورد تصادق العناوین فإن أراد .. فهو من البدیهیات، و إن أراد .. فهو مقطوع البطلان .. و بالجملة أظنّ أنّ التأمّل التام فیما ذکرنا من دلیل المجوّزین یوجب القطع بصحة هذا القول فتدبّر جیدا» فتری أنّه لم یناقش فی المقدمة الأولی و ظاهره ارتضاء هذه المقدمة. و فی أجود التقریرات ط.ق. ج 1، ص352: «و استدل المانعون بوجوهٍ عدیدةٍ لایهمّنا التعرّض إلّا لوجهٍ واحدٍ هو أحسنها و أمتنها و هو الذی استدل به المحقق الخراسانی (قده) علی الإمتناع و جعله مرکّباً من أربع مقدمات: الأولی فی بیان تضاد الأحکام بأسرها الثانیة ... و هذا الإستدلال و إن کانت صحة أکثر مقدماته بدیهیة إلّا أنّ المقدمة الثالثة منها غیر صحیحة». و فی کفایة الأصول مع حواشی المحقق المشکینی، ج 2، ص132: «الرابع: أنّه لا إشکال فی عدم التضاد بین الصلاح و الفساد، بل یجتمعان فی غالب الأفعال، و کذا بین الحسن و القبح الذاتیین، و کذا بین الحکمین الإنشائیین، و بین الإنشائی و الفعلی، و إنّما التضاد بین الحکمین الفعلیین و منه یظهر وجوده فی مرتبة التنجز أیضا، بل هو حاصلٌ بین الحسن و القبح الفعلیین، و کذا بین الطلب و البغض الحقیقیین».

و هنا أقوال أُخر: منها عدم التضادّ بین الأحکام و لو فی مرتبة الفعلیة و هو مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فلا تضادّ فی مرحلة مبادی الحکم و الاقتضاء و لا تضادّ أیضاً فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة نعم إنّ التنافی بین الحکمین یکون بحسب المنتهی و مقام الامتثال.

و منها عدم التضادّ بین الأحکام فی مرتبة الإنشاء و الفعلیة و وقوع التنافی بینها بحسب مبادی الحکم و المنتهی (أی مقام الامتثال) و هذا مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) .

و منها وقوع التضادّ بین الأحکام بحسب مقام الفعلیة و الإنشاء کما یقع بینها التنافی بحسب المبدأ و المنتهی و هذا مختار صاحب منتقی الأُصول (قدس سره) ((1))و بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)).

ص: 244


1- منتقی الأصول، ج3، ص81.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص65-67. إنّ القول بتضاد الأحکام هو المعروف بین الأصولیین: ففی معالم الدین و ملاذ المجتهدین، ص68: «و قصاری ما یتخیل أنّ تضاد الأحکام بأسرها یمنع من اجتماع حکمین منها فی أمرین متلازمین و یدفعه أنّ المستحیل إنّما هو اجتماع الضدین فی موضوعٍ واحدٍ». و فی الرسائل الفقهیة للوحید البهبهانی، ص317: «و بالجملة، من المسلّمات التضاد بین الأحکام الخمسة». و فی أنیس المجتهدین فی علم الأصول، ج 2، ص656: «إنّ تضاد الأحکام یمنع من اجتماع حکمین متضادین فی موضع واحد، لا فی أمرین متلازمین». و فی قوانین الأصول ط.ق. ص159: «و أمّا النقض بالمعاملات بأنّ التجارة أیضاً قد تکون واجبة و قد تکون مستحبة و لا أقل من الإباحة و لا ریب فی تضاد الأحکام فلابدّ فیه من التخصیص أیضاً ففیه أنّ منافاة الوجوب و الإستحباب للتحریم لاتنافی صحة المعاملات بمعنی ترتب الأثر» إلخ. و فی هدایة المسترشدین ط.ج. ج 2، ص233: «لایخفی أنّه کما یمنع تضاد الأحکام من اجتماع اثنین منها فی محلٍّ واحدٍ کذا یمنع منه قبح التکلیف بما لایطاق »و هکذا ج 2، ص316 و ج 3، ص110. و فی الفصول الغرویة فی الأصول الفقهیة، ص399: «... لوضوح تضاد الأحکام». و فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص359: «لاینبغی الإرتیاب فی عدم صحة إرادة الغایة المستحبة بعد العلم بفعلیة الوجوب فیها باعتبار وجوب الغایة المرتبة علیها، إذ لا ریب فی تضاد الإستحباب و الوجوب، و الماهیة الواحدة من حیث وحدتها علی ما هو المفروض یمتنع أن تکون موردا للمتضادّین». و هکذا ج 1، ص617 و ج 1، ص652. و فی نهایة الأفکار، ج 4، ص178: «ملخّص الکلام فیه هو أنّ تعارض الأمارتین تارةً یکون لأجل تضاد المتعلقین، کما إذا کان مفاد أحد الدلیلین وجوب شی ء و کان مفاد الآخر وجوب ضدّه و أخری یکون لأجل اتّحاد المتعلقین و علی الثانی فتارةً یکون تعارضهما بنحو الإیجاب و السلب، کما إذا کان مفاد أحد الدلیلین وجوب شی ء کالدّعاء عند رؤیة الهلال، و کان مفاد الآخر عدم وجوبه عنده و أخری یکون علی وجه التضاد، کما إذا کان مفاد أحدهما وجوب شی ء و کان مفاد الآخر حرمته». راجع أیضاً: غایة المسؤول فی علم الأصول، ص397؛ بحر الفوائد فی شرح الفرائد، ج 3، ص367؛ وسیلة الوصول إلی حقائق الأصول، ج 1، ص303؛ مقالات الأصول، ج 1، ص367 و فی ج 1، ص370؛ وقایة الأذهان، ص343.
النظریة الثانیة: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره)

إنّ نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ((1)) و هو المختار من بین الأقوال تشتمل علی برهانه علی القول بالجواز

بیانه: إنّ حدیث تضادّ الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهوراً لکنّه ممّا لا أصل له، لأنّ التضادّ و التماثل من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و لیس الحکم بالإضافة إلی متعلّقه کذلک، سواء أُرید به البعث و الزجر الاعتباریان العقلائیان أو الإرادة و الکراهة النفسیتان.

أمّا إذا کان الحکم عبارة عن البعث و الزجر فلابدّ له من ثلاثة أُمور:

ص: 245


1- نهایة الدرایة، ج2، ص308.

الأول: منشأ الإنتزاع الثانی: المعتبر الثالث: طرف الإضافة.

أمّا منشأ الانتزاع:

إنّ البعث و الزجر عبارة عن المعنی الاعتباری المنتزع من الإنشاء بداعی جعل الداعی و من الواضح أنّ الإنشاء الخاصّ مرکّب من کیف مسموع و هو اللفظ- هذا فی الموالی العرفیة و الأصحّ أن یقال بدل ذلک: إظهار الحکم المعتبر- و من کیف نفسانی و هو قصد ثبوت المعنی به و هما قائمان بالمنشِئ، لا بالفعل الخارجی القائم بالغیر.

فالبعث و الزجر من حیث منشأ انتزاعهما لایقومان بالفعل الخارجی القائم بالغیر بل منشأ انتزاعهما بکلا جزئیه قائم بالمنشِئ.

و أمّا المعتبر:

إنّ البعث و الزجر الاعتباریین بما هما أمران اعتباریان قائمان بالمعتبر لا بغیره لایقومان بالفعل الخارجی و لا بمن یصدر عنه الفعل الخارجی.

أمّا طرف إضافة البعث و الزجر:

إنّه لابدّ لهما من طرف الإضافة لأنّ البعث المطلق غیرَ المضاف إلی شیء لایوجد، سواء لوحظ البعث بنحو القوة کما فی قیامه بمنشأ الانتزاع أو بنحو الفعلیة کما فی قیامه بمعتبره؛ و طرف إضافة البعث و الزجر لایعقل أن یکون الهویة العینیة القائمة بالمکلّف، لأنّ البعث الحقیقی یوجد سواء وجدت الهویة العینیة من المکلّف أم لا، و یستحیل أن یتقوّم البعث الموجود و یتشخص بالفعل المعدوم بل ما لایوجد أصلاً کما فی بعث العصاة.

فلامحالة یکون متعلّقه المقوّم له و المشخّص هو الفعل بوجوده العنوانی الفرضی الموافق لأُفق الأمر الاعتباری و المسانخ له.

ص: 246

فالبعث و الزجر لایقومان بالفعل الخارجی و الهویة العینیة حتّی یتحقّق فیهما التضادّ فإنّ التضادّ یتحقّق فی الأُمور الخارجیة و العینیة.

قد یتوهّم وقوع التضادّ فی طرف إضافة الحکم الذی هو وجود عنوانی فرضی اعتباری و یدفعه أنّ التضادّ لایقع إلّا فی الواحد الشخصی، أمّا الواحد الطبیعی من الجنسی و النوعی و نحوهما ممّا له نحو من الکلّیة من دون تشخص و تعین وجودی فیجتمع فیه الأوصاف المتباینة.

فاتضح من جمیع ما ذکرنا أنّ البعث و الزجر لیسا من الأحوال الخارجیة بل هما من الأُمور الاعتباریة و أنّ متعلّقهما لیس من الموجودات العینیة بل العنوانیة و أنّ الوحدة المفروضة لیست شخصیة بل طبیعیة، فلا موجب لتوهّم اجتماع الضدّین من البعث نحو شیء و الزجر عنه.

و ممّا ذکرنا تبین أیضاً: أنّ مناط القول بالجواز لیس تعدّد المتعلّق اعتباراً لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه کما هو مسلک جماعة من المجوّزین، بل ما ذکرنا صحیح حتّی مع وحدة العنوان (الذی قلنا: إنّه واحد طبیعی لا شخصی) و الغرض رفع التضادّ.

فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد العنوان و المعنون بل القول بالجواز ممّا لامناص منه و لو علی القول بوحدة العنوان و وحدة المعنون.

ثمّ إنّه قد استدلّ علی عدم تعلّق البعث و الزجر بالهویة الخارجیة بأنّ الفعل بوجوده الخارجی یسقط البعث و الزجر فکیف یکون معروضاً لهما؟

و قد مرّ((1)) ما فیه فی مبحث الترتّب حیث إنّ الفعل الخارجی لو کان مسقطاً

ص: 247


1- فی المقام الأول (أدلّة إنکار الترتب)، الدلیل الثالث، إیراد المحقق الخوئی: «أمّا الصورة الأُولی من کلامه و هی أنّ العصیان إذا کان شرطاً بوجوده الخارجی علی نحو الشرط المقارن فلایمکن فیه فرض اجتماع الأمر بالأهمّ و الأمر بالمهمّ فیرد علیه أنّ ذلک یبتنی علی نقطة فاسدة و هی توهّم أنّ العصیان مهما تحقّق و وجد فی الخارج فهو مسقطٌ للأمر و لکنّه غیر صحیح لأنّا إذا حللنا مسألة سقوط الأمر تحلیلاً علمیاً نری أنّ الموجب لسقوطه أمران: الأوّل: إمتثاله حیث إنّ ذلک موجبٌ لحصول الغرض منه و الأمر معلول للغرض الداعی له حدوثاً و بقاء فمع تحقّق الغرض فی الخارج لایعقل بقاء الأمر و إلّا لزم بقاء الأمر بلا غرضٍ و هو کبقاء المعلول بلا علّة محال أمّا الإمتثال فی نفسه فلایقتضی سقوط الأمر، لأنّ الإمتثال معلولٌ للأمر فلایعقل أن یکون معدماً له»، إلخ. راجع ص107 هذا المجلد.

للأمر و البعث یلزم علیة البعث لعدم نفسه (حیث إنّ البعث هو جزء العلّة لتحقّق الفعل الخارجی فلایکون الفعل الخارجی علّة لعدم البعث و سقوطه)، بل ینتهی أمد البعث بوجود المبعوث إلیه حیث إنّه یسقط الغرض الداعی إلی البعث بحصوله.

و أمّا إذا کان الحکم عبارة عن الإرادة و الکراهة (کما نسب إلی المحقّق الحائری الیزدی (قدس سره).

فإنّ الإرادة و الکراهة و إن کانتا من المقولات الحقیقیة و الموجودات العینیة إلّا أنّ موضوعهما النفس و متعلّقهما الفعل.

أمّا من حیث الموضوع فلا مانع من اجتماع إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد، لبساطة النفس و تجرّدها، فلاتضیق النفس عن قبول إرادات متعدّدة و کراهات متعدّدة فی زمان واحد.

لایقال: الوجدان شاهد علی قیام إرادات متعددة بأُمور متعدّدة لا بأمر واحد و کذلک قیام الإرادة و الکراهة بالإضافة إلی أمرین لا بالنسبة إلی أمر واحد.

لأنا نقول: متعلّق الإرادة مشخِّص فردها، لا مقوِّم طبیعتها و حقیقتها، و العبرة فی التضادّ و التماثل بنفس الحقیقة، و التشخّص تشخّص المتضادّین و

ص: 248

المتماثلین فوجودان من حقیقة واحدة متماثلان و وجودان من حقیقتین بینهما غایة البعد و الخلاف متضادّان، و المتعلّق أجنبی عن الحقیقة.

و أمّا من حیث المتعلّق فهنا ثلاثة وجوه:

الوجه الأوّل: لا ریب أنّ الشوق المطلق لایوجد فی النفس بل یوجد متشخّصاً بمتعلّقه و یستحیل أن یکون الخارج عن أُفق النفس مشخّصاً لما فی أُفق النفس و الإ لزم إمّا کون الحرکات الأینیة و الوضعیة القائمة بالجسم نفسانیة، أو کون الإرادة النفسانیة من عوارض الجسم خصوصاً فی الإرادة التشریعیة، فإنّه کیف یعقل أن تکون الحرکات القائمة بالمکلّف مشخّصة لإرادة المولی.

الوجه الثانی: إنّ البعث و مبدأه (و هی الإرادة التشریعیة) موجودان و إن لم یوجد الفعل أصلاً، فکیف یعقل أن یتشخّص الإرادة المحقّقة بما لا تحقّق له و لایتحقّق أصلاً (کما فی العصاة).

الوجه الثالث: إنّ طبیعة الشوق بما هو شوق لاتتعلّق إلّا بالحاصل من وجه و المفقود من وجه إذ الحاصل من جمیع الجهات لا جهة فقدان له کی یشتاق إلیه النفس، و المفقود من جمیع الوجوه لا ثبوت له بوجه کی یتعلّق به الشوق فلابدّ من حصوله بوجوده العنوانی الفرضی لیتقوّم به الشوق و لابدّ من فقدانه بحسب وجوده التحقیقی، کی یکون للنفس توقان إلی إخراجه من حدّ الفرض و التقدیر إلی حدّ الفعلیة.

هذا تمام کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) .

و هذا وافٍ بحل مشکلّة التضادّ بین الحکمین و سیجیء إن شاء الله بیان حل

ص: 249

مشکلة التکلیف بالمحال و أنّ الحق هو القول بجواز اجتماع الأمر و النهی((1)).

ص: 250


1- القول بعدم التضاد بین الأحکام إشتهر من المحقق الإصفهانی و اختاره فریقٌ من الأعلام: ففی بدائع الأفکار، ص337: «و الذی یساعده النظر أن یقال: لانسلّم امتناع اجتماع الأمر الإستحبابی و الوجوبی فی شی ءٍ واحدٍ بتعدد الجهة و دعوی أنّهما ضّدان فکیف یجتمعان کلام ظاهری لا حقیقة له لأنّ تضاد الأحکام لیس تضادّاً حقیقیاً بل حکمیا بمعنی أنّها بحکم الأضداد فی استحالة الإجتماع فکما أنّ اجتماع السواد و البیاض أو اجتماع المثلین فی جسم واحد أو اجتماع المتحیزین فی حیزٍ واحدٍ محال فکذا اجتماع الأحکام فی محلٍّ واحدٍ لتنافی کلٍّ منها مع الآخر و إلّا فقول إفعل و لاتفعل لیس جمعا بین عارضین فی موضوع واحد» إلخ. و فی نهایة الأصول، ص256: «أقول: ... تضاد الأحکام الخمسة من المسلمات عندهم و لکنّ التحقیق خلافه، فإنّ الوجوب و الحرمة و غیرهما من الأحکام لیست من العوارض العارضة لفعل المکلَّف بل هی بحسب الحقیقة من عوارض المکلِّف لقیامها به قیاما صدوریا، غایة الأمر أنّ لها نحو إضافة أیضا إلی المتعلق، و لکن لیس کلّ إضافة مساوقا للعروض توضیح ذلک ... فتلخّص مما ذکرنا أنّه لایکون الوجوب و لا الحرمة عرضا للمتعلق حتی یلزم بالنسبة إلی المجمع اجتماع الضدین، إذ التضاد إنّما یکون بین الأمور الحقیقیة». و فی المحاضرات (مباحث أصول الفقه) ج 1، ص310: «فی عدم التضاد بین الأحکام: إذا عرفت ذلک تعلم أنّه لا تضاد بین الأحکام المجعولة، لإنّها انشائیة و لا تضاد بین إنشاء الوجوب و إنشاء الحرمة فی موضوع واحد ... فانقدح أنّ ما شاع فی الألسنة و ربما جعل من الضروریات من التضاد بین الأحکام مما لا وجه له عند التحلیل إن کان المراد کما هو الظاهر من الکلمات الأحکام التی تنالها ید التشریع و تعدّ مجعولات للشرع. و فی حقائق الأصول، ج 1، ص368: «لا إشکال فی ثبوت المنافاة بین البعث و الزجر الخارجیین أمّا البعث و الزجر الإعتباریان المعبّر عنهما بالإیجاب و التحریم فالتنافی و التعاند إنّما هو بین ملاکیهما مثلا ملاک وجوب الشی ء کونه ذا مصلحة بلا مزاحم فإذا کان الشی ء کذلک ترجح وجوده علی عدمه فتعلقت به الإرادة فإذا تعلقت به الإرادة أمر به بداعی حفظ وجوده فإذا أمر به کذلک إنتزع عنه عنوان البعث و الإیجاب و الوجوب و الإلزام و نحوها من الإعتبارات ... فتنافی عناوین الأحکام التکلیفیة و تعاندها إنّما هو لتنافی ملاکاتها ... و منه یظهر حال بقیة الأحکام التکلیفیة فإنّ التنافی بین الجمیع لذلک فنسبة التنافی إلیها إنّما هی بالعرض أمّا ما هو مورد التنافی أوّلاً و بالذات فهو الملاکات لا غیر» إلخ. و فی حاشیة الکفایة للعلّامة الطباطبائی، ج 1، ص140: «قوله فی أنّ الأحکام الخمسة متضادة إلخ حدُّ المتضادّین إنّهما أمران وجودیان متواردان علی موضوع واحد داخلان تحت جنس القریب بینهما غایة الخلاف و قد مرّ فی بحث الضد أنّ الأحکام التکلیفیة معانٍ اعتباریة مأخوذة عن النسب الموجودة بین القضایا الحقیقیة الغیر الإعتباریة و هو موادها أعنی الضرورة و الإمتناع و الإمکان و یلحق بها عند العامة نسبتا أولویة الوجود و أولویة العدم و النسب وجودات رابطة لا ماهیة لها فلا حدّ لها فلا جنس لها فلاتدخل تحت مقولة من المقولات فشی ء من الأحکام لایجری فیها التضاد» إلخ. و فی جواهر الأصول، ج 4، ص95: « ... و قد خالفهم فی ذلک المحقق الأصفهانی قدس سره فصرح بأنّ تضاد الأحکام التکلیفیة و إن کان مشهورا، إلّا أّنه مما لا أصل له و الحقّ عدم ثبوت التضاد بینها بأی معنیً فسّر الحکم به».
النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):
اشارة

@النظریة الثالثة: ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره):((1))

إنّ حدیث تضادّ الأحکام ممّا لا أصل له لأنّ الأحکام الشرعیة أُمور اعتباریة فلا واقع لها ما عدا اعتبار من بیده الاعتبار، فإنّ الاعتبار خفیف المؤونة، فلا مانع من اعتبار وجوب شیء و حرمته معاً، و الوجه فی ذلک هو أنّ المضادّة إنّما تکون طارئة علی الموجودات التکوینیة الخارجیة و أمّا الأُمور الاعتباریة فالمفروض أنّه لا واقع لها ما عدا اعتبار المعتبر، لیکون بعضها مضاداً لبعضها الآخر.

نعم المضادّة بین الأحکام من ناحیتین: المبدأ (اشتمال الفعل علی المحبوبیة و المبغوضیة) و المنتهی (مرحلة الامتثال).

أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ الوجوب و الحرمة بناءً علی وجهة نظر مذهب العدلیة کاشفان عن المحبوبیة و المبغوضیة و المصلحة الملزمة و المفسدة الملزمة فی المتعلّق فالمضادّة بین الوجوب و الحرمة إنّما هی بالعرض و المجاز.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلأنّ اجتماعهما فی شیء واحد یستلزم التکلیف

ص: 251


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص450.

بالمحال و بغیر المقدور، لفرض أنّ المکلّف فی هذا الحال غیر قادر علی امتثال کلیهما معاً((1)).

یلاحظ علیها:

لا تضادّ من ناحیة المبدأ و المنتهی: أمّا من ناحیة المبدأ فلأنّ المتعلّق ذو حیثیتین فبإحداها یکون محبوباً و بالأُخری یکون مبغوضاً، کما أنّه لا شبهة فی أنّ المتعلّق واجد للمفسدة و المصلحة بل کلّ منهما بالغ حدّ الإلزام.

و أمّا من ناحیة المنتهی فلما سیجیء إن شاء الله ذیل نظریة المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حول جواز الاجتماع من عدم التکلیف بالمحال.

ص: 252


1- إختار نظریة المحقق الخوئی بعض الأعلام: ففی دروس فی علم الأصول (ط. انتشارات اسلامی)، ج 1، ص164: «التضاد بین الأحکام التکلیفیة: و حین نلاحظ أنواع الحکم التکلیفی التی مرّت بنا، نجد أنّ بینها تنافیا و تضادا یؤدی إلی استحالة اجتماع نوعین منها فی فعل واحد، و مردّ هذا التنافی إلی التنافر بین مبادئ تلک الأحکام، و أمّا علی مستوی الإعتبار فقط فلایوجد تنافر، إذ لا تنافی بین الإعتبارات إذا جرّدت عن الملاک و الإرادة»إلخ. و فی آراؤنا فی أصول الفقه، ج 1، ص249: «إنّه لا تضاد و لا تعاند بین الأحکام بوجهٍ، فإنّ باب الأحکام الشرعیة باب الإعتبارات و الإعتبار خفیف المئونة، و التضاد من خصائص الأمور الواقعیة و الأعراض الخارجیة، کالتضاد بین البیاض و السواد ... نعم المعاندة بین الأحکام موجودةٌ فی موردین: أحدهما: فی المبدأ، ثانیهما: فی المنتهی، أمّا فی المبدأ فلأنّه لایمکن أن یکون شی ءٌ واحدٌ محبوبا و مبغوضا کما أنّه لایمکن أن یکون محبوبا و لایکون محبوبا و هکذا، فإنّ اجتماع الحبّ و البغض من شخص واحد بالنسبة إلی شی ء واحد غیرُ معقولٍ، و أمّا من ناحیة المنتهی فلایمکن للعبد أن یوجد شیئا بلحاظ تعلق الأمر به و ترک ذلک الشی ء بلحاظ النهی عنه و أمّا نفس الأحکام فلا مضادة بینها» إلخ. و فی زبدة الأصول، ج 3، ص68: «و التحقیق فی هذا المقام أنّ الأحکام لا تضاد بینها ذاتا بل التضاد یکون بینها من ناحیة المبدأ أی الشوق و الکراهة و المصلحة و المفسدة أو من ناحیة المنتهی أی الإمتثال فالتضاد بینها ثابتٌ لکنّه تضاد بالعرض لا بالذات و تمام الکلام فی محله».
النظریة الرابعة: ما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):
اشارة

((1))

إنّ التضادّ بین الحکمین لاینحصر فی المبدأ و المنتهی، بل هما متضادّان فی مرحلة الفعلیة و الإنشاء.

بیان ذلک یتوقف علی ترسیم أُمور:

الأوّل: إنّ التضادّ المبحوث عنه هو التضادّ الأُصولی لا الفلسفی بمعنی أنّ اجتماع الأمر و النهی فی الواحد ذی العنوانین بنفسه محال لا من جهة استلزامه التکلیف بالمحال.

ثانیاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول: إنّ حقیقة الحکم هو الباعث و الزاجر الإمکانیان فالمولی یأمر بداعی جعل الباعث و الداعی الإمکانی للفعل و ینهی بداعی جعل الزاجر الإمکانی عن الفعل فقوله صلّ باعث إمکانی و قوله لاتغصب زاجر إمکانی و هذا یسمّی بالإنشاء و مع عدم المانع یصل إلی مرحلة الفعلیة.

ثالثاً: إنّ متعلّق الحکم إمّا مطلق و إمّا مقید و لایمکن إهماله فی مقام الثبوت فالصلاة بما هی متعلّق البعث إمّا مطلق بالنسبة إلی الغصب و إمّا مقید، و لا ریب فی عدم تقیدها بالغصب وجوداً و لا عدماً، أمّا تقیدها بوجود الغصب فهو قطعی العدم و أمّا تقیدها بعدم الغصب فلا دلیل إثباتی له، فلابدّ من أن تکون الصلاة مطلقة بالنسبة إلی الغصب؛ و هکذا الغصب بما هو متعلّق الزجر مطلق بالنسبة إلی الصلاة.

و معنی إطلاق الصلاة هو إمکان الداعویة إلی کلّ أفراد الصلاة و إن کانت

ص: 253


1- تحقیق الأصول، ج4، ص65.

فی المکان المغصوب و إلّا لایکون الأمر بالصلاة مطلقاً مع أنّا نری استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة إلی الصلاة فی المکان المغصوب و إذا استحالت فعلیة الداعویة الإمکانیة استحال جعله و إنشاؤه، لأنّ انشاء الحکم لابدّ أن یکون بداعی جعل الداعویة الإمکانیة فإذا استحالت الداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی مورد الاجتماع فلا داعی إلی إنشاء الحکم و جعله؛ هذا علی مختار المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی حقیقة الحکم.

و أمّا علی مبنی المحقّق الخوئی (قدس سره) من أنّ حقیقة الحکم هو الاعتبار المبرز فنقول: إنّ المراد من الاعتبار المبرز إمّا مطلق الاعتبار المبرز أو خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل.

أمّا مطلق الاعتبار المبرز فلایکون حکماً، لأنّ الغرض من الحکم الشرعی هو جعل الداعی للمکلّف فلابدّ أن یکون المراد خصوص الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الفعل، و هذا الاعتبار بداعی تحریک العبد نحو الصلاة یکون مطلقاً بالنسبة إلی الغصب لعدم الإهمال و التقیید کما مرّ و لکن حیث تستحیل فعلیة داعویته بالنسبة إلی الصلاة فی المکان المغصوب یستحیل جعله و إنشاؤه.

فتحصّل من هذا البیان وقوع التضادّ فی مرحلة فعلیة الحکم و إنشائه و جعله.((1))

ص: 254


1- ظاهر کلام بعض الأعلام إختیار النظریة الرابعة: ففی نتائج الأفکار فی الأصول، ج 2، ص131: «إنّ التضاد بین الأحکام من الواضحات و من قبیل الأعراض الخارجیة کالسواد و البیاض فکما لایمکن جعلُ محلٍّ واحدٍ فی آنٍ واحدٍ أسود و أبیض و لو من شخصین فکذلک الأحکام، فإنّ البغض و الحبّ بالنسبة إلی شی ء واحد لایمکن اتّحادهما فی نفس الجاعل. و القول بعدم تضادهما نظرا إلی إمکان کون شی ء واحد فی آنٍ واحدٍ محبوبا لشخص و مبغوضا کذلک لآخر، فلو کان الحب و البغض اللذان یعبر عنهما بالوجوب و الحرمة متضادین و من قبیل الأعراض الخارجیة لم یمکن تعلق الحب و البغض بذلک الشی ء الواحد، فیستکشف من هذا عدم تضاد الأحکام فاسدٌ لأنّ الحب و البغض من الصفات ذوات الإضافة فإنّ المحبوب المضاف إلی زید غیر المبغوض المضاف إلی غیره و لایعقل محبوبیة شی ء واحد و مبغوضیته فی آن واحد لشخص واحد کما هو مفروض البحث، إذ المفروض تعلق حب الشارع و بغضه بشی ء واحد و من البدیهی عدم إمکانه فالأحکام الشرعیة متضادة فی جمیع المراحل من مبادیها و عالم محرّکیتها لا أنّها غیر متضادة أصلا أو متضادة فی خصوص مقام المحرکیة». و فی دروس فی مسائل علم الأصول، ج 2، ص363: «ذکر قدس سره لإثبات امتناع الإجتماع فی واحد معنون بعنوانین، مقدمات أربع: المقدمة الأولی أنّ الأحکام لایکون بینها تضاد فی مقام الإنشاء فیمکن إنشاء حکم متعلق بفعل و إنشاءُ حکمٍ آخر بنفس ذلک الفعل و إنّما یتحقق التضاد بین الأحکام فی مرتبة فعلیتها ... أقول: قد تقدم منه قدس سره أنّ الحکم الواقعی فی جعله تابع للصلاح و الفساد فی متعلقه، فلو کان فی متعلقه فساد غالب کیف یمکن جعل الحرمة و الوجوب له معا و لو بعنوانین؟ و الإلتزام بعدم التنافی بینهما إلّا فی مقام الفعلیة و الوصول إلی مرتبة البعث و الزجر، و قد ذکرنا أّنه لا معنی لفعلیة الحکم إلّا تحقق موضوعه خارجا و یکون الحکم فعلیا بتبع فعلیة موضوعه و إذا لم یکن بین الحکمین بحسب جعلهما تنافٍ فکیف یتحقق التنافی فی فعلیتهما و الحاصل التنافی بین الجعلین یکون بحسب المبدأ و الغرض من جعلهما و یلاحظ کل منهما فی مقام الجعل، و أمّا جعل الوجوب بفعل- أی انشائه- من غیر ملاحظة الملاک و ترتب إمکان الإنبعاث علیه، فلایدخل فی التکلیف» إلخ.
یلاحظ علیها:

أوّلاً: إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یری تعلّق الحکم بالفرد و لکن لیس لازم تعلّق التکلیف به دخول لوازم الوجود و لوازم التشخّص فی المکلّف به، بل اللازم هو تعلّق التکلیف بالماهیة المتشخصة بالوجود و هذه الماهیة المتشخصة بالوجود الحقیقی الفرضی (لا الحقیقی التحقیقی) مطلوبة للشارع و هی فی مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلی جمیع أفراده من دون دخول لوازم تشخّصها فی متعلّق التکلیف.

ص: 255

و استحالة الداعویة الإمکانیة هی أوّل الکلام فإنّ القائل بالجواز یری إمکان ذلک بخلاف القائل بالامتناع فهو یری استحالتها.

فالداعویة الإمکانیة بالنسبة إلی جمیع أفراد الصلاة فعلیة عند وجود المندوحة، و أمّا مع عدم المندوحة فیقع التزاحم بین فعلیة الداعویة الإمکانیة فی البعث نحو الصلاة و فعلیة الزاجریة الإمکانیة فی الزجر عن الغصب فلابدّ من إعمال مرجحات التزاحم.

ثانیاً: إنّ استحالة فعلیة الداعویة الإمکانیة فی فرض عدم المندوحة، لاتوجب استحالة جعله و إنشائه لعدم التلازم بین مرحلة الإنشاء و الجعل و مرحلة الفعلیة فی الاستحالة و الإمکان.

فتحصّل إلی هنا عدم وقوع التضادّ فی مرحلة مبدأ الحکم و لا فی الحکم الإنشائی و لا فی الحکم الفعلی و لایستلزم ذلک مشکلة التکلیف بالمحال کما سیأتی إن شاء الله تعالی.

ص: 256

المقدّمة الثانیة: متعلّق الحکم هو المعنون
اشارة

إنّهم اختلفوا أیضاً فی هذه المقدّمة، فقد اختار المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و خالفه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) یقول بأنّ مرادهما واحد((2)).

هنا نظریتان:

النظریة الأُولی: من المحقّق الخراسانی (قدس سره)

((3))

إنّه لا شبهة فی أنّ متعلّق الأحکام، هو فعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه و هو المعنون و المکلّف فاعله و جاعله، لا ما هو اسمه و لا ما هو عنوانه ممّا قد انتزع عنه بحیث لولا انتزاعه تصوّراً و اختراعه ذهناً، لما کان بحذائه شیء خارجاً و یکون خارج المحمول و هو ما یخرج عن حاق الشیء ثم یحمل علیه کالوجوب و الإمکان و لایحاذیها شیء فی الخارج و عروضها یکون فی ظرف الذهن کالملکیة و الزوجیة و الرقیة و الحریة و المغصوبیة، إلی غیر ذلک من الاعتبارات و الإضافات ضرورة أنّ البعث لیس نحوه و الزجر لایکون عنه.

و إنّما یؤخذ الاسم و العنوان الاعتباری فی متعلّق الأحکام آلةً للحاظ متعلّقاتها و آلةً للإشارة إلی تلک المتعلّقات الخارجیة، بمقدار الغرض من هذه المتعلّقات و الحاجة إلیها و لم یؤخذ تلک العناوین بما هی هی و مستقلاً.

ص: 257


1- المحاضرات، (ط.ج): 3، ص452.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص72.
3- کفایة الأصول، ص158.
النظریة الثانیة: من المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قد مرّ فی مبحث تعلّق الأمر بالطبیعة، أنّ الموجود الخارجی لایقوم به الطلب و الإیجاد عین الوجود ذاتاً و غیره اعتباراً، فلا فرق بینهما فی استحالة تعلّق الطلب بهما.

و معنی تعلّق الشوق بهما هو أنّ القوة العاقلة لها قوّة ملاحظة الشیء بالحمل الشائع -کما أنّ لها قوّة ملاحظة الشیء بالحمل الأوّلی- فتلاحظ الصلاة الخارجیة التی حیثیة ذاتها حیثیة طرد العدم و هی التی یترتّب علیها الغرض فیطلبها و یبعث نحوها. (فعلی هذا الفعل الخارجی هو المبعوث إلیه و الملاک یقوم به).

و من الواضح أنّ وجود الصلاة الخارجیة حینئذ لیس إلّا بفرض العقل و إحضاره و یکون معنی البعث إلیها إخراجها من الفرض و التقدیر إلی الفعلیة و التحقیق، فالصلاة بوجودها الفرضی و إن لوحظت فانیة فی الصلاة الخارجیة، إلّا أنّ الفناء لایقتضی سریان ما یقوم بالفانی إلی المفنی فیه، فإنّه محال، بل الفناء یصحّح البعث نحو الفانی مع قیام الغرض بالمفنی فیه.

(و الأصحّ أن یقال: بل الفناء یصحّح البعث نحو المفنی فیه مع قیام الغرض به).

و لیس نسبة الوجود العنوانی إلی الوجود العینی نسبة الاتحاد و العینیة، بأن یکون الفارق بینهما مجرد اتّصاف الوجود العنوانی بالجامعیة بین الوجودات العینیة و عدم اتصافه بها، نظیر اتّصاف الماهیة بالکلّیة فی مرتبة الذهن و عدم اتّصاف أشخاص الماهیة بالکلّیة فی موطن التفرّد و التشخّص و لذا جعل

ص: 258


1- نهایة الدرایة، ج2، ص313.

الوجوب بالإضافة إلی الفعل (کالکلّیة بالإضافة إلی الماهیة) من العوارض الذهنیة.

بل نسبة الفانی إلی المفنی فیه نسبة العنوان إلی العنوان، لا کنسبة الطبیعی إلی فرده، فإنّ الطبیعی له موطنان (مع وحدته ذاتاً) فیتّصف بالکلّیة فی أحد الموطنین و بالجزئیة فی موطن آخر، بخلاف العنوان فإنّ موطنه الذهن و موطن الفرض و الاعتبار و موطنُ مطابقِه الخارجُ کما هو الحال فی مفهوم الوجود و مصداقه.

فتوهّم أنّ الوجود العنوانی هو الوجود العینی بحقیقته و أنّ الجامع بذاته موجود فی الخارج لا بوصف الجامعیة نظیر الطبیعی و فرده غفلة واضحة علی أهل الفنّ.

بیان بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) لم یقصد من کلامه تعلّق الحکم بالفعل الخارجی و إن کان کلامه هنا یوهم ذلک بل هو لایرید إلّا ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و الدلیل علی ذلک هو قوله فی مبحث تعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع دون الأفراد، فإنّه قال:

دفع وهم: لایخفی أنّ کون وجود الطبیعة أو الفرد متعلّقاً للطلب إنّما یکون بمعنی أنّ الطالب یرید صدور الوجود من العبد و جعله بسیطاً الذی هو مفاد کان التامّة و إفاضته، لا إنّه یرید ما هو صادر و ثابت فی الخارج کی یلزم طلب الحاصل((2)).

ص: 259


1- تحقیق الأصول، ج4، ص72.
2- کفایة الأُصول، ص139.

فتحصّل من ذلک: أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فإن کان ما قصده صاحب الکفایة (قدس سره) منطبقاً علیه فلا إشکال فی المقام.

ص: 260

المقدّمة الثالثة: تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون
نظریة المحقّق الخراسانی (قدس سره):

((1))

إنّه لایوجب تعدّد الوجه و العنوان تعدّد المعنون و لاینثلم به وحدته، فإنّ المفاهیم المتعدّدة و العناوین الکثیرة ربما تنطبق علی الواحد و تصدق علی الفارد الذی لا کثرة فیه من جهة، بل هو بسیط من جمیع الجهات، لیس فیه حیث غیر حیث و جهة مغایرة لجهة کالواجب تبارک و تعالی، فهو علی بساطته و وحدته و أحدیته، تصدق علیه مفاهیم الصفات الجلالیة و الجمالیة، له الأسماء الحسنی و الأمثال العلیا، لکنّها بأجمعها حاکیة عن ذاک الواحد الفرد الأحد «عباراتنا شتّی و حسنک واحد و کلّ إلی ذاک الجمال یشیر».

بیان المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی توضیح کلام صاحب الکفایة (قدس سره):

((2))

إنّ المفاهیم و إن کانت فی حدود ذواتها متباینات لکنّها لیست دائماً متقابلات بل ربما یقتضی البرهان عدم مطابقة موجود واحد لمفهومین فهما متقابلان کالعلّیة و المعلولیة حیث یستحیل أن یکون الواحد بما هو علّة و معلولاً.

و ربما لایقتضی البرهان ذلک، فلایأبی الواحد أن یکون مطابقاً لمفاهیم متعدّدة و هذه الطائفة الثانیة من المفاهیم قسمان: فتارة یکون مبدؤها فی مرتبة ذات الشیء و أُخری فی مرتبة متأخرة عن ذاته.

ص: 261


1- کفایة الأصول، ص159.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص315.

فإن کان المبدأ فی المرتبة المتأخرة، فلامحالة للمبدأ وجود آخر قائم بالذات إمّا بقیام انضمامی أو بقیام انتزاعی.

فمجرد صدق العناوین المتعدّدة علی الواحد لایستدعی أن یکون وجود المبدأ عین وجود المعنون، فمثل الأسماء الحسنی و الصفات العلیا حیث إنّها تنتزع عن مرتبة ذاته المقدسة بلا حیثیة زائدة علی ذاته فذاته بذاته مطابق العنوان و مبدؤه معاً، لأنّ وجوده سنخ وجود بسعته و صرافته یکون مطابق جمیع الأوصاف و لذا ورد فیه تعالی: «علم لا جهل فیه و حیاة لا موت فیه و نور لا ظلمة فیه» و عن أساطین الحکمة «وجود کلّه، وجوب کلّه، علم کلّه، قدرة کلّه» و بهذا الاعتبار یکون الوجود العینی الحقیقی وجوداً و موجوداً، و البیاض الحقیقی بیاضاً و أبیض و غیر ذلک. انتهی ما أردنا من کلامه. (قدس سره)

ثمّ إنّ هنا نظریة للمحقّق النائینی (قدس سره) یأتی فی ضمن أدلّة الجواز إن شاء الله تعالی.

ص: 262

المقدّمة الرابعة: إنّ الموجود بوجود واحد، له ماهیة واحدة
توهّمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) فی هذه المقدّمة یرید دفع توهّمین ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره) .((1))

التوهّم الأوّل: أنّ القول بجواز اجتماع الأمر و النهی یبتنی علی أصالة الماهیة و القول بامتناع الاجتماع یبتنی علی أصالة الوجود.

التوهّم الثانی: أنّ القول بجواز الاجتماع یبتنی علی تعدّد وجود الجنس و الفصل بالترکیب الانضمامی بینهما و القول بامتناع الاجتماع یبتنی علی اتحادهما بالترکیب الاتحادی بینهما اتّحاد المتحصل و اللامتحصل.

دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهّمین:
أمّا دفع التوهّم الأوّل:

فقال صاحب الکفایة (قدس سره):((2)) إنّه لایکاد یکون للموجود بوجود واحد إلّا ماهیة واحدة، و کانت الماهیة عین الوجود خارجاً، فیکون الواحد وجوداً

ص: 263


1- فی الفصول الغرویة، ص125: «و اعلم أنّ هذا الدلیل یبتنی علی أصلین أحدهما أن لا تمایز بین الجنس و الفصل و لواحقهما العرضیة فی الخارج کما هو المعروف و أمّا لو قلنا بالتمایز لم یتّحد المتعلق فلایتمّ الدلیل الثانی أنّ للوجود حقائق خارجیة ینتزع منها هذا المفهوم الإعتباری کما هو مذهب أکثر الحکماء و بعض محققی المتکلمین و أمّا إذا قلنا بأنّه مجرد هذا المفهوم الإعتباری ینتزعه العقل من الماهیات الخارجیة و لا حقیقة له فی الخارج أصلا کما هو مذهب جماعة فلایتم الدلیل أیضا».
2- کفایة الأصول، ص159.

واحداً ماهیة و ذاتاً لامحالة، فالمجمع و إن تصادق علیه متعلّقا الأمر و النهی، إلّا أنّه کما یکون واحداً وجوداً یکون واحداً ماهیة و ذاتاً و لایتفاوت فیه القول بأصالة الوجود و الماهیة.

فالمفهومان المتصادقان علی ذاک الوجود الواحد لایکاد یکون کلّ منهما ماهیة و حقیقة و قد تقدّم الکلام حول ذلک فی آخر الأمر السابع من مقدّمات بحث الاجتماع((1))؛ هذا بالنسبة إلی دفع التوهّم الأوّل.

ص: 264


1- راجع ص 205 من هذا المجلد: تذنیب (هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟): «قد یتوهّم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة هی حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع علی اجتماع الأمر و النهی حیث إنّه إن قلنا بأصالة الوجود فیکون متعلّق الأمر و النهی هو الوجود و هو أمر واحد فیسری الحکم من متعلّق الأمر و النهی إلی الآخر فلابدّ من المصیر إلی القول بالامتناع و إن قلنا بأصالة الماهیة فیکون متعلّق الأمر و النهی الماهیة و الماهیات متباینة بالذات و لایمکن اتحاد ماهیة مع ماهیة أُخری و نتیجة ذلک تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابد من القول بالجواز. بیان المحقّق الخراسانی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهّم: ... و من ناحیة ثالثة: لکلّ وجود ماهیة واحدة و حدّ فارد و یستحیل أن یکون لوجود واحد ماهیتان و حدّان کما أنّه لایعقل أن یکون لماهیتین وجود واحد فالنتیجة هی أنّ المجمع فی مورد الاجتماع و التصادق إذا کان وجوداً واحداً فلامحالة یکون له ماهیة واحدة فلا فرق بین القول بأصالة الوجود و القول بأصالة الماهیة. ملاحظتنا علیه: أنّ ما أفاده من أنّ لکلّ وجود ماهیة واحدة یصحّ بالنسبة إلی الماهیة الحقیقیة لا الماهیات المرکّبة الجعلیة. فالحق فی الجواب هو أن یقال: إنّ الحکم الشرعی لایتعلّق بما له الأصالة فی الخارج کما مرّ مراراً و إلّا یلزم تحصیل الحاصل مضافاً إلی أنّ الوجود الخارجی بناء علی أصالة الوجود أو الماهیة الخارجیة بناء علی أصالة الماهیة موجب لسقوط التکلیف فلایعقل أن یتعلّق التکلیف بالمتأصّل الخارجی، فلابدّ أن یتعلّق الحکم بالعنوان.»
أمّا دفع التوهّم الثانی:

فقال صاحب الکفایة (قدس سره):((1)) إنّ مسألة الاجتماع لاتبتنی علی تعدّد وجود الجنس و الفصل فی الخارج و عدم تعدّده، ضرورة عدم کون العنوانین المتصادقین علی المجمع من قبیل الجنس و الفصل و الدلیل علیه أُمور:

الأوّل: یلزم أن تکون الصلاة متفصلاً بالغصب مع أنّ الماهیة الصلاتیة ماهیة جعلیة نوعیة و لیست جنسیة.

الثانی: الحق أنّ الجنس هو لامتحصّل و ترکیبه مع الفصل ترکیب المتحصل و اللامتحصل فیلزم علی هذا المبنی أن تکون الصلاة لامتحصل.

الثالث: إنّ الجنس و الفصل لیسا مقوّماً للحرکة، فإنّ مثل الحرکة فی الدار من أی مقولة کانت، لایکاد یختلف حقیقتها و ماهیتها و لایکاد یتخلّف ذاتیاتها، وقعت جزءً للصلاة أم لا، کانت تلک الدار مغصوبة أم لا.((2))

فتحصّل إلی هنا:

أنّ استدلال صاحب الکفایة (قدس سره) علی القول بالامتناع مخدوش لبطلان المقدّمة الأُولی و الثانیة:

أمّا بطلان المقدّمة الأُولی (التی قال فیها صاحب الکفایة (قدس سره) بتضادّ الأحکام فی مرحلة الفعلیة دون الإنشاء) فالوجه فیه هو ما حقّقه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) من عدم تضادّ الأحکام.

ص: 265


1- کفایة الأصول، ص159.
2- و هذا الدلیل الثالث ممّا أفاده فی الکفایة، ص160.

أمّا بطلان المقدّمة الثانیة (التی قال فیها صاحب الکفایة (قدس سره) بتعلّق الأحکام بفعل المکلّف و ما هو فی الخارج یصدر عنه) فهو لما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ متعلّق الحکم هو الفرد بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الفرضی الحقیقی.

ص: 266

المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز

اشارة

و هی خمسة:

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

قد تقدّم أنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) یقول بعدم وقوع التضادّ بین الأحکام الشرعیة لأنّ التضادّ من أوصاف الأحوال الخارجیة للأُمور العینیة و الحکم أمر اعتباری.

و استفاد من ذلک جواز اجتماع الأمر و النهی حتّی مع وحدة العنوان، فلانحتاج إلی البحث عن تعدّد متعلّق الأمر و النهی (و هو المعنون عند صاحب الکفایة (قدس سره) لتعدّد عنوان المأمور به و المنهی عنه، فما قالوا من أنّ مناط القول بالجواز هو أنّ تعدّد العنوان هل یوجب تعدّد المعنون غیر تامّ.

هذا مع أنّه قال فی ذیل ما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة من تعلّق الحکم بالفعل الخارجی و هو المعنون بأنّ ذلک أیضاً لایصحّ حیث إنّ

ص: 267


1- أجود التقریرات، ج2، ص308 و 313.

الحکم یتعلّق بالعنوان لا بالمعنون حیث إنّ متعلّق الحکم عند المحقّق الإصفهانی (قدس سره) هو الفرد و الطبیعة المتشخّصة الموجودة بالوجود الحقیقی الفرضی لا بالوجود الحقیقی التحقیقی.

و علی هذا البیان إنّ البحث عن المقدّمة الثالثة لایجدی فی المقام شیئاً و نتیجة ذلک عدم وقوع التضادّ فی مرتبة الحکم الفعلی و الإنشائی.

ثمّ إنّ التضادّ فی مرحلة المبادی أیضاً منتفٍ حیث إنّه یمکن أن یکون المتعلّق واجداً للمصلحة و المفسدة و بلغ کلّ منهما إلی درجة الملزمیة مع اختلاف حیثیة المصلحة الملزمة و حیثیة المفسدة الملزمة کما أنّه یمکن أن یکون الشیء الواحد محبوباً من جهة و مبغوضاً من جهة أُخری.

و لکن ذلک لایکفی لإثبات جواز اجتماع الأمر و النهی، بل لابدّ من البحث عن عدم المانع عن الجواز، و المانع عنه إمّا لزوم التکلیف بالمحال و هو الذی ذکره الأعلام بعنوان التضادّ فی مرحلة المنتهی، و إمّا لزوم نقض الغرض و إمّا لزوم التقرّب بالمبعّد مع أنّ المبعّد لایکون مقرّباً، فلابدّ من دفع هذه الموانع.

أمّا التکلیف بالمحال:

فإنّما یلزم إذا تعلّق التکلیف إمّا بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد المتّحد مع المنهی عنه، فإنّ متعلّق التکلیف غیر مقدور شرعاً.

و أمّا إذا قلنا بعدم لزوم أحد الأمرین (تعلّق التکلیف بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد) بل یتعلّق التکلیف بنفس وجود الطبیعة المقدور علیه من حیث نفسه فمتعلّق التکلیف (بما هو) مقدور.

بیان ذلک: إنّ ملاحظة الطبیعة فانیة فی أفرادها بحیث تسع جمیعها، إنّما هی لدفع دخل خصوصیة من الخصوصیات المفرّدة فی المطلوبیة.

ص: 268

و أمّا إذا قطعنا بأنّ الغصبیة لا مانعیة لها عن ترتّب الغرض من الصلاة، و أنّ لوازم وجود الطبیعة لا دخل لها فی الغرض منها، فلا حاجة إلی ملاحظة وجود طبیعة الصلاة فانیاً فی جمیع الأفراد، بل یلاحظ الوجود العنوانی فانیاً فی الوجود الحقیقی المضاف إلی طبیعة الصلاة و هو مقدور فی حدّ ذاته، و له أفراد مقدورة فی الخارج بحیث ینطبق علیها (و هی الأفراد المندوحة).

فإذا فرضنا تعلّق الأمر بوجود الطبیعی فالفرد المقدور و الفرد غیر المقدور کلاهما سیّان فی عدم تعلّق الأمر بهما کما أنّهما سیّان فی فردیّتهما لوجود الطبیعة فالداعی إلی إتیان الفرد المتّحد مع الغصب تعلّقُ الأمر بوجود الطبیعة التی لا شک فی فردیة هذا الفرد لها، و قد عرفت سابقاً عدم سریان الأمر إلی الأفراد حتّی مع لحاظ وجود الطبیعة عنواناً فانیاً فی وجودها الحقیقی، بل تطبیق المأمور به علی الفرد المأتی به هو الداعی إلی إتیان الفرد المقدور و الفرد غیر المقدور.

و بعین هذا قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) حیث قال:((1)) هذا المحذور (أی محذور التکلیف بالمحال) إنّما یلزم إذا تعلّق الأمر بطبیعی الصلاة الملحوظة فانیة فی أفرادها و أمّا إذا تعلّق الأمر بصرف الوجود و کان مقتضی الصرافة و اللابشرطیة رفض القیود لا الجمع بین القیود لم یلزم تعلّق التکلیف بالمتنافیین.

إشکال و دفع:

إنّ المحقّق الإصفهانی (قدس سره) قال فی التعلیقة((2)): إنّ إتیان الفرد فی الخارج بداعی الأمر بمجرد وجود الطبیعة لا مانع منه، لأنّ الأمر لایتعلّق و لو بالواسطة

ص: 269


1- الأصول علی النهج الحدیث، ص153.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص325، التعلیقة 172.

بالفرد، مع أنّه صرّح فی بحث تعلّق الأوامر بالطبائع أو الأفراد بتعلّق الأمر بالفرد، فهل یکون بین کلامه فی المقامین تهافت؟

و دفع هذا الإشکال یتوقف علی تفسیر مراده بالفرد فی المقامین، فإنّ الفرد قد یراد منه الماهیة المتشخّصة مع لوازم التشخص بحیث یلزم من تعلّق الأمر به دخول جمیع الخصوصیات الفردیة تحت حیّز الأمر، و حینئذ إن قلنا بهذه المقالة لایرتفع إشکال التکلیف بالمحال کما قال فی هذه التعلیقة: «أمّا التکلیف بالمحال فإنّما یلزم إذا تعلّق التکلیف إمّا بالأفراد أو بالطبیعة بحیث تسع هذا الفرد المتحّد مع المنهی عنه.» و لکنه أنکر هذا القول فی هذه التعلیقة و قال بعدم تعلّق التکلیف بالأفراد.

و قد یراد منه وجود الطبیعة من دون دخول الخصوصیات الفردیة و ما أفاده سابقاً من تعلّق التکلیف بالفرد هو هذا المعنی حیث قال((1)): «تعلّق الأمر بالفرد هو بمعنی وجود الطبیعة بوجوده الحقیقی الفرضی لا بوجوده الحقیقی التحقیقی» و قال فی موضع آخر((2)):

إنّ المقوّم للطلب و الشوق هو الوجود المفروض، و الوجود المفروض یمکن أن یکون حقیقة الوجود المعرّی عن جمیع اللوازم و القیود، بحیث یکون قابلاً للصدق علی کلّ وجود محقّق فی الخارج و حیث إنّ لوازم الوجود خارجة عمّا یقوم به الغرض قطعاً فلا حاجة إلی إطلاق لحاظی فی الوجود بلحاظ لوازمه بل یصحّ تعلّق الطلب بنفس الوجود المفروض المعرّی فی ذاته بحسب الفرض و التقدیر عن جمیع لوازمه؛ هذا کلّه فی ما إذا کانت مندوحة فی البین.

ص: 270


1- نهایة الدرایة، ج2، ص256.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص258.

و أمّا إذا لم تکن مندوحة فوجود الطبیعة (بما هو) غیر مقدور، حیث لایمکن تطبیقه فی الخارج علی أمر مقدور فحینئذ یقع التزاحم.

أمّا نقض الغرض:

فإن أرید أنّ البعث نقض للزجر و إیجاد لمعانده من حیث التضادّ، فقد عرفت عدم التضادّ.

و إن أُرید أنّ البعث نقض للزجر من حیث الامتثال، و أنّه سدّ لباب امتثال الزجر ففیه ما عرفت من أنّ الأمر لم یتعلّق من قبل المولی إلّا بما لا مناقضة له من حیث الامتثال مع النهی، لتعلّقه بصرف وجود الطبیعة، لا بما یسع هذا الفرد المنهی عنه لیکون نقضاً من قبل المولی لنهیه و سدّاً لباب امتثاله.

و إن أُرید أنّ انقداح الداعی فی نفس المولی إلی البعث مناف لانقداحه إلی الزجر ففیه أنّ قیام المصلحة فی شیء بعنوان و قیام المفسدة فیه بعنوان آخر ممّا لا شک فیه و تصوّر المصلحة یوجب الرغبة فیها، و تصوّر المفسدة یوجب الرغبة عنها، فموافقة المصلحة و منافرة المفسدة للطبع وجدانیة.

و کذا الإرادة النفسانیة و الکراهة النفسانیة فی التشریعیة و کذا البعث و الزجر المنبعثان عنهما بملاحظة ما قدّمناه من تعلّق البعث بصرف وجود الطبیعة فإرادته و البعث نحوه لایمنع عن کراهة الغصب بجمیع أفراده و الزجر عنها.

و أمّا فی الإرادة التکوینیة و الکراهة التکوینیة، فإنّما لایعقل انقداح الداعی إلیهما الموجب لاجتماعهما، من حیث إنّهما الجزءان الأخیران من العلّة التامة للفعل و الترک معاً و حیث لایعقل انقداح الداعی إلیهما معاً، فلابدّ من الکسر و الانکسار بین المصلحة و المفسدة فی مقام تأثیرهما فی الفعل و الترک.

ص: 271

أمّا التقرب بالمبعّد:

((1)):

فإن أُرید منه ما هو نظیر القرب و البعد المکانیین بحیث لایعقل حصول القرب إلی مکان مع حصول البعد عنه ففیه أنّ لازمه بطلان العمل حتّی فی الاجتماع الموردی (مثل الصلاة و النظر إلی الأجنبیة)، نظراً إلی عدم حصول القرب و البعد معاً فی زمان واحد.

و إن أُرید منه سقوط الأمر و النهی و ترتب الغرض و عدمه فلا منافاة بین أن یکون الواحد مسقطاً للأمر حیث إنّه مطابق ما تعلّق به و مسقطاً للنهی بالعصیان، حیث إنّه خلاف ما تعلّق به و نقیضه.

و کذا ترتّب الثواب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط الأمر بإتیان ما یطابق متعلّقه المحصّل للغرض منه، فإنّه لاینافی ترتّب العقاب علیه من حیث إنّه موجب لسقوط النهی بإتیان ما یناقض متعلّقه المنافی لغرضه منه.

بل هکذا حال القرب و البعد الناشئین من التخلّق بالأخلاق الفاضلة أو الرذیلة فإنّه بواسطة التخلّق بالخلق الفاضل، له التشبه بالمبدأ الکامل فهو قریب منه من هذا الوجه، و إن کان بواسطة التخلّق بخلق رذیل بعیداً عنه من ذلک الوجه.

و منه یعلم أنّ الأعمال و إن کانت مقدّمة للأحوال، لکنّه لا مانع من کون الواحد بما هو صلاة مقدّمة لحال، و بما هو غصب مقدّمة لحال أُخری.

فتحصّل إلی هنا تمامیة ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی الاستدلال علی جواز اجتماع الأمر و النهی من جهة عدم التضادّ بین الحکمین الفعلیین و الإنشائیین و عدم التضادّ من ناحیة المبدأ و لا من ناحیة المنتهی و عدم وجود مانع آخر عن الجواز.

ص: 272


1- و الأُستاذ العلّامة الشاه آبادی (رحمة الله) یقول بعدم الجواز من جهة أنّ المبعّد لایکون مقرباً.
الدلیل الثانی للقول بالجواز: ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

خلاصة ما أفاده: إنّ العنوانین المنطبقین علی شیء فی الخارج إمّا من العناوین الاشتقاقیة و الانتزاعیة و إمّا من العناوین الذاتیة و المبادی للاشتقاق.

أمّا العناوین الاشتقاقیة فهی جهات تعلیلیة و لا مانع من انطباقها علی معنون واحد وجوداً و ماهیة و تعدّد هذه العناوین لایوجب تعدّد المعنون.

نعم هذه العناوین الاشتقاقیة تنتزع من الأعراض القائمة بوجود المعنون فتکون حاکیة عن الذات المعروضة للمبدأ القائم بها و علی هذا یکون الترکیب بین العناوین الاشتقاقیة فی مورد المجمع اتحادیاً.

و أمّا العناوین الذاتیة فهی جهات تقییدیة و لایمکن حمل کل منها علی الآخر و یستحیل اتحادها ضرورة أنّ کلّ فعلیة تأبی عن فعلیة أُخری فیکون الترکیب بینها فی المجمع ترکیباً انضمامیاً و تعدّد الجهات التقییدیة یوجب تعدّد المعنون و الصلاة و الغصب من هذا القبیل فیکون الترکیب بینهما فی مورد الاجتماع انضمامیاً لأنّ الصلاة من مقولة و الغصب من مقولة أُخری (مقولة الأین) و المقولات أجناس عالیة و متباینات بتمام الذات و الحقیقة.

ثمّ إنّ محل النزاع فی مسألة جواز اجتماع الأمر و النهی هو ما إذا کان متعلّق الأمر و النهی من المبادی و العناوین الذاتیة و کانت النسبة بینهما عموماً من وجه؛ و أمّا إذا کان متعلّق الأمر و النهی من العناوین الاشتقاقیة فیخرج الکلام عن بحث جواز الاجتماع و لایمکن القول بالجواز لأنّ تلک العناوین الاشتقاقیة جهات تعلیلیة.

ص: 273


1- نذکره ببیان تلمیذه المحقّق الخوئی (قدس سره) راجع المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص453 - 463.

و هذه العناوین الذاتیة و المبادی مأخوذة بشرط لا، و ماهیة کلّ من تلک المبادی لابدّ أن تکون محفوظة فی جمیع الحالات لأنّ الماهیات لاتختلف و لاتتخلّف و حینئذ فإذا کانت ماهیات المبادی متباینات فلابدّ أن تکون فی مورد الاجتماع و المجمع هکذا أیضاً، فتکون ماهیة الصلاة و الغصب متباینتین فی مورد المجمع فیکون الترکیب بینهما انضمامیاً.

و علی هذا لایمکن أن تصدقان علی حرکة واحدة شخصیة و إلّا یلزم تفصّل الجنس الواحد و هی الحرکة بفصلین فی عرض واحد و هو محال بل یلزم محذور آخر هو اتحاد المقولتین المتباینتین و ذلک لأنّ الحرکة لاتکون جنساً لهما لأنّ الأعراض بسائط خارجیة فلایترکبان من الجنس و الفصل.

توضیح ذلک: إنّ الحرکة لیست مقولة برأسها فی قبال تلک المقولات، بداهة أنّ نسبة الحرکة إلی المقولات التی تقبل الحرکة نسبة المادّة إلی الصورة، فالحرکة إذا وجدت فی ضمن مقولة فهی عین تلک المقولة و لیست أمراً زائداً علیها، سواء أکانت فی مقولة الجوهر علی القول بالحرکة الجوهریة أم کانت فی مقولة الکم أو الکیف أو نحو ذلک، ضرورة أنّ الحرکة فی مقولة الجوهر لیست شیئاً زائداً علیها بل هی عینها و کذا الحرکة فی الکم و الکیف و الأین و الوضع فإنّها لاتزید علی وجودها بل هی عینها خارجاً فالحرکة الموجودة فی ضمن الصلاة لابدّ أن تکون مباینة للحرکة الموجودة فی ضمن الغصب و فرض کون الحرکة مصداقاً لهما معاً مستلزم لاتحاد المقولتین المتباینتین.

فالحرکة فی کلّ مقولة هی عین تلک المقولة و لیست زائدة علیها فإذا کانت مصداقاً للصلاة و الغصب یلزم اتحاد الصلاة و الغصب و هو محال.

و القول بالجواز یرتکز علی أن تکون الجهتان تقییدیتین فی مورد الاجتماع و

ص: 274

المفروض أنّهما کذلک فلامحالة یکون مصداق المأمور به غیر المنهی عنه فلابدّ من القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.

هذا مخلص ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی الاستدلال علی جواز الاجتماع.

مناقشات ثلاث فی استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):
المناقشة الأُولی: للمحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ الترکیب بین متعلّقی الأمر و النهی فی مورد الاجتماع ترکیب انضمامی، إنّما یتمّ فی ما إذا کان متعلّقهما من المبادی المتأصلة و العناوین الذاتیة و أمّا إذا لم یکن من هذه العناوین أو کان أحد العنوانین منها دون الآخر ففی مثل ذلک لایستدعی تعدّد العنوان تعدّد المعنون بل لابدّ من ملاحظة أنّ المطابق لهما فی مورد الاجتماع واحد أو متعدّد، فإن کان واحداً فلامناص من القول بالامتناع و إن کان متعدّداً فلامناص من القول بالجواز.

فالعنوانان المتصادیقان فی مورد اجتماع الأمر و النهی لایخلوان من أن یکونا من العناوین الذاتیة و المقولات الحقیقیة أو أن یکون أحدهما من العناوین الذاتیة و الآخر من العناوین الانتزاعیة أو أن یکون کلاهما من العناوین الانتزاعیة.

فهنا ثلاثة صور:

الصورة الأُولی: و هی ما إذا کان کلاهما من العناوین المتأصّلة فیستحیل اتحادهما فحینئذ تعدّد العنوان المقولی یوجب تعدّد المعنون.

ص: 275


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص463.

الصورة الثانیة: و هی ما إذا کان أحد العنوانین متأصّلاً و الآخر انتزاعیاً و حینئذ العنوان الانتزاعی:

إمّا أن یکون منتزعاً عن مرتبة ذات العنوان المتأصل فی الخارج فیکون الترکیب بینهما اتحادیاً فلابدّ من القول بالامتناع.

و إمّا أن یکون منتزعاً عن شیء آخر مباین للعنوان المتأصّل فیکون الترکیب بینهما انضمامیاً فلابدّ من القول بالجواز.

الصورة الثالثة: و هی ما إذا کان کلا العنوانین من العناوین الانتزاعیة و حینئذ:

إمّا أن یکونا منتزعین عن شیء واحد فی الخارج باعتبارین مختلفین فیکون الترکیب بینهما اتحادیاً فلابدّ من القول بالامتناع لأنّ متعلّق الأمر و النهی فی الحقیقة هو منشأ انتزاعهما و المفروض أنّه واحد وجوداً و ماهیة، لأنّ العنوان الانتزاعی لایخرج عن أُفق النفس إلی ما فی الخارج لیکون صالحاً لأن یتعلّق به الأمر أو النهی.

و إمّا أن یکون منشأ انتزاع کلّ منهما مغایراً لمنشأ انتزاع الآخر، فلا مانع من القول بالجواز، لأنّ الترکیب بینهما فی مورد الاجتماع ترکیب انضمامی.

المناقشة الثانیة: للمحقّق الخوئی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّ ماهیة تلک المبادی مأخوذة بشرط لا و لابدّ أن تکون محفوظة فی جمیع الحالات، لأنّ الماهیات لاتختلف و لاتتخلّف فهو إنّما یتمّ فی المبادی المتأصّلة و الماهیات الحقیقیة، و أمّا فی المبادی غیر المتأصّلة و

ص: 276


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص479.

الماهیات الانتزاعیة فلایتمّ و ذلک لأنّه لا مانع من انتزاع مفهوم واحد من ماهیات مختلفة و مقولات متعدّدة، کالغصب مثلاً فإنّه قد ینتزع من مقولة الأین (و هو الکون فی الأرض المغصوبة) و قد ینتزع من مقولة أُخری کأکل مال الغیر أو لبسه أو نحو ذلک و من المعلوم أنّ منشأ انتزاعه علی الأوّل غیر منشأ انتزاعه علی الثانی ضرورة أنّه علی الأوّل من مقولة و علی الثانی من مقولة أُخری.

فالغصب لیس من المقولات بل هی تارة منتزعة عن مقولة و ثانیة عن مقولة أُخری بل إنّ الغصب لم ینتزع من هذه المقولات بأنفسها بل انتزاعه منها باعتبار عدم إذن المالک فی التصرف بها ضرورة أنّه فی الحقیقة منشأ لانتزاعه لا نفس التصرف بها بما هو.

و فی قبال ذلک إنّ الصلاة مرکّبة من مقولات متعدّدة منها مقولة الکیف المسموع کالقراءة و الأذکار و منها الکیف النفسانی کالقصد و النیة و منها الوضع کهیئة الرکوع و السجود و القیام و القعود.

فإذن لیست للصلاة وحدة حقیقیة بل وحدتها بالاعتبار و لذا لا مطابق لها فی الخارج ما عدا هذه المقولات التی ترکّبت الصلاة منها.

تتمة للمناقشة الثانیة فیها مطالب أربعة:
اشارة

((1)):

المطلب الأوّل: عدم اتحاد الغصب مع الصلاة خارجاً

المطلب الأوّل: عدم اتحاد الغصب((2)) مع الصلاة خارجاً

و هذا یتوقف علی بیان حقیقة الصلاة التی هی عبارة عن عدّة من المقولات

ص: 277


1- أفادها المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المحاضرات، ط.ج. ج3، ص486 تبعاً للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی نهایة الدرایة، ج2، ص358.
2- بما أنّه عنوان إنتزاعی.

لنری أنّ الغصب یتحد مع هذه المقولات أو مع إحداها خارجاً أو لایتحد.

إنّ الصلاة تترکّب من مقولة الکیف النفسانی و الکیف المسموع و الوضع:

أمّا الکیف النفسانی و هی النیة فإنّها أوّل جزء للصلاة و لایشک أحد فی أنّها لیست تصرّفاً فی مال الغیر عرفاً، لتکون منشأ لانتزاع عنوان الغصب فی الخارج، ضرورة أنّ الغصب لایصدق علی الأُمور النفسانیة کالنیة و التفکّر فی المطالب العلمیة أو نحو ذلک من الأُمور الموجودة فی أُفق النفس.

أمّا الکیف المسموع مثل التکبیرة و القراءة والذکر، فلا شبهة فی أنّها لیست متّحدة مع الغصب خارجاً ضرورة أنّه لایصدق علی التکلّم فی الدار المغصوبة التصرّف فیها لیکون مصداقاً للغصب و منشأ لانتزاعه، فإنّ الغصب هنا منتزع من ماهیة مباینة لماهیة التکلّم فی الخارج، فإنّ الغصب فی المقام منتزع من الکون فی الدار و هو من مقولة الأین و التکلّم من مقولة الکیف المسموع فیستحیل اتحادهما فی الخارج و اندراجهما تحت مقولة واحدة.

أمّا الوضع مثل الرکوع و السجود و القیام و العقود، فالصحیح أنّها أیضاً غیر متّحدة مع الغصب خارجاً و الوجه فی ذلک هو أنّ هذه الأفعال من مقولة الوضع فإنّها هیآت حاصلة للمصلّی من نسبة بعض أعضائه إلی بعضها الآخر و نسبة المجموع إلی الخارج، و الوضع عبارة عن هیأة حاصلة للجسم من نسبة بعض أجزائه إلی بعضها الآخر و نسبة المجموع إلی الخارج.

و من الواضح جداً أنّ تلک الهیآت لیست بأنفسها مصداقاً للغصب و متّحدة معه فی الخارج و منشأ لانتزاعه، ضرورة عدم صدق التصرّف علیها بما هی، بل یستحیل أن تتّحد مع الغصب، لفرض أنّه فی المقام منتزع من الکون فی الأرض المغصوبة و هو من مقولة الأین و تلک الهیآت من مقولة الوضع.

ص: 278

المطلب الثانی: لا إشکال فی کون بعض أجزاء الصلاة من مقولة الوضع

قد توهّم بعض الأعلام أنّ الصلاة من مقولة الفعل، فلایعقل أن یکون أجزاؤها من مقولة الوضع لتباین المقولات.

و أجاب عنه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)) و إلیک نص عبارة المحقّق الإصفهانی (قدس سره):((2))

هذا التوهّم مدفوع بأنّ صدق الفعل العرفی علیها باعتبار صدورها منه غیرُ کونها من مقولة الفعل اصطلاحاً، لأنّ مقولة الفعل المقابلة لمقولة الانفعال عبارة عن حال التأثیر التجدّدی للمؤثر، کما أنّ مقولة الانفعال هی حالة التأثر التجدّدی، کحالتی النار و الماء فی التأثیر فی الحرارة و التأثر بها، فما دام النار مشغولة بإیجاد الحرارة فی الماء یکون لها حالة التأثیر التجدّدی و للماء حالة التأثر أمّا الأثر فهو من مقولة الکیف، فلیس کلّ فعل عرفی فعلا مقولیاً.

المطلب الثالث: السجود متّحد مع الغصب

هنا تحقیق نهائی للمحقّق الإصفهانی (قدس سره) بالنسبة إلی اتحاد السجود مع الغصب قال:((3))

التحقیق أنّ أجزاء الصلاة و إن کانت کذلک، إلّا أنّ بعضها متقوّم شرعاً بما له مساس خارجاً بالغصب کوضع الجبهة علی الأرض، فإنّ مماسّة الجبهة مقوّمة للسجدة شرعاً، و هی من مقولة الإضافة، فالسجدة بما هی هیأة وضعیة و إن

ص: 279


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص488.
2- نهایة الدرایة ج2، ص359.
3- نهایة الدرایة ج2، ص359.

لم تکن تصرّفاً فی الأرض، لکنّها بمقوّمها الشرعی و هو المماسة تصرّف فیها و هکذا الاستقرار علی الأرض فی القیام و الرکوع و التشهد، فإنّ إثبات الرجل علی الأرض و الجلوس علیها معتبر فی القیام و الرکوع و التشهّد، و کون هذا الجزء المقوّم تصرّفاً فی الدار المغصوبة ممّا لاینبغی الشبهة فیه.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعه فی اتحاد السجود و الغصب إلّا أنّه لم یرتض ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ ممّاسة الجبهة و وضعها علی الأرض مقوّمة للسجدة فقال:((1))

إنّ الظاهر عدم صدق السجدة الواجبة علی مجرد مماسة الجبهة للأرض بل یعتبر فی صدقها الاعتماد علیها، و من المعلوم أنّ الاعتماد علی أرض الغیر نحو تصرّف فیها فلایجوز و علیه یتّحد الصلاة المأمور بها مع الغصب المنهی عنه فی الخارج، فإذن لامناص من القول بالامتناع.

و علی ضوء هذا البیان قد ظهر فساد ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) من أنّه لایمکن أن تکون الحرکة الواحدة مصداقاً للصلاة و الغصب معاً و ذلک لأنّ ما أفاده (قدس سره) یرتکز علی نقطة واحدة و هی أنّ الغصب من مقولة برأسها و هی مقولة الأین و علی هذا یستحیل اتحاده مع الصلاة خارجاً لکن قد عرفت أنّ هذه النقطة خاطئة.

المطلب الرابع: لیس الهوی إلی السجود و الرکوع مصداقا للغصب

هنا أمر آخر یوجب اتحاد الصلاة و الغصب غیر مسألة السجود و هو الهوی إلی السجود و الرکوع و النهوض عنهما و هکذا جمیع الحرکات المتخلّلة بین

ص: 280


1- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص491.

الرکوع و السجود و القیام و القعود، فإنّ هذه الحرکات تکون مصادیق للغصب، ضرورة أنّ الحرکة فی الدار المغصوبة من أوضح أنحاء التصرف فیها.

و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) أجاب عن ذلک((1))بأنّ تلک الحرکات مقدّمات للرکوع و السجود و القیام و القعود، لا مقوّمات لها فما هو من الأجزاء لا اتحاد له مع الغصب و ما هو تصرّف فی الغصب عرفاً لیس من الأجزاء.

و المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً اختار هنا مقالة أُستاذه المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فقال:((2))

الصحیح هو أنّ الهوی إلی السجود و الرکوع و النهوض عنهما من المقدّمات و ذلک لأنّ الظاهر من أدلّة جزئیة الرکوع و السجود و القیام و الجلوس هو أنّ نفس هذه الهیآت جزء فحسب، لا مع مقدّماتها من الهوی و النهوض، لفرض أنّ هذه العناوین اسم لتلک الهیآت خاصّة لا لها و لمقدّماتها معاً؛ هذا من ناحیة.

و من ناحیة أُخری: إنّ المذکور فی لسان الأدلة إنّما هو نفس تلک العناوین علی الفرض، لا هی مع مقدّماتها.

و نتیجة ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) علی مسلکه هو أنّ الصلاة فی الدار المغصوبة إذا کانت مشتملة علی السجود، فلامناص من القول بالامتناع و أمّا إذا لم تکن مشتملة علیه ذاتا أو عرضاً، أو کان المکلّف متمکّناً منه علی الأرض مباحة أو مملوکة فلا مانع من القول بالجواز، فالحق عنده هو التفصیل فی جواز الاجتماع و امتناعه و المحقّق الخوئی (قدس سره) یری اتحاد الغصب و السجود خارجاً و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عمّم ذلک للرکوع و القیام و التشهّد حیث إنّ إثبات

ص: 281


1- نهایة الدرایة، ج2، ص358.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج3، ص490.

الرجل علی الأرض و الجلوس علیها جزء مقوّم للرکوع والقیام و التشهّد و لا شبهة فی أنّها تصرّف فی الدار المغصوبة((1)).

ص: 282


1- قد ذکر نظریة المحقق الإصفهانی فی مسألة اتّحاد الصلاة و الغصب و حاصلها أّن ما کان من الصلاة من مقولة الکیف النفسانی کالنیة أو الکیف المسموع کالتکبیر و القراءة و الذکر أو الوضع کالرکوع و السجود و القیام و القعود (التشهد) لیس متّحدا مع الغصب و لکن مماسة الجبهة للأرض التی هی مقومة للسجود و الإستقرار علی الأرض الذی هو مقوم للقیام و الرکوع و التشهد یتّحدان مع الغصب و أشیر أیضا إلی نظریة المحقق النائینی و هی استحالة اتّحاد الصلاة و الغصب لأّنهما من مقولتین مختلفتین و تفصیل نظریة هذا المحقق أنّه قال فی فوائد الأصول، ج 2، ص406: «إنّ العناوین المجتمعة تارةً تکون من العناوین الإشتقاقیة، و أخری تکون من المبادی. و ما تکون من المبادی تارةً یکون اجتماعهما لا علی وجه الإنضمام و الترکیب، بل کان ما بحذاء أحدهما خارجا غیر ما بحذاء الآخر و کان کل منهما قابلاً للإشارة الحسیة إلیه و کان اجتماعهما مجرد واجدیة الموضوع لهما و اجتماعهما فیه ... و أخری یکون اجتماعهما علی جهة الترکیب و الإنضمام و الإلتصاق، و ذلک کما فی الصلاة و الغصب و أمثال ذلک مما کان المبدأ من الأفعال الإختیاریة، حیث إنّه و إن اجتمعا فی الدار الغصبیة، إلّاأنّ اجتماعهما یکون علی وجه الإنضمام و الترکیب بینهما، و کان الموجود فی الدار الغصبیة مرکّباً منهما علی وجهٍ لایمکن الإشارة الحسیة إلی أحدهما دون الآخر. هذا مع ما هما علیه من المغایرة، بحیث لایصح حمل أحدهما علی الآخر، و لاتکون الصلاة غصباً و لا الغصب صلاةً، لما تقدّم من أنّ المبادی بالقیاس إلی أنفسها تکون بشرط لا، و إن کان بالقیاس إلی الذات التی تقوم بها یصح لحاظها لا بشرط. و هذا بخلاف العناوین الإشتقاقیة، فإنّها ملحوظة لا بشرط بالنسبة إلی أنفسها و بالنسبة إلی الذات القائمة بها. و من هنا کان الترکیب فیها ترکیبا اتّحادیا بحیث یصح حمل کل من العنوانین علی الآخر، و حملهما علی الذات، و حمل الذات علیهما، فیقال: زید عالم و فاسق، و العالم و الفاسق زید، و العالم فاسق، و الفاسق عالم، لمکان اتّحاد الجمیع بحسب الخارج. و هذا بخلاف الترکیب بین المبادی فیما إذا کان بینهما ترکیب، فإنّ الترکیب بینهما یکون إنضمامیا، لا اتّحادیا، لاعتبارها بشر لا، فلا اتّحاد بینها حتی یصح حمل بعضها علی بعض، لأنّ العرض لایعقل أن یقوم بعرض آخر حتی یمکن فیهما الإتّحاد. فالترکیب بین المبادی یکون نظیر الترکیب بین المادة و الصورة، حیث إنّ الترکیب فیهما یکون إنضمامیا، لا اتّحادیا، لمکان أنّهما أیضا ملحوظان بشرط لا، کالمبادی». بقی أن نذکر نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق الخراسانی و المحقق العراقی. أمّا نظریة الشیخ الأنصاری فهی اتّحاد الصلاة و الغصب قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص743: «السابع: أنّ متعلق النهی إمّا أن یکون نفس العبادة أو جزءها أو وصفها الداخلی أو الخارجی مع اتّحادهما فی الوجود أو مع اختلافهما فیه و لاینبغی الإشکال فی خروج القسم الأخیر عن محل الکلام کقولک: لاتنظر إلی الأجنبیة فی الصلاة و الوجه فی ذلک ظاهر ... و أمّا الأقسام الأخیرة، فالکلّ یحتمل وقوع النزاع فیها أمّا الأوّل فکالصلاة فی زمان الحیض و هو مبنی علی کون الصلاة منهیا عنها مطلقا فی ذلک الزمان و أمّا لو جعلناها منهیا عنها باعتبار وقوعها فی ذلک فهی من المنهی عنها لوصفها ... و أمّا الثانی ففی العبادة قد یمثّل له بمثل قولک: لاتصل الصلاة المشتملة علی العزائم، أو قولک: لاتقرأ العزائم بناء علی أنّ نهی الجزء یلازم النهی عن الکلّ ... و أمّا الثالث فهو المنهی عنه لوصفه الداخل فی العبادات فکالنهی عن الصلاة اللازم من النهی عن الإخفات فی موارد الجهر أو العکس فإنّ الجهر و الإخفات من الأوصاف الداخلیة للقراءة حتی کأنّهما من الفصول المقومة لأنواع القراءة علی وجٍه لایتصور إنفکاک القراءة من أحدهما ... و أمّا الرابع و هو المنهی عنه لوصفه الخارجی فکالنهی عن الصلاة باعتبار الغصب و فی المعاملة کالنهی عن البیع باعتبار تفویت الجمعة. و لیس ذلک من موارد اجتماع الصلاة و الغصب الغیر الملحوظ فی الصلاة بوجهٍ، کما إذا قیل: صلّ، و لاتغصب و اتّفق اجتماعهما فی فرد واحد، فإنّ المفروض أنّ النهی تعلّق بالصلاة باعتبار وصفه الخارج المفارق المتحد له فی الوجود و هذا هو الوجه فی إفرادنا الوصف الداخلی عن الوصف الخارجی بالذکر، حیث إنّه لایمکن إیجاد الجهر و الإخفات فی ضمن غیر الصوت، بخلاف الغصب فإنّه علی تقدیر تعلق النهی به یمکن إیجاده فی ضمن غیر الصلاة، فیلاحظ». و أمّا نظریة المحقق الخراسانی فهی إمکان دعوی أنّ القیام و غیره من أکوان الصلاة و إن کان غیر التمکن فی ذاک المکان إلّا أنّه تصرّفٌ فیه عرفاٌ قال فی اللمعات النیرة، ص310: «(و تبطل فی المغصوب مع العلم بالغصب) والإختیار قطعا لو کان کونٌ من أکوانها تصرّفا فیه، أو کان مستلزما للتصرف فیه و کان التصرف فیه فعلا حراما لما حقّقناه تحریرا و تقریرا من امتناع اجتماع الأمر و النهی فإذا وقع محرّما فعلا فلایکاد یمکن التقرب به و قد اعتبر فی صحته . نعم، لو فرض غلبة جانب الأمر علی النهی بحیث وقع فعلا محبوبا لَصحّت الصلاة فیه، کما فی حال غیر الإختیار فی الجملة و أمّا إذا لم یکن کونٌ من أکوانه تصرّفا فیه بل مقارنا له، کما إذا قام مثلا بسوء الإختیار فی فضاء غصبی، فتکون هناک له هیأة محاطیة للفضاء المحیط به، و هی أین و هیئة أخری من نسبتین نسبة الأجزاء بعضها مع البعض؟ ونسبتها إلی خارج و کون الصلاة هو هذه الهیأة لا الهیأة الأولی، و لا دخل لإحداهما بالأخری و إن کانت مقارنة لها فی العروض علی موضوع واحد اللهم إلّا أن یدعی أنّ القیام وغیره من أکوان الصلاة و إن کان غیر التمکن فی ذاک المکان، إلّا أّنه لمّا کان تصرّفاً فیه عرفاً کان النهی عن الغصب نهیا عنه حقیقة، فیحرم، فتبطل الصلاة . و لیس هذا - لو سلّم - من الخطأ فی التطبیق، إذ الفرض أنّ مفهوم خطاب لاتغصب المکان عرفا تحریم مثل القیام و القعود و نحوهما فیه علی التحقیق . و لذا یمثّل لاجتماع الأمر و النهی بصلّ و لاتغصب و لا یناقش فیه و إن کان من الممکن ذلک لئلّا یناقش فی المثال فتأمّل جیداً . هذا کلّه مع العلم بالغصبیة والإختیار». و نظریة المحقق العراقی أنّ الغصب عبارةٌ عن الفعل الشاغل لمحل الغیر فی حال عدم رضاه و هذا العنوان ینطبق علی الأجزاء الصلاتیة لکونها أفعالا فیکون الرکوع و غیره من الأفعال فعلا شاغلا للمکان. (راجع مقالات الأصول، ج 1، ص362).

ص: 283

المناقشة الثالثة فی استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ هذا الاستدلال یتوقف علی سرایة الحکم من العنوان إلی المعنون کما أفاده المحقّق الخراسانی (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة و صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) أیضاً بأنّ العناوین تؤخذ فی متعلّقات الأحکام لا بما هی هی بل بما هی معرّفة و مشیرة إلی ما هو المتعلّق فی الواقع.

و لکنک عرفت أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) من أنّ الأحکام تتعلّق بالوجودات العنوانیة لا بالمعنونات الخارجیة و بذلک ظهر بطلان استدلال المحقّق النائینی (قدس سره) علی الجواز و أیضاً بطلان نظریة التفصیل الذی اختاره المحقّق الخوئی (قدس سره) .

ص: 284


1- و أیضاً علی نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) أی التفصیل الذی ذکره هنا.
الدلیل الثالث للقول بالجواز: من المحقّق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما)
اشارة

((1))

إنّ الأمر و النهی یتعلّقان بالطبائع و الأفرادُ مقدّمات لتحقّقها و وجودها و حینئذ:

إن لم نقل بوجوب المقدّمة (کما هو الحقّ) کان معروض الحرمة ( و هو المقدّمة) مغایراً لمعروض الوجوب، و هو الواجب المتوقّف علیها، فلایلزم اجتماع الوجوب و الحرمة فی شیء واحد. (فإنّ طبیعة الصلاة هی متعلّق الأمر النفسی و الفرد متعلّق النهی النفسی لأنّه غصب).

و إن قلنا بوجوب المقدّمة و بمقدّمیة الفرد لوجود الطبیعة یلزم اجتماع الوجوب الغیری و النهی النفسی فی هذا الفرد و لا بأس به لأنّ أحدهما نفسی و الآخر غیری. (هذا علی ما فی أجود التقریرات و لکن فی تحقیق الأُصول((2)) جعل متعلّق النهی النفسی هو الطبیعة و أخذ الفرد مقدّمة لها فیجتمع الوجوب و الحرمة الغیریان و المحقّق القمی (قدس سره) یقول: لا بأس به.)

إیرادات ثلاثة علی الدلیل الثالث:
الإیراد الأوّل: ما أفاده المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما)

((3))

إنّ الفرد هو عین الطبیعی فی الخارج، کیف و المقدّمیة تقتضی الاثنینیة بحسب الوجود و لاتعدّد کما هو واضح، فلایعقل کون الفرد مقدّمة لوجود الطبیعی.

ص: 285


1- القوانین، ج1، ص141؛ مطارح الأنظار، ص144.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص77.
3- کفایة الأصول، ص161؛ أجود التقریرات، ج2، ص151.
الإیراد الثانی:

((1))

إنّ الغصب من العناوین الانتزاعیة و قد ینتزع من بعض المقولات الصلاتیة فما هو متعلّق الأمر بعینه هو متعلّق النهی.

الإیراد الثالث:

((2))

إنّ محذور اجتماع الضدّین - بناء علی وجوب المقدّمة- یشمل الوجوب و الحرمة الغیریین.

ص: 286


1- تحقیق الأصول، ج4، ص77.
2- نفس المصدر.
الدلیل الرابع للقول بالجواز:
اشارة

((1))

إنّ الطبائع من حیث هی هی و إن کانت لیست إلّا هی و لاتتعلّق بها الأحکام الشرعیة إلّا أنّ تلک الطبائع مقیدة بالوجود -بحیث کان القید خارجاً و التقید داخلاً- تکون متعلّقاً للأحکام و متعلّقا الأمر و النهی علی هذا لایکونان متّحدین أصلاً، لا فی مقام تعلّق البعث و الزجر و لا فی مقام عصیان النهی و إطاعة الأمر بإتیان المجمع بسوء الاختیار.

أمّا فی المقام الأوّل، فلتعدّدهما بما هما متعلّقان للبعث و الزجر و إن کانا متّحدین فی الوجود الذی هو قید الطبیعة و خارج عنها.

أمّا فی المقام الثانی، فلسقوط أحدهما بالإطاعة و سقوط الآخر بالعصیان بمجرد الإتیان بالمجمع فلابدّ من تعدّدهما من حیث المتعلّق و إلّا لایمکن امتثال الأمر بإتیان المنهی عنه.

و نتیجة ذلک هو تعدّد متعلّق الأمر و النهی فلابدّ من القول بالجواز.

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علی الدلیل الرابع
اشارة

((2))

إنّه لایکاد یجدی بعد ما عرفت من أنّ تعدّد العنوان لایوجب تعدّد المعنون لا وجوداً و لا ماهیة، و أنّ المتعلّق للأحکام هو المعنون لا العنوان.

جواب عن هذا الإیراد:

یرد علیه ما تقدّم مفصلاً من أنّ متعلّقات الأحکام هی الوجودات العنوانیة

ص: 287


1- و هذا یستفاد أیضاً من کلام المحقّق القمی (قدس سره) فی القوانین، ص140؛ نقله فی الکفایة، ص160.
2- کفایة الأصول، ص160.

و لانحتاج إلی البحث عن أنّ العنوان هل یوجب تعدّد المعنون أو لا.

ملاحظتنا علی هذا الاستدلال:

إنّه یبتنی علی تعلّق الأوامر و النواهی بالطبائع مع إخراج قید الوجود عنها و قد تقدّم أنّ الأحکام تتعلّق بالوجود العنوانی الفرضی للطبیعة الذی هو فی أُفق الاعتبار.

ص: 288

الدلیل الخامس للقول بالجواز:
اشارة

((1))

إنّه لو لم یجز اجتماع الأمر و النهی لما وقع نظیره و لکن قد وقع نظیر ذلک کما فی العبادات المکروهة کالصلاة فی مواضع التهمة و فی الحمام و الصیام فی السفر و فی بعض الأیام مثل یوم عاشوراء.

بیان الملازمة: إنّه لو لم یکن تعدّد الجهة مجدیاً فی إمکان اجتماع الأمر و النهی فلابدّ أن لایجوز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الکراهة فی مورد واحد مع تعدّد الجهة أیضاً و التالی باطل حیث نری جواز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الوجوب فی مورد واحد مع تعدّد الجهة فإذا جاز اجتماع حکمین آخرین مثل الاستحباب و الکراهة فلابدّ من أن یجوز اجتماع الوجوب و الحرمة، فإنّ تعدّد الجهة إن کان مجدیاً فی الحکمین الآخرین لکان مجدیاً فی اجتماع الأمر و النهی و الوجوب و الکراهة.

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الاستدلال:
اشارة

لقد أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) إجمالاً ثم أجاب تفصیلاً:

الجواب الإجمالی:

أوّلاً: بعد قیام الدلیل و البرهان علی امتناع اجتماع الحکمین المتضادّین لابدّ من التصرّف و التأویل فی ما وقع فی الشریعة ممّا ظاهره الاجتماع، ضرورة أنّ الظهور لایصادم البرهان.

ص: 289


1- و هو الوجه الثانی الذی استدل به المحقّق القمی (قدس سره) فی القوانین، ج1، ص140.

ثانیاً: إنّ مورد البحث فی مسألة اجتماع الأمر و النهی هو اجتماع الحکمین فی مورد واحد مع تعدّد الجهة و الموارد و الأمثلة التی استدلّ بها القائل بالجواز ظاهرة فی جواز اجتماع الأمر و النهی فی مورد واحد بجهة واحدة، لأنّ متعلّق الأمر و النهی فی تلک الأمثلة واحد مثل النهی عن الصلاة فی الحمّام و لایقول القائل بالجواز فی مسألة الاجتماع بجواز اجتماعهما فی مورد واحد بجهة واحدة فلابدّ من تأویل هذه الأمثلة.

الجواب التفصیلی:
اشارة

إنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام:

أحدها: ما تعلّق به النهی بعنوانه و ذاته و لا بدل له کصوم یوم عاشوراء و النوافل المبتدأة فی بعض الأوقات و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص المطلق.

ثانیها: ما تعلّق به النهی بعنوانه و ذاته و یکون له البدل کالنهی عن الصلاة فی الحمّام و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص المطلق أیضاً.

ثالثها: ما تعلّق به النهی لا بذاته بل تعلّق النهی إمّا بما یغایره مفهوماً و یتّحد و یجامع معها مفهوماً بناء علی دخول أکوان الصلاة فی حقیقتها (و المراد من الأکوان هو کون الصلاة فی الحمّام مثلاً أو فی مکان آخر) و إمّا بما یلازمه خارجاً بناء علی خروج أکوان الصلاة عن حقیقتها و مثال هذا القسم الأخیر هو الصلاة فی موضع التهمة و النسبة بین المأمور به و المنهی عنه علی نحو العموم و الخصوص من وجه.

ص: 290

القسم الأوّل من العبادات المکروهة: کصوم یوم عاشوراء
اشارة

النهی التنزیهی لاینافی صحّة العمل حیث قام الإجماع علی أنّه یقع صحیحاً و لکن ترکه أرجح کما یظهر من مداومة الأئمة (علیهم السلام) علی الترک.

هنا ثلاثة طرق لحلّ المشکلة فی القسم الأوّل:

الطریق الأوّل: طریق الانطباق
اشارة

((1))

بیانه: إنّ النهی لأجل انطباق عنوان ذی مصلحة علی الترک فالنهی لایدلّ علی الزجر، فعلی هذا یکون الترک کالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض و إن کان مصلحة الترک أکثر.

فهما حینئذ یکونان من قبیل المستحبین المتزاحمین فإن لم یکن أحدهما أهمّ من الآخر یحکم بالتخییر و إن کان أحدهما أهمّ فیتعین الأهم و إن کان الآخر یقع صحیحاً و أرجحیة الترک من الفعل لاتوجب حزازة و منقصة فی الفعل.

هذا بخلاف مسألة الاجتماع حیث إنّ النهی فیها حقیقی فیدلّ علی وجود المفسدة الملزمة فی المتعلّق فتکون فیه الحزازة و المنقصة و هذه المنقصة تمنع عن صلاحیة التقرّب بالعمل.

مناقشة المحقّق النائینی (قدس سره) فی الطریق الأوّل:

((2))

إلیک نصّ کلام المحقّق النائینی (قدس سره): إنّ الفعل و الترک إذا کان کلّ منهما مشتملاً علی مقدار من المصلحة، فبما أنّه یستحیل تعلّق الأمر بکلّ من النقیضین

ص: 291


1- هو مختار الشیخ الأنصاری فی مطارح الأنظار، ص137.
2- أجود التقریرات، ج2، ص173.

فی زمان واحد یکون المؤثر فی نظر الآمر إحدی المصلحتین علی تقدیر کونها أقوی من الأُخری و تسقط کلتاهما عن التأثیر علی تقدیر التساوی، لاستحالة تعلّق الطلب التخییری بالنقیضین، لأنّه من طلب الحاصل و علیه یستحیل کون کلّ من الفعل و الترک مطلوباً بالفعل.

و بالجملة اشتمال کلّ من الفعل و الترک علی المصلحة یوجب تزاحم الملاکین فی تأثیرهما فی جعل الحکم علی طبق کلّ منهما، لاستحالة تأثیرهما فی زمان واحد فی طلب النقیضین تعییناً أو تخییراً.

و علیه یتفرّع وقوع التزاحم فی التأثیر فی ما کان کلّ من الضدّین اللذین لا ثالث لهما مشتملاً علی المصلحة أو المفسدة الداعیة إلی جعل الحکم علی طبقها و فی ما إذا کان أحد المتلازمین دائماً مشتملاً علی مصلحة و الآخر مشتملاً علی مفسدة، فإنّه فی جمیع ذلک یستحیل جعل الحکم علی طبق کلّ من الملاکین تعییناً أو تخییراً، لرجوعه إلی طلب النقیضین المفروض استحالته.

فلابدّ من جعل الحکم علی طبق أحد الملاکین إن کان أحدهما أقوی من الآخر و إلّا فلایؤثر شیء منهما فی جعل الحکم علی طبقه.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ ذلک أی لزوم استحالة طلب النقیضین فی ما إذا کانت المصلحة مترتّبة علی مطلق وجود الفعل و الترک، أمّا فی ما إذا کانت مترتّبة علی حصّة خاصّة من الفعل (کما هو الحال فی موارد العبادات المکروهة التی هی محل الکلام، إذ المصلحة فیها مترتّبة علی الفعل المأتی به عبادة) فلامحالة یکون المورد داخلاً فی

ص: 292


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص173.

صغری تزاحم المستحبّین، لأنّ المکلّف حینئذ قادر علی ترکهما و الإتیان بالفعل المجرّد عن قصد القربة لأنّ المورد من باب الضدّین الذین لهما ثالث و هو غیر قادر علی الجمع بینهما.

فإذا کانت مصلحة الترک أهمّ من مصلحة الفعل، لم یکن مانع من النهی عن الفعل إرشاداً إلی ما فی الترک من المصلحة، فالکراهة فی هذه الموارد لم تنشأ من حزازة و منقصة فی الفعل لتنافی کونَه عبادة، بل إنّما نشأت من کون الترک أرجح من الفعل، کما یظهر ذلک من مداومة الأئمة (علیهم السلام) علی الترک و أمرهم أصحابهم به و هذا لاینافی صحّة الفعل إذا أتی به عبادة.

و هذا الوجه هو الذی أفاده العلامة الأنصاری (قدس سره) فی تصویر الکراهة فی العبادة فی هذا القسم و هو الصحیح.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی المحقّق الخوئی (قدس سره):

أوّلاً: إنّ مخالفة بنی أمیة تتحقّق بأمرین: ترک الصوم مطلقاً و إتیان الصوم بدون قصد القربة لأنّ بنی أمیة صاموا یوم عاشوراء بقصد القربة.

یلاحظ علیه:

إنّ الأولی أن یقال: إنّ مخالفة بنی أمیة تتحقّق إمّا بترک الإمساک أو بالإمساک من دون قصد الصوم، لأنّ صومهم یوم عاشوراء لم یکن بقصد القربة إلی الله تعالی بحسب الباطن بل أمسکوا بقصد الصوم طعناً علی آل الرسول (علیهم السلام) و للتظاهر بالإسلام حتّی لایعترض علیهم و کذلک قوله لعنه الله:

لعبت هاشم بالملک فلا

خبر جاء و لا وحی نزل

ص: 293

ثانیاً: إنّ بعض الأخبار صریح فی استحباب صوم یوم عاشوراء بحیث لایمکن أن یدّعی مداومة أهل البیت (علیهم السلام) علی الترک.

منها: ما فی الروایة من أنّه «صَامَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) یوْمَ عَاشُورَاءَ»((1)).

و منها: ما ورد من قولهم (علیهم السلام): «فَإِنَّهُ یکَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ» ((2)).

یلاحظ علیه:

إنّ بنی أمیة و مخالفی أهل البیت (علیهم السلام) قد وضعوا روایات کثیرة فی فضیلة یوم عاشوراء بل نسبوه إلی أهل البیت (علیهم السلام) و غرضهم من ذلک هو أن یعدّ یوم عاشوراء عیداً لا مصیبة فإنّ الصوم قد ورد فی الأعیاد العظیمة، فلایمکن الاعتماد علی تلک الأخبار.

الطریق الثانی: طریق الملازمة

بیانه: إنّ الترک لیس مستحباً و لا متعلّق البعث بل هناک عنوان آخر ملازم لترک صوم یوم عاشوراء و هذا العنوان الملازم واجد للمصلحة و مصلحتة أقوی من مصلحة صوم یوم عاشوراء و الطلب المتعلّق بالترک حینئذ لیس بحقیقی بل بالعرض و المجاز فالطلب متعلّق فی الحقیقة بهذا العنوان الملازم و هو هنا مخالفة بنی أُمیة و هذا العنوان (مخالفة بنی أُمیة) بناء علی الطریق الأوّل حیثیة تعلیلیة لاستحباب الترک و بناء علی الطریق الثانی حیثیة تقییدیة.

ص: 294


1- وسائل الشیعة، ج10، ب20، ص457.
2- وسائل الشیعة، ج10، ب20، ص457.
الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر
اشارة

قال صاحب الکفایة (قدس سره): نعم یمکن أن یحمل النهی فی کلا القسمین (أی الطریق الأوّل و الطریق الثانی) علی الإرشاد إلی الترک الذی هو أرجح من الفعل أو ملازم لما هو الأرجح و أکثر ثواباً لأرجحیة الترک من الفعل و علیه یکون النهی علی نحو الحقیقة لا بالعرض و المجاز.((1))

نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل:
النظریة الأُولی: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

التحقیق فی الجواب من هذا القسم یتضح برسم مقدّمة نافعة فی جملة من الموارد و هی أنّه لا شبهة فی أنّ النذر إذا تعلّق بالعبادة المستحبة فالأمر الناشی من النذر یتعلّق بذات العبادة التی کانت متعلّقة للأمر الاستحبابی فی نفسها فیندک الأمر الاستحبابی فی الأمر الوجوبی و یتّحد معه، فیکتسب الأمر الوجوبی جهة التعبد من الأمر الاستحبابی، کما أنّ الأمر الاستحبابی یکتسب جهة اللزوم من الأمر الوجوبی فیتولّد من اندکاک أحد الأمرین فی الآخر أمر واحد وجوبی عبادی و السر فی ذلک أنّه إذا کان متعلّق کلّ من الأمرین عین ما تعلّق به الآخر فلابدّ من اندکاک أحدهما فی الآخر و إلّا لزم اجتماع الضدین فی شیء واحد.

و أمّا إذا کانت العبادة المستحبة متعلّقة للإجارة فی موارد النیابة من الغیر، کان متعلّق الأمر الاستحبابی مغایراً لما تعلّق به الأمر الوجوبی، لأنّ الأمر الاستحبابی علی الفرض تعلّق بذات العبادة، و أمّا الأمر الناشئ من الإجارة فهو

ص: 295


1- کفایة الأصول، ص164.
2- أجود التقریرات، ج2، ص174.

لم یتعلّق بها بل تعلّق بإتیان العبادة بداعی الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه، بداهة أنّ ذات العبادة من دون قصد النیابة عن المنوب عنه لم یتعلّق بها غرض عقلائی من المستأجر، و لأجله تبطل الإجارة لو تعلّقت بها أو بمثلها (أی بذات العبادة من دون قصد النیابة عن المنوب عنه أو بمثلها) ممّا لم یتعلّق به غرض عقلائی.

و علی ذلک یترتّب أنّه یستحیل تداخل الأمرین باندکاک أحدهما فی الآخر فی موارد الإجارة علی العبادة، إذ التداخل فرع وحدة المتعلّق و المفروض عدمها فی تلک الموارد، فلایلزم اجتماع الضدّین فی شیء واحد من تعلّق الأمر الاستحبابی بذات العمل و تعلّق الأمر الوجوبی بإتیان العبادة بداعی امتثال الأمر المتوجّه إلی المنوب عنه.

إذا عرفت ذلک، فنقول:

إنّ الإشکال فی اتّصاف العبادة بالکراهة، إنّما نشأ من تخیل أنّ متعلّق الأمر و النهی هو شیء واحد مع أنّه لیس کذلک، لوضوح أنّ متعلّق الأمر هو ذات العبادة و أمّا النهی التنزیهی فهو لم یتعلّق بها، لعدم مفسدة فی فعلها و لا مصلحة فی ترکها بل تعلّق بالتعبّد بهذه العبادة، لما فیه من المشابهة للأعداء.

و بما أنّ النهی تنزیهی و هو متضمّن للترخیص فی الإتیان بمتعلّقه، جاز التعبّد بتلک العبادة بداعی امتثال الأمر المتعلّق بذاتها.

نعم لو کان النهی تحریمیاً، لکان مانعاً من تعلّق الأمر بها بخصوصه و من شمول إطلاق المأمور به للفرد المنهی عنه، لوضوح التنافی بینه و بین حرمة التعبّد به فیکون الفرد المنهی عنه خارجاً عن حیّز الأمر و یکون دلیل النهی مقیداً لإطلاق دلیل الأمر و إذا فرضنا اختلاف متعلّق الأمر و النهی فلایمکن أن یکون دلیل النهی مقیداً لإطلاق دلیل الأمر.

ص: 296

فظهر أنّ متعلّق النهی التنزیهی فی هذا القسم بما أنّه مغایر لمتعلّق الأمر لایکون منافیاً له، و بما أنّه تنزیهی لایکون مانعاً عن التعبّد بمتعلّقه، فارتفع إشکال اجتماع الضدّین فی هذا القسم من العبادات المکروهة أیضاً.

مناقشتان للمحقّق الخوئی (قدس سره) فی ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

المناقشة الأُولی:

إنّ ما أفاده من دعوی تعلّق الکراهة بالتعبّد بالعبادة المتعلّق بها الأمر الاستحبابی خلاف ظواهر الأدلّة الدالّة علی النهی عن نفس العبادة (عَنْ عَبْدِالْمَلِک عَنْ ُأَبی عَبْدِ الله (علیه السلام):.... فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیاد و أیضاً عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِیسَی أَخِیهِ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا یقُولُ النَّاسُ فِیهِ فَقَال.... وَ هُوَ یوْمٌ یتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ علیهم السلام وَ یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْیوْمُ الَّذِی یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا یصَامُ وَ لَا یتَبَرَّکُ بِه((2)))

المناقشة الثانیة:

((3))

إنّ الأمر الاستحبابی کما تعلّق بذات العبادة، تعلّق بالتعبد بها أیضاً، کما عرفت ذلک فی بحث التعبّدی و التوصّلی، غایة الأمر أنّ تعلّقه به إنّما هو بالأمر الثانی الموجب لتقیید الأمر الأوّل بنتیجة التقیید علی ما ذهب إلیه شیخنا الأُستاذ (قدس سره) و علیه فإذا کان التعبّد بعبادةٍ ما متعلّقاً للنهی التنزیهی أیضاً، لزم اجتماع حکمین متضادّین فی شیء واحد و هو مستحیل.

ص: 297


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص176.
2- وسائل الشیعة، ج10، ص459، ب21، ح1و2.
3- حاشیه أجود التقریرات، ج2، ص176.
النظریة الثانیة: عن المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه أجاب عن توهّم کراهیة العبادات فی ما لا بدل لها بوجهین:

الوجه الأوّل: حمل النهی علی أقلیة الثواب و الرجحان و الوجه الثانی: صرف النهی عن ظاهره و هذا بجعل متعلّقه إیقاع الصوم فی الوقت الکذائی نظیر النهی عن إیقاع جوهر نفیس فی مکان قذر بجعل المبغوض کینونة العبادة فی وقت کذا لا نفسها، حتّی لاینافی المبغوضیة محبوبیة العمل.

أورد علیه بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ کلا الوجهین مخالف لظواهر الأدلّة حیث إنّ النهی ظاهر فی معناه الحقیقی و متعلّق بعین ما تعلّق به الأمر و هو صوم یوم عاشوراء.

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما)
اشارة

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی ((3)) و المحقّق الفشارکی (قدس سرهما) ((4))

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره):

إنّ مصلحة الترک و لو بعنوان آخر إن کانت مساویة لمصلحة الفعل، فالکراهة و الاستحباب کلاهما ملاکی، لاستحالة فعلیة الطلبین- و سیجیء إن شاء الله بیان بطلان هذا القول فی المناقشة الثالثة- و إن کانت أرجح من مصلحة الفعل فالکراهة بمعنی طلب الترک عن مصلحة فعلیة والاستحباب ملاکی.

ص: 298


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص428.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص99.
3- نهایة الدرایة، ج2، ص331.
4- علی ما نقل فی درر الفوائد، ج1-2، ص169.

و علی أی حال لیس للفعل استحباب و رجحان فی ذاته فعلاً، حتّی یلزم اختلاف المتلازمین فی الحکم (العنوان الواحد یقبل الحکمین بناء علی جواز الاجتماع فضلاً عن المتلازمین فلا مانع من استحباب صوم یوم عاشوراء نفسیاً و کراهته بالمعنی المصطلح لانطباق عنوان موافقة بنی أُمیة علیه) أو یوجب مرجوحیة الترک بذاته فعلاً، لیلزم اختلاف العنوان و المعنون فی الحکم الفعلی، فلیس الفعل إلّا راجحاً شأناً، لا راجحاً فعلاً، و لا بذاته مرجوحاً فعلاً، حتّی ینافی وقوعه عبادة، بل لازمه أی موافقة بنی أُمیة مرجوح فعلاً.

بل التحقیق أنّ الراجحیة و المرجوحیة بمعنی الغالبیة و المغلوبیة فی تأثیر الملاک و لا منافاة بین عدم تأثیر الترک بعنوانه و تأثیر عنوانه الطاری، فلم یلزم اختلاف العنوان و المعنون فی الحکم، و لا اختلاف المتلازمین فی الحکم، بل اختلافهما أی اختلاف المتلازمین فی مقام التأثیر بالنفی و الثبوت حیث إنّ الترک لم یؤثر و ملازمه یؤثر فلم یلزم اختلافهما فی مقولة الحکم الحقیقی الفعلی و لا اجتماع الوصفین الثبوتیین المتضایفین فی واحد فافهم جیداً.

بیان المحقق الفشارکی (قدس سره):

إلیک نصّ بیان المحقّق الحائری (قدس سره) نقلاً عن أُستاذه المحقق الفشارکی (قدس سره):

الذی یمکن أن یقال فی حلّ الإشکال أمران: أحدهما ما أفاده سیدنا الأُستاذ (نوّر الله مضجعه) و هو أن یقال برجحانِ الفعل من جهة أنّه عبادة و رجحانِ الترک من حیث انطباق عنوان راجح علیه و لکون رجحان الترک أشدّ من رجحان الفعل غلب جانب الکراهة و زال وصف الاستحباب و لکن الفعل لما کان مشتملاً علی الجهة الراجحة، لو أتی به یکون عبادة، إذ لایشترط فی صیرورة العمل عبادة وجود الأمر، بل یکفی تحقّق الجهة فیه علی ما هو التحقیق فهذا

ص: 299

الفعل مکروه فعلاً لکون ترکه أرجح من فعله، و إذا أتی به یقع عبادة لاشتماله علی الجهة.

إیرادات ثلاثة علی النظریة الثالثة:
الإیراد الأول: عن المحقّق الحائری (قدس سره) علی هذا القول
اشارة

((1))

إنّ العنوان الوجودی لایمکن أن ینطبق علی العدم، لأنّ معنی الانطباق هو الاتحاد فی الوجود الخارجی و العدم لیس له وجود خارجی.

جواب المحقّق الإصفهانی (قدس سره) عن هذا الإیراد:

((2))

إنّ هذا الإیراد یتوجّه علی أصل الالتزام بانطباق عنوان راجح علی الترک و لیس إیراداً علی هذه النظریة بخصوصه.

و یندفع بأنّ المحال انتزاع مفهوم ثبوتی من العدم و العدمی، و أمّا المفهوم السلبی فهو موافق فی حیثیة العدم لما ینتزع منه و لایلزم منه رجوع ما حیثیة ذاته حیثیة النفی إلی حیثیة الثبوت و بالعکس فمثل صوم یوم عاشوراء -حیث إنّه موافقة لبنی أُمیة لالتزامهم بصوم هذا الیوم شکراً و فرحاً- ترکه مخالفة لهم و هی مطلوبة للشارع و لیست المخالفة هنا إلّا عدم الموافقة لهم فی الصوم.

و اتّصاف شیء بشیء (مثل اتّصاف ترک صوم یوم عاشوراء بکونه ترکاً لموافقة بنی أُمیة) لایستدعی الثبوت الخارجی (حیث إنّ ترک صوم یوم عاشوراء أمر عدمی لا ثبوت خارجی له و مع ذلک یکون متّصفاً بکونه ترکاً لموافقتهم)

ص: 300


1- درر الفوائد، ج1-2، ص169.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص332.

بل الثبوت فی ظرف الاتّصاف علی الوجه المناسب للمثبت له، و لو بلحاظ الغرض و التقدیر، و لهذا یوصف الأعدام و یخبر عنها.

الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) فی هذه النظریة
اشارة

((1))

إنّ الأمر العدمی لایمکن أن یکون واجداً للمصلحة، لأنّ المصلحة أمر وجودی و الأمر الوجودی لایقوم بالأمر العدمی؛ و علی هذا ترک صوم عاشوراء لیس ذا مصلحة بل فعل صوم عاشوراء یکون ذا مفسدة و هذا معنی الکراهة.

یلاحظ علیه:

إنّ الأمر العدمی له حظّ ضعیف من الوجود و لذلک یکون ذا مصلحة أحیاناً مثل المصلحة المترتبة علی الإمساک.

الإیراد الثالث: عن بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً
اشارة

إنّ هذه النظریة مخالفة لظواهر الأدلّة، لأنّ بعض النصوص صریحة فی أنّ صوم یوم عاشوراء مبغوض و موجب لاستحقاق العقاب و علی هذا لابدّ أن لایصحّ الإتیان به و لایکون فعله عبادة.

ملاحظة علیه:

إنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) ناظر إلی القسم الأوّل الذی مثّل له بصوم یوم عاشوراء و المناقشة الثانیة للأُستاذ المحقّق (حفظه الله) لایکون إلّا بالنسبة إلی المثال.

ص: 301


1- تحقیق الأصول، ج4، ص101.
تکملة و بحث استطرادی:
کلام بعض الأساطین (حفظه الله) حول صوم یوم عاشوراء
اشارة

((1))

إنّ الأعلام اختلفوا فی حکم صوم یوم عاشوراء علی أقوال:

القول الأوّل: الحرمة
اشارة

بعض الأعلام قالوا بحرمته مثل صاحب الحدائق (قدس سره) .

دلیل هذا القول هو ما ورد فی الکافی عن أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (علیه السلام): صَوْمٌ مَتْرُوکٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوکُ بِدْعَةٌ.((2))

فعلی هذا صوم یوم عاشوراء منسوخ.

إیرادات أربعة علی هذا الدلیل:
الإیراد الأوّل و الثانی و الثالث: من بعض الأساطین (حفظه الله)
اشارة

((3))

أوّلاً: إنّ الروایة ضعیفة سنداً.

و ثانیاً: إنّ المراد من المتروکیة فی الروایة یمکن أن یکون متروکیة أصل الوجوب.

ص: 302


1- تحقیق الأصول، ج4، ص102.
2- وسائل الشیعة، ج10، ص461، کتاب الصیام، أبواب الصوم المندوب، باب21، ح5: «مُحَمَّدُ بْنُ یعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی عَنْ یعْقُوبَ بْنِ یزِیدَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِی الْوَشَّاءِ قَالَ حَدَّثَنِی نَجِیةُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَطَّارُ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) ....»
3- تحقیق الأصول، ج4، ص102.

و ثالثاً: إنّ النسخ لایلائم ما ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام) عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) من الأمر بصوم یوم عاشوراء.((1))

ص: 303


1- قال فی تحقیق الأصول، ج 4، ص103: «و ثالثاً: إنّ النسخ لایتلائم مع الروایة عن الإمام الباقر و التی فیها صدور الأمر بصوم عاشوراء عن أمیر المؤمنین علیه الصلاة و السلام». و هذه العبارة تضعیف لوقوع نسخ صوم یوم العاشور بنزول شهر رمضان و نذکر هنا بعض من قال ببطلان النسخ: ففی متشابه القرآن و مختلفه لابن شهر آشوب، ج2، ص152: «و أمّا إدّعاؤهم أنّ شهر رمضان نسخ صوم یوم عاشوراء فباطلٌ لأنّه لایمکن اجتماعهما فی حال». و فی تفسیر المیزان، ج2، ص8: «قوله تعالی: أیاماً معدودات، منصوبٌ علی الظرفیة بتقدیر فی و متعلق بقوله الصیام ... و قد مرّ أنّ قوله: شهرُ رمضان الذی أُنزل فیه القرآن (إلخ) بیانٌ للأیام فالمراد بالأیام المعدودات شهر رمضان . و قد ذکر بعض المفسرین: أنّ المراد بالأیام المعدودات ثلاث أیام من کلّ شهر و صوم یوم عاشوراء، و قال بعضهم: و الثلاث الأیام هی الأیام البیض من کل شهر و صوم یوم عاشوراء فقد کان رسول الله و المسلمون یصومونها، ثمّ نزل قوله تعالی: شهرُ رمضانَ الذی أنزل فیه القرآن الخ، فنسخ ذلک و استقرّ الفرض علی صوم شهر رمضان، و استندوا فی ذلک إلی روایات کثیرة من طرق أهل السنة و الجماعة لاتخلو فی نفسها عن اختلاف و تعارض و الذی یظهر به بطلان هذا القول أوّلاً» إلخ. و فی الصحیح من سیرة النبی الأعظم (صلی الله علیه و آله)، ج5، ص191: «... و فی الصحیحین و غیرهما أیضاً: عن عائشة، و غیرها: کانت قریش تصوم عاشوراء فی الجاهلیة، و کان رسول الله صلی الله علیه وآله یصومه، فلمّا هاجر إلی المدینة صامه، و أمر بصیامه، فلّما فرض شهر رمضان قال: من شاء صامه، و من شاء ترکه ... کذب تلک الروایات: و نحن نعتقد و نجزم بأنّ ذلک کله من نسج الخیال. فبعد غضّ النظر عن ... و عن تناقضها فیما بینها [و] یکفی [فیه] أن نذکر أنّ روایة تقول: ... و ثالثة: إنّه ترک یوم عاشوراء بعد فرض شهر رمضان ... فنحن بعد غضّ النظر عن ذلک نشیر إلی ما یلی: أوّلاً» إلخ. و فی قبالهم قال فی الفصول الغرویة، ص237: «فصلٌ: لا ریب فی جواز النسخ إلی المساوی و الأخفّ و الحقّ جوازه إلی الأثقل أیضا وفاقا للمحققین و خالف فی ذلک قومٌ لنا إنتفاء المانع و جواز قضاء المصلحة به و وقوعه کنسخ التخییر بین الصوم و الفدیة بتعیین الصوم و لا ریب أنّ التعیین أشقّ و نسخ صوم عاشوراء بصوم شهر رمضان و هو أشقّ و نسخ حبس الزانیة بالجلد و هو أشقّ من الحبس». هنا ثلاثة مطالب فی هذا الموضوع: المطلب الأول: روایات الشیعة هنا ثلاث روایات ذکر فیها ترک صوم عاشوراء الأولی: روایة نجبة بن الحارث المذکورة فی المتن. الثانیة: صحیحة محمد بن مسلم و زرارة. قال فی منتهی المطلب ط.ج. ج9، ص365 - 367: «روی ابن بابویه - فی الصحیح - عن محمّد بن مسلم و زرارة أنّهما سألا أبا جعفر الباقر (علیه السلام) عن صوم یوم عاشوراء، فقال: کان صومه قبل صوم شهر رمضان، فلمّا نزل شهر رمضان، ترک». الثالثة: ما رواه فی الکافی، ج1، ص290، باب ما نصّ الله عز و جل و رسوله علی الأئمة واحداً فواحداً، ح6 قال: «محمد بن یحیی، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسین جمیعا، عن محمد بن إسماعیل ابن بزیع، عن منصور بن یونس، عن أبی الجارود، عن أبی جعفر (علیه السلام) قال سمعت أبا جعفر (علیه السلام) یقول: فرض الله عز وجل علی العباد خمسا، أخذوا أربعا و ترکوا واحدا، قلت: أتسمیهن لی جعلت فداک؟ فقال: الصلاة و کان الناس لایدرون کیف یصلّون، فنزل جبرئیل علیه السلام فقال: یا محمد أخبرهم بمواقیت صلاتهم، ثم نزلت الزکاة فقال: یا محمد أخبرهم من زکاتهم ما أخبرتهم من صلاتهم، ثم نزل الصوم فکان رسول الله صلی الله علیه و آله إذا کان یوم عاشورا بعث إلی ما حوله من القری فصاموا ذلک الیوم فنزل شهر رمضان بین شعبان و شوال، ثمّ نزل الحج فنزل جبرئیل علیه السلام فقال: أخبرهم من حجّهم ما أخبرتهم من صلاتهم و زکاتهم و صومهم. ثمّ نزلت الولایة» الحدیث. المطلب الثانی: روایات أهل السنة و آراؤهم ذکر مسلم فی صحیحه سبع روایات فیها نسخُ صوم یوم عاشوراء بشهر رمضان، راجع: صحیح مسلم، ج3، ص146 – 151. المطلب الثالث: ما جاء فی تفسیر کلامه تعالی "أیّاماً معدودات" إنّ فیه ثلاثة أقوال و أحد الأقوال أنّ المراد ثلاثة أیام من کل شهر و یوم عاشورا. راجع زاد المسیر فی علم التفسیر، لابن الجوزی، ج1، ص168. و أمّا القائل بهذا القول [و هو أنّها ثلاثة أیام من کل شهر و یوم عاشوراء]: فنسب الشیخ الطبرسی و الرازی و الآلوسی هذا القول إلی قتادة: راجع مجمع البیان، ج2، ص9؛ تفسیر الرازی، ج5، ص78 و تفسیر الآلوسی، ج2، ص57. و لکن فی جامع البیان عن تأویل آی القرآن، ج2، ص177: «ثمّ إختلف أهل التأویل فیما عنی الله عزّ وجلّ بقوله: أیاما معدودات، فقال بعضهم: الأیام المعدودات: صوم ثلاثة أیام من کل شهر. قال: و کان ذلک الذی فرض علی الناس من الصیام قبل أن یفرض علیهم شهر رمضان ذکر من قال ذلک ... حدثنا الحسن بن یحیی، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة، قال: قد کتب الله تعالی ذکره علی الناس قبل أن ینزل رمضان صوم ثلاثة أیام من کل شهر». و فی التبیان فی تفسیر القرآن، ج2، ص116: «و قال عطا، و قتادة: الأیام المعدودات کانت ثلاثة أیام من کل شهر، ثم نسخ و کذلک روی عن ابن عباس». و نسب المقداد السیوری هذا القول إلی ابن عباس و جماعة: راجع کنز العرفان فی فقه القرآن، ج1، ص201. و لکنّ المنقول عن ابن عباس فی التبیان و مجمع البیان و فقه القرآن لیس إلّا القول الأوّل. (راجع جامع البیان عن تأویل آی القرآن ج2 - ص177؛ الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، ج1، ص176). و الذی وجدناه قائلاً بهذا القول هو معاذ بن جبل. (راجع جامع البیان ج2، ص177). و هنا قولٌ رابعٌ فی هذه الآیة و هو أنّ المراد من "أیاما معدودات" عشرة أیام من المحرم. راجع کتاب الخلاف، کتاب الصوم، ج2 - ص158. تنبیه: هل تحقق نسخ بصوم رمضان مع قطع النظر عن کون المنسوخ آیة "أیاما معدودات" و مع قطع النظر عن کون المنسوخ صوم یوم عاشوراء؟ یؤید تحقق النسخ الروایة المذکورة فی تهذیب الأحکام، ج4، ص153، ح8: «و عنه عن أحمد بن صبیح عن الحسین بن علوان عن عبد الله بن الحسن قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): شهر رمضان نسخ کل صوم و النحر نسخ کل ذبیحة، و الزکاة نسخت کل صدقة، و غسل الجنابة نسخ کل غسل».

ص: 304

یمکن أن یلاحظ علیه:

أمّا ضعف السند فهو بالنسبة إلی روایة الکلینی (قدس سره) مبنائی مع أنّ هنا روایة أُخری وردت بهذا المضمون و هی روایة الصدوق (قدس سره):مُحَمَّدُ بْنُ عَلِی بْنِ الْحُسَینِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْینَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ جَمِیعاً أَنَّهُمَا سَأَلَا أَبَا جَعْفَر ٍالْبَاقِرَ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ کَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ.((1))

ص: 305


1- وسائل الشیعة، ج10، ص459، أبواب الصوم المندوب، ب21، ح1.

أمّا الإشکال الثانی: فیمکن أن یجاب عنه بعدم ورود الدلیل علی وجوب صوم یوم عاشوراء قبل نزول صوم شهر رمضان فما هو الثابت قبل نزول الشهر المبارک هو استحباب هذا الصوم فلا معنی لمتروکیة أصل الوجوب و بقاء استحبابه.

أمّا الإشکال الثالث: فیمکن أن یجاب عنه بأنّ القائل بالحرمة یری أنّ الروایات الآمرة بصوم یوم عاشوراء إمّا غیر صادرة و إما محمولة علی التقیة.

الإیراد الرابع علی القول بالحرمة:

إنّ الروایة قاصرة عن الدلالة علی الحرمة لأنّ المتروکیة لیست بمعنی الحرمة کما أنّ کلّ بدعة لیست بحرام إلّا أنّ هنا ما یدلّ علی حرمته و هو ما ورد فی الکافی من الإیعاد بالنار کما سیجیء إن شاء الله.((1))

القول الثانی: الکراهة
اشارة

دلیل هذا القول هو حمل الروایات الآمرة علی التقیة مع القول بأنّ الروایات الناهیة لاتدلّ علی أکثر من الکراهة.

الإیراد علیه:

إنّ فی الروایات الناهیة ما ورد فی الإیعاد بالنار و الحشر مع أمثال ابن مرجانة بالنسبة إلی طائفتین: الأولی من صام الیوم التاسع و العاشر، و الثانیة من تبرّک بهما((2)).

ص: 306


1- وسائل الشیعة، ج10، ص461، ب21، ح4.
2- وسائل الشیعة، ج10، ص641، عن الکافی ح3 و4، ب21، أبواب الصوم المندوب.
القول الثالث: الاستحباب
اشارة

منهم من یقول باستحبابه مطلقاً و منهم من یقول باستحبابه علی وجه الحزن و هو مختار الشیخ و ابن إدریس و المحقّق و صاحب الجواهر و صاحب الوسائل (قدس سره).

أمّا القول بالاستحباب بلا کراهیة فقد قوّاه المحقّق الخوئی (قدس سره) فی المستند و استدلّ علیه بضعف ما ورد فی النهی عنه و لکن اختار فی مقام الفتیا کراهة صوم یوم عاشوراء.

الإیراد علیه:

ناقش بعض الأساطین (حفظه الله) فی ما أفاده من ضعف ما ورد فی النهی عنه بأنّ هنا روایة ناهیة لا إشکال فی سندها و هو ما رواه صاحب المزار (محمد بن المشهدی) عن عماد الدین الطبری عن ابن الشیخ عن الشیخ عن المفید عن ابن قولویه و الصدوق عن الکلینی عن علی بن إبراهیم عن أبیه عن ابن أبی عمیر عن عبد الله بن سنان عن أبی عبد الله (علیه السلام): ... «صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا» إلی آخر الحدیث((1)).

ص: 307


1- فی المزار، ص473: «أَخْبَرَنَا الشَّیخُ الْفَقِیهُ الْعَالِمُ عِمَادُ الدِّینِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِی الْقَاسِمِ الطَّبَرِی قِرَاءَةً عَلَیهِ وَ أَنَا أَسْمَعُ فِی شُهُورِ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَ خَمْسِینَ وَ خَمْسِمِائَةٍ بِمَشْهَدِ مَوْلَانَا أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَیهِ، عَنِ الشَّیخِ الْمُفِیدِ أَبِی عَلِی الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ وَالِدِهِ الشَّیخِ أَبِی جَعْفَرٍ رَضِی اللهُ عَنْهُ، عَنِ الشَّیخِ الْمُفِیدِ أَبِی عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ قُولَوَیهِ وَ أَبِی جَعْفَرِ بْنِ بَابَوَیهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ یعْقُوبَ الْکُلَینِی، عَنْ عَلِی بْنِ إِبْرَاهِیمَ، عَنْ أَبِیهِ، عَنِ ابْنِ أَبِی عُمَیرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سِنَانٍ ... فقلت: یا سیدی فما قولک فی صومه؟ فقال لی: صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا» الحدیث. و نقله فی وسائل الشیعة، ج10، ص459، باب 21،ح7، أبواب الصوم المندوب عن المصباح عن عبد الله بن سنان.
القول الرابع: الأحوط وجوباً ترکه

ذهب إلیه بعض الأساطین (حفظه الله): إنّ هنا روایات متعارضة و متعلّقها شیء واحد و حیث لم نتمکن من الجمع العرفی بینها فلابدّ من إعمال قواعد باب التعارض و مقتضی القاعدة حمل الروایات الآمرة بالصوم علی التقیة.

و الإجماع علی الاستحباب لیس بحجّة لأنّه منقول مع أنّه مدرکی فالأحوط وجوباً ترک صوم یوم عاشوراء؛ هذا مختار بعض الأساطین (حفظه الله) و هو من أحسن الوجوه و إن کان القول بالحرمة أیضاً له وجه وجیه. ((1))

هذا کلّه بالنسبة إلی مثال القسم الأوّل.

فتحصّل إلی هنا: أنّ القاعدة الکلّیة فی القسم الأوّل هو جواز اجتماع حکمی الاستحباب و الکراهة فی المتعلّق الواحد، کما أنّ اجتماع استحباب الفعل و استحباب ترکه جائز من دون لزوم محذور استحالة فعلیة الطلبین.

فلابدّ من ملاحظة الأدلّة فی مقام الإثبات لتشخیص المورد أنّه من اجتماع الاستحباب و الکراهة أو من باب استحباب الفعل و استحباب الترک.

أمّا فی خصوص مثال صوم یوم عاشوراء فللحرمة وجه قوی و لو لم نقل به فالأحوط وجوباً ترکه.

ص: 308


1- تحقیق الأصول، ج4، ص104.
القسم الثانی من العبادات المکروهة: کالصلاة فی الحمام
اشارة

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) بوجهین:

الوجه الأوّل: هو ما تقدّم فی القسم الأوّل طابق النعل بالنعل.

الوجه الثانی: أنّ النهی عن الصلاة فی الحمام یمکن أن یکون بحسب حصول منقصة فی الطبیعة المأموربها، لتشخّص هذه الطبیعة، بمشخّص غیر ملائم لها، فإنّ تشخّص الصلاة بوقوعها فی الحمام لایناسب کونها معراجاً و إن لم یکن نفس الکون فی الحمام بمکروه و لاحزازة فیه أصلاً بل کان راجحاً.

کما أنّ التشخّص قد یکون بما یلائم الصلاة ملاءمة شدیدة مثل الکون فی المسجد و أیضاً قد یکون بما لایکون له شدة الملاءمة و لا عدم الملاءمة مثل الکون فی الدار.

و النهی عن الصلاة فی الحمام إرشاد إلی المنقصة الحاصلة من تشخّص الطبیعة بالکون فی الحمام و أیضاً إرشاد إلی ما لا نقصان فیه من سائر الأفراد و أنّ سائر الأفراد یکون أکثر ثواباً من هذا الفرد و هذا مراد من قال: «إنّ الکراهة فی العبادة بمعنی أنّها تکون أقلّ ثواباً».

و لایخفی أنّ النهی فی القسم الثانی لایصحّ إلّا للإرشاد بخلاف القسم الأوّل فإنّه یکون فیه مولویاً و إن کان حمله علی الإرشاد بمکان من الإمکان.

کلام المحقّق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی:

((1))

أمّا علی القول بالجواز فلا إشکال فی صحّة العبادة و عدم کون دلیل النهی

ص: 309


1- أجود التقریرات، ج2، ص169.

التنزیهی مقیداً لإطلاق المأمور به، لأنّ المأمور به حینئذ یکون مغایراً للمنهی عنه بالهویة فلا موجب للتقیید.

أمّا علی القول بالامتناع و فرض وحدة الهویة فی الخارج ربّما یتوهّم التنافی بین وقوع المأتی به مصداقاً للمأمور به و اتّصافه با لکراهة فعلاً، لأنّ تضادّ الأحکام لایختصّ بالوجوب و الحرمة بل یعمّ الأحکام الإلزامیة و غیرها، ففرض کون العبادة مکروهة ینافی فرض کونها مصداقاً للواجب أو المستحب، فلامناص عن تقید دلیل الأمر بغیر موارد الکراهة، کما هو الحال فی ما إذا کان النهی تحریمیاً.

و لکن التحقیق: أنّ العبادة علی هذا القول و إن کانت منهیاً عنها لامحالة إلّا أنّ النهی عن حصّة خاصّة لایوجب تقیید المأمور به بغیرها ما لم یکن النهی تحریمیاً أو کان النهی مسوقاً لبیان المانعیة.

فإنّ النهی هنا تنزیهی و النهی التنزیهی و إن کان مضاداً للوجوب لتضادّ الأحکام بأسرها و لازم ذلک أن لایتعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی و لو کان النهی تنزیهیاً إلّا أنّ النهی عن بعض أفراد المأمور به لایستلزم اجتماع الحکمین المتضادّین فی شیء واحد، لأنّ الأمر علی الفرض لم یتعلّق إلّا بصرف وجود الطبیعة مع قطع النظر عن جمیع خصوصیاته الطارئة علیه، و أمّا النهی التنزیهی فهو متعلّق بخصوص حصّة خاصّة دون صرف وجود الطبیعة، فالنهی التنزیهی بما أنّه یتضمّن الترخیص فی إیجاده لایقع التنافی بینه و بین الإطلاق المزبور، فلا موجب لرفع الید عن الإطلاق بسببه، فیجزی فی مقام امتثال الأمر المتعلّق بصرف الوجود الإتیانُ بالفرد المنهی عنه تنزیهاً و إن کان الامتثال المتحقّق به مرجوحاً بالإضافة إلی غیره.

و لعلّ من فسّر الکراهة فی العبادة بأقلّیة الثواب أراد به ما ذکرناه، لا أنّ النهی

ص: 310

استعمل فی غیر طلب الترک إرشاداً إلی کون متعلّقه أقلّ ثواباً من غیره، فعلی ذلک یکون النهی مستعملاً فی طلب الترک لمرجوحیة الفعل، لکن المرجوحیة إنّما هی فی تطبیق المأمور به علی الفرد المنهی عنه تنزیهاً و هو لاینافی الرخصة فی تطبیقه علیه، إلّا أنّها توجب أقلّیة الثواب عند تحقّق الامتثال بذلک الفرد.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا الکلام علی القول بالامتناع:

((1))

إنّه اعترف بوجود التضادّ بین الأمر الوجوبی و النهی التنزیهی، فیشکل علیه بأنّ الضدّین متقابلان فلایجتمعان، فالحقّ مع القائلین بأنّ هذا النهی لیس مولویاً، بل هو إرشاد إلی أقلّیة الثواب (هذا بناء علی الامتناع).

ص: 311


1- تحقیق الأصول، ج4، ص106.
القسم الثالث من العبادات المکروهة: کالصلاة فی موضع التهمة

أجاب عنه صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً بوجهین:

الوجه الأوّل: أن یکون النهی مولویاً و متعلّقاً بالعنوان المتّحد مع العبادة أو العنوان الملازم لها فالنهی لایتعلّق بالعبادة حقیقة بل یتعلّق بها بالعرض و المجاز.

الوجه الثانی: أن یکون النهی إرشادیاً بمعنی أنّه إرشاد إلی غیر العبادة المنهی عنها من سائر الأفراد التی لاتکون متّحدة معه و لا ملازمة له بمعنی أنّه إرشاد إلی حزازة هذا العنوان و عدم حزازة سائر الأفراد من العبادة، بحیث یتمکّن المکلّف من استیفاء مزیة العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاک العنوان أصلاً؛ هذا علی القول بجواز الاجتماع.

أمّا علی القول بالامتناع فإن کان المنهی عنه عنواناً ملازماً للعبادة فیتعدّد متعلّق الأمر و النهی و إن کان المنهی عنه عنواناً متّحداً مع العبادة و قلنا حینئذ بترجیح جانب الأمر فتصحّ العبادة و هذا النهی یرجع إلی الوجه الثانی الذی أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) فی القسم الثانی لأنّ اتّحاد العنوان المنهی عنه مع العبادة، یوجب تشخّصها بما لایلائم العبادة المأمور بها و النهی یکون إرشاداً إلی هذه المنقصة.

و النهی و الکراهة المستفاد منه فی القسم الثانی و أیضاً فی القسم الثالث بناءً علی الامتناع یدلّ علی أقلّیة الثواب.

أمّا النهی فی القسم الأوّل و أیضاً فی القسم الثالث بناء علی الجواز فلایمکن تفسیره بأقلّیة الثواب (القائل بالجواز یقول بتعدّد المتعلّق و عدم استحالة اجتماع الأمر و النهی فلا محذور عنده من اجتماع الحکمین).

ص: 312

تنبیه: فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام

اشارة

إنّ الاضطرار إلی فعل الحرام فی ما إذا کان الفعل متعلّق الوجوب البدلی قد لایکون بسوء اختیار المکلّف و قد یکون بسوء اختیاره، فهنا مقامان:

المقام الأوّل: الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار
اشارة

فیه فائدة:

بیان المحقّق النائینی (قدس سره)ک
اشارة

((1)):

إنّ اعتبار القیود العدمیة علی ثلاثة أقسام، لأنّه إمّا أن یکون مدلولاً للنهی الغیری فیکون التقیید مستفاداً من الدلیل ابتداءً و إمّا أن یکون مستفاداً بالدلالة الالتزامیة من النهی النفسی الدالّ علی الحرمة کما فی موارد النهی عن العبادة، أو موارد اجتماع الأمر و النهی بناء علی الامتناع من الجهة الأولی و إمّا أن یکون لأجل مزاحمة المأمور به للمنهی عنه مع فرض تقدیم جهة الحرمة علی الوجوب.

ص: 313


1- أجود التقریرات، ج2، ص182.

أمّا القسم الأوّل أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی فی المأمور به مدلولاً ابتدائیاً للنهی الغیری کما فی النهی عن الصلاة فی أجزاء ما لایؤکل لحمه فمقتضی إطلاق دلیل التقیید فیه علی تقدیر تمامیة مقدّماته هو اعتبار القید فی المأمور به فی جمیع أحوال المکلّف، و لازم ذلک هو سقوط الأمر عند انحصار الامتثال بالفرد الفاقد للقید، کما فی صورة الاضطرار إلی لبس الحریر أو غیر المأکول، المعتبر عدمهما فی الصلاة، إلّا أنّ ما دلّ علی أنّ الصلاة لاتسقط بحال قد دلّ علی إلغاء الشارع کلّ قید من قیودها فی حال العجز عن تحصیله.

أمّا القسم الثانی أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی مستفاداً من النهی النفسی فإن قلنا فیه بکون التقیید تابعاً للحرمة و متفرعاً علیها کما هو المشهور، فمقتضی القاعدة فیه سقوط القید عند الاضطرار، لسقوط علّته المقتضیة، أعنی بها الحرمة (بمعنی أنّ تقیید الصلاة بغیر المغصوب معلول لحرمة التصرف فی مال الغیر).

و أمّا إذا قلنا بکون التقیید و الحرمة معلولین للنهی فی مرتبة واحدة من دون سبق و لحوق بینهما، فیکون حاله حال القسم الأوّل فی أنّ القاعدة الأوّلیة فیه تقتضی سقوط الأمر عند تعذّر قیده، و القاعدة الثانویة تقتضی سقوط التقیید و لزوم الإتیان بکلّ ما أمکن الإتیان به من أجزاء الصلاة و شرائطها.

(و الفرق بین القول الأوّل و هو مختار المشهور و القول الثانی و هو مختار المحقق النائینی (قدس سره) هو بحسب القاعدة الأوّلیة).

فإنّ الصلاة هنا متقیدة بالقید العدمی و هو عدم کونها فی المکان الغصبی و المشهور یقولون: إنّ تقیید الصلاة بهذا القید العدمی تابع للحرمة المستفادة من

ص: 314

النهی فمع ارتفاع الحرمة بالاضطرار یرتفع تقیید الصلاة، فلابدّ من امتثال الصلاة بإطلاقها.

أمّا المحقّق النائینی (قدس سره) فیقول: إنّ تقیید الصلاة بهذا القید العدمی و الحرمة کلاهما معلولان للنهی و علی هذا لو ارتفعت الحرمة بدلیل الاضطرار لایضرّ ذلک بتقیید الصلاة بالقید العدمی المذکور و حینئذ تقتضی القاعدة الأوّلیة سقوط الصلاة لتعذّر حصول قیده فلو صلّی فی المکان الغصبی لم یکن ممتثلاً لعدم امتثال الصلاة المقیدة بالقید العدمی و امتثال المأمور به و هو الصلاة المقیدة متعذّرة و نتیجة ذلک سقوط الأمر بالصلاة بحسب القاعدة الأوّلیة.

أمّا القاعدة الثانیة فأوجبت إتیان الصلاة بحسب ما یمکن و هو إتیانها بدون القید العدمی المذکور.

أمّا القسم الثالث أعنی به ما إذا کان اعتبار القید العدمی ناشئاً من مزاحمة المأمور به للمنهی عنه، فالقاعدة فیه تقتضی سقوط التقیید عند الاضطرار، لأنّ التزاحم فرع وجود التکلیف التحریمی و تنجّزه کی یکون معجزاً للمکلّف عن الإتیان بالمأمور به و معذّراً له فی ترکه، فإذا فرض سقوط الحرمة بالاضطرار لم یبق موضوع للتزاحم الموجب لعجز المکلّف شرعاً عن الإتیان بالمأمور به، فلامحالة یسقط التقیید و یبقی الأمر متعلّقاً بغیر المقید.

إیرادان علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره):
الإیراد الأوّل: عن المحقّق الخوئی (قدس سره) فی القسم الثانی
اشارة

((1))

التحقیق صحّة ما ذهب إلیه المشهور لأنّ دلالة النهی علی عدم وجوب

ص: 315


1- حاشیة أجود التقریرات، 2ج، ص182.

متعلّقه بالدلالة الالتزامیة إنّما هی بتبع دلالته علی حرمته بالمطابقة و قد تقدّم أنّ الدلالة الالتزامیة تابعة للدلالة المطابقیة وجوداً و حجّیةً، فإذا سقطت الدلالة المطابقیة سقطت الدلالة الالتزامیة أیضاً، فلا مانع من التمسّک بإطلاق دلیل الأمر فی ما إذا سقطت الحرمة باضطرار و نحوه، کما هو الحال فی ما إذا ورد التخصیص علی دلیل النهی من أوّل الأمر.

ملاحظة بعض الأساطین (حفظه الله):

((1))

إنّ ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) مبنی علی ما اختاره من تبعیة الدلالة الالتزامیة للدلالة المطابقیة فی الحجّیة و هذا المبنی صحیح بلا إشکال، و لکن ذلک إیراد مبنائی لأنّ المحقّق النائینی (قدس سره) لایقول بذلک فإنّه یعتقد عدم تبعیة الدلالة الالتزامیة للمطابقیة.

الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) و هو اثنان:
اشارة

الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله) ((2)) و هو اثنان:

1- إیراده (حفظه الله) علی بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأخیرة:

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی الدورة الأخیرة (فی أجود التقریرات): إنّ النهی علّة للتقیید و للحرمة معاً.

و یرد علیه: أنّ حدیث الرفع یجری فی المقام و نتیجة ذلک (رفع ما اضطروا إلیه رفع واقعی بالنسبة إلی الاضطرار و الإکراه و النسیان و رفع ظاهری بالنسبة إلی الجهل) هو عدم بقاء النهی فی صورة الاضطرار و مع ارتفاع النهی یرتفع

ص: 316


1- تحقیق الأصول، ج4، ص111.
2- نفس المصدر.

الحرمة و تقیید الصلاة بالقید العدمی المذکور لأنّ النهی علّة لهما عند المحقّق النائینی (قدس سره)، فعلی هذا تکون القاعدة الأوّلیة علی مبنی المحقّق النائینی (قدس سره) هو سقوط التقیید لا سقوط الأمر المقید بهذا القید العدمی فالقاعدة الأوّلیة بناء علی مسلک المشهور و هو المختار و أیضاً بناء علی مسلک المحقّق النائینی (قدس سره) هی سقوط تقیید الأمر بالقید العدمی فلابدّ للمکلّف حینئذ من إتیان الصلاة فی المکان الغصبی فی صورة الاضطرار لا بسوء الاختیار.

2- إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی بیان المحقّق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأُولی:

((1))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) استشکل فی الدورة الأُولی بیانه السابق فقال:((2))

أمّا القیدیة المستفادة من النهی النفسی فهی تابعة للنهی و بعد سقوط النهی بالاضطرار تسقط القیدیة فقط و لا موجب لسقوط المقید؛ هذا و لکن للتأمل فی ذلک مجال، لأنّ القیدیة و إن استفیدت من النهی، إلّا أنّها لیست معلولة للنهی، بل هی معلولة للملاک الذی أوجب النهی، فالحرمة و القیدیة معلولان لعلّة ثالثة و هو الملاک، و سقوط أحد المعلولین بالاضطرار لایوجب سقوط المعلول الآخر.

و یرد علیه: أنّ الملاک البالغ إلی حدّ الغرضیة للمولی هو الذی یؤثر فی الحرمة و التقیید معاً، أمّا الملاک الذی زاحمه المفسدة کما لایؤثر فی الحکم بالحرمة لایؤثر فی تقیید الصلاة بالقید العدمی فالقاعدة الأوّلیة هی سقوط التقیید لا سقوط الأمر فالحق مع المشهور.

ص: 317


1- تحقیق الأصول، ج4، ص111.
2- فوائد الأصول ج1-2، ص445.
فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار
اشارة

هنا حالتان:

الحالة الأُولی: إذا لم یتمکّن من الخروج
اشارة

فیها ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:
اشارة

قال بعض الأعلام مثل صاحب الجواهر و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) بلزوم الصلاة مع جمیع الأجزاء و الشرائط.

استدلال صاحب الجواهر (قدس سره):

((1))

«إنّه لو کان مکرهاً علی الکون فی المکان لحبس بباطل من المالک أو غیره لا علی هیأة مخصوصة أو خوف علی النفس أو غیر ذلک من وجوه الإکراه تصحّ منه صلاة المختار ضرورة عدم الفرق بینه و بین المأذون فی الکون بعد اشتراکهما فی إباحته و حلّیته.

نعم لو استلزمت الصلاة تصرّفاً زائداً علی أصل الکون لم یجز، لعدم الإذن فیه لا ما إذا لم تستلزم، فإنّها حینئذ أحد أفراد الکون الذی فرض الإذن فیه، علی أنّ القیام و الجلوس و السکون و الحرکة و غیرها من الأحوال متساویة فی شغل الحیز و جمیعها أکوان و لا ترجیح لبعضها علی بعض، فهی فی حدّ سواء فی الجواز، و لیس مکان الجسم حال القیام أکثر منه حال الجلوس، نعم یختلفان فی

ص: 318


1- جواهر الکلام، ج8، ص299 - 300.

الطول و العرض، إذ الجسم لایحویه الأقل منه و لایحتاج إلی أکثر ممّا هو ظرفه کما هو واضح بأدنی تأمل.

و من الغریب ما صدر من بعض متفقه العصر، بل سمعته من بعض مشایخنا المعاصرین من أنّه یجب علی المحبوس الصلاة علی الکیفیة التی کان علیها أوّل الدخول إلی المکان المحبوس فیه إن قائماً فقائم و إن جالساً فجالس، بل لایجوز له الانتقال إلی حالة أُخری فی غیر الصلاة أیضاً لما فیه من الحرکة التی هی تصرف فی مال الغیر بغیر إذنه. و لم یتفطّن أنّ البقاء علی الکون الأوّل تصرّف أیضاً لا دلیل علی ترجیحه علی ذلک التصرّف ...

و قد صرّح بعض هؤلاء أنّه لیس له حرکة أجفان عیونه زائداً علی ما یحتاج إلیه و لا حرکة یده أو بعض أعضائه کذلک ... أعاذ الله الفقه من أمثال هذه الخرافات».

القول الثانی:
اشارة

قال جماعة آخرون منهم المحقّق النائینی (قدس سره) بالاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود.

استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):
اشارة

((1))

إنّ جماعة حکموا بلزوم الاقتصار علی قدر الضرورة من التصرفات التی لابدّ منها عند الاضطرار إلی الغصب، فلم یجوّزوا التصرّف الزائد علی ذلک رتّبوا علیه وجوب الإیماء فی الصلاة بدل الرکوع و السجود عند الاضطرار إلی

ص: 319


1- أجود التقریرات، ج2، ص184.

التصرّف فی المکان المغصوب لأنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی قدر الضرورة فلا موجب لسقوط حرمتهما.

و قد أُورد علی ذلک بأنّ الجسم إذا کان لابدّ من أن یشغل مقداراً معیناً من الحیز بقدر حجمه کیفما کان وضعه و لایختلف مقدار حیزه باختلاف أوضاعه فلا موجب لسقوط وجوب الرکوع و السجود لینتقل التکلیف إلی وجوب الإیماء.

و فیه: أنّ الاعتبار فی صدق التصرّف الزائد علی قدر الضرورة إنّما هو بنظر العرف لابالدقّة الفلسفیة و لا ریب فی أنّ الرکوع و السجود یعدّان عرفاً من التصرّف الزائد فلایکون الاضطرار إلی الغصب موجباً للترخیص فیهما، فلابدّ من الاقتصار علی الإیماء بدلاً عنهما.

إیرادان علی استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):
الإیراد الأوّل: من المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

أوّلاً: إنّ المکلّف إذا کان مضطراً إلی المکث فی المکان المغصوب لا فرق بین أن یکون راکعاً أو ساجداً فیه و أن یکون قائماً فکما أنّ الرکوع أو السجود تصرّف فیه کذلک القیام تصرّف فیه أیضاً، فلا وجه حینئذ للقول بلزوم الاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود.

ثانیاً: إنّ دعوی أنّ الرکوع والسجود یعدّان بنظر العرف من التصرّف الزائد فهی دعوی بلا بینة و برهان.

ص: 320


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص184.
الإیراد الثانی: من بعض الأعلام

((1))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) صرّح مراراً بأنّ نظر العرف إنّما یتبع فی تعیین المفاهیم و تحدیدها سعة و ضیقاً، و أمّا فی تطبیق المفهوم علی المصداق فهو لایتّبع بل لابدّ من إعمال الدقّة العقلیة.

القول الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله)

((2))

إنّ العسر و الحرج بناء علی المختار شخصیان لا نوعیان فعلی هذا یختلف الحکم بحسب اختلاف الأشخاص، فمن یتمکّن من البقاء علی حالة واحدة فی زمن طویل فلایجوز له صلاة المختار بل لابدّ أن یصلّی إیماءً.

الحالة الثانیة: إذا تمکّن من الخروج
اشارة

هنا صورثلاث:

الصورة الأُولی:

و هی أن یتمکّن من الخروج من الأوّل فإن قلنا بامتناع الاجتماع فلابدّ من الإتیان بالصلاة خارج المکان المغصوب و لو صلّی فیه تکون الصلاة باطلة و أمّا إن قلنا بالجواز فیجب علیه الصلاة خارج المکان الغصبی و لکن الصلاة صحیحة.

ص: 321


1- زبدة الأصول، ج3، ص101.
2- تحقیق الأُصول، ج4، ص113.
الصورة الثانیة:

و هی أنّه فعلاً مضطرّ بالکون فی المکان المغصوب و لکن یتمکّن بعد ساعة مثلاً من الخروج و أداء الصلاة خارج المکان المغصوب.

فإن قلنا بأنّ الرکوع و السجود لیسا تصرّفاً زائداً علی قدر الضرورة کما هو مختار المحقّق الخوئی (قدس سره) تبعاً لصاحب الجواهر (قدس سره)، فله أن یصلّی فی المکان الغصبی و الصلاة صحیحة لأنّ الاضطرار یوجب ارتفاع النهی بالنسبة إلی حرکاته فی هذا المکان و هو یتمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط مع الرکوع و السجود بحسب الفرض فلایجب علیه التأخیر بل یجوز الإتیان بها فی ظرف الاضطرار و یحکم علیها بالصحة.

و إن قلنا بأنّ الرکوع و السجود تصرّف زائد علی قدر الضرورة کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فلایجوز له أن یصلّی فی هذا المکان الغصبی لأنّ صلاته فی هذا المکان لابدّ أن یکون بالإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود و إلّا یکون غصباً و حراماً و حینئذ یحکم علیه ببطلان الصلاة لأنّه متمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط فی المکان المباح فلایجزی له الصلاة التامّة الأجزاء فی المکان الغصبی و لایجزی له أیضاً الصلاة غیر التامّة الأجزاء بالإیماء بدلاً عنهما (الرکوع و السجود).

و بعض الأساطین (حفظه الله) اختار هنا بطلان الصلاة لفرض التمکّن من الصلاة التامّة الأجزاء و الشرائط خارج المکان الغصبی.

الصورة الثالثة:

و هی أن یتمکّن من الخروج آخر الوقت، و لکن لایسعه الوقت لأن یصلّی

ص: 322

خارج المکان الغصبی صلاة تامّة الأجزاء و الشرائط، کما أنّه لایجوز له البقاء فی المکان الغصبی و لو بقدر الصلاة، لأنّه متمکّن من الخروج حسب الفرض.

و المتعین فی هذه الصورة هو أن یصلّی فی حال خروجه من المکان المغصوب و أن یأتی بالإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود، أمّا علی مسلک المحقّق النائینی (قدس سره) فواضح.

و أمّا علی مسلک صاحب الجواهر و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) فیجب الإیماء أیضاً بدل عن الرکوع و السجود لأنّ الإتیان بالرکوع و السجود یستلزم التوقف الزائد فی الأرض الغصبی فلذا صرّح المحقّق الخوئی (قدس سره) فی حاشیة الأجود((1))بأنّ الأمر ینتقل من الرکوع و السجود بالإیماء بدلاً عنهما.

ص: 323


1- أجود التقریرات، ج2، ص185.
المقام الثانی: فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار
اشارة

و هذا مثل ما إذا وقع الشخص فی وسط الأرض المغصوبة باختیاره، فلابدّ أن نتکلّم من جهتین: الأُولی: حکم الخروج فی حدّ ذاته و الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی.

الجهة الأُولی: فی حکم الخروج فی حدّ ذاته
اشارة

اختلف فیه الأعلام و نذکر هنا خمسة أقوال:

القول الأوّل: الحرمة
اشارة

إنّ الخروج فی حدّ ذاته حرام شرعاً، لأنّه غصب و لایضرّ فی ذلک کونه مضطراً لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.((1))

استشکله بعض الأساطین (حفظه الله):

((2))

إنّ البقاء فی الأرض الغصبی أیضاً حرام فلو کان الخروج حراماً یلزم اجتماع المتناقضین فی حکم الشارع و هو محال.

القول الثانی: نظریة المحقّق القمی (قدس سره)
اشارة

((3))

إنّ الخروج واجب فعلاً و حرام فعلاً، أمّا وجه الوجوب فهو أنّ التخلّص

ص: 324


1- نسبه فی التقریرات إلی صاحب الإشارات ففی مطارح الأنظار، ج1، ص713: «حجة القول بکونه منهیا عنه غیر مأمور به کما یظهر عن بعض الأفاضل فی الإشارات» إلخ.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص115.
3- القوانین، ص152.

من الغصب واجب بنفسه و أمّا وجه الحرمة فهو أنّه غصب و الاضطرار لایرفع الحرمة، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً.

إیرادات أربعة علی القول الثانی:
الإیراد الأوّل: من صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ اجتماع الأمر و النهی فی شیء واحد بعنوانین محال کما تقدّم.

الإیراد الثانی: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً
اشارة

((2))

إنّ متعلّق الأمر و النهی هنا عنوان واحد و هو الخروج فإنّه متعلّق الأمر حیث إنّه سبب للتخلّص و السببیة جهة تعلیلیة للحکم بالوجوب علی الخروج و هو متعلّق النهی حیث إنّه کان بغیر إذن المالک.

ملاحظة علی الإیراد الأوّل و الثانی:

یلاحظ علی کلا الإیرادین ما تقدّم من القول بالجواز و إن کان المجمع عنواناً واحداً.

الإیراد الثالث: من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً
اشارة

((3))

إنّ جواز اجتماع الأمر و النهی عند القائلین به مشروط بوجود المندوحة و هنا لاتوجد المندوحة لأنّ التخلّص عن الحرام لایتحقّق إلّا بالخروج المحرم.

ص: 325


1- کفایة الأصول، ص172.
2- کفایة الأصول، ص173.
3- نفس المصدر.
یلاحظ علیه:

إنّ هذا الإیراد أیضاً مبنائی فلو قلنا بعدم اعتبار المندوحة کما هو الحقّ فلایرد هذا الإشکال.

الإیراد الرابع: من بعض الأساطین (حفظه الله)

((1))

إنّ الوجوب و الحرمة کلاهما غیر ثابتان أمّا الوجوب فلا دلیل علیه لأنّ المستفاد من الأدلّة حرمة الغصب أمّا وجوب التخلّص منه فلم یقم علیه دلیل.

أمّا الحرمة فلم تثبت فی صورة الاضطرار لأنّ قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» عقلیة و الحاکم فیها هو العقل [و اختلفوا فیها علی ثلاثة أقوال: بعضهم قالوا: الامتناع بالاختیار ینافی الاختیار عقاباً و خطاباً و بعضهم قالوا: الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار عقاباً و خطاباً بمعنی أنّه مستحق للعقاب و یتوجه إلیه الخطاب و بعض آخر قالوا: لاینافی الاختیار عقاباً و ینافیه خطاباً فهو مستحق للعقاب و لکن لایتوجّه إلیه الخطاب و العقل یحکم بصحّة القاعدة علی الوجه الأخیر أی القول الثالث من الأقوال الثلاثة فی القاعدة]((2)) و العقل یری قبح التکلیف نحو العاجز و المضطر و إن کان ذلک بسوء اختیاره کما أنّ من ألقی نفسه من مکان مرتفع لایمکن توجّه الخطاب بوجوب حفظ النفس فی

ص: 326


1- تحقیق الأصول، ج4، ص116.
2- تقدم فی ج4 ص289: أن فی المسألة مسالک ثلاثة و إیراد المحقق الخوئی علی المسلک الأول و الثانی و أن الحق هو المسلک الثالث فراجع البحث الثانی (مقدمة الواجب و فیه فصلان)، الفصل الأول (فی ذکر التقسیمات و فیه أمور ثلاثة)، الأمر الثالث (فی تقسیمات الواجب و هی ثلاثة)، التقسیم الأول (الواجب المعلق و المنجز و فیه ثلاثة مواضع)، الموضع الثالث (ثمرة البحث عن الواجب المعلق و هی مسألتان)، المقدمة (و فیها مطلبان)، المطلب الأول (الامتناع بالاختیار هل ینافی الاختیار؟)

حال السقوط فالحرمة مرتفعة بالاضطرار و لکنّه مستحق للعقاب بحکم العقل.

القول الثالث: نظریة صاحب الفصول (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّ الخروج مأمور به و یجری حکم المعصیة علیه نظراً إلی النهی السابق الساقط بالاضطرار، و أمّا وجوب التخلّص عن الغصب فإمّا نفسی و إمّا غیری (من باب مقدّمیته للکون فی خارج الأرض الغصبی).((2))

إیرادان علی صاحب الفصول (قدس سره):
الإیراد الأوّل: عن المحقّق الخراسانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما)
اشارة

((3))

یلزم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب و الحرمة و لایرتفع غائلته باختلاف زمان التحریم و الإیجاب قبل الدخول و بعده.

یلاحظ علیه:

ما تقدّم من جواز اجتماع الحکمین و إن کان متعلقهما عنواناً واحداً.

ص: 327


1- الفصول، ص138.
2- إختار هذا القول فی عنایة الأصول، ج2، ص90 – 91 قال: «إنّ المصنف و إن أصاب فی دعوی عدم الحرمة للخروج فعلا لسقوطها بحدوث الإضطرار إلیه و هکذا فی دعوی جریان حکم المعصیة علیه لکونه منهیا عنه بالنهی السابق و قد عصاه بسوء الإختیار و لکن لم یصب فی دعوی عدم کونه مأمورًا به مع کونه مقدمة للواجب الأهمّ و هو التخلّص عن الغصب فإنّ مجرد کون التوقف و الإنحصار بسوء الإختیار مما لایسوّغ عدم ترشّح الوجوب إلیه غیریا بعد توقّف الأهمّ علیه فعلا ما لم یرفع المولی یده عن الأهم أو نحن نرفع یدنا عن الملازمة التی إدّعیناها فی بحث مقدمة الواجب وجوب ذی المقدمة و وجوب المقدمة و علیه فالحقّ فی المقام هو ما ذهب إلیه الفصول من القول بعدم حرمة الخروج فعلا و جریان حکم المعصیة علیه مع الإلتزام بوجوبه غیریا مقدمة للتخلص عن الغصب».
3- کفایة الأصول، ص172؛ أجود التقریرات، ج2، ص188.
الإیراد الثانی: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

((1))

أمّا الوجوب النفسی فلا دلیل إثباتی علیه کما تقدّم فی الإیراد علی نظریة المحقّق القمی (قدس سره) و أمّا الوجوب الغیری فیبتنی أوّلاً علی وجوب المقدّمة و ثانیاً علی وجوب الکون فی خارج المکان الغصبی و کلاهما أوّل الکلام.

أمّا النهی فیکشف عن مفسدة ملزمة فی التصرّف بالخروج ثابتة قبل دخول الشخص فی المکان الغصبی و لکنها معارضة و مزاحمة بالمصلحة الملزمة فی الخروج عن المکان الغصبی.

القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما)
اشارة

القول الرابع: نظریة الشیخ الأنصاری((2)) وتبعه المحقّق النائینی (قدس سرهما)

إنّه واجب شرعاً و لایجری علیه حکم المعصیة، لدخوله فی کبری قاعدة وجوب ردّ المال إلی مالکه و لا ربط له بقاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختیار للاختیار من جهة العقاب و الخطاب أو من جهة العقاب فقط.

فالخروج بملاحظة کونه مصداقاً للتخلّص عن الحرام أو سبباً له لیس إلّا مطلوباً و یستحیل أن یتّصف بغیر المحبوبیة و یحکم علیه بغیر المطلوبیة.

و حال التصرّف الخروجی حال شرب الخمر المتوقف علیه النجاة من الهلاک فی الاتّصاف بالوجوب فی جمیع الأوقات.((3))

ص: 328


1- تحقیق الأُصول، ج4، ص117.
2- مطارح الأنظار، ص153.
3- و اختار هذا القول الشیخ محمد تقی الآملی قال فی مصباح الهدی فی شرح العروة الوثقی، ج8، ص51: «و إنّما الکلام فی صحة صومه لو اغتسل حال الخروج فإنّه یکون کالخروج من الدار الغصبیة إذا دخلها عامدا، و قد اختلف فی حکمه علی أقوالٍ: منها أنّه واجب و حرام معاً ... و منها أنّه واجب بالوجوب الفعلی للأمر المتعلق به فعلا و لیس بحرامٍ بالنهی عنه لا فعلا و لا بالنهی السابق الساقط بالإضطرار، و یکون المقام خارجاً عن مورد الإمتناع بالإختیار لکی یقال: ببقاء النهی فعلا خطابا و ملاکا أو سقوطه کک أو سقوط خطابا و بقائه ملاکا، بل الخروج عن الدار الغصبی مأمور به بالأمر الفعلی بلا تعلق نهی به ... و هذا القول هو المرضی عند الشیخ الأکبر قده و هو الحقیق بالقبول و قد بسطنا الکلام فی تنقیحه فی الأصول بما لا مزید علیه، و یترتب علیه صحة الصلاة فی حال الخروج فی ضیق الوقت، لعدم اجتماعها مع النهی عن الکون الصلاتی أصلاً کما یترتّب علی الأقوال الأربعة الأولی صیرورة المقام من صغریات باب اجتماع الأمر و النهی إمّا ملاکا فقط أو ملاکا و خطابا معاً، هذا حکم الخروج عن الدار الغصبی».
إیرادان علی نظریة الشیخ الأنصاری (قدس سره):
اشارة

((1))

الإیراد الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ الخروج عن المکان الغصبی إنّما یکون حسناً عقلاً و مطلوباً شرعاً بالفعل (و إن کان قبیحاً ذاتاً حیث إنّه من مصادیق الغصب) بشرطین: الشرط الأوّل هو أن لایتمکّن المکلّف من التخلّص بدونه و الشرط الثانی هو أن لایقع بسوء اختیاره.

و لکن الخروج هنا وقع بسوء اختیار المکلّف لأنّه قبل الدخول فی المکان المغصوب کان متمکّناً من التصرّف الخروجی کما یتمکّن من الدخول غایة الأمر أنّه متمکّن من الدخول بلا واسطة و من الخروج بالواسطة و مجرد عدم التمکن منه إلّا بالواسطة لایخرجه عن کونه مقدوراً، فکما یکون ترک البقاء مطلوباً فی جمیع الأوقات کذلک الخروج؛ و البقاء فی المکان المغصوب مثل الخروج منه فی أنّ کلیهما متفرعان علی الدخول فی المکان المغصوب، فکما أنّ الفرعیة لاتکون مانعة عن مطلوبیة البقاء قبل الدخول و بعده لم تکن مانعة عن مطلوبیة الخروج و إن کان العقل یحکم بلزوم الخروج إرشاداً إلی اختیار أقلّ المحذورین و أخفّ

ص: 329


1- کفایة الأصول، ص170.

القبیحین حیث إنّ الخروج أخفّ محذوراً من البقاء لأنّ الخروج یوجب التخلّص عن الغصب و لکن البقاء یوجب زیادة فی الغصب.

قد یقال: إنّ الخروج قبل الدخول فی المکان المغصوب لا موضوع له فلا یتصف بالحرمة و بعد الدخول یتحقق له الموضوع و لکنّه لایتّصف بالحرمة لأنّه مضطرّ.

و لکن فیه: أنّ الخروج مقدور للمکلف و لو بواسطة دخوله فی المکان الغصبی فیتوجّه إلیه التکلیف بالحرمة بلا إشکال.

الإیراد الثانی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ وجوب التخلیة بین المال و مالکه لایستلزم وجوب الحرکات الخروجیة المتوقّف علیها الکون فی خارج الدار، لأنّها لیست معنونة بعنوان التخلیة قطعاً، ضرورة أنّها تصرّف فی مال الغیر بدون إذنه و مصداق للغصب فکیف یعقل کونها مصداقاً لعنوان التخلیة المقابل لعنوان الإشغال؟

غایة الأمر أنّ العقل یرشد إلی اختیارها حذراً من الوقوع فی الغصب الدائمی و دفعاً للأفسد بالفاسد.

القول الخامس: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

((2))

و هی - علی ما فسّر المحقّق النائینی (قدس سره) -((3)) أنّه غیر محکوم فعلاً بحکم من

ص: 330


1- هامش أجود التقریرات، ج2، ص193.
2- کفایة الأصول، ص168.
3- أجود التقریرات، ج2، ص186.

الأحکام الشرعیة إلّا أنّه واجب عقلاً لکونه أقلّ المحذورین و أخفّ القبیحین و لکنه یجری علیه حکم المعصیة للنهی السابق الساقط بالاضطرار.

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) صرّح بأنّ النهی ساقط بحدوث الاضطرار إلیه و صرّح أیضاً بأنّه لایکون مأموراً به و لکن قال فی ضمن کلامه: إنّه مع سوء الاختیار لایتغیر عمّا هو علیه من الحرمة و المبغوضیة، و علی هذا یکون محکوماً بالحرمة الشرعیة.

و لعلّ وجه ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) فی تفسیر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ النهی إذا سقط فلامحالة تسقط الحرمة لأنّ المدلول یسقط بسقوط ما یدلّ علیه.((1))

ص: 331


1- و اختار هذا الوجه أیضا صاحب العروة و المحقق المشکینی و العراقی و الإصفهانی و المیرزا جواد التبریزی: ففی العروة الوثقی، ج6، ص424 – 425: «مسألة 2: لایجوز الترافع إلی قضاة الجور اختیاراً، و لایحلّ ما أخذه بحکمهم إذا لم یعلم بکونه محقّاً إلّا من طرف حکمهم، و أمّا إذا علم بکونه محقّاً واقعاً فیحتمل حلّیته. و یحتمل الفرق بین العین و الدِّین، حیث إنّ الدین کلّی فی الذمّة و یحتاج فی صیرورة المأخوذ ملکاً له إلی تشخیص المدیون بخلاف العین. و ظاهر المقبولة حرمته مطلقاً عیناً کان أم دِیناً لقوله (علیه السلام): "فإنّ ما یأخذه سُحتٌ و إن کان حقّه ثابتاً" لکنّه مشکلٌ خصوصاً فی العین. و ربّما یحمل الخبر علی ما إذا کان حقّه ثابتاً بمقتضی حکمهم لا فی الواقع، و هو بعید، لأنّ ظاهره الثبوت واقعاً. نعم یمکن حمله علی أنّه بمنزلة السحت فی العقاب، لا أنّه یحرم التصرّف فیه، أو أنّ التصرّف فیه محرّم بالنهی السابق نظیر حرمة الخروج عن الدار المغصوبة، حیث إنّ التحقیق أنّه محرّم بالنهی السابق علی الدخول». و فی حاشیة فرائد الأصول للسید المحقق الیزدی، ج2، ص502: «و أمّا ... حکم صحة صلاة من توسّط أرضاً مغصوبة فی حال الخروج ... فنقول فیه أقوال ثلاثة ... و هنا وجه رابع أقرب من الکل بل هو المتعین و هو أن یقال: إنّه منهی عن الخروج و لیس بمأمورٍ به أصلا لکن یتعیّن علیه الخروج من باب ارتکاب أقلّ القبیحین» إلخ. و فی کفایة الأصول مع حواشی المشکینی، ج2، ص165: «أقواها ما اختاره المصنّف: من عدم الأمر و النهی کلیهما، إلَّا أنّه فی حکم المنهی عنه، بمعنی أنّه معاقبٌ علیه بالنهی السابق الموجود قبل الدخول، فإنّ النهی عنه راجعٌ إلی مبغوضیة الوجود اللَّاحق». و فی نهایة الدرایة ط.ق. ج1، ص548 فی التعلیقة علی قوله: «و الحقّ أنّه منهی عنه بالنهی السابق الساقط» إلخ: «تفصیل القول فی ذلک أن المصلحة المقتضیة للأمر بالخروج المانعة عن تأثیر مفسدته من حیث کونه تصرّفا فی مال الغیر إمّا أن تکون مصلحة نفسیة أو مصلحة مقدمیة فإن کانت مصلحة نفسیة نظر إلی أنّ الخروج معنونٌ بعنوان التخلص عن الغصب الزائد علی ما یوازی الخروج و هو من العناوین الحسنة عقلاً المطلوبة شرعا ففیه ... و إن کانت المصلحة مصلحة مقدمیة فالکلام تارةً فی أصل المقدمیة، و أخری فی وجوبها هنا. أمّا الکلام فی المقدمیة فقد مرّ تفصیلاً فی بحث الضد و قد عرفت أنّ فعل أحد الضدین لیس مقدمة لترک الضد الآخر و لا الترک مقدمة لفعل الضد ... بل التحقیق هنا أنّ الحرکات الخاصة کما مرّ معدّات للکون فی خارج الدار المضاد للکون فیها فهی مقدمة للملازم لترک الغصب لا لنفس الترک ... و أمّا الکلام فی وجوب الخروج علی فرض المقدمیة فحاصله أنّه یمکن تقریب الوجوب بوجهین أحدهما: أنّ الحرکة الخروجیة ذات مفسدة من حیث الغصبیة و ذات مصلحة من حیث المقدمیة لترک الغصب الزائد فطلب ترکها یمکن أن یکون بنحوٍ لایوجب تفویت المصلحة الأقوی و هو طلب ترکها بترک الدخول و یمکن أن یکون بنحو یوجب تفویتها و هو طلب ترکها بعد الدخول ... یرد علیه ... و ثانیهما: أنّ الخروج غیرُ محرّمٍ أصلا، و ترکه غیر مطلوب أبدا، و لو بترک الدخول لأنّ المصلحة المقدمیة فی الخروج لا بدل لها فی عرض الخروج حتی تؤثر مفسدة الخروج فی حرمته، و المصلحة المقدمیة فی طلب المقدمة التی هی فی عرضه بل ترک الدخول مقدمة منحصرة فی طول الخروج، و بعد الدخول بکون الخروج مقدمة منحصرة لترک الغصب الزاید فلایعقل تأثیر مفسدة الخروج أصلا ... و فیه ... فالأقوی حینئذ عدم وجوب الخروج لا نفسیا و لا مقدمیا بل یقع مستحقّا علیه العقاب و إن لم یکن للمکلف مناصٌ فی مقام الدوران بین الغصب دائما أو الغصب بمقدار الخروج عن اختیار الغصب الخروجی دفعا للأفسد بالفاسد و للأقبح بالقبیح کما سیجیئ إن شاء الله تعالی بعضُ الکلام فیه فتدبّر جیداً». راجع نهایة الأفکار، ج1-2، ص450؛ دروس فی مسائل علم الأصول، التبریزی، ج3، ص9.
إیراد المحقّق النائینی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) تبعاً للشیخ الأنصاری (قدس سره) یری أنّ المقام من صغریات

ص: 332


1- أجود التقریرات، ج2، ص189.

قاعدة وجوب ردّ المال إلی صاحبه و مالکه و لا ارتباط له بقاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار».

قال (قدس سره): أمّا دعوی عدم دخول المقام فی کبری قاعدة عدم منافاة الامتناع بالاختیار للاختیار فیدلّ علیه أُمور (أربعة):

الأوّل: إنّ ما یکون داخلاً فی موضوع کبری تلک القاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» لابدّ من أن یکون قد عرضه الامتناع بحیث یکون خارجاً عن القدرة، و کان ذلک مستنداً إلی اختیار المکلّف کالحجّ یوم عرفة ممّن ترک المسیر إلیه باختیاره و کحفظ النفس ممن ألقی نفسه من شاهق، و من الواضح أنّ الخروج من الدار المغصوبة لیس کذلک، فإنّه علی ما هو علیه من کونه مقدوراً للمکلّف بعد دخوله فیها و لم یطرأ علیه ما یوجب امتناعه.

الثانی: إنّ محل الکلام فی تلک القاعدة إنّما هو ما إذا کان ملاک الحکم مطلقاً بنحو یکون متعلّق ذلک الحکم واجداً للملاک سواء وجدت مقدّمته الإعدادیة أم لم توجد و کان الحکم بنفسه مشروطاً بمجیء زمان متعلّقه و هذا کخطاب الحجّ، فإنّه و إن کان مشروطاً بمجیء یوم عرفة علی ما هو الحقّ من امتناع الواجب المعلّق إلّا أنّ ملاکه یتمّ بتحقّق الاستطاعة، فمن ترک المسیر إلی الحجّ بعد الاستطاعة یستحقّ العقاب علی ترکه و إن امتنع علیه الفعل فی وقته، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

و هذا بخلاف المقام فإنّ التصرّف بالدخول من المقدّمات التی لها دخل فی تحقّق القدرة علی الخروج و تحقّق ملاک الحکم فیه، فإنّ الداخل (فی المکان المغصوب) هو الذی یمکن توجیه الخطاب إلیه بفعل الخروج و لذا یمتنع أن یکون الخروج داخلاً فی موضوع تلک القاعدة.

ص: 333

الثالث: إنّ الملاک فی دخول شیء فی موضوع کبری تلک القاعدة هو أن تکون المقدّمة موجبة للقدرة علی ذی المقدّمة، لیکون الآتی بالمقدّمة قابلاً لتوجیه الخطاب بإتیان ذی المقدّمة و هذا کالمسیر إلی الحجّ، فإنّه حیث کان مقدّمة إعدادیة للحجّ و به تحقّق القدرة علیه کان الآتی به قابلاً لتوجّه الخطاب بالحجّ إلیه، کما أنّ من ترک المسیر یستحیل طلب الحجّ منه لکن الاستحالة (استحالة طلب الحجّ) منتهیة إلی الاختیار فلاتسقط العقاب، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

و أمّا فی المقام فالدخول و إن کان مقدّمة إعدادیة للخروج إلّا أنّ تحقّق الدخول یوجب سقوط النهی عن الخروج، إذ بالدخول یکون ترک الخروج غیر مقدور علی ما اختاره (قدس سره)، فکیف یمکن أن یکون الخروج من صغریات تلک القاعدة؟

الرابع: إنّ الخروج فی ما نحن فیه واجب فی الجملة بحکم العقل (علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) حیث قال بأنّ العقل یحکم بلزوم الخروج من باب الأخذ بأخفّ المحذورین حیث إنّ الخروج أخفّ محذوراً من البقاء فی الأرض المغصوبة) فیکشف ذلک عن کونه (أی الخروج) مقدوراً و قابلاً لتعلّق التکلیف به و کلّ ما کان کذلک لایدخل تحت هذه القاعدة إذ مورد قاعدة «الامتنتاع بالاختیار لاینافی الاختیار» هو ما إذا کان الفعل غیر قابل لتعلّق التکلیف به لامتناعه.

جواب المحقّق الخوئی (قدس سره) عن استدلال المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

أمّا الأمر الأوّل فالتحقیق أنّ الخروج عن الدار المغصوبة یکون مقدوراً

ص: 334


1- هامش أجود التقریرات، ج2، ص190 – 193.

للمکلّف بالقدرة التکوینیة و لامناص للمکلّف عن اختیاره حیث إنّ الخروج لازم بحکم العقل دفعاً للمحذور الأهمّ، فالانزجار عن الخروج حسبما کان یقتضیه النهی السابق یمتنع بالفعل علی المکلّف بمقتضی حکم العقل بلزوم اختیاره، لکن الامتناع المزبور بما أنّه منتهٍ إلی الاختیار لایکون منافیاً للاختیار عقاباً و إن کان منافیاً له خطاباً.

أمّا الأمر الثانی و الثالث فإنّ ما ذکره المحقّق النائینی (قدس سره) فی هذا الوجه ملاکاً لدخول شیء فی کبری قاعدة «الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار» إنّما یختص بالتکالیف الوجوبیة و أمّا التکالیف التحریمیة فامتناع الموافقة فیها إنّما یتحقّق بارتکاب ما به یضطرّ المکلّف إلی ارتکاب الحرام تکویناً أو من جهة حکم الشارع و إلزامه بعدم ارتکاب غیره، و من الواضح أنّ الخروج فی محلّ الکلام کذلک، ضرورة أنّه إذا کان التصرّف فی الدار المغصوبة بغیر الخروج محکوماً علیه بالحرمة فعلاً، اضطرّ المکلّف إلی اختیار الخروج المفروض کونه أقلّ محذوراً من غیره.

و علیه فالتکلیف التحریمی المتعلّق بالخروج و إن کان ساقطاً بالاضطرار إلیه إلّا أنّه لاینافی العقاب علیه إذا کان الاضطرار إلیه بسوء الاختیار، لأنّ الامتناع بالاختیار لاینافی الاختیار.

و ممّا بینّاه یظهر الحال فی ما أفاده (قدس سره) فی الوجه الثالث لأنّه أیضاً یختصّ بموارد الاضطرار إلی ترک الواجب، و أمّا الاضطرار إلی ارتکاب الحرام فهو إنّما یتحقّق بارتکاب ما یفضی إلی امتناع الانزجار عن الحرام کما عرفت.

أمّا الأمر الرابع فإنّ کون الخروج واجباً بحکم العقل و إن کان لابدّ فیه من کونه مقدوراً تکویناً إلّا أنّه مع ذلک غیر قابل لتعلّق التکلیف التحریمی به بعد

ص: 335

الدخول، ضرورة أنّ تحریمه الفعلی مساوق للعجز عنه تشریعاً، و من الواضح أنّه لایجتمع مع کون التصرّف بغیر الخروج حراماً بالفعل کما هو المفروض لاستلزامه التکلیف بما لایطاق و هو غیر معقول، فإنّ حکم الخروج فی نفسه الحرمة و الاضطرار إلیه بسوء اختیاره یوجب سقوط الحرمة و إن صحّ العقاب علی ترکه.

و بالجملة هذه الوجوه الأربعة ناشئ من خلط الاضطرار فی موارد التکالیف التحریمیة بالاضطرار فی موارد التکالیف الوجوبیة.

فتحصّل إلی هنا: أنّ الحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ((1)) فإنّ المکلّف یلزم علیه الخروج عقلاً لا شرعاً و هو أیضاً مستحق للعقاب.((2))

ص: 336


1- فی تحقیق الأصول، ج4، ص120 – 121: «و تلخّص عدم تمامیة شیءٍ من وجوه المیرزا رحمه اللّه بل المورد من موارد قاعدة الإمتناع، و قد اعترف بأنّه إذا کان مورداً لها فالحقّ مع صاحب الکفایة فالمکلّف ملزم بالخروج عقلاً، و هو مستحق للعقاب لقاعدة الإمتناع».
2- هنا قول سادس اختاره المحقق البروجردی: ففی حاشیة علی کفایة الأصول، ج1، ص397 – 400: «لکنّ التحقیق علی ما أفاده السید الأستاذ مدّ ظلّه هو التفصیل بین الخروج الذی یکون من غیر ندامة، و الخروج الذی یکون عن توبة و ندامة، فإن کان الخروج من غیر ندامة فالحقّ أنّه یکون منهیا عنه بالنهی السابق الساقط بحدوث الإضطرار و العصیان، و یکون مبغوضا فی کلّ الأحوال، و الإضطرار إلیه لایخرجه عن المبغوضیة، لأنّه إنّما یکون بسوء الإختیار، و أمّا إن کان عن توبةٍ و ندامةٍ فالحقّ أنّه یکون مطلوبا و إطاعة کما یحکم العقل به قطعا، ضرورة أنّ حرمة التصرف الدخولی ترتفع بالتوبة بجمیع مراتبها و آثارها، و أنّ التوبة تصیر التائب بمنزلة یوم ولدته أمه، و تطهره من جمیع الأدناس، کما ینادی به و یدل علیه الأخبار القطعیة و الآثار المرویة، فإذا عرفت ارتفاع حرمة الدخول بالتوبة فلایبقی مجالٌ لمبغوضیة التصرف الخروجی، فإنّ مبغوضیة الخروج إنّما یکون من قبل التصرف الدخولی الذی یکون بسوء الإختیار، و یکون من آثاره و فروعه، و إلّا فالخروج بما هو هو مع کونهإاضطراریاً لایکون مبغوضا أصلا، و إذا ارتفع حرمة ما یوجب حرمة الخروج بآثارها بالندامة و التوبة إرتفع حرمة الخروج بلا کلام، و حینئذ یدور الأمر بین اللبث و الخروج، و معلومٌ أنّ اللبث مخالف للتوبة و مناف لها، و یکون مبغوضا و منهیا عنه بلا إشکالٍ، و النهی المتعلق بالتوقف یستلزم الأمر بالخروج، فالخروج یکون مأموراً به بالأمر المستفاد من النهی المتعلق باللبث». و لبعض الأساطین إیرادٌ علی هذا القول ففی تحقیق الأصول، ج4، ص121: «تبقی نظریةٌ ... ذکرها السید البروجردی و قال: و قد أشار إلی هذا المعنی صاحب الجواهر و لایخلو عن وجه قوی قال الأُستاذ: قد ذکر صاحب الجواهر هذا الإحتمال فی مبحث مکان المصلی و لم یوافق علیه، و الحقّ معه، لأنّ التوبة ترفع العقاب بلا إشکال، و لکنّ استحقاق العقاب بالمعصیة کترتّب بعض الآثار الوضعیة باق و لایرتفع بالتوبة، بل العقل یری الإستحقاق و لذا یقال: عصی و استحقّ العقاب لکنّ اللّه لم یعاقبه لأنّه تاب . . . إذن، لا مانع من انطباق القاعدة العقلیة، إلّا أنّ اللّه بفضله و کرمه و رحمته لایعاقب بعد التوبة».
الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی
اشارة

هنا صور ثلاث کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله):((1))

الصورة الأُولی:

أنّ الوقت ضیق فلایمکن أن یصلّی فی خارج الأرض المغصوبة لا صلاة المختار و لا صلاة المضطرّ.

أمّا علی القول بالجواز فیصلّی فی حال الخروج صلاة المضطرّ بالإیماء بدل الرکوع و السجود فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) فهذه الصلاة صحیحة إلّا أنّها متّصفة بالقبح الفاعلی و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) فهی صحیحة من دون اتّصافها بالقبح الفاعلی بل تتصف بالوجوب.

ص: 337


1- تحقیق الأصول، ج4، ص121.

و أمّا علی القول بالامتناع: فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) یختلف حکم الصلاة صحّة علی مبنی آخر فمع الالتزام بأنّ الحرکات الصلاتیة یصدق علیها الغصب فالقاعدة الأوّلیة بطلان الصلاة و لکن القاعدة الثانویة -و هی أنّ الصلاة لاتترک بحال- صحّتها و مع الالتزام بعدم صدق الغصب علی الحرکات الصلاتیة فهی صحیحة بحسب القاعدة الأوّلیة.

و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقق النائینی (قدس سرهما) فالصلاة صحیحة لأنّها متّصفة بالوجوب و لا نهی عنها.

الصورة الثانیة:

أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاة الاضطراریة خارج المکان المغصوب.

فإن قلنا بمقالة صاحب الکفایة (قدس سره) یختلف أیضاً حکم الصلاة فی حال الخروج فی المکان الغصبی فمع الالتزام بصدق الغصب علی الحرکات الصلاتیة فالصلاة باطلة رأساً و لاتجری القاعدة الثانویة لأنّه متمکّن من الإتیان بالصلاة خارج الأرض المغصوبة و مع الالتزام بعدم صدق الغصب علیها فهی صحیحة بحسب القاعدة الأوّلیة.

و إن قلنا بمقالة الشیخ و المحقّق النائینی (قدس سرهما) فتصحّ الصلاة فی حال الخروج لاتّصاف الخروج بالوجوب و عدم النهی عنه و عدم المبغوضیة أیضاً.

الصورة الثالثة:

أنّ المکلّف یتمکّن من الصلاة الاختیاریة خارج المکان المغصوب.

و حینئذ لو صلّی صلاة المضطرّ بالإیماء بدل الرکوع و السجود فی حال

ص: 338

الخروج فهی باطلة علی جمیع الأقوال لأنّ الصلاة الاضطراریة لایجزی عن الصلاة الاختیاریة فی ما إذا تمکّن من أدائها خارج المکان المغصوب.

انتهی الکلام حول التنبیه الأوّل و أمّا التنبیه الثانی و الثالث فلایجدی البحث عنهما.

و بهذا تمّ الکلام حول مبحث اجتماع الأمر و النهی.

ص: 339

ص: 340

البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة

اشارة

فیه مقدمات ثمانٍ و مقامان:

ص: 341

ص: 342

تمهید مقدّمات:

المقدّمة الأُولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع
قال جمع من الأعلام فی الفرق بین المسألتین:

قال جمع من الأعلام((1)) فی الفرق بین المسألتین:

إنّ النزاع فی مسألة النهی عن العبادة و المعاملة کبروی، لأنّا نبحث عن ثبوت الملازمة بین النهی عن العبادة و فسادها بعد الفراغ عن ثبوت الصغری و هو تعلّق النهی بالعبادة و البحث فی مسألة الاجتماع صغروی لأنّا نبحث عن سرایة النهی فی المجمع إلی متعلّق الأمر فالبحث عن مسألة الاجتماع من إحدی صغریات مسألتنا.

بیان صاحب الکفایة (قدس سره):
اشارة

قد صرّح صاحب الکفایة (قدس سره) فی المقدّمة الثانیة من بحث اجتماع الأمر و النهی((2))بأنّه إن قلنا بالامتناع مع ترجیح جانب النهی فی مسألة الاجتماع یکون

ص: 343


1- مثل المحقّق الخوئی فی المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص136.
2- کفایة الأُصول، ص151.

مثل الصلاة فی الدار المغصوبة من صغریات تلک المسألة (مسألة النهی عن العبادة).

إیراد المحقّق العراقی (قدس سره) علی صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

محصّل الفرق بین مسألة الاجتماع و اقتضاء النهی عن الشیء للفساد هو رجوع البحث فی المقام حسب ما هو ظاهر العنوان إلی اقتضاء النهی بوجوده الواقعی للفساد بملاحظة کشفه و لو بالملازمة العرفیة عن عدم الملاک و المصلحة فی متعلّقه و من ذلک یدور الفساد و عدمه -علی الاقتضاء- مدار وجود النهی واقعاً و عدمه، کان المکلّف عالماً بالنهی أم جاهلاً به و هذا بخلاف تلک المسألة (مسألة الاجتماع) حیث إنّ الفساد فیها -علی الامتناع- إنّما یدور مدار العلم بالنهی لا مدار النهی بوجوده الواقعی النفس الأمری، و من ذلک أیضاً عرفت بناءهم علی صحّة عبادة الجاهل القاصر أو الناسی إذا أتی بها فی مکان مغصوب و علیه فلاتکون لإحدی المسألتین مساس بالأُخری بوجه من الوجوه و معه لایبقی مجال لما أُفید کما فی الکفایة من جعل نتیجة المسألة السابقة علی الامتناع و تقدیم جانب النهی من صغریات هذه المسألة کیف و قد عرفت أنّ الفساد فی تلک المسألة إنّما هو من جهة خلوّ المتعلّق عن الملاک و المصلحة و من ذلک لو قام دلیل علی الصحّة فی قبال النهی لوقع بینهما التکاذب و یرجع فیهما إلی قواعد باب التعارض و مثل ذلک ینافی جدّاً بناءهم علی صحّة صلاة الجاهل بالغصبیة کما هو واضح.

ص: 344


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص450.
دفاع بعض الأساطین (حفظه الله) عمّا أفاده صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهی فلا موضوع للنهی عن العبادة و إن قلنا بالامتناع فمعنی ذلک هو اتّحاد متعلّق الأمر و النهی و وحدة متعلّقهما أمر واقعی و لا دخل للعلم و الجهل فیها.

أمّا مسألة الجاهل القاصر فقلنا: إنّ صحّة صلاته مبنیة علی القول بالجواز (و هو مختار المحقّق الإصفهانی و المحقّق النائینی (قدس سرهما) و هو الحقّ) و لکن بناء علی القول بالامتناع (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقّق العراقی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله)) فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل لأنّ مسألة الاجتماع بناء علی الامتناع تکون من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فلا وجه لصحّة الصلاة.((2))

ص: 345


1- تحقیق الأصول، ج4، ص125.
2- قد ذکر فی البحث الخامس (إجتماع الأمر و النهی)، المقدمة الأُولی (و فیها أُمور أربعة)، الأمر الرابع (هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟): «بیان المحقّق النائینی هناک صور أربع: الصورة الأُولی: أن یقال بامتناع الإجتماع ... فالمسألة علی هذا من صغریات التعارض». و تقدّم فی المقدمة الثانیة (مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأُصول و فیها عشرة أُمور)، الأمر الثامن (هل تکون مسألة الإجتماع من صغریات التعارض؟)، نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): «إنّ الشیخ الأنصاری (قدس سره) و جمعاً من الأعلام ذهبوا إلی أنّ مسألة الإجتماع بناءً علی القول بالإمتناع من صغریات التعارض ... و لکنّه لم یرتض [صاحب الکفایة] بذلک» إلخ. ثم ذکر مناقشات ثمانٍ فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و قال: «الإیراد الرابع: ما أفاده المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) ... إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) -و تبعه المحقّق العراقی (قدس سره) - قال: الصورة الأُولی و هی وجود الملاک لکلا الحکمین یکون من باب الإجتماع لا التعارض ... و خالفهما المحقّق النائینی (قدس سره) و تبعه المحقّق الخوئی (قدس سره) - و إلیک بیان المحقّق الخوئی (قدس سره): فی المسألة ثلاث صور: الصورة الأُولی: فرض القول بالجواز و عدم المندوحة ... الصورة الثانیة: فرض القول بالجواز و وجود المندوحة ... الصورة الثالثة: فرض القول بالإمتناع إنّ مسألة الإجتماع بناء علی الإمتناع تدخل فی کبری التعارض و اتّفق فی ذلک المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و نقل ذلک عن الشیخ الأنصاری (قدس سره) أیضاً خلافاً للمحقّق الخراسانی و المحقّق العراقی (قدس سرهما) » إلخ. ثم قال فی آخر الأمر الثامن: «نتیجة البحث: أنّ مسألة الإجتماع بناء علی القول بالجواز مع عدم المندوحة من صغریات التزاحم و أمّا مع وجودها فلیس صغری للتعارض و لا للتزاحم (بل هی بهذا الوجه تکون مسألة أُصولیة) و أمّا بناء علی القول بالإمتناع فمسألة الإجتماع من صغریات التعارض». و تقدّم فی المقدمة الثانیة، الأمر العاشر (ثمرة البحث)، بیان صاحب الکفایة (قدس سره)، «هناک وجوه أربعة: الوجه الأوّل: أن یقال بجواز اجتماع الأمر و النهی ... الوجه الثانی: أن یقال بالإمتناع مع ترجیح جانب الأمر ... الوجه الثالث: أن یقال بالإمتناع مع ترجیح جانب النهی فی التوصّلیات ... الوجه الرابع: أن یقال بالإمتناع مع ترجیح جانب النهی فی العبادات و هنا ثلاث صور: الصورة الأُولی: مورد الإلتفات إلی الحرمة ... الصورة الثانیة: مورد عدم الإلتفات إلی الحرمة مع الجهل التقصیری ... الصورة الثالثة: مورد عدم الإلتفات إلی الحرمة مع الجهل القصوری و حینئذ یسقط الأمر بإتیان المجمع و مورد الإجتماع بقصد القربة» إلخ. ثم ذکر مناقشات المحقّق الخوئی (قدس سره) فی بیان صاحب الکفایة (قدس سره) قال: «المناقشة الثانیة: إنّ ما أفاده فی الوجه الثالث و الرابع لایخلو من إشکال ... جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الثانیة: إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) مبنی علی مسلکه من دخول المسألة فی باب التزاحم فیکون المجمع واجداً لملاک الوجوب و الحرمة معاً و الجاهل القاصر لایعلم تزاحم ملاک الوجوب و الحرمة علی الفرض و لذا یکون قصده مقرّباً، فلایمکن المناقشة علی صاحب الکفایة (قدس سره) علی وجهة نظره نعم یمکن المناقشة فی مبناه من دخول مسألة الإجتماع علی القول بالإمتناع فی باب التزاحم حیث إنّ الصحیح عندنا دخولها فی باب التعارض فلایکون المجمع واجداً لملاک الأمر». ثم قال فی آخر البحث: «فتحصّل إلی هنا أنّه: ... و أمّا علی الوجه الرابع بصوره الثلاث فلاتصحّ العبادة و لایسقط الأمر بإتیان المجمع لأنّ مسألة الإجتماع بناء علی الإمتناع من صغریات التعارض و لازم ذلک هو عدم وجود الملاک فالعمل الصادر عن الجاهل القاصر باطل علی القول بالإمتناع».
المقدّمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟
اشارة

إنّ الشیخ الأنصاری و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) ذهبوا إلی أنّ المسألة أُصولیة و هی من الاستلزامات العقلیة (غیر

ص: 346

المستقلات العقلیة) و لکن صاحب الکفایة (قدس سره) یعتقد بأنّها من المسائل اللفظیة.

بیان المحقّق النائینی (قدس سره) لکونها من غیر المستقلات العقلیة:

((1))

إنّ هذه المسألة من المسائل الأُصولیة قطعاً، فإنّ نتیجة البحث کبری کلّیة إذا انضمّت إلیها صغراها أنتجت نتیجة فقهیة بلا توسّط شیء آخر.

و لایخفی أنّ هذه المسألة من مسائل الاستلزامات العقلیة و لا ارتباط لها بمباحث الألفاظ أصلاً، لوضوح أنّ غایة ما یدلّ علیه النهی باللزوم البین بالمعنی الأعم إنّما هو عدم الأمر بمتعلّقه، لتضادّهما و لکن اللفظ لایدلّ علی عدم تحقّق الملاک فی المتعلّق بل العقل هو الذی یدرک ذلک و یحکم بالفساد و بعبارة أُخری: إنّ العقل هو الحاکم بثبوت الملازمة بین النهی عن الشیء و فساده؛ هذا بناء علی المختار من کفایة اشتمال العبادة علی الملاک فی صحّتها.

و أمّا بناء علی ما ذهب إلیه صاحب الجواهر (قدس سره) من اشتراط الأمر فی الصحّة فکون المسألة من مباحث الألفاظ لایخلو من وجه (وجه ما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) بناء علی مختار صاحب الجواهر (قدس سره) هو أنّ النهی یدلّ بالدلالة الالتزامیة علی عدم الأمر و مع فرض عدم وجود الأمر لابدّ من القول بالفساد).((2))

ص: 347


1- أجود التقریرات، ج2، ص200.
2- جواهر الکلام، ج2، ص87 و ج9، ص155.
المقدّمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع
قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام
اشارة

إنّ النهی إمّا تشریعی و إمّا ذاتی و النهی الذاتی إمّا إرشادی و إمّا مولوی و النهی المولوی إمّا تبعی و إمّا نفسی و النهی النفسی إمّا تنزیهی و إمّا تحریمی.((1))

القسم الأوّل: النهی التشریعی

و هو بمعنی النهی عن إدخال ما لیس من الدین فی الدین سواء کان (هذا الأمر الداخل) من العبادات أم من المعاملات، فهذا النهی داخل فی محل البحث بناء علی أنّ التشریع هو نفس العمل العبادی أو المعاملی (أمّا إن قلنا بأنّ التشریع المحرّم هو الأمر القلبی فلایترتب علی البحث ثمرة لأنّ النهی حینئذ لایتعلّق بنفس العبادة أو المعاملة بل یتعلّق بالأمر القلبی).

القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی
بیان المحقّق الخوئی (قدس سره) لخروجه عن محلّ النزاع:

الوجه فی ذلک هو أنّ النواهی الإرشادیة المتعلّقة بالعبادات و المعاملات التی تدلّ علی مانعیة شیء لهما کالنهی عن المعاملة الغرریة مثلاً و کالنهی عن الصلاة فی ما لایؤکل لحمه فهی خارجة عن محل النزاع لأنّه لا إشکال و لا خلاف فی دلالة تلک النواهی علی الفساد، بداهة أنّه إذا أُخذ عدم الشیء فی

ص: 348


1- تحقیق الأصول، ج4، ص127.

عبادة أو معاملة فبطبیعة الحال تقع تلک العبادة أو المعاملة فاسدة عند اقترانها بهذا الشیء لأنّها توجب تقیید إطلاق أدلّة العبادات أو المعاملات بغیر هذه الحصّة فلاتشملها.

القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری
اشارة

قد اختلفوا فی دخوله فی محل النزاع و مثال ذلک النهی عن الصلاة فی ما إذا توقف إزالة النجاسة عن المسجد علی ترکها، بناءً علی ثبوت الملازمة بین الأمر بالشیء و النهی عن ضدّه.

و المهمّ هنا ثلاث نظریات:

النظریة الأُولی: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ هذا النهی لایدلّ علی مبغوضیة متعلّقه و لایدل أیضاً علی وجود المفسدة فی متعلّقه؛ نعم إنّ النهی الغیری عن الشیء قد یوجب سقوط الأمر المتعلّق به عن الفعلیة و لکن یمکن امتثاله مع ذلک بقصد الملاک و المصلحة مضافاً إلی أنّه یمکن امتثال الأمر بناء علی الترتّب کما هو الصحیح؛ فالنهی الغیری لایدلّ علی الفساد فلایکون داخلاً فی محل النزاع.

(و قد تقدّم فی بحث الضدّ العام ما یدلّ علی ذلک. راجع: ص65).

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)

إنّه قال أیضاً بخروج النهی الغیری عن محل النزاع أمّا النهی الغیری الأصلی

ص: 349


1- المحاضرات، ج4، ص137.

فجعله نهیاً إرشادیاً و لذا قال: لا نزاع لأحد فی دلالته علی الفساد، أمّا النهی الغیری التبعی فلا موجب لتوهّم دلالته علی الفساد أصلاً و وجّهه المحقّق النائینی (قدس سره) بقوله:((1))

ذلک لما عرفته فی محله من أنّ غایة ما یترتب علی النهی الغیری الناشئ من کون ترک متعلّقه مقدّمة للواجب الأهمّ إنّما هو عدم الأمر به فعلاً و من أنّه یکفی فی صحّة العبادة اشتمالها علی ملاک الأمر و إن لم یتعلّق بها بالفعل أمر من المولی و من الواضح أنّه لایمکن استکشاف عدم الملاک من النهی الغیری المزبور، فلا موجب لفساد العبادة المنهی عنها بمثل هذا النهی و قد تقدّم الکلام فی الکاشف عن وجود الملاک فی هذا الحال.

نعم لو بنینا علی اعتبار الأمر فی صحّة العبادة کما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) و منعنا صحّة الترتب لکان هذا النهی الغیری أیضاً دالّاً علی الفساد، لکنّک قد عرفت فی ما تقدّم صحّة القول بالترتب و عدم اعتبار الأمر فی صحّة العبادة فلایکون فی النهی الغیری دلالة علی الفساد.((2))

ص: 350


1- أجود التقریرات، ج2، ص202.
2- النظریة الأولی و الثانیة مشترکتان فی القول بعدم دخول النهی الغیری فی محل النزاع و فی قبالهما النظریة الثالثة قائلة بدخوله فی محل النزاع. و لابدّ هنا من بیان نکتتین: أوّلاً: تلاحظ أنّ النظریات الثلاث جعلت العنوان «النهی الغیری» (الذی هو مقابل النفسی) و لکنّ الشیخ الأنصاری جعل العنوان «النهی التبعی» (الذی هو مقابل الأصلی) و لم یتعرض لغیره. ثانیاً: نسب الشیخ فی التقریرات القول بعدم دخول النهی التبعی فی محل النزاع إلی المحقق القمی و لکن هذا المحقق لم یصرح بذلک فی هذا البحث أی اقتضاء النهی للفساد و الذی قال به هو عدم استلزام النهی التبعی (فی مقابل الأصلی) للفساد. قال فی القوانین المحکمة ط.ج. ج 1، ص204: «قانونٌ: إختلف الأصولیون فی أنّ الأمر بالشی ء هل یقتضی إیجاب مقدماته مطلقا أم لا؟ علی أقوال ... و تحقیق هذا الأصل یقتضی تمهید مقدمات ... السادسة: الوجوب المتنازع فیه هو الوجوب الشرعی ... و المراد من الوجوب الشرعی هو الأصلی الذی حصل من اللفظ و ثبت من الخطاب قصداً ... و یظهر الثمرة فیما لو وجب علیه واجب بالنذر و الیمین و نحوهما، و فی ثبوت العقاب و الثواب علی ترک کلٍّ من المقدمات و فعلها ... و مما یؤید ما ذکرنا من أنّهم یقولون بثبوت العقاب، إستدلالهم فی دلالة الأمر بالشی ء علی النهی عن الضد، بأنّ ترک الضد واجبٌ من باب المقدمة فیکون فعله حراما، فثبت حرمة الضد، و یترتّب علیه أحکامه من الفساد و غیره فإنّ القائل بأنّ الأمر بالشی ء یقتضی النهی عن الضد، لیس مراده طلب الترک التبعی کما سنحقّقه، بل مراده الخطاب الأصلی و وجه التأیید أنّ النهی المستلزم للفساد لیس إلّا ما کان فاعله معاقبا». و قال: «السابعة: دلالة الإلتزام إمّا لفظیة و إمّا عقلیة ... و أمّا الوجوب المذکور- أی وجوب المقدمة- فلما کان هو أیضا تبعیاً کأصل الخطاب به، بمعنی أنّه لازم لأجل التوصل إلی ذی المقدمة، و حکمه حکم الخطابات الأصلیة التوصلیة کإنقاذ الغریق و إطفاء الحریق و غسل الثوب النجس للصلاة، فلم یحکم بکونه واجبا أصلیا و لم یثبت له أحکام الواجب الأصلی الذاتی، فلا عقاب علیه لعدم ثبوت العقاب علی الخطاب التبعی، کما سنشیر إلیه». و أیضاً راجع القوانین، ج 1، ص220؛ ج 1، ص239.
النظریة الثالثة: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) یری دخول النهی الغیری بکلا قسمیه (الأصلی و التبعی) فی محل النزاع و إلیک نصّ ما أفاده:

لا وجه لتخصیص النزاع بالنفسی، فیعمّ الغیری إذا کان أصلیاً (لأنّه مثل النهی عن الصلاة فی غیر المأکول فیدلّ علی فساد الصلاة) و أمّا إذا کان تبعیاً فهو و إن کان خارجاً عن محلّ البحث لما عرفت أنّ البحث فی دلالة النهی (أی بالدلالة اللفظیة کما هو مختار صاحب الکفایة (قدس سره) و النهی التبعی من مقولة المعنی إلّا أنّه داخل فی ما هو ملاک البحث.

ص: 351


1- کفایة الأصول، ص181.

و الوجه فی ذلک هو أنّ دلالة النهی الغیری التبعی (إذا لم یکن للإرشاد إلی الفساد کما فی المعاملات) علی الفساد إنّما یکون لدلالته علی الحرمة، لا لاستحقاق العقاب علی مخالفته حتّی یتوهّم (و المتوهّم المحقّق القمی (قدس سره) أنّ النهی الغیری التبعی لایستلزم الفساد لعدم استحقاق العقاب علی مخالفته و یؤید ذلک أنّهم جعلوا ثمرة النزاع فی أنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه (بالنهی الغیری التبعی) فساد المنهی عنه إذا کان عبادة.((1))

ص: 352


1- إختار دخول النهی التبعی فی محلّ النزاع الشیخ الأنصاری و تبعه صاحب الکفایة و وافق المحقّقَ الخراسانی فی دخول النهی الغیری بقسمیه الأصلی و التبعی فی محلّ النزاع تلمیذاه المحقق العراقی و الإصفهانی: ففی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص728: «الثانی ... و هل یختص البحث بالنهی الأصلی أو یعمّ التبعی أیضا؟ و الحق هو الثانی؛ لما قد تقدم من استدلالهم علی فساد الضد بتعلق النهی التبعی الحاصل من الأمر بضدّه الآخر. و ذهب المحقق القمی رحمه الله إلی الأوّل، فزعم عدم اقتضاء النهی التبعی الفساد قطعاً، لانحصار ما یمکن أن ینازع فیه فیما یترتب علیه العقاب، و لا عقاب فی التبعی و لا دلیل علی انحصاره فیه، و کلمات القوم لاتوافقه، بل إنّما هی آبیةٌ عنه و صریحةٌ فی خلافه». و فی نهایة الأفکار، ج 2، ص452: «و أمّا النهی التحریمی الغیری فالظاهر منهم هو دخوله أیضا فی محل النزاع کما یشهد لذلک جعلهم فساد العبادة ثمرة النزاع فی مسألة اقتضاء الأمر بالشی ء للنهی عن ضدّه الخاص علی المقدمیة نعم هذه الثمرة تختص بخصوص العبادات فلاتجری فی المعاملات و لکنّه أیضا غیرُ ضائرٍ بعموم النزاع کما لایخفی». و فی نهایة الدرایة، ج 2، ص383 فی التعلیقة علی قوله: «فیعمّ الغیری إذا کان أصلیا»: «یمکن أن یشکل بأنّ التکلیف المقدمی- بعثاً کان أو زجراً- لایوجب القرب و البعد، بل هما مترتبان علی موافقة التکلیف النفسی و مخالفته، فالنهی المقدمی و إن کان لایجامع الأمر لتضادهما، إلّا أنّ مجرد النهی عن شی ء لایسقطه عن الصلوح للتقرب به إذا لم تکن مخالفته مبعدة، إلّا أن یقال بأّن مقدمیته للمبعد کافیة فی المنع عن التقرب به کما لایبعد». و فی التعلیقة علی قوله: «و التبعی منه من مقولة المعنی»: «لایقال: إنّ التبعی- بالمعنی المتقدم منه (قدس سره) فی مقدمة الواجب- ملاکه إرتکازیة الإرادة فی قبال تفصیلیتها، فالأصلی کالتبعی من مقولة المعنی، و لاتتقوّم الأصالة بالدلالة، و أمّا الأصلیة و التبعیة فی مرحلة الدلالة فشمول النهی لکلا القسمین واضحٌ لأنّا نقول: الإرادة التفصیلیة یمکن أن تکون مدلولاً علیها، فتدخل فی محل النزاع، بخلاف الإرادة الإرتکازیة». و فی التعلیقة علی قوله: «من غیر دخل لاستحقاق العقوبة»: «هذا یصحّ تعلیلاً للشمول للنفسی و الغیری، لا للأصلی و التبعی کما لایخفی، إلّا أن یرجع التعلیل إلی صدر الکلام، أو یکون فی قبال من یجعل الغیری تبعیا مطلقا، و النفسی أصلیا مطلقا کالمحقق القمی (رحمه الله)».

فیظهر من ذلک دخول النهی الغیری التبعی أیضاً فی محل البحث.

و التحقیق فی المقام: أنّه یکفی فی دخول المورد فی محلّ النزاع اقتضاء النهی الغیری للفساد بناء علی أحد الأقوال فی المسألة و هذا الملاک موجود هنا و إن لم نقل باقتضاء النهی الغیری للفساد.

القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی
اشارة

فیه ثلاث نظریات:

إنّ الأعلام اختلفوا فی النهی التنزیهی أیضاً فبعضهم قالوا بدخوله فی محل النزاع مثل صاحب الکفایة (قدس سره) و بعضهم قالوا بخروجه عنه مثل المحقّق الأنصاری((1)) و المحقّق النائینی (قدس سرهما) .

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) قال: إنّ ملاک البحث یعمّ التنزیهی و مع عموم الملاک فلا وجه لتخصیص عنوان البحث بالنهی التحریمی و الوجه فی ما أفاده هو التنافی بین ما یقتضیه النهی من الکراهة و المبغوضیة (و إن کانت قلیلة) و ما یقتضیه صحّة العبادة من المحبوبیة.

ص: 353


1- مطارح الأنظار، ص157.
النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره)

إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال بخروجه عن النزاع و استدلّ علی ذلک بأنّ النهی التنزیهی عن فرد لاینافی الرخصة الضمنیة المستفادة من إطلاق الأمر، فلایکون بینهما معارضة لیقید به إطلاقه.

النظریة الثالثة: تفصیل المحقّق الخوئی (قدس سره) بین التفسیرین للنهی التنزیهی

((1))

إنّ النهی التنزیهی المتعلّق بالعبادة یمکن أن یتصور علی وجهین:

الوجه الأوّل: أن ینشأ من حزازة و منقصة فی تطبیق الواجب علی حصّة خاصّة منه من دون حزازة و منقصة فی نفس تلک الحصّة کالنهی المتعلّق بالعبادة الفعلیة مثل الصلاة فی الحمام و الصلاة فی مواضع التهمة.

و النهی التنزیهی علی هذا التفسیر خارج عن مورد النزاع، بداهة أنّه لایدلّ علی الفساد بل هو یدلّ علی الصحّة.

الوجه الثانی: أن ینشأ من حزازة و منقصة فی ذات العبادة، و النهی التنزیهی علی هذا التفسیر داخل فی محلّ النزاع ضرورة أنّ الشیء إذا کان مکروهاً فی نفسه و مرجوحاً فی ذاته لم یمکن التقرب به فهذا النهی یدلّ علی المبغوضیة الناقصة فی ذات العبادة و هذا یلازم فساد العبادة.

و تحصّل أنّ الحقّ هو ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) من التفصیل بین التفسیرین.

ص: 354


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص137.
القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی

قال بعض الأساطین (حفظه الله): و هذا لا کلام فی دخوله، لأنه منشأ للفساد بلاإشکال.((1))

ص: 355


1- تحقیق الأصول، ج4، ص128.
المقدّمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث
بیان صاحب الکفایة (قدس سره):

إنّ صاحب الکفایة (قدس سره) ذکر خمسة معانٍ للعبادة و اختار منها اثنین (المعنی الأوّل و الثانی).

المعنی الأوّل: ما یکون بنفسه و بعنوانه عبادة له تعالی، موجباً بذاته للتقرب إلی حضرته، لولا حرمته، کالسجود و الخشوع له و تسبیحه وتقدیسه.

و استشکله((1))بأنّ هذا المعنی تضییق لدائرة البحث لندرة العبادة الذاتیة لانحصارها فی مثل السجود و الرکوع.

المعنی الثانی: ما لو تعلّق الأمر به کان أمره أمراً عبادیاً، لایکاد یسقط إلّا إذا أُتی به بنحو قربی، کسائر أمثاله، نحو صوم العیدین و الصلاة فی أیام العادة.

و استشکله أیضاً((2)) بأنّه یقابل التوصّلی و هذا المعنی للعبادة أعمّ من العبادة الذاتیة و الشأنیة.

المعنی الثالث: ما أفاده الشیخ (قدس سره) فی تعریف العبادة و هو ما أُمر به لأجل التعبد به((3)).

و یرد علیه أنّ هذا التعریف دوری لأخذ التعبّد فی تعریف العبادة.

ص: 356


1- تحقیق الأصول، ج4، ص129.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص12.
3- مطارح الأنظار، ص158.

المعنی الرابع: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) من أنّ العبادة ما یتوقّف صحّته علی النیة((1)).

المعنی الخامس: ما أفاده المحقّق القمی (قدس سره) أیضاً من أنّ العبادة ما لایعلم انحصار المصلحة فیها فی شیء.

بیان المحقّق الخوئی (قدس سره):

((2))

إنّ المراد من العبادة هنا «العبادة الشأنیة» بمعنی أنّه إذا افترضنا تعلّق الأمر بها لکانت عبادة، لا «العبادة الفعلیة» ضرورة استحالة اجتماع العبادة الفعلیة و الحرمة کذلک فإنّ معنی حرمتها فعلاً هو کونها مبغوضة للمولی فلایمکن التقرب بها و معنی کونها عبادة فعلا هو کونها محبوبة له و یمکن التقرّب بها و من المعلوم استحالة اجتماعهما کذلک فی شیء واحد.

و المراد من المعاملات کلّ أمر اعتباری قصدی یتوقّف ترتیب الأثر علیه شرعاً أو عرفاً علی قصد اعتباره و إنشائه من ناحیة و إبرازه فی الخارج بمبرز من ناحیة أُخری و من الطبیعی أنّها بهذا المعنی تشمل العقود و الإیقاعات فلا موجب عندئذ لاختصاصها بالمعاملات المتوقّفة علی الإیجاب و القبول.

وأمّا ما لایتوقف ترتیب الأثر علی قصده و إنشائه بل یکفی فیه مطلق وجوده فی الخارج کتطهیر الثوب و البدن فهو خارج عن محل الکلام.

ثم إنّ کلامه تعریض بما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) ((3))من أنّ تطهیر الثوب و

ص: 357


1- القوانین، ص154.
2- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص138.
3- أجود التقریرات، ج2، ص203.

البدن ذوجهتین فإنّه یدخل فی محل النزاع من جهة و یخرج عنه من جهة أُخری.

توضیحه: إنّ المحقّق النائینی (قدس سره) قال فی المقام:

لا إشکال فی دخول العبادة بالمعنی الأخص -أعنی بها الوظیفة التی شرّعت لأجل التعبّد بها- فی محل النزاع.

أمّا العبادة بالمعنی الأعم کغسل الثوب و أمثاله من مقدّمات الصلاة فهی من جهة وقوعها عبادة موجبة للتقرّب بها تدخل فی محل النزاع فعلی القول بدلالة النهی علی الفساد لاتصحّ عبادة مع النهی عنها؛ و أمّا من جهة آثارها الوضعیة المترتّبة علیها و لو لم تقع عبادة کطهارة الثوب المترتّبة علی غسله بالماء فلایدلّ النهی عنها علی فسادها.

و لا إشکال فی دخول المعاملة بالمعنی الأعمّ من العقود و الإیقاعات فی محل النزاع فلایختص بالمعاملة بالمعنی الأخص المتوقفة علی الإیجاب و القبول فالمراد من المعاملة فی محل البحث هو کلّ أمر إنشائی یسبّب به إلی أمر اعتباری شرعی.

ص: 358

المقدّمة الخامسة: تحریر محل النزاع

إنّ المنهی عنه سواء کان عبادة أم معاملة لابدّ أن یکون قابلاً للاتّصاف بالصحّة و الفساد کالبیع و الصلاة بأن یکون تارة تامّاً یترتب علیه ما یترقّب منه من الأثر لکونه واجداً لجمیع الأجزاء و الشرائط و تارة غیر تام لاختلال بعض ما یعتبر فی ترتّبه.

أمّا ما لایکون قابلاً للاتّصاف بالصحّة و الفساد بأن لایکون له أثر شرعاً مثل المشی علی الأرض أو کان أثره ممّا لاینفک عنه مثل الغصب و الإتلاف اللذینِ هما من أسباب الضمان فهما خارجان عن محل النزاع لعدم اتّصافهما بالصحّة و الفساد.

ص: 359

المقدّمة السادسة: تعریف الصحّة و الفساد
اشارة

إنّ الصحّة و الفساد من الأُمور الإضافیة یختلفان بحسب الآثار و الأنظار فربّما یکون شیء واحد صحیحاً بحسب أثر أو نظر و فاسداً بحسب أثر أو نظر آخر و هل یختلف معنی الصحة فی العبادات و المعاملات؟

هنا نظریتان:

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ معنی الصحّة فی العبادات و المعاملات واحد و هو التمامیة.

النظریة الثانیة: عن المحقق القمی (قدس سره)
اشارة

إنّ المحقّق القمی (قدس سره) یعتقد باختلاف معنی الصحّة فی العبادات و المعاملات و لذا قال فی القوانین: «اختلف الفقهاء و المتکلّمون فی معنی الصحّة و الفساد فی العبادات فعند المتکلّمین هو موافقة الامتثال للشریعة و عند الفقهاء إسقاط القضاء».((1))

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن نظریة المحقّق القمی (قدس سره):

إنّ اختلاف الفقیه و المتکلّم فی معنی الصحّة هو لاختلاف أغراضهم من الصحّة و إلّا فإنّ الصحّة عند الجمیع بمعنی واحد و هو التمامیة.

و أمّا غرض الفقیه فهو وجوب القضاء و الإعادة و لذا فسّر الصحّة بلزوم

ص: 360


1- القوانین (ط.ق): ص157 و (ط.ج): ص362.

سقوط القضاء و الإعادة و غرض المتکلّم هو حصول الامتثال الذی یوجب عقلاً استحقاق المثوبة و لذا فسّرها بما یوافق الأمر تارة و بما یوافق الشریعة أُخری.

ص: 361

تنبیه: فی أنّ الصحّة و الفساد عند المتکلّم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی؟
اشارة

هنا نظریات ثلاث:

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

إنّ الصحّة عند المتکلّم حکم انتزاعی ینتزع عن مطابقة المأتی به للمأمور به کما أنّ الفساد ینتزع عن عدم المطابقة فلاتکون الصحّة و الفساد من الأحکام العقلیة و لا من الأحکام الشرعیة الجعلیة.

أمّا الصحّة عند الفقیه فتارة یلاحظ بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی و أُخری بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی أو الأمر الظاهری.

أمّا الصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی فمن اللوازم العقلیة المترتبة علی الإتیان بالمأمور به بالأمر الواقعی الأوّلی فیحکم بسقوط الأمر و لا موجب للإعادة و القضاء بحکم العقل فالصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی لیست حکماً انتزاعیاً کما یقوله الشیخ الأنصاری (قدس سره) بل هو حکم عقلی.

أمّا الصحّة بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری فهی علی صورتین:

الصورة الأُولی: ما إذا بقی من ملاک الأمر الواقعی الأوّلی مقدار لم یقتضِ الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری الوفاء بهذا المقدار و هنا یحتاج الحکم بالصحّة إلی تخفیف من الشارع و منّة منه علی المکلّف فیقتضی جعل حکم وضعی شرعی فالصحّة هنا حکم وضعی شرعی و لیست حکماً عقلیاً و لا انتزاعیاً.

ص: 362

الصورة الثانیة: ما إذا وفی المأمور به بالأمر الثانوی الواقعی و المأمور به بالأمر الظاهری بجمیع ملاک الأمر الواقعی الأوّلی فإنّ الصحّة حینئذ تکون مثل الصحّة فی الأمر الواقعی الأوّلی فتکون الصحّة حکماً عقلیاً (بمعنی أنّها من اللوازم العقلیة للإتیان بالمأمور به).

فتلّخص أنّ الصحّة عند المتکلّم حکم انتزاعی و أمّا عند الفقیه بالنسبة إلی الأمر الواقعی الأوّلی فحکم عقلی و بالنسبة إلی الأمر الواقعی الثانوی و الأمر الظاهری قد تکون حکماً وضعیاً شرعیاً و قد تکون حکماً عقلیاً؛ هذا فی العبادات.

أمّا الصحّة فی المعاملات فهی حکم وضعی شرعی فی المعاملات الکلّیة أمّا فی المعاملات الشخصیة فلیست مجعولة؛ وجه ذلک هو أنّ ترتّب الأثر علی المعاملة إنّما هو بجعل الشارع ترتّبه علیها و لو إمضاءً ضرورة أنّه لولا جعله لما کان یترتب الأثر علی المعاملة لأصالة الفساد؛ هذا فی کلّی المعاملة.

أمّا صحّة کلّ معاملة شخصیة فلیست حکماً وضعیاً شرعیاً بل هو من باب انطباق الکلّی علی أفراده؛ هذه نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هنا نظریتان أُخریان للمحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سرهما)

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)

إنّ الصحّة الظاهریة مجعولة و لکن الصحّة الواقعیة غیر قابلة للجعل.

توضیح ذلک ببیان تلمیذه المحقّق الخوئی (قدس سره) ((1)):

أمّا الصحّة الواقعیة فی العبادات فلاتقبل الجعل لأنّ العبادات لاتتّصف

ص: 363


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص141 - 143.

بالصحّة و الفساد فی مقام الجعل و التشریع و إنّما تتّصف بهما فی مقام الامتثال و الانطباق.

فإذا جاء المکلّف بالصلاة فی الخارج فإن انطبقت علیها الصلاة المأمور بها انتزعت الصحّة لها و إلّا انتزع الفساد و من البدیهی أنّ انطباق الطبیعی علی فرده فی الخارج و عدم انطباقه علیه أمران تکوینیان و غیر قابلین للجعل تشریعاً، سواء کان فی الأمر الواقعی الأوّلی أم فی الأمر الواقعی الثانوی أم فی الأمر الظاهری.

أمّا الصحّة الواقعیة فی المعاملات فکذلک حیث إنّها لاتتّصف بالصحّة أو الفساد فی مقام الجعل و الإمضاء و إنّما تتّصف بهما فی مقام الانطباق و الخارج مثلاً: البیع ما لم یوجد فی الخارج لایعقل اتّصافه بالصحّة أو الفساد، فإذا وجد فیه فإن انطبق علیه البیع الممضی شرعاً اتّصف بالصحّة و إلّا فبالفساد و کذا الحال فی الإجارة و النکاح و الصلح و ما شاکل ذلک و بکلمة أُخری: إنّ الممضاة الشرعاً إنّما هی المعاملات الکلّیة بمقتضی أدلّة الإمضاء کقوله تعالی: (أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)((1)) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)((2)) و (تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)((3)) دون الأفراد الخارجیة فإنّ الأفراد إن انطبق علیها البیع الکلّی الممضی شرعاً حکم بصحّتها و إلّا فلا، و الانطباق و عدمه أمران تکوینیان غیر قابلین للجعل تشریعاً.

أمّا الصحّة الظاهریة فالصحیح أنّها مجعولة شرعاً فی العبادات و المعاملات.

أمّا فی العبادات فکالصحّة فی موارد قاعدتی التجاوز و الفراغ فإنّه لولا حکم

ص: 364


1- سورة البقرة(2):275.
2- سورة المائدة(5): 1.
3- سورة النساء(4):29.

الشارع بانطباق المأمور به علی المشکوک فیه تعبّداً، لکانت العبادة محکومة بالفساد لامحالة.

أمّا فی المعاملات فکالصحة فی موارد الشک فی بطلان الطلاق أو نحوه فإنّه لولا حکم الشارع بالصحة فی هذه الموارد لکان الطلاق مثلاً محکوماً بالفساد لامحالة.

النظریة الثالثة: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ الصحّة و الفساد فی العبادات غیر مجعولین شرعاً و فی المعاملات مجعولان.

أمّا فی العبادات فقد عرفت أنّهما منتزعان من انطباق الطبیعی علی الموجود الخارجی و عدم الانطباق فلاتکون الصحّة و الفساد قابلین للجعل.

أمّا فی المعاملات فالأمر فیها لیس کذلک لأنّ نسبة المعاملات إلی الإمضاء الشرعی نسبة الموضوع إلی الحکم لا نسبة المتعلّق إلی الحکم و هذا بخلاف العبادات کالصلاة فإنّ نسبتها إلی الحکم الشرعی نسبة المتعلّق لا نسبة الموضوع.

و إنّا قد حققنا فی محلّه أنّ موضوع الحکم فی القضایا الحقیقیة قد أُخذ مفروض الوجود فی مقام التشریع و الجعل دون متعلّقه و لذا تدور فعلیة الحکم مدار فعلیة موضوعه، فیستحیل أن یکون الحکم فعلیاً فیها بدون فعلیة موضوعه، فلا حکم قبل فعلیته إلّا علی نحو الفرض و التقدیر.

و من ناحیة أخری إنّ الحکم ینحلّ بانحلال أفراد موضوعه فی الخارج فیثبت لکلّ فرد منه حکم علی حدة.

ص: 365


1- المحاضرات، ط.ج. ج4، ص143.

ثمّ إنّ معنی اتّصاف المعاملات بالصحّة و الفساد إنّما هو ترتّب الأثر الشرعی علیها و عدم ترتّبه و الأثر الشرعی إنّما یترتّب علی المعاملة الموجودة فی الخارج دون الطبیعی غیر الموجود فیه.

و نتیجة هذه الأُمور هی أنّ المعاملات بما أنّها أُخذت مفروضة الوجود فی لسان أدلّتها یتوقّف فعلیة الإمضاء علی فعلیتها فی الخارج فما لم تتحقّق المعاملة فیه لم یعقل تحقّق الإمضاء لاستحالة فعلیة الحکم بدون فعلیة موضوعه، فإذا تحقّق بیع مثلاً فی الخارج تحقّق الإمضاء الشرعی و إلّا فلا إمضاء لما عرفت من أنّ الإمضاء الشرعی فی باب المعاملات لم یجعل لها علی نحو صرف الوجود لتکون صحّتها منتزعة من انطباقها علی الفرد الموجود و فسادها من عدم انطباقها علیه.

و قد تحصّل من ذلک أنّ المعاملات بما أنّها موضوعات للإمضاء الشرعی بطبیعة الحال یتعدّد الإمضاء بتعدّد أفرادها فیثبت لکلّ فرد منها إمضاء مستقل و انّا لانعقل للصحّة معنیً إلّا إمضاء الشارع لها من جهة شمول الإطلاقات و العمومات لها فمعنی صحّة البیع حکم الشارع بترتیب الأثر علیه و هو حصول الملکیة فالصحّة فی المعاملات أمر مجعول شرعاً.

ص: 366

المقدّمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی هنا نظریات أربع:
النظریة الأُولی: عن المحقّق الخراسانی (قدس سره)
اشارة

((1))

و ما أفاده قد یکون بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة و قد یکون بالنسبة إلی المسألة الفرعیة.

أمّا بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة:

فإنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة لیثبت الدلالة علی الفساد أو عدمها و الوجه فی ذلک هو عدم الحالة السابقة المعلومة لأنّ النهی أمر حادث و هو من حین حدوثه إمّا أن یدلّ علی الفساد و إمّا أن لایدلّ علیه و أمّا قبل حدوثه فلا نهی و لا حالة سابقة.

أمّا بالنسبة إلی المسألة الفرعیة:

فإنّ الأصل فی المسألة الفرعیة فی العبادات هو الفساد لعدم الأمر بالعبادة مع النهی عنها بل المراد بأصالة الفساد فی العبادات هو جریان قاعدة الاشتغال حیث إنّ الاشتغال الیقینی یوجب الفراغ الیقینی.

أمّا فی المعاملات فإنّ الأصل أیضاً هو الفساد بمعنی عدم ترتّب الأثر المقصود من المعاملة بمقتضی استصحاب الحالة السابقة و هو فی البیع مثلاً بقاء المال علی ملک مالکه.

نعم إذا کان هناک إطلاق أو عموم یدلّ علی صحّتها فلایجری أصالة الفساد لأنّها ترجع إلی الاستصحاب، و الإطلاق أو العموم مقدّم علی الاستصحاب.

ص: 367


1- کفایة الأصول، ص184.
النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((1))

إنّه لا أصل یعوّل علیه فی المسألة الأصولیة عند الشک فی دلالة النهی علی الفساد و عدمها سواء کان النزاع فی دلالة النهی علی الفساد لفظاً أم کان فی دلالته علیه عقلاً لأجل دعوی الملازمة بین الحرمة و الفساد و عدمها.

(أمّا إذا کان النزاع فی دلالة النهی لفظاً فقد مضی بیانه ضمن تقریر کلام صاحب الکفایة (قدس سره) و أمّا إذا کان النزاع فی الدلالة عقلاً فهو لعدم الحالة السابقة للملازمة بین الحرمة و الفساد لأنّ الملازمة إن کانت موجودة فهی من الأزل و إن لم تکن موجودة فکذلک من الأزل).

أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة:

فیختلف بالنسبة إلی العبادات و المعاملات أمّا فی المعاملات فالأصل فی جمیع موارد الشک فی صحّة المعاملة یقتضی الفساد، لأصالة عدم ترتّب الأثر علی المعاملة الخارجیة و بقاء متعلّقها علی ما کان علیه قبل تحقّقها من دون فرق فی ذلک بین أن یکون الشک لأجل شبهة حکمیة أو موضوعیة.

أمّا العبادات فإن کان الشک فی صحتها و فسادها لأجل شبهة موضوعیة فمقتضی قاعدة الاشتغال فیها هو الحکم بالفساد.

و إن کان لأجل شبهة حکمیة فالحکم بالصحّة و الفساد عند الشک یبتنی علی الخلاف فی جریان البراءة و الاشتغال عند الشک فی الجزئیة أو الشرطیة أو المانعیة (فی کبری مسألة دوران الأمر بین الأقل و الأکثر الارتباطیین).

هذا کلّه بحسب ما تقتضیه القاعدة الأوّلیة و أمّا بالنظر إلی القواعد الثانویة

ص: 368


1- أجود التقریرات، ج2، ص212.

الحاکمة علی القواعد الأوّلیة فربّما یحکم بصحّة العبادة أو المعاملة عند الشک فیها بقاعدة الفراغ أو التجاوز أو الصحّة أو غیر ذلک.

فتحصّل من ذلک أنّ المحقّق النائینی و صاحب الکفایة (قدس سرهما) متوافقان فی عدم وجود الأصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة کما أنّهما متّفقان فی أنّ الأصل بالنسبة إلی المسألة الفرعیة فی المعاملات هو الفساد بحسب ما تقتضیه القاعدة الأوّلیة و قد استثنی من ذلک صاحب الکفایة (قدس سره) وجود عام أو مطلق یدلّ علی الصحّة کما أنّ المحقّق النائینی (قدس سره) استثنی من ذلک القواعد الثانویة.

و لکنهما افترقا بالنسبة إلی الأصل فی المسألة الفرعیة فی العبادات فإنّ صاحب الکفایة (قدس سره) التزم بأصالة الفساد (التی ترجع إلی أصالة الاشتغال) و لکن المحقّق النائینی (قدس سره) فصّل فیها.

دفاع المحقّق الخوئی (قدس سره) عن صاحب الکفایة (قدس سره):

((1))

إنّ صحّة العبادة ترتکز علی أحد أمرین:

الأوّل: أن تکون مصداقاً للطبیعة المأمور بها و الثانی: أن تکون مشتملة علی الملاک فی هذا الحال

و لکنّ شیئاً من الأمرین غیر موجود أمّا الأوّل فلما عرفت من استحالة کون العبادة المنهی عنها مصداقاً للمأمور به و أمّا الثانی فلأنّه لایمکن إحراز اشتمالها علی الملاک إلّا بأحد طریقین: وجود الأمر بها و انطباق الطبیعة المأمور بها علیها و المفروض هنا أنّه لا أمر و لا انطباق فلایمکن إحراز اشتمالها علی الملاک، فإنّ

ص: 369


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص212؛ المحاضرات، ط.ج. ج4، ص163.

سقوط الأمر کما یمکن أن یکون لأجل وجود المانع مع ثبوت المقتضی له یمکن أن یکون لأجل عدم المقتضی له فی هذا الحال.

فبالنتیجة إنّ مقتضی الأصل فی العبادة هو الفساد مطلقاً.

النظریة الثالثة: عن المحقّق الإصفهانی (قدس سره)
اشارة

((1))

أمّا بناء علی أنّ المسألة عقلیة فلا أصل بالنسبة إلی المسألة الأصولیة.

و ذلک لأنّه إن قلنا: إنّ الصحّة هی من حیث موافقة الأمر فلامحالة تقع العبادة فاسدة بلا شک إذ لا أمر قطعاً للفراغ عن تعلّق النهی بالعبادة أوّلاً و عن عدم اجتماع النهی مع الأمر بها ثانیاً فلا شک حینئذ فی فساد العبادة.

و إن قلنا: إنّ الصحّة بمعنی موافقة المأتی به للمأمور به من حیث الملاک فالصحّة قطعیة الثبوت لأنّ المفروض تعلّق النهی بالعبادة لا ببعض العبادة، فالمنهی عنه مستجمع لجمیع الأجزاء و الشرائط الدخیلة فی الملاک.

نعم هنا نشک فی منافاة التقرّب المعتبر فی العبادة للمبغوضیة الفعلیة و مع عدم استقلال العقل بالمنافاة أو بعدمها لا أصل یقتضی أحد الأمرین.

أمّا بالنسبة إلی المسألة الفرعیة:

فإذا شککنا فی صحّة العبادة المنهی عنها فالأصل هو الفساد لاشتغال الذمّة بالعبادة المقرّبة و مع الشک فی صدورها قربیة لا قطع بفراغ الذمّة، فیجب تحصیل الفرد غیر المبغوض بالفعل.

و أمّا علی القول بأنّ المسألة لفظیة فلا أصل بالنسبة إلی المسألة الأُصولیة، لأنّ

ص: 370


1- نهایة الدرایة، ج2، ص391.

النزاع فی ظهور النهی فی الإرشاد إلی المانعیة و مع الشک فی هذا الظهور لا أصل فی المقام.

أمّا فی المسألة الفرعیة فالأصل هو الصحّة.

بیان ذلک: إنّ المفروض حینئذ (أی عند الشک فی دلالة النهی علی الفساد لفظاً) عدم منافاة الحرمة المولویة للعبادیة و عدم الحجّة علی المانعیة و مع الشک فی وجود المانع تجری أصالة عدم المانع فلا مانع من الصحّة.

النظریة الرابعة: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

((1))

أما علی القول بأنّ المسألة عقلیة فلا أصل فی المسألة الأُصولیة و أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة فهو الفساد سواء کان المنهی عنه عبادة أم معاملة.

و أمّا علی القول بأنّ المسألة لفظیة، فالأصل فی المسألة الأُصولیة موجود و هی أصالة الصحّة و وجه ذلک هو أنّ ظهور اللفظ فی الإرشاد إلی المانعیة تابع للوضع و الوضع مسبوق بالعدم و مع الشک فی الظهور یستصحب عدم الدلالة علی الفساد و معنی ذلک أصالة الصحّة.

أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة فهو الفساد سواء کان النهی تعلّق بالعبادة أم بالمعاملة.

والتحقیق فی المقام أنّ ما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) بناء علی کون المسألة عقلیة لا إشکال علیه فالحقّ هو أنّه لا أصل فی المسألة الأُصولیة، کما أنّ الأصل فی المسألة الفرعیة هو الفساد.

ص: 371


1- تحقیق الأصول، ج4، ص138.

ولکن بناء علی کون المسألة لفظیة فالأصل فی المسألة الأُصولیة موجود و هی أصالة الصحّة کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) .

و أمّا الأصل فی المسألة الفرعیة حینئذ فهو أصالة الصحّة کما أفاده المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لا أصالة الفساد کما قرره المحقّق الخراسانی (قدس سره) و تبعه بعض الأساطین (حفظه الله)، لأنّ جریان أصالة عدم المانع مقدّم علی جریان أصالة الفساد (التی أرجعها بعضهم إلی أصالة الاشتغال).

ص: 372

المقدّمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة
قال صاحب الکفایة (قدس سره): إنّ متعلّق النهی علی خمسة أنحاء

الأوّل: أن یکون نفس العبادة کالصلاة فی أیام الحیض و صوم العیدین و لاینبغی الشک فی دخول هذا القسم فی محل النزاع.

الثانی: أن یکون جزء العبادة مثل قراءة العزائم فی الصلاة و هذا القسم أیضاً داخل فی محل النزاع بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادة، إلّا أنّ بطلان الجزء لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علی هذا الجزء (بالنحو المنهی عنه) لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه، إلّا أن یستلزم محذوراً آخر (کالزیادة العمدیة و لو فی غیر الأرکان).

الثالث: أن یکون شرط العبادة الخارج عنها مثل الطهارة الحدثیة و الخبثیة بالماء المغصوب و الشرط علی قسمین:

أحدهما أن یکون عبادة کالوضوء و ثانیهما أن یکون توصّلیاً کتطهیر البدن و الثوب عن النجاسة.

أمّا القسم الأوّل فالنهی عنه یدلّ علی حرمته و هی موجبة لفساد الشرط و هو یستلزم فساد العبادة المشروطة به و أمّا القسم الثانی فالنهی عنه یدلّ علی حرمته و لکن هی لاتوجب فساد الشرط و بطلان العبادة.

الرابع: أن یکون وصفها الملازم لها کالجهر و الإخفات، فالنهی عن الوصف الملازم مساوق للنهی عن موصوفه فیکون النهی عن الجهر فی القراءة مثلاً مساوقاً للنهی عن القراءة، لاستحالة کون القراءة التی یجهر بها مأموراً بها، مع کون الجهر بها منهیاً عنها فعلاً. فهذا القسم أیضاً داخل فی محل النزاع.

ص: 373

الخامس: أن یکون وصفها غیرَ الملازم کالغصبیة لأکوان الصلاة المنفکّة عنها فإنّ النهی عن الوصف غیرِ الملازم بناء علی القول بجواز اجتماع الأمر و النهی لایسری إلی الموصوف (و هی العبادة) و أمّا بناء علی القول بالامتناع و تقدیم جانب النهی (فی ما إذا اتحد الوصف غیرُ الملازم و الموصوف وجوداً) فالنهی یسری إلی الموصوف فیکون داخلاً فی محل النزاع.

و النهی عن العبادة لأجل الجزء أو الشرط أو الوصف علی وجهین:

الأوّل: أن یکون الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة ثبوتیة لتعلّق النهی بالعبادة فالمنهی عنه فی الحقیقة نفس العبادة (فهذا من القسم الأوّل من الأقسام الخمسة).

الثانی: أن یکون الجزء أو الشرط أو الوصف واسطة عروضیة لتعلّق النهی بالعبادة و حینئذ المنهی عنه فی الحقیقة هو الجزء أو الشرط أو الوصف (و هذا من القسم الثانی أو الثالث أو الرابع أو الخامس من هذه الأقسام الخمسة).

إیرادات ثلاثة من المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره):
الإیراد الأوّل:

إنّ الجزء أو الشرط أو ما اتحد مع العبادة إن کان بنفسه عبادة، فالنهی عنه نهی عن العبادة و لا مجال للبحث عن کلّ واحد منها، إذ لا فرق بین عبادة و عبادة.((1))

الإیراد الثانی:

إنّ ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من أنّ جزء العبادة عبادة لا موجب له، سواء

ص: 374


1- نهایة الدرایة، ج2، ص392.

کانت العبادة ما کان حسناً بذاته أو ما لو أُمر به لکان أمره عبادیاً، إذ لایجب أن یکون جمیع أجزاء العبادة معنوناً بعنوان حسن بذاته، بل یکفی کون المرکب بما هو مرکب معنوناً بعنوان حسن، کما أنّه لا أمر عبادی بکلّ جزء من المرکب، فلیس الجزء عبادة بأی معنی کان.

بل الوجه فی بطلان المرکب هو أنّ التقرب بالمبغوض أو بما یشتمل علی المبغوض غیر ممکن عقلاً و إن لم یکن الجزء بما هو داخلاً فی محل النزاع.

و هکذا الأمر بالمشروط إذا کان شرطه حراماً فإنّه لا وجه لسرایة الحرمة و لا لکون الشرط عبادة کلّیة بل الوجه فی البطلان أنّ التقرّب بالمتقید بالمبغوض کالتقرّب بالمبغوض و کذا الأمر بالمتقید بالمبغوض کالأمر به. ((1))

الإیراد الثالث

((2)):

إنّ ما أفاده من أنّ القسم الرابع من قبیل الوصف اللازم و الموصوف لازمه التعدّد فی الوجود فإذا کان الجهر و الإخفات کیفیّتین عرضیّتین قائمتین بالکیف المسموع فإنّ العرض و موضوعه متعدّدان فی الوجود علی المشهور و العبادة نفس القراءة الممتازة وجوداً عن إحدی الکیفیتین، فلیس النهی عن إحداهما نهیاً عن القراءة کی یکون نهیاً عن العبادة.

نعم إنّ المتلازمین لابدّ أن لایختلفا فی الحکم و لکن لا مجال لاتحادهما فی الحکم بسرایة النهی من الوصف الملازم إلی الموصوف (و الکلام هنا فی سرایة النهی إلی العبادة لا فی بیان حکم العبادة التی نهی عن وصفها الملازم) هذا بناء

ص: 375


1- نهایة الدرایة، ج2، ص393.
2- نهایة الدرایة، ج2، ص393.

علی مسلک صاحب الکفایة (قدس سره) و لکن المحقّق الإصفهانی (قدس سره) لایقول فی الجهر و الإخفات بذلک و لذا قال:

التحقیق هو کون النهی متعلّقاً بالعبادة، لأنّ الأعراض بسائط و لاتعدّد لجنسها و فصلها فی الوجود و إنّما یتمّ ذلک فی الأنواع الجوهریة، بل التحقیق أنّ الشدّة و الضعف دائماً فی الوجود، فالوجود الخاص الذی هو من العبادات منهی عنه و لا تعدّد بوجه من الوجوه.

و کذلک قال المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی القسم الخامس:

إنّ الکلام فی دخوله فی محل النزاع لا فی فساد العبادة لاتحادها مع المنهی عنه وجوداً بناء علی الامتناع و عدم کون النهی عن الغصب نهیاً عن العبادة بدیهی

هذا تمام الکلام فی المقدّمات و بعد إتمام المقدّمات یقع البحث فی مقامین:

ص: 376

المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة

اشارة

نتکلم فیه حسب الأقسام الخمسة لمتعلق النهی:

القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة
اشارة

هنا قولان:

القول الأوّل: اقتضاء الفساد
اشارة

قال بعض الأعلام باقتضائه للفساد مثل صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و المحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین (حفظه الله) .

بیانات أربعة فی الاستدلال علی الفساد:
بیان الأوّل: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

النهی یدلّ علی الحرمة، والصحّة لایجتمع مع الحرمة سواء فسّرناها بما یوافق المتکلّم أم فسّرناها بما یوافق الفقیه.

ص: 377

أمّا الصحّة عند المتکلّم فهی بمعنی موافقة الأمر و مع الحرمة لایبقی أمر حتّی یقال بموافقة الأمر، أمّا الصحّة عند الفقیه فبمعنی سقوط الإعادة و القضاء و الصحّة بهذا المعنی منوط بأمرین:

الأوّل: إتیان العمل بقصد القربة و الثانی: کون العمل صالحاً لأن یتقرّب به و مع الحرمة لایصلح العمل للتقرّب به.

لایقال: إنّ دلالة النهی علی الفساد هی فی ما إذا دلّ النهی علی الحرمة الذاتیة و لکن العبادة لاتتّصف بالحرمة الذاتیة، لأنّ المکلّف إن أتی بالعمل بدون قصد القربة لایکون عمله حراماً، و إن أتی به بقصد القربة یکون عمله تشریعاً محرّماً لأنّ العمل المفروض (الذی نهی عنه) لا أمر به و لابدّ للمکلّف حین إتیانه بقصد القربة أن یفترض له أمراً شرعیاً حتّی یقصد به القربة و هذا تشریع محرّم فهذا العمل إن أتی به بقصد القربة متّصف بالحرمة التشریعیة و مع اتّصاف العمل بالحرمة التشریعیة لاتتّصف بالحرمة الذاتیة، لامتناع اجتماع المثلین.

فإنّه یقال أوّلا: لا مانع من اتّصاف العبادة الشأنیة و العبادة الذاتیة بالحرمة الذاتیة أمّا العبادة الشأنیة فمثل صوم یوم العیدین و أمّا العبادة الذاتیة الفعلیة فمثل السجود لله تعالی و الوجه فی اتّصافهما بالحرمة الذاتیة هو ما فیهما من المفسدة الملزمة و المبغوضیة فی الحال الخاصّ (حین العیدین فی الصوم و حین الحیض فی السجود لله تعالی)

ثانیاً: لا مانع من اتّصاف ما یحرم بالحرمة التشریعیة بالحرمة الذاتیة و لایلزم اجتماع المثلین، لأنّ اجتماع المثلین یعتبر فیه وحدة الموضوع و أمّا فی ما إذا تعدّد الموضوع فلایلزم ذلک و الموضوع هنا متعدّد، لأنّ موضوع الحرمة التشریعیة الفعل القلبی و موضوع الحرمة الذاتیة الفعل الخارجی.

ص: 378

ثالثاً: لو لم یکن النهی هنا دالاً علی الحرمة، لکان دالاً علی الفساد و الوجه فی ذلک هو أنّ النهی لا أقلّ من دلالته علی أنّ العبادة لیست مأموراً بها، لأنّ النهی لایجتمع مع الأمر الفعلی و حینئذ إذا أتی بالعمل مع قصد القربة یکون حراماً تشریعیاً و الحرمة التشریعیة کافیة فی الفساد.

و المتحصّل من بیان صاحب الکفایة (قدس سره) هو أنّ الوجه فی الفساد هو عدم صلاحیة العمل للتقرّب به مع اتّصافها بالحرمة.

بیان الثانی: عن المحقّق النائینی (قدس سره)

((1))

إن اکتفینا فی صحّة العبادة باشتمالها علی الملاک (و هو مختار صاحب الکفایة و المحقّق النائینی و جمع من الأعلام (قدس سره) فالملاک الذی یحکم العقل بأنّ العمل یکون بقصده (أی بقصد هذا الملاک) متقرّباً إلیه تعالی إنّما هو الملاک الذی یکون فی حدّ ذاته علّة تامّة للبعث و لکن لم یأمر الشارع بالفعل الواجد لهذا الملاک من جهة تزاحمه و ما هو الأهم.

أمّا الملاک المعدوم أو الملاک المغلوب لغلبة ملاک النهی فکما یستحیل أن یکون داعیاً للمولی إلی البعث یستحیل أن یکون موجباً لصحّة التقرّب بما یشتمل علیه.

و اتّصاف العبادة بالحرمة یکشف کشفاً قطعیاً عن عدم ملاک الأمر فیها أو عن کونه مغلوباً لملاک طلبه لایصحّ التقرّب بها قطعاً.

مع أنّ فعلیة التقرّب بما یصلح أن یتقرّب به فی نفسه مشروطة عقلاً بعدم کونه مزاحماً بالقبح الفاعلی و بما أنّ العبادة المنهی عنها تصدر مبغوضة و متّصفة

ص: 379


1- أجود التقریرات، ج2، ص216.

بالقبح الفاعلی یستحیل التقرّب بها من المولی و إن کان فیها ملاک الوجوب أیضاً.

فتحصّل من بیانه أنّ الوجه فی فساد العبادة المنهی عنها أمران:

الأمر الأوّل: هو ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من عدم صلاحیة العمل للتقرّب به و وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بحرمة العبادة و المحقّق النائینی (قدس سره) بما تکشف عنه حرمة العبادة من عدم وجود ملاک الأمر أو کونه مغلوباً.

الأمر الثانی: إنّ العبادة إذا اتّصفت بالقبح الفاعلی یستحیل التقرّب بها و إن کان فیها ملاک الوجوب.

بیان الثالث: عن المحقّق الخوئی (قدس سره)

((1))

إنّ النهی المتعلّق بذات العبادة یدلّ علی الفساد لثبوت الملازمة بین الحرمة و الفساد و السبب فی ذلک هو أنّ العبادة إذا کانت محرّمة و مبغوضة للمولی لم یمکن التقرّب بها لاستحالة التقرّب بما هو مبغوض له فعلاً، کیف؟ فإنّه مبعّد و المبعّد لایکون مقرّباً؛ هذا ما أفاده المحقّق الخوئی (قدس سره) .

بیان الرابع: عن بعض الأساطین (حفظه الله)

((2))

إنّه قال أوّلاً بأنّ الملاک المبتلی بمفسدة ملزمة غیر صالح للتقرّب به بحکم العقل و قال ثانیاً (فی جواب المحقّق العراقی (قدس سره) بأنّ ملاک المصلحة إنّما یصلح للمقرّبیة فی حال کونه غرضاً للمولی بأن یکون منشأ لأمره تعالی بما یشتمل علیه

ص: 380


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص147.
2- تحقیق الأصول، ج4، ص143.

أو یتعلّق به غرضه و مع وجود الحرمة التی دلّ علیها النهی، یسقط ملاک الأمر عن کونه غرضاً للمولی.

فبالنتیجة إنّ الأعلام اختلفوا فی تقریر وجه الفساد فإنّ الوجه عندهم و إن کان عدم صلاحیة العمل للتقرّب و لکن وجّهه صاحب الکفایة (قدس سره) بحرمة العمل و المحقّق النائینی (قدس سره) بما یکشف عنه الحرمة من عدم الملاک (و هو عدم مقتضی الصحّة) أو مغلوبیة ملاک الأمر لملاک النهی (و هو من باب وجود المانع فی مرحلة الملاک) أو من جهة اشتراطه عقلاً بعدم مزاحمة القبح الفاعلی و المحقّق الخوئی (قدس سره) وجّهه بوجود المانع فی مرحلة آثار الفعل المأتی به و هو القرب و البعد فقال: المبعّد لایکون مقرّباً و بعض الأساطین (حفظه الله) وجّهه باشتراط کون المصلحة متعلّقاً لغرض المولی حتّی تکون صالحة للتقرّب بها.

القول الثانی: عدم دلالة النهی عن العبادة علی الفساد
اشارة

هنا نظریتان:

النظریة الأُولی: عن المحقّق العراقی (قدس سره)
اشارة

((1))

إذا کان النهی متعلّقاً بعنوان العبادة و کان مولویاً محضاً فهو غیر مقتضٍ للفساد إلّا من جهتین:

الجهة الأُولی: الإخلال بالقربة (و هذا الإخلال یتحقّق فی ما إذا علم بالنهی عن الفعل) و الجهة الثانیة: فقدان الملاک و المصلحة.

و لکن فیه أنّ النهی المزبور بما أنّه نهی مولوی تحریمی یدلّ علی قیام المفسدة

ص: 381


1- نهایة الأفکار، ج1-2، ص456.

فی متعلّقه و لایدلّ علی عدم وجود ملاک الأمر و المصلحة فیه؛ نعم مع الشک فی الملاک کان مقتضی الأصل هو الفساد.

یلاحظ علیه:

إنّ الأعلام القائلین بالفساد لم ینکروا وجود ملاک الأمر إلّا أنّهم قالوا بوجود المانع عنه أو بعدم وجود شرط تأثیره فی القرب و نتیجة ذلک عدم صلاحیة العمل للتقرّب و ما أشار إلیه المحقّق العراقی (قدس سره) من الإخلال بالقربة أعمّ من الإخلال بقصد القربة أو الإخلال بصلاحیة العمل للقربة و لکنه قیده بأنّه موقوف علی العلم به و ذلک یوجب انحصار الإخلال بما یختلّ به قصد القربة و لکنه بناء علی تعمیم الإخلال لعدم صلاحیة العمل للتقرّب (کما صرحّ به القائلون بالفساد) لابدّ من اختیار القول بالفساد.

النظریة الثانیة: عن المحقّق الحائری (قدس سره)
اشارة

((1))

الحقّ أنّه لایقتضی الفساد مطلقاً أمّا فی العبادات فلأنّ ما یتوهّم کونه مانعاً عن الصحّة کون العمل مبغوضاً فلایحصل القرب المعتبر فی العبادات به.

و فیه أنّه من الممکن أن یکون العمل المشتمل علی الخصوصیة موجباً للقرب من حیث ذات العمل و إن کان إیجاده مع تلک الخصوصیة مبغوضاً للمولی، فکما أنّا قلنا فی مسألة الاجتماع بإمکان أن یتّحد العنوان المبغوض و العنوان المقرّب نقول کذلک هنا من دون تفاوت فإنّ أصل الصلاة شیء و خصوصیة إیقاعها فی مکان مخصوص شیء آخر و إن کانا متّحدین فی الخارج.

ص: 382


1- درر الفوائد، ج1-2، ص187.

ثم قال فی التعلیقة علی کلامه: متی تعلّق النهی بالخصوصیة فالحقّ صحّة العبادة حتّی علی القول بالامتناع فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و متی تعلّق بالخاصّ فالحقّ بطلان العبادة حتّی علی القول بالجواز فی مسألة الاجتماع.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی نظریة المحقّق الحائری (قدس سره):

((1))

أوّلاً: المفروض فی القسم الأوّل هو تعلّق النهی بذات العبادة فما أفاده من تعلّق النهی بلازمها و هی خصوصیة کون الصلاة فی الحمام (التی هی من لوازم الصلاة) خلف لمفروض البحث.

ثانیاً: إنّ کینونة الصلاة فی الحمام حصّة من طبیعة الصلاة فهما موجودتان بوجود واحد فمع النهی عن وجود الصلاة فی الحمام لایعقل أن تکون الصلاة ممّا یتقرّب به.

فتحصّل إلی هنا: أنّ النهی إذا تعلّق بذات العبادة یقتضی فسادها لأنّ النهی کما أفاده المحقّق النائینی (قدس سره) یکشف عن أحد الأمرین: إمّا عدم ملاک الأمر و إمّا مغلوبیة ملاک الأمر بالنسبة إلی ملاک النهی و حینئذ مع احتمال فقدان ملاک الأمر لاینبغی النزاع فی اقتضائها للفساد مضافاً إلی أنّ ما تقدّم فی بحث اجتماع الأمر و النهی -من أنّ المبعّد یمکن أن یکون مقرّباً من جهة أُخری غیر جهة المبعّدیة- مخصوص بباب الاجتماع حیث إنّ المجمع فی بحث الاجتماع ذو عنوانین فیمکن أن یکون بأحدهما مبعّداً و بالآخر مقرّباً و لکن النهی فی هذا البحث تعلّق بنفس العبادة و الشیء بالعنوان الواحد لایمکن أن یکون مقرّباً و مبعّداً، لأنّ لازم ذلک هو أن یکون الشیء الواحد بجهة واحدة مقرّباً و مبعّداً

ص: 383


1- تحقیق الأصول، ج4، ص148.

نعم یمکن أن یقال بأنّ العنوان الواحد (بحیثیة ذات العبادة) مقرّب و أمّا المبعّد فهو ذات العبادة بحیثیة تقییده بالخصوصیة لا من حیث هی هی، فعلی هذا یمکن أن یکون المبعّد مقرّباً.

فالحق هو القول بفساد العبادة فی ما إذا تعلّق النهی بذات العبادة.

ص: 384

القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة
اشارة

فیه نظریتان

قال صاحب الکفایة و المحقّق الخوئی (قدس سرهما) و بعض الأساطین (حفظه الله) بصحّة العبادة علی بیان یأتی إن شاء الله تعالی و فی قبالهم المحقّق النائینی (قدس سره) یقول بفساد العبادة.

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

((1))

إنّه قال فی الأمر الثامن من مقدّمات البحث: إنّ بطلان الجزء لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علیه، لا مع الإتیان بغیره ممّا لا نهی عنه، نعم إذا استلزم ذلک محذوراً آخر کالزیادة العمدیة و لو فی غیر الأرکان یوجب البطلان أیضا.

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ النهی عن جزء العبادة یدلّ علی فسادها.

توضیح ذلک: إنّ جزء العبادة إمّا أن یؤخذ فیه عدد خاص کالوحدة المعتبرة فی السورة بناءً علی حرمة القِران و إمّا أن لایؤخذ فیه ذلک.

ص: 385


1- کفایة الأصول، ص185 قال: «لا ریب فی دخول القسم الأول فی محل النزاع و کذا القسم الثانی بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادةٌ إلّا أّن بطلان الجزء لایوجب بطلانها إلّا مع اإاقتصار علیه لا مع الإتیان بغیره مما لا نهی عنه إلّا أن یستلزم محذوراً آخر».
2- أجود التقریرات، ج2، ص217.

أمّا الأوّل -أعنی به جزء العبادة المعتبر فیه عدد خاص- فالنهی المتعلّق به یقتضی فساد العبادة لامحالة لأنّ الآتی بالجزء فی ضمن العبادة إمّا أن یقتصر علی الجزء فی تلک العبادة أو یأتی بعده بالجزء الذی هو غیر منهی عنه، و علی کلا التقدیرین لاینبغی الإشکال فی بطلان العبادة المشتملة علیه.

فإنّ الجزء المنهی عنه لامحالة یکون خارجاً عن إطلاق دلیل الجزئیة أو عمومه فیکون وجوده کعدمه، فإن اقتصر المکلّف علیه فی مقام الامتثال بطلت العبادة لفقدها جزءها، وإن لم یقتصر علیه بطلت من جهة الإخلال بالوحدة المعتبرة فی الجزء کما هو الفرض.

هذا مضافاً إلی أنّ تحریم الجزء یستلزم أخذ العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا و یترتّب علی ذلک أُمور کلّها موجب لبطلان العبادة:

الأوّل: کون العبادة مقیدة بعدم ذلک المنهی عنه فیکون وجوده مانعاً عن صحّتها و ذلک یستلزم بطلانها عند اقترانها بوجوده.

الثانی: کونه زیادة فی الفریضة فتبطل الصلاة بسبب الزیادة العمدیة المعتبر عدمها فی صحّة العبادة.

الثالث: خروجه عن أدلّة جواز مطلق الذکر فی الصلاة، فإنّ دلیل الحرمة لامحالة یوجب تخصیصها بغیر الفرد المحرّم، فیندرج الفرد المحرّم فی عموم أدلّة بطلان الصلاة بالتکلّم العمدی.

أمّا الثانی -أعنی به ما لم یؤخذ فیه عدد خاصّ- فقد اتّضح الحال فیه ممّا تقدّم لأنّ جمیع الوجوه المذکورة، المقتضیة لفساد العبادة المشتملة علی الجزء المنهی عنه جاریة فی هذا القسم أیضاً، و إنّما یختصّ القسم الأوّل بالوجه الأوّل منها.

ص: 386

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: ما أفاده من أنّ تحریم الجزء یستلزم أخذ العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا، یرد علیه: أنّ حرمة جزء العبادة لو کانت موجبة لاعتبار العبادة بالإضافة إلیه بشرط لا، لکانت حرمة کلّ شیء موجبة لذلک أیضاً، إذ لا فرق فی هذه الجهة بین کون المنهی عنه من سنخ أجزاء العبادة و عدم کونه من سنخها، فلابدّ من الالتزام ببطلان کلّ عبادة أتی فی ضمنها بفعل محرّم خارجی، کالنظر إلی الأجنبیة فی الصلاة، مع أنّه واضح البطلان(و هذا الإیراد یتوجّه إلی ما أفاده فی الوجه الأوّل).

ثانیاً: إنّ الوجه الثانی مختصّ بباب الصلاة مضافاً إلی أنّه مخدوش و الوجه فی ذلک هو أنّ صدق عنوان الزیادة یتوقف علی قصد الجزئیة بما یؤتی به فی الخارج من دون فرق بین کون المأتی به من سنخ أجزاء العمل و کونه من غیر سنخها.

نعم فی خصوص الرکوع و السجود لایتوقف صدق العنوان المزبور علی القصد المذکور لورود النصّ بذلک فی السجود و القطع بعدم الفرق بینه و بین الرکوع من هذه الجهة.

ثالثاً: إنّ الوجه الثالث أیضاً مختصّ بباب الصلاة مع أنّه یرد علیه أنّه لا دلیل علی بطلان الصلاة بالذکر المحرّم و إنّما الدلیل قد دلّ علی بطلانها بکلام الآدمیین و الذکر المحرّم لیس منه علی الفرض (و المیرزا النائینی (قدس سره) قد صرح فی أجود التقریرات((2)) بأنّ الذکر المحرّم لایدخل فی کلام الآدمیین).

ص: 387


1- حاشیة أجود التقریرات، ج2، ص218.
2- أجود التقریرات، ج2، ص219.

فالتحقیق أنّه لاتبطل الصلاة بإتیان الجزء المحرّم إلّا فی ما ورد النهی عنه فی خصوص الصلاة، المستفاد منه مانعیته عن صحّتها، و فی ما أتی به بقصد کونه جزءً من الصلاة الموجب لتحقّق عنوان الزیادة فیها کما عرفت و لکنه لا ملازمة بین النهی (الدالّ علی المبغوضیة) و المانعیة عن صحّة الصلاة.((1))

ص: 388


1- عرفت نظریة المحقق الخراسانی و النائینی فی القسم الثانی (تعلق النهی بجزء العبادة) و بقی نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق العراقی و الإصفهانی: أما الشیخ فلم یذکر مختاره فی هذا القسم فی مطارح الأنظار علی ما تفحّصت. و أمّا المحقق العراقی فقال فی نهایة الأفکار، ج 2، ص457: «و أمّا النهی المتعلق بجزء العبادة ففیه أیضا الصور المزبورة من کونه تارةً ممحّضاً فی المولویة، و أخری إرشاداً إلی خلل فی الجزء، و ثالثة فی مقام دفع توهّم الواجب الفعلی أو المشروعیة الفعلیة، أو الإقتضائیة. فالنهی المولوی فیه أیضا غیرُ مقتضٍ لفساد الجزء إلّا من جهة الخلل فی القربة الذی عرفت أنّه مترتب علی العلم بالنهی لا علی النهی الواقعی و أمّا النهی الإرشادی أو الواقع فی مقام دفع توهّم المشروعیة الإقتضائیة فهو موجبٌ لفساده و لکنّه بمعنی عدم وقوعه جزء للعبادة و إلّا فلایقتضی بطلان أصل العبادة، بل و لو قلنا حینئذ بفساد العبادة لابدّ و أن یکون من جهة النقیصة عند الإقتصار علیه، أو یکون من جهة الزیادة العمدیة بناء علی استفادة مبطلیة مطلق الزیادة العمدیة. نعم لو کان النهی فی مقام الإرشاد إلی کونه مخلّاً بأصل العبادة أیضا کما فی النهی عن قراءة العزائم فی الفریضة- علی ما هو قضیة التعلیل فی قوله علیه السلام: بأنّها زیادةٌ فی المکتوبة- کان مقتضیا لبطلان العبادة». و أمّا المحقق الإصفهانی فقال فی نهایة الدرایة، ج 2، ص393 فی التعلیقة علی قوله: «بلحاظ أنّ جزءَ العبادة عبادةٌ»: «لا موجب له، سواء کانت العبادة ما کان حسنا بذاته، أو ما لو أمر به لکان أمره عبادیا؛ إذ لا یجب أن یکون جمیع أجزاء العبادة معنونا بعنوان حسن بذاته، بل یکفی کون المرکب- بما هو مرکّب- معنونا بعنوان حسن، کما أنّه لا أمر عبادی بکل جزء، بل بالمرکب، فلیس الجزء عبادة بأی معنی کان بل الوجه فی بطلان المرکب أنّ التقرب بالمبغوض- أو بما یشتمل علی المبغوض- غیر ممکن عقلا، و إن لم یکن الجزء- بما هو- داخلا فی محل النزاع».
القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة
اشارة

فیه نظریتان:

النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)

قد تقدّم أنّ الشرط علی قسمین: الشرط العبادی و الشرط التوصّلی و النهی عن الشرط العبادی یوجب فساده و النهی عن الشرط التوصّلی یدلّ علی حرمته و لکن لاتوجب فساد الشرط و بطلان العبادة.((1))

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

إنّ شرط العبادة الذی تعلّق به النهی إنّما هو المعنی المعبّر عنه باسم المصدر (مثل الطهارة بالنسبة إلی الصلاة) و أمّا المتعلّق للنهی فهو المعنی المعبّر عنه بالمصدر (أی الأفعال الخاصّة من الوضوء و التیمم و الغسل) فما هو متعلّق النهی لیس شرطاً للعبادة و ما هو شرط لها لم یتعلّق به النهی.

فالطهارة التی هی شرط للصلاة لیست بعبادة و لم یعتبر فیها قصد القربة و الأفعال التی هی محصّلة للطهارة هی أفعال عبادیة و یعتبر فیها قصد القربة.

ص: 389


1- فی کفایة الأصول، ص185:«و أمّا القسم الثالث فلایکون حرمة الشرط و النهی عنه موجبا لفساد العبادة إلّا فی ما کان عبادة کی تکون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به و بالجملة لایکاد یکون النهی عن الشرط موجبا لفساد العبادة المشروطة به لو لم یکن موجبا لفساده کما إذا کانت عبادة».
2- أجود التقریرات، ج2، ص220.

فما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) من تقسیم الشرائط إلی الشرط العبادی و الشرط التوصّلی باطل.

فتلخّص أنّ حال الشرائط حال بقیة الأوصاف فی أنّ النهی عنها لایوجب فساد المشروط أو المتّصف بها ما لم یکن النهی عنها نهیاً عن نفس المشروط أو المتّصف بها و أمّا إذا کان النهی عنها نهیاً عن نفس المشروط و الموصوف فلا إشکال فی فساد العبادة.

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

أوّلاً: إنّ ما عبّر عنه باسم المصدر لایغایر المعنی الذی عبّر عنه بالمصدر إلّا بالاعتبار، فالمصدر باعتبار إضافته إلی الفاعل، و اسم المصدر باعتبار إضافته إلی نفسه کالإیجاد و الوجود فإنّهما واحد ذاتاً و حقیقة و الاختلاف بینهما بالاعتبار.

ثانیاً: إنّ ما أفاده من أنّ الطهارة شرط للصلاة لا الأفعال الخاصّة (مثل الوضوء و الغسل و التیمّم) یردّها أنّ ذلک خلاف ظواهر الأدلّة من الآیات و الروایات، فإنّ الظاهر منها هو أنّ الشرط لها نفس تلک الأفعال و الطهارة اسم لها و ما ورد من أنّ « الوضوء طهور» ظاهر فی أنّ الطهور اسم لهذه الأفعال دون ما یکون مسبباً عنه (فیظهر أنّ ما أفاده من أنّ شرائط الصلاة توصّلیة باطل لأنّ هذه الأفعال تعبّدیة فیصحّ تقسیم الشرائط بالتعبّدیة و التوصّلیة).

فتحصل أنّ الحقّ مع صاحب الکفایة (قدس سره) فإنّ الشرط العبادی لو نهی عنه

ص: 390


1- المحاضرات، ط.ج. ج4، ص156.

یکون الشرط فاسداً و بطلان الشرط لایوجب بطلان العبادة إلّا مع الاقتصار علیه (وزان ذلک وزان النهی المتعلّق بالجزء).((1))

ص: 391


1- و أمّا نظریة المحقق العراقی فی القسم الثالث ففی نهایة الأفکار، ج 2، ص458:«و أمّا النهی المتعلق بالشرط ففیه أیضا الصور المزبورة، فالنهی المولوی فیه أیضا غیرُ مقتضٍ لفساده إلّا إذا کان فیه جهة إرشادٌ إلی خلل فیه فیفسد و بفساده یفسد المشروط أیضاً فی فرض الإقتصار علی الشرط المنهی بلحاظ انتفاء المشروط بانتفاء شرطه». و أمّا نظریة المحقق الإصفهانی ففی نهایة الدرایة، ج 2، ص393 فی التعلیقة علی قوله: «بلحاظ أنّ جزء العبادة عبادة»: «... و هکذا الأمر بالمشروط- إذا کان شرطه حراما- فإنّه لا وجه لسرایة الحرمة، و لا لکون الشرط عبادة کلیة، بل الوجه فی البطلان أنّ التقرب بالمتقید بالمبغوض کالتقرب بالمبغوض، و کذا الأمر بالمتقید بالمبغوض کالأمر به».
القسم الرابع: تعلّق النهی بالوصف الملازم للعبادة

إنّ النهی عن الوصف الملازم نهی عن الموصوف بناء علی اتحاد العرض و موضوعه کما تقدّم فی کلام المحقّق الإصفهانی (قدس سره) فی المقدّمة الثامنة إلّا أنّه لیس قسماً علی حدة لأنّ الموصوف قد یکون جزء العبادة و قد یکون شرط العبادة (کما أنّ القراءة الموصوفة بالجهر و الإخفات جزء الصلاة).

ص: 392

القسم الخامس: تعلّق النهی بالوصف غیرِ الملازم للعبادة

و هذا القسم خارج عن مبحث النهی عن العبادة و داخل فی مسألة اجتماع الأمر و النهی و قد تقدّم أنّ المختار هو القول بجواز اجتماع الأمر و النهی.

ص: 393

ص: 394

المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة

اشارة

هنا مطالب ثلاثة:

إنّهم اختلفوا فی دلالة النهی علی الفساد فی المعاملات فبعضهم قالوا بفساد المعاملة و بعض آخر مثل صاحب الکفایة (قدس سره) بصحّتها إجمالاً و المحقّق النائینی (قدس سره) قد فصّل((1)) بین تعلّق النهی بالسبب فلایدلّ علی الفساد و تعلّقه بالمسبب فیدلّ علی الفساد و بعض آخر مثل العلامة الحلّی (قدس سره) من المتقدّمین((2)) و المحقّق الخوئی (قدس سره) من المتأخرین قالوا بعدم دلالته علی الصحّة و لا علی الفساد (و قد نقل عن العلامة الحلّی (قدس سره) التوقف فی ذلک).

و قبل الورود فی البحث لابدّ من بیان محل النزاع فی المعاملات.

ص: 395


1- أجود التقریرات، ج2، ص227.
2- مبادی الوصول إلی علم الأصول، ص122.
المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع

إنّ النهی عن المعاملة له أقسام ثلاثة:

الأوّل: أن یکون النهی إرشاداً إلی بیان مانعیة شیء عن المعاملة کالنهی عن بیع الغرر أو عن بیع ما لیس عندک((1)) و هذا القسم یدل علی الفساد قطعاً و خارج عن محل النزاع.

الثانی: أن یکون النهی عن الأثر المترتّب علی صحّة البیع بأن یدلّ علی حرمة ما لایحرم مع صحّة المعاملة مثل النهی عن أکل الثمن أو المثمن فی البیع مثل قَوْلِهِ (علیه السلام): «ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت»((2)) و هذا القسم أیضاً یدلّ علی فساد المعاملة و خارج عن محل النزاع قطعاً.

الثالث: أن یکون النهی عن المعاملة کاشفاً عن مبغوضیته و هذا هو محل البحث بین الأعلام

ص: 396


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص164 - 135.
2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ عَنْ عَلِی بْنِ مِسْکِینٍ (سکن) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ یعْقُوبَ بْنِ شُعَیبٍ عَنْ أَبِی عَبْدِ اللهِ (علیه السلام) قَالَ: ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْتِ. الوسائل: ج17، ص175، کتاب التجارة، أبواب ما یکتسب به، باب40، ح1.
المطلب الثانی: فی بیان الآراء
اشارة

هنا نظریتان:

هل یدلّ النهی المذکور علی فساد المعاملة أو لا؟ و منشأ ذلک هو الشک فی ثبوت الملازمة بین المبغوضیة (أو فقل: النهی التحریمی المولوی) و بین فساد المعاملة.

ثم لابدّ من ملاحظة المنهی عنه فإنّه قد یطلق العقد و المراد العقد السببی و هی صیغ العقود و الإیقاعات و قد یطلق العقد و یراد العقد المسبّبی و هو العنوان الاعتباری المحصّل من إجراء العقد و الإیقاع.

و أکثر الأعلام قالوا بسببیة الصیغ للمعنی الاعتباری المحصَّل (کما جاء فی کفایة الأُصول) و فی قبالهم المحقّق الخوئی (قدس سره) قال بعدم السببیة و لذا قال: الصیغ هی لإبراز الاعتبار النفسانی((1)).

فعلی هذا النهی قد یتعلّق بالسبب الذی هو عند المحقّق الخوئی (قدس سره) مبرز للاعتبار النفسانی و هو مثل النهی عن البیع إذا نودی للصلاة من یوم الجمعة.

و قد یتعلّق بالمسبّب و هو العنوان الاعتباری المحصَّل مثل النهی عن بیع المصحف للکافر حیث إنّ المنهی عنه هو تسلّط الکافر علی القرآن و تملیکه إیّاه.

و قد یتعلّق بالتسبّب مثل النهی عن تملّک الزیادة فی البیع الربوی فإنّ تملک الزیادة إن کان بسبب الهبة أو الصلح فهو جائز و لکنه إذا کان بالتسبّب عن البیع فهو منهی عنه و مثل التسبّب بالظهار لحصول البینونة بین الزوجین.

ص: 397


1- المحاضرات، (ط.ج): ج4، ص169.
النظریة الأُولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره)
اشارة

(و هی عدم الدلالة علی الفساد بل الدلالة علی الصحّة فی النهی عن المسبّب و التسبّب).((1))

إنّ النهی الدالّ علی حرمة المعاملة لایقتضی الفساد، لعدم الملازمة فیها لغة و لا عرفاً بین حرمتها و فسادها أصلاً و ذلک لأنّ مدلول النهی هو الحرمة و أمّا الفساد فلیس مدلولاً مطابقیاً للنهی و لا مدلولاً التزامیاً له.

و من جانب آخر إنّ حرمة المعاملة تجتمع مع صحّتها بخلاف حرمة العبادة حیث قال بعضهم بأنّ حرمتها تستلزم مبغوضیتها و هی تنافی صحّتها لأنّ المبغوض لایصلح أن یکون مقرّباً ثمّ إنّ أباحنیفة و الشیبانی قالا بأنّ النهی عن الشیء یدلّ علی صحّته و نقل عن فخر المحقّقین (قدس سره) أنّه وافقهما فی أنّ النهی إذا تعلّق بالمسبب أو بالتسبّب یدلّ علی صحّة المعاملة دون ما إذا کان النهی متعلّقاً بالسبب المعاملی، و الوجه فی ذلک هو أنّ الحکم التکلیفی لایتعلّق إلّا بما هو مقدور للمکلّف فإذا تعلّق النهی بالمسبّب فلابدّ أن یکون البیع صحیحاً بحیث یترتّب علیه الأثر و یتحقّق المسبّب حتّی یصحّ النهی و إلّا لو لم یتمکّن المکلّف من إیجاد المسبّب فلا معنی للنهی عنه، و هکذا إذا تعلّق النهی بالتسبّب فلو لم یترتب الأثر الشرعی علی المعاملة فلا معنی للنهی عن التسبّب و هذا مثل التسبّب بالظهار لتحقّق البینونة بین الزوجین.

و أمّا إذا کان النهی عن السبب فلایدلّ علی الصحّة لأنّ السبب یکون مقدوراً و إن قلنا بفساده، نعم إنّه یمکن صحّته مثل البیع وقت النداء حیث إنّه منهی عنه و مع ذلک یقع البیع صحیحاً.

ص: 398


1- کفایة الأصول ص187.
إیراد المحقّق الإصفهانی (قدس سره) علی ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) أخیراً:

((1))

إنّ ما أفاده من أنّ النهی عن المسبّب أو التسبّب یدلّ علی الصحّة، لایمکن الالتزام به، لأنّ إیجاد الملکیة الذی هو معنی التملیک بالحمل الشائع متّحد مع وجود الملکیة بالذات و یختلفان بالاعتبار، فأمر الملکیة دائر بین الوجود و العدم، و لایتّصف إیجاد الملکیة بالصحّة، لأنّ وجود الملکیة لیس أثراً لإیجاد الملکیة حتّی یتّصف بلحاظه بالصحّة دائماً، لأنّ الشیء لایکون أثراً لنفسه.

أمّا الأحکام المترتّبة علی الملکیة المعبّر عنها بآثارها، فنسبتها إلیها نسبة الحکم إلی موضوعه لا نسبة المسبّب إلی سببه، لیتّصف بلحاظه بالنفوذ و الصحّة.

و منه یعلم أنّ النهی عن إیجاد الملکیة و إن دلّ عقلاً علی مقدوریته و إمکان تحقّقه بحقیقته، لکنّه لایدلّ علی صحّته حیث لا صحّة له و النهی عن السبب و إن دلّ علی مقدوریته إلّا أنّ وجوده لایلازم نفوذه فقول أبی حنیفة ساقط علی جمیع التقادیر.

النظریة الثانیة: عن المحقّق النائینی (قدس سره)
اشارة

((2))

قال المحقّق النائینی (قدس سره): الحقّ فی المقام هو التفصیل بین النهی المتعلّق بالسبب فلایدلّ علی الفساد و النهی المتعلّق بالمسبّب فیدلّ علیه.

أمّا عدم دلالة تعلّق النهی بالسبب علی الفساد المعاملة، فلأنّ مبغوضیة الإنشاء فی المعاملة بما هو فعل من أفعال المکلّف لاتستلزم عدم ترتّب أثر المعاملة علیها بوجه، ضرورة أنّه لا منافاة بین حرمة إنشاء البیع وقت النداء مثلاً

ص: 399


1- نهایة الدرایة ج2، ص407.
2- أجود التقریرات، ج2، ص227.

و حکم الشارع بترتّب أثره علیه فی الخارج، فیحتاج إثبات الفساد حینئذ إلی قیام دلیل آخر علیه غیر النهی و هو مفقود علی الفرض.

و أمّا دلالة تعلّق النهی بالمسبّب علی فساد المعاملة فلأنّ صحّة المعاملة تتوقف علی ثلاثة أُمور:

الأوّل: کون کلّ من المتعاملین مالکاً للعین أو بحکم المالک (مثل الولی و الوکیل) لیکون أمر النقل بیده.

الثانی: أن لایکون محجوراً عن التصرّف فیها من جهة تعلّق حق الغیر بها أو لغیر ذلک من أسباب الحجر، لیکون له السلطنة الفعلیة علی التصرّف فیها.

الثالث: أن یکون إیجاد المعاملة بسبب خاصّ و آلة خاصّة.

فإذا فرض تعلّق النهی بالمسبّب و بنفس الملکیة المنشأة مثلاً کما فی النهی عن بیع المصحف و العبد المسلم من الکافر کان النهی معجِّزاً مولویاً للمکلّف عن الفعل و رافعاً لسلطنته علیه، فیختلّ بذلک الشرط الثانی المعتبر فی صحّة المعاملة، أعنی به کون المکلّف مسلّطاً علی المعاملة فی حکم الشارع و یترتّب علی ذلک فساد المعاملة لامحالة.

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی نظریة المحقّق النائینی (قدس سره):

((1))

إنّ ما أفاده مصادرة بالمطلوب لأنّ المحجوریة عن التصرّف التی هی الشرط الثانی من الشروط الثلاثة أمر وضعی و هی التی نقصد إثباتها بالمنع التکلیفی الدالّ علی المبغوضیة، فإن ثبتت الملازمة بین الحرمة التکلیفیة و المحجوریة عن

ص: 400


1- تحقیق الأصول، ج4، ص156.

التصرّف فنقول بالفساد و إن لم تثبت فنقول بعدمه و المحقّق النائینی (قدس سره) لم یستدلّ هنا بما یدلّ علی ثبوت الملازمة المذکورة فما أفاده قاصر عن إثبات مدّعاه.

ص: 401

المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة

قد استدلّ بعضهم علی إثبات دلالة النهی عن المعاملة علی فسادها بصحیحة زرارة رواه الکلینی و الصدوق:

«عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِی جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ مَمْلُوکٍ تَزَوَّجَ بِغَیرِ إِذْنِ سَیدِهِ فَقَالَ ذَاکَ إِلَی سَیدِهِ إِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَینَهُمَا قُلْتُ أَصْلَحَکَ اللهُ إِنَّ الْحَکَمَ بْنَ عُتَیبَةَ وَ إِبْرَاهِیمَ النَّخَعِی وَ أَصْحَابَهُمَا یقُولُونَ إِنَّ أَصْلَ النِّکَاحِ فَاسِدٌ وَ لَا تُحِلُّ إِجَازَةُ السَّیدِ لَهُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ وَ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ»((1)) فإنّ قوله (علیه السلام): « إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ» فإن أرید منه المعصیة الوضعیة فیکون معنی العبارة أنّه لم یفعل نکاحاً فاسداً وضعیاً و لذا أجازه السید فیکون العقد صحیحاً و هذا هو مختار المحقّق الخراسانی (قدس سره) .((2))

ص: 402


1- وسائل الشیعة، ج21، ص114، باب24، ح 1.
2- إختار هذا المعنی المحقق الخراسانی و العراقی و الإصفهانی و سبقهم فی اختیاره الوحید البهبهانی و المحقق القمی (قدس سره). و أمّا دلیلهم علی «حمل المعصیة علی مخالفة الحکم الوضعی و هو الإذن» فأمران: الأمر الأول: عصیان السید یلازم عصیان الله قال فی مطارح الأنظار ط.ج. ج 1، ص757: «و اعترض علی الإستدلال بالروایة جماعة- منهم المولی البهبهانی و المحقق القمی: أنّ المراد من المعصیة هو عدم مشروعیة نوع المعاملة فی أصل الشرع، فلا دلالة فی الروایة علی المطلوب و توضیحه: أنّ قوله علیه السلام: "إنّه لم یعص الله" لایمکن حمله علی ظاهره، ضرورةَ أنّ عصیان السید یلازم عصیان الله، فلابدّ من الحمل علی عدم الإذن». راجع نهایة الأفکار، ج 2، ص461. إیرادان علی الدلیل الأول: الإیراد الأول: من الشیخ الأنصاری قال فی مطارح الأنظار: «و ما ذکره من الصارف من أنّ عصیان المولی أیضا معصیة، لایوجب حمله علیه بعد احتمال ما ذکرنا من الحمل علی العصیان من غیر جهة أنّه فعل من الأفعال، مع کونه أظهر قطعا، لدوران الأمر بین تقیید العصیان بما ذکرنا و بین کونه مجازا عن عدم الإذن، و لا شک أنّ الأوّل أقرب». و قوله «ما ذکرنا» إشارة إلی هذه العبارة:: «إنّه علیه السلام إنّما فرع الصحة و الفساد علی معصیة الله و عدمها، و هو یحتمل وجهین: الأوّل: أن یکون المعاملة معصیة لله من حیث إنّه فعلٌ من الأفعال مع قطع النظر عن کونه معاملة موجبة لما هو المطلوب من إیقاع تلک المعاملة و الثانی: أن تکون معصیة لا من هذه الجهة، بل من حیث إنّها منهی عنها شرعا علی أحد الوجوه المتصورة فی النهی عن المعاملة، من حیث إنّها موجبة لترتب الآثار المطلوبة عنها. لا سبیل إلی الأوّل، فإنّ عصیان السید- أیضا- عصیان لله، فلا وجه لنفی العصیان عن الفعل الواقع بدون إذن السید علی وجه الإطلاق. فلابدّ من المصیر إلی الثانی، و هو یفید المطلوب، فإنّه یستفاد من التفریع المذکور أنّ کلَّ معاملةٍ فیها معصیة لله فاسدة، کما هو ظاهر الحصر». الإیراد الثانی: من المحقق النائینی قال فی أجود التقریرات ط.ق. ج 1، ص407: «و أمّا ما ذکر من تحقق عصیانه تعالی فی المقام لاستلزام عصیان السید له فهو و إن کان صحیحا إلّا أنّ المنفی فی الروایة لیس مطلق عصیانه تعالی بل خصوص عصیانه المتحقق بمخالفة نهیه الراجع إلی حقه تعالی علی عبیده مع قطع النظر عن حقوق الناس بعضهم علی بعض». الأمر الثانی: قرینة المقابلة حیث إنّ المراد من معصیة السید إنفاذ ما لم یأذن به السید قال فی مطارح الأنظار عند ذکر استدلال الوحید البهبهانی و المحقق القمی: «و یدل علی ذلک أنّ الأخذ بظاهر العصیان فی کلام الإمام غیر صحیح، إذ المفروض أنّ العبد لم یعص السید أیضا، لأنّ العصیان لایتحقق بدون النهی، و عدم الإذن المفروض فی السؤال أعمّ من النهی و عدمه». و قال فی نهایة الدرایة، ج 2، ص405 عند التعلیقة علی قوله: «و لایخفی أنّ الظاهر أن یکون المراد بالمعصیة»: «بیانه أنّ المعصیة کما تصدق علی مخالفته الحکم التکلیفی، کذلک علی الفعل الغیر المأذون فیه بإذن وضعی؛ إذ التسبب إلی ما لم یأذن به الله- تعالی- تصرّفٌ فی سلطانه- تعالی- کما أنّ إنفاذ ما لم یأذن به السید تصرف فی سلطانه، و هو المراد من عصیانه، فالمقابلة بین معصیة السید و معصیة الله- تعالی- بملاحظة أنّ التزویج- بما هو تزویجٌ- حیث إنّه لم ینفذه السید لعدم إذنه به، فهو عصیانٌ له، و حیث إنّه أنفذه الشارع بذاته، فهو غیرُ عاصٍ له تعالی»، و راجع نهایة الأفکار، ج 2، ص461. إیرادات ثلاثة علی الدلیل الثانی: الإیراد الأول: «مع عدم الإطّلاع أیضاً یکون معصیة لکونه تصرّفاً فی ملک الغیر بغیر إذنه». ذکر فی مطارح الأنظار عند توضیح استدلال الوحید البهبهانی و المحقق القمی أنّهما أشارا إلی هذا الإیراد ثم أجابا عنه. جواب الوحید البهبهانی و المحقق القمی عن هذا الإیراد: «و القول بأنّ مع عدم الإطّلاع أیضا ... مدفوعٌ بأنّ ذلک لایعدّ تصرّفا، کما قرّرنا فی الفضولی من أنّ مجرد إیقاع العقد لیس محرّما». ردّ الشیخ الأنصاری لهذا الجواب: قال فی مطارح الأنظار: «ربما یعدّ الإقدام علی مثل النکاح بدون إذن المولی و إن لم یکن مسبوقا بالنهی عصیانا و لایقاس ذلک بالفضولی، فإنّ الفرق بین إجراء الصیغة فی المال المتعلق بالغیر و بین الإقدام علی النکاح و الدخول المستلزم لتعلق المهر بذمة العبد- کما هو مورد الروایة الثانیة- فی غایة الظهور». الإیراد الثانی: من الشیخ الأنصاری قال فی مطارح الأنظار: «إنّ الروایة الاولی لیست صریحة فی عدم النهی، فإنّ قولنا: "بغیر إذن" قد یستعمل فی مقام العصیان أیضا، غایة الأمر عمومه لصورة عدم النهی أیضا، و حمل العصیان فی کلام الإمام علی عدم الإذن مرجوحٌ بالنسبة إلی حمله علی صورة وجود النهی». الإیراد الثالث: من المحقق النائینی و هو أنّ المراد من معصیة السید لیس إنفاذ ما لم یأذن به السید قال فی أجود التقریرات: « التحقیق فساد الإستدلال المذکور لأنّ صحته تتوقف علی أن یراد من العصیان فی کل من الموردین معنیً یغایر ما یراد منه فی الآخر و هذا خلاف الظاهر جدّاً».

ص: 403

و إن أرید منه التکلیفیة لا الوضعیة کما هو مختار المحقّق النائینی (قدس سره) ((1)) فتدلّ الصحیحة المذکورة علی أنّ ما کان معصیة لله تکلیفاً یوجب فساد العقد و لاینفع فیه إجازة سیده و أمّا إذا لم یکن ما فعله معصیة لله تکلیفاً کما هی الصورة المذکورة فی الروایة فلایقع العقد حینئذ فاسداً بل یتوقف علی إجازة السید.

فالمحقّق النائینی (قدس سره) یری دلالة الروایة علی أنّ النهی عن المعاملة یوجب الفساد و لکن الحق مع صاحب الکفایة (قدس سره) کما أفاده بعض الأساطین (حفظه الله) ((2))لما

ص: 404


1- إختاره تبعا للشیخ الأنصاری.
2- تحقیق الأصول ج4، ص16. سبق بعض الأساطین فی ذلک المحقق الإصفهانی قال فی نهایة الدرایة: «و مما یؤید ذلک قول السائل فی روایة أخری- متحدة مع المذکورة فی المتن من حیث السائل و المسئول- ما لفظه: "فإنّه فی أصل النکاح کان عاصیا، فقال الإمام- علیه السلام: أتی شیئا حلالا، و لیس بعاصٍ لله و رسوله- صلّی الله علیه و آله" فیظهر منه أنّ قوله: "یقولون: أصل النکاح فاسد" مع قوله هنا: (فی أصل النکاح کان عاصیا) بمعنی واحد، و أمّا قوله- علیه السلام: "أتی شیئا حلالا" و نحوه فالمراد من الحلیة و الجواز هو المعنی اللغوی المناسب للوضع و التکلیف، و یؤیده قوله: "و لایحل إجازة السید له" فإنّ معنی الحِلّ هنا قطعا هو النفوذ؛ أی لاینفذه إجازة السید له، لا أنّه یحرمه أو یحرم الإجازة علیه. و فی روایة ثالثة فی مملوک تزوّج بغیر إذن مولاه: "أ عاصٍ لله؟ قال- علیه السلام- عاصٍ لمولاه. قلت: هو حرام؟ قال- علیه السلام: ما أزعم أنّه حرام ... الخ" و لو کان المراد بالمعصیة فعل الحرام لم یکن وجه للسؤال عن الحرمة بعد نفی کونه فاعلا للحرام، فهذه الروایة أظهر من غیرها من حیث إرادة أنّه لم یفعل ما لم ینفذه- تعالی- بل فعل ما لم ینفذه السید، و لا بأس بالسؤال عن الحرمة بعد النفوذ؛ لما ذکرنا مراراً من عدم الملازمة بین الحرمة و عدم النفوذ، و فیه إشارةٌ إلی عدم الملازمة عرفا أیضا، کما لا ملازمة عقلا، فتأمل».

ورد فی الروایة التالیة حیث قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) « إِنَّمَا أَتَی شَیئاً حَلَالًا وَ لَیسَ بِعَاصٍ للهِ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ وَ لَمْ یعْصِ اللهَ إِنَّ ذَلِکَ لَیسَ کَإِتْیانِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ مِنْ نِکَاحٍ فِی عِدَّةٍ وَ أَشْبَاهِهِ»((1)) فما فی هذه الروایة الثانیة هی المعصیة الوضعیة لا التکلیفیة.

فتحصّل إلی هنا أنّ النهی عن المعاملة لایقتضی الفساد کما أنّه لایدلّ علی الصحّة.

ص: 405


1- وسائل الشیعه ج21، ص115.

ص: 406

الفهارس

اشارة

فهرس العناوین تفصیلا

فهرس الآیات

فهرس الروایات

فهرس الأعلام

ص: 407

ص: 408

فهرس العناوین تفصیلا

البحث الثالث: الضد

(فیه مقدّمات خمس و مقامان و تنبیه)

مقدّمات

المقدمة الأولی: هذه المسألة أصولیة أو فقهیة؟ (فیه وجهان) .................................. 17

الوجه الأوّل: تکون فقهیة ....................................................................................... 17

الإیراد علیه ........................................................................................................ 17

الوجه الثانی: تکون أصولیة ..................................................................................... 17

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لکونها أصولیة ...................................................................... 18

المقدمة الثانیة: هذه المسألة عقلیة لا لفظیة .............................................................. 18

المقدمة الثالثة: المراد من الأمر و النهی فی عنوان البحث .......................................... 20

المقدمة الرابعة: المراد من الاقتضاء .............................................................................. 22

المقدمة الخامسة: المراد من الضد ................................................................................ 23

للضد اصطلاحان: فلسفی و أصولی ........................................................................... 23

المقام الأوّل: الضد الخاص

(قد استدلّ علی اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن ضدّه الخاص بوجهین:)

الوجه الأوّل علی الاقتضاء: المقدمیة ........................................................ 28

تمهید فی ذکر أنظار الأعلام فی المقدمیة ................................................... 29

مناقشات فی الوجه الأوّل: ..................................................................................... 32

المناقشة الأولی لصاحب الکفایة (قدس سره) ........................................................................ 32

ص: 409

جواب المحقق الإصفهانی و بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................... 32

المناقشة الثانیة: لصاحب الکفایة (قدس سره) أیضاً ............................................................... 32

المناقشة الثالثة: و هی أیضاً لصاحب الکفایة (قدس سره) (إشکال الدور) .......................... 33

جواب المحقق الخوانساری (قدس سره) عن الدور ......................................................... 33

المناقشة الرابعة: و هی أیضاً لصاحب الکفایة (قدس سره) .................................................. 34

المناقشة الخامسة: للمحقق النائینی (قدس سره) .................................................................. 35

جوابان عن هذه الناقشة ............................................................................... 36

الأوّل: جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 36

الثانی: جواب بعض الأساطین (حفظه الله) نقضاً و حلّاً ................................................. 38

المناقشة السادسة: أیضاً للمحقق النائینی (قدس سره) ......................................................... 40

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................... 41

المناقشة السابعة: أیضاً للمحقق النائینی (قدس سره) ........................................................... 42

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................................... 42

المناقشة الثامنة: أفادها المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................ 43

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................................. 44

إیرادان علی هذا التحقیق .............................................................................. 46

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................................... 47

الجواب عن هذا الإیراد .................................................................................. 47

المناقشة التاسعة: أفادها المحقق الخوئی (قدس سره) و هی تقریر للمناقشة الأولی .......... 48

تکملة فی تفصیل المحقق الخوانساری (قدس سره) فی المقدمیة .................................... 49

تحقیق بعض الأساطین (حفظه الله) فی ردّ هذا التفصیل .................................................... 49

الوجه الثانی علی الاقتضاء: الملازمة .......................................................... 53

مناقشتان فی الوجه الثانی ........................................................................................... 54

المناقشة الأولی: للمحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 54

المناقشة الثانیة: لبعض الأساطین (حفظه الله) ...................................................................... 55

أولاً بالنقض ................................................................................................... 55

ملاحظتنا علیه .......................................................................................... 55

ثانیاً بالحلّ ...................................................................................................... 56

ملاحظتنا علیه .......................................................................................... 56

ص: 410

المقام الثانی: الضد العام

(فیه أقوال خمسة:)

القول الأوّل: عدم اقتضاء الأمر بالشیء للنهی عن الضدّ العامّ (للمحقّق الخوئی (قدس سره) و بعض الأساطین) 57

القول الثانی: الاقتضاء بنحو العینیة (لصاحب الفصول (قدس سره) ............................................ 58

القول الثالث: الاقتضاء بنحو التضمّن (لصاحب المعالم (قدس سره) ............................................ 59

القول الرابع: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة اللفظیة (للمحقّق النائینی (قدس سره) ............. 59

القول الخامس: الاقتضاء بنحو الدلالة الالتزامیة العقلیة (لصاحب الکفایة (قدس سره) ........... 59

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) للقول الثانی ............................................................................. 60

تقریر القول الثالث .................................................................................................... 62

إیرادان علی هذا القول ......................................................................................... 62

بیان القول الرابع ....................................................................................................... 63

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 63

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) للقول الخامس ....................................................................... 64

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 64

جواب عن هذا الإیراد .......................................................................................... 65

تحقیق المحقق الإصفهانی (قدس سره) .................................................................................... 65

تنبیه فی ثمرة المسألة

الثمرة الأولی .................................................................................................................. 69

الثمرة الثانیة...................................................................................................................

69

الثمرة الثالثة .................................................................................................................. 70

إیرادان علیها .............................................................................................................. 71

الإیراد الأوّل: و هو للشیخ البهائی (قدس سره) ....................................................................... 71

جوابان عن هذا الإیراد .................................................................................. 71

الأوّل: جواب صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................................... 71

الثانی: جواب المحقق الثانی (قدس سره) ........................................................................... 72

الإیراد الثانی: و هو للمحقق النائینی (قدس سره) و کلامه یبتنی علی أمرین ...................... 73

الأمر الأوّل ...................................................................................................... 74

إشکال المحقق الخوئی (قدس سره): هو متوقف علی کبری و صغری (استدلّ علی الصغری بوجهین) 74

ص: 411

الوجه الأوّل: و هو من المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................... 74

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ................................................. 75

الوجه الثانی: و هو لجماعة منهم المحقق النائینی (قدس سره) .................................. 76

إیرادان من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا الوجه ...................................... 77

الإیراد الأوّل: نقضاً و حلّاً ..................................................................... 77

الإیراد الثانی .......................................................................................... 79

یلاحظ علیه ...................................................................................... 79

تحقیق فی اعتبار القدرة فی متعلق التکلیف (هنا ثلاثة أقوال) ................ 80

القول الأوّل: ........................................................................................ 81

القول الثانی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................. 81

إیراد المحقّق الخوئی (قدس سره) علی هذا القول .............................................. 81

القول الثالث: نظریة المحقّق الخوئی (قدس سره) ................................................. 82

الأمر الثانی ............................................................................. 84

إشکال علی هذا الأمر ................................................................................. 84

جواب عن هذا الإشکال ............................................................................. 84

البحث الرابع: الترتب فیه مقدّمات خمس و مقامان

مقدّمات:

المقدمة الأولی ................................................................................... 94

المقدمة الثانیة: البحث عن الترتب عقلی لا لفظی ..................................................... 95

المقدمة الثالثة: البحث عن الترتب ثبوتی ..................................................................... 96

المقدمة الرابعة: للواجبین المتضادین ثلاث صور ......................................................... 97

فی الصورة الثالثة قولان .............................................................................................. 97

القول الأوّل: هی داخلة فی التزاحم (بیان المحقق النائینی (قدس سره) .................................. 97

القول الثانی: هی خارجة عن التزاحم (بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ................................. 97

المقدمة الخامسة: فی جریان الترتب فیما إذا کان الواجب المهم مشروطاً بالقدرة شرعاً . 99

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لعدم جریان الترتب .............................................................. 99

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علی المحقق النائینی ...................................................... 100

تحقیق المحقّق الخوئی (قدس سره) لتصحیح الوضوء و الغسل فی هذا الفرع .................. 102

ص: 412

المقام الأوّل: أدلّة إنکار الترتب

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی بطریق الإنّ .............................................. 103

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 103

الدلیل الثانی ............................................................................................................. 105

إیرادان علی هذا الدلیل: .................................................................................... 105

الإیراد الأوّل: إیراد المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................. 105

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................. 105

الإیراد الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................... 106

الدلیل الثالث...................................................................................

106

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 107

المقام الثانی: أدلّة القائلین بالترتّب

الوجه الأوّل: ذکره المحقق الخراسانی (قدس سره) ....................................................................... 113

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 114

الوجه الثانی: ذکره المحقق الخرااسانی (قدس سره) أیضاً .............................................................. 115

إیراد المحقق الخراسانی (قدس سره) .......................................................................................... 115

الوجه الثالث: ذکره أیضاً المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................ 115

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................................. 115

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 116

الوجه الرابع: ذکره أیضاً المحقق الخراسانی (قدس سره) و هو دلیل إنّی ..................................... 117

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................................. 117

مناقشة المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 118

الوجه الخامس: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) بمقدّماته الخمس .................................. 118

المقدمة الأولی ......................................................................................................... 118

المقدمة الثانیة ......................................................................................................... 119

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................................... 120

المقدمة الثالثة: فی إشکال یتوجه إلی المحقق النائینی (قدس سره)

........................................ 124

أجوبة خمسة عن هذا الإشکال من المحقق النائینی (قدس سره) ...................................... 127

إیراد المحقق الإصفهانی ................................................................................... 130

ص: 413

ملاحظتنا علیه ................................................................................................ 132

المقدمة الرابعة و هی أهمّ المقدّمات: ثلاثة تقادیر للحاظ الخطاب ................... 133

وجهان للفرق بین التقدیرین الأوّلین و التقدیر الثالث ................................... 135

إیرادات ستّة من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................. 136

الإیراد الأوّل ................................................................................................... 136

الإیراد الثانی .................................................................................................... 137

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................................... 137

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 137

الإیراد الثالث ................................................................................................. 138

الإیراد الرابع ................................................................................................... 138

ملاحظتنا علیه ......................................................................................... 139

الإیراد الخامس ............................................................................................... 139

الإیراد السادس ............................................................................................... 140

المقدّمة الخامسة ..................................................................................................... 140

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................................... 141

الوجه السادس: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 142

تفاوت نظریة المحقق النائینی و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) ........................................... 142

بیان نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 143

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ......................................................................................... 143

جواب عن هذا الإیراد ........................................................................................ 144

الوجه السابع: ما أفاده المحقق العراقی (قدس سره) ................................................................... 144

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) .......................................................................................... 147

البحث الخامس: اجتماع الأمر و النهی

فیه مقدمتان و مقامان و تنبیه

المقدمة الأولی (فیها أمور أربعة)

الأمر الأوّل: عنوان البحث ................................................................... 151

عنوان البحث عند القدماء ...................................................................................... 151

ص: 414

نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .......................................................................................... 151

ملاحظات ثلاث علیها ......................................................................................... 152

الأمر الثانی: النزاع کبروی أو صغروی؟ ..................................................... 153

هل یستحیل اجتماع الأمر و النهی بالذات؟ ........................................................... 153

هل یلزم علی الاجتماع التکلیف بالمحال؟ ............................................................. 153

الأمر الثالث: الأقوال فی المسألة (والمهم ثلاثة) ........................................... 155

القول الأول: الجواز ................................................................................................. 155

القول الثانی: الامتناع (هو مسلک المشهور) ........................................................... 162

القول الثالث: الجواز عقلاً و الامتناع عرفاً (هو مختار المقدس الأردبیلی) ........... 164

الأمر الرابع: هذه المسألة من صغریات التعارض أو التزاحم؟ ....................... 167

بیان المحقق النائینی (قدس سره): (للمسألة صور أربع) ......................................................... 167

المقدمة الثانیة: مقدّمات البحث علی نهج کفایة الأصول (و هی عشرة أمور) ....... 169

الأمر الأوّل: المراد من «الواحد» فی عنوان المسألة ....................................... 169

مقدمة فی أقسام الواحد .......................................................................................... 169

قولان فی المسألة .................................................................................................. 170

القول الأوّل: نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................... 170

إیراد صاحب الکفایة و المحقق الإصفهانی (قدس سرهما) .................................................. 170

دفاعان عن صاحب الفصول (قدس سره) ................................................................... 171

1- دفاع المحقق البروجردی (قدس سره) ................................................................... 171

إشکال بعض الأساطین علی المحقق البروجردی ........................................ 171

2- دفاع المحقق الإیروانی (قدس سره) ........................................................................ 172

إشکال بعض الأساطین علی المحقق الإیروانی (قدس سره) .......................................... 172

القول الثانی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) (و هی خالیة من الإشکال) .................. 172

الأمر الثانی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة النهی عن العبادة (و فیه بیانات ستّة) 174

البیان الأوّل: ما أفاده المحقق القمی (قدس سره) .................................................................... 174

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 174

البیان الثانی: ما أفاده صاحب الفصول (قدس سره) .................................................................. 174

ص: 415

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................................... 175

البیان الثالث: من المدقق الشیروانی (قدس سره) ...................................................................... 176

إیرادات ثلاثة علیه ............................................................................................. 176

البیان الرابع: ما أفاده صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................. 177

البیان الخامس: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................... 177

البیان السادس ......................................................................................................... 178

ملاحظتنا علیه .................................................................................................... 178

الأمر الثالث: مسألة الاجتماع أصولیة أو لا؟ (فیه خمسة أقوال) ............................... 179

القول الأوّل: إنّها من المسائل الأصولیة العقلیة ..................................................... 180

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) .................................................................................................

180

ملاحظة علیه............................................................................................................

181

القول الثانی: إنّها من المبادی الأحکامیة ................................................................. 181

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 182

ملاحظتان علیه ................................................................................................... 182

القول الثالث: إنّها من المبادی التصدیقیة .............................................................. 183

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................................ 183

یلاحظ علیه ........................................................................................................ 184

القول الرابع: إنّها من المسائل الفقهیة ................................................................... 184

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 184

القول الخامس: إنّها من المسائل الکلامیة .............................................................. 185

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) .......................................................................................... 185

الأمر الرابع: هذه المسألة عقلیة لا لفظیة ................................................................ 186

هنا أمران یوهمان اختصاص النزاع باللفظ ............................................................ 186

الأمر الأوّل ........................................................................................................... 186

إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) علیه ............................................................................ 186

الأمر الثانی ........................................................................................................... 186

إیرادان علی هذا الأمر .................................................................................... 187

1- إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) ............................................................................... 187

2- إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................. 187

ص: 416

الأمر الخامس: شمول النزاع لجمیع أقسام الإیجاب و التحریم ............................. 189

هل یشمل النزاع الواجب و الحرام التخییری؟ (هنا قولان) ................................. 190

1- نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): یشمل الأمرین ...................................................... 190

المناقشة فی نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................ 190

2- نظریة المحقق الخوئی (قدس سره): لایشمل .................................................................. 191

بیان المحاضرات .............................................................................................. 191

بیان الدراسات ............................................................................................... 192

الأمر السادس: عدم اعتبار قید المندوحة فی جریان النزاع ...................................... 194

وجه لاعتبار وجود المندوحة ................................................................................... 194

بیان الکفایة لعدم اعتبار وجود المندوحة .............................................................. 195

مناقشة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................................ 197

بیان المحقق الإصفهانی لعدم اعتبار وجود المندوحة ............................................. 198

نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .......................................................................................... 198

نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................ 199

الأمر السابع: ارتباط المسألة بتعلّق الأحکام بالطبائع أو الأفراد ........................... 201

هنا توهمان ............................................................................................................. 201

1- یبتنی النزاع علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع .............................................. 201

2- یبتنی القول بالجواز علی القول بتعلّق الأحکام بالطبائع و القول بالامتناع علی الآخر

202

أجاب عنهما صاحب الکفایة (قدس سره) (و الجواب یتوقف علی بیان مقدّمات ثلاث) . 202

المقدمة الأولی فی بیان الفرق بین الطبیعة و الحصة و الفرد .......................... 202

المقدمة الثانیة فی بیان الاختلاف فی متعلّق الأمر ............................................. 203

المقدمة الثالثة فی معنی تعلّق التکلیف بالفرد ................................................ 204

تذنیب: هل یبتنی الجواز و الامتناع علی مسألة أصالة الوجود أو الماهیة؟ ........ 205

توهم أنّ مسألة أصالة الوجود أو الماهیة حیثیة تعلیلیة للحکم بالجواز أو الامتناع 205

بیان المحقق الخراسانی و الخوئی (قدس سرهما) فی دفع التوهم ......................................... 205

ملاحظتنا علیه .............................................................................................. 206

الأمر الثامن: هل تکون هذه المسألة من صغریات التعارض؟ ................................ 207

نظریة صاحب الکفایة (قدس سره): هنا مقامان (مقام الثبوت و فیه ثلاث صور و مقام الإثبات) ....... 207

ص: 417

مناقشات ثمان علیها ........................................................................................... 209

الأولی: ما أفاده المحقق النائینی و تبعه المحقق الخوئی (قدس سرهما) ............................. 209

الثانیة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................ 210

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................................ 210

الثالثة: ما أفاده المحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ............................................................... 211

یلاحظ علیها ................................................................................................... 212

الرابعة ما أفاده المحقق النائینی و المحقق الخوئی (قدس سرهما): فی المسألة ثلاث صور... 212

1- بناء علی القول بالجواز و عدم المندوحة تدخل فی کبری التزاحم ............... 213

2- بناء علی القول بالجواز و وجود المندوحة اختلف العلمان (قدس سرهما) ................... 213

3- بناء علی القول بالامتناع تدخل فی کبری التعارض ....................................... 214

الخامسة: ما أفاده فی المحاضرات ....................................................................... 216

یلاحظ علیها ................................................................................................... 216

السادسة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً .............................................................. 216

السابعة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً ............................................................... 217

الثامنة: ما أفاده فی المحاضرات أیضاً ................................................................. 217

الأمر التاسع: إحراز وجود الملاک فی الحکمین .......................................................... 218

بیان المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................................................

218

مناقشات أربع من المحاضرات علی هذا البیان ................................................ 219

الأمر العاشر: ثمرة البحث ........................................................................................... 229

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 229

مناقشات خمس من المحقق الخوئی (قدس سره) علی هذا البیان ...................................... 232

جواب بعض الأساطین (حفظه الله) عن المناقشة الأولی و الثانیة و الثالثة ..................... 233

المقام الأوّل: دلیل القول بالامتناع

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) بمقدماتها الأربع .............................................................. 241

المقدمة الأولی: تضاد الأحکام فی مرتبة الفعلیة (نظریة الأعلام فی هذه المسألة أربع) ....... 242

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هی وقوع التضاد فی مرحلة لفعلیة ........... 242

الثانیة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) و هی عدم التضاد بین الأحکام ................. 245

ص: 418

الثالثة: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................................... 251

یلاحظ علیها ................................................................................................... 252

الرابعة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ....................................................................... 253

یلاحظ علیها ................................................................................................... 255

المقدمة الثانیة: متعلّق الأحکام هو المعنون (و فیها نظریتان) ............................ 257

النظریة الأولی: عن المحقق الخراسانی (قدس سره) ............................................................. 257

النظریة الثانیة: عن المحقق الإصفهانی (قدس سره) ............................................................. 258

بیان بعض الأساطین (حفظه الله) .................................................................................. 259

المقدمة الثالثة: تعدد العنوان لایوجب تعدد المعنون .......................................... 261

نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) .................................................................................. 261

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ...................................................................................... 261

المقدمة الرابعة: الموجود بوجود واحد له ماهیة واحدة ....................................... 263

توهمان ذکرهما صاحب الفصول (قدس سره) ..................................................................... 263

دفع صاحب الکفایة (قدس سره) لهذین التوهمین ............................................................ 263

المقام الثانی: أدلّة القول بالجواز (و هی خمسة)

الدلیل الأوّل: ما أفاده المحقق الإصفهانی (قدس سره) ................................................................ 267

الدلیل الثانی: ما أفاده المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................... 273

مناقشات ثلاث علیه ................................................................................................ 275

المناقشة الأولی: للمحقق الخوئی (قدس سره) ...................................................................... 275

المناقشة الثانیة: للمحقق الخوئی (قدس سره) أیضاً ............................................................. 276

تتمة للمناقشة الثانیة (فیها مطالب أربعة) ................................................... 277

المطلب الأوّل: لا مانع من اتّحاد الغصب مع الصلاة خارجاً (أفاده المحقق الخوئی تبعاً للمحقق الإصفهانی (قدس سرهما) 277

المطلب الثانی: توهم بعض الأعلام أن الصلاة من مقولة الفعل فلایعقل أن یکون أجزاؤها من مقولة الوضع 279

إیراد المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) .................................................... 279

المطلب الثالث: السجود متّحد مع الغصب (أفاده المحقق الإصفهانی و الخوئی (قدس سرهما) ...... 279

المطلب الرابع: هل الحرکات المتخللة بین الرکوع و السجود و غیرهما مصادیق للغصب 280

ص: 419

المناقشة الثالثة علی الدلیل الثانی ....................................................................... 284

الدلیل الثالث: ما أفاده المحقق القمی و الشیخ الأنصاری (قدس سرهما) .................................. 285

إیرادات ثلاثة علیه .................................................................................................. 285

الأوّل: ما أفاده المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................................... 285

الثانی: ما أفاده فی تحقیق الأصول ........................................................................... 286

الثالث: ما أفاده أیضاً فی تحقیق الأصول ................................................................ 286

الدلیل الرابع: ما یستفاد من کلام المحقق القمی (قدس سره) ................................................... 287

إیرادان علی هذا الدلیل .......................................................................................... 287

الأوّل: إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .................................................................................. 287

جواب هذا الإیراد ............................................................................................. 287

الثانی: ملاحظتنا علیه ............................................................................................... 288

الدلیل الخامس ........................................................................................................... 289

جوابان لصاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا الدلیل .............................................................. 289

الجواب الإجمالی ...................................................................................................... 289

الجواب التفصیلی و هو أنّ العبادات المکروهة علی ثلاثة أقسام ......................... 290

القسم الأوّل: کصوم یوم عاشوراء ..................................................................... 291

هنا ثلاثة طرق لحلّ المشکلة .......................................................................... 291

الطریق الأوّل: طریق الانطباق و هو مختار الشیخ الأنصاری (قدس سره) ........................ 291

مناقشة المحقق النائینی (قدس سره) ........................................................................ 291

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................... 292

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................................ 293

یلاحظ علیه ............................................................................................. 294

الطریق الثانی: طریق الملازمة ......................................................................... 294

الطریق الثالث: طریق إرشادیة الأمر .............................................................. 295

نظریات ثلاث بالنسبة إلی القسم الأوّل .................................................... 295

الأولی: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ............................................................... 295

مناقشتان علیها للمحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................... 297

الثانیة: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ............................................................... 298

ص: 420

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................. 298

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی و الفشارکی (قدس سرهما) ....................................... 298

بیان المحقق الإصفهانی (قدس سره) ..................................................................... 298

بیان المحقق الفشارکی (قدس سره) ..................................................................... 299

إیرادات ثلاثة علی هذه النظریة ........................................................ 300

الأوّل: إیراد المحقق الحائری (قدس سره) ...................................................... 300

جواب المحقق الإصفهانی عن هذا الإیراد ..................................... 300

الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) .......................................................

301

یلاحظ علیه..................................................................................

301

الثالث: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) أیضاً ............................................ 301

ملاحظة علیه .............................................................................. 301

تکملة حول صوم یوم عاشوراء (أفادها بعض الأساطین (حفظه الله)) ................................... 302

فی حکم صوم یوم عاشوراء أقوال ................................................................... 302

1) الحرمة ...................................................................................................... 302

الاستدلال علی هذا القول ......................................................................... 302

إیرادات أربعة علی هذا الدلیل .......................................................... 302

الأوّل و الثانی و الثالث من بعض الأساطین (حفظه الله) ..................................... 302

یمکن أن یلاحظ علیه ........................................................................ 305

الإیراد الرابع ...................................................................................... 306

2) الکراهة .................................................................................................... 306

الاستدلال علی القول الثانی ....................................................................... 306

الإیراد علی هذا الدلیل.......................................................................

306

3) الاستحباب ................................................................................................. 307

الدلیل علی هذا القول ............................................................................. 307

مناقشة بعض الأساطین (حفظه الله) فی هذا الدلیل ........................................... 307

4) نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ........................................................................... 308

القسم الثانی: کالصلاة فی الحمام ........................................................................ 309

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا القسم بوجهین ............................................ 309

کلام المحقق النائینی (قدس سره) حول القسم الأوّل و الثانی............................................. 309

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا الکلام علی القول بالامتناع ..................... 311

ص: 421

القسم الثالث: کالصلاة فی موضع التهمة .......................................................... 311

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذا القسم بوجهین ............................................ 311

تنبیه فی الاضطرار إلی ارتکاب الحرام (هنا مقامان)

المقام الأوّل: فی الاضطرار إلی الحرام لا بسوء الاختیار (و فیه فائدة) ..................... 313

بیان المحقق النائینی (قدس سره) ...............................................................................................

313

إیرادان علی نظریة المحقق النائینی (قدس سره) فی القسم الثانی........................................

315

الأوّل: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................... 315

ملاحظة بعض الأساطین (حفظه الله) .............................................................................. 316

الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) و هو اثنان ......................................................... 316

1- إیراده علی بیان المحقق النائینی (قدس سره) فی الدورة الأخیرة .................................. 316

2- إیراده علی بیان هذا المحقق فی الدورة الأولی ........................................... 317

فائدة: فی حکم الصلاة عند الاضطرار لا بسوء الاختیار (هنا صورتان) ................. 318

الحالة الأولی: إذا لم یتمکن من الخروج (فیها ثلاثة أقوال) ............................. 318

الأوّل: لزوم الصلاة مع جمیع الأجزاء و الشرائط (اختاره صاحب الجواهر و المحقق الخوئی (قدس سرهما) 318

استدلال صاحب الجواهر (قدس سره) علی القول الأوّل ................................................... 318

الثانی: لزوم الاقتصار علی الإیماء بدلاً عن الرکوع و السجود اختاره المحقق النائینی (قدس سره) 319

استدلال المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 319

إیرادان علی هذا الدلیل ........................................................................... 320

الإیراد الأوّل: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ........................................................... 320

الإیراد الثانی: إیراد صاحب زبدة الأصول ................................................... 321

الثالث: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) .................................................................... 321

الحالة الثانیة: إذا تمکن من الخروج (و فیها صور ثلاث) ................................. 321

المقام الثانی فی الاضطرار إلی الحرام بسوء الاختیار (فیه جهتان) ............................. 324

الجهة الأولی: حکم الخروج فی حد ذاته (و فیها أقوال خمسة) .......................... 324

1) الحرمة ........................................................................................................... 324

إشکال بعض الأساطین (حفظه الله) علی هذا القول ........................................................ 324

ص: 422

2) نظریة المحقق القمی (قدس سره) (الوجوب و الحرمة فعلاً) ....................................... 324

إیرادات أربعة علی هذا القول ........................................................................ 325

الإیراد الأوّل و الثانی من صاحب الکفایة (قدس سره) ....................................................... 325

یلاحظ علیها ............................................................................................ 325

الإیراد الثالث من صاحب الکفایة (قدس سره) أیضا..........................................................

325

یلاحظ علیها ............................................................................................ 326

الإیراد الرابع: من بعض الأساطین (حفظه الله) ................................................................ 326

3) نظریة صاحب الفصول (قدس سره) ............................................................................... 327

إیرادان علی هذا القول ................................................................................... 327

الأوّل: إیراد المحقق الخراسانی و النائینی (قدس سرهما) ..................................................... 327

یلاحظ علیه ............................................................................................. 327

الثانی: إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) ......................................................................... 328

4) نظریة الشیخ الأنصاری و المحقق النائینی (قدس سرهما) ............................................... 328

إیرادان علی هذا القول ................................................................................... 329

الأوّل: إیراد صاحب الکفایة (قدس سره) .......................................................................... 329

الثانی: إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................ 330

5) نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................................ 330

إیراد المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................................... 332

جواب المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................................... 334

الجهة الثانیة: حکم الصلاة فی المکان الغصبی (و فیها صور ثلاث) .......................... 337

البحث السادس: اقتضاء النهی عن العبادة أو المعاملة فساد المنهی عنه

(فیه مقدمات ثمان و مقامان)

مقدمات

المقدمة الأولی: الفرق بین هذه المسألة و مسألة الاجتماع .................................... 343

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 343

إیراد المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................................................ 344

ص: 423

دفاع بعض الأساطین (حفظه الله) عن صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................... 345

المقدمة الثانیة: هل تکون هذه المسألة عقلیة أو لفظیة؟ ...................................... 346

بیان المحقق النائینی (قدس سره) لکونها من غیر المستقلات العقلیة .................................... 347

المقدمة الثالثة: فی دخول أقسام النهی فی محل النزاع ............................................. 348

قال بعض الأساطین (حفظه الله): النهی خمسة أقسام ........................................................... 348

القسم الأوّل: النهی التشریعی ........................................................................... 348

القسم الثانی: النهی الذاتی الإرشادی .................................................................. 348

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) لخروج هذا القسم عن محل النزاع ................................ 348

القسم الثالث: النهی الذاتی المولوی الغیری (فیه ثلاث نظریات) .................... 349

الأولی: نظریة المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 349

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ...................................................................... 349

الثالثة: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ................................................................... 351

القسم الرابع: النهی الذاتی المولوی النفسی التنزیهی (فیه ثلاث نظریات) ..... 353

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................... 353

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................. 354

الثالثة: تفصیل المحقق الخوئی (قدس سره) ................................................................... 354

القسم الخامس: النهی الذاتی المولوی النفسی التحریمی ........................... 355

المقدمة الرابعة: معنی العبادة و المعاملة فی هذا البحث ....................................... 356

بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................................. 356

بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................................... 357

المقدمة الخامسة: تحریر محل النزاع ........................................................................ 359

المقدمة السادسة: تعریف الصحة و الفساد (و فیها نظریان) ................................. 360

النظریة الأولی: عن صاحب الکفایة ....................................................................... 360

النظریة الثانیة: عن المحقق القمی ........................................................................ 360

جواب صاحب الکفایة (قدس سره) عن هذه النظریة ........................................................ 360

تنبیه: فی أن الصحة و الفساد عند المتکلم و الفقیه حکم اعتباری أو حکم عقلی أو حکم شرعی (هنا نظریات ثلاث) 362

النظریة الأولی: عن صاحب الکفایة (قدس سره) ..................................................................... 362

ص: 424

النظریة الثانیة: عن المحقق النائینی (قدس سره) .................................................................... 363

النظریة الثالثة: عن المحقق الخوئی (قدس سره) ....................................................................... 365

المقدمة السابعة: فی مقتضی الأصل العملی (هنا نظریات أربع) ............................ 367

الأولی: نظریة المحقق الخراسانی (قدس سره) ........................................................................... 367

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 368

دفاع المحقق الخوئی عن صاحب الکفایة" ..................................................... 369

الثالثة: نظریة المحقق الإصفهانی (قدس سره) ........................................................................... 370

الرابعة: نظریة بعض الأساطین (حفظه الله) ........................................................................... 371

المقدمة الثامنة: فی أقسام تعلّق النهی بالعبادة ....................................................... 373

بیان صاحب الکفایة (قدس سره): متعلّق النهی علی خمسة أنحاء ........................................ 373

إیرادات ثلاثة علیه من المحقق الإصفهانی (قدس سره) ....................................................... 374

المقام الأوّل: فی النهی عن العبادة

(نتکلّم فیه حسب الأقسام الخمسة لمتعلّق النهی)

القسم الأوّل: تعلّق النهی بذات العبادة (هنا قولان) ............................................. 377

القول الأوّل: اقتضاء الفساد (فیه بیانات أربعة) ................................................... 377

الأوّل: بیان صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................. 377

الثانی: بیان المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 379

الثالث: بیان المحقق الخوئی (قدس سره) ............................................................................. 380

الرابع: بیان بعض الأساطین (حفظه الله) ............................................................................ 380

القول الثانی: عدم الدلالة علی الفساد (فیه نظریتان) ........................................... 381

الأولی: نظریة المحقق العراقی (قدس سره) ........................................................................ 381

یلاحظ علیها ....................................................................................................... 382

الثانیة: نظریة المحقق الحائری (قدس سره) ........................................................................ 383

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................................. 383

القسم الثانی: تعلّق النهی بجزء العبادة (و فیه نظریتان) ....................................... 385

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) و هی صحة العبادة ............................................ 385

ص: 425

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) و هی فساد العبادة ........................................... 385

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ................................................................................ 387

القسم الثالث: تعلّق النهی بشرط العبادة (فیه نظریتان) ...................................... 389

النظریة الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) ................................................................ 389

النظریة الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) ................................................................ 389

إیراد المحقق الخوئی (قدس سره) علیها ................................................................................ 390

القسم الرابع: تعلق النهی بوصف الملازم للعبادة ................................................... 392

القسم الخامس: تعلق النهی بوصف غیر الملازم للعبادة ...................................... 393

المقام الثانی: فی النهی عن المعاملة

(هنا مطالب ثلاثة)

المطلب الأوّل: فی تعیین محل النزاع ......................................................................... 396

النهی عن المعاملة له ثلاثة أقسام و محل النزاع القسم الثالث ........................... 396

المطلب الثانی: فی بیان الآراء (هنا نظریتان) ............................................................. 397

الأولی: نظریة صاحب الکفایة (قدس سره) .............................................................................. 398

إیراد المحقق الإصفهانی (قدس سره) علیها .......................................................................... 399

الثانیة: نظریة المحقق النائینی (قدس سره) .............................................................................. 399

إیراد بعض الأساطین (حفظه الله) علیها ............................................................................. 400

المطلب الثالث: فی مقتضی النصوص فی المسألة ....................................................... 402

ص: 426

فهرس الآیات و الروایات

الآیات:

(أَحَلَّ اللهُ الْبَیعَ)................. 364

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)................. 364

(تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ)............... 364

الروایات:

إِنَّمَا أَتَی شَیئاً حَلَالًا وَ لَیسَ بِعَاصٍ للهِ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ وَ لَمْ یعْصِ اللهَ إِنَّ ذَلِکَ لَیسَ کَإِتْیانِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَیهِ مِنْ نِکَاحٍ فِی عِدَّةٍ وَ أَشْبَاهِهِ 405

إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ.................... 402

إِنَّهُ لَمْ یعْصِ اللهَ وَ إِنَّمَا عَصَی سَیدَهُ فَإِذَا أَجَازَهُ فَهُوَ لَهُ جَائِزٌ 402

ثَمَنُ الْعَذِرَةِ مِنَ السُّحْت........... 396

سَأَلَا أَبَا جَعْفَر ٍالْبَاقِرَ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ؟ فَقَالَ کَانَ صَوْمُهُ قَبْلَ شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَمَّا نَزَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ تُرِکَ 305

سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (علیه السلام) صَوْمٌ مَتْرُوکٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوکُ بِدْعَةٌ. 302

ص: 427

سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ صَوْمِ یوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا یقُولُ النَّاسُ فِیهِ فَقَال.... وَ هُوَ یوْمٌ یتَشَأَّمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ علیهم السلام وَ یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْیوْمُ الَّذِی یتَشَأَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا یصَامُ وَ لَا یتَبَرَّکُ بِه 297

سَأَلْتُهُ عَنْ مَمْلُوکٍ تَزَوَّجَ بِغَیرِ إِذْنِ سَیدِهِ فَقَالَ ذَاکَ إِلَی سَیدِهِ إِنْ شَاءَ أَجَازَهُ وَ إِنْ شَاءَ فَرَّقَ بَینَهُمَا 402

صَامَ رَسُولُ اللهِ (صلی الله علیه و آله) یوْمَ عَاشُورَاءَ..... 294

صُمْهُ مِنْ غَیرِ تَبْییتٍ، وَ أَفْطِرْ مِنْ غَیرِ تَشْمِیت وَ لَا تَجْعَلْهُ صَوْمَ یوْمٍ کَمَلا 307

فَإِنَّهُ یکَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ.............. 294

فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّکَ بِهِ حَشَرَهُ اللهُ مَعَ آلِ زِیاد 297

ص: 428

فهرس الأعلام

الرسول (علیه السلام) ....................... 294

أمیر المؤمنین (علیه السلام) .............. 303, 307

الإمام الباقر (علیه السلام) 302, 303, 305, 402, 405

الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) ...... 297, 307

الإمام الرضا (علیه السلام) ................... 297

الف)

إبراهیم النّخَعی.................. 402

ابن أبی عمیر..................... 307

ابن إدریس....................... 307

ابن قولویه....................... 307

ب)

بعض الأساطین 19, 29, 32, 38, 47, 49, 55, 58, 92, 132, 137, 143, 154, 171, 172, 179, 189, 210, 219, 222, 233, 235, 237, 244, 253, 257, 259, 293, 298, 301, 302, 307, 308, 311, 316, 317, 321, 322, 324, 326, 328, 336, 337, 345, 346, 348, 355, 371, 372, 377, 380, 381, 383, 385, 400, 404

ج)

جعفر بن عیسی.................. 297

ح)

الحکَم بنَ عُتَیبة................... 402

ز)

زُرارَة بن أَعین.............. 305, 402

س)

السید [المرتضی]................. 156

ص: 429

السید الطباطبایی................. 102

السید الفاضل صدر الدین....... 157

السید الفشارکی................... 89

السید المجدّد المیرزا الشیرازی.. 89, 103

السید المحقّق الطباطبایی الیزدی... 100

السید المحقّق المیرزا الشیرازی...... 100

ش)

الشیخ الأنصاری 31, 49, 92, 100, 179, 189, 207, 214, 285, 293, 328, 329, 332, 346, 362

الشیخ البهائی................ 71, 179

الشیخ جعفر الکبیر کاشف الغطاء... 88

ص)

صاحب الجواهر 307, 318, 322, 323, 347, 350

صاحب الحدائق.................. 302

صاحب الفصول 58, 60, 170, 171, 172, 174, 175, 178, 194, 263, 327

صاحب الکفایة 32, 33, 34, 48, 60, 64, 71, 74, 90, 103, 113, 114, 115, 116, 117, 118, 124, 153, 162, 169, 170, 171, 172, 175, 176, 177, 179, 182, 186, 187, 189, 190, 194, 195, 201, 202, 203, 205, 207, 208, 209, 210, 211, 212, 214, 216, 217, 218, 222, 229, 230, 232, 233, 235, 236, 237, 240, 241, 242, 243, 257, 259, 260, 261, 263, 265, 266, 267, 284, 285, 287, 289, 295, 309, 312, 325, 327, 329, 330, 331, 332, 334, 336, 337, 338, 343, 344, 345, 347, 351, 353, 356, 360, 362, 363, 367, 368, 369, 372, 373, 374, 376, 377, 379, 380, 381, 385, 389, 390, 395, 398, 399, 402, 404

صاحب المعالم.................. 59, 62

صاحب الوسائل................. 307

صاحب منتقی الأُصول........... 244

صدر المتألهین...................... 45

الصدوق.............. 305, 307, 402

ع)

عبدالله بن سنان.................. 307

عَبْدِالْمَلِک........................ 297

ص: 430

العلامة الحلّی..................... 395

العلاّمة المجلسی.................. 159

علی بن إبراهیم................... 307

عماد الدین المشهدی الطبری....... 307

ف)

الفاضل الکاشانی................. 157

الفاضل المدقّق الشیروانی..... 157, 176

الفضل بن شاذان................. 157

ک)

الکلینی.......... 157, 305, 307, 402

م)

المحقّق الأردبیلی............ 156, 186

المحقّق الإصفهانی 32, 41, 43, 44, 65, 67, 90, 97, 120, 130, 131, 132, 134, 136, 137, 140, 141, 142, 143, 144, 147, 152, 153, 155, 170, 173, 179, 182, 183, 189, 197, 198, 202, 203, 204, 244, 245, 249, 252, 253, 254, 255, 257, 258, 259, 260, 261, 265, 266, 267, 268, 269, 272, 279, 280, 281, 284, 298, 300, 301, 345, 370, 371, 372, 374, 376, 392, 399

المحقّق الأنصاری................. 353

المحقّق الإیروانی.................. 172

المحقّق البروجردی.......... 153, 171

المحقّق الثانی.... 72, 81, 88, 168, 199

المحقّق الحائری 89, 248, 299, 300, 382, 383

المحقّق الخوانساری 31, 33, 34, 49, 51, 52, 156

المحقّق الخوئی 18, 36, 41, 42, 43, 48, 54, 55, 58, 60, 63, 64, 71, 74, 75, 77, 79, 81, 82, 84, 94, 97, 98, 99, 100, 102, 103, 105, 106, 107, 116, 118, 177, 179, 180, 182, 184, 185, 187, 189, 190, 191, 199, 203, 205, 207, 209, 210, 211, 212, 214, 215, 219, 232, 237, 238, 244, 251, 254, 257, 265, 275, 276, 279, 280, 281, 284, 292, 293, 297, 307, 315, 316, 318, 320, 322, 323, 330, 336, 346, 348, 349, 354, 357, 363, 365,

ص: 431

369, 377, 380, 381, 385, 387, 390, 395, 397

المحقّق العراقی 90, 144, 147, 179, 203, 212, 214, 298, 344, 345, 380, 381, 382

المحقّق الفشارکی........... 298, 299

المحقّق القمی 155, 174, 175, 194, 285, 324, 328, 352, 357, 360

المحقّق النائینی 25, 35, 38, 39, 40, 42, 43, 54, 59, 63, 72, 73, 76, 79, 81, 84, 89, 94, 97, 99, 100, 102, 105, 118, 120, 124, 125, 127, 130, 132, 133, 136, 137, 140, 142, 143, 151, 152, 155, 167, 179, 181, 183, 198, 199, 203, 207, 209, 212, 213, 214, 219, 262, 273, 275, 276, 280, 284, 285, 291, 292, 295, 297, 309, 313, 314, 315, 316, 317, 319, 320, 321, 322, 323, 327, 328, 330, 331, 332, 334, 335, 337, 338, 345, 346, 347, 349, 350, 353, 354, 357, 358, 363, 368, 369, 377, 379, 380, 381, 383, 385, 387, 389, 390, 395, 399, 400, 401, 404

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِی بْنِ الْحُسَینِ........... 305

مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ................... 305

المفید............................ 307

المقدس الأردبیلی.................. 164

ص: 432

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.